الكتاب: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي المؤلف: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى: 1111هـ) المحقق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي العصامي الكتاب: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي المؤلف: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى: 1111هـ) المحقق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين رب يسر يَا كريم) أَحْمد الْملك وَأَنا عَبده حمد الْمَمْلُوك للْمَالِك واشكره فقد وعد زيد فَضله محسن الشُّكْر من جوده المتدارك المتدالك الَّذِي أنشأ أَبَانَا آدم بشرا من أَدِيم الأَرْض واستعمرنا أجيالا وأمما فِيهَا بالطول وَالْعرض فملئت منا المسالك فسبحانه من إِلَه دَائِم الْبَقَاء والثبوت ومجدد الْأَعْمَار بآجالها الَّتِي خطّ علينا كتابها الموقوت فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ المستمد مِنْهُ صحف الملائك مفنى الأول ومبيد الدول ومفيد الممالك وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي ملكه وَلَا مشايح لَهُ فِي ملاك ملكه وَلَا ممانع وَلَا معالك شَهَادَة أعدهَا أَنْفَع الْوَسَائِل وأمتع الْأَسْبَاب والوصائل وَأَرْجُو بهَا إضاءة رمسى تَحت طَبَقَات الدكادك وَأشْهد أَن سيدنَا ومولانا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي تشرفت بسيرته بطُون المهارق وتشنفت المسامع بعذارى شمائله فأخجلن مشنفات بَنَات طَارق وتعطرت بأريج ثنائه رُءُوس المنابر وبطون الدفاتر وصدور الْمَالِك صلى الله وَسلم عَلَيْهِ وعَلى إِلَه خيرة العوالم وَهُدَاة الْخَلَائق إِذا الضلال نشرت مِنْهُ الخوافي والقوادم فَذَلِك مِمَّا خصهم الله بِهِ وَكَأَنَّهُم للنوع الإنساني فذالك وعَلى أَصْحَابه ربأة الثأى وَصدقَة الوأى ومقتحمي غمار مفرق معرك الْمَوْت فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 رِضَاهُ والمهالك وعَلى التَّابِعين وتابعهم بِإِحْسَان الناهجي مشرع وردهم الهني غير آسن وَلَا آن نهج رواد الملاط لَا رازح متساوك مَا اخضر نجم الغبراء فَعَاشَ مِنْهُ البهيم واغبر نجم الخضراء إِذْ غاس عَلَيْهِ الغيهب البهيم ودارت على الأفلاك بدورها الفوالك أما بعد فَلَا ريب إِن فن السّير والتواريخ وَالْأَخْبَار وغرائب الْقَصَص والوقائع والْآثَار من الْفُنُون الَّتِي تداولها الأجيال والأمم وتعنو إِلَيْهَا نفوس ذَوي الهمم وتتنافس فِيهِ الْمُلُوك والعظماء ويتساوى فِي فهمه الْجُهَّال وَالْعُلَمَاء إِذْ هُوَ فِي ظَاهره لَا يزِيد على أَخْبَار عَن الْأَيَّام والدول والسوابق من الْقُرُون الأول تنمو فِيهَا الْأَقْوَال وتضرب مِنْهَا الْأَمْثَال وتسوع بهَا الأندية إِذا غصها الاحتفال وتؤدى إِلَيْنَا شَأْن الخليقة كَيفَ تقلبت بهَا الْأَحْوَال وَمَا عانته الدول عِنْد ضيق النطاق بهَا تَارَة واتساع المجال وَفِي بَاطِنه نظر وَتَحْقِيق وَاعْتِبَار وتأس بِمَا طحنته رهى الدَّهْر كل مِنْهُمَا دَقِيق وَعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فَهُوَ لذَلِك لَهُ اصل فِي الْحِكْمَة عريق وجدير بِأَن يعد فِي علومها وخليق خُصُوصا مَا صدرت بِهِ من سيرة سيد الْأَنَام وتعداد آبَائِهِ الْكِرَام وَجَمِيع غَزَوَاته وبعوثه وسراياه ومعجزاته وَمَا خص بِهِ من حميد مزاياه وَسَائِر حالاته وتقلباته من حِين الْولادَة إِلَى حِين وَفَاته كَمَا سأبينه فِي الفهرسة بِمَا هُوَ كَاف فِي الْمقَام واف بالمرام طَاف للأوام وَأَن فحول المؤرخين فِي الْإِسْلَام قد استوفوا أَخْبَار الْأُمَم سطروها وبينوها فِي صفحات الدفاتر وقدورها ترويحا للنفوس وتفريحا للخاطر الملبوس وتنبيها على كَمَال قدرَة القاهر وإيقاظا وتبصرة للعاقل إِذا تأملها اينع غرسها فِيهِ تَسْلِيمًا واتعاظا مصداق قَول الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَهُوَ الثبت الْعدْل علم التَّارِيخ يزِيد الْعقل مَعَ مَا فِيهِ من ضبط الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال عَمَّا يحصل بِسَبَب الْكَذِب فِيهِ من الاختلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 قَالَ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن الديبع فِي كِتَابه بغية المستفيد فِي أَخْبَار زبيد لَوْلَا التَّارِيخ لقَالَ من شَاءَ مَا شَاءَ وَقَالَ حسان بن زيد لم يستعن على الْكَذَّابين بِمثل التَّارِيخ فقد نقل إِن بعض الْيَهُود من أهل خَيْبَر اظهر كتابا وَادّعى فِيهِ أَنه كتاب رَسُول الله كتبه لَهُم بِإِسْقَاط الْجِزْيَة عَنْهُم حِين فتحهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي ذَلِك الْكتاب شَهَادَة جمع من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ مِنْهُم أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن معَاذ وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَعرض الْكتاب على الْحَافِظ الْعَلامَة أبي بكر أَحْمد بن ثَابت الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فَتَأَمّله وَقَالَ هَذَا مزور على رسو الله وَأَصْحَابه فَقيل لَهُ من أَيْن لَك هَذَا قَالَ لِأَن فِيهِ شَهَادَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَهُوَ إِنَّمَا أسلم يَوْم فتح مَكَّة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَفتح خَيْبَر إِنَّمَا كَانَ سنة سبع من الْهِجْرَة وَفِيه شَهَادَة سعد بن معَاذ وَكَانَ سعد قد مَاتَ يَوْم بني قُرَيْظَة من سهم أَصَابَهُ يَوْم الخَنْدَق وَذَلِكَ سنة خمس من الْهِجْرَة فَيكون مَوته قبل فتح خَيْبَر بِسنتَيْنِ فَظهر تزوير هَذَا الْكتاب انْتهى فيالها منقبة عَظِيمَة تتوق إِلَيْهَا الْأَنْفس الْكَرِيمَة وَقد قَالَ الْقَائِل // (من الطَّوِيل) // (إِذا عرف الإنسانُ أخبارَ مَنْ مضَى ... توهَّمتُهُ قد عاشَ من أوّل الدهرِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 (وأَحسَبُهُ قد عاشَ آخرَ عُمرهِ ... مدى الدَّهْر إِن أَبقى الجَميلَ من الذِّكر) (فكُن عَارِفًا أَخْبَار من مَاتَ وانقضى ... وكُنْ ذَا نوَالٍ تغتنم أطولَ العُمرِ) فَهُوَ فن غزير عَزِيز الْمَذْهَب جم الْفَائِدَة شرِيف العائدة إِذْ هُوَ يوقفنا على أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء فِي هدى رسالتهم وأحوال الْخُلَفَاء والملوك فِي دولهم وسياستهم حَتَّى تتمّ فَائِدَة الِاقْتِدَاء بهم فِي ذَلِك لمن يرومها فِي أَحْوَال الدّين وَالدُّنْيَا ويطلع طلع حقائق الْأُمُور غنية بالتصريح عَن الرموز والكنيا وفن التَّارِيخ مَا برح بِهَذِهِ الْفَوَائِد كَفِيلا وَمَا فتئ يَأْتِي بالأخبار على وَجههَا جملَة وتفصيلا فَهُوَ كالمرآة الصقيلة من نظر فِيهَا كشفت لَهُ عَمَّا لَا يحسن عِنْده أَو يَقُول باستحسانه وَيصير بِمَعْرِِفَة من تقدم بِمَنْزِلَة من شَاهد المغيبات بعيانه ولولاه لأصبحت المآثر وَهن الدَّوَائِر ورسوم المكارم لَيْسَ لَهَا معالم ومناهل المحاسن ذَات مَاء آسن فَلم يزل الْخلف متطلعين لأخبار من سلف ومتتبعين لزهرات محاسنهم الَّتِي تقتطف لتقتفي آثَارهم فِيمَا كَانَ لَهُم من الْأَفْعَال الحميدة وينشر مَا طواه الدَّهْر من مآثر فضائلهم العديدة وَكنت عِنْد مطالعتي كتب السّير والتواريخ واستجلائي ثَمَرهَا من يَانِع الشماريخ أحاول جمع كتاب من مجموعها مَجْمُوع حاو طرف أَخْبَار تحسد الْعين أذنها أَنَّهَا من مقولة المسموع فَلم يزل الدَّهْر مَانِعا من صرف الهمة إِلَى نحوهذا المبتدا وَكلما نصبت نول حياكته صير ذَلِك السدى سدى إِلَى إِن جَاوَرت سنة أَربع وَتِسْعين والف بمدنية الرَّسُول فتوجهت إِلَى الله فِي تَبْلِيغ المأمول واستخرت الله تَعَالَى عِنْد ذَلِك وَسَأَلت من كرمه الْإِعَانَة على مَا هُنَالك وفوقت السهْم إِلَى مَا أردْت فَأصَاب بِحَمْد الله شاكلة الصَّوَاب واطلع الله الْفِكر على مَا اشْتهيت وهيأ لي الْأَسْبَاب وَلَا شكّ إِن لشمس النجع مِيقَات ولقضاء الْحَوَائِج أَوْقَات فشرعت فِيهَا زمَان فت فِي الْأَعْضَاء وابطل جَانب الثِّقَة والاعتضاد إِن توسل فِيهِ اللبيب ببلاغة الصادين لم يرو غلَّة صَاد وَلم ير إِلَّا خديعة من مداهن أَو مضاد وَلَو دوخ مَا وَرَاء قَاف لم يحظ بكاف مَا دهاه وَلَا لحظته بِنَظَر الْعَطف عين رَاء كَمَا اشتهاه أَو نثر مَا يضاهي حلق الدروع تأسيا لَام إِذا لَهُ مسبحا ذيل ملام لكنني استدمت عَلَيْهِ بجوار رَسُول الله والقرابة واستمددت من نواله العذب الجم طَاقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 خير أغلقت بِفَتْحِهَا من الشَّرّ بَابه فغربلت من بطُون السّير والمصنفات مَعْنَاهُ الدَّقِيق وغصت من لج التواريخ على دره النسيق تصان عَن الْخَيط أوراق عَلَيْهِ اشْتَمَلت ويترفع عَن السُّقُوط نضيج أثمار أشجاره احتملت فقد تجلى فِي عُيُون الإفادات أشكالا وصنوفا وتحلى من فنون الإجادات أساور وشنوفا وحوت أغصانه الْمَائِدَة كل خير طيب الجنى فَكَأَنَّهَا مائدة وَقيد من الْفَوَائِد كل شاردة فَهِيَ فِي الْحَقِيقَة للألباب صائدة خزانَة كتب جمعت فِي كتاب ومدينة علم مِنْهَا إِلَى كل فن بَاب وَهَذِه عدَّة الْكتب الَّتِي كَانَ مِنْهَا استمدادي فَقَوِيت بهَا يَدي على حمل آدى سيرة الشَّامي الشَّيْخ مُحَمَّد بن يُوسُف سيرة شمس الدّين الْبرمَاوِيّ سيرة ابْن سيد النَّاس الْمَوَاهِب اللدنية سيرة مغلطاي سيرة الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالِحِي الْمُسَمَّاة زَاد الْمعَاد الاكتفا لأبي بكر الكلَاعِي الشفا للْقَاضِي عِيَاض شرح سيرة ابْن هِشَام الْمُسَمّى بالروض الْأنف لأبي قَاسم السُّهيْلي ذخائر العقي فِي مَنَاقِب ذَوي الْقُرْبَى للمحب الطيري العقد الثمين فِي مَنَاقِب أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ لَهُ أَيْضا تَارِيخ المَسْعُودِيّ الْمُسَمّى مروج الذَّهَب وَمَعَان الْجَوْهَر تَارِيخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عُثْمَان الذَّهَبِيّ الْمُسَمّى دوَل الْإِسْلَام تَارِيخ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان تَارِيخ الْخَمِيس للعلامة مُحَمَّد بن حُسَيْن الديار بكري تَارِيخ الْعَلامَة عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 تَارِيخ ابْن الْجَوْزِيّ الْمُسَمّى ب المنتظم فِي أَخْبَار الْأُمَم الْعَرَب والعجم تَارِيخ الْقُدس والخليل الْمُسَمّى بالأنس الْجَلِيل تَارِيخ الْعُتْبِي الْمُسَمّى باليميني جعله ليمين الدولة مَحْمُود بن سبكتكين فِي غَزَوَاته وفتوحاته ومناقبه تَارِيخ الصَّفَدِي تَارِيخ الجزيري تَارِيخ البهوتي تَارِيخ القطبي تَارِيخ رضوَان أَفَنْدِي الْمُسَمّى بِالْجمعِ الْغَرِيب فِيمَا يسر الكئيب تَارِيخ مُحَمَّد بن جَار الله الْمُسَمّى بالجامع اللَّطِيف تَارِيخ اليافعي تَارِيخ أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن زنبل تَارِيخ الْعَلامَة التقي الفاسي الْمُسَمّى شِفَاء الغرام تَارِيخ الْخُلَفَاء للسيوطي تَارِيخ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن خلدون الخضرمي تَارِيخ الفاكهي تَارِيخ ابْن فَهد الْمُسَمّى إتحاف الورى تَارِيخ الخزرجي تَارِيخ خلفاء الزَّمن للسمرقندي تَارِيخ الْأَزْرَقِيّ تَارِيخ ابْن ظهيرة الْمُسَمّى بالأخبار المستفادة فِيمَن ولي مَكَّة من آل قَتَادَة تَارِيخ يُوسُف بن تغري بردي الْمُسَمّى مورد اللطافة فِيمَن ولي السلطنة والخلافة تَارِيخ الديبع الْمُسَمّى بغية المستفيد تَارِيخ عَليّ بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ الْمُسَمّى بالأرج المسكي بالتاريخ الْمَكِّيّ تَارِيخ الكامي مُحَمَّد بن مصطفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 تَارِيخ الْمَدِينَة الْمُسَمّى بخلاصة الوفا للسَّيِّد السمهودي تَارِيخ ابْن عربشاه الْمُسَمّى عجائب الْمَقْدُور فِي أَخْبَار ابْن تيمور تَارِيخ الحائني الْمُسَمّى حقيبة الْأَسْرَار وجهينة الْأَخْبَار تَارِيخ السُّيُوطِيّ الْمُسَمّى نظم العقيان فِي أَعْيَان الْأَعْيَان تَارِيخ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي الْمُسَمّى بالدرر الكامنة فِي أَخْبَار أهل الْمِائَة الثَّامِنَة ذيل الضَّوْء اللامع فِي أهل الْقرن التَّاسِع مَعًا للعلامة السخاوي فتح الْبَارِي شرح البُخَارِيّ للعلامة ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي التلقيح لِابْنِ الْجَوْزِيّ الفتوحات المكية للشَّيْخ الْأَكْبَر سَيِّدي مُحي الدّين بن عَرَبِيّ العواصم من القواصم لَهُ جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ فِي فضل الشريفين للسَّيِّد السمهودي الوشاح لِابْنِ دُرَيْد الخطط للمقريزي كتاب الروضتين لأبي شهامة تذكرة ابْن حمدون تذكرة ابْن فَهد طَبَقَات ابْن سعد تذكرة الصَّفَدِي العرائس لِلثَّعْلَبِي علل الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام للمسعودي المسامرة لِابْنِ عَرَبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الْكَشَّاف للزمخشري ربيع الْأَبْرَار لَهُ روض الْأَخْبَار كتاب الأذكياء لِابْنِ الْجَوْزِيّ مرْآة الزَّمَان لسبطه الْكَامِل لأبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد عرف بالمبرد الْكَامِل لِابْنِ الْأَثِير كتاب الْمُبْتَدَأ للحجري كتاب الْوَصِيَّة قلادة النَّحْر لأبي مخرمَة كتاب ألف با للبلوي سراج الْمُلُوك خريدة الْعَجَائِب الرياض النضرة للمحب الطيري المدارك للنسفي الْمدْخل لِابْنِ الْحَاج الْمَالِكِي العقد لِابْنِ عبد ربه رحْلَة ابْن جُبَير شوق الْعَرُوس وانس النُّفُوس للحسين بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي شرح المقامات للمطرزي حَيَاة الْحَيَوَان الْكُبْرَى للدميري ري العاطش وانس الواحش لمُحَمد بن عمار درة الغواص للحريري الْبَحْر العميق لِابْنِ الضياء الْقَامُوس للمجد الفيروزابادي بَحر الْأَنْسَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 عُمْدَة الطَّالِب تحفة الطَّالِب للسمرقندي انساب قُرَيْش للزبير بن بكار الصَّوَاعِق لِابْنِ حجر الهيثمي قَوَاعِد العقائد للغزالي الْمَقَاصِد للسعد التَّفْتَازَانِيّ مِصْبَاح الظلام فِي المستغيثين بِسَيِّد الْأَنَام الإشاعة لأشراط السَّاعَة للسَّيِّد مُحَمَّد البرزنجي الْمنَار المنيف فِي الصَّحِيح من الضَّعِيف للعلامة شمس الدّين بن الْقيم الرَّوْضَة الأنيقة للسَّيِّد السَّمرقَنْدِي وَسِيلَة الْمَآل نشأة السلافة سلافة الْعَصْر من محَاسِن أهل الْعَصْر حَسَنَة الزَّمَان لحسين بن نَاصِر المهلا الْإِرْشَاد لإِمَام الْحَرَمَيْنِ عبد الْملك بن أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ نظم الْجَوَاهِر والدرر فِي أهل الْقرن الْحَادِي عشر للسَّيِّد مُحَمَّد الشلي كمامة الزهر فِي وقائع الدَّهْر المحاسن للبيهقي الريحانة لِلشِّهَابِ الخفاجي كَانَ ابْتِدَاء جمعه وتأليفه وتصريف الْقَلَم فِي إبداع ترصيفه يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة أَربع وَتِسْعين والف من هِجْرَة من لَهُ الْفَخر والشرف إِلَى إِن انْتهى تبييضه أَوَاخِر شهر صفر الْخَيْر من سنة ثَمَان وَتِسْعين فَكَانَت مُدَّة عنائي بِهِ ونظم منثوره من الْكتب الْمَذْكُورَة أَرْبعا من السنين محبورة فَعندهَا وقف الْقَلَم قهرا وَأَن كَانَت الْوُجُود مستمرة وسألحق بِهِ مَا يَتَجَدَّد مِنْهَا قيد حَياتِي طرة اثر طرة ورتبته فِي أَرْبَعَة مَقَاصِد ذَوَات أَبْوَاب وخاتمة نسْأَل الله حسنها آخر الْكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 (الْمَقْصد الأول) (فِي ذكر نسبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وتعدد آبَائِهِ الْكِرَام) من لدن نَبِي الله آدم أبي الْبشر صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر النَّبِيين وَسلم إِلَى أَبِيه سيدنَا عبد الله بن عبد الْمطلب ولمع من أخبارهم ونوادر آثَارهم ومقادير أعمارهم وَفِيه ذكر كيفيه التناسل وَذكر قابيل وهابيل وقتال أَبنَاء قابيل وَذكر نوح والطوفان والسفينة وَذكر عوج بن عنق وإلهام الله الْعَرَبيَّة عدَّة قبائل من أَوْلَاد عَابِر وَهُوَ النَّبِي هود عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ افْتِرَاق الْعَرَب إِلَى العدنانية والقحطانية وَذكر طسم وجديس وَتبع وَذكر العمالقة وقطورا والسميدع وجرهم وَبني إِسْمَاعِيل وَخُرُوج عَمْرو بن عَامر مزيقيا وتفرق قومه إِلَى مَكَّة وهم خُزَاعَة والى المدنية وهم الْأَوْس والخزرج وَإِلَى الشَّام وهم مُلُوك غَسَّان وَإِلَى الْعرَاق وهم مُلُوك الْحيرَة النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَقَومه وَإِلَى غير هَؤُلَاءِ وَذكر وُلَاة مَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة وَقبلهَا من زمن الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَذكر بناة الْكَعْبَة قصي ثمَّ قُرَيْش ثمَّ ابْن الزبير ثمَّ الْحجَّاج بعد ذكر من قبلهم وَذكر قُرَيْش الأباطح وقريش الظَّوَاهِر وقريش العازبة وقريش العائدة ولعقة الدَّم وَذكر حلف المصيبين وَحلف الفضول وَحلف الْأَحَابِيش وَذكر حَرْب الْفجار الأول وَحرب الْفجار الثَّانِي وَذكر الحمس والحلة والطلس من قُرَيْش وَغَيرهم وَذكر النسيء وَكَيْفِيَّة الإنساء وَذكر الْإِجَازَة من عَرَفَة إِلَى منى وَمِنْهَا إِلَى مَكَّة ومتولى ذَلِك وَذكر الْحُكَّام من قُرَيْش وَذكر طمع عُثْمَان بن الْحُوَيْرِث بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي إِن يملك قُريْشًا ويمتلك عَلَيْهِم من جَانب قَيْصر وَذكر بني عبد منَاف والحجابة والسقاية والرفادة والقيادة وَذكر وفادة عبد الْمطلب فِي وُجُوه قومه إِلَى سيف بن ذِي يزن مهنئين لَهُ بِالْملكِ وَذكر زَمْزَم وَغَيرهَا مِمَّا حفرته قُرَيْش بِمَكَّة من الْآثَار وَذكر الْفِيل وَأَصْحَابه وَغير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 (الْمَقْصد الثَّانِي) (فِي أَحْوَاله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب) الْبَاب الأول فِي الْحمل بِهِ وولادته ورضاعه وَمَوْت عَمه أبي طَالب وَزَوجته السيدة خَدِيجَة وَخُرُوجه إِلَى الطَّائِف الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر هجرته إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة والغار وَمَا حوى ولحاق سراقَة بن مَالك وَشعر أبي جهل وخيمتي أم معبد وَذكر أم عفى ولقى عبد الله بن مَسْعُود وَكَيْفِيَّة دُخُول الْمَدِينَة ومواجهة الْأَنْصَار ونزوله بقباء وَبِنَاء مَسْجِدهَا وَغير ذَلِك الْبَاب الثَّالِث فِي ذكر أَعْمَامه وعماته وَأَبْنَاء أَعْمَامه وَأَبْنَائِهِمْ وَأَبْنَاء عمته وأبنائهن الْبَاب الرّبع فِي ذكر زَوْجَاته الْمَدْخُول بِهن وأخبارهن ومناقبهن ووفاتهن وَمن مَاتَ فِي حَيَاته مِنْهُنَّ وَمن توفى عَنْهُن وَمن عقد بِهن وَلم يدْخل وَمن خطبهن وَلم يعْقد وسراريه الْبَاب الْخَامِس فِي أَوْلَاده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَوْلَادهمْ وتراجم كل وَاحِد مِنْهُم الْبَاب السَّادِس فِي ذكر موَالِيه وخدامه وإمائه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وحداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وثيابه وأثاثه وَمَا يتبع ذَلِك الْبَاب السَّابِع فِي الْحَوَادِث من أولي سني الْهِجْرَة الْمُشْتَمل على غَزَوَاته وبعوثه وسراياه ومعجزاته وَمَا خص بِهِ من حميد مزاياه وَسَائِر حالاته وتقلباته إِلَى حِين وَفَاته (الْمَقْصد الثَّالِث) (فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ) وَفِيه ذكر مَا وَقع فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وتخلف عَليّ وَبني هَاشم وَبَعض الصَّحَابَة عَن الْمُبَايعَة ومحاجة فَاطِمَة أَبَا بكر فِي فدك والعوالي ووفاة سعد بن عبَادَة سيد الْخَزْرَج وإرسال أبي بكر الصّديق أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح إِلَى عَليّ برسالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَجَوَاب عَليّ عَنْهَا وَتَفْسِير غريبهما وَذكر الْأَحَادِيث الدَّالَّة على خلَافَة الصّديق وَاخْتِلَاف النَّاس فِي تأويلاتها وَذكر الاعتراضات عَلَيْهَا وأجوبتها وَذكر أقاويل أكَابِر أهل الْبَيْت فِي الثَّنَاء على الشَّيْخَيْنِ والترحم عَلَيْهِمَا وَذكر إبِْطَال مَا ينْسبهُ أهل الْأَهْوَاء إِلَيْهِمَا وَذكر نسب الصّديق وإسلامه وَصفته وقتاله أهل الرِّدَّة وَقتل خَالِد بن الْوَلِيد مَالك بن نُوَيْرَة واستعداء أَخِيه متمم بن نُوَيْرَة على خَالِد عِنْد الصّديق وقصة الصّديق مَعَ دَغْفَل النسابة وَمَا ورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث فِي شَأْنه خَاصَّة وَذكر أَوْلَاده ووفاته وَمثل ذَلِك لكل من الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بعده وقصة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَعَ عَمْرو بن معدي كرب وَذكر الشورى وَمَا آل إِلَيْهِ أمرهَا ووقعة الْقَادِسِيَّة وَذكر الْأُمُور المنقومة على عُثْمَان وَجَوَابه عَنْهَا وَذكر وقْعَة الْجمل ووقعة صفّين وَذكر التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل وَذكر مكر مُعَاوِيَة لعَمْرو بن الْعَاصِ ومناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج حِين أرْسلهُ عَليّ إِلَيْهِم ووقعة النهروان وَقتل ذِي الثدية الْمخْرج ومراسلات مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه وَجَوَاب عَليّ عَنْهَا ومراسلات مُعَاوِيَة إِلَى قيس بن سعد بن عبَادَة وَإِلَى مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وجوابهما إِلَيْهِ وَذكر بعض أقضية عَليّ كرم الله وَجهه وشعره ومراث قيلت فِيهِ (الْمَقْصد الرَّابِع) (وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب) الْبَاب الأول فِي ذكر الدولة الأموية وَفِيه ذكر قصَّة هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة وَالِدَة مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ وَصلح الْحسن بن عَليّ مَعَ مُعَاوِيَة ونزوله عَن الْخلَافَة لَهُ بِشُرُوط اشترطها الْحسن وفى لَهُ مُعَاوِيَة بكلها أَو جلها واستلحاق مُعَاوِيَة زِيَاد بن سميَّة إِلَى نسب أبي سُفْيَان وَمَا قيل فِي ذَلِك وَقتل زِيَاد حجر بن عدي وَأَصْحَابه من شيعَة عَليّ كرم الله وَجهه وَمَوْت زِيَاد بن أَبِيه وَذكر سياسات مُعَاوِيَة الَّتِي ملك بهَا الْجنُود وأحكمت لَهُ بهَا الْعُقُود وَذكر عهد مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة وَذكر توجه الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء على التَّفْصِيل وَذكر مَنَاقِب الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَذكر ولَايَة الْوَلِيد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 عتبَة على الْحجاز وعزل عَمْرو بن سعد الْأَشْدَق وَذكر خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد ووقعة الْحرَّة وحصار مَكَّة وَذكر بيعَة عبد الله بن الزبير وَذكر انْتِقَاض أَمر عبيد الله بن زِيَاد ورجوعه إِلَى الشَّام وَذكر مسير الْخَوَارِج إِلَى ابْن الزبير ثمَّ مفارقتهم إِيَّاه وَذكر خُرُوج سُلَيْمَان بن صرد الْخُزَاعِيّ فِي التوابين من الشِّيعَة للأخذ بثأر الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَذكر الْمُخْتَار بِالْكُوفَةِ وأخباره وَذكر مسير ابْن زِيَاد إِلَى الْمُخْتَار وَخلاف أهل الْكُوفَة عَلَيْهِ وغلبه إيَّاهُم وَذكر شَأْن الْمُخْتَار مَعَ ابْن الزبير وَذكر مقتل ابْن زِيَاد وَذكر مسير مُصعب بن الزبير وَقَتله إِيَّاه وَذكر مسير عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَى الْعرَاق وَقَتله مُصعب بن الزبير وَذكر زفر بن الْحَارِث الْكلابِي بقرقيسياء وتوجيه عبد الْملك بن مَرْوَان الْحجَّاج إِلَى مَكَّة لقتل عبد الله بن الزبير وَذكر ولَايَة الْمُهلب حَرْب الْأزَارِقَة وَولَايَة الْحجَّاج على الْعرَاق وَذكر وثوب أهل الْبَصْرَة على الْحجَّاج وَذكر شبيب بن يزِيد الحروري وَذكر فرسَان الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَذكر وَفَاة الْحجَّاج وقصة وضاح اليمني مَعَ أم الْبَنِينَ زَوْجَة الْوَلِيد بن عبد الْملك وَهِي عَرَبِيَّة ذكرهَا ابْن حمدون فِي التَّذْكِرَة وَغَيره وَبِنَاء الْوَلِيد بن عبد الْملك جَامع دمشق الْمَعْرُوف بِجَامِع بني أُميَّة وَغَيره ذَلِك الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر الدولة العباسية وَفِيه ذكر قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة العباسية وَذكر الشِّيعَة ومبادئ دولهم وَذكر كَيْفيَّة بِنَاء الْمَنْصُور مَدِينَة بَغْدَاد وَذكر توسيع الْمَسْجِد الْحَرَام وتربيعه للمهدي العباسي وإيقاع الرشيد بالبرامكة وَاخْتِلَاف النَّاس فِي أَسبَاب نكبتهم وَذكر فتح المعتصم عمورية وَظُهُور القرامطة أَيَّام المكتفي عَليّ بن المعتضد العباسي وَظُهُور النَّار من الْحرَّة الشرقية بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَشرح وَاقعَة التتار ومبدأ أَمرهم وقتلهم الْخَلِيفَة المستعصم العباسي آخر خلفاء بَغْدَاد وَغير ذَلِك الْبَاب الثَّالِث فِي ذكر الدولة العبيدية المسمين بالفاطميين وَفِيه ذكر الْخلاف فِي صِحَة نسبهم وَذكر افْتِتَاح الْمعز الفاطمي مصر على يَد عَبده جَوْهَر الرُّومِي الصّقليّ وَذكر عجارف الْحَاكِم بِأَمْر الله مِنْهُم وَكَيْفِيَّة مَقْتَله وفتنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 البساسيري بِبَغْدَاد وخطبته بهَا للمستنصر الفاطمي وَإِخْرَاج الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله العباسي إِلَى حَدِيثَة عانة وإعادة الْملك طغرلبك إِيَّاه وَذكر الغلاء الشَّديد والقحط الْعَظِيم بديار مصر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فِي خلَافَة الْمُسْتَنْصر الفاطمي الْمَذْكُور وَغير ذَلِك الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر الدولة الأيوبية الكردية وَفِيه ذكر قتل شاور وَذكر العاضد آخر الْخُلَفَاء العبيديين وَذكر نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود بن زنكي وَذكر القَاضِي الْفَاضِل واستكتاب صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب إِيَّاه وصلب صَلَاح الدّين عمَارَة اليمني وقاضي مصر وَجَمَاعَة لتمالئهم على قصد سوء وَذكر الْوَزير جمال الدّين الْأَصْفَهَانِي الْجواد الْمَشْهُور ومدفنه بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَغير ذَلِك الْبَاب الْخَامِس فِي الدولة التركمانية ووقائع آثَارهم الْبَاب السَّادِس فِي ذكر دولة الشراكسة وبدائع أخبارهم الْبَاب السَّابِع فِي ذكر الدولة العثمانية أعدل سلاطين الْإِسْلَام أدام الله دولتهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفِيه ركُوب السُّلْطَان سليم خَان بن بايزيد على إِسْمَاعِيل شاه بعد مراسلته وَذكر مراسلة السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان لإِمَام الْيمن الإِمَام المطهر وَجَوَاب الإِمَام إِلَيْهِ وَذكر عمَارَة سور الْمَدِينَة المشرفة وَعمارَة كريمية وَهِي أم السلاطين عين عَرَفَة وَذكر ابْتِدَاء تعمير الْمَسْجِد الْحَرَام فِي دولة السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان خَان وإتمامه فِي دولة السُّلْطَان مُرَاد بن سليم خَان وَغير ذَلِك (واما الخاتمة فتشمل على ثَلَاثَة أَبْوَاب) الْبَاب الأول مِنْهَا فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم وَفِيه ذكر الْأَئِمَّة الاثنى عشر وتراجم كل وَذكر بني حُسَيْن أُمَرَاء الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وواقعة الْخَوَارِزْمِيّ مَعَ البديع الْهَمدَانِي فِي مجْلِس أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن مُوسَى بن أَحْمد من عقب مُوسَى الكاظم وَذكر دُخُول دعبل الْخُزَاعِيّ على الإِمَام مُوسَى الكاظم وإنشاده قصيدته فِي آل الْبَيْت التائية الْمَشْهُورَة وَغير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الْبَاب الثَّانِي مِنْهَا فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة وَذكر مَكَان دُعَائِهِ وزمانه وَمَا جرى على كل قَائِم مِنْهُم من خَليفَة زَمَانه وتعداهم من عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَفِيه ذكر اخْتِلَاف الشِّيعَة وانقسام مذاهبهم إِلَى الزيدية وَإِلَى الرافضة وانقسام الرافضة إِلَى اثنى عشرِيَّة ويخصون باسم الإمامية وَإِلَى الإسماعيلية وَمِنْهُم فِي الِاعْتِقَاد القرامطة مَعَ اخْتِلَاف بَينهم فِي سِيَاق الْإِمَامَة وَذكر الْفرْقَة الكيسانية وَذكر مراسلات الْمَنْصُور العباسي مَعَ مُحَمَّد النَّفس الزكية ابْن عبد الله الْمَحْض ومقتله وَذكر الْأَئِمَّة القائمين بالدعوة فِي قطر الْيمن وَغير ذَلِك الْبَاب الثَّالِث مِنْهَا فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَفِيه ذكر آل أبي الطّيب وأخبارهم والهواشم وآثارهم والقتادات وهم ولاتها إِلَى هَذَا الأوان فَلَا أخلى الله مِنْهُم الزَّمَان وَالْمَكَان وَذكر بعض تراجم الْأَعْيَان الْكِرَام من أهل الْحَرَمَيْنِ ومصر وَالشَّام مِمَّن توفّي بعد الْألف إِلَى عَام إِتْمَامه جعله الله مشمولاً بِالْخَيرِ وَالرِّضَا فِي بدئه وختامه وَلما تمّ تأصيله وترتيبه وكمل تربيع مقاصده وتبويبه سميته تَسْمِيَة مُطَابقَة لوصفه فِي الْوَاقِع ضابطة لسنة تَارِيخه بعد أَن حوم شاهين الْفِكر حَتَّى ظننته عَلَيْهَا غير وَاقع فَكَانَت التَّسْمِيَة تَارِيخا لَهُ وَذَلِكَ من أبداع الْبَدَائِع وَأفضل النّيل لم يتَّفق ذَلِك فِي الزَّمن الْخَالِي إِلَّا لِأَحْمَد الْفضل باكثير فِي كِتَابه وَسِيلَة الْمَآل فِي عد مَنَاقِب الْآل فَرفع بِهِ علم تبجحه منتصباً وجر الذيل وَهِي سمط النُّجُوم العوالي فِي أنباء الْأَوَائِل والتوالي وقدمته لحضرة سيد الشرفا وسليل الخلفا ومفرد آل بَيت الْمُصْطَفى وَجَعَلته خدمَة لَهُ برسمه وتوجته بلقبه الشريف واسْمه جَامع أشتات المكارم والفضائل حاوي محَاسِن الْأَوَاخِر والأوائل سلالة الْبَيْت النَّبَوِيّ وزلال الْغَيْث الروي مظهر الْملك ومعهده ومجدد بنائِهِ ومشيده ومحيي مَا أمحل من أَرض العفاة بوابل جوده وحائز إِرْث النُّبُوَّة والخلافة عَن آبَائِهِ وجدوده من أعطَاهُ الله من صنوف الإعزاز والتمكين مَا لم يُعْطه لغيره ودانت لَهُ الْأَيَّام حَتَّى ذلت الْأسود فِي حالتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 إِقَامَته وسيره وخدمته الْأَيَّام والليالي وباهت بِهِ من درج فِي الحقب الخوالي وَوجدت النَّاس فِي أَيَّامه السعيدة أَمَانًا من الْحَوَادِث وَانْطَلَقت الألسن بِالدُّعَاءِ لجنابه فَهُوَ إِن شَاءَ الله للأعمار وَارِث فأيامه مواسم وطرق هباته نواسم وثغور الْأَيَّام فَرحا بِهِ فِي رحابه بواسم وسعادات تَدْبيره لأدواء اللأواء حواسم وربوع الْجور والعدوان فِي أَيَّامه طوامس وَيُقَال طواسم (أَمِنَّا بِهِ الدهرَ المخوفَ فكلَّما ... لَهُ قامَ داعٍ بالسلامةٍ أمنَّا) الَّذِي قد رضع ثدي الْمجد من زمن حُصُوله فِي المهد وافترش حجر الْفضل فِي حَال كَونه شَابًّا وكهل مَا ذهب إِلَى شَيْء إِلَّا شيده وأيد برهانه وَلَا انتحى أمرا إِلَّا وساعده مساعد الْقَضَاء وأعانه لَهُ محبَّة وهيبة فِي النُّفُوس وجلالة وعظمة أسها فِي الْقُلُوب مغروس صَاحب الْيَد الرحيبة فِي الْمَكَان الضّيق والخصال الشَّرِيفَة الَّتِي تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب فَكل ذِي لب إِلَيْهَا شيق حاد الذِّهْن سريع الْإِدْرَاك قد خصّه الله بالمناقب الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان والأفلاك والأخلاق الَّتِي لَيْسَ للنسيم لطفها وَلَا للرياض نضرتها وظرفها فَهُوَ نعْمَة من الله على الْمُسلمين يجب الِاعْتِرَاف بِقَدرِهَا ومنة على الْعباد لَا يُقَام بشكرها وَحجَّة لَا يسع الْحَاسِد لَهَا الْجُحُود وَآيَة تشهد بِأَنَّهُ زِمَام هَذَا الْوُجُود أصبح بِهِ الدَّهْر يميس إعجابا والأزمنة بعد هرمها عَادَتْ بزمنه شبَابًا منبع السِّيَادَة ونبعتها وصيت المكارم وَسمعتهَا لَهُ خلق لَو مزج بِمَاء الْبَحْر نفى ملوحته وأصفى كدورته ينابيع الْجُود تتفجر من أنامله وربيع السماح يضْحك عَن فواضله قد نشر الله فِي الْآفَاق ذكره وَأطَال فِي كل المواطن نَعته وَخَبره ومهد بِحسن سياسته وتدبيره الأقطار الحجازية وَعمر وَبسط الْعدْل فِي رَعيته وعمهم ببره وغمر ومكارمه لم تنلها الغمائم ومحاسنه تسجع بأوصافها الحمائم الإِمَام الْعَالم الْعَادِل والهمام الْأَعْظَم الْكَامِل الوافر فَضله الْبسط ظله الطَّوِيل مجده المديد سعده ذُو القريحة الوقادة والبصيرة النقادة والبديهة المعجزة والكلمات الفاضلة الموجزة فَهُوَ كالشريعة المحمدية الَّتِي نسخت الشَّرَائِع وَظهر على كافور الْأَيَّام ومسك اللَّيَالِي نورها الساطع منشر رفات الْمجد وناشر آيَاته وسابق غايات الْفضل وتالي آيَاته سُلْطَان الْحجاز الْمَدْعُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 لَهُ على منابره الشَّرِيفَة المستغني بشهرته عَن الإطناب بالإيجاز فِي مناقبه المنيفة حامي حمى الْحَرَمَيْنِ الشريفين بسمهريه وحسامه النامي فِي حفظ المحلين المنيفين أجره بشديد قِيَامه أجل مُلُوك هَذَا الْبَيْت وَأعظم من ركب صهوة أدهم وامتطى ظهر كميت الْمُنْتَخب من آل عبد منَاف ولؤي سيدنَا ومولانا الشريف أَحْمد ابْن مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد بن محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن أبي نمى لَا زَالَ النَّصْر لملكه خَادِمًا والعز لأعقابه وزيراً ملازماً وَعلم رفعته على رُءُوس الأشهاد قَائِما وقلم السعد بمنشور مهابته على صَحَائِف الدَّهْر راقماً وثغر الزَّمَان بمزيد سروره باسماً وكل من الْقَضَاء وَالْقدر بدوام سموهُ حَاكما ولسائر أُمُوره على السداد بارماً وَلَا برح النَّصْر والسد مقرونين بعذبات علمه والآجال والأرزاق فِي ماضي سَيْفه وقلمه والتوفيق مستصحب ارائه ومصائب الْحَوَادِث أصدقاء اعدائه أَمِين أَمِين آمين ليَكُون تحفة لمجلسة العالي وعندليب أنس على غُصْن انبساطه فِي رياض الْمحْضر يصدح بالسجع الحالي أسأَل الله أَن يرزقه مِنْهُ مسحة قبُول بجاه جده الرَّسُول وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَقد آن أَوَان الشُّرُوع فِي مَقْصُود الْكتاب فَنَقُول بعون الْملك الْوَهَّاب (الْمَقْصد الأول) (فِي ذكر نسبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وتعداد آبَائِهِ الْكِرَام من لدن نَبِي الله آدم أبي الْبشر صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر النَّبِيين وَسلم إِلَى أَبِيه سيدنَا عبد الله بن عبد الْمطلب ولمع من أخبارهم ومقادير أعمارهم) فَفِي ذَلِك نقُول متوكلين على الله مستمدين من الرَّسُول قَالَ صَاحب تَارِيخ الْخَمِيس لما أَرَادَ الله تَعَالَى خلق آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ للْمَلَائكَة {إِنّيِ جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ} الْبَقَرَة 30 فَأَجَابُوا بقَوْلهمْ {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} الْبَقَرَة 30 فَرد عَلَيْهِم (إِنّيِ أَعْلَمُ مَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 تعلمُونَ} الْبَقَرَة 30 وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى {إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سويته} الْآيَة ص 71 72 فَسجدَ الْمَلَائِكَة فَكَانَ من إِبْلِيس مَا اقْتضى لَعنه وَبعده وَنصب الْعَدَاوَة لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَذريته قَالَ فِي بَحر الْعُلُوم لما قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ} الْآيَة الْبَقَرَة 30 أَرَادَ الله أَن يظْهر فضل آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِم فَعلمه مَا لَا يعلمُونَ قَالَ ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك علمه اسْم كل شَيْء حَتَّى الْقَصعَة والقصيعة والمغرفة ثمَّ لما طرد إِبْلِيس وأهبط من الْجنَّة بِسَبَب الِامْتِنَاع من السُّجُود لآدَم أصر على عداوته ووقف على بَاب الْجنَّة وَتعبد هُنَالك ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عَاما انتظاراً لِأَن يخرج مِنْهَا أحد يَأْتِيهِ بِخَبَر آدم عَلَيْهِ السَّلَام وحواء فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ خرج طَائِر موشى مزين يتبختر فِي مشيته فَلَمَّا رَآهُ إِبْلِيس قَالَ أَيهَا الطَّائِر مَا اسْمك قَالَ اسْمِي طَاوس قَالَ من أَيْن أَقبلت قَالَ من حديقة آدم وبستانه قَالَ مَا الْخَبَر عَن آدم قَالَ هُوَ بِخَير فِي أحسن حَال وأطيبه وَنحن من خُدَّامه فَقَالَ وَهل تَسْتَطِيع أَن تدخلني فَقَالَ لَا أقدر وَلَكِن أدلك على من يقدر فَقَالَ افْعَل فَذهب الطاوس إِلَى الْحَيَّة وَكَانَت يَوْمئِذٍ كأعظم البخاتى وَكَانَت أحسن حيوانات الْجنَّة لَهَا أَربع قَوَائِم كَالْإِبِلِ من زبرجد أَخْضَر وفيهَا كل لون رَأسهَا من الْيَاقُوت الْأَحْمَر ولسانها من الكافور وَأَسْنَانهَا من الدّرّ وذوائبها كذوائب الْجَوَارِي الْأَبْكَار فَقَالَ لَهَا الطاوس إِن خلقا بِبَاب الْجنَّة يَقُول عِنْدِي نصيحة لآدَم فَمن يذهب بِي أعلمهُ فَخرجت الْحَيَّة إِلَيْهِ وَقَالَت إِنِّي أدْخلك الْجنَّة وَلَكِن أَخَاف من لُحُوق الْبلَاء فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس أَنْت فِي ذِمَّتِي وجواري لَا يلحقك مَكْرُوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 قَالَ النَّبِي اقْتُلُوا الْحَيَّة وَلَو فِي الصَّلَاة وَإِنَّمَا أَمر بذلك إبطالاً لذمة إِبْلِيس فَقَالَت الْحَيَّة أَنا أَخَاف أَن يُصِيبنِي مثل مَا أَصَابَك فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس أَنا أُعْطِيك جَوْهَرَة أَيْنَمَا تضعينها تكون لَك جنَّة فَأَعْطَاهَا إِبْلِيس فجعلتها فِي فِيهَا فتخرجها فِي اللَّيْل وتضعها حَيْثُ شَاءَت تستضيء بهَا وَفِي العرائس قَالَت الْحَيَّة كَيفَ أدْخلك الْجنَّة ورضوان لَا يمكنني من ذَلِك فَقَالَ إِبْلِيس أَنا أتحول ريحًا فاجعليني بَين أنيابك فتدخليني وَهُوَ لَا يعلم فأطبقت الْحَيَّة عَلَيْهِ فاها بعد أَن تحول ريحًا فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس اذهبي بِي إِلَى الشَّجَرَة الَّتِي نهى آدم عَنْهَا فَلَمَّا انْتَهَت الْحَيَّة إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة تغنى إِبْلِيس بمزمار فَلَمَّا سمع آدم وحواء صَوت المزمار جَاءَا إِلَيْهِ يسمعان فَإِذا هُوَ ريح خَارج من فَم الْحَيَّة فأعجبهما الصَّوْت فَتَقَدما إِلَيْهِ شَيْئا فشيئاَ حَتَّى وَقفا عَلَيْهِ وهما يظنان أَن الْحَيَّة هِيَ الَّتِي تتغنى فَقَالَ لَهما إِبْلِيس فَقَالَا نهينَا عَن قرب هَذِه الشّجر فَقَالَ {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة} الْأَعْرَاف 20 إِلَى {فدلاهما بِغُرُورٍ} الْأَعْرَاف 22 قسما كَاذِبًا فَهُوَ لَعنه الله أول من حلف كَاذِبًا وَأول من غش وَأول من حسد لَعنه الله وأعاذنا مِنْهُ فسبقت حَوَّاء إِلَى الشَّجَرَة فتناولت مِنْهَا خمس حبات فَأكلت وَاحِدَة وخبأت وَاحِدَة وأعطت آدم ثَلَاث حبات فَأعْطى حَوَّاء مِنْهَا وَاحِدَة وَأمْسك حبتين قيل لما خبأت حَوَّاء إِحْدَى الحبات من زَوجهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام صَار خبء النِّسَاء عَن أَزوَاجهنَّ بعض الْأَشْيَاء عَادَة لَهُنَّ ولإمساك آدم لنَفسِهِ حبتين من ثَلَاث وَإِعْطَاء حَوَّاء وَاحِدَة مِنْهَا شرع للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَأوحى الله إِلَى آدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 لأدمين حَوَّاء فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ فاعترت آدم عَلَيْهَا الرَّحْمَة فَأوحى إِلَيْهِ قد علمنَا مَا لحقك على حَوَّاء من الرأفة والشفقة وَقد رفعت عَنْهَا وبناتها هم النَّفَقَة وَلما أكلا من الشَّجَرَة تطاير عَنْهُمَا لباسهما وبدت لَهما سوآتهما فطلبا وَرقا من أَشجَار الْجنَّة فَكلما طلبا شَجَرَة تعالت عَنْهُمَا إِلَّا شَجَرَة التِّين فتدلت لَهما فأخذا مِنْهَا وسترا سوأتيهما ثمَّ أهبطوا من الْجنَّة آدم وحواء وإبليس أهبط آدم بسرنديب جبل عَال يرَاهُ البحريون من مَسَافَة أَيَّام وَأثر قدمي آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ مغموستان فِي الْبَحْر وحواء بجدة والحية بأصبهان وإبليس بأبلة وَيرى على هَذَا الْجَبَل كل لَيْلَة كَهَيئَةِ برق من غير سَحَاب وَلَا بُد لَهُ فِي كل يَوْم من مطر يغسل اثر قديمه عَلَيْهِ السَّلَام وَيُقَال إِن الْيَاقُوت الْأَحْمَر يُؤْخَذ من ذَلِك الْجَبَل تحده السُّيُول والأمطار إِلَى الحضيض وروى أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لما أهبط كَانَت رِجْلَاهُ على الأَرْض وَرَأسه فِي السَّمَاء يسمع دُعَاء الْمَلَائِكَة وتسبيحهم فَكَانَ يأنس بذلك فهابته الْمَلَائِكَة واشتكت نَفسه إِلَى الله تَعَالَى فنقص قامته إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا وَلما يبس مَا كَانَ على آدم من ورق الْجنَّة وتناثر كَانَ هُوَ السَّبَب لوُجُود الأفاويه بِبِلَاد الْهِنْد كالجوز والقرنفل والفلفل والهيل وأشباهها فَكَانَ ذَلِك المتناثر بذراً لَهَا فسبحان الْحَكِيم جلّ وَعلا فَلَمَّا عريا بعد تناثر ولبسه شكا آدم عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك إِلَى جِبْرِيل فَجَاءَهُ بِأَمْر الله بِشَاة عَظِيمَة من الْجنَّة لَهَا صوف عَظِيم كثير وَقَالَ لآدَم قل لحواء تغزل من هَذَا الصُّوف وتنسج فَمِنْهُ لباسك ولباسها فغزلت حَوَّاء ذَلِك الصُّوف ونسجت مِنْهُ لنَفسهَا درعاً وخماراً ولآدم قَمِيصًا وإزاراً ثمَّ دَعَا آدم ربه فَقَالَ يَا رب كنت جَارك فِي دَارك آكل رغداً مِنْهَا حَيْثُ شِئْت فأهبطتني إِلَى الأَرْض وكلفتني مشاق الدُّنْيَا فَأَجَابَهُ الله يَا آدم بمعصيتك كَانَ ذَلِك إِن لي حرما بحيال عَرْشِي فَانْطَلق فَإِن لي فِيهِ بَيْتا ثمَّ طف بِهِ كَمَا رَأَيْت ملائكتي يحفونَ بعرشي فهنالك أستجيب لَك ولأولادك من كَانَ مِنْهُم فِي طَاعَتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فَقَالَ يَا رب وَكَيف لي بذلك الْمَكَان فأهتدى إِلَيْهِ فَأمر الله جِبْرِيل فَتوجه بِهِ إِلَى الْحَج فَصَارَت المسافات تطوى لَهُ وَكَانَت خطْوَة آدم مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يزل يسير حَتَّى وصل إِلَى جدة لِأَنَّهُ شم رَائِحَة ورق الْجنَّة الَّذِي كَانَ على حَوَّاء قَالَ يَا حَوَّاء أَترَانِي أنظر إِلَيْك نظرة فنادته الْجبَال تسير فِي أَثَرهَا تدركها فَسَار إِلَى قرن فَأمره جِبْرِيل فَأحْرم فَأنْزل الله الْبَيْت الْمَعْمُور فاوقفه فِي الْهَوَاء بِحَيْثُ يرَاهُ فيعرفه حِيَال المهاة الْبَيْضَاء الَّتِي هِيَ مَوضِع الْبَيْت وَمِنْهَا دحيت الأَرْض وَهِي أم الْقرى فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن طف بِالْبَيْتِ وصل عِنْده واسأل حَاجَتك وَأخْبرهُ بمَكَان حَوَّاء فَلَمَّا رَأَتْهُ جَاءَت إِلَيْهِ تبْكي فعرفها جِبْرِيل بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَة فسجدت لله تَعَالَى شكرا وتطهرت وتوضأت فأهلت بِعُمْرَة ولبت وأتى بهَا جِبْرِيل إِلَى جَمِيع مواقفها وَجمع بَينهمَا جِبْرِيل فِي جمع فَسمى بذلك لاجتماعهما وَقيل بل تعارفا بِعَرَفَات وَبِهِمَا سمى ذَلِك الْمحل عَرَفَات فبادرت إِلَيْهِ وتعانقا وَلما أكمل حجَّة ووقف بمنى قَالَ لَهُ جِبْرِيل تمن على رَبك مَا شِئْت فَلذَلِك سمى ذَلِك الْمحل منى كَمَا هُوَ أحد الْوُجُوه فِي تَسْمِيَته بذلك وَقرب قرباناً وَحلق لَهُ جِبْرِيل رَأسه بياقوتة من الْجنَّة ثمَّ أمره الله أَن يتَّخذ لحواء منزلا خَارج الْحرم إِلَى أَوَان الْحَج فَفعل وَفِي كتاب المبتدا أَن آدم لم يكن يأحواء مُنْذُ هبطا إِلَى الأَرْض وَلَا خطر بِقَلْبِه وَلَا قَلبهَا ذكره حَيَاء من الله تَعَالَى فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا آدم مَا هَذَا الْجزع وَأَنت صفوتي وَأَبُو الْمُصْطَفى رَسُولي فأبشر بنعمتي وكرامتي أَنْت وزوجك حَوَّاء فألم بهَا فبشر حَوَّاء فسجدت شكر لله ثمَّ بَاشَرَهَا فَحملت مِنْهُ فَولدت ذكرا وَأُنْثَى فِي بطن فَسَمت الْوَلِيد قابيل وَالْأُنْثَى إقليميا ثمَّ وَاقعهَا فَحملت بهابيل وَأُخْته ليوذا ثمَّ حملت بَطنا ثَالِثا فَولدت توأمين وَأَوْلَادهَا يكثرون ويمشون بَين يَديهَا والنور لَا ينْتَقل من وَجه آدم وَلم تزل حَوَّاء تَلد فِي كل تِسْعَة أشهر وَلدين ذكرا وَأُنْثَى فَقيل إِن جَمِيع من ولدت مِائَتَا ولدا فِي مائَة بطن فِي كل بطن ولدان إِلَّا شيثا وعنق فانهما ولدتهما مفردتين كل وَاحِد فِي بطن وَقيل ولدت لَهُ خَمْسمِائَة بطن بِأَلف ذكر وَأُنْثَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَسَيَأْتِي حَدِيث شِيث قَرِيبا وَحَدِيث عنق عِنْد ذكر ابْنهَا عوج بن عنق عِنْد ذكر قتل مُوسَى إِيَّاه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي رَوْضَة الأحباب كَانَت الأَرْض تطوى لآدَم فِي كل خطْوَة اثْنَان وَخَمْسُونَ فرسخا حَتَّى بلغ مَكَّة فِي زمن قَلِيل فَكل مَوضِع أَصَابَهُ قدمه صَار عمرانا ومابين قَدَمَيْهِ مفازاً وقفراً وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَتَلَقَّى آدم من ربه كَلِمَات} الْبَقَرَة 37 قَالَ ابْن بابويه أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد وَالْحسن بن أَحْمد بن الْوَلِيد عَن مُحَمَّد بن الْحسن الصفار عَن أبي نصر عَن أبان بن عُثْمَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن أبي جَعْفَر قَالَ الْكَلِمَات الَّتِي تلقاها آدم من ربه فَتَابَ عَلَيْهِ هِيَ قَوْله اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير الغافرين وَلما رَجَعَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام من الْحَج وجد وَلَده قابيل قتل وَلَده هابيل وَلم يدر مَا يصنع بِهِ فَحَمله على عَاتِقه فِي جراب وَقد أروح وأنتن شدخ رَأسه بَين حجرين قيل عِنْد عقبَة حراء وَقيل بعقبة أَيْلَة وَقيل بالقدس وبسبب قَتله شاكت الْأَشْجَار وتغيرت الْأَطْعِمَة وحمضت الْفَوَاكِه وتمرر المَاء فَحزن آدم على هابيل حزنا عَظِيما وَسبب قَتله أَن من شرع آدم عَلَيْهِ السَّلَام تَزْوِيج أُنْثَى الْبَطن الأول بِذكر الْبَطن الثَّانِي لِأَن حمل حَوَّاء توأم فولد قابيل وَأُخْته إقليميا وَولد هابيل وَأُخْته ليوذا وَكَانَت أُخْت قابيل بديعة جدا فكره قابيل أَن يُعْطِيهِ إِيَّاهَا وَأَرَادَهَا لنَفسِهِ فقربا إِلَى الله قرباناً فَمن قبل قربانه أَخذ إقليميا فَقَالَ هابيل أَنا رَاض بِكُل مَا حكمت قربت أَو لَا تقبل مني أَو لَا فَقَالَ قابيل تقرب فَخَرَجَا إِلَى جبل من جبال مَكَّة وَقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 إِلَى منى ثمَّ قرب كل مِنْهُمَا قربانه فَكَانَ قرْبَان هابيل من أبكار غنمه وأسمنها بسماحة وَطيب نفس وقربان قابيل قمحاً لم يبلغ وَأَكْثَره زيوان وَعَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر بن عَليّ قرب قابيل من زرعه مَا لم ينق وَقَامَ هابيل يَدْعُو الله وقابيل يُغني ويلهو وَإِذا رأى هابيل يُصَلِّي يضْحك وَقَالَ أَظن صَلَاتك لتخدع آدم ليزوجك أُخْتِي لَئِن تقبل قربانك لأَقْتُلَنك فاقل هابيل {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَقِينَ} الْمَائِدَة 27 الْآيَات فَنزلت نَار بَيْضَاء من السَّمَاء يسمع لَهَا زجل بالتسبيح فَرفعت قرْبَان هابيل فَوَثَبَ إِلَيْهِ قابيل ليبطش بِهِ قَائِلا وَالله لأَقْتُلَنك فَتَركه هابيل وَانْصَرف ليعلم أَبَاهُ فَلحقه قابيل قيل بعقبة حراء دون ثبير وَقيل فِي مَوضِع آخر كَمَا تقدم قَالَ الإِمَام الْعَلامَة الْحسن بن عَليّ الحائني فِي كِتَابه الْمُسَمّى حقيبة الْأَسْرَار وجهينة الْأَخْبَار فِي معرفَة الأخيار والأشرار فَذكر فِيهِ زَوَائِد أَحْبَبْت إيرادها تَكْمِلَة للفائدة وَإِن كَانَ بَعْضهَا قد تقدم قَالَ روينَا عَن مَشَايِخنَا بسندنا الْمُتَقَدّم وَكَانَ سرد سنداً لَا نطول بِذكرِهِ عَن الشَّيْخ منتجب الدّين أبي الْحسن عَليّ بن عبيد الله ابْن الْحسن الْمَدْعُو حسكاً عَن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن بابويه يرفعهُ إِلَى جَابر عَن أبي جَعْفَر عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ سُئِلَ أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل كَانَ فِي الأَرْض خلق من خلق الله يعْبدُونَ الله قبل آدم وَذريته قَالَ نعم كَانَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض خلق من خلق الله يقدسون الله ويسبحونه ويعظمونه بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار لَا يفترون فَإِن الله لما خلق الْأَرْضين خلقهَا قبل السَّمَوَات ثمَّ خلق الْمَلَائِكَة روحانيين لَهُم أَجْنِحَة يطيرون بهَا حَيْثُ شَاءَ الله فأسكنهم الله فِيمَا بَين أطباق السَّمَوَات يقدسونه وَاصْطفى مِنْهُم إسْرَافيل وَمِيكَائِيل وجبرائيل ثمَّ خلق فِي الأَرْض الْجِنّ روحانيين لَهُم أَجْنِحَة فخلقهم دون الْمَلَائِكَة وخفضهم أَن يبلغُوا مبلغ الْمَلَائِكَة فِي الطيران وَغَيره وأسكنهم فِيمَا بَين أطباق الْأَرْضين السَّبع وفوقهن يقدسون الله لَا يفترون ثمَّ خلق خلقا دونهم لَهُم أبدان وأرواح بِغَيْر أَجْنِحَة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ نسناس أشباه خلقهمْ وَلَيْسوا بإنس وأسكنهم أوساط الأَرْض على ظهرهَا مَعَ الْجِنّ يقدسون الله لَا يفترون وَكَانَ الْجِنّ تطير فِي السَّمَاء فَتلقى الْمَلَائِكَة فيسلمون عَلَيْهِم ويزورونهم ويستريحون إِلَيْهِم ويتعلمون مِنْهُم الْخَيْر ثمَّ إِن طَائِفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 من الْجِنّ والنسناس الَّذين خلقهمْ الله وأسكنهم أوساط الأَرْض تمردوا وبغوا فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَعلا بَعضهم على بعض من العتو وَسَفك الدِّمَاء فِيمَا بَينهم وجحدوا الربوبية وأقامت الطَّائِفَة المطيعون على طَاعَة الله وباينوا الطَّائِفَتَيْنِ من الْجِنّ والنسناس الَّذين عتوا عَن أَمر الله فحط الله أَجْنِحَة الطَّائِفَة العاتية من الْجِنّ فَكَانُوا لَا يقدرُونَ على الطيران إِلَى السَّمَاء لما ارتكبوا من الذُّنُوب وَكَانَت الطَّائِفَة المطيعة من الْجِنّ تطير إِلَى السَّمَاء اللَّيْل وَالنَّهَار على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَكَانَ إِبْلِيس واسْمه الْحَارِث يظْهر للْمَلَائكَة أَنه من الطَّائِفَة المطيعة ثمَّ خلق الله خلقا على خلاف خلق الْمَلَائِكَة وعَلى خلاف خلق الْجِنّ وعَلى خلاف خلق النسناس يدبون كَمَا تدب الْهَوَام فِي الأَرْض يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام من مرَاعِي الأَرْض كلهم ذكران لَيْسَ فيهم أُنْثَى لم يَجْعَل الله فيهم شَهْوَة النِّسَاء وَلَا حب الْأَوْلَاد وَلَا الْحِرْص وَلَا طول الأمل وَلَا لَذَّة عَيْش لَا يلْبِسهُمْ اللَّيْل وَلَا يَغْشَاهُم النَّهَار لَيْسُوا ببهائهم وَلَا هوَام لباسهم ورق الشّجر وشربهم من الْعُيُون الغزار والأودية الْكِبَار ثمَّ أَرَادَ الله أَن يُفَرِّقهُمْ فرْقَتَيْن فَجعل فرقة خلف مطلع الشَّمْس من وَرَاء الْبَحْر فكون لَهُم مَدِينَة أَنْشَأَهَا لَهُم تسمى جابرسا طولهَا اثْنَا عشر ألف فَرسَخ فِي اثْنَي عشر ألف فَرسَخ وَكَون عَلَيْهَا سوراً من حَدِيد يقطع الأَرْض إِلَى السَّمَاء ثمَّ أسكنهم فِيهَا وأسكن الْفرْقَة الْأُخْرَى خلف مغرب الشَّمْس من وَرَاء الْبَحْر وَكَون لَهُم مَدِينَة أَنْشَأَهَا لَهُم تسمى جابلقا طولهَا اثْنَا عشر ألف فَرسَخ فِي اثْنَي عشر ألف فَرسَخ وَكَون لَهُم سوراً من حَدِيد يقطع إِلَى السَّمَاء وأسكن الْفرْقَة الْأُخْرَى فِيهَا لَا يعلم أهل جابرسا بِموضع أهل جابلقا وَلَا يعلم أهل جابلقا بِموضع أهل جابرسا وَلَا يعلم بهَا أهل أوساط الأَرْض من الْجِنّ والنسناس فَكَانَت الشَّمْس تطلع على أهل أوساط الأَرْض من الْجِنّ والنسناس فينتفعون بحرها ويستضيئون بنورها ثمَّ تغرب فِي عين حمئة فَلَا يعلم بهَا أهل جابلقا إِذا غربت وَلَا يعلم بهَا أهل جابرسا إِذا طلعت لِأَنَّهَا تطلع من دون جابرسا وتغرب من دون جابلقا فَقيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ يبصرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ويحيون وَكَيف يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَلَيْسَ تطلع عَلَيْهِم فَقَالَ رَضِي الله عَنهُ إِنَّهُم يستضيئون بِنور الله فهم فِي أَشد ضوء من لون الشَّمْس وَلَا يرَوْنَ الله خلق شمساً وَلَا قمراً وَلَا نجوماً وَلَا كواكب لَا يعْرفُونَ شَيْئا غَيره قيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَيْنَ إِبْلِيس عَنْهُم؟ قَالَ لَا يعْرفُونَ إِبْلِيس وَلَا يسمعُونَ بِذكرِهِ وَلَا يعْرفُونَ إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لم يكْتَسب أحد مِنْهُم قطّ خَطِيئَة وَلم يقترف إِثْمًا لَا يسقمون وَلَا يهرمون وَلَا يموتون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يعْبدُونَ الله لَا يفترون اللَّيْل وَالنَّهَار عِنْدهم سَوَاء قَالَ وَإِن الله أحب أَن يخلق خلقا وَذَلِكَ بعد مَا مضى للجن والنسناس سَبْعَة آلَاف سنة فَلَمَّا كَانَ من خلق الله أَن يخلق آدم للَّذي أَرَادَ من التَّدْبِير وَالتَّقْدِير فِيمَا هُوَ مكونه فِي السَّمَوَات وَالْأَرضين كشط عَن أطباق السَّمَوَات ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة انْظُرُوا إِلَى أهل الأَرْض من خلقي من الْجِنّ والنسناس هَل ترْضونَ أَعْمَالهم وطاعتهم فَاطَّلَعُوا وَرَأَوا مَا يعْملُونَ من الْمعاصِي وَسَفك الدِّمَاء وَالْفساد فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق فأعظموا ذَلِك وغضبوا لله وأسفوا على أهل الأَرْض وَلم يملكُوا غضبهم وَقَالُوا يَا رَبنَا أَنْت الْعَزِيز الْجَبَّار الظَّاهِر الْعَظِيم الشَّأْن وَهَؤُلَاء كلهم خلقك الضَّعِيف الذَّلِيل فِي أَرْضك كلهم يَتَقَلَّبُونَ فِي قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بِمثل هَذِه الذُّنُوب الْعِظَام لَا تغْضب عَلَيْهِم وَلَا تنتقم مِنْهُم لنَفسك بِمَا تسمع مِنْهُم وتري وَقد عظم ذَلِك علينا وأكبرناه فِيك فَلَمَّا سمع الله تَعَالَى الْمَلَائِكَة قَالَ إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة فَيكون حجتي على خلقي فِي أرضي فَقَالَت الْمَلَائِكَة سُبْحَانَكَ {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} الْبَقَرَة 30 فَقَالَ الله تَعَالَى يَا ملائكتي {إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} الْبَقَرَة 30 إِنِّي أخلق خلقا بيَدي أجعَل من ذرياته خلفائي على خلقي فِي أرضي ينهونهم عَن معصيتي وينذرونهم ويهدونهم إِلَى طَاعَتي ويسلكون بهم طَرِيق سبيلي أجعلهم حجَّة لي عذرا أَو نذرا وَألقى الشَّيَاطِين من أرضي وأطهرها مِنْهُم فأسكنهم فِي الْهَوَاء وأقطار الأَرْض والفيافي فَلَا يراهم خلق وَلَا يرَوْنَ شخصهم فَلَا يجالسونهم وَلَا يخالطونهم وَلَا يواكلونهم وَلَا يشاربونهم وأنفر مَرَدَة الْجِنّ العصاة من نسل بريتي وَخلقِي وخيرتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَلَا يجاورون خلقي وَأَجْعَل بَين خلقي وَبَين الجان حِجَابا فَلَا يرى خلقي شخص الْجِنّ وَلَا يجالسونهم وَلَا يشاربونهم وَلَا يتهجمون بهمجهم وَمن عَصَانِي من نسل خلقي الَّذِي عَظمته واصطفيته لنَفْسي أسكنهم مسَاكِن العصاة وأوردهم موردهم وَلَا أُبَالِي فَقَالَت الْمَلَائِكَة {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنَتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الْبَقَرَة 32 فَقَالَ للْمَلَائكَة إِنِّي خَالق بشرا من صلصال من حمأ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فقعوا لَهُ ساجدين} الْحجر 28 29 وَكَانَ ذَلِك من الله تقدمة للْمَلَائكَة قبل أَن يخلقه احتجاجاً مِنْهُ عَلَيْهِم وَمَا كَانَ الله ليغير مَا بِقوم إِلَّا بعد الْحجَّة عذرا أَو نذرا فَأمر تبَارك وَتَعَالَى ملكا من الْمَلَائِكَة فاغترف غرفَة بِيَمِينِهِ فصلصلها فِي كَفه فجمدت فَقَالَ الله عز وَجل مِنْك أخلق وَفِي رِوَايَة اغترف تبَارك وَتَعَالَى غرفَة من المَاء العذب الْفُرَات فصلصلها فجمدت فَقَالَ لَهَا مِنْك أخلق النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وعبادي الصَّالِحين وَالْأَئِمَّة المهديين والدعاة إِلَى الْجنَّة وأتباعهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون يَعْنِي خلقه ثمَّ اغترف غرفَة من المَاء المالح الأجاج ذَات الشمَال فصلصلها فجمدت فَقَالَ لَهَا مِنْك أخلق الجبارين والفراعنة وأئمة الْكفْر الدعاة إِلَى النَّار وأتباعهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَشرط فِي هَؤُلَاءِ النداء وَلم يشْتَرط فِي أَصْحَاب الْيَمين النداء ثمَّ خلط الطينتين ثمَّ أكفأهما ثَلَاثَة قُدَّام عَرْشه وروى أَنه تَعَالَى فرق الطينتين ثمَّ رفع لَهما نَارا فَقَالَ ادخلوها بإذني فَدَخلَهَا أَصْحَاب الْيَمين وَكَانَ أول من دَخلهَا مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ اتبعهم أولو الْعَزْم وأوصياؤهم وأتباعهم فَكَانَت عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا وأبى أَصْحَاب الشمَال أَن يدخلوها فَقَالَ للْجَمِيع كونُوا طيناً بإذني ثمَّ خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فَمن كَانَ من هَؤُلَاءِ لَا يكون من هَؤُلَاءِ من كَانَ من هَؤُلَاءِ لَا يكون من هَؤُلَاءِ ثمَّ قَالَ الْعَالم عَلَيْهِ السَّلَام للَّذي حَدثهُ من موَالِيه فَمَا ترى من ترف أَصْحَابك فمما أَصَابَهُم من لطخ أهل الشمَال وَمَا رَأَيْت من حسن سِيمَا ووقار فِي مخالفيك فمما أَصَابَهُم من لطخ أَصْحَاب الْيَمين وروى أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى الله فَأمره بِأَرْبَع طَبَقَات بَيْضَاء وحمراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وغبراء وسوداء من حزن الأَرْض وسهلها ثمَّ أَتَاهُ بِأَرْبَع مياه عذب ومالح وَمر ونتن وَأمره بِأَن يفرغ المَاء فِي الطين فَلم يفضل من الطين شَيْء يحْتَاج إِلَى المَاء وَلَا من المَاء شَيْء يحْتَاج إِلَى الطين وَجعل المَاء العذب فِي حلقه ليجد لَذَّة الْمطعم وَالْمشْرَب والمالح فِي عَيْنَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِك لذابتا والمر فِي أُذُنَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِك لدخلها الْهَوَام والمنتن فِي أَنفه ليجد بِهِ الْإِنْسَان الروائح الطّيبَة وروى فِي القبضة الَّتِي من الطين الَّذِي خلق مِنْهُ آدم أَن الله أَمر جِبْرِيل أَن ينزل إِلَى الأَرْض يبشرها أَن الله يخلق مِنْهَا خلقا يكون صفوة لَهُ يسبحونه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيجْعَل مستقره ومستقر وَلَده بَين أطباقها يخلقهم مِنْهَا ويعيدهم إِلَيْهَا فَفعل ذَلِك جِبْرِيل فاهتزت وابتهجت وَقَامَت تنْتَظر أَمر الله فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يتم وعده أرسل جِبْرِيل ليقْبض مِنْهَا كَمَا أمره فَلَمَّا مد يَده إِلَيْهَا ارتعدت واستعاذت مِنْهُ وَقَالَت أَسأَلك بعزة الله إِلَّا مَا أَمْسَكت عني فتوقف إجلالاً للقسم وَرجع وَقَالَ يَا رب تعوذت بك فَأرْسل الله إسْرَافيل فَقَالَت لَهُ مثل ذَلِك فَرجع فَأرْسل الله مِيكَائِيل فَقَالَت لَهُ مثل ذَلِك فَرجع فَأرْسل إِلَيْهَا عزرائيل فهبط وَمَعَهُ حَرْبَة فركزها فِي وسط الأَرْض ركزة ارتجت واهتزت لَهَا الأرضون وَمَاجَتْ وارتعدت فَمد يَده فَقَالَت لَهُ كَمَا قَالَت لمن قبله فَقَالَ لَهَا اسكتي فإكراهك أحب إِلَيّ من مَعْصِيّة رَبِّي وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أرجع إِلَيْهِ حَتَّى آخذ مِنْك قَبْضَة ثمَّ قبض قَبْضَة من كل لون مِنْهَا فَعَن وهب أَنه نُودي بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَا ملك الْمَوْت مَا الَّذِي صنعت فَأخْبرهُ بِمَا قَالَت الأَرْض فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأسلطنك على قبض أَرْوَاحهم فأعلمها أَنَّك راد عَلَيْهَا جَمِيع مَا أَخَذته مِنْهَا ومعيده إِلَيْهَا فَنزل عزرائيل إِلَى الأَرْض فَقَالَ أيتها الأَرْض لَا تحزني فَإِنِّي راد عَلَيْك الَّذِي أَخَذته مِنْك بِإِذن الله تَعَالَى وجاعله فِي طباقك كَمَا أَمرنِي رَبِّي وسماني ملك الْمَوْت فَلَمَّا جَاءَ ملك الْمَوْت بالقبضة أمره الله أَن يَضَعهَا على بَاب الْجنَّة فوضعها على بَاب جنَّة الفردوس وَأمر الله خَازِن الْجنَّة أَن يعجنها من مَاء التسنيم فعجنها وَقد مضى من يَوْم الْجُمُعَة سبع سَاعَات لِأَن قَبضته أخذت فِي آخر السَّاعَة السَّادِسَة وَأول السَّابِعَة ثمَّ صَارَت طيناً على بَاب الْجنَّة حَتَّى صَارَت لازباً ثمَّ حمأ مسنوناً فِي السَّاعَة الثَّامِنَة فَلَمَّا صوره الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 فَأحْسن صورته جعله أجوف جسداً فخاراً إِلَى أَن بَقِي من يَوْم الْجُمُعَة سَاعَة وَاحِدَة من النَّهَار الَّذِي مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ تِلْكَ السَّاعَة مقدارها من سني الدُّنْيَا ثَلَاث وَثَمَانُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر ( آدم وحواء ) اشتقاق آدم قيل من الأدمة وَهِي نوع سَمُرَة وَقيل من أَدِيم الأَرْض فَإِذا سمى بِهِ ثمَّ نكر صرف وَقيل اسْم الأَرْض الرَّابِعَة أَدِيم وَخلق آدم مِنْهَا فَلذَلِك قيل خلق من أَدِيم الأَرْض وَقيل أَدِيم الأَرْض أدنى الأَرْض الرَّابِعَة إِلَى اعْتِدَال لِأَنَّهُ خلق وسط من الْمَلَائِكَة وَأَن الله تَعَالَى خلقه من أَنْوَاع متضادة وطبائع مُخْتَلفَة لِأَنَّهُ من تُرَاب الأَرْض فجَاء فِيهِ من كل شَيْء فِيهَا فعيناه من ملحها وأذناه من مرها وشفته وَلسَانه وفوه من عذبها ويداه وَرجلَاهُ من حزنها وصدره من سهلها وبطنه وإبطاه من حمئها ومفاصله من حرهَا ولينها وعروقه وأعضاؤه وعظامه من صخرها وَكَانَ سكان الأَرْض قبله الْجِنّ وَقيل الْجِنّ والبن وَقيل الطم والرم وَلما أهلكهم الله وَجعل آدم بدلهم فَقَالَت الْمَلَائِكَة مَا قَالَت فَقَالَ تَعَالَى {إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} الْبَقَرَة 30 وَعَن الْجواد أَن الله خلق آدم وَكَانَ جسده طيناً وَبَقِي أَرْبَعِينَ سنة ملقى تمر بِهِ الْمَلَائِكَة وَتقول لأمر مَا خلقت وَكَانَ إِبْلِيس يدْخل من فِيهِ وَيخرج من دبره فَلذَلِك صَار مافي جَوف ابْن آدم منتناً خبيثاً وَفِي المروج تَركه حَتَّى أنتن وَتغَير أَرْبَعِينَ سنة وَذَلِكَ قَوْله {من حمإ مسنون} الْحجر 28 يَقُول منتن وصوره ثمَّ تَركه بِلَا روح من صلصال كالفخار حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ مائَة وَعِشْرُونَ سنة وَقيل أَرْبَعُونَ سنة وَهِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَى على الْإِنْسَان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمّ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} الْإِنْسَان 1 فَكَانَت الْمَلَائِكَة تمر بِهِ فزعين مِنْهُ وَكَانَ أَشَّدهم فَزعًا إِبْلِيس كَانَ يمر بِهِ فيضربه بِرجلِهِ فَيظْهر لَهُ صَوت صلصلة كظهوره من الفخار وَيدخل من فِيهِ وَيخرج من دبره وَيَقُول لأمر مَا خلقت ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْجُمُعَة السَّادِس من نيسان قَالَ كَعْب إِن روح آدم لَيست كأرواح الْمَلَائِكَة وَلَا غَيرهَا من الْأَرْوَاح فَضلهَا الله تَعَالَى بقوله {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} الْحجر 29 فَأمر روحه أَن يغمسها فِي جَمِيع الْأَنْوَار ثمَّ أمرهَا أَن تدخل فِي جَسَد آدم من أَنفه فَقَالَت مَكَان ضيق فنوديت ادخلي كرها واخرجي كرها فَدخلت فِي مَنْخرَيْهِ ثمَّ ارْتَفَعت فِي خياشيمه ووصلت إِلَى دماغه وَمَاجَتْ فِي رَأسه فأبصر وَسمع وشم وتنفس وَصَارَ بَين عَيْنَيْهِ كالغرة الْبَيْضَاء يتلألأ فَهُوَ نور رَسُول الله وَقيل دخلت من اليافوخ إِلَى عَيْنَيْهِ فَفَتحهَا وَجعل ينظر لنَفسِهِ حَيا فَرَأى فِي سرادق الْعَرْش مَكْتُوب لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله وَلم يقدر على الْكَلَام فَصَارَت الرّوح إِلَى أُذُنَيْهِ فَسمع تَسْبِيح الْمَلَائِكَة ثمَّ جعلت تمر فِي جسده ودماغه وَالْمَلَائِكَة تنظر إِلَيْهِ وَأَن الرّوح انفلتت نازلة إِلَى عُنُقه ثمَّ إِلَى صَدره وجوفه وَتَفَرَّقَتْ فِي جَمِيع أَعْضَائِهِ وعصبه وعروقه فَأمر آدم يَده على رَأسه وَوَجهه فعطس وَقيل إِن الرّوح لما وصلت إِلَى الخياشيم عطس فَلَمَّا لحقت اللِّسَان قَالَ بلغَة عَرَبِيَّة فصيحة وَهِي لُغَة أهل الْجنَّة الْحَمد لله فناداه الرب يَرْحَمك الله رَبك يَا أَبَا مُحَمَّد لهَذَا خلقتك وَهَذَا لَك ولولدك وَلكُل من قَالَ قَوْلك وَلم تزل الرّوح تجْرِي فِي جسده إِلَى أَن وصلت رُكْبَتَيْهِ فاستعجل ليقوم فَسقط فَقَالَ تَعَالَى {وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولاً} الْإِسْرَاء 11 وَلما بلغت السَّاقَيْن والقدمين اسْتَوَى جَالِسا وَقَامَ على قَدَمَيْهِ فِي يَوْم الْجُمُعَة عِنْد زَوَال الشَّمْس فَنَظَرت الْمَلَائِكَة إِلَيْهِ كَأَنَّهُ الْفضة الْبَيْضَاء فَسَقَطت كلهَا سجوداً كَمَا أَمرهم الله تَعَالَى إِلَّا إِبْلِيس فَأبى أَن يكون مَعَ الساجدين فَقَالَ الله تَعَالَى مَا مَنعك أَن تسْجد لآدَم فعصيتني وَكنت لي طَائِعا تنكر على الْجِنّ الْعِصْيَان وَأَنت تجتهد فِي عبادتي وَسَأَلتنِي أرفعك إِلَى سماواتي وأبحتك الولوج من سَمَاء إِلَى سَمَاء وأنزلتك مَعَ الْمَلَائِكَة إِلَى الأَرْض حَتَّى أخلوا الْجِنّ الَّذين أَنْت مِنْهُم فَمَا مَنعك أَلا تكون مَعَ الساجدين كَمَا أَمرتك وَخفت أَن تكون دون آدم فِي الْفضل فَرَجَعت إِلَى أصلك الأول وعصيت كقومك ونقضت عهدي وميثاقي فبعداً لَك وَسُحْقًا فَقَالَ إِبْلِيس (أَنَاْ خَيْرٌ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} الْأَعْرَاف 12 وَالنَّار خير من الطين وَأَنا كنت أطؤه وَهُوَ تُرَاب وَأَنا عبدتك قبله فَقَالَ لَهُ {فَاخْرُجْ مِنْهَا} الْحجر 34 يَعْنِي من السَّمَوَات أَو من الرَّحْمَة أَو الْجنَّة {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} الْحجر 34 وَلما قَامَ آدم أمره الله تَعَالَى أَن يمْضِي إِلَى الْمَلَائِكَة فَيَقُول لَهُم السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَفعل وَكَانَ من ردهم عَلَيْهِ وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقَالَ الله تَعَالَى هَذِه تحيتك وتحية ولدك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهِي تَحِيَّة أهل الْجنَّة ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى أَنْتُم قُلْتُمْ قبل أَن انفخ فِيهِ الرّوح لم نر خلقا اكر على الله وَلَا أعلم منا فأنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين بعد أَن كشف عَن ملكوته لتنظر الْمَلَائِكَة وآدَم إِلَى مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَأذن لأمم الْبَحْر فطفت فَوق المَاء فَقَالُوا لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا فأبان الله فضل آدم على جَمِيع خلقه بِمَا خصّه من الْعلم بمعاني الْأَسْمَاء قيل علمه جَمِيع خلقه وَقيل علمه جَمِيع الْأَسْمَاء والصناعات وَعمارَة الأَرْض والأطعمة والأدوية واستخراج الْمَعَادِن وغرس الْأَشْجَار ومنافعها وَجَمِيع مَا يتَعَلَّق بعمارة الدّين وَالدُّنْيَا وَقيل علمه أَسمَاء الْأَشْيَاء كلهَا مَا خلق وَمَا لم يخلق بِجَمِيعِ اللُّغَات الَّتِي يتَكَلَّم بهَا وَلَده بعده فَأخذ عَنهُ وَلَده اللُّغَات فَلَمَّا تفَرقُوا تكلم كل قوم بِلِسَان ألفوه وتطاول الزَّمَان على مَا خَالف ذَلِك فنسوه وَسُئِلَ الصَّادِق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن قَوْله تَعَالَى {وَعلم آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} الْبَقَرَة 31 فَقَالَ الْأَرْضين وَالْجِبَال والشعاب والأودية ثمَّ نظر إِلَى بِسَاط تَحْتَهُ فَقَالَ وَهَذَا الْبسَاط مِمَّا علمه وَقيل علمه ألقاب الْأَشْيَاء وخواصها وَهُوَ أَن الْفرس يصلح لماذا وَالْحمار لماذا إِلَى غير ذَلِك وَهَذَا أبلغ لِأَن مَعَاني الْأَشْيَاء لَا تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الْأَزْمَان بِخِلَاف الألقاب ثمَّ اخْتلف فِي تَعْلِيمه فَقيل أودع قلبه مَعْرفَتهَا وفتق لِسَانه بهَا فَكَانَ يتَكَلَّم بهَا وَكَانَ ذَلِك معجزاً لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام ناقضاً للْعَادَة فَقَالَ يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ فَعَن ابْن عَبَّاس أَنه تكلم بسبعين لِسَانا أحْسنهَا الْعَرَبيَّة ثمَّ أَمر الْمَلَائِكَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 لتحمله على أكتافها ليَكُون عَالِيا عَلَيْهَا وَيَقُولُونَ قدوس قدوس واصطفت الْمَلَائِكَة عشْرين ألف صف وَأعْطى آدم من الصَّوْت مَا بَلغهُمْ وَوضع لَهُ مِنْبَر الْكَرَامَة وَعَلِيهِ ثِيَاب من السندس الْأَخْضَر وَعَلِيهِ ضفيرتان مرصعتان بالجوهر محشوتان مسكاً وعنبراً من فرقه إِلَى قَدَمَيْهِ على رَأسه تَاج من الذَّهَب لَهُ أَرْبَعَة أَرْكَان فِي كل ركن درة يغلب ضوءها الشَّمْس وَفِي أَصَابِعه خَوَاتِم الْكَرَامَة فانتصب قَائِما وَسلم فأجابته الْمَلَائِكَة فَصَارَ ذَلِك سنة ثمَّ خطب فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي لم يزل فَصَارَ سنة أَيْضا ثمَّ ذكر علم السَّمَوَات وَالْأَرضين وَمَا بَينهمَا بعد أَن أثنى على الله بِمَا هُوَ أَهله فَجعل يُخْبِرهُمْ باسم كل شَيْء من الْبر وَالْبَحْر حَتَّى الذّرة والبعوضة فتعجبت الْمَلَائِكَة من علمه وسبحت وقدست فَقَالَ الله تَعَالَى {ألم أقل لكم إِنِّي أعلم غيب السَّمَاوَات وَالأَرْضِ} الْبَقَرَة 33 ثمَّ نزل من منبره وَقد زَاده الله من نوره أضعافاً وَفِي ذَلِك دلَالَة على ارْتِفَاع قدر آدم عَلَيْهِم وَعَن أبي عبد الله أَنه قَالَ سجدت الْمَلَائِكَة لآدَم وَوَضَعُوا جباههم على الأَرْض وَعنهُ أَنه لما أَمر إِبْلِيس بِالسُّجُود فَقَالَ يَا رب وَعزَّتك إِن أعفيتني من السُّجُود لآدَم لأعبدنك عبَادَة مَا عَبدك أحد قطّ مثلهَا فَقَالَ لَهُ الله تَعَالَى إِنِّي أحب أَن أطَاع من حَيْثُ أُرِيد وَفِي المروج قَالَ يَا رب أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين وَالنَّار اشرف من الطين وَأَنا الَّذِي كنت مُخْتَلفا فِي الأَرْض وَأَنا الملبس بالريش والموشح بِالنورِ والمتوج بالكرامة وَأَنا الَّذِي عبدتك فِي سمائك وأرضك فَقَالَ لَهُ {اخرُج مِنْهَا} الْآيَة الْأَعْرَاف 18 فَسَأَلَهُ المهلة إِلَى يَوْم يبعثون قَالَ بَعضهم فَعِنْدَ ذَلِك تَغَيَّرت خلقته وَنظرت الْمَلَائِكَة إِلَى سوء منظره فَوَثَبت عَلَيْهِ بحرابها يلعنونه وَيَقُولُونَ رجيم رجيم مَلْعُون مَلْعُون فَأول من طعنه جِبْرِيل ثمَّ الْمَلَائِكَة من جَمِيع النواحي وَهُوَ هارب بَين أَيْديهم حَتَّى ألقوه فِي الْبَحْر الْمَسْجُور واضطربت الْمَلَائِكَة وارتجت السَّمَوَات من جراءات إِبْلِيس فِي مُخَالفَة أَمر الله تَعَالَى وَقد كَانَ السُّجُود لله وَالطَّاعَة لآدَم وَلَكِن ظن لَعنه الله أَن التَّفَاضُل بالأصول فَأَخْطَأَ فِي الْقيَاس على أَن الطين الَّذِي خلق مِنْهُ آدم أنور من النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَالنَّار من الشّجر وَالشَّجر من الطين فَغَضب عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ الِانْتِظَار فَأَجَابَهُ وَسُئِلَ الْعَالم عَن السَّبَب فِي إجَابَته فَقَالَ إِنَّه لما أهبط إِلَى الأَرْض يحكم فِيهَا فَغير وَبدل غضب عَلَيْهِ فَسجدَ لَهُ سَجْدَة أَرْبَعَة آلَاف سنة فَجعل الله تِلْكَ السَّجْدَة سَببا للإجابة فِي النظرة إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم ثمَّ إِن الله مسح ظهر آدم فَأخْرج ذُريَّته كَهَيئَةِ الذَّر بَيْضَاء وسوداء ذُكُورا وإناثاً تَاما وناقصاً صَحِيحا وسقيماً على مَا هُوَ خَالِقهَا ثمَّ قَالَ لَهُ هَذِه ذريتك فَقَالَ يَا رب أَلا سويت بَينهم وعافيت الْجَمِيع فَقَالَ إِنِّي أحب أَن أشكر وَأَنا أعلم بخلقي فَنظر آدم إِلَى طَائِفَة من ذُريَّته تتلألأ وُجُوههم فَقَالَ يَا رب من هَؤُلَاءِ الَّذين علت أنوارهم على غَيرهم فَقَالَ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء من ذريتك فَقَالَ يَا رب كم عَددهمْ قَالَ مائَة ألف نَبِي وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف نَبِي مِنْهُم ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة عشر مرسلون أَنْت أَوَّلهمْ وَمُحَمّد ابْنك حَبِيبِي آخِرهم وَهُوَ صَاحب النُّور الْعَظِيم الَّذِي فِي أسارير وَجهك وَهُوَ خَاتم الْأَنْبِيَاء وأشرفهم شَرِيعَة وأفضلهم أمة ولولاه مَا خلقتك وَلَا خلقت جنَّة وَلَا نَارا وَلَا أَرضًا وَلَا سَمَاء فأمن آدم فَقَالَ الله تَعَالَى قد زدتك فضلا وكرامة وكنيتك بِهِ أَنْت أَبُو مُحَمَّد فاعرف مَنْزِلَته مني وَإِذا أردْت حَاجَة فاسألني بِحقِّهِ أقضها لَك وَهُوَ أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَأول شَافِع وَأول مُشَفع وَأول قارع لأبواب الْجنَّة وَأول من يدخلهَا وَقد شرفتك بِهِ وَهُوَ النُّور الَّذِي فِي أسارير وَجهك ينْتَقل مِنْك إِلَى زَوجك حَوَّاء فَإِذا رَأَيْته انْتقل فَاعْلَم أَنِّي نقلته من ظهرك إِلَى وسأنقله من بطن إِلَى ظهر وَمن ظهر إِلَى بطن إِلَى أَن يَأْتِي زَمَانه وَلَا أنقله إِلَّا فِي الأصلاب الزكية والأرحام الطاهرة فَإِذا رَأَيْته انْتقل إِلَى ولدك فَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد والميثاق أَلا يَضَعهُ إِلَّا فِي أطهر النسوان وَأَنا الْمُتَوَلِي لذَلِك إِلَى حِين مولده ثمَّ أَمر الله ذَلِك الذَّر أَن يقومُوا عَن يَمِين آدم وشماله فَقَالَ الله اختر إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَاخْتَارَ الْيَمين وهم الْأَنْبِيَاء والمرسلون لما رأى من أنوارهم وَأخْبرهُ بِأَسْمَائِهِمْ نَبيا نَبيا ورسولاً رَسُولا وعرفه أَعْمَالهم وشرائعهم وَمَا يلقون من المهم ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى هَؤُلَاءِ ذريتك آخذ ميثاقهم أَن يعبدوني وَلَا يشركوا بِي شَيْئا وَعلي أَرْزَاقهم قَالَ نعم فَقَالَ الله تَعَالَى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ربكُم فَقَالُوا إلهاماً أَنْت رَبنَا وخالقنا فَقَالَ الله يَا آدم اشْهَدْ واشهدوا يَا ملائكتي وَأشْهد أَنا وكفي بِي شَهِيدا لِئَلَّا يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين ثمَّ ردهم إِلَى ظهر آدم وَقد أَخذ عَلَيْهِم الْعَهْد والميثاق ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى يَا آدم قد كشف عَن بَصرك فأريتك جَمِيع خلقي وَلم يخف عَلَيْك شَيْء فَهَل رَأَيْت لَك فيهم شَبِيها فَقَالَ لَا يَا رب لقد فضلتني فلك الْحَمد كثيرا فَاجْعَلْ لي زوجا مني أسكن إِلَيْهَا وآنس بهَا نسبحك ونقدسك جَمِيعًا فَقَالَ تَعَالَى إِنِّي فَاعل ذَلِك وتنسلان خلقا خلقته فِي ظهرك ولي فِي ذَلِك تَدْبِير وَأَنا على كل شَيْء قدير فَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لما اخْرُج إِبْلِيس من الْجنَّة بَقِي آدم وَحده فاستوحش فخلقت لَهُ حَوَّاء ليسكن إِلَيْهَا وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى ألْقى عَلَيْهِ النّوم وَذَلِكَ فِي أول نعسة نعس فَنَامَ فَأخذ مِنْهُ ضلعاً وَخلق مِنْهُ حَوَّاء وَهُوَ أول ضلعه الْقصير الْأَيْسَر مِمَّا يَلِي قلبه ثمَّ أرَاهُ فِي مَنَامه بقدرته كَيفَ خلقهَا وَهِي أول رُؤْيا رَآهَا ثمَّ انتبه فَإِذا عِنْد رَأسه امْرَأَة جالسة أشبه بِهِ خلقا ووجهاً إِلَّا أَنه أعظم فِي الطول والجسم وَالْحسن وَالْجمال فَقَالَ الله تَعَالَى هَذِه مثلك وَمن جنسك وَهِي زَوجك فأنس بهَا وَسكن إِلَيْهَا وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهَا من أَنْت قَالَت امْرَأَة قَالَ لم خلقت قَالَت لتسكن إِلَيّ فَقَالَت الْمَلَائِكَة مَا اسْمهَا يَا آدم قَالَ حَوَّاء قَالُوا وَلم سميت حَوَّاء قَالَ لِأَنَّهَا خلقت من شَيْء حَيّ فَعندهَا قَالَ الله تَعَالَى {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الْبَقَرَة 35 وَسميت امْرَأَة لِأَنَّهَا خلقت من الْمَرْء يَعْنِي آدم وسمى النِّسَاء نسَاء لِأَنَّهُ لم يكن لآدَم أنيس غير حَوَّاء وَفِي كتاب النُّبُوَّة خلق الله آدم من الطين وَخلق حَوَّاء من آدم فهمة الرِّجَال المَاء والطين وهمة النِّسَاء الرِّجَال وَفِي حَدِيث بَدْء النَّسْل عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قيل فَإِن أُنَاسًا يَقُولُونَ إِن حَوَّاء خلقت من ضلعه الْأَيْسَر فَقَالَ تَعَالَى الله عَن ذَلِك ألم يكن لله من الْقُدْرَة مَا يخلق لآدَم زَوْجَة من غير خلقه وَيبقى لمتكلم أهل الشِّيعَة سَبِيلا إِلَى قَوْله إِن آدم كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ينْكح بعضه بَعْضًا ثمَّ ذكر نزُول نزله ومنزله وَقيل إِن معنى كَونهَا أخذت من ضلع آدم أَن المُرَاد الضلع الحسابي فَإِنَّهَا ضلع من أضلاع آدم كَمَا هُوَ مُقَرر فِي علم الأوفاق قَالَ بعض المغاربة فِي كَلَامه على وفْق زحل هَذَا فَإِن جملَة أعداد حُرُوف الوفق خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ هِيَ مَجْمُوع قَوْلك آدم لِأَن كل ضلع مِنْهُ وكل ب ط د ز وَج وَا ح شطر من أشطاره جملَته خَمْسَة عشر وَهُوَ جملَة اسْم حَوَّاء قَالَ وَله مُنَاسبَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن حَوَّاء خلقت من ضلع آدم وَقد ظهر مَعَ هَذَا اسْم حَوَّاء فِي الوفق فِي السطر الثَّالِث وَهُوَ واح بِتَقْدِيم وَتَأْخِير وَسمعت عَن بعض عُلَمَاء عصرنا أَن المُرَاد بِكَوْنِهَا أخذت من ضلعه هَذَا الْمَعْنى قلت أذكر فِي هَذَا القَوْل بَيْتا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ (مَنْ كانَ آدم جُملاً فِي سنِّنهِ ... هَجَرتهُ حوَّاءُ السنينَ مِنَ الدِّمَا) وَهُوَ مِمَّا يطارح بِهِ الأدباء فَفِيهِ نوع رقة يدريها من طبعه فِيهِ دقة انْتهى وَعَن وهب أَن الله خلق حَوَّاء من فضل طِينَة آدم على صورته وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا كَانَت فِي طول آدم وَحسنه وَلها سَبْعمِائة ضفيرة مرصعة بالياقوت محشوة بالمسك وَكَانَت متوجة على صُورَة آدم غير أَنَّهَا أرق مِنْهُ جلدا وأخفى صَوتا وأدعج عينا وأملح ثغراً وألطف بناناً وألين كفا وروى أَنه لما ابتدع لَهُ خلق حَوَّاء وَقد ألْقى عَلَيْهِ السبات جعلهَا فِي مَوضِع النقرة الَّتِي بَين وركيه لكَي تكون الْمَرْأَة تبعا للرجل فَأَقْبَلت تتحرك فانتبه لتحركها فَلَمَّا انتبه نوديت أَن تنحى عَنهُ فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا نظر إِلَى خلق حسن يشبه صورته غير أَنَّهَا أُنْثَى فكلمها وكلمته بلغته فَقَالَ لَهَا من أَنْت فَقَالَت أَنا خلق خلقني الله تَعَالَى كَمَا ترى فَقَالَ آدم عِنْد ذَلِك يَا رب مَا هَذَا الْخلق الْحسن الَّذِي قد آنستني قربه وَالنَّظَر إِلَيْهِ فَقَالَ الله تَعَالَى يَا آدم هَذِه أمتِي حَوَّاء فتحت أَن تكون مَعَك فتؤنسك وتحدثك وَتَكون تَابِعَة لأمرك فَقَالَ نعم يَا رب لَك عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 بذلك الْحَمد وَالشُّكْر مَا بقيت قَالَ فاخطبها إِلَيّ فَإِنَّهَا أُنْثَى وَقد تصلح لَك زَوْجَة للشهوة وَألقى الله تَعَالَى عَلَيْهِ الشَّهْوَة وَقد علمه قبل ذَلِك الْمعرفَة لكل شَيْء فَقَالَ يَا رب إِنِّي أخطبها إِلَيْك فَمَا رضاك لذَلِك قَالَ مرضاتي أَن تعلمهَا معالم ديني قَالَ تذلك لَك يَا رب إِن شِئْت ذَلِك لي فَقَالَ قد شِئْت ذَلِك وَقد زوجتكها فَضمهَا إِلَيْك فَقَالَ لَهَا آدم إِلَيّ فأقبلي فَقَالَت بل أَنْت فَأمره الله تَعَالَى إِن يقوم إِلَيْهَا فَقَامَ وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ النِّسَاء يقمن إِلَى الرِّجَال وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَنه فضل من طِينَة آدم فضلَة فخلق الله مِنْهَا النَّخْلَة فَلذَلِك إِذا قطع رَأسهَا لم تنْبت وتحتاج إِلَى اللقَاح وَهِي أول شَيْء اهتز على وَجه الأَرْض وَعَن ابْن عَبَّاس بَقِي من طِينَة آدم شَيْء فحلقه فجَاء مِنْهُ الْجَرَاد وَقيل إِن حَوَّاء خلقت من قبل أَن يدْخل آدم الْجنَّة ثمَّ أدخلا مَعًا فَعَن كَعْب أَن الله خلق الميمون لآدَم قبل خلقه بِأَلف عَام من الكافور والمسك والزعفران ومزج بِمَاء الْحَيَوَان وَله عرفان من المرجان وناصيته من الْيَاقُوت وحوافره من الزبرجد بسرج من زبرجد ولجام من ياقوت وَله أَجْنِحَة من ألوان الْجَوْهَر فَاسْتَوَى على ظَهره وَخلق لحواء نَاقَة اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا وَسَار إِلَى الْجنَّة وحواء من وَرَائه وَلم يبْق فِيهَا طَائِر وَلَا شَجَرَة إِلَّا وتثنى على آدم وَإِذا فِي وسط الْجنَّة سَرِير لَهُ سَبْعمِائة قَائِمَة عَلَيْهِ فرش من السندس والإستبرق وَبَين الْفرش كُثْبَان العنبر والمسك فَجَلَسَا عَلَيْهِ وَكَانَ آدم ينزل عَن السرير فَيَمْشِي وحواء خَلفه تسحب ضفائرها وَالْمَلَائِكَة تنثر عَلَيْهِمَا من نثار الْجنَّة حَتَّى يرجعان قَالَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد وَألقى الله فِي قلب آدم محبَّة حَوَّاء والشغف بهَا فَجعل يرد بَصَره عَنْهَا وَكَانَ لَوْنهَا كلون اللؤلؤة الْبَيْضَاء الصافية رقيقَة الْبشرَة رخيمة الْكَلَام لينَة الْأَطْرَاف قد طهرت وقدست وكسيت نورا وبهجةً وجمالاً ودلالاً وكمالاً وتوجت وقرطت وسورت ودملجت وكللت غدائرها بِاللُّؤْلُؤِ وَكَانَ الله تَعَالَى قد كساها وكسا آدم من قبلهَا عوضا من الْجلد لباساً من الظفر الَّذِي بَقِي فِي أَطْرَاف الْأَصَابِع أبقاه الله لَهُ زِينَة على أَطْرَاف أناملهم يتوارثونه عَنهُ فَكَانَ لباسهما حِينَئِذٍ وَكَانَ لَهُ نور سَاطِع كَاللُّؤْلُؤِ الْأَبْيَض لَا يتدنس وَلَا يبْلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَكَانَ آدم أجمل من حَوَّاء طوله سِتُّونَ ذِرَاعا وَوَجهه كالدر الممازج الْيَاقُوت الْأَحْمَر بِشعر أسود أَجْعَد على بياضه وَله عينان كحلاوان وأنف أقنى وفم أَسْنَانه كالدر المنظوم وشفتان حمراوتان وبطن كبطن الْقبَاطِي وعرقه يفوح كالمسك وَلَا يتَغَيَّر مِنْهُ ذَلِك على طول الْمدَّة إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ كلما ازْدَادَ إِلَيْهَا نظرا ازْدَادَ لَهَا محبَّة فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي مَا خلقتها مِنْك إِلَّا لَك زوجا وإلفاً فأزوجكها بعهدي وميثاقي حَتَّى أسكنكما جنتي وَدَار كَرَامَتِي على أَن تطيعاني وَلَا تخالفا أَمْرِي فَقَالَ يَا رب أَنا فَاعل ذَلِك وممتثل أَمرك وَمَا تشرطه عَليّ فَأمر الله جِبْرِيل أَن يكون الْخَاطِب وَرب الْعَالمين الْوَلِيّ وَالْمَلَائِكَة الشُّهُود فَخَطب جِبْرِيل وَزوج الله حَوَّاء بِآدَم وَقَالَ لَهُ هَات صدَاق أمتِي قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ سبحني ألف تَسْبِيحَة على نفس وَاحِد فسبح خَمْسمِائَة وَانْقطع فَقَالَ هَذَا معجل الصَدَاق والخمسمائة مُؤَجّلَة فَلهَذَا جعل فِي الْمهْر الْمُعَجل والمؤجل فَلَمَّا زوجه الله بهَا أَمر رضوَان يزخرف الْجنَّة لعرسه وَأَن يوضع لآدَم مِنْبَر من النُّور فعلاه آدم وحواء إِلَى جَانِبه وألبسهما من حلل الْجنَّة وتوجهما وَأمر الخزنة أَن تنثر عَلَيْهِمَا اللُّؤْلُؤ والمسك وَأمر الْمَلَائِكَة بالتقاط نثار آدم تبركاً بِهِ وَأمر رضوَان يخرج لَهُ فرسا من خُيُول الْجنَّة فَأخْرج لَهُ فرسا من الكافور لَهُ جَنَاحَانِ أخضران منظومان بالدر والياقوت عَلَيْهِ سرج من الْجنَّة ولجام من النُّور فَرَكبهُ فَلَمَّا اسْتَوَى فِي ظَهره جمح وَكَانَ جمحه تسبيحاً وتقديساً فألهم الله آدم إِن قَالَ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ} الزخرف 13 ثمَّ أخرج لحواء نَاقَة من نُوق الْجنَّة من العنبر الْأَشْهب عَلَيْهِ هودج اللُّؤْلُؤ وقبة من الْيَاقُوت الْأَحْمَر قد غشيت بالإستبرق وخطامها وكورها من اللُّؤْلُؤ الرطب الْأَبْيَض فَلَمَّا اسْتَوَت حَوَّاء فِي وسط الْقبَّة أسبلت عَلَيْهَا الستور وَأمر الْمَلَائِكَة أَن يزفوهما إِلَى الْجنَّة ويمشوا بَين أَيْدِيهِمَا ووراءهما وحولهما يهللون وَيُكَبِّرُونَ فطافت الْمَلَائِكَة بفرس آدم وناقة حَوَّاء وهما يخترقان صوف الْمَلَائِكَة فِي طرق السَّمَوَات وَلَا يَمرونَ بملأ إِلَّا سلمُوا عَلَيْهِمَا ورحبوا بهما وَقَالُوا هَنِيئًا لَك يَا آدم بِمَا أَعْطَاك وزوجك حَوَّاء طُوبَى لَك يَا آدم وبعداً لإبليس عَدوك حَتَّى انتهيا إِلَى بَاب الْجنَّة أَمر الله تَعَالَى للْمَلَائكَة إِن يوقفوهما حَتَّى يَأْمُرهُ وينهاه ويحذره عدوه فأوقفوه فمما قَالَ هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 جنتي أبحتك إِيَّاهَا وجعلتها مسكنا لَك ولزوجك {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تقرَبَا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين} الْبَقَرَة 35 وَأمر الله بإبليس فَوقف بَين يَدي آدم وَقَالَ لَهُ {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَك أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى} الْآيَة طه 117 118 احفظ وصيتي وَكن بَاقِيا على عهدي وَترك معصيتي وَقد أبحتك الْجنَّة كلهَا إِلَّا هَذِه الشَّجَرَة فإياك أَن تَقربهَا فَتكون ظَالِما لنَفسك وَمَتى أكلتها خَالَفت أَمْرِي وأخرجتك من جواري فَقَالَ آدم قد سَمِعت وَلَا أعصى لَك أمرا وَلَا أقبل من عدوي صرفا وَلَا نصرا فَأَي شَجَرَة هِيَ حَتَّى أعرفهَا وأتجنبها فَأمر الله رضوَان فأوقفه عَلَيْهَا وَقَالَ لَهُ ولحواء احذرا أَن يغويكما عدوكما فَإِنَّهُ حَرِيص على إخراجكما من الْجنَّة فإياكما أَن تطيعاه فَإِن أكلتما بَدَت سوءاتكما وَغَضب عَلَيْكُمَا رَبكُمَا فَعرف آدم الشَّجَرَة وَعرف موضعهَا وَاخْتلف فِي الشَّجَرَة فَقيل شَجَرَة البطم وَهُوَ الْقَمْح وَكَانَت الْحبَّة مِنْهَا كالكلوة من الْبَعِير أحلى من الْعَسَل وألين من الزّبد وَهِي الفوم بالعبرانية وَكَانَ لون حبها كلون الثَّلج وَقيل إِنَّهَا التينة وَقيل أَنَّهَا الكرمة وَقيل شَجَرَة الْخلد الَّتِي كَانَت الْمَلَائِكَة تَأْكُل مِنْهَا وَقيل شَجَرَة الكافور وَعَن ابْن بابويه بِإِسْنَادِهِ يرفعهُ إِلَى عبد السَّلَام بن صَالح الْهَرَوِيّ قَالَ قلت للرضا عَلَيْهِ السَّلَام أخبرنَا عَن الشَّجَرَة الَّتِي أكل مِنْهَا آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام مَا كَانَت فقد اخْتلف النَّاس فِيهَا فَقَالَ يَا أَبَا الصَّلْت إِنَّمَا الشَّجَرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 بِالْجنَّةِ تحمل أنواعاً فَكَانَت شَجَرَة الْحِنْطَة وفيهَا عِنَب وَلَيْسَت كشجرة الدُّنْيَا وترجل آدم عَن الْفرس وحواء عَن النَّاقة وأقبلا يأكلان من ثمار الْجنَّة ويشربان من أنهارها مَا أحبا لَبَنًا أَو مَاء أَو خمرًا والأغصان تميل عَلَيْهِمَا ليأخذا مِنْهَا فَإِذا أخذا أنبت الله مَوضِع الْمَأْخُوذ خيرا مِنْهُ ويأكلان من الطير مَا أَرَادَا مشوياً ومطبوخاً وَكلما أكلا عضوا أنبت الله مَكَانَهُ فَإِذا اكتفيا انتفض الطَّائِر طيراً كَمَا كَانَ بِإِذن الله تَعَالَى فيرفرف بجناحه عَلَيْهِمَا وَيَقُول بِصَوْت مطرب الْحَمد لله الَّذِي جعلني طَعَاما لأوليائه ثمَّ يأتيهما غلْمَان مخلدون فيضعون بَين أَيْدِيهِمَا مَوَائِد الدّرّ والياقوت عَلَيْهَا الْأَطْعِمَة والفواكه ويحفون مجلسهما بالطيب والرياحين والأشربة فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ والغلمان على رءوسهما بأكواب الذَّهَب وأباريق الْفضة وقوارير الْيَاقُوت فِيهَا أَنْوَاع الْأَشْرِبَة وَالدَّوَاب وَالطير وَغير ذَلِك يسلمُونَ عَلَيْهِمَا ويهنئونهما بالنعيم وَيَقُولُونَ فضل الله آدم على جَمِيع خلقه وَكَانَ الله ألبس آدم خَاتمًا من النُّور وَقَالَ هَذَا خَاتم الْعِزّ خلقته لَك فَلَا تنس فِيهِ عهدي وَإِن نَسِيته خلعته عَنْك وألبسته من لَا ينسى عهدي وأورثه خلافتي فَقَالَ يَا رب من هَذَا الَّذِي تورثه خلافتك فَقَالَ لَهُ ولدك سُلَيْمَان أجعله نَبيا ملكا على سَائِر ولدك وعَلى سَائِر الْجِنّ وَكَانَ فِي إِصْبَع آدم لَهُ نور عَظِيم كَالشَّمْسِ فَلَمَّا نسى الْعَهْد طَار الْخَاتم من إصبعه حَتَّى استجار بِرُكْن من أَرْكَان الْعَرْش وَقَالَ يَا رب هَذَا آدم رفضني وَأَنت قد طهرتني فَقَالَ لَهُ اسْتَقر فلك الْأمان فَكَانَ هُنَالك حَتَّى وهبه الله لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَلم يزل آدم فِي الْجنَّة وحواء وإبليس يتجسس عَن أخبارهما وَيسْأل كل من خرج من الْجنَّة عَنْهُمَا وَلَا يقدر أَن يدخلهَا لِأَن خدامها كَانَت تطرده وتعلمه إِن آدم وزوجه مقيمان فِي نعيم الْجنَّة فَكَانَ يتَقَدَّم إِلَى بَاب الْجنَّة فيقف على قَدَمَيْهِ مسبلاً جناحيه يسبح ربه ويقدسه بِصَوْت شجي ودواب الْجنَّة وطيرها ووحشها تأنس بِصَوْتِهِ وتقف تسمع مِنْهُ ويسألونه أَن يسألهم حَاجَة وَكَانَ الطاوس رَئِيس طيور الْجنَّة رَأسه من درة بَيْضَاء وَعَيناهُ ياقوتتان صفراوان وجناحاه من جَوْهَر مُخْتَلف الألوان تراصيعه وعنقه من لجين قد كلل بالياقوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الْأَحْمَر وَرجلَاهُ من جَوْهَر مُخْتَلف الألوان فِي الصَّبْغ والأنوار ومنقاره من زبرجد أَخْضَر وَكَانَ إِذا نشر ذَنبه وصفق بجناحيه وغرد بِصَوْتِهِ يطرب كل من سَمعه وَكَانَت الْحَيَّة سيدة دَوَاب الْجنَّة لَهَا أَربع قَوَائِم سَمَاوِيَّة الْبَطن خضراء الظّهْر بَيْضَاء الْعُنُق حَمْرَاء الرَّأْس رقشاء الذوائب لَهَا بصيص وَنور يتلألأ فَكَانَت هِيَ والطاوس أَكثر من اغْترَّ بإبليس وافتتن بِصَوْتِهِ وتسبيحه وَكَانَ يَقُول لَهما عِنْدِي الِاسْم الْأَعْظَم الَّذِي لَا يَدعُوهُ بِهِ أحد إِلَّا أُجِيب وَإِنِّي خَائِف عَلَيْكُمَا أَن تخرجا من داركما هَذِه فَلَو تعلمتماه ودعوتما الله بِهِ لأجاب دعاءكما فَقَالَا أَيهَا الْملك علمنَا إِيَّاه لندعو بِهِ أَن يخلدنا الله فِي الْجنَّة فَقَالَ لَا أعلمكما إِلَّا أَن تدخلاني الْجنَّة من حَيْثُ لَا يعلم رضوَان وَلَا الخزنة والولدان فَقَالَا وَمن أَيْن نقدر على ذَلِك فَقَالَ للحية تدخليني فِي وبرك ويسترني الطاوس بجناحه فتدخلاني وَلَا يشْعر بكما أحد وأعلمكما الِاسْم الْأَعْظَم ففعلا مَعَه ذَلِك حَتَّى دخلا بِهِ فَلَمَّا دَخلهَا نكص على عَقِبَيْهِ وَخرج عَنْهُمَا فَلم يرياه وَقصد إِبْلِيس آدم فأغواه وَقد ورد هَذَا من طَرِيق النبط وَقيل إِن إِبْلِيس كَانَ يسْأَل دَوَاب الْجنَّة وطيرها أَن يدخلوه ليكلم آدم فَلَا يجيبونه وَكَانَت حَوَّاء قد أنست بالحية وأحبتها وَكَانَت الْحَيَّة تجىء إِلَيْهَا فِي كل يَوْم تسلم عَلَيْهَا وَتخرج إِلَى بَاب الْجنَّة فتقف هُنَاكَ وَإِن إِبْلِيس لَعنه الله طلب من الطاوس الدُّخُول فَقَالَ لَهُ لَو أَن الْحَيَّة أخذتك فِي حنكها وَبَين وبرها وَأَنا أسترك بجناحي لبلغت مرادك فَهِيَ مِمَّن يأنس إِلَيْهَا آدم وحواء فَقَالَ إِبْلِيس إِن فعلت لأشكرنك عمري كُله فَأتى الطاوس إِلَى الْحَيَّة وكلمها فَقَالَت أَخَاف أَن أطْرد من الْجنَّة كَمَا طرد هُوَ وأكون فِي سخط الله فَقَالَ لَهَا كلميه ليعلم أَنِّي كلمتك فَجَاءَت مَعَ الطاوس إِلَى بَاب الْجنَّة من حَيْثُ تنظر إِلَى إِبْلِيس وَينظر إِلَيْهَا فكلمها إِبْلِيس بتذلل ومسكنة فرحمته لما رَأَتْ من بكائه وَقَالَت أَخَاف أَن أكون فِي سخط الله كَأَنْت فَقَالَ لَهَا أَنْت لست مثلي لِأَنَّك لم تؤمري بِشَيْء فخالفت كَمَا خَالَفت أَنا أمره فِي السُّجُود وَإِذا أدخلتني فِي وبر صدرك وحنكك فأكلم آدم وحواء وترديني إِلَى مَكَاني فأجابته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَكَانَ الطاوس يحض الْحَيَّة على أَن تفعل فَأَخَذته فِي وبرها مختفياً وأوقفته وَانْطَلَقت إِلَيْهِمَا وَقَالَت لَهما الطير والوحش وَالدَّوَاب بعثوني إلَيْكُمَا للتبرك بكما فَأقبل آدم وحواء نَحْو بَاب الْجنَّة فسبقتهما ووقفت مَعَ الطاوس وَأخذت إِبْلِيس فِي صَدره والطاوس إِلَى جنبها يخفي إِبْلِيس وَأَقْبل آدم ووقف على بَاب الْجنَّة وَأَقْبل إِبْلِيس يكلم آدم من حنك الْحَيَّة وهما يظنان أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تكلمها فَقَالَ إِبْلِيس لَعنه الله أَلَيْسَ الله أَبَاحَ لَكمَا الْجنَّة تأكلان من ثمارها قَالَا بلَى إِلَّا أَنه قد نَهَانَا عَن شَجَرَة وَاحِدَة فَقَالَ صدقتما تِلْكَ شَجَرَة الْخلد والحياة وَمن أكل مِنْهَا عرف الْخَيْر وَالشَّر وعاش أبدا لم يمت وخلد فِي الْجنَّة وَمَا نهاكما إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين فَقَالَا وهما يظنان أَنه الْحَيَّة أحقاً مَا تَقُولِينَ أيتها الْحَيَّة فَقَالَ إِبْلِيس حَقًا أَقُول وَكرر الْقسم بِاللَّه إِنَّه لَهما لمن الناصحين فَقَالَ آدم كَيفَ نَأْكُل مَا نَهَانَا الله عَنهُ وأوعدنا إِن أكلنَا الْبعد عَن جواره وَقد أَبَاحَ لنا مَا فِيهِ الْكِفَايَة فَأقبل على حَوَّاء وَقد اشْتغل آدم عَن كَلَامه بِالسَّلَامِ على الطُّيُور وَجعل إِبْلِيس يحلف لَهَا وَيَقُول أقبلي مني وكلي وأطعمي آدم لتكونا مخلدين وَهِي تظن أَنَّهَا الْحَيَّة فَأَقْبَلت على آدم وَسَأَلته أَن يَأْكُل فَقَالَ يَا حَوَّاء أنسيت عهد الله إِلَيْك وإلي فِي هَذِه الشَّجَرَة فَرَجَعت عَن قَوْلهَا وَكَانَت كلما ذكرت لآدَم زجرها فانصرفا وحواء تود لَو أَن آدم طاوعها فتجره إِلَى الشَّجَرَة فيأبى فَقَالَ إِبْلِيس للحية هَل لَك أَن تعاوديني كرة أُخْرَى فأكلمهما فَفعلت فَلَمَّا دخلت بِهِ الْجنَّة وقفت فصفر صفيراً أطرب بِهِ أهل الْجنَّة وَيسمع آدم وحواء فامتلآ سُرُورًا فَلَمَّا علم أَنه أطربهما ناح نياحةً أَحْزَن بهَا آدم وحواء فَقَالَا لَهُ وَقد نسيا {وَلَقَد عهدنا إِلَى آدم مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} طه 115 وَقد خرج من صدر الْحَيَّة مَالك بعد إِن أطربت عهِدت إِلَى الْحزن وَالْجنَّة لَا حزن فِيهَا وَلَا نياحة فَقَالَ صفرت وأطربت حِين سَمِعت أنكما فِي سرُور ثمَّ ذكرت أنكما تخرجان إِلَى دَار الغموم فنحت حزنا عَلَيْكُمَا فتنفس آدم عَلَيْهِ السَّلَام الصعداء فَقَالَ إِبْلِيس الْآن ظَفرت بِهِ وَتَركه وَمضى فاتبعته حَوَّاء مستوقفة لَهُ وَقد طمع فِيهَا بانفرادها عَن آدم فَقَالَت يَا عبد الله هَل عنْدك حِيلَة فِي الخلود فِي الْجنَّة فَقَالَ نعم فأصغت إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّك ستخرجين إِلَى دَار المذلة والتعب وَعِنْدِي لَك أَمَان من ذَلِك الشَّجَرَة الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 نهيتما عَنْهَا لَو أكلتما مِنْهَا لخلدتما أبدا وَكَانَت سَمِعت مِنْهُ هَذَا الْكَلَام وَهُوَ فِي صدر الْحَيَّة مرّة أُخْرَى فَقَالَت هَذَا هُوَ الْحق وَقد أعلمتني بِهِ الْحَيَّة فَوَافَقَ كَلَامهَا كلامك وتمت عَلَيْهَا وسوسته وَصَحَّ عِنْدهَا قَوْله وَقَالَت لَهُ قدم نصيحتك إِلَى آدم كَمَا قدمتها إِلَيّ فَقَالَ أَخَاف أَلا يقبل مني فَقَالَت أَنا أعينك عَلَيْهِ فوسوس إِلَيْهِ أَي ألْقى فِي قلبه النَّصِيحَة فَاسْتَشَارَ آدم حَوَّاء فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ بِالْأَكْلِ مِنْهَا ففر آدم فَكَانَت تلْحقهُ وترده ليَأْكُل مِنْهَا وَجعل إِبْلِيس يَأْكُل مِنْهَا ويلتفت إِلَيْهِمَا فَتقدم آدم إِلَيْهِ وَأقسم عَلَيْهِ أَن يصدقهُ مَا هَذِه الشَّجَرَة فَقَالَ إِبْلِيس لَوْلَا مَا أَقْسَمت عَليّ لما أعلمتك هَذِه شَجَرَة الْخلد الَّتِي من أكل مِنْهَا خلد فِي الْجنَّة فذاقا مِنْهَا بِأَن تناولا شَيْئا قَلِيلا من ثَمَرهَا على خوف شَدِيد وَقيل إِن حَوَّاء جنت وأكلت وأطعمت آدم وَقيل قطعت ثَلَاثَة فدميت موَاضعهَا ودمعت فَقيل لَهَا يَا حَوَّاء كَمَا أدمعت الشَّجَرَة فَكَذَلِك تدمعين على مصائبك وَلَا تصبرين على الْبكاء وكما آدميتها كَذَلِك تدمين فعوقبت بِالْحيضِ فِي كل شهر فَقَالَ إِبْلِيس للحية أخرجيني فقد بلغت مرادي فَأَخْرَجته كَمَا أدخلته إِلَيْهَا والطاوس مَعهَا وَهُوَ يلومها وإبليس وَاقِف ينظر إِلَيْهِمَا وَيسمع مشاجرتهما ويضحك فَرحا بِمَا تمّ لَهُ على آدم وحواء وَكَانَ الملعون علم أَن من أكل مِنْهَا بَدَت عَوْرَته وَمن بَدَت عَوْرَته أخرج من الْجنَّة فَكلما أكلا تقلص عَنْهُمَا لباسهما وَظهر لكه وَاحِد مِنْهُمَا عَورَة صَاحبه وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة حَتَّى صَار كَالثَّوْبِ وَقيل إِن آدم استتر بورق التِّين وحواء بورق الموز وَفِي كتاب الْوَصِيَّة استترا بورق الموز فروى أَن آدم تنَاول ورقتين فضم طرفيهما واتزر بِإِحْدَاهُمَا وارتدى بِالْأُخْرَى فعورة الرجل مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وخصفت حَوَّاء أوراقاً غطت بهَا جَمِيع بدنهَا إِلَّا وَجههَا ويديها فَصَارَت عَورَة الْمَرْأَة جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَعَن ابْن عَبَّاس مَا ذاق آدم من تِلْكَ السنابل سنبلةً وَاحِدَة حَتَّى طَار التَّاج عَن رَأسه وعرى عَن لِبَاسه وَكَذَلِكَ حَوَّاء نزعت خواتمها وَزينتهَا وانتقضت ذوائبها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الْجَوْهَر وَصَاح آدم صَيْحَة فَلم يبْق أحد فِي الْجنَّة إِلَّا ناداه يَا عاصي يَا عاصي أهكذا كَانَ الْعَهْد بَيْنك وَبَين رَبك وانتفضت عَنهُ الْأَشْجَار ونادته يَا عاصي وآدَم يُنَادي الْأمان الْأمان وحواء تروم ستر نَفسهَا بشعرها فَلَا تقدر والنداء عَلَيْهَا يَا عاصية فَقَعَدت وَوضعت رَأسهَا على ركبتيها حَتَّى لَا يَرَاهَا أحد فَأتى جِبْرِيل فَأخذ بناصيته فَقَالَ أَيهَا الْملك ارْفُقْ بِي فَقَالَ لَا أرْفق بعاص فاضطرب آدم وارتعد حَتَّى ذهب كَلَامه ونوديت حَوَّاء من فعل بك هَذَا فَقَالَت غرني عدوي وَمَا كنت أَظن أحدا يحلف بك كَاذِبًا فَقيل لَهَا اخْرُجِي مغرورة فقد جعلتك نَاقِصَة الْعقل وَالدّين وَالْمِيرَاث وجعلتك أسيرة أَيَّام حياتك وحرمتك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَالسَّلَام والتحية وقضيت عَلَيْك بالطمث وَجهد الْحَبل والولادة والطلق ولتكوني أَكثر حزنا وجزعاً وَأَقل صبرا فَلَمَّا خرجت إِلَى بَاب الْجنَّة فَإِذا هِيَ بِآدَم فصاحبت صَيْحَة عَظِيمَة يَا لَهَا حسرة وَقَالَت دَعْنِي يَا جِبْرِيل أنظر إِلَى الْجنَّة وَجعلت تلْتَفت بحسرة واكتئاب ثمَّ أَتَى بالطاوس مقطعاً ريشه من طعن الْمَلَائِكَة وَجِبْرِيل يَقُول لَهُ اخْرُج من الْجنَّة أبدا فَإنَّك مشئوم أبدا وَكَذَلِكَ الْحَيَّة وَقد صَارَت ممسوخةً مَمْنُوعَة من النُّطْق مشقوقة اللِّسَان وَالْمَلَائِكَة تَقول لَهَا لَا رَحِمك الله وَلَا رحم الله من يَرْحَمك وبرز آدم إِلَى السَّمَوَات وحجبت حَوَّاء عَنهُ فَلم يرهَا وَعَن الْحجر أَن آدم ولى هَارِبا حَيَاء من الله وَهُوَ يَقُول أهلكتني يَا حَوَّاء وَهَلَكت فَجَلَست حَوَّاء إِلَى الأَرْض وتجللت بشعرها وَرفعت رَأسهَا إِلَى الْعَرْش فتوارثت ذَلِك بناتها مِنْهَا عِنْد المصائب يرفعن رؤوسهن إِلَى السَّمَاء صارخات ونكس آدم رَأسه حَيَاء من ربه هَارِبا فِي الْجنَّة فتوارث ذَلِك مِنْهُ بنوه إِذا أصَاب أحدا مُصِيبَة نكس رَأسه إِلَى الأَرْض وَرُبمَا بحثها بِأُصْبُعَيْهِ فَأَتَاهُ النداء من الْجِهَات أَلَسْت فَارًّا مني يَا آدم فَقَالَ يَا رب وَأَيْنَ أفر مِنْك وَإِن لم تغْفر لي وترحمني أكن من الخاسرين وَلما مر آدم فِي الْجنَّة يعدو علقت شَجَرَة من الْجنَّة بِشعرِهِ فأوقفته وكلمته فِي رَأسه فَلَمَّا خرج من الْجنَّة أخرجت تِلْكَ الشَّجَرَة مَعَه قيل إِنَّهَا شَجَرَة العليق سميت بذلك لِأَنَّهَا تعلّقت بِآدَم فَهِيَ لَا تنْبت إِلَّا فِي السباخ وَلم ينْتَفع مِنْهَا بِشَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَهَذِه الْجنَّة جنَّة من جنَّات السَّمَاء لَا جنَّة الْخلد لِأَن تِلْكَ لَا يَنْقَطِع أكلهَا وَلَا تَكْلِيف فِيهَا وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد إِن الْجنَّة الَّتِي أخرج مِنْهَا آدم جنَّة من جنَّات الدُّنْيَا تطلع فِيهَا الشَّمْس وَالْقَمَر وَلَو كَانَت من جنَّات الْخلد لم يخرج مِنْهَا أبدا وَقيل هِيَ الأَرْض وَقَوله {اهبطو} الْبَقَرَة 36 لَا يدل على كَونهَا فِي السَّمَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {اهبطوا مصر} الْبَقَرَة 61 فَقَالَ الله تَعَالَى لآدَم وحواء {أَلَم أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} الْأَعْرَاف 22 قَالَ آدم يَا رب حَوَّاء أطعمتني قَالَت حَوَّاء يَا رب الْحَيَّة قَالَت إِنَّهَا شَجَرَة الْخلد قَالَ الله للحية لم قلت ذَلِك قَالَت يَا رب بل إِبْلِيس قَالَ لَهما قَالَ الله تَعَالَى {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدُوٌّ وَلَكُمْ فيِ الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَعٌ إِلَى حِينٍ} الْبَقَرَة 36 فَلهَذَا الْعَدَاوَة بَينهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفرق بَين العداوتين فَإِن عَدَاوَة آدم إِيمَان وعداوة إِبْلِيس عصيان فالعداوة ناشئة بَين الذريتين وإبليس خفير الْحَيَّة وَابْن آدم يروم قَتلهَا ليخفر ذمَّته والحية دائبة تُرِيدُ أَن تلسعه قَالَ رَسُول الله اقْتُلُوا الْحَيَّة حَيْثُ رأيتموها وأخفروا ذمَّة الشَّيْطَان ثمَّ قَالَ الله لآدَم يَا آدم مَا أسْرع مَا نسيت عهدي اخْرُج من جواري فَلَا يجاورني من عَصَانِي فَأن آدم أنة وَزفر زفرَة كَاد أَيْن يَمُوت أسفا وَأمر الله تَعَالَى جِبْرِيل أَن يَأْخُذ بعضدي آدم ويسوقه وحواء خَلفه لَهَا زفير وشهيق فَأخذ بِيَدِهِ ليخرجه فَقَالَ اللَّهُمَّ بِحَق مُحَمَّد وَعلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن تب عَليّ فَأوحى الله إِلَيْهِ اهبط إِلَى الأَرْض حَتَّى أَتُوب عَلَيْك فِيهَا فهبط وأهبط مَعَه من الْجنَّة بذر كل شَيْء من الثمرات فَلَمَّا اسْتَوَى على الأَرْض مد بَصَره فَرَأى إِبْلِيس قد سبقه إِلَى الأَرْض وبإسنادنا عَن ابْن بابويه يرفعهُ إِلَى عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن جده عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله لما أكل آدم من الشَّجَرَة رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ أَسأَلك بِحَق مُحَمَّد إِلَّا رحمتني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فَأوحى الله إِلَيْهِ وَمن مُحَمَّد فَقَالَ تبَارك اسْمك لما خلقتني رفعت رَأْسِي إِلَى عرشك فَإِذا فِيهِ مَكْتُوب لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فَعلمت أَنه لَيْسَ أحد اعظم عِنْد قدرا مِمَّن جعلت اسْمه مَعَ اسْمك فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا آدم إِنَّه لآخر النَّبِيين من ذريتك فلولا مُحَمَّد مَا خلقتك وروى أَن آدم لما أهبط لم يصعد إِلَى شَجَرَة إِلَّا صعد إِبْلِيس حياله شَجَرَة مثلهَا فَرفع آدم يَده وَقَالَ يَا رب إِنَّك تعلم أَنِّي لم أطقه وَأَنا فِي جوارك وَقد أهبطته إِلَى الأَرْض معي فَلَا طَاقَة لي بِهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا آدم السَّيئَة مِنْك وَمن ولدك سَيِّئَة والحسنة عشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة قَالَ يَا رب زِدْنِي فَأوحى الله إِلَيْهِ لَا يَأْتِي من ولدك بِمثل الْجبَال من الذُّنُوب تَائِبًا مِنْهَا إِلَّا غفرت لَهُ قَالَ يَا رب زِدْنِي فَأوحى الله إِلَيْهِ أَغفر الذُّنُوب وَلَا أُبَالِي قَالَ حسبي قَالَ إِبْلِيس قد حلت بَين وَبَينه ومنعتني مِنْهُ فَأوحى الله إِلَيْهِ لَا يُولد لَهُ ولد إِلَّا ولد لَك ولدان قَالَ يَا رب زِدْنِي فَأوحى الله إِلَيْهِ تجْرِي مجْرى الدَّم قَالَ يَا رب زِدْنِي فَأوحى الله إِلَيْهِ {يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَان إِلاَّ غُرُوراً} النِّسَاء 120 قَالَ حسبي فَصَارَ ضداً لآدَم ولولده مُنْذُ ذَلِك الْيَوْم فأخرجهما وابتلاهما بالتكليف وَالْمَشَقَّة وسلبهما ثِيَاب الْجنَّة لِأَن إنعامه عَلَيْهِم كَانَ تفضلاً فَلهُ مَنعه تشديداً للبلوى والامتحان كَمَا يفقر بعد الْغنى وَيُمِيت بعد الْإِحْيَاء ويسقم بعد الصِّحَّة ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى للحية أَنْت الَّتِي خفرك عدوي فَإِن آدم وبنيه يخفرون ذمَّته فِيك حَيْثُ وجدوك وَلَا ينفعك إِبْلِيس شَيْئا ثمَّ مسح قَوَائِمهَا وَقَالَ لَهَا قد أذهبت جمالك وَجعلت رزقك فِي التُّرَاب قَالَت لَا بل أَمْشِي على بَطْني كالحوت فِي المَاء فَقَالَ الله تَعَالَى وتتكلمين أَيْضا فشق لسانها وأخرسها عَن الْكَلَام فَهِيَ تسمع وتبصر وَلَا تقدر على الْكَلَام وَلَيْسَ شَيْء من الْبَهَائِم وَالدَّوَاب إِلَّا يكلم بعضه بَعْضًا إِلَّا الْحَيَّة وَقَالَ للطاوس أما أَنْت فَكنت احسن الطُّيُور فلأزيلن جمالكم ولأجعلنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 لَا تطير فسمح جماله وأزال إكليله وشقق رجلَيْهِ وأزال حلته وَحسن نغمته فَإِذا نظر إِلَى رجلَيْهِ يَصِيح أسفا وَانْزِلْ الله تَعَالَى آدم بِالْهِنْدِ الْهِنْد على جَزِيرَة سرنديب على جبل الرهون وَعَلِيهِ الْوَرق الَّذِي خصفه فيبس فذرته الرّيح فِي بِلَاد الْهِنْد فَيُقَال إِن عِلّة الطّيب بِتِلْكَ الْبِلَاد من ذَلِك الْوَرق وَلذَلِك خصت تِلْكَ الْبِلَاد بِالْعودِ والقرنفل وَسَائِر أَنْوَاع الطّيب وَكَذَلِكَ الْجَبَل لمعت عَلَيْهِ اليواقيت فَكَانَ مِنْهُ الماس وَفِي بحره أَنْوَاع الْجَوَاهِر وَقيل أهبط على جبل يُقَال لَهُ وَاسم يشرف على وَاد يُقَال لَهُ سرنديب وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد أهبط على الصَّفَا وحواء على الْمَرْوَة وَكَانَت امتشطت حَوَّاء فِي الْجنَّة فَلَمَّا صَارَت إِلَى الأَرْض حلت ضفيرتها فانتثر مِنْهَا الْعطر الَّذِي كَانَت امتشطت بِهِ فِي الْجنَّة فطارت بِهِ الرّيح فَأَلْقَت أَكْثَره فِي الْهِنْد فَلذَلِك صَار الْعطر بِالْهِنْدِ وَفِي الْعِلَل أَنَّهَا حلت عقيصتها فَأرْسل الله على مَا كَانَ فِيهَا من الطّيب ريحًا تهب بِهِ فِي الْمشرق وَالْمغْرب وَفِي رِوَايَة أَن الصَّفَا سمى بذلك لِأَن الْمُصْطَفى هَبَط عَلَيْهِ وَسميت الْمَرْوَة لِأَن الْمَرْأَة اهبطت عَلَيْهِ وهما جبلان عَن يَمِيني الْكَعْبَة وشمالها وَعَن وهب اهبط آدم على جبل فِي شَرْقي أَرض الْهِنْد يُقَال لَهُ وَاسم وأهبط حَوَّاء بجدة وَإِنَّمَا سميت جدة لِأَن جِبْرِيل قَالَ لَهما تفارقتما جدا وأهبط إِبْلِيس بِمَيْسَان وأهبطت الْحَيَّة بأصفهان والطاوس ببراري عدن وَجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 بَعضهم عدوا لبَعض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَعَن كَعْب أهبط آدم بِالْهِنْدِ على جبل يُقَال لَهُ نود وحواء بجدة وإبليس برستاق ميسَان والحية بأصفهان والطاوس بالبحر ثمَّ أمره الله تَعَالَى أَن يسير إِلَى مَكَّة فطوى لَهُ الأَرْض فَصَارَ على كل مفازة يمر بهَا خطْوَة وَلم يَقع قدمه فِي شَيْء من الأَرْض إِلَّا صَار عمراناً وَكَانَ جِبْرِيل يأتيهما بأرزاقهما من الْجنَّة ثمَّ احْتبسَ الرزق عَنْهُمَا فَاشْتَدَّ جوعهما فَنزلَا إِلَى الْوَادي فَالْتَقَيَا وأكلا من ثَمَر الْأَرَاك وروى من الْحِنْطَة والطحين والعجين وَالْخبْز وَأخرج مَعَه حِين خرج من الْجنَّة صرة من الْحِنْطَة بعد أَن اسْتَأْذن ربه أَن يتزود مِنْهَا أَي من الْجنَّة فَقَالَ لَهُ خُذ من الشَّجَرَة الَّتِي أكلتما مِنْهَا فَهِيَ غذاؤكما وغذاء نسلكما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَمَا عصيتماني فَأخذ الصرة وَثَلَاثِينَ قَضِيبًا من الشّجر مودعة أَصْنَاف الثِّمَار من شجر الْجنَّة مِنْهَا عشرَة لَهَا قشر وَهِي الْجَوْز واللوز والبندق والفستق والخشخاش والسايلوط والنارنج والموز والبلوط وَالرُّمَّان وَعشرَة ذَات نوى وَهِي الخوخ والمشمش والإجاص وَالرّطب والعبير أَو النبق والزعرور والعناب والمقل والقراصيا وَمِنْهَا عشرَة لَا قشر لَهَا وَهِي التفاح والسفرجل وَالْعِنَب والكمثرى والتين والتوت والأترج والقثاء وَالْخيَار والبطيخ وَعَن وهب أول مَا علم بهبوط آدم النسْر فألفه وَبكى مَعَه وَكَانَ على سَاحل الْبَحْر ينْتَظر حوتاً ليؤنسه فَلَمَّا ظهر الْحُوت من المَاء أخبرهُ النسْر أَنه رأى خلقا عَظِيما يقوم وَيقْعد وَيَجِيء وَيذْهب فَقَالَ الْحُوت إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فقد جَاءَ مَا لَيْسَ مِنْهُ مفر لَا فِي الْبر وَلَا فِي الْبَحْر وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ يستخرجني من بحري ويستخرجك من برك فَأخْرج آدم من الْجنَّة فِي آخر السَّاعَة الثَّانِيَة عشرَة من يَوْم الْجُمُعَة وَأنزل إِلَى الأَرْض فِي أول سَاعَة من لَيْلَة السبت فَكَانَ مقَامه فِي الْجنَّة مُنْذُ دَخلهَا إِلَى أَن أخرجه مِنْهَا سَاعَة وَاحِدَة من سَاعَات الْيَوْم الَّذِي مِقْدَاره ألف سنة مِقْدَار تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 السَّاعَة من سني الدُّنْيَا ثَلَاث وَثَمَانُونَ سنة وَأَرْبَعَة اشهر وَبَقِي مصورا طينا فخار صلصالاً على بَاب الْجنَّة خمس سَاعَات إِلَى انفخ فِيهِ الرّوح وأهبط على الْجَبَل عِنْد غرُوب الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة وَأول سَاعَة من لَيْلَة السبت وَألقى الله السبات على كل حَيّ تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَّا الْمَلَائِكَة فَإِنَّهَا لَا تنام فَبَقيَ آدم على الْجَبَل حائراً مُنْفَردا ينظر يَمِينا وَشمَالًا لَا يرى شَيْئا إِلَّا السَّمَاء والنجوم وَمَا كَانَ أبصرهَا فَرَأى وَحْشَة وظلام الْأُفق وَكَانَ أول لَيْلَة من نيسان فَبكى بكاء شَدِيدا حَتَّى أصبح صباح السبت وَجَاء نور النَّهَار فسبح الله وَكبره وَكَذَلِكَ حَوَّاء وَقَالا هَذَا من النُّور الَّذِي نعرفه فِي الْجنَّة إِلَّا أَنه لَيْسَ بذلك وَلما طلعت الشَّمْس بحرها خافا أَن يكون عذَابا فازداد بكاؤهما فأعلمها جِبْرِيل أَنه هَذِه الشَّمْس وَأَنه لَا ضَرُورَة فِيهَا فسكنا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَنظر آدم إِلَى الْجبَال والأودية وَالْأَشْجَار والأنهار فَبكى وَقَالَ أَيْن هَذَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ من الْجنَّة وَلما طلع النَّهَار أَلْقَت حَوَّاء الطّيب والجواهر وَوضعت يَديهَا على رَأسهَا صارخة من الوحشة فَاتخذ ذَلِك بناتها سنة فِي المصائب وَإِن آدم لَوْلَا تَأْخِير أَجله لمات خوفًا من الوحشة فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل أَن قل لَهُ هَذَا كُله بخطيئتكما إِذا لم تطيعا أَمْرِي بعد أَن حذرتكما من عدوكما وسأجمع بَيْنك وَبَين زَوجك فتب إِلَيّ وادعني واستغفرني أَسْتَجِب لَك وأغفر لَك وَأَنا الغفور الرَّحِيم فَأعلمهُ جِبْرِيل وَصعد إِلَى السَّمَاء فَقَالَ يَا جِبْرِيل أتتركني فريدا ووحيدا فَقَالَ لَهُ بذلك أَمرنِي رَبِّي وَعَن النَّبِي أَن آدم هَبَط إِلَى الأَرْض مسوداً فضجت الْمَلَائِكَة إِلَى الله تَعَالَى فَأمره الله تَعَالَى أَن يَصُوم الْأَيَّام الْبيض فَلَمَّا صَامَ الثَّالِث عشر ذهب ثلث السوَاد فَمَا صَامَ الرَّابِع عشر ذهب ثُلُثَاهُ فَلَمَّا صَامَ الْخَامِس عشر ابيض كُله ثمَّ ناداه مُنَاد يَا آدم هَذِه الْأَيَّام لَك ولولدك من صامها فِي كل شهر فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر وروى أَن جِبْرِيل قَالَ يَا آدم حياك الله وبياك فَقَالَ أما حياك فأعرفه فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 بياك قَالَ أضْحكك فَسجدَ آدم وَرفع رَأسه وَقَالَ رب زِدْنِي جمالاً فَأصْبح وَله لحية سَوْدَاء كالحمم فَضرب بِيَدِهِ إِلَيْهَا وَقَالَ يَا رب مَا هَذَا فَقَالَ هَذِه اللِّحْيَة زينتك بهَا وذكران ولدك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ ابْن بابويه فِي الْعِلَل وَهَذَا الْخَبَر صَحِيح وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتابَ عَلَيْهِ} الْبَقَرَة 37 قَالَ الحائني فِي الحقيبة فقد روينَا بإسنادنا الْمُتَقَدّم عَن ابْن بابويه قَالَ أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد بن الْوَلِيد عَن مُحَمَّد بن الْحسن الصفار عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي نصر عَن أبان بن عُثْمَان وَعَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن أبي جَعْفَر قَالَ الْكَلِمَات الَّتِي تلقاهن آدم من ربه فَتَابَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير الغافرين وَمن كتاب القضايا فِي وَصِيَّة النَّبِي لعَلي رِوَايَة مُحَمَّد بن زُرَيْق عَن سَلمَة ابْن الوضاح الأسواني عَن مُحَمَّد بن خَلاد الْكُوفِي عَن عَطِيَّة عَن وهب عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن عَليّ عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَوْصَانِي رَسُول الله بِوَصِيَّة وَمر فِيهَا إِلَى أَن قَالَ قَالَ عَليّ أَرَأَيْت قَول الله فِي كِتَابه {فَتَلَقَّى آدم من ربه كَلِمَات} الْبَقَرَة 37 مَا تِلْكَ الْكَلِمَات قَالَ يَا عَليّ إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أهبط أَدَم بِالْهِنْدِ وحواء بجدة والملعون إِبْلِيس بِمَيْسَان والحية بأصبهان وَلم يكن فِي الْجنَّة شَيْء أحسن من الْحَيَّة وَكَانَت من دَوَاب الْجنَّة وَكَانَ لَهَا خلق كخلق الْبَعِير وقوائم كقوائمه وعنق كعنقه فَأتى إِبْلِيس فَقَالَ أيتها الْحَيَّة احمليني على ظهرك حَتَّى تدخليني الْجنَّة فَقَالَت إِنَّه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يركبني إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ إِنِّي أتمثل ريحًا فَأدْخل فِي شدقك وَلَا تحمليني فَفعلت فَلَمَّا دخل الْجنَّة آغوى آدم ونزعه فَغَضب الله على الْحَيَّة فَقطع قَوَائِمهَا وَجعلهَا تمشي على بَطنهَا وَجعل رزقها فِي التُّرَاب وَقَالَ لَا يرحم الله من يَرْحَمك وَغَضب على الطاوس وَلم يكن فِي الْجنَّة أحسن من الْحَيَّة والطاوس فقبح الله من الطاوس رجلَيْهِ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 هُوَ الَّذِي دلّ إِبْلِيس على الشَّجَرَة وَأخْبرهُ بهَا فَأَقَامَ آدم فِي الْهِنْد مائَة سنة وَاضِعا يَده على أم رَأسه ينوح على نَفسه بالعبرانية فَبعث الله جِبْرِيل فَقَالَ لَهُ يَا آدم إِن الرب يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول أَلَيْسَ أَنا الَّذِي خلقتك بيَدي ونفخت فِيك من روحي وأسجدت لَك ملائكتي وأسكنتك جنتي وزوجتك حَوَّاء أمتِي وحذرتك عدوي فعصيتني وأطعت عدوي فَمَا هَذَا الْبكاء وَأَنا أعلم مَا بَكَيْت لَهُ فَقَالَ يَا جِبْرِيل كَيفَ لَا أبْكِي وَقد أخرجت من جوَار رَبِّي إِلَى دَار الْبلَاء وَدَار السغب وَالنّصب قَالَ جِبْرِيل يَا آدم قل هَذِه الْكَلِمَات قَالَ يَا جِبْرِيل يَا حَبِيبِي وَمَا أَقُول قَالَ قل سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فارحمني إِنَّك أَنْت أرْحم الرَّاحِمِينَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك عملت سوءا وظلمت نَفسِي تب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم وَكَانَ آدم بِالْهِنْدِ وحواء بجدة وعَلى شقّ الْبَحْر قَائِمَة قد تمعط شعرهَا وَتَلَبَّدَ على وَجههَا وقشفت من الشَّمْس فَرفعت يَديهَا إِلَى السَّمَاء دَاعِيَة باكية حزينة على مَا حل بهَا قائلة إلهي أمتك حَوَّاء متضرعة إِلَيْك ضَعِيفَة حيرانة قد أحاطت بهَا خطيئتها وأوبقها سوء فعلهَا إلهي وَقد طَالَتْ عَليّ وحشتي وعظمت مصيبتي وَذَلِكَ كَانَ لتفريطي وإضاعتي مَا أَمرتنِي بِهِ وَقد أَخْبرنِي بديع فطرتك آدم قريني الَّذِي خلقتني مِنْهُ أَن النُّور الَّذِي فِي أسارير وَجهه نور ولد من أَوْلَاده اسْمه مُحَمَّد وَبِه كنيته بِأبي مُحَمَّد أَنَّك لَا تسْأَل بِهِ إِلَّا أجبْت وَأَنَّك من أَجله خلقتني وخلقت السَّمَوَات وَالْأَرْض وبرأت البرايا فبحقه عَلَيْك وبموضعه مِنْك إِلَّا مَا رحمت ضعْفي ولهفي وتبت عَليّ وغفرت لي وجمعت بيني وَبَين آدم صفيك حَتَّى أرَاهُ وَاعْلَم مَا هُوَ فِيهِ فانك غَفُور رَحِيم اللَّهُمَّ إِنِّي عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي وَتب عَليّ واعصمني إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت وَأَنت التواب الرَّحِيم وَعَن ابْن عَبَّاس بَكت حَوَّاء فأنبت الله من دموعها القرنفل والأفاويه وَبقيت شاخصة ببصرها إِلَى السَّمَاء وَوضعت يَديهَا على رَأسهَا فورث بناتها ذَلِك وحملت الرّيح صَوت آدم بالكلمات الَّتِي علمه إِيَّاهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فاستبشرت وَقَالَت كَلِمَات لم أسمع بِمِثْلِهَا قد جعلهَا الله تَوْبَة وارتفع دعاؤهما فِي وَقت وَاحِد وخرقت أصواتهما الْحجب حِجَابا حِجَابا وكل مَلأ من الْمَلَائِكَة دَعَا لَهما من سَمَاء إِلَى سَمَاء إِلَى تَحت الْعَرْش فَأجَاب الله دعاءهما وَأوحى إِلَى حَوَّاء إِنِّي قد غفرت لَك ولآدم خطيئتكما وتبت عَلَيْكُمَا وَأَنا التواب الرَّحِيم فتقدمي إِلَى مَكَّة وصومي شهر رَمَضَان كَمَا صَامَ آدم فصامت وَالْمَلَائِكَة فِي كل لَيْلَة تأتيها بفطرها من الرطب وَقيل إِن النَّخْلَة عِنْدهَا فِي الْحجاز نزلت وَمِنْهَا كَانَ يحمل إِلَى آدم كل لَيْلَة فَلهَذَا الْحجاز بلد النّخل وَلما تمّ شهر رَمَضَان قَالَ آدم كنت أنظر إِلَى ملائكتك يطوفون بِبَيْت تَحت عرشك ويسبحون حوله فآنس بهم وَقد اشْتهيت أَن لَو كَانَ فِي الأَرْض مثله أَطُوف بِهِ وأسجد حوله فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا آدم أَنا الَّذِي ألهمتك أَن تَقول ذَلِك لما سبق فِي علمي من عمَارَة بَيت فِي الأَرْض لَك ولولدك أظهر مَكَانَهُ وَأعظم ذكره وشأنه حِيَال ذَلِك الْبَيْت الَّذِي رَأَيْته تَحت عَرْشِي أبوئ مَكَانَهُ لولد من ولدك يبنيه وَيرْفَع قَوَاعِده ويجعله حجا لولدك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يأْتونَ إِلَيْهِ من كل فج عميق يريدونه وَقد أثقلت الْخَطَايَا ظُهُورهمْ فَأغْفِر لَهُم كل خَطِيئَة فسر إِلَيْهِ أبوئك مَكَانَهُ فيعظم ذكره وشأنه فَمن يلوذ بِهِ صَادِقا فَهُوَ ضَيْفِي فَأَنا أكْرم الأكرمين فتأهب آدم للمسير وَأرْسل الله إِلَيْهِ جِبْرِيل بعصا من آس الْجنَّة يتَوَكَّأ عَلَيْهَا فِي مسيره وَتَكون لَهُ عوناً على خطواته فَلَمَّا رَآهَا آدم بَكَى وَقبلهَا ووضعها على عَيْنَيْهِ وَوَجهه وَقَالَ يَا جِبْرِيل أَتَرَى رَبِّي يُعِيدنِي إِلَى الْجنَّة فَقَالَ يَا آدم مَا تَابَ عَلَيْك إِلَّا وَهُوَ رادك إِلَيْهَا فَلَا تيأس من رَحْمَة الله فَأخذ الْعَصَا بِيَدِهِ وَشد عَلَيْهِ مَا بَقِي من الْوَرق وَقد نسفت الرّيح أَكْثَره بِالْهِنْدِ وناداه الْجَبَل يَا صفوة الله كنت آنس بك وأفتخر على جبال الأَرْض فَإلَى أَيْن ترحل عني فَقَالَ آدم بِأَمْر رَبِّي هَبَطت عَلَيْك وبأمره ارتحلت عَنْك فَبكى الْجَبَل بكاء شَدِيدا لفراقه فَبَارك فِيهِ آدم وشرفه بنبات من أطيب الشّجر وأكثرها مَنْفَعَة وَسَار آدم وَجِبْرِيل يهديه الطَّرِيق والعصا بِيَدِهِ يطوي المفاوز والقفار والبحار فَكَانَت بَين الخطوة والخطوة قفراً سبسباً لَا عمَارَة فِيهَا وَفِي مَوَاضِع عَصَاهُ بساتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 حول تِلْكَ الْمَدِينَة وَهَكَذَا يكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلم يزل يسير حَتَّى وصل إِلَى جدة فَوجدَ أثر حَوَّاء لِأَنَّهُ شم رَائِحَة الْوَرق الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا فسميت جدة لذَلِك وَقَالَ يَا حَوَّاء أَترَانِي أنظر إِلَيْك نظرة فنادته الْجبَال الَّتِي مرت عَلَيْهَا تيَسّر فِي أَثَرهَا تدركها إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَسَار إِلَى قرن فَأمره جِبْرِيل فَأحْرم ولبى بِلَا مخيط تشيبها بالورق الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَأنزل الله الْبَيْت الْمَعْمُور فاوقفه فِي الْهَوَاء بِحَيْثُ يرَاهُ فيعرفه حِيَال المهاة الْبَيْضَاء الَّتِي هِيَ مَوضِع الْبَيْت وَمِنْهَا دحيت الأَرْض وَهِي أم الْقرى فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن كن محرما فَطُفْ بالبقعة الْمُبَارَكَة وصل عِنْدهَا واسألني جَمِيع حَاجَتك وَأَنا مُجيب الدُّعَاء فَأحْرم ولبى وَدخل الْحرم وَنظر إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور فِي الْهَوَاء وناداه الله ائْتِ الربوة الْحَمْرَاء الَّتِي فِي وسط المهاة الْبَيْضَاء فَطُفْ حولهَا سبعا ثمَّ صل عِنْدهَا رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ بقْعَة بَيْتِي الْحَرَام فَفعل وأنبع الله زَمْزَم الَّتِي أخرجهَا بعد ذَلِك إِسْمَاعِيل فَشرب وَتَوَضَّأ وَأنْبت الله لَهُ الموز فَكَانَ يَأْكُل مِنْهُ وَأخْبرهُ بمَكَان حَوَّاء فَلَمَّا رَأَتْهُ جَاءَت إِلَيْهِ تبْكي فبشرها جِبْرِيل بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَة فسجدت شكرا لله تَعَالَى وتطهرت وتوضأت فأهلت بِعُمْرَة وأحرمت ولبت وأتى بهَا جِبْرِيل إِلَى جَمِيع مواقفها وَجمع جِبْرِيل بَينهمَا فِي جمع فَسمى بذلك لاجتماعهما فِيهِ وَقيل بل تعارفا بِعَرَفَات فبادرت إِلَيْهِ وتعانقا وبكيا ثمَّ أخرجهُمَا من الْحرم إِلَى الْجَبَل وأتى بِظَبْيٍ من الْبَريَّة فذبحه وسلخه ودبغ جلده وكسا بِهِ حَوَّاء فَصَارَت السّنة أَن تكسو الرِّجَال النِّسَاء وَبَقِي آدم إِلَى أَن اسْتهلّ ذُو الْحجَّة وَأَوْقفهُ جِبْرِيل على أَعْلَام الْجَبَل وَعلمه مَنَاسِك الْحَج وَالْوُقُوف بمنى وَالدُّعَاء وَالطّواف حول الْبَيْت إِلَى تَمام الْحجَّة الْحَرَام وَأنزل الله إِلَيْهِ كَبْشًا فذبحه فَسَالَ دَمه واضطرت فَفَزعَ آدم وارتعد لِأَنَّهُ لم يكن أبْصر موت شَيْء فضمه جِبْرِيل إِلَى صَدره وَقَالَ لَهُ اطمئن هَذَا قرْبَان يقبل الله بِهِ نسكك وَيغْفر ذَنْبك وَيكون سنة لبنيك من بعْدك ثمَّ أمره جِبْرِيل فسلخه وَأخرج كرشه فنفض مَا فِيهِ وغسله جَمِيعه ثمَّ أمره أَن يُعِيد إِلَى جَوف الكرش مَا أخرجه مِنْهُ وَأَن يشق الْجلد ويبسط على وَجه الأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَالصُّوف مِمَّا يَلِي الأَرْض وَأَن يضع الْكَبْش المسلوخ على الْجلد وَأَن يقصر من شعر حَوَّاء فَفعل وامر حَوَّاء فَأخذت بالمدية فحلقت رَأسه وَجعل يَدْعُو وحواء خَلفه تؤمن على دُعَائِهِ فَلَمَّا فرغ من دُعَائِهِ جَاءَت نَار بَيْضَاء من السَّمَاء لَيْسَ لَهَا دُخان وَلَا لَهب فَأخذت الكرش وَجلده وصوفه وَمَا كَانَ فِيهِ ثمَّ ارْتَفَعت بِهِ إِلَى السَّمَاء فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي قد قبلت قربانك وأعطيتك جَمِيع مَا سَأَلت وَأَنا ذُو الْفضل الْعَظِيم وَكَذَا أفعل بِمن قصد بَيْتِي بعْدك فِي هَذَا الشَّهْر لَا أقبل هَذَا فِي غَيره ليَكُون ميقاتاً مَعْلُوما فتمم حجه وَرمى بالجمار غيظاً لإبليس ورجماً فَلَمَّا فرغ من حجه أَخذ جِبْرِيل بيد آدم وحواء وَجَاء بهما إِلَى سَاحل الْبَحْر مِمَّا يَلِي جدة وَقَالَ إِن الله أحل لَك جَمِيع مَا فِي هَذَا الْبَحْر صغر ذَلِك أَو كبر أَيهَا السّمك أقبل بِإِذن الله فَجَاءَت أصنافاً فَقَالَ لَهُ خُذ مَا تُرِيدُ فَأخذ سمكتين عظيمتين وَعلمه فَجمع حطباً وقرع المدية بِالْحجرِ فَخرج نَار وشواهما فَقَالَ آدم الْحَمد لله الَّذِي جعل لنا من هَذَا طَعَاما ثمَّ انصرفا إِلَى مَكَّة وودعهما جِبْرِيل وَبَقِي آدم وحواء لَيْسَ لَهما ثَالِث فعادا إِلَى الْحرم فسكناه وَعَن أبي نصر عَن إِبْرَاهِيم بن مُحرز عَن أبي حَمْزَة عَن أبي جَعْفَر قَالَ إِن آدم نزل من الْهِنْد فَبنى الله تَعَالَى الْبَيْت وَأمره أَن يَأْتِيهِ وَيَطوف بِهِ أسبوعاً وَقضى مَنَاسِكه كَمَا أَمر الله تَعَالَى فَقبل تَوْبَته وَغفر لَهُ فَقَالَ آدم يَا رب ولذريتي من بعدِي فَقَالَ نعم من آمن بِي وبرسلي وَفِي رِوَايَة عبد الحميد بن أبي الديلم عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَن آدم اعتزل حَوَّاء حَتَّى فرق بَينهمَا فَكَانَ يَأْتِيهَا نَهَارا فيتحدث عِنْدهَا فَإِذا كَانَ اللَّيْل خشى أَن تغلبه نَفسه فَرجع فَمَكثَ بذلك مَا شَاءَ الله ثمَّ أرسل إِلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا آدم الصابر لبليته إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْك لأعلمك الْمَنَاسِك الَّتِي يُرِيد الله أَن يَتُوب عَلَيْك بهَا وَأخذ بِيَدِهِ مُنْطَلقًا حَتَّى أَتَى مَكَان الْبَيْت فَنزل غمام من السَّمَاء فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل يَا آدم خطّ برجلك حَيْثُ أظلك الْغَمَام فَإِنَّهُ قبْلَة لَك وَلآخر عقب من ذريتك فَخط آدم هُنَاكَ بِرجلِهِ فَانْطَلق بِهِ إِلَى منى فَأرَاهُ مَسْجِد منى فَخط بِرجلِهِ بعد مَا خطّ مَوضِع الْمَسْجِد الْحَرَام وَبعد مَا خطّ الْبَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ثمَّ انْطلق إِلَى عَرَفَات فَأَقَامَ على الْمُعَرّف ثمَّ أمره عِنْد غرُوب الشَّمْس أَن يَقُول {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} الْأَعْرَاف 23 سبعا ليَكُون سنة فِي وَلَده معترفين بِذُنُوبِهِمْ هُنَاكَ ثمَّ أمره فَأَفَاضَ من عَرَفَات ثمَّ انْتهى إِلَى جمع فَبَاتَ ليلته بهَا وَجمع فِيهَا بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقت الْعَتَمَة فِي ذَلِك الْموضع إِلَى ثلث اللَّيْل وَأمره إِذا طلعت الشَّمْس أَن يسْأَل الله التَّوْبَة وَالْمَغْفِرَة سبع مَرَّات ليَكُون سنة فِي وَلَده فَمن لم يدْرك عَرَفَات فَأدْرك جمعا فقد أدْرك حجه وأفاض من جمع إِلَى منى ضحوة فَأمره إِن يقر إِلَى الله قرباناً ليتقبل الله مِنْهُ وَيكون سنة فِي وَلَده فَقرب قرباناً فَتقبل مِنْهُ قربانه فَأرْسل الله نَارا من السَّمَاء فقبضته فَقَالَ جِبْرِيل يَا آدم ارمه بِسبع حَصَيَات فَفعل فَذهب فَقَالَ جِبْرِيل إِنَّك لن ترَاهُ بعد مقامك هَذَا أبدا ثمَّ انْطلق بِهِ إِلَى الْبَيْت فَأمره أَن يطوف سبع مَرَّات فَفعل فَقَالَ جِبْرِيل حلت لَك زَوجتك وَعَن مُعَاوِيَة بن عمار عَن أبي عبد الله قَالَ لما أَفَاضَ آدم من عَرَفَات تَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَة فَقَالَت لَهُ بر حجك يَا آدم أما إِنَّا قد حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام وَفِي حَدِيث وهب بن مُنَبّه الْيَمَانِيّ أَن آدم بَكَى على الْجنَّة مِائَتي سنة فَعَزاهُ الله بخيمة من خيام الْجنَّة فوضعها لَهُ بِمَكَّة فِي مَوضِع الْكَعْبَة وَتلك الْخَيْمَة من ياقوتة حَمْرَاء لَهَا بَابَانِ شَرْقي وَغَرْبِيٌّ من ذهب منظومتان مُعَلّق فِيهَا ثَلَاثَة قناديل من تبر الْجنَّة تلتهب نورا وَأنزل الرُّكْن وَهُوَ ياقوتة بَيْضَاء من ياقوت الْجنَّة وَكَانَ كرسياً لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام يجلس عَلَيْهِ وَإِن خيمة آدم لم تزل فِي مَكَانهَا حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى ثمَّ رَفعهَا إِلَيْهِ وَبنى بَنو آدم موضعهَا بَيْتا من الْحِجَارَة والطين وَلم يزل معموراً وَأعْتق من الْغَرق وَلم يغرقه المَاء حَتَّى ابتعث الله إِبْرَاهِيم وَذكر وهب أَن ابْن عَبَّاس أخبرهُ إِن جِبْرِيل وقف على النَّبِي وَعَلِيهِ عِصَابَة خضراء قد علاها الْغُبَار فَقَالَ رَسُول الله مَا هَذَا الْغُبَار قَالَ إِن الْمَلَائِكَة أمرت بزيارة الْبَيْت فازدحمت فَهَذَا الْغُبَار مِمَّا تثيره الْمَلَائِكَة بأجنحتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وَعَن عبد الله بن سيابة عَن أبي عبد الله قَالَ طَاف آدم بِالْبَيْتِ مائَة عَام مَا ينظر إِلَى حَوَّاء وَلَقَد بَكَى على الْجنَّة حَتَّى صَار على خديه مثل النهرين العظيمين من الدُّمُوع ثمَّ أَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ حياك الله وبياك فَلَمَّا أَن قَالَ حياك تبلجح وَجهه فَرحا وَلما قَالَ بياك ضحك وَمعنى بياك أضْحكك قَالَ وَلَقَد قَامَ على بَاب الْكَعْبَة وثيابه جُلُود الْإِبِل وَالْبَقر فَقَالَ اللَّهُمَّ أَقلنِي عثرتي وأعدني إِلَى الدَّار الَّتِي أخرجتني مِنْهَا فَقَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ وَقد أقلتك عثرتك وسأعيدك إِلَى الدَّار الَّتِي أخرجتك مِنْهَا وَعَن أبي جَعْفَر قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن الله حِين أهبط آدم من الْجنَّة أمره أَن يحرث بِيَدِهِ فيأكل من كدها بعد نعيم الْجنَّة فَجعل يحار ويبكي على الْجنَّة مِائَتي سنة ثمَّ إِنَّه سجد لله سَجْدَة فَلم يرفع رَأسه ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها فَقيل جَاءَ جِبْرِيل بالحب على قدر بيض النعامة أَبيض من الزّبد وَأحلى من الْعَسَل وبثورين من ثيران الفردوس وبالحديد فَقَالَ مَالِي ولهذه الْحبَّة الَّتِي أخرجتني من الْجنَّة فَقَالَ جِبْرِيل هَذَا غذاؤك وغذاء أولادك فِي الدُّنْيَا فعقد النير على أرقابهما وحرث وبذر ووقف من التَّعَب فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل اصبر إِلَى أَوَان حَصَاده فاجمعه وادرسه وأذره وَأخرج حَقه يَوْم حَصَاده ثمَّ اطحنه واعجنه واخبزه وَكله بعد عرق الجبين قَالَ كَعْب فَمَا زَالَ الْحبّ زاكياً فِي عصر آدم وشيث إِلَى زمن إِدْرِيس كفر النَّاس فنقص إِلَى مِقْدَار بيض الدَّجَاج وَفِي زمن عِيسَى نقص إِلَى مِقْدَار بيض الْحمام لقَولهم فِيهِ وَفِي أمه مَا قَالُوا فَلَمَّا قتلوا يحيى عَاد إِلَى قدر الحمص ثمَّ صَار إِلَى مَا ترى وَعَن ابْن أبي عُمَيْر عَن هِشَام بن سَالم عَن أبي عبد الله قَالَ لما بَكَى آدم على الْجنَّة وَكَانَ رَأسه فِي بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة كَانَ يتَأَذَّى بالشمس فحط من قامته وَقيل إِنَّه لما أهبط إِلَى الأَرْض وَأكل من الطَّعَام وجد فِي بَطْنه ثقلاً فَشكى ذَلِك إِلَى جِبْرِيل فَقَالَ يَا آدم فتنح فنحاه فأحدث وَخرج مِنْهُ الثّقل وَفِي كتاب المبتدا أَن الله أَمر آدم أَن يتَّخذ لحواء منزلا خَارج الْحرم لَا تدخله إِلَى أَوَان الْحَج فَفعل وَكَانَ الْجِنّ أعوانا لَهَا رجَالًا ونساءا بعد أَن نفر آدم مِنْهُم لأَنهم قَبيلَة إِبْلِيس لَعنه الله فَأَمنهُ الله مِنْهُم لأَنهم الْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَن حملت حَوَّاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بشيث وانتقل نور رَسُول الله إِلَيْهَا فَأمر الله بِدُخُولِهَا إِلَى الْحرم كَرَامَة لرَسُول الله وذلل الله لَهُ الْحَيَوَان الْمُحَلّل فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من ركُوب وَغَيره وأعانه على ذَلِك الْجِنّ الْمُؤْمِنُونَ فَكَانَ يشرب من أَلْبَانهَا ويكتسي من أصوافها وَيَأْكُل من لحومها هُوَ وحواء وَأنزل الله لَهُ سنداناً ومطرقة وكلبتين وَأمره أَن يَأْخُذ الْحَدِيد من الْمَعَادِن فيصنع آلَة الْحَرْث والحصاد وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ واستعان على ذَلِك بالجن وَكَانَت الأَرْض فِي ذَلِك الزَّمَان أخرجت معادنها من سَائِر مَا فِيهِ مَنْفَعَة وَأرْسل إِلَى الرِّيَاح والسحاب فارتاع آدم وحواء لِأَنَّهُمَا لم يَكُونَا رَأيا سحاباً وَلَا سمعا رعداً وَلَا رَأيا برقاً فخافا غضب الله لِأَنَّهُ حَال بَينهمَا وَبَين السَّمَاء وَالشَّمْس فَأوحى الله إِلَيْهِ إِن هَذِه سَحَابَة رَحْمَتي لتروي الأَرْض لتحرث وتبذر فتنبت أضعافاً مضاعفة فَيكون مِنْهَا غذاؤك أَنْت وولدك فَلَمَّا نزل الْمَطَر شربا واغتسلا وَأنزل الله إِلَيْهِ جَمِيع أَنْوَاع الْحُبُوب المأكولة وَعلمه كَيفَ يحرث وَالْجِنّ تعاونه فأخصبت الأَرْض وأينع الشّجر فِي شهر وَاحِد وأقبلا يجنيان ويأكلان وعلمته الْجِنّ كَيفَ يدرس ويذري فَلَمَّا صفا حبه ذاقه فَلم يجد لَهُ لَذَّة فَقَالَ لحواء يُوشك لهَذَا عمل غير هَذَا فَقَط الْجِنّ حِجَارَة وعلموه كَيفَ يطحن ويعجن ويخبز ويؤكل فَأوقد جِبْرِيل لَهما نَارا فِي تنور من الْحِجَارَة وَأمره أَن يَأْخُذ من ملح الأَرْض وسمسها ويخلط فِي الْعَجِين فَصَارَت السّنة فِي الطَّعَام الْبدَاءَة بالملح فأكلا وشبعا وَقَالا كُنَّا فِي الْجنَّة فِي رَاحَة من هَذَا مَا أردناه حضر بَين أَيْدِينَا ثمَّ وجدا فِي بطونهما ثقلاً ومغصاً شَدِيدا فاضطربا حَتَّى بكيا فأتاهما جِبْرِيل فَقَالَ لَهما امشيا إِلَى سيف الْبَحْر وَكَانَ قَرِيبا وَقَالَ لآدَم اجْلِسْ بَين حجرين وأفض بقبلك ودبرك إِلَى الأَرْض ليذْهب مَا تَجدهُ ثمَّ تطهر بِالْمَاءِ وَتفعل حَوَّاء كَذَلِك وَانْصَرف عَنْهُمَا فَفعل آدم فَتحَرك بَطْنه وجاش وَوجد ألماً شَدِيدا حَتَّى بَكَى وانفتق قبله وَدبره وَخرج الْبَوْل وَالْغَائِط فَوجدَ رَائِحَة كريهة واستراح وَكَذَلِكَ حَوَّاء ثمَّ تطهرا بِالْمَاءِ وانصرفا فشكرا الله كثيرا وعجبا مِمَّا خرج مِنْهُمَا وَلما كَانَ من الْغَد جاعا فتركا الْأكل خيفةً فَأوحى الله إِلَى آدم أَنه أبرك الثَّمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وأنفعه وَأَكْثَره مَنْفَعَة فَجَمعه وعصره بمعاونة الْجِنّ ثمَّ أكل من الزَّيْت فَوجدَ لَهُ لَذَّة فَقَالَ لحواء إِنَّه لطيب وَلَكِن بعد التَّعَب وَالنّصب الشَّديد وصنعت لَهُ الْجِنّ المغرفة والفأس والمنشار وَالَّذِي لَا بُد مِنْهُ لبني آدم وعملن المرادن لحواء للغزل فَنسجَتْ لآدَم ثوبا من الْقطن وَكسَاء من الصُّوف ثمَّ لَهَا مثل ذَلِك وفرشا وغطاءا ودثاراً من الْبرد فمكثا بذلك مَا شَاءَ الله فَإِذا جَاءَ أَوَان الْحَج حجا وَأنزل الله على آدم الْخَيْمَة الَّتِي تقدم ذكرهَا فِي حَدِيث وهب وَلم يزل هَذَا دأبه مَا شَاءَ الله تَعَالَى وَأما كَيْفيَّة التناسل فَفِي كتاب المبتدا أَن آدم لم يكن يطَأ حَوَّاء مُنْذُ هبطا إِلَى الأَرْض وَلَا خطر بِقَلْبِه وَلَا بقلبها ذكره حَيَاء من الله تَعَالَى فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا آدم مَا هَذَا الْجزع وَأَنت صفوتي وَأَبُو الْمُصْطَفى رَسُولي وَمن قبله من الْأَنْبِيَاء فأبشر بنعمتي وكرامتي أَنْت وحواء زَوجتك أمتِي فألم بهَا فبشر حَوَّاء فسجدت شكرا لله تَعَالَى وَسَأَلَ آدم ربه عَن دوِي كَانَ يسمعهُ فِي ظَهره إِذا سبح وَعَن لمعان النُّور الَّذِي فِي وَجهه فَأخْبرهُ الله أَن هَذَا نور ابْنك مُحَمَّد والدوي الَّذِي تسمعه تسبيحه وَإِنِّي سأنقله من صلبك إِلَى حَوَّاء وَأَجْعَل نوره فِي وَجههَا حَتَّى يخرج فِي وَجه ولد لَكمَا مبارك أجعَل فِي ذُريَّته الْكتاب وَالْحكمَة وأعطيه الْبَطْش وَالْقُوَّة وأخصه بالشرف والفضيلة بعْدك فَإِذا انْتقل إِلَى حَوَّاء فَلَا يخفى عَلَيْك فَلَا تلم بهَا عِنْد حملهَا بِهِ حَتَّى تلده طَاهِرا مطهراً وَإِنِّي أحفظه من الشَّيَاطِين والمردة الملاعين فَإِذا انْتقل إِلَيْهَا فَمُرْهَا بِدُخُول الْحرم إجلالاً للنور الَّذِي مَعهَا فَإِذا وَضعته وَكبر فأبشر بِالْخَيرِ وسلني بِحقِّهِ كل مَا تُرِيدُ وزوجه أطهر النسوان وَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد بِحِفْظ هَذَا النُّور وَأَن يَأْخُذ على وَلَده كَمَا أخذت أَنا عَلَيْك وَأَنا الْحَافِظ لَهُ بعيني الَّتِي لَا تنام وَكَانَ آدم بعد هَذَا الْعَهْد لَا يقرب حَوَّاء حَتَّى تتطهر وتغتسل هِيَ وجاءها الْحيض سَبْعَة أَيَّام فَإِذا كَانَ وَقت الصَّلَاة سبحت وَكَبرت وَلما انْقَطع اغْتَسَلت ثمَّ بَاشر حَوَّاء فَحملت مِنْهُ وَبَان وَثقل عَلَيْهَا وَتغَير لَوْنهَا وانتفخ بَطنهَا وتحرك الْجَنِين وسفران الْجِنّ حولهَا يقلن لَهَا هَكَذَا الْحَبل وستلدين كَمَا ولدنَا نَحن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فَلَمَّا كَانَ الشَّهْر التَّاسِع أَصَابَهَا من شدته مَا لم يصب أُنْثَى حَتَّى يَبِسَتْ يَديهَا ورجليها وَوَقعت لَا حَرَكَة بهَا وَنسَاء الْجِنّ يبْكين رَحْمَة لَهَا وآدَم يَدْعُو وَيَقُول يَا رب وَعدك وَعدك يَا من لَا يخلف الميعاد فَأذن الله تَعَالَى بخلاصها وَولدت وَلدين ذكرا وَأُنْثَى وسال لَبنهَا وَأمر الله آدم أَن يأمرها بِقطع سررها وسمت الذّكر قابيل وَالْأُنْثَى إقليميا وهما ينشآن فِي الْيَوْم كالشهر وَفِي الشَّهْر كالسنة وآدَم منعزل عَنْهَا فِي مُدَّة الرَّضَاع فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي لم أحرم عَلَيْك زَوجك فِي رضاعها فَهِيَ حَلَال لَك وَإِنَّمَا نهيتك عَن ذَلِك عِنْدَمَا ترى نور مُحَمَّد قد انْتقل إِلَيْهَا أما فِي الْحمل بِغَيْرِهِ فَهِيَ حَلَال فَلَا تنعزل عَنْهَا فبشرها بذلك وَأَرَادَ الْإِلْمَام بهَا فَقَالَت يَا صفوة الله مَا تذكر مَا قاسيته فِي مخاضي فَأوحى الله إِلَيْهِ إِن الَّذِي قاسته أول مرّة لَا يُصِيبهَا مثله وَلَا عشر عشره وَإِنَّمَا وَقع ذَلِك أول مرّة لتخفف عَنْهَا الذُّنُوب الَّتِي تقدّمت لَهَا فِي معاونتها إِبْلِيس على الْأكل من الشَّجَرَة فَفَرِحت وَطَابَتْ بذلك نَفسهَا وَعَن عمَارَة بن زيد الْأنْصَارِيّ أَن آدم وَاقع حَوَّاء فَحملت بِأول بطن كَانَ بعد مائَة سنة ثمَّ وَاقعهَا فَحملت أَيْضا بهابيل وتؤمته ليوثا فَلم تلق فيهمَا مَا لقِيت فِي أول بطن فأرضعتهما وفطمتهما ثمَّ حملت بِبَطن ثَالِث فَولدت توأمين وَأَوْلَادهَا يكبرُونَ ويمشون بَين يَديهَا والنور لَا ينْتَقل عَن وَجه آدم وحواء تَلد فِي كل تِسْعَة أشهر وَلدين ذكرا وَأُنْثَى فَسمى الذّكر قاين وَقيل قابيل وسمى الْأُنْثَى ليوذا ثمَّ عاودا الغشيان فاشتملت على ذكر وَأُنْثَى فَسمى الذّكر هابيل وَالْأُنْثَى إقليميا فزوج أُخْت قاين لهابيل وَأُخْت هابيل لقاين إِلَى أَن كثر النَّسْل وَولدت حَوَّاء لآدَم خَمْسمِائَة بطن بِأَلف ذكر وَأُنْثَى وبإسنادنا الْمُتَقَدّم عَن ابْن بابويه عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن يحيى الْعَطَّار عَن الْحُسَيْن بن الْحسن بن أبان عَن مُحَمَّد بن أورمة عَن النَّوْفَلِي عَن عَليّ بن دَاوُد اليعقوبي عَن مقَاتل بن مقَاتل عَمَّن سمع زُرَارَة يَقُول سُئِلَ أَبُو عبد الله عَن بَدْء النَّسْل من آدم كَيفَ كَانَ فَإِن نَاسا عندنَا يَقُولُونَ إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى آدم أَن يُزَوّج بَنَاته من بنيه وَإِن هَذَا الْخلق كُله أَصله من الْأُخوة وَالْأَخَوَات فَمنع أَبُو عبد الله من ذَلِك وَقَالَ نبئت أَن بعض الْبَهَائِم نكرت لَهُ أُخْته فَلَمَّا نزا عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَنزل ثمَّ علم أَنَّهَا أُخْته عزم على غرموله بِأَسْنَانِهِ حَتَّى قطعه فَخر مَيتا وَفِي حَدِيث آخر تنكرت لَهُ أمه فَفعل هَذَا بِعَيْنِه فَكيف الْإِنْسَان فِي فَضله وَعلمه غير إِن جيلا من هَذِه الْأمة الَّذين يرَوْنَ أَنهم رَغِبُوا عَن علم أهل بيوتات أَنْبِيَائهمْ فَأَخَذُوهُ من حَيْثُ لم يؤمروا بِأَخْذِهِ فصاروا إِلَى مَا ترَوْنَ من الضلال وَحقا أَقُول مَا أَرَادَ من يَقُول هَذَا إِلَّا تَقْوِيَة لحجج الْمَجُوس ثمَّ أنشأ يحدثنا كَيفَ كَانَ بَدْء النَّسْل فَقَالَ إِن آدم صلوَات الله عَلَيْهِ ولد لَهُ سَبْعُونَ بَطنا فَلَمَّا قتل قابيل هابيل جزع جزعاً شَدِيدا قطعه عَن إتْيَان النِّسَاء فَبَقيَ لَا يَسْتَطِيع أَن يغشى حَوَّاء خَمْسمِائَة سنة ثمَّ وهب الله لَهُ شَيْئا وَهُوَ هبة الله وَهُوَ أول وَصِيّ أوصى إِلَيْهِ من بني آدم فِي الأَرْض ثمَّ وَرَاءه بعده يافث فَلَمَّا أدْركَا وَأَرَادَ الله إِن يبلغ بالنيل مَا ترَوْنَ أنزل بعد الْعَصْر فِي يَوْم خَمِيس حوراوين من الْجنَّة اسْمهَا نزلة ومنزلة فَأمره الله أَن يُزَوّجهَا شيثاً وَأَن يُزَوّج منزلَة من يافث فزوجهما مِنْهُمَا فَولدت لشيث غُلَاما وليافث جَارِيَة فَأمر الله آدم حِين أدْركَا أَن يُزَوّج بنت يافث من ابْن شِيث فَفعل فولد للصفوة من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ من نسلهما ومعاذ الله أَن يكون ذَلِك على مَا قَالُوهُ من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات ومناكحتهما والْحَدِيث طَوِيل وَفِي علل الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام عَن الباقر مُحَمَّد بن عَليّ أَن أحد ابْني آدم تزوج الْحَوْرَاء وَتزَوج الآخر من الْجِنّ فولدتا جَمِيعًا فَمَا كَانَ فِي النَّاس من جمال وَحسن خلق فَمن حوراء وَمَا كَانَ من سوء خلق فَمن بنت الجان وَأنكر تَزْوِيج بنيه من بَنَاته وروى الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد الحجري فِي كتاب مبتدا الْخلق إِن قابيل أكبر أَوْلَاد آدم وَأَنه لما مضى من عمره وتؤمته عشرُون سنة ولهابيل وَأُخْته تسع عشرَة سنة فوض أَمر الْحَرْث إِلَى قابيل وَأمر الْغنم والرعي إِلَى هابيل وَكَانَ قابيل مُولَعا باللهو واللعب وهابيل يكثر الشُّكْر وَالتَّسْبِيح ويأتيى إِلَى إخْوَته وَأَبِيهِ بالسمن وَاللَّبن والجبن وَكَانَت أمه وَإِخْوَته يحبونه ويقدمونه على قابيل وَكَانَ يحسده لذَلِك وَأَوْلَاد حَوَّاء بَعضهم مَعَ قابيل فِي الْحَرْث وَبَعْضهمْ مَعَ هابيل فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الرَّعْي وَأَن الله أوحى إِلَى آدم أَن زوج ذكران بَيْنك بإناثهم وَلَا يحل لأحد من بني بنيك أَن ينْكح أُخْته وَخَالف بَين ذكر كل بطن وأنثاه فَأول مَا أَرَادَ أَن يمتثل أَمر الله فِي ولديه هابيل وقابيل لِأَنَّهُمَا أكبر أَوْلَاده فَأَرَادَ زواج قابيل لتوءمة هابيل ليوذا ولهابيل توءمة قابيل إقليميا فَأبى قابيل حسداً لِأَخِيهِ وَقَالَ لِأَبِيهِ أَنا أولى بأختي هِيَ أحب إِلَيّ من أُخْت هابيل وَامْتنع أَن يسلم أُخْته إِلَى هابيل فَقَالَ آدم أَخَاف عَلَيْك إِن عصيت رَبك أَن تقع فِيمَا وقعنا فِيهِ فأقسم أَلا يتْرك لَهُ أُخْته إِلَّا ببرهان من الله فَقَالَ آدم اذْهَبَا فقربا قرباناً إِلَى الله وليقف كل وَاحِد وَبَين يَدَيْهِ قربانه وَليكن أفضل مَا عنْدكُمْ وأطهره وأطيبه فَإِن الله لَا يقبل إِلَّا الطّيب فأيكما قبل قربانه فَهُوَ أَحَق بإقليميا فَقَالَ هابيل لِأَبِيهِ أَنا رَاض بِكُل مَا حكمت قربت أَو لَا تقبل مني أَو لَا وَقَالَ قابيل نقرب فَخَرَجَا إِلَى جبل من جبال مَكَّة وَقيل إِلَى منى ثمَّ قرب كل وَاحِد مِنْهُمَا قرباه فَكَانَ قرْبَان هابيل من أبكار غنمه وأسمنها بسماحة نفس وقربان قابيل قمحاً لم يبلغ وَأَكْثَره زيوان وَفِي كتاب الْوَصِيَّة عمد إِلَى شَرّ مَا كَانَ لَهُ من الطَّعَام والعصير فقربه وَعَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ قرب قابيل من زرعه مَا لم ينق وَقَامَ هابيل يَدْعُو الله وقابيل يُغني ويلهو وَإِذا رأى هابيل يُصَلِّي يضْحك وَيَقُول أَظن صَلَاتك لتخدع آدم ليزوجك بأختي لَئِن تقبل قربانك لأَقْتُلَنك فَتَركه هابيل وَانْصَرف ليعلم أَبَاهُ فَلحقه قابيل قبل عقبَة حراء دون جبل ثبير وَقيل فِي مَوضِع آخر غَيره وَفِي مروج الذَّهَب يُقَال إِنَّه اغتاله فِي بَريَّة وَيُقَال إِن ذَلِك كَانَ بِأَرْض الشَّام من بِلَاد دمشق فَوَثَبَ إِلَيْهِ يعضه بفمه طَالبا مَوته فَلَا يرَاهُ يَمُوت ويضربه بِيَدِهِ فتمثل لَهُ إِبْلِيس على صُورَة بعض إخْوَته وَقد اصطاد ظَبْيًا ثمَّ أَخذ حبلاً فقمطه بِهِ وألقاه على جنبه وَأخذ حجرين فَضرب أَحدهمَا بِالْآخرِ فَانْكَسَرت من أَحدهمَا شظية لَهَا حرف حد فَأَخذهَا فشحطها على حلق الظبي فذبحه ثمَّ احتلمه وَمضى لسبيله وقابيل يرَاهُ فَأخذ حجرا فشدخ بِهِ رَأسه وَقيل كَسره وذبحه بِبَعْضِه فَمَاتَ فَلَمَّا قَتله وسال دَمه وَرَآهُ يضطرب لخُرُوج روحه عقبته الندامة وتبرأ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الشَّيْطَان ونخر إِبْلِيس نخرة أَجَابَتْهُ مردته من كل أَوب وَاتخذ ذَلِك عيداً وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي اتخذته الْمَجُوس عيداً لَهُم وَلما قَتله فتحت الأَرْض فاها لتبتلع دَمه فزجرت وَقيل لَهَا أشربت دَمًا سفك بِغَيْر حق ظلما لَئِن عدت لمثل ذَلِك لألعننك سبع لعنات فأقسمت أَلا تبلع دَمًا وَأَن قابيل ارتعشت يَدَاهُ حِين قتل أَخَاهُ وَبَقِي حائراً مبهوتاً ينظر إِلَيْهِ مَيتا ملقى على وَجهه الأَرْض وَعَن وهب لما أَرَادَ قابيل أَن يقتل أَخَاهُ هابيل لم يدر كَيفَ يصنع فَعمد إِبْلِيس إِلَى طَائِر فرضخ رَأسه بِحجر فَقتله فتعلم قابيل فساعة قَتله أرعش جسده وَلم يعلم مَا يصنع فَأقبل غراب يهوي على الْحجر الَّذِي دمغ أَخَاهُ فَجعل يمسح الدَّم بمنقاره وَأَقْبل غراب آخر حَتَّى وَقع بَين يَدَيْهِ فَوَثَبَ الأول على الثَّانِي فَقتله ثمَّ هز بمنقاره فواراه فتعلم قابيل وَعَن الصفار عَن مُحَمَّد بن أبي الْحُسَيْن بن أبي الْخطاب عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَابر وَعبد الْكَرِيم بن عَمْرو بن عبد الحميد بن أبي الديلم عَن أبي عبد الله أَن الله بعث إِلَيْهِ جِبْرِيل فأجنه فَقَالَ قابيل {يَا ويلتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} الْمَائِدَة 31 يَعْنِي بِهِ مثل هَذَا الْغُرَاب الَّذِي لَا أعرفهُ جَاءَ وَدفن آخر وَلم أهتد لذَلِك وَيُقَال إِنَّه حمله على عَاتِقه إِلَى أَبِيه وَأمه فعلما أَنه هُوَ الَّذِي قَتله فَقَالَ لَهُ آدم يَا وَيلك قتلت أَخَاك حَيْثُ تقبل قربانه عَلَيْك لعنة الله ولعنة الْمَلَائِكَة وَأَقْبَلت حَوَّاء تنوح وتصرخ فَلَمَّا رأى قابيل ذَلِك توارى عَنْهُمَا ينوح على نَفسه وَسُوء فعله فَمن نياحته ويلي وَمن لَهُ مثل ويلي اسْتَوْجَبت لقَتله سخط رَبِّي ويلي قتلت هابيل شقيقي وَابْن أبي وَأمي وَمن كَانَ مستقره فِي صلب أبي فيا شقوتي وويلي وَمن لَهُ مثل ويلي اسْتَوْجَبت لقَتله سخط رَبِّي فَيُقَال إِنَّه حمله على عَاتِقه وَهُوَ يبكي وينوح من وَاد إِلَى وَاد وَمن جبل إِلَى جبل حَتَّى أنتن وجاف وسال عَلَيْهِ صديده فَأَلْقَاهُ إِلَى الأَرْض ووقف ينظر إِلَيْهِ نَادِما فَبعث الله غراباً كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَيُقَال إِن إِبْلِيس كَانَ رمى أنثاه بِحجر فَقَتلهَا فَلَمَّا رَآهَا الْغُرَاب تَعب وَصَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ونتف ريشه حزنا ثمَّ بحث الأَرْض برجليه ومنقاره حَتَّى دَفنهَا وَوضع الْحجر الَّذِي شدخ بِهِ إِبْلِيس رَأسهَا على الْموضع الَّذِي دَفنهَا فِيهِ ثمَّ صرخَ صرخات وناح نوحات وصفق بجناحيه وطار فَقَالَ قابيل {يَوَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَاب فأواري سَوْءَةَ أَخِي} الْمَائِدَة 31 كَمَا وارى أنثاه فحفر لَهُ حَتَّى واراه فِي الحفرة وطمر عَلَيْهِ التُّرَاب فَهُوَ أول ميت دفن فِي الأَرْض ثمَّ تَركه وَرجع وَلم يقدر يَقع فِي عين أَبِيه وَأبْعد عَن آدم وَعَن مَكَّة وَفِي رِوَايَة أَنه لما رَجَعَ إِلَى آدم فَقَالَ لَهُ يَا قابيل أَيْن هابيل قَالَ مَا أَدْرِي وَمَا بعثتني رَاعيا لَهُ فَانْطَلق فَوجدَ هابيل مقتولاً فَقَالَ لعنت من أَرض كَمَا قبلت دم هابيل فَبكى آدم على هابيل أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ إِن آدم سَأَلَ ربه أَن يهب لَهُ ولدا فولد لَهُ غُلَام فَسَماهُ هبة الله لِأَن الله عز وَجل وهبه لَهُ فَأَحبهُ آدم حبا شَدِيدا والْحَدِيث طَوِيل وروى أَنه لم يوار سوءة أَخِيه وَانْطَلق هَارِبا حَتَّى أَتَى وَاديا من أَوديَة الْيمن فِي شَرْقي عدن فكمن فِيهِ زَمَانا وَبلغ آدم مَا صنع قابيل بهابيل فَوَجَدَهُ قَتِيلا قلت هَذَا يُخَالف مَا قبله الْمَنْقُول عَن كتاب العرائس أَن قابيل وضع هابيل فِي جراب وَحمله على عَاتِقه حَتَّى أروح وأنتن وَفِيه وفى إِبْلِيس {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ} فصلت 29 لِأَن قابيل أول من سنّ الْقَتْل فَلَا يقتل مقتول إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا كَانَ شَرِيكه فِيهِ وَسُئِلَ جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ هما هما وَإِن آدم حزن على هابيل حزنا شَدِيدا وبكاه ورثاه بِهَذِهِ الأبيات وَهِي أول شعر قيل فِي الأَرْض (تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمَنْ عَلَيْهَا ... فوَجهُ الأرضِ مُغبَرُّ قبيحُ) (تغيَّر كلُّ ذِي طعمٍ ولونٍ ... وقلَّ بشاشَةَ الوجهُ الصَّبيحُ) (وبُدِّل نبتها أثلاً وخمطاً ... بجنَّاتٍ من الفردوس فِيحُ) (وجاورنا عَدو لَيْسَ يُغنى ... لعينٌ لَا يموتُ فنستريحُ) (فيا هابيلٌ إِن تُقتَلْ فإنِّى ... عليكَ اليومَ مكتئبٌ قريحُ) (بكَتْ عَيْني وحقَّ لَهَا بُكاها ... ودمعُ العينِ مُنسكبٌ يسيحُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 (فأورثَ فِي الضَّمِير لهيبَ نارٍ ... مُقيمٌ فِيهِ هابيلُ الذّبيحُ) (رماهُ أَخُوهُ ذُو الفَجَراتِ ظُلماً ... وبغياً مِنْهُ قابيلُ الشحيحُ) (فيَلعنهُ الإلهُ بِمَا جناهُ ... وصعَّر خدّه وَله القُبوحُ) فَيُقَال إِن إِبْلِيس لَعنه الله أَجَابَهُ بقوله // (من الوافر) // (تَنحَّ عَن الْبِلَاد وساكنيها ... فَفِي الفردوسِ ضاقَ بك الفسيحُ) (وكنتَ بهَا وزوجكَ فِي رَخاَءٍ ... من الدّنيا وعيشُكَ مستريحُ) (فَمَا انفكَّت مُكايدتي ومَكري ... إِلَى أَن فاتَكَ الثمنُ الربيحُ) (فلولا نعمةُ الجبَّارِ أَضحَى ... بكفكَ من جنانِ الْخلد ريحُ) (أَهاجَكَ آدم الدهرُ الكدوحُ ... فدمعكَ هاطلٌ هَتِنٌ يسيحُ) (وجاءتكَ المصائبُ عادياتٍ ... وسوفَ عَلَيْك ترجعُ أَو تروحُ) (فَلَا تبْكي فإنكَ غيرُ خالٍ ... من الأحزان مَا صحبتكَ روحُ) (وعندك بُغيتي ولديكَ ثأْري ... وولدكَ بعد موتكَ لَا أُريحُ) قَالَ عمَارَة بن زيد لما هرب قابيل أرسل الله إِلَيْهِ ملكا فَقَالَ لَهُ أَيْن أَخُوك هابيل فَقَالَ مَا كنت عَلَيْهِ رقيباً فَقَالَ لَهُ الْملك إِن الله يَقُول لَك إِن صَوت أَخِيك لينادي من الأَرْض أَنَّك قتلته فَمن الْآن أَنْت مَلْعُون وَإِذا عملت بِيَدِك حرثاً فَإِن الأَرْض لَا تعطيك شَيْئا أبدا وَلَا تزَال فَزعًا تائهاً فِي الأَرْض أبدا وَإنَّهُ سيقتل خِيَار ولدك وَيكون موتك أسفا على من قتل من ذريتك ثمَّ انْصَرف الْملك عَنهُ فَقَالَ لقد عظمت مصيبتي من أَيْن يغفرها لي رَبِّي ثمَّ إِنَّه سلط الله عَلَيْهِ الْفَزع من كل شَيْء لَو مر بِهِ الذُّبَاب توهم أَنه يقْتله وَكَانَ طول عمره حَزينًا خَائفًا وإبليس مَعَه فِي شَرْقي عدن وَبَقِي آدم مائَة سنة حَزينًا لَا يضْحك فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا آدم إِن الله يعزيك ويأمرك بِالصبرِ ليوجب لَك الْأجر فَلَا تكبرن عَلَيْك مُصِيبَة قابيل فقد وَجَبت عَلَيْهِ اللَّعْنَة وهابيل أجعله قَائِد الشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْجنَّة وقابيل قرين إِبْلِيس فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 النَّار فتعز أَنْت وحواء وقولا إِنَّا لله وَأَنا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَأَنا واهب لَك ولدا صديقا نَبيا فِي ذُريَّته الْملك والنبوة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وعلامته أَن يُولد وَحده فَإِذا ولد فسمه شيثا هبة الله فَضَحِك آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَخرج من الْحرم فبشر حَوَّاء بذلك ثمَّ إِن قابيل استحوذ عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَحمل أُخْته إقليميا إِلَى صحارى عدن فنكحها خلافًا لِأَبِيهِ وربه فَأتى مِنْهَا بأولاد انتشروا فِي الأَرْض ونكح بَعضهم بَعْضًا من أم وَأُخْت وعمة وَخَالَة وأطاعوا إِبْلِيس فَكَانُوا حزبه وآدَم ينْهَى بنيه أَن يقربُوا الأَرْض الَّتِي هم فِيهَا فَكَانُوا لَا يقربونهم وَلَا يجاورونهم وَأما وَفَاة آدم عَلَيْهِ السَّلَام فقد روى الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد رَحمَه الله أَن الله سُبْحَانَهُ أَمر آدم أَن يتَقَدَّم إِلَى شِيث بِالْوَصِيَّةِ وَأخذ الْعَهْد عَلَيْهِ والميثاق بِأَنَّهُ خَلِيفَته على بنيه وَألا يضع النُّور الَّذِي فِي جَبهته إِلَّا فِي الطاهرات من النِّسَاء فَسجدَ آدم شكرا لله تَعَالَى وَأخذ على وَلَده الْعَهْد والميثاق بذلك وَأمره أَنه إِذا انْتقل النُّور إِلَى وَلَده أَن يَأْخُذ عَلَيْهِ الْعَهْد كَذَلِك ثمَّ إِنَّه جمع أَوْلَاده وأشهدهم على شِيث وأعلمهم أَنه وَصِيّه وَأمرهمْ بِطَاعَتِهِ وَعدم مَعْصِيَته وحذرهم بني قابيل اللعين فَإِنَّهُم مَعَ إِبْلِيس وَجُنُوده عَدو لي وعدو لكم ثمَّ قَالَ وأمكم حَوَّاء أشفقوا عَلَيْهَا وتحننوا على إخوتكم والطفوا بأولادكم وَلَا تؤثروا شَيْئا على طَاعَة ربكُم وحجوا واقضوا مَنَاسِككُم كَمَا رَأَيْتُمُونِي أَقْْضِي وقربوا القربان لِتَعْلَمُوا رضَا الله عَنْكُم فَلَمَّا غمره الوجع وَالْمَلَائِكَة تعوده وتسأل عَنهُ وَقد أحدق بِهِ بنوه وحواء عِنْد رَأسه لَا ترقأ لَهَا عِبْرَة لفراقه فَلَمَّا مَاتَ علم جِبْرِيل ابْنه شِيث غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَأما مدفنه فَفِيهِ خلاف بَين الْأُمَم فَقَالَ قوم من أهل الْكتاب دفن فِي مَشَارِق الفردوس وَقل عَليّ بن أبي طَالب دفن بِمَكَّة وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا دفن فِي غَار بجبل أبي قبيس يُقَال لَهُ غَار الْكَنْز وَقيل بمنى عِنْد مَنَارَة مَسْجِد الْخيف قَالَه الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ دوَل الْإِسْلَام وعمره ألف سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَفِي مُخْتَصر ربيع الْأَبْرَار لِابْنِ سلكويه أَن آدم لما احْتضرَ قَالَ لِابْنِهِ أوصيك أَن تطلي جَسَدِي بدهن وَمر ولبان مِمَّا أهبط عَلَيْهِ من الْجنَّة فَإِنَّهُ إِذْ طلي بِهِ الْمَيِّت لم ينْفَصل شَيْء من عِظَامه حَتَّى ببعثه الله تَعَالَى وأوصيك أَن يكون مَعَك دهن وَمر حَيْثُمَا ذهبت فَإِن الشَّيْطَان لَا يقربك وَأَن تجْعَل جَسَدِي فِي تَابُوت وتجعلني فِي مفازة فِي وسط الأَرْض وَمَات يَوْم الْجُمُعَة وَصلى عَلَيْهِ فِي السَّاعَة الَّتِي أخرج فِيهَا من الْجنَّة لست لَيَال خلون من نيسان وعمره تِسْعمائَة وَسِتُّونَ سنة أَو ألف وَقيل إِنَّه مَاتَ عَن أَرْبَعِينَ ألفا من وَلَده وَولد وَلَده وَفِي مروج الذَّهَب للمسعودي توفّي عَن ألفي ألف من وَلَده وَولد وَلَده وناحوا عَلَيْهِ مائَة وَأَرْبَعين يَوْمًا وَفِي كتاب الْوَصِيَّة ثمَّ حمل نوح جسده زمن الطوفان فِي السَّفِينَة وَجعله فاصلاً حاجزاً بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث من كل نوع كَمَا سَيَأْتِي عِنْد ذكر نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأما حَوَّاء فَعَن وهب أَنَّهَا لم تعرف بِمَوْت آدم حَتَّى سَمِعت بكاء الوحوش وَالطير فَقَامَتْ فزعة وصاحت صَيْحَة شَدِيدَة فَأقبل إِلَيْهَا جِبْرِيل وصبرها فَلم تصبر دون أَن لطمت وَجههَا ودقت صدرها فورث ذَلِك بناتها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ إِنَّهَا لَزِمت قبر آدم أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا تطعم الزَّاد وَلَا الرقاد فَأَخْبرهَا جِبْرِيل باقتراب أجلهَا فشهقت شهقة عَظِيمَة ومرضت مَرضا شَدِيدا وَهَبَطَ ملك الْمَوْت فَسَقَاهَا شراب الْمَوْت ففارقت الدُّنْيَا وَفِي كتاب المبتدا أَنه لما مَاتَ آدم جزعت عَلَيْهِ حَوَّاء جزعاً شَدِيدا وَلم تنم لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَلم تَأْكُل إِلَّا مَا يسد رمقها وَلم تمس طيبا وَلَا توسدت بوسادة وَكَانَت تخرج فِي كل ثَلَاث سَاعَات إِلَى قبر آدم فِي بناتها تبكيه فَأرْسل الله إِلَيْهَا جِبْرِيل سلاها وأمرها بِالصبرِ فسجدت شكرا لله تَعَالَى وَلم تلبث بعد ذَلِك إِلَّا قَلِيلا ذكر أَنَّهَا عاشت بعده سِتَّة أشهر وَأَنَّهَا لما حضرتها الْوَفَاة شدد الله عَلَيْهَا النزاع ليكفر بذلك خطيئتها وَيرْفَع درجتها ودعت أكبر بناتها وَهِي فهوائيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَكَانَت تشبهها فِي جمَالهَا وكمالها وَقَالَت لَهَا يَا بنية إِنِّي احسن بِالْمَوْتِ الَّذِي أَخذ أَبَاك وَقد اضْطربَ جسمي وطار نومي وخفق فُؤَادِي خمري رَأْسِي وشدي عَليّ ثِيَابِي وطهري بَيْتِي ومصلاي ومحرابي وفراشي وَمَا حَولي فيوشك أَن يحضرني رسل رَبِّي وَرُبمَا غلب من هول مَا ينزل بِي فيتغير عَقْلِي وينكشف بعض بدني فَلَا تغفلي عني وَلَا تفتري عَن ذكر الله عِنْد رَأْسِي فَإِذا أَنا مت فغمضي عَيْني وشدي لحيي إِلَى رَأْسِي وسجيني بثوبي وخمري رَأْسِي ووجهي واستقبلي بِهِ قبْلَة رَبِّي ومددي أعضائي أَي بنية أحس روحي من كل عرق تجذب وَمن كل عظم تنتزع وَنَفْسِي كَأَنَّمَا تخرج من سم الْخياط وَكَأَنِّي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَإِذا خرجت روحي فتولي أَنْت غسْلي بِالْمَاءِ والسدر وترا وكفنيني فِي أطهر أثوابي وذري عَليّ شَيْئا من الطّيب الَّذِي لَا لون لَهُ وَعَلَيْك بِالدُّعَاءِ عِنْد موتِي وَعَلَيْك بِحِفْظ بعلك وَرَحْمَة ولدك والتحنن على إخْوَتك وَقلة الْمُخَالفَة لَهُم وَالله خليفتي عَلَيْك ثمَّ تَوَجَّهت إِلَى الْقبْلَة وبكت وَقَالَت الهي أمتك وَأم نبيك مُحَمَّد إِلَّا مَا هونت على أمتك سَكَرَات الْمَوْت يَا رب وَالْحيَاء مِنْك يَمْنعنِي أَن أَسأَلك مَا سَأَلَك آدم عِنْد مَوته من ريحَان الْجنَّة وثمارها فَبَكَتْ الْمَلَائِكَة لَهَا وَسَأَلت الله أَن يهون عَلَيْهَا الْمَوْت فَقَالَ أَنا أرْحم بأمتي مِنْكُم وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَأوحى الله إِلَى رضوَان أَن يخرج من حور الْجنَّة عشرَة بريحان وثمار ويبشرنها بِالرِّضَا وَالْمَغْفِرَة وَالْعود إِلَى الْجنان فخرجن بأيديهن أطباق الذَّهَب والياقوت مخمرة بمناديل من الإستبرق من ثمار الْجنَّة ورياحينها ويبشرنها بِالْجنَّةِ فَوَضَعته على عينهَا وشمته وبكت وَقَالَت أَلَيْسَ رَبِّي رَاضِيا عني فَقُلْنَ بلَى يَا حَوَّاء وَأَنت صائرة إِلَى الْجنَّة حَيْثُ صَار آدم فَخفف عَن حَوَّاء بِهَذِهِ الْبشَارَة وَهَبَطَ ملك الْمَوْت وَأمره الله أَن يسهل عَلَيْهِ فَمَاتَتْ حَوَّاء صلوَات الله عَلَيْهَا فبكين بناتها وفهوائيل فعلت مَا أَمَرتهَا وَأنزل الله كفناً وخيوطاً من الْجنَّة فكفنتها فِيهِ فهوائيل وأعلمت إخوتها فصلى عَلَيْهَا ابْنهَا شِيث كَمَا صلى على أَبِيه آدم ثمَّ دَفنهَا بِالْقربِ مِنْهُ وَكَانَ مَوتهَا يَوْم الْجُمُعَة وبكت عَلَيْهِمَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَجَاء إِبْلِيس لَعنه الله إِلَى قبريهما وَبكى عَلَيْهِمَا مَلِيًّا وانتحب ثمَّ قَالَ يرثيهما بِهَذِهِ الأبيات // (من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 مجزوء الْكَامِل) // (قد مُتما وسبقتُماني ... وحلَلتُما دارَ الأمانِ) (وبقيتُ بعدكما على ... سَنَنِ المذلَّةِ والهَوانِ) (متفرداً بِغوايةِ الثقلَيْن ... من إنسٍ وَجَانِ) (ومطيَّتي موقوفةٌ ... بينَ التلهُّبِ والأمَان) (إِذا مَا بَقيتُ ومتُّما ... فإليكما أَمداً رِهاني) وَفِي إِبْلِيس وآدَم والحية والطاوس وحواء يَقُول عدي بن زيد قصيدة يذكر فِيهَا بَدْء الْخلق إِلَى أَن وصل إِلَى قصَّة آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (سعى الرجيمُ إِلَى حوَّا بوَسوَسةٍ ... غَوتْ بهَا وغوى مَعهَا أَبُو الْبشر) (خلقان من مارجٍ إنشاءُ خلقته ... وآخرٌ من تُرَاب الأَرْض والمَدر) (أنشاهما ليطيعاهُ فخالفهُ ... إِبْلِيس عَن أمره للحَين والقدَرِ) (فأبلَسَِ الله إبليساً وأسكنهُ ... دَارا من الخُلد بَين الرَّوْض والشجرِ) (فاغتاظَ إِبْلِيس من بَغي ومِن حسدٍ ... فاحتال للحَية الرّقطاء وَالطير) (فأدخلاهُ بأيمانٍ مؤكدةٍ ... أعطاهما بيمينٍ كاذبٍ غدر) (هناكَ سرَّ إِلَى حوَّا بوسوَسةٍ ... أردتُ بغرّتها مَعهَا أَخا القَدَر) (فأُهبطوا بمعاصيهم وكلّهم ... فَانِي المحلِّ فقيدُ الْعين والأَثرِ) (فأَهبط الله إبليساً وأوعده ... نَارا تلهبُ بالتّسعير والشَرَرِ) (وأَنزلَ اللهُ للطاوسِ رحمتَهُ ... من صَوته وَرمى رجلَيْهِ بالنُّكرِ) (وأَعقَبَ الحيةَ الحسناءَ حِين عَصَتْ ... مسح القوائم بعد السّعي كالبقرِ) (وأَعقبَ الله حَوَّا بالّذي فعلت ... بالطَّمث والطّلق وَالْأَحْزَان والفِكرِ) وَلما مَاتَ آدم وحواء طمع إِبْلِيس فِي بَينهمَا وَجَاء إِلَى شِيث فَسلم عَلَيْهِ وَكَلمه كلَاما اظهر فِيهِ النَّدَم على مَا فعله بِأَبِيهِ وَأمه مَا فعل وَأَن يكون عونه على أَوْلَاد قابيل فلعنه شِيث وطرده وتهدده بِأَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِ وَإِن كَانَ منْظرًا فَخرج إِبْلِيس من بَين يَدَيْهِ خَائفًا أَن يَدْعُو عَلَيْهِ فيجتمع عَلَيْهِ خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فولى آيساً مِنْهُ وَقَامَ شِيث فِي بنيه وَإِخْوَته خَطِيبًا وأعلمهم مَا أَرَادَ إِبْلِيس وحذرهم مِنْهُ وَمن أَوْلَاد قابيل قَالَ فَإِنَّهُم أعداؤكم فِي الدّين وحزب إِبْلِيس فَجعل بَعضهم يحذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 بَعْضًا من مُخَالطَة بني قابيل والتحرز مِمَّا نَهَاهُم الله عَنهُ وَلما أيس إِبْلِيس من شِيث رَجَعَ إِلَى قابيل وزين لَهُ أَلا يمْنَع ذكرا من إخْوَته وَبنَاته ليكْثر النَّسْل وَأَن يبيحهم الشّركَة الْوَاحِد والاثنين وَالثَّلَاثَة فِي الْوَاحِدَة وَلَا يمنعهُم مُرَادهم فَقبل قابيل قَوْله واشترك الْجَمَاعَة فِي الْوَاحِدَة وَمَا من ولد إِلَّا وإبليس لَهُ فِيهِ شركَة وَكَانَ لإبليس أَوْلَاد فاختلطوا مَعَهم وتربوا جَمِيعًا تذنيب عَن مقَاتل قَالَ قلت لأبي عبد الله كم كَانَ طول آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين أهبط إِلَى الأَرْض وحواء كم كَانَ طولهَا فَقَالَ وجدنَا فِي كتاب عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن الله تَعَالَى لما أهبط آدم وَزَوجته من الْجنَّة كَانَت رِجْلَاهُ على ثنية الصَّفَا وَرَأسه دون أفق السَّمَاء وَأَنه شكى إِلَى الله مَا يُصِيبهُ من حر الشَّمْس فصير طوله سبعين ذِرَاعا بذراعه وَجعل طول حَوَّاء خمْسا وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَفِي العرائس كَانَ يمشي بَين الْجبَال والمفاوز فَكل مَوضِع أصَاب قدمه صَار قَرْيَة وكل مَوضِع اسْتَقر فِيهِ صَار مَدِينَة وكل مَوضِع صلى فِيهِ صَار مَسْجِدا وَلما مضى من الدُّنْيَا خَمْسمِائَة عَام كثر وَلَده وَولد وَلَده فَأرْسل الله إِلَيْهِ يحكم فيهم بِمَا انْزِلْ الله عَلَيْهِ وَهُوَ خَمْسُونَ صَلَاة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم والاغتسال من الْجَنَابَة فَحكم بذلك حَتَّى توفاه الله تَعَالَى وَلما أهبط نزل مَعَه خَمْسَة أَشْيَاء أَحدهَا الْعَصَا وَهِي من آس الْجنَّة وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ يَأْكُل الْحِنْطَة فَبَقيت بَقِيَّة فِي أَسْنَانه فَأخذ عوداً بعد أَن احْتَاجَ إِلَى التَّخْلِيل فَبَقيَ فِي يَده يَتَخَلَّل بِهِ فأهبط وَهُوَ مَعَه وتوارثه أبناؤه إِلَى أَن وصل إِلَى مُوسَى فَصَارَ معْجزَة لَهُ فَهُوَ عَصا مُوسَى وَثَانِيها خَاتم كَانَ مَعَه فَلَمَّا سَقَطت عَنهُ الْحلَل وَذهب تاجه عَن رَأسه أَخذه فَجعله فِي فِيهِ فتوارثه الذُّرِّيَّة إِلَى أَن وصل إِلَى سيدنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد فَصَارَ آيَة ملكه وثالثهما الْحجر الْأسود وَكَانَ من جَوَاهِر الْجنَّة قَصده أهل الْجنَّة حِين نزل فَأَخذه فتمسك بِهِ فَصَارَ حجرا فأهبط وَهُوَ مَعَه فَأمر بجعله ركنا من أَرْكَان الْكَعْبَة وَرَابِعهَا قِطْعَة من عود من شجر لم يبك عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَحرق بالنَّار فَاعْتَذر فَجعل مِنْهُ الطّيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وخامسها ورق التِّين وارى هُوَ وحواء بِهِ سوءاتهما فَلَمَّا تناثر ذَلِك بعد بنيه وعريا فِي الدُّنْيَا شكا آدم إِلَى جِبْرِيل العري فَجَاءَهُ بِشَاة من الْجنَّة لَهَا صوف كثير وَقَالَ لَهُ قل لحواء تغزل من هَذَا الصُّوف وتنسج فَمِنْهُ لباسك ولباسها فغزلت ونسجت وَلما كَانَت حَوَّاء سَببا لأكل آدم من الْقَمْح وعريه جعل عَلَيْهَا أَن تغزل وتكسوه وَلما ثقل عَلَيْهَا ذَلِك الْعَمَل جعل نَفَقَتهَا عَلَيْهِ وَلما ثقل عَلَيْهِ جعل حَظّ الزَّوْج فِي الْمِيرَاث ضعف حَظّ الزَّوْجَة كَذَا فِي المدارك قَالَ الْعَلامَة ابْن الضياء فِي الْبَحْر العميق أهبط آدم من بَاب التَّوْبَة وحواء من بَاب الرَّحْمَة وإبليس من بَاب اللَّعْنَة والطاوس من بَاب الْغَضَب والحية من بَاب السخط وأهبط بَين الظّهْر وَالْعصر من بَاب من سَمَاء الدُّنْيَا يُقَال لَهُ بَاب المبزم حذاء الْبَيْت الْمَعْمُور وَقيل من بَاب الْمِعْرَاج وَكَانَ مكثه فِي الْجنَّة نصف يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة وَخَمْسمِائة عَام على سرنديب اسْم جبل بِالْهِنْدِ وَقيل على الجودي وَمكث عَلَيْهِ يبكي مائَة عَام حَتَّى نبت العشب من دُمُوعه وَكَانَ رَأسه يمس السَّحَاب فصلع فتوارثت الصلع ذُريَّته وَحط قامته إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا بذراعه ثمَّ ذكر مَا يسْتَدلّ بِهِ على قدر ذراعه الْمُسْتَدلّ بِهِ على معرفَة طول قامته بذراعه فَقَالَ قدم عَلَيْهَا حَاجا عَام سِتّ عشرَة رجل شرِيف دلوالي وَذكر أَنه دخل بِلَاد سرنديب وَأَن أَهلهَا كفار وَأَنه صعد جبل سرنديب وَكَانَ صُعُوده فِيهِ من المنارة وقدرها بل أَعلَى يصعد إِلَى أَعلَى هَذَا الْجَبَل بسلاسل من حَدِيد يضع الْإِنْسَان فِيهَا رجله وَيتَعَلَّق إِلَى أَن يصعد إِلَى أَعْلَاهُ وَأَنه لَا يُمكن صُعُوده إِلَّا على هَذِه الصّفة قَالَ وَفَوق هَذَا الْجَبَل أَيْضا جبل صَغِير فِيهِ أثر قدم أَبينَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام غائصاً فِي الْحجر على سمت الْقبْلَة بِحَيْثُ إِن الْقَائِم عَلَيْهِ يسْتَقْبل الْقبْلَة وَله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 خمس أَصَابِع وَذكر أَنه قَاس طول قدمه وَعرضه وَطول إبهامه بمنديل كَانَ مَعَه وَعلم على ذَلِك عَلَامَات قَالَ الْعَلامَة ابْن الضياء الْمَذْكُور فَرَأَيْت هَذَا المنديل مَعَه فقست طول قدمه من رَأس الْإِبْهَام إِلَى آخر الْعقب فَكَانَت ثَلَاثَة أَذْرع وثلثي ذِرَاع وَطول إبهامه إِلَى الْمفصل شبر وَعرض الْقدَم ثَلَاثَة أشبار وَأَرْبع أَصَابِع كل ذَلِك بِذِرَاع الْحَدِيد وَذكر ذَلِك السَّيِّد أَنه لم ير إِلَّا قدماً وَاحِدًا وَأَن تَحْتَهُ غديراً فِي صَخْرَة ممتلئاً مَاء أحلى من الْعَسَل وَله عينان تجريان إِحْدَاهمَا عَن يَمِين الْقدَم وَالْأُخْرَى عَن يسَاره ينصبان إِلَى أَسْفَل الْجَبَل ثمَّ إِلَى الْبَحْر ومسيل مَاء الْعَينَيْنِ بشم وتراب الْعين الْيَمين سيلان وَذكر أَن الْمَطَر لَا يزَال على هَذَا الْجَبَل فِي كل يَوْم من أَيَّام السّنة لَا يَنْقَطِع أصلا وَلكنه فِي بعض الْأَيَّام رشاش بِغَيْر جود انْتهى كَلَام ابْن الضياء فِي بحره وَوجه حُصُول الْفَائِدَة بِمِقْدَار طول آدم يُؤْخَذ من معرفتنا لطول قدمه إِذا الْمَعْلُوم أَن مِقْدَار الْقدَم شبر وَأَن الشبر نصف ذِرَاع صَاحبه فشبران مِنْهُ هما مِقْدَار الذِّرَاع مِنْهُ من الْمفصل إِلَى رُءُوس أَصَابِع الْيَد فَيكون طول ذِرَاع آدم عَلَيْهِ السَّلَام سَبْعَة أَذْرع وَثلث ذِرَاع بِذِرَاع الْحَدِيد فَحَيْثُ كَانَ طوله سِتِّينَ ذِرَاعا بذارع نَفسه فَيكون أَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعين ذِرَاعا بِذِرَاع الْحَدِيد وَهَذِه فَائِدَة قل أَن تُوجد فَللَّه الْحَمد فَائِدَة فِي بَيَان زمَان خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي الفتوحات المكية انْتهى خلق المولدات من الجمادات والنباتات والحيوانات بانتهاء إِحْدَى وَسبعين ألفا قَالَ بعض من تكلم على ذَلِك مُرَاد الشَّيْخ أَن مُدَّة خلق الْإِنْسَان من الأفلاك وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجنَّة وَالنَّار كلهَا فِي هَذِه الْمدَّة قَالَ فَلَمَّا خلق الله الْفلك الأول دَار دورة غير مَعْلُومَة الِانْتِهَاء لغير الله تَعَالَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقه شَيْء مَحْدُود من الأجرام يقطع فِيهِ وَإِلَّا كَانَ خلق فِي جَوْفه شَيْء متميز الْحَرَكَة فدار أَربع وَخمسين ألف سنة من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي الإحدى وَالسبْعين ألف سنة فخلق الدُّنْيَا على انْتِهَاء أَربع وَخمسين ألف سنة ثمَّ بعد 9000 سنة خلق الْآخِرَة أَي الْجنَّة وَالنَّار فَكَانَت بعد مُضِيّ ثَلَاث وَسِتِّينَ ألف سنة من الْمَاضِي من 71000 ثمَّ لما وصل الْوَقْت الْمعِين فِي علمه تَعَالَى لإيجاد هَذَا الْخَلِيفَة بعد أَن مضى من عمر الدُّنْيَا سَبْعَة عشر ألف سنة وَمن الْآخِرَة ثَمَانِيَة الْألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 سنة أَمر الله بعض مَلَائكَته أَن يَأْتِيهِ بقبضة من كل أَجنَاس تربة الأَرْض فَأَتَاهُ بهَا إِلَى آخر الْخلق وَهُوَ مَعْلُوم انْتهى وبالاختصار فخلق المولدات إِحْدَى وَسَبْعُونَ ألفا فالفلك هُوَ الأول ثمَّ بعد أَربع وَخمسين ألف سنة خلق الدُّنْيَا ثمَّ بعد ثَلَاث وَسِتِّينَ ألفا خلق الْآخِرَة ثمَّ بعد وَاحِد وَسبعين ألف سنة خلق آدم فخلقه بعد مُضِيّ إِحْدَى وَسبعين ألف سنة من الْعَالم الطبيعي وَهَذَا ملخص كَلَامه فِي الفتوحات فِي الْبَاب السَّابِع والمائتين مِنْهَا وَبِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم عَن ابْن بابويه قَالَ حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن أَحْمد الأسواري حَدثنَا مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن مَيْمُون عَن الْحسن عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن أَبَاكُم كَانَ طوَالًا كالنخلة السحوق سِتِّينَ ذِرَاعا وَفِي كتاب نقش الخواتيم اتخذ آدم خَاتمًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله عَليّ ولي الله وَالْجُمْهُور يُخَالف هَذَا وَسُئِلَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن خلق الشّعير مِم فَقَالَ إِن الله أَمر آدم إِن ازرع مهما اخْتَرْت لنَفسك وجاءه جِبْرِيل بقبضة من الْجنَّة من الْحِنْطَة فَقبض آدم على قَبْضَة وحواء على قَبْضَة فَقَالَ آدم لَا تزرعي أَنْت فَلم تقبل فزرع آدم جَاءَ حِنْطَة وَزرع حَوَّاء جَاءَ شعير تَكْمِيل فِيهِ تَعْلِيل ذكر الشَّيْخ الْجَلِيل عماد الْإِسْلَام مُحي الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن عَرَبِيّ قدس الله سره فِي كتاب فصوص الحكم أَن الله أوجد الْعَالم كُله وجود شبح مسوى لَا روح فِيهِ وَكَانَ كمرآة غير مجلوة فَكَانَ آدم عين جلاء تِلْكَ الْمرْآة وروح تِلْكَ الصُّورَة الَّتِي هِيَ صُورَة الْعَالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الْمعبر عَنْهَا فِي اصْطِلَاح الْقَوْم بالإنسان الْكَبِير فَكَانَت الْمَلَائِكَة كالقوى الروحانية والحسية الَّتِي هِيَ النشأة الإنسانية قَالَ الشَّارِح الإِمَام عبد الرَّزَّاق بن أبي الْغَنَائِم الفاسي رَحمَه الله تَعَالَى فَكَانَت القوى الروحانية النفسانية مَلَائِكَة وجود الْإِنْسَان لِأَن قوى الْعَالم اجْتمعت فِيهِ بأسرها فالإنسان عَالم صَغِير والعالم إِنْسَان كَبِير بِوُجُود الْإِنْسَان فِيهِ لِأَن أحدية جَمِيع الْمَوْجُود الَّتِي ناسب بهَا الْعَالم الحضرة الإلهية لم تُوجد فِي جَمِيع أَجْزَائِهِ إِلَّا فِي الْإِنْسَان وَكَانَ الْإِنْسَان مُخْتَصرا من الحضرة الإلهية وَلِهَذَا قَالَ إِن الله خلق آدم على صورته وَيُسمى هَذَا الْمَذْكُور إنْسَانا وَخَلِيفَة فَأَما الإنسانية فَلِأَن نشأته تحوي الْحَقَائِق كلهَا وَجَمِيع مَرَاتِب الْوُجُود العلوية والسفلية بأحدية الْجمع الَّذِي ناسب بهَا حَقِيقَة الْحَقَائِق وَهِي الجمعية الْمَذْكُورَة إِذْ لَا شَيْء فِي النشأتين إِلَّا وَهُوَ مَوْجُود فِيهِ أَي لَا مرتبَة فِي الْوُجُود إِلَّا وَشَيْء مِنْهَا فِيهِ فَنَاسَبَ الْكل وَأنس بِهِ فَسمى إنْسَانا لِأَنَّهُ عَالم صَغِير والعالم يُسمى إنْسَانا كَبِيرا بِاعْتِبَار آخر وَهُوَ أَنه يلْحق بِمَنْزِلَة مَا إِنْسَان الْعين من الْعين الَّذِي بِهِ يكون النّظر وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالبصر لِأَن الله تَعَالَى نظر بِهِ إِلَى الْخلق فَرَحِمهمْ فَلهَذَا سمى إنْسَانا أَيْضا فتم الْعَالم ووجوده بمظهريته لأسمائه تَعَالَى كلهَا قَالَ الشَّيْخ فَهُوَ من الْعَالم كقص الْخَاتم من الْخَاتم وَهُوَ مَحل النقش والعلامة الَّتِي يخْتم الْملك بهَا خزائنه وَشبه الْعَالم بالخاتم لِأَنَّهُ خلقه وَمن حَيْثُ إِن الْإِنْسَان من جملَة أَجزَاء الْعَالم انتقش بنقوش الْعُلُوم الَّتِي فِي الحضرة الإلهية وَحمل سر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَختم بِهِ الْعَالم بأسره فشبهه بالفص من الْخَاتم وَسَماهُ خَليفَة لأجل هَذَا لِأَن نقش اسْمه الْأَعْظَم وَهُوَ الذَّات مَعَ الْأَسْمَاء كلهَا منقوش فِي قلبه الَّذِي هُوَ فص الْخَاتم فيحفظ بِهِ خزانَة الْعَالم بِجَمِيعِ مَا فِيهِ على النظام الْمَعْلُوم والنسق المضبوط لِأَنَّهُ الْحَافِظ خلقه لِأَن الْإِنْسَان الْكَامِل هُوَ الْحَافِظ خلق الله بالحكمة الأحدية والواحدية لأسمائه الْبَالِغَة الَّتِي هِيَ نقش قلبه وَهِي الْعَدَالَة أَعنِي صُورَة الْوحدَة فِي عَالم الْكَثْرَة الَّذِي هُوَ خزانَة القوابل والآلات كلهَا كَمَا يحفظ الْخَتْم الخزائن مَا دَامَ ختم الْملك عَلَيْهَا لَا يَجْسُر أحد على فتحهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ فَلَا يزَال الْعَالم مَحْفُوظًا مَا دَامَ فِيهِ هَذَا الْإِنْسَان الْكَامِل وَلَو لم يكن آدم كَذَلِك لم يكن خَليفَة لِأَن الْخَلِيفَة يجب أَن يعلم مُرَاد المتخلف وَينفذ أمره وَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 لم يعلم بِجَمِيعِ صِفَاته لم يُمكنهُ إِنْفَاذ أمره وَإِن لم يكن فِيهِ جَمِيع مَا تطلبه الرعايا من الْأَسْمَاء الَّتِي يَرث الْحق بهَا جَمِيع من فِي الْعَالم من النَّاس وَالدَّوَاب والأنعام وَغَيرهَا فَلَيْسَ بخليفة عَلَيْهِم فَمَا صحت الْخلَافَة إِلَّا للْإنْسَان الْكَامِل فاستحقاق آدم الْخلَافَة إِنَّمَا يكون بالصورتين إنْشَاء صورته الظَّاهِرَة من حقائق الْعَالم وَصورته الباطنية قَالَ الشَّارِح قدس سره حَيْثُ جمع فِيهِ الْحَقَائِق الكونية فَلم يبْق فِي صور الْعَالم وَقواهُ شَيْء إِلَّا وَفِيه نَظِيره وإنشاء صورته الْبَاطِنَة على صورته تَعَالَى فانه سميع بَصِير عَالم فَيكون متصفاً بِالصِّفَاتِ الإلهية متسمياً بأسمائه وَلذَلِك قَالَ كنت سَمعه وبصره مَا قَالَ كنت عينه وَأذنه فَفرق بَين الصُّورَتَيْنِ صُورَة الْعَالم وَصُورَة الْحق وكما كَانَ الْحق فِي آدم ظَاهرا بصورته كَذَلِك فِي كل مَوْجُود لَكِن لَيْسَ لشَيْء من الْعَالم مَجْمُوع مَا للخليفة فَإِن قلت فَمَا معنى قَول النَّبِي خلق الله آدم على صورته وَهَذَا يَقْتَضِي التجسيم فَالْجَوَاب أَن الْهَاء فِي صورته رَاجِعَة إِلَى آدم ردا على من يَقُول كَانَ آدم عَظِيم الجثة طَوِيل الْقَامَة رَأسه قريب من السَّمَاء كَمَا فِي بعض الْأَخْبَار فَكَانَ الْمَعْنى أَن الله خلقه على الصُّورَة الَّتِي قبض عَلَيْهَا لم تَتَغَيَّر بِزِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَوجه ثَان وَهُوَ أَن هَذَا الْكَلَام خرج على سَبَب مَعْرُوف لِأَن الزُّهْرِيّ روى عَن الْحسن أَنه كَانَ يَقُول مر رَسُول الله بِرَجُل من الْأَنْصَار وَهُوَ يضْرب وَجه غُلَام لَهُ وَهُوَ يَقُول قبح الله وَجهك وَوجه من تشبه فَقَالَ النَّبِي بئْسَمَا قلت فَإِن الله خلق آدم على صورته يَعْنِي صُورَة الْمَضْرُوب وَذكر السَّيِّد المرتضى رَضِي الله عَنهُ فِي التَّنْزِيه جواباتٍ أخر لَا نطول بذكرها وَمَا أَوْمَأ إِلَيْهِ الشَّيْخ قدس سره أدق طَريقَة وَأحسن معنى وَمن تَأمل غرائب خلقَة آدم وَمَا احتوت عَلَيْهِ من إحكام التَّرْكِيب على مَا ذكره المشرحون علم أَن بارئه وَاحِد لَا ثَانِي لَهُ // (من المتقارب) // (وَفِي كلّ شيءٍ لَهُ آيةٌ ... تدلُّ على أنّه واحدُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 ودفنت حَوَّاء إِلَى جَانب آدم رَأسهَا إِلَى رَأسه ورجلاها عِنْد رجلَيْهِ قلت كَذَا ذكر عَن وهب وَأكْثر الروَاة على أَنَّهَا دفنت بجدة بِالْمحل الْمَعْرُوف بهَا قابيل عَلَيْهِ اللَّعْنَة كَانَ آخر هَلَاك نَسْله فِي زمن الطوفان وَكَانُوا أَعدَاء لأَوْلَاد شِيث عَلَيْهِ السَّلَام وَلم يبْق الطوفان مِنْهُم أحدا زَوجته إقليميا أُخْته وَكَانَ أكبر أَوْلَاده شوهل رزقه الله من الْجمال وَالْحسن مَا لم يرْزق أحدا من ولد آدم وَكَذَا توءمته وَاسْمهَا نوهة وَكَانَ تسلم جَمِيع أُمُور أَبِيه وَذَلِكَ أَن قابيل لما قتل أَخَاهُ دَعَا عَلَيْهِ آدم وحواء فذهل عقله فَكَانَ لَا يعي قولا وَلَا يفقه شَيْئا فتلاعب بِهِ إِبْلِيس وَقَالَ لَهُ إِن أَبَاك آدم وأمك حَوَّاء قد مَاتَا وَمَا بَقِي من يقوم مقَامه والرأي أَن تغزو أَخَاك وَمن مَعَه قبل أَن يغزوكم فَلم يبْق لَك مِنْهُ مَخَافَة وَلَا سِيمَا ومعنا عنق بنت أَبِيك آدم وَقد علمت قوتها وَطَاعَة الْجِنّ لَهَا بِمَا مَعهَا من السحر فَأرْسل قابيل ابْنه شوهل وَأمره بِطَاعَة إِبْلِيس فِيمَا يُشِير إِلَيْهِ فِي قتال شِيث ثمَّ أرسل إِلَى عنق فبادرت إِلَيْهِ بالمردة وَلم يكن سلَاح إِلَّا السكاكين على مِثَال الَّتِي ذبح بهَا آدم قربانه فَأَخَذُوهَا وشدوا أزرهم وَسَارُوا نَحْو شِيث وَأوحى الله إِلَى شِيث يُعلمهُ ووعده بالنصر عَلَيْهِم فَجمع شِيث إخْوَته وبنيه فأعدوا لَهُم وَأخذُوا عصيهم وسكاكينهم وجلسوا ينتظرون حَتَّى قرب بَنو قابيل وإبليس ومردته وَهُوَ الْملك على الْجِنّ وعنق الْمُقدمَة على المردة والسحرة فَأمر شِيث بِالْخرُوجِ إِلَيْهِم فشدوا عَلَيْهِم أزرهم وَأخذُوا مديهم بأيمانهم وعصيهم وَخَرجُوا إِلَى ملتقاهم وَكَانَ أول قتال جرى بَين بني آدم مِمَّا يَلِي الطَّائِف وَأخرج شِيث الصُّحُف وتوسل إِلَى الله بهَا وَإِخْوَته يُؤمنُونَ على دُعَائِهِ وبرزت بَنو قابيل لِلْقِتَالِ وشبت الْحَرْب بَينهم وشيث كَارِه وَأنزل الله عَلَيْهِ النَّصْر وَكلما عملت السَّحَرَة شَيْئا أبْطلهُ الله تَعَالَى فَلَمَّا صَار وَقت الظّهْر توسل شِيث إِلَى الله تَعَالَى بأنوار مُحَمَّد فَأمر الله جِبْرِيل أَن ينزل وَمَعَهُ من الْمَلَائِكَة مدد فَلَمَّا رأى إِبْلِيس ذَلِك قَالَ لمردته اتْرُكُوا بني آدم بَعضهم لبَعض فَلَا قدرَة لكم على الْمَلَائِكَة ثمَّ غاص فِي الأَرْض هَارِبا وَبَنوهُ خَلفه وَقتلت الْمَلَائِكَة مِنْهُم بحرابها مَا لَا يُحْصى وَانْهَزَمَ ولد قابيل لانهزام الْجِنّ وَقتل مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ خلقا كثيرا وهرب الْبَاقُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَعرض شِيث على الأسرى الْإِيمَان فَأَبَوا فَأمر بِقَتْلِهِم وَلم يبْق مِنْهُم أحدا ورد الله كيد إِبْلِيس فِي نَحره وَغلب جند الله وَرجع شوهل وَقد خلص من الْقَتْل إِلَى أَبِيه بِمن سلم مَعَه وأعلمه بِمن قتل من أَوْلَاده فَحزن قابيل وَمَات أسفا وحزناً وحسرةً وندامة كَمَا أعلمهُ الْملك فَلَمَّا هلك قابيل فَرح إِبْلِيس بِمَوْتِهِ وَكَانَ قد اختفى مِنْهُ لِئَلَّا يوبخه على رَأْيه ومشورته وهربه وَعلم أَنه بِمَوْتِهِ يتَمَكَّن من بنيه فأظهر الْحزن وَقَالَ لَا تدفنوه وَأَنا أصنع لكم تمثالاً من الْحِجَارَة فأدخلوه فِيهِ واجعلوه فِي بَيت من بُيُوتكُمْ فَإِذا أَرَادَ أحدكُم إِن يرَاهُ إِلَيْهِ وَيسلم عَلَيْهِ فتكونون كأنكم لم تفقدوه حِيلَة واستدراجاً مِنْهُ لعبادة الْأَصْنَام فنحت لَهُم حجرا من البلور وصور فِيهِ صورته وَجعله مجوفاً قطعتين تلتصق إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى وَأمرهمْ أَن يدخلوه فِي ذَلِك التمثال وَأمر أَلا يدْخل عَلَيْهِ أحد إِلَّا بِأَمْر شوهل وَأَن كل من يدْخل إِلَيْهِ يسْجد لَهُ ثَلَاث سَجدَات وَيقبل يَده وَجعله عيداً فِي كل سنة مثل الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَإِذا كَانَ ذَلِك الْيَوْم يدْخلُونَ أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا وَقد رفع غشاؤه وَهُوَ من وَرَاء البلور كَأَنَّهُ حَيّ وَإِذا خلا بِهِ شوهل يخاطبه إِبْلِيس على لِسَان الصَّنَم فيظن شوهل أَنه قابيل وَلَا يكلم سواهُ ووكل إِبْلِيس بالصنم مارداً يسمع حوائج من يدْخل إِلَيْهِ فَيَجِيء بهَا إِلَى إِبْلِيس يَوْمًا بِيَوْم فَإِذا كَانَ اللَّيْل أرَاهُ فِي مَنَامه مَا يفعل فِي الَّذِي أَرَادَ استدراجاً لكفرهم وهم لَا يَشْعُرُونَ فبقوا على ذَلِك مُدَّة وَقد بلغ إِبْلِيس مِنْهُم مُرَاده وَقد روينَا عَن مُحَمَّد بن مُوسَى المتَوَكل عَن عبد الله بن جَعْفَر عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى عَن الْحسن بن مَحْجُوب عَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان الْأَحول عَن يزِيد بن مُعَاوِيَة قَالَ سَمِعت أَبَا جَعْفَر يَقُول فِي مَسْجِد النَّبِي إِن إِبْلِيس اللعين أول مَا صور صُورَة على مِثَال آدم ليفتن بِهِ النَّاس ويضلهم عَن عبَادَة الله تَعَالَى وَكَانَ ود فِي ولد قابيل وَكَانَ خَليفَة قابيل على وَلَده وعَلى من بحضرتهم فِي سفح الْجَبَل يعظمونه ويسودونه فَلَمَّا أَن مَاتَ جزع عَلَيْهِ إخْوَته وَخلف عَلَيْهِم ابْنا يُقَال لَهُ سواع فَلم يغن غناء أَبِيه مِنْهُم فَأَتَاهُم إِبْلِيس فِي صُورَة شيخ فَقَالَ قد بَلغنِي مَا أصبْتُم بِهِ من موت ود عظيمكم فَهَل لكم أَن أصور لكم على مِثَال ود صُورَة تستريحون إِلَيْهَا وتأنسون بهَا فَقَالُوا افْعَل فَعمد الْخَبيث إِلَى الآنك فأذابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 حَتَّى صَار مثل المَاء ثمَّ صور لَهُم صُورَة مثل ود فِي بَيته فتدافعوا على الصُّورَة يلثمونها ويضعون خدودهم عَلَيْهَا ويسجدون إِلَيْهَا وَأحب سواع أَن يكون التَّعْظِيم وَالسُّجُود لَهُ فَوَثَبَ على صُورَة ود فحكها حَتَّى لم يدع مِنْهَا شَيْئا وهموا بقتل سواع فوعظهم وَقَالَ أَنا أقوم لكم بِمَا كَانَ يقوم بِهِ ود وَأَنا ابْنه فَإِن قتلتموني لم يكن لكم رَئِيس فمالوا إِلَى سواع بالتعظيم وَالطَّاعَة ثمَّ لم يلبث سواع أَن مَاتَ وَخلف ابْنا يُقَال لَهُ يَغُوث فجزعوا على سواع فَأَتَاهُم إِبْلِيس وَقَالَ أَنا الَّذِي صورت لكم صُورَة ود فَهَل لكم أَن أجعَل لكم مِثَال سواع على وَجه لَا يَسْتَطِيع أحد ان يُغَيِّرهُ قَالُوا فافعل فَعمد إِلَى عود من شجر الْخلاف فنجره ونصبه لَهُم فِي منزل سواع وَإِنَّمَا سمى ذَلِك الْعود خلافًا لِأَن إِبْلِيس عمل مِنْهُ صُورَة سواع على خلاف صُورَة ود فسجدوا لَهُ وعظموه وَقَالُوا ليغوث مَا نأمنك على هَذَا الصَّنَم أَن تكيده كَمَا كَاد أَبوك مِثَال ود فوضعوا على الْبَيْت حراساً وحجاباً ثمَّ كَانُوا يأْتونَ الصَّنَم فِي يَوْم وَاحِد ويعظمونه أَشد مِمَّا كَانُوا يعظمون سواعاً فَلَمَّا رآى ذَلِك يَغُوث قتل الحراس والحجاب لَيْلًا وَجعل الصَّنَم رميماً فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك اقْبَلُوا ليقتلوه فتوارها مِنْهُم فطلبوه ورأسوه وعظموه ثمَّ مَاتَ وَخلف ابْنا يُقَال لَهُ يعوق فَأَتَاهُم إِبْلِيس فَقَالَ قد بَلغنِي موت يَغُوث وَأَنا جَاعل لكم مِثَاله فِي شَيْء لَا يقدر أحد أَن يُغَيِّرهُ قَالُوا فافعل فَعمد الْخَبيث إِلَى حجر جزع أَبيض فنقره بالحديد حَتَّى صور لَهُم مِثَال يَغُوث فعظموه أَشد مِمَّا مضى وبنوا عَلَيْهِ بَيْتا من الْحجر وتبايعوا أَلا يفتحوا بَاب ذَلِك الْبَيْت إِلَّا فِي رَأس كل سنة وَسميت الْبيعَة حِينَئِذٍ لأَنهم تبايعوا وتعاقدوا عَلَيْهِ فَاشْتَدَّ ذَلِك على يعوق فَعمد إِلَى ريطة وحلفاء فألقاها فِي الْحَائِط بالنَّار لَيْلًا فَأصْبح الْقَوْم وَقد احْتَرَقَ الْبَيْت والصنم والحرس وَارْفض الصَّنَم ملقى فجزعوا وهموا بقتل يعوق فَقَالَ لَهُم إِن قتلتم رئيسكم فَسدتْ أُمُوركُم فَلم يلبث أَن مَاتَ يعوق وَخلف ابْنا يُقَال لَهُ نسر فَأَتَاهُم إِبْلِيس فَقَالَ لَهُم بَلغنِي موت عظيمكم فَأَنا جَاعل لكم مِثَال يعوق فِي شَيْء لَا يبْلى فَقَالُوا افْعَل فَعمد إِلَى الذَّهَب وأوقد عَلَيْهِ النَّار حَتَّى صَار كَالْمَاءِ وَعمل مِثَالا من الطين على صُورَة يعوق ثمَّ أفرغ الذَّهَب فِيهِ ثمَّ نَصبه لَهُم فِي ديرهم وَاشْتَدَّ ذَلِك على نسر وَلم يقدر على دُخُول ذَلِك الدَّيْر فانحاز عَنْهُم فِي قَرْيَة قريبَة من إخْوَته يعْبدُونَ نسراً وَالْآخرُونَ يعْبدُونَ الصَّنَم حَتَّى مَاتَ نسر وَظَهَرت نبوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام فَبَلغهُ حَال الْقَوْم وَأَنَّهُمْ يعْبدُونَ صنماً على مِثَال يعوق وَأَن نسراً كَانَ يعبد من دون الله فَسَار إِلَيْهِم بِمن مَعَه حَتَّى نزل مَدِينَة نسر وهم فِيهَا وَهَزَمَهُمْ وَقتل من قتل وهرب من هرب فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد وَأمر بالصنم فَحمل وَألقى فِي الْبَحْر فاتخذت كل فرقة مِنْهُم صنماً وسموها بأسمائها فَلم يزَالُوا بعد ذَلِك قرنا بعد قرن لَا يعْرفُونَ إِلَّا تِلْكَ الْأَسْمَاء ثمَّ ظَهرت بنوة نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَدَعَاهُمْ إِلَى عبَادَة الله تَعَالَى وَحده وَترك مَا كَانُوا يعْبدُونَ من الْأَصْنَام فَقَالَ بَعضهم {لَا تذرن آلِهَتكُم وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ ويعوق ونسرا} نوح 23 فعلى هَذَا كَانَت بسب أَوْلَاد قابيل لعنة الله عبَادَة الْأَصْنَام وَفِي الْعِلَل أَن أصل عبَادَة النيرَان قابيل لَعنه الله فَإِنَّهُ لما لم يتَقَبَّل الله مِنْهُ قربانه أَتَاهُ إِبْلِيس وَقَالَ لَهُ إِنَّمَا قبلت النَّار قرْبَان أَخِيك لِأَنَّهُ يَعْبُدهَا فَقَالَ وَأَنا أعبد نَارا أُخْرَى فَبنى بيُوت النَّار وَلم يَرث مِنْهُ وَلَده إِلَّا عبَادَة النيرَان وَهُوَ أول من بنى للنار بيُوت وَعَن ابْن بابويه عَن مُحَمَّد بن عَليّ ماجيلويه عَن مُحَمَّد بن يحيى الْعَطَّار عَن الْحُسَيْن بن الْحسن بن أبان عَن ابْن أرومة عَن عمر بن عُثْمَان عَن العبقري عَن أَسْبَاط عَن رجل حَدثهُ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن أَن طاوساً قَالَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أول دم وَقع على وَجه الأَرْض دم هابيل حِين قَتله قابيل وَهُوَ يَوْمئِذٍ قتل ربع النَّاس فَقَالَ زين العابدين لَيْسَ كَمَا قَالَ إِن أول دم وَقع على الأَرْض دم حَوَّاء حِين حَاضَت يَوْمئِذٍ فَقتل سدس النَّاس كَانَ يَوْمئِذٍ آدم وحواء وقابيل وهابيل وأختاهما بنتين كَانَتَا ثمَّ قَالَ هَل تَدْرُونَ مَا صنع بقابيل فَقَالَ الْقَوْم لَا نَدْرِي فَقَالَ وكل الله بِهِ ملكَيْنِ يطلعانه مَعَ الشَّمْس إِذا طلعت ويغربان بِهِ إِذا غربت وينضحانه بِالْمَاءِ الْحَار فِي حر الشَّمْس حَتَّى تقوم السَّاعَة وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن أرومة عَن الْحسن بن عَليّ عَن ابْن أبي بكير عَن أبي جَعْفَر إِن بِالْمَدِينَةِ لرجلاً أَتَى الْمَكَان الَّذِي فِيهِ ابْن آدم فَرَآهُ معقولاً مَعَ عشرَة موكلين بِهِ يستقبلون بِوَجْهِهِ الشَّمْس حَيْثُ مَا دارت فِي الصَّيف ويوقدون حوله النَّار فَإِذا كَانَ الشتَاء يصبون عَلَيْهِ المَاء الْبَارِد وَكلما هلك رجل من الْعشْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 أخرج أهل الْقرْيَة رجلا فَقَالَ لَهُ يَا عبد الله مَا قصتك لأي شَيْء ابْتليت بِهَذَا فَقَالَ لقد سَأَلتنِي عَن مَسْأَلَة مَا سَأَلَني أحد عَنْهَا قبلك أَنْت أَكيس النَّاس وَإنَّك لأحمق النَّاس وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن أرومة عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن حَمَّاد بن عُثْمَان عَن أبي عبد الله قَالَ كَانَت الوحوش وَالطير وَالسِّبَاع وكل شَيْء خلقه الله مختلطاً بعضه بِبَعْض فَلَمَّا قتل ابْن آدم أَخَاهُ نفرت وفزعت فَذَهَبت كل شَيْء إِلَى شكله هابيل صَاحب القربان الْمَقْتُول زوج أُخْت قابيل لَعنه الله وَكَانَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام قسم مَاله بَينهمَا فَجعل هابيل راعي غنم وَجعل قابيل حراثاً وَكَانَ آدم أَمر بتابوت ثمَّ جعل فِيهِ علمه والأسماء وَالْوَصِيَّة ثمَّ دَفعه إِلَى وَصِيَّة شِيث وَقَالَ إِذا حضرتك الْوَفَاة وأحسست بذلك من نَفسك فالتمس خير ولدك وَأَكْثَرهم لَك صُحْبَة وأفضلهم فأوص إِلَيْهِ بِمَا أوصيت بِهِ إِلَيْك وَلما مَاتَ آدم وحواء طمع إِبْلِيس فِي بَينهمَا وَجَاء إِلَى شِيث فَسلم عَلَيْهِ وَكَلمه كلَاما أظهر فِيهِ النَّدَم على فعله بِأَبِيهِ وَأمه مَا فعل وَأَن يكون عونه على أَوْلَاد قابيل فلعنه شِيث وطرده وتهدده بِأَن يَدْعُو عَلَيْهِ وَإِن كَانَ منْظرًا فَخرج إِبْلِيس آيساً مِنْهُ وَقَامَ شِيث فِي بنيه وَإِخْوَته خَطِيبًا وأعلمهم مَا أَرَادَ إِبْلِيس وحذرهم مِنْهُ وَمن أَوْلَاد قابيل قَالَ فَإِنَّهُم أعداؤكم فِي الدّين فَجعل بَعضهم يحذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 بَعْضًا من مُخَالطَة بني قابيل كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فَلَمَّا يُبِيح لَهُم أيس إِبْلِيس من شِيث رَجَعَ إِلَى قابيل وزين لَهُ أَلا يمْنَع ذكرا من إخْوَته وَبَنَات أَخِيه ليكْثر النَّسْل وَأَن يبيحهم شركَة الْوَاحِد والاثنين وَالثَّلَاثَة فِي الْوَاحِدَة وَلَا يمنعهُم مُرَادهم فَقبل قابيل قَوْله واشتركت الْجَمَاعَة فِي الْوَاحِدَة وَمَا من ولد إِلَّا وإبليس فِيهِ شركَة وَكَانَ لإبليس أَوْلَاد فاختلطوا مَعَهم وتربوا جَمِيعًا وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وشيث هُوَ الَّذِي بنى الْكَعْبَة بالطين وَالْحِجَارَة على مَحل خيمة آدم الَّتِي كَانَت من الْجنَّة وَأنزل الله عَلَيْهِ خمسين صحيفَة لخمس لَيَال خلون من رَمَضَان وَكَانَ مُدَّة عمره تِسْعمائَة واثنتي عشرَة سنة وَكَانَت تنزل صحيفَة بعد صحيفَة بِالْأَمر بعد الْأَمر وأعلمه أَن عِنْد انْقِضَاء نُزُولهَا يكون انْقِضَاء عمره وَأَن آخر صحيفَة الْوَصِيَّة لوَلَده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 أنوش فَلَمَّا اسْتَوْفَاهُ علم أَن عمره قد نفذ وَلما حَضرته الْوَفَاة أوحى الله إِلَيْهِ أَن يستودع التابوت وَالِاسْم الْأَعْظَم ابْنه أنوش وَمَعْنَاهُ الصَّادِق ابْن نزلة فَأحْضرهُ وَسلم إِلَيْهِ التابوت وعهود الْأَنْبِيَاء وَأمره بِمثل مَا كَانَ أمره بِهِ آدم بِهِ من وضع النُّور المحمدي فِي أطهر النِّسَاء وَقَالَ إِن أدْركْت نبوة نوح فَسلم إِلَيْهِ الْعلم والتابوت فَأَقَامَ أنوش بعد شِيث بِكُل مَا أَمر بِهِ أَبوهُ شِيث وَتزَوج نعم وَكَانَت من أشبه النِّسَاء بحواء فَلَمَّا بنى بهَا حملت بِالنورِ ففرح أنوش وَولدت لَهُ قينان والنور فِي وَجهه كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّي وَأَوْلَاد قابيل فِي تمردهم قد لَقِي مِنْهُم أنوش تعباً كثيرا ثمَّ مَاتَ أنوش وَله من الْعُمر تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ سنة وَله إخْوَة وَبَنَات انقرضوا جَمِيعًا وقينان صَاحب النُّور مَحْفُوظ من إِبْلِيس وَجُنُوده تزيد أنواره فِي كل يَوْم وَبَرَكَاته على بني أَبِيه وأعمامه وهم فِي جِهَاد مَعَ بني قابيل أفْضى الْملك فيهم إِلَى ابْنه طهمورث ثمَّ قَامَ قينان وَمَعْنَاهُ المستولي فَقَامَ مقَام أَبِيه وَتزَوج عيطول وَولد لَهُ مهيائيل وَمَعْنَاهُ الممدوح وَلما كبر وَعلمه أَبوهُ أنوش الصُّحُف الَّتِي لِأَبِيهِ آدم وشيث وَجَمِيع مَا علمه أَبوهُ من قبل فَخرج أفْصح أهل زَمَانه وأشجعهم وأكملهم براعةً وفضلاً والنور المحمدي فِي وَجهه يزْدَاد كل يَوْم إشراقاً حَتَّى صَار لَهُ خَمْسُونَ سنة وَظهر ملك عوج بن عنق فطغى وأفسد فِي الأَرْض وَاشْتَدَّ الْأَمر وَتزَوج عيطول فولد لَهُ مِنْهَا مهيائيل بن قينان بن أنوش وَلما حضرت الْوَفَاة قينان مَاتَ فِي تموز وعمره تِسْعمائَة وَعِشْرُونَ سنة فَقَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه مهيائيل بن قينان بن أنوش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتَوَلَّى النّظر فِي أَمر بني آدم بعد أَبِيه وعاش ثَمَانمِائَة سنة وخمساً وَتِسْعين سنة هُوَ أول من بنى المدن واستخرج الْمَعَادِن وَبنى مَدِينَة بابل ثمَّ ولد لمهيائيل يرد وَيُقَال يارد وَمَعْنَاهُ الضَّابِط فَقَامَ مقَام أَبِيه وَفِي زَمَنه عملت الْأَصْنَام وَرجع من رَجَعَ عَن الْإِسْلَام من أَوْلَاد شِيث مَعَ أَوْلَاد قابيل ثمَّ ولد ليرد أَخْنُوخ بِهَمْزَة وحذفها وَالْمَشْهُور أَنه بخائين معجمتين وَقيل الأولى حاء مُهْملَة وَهُوَ النَّبِي إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ هرمس الهرامس المثلث بِالنُّبُوَّةِ وَالْحكمَة وَالْملك أمه ادينا بنت ابيال سمى إِدْرِيس لِكَثْرَة درسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 صحف آدم وشيث وَالْجُمْهُور على أَنه أول نَبِي بعث بعد آدم بِمِائَتي سنة وَنزل عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ صحيفَة وَهُوَ أول من خاط الثِّيَاب ولبسها وَكَانُوا من قبل يلبسُونَ جُلُود الْبَقر فَأرْسلهُ الله إِلَى قومه وَبني أَبِيه وَبني قابيل وَهُوَ أول من خطّ بالقلم وَهُوَ الَّذِي بنى الأهرام بِمصْر وَقيل بناهما دومع بن الزبان ابْن فِرْعَوْن يُوسُف وَقيل سوريد وَقيل غير ذَلِك وعَلى ذكر الأهرام قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَمن عجائب الهرمين أَن سمك كل وَاحِد مِنْهُمَا أَرْبَعمِائَة ذِرَاع وهما من الرخام والمرمر مَكْتُوب فيهمَا أَنا بنيتهما بملكي فَمن يَدعِي قُوَّة فِي ملكه فليهدمهما فَإِن الْهدم أيسر من الْبناء وَكَانَ الْمَأْمُون العباسي لما دخل الديار المصرية أَرَادَ هدمهما فَلم يقدر على ذَلِك فاجتهد وَأنْفق أَمْوَالًا عَظِيمَة حَتَّى فتح فِي أَحدهمَا طَاقَة صَغِيرَة فَوجدَ خلف الطَّاقَة من الْأَمْوَال قدر الَّذِي أنفقهُ وكتاباً فِيهِ قد علمنَا أَنَّك تَأتي فِي عصر كَذَا وتروم الْهدم وَلَا تَسْتَطِيع أَكثر من ذَلِك فَجعلنَا لَك مَا أنفقت فَلَا تتعب فَأَنْشد الْمَأْمُون فِي ذَلِك // (من الْكَامِل) // (أَنظُر إِلَى الهرمين واسمَع مِنْهُمَا ... مَا يرويان عَن الزّمان الغَابرِ) (لَو ينطقان لخبَّرانا بالّذي ... فَعَل الزمانُ بأَولٍ وبآخرِ) وَهِي عدَّة أهرام إِلَّا إِن أكبرها هرمان اثْنَان وَقد ذكرتهما الشُّعَرَاء قَدِيما وحديثاً فِي موارد الْوَعْظ تَارَة والغزل أُخْرَى وَغَيرهمَا قَالَ أَبُو الطّيب // (من الْكَامِل) // (أَين الّذي الهَرَمانِ من بُنيانِهِ ... مَا قومهُ مَا يومُهُ مَا المَصرع) (تتخلَّفُ الآثارُ عَن سكَّانها ... حينا فيدركُهاَ الفناءُ فتَتْبعُ) وَقَالَ آخر // (من الزّجر) // (مصرُ الّتي من حُسنها ... قد قيل فِيهَا إِرَمُ) (لمّا جَفَت عُشَّاقها ... بدا عَلَيْهَا الهَرم) وَقَالَ آخر وَفِيه تورية ظريفة // (من الْبَسِيط) // (قَالُوا علا نيلُ مصر فِي زِيَادَته ... حتّى لقد بَلغَ الأهرامَ حينَ طَما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 (فقلتُ هَذَا عجيبٌ فِي دياركمُ ... أَنَّ ابنَ ستَّةَ عشرٍ يبلُغُ الهرَما) وَأحسن مَا سَمِعت فِي وصفهما قَول عمَارَة اليمني شَاعِر الدولة العبيدية حَيْثُ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (خليليَّ مَا تَحت السّماء بنيَّةٌ ... تماثلُ فِي إتقانها هَرمي مصرِ) (بناءٌ يخَاف الدّهر مِنْهُ وكلُّ مَا ... على ظاهرِ الدّنيا يخافُ من الدهرِ) (تنزَّهَ طرفِي فِي بديعِ بنائها ... وَلم يتنزَّه فِي المُرادِ بهَا فِكري) رَجَعَ وَعَن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر إِذا دخلت الْكُوفَة فَائت مَسْجِد السهلة فصل واسأل الله حَاجَتك لدينك ودنياك فَإِن مَسْجِد السهلة بَيت إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي كَانَ يخيط فِيهِ وَيُصلي وَمن دَعَا فِيهِ بِمَا أحب قضى الله لَهُ حَوَائِجه وأجير من مَكْرُوه الدُّنْيَا قَالَ فِي تَارِيخ الْخَمِيس وَفِي لباب التَّأْوِيل لما ولد لإدريس ابْنه متوشلخ وَمضى من عمره ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَسِتُّونَ سنة رفع إِلَى السَّمَاء قَالَ تَعَالَى {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} مَرْيَم 57 كَانَ رَفعه إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة على مَا قَالَه كَعْب الْأَحْبَار وَغَيره أَنه سَار ذَات يَوْم فِي حَاجَة فَأَصَابَهُ حر الشَّمْس فَقَالَ يَا رب إِنِّي مشيت يَوْمًا فَكيف من يحملهَا على خَمْسمِائَة عَام فِي يَوْم وَاحِد اللَّهُمَّ خفف عَنهُ من حرهَا وثقلها فَأصْبح الْملك وَوجد من خفَّة الشَّمْس وحرها مَا لَا يعْهَد فَسَأَلَ الله عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ تَعَالَى عَبدِي إِدْرِيس سَأَلَني أَن أخفف عَنْك حملهَا وحرها وثقلها فأجبته فَقَالَ يَا رب اجْمَعْ بيني وَبَينه وَاجعَل بيني وَبَينه خلة فَأذن لَهُ حَتَّى أَتَى إِلَى إِدْرِيس فَقَالَ لَهُ اشفع لي إِلَى ملك الْمَوْت ليؤخر أَجلي فأزداد شكرا وَعبادَة فَقَالَ الْملك لَا يُؤَخر الله نفسا إِذا جَاءَ أجلهَا وَأَنا مكلمه فرفعه إِلَى السَّمَاء وَوَضعه عِنْد مطلع الشَّمْس ثمَّ أَتَى إِلَى ملك الْمَوْت فَقَالَ لَهُ لي إِلَيْك حَاجَة صديق لي من بني آدم يستشفع بِي إِلَيْك لتؤخر أَجله فَقَالَ ملك الْمَوْت لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ وَلَكِن إِن أَحْبَبْت أعلمته بأجله فَيقدم لنَفسِهِ قَالَ نعم فَنظر فِي ديوانه فَقَالَ إِنَّك كَلَّمتنِي فِي إِنْسَان مَا أرَاهُ يَمُوت أبدا قَالَ فَكيف ذَلِك قَالَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أَجِدهُ يَمُوت إِلَّا عِنْد مطلع الشَّمْس قَالَ الْملك أَنا أَتَيْتُك وَتركته هُنَاكَ قَالَ انْطلق فَمَا أَرَاك تَجدهُ إِلَّا مَيتا فَانْطَلق الْملك فَوَجَدَهُ مَيتا وَقَالَ وهب كَانَ يرفع لإدريس كل يَوْم من الْعِبَادَة مثل مَا يرفع لجَمِيع أهل الأَرْض فَعجب مِنْهُ الْمَلَائِكَة وحبب إِلَيْهِم واشتاق ملك الْمَوْت إِلَى لقيَاهُ فاستأن ربه فَأذن لَهُ فَأَتَاهُ زَائِرًا فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس يَا ملك الْمَوْت أذقني الْمَوْت ورد عَليّ روحي بعد ذَلِك لأجتهد فِي الْعِبَادَة فَقَالَ لَهُ لَو علمت كرب الْمَوْت لما تمنيته فَقَالَ لِأَزْدَادَ بذلك جدا إِلَى جدي فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت الْمَوْت والحياة بِإِذن الله فسل رَبك مَا تريده فَأوحى الله إِلَيْهِ نوله مَا طلب وهون عَلَيْهِ ذَلِك فَإِذا بلغت روحه خياشيمه وَعَيْنَيْهِ فَلَا تنزعها واتركه سَاعَة وَاحِدَة ثمَّ أعد روحه إِلَى جسده فَاسْتقْبل نزع روحه فِي سَاعَة وَاحِدَة بِرِفْق حَتَّى بلغ بهَا خياشيمه وَعَيْنَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَة الْمَيِّت سَاعَة فذاق الْمَوْت ثمَّ أطلق روحه إِلَى جسده وَبَقِي يَوْمه وَلَيْلَته لَا يقدر أَن يَتَحَرَّك وَولده متوشلخ وَجَمِيع قومه يَبْكُونَ وَقد أيسوا مِنْهُ ثمَّ أَفَاق وَقد أوهنه ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام زَارَهُ ملك الْمَوْت وَكَانَت الْمَلَائِكَة من زمن آدم عَلَيْهِ السَّلَام تجَالس مؤمني بني آدم وتخالطهم وتصافحهم وتكلمهم إِلَى زمن نوح لصلاح الزَّمَان وَأَهله وَذكر فِي كتاب حقيبة الْأَسْرَار وجهينة الْأَخْبَار أَن الْملك الْمُوكل بالشمس لما اسْتَأْذن ربه فِي زِيَارَة إِدْرِيس فهبط عَلَيْهِ قَالَ لإدريس يَا نَبِي الله هَبَطت لأكافئك فسلني حَاجَتك فَسَأَلَهُ أَن يعرفهُ الْفلك ودورانه ومنازل الشَّمْس وَالْقَمَر ومطالعها وَمَغَارِبهَا وسيرها ولبثها وحسابها فَقَالَ سَوف أَسْتَأْذن رَبِّي فَأمره الله أَن يُعلمهُ جَمِيع ذَلِك ويطلعه على سره فَلذَلِك كَانَ إِدْرِيس أعلم أهل الأَرْض بالنجوم وجريان الأفلاك وَوضع كتبا كتبهَا بِيَدِهِ وَهُوَ أول من اتخذ الْآلَات لجَرَيَان الأفلاك وَقدر السَّاعَات والدقائق والدرج وَمَا هُوَ أدق من ذَلِك من الثواني والثوالث وَإِلَى الْآن من كتبه لمع فِي أَيدي النَّاس ثمَّ إِن إِدْرِيس سَأَلَ ملك الشَّمْس عَن أَجله فَقَالَ لَهُ الْملك مَالِي بذلك من علم فَسَأَلَ لَهُ ملك الْمَوْت عَن أَجله إِلَى آخر مَا تقدم ذكره عَن تَارِيخ الْخَمِيس فَلَمَّا أَفَاق قَالَ لَهُ يَا ملك الْمَوْت أدخلني النَّار لِأَزْدَادَ رهبة فَفعل بِإِذن ربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ثمَّ قَالَ أدخلني الْجنَّة فَفعل بِإِذن ربه ثمَّ قَالَ لَهُ اخْرُج لتعود إِلَى مقرك فَتعلق بشجرة وَقَالَ لَا أخرج فَبعث الله إِلَيْهِمَا ملكا حكما فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت بِحَضْرَة مَالك أَلا تخرج قَالَ لَا قَالَ وَلم قَالَ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} آل عمرَان 185 وَقد ذقته وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} مَرْيَم 71 وَقد وردتها وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا هُم مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} الْحجر 48 فلست بِخَارِج فَأوحى الله إِلَى ملك الْمَوْت بإذني دخل وبإذني لَا يخرج انْتهى فَائِدَة أَرْبَعَة من الْأَنْبِيَاء أَحيَاء اثْنَان فِي السَّمَاء إِدْرِيس وَعِيسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاثْنَانِ فِي الأَرْض الْخضر وإلياس على القَوْل بنبوته متوشلخ خلف أَبَاهُ إِدْرِيس بعد رَفعه سالكاً طَرِيقه وعاش سِتّمائَة وَسِتِّينَ سنة وَقد تزوج وَولد لمك وَلم يزل متوشلخ يدبر أَمر الله تَعَالَى ويستحفظ مَا استودع على منهاج آبَائِهِ يهدي إِلَيّ الْحق وَإِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَنهى عَن صُحْبَة بني قابيل فخالفه من قومه جمَاعَة أضاعوا الدّين فلقي مِنْهُم تعباً عَظِيما وَلما رفع إِدْرِيس طمع إِبْلِيس فِي الْمُؤمنِينَ فأطاعوه وتأهب متوشلخ لِلْحَجِّ وتخلف عَنهُ من كَانَ فِي قلبه مرض فَلَمَّا أَخذ فِي الْمَنَاسِك أقبل إِبْلِيس إِلَى بني قابيل فَقَالَ لَهُم إِن إِدْرِيس مَاتَ ومتوشلخ لَا رجال مَعَه إِلَّا قَلِيل فَإِن أردتم أَخذ الثأر ونصرة آلِهَتكُم فَهَذَا الْيَوْم الَّذِي كنت أعدكم بِهِ فَاجْتمعُوا إِلَى ملكهم ماهيل بن جاشم فَقَالُوا أَيهَا الْملك قد علمت مَا قد أسره أَوْلَاد شِيث وَمَا اقْتُلُوهُ من آبَائِنَا وإخواننا وَكُنَّا نهابهم لمقام إِدْرِيس والآن ابْنه متوشلخ غُلَام غر لَا معرفَة لَهُ بالحروب وَهُوَ غَائِب عَن ديار بني أَبِيه فِي مَكَّة ودياره خَالِيَة فِيهَا ذراريه وَأَهله مَعَ من اسر مِنْهَا فَلَو سرت بِنَا إِلَيْهِم لأخذ الثأر واستنقذت الأسرى فاستعبدنا ذَرَارِيهمْ كَمَا فعلوا بِنَا فَسمع ماهيل كَلَامهم وأطمعته نَفسه فِيمَا قَالُوا وتأهبوا للمسير فَجَاءَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة شيخ كَبِير السن فَاجْتمعُوا يسألونه كم لَهُ من الْعُمر فَزعم أَنه من ولد قابيل تفرد فِي بعض الجزائر فعظموه وسألهم فعرفوه بعزمهم فَبكى على كبر سنه وَقَالَ فَمن يتَوَلَّى الْآن على أَمر شِيث فَقَالُوا غُلَام لَا معرفَة لَهُ بِالْحَرْبِ اسْمه متوشلخ بن إِدْرِيس قَالَ سَمِعت بِهِ فَمَا فعل قَالُوا مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 يَعْنِي إِدْرِيس وَبَقِي مَعَه طَائِفَة قَليلَة وَالْبَاقُونَ مَعنا وَقد سَارُوا ليحجوا وَتركُوا من سبوا منا فِي منَازِل إِدْرِيس فَرَأَيْنَا أَن ننتهز الفرصة ونفعل بهم مَا فعلوا بِنَا قَالَ لَهُم نعم مَا رَأَيْتُمْ وَلَكِن مَا يؤمنكم إِن يسمع متلوشخ بذلك فيكر رَاجعا وَيُقَاتل عَن أهاليه الْقِتَال الشَّديد وَإِنِّي أرى لكم رَأيا إِن قبلتم نصحي فَقَالُوا لَهُ قل نسْمع قَالَ من الرَّأْي أَن تتفرقوا فرْقَتَيْن وتجعلوا أبطالكم وَمن تَتَّقُون بِهِ فِي الَّذين يَسِيرُونَ إِلَى الْحرم فيشغلون متوشلخ عَن الْمَجِيء إِلَى أَهله وتسير الْفرْقَة الْأُخْرَى لأخذ الذَّرَارِي فَلَيْسَ عِنْدهم من يمْنَع فصدقوه وانتخبوا الْأَبْطَال لمَكَّة وملكهم ماهيل فِي أوائلهم وَقدم ابْنه مخوائيل على الْفرْقَة الْأُخْرَى وَأمره بِالْمَسِيرِ إِلَى منَازِل الْمُؤمنِينَ بسبي وَيضْرب وَلَا يطلع أحدا على أمره وَسَار ماهيل إِلَى مَكَّة وَابْنه مخوائيل إِلَى الذَّرَارِي ومتوشلخ لما فرغ من مَنَاسِكه رأى فِي مَنَامه كَأَن الأَرْض صَارَت نَارا من حَولهمْ مضرمة وانه كلما أَرَادَ الْخُرُوج مِنْهَا لم يجد سَبِيلا غير أَنَّهَا لَا ضَرَر عَلَيْهِ مِنْهَا فَأخْبرهُ الْمُؤمنِينَ فَسَأَلُوهُ تَأْوِيلهَا فَقَالَ سنلقي أمرا يصدنا فِي طريقنا عَن قصدنا وتضيق الأَرْض بِنَا إِلَّا أَنِّي أَرْجُو الْفرج من الله تَعَالَى فَقَالُوا فوضنا أمرنَا إِلَى الله تَعَالَى واستعنا بِهِ فَمَا سَارُوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى أشرفوا على ماهيل فِي بني قابيل بِمَجْمُوع عَظِيمَة فَقَالَ متوشلخ هَذَا وَالله تَأْوِيل رُؤْيَايَ فَمَا أَنْتُم فاعلون قَالُوا لَيْسَ إِلَّا قِتَالهمْ حَتَّى يحكم الله بَيْننَا فنزلوا بإزائهم ذَلِك الْيَوْم وَبَاتُوا فَفِي الصُّبْح زحف ماهيل بِأَصْحَابِهِ إِلَى متوشلخ فضعفت أنفس الْمُؤمنِينَ فَقَالَ متوشلخ لَا تنظروا إِلَى كثرتهم وقلتكم فَإِن الله يخذلهم وينصركم فَقَالُوا إِنَّهُم جَاءُونَا على أهبة وعدة وَنحن حجاج على غير أهبة فَقَالَ اصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَن الله لم يزل ناصركم وناصر آبائكم بذلك وَعدكُم وَهُوَ لَا يخلف الميعاد وابتدرهم بَنو قابيل بِالْقِتَالِ فاقتتلا قتالاً شَدِيدا إِلَى اللَّيْل فحال الظلام بَينهم وَقتل من أَوْلَاد قابيل عَالم كثير وَلم يتقل من أَصْحَاب متوشلخ غير رجل وَاحِد فَقَالَ متوشلخ ألم أخْبركُم أَن الله ناصركم وَألقى الله فِي قلب ماهيل وَقَومه الرعب وَقَالَ بَعضهم لبَعض قد علمْتُم مَا كَانَ منا بالْأَمْس مَعَ هَذِه الشرذمة القليلة الْعدَد وَالْعدَد ونخاف إِن شب الْحَرْب بَيْننَا أَن تكون علينا الدائرة فيفنونا وَإِن انهزمنا كَانَ عاراً علينا ويلحقون بإخواننا فِي دِيَارهمْ فينالون مِنْهُم مُرَادهم فَقَالَ ماهيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 لَيْسَ لنا إِلَّا الْقِتَال إِلَى أَن نعلم أَن إِخْوَاننَا وصلوا إِلَى مطلوبهم وَكَانَ شيعمة ملك الْجِنّ الْمُؤمن حج تِلْكَ السّنة مَعَ متوشلخ وَطَائِفَة من الْجِنّ الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا كَانَ صباح ذَلِك الْيَوْم إِذا هم بِابْن أخي شيعمة واسْمه سهلب جَاءَهُ صَارِخًا وَأخْبرهمْ بِمَا جرى من مخوائيل بن ماهيل على الذَّرَارِي والأهل وَأَنه تَركهم فِي أضيق حَال فَلَمَّا سَمعه شيعمة صَاح صَيْحَة عَظِيمَة فِي بنيه وَقَومه وَمن مَعَه فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ يَا وَيحكم أعينوني وأعينوا أصحابكم ثمَّ سَار فِي قومه إِلَى منَازِل الْمُؤمنِينَ مغيثاً فَلَمَّا رَآهُ إِبْلِيس خافه وانزوى عَنهُ وَأما متوشلخ فَإِنَّهُ لما أعلمهُ شيعمة بِمَا جرى على قومه بَكَى بكاء شَدِيدا وضج بِالدُّعَاءِ إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ الْمُؤمنِينَ وَقَالَ إِن الدُّعَاء خير نَافِع وَقد حيل بَيْننَا وَبَين قَومنَا وَلم يبْق لنا غير الدُّعَاء إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ متوشلخ نعم مَا رَأَيْتُمْ وأشرتم ثمَّ جمع قومه وتوسل إِلَى الله تَعَالَى بِمُحَمد وساعدهم سَائِر الْمَخْلُوقَات وَالْمَلَائِكَة وَالسَّمَوَات كل يسْأَل فِي هَلَاك أعدائهم بني قابيل فهبط جِبْرِيل فِي مَلأ من الْمَلَائِكَة فِي أَيْديهم الحراب وَقد أحط أَصْحَاب ماهيل بذراري الْمُؤمنِينَ وإبليس يَقُول لَا مَانع لَهُم سوى شيعمة وَنحن لَهُ فَلَمَّا رأى إِبْلِيس الْمَلَائِكَة هرب ولحقه بعده جنده فَأمر جِبْرِيل بقتل من لحقوه مِنْهُم فصاح جِبْرِيل فيهم صَيْحَة عَظِيمَة وَقَعُوا على وُجُوههم مِنْهَا صعقين فَمَاتَ مِنْهُم الثُّلُث ومسخ الله الثُّلُث الثَّانِي فيلة فَهُوَ أول مسخ وَقع فِي بني آدم وَالثلث الثَّالِث صعقوا فَلَمَّا أفاقوا نظرُوا إِلَى الفيلة ففزعوا وَلم يَكُونُوا رأوها قبل ذَلِك فَوَلوا منهزمين إِلَى دِيَارهمْ فاتبعتهم الفيلة حسداً لَهُم إِذْ مسخوا دونهم فقتلت أَكثر من بَقِي مِنْهُم وَرجع الْبَاقُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ فَلَمَّا رَآهُمْ الَّذين تخلفوا مِنْهُم ارتاعوا وَلم يعلمُوا كَيفَ الْخَبَر فَاقْتَحَمت عَلَيْهِم الفيلة الْبيُوت وَكسرت كل مَا مرت بِهِ فظنهم المقيمون فِي الديار وحوشا فمانعوهم عَن الدُّخُول فحميت صُدُور الفيلة فَكَانَ الْفِيل يقتل وَلَده وأخاه وَزَوجته وأباه ويعلوهم بِرجلِهِ وَيَأْخُذ الْوَاحِد مِنْهُم بمشفره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فيرفعه إِلَى الْهَوَاء ثمَّ يلقيه إِلَى الأَرْض وَلم يزَالُوا كَذَلِك أَيَّامًا حَتَّى وصل إِلَيْهِم من كَانُوا شاهدوا مسخهم فأعلموهم الْخَبَر وَقَالُوا نَحن بَقِيَّة الثُّلُث الثَّالِث الَّذين نَجوا من الْمَوْت وَالْمَسْخ وأكثرنا هلك جوعا وعطشاً فصدقوهم وَقصد كل فيل منزله وَاجْتمعَ أَهله حوله يَبْكُونَ والفيلة تضرب الأَرْض بأنفسها وَأما ماهيل فَإِنَّهُ قلق قلقاً عَظِيما وَطَالَ عَلَيْهِ مصابرته لمتوشلخ ليمسكه عَن اللحاق بقَوْمه وَأرْسل رجلا ليَأْتِيه بِخَبَر ابْنه مخوائيل الَّذِي أرْسلهُ لذراري الْمُؤمنِينَ فِي مَنَازِلهمْ ومتوشلخ لَا يعلم بِمَا جرى وَأرْسل إِلَيْهِ أَوْلَاد شيعمة بِمَا حل بمخوائيل بن ماهيل فَلَمَّا جَاءَهُ البشير كبر الْمُؤْمِنُونَ تَكْبِيرَة وَاحِدَة ارتاع مِنْهَا ماهيل وَمن مَعَه وَلم يعلمُوا مَا الْخَبَر فَجَاءَهُ الرَّسُول وَأخْبرهُ بالمسخ والهلاك وانقلاب البَاقِينَ إِلَى الديار بعد أَن مَاتَ أَكْثَرهم جوعا وعطشاً فخافوا أَن يحل بهم مثل ذَلِك فَوَلوا على أَعْقَابهم هاربين فَتَبِعهُمْ متوشلخ وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا وَأخذ أَمْوَالهم وسلاحهم وتقطعوا فِي الأَرْض فهلكوا وَوصل أقلهم إِلَى أَهْليهمْ فلقيتهم الفيلة فأنكروها وَقَالُوا كَيفَ يكونُونَ إِخْوَاننَا وَمَا هم إِلَّا من وَحش الْبر جَاءُوا يُرِيدُونَ دِيَارنَا لما غبنا عَنْهُم ثمَّ ناوشوهم الْحَرْب والفيلة تخضع لَهُم لَعَلَّهُم يراجعون بصائرهم ويعرفون أَنهم مِنْهُم فَأَبَوا إِلَّا هلاكهم فَلَمَّا رَأَتْ الفيلة ذَلِك تضافروا عَلَيْهِم فَقتلُوا أَكْثَرهم وَأَقَامُوا ثَلَاثَة أَيَّام يقتتلون قد سلط الله بَعضهم على بعض وَلَا يقتل فيل وَاحِد حَتَّى يقتل جمَاعَة مِنْهُم حَتَّى تفانوا وَقتلت الفيلة عَن آخرهَا وَلما هَلَكُوا فَرح إِبْلِيس بذلك وَبلغ مِنْهُم مُرَاده وَلم يَجْسُر أَن يتَعَرَّض للْمُؤْمِنين خوفًا أَن تحل بِهِ نقمة من الله وَلم يكن بعد ذَلِك بَينهم قتال وَلَا حَرْب إِلَى أَن جَاءَ الطوفان فأهلكهم الله بكفرهم وَرجع متوشلخ بِمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ إِلَى دِيَارهمْ سَالِمين منصورين فَرَأَوْا أَهَالِيهمْ على حَال السَّلامَة فانعزل بِمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ إِلَى دِيَارهمْ سَالِمين منصورين إِلَى جبل يُقَال لَهُ راسخ وَكَانَ جبلا حصيناً كثير الشّجر والخيرات فاتخذوه مسكنا وَتركُوا المدن الَّتِي كَانُوا فِيهَا وأعرضوا عَن التَّعَرُّض لمن بَقِي من ولد قابيل وانبث ولد قابيل فِي الأَرْض وانتشروا إِلَى الْبَحْر مِمَّا يَلِي الشمَال والجنوب وعبدوا الْأَصْنَام ونكحوا الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات وَالْبَنَات وإبليس يعدهم ويمنيهم وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 يعدهم الشَّيْطَان إِلَّا غرُورًا وَلم تزل هَذِه أفعالهم إِلَى زمن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَلما استوطن متوشلخ الْجَبَل أنفذ وَصِيَّة أَبِيه إِدْرِيس وخطب شلجم بنت جندل وَكَانَت من أَوْلَاد شِيث وَكَانَت أجمل النِّسَاء وأكملهن عقلا وفضلاً فَدخل عَلَيْهَا واعملها بِالنورِ المحمدي وَأقَام مَعهَا مُدَّة وَولد لَهُ أَوْلَاد كَثِيرَة والنور لم ينْقل من وَجهه فَتزَوج بعْدهَا صَدُوقًا أُخْتهَا فَلم ينْتَقل النُّور إِلَيْهَا وَلم يزل يتَزَوَّج امْرَأَة بعد أُخْرَى إِلَى خمس عشرَة امْرَأَة مَا مِنْهُنَّ إِلَّا ويرزق أَوْلَادًا مِنْهَا فأسمك عَن التَّزْوِيج لينْظر مَا يكون وَكَانَ لَهُ ابْن عَم قد قتل قتال فِي إِدْرِيس لبني قابيل وَله ابْنه صَبِيه رباهها إِدْرِيس وَعلمهَا الْكتب وكتبتها وكفلها بعد إِدْرِيس متوشلخ وَاسْمهَا شملة فرأته وَمَا هم عَلَيْهِ من الْهم لأجل حبس النُّور فَسَأَلته فأعلمها فَقَالَت يَا ابْن الْعم إِذا أَرَادَ الله نقل النُّور عَنْك اخْتَار لَهُ من بَنَات عمك فَلَا تغتم فَألْقى الله فِي قلبه أَنَّهَا هِيَ فَقَالَ لَهَا يَا شملة هَل لَك أَن تَكُونِي أَنْت الَّتِي أرجوها لهَذَا النُّور فخجلت وَوَلَّتْ مستحية فأحضر جمَاعَة من وُجُوه قومه وخطبها وَتَزَوجهَا فَحملت مِنْهُ من أول لَيْلَة وأصبحت والنور فِي غرتها فَسجدَ لله شكرا وبشرها بذلك فَفَرِحت وتممت أشهرها فَولدت غُلَاما والنور فِي جَبهته فَسَماهُ لمك ورباه أحسن تربية وَعلمه الْكِتَابَة والصحف وَبَانَتْ عَلَيْهِ دَلَائِل السؤدد حَتَّى إِذا بلغ من الْعُمر أَرْبَعِينَ سنة حضرت متوشلخ الْمنية خَمْسمِائَة سنة إِلَّا اثْنَي عشر فأقعده بَين يَدَيْهِ وأوصاه بِوَصِيَّة أَبِيه وعهد إِلَيْهِ فِي النُّور وَأخذ عَلَيْهِ الْمِيثَاق إِلَّا يعضه إِلَّا فِي أطهر النِّسَاء من بني أَبِيه وأعمامه فَأخذ ذَلِك لمك بِالْقبُولِ وَضمن ذَلِك لَهُ من نَفسه وَمَات متوشلخ فسلك بِهِ لمك مَسْلَك آبَائِهِ وأجداده فِي التغسيل والتكفين وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه سنة من تقدم آبَائِهِ عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ فِي بَحر الْأَنْسَاب لمك بلام مَفْتُوحَة وَمِيم سَاكِنة وكاف وَقيل اسْمه لامك وَكَانَ رجلا أشقر قد أعْطى قُوَّة وبطشاً فَتزَوج امْرَأَة يُقَال لَهَا فيسوس بنت بركائيل وَقيل إِنَّه خرج يَوْمًا إِلَى الْبَريَّة فَإِذا بِامْرَأَة فِي نِهَايَة الْجمال ترعى غنما فَسَأَلَهَا عَن اسْمهَا فَقَالَت أَنا فيسوس بنت الحيد بن عتويل بن لامك بن قابيل بن آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهَا كم سنك فَقَالَت مائَة سنة وَعشر سِنِين وَكَانَت تبلغ الْمَرْأَة مِائَتي سنة فَمضى إِلَى أَبِيهَا وَتزَوج بهَا وَلما تمت أشهرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وضعت غُلَاما والنور فِي جَبهته فَسَماهُ نوحًا وَفَرح بِهِ فَرحا شَدِيدا وَكَانَ لمك يضْرب بِيَدِهِ إِلَى أعظم شَجَرَة فيقلعها من أَصْلهَا وَأَقْبل بعد دفن أَبِيه متوشلخ على درس الصُّحُف وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا وَوعظ قومه وهم أقل من مائَة واحتاجوا إِلَى أَوْلَاد قابيل وَكَانَ الرجل مِنْهُم ينزل إِلَى أَوْلَاد أَبِيه فيعطفون عَلَيْهِ ويأمرونه بِالدُّخُولِ فِي دينهم وَالنُّزُول من الْجَبَل فيأبى الْمُؤْمِنُونَ وَيَقُولُونَ إِن كُنْتُم ترعون الرَّحِم بَيْننَا فافعلوا وَلَا تردونا عَن دين آبَائِنَا ولمك ينهاهم عَن ذَلِك فَيَقُولُونَ إِنَّا جِيَاع فَيَقُول لَو لم تخضعوا لهَؤُلَاء الْمُرْتَدين مِنْكُم لرزقكم الله كم يرْزق الطير فَاصْبِرُوا تؤجروا وَلما ولد نوح عَلَيْهِ السَّلَام رأى إِبْلِيس لَيْلَة وِلَادَته الْمَلَائِكَة نزلت من السَّمَاء ودارت بِالْجَبَلِ فَعلم أَن نور رَسُول الله انْتقل فَسَأَلَ فَقيل إِن لمك رزق ولدا والنور انْتقل إِلَيْهِ فطمع أَن يصل إِلَيْهِ فَلم يقدر فَجعل يعْطف على كل من ارْتَدَّ من ولد أَبِيه وَبني قابيل كيداً مِنْهُ وَكَانَ بَنو قابيل قد أنسوا من الْجَبَل حَتَّى لم يبْق بَيت من الْمُؤمنِينَ بِهِ إِلَّا دخله بَنو قابيل وَكلما عرضوا على لمك النُّزُول إِلَى مَنَازِلهمْ أبي وَنَفر خوفًا على ابْنه نوح وَكَانَ يخفيه عَنْهُم وَلَا يظهره وَأدْخلهُ إِلَى مغارة فِي الْجَبَل وَأمه مَعَه والصحف الَّتِي لِآبَائِهِ عِنْدهَا احتفاظاً بهَا واحترازاً على مَا فِيهَا من إِبْلِيس وَبني قابيل وَعلمه أَبوهُ لمك جَمِيع مَا علمه أَبوهُ متوشلخ وأوصاه بِوَصِيَّة آبَائِهِ وَأخذ عَلَيْهِ الْعهْدَة والميثاق كَمَا أَخذه عَلَيْهِ أَبوهُ واجتهد نوح فِي الْعِبَادَة فِي تِلْكَ المغارة وَلَا يتْركهُ أَبوهُ يخرج مِنْهَا وَلَا أحدا يدْخل عَلَيْهِ فَلَمَّا بلغ من الْعُمر خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة مرض أَبوهُ لمك فَلَمَّا أحس بِالْمَوْتِ جدد الْوَصِيَّة وحذره إِبْلِيس وَبني قابيل وَسلمهُ الِاسْم الْأَعْظَم والتابوت ومواريث الْأَنْبِيَاء وَمَات وعمره تِسْعمائَة وتسع وَسَبْعُونَ سنة وَفِي مروج الذَّهَب تِسْعمائَة وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سنة فَقَامَ بِالْأَمر بعده نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ أول أولي الْعَزْم وَشَيخ الْمُرْسلين وَالْأَب الثَّانِي وَصَاحب الْفلك وآدَم الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا عقب إِلَّا مِنْهُ وَله إخْوَة درجوا جَمِيعًا والعقب من نوح وَحده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ولد عَلَيْهِ السَّلَام بعد موت آدم فِي الْألف الأولى وَبعث فِي الْألف الثَّانِيَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعمِائَة سنة ولبث فِي قومه {أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} كَمَا فِي الْآيَة الشَّرِيفَة العنكبوت 14 واسْمه قبل عبد الْأَعْلَى وَإِنَّمَا سمي نوحًا لِأَنَّهُ بَكَى على قومه خَمْسمِائَة عَام وَفِي رِوَايَة اسْمه عبد الْملك وَفِي أُخْرَى عبد الْغفار وَفِي أُخْرَى عبد الْجَبَّار وَهُوَ أول نَبِي بعد إِدْرِيس وَكَانَ نجاراً ألهمه الله ذَلِك فَعمل أبواباً لِأَنَّهُ خَافَ على الصُّحُف من بني قابيل فَعمل بَابا على المغارة الَّتِي هِيَ فِيهَا وأوثقه وقفل عَلَيْهِ احتفاظاً بهَا وَكَانَ لَا يَأْخُذ على النجارة أجرا وَكَانَ بَنو قابيل يعْرفُونَ مَحَله ويعظمونه وَإِذا أَرَادَ أحد مِنْهُم الْجُلُوس عِنْده انتهره وَإِذا جلس إِلَيْهِ أحد من قومه الْمُرْتَدين وعظه وَكَانَ مَعْرُوفا بَينهم وَعَن وهب إِن نوحًا كَانَ إِلَى الأدمة مَا هُوَ دَقِيق الْوَجْه رَأسه طَوِيل عَظِيم الْعَينَيْنِ دَقِيق السَّاقَيْن كثير لحم الفخذين ضخم السُّرَّة طَوِيل اللِّحْيَة عريضاً طَويلا جسيماً فَبَعثه الله وَهُوَ ابْن أَرْبَعمِائَة سنة وَخمسين سنة فَلبث فيهم الْمدَّة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَلَا يزدادون إِلَّا طغياناً وَمضى ثَلَاثَة قُرُون من قومه فَكَانَ الرجل يَأْتِي بِابْنِهِ وَهُوَ صَغِير فيوقفه على رَأس نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَيَقُول لَهُ يَا بني إِن بقيت بعدِي فَلَا تُطِع هَذَا ثمَّ لما دعاهم سرا فَلم يُجِيبُوهُ أيده الله بِروح الْقُدس وَأمره بِإِظْهَار الدعْوَة وَالْملك يَوْمئِذٍ فِي بني راسب وَأهل مَمْلَكَته وعوج بن عنق وَقيل كَانَ لَهُم ملك يُقَال لَهُ درمسيل بن عوبيل بن لامك بن جنح بن قابيل وَكَانَ جباراً عاتياً يعبد هُوَ وَقَومه الْأَصْنَام قوم إِدْرِيس الْخَمْسَة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ثمَّ كَثُرُوا حَتَّى صَار لَهُم ألف صنم وَسَبْعمائة صنم فَدَعَاهُمْ نوح عَلَانيَة فَلم يُجِيبُوهُ فَلم يزل يَدعُوهُم تِسْعمائَة سنة وَخمسين كلما مر مِنْهُم قرن اتبعهُ قرن على مَذْهَب آبَائِهِم وآمن بِهِ بعض ولد شِيث فَقَالُوا لَهُ أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون يُعَيِّرُونَهُ بقلة الْأَمْوَال وَأَنَّهُمْ لَا عز لَهُم وَلَا سُلْطَان ثمَّ إِنَّه نزل إِلَى بني قابيل من الْجَبَل فِي يَوْم عيد لَهُم وهم عكوف على أصنامهم فَوقف على نشز عَال من الأَرْض يشرف عَلَيْهِم وَوضع إصبعه فِي أُذُنَيْهِ وَرفع صَوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَكَانَ جَهورِي الصَّوْت فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا معبود سواهُ {اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِن ذُنُوبِكُمْ} الْآيَة نوح 3 4 يَا قوم إِنِّي مُرْسل إِلَيْكُم فَإِن اسْتَقَمْتُمْ استقام أَمركُم وَإِن أعرضتم أَتَاكُم وعيده حَتَّى لم يبْق أحد مِنْكُم على وَجه الأَرْض ويدخلنكم النَّار وَبئسَ الْمصير وَمَا قلت لكم هَذَا إِلَّا بِأَمْر رَبِّي فَإِن تقبلُوا ترشدوا وَإِن تَتَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم فَوَقَعت الْأَصْنَام على وجوهها فَآمن كل من كَانَ مُؤمنا على عهد أَبِيه لمك وَقيل أول من آمن امْرَأَة اسْمهَا عَمُود فَتَزَوجهَا وأولدها ساماً وياماً وحاماً ثمَّ امْرَأَة من قومه اسْمهَا وَاهِلَة فأولدها يافث وكنعان ثمَّ ارْتَدَّت وعادت إِلَى دينهَا الأول وَلما رَأَوْا مَا حل بالأصنام وَثبُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا إِنَّا لنراك فِي ضلال مُبين أما رضيت بالمشاركة حَتَّى تَدعِي أَنَّك رَسُول الله إِلَيْنَا وَنحن نعلم أَنَّك فِي الطَّرِيقَة الْمَحْمُود مُنْذُ كنت صَغِيرا وَقد اعتراك جُنُون {إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} الْآيَات الْمُؤْمِنُونَ 25 فسبوه وهموا بِهِ فَمنع دونه الْمُؤْمِنُونَ وَأخذت الحمية أَقَاربه فِي النّسَب فخاف الرؤساء أَن تقع بَينهم فتْنَة فَتَرَكُوهُ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن اصبر عَلَيْهِم فَرجع نوح إِلَى مَوْضِعه وَبَقِي قومه الَّذين ارْتَدُّوا يَقُولُونَ مَا نَعْرِف نوحًا مُنْذُ نَشأ إِلَّا صَادِقا وَإِنَّا نظن أَن الَّذِي جَاءَ بِهِ حق فسحبهم بَنو قابيل على وُجُوههم وأعلموا الدرمسيل وَهُوَ ملكهم بِمَا قَالُوهُ فَقَالَ إِن نوحًا من أشرف قومه حسباً وَأكْرمهمْ أما وَأَبا وَقَومه وَإِن دخلُوا فِي دينكُمْ لَا يرضون بأذيته وأخاف أَن تتفرق كلمتكم وَيَقَع بأسكم بَيْنكُم ونوح لَا خوف عَلَيْكُم مِنْهُ فَاصْبِرُوا عَلَيْهِ وداروا أَهله فَأَجَابُوهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَكَانَت شَرِيعَته التَّوْحِيد وخلع الأنداد والفطرة وَالصَّلَاة وَصِيَام شهر رَمَضَان وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَأرْسل إِلَيْهِ الْملك رجلا اسْمه العملس وَكَانَ فصيحاً فَاضلا فِي جمَاعَة من الرؤساء فَقَالَ لَهُ يَا نوح أَنا رَسُول وناصح لَك أَلا تتعرض إِلَى سبّ آلِهَتهم وتسفيه أحلامهم فقد صَبَرُوا عَلَيْك وحملوك على الْجُنُون وَقد أغريب الضُّعَفَاء وآباؤك كَانُوا أقوى مِنْك بَأْسا وَكَانُوا يعدونهم الْعَذَاب فَمَا أَصَابَهُم شَيْء وماتوا أعزاء فاتركهم وَأَنت وَدينك فَقَالَ لَهُ نوح أما قَوْمك الَّذين مَاتُوا وَلم يصبهم شَيْء فَإِنِّي لم أدركهم (إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 عَلَى رَبّي} الشُّعَرَاء 113 وَأما الَّذين معي ف {مَا أَنَاْ بِطَارِدِ المُؤْمِنِينَ} الْآيَة الشُّعَرَاء 114 فَقَالَ لَهُ يَا نوح إِن كنت قلت هَذَا لفقرك فنجمع لَك مَالا ونقدمك علينا فَقَالَ {وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا على رب الْعَالمين} الشُّعَرَاء 109 فَقَالُوا {لَئِن لم تَنْتَهِ يَا نوح لَتكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} الشُّعَرَاء 116 فَقَالَ توكلت على الله رَبِّي وربكم وَلست براجع عَمَّا دعوتكم إِلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا سرا وجهاراً حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم وَهُوَ خير الْحَاكِمين ثمَّ تَركهم وَانْصَرف ثمَّ عَاد إِلَيْهِم بعد مُدَّة فِي عيد آخر ووقف على نشز عَال وَفعل بهم مثل الأول فَقَالُوا {يَا نوح قد جادلتنا فَأَكْثَرت جدالنا} الْآيَة إِلَى {الصَّادِقين} هود 32 وَإِن أَبيت قتلناك وَمَا زَالَ يَدعُوهُم فيكذبونه ويضربونه إِلَى إِن مَاتَ الجيل الأول وَنَشَأ أبناؤهم على ذَلِك وانقرض الجيل الثَّانِي وَجَاء الجيل الثَّالِث ونوح يعْذر وينذر فَلَمَّا طَال الْأَمر قَالُوا يَا نوح أما لميعادك من آخر وَجَاء رجل مِنْهُم وَابْنه على عَاتِقه فَقَالَ لِابْنِهِ إِن عِشْت بعدِي فَلَا تسمع من هَذَا الْمَجْنُون فَقَالَ الصَّبِي أنزلني عَن عاتقك فأنزله فَأخذ الصَّبِي حجرا وَضرب بِهِ رَأس نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَشَجَّهُ وسال دَمه فَصَبر واحتسب وَكَانُوا يعْجبُونَ من شدَّة صبره وَفِي بعض الْأَيَّام ضربوه وداسوا بَطْنه فَلَمَّا أَفَاق لم يقدر على النهوض فَشَكا إِلَى ربه فَأوحى إِلَيْهِ أَن يَدْعُو عَلَيْهِم بعد أَن ضربوه أوجع ضرب وخنقوه حَتَّى غشي عَلَيْهِ وتركوه كالميت فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْت الْعَالم بِمَا يفعل بِي عِبَادك اللَّهُمَّ اهدهم وصبرني عَلَيْهِم فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنَّه لم يبْق فِي أصلاب الرِّجَال مُؤمن وَلَا مُؤمنَة وَإنَّهُ لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن فَلَا تبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ أَي لَا تحزن عَلَيْهِم فَقَالَ إِنَّمَا كنت أَصْبِر طَمَعا فِي إِيمَانهم فَإِذا كَانَ سبق القَوْل بِأَنَّهُم لن يُؤمنُوا رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا فَلَمَّا سمع قومه دعاءه خَافُوا إِجَابَة الدعْوَة وَقَالُوا تدعوا علينا وَأَنت بَين أظهرنَا إِذا كَانَ هَذَا مِنْك فَاخْرُج عَنَّا وَلَا تجاورنا لَا أَنْت وَلَا من مَعَك فَقَالَ إِن آمنتم بِاللَّه سَأَلته الرِّضَا عَنْكُم وَالْعَفو عَمَّا سلف وَإِن أَبَيْتُم لَيْسَ لكم عِنْدِي إِلَّا الدُّعَاء فضربوه حَتَّى كسروا رجله الْيُمْنَى وضربوا الَّذين مَعَه حَتَّى وَقَعُوا كالموتى مصرعين وجروا بأرجلهم وَلم يزَالُوا ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَسْتَطِيعُونَ حَرَكَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَفِي ربيع الْأَبْرَار للزمخشري روى الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس كَانَ نوح يضْرب فِي قومه ثمَّ يلف فِي الْبَلَد ثمَّ يلقِي فِي بَيته فيرون أَنه مَاتَ فَيخرج فيدعوهم إِلَى الله فَلَمَّا قَامَ نوح قَالَ إِنَّه قد أوحى إِلَيّ أَنه ينزل بكم الْقَحْط ويعقم نِسَاؤُكُمْ وَقد أجل الله لكم أَََجَلًا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَإنَّهُ بعد أَرْبَعِينَ سنة من يومكم هَذَا يأتيكم الطوفان مَاء يغرقكم ويغرق الأَرْض كلهَا حَتَّى لَا يبْقى مِنْكُم أحدا فَلَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم فَقَالُوا قد سمعنَا هَذَا مِنْك من قديم الزَّمَان وزدت الْيَوْم زِيَادَة مَا سَمعهَا مِنْك آبَاؤُنَا وَهِي ضربك أَََجَلًا أَرْبَعِينَ سنة فَإِن آمنا بك وأطعنا وَإِلَّا جَاءَنَا طوفان مَاء من السَّمَاء فأغرقنا وَجَمِيع من فِي الأَرْض إِلَّا من آمن بك وَإِنَّا ننتظرك إِلَى هَذَا الْأَجَل فَإِذا تمت أَرْبَعُونَ سنة وَلم نر شَيْئا حل لنا قَتلك فَانْصَرف عَنْهُم فَأمره الله أَن يغْرس شَجَرَة فغرسها فعظمت وَذَهَبت كل مَذْهَب ثمَّ أمره أَن يقطعهَا بعد مَا غرسها بِأَرْبَعِينَ سنة فيتخذ مِنْهَا سفينة روى الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد بِإِسْنَادِهِ أَنه غرس الساج وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَت الحواريون لعيسى بن مَرْيَم لَو أَحييت لنا رجلا شهد السَّفِينَة فحدثنا عَنْهَا فَأتى كثيباً من تُرَاب فَأخذ كفا مِنْهُ وَقَالَ هَذَا قبر حام ابْن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَضرب الْكَثِيب بعصاه وَقَالَ قُم بِإِذن الله فَإِذا هُوَ قَائِم ينفض التُّرَاب عَنهُ رَأسه وَقد شَاب فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَكَذَا هَلَكت قَالَ لَا مت وَأَنا شَاب ولكنني ظَنَنْت أَنَّهَا السَّاعَة فشبت قَالَ حَدثنَا عَن السَّفِينَة فَقَالَ كَانَ طولهَا ألف ذِرَاع ومائتي ذِرَاع وعرضها سِتّمائَة ذِرَاع وَكَانَت ثَلَاث طَبَقَات طبقَة فِيهَا الدَّوَابّ والوحوش وطبقة فِيهَا الْإِنْس وطبقة فِيهَا الطير وَعلمه جِبْرِيل كَيفَ يديرها وَجعل يقطع الْخشب وَيضْرب الْحَدِيد ويهيئ مُدَّة الْفلك من القار وَغَيره وَأمره أَن يطليها بالقار من داخلها وخارجها وَتمّ عَملهَا فِي سنتَيْن وشاركه فِي عَملهَا سَام وَحَام وَيَافث ويام وَكَانَ كلما عمل شَيْئا أفْسدهُ قومه لَيْلًا فَدَعَا عَلَيْهِم فَابْتَلَاهُمْ الله بالعشا فَكَانُوا لَا يرَوْنَ شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَفِي تَارِيخ الْخَمِيس وحياة الْحَيَوَان قَالَ نوح يَا رب أَمرتنِي أَن أصنع الْفلك ولي أَيَّام فِي صناعتها كل مَا صَنعته بِالنَّهَارِ يُفْسِدهُ قومِي بِاللَّيْلِ فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا نوح خُذ كَلْبا يحرسها بِاللَّيْلِ وَفِي الْكَشَّاف لما كَانَ نوح يقطع الْخشب وَيضْرب الْحَدِيد ويهيئ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْفلك من القير وَغَيره جعل قومه يَمرونَ عَلَيْهِ فِي عمله وَيَقُولُونَ يَا نوح صرت نجاراً بعد النُّبُوَّة وَكَانُوا يأْتونَ لَيْلًا لما يعمله نَهَارا فيفسدونه فيسخرون مِنْهُ وَيَقُولُونَ تتَّخذ بَيْتا تسير بِهِ على المَاء فَأَيْنَ المَاء الَّذِي يحمل هَذَا الْبَيْت لقد خرف نوح فَيَقُول {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} الْآيَة هود 38 وَلم يزل هَذَا دأبه حَتَّى فرغ فَجَاءَت على شكل لم ير مثله وَقَومه يخرجُون إِلَيْهَا أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا يتعجبون ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ عِنْدَمَا بَقِي من الْأَرْبَعين السّنة سَبْعَة أَيَّام أَن يُنَادي بالسُّرْيَانيَّة أَن يجْتَمع إِلَيْهِ جَمِيع الْحَيَوَان فَلم يبْق حَيَوَان إِلَّا حضر مَا خلا الفأر والسنور فَإِنَّهُمَا لم يخلقا بعد وَإِنَّمَا خلقا فِي السَّفِينَة كَمَا يذكر على الْأَثر فَحمل فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ فَلَمَّا شكا إِلَيْهِ أهل السَّفِينَة سرقين الدَّوَابّ بعد أَن ركبُوا فِيهَا مسح جبين الْخِنْزِير فعطس فَسقط من أَنفه زوج فأر فَأتى على السرقين ثمَّ شكوا إِلَيْهِ أَذَى الفأر فَمسح بَين عَيْني الْأسد فعطس فَسقط من أَنفه زوج فأر فَأتى على السرقين ثمَّ شكوا إِلَيْهِ أَذَى الفأر فَمسح بَين عَيْني الْأسد فعطس فَسقط من أَنفه زوج سنور فاختفى الفأر وَفِي تَفْسِير الْهَرَوِيّ أَنه لم يحمل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب حَتَّى ضمنا أَنَّهُمَا لن يضرا أحدا ذكر نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فَمن قَرَأَ {سَلام على نوح فِي الْعَالمين} الصافات 79 عِنْد خوف ضررهما لن يضراه وَلم يحمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا مَا يتوالد ويبيض أما مَا يتَوَلَّد من الطين من الحشرات كالبق والبعوض وَمَا يتَوَلَّد من العفونات كالدود والذباب فَلم يحمل مِنْهَا شَيْئا وَأمر الله الرِّيَاح الْأَرْبَع أَن تحْشر إِلَى نوح جَمِيع مَا يحمل فِي السَّفِينَة فَأَقْبَلت الْمَخْلُوقَات أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا حَتَّى وقفت على أَمَام الْفلك فَقَالَ قومه هَذِه زِيَادَة فِي السحر وَجعل يضْرب بِيَدِهِ على الزَّوْجَيْنِ فَتَقَع يمناه على الذّكر ويسراه على الْأُنْثَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 حَتَّى أكمل الْعدَد وَانْصَرف الْبَاقُونَ فِي اللَّيْل هَذَا فِي أول يَوْم من السَّبْعَة الْأَيَّام الْبَاقِيَة من الْأَرْبَعين سنة الْمَوْعُود بِالْعَذَابِ بعد مضيها وَفِي الْيَوْم الثَّانِي حشرت إِلَيْهِ الوحوش فَأخذ من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ كالحيوانات فِي الْيَوْم الأول وَقَومه ينظرُونَ ويتعجبون من تزاحم الوحوش عَلَيْهِ إِلَى آخر النَّهَار وَفِي الْيَوْم الثَّالِث أَتَت الْبَهَائِم وَفِي الْيَوْم الرَّابِع أَمر بِحمْل النَّبَات الَّذِي يقتات بِهِ بَنو آدم وَمن جَمِيع الشّجر والحبوب وقوت جَمِيع مَا فِي السَّفِينَة وَأمره الله أَن يضع تابوتاً من شجر الشمشار فَيحمل فِيهِ جَسَد آدم عَلَيْهِ السَّلَام ويجعله حاجزاً فِي الْفلك بَين الرجل وَالنِّسَاء فِي الطَّبَقَة الأولى وَجعل السبَاع وَالدَّوَاب فِي الطَّبَقَة السُّفْلى وَألقى الله الْحمى على الْأسد فاشتغل بِنَفسِهِ عَن الدَّوَابّ وَجعل الطير والوحوش فِي الثَّانِيَة وأطبق عَلَيْهَا وَجعل الْعليا لبني آدم وَقَالَ فِي مروج الذَّهَب أول مَا حمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام من الطير الدرة وَآخر مَا حمل الْحمار فَتَلَكَّأَ وَدخل صَدره وَتعلق إِبْلِيس بِذَنبِهِ فَجعل نوح عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول وَيحك ادخل فينكص حَتَّى قَالَ ادخل وَلَو كَانَ الشَّيْطَان مَعَك تحمله زلت على لِسَانه فَلَمَّا قَالَ ذَلِك خلى الشَّيْطَان سَبيله فَدخل وَدخل مَعَه فَقَالَ نوح مَا أدْخلك يَا عَدو الله فَقَالَ ألم تقل ادخل وَلَو كَانَ الشَّيْطَان مَعَك فَقَالَ اخْرُج يَا عَدو الله عني فَقَالَ لَا بُد لَك أَن تحملنِي فَكَانَ على مَا يَزْعمُونَ على ظهر السَّفِينَة وَنهى نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَن يَقع ذكر على أنثاه فغشى الْكَلْب الكلبة فوشى بهما الهر فَأنْكر فَدَعَا نوح ربه إِن كَانَ الهر صَادِقا أَن يمسك ذكر الْكَلْب فِي الكلبة فَفعل فأمسكته الكلبة فَشَكا الْكَلْب إِلَى نوح فضيحة الهر إِيَّاه فَدَعَا نوح على الهر فافتضح بالصراخ قَالَ فِي حقيبة الْأَسْرَار وَلما كَانَ الْيَوْم السَّابِع آخر الميعاد أوحى الله إِلَيْهِ أَن يركب السَّفِينَة إِذا فار التَّنور بِالْمَاءِ وَهُوَ التَّنور الَّذِي فِي بَيت ابْنك سَام فجَاء نوح إِلَى بَيت ابْنه فَقَالَ لزوجة ابْنه وَاسْمهَا رَحْمَة وَكَانَت أحب نسَاء بنيه وَهِي تخبز خبْزًا يرَوْنَ أَن يحملوه فِي السَّفِينَة يَا رَحْمَة إِن آيَة الطوفان من هَذَا التَّنور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فَإِذا رَأَيْت المَاء فار مِنْهُ فأسرعي إِلَى الْفلك وَكَانَ التَّنور من حجر أسود وَرثهُ نوح من أَبِيه وَورثه أَبوهُ من جده من لدن آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَت حَوَّاء تخبز فِيهِ وَكَانُوا يتوارثونه تبركاً بِهِ وَكَانَ من عمل آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل كَانَ فِي دَار نوح عَلَيْهِ السَّلَام يَعْنِي ورده من أَرض الشَّام وَلما أصبح فِي الْيَوْم السَّابِع وَلم يبْق لَهُ شَيْء يحْتَاج إِلَيْهِ وَإِن رَحْمَة فرغت من خبزها وَهِي تخرج آخر رغيف وَالنَّار يضرم جمرها إِذْ بدرها المَاء من تَحت الْحجر وبقدرة الله تَعَالَى فار وَلم يدْخل نوح السَّفِينَة كل مَا أَرَادَ فَأَخْبَرته ابْنَته أَن التَّنور فار فَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى المَاء فختمه فَوقف حَتَّى أَدخل السَّفِينَة مَا أَرَادَ ثمَّ فض الْخَتْم وكشف الطَّبَق ففار المَاء وفاض فَقَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم هلك وَالله قومِي فَأوحى الله إِلَيْهِ لَا تحزن على هلاكهم فاركب الْفلك وَمن مَعَك من الْمُؤمنِينَ وَمَا آمن مَعَه إِلَّا قَلِيل ثَمَانُون نفسا مِنْهُم أَوْلَاده الثَّلَاثَة سَام وَحَام وَيَافث وَالأَصَح أَن أَوْلَاده زِيَادَة على الثَّمَانِينَ لما سَيَأْتِي فأسرع نوح إِلَى منزل رَحْمَة فَإِذا المَاء قد مَلأ الْمنزل وَيخرج من أبوابه كالنهر وَله غليان ونشيش مَا يمر بِشَيْء إِلَّا أغرقه وَأحرقهُ فأسرع إِلَى الْفلك ونادى بِالْمُؤْمِنِينَ النجَاة النجَاة وَقَومه يتعجبون من استعجاله فِي الرّكُوب وَإِذا الصُّرَاخ فِي بُيُوتهم وأسواقهم واضطربت النَّاس وَارْتَفَعت الزمات وَالْمَاء يتزايد ويغلي ونوح على بَاب الْفلك قد شمر عَن ساعديه وَأخذ المجذاف ليدفع بِهِ السَّفِينَة فِي المَاء والمؤمنون يَبْكُونَ من هول مَا عاينوا وَكَانَ دُخُول السَّفِينَة لعشر مضين من رَجَب فَدخل الْفلك وغطاه عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه وَفتح الله أَبْوَاب السَّمَاء بالمطر من غير سَحَاب فَنزل بعير كيل وطغى على الْخزَّان وأخرجت الأَرْض ماءها وانفجرت الْجبَال كل نقطة من السَّمَاء عين فِي الأَرْض فَكَانَ نبع من تَحت أَقْدَامهم وحوانيتهم وَبُيُوتهمْ وَلَا يَقع على بَيت إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 هدمة وَلَا على شَيْء إِلَّا أحرقه وَلَوْلَا أَن الله أمره أَلا يضر السَّفِينَة لأحرقها بحرارته وملوحته وَوَقع الصُّرَاخ وغدوا إِلَى نوح فَإِذا هُوَ وَمن مَعَه فِي السَّفِينَة والمطر يفتح خنادق وَلَا يُصِيب السَّفِينَة ونوح وَأَوْلَاده يَبْكُونَ على قَومهمْ وخوفاً من الْعَذَاب وَالْمَلَائِكَة تَقول لَهُم لَا تبكوا بعدا للْقَوْم الظَّالِمين وَركب ملكهم واسْمه الدرمسيل كَمَا تقدم فِي عبيده وحشمه نَحْو السَّفِينَة فَأحرق المَاء أَرجُلهم وَقد انقلبت الأَرْض بالصراخ وَرَأى المَاء لَا يُصِيب السَّفِينَة فصح عِنْده أَنه أَمر الله تَعَالَى وتفرق من كَانَ حوله من النَّاس وهم يُنَادُونَهُ أَيهَا الْملك قتل المَاء أكثرنا فَنَادَى يَا نوح مَا هَذَا فَقَالَ يَا عَدو الله وَلم يكن قَالَ لَهُ ذَلِك أبدا لِأَنَّهُ كَانَ يرفق بِهِ ويداريه هَذَا الَّذِي كنت أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ إِذْ نبع المَاء من تَحت حوافر فرسه فولى هَارِبا وَلم يُؤمن فغرق فِي مَوْضِعه وأمهل الله عَلَيْهِم بَقِيَّة يومهم وطفت السَّفِينَة على وَجه المَاء فأطبقها وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ فتسنموا الْجبَال والروابي وَلم يكن فيهم صبي إِلَّا وَاحِد كَانَت أمه تحبه حبا شَدِيدا فَخرجت بِهِ إِلَى الْجَبَل حَتَّى بلغت ثلثه فبلغها المَاء فَصَعدت إِلَى ثُلثَيْهِ فبلغها المَاء فاستوت على الْجَبَل فَلَمَّا بلغ المَاء رقبَتهَا رفعته بِيَدِهَا حَتَّى ذهب بهم المَاء فَلَو رحم الله مِنْهُم أحدا لرحم تِلْكَ الْمَرْأَة ودعا نوح ابْنه كنعان وَقيل اسْمه يام فَأبى وَقَالَ سآوي إِلَى جبل يعصمني من المَاء يَعْنِي بِهِ النجف جبلا لم يكن على وَجه الأَرْض أعظم مِنْهُ ارتفاعاً فَأوحى الله إِلَيْهِ أيعتصم بك منى فتقطع الْجَبَل وَصَارَ رملاً دَقِيقًا وانخفض مَكَانَهُ فَصَارَ بعد أَن نضب المَاء بحراً فَسمى ذَلِك الْبَحْر نى ثمَّ جف بعد ذَلِك فَقيل ني جف فخففه النَّاس نجف كَذَا أوردهُ فِي الْعِلَل صَاحب مروج الذَّهَب الْعَلامَة المَسْعُودِيّ وَلما ركب نوح السَّفِينَة وَمن مَعَه من الْكُوفَة قَالَ {ارْكَبُواْ فِيهَا بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} هود 41 فَقيل إِن المَاء ارْتَفع على أَعلَى جبل فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ ذِرَاعا ووكل الله بالسفينة سبعين ملكا يحفظونها ودوى المَاء كالرعد القاصف والسفينة تشقه شقاً عنيفاً ونوح يُنَادي الْعَفو الْعَفو يَا الله وأظلم الجو وَأَتَاهُ جِبْرِيل بلؤلؤة تطلع من مشرق السَّفِينَة فيعلمون بهَا الشرق والغرب والقبلة وَالشمَال وتمشى فِي سقف السَّفِينَة طول النَّهَار لمعْرِفَة السَّاعَات فَإِذا وصلت إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْمغرب طفىء نورها وَتصير لَيْلًا على هَيْئَة الْقَمَر فِي زِيَادَته ونقصانه أول الشَّهْر هِلَال وتزداد حَتَّى تصير بَدْرًا ثمَّ تنقص كَذَلِك حَتَّى تصير هلالاً وَلم تزل السَّفِينَة تَطوف الأَرْض إِلَى مَوضِع الْكَعْبَة فطافت أسبوعاً ثمَّ عَادَتْ إِلَى جدة وَطلبت الْحَبَشَة ثمَّ عَادَتْ إِلَى الرّوم إِلَى جبال الأَرْض المقدسة جَارِيَة لَا تفتر شَرق الأَرْض وغربها إِلَى مُدَّة سِتَّة أشهر روى أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام نَام فِي السَّفِينَة فَهبت ريح فَانْكَشَفَتْ عَوْرَته فَضَحِك حام وَيَافث فزجرهما سَام وستره فانتبه وَسَأَلَ سَام فَأخْبرهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ غير مَا فِي صلب حام حَتَّى لَا يُولد لَهُ إِلَّا السودَان وَغير مَا فِي صلب يافث وَاجعَل ذريتهما خولاً لذرية سَام فَجَمِيع السودَان والحبش والهند والسند من حام وَجَمِيع التّرْك والصين والصقالبة ويأجوج وَمَأْجُوج من يافث ابْن نوح وَجَمِيع الْعَرَب والعجم وَالروم وَفَارِس من سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ إِن المَاء بعد سِتَّة أشهر جعل ينقص فَأول مَا ظهر جبل أبي قبيس بِمَكَّة فَأوحى الله إِلَى الْجبَال إِنِّي مرسٍ على أحدكُم السَّفِينَة فتطاولت وشمخت إِلَّا الجودى جبل بالموصل كَانَ من أكبر الْجبَال وأعلاها فتواضع لله وَقَالَ أَنا أقل من أَن ترسوا السَّفِينَة عَليّ فَأمر الله الْمَلَائِكَة بوضعها عَلَيْهِ عَاشر الْمحرم وَيُقَال إِن الجودى من جبال الْجنَّة ثمَّ إِن الأَرْض بلعت ماءها وَأَرَادَ مَاء السَّمَاء النُّزُول مَعَه فَأَبت الأَرْض فَصَارَ بحاراً وأنهاراً وَهُوَ المروى عَن أهل الْبَيْت وَفِي كتاب الْوَصِيَّة صَار بحراً حول الدُّنْيَا فماء الْبَحْر الْمَوْجُود الْآن من بَقِيَّة ذَلِك المَاء وَهُوَ مَاء سخط ألم تره يغرق فَيهْلك إِلَى الْآن وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى فأرست على الجودى شهرا إِلَّا أَنهم لم يعرفوا على أَي شَيْء أرست وانجاب السَّحَاب وطلعت الشَّمْس وَفتح نوح بَاب السَّفِينَة فَدخل الضَّوْء وَبَان فِي السَّمَاء قَوس قزَح فَكَانَ ذَلِك آيَة بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَنه أَمَان من الْغَرق قيل كَانَ عَلَيْهِ وتر وَسَهْم فَنزع الْوتر والسهم عَلامَة للأمان فَكبر نوح وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 مَعَه وانفضت الطُّيُور وتحركت الوحوش فَأرْسل نوح عَلَيْهِ السَّلَام الْغُرَاب لينْظر هَل بَقِي من المَاء على وَجه الأَرْض شَيْء واستنظره سَبْعَة أَيَّام فَلم يعد واشتغل بِأَكْل جيفة دَابَّة غرقت بالطوفان وَنسي مَا توجه إِلَيْهِ فلعنه نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ اللَّهُمَّ قتر رزقه وبغضه إِلَى بني آدم وَقَيده فِي مَشْيه وَحشِي لَا يسْتَأْنس مبغوض فِي بني آدم ثمَّ بعث الْحَمَامَة وانتظرها فَلم تَجِد فِي الأَرْض قراراً فوقفت على شَجَرَة الزَّيْتُون بِأَرْض سبأ وحملت ورقة زيتون بمنقارها وَرجعت إِلَيْهِ ثمَّ بعثها بعد أَيَّام فَأَتَت وَادي الْحرم فَأول مَا نضب المَاء عَن مَوضِع الْكَعْبَة فخضبت رِجْلَيْهَا وتطوقت بطينتها وَكَانَت حَمْرَاء فَرَجَعت فِي أسْرع وَقت فَقَالَت يَا نَبِي الله قد نضب المَاء عَن الأَرْض وَقيل إِنَّهَا انْطَلَقت إِلَى الْمشرق وَالْمغْرب وعادت مسرعة وَقَالَت يَا نَبِي الله هَلَكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَأما المَاء فَلم أر إِلَّا بِبِلَاد الْهِنْد وَلم يبْق على وَجه الأَرْض إِلَّا الزَّيْتُون فَإِنَّهُ أَخْضَر لم يتَغَيَّر فَبَارك فِي شجر الزَّيْتُون ودعا للحمامة اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا أبرك الطُّيُور وأزكاها وآنسها ببني آدم وأكثرها فراخا وَجَمعهَا بطوق عوضا عَن هَذَا الطين الْأَحْمَر واخضب رِجْلَيْهَا فَاسْتَجَاب الله دعاءه وفيهَا يَقُول الشَّاعِر من قصيدة // (من الوافر) // (فأرسَلَها نبيُّ الله نوحٌ ... لتنظرَ هَل عفَا ربُّ السماءِ) (فآَبَت وهيَ قد صُبغت بماءٍ ... وَفِي أعناقِها طينُ البَراَءِ) (وَفِي منقارها ورقٌ قليلٌ ... أَقامَتهُ على صدْقِ الوفاءِ) (فأكرمَها رسولُ اللهِ نوحٌ ... وأكثَر فِي المَقالةِ بالدُّعاءِ) (وطوَّقها وسَروَلَها إلهٌ ... تَعَالَى ربُّنا ذُو الكبرياءِ) (فكُن لله خالقنا مُطيعًا ... فجنَّةُ ربّنا للأتقياءِ) ذكرت بقوله وطوقها وسرولها قَول الشَّاعِر فِيهَا // (من الْخَفِيف) // (زَعَمُوا أنَّ للحمامةِ حُزنا ... فأَراها فِي الحُزن ليستْ هُنالك) (خضَبت كفَّها وطوَّقت الجيدَ وغنَّتْ وَمَا الحزين كَذَلِك ... ) وَأقَام نوح عَلَيْهِ السَّلَام ينْتَظر الْأَمر من ربه ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقد اخضر الْجَبَل وَنبت العشب فَأوحى الله إِلَيْهِ {اهبط بِسَلام مِنَّا} الْآيَة هود 48 فَنزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 من السَّفِينَة بِمن مَعَه فَرَأى الْعِظَام قد تَفَرَّقت من المَاء الْحَار فهاله ذَلِك وَاشْتَدَّ حزنه فَأوحى الله إِلَيْهِ هَذَا أثر دعوتك أما إِنِّي آلَيْت على نَفسِي أَلا أعذب خلقي بِمثل هَذَا أبدا وَأمره بِأَكْل الْعِنَب الْأَبْيَض فَأَكله فَأذْهب الله عَنهُ الْحزن وَكَانَ ذَلِك لخاصية فِيهِ وَنزل نوح فِي الأَرْض وَمَعَهُ ثَمَانُون نفسا من ذكر وَأُنْثَى غير أَوْلَاده الثَّلَاثَة سَام وَحَام وَيَافث فَسمى ذَلِك الْمحل قَرْيَة الثَّمَانِينَ وَهِي قَرْيَة من نواحي جَزِيرَة ابْن عمر عِنْد الجودى فَهِيَ أول قَرْيَة بنيت بعد الطوفان سميت بِعَدَد الَّذين خَرجُوا من السَّفِينَة وإليها ينْسب الإِمَام أَبُو الْقَاسِم عمر بن ثَابت الثمانيني النَّحْوِيّ قَالَ فِي معالم التَّنْزِيل وَعقد نوح فِي وسط الْجَامِع قبَّة فَأدْخل إِلَيْهَا أَهله وَولده وَالْمُؤمنِينَ إِلَى أَن مصر الْأَمْصَار وأسكن أَوْلَاده الْبلدَانِ فسميت الْكُوفَة قبَّة الْإِسْلَام بِسَبَب تِلْكَ الْقبَّة ثمَّ إِن نوحًا اسْتخْلف ابْنه يافث وَأخذ ساماً وحجا وَأخذ مَعَه الرُّكْن وَالْمقَام وأودعاه جبل أبي قبيس وَلما رَجَعَ قسم الأَرْض بَين بنيه الثَّلَاثَة فَأعْطى حاماً الْمغرب والسواحل وَأعْطى يافث الْمشرق إِلَى مطلع الشَّمْس وَأعْطى ساماً الشَّام واليمن وَلما صَار لسام أَرْبَعمِائَة سنة انْتقل النُّور المحمدي إِلَى زَوجته فَلَمَّا كملت أشهرها رزقت أرفخشد فَأحْسن تَرْبِيَته وَأوحى الله إِلَى نوح إِن نبوتك قد انْقَضتْ فَاجْعَلْ الِاسْم الْأَعْظَم ومواريث الْأَنْبِيَاء عِنْد سَام فَإِنِّي لَا أترك الأَرْض بِغَيْر عَالم يكون حجَّة لي على خلقي وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن الله سيفرج عَنْهُم بِنَبِي اسْمه هود يهْلك من كفر بِهِ بِالرِّيحِ فَمن أدْركهُ فليؤمن بِهِ فَدَعَا ساماً وَسلم إِلَيْهِ مَوَارِيث الْأَنْبِيَاء وَأمره وَنَهَاهُ وروى عَن سعد بن عبد الله عَن ابْن إِبْرَاهِيم بن هَاشم عَن عَليّ بن الحكم عَن بعض أَصْحَاب أهل الْبَيْت عَن أبي عبد الله قَالَ عَاشَ نوح ألفي سنة وَخَمْسمِائة عَام ثمَّ جَاءَهُ ملك الْمَوْت وَهُوَ فِي الشَّمْس فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك فَرد نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت لأقبض روحك قَالَ فَدَعْنِي أَدخل من الشَّمْس إِلَى الظل فَقَالَ لَهُ نعم فتحول فَقبض روحه فجهزه ابْنه كَمَا أوصاه وَصلى عَلَيْهِ هُوَ وَإِخْوَته ودفنوه فِي الْموضع الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ بعض المؤرخين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 دفن بحضرموت وَقيل بِمَكَّة وروى أَن قَبره بِظهْر الْكُوفَة قَالَ فِي الْأنس الْجَلِيل تَارِيخ الْقُدس والخليل إِن قَبره بكرك نوح وَبَين نوح وآدَم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام عشرَة آبَاء وَمن السنين ألفا سنة ومائتان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَكَانَ أقل أَعمار قوم نوح ثَلَاثمِائَة سنة قَالَ المَسْعُودِيّ فِي المروج إِن عقب من كَانَ مَعَ نوح فِي السَّفِينَة دثر بالوباء فنسل الخليقة مِنْهُ وَحده يَعْنِي من أبنائه الثَّلَاثَة سَام وَحَام وَيَافث قَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} الصافات 77 فَهُوَ أَبُو الْأَنْبِيَاء وَكَانَت رسَالَته عَامَّة وَلما قبض قَامَ بعده ابْنه سَام بِأَمْر الله تَعَالَى وآمن بِهِ شيعَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَلما انْقَضتْ أَيَّامه أوحى الله إِلَيْهِ أَن يستودع الِاسْم الْأَعْظَم وميراث الْأَنْبِيَاء ابْنه أرفخشد فَدَعَاهُ وَأوصى إِلَيْهِ بِمَا أوصاه بِهِ نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَمَات وعمره سِتّمائَة سنة وَله من الْأَوْلَاد إرم وأرفخشد وفلوج وياشور وَالْأسود وَغَيرهم وَمن ذُرِّيَّة سَام النَّبِي صَالح عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ صَالح بن عبيد بن عَابِر بن إرم ابْن سَام وَمن ذُريَّته أَصْبَهَان بن فلوج بن سَام وَمن ذُريَّته فَارس ونبط ابْنا ياشور بن سَام وَمِنْهُم عَاص وَعبيد ابْنا عوص بن إرم بن سَام وَمِنْهُم بوان بن إيران بن الْأسود بن سَام وَهُوَ صَاحب الشّعب شعب بوان وَهُوَ عدَّة قرى ومياه مُتَّصِلَة وَعَلَيْهَا الْأَشْجَار حَتَّى غطت تِلْكَ الْقرى فَلَا يَرَاهَا الْإِنْسَان حَتَّى يدخلهَا قَالَ أَبُو الطّيب أَحْمد بن الْحُسَيْن المتنبي فِيهِ // (من الوافر) // (مَغَابي الشِّعْبِ طيبا فِي المَغَابي ... بمنزلةِ الربيعِ من الزمانِ) وَقَالَ آخر // (من الرجز) // (شِعْبُ بَوَّانَ قرارُ الذاهبِ ... فثَمَّ تُكفى راحةُ النَّوائبِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَقَالَ آخر // (من الطَّوِيل) // (إِذا أَشرفَ المكروبُ من رأسِ تَلعَةٍ ... على شِعبِ بوَّانَ استراحَ من الكَربِ) وَهُوَ أحد جنان الدُّنْيَا الْأَرْبَعَة غوطة دمشق ونهر الأُبلة وصفد سَمَرْقَنْد وَشعب بوان وَمِنْهُم كرمان بِالْفَتْح وَالْكَسْر بن فلوج بن سَام وَمِنْهُم لُقْمَان الْحَكِيم بن عَاد الْأُخْرَى ابْن شَدَّاد باني إرم ذَات الْعِمَاد أخي شَدِيد بن عَاد الأولى بن عوص بن إرم بن سَام وَأما يافث بن نوح فَلهُ من الْأَوْلَاد بوبان ويأجوج وَمَأْجُوج وناويل والخزر والفرنج والصقالبة وقبرس وقسطنطين وكرم وكرد وتاريس وكادي إِلَى اثْنَيْنِ وَعشْرين قَبيلَة خرج من هَذِه الْقَبَائِل ثَمَانمِائَة قَبيلَة خرج مِنْهَا أُمَم لَا تعد وَلَا تحصى اسْتَخْلَفَهُ أَبوهُ نوح على الْمُؤمنِينَ لما أَخذ بيد ابْنه سَام وَتوجه إِلَى الْكَعْبَة وَختم السَّفِينَة وأوصاه بهَا وَقَالَ لَهُ يَا بني اسْتَوْصِ بأخيك حام وَوَلِهَ بعض أمورك وَأحسن إِلَيْهِ فَقَالَ سَام يَا أَبَت لَا أقطع أمرا دونه فشكره نوح عَلَيْهِ السَّلَام على ذَلِك وَجعل لَهُ الْمشرق ودعا لَهُ بِأَن يكون الْملك فِي وَلَده وَحَضَرت يافث الْوَفَاة فأوصى إِلَى أَخِيه سَام ببنيه فَمَاتَ وَدَفنه سَام وَحَام وحزنا عَلَيْهِ وَكَانَ عمره خَمْسمِائَة وَخمسين سنة وَأما حام فَقَالَ وهب بن مُنَبّه كَانَ رجلا أَبيض حسن الصُّورَة وَالْوَجْه فَغير الله لَونه وألوان ذُريَّته بدعوة أَبِيه نوح عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ فَمِنْهُ جَمِيع السودَان من النّوبَة والبربر والزنج والحبشة والقبط وَمن ذُريَّته مصر بن بيصر بن حام وَهُوَ الَّذِي سميت الْبِلَاد الْمَعْرُوفَة مصر باسمه وَمن ذُريَّته أَيْضا الْهِنْد والسند ابْنا حام وَكَيْفِيَّة دُعَاء نوح عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ أَن قَالَ مَلْعُون حام عبيد لإخوته ثمَّ قَالَ مبارك سَام وَيكثر الله يافثاً فِي مسكن سَام وَفِي كتاب المبتدا قَالَ عبد الله بن سَلام إِن حاماً لم يطَأ زَوجته لِأَن أَبَاهُ قَالَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ غير مَا فِي صلب حام حَتَّى لَا يُولد لَهُ إِلَّا السودَان مُدَّة حَيَاة نوح خوفًا من دَعوته حَتَّى مَاتَ فطال ذَلِك عَلَيْهِ ثمَّ إِنَّه جَامع زَوجته فَلَمَّا حملت ولدت لَهُ غُلَاما أسودا وَمَعَهُ جَارِيَة سَوْدَاء فَسمى الْغُلَام كوشاً فَلَمَّا رأى سوادهما فزع وَجَاء إخْوَته وَقَالَ إِنِّي رَأَيْت خلقا لم أر مثله فَسَأَلت زَوْجَتي لَا يكون قربهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 شَيْطَان فَقَالَت مَا قربني أحد غَيْرك فَقَالَا لَهُ هَذِه دَعْوَة أَبِيك نوح فَاغْتَمَّ لذَلِك ثمَّ أمسك عَن وَطئهَا دهراً طَويلا ثمَّ وَاقعهَا فَحملت وَولدت وَلدين أسودين فهم حام أَن يجب نَفسه فمنعاه ثمَّ طَال عَلَيْهِ الْأَمر ثمَّ وَاقعهَا فَولدت غُلَاما وَجَارِيَة أسودين فَسمى الْغُلَام كنعان ثمَّ مَاتَ حام وَأوصى إِلَى سَام فدفنه إِلَى جَانب أَخِيه يافث وَكَانَ عمره حِينَئِذٍ خَمْسمِائَة وَسبعين سنة وَمن ذُرِّيَّة حام جَمِيع السودَان وَالْحَبْس كَمَا تقدم والهند والسند وهما ابْنا يرقن بن يقضن بن حام قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي المروج يُقَال إِن هَذَا الِاسْم يَعْنِي الْهِنْد مَأْخُوذ من التهنيد وَهُوَ لُغَة سلب الْعقل من الْمحبَّة والعشق والهوى قد هندته النِّسَاء فَهُوَ مهند أَي سلبته عقله وَلذَلِك كثر فِي النِّسَاء اسْم هِنْد ثمَّ استطرد فَقَالَ وَيُقَال إِن أهل بلد الْهِنْد أَكثر الْبلدَانِ جهلا بِالدّينِ وأصحها عقلا فِي أُمُور الدُّنْيَا مثل الْحساب والصنائع وهم ابتدعوا الْجَبْر والمقابلة ونصبوا الأحرف التِّسْعَة وَمِنْهُم صصه وَاضع الشطرنج وقصة تمنيه على الْملك فِي مُقَابلَة وَضعه لَهُ بالتضعيف أعجب من وَضعه قلت فِي ذكرى وُرُود حَدِيث فِيهَا هُوَ الْهِنْد بِلَاد الله الْغَفْلَة عَن ذكر الله أَو كَمَا قَالَ قَالَ المَسْعُودِيّ ويحكى أَن الزِّنَى وَالْفساد بِبَلَد الْهِنْد أَكثر مِنْهُ من كل بلد من بلدان الدُّنْيَا لقَوْل الفلاسفة إِن شَهْوَة النِّكَاح إِنَّمَا تكون أَكْثَرهَا فِيمَا يقطعهُ الخاتن والخافضة من ذكر الْغُلَام وَفرج الْجَارِيَة فَلَمَّا كَانَت الْهِنْد لَا تستعمله لَا فِي الذّكر وَلَا فِي الْأُنْثَى كثر عِنْدهم الزِّنَى لِكَثْرَة الشبق فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة وَكَذَلِكَ كل بلد حَاله فِي ترك الْخِتَان حَال الْهِنْد وَلَيْسَ فِي الْهِنْد شَيْء من النّخل وَلَا من الْكَرم وَلَا يعرفونهما إِلَّا بِالْوَصْفِ أَو يجلب إِلَيْهَا وَمن جهل أهل الْهِنْد أَن أحدهم يَبِيع رَأس نَفسه فيقطعه بِيَدِهِ على أَن يعود حَيا بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَمن ذَلِك أَن أحدهم يطْرَح نَفسه فِي النَّار بِحَضْرَة أَبِيه وأخيه وَابْنه وأقاربه فَلَا يمنعهُ مِنْهُم أحد ويغبطونه على ذَلِك ويحمدونه وعجائب من مثل هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الْأَفْعَال تأباها الْبَهَائِم وتفر إِلَى الْحَيَاة خوفًا من الْمَوْت ذكر هَذَا أَبُو الْفَتْح أَحْمد بن الْمطرف فِي كتاب التَّرْتِيب فَلت وَرَأَيْت فِي مروج الذَّهَب مَا نَصه الْهِنْد تعذب أَنْفسهَا بالنَّار وَقد تيقنت أَن مَا ينالها من النعم فِي الْمُسْتَقْبل مُؤَجّلا هُوَ مَا أسلفته وعذبت بِهِ أَنْفسهَا فِي هَذِه الدَّار معجلا وَمِنْهُم من يسير إِلَى الْملك فيستأذنه فِي إحراقه نَفسه ثمَّ يدار بِهِ فِي الْأَسْوَاق وَقد أججت لَهُ نَار عَظِيمَة وَقد وكل بهَا نَاس لإيقادها فيسير فِي الْأَسْوَاق والشوارع قدامه الطبول والصنوج وعَلى بدنه أَنْوَاع من الْحَرِير قد مزقها على جسده وَحَوله إخْوَته وَأَهله وقرابته وعَلى رَأسه إكليل من الريحان وَقد قشر جلدَة رَأسه الْعليا وَقد وضع مَكَانهَا الْجَمْر وَقد عمل عَلَيْهِ الكبريت والسندروس فيسير وهامته تحترق وروائح دماغه تفوح وَهُوَ يتبختر ويمضغ التنبل وَحب الفوفل إِلَى أَن يَنْتَهِي على تِلْكَ الْحَالة إِلَى النَّار وَقد صَارَت كَالتَّلِّ الْعَظِيم قَالَ وَلَقَد حضرت بِبِلَاد من الْهِنْد يُقَال لَهَا صيمور فَرَأَيْت فَتى من فتيانهم وَقد طيف بِهِ على مَا ذكرنَا فَلَمَّا دنا من النَّار أَخذ الخنجر فَوَضعه على فُؤَاده فشقه ثمَّ أَدخل يَده الشمَال فَقبض على كبده فجذب مِنْهَا قِطْعَة وَهُوَ يتَكَلَّم قُم قطعهَا بالخنجر وَدفعهَا إِلَى بعض إخوانه تهاوناً بِالْمَوْتِ وَلَذَّة بالنقلة ثمَّ أَهْوى بِنَفسِهِ فِي النَّار فسبحان مقسم الْعُقُول لَا إِلَه غَيره أَقُول ذكرت بقول المَسْعُودِيّ الْهِنْد تعذب أَنْفسهَا إِلَى آخر مَا ذكره قَول القَاضِي نَاصح الدّين أبي بكر أَحْمد بن الأرجاني قَاضِي تستر الشَّاعِر الْمَشْهُور فِي وصف الشمعة حَيْثُ يَقُول // (من الْبَسِيط) // (صفراءُ هنديَّةٌ فِي اللونِ إِن نُعتَتْ ... والقدُّ والدينِ إِن أَتمَمْتَ تشبيهَا) (فالهندُ تقتلُ بالنيرانِ أَنْفسهَا ... وَعِنْدهَا أنّها إذْ ذَاك تُحييها) وَهَذَانِ البيتان لَهُ من قصيدة يمدح بهَا قَاضِي الْقُضَاة بِفَارِس طَاهِر بن مُحَمَّد صدرها بِوَصْف الشمعة بِمَا لم يسْبق إِلَى مثله فِي سالف الْأَعْصَار وَلم يشق لَهُ إِلَى غابر الزَّمن غُبَار وَهِي طَوِيلَة مَشْهُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 قَالَ وَمن قلَّة عُقُولهمْ وسفاهة أحلامهم المغالاة فِي اللّعب بالشطرنج بِمَا فِيهِ ذهَاب المَال بل النَّفس والأغلب على استعمالهم اتِّخَاذه من العاج يجْعَلُونَ كل قِطْعَة كالشبر فِي عرض ذَلِك وَإِذا لعبوا بهَا قَامَ الْوَاحِد على قومه والأغلب عَلَيْهِم فِي اللّعب الْقمَار على الثِّيَاب وَالْمَال والجواهر وَرُبمَا نفذ مَا عِنْد أحدهم فيلعب على قطع عُضْو من أَعْضَائِهِ وَيجْعَل إِلَى جَانِبه قدرا صَغِيرا من النّحاس على نَار فَحم فِيهَا دهن لحم أَحْمَر فيغلي ذَلِك الدّهن وَهُوَ دهن مدمل للجرح ماسك للدم فَإِذا قمر وَقطعت أعضاؤه وَاحِدًا بعد وَاحِد غمس يَده فِي ذَلِك الدّهن فاندمل ثمَّ عَاد إِلَى اللّعب وَرُبمَا توجه عَلَيْهِ اللّعب فِي قطع جَمِيع أَصَابِعه وكفه وذراعه وزنده وكل ذَلِك يسْتَعْمل لَهُ الكي بذلك الدّهن وَهُوَ دهن أَحْمَر عَجِيب يعْمل من أخلاط وعقاقير بِأَرْض الْهِنْد قَالَ وَمَا ذَكرْنَاهُ عَنْهُم مستفيض عَن فعلهم ثمَّ قَالَ والهند تتَّخذ الفيلة وتتناتج فِي أَرضهم وَلها بهَا آفَة عَظِيمَة من حَيَوَان يعرف بالزبرق وَهُوَ دَابَّة أَصْغَر من الفهد أَحْمَر ذُو زغب لَهُ عينان براقتان عَجِيب سريع الوثبة يبلغ فِي وثبته الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْخمسين ذِرَاعا وَأكْثر فَإِذا أشرف على الفيلة رش عَلَيْهَا بَوْله بِذَنبِهِ فيحرقها وَرُبمَا لحق الْإِنْسَان فَقتله وَرُبمَا تعلق الْخَائِف من النَّاس مِنْهَا بأكبر مَا يكون من شجر الساج فَإِذا عجز عَنهُ لطىء بِالْأَرْضِ ووثب فَإِن لم يلْحق فِي وثبته رش بَوْله إِلَى أَعلَى الشَّجَرَة فَإِذا لم يصبهُ وضع رَأسه فِي الأَرْض وَصَاح صياحاً عجيباً غيظاً فَيخرج من فِيهِ قطع دم وَيَمُوت من سَاعَته وَأي مَوضِع من الشَّجَرَة أَصَابَهُ شَيْء من بَوْله أحرقه ومرارة هَذَا الْحَيَوَان ومذاكيره سم سَاعَة تدخره الْمُلُوك وتسقي بِهِ السِّلَاح فَيقْتل من أدنى جراحه من سَاعَته ومذاكيره كمذاكير كلاب المَاء الَّتِي يخرج مِنْهَا الجندبادستر وكلب المَاء هَذَا أَيْضا مَشْهُور عِنْد الصيادلة بِبِلَاد الْهِنْد وَهُوَ فَارسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 مُعرب وَإِنَّمَا هُوَ كند وَتَفْسِيره الخصية وَالدَّابَّة الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَهِي الزبرق لَا تأوي إِلَى مَوضِع يكون فِيهِ النوشان وَهُوَ الكركدن وتهرب مِنْهُ كَمَا يهرب مِنْهَا الْفِيل سُبْحَانَ الله أبدان مسلطة على أبدان والفيلة تهرب من السنور وَلَا تقف لَهَا أَلْبَتَّة وَلَو ضربت وَقد أخذت مُلُوك ملوكاً بتخلية السنانير بَين أَيدي الفيلة فَفرُّوا وكسروا والفيلة لَا تنْتج وَلَا تتوالد إِلَّا بِأَرْض الزنج والهند وتتخذ الزنج الدرق من جلده وَأذنه وخرطومه أَنفه ويوصل بِهِ الطَّعَام وَالشرَاب إِلَى جَوْفه وَهُوَ شَيْء بَين الغضروف وَاللَّحم والعصب وَبِه يُقَاتل وَمِنْه يَصِيح وكل حَيَوَان ذِي لِسَان فَأصل لِسَانه إِلَى دَاخل وطرفه إِلَى خَارج إِلَّا الْفِيل فبالعكس والهند تزْعم أَنه لَوْلَا ذَلِك لتكلم إِذا كلم لحدة فطنته وَقد قيل أحذق الْحَيَوَانَات وأفطنها بعد بني آدم القرد والفيل وَقد أهْدى للمتوكل العباسي قرد صائغ وفيل خياط ذكر هَذَا الْعَلامَة السُّيُوطِيّ وَيظْهر من جباه الفيلة ورءوسها عرق كالمسك وَالطّيب تراعي ذَلِك الطّيب أهل الْهِنْد فِي الْقَلِيل من الزَّمَان الَّذِي يكون فِيهِ فتأخذه وَتحمل عَلَيْهِ بعض أدهان طيبَة فَيكون أغْلى طيبها والمستظرف عِنْدهَا الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ الْمُلُوك والخواص لضروب من الْمَنَافِع مِنْهَا طيب الرَّائِحَة الَّتِي تفوق سَائِر الروائح الطّيبَة وَمِنْهَا مَا يُؤثر فِي الْإِنْسَان عِنْد شمه من ظُهُور الشبق فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء والطرب والنشاط والأريحية وَكثير من فتاك الْهِنْد تستعمله عِنْد اللِّقَاء فِي الحروب لِأَنَّهُ يشجع الْقلب وَيُقَوِّي النَّفس ويحث على الْإِقْدَام وَأكْثر مَا يظْهر هَذَا الْعرق من الفيلة عِنْد اغتلامها وهيجانها وَإِذا كَانَ ذَلِك مِنْهَا تهرب سواسها ورعاتها عَنْهَا وَلَا تفرق بَين من تعرف وَبَين غَيره من النَّاس وَظُهُور هَذَا الْعرق مِنْهَا فِي وَقت من السّنة لَا دَائِما وَإِذا واجه الكركدن حَال هيجانه لَا يهرب من الكركدن بل يهرب مِنْهُ الكركدن حِينَئِذٍ لِأَن الْفِيل عِنْد ذَلِك سَكرَان لَا يعقل وَلَا يُمَيّز وَإِذا ند عَنهُ ذَلِك الْفَصْل واسترجع عَاد إِلَى بَلَده على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 مسيرَة شهر أَو أَكثر وَهُوَ فِي سكره فَيبقى عليلاً نَحْو مُدَّة هيجانه وَلَا يكون هَذَا الْعرق إِلَّا فِي الفحول من الفيلة وَذَوي الجرأة والإقدام مِنْهَا ثمَّ قَالَ وَأما السَّنَد فَإِنَّهُم جيل معروفون فِي بِلَادهمْ يُقَال سَنَد فلَان إِلَى الْجَبَل إِذا ارْتَفع سموا بذلك لارْتِفَاع فِي أَرضهم والسند كالرابية من الأَرْض وَالْجمع سنود وأسناد والإسناد مصدر أسندت الحَدِيث إِلَى فلَان أَي رفته إِلَيْهِ وَيُقَال للناقة الموثقة الْخلق سناد والسناد عيب من عُيُوب القوافي فَرجع فَقَامَ أرفخشد مقَام أَبِيه سَام أحسن قيام وَتزَوج فولد لَهُ شالغ بشين مُعْجمَة وَألف وَلَام مَفْتُوحَة وغين مُعْجمَة وَيُقَال بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ الْوَكِيل أمه شبروما بنت سيدوك فاستودعه أَبوهُ أرفخشد النُّور وَالْحكمَة ومواريث الْأَنْبِيَاء وَمَات أرفخشد وَمَعْنَاهُ مِصْبَاح مضيء وَله من الْعُمر أَرْبَعمِائَة سنة وَخمْس وَسِتُّونَ سنة فَقَامَ بِأَمْر أَبِيه والمؤمنون مَعَه قَلِيلُونَ لِأَن إِبْلِيس جعل يغوي بني آدم لما مَاتَ أرفخشد بِكُل طَرِيق وَإِذا نزل وَاحِد من بني سَام إِلَى بني يافث وَحَام وَرَأى مَا هم فِيهِ من اللَّذَّات وَالشرَاب وَالزِّنَا وأنواع الطَّرب افْتتن بذلك فهجروا بِلَادهمْ وتتبعوا الْقَوْم وَصَارَ الرجل يجذب من بني أَبِيه وهم كل يَوْم ينقصُونَ وَتمّ لإبليس مُرَاده وَلم يبْق من شالغ إِلَّا قَلِيل من بني أَبِيه لَا طَاقَة لَهُم ببني يافث وَحَام وَاشْتَدَّ كفرهم أَكثر مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ بَنو قابيل اللعين إِلَّا أَنهم لَا يتقاتلون وَلَا يَغْزُو بَعضهم بَعْضًا وَلَا يتَعَرَّض كافرهم لمؤمنهم واختطوا الأَرْض وملئوها عرضا وطولاً وَشَكتْ الأَرْض إِلَى الله مِنْهُم وَتزَوج شالغ وَولد لَهُ عَابِر وَهُوَ هود عَلَيْهِ السَّلَام وَمعنى شالغ الرَّسُول وشالغ وَبَنُو أَبِيه قد سكنوا الْموضع الَّذِي نزل فِيهِ نوح لِئَلَّا يضايقوا بني حام وَيَافث وَقد رَضوا مِنْهُم بالمتاركة وَكَانَ بَنو يافث قدمُوا عَلَيْهِم رجلا مِنْهُم وملكوه اسْمه خامر بن يافث وَكثر بغيهم وإبليس نكر بَعضهم على بعض وَلم يزَالُوا على ذَلِك طول عمر شالغ إِلَى أَن حَضرته الْوَفَاة فَأمر أَن يستودع الِاسْم الْأَعْظَم وَالْحكم والنور ابْنه عَابِر وَهُوَ هود النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَدَعَا وَأوصى إِلَيْهِ وَأخذ عَلَيْهِ الْعَهْد فِي النُّور المحمدي وَقبض شالغ وعمره أَرْبَعمِائَة سنة فسلك بِهِ مَسْلَك آبَائِهِ وَدَفنه إِلَى جَانب أَبِيه فاضطربوا بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 موت شالخ وتباغضوا وَفِي زَمَنه ملك عَاد بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ الْقَبِيلَة كَانَ رجلا خياراً شَدِيد الْخلق يعبد الْقَمَر رأى من صلبه أَرْبَعَة آلَاف ولد مِنْهُم شَدِيد وَشَدَّاد وعلوان وَكَانَت بِلَاده مُتَّصِلَة بِالْيمن وَهِي بِلَاد الْأَحْقَاف وسنجار وَالدَّم والدهناء ويبرين إِلَى عمان وحضرموت وَكَانَ يُقَال الْعقبَة عَاد كَمَا يُقَال لبني تَمِيم تَمِيم ثمَّ يُقَال للأولين مِنْهُم عَاد الأولى وإرم تَسْمِيَة لَهُم باسم جدهم وَلمن بعدهمْ عَاد الْأَخِيرَة قَالَ تَعَالَى {وانه اهلك عَاد الأُولَى} النَّجْم 50 وَكَانُوا أعْطوا من الْخلق وَالْقُوَّة مالم يُعْط أحد من بني آدم قبلهم وَلَا بعدهمْ وَلذَلِك تجبروا فسموا جبارين واحتقروا من سواهُم من الْخلق من ولد يافث وَحَام وهم الَّذين ملكوا سَائِر الأقاليم وَكَانَ على أَوْلَاد سَام بِبَابِل كيومرث بن أميم بن لاوذ بن سَام بن نوح وَهُوَ أول ملك بِبَابِل وَقسم عَاد الأَرْض بَين ولديه شَدِيد وَشَدَّاد فَهَلَك شَدِيد وَكَانَ أظلم وأطغى من أَبِيه عَاد وَمَات عَاد وَله من الْعُمر ألف وَمِائَتَا سنة فَرجع الْملك إِلَى شَدَّاد بن عَاد وَقوم هَذَا هم عَاد الثَّانِيَة وهم الَّذين قَالُوا {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} فصلت 15 روى أَن الرجل مِنْهُم كَانَ يحمل الصَّخْرَة على الْحَيّ فيهلكهم وَكَانَ طول الرجل مِنْهُم مائَة وَعشْرين ذِرَاعا بذراعهم وَعرضه سِتُّونَ ذِرَاعا وَكَانَ أحدهم يضْرب الْجَبَل الصَّغِير فيقطعه وَكَانُوا يسلخون الْعمد من الْجبَال فيجعلون طول العملد مثل طول الْجَبَل الَّذِي يسلخونه من أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ ثمَّ ينصبون الْعمد فيبنون فَوْقهَا الْقُصُور وَأَرَادَ شَدَّاد ملك الأَرْض كلهَا فَوجه إِلَى بني يافث وَبني حام وَبَقِيَّة بني سَام من أهل بَيته وَقَومه ثَلَاثَة نفر مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة آلَاف من الْجَبَابِرَة من ولد عَاد وَوجه إِلَى أَوْلَاد سَام الَّذين بِبَابِل ابْن أَخِيه الضَّحَّاك بن علوان بن عَاد وَهُوَ الَّذِي تسميه الْعَجم ايراسف وَلما جَاءَهُم هرب مِنْهُ ملكهم جمشيد لعلمه أَن لَا طَاقَة لَهُ بِقِتَال الْجَبَابِرَة الَّذين مَعَه فَطَلَبه الضَّحَّاك حَتَّى ظفر بِهِ فامتلخ أمعاءه ونشره بمنشار وَملك أرضه ومملكته وَمِنْهُم كَانَت الْجَبَابِرَة بِالشَّام الَّذين يُقَال لَهُم الكنعانيون وَوجه إِلَى ديار حام ابْن عَمه الْوَلِيد بن عمليق وَبِه سمى العمالقة وَهُوَ ابْن دومع ابْن عوص بن إرم بن سَام بن نوح وَكَانَ على بني حام ملكة يُقَال لَهَا بطريا أُخْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 حوريا الَّتِي بنى لَهَا جُبَير المؤتفكي العملاقي مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة فوصل الْوَلِيد بن عمليق إِلَيْهَا وَاسْتولى وَغلب على ملكهَا وقتلها وَملك مصر وَعمر عمرا طَويلا وَهُوَ الَّذِي بنى الأهرام على أحد الْأَقْوَال وَلما مَاتَ ولي مصر ابْنه الريان بن الْوَلِيد بن عمليق وَوجه إِلَى ولد يافث ابْن أَخِيه غَانِم بن علوان أَخا الضَّحَّاك بن علوان وَكَانَ ملك يافث قبراسيات بن ترك بن يافث بن نوح فغلبه غَانِم وَاسْتولى على ملكه وأرضه وَلم يزل شَدَّاد ملكا إِلَى أَن بنى الْمَدِينَة وأخذته الصَّيْحَة عِنْد إِرَادَة دُخُولهَا فَتَوَلّى بعده رجل يُقَال لَهُ الخلجان بن عتيد آخر عَاد بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح وانتقلوا من دِيَارهمْ إِلَى الْأَحْقَاف من عمان إِلَى حَضرمَوْت فَزعًا مِمَّا أصَاب قَومهمْ من الصَّيْحَة وقصة بِنَاء الْمَدِينَة وصفهَا مَذْكُور مَشْهُور لَا نطول بِذكرِهِ قَالَ ابْن بابويه وجدت فِي كتاب المعمر بن عُثْمَان أَنه ذكر عَن هِشَام بن سعيد الرّحال قَالَ وجدنَا بالإسكندرية حجرا مَكْتُوبًا فِيهِ أَنا شَدَّاد بن عَاد وَأَنا الَّذِي شيدت الْعِمَاد الَّتِي لم يخلق مثلهَا فِي الْبِلَاد وجندت الأجناد وسددت بساعدي السوَاد فبنيتها إِذْ لَا شيب وَلَا موت وَإِذا الْحِجَارَة مثل الطين فِي اللين وكنزت كنزاً فِي الْبَحْر لم يُخرجهُ أحد حَتَّى أمة مُحَمَّد ثمَّ تزوج شالخ مرْجَانَة وَقيل معلب بنت عوليم فَولدت لَهُ عَابِر بِعَين مُهْملَة وباء مُوَحدَة مَفْتُوحَة وَكَانَ أشبه ولد آدم بِآدَم فَلَمَّا وَضعته سَمِعت النداء والأصوات من كل مَكَان هَذَا نور مُحَمَّد يكسر كل صنم وَيقتل كل من طَغى وَكفر فَخرج عَابِر أكمل قومه جمالاً وَقد أرسل بنبوة خَاصَّة وَمن حَدِيثه أَنه لماء أهلك الله شداداً وغيبت عَنْهُم الْمَدِينَة وطلبوها فَلم يجدوها ولوا عَلَيْهِم أَخا عَاد واسْمه الخلجان بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح كَمَا تقدم وانتقلوا من تِلْكَ الديار فَزعًا مِمَّا أصَاب قَومهمْ إِلَى الْأَحْقَاف والأحقاف رمال مَا بَين عمان إِلَى حَضرمَوْت وَمضى لَهُم سنُون لَا يدينون بدين وَلَا يعْرفُونَ الله وملكوا الأَرْض كلهَا وقهروا أَهلهَا بقوتهم وَبَقِي الْوُلَاة الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّم ذكرهم مَعَ من مَعَهم بِمصْر وَغَيرهَا كَمَا هم قد ملكوا الْبِلَاد بعد شَدَّاد وقطن هَؤُلَاءِ بالأحقاف وَكَانُوا إِحْدَى عشرَة قَبيلَة العتود والجلود وصداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ودقل وزمر وشود وزمل وَحمد والصمود وجاهد ومناف فَجَاءَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة شيخ يرتعد وَزعم أَنه من أَوْلَاد شِيث وَأَنه كَانَ على سيف الْبَحْر مِمَّا يَلِي جدة قد انْفَرد لعبادة ربه وسألهم مَا الَّذِي وأقعكم إِلَى هَذِه الْأَحْقَاف والرمل وَغَيرهَا أخصب وَأحسن فحدثوه حَدِيث هَلَاك عَاد وَالْمَدينَة فَضَحِك وَقَالَ هَل سَمِعْتُمْ أحدا فِي الأَرْض لَا رب لَهُ قَالُوا لَا قَالَ لَو كَانَ مَعَه رب يبعده وَيسْجد لَهُ مَا أَصَابَهُ شَيْء كَمَا كَانَ مَعَ آبَائِهِ الْأَوَّلين وَهَا هُوَ معي يحفظني ويرعاني وَأخرج لَهُم صنماً لطيفاً من الذَّهَب الْأَحْمَر عَيناهُ من الْيَاقُوت الْأَزْرَق فَوَضعه وَسجد لَهُ وَقد وكل ماردا كلما سجد لَهُ قَالَ لَهُ المارد ارْفَعْ رَأسك وسلني مَا بدا لَك فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك قَالُوا هَذَا هُوَ الْحق وَنحن لَا إِلَه لنا وسنشاور ملكنا الخلجان فنحت لَهُم إِبْلِيس حجرا وَأمرهمْ أَن يبنوا لَهُ بَيْتا ويمنعوه فِيهِ فَفَعَلُوا ووكل بِهِ مارداً وَقَالَ لَهُم اجعلوا هَذَا الْيَوْم عيداً تذبحون عِنْده وتتقربون إِلَيْهِ بالقرابين يخاطبكم بِجَمِيعِ مَا تُرِيدُونَ فسجدوا لَهُ فخاطبهم المارد بقوله يَا أهل عَاد لَو كَانَ هَذَا الْفِعْل مِنْكُم قَدِيما مَا كنت أهلكت ملككم شَدَّاد والآن قد عَفَوْت عَنْكُم فاستقيموا على عبادتي أؤمنكم من كل سوء وأخصب بِلَادكُمْ وَسَماهُ لَهُم الهناة فَصَارَ صنم الخلجان وَهُوَ أول صنم اتخدته عَاد فاتخذت كل قَبيلَة مِنْهُم صنماً سموهُ باسم سيد قبيلتهم وَلم يزَالُوا كَذَلِك عاكفين على عبَادَة الْأَصْنَام حَتَّى أذن الله فِي هلاكهم ثمَّ إِن الله جعل يُتَابع لهود المنامات حَتَّى إِذا أعلمهُ فِي نَومه أَنه مرسله إِلَى قومه وَقد ألهمه عِبَادَته وَشرح صَدره لقبُول ذَلِك وَبلغ أَرْبَعِينَ سنة أرسل الله إِلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ لَهُ إِن الله أَرْسلنِي إِلَيْك بأنك الَّذِي ألهمك بَين قَوْمك توحيده واختارك لرسالته فاشدد حيازيمك وَانْطَلق إِلَى عَاد قَوْمك برسالة رَبك فأنذرهم بآياته وخوفهم عِقَابه فَقَالَ هود السّمع وَالطَّاعَة لأمر رَبِّي ثمَّ قَامَ فَشد وَسطه وَأخذ عَصَاهُ فِي يَده وأتى قومه فِي ناديهم وأبلغهم رسَالَته وَأَنْذرهُمْ عَذَابه وَأَن يعبدوا الله وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا وَأَن يرفضوا هَذِه الْأَصْنَام الَّتِي اتَّخَذُوهَا الهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَقَالَ لَهُم {يَا قوم اعبدوا اللَّهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُم إِلَّا مفترون يَا قوم لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على الَّذِي فطرني أَفلا تعقلون وَيَا قوم اسْتَغْفرُوا ربكُم} إِلَى قَوْله {صِرَاط مُسْتَقِيمٍ} الْآيَات هود 50 56 قَالَ بعض الْأَعْلَام فَكَذبُوهُ وَقَالُوا {قَالُواْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تكن من الواعظين} الشُّعَرَاء 136 ثمَّ إِنَّهُم بطشوا بِهِ وخنقوه وتركوه كالميت فَبَقيَ يَوْمه وَلَيْلَته مغشياً عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ رب قد علمت مَا فعل بِي قومِي ثمَّ أعَاد عَلَيْهِم القَوْل فَقَالُوا يَا هود اترك عَنَّا مَا تَقول فَإِن بطشنا بك الثَّانِيَة نسيت الأولى فَقَالَ ارْجعُوا إِلَى الله وتوبوا إِلَيْهِ وَأوحى الله إِلَيْهِ يَا هود قد أبلغت بِهِ فَارْجِع عَنْهُم يَوْمك ذَلِك فَإِن لَهُم وقتا آخذهم فِيهِ أَخذ عَزِيز مقتدر ثمَّ لما رأى قومه وعظه وتحذيره آمن رُؤَسَاء قبيلته ففت فِي أَعْضَاء سائرها فَجعل الله يهْدِيهم بقوله حَتَّى حصل مَعَه ثَلَاث قبائل فَأمره الله بمحاربتهم فحاربهم فَكَانَت الْحَرْب بَينهم سجالاً وَلما رَأَوْا أَن لَا طَاقَة لَهُم بقتاله وَمن مَعَه أَجمعُوا أَن يستغيثوا بعوج بن عنق على هود وَمن مَعَه فيكفيهم أمره فأجابهم وأتى فَأوحى الله إِلَى هود إِنِّي مخفيك أَنْت وَمن مَعَك عَن أَعينهم فَلَا يرونك تقَاتلهمْ كَمَا تحب وهم لَا يصلونَ إِلَيْك فَأعْلم هود الْمُؤمنِينَ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَإِذ انجر الْكَلَام إِلَى ذكر عوج بن عنق فلنذكره وَأمه قَالَ فِي القامون عوج ابْن عنق ولد فِي منزل آدم عَلَيْهِ السَّلَام وعاش إِلَى زمن مُوسَى ويحكى عَن خلقه شناعة انْتهى وَأمه عنق بنت آدم لصلبه وَقيل اسْمهَا عنَاق بِأَلف قبل الْقَاف وَهِي أول بغي على وَجه الأَرْض من ولد آدم وعملت السحر وجاهرت بِالْمَعَاصِي وَخلق الله لَهَا عشْرين إصبعاً فِي كل يَد طول كل إِصْبَع ذراعان بذراعها فِي كل إِصْبَع ظفران حديدان كالمنجلين العظيمين وَكَانَت مساحة مجلسها من الأَرْض جريباً فَلَمَّا بَغت خلق الله لَهَا أسوداً كالفيلة وذئاباً كَالْإِبِلِ ونسوراً كالحمر فسلطهم عَلَيْهَا فَقَتَلُوهَا وأكلوها وَفِي كتاب المبتدا أَن حَوَّاء حملت بعنق وَحدهَا فِي بطن وَلم تحمل ولدا وَاحِدًا إِلَّا شِيث وَهَذِه المشؤمة فرأت فِي منامها كَأَن حَيَّة لَهَا رَأس عَظِيم خرجت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 مِنْهَا وَكَأَنَّهَا طارت سَاعَة وَوَقعت على الأَرْض فشرقت وغربت وَأَنَّهَا لم تقصد لوجه من الْوُجُوه إِلَّا اشتعل نَارا ودخاناً وقصت رؤياها على آدم فَقَالَ أحسبك اشْتَمَلت على ولد نسْأَل الله السَّلامَة من شَره فَكَادَتْ أَن تَمُوت حَوَّاء فِي وَضعهَا وَنظرت إِلَيْهَا على غير صُورَة بنيها وَذَلِكَ أَن الله أشنع صورتهَا وَعظم خلقهَا وَأَصَح مَا جَاءَ فِي صفتهَا مَا رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه خطب فَذكر الجبارين وَذكر عوجا ابْنهَا فوصفها وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ إِن أول بغي على وَجه الأَرْض عنق بنت آدم خلقهَا الله خلقا لم يخلق أحدا من بني آدم مثلهَا وَذَلِكَ أَنه كَانَ لَهَا فِي كل يَد عشرُون إصبعاً فِي كل إِصْبَع ظفران كالمنجلين ومجلسهما من الأَرْض قدر جريب وَكَانَ ضوء وَجههَا كلهب النَّار وَإِن الله لما أخرجهَا إِلَى الدُّنْيَا وَرَآهَا آدم وحواء ارتاع مِنْهَا وَقَالَ بئْسَمَا ولدت يَا حَوَّاء فَقَالَت يَا صفوة الله هَل لي وَلَك فِي قدرَة الله اعْتِرَاض وَكَانَ لَا يكفيها لبن حَوَّاء فتحلب لَهَا الْإِبِل والأغنام وَلم تكفها وتشب فِي الْيَوْم كَغَيْرِهَا فِي الشَّهْر وَفِي الشَّهْر كَغَيْرِهَا فِي السّنة فَمَا آن فطامها إِلَّا وَقد غلظ أمرهَا وَكثر شَرها على بني أَبِيهَا وسمتها حَوَّاء عنق وَهِي بِالْعَرَبِيَّةِ المسؤمة وَجعلت تؤذي إخوتها وَمَتى مَا علقت بِأحد خرقت ثِيَابه وأدمته وَكسرت كل مَا تقع يَدهَا عَلَيْهِ وَزَاد شَرها وَكَانَت إِذا نهتها حَوَّاء عَن شَيْء لَا تعْمل غَيره وَإِذا هَمت أَن تمنعها خافتها على نَفسهَا لعظم خلقهَا لِأَنَّهُ مَا فِي بني آدم أعظم من خلقهَا وَجعل إخوتها يهابونها وَلَا يأوون موضعا تكون فِيهِ وآدَم يشنؤها فَلَمَّا رَأَتْ مِنْهُم ذَلِك كَانَت تخرج إِلَى الصَّحرَاء وتطلب الْبر وتحتال على الوحوش وَالطير فتأكلها وَلما رَآهَا إِبْلِيس اسْتحْسنَ صورتهَا فتصور لَهَا فِي صُورَة تقاربها وجاءها وَهِي خَالِيَة بِنَفسِهَا فحياها فأجابته وَقَالَت لَهُ من أَنْت فَإِنِّي لم أرك قبل هَذَا فَقَالَ صدقت يَا عنق أَنا من ولد قابيل أَخِيك الَّذِي هرب من أَبِيه فَمَا يمنعك أَن تَأْتِينَا فِي مَنَازلنَا فَإِن أَبَاك وأمك يشنؤك وَلَا خير عِنْدهم فسارت مَعَه إِلَى عِنْد قابيل وَولده فَلم تمنع من جاءها عَن نَفسهَا حَتَّى حملت بعوج وَأَرَادَ الله أَن يَجعله حَدِيثا فِي الأَرْض فولدته أعظم مِنْهَا فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس يَا عنق هَل لَك أَن أجعلك ملكة الْجِنّ مثل مَا كَانَ أَبوك ملك الْإِنْس فَقَالَت وَكَيف ذَاك فَقَالَ إِن الله أعلم أَبَاك الِاسْم الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 كَانَ إِذا دعِي بِهِ أجَاب فَكَتبهُ لأمك حَوَّاء وَهُوَ فِي عضدها فِي كتاب من الْفضة علقته عَلَيْهَا حرْزا مني وَمن وَلَدي فَلَا سَبِيل لنا عَلَيْهَا فَإِن قدرت أَن تأخذيه وتهربي بِهِ إِلَى عِنْد قابيل ثمَّ إِنَّك تدعين بِهِ فِيمَا أردْت فَإِنَّهُ يكون وتملكين الْجِنّ وَأول من يطيعك أَنا وجندي وَكَانَ الْكتاب فِي يَد حَوَّاء لَا يفارقها فَعَادَت عنق ورصدتها حَتَّى حَاضَت وأزالته من يَدهَا فسرقته وَخرجت بِهِ إِلَى الْبر فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس قد ملكت مَا تحبين فادعي بِمَا شِئْت فَقَالَت اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق هَذَا الِاسْم أَلا تجْعَل لأبي وَأمي عَليّ سَبِيلا وسخر لي إِبْلِيس وَجُنُوده فِيمَا أحب وَأُرِيد فَقَالَ لَهَا إِبْلِيس مرينا بِأَمْرك فَأَمَرته أَن يحملهَا إِلَى بني قابيل فَلَمَّا رأوها عجبوا من خلقهَا وأعلموا قابيل عَن حاليها فأعلمته وأعلمه إِبْلِيس بِالِاسْمِ الْأَعْظَم فَقَالَ لَهُ قابيل هَل لَك من حِيلَة نَأْخُذهُ مِنْهَا فَنحْن أَحَق بِهِ فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس رفقا لِئَلَّا تشعر بذلك فتهلكنا وَكَانَت أَي شَيْء أَرَادَتْهُ يحضرهُ لَهَا إِبْلِيس فَأول مَا عمل لَهَا الْخمر فَشَرِبت مَعَ بني قابيل تَدْعُو لنَفسهَا من استحسنته وإبليس يجْتَهد فِي تَحْصِيل الِاسْم الْأَعْظَم وَلما أَن زنت وحاضت وشربت وَلم تفارق الِاسْم الْأَعْظَم فِي أَيَّام حَيْضهَا بدله الله بِالسحرِ فَرفع عَنْهَا فَكَانَت إِذا أَرَادَت الْعَمَل لَا يتم لَهَا فَعلم إِبْلِيس أَن الله رَفعه عَنْهَا إجلالاً لَهُ وَأَن الَّذِي بَقِي مَعهَا هُوَ السحر فَسَأَلَهَا فِيهِ فَأَخْرَجته إِلَيْهِ ثِقَة بمودته فَعمل إِبْلِيس بِهِ وانتشر السحر فِي بني قابيل وَغلب عَلَيْهِم إِبْلِيس واستعبدهم وَأخرج لَهُم المزامير والعيدان وَجَمِيع الملاهي وعنق لَا ترد يَد لامس وحملت بعوج وَلم تعلم مِمَّن حملت بِهِ فَلذَلِك نسب إِلَيْهَا فربته حَتَّى عظم وَقَوي وَبَقِي يطوف الأَرْض جبلا جبلا وَلم يُسَلِّطهُ الله على أحد من خلقه إِلَى زمن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأَرَادَ أَن يَرْمِي عسكره بِالْجَبَلِ فَجعله الله طوقاً فِي عُنُقه وَقَتله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا قلت وَمن كَانَت هَذِه أمه فَغير عَجِيب أَن يكون عدوا للأنبياء وَقد قيل إِنَّه مَا زَالَ يفتك بالأنبياء وَيقتل إِلَى أَن هلك لَعنه الله تَعَالَى وأغار على الْأَنْبِيَاء حَتَّى قتل ثَمَانمِائَة وَأَرْبَعَة ع شَرّ نَبيا وروى أَنه جَاءَ إِلَى نوح مستغيثاً ليحمله فِي السَّفِينَة فخافه نوح فَقَالَ لَهُ عوج لَا بَأْس عَلَيْك يَا نوح مني دَعْنِي أَمْشِي مَعَ سفينتك فَإِنِّي أعلم أَن سفينتك لَا تسعني وَلَا تحملنِي فَأوحى الله إِلَى نوح ذَر عوجا وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 تخف مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا قدرَة لَهُ عَلَيْك فَقَالَ لَهُ نوح ضع يدك على مؤخرة السَّفِينَة فَإِن الله قد أَمرنِي بذلك فَبلغ المَاء رُكْبَتَيْهِ وَفِي رِوَايَة مَا بلغ نصف سَاقيه وَكَانَ لَا يأوي إِلَى المدن وَلَا تسعه إِلَّا الصحارى وكهوف أعدهَا لنَفسِهِ تكنه من الأمطار وحر الشَّمْس سُئِلَ عوج مَا أعجب مَا رَأَيْت قَالَ كنت أخوض الْبَحْر دَائِما إِلَى ساقي أَو إِلَى ركبتي أَو إِلَى حقوي أَو إِلَى صَدْرِي فبلغت موضعا وَوضعت فِيهِ رجْلي فَلم أبلغ قراره فَرَجَعت هَارِبا فاعترضتني حَيَّة فأخذتها بيَدي ورفعتها حَتَّى ظهر بَيَاض إبطي وَلم يظْهر لَهَا رَأس وَلَا ذَنْب وعثر على نقباء مُوسَى الاثنى عشر حِين أرسلهم إِلَى أرِيحَا بلد الجبارين عيُونا فَأَخذهُم فِي كمه مَعَ فَاكِهَة كَانَ حملهَا من بُسْتَان فنثرهم بَين يَدي الْملك فردهم الْملك إِلَى مُوسَى ليعلموه بِمَا عاينوه قَالَ فِي الْأنس الْجَلِيل تَارِيخ الْقُدس والخليل كَانَ طول عوج ثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَثلث ذِرَاع وَكَانَ يحتجز السَّحَاب وَيشْرب مِنْهُ وَكَانَ يضْرب بِيَدِهِ فَيَأْخُذ الْحُوت من قاع الْبَحْر ثمَّ يرفعهُ إِلَى السَّمَاء فيشويه بِعَين الشَّمْس فيأكله انْتهى رَجعْنَا إِلَى استغاثة قوم هود الْكَافرين بعوج على هود وَقَومه الْمُؤمنِينَ اسْتَغَاثُوا بِهِ وضمنوا لَهُ إِن كفاهم هودا وَمن مَعَه أَن يفرضوا لَهُ فرضا يكون عَلَيْهِم وعَلى بنيهم أبدا وَكَانَ عوج أعظم خلقه من عَاد كَانَ أعظمهم يصل إِلَى ركبته أَو إِلَى وَسطه وَكَانَ إِذا جَاع قصد إِلَى مَدِينَة من المدن فيأتهيم بحزمة حطب يَضَعهَا على بَاب الْمَدِينَة فتسد بَابهَا وَتَعْلُو على السُّور فَإِذا رَأَوْا الْحَطب علمُوا أَنه جَاع لِأَنَّهُ جعل ذَلِك عَلامَة لجوعه وَمَنْفَعَة لَهُم فيكفيهم ذَلِك الْحَطب طول سنتهمْ فَيجْمَعُونَ لَهُ من كل منزل مِمَّا يَأْكُلُون على أقدارهم فيضعونه لَهُ فِي الصَّحرَاء فَيَأْخذهُ وينصرف وَهَذَا كَانَ دأبه فَلَمَّا قدم بالحطب إِلَى قوم هود الْكَافرين شكوا إِلَيْهِ أَمر هود وَقَومه الْمُؤمنِينَ وسألوه أَن يعينهم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم أروني عسكره أكفيكم أمره فوعدوه يَوْمًا بِعَيْنِه لِيُقَاتِلُوا فِيهِ هوداً وَقَومه حَتَّى إِذا كَانَ ذَلِك الْيَوْم يداهم هوداً عَلَيْهِ السَّلَام بِالْقِتَالِ وَكَانَ هود إِذا شَاءَ ظهر لَهُم بِمن مَعَه فيقاتلهم وَإِن شَاءَ يغيب بِمن مَعَه فَلَا يرونه صرفا من الله لبصرهم عَن رُؤْيَته فَأَتَاهُم عوج فَلَمَّا أبصره قوم هود ارتاعوا فَقَالَ لَهُم هود لَا ترتاعوا وَأخْبرهمْ بِصَرْف الله أبصار أعدائه عَنْهُم فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 يرونهم فازدادوا إِيمَانًا كَمَا تقدم ذكر ذَلِك ثمَّ اختفى هود بِمن مَعَه فأبصر عوج قوم هود عَلَيْهِ السَّلَام الْكَافرين فَقطع من الْجَبَل قِطْعَة على قدر الْعَسْكَر على عَاتِقه فألقاها على الْعَسْكَر فَقتل كل من وَقعت عَلَيْهِ وَكلما انفلت وَاحِد مِنْهُم أَخذ كفا من تُرَاب فدفنه فِيهِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك صَاح الْبَاقُونَ يَا عوج نَحن أَصْحَابك قتلتنا وَتركت هودا فَقَالَ إِنَّمَا جِئتُكُمْ لأهْلك لكم عسكراً وَلم أجد غير هَذَا فَقَالُوا إِن هوداً سحر اعيننان فيرونا وَنحن لَا نراهم وَإِنَّمَا جِئْنَا بك لتَكون عوناً لنا وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَانْصَرف عَنَّا فتركهم وَانْصَرف وَكَذَلِكَ أَرَادَ أَن يعْمل بِقوم مُوسَى فِي التيه فَإِنَّهُ وقف على عَسْكَرهمْ وهم لَا يعشرُونَ وَكَانَ فرسخين فِي فرسخين فَقطع من الْجَبَل قِطْعَة ليطقبها عَلَيْهِم فَأرْسل الله تَعَالَى هدهداً فِي منقاره حجر مذرب من ججر السامور فَضرب وسط الْحجر بِالْحجرِ فَوَقع فِي عُنُقه وَأخْبر الله مُوسَى فَخرج بعصاه إِلَيْهِ وَكَانَ طول مُوسَى عشرَة أَذْرع وَعَصَاهُ مثلهَا ونزا من الأَرْض مثلهَا وضربه على أَسْفَل كَعبه فَقتله ذكر ذَلِك ابْن فضل الله فِي إمْلَائِهِ وعمره ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة سنة قلت قَالَ الْعَلامَة شمس الدّين بن الْقيم فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالمنار المنيف فِي الصَّحِيح والضعيف كلَاما يبين فِيهِ بطلَان قصَّة عوج إِلَى أَن قَالَ وَلَا ريب أَن هَذَا وَأَمْثَاله من وضع زنادقة أهل الْكتاب الَّذين قصدُوا الِاسْتِهْزَاء والسخرية بالرسل وأتباعهم انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالبداية وَالنِّهَايَة فِي قصَّة عوج ابْن عنق جَمِيع مَا يحكون عَنهُ هذيان لَا أصل لَهُ وَهُوَ من مختلقات زناديق أهل الْكتاب وَلم يكن قطّ على عهد نوح وَلم يسلم من الْكفَّار أحدا انْتهى وَقَالَ الْعَلامَة جلال الدّين السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي آخر جَوَاب عَن سُؤَاله عَنهُ وَالْأَقْرَب فِي أمره أَنه كَانَ من بَقِيَّة عَاد وَأَنه كَانَ لَهُ طول فِي الْجُمْلَة مائَة ذِرَاع أَو اشبه ذَلِك لَا هَذَا الْقدر الْمَذْكُور وَأَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَتله بعصاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 حذف هَذَا الْقدر الَّذِي يحْتَمل قبُوله انْتهى يَعْنِي بذلك مَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن جميل حَدثنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش حَدثنَا الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ أقصر قوم عَاد سبعين ذراعان وأطولهم مائَة ذِرَاع انْتهى ثمَّ إِن هوداً دَعَا على قومه أَن يبتليهم الله بالخوف والجوع فَأمْسك الله عَنْهُم الْقطر فَهَلَكت مَوَاشِيهمْ وجفت أَشْجَارهم واغبرت أَرضهم وَكَانَت بِلَاد رمل فأسرع الْقَحْط والجفاف إِلَيْهَا فَلَمَّا أحسوا بِالْهَلَاكِ اجْتَمعُوا وَقَالُوا قد كَانَ هود يخوفنا ونكذبه أَتَرَوْنَ أَن نأتي إِلَيْهِ فنسأله أَن يسْأَل ربه فيسقينا أَو نتركه ونتوجه إِلَى مَكَّة فنستسقي كَمَا كَانَ يفعل آبَاؤُنَا فأوفدوا إِلَى مَكَّة وَفْدًا يستسقون لَهُم وهم قيل بن عقير ونعيم بن هزال ومرثد بن مسعد بن عفير كَانَ مرْثَد مُؤمنا يكتم إيمَانه وجلهم بن الْحصين ابْن خَال مُعَاوِيَة بن بكر ولقمان بن عَاد وَأَصْحَاب النسور فَانْطَلق كل رجل مِنْهُم مَعَ قوم من رهطه حَتَّى بلغ عَددهمْ تسعين رجلا فنزلوا بِمَكَّة على مُعَاوِيَة بن بكر وَكَانُوا أَخْوَاله وأصهاره فأكرمهم وَأَقَامُوا عِنْده شهرا يشربون الْخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان فَلَمَّا رأى مُعَاوِيَة بن بكر مكثهم وَقد بَعثهمْ الْقَوْم يتغوثون لَهُم شقّ عَلَيْهِ ذَلِك وصعب عَلَيْهِ واستحيا أَن يَأْمُرهُم بِالْخرُوجِ فيظنون أَنه ثقل عَلَيْهِ مكانهم عِنْده فَشَكا إِلَى قينتيه فَقَالَتَا اعْمَلْ شعرًا تغنيهم بِهِ لَعَلَّه يخرجهم وَيذكرهُمْ مَا جَاءُوا لَهُ من طلب السقيا فَقَالَ مُعَاوِيَة شعرًا فتغنتا بِهِ وَهُوَ قَوْله // (من الوافر) // (أَلا يَا قيلُ ويحكَ قُم فهَيْنِمْ ... لعلَّ الله يُصبحُنا غَماما) (فيسقي أرضَ عادٍ إنَّ عاداً ... قد أَمسوْا لَا يُبينُون الكلاما) (وَقد كَانَت نساؤهمُ بخيرٍ ... فقد أمست نساؤهمُ أَيامى) (وإنّ الوحشَ يأتيهمْ جهاراً ... وَلَا يخْشَى لعاديٍّ سهاما) (وأنتمْ هَهُنَا فِيمَا اشتهيتم ... نهاركم وليلكمُ تَمامًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 (فقُبِّح وفدكم من وفدِ قومٍ ... وَلَا لُقُّوا التّحيّة والسّلاما) فَقَالَ بَعضهم لقد صدقت الْمُغنيَة إِنَّمَا بعثكم قومكم تستسقون لَهُم فَقَالَ لَهُم مرْثَد الْمُؤمن وَالله لَا تَقول بدعائكم وَلَكِن بِطَاعَة نَبِيكُم هود وَأظْهر حِينَئِذٍ إيمَانه فَقَالُوا يَا مرْثَد لَا تقدم مَعنا فَإنَّك قد اتبعت دين هود فَتخلف مرْثَد وَمَعَهُ لُقْمَان فَمَضَوْا واستسقوا فَرفعت لَهُم ثَلَاث سحائب حَمْرَاء وبيضاء وسوداء ونادى مُنَاد يَا قيل اختر لقَوْمك فَقَالَ اخْتَرْت السَّوْدَاء فَكَانَ فِيهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَالُواْ هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} الْأَحْقَاف 24 {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَال وَثَمَانِية أَيَّامٍ حُسُوماً} الحاقة 7 فَدخلت بَينهم فصرعتهم فَهَرَبُوا إِلَى الْبيُوت فَكَانَت تلقع الْبَيْت من أساسه فَتضْرب بِهِ الْبَيْت الآخر فتطحنهما مَعًا وَتحمل الْإِبِل وَالنِّسَاء وَالرِّجَال وتقلع الشّجر من أُصُولهَا فَقَالَ سَبْعَة من عَاد رَأْسهمْ الخلجان وَهُوَ ملكهم وأعظمهم جسماً قومُوا نقف على شَفير الْوَادي وَكَانُوا قد زووا أَهَالِيهمْ فِي شعب ذَلِك الْوَادي فَترد الرّيح فوقفوا وكشفوا عَن صُدُورهمْ وَقَالُوا من أَشد منا قُوَّة فصرعتهم الرّيح وتركتهم كَمَا قَالَ تَعَالَى {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} الحاقة 7 وَلم يبْق إِلَى الخلجان وَحده فَتقدم إِلَى الْجَبَل وَهُوَ يبكي وَأخذ بِجَانِب مِنْهُ فهزه فاهتز فِي يَده فَعرض هود عَلَيْهِ التَّوْبَة فَأبى فَجَاءَتْهُ الرّيح فَدخلت تَحت قَدَمَيْهِ وَأمْسك بِالْجَبَلِ فَرَفَعته هُوَ والجبل فِي يَده قد شدّ عَلَيْهِ من أَصله إِلَى الْهَوَاء ثمَّ قلبه الرّيح على أم رَأسه وَلم يبْق من عَاد وَاحِد وَاعْتَزل هود وَمن مَعَه قومه الْمُؤمنِينَ فِي حَظِيرَة وَمَا يصيبهم مِنْهَا إِلَّا مَا يلين جُلُودهمْ ثمَّ أرسل الله عَلَيْهِم طيوراً سُودًا فنقلتهم كلهم إِلَى الْبَحْر {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم} الْأَحْقَاف 25 ثمَّ تقدم هود وَمن آمن مَعَه من دِيَارهمْ الَّتِي سخط الله عَلَيْهِم فِيهَا إِلَى الشحر فسكنوا هُنَالك وَلما مَاتَ هود عَلَيْهِ السَّلَام قبر بِمَكَّة وَقيل بحضرموت وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر وقبره مَعْرُوف هُنَالك وروى ابْن إِسْحَاق أَن أَبَا سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة وَعبد الله بن زيد أَقبلَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الشَّام فَلَمَّا وصلا إِلَى وَادي الْقرى لقيهمَا رجل من عَاد فَقَالَ أَطْعمُونِي فَجعل يلف كل مَا قدم إِلَيْهِ لفاً ثمَّ قَالَ احْمِلُونِي فضاقوا بِهِ ذرعاً وكرهوا صحبته فأطعمه عبد الله بن زيد وَحمله على بعير فَجعل يسحب رُكْبَتَيْهِ لطولهما فَلَمَّا انْتهى إِلَى وَادي العقيق قَالَ العادي لعبد الله إِنَّك حَملتنِي وأطعمتني فَأحب أَن أكافئك فاتبعني وَلَا تلْتَفت فَتَبِعَهُ إِلَى الْوَادي فَقَالَ انْظُر إِلَى مسْقط ظِلِّي فاحفر عِنْده فَانْطَلق عبد الله وحفر فَإِذا صَخْرَة عَظِيمَة فَقَالَ اقلعها فَلم يطق فَرَفعهَا العادي بِأُصْبُعِهِ وَانْحَدَرَ وَعبد الله مَعَه إِلَى سرب فِي الأَرْض فَإِذا سراج يزهر وَإِذا برجلَيْن من قوم عَاد ميتين فَقَالَ لَهُ العادي إِن هذَيْن صَاحِبَايَ فَإِذا مت فضمني إِلَيْهِمَا وَاحْتمل من المَال حَاجَتك ثمَّ اخْرُج وضع الصَّخْرَة على السرب وَلَا تلْتَفت حَتَّى تخرج من الشّعب وَعمد العادي إِلَى ريشة قد نتف جانبيها نَحوا من ذِرَاع فَأدْخلهَا فخارةً فِيهَا شبه القطران ثمَّ أخرجهَا فَأدْخلهَا منخره ثمَّ غمسها الثَّانِيَة فَأدْخلهَا منخره الآخر ثمَّ صَاح صحية كَاد عبد الله يهْلك مِنْهَا وَمَات العادي فضمه عبد الله إِلَى صَاحِبيهِ وَاحْتمل من المَال حَاجته وَوضع الصَّخْرَة على السرب بعد جهد جهيد وَمضى فَكَانَ أَكثر قُرَيْش مَالا انْتهى قَالَ المَسْعُودِيّ وَقد كَانَ فِي ملك النمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام هيجان الرّيح الَّتِي أسقطت صرح النمرود وَفِي إقليم بابل من ارْض الْعرَاق فَبَاتَ النَّاس ولسانهم سرياني فَلَمَّا أَصْبحُوا تَفَرَّقت لغاتهم على اثْنَيْنِ وَسبعين لِسَانا فَسمى الْموضع بابل لتبلبل الْأَلْسِنَة بِهِ فَصَارَ من كَانَ من ولد سَام بن نوح تِسْعَة عشر لِسَانا وَفِي ولد حام سِتَّة عشر لِسَانا وَفِي ولد يافث سَبْعَة وَثَلَاثُونَ لِسَانا وَكَانَ من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ يعرب وجرهم وَعَاد وجديس وطسم وَعبيد وَثَمُود وعملاق ووبار وَعبد ضخم فَسَار يعرب بن قحطان بن عَابِر وَهُوَ هود عَلَيْهِ السَّلَام ابْن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح بِمن تبعه من وَلَده وَولد وَلَده وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) // (أَنا ابْن قَحطان الهُمامِ الأنبلِ ... يَا قوم سِيرُوا فِي الرّعيل الأولِ) (نَحْو يَمِين الشّرق فِي تمهُّل ... أَنا البديِّ بِاللِّسَانِ المُنهل) (ذِي الْمنطق البيِّنِ غير المُشكلِ ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فَحل بِالْيمن وَسَار بعده عَاد بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح بولده وَمن تبعه فَحل بالأحقاف من بِلَاد عمان إِلَى حَضرمَوْت واليمن وتفرق هَؤُلَاءِ فِي الأَرْض وانقرضوا وملكهم جيرون بن سعيد بن عَاد وَحل بِدِمَشْق فمصر مصرها وَجمع عمد الرخام والمرمر وشيد بنيانها وَهَذَا الْموضع فِي وقتنا سوق من أسواقها بِبَاب الْمَسْجِد يعرف بِبَاب جيرون وَسَار بعد عَاد ثَمُود بن عَابِر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح وَمن تبعه من وَلَده وَغَيرهم فنزلوا الْحجر بَين الشَّام وَمَكَّة إِلَى قرح وَسَار طسم وجديس بن عَابِر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح فنزلوا الْيَمَامَة وَسَار عملاق بن لاوذ بن إرم بن سَام بن نوح فنزلوا أكناف الْحرم والتهائم وَمِنْهُم من سَار إِلَى مصر وَالْمغْرب وَقد ذكر أَن هَؤُلَاءِ بعض فَرَاعِنَة مصر وَبَعض النَّاس ألحق العمالقة بعيص بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ سَار وبار بن أميم بن لاوذ بن إرم بن سَام فَنزل أَرض وبار الأَرْض الْمَعْرُوفَة برمل عالج فبغوا فِي الأَرْض فَأَصَابَتْهُمْ نقمة فهلكوا جَمِيعًا قَالَ الشّعْر // (من مخلع الْبَسِيط) // (ومرَّ دهرٌ على وَبَار ... فهَلَكت جهرةً وَبَارُ) ثمَّ سَار عبد ضخم بن إرم بن سَام بن نوح فنزلوا الطَّائِف فهلكوا بِبَعْض غوائل الدَّهْر ورثوا فيهم يَقُول الْأَزْدِيّ // (من المنسرح) // (وعبدُ ضخمٍ إِذا نسبْتَهم] ... أَبيض وجهٍ الحِجا مَعَ النسبِ) (وابتدعوا منطقاً بخطّهم ... فبيَّن الخطّ صحّة الْعَرَب) وَذكر أَنهم أول من كتب بِالْعَرَبِيَّةِ وَوضع الأحرف أَب ث وَسَار جرهم بن قحطان واسْمه يقطان بن قحطان وجرهم لقب لَهُ وطافوا الْبِلَاد حَتَّى نزلُوا بِمَكَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَسَار أميم بن لاوذ بن إرم بن سَام فَحل بِأَرْض فَارس وَنصب كيومرث بن أميم ملكا عَلَيْهِم وَسَار عبيل بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي وَلَده وَمن تبعه فنزلوا بِالْجُحْفَةِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فهلكوا بالسيل فَسمى الموضح بِالْجُحْفَةِ لإجحافه عَلَيْهِم وَكَانَ يثرب بن قامة بن مهلئل بن إرم بن عبيل نزل بِالْمَدِينَةِ فسميت باسمه فَهَلَك أُولَئِكَ بِبَعْض غوائل الدَّهْر وأقصدتهم سهامه فَقَالَ بعض وَلَده مِمَّن رثاهم شعر // (من الْخَفِيف) // (عينُ جودي على عَيبلٍ وَهل يرجعُ ... مَا فاتَ فيضها بانسجام) (عمّروا يثرباً وَلَيْسَ بهَا سَفرٌ ... وَلَا سارحٌ وَلَا ذُو سَنَام) (غرسوا لينها ببحرٍ معينٍ ... ثمّ حفُّوا الفسيلَ بالآجام) قَالَ فِي حقيبة الْأَسْرَار وَكَانَ فِي ولد سَام بن نوح رجل يُقَال لَهُ بواط بن لاوذ كَانَ على دين آبَائِهِ لم يُشْرك وَله أَوْلَاد كثير ضلوا وَكَانَ يُحِبهُمْ وَلَا يقدر أَن يفارقهم وَكَانَ قد أفهمهُ الله تَعَالَى جَمِيع اللُّغَات فَلَمَّا قوي اضطرابهم خَافَ أَن يقتتلوا ويفتن بَعضهم بَعْضًا وَكَانُوا قد أهلهم للعربية لأَنهم من أَوْلَاد سَام بن نوح فَقَالَ لَهُم اعقدوا لي لِوَاء وَرَايَة أرفعها للنَّاس وَأفهم كل طَائِفَة مَا أَقُول لَهُم فعقدوا لَهُ لِوَاء على رمح طَوِيل فرفعه بِيَدِهِ ثمَّ جَاءَ فأركزه فِي وسط الْقَوْم وَأَشَارَ إِلَيْهِم بِيَدِهِ أَن اجْتَمعُوا واسمعوا فَاجْتمع الْقَوْم حوله وأنصتوا فَجعل يلْتَفت إِلَى قوم بعد قوم ويكلمهم كلا بِلِسَانِهِ فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك مِنْهُ فرحوا وَقَالُوا يَا فلَان مَا هَذَا الَّذِي جرى علينا وَكَانُوا يعْرفُونَ عقله وَعلمه فَقَالَ لكل قوم بلسانهم هَذِه عُقُوبَة عاقبكم الله بهَا بِسَبَب كفركم وعصيانكم وترككم طَاعَة ربكُم كَمَا فعل بِمن كَانَ قبلكُمْ من الطوفان حَتَّى لم يبْق أحدا وَلَوْلَا أَن الله وعد أَبَاكُم نوحًا أَلا يهْلك أحدا بعد الطوفان بِعَذَاب عَام لسلط عَلَيْكُم عذَابا يهلككم بِهِ وَلَكِن عاقبكم باخْتلَاف أَلْسِنَتكُم وَتغَير لغاتكم وَفِي ذَلِك عِبْرَة لكم فَقَالُوا صدقت يَا شَيخنَا فأشر علينا مَا نصْنَع فألهمه الله تَعَالَى أَن قَالَ تفَرقُوا فِي الْبِلَاد وليأخذ كل رجل مِنْكُم طائفته وَأهل بَيته وَمن هُوَ على لِسَانه وينحاز إِلَى جِهَة من الأَرْض يسكنونها وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 يدْخل عَلَيْهِ أحد غَيره فاستدعى ألوية وعقدها وَدفع كل لِوَاء إِلَى رَئِيس مِنْهُم بِلِسَانِهِ على حِدة فَجعل أَوْلَاد يافث مَعَ اخْتِلَاف لغاتهم فرقة وَلَهُم لِوَاء وَقَالَ عَلَيْكُم بمهب الشمَال وَلكم من المجرة إِلَى مُنْتَهَاهَا وَدفع لِوَاء إِلَى بني حام وَقَالَ أَنْتُم عَلَيْكُم بمهب الْجنُوب وَلكم من مطلع سُهَيْل إِلَى مُنْتَهَاهَا وَهُوَ الْمغرب فافترق هَؤُلَاءِ من الْمشرق وَهَؤُلَاء من الْمغرب وَعقد لِوَاء ثَالِثا لبني سَام وَقَالَ عَلَيْكُم بمهب الدبور وَلكم من بَنَات نعش إِلَى مطلع سُهَيْل ثمَّ قَالَ وَأما أَنا فَإِنِّي بَاقٍ هَهُنَا على هَذَا اللِّوَاء مَعَ فالغ وَذَوِيهِ ولي وَلَهُم مهب الصِّبَا فَمن أَرَادَ مِنْكُم أَن يُقيم معي فَلْيفْعَل وانحاز بِمن مَعَه إِلَى فالغ بن عَابِر وَتَفَرَّقَتْ الْأُمَم إِلَى الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة وَبَقِي فالغ بن عَابِر فِي مَوْضِعه وَكَفاهُ الله شَرّ الْكفَّار من بني يافث وَحَام وشتت الله شملهم وَلما هدم الله بِنَاء ملكهم بَقِي فالغ وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ بقرية الثَّمَانِينَ وَلم يُفَارق قُبُور آبَائِهِ وَكَانَ قد تزوج عَابِر فولد لَهُ فالغ وَهُوَ عَمُود النّسَب المحمدي وَإِلَى عَابِر ترجع الْعَرَب قيسيها ويمنيها فَمن وَلَده قحطان بن عَابِر وجرهم بن قحطان واسْمه يقطان وجرهم لقبه قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى مروج الذَّهَب ومعادن الْجَوْهَر الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر أهل الْعلم والقدماء من كهلان وحمير وَالْعُلَمَاء مِنْهُم أَن قحطان بن عَابِر وَهُوَ هود بن شالخ بن أرفخشد بن نوح عَلَيْهِم السَّلَام وَعَلِيهِ قَول أبي الطّيب من قصيدة يمدح بهَا // (من الطَّوِيل) // (إِلَى الثَّمر الحُلو الَّذِي طيِّئٌ لَهُ ... فروعٌ وقحطانُ بن هودٍ لَهُ أصلُ) ولعابر الَّذِي هُوَ هود عَلَيْهِ السَّلَام أَوْلَاد مِنْهُم فالغ وَهُوَ عَمُود النّسَب المحمدي وقحطان وملكان وَقيل إِن ملكان هُوَ ابْن قحطان لَا أَخُوهُ وَهُوَ يَعْنِي ملكان وَالِد الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَولد لقحطان أحد وَثَلَاثُونَ ولد ذكرا فولد قحطان يعرب بن قحطان وَولد يعرب يشجب بن يعرب وَولد يشجب عبد شمس وَيُقَال عبد الْملك وَهُوَ سبأ ابْن يشجب وَسمي سبأ لِأَنَّهُ أول من سبا السبايا فولد سبأ رجلَيْنِ حمير بن سبأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وكهلان بن سبأ فالعقب الْبَاقِي من هذَيْن الرجلَيْن وَلَو كُنَّا بصدد ذكر مُطلق الْأَنْسَاب لذكرنا من فروع أنسابهم وفنون أخبارهم كثيرا إِلَّا أَنا قصدنا ذكر العدنانية لَا القحطانية لمَكَان نسبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأم فالغ ميثا وَقيل عُرْوَة بنت صفّين وَكَانَ مِنْهُ الْجَبَابِرَة وانقرضوا جَمِيعًا وَلم يعقب فالغ إِلَّا من ابْنه أرغو وَقَامَ بِالْأَمر بعد أَبِيه عَابِر وَكَانَ عمره مِائَتي سنة فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة أوحى الله إِلَيْهِ أَن يستودع النُّور وَالِاسْم الْأَعْظَم ابْنه أرغو كَمَا سَيَأْتِي وَمن حَدِيث فالغ بن عَابِر مَا ذكره صَاحب كتاب المبتدا أَن الله تَعَالَى لما أَرَادَ أَن ينْقل النُّور إِلَى فالغ اخْتَار أَبوهُ امْرَأَة من قومه فَلَمَّا انْتقل النُّور إِلَيْهَا شكر الله تَعَالَى فَلَمَّا تمّ حملهَا وَوَضَعته رباه أحسن تربية وَعلمه الصُّحُف فَلَمَّا بلغ من عمره ثَمَانِينَ سنة مَاتَ أَبوهُ فالغ بعد أَن أَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد فِي النُّور فسلك بِهِ مَسْلَك آبَائِهِ وَدَفنه إِلَى جَانب أَبِيه وَقد اضْطربَ قومه وافترقوا وتباغضوا وَمَا اتَّفقُوا على فالغ وَلَا أطاعوه وبنوا لَهُم مَدِينَة بابل ليسكنوا فِيهَا وَكَانَ طولهَا عشرَة فراسخ فِي عرض سِتَّة فراسخ واجتخع فِيهَا بَنو حام وَبَنُو يافث وَبَنُو سَام جَمِيعهم وفالغ وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ قَلِيلُونَ فَلم يسكنوا مَعَهم وَلَا قربوا موضعا هم فِيهِ بل كَانُوا فِي قَرْيَة الثَّمَانِينَ الَّتِي نزل بهَا نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأقَام أُولَئِكَ عَلَيْهِم ملكا يجمعهُمْ اسْمه جامر بن يافث وَهُوَ أَبُو فَارس الَّذِي سميت بِهِ الْفرس فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا أَيهَا الْملك لم يبْق على وَجه الأَرْض من يخالفك إِلَّا فالغ وَمن مَعَه وهم قَلِيلُونَ فَلَو غزوناهم وتركناهم لنا عبيدا أَو يدْخلُونَ فِي ديننَا فَقَالَ افعلوا مَا بدا لكم وأرفدهم من بني حام وَيَافث بعسكر عَظِيم وَولى عَلَيْهِم رجلا اسْمه شودب بن جرجان بن حام وَأمرهمْ أَن يستأصلوهم وَأَن يأتوه بفالغ أَسِيرًا وَقد كَانَ جامر بن يافث قد بنى لَهُ مَدِينَة يسكنهَا خوفًا من الطوفان أَن يعود لِأَنَّهُ كَانَ يحدث بِأَمْر الطوفان وَأَنه لم ينج مِنْهُ أحد وَأَن المَاء ارْتَفع فَوق الْجبَال فَأَرَادَ أَن يعلي الْبناء أَكثر مِمَّا كَانَ الطوفان لحقه حَتَّى إِذا عَاد سما هُوَ وَقَومه فِي أعاليه فَلَمَّا أكمل بناءه سَمَّاهُ المجدل وَكَانَ وَطوله فِي الْهَوَاء خَمْسَة آلَاف ذِرَاع وَعرضه ألفا وَخَمْسمِائة ذِرَاع فَلَمَّا فرغ مِنْهُ عزم على تجهيز الْعَسْكَر لغزو فالغ فَبَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَة وهم أجمع مَا كَانُوا وملكهم مَعَهم إِذْ أَصْبحُوا بِالْغَدَاةِ وَقد تبلبلت ألسنتهم وَهدم الله بنيانهم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الْقَوَاعِد فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم وأهلكهم الله وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَأتى الله ببنيانهم مَنّ الْقَوَاعِدِ} الْآيَة النَّحْل 26 فاشتغلوا بِأَنْفسِهِم عَن فالغ وَمن مَعَه وَأصْبح كل قوم يَتَكَلَّمُونَ بلغَة لَا يعرفهَا الْقَوْم الْآخرُونَ فحاروا واضطربوا وَلم تفهم طَائِفَة مَا تَقول الْأُخْرَى فانحازوا فرقا كل فرقة تَتَكَلَّم بِلِسَان فَكَانَ للرجل ينحاز وَأهل بَيته مَعَه يَتَكَلَّمُونَ بلغَة وَاحِدَة يفهم بَعضهم بَعْضًا فَإِذا خالطهم أحد من غَيرهم لَا يفهمون قَوْله وَلَا يفهم قَوْلهم وانحازت طَائِفَة مِنْهُم ألهمها الله الْعَرَبيَّة فتكلموا بهَا فاولئك الَّذين يُقَال لعهم الْعَرَب وهم العرباء من خُصُوص بني سَام بن نوح فَمنهمْ عَاد وعبيل وَثَمُود وجديس وطسم وعمليق وأميم وَعبد ضخم ووبار ويثرب وجرهم كَمَا تقدم ذكر ذَلِك قَرِيبا فَهَؤُلَاءِ من بني سَام كلهم تكلمُوا بِالْعَرَبِيَّةِ بإلهام لَهُم من الله تَعَالَى فَنزلت بَنو سَام المجدل سرة الأَرْض وَهُوَ مَا بَين ساتيدما إِلَى الْبَحْر وَمَا بَين الْيمن إِلَى الشَّام وَجعل الله النُّبُوَّة وَالْكتاب وَالْجمال والأدمة وَالْبَيَاض فيهم وَنزل حام مجْرى الْجنُوب وَالدبور وَيُقَال لتِلْك النَّاحِيَة الداروم وَجعل الله فيهم أدمة وبياضاً قَلِيلا فعمر بِلَادهمْ وَسَمَّاهُمْ وَرفع عَنْهُم الطَّاعُون وَجعل فِي أَرضهم الأثل والأراك وَالْعشر والمغاث وَالنَّخْل وخزن الشَّمْس وَالْقَمَر فِي سمائهم وَنزل بَنو يافث الصفون مجْرى الشمَال وَالصبَا وَفِيهِمْ الْحمرَة والشقرة فأخلى الله لَهُم أَرضهم فاستدبروها وأخلى سماءهم فَلَيْسَ يجْرِي فَوْقهم شَيْء من النُّجُوم السَّبْعَة الْجَارِيَة لأَنهم صَارُوا تَحت بَنَات نعش والجدي والفرقدين وابتلوا بالطاعون وَلَحِقت عبيل وعتيد بِموضع يثرب والعماليق بِصَنْعَاء ثمَّ انحدر بَعضهم إِلَى يثرب فأخرجوا مِنْهَا عتيداً فنزلوا بِالْجُحْفَةِ وَلَحِقت ثَمُود بِالْحجرِ ومايليه فهلكوا ثمَّ لحقت طسم وجديس بِالْيَمَامَةِ فهلكوا وَلَحِقت أميم بِأَرْض وبار فهلكوا بهَا وَهِي بَين الْيَمَامَة وهجر وَلَا يصل إِلَيْهَا الْيَوْم أحد غلبت عَلَيْهَا الْجِنّ وَإِنَّمَا سميت وبار بوبار بن أميم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وَكَانَت الشَّام يُقَال لَهَا أَرض بني كنعان ثمَّ جَاءَ بَنو إِسْرَائِيل فَقتلُوا بهَا وَنَفَوْا باقيهم عَنْهَا ذكر هَذَا صَاحب كتاب حقيبة الْأَسْرَار وَهُوَ فِيهِ قَلِيل مُخَالفَة فِي الْبَعْض لما ذكره صَاحب مروج الذَّهَب فَمَا فِي المروج أَحَق إِلَيْهِ بالعروج وَاخْتلف أهل التَّارِيخ فِيمَن كَانَ ملكهم بعد فَارس بن لاوذ بن إرم بن سَام بن نوح صَاحب المجدل فَقيل هُوَ كيومرث بن لاوذ بن أميم بن إرم بن سَام بن نوح وَمعنى كيومرث حَيّ نَاطِق ميت وَقيل لوا عَلَيْهِم هوشنك بيشداد وَمَعْنَاهُ الدّين الْحَاكِم فَأخذ قومه بِعبَادة الله وَترك الْأَوْثَان وَقَامَ فيهم خَطِيبًا فَحَذَّرَهُمْ سخط الله تَعَالَى وَمَا فعل بِقوم نوح وَصَاحب المجدل وَقَالَ قد بَقِيتُمْ يَا بني سَام فِي موضعكم ونبيكم فالغ صَاحب النُّور وَقد وليتكُمْ الْآن فَمن دَان بدين فالغ وَقَالَ بِشَرِيعَتِهِ فَأَنا مِنْهُ وَهُوَ مني وَله الْأَمْن والمراعاة وَالْإِحْسَان وَمن أبي وَجحد الرَّحْمَن قتلته وَلَو كَانَ أخي أَو ابْني فاستقيموا أستقم لكم وَاتَّقوا الله واعبدوه فَاتَّبعُوهُ ودانوا بدين الله وسلكوا شرائع نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَكثر عَددهمْ وأخصبت بِلَادهمْ وفالغ فيهم وهوشنك يُوَجه إِلَيْهِ فِي كل وَقت مَا يحْتَاج إِلَيْهِ هُوَ وَالَّذين مَعَه وَعمر هوشنك الأَرْض وهندس الْمِيَاه وأجراها إِلَى العمائر وَأمر بقتل السبَاع وَاسْتِعْمَال جلودها مدبوغة وَهُوَ أول من ذبح الْبَقر وَالْغنم والوحش وَأكل لحومها وَبنى الْمَدَائِن وَلما بنى مَدِينَة السوس سَمَّاهَا بِلِسَانِهِ الشوش أَي الْحَسَنَة ثمَّ بنى مَدِينَة تستر سَمَّاهَا بِلِسَانِهِ شوشتر أَي هَذِه أحسن وَهُوَ أول من اتخذ السجون وسجن النَّاس فِيهَا وَكَانَ ملكه أَرْبَعِينَ سنة وعمره يَوْم مَوته سَبْعمِائة سنة واشهر ثمَّ ملك بعد طهمورث بن هماد فَسَار سيرته وسلك طَرِيقَته وَبنى مرو وآمد وقلعة سارس بأصفهان وَكَانَ ملكه ثَلَاثِينَ سنة وعمره يَوْم مَاتَ سِتّمائَة سنة وَفِي زَمَانه ولد لفالغ ابْنه أرغو وَإِلَيْهِ انْتقل النُّور فَأخذ بِهِ فالغ طَريقَة آبَائِهِ وأجداده من تَعْلِيم الصُّحُف وَدين الله تَعَالَى وَمَات فالغ فِي زمن جمشيد وَهُوَ أَخُو طهمورث وَمَعْنَاهُ السَّيِّد الشجاع وَهُوَ الَّذِي جند الأجناد وَجعل النَّاس خمس طَبَقَات مقاتلة ونساك وَكتب وصناع وخدام وَهُوَ أول من أثار علم الطِّبّ وطبع السيوف وصبغ الثِّيَاب بالألوان الْمُخْتَلفَة وَاتخذ السراويلات وَبنى إصطخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وهمذان وطوس وَكَانَ مُدَّة ملكه سِتّمائَة وَسِتَّة عشرَة سنة وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِي أَيَّامه الضَّحَّاك بن علوان بن عَاد أرْسلهُ إِلَيْهِ شَدَّاد بن عَاد فهرب مِنْهُ جمشيد فَقتله الضَّحَّاك واستوثق لَهُ الْأَمر وَغير عبَادَة الله وَشرع نوح وطغى وتجبر وَطلب أرغو بن فالغ صَاحب النُّور المحمدي فَمَنعه الله مِنْهُ واختفى هُوَ وَمن مَعَه وَالضَّحَّاك فِي طلبه وَكَانَ أرغو يُسمى العابد وَهُوَ بِهَمْزَة مَفْتُوحَة فغين مُعْجمَة مَضْمُومَة وَكَانَ من جبابرة تملكوا وانقرضوا وَلَا عقب لَهُ إِلَّا من ساروغ عَاشَ أرغو مِائَتي سنة وَثَلَاثِينَ وَقَامَ بعده وَلَده ساروغ وَمن حَدِيث أرغو على مَا فِي كتاب المبتدا أَن الضَّحَّاك بن علوان طلبه وَأَنه اختفى مِنْهُ بِمن مَعَه وَهُوَ فِي طلبه فَقيل إِنَّه هرب ببنيه والعصابة القليلة الَّتِي مَعَه إِلَى أَن دخل إِلَى ديار بني يافث وَهُنَاكَ مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَقد ولد لَهُ ساروغ وَنور مُحَمَّد قد انْتقل إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي خرج بعد موت أَبِيه فالغ إِلَى ديار يافث وَذَلِكَ أَنه سكن مغارة فِي بعض جبال تِلْكَ الأَرْض وابتنى هُنَاكَ قبَّة من الرصاص وَهِي بَاقِيَة إِلَى الْآن وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى دله على معادن تِلْكَ الأَرْض كلهَا فاستخرج الرصاص وَعمل مِنْهُ قبَّة وَأمر وَلَده أَن يدفنوه فِيهَا وَقد وصل إِلَى هَذِه الْقبَّة رجل من الْعَرَب من حمير فِي زمن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فِي وقْعَة كَانَت بَينه وَبَين الرّوم وَالرجل يعرف بِعَبْد الله بن عمر الحيراني وَكَانَ عَالما بأيام الْعَرَب ووقائعهم حَافِظًا لأشعارهم فَلَمَّا وَقعت الْوَاقِعَة بَين مُعَاوِيَة وَملك الرّوم أسر مَعَ جملَة من الْمُسلمين فَلَمَّا جَاءَ عيد الشعانين جلس الْملك للنَّاس وَكَانَ اليعد ثَلَاثَة أَيَّام فَأول يَوْم يطعم أهل بَيته ورؤساء الرّوم وَالثَّانِي رُؤَسَاء بَلَده وَغَيرهم من أَصْحَاب الْأَمْوَال وَالثَّالِث الغرباء وَالْمَسَاكِين وَهُوَ فِي الثَّلَاثَة الْأَيَّام جَالس على سَرِيره والأطعمة تنقل بَين يَدَيْهِ وبطارقته من حوله وَهُوَ ينظر إِلَى النَّاس فَإِذا فرغ من عيده قضى الْحَوَائِج وَأطلق الأسرى وَأحسن إِلَى الْفُقَرَاء فَلَمَّا جَاءَ الْيَوْم الثَّالِث قَالَ فأخرجت فِي الأسرى لم آكل غير أَنِّي جعلت أتأمل فِي الْملك فرآني لَا أكل فَقَالَ خُذُوا هَذَا الْمُسلم فاعزلوه فِي ذَوي الْحَاجَات فَفَعَلُوا ثمَّ أَمر بإصلاح شأني وتغيير حَالي وأحضرني وقربني وَقَالَ من أَنْت فقد انكرك أَمرك يَوْم الطَّعَام فَقلت أَيهَا الْملك مَا رَأَيْته مِنْك أحب إِلَيّ من الطَّعَام فَقَالَ لَا شكّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 أَنَّك مُمَيّز عَارِف عَاقل فكساني وحملني على دَابَّة فَكَانَ كثيرا مَا يسألني عَن أَيَّام الْعَرَب ووقائعها فَأخْبرهُ فيطرب وَكَانَ فصيحاً بِالْعَرَبِيَّةِ عَالما باللغة وَكَانَ هُوَ يحدثني بِأَحَادِيث بني إِسْرَائِيل وَالْفرس وَالروم وَأَمْسِكْنِي عِنْده وأحبني وَكَانَ أهل دولته يتوسلون بِي فِي حوائجهم وَكَانَ يَخْلُو بِي ويسألني عَن الدّين وَالْإِسْلَام وَصفَة النَّبِي وأخباره وقصته فَأخْبرهُ فَقَالَ لي يَوْمًا أُرِيد السّفر إِلَى مَوضِع أهمني وَتَكون معي فَقلت إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى قبَّة من رصاص بنيت فِي أول الزَّمَان لأنظر إِلَيْهَا بَيْننَا وَبَينهَا مفازة أَرْبَعَة أشهر وَإِن كَانَ لَا حِيلَة فِيهَا لِأَنَّهَا مطبقة لَا يعرف لَهَا بَاب فَسَار وَمَعَهُ بطارقة من جماعته وَعبيد نَحْو مائَة فِي مفازة غير مسكونة وَلَا معمورة حَتَّى انتهينا إِلَى قبَّة عالية من الرصاص على مِقْدَار نصف جريب فطفنا بهَا فَإِذا هِيَ قبَّة لَا بَاب لَهَا فَقَالَ الْملك أَرَأَيْت فَقلت نعم قَالَ إِنَّه كَانَ على قلبِي مِنْهَا أَمر عَظِيم وَلم أزل حَتَّى وصلت إِلَيْهَا فَكيف الاستعلام بِمَا فِي بَاطِنهَا فَقلت أَيهَا الْملك إِنَّهَا من الرصاص وَلَو أردْت حرقها وَكسرهَا لفَعَلت فِي أقل مُدَّة فَتَبَسَّمَ وَقَالَ هَذَا غير خَافَ عَليّ غير أَنه فِي أم الْكتاب الَّذِي قَرَأت فِيهِ حَدِيثهَا أَنه من أرادها بِسوء هلك من سَاعَته وَقد تعرض لَهَا جمَاعَة فماتوا فإياك أَن تنطق بِمثل هَذَا فتهلك السَّاعَة فتعجبت من كَلَامه ثمَّ ألهمني الله أَن قلت للْملك إِن أَنْت أَذِنت لي أَيهَا الْملك أَن أستفتح فأقرأ الْقُرْآن الَّذِي أنزل على نَبينَا مُحَمَّد فَإِن يَك مَانع من الْجِنّ دونهَا فَإِنَّهُ يدحض ويهرب وَإِن يَك غير ذَلِك عَرفْنَاهُ فَقَالَ وَالله مَا جِئْت بك لغير هَذَا فَبَدَأت الْقِرَاءَة واستفتحت مُعْلنا صوتي وَأَنا أَطُوف حولهَا وَالْملك معي وَكنت قد بدأت بِأول الْقُرْآن فَلم أزل أَقرَأ سُورَة بعد سُورَة حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى سُورَة الرَّعْد قَرَأت هَذِه الْآيَة {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَاناً سُيّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الْآيَة الرَّعْد 31 فَظهر لنا بَابهَا فسر الْملك بذلك فَدخلت وَأَنا أَقرَأ وَدخل الْملك معي وَإِذا فِي وَسطهَا قبر عَظِيم عَلَيْهِ رخامة مزبور فِيهَا خطّ فَلم أعرف أقرؤه فنقلته حَتَّى رَجعْنَا فَطلب الْملك من يَقْرَؤُهُ فَأتى بِرَجُل فقرأه لنا فَإِذا فِيهِ مَكْتُوب أَنا أرغو بن فالغ ابْن عَابِر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح وَتَحْت هَذَا مَكْتُوب أَبْيَات شعر وَهِي // (من الْخَفِيف) // (أَنا أرغو بن فَالِغ المُعتاص ... من ظلام الْإِشْرَاك بالإخلاص) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 (كنت بِاللَّه مُؤمنا رب إِدْرِيس ... ونوحٍ ومؤمناً بِالْقصاصِ) (قَائِلا لَا إِلَه إلاّ الله ... إلهي وَمن إِلَيْهِ مناصي) (فَأَرَادَ الضّحّاك ذُو الْكفْر منى ... أَن أضاهيه بالعميى والحِياص) (فَتركت الْبِلَاد طرا واخليت ... لَهُ عَن محلّتي وعراصي) (وسكنت الكهوف دهراً طَويلا ... خَائفًا هَارِبا من أهل الْمعاصِي) (لأنال الْخَلَاص فِي دَار ملكٍ ... يَوْم تعنو إِلَى إلهي النواصي) (وبنيت الَّذِي ترَوْنَ بعون الله ... ذِي المنّ من صفاح الرصاص) (وَأمرت الْبَنِينَ أَن يقبروني ... جوفها فِي ملاحفي وقماصي) (سَوف يَأْتِي بعدِي بدهرٍ رسولٌ ... من بني هَاشم الذُرى والأقاصي) (عابدٌ قانتٌ رءوفٌ رحيمٌ ... باليتامى والبائسين الخماص) (لَيْتَني عمّرت حتّى أرَاهُ ... لأنال الحبا وَفضل الْخَواص) وَإِنَّمَا سقنا هَذَا دَلِيلا على صِحَة الرِّوَايَة فِي هرب أرغو بن فالغ صَاحب نور رَسُول الله من الضَّحَّاك لَعنه الله وَأَنه بَقِي فِي ذَلِك الْموضع مَا شَاءَ الله تَعَالَى وَمَعَهُ جمَاعَة مِمَّن آمن بِاللَّه وَزَوجته ملكة بنت براكيل وَولد لَهُ ساروع بن أرغوا هُنَالك وَعَمله جَمِيع مَا علمه من أَب بعد أَب من لدن آدم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ مَاتَ أرغو وَدفن بالقبة الْمَذْكُورَة وَكَانَ قد وصّى وَلَده ساروع أَن يدفنه بهَا فَفعل وَلم يزل ساروع هُنَالك بعد موت أَبِيه أرغو حَتَّى هلك الضَّحَّاك بن علوان لَعنه الله أَخذه أفريدون فأوثقه وصيره بجبال دنباوند والعجم تزْعم أَنه موثوق بالحديد إِلَى الْيَوْم يعذب هُنَاكَ قد أَطَالَ الله عمره وَلما هلك رَجَعَ ساروع بن أرغو فِي زمَان أفريدون وَكَانَ فِي ديار بكر وَمَا والاها مَحْفُوظًا مكرما بِنور رَسُول الله هَكَذَا قَرَّرَهُ صَاحب كتاب المبتدا وساروع بسين مَفْتُوحَة مُهْملَة وَألف بعْدهَا وَرَاء مُهْملَة وَعين مُهْملَة سمى بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَارع للحرب وَكَانَ ملكا كَبِيرا مَعَ النُّبُوَّة أمه عُرْوَة بنت كوعل وَله أعقاب وعشائر وَأَوْلَاد وذرية جبابرة وَكلهمْ هَلَكُوا وَكَانَ عمره مائَة وَثَلَاثِينَ سنة وَلما حَضرته الْوَفَاة أوحى الله إِلَيْهِ أَن استودع الِاسْم الْأَعْظَم والنور ابْنك ناحور فَفعل وَأوصى إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فَقَامَ بعده ناحور وَابْنه نعْمَان أولد سارة زوج الْخَلِيل إِبْرَاهِيم وَأم إِسْحَاق وَقيل إِنَّهَا بنت ناحور وناحور بالنُّون والحاء غير الْمُعْجَمَة تَفْسِيره النَّهَار الْقَائِم بِأَمْر الله بعد أَبِيه قَالَ فِي كتاب الْوَصِيَّة فَمن آمن بِهِ كَانَ مُؤمنا وَمن جحد بولايتهم كَانَ كَافِرًا وَمن جهل أَمرهم كَانَ ضَالًّا ثمَّ أوحى الله إِلَى ناحور استودع الِاسْم الْأَعْظَم تارحاً ابْنك فَفعل وَتوفى ناحور وَهُوَ ابْن مائَة وَأَرْبَعين سنة وَقَامَ بعده وَلَده تارح بتاء مثناة فَوق وَألف وَرَاء مُهْملَة وحاء كَذَلِك مُهْملَة وَهُوَ أزر فِي قَول وَقيل أزر عَمه وَهُوَ الْملك ابْن ناحور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عَابِر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح وَمن غير عَمُود النّسَب هاران وَكَانَ عمره مِائَتي سنة وَكَانَ حجاراً يصنع أصنام قومه الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيم وَفِي كتاب الْوَصِيَّة عَن الْعَالم أَنه قَالَ كَانَ آزر جدا لإِبْرَاهِيم لأمه وَكَانَ منجماً للنمرود وَهُوَ ابْن طهماسفان وَفِي منهاج الطالبين كَانَ فِي زمن إِبْرَاهِيم نمْرُود بن كوش بن كنعان بن شَدَّاد وَقيل نمْرُود بن كنعان ملك الْمَشَارِق والمغارب وَهُوَ الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه وَكَانَ فِي ارْض بابل اخره منجموه أَن مولودا يُولد فِي قريتك هَذِه يُفَارق دينكُمْ وَيكسر أصنامكم فِي شهر كَذَا من سنة كَذَا فَلَمَّا دخلت السّنة الْمَذْكُورَة بعث نمْرُود إِلَى كل امْرَأَة حُبْلَى فِي قريته فحبسها إِلَّا امْرَأَة آزر ازما بنت شمر فَإِنَّهُ لم يعلم بحملها فَكَانَ لَا يُولد غُلَام فِي ذَلِك الشَّهْر من تِلْكَ السّنة إِلَّا أَمر بذَبْحه فَلَمَّا وجدت أم إِبْرَاهِيم الطلق خرجت إِلَى مغارة كَانَت قَرِيبا مِنْهَا فَولدت فِيهَا إِبْرَاهِيم وأصلحت من شَأْنه مَا جرت بِهِ الْعَادة ثمَّ سدت عَلَيْهِ فَم المغارة وعادت إِلَى بَيتهَا وَكَانَت تطالعه فِي المغارة لتنظر مَا يفعل فتجده حَيا يمص إبهامه وَقيل إِنَّه كَانَ يغتذى من ابهاهه وَقيل إِن الله جعل رزق إِبْرَاهِيم فِي أَطْرَافه وَكَانَ كلما مص من أَصَابِعه جعل الله لَهُ فِيهَا رزقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وَكَانَ آزر سَأَلَ أم إِبْرَاهِيم عَن حملهَا فَقَالَت ولدت غُلَاما وَمَات وصدقها وتربى إِبْرَاهِيم فِي المغارة وَكَانَ الْيَوْم على إِبْرَاهِيم كالشهر والشهر كالسنة على غَيره فَلم يلبث إِبْرَاهِيم فِيمَا ذكر إِلَّا خَمْسَة عشرَة شهرا إِلَّا قَالَ لأمه أخرجيني أنظر فَأَخْرَجته فتفكر فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ثمَّ نظر فِي السَّمَاء فَرَأى كوكباً كَمَا قَالَ الله تَعَالَى وَسَيَأْتِي الْكَلَام على تَمام قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الثَّعْلَبِيّ فِي كتاب العرائس لما نجى الله خَلِيله من نَار النمرود وَمن آمن بِهِ خرج مُهَاجرا إِلَى ربه وَتزَوج ابْنة عَمه سارة ابْنة هاران وَبِه سميت الْبَلدة الْمَشْهُورَة الَّتِي يُقَال لَهَا حران بقلب الْهَاء حاء فَخرج يلْتَمس الْفِرَار بِدِينِهِ والأمان على نَفسه وَمن آمن مَعَه فَقدم إِلَى مصر وَبهَا فِرْعَوْن من الفراعنة الأول وَكَانَت سارة من أحسن النِّسَاء وَكَانَت لَا تعصى إِبْرَاهِيم وَبِذَلِك أكرمها الله تَعَالَى فَأتى إِبْلِيس إِلَى فِرْعَوْن وَقَالَ إِن هَهُنَا رجلا مَعَه امْرَأَة من أحسن النِّسَاء فَأرْسل الْجَبَّار إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ مَا هَذِه الْمَرْأَة مِنْك فَقَالَ هِيَ أُخْتِي وَخَافَ إِن قَالَ امْرَأَتي أَن يقْتله فَقَالَ زينها وأرسلها إِلَيّ فَرجع إِبْرَاهِيم إِلَى سارة وَقَالَ لَهَا إِن هَذَا الْجَبَّار قد سَأَلَني عَنْك فَأَخْبَرته أَنَّك أُخْتِي فَلَا تكذبِينِي عِنْده فَإنَّك أُخْتِي فِي كتاب الله فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسلم فِي هَذِه الأَرْض غَيْرِي وَغَيْرك ثمَّ أَقبلت سارة إِلَى الْجَبَّار وَقَامَ إِبْرَاهِيم يُصَلِّي وَقد رفع الله الْحجاب بَينه وَبَين سارة ينظر إِلَيْهَا مُنْذُ فارقته إِلَى أَن عَادَتْ إِكْرَاما لَهُ وتطييباً لِقَلْبِهِ فَلَمَّا دخلت سارة على الْجَبَّار وَرَآهَا دهش من حسنا وَلم يملك نَفسه أَن مده يَده إِلَيْهَا فيبست يَده على صدرها فَلَمَّا رأى ذَلِك عظم أمره وَقَالَ لَهَا سَلِي رَبك أَن يُطلق يَدي فَإِنِّي وَالله لَا أوذيك فَقَالَت سارة اللَّهُمَّ إِن كَانَ صَادِقا فِيمَا يَقُول فَأطلق يَده فَأطلق الله يَده فوهب لَهَا هَاجر وَهِي امْرَأَة قبطية جميلَة وردهَا إِلَى إِبْرَاهِيم فَأَقْبَلت إِلَيْهِ فَلَمَّا أحس بهَا انْفَتَلَ من صلَاته فَقَالَت كفى الله كيد الْفَاجِر ووهبني هَاجر وَقد وهبتها لَك لَعَلَّ الله يرزقك مِنْهَا ولدا وَكَانَت سارة قد منعت الْوَلَد حِين أَيِست فَوَقع إِبْرَاهِيم على هَاجر فَحملت بِإِسْمَاعِيل عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 السَّلَام وَأقَام إِبْرَاهِيم بِنَاحِيَة من أَرض فلسطين بَين الرملة وايليا وَهُوَ يضيف من يَأْته وَقد أوسع الله عَلَيْهِ وَبسط لَهُ فِي الرزق وَكَانَ لوط بن هاران بن تارح ابْن أخي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الْكَشَّاف وَكَانَ لوط ابْن أُخْت إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ أول من آمن لَهُ يَوْم النَّار وَكَانَ مَعَه فِي هجرته وَهُوَ النَّبِي الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن الْمَبْعُوث إِلَى سدوم وَسَائِر الْقرى الْخمس المؤتفكة وَهِي سدوم وعمورا وَحَصُورًا وصابورا وَفِي الْكَشَّاف صيعة وصبور وعمواء ومي وسدوم وَهِي الْعُظْمَى وَذكر أَن سدوم جَمِيع مَا أَقَامَت عامرة إِحْدَى وَخمسين سنة قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ قرى قوم لوط كَانَت خمْسا أهلك الله أَرْبعا بِأَهْلِهَا وَبقيت وَاحِدَة وَهِي بِلَاد بَين تخوم الْحجاز مِمَّا يَلِي الْأُرْدُن وبلاد فلسطين إِلَّا أَن ذَلِك فِي حيّز الشَّام خراب لَا أنيس بِهِ وَلَا حسيس قَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي العرائس وَإِنَّمَا سمى لوط لِأَن حبه ليط بقلب إِبْرَاهِيم أَي تعلق ولصق فَكَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يُحِبهُ حبا شَدِيدا وَهَاجَر مَعَه إِلَى مصر وَعَاد إِلَى الشَّام فَأرْسلهُ الله إِلَى أهل سدوم الْقرْيَة الَّتِي قيل فِيهَا أجور من قَاضِي سدوم وَكَانُوا أهل كفر وفاحشة فَقَالَ لَهُم لوط أتقطعون السَّبِيل وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر وَكَانَ قطعهم السَّبِيل إتْيَان الْفَاحِشَة بِمن ورد عَلَيْهِم إِذا مر عَلَيْهِم الْمَار أمسكوه وفعلوا بِهِ اللواط وَفِي ناديهم الْمُنكر نِكَاح بَعضهم بَعْضًا وَعَن عَائِشَة كَانُوا يتحابقون فِي الْمجَالِس وَعَن ابْن عَبَّاس الْمُنكر هُوَ الْحَذف بالعصى وَالرَّمْي بالبنادق والفرقعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 للأصابع ومضغ العلك والسواك بَين النَّاس وَحل الْإِزَار والسباب وَالْفُحْش فِي المزاح وَقيل السخرية بِمن مر بهم وَقيل المجاهرة فِي ناديهم بذلك الْعَمَل يرتكبونها معالنين بهَا لَا يسْتَتر بَعضهم من بعض خلاعةً ومجانةً وانهماكاً فِي الْمعْصِيَة وَقَالُوا لم يثر ذكر على ذكر قبل قوم لوط فَقَالَ لوط {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ من الْعَالمين وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم} الشُّعَرَاء 165 166 يَعْنِي وجدكم تختصون بِهَذِهِ الْفَاحِشَة والعالمون على هَذَا القَوْل كل مَا ينْكح من الْحَيَوَان قَالَ فِي الْكَشَّاف وَمن أزواجكم يصلح أَن يكون بَيَانا لما خلق وَأَن يكون للتَّبْعِيض وَيُرَاد بِمَا خلق الْعُضْو الْمُبَاح مِنْهُنَّ وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود مَا أصلح لكم ربكُم من أزواجكم وَكَانُوا يَفْعَلُونَ مثل ذَلِك بنسائهم فَكَذبُوهُ فَلم يزدهم وعظه إِلَّا تمادياً فَسَأَلَ الله فيهم فَأرْسل الله الْمَلَائِكَة بقلب سدوم والمؤتفكات فَجعلُوا طريقهم على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَمَا لبث أَن جَاءَ بعجل حنيذ فَلم يَأْكُلُوا فأوجس مِنْهُم خيفة فَقَالَت لَهُم زَوجته سارة مالكم تمتنعون من طَعَام نَبِي الله فبشروها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب وَكَانَت سارة يَوْمئِذٍ ابْنة تسعين سنة وَإِبْرَاهِيم ابْن مائَة وَعشْرين سنة فَقَالَت (ءَأَلِدُ وَأَناْ عَجُوزٌ} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ هود 72 {فَلَمَّا ذهب عَن إِبْرَاهِيم الْوَرع} هود 74 قَالَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَي الْكبر إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} إِبْرَاهِيم 39 وسألهم فِيمَا أَتَوا فَقَالُوا أَتَيْنَا بِهَلَاك قوم لوط قَالَ إِبْرَاهِيم يَا جِبْرِيل إِن كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ بَيْتا من الْمُسلمين أتهلكهم فَقَالَ لَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم وَأَرْبَعُونَ قَالَ لَا قَالَ وَثَلَاثُونَ قَالَ لَا قَالَ وَعشرَة قَالَ لَا قَالَ وَوَاحِد قَالَ لَا {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لننجينه واهله إِلَّا امراته كَانَت من الغابرين} العنكبوت 32 فَلَمَّا وصلت الْمَلَائِكَة إِلَى لوط وهم فِي صُورَة مرد حسان الْوُجُوه رَأَوْهُ تَحت الْبَلَد يسْقِي زرعا لَهُ وَكَانَ زارعاً فَقَالُوا لَهُ هَل من قرى عنْدك اللَّيْلَة فَقَالَ إِن أهل هَذِه الْقرْيَة لعنهم الله قوم سوء ينْكحُونَ الرِّجَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَال فَمَا أَنْتُم قَالُوا نَحن عبيد وَكَانَ آخر النَّهَار فتركهم وَذهب إِلَى الْبَلَد وَقَالَ لامْرَأَته إِن كتمت عَليّ اللَّيْلَة فِي ضيوف عِنْدِي عَفَوْت عَمَّا مضى مِنْك وَكَانَت إِذا جَاءَهُ ضيف لَيْلًا توقد فَوق السَّطْح وَإِن جَاءَهُ نَهَارا تدخن عَلامَة بَينهَا وَبَين قَومهَا فوعدته الكتمان فغدا بهم وَقَالَ لَا تَمْشُوا إِلَّا فِي ظلّ الْحَائِط فَقَالُوا أمرنَا سيدنَا أَلا نسلك إِلَّا وسط الجادة فَلَمَّا وصلوا أوقدت النَّار على السَّطْح فَجَاءُوا إِلَيْهِ يهرعون كَمَا حكى الله تَعَالَى عَنْهُم ذَلِك وَقَالُوا لَهُ يَا لوط {أولم ننهك عَن الْعَالمين} الْحجر 70 فَقَالَ {يَا قوم هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} هود 78 يَعْنِي بِالتَّزْوِيجِ لأكابركم {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} هود 78 فَكَانَ من جوابهم قَوْلهم {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَناتِكَ} إِلَى آخِره هود 79 فناشدهم الرَّحِم وهم على العناد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل افْتَحْ لَهُم فَقَالَ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} هود 80 وَقَول من أَنْت قَالَ جِبْرِيل قَالَ بِمَاذَا أتيت قَالَ بهلاكهم قَالَ مَتى قَالَ {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} هود 81 فاستبطأ لوط ذَلِك فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} هود 81 فَضرب جِبْرِيل بجناحه فَأعمى كل من فِي الْمَدِينَة وَكَانَ فيهم عَابِد وعالم فَكَانَ العابد يَقُول لَهُم نَدْعُو عَلَيْهِ والعالم يُحَذرهُمْ وينهاهم عَن مُخَالفَته فَذَهَبُوا إِلَى العابد ليدعو فَدَعَا فَلم يستجب لَهُ فَذَهَبُوا إِلَى الْعَالم فَقَالَ لَهُم احْفَظُوا لوطا فَإِنَّهُ مادام فِيكُم لم ينزل عَلَيْكُم الْعَذَاب فأحاطوا بداره جَمِيعًا وَكَانَ جِبْرِيل أمره أَن يطالع لَيْلًا فَلَمَّا جَاءَ عِنْده الصُّبْح رَآهُ بَاقِيا فِي مَكَانَهُ فَقَالَ لم لَا تطلع فَاعْتَذر بِشدَّة اجْتِمَاعهم على دَاره وَأَنه لَا يُمكنهُ ذَلِك فَضرب جِبْرِيل الأَرْض بقضيب فانفتح سردات فِيهِ قضيب من نور إِلَى ظَاهر الْبَلَد فَقَالَ اتبعهُ {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصَابَهُمْ} هود 81 فَخَرجُوا مُسْرِعين فتبعتهم امْرَأَته فَسمِعت من خلفهَا هدة فالتفتت فَسَقَطت عَلَيْهَا صَخْرَة فأهلكتها وَفِي الْكَشَّاف قيل إِنَّهَا هَلَكت مَعَ من خرج من الْقرْيَة بِمَا أَمر عَلَيْهِم من الْحِجَارَة لكَونهَا راضية ومحرشة والراضي بالمعصية فِي حكم العَاصِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَأما الأمطار فَعَن قَتَادَة أمطر الله على شَدَّاد الْقَوْم حِجَارَة من السَّمَاء فأهلكتهم قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الحاصب لقوم لوط وَهِي ريح عاصف فِيهَا حَصْبَاء وَقيل ملك كَانَ يرميهم قَالَ الشريف أَبُو مُحَمَّد هَارُون المأموني لما سَمِعت الصَّوْت امْرَأَة لوط قَالَت واقوماه فأدركها حجر فَقَتلهَا لأَنهم كَانُوا قد أمطر الله عَلَيْهِم حِجَارَة من سجيل فَهَلَكت مَعَ الْقَوْم فَلَمَّا كَانَ الصُّبْح اقتلع جِبْرَائِيل أَرضهم سدوم وقراها بِمن فِيهَا وَكَانَ فِيهَا أَرْبَعَة الْألف ألف فَرَفعهَا من سبع أَرضين حَتَّى بلغ بهَا السَّمَاء وَسمع أهل السَّمَاء بنبح كلابهم وصياح ديكتهم وَلم يكفأ لَهُم إِنَاء وَلم ينتبه لَهُم نَائِم ثمَّ قَلبهَا فَعجل عاليها سافلها وأمطر الله الْحِجَارَة على من لم يكن بالقرى فأهلكهم وَكَانَ ذَلِك بعد مُضِيّ تسع وَتِسْعين سنة من عمر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَعَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ الباقر رَضِي الله عَنْهُم أَن قوم لوط كَانُوا من أفضل قوم خلقهمْ الله تَعَالَى وَكَانَ من فَضلهمْ أَنهم إِذا خَرجُوا للْعَمَل خَرجُوا بأجمعهم وَبَقِي النِّسَاء خَلفهم فحسدهم إِبْلِيس على عِبَادَتهم فَكَانُوا إِذا رجعُوا خرب إِبْلِيس مَا يعْملُونَ فرصدوه فَإِذا الَّذِي يخرب مَتَاعهمْ غُلَام حسن فَاجْتمع رَأْيهمْ على قَتله وبيتوه عِنْد رجل مِنْهُم فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل صَاح فَقَالَ لَهُ الرجل مَالك فَقَالَ كَانَ أبي ينومني على بَطْني فَلم يزل بذلك الرجل حَتَّى علمه يعْمل بِنَفسِهِ فأولاً علمه إِبْلِيس وَالثَّانيَِة علمه هُوَ ثمَّ انْسَلَّ اللعين ففر مِنْهُم فَجعل الرجل يحدث بِمَا فعل لغلام فَأَعْجَبَهُمْ فوضعوا أَيْديهم فِيهِ حَتَّى اكْتفى الرِّجَال بِالرِّجَالِ فَجعلُوا يرصدون مار الطَّرِيق يَفْعَلُونَ بِهِ حَتَّى تنكب النَّاس مدينتهم ثمَّ تركُوا نِسَاءَهُمْ وَأَقْبلُوا على الغلمان فَلَمَّا رأى إِبْلِيس أَنه قد أحكم أمره فِي الرِّجَال أَتَى إِلَى النِّسَاء وصير نَفسه امْرَأَة وَقَالَ إِن رجالكم يفعل بَعضهم بِبَعْض قَالُوا نعم وَلُوط بَعضهم حَتَّى اسْتغنى النِّسَاء بِالنسَاء فَلَمَّا كملت عَلَيْهِم الْحجَّة أرسل الله جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل فِي زِيّ غلْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 عَلَيْهِم أقبية فَمروا بلوط وَهُوَ يحدث إِلَى آخر مَا تقدم وَأما قبر لوط فَهُوَ فِي قَرْيَة تسمى كفر بريك عِنْد مَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِنَحْوِ فَرسَخ وَنقل أَن فِي المغارة الغريبة تَحت الْمَسْجِد الْعَتِيق سِتِّينَ نَبيا مِنْهُم عشرُون مُرْسلا وَهَذَا الْمَكَان مَشْهُور بِالْفَضْلِ ويزار على فَرسَخ من حرا جبل صَغِير مشرف على بحيرة زغر وبموضع قريات لوط مَسْجِد بناه أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصاحي فِيهِ مرقد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قد غاص فِي الصخر بِنَحْوِ ذِرَاع يُقَال إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما رأى قريات قوم لوط فِي الْهَوَاء وقف أَو رقد ثمَّ قَالَ أشهد أَن هَذَا هُوَ الْحق الْيَقِين فَلذَلِك سمى مَسْجِد الْيَقِين وَكَانَ بِنَاء هَذَا الْمَسْجِد فِي شهر شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة وبظاهر الْمَسْجِد مغارة بهَا قبر فَاطِمَة بنت الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم وَعند قبرها رخامة مَكْتُوب عَلَيْهَا بالكوفي // (من الْبَسِيط) // (أسكنت من كَانَ بالأحشاء مسكنهُ ... بالرّغم منّي بَين التّرب وَالْحجر) (أفديك فاطمةٌ ممّا رُميت بِهِ ... بنت الأئمّة بنت الأنجم الزّهر) ولنعد إِلَى تَمام قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ قصَّة لوط وَقعت فِي الْبَين لاتصالها بهَا اتِّصَال السّمع بِالْعينِ لما أوجس إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من الْمَلَائِكَة خيفة حِين لم يأكولا مَا قدمه لَهُم {قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ} أَي وَالْحَال أَن امْرَأَته أَي إِبْرَاهِيم ابْنة عَمه سارة {قَائِمَةٌ} تخدمهم {فَضَحِكَتْ} هود 71 تَعَجبا أَن يكون لَهَا ولد بعد بُلُوغ تسعين عَاما فالضحك على حَقِيقَته الْمَعْرُوفَة وَقَالَ مُجَاهِد وَيُمكن ضحِكت حَاضَت تَقول الْعَرَب ضحِكت الأرنب إِذا حَاضَت قَالَ السّديّ فَحملت سارة بِإسْحَاق وَكَانَت هَاجر قد وَقع عَلَيْهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بعد أَن وهبتها لَهُ سارة فَحملت بِإِسْمَاعِيل فَوَضَعَتَا فشب الغلامان فتسابقا فَسبق إِسْمَاعِيل فَأَخذه إِبْرَاهِيم وَأَجْلسهُ فِي حجره وأجلس إِسْحَاق إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 جَانِبه فَغضِبت سارة وَقَالَت عَمَدت إِلَى ابْن الْأمة فأجلسته إِلَى حجرك وعمدت إِلَى ابْني فأجلسته إِلَى جَانِبك وَأَخذهَا مَا يَأْخُذ النِّسَاء من الْغيرَة فَحَلَفت لتقطعن مِنْهَا ثَلَاثَة أَعْضَاء أَو تغيرن خلقتها ثمَّ ثاب إِلَيْهَا عقلهَا فتحيرت فِي يَمِينهَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم اخفضيها واثقبي أذنيها فَفعلت وحلت من يَمِينهَا فَصَارَ ذَلِك سنة فِي النِّسَاء والخفاض للنِّسَاء كالختان للرِّجَال ثمَّ إِنَّه تهارش إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق كَمَا يتهارش الصّبيان فَغضِبت سارة على هَاجر وَحلفت أَلا تساكنها فِي بلد وَاحِد وَطلبت من إِبْرَاهِيم على نَبينَا وَعَلِيهِ السَّلَام وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء أَن يعزلها عَنْهَا فَأوحى إِلَى إِبْرَاهِيم أَن يَأْتِي بهاجر وَابْنهَا إِلَى مَكَّة فَذهب بهَا حَتَّى قدم مَكَّة وَهِي إِذْ ذَاك عضاه وَسلم وَمَوْضِع الْبَيْت ربوة حَمْرَاء فَعمد بهَا إِلَى الْحجر بِكَسْر الْحَاء فأنزلها فِيهِ وأمرها أَن تتَّخذ فِيهِ عَرِيشًا ثمَّ انْصَرف فتبعته هَاجر فَقَالَت الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نعم قَالَت إِذن لَا يضيعنا فَرَجَعت عَنهُ وَكَانَ مَعهَا مَاء فِي شن فنفد فعطشت وعطش ابْنهَا فَنَظَرت إِلَى الْجَبَل فَلم تَرَ دَاعيا وَلَا مجيباً فَصَعدت على الصَّفَا ثمَّ هَبَطت إِلَى الْمَرْوَة وعينها من وَلَدهَا حَتَّى نزلت فِي الْوَادي فغابت عَنهُ فهرولت حَتَّى صعدت الْجَانِب الآخر فرأته فاستمرت إِلَى أَن صعدت الْمَرْوَة فَمَا رَأَتْ أحدا فترددت كَذَلِك سبعا فَعَادَت إِلَى وَلَدهَا وَقد نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَضرب بجناحه الأَرْض فنبع المَاء فَرَجَعت هَاجر إِلَيْهِ وحسبته عَن السيلان وَهِي تَقول زم زم تكررها فسميت زَمْزَم لذَلِك وَفِي لفظ النُّبُوَّة لَوْلَا انها اعجلت لكَانَتْ عينا معنيا فَشَرِبت وأرضعت ابْنهَا وَقَالَ لَهَا جِبْرِيل لَا تخافي الضَّيْعَة فَإِن هَهُنَا بَيْتا لله يبنيه هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ وَركب إِبْرَاهِيم منصرفاً من يَوْمه وَكَانَ ذَلِك بِوَحْي الله تَعَالَى قَالُوا ثمَّ مرت رفْقَة من جرهم تُرِيدُ الشَّام فَرَأَوْا طيراً تحوم على جبل أبي قبيس فَقَالُوا إِن هَذَا الطير يحوم على مَاء فتبعوه فأشرفوا على بِئْر زَمْزَم فَقَالُوا لهاجر إِن شِئْت نزلنَا مَعَك وَالْمَاء ماؤك فَأَذنت لَهُم فنزلوا مَعهَا فهم أول من سكن مَكَّة على هَذِه الرِّوَايَة لَكِن الْأَصَح أَن العمالقة أول من سكنها كَمَا ذكر ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فِي تَرْتِيب من بني الْبَيْت عبد اللَّطِيف بن أبي كثير بقوله // (من الطَّوِيل) // (بنى الْكَعْبَة الغرّاء عشرٌ ذكرتهم ... ورتّبتهم حسب الّذي أخر الثّقه) (ملائكةُ الرّحمن آدم وَابْنه ... كَذَاك خَلِيل الله ثمّ العمالقة) (وجُرْهُمُ يتلوهم قصيٌّ قريشُهم ... كَذَا ابْن زبيرٍ ثمّ حجاجُ لاحقه) وَزَاد بَعضهم فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (وَمن بعد عَام الْأَرْبَعين لقد بنى ... مرادٌ حماه اللهُ من كل طارقه) وَقد ذكر الأرزقي من خبر العمالقة مَا يَقْتَضِي سبقهمْ فِي سُكْنى مَكَّة لجرهم فَإِنَّهُ روى بِسَنَدِهِ إِلَى سيدنَا عبد الله بن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ كَانَ بِمَكَّة حَتَّى يُقَال لَهُم العماليق من نسل عمليق بن لاوذ بن سَام بن نوح وَكَانُوا فِي عز وثروة كَانَت لَهُم خيل وإبل وماشية تسْعَى حول مَكَّة وَكَانَت العضاه ملتفة وَالْأَرْض مبقلة وَكَانُوا فِي عَيْش رخيٍّ فبغوا فِي الأَرْض وأسرفوا على أنفسهم وأظهروا الظُّلم والإلحاد وَتركُوا شكر الله تَعَالَى وَكَانُوا يكرون الظل ويبيعون المَاء فسلبوا النِّعْمَة وأخرجهم الله من مَكَّة بِأَن سلط الله عَلَيْهِم النَّمْل حَتَّى خَرجُوا من الْحرم ثمَّ ساقهم الجدب حَتَّى الحقهم بمساقط رُءُوس ابئهم بِبِلَاد الْيمن فَتَفَرَّقُوا وهلكوا انْتهى وَلما نزلُوا على زَمْزَم أهدوا إِلَيْهَا عشرا من الْغنم فَيُقَال إِن جَمِيع أَغْنَام بني إِسْمَاعِيل من نسل تِلْكَ الْعشْرَة وَتوفيت هَاجر أم إِسْمَاعِيل وقبرها فِي الْحجر فَتزَوج إِسْمَاعِيل من جرهم فَتكلم بلسانهم فَيُقَال لبني إِسْمَاعِيل الْعَرَب المستعربة وَيُقَال لجرهم وقحطان الْعَرَب العاربة وَيُقَال لطسم وجديس وعبيل الْعَرَب البائدة لأَنهم بادوا وهلكوا جَمِيعًا قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي مروجه بَنو نزار تنكر تعلم إِسْمَاعِيل الْعَرَبيَّة من جرهم وتدعي أَن الله تَعَالَى علمه ههذ اللُّغَة قَالُوا ولغة جرهم غير هَذِه اللُّغَة وَنحن نؤيد ذَلِك فقد وجدنَا لُغَة بني قحطان تخَالف لُغَة بني نزار وَذَلِكَ يَقْتَضِي إبِْطَال قَول من قَالَ إِن إِسْمَاعِيل أعرب بلغَة جرهم انْتهى مَا قَالَه المَسْعُودِيّ قَالَ التقي الفاسي رَحمَه الله قَالَ ابْن هِشَام بعد أَن ذكر أَن قبرها وقبر ابْنهَا جعلا فِي الْحجر عِنْد الْكَعْبَة مَا نَصه تَقول الْعَرَب هَاجر وآجر فيبدلوا الْألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 من الْهَاء كَمَا قَالُوا فِي هراق المَاء وأراق المَاء وَهَاجَر من أهل مصر وَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن وهب عَن عبد الله بن لَهِيعَة عَن عمر مولى غفرة أَن رَسُول الله قَالَ الله الله فِي أهل الذِّمَّة أهل الدرة السود السحم الجعاد فَإِن لَهُم نسبا وصهراً قَالَ عمر مولى غفرة نسبهم لِأَن أم إِسْمَاعِيل مِنْهُم وصهرهم أَن رَسُول الله تسرى فيهم قَالَ ابْن لَهِيعَة أم إِسْمَاعِيل هَاجر من قَرْيَة كَانَت أَمَام الفرما من مصر والفرما مَدِينَة تنْسب إِلَى صَاحبهَا الَّذِي بناها وَهُوَ الفرما بن فيلفوس وَقيل ابْن فيلبس وَمَعْنَاهُ محب الْفرس انْتهى وَقَالَ الْعَلامَة أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف كَانَت هَاجر لملك الْأُرْدُن واسْمه صارون فِيمَا ذكره القتيبي دَفعهَا إِلَى سارة حِين أَخذ سارة من إِبْرَاهِيم إعجاباً مِنْهُ بجمالها فصرع مَكَانَهُ لما أَرَادَ الدنو إِلَيْهَا فَقَالَ ادعِي الله أَن يُطلقنِي الحَدِيث كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَهَذَا الحَدِيث مَشْهُور فِي الصِّحَاح فأرسلها وأخدمها بهاجر فوهبتها سارة لإِبْرَاهِيم وَكَانَت هَاجر قبل ذَلِك بنت ملك من مُلُوك القبط بِمصْر والقبط أَوْلَاد قبط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَذكر من حَدِيث سيف بن عمر أَن عَمْرو بن الْعَاصِ حِين حاصر مصر قَالَ لأَهْلهَا إِن نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد وعدنا بِفَتْحِهَا وَقد أمرنَا أَن نستوصي بِأَهْلِهَا خيرا فَإِن لَهُم نسبا وصهرا فَقَالُوا هَذَا انسب لَا يحفظ حَقه إِلَّا نَبِي لِأَنَّهُ نسب بعيد وَصدق كَانَت أمكُم امْرَأَة لملك من مُلُوكنَا فحاربنا أهل عين الشَّمْس فَكَانَت لَهُم علينا دولة فَقتلُوا الْملك واحتملوها فَمن هُنَالك تصيرت إِلَى أبيكم إِبْرَاهِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 قلت وَقَول السدى فِيمَا تقدم إِن سَبَب إِخْرَاج إِبْرَاهِيم هَاجر إِلَى الْحرم إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب غضب سارة على هَاجر حِين تسابق الغلامان وَسبق إِسْمَاعِيل إِسْحَاق ولإقعاد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِسْمَاعِيل فِي حجره وإقعاد إِسْحَاق إِلَى جَانِبه وَقَول سارة عَمَدت إِلَى ابْن الْأمة فأجلسته فِي حجرك إِلَى آخِره لَيْسَ بِصَحِيح وَكَذَا قَوْله تهارش إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق كَمَا يتهارش الصّبيان فَغضِبت لَيْسَ بِصَحِيح بل الصَّحِيح أَن سَبَب إخْرَاجهَا مَحْض الْغيرَة كَمَا رَأَيْته فِي غَالب كتب السّير ثمَّ إِنَّه ذكر أَن إِسْمَاعِيل كَانَ طفْلا إِذا ذَاك لَا يهارش وَلَا يسابق انْتهى وَذكر النَّوَوِيّ والسهيلي أَنَّهَا مَاتَت وَسن وَلَدهَا إِسْمَاعِيل عشرُون سنة وروى الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن إِسْحَاق أَن إِبْرَاهِيم لما أَمر بِبِنَاء الْبَيْت أقبل من أرمينية على الْبراق حَتَّى انْتهى إِلَى مَكَّة وَبهَا إِسْمَاعِيل وعمره يَوْمئِذٍ عشرُون سنة وَقد توفيت أمه قبل ذَلِك وَهَذَا يَقْتَضِي أَن أمه توفيت وسنه دون عشْرين لِأَنَّهَا مَاتَت قبل قدوم إِبْرَاهِيم وَقدم إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل ابْن عشْرين سنة ثمَّ إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَأْذن سارة فِي زِيَارَة ابْنه وَأمه فَأَذنت لَهُ واشترطت أَلا ينزل عِنْدهَا فَقدم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَقد مَاتَت هَاجر فَأتى بِبَيْت إِسْمَاعِيل فَوجدَ امْرَأَته فَقَالَ لَهَا أَيْن صَاحبك فَقَالَت ذهب يتصيد وَكَانَ إِسْمَاعِيل يخرج من الْحرم إِلَى الْحل فيصيد مَا يتعيش بِهِ فَقَالَ لَهَا هَل عنْدك ضِيَافَة من طَعَام أَو شراب قَالَت لَيْسَ عِنْدِي شَيْء فَقَالَ لَهَا إِذا جَاءَ زَوجك فَأَقْرئِيهِ مني السَّلَام وَقَوْلِي لَهُ غير عتبَة بَيْتك وَذهب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَت لَهُ جَاءَنِي رجل شيخ صفة كَذَا وَكَذَا أَقْرَأَك السَّلَام وَقَالَ غير عتبَة بَيْتك فَقَالَ لَهَا الحقي بأهلك وَتزَوج غَيرهَا فَمَكثَ إِبْرَاهِيم مُدَّة ثمَّ اسْتَأْذن فِي الزِّيَارَة فجَاء إِلَى مَكَّة وَقدم على منزل إِسْمَاعِيل فَوَجَدَهُ غَائِبا فِي الصَّيْد كَذَلِك فَقَالَ لامْرَأَته أَيْن ذهب صَاحبك قَالَت ذهب يتصيد ورحبت بِهِ وَقَالَت لَهُ اجْلِسْ يَرْحَمك الله وجاءته بِلَحْم وَلبن وَمَاء فَأكل وَشرب وَقَالَت لَهُ يَا عَم هَلُمَّ حَتَّى أغسل رَأسك وأزيل شعثك وَجَاءَت بِحجر قيل هُوَ حجر الْمقَام الَّذِي بنى عَلَيْهِ الْكَعْبَة بعد فَجَلَسَ عَلَيْهِ فغاصت رِجْلَاهُ فِي الْحجر فغسلت شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر ثمَّ أفاضت المَاء على رَأسه وبدنه إِلَى أَن فرغت فَتوجه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 عِنْدهَا وَقَالَ لَهَا إِذا جَاءَ صَاحبك فَأَقْرئِيهِ مني السَّلَام وَقَوْلِي لَهُ قد استقامت عتبَة بَيْتك فالزمها فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل وجد رَائِحَة أَبِيه فَقَالَ لَهَا هَل جَاءَك أحد قَالَت نعم جَاءَنِي شيخ من أحسن النَّاس وَجها وأطيبهم ريحًا فأضفته وسقيته وغسلته وَهَذَا مَوضِع قَدَمَيْهِ وَحين توجه قَالَ لي أقرئي صَاحبك مني السَّلَام وَقَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ إِسْمَاعِيل نعم أَمرنِي أَن أثبت مَعَك وَقبل مَوضِع قدمي أَبِيه من الْحجر وَحفظه يتبرك بِهِ إِلَى أَن بنى فِيمَا بعد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْكَعْبَة ثمَّ بعد ذَلِك قدم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى مَكَّة وَبنى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فَلَمَّا فرغ من بنائها أمره الله أَن يُؤذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ فَقَالَ يَا رب وَمَا عَسى أَن يبلغ مدى صوتي فَقَالَ تَعَالَى عَلَيْك النداء وعلينا الْبَلَاغ فَصَعدَ على جبل ثبير وَقيل فِي الْحجُون وَقيل على ظهر الْكَعْبَة ونادى يَا عباد الله إِن ربكُم قد بنى بَيْتا وأمركم أَن تحجوه فحجوا وأجيبوا دَاعِي الله فَأَسْمع صَوته جَمِيع من فِي الدُّنْيَا سيول مِمَّن وَمن هُوَ فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام الْأُمَّهَات فَأَجَابَهُ من سبق فِي علم الله أَنه سيحج لبيْك ليبك وَكَانَ حج من حج بِعَدَد تلبيته السَّابِقَة إِن خمْسا فَخمس أَو عشرا فعشر أَو أقل أَو أَكثر فبحسبه فسبحان الْقَدِير على كل شَيْء لَا إِلَه إِلَّا غَيره قَالَ فِي الْأَعْلَام روى كَعْب الْأَحْبَار عَن رجال قَالُوا لما رأى إِبْرَاهِيم فِي الْمَنَام أَنه يذبح ابْنه وَتحقّق أَنه أَمر ربه قَالَ لِابْنِهِ يَا بني خُذ المدية وَالْحَبل وَانْطَلق بِنَا إِلَى هَذَا الشّعب لنحتطب لأهلنا فَأخذ الْمَدِينَة وَالْحَبل وَتبع وَالِده فتمثل الشَّيْطَان رجلا فَأتى أم الْغُلَام فَقَالَ أَتَدْرِينَ أَيْن ذهب إِبْرَاهِيم بابنك قَالَت ذهب ليحتطب لنا من هَذَا الشّعب فَقَالَ لَهَا الشَّيْطَان لَا وَالله مَا ذهب إِلَّا ليذبحه قَالَت كلا هُوَ أشْفق مني عَلَيْهِ وَأَشد حبا قَالَ إِنَّه يزْعم أَن الله أمره بذلك قَالَت فَإِن كَانَ الله أمره بذلك فليطع أمره فَخرج الشَّيْطَان حَتَّى أدْرك الابْن على أثر أَبِيه وَهُوَ يمشي فَقَالَ يَا غُلَام أَتَدْرِي أَيْن يذهب بك أَبوك قَالَ نحتطب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 لأهلنا من هَذَا الشّعب قَالَ كلا زعم أَن الله أمره بذبحك فَقَالَ الْغُلَام فَلْيفْعَل مَا أمره الله بِهِ وسمعاً وَطَاعَة لأمر الله تَعَالَى فَأقبل الشَّيْطَان على إِبْرَاهِيم فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ أَيهَا الشَّيْخ بِهَذَا الْغُلَام قَالَ أُرِيد هَذَا الشّعب لحَاجَة لي فِيهِ فَقَالَ لَهُ إِنِّي أرى الشَّيْطَان خدعك بِهَذَا الْمَنَام الَّذِي رَأَيْته وَأَنَّك تذبح ولدك وفلذة كبدك فتندم بعد حَيْثُ لَا ينفعك النَّدَم فَعرفهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ إِلَيْك عني يَا مَلْعُون وَالله لأمضين لأمر رَبِّي فنكص إِبْلِيس على عَقِبَيْهِ بخزيه وغيظه وَلم ينل من إِبْرَاهِيم شَيْئا وَيُقَال إِن مَوَاضِع الْجمار الثَّلَاث هِيَ مَوَاقِف الشَّيْطَان الَّتِي رجمه إِسْمَاعِيل فِيهَا لما اعْتَرَضَهُ للغواية بَقِي الرَّجْم إِلَيْهَا سنة فِي شرعنا دحضاً للشَّيْطَان فَلَمَّا خلا بِهِ إِبْرَاهِيم فِي الشّعب وَيُقَال كَانَ ذَلِك فِي ثبير قلت الْمَشْهُور فِي ثبير أَنه المطل على مَسْجِد الْخيف والمنحر الْمَشْهُور فِي سفحه وَتَصِح الرِّوَايَة فَإِن الْمُقَابل يُقَال لَهُ ثبير رم نَص عَلَيْهِ الْعَلامَة الفاسي وَغَيره وعدها سَبْعَة أثبرة وَبَينهَا انْتهى وَلما خلا بِهِ فِي الشّعب قَالَ لَهُ {يَا بني إِنّي أَرَى فِي الْمَنَامِ} الْآيَة الصافات 102 فَحدثت أَن إِسْمَاعِيل قَالَ لَهُ عِنْد ذَلِك يَا أبتاه إِذا أردْت ذبحي فاشدد وثاقي لَا يصيبك من دمي فينقص أجري فَإِن الْمَوْت شَدِيد وَلَا آمن أَن أَضْطَرِب عِنْده إِذا وجدت مَسّه واستحد شفرتك حَتَّى تجهز عَليّ فَإِن أَنْت أضجعتني فَاكْفِنِي على وَجْهي وَلَا تضجعني لشقي فَإِنِّي أخْشَى إِن نظرت إِلَى وَجْهي أَن تدركك الرأفة فتحول بَيْنك وَبَين أَمر رَبك وَأَن ترد قَمِيصِي إِلَى أُمِّي فَعَسَى أَن يكون إسلاء لَهَا مَا بَقِي فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم نعم العون أَنْت يَا بني على أَمر الله فَيُقَال إِنَّه ربطه بالحبل كَمَا أمره فأوثقه ثمَّ حد شفرته ثمَّ تله للجبين أَي صرعه إِلَى الأَرْض وَاتَّقَى النّظر إِلَى وَجهه ثمَّ أَدخل الشَّفْرَة حلقه فقبلها جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي يَده ثمَّ اجتذبها إِلَيْهِ {وناديته أَن يَا إِبْرَاهِيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} الْآيَة الصافات 105 فَهَذِهِ ذبيحتك فدَاء لابنك فاذبحها دونه وَأَتَاهُ بكبش من الْجنَّة قَالَ العاكهي ذكر أهل الْكتاب وَكثير من الْعلمَاء أَن الْكَبْش الَّذِي فدى بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 إِسْمَاعِيل هُوَ الْكَبْش المقتبل من قرْبَان ابْني آدم قابيل وهابيل حِين قربا قرباناً وَهُوَ الَّذِي قربه هابيل كَمَا فِي الْآيَة الشَّرِيفَة روى ذَلِك بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس فَانْظُر رَحِمك الله إِلَى طَاعَة هَذَا الْوَالِد لأمر الله تَعَالَى من ذبح قُرَّة عينه وَقطعَة كبده وَإِلَى طَاعَة هَذَا الْوَلَد لأمر وَالِده وانقياده لذَلِك رَاضِيا مستسلماً باذلاً روحه لله تَعَالَى وَانْظُر إِلَى هَذِه الوالدة الشفيقة الرحمية وإطاعتها لأمر الله تَعَالَى وَأمر زَوجهَا انْتهى ثمَّ ولد لإسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام من زَوجته آسِيَة بنت مضاض بن عَمْرو الجرهمي اثْنَا عشر رجلا مِنْهُم نابت أَو نبت وقيدار ويطور قَالَ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ ولد لإسماعيل بن إِبْرَاهِيم اثْنَا عشر رجلا نابت وقيدار وأدبيل ومبسام ومسمع وماشي ودوما وأذر وتيماء ويطور ونبش وقيذما كلهم من آسِيَة وَقيل رعلة بنت مضاض بن عَمْرو الجرهمي وَكَانَ أكبرهم نابت وَقَالَ السُّهيْلي أكبرهم قيدار وَرَأَيْت للبكرى مَا هُوَ صِيحَ أَن دومة الجندل الْبَلَد الْمَعْرُوفَة بلد أكيدر الَّتِي غَزَاهَا خَالِد بن الْوَلِيد عرفت بدوما بن إِسْمَاعِيل وَكَانَ نزلها فَلَعَلَّ ذَلِك مغير مِنْهُ وَذكر أَن الطّور سمى بيطور بن إِسْمَاعِيل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَعَلَّه مَحْذُوف الْيَاء إِن كَانَ يَصح مَا قَالَه وَأما الَّذِي قَالَه أهل التَّفْسِير فِي الطّور فَهُوَ كل جبل ينْبت الشّجر فَإِن لم ينْبت شَيْئا فَلَيْسَ بطور وَفِي كتاب التيجان قَالَ وهب حَدثنِي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر النَّبِيين وَسلم دخل ذَات يَوْم وعَلى عُنُقه قيدار بن إِسْمَاعِيل صَغِيرا فجَاء إِلَيْهِ يَعْقُوب وعيص ابْنا ابْنه إِسْحَاق فَأَخذهُمَا إِلَى صَدره فَنزلت رجل قيدار الْيُمْنَى على رَأس يَعْقُوب وَرجله الْيُسْرَى على رَأس عيص فَغضِبت أمهما فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تغضبي فَإِن أرجل أَوْلَاد هَذَا الَّذِي على عنقِي على رُؤُوس هَؤُلَاءِ بِمُحَمد انْتهى وَخبر ابْن عَبَّاس هَذَا يدل على أَن نسب عدنان يرجع إِلَى قيدار بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ الَّذِي رَجحه السُّهيْلي وجماعات لَا إِلَى نابت بن إِسْمَاعِيل وعاش إِسْمَاعِيل مائَة وَثَلَاثِينَ عَاما وَمَات وَدفن بِالْحجرِ مَعَ أمه وعمود النّسَب المحمدي قيدار وَكَانَ هُوَ الْملك فِي زَمَانه بعد إِسْمَاعِيل وَكَانَ هُوَ صَاحب إبل إِسْمَاعِيل وَهُوَ معنى قيدار ثمَّ ولد لقيدار زيد وَهُوَ الهميسع ثمَّ ولد للهميسع أدد ثمَّ ولد لأدد أد ثمَّ ولد لأد عدنان قَالَ الْعَلامَة أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي فِي شَرحه لسيرة ابْن هِشَام الْمُسَمّى بالروض الْأنف قَالَ القتيبي وَمَا فَوق عدنان إِلَى إِسْمَاعِيل من الْأَسْمَاء مُضْطَرب فِيهِ فَالَّذِي صَحَّ عَن رَسُول الله أَنه انتسب إِلَى عدنان لم يتجاوزه بل قد روى من طَرِيق ابْن عَبَّاس أَنه لما بلغ عدنان قَالَ كذب النسابون مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وروى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِنَّمَا ننسب إِلَى عدنان وَمَا فَوق ذَلِك لَا نَدْرِي مَا هُوَ وَأَصَح شَيْء يرْوى فِيمَا فَوق عدنان إِلَى إِسْمَاعِيل مَا ذكره الدولابي أَبُو بشر من طَرِيق مُوسَى بن يَعْقُوب عَن عبد الله بن وهب بن زَمعَة الزمعِي عَن عتمه عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي عَن النَّبِي أَنه قَالَ معد بن عدنان بن أدد بن زند بالنُّون بن اليرى بن أعراق الثرى قَالَت أم سَلمَة فزند هُوَ الهميسع واليرى هُوَ نبت وأعراق الثرى هُوَ إِسْمَاعِيل لِأَنَّهُ ابْن إِبْرَاهِيم وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 السَّلَام لم تَأْكُله النَّار كَمَا أَن النَّار لَا تَأْكُل الثرى وَأَصْحَاب الْأَخْبَار لَا يَخْتَلِفُونَ فِي بعد الْمدَّة بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل ويستحيل فِي الْعَادة أَن يكون بَينهمَا أَرْبَعَة آبَاء أَو سَبْعَة كَا ذكره ابْن إِسْحَاق أَو عشرَة أَو عشرُون فَإِن الْمدَّة أطول من ذَلِك كُله وَذَلِكَ أَن معد بن عدنان كَانَ فِي مُدَّة بخت نصر ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَذكر أَن الله تَعَالَى أوحى فِي ذَلِك الزَّمَان إِلَى إرميا بن حلقيا أَن اذْهَبْ إِلَى بخت نصر فَأعلمهُ أَنِّي قد سلطته على الْعَرَب واحمل معداً على الْبراق كَيْلا تصيبه النقمَة فيهم فَإِنِّي مستخرج من صلبه نَبيا كَرِيمًا أختم بِهِ الرُّسُل فَاحْتمل معداً على الْبراق إِلَى أَرض الشَّام فَنَشَأَ فِي بن إِسْرَائِيل وَتزَوج امْرَأَة هُنَاكَ اسْمهَا معانة بنت جوشن من بني ريث بن جرهم وَيُقَال إِن اسْمهَا ناعمة وَبَينه وَبَين إِبْرَاهِيم فِي ذَلِك النّسَب نَحْو من أَرْبَعِينَ جدا وَقد ذكرهم كلهم أَبُو الْحسن المَسْعُودِيّ على اضْطِرَاب فِي الْأَسْمَاء وتغيير فِي الْأَلْفَاظ وَلذَلِك وَالله أعلم اعْرِض النَّبِي عَن رفع نسب عدنان إِلَى إِسْمَاعِيل لما فِيهِ من التَّخْلِيط والتغيير للألفاظ وعواصة تِلْكَ الْأَسْمَاء مَعَ قلَّة الْفَائِدَة فِي تَحْصِيلهَا ثمَّ ولد لعدنان ابْنَانِ معد وَهُوَ عَمُود النّسَب المحمدي وعك وَكَانَ رُجُوع معد إِلَى أَرض الْحجاز بعد مَا رفع الله بأسه عَن الْعَرَب وَرجعت بقاياهم الَّتِي كَانَت فِي الشواهق إِلَى محالهم ومياههم بعد أَن دوخ بِلَادهمْ بخت نصر وَخرب الْمَعْمُور واستأصل أهل حُضُور وهم الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي قَوْله {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} الْآيَة الْأَنْبِيَاء 11 وَذَلِكَ لقتلهم شُعَيْب بن ذِي مهدم أرْسلهُ الله إِلَيْهِم وقبره بصر جبل بِالْيمن وَلَيْسَ بشعيب الأول صَاحب مَدين وَكَذَلِكَ أهل عدن قتلوا نَبيا لَهُم اسْمه حَنْظَلَة بن صَفْوَان فَكَانَ سطوة الله بالعرب لذَلِك نَعُوذ بِاللَّه من غَضَبه وأليم عِقَابه واشتقاق عدنان من عدن بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ ولعدنان ابْنَانِ آخرَانِ عكك وَعَمْرو واشتقاق معد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أقربها من الْمعد بِسُكُون الْعين وَهُوَ الْقُوَّة ثمَّ ولد لمعد نزار وقضاعة وقنص وإياد لَكِن الْمَشْهُور فِي قضاعة أَنه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 القحطانية لَا العدنانية شَاهد ذَلِك قَول الشَّاعِر // (من الرجز) // (نَحن بَنو الشّيخ الهجان الْأَزْهَر ... قُضاعة بن مَالك بن حِمير) إِلَّا أَن يكون كَذَلِك سمى ونزار هُوَ عَمُود النّسَب المحمدي وَهُوَ اسْم نقل من النزر وَهُوَ الْقَلِيل وَكَانَ معد حِين ولد لَهُ نذال وَنظر إِلَى نور النُّبُوَّة الَّذِي كَانَ ينْتَقل فِي الأصلاب إِلَى عبد الله فَرح فَرحا شَدِيدا وَنحر جزائر كَثِيرَة وَأطْعم وَقَالَ إِن هَذَا كُله نزر لحق هَذَا الْمَوْلُود وَقيل سَبَب التَّسْمِيَة قَول كسْرَى الأول حِين وَفد إِلَيْهِ أَي ابْن كسى فَضَائِل بيسار وجسم نزار فَالله أعلم أيا كَانَ ذَلِك ثمَّ ولد لنزار أَرْبَعَة مُضر وَهُوَ عَمُود النّسَب المحمدي وَرَبِيعَة وإياد وأنمار وَمُضر هُوَ أول من سنّ للْعَرَب حداء الْإِبِل وَكَانَ أحسن النَّاس صَوتا وَفِي الحَدِيث لَا تسبوا مُضر وَلَا ربيعَة فَإِنَّهُمَا كَانَا مُؤمنين ذكره الزبير بن أبي بكر قَالَ صَاحب تَارِيخ الْخَمِيس توفى نزار عَن بنيه الْأَرْبَعَة وهم مُضر وَرَبِيعَة وإياد وأنمار تخالفوا فِي قسْمَة مخلفه وَكَانَ قد قَالَ لَهُم إِن اختلفتم فِي ذَلِك فَعَلَيْكُم بالأفعى الجرهمي وَكَانَ بِنَجْرَان فَذَهَبُوا إِلَيْهِ وَكَانَ ذَا رَأْي وحنكة فَلَمَّا كَانُوا بأثناء الطَّرِيق إِذا هم بأثر بعير فَقَالَ مُضر هَذَا الْبَعِير أَزور وَقَالَ ربيعَة وأعور وَقَالَ إياد وأبتر وَقَالَ أَنْمَار وشرود ثمَّ سَارُوا فوجدوا صَاحب الْبَعِير يَطْلُبهُ فِي الشعاب والدحال فَقَالُوا لَهُ بعيرك أَزور فَقَالَ نعم قَالُوا فأبتر قَالَ نعم قَالُوا وأعور قَالَ نعم قَالُوا وشرود قَالَ نعم فَلم يشك الرجل أَنهم غرماؤه فلازمهم إِلَى أَن وصلوا إِلَى الأفعى الجرهمي فَقَالَ صَاحب الْبَعِير لَا ادعك أَيهَا الشَّيْخ أَو تحكم بَين وَبَين هَؤُلَاءِ اللُّصُوص ذهب بعير لي فالتمسته فَإِذا وَصفه عِنْد هَؤُلَاءِ الرِّجَال فهم الفعلة فَسَأَلَهُمْ الأفعى عَن الْبَعِير فَأَقْسَمُوا أَنهم لم يرَوا الْبَعِير وَلَا علم لَهُم بِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا قُلْنَاهُ بالذكاء والفطنة وفقال مُضر أما أَنا فَرَأَيْت إِحْدَى يَدَيْهِ ثَابِتَة الْوَطْأَة صَحِيحَة الْأَثر وَرَأَيْت الْأُخْرَى غير ثَابِتَة الْوَطْأَة فَاسِدَة الْأَثر فَعمِلت أَنه أَزور لاعتماده على إِحْدَى يَدَيْهِ بِشدَّة فأثرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 فِي الأَرْض تَأْثِيرا ظَاهرا وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا وَقَالَ ربيعَة علمت أَنه اعور لِأَنِّي رَأَيْت رعيه فِي الفلاة لجِهَة وَاحِدَة وَقَالَ إياد رَأَيْت مبركه فَنَظَرت إِلَى روثه مجتمعاً تَحت الْمخْرج فَعلمت أَنه أَبتر وَلَو كَانَ ذيالاً لمصع بِهِ يمنة ويسرة وَقَالَ أَنْمَار رَأَيْته بَيْنَمَا هُوَ فِي قطعه مخصبة إِذْ تَركهَا وتجاوزها إِلَى قِطْعَة أُخْرَى دونهَا فَعلمت أَنه شرود يذكر الطّلب فيدع المرعى الخصيب حذاراً فَقَالَ الأفعى للرجل التمس بعيرك فليسوا بِأَصْحَابِهِ ثمَّ ذكرُوا للأفعى مخلف أَبِيهِم نزار وَأَخْبرُوهُ بأَمْره إيَّاهُم بِالرِّضَا بقسمته بَينهم فَقَالَ الْقبَّة الْحَمْرَاء وَمَا اشببهها فَهُوَ لمضر فَقيل لأولاده مُضر الْحَمْرَاء وَالْفرس الخضراء وَمَا اشبهها من سلَاح واثاث فَهُوَ لِرَبِيعَة فَقيل ربيعَة الْفرس والناقة الصَّفْرَاء وَمَا أشبههَا من الْبَقر وَالْغنم لإياد فَقيل لأولاده إياد النعم وَمَا فضل من نقد وأثاث وَسلَاح لأنمار فَقيل لأولاده أَنْمَار الْفضل وَكَانَ الأفعى قد أضافهم ثَلَاثَة أَيَّام ذبح لَهُم الذَّبَائِح وسقاهم الْخمر وَقد دس إِلَيْهِم من يُوصل إِلَيْهِ خبرهم غير عَالمين بِهِ فمما سمع مِنْهُم قَول مُضر مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ لَحْمًا قطّ إِلَّا أَنه غذى بِلَبن كلبة وَقَالَ ربيعَة مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ خمرًا قطّ إِلَّا أَن كرمتها نَبتَت على قبر وَقَالَ إياد مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ خبْزًا قطّ إِلَّا أَن الَّتِي عجنته حَائِض وَقَالَ أَنْمَار مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا سرياً قطّ لَوْلَا أَنه ينْسب إِلَى غير أَبِيه فَذهب الرجل إِلَيْهِ فَأخْبرهُ بقَوْلهمْ فَكلم خدمه عَن الشَّاة الَّتِي ذبحوها لَهُم فَقَالُوا كَانَت تدجن عندنَا فَولدت كلبة لنا فارتضعت هَذِه الشَّاة مِنْهَا فَجَاءَت اسمن الْغنم فاختزناها لفرط سمنها ثمَّ سَأَلَ صَاحب حانته عَن الْخمر فَقَالَ هِيَ من كرمة على قبر أَبِيك أغذى الْكَرم عنباً ثمَّ سَأَلَ العاجنة فَوَجَدَهَا حَائِضًا ثمَّ دخل على أمه فَسَأَلَهَا وتهددها على الْجحْد وأمنها على الصدْق فَقَالَت إِن أَبَاك الْملك المطاع فِي قومه لم يرْزق ولدا فَخَشِيت ضيَاع الْملك فمكنت الخباز من نَفسِي فَوَقع عَليّ فَأتيت بك فَخرج إِلَى الْقَوْم وسألهم بِمَ علمْتُم ذَلِك فَقَالَ مُضر رَأَيْت اللَّحْم فَوق الشَّحْم فَعلمت أَنه غذى بِلَبن كلبة فَكَذَلِك لُحُوم الْكلاب فَوق شحومها وَقَالَ ربيعَة إِن الْخمر تحدث أنسا فَرَأَيْت من هَذِه حزنا فَعلمت أَنَّهَا اكْتسبت من ثرى الْقَبْر حزنا وَقَالَ إياد علمت أَن العاجنة حَائِض لِأَنِّي رَأَيْت الخبزة غير مسغسغ بَاطِنهَا فِي الثَّرِيد بل ظَاهرهَا وَقَالَ أَنْمَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 رَأَيْتُك قدمت لنا الطَّعَام وَلم تحضر مَعنا عَلَيْهِ لغير شاغل فَعلمت أَن هَذَا من لؤم الْآبَاء وَمن أنتسب إِلَيْهِ كريم لَا لئيم فَقضيت بذلك عَلَيْك فَقَالَ الأفعى ارحلوا فَمَا أَنْتُم إِلَّا شياطين فَرَجَعُوا إِلَى مَنَازِلهمْ فَلَمَّا ضوت الرُّعَاة بإبلهم وتعشوا قَامَ مُضر يوصى رُعَاة الْإِبِل وَفِي يَد أَنْمَار عظم يتعرقه فدحى بِهِ فِي ظلمَة اللَّيْل وَهُوَ لَا يبصر فَأصَاب عين أَخِيه مُضر ففقأها وَصَاح مُضر عَيْني عَيْني وَاضِعا يَده عَلَيْهَا وتشاغل بِهِ أَخَوَاهُ فَركب أَنْمَار بَعِيرًا من كرائم الْإِبِل فلحق بديار الْيمن وَولد لَهُ بجيلة وخثعم فَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَب لسكناه الْيمن وتدير بنيه إِيَّاهَا والمنشأ للِاخْتِلَاف فِي نِسْبَة أَنْمَار وإدخاله فِي نسب الْيمن وَالصَّحِيح مَا ذكرنَا وَثمّ ولد لمضر ابْنَانِ إلْيَاس وَقيس غيلَان بِالْمُعْجَمَةِ وَقيل بِالْمُهْمَلَةِ وَقيل إِن قيسا ابْن إلْيَاس لَا أَخ لَهُ وَفِي اشتقاق إلْيَاس أَقْوَال مِنْهَا أَنه من الألس وَهُوَ اخْتِلَاط الْعقل وَمِنْهَا أَنه من الألس وَهُوَ الخديعة وَثَالِثهَا وَهُوَ الأرحج أَنه من قَوْلهم رجل أَلَيْسَ إِذا كَانَ شجاعاً لَا يفتر قَالَ العجاج // (من الرجز) // (أليسَ عنْ حوبائِه سَخيّ ... ) وإلياس عَمُود النّسَب المحمدي ثمَّ تزوج بخندف وَاسْمهَا ليلى أَو سلمى بنت حلوان بن الحاف بن قاضعة فولد لَهُ مِنْهَا ثَلَاثَة أَوْلَاد عَمْرو وعامر وَعُمَيْر فنشبوا وشبوا فِي حَيَاة والديهم فاعترضت ذَات يَوْم أرنب فِي إبل إلْيَاس فنفرت فَخرج عَمْرو وعامر وأبوهما إلْيَاس فَأدْرك عَمْرو الْإِبِل فَردهَا فلقب مدركة وَلحق عَامر الأرنب فذبحها وطبخها فلقب طابخة وَأما عُمَيْر فَلم يخرج من الْبَيْت وانقمع فِيهِ أَي أَقَامَ فلقب قمعة فَلَمَّا أقبل هُوَ وابناه عَمْرو وعامر إِذا بأمهما سملى تمشي فَقَالَ لَهَا إِلَى أَيْن تخندفين فَقَالَت مازلت أخندف فِي أثركم فلقبت خندفاً ثمَّ أطْلقُوا هَذَا اللَّفْظ على الْقَبِيلَة كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد فِي إِطْلَاق اسْم جد الْقَبِيلَة عَلَيْهَا نَفسهَا قَالَت هِنْد ابْنة عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 منَاف بن قصي ترثي أَبَاهَا حِين قتل يَوْم بدر // (من التقارب) // (أيا عين بكّى بدمع سرِب ... على خير خندف لم ينقلبِ) (تداعى لَهُ رهطه غدْوَة ... بَنو هاشمٍ وبهو المطلبِ) (يُذيقونه حدَّ أسيافهم ... يجرّونه عَارِيا قد سُلب) ذكره ابْن هِشَام فِي سيرته والخندف مشْيَة فِيهَا تممد وَتعطف بِنَوْع بطر وإسراع ثمَّ ولد لمدركة خُزَيْمَة تَصْغِير وَاحِدَة الخزم وَهُوَ مثل الدوم يتَّخذ من سعفه الحبال وتصنع من أسافله خلايا للنحل وَله ثَمَر لَا يَأْكُلهُ النَّاس وَلَكِن تتأنفه الْغرْبَان وتستطيبه ثمَّ ولد لخزينة كنَانَة ثمَّ تزوج كنَانَة برة بنة مر أُخْت تَمِيم بن مر ذكره ابْن قتية فِي كتاب المعارف فأولدها النَّضر ثمَّ تزوج النَّضر هنداً بنت عدوان بن عَمْرو بن قيس عيلان فأولدها مَالِكًا ثمَّ تزوج مَالك جندلة بنت الْحَارِث الجرهمي فأولدها فهرا وَهَذَا قيل هُوَ لقب لَهُ والفهر من الْحِجَارَة الطَّوِيلَة وَمَا يمْلَأ الْكَفّ وَأما اسْمه فقريش وَقيل بل اسْمه فهر ولقبه قُرَيْش أَقُول قَالَ فِي بَحر الْأَنْسَاب فَمَا فَوق فهر إِلَى النَّضر لَا يكون قرشياً وَمَا دونه قرشي وَقيل إِن قُريْشًا لقب للنضر فعلى هَذَا مَا فَوق فهر إِلَى النَّضر قرشي وَهُوَ الَّذِي رَجحه النَّوَوِيّ تبعا لكثيرين واشتقاق قُرَيْش من التقرش وَهُوَ التكسب لأَنهم أَرْبَاب تِجَارَة واكتساب وَقيل من التقريش وَهُوَ التجميع لتجمعهم وتحيزهم بِمَكَّة ونواحيها وَيُقَال مِنْهُ اشتاق القرش للمعاملة الْمَعْرُوفَة لِأَنَّهُ قِطْعَة من الْفضة مجتمعة هَذَا إِن كَانَ اللَّفْظ فِيهِ بِالْقَافِ فَإِن كَانَ بالغين كَمَا قد يسمع فَلَا اشتقاق وَقيل من القرش اسْم دَابَّة شَدِيدَة بالبحر قَالَ أَبُو أُميَّة الجُمَحِي // (من الْخَفِيف) // (وقُريشٌ هِيَ الَّتِي تسكن الْبَحْر ... بهَا سُميت قريشٌ قريشنا) (تأكلُ الغث والسمين وَلَا تتركُ ... مِنْهَا لذِي الجناحين ريشا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (هَكَذَا فِي الْوُجُود حيّ قريشٌ ... يَأْكُلُون الْأَنَام أكلا كريشا) (سلطت بالعلو فِي لجة الْبَحْر ... على سَائِر البحور جيوشا) (وَلَهُم آخر الزماني نبيٌ ... يكثر الْقَتْل فيهم والخموشا) ثمَّ ولد لفهر غَالب ثمَّ ولد لغالب لؤَي قَالَ السُّهيْلي فِي روضه وَهُوَ تَصْغِير اللأي وَهُوَ الثور الوحشي وَأنْشد // (من الْكَامِل) // (يعتادُ أُدحيةً بَقينَ بقفرةٍ ... مَيثاءَ يسكنهَا اللأّي والفرقد) وَقَالَ بَعضهم اللأي الْبَقَرَة الوحشية قَالَ وَسمعت أَعْرَابِيًا يَقُول لآك هَذِه بكم وَأنْشد فِي وصف فلاة // (من الطَّوِيل) // (كَظهر الّلأي لَو تبتغي ريّةً بهَا ... نَهَارا لأعيت فِي بطُون الشّواجن) والشواجن شعب الْجبَال والرية مقلوب ورية من روى الزند وَهِي الحراق الَّذِي يشعل بِهِ الشرر من الزِّنَاد ثمَّ ولد للؤي كَعْب أمه سلمى بنت محَارب وَهَذَا كَعْب أول من سمى يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ يُسمى يَوْم الْعرُوبَة فَكَانَت قُرَيْش تَجْتَمِع إِلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْم فيخطبهم وَيذكرهُمْ بمبعث النَّبِي وَيُعلمهُم أَنه من وَلَده وَيَأْمُرهُمْ باتباعه وَالْإِيمَان بِهِ وينشد قَوْله // (من الْبَسِيط) // (يَا لَيْتَني شاهدٌ فحواء دَعوته ... إِذا قريشٌ تبغّى الحقّ خذلانا) وَقد ذكر الْمَاوَرْدِيّ هَذَا الْخَبَر عَن كَعْب فِي كتاب الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وَكَعب إِمَّا مَنْقُول من الكعب الَّذِي هُوَ قِطْعَة من السّمن أَو من كَعْب الْقدَم وَهُوَ عِنْدِي أشبه لقَولهم فِي وصف الشجاع ثَبت ثُبُوت الكعب وَجَاء فِي خبر عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يُصَلِّي عِنْد الْحجر وحجارة المنجنيق تمر بَين أُذُنَيْهِ وَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَيْهَا كَأَنَّهُ كَعْب راتب أَي ثَابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ثمَّ ولد لكعب مرّة وعدية وَمرَّة عَمُود النّسَب وَهُوَ مَنْقُول من وصف الحنظلة والعلقمة وَكَثِيرًا مَا يسمون حَنْظَلَة وعلقمة وَعِكْرِمَة وَهِي شدَّة ظلمَة اللَّيْل وَمرَّة قَالَ بَعضهم أَحْسبهُ مَنْقُولًا من النَّبَات لِأَن أَبَا حنيفَة ذكر أَن الْمرة بقلة تقلع فتؤكل بالخل وَالزَّيْت يشبه وَرقهَا ورق الهندباء أمه وحشية بنت شَيبَان بن محَارب بن فهر ثمَّ ولد لمرة كلاب بن مرّة وتيم بن مرّة ويقظة بن مرّة عَمُود النّسَب المحمدي كلاب بن مرّة أمه نعم بنت ثَعْلَبَة بن مَالك بن كنَانَة من أَزْد الشراة وَهُوَ إِمَّا مَنْقُول من الْمصدر الَّذِي هُوَ معنى المكالبة نَحْو كالبت الْعَدو مُكَالَبَة وكلاباً وَإِمَّا من الْكلاب جمع كلب لأَنهم يُرِيدُونَ الْكَثْرَة كَمَا سموا سِبَاع وأنمار وَقد قيل لأبي الدقيس الْأَعرَابِي لم تسمون أبناءكم بشر الْأَسْمَاء نَحْو كلب وذئب وَسنَان وعبيدكم بِأَحْسَن الْأَسْمَاء نَحْو مَرْزُوق ورباح فَقَالَ إِنَّا نسمي أبناءنا لعدونا وعبيدنا لأنفسنا يُرِيد أَن الْأَبْنَاء عدَّة للأعداء وسهام فِي نحورهم فَاخْتَارُوا لَهُم هَذِه الْأَسْمَاء ثمَّ ولد لكلاب قصي واسْمه زيد وَهُوَ تَصْغِير قصى وَهُوَ الْبعيد لِأَنَّهُ بعد عَن قومه كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه وَهُوَ وَأَخُوهُ زهرَة بن كلاب من فَاطِمَة بنت عَمْرو بن سعد بن سبل الَّذِي يَقُول فِيهِ الشَّاعِر وَكَانَ أَشْجَع أهل زَمَانه // (من الرمل) // (لَا أرى فِي النّاس شخصا وَاحِدًا ... فاعلموا ذَاك كسعد بن سَبل) (فارسٌ أضبط فِيهِ عسرة ... فَإِذا مَا عاين الْقرن نزل) (فارسٌ يستدرج الْخَيل كَمَا ... يدرج الحرّ الْقطَامِي الحجل) قَالَ الْأَزْرَقِيّ وزهرة أكبرهما فَتزَوج ربيعَة بن حرَام أمهما الْمَذْكُورَة وزهرة رجل بَالغ وقصي فطيم أَو فِي سنّ الفطيم فاحتملهما ربيعَة إِلَى بِلَاده من أَرض عذرة من مشارف الشَّام وتخلف زهرَة فِي قومه فَولدت فَاطِمَة لِرَبِيعَة رزاح بن ربيعَة وَكَانَ أَخا قصي من أمه ولربيعة بن حرَام من امْرَأَة أُخْرَى ثَلَاثَة بَنِينَ حسن ومحمود وجلهمة بَنو ربيعَة فَبَيْنَمَا قصى بن كلاب فِي أَرض قضاعة لَا ينتمي إِلَّا إِلَى ربيعَة بن حرَام إِذْ وَقع بَينه وَبَين رجل من قضاعة شَيْء وَكَانَ قصي قد بلغ فَقَالَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الْقُضَاعِي بعد أَن عيره بالغربة أَلا تلْحق بنسبك وقومك فَإنَّك لست منا فَمضى إِلَى أمه وَقد وجد فِي نَفسه مِمَّا قَالَ لَهُ الْقُضَاعِي فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَت لَهُ أَنْت وَالله يَا بني خير مِنْهُ وَأكْرم أَنْت ابْن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي وقومك عِنْد الْبَيْت الْحَرَام وَمَا حوله فأجمع قصي الْخُرُوج إِلَى قومه واللحاق بهم وَكره الغربة فِي أَرض قضاعة فَقَالَت لَهُ أمه يَا بني لَا تعجل بِالْخرُوجِ حَتَّى يدْخل علينا الشَّهْر الْحَرَام فَتخرج فِي حَاج الْعَرَب فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْك فَأَقَامَ قصي حَتَّى دخل الشَّهْر الْحَرَام وَخرج فِي حَاج قضاعة حَتَّى قدم مَكَّة فَعرف قومه فَضله وقدموه واكرموه وَكَانَت خُزَاعَة متسولية على الْبَيْت وعَلى مَكَّة وقريش حُلُول وصرم وبيوتات مُتَفَرِّقَة فِي قَومهمْ من بني كنَانَة فَكَانَت خُزَاعَة تتوارث ذَلِك بَينهم كَابِرًا عَن كَابر حَتَّى كَانَ آخِرهم حليل بن حبشية فَخَطب قصي إِلَى حليل بن حبشية الْخُزَاعِيّ ابْنَته حبى فَعرف حليل نسبه فَزَوجهُ فَأتى مِنْهَا بأَرْبعَة بَنِينَ عبد الدَّار وَعبد منَاف وَعبد الْعُزَّى وَعبد قصي فَكثر أَوْلَاد قصي وَأَوْلَاد أَوْلَاده وَكَثُرت أَمْوَالهم وَعظم شرفهم وَكَانَ حليل يَلِي أَمر الْبَيْت وَمَكَّة فَأَقَامَ قصي حَتَّى ولدت لَهُ حبى عبد الدَّار وَهُوَ أكبر أَوْلَاده وَعبد منَاف وَعبد الْعُزَّى وَعبد قصي وَكَانَ حليل يفتح الْبَيْت فَإِذا اعتل أعْطى ابْنَته حبى الْمِفْتَاح ففتحته فَإِذا اعتلت أَعْطَتْ الْمِفْتَاح زَوجهَا قصياً أَو بعض أَوْلَادهَا وَكَانَ قصي يعْمل فِي حيازته إِلَيْهِ وَقطع ذكر خُزَاعَة مَعَه فَلَمَّا حضرت حليلاً الْوَفَاة نظر إِلَى قصي وَإِلَى مَا انْتَشَر لَهُ من الْوَلَد من ابْنَته حبى فَرَأى أَن يَجْعَلهَا فِي ولد ابْنَته فَدَعَا قصياً فَجعل لَهُ ولَايَة الْبَيْت وَسلم إِلَيْهِ الْمِفْتَاح وَقَالَ يكون عِنْد حبى فَلَمَّا هلك حليل أَبَت خُزَاعَة أَن تَدعه وَذَاكَ وَأخذُوا الْمِفْتَاح من حبى فَمشى قصي إِلَى رجال من قومه من قُرَيْش وَبني كنَانَة فَدَعَاهُمْ إِلَى الْقيام فِي ذَلِك مَعَه وَأَن ينصروه ويعضدوه فَأَجَابُوهُ إِلَى النُّصْرَة وَأرْسل قصي إِلَى أَخِيه لأمه رزاح بن ربيعَة وَهُوَ بِبِلَاد قومه من قضاعة يَدعُوهُ إِلَى نصرته ويعمله مَا حَالَتْ خُزَاعَة بَينه وَبَين ولَايَة الْبَيْت الْمُوصى لَهُ من حليل بن حبشية الْخُزَاعِيّ الْمَذْكُور ويسأله الْخُرُوج فَقَامَ رزاح فِي قومه فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك فَخرج رزاح بن ربيعَة وَمَعَهُ إخْوَته من أَبِيه حسن ومحمود وجلهمة بَنو ربيعَة بن حرَام فِيمَن مَعَهم من قضاعة مُجْتَمعين لنصر قصي وَالْقِيَام مَعَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 فَلَمَّا اجْتمع النَّاس بِمَكَّة خَرجُوا إِلَى الْحَج فوقفوا بِعَرَفَة وبجمع مَعَ أَخِيه رزاح من قضاعة وفلما كَانَ آخر أَيَّام منى أرْسلت قضاعة إِلَى خُزَاعَة يَسْأَلُونَهُمْ أَن يسلمُوا إِلَى قصي مَا جعله لَهُ حليل وعظموا عَلَيْهِم الْقِتَال فِي الْحرم وذكروهم عَاقِبَة الظُّلم وَالْبَغي بِمَكَّة وذكروهم بِمَا كَانَت فِيهِ جرهم وَمَا آلت إِلَيْهِ فَأَبت خُزَاعَة أَن يسلمُوا ذَلِك فَاقْتَتلُوا بمفضى مأزمي منى من قبليها فَسمى ذَلِك الْمَكَان بالمفجر لما فجر وَسَفك فِيهِ من الدِّمَاء واقتتلوا قتالاً شَدِيدا حَتَّى كثرت الْقَتْلَى بَين الْفَرِيقَيْنِ وفشت فيهم الْجِرَاحَات وحاج الْعَرَب من مُضر واليمن مستكفون ينظرُونَ إِلَى قِتَالهمْ ثمَّ تداعوا إِلَى الصُّلْح فَدخلت قبائل الْعَرَب بَينهم وعظموا على الْفَرِيقَيْنِ سفك الدِّمَاء والفجور فِي الْحرم فَاصْطَلَحُوا على أَن يحكموا بَينهم عَمْرو بن عَوْف بن كَعْب وَكَانَ رجلا شريفاً فَقَالَ لَهُم مَوْعدكُمْ فنَاء الْكَعْبَة غَدا فَاجْتمع النَّاس وعدوا الْقَتْلَى فَكَانَت فِي خُزَاعَة أَكثر مِنْهَا فِي قُرَيْش وكنانة فَلَمَّا اجْتمع النَّاس بِفنَاء الْكَعْبَة قَامَ عَمْرو بن عَوْف فَقَالَ أَلا إِنِّي قد شدخت مَا بَيْنكُم من دم تَحت قدمي هَاتين فَلَا تباعة لأحد على أحد فِي دم وَإِنِّي قد حكمت لقصي بحجابة الْبَيْت وَولَايَة أَمر مَكَّة دون خُزَاعَة لما كَانَ جعل لَهُ حليل وَأَن يخلي بَينه وَبَين ذَلِك وَألا تخرج خُزَاعَة من مساكنها من مَكَّة وأطرافها فَسلمت خُزَاعَة لقصي ذَلِك وَمن ذَلِك الْيَوْم سمى عَمْرو الشداخ وَجمع قصي قُريْشًا بِمَكَّة فَسمى مجمعا قَالَ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (أَبوكم قصيٌّ كَانَ يدعى مجمّعاً ... بِهِ جمّع الله الْقَبَائِل من فِهِر) (وَأَنْتُم بَنو زيدٍ وزيدٌ أبوكم ... بِهِ زيدت الْبَطْحَاء فخراً على فَخر) (هم نزلوها والمياه قليلةٌ ... وَلَيْسَ بهَا إلاّ كهول بني عَمْرو) يَعْنِي كهول خُزَاعَة واستمرت خُزَاعَة مقيمى بِمَكَّة على رباعهم وسكناهم لم يحركوا وَلم يخرجُوا مِنْهَا فَلم يزَالُوا على ذَلِك حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام فهم الْآن على قريب مِنْهَا وَقَالَ قصي يكشر أَخَاهُ رزاح بن ربيعَة // (من الوافر) // (أَنا ابْن العاصمين بني لؤيٍّ ... بمكّة مولدِي وَبهَا ربيتُ) (لي الْبَطْحَاء قد علمتْ معدٌّ ... ومروتها رضيت بهَا رضيت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 (وفيهَا كَانَت الْآبَاء قبلي ... فَمَا سويت أُخيّ وَمَا سويت) (رزاحٌ ناصري وَبِه أُسامي ... فلست أَخَاف ضيماً مَا حييت) وَفِي قَول إِن حليلاً أوصى بمفتاح الْكَعْبَة لابنته حبى فَقَالَت لَا أقدر على السدَانَة فَجعل ذَلِك إِلَى ابْن غبشان رجل من خُزَاعَة وَكَانَ سكيراً فأعوزه فِي بعض الْأَيَّام مَا يَأْخُذ بِهِ الْخمر فَبَاعَ مِفْتَاح الْبَيْت بزق خمرٍ فَاشْتَرَاهُ قصي فَصَارَ فِي الْمثل أخسر من صَفْقَة أبي غبشان وَقَالَ الشَّاعِر // (من الوافر) // (أَبُو غبشان أظلم من قصيٍّ ... وأظلم من بني فهر خُزَاعَة) (فَلَا تحلوا قصيّاً فِي شراه ... ولوموا شيخكم إِذْ كَانَ بَاعه) وَقَالَ الآخر يهجو خُزَاعَة // (من الوافر) // (إِذا افتخرتْ خزاعةُ من قديم ... وجدنَا فخرها شرب الْخُمُور) (وباعت كعبة الرّحمن جَهرا ... بزقِّ بئس مفتخر الْفُجُور) فَلَمَّا صَار الْمِفْتَاح إِلَى قصي تناكرت لَهُ خُزَاعَة وَكثر كَلَامهَا عَلَيْهِ وَمنعُوا من إِمْضَاء ذَلِك فأجمع على حربهم فحاربهم وأخرجهم من مَكَّة هَكَذَا فِي بعض الرويات لَكِن الرِّوَايَة الأولى أَكثر طرقاً وأتقن رُوَاة فولى قصي أَمر الْبَيْت وَمَكَّة وَجمع قومه فملكوه على أنفسهم وَكَانُوا يحترمون أَن يسكنوا مَكَّة ويعظمونها أَن يبنوا فِيهَا بَيْتا مَعَ بَيت الله تَعَالَى وَكَانُوا يكونُونَ بِمَكَّة نَهَارا فَإِذا أَمْسوا خَرجُوا مِنْهَا إِلَى الْحل وَلَا يسْتَحلُّونَ الْجَنَابَة بِمَكَّة فَلَمَّا جمع قصي على قومه الْيَد بنى الْكَعْبَة ثمَّ أذن لَهُم أَن يبنوا بُيُوتًا بهَا وَأَن يسكنوا وَقَالَ لَهُم إِن سكنتم الْحرم حول الْبَيْت هابتكم الْعَرَب وَلم تستحل قتالكم وَلَا يَسْتَطِيع أحد إخراجكم فَقَالُوا لَهُ أَنْت سيدنَا ورأينا لرأيك تبع فَجَمعهُمْ حول الْبَيْت وَفِي ذَلِك يَقُول الْقَائِل // (من الطَّوِيل) // (أبوكم قصيٌّ كَانَ يدعى مجمّعاً ... بِهِ جمّع الله الْقَبَائِل من فهر) (وَأَنْتُم بَنو زيدٍ وزيدٌ أبوكم ... بِهِ زيدت الْبَطْحَاء فخراً على فَخر) وَابْتِدَاء هُوَ فَبنى دَار الندوة والندوة فِي اللُّغَة الِاجْتِمَاع وَمِنْه النادي للمكان الْمُجْتَمع فِيهِ وَكَانُوا يَجْتَمعُونَ فِيهَا للمشورة وَغَيرهَا من الْمُهِمَّات فَلَا تنْكح امْرَأَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَلَا يتَزَوَّج زوج من قُرَيْش إِلَّا فِيهَا وَلَا تدرع جَارِيَة إِذا بلغت أَن تدرع من قُرَيْش إِلَّا فِي دَاره ليشق عَلَيْهَا فِيهَا درعها ثمَّ تدرعه فتنطلق إِلَى أَهلهَا ويدخلها كل قُرَيْش وَمن غير قُرَيْش لَا يدخلهَا إِلَّا من بلغ الْأَرْبَعين فَمَا فَوق وَبنى الْكَعْبَة وَقسم جهاتها بَين طوائف قُرَيْش فبنوا دُورهمْ حولهَا من جهاتها الْأَرْبَع وَتركُوا للطَّواف مِقْدَارًا يُقَال إِنَّه المفروش الْآن حول الْبَيْت بِالْحجرِ والرخام الْمُسَمّى بالمطاف الشريف وشرعوا أَبْوَاب بُيُوتهم إِلَى نَحْو الْبَيْت الشريف وَتركُوا بَين كل بَيْتَيْنِ طَرِيقا ينفذ مِنْهَا إِلَى المطاف إِلَى أَن زَاد عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَسْجِد وَتَبعهُ عُثْمَان وتبعهما غَيرهمَا ورتب قُريْشًا على منازلها فِي النّسَب بِمَكَّة فَجعل الأبطحي من قُرَيْش هُوَ من كَانَ من قُرَيْش الأباطح وَجعل الظَّاهِرِيّ مِنْهُم من كَانَ من قُرَيْش الظَّوَاهِر فقريش البطاح قبائل بني عبد منَاف بَنو عبد الدَّار بَنو أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بَنو زهرَة بن كلاب بَنو مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بَنو تيم بن مرّة بَنو جمع بَنو سهم بَنو عدي بن كَعْب وَهَؤُلَاء الثَّلَاث الْقَبَائِل مَعَ بني مَخْزُوم يسمون لعقة الدَّم بَنو حسل بن عَامر بن لؤَي فَهَؤُلَاءِ قُرَيْش الأباطح أحد عشر قَبيلَة وَأما قُرَيْش الظَّوَاهِر فهم أَربع قبائل بَنو محَارب بن فهر بَنو الْحَارِث بن فهر بَنو الأدرم بن غَالب بن فهر بَنو معيص بن عَامر بن لؤَي وَفِي ذَلِك يَقُول ذكران مولى بني عبد الدَّار مُخَاطبا للضحاك بن فهر بن عَامر بن قيس الفِهري الظَّاهِرِيّ // (من الطَّوِيل) // (تطاولت للضّحّاك حتّى رددتّه ... إِلَى حسبٍ فِي قومه متقاصر) (فَلَو شهدتني من قريشٍ عصابةٌ ... قُرَيْش البطاح لَا قُرَيْش الظّواهر) (ولكنّهم غَابُوا وأصبحت شَاهدا ... فقبّحت من حامي ذمار وناصر) (فريقان مِنْهُم ساكنٌ بطن يثربٍ ... وَمِنْهُم فريقٌ ساكنٌ بالمشاعر) وَأما الأحلاف من قُرَيْش فَخمس قبائل بَنو عبد الدَّار بَنو سهم بَنو جمح بَنو عدي بَنو مَخْزُوم وَأما المطيبون الَّذين تحالفوا وغمسوا أَيْديهم فِي الطّيب فَسمى حلف المطيبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 بَنو عبد منَاف بَنو أَسد بَنو عبد الْعُزَّى بَنو تيم بَنو الْحَارِث بن لؤَي خمس قبائل أَيْضا قَالَ عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي من قصيدة // (من الْخَفِيف) // (وَلها فِي المطيّبين جدودٌ ... ثمّ نَالَتْ ذوائب الأحلاف) (انها بَين عَامر بن لؤَي ... حِين تَدعهُمْ وَبَين عبد منَاف) وروى الْحسن الْأَثْرَم عَن هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ قَالَ كَانَت قُرَيْش الظَّوَاهِر يغيرون على بني كنَانَة يغيرهم عَمْرو بن ود العامري إِلَّا أَن بني الْحَارِث بن فَهُوَ دخلت بعد ذَلِك مَكَّة فهم من البطاح وهم يَد مَعَ المطيبين فِي حلفهم الَّذِي كَانُوا عقدوه قَالَ وَأما قُرَيْش العازبة فَإِنَّهُم ولد سامة بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر وَقد ذكر الفاكهي سَبَب تسميتهم بذلك فَقَالَ حَدثنَا الزبير بن أبي بكر قَالَ وَأما ولد سامة بن لؤَي وهم قُرَيْش العازبة وَإِنَّمَا سموهم العازبة لأَنهم عزبوا عَن قَومهمْ فنسبوا إِلَى أمّهم نَاجِية بنت حزم بن زبان وَهُوَ علاف وَكَانَ أول من اتخذ الرّحال العلافية فنسبت إِلَيْهِ وَاسم نَاجِية ليلى وَإِنَّمَا سميت ليلى نَاجِية لِأَنَّهَا صَارَت فِي مفازة فعطشت فاستسقت سامة بن لؤَي فَقَالَ لَهَا بَين يَديك وَهُوَ يريها السراب حَتَّى جَاءَت المَاء فَشَرِبت فنجت فَسَمت نَاجِية قَالَ وَأما قُرَيْش العائذة فهم بَنو خُزَيْمَة بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر وَسبب تسميتهم بذلك ذكرهَا الزبير أَيْضا فَقَالَ وَإِنَّمَا قيل لخزيمة بن لؤَي عائذة لِأَن عبيد بن خُزَيْمَة تزوج عائذة بنت الْخمس بن قُحَافَة بن خثعم فَولدت لَهُ مَالِكًا وتيماً فسموا عائذة باسم أمهما قَالَ الزبير وَكَانَت الْعَرَب تنفس قُريْشًا وَتعير أهل الْحرم مِنْهَا بالْمقَام بِالْحرم فأسموها العصب وَفِي قُرَيْش رَهْط يُقَال لَهُم الأجربان وهم بنوا بغيض بن عَامر بن لؤَي وَبَنُو محاب بن فهر وَكَانَ هَذَانِ الرهطان متحالفين وَكَانَا يدعيان الأجربين لبأسهما وقهرهما من ناوأهما فهما الأجربان من أهل تهَامَة وَمن أهل نجد رهطان كَذَلِك يُقَال لَهما الأجربان هما عبس وذبيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَلما ذكرت بِنَاء قصي الْكَعْبَة الشَّرِيفَة أَحْبَبْت ذكر بِنَاء قُرَيْش وَابْن الزبير وَالْحجاج اياهما متمماً للفائدة فَقلت ثمَّ بنت قُرَيْش الْكَعْبَة قَالَ خَاتِمَة الْحفاظ والمحدثين مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالِحِي فِي كِتَابه الْمُسَمّى سبل الرشاد فِي سيرة خير الْعباد سَببه أَن امْرَأَة جمرت الْكَعْبَة فعلقت شرارة من مجمرها فِي ثِيَاب الْكَعْبَة فَأحرق الشرار أخشابها وأحرق قَرْني كَبْش إِسْمَاعِيل وَكَانَا معلقين بهَا ظَاهِرين ودخلها سيل عَظِيم فصدع جدرانها بعد توهنها بالنَّار فَأَجْمعُوا على هدمها وبنائها فَلَمَّا غدوا على هدمها خرجت لَهُم تِلْكَ الْحَيَّة الَّتِي كَانَت تحرس الْجب سَوْدَاء الظّهْر بَيْضَاء الْبَطن رَأسهَا كرأس الجدي فمنعتهم فَلَمَّا رأو ذَلِك اعتزلوا عِنْد مقَام الْخَلِيل فَقَالَ لَهُم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة يَا قوم ألستم تُرِيدُونَ بهدمها الْإِصْلَاح قَالُوا بلَى قَالَ فَإِن الله لَا يهْلك المصلحين وَلَكِن لَا تدْخلُوا فِي بنائها إِلَّا طيب أَمْوَالكُم لَا تدْخلُوا فِيهِ مَال رَبًّا وَلَا ميسر وَلَا مهر بغي فَإِن الله لَا يقبل إِلَّا طيبا فَفَعَلُوا ثمَّ وقفُوا عِنْد الْمقَام سَاعَة يدعونَ فَقَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ لَك فِي هدمها رضَا فاشغل عَنَّا هَذَا الثعبان فَأقبل طَائِر من جو السَّمَاء كَهَيئَةِ الْعقَاب أسود الظّهْر أَبيض الْبَطن أصفر الرجلَيْن والحية على الْجِدَار فاغرة فاها فَأخذ برأسها وطار بهها إِلَى أجياد الصَّغِير فَقَالُوا نرجوا أَن يكون رَبنَا قد رَضِي عَمَلكُمْ فاهدموا فهابت قُرَيْش الْهدم فَقَالَ الْوَلِيد أَنا ابدأؤكم فَإِنِّي شيخ فَإِن أصابني أَمر كَانَ قد دنا أَجلي فعلاه بالعتلة يهدم فتزعزع تَحت رجلَيْهِ حجر فَقَالَ اللَّهُمَّ لم نرع إِنَّمَا أردنَا الْإِصْلَاح فهدم يَوْمه أجمع وَقَالَت قُرَيْش نَخَاف أَن ينزل بِهِ إِذا أَمْسَى شَيْء فَلَمَّا أَمْسَى لم ير بَأْسا فَأصْبح غادياً على عمله فهدمت قُرَيْش مَعَه حَتَّى بلغُوا الأساس الَّذِي وَضعته الْمَلَائِكَة وَهُوَ مَا رفع عَلَيْهِ الْخَلِيل الْقَوَاعِد فَأدْخل الْوَلِيد العتلة فانفلقت فلقَة فَأَخذهَا وهب بن عُمَيْر ففرت من يَده وعادت لمحلها وَبَرقَتْ من تحتهَا برقة كَادَت تخطف الْأَبْصَار ورجفت مَكَّة بأسرها فَعِنْدَ ذَلِك أَمْسكُوا ثمَّ لما عمروا وَقلت عَلَيْهِم النَّفَقَة أَجمعُوا على أَن يقصروا عَن الْقَوَاعِد ويحجروا على مَا قصروا من بِنَاء الْبَيْت بجدار يُطَاف من وَرَائه وَقدر مَا أَبقوا فِيهِ من الْبَيْت سِتَّة أَذْرع وشبر وَقَالَ ارْفَعُوا بَابهَا حَتَّى لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 تدْخلهَا السُّيُول وَلَا يرقى إِلَيْهَا إِلَّا بسلم وَلَا يدخلهَا إِلَّا من أردتم فبنوا أَرْبَعَة أَذْرع ثمَّ كسوها وبنوها حَتَّى بلغ ارتفاعها ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا زادوا تِسْعَة أَذْرع على بِنَاء الْخَلِيل وبنوها مدماكاً من حجر ومدماكاً من خشب وَجعلُوا سقفها مسطحًا وأقاموه على سِتّ دعائم فِي صفّين وبنوا دَرَجَة من بَطنهَا من خشب فِي الرُّكْن الشَّامي وزوقوها وصوروا الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وَالشَّجر وَجعلُوا لَهَا بَابا وَاحِدًا وكسوها الحبرات اليمانية قَالَ ابْن هِشَام لما اقتسمت قُرَيْش جَوَانِب الْبَيْت للعمارة كَانَ شقّ الْبَيْت لبني زهرَة وَبني عبد منَاف وَمَا بَين الرُّكْن الْأسود واليماني لبني مَخْزُوم وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من قُرَيْش وَظهر الْكَعْبَة لبني جمح وَبني سهم وشق الْحجر لبني عبد الْعُزَّى وَبني عدي وَبني كَعْب وأحضروا الْحِجَارَة وَكَانَ رَسُول الله ينْقل مَعَهم الْحِجَارَة وَهُوَ ابْن خمس وَثَلَاثِينَ سنة على الصَّحِيح حَتَّى انْتهى الْهدم إِلَى حِجَارَة خضر كأسنمة الْإِبِل فضربوها بِالْمِعْوَلِ فَخرج برق كَاد أَن يخطف الْأَبْصَار فَانْتَهوا عِنْد ذَلِك الأساس ثمَّ بنوها حَتَّى بلغ الْبُنيان مَوضِع الرُّكْن فاختصم الْقَبَائِل كل قَبيلَة تُرِيدُ أَن ترفعه إِلَى مَوْضِعه وكادوا يقتتلون على ذَلِك فَقَالَ لَهُم أَبُو أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم وَكَانَ شريفاً مُطَاعًا اجعلوا الحكم بَيْنكُم لأوّل من يدْخل من بَاب الصَّفَا فقبلوا ذَلِك مِنْهُ وَكَانَ أول دَاخل رَسُول الله فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَذَا الْأمين أقبل وَكَانَ يُسمى فِي الْجَاهِلِيَّة الْأمين لأمانته وَصدقه فَقَالُوا جَمِيعًا رَضِينَا بِحكمِهِ ثمَّ قصوا عَلَيْهِ قصتهم فَقَالَ هَلُمَّ إِلَيّ ثوبا فَأتى بِهِ فَوضع الرُّكْن فِيهِ ثمَّ قَالَ لتأْخذ كل قَبيلَة بِطرف من هَذَا الثَّوْب فَحَمله من أَرْبَعَة أَطْرَاف الثَّوْب أَرْبَعَة من وُجُوه الْقَبَائِل وأشرافها وزعمائها ورفعوه إِلَى محاذاة مَوْضِعه فتناوله رَسُول الله من الثَّوْب وَوَضعه بِيَدِهِ الشَّرِيفَة فِي مَحَله فَكَانَ الْأَشْرَاف والزعماء خدما لَهُ وَفِي ذَلِك يَقُول هُبَيْرَة بن أبي وهب المَخْزُومِي // (من الطَّوِيل) // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 (تشاجرت الْأَحْيَاء فِي فصل خطّةٍ ... جرت طيرهم بالنّحس من بعد أسعد) (تراموا بهَا بالبغض بعد مودّةٍ ... وأوقد نَارا بَينهم شرّ موقد) (فلمّا رَأينَا الْأَمر قد حَان جدّه ... وَلم يبْق شيءٌ غير سلّ المهنّد) (رَضِينَا وَقُلْنَا الْعدْل أَو طالعٍ ... يَجِيء من الْبَطْحَاء من غير موعد) (ففاجأنا هَذَا الْأمين محمّدٌ ... فَقُلْنَا رَضِينَا بالأمين محمّد) (بِخَير قريشٍ كلّها أَمر دِيمَة ... وفى الْيَوْم مَعَ مَا يحدث الله فِي غَد) (فجَاء بأمرٍ لم ير النّاس مثله ... أعمّ وأرضى فِي العواقب والبدي) (أَخذنَا بأطراف الرّداء وكلّنا ... لَهُ حصّةٌ من رَفعه قَبْضَة الْيَد) (فَقَالَ ارْفَعُوا حتّى إِذا مَا علت بِهِ ... أكفّهم والى بِهِ خير مُسْند) (وكلٌّ رَضِينَا فعله وصنيعه ... فأعظم بِهِ من رأى هادٍ ومهتد) (وَتلك يدٌ مِنْهُ علينا عظيمةٌ ... يروح بهَا هَذَا الزّمان وَيَغْتَدِي) انْتَهَت أَقُول طالما بحثت عَن أهل الزعامة والرياسة من الْأَرْبَعَة الآخذين بِطرف الرِّدَاء حَتَّى ظَفرت بِأَسْمَائِهِمْ على التَّعْيِين فِي مروج الذَّهَب للمسعودي وهم عتبَة بن ربيعَة بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي وَالْأسود بن عبد الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي وَأَبُو حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة بن عَمْرو بن مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب وَقيس بن عدي السَّهْمِي وَأما بِنَاء عبد الله بن الزبير لَهَا قَالَ فِي المسامرة روينَا من حَدِيث الْأَزْرَقِيّ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 جلس رجال من قُرَيْش بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام حويطب بن عبد الْعُزَّى ومخرمة بن نَوْفَل فتذاكروا بِنَاء قُرَيْش الْكَعْبَة وَمَا هاجهم إِلَى ذَلِك فَذكرُوا مَا تقدم ذكره آنِفا وَذكروا كَيفَ كَانَ بناؤها قبل ذَلِك فَقَالُوا كَانَت الْكَعْبَة مَبْنِيَّة برضم يَابِس لَيْسَ بمدر وَكَانَ بَابهَا بِالْأَرْضِ وَلم يكن لَهَا سقف وَالْكِسْوَة إِنَّمَا تدلى على الْجِدَار من خَارج ترْبط من أَعلَى الْجِدَار من بَاطِنهَا بصخور عِظَام وَكَانَ عَن يَمِين الدَّاخِل لَهَا جب يوضع فِيهِ مَا يهدى إِلَيْهَا من مَال وَغَيره وَلما سرقت جرهم مِنْهُ بعث الله تَعَالَى حَيَّة تحرسه فَلم تزل حارسة لما فِيهِ خَمْسمِائَة سنة حَتَّى أَخذهَا الْعقَاب حِين أَرَادَت قُرَيْش تجديدها فَمَنعهُمْ كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَذكروا بِنَاء عبد الله بن الزبير فَقَالُوا لما أَبْطَأَ عبد الله بن الزبير عَن بيعَة يزِيد وتخلف وخشي مِنْهُ لحق بِالْحرم ليمتنع بِهِ وَجَمِيع موَالِيه وَجعل يظْهر عيب يزِيد وَعدم صلاحيته للخلافة لما هُوَ عَلَيْهِ من الفسوق ويثبط النَّاس عَنهُ فَبلغ يزِيد ذَلِك فآلى أَلا يُؤْتى بِهِ إِلَّا مغلولاً وَأرْسل إِلَيْهِ رجلا من أهل الشَّام فِي خيل يعظم عَلَيْهِ الْفِتْنَة فَقَالَ لَا يسْتَحل الْحرم بسببك فَإِنَّهُ غير تاكك وَلَا تقوى عَلَيْهِ وَقد أقسم أَلا يُؤْتى بك إِلَّا مغلولاً وَقد صنع لَك غلاً من فضَّة وتلبس فَوْقه الثِّيَاب وتبر قسم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَالصُّلْح خير عاقبته وأجمل بك وَبِه فاستمهله أَيَّامًا وشاور أمه أَسمَاء فَأَبت أَن يذهب مغلولاً وَقَالَت يَا بني عش كَرِيمًا أَو مت كَرِيمًا وَلَا تمكن صبيان بني أُميَّة فتلعب بك فالموت أجمل بك من هَذَا فَامْتنعَ فِي موَالِيه وَمن يألف من أهل بَيته وَأهل مَكَّة وَغَيرهم فَكَانَ يُقَال لَهُم الزبيرية فَبَيْنَمَا يزِيد على تعبئة الجيوش إِلَيْهِ إِذْ أَتَى يزِيد الْخَبَر بِمَا فعل أهل الْمَدِينَة بعماله وبمن بِالْمَدِينَةِ من بني أُميَّة وإخراجهم إيَّاهُم مِنْهَا مَا عدا من كَانَ من ولد عُثْمَان بن عَفَّان فَجهز إِلَيْهِم مُسلم بن عقبَة المري وَكَانَ مَرِيضا فِي بَطْنه بِالْمَاءِ الْأَصْفَر فأباح الْمَدِينَة وَفعل مَا سَيذكرُهُ عَنهُ فِي وقْعَة الْحرَّة ثمَّ سَار إِلَى مَكَّة يُرِيد ابْن الزبير فَمَاتَ بالمشلل وَولي الْحصين بن نمير بِوَصِيَّة إِلَيْهِ من يزِيد فوصل إِلَى مَكَّة وَقَاتل بهَا ابْن الزبير أَيَّامًا وَنصب المنجنيق على جبل أبي قبيس وَمُقَابِله وَجمع ابْن الزبير من مَعَه وتحصن بهم فِي الْمَسْجِد وَضربت خيام يَسْتَظِلُّونَ بهَا من الشَّمْس فَكَانَ يرميهم بالنفط والمنجنيق فتصيب الْحِجَارَة الْكَعْبَة حَتَّى تخرقت كسوتها عَلَيْهَا وَصَارَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 كَأَنَّهَا جُيُوب النِّسَاء وأوهن رمي المنجنيق الْكَعْبَة واحترقت من رمي النفط وَهِي مَبْنِيَّة بِنَاء قُرَيْش السَّابِق مدماك حجر وَآخر من خشب الساج وَقيل كَانَ احتراقها من نَار اوقدها رجل من جمَاعَة ابْن الزبير فِي بعض تِلْكَ الْخيام مِمَّا يَلِي الصَّفَا بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر الْأسود وَالْمَسْجِد يَوْمئِذٍ ضيق خُصُوصا من تِلْكَ الْجِهَة فطارت شرارة إِلَى خيمة مِنْهَا فاحترقت كسْوَة الْكَعْبَة ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْخشب الَّذِي بَين الْبناء وَكَانَ احتراقها يَوْم السب ثَالِث ربيع الأول من سنة 64 وتصدع الْحجر الْأسود فعضفت جدران الْكَعْبَة حَتَّى إِنَّهَا يَقع عَلَيْهَا الْحمام فتتناثر حجارتها فَفَزعَ لذَلِك أهل مَكَّة وَالشَّام جَمِيعًا فورد الْخَبَر بنعي يزِيد هِلَال ربيع الآخر وَأَنه توفّي لأَرْبَع خلت من ربيع الآخر مِنْهَا فَأرْسل ابْن الزبير إِلَى الْحصين بن نمير رجَالًا من قُرَيْش فكلموه وأعظموا عَلَيْهِ مَا أصَاب الْكَعْبَة مِنْهُم وَقَالُوا لَهُ قد توفّي أَمِير الْمُؤمنِينَ فعلى مَاذَا تقَاتل ارْجع إِلَى الشَّام حَتَّى تنظر مَاذَا يجْتَمع عَلَيْهِ أَمر صَاحبك يعنون مُعَاوِيَة بن يزِيد فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الشَّام وَكَانَ رُجُوعه لخمس من ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ شاور ابْن الزبير النَّاس فِي هدم الْكَعْبَة فَأَشَارَ عَلَيْهِ نَاس غير كثير بهدمها وَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس دعها على مَا اقرها عَلَيْهِ رَسُول الله فَإِنِّي أخْشَى أَن يَأْتِي بعْدك من يَهْدِمهَا فَلَا تزَال كَذَلِك فيتهاون بحرمتها وَلَكِن ارممها فَقَالَ ابْن الزبير مَا يرضى أحدكُم أَن يرقع بَيت أَبِيه وَأمه كَيفَ أرقع بَيت الله وَأَنا أنظر إِلَيْهِ على مَا ترَوْنَ من الوهن وَكَانَ مِمَّن أَشَارَ عَلَيْهِ بالهدم جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَعبيد بن عُمَيْر وَعبد الله بن صَفْوَان بن أُميَّة وَكَانَ يحب أَن يكون هُوَ الَّذِي يردهَا كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم فَلَمَّا أَرَادَ الْهدم خرج أهل مَكَّة إِلَى منى خوفًا من نزُول عَذَاب فَأمر بالهدم فَمَا اجترأ أحد على ذَلِك أحد فَلَمَّا رأى خوفهم علاها وَأخذ بِالْمِعْوَلِ وَجعل يَهْدِمهَا وَيَرْمِي أحجارها فَلَمَّا رَأَوْا أَن لَا بَأْس عَلَيْهِ اجترءوا فهدموا مَعَه وأصعد ابْن الزبير فَوْقهَا عبيدا من الْحَبَش يهدمون رَجَاء إِن يكون فيهم الْحَبَش الَّذِي قَالَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّه يخرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة فَهَدمهَا وَالنَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 مَعَه حَتَّى ألصقها بِالْأَرْضِ من جوانبها الْأَرْبَعَة وَكَانَ ابْتِدَاء الْهدم النّصْف من جمادي الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة أَربع وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَلم يقرب ابْن عَبَّاس من حِين هدمت حَتَّى فرغ مِنْهَا وَأرْسل لِأَبْنِ الزبير يَقُول لَا تدع النَّاس تغير الْقبْلَة انصب لَهُم حول الْكَعْبَة الْخشب وَاجعَل عَلَيْهِ السّتْر يطوف النَّاس من وَرَائه وَيصلونَ إِلَيْهِ فَفعل وَقَالَ ابْن الزبير سَمِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول قَالَ رَسُول الله لي إِن قَوْمك استقصروا فِي بِنَاء الْبَيْت لما عجزت عَنْهُم النَّفَقَة فتركوا مِنْهَا أذرعاً وَلَوْلَا حَدَاثَة قَوْمك بجاهلية لهدمت الْكَعْبَة وَأخذت مَا تركُوا مِنْهَا وَجعلت لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ بِالْأَرْضِ شرقياً يدْخل مِنْهُ وغربياً يخرج مِنْهُ وَهل تدرين لم كَانَ قَوْمك رفعوا الْبَاب قلت لَا قَالَ تعززاً لِئَلَّا يدخلهَا إِلَّا من أَرَادوا فَكَانَ الرجل إِذا كَرهُوا أَن يدخلهَا يَدعُونَهُ يرتقي حَتَّى إِذا كَاد أَن يدخلهَا دفعوه فَسقط فَإِن بدا لقَوْمك فَهَلُمَّ أريك مَا تركُوا فِي الْحجر مِنْهَا فأراها قَرِيبا من سبع أَذْرع ثمَّ نزل بِالْحفرِ إِلَى أَن انْتهى إِلَى أساس إِبْرَاهِيم فَوَجَدَهُ دَاخِلا فِي الْحجر نَحوا من سِتَّة أَذْرع وشبر فَإِذا أحجاره دَاخل بَعْضهَا فِي بعض فَأدْخل عبد الله بن مُطِيع العتلة فِي ركن فتحركت الْأَركان كلهَا ورجفت مَكَّة وَخَافَ النَّاس وَنَدم من أَشَارَ بالهدم فَقَالَ ابْن الزبير اشْهَدُوا وَأَرَادَ أَن يبنيها بالورس فَقيل لَهُ إِن الورس يذهب لَكِن ابْنهَا بالقصة فوصفت لَهُ قصَّة صنعاء فَبعث بأربعمائة دِينَار فَأخذت لَهُ وَسَأَلَ عَن مَحل أَخذ قُرَيْش الْحِجَارَة فَأخْبر فَنقل لَهُ قدر مَا يحْتَاج ثمَّ وضع الْبناء على ذَلِك الأساس وَوضع حذاء بَاب الْكَعْبَة على مدماك على الشاذروان وَجعل الْبَاب الآخر بإزائه فِي ظهرهَا وَكَانَ قد جعل الْحجر فِي ديباجة وَأدْخلهُ فِي تَابُوت وقفل عَلَيْهِ وَوَضعه عِنْده فِي دَار الندوة وَجعل مَا كَانَ من حلية فِي خزانَة الْكَعْبَة فِي دَار شيبَة بن عُثْمَان فَلَمَّا بلغ الْبُنيان مَوضِع الْحجر نقر فِي حجرين من المدماك الْأَعْلَى وطوق بَينهمَا وَأمر ابْنه عباداً وَجبير بن شيبَة بن عُثْمَان أَن يجْعَلُوا الرُّكْن فِي ثوب وَقَالَ إِذا دخلت الصَّلَاة فاحملوه وضعوه فِي مَحَله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَأَنا أطيل الصَّلَاة فَإِذا فَرَغْتُمْ فكبروا حَتَّى أخفف وَكَانَ ذَلِك فِي صَلَاة الظّهْر فِي حر الشَّمْس فَلَمَّا أُقِيمَت الصَّلَاة خرجا بِهِ من دَار الندوة وشقا الصُّفُوف حَتَّى دخلا بِهِ السّتْر الَّذِي دون الْبناء فَوَضعه عباد بن عبد الله بن الزبير وأعانه جُبَير بن شيبَة فَلَمَّا أقراه مَوْضِعه وطوقا عَلَيْهِ كبرا فَخفف الصَّلَاة وتسامع النَّاس فَغضِبت رجال من قُرَيْش فَقَالُوا قد وَقع هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة حِين فتنت قُرَيْش فحكموا فِيهِ أول من يدْخل فَلَمَّا بلغ الْبناء ثَمَانِيَة عشر قصر طولهَا لموجب مَا أدخلهُ مِمَّا كَانَ فِي الْحجر فاستسمج ذَلِك لِأَنَّهَا صَارَت عريضة لَا طول لَهَا فَقَالَ كَانَ طولهَا قبل قُرَيْش تِسْعَة فزادت قُرَيْش تِسْعَة فبناها سَبْعَة وَعشْرين بِزِيَادَة تِسْعَة أُخْرَى وَجعل فِيهَا ثَلَاث دعائم وأتى برخام من صنعاء يُقَال إِنَّه من الْحصن الأبلق فَجعله من الروازن الَّتِي فِي سقفها للضوء جعل لكل بَاب مصراعين وَكَانَ فِي بِنَاء قُرَيْش مصراعاً وَاحِدًا وَجعل الْمِيزَاب فِي الْحجر فَلَمَّا فرغ مِنْهَا خلقهَا أَعْلَاهَا وأسفلها ظَاهرا وَبَاطنا وَكَسَاهَا الْقبَاطِي وَقَالَ من كَانَت لنا عَلَيْهِ طَاعَة فَليخْرجْ وليأت بِعُمْرَة من التَّنْعِيم ولينحر مَا قدر عَلَيْهِ وَمن لم يقدر فليتصدق بقدرته وَنحر هُوَ مائَة بَدَنَة وَخرج مَاشِيا وَالنَّاس مشَاة وَلم ير أَكثر نحراً وَصدقَة من ذَلِك الْيَوْم فَهَذِهِ هِيَ الْعمرَة الَّتِي يَفْعَلهَا النَّاس يَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب الْمُسَمَّاة عمْرَة الأكمة وَأما بِنَاء الْحجَّاج إِيَّاهَا فَكَانَ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَذَلِكَ أَنه لم يزل الْبَيْت على حَاله إِلَى أَن قتل الْحجَّاج ابْن الزبير فِي السّنة الْمَذْكُورَة فَبعد قَتله اسْتَأْذن عبد الْملك بن مَرْوَان فِيمَا أحدثه ابْن الزبير فِي الْكَعْبَة فَكتب إِلَيْهِ عبد الْملك أَن يهدم الْجَانِب الَّذِي يَلِي الْحجر بِكَسْر الْحَاء خَاصَّة وَأَن يكبس بِهِ الْبَيْت وَيرْفَع الْبَاب الشَّرْقِي إِلَى حَده الأول ويغلق الْبَاب الغربي ففلعل ذَلِك ثمَّ بلغ عبد الْملك أَن مَا فعله ابْن الزبير على حَدِيث عَائِشَة صَحِيح حدث بن الْحَارِث بن عبد الله بن ربيعَة المَخْزُومِي وانه سَمعه من رَسُول الله فَقَالَ عبد الْملك وددت وَالله أَنِّي كنت تركت ابْن الزبير وَمَا عمل وَلَو بلغنَا هَذَا مَا أمرنَا بِخِلَافِهِ انْتهى قلت قد ظهر مِمَّا ذكر أَن الْحجَّاج لم يعمر الْكَعْبَة جَمِيعهَا وَإِنَّمَا هدم الْجَانِب الشمالي وَأخرج مَا اخرجته قُرَيْش وكبش بنقضه جَوف الْكَعْبَة وَرفع الْبَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الشَّرْقِي وسد الغربي فعده فِي بناة الْكَعْبَة تسَامح ثمَّ لم يزل الْبَيْت الشريف قَائِما مُنْذُ بناه الْحجَّاج فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَسبعين إِلَى يَوْم الْخَمِيس عشري شعْبَان من سنة 1049 فَكَانَ سُقُوطه فِيهِ فعمره السُّلْطَان المرحوم مُرَاد بن أَحْمد خَان وتمت الْعِمَارَة فِي سنة الْأَرْبَعين بعد الْألف وَقدر تِلْكَ الْمدَّة ألف سنة إِلَّا أَرْبعا وَعشْرين سنة ونرجوا أَلا ينقضها إِلَّا أَشْرَاط السَّاعَة الْمَوْعُود بهَا فِي الحَدِيث الشريف وَكَانَ قصي أول من ملك بني كَعْب بن لؤَي أصَاب ملكا فأطاعه قومه وَله كَلِمَات تُؤثر عَنهُ مِنْهَا من أكْرم لئيماً أشركه فِي لؤمه وَمن اسْتحْسنَ قبيحاً نزل إِلَى قبحه وَمن لم تصلحه الْكَرَامَة أصلحه الهوان وَمن طلب فَوق قدره اسْتحق الحرمان وَكَانَ قد اجْتمع لقصي مالم يجْتَمع لغيره من المناصب فَكَانَ بِيَدِهِ الحجابة والسقاية والرفادة واللواء والقيادة فالحجابة هِيَ سدانة الْبَيْت الشريف أَي تَوْلِيَة مفتاحه وَالْقِيَام بخدمته وَأما السِّقَايَة فاسقاء الحجيج كلهم المَاء الْعَذَاب وَكَانَ عَزِيزًا بِمَكَّة يجلب إِلَيْهَا من خَارِجهَا فيسقيه الْحجَّاج وينبذ لَهُم فِيهِ التَّمْر وَالزَّبِيب وَأما الرفادة وَذَلِكَ إطْعَام الطَّعَام لسَائِر الْحجَّاج تمد لَهُم الأسمطة فِي أَيَّام الْحَج وَكَانَت السِّقَايَة والرفادة مستمرين إِلَى أَيَّام الحلفاء وَمن بعدهمْ من الْمُلُوك والسلاطين قَالَ التقي الفاسي رَحمَه الله إِن الرفادة كَانَت فِي زمن الْجَاهِلِيَّة وَصدر الْإِسْلَام واستمرت إِلَى أيامنا قَالَ وَالطَّعَام يصنع بِأَمْر السُّلْطَان كل عَام للنَّاس بمنى حَتَّى يَنْقَضِي الْحَج قَالَ الْعَلامَة قطب الدّين وَأما فِي زَمَاننَا فَلَا يفعل شَيْء من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قَالَ فِي الأرج المسكي فِي التَّارِيخ الْمَكِّيّ وَكَانَت الْخُلَفَاء قَائِمين بالرفادة إِلَى أَن كَانَ زمن مُعَاوِيَة فَجعل لَهَا محلا معينا بِمَكَّة يطْبخ فِيهِ الطَّعَام للقادمين علينا جَمِيع السّنة وَأما السِّقَايَة فَكَانَت إِلَى الْعَهْد الْقَرِيب لَكِن لَا يبنذ فِيهَا إِلَّا نَادرا ثمَّ انْقَطَعت من قرب لعدم الْحَاجة إِلَيْهَا لِكَثْرَة وجود المَاء بِمَكَّة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَلم تزل هَذِه المناصب فِي أَيدي أَوْلَاد قصي إِلَى أَن جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ وَدخل رَسُول الله مَكَّة عَام الْفَتْح عَام ثَمَان من الْهِجْرَة وَقد صَارَت الحجابة إِلَى عُثْمَان بن أبي طَلْحَة من بني عبد الدَّار وَصَارَت السِّقَايَة إِلَى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فبقض النَّبِي على السِّقَايَة والحجابة فَقَامَ الْعَبَّاس فَبسط يَده وَقَالَ يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي اجْمَعْ لي الحجابة إِلَى الساقية فَقَالَ أُعْطِيكُم مَا ترزءون فِيهِ وَلَا ترزءون بِهِ فَقَامَ بَين عضادتي بَاب الْكَعْبَة فَقَالَ أَلا إِن كل دم أَو مَال أَو مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة فَهِيَ تَحت قدمي هَاتين إِلَّا سِقَايَة الْحَاج وسدانة الْكَعْبَة فَإِنِّي قد أمضيتهما لأهلهما على مَا كَانَتَا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ جلس رَسُول الله فِي الْمَسْجِد فَقَامَ إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ومفتاح الْكَعْبَة فِي يَده فَقَالَ يَا رَسُول الله اجْمَعْ لنا الحجابة والسقاية صلى الله عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله أَيْن عُثْمَان بن طَلْحَة فدعى لَهُ فَقَالَ هاك مفتاحك يَا عُثْمَان إِن الْيَوْم يَوْم بر ووفاد وَقد أنزلت تِلْكَ الْآيَة الْمَشْهُورَة فِي سُورَة النِّسَاء وَهِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأَمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهْلِهَا} النِّسَاء 58 فَقَالَ خذوها خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم مَا اسْتَقَمْتُمْ إِلَّا ضال أَو ظَالِم قَالَ فِي الأرج المسكي كَانَ لمَكَّة وُلَاة من أهل الْجَاهِلِيَّة وعدة مُلُوك تفَرقُوا فِي ممالك مُتَّصِلَة ومنفصلة فَمنهمْ المسمون بِأبي جاد وهوز وحطي وكلمن وَهُوَ الْأَعْظَم وسعفص وقريشات وهم بَنو الْمَحْض بن جندل فأبجد كَانَ ملك مَكَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَمَا يَليهَا من الْحجاز وهوز وحطي ملكَيْنِ بِبِلَاد وَج وَهِي أَرض الطَّائِف وَمَا اتَّصل بِهِ من أَرض نجد وكلمن وسعفص وقريشات كَانُوا ملوكا بمدين وَقيل بِبِلَاد مصر وَكَانَ كلمن وَحده على بِلَاد مَدين وروى عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعُرْوَة بن الزبير أَنَّهُمَا قَالَا أول من وضع الْكتاب الْعَرَبِيّ قوم من الْأَوَائِل نزلُوا فِي عدنان بن أد بن أدد أَسمَاؤُهُم أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت فوضعوا الْكتاب الْعَرَبِيّ على أسمائهم ووجدوا أحرفاً لَيست من أسمائهم وَهِي الثَّاء وَالْخَاء والذال وَالضَّاد والظاء والغين فسموها الروادف يُرِيد ثخذ ضظغ وروى أَن هَذِه الْكَلِمَات من أَسمَاء الشَّيَاطِين وروى أَنَّهَا أَسمَاء لملوك مَدين فَقَط وَأَن رئيسهم كلمن وَأَنَّهُمْ هَلَكُوا يَوْم الظلة الْمَذْكُور فِي الْكتاب الْعَزِيز وهم قوم شُعَيْب على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَت أُخْت كلمن ترثيه // (من مجزوء الرمل) // (كَلمن هدّم ركنى ... هلكه وسط المحلّه) (سيد الْقَوْم اتاه الحتف ... نَارا وسط ظلّه) وَقَالَ رجل من أهل مَدين يرثيهم كَذَلِك // (من الطَّوِيل) // ل (أَلا يَا شُعَيْب قد نطقت مقَالَة ... سبقت بهَا عمرا وحيّ بني عَمْرو) (مُلُوك بني حطّي وهوّز مِنْهُم ... وسعفص أهلٌ فِي المكارم ذِي الْغمر) (هم صبّحوا أهل الْحجاز بغارةٍ ... كَمثل شُعَاع الشّمس أَو مطلع الْفجْر) وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي المضحكات أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لقى اعرابيا فَقَالَ لَهُ هَل تحسن أَن تقْرَأ الْقُرْآن قَالَ نعم قَالَ لَهُ فاقرأ أم الْقُرْآن فَقَالَ الْأَعرَابِي وَالله مَا أحسن الْبَنَات فَكيف الْأُم قَالَ فَضَربهُ ثمَّ سلمه إِلَى معلم فَمَكثَ فِيهِ حينا ثمَّ هرب وَأَنْشَأَ يَقُول // (من الوافر) // (أتيت مُهَاجِرين فعلّموني ... ثَلَاثَة أسطر مُتَتَابِعَات) (كتاب الله فِي رقٍّ صَحِيح ... وآيات الْقُرْآن مفصّلات) (وخطّوا لي أَبَا جادٍ بَيَانا ... وَقَالُوا سعفص وقريشات) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 (وَمَا أَنا وَالْكِتَابَة والتّهجي ... وَمَا حظّ الْبَنِينَ من الْبَنَات) ثمَّ ولي أَمر الْبَيْت بعدهمْ الْخَلِيل على نَبينَا وَعَلِيهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَقَامَ دعائمه فَكَانَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة ثمَّ وليه ابْن ابْنه نابث بن اسمعاعيل ثمَّ العماليق هم أَوْلَاد عمليق أَو عملاق بن لاوذ بن سَام بن نوح فضيعوا حُرْمَة الْبَيْت وَاسْتَحَلُّوا مِنْهُ أموراً عظائم فَأخْرجهُمْ الله من الْحرم سلط الله عَلَيْهِم النَّمْل فَخَرجُوا إِلَى عدن وَإِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ثمَّ وَليهَا بعدهمْ أَبنَاء جرهم بن قحطان بن عَابِر وَهُوَ هود النَّبِي كَمَا تقدم ذكر ذَلِك ابْن شالغ بن أرفخشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل إِن جرهماً لَيْسَ هُوَ ابْن قحطان بل إِنَّمَا هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة أذْنب ذَنبا فأهبط إِلَى أَرض مَكَّة فَتزَوج امْرَأَة من العماليق فَولدت لَهُ جرهماً فَلذَلِك يَقُول الْحَارِث بن مضاض الجرهمي // (من الرجز) // (لَا همّ إنّ جرهماً عِبَادك ... ألنّاس طرفٌ وهم تلادك) (وهم قَدِيما عمّروا بلادك ... ) قلت كَأَن الْإِشَارَة بقوله تلادك إِلَى أَن هَذَا القَوْل دَلِيل لكَون أبي جرهم من الْمَلَائِكَة يستنتج ذَلِك من كَون معنى الطريف المَال المستجد والتلاد المَال الْقَدِيم المستأصل وَلَا شكّ أَن جنس الْملك أقدم وجودا من جنس بني آدم وَلكنه كَمَا ترى دَلِيل لَا يلمس إِلَّا بالأكف الرُّخْصَة الناعمة وَأول من ملك من جرهم مضاض بن عَمْرو بن سعد بن الرَّقِيب بن هني بن نبت بن جرهم بن قحطان قَالَ الأرزقي حَدثنِي جدي قَالَ حَدثنِي سعيد بن سَالم بن عُثْمَان بن سَاج قَالَ أَخْبرنِي ابْن إِسْحَاق فَذكر شَيْئا من خبر إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا وعَلى نَبينَا وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وشيئاً من خبر بني إِسْمَاعِيل ثمَّ قَالَ ثمَّ توفّي نابت بن إِسْمَاعِيل فولى بعده مضاض بن عَمْرو الجرهمي وَهُوَ جد نابت بن إِسْمَاعِيل أَبُو أمه وَضم بني نابت وَبني إِسْمَاعِيل إِلَيْهِ وصاروا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 جدهم أبي أمّهم مضاض بن عَمْرو الْمَذْكُور وَمَعَ أخوالهم من جرهم وجرهم وقطورا يَوْمئِذٍ أهل مَكَّة وعَلى جرهم مضاض بن عَمْرو ملكا عَلَيْهِم وعَلى قطورا رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ السميدع ملكا عَلَيْهِم وَكَانَا حِين ظعنا من الْيمن أَقبلَا سيارة فَلَمَّا نزلا مَكَّة رَأيا بَلَدا طيبا وآجاماً وشجراً فأعجبهما وَنزلا بِهِ فَنزل مضاض بن عَمْرو بِمن مَعَه من جرهم أَعلَى مَكَّة وقعيقعان فَجَاز ذَلِك وَنزل السميدع يعشر من دخل من أَسْفَلهَا وَمن كدى وكل فِي قومه على حَاله لَا يدْخل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فِي ملكه ثمَّ إِن جرهماً وقطورا بغى بَعضهم على بعض وتنافسوا الْملك بهَا فَاقْتَتلُوا وشبت الْحَرْب بَينهم على الْملك وَولَايَة الْأَمر مَعَ مضاض وَبني نابت بن إِسْمَاعِيل وَبني إِسْمَاعِيل وَإِلَيْهِ ولَايَة الْبَيْت دون السميدع فَلم يزل الْبَغي حَتَّى سَار بَعضهم إِلَى بعض فَخرج مضاض بن عَمْرو من قعيقعان فِي كتبية سائرا إِلَى السميدع وَمَعَ كتبيته عدَّة من الرماح والدرق وَالسُّيُوف والجعاب فيقعقع ذَلِك مَعَه فَسمى ذَلِك الْجَبَل بقعيقعان لذَلِك وَخرج السميدع بقطورا من أجياد مَعَه الْخَيل والرماح فَيُقَال مَا سمى ذَلِك الْموضع أجياداً إِلَّا بِخُرُوج الْخَيل الْجِيَاد مَعَ السميدع مِنْهُ حَتَّى الْتَقَوْا بفاضح فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا فَقتل السميدع وفضحت قطوراً فَيُقَال مَا سمى فاضح فاضحاً إِلَّا بذلك ثمَّ إِن الْقَوْم تداعوا إِلَى الصُّلْح فَسَارُوا حَتَّى نزلُوا المطابخ شعبًا بِأَعْلَى مَكَّة يُقَال لَهُ شعب عبد الله بن عَامر بن كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس فأصطلحوا بذلك الشّعب واسملوا الْأَمر إِلَى مضاض بن عَمْرو فَلَمَّا جمع أَمر مَكَّة وَصَارَ ملكهَا لَهُ دون السميدع نحر للنَّاس وطبخ فأطعمهم فَيُقَال مَا سمى المطابخ مطابخ إِلَّا بذلك قَالَ وَكَانَ الَّذِي بَين مضاض بن عمروا والسميدع أول بغي كَانَ بِمَكَّة فِيمَا يَزْعمُونَ فَقَالَ مضاض بن عَمْرو الجرهمي فِي تِلْكَ الْحَرْب يذكر السميدع وَفعله وبغيه والتماسه مَا لَيْسَ لَهُ // (من الطَّوِيل) // (وَنحن قتلنَا سيّد الحيّ عنْوَة ... فَأصْبح فِيهَا وَهُوَ حيران موجع) (وَمَا كَانَ يَبْغِي أَن يكون سواؤنا ... بهَا ملكا حتّى أَتَانَا السّميدع) (فذاق وبالاً حِين حاول ملكنا ... وعالج منّا غصّةً تتجرّع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 (فَنحْن عمرنا الْبَيْت كنّا ولاته ... ندافع عَنهُ من أَتَانَا وندفع) (وَمَا كَانَ يَبْغِي أَن يَلِي ذَاك غَيرنَا ... وَلم يَك حيٌّ قبلنَا ثمّ يمْنَع) (وكنّا ملوكاً فِي الدّهور الّتي مَضَت ... ورثنا ملوكاً لَا ترام فتوضع) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد زعم بعض أهل الْعلم أَنه إِنَّمَا سميت المطابخ لما كَانَ تبع نحر بهَا وَأطْعم وَكَانَت منهلاً لَهُ وَذكر المَسْعُودِيّ رَحمَه الله وَقدم السميدع على وَجه يُخَالف مَا ذكره الْأَزْرَقِيّ وَأفَاد فِي ذَلِك مَا بعده فَاقْتضى ذَلِك ذكر مَا فِيهِ مِمَّا يلائم خبر الْمشَار إِلَيْهِم مِمَّا لَا بُد من ذكره لارتباط الْكَلَام بِهِ قَالَ المَسْعُودِيّ وَلما اسكن الله إِبْرَاهِيم وَولده مَكَّة مَعَ أمه هَاجر ثمَّ قَالَ وَكَانَ من خبر إِسْمَاعِيل وَخبر هَاجر مَا كَانَ إِلَى أَن أنبع الله زَمْزَم أقحط الشحر واليمن فتفرقت العماليق وجرهم وَمن هُنَالك من عَاد فيممت العماليق نَحْو تهَامَة يطْلبُونَ المرعى المخصبة وَعَلَيْهِم السميدع بن هوثر بن قيطور بن كركر بن عملاق فَلَمَّا أمعنت بَنو كركر فِي السّير وَقد عدمت المَاء والمرعى وَاشْتَدَّ بهم الْجهد أقبل السميدع بن هوثر يرتجز بِشعر لَهُم يحثهم على الْمسير ويشجعهم فِيمَا نزل بهم // (من الرجز) // (سِيرُوا بني كركر فِي الْبِلَاد ... إنّي أرى ذَا الدّهر فِي فَسَاد) (قد سَاد من قحطان ذُو الرّشاد ... ) فَأَشْرَف روادهم على وَادي مَكَّة فنظروا إِلَى الطير ترفع وتخفض فاستنبطوا الْوَادي فنظروا إِلَى الْعَريش على الربوة الْحَمْرَاء يَعْنِي عَرِيش هَاجر الَّذِي صَنعته فِي مَوضِع الْبَيْت الشريف لِأَنَّهُ ذكر أَنه كَانَ ربوة حَمْرَاء وَفِي الْعَريش هَاجر وَإِسْمَاعِيل ثمَّ قَالَ فَسلم الرواد عَلَيْهَا واستأذنوها فِي نزولهم وشربهم من المَاء فأنست إِلَيْهِم وأذنت لَهُم فِي النُّزُول فتلقوا من عداهم من أهلهم وأخبروهم خبر المَاء فنزلوا الْوَادي مُطْمَئِنين مستبشرين بِالْمَاءِ وَلما أَضَاء لَهُم الْوَادي من نور النُّبُوَّة وَمَوْضِع الْبَيْت الْحَرَام ثمَّ قَالَ تسامعت جرهم ببني كركر ونزولهم الْوَادي وَمَا فِيهِ من الخصب ودرور الضروع وهم فِي حَال قحط فَسَارُوا نَحْو مَكَّة وَعَلَيْهِم الْحَارِث بن مضاض بن عَمْرو بن سعد بن رَقِيب بن ظَالِم بن نبت بن جرهم حَتَّى أَتَوا الْوَادي ونزلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 على مَكَّة واستوطنوا الدَّار مَعَ إِسْمَاعِيل وَمن تقدمهم من العماليق من بني كركر وَقد قيل فِي بني كركر إِنَّهُم من جرهم فَإِن السُّهيْلي ذكر مَا يَقْتَضِي أَن قطورا الَّذين مِنْهُم السميدع هَذَا من جرهم وَالْأَشْهر أَنهم من العماليق وَالله أعلم وَذكر الشَّيْخ فتح الله بن مُوسَى بن حَمَّاد الأندلسي فِي كتاب لَهُ نظم فِيهِ السِّيرَة لِابْنِ إِسْحَاق خَبرا طَويلا فِيهِ مَا يُخَالف مَا ذكره المَسْعُودِيّ والسهيلي فِي نسب جدهم جرهم وَفِيه مَا يُخَالف مَا ذكره ابْن إِسْحَاق فِي سَبَب تَسْمِيَة قعيقعان وأجياد وفاضح والمطابخ فَاقْتضى ذكره لإِفَادَة ذَلِك وَغَيره من الْفَوَائِد وَهُوَ أَن إلْيَاس بن مُضر قَالَ سَأَلت عمي إياد بن نزار عَن أصل مَاله وَكَانَ متمولاً فَذكر أَنه مرت عَلَيْهِ سنُون وَلم تبْق لَهُ سوى عشرَة أبعر يعود بكراها على أَهله وَذكر أَنه كَانَ ابكر اخوته الثَّلَاثَة مُضر وَرَبِيعَة وإنمار ثمَّ قَالَ فَخرج إياد إِلَى الشَّام بجماله فَلم يجد من يكتري مِنْهُ فَسمع صَوتا كالرعد يُنَادي من يحملني إِلَى الْحرم وَله وقر جمله درا وياقوتاً وعقياناً وَلَا يجِيبه أحد فتتبع الصَّوْت إِلَى ان وجد رجلا أعمى كالنخلة السحوق ولحيته تناطح رُكْبَتَيْهِ فهمه ذَلِك فَقَالَ يَا شيخ عِنْدِي حَاجَتك فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ أَنْت اياد بن نزار فَقَالَ نعم قَالَ فَمن عرفك باسمي قَالَ علم عِنْدِي من جدي إِن إياد بن نزار يرد الْحَارِث بن مضاض إِلَى مَكَّة من طول غربته فَقَالَ كم جملا عنْدك قَالَ عشرَة قَالَ تكفيني قلت هَل مَعَك غَيْرك قَالَ لَا وَلَكِنِّي إِنَّمَا أركب الْجمل يَوْمًا ويختل فَقلت قد لفظت لَهُ بِحمْلِهِ فَلَا أَعُود وبيننا وَبَين مَكَّة عشر مراحل فَحَملته وَكلما خر جمل قطرته إِلَى آخر وأبدلت غَيره إِلَى أَن عَارَضنَا مَكَّة فَقَالَ يَا بني إِنِّي أحس الْجمل يجمزني جمزاً وَأَظنهُ وَاقعا حول جبل المطابخ قلت نعم قَالَ اسْمَع آخر كَلَامي قلت لَهُ نعم قَالَ أَنا الْحَارِث بن مضاض بن عبد الْمَسِيح بن نَضْلَة بن عبد المدان بن حشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود عَلَيْهِ السَّلَام كنت ملك مَكَّة وَمَا والاها إِلَى هجر ومدين وَثَمُود وَكَانَ أخي عَمْرو بن مضاض ملكا قبلي وَكُنَّا نعلق التيجان على رءوسنا يَوْمًا وَيَوْما نعلقها بِبَاب الْحرم فَحَضَرَ يَهُودِيّ بدر وَيَاقُوت فَاشْترى مِنْهُ أخي مَا شَاءَ الله وأنصفه فِي الثّمن وأوفاه فَبَاعَ أفخره على السوقة فَسمع أخي فَانْتزع جَمِيع مَا كَانَ مَعَه فاغتال الْيَهُودِيّ حارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 التَّاج بِبَاب الْحرم فَقتله وَحمل التَّاج فَلم يعرف الْخَبَر إِلَّا من رَآهُ بِبَيْت الْمُقَدّس فَأرْسل أخي إِلَى ملكهم قاران من سبط بنيامين بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم أَن يردهُ وَيَأْخُذ حق الْيَهُودِيّ فَلم يفعل فَخرج إِلَيْهِم أخي فِي مِائَتي ألف وَخمسين ألفا من اجناده وَمن العمالقة وقضاعة واستنصر قاران ياسيف هِرقل فَخرج إِلَيْنَا فِي مِائَتي ألف وَجَمَاعَة من أهل الشَّام فَسَارُوا إِلَيْنَا ونزلوا شَرْقي هَذَا الْجَبَل ونزلنا غَرِيبه وأوقد كلنا النيرَان وطبخوا وطبخنا فَسمى هَذَا جبل المطابخ ثمَّ نزلنَا قعيقعان فتقعقعنا نَحن وهم بالحجن وَالسِّلَاح فَسمى الْجَبَل قعيقعان ثمَّ لما اصطففنا خرج أخي وَقَالَ أَنا الْملك عَمْرو بن مضاض فابرز إِلَى ياسيف فَمن ظفره الله كَانَ الْملك لَهُ فَقتله أخي على ربوة فاضح فَنزل إِلَيْهِ فجره بِرجلِهِ وفضحه بذلك فسميت تِلْكَ الربوة ربوة فاضح وَامْتنع قاران من الْوَفَاء بِمَا الْتَزمهُ سيف فقاتلناهم فَقتل أخي قاران فَانْهَزَمُوا وتبعناهم إِلَى بَيت الْمُقَدّس فأذعنوا للطاعة فَتزَوج أخي مِنْهُم برة بنت شَمْعُون وَلم يكن فِي زمانها أجمل مِنْهَا فشفعت عِنْده أَن يرحل عَن قَومهَا فَرَحل فَلَمَّا بلغ مَكَّة وَكَانَ عِنْدهَا مائَة رجل من أَعْيَان بني إِسْرَائِيل رهائن على الطَّاعَة فَلَمَّا كَانُوا بأجياد سمت زَوجته حسكة من حَدِيد وألقتها فِي فرَاشه فَلَمَّا نَام عَلَيْهِ شيك بِتِلْكَ الحديدة فَمَاتَ وهربت الزَّوْجَة فِي الرهائن الْمِائَة على نجب أعدوها فلحقناهم وأحضرناهم فَأمرت بِقَتْلِهِم فَقَالَ أَوَّلهمْ للسياف لَا تخْفض وَلَا ترفع وَانْزِلْ بسيفك على الأجياد فَسمى مَوضِع قَتلهمْ بأجياد وملكت وَتَزَوَّجت بعده وقصدتني بَنو إِسْرَائِيل بِجُنُود عَظِيمَة وَمَعَهُمْ تَابُوت آدم عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي فِيهِ السكينَة وَالزَّبُور فهزمتهم وَأخذت جرهم التابوت فدفنته فِي مزبلة فنهيتهم فعصوني فَأَخْرَجته لَيْلًا وَوضعت مَكَانَهُ تابوتا يُشبههُ ونهاهم عَنهُ الهميع بن نبت بن قيدار بن إِسْمَاعِيل فَأَبَوا فاعطيته التابوب فَسلط الله عَلَيْهِم هم والعمالقة عللاً كَثِيرَة فماتوا إِلَّا من كره فعهلم فملكت ابْني عمرا وَخرجت أجول فِي الأَرْض فَضربت الْأَمْثَال بغربتي ثمَّ سَار بِهِ إياد إِلَى شعب الأثل عِنْد غيضة زيتون فَقَالَ يَا بني قد خلونا وثالثنا الشَّاهِد الْعَالم الْوَاحِد وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 أسديت إِلَى الْمَرْء نعْمَة وَجب عَلَيْهِ شكرها وَقد أسديت إِلَيّ نعْمَة وَجب عَليّ شكرها فعلي لَك النَّصِيحَة أَو أقع فِي الفضيحة أنبئك بِمَا ينجيك وَالَّذِي بِهِ أهديك أحب إِلَيّ مِمَّا يُغْنِيك يَا بني هَل ولد فِي آل مُضر مَوْلُود اسْمه مُحَمَّد قلت لَا قَالَ إِنَّه سيولد وَيَأْتِي حِينه ويعلو دينه وَيقبل أَوَانه ويشرف زَمَانه فَإِن أَدْرَكته فَصدق وحقق وَقبل الشامة الَّتِي بَين كَتفيهِ وَقل لَهُ يَا خير مَوْلُود دَعَوْت إِلَى خير معبود فأجب وَلَا تجب ثمَّ أَتَى إِلَى صَخْرَة مطبقة على صَخْرَة فقلعها وَدخل مِنْهَا سرباً إِلَى أَن دخل بَيْتا فِيهِ أَرْبَعَة أسرة سَرِير خَال وَثَلَاثَة عَلَيْهَا ثَلَاثَة رجال وَفِي الْبَيْت كرْسِي در وَيَاقُوت وعقيان ولجين فَقَالَ لي خُذ وقر جملك لَا غير وَقَالَ لي هَذَا الَّذِي على يسَار سَرِيرِي الْخَالِي مضاض أبي وَالَّذِي على يسَاره ابْنه عبد الْمَسِيح وَالَّذِي على يسَاره ابْنَته نفيلة وعَلى رَأس نفيلة لوح من رُخَام فِيهِ مَكْتُوب أَنا نفيلة بنت عبد المدان عِشْت خَمْسمِائَة سنة فِي ظلّ الْملك فَلم يُنجنِي من الْمَوْت وعَلى رَأس عبد الْمَسِيح أَنا عبد الْمَسِيح بن مضاض عِشْت مائَة سنة وَركبت مائَة فرس وافتضضت مائَة بكر وَقتلت مائَة مبارز وهزمت الرّوم بالروزب لَعَلَّه اسْم مَكَان وَلم يكن لي بُد من الْمَوْت ثمَّ اسْتَوَى على سَرِيره الْخَالِي وَذَا على رَأسه لوح مَكْتُوب فِيهِ أَنا الْحَارِث بن مضاض عِشْت أَرْبَعمِائَة سنة ملكت مائَة سنة وطفت فِي الأَرْض ثَلَاثمِائَة سنة متغرباً بعد هَلَاك قومِي جرهم ثمَّ قَالَ يَا بني ناولني القارورة الَّتِي فِي تِلْكَ الكوة فناولته إِيَّاهَا فَشرب نصفهَا وادهن بِنِصْفِهَا وَقَالَ إِذا أتيت إخْوَتك وقومك وَقَالُوا لَك من أَيْن هَذَا المَال قل لَهُم إِن الشَّيْخ الَّذِي حَملته هُوَ الْحَارِث بن مضاض الجرهمي فهم يكذبُونَك فَقل لَهُم إِن آيتي الْحجر المدفون بجوار زَمْزَم وَفِيه مقَام إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَفِي الْحجر الَّذِي يَلِيهِ شعر الْحَارِث وَهُوَ قَوْله كَأَن لم يكن الأبيات الْآتِي ذكرهَا ثمَّ قَالَ ناولني القارورة الْأُخْرَى فناولته فَشربهَا فصاح صَيْحَة فَمَاتَ لحينه فَخرجت بِمَا معي من المَال انْتهى قَالَ الفاسي بعد ذكره لهَذَا الْخَبَر الغربيب فَانْظُر إِلَى مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ هَذِه الْحِكَايَة من الْمُخَالفَة لما نَقله صَاحب السِّيرَة من أَن هَذَا الشّعْر لعَمْرو بن الْحَارِث بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مضاض وَهُوَ هُنَا لوالده قَالَ وَيُمكن الْجمع بِأَن يكون وَلَده تمثل بِمَا قَالَه وَالِده لما فارقوا مَكَّة ثَانِيًا وَالله أعلم بالحقائق فأقامت جرهم فِي ولَايَة الْبَيْت ثَلَاثمِائَة سنة ثمَّ أخرجهم مِنْهَا بَنو بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة لأَنهم رَأَوْا استحلال جرهم لحُرْمَة الْبَيْت حَتَّى إِنَّه فسق رجل مِنْهُم بِامْرَأَة فِي جَوف الْكَعْبَة فمسخا حجرين فوضعتهما خُزَاعَة بعد ذَلِك أَحدهمَا على الصَّفَا وَالْآخر على الْمَرْوَة بعد أَن كَانَا فِي جَوف الْكَعْبَة وهما اساف ونائلة فَقَامَ فهيم مضاض بن عَمْرو بن الْحَارِث بن مضاض بن عَمْرو خَطِيبًا فَقَالَ يَا قوم احْذَرُوا الْبَغي فقد رَأَيْتُمْ من كَانَ قبلكُمْ من العمالقة حِين استخفوا بِالْبَيْتِ فَلم يعظموه أخرجُوا وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد وتمزقوا كل ممزق فَلَا تستخفوا بِحَق بَيت الله يخرجكم الله تَعَالَى مِنْهَا فَتَهْلكُوا فَلم يطيعوه ودلاهم الشَّيْطَان بغرور وَقَالُوا من يخرجنا وَنحن اغر الْعَرَب وأكثرها رجَالًا وسلاحا فَقَالَ لَهُم جَاءَ إِذا جداء أَمر الله بَطل مَا تَقولُونَ فَلَمَّا رأى مضاض بن عَمْرو ذَلِك عمد إِلَى غزالين من ذهب كَانَا فِي الْكَعْبَة فِي جبها الْكَائِن بجوفها المجعول لحفظ مَا يهدي إِلَيْهَا من الْأَمْوَال والذخائر والنفائس وَإِلَى مَا فِيهِ من الْأَمْوَال والأسياف المهداة للكعبة فدفنها فِي بِئْر زَمْزَم وَكَانَ قد نضب مَاؤُهَا فحفرها بِاللَّيْلِ وأعمق وَدفن فِيهَا الغزالين وَتلك الْأَمْوَال وطمس الْبِئْر إِلَى أَن أَخذ جَمِيع ذَلِك عبد الْمطلب حِين أرشد إِلَى حفرهَا فِي النّوم بعد ذَلِك وضربها صَفَائِح وَجعلهَا بَابا للكعبة وَاعْتَزل جرهماً وَأخذ مَعَه بني إِسْمَاعِيل وَخرج من مَكَّة فَجَاءَت بَنو بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة وغسان بن خُزَاعَة وأخرجت جرهماً من الْبِلَاد وَوليت بَنو بكر أَمر الْبَيْت وصاروا أَهله وجاءهم بَنو إِسْمَاعِيل فَكَانُوا قد اعتزلوا الْحَرْب بَين جرهم وَبَين بني بكر وَلم يدخلُوا بَينهمَا فَسَأَلَ بَنو إِسْمَاعِيل من بني بكر السكني بِمَكَّة فانهم كَانُوا قد اخْرُجُوا مِنْهَا لما كَثُرُوا وانتشروا ونموا وَضَاقَتْ عَلَيْهِم مَكَّة وخئولتهم جرهم هم وُلَاة الْبَيْت وإليهم أمره لَا تنازعهم بَنو إِسْمَاعِيل فِي ذَلِك لخئولتهم وقرابتهم فَلَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْهِم مَكَّة انتشروا فِي الْآفَاق فَلَا يأْتونَ قوما وَلَا ينزلون منزلا وَلَا يدْخلُونَ بَلَدا إِلَّا أظهرهم الله عَلَيْهِم بدينهم وهم يَوْمئِذٍ على دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَذنت بَنو بكر لبني إِسْمَاعِيل فِي السُّكْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 واستأذنهم مضاض بن عَمْرو وَكَانَ قد اعتزل الْحَرْب أَيْضا بَين الْفَرِيقَيْنِ بجرهم وَبني بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة فَأَبَوا ذَلِك وَقَالُوا من قَارب الْحرم من جرهم فِي السُّكْنَى مَعَهم بِمَكَّة فدمه هدر فَدخلت إبل لمضاض بن عَمْرو مَكَّة فأخذتها بَنو بكر وصاروا ينحورن مِنْهَا ويأكلون فتبع مضاض بن عَمْرو أَثَرهَا فَوَجَدَهَا دخلت مَكَّة فسلك الْجبَال حَتَّى علا على أبي قبيس يبصر إبِله بِبَطن الْوَادي فأبصر الْإِبِل تنحر وتؤكل وَلَا سَبِيل إِلَى استنقاذها وَرَأى إِن هَبَط الْوَادي قتل فولى منصرفاً إِلَى أَهله وَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (كَأَن لم يكن بَين الْحجُون إِلَى الصّفا ... أنيسٌ وَلم يسمر بمكّة سامر) (وَلم يتربّع واسطاً فجنوبه ... إِلَى المنحنى من ذِي الأراكة حَاضر) (بلَى نَحن كنّا أَهلهَا فأبادنا ... صروف اللَّيَالِي والجدود العواثر) (وأبدلنا عَنْهَا الأسى دَار غربةٍ ... بهَا الذّئب يعوي والعدوّ محاصر) (وكنّا وُلَاة الْبَيْت من عهد نابتٍ ... نطوف بِهَذَا الْبَيْت وَالْخَيْر حَاضر) (وكنّا لإسماعيل صهراً وجيرةً ... وأبناؤه منّا وَنحن الأصاهر) (فأخرجنا مِنْهَا المليك بقدرةٍ ... كَذَا قبلنَا بالنّاس تجْرِي المقادر) (وصرنا أحاديثاً وكنّا بغبطةٍ ... كَذَلِك عضّتنا السّنون الغوابر) (وسحّت دموع الْعين تجْرِي ببلدةٍ ... بهَا حرمٌ أمنٌ وفيهَا المشاعر) (بوادٍ أنيسٍ لَا يطار حمامه ... وَلَا بَرحت تأوي إِلَيْهِ العصافر) (وفيهَا وحوشٌ لَا ترام أنيسةٌ ... إِذا خرجت مِنْهَا فَلَيْسَتْ تغادر) (فيا لَيْت شعري هَل يعمّر بَعدنَا ... جِيَاد ومفضى سَبيله والظواهر) (وَهل فرجٌ يَأْتِي بشيءٍ نريده ... وَهل جزعٌ ينجيك ممّا تحاذر) وَانْطَلق مضاض بن عَمْرو وَمن تبعه من الْيمن وهم محزونون على مُفَارقَة مَكَّة ثمَّ ولي أَمر مَكَّة وَالْبَيْت بَنو إياد بن نزار كَانَ أَمر الْبَيْت إِلَى رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ وَكِيع بن سَلمَة بن زهر بن إياد بن نزار فَبنى صرحاً بِأَسْفَل مَكَّة عِنْد سوق الخياطين وَجعل فِيهِ محلا يُقَال لَهُ الْحَزْوَرَة وَبهَا سمى ذَلِك الْمحل حزورة إِلَى الْآن وَجعل فِيهَا سلما يرقاه وَكَانَ يزْعم أَنه يُنَاجِي الله تَعَالَى وَكَانَ يَقُول ربكُم ليجزين بِالْخَيرِ ثَوابًا وبالشر عقَابا وَكَانَ يَقُول من فِي الأَرْض عبيد لمن فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 السَّمَاء وَلما حَضرته الْوَفَاة جمع قومه فَقَالَ اسمعوا وصيتي الْكَلَام كلمتان وَالْأَمر بعد الْبَيَان من رشد فَاتَّبعُوهُ وَمن غوى فَارْفُضُوهُ وكل شَاة معلقَة برجلها وَلما مَاتَ رثاه بشر الحَجبي فَقَالَ // (من المتقارب) // (وَنحن إيادٌ عباد الْإِلَه ... ورهط مناجيه فِي السّلّم) (وَنحن وُلَاة حجاب الْعَتِيق ... زمَان النّخاع على جرهم) ثمَّ ولي مَكَّة مُضر وَسبب ولايتهم بهَا أَن رجلا من إياد ورجلاً من مُضر خرجا يتصيدان فمرت بهم أرنب فاكتنفاها يرميانها فَرَمَاهَا الْإِيَادِي فزل سَهْمه فنظم قلب المضري فَقتله فَبلغ الْخَبَر مُضر فاستغاثت بفهم وعدوان يطْلبُونَ بهم قَود صَاحبهمْ فَقَالَت اياد إِنَّمَا اخطأه السهْم فَأَبت فهم وعدوان إِلَّا قَتله وَرَأَتْ إياد من مُضر عَلامَة الظفر عَلَيْهِم فطلبوا أجل ثَلَاثَة أَيَّام فوافقهم مُضر على ذَلِك وأجابوهم إِلَيْهِ فَخرجت إياد بعد الْمدَّة إِلَى جِهَة الْمشرق فتبعتهم فهم وعدوان فَقَالُوا ردوا نسَاء مُضر المتزوجات فِيكُم فَقَالُوا لَا تقطعوا قرابتنا اعرضوا على النِّسَاء فأية امْرَأَة اخْتَارَتْ قَومهَا رددتموها وَإِن أحبت الذّهاب مَعَ زَوجهَا أعرضتم عَنْهَا قَالُوا فَكَانَ أول من اخْتَار أَهله امْرَأَة من إياد وَمِمَّنْ ولي مَكَّة من مُضر أَسد بن خُزَيْمَة وضبة وَهُوَ الَّذِي ولي الْحجاز واليمن لِسُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من المتقارب) // (وَقد كَانَ ضبة رب الْحجاز ... تجبى إِلَيْهِ إتاواتها) (فَمن كلّ ذِي إبلٍ ناقةٌ ... وَمن كلّ ذِي غنمٍ شَاتِهَا) وَهَذَا ضبة هُوَ وَأَخُوهُ أد ابْنَانِ لطابخة بن إلْيَاس بن مُضر ثمَّ ولي أَمر الْبَيْت وَمَكَّة خُزَاعَة وَسبب ولايتهم لَهَا أَنه لما وَقع لإياد مَا وَقع وَكَانَت إياد اقتلعوا الْحجر الْأسود ليسافروا بِهِ فَحَمَلُوهُ على بعير فبرك وَلم يقم ثمَّ على بعير آخر فَكَذَلِك فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك دفنوه تَحت شَجَرَة وَكَانَت تراهم امْرَأَة من النِّسَاء اللَّاتِي مَعَهم من خُزَاعَة فَلَمَّا أَن رجعت إِلَى مُضر ورأتهم يجتهدون فِي تَحْصِيل الْحجر مظهرين من التَّعَب لعدم وجدانه قَالَت لقومها إِنِّي أعلم مَحَله فَخُذُوا عَلَيْهِم الْعَهْد أَن يولوكم حجابة الْبَيْت إِن دللتموهم عَلَيْهِ فَأخذ خُزَاعَة من مُضر ذَلِك فدلتهم الْمَرْأَة عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ وأعادوه مَكَانَهُ فَصَارَ لَهُم حكم ولَايَته بِهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 السَّبَب وَكَانَت مُدَّة ولايتهم ثلاثمئائة سنة وَسَار بعض التبابعة لإِرَادَة هدم الْبَيْت وتخريبه فَقَامَتْ دونه خُزَاعَة وقاتلت عَلَيْهِ أَشد الْقِتَال وَأول من ملك مِنْهُم عَمْرو بن لحي بن ربيعَة بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر بن مزيقيا بن مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة ابْن مَازِن بن الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابْن يعرب بن قحطان هَكَذَا نسبه ابْن هِشَام وَابْن حزم وَابْن الْكَلْبِيّ وَقد اخْتلف فِي سَبَب ملك خُزَاعَة لمَكَّة فَذكر صَاحب الأرج المسكي فِيمَا تقدم قَرِيبا أَن سَبَب ذَلِك دلَالَة تِلْكَ الْمَرْأَة الْخُزَاعِيَّة مُضر على مَوضِع الْحجر لما دَفَنته إياد حَال خُرُوجهمْ وَاشْتِرَاط خُزَاعَة على مُضر توليتهم حجابة الْبَيْت وَأَخذهم الْعَهْد عَلَيْهِم فِي ذَلِك فولوه وَذكر الزبير بن بكار عَن أبي عُبَيْدَة شَيْئا من خبر خُزَاعَة وجرهم فَقَالَ فاجتمعت خزاعية ليحلوا من بَقِي من جرهم وَرَأس خُزَاعَة عَمْرو بن لحي وَاسم لحي ربيعَة فَاقْتَتلُوا وَوَقعت بَينهم حروب شَدِيدَة طَوِيلَة ثمَّ إِن خُزَاعَة غلبت جرهماً على الْبَيْت وَخرجت جرهم حَتَّى نزلت وَادي إضم فَجَاءَهُمْ سيل بِاللَّيْلِ فهلكوا جَمِيعًا قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت من شعر لَهُ (وجرهمٌ دمثوا تهَامَة فِي الدَّهْر ... فسالت بِجَمْعِهِمْ إضم) وَكَانَ عَمْرو بن لحي أول من غير دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ خرج إِلَى الشَّام واستخلف على الْبَيْت وَمَكَّة رجلا من بني ضخم يُقَال لَهُ آكل الْمَرْوَة وَعَمْرو بن لحي يَوْمئِذٍ وَأهل مَكَّة على دين إِبْرَاهِيم على نَبينَا وَعَلِيهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَمَّا قدم الشَّام نزل بالبلقاء فَوجدَ قوما يعْبدُونَ اوثاثنا فَقَالَ مَا هَذِه الأنصاب الَّتِي أَرَاكُم تعبدونها فَقَالُوا أَرْبَاب نتخذها نستنصر بهَا على عدونا فننصر ونستشفى بهَا من الْمَرَض فنشفى فَوَقع قَوْلهم فِي نَفسه فَقَالَ هبوا لي مِنْهَا وَاحِدًا أتخذه ببلدي فَإِنِّي صَاحب بَيت الله الْحَرَام وإلي وَفد الْعَرَب من كل أَوب فَأَعْطوهُ صنماً يُقَال لَهُ هُبل فَحَمله حَتَّى نَصبه للنَّاس فتابعته الْعَرَب على ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وروى الأرزقي خَبرا طَويلا فِي ولَايَة خُزَاعَة بعد جرهم فَتزَوج لحي أَبُو عَمْرو فهرة ابْنة عَامر بن عَمْرو بن الْحَارِث بن مضاض الجرهمي ملك جرهم فَولدت لَهُ عَمْرو بن لحي هَذَا وَبلغ بِمَكَّة وَفِي الْعَرَب من الشّرف مَا لم يبلغع عَرَبِيّ قبله وَلَا بعده فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ الَّذِي قسم بَين الْعَرَب فِي حطمة حطموها عشرَة آلَاف نَاقَة وَقد كَانَ أَعور عشْرين فحلاً وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا ملك ألف نَاقَة فَقَأَ عين فَحل إبِله فَكَانَ قد فَقَأَ عشْرين فحلاً وَكَانَ أول من أطْعم الْحَاج بِمَكَّة سديف الْإِبِل ولحمها على الثَّرِيد وَعم فِي تِلْكَ السّنة جَمِيع حَاج الْعَرَب بِثَلَاثَة أَثوَاب من برود الْيمن وَكَانَ قد ذهب شرفه كل مَذْهَب فَكَانَ قَوْله فيهم دينا مُتبعا لَا يُخَالف وَهُوَ الَّذِي بَحر الْبحيرَة وَوصل الوصيلة وَحمى الحامي وسيب السوائب وَنصب الْأَصْنَام حول الْكَعْبَة وَجَاء بهبل فنصبه فِي جَوف الْكَعْبَة فَكَانَت قُرَيْش وَالْعرب تستقسم عِنْده بالأزلام وَهُوَ أول من غير الحنيفية دين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ أمره بِمَكَّة مُطَاعًا لَا يعْصى وَكَانَ بِمَكَّة رجل من جرهم على دين إِبْرَاهِيم وَكَانَ شَاعِرًا فَقَالَ لعَمْرو بن لحي حِين غير دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام // (من مجزوء الْكَامِل) // (يَا عَمْرو لَا تظلم بِمَكَّة ... إنّها بلدٌ حرَام) (سَائل بعادٍ أَيْن هم ... وكذاك تخترم الْأَنَام) (وَبنى العماليق الَّذين ... لَهُم بهَا كَانَ السّوام) فَلَمَّا سمع عَمْرو بن لحي هَذَا الشّعْر أخرجه من مَكَّة فَنزل باضم من اعراض مَدِينَة النَّبِي نَحْو الشَّام فَقَالَ الجرهمي يتشوق إِلَى مَكَّة // (من الطَّوِيل) // (أَلا لَيْت شعري هَل أبيتنّ لَيْلَة ... وَأَهلي مَعًا بالمأزمين حُلُول) (وَهل أرينّ العيس تنفخ فِي البرى ... لَهَا بمنى والمأزمين زميل) (منَازِل كنّا أَهلهَا لم يحل بِنَا ... زمانٌ بهَا فِيمَا أرَاهُ يحول) (مضى أوّلونا قانعين بشأنهم ... جَمِيعًا وغالتنا بمكّة غول) وَاسْتمرّ ملكهم لَهَا ثَلَاثمِائَة سنة حَتَّى كَانَ آخِرهم حليل بن حبشية وَهُوَ الْقَائِل // (من الرجز) // (وادٍ حرامٌ طيرهُ ووحشه ... نَحن ولاته فَلَا نفشه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 (وَابْن مضاضٍ قائمٌ يهشّه ... يَأْخُذ مَا يهدي لَهُ يمشّه) وحليل هَذَا هُوَ آخر من ولي الْبَيْت من خُزَاعَة أَقُول وَرَأَيْت فِي تَارِيخ الفاسي خَمْسَة أَقْوَال فِي سَبَب خُرُوج جرهم من مَكَّة مِنْهَا هَذَانِ الْقَوْلَانِ وَثَلَاثَة لم أذكرها تركا للتطويل من غير كَبِير فَائِدَة وَالله أعلم أَيهَا كَانَ هُوَ ثمَّ ولي أَمر مَكَّة قُرَيْش وهم ولد فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة وَقيل ولد النَّضر بن كنَانَة وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا وَأول من ولي مِنْهُم قضى بن كلاب تقدم ذكر ذَلِك ثمَّ تزوج قصي بعاتكة بنت فالح بن مَالك بن ذكْوَان من بني سليم فَأتى مِنْهَا بِعَبْد منَاف وَعبد الْعُزَّى وَعبد الدَّار وَعبد قصي قَالَ السُّهيْلي فِي شرح سيرة ابْن هِشَام عبد منَاف اسْمه الْمُغيرَة وَهُوَ مَنْقُول من الْوَصْف وَالْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة أَي أَنه مغير على الْأَعْدَاء أَو مغير من أغار الْحَبل إِذا أحكمه فَتلا وَعبد منَاف كَانَ يلقب قمر الْبَطْحَاء كَمَا ذكره المؤرخون وَكَانَت أمه حبى بنت حليل قد أخدمته مَنَاة وَهُوَ صنم عَظِيم كَانَ لَهُم فَكَانَ يُسمى بِهِ فَكَانَ يُقَال لَهُ عبد مَنَاة ثمَّ نظر أَبوهُ قصي فَوجدَ اسْمه يُوَافق عبد مَنَاة بن كنَانَة فحوله إِلَى عبد منَاف ذكره البرقي انْتهى قَالَ الْعَلامَة التقي الفاسي روينَا عَن الزبير بن بكار حَدثنِي أَبُو الْحسن الْأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَدثنَا خَالِد بن أبي عُثْمَان قَالَ كَانَ قصي أول من ثرد الثَّرِيد فأطعم بِمَكَّة وَسَقَى اللَّبن بعد نابت بن إِسْمَاعِيل فَقَالَ قَائِل وَلم يسموه هاشماً (أشبعهم زيد قصي لَحْمًا ... ولبنا مَحْضا وخبزاً هشمياً) وَقَالَ الزبير حَدثنِي عَمْرو بن أبي بكر المؤئلي عَن عبد الحكم بن سُفْيَان بن أبي نمر قَالَ لما ولد لقصي أول ولد سمته أمه عبد الدَّار فَذكر مَا ذكره السُّهيْلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 آنِفا فِيهِ قَالَ وَإِنَّمَا سمى عبد الدَّار لِأَنَّهُ حِين هدم الْكَعْبَة وَأَرَادَ بناءها حضر الْحَج قبل بنائها وَهِي مهدومة فأحاط عَلَيْهَا دَارا من خشب وربطها بالحبال لتدور النَّاس من وَرَاء الدَّار فولد لَهُ إِذا ذَاك فَسَماهُ عبد الدَّار وَأما عبد بن قصي فانه إِنَّمَا اسماه فِي الأول عبد قصي فَكَانَ بذلك يدعى ثمَّ أمال اسْمه فَقيل عبد بن قصي وَقَالَ غير الموئلي قَالَ قصي ولد لي فسميت اثْنَيْنِ بإلهيّ يَعْنِي مَنَاة والعزى وَسميت الثَّالِث بداري وَسميت الرَّابِع بنفسي يَعْنِي عبد الدَّار وَعبد قصي انْتهى وَقَوْلِي ثمَّ تزوج قصي بعاتكة إِلَى آخِره هَكَذَا فِي الْمَوَاهِب وسيرة الْيَعْمرِي ابْن سيد النَّاس وَغَيرهمَا أَن أم عبد منَاف وَإِخْوَته هِيَ عَاتِكَة بنت فالح وَهُوَ مُخَالف لما ذكره السُّهيْلي والفاسي والأزرقي أَنَّهَا حبى بنت حليل بن حبشية وَنَصّ عبارَة الْأَزْرَقِيّ فَأَقَامَ قصي مَعهَا وَولدت لَهُ عبد الدَّار وَهُوَ أكبر وَلَده وَعبد منَاف وَعبد الْعُزَّى وَعبد قصي وَقد تقدّمت فَلَعَلَّ أَن يكون أكبر أَوْلَاده عبد الدَّار من حبى وَعبد منَاف من عَاتِكَة لَكِن عِبَارَته صَرِيحَة فِي أَن الْجَمِيع من حبى فَلْينْظر وَجه التَّوْفِيق وَكَانَ عبد منَاف قد شرف فِي زمَان أَبِيه هُوَ وَإِخْوَته فَلَمَّا مرض قصي قَالَ لِابْنِهِ عبد الدَّار لألحقنك بالقوم يَا بني وَإِن كَانُوا شرفوا عَلَيْك فَأعْطَاهُ الحجابة وَسلم إِلَيْهِ الْمِفْتَاح وَقَالَ لَا يدْخل رجل مِنْهُم الْكَعْبَة حَتَّى تكون أَنْت تفتحها لَهُ وَأَعْطَاهُ السِّقَايَة واللواء وَقَالَ لَا يشرب أحد بِمَكَّة إِلَّا من سقايتك وَلَا يعْقد لِوَاء لقريش لحربها إِلَّا أَنْت بِيَدِك وَجعل لَهُ الرفادة وَقَالَ لَا يَأْكُل أحد من أهل الْمَوْسِم إِلَّا من طَعَامك والرفادة خراج تخرجه قُرَيْش من أموالها فِي كل موسم فتدفعه إِلَى قصي فيصنع بِهِ طَعَاما للْحَاج فيأكله من لم يكن لَهُ سَعَة وَلَا زَاد وَكَانَ قصي فرض ذَلِك على قُرَيْش حِين جمعهم وَقَالَ لَهُم يَا معشر قُرَيْش إِنَّكُم جيران الله وَأهل بَيته وَحرمه وَإِن الْحَاج ضيف الله وزوار بَيته وهم أَحَق الأضياف بالكرامة فاجعلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 لَهُم طهاما وَشَرَابًا أَيَّام الحجيج حَتَّى يصدروا عَنْكُم فَجعل قصي كل مَا كَانَ بِيَدِهِ من المناصب إِلَى وَلَده عبد الدَّار بن قصي وَكَانَ قصي لَا يُخَالف وَلَا يرد عَلَيْهِ شَيْء من صنعه فَكَانَ أمره فِي قومه من قُرَيْش حَيَاته ومماته كَالدّين المتبع لَا يعْمل بِغَيْرِهِ لعظم شَأْنه ونفوذ سُلْطَانه قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ إِن قصياً هلك فَقَامَ بِهَذِهِ المناصب وَلَده عبد الدَّار بعده ثمَّ إِن عبد منَاف تزوج بعاتكة بنت مرّة بن هِلَال بن فالح بن ذكْوَان من بني سليم فَأتى مِنْهَا بهاشم وَعبد شمس وَالْمطلب وَلَهُم اخ رَابِع يُسمى نوفلاً من امْرَأَة أُخْرَى يُقَال لَهَا واقدة بنت عَمْرو المازنية فَهُوَ فذ وَالثَّلَاثَة اشقاء والأولان من أُخْرَى يُقَال لَهَا واقدة بنت عَمْرو المازنية فَهُوَ فذ وَالثَّلَاثَة أشقاء والأولان من الثَّلَاثَة توءمان يُقَال خرجا وجبهة أَحدهمَا مُتَّصِلَة بجبهة الآخر ففصلا بِالْحَدِّ فتقطر الدَّم فَقَالَ بعض الْكُهَّان إِنَّه سيقع بَين ذريتهما دم إِلَى آخر الْأَبَد فَأَنت ترى مَا جرى بَين بني أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف وَبَين بني هَاشم بن عبد منَاف من الدِّمَاء قَدِيما وحديثاً وَالْأَمر لله سُبْحَانَهُ وَقد أَشَارَ إِلَى ذكر الْإِخْوَة طَالب بن أبي طَالب فِي قصيدة يرثي بهَا الْقَتْلَى من قُرَيْش يَوْم بدر // (من الطَّوِيل) // (أَلا إنّ عَيْني أنفدت دمعها سكبا ... تُبكّي على كَعْب وَمَا إِن ترى كَعْبًا) (أَلا إنّ كَعْبًا فِي الحروب تخاذلوا ... وأرداهم ذَا الدّهر واجترحوا ذَنبا) (وعامر تبْكي للملمات غدْوَة ... فياليت شعر هَل أرى لَهما قربا) (هما أخواي لن يعدّا لغيّةٍ ... تعدّ وَلنْ يستام جارهما غصبا) (فيا أخوينا عبد شمسٍ ونوفلاً ... فدى لَكمَا لَا تبعثوا بَيْننَا حَربًا) (وَلَا تصبحوا من بعد ودٍّ وأُلفةٍ ... أَحَادِيث فِيهَا كلّكم يشتكي النّكبا) (ألم تعلمُوا مَا كَانَ فِي حَرْب داحسٍ ... وجيش أبي يكسوم إِذْ ملئوا الشّعبا) (فَلَولاَ دِفَاعُ الله لَا شَيْء غَيرُهُ ... لأَصبَحتمُ لاَ تَمنَعُونَ لَكُم سِربَا) (فَمَا إِن جَنَينَا فِي قريشٍ عَظِيمَة ... سوى أَن حمينا خير من وطيء التّربا) (أَخا ثقةٍ فِي النّائبات مرزأ ... كَرِيمًا نثاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذربا) (يطِيف بِهِ الْعَافُونَ يغشونَ دارهُ ... يؤمّون نهراّ لَا نزوراً وَلَا صربا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ثمَّ إِن بني عبد منَاف هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة هشاما وَعبد شمس وَبِه كَانَ يكنى عبد منَاف يُقَال أَبَا عبد شمس وَالْمطلب ونوفلاً أَجمعُوا على أَن يَأْخُذُوا مَا بيَدي بني عبد الدَّار من الحجابة والسقاية واللواء والرفادة وَرَأَوا أَنهم أَحَق بذلك مِنْهُم لشرفهم وفضلهم وَتَفَرَّقَتْ قُرَيْش بَينهم مِنْهُم من يرى أَن عبد منَاف أَحَق بِهَذِهِ المآثر من بني عبد الدَّار وَمِنْهُم من يرى ابقاء بني عبد الدَّار على مَا جعله جدهم قصي لأبيهم عبد الدَّار فاجمعوا على الْحَرْب فتفرقت عِنْد ذَلِك قُرَيْش فَكَانَت طَائِفَة مَعَ بني عبد منَاف على رَأْيهمْ يرَوْنَ أَنهم أَحَق بِهِ من بني عبد الدَّار لِمَكَانِهِمْ وشرفهم فِي قَومهمْ وَكَانَت طَائِفَة من بني عبد الدَّار يرَوْنَ أَنه لَا ينْزع مِنْهُم مَا كَانَ قصي جعله إِلَى أَبِيهِم عبد الدَّار وَكَانَ صَاحب أَمر بني عبد منَاف عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي وَذَلِكَ أَنه كَانَ أسن بني عبد منَاف وَكَانَ صَاحب أَمر عبد الدَّار عَامر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي وَكَانَ بَنو أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي وَبَنُو زهرَة بن كلاب وَبَنُو تيم بن مرّة بن كَعْب وَبَنُو الْحَارِث بن فهر بن مَالك بن النَّضر مَعَ بني عبد منَاف وَكَانَ بَنو مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة وَبَنُو سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي وَبَنُو جمح بن عَمْرو بن هصيص وَبَنُو عدي بن كَعْب مَعَ بني عبد الدَّار وَخرجت عَامر بن لؤَي ومحارب بن فهر فَلم يَكُونُوا مَعَ أحد من الْفَرِيقَيْنِ فعقد كل قوم على أَمرهم حلفا مؤكداً على أَلا يتخاذلوا وَلَا يسلم بَعضهم بَعْضًا مَا أرسى ثبير وَمَا بل بَحر صوفه فَأخْرج بَنو عبد منَاف جَفْنَة مَمْلُوءَة طيبا أخرجتها لَهُم عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب وَقيل الْبَيْضَاء أم حَكِيم بنت عبد الْمطلب فَوَضَعُوهَا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم ثمَّ مسحوا الْكَعْبَة توكيداً على أنفسهم فَسمى هَذَا الْحلف حلف المطيبين فتطيب بذلك بَنو عبد منَاف وَبَنُو أَسد وَبَنُو زهرَة وَبَنُو تيم وَبَنُو الْحَارِث بن فهر فسموا المطيبين وتعاقد بَنو عبد الدَّار وَبَنُو سهم وَبَنُو جمح وَبَنُو عدي وَبَنُو مَخْزُوم ونحروا جزوراً وَقَالُوا من أَدخل يَده فِي دَمهَا فلعق مِنْهَا فَهُوَ منا فَفَعَلُوا ذَلِك هَؤُلَاءِ الْقَبَائِل يسمون لعقة الدَّم وتحالفوا على التناصر وَألا يسلم بَعضهم بَعْضًا مَا أرسى ثبير فسموا الأحلاف لذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ثمَّ سوند بَين الْقَبَائِل وألزم بَعضهم بَعْضًا فعينت بَنو عبد منَاف لبني سهم وعينت بَنو أَسد لبني عبد الدَّار وعينت بَنو زهرَة لبني جمح وعينت بَنو الْحَارِث ابْن فهر لبني عدي بن كَعْب ثمَّ قَالَ لتكف كل قَبيلَة مَا أسْند إِلَيْهَا فَبَيْنَمَا النَّاس على ذَلِك قد أَجمعُوا للحرب إِذْ تداعوا للصلح فَاصْطَلَحُوا على أَن تكون السِّقَايَة والرفادة والقيادة لبني عبد منَاف واللواء والحجابة وَدَار الندوة لبني عبد الدَّار فتراضوا على ذَلِك وتحاجز النَّاس عَن الْحَرْب وَثَبت كل قوم على حلفهم فَلم يزَالُوا عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا كَانَ من حلف فِي الجالهية فَإِن الْإِسْلَام لم يزده إِلَّا شدَّة وَحَيْثُ انجر الْكَلَام إِلَى ذكر حلف المطيبين وَحلف الفضول وَحلف الْأَحَابِيش وَحرب الْفجار الأول والفجار الثَّانِي روينَا فِي السِّيرَة لِابْنِ إِسْحَاق تَهْذِيب ابْن هِشَام رِوَايَته عَن زِيَاد البكائي شَيْئا من خَبره وَنَصّ ذَلِك على مَا فِي السِّيرَة قَالَ ابْن هَاشم وَأما حلف الفضول فَحَدثني زِيَاد بن عبد الله عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ تداعت قبائل من قُرَيْش إِلَى حلف فَاجْتمعُوا لَهُ فِي دَار عبد الله بن جدعَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي لشرفه وسنه فَكَانَ حلفهم عِنْده وهم بَنو هَاشم وَبَنُو عبد الْمطلب وَبَنُو أَسد بن عبد الْعُزَّى وَبَنُو زهرَة بن كلاب وَبَنُو تيم بن مرّة فتعاقدوا وتعاهدوا على أَلا يَجدوا بِمَكَّة مَظْلُوما من أَهلهَا أَو غَيرهم مِمَّن دَخلهَا من سَائِر النَّاس إِلَّا قَامُوا وَكَانُوا على من ظلمه حَتَّى ترد عَلَيْهِ مظلمته فَسَمت قُرَيْش ذَلِك حلف الفضول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 قَالَ ابْن هِشَام قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر بن قنفذ التَّيْمِيّ أَنه سمع طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف الزُّهْرِيّ يَقُول قَالَ رَسُول الله لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن جدعَان حلفا مَا أحب أَن لي بِهِ حمر النعم وَلَو أدعى بِهِ فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَقد ذكر الزبير بن بكار سَبَب حلف الفضول فَقَالَ سَببه أَن رجلا من أهل الْيمن قدم مَكَّة ببضاعة فاشتراها مِنْهُ رجل من بني سهم فَلوى الرجل بِحقِّهِ فَسَأَلَهُ بضاعته فَأبى عَلَيْهِ فَقَامَ على الْجَبَل فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (يَا آل فهرٍ لمظلومٍ بضاعته ... ببطنِ مكّة نائي الدّار والنَّفر) (وأشعثٍ محرمٍ لم تقضَ عمرتهُ ... بَين الْإِلَه وَبَين الحِجر والحَجر) (هَل مخفرٌ لبني سهمٍ لخفرتهم ... فعادلٌ أم ضلالٌ مَال مُعتمر) (إنّ الحرامَ لمن تمّت حرامتهُ ... وَلَا حرَام لثوبِ الْفَاجِر الْغدر) فَلَمَّا نزل من الْجَبَل أعظمت ذَلِك قُرَيْش فتكلموا فِيهِ فَقَالَ المطيبون وَالله لَئِن قمنا فِي هَذَا لتغضبن الأحلاف وَقَالَ الأحلاف وَالله لَئِن تكلمنا فِي هَذِه ليغضبن المطيبون فَقَالَ نَاس من قُرَيْش تَعَالَوْا فلنكن حلفا فضولاً دون المطيبين وَدون الأحلاف فَاجْتمعُوا فِي دَار عبد الله بن جدعَان وصنع لَهُم يَوْمئِذٍ طَعَاما كثيرا وَكَانَ رَسُول الله مَعَهم قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة فاجتمعت بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب وَبَنُو أَسد بن عبد الْعُزَّى وَبَنُو زهرَة بن كلاب وَبَنُو تيم بن مرّة ثمَّ عَمدُوا إِلَى مَاء من زَمْزَم فجعلوه فِي جَفْنَة ثمَّ بعثوا بِهِ إِلَى الْبَيْت فغسلت فِيهِ أَرْكَانه ثمَّ أَتَوا بِهِ فشربوه وَكَانَ عتبَة بن ربيعَة بن أُميَّة بن عبد شمس يَقُول لَو أَن رجلا وَحده خرج من قومه لَخَرَجت من بني عبد شمس حَتَّى أَدخل فِي حلف الفضول وَلَيْسَت عبد شمس فِي حلف الفضول وَذكر بعض الْعلمَاء أَن سَببه غير ذَلِك وَهُوَ أَن قيس بن شيبَة السّلمِيّ بَاعَ مَتَاعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 من أبي بن خلف فلواه وَذهب بِحقِّهِ فَاسْتَجَارَ بِرَجُل من بني جمح فَلم يقم بجواره فَقَالَ قيس // (من الرجز) // (يَا لقصيٍّ كَيفَ هَذَا فِي الْحرم ... وحرمةُ البيتِ وإخلاف الذمَم) (أُظلمَ لَا يمُنعُ عنّي من ظلَم ... ) فَبلغ الْخَبَر عَبَّاس بن مرداس فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (إِن كَانَ جَارك لم تنفعكَ ذمتهُ ... وَقد شربتَ بكأسٍ الذّلّ أنفاسا) (فأتِ البيوتَ وَكن من أَهلهَا صدداً ... لَا يلق نادبهم فُحشاً وَلَا باسا) (وثمّ كن بفناءِ البيتِ معتصماً ... تلق ابْن حربٍ وتلق المرءَ عبّاسا) (ساقي الحجيج وَهَذَا ياسرٌ فلجٌ ... وَالْمجد يورثُ أَخْمَاسًا وأسداسا) فَقَامَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان حَتَّى ردا إِلَيْهِ حَقه فَحِينَئِذٍ اجْتمعت هَذِه الْبُطُون من قُرَيْش وتحالفوا على رد الظُّلم بِمَكَّة والا يظلم أحدا أحدا إِلَّا منعُوهُ وَأخذُوا حَقه من ظالمه وَقيل إِن تَسْمِيَته بذلك قَول قوم من قُرَيْش هَذَا وَالله فضل من الْحلف فَسمى حلف الفضول وَقَالَ آخَرُونَ تحالفوا على مِثَال حلف تحالف عَلَيْهِ فِي الزَّمَان السَّابِق قوم من جرهم وَكَانَت أَسمَاؤُهُم الْفضل بن سراعة وَالْفضل بن ودَاعَة وَالْفضل بن قضاعة فَسمى هَذَا الْحلف بذلك لذَلِك وَقدم بعد حلف الفضول رجل من ثمالة فَبَاعَ سلْعَة لَهُ من أبي بن خلف بن وهب ابْن حذاقة بن جمح فظلمه وَكَانَ سيء المخالصة فَأتى الثمالى أهل حلف الفضول فَأخْبرهُم فَقَالُوا اذْهَبْ إِلَيْهِ فَأخْبرهُ أَنَّك قد أَتَيْتنَا فَإِن أَعْطَاك حَقك وَإِلَّا فَارْجِع إِلَيْنَا فَأَتَاهُ فَأخْبرهُ بِمَا قَالَ لَهُ أهل حلف الفضول وَقَالَ فَمَا تَقول فَلم يلبث أَن دخل الْبَيْت فَأخْرج إِلَيْهِ حَقه فَأعْطَاهُ فَقَالَ الثمالى // (من الطَّوِيل) // (أيُعجزني فِي بطن مكّة ظَالِما ... أُبى وَلَا قومِي لديّ وَلَا صحبي) (وناديت قومِي بارقاً لتجيبني ... وَكم دون قومِي من فيافٍ وَمن شهب) (ويأبى لكم حلف الفضول ظُلامتي ... بني جمحٍ والحقّ يُؤْخَذ بِالْغَصْبِ) وَقيل إِن أول من قَامَ بِهِ من قُرَيْش ودعا إِلَيْهِ بعد نِدَاء الرجل اليمني صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 البضاعة بِتِلْكَ الأبيات على الْجَبَل يَسْتَعْدِي على السَّهْمِي هُوَ الزبير بن عبد الْمطلب فَقَالَ إِن هَذَا الْأَمر مَا يَنْبَغِي لنا أَن نمسك عَنهُ فَطَافَ فِي بني هَاشم وَبني زهرَة وَبني أَسد وَبني تيم؛ فَاجْتمعُوا فِي دَار عبد الله بن جدعَان، وتحالفوا بِاللَّه لنكونن يدا للمظلوم على الظَّالِم حَتَّى نُؤَدِّي إِلَيْهِ حَقه مَا بل بَحر صوفه وَمَا رسا ثبير وحراء فِي مَكَانَهُ وعَلى التوادد والتعاقل فتم ذَلِك إِلَى أَن جَاءَ الْإِسْلَام وَفِي ذَلِك يَقُول الزبير بن عبد الْمطلب // (من الوافر) // (حلفتُ لنعقدن حلفا عَلَيْهِم ... وَإِن كنّا جَمِيعًا أهل دَار) (نسمّيه الفضول إِذا عَقدنَا ... يعزّ بِهِ الْغَرِيب لَدَى الْجوَار) (وَيعلم من حَوال الْبَيْت أنّا ... أُباة الضّيم نمْنَع كلّ عَار) وَأما حلف الْأَحَابِيش مَعَ قُرَيْش فقد قَالَ الزبير بن بكار حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ تحالفت قُرَيْش والأحابيش فَصَارَت الْأَحَابِيش حلفا لقريش دون بني كنَانَة وَالَّذين جروا حلفهم لقريش بَنو عبد منَاف بن قصي والأحابيش هُوَ بَنو الْحَارِث بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وَالْحيَاء والمصطلق بن خُزَاعَة والقارة بَنو الْهون بن خُزَيْمَة بن مدركة وَمَالك وملكان ابْنا كنَانَة وهذيل كلهم يدا وَاحِدَة مَعَ قُرَيْش وَكَانَت خُزَاعَة كلهَا إِلَّا الْحيَاء والمصطلق مَعَ بني مُدْلِج وَكَانَ تحالف قُرَيْش والأحابيش على الرُّكْن يقوم رجل من قُرَيْش وَالْآخر من الْأَحَابِيش فيضعان أَيْدِيهِمَا على الرُّكْن فيحلفان بِاللَّه وبحرمة هَذَا الْبَيْت وَالْمقَام والركن والشهر الْحَرَام على النَّصْر على الْخلق جَمِيعًا حَتَّى يَرث الله الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وعَلى التعاون والتعاقل وعَلى من عاداهم من النَّاس جَمِيعًا مَا طلعت الشَّمْس من مشرقها وَمَا غربت من مغْرِبهَا تدونا ونديكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قلت وَرَأَيْت فِي بعض كتب السّير إِنَّمَا سموا الْأَحَابِيش لعقدهم ذَلِك الْحلف عِنْد جبل بِأَسْفَل مَكَّة يُقَال لَهُ حبشِي فَالله تَعَالَى أعلم بالحقائق وَأما يَوْم الْفجار الأول فَقَالَ الفاكهي عِنْد ذكر الْفجار الأول وَمَا كَانَ فِيهِ بَين قُرَيْش وَقيس عيلان وَسبب ذَلِك حَدثنَا عبد الْملك بن مُحَمَّد عَن زِيَاد بن عبد الله عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ ثمَّ هاج يَوْم الْفجار الأول بَين قُرَيْش وَمن كَانَ إِلَيْهَا من كنَانَة كلهَا وَبَين قيس عيلان سَببه أَن رجلا من بني كنَانَة كَانَ عَلَيْهِ دين لرجل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 بني نضر بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن فأعدم بِهِ الْكِنَانِي فوافاه النضري بسوق عكاظ بقرد مَعَه فَوقف بِهِ فِي السُّوق فَقَالَ من يبيعني مثل هَذَا بِمَالي على فلَان ابْن فلَان الْكِنَانِي وَإِنَّمَا اراد بذلك تَعْبِير الْكِنَانِي وَقَومه فَمر بِهِ رجل من كنَانَة فَضرب القرد بِالسَّيْفِ فَقتله أنفًا مِمَّا يَقُول النضرى فَصَرَخَ النضري فِي قيس وصرخ الْكِنَانِي فِي بني كنَانَة فَتَجَاوز النَّاس حَتَّى كَاد أَن يكون بَينهم قتال ثمَّ تداعوا إِلَى الصُّلْح وَيسر الْخطب فِي أنفسهم فتراجع النَّاس وكف بَعضهم عَن بعض وَلم يكن بَينهم إِلَّا ذَلِك وَيُقَال بل سَببه أَن فتية من قُرَيْش قعدوا إِلَى امْرَأَة من بني عَامر فِي هَيْئَة جميلَة وَهِي فِي درع فضل وَكَذَلِكَ كن نسَاء الْعَرَب تفعل فَأَعْجَبَهُمْ مَا رَأَوْا من حسن هيئتها فَقَالُوا لَهَا يَا أمة الله أسفري لنا عَن وَجهك نَنْظُر إِلَيْك فابت عَلَيْهِم فَقَامَ غُلَام مِنْهُم إِلَى خلفهَا فَشك درعها إِلَى ظهرهَا بشوكة وَالْمَرْأَة لَا تَدْرِي فَلَمَّا قَامَت انْكَشَفَ الدرْع عَن دبرهَا فضحكوا وَقَالُوا منعتينا أَن نَنْظُر إِلَى وَجهك فقد نَظرنَا إِلَى دبرك فصاحت الْمَرْأَة ببني عَامر فضجت فَتَجَاوز النَّاس ثمَّ ترادوا وَرَأَوا أَن الْأَمر دون ذَلِك وَقيل فِي السَّبَب إِن رجلا من بني غفار بن مدركة بن خندف يُقَال لَهُ أَبُو ميسرَة كَانَ عَارِفًا من العراف مُتَعَنتًا فِي نَفسه بسوق عكاظ فَمد رجله وَقَالَ // (من الرجز) // (أَنا ابْن مدركة بن خندف ... من يطعنوا فِي عينه لم يطرف) (وَمن تَكُونُوا قومه يُغطرف ... ) أَنا وَالله اعز الْعَرَب فَمن زعم أَنه اكرمم مني فليضربها بِالسَّيْفِ فضربها رجل من قيس بِالسَّيْفِ فخدشها خدشاً غير كَبِير فَتَجَاوز النَّاس عِنْد ذَلِك حَتَّى كَاد أَن يكون بَينهم قتال ثمَّ تراجعوا وَرَأَوا أَنه لم يكن كَبِير أَمر فَكل هَذَا الحَدِيث يُقَال فِي سَبَب حَرْب الْفجار الأول وَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ هُوَ وَأما حَرْب الْفجار الثَّانِي فَقَالَ الْعَلامَة التقي الفاسي قَالَ ابْن هِشَام لما بلغ رَسُول الله أَربع عشرَة سنة أَو خمس عشرَة سنة فِيمَا حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 النَّحْوِيّ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ هاج حَرْب الْفجار بَين قُرَيْش وَمن مَعهَا من بني كنَانَة وَبَين قيس عيلان وَكَانَ الَّذِي هاجها أَن عُرْوَة الرّحال بن عتبَة بن جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن أجَاز لطيمة للنعمان بن الْمُنْذر واللطيمة الْبَعِير يحمل الطّيب والجواهر وَالثيَاب وَالتِّجَارَة وإجازتها إيصالها سَالِمَة إِلَى مقصدها فِي خفتارته فَقَالَ لَهُ البراض بن قيس أحد بني ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة أتجيزها يَا عُرْوَة على كنَانَة قَالَ عُرْوَة نعم وعَلى الْخلق اجميعن فَخرج فِيهَا عُرْوَة الرّحال وَخرج البراض يطْلب غفلته حَتَّى إِذا كَانَ بتيمن ذِي طلال بِالْعَالِيَةِ غفل عُرْوَة فَوَثَبَ عَلَيْهِ البراض فَقتله فِي الشَّهْر الْحَرَام فَلذَلِك سمى حَرْب الْفجار وَقَالَ البراض فِي ذَلِك // (من الوافر) // (وداهيةٍ تهم النس قبلي ... شددتُ لَهَا بني بكرٍ ضلوعي) (هدمت بهَا بيُوت بني كلابٍ ... وأرضعت الموَالِي بالضّروع) (رفعت لَهَا بِذِي طلالٍ كفّي ... فخرّ يميد كالجذع الصّريع) وَقَالَ لبيد بن ربيعَة بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب يحث على الطّلب بِدَم عُرْوَة الرّحال // (من الوافر) // (فبلّغ إِن عرضت بني كلاب ... وعامر والخطوب لَهَا توالي) (وأبلغ إِن عرضت بني نميرٍ ... وأخوال الْقَتِيل بني هِلَال) (بأنّ الْوَافِد الرّحّال أَمْسَى ... مُقيما عِنْد تيمن ذِي طلال) وَهَذِه الأبيات من أَبْيَات لَهُ ذكرهَا ابْن هِشَام قَالَ ابْن هِشَام فَأتى آتٍ قُريْشًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فَقَالَ إِن البراض قد قتل عُرْوَة وهم فِي الشَّهْر الْحَرَام بعكاظ فارتحلوا وهوازن لَا تشعر ثمَّ بَلغهُمْ الْخَبَر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أَن يدخلُوا الْحرم فَاقْتَتلُوا حَتَّى جَاءَ اللَّيْل ودخلوا الْحرم فَأَمْسَكت عَنْهُم هوَازن ثمَّ الْتَقَوْا بعد هَذَا الْيَوْم أَيَّامًا وَالْقَوْم متنابذون على كل قَبيلَة من قُرَيْش وكنانة رَئِيس مِنْهُم وعَلى كل قبيل من قيس رَئِيس مِنْهُم وَشهد رَسُول الله بعض أيامهم أخرجه أَعْمَامه مَعَهم وَقَالَ رَسُول الله كنت أنبل على أعمامي أَي أرد عَنْهُم نبل عدوهم إِذا رموهم قَالَ ابْن إِسْحَاق وَإِنَّمَا سمى حَرْب الْفجار بِمَا اسْتحلَّ فِيهِ هَذَانِ الْحَيَّانِ كنَانَة وَقيس عيلان من الْمَحَارِم بَينهمَا وَكَانَ قَائِد قُرَيْش وكنانة حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس فَكَانَ أول الْأَيَّام بعد يَوْم نَخْلَة فالتقو بعكاظ وَكَانَ يُسمى يَوْم شيظمة فَكَانَت هوَازن من وَرَاء السَّيْل وقريش وَبَنُو كنَانَة فِي بطن الْوَادي وَقَالَ لَهُم حَرْب بن أُميَّة إِن انتحت قُرَيْش فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ وعبأت هوَازن وَأخذُوا مَصَافهمْ وعبأت قُرَيْش وَكَانَ على إِحْدَى المجنبتين عبد الله بن جدعَان وعَلى الْأُخْرَى كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس وَحرب بن أُميَّة فِي الْقلب فَكَانَت الدائرة أول النَّهَار لكنانة على هوَازن حَتَّى إِذا كَانَ آخر النَّهَار وَصَبَرت هوَازن فاستحر الْقَتْل فِي قُرَيْش فَلَمَّا رأى ذَلِك الَّذين قي بطن الْوَادي من كنَانَة مالوا إِلَى قُرَيْش وَتركُوا مكانهم فَلَمَّا فعلو ذَلِك استحر الْقَتْل بهم فَقتل تَحت رايتهم ثَمَانُون رجلا فَكَانَ هَذَا الْيَوْم وَهُوَ يَوْم شيظمة لهوازن على كنَانَة ثمَّ كَانَ يَوْم العبلاء قَالَ حَدثنِي الْأَزْدِيّ قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ وَجمع هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء فَالْتَقوا يَوْم العبلاء وَهُوَ الْجَبَل إِلَى جنب عكاظ ورؤساؤهم الَّذين كَانُوا يَوْم شيظمة بأعيانهم فَكَانَت الدائرة لهوازن على كنَانَة أَيْضا ثمَّ كَانُوا يَوْم سرب قَالَ ثمَّ جمع الْفَرِيقَانِ فَالْتَقوا عِنْد قرن الْخُيُول فَاقْتَتلُوا بسرب من عكاظ وعلهيم رؤساؤهم الَّذِي كَانُوا قبل وَلم يكن يَوْم أعظم مِنْهُ يَوْمئِذٍ وَحمل يَوْمئِذٍ ابْن جدعَان ألفا على ألف بعير فَالْتَقوا وَقد كَانَ لهوازن على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 كنَانَة يَوْمَانِ متواليان يَوْم شيظمة وَيَوْم العبلاء فخشوا مثلهمَا وحافظوا يَوْمئِذٍ وقيدت بَنو أُميَّة فِيهِ أنفسهم وحافظت بَنو مَخْزُوم وَصَبَرت وَكَذَلِكَ صبرت هوَازن وَذَلِكَ أَن عكاظ بلد لَهُم بِهِ نخل وأموال فَلم يعبوا شَيْئا فَقَاتلُوا حَتَّى أَمْسوا وانهزموا ثمَّ قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن الضَّحَّاك عَن أَبِيه قَالَ العنابس حَرْب وَأَبُو حَرْب وسُفْيَان وَأَبُو سُفْيَان بَنو أُميَّة بن عبد شمس وَإِنَّمَا سموا العنابس لأَنهم قيدوا أنفسهم يَوْم عكاظ وقاتلوا قتاتلا شَدِيدا فشبهوا بالأسد والأسد يُقَال لَهُ العنبس وَلابْن الزبعري فيهم أشعار بليغة وَقد ذكرُوا أَن خويلد بن أَسد وَهُوَ أَبُو السيدة خَدِيجَة زوج النَّبِي كَانَ يَوْم عكاظ على بني أَسد بن عبد الْعُزَّى ثمَّ كَانَ يَوْم الجزيرة حَدثنِي الْأَزْدِيّ قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن حبيب الْهَاشِمِي عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ كَانَت فِيهِ الدائرة لهوازن على كنَانَة وَهِي حرَّة إِلَى جنب عكاظ مِمَّا يَلِي مهب جنوبا لمن يقبل يُرِيد مَكَّة فِي مهب صبائها حَتَّى تَنْقَطِع دون قرن قتل فِيهِ أَبُو سُفْيَان بن أُميَّة وَمن كنَانَة ثَلَاثَة رَهْط وَقتل وَرْقَاء بن الْحَارِث بن مَالك بن ربيعَة بن عَمْرو بن عَامر فَهَذِهِ أَيَّام الْفجار الْخَمْسَة الَّتِي تراجفوا فِيهَا فِي أَربع سِنِين أولهنَّ يَوْم نَخْلَة حِين تبعتهم هوَازن فَكَانَ كفافاً لَا وَلَا ثمَّ يَوْم شيظمة وَكَانَ لهوازن على كنَانَة ثمَّ يَوْم عكاظ هُوَ يَوْم العبلاء فَكَانَ لهوازن على كنَانَة أَيْضا ثمَّ يَوْم سرب وَهُوَ يَوْم عكاظ الثَّانِي كَانَ لبني كنَانَة على هوَازن وَلم يكن بَينهم يَوْم أعظم مِنْهُ ثمَّ يَوْم الجزيرة وَهُوَ آخر أيامهم قَالَ ثمَّ كَانَ الرجل يلقى الرجل أَو الرجلَيْن أَو أَكثر من ذَلِك أَو أقل فيقتتلون فَرُبمَا قتل بَعضهم بَعْضًا فلقي ابْن محمية أَخُو بني الدئل بن بكر أَخا خِدَاش بن زُهَيْر بالصفاح فَقَالَ زُهَيْر إِنِّي حرَام جِئْت مُعْتَمِرًا فَقتله ثمَّ نَدم فَقَالَ لَهُم إِن العامري الْمُعْتَمِر لم آتٍ فِيهِ عذرا لمعتذر ثمَّ إِن النَّاس تداعوا إِلَى الصُّلْح وَالسّلم على أَن يَدي الْفضل من الْقَتْلَى الَّذين فيهم أَي الْفَرِيقَيْنِ افضل على الآخر فتواعدوا عكاظ وتعاقدوا وتوافقوا على أَن يتموا ذَلِك وَجعلُوا بَينهمَا أمداً يلتقون فِيهِ لذَلِك فَأبى وهب بن معتب وَطف على قومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَجعل لَا يرضى بذلك حَتَّى يدركوا ثأرهم فَقَالَ فِي ذَلِك أُميَّة بن جدعَان // (من الْكَامِل) // (المرءُ وهبٌ وهب آل معتبٍ ... ملّ الغواة وَمن يماطل يملل) (يسْعَى ليوقدها بجزل وقودها ... وَإِذا تعايا صُلحُ قَوْمك تأتلي) واندس وهب حَتَّى مكرت هوَازن بكنانة وهم على الصُّلْح فَبعث خيلاً عَلَيْهَا مسلمة بن شعل البكائي وخَالِد بن هَوْذَة فِي نَاس من بني هِلَال وَرَئِيسهمْ ربيعَة بن أبي طيبان وناس من بني نصر عَلَيْهِم مَالك بن عَوْف فاغاورا على بني لَيْث بصفراء الغميم وهم غَارونَ فقاتلوهم وَجعل مَالك بن عَوْف يرتجز وَهُوَ أَمْرَد يَوْمئِذٍ // (من الرجز) // (أمردُ يهدى حلمهُ شيبَ اللحلى ... ) قلت وَهَذَا مَالك بن عَوْف هُوَ الرئيس على هوَازن أَيَّام يَوْم حنين حِين قَاتلهم رَسُول الله فَهَزَمَهُمْ ثمَّ رجعُوا إِلَى الطَّائِف إِلَى حصنهمْ فَحَاصَرَهُمْ رَسُول الله وَلم يُؤذن لَهُ فِي فَتحه فَرجع عَنهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ اهد ثقيفاً وائت بهم ثمَّ أَتَوْهُ مُسلمين بعد ذَلِك انْتهى وَهَذَا الْيَوْم هُوَ أول يَوْم ذكر فِيهِ مَالك بن عَوْف فقتلت بَنو مُدْلِج يَوْمئِذٍ عبيد بن عَوْف البكائي وسبيع بن أبي المؤمل بن محَارب ثمَّ انْهَزَمت بَنو اللَّيْث فاستحر الْقَتْل ببني الملوح بن يعمر فَقتلُوا مِنْهُم ثَلَاثِينَ رجلا سوى النِّسَاء وَسَاقُوا الْبَهَائِم ثمَّ أَقبلُوا فعرضت لَهُم خُزَاعَة وطمعوا فيهم فقاتلوهم فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لَا بُد لَهُم مِنْهُم قَالُوا اعرضونا من غنيمتكم عراضة قَالَ فحملوا سريتهم ثمَّ إِن النَّاس تدعوا إِلَى الصُّلْح ورهنوا رهاناً بِالْوَفَاءِ بل مَاتَ من كَانَ لَهُ الْفضل فِي الْقَتْلَى وَتمّ الصُّلْح وَوضعت الْحَرْب أَوزَارهَا قَالَ الزبير بن بكار حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن عَن حَمَّاد بن مُوسَى عَن عبد الله بن عون بن الزبير قَالَ حَدثنِي حَكِيم بن حزَام قَالَ لما توافت كنَانَة وَقيس من الْعَام الْقَابِل بعكاظ بعد الْعَام الأول الَّذِي كَانُوا الْتَقَوْا فِيهِ وَرَأس النَّاس حَرْب بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 أُميَّة خرج مَعَه عتبَة بن ربيعَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي حجر حَرْب فَمَنعه حَرْب أَن يخرج وَقَالَ يَا بني أَنا لَك فاقتاد رَاحِلَته وَتقدم فِي أول النَّاس فَلم يدر بِهِ حَرْب إِلَّا وَهُوَ فِي الْعَسْكَر قَالَ حَكِيم بن حزَام فنزلنا عكاظ وَنزلت هوَازن بِجمع كَبِير فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ركب عتبَة جملا ثمَّ صَاح فِي النَّاس يَا معشر مُضر علام تتفانون بَيْنكُم هلموا إِلَى الصُّلْح فَقَالَت هوَازن وماذا تعرض قَالَ أعرض أَن أعطي دِيَة من أُصِيب قَالُوا وَمن أَنْت قَالَ أَنا عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس قالو قد قبلنَا فَأصْلح النَّاس وَرَضوا بِمَا قَالَ عتبَة وأعطوهم أَرْبَعِينَ رجلا من فتيَان قُرَيْش وَكنت فيهم يَعْنِي الْقَائِل نَفسه وَهُوَ حَكِيم بن حزَام قَالَ فَلَمَّا رَأَتْ بَنو عَامر أَن الرَّهْن قد صَار فِي أَيْديهم رَغِبُوا فِي الْعَفو فأطلقوهم أَجْمَعِينَ قَالَ الزبير وَسمعت عبد الله بن عبد الله بن عمر يَقُول لم يسد محلق من قُرَيْش إِلَّا عتبَة بن ربيعَة هَذَا وَأَبُو طَالب بن عبد الْمطلب فَإِنَّهُمَا سَادًّا بِغَيْر مَال انْتهى قلت الدَّاء قديم وَهَذَا عتبَة بن ربيعَة هُوَ أَبُو هِنْد بن عتبَة زوج أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة وَهِي وَالِدَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَهُوَ جد مُعَاوِيَة لأمه وَكَلَام مغلطاي فِي سيرته يَقْتَضِي أَن أَيَّام الْفجار سِتَّة لِأَنَّهُ قَالَ وَأَيَّام الْفجار على مَا قَالَه السُّهيْلي وَالصَّوَاب أَنه سِتَّة أَقُول قد ذكرت فِيمَا تقدم أَن الصَّحِيح أَنَّهَا خَمْسَة وعددتها بأسمائها وأماكنها لَا سِتَّة وَلَا أَرْبَعَة وَالله أعلم وَكَانَ حلف الفضول بعد حَرْب الْفجار لِأَنَّهَا كَانَت فِي شعْبَان وَكَانَ حلف الفضول فِي ذِي الْقعدَة قبل المبعث بِعشر سِنِين فَكَانَ حلف الفضول أكْرم حلف يسمع بِهِ وأشرفه فِي الْعَرَب وَكَانَ فِي دَار عبد الله بن جدعَان كَمَا تقدم قَالَه الْعَلامَة التقي الفاسي انْتهى ولنذكر شَيْئا من خبر عبد الله بن جدعَان هَذَا الَّذِي كَانَ حلف الفضول فِي دَاره هُوَ عبد الله بن جدعَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر الْقرشِي التَّيْمِيّ يكنى أَبَا زُهَيْر من رَهْط أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَانَ من رُؤَسَاء قُرَيْش وأجودهم وَله فِي الْجُود أَخْبَار مَشْهُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 مِنْهَا أَنه كَانَت لَهُ جَفْنَة للأضياف يستظل فِي ظلها فِي الهاجرة لِأَن فِي غَرِيب الحَدِيث لِابْنِ قُتَيْبَة إِن رَسُول الله قَالَ كنت أستظل بِظِل جَفْنَة عبد الله بن جدعَان فِي الهاجرة قَالَ ابْن قُتَيْبَة كَانَت جفنته يَأْكُل مِنْهَا الرَّاكِب على بعيره وَسقط فِيهَا صبي فغرق أَي مَاتَ وَمِنْهَا على مَا قَالَه ابْن هِشَام بن الْكَلْبِيّ كَانَ لَهُ مناديان يُنَادي أَحدهمَا بِأَسْفَل مَكَّة وَالْآخر بِأَعْلَاهَا وَكَانَ أَحدهمَا سُفْيَان بن عبد الْأسد وَالْآخر أَبَا قُحَافَة وَكَانَ أَحدهمَا يُنَادي إِلَّا من اراد للحم والشحم فليأت دَار ابْن جدعَان وينادي الآخر إِن من أَرَادَ الفالوذج فليأت دَار ابْن جدعَان وَهُوَ أول من أطْعم الفالوذج بِمَكَّة ذكر هَذَا الفاكهي فِي أَخْبَار مَكَّة وَمِنْهَا أَن أُميَّة بن أبي الصَّلْت قبل أَن يمدح ابْن جدعَان كَانَ قد أَتَى بني الريان من بني الْحَارِث بن كَعْب فَرَأى طَعَام بني الريان لباب الْبر والشهد وَالسمن وَكَانَ طَعَام ابْن جدعَان التَّمْر والسويق ويسقي اللَّبن فَقَالَ أُميَّة // (من الْكَامِل) // (وَلَقَد رَأَيْت الفاعلين وفعلهم ... فَرَأَيْت أكْرمهم بني الرّيّان) (ألبرّ يلبكُ بالشّهاد طعامهم ... لَا مَا يعلّلنا بَنو جدعَان) فَبلغ خبر شعره عبد الله بن جدعَان فَأرْسل ألفي بعير إِلَى الشَّام تحمل إِلَيْهِ الْبر والشهد وَالسمن وَأمر منادياً يُنَادي على الْكَعْبَة إِلَّا هملوا إِلَى جَفْنَة عبد الله بن جدعَان فَقَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت عِنْد ذَلِك // (من الوافر) // (لَهُ داعٍ بمكّة مشمعلٍّ ... وَآخر فَوق كعبتها يُنَادي) (إِلَى ردح من الشّيزى عَلَيْهَا ... لبابٌ البرِّ يلبك بالشّهاد) وَقد كَانَ عبد الله بن جدعَان فِي بَدْء أمره صعلوكاً ترب الْيَدَيْنِ وَكَانَ مَعَ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 شريراً فاتكاً لَا يزَال يجني الْجِنَايَات فيعقل عَنهُ أَبوهُ وَقَومه حَتَّى ابغضته عشريته ونفاه أَبوهُ وَحلف أَن لَا يؤويه أبدا لما أثقله بِهِ من الْغرم وَحمل الدِّيات فَخرج فِي شعاب مَكَّة حائراً دائراً يتَمَنَّى الْمَوْت ينزل بِهِ فَرَأى شقاً فِي جبل فَظن فِيهِ حَيَّة فتعرض للشق يرجوا أَن يكون فِيهِ مَا يقْتله فيستريح فَلم ير شيئاَ فَدخل فِيهِ فَإِذا فِيهِ ثعبان عَظِيم لَهُ عينان تقدان كالسراجين فَحمل عَلَيْهِ الثعبان فأفرج لَهُ فانساب عَنهُ مستديراً بدارة عِنْدهَا بَيت فخطا خطْوَة أُخْرَى فَأقبل عَلَيْهِ الثعبان كالسهم فأفرج عَنهُ فانساب عَنهُ قدماً لَا ينظر إِلَيْهِ فَوَقع فِي نَفسه أَنه مَصْنُوع فأمسكه بِيَدِهِ فَإِذا هُوَ مَصْنُوع من ذهب وَعَيناهُ ياقوتتان فَكَسرهُ وَأخذ عَيْنَيْهِ وَدخل الْبَيْت فَإِذا جثث طوال على سرر طوال لم ير مثلهم طولا وعظماً وَعند رُءُوسهم لوح من فضَّة فِيهِ تاريخهم وَإِذا هم رجال من مُلُوك جرهم وَآخرهمْ موتا الْحَارِث بن مضاض صَاحب الغربة الطَّوِيلَة الَّذِي اسْتَأْجر من اياد الْعشْرَة الأبعرة كَمَا تقدم علهيم ثِيَاب لَا يمس مِنْهَا شَيْئا إِلَّا انتثر كالهباء من طول الزَّمن وَشعر مَكْتُوب فِي لوح فِيهِ عظات وَقَالَ ابْن هِشَام كَانَ اللَّوْح من رُخَام وَكَانَ فِيهِ أَنا نفيلة بن عبد المدان بن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عِشْت خَمْسمِائَة عَام وَقطعت غور الأَرْض بَاطِنهَا وظاهرها فِي طلب الثروة وَالْمجد وَالْملك فَلَمَّا حصلته لم يكن ذَلِك ينجيني من الْمَوْت وَتَحْته مَكْتُوب // (من الْخَفِيف) // (قد قطعت الْبِلَاد فِي طلب الثروة ... وَالْمجد قالص الأثواب) (وسريت الْبِلَاد قفراً لقفرٍ ... بشبابي وقوّتي واكتسابي) (فَأصَاب الرّدى بَنَات فُؤَادِي ... بسهام من المنايا صياب) (فانقضت شرّتي وأقصر جهلي ... واستراحت عواذلي من عتابي) (وَدفعت الْبَيْضَاء بالحلم لمّا ... نزل الشّيب فِي محلّ الشّباب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 (صَاح هَل ريت أَو سَمِعت برعٍ ... ردّ فِي الضّرع مَا قرى فِي الحلاب) ثمَّ نظر فَإِذا فِي وسط الْبَيْت كوم عَظِيم من الْيَاقُوت واللؤلؤ والزبرجد فَأخذ مِنْهُ مَا أَخذ ثمَّ علم على الشق بعلامة وأغلق بَابه بِالْحِجَارَةِ وَأرْسل إِلَى أَبِيه بِالْمَالِ الَّذِي خرج بِهِ يسترضيه ويستعطفه وَوصل عشرته بعد ذَلِك كلهم فسادهم وَجعل ينْفق من ذَلِك الْكَنْز وَيطْعم النَّاس وَيفْعل الْمَعْرُوف وَفِي كتاب ري العاطش وَأنس الواحش لِأَحْمَد بن عمار إِن ابْن جدعَان مِمَّن حرم الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة بعد أَن كَانَ مغرى بهَا وَذَلِكَ أَنه سكر لَيْلَة فطفح وَمد يَده إِلَى الْقَمَر فَأخْبر بذلك حِين صَحا فَحلف لَا يشْربهَا أبدا وَلما كبر وهرم أَرَادَت قبيلته بَنو تيم أَن يمنعوه من تبذير مَاله ولاموه فِي الْعَطاء فَكَانَ يَدْعُو الرجل فَإِذا دنا مِنْهُ لطمه لطمة خَفِيفَة ثمَّ قَالَ قُم فَأَنْشد لطمتك واطلب دِيَتهَا فَإِذا فعل ذَلِك أَعطَتْهُ بَنو تيم من مَال ابْن جدعَان حَتَّى يرضى عَن لطمته وَفِي صَحِيح مُسلم أَنه عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِن ابْن جدعَان كَانَ يطعم الطَّعَام ويقري الضَّيْف فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يقل يَوْمًا رَبِّي اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين انْتهى وَقد ورد عَنهُ لما أَمر بِأَن يَسْتَطِيع خبر الْقَتْلَى من قُرَيْش يَوْم بدر قَالَ انْظُر أَبَا جهل فَإِن فِي سَاقه أثرا كنت تزاحمت أَنا وَهُوَ فِي مائدة ابْن جدعَان فزحمته فَوَقع فخدشت سَاقه فَذَلِك الْأَثر بهَا أَو كَمَا قَالَ ثمَّ هلك ابْن جدعَان أَقُول ذكر الفاكهي فِي وَفَاة ابْن جدعَان هَذَا خَبرا غَرِيبا فَقَالَ هلك عبد الله ابْن جدعَان فبكته الْجِنّ وَالْإِنْس فَأَما بكاء الْجِنّ فَحَدثني إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الْمَكِّيّ قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن زِيَاد عَن ابْن جريج أَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ إِن النباش بن زُرَارَة أَخا حَاجِب بن زُرَارَة التَّمِيمِي وَكَانَ حليفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 لقريش قَالَ خرجنَا تجارًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَعبد الله بن جدعَان حَيّ حِين خرجنَا فَلَمَّا سرنا نَحْو خمس عشرَة لَيْلَة نزلنَا ذَات لَيْلَة واشتهينا أَن نصبح بذلك الْمَكَان قَالَ فَنَامَ أَصْحَابِي وأصابني أرق شَدِيد فَإِذا هَاتِف يَهْتِف يَقُول // (من الطَّوِيل) // (أَلا هلك البُهلول غيث بني فهر ... وَذُو العزّ وَالْمجد التّليد وَذُو الْفَخر) فأجبته // (من الطَّوِيل) // (أَلا أيّها النّاعي أَخا الْمجد والذّكر ... من الْمَرْء تنعاه لنا من بني فهر) فَأَجَابَنِي الْهَاتِف // (من الطَّوِيل) // (نعيت ابْن جدعَان بن عَمْرو أَخا النّدى ... وَذَا الْحسب القدموس والمنصب الْفَخر) قَالَ فأحببته // (من الطَّوِيل) // (لعمري لقد نوّهت بالسّيّد الّذي ... لَهُ الْفضل معلومٌ على ولد النّضر) (فَأخْبر وَأخْبر إِن علمت وَفَاته ... فإنّك قد أخْبرت جلاًّ من الْأَمر) فَأَجَابَنِي الْهَاتِف // (من الطَّوِيل) // (مَرَرْت بنسوان يخمشن اوجهها ... عَلَيْهِ صباحاً بَين زَمْزَم والحِجر) قَالَ فأجبته فَقلت // (من الطَّوِيل) // (مَتى قد ثوى عهدي بِهِ مُنْذُ جمعةٍ ... وستةِ أيّام لغرّة ذَا الشّهر) فَقَالَ الجني // (من الطَّوِيل) // (ثوى مُنْذُ أيّام ثلاثٍ كواملٍ ... مَعَ الصّبح أَو فِي الصّبح مَعَ وضح الْفجْر) قَالَ فَاسْتَيْقَظت الرّفْقَة وَهِي تتراجع بنعي ابْن جدعَان وَقَالَ إِن كَانَ أحد نعى بعز وَشرف فقد نعى ابْن جدعَان فَقَالَ الجني // (من الوافر) // (أرى الأيّام لَا تبقي عَزِيزًا ... لعزّته وَلَا تبقي ذليلاً) فأجبته وَقلت // (من الوافر) // (وَلَا تبقي من الثّقلين حيّاً ... وَلَا تبقي الْجبَال وَلَا السهولا) ثمَّ ذكر شَيْئا من رثاء الْإِنْس لَا نطول بِذكرِهِ رَجَعَ فَلم يزل عبد الدَّار يَلِي حجابة الْبَيْت وَولَايَة دَار الندوة واللواء حَتَّى هلك فَجعل قبل هلكه الحجابة بعده إِلَى ابْنه عُثْمَان بن عبد الدَّار وَجعل دَار الندوة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ابْنه عبد منَاف بن عبد الدَّار فَكَانَت قُرَيْش إِذا ارادت التشاور فِي امرها فتحهَا لَهُم عَامر بن هِشَام بن عبد منَاف بن عبد الدَّار أَو بعض وَلَده أَو ولد أَخِيه وَكَانَت الْجَارِيَة إِذا بلغت دخلت دَار الندوة ثمَّ شقّ عَلَيْهَا بعض ولد عبد منَاف بن عبد الدَّار درعها ثمَّ درعها إِيَّاه وانقلبت إِلَى أَهلهَا فحجبوها وَذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَله قصي بن كلاب وَلم يزل بَنو عُثْمَان بن عبد الدَّار يلون الحجابة دون ولد عبد الدَّار ثمَّ وَليهَا عبد الْعُزَّى بن عُثْمَان بن عبد الدَّار ثمَّ وَليهَا وَلَده أَبُو طَلْحَة عُثْمَان بن طَلْحَة حَتَّى كَانَ فتح مَكَّة فقبضها رَسُول الله من أَيْديهم وَفتح الْكَعْبَة ودخلها ثمَّ خرج من الْكَعْبَة مُشْتَمِلًا على الْمِفْتَاح فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله أعطنا الحجابة مَعَ السِّقَايَة فَقَالَ أُعْطِيكُم مَا ترزءون فِيهِ وَلَا ترزءون بِهِ وَأنزل الله الْآيَة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} النِّسَاء 58 ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن طَلْحَة فَدفع إِلَيْهِ الْمِفْتَاح وَقَالَ خذوها يَا بني طَلْحَة بأمانة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاعْمَلُوا فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم مَا اسْتَقَمْتُمْ إِلَّا ضال أَو ظَالِم فَلَمَّا خرج عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة إِلَى الْهِجْرَة مَعَ النَّبِي أَقَامَ ابْن عَمه شيبَة بن أبي طَلْحَة فَلم يزل يحجب هُوَ وَولد أَخِيه وهب بن عُثْمَان وَأما اللِّوَاء فَكَانَ فِي أَيدي بني عبد الدَّار جَمِيعهم يَلِيهِ مِنْهُم ذُو السَّيْف والشرف فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى كَانَ يَوْم أحد فَقتل عَلَيْهِ تِسْعَة مِنْهُم أَشَارَ إِلَى ذَلِك حسان بن ثَابت شَاعِر النَّبِي فِيمَا قَالَه من الشّعْر يَوْم أحد بقصيدة هِيَ هَذِه // (من الْخَفِيف) // (مَنَعَ النومَ بِالعشاءِ الهُمُومُ ... وخيالٌ إِذا تغور النجومُ) (من حبيب أصَاب قَلْبك مِنْهُ ... سقمٌ فَهُوَ داخلٌ مكتومُ) (يَا لقومي هَل يقتل الْمَرْء مثلي ... واهن الْبَطْش وَالْعِظَام سئومُ) (لَو يدب الحولي من ولد الذرر ... عَلَيْهَا لأندبتها الكلومُ) (شَأْنهَا الْعطر والفراش ويعلوها ... لجينٌ ولؤلؤٌ منظومُ) (لم تفتها شمس النّهار بشيءٍ ... غير أنّ الشّباب لَيْسَ يدومُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 (إِن خالى خطيب جابية الجولان ... لانَ عِنْد النّعمان حِين يقومُ) (وَأَنا الصّقر عِنْد بَاب ابْن سلمى ... يَوْم نعْمَان فِي الكبول سقيمُ) (وأُبيُّ وواقدٌ أطلقا لي ... يَوْم رَاحا وكبلهم مخطومُ) (ورهنتُ الْيَدَيْنِ عَنْهُم جَمِيعًا ... كلّ كفٍّ جزءٌ لَهَا مقسومُ) (وسطت نسبتي الذّوائب مِنْهُم ... كلّ دارٍ فِيهَا أبٌ لي عظيمُ) (وابي فِي سميحة الْقَائِل الْفَاصِل ... يَوْم الْتَقت عَلَيْهِ الخصومُ) (تِلْكَ أفعالنا وَفعل الزّبعري ... خاملٌ فِي صديقه مذمومُ) (ربّ حلمٍ اضاعه عدم المَال ... وجهلٍ غطا عَلَيْهِ النعيمُ) (إنّ دهراً يبور فِيهِ ذَوُو الْعلم ... لدهرٌ هُوَ العتوّ الزنيمُ) (لَا تسبّنّني فلستَ بسبّي ... إنّ سبي من الرّجال الكريمُ) (مَا أُبالي أنبّ بالحزن تيسٌ ... أم لحاني بِظهْر غيبٍ لئيمُ) (ولي الْبَأْس مِنْكُم إِذْ رحلتم ... اسرةٌ من بني قصيٍّ صميمُ) (تسعةٌ تحمل اللِّوَاء وطارت ... فِي رعاعٍ من القنا مَخْزُوم) (وَأَقَامُوا حتّى أُبيحوا جَمِيعًا ... فِي مقامٍ وكلّهم مذمومُ) (بذم عاتكٍ وَكَانَ حفاظاً ... أَن يقيموا إنّ الْكَرِيم كريمُ) (وَأَقَامُوا حتّى أُزيروا شعوباً ... والقنا فِي نحورهم محطوم) (وقريشٌ تفرّ منّا لِوَاذًا ... أَن يقيموا وخفّ مِنْهَا الحلومُ) (لم تطق حمله الْعَوَاتِق مِنْهُم ... إنّما يحمل اللِّوَاء النجومُ) وَالشَّاهِد فِي قَوْله تِسْعَة تحمل اللِّوَاء وَانْظُر إِلَى قَوْله إِن الْكَرِيم كريم مَا ألطفه وأصدقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَأما السِّقَايَة والرفادة والقيادة فَلم تزل لعبد منَاف بن قصي يقوم بهَا حَتَّى توفّي فولى بعده ابْنه هَاشم بن عبد منَاف وَيطْعم النَّاس فِي كل موسم مَا يجْتَمع عِنْده من ترادف قُرَيْش فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى أصَاب النَّاس جَدب شَدِيد فَخرج هَاشم إِلَى الشَّام فَاشْترى من مَاله دَقِيقًا وكعكاً فَقدم بِهِ مَكَّة فهشم ذَلِك الكعك وَنحر الْجَزُور وطبخها وَجعلهَا ثريداً وَأطْعم النَّاس وَكَانُوا فِي مجاعَة شَدِيدَة حَتَّى أشبعهم فَسمى بذلك هاشماً وَلم يزل هَاشم على ذَلِك حَتَّى توفّي وَكَانَ عبد الْمطلب يفعل ذَلِك فَلَمَّا توفى قَامَ بذلك أَبُو طَالب فِي كل موسم حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام وَهُوَ على ذَلِك وَكَانَ النَّبِي قد أرسل بِمَال يعْمل بِهِ ذَلِك الطَّعَام مَعَ أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ حِين حج بِالنَّاسِ سنة تسع وَعَمله النَّبِي فِي حجَّة الْوَدَاع ثمَّ أَقَامَ أَبُو بكر فِي خِلَافَته ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ الْخُلَفَاء وهلم جرا وَهُوَ طَعَام الْمَوْسِم الَّذِي يطعمهُ الْخُلَفَاء فِي أَيَّام الْحَج بِمَكَّة وَمنى حَتَّى تَنْقَضِي أَيَّام الْمَوْسِم قلت قد انْقَطع هَذَا الطَّعَام اوائل الْقُرْآن الْعَاشِر انْتهى وَأما السِّقَايَة فَكَانَت كَذَلِك فِي يَد عبد منَاف فَكَانَ يسْقِي النَّاس من بِئْر كرادم وبئر خمر على الْإِبِل فِي المزاود والقرب ثمَّ يسْكب ذَلِك المَاء فِي حِيَاض من أَدَم بِفنَاء الْكَعْبَة يردهُ الْحَاج حَتَّى يتفرقوا فَكَانَ يستعذب ذَلِك المَاء وَكَانَ قصي قد حفر آباراً بِمَكَّة وَكَانَ المَاء بِمَكَّة غزيرا إِنَّمَا يشرب النَّاس من آبار خَارِجَة عَن الْحرم فَأول مَا حفر قصي بِمَكَّة بِئْرا يُقَال لَهَا العجول فَكَانَ موضعهَا فِي دَار أم هَانِيء بنت أبي طَالب الْحَزْوَرَة قلت قد ذكرت هَذِه الْبِئْر وَمَا آلت إِلَيْهِ وَمَا أبدل عَنْهَا فَكَانَ الْعَرَب يردونها ويتزاحمون عَلَيْهَا وحفر قصي أَيْضا بِئْرا عِنْد الرَّدْم عِنْد دَار أبان بن عُثْمَان ثمَّ دثرت فسلمها جُبَير بن مطعم بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف ثمَّ حفرهَا هَاشم بن عبد منَاف بدارا وحفرها أَيْضا سجلة وَهِي الْبِئْر الَّتِي يُقَال لَهَا بِئْر جُبَير بن مطعم دخلت فِي دَار الْقَوَارِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 أَقُول دَار الْقَوَارِير محلهَا الْيَوْم الْمدرسَة القايتبائية ذكرهَا جَار الله وَغَيرهَا وَكَانَت منزلا للسلاطين إِذا وردوا لِلْحَجِّ انْتهى فَلم تزل سجلة لولد هَاشم حَتَّى وَهبهَا أَسد بن هَاشم للمطعم بن عدي حييّ حفر عبد الْمطلب زَمْزَم فاستغنوا عَنْهَا وَيُقَال إِنَّمَا وَهبهَا لَهُ عبد الْمطلب وَسَأَلَهُ الْمطعم بن عدي بِأَن يضع حوضاً من أَدَم إِلَى جنب زَمْزَم يسْقِي فِيهِ من مَاء بئره فَأذن لَهُ فِي ذَلِك فَكَانَ يَفْعَله فَلم يزل هَاشم بن عبد منَاف يسْقِي الْحَاج حَتَّى توفّي فَقَامَ بِأَمْر السِّقَايَة بعده وَلَده عبد الْمطلب بن هَاشم فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى حفر زَمْزَم فَكَانَت لعبد الْمطلب إبل كَثِيرَة فَإِذا كَانَ الْمَوْسِم جمعهَا ثمَّ يسْقِي لَبنهَا بالعسل فِي حِيَاض من أَدَم عِنْد زَمْزَم وَيَشْتَرِي الزَّبِيب وَالتَّمْر فينبذه بِمَاء زَمْزَم ويسقيه الْحَاج لِأَنَّهُ يكسر غلظ مَاء زَمْزَم وَكَانَت إِذْ ذَاك غَلِيظَة جدا وَكَانَ النَّاس إِذْ ذَاك لَهُم فِي بُيُوتهم أسقية فِيهَا المَاء من هَذِه البئار ينبذون فِيهَا القبضات من الزَّبِيب وَالتَّمْر لِأَنَّهُ يكسر عَنْهُم غلظ مَاء آبار مَكَّة فَلبث عبد الْمطلب على ذَلِك حَتَّى توفّي فَقَامَ بِأَمْر السِّقَايَة بعده الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَلم تزل فِي يَده وَكَانَ للْعَبَّاس كرم بِالطَّائِف فَكَانَ يحمل زبيبه إِلَى السِّقَايَة وَكَانَ يداين أهل الطَّائِف وَيَقْتَضِي مِنْهُم الزَّبِيب فينبذ ذَلِك كُله ويسقيه الْحَاج من أَيَّام الْمَوْسِم حَتَّى تَنْقَضِي فِي الْجَاهِلِيَّة وَصدر الْإِسْلَام حَتَّى دخل رَسُول الله مَكَّة يَوْم الْفَتْح فَقبض السِّقَايَة من الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب والحجابة من عُثْمَان بن طَلْحَة فَقَامَ بَين عضادتي بَاب الْكَعْبَة فَقَالَ أَلا إِن كل دم أَو مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة فَهِيَ تَحت قدميّ هَاتين وَأول دم أهدره دم ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب إِلَّا سِقَايَة الْحَاج وسدانة الْكَعْبَة فَإِنِّي قد أمضيتهما لأهلهما على مَا كَانَتَا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة فقبضها الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَكَانَت فِي يَده حَتَّى توفّي فوليها بعده وَلَده عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَ يفعل فِيهَا كَفِعْلِهِ دون بني عبد الْمطلب وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة كلم فِيهَا ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ابْن عَبَّاس مَالك وَلها نَحن أولى بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَقد كَانَ أَبوك عَليّ تكلم فِيهَا فأقمت الْبَيِّنَة طَلْحَة بن عبيد الله وعامر بن ربيعَة وأزهر بن عبد عَوْف ومخرمة بن نَوْفَل أَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كَانَ يَليهَا فِي الْجَاهِلِيَّة بعد عبد الْمطلب وَجدك أَبُو طَالب فِي إبِله فِي باديته بِعَرَفَة وَأَن رَسُول الله أَعْطَاهَا لعباس يَوْم الْفَتْح دون بني عبد الْمطلب فَعرف ذَلِك من حضر فَسكت عَنهُ مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَكَانَت بيد عبد الله بن الْعَبَّاس لَا ينازعه مُنَازع وَلَا يتَكَلَّم فِيهَا مُتَكَلم فَكَانَت بيد وَلَده وَولد وَلَده إِلَى أَن انقرضوا وَأما القيادة وَهِي عبارَة عَن قيادة الجيوش وَضم أمرهَا والمسير بهَا إِلَى مغزاها وَأَن يكون هُوَ الرئيس المطاع فِيهَا عَن رَأْيه يصدرون ويردون فوليها من بني عبد منَاف عبد شمس بن عبد منَاف أَخُو هَاشم بن عبد منَاف شقيقه ثمَّ وَليهَا من بعده أُميَّة بن عبد شمس ثمَّ من بعده وَلَده حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس فقاد النَّاس يَوْم عكاظ فِي حَرْب قُرَيْش وَقيس عيلان وَفِي حَرْب الْفجار الأول وَالثَّانِي وقاد قبل ذَلِك فِي حَرْب قُرَيْش وَبني بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة ثمَّ توفّي حَرْب فَكَانَ ابْنه أَبُو سُفْيَان بن حَرْب يَقُود قُريْشًا حَتَّى كَانَ يَوْم بدر فقاد النَّاس عتبَة بن ربيعَة بن أُميَّة بن عبد شمس وَكَانَ أَبُو سُفْيَان فِي العير فَخرج عتبَة من مَكَّة بالنفير فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد قاد النَّاس أَبُو سُفْيَان بن حَرْب ثمَّ قاد النَّاس لذَلِك يَوْم الْأَحْزَاب وَكَانَت هِيَ آخر غَزْوَة غزوتها قُرَيْش النَّبِي كَمَا قَالَ إِنَّهُم لَا يغزونا بعْدهَا بل نَحن نغزوهم فَكَانَ كَمَا قَالَ النَّبِي فَلَمَّا هلك عبد منَاف قَامَ هَاشم ابْنه مقَامه بالسقاية والرفادة وَحَقِيقَة اسْمه عَمْرو وَهُوَ اسْم مَنْقُول من أحد أَرْبَعَة أَشْيَاء إِمَّا من الْعُمر الَّذِي هُوَ مدى الْحَيَاة أَو ئمن الْعُمر بِفَتْح الْعين وَهُوَ لحم الْأَسْنَان وَمِنْه الحَدِيث أَوْصَانِي جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشيت على عمورى أَو من الْعُمْرَى الَّذِي هُوَ طرف الْكمّ يُقَال سجد على عمريه أَي كميه أَو من الْعُمر الَّذِي هُوَ القرط قَالَ المعري // (من الْبَسِيط) // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 (وَعمر هندٍ كأنّ الله صوّره ... عَمْرو بن هندٍ يسوم النّاس تعنينا) وَزَاد أَبُو حنيفَة وَجها خَامِسًا فَقَالَ أَو من الْعُمر الَّذِي هُوَ اسْم لنخل السكر قَالَ كَانَ ابْن أبي ليلى يستاك بعسيب الْعُمر ذكر الْخَمْسَة السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف فَكَانَ هَاشم مُوسِرًا وَهُوَ أول من سنّ الرحلتين رحْلَة الشتَاء ورحلة الصَّيف وَأول من اطعم الطَّعَام الثَّرِيد بِمَكَّة ولقت هاشما لِأَنَّهُ وَقع غلاء فِي بعضب السنين بِمَكَّة فَأتى بالكعك من الشَّام وهشمه وثرده وَأطْعم النَّاس فِي تِلْكَ المجاعة فَقَالَ عبد الله بن الزبعري السَّهْمِي فِي ذَلِك // (من الْكَامِل) // (قل للَّذي طلب السّماحة والنّدى ... هلاّ مَرَرْت بآل عبد منَاف) (هلاّ مَرَرْت بهم تُرِيدُ قراهم ... منعوك من ضرٍّ وَمن إلحاف) (كَانَت قريشٌ بَيْضَة فتفلّقت ... فالمحّ خالصها لعبد منَاف) (ألرّائشين وَلَيْسَ يُوجد رائش ... والقائلين هَلُمَّ للأضياف) (والمحلقين فقيرهم بغنيّهم ... حتّى يعود فقيرهم كالكافي) (والقائلين بكلّ وعدٍ صادقٍ ... والآمرين برحلة الإيلاف) (سفرين سنّهما لَهُ ولقومه ... سفر الشّتاء ورحلة الأصياف) (عَمْرو الّذي هشم الثّريد لِقَوْمِهِ ... قومٍ بمكّة مُسنَّتَيْنِ عجاف) ثمَّ تزوج هَاشم بسلمى بنت عَمْرو من بني النجار وَكَانَت قبله تَحت أحيحة بن الجلاح فَولدت لَهُ عَمْرو بن أحيحة ثمَّ ولدت لهاشم عبد الْمطلب بن هَاشم فَهُوَ أَخُو عبد الْمطلب لأمه واسْمه عَامر فِي قَول ابْن قُتَيْبَة وَشَيْبَة الْحَمد فِي قَول ابْن إِسْحَاق وَهُوَ الصَّحِيح قيل إِنَّمَا سمى شيبَة الْحَمد لِأَنَّهُ ولد وَفِي رَأسه شيب وَأما غَيره من الْعَرَب مِمَّن سمى شيبَة فَإِنَّهُم قصدُوا فِي أنفسهم بِهَذَا الِاسْم التفاؤل لَهُم ببلوغ سنّ الحنكة والرأي كَمَا سموا مهرم وكبير وَإِنَّمَا قيل لَهُ عبد الْمطلب لِأَن أَبَاهُ هاشماً قَالَ لِأَخِيهِ الْمطلب وَهُوَ بِمَكَّة حِين حَضرته الْوَفَاة أدْرك عَبدك بِيَثْرِب لِأَنَّهُ كَانَ بِيَثْرِب عِنْد أمه سلمى بنت عَمْرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 النجارية فَمن ثمَّ قيل لَهُ عبد الْمطلب فغلب على اسْمه وَقيل إِن سَبَب ذَلِك أَن عَمه الْمطلب بن عبد منَاف لما جَاءَ بِهِ إِلَى مَكَّة رديفه كَانَ بهيئة رثَّة فَكَانَ إِذا سُئِلَ عَنهُ يَقُول هُوَ عَبدِي حَيَاء أَن يَقُول ابْن أخي فَلَمَّا أحسن من حَاله وجمله أظهر أَنه ابْن أَخِيه فغلب عَلَيْهِ عبد الْمطلب وهجر اسْمه الصَّرِيح الْخَالِص وَهُوَ أول من خضب بالوسمة وعاش مائَة وَعشْرين سنة قَالَه ابْن هِشَام وَقَالَ فِي الْمَوَاهِب وَأَرْبَعين سنة وَهُوَ لِدَة عبيد بن الأبرص بِفَتْح الْعين على صِيغَة الْجمع إِلَّا أَن عبيدا توفّي قبله بِعشْرين سنة قَتله النُّعْمَان بن الْمُنْذر التنوخي وَعبيد هَذَا هُوَ صَاحب أولى المجمهرات فِي الشّعْر الَّتِي مطْلعهَا // (من مخلع الْبَسِيط) // (عَيْنَاك دمعهما سروب ... كأنّ شأنيهما شُعَيْب) وَكَانَ عبد الْمطلب طَويلا جسيماً عَظِيما فصيحاً جواداً ثمَّ هلك هَاشم بغزة من أَرض الشَّام تَاجِرًا فولى السِّقَايَة والرفادة أَخُوهُ الْمطلب ابْن عبد منَاف وَكَانَ ذَا شرف فِي قومه وَكَانَ يُسمى الْفَيْض لسماحته وفضله وَكَانَ أَصْغَر أَبنَاء عبد شمس وهَاشِم لِأَنَّهُمَا توءمان ثمَّ توفّي بردمان من أَرض الْيمن وَتُوفِّي عبد شمس بِمَكَّة وَتُوفِّي نَوْفَل بن عبد منَاف بالعراق قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ أول ولد عبد منَاف ملكا هَاشم مَاتَ بغزة ثمَّ عبد شمس ثمَّ الْمطلب ثمَّ نَوْفَل وَقَالَ مطرود بن كَعْب الْخُزَاعِيّ يرثيهم // (من الْبَسِيط) // (يَا عين جودي وأذري الدّمع وانهمري ... وابكي على الشّمّ من كَعْب الْمُغيرَات) (وابكي على كلّ فيّاض أخي ثقةٍ ... ضخم الدّسيعة وهّاب الجزيلات) (صَعب البديهة لَا نكسٍ وَلَا وكلٍ ... ماضي الْعَزِيمَة متلاف الكريمات) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 (صقر توسّط من كعبٍ إِذا انتسبوا ... بحبوحةَ الْمجد والشّمّ الرّفيعات) (ثمّ اندبي الْفَيْض والفيّاض مطلباً ... واستخرطي بعد فيضاتٍ بجمّاتي) (أَمْسَى بردمان عنّا الْيَوْم مغترباً ... يَا لهف نَفسِي عَلَيْهِ بَين أموات) (وابكي لَك الويل إمّا كنت باكيةً ... لعبد شمس بشرقيّ البنيّات) (وهَاشِم فِي ضريحٍ وسط بلقعةٍ ... تسفى الرّياح عَلَيْهِ بَين غزّات) (ونوفلٌ كَانَ دون الْقَوْم خالصتي ... أَمْسَى بسلمان فِي ردم المرمّات) (لم ألق مثلهم عجماً وَلَا عربا ... إِذا اسْتَقَلت بهم أُدم المطيّات) (أمست دِيَارهمْ مِنْهُم معطّلةً ... وَقد يكونُونَ زيناً فِي السّريّات) (يَا عين وابكي أَبَا الشّعث الشّجيّات ... يبكينه حسّراً مثل البليّات) (يبْكين اكرم من يمشي على قدم ... ينعونه بدموع بعد عبرات) (يبْكين عَمْرو الْعَلَاء إِذا حَان مصرعه ... سمح السّجيّة بسّام العشيّات) (مَا فِي القروم لَهُم عدلٌ وَلَا خطرٌ ... وَلَا لمن تركُوا شرف المنيعات) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 (أبناؤهم خير أبناءٍ وأنفسهم ... خير النّفوس لَدَى جهد الأليّات) (زين الْبيُوت الّتي خلوا مساكنها ... فَأَصْبَحت مِنْهُم وحشاً خليّات) (أَقُول وَالْعين لَا ترقا مدامعها ... لَا يبعد الله أَصْحَاب الرّزيّات) قَالَ الفاكهي حَدثنَا عبد الله بن عَمْرو بن أبي سعيد قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن البهلول قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله عبد منَاف عز قُرَيْش وَأسد ركنها وعضدها وَعبد الدَّار رءوسها وأوائلها وعدي جناحها ومخزوم ريحانتها وأراكتها فِي نصرتها وجمح وَسَهْم عديدها وعامر ليوثها وفرسانها وَالنَّاس تبع لقريش وقريش تبع لولد قصي انْتهى قلت وَبَنُو قصي تبع لبني هَاشم وَقد قَالَ قبلي الْقَائِل وَهُوَ على طَريقَة الترقي // (من المتقارب) // (قريشٌ خِيَار بني آدم ... وَخير قريشٍ بَنو هَاشم) (وَخير بني هَاشم أحمدٌ ... رَسُول الْإِلَه إِلَى الْعَالم) وَمِمَّا يُوَافق مَعْنَاهُ وَيُخَالف مبناه قَول الآخر // (من السَّرِيع) // (محمدٌ خير بني هَاشم ... فَمن تميمٌ ونبو دارم) (وهاشمٌ خير قريشٍ وَمَا ... مثل قريشٍ فِي بني آدم) قَالَ مُحَمَّد بن سهل الْأَزْدِيّ سَمِعت هِشَام بن الْكَلْبِيّ يذكر عَن أَبِيه قَالَ سُئِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ عَن قُرَيْش فَقَالَ أما بَنو هَاشم فَأَصدق قُرَيْش فِي النّوم واليقظة وَأَكْرمهَا أحلاماً وأضربها بِالسَّيْفِ وَأما بَنو عبد شمس فأبعدها همماً وأمنعها لما وَرَاء ظُهُورهمْ وَأما بَنو مَخْزُوم فريحانة قُرَيْش تحب حَدِيث رجالها وتشتهي تَزْوِيج نسائها وَسُئِلَ عَن قوم من قُرَيْش فَقَالَ زعانفة وَأخْبر عبد الله بن عَمْرو بن أبي سعد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الشَّامي قَالَ حَدثنَا النَّضر بن عَمْرو قَالَ حَدثنِي بكر بن عَامر الْعمريّ عَن عَامر بن عبد الْملك المسمعي قَالَ دخل دَغْفَل النسابة الشَّيْبَانِيّ على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أَخْبرنِي عَن بني هَاشم فَقَالَ شَدَّاد أنجاد ذَوُو أَلْسِنَة حداد وهم سادة السياد قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني أُميَّة قَالَ فِي الْوَاسِطَة من القلادة فِي الْجَاهِلِيَّة سادة وَفِي الْإِسْلَام مُلُوك وقادة قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني الْمطلب قَالَ نيب مقشعرة أصابتها قُرَّة لَا تسمع لَهَا جرة وَلَا ترى لَهَا درة قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني نَوْفَل قَالَ اسْم وَلَا حسيس قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني أَسد قَالَ ذَوُو شُؤْم ونكد وبغي وحسد قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني زهرَة قَالَ فَاش وحلم الْفراش قَالَ فَأَخْبرنِي عَن تيم بن مرّة قَالَ كثير أوغادهم عبيد من سادهم وَلَا يرى مِنْهُم قَائِد يقودهم قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني مَخْزُوم قَالَ معزى مطيرة أصابتها القشعريرة إِلَّا بني الْمُغيرَة فَإِنَّهُم أهل التشدق فِي الْكَلَام ومصاهرة الْكِرَام قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني جمح قَالَ كلهم ظلف إِلَّا بني خلف قَالَ فَأَخْبرنِي عَن بني عدي بن كَعْب قَالَ أهل دناءة الْأَخْلَاق إِن استغنوا شحوا وَإِن افتقروا ألحوا وَأما الْحُكَّام من قُرَيْش بِمَكَّة فَقَالَ الفاكهي حَدثنَا مُحَمَّد بن النجار الصَّنْعَانِيّ قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي بشير بن تَمِيم بن عبد الْحَارِث بن عبيد بن عُمَيْر بن مَخْزُوم قَالَ كَانَ أول من حكم فِي الْجَاهِلِيَّة بالقسامة وَالدية عبد الْمطلب حكم بالقسامة فِي رجل وبمائة من الْإِبِل فِي رجل وَكَانَ عقل أهل الْجَاهِلِيَّة الْغنم قَالَ الْعَلامَة التقي الفاسي رَحمَه الله حَدثنِي حسن بن حُسَيْن الْأَزْدِيّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر عَن الْكَلْبِيّ فِي الْحُكَّام من قُرَيْش قَالَ فَمن بني هَاشم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 عبد الْمطلب بن هَاشم وَالزُّبَيْر وابو طَالب ابْنا عبد الْمطلب وَمن بني أُميَّة حَرْب بن أُميَّة وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَمن بني زهرَة الْعَلَاء بن حَارِثَة الثَّقَفِيّ حَلِيف بني زهرَة وَمن بني مَخْزُوم الْعدْل وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم وَمن بني سهم قيس بن عدي بن سعد بن سهم وَالْعَاص بن وَائِل بن هَاشم ابْن سعيد بن سهم وَمن بني عدي بن كَعْب نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رزاح انْتهى وَلم يكن أحد من هَؤُلَاءِ متملكاً على بَقِيَّة قُرَيْش وَإِنَّمَا ذَلِك بتراض من قُرَيْش عَلَيْهِ لما فِيهِ من حسم مواد الشَّرّ فَلَمَّا رأى ذَلِك عُثْمَان بن الْحُوَيْرِث بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي طمع أَن يملك قُريْشًا ويتملك عَلَيْهِم قَالَ الزبير بن بكار حَدثنِي عَليّ بن صَالح عَن عَامر بن صَالح عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير قَالَ خرج عُثْمَان بن الْحُوَيْرِث وَكَانَ من أظرف قُرَيْش وأعقلها حَتَّى قدم على قَيْصر وَقد رأى مَوضِع حَاجتهم إِلَيْهِ ومتجرهم من بِلَاده فَذكر لَهُ مَكَّة ورغبه فِيهَا وَقَالَ تكون زِيَادَة على ملكك كَمَا ملك كسْرَى صنعاء فملكه عَلَيْهِم وَكتب لَهُ إِلَيْهِم فَلَمَّا قدم عُثْمَان إِلَيْهِم قَالَ يَا قوم إِن قَيْصر من قد علمتكم أمانكم ببلاده وَمَا تصيبون من التِّجَارَة فِي كنفه وَقد ملكني عَلَيْكُم وَإِنَّمَا أَنا ابْن عمكم وَإِنَّمَا آخذ مِنْكُم الجراب من الْقرظ والعكة مِنْك السّمن والإرهاب فأجمع ذَلِك ثمَّ أبْعث بِهِ إِلَيْهِ وَأَنا أَخَاف إِن أَبَيْتُم ذَلِك أَن يمْنَع مِنْكُم الشَّام فَلَا تتجروا بِهِ وَيقطع مرفقكم مِنْهُ فَلَمَّا قَالَ لَهُم ذَلِك خَافُوا قَيْصر وَأخذ بقلوبهم مَا ذكر من متجرهم فَأَجْمعُوا على أَن يعقدوا على رَأسه التَّاج عَشِيَّة وفارقوه على ذَلِك فَلَمَّا طافوا عَشِيَّة بعث الله إِلَيْهِ ابْن عَمه أَبَا زَمعَة الْأسود بن الْمطلب بن أَسد فصاح على أحفل مَا كَانَت قُرَيْش فِي الطّواف فَقَالَ عباد الله ملك بتهامة فانحاشوا إِلَيْهِ انحياش حمر الْوَحْش ثمَّ قَالُوا صدقت وَاللات والعزى مَا كَانَ بتهامة ملك قطّ فانتفضت قُرَيْش عَمَّا كَانَت قَالَت لَهُ وَلحق بقيصر يُعلمهُ ثمَّ روى الزبير بِسَنَدِهِ أَن قَيْصر حمل عُثْمَان على بغلة عَلَيْهَا سرج عَلَيْهِ الذَّهَب حِين ملكه قَالَ الزبير قَالَ عمي وَكَانَ عُثْمَان بن الْحُوَيْرِث حِين قدم مَكَّة بِكِتَاب قَيْصر مختوم فِي أَسْفَله بِالذَّهَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَذكر الزبير خَبرا فِيمَا انْتهى إِلَيْهِ أَمر عُثْمَان بن الْحُوَيْرِث وَمُلَخَّص ذَلِك أَنه لما خرج إِلَى قَيْصر بِالشَّام بعد امْتنَاع قُرَيْش من تَمْلِيكه فَسَأَلَ تجار قُرَيْش بِالشَّام عَمْرو ابْن جَفْنَة الغساني عَامل قَيْصر أَن يفْسد على عُثْمَان عِنْد قَيْصر فَسَأَلَ عَمْرو فِي ذَلِك ترجمان قَيْصر فَأخْبر الترجمان قَيْصر عَن عُثْمَان وَترْجم عَلَيْهِ بِأَن عُثْمَان يشْتم الْملك فَأمر قَيْصر بِإِخْرَاج عُثْمَان ثمَّ تحيل عُثْمَان حَتَّى عرف من أَيْن أُتي وَدخل على قَيْصر وعرفه مَا يَقْتَضِي أَن الترجمان كذب عَلَيْهِ ومالأ أعداءه فَكتب قَيْصر إِلَى عَمْرو بن جَفْنَة يَأْمُرهُ أَن يحبس لعُثْمَان من أَرَادَ حَبسه من تجار قُرَيْش بِالشَّام فَفعل ذَلِك عَمْرو ثمَّ سم عُثْمَان فَمَاتَ بِالشَّام انْتهى قَالَ وَحدثنَا حسن بن حُسَيْن الْأَزْدِيّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن حبيب قَالَ كَانَت الرياسة أَيَّام بني قصي إِلَى عبد منَاف بن قصي كَانَ الْقَائِم بِأُمُور قُرَيْش والمنظور إِلَيْهِ فِيهَا ثمَّ أفْضى ذَلِك بعده إِلَى ابْنه هَاشم بن عبد منَاف فَأَقَامَ ذَلِك أحسن قيام فَلم يكن لَهُ نَظِير من قُرَيْش وَلَا مسَاوٍ ثمَّ سَارَتْ الرياسة بعده لبعد الْمطلب فِي كل قُرَيْش رُؤَسَاء غير أَنهم كَانُوا يعْرفُونَ لعبد الْمطلب فَضله وتقدمه وشرفه فَلَمَّا مَاتَ عبد الْمطلب صَارَت الرياسة لِحَرْب بن أُميَّة فَلَمَّا مَاتَ حَرْب تَفَرَّقت الرياسة والشرف بَين عبد منَاف وَغَيرهم من قُرَيْش وَقَالَ الفاكهي قَالَ لنا الزبير قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة من بني عبد منانف هَاشم وَعبد شمس وَالْمطلب وَنَوْفَل أول من رفع الله بهم قُريْشًا وَكَانَت قُرَيْش إِنَّمَا كَانَت تتجر بِمَكَّة وتتبضع مَعَ من يخرج من الْأَعَاجِم إِلَيْهَا فَركب هَاشم فَأخذ لَهُ حبلاً يَعْنِي عهدا من قَيْصر فاتجروا إِلَى الشَّام وَركب عبد الْمطلب فَأخذ لَهُ حبلاً من مُلُوك الْيمن فتجروا إِلَى الْيمن بذلك الْحَبل يَعْنِي الْعَهْد والذمة وَركب نَوْفَل فَأخذ لَهُم حبلاً من النَّجَاشِيّ فتجروا بذلك إِلَى أَرض الْحَبَشَة وروى الزبير عَن مُحَمَّد بن الْحسن عَن الْعَلَاء بن الْحُسَيْن عَن أَفْلح بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 عبد الله بن الْعَلَاء عَن أَبِيه وَغَيره من أهل الْعلم قَالُوا هَاشم وَعبد شمس وَالْمطلب وَنَوْفَل هم الزينون وَبَنُو هَاشم وَبَنُو الْمطلب يدان فَإِن دهمهم غَيرهم صَارُوا يدا وَاحِدَة على ذَلِك كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة دون جَمِيع بني عبد منَاف قلت وَلِهَذَا قَالَ نَحن وَبَنُو الْمطلب هَكَذَا وَشَبك بَين أَصَابِع يَدَيْهِ وهما البصران يسميان بذلك وَعبد شمس وَنَوْفَل يروهما الأنهران قَالَ وَكَانَت الْعَرَب تسمى هاشماً وَالْمطلب وَعبد شمس ونوفلاً أقداح النضار فَإِن دهمهم غَيرهم اجْتَمعُوا فصاروا يدا وَاحِدَة وَكَانَ يُقَال لَهُم جَمِيعهم أَيْضا المجيرون قَالَ آدم بن عبد الْعُزَّى بن عَمْرو بن عبد الْعُزَّى // (من الرمل) // (يَا أَمِين الله إنّي قائلٌ ... قَول ذِي دينٍ وبرٍّ وَحسب) (عبد شمسٍ لَا تهنها إنّما ... عبد شمسٍ عمّ عبد المّطلب) (عبد شمس كَانَ يَتْلُو هاشماً ... وهما بعد لأُمٍّ ولأب) فَائِدَة أَحْبَبْت إيرادها مناسبتها وَهِي ذكر من ولي الْإِجَازَة بِالنَّاسِ من عَرَفَة ومزدلفة وَمنى من الْعَرَب فِي ولَايَة جرهم وخزاعة وقريش على مَكَّة والحمس والحلة والطلس والنسيء أما الأول مِمَّن ولي الْإِجَازَة للنَّاس بِالْحَجِّ من عَرَفَة فَقَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ الْغَوْث بن مر بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر هُوَ الَّذِي يَليهَا من عَرَفَة وَولده من بعده وَكَانَ يُقَال لَهُ ولولده صوفة وَإِنَّمَا ولي الْغَوْث بن مر ذَلِك لِأَن سَببه أَن أمه كَانَت امْرَأَة من جرهم وَكَانَت لَا تَلد فنذرت لله إِن هِيَ ولدت ذكرا أَن تَتَصَدَّق بِهِ على الْكَعْبَة عبدا لَهَا يخدمها وَيقوم عَلَيْهَا فَولدت الْغَوْث فَكَانَ يقوم على الْكَعْبَة بخدمتها فِي الدَّهْر الأول مَعَ اخو 0 اله من جرهم فولي الْإِجَازَة بِالنَّاسِ من عَرَفَة لمكانه الَّذِي كَانَ بِهِ من الْكَعْبَة فَقَالَت أمه // (من الرجز) // (إنّي جعلت ربّ من بنيّه ... ربيطةً بمكّة العليّه) (فباركنّ لي بهَا أليّه ... واجعله لي من صَالح البريّه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 ثمَّ اسْتمرّ وَلَده من بعده قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عباد قَالَ كَانَت صوفة تدفع بِالنَّاسِ من عَرَفَة وتجيز لَهُم إِذا نفروا من منى فَإِذا كَانَ يَوْم النَّفر أَتَوْ لرمي الْجمار وَرجل من صوفة يُومِئ للنَّاس لَا يرْمونَ فَكَانَ ذَوُو الْحَاجَات المستعجلون يأْتونَ لَهُ فَيَقُولُونَ لَهُ قُم فارم حَتَّى نرمي فَيَقُول لَا وَالله حَتَّى تميل الشَّمْس فيظل ذَوُو الْحَاجَات الَّذين يحبونَ التَّعْجِيل يستعجلونه بذلك يومونه بِالْحِجَارَةِ وَيَقُولُونَ لَهُ وَيلك قُم فارم فيأبى عَلَيْهِم حَتَّى إِذا مَالَتْ الشَّمْس قَامَ فَرمى وَرمى النَّاس مَعَه قَالَ ابْن إِسْحَاق فَإِذا فرغوا من رمي الْجمار فارادوا النَّفر من منى أخذت صوفة بجانبي الْعقبَة فحبسوا النَّاس وَقَالُوا أجيزي صوفة فَلم يجز أحد من النَّاس حَتَّى يمروا فَإِذا نفرت صوفة وَمَضَت خلى سَبِيل النَّاس فَانْطَلقُوا بعدهمْ فَكَانُوا كَذَلِك حَتَّى انقرضوا فورث ذَلِك من بعدهمْ بَنو سعيد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم فَكَانَت فِي بني سعد فِي آل صَفْوَان بن الْحَارِث بن شجنة قَالَ ابْن هِشَام صَفْوَان هُوَ ابْن الْحَارِث بن شجنة بن عُطَارِد بن عَوْف بن كَعْب ابْن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم قَالَ فَكَانَ صَفْوَان هُوَ الَّذِي يُجِيز للنَّاس بِالْحَجِّ من عَرَفَة ثمَّ بنوه من بعده حَتَّى كَانَ آخِرهم الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَام هُوَ كرب بن صَفْوَان قَالَ أَوْس بن مغراء السَّعْدِيّ // (من الْبَسِيط) // (لَا يبرح النّاس مَا حجّوا معرّفهم ... حتّى يُقَال أجيزو آل صفوانا) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لَهُ يفخر فِيهَا وَأما الْإِجَازَة من الْمزْدَلِفَة فَكَانَت فِي عدوان فِيمَا حدث بِهِ زِيَاد بن عبد الله عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق يتوارثون ذَلِك كَابِرًا عَن كَابر حَتَّى كَانَ آخِرهم الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَام أَبُو سيارة عميلة بن الأعزل فَفِيهِ يَقُول شَاعِر الْعَرَب // (من الرجز) // (نَحن دفعنَا عَن أبي سيّاره ... وَعَن موَالِيه بني فزاره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (حتّى أجَاز سالما حِمَاره ... مُسْتَقْبل الْقبْلَة يَدْعُو جَاره) وَذكر الزبير بن بكار خبر الْإِجَازَة من الْمزْدَلِفَة فَأفَاد مَا لم يفده ابْن إِسْحَاق فَاقْتضى ذَلِك ذكرنَا لَهُ قَالَ بعد أَن ذكر خبر الْإِجَازَة من عَرَفَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْإِجَازَة الثَّانِيَة من جمع غَدَاة النَّحْر إِلَى منى وَكَانَ ذَلِك إِلَى بني زيد بن عدوان بن عَمْرو بن قيس عيلان بن مُضر وَكَانَ آخر من ولي ذَلِك مِنْهُم أَبُو سيارة عميلة بن الأعزل بن خَالِد بن سعد الْحَارِث وَكَانَ يُجِيز على حِمَاره قَالَ السُّهيْلي فَكَانَت لَهُ أتان عوراء خطامها من لِيف وَكَانَ يُقَال فِي الْمثل أصح من حمَار أبي سيارة قَالَ أَبُو الْحسن الْأَثْرَم قَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَظُنهُ كَانَ سميناً وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن عَاشَ حمَار أبي سيارة أَرْبَعِينَ سنة لَا يُصِيبهُ فِيهَا عرض فَقيل أصح من عير أبي سيارة قَالَ الزبير بن بكار حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن عبد الْعَزِيز بن عمرَان قَالَ أَخْبرنِي عقال بن شيبَة قَالَ فَلم تزل الْإِجَازَة فِي صوفة حَتَّى أَخَذتهَا عدوان حَتَّى أَخَذتهَا قُرَيْش قلت هَذَا صَرِيح فِي خلاف مَا تقدم من أَن الْإِجَازَة من عَرَفَة فِي آل صوفة استمرت إِلَى آخر الْإِسْلَام وَكَانَ آخِرهم كرب بن صَفْوَان وَكَذَلِكَ الْإِجَازَة من مُزْدَلِفَة استمرت فِي عدوان حَتَّى كَانَ آخِرهم أَبَا سيارة عميلة بن الأعزل فَلَعَلَّ قَائِل هَذَا أَشَارَ إِلَى مَا وَقع لقصي من أَخذ ذَلِك من صوفة وعدوان ثمَّ ترك ذَلِك قصي لِأَنَّهُ كَانَ يرَاهُ ذَنبا فَتَركه وَذكر القَاضِي حَدثنِي أَحْمد بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي أَبُو زيد بن مبارك قَالَ حَدثنِي أَبُو ثَوْر عَن ابْن جريج قَالَ وَقَالَ مولى ابْن عَبَّاس كَانَت الحمس من عدوان يقومُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يدفعوهم وَمن يعرف بِعَرَفَة من الْمزْدَلِفَة غَدَاة جمع وَكَانَ يدْفع بهم أَبُو سيارة على حمَار لَهُ عرى وَكَانَ يَقُول أشرق ثبير كَيْمَا نغير وَكَانَ كرب بن صَفْوَان يَأْخُذ بِالطَّرِيقِ فَلَا يفِيض أحد من عَرَفَات حَتَّى يُجِيز وَكَانُوا يقفون وَلَا يعْرفُونَ الْوُقُوف بهَا فيقيمون ويفتخرون بآبائهم وأفعالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ويسألون لدنياهم فَأنْزل الله {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ابائكم أَو اشد ذكرا} الْآيَة الْبَقَرَة 200 فَإِذا غرب الشَّمْس سَار كرب بن صَفْوَان نَحْو جمع ويسيرون خَلفه لكَي حَيّ مجيز حَتَّى ياتوا الحمس فِي جَوف اللَّيْل بِالْمُزْدَلِفَةِ فيقفون مَعَهم وَقد أَخذ الطَّرِيق لَا يخرج أحد قبل طُلُوع الشَّمْس فَإِذا أَصْبحُوا قَامَ أَبُو سيارة عميلة بن الأعزل العدواني فَقَالَ أشرق ثبير كميا نغير قَالَ ذُو الْأصْبع العدواني واسْمه حرثان بن عَمْرو // (من الهزج) // (عذير الحيّ من عدوان ... كَانُوا حيّة الأَرْض) (بغى بَعضهم ظلما ... فَلم يرع على الْبَعْض) (وَمِنْهُم كَانَت السادات ... والموفون بالقرض) (وَمِنْهُم من يُجِيز النَّاس ... بِالسنةِ وَالْفَرْض) وَأما سَبَب تَسْمِيَة الْغَوْث وبنيه بصوفة فِيمَا تقدم من قَوْله وَكَانَ يُقَال لَهُ ولبنيه صوفة فَذكر أَبُو عبد الله أَنه حَدثهُ أَبُو الْحسن الْأَثْرَم عَن هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ قَالَ إِنَّمَا سمى الْغَوْث بن مر صوفة لِأَنَّهُ كَانَ لَا يعِيش لأمه ولد فنذرت بِهِ إِن عَاشَ لتعلقن بِرَأْسِهِ صوفة ولتجعلنه ربيطاً للكعبة فَفعلت فَقيل لَهُ صوفة ولولده من بعده وَهُوَ الربيط وَيُقَال سَبَب التَّسْمِيَة أَنَّهَا لما ربطته عِنْد الْبَيْت أَصَابَهُ الْحر فمرت بِهِ وَقد سقط وذوى واسترخى فَقَالَت مَا ضار ابْني إِلَّا صوفة وَالله أعلم أَيهمَا سَبَب التَّسْمِيَة وَيحْتَمل اجْتِمَاعهمَا وَيكون سَببه للسابق وَأما الحمس والحلة فَذكر خبرهم غير وَاحِد من أهل الْأَخْبَار مِنْهُم الزبير بن بكار فَإِنَّهُ قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد الْعَزِيز بن عمرَان قَالَ الحمس قُرَيْش وكنانة وخزاعة وَمن وَلدته قُرَيْش خَاصَّة من الْعَرَب وَإِنَّمَا سموا الحمس بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا حمساء حجرها أَبيض يضْرب إِلَى السوَاد قَالَ وَكَانَت لَهَا سيرة كَانُوا لَا يأقطون أقطاً وَلَا يسلون سمناً وَلَا يبيعون دَارا وَلَا يقفون إِلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة وَلَا يسكنون فِي بيُوت الشّعْر وَقَالَ غَيره كَانُوا يعظمون الشُّهُور الْحرم ويتعاطون الْحُقُوق ويدحرون عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الظُّلم وينصفون الْمَظْلُوم قَالَ وحَدثني مُحَمَّد بن فضَالة عَن مُبشر بن حَفْص عَن مُجَاهِد قَالَ الحمس قُرَيْش وَبَنُو عَامر بن صعصعة وَثَقِيف وخزاعة ومدلج وعدوان والْحَارث بن عبد مَنَاة وعضل أَتبَاع قُرَيْش وَسَائِر الْعَرَب حلَّة قَالَ وحدنثي مُحَمَّد بن حسن عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن مُوسَى بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ لم تكن الحمس بِحلف وَلكنه دين شرعته قُرَيْش وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ وَكَانَت الْحلَّة لَا تَطوف فِي حَجهَا إِلَّا فِي ثِيَاب جدد أَو ثِيَاب أهل الله سكان الْحرم ويكرهون أَن يطوفوا فِي ثِيَاب عملت فِيهَا الْمعاصِي فَمن لم يجد طَاف عُريَانا وَمن طَاف من الْحلَّة فِي ثِيَابه أَلْقَاهَا فَإِذا فرغ فَلم ينْتَفع بهَا وَلَا غَيره حَتَّى تبلى وَكَانَت الْمَرْأَة تَطوف عَارِية وتضع كفها على هنها ثمَّ تَقول // (من الرجز) // (أليوم يَبْدُو بعضه أَو كلّه ... وَمَا بدا مِنْهُ فَلَا أُحلّه) قَالَ وَكَانَت الحمس تَطوف فِي ثِيَابهَا وَكَانَت الْحلَّة تخرج إِلَى عَرَفَات وتراه موقفا ومنسكا وَكَانَ موقفها بالْعَشي دون الأنصاب وَمن آخر اللَّيْل مَعَ النَّاس بقزح من الْمزْدَلِفَة وَكَانَ بعض الْحلَّة لَا يرى الصَّفَا والمروى وَبَعْضهمْ يَرَاهَا وَكَانَ الَّذين يرونها خندف وَسَائِر الْحلَّة لَا يرونها فَلَمَّا جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ أَمر الله الحمس أَن يقفوا بِعَرَفَة مَعَ الْحلَّة وَأَن يفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس مِنْهَا مَعَ الْحلَّة وَأمر الْحلَّة أَن يطوفوا بَين الصَّفَا والمروة وَقَالَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ من شَعَائِر الله} الْآيَة الْبَقر 158 وَذَلِكَ أَن نَاسا قَالُوا مَا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة مِمَّن يطوف بهما يطوف باساف ونمائلة وَكَانَ إساف على الصَّفَا ونائلة على الْمَرْوَة فأعلمهم الله عز وَجل أَنَّهُمَا مشْعر انْتهى وَقيل سَبَب تسميتهم بالحمس غير مَا ذكر وَهُوَ أَنهم إِنَّمَا سموا حمساً لشجاعتهم والحماسة الشجَاعَة وَقيل سَبَب التَّسْمِيَة بذلك لشدتهم فِي دينهم والأحمس المشتدد فِي دينه وَأما الطلس فهم طَائِفَة من الْعَرَب تَطوف بِالْبَيْتِ على صفة تخْتَص بهَا ذكرهم السُّهيْلي فَقَالَ بعد أَن ذكر شَيْئا فِي خبر الحمس والحلة وَكَانُوا يأْتونَ من أقْصَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الْيمن طلساً من الْغُبَار يطوفون بِالْبَيْتِ فِي تِلْكَ الثِّيَاب الطلس فسموا بذلك ذكره مُحَمَّد بن حبيب انْتهى والطلس أَيْضا لقب لجَماعَة من أَعْيَان السّلف لكَوْنهم لَا شعر فِي وُجُوههم مِنْهُم عبد الله بن الزبير الْأَسدي وَشُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي قَاضِي الْكُوفَة فَوق سِتِّينَ سنة وَأما النسىء قَالَ الْعَلامَة التقي الفاسي قَالَ الْأَزْرَقِيّ فِيمَا روينَاهُ عَنهُ بسندنا حَدثنِي جدي قَالَ حَدثنَا سعيد بن سَالم عَن عُثْمَان بن سَاج عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن الْكَلْبِيّ فِيمَا رَوَاهُ عَن أبي صَالح مولى أم هانىء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَذكر شَيْئا من خبر الْحلَّة والحمس ثمَّ قَالَ بن إِسْحَاق قَالَ الكبي فَكَانَ أول من أنسأ الشُّهُور من مُضر مَالك بن كنَانَة وَذَلِكَ أَن مَالك بن كنَانَة نكح إِلَى مُعَاوِيَة بن ثَوْر الْكِنْدِيّ وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي كِنْدَة وَكَانَت النسأة قبل ذَلِك فِي كِنْدَة لأَنهم كَانُوا قبل ذَلِك مُلُوك الْعَرَب من ربيعَة وَمُضر فنسأ ثَعْلَبَة بن ملك ثمَّ نسأ بعده الْحَارِث بن ملك بن كنَانَة وَهُوَ القلمس ثمَّ نسأ بعده سَرِير بن القلمس ثمَّ كَانَت النسأة فِي بني فقيم من بني ثَعْلَبَة حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام وَكَانَ آخر من نسأ مِنْهُم أَبُو ثُمَامَة جندة بن عَوْف بن أُميَّة بن عبد فقيم وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِي زمن عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْحجر الْأسود فَلَمَّا رأى النَّاس يزدحمون عَلَيْهِ قَالَ أَيهَا النَّاس أَنا لَهُ جَار فأجيزوا فخفقه عمر بِالدرةِ ثمَّ قَالَ أَيهَا الجلف الجافي قد ذهب عزك بِالْإِسْلَامِ فَكل هَؤُلَاءِ قد نَشأ فِي الْجَاهِلِيَّة انْتهى ( ذكر صفة الإنساء ) روى الْأَزْرَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن إِسْحَاق عَن الْكَلْبِيّ فِي الْخَبَر الَّذِي فِيهِ مَا سبق ذكره فِي أول من نسأ الشُّهُور قَالَ وَالَّذِي ينسأ لَهُم إِذا أَرَادوا أَلا يحلوا الْمحرم قَامَ بِفنَاء الْكَعْبَة يَوْم الصَّدْر فَقَالَ الَّذِي ينسأ أَيهَا النَّاس لَا تحلوا حرماتكم وعظموا شعائركم فَإِنِّي أجَاب وَلَا أعاب لقَوْل قلته فهنالك يحرمُونَ الْمحرم ذَلِك الْعَام وَكَانَ الْجَاهِلِيَّة يسمون الْمحرم صفر الأول وصفر صفر الآخر وَيَقُولُونَ صفران وشهرا ربيع وجماديان وَرَجَب وَشَعْبَان وَشهر رَمَضَان وشوال وَذُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الْعقْدَة وَذُو الْحجَّة فَكَانَ ينسأ الإنساء سنة وَيتْرك سنة فيحلوا الشُّهُور الْمُحرمَة ويحرموا الشُّهُور الَّتِي لَيست بمحرمة وَكَانَ ذَلِك من فعل إِبْلِيس لَعنه الله تَعَالَى أَلْقَاهُ على ألسنتهم فرأوه حسنا فَإِذا كَانَت السّنة الَّتِي ينسأ فِيهَا يقوم ويخطب بِفنَاء الْكَعْبَة وَيجمع النَّاس إِلَيْهِ يَوْم الصَّدْر فَيَقُول أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أنسأت الْعَام صفر الأول يَعْنِي الْمحرم فيطرحونه من الشُّهُور وَلَا يعتدون بِهِ ويبتدئون الْعدة بعده فَيَقُولُونَ لصفر وَشهر ربيع الأول صفران وَيَقُولُونَ لشهر ربيع الآخر وجمادي الأولى شهرا ربيع وَيَقُولُونَ لجمادي الْأُخْرَى وَرَجَب جماديان وَيَقُولُونَ لشعبان رَجَب ولشهر رَمَضَان شعْبَان وَيَقُولُونَ لشوال شهر رَمَضَان وَلِذِي الْفطْرَة شَوَّال وَلِذِي الْحجَّة ذُو الْقعدَة ولصفر الأول وَهُوَ الْمحرم الشَّهْر الَّذِي أنسأه ذُو الْحجَّة فيحجون تِلْكَ السّنة فِي الْمحرم فَيبْطل من هَذِه السّنة شهرا ينسأه ثمَّ يخطبهم فِي السّنة الثَّانِيَة فِي وَجه الْكَعْبَة أَيْضا فَيَقُول أَيهَا النَّاس لَا تحلوا حرماتكم وعظموا شعائركم فَإِنِّي أجَاب وَلَا أعاب لقَوْل قلته اللَّهُمَّ اني قد احللت دِمَاء المحلين طيىء وخثعم فِي الْأَشْهر الْحرم من بَين الْعَرَب فيغزونهم وَيطْلبُونَ بثأرهم وَلَا يقفون عَن حرمات النَّاس فِي الْأَشْهر الْحرم كَمَا تفعل غَيرهَا من الْعَرَب وَكَانَ سَائِر الْعَرَب من الْحلَّة والحمس لَا يعدون فِي الْأَشْهر الْحرم على أحد وَلَو لَقِي أحدهم قَاتل أَبِيه وأخيه وَلَا يستاقون إعظاماً للشهور الْحرم إِلَّا خثعم وطيىء فَإِنَّهُم كَانُوا يعدون فِي الْأَشْهر الْحرم فهنالك يحرمُونَ من تِلْكَ السّنة الشَّهْر الْمحرم وَهُوَ صفر الأول ثمَّ يعدون الشُّهُور على عدتهمْ الَّتِي عدوها فِي الْعَام الأول فيحجون فِي كل سنة حجَّتَيْنِ ثمَّ ينسأ فِي السّنة الثَّانِيَة فينسأ صفر الأول فِي عدتهمْ هَذِه وَهُوَ صفر الآخر فِي الْعدة المستقيمة حَتَّى تكون حجتهم فِي صفر أَيْضا وَكَذَلِكَ الشُّهُور كلهَا حَتَّى يستدير الْحَج فِي كل أَربع وَعشْرين سنة إِلَى الْمحرم الَّذِي ابتدءوا مِنْهُ الإنساء يحجون فِي الشُّهُور كلهَا فِي كل شهر حجَّتَيْنِ فَلَمَّا جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ أنزل الله فِي كِتَابه الْعَزِيز {إِنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الْآيَة التَّوْبَة 37 انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَقَالَ السُّهيْلي وَأما نسؤهم للشهر الْحَرَام فَكَانَ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا هَذَا الَّذِي ذكره ابْن إِسْحَاق من تَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر لحاجتهم إِلَى شن الغارات وَطلب الثارات وَالثَّانِي تَأْخِير الْحَج عَن وقته تحرياً مِنْهُم للسّنة الشمسية فَكَانُوا يؤخرونه فِي كل عَام أحد عشر يَوْمًا أَو أَكثر قَلِيلا حَتَّى يَدُور الدّور إِلَى ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة فَيَعُود إِلَى وقته وَلذَلِك قَالَ فِي عَام حجَّة الْوَدَاع إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض فَكَانَت حجَّة الْوَدَاع فِي السّنة الَّتِي عَاد فِيهَا الْحَج إِلَى وقته الْأَصْلِيّ وَلم يحجّ رَسُول الله من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة غير تِلْكَ الْحجَّة وَذَلِكَ لإِخْرَاج الْكفَّار الْحَج عَن وقته ولطوافهم بِالْبَيْتِ عُرَاة وَالله أعلم إِذْ كَانَت مَكَّة فِي حكمهم حَتَّى فتحهَا الله على نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ ولي عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف السِّقَايَة والرفادة بعد عَمه الْمطلب فَأَقَامَ لِقَوْمِهِ وللحجاج مَا كَانَت آباؤه تُقِيمهُ من قبله وَشرف فِي قومه شرفاً لم يبلغهُ أحد من آبَائِهِ فَأَحبهُ قومه وَعظم خطره فيهم وَكَانَ أكبر أَوْلَاده الْحَارِث لم يكن أول أمره غَيره وَكَانَ يكنى بِهِ فَيُقَال يَا أَبَا الْحَارِث فَقَالَ لَهُ ابْن عَمه عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف يَا عبد الْمطلب أتستطيل علينا وتتعاظم وَأَنت فذ لَا ولد لَك فَقَالَ لَهُ عبد الْمطلب أَو بالقلة تعيروني فو الله نذر عَليّ لَئِن آتَانِي الله عشرَة من الْوَلَد لأنحرن أحدهم عِنْد الْكَعْبَة فَلَمَّا كمل لَهُ عشرَة من الْوَلَد جمعهم فَأخْبرهُم بنذره ودعاهم إِلَى الْوَفَاء لله بذلك فاطاعوه وَقُولُوا لَهُ أوف بِنَذْرِك وَافْعل مَا شِئْت قَالَ ليَأْخُذ كل وَاحِد مِنْكُم قدحاً فليكتب اسْمه عَلَيْهِ ثمَّ ائْتُونِي فَفَعَلُوا فَقَالَ عبد الْمطلب لصَاحب القداح اضْرِب على هَؤُلَاءِ بقداحهم والقدح سهم لَا نصل لَهُ وَلَا ريش فَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُم قدحه وَكَانَ عبد الله هُوَ اصغرهم سنا واحبهم إِلَى وَلَده ثمَّ ضرب صَاحب القداح فَخرج السهْم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 عبد الله فَأَخذه عبد الْمطلب بِيَدِهِ وَأخذ الشَّفْرَة ثمَّ أقبل على أساف وَهُوَ صنم على الصَّفَا ليذبح عِنْده فجذب الْعَبَّاس عبد الله من تَحت رجل وَلَده حَتَّى أثر فِي وَجهه شجة لم تزل ترى فِي وَجه عبد الله إِلَى أَن مَاتَ فَقَامَتْ قُرَيْش عَن أنديتها وَقَالُوا لَئِن فعلت هَذَا لَا يزَال الرجل يَأْتِي بانبه فيذبحه فَمَا بَقَاء النَّاس على هَذَا وَلَكِن اعذر فِيهِ إِلَى رَبك فنفديه بِأَمْوَالِنَا وَكَانَ بالحاجاز عرافة كاهنة لَهَا تَابع من الْجِنّ فَانْطَلقُوا حَتَّى قدمُوا عَلَيْهَا وقص عَلَيْهَا عبد الْمطلب قصَّته وَخبر نَذره وَيُقَال إِن نَذره لذَلِك لم يكن سَببه تَعْبِير عدي بن نَوْفَل لَهُ فَأَجَابَهُ بقوله أَو بالقلة تعيروني لَئِن رَزَقَنِي الله عشرَة من الْوَلَد إِلَى آخر مَا تقدم بل إِنَّمَا كَانَ النّذر لما رأى فِي الْمَنَام زَمْزَم وأرشد إِلَى مَكَانهَا بعلامة أريها فِيهِ فَقَالَ عِنْد ذَلِك لَئِن رَزَقَنِي الله عشرَة من الْوَلَد حَتَّى يعينوني على حفرهَا لأنحرن أحدهم وعَلى كل حَال فالمنذور هُوَ نحر أحد أَوْلَاده الْعشْرَة وَالِاخْتِلَاف فِي سَبَب عقد النّذر هَل هُوَ التَّعْبِير لَهُ بقلة الْوَلَد وَهِي الرِّوَايَة الأولى أَو حُصُول الْإِرْشَاد إِلَى مَحل زَمْزَم وحفرها والإعانة على ذَلِك وَذَلِكَ أَنه بَيْنَمَا عبد الْمطلب بن هَاشم نَائِم فِي الْحجر إِذْ أَتَى فَأمر بِحَفر زَمْزَم قَالَ عبد الْمطلب إِنِّي لنائم فِي الْحجر إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ احْفِرْ طيبَة قَالَ قلت وَمَا طيبَة قَالَ ثمَّ ذهب عني فَلَمَّا كَانَ الْغَد جِئْت إِلَى مضجعي فمنت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ المصونة قلت وَمَا المصونة ثمَّ ذهب عني فَلَمَّا كَانَ الْغَد رجعت إِلَى مضجعي فَنمت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ برة قلت وَمَا برة ثمَّ ذهب عني فَلَمَّا كَانَ الْغَد نمت كَذَلِك فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ زَمْزَم قلت وَمَا زَمْزَم قَالَ لَا تنزف أبدا وَلَا تذم تَسْقِي الحجيج الْأَعْظَم وَهِي بَين الفرث وَالدَّم عِنْد نقرة الْغُرَاب الأعصم عِنْد قَرْيَة النَّمْل وَهِي شرف لَك ولولدك وَكَانَ هُنَاكَ غراب أعصم لَا يبرح عِنْد الذَّبَائِح مَكَان الفرث وَالدَّم فَلَمَّا بَين لَهُ شَأْنهَا وَدلّ على موضعهَا وَعرف أَن الْمَنَام قد صدق غَدا بِالْمِعْوَلِ وَمَعَهُ ابْنه الْحَارِث لَيْسَ مَعَه يَوْمئِذٍ ولد غَيره فَجعل يحْفر ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى بدا لَهُ الطي فَعرفت قُرَيْش أَنه أدْرك حَاجته فَقَالُوا يَا عبد الْمطلب إِنَّهَا بِئْر أَبينَا إِسْمَاعِيل وَإِن لنا فِيهَا حَقًا فأشركنا مَعَك قَالَ مَا أَنا بفاعل إِن هَذَا الْأَمر قد خصصت بِهِ دونكم وأعطيته من بَيْنكُم قَالُوا لَهُ فأنصفنا فَإنَّا غير تاركيك حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 نخاصمك فِيهَا قَالَ فافعلوا بيني وَبَيْنكُم من شِئْتُم أحاكمكم إِلَيْهِ قَالُوا كاهنة بني سعد بن هذيم قَالَ نعم وَكَانَت بأشراف الشَّام فَركب عبد الْمطلب وَمَعَهُ نفر من بني أُميَّة وَركب من كل قَبيلَة من قُرَيْش نفر وَالْأَرْض إِذْ ذَاك مفازة قَالَ فَخَرجُوا حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض تِلْكَ المفاوز فني مَا كَانَ عِنْد عبد الْمطلب وَأَصْحَابه من المَاء فظمئوا حَتَّى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من مَعَهم من قبائل قُرَيْش فَأَبَوا عَلَيْهِم وَقَالُوا إِنَّا بمفازة نخشى على أَنْفُسنَا مثل مَا أَصَابَكُم فَلَمَّا رأى عبد الْمطلب مَا صنع الْقَوْم وَمَا تخوفوا مِنْهُ قَالَ لِقَوْمِهِ مَا ترَوْنَ قَالُوا مَا رَأينَا إِلَّا تبع لرأيك فمرنا بِمَا شِئْت قَالَ فَإِنِّي أرى أَن يحْفر كل رجل مِنْكُم حُفْرَة لنَفسِهِ بِمَا بكم الْآن من بَقِيَّة الرمق وَالْقُوَّة فَكلما مَاتَ رجل على شَفير حفرته أَلْقَاهُ فِيهَا من بَقِي مَعَه رَمق مِنْكُم قَالُوا نعم مَا أمرت بِهِ فقعدوا ينتظرون عطشاً ثمَّ إِن عبد الْمطلب قَالَ لأَصْحَابه وَالله لنضربن فِي الأَرْض فَلَعَلَّ الله يرزقنا مَاء بِبَعْض الْبِلَاد فَتقدم عبد الْمطلب إِلَى رَاحِلَته فركبها فَلَمَّا انبعثت بِهِ انفجرت عين مَاء عذب من تَحت خفها فَكبر عبد الْمطلب وَكبر أَصْحَابه ثمَّ نزل فَشرب هُوَ وَأَصْحَابه واستقوا حَتَّى ملئوا أسقيتهم ثمَّ دَعَا الْقَبَائِل من قُرَيْش فَقَالَ هلموا إِلَى المَاء فقد سقانا الله فَاشْرَبُوا واستقوا فَجَاءُوا فَشَرِبُوا واستقوا ثمَّ قَالُوا قد وَالله قضى الله لَك علينا يَا عبد الْمطلب وَالله لَا نخاصمك فِي زَمْزَم أبدا إِن الَّذِي سقاك هَذَا المَاء بِهَذِهِ الْمَفَازَة لَهو الَّذِي سقاك فَارْجِع إِلَى سقايتك راشداً فَرجع وَرَجَعُوا مَعَه وَيُقَال إِن عبد الْمطلب قَامَ يحْفر هُنَالك فَجَاءَت قُرَيْش فَقَالُوا لَا تحفر فِي مَسْجِدنَا فَقَالَ إِنِّي لحافر هَذِه الْبِئْر وَمُجاهد من صدني عَنْهَا فَطَفِقَ يحْفر هُوَ وَابْنه الْحَارِث وَلَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ ولد غَيره فسعت إِلَيْهِمَا نَاس من قُرَيْش ونازعوهما حَتَّى إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى نذر لَئِن ولد لَهُ عشرَة بَنِينَ ثمَّ بلغُوا مَعَه حَتَّى منعُوهُ عَمَّن يُرِيد مَنعه وَسَهل الله عَلَيْهِ حفر زَمْزَم لينحرن أحدهم عِنْد الْكَعْبَة فَلَمَّا بلغُوا عشرَة وَأَرَادَ ذَلِك وَقع مَا تقدم ذكره انْتهى وَورد أَن عبد الْمطلب كَانَ نَائِما فِي الْحجر إِذْ رأى مناماً فانتبه فرقا مَرْعُوبًا وأتى كهنة قُرَيْش وقص عَلَيْهِم رُؤْيَاهُ فَقَالُوا تَأْوِيل رُؤْيَاك ليخرجن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ظهرك من يُؤمن بِهِ أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وليكونن فِي النَّاس علما مُبينًا فَتزَوج ابْنة عَمْرو بن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم وحملت فِي ذَلِك الْوَقْت بِعَبْد الله الذَّبِيح وقصة ذبحه سَببهَا نذر أَبِيه عبد الْمطلب ذبح أحد أَوْلَاده إِذا رزقه الله عشرَة ذُكُور كَمَا تقدم آنِفا وَكَانَت زَمْزَم مَجْهُولَة الْموضع إِلَى أَن رفع عَنْهَا الْحجاب برؤيا مَنَام رَآهَا عبد الْمطلب دلته على حفرهَا بأمارات عَلَيْهَا وَقد كَانَ مضاض بن عَمْرو الجرهمي أَو عَمْرو بن الْحَارِث الجرهمي لما اجدث قومه بحرم الله الْحَوَادِث وقيض الله إياداً فأخرجوهم من مَكَّة عمد عَمْرو هَذَا إِلَى ذخائر الْكَعْبَة من الغزالين والأسياف وَغير ذَلِك وأخرجها من الْجب الَّذِي كَانَ بِالْكَعْبَةِ معداً لوضع ذَلِك فَأخذ جَمِيع ذَلِك وَجعله فِي زَمْزَم وطمها وَعفى أَثَرهَا وفر إِلَى الْيمن بقَوْمه فَلم تزل زَمْزَم من ذَلِك الْعَهْد مَجْهُولَة إِلَى إِن راها بعد الْمطلب فَأَرَادَ ذبح وَلَده عبد الله فَمَنعه أَخْوَاله بَنو مَخْزُوم وَفِي الرِّوَايَة الأولى مَنعه الْعَبَّاس فاجتذبه من تَحت رجل وَلَده وَلَا مَانع من وُقُوع السببين وَيكون الْمَنْع مِنْهُم بعد الاجتذاب من الْعَبَّاس ثمَّ احتفرهاه وَكَانَت لَهُ فخراً وَعزا فَذَهَبُوا فَقَالَت لَهُم العرافة ارْجعُوا عني الْيَوْم حَتَّى يأتيني تَابِعِيّ فَرَجَعُوا من عِنْدهَا ثمَّ عَادوا إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُم كم الدِّيَة فِيكُم فَقَالُوا عشرَة من الْإِبِل فَقَالَت لَهُم قربوا عَن ولدكم عشرا من الْإِبِل ثمَّ اضربوا عَلَيْهَا وَعَلِيهِ واستمروا كَذَلِك إِلَى أَن يخرج السهْم عَلَيْهَا فانحروها فقد رَضِي ربكُم ونجى ولدكم فَخَرجُوا حَتَّى قدمُوا مَكَّة فقربوا عشرا من الْإِبِل وضربوا بِالْقداحِ فَخرج السهْم على عبد الله واستمروا فِي كل مرّة يزِيدُونَ عشرَة فعشراً حَتَّى بلغت الْإِبِل مائَة فَخرج السهْم عَلَيْهَا فأعادوها ثَانِيَة وثالثة فَخرج السهْم على الْإِبِل فنحروها وَتركت لَا يمْنَع من لَحمهَا آدَمِيّ وَلَا وَحش وَلَا طير قَالَ الزُّهْرِيّ كَانَ عبد الْمطلب أول من سنّ دِيَة النَّفس مائَة من الْإِبِل فجرت فِي قُرَيْش ثمَّ فِي الْعَرَب واقرها رَسُول الله فِي الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَذكر الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي بِسَنَدِهِ عَن سعيد بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن كَعْب الْأَحْبَار إِن نور رَسُول الله لما وصل إِلَى عبد الْمطلب ونام فِي الْحجر فانتبه مَكْحُولًا مدهوناً قد كسى حلَّة الْبَهَاء وَالْجمال فَبَقيَ متحيراً لَا يدْرِي من فعل بِهِ ذَلِك فَأَخذه أَبوهُ هِشَام بِيَدِهِ ثمَّ انْطلق بِهِ إِلَى كهنة قُرَيْش فَأخْبرهُم بذلك فَقَالُوا لَهُ اعْلَم أَن إِلَه السَّمَوَات قد أذن لهَذَا الْغُلَام أَن يتَزَوَّج فَزَوجهُ أَبوهُ قيلة فَولدت لَهُ الْحَارِث وَهُوَ أكبر أَوْلَاده وَبِه كَانَ يكنى كَمَا تقدم ذكر ذَلِك ثمَّ مَاتَت فَزَوجهُ بعْدهَا هنداً بنت عَمْرو وَكَانَ عبد الْمطلب تروح مِنْهُ رَائِحَة الْمسك الإذفر وَنور رَسُول الله يضىء فِي غرته وَكَانَت قُرَيْش إِذا أَصَابَهَا قحط تَأْخُذ بِيَدِهِ فَتخرج بِهِ إِلَى جبل ثبير فيتقربون بِهِ إِلَى الله تَعَالَى ويسألونه أَن يسقيهم الْغَيْث فَكَانَ يغيثهم ويسقيهم ببركة نور مُحَمَّد غيثاً عَظِيما وَعند الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان كُنَّا عِنْد رَسُول الله فَأَتَاهُ أَعْرَابِي فَقَالَ يَا رَسُول الله خلفت الْبِلَاد يابسة وَالْمَاء يَابسا هلك المَال وَضاع الْعِيَال فعد على مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْك يَا ابْن الذبيحين فَتَبَسَّمَ رَسُول الله وَلم يُنكر عَلَيْهِ وَيَعْنِي بالذبيحين عبد الله وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَإِن كَانَ قد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن الذَّبِيح إِسْحَاق قَالَ ابْن الْقيم وَمِمَّا يدل على أَن الذَّبِيح إِسْمَاعِيل أَنه لَا ريب أَن الذّبْح كَانَ بِمَكَّة وَكَذَلِكَ جعلت القرابين يَوْم النَّحْر كَمَا جعل السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَرمى الْجمار تذكيراً بشأن إِسْمَاعِيل وَأمه وَإِقَامَة لذكر الله تَعَالَى وَمَعْلُوم أَن إِسْمَاعِيل وَأمه هما اللَّذَان كَانَا بِمَكَّة دون إِسْحَاق وَأمه ثمَّ قَالَ وَلَو كَانَ الذّبْح بِالشَّام كَمَا يزْعم أهل الْكتاب وَمن تلقى عَنْهُم لكَانَتْ القرابين والنحر بِالشَّام لَا بِمَكَّة وروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه سَأَلَ رجلا أسلم من عُلَمَاء الْيَهُود أَي ابْني ابراهم أَمر بذَبْحه فَقَالَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الْيَهُود ليعلمون أَنه إِسْمَاعِيل وَلَكنهُمْ يحسدونكم يَا معشر الْعَرَب أَن يكون أَبَا لكم للفضل الَّذِي ذكره الله تَعَالَى عَنهُ فهم يجحدون ذَلِك ويزعمون أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 إِسْحَاق لِأَن إِسْحَاق أبوهم كَذَا فِي الْمَوَاهِب اللدنية وَقد اسْتشْكل أَن عبد الْمطلب نذر نحر أحد بنيه إِذا بلغُوا عشرَة وَقد كَانَ تَزْوِيجه هَالة أم ابْنه حَمْزَة بعد وفائه بنذره فحمزة وَالْعَبَّاس إِنَّمَا ولدا بعد الْوَفَاء بنذره وَإِنَّمَا كَانَ أَوْلَاده عشرَة قَالَ السُّهيْلي وَلَا إِشْكَال فِي هَذَا فَإِن جمَاعَة من الْعلمَاء قَالُوا كَانَ أَعْمَامه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اثْنَي عشر وَهُوَ قَول الْأَكْثَر وَإِن صَحَّ قَول من قَالَ إِنَّهُم عشرَة لَا يزِيدُونَ فَالْوَلَد يَقع على الْبَنِينَ وبنيهم حَقِيقَة لَا مجَازًا فَكَأَن عبد الْمطلب قد اجْتمع لَهُ من لده وَولد وَلَده عشرَة رجال حِين الْوَفَاء بنذره وَقد تقدم أَن عبد الله كَانَ أَصْغَر بني أَبِيه عبد الْمطلب وَهُوَ غير مَعْرُوف فَلَعَلَّ الرِّوَايَة أَصْغَر بني أمه وَإِلَّا فحمزة كَانَ أَصْغَر من عبد الله وَالْعَبَّاس كَانَ أَصْغَر من حَمْزَة فَكيف يَسْتَقِيم أَن يكون عبد الله أَصْغَر أَوْلَاد عبد الْمطلب وروى عَن الْعَبَّاس أَنه قَالَ أذكر مولد رَسُول الله وَأَنا ابْن ثَلَاثَة أَعْوَام وَنَحْوهَا فجيء بِهِ حَتَّى نظرت إِلَيْهِ وَجعل النِّسَاء يقلن لي قبل أَخَاك فقبلته فَكيف يَصح أَن يكون عبد الله أَصْغَر أَوْلَاد بنيه لَكِن يحْتَمل وَجه لصِحَّته أَن تكون الرِّوَايَة أَصْغَر بني أمه أَو تكون الرِّوَايَة لذَلِك أَصْغَر بني أَبِيه وَيكون المُرَاد أَنه أَصْغَر بني أَبِيه حِين أُرِيد نَحره ثمَّ ولد لَهُ بعد ذَلِك حَمْزَة وَالْعَبَّاس انْتهى قلت يُعَكر على هَذَا التَّوْجِيه الرِّوَايَة السَّابِقَة الَّتِي فِيهَا اجتذاب الْعَبَّاس لعبد الله من تَحت رجل عبد الْمطلب إِذْ هِيَ مصرحة بِوُجُودِهِ بل بِبُلُوغِهِ حد الرجولية رَأيا وفعلاً فَلْيتَأَمَّل ولينظر وَجه التَّوْفِيق وَقيل لعبد الْمطلب فِي صفة زَمْزَم لَا تنزف أبدا وَلَا تذم وَهَذَا برهَان عَظِيم لِأَنَّهَا لم تنزف من ذَلِك الْحِين إِلَى الْيَوْم قطّ وَقد وَقع فِيهَا حبشِي فَنُزِحَتْ من أَجله فوجدوا ماءها يفور من ثَلَاثَة أعين أقواها وأكثرها مَاء عين من نَاحيَة الْحجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الْأسود ذكر هَذَا الحَدِيث الدارالقطني وَقَوله لَا تذم فَلْينْظر فقد كَانَ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي عَامل الْوَلِيد بن عبد الْملك على مَكَّة يذمها ويسميها أم جعلان واحتفر بِئْرا خَارج مَكَّة باسم الْوَلِيد ابْن عبد الْملك وَجعل يفضلها على زَمْزَم وَيحمل النَّاس على التَّبَرُّك بهَا دون زَمْزَم جرْأَة مِنْهُ على الله وَقلة حَيَاء مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يفصح بلعن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجه على الْمِنْبَر هُنَاكَ وَإِنَّمَا ذكرنَا هَذَا ليعلم أَنَّهَا قد ذمت لَكِن // (من الرمل) // (لَا يضرّ الْبَحْر أَمْسَى زاخراً ... أَن رمى فِيهِ سَفِيه بحجرا) وَأول من اتخذ للكعبة بَابا من حَدِيد عبد الْمطلب ضربه من تِلْكَ الأسياف الَّتِي وجدهَا فِي زَمْزَم حِين احتفرها وَهِي الَّتِي أودعها مضاض بن عَمْرو الجرهمي بَاطِن زَمْزَم وطمها وَاتخذ حوضاً لزمزم يسْقِي مِنْهُ فَكَانُوا يخربونه بِاللَّيْلِ حسداً لَهُ فَلَمَّا غمه ذَلِك قيل لَهُ فِي الْمَنَام قل لَا أحلهَا لغسل وَهِي لشارب حل وبل وَقد كفيتهم فَلَمَّا أصبح قَالَ ذَلِك فَكَانَ بعد ذَلِك من أرادها بمكروه رمى بداء فِي جسده حَتَّى انْتَهوا عَنهُ فَائِدَة كَانَت قُرَيْش قبل حفر زَمْزَم اتَّخذت أبياراً بِمَكَّة فَذكرُوا أَن قصياً كَانَ يسْقِي الحجيج فِي حِيَاض من أَدَم فَكَانَ ينْقل المَاء إِلَيْهَا من آبار خَارِجَة عَن مَكَّة مِنْهَا بِئْر مَيْمُون الْحَضْرَمِيّ وَكَانَ ينْبذ لَهُم الزَّبِيب ثمَّ احتفر قصي العجول فِي دَار أم هانىء بنت أبي طَالب وَهِي أول سِقَايَة حفرت بِمَكَّة فَلم تزل العجول قَائِمَة حَيَاة قصي وَبعد مَوته حَتَّى كبر عبد منَاف بن قصي فَسقط فِيهَا رجل من بني جعيل فعطلوها واندفنت واحتفرت كل قَبيلَة بِئْرا واحتفرت سجلة وَأما خم فَهِيَ بِئْر مرّة وَهِي من خممت الْبَيْت إِذا كنسته وَأما غَدِير خم الَّذِي عِنْد الْجحْفَة فَسمى بغيضة عِنْده يُقَال لَهَا خم وَأما زم فبئر بني كلاب بن مرّة وَأما شغبة فبئر بني أَسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَأما سنبلة فبئر بني جمح وَهِي بِئْر بني خلف بن وهب بن جمح وَأما الْغمر فبئر بني سهم قلت الْبِئْر الَّتِي يُقَال لَهَا العجول فِي دَار أم هانىء قد حفرت بعد أَن دفنت واستمرت إِلَى أَن دَفنهَا المستنجد العباسي لما وسع الْمَسْجِد الْحَرَام وادخل دَامَ أم هانىء فِيهِ واحتفر عوضهَا الْبِئْر الَّتِي عِنْد بَاب الْحَزْوَرَة على يسَار الْخَارِج من الْمَسْجِد الْمَعْرُوفَة فِي زَمَاننَا بالشرشورة يغسل فِيهَا الْمَوْتَى غَالِبا انْتهى والْحَدِيث شجون يجر الْفَنّ مِنْهُ إِلَى فنون ولنرجع إِلَى مَا كُنَّا ونتم مَا عَنهُ أبنا من ذكر عبد الْمطلب فنوقل وَلم اقدم أَبْرَهَة ملك الْيمن من قبل النَّجَاشِيّ لهدم بَيت الله الْحَرَام وَذَلِكَ أَنه بنى كَنِيسَة وَأَرَادَ صرف الْحَاج إِلَيْهَا فَأصْبح ذَات يَوْم وَإِذا هُوَ بالكنيسة قد تبرز فِيهَا رجل من كنَانَة فَحلف ليهدمن بَيت عز الْعَرَب وَهُوَ الْكَعْبَة فَسَار بِجَيْش كالليل يسير كالسيل وَبلغ عبد الْمطلب ذَلِك فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِنَّه لَا يصل إِلَى هدم الْبَيْت لِأَن للبيت رَبًّا يحميه ثمَّ جَاءَ مقدم خيل لأبرهة فاستاق إبِلا لقريش فِيهَا أَرْبَعمِائَة نَاقَة لعبد الْمطلب فَركب عبد الْمطلب فِي قُرَيْش حَتَّى طلع جبل ثبير فاستنارت دَائِرَة غرَّة رَسُول الله على جَبينه كالهلال فانتشر شعاعها على الْبَيْت الْحَرَام مثل ضوء السراج فَلَمَّا نظر عبد الْمطلب إِلَى ذَلِك قَالَ يَا معشر قُرَيْش ارْجعُوا قد كفيتم هَذَا الْأَمر فوَاللَّه مَا اسْتَدَارَ هَذَا النُّور مني إِلَّا أَن يكون الظفر لنا فَرَجَعُوا مُتَفَرّقين ثمَّ قصد عبد الْمطلب إِلَى خباء أَبْرَهَة فَإِذا هُوَ على سَرِير الذَّهَب فَلَمَّا وَقع نظر أَبْرَهَة على عبد الْمطلب اكبره إِن يقْعد تَحْتَهُ وَلم يرض أَن يقْعد مَعَه على السرير فَنزل على الأَرْض وأعظمه وأجله وَسَأَلَهُ مَا الَّذِي أَتَى بك فَقَالَ إبل لي استاقها بعض جيشك فَقَالَ أَبْرَهَة للترجمان قل لَهُ لقد عظمت أَولا فِي عَيْني فَلَمَّا تَكَلَّمت انحطت رتبتك عِنْدِي قَالَ عبد الْمطلب وَلم ذَاك قَالَ لِأَنَّك قد علمت أَنِّي إِنَّمَا أتيت لهدم هَذَا الْبَيْت وَهُوَ عزك وَعز آبَائِك فَلم يكن لَك هم إِلَّا الْإِبِل وردهَا عَلَيْك فَقَالَ عبد الْمطلب أَنا رب الْإِبِل وللبيت رب يحميه فشأنك وإياه ثمَّ أَمر بردهَا عَلَيْهِ وروى أَنه لما احضر عبد الْمطلب إِلَى أَبْرَهَة أَمر سائس فيله الْأَبْيَض الْعَظِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 الَّذِي كَانَ لَا يسْجد لأبرهة كَمَا تسْجد الفيلة أَن يحضر بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا نظر الْفِيل إِلَى وَجه عبد الْمطلب برك كَمَا يبرك الْبَعِير وخر سَاجِدا وأنطقه الله فَقَالَ السَّلَام على النُّور الَّذِي فِي ظهرك يَا عبد الْمطلب كَذَا رَوَاهُ فِي المنظوم وَالْمَفْهُوم ثمَّ قَامَ عبد الْمطلب حَتَّى أَتَى الْبَيْت وَأخذ بحلقتي الْبَاب وَقَالَ // (من مجزوء الْكَامِل) // (لاهم إِن الْمَرْء يمْنَع ... رَحْله فامنع حلالك) (لَا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم أبدا محالك) (وانصر على ال الصَّلِيب ... وعابديه الْيَوْم آلك) (إِن كنت تاركهم وكعبتنا ... فأمرٌ مَا بدا لَك) وَلما وصل الْجَيْش وَمَعَهُمْ الْفِيل وَكَانَ فيلاً عَظِيما لم ير مثله عظما اسْمه مَحْمُود فَلَمَّا كَانَ بالمغمس برك فضربوه فِي بِرَأْسِهِ بالمعاول ضربا شَدِيدا فابى فوجوه إِلَى جِهَة الْيمن فَقَامَ مسرعاً ثمَّ أرسل الله عَلَيْهِم طيراً أبابيل من الْبَحْر مَعَ كل طَائِر ثَلَاثَة أَحْجَار كل حجر زنة طسوج حجر فِي منقاره وحجران فِي رجلَيْهِ كأمثال العدس هَيْئَة تصيب الْفَارِس فِي قنة رَأسه فتقطع أمعاءه وَتخرج من دبره فَخَرجُوا هاربين يتساقطون بِكُل طَرِيق فَكَانَ لحجر يغوص فِي الأَرْض من شدَّة وَمَعَهُ وَأُصِيب أَبْرَهَة بداء فِي جِسْمه فتساقطت أنامله انملة انملة واسل مِنْهُ الصديد والقبح وَالدَّم وَمَا مَاتَ حَتَّى اندع قلبه وَإِلَى هَذَا أَشَارَ سُبْحَانَهُ بقوله {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيلِ} السُّورَة الْفِيل 1 ثمَّ قَامَ عبد الْمطلب منشداً لما بدد الله شملهم وهدهم وَخيَّب أمالهم وصدهم // (من الرمل) // (أيّها الدّاعي الّذي أسمعتني ... ثمّ مَا بِي عَن نداكم من صمم) (إنّ للبيت لربّاً مَانِعا ... من يردهُ بأثامٍ مصطلم) (رامه تبّع فِيمَا حشدت ... حِمير والحيّ من آل قدم) (فانثنى عَنهُ وَفِي أوداجه ... خارجٌ أمسك عَنهُ بالكظم) (قلت والأشرم ترمي خيله ... إنّ ذَا الأشرم غرٌّ بِالْحرم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 (نَحن آل الله فِيمَا قد مضى ... لم يزل ذَاك على عهد ابرهم) (نَحن دمّرنا ثموداً عنْوَة ... ثمّ عاداً قبلهَا ذَات الإرم) (نعْبد الله وَفينَا سنّةٌ ... صلَة الْقُرْبَى وإيفاء الذّمم) (لم تزل لله فِينَا حجّةٌ ... يدْفع الله بهَا عنّا النّقم) وَقَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت فِي ذَلِك // (من الْخَفِيف) // (إنّ آيَات رَبنَا بَيِّنَات ... لَا يمارى بهم إلاّ كفور) (حبس الْفِيل بالمغمّس حتّى ... ظلّ يحبو كأنّه معقور) وَفِي تَارِيخ الْخَمِيس أَن الْحجر كَانَ أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة عَن ابْن عَبَّاس أَنه رأى مِنْهَا عِنْد أم هَانِيء خَرَزَات مخططةً كالجذع الظفاري فَخَرجُوا هاربين يبتدرون الطَّرِيق الَّتِي جَاءُوا مِنْهَا يسْأَلُون عَن نفَيْل بن حبيب ليدلهم على الطَّرِيق فَقَالَ نفَيْل حِين رأى مَا أنزل الله تَعَالَى بهم من نقمة // (من الرجز) // (أَيْن المفرّ والإله الطّالب ... والأشرم المغلوب لَيْسَ الْغَالِب) وَقَالَ أَيْضا // (من الوافر) // (أَلا حيّيت عنّا يَا ردينا ... نعمناكم مَعَ الإصباح عينا) (ردينة لَو رَأَيْت وَلَا تريه ... لنا جنب المحصّب مَا رَأينَا) (إِذن لعذرتني وحمدتّ أَمْرِي ... وَلم تأسى على مَا قلت مينا) (حمدت الله إِذْ أَبْصرت طيراً ... وَخفت حِجَارَة تلقى علينا) (وكلّ الْقَوْم يسْأَل عَن نفيلٍ ... كأنّ عليّ للحبشان دينا) قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ ثمَّ إِن عبد الْمطلب بعث ابْنه عبد الله على فرس ينظر إِلَى الْقَوْم فَرجع يرْكض وَيَقُول هلك الْقَوْم فَخرج عبد الْمطلب وَأَصْحَابه وغنموا أَمْوَالهم انْتهى وَفِي الْكَشَّاف ودوي أَبْرَهَة أَي مرض فتساقطت أنامله وآرابه عضوا عضوا حَتَّى قدمُوا بِهِ صنعاء وَهُوَ مثل فرخ الطَّائِر فَمَا مَاتَ حَتَّى انصدع صَدره عَن قلبه فَهَلَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَعَن عِكْرِمَة أَصَابَته جدرية وَهُوَ أول جدري ظهر فِي الأَرْض قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يَعْقُوب بن عقبَة أَنه حَدثهُ أَنه أول مَا رئيت الحصبة والجدري بِأَرْض الْعَرَب ذَلِك الْعَام قَالَ مقَاتل إِن السَّبَب الَّذِي جر أَصْحَاب الْفِيل أَن فتية من قُرَيْش خَرجُوا تجارًا إِلَى أَرض النَّجَاشِيّ فدنوا من سَاحل الْبَحْر وثمة بيعَة لِلنَّصَارَى تسميها قُرَيْش الهيكل فنزلوا فأججوا نَارا فاشتووا فَلَمَّا ارتحلوا تركُوا النَّار كَمَا هِيَ فِي يَوْم عاصف فهاجت الرّيح فاضطرم الهيكل نَارا فَانْطَلق الصَّرِيخ إِلَى النَّجَاشِيّ فأسف غَضبا لِلْبيعَةِ فَبعث أَبْرَهَة لهدم الْكَعْبَة وَقَالَ فِيهِ يَعْنِي مقَاتل إِنَّه كَانَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ أَبُو مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَكَانَ مكفوف الْبَصَر يصيف بِالطَّائِف ويشتو بِمَكَّة وَكَانَ رجلا نبيها نبيلاً تستقيم الْأُمُور بِرَأْيهِ وَكَانَ خَلِيلًا لعبد الْمطلب فَقَالَ لَهُ عبد الْمطلب مَاذَا عنْدك هَذَا الْيَوْم لَا نستغني عَن رَأْيك فَقَالَ أَبُو مَسْعُود لعبد الْمطلب اعهد إِلَى مائَة من الْإِبِل فاجعلها لله وقلدها نعلا ثمَّ بثها فلي الْحرم لَعَلَّ بعض هَذِه السود أَن يعقر مِنْهَا فيغضب رب هَذَا الْبَيْت فيأخذهم فَفعل ذَلِك عبد الْمطلب فعهد الْقَوْم إِلَى تِلْكَ الْإِبِل فحملوا عَلَيْهَا وعقروا بَعْضهَا وَجعل عبد الْمطلب يدعوا فَقَالَ أَبُو مَسْعُود إِن لهَذَا الْبَيْت رَبًّا يمنعهُ وَقد نزل تبع الْيمن صحن هَذَا الْبَيْت وَأَرَادَ هَدمه فَمَنعه الله وابتلاه وأظلم عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا رأى تبع ذَلِك رَجَعَ عَن نِيَّته وكساه الْقبَاطِي الْبيض وعظمه وَنحر لَهُ الجزائر فَانْظُر كَيفَ جِهَته فَنظر عبد الْمطلب فَقَالَ أرى طيراً بيضًا نشأت من شاطي الْبَحْر فَقَالَ أَبُو مَسْعُود ارمقها ببصرك أَيْن قَرَارهَا قَالَ أَرَاهَا تَدور على رءوسنا قَالَ هَل تعرفها قَالَ عبد الْمطلب لَا وَالله مَا أعرفهَا فَمَا هِيَ بنجدية وَلَا تهامية وَلَا غربية وَلَا شامية قَالَ مَا قدرهاه قَالَ أشباه اليعاسيب فِي مناقيرها حَصى كَأَنَّهَا حَصى الْخذف قد أَقبلت كالليل يكسع بَعْضهَا بَعْضًا أَمَام كل فرقة طير يَقُودهَا أَحْمَر المنقار أسود الرَّأْس طَوِيل الْعُنُق فَجَاءَت حَتَّى إِذا حاذت معسكر الْقَوْم كرت فَوق رؤوسهم فَلَمَّا توافت الرِّجَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 كلهَا أهالت مَا فِي مناقيرها وأرجلها على من تحتهَا على كل حجر مَكْتُوب اسْم صَاحبه ثمَّ إِنَّهَا انصاعت رَاجِعَة من حَيْثُ جَاءَت فَلَمَّا اصبحا انحطا من ذرْوَة الْجَبَل فمشيا رتوة فَلم يؤنسا أحدا ثمَّ دنوا رتوة فَلم يسْمعهَا حسا فَقَالَا بَات الْقَوْم ساهرين فَأَصْبحُوا نياماً فَلَمَّا دنوا من عَسْكَر الْقَوْم فَإِذا هُوَ خامدون فَعمد عبد الْمطلب فَأخذ فأساً من فئوسهم فحفر حَتَّى أعمق فِي الأَرْض فملأه من الذَّهَب الْأَحْمَر والجوهر وحفر لصَاحبه فملأه ثمَّ قَالَ لَهُ أَبُو مَسْعُود اختر لي على نَفسك فَقَالَ عبد الْمطلب إِنِّي لم آل أجعَل أَجود الْمَتَاع إِلَّا فِي حفرتي فَهُوَ لَك وَجلسَ كل مِنْهُمَا على حفرته ونادى عبد الْمطلب فِي النَّاس فتراجعوا وَأَصَابُوا من فضلهما حَتَّى ضاقوا بِهِ ذرعاً وساد عبد الْمطلب بذلك وَبِغَيْرِهِ قُريْشًا وأعطته المقادة فَلم يزل عبد الْمطلب وَأَبُو مَسْعُود فِي أهليهما فِي غنى من ذَلِك المَال وَدفع الله عَن كعبته وَفِي الْكَشَّاف أَن أهل مَكَّة احتووا على أَمْوَالهم وَإِلَى هَذِه الْقِصَّة اشار بقوله إِن الله حبس عَن أهل مَكَّة الْفِيل وسلط الله عَلَيْهِم رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ قيل كَانَ أَبْرَهَة هَذَا جد النَّجَاشِيّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنه وَمَات وَصلى عَلَيْهِ وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت رَأَيْت قَائِد الْفِيل وسائسه أعميين بِمَكَّة مقعدين يستطعمان وروى أَن الله أرسل سيلاً فَذهب بهم موتى إِلَى الْبَحْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فَلَمَّا هلك أَبْرَهَة ومزق الْحَبَشَة كل ممزق أقفر مَا حول هَذِه الْكَنِيسَة وَكَثُرت السبَاع حولهَا والحيات فَلَا يَسْتَطِيع أحد أَن يَأْخُذ مِمَّا فِيهَا شَيْئا إِلَى زمن السفاح أبي الْعَبَّاس فَذكرُوا لَهُ أمرهَا فَبعث إِلَيْهَا أَبَا الْعَبَّاس بن الرّبيع عَامله على الْيمن وَمَعَهُ أهل الحزم والجلادة فخربوها وحصلوا مِنْهَا مَالا كثيرا ثمَّ بعد ذَلِك عفى رسمها وَانْقطع خَبَرهَا كَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان وَقَالَ فِي سيرة ابْن هِشَام فَلَمَّا هلك أَبْرَهَة ملك الْحَبَشَة ملك بعده ابْنه يكسوم بن أَبْرَهَة ثمَّ ملك الْيمن من الْحَبَشَة أَخُوهُ مَسْرُوق بن أَبْرَهَة فَلَمَّا طَال الْبلَاء على أهل الْيمن خرج سيف بن ذِي يزن الْحِمْيَرِي حَتَّى قدم على قَيْصر ملك الرّوم فَشَكا إِلَيْهِ مَا هم فِيهِ وَسَأَلَهُ أَن يُخرجهُ عَنْهُم ويليهم هُوَ وَيبْعَث إِلَيْهِم من شَاءَ من الرّوم فَلم يشكه فَخرج حَتَّى أَتَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَهُوَ عَامل كسْرَى على الْحيرَة وَمَا يَليهَا من أَرض الْعرَاق فَشَكا إِلَيْهِ أَمر الْحَبَشَة فَبَعثه النُّعْمَان مَعَ وفده إِلَى كسْرَى فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ أَيهَا الْملك غلبنا على بِلَاد الأغربة قَالَ كسْرَى أَي الأغربة الْحَبَشَة أم السَّنَد قَالَ الْحَبَشَة فجئتك لتنصرني وَيكون ملك بلادي لَك قَالَ كسْرَى بَعدت بلادك مَعَ قلَّة خَيرهَا فَلم أكن لأورط جَيْشًا من فَارس بِأَرْض الْعَرَب لَا حَاجَة لي بذلك ثمَّ أجَازه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وكساه كسْوَة حَسَنَة فَلَمَّا قبض ذَلِك سيف خرج فَجعل ينثر ذَلِك الْوَرق للنَّاس فَقَالَ وَمَا أصنع بِهَذَا مَا جبال أرضي الَّتِي جِئْت مِنْهَا إِلَّا ذهب وَفِضة يرغبه فِيهَا فَجمع مرازبته فَقَالَ مَا ترَوْنَ فِي أَمر هَذَا الرجل فَقَالَ قَائِل أَيهَا الْملك إِن فِي سجونك رجَالًا قد حبستهم للْقَتْل فَلَو أَنَّك بعثتهم مَعَه فَإِن هَلَكُوا كَانَ ذَلِك الَّذِي أردْت بهم وَإِن ظفروا كَانَ ملكا ازددته فَبعث مَعَه كسْرَى من كَانَ فِي سجونه وَكَانُوا ثَمَانمِائَة رجل وَاسْتعْمل عَلَيْهِم وهرز وَكَانَ ذَا سنّ فيهم وأفضلهم حسباً وبيتاً فَخرج سيف فِي ثَمَان سفائن فغرقت سفينتان وَوصل إِلَى سَاحل عدن سِتّ سفائن فَجمع سيف إِلَى وهرز من اسْتَطَاعَ من قومه وَقَالَ لَهُ رجْلي ورجلك حَتَّى نموت جَمِيعًا أَو نظفر قَالَ وهرز أنصفت وَخرج إِلَيْهِ مَسْرُوق بن أَبْرَهَة ملك الْيمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَجمع إِلَيْهِ جنده فَأرْسل إِلَيْهِ وهرز ابْنا لَهُ ليقاتلهم فَقتل ابْن وهرز فزاده ذَلِك حنقاً عَلَيْهِم فَلَمَّا تواقف النَّاس على مَصَافهمْ قَالَ وهرز أروني ملكهم فَقَالُوا لَهُ أَتَرَى رجلا على الْفِيل عاقداً تاجه على رَأسه بَين عَيْنَيْهِ ياقوتة حَمْرَاء قَالَ نعم قَالُوا ذَلِك ملكهم قَالَ اتركوه فَوقف طَويلا ثمَّ قَالَ علام هُوَ قَالَ على البغلة قَالَ وهرز بئست الْحمالَة ذل وذل ملكه إِنِّي سأرميه فَإِن رَأَيْتُمْ أَصْحَابه لم يتحركوا فاثبتوا حَتَّى أوذنكم فَإِنِّي قد أَخْطَأت الرجل وَإِن رَأَيْتُمْ الْقَوْم قد استداروا ولاذوا بِهِ فَإِنِّي قد أصبته فاحملوا عَلَيْهِم فَأمر بحاجبيه فعصبا لَهُ ثمَّ رَمَاه فَشك الياقوتة الَّتِي بَين عَيْنَيْهِ فتغلغلت النشابة فِي رَأسه حَتَّى خرجت من قَفاهُ ونكس عَن دَابَّته فاستدارت الْحَبَشَة ولاذت بِهِ وحملت عَلَيْهِم الْفرس فَانْهَزَمُوا وَقتلُوا وهربوا فِي كل وَجه وَاقْبَلْ وهرز ليدْخل صنعاة حَتَّى إِذا أَتَى بَابهَا قَالَ لَا تدخل رايتي منكسة أبدا اهدموا الْبَاب فهدم ثمَّ دَخلهَا ناصباً رايته قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأَقَامَ وهرز وَالْفرس بِالْيمن فَمن بَقِيَّة ذَلِك الْجَيْش من الْفرس الْأَبْنَاء الَّذين من الْيمن الْيَوْم قَالَ ابْن هِشَام طَاوس الْيَمَانِيّ من هَؤُلَاءِ الْأَبْنَاء ثمَّ مَاتَ وهرز فَأمر ابْنه الْمَرْزُبَان على الْيمن ثمَّ عزل وَأمر باذان فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى بعث النَّبِي قَالَ وَكَانَ ملك الْحَبَشَة لليمن قبل ذَلِك أرياط ثمَّ أَبْرَهَة ثمَّ يكسوم ثمَّ مَسْرُوق الَّذِي قَتله وهرز قَالَ وَسبب ملك الْحَبَشَة لليمن أَن أهل نَجْرَان كَانُوا أهل شرك يعْبدُونَ الْأَصْنَام وَكَانَ فِي قَرْيَة من قراها قريبَة من نَجْرَان ونجران الْقرْيَة الْعُظْمَى الَّتِي إِلَيْهَا جماع تِلْكَ الْبِلَاد سَاحر يعلم غلْمَان أهل نَجْرَان السحر فَلَمَّا نزلها مَيْمُون الراهب ابتنى خيمة بَين نَجْرَان وَبَين تِلْكَ الْقرْيَة الَّتِي بهَا السَّاحر فَجعل أهل نَجْرَان يرسلون غلمانهم إِلَى ذَلِك السَّاحر يعلمهُمْ السحر فَبعث إِلَيْهِ الثَّامِر ابْنه عبد الله بن الثَّامِر مَعَ غلْمَان أهل نَجْرَان فَكَانَ عبد الله إِذا مر بِصَاحِب الْخَيْمَة أعجبه مَا يرى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 صلَاته وعبادته فَجعل يجلس إِلَيْهِ وَيسمع مِنْهُ حَتَّى أسلم ووحد الله وَعَبده وَجعل يسْأَله عَن شرائع الْإِسْلَام حَتَّى إِذا فقه فِيهِ جعل يسْأَله عَن الِاسْم الْأَعْظَم وَكَانَ يعمله فكتمه إِيَّاه وَقَالَ يَا بن أخي إِنَّك إِن تحمله أخْشَى ضعفك عَنهُ والثامر أَبُو عبد الله لَا يظنّ إِلَّا أَن ابْنه يخْتَلف إِلَى السَّاحر كَمَا يخْتَلف إِلَيْهِ الغلمان فَلَمَّا رأى عبد الله أَن مَيْمُون قد ضن بِالِاسْمِ الْأَعْظَم عَلَيْهِ وتخوف ضعفه عَنهُ عمد إِلَى قداحه فجمعها ثمَّ لم يبْق لله اسْما يُعلمهُ إِلَّا كتبه حَتَّى كتبهَا فِي القداح لكل اسْم قدح حَتَّى إِذا أحصاها أوقد لَهَا نَارا ثمَّ جعل يقذفها فِيهَا قدحاً قدحاً حَتَّى إِذا مر بِالِاسْمِ الْأَعْظَم قذف فِيهَا بقدحه فَوَثَبَ الْقدح من النَّار حَتَّى خرج مِنْهَا لم تضره النَّار شَيْئا فَأَخذه ثمَّ أَتَى بِهِ صَاحبه فَأخْبرهُ أَنه قد علم الِاسْم الْأَعْظَم الَّذِي كتمه عَنهُ فَقَالَ مَا هُوَ قَالَ لَهُ هُوَ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَكَيف عَلمته فَأخْبرهُ بِمَا صنع فَقَالَ أَي ابْن أخي قد أصبته فَأمْسك على نَفسك وَمَا أَظن أَن تفعل فَجعل عبد الله بن الثَّامِر إِذا دخل نَجْرَان لم يلق أحدا بِهِ ضراء إِلَّا قَالَ يَا عبد الله أتوحد الله وَتدْخل فِي ديني وأدعو الله فيعافيك مِمَّا أَنْت فِيهِ من الْبلَاء فَيَقُول نعم فيوحد الله وَيسلم وَيَدْعُو لَهُ فيشفى حَتَّى لم يبْق بِنَجْرَان أحد بِهِ ضراء إِلَّا أَتَاهُ فَاتبعهُ على أمره فَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ فَرفع أمره إِلَى ملك نَجْرَان فَقَالَ لَهُ أفسدت عَليّ أهل مدينتي وخالفت ديني وَدين آبَائِي لَأُمَثِّلَن بك فَقَالَ عبد الله لَا تقدر على ذَلِك فَجعل يُرْسل بِهِ إِلَى الْجَبَل الطَّوِيل فيطرح من رَأسه فَيَقَع على الأَرْض لَيْسَ بِهِ بَأْس وَجعل يبْعَث بِهِ إِلَى مياه نَجْرَان بحور لَا يَقع فِيهَا شَيْء إِلَّا هلك فَيلقى فِيهَا فَيخرج لَيْسَ بِهِ بَأْس فَلَمَّا غَلبه ذَلِك قَالَ لَهُ عبد الله بن الثَّامِر إِنَّك لَا تقدر على قَتْلِي حَتَّى توَحد الله فتؤمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 بِمَا آمَنت بِهِ فَإِن فعلت ذَلِك اسْتَطَعْت ذَلِك فسلطت عَليّ فتقتلني قَالَ فَوحد الله ذَلِك الْملك وَشهد شَهَادَة عبد الله بن الثَّامِر ثمَّ ضربه بعصا فِي يَده فَشَجَّهُ شجة غير كَبِيرَة فَقتله وَهلك الْملك مَكَانَهُ وَاسْتَجْمَعَ أهل نَجْرَان على دين عبد الله بن الثَّامِر وَكَانَ على مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْإِنْجِيل وَحكمه ثمَّ أَصَابَهُم مَا أصَاب أهل دينهم من الْأَحْدَاث فَمن هُنَاكَ كَانَ أصل النَّصْرَانِيَّة بِنَجْرَان هَذَا حَدِيث مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ بِرِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَنهُ والهل أعلم وَقَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي بعض أهل نَجْرَان عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم أَنه حدث أَن رجلا من أهل نَجْرَان فِي زمَان عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حفر خربة من خرائب نَجْرَان ليقضي حَاجته فَوجدَ عبد الله بن الثَّامِر تَحت دفن مِنْهَا قَاعِدا وَاضِعا يَده على ضَرْبَة فِي رَأسه ممسكاً عَلَيْهَا بِيَدِهِ فَإِذا تَأَخَّرت يَدَاهُ عَنْهَا انْبَعَثَ دَمًا وَإِذا أرْسلت يَدَاهُ ردهما عَلَيْهِ فَأمْسك دَمه وَفِي يَده خَاتم مَكْتُوب فِيهِ رَبِّي الله فَكتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ يُخبرهُ فَكتب إِلَيْهِم عمر أَن أَقروهُ على حَاله وردوا عَلَيْهِ الدّفن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا وَفِي أنوار التَّنْزِيل روى أَن ملكا كَانَ لَهُ سَاحر فضم إِلَيْهِ غُلَاما ليعلمه السحر وَكَانَ فِي طَرِيق الْغُلَام رَاهِب فَسمع الْغُلَام من الراهب وَمَال قلبه إِلَيْهِ فَرَأى الْغُلَام ذَات يَوْم فِي طَرِيقه حَيَّة قد حبست النَّاس فَأخذ حجرا وَقَالَ اللَّهُمَّ إِن كَانَ الراهب أحب إِلَيْك من السَّاحر فَاقْتُلْهَا فَقَتلهَا بِالْحجرِ فَكَانَ الْغُلَام بعد ذَلِك يُبرئ الأكمه والأبرص ويشفى من الْبلَاء وعمى جليس الْملك فَأَبْرَأهُ فَسَأَلَهُ الْملك عَمَّن أَبرَأَهُ فَقَالَ رَبِّي فَغَضب فَعَذَّبَهُ فَدلَّ الْغُلَام على الراهب فَلم يرجع الراهب عَن دينه فقد بِالْمِنْشَارِ وأبى الْغُلَام الرُّجُوع عَن دينه فَأرْسل بِهِ إِلَى جبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ليطرحه من ذروته فَرَجَفَ بالقوم فهلكوا وَنَجَا فأجلسه فِي سفينة ليغرق وَقَالَ فِي الْمدْرك فَذهب بِهِ إِلَى قُرْقُور فَلَججُوا بِهِ ليغرقوه فَدَعَا فَانْكَفَأت السَّفِينَة بِمن مَعَه فَغَرقُوا وَنَجَا فَقَالَ الْملك لست بِقَاتِلِي حَتَّى تجمع النَّاس فِي صَعِيد وَتَصْلُبنِي على جذع نَخْلَة وَتَأْخُذ سَهْما من كِنَانَتِي وَتقول باسم رب الْغُلَام ثمَّ ترميني بِهِ فَرَمَاهُ فَوَقع السهْم فِي صُدْغه فَأمْسك بِيَدِهِ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاس آمنا بِرَبّ الْغُلَام فَقيل للْملك نزل بك مَا كنت تحذر فَأمر بِأَخَادِيدَ أوقدت فِيهَا النيرَان فَمن لم يرجع مِنْهُم عَن دينه طَرحه فِيهَا حَتَّى جَاءَت امْرَأَة مَعهَا صبي رَضِيع فَتَقَاعَسَتْ فَقَالَ الصَّبِي يَا أُمَّاهُ قفي وَلَا تقاعسي فَإنَّك على الْحق فَألْقى الصَّبِي وَأمه فِي النَّار وَفِي سيرة ابْن هِشَام لما تنصر أهل نَجْرَان سَار إِلَيْهِم ذُو نواس الْيَهُودِيّ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْيَهُودِيَّة وَخَيرهمْ بَين ذَلِك أَو الْقَتْل فَاخْتَارُوا الْقَتْل فخدد لَهُم الْأُخْدُود فَحرق بالنَّار وَقتل بِالسَّيْفِ وَمثل بهم حَتَّى قتل مِنْهُم قَرِيبا من عشْرين ألفا فَفِي ذِي نواس وَجُنُوده أنزل الله تبَارك وَتَعَالَى قَوْله {قتل أَصْحَاب الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} الْآيَات البروج 4 - 6 قلت سَمِعت من إملاء شَيخنَا الْعَلامَة الَّذِي لم يحْتَج لبَيَان فَضله إِلَى عَلامَة مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلي نظما عزاهُ للعلامة السُّيُوطِيّ فِي عد من تكلم فِي المهد فَبلغ بهم عشرَة أنفس هُوَ قَوْله // (من الطَّوِيل) // (تكلّم فِي المهد النّبي محمّدٌ ... وَيحيى وَعِيسَى والخليل المكرّم) (ومبري جريج ثمّ شَاهد يوسفٍ ... وطفلٌ لَدَى الأُخدود يرويهِ مُسلم) (وطفلٌ عَلَيْهِ مرّ بالأمة الّتي ... يُقَال لَهَا تَزني وَلَا تتكلّم) (وماشطةٌ فِي عهد فِرْعَوْن طفلها ... وَفِي زمن الْهَادِي الْمُبَارك يخْتم) وَبَعْضهمْ زَاد مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام وَلم يثبت وَقَوله الْمُبَارك يُرِيد الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور وَالِد عبد الله بن الْمُبَارك التَّابِعِيّ الْمَشْهُور انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 قَالَ ابْن إِسْحَاق وأفلت مِنْهُم بعد وُقُوع التحريق رجل يُقَال لَهُ ذُو ثعلبان على فرس لَهُ فسلك الرميل فَأَعْجَزَهُمْ فَمضى على وَجهه حَتَّى أَتَى قَيْصر فاستنصره على ذِي نواس المحرق لَهُم صَاحب الْأُخْدُود وَجُنُوده وَأخْبرهُ بِمَا بلغ مِنْهُم فَقَالَ لَهُ بَعدت بلادك وَلَكِنِّي أكتب لَك إِلَى ملك الْحَبَشَة فَإِنَّهُ على هَذَا الدّين يَعْنِي النَّصْرَانِيَّة وَهُوَ أقرب إِلَى بلادك فَكتب إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بنصره والطلب بثأر قومه فَقدم ذُو ثعلبان على النَّجَاشِيّ بكاتب قَيْصر فَبعث مَعَه سبعين ألفا من الْحَبَشَة وَأمر عَلَيْهِم رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ أرياط وَمَعَهُ فِي جنده أَبْرَهَة الأشرم فَركب أرياط الْبَحْر حَتَّى نزل بساحل الْيمن وَمَعَهُ ذُو ثعلبان وَسَار ذُو نواس الْحِمْيَرِي فِي حمير وَمن أطاعه من قبائل الْيمن فَلَمَّا الْتَقَوْا انهزم ذُو نواس وَأَصْحَابه فَلَمَّا رأى ذُو نواس وَأَصْحَابه مَا نزل بِهِ وبقومه وَجه فرسه فِي الْبَحْر ثمَّ ضربه فَدخل وخاض بِهِ ضحضاح الْبَحْر حَتَّى أفْضى بِهِ إِلَى غمرة فَأدْخلهُ فِيهَا فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ وَدخل أرياط الْيمن فملكها وَأقَام سِنِين فِي سُلْطَانه ذَلِك ثمَّ نازعه فِي أَمر الْحَبَشَة بِالْيمن أَبْرَهَة الحبشي الَّذِي كَانَ من جملَة جَيْشه فتفرقت الْحَبَشَة بَينهمَا فانحاز إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا طَائِفَة مِنْهُم ثمَّ سَار أَحدهمَا على الآخر فَلَمَّا تقاربت النَّاس أرسل أَبْرَهَة إِلَى أرياط إِنَّك لَا تصنع إِلَّا أَن تلقى الْحَبَشَة بَعْضهَا بِبَعْض حَتَّى تفنيها شَيْئا بعد شَيْء فابرز إِلَيّ وأبرز إِلَيْك فأينا أصَاب صَاحبه انْصَرف إِلَيْهِ جنده فَأرْسل إِلَيْهِ أرياط يَقُول أنصفت فَخرج إِلَيْهِ أَبْرَهَة وَكَانَ رجلا حكيماً قَصِيرا وَكَانَ على دين النَّصْرَانِيَّة وَخرج إِلَيْهِ أرياط وَكَانَ رجلا جميلاً طَويلا وَفِي يَده حَرْبَة لَهُ وَخلف أَبْرَهَة غُلَام لَهُ يُقَال لَهُ عيودة يمْنَع ظَهره فَرفع أرياط الحربة فَضرب بهَا أَبْرَهَة يُرِيد يَافُوخه فَوَقَعت على جبهة أَبْرَهَة فشرمت حَاجِبه وَأَنْفه وعينه وشفته فَلذَلِك سمى أَبْرَهَة الأشرم وَحمل عيودة على أرياط من خلف أَبْرَهَة فَقتله فَانْصَرف جند أرياط إِلَى أَبْرَهَة فاجتمعت عَلَيْهِ الْحَبَشَة بِالْيمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فَلَمَّا بلغ ذَلِك النَّجَاشِيّ غضب غَضبا شَدِيدا وَقَالَ عدا على أَمِيري فَقتله من غير أَمْرِي ثمَّ حلف لَا يدع أَبْرَهَة حَتَّى يطَأ بِلَاده ويجز ناصيته فَلَمَّا بلغ ذَلِك أَبْرَهَة حلق رَأسه وملأ جراباً من تُرَاب الْيمن ثمَّ بَعثه إِلَى النَّجَاشِيّ وَكتب مَعَه أَيهَا الْملك إِنَّمَا كَانَ أرياط عَبدك وَأَنا عَبدك اخْتَلَفْنَا فِي أَمرك وكل طَاعَة لَك إِلَّا أَنِّي كنت أقوى على أَمر الْحَبَشَة وأضبط لَهَا وأسوس مِنْهُ وَقد حلقت رَأْسِي كُله حِين بَلغنِي قسم الْملك وَبعثت إِلَيْك بجراب من تُرَاب أرضي ليضعه تَحت قَدَمَيْهِ فيبر قسمه فِي فَلَمَّا انْتهى ذَلِك إِلَى النَّجَاشِيّ رَضِي عَنهُ وَكتب إِلَيْهِ أَن اثْبتْ بِأَرْض الْيمن حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي فَأَقَامَ أَبْرَهَة بِالْيمن حَتَّى كَانَ ولد وَلَده أَبْرَهَة الَّذِي قصد إِلَى تخريب الْكَعْبَة فَإِن أَبْرَهَة الْمَذْكُور جد أَبْرَهَة الْآتِي لتخريب الْكَعْبَة فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ مِمَّا تقدم ذكره وَلما اسْتَقر سيف بن ذِي يزن الْحِمْيَرِي بِالْيمن بعد أَن دَخلهَا صُحْبَة وهرز الَّذِي أنفذه مَعَه كسْرَى وَقتل ابرهة الْمَذْكُور أَنه جد أَبْرَهَة الْآتِي لتخريب الْكَعْبَة وَاسْتقر فِي تخت ملكه وَنزل بقصر غمدان فِي صنعاء الْيمن اتته وُفُود الْعَرَب كل صوب للتهنئة فَكَانَ من أعظمهم عبد الْمطلب فِي جمَاعَة من وُجُوه قومه وَكَانَ خُرُوج عبد الْمطلب وَمن صَحبه إِلَى سيف ذِي يزن فِي السّنة السَّادِسَة من مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَه ابْن الْأَثِير فِي نهايته فبشره بِظُهُور رَسُول الله من نَسْله وَذكر الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم فِي أَخْبَار الْأُمَم الْعَرَب والعجم حَدِيث قدوم سيف بني ذِي يزن الْحِمْيَرِي فَقل لما ظهر جد سيف على الْحَبَشَة وَذَلِكَ بعد مولد النَّبِي بسنين أَتَتْهُ وُفُود الْعَرَب ووجوهها وأشرافها وشعراؤها للتهنئة ثمَّ أَتَتْهُ وُفُود قُرَيْش فيهم عبد الْمطلب بن هَاشم وَأُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف وقصي بن عبد الدَّار بن قصي وَسيف فِي صنعاء فِي رَأس قصر لَهُ يُقَال لَهُ غمدان وغمدان هُوَ الْقَائِل فِيهِ أُميَّة بن أبي الصَّلْت الثَّقَفِيّ يمدح سيف بن ذِي يزن الْمَذْكُور قَوْله // (من الْبَسِيط) // (لَا يطْلب الثّأر إلاّ كَابْن ذِي يزنٍ ... تيمّم الْبَحْر للأعداء أحوالا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 (أَتَى هرقلاً وَقد ساءت إجَابَته ... فَلم يجد عِنْده النّصر الَّذِي سالا) (ثمّ انثنى عِنْد كسْرَى بعد تاسعةً ... من السّنين يهين النّفس والمالا) (حتّى أَتَى ببني الْأَحْرَار يحملهم ... تخالهم فَوق متن الأَرْض أجبالا) (لله درّهم من فتيةٍ صبرٍ ... مَا إِن رَأَيْت لَهُم فِي النَّاس امثالا) (ارست اسداً على سود الْكلاب فقد ... أضحى شديدهم فِي الْبَأْس فلاّلا) (فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفعا ... فِي راس غمدان دَارا مِنْك محلالا) (فَاشْرَبْ هَنِيئًا فقد شالت نغامتهم ... وأسبل الْيَوْم فِي برديك إسبالا) (هذي المكارم لَا قعبان من لبنٍ ... شيبا بماءٍ فعادا بعد أبوالا) (هذي المكارم لَا ثَوْبَان من عدنٍ ... خيطا زَمَانا فعادا بعد أسمالا) أَقُول قَوْله شالت نعامتهم هُوَ كِنَايَة فِي كَلَام الْعَرَب عَن تفرق الْقَوْم وتبددهم وذهابهم قتلا أَو موتا أَو غَيرهمَا وَالْأَصْل فِيهِ اسْتِعْمَاله لتفرقتهم بالارتحال خَاصَّة عَن منهلهم المورود لَهُم فِي محلتهم فَإِذا ارتحلوا يُقَال شالت نعامتهم أَي ارْتَفَعت بكرتهم عَن النعامة وَهِي الْخَشَبَة المعترضة على شَفير الْبِئْر على الزرنوقين وهما المسميان الْيَوْم قَرْني الْبِئْر فَمَا دَامَ الْحَيّ مُجْتَمعين تكون نعامتهم تِلْكَ على منهلهم يستقون بهَا المَاء فَإِذا ارتحلوا رفعوا النعامة فنقلوها إِلَى منهل آخر فَيكون شولها أَي ارتفاعها كِنَايَة عَن رحيلهم ثمَّ توسع فِيهِ بِمَا ذكر وَفِي الْقَامُوس غمدان كعثمان قصر بِالْيمن بِنَاء يشرخ بن الْحَارِث بن صَيْفِي بن سبأ بن كهلان جد بلقيس بأَرْبعَة وُجُوه أَحْمَر وأصفر وأبيض وأخضر وَبنى دَاخله قصراً بسبعة سقوف بَين كل سقفين أَرْبَعُونَ ذِرَاعا انْتهى فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ إِذا هُوَ متضمخ بالعنبر ينطف وبيص الْمسك فِي مفرق رَأسه وَعَلِيهِ رداءان أخضران متزر بِأَحَدِهِمَا مُرْتَد بِالْآخرِ عَن يَمِينه وشماله الْمُلُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَأَبْنَاء الْمُلُوك والأقيال فَأخْبر بمكانهم فَأذن لَهُم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَدَنَا عبد الْمطلب واستأذنه فِي الْكَلَام فَقَالَ لَهُ إِن كنت مِمَّن يتَكَلَّم بَين أَيدي الْمُلُوك فَتكلم فَقَالَ إِن الله عز وَجل أحلك أَيهَا الْملك محلا رفيعاً باذخاً شامخاً منيعاً وأنبتك نباتاً طابت أرومته وعظمت جرثومته وَثَبت أَصله وبسق فَرعه فِي أطيب موطن وَأكْرم مَعْدن وَأَنت أَبيت اللَّعْن ملك الْعَرَب ونابها وربيعها الَّذِي بِهِ تخصب ورئيسها الَّذِي لَهُ تنقاد وعمودها الَّذِي عَلَيْهِ الْعِمَاد ومعقلها الَّذِي يلجأ إِلَيْهِ الْعباد سلفك خير سلف وَأَنت لنا مِنْهُ خير خلف فَلَنْ يهْلك من أَنْت خَلفه وَلنْ يخمد ذكر من سلفك سلفه أقدمنا الَّذِي أفرحنا فَنحْن وَفد التهنئة لَا وَفد الترزئة فَقَالَ لَهُ الْملك من أَنْت أَيهَا الْمُتَكَلّم فَقَالَ أَنا عبد الْمطلب بن هَاشم قَالَ ابْن أُخْتنَا قَالَ نعم قلت قَول سيف ابْن أُخْتنَا يُشِير بِهِ إِلَى أَن عبد الْمطلب أمه سلمى بنت عَمْرو من بني النجار وهم يرجعُونَ إِلَى حمير ثمَّ أقبل عَلَيْهِ وعَلى الْقَوْم فَقَالَ مرْحَبًا وَأهلا وناقة ورحلاً فأرسلها مثلا وَكَانَ أول من تكلم بهَا ومناخاً سهلاً وملكاً ربحلاً يعْطى عَطاء جزلاً قد سمع الْملك مَقَالَتَكُمْ وَعرف مكانتكم وَقبل وسيلتكم فَأنْتم أهل اللَّيْل وَالنَّهَار لكم الْكَرَامَة مَا أقمتم والحباء إِذا ظعنتم وانهضوا إِلَى دَار الضِّيَافَة والفود فنهضوا وأجرى عَلَيْهِم الأنزال فأقاموا كَذَلِك شهرا لَا يصلونَ إِلَيْهِ وَلَا يُؤذن لَهُم بالانصراف ثمَّ إِن الْملك انتبه لَهُم انتباهة فَأرْسل إِلَى عبد الْمطلب فأدناه ثمَّ قَالَ لَهُ يَا عبد الْمطلب إِنِّي مفض إِلَيْك من سر علمي أمرا لَو غَيْرك يكون لم أبح لَهُ بِهِ وَلَكِن رَأَيْتُك مَوْضِعه فأطلعتك طلعه فَلْيَكُن عنْدك مطوياً حَتَّى يَأْذَن الله عز وَجل فِيهِ إِنِّي أجد فِي الْكتاب الْمكنون وَالْعلم المخزون الَّذِي أخذناه لأنفسنا واحتجبناه دون غَيرهَا خَبرا عَظِيما وخطراً جسيماً فِيهِ شرف الْحَيَاة وفضيلة الْمَمَات للنَّاس كَافَّة ولرهطك كَافَّة وَلَك خَاصَّة فَقَالَ عبد الْمطلب لقد أتيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 بِخَبَر أَيهَا الْملك مَا سر بِمثلِهِ وَافد قوم وَلَوْلَا هَيْبَة الْملك وإجلاله لسألته عَن بشارته إِيَّاه مَا أزداد بِهِ سُرُورًا فَقَالَ الْملك هَذَا حِين الَّذِي يُولد فِيهِ ولد اسْمه مُحَمَّد يَمُوت أَبوهُ وَأمه ويكفله جده وَعَمه وَالله عز وَجل باعثه جهاراً وجاعل لَهُ منا أنصاراً يعز بهم أولياءه ويذل بهم اعداءه وَيضْرب بهم النَّاس عَن عرض ويستبيح بهم كرائم أهل الأَرْض تخمد بِهِ النيرَان ويعبد بِهِ الرَّحْمَن ويدحر بِهِ الشَّيْطَان وتكسر بِهِ الْأَوْثَان قَوْله فصل وَحكمه عدل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ ويفعله وَيُنْهِي عَن الْمُنكر ويبطله فَقَالَ لَهُ عبد الْمطلب عز جَارك ودام ملكك وَعلا كعبك فَهَل الْملك مفصح عَنهُ مزِيد إفصاح فقد وضح بعض الاتضاح فَقَالَ لَهُ سيف ارْفَعْ رَأسك ثلج صدرك وَعلا كعبك فَهَل أحسست بِشَيْء مِمَّا ذكرته لَك قَالَ نعم أَيهَا الْملك كَانَ لي ابْن وَكنت بِهِ معجباً وَعَلِيهِ رَفِيقًا وَبِه شفيقاً وَإِنِّي زَوجته كَرِيمَة من كرائم قومِي آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة فَجَاءَت مِنْهُ بِغُلَام سميته مُحَمَّدًا مَاتَ أَبوهُ وَأمه وكفلته أَنا وَعَمه فَقَالَ لَهُ الْملك إِن الَّذِي قلت لَك كَمَا قلت فاحفظ ابْنك وَاحْذَرْ عَلَيْهِ من الْيَهُود فَإِنَّهُم لَهُ أَعدَاء وَلنْ يَجْعَل الله لَهُم عَلَيْهِ سَبِيلا واطو مَا ذكرت لَك دون هَؤُلَاءِ الرَّهْط الَّذين مَعَك فَإِنِّي لست آمن أَن تدخلهم النفاسة فِي أَن تكون لَك الرياسة فَيَنْصبُونَ لَك الحبائل ويبتغون لَك الغوائل وهم فاعلون ذَلِك وابناؤهم من غير شكّ وَلَوْلَا اني أعلم أَن الْمَوْت مجتاحي قبل مبعثه لسرت إِلَيْهِ بخيلي ورجلي حَتَّى أجعَل يثرب دَار ملكي فَإِنِّي أجد فِي الْكتاب النَّاطِق وَالْعلم السَّابِق أَن يثرب دَار استحكام أمره وَأهل نصرته وَمَوْضِع قَبره وَلَوْلَا أَنِّي أقيه الْآفَات وَأحذر عَلَيْهِ العاهات لأعليت على حَدَاثَة سنه أمره ولأوطأت أَسْنَان الْعَرَب كَعبه وَلَكِن صَار إِلَيْك ذَلِك مِمَّن مَعَك ثمَّ دَعَا بالقوم فَدَخَلُوا فَأمر لكل مِنْهُم بِعشْرَة أعبد وَعشرَة إِمَاء وحلتين من حلل البرود وَخَمْسَة أَرْطَال من الذَّهَب وَعشرَة أَرْطَال من الْفضة وكرش مَمْلُوء عنبراً وَمِائَة من الْإِبِل وَأمر لعبد الْمطلب بِعشْرَة أَضْعَاف ذَلِك وَقَالَ إِذا جَاءَ الْحول فائتني بِمَا يكون مِنْهُ يَعْنِي النَّبِي فَمَاتَ سيف قبل أَن يحول عَلَيْهِ الْحول هَذَا حَدِيث مَشْهُور وَمن أَوْلَاد سيف بحمص وعقبهم بهَا انْتهى وَلما انْصَرف عبد الله مَعَ أَبِيه من نحر الْإِبِل مر على امْرَأَة من بني أَسد بن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الْعُزَّى وَاسْمهَا قيلة بنت نَوْفَل وَقيل رقية وَهِي أُخْت ورقة بن نَوْفَل وَذكر البرقي عَن هِشَام بن الْكَلْبِيّ إِن اسمعها فَاطِمَة بنت مر الخثعمية كَانَت من أجمل النِّسَاء وَكَانَت قَرَأت الْكتب فرأت النُّور فِي وَجهه وَكَانَ عبد الله أحسن رجل رئي فِي قُرَيْش فَقَالَت لَهُ هَل لَك فِي أَن تقع عَليّ وَلَك مثل الْإِبِل الَّتِي نحرت عَنْك فَقَالَ لَهَا أَنا مَعَ أبي وَلَا أَسْتَطِيع خِلَافه ثمَّ قَالَ لَهَا // (من الرجز) // (أمّا الْحَرَام فالممات دونه ... والحلّ لَا حلّ فأستبينه) (فَكيف بِالْأَمر الّذي تنوينه ... يحمي الْكَرِيم عرضه وَدينه) ثمَّ مضى بِهِ أَبوهُ حَتَّى أَتَى وهب بن عبد منَاف وَهُوَ يَوْمئِذٍ سيد بني زهرَة نسبا وشرفاً فَزَوجهُ ابْنَته آمِنَة وَهِي يَوْمئِذٍ أفضل امْرَأَة فِي قُرَيْش نسبا وموضعاً فزعموا أَنه دخل عَلَيْهَا حِين ملكهَا مَكَانَهُ فَوَقع عَلَيْهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ من أَيَّام منى فِي شعب أبي طَالب فَحملت برَسُول الله ثمَّ خرج من عِنْدهَا فَأتى الْمَرْأَة فَقَالَ لَهَا هِيَ لَك فِيمَا قلت بالْأَمْس حلا قَالَت كَانَ ذَلِك بالْأَمْس، وَأما الْيَوْم فَلَا، فَقَالَت: إِنِّي امْرَأَة وَالله امْرَأَة لست بصاحبة رِيبَة وَإِنَّمَا رَأَيْت النُّور الَّذِي كَانَ مَعَك بالْأَمْس فَأَرَدْت أَن يكون فيّ فابى الله إِن يَجعله إِلَّا حَيْثُ شَاءَ إِلَّا حَيْثُ شَاءَ إِلَّا حَيْثُ شَاءَ فَهُوَ مُحَمَّد رَسُول الله ابْن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت أَو نابت بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هَذَا على قَول من قَالَ إِن عَمُود النّسَب المحمدي من نبت أَو نابت وَقَالَ غَيره إِن عَمُود النّسَب المحمدي قيدار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ الَّذِي رَجحه السُّهيْلي كَمَا تقدم ابْن تارح بن ناحور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عَابِر ابْن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح بن لمك أَو لامك ابْن متوشلخ بن أَخْنُوخ أَو خنوخ ابْن يرد أَو يارد ابْن مهيائيل أَو مهلائيل ابْن قينان أَو قاين ابْن أنوش بن شِيث بن آدم صلوت الله وَسَلَامه عَلَيْهِ انْتهى الْمَقْصد الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 (الْمَقْصد الثَّانِي) (فِي بَيَان أَحْوَاله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب) الْبَاب الأول فِي الْحمل بِهِ وولادته ورضاعته وَمَوْت عَمه أبي طَالب وَزَوجته السيدة خَدِيجَة وَخُرُوجه للطائف الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر هجرته الشَّرِيفَة إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة الْبَاب الثَّالِث فِي ذكر أَعْمَامه وعماته الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر أَزوَاجه الْبَاب الْخَامِس فِي ذكر أَوْلَاده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَاب السَّادِس فِي ذكر موَالِيه وخدامه وإمائه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وحداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وَمَا يتبع ذَلِك الْبَاب السَّابِع فِي الْحَوَادِث من أول سني الْهِجْرَة إِلَى وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَنَقُول متوكلين على الله مستمدين من الرَّسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 (الْبَاب الأول من الْمَقْصد الثَّانِي) (فِي الْحمل بِهِ وولادته ورضاعته وَمَوْت خَدِيجَة وَأبي طَالب وَخُرُوجه إِلَى الطَّائِف) لما أذن الله تبَارك وَتَعَالَى للنور المحمدي والشخص الأحمدي أَن ينْتَقل من عبد الله بن عبد الْمطلب إِلَى آمِنَة بنت وهب وَقد اندرس فِي الْوُجُود أَعْلَام الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَفَشَا فِيهِ مجاهل الظُّلم والإظلام ونبذ النَّاس الطَّاعَة وكشفوا بالمحارم عَن وَجه الْحيَاء قناعه كَانَ انْتِقَال النُّور الصمدي بالذر المحمدي فَكَانَ الْحمل بِهِ لَيْلَة الْجُمُعَة فِي شعب أبي طَالب وَفِي سيرة الْيَعْمرِي حملت بِهِ آمِنَة فِي أَيَّام التَّشْرِيق عِنْد الْجَمْرَة الْوُسْطَى وَكَانَ سنّ عبد الله إِذْ ذَاك ثَلَاثِينَ سنة وَلما حملت بِهِ أَمر الله تَعَالَى خَازِن الْجنان أَيْن فتح ابوابها تَعْظِيمًا لنُور مُحَمَّد وَهَبَطَ جِبْرِيل بلوائه الْأَخْضَر فنصبه على ظهر الْكَعْبَة قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَاخْتلف فِي مُدَّة الْحمل بِهِ فَقيل تِسْعَة أشهر وَقيل عشرَة وَقيل ثَمَانِيَة وَقيل سَبْعَة وَقيل سِتَّة وَلما تمّ من حمله شَهْرَان وَفِي سيرة مغلطاي قبل وِلَادَته بشهرين توفّي أَبوهُ عبد الله وَقيل إِنَّمَا توفّي حِين كَانَ النَّبِي فِي المهد قَالَه الدولابي والأرجح الْمَشْهُور هُوَ الأول وَذكر أهل السِّيرَة أَن آمِنَة لم تحمل حملا وَلَا ولدا غَيره وَكَذَا أَبوهُ عبد الله لم يُولد لَهُ غَيره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلذَلِك لم يكن لَهُ أَخ وَلَا أُخْت لَكِن كَانَ لَهُ ذَلِك من الرضَاعَة وَأما قَول بني زهرَة نَحن اخوال النَّبِي فلكون أمه آمِنَة مِنْهُم وَفِي الصفوة قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب خرج عبد الله بن عبد الْمطلب إِلَى الشَّام فِي تِجَارَة مَعَ جمَاعَة من قُرَيْش فَلَمَّا رجعُوا مروا بِالْمَدِينَةِ وَعبد الله كَانَ مَرِيضا فَتخلف بِالْمَدِينَةِ عِنْد أخوال أَبِيه بني عدي بن النجار فَأَقَامَ عِنْدهم مَرِيضا شهرا وَمضى أَصْحَابه وَقدمُوا مَكَّة وأخبروا عبد الْمطلب فَبعث إِلَيْهِ وَلَده الْحَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَالزُّبَيْر على قَول ابْن الْأَثِير فوجدوه قد توفّي وَدفن بدار النَّابِغَة وَهُوَ رجل من بني عدي بن النجار فَرجع الْحَارِث فَأخْبر أَبَاهُ فَوجدَ عَلَيْهِ وجدا شَدِيدا وَتُوفِّي وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وَقيل غير ذَلِك إِذْ قد تقدم عَن سيرة الْيَعْمرِي أَن سنه حَال التَّزَوُّج ثَلَاثُونَ سنة وَترك عبد الله أم أَيمن جَارِيَة حبشية اسْمهَا بركَة فَورثَهَا وأعتقها يَوْم تزَوجه بخديجة هَاجَرت فأصابها عَطش فِي طريقها فدليت إِلَيْهَا دلو من السَّمَاء فَشَرِبت وَرويت فَمَا أَصَابَهَا عَطش بعد ذَلِك فَكَانَت تتعمد الصَّوْم فِي أَيَّام شدَّة الصَّيف لتظمأ فِيمَا تظمأ وَحَضَرت يَوْم حنين فَكَانَت تمشي بَين صُفُوف الْمُسلمين قائلة سبت الله أقدامكم تُرِيدُ الدُّعَاء لَهُم بتثبيت الْأَقْدَام فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسكتي يَا أم أَيمن فَإنَّك عسراء اللِّسَان قَالَه الذَّهَبِيّ زَوجهَا النَّبِي زيد بن حَارِثَة فَولدت لَهُ أُسَامَة بن زيد وَمَاتَتْ فِي خلَافَة عُثْمَان وَخلف أَيْضا خَمْسَة اجمال وَقطعَة من الْغنم وَكَانَت أم أَيمن الْمَذْكُورَة مُحصنَة وَاخْتلف فِي عَام وِلَادَته فالأكثرون أَنَّهَا عَام الْفِيل وَبِه قَالَ ابْن عَبَّاس وَمن الْعلمَاء من حكى الِاتِّفَاق عَلَيْهِ قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي التلقيح اتَّفقُوا على أَنه ولد يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي شهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ربيع الأول عَام الْفِيل وَاخْتلفُوا فِيمَا مضى من ذَلِك الشَّهْر على أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا ولد لاثني عشر لَيْلَة خلت مِنْهُ وَالثَّانِي لليلتين وَالثَّالِث لثمان وَهُوَ قَول الْمُحدثين كلهم أَو جلهم الرَّابِع لعشر خلون مِنْهُ وَفِي الْمَوَاهِب ولد بعد الْفِيل بِخَمْسِينَ يَوْمًا وَهلك أَصْحَاب الْفِيل لثلاث عشرَة لَيْلَة بقيت من الْمحرم وَكَانَ أول الْمحرم تِلْكَ السّنة بِالْجمعَةِ وَذَلِكَ فِي عهد كسْرَى أنوشروان لمضي اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين سنة من ملكه وعاش بعد مولده سبع سِنِين وَثَمَانِية أشهر فَكَانَ ملكه تسعا وَأَرْبَعين سنة وَثَمَانِية أشهر وَقَالَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ولدت فِي زمن الْملك الْعَادِل كسْرَى أنوشروان كَذَا قَالَه ابْن الْأَثِير فِي أَسد الغابة وَاخْتلف فِي مَكَان وِلَادَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقيل ولد بِمَكَّة فِي الدَّار الَّتِي كَانَت لمُحَمد بن يُوسُف الثَّقَفِيّ أخي الْحجَّاج وَقيل بِالشعبِ وَقيل بالردم وَقيل بعسفان وَالْمَشْهُور أَنه ولد فِي الدَّار الَّتِي تعرف بدار مُحَمَّد بن يُوسُف الثَّقَفِيّ بزقاق مَعْرُوف بزقاق المولد فِي شعب مَشْهُور بشعب بني هَاشم من الطّرف الشَّرْقِي لمَكَّة تزار ويتبرك بهَا الْآن قَالَ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي ذكر ابْن مخلد فِي تَفْسِيره أَن إِبْلِيس لَعنه الله تَعَالَى رن أَربع رنات حِين لعن وَحين أهبط وَحين ولد النَّبِي وَحين أنزلت فَاتِحَة الْكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَفِي الْكَشَّاف وأنوار التَّنْزِيل الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام سِتّمائَة أَو خَمْسمِائَة وتسع وَسِتُّونَ سنة وَبَينهمَا أَرْبَعَة أَنْبيَاء ثَلَاثَة من بني إِسْرَائِيل وَوَاحِد من الْعَرَب وَهُوَ خَالِد بن سِنَان الْعَبْسِي ثمَّ قَالَ أما خَالِد بن سِنَان فروى أَنه كَانَ فِي زمن كسْرَى أنوشروان وَأَنه كَانَ يَدْعُو النَّاس إِلَى دين عِيسَى وَكَانَ بِأَرْض بني عبس وأطفأ النَّار الَّتِي كَانَت تخرج من بِئْر هُنَاكَ وَتحرق من لَقيته من عَابِر السَّبِيل وَغَيرهم قَالَ فِي مروج الذَّهَب ظَهرت فِي الْعَرَب نَار فكادوا بهَا يفتتنون وسالت سيلاً فَأخذ خَالِد هراوته وَدخل فِيهَا وَهُوَ يَقُول بدا بدا كل هَذَا مؤد إِلَى الله الْأَعْلَى لأدخلنا وَهِي نَار تلظى ولأخرجن مِنْهَا وثيابي تندى فأطفأها وَلما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لإخوته إِذا دفنت فستجيء عانة من حمير يقدمهَا عير أَبتر فَيضْرب قَبْرِي بحافره فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فانبشوا عني فَإِنِّي أخرج وأخبركم بِجَمِيعِ مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن فَلَمَّا مَاتَ وَدفن رأواما قَالَ وَأَرَادُوا أَن يحفروا عَنهُ فكره ذَلِك بَعضهم وَقَالُوا نَخَاف السبة وَأَتَتْ ابْنَته رَسُول الله فَسَمعته يقْرَأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الْإِخْلَاص رقم فَقَالَت كَانَ أبي يَقُولهَا وجرجيس أدْرك بعض حوارِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أرسل إِلَى بعض مُلُوك الْموصل بدعوة فَقتله فأحياه الله فَفعل بِهِ ذَلِك مرَارًا فَأمر بنشره أَجزَاء وإحراقه وإذرائه فِي دجلة فَأَهْلَكَهُ الله وَجَمِيع أهل مَمْلَكَته كَمَا وَردت بِهِ الْأَخْبَار عَن أهل الْكتاب مِمَّن آمن ذكر ذَلِك وهب بن مُنَبّه وَفِي كتاب الِابْتِدَاء وَالسير وحبِيب النجار بأنطاكية من أَرض الشَّام وَبهَا ملك متجبر يعبد التماثيل والصور فَصَارَ إِلَيْهِ اثْنَان من تلامذة عِيسَى دَعْوَاهُ فحبسهما وضربهما فعززا بثالث شَمْعُون الصَّفَا كَمَا أخبر عَنْهُم تَعَالَى بقوله {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} الْآيَة يس 14 وَمِنْهُم حَنْظَلَة بن صَفْوَان نَبِي بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 أرسل إِلَى أَصْحَاب الرس قوم ابْتَلَاهُم الله تَعَالَى بطير عَظِيم لَهَا عنق طَوِيل من أحسن الطُّيُور كَانَ فِيهَا من كل لون فسميت العنقاء لطول عُنُقهَا وَلِأَنَّهَا تغرب بِكُل مَا خطفته فانقضت على جَارِيَة وضمتها بَين جناحين لَهَا صغيرين غير الجناحين الكبيرين ثمَّ ذهبت بهَا فضربتها الْعَرَب مثلا فَقَالُوا طارت بِهِ عنقاء مغرب فشكوا ذَلِك إِلَى نَبِيّهم حَنْظَلَة بن صَفْوَان فَدَعَا عَلَيْهَا فأصابتها الصاعقة فأهلكتها ثمَّ إِنَّهُم قتلوا نَبِيّهم حَنْظَلَة لما قدم يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى نَبِي من الأسباط يَأْمر بخت نصر أَن يسير إِلَيْهِم فَأتى عَلَيْهِم فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إِذَا هُم مِنْهَا يَرْكُضُونَ لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُواْ إِلَى مَا أترفتم فِيهِ ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تسئلون قَالُوا يَا ويلتنا إِنَّا كُنَّا ظالمين فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم حَتَّى جعلناهم حصيدا خامدين} الْأَنْبِيَاء 13 - 15 وَمن أَصْحَاب الفترة أسعد بن كرب الْحِمْيَرِي كَانَ مُؤمنا بِالنَّبِيِّ قبل مبعثه بسبعمائة سنة فَقَالَ // (من المتقارب) // (شهدتّ على أحمدٍ أنّه ... رسولٌ من الله باري النّسم) (فَلَو مدّ عمري إِلَى عمره ... لَكُنْت وزيراً لَهُ وَابْن عَم) وَهُوَ أول من كسا الْكَعْبَة الأنطاع والبرود وَمِنْهُم قس بن سَاعِدَة الْإِيَادِي وَكَانَ حَكِيم الْعَرَب قَالَ الْأَعْشَى // (من الطَّوِيل) // (واحكم من قيس وَأَجرا من الّذي ... لَدَى الْفِيل من خفان أصبح جاذرا) قدم على رَسُول الله وَفد من إياد وسألهم عَنهُ فَقَالُوا هلك فَقَالَ رَحمَه الله كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ بسوق عكاظ على جمل أَحْمَر وَهُوَ يَقُول يأيها النَّاس اجْتَمعُوا واسمعوا وعوا من عَاشَ مَاتَ وَمن مَاتَ فَاتَ وكل مَا هُوَ آتٍ آتٍ أما بعد فَإِن فِي السَّمَاء لخبراً وَإِن فِي الأَرْض لعبراً نُجُوم تمور وبحار لَا تغور وسقف مَرْفُوع ومهاد مَوْضُوع أقسم بِاللَّه قس بن سَاعِدَة قسم حَقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 لَئِن كَانَ فِي الْأَمر رضَا لَيَكُونن بعده سخط إِن الله دينا هُوَ أرْضى من دين أَنْتُم عَلَيْهِ مَا بَال النَّاس يذهبون وَلَا يرجعُونَ أرضوا بالْمقَام فأقاموا أم نزلُوا فَنَامُوا سَبِيل مؤتلف وَعمل مُخْتَلف وَقَالَ أبياتاً لَا أحفظها فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَنا أحفظها يَا رَسُول الله فَقَالَ هَاتِهَا فَقَالَ // (من مجزوء الْكَامِل) // (فِي السَّابِقين الْأَوَّلين ... من الْقُرُون لنا بصائر) (لمّا رَأَيْت موارداً ... للْقَوْم لَيْسَ لَهَا مصَادر) (وَرَأَيْت قومِي نَحْوهَا ... يمْضِي الْأَوَائِل والأواخر) (لَا يرجع الْمَاضِي وَلَا ... يبْقى من البَاقِينَ غابر) (أيقنت أَنِّي لَا محَالة ... حَيْثُ صَار الْقَوْم صائر) فَقَالَ النَّبِي يرحم الله قسا اني لأرجو إِن يبْعَث أمة وَاحِدَة وَمِنْهُم أَصْحَاب الْأُخْدُود فِي مَدِينَة نَجْرَان بِالْيمن فِي ملك ذِي نواس الْقَاتِل الَّذِي شاتر وَكَانَ على دين الْيَهُود فَبَلغهُ أَنه قوما بِنَجْرَان على دين الْمَسِيح بن مَرْيَم فَسَار إِلَيْهِم واحتفروا الْأُخْدُود كَمَا ذكرهم الله تَعَالَى بقوله {قتل أَصْحَاب الأُخْدُودِ} البروج 4 وأتى بِامْرَأَة مَعهَا طِفْل فتقهقرت عَن النَّار عِنْد الْأُخْدُود فَتكلم طلفها وَقَالَ يَا أُمَّاهُ قفي وَلَا تقاعسي فَإنَّك على الْحق وهم على دين النَّصْرَانِيَّة فِي ذَلِك الْوَقْت مُؤمنين مُوَحِّدين فَمضى مِنْهُم رجل يُقَال لَهُ ذُو ثعلبان إِلَى قَيْصر يستنجده فَكتب لَهُ إِلَى النَّجَاشِيّ لِأَنَّهُ كَانَ أقرب إِلَيْهِم دَارا فَكَانَ من أَمر الْحَبَشَة وعبورهم إِلَى أَرض الْيمن وتغلبهم عَلَيْهَا مَا كَانَ إِلَى أَن كَانَ من أَمر سيف بن ذِي يزن واستنجاده بكسرى وإمداده لَهُ بِمن كَانَ فِي حَبسه وأميرهم وهرز وظفر سيف على الْحَبَشَة مَا هُوَ مَشْهُور وَمِنْهُم أُميَّة بن أبي الصَّلْت الثَّقَفِيّ كَانَ يتجر إِلَى الشَّام فلقي أهل الْكِتَابَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وَأَخْبرُوهُ أَن نَبيا يبْعَث فِي الْعَرَب فَلَمَّا بلغه ظُهُوره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اغتاظ وتأسف ثمَّ أَتَى الْمَدِينَة يسلم فَرده الْحَسَد فَرجع إِلَى الطَّائِف فَبَيْنَمَا هُوَ يشرب مَعَ فتية إِذْ صَاح غراب ثَلَاثَة أصوات وطار فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا قَالَ قَالُوا لَا قَالَ إِنَّه يَقُول إِن أُميَّة لَا يشرب الكأس الثَّالِثَة حَتَّى يَمُوت فَقَالُوا لتكذبن وَقَالُوا احسوا كأسكم فَلَمَّا انْتَهَت إِلَيْهِ أغمى عَلَيْهِ فَسكت طَويلا ثمَّ أَفَاق يَقُول لبيكما لبيكما هأنذا لديكما ثمَّ أنشأ يَقُول // (من الْخَفِيف) // (إنّ يَوْم الْحساب يومٌ عظيمٌ ... شَاب فِيهِ الصّغير يَوْمًا طَويلا) (لَيْتَني كنت قبل مَا قد باد لي ... فِي رُؤُوس الْجبَال أرعى الوعولا) (كلّ عيشٍ وَإِن تطاول دهراً ... صائرٌ مرّةٌ إِلَى أَن يزولا) ثمَّ شهق شهقة فَكَانَت فِيهَا نَفسه وَقد ذكر الْعلمَاء بأمثال الْعَرَب وأخبار من سلف أَن السَّبَب فِي كِتَابَة قُرَيْش واستفتاحها بقَوْلهمْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ هُوَ أَن أُميَّة بن أبي الصَّلْت خرج إِلَى الشَّام فِي نفر من ثَقِيف وقريش وَغَيرهم فَلَمَّا قَفَلُوا رَاجِعين نزلُوا منزلا واجتمعوا لعشائهم إِذْ أَقبلت حَيَّة صَغِيرَة حَتَّى دنت مِنْهُم فحصبها بَعضهم فِي وَجههَا فَرَجَعت عَن سفرتهم وَقَامُوا إِلَى إبلهم وَارْتَحَلُوا من منزلهم فَلَمَّا برزوا من الْمنزل أشرفت عَلَيْهِم عَجُوز من كثيب رمل متوكئة على عَصا لَهَا فَقَالَت مَا منعكم أَن تطعموا رحيمة الْجَارِيَة الْيَتِيمَة الَّتِي جاءتكم عَشِيَّة قَالُوا وَمَا أَنْت قَالَت أم الْعَوام أيمت مُنْذُ أَعْوَام اما وَرب الْعباد لنفرقن فِي الْبِلَاد ثمَّ ضربت بعصاها فِي الأَرْض فأثارت الرمل ثمَّ قَالَت أطيلي إيابهم ونفري رِكَابهمْ فنفرت الْإِبِل كَأَن على كل ذرْوَة بِبَعِير شَيْطَانا مَا نملك مِنْهَا شَيْئا حَتَّى افْتَرَقت فِي الْوَادي فجمعناها من آخر النَّهَار إِلَى غَد وَلم نكد فَلَمَّا أنخنا لنركب طلعت الْعَجُوز فَعَادَت بالعصر لفعلها الأول وعادت لمقالتها مَا منعكم أَن تطعموا إِلَى آخر مَا قالته أَولا فتفرقت الْإِبِل فجمعناها من بكرَة النَّهَار إِلَى الْعشَاء وَلم نكد فَلَمَّا أنخنا لنركب طلعت وَفعلت مثل فعلهَا الأول وَالثَّانِي فنفرت الْإِبِل فأمسينا فِي لَيْلَة مُقْمِرَة ويئسنا من ظهرنا فَقَالَ بعض الْقَوْم لأمية بن أبي الصَّلْت أَيْن مَا كنت تخبرنا بِهِ عَن نَفسك فَتوجه إِلَى ذَلِك الْكَثِيب الَّذِي أَتَت مِنْهُ الْعَجُوز حَتَّى هَبَط من نَاحيَة أُخْرَى ثمَّ صعد كثيباً آخر حَتَّى هَبَط مِنْهُ ثمَّ رفعت لَهُ كَنِيسَة فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قناديل وَإِذا رجل على بَابهَا معترض أَبيض الرَّأْس واللحية قَالَ أُميَّة فَلَمَّا وقفت عَلَيْهِ قَالَ بعد أَن رفع رَأسه إِلَى إِنَّه لمتبوع قلت اجل قَالَ مَا حَاجَتك فَحَدَّثته حيدث الْعَجُوز وفعلها فَقَالَ صدقت وَلَيْسَت بصادقة هِيَ امْرَأَة يَهُودِيَّة هلك زَوجهَا مُنْذُ أَعْوَام وَإِنَّهَا لم تزل تصنع بكم ذَلِك حَتَّى تهلككم إِن استطاعت فَقَالَ أُميَّة فَمَا الْحِيلَة قَالَ اجْمَعُوا اظهركم فَإِذا جَاءَت وَفعلت مَا كَانَت تَفْعَلهُ فَقولُوا لَهَا سبعا فَوق وَسبعا أَسْفَل بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَإِنَّهَا لن تضركم شَيْئا فَرجع أُميَّة إِلَى أَصْحَابه فَأخْبرهُم بِمَا قَالَ لَهُ فَجَاءَت فَفعلت كَمَا كَانَت تفعل فَقَالُوا لَهَا مَا قَالَ الرجل فَلم تَضُرهُمْ فَلَمَّا رَأَتْ الْإِبِل قَالَت عرفت صَاحبكُم ليبيض أَعْلَاهُ وليسود أَسْفَله فَلَمَّا أدركهم الصُّبْح نظرُوا إِلَى أُميَّة قد ابيض فِي عذاريه وَفِي رقبته وصدره واسود أَسْفَله فَلَمَّا قدمُوا مَكَّة ذكرُوا هَذَا الحَدِيث فَكَانَ أول مَا كتب أهل مَكَّة بِاسْمِك اللَّهُمَّ واستمروا كَذَلِك إِلَى أَن جَاءَ الْإِسْلَام فَرفع ذَلِك وَكتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم انْتهى ذكر ذَلِك المَسْعُودِيّ فِي مروج الذَّهَب وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي أَنه قَالَ فَتْرَة مَا بَين عِيسَى وَمُحَمّد سِتّمائَة سنة وَمن إِبْرَاهِيم إِلَى نوح ألفا سنة وسِتمِائَة وَأَرْبَعُونَ سنة وَمن نوح إِلَى آدم ألف سنة وروى إِن الرَّسُول الله لما صَار ابْن شَهْرَيْن كَانَ يتزحلق مَعَ الصّبيان إِلَى كل جَانب وَفِي ثَلَاثَة أشهر كَانَ يقوم على قَدَمَيْهِ وَفِي أَرْبَعَة اشهر كَانَ يمسك الْجِدَار وَيَمْشي وَفِي خَمْسَة أشهر حصل لَهُ قدرَة على الْمَشْي وَلما تمّ لَهُ سِتَّة أشهر كَانَ يسْرع فِي الْمَشْي وَفِي سَبْعَة أشهر كَانَ يسْعَى ويعدو إِلَى كل جَانب وَلما مضى عَلَيْهِ ثَمَانِيَة أشهر كَانَ يتَكَلَّم بِحَيْثُ يفهم كَلَامه وَفِي تِسْعَة أشهر تكلم بِكَلَام فصيح وَفِي عشرَة أشهر كَانَ يَرْمِي السِّهَام كَذَا فِي شَوَاهِد النُّبُوَّة قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ من دلَالَة حمل امنة برَسُول الله أَن كل دَابَّة كَانَت لقريش نطقت تِلْكَ اللَّيْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَقَالَت حمل برَسُول الله وَرب الْكَعْبَة وَهُوَ إِمَام الدُّنْيَا وسراج أَهلهَا وَلم يبْق سَرِير لملك من مُلُوك الدُّنْيَا إِلَّا أصبح منكوساً وَمَرَّتْ وحوش الْمشرق إِلَى وحوش الْمغرب بالبشارات وَكَذَلِكَ أهل الْبحار بشر بَعْضهَا بَعْضًا وَله فِي كل شهر من شهور حمله نِدَاء فِي الأَرْض ونداء فِي السَّمَاء أَن أَبْشِرُوا فقد آن إِن يظْهر أَبُو الْقَاسِم ميموناً مُبَارَكًا وَلما تمّ من حملهَا شَهْرَان توفّي عبد الله كَمَا تقدم ذكره وَقَالَت آمِنَة ترثي عبد الله وَالِده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام // (من الطَّوِيل) // (عفى جَانب الْبَطْحَاء من ابْن هاشمٍ ... وجاور لحداً خَارِجا فِي الغماغم) (دَعَتْهُ المنايا دَعْوَة فأجابها ... وَمَا تركت فِي النّاس مثل ابْن هَاشم) (عشيّة راحوا يحملون سَرِيره ... تعاوره أَصْحَابه فِي التّزاحم) (فَإِن تَكُ غالته المنايا وريبها ... فقد كَانَ معطاءً كثير التّراحم) وَمن شعر عبد الله بن عبد الْمطلب وَالِد نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَقله الصَّفَدِي فِي تَرْجَمته وَذكره خَاتِمَة الْحفاظ الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي كِتَابه مسالك الحنفا فِي حكم إِيمَان وَالِدي الْمُصْطَفى قَوْله // (من الطَّوِيل) // (لقد حكم السّارون فِي كلّ بلدةٍ ... بأنّ لنا فضلا على سَائِر الأَرْض) (وأنّ أَبى ذُو الْمجد والسّؤدد الّذي ... يسَار بِهِ مَا بَين نشزٍ إِلَى خفض) (وجدّي وآباءٌ لَهُ أثّلوا الْعلَا ... قَدِيما بِطيب الْعرض والحسب الْمَحْض) قَالَ القطب النهرواني فِي بعض تذاكره وَمن خطه نقلت قد ذيل على هَذِه الأبيات صاحبنا الْعَلامَة الشَّيْخ عبد النافع بن مُحَمَّد بن عراق بَيْتَيْنِ على لِسَان عبد الله ابْن عبد الْمطلب فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (وَقد جَاءَ من صلى نبيٌ معظمٌ ... يشفّعه الرّحمن فِي موقف الْعرض) (وَمَا لنبيٍّ غَيره مثل فخره ... فَهَل مثل هَذَا الْمجد فِي الطّول وَالْعرض) وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لما توفّي عبد الله قَالَت الْمَلَائِكَة إلهنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَسَيِّدنَا ومولانا بَقِي نبيك يَتِيما فَقَالَ الله تَعَالَى أَنا حَافظ لَهُ ونصير وَقيل لجَعْفَر الصَّادِق لم يتم النَّبِي من ابويه فَقَالَ لِئَلَّا يكون عَلَيْهِ حق لمخلوق نَقله عَنهُ أَبُو حَيَّان فِي الْبَحْر وروى أَبُو نعيم عَن عَمْرو بن قُتَيْبَة قَالَ سَمِعت أبي وَكَانَ من أوعية الْعلم قَالَ لما حضرت ولادَة آمِنَة قَالَ الله تَعَالَى تِلْكَ السّنة لِنسَاء الدُّنْيَا ليحملن ذُكُورا كَرَامَة لمُحَمد وَعنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَت آمِنَة تحدث وَتقول: أَتَانِي آتٍ حِين مر بِي من حملي سِتَّة أشهر فِي الْمَنَام، وَقَالَ: يَا آمِنَة، حملت بِخَير الْعَالمين، فَإِذا ولدتيه فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا واكتمي شَأْنك ثمَّ لما أَخَذَنِي مَا يَأْخُذ النِّسَاء وَلم يعلم بِي أحد وَإِنِّي لوحيدة فِي الْمنزل وَعبد الْمطلب فِي طَوَافه فَسمِعت وجبة عَظِيمَة ثمَّ رَأَيْت كَأَن جنَاح طَائِر أَبيض قد مسح على فُؤَادِي فَذهب عني الروع وكل وجع أَجِدهُ ثمَّ الْتفت فَإِذا بِشَربَة بَيْضَاء فتناولتها فَأَصَابَنِي نور عَال ثمَّ رَأَيْت نسْوَة كالنخل طوَالًا كأنهن من بَنَات عبد منَاف يحدقن بِي فَبَيْنَمَا أَنا أتعجب وَأَقُول واغوثاه من أَيْن علِمْنَ بِي فَقُلْنَ لي نَحن آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن وَمَرْيَم ابْنة عمرَان وَهَؤُلَاء من الْحور الْعين فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذا بديباج أَبيض قد مر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَإِذا بقائل يَقُول خذاه عَن أعين النَّاس وَرَأَيْت رجَالًا وقفُوا فِي الْهَوَاء بِأَيْدِيهِم أَبَارِيق من فضَّة ثمَّ نظرت فَإِذا أَنا بِقِطْعَة من الطير قد أَقبلت حَتَّى غطت حُجْرَتي مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من الْيَاقُوت وكشف الله عَن بَصرِي فَرَأَيْت مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَرَأَيْت ثَلَاثَة أَعْلَام مضروبات علما بالمشرق وعلماً بالمغرب وعلماً على ظهر الْكَعْبَة فأخذني الْمَخَاض فَوضعت مُحَمَّدًا فَنَظَرت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ ساجد قد رفع إصبعيه إِلَى السَّمَاء كالمتضرع المبتهل ثمَّ رَأَيْت سَحَابَة بَيْضَاء قد أَقبلت حَتَّى غَشيته فغيبته عني فَسمِعت منادياً طوفوا بِهِ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وأدخلوه الْبحار ليعرفوه باسمه ونعته وَصورته ويعلموا أَنه سمى فِيهَا الماحي لَا يبْقى من الشّرك شَيْء إِلَّا مُحي فِي زَمَنه قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي التلقيح لَا يعرف فِي الْعَرَب من تسمى بِمُحَمد قبله إِلَّا ثَلَاثَة طمع آباؤهم حِين سمعُوا بِذكر مُحَمَّد وبقرب زَمَانه وانه يبْعَث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 بالحجاز أَن يكون ولدا لَهُم أحدهم مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع جد الفرزدق الشَّاعِر التَّمِيمِي وَالْآخر مُحَمَّد بن أحيحة بن الجلاح بن الجريش بن عبوف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس وَالْآخر مُحَمَّد بن حمْرَان بن ربيعَة كَانَ آبَاء هَؤُلَاءِ قد وفدوا علم بعض الْمُلُوك وَكَانَ عِنْده علم بِالْكتاب الأول فَأخْبرهُم بمبعث النَّبِي باسمه وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُم قد خلف امْرَأَته حَامِلا فَنَذر كل وَاحِد مِنْهُم إِن ولد لَهُ ذكر أَن يُسَمِّيه مُحَمَّدًا فَفَعَلُوا فَائِدَة ذكر الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي فِي كِتَابه شوق الْعَرُوس وَأنس النُّفُوس نقلا عَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه قَالَ اسْم النَّبِي عَن أهل الْجنَّة عبد الْكَرِيم وَعند أهل النَّار عبد الْجَبَّار وَعند أهل الْعَرْش عبد الحميد وَعند الْمَلَائِكَة عبد الْمجِيد وَعند الْأَنْبِيَاء عبد الْوَهَّاب وَعند الشَّيَاطِين عبد القهار وَعند الْجِنّ عبد الرَّحِيم وَفِي الْجبَال عبد الْخَالِق وَفِي الْبر عبد الْقَادِر وَفِي الْبَحْر عبد الْمُهَيْمِن وَعند الْحيتَان عبد القدوس وَعند الْهَوَام عبد الغياث وَعند الوحوش عبد الرَّزَّاق وَعند السبَاع عبد السَّلَام وَعند الْبَهَائِم عبد المؤمني وَعند الطُّيُور عبد الْغفار وَفِي التَّوْرَاة مودود وَفِي الْإِنْجِيل طَابَ طَابَ وَفِي الصُّحُف عاقب وَفِي الزبُور فاروق وَعند الله طه وَيس وَعند الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد روى مَخْزُوم بن هَانِيء المَخْزُومِي عَن أَبِيه وَكَانَ لَهُ مائَة وَخَمْسُونَ سنة قَالَ لما ولد النَّبِي ارتجس إيوَان كسْرَى أنوشروان فَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شرفة وَكَانَت لَهُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ شرفة وَانْشَقَّ صدعا ظَاهر وَهَذِه آيَة وبناؤه إِلَى الْآن كَذَلِك قلت أَخْبرنِي من رَآهُ فَقَالَ هُوَ يَعْنِي الشق مستطيل من أَعلَى الْجِدَار إِلَى أَسْفَله فِي كتف الإيوان الْأَيْسَر وسعة فَتْحة الشق مدْخل رجل وَعرض جِدَاره فَوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 خَمْسَة أَذْرع كَذَا أَخْبرنِي وَقد سَأَلت غَيره فطابق قَوْله انْتهى وخمدت نَار فَارس وَكَانَ لَهَا أَكثر من ألف عَام لم تخمد وَهِي الَّتِي يعبدونها وغاصت بحيرة ساوة وَهِي بَين همذان وقم وَكَانَت أَكثر من سِتَّة فراسخ فِي الطول وَالْعرض وَكَانَ يعبر فِيهَا بالسفن وَبقيت كَذَلِك ناشفة يابسة على هَؤُلَاءِ الْقَوْم حَتَّى بنيت موضعهَا مَدِينَة ساوة الْبَاقِيَة الْيَوْم وَأرى الموبذان كَأَن إبِلا صعاباً تقود خيلاً عراباً حَتَّى عبرت دجلة وانتشرت فِي بِلَاد فَارس فَلَمَّا أصبح تجلد كسْرَى وَجلسَ على سَرِير ملكه وَلبس تاجه وَأرْسل إِلَى الموبذان فَقَالَ يَا موبذان أَنه سَقَطت من ايواني أَربع عشة شرفة وخمدت نَار فَارس فَقَالَ الموبذان وَأَنا أَيهَا الْملك رَأَيْت إبِلا صعاباً تقود خيلاً حَتَّى عبرت دجلة وانتشرت فِي بِلَاد فَارس قَالَ كسْرَى فَمَا ترى ذَلِك يَا موبذان وَكَانَ موبذان أعلمهم قَالَ حدث يكون من جَانب الْعَرَب فَكتب حِينَئِذٍ من كسْرَى ملك الْمُلُوك إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر ابْعَثْ إِلَيّ رجلا من الْعَرَب يُخْبِرنِي عَمَّا أسأله عَنهُ فَبعث إِلَيْهِ عبد الْمَسِيح بن حَيَّان بن عَمْرو الغساني قيل كَانَ لَهُ من الْعُمر قريب من أَرْبَعمِائَة سنة فَقَالَ لَهُ كسْرَى يَا عبد الْمَسِيح هَل عنْدك علم بِمَا أُرِيد أَن أَسأَلك عَنهُ فَقَالَ يسألني الْملك فَإِن كَانَ عِنْدِي مِنْهُ علم أعلمته وَإِلَّا فَأعلمهُ بِمن عِنْده علم فَأخْبرهُ برؤيا الموبذان فَقَالَ علمه عِنْد خَال لي يسكن مشارف الشَّام يُقَال لَهُ سطيح واسْمه ربيع بن ربيعَة بن ماذر بن مَنْصُور بن ذِئْب كَاهِن لم يكن مثله فِي بني آدم وَكَانَ خلقه عجيباً عَن ابْن عَبَّاس إِن الله خلق سطيحاً الغساني كلحم على وَضم لَيْسَ لَهُ عظم وَلَا عصب وَلَا جمجمة وَالْكَفَّيْنِ وَلم يَتَحَرَّك مِنْهُ إِلَّا لِسَانه قيل لكَونه مخلوقاً من مَاء امْرَأتَيْنِ تساحقتا وَلم يقدر على الْقيام وَالْقعُود إِلَّا أَنه كَانَ إِذا غضب نفخه الرّيح فيجلس لَا غير وَكَانَ وَجهه فِي صَدره لم يكن لَهُ رَأس وَلَا عنق وَقد عمل لَهُ سَرِير من السعف والجريد فَإِذا أُرِيد نَقله إِلَى مَكَان يطوى من رجله إِلَى ترقة ته كَمَا يطوى الثَّوْب فَيُوضَع على ذَلِك السرير فَيذْهب بِهِ إِلَى حَيْثُ يَشَاء وَإِذا أُرِيد تكهنه وإخباره بالمغيبات يُحَرك وطب المخيض فينتفخ ويمتلىء ويعلو النَّفس فيخبر عَن المغيبات وَكَانَ يسكن الْجَابِيَة وَهِي مَدِينَة من مشارف الشَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَفِي حَيَاة الْحَيَوَان الْكُبْرَى روى أَنه ولد شَقِيق وسطيح فِي اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَت فِيهَا طريفة الكاهنة امْرَأَة عَمْرو بن عَامر مزيقيا الْآتِي ذكرهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْمَقْصد الرَّابِع ودعت بسطيح قبل أَن تَمُوت فتفلت فِي فِيهِ وأخبرت أَنه سيخلفها فِي علمهَا وكهانتها ودعت بشقيق فَفعلت بِهِ مثل ذَلِك ثمَّ مَاتَت وقبرها بِالْجُحْفَةِ انْتهى هَذَا سطيح وَأما شقّ فَهُوَ بِكَسْر الشين كَانَ شقّ إِنْسَان لَهُ يَد وَاحِدَة وَرجل وَاحِدَة وَعين وَاحِدَة وذكران من وَلَده خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي عَامل بني أُميَّة على مَكَّة قيل كَانَت ولادَة سطيح فِي أَيَّام سيل العرم وَخرج من مأرب مَعَ رَهْط من الأزد فِي أَيَّام تفرق النَّاس مِنْهَا وعاش إِلَى زمن وِلَادَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَكَانَ لَهُ من الْعُمر قريب من سِتّمائَة سنة وَعَن وهب بن مُنَبّه سُئِلَ سطيح من أَيْن لَك علم الكهانة قَالَ إِن لي قريناً من الْجِنّ كَانَ قد اسْتمع أَخْبَار السَّمَاء فِي زمَان كلم الله مُوسَى فِي الطّور فَيَقُول لي من ذَاك أَشْيَاء وَأَنا أقولها للنَّاس انْتهى فَقَالَ كسْرَى لعبد الْمَسِيح اذْهَبْ إِلَى سطيح واسأله فَأخْبر بِمَا يُخْبِرك بِهِ فَخرج عبد الْمَسِيح حَتَّى قدم على سطيح وَهُوَ مشرف على الْمَوْت فَأَنْشد عبد الْمَسِيح رجزاً فَلَمَّا سَمعه سطيح رفع رَأسه إِلَيْهِ وَقَالَ عبد الْمَسِيح من بلد نزيح على جمل مسيح جَاءَ إِلَى سطيح وَقد وافاه على ضريح بَعثك ملك ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيرَان ورؤيا الموبذان رأى إبِلا صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة فانتشرت فِي بِلَاد فَارس يَا عبد الْمَسِيح إِذا ظَهرت التِّلَاوَة وَبعث صَاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وَانْقطع وَادي سماوة وخمدت نَار فَارس لم تكن بِبَابِل للْفرس مقَاما وَلَا الشَّام لسطيح شاماً يملك مِنْهُم مُلُوك وملكات على عدَّة تِلْكَ الشرفات ثمَّ تكون هَنَات وهنات وكل مَا هُوَ آتٍ آتٍ ثمَّ مَاتَ وَفِي مُعْجم مَا استعجم السماوة بِكَسْر السِّين وَتَخْفِيف الْمِيم مفازة بَين الْكُوفَة وَالشَّام وَقيل بَين الْموصل وَالشَّام من أَرض كلاب وَقَالَ الْأَصْمَعِي السماوة أَرض قَليلَة الْعرض كَثِيرَة الطول سميت بذلك لعلوها وارتفاعها انْتهى فَرجع عبد الْمَسِيح إِلَى كسْرَى وَأخْبرهُ بِمَا قَالَ سطيح فَقَالَ كسْرَى إِلَى أَن يملك منا أَرْبَعَة عشرَة ملكا كَانَت أُمُور فَملك مِنْهُم عشرَة مُلُوك فِي أَربع سِنِين وَملك الْبَاقُونَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وروى أَن عبد الْمَسِيح هَذَا هُوَ الَّذِي صَالح خَالِد بن الْوَلِيد على الْحيرَة وَكَانَ ذَلِك المَال أول مَال ورد على أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ولنذكر غَزْوَة خَالِد بن الْوَلِيد للحيرة وَمُصَالَحَة أَهلهَا إِيَّاه على المَال الْمَذْكُور إِذْ الْكَلَام يجر بعضه بَعْضًا فالمسئول من النَّاظر التسامح والإغضاء فَنَقُول قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بمروج الذَّهَب ومعادن الْجَوْهَر وَمن كِتَابه نقلت ذكر جمَاعَة من الإخباريين وَذَوي الْعلم بأيام الْعَرَب مِنْهُم هِشَام ابْن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ وَأَبُو مخنف لوط بن يحيى وشرقي بن الْقطَامِي أَن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي لما أقبل يُرِيد الْحيرَة فِي سُلْطَان أبي بكر رَضِي الله عَنهُ بعد فتح الْيَمَامَة وَقتل مُسَيْلمَة الْكذَّاب فَلَمَّا رَآهُ أهل الْحيرَة تحَصَّنُوا فِي الْقصر الْأَبْيَض وَقصر الْقَادِسِيَّة وَقصر بني ثَعْلَبَة وَهَذِه أَسمَاء قُصُور كَانَت بهَا فَلَمَّا نظر خَالِد إِلَى أهل الْحيرَة ورآهم تحَصَّنُوا أَمر الْعَسْكَر فنزلوا نَحْو النجف وَأَقْبل خَالِد وَمَعَهُ ضرار بن الْأَزْوَر الْأَسدي فَوقف حِيَال قصر بني ثَعْلَبَة فَجعل العباديون يرمونهما بالخذف فَجعل فرسه ينفر فَقَالَ لَهُ ضرار لَيْسَ لَهُم مكيدة أعظم من هَذِه وَمضى خَالِد إِلَى عسكره فَبعث إِلَى أهل الْحيرَة أَن أرْسلُوا إِلَيْنَا رجلا من عقلائكم وَذَوي أنسابكم نَسْأَلهُ عَن أَمركُم فبعثوا إِلَيْهِ عبد الْمَسِيح بن عَمْرو بن قيس الغساني هَذَا وَهُوَ الرَّسُول إِلَى سطيح لتعبير رُؤْيا الموبذان فَأقبل عبد الْمَسِيح فَنظر إِلَيْهِ خَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ لَهُ من أَيْن قصّ أثرك أَيهَا الشَّيْخ فَقَالَ من صلب أبي فَقَالَ لَهُ خَالِد فَمن أَيْن جِئْت قَالَ من بطن أُمِّي فَقَالَ خَالِد فعلام أَنْت وَيحك قَالَ على الأَرْض فَقَالَ لَهُ فَفِيمَ أَنْت لَا كنت فَقَالَ فِي ثِيَابِي فَقَالَ خَالِد أتعقل لَا عقلت قَالَ عبد الْمَسِيح إِي وَالله وأقيد فَقَالَ خَالِد ابْن كم أَنْت قَالَ ابْن رجل وَاحِد فَقَالَ خَالِد اللَّهُمَّ أخزهم أهل بَلْدَة فَمَا يزيدوننا إِلَّا عماء أسأله عَن الشَّيْء فيجيب عَن غَيره قَالَ كلا وَالله مَا أَجَبْتُك إِلَّا عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ فسل عَمَّا بدا لَك فَقَالَ خَالِد أعرب أَنْتُم أم نبط فَقَالَ عبد الْمَسِيح عرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 استنبطنا ونبط استعربنا قَالَ خَالِد فحرب أَنْتُم أم سلم قَالَ لَا بل سلم قَالَ فَمَا بَال هَذِه الْحُصُون قَالَ بنيناها للسفيه نحبسه حَتَّى يَأْتِي الْحَلِيم فينهاه فَقَالَ خَالِد كم أَتَت لَك من السنين قَالَ خَمْسُونَ وثلاثمائة قَالَ خَالِد فَمَا أدْركْت قَالَ أدْركْت سفن الْبَحْر ترفأ إِلَيْنَا فِي هَذَا النجف بمتاع الصين والهند وأمواج الْبَحْر تضرب مَا تَحت قَدَمَيْك وبيننا الْيَوْم وَبَين الْبَحْر مَا تعلم وَرَأَيْت الْمَرْأَة من الْحيرَة تَأْخُذ مكتلها على رَأسهَا لَا تتزود إِلَّا رغيفاً وَاحِدًا فَلَا تزَال تمشي فِي قرى مُتَّصِلَة وعمائر مُتَّصِلَة وأشجار مثمرة وأنهار جَارِيَة وغدران غدقة حَتَّى ترد الشَّام فَوَجَمَ خَالِد لذَلِك قَالَ الرَّاوِي وَمَعَ عبد الْمَسِيح سم سَاعَة يقلبه بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ خَالِد مَا هَذَا مَعَك قَالَ سم سَاعَة قَالَ مَا تصنع بِهِ قَالَ أَتَيْتُك فَإِن يكن عنْدك مَا يسرني ويوافق أهل بلدتي قبلته وحمدت الله وَإِن تكن الْأُخْرَى لم أكن أول سائق إِلَى أهل بلدتي ذلاً وبلاء فَآكل هَذَا السم وأستريح من الدُّنْيَا فَإِنَّمَا بَقِي من عمري الْيَسِير فَقَالَ لَهُ خَالِد هاته فَأَخذه وَوَضعه فِي رَاحِلَته ثمَّ قَالَ بِسم الله وَبِاللَّهِ بِسم الله رب الأَرْض وَالسَّمَاء بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم ثمَّ اقتحمه فتخللته غشية وَضرب بذقنه على صَدره ثمَّ سرى عَنهُ فأفاق كانما نشط من عقال قَالَ فانصرب الغساني الْمَذْهَب وهم النسطورية من النَّصَارَى إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم جِئتُكُمْ من عِنْد شَيْطَان يَأْكُل سم سَاعَة فَلَا يضرّهُ صالحوه وأخرجوه عَنْكُم فالقوم مَصْنُوع لَهُم وَأمرهمْ مقبل وامر بني ساسان مُدبر وسيكون لهَذِهِ الْملَّة شَأْن يغشى الأَرْض قَالَ فصالحوا خَالِدا على مائَة ألف ألف دِرْهَم وتاج فَرَحل عَنْهُم خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ والحيرة بَينهَا وَبَين الْكُوفَة ثَلَاثَة اميال وَلم يزل عمرانها يتناقض من الْوَقْت الْمَذْكُور إِلَى صدر خلَافَة المعتضد العباسي فاستولى عَلَيْهَا الخراب وَقد كَانَ السفاح أول خلفاء بني الْعَبَّاس والمنصور وَالْمهْدِي والرشيد ينزلونها وَيطْلبُونَ الْمقَام بهَا لطيب هوائها وصفاء جوها وَصِحَّة تربَتهَا وصلابتها وَقرب الخورنق مِنْهَا وَقد كَانَ فِيهَا رُهْبَان فَلَحقُوا بغَيْرهَا من الْبِلَاد لتداعي خرابها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 قَالَ المَسْعُودِيّ وأقفرت من أنيس فِي هَذَا الْوَقْت يَعْنِي وَقت تصنيف كِتَابه المروج وَهُوَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وتوحشت إِلَّا من الضَّب والبوم وَذكر كثير من أهل الدِّرَايَة أَن سعدها سيعود فِي الْمُسْتَقْبل بالعمران وَكَذَلِكَ الْكُوفَة وَالله تَعَالَى أعلم قَالَ الشَّيْخ بدر الدّين الزَّرْكَشِيّ وَالصَّحِيح أَن وِلَادَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَت نَهَارا قَالَ وَأما مَا روى من تدلي النُّجُوم فضعفه ابْن دحْيَة لاقْتِضَائه أَن الْولادَة لَيْلًا قَالَ وَهَذَا لَا يصلح أَن يكون تعليلاً فَإِن زمَان النُّبُوَّة صَالح للخوارق وَيجوز أَن تسْقط النُّجُوم نَهَارا فَإِن قلت إِذا قُلْنَا بِأَنَّهُ ولد لَيْلًا فأيما أفضل لَيْلَة الْقدر أَو لَيْلَة مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل من لَيْلَة الْقدر أُجِيب بِأَن لَيْلَة مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل من لَيْلَة الْقدر من وُجُوه ثَلَاثَة أَحدهمَا أَن لَيْلَة المولد لَيْلَة ظُهُوره وَلَيْلَة الْقدر معطاة لَهُ وَمَا شرف بِظُهُور ذَات المشرف من اجله فضل مِمَّا شرف سَبَب مَا اعطيه وَلَا نزاغ فِي ذَلِك فَكَانَت لَيْلَة المولد بِهَذَا الِاعْتِبَار أفضل الثَّانِي أَن لَيْلَة الْقدر شرفت بنزول الْمَلَائِكَة فِيهَا وَلَيْلَة المولد شرفت بظهوره فِيهَا وَمن شرفت بِهِ لَيْلَة المولد أفضل مِمَّن شرفت بِهِ لَيْلَة الْقدر على الْأَصَح المرتضى فَتكون لَيْلَة المولد أفضل الثَّالِث أَن لَيْلَة الْقدر وَقع التَّفْضِيل فِيهَا على أمة مُحَمَّد وَلَيْلَة المولد الشريف وَقع التَّفْضِيل فِيهَا على سَائِر الموجودات فَهُوَ الَّذِي بَعثه الله رَحْمَة للْعَالمين فعمت بِهِ النِّعْمَة على جَمِيع الْخَلَائق فَكَانَت لَيْلَة المولد أَعم نفعا فَكَانَت أفضل قَالَ فِي الْجمع الْغَرِيب فِيمَا يسر الكئيب قَالَ أهل السّير ارضعت رَسُول الله أمه آمِنَة ثَلَاثَة أَيَّام وَقيل سَبْعَة أَيَّام ثمَّ أَرْضَعَتْه ثويبة جَارِيَة عَمه أبي لَهب وَهِي الَّتِي بَشرته بولادته فَأعْتقهَا فَرحا بِابْن أَخِيه ثمَّ بَدَت عداوته لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فأثابه الله على ذَلِك بِأَن سقَاهُ لَيْلَة كل اثْنَيْنِ فِي مثل نقرة الإبهان بلبان أمه وَقد رأى الْعَبَّاس أَبَا لَهب بعد مَوته فِي النّوم فَقَالَ لَهُ مَا حالك فَقَالَ لَهُ فِي النَّار إِلَّا أَنه خفف عني كل لَيْلَة اثْنَيْنِ وأمصني من بَين إصبعي هَاتين مَاء بَارِدًا وَأَشَارَ لَهُ إِلَى اصبعيه وَأَن ذَلِك باعتاقه ثوبيه فَرحا عِنْدَمَا بَشرته بِوِلَادَة ابْن أَخِيه وإرضاعها لَهُ وَكَانَت قد أرضعت قبله عَمه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وأرضعت بعده أَبَا عبد الله سَلمَة بن عبد الْأسد المَخْزُومِي وَهُوَ ابْن عمته بِلَبن ابْنهَا مسروح الَّذِي تزوج بِزَوْجَتِهِ بعد وَفَاته النَّبِي وَهِي الْمَعْرُوفَة بِأم سَلمَة وأرضعت ابْن عَمه أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب ثمَّ أَرْضَعَتْه حليمة بنت عبد الله السعدية بِلَبن ابْنهَا عبد الله من زَوجهَا الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى جَاءَ بعد الْبعْثَة وَأسلم وَظهر لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عِنْد حليمة آيَات كَثِيرَة وَعِنْدهَا شقّ صَدره وملىء إِيمَانًا وَحكمه قيل وأرضعته خَوْلَة بنت الْمُنْذر وَأم أَيمن دايته وحاضنته بعد موت أمه وَله حِين حضنته أَربع سِنِين وردته حليمة إِلَى أمه بعد سنتَيْن فَكَانَ عِنْد أمه آمِنَة إِلَى أَن بلغ سِتّ سِنِين فَخرجت بِهِ إِلَى أخوال أَبِيه بني عدي بن النجار تزورهم وَمَعَهَا أم أَيمن تحضنه فأقامت بِهِ عِنْدهم شهرا ثمَّ رجعت بِهِ إِلَى مَكَّة فَلَمَّا كَانَت بالأبواء توفيت وقبرها هُنَالك روى أَبُو نعيم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أم سَمَّاعَة بنت رهم عَن أمهَا قَالَت شهِدت آمِنَة فِي علتها الَّتِي مَاتَت بهَا وَمُحَمّد غُلَام لَهُ خمس سِنِين فَنَظَرت إِلَى وَجهه ثمَّ قَالَت // (من الرجز) // (بَارك فِيك الله من غُلَام ... يَابْنَ الّذي من حومة الْحمام) (نجا بعون الْملك العلاّم ... فودى غَدَاة الضّرب بالسّهام) (بمائةٍ من إبلٍ سوام ... إِن صحّ مَا أَبْصرت فِي الْمَنَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 (فَأَنت مبعوثٌ إِلَى الْأَنَام ... من عِنْد ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام) (تبْعَث فِي الحلّ وَفِي الْحَرَام ... تبْعَث بالتّحقيق وَالْإِسْلَام) (دين أَبِيك البرّ إبراهام ... فَالله ينهاك عَن الْأَصْنَام) (أَن لَا تواليها مَعَ الأقوم ... ) ثمَّ قَالَت كل حَيّ ميت وكل جَدِيد بَال وكل كَبِير يفنى وَأَنا ميتَة وذكري بَاقٍ وَلَقَد تركت خيرا وَولدت طهرا ثمَّ مَاتَت فَسمع من نوح الْجِنّ عَلَيْهَا قَوْلهم // (من الرجز) // (نبكي الفتاة البرّة الأمينة ... ذَات الحيا والعفّة الرّزينة) (زَوْجَة عبد الله والقرينة ... أُمّ نبيّ الله ذِي السّكينة) (وَصَاحب الْمِنْبَر بِالْمَدِينَةِ ... صَارَت لَدَى حفرتها رهينة) روى إِسْحَاق بن ارهوية وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن حليمة قَالَت قدمت مَكَّة فِي نسْوَة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء فِي سنة شهباء فَقدمت على أتان لي وَمَعِي صبي لنا وشارف وَالله مَا تبض بقطرة وَمَا ننام ليلنا ذَلِك أجمع صبينا لَا يجد فِي ثديي مَا يُغْنِيه وَلَا شرفنا مَا يغذيه فقدمنا مَكَّة فو الله مَا علمت امْرَأَة منا إِلَّا أخذت رضيعاً غَيْرِي فَلَمَّا لم أجد غَيره قلت لزوجي وَالله إِنِّي لأكْره إِن ارْجع من بَين صواحبي لَيْسَ معي رَضِيع لأنطلقن إِلَى ذَلِك الْيَتِيم فلآخذنه فَذَهَبت فَإِذا هُوَ مدرج فِي ثوب صوف أَبيض من اللَّبن يفوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 مِنْهُ الْمسك وَتَحْته حريرة خضراء رَاقِد على قَفاهُ يغط فَأَشْفَقت أَن أيقظه من نَومه لحسنه وجماله فدنوت مِنْهُ رويداً فَوضعت يَدي على صَدره فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا وَفتح عَيْنَيْهِ لينْظر إِلَيّ فَخرج من عَيْنَيْهِ نور وصل عنان السَّمَاء وَأَنا أنظر فقبلته بَين عَيْنَيْهِ وأعطيته ثديي الْأَيْمن فَأقبل عَلَيْهِ مَا شَاءَ من لبن فحولته إِلَى الْأَيْسَر فَأبى وَكَانَت تِلْكَ حَاله بعد قَالَ أهل الْعلم أعلمهُ الله أَن لَهُ شَرِيكا فألهمه الْعدْل قَالَت فروى وروى أَخُوهُ ثمَّ أَخَذته فَمَا هُوَ إِلَّا أَن جِئْت بِهِ رحلي فَقَامَ صَاحِبي تَعْنِي زَوجهَا إِلَى شارفنا تِلْكَ اللَّيْلَة فَإِذا إِنَّهَا لحافل فَشرب وشربت حَتَّى روينَا وبتنا بِخَير لَيْلَة فَقَالَ صَاحِبي يَا حليمة وَالله إِنِّي لأرَاك قد أخذت خيرا وَفِي رِوَايَة ذكرهَا فِي الْمنطق الْمَفْهُوم فَلَمَّا نظر صَاحِبي إِلَى هَذَا قَالَ اسكتي واكتمي أَمرك فَمن لَيْلَة ولد هَذَا الْمَوْلُود اصحبت الْأَحْبَار قواما على اقدامهها لَا يهنأ لَهَا عَيْش النَّهَار وَلَا نوم اللَّيْل قَالَت حليمة فودع النَّاس بَعضهم بَعْضًا وودعت أَنا أم النَّبِي ثمَّ ركبت اتاني وَأخذت مُحَمَّدًا بَين يَدي قَالَت فَنَظَرت إِلَى الأتان وَقد سجدت نَحْو الْكَعْبَة ثَلَاث سَجدَات وَرفعت رَأسهَا إِلَى السَّمَاء ثمَّ مشت حَتَّى سبقت دَوَاب النَّاس الَّتِي كَانَت معي وَصَارَ النَّاس يتعجبون مني وَيَقُلْنَ النِّسَاء لي وَهن ورائي يَا بنت أبي ذُؤَيْب اهذه اتانك الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا وَأَنت جائية مَعنا تخفضك تَارَة وترفعك أُخْرَى فَأَقُول تالله إِنَّهَا هِيَ فيتعجبن مِنْهَا وَيَقُلْنَ إِن لَهَا لشأناً عَظِيما قَالَت فَكَانَت أَتَانِي تنطق وَتقول وَالله إِن لي شَأْنًا ثمَّ لشأنا بَعَثَنِي بعد موتِي ورد سمني بعد هزلي ويحكن يَا نسَاء بني سعد إنكن لفي غَفلَة أَتَدْرِينَ من على ظَهْري على ظَهْري خير النَّبِيين وَسيد الْمُرْسلين وَخير الْأَوَّلين والآخرين وحبِيب رب الْعَالمين قَالَت حليمة فِيمَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَغَيره ثمَّ قدمنَا منَازِل بني سعد فَلَا أعلم أَرضًا من أَرض الله أجدب مِنْهَا فَكَانَت غنمي تروح شباعاً لَبَنًا فنحلب وَنَشْرَب وَمَا يحلب إِنْسَان قَطْرَة لبن وَلَا يجدهَا فِي ضرع حَتَّى كَانَ الْحَاضِرُونَ من قَومنَا يَقُولُونَ لرعيانهم اسرحوا حَيْثُ يسرح راعي غنم بنت أبي ذُؤَيْب فتروح أغنامهم جياعاً مَا تبض بقطرة وَتَروح أغنامنا شباعاً لَبَنًا فَللَّه درها من بركَة وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عساكرعن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَت حليمة تحدث أَنَّهَا أول مَا فطمت رَسُول الله فَقَالَ الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا فَلَمَّا ترعرع كَانَ يخرج ينظر إِلَى الصّبيان يَلْعَبُونَ فيجتنبهم وَقد روى ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَنهُ كَانَت حليمة لَا تَدعه يذهب مَكَانا بَعيدا فغفلت عَنهُ فَخرج مَعَ أُخْته الشيماء إِلَى البهم فَخرجت حليمة تطلبه حَتَّى تَجدهُ فَوَجَدته مَعَ أُخْته فَقَالَت فِي هَذَا الْحر فَقَالَت أُخْته يَا أمه مَا وجدنَا حرا رَأَيْت غمامة تظل عَلَيْهِ إِذا وقف وقفت وَإِذا سَار سَارَتْ مَعَه حَتَّى انْتهى إِلَى هَذَا الْموضع قَالَ أهل السّير كَانَت سنة الْعَرَب فِي الْمَوْلُود إِذا ولد فِي اسْتِقْبَال اللَّيْل كفئوا عَلَيْهِ قدرا حَتَّى يصبح فَفَعَلُوا ذَلِك بِالنَّبِيِّ فَأَصْبحُوا وَقد انْشَقَّ عَنهُ الْقدر وَهُوَ شاخص بَصَره إِلَى السَّمَاء وَفِي المنتفى إِن أمه لما وَلدته أرْسلت إِلَى جده عبد الْمطلب فَجَاءَهُ البشير وَهُوَ جَالس فِي الْحجر مَعَه وَلَده وَرِجَال من قومه فَقَامَ هُوَ وَمن كَانَ مَعَه وَدخل عَلَيْهَا فَأَخْبَرته بِمَا كَانَت رَأَتْهُ مِمَّا تقدم ذكره وَمَا قيل لَهَا وَمَا أمرت بِهِ فَأَخذه عبد الْمطلب فَأدْخلهُ جَوف الْكَعْبَة وَقَامَ عِنْدهَا يَدْعُو الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُ ويشكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 على مَا أعطَاهُ وَأمر بالجزائر فنحرت ودعا رجَالًا من قُرَيْش فَحَضَرُوا وطعموا وَفِي بعض الْكتب كَانَ ذَلِك يَوْم سابعه يَعْنِي عقيقته فَلَمَّا فرغوا من الْأكل قَالُوا مَا سميته قَالَ سميته مُحَمَّدًا قَالُوا رغبت عَن أَسمَاء آبَائِهِ قَالَ أردْت أَن يكون مَحْمُودًا فِي السَّمَاء لله وَفِي الأَرْض لخلقه فحقق الله رَجَاءَهُ وَلما وَلدته أمه آمِنَة أَرْضَعَتْه ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أَرْضَعَتْه ثويبة الأسْلَمِيَّة جَارِيَة عَمه أبي لَهب أَيَّامًا قبل قدوم حليمة من قبيلتها ثمَّ أَرْضَعَتْه حليمة كَمَا تقدم روى أَنه ارضعت النَّبِي ثَمَان نسْوَة غير أمه ثويبة وحليمة وَخَوْلَة بنت الْمُنْذر وَأم أَيمن وَامْرَأَة سعدية غير حليمة وَثَلَاث نسْوَة من سليم اسْم كل وَاحِدَة عَاتِكَة هُوَ المُرَاد من قَوْله أَنا ابْن العواتك من سليم كَذَا قَالَه الإِمَام السُّهيْلي نَاقِلا لَهُ عَن بعض الْعلمَاء لَكِن الْمَشْهُور أَن العواتك الْمشَار إلَيْهِنَّ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَاتِكَة بنت هِلَال بن فالح بن ذكْوَان السلمِيَّة وَهِي أم عبد منَاف جده وَالثَّانيَِة عَاتِكَة بنت مرّة بن هِلَال بن فالح بن ذكْوَان السلمِيَّة أَيْضا وَهِي أم هَاشم بن عبد منَاف وَالثَّالِثَة عَاتِكَة بنت الأوقص بن مرّة بن هِلَال بن فالح بن ذكْوَان وَهِي أم وهب أبي أمه آمِنَة فَهِيَ جدته أم أبي آمِنَة فَالْأولى عمته وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة عمته وَبَنُو سليم يفتخرون بِهَذِهِ الْولادَة وَكَانَت أُخْته من الرضَاعَة تحضنه وترقصه فَتَقول // (من الرجز) // (هَذَا أخٌ لي لم تلده أُمّي ... وَلَيْسَ من نسل أبي وعمّي) (فديته من مخول معمّ ... فأنمه اللهمّ فِيمَا تنمي) وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والخطيب الْبَغْدَادِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ قلت يَا رَسُول الله دَعَاني للدخول فِي دينك أَمارَة لنبوتك رَأَيْتُك فِي المهد تناغي الْقَمَر وتشير إِلَيْهِ بإصبعك فَحَيْثُ أَشرت إِلَيْهِ مَال فَقَالَ إِنِّي كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عَن الْبكاء وأسمع وجبته حِين يسْجد تَحت الْعَرْش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَفِي سيرة الْوَاقِدِيّ أَنه تكلم فِي أَوَائِل مَا ولد وَذكر ابْن سبع فِي الخصائص إِن مهده كَانَ يَتَحَرَّك بتحريك الْمَلَائِكَة لَهُ قَالَ فِي الْمَوَاهِب قَالَت حليمة وَمن الْعَجَائِب أَنِّي مَا رَأَيْت لَهُ بولاً وَلَا غسلت لَهُ وضُوءًا قطّ وَكَانَت لَهُ طَهَارَة ونظافة وَكَانَ لَهُ فِي كل يَوْم وَقت وَاحِد يتَوَضَّأ فِيهِ وَلَا يعود حَتَّى يَأْتِي وقته الآخر من الْغَد وَلم يكن شَيْء أبْغض إِلَيْهِ من أَن يرى جسده مكشوفاً فَكنت إِذا كشفت عَن جسده يَصِيح حَتَّى أستره عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يبكي قطّ وَلَا يسيء خلقه وروى عَن ابْن عَبَّاس كَانَت حليمة تحدث أَنَّهَا أول مَا فَطَمته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تكلم فَقَالَ الله اكبر كَبِير وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا وَفِي تَارِيخ الْخَمِيس عَن المنتقي قَالَت حليمة انْتَبَهت لَيْلَة من اللَّيَالِي فَسَمعته يتَكَلَّم بِكَلَام لم أسمع كلَاما قطّ أحسن مِنْهُ فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قدوساً قدوساً نَامَتْ الْعُيُون والرحمن لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وَهُوَ أول مَا تكلم فَكنت أتعجب من ذَلِك فَلَمَّا بلغ الْمنطق لم يمس شَيْئا إِلَّا قَالَ بِسم الله وَلم يتَنَاوَل شَيْئا بيساره بل بِيَمِينِهِ وَكنت قد اجْتنبت الزَّوْج إِلَّا إِن اغْتَسَلت مِنْهُ هَيْبَة لرَسُول الله حَتَّى تمت لَهُ سنتَانِ كاملتان فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعد فِي حجري ذَات يَوْم إِذْ مرت بِهِ غنيمات فَأَقْبَلت شَاة من الْغنم حَتَّى سجدت لَهُ وَقبلت رَأسه ثمَّ رجعت إِلَى صواحباتها وَكَانَ ينزل عَلَيْهِ كل يَوْم نور كنور الشَّمْس فيغشاه ثمَّ ينجلي عَنهُ قَالَ الْعَلامَة الْقُسْطَلَانِيّ وَلما ترعرع كَانَ يخرج إِلَى الصّبيان وهم يَلْعَبُونَ فيجتنبهم وَفِي الْمُنْتَقى كَانَ أَخَوَاهُ من الرَّضَاع يخرجَانِ فيمران بالغلمان فيلعبان مَعَهم فَإِذا رَآهُمْ النَّبِي اجتنبهم وَأخذ بيد أَخَوَيْهِ وَقَالَ لَهما إِنَّا لم نخلق لهَذَا وَلما مَضَت لَهُ سنتَانِ من مولده قَالَت حليمة فصلته وقدمناه بِهِ على أمه وَنحن أحرص شَيْء على مكثه فِينَا لما نرى من بركته وكلمنا أمه وَقُلْنَا لَو تركتيه عندنَا حَتَّى يغلط فَإنَّا نخشى عَلَيْهِ وباء مَكَّة وَلم نزل بهَا حَتَّى ردته مَعنا فرجعنا بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 فوَاللَّه إِنَّه لبعد مقدمنا بشهرين أَو بِثَلَاثَة أشهر مَعَ أَخِيه من الرَّضَاع خلف بُيُوتنَا إِذْ أَتَانَا أَخُوهُ يشْتَد فَقَالَ يَا أُمَّاهُ ذَلِك أخي الْقرشِي قد جَاءَ رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاه وشقا بَطْنه قَالَت حليمة فَخرجت أَنا وَأَخُوهُ وَأَبوهُ نشتد نَحوه فوجدناه قَائِما منتقعاً لَونه فاعتنقه أَبوهُ وَقَالَ أَي بني مَا شَأْنك قلت هَذِه هِيَ الْمرة الأولى من مَرَّات شقّ صَدره الشريف كَمَا سَيَأْتِي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جَاءَنِي رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاني ثمَّ شقا بَطْني ثمَّ استخرجا مِنْهُ شَيْئا فطرحاه ثمَّ رداه كَمَا كَانَ فرجعنا بِهِ فَقَالَ أَبوهُ يَا حليمة لقد خشيت أَن يكون ابْني هَذَا قد أُصِيب فانطلقي نرده إِلَى أَهله قبل أَن يظْهر بِهِ مَا يتخوف قَالَت حليمة فاحتملناه حَتَّى قدمنَا بِهِ على أمه فَقَالَت مَا لَكمَا رددتماه وَقد كنتما حريصين عَلَيْهِ قَالَا نخشى الْأَحْدَاث عَلَيْهِ فَقَالَت أمه آمِنَة مَا ذَاك بكما فاصدقاني مَا شأنكما فَلم تدعنا حَتَّى أخبرناها خَبره فَقَالَت خشيتما عَلَيْهِ الشَّيْطَان كلا وَالله مَا للشَّيْطَان عَلَيْهِ سَبِيل فانه لكائن لَا بني هَذَا شَأْنًا فَدَعَاهُ عنكما وَقد وَقع شقّ صَدره الشريف مرّة أُخْرَى عِنْد مَجِيء جِبْرِيل بِالْوَحْي فِي غَار حراء وَهَذِه هِيَ الْمرة الثَّانِيَة وَمرَّة أُخْرَى عِنْد الْإِسْرَاء وَهِي الْمرة الثَّالِثَة وَعَن حليمة أَنَّهَا قَالَت لما تمّ لَهُ سنتَانِ قَالَ لي يَا أُمَّاهُ مَالِي لَا أرى أخوي أَي بِالنَّهَارِ قَالَت يَا بني إنَّهُمَا يرعيان غنيمات لنا قَالَ فَمَا لي لَا أخرج مَعَهُمَا قَالَت أَتُحِبُّ ذَلِك قَالَ نعم فَلَمَّا أصبح دهنته وكحلته وعلقت فِي عُنُقه خيطاً فِيهِ جزع يمَان فَنَزَعَهُ ثمَّ قَالَ لي مهلا يَا أُمَّاهُ فَإِن معي من يحفظني قَالَت ثمَّ دَعَوْت يَا بني فَقلت لَهما أوصيكما بِمُحَمد خيرا لَا تفارقاه وَليكن نصب أعينكما فَخرج مَعَ أَخَوَيْهِ فِي الْغنم فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِم مَعَهُمَا إِذْ أَتَاهُ الرّجلَانِ الْمَذْكُورَان وهما جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل ومعهما طشت من ذهب فِيهِ مَاء بثلج فاستخرجاه من الْغنم والصبية فشقا بَطْنه وشرحا صَدره واستخرجا مِنْهُ نُكْتَة سَوْدَاء وغسلاه بذلك المَاء والثلج وحشى إِيمَانًا وَحِكْمَة ومسحا عَلَيْهِ وَعَاد كَمَا كَانَ ثمَّ قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه زنه بِعشْرَة من أمته فوزن فرجح بهم ثمَّ قَالَ زنه بِمِائَة فوزن فرجح ثمَّ قَالَ زنه بالف فوزن فرجح ثمَّ قَالَ دَعَتْهُ عَنْك فَلَو وزنته بأمته كلهَا لوزنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَفِي رِوَايَة ثمَّ قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه اغسل بَطْنه غسل الْإِنَاء وَغسل قلبه غسل الملاء ثمَّ قَالَ خطّ بَطْنه فخاطه وَجعل الْخَاتم بَين كَتفيهِ كَمَا هُوَ الْآن وَفِي الحَدِيث إِن خَاتم النُّبُوَّة لم يكن قبل ذَلِك قَالَت حليمة فحملناه إِلَى مخيم لنا فَقَالَ النَّاس اذْهَبُوا بِهِ إِلَى كَاهِن ينظر إِلَيْهِ ويداويه فَقَالَ مَا بِي شَيْء مِمَّا تكرهونه وَإِنِّي أرى نَفسِي سليمَة وفؤادي صَحِيحا بِحَمْد الله تَعَالَى قَالَ النَّاس أَصَابَهُ لمَم أَو طائف من الْجِنّ قَالَت حليمة فغلبوني على رَأْيِي حَتَّى انْطَلَقت بِهِ إِلَى الكاهن فقصصت عَلَيْهِ قصَّته من أَولهَا إِلَى آخرهَا فَقَالَ الكاهن دعيني أسمع من الْغُلَام فَإِنَّهُ أبْصر بأَمْره مِنْكُم تكلم يَا غُلَام قَالَت فَقص ابْني مُحَمَّد قصَّته من أَولهَا إِلَى آخرهَا عَلَيْهِ فَوَثَبَ الكاهن على قَدَمَيْهِ وضمه إِلَى صَدره ونادى بِأَعْلَى صَوته يَا للْعَرَب من شَرّ قد اقْترب اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَام واقتلوني مَعَه فَإِنَّكُم إِن تَرَكْتُمُوهُ وَبلغ مبلغ الرِّجَال ليسفهن أحلامكم وليبدلن أديانكم إِلَى رب لَا تعرفونه وَدين تُنْكِرُونَهُ قَالَت حليمة فَلَمَّا سَمِعت مقَالَته انتزعته من يَده وَقلت أَنْت أعته وأجن من ابْني وَلَو علمت أَن هَذَا يكون مِنْك مَا أَتَيْتُك بِهِ اطلب لنَفسك من يقتلك فانا لَا نقْتل ابْني مُحَمَّدًا فاحتملت بِهِ وأتيت بِهِ منزلي فَمَا بَقِي يَوْمئِذٍ بَيت فِي بني سعد إِلَّا وجد مِنْهُ ريح الْمسك وَكَانَ ينْقض عَلَيْهِ فِي كل يَوْم طيران ابيضان يعيبان فِي ثِيَابه وَلَا يظهران فَلَمَّا رأى أَبوهُ ذَلِك قَالَ لي يَا حليمة إِنَّا لَا نَأْمَن على هَذَا الْغُلَام وخشيت عَلَيْهِ من أَتبَاع الكهنة فألحقيه بأَهْله قبل أَن يُصِيبهُ عندنَا شَيْء قَالَت حليمة فَلَمَّا عزمت على ذَلِك سَمِعت صَوتا فِي جَوف اللَّيْل يُنَادي ذهب ربيع الْخَيْر وامان بني سعد هينئا لبطحاء مَكَّة إِذْ كَانَ مثلك فِيهَا فَالْآن قد أمنت أَن تخرب أَو يُصِيبهَا بؤس بدخولك إِلَيْهَا يَا خير الْبشر قَالَت فَلَمَّا اصبحت ركبت اناتي وَوضعت النَّبِي بَين يَدي فَلم أكن أقدر مِمَّا كنت أنادي يمنة ويسرة حَتَّى انْتَهَيْت بِهِ إِلَى الْبَاب الْأَعْظَم من أَبْوَاب مَكَّة وَعَلِيهِ جمَاعَة مجتمعون فَنزلت لأقضي حَاجَة وانزلت النَّبِي فغشيني كالسحابة الْبَيْضَاء وَسمعت صَوتا شَدِيدا فَفَزِعت وَجعلت ألتفت يمنة ويسرة وَنظرت فَلم أر النَّبِي فَصحت يَا معشر قُرَيْش الْغُلَام الْغُلَام قَالُوا وَمَا الْغُلَام قلت مُحَمَّد بن آمِنَة فَجعلت أبْكِي وأنادي وامحمداه فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذْ أَنا بشيخ كَبِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 قد استقبلني فَقَالَ مَا لَك أيتها السعدية قلت إِن لي قصَّة عَظِيمَة مُحَمَّد بن امنة ارضعته ثَلَاث سِنِين لَا أفارقه ليله وَلَا نَهَاره فعيشني الله بِهِ وانضر وَجْهي وَجئْت لأؤدي لأمه الْأَمَانَة ليخرج من عهدي وأمانتي فاختلس مني اختلاساً قبل أَن تمس قدمه الأَرْض فَقَالَ الشَّيْخ لَا تبْكي أيتها السعدية ادخلي على هُبل فتضرعي إِلَيْهِ فَلَعَلَّهُ يردهُ عَلَيْك فَإِنَّهُ الْقوي على ذَلِك الْعَالم بأَمْره فَقلت أَيهَا الشَّيْخ كَأَنَّك لم تشهد ولادَة مُحَمَّد لَيْلَة ولد مَا نزل بِاللات والعزى فَقَالَ أيتها السعدية إِنِّي أَرَاك جزعة وَأَنا أَدخل على هُبل وأذكر أَمرك لَهُ فقد قطعت أكبادنا ببكائك مَا لأحد من النَّاس على هَذَا صَبر قَالَت فَقَعَدت مَكَاني متحيرة وَدخل الشَّيْخ على هُبل وَعَيناهُ تَذْرِفَانِ بالدموع فَسجدَ طَويلا وَطَاف بِهِ أسبوعاً ثمَّ نَادَى يَا عَظِيم الْمِنَّة يَا قَوِيا فِي الْأُمُور إِن منتك على قُرَيْش كثير وَهَذِه السعدية مُرْضِعَة مُحَمَّد تبْكي قد قطع بكاؤها الأنياط فَإِن رَأَيْت أَن ترده عَلَيْهَا إِن شِئْت فارتج وَالله الصَّنَم وتنكس وَمَشى على رَأسه وَسمعت مِنْهُ صَوتا يَقُول أَيهَا الشَّيْخ أَنْت فِي غرور مَا لي ولمحمد وَإِنَّمَا يكون هلاكنا على يَدَيْهِ وَإِن رب مُحَمَّد لم يكن ليضيعه بل يحفظه أبلغ عَبدة الْأَوْثَان أَن مَعَه الذّبْح الْأَكْبَر إِلَّا أَن يدخلُوا فِي دينه قَالَ فَخرج الشَّيْخ فَزعًا مَرْعُوبًا يسمع لسنه قعقعة ولركبه اصطكاك فَقَالَ لي يَا حليمة مَا رَأَيْت من هُبل مثل هَذَا فاطلبي ابْنك إِنِّي لأرى لهَذَا الْغُلَام شَأْنًا عَظِيما قَالَت فَقلت لنَفْسي كم تكتمي أمره عَن جده عبد الْمطلب أبلغيه الْخَبَر قبل أَن يَأْتِيهِ من غَيْرك قَالَت فَدخلت على جده عبد الْمطلب فَلَمَّا نظر إِلَيّ قَالَ يَا حليمة مَا لي أَرَاك جزعة باكية وَلَا أرى مَعَك مُحَمَّدًا فَقلت يَا أَبَا الْحَارِث جِئْت بِمُحَمد أسر مَا كَانَ فَلَمَّا صرت على الْبَاب الْأَعْظَم من ابوب مَكَّة نزلت لأقضي حَاجَتي فاختلس مني اختلاساً قبل أَن تمس قدمه الأَرْض فَقَالَ لي اقعدي يَا حليمة ثمَّ علا الصَّفَا فَنَادَى يَا آل غَالب فاجتمعت إِلَيْهِ الرِّجَال فَقَالُوا لَهُ نعم يَا أَبَا الْحَارِث فقد أجبناك فَقَالَ لَهُم إِن ابْني مُحَمَّدًا فقد فَقَالُوا لَهُ اركب يَا أَبَا الْحَارِث حَتَّى نركب مَعَك قَالَت فَركب عبد الْمطلب وَركب النَّاس مَعَه فَأخذ بِأَعْلَى مَكَّة فانحدر بأسفلها فَلم ير شَيْئا فَلَمَّا لم ير شَيْئا ترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 النَّاس فاتزر بِثَوْب وارتدى بآخر وَأَقْبل إِلَى الْبَيْت الشريف فَطَافَ بِهِ أسبوعاً وأنِشأ يَقُول // (من الرجز) // (يَا ربّ ردّ راكبي محمّدا ... رد إِلَيّ وَاتخذ عِنْدِي يدا) (أَنْت الّذي جعلته لي عضدا ... لَا يبعد الدّهر بِهِ فيبعدا) (يَا ربّ إِن محمّدٌ لم يوجدا ... فَجمع قومِي كلّهم تبدّدا) قَالَت فسمعنا منادياً يُنَادي من جو الْهَوَاء معاشر النَّاس لَا تضجوا فَإِن لمُحَمد رَبًّا لَا يضيعه وَلَا يَخْذُلهُ قَالَ عبد الْمطلب ياأيها الْهَاتِف من لنا بِهِ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ بوادي تهَامَة فَأقبل عبد الْمطلب رَاكِبًا متسلحاً فَلَمَّا صَار فِي بعض الطَّرِيق تَلقاهُ ورقه بن نَوْفَل فسارا جَمِيعًا فَبَيْنَمَا هما كَذَلِك إِذْ النَّبِي تَحت شَجَرَة وَفِي روية بَيْنَمَا أَبُو مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَعَمْرو بن نَوْفَل يدوران على رواحلهما إِذا هما برَسُول الله قَائِما عِنْد شَجَرَة الطلحة هِيَ الموز يتَنَاوَل من وَرقهَا فَأقبل عَلَيْهِ عَمْرو وَهُوَ لَا يعرفهُ فَقَالَ لَهُ من أَنْت يَا غُلَام فَقَالَ أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم فاحتمله بَين يَدَيْهِ على الرَّاحِلَة حَتَّى عبد الْمطلب روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لما رد الله مُحَمَّدًا على عبد الْمطلب تصدق بِأَلف نَاقَة كوماء وَخمسين رطلا من الذَّهَب ثمَّ جهز حليمة بِأَفْضَل جهاز قَالَ فِي تَارِيخ الْخَمِيس روى نَافِع بن جُبَير أَنه كَانَ رَسُول الله مَعَ أمه آمِنَة بعد رد حليمة إِيَّاه لَهَا فَلَمَّا توفيت ضمه وكفله جده عبد الْمطلب ورق عَلَيْهِ رقة لم يرقها على وَلَده وَكَانَ يقربهُ مِنْهُ وَيدخل عَلَيْهِ إِذا خلا وَإِذا نَام وَكَانَ يجلس على فرَاشه وَكَانَ أَوْلَاده لَا يَجْلِسُونَ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي الْعَبَّاس بن عبد الله بن معبد عَن بعض أَهله قَالَ كَانَ يوضع لعبد الْمطلب فرَاش فِي ظلّ الْكَعْبَة وَكَانَ لَا يجلس عَلَيْهِ أحد من بنيه اجلالا لَهُ وَكَانَ رَسُول الله يَأْتِي حَتَّى يجلس عَلَيْهِ فَيذْهب أَعْمَامه ليؤخروه عَنهُ فَيَقُول عبد الْمطلب دعوا ابْني وَيمْسَح على ظَهره وَيَقُول إِن لِابْني هَذَا شَأْنًا كَذَا قَالَه ابْن الْأَثِير فِي أَسد الغابة وَقَالَ قوم من بني مُدْلِج وهم مَشْهُورُونَ بالقيافة يَا عبد الْمطلب احتفظ بِهِ فَإنَّا لم نر قدماً أشبه بالقدم الَّذِي فِي مقَام إِبْرَاهِيم مِنْهُ فَقَالَ عبد الْمطلب لأبي طَالب اسْمَع مَا يَقُول هَؤُلَاءِ فِي ابْن أَخِيك وَقَالَ عبد الْمطلب لأم أَيمن وَكَانَت تحضنه لَا تغفلي عَن ابْني فَإِن أهل الْكتاب يَزْعمُونَ أَنه نَبِي هَذِه الْأمة وَكَانَ عبد الْمطلب لَا يَأْكُل طَعَاما إِلَّا قَالَ عَليّ بِابْني فَيُؤتى بِهِ إِلَيْهِ فَلَمَّا حضرت عبد الْمطلب الْوَفَاة أوصى بِهِ أَبَا طَالب وروى إِن رَسُول الله أَصَابَهُ رمد شَدِيد فعولج بِمَكَّة فَلم يغن عَنهُ فَقيل لعبد الْمطلب إِن فِي نَاحيَة عكاظ كَاهِنًا يعالج الْأَعْين فَركب إِلَيْهِ عبد الْمطلب فناداه ودير الراهب مغلق عَلَيْهِ لَا يجِيبه فتزلزل بِهِ ديره حَتَّى خَافَ أَن يسْقط عَلَيْهِ فَخرج مبادراً فَقَالَ يَا عبد الْمطلب إِن هَذَا الْغُلَام نَبِي هَذِه الْأمة وَلَو لم أخرج إِلَيْك لخر ديري فَارْجِع بِهِ واحفظه لَا يغتاله بعض أهل الْكتاب ثمَّ عالجه وروى عَن رقيقَة بنت صَيْفِي بن هَاشم أَنَّهَا قَالَت تَتَابَعَت على قُرَيْش سنُون حَتَّى يَبِسَتْ الضروع ودقت الْعِظَام فَبَيْنَمَا أَنا رَاقِدَة إِذْ أَنا بهاتف يصْرخ بِصَوْت صَحِلَ يَقُول يَا معشر قُرَيْش إِن هَذَا النَّبِي الْمَبْعُوث مِنْكُم هَذَا إبان نجومه أَي هَذَا وَقت ظُهُوره فَحَيَّهَلا بالحيا وَالْخصب إِلَّا فانظروا مِنْكُم رجَالًا طوَالًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 عظاماً أَبيض بضاً أَشمّ الْعرنِين سهل الْخَدين لَهُ فَخر يَكْظِم عَلَيْهِ وَسنة تهدي إِلَيْهِ ويروى رجلا وَسِيطًا عظاماً جِسَامًا أَوْطَفُ الْأَهْدَاب أَلا فَلْيخْلصْ هُوَ وَولده وليدلف إِلَيْهِ من كل بطن رجل إِلَّا فليشنوا المَاء وليسموا من الطّيب وليطوفوا بِالْبَيْتِ سبعا وَفِيهِمْ المطيب الطَّاهِر لذاته أَلا فليستسق الرجل وليؤمن الْقَوْم أَلا فغثتم مَا شِئْتُم قَالَت فَأَصْبَحت مَذْعُورَة قد وقف جلدي وَذهل عَقْلِي واقتصصت رُؤْيَايَ ونمت فِي شعاب مَكَّة فو الْحُرْمَة وَالْحرم إِن بَقِي بهَا أبطحي إِلَّا قَالَ هَذَا شَبيه الْحَمد عبد الْمطلب والتأمت عِنْده قُرَيْش وانقض إِلَيْهِ رجل من كل بطن فَشُنُّوا المَاء وَمَسُّوا الطّيب وطافوا بِالْبَيْتِ سبعا وَرفع عبد الْمطلب ابْنه مُحَمَّدًا على عَاتِقه وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن سبع سِنِين وارتقوا أَبَا قبيس فَدَعَا واستسقى وَأمن الْقَوْم قَالَت فَمَا وصلوا الْبَيْت حَتَّى انفجرت السَّمَاء بِمَائِهَا وامتلأ الْوَادي قَالَت وَسمعت شُيُوخ الْعَرَب يَقُولُونَ لعبد الْمطلب هَنِيئًا لَك يَا أَبَا الْبَطْحَاء وَفِي ذَلِك يَقُول قَائِلهمْ // (من الْبَسِيط) // (بِشَيْبَة الْحَمد أسْقى الله بَلْدَتنَا ... لمّا فَقدنَا الحيا واجلوّذ الْمَطَر) (فجاد بِالْمَاءِ جونى لَهُ سبلٌ ... سحّاً فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَام والشّجر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 واجلوذ الْمَطَر امْتَدَّ وَقت تَأَخره والجوية هِيَ الحفيرة المستديرة الواسعة الْوسط وكل منفتق جوي كَذَا فِي نِهَايَة ابْن الْأَثِير وَلما بلغ رَسُول الله من الْعُمر ثَمَان سِنِين وشهراً وَعشرَة أَيَّام مَاتَ جده عبد الْمطلب وَسُئِلَ رَسُول الله أَتَذكر موت عبد الْمطلب قَالَ نعم وَأَنا يَوْمئِذٍ ابْن ثَمَان سِنِين وَقيل كَانَ ابْن تسع سِنِين وَقيل عشر وَقيل سِتّ وَقيل ثَلَاث وَقد تقدم ذكر عمر عبد الْمطلب وَأَنه عَاشَ مائَة وَعشْرين وَفِي الْمَوَاهِب مائَة وَأَرْبَعين سنة وَقد عمى قبل مَوته وَدفن على مَا ذكره ابْن عَسَاكِر بالحجون كَذَا فِي شِفَاء الغرام للعلامة التقي الفاسي وَلما توفّي عبد الْمطلب كفله عَمه أَبُو طَالب فضمه إِلَيْهِ وَكَانَ يُحِبهُ حبا شَدِيدا لَا يحب أَوْلَاده كَذَلِك وَلَا ينَام إِلَّا إِلَى جنبه وَيخرج مَعَه حَتَّى يخرج قَالَت أم أَيمن رَأَيْت رَسُول الله يبكي خلف جَنَازَة عبد الْمطلب انْتهى وَقد كَانَت أم أَيمن بركَة دايته وحاضنته بعد موت أمه فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول لَهَا أَنْت امي بعد امي فشب مطهراً من دنس الْجَاهِلِيَّة مبرأً من الْعَيْب وَأعْطى كل خلق جميل حَتَّى لم يكن يعرف إِلَّا بالأمين فَلَمَّا بلغ اثْنَتَيْ عشرَة وشهرين وَعشرَة أَيَّام خرج مَعَ عَمه أبي طَالب إِلَى الشَّام فَرَأى ببصرى بحيرا الراهب فعرفة بِصفتِهِ فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ هَذَا رَسُول رب الْعَالمين قيل وَمَا علمك بذلك قَالَ لم يبْق حِين أقبل حجر وَلَا شجر إِلَّا خر سَاجِدا وَلَا يسجدان إِلَّا لنَبِيّ وَإِنَّا نجده فِي كتبنَا وَقَالَ لأبي طَالب لَئِن قدمت بِهِ إِلَى الشَّام لتقتلنه الْيَهُود فَرده خوفًا عَلَيْهِ ثمَّ خرج رَسُول الله مرّة ثَانِيَة إِلَى الشَّام مَعَ ميسرَة غُلَام خَدِيجَة فِي تِجَارَة لَهَا وعمره خمس وَعِشْرُونَ إِلَّا أَرْبَعَة عشر يَوْمًا بَقينَ من ذِي الْحجَّة فَلَمَّا قدم الشَّام بَاعَ تِجَارَته بسوق بصرى وَنزل تَحت شَجَرَة قَرِيبا من صومعة نسطور فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا نَبِي وَكَانَ ميسرَة يرى فِي الهاجرة ملكَيْنِ يظلانه من الشَّمْس فَلَمَّا رَجَعَ تزوج بخديجة بنت خويلد بن أَسد بعد ذَلِك بشهرين وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا زَوجهَا مِنْهُ عَمها عَمْرو بن أسدد أصدقهَا اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشاً وَلما بلغ خَمْسَة وَثَلَاثِينَ خَافت قُرَيْش أَن تنهدم الْكَعْبَة من السُّيُول فَأمروا بأقوم النجار أَن يبنيها وَشهد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بنيانها وَهُوَ الَّذِي وضع الْحجر الْأسود بِيَدِهِ حِين تنَازع الْقَبَائِل فِيمَن يَضَعهُ حَتَّى كَادُوا يقتتلون وَقد تقدم ذكر ذَلِك مفصلا فِي الْمَقْصد الأول وَلما بلغ أَرْبَعِينَ سنة اختصه الله تَعَالَى وَبَعثه برسالته فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أول مَا بُدِئَ بِهِ من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فِي النّوم فَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء فَكَانَ يخلوا بِغَار حراء فَيَتَحَنَّث فِيهِ أَي يتعبد حَتَّى جَاءَهُ الْحق وَهُوَ فِي الْجَبَل يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر رَمَضَان فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل أبشر يَا مُحَمَّد إِنَّك رَسُول هَذِه الْأمة وَقَالَ {اقْرَأْ} العلق 1 فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا أَنا بقارئ فغطه ثمَّ أرْسلهُ وتكرر ذَلِك فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِي خَلَقَ} العلق 1 إِلَى {يَعْلَمْ} العلق 5 وَذكر أَبُو نعيم أَن جِبْرِيل وَمِيكَائِيل شقا صَدره وغسلاه ثمَّ قَالَا اقْرَأ انْتهى وأنبع لَهُ جِبْرِيل عين مَاء فَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ فجَاء إِلَى خَدِيجَة وَعلمهَا الْوضُوء وَصلى بهَا كَمَا فعل جِبْرِيل فَقَالَ مقَاتل فَكَانَ فرض الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بالعشى حَتَّى فرضت خمس صلوَات لَيْلَة الْإِسْرَاء وَكَانَت خَدِيجَة ذهبت بِهِ إِلَى ابْن عَمها ورقة بن نَوْفَل شيخ كَبِير ترك الْأَوْثَان وَرجع إِلَى النَّصْرَانِيَّة يكْتب بِالْعَرَبِيَّةِ من الْإِنْجِيل الْمَكْتُوب بالعبراني وَصَارَ يعرف مَا فِيهِ فَقَالَت لَهُ وَقد عمى يَا ابْن عَم اسْمَع من ابْن أَخِيك مَا يَقُول فَذكر لَهُ مَا رَآهُ فَقَالَ لَهُ أبشر فَإنَّك نَبِي مُرْسل وَهَذَا الناموس الَّذِي أنزل على مُوسَى يَا لَيْتَني كنت حَيا إِذْ يخْرجك قَوْمك فَقَالَ أَو مخرجى هم فَقَالَ نعم لم يَأْتِ أحد بِمثلِهِ مَا أتيت بِهِ إِلَّا عودي وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزراً ثمَّ لم يلبث ورقة أَن توفّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 فَآمن بِالنَّبِيِّ حِينَئِذٍ أَبُو بكر ثمَّ عَليّ وَقيل عَليّ فَأَبُو بكر ثمَّ زيد بن حَارِثَة ثمَّ عُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد الله وَغَيرهم أَرْسَالًا وَأمره الله تَعَالَى أَن يصدع بِمَا أَمر بِهِ فعاداه قومه وآذوه وَمن آمن بِهِ وَتَبعهُ فَأذن لَهُم فِي الْهِجْرَة إِلَى الْحَبَشَة فِي رَجَب سنة خمس من النُّبُوَّة فَهَاجَرَ اثْنَا عشر رجلا وَأَرْبع نسْوَة أَوَّلهمْ عُثْمَان وَزَوجته رقية ابْنَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَبُو حُذَيْفَة وَزَوجته سهيلة وَأَبُو سَلمَة وَالزُّبَيْر وَمصْعَب وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعُثْمَان ابْن مَظْعُون وعامر بن ربيعَة بن كريز العبشمي وَزَوجته ليلى وَأَبُو سُبْرَة بن أبي رهم وحاطب بن عَمْرو وَسُهيْل بن وهب وَعبد الله بن مَسْعُود الْهُذلِيّ قيل وأميرهم عُثْمَان بن مَظْعُون وَأنْكرهُ الزُّهْرِيّ وَقَالَ لم يكن لَهُم أَمِير وَخَرجُوا مشَاة إِلَى الْبَحْر فاستأجروا سفينة بِنصْف دِينَار وَكَانَ أول من خرج إِلَى الْهِجْرَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَزَوجته رقية وَأخرج يَعْقُوب بن سُفْيَان بِسَنَد مَوْصُول إِلَى أنس قَالَ ابطأ على رَسُول الله خبرهما فَقَالَت امْرَأَة قد رأيتهما وَقد حمل عُثْمَان امْرَأَته على حمَار فَقَالَ إِن عُثْمَان أول من هَاجر بأَهْله بعد لوط فوفدوا على ملكهَا النَّجَاشِيّ واسْمه أَصْحَمَة بن مجْرى فأكرمهم فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش استقرارهم فِي الْحَبَشَة وأمنهم أرْسلُوا عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن أبي ربيعَة بِهَدَايَا وتحف من بِلَادهمْ إِلَى النَّجَاشِيّ وَكَانَ مَعَهم عمَارَة بن الْوَلِيد ليردهم إِلَى قَومهمْ فَأبى ذَلِك وردهما خائبين قَالَ فِي تَارِيخ الْخَمِيس قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق كَانَ من لحق من الْمُسلمين بِأَرْض الْحَبَشَة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَمن النِّسَاء إِحْدَى عشرَة امْرَأَة قرشية وتسع عربيات فَلَمَّا سمعُوا بمهاجر النَّبِي إِلَى الْمَدِينَة رَجَعَ مِنْهُم ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ رجلا وثمان نسْوَة فَمَاتَ مِنْهُم رجلَانِ بِمَكَّة وَحبس سَبْعَة وَشهد بَدْرًا مِنْهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَفِي ذخائر العقبي للمحب الطَّبَرِيّ إِن أم سَلمَة زوج النَّبِي قَالَت لما فتن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 اصحاب النَّبِي بِمَكَّة اشار عَلَيْهِم إِن يلْحقُوا بِأَرْض الْحَبَشَة وَقَالَ إِن بهَا ملكا لَا تظلم النَّاس ببلاده فاخرجوا إِلَيْهِ فَخَرجُوا أَرْسَالًا قَالَت فَلَمَّا نزلنَا أَرض الْحَبَشَة جاورنا بهَا خير جَار من النَّجَاشِيّ فأمنا على ديننَا وعبدنا رَبنَا لَا نؤذى فَلَمَّا بلغ قُرَيْش ذَلِك بعثوا إِلَى النَّجَاشِيّ رجلَيْنِ جلدين من قُرَيْش بِهَدَايَا إِلَى النَّجَاشِيّ مستطرفة من مَتَاع مَكَّة من الْأدم وَغَيره كَانَ الْأدم يعجب النَّجَاشِيّ أَن يهدي إِلَيْهِ فَجمعُوا لَهُ هَدِيَّة عَظِيمَة فِيهَا أَدَم كير وَلم يتْركُوا بطريقاً من بطارقته إِلَّا أهدوا إِلَيْهِ هَدِيَّة ثمَّ بعثوا الرجلَيْن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله ابْن أبي ربعية المَخْزُومِي وَقَالُوا لَهما ادفعوا إِلَى كل بطرِيق هديته قبل أَن تكلما النَّجَاشِيّ ثمَّ قدما إِلَى النَّجَاشِيّ هديته واسألاه أَن يسلمهم إلَيْكُمَا فَلَمَّا قدما دفعا هَدِيَّة البطارقة إِلَيْهِم ثمَّ دفعا هَدِيَّة النَّجَاشِيّ إِلَيْهِ وَقَالا إِنَّه قد صَبأ إِلَى بلد الْملك منا غلْمَان سُفَهَاء فارقوا دين قَومهمْ وَلم يدخلُوا فِي دين الْملك وَجَاءُوا بدين مُبْتَدع لَا نعرفه نَحن وَلَا أَنْت وَقد بعثنَا فيهم اشراف اقوامهم من آبَائِهِم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم إِلَيْهِم فَقَالَ بطارقته صدقُوا أَيهَا الْملك فارددهم إِلَيْهِم فَغَضب النَّجَاشِيّ ثمَّ قَالَ لَا وَالله لَا أرد إلَيْكُمَا قوما جاوروني فنزلوا ببلادي وَجَاءُوا إِلَيّ واختاروني على من سواي حَتَّى أدعوهم فأسألهم مَا يَقُول هَذَانِ فِي أَمرهم فَإِن كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ سلمتهم إِلَيْهِمَا وَإِن كَانُوا غير ذَلِك منعتهم مِنْهُمَا وأحسنت جوارهم مَا جاوروني فَأرْسل إِلَيْهِم فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا أَن جَاءَهُم رَسُوله اجْتَمعُوا ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض مَا تَقولُونَ للرجل إِذا جئتموه قَالَ نقُول وَالله مَا علمنَا وَمَا أمرنَا بِهِ نَبينَا وَأرْسل النَّجَاشِيّ فَجمع بطارقته وأساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُم إِن هَؤُلَاءِ يَزْعمُونَ أَنكُمْ فارقتم دينهم فَأَخْبرُونِي مَا هَذَا الدّين الَّذِي فارقتم فِيهِ قومكم وَلم تدْخلُوا فِي ديني وَلَا فِي دين آخر فَتكلم جَعْفَر بن أبي طَالب فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْملك كُنَّا أهل جَاهِلِيَّة لَا نَعْرِف الله وَلَا رَسُوله نعْبد الْأَصْنَام وَنَأْكُل الْميتَة ونأتي الْفَوَاحِش ونقطع الْأَرْحَام ونسيء الْجوَار يَأْكُل الْقوي منا الضَّعِيف فَكُنَّا على ذَلِك حَتَّى بعث الله إِلَيْنَا رَسُولا منا نَعْرِف نسبه وَصدقه وامانته وعفته فَدَعَانَا إِلَى الله عز وَجل لنوحده ونخلع مَا كُنَّا نعْبد نَحن وآباؤنا من دونه من الْحِجَارَة وأمرنا بِالْمَعْرُوفِ ونهانا عَن الْمُنكر وامرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 بِصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وصلَة الرَّحِم وَحسن الْجوَار والكف عَن الْمَحَارِم والدماء وأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام ولاصدقة وكل مَا يعرف من الْأَخْلَاق الْحَسَنَة ونهانا عَن الزِّنَى وَالْفَوَاحِش وَقَول الزُّور وَقذف الْمُحْصنَات وكل مَا يعرف من السَّيِّئَات وتلا فِينَا تَنْزِيلا لَا يُشبههُ شَيْء فَصَدَّقْنَاهُ وآمنا بِهِ وعرفنا أَن مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحق من عِنْد الله فعبدنا الله وَحده لَا شريك لَهُ وحرمنا مَا حرم علينا وَفعلنَا مَا أحل لنا ففارقنا عِنْد ذَلِك قَومنَا فآذونا وفتنونا عَن ديننَا ليردونا إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان وَأَن نستحل مَا كُنَّا نستحل من الْخَبَائِث فَلَمَّا قهررنا وظلمونا وحالوا بَيْننَا وَبَين ديننَا وبلغوا منا مَا نكره وَلم نقدر على الِامْتِنَاع أمرنَا نَبينَا أَن نخرج إِلَى بلادك اخْتِيَارا لَك على من سواك ورغبنا فِي جوارك ورجونا أَلا نظلم عنْدك أَيهَا الْملك فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيّ هَل مَعكُمْ مِمَّا جَاءَكُم بِهِ عَن الله عز وَجل فَقَالَ لَهُ جَعْفَر نعم قَالَ فاقرأه عَليّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ جَعْفَر صَدرا من كهيعص فَبكى وَالله النَّجَاشِيّ حَتَّى اخضلت لحيته وبكت أساقفتهم حَتَّى اخضلت لحاهم ومصاحفهم ثمَّ قَالَ النَّجَاشِيّ وَالله إِن هَذَا الْكَلَام وَالْكَلَام الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ليخرجان من مشكاة وَاحِدَة ثمَّ قَالَ النَّجَاشِيّ لعَمْرو بن الْعَاصِ ورفيقه أعبيد لكم هم قَالَا لَا قَالَ فلكم عَلَيْهِم دين قَالَا لَا قَالَ فَخلوا سبيلهم قَالَت أم سَلمَة فَلَمَّا خرجنَا قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لَآتِيَنه غَدا فأتهمهم بِمَا أستأصل بِهِ خضراهم فَقَالَ لَهُ عبد الله ابْن أبي ربيعَة وَهُوَ أتقي الرجلَيْن فَإِن لَهُم رحما وَفِي رِوَايَة فَإِن للْقَوْم رحما وَإِن كَانُوا قد خالفوا فَمَا نحب أَن نبلغ ذَلِك مِنْهُم فَقَالَ عَمْرو وَالله لأخبرنه أَنهم يَزْعمُونَ أَن عِيسَى بن مَرْيَم عبد فَلَمَّا كَانَ الْغَد غَدا إِلَيْهِ عَمْرو فَدخل فَقَالَ أَيهَا الْملك إِنَّهُم يخالفونك وَيَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قولا عَظِيما إِنَّهُم يَقُولُونَ إِنَّه عبد فَأرْسل إِلَيْهِم فاسألهم قَالَ النَّجَاشِيّ إِن لم يَقُولُوا فِي عِيسَى مثل قولي اخرجتهم من ارضي فَأرْسل النَّجَاشِيّ إِلَى الْقَوْم قَالَت أم سَلمَة فَكَانَت الدعْوَة الثَّانِيَة أَشد علينا من الأولى فَاجْتمعُوا فَقَالَ بَعضهم لبَعض قد عَرَفْتُمْ أَن عِيسَى إلهه الَّذِي يعبده وَقد عَرَفْتُمْ أَن نَبِيكُم جَاءَكُم بِأَنَّهُ عبد وَأَن مَا يَقُولُونَ هُوَ الْبَاطِل فَمَاذَا تَقولُونَ قَالَ جَعْفَر نقُول وَالله فِيهِ مَا قَالَ عز وَجل وَمَا جَاءَ بِهِ نَبينَا كَائِن فِي ذَلِك مَا هُوَ كَائِن فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُم مَاذَا تَقولُونَ فِي عِيسَى ابْن مَرْيَم فَقَالَ جَعْفَر نقُول فِيهِ مَا جَاءَ بِهِ نَبينَا أَنه عبد الله وَرَسُوله وكلمته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم الْعَذْرَاء البتول فَضرب النَّجَاشِيّ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْض فَأخذ مِنْهَا عوداً فَقَالَ مَا عدا عِيسَى بن مَرْيَم مَا تَقولُونَ مثل هَذَا الْعود فنخرت أساقفته نخرة أَي تَكَلَّمت بلغتهم فَقَالَ لَهُم النَّجَاشِيّ وَإِن نخرتم ثمَّ قَالَ للْمُسلمين اذْهَبُوا فَأنْتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون مَا أحب أَن آذَى مِنْكُم رجلا وَإِن لي دبراً من ذهب والدبر بلسانهم الْجَبَل ثمَّ قَالَ ردوا عَلَيْهِمَا هداياهما فَلَا حَاجَة لي بهَا فوَاللَّه مَا أَخذ الله مني رشوة حِين رد عَليّ ملكي وَمَا أطَاع فِي النَّاس فأطعهم فِيهِ فَردُّوا عَلَيْهِمَا هداياهما فعادا خائبين ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بكم وبمن جئْتُمْ من عِنْده وَأَنا أشهد أَنه رَسُول الله وَأَنه الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى وَلَوْلَا مَا أَنا فِيهِ من الْملك لأتيته حَتَّى أُقبل نَعله ثمَّ دَعَا النَّجَاشِيّ فلَانا القس وَفُلَانًا الراهب فَأَتَاهُ أنَاس مِنْهُم فَقَالَ مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قَالُوا أَنْت أعلم بِمَا نقُول فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَأخذ الْعود فَقَالَ مَا تقدم ثمَّ قَالَ للْمُسلمين أيؤذيكم أحد قَالُوا نعم فَأمر منادياً يُنَادي من آذَى وَاحِدًا مِنْهُم فأغرموه أَرْبَعَة دَرَاهِم ثمَّ قَالَ أيكفيكم هَذَا قَالُوا لَا قَالَ فأضعفوها فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله وَخرج إِلَى الْمَدِينَة وَظهر بهَا أَتَاهُ الْمُسلمُونَ فَقَالُوا أَيهَا لملك إِن نَبينَا قد خرج إِلَى الْمَدِينَة فَظهر بهَا وَقتل الَّذين كُنَّا حدثناك عَنْهُم وَقد اردنا الرحيل فزودنا فزودوهم وَحَملهمْ ثمَّ قَالَ يَا جَعْفَر أخبر صَاحبك بِمَا صنعت إِلَيْكُم وَهَذَا صَاحِبي مَعكُمْ وَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنه مُحَمَّد رَسُول الله وَقل لَهُ يسْتَغْفر لي قَالَ السُّهيْلي روى أَن وقْعَة بدر حِين انْتهى خَبَرهَا إِلَى النَّجَاشِيّ رَحمَه الله تَعَالَى علم بهَا قبل من عِنْده من الْمُسلمين فَأرْسل إِلَيْهِم فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ إِذْ هُوَ قد لبس مسحاً وَقعد على التُّرَاب والرماد فَقَالُوا مَا هَذَا أَيهَا الْملك فَقَالَ إِنَّا نجد فِي الْإِنْجِيل أَن الله سُبْحَانَهُ إِذا أحدث بِعَبْدِهِ نعْمَة وَجب على العَبْد أَن يحدث لله تواضعاً وَإِن الله قد أحدث إِلَيْنَا وإليكم نعْمَة عَظِيمَة وَهُوَ إِن مُحَمَّدًا بَلغنِي أَنه التقى هُوَ وأعداؤه بواد يُقَال لَهُ بدر كثير الْأَرَاك كنت ارعى الْغنم فِيهِ على سَيِّدي وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 من بني ضَمرَة وَأَن الله قد هزم أعداءه فِيهِ وَنصر دينه انْتهى وَقد دلّ هَذَا الْخَبَر على طول مكثه فِي بِلَاد الْعَرَب فَمن هُنَا وَالله أعلم تكلم بِلِسَان الْعَرَب وَتعلم مَا فهم بِهِ سُورَة مَرْيَم حِين قَرَأَهَا عَلَيْهِ جَعْفَر بن أبي طَالب حَتَّى بَكَى واخضلت لحيته بالدمع كَمَا تقدم وروى أَنه قَالَ إِنَّا نجد فِي الْإِنْجِيل أَن اللَّعْنَة تقع فِي الأَرْض إِذا كَانَت إِمَارَة الصّبيان وَكَانَت وَفَاة النَّجَاشِيّ فِي رَجَب سنة تسع من الْهِجْرَة ونعاه رَسُول الله فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَصلى عَلَيْهِ بِالبَقِيعِ رفع إِلَيْهِ سَرِيره بِأَرْض الْحَبَشَة حَتَّى رَآهُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فصلى عَلَيْهِ وَتكلم المُنَافِقُونَ فَقَالُوا صلى على هَذَا العلج فَأنْزل الله {وَإِن من أهل الْكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} الْآيَة آل عمرَان 199 وَفِي رِوَايَة يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق أَن أَبَا نيزر مولى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ كَانَ ابْنا للنجاشي نَفسه وَأَن عليا رَضِي الله عَنهُ وجده عِنْد تَاجر بِمَكَّة فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأعْتقهُ مُكَافَأَة لما صنع أَبوهُ مَعَ الْمُسلمين وَذكر أَن الْحَبَشَة عرج إِلَيْهِ أمرهَا بعد موت النَّجَاشِيّ وَأَنَّهُمْ أرْسلُوا وَفْدًا مِنْهُم إِلَى نيزر وَهُوَ مَعَ عَليّ ليملكوه ويتوجوه فَأبى وَقَالَ مَا كنت لأطلب الْملك بعد أَن منّ عَليّ بِالْإِسْلَامِ قَالَ وَكَانَ نيزر من أطول النَّاس قامة وَأَحْسَنهمْ وَجها وَلم يكن لَونه كألوان الْحَبَشَة وَلَكِن إِذا رَأَيْته قلت رجل من الْعَرَب قَالَ جَعْفَر فخرجنا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَة فتلقاني رَسُول الله فاعتنقني ثمَّ قَالَ أَنا أسر بِفَتْح خَيْبَر أم بقدوم جَعْفَر وَوَافَقَ ذَلِك فتح خَيْبَر فَقَامَ رَسُول النَّجَاشِيّ فَقَالَ هَذَا جَعْفَر فَاسْأَلْهُ مَا صنع بِهِ صاحبنا فَقَالَ جَعْفَر فعل كَذَا وَكَذَا وزودنا وحملنا وَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله وَقَالَ قل لَهُ يسْتَغْفر لي فَقَامَ رَسُول الله فَتَوَضَّأ ثمَّ دَعَا ثَلَاث مَرَّات اللَّهُمَّ اغْفِر للنجاشي فَقَالَ الْمُسلمُونَ آمين قَالَ جَعْفَر فَقلت لرَسُول النَّجَاشِيّ فَأخْبر صَاحبك بِمَا رَأَيْت من النَّبِي وَمعنى قَول النَّجَاشِيّ مَا أَخذ الله مني رشوة حِين رد عَليّ ملكي إِلَى آخِره أَنه لم يكن لِأَبِيهِ غَيره وَكَانَ أَبوهُ ملك قومه وَكَانَ لنجاشي عَم لَهُ من صلبه اثْنَا عشر رجلا وَكَانُوا أهل بَيت مملكة الْحَبَشَة فَقَالَت الْحَبَشَة فِيمَا بَينهَا لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 قتلنَا أَبَا النَّجَاشِيّ ثمَّ ملكنا أَخَاهُ فتوارث ملكه بنوه فَإِنَّهُم اثْنَا عشر رجلا يمْكث فيهم الْملك زَمَانا فعدوا على أبي النَّجَاشِيّ فَقَتَلُوهُ ثمَّ ملكوا أَخَاهُ وَنَشَأ مَعَ عَمه وَكَانَ لبيباً حاذقاً فغلب على أَمر عَمه وَنزل مِنْهُ كل منزل فَلَمَّا رَأَتْ الْحَبَشَة مَكَانَهُ مِنْهُ قَالَت الْحَبَشَة وَالله لقد غلب هَذَا الْفَتى على أَمر عَمه وَإِنَّا لنتخوف أَن يملكهُ علينا فيقتلنا أَجْمَعِينَ لقد عرف أَنا قتلنَا أَبَاهُ فَمَشَوْا إِلَى عَمه فَقَالُوا إِنَّا قتلنَا أَبَا هَذَا الْغُلَام وَقد عرف أَنا قَتَلْنَاهُ وملكناك علينا فَإنَّا نتخوف على أَنْفُسنَا مِنْهُ فاقتله أَو أخرجه من بلادك فَقَالَ وَيحكم قتلتم أَبَاهُ بالْأَمْس وأقتله الْيَوْم اذْهَبُوا فأخرجوه من بِلَادكُمْ فبيعوه فِي هَذَا السُّوق فأخرجوه إِلَى السُّوق وَأَقَامُوا فِيهِ فجَاء تَاجر فَاشْتَرَاهُ بستمائة دِرْهَم فَأَخذه فِي سفينة فَانْطَلق بِهِ حَتَّى إِذا كَانَ الْعشي من ذَلِك الْيَوْم هَاجَتْ سَحَابَة من سحائب الْحَرِيق فَخرج عَمه يستمطر فأصابته صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ فَرَجَعُوا إِلَى بنيه فَإِذا هم لَيْسَ فيهم خير فَقَالَت الْحَبَشَة بَعضهم لبَعض هلك وَالله ملككم تعلمُونَ أَن ملككم الَّذِي بعتموه فَإِن كَانَ لكم فِي ملككم حَاجَة فأدركوه فَخَرجُوا فِي طلبه فأدركوا التَّاجِر وأخذوه مِنْهُ ثمَّ جَاءُوا بِهِ فعقدوا عَلَيْهِ التَّاج وأقعدوه على سَرِير الْملك فملكوه فَجَاءَهُمْ التَّاجِر فَقَالَ أعطوني دراهمي كَمَا أَخَذْتُم غلامي قَالُوا لَا وَالله لَا نَفْعل قَالَ وَالله لأشكونكم إِلَى الْملك فجَاء إِلَى مجْلِس الْملك فَقَالَ أَيهَا الْملك إِنِّي ابتعت غُلَاما ثمَّ أَتَانِي باعته فانتزعوه مني فسألتهم مَالِي فَأَبَوا أَن يعطوني فَنظر النَّجَاشِيّ إِلَيْهِ فَقَالَ وَالله لتعطنه مَاله أَو ليضعن يَده فِي يَد عَبده فَيذْهب بِهِ حَيْثُ يَشَاء فَقَالُوا بلَى نُعْطِيه مَاله فَكَانَ هَذَا من النَّجَاشِيّ أول مَا اختبر من صلاتبه فِي دينه وعدله فِي ملكه انْتهى وَالْكَلَام يجر بعضه بَعْضًا فالمسؤل من النَّاظر التسامح والإغضاء وَكَانَ عَمْرو بن الْعَاصِ سَافر بامرأته فَلَمَّا ركبُوا الْبَحْر كَانَ عمَارَة قد هوى امْرَأَة عَمْرو وهويته لِأَنَّهُ كَانَ جميلاً وسيماً عَزِيزًا فِي قُرَيْش قلت وَهُوَ الَّذِي قَالَت قُرَيْش عَنهُ لأبي طَالب خُذ عمَارَة بن الْوَلِيد وتبناه بَدَلا عَن مُحَمَّد وادفع إِلَيْنَا مُحَمَّدًا نَقْتُلهُ فَقَالَ لَهُم أَبُو طَالب تعطوني ولدكم أغذوه لكم وأدفع لكم ابْني تَقْتُلُونَهُ بئْسَمَا سفهت بِهِ أحلامكم وَهُوَ أَيْضا أحد الرجلَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 اللَّذين حكى الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَول قُرَيْش {لَوْلَا نزل هَذَا القرءآت عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} الزخرف 31 أَرَادوا بالقريتين مَكَّة والطائف وبعظيم مَكَّة هَذَا عمَارَة بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وبعظيم الطَّائِف عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ انْتهى فَلَمَّا هويها وهويته عزما على دفع عَمْرو فِي الْبَحْر فدفعا عمرا فَسقط فِي الْبَحْر فسبح عَمْرو ونادى أَصْحَاب السَّفِينَة فَأَخَذُوهُ فَرَفَعُوهُ إِلَى السَّفِينَة فأضمرها عَمْرو فِي نَفسه وَلم يبدها لعمارة بل قَالَ لامْرَأَته قتلني ابْن عمك عمَارَة لتطيب بذلك نَفسه فَلَمَّا انتهيا إِلَى أَرض الْحَبَشَة مكر عَمْرو بعمارة فَقَالَ لَهُ إِنِّي كتبت إِلَى قومِي بني سهم ليبرءوا من دمي لَك فَاكْتُبْ أَنْت لبني مَخْزُوم قَوْمك ليبرءوا من دمك لي حَتَّى تعلم قُرَيْش أَنا قد تصافينا فَكتب عمَارَة لبني مَخْزُوم وتبرءوا من دَمه لبني سهم فَقَالَ شيخ من قُرَيْش قتل وَالله عمَارَة وَعلم أَنه مكر بِهِ عَمْرو ثمَّ أَخذ عَمْرو يحرض عمَارَة على التَّعَرُّض لامْرَأَة النَّجَاشِيّ وَقَالَ لَهُ أَنْت امْرُؤ جميل وَهن النِّسَاء يحببن الْجمال من الرِّجَال فلعلها أَن تشفع لنا عِنْد الْملك فِي قَضَاء حاجتنا فَفعل عمَارَة فَلَمَّا رأى عَمْرو ذَلِك وتكرر عمَارَة على امْرَأَة الْملك وَرَأى إنابتها إِلَيْهِ أَتَى الْملك مستنصحاً وجاءه بأمارة عرفهَا الْملك من امْرَأَته كَانَ عمَارَة أطلع عمرا عَلَيْهَا وَهِي قَلِيل بَيَاض فَوق ركبهَا اسْم الْفرج فَلَمَّا أخبرهُ بذلك أَدْرَكته غيرَة الْمُلُوك وَقَالَ لَوْلَا أَنه جاري لقتلته وَلَكِن سأفعل بِهِ مَا هُوَ شَرّ من الْقَتْل ثمَّ دَعَا بالسواحر فأمرهن أَن يسحرنه فنفخن فِي إحليله نفخة طَار مِنْهَا هائماً على وَجهه حَتَّى لحق بالوحوش فِي الْجبَال فَكَانَ يرى آدَمِيًّا فتوحش فَكَانَ ذَلِك آخر الْعَهْد بِهِ إِلَى زمن عمر رَضِي الله عَنهُ فجَاء ابْن عَمه عبد الله بن ربيعَة إِلَى عمر واستأذنه أَن يذهب إِلَيْهِ لَعَلَّه يجده فَأذن لَهُ عمر فِي ذَلِك فَسَار عبد الله بن ربيعية إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَلم يزل فِي الفحص عَن أمره حَتَّى أخبر أَنه فِي جبل يرد مَعَ الوحوش إِذا وَردت ويصدر مَعهَا إِذا صدرت فَسَار إِلَيْهِ حَتَّى كمن لَهُ فِي طَرِيقه إِلَى المَاء فَإِذا هُوَ قد غطاه شعره وطالت أَظْفَاره حَتَّى كَأَنَّهُ شَيْطَان فَقبض عَلَيْهِ عبد الله وَجعل يذكرهُ بالرحم ويستعطفه وَهُوَ ينتفض مِنْهُ وَيَقُول ارسلني با بجير أَرْسلنِي يَا بجير وَكَانَ اسْم عبد الله بن ربيعَة الْمَذْكُور بجيراً فَسَماهُ النَّبِي عبد الله فَأبى عبد الله أَن يُرْسِلهُ حَتَّى مَاتَ عمَارَة بَين يَدَيْهِ وَهَذَا خبر مَشْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 اخْتَصَرَهُ بعض من ألف السّير كَمَا ذكرنَا وَطوله أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ وَهَذَا حَاصله انْتهى ثمَّ بَلغهُمْ بِأَرْض الْحَبَشَة أَن أهل مَكَّة قد سجدوا مَعَ النَّبِي واسلموا وَذَلِكَ حِين صلى النَّبِي فقرأة سُورَة النَّجْم حَتَّى بلغ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى ومنواة الثاثة الأُخْرَى} النَّجْم 19 20 ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته أَي فِي تِلَاوَته هَاتين الجملتين تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى فَلَمَّا ختم السُّورَة سجد وَسجد مَعَه الْمُشْركُونَ لتوهمهم أَنه ذكر آلِهَتهم بِخَير فَمشى ذَلِك فِي النَّاس وأظهره الشَّيْطَان حَتَّى بلغ أَرض الْحَبَشَة وَمن بهَا من الْمُسلمين وتحدثوا أَن أهل مَكَّة قد أَسْلمُوا كلهم وصلوا مَعَه وَقد أَمن الْمُسلمُونَ بِمَكَّة فَأَقْبَلُوا سرَاعًا من الْحَبَشَة والغرانيق جمع غرنوق وغرنيق وَهِي فِي الأَصْل الذُّكُور من طيور المَاء سميت بذلك لبياضها وَقيل هُوَ الكركي والغرنوق أَيْضا هُوَ الشَّاب الْأَبْيَض الناعم وَكَانُوا يَزْعمُونَ أَن الْأَصْنَام تقربهم من الله وَتشفع لَهُم فشبهت بالطيور الَّتِي تعلوا فِي السَّمَاء وترتفع قلت وَهَذِه الْقِصَّة قد وَهن اصلها وَادّعى وَضعهَا جماعات من الْعلمَاء مِنْهُم القَاضِي عِيَاض وَالْفَخْر الرَّازِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رُوَاة هَذِه الْقِصَّة مطعونون وَأَيْضًا فقد روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه قِرَاءَة سُورَة النَّجْم وَسُجُود الْمُسلمين مَعَه وَالْمُشْرِكين وَالْإِنْس وَالْجِنّ وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيث الغرانيق ثمَّ قَالَ وَقيل إِنَّهَا من وضع الزَّنَادِقَة وَلَا أصل لَهَا انْتهى وصححها جمَاعَة مِنْهُم ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن الْمُنْذر وأخرجها من طرق وَكَذَا ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَزَّار وَابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة ومُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي وَأَبُو معشر فِي السِّيرَة كَمَا نبه عَلَيْهِ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير وَغَيره لَكِن قَالَ إِن طرقها كلهَا مُرْسلَة وَإنَّهُ لم يرهَا مُسندَة من وَجه صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَإِذا تقرر ذَلِك تعين تَأْوِيل مَا وَقع فِيهَا مِمَّا يستنكر وَهُوَ قَوْله تِلْكَ الغرانيق إِلَى آخِره فَإِن ذَلِك لَا يجوز حمله على ظَاهره لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يزِيد فِي الْقُرْآن عمدا مَا لَيْسَ مِنْهُ وَكَذَا سَهوا إِذا كَانَ مغايراً لما جَاءَ بِهِ من التَّوْحِيد لمَكَان عصمته وَقد سلك الْعلمَاء فِي ذَلِك مسالك فَقيل جرى ذَلِك على لِسَانه حِين أَصَابَته سنة وَهُوَ لَا يشْعر فَلَمَّا علم بذلك أحكم الله آيَاته وَهَذَا أخرجه الطَّبَرِيّ عَن قَتَادَة ورده عِيَاض بِأَنَّهُ لَا يَصح لكَونه لَا يجوز على النَّبِي ذَلِك وَلَا ولَايَة للشَّيْطَان عَلَيْهِ لَا فِي الْيَقَظَة وَلَا فِي النّوم وَقيل إِن الشَّيْطَان أَلْجَأَهُ إِلَى قَول ذَلِك فَقَالَ بِغَيْر اخْتِيَاره ورده ابْن الْعَرَبِيّ بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن الشَّيْطَان {وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سُلْطَان} إِبْرَاهِيم 22 قَالَ فَلَو كَانَ للشَّيْطَان قُوَّة على ذَلِك لما بَقِي لأحد قُوَّة على طَاعَة وَقيل لَعَلَّه قَالَ ذَلِك توبيخاً للْكفَّار قَالَ عِيَاض وَهَذَا جَائِز إِذا كَانَ هُنَاكَ قرينَة تدل على المُرَاد وَلَا سِيمَا وَقد كَانَ الْكَلَام فِي ذَلِك الْوَقْت جَائِزا فِي الصَّلَاة وَإِلَى هَذَا نحا الباقلاني وَقيل إِنَّه لما وصل إِلَى قَوْله {ومنواة الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} النَّجْم 20 خشى الْمُشْركُونَ أَن يَأْتِي بعْدهَا شَيْء بذم آلِهَتهم فبادروا إِلَى ذَلِك الْكَلَام فخلطوا فِي تِلَاوَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على عَادَتهم فِي قَوْلهم {لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْاْ فِيهِ} فصلت 26 وَنسب ذَلِك إِلَى الشَّيْطَان لكَونه الْحَامِل لَهُم على ذَلِك وَالْمرَاد شَيْطَان الْإِنْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَقيل كَانَ النَّبِي يرتل الْقُرْآن فارتصده الشَّيْطَان فِي سكتة من السكتات ونطق بِتِلْكَ الْكَلِمَات محاكياً نَغمَة النَّبِي بِحَيْثُ يسمعهُ من دنا إِلَيْهِ فظنا من قَوْله وأشاعها قَالَ وَهَذَا الْأَخير أحسن وُجُوه التَّأْوِيل فِي هَذِه الْقِصَّة وَيُؤَيِّدهُ مَا ورد عَن ابْن عَبَّاس من تَفْسِير {تَمَنَّى} الْحَج 52 تَلا وَكَذَا اسْتحْسنَ ابْن الْعَرَبِيّ هَذَا التَّأْوِيل وَقَالَ معنى {فِي أُمْنِيَّتِهِ} الْحَج 52 أَي فِي تِلَاوَته فَأخْبر الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة أَن سنة الله فِي رسله إِذا قَالُوا قولا زَاد الشَّيْطَان فِيهِ من قبل نَفسه فَهَذَا نَص فِي أَن الشَّيْطَان زَاد فِي قَول النَّبِي لَا أَن النَّبِي قَالَه انْتهى وَلما رجعُوا سرَاعًا من الْحَبَشَة ثمَّ تحققوا قبل دُخُول مَكَّة بساعة خلاف ذَلِك فَلم يدْخل أحد مِنْهُم إِلَّا بجوار أَو مستخفياً وَكَذَلِكَ لما تبين للْمُشْرِكين عدم مدح النَّبِي آلِهَتهم رجعُوا إِلَى أَشد مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا اشْتَدَّ إِيذَاء الْمُشْركين للْمُسلمين اذن لَهُم فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة فَهَاجَرَ ثَلَاثَة وَثَمَانُونَ رجلا وثمان عشرَة امْرَأَة فيهم جَعْفَر بن أبي طَالب وَأم سَلمَة وَغَيرهمَا فأقاموا فِي الْحَبَشَة على أحسن حَال حَتَّى رجعُوا إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَلما رَأَتْ قُرَيْش عزة النَّبِي بِمن مَعَه وَعزة اصحابه بِالْحَبَشَةِ وفشو الْإِسْلَام فِي الْقَبَائِل اجْتَمعُوا وَأَجْمعُوا على أَن يكتبوا كتابا يتعاقدون فِيهِ على بني هَاشم وَبني الْمطلب أَن لَا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم فَكَتبهُ مَنْصُور بن عِكْرِمَة أَو بغيض بن عَامر فشلت يَده وعلقوا الصَّحِيفَة فِي جَوف الْكَعْبَة هِلَال الْمحرم سنة سبع من الْبعْثَة فانحاز الهاشميون غير أبي لَهب والمطلبيون إِلَى أبي طَالب فِي شعبه سنتَيْن أَو ثَلَاثًا حَتَّى جهدوا وَكَانَ لَا يصل إِلَيْهِم الْقُوت إِلَّا خُفْيَة حَتَّى قَامَ رجال خَمْسَة فِي نقض الصَّحِيفَة وهم هِشَام بن الْحَارِث بن حبيب بن خُزَيْمَة بن مَالك بن حسل ابْن عَامر بن لؤَي العامري وَزَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى وَزُهَيْر بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة وَهُوَ ابْن عمَّة النَّبِي عَاتِكَة ابْنة عبد الْمطلب والمطعم بن عدي وَأَبُو البخْترِي بن هِشَام بن الْحَارِث بن أَسد الْأَسدي وَذَلِكَ أَن بني هَاشم وَالْمطلب جهدوا وَلم يصل إِلَيْهِم شَيْء إِلَّا سرا حَتَّى إِن حَكِيم بن حزَام بن خويلد حمل غُلَامه قمحاً يُرِيد عمته خَدِيجَة ابْنة خويلد رَضِي الله عَنْهَا فَلَقِيَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أَبُو جهل فَتعلق بِهِ وَأَرَادَ أَن يَفْضَحهُ فانتصر لَهُ أَبُو البخْترِي بن هَاشم وَقَالَ خل سَبيله فَأبى أَبُو جهل فَأخذ لَهُ لحي جمل فَضَربهُ بِهِ فَشَجَّهُ ووطئه وطئا شَدِيدا فَلَمَّا مَضَت تِلْكَ الْمدَّة قَامَ أُولَئِكَ النَّفر الْخَمْسَة فِي نقض الصَّحِيفَة وَكَانَ رَأْسهمْ هَاشم بن عَمْرو بن ربيعَة بن الْحَارِث لعزته بِعَمِّهِ لأمه الَّذِي هُوَ أَخُو عبد الْمطلب وَمن ثمَّ كَانَ واصلاً لبني هَاشم فَكَانَ يَأْتِيهم بالبعير عَلَيْهِ الطَّعَام إِلَى فَم الشّعب فيخلع خطامه ويضربه حَتَّى يدْخل فَمشى هِشَام هَذَا إِلَى زُهَيْر بن أُميَّة المَخْزُومِي وَهُوَ ابْن عَاتِكَة ابْنة عبد الْمطلب فَقَالَ لَهُ يَا زُهَيْر أرضيت بِأَن تَأْكُل الطَّعَام وتشرب المَاء وتلبس الثِّيَاب وَتنْكح النِّسَاء وأخوالك حَيْثُ مَا علمت وشدد عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ أبغنا ثَالِثا قَالَ قد وجدت الْمطعم بن عدي قَالَ أبغنا رَابِعا فَذهب إِلَى أبي البخْترِي واستنخاه أَيْضا فَقَالَ وَهل من معِين فَذكر لَهُ أُولَئِكَ فَقَالَ أبغنا خَامِسًا فَذهب إِلَى زَمعَة ابْن الْأسود واستنخاه فَقَالَ هَل من أحد فَذكر لَهُ الْقَوْم فَاجْتمعُوا بالحجون وَأَجْمعُوا على نقضهَا فَقَالَ لَهُم زُهَيْر وَأَنا أول من يتَكَلَّم فَلَمَّا أَصْبحُوا غدوا إِلَى أَنْدِيَتهمْ وَغدا زُهَيْر فَطَافَ سبعا ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ يَا أهل مَكَّة إِنَّا نَأْكُل الطَّعَام ونلبس الثِّيَاب وَبَنُو هَاشم هلكي لَا يبايعون وَلَا يبْتَاع مِنْهُم وَالله لَا أقعد حَتَّى تشق هَذِه الصَّحِيفَة الظالمة القاطعة فَقَالَ أَبُو جهل كذبت وَالله مَا تشق فَقَالَ زَمعَة لأبي جهل أَنْت وَالله أكذب مَا رَضِينَا كتَابَتهَا حِين كتبت وَقَالَ أَبُو البخْترِي صدق زَمعَة مَا نرضى مَا كتب فِيهَا وَلَا نقر بِهِ فَقَالَ الْمطعم صدقتما وَكذب من قَالَ غير ذَلِك نبرأ إِلَى الله مِنْهَا وَمِمَّا كتب فِيهَا فَقَالَ أَبُو جهل هَذَا أَمر بَيت بلَيْل اشتور فِيهِ بِغَيْر هَذَا الْمَكَان وَأَبُو طَالب جَالس فَقَامَ الْمطعم إِلَى الصَّحِيفَة ليشقها فَوجدَ الأرضة قد أكلتها إِلَّا بِاسْمِك اللَّهُمَّ ولايعارض ذَلِك إِن رَسُول الله قبل ذَلِك أخبر أَبَا طَالب أَن الله سلط الأرضة على صحيفَة قُرَيْش فَلم تدع فِيهِ اسْما هُوَ الله إِلَّا أثبتته ومحت مِنْهَا الظُّلم والقطيعة والبهتان فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالب أربك أخْبرك بِهَذَا قَالَ نعم فَأخْبرهُم بذلك فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِن ابْن أخي أَخْبرنِي بِكَذَا وَكَذَا فَهَلُمَّ صحيفتكم فَإِن صدق فَانْتَهوا عَن قطيعتنا وَإِلَّا دَفعته إِلَيْكُم فنظروها فَإِذا هِيَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وَالسَّلَام فازدادوا أشراً وَوجه عدم الْمُعَارضَة أَنه لَا مَانع من أَنهم لما نظرُوا ذَلِك وازدادوا اشرا قَامَ اولئك الْخَمْسَة المذكورون فِي إِزَالَتهَا من أَصْلهَا فسعوا فِي نقضهَا وبذلوا جهدهمْ فِيهِ قَالَ الشَّارِح الْجَوْجَرِيّ وَيحْتَمل أَن أَبَا طَالب إِنَّمَا أخْبرهُم بعد سَعْيهمْ فِي نقضهَا انْتهى قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر الهيتمي ويبعده أَن الْإِخْبَار حِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ كَبِير جدوى قلت إِن كَانَ الْإِخْبَار بعد الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فَلَا ريب فِي عدم أصل الجدوى فضلا عَن كبيرها وَإِن كَانَ الْإِخْبَار قبل تنزيلها بعد السَّعْي فِي نقضهَا كَمَا هُوَ ظَاهر فحواه فجدواه جدواه فَلَا بعد فِي احْتِمَاله بعد انْتهى وَلما مزقت الصَّحِيفَة وَبَطل مَا فِيهَا قَالَ أَبُو طَالب فِيمَا كَانَ من اولئك النَّفر الَّذِي قَامُوا فِي تمزيقها يمدحهم فِي فعلهم هَذِه القصيدة // (من الطَّوِيل) // (أَلا هَل أَتَى بحريّنا فعل ربّنا ... على نأيهم وَالله بالنّاس أرود) (فيخبرهم أنّ الصّحيفة مزّقت ... وَأَن كلّ مَا لم يرضه الله مُفسد) (تراوحها إفكٌ وسحرٌ مجمّعٌ ... وَلم يلف سحرٌ آخر الدّهر يصعد) (جزى الله رهطاً بالحجون تبايعوا ... على ملإ يهدي لحزمٍ ويرشد) (قعُودا لَدَى خطم الْحجُون كأنّهم ... مقاولةٌ بل هم أعزّ وأمجد) (أعَان عَلَيْهَا كلّ صقرٍ كأنّه ... إِذا مَا مَشى فِي رَفْرَف الدّرع اجرد) (جرئ على جلّ الخطوب كأنّه ... شهابٌ بكفّي قابسٍ يتوقّد) (من الأكرمين من لؤيّ بن غالبٍ ... إِذا سيم خسفاً وَجهه يتربّد) (طَوِيل النّجاد خارجٌ نصف سَاقه ... على وَجهه يسقى الْغَمَام ويسعد) (عَظِيم الرّماد سيّدٌ وَابْن سيّدٍ ... يحضّ على مقري الضّيوف ويحشد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 (وَيَبْنِي لأبناء الْعَشِيرَة صَالحا ... إِذا نَحن طفنا فِي الْبِلَاد ويمهد) (ألظّ بِهَذَا الصّلح كلّ مبرأٍ ... عَظِيم اللِّوَاء أمره ثمّ يحمد) (قضوا مَا قضوا فِي ليلهم ثمّ أَصْبحُوا ... على مهلٍ وَسَائِر النّاس رقّد) (هم رجعُوا سهل بن بَيْضَاء رَاضِيا ... وسرّ أَبُو بكرٍ بهَا ومحمّد) (مَتى شرك الأقوام فِي جلّ أمرنَا ... وكنّا قَدِيما قبلهَا نتودّد) (وكنّا قَدِيما لَا نقرّ ظلامةً ... وندرك مَا شِئْنَا وَلَا نتشدّد) (فيالقصيّ هَل لكم فِي نفوسكم ... وَهل لكم فِيمَا يجىء بِهِ غَد) (فإنّي وإيّاكم كَمَا قَالَ قائلٌ ... لديك الْبَيَان لَو تكلّمت أسود) أسود جبل كَانَ قد قتل فِيهِ قَتِيل وَلم يعرف قَاتله فَقَالَ أَوْلِيَاء الْمَقْتُول هَذِه الْمقَالة يعنون بهَا أَن هَذَا الْجَبَل لَو تكلم لأَبَان عَن الْقَاتِل ولعرف بالجاني وَلكنه لَا يتَكَلَّم فَذَهَبت مقالتهم مثلا وَقد أَشَارَ صَاحب الهمزية إِلَى ذَلِك بقوله // (من الْخَفِيف) // (فتيةٌ بيّتوا على فعل خيرٍ ... حمد الصّبح امرهم والمساء) (يالأمرٍ اتاه بعد هشامٍ ... زمعةٌ أَنه الْفَتى الأتاء) (وزهيرٌ والمطعم بن عديٍّ ... وَأَبُو البحتريً من حَيْثُ شَاءُوا) (نقضوا مبرم الصَّحِيفَة إِذْ شددت ... عَلَيْهِم من العدا الأنداء) (أذكرتنا بأكلها أكل منساة ... سُلَيْمَان الأرضة الخرساء) (وَبهَا أخبر النّبيّ وَكم اخْرُج ... خبثاً لَهُ الغيوب خباء) وَكَانَ ذَلِك فِي السّنة الْعَاشِرَة من الْبعْثَة ثمَّ بعد ذَلِك بِثمَانِيَة أشهر وَأحد وَعشْرين يَوْمًا مَاتَ عَمه أَبُو طَالب ثمَّ خَدِيجَة بعده بِثَلَاثَة أَيَّام على الصَّحِيح فِي رَمَضَان وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُسمى ذَلِك الْعَام عَام الْحزن وَكَانَت مُدَّة إِقَامَتهَا مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خمْسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَعشْرين سنة على الصَّحِيح وَبعد أَيَّام من مَوتهَا تزوج بسودة بنت زَمعَة ثمَّ خرج إِلَى الطَّائِف بعد موت خَدِيجَة بِثَلَاثَة أشهر فِي لَيَال بَقينَ من شَوَّال سنة عشر من النُّبُوَّة وَهِي سنة خمسين من مولده لما ناله من قُرَيْش بعد موت أبي طَالب وَكَانَ مَعَه زيد بن حَارِثَة فَأَقَامَ شهرا يَدْعُو أَشْرَاف ثَقِيف إِلَى الله تَعَالَى فَلم يُجِيبُوهُ وَأغْروا بِهِ سفهاءهم وعبيدهم وصبيانهم يَسُبُّونَهُ قَالَ مُوسَى بن عقبَة وَرَجَمُوا عراقيبه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى اختضب نعلاه بالدماء وَكَانَ إِذا أذلقته الْحِجَارَة قعد على الأَرْض فيقيمونه بعضديه فَإِذا مَشى رَجَمُوهُ وهم يَضْحَكُونَ وَزيد بن حَارِثَة يَقِيه بِنَفسِهِ حَتَّى لقد شج فِي رَأسه مرَارًا وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَانْطَلَقت عَنْهُم وَأَنا مهموم على وَجْهي فَلم أستفق إِلَّا وَأَنا بقرن الثعالب فَرفعت رَأْسِي فَإِذا سَحَابَة قد أظلتني فَإِذا فِيهَا جِبْرِيل وَذَلِكَ بعد إِن دَعَا فِي طَرِيقه بِالدُّعَاءِ الْمَشْهُور وَهُوَ اللَّهُمَّ إِلَيْك أَشْكُو ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس أَنْت أرْحم الرَّاحِمِينَ وَأَنت رب الْمُسْتَضْعَفِينَ إِلَى من تَكِلنِي إِلَى بعيد يتجهمني أم إِلَى صديق قريب كلفته أَمْرِي إِن لم تكن غضباناً عَليّ فَلَا أُبَالِي غير أَن عافيتك أوسع لي أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن تنزل بِي غضبك أَو تحل بِي سخطك لَك العتبى حَتَّى ترْضى وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك أوردهُ ابْن إِسْحَاق وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب الدُّعَاء فناداني فَقَالَ إِن الله قد سمع قَوْمك وَمَا ردوا عَلَيْك وَقد بعث إِلَيْك ملك الْجبَال لتأمره بِمَا شِئْت فَقَالَ ملك الْجبَال إِن شِئْت أَن أطبق عَلَيْهِم الأخشبين قَالَ النَّبِي بل ارجوا إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 يخرج الله من أصلابهم من يعبده وَلَا يُشْرك بِهِ شَيْئا وَلما بلغ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خمسين سنة قدم عَلَيْهِ جن نَصِيبين وَلم يعلم بهم حَتَّى نزلت {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ} الْأَحْقَاف 29 فأسلموا وَكَانُوا سَبْعَة قيل وَكَانُوا يهوداً وَلذَا قَالُوا {أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى} الْأَحْقَاف 30 وَفِي التِّرْمِذِيّ قَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة الرَّحْمَن كلما قَرَأَ ( {فَبِأَي آلَاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ) الرَّحْمَن 13 قَالُوا لَا بِشَيْء من نعماتك رَبنَا نكذب وَبعد إِحْدَى وَخمسين وَتِسْعَة أشهر أسرى بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس وشق وَغسل قلبه وملئ إِيمَانًا وَحِكْمَة وَهِي الْمرة الرَّابِعَة ثمَّ أَتَى بِالْبُرَاقِ فَرَكبهُ وعرج بِهِ إِلَى السَّمَاوَات السَّبع فَسلم على من بِهن من الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة حَتَّى بلغ سِدْرَة الْمُنْتَهى وَفرض عَلَيْهِ وعَلى أمته خَمْسُونَ صَلَاة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَلم يزل يُرَاجع ربه فَيسْقط عَنهُ عشرا عشرا إِلَى الْخمس حَتَّى قَالَ تَعَالَى هن خمس وَهن خَمْسُونَ لَا يُبدل القَوْل لدي وَلما رَجَعَ أخبر قومه فَكَذبُوهُ إِلَّا من وَقَاه الله وارتد جمع بعد الْإِسْلَام وسألوه أَمارَة فَأخْبرهُم بقدوم العير يَوْم الْأَرْبَعَاء ثمَّ لم تقدم حَتَّى كَادَت الشَّمْس أَن تغرب فَدَعَا الله عز وَجل فحبس لَهُ الشَّمْس حَتَّى قدمت كَمَا وصف وسألوه عَمَّا فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى فجلاه الله لَهُ فَصَارَ ينظر إِلَيْهِ ويجيبهم عَن كل مَا يسألونه عَنهُ وَوضع لَهُ جنب بَيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 عقيل أَو عقال وَكَانَ يوافي الْمَوْسِم كل عَام ويبلغ الْحَاج فِي مَنَازِلهمْ وَفِي أسواقهم عكاظ ومجنة وَذي الْمجَاز أما ذُو الْمجَاز فَهُوَ سوق عِنْد عَرَفَة كَانَت الْعَرَب إِذا حجت أَقَامَت بسوق عكاظ شهر شَوَّال ثمَّ تنْتَقل عَنهُ إِلَى سوق مجنة فتقيم فِيهِ عشْرين يَوْمًا من ذِي الْقعدَة ثمَّ تنْتَقل إِلَى سوق ذِي الْمجَاز فتقيم بِهِ أَيَّام الْحَج وَكَانُوا فِي سوق عكاظ يتفاخرون ويتناشدون الْأَشْعَار المشعرة بفخر كل قَبيلَة يُقَال عكظ الرجل صَاحبه إِذا فاخره وغلبه بالمفاخرة فَسمى عكاظ بذلك لذَلِك وعكاظ هُوَ الْمُسَمّى الْآن بِأَرْض نَخْلَة وَيُسمى بالمضيق وَبِه الْآن عُيُون ونخيل ورزوع ومساكن كَذَا ذكره السُّهيْلي رَحمَه الله وَأما سوق مجنة فَهُوَ بِأَسْفَل مَكَّة على بريد مِنْهَا فَلم يجد من ينصره حَتَّى جَاءَت الْأَنْصَار هم الْأَوْس والخزرج فَأسلم مِنْهُم سِتَّة نفر كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَقيل اثْنَان كَمَا ذكره الشَّمْس الْبرمَاوِيّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْبَاب الثَّانِي من الْمَقْصد الثَّانِي على الْأَثر ثمَّ أذن الله لنَبيه بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَه ابْن عَبَّاس بقوله تَعَالَى {وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} الْآيَة الْإِسْرَاء 80 أخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 (الْبَاب الثَّانِي من الْمَقْصد الثَّانِي) (فِي ذكر هجرته إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة) قَالَ أهل السّير لما وَقعت الْبيعَة الأولى بِالْعقبَةِ وَكَانَ المبايع لَهُ فِيهَا سِتَّة أَنْفَار من الْأَنْصَار وَقيل اثْنَان أسعد بن زُرَارَة وذكوان بن عبد الْقَيْس ثمَّ الثَّانِيَة فَلَقِيَهُ فِيهَا اثْنَا عشر رجلا فيهم خَمْسَة من السِّتَّة الْأَوَّلين وهم أَبُو أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة وعَوْف بن عفراء وَرَافِع بن مَالك وَقُطْبَة بن عَارِم بن حَدِيدَة وَعقبَة بن عَامر بن نابي وَلم يكن فيهم جَابر بن عبد الله بن رِئَاب فَلم يحضرها وَأما السَّبْعَة تَمام الاثنى عشر وهم معَاذ بن الْحَارِث بن رِفَاعَة وَهُوَ ابْن عفراء أَخُو عَوْف الْمَذْكُور وذكوان بن عبد الْقَيْس الزرقي وَقيل إِنَّه دخل إِلَى رَسُول الله إِلَى مَكَّة فسكنها مَعَه فَهُوَ مُهَاجِرِي أَنْصَارِي قتل يَوْم أحد وَعبادَة بن الصَّامِت بن قيس وابو عبد الرَّحْمَن بن ثَعْلَبَة البلوي وَالْعَبَّاس بن عبَادَة بن نَضْلَة وَهَؤُلَاء من الْخَزْرَج وَمن الْأَوْس رجلَانِ أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان من بني عبد الْأَشْهَل وعويم بن سَاعِدَة فأسلموا وَبَايَعُوا ثمَّ لما وَقعت فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الثَّالِثَة عشرَة من النُّبُوَّة قبل الْهِجْرَة بِثَلَاثَة أشهر بيعَة الْعقبَة الْكُبْرَى الثَّالِثَة قدم مَكَّة فِي موسم الْحَج قريب من خَمْسمِائَة نفر وَفِي رِوَايَة ثَلَاثمِائَة نفر من الْأَوْس والخزرج وَخرج مَعَهم مُصعب بن عُمَيْر إِلَى مَكَّة اتّفق مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا قَالَ ابْن إِسْحَاق ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ نفسا لاقوا رَسُول الله فدعوهم إِن يحضروا القعبة فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة من ليَالِي التَّشْرِيق فَكَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة هِيَ لَيْلَة الْعقبَة الْكُبْرَى الثاثة وَهِي مَعْرُوفَة مبينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 قَالَ فِي الوفا لما أبرم عقد الْمُبَايعَة بَين النَّبِي وَبَين أهل الْمَدِينَة وَلم يقدر أَصْحَابه أَن يقيموا بِمَكَّة من أَذَى الْمُشْركين وَلم يصبروا على جفوتهم رخص لَهُم فِي الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة فَتوجه مُصعب بن عُمَيْر إِلَى الْمَدِينَة ليفقه من أسلم من الْأَنْصَار ثمَّ توالى خُرُوجهمْ بعد الْعقبَة الْأَخِيرَة هَذِه فَخَرجُوا أَرْسَالًا مِنْهُم عمر ابْن الْخطاب وَأَخُوهُ زيد بن لخطاب وَطَلْحَة بن عبيد الله وصهيب وَحَمْزَة وَزيد بن حَارِثَة وَعبيدَة بن الْحَارِث وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَعُثْمَان بن عَفَّان وَغَيرهم وَلم يبْق مَعَه إِلَّا أَبُو بكر الصّديق وَعلي بن أبي طَالب ذكره ابْن إِسْحَاق وَغَيره وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ تجهز أَبُو بكر الصّديق قبل الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله على رسلك فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر وَهل وَهل ترجو ذَلِك بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ نعم فحبس أَبُو بكر نَفسه على رَسُول الله ليصحبه وعلف راحلتين كَانَتَا عِنْده ودق السمر وَهُوَ الْخبط أَرْبَعَة اشهر ليسمنا وينتظره مَتى يُؤمر بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش إِن اصحاب الرَّسُول أَصَابُوا مَنْعَة وأصحاباً بِغَيْر دِيَارهمْ ووجدوا مُهَاجرا قَرِيبا يهاجرون إِلَيْهِ عرفُوا أَنه قد عزم أَن يحلق بهم وسيحميه المدنيون فخافوا خُرُوجه إِلَيْهِم وحذورا تفاقم أمره فَاجْتمعُوا بدار الندوة للمشاورة وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الوشاح إِنَّهُم كَانُوا خَمْسَة عشر رجلا وَقَالَ ابْن دحْيَة كَانُوا مائَة وَلما قعدوا للتشاور تبدى لَهُم إِبْلِيس فِي صُورَة شيخ نجدي لأَنهم قَالُوا لَا يدخلن عَلَيْكُم أحد من تهَامَة لِأَن أهواءهم مَعَ مُحَمَّد فَلذَلِك تمثل اللعين فِي صُورَة شيخ نجدي فَدخل فَقَالُوا لَهُ من أدْخلك خلوتنا بِغَيْر إذننا قَالَ أَنا شيخ من قَبيلَة نجد وجدت وُجُوهكُم مليحة ورائحتكم طيبَة أردْت أَن أسمع كلامكم وأقتبس مِنْهُ شَيْئا وَلَقَد أعرف مقصودكم وَإِن كُنْتُم تَكْرَهُونَ جلوسي عنْدكُمْ خرجت فَقَالَت قُرَيْش رجل نجدي لَا يضركم حُضُوره فَقَالَ بَعضهم لبَعض إِن مُحَمَّدًا قد كَانَ من أمره مَا علمْتُم وَأَنا وَالله لَا نَأْمَن مِنْهُ الْوُثُوب علينا بِمن اتَّبعُوهُ فَأَجْمعُوا فِيهِ رَأيا فَقَالَ أَبُو البخْترِي بن هِشَام أرى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 تَحْبِسُوهُ وتشدوا وثَاقه فِي بَيت مَا لبابه غير كوَّة تلقونَ إِلَيْهِ طَعَامه وَشَرَابه مِنْهَا وتربصوا بِهِ ريب الْمنون حَتَّى يهْلك كَمَا هلك الشُّعَرَاء من قبله كزهير والنابغة فَصَرَخَ الشَّيْخ وَقَالَ بئس الرَّأْي رَأَيْتُمْ وَالله لَو حبستموه لخرج أمه من وَرَاء الْبَاب إِلَى أَصْحَابه فَوَثَبُوا وانتزعوه من أَيْدِيكُم قَالُوا صدق الشَّيْخ وَقَالَ هِشَام بن عَمْرو أرى أَن تَحملُوهُ على جمل وتخرجوه من بَين أظْهركُم فَلَا يضركم مَا صنع وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ فَقَالَ الشَّيْخ النجدي وَالله مَا هَذَا لكم بِرَأْي ألم تروا حسن حيدثه وحلاوة مَنْطِقه وغلبته على قُلُوب الرِّجَال بِمَا أَتَى بِهِ فوَاللَّه لَو فَعلْتُمْ ذَلِك مَا أمنتم أَن ينزل على حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فيغلب عَلَيْهِم بذلك من قَوْله وَحَدِيثه حَتَّى يبايعوه ثمَّ يسير بهم حَتَّى يطأكم فَقَالُوا صدق وَالله الشَّيْخ فَقَالَ أَبُو جهل لَعنه الله وَالله إِن لي فِيهِ لرأياً لَا أَرَاكُم وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بعد قَالُوا وَمَا هُوَ يَا أَبَا الحكم قَالَ رَأْي أَن تَأْخُذُوا من كل قَبيلَة شَابًّا جلدا نسيما وَسِيطًا فِينَا ثمَّ نعطي كل فَتى سَيْفا صَارِمًا ثمَّ يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَة رجل وَاحِد فيقتلونه فنستريح مِنْهُ فَإِنَّكُم إِن فَعلْتُمْ ذَلِك تفرق دَمه فِي الْقَبَائِل كلهَا فَلَا يقدر بَنو عبد منَاف على حَرْب قَومهمْ جَمِيعًا فَإِن رَضوا منا بِالْعقلِ عَقَلْنَاهُ لَهُم فَقَالَ الشَّيْخ النجدي القَوْل مَا قَالَ هَذَا الرجل هُوَ أَجودكُم رَأيا لَا أرى لكم غَيره قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ فِيمَا أنزل الله فِي ذَلِك قَوْله {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين} الْأَنْفَال 30 وَقَوله عز وَجل {أًمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نتربص بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} الطّور 30 قَالَ ابْن هِشَام الْمنون الْمَوْت وريبها مَا يريب ويعرض مِنْهَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الْهُذلِيّ فِي مرثيته لِبَنِيهِ الثَّمَانِية الَّتِي مطْلعهَا // (من الْكَامِل) // (أَمن الْمنون وريبها تتفجّع ... والدّهر لَيْسَ بمعتبٍ من يجزع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وَلما اسْتَقر رَأْي قُرَيْش على قتل النَّبِي بعد الْمُشَاورَة جَاءَهُ جِبْرِيل وَأخْبرهُ بذلك وَقَالَ لَا تبت هَذِه اللَّيْلَة على فراشك وَأذن الله لَهُ عِنْد ذَلِك بِالْخرُوجِ وَلما أمره بذلك سَأَلَ عَمَّن يُهَاجر مَعَه فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق وَعَن ابْن عَبَّاس أَن الله لما أذن لنَبيه بِالْهِجْرَةِ خاطبه بِهَذِهِ الْآيَة {وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صدق وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَّصِيراً} الْإِسْرَاء 80 الْآيَة أخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ هُوَ وَالْحَاكِم كَذَا فِي الْوَفَاء والمواهب وَفِي الْعُمْدَة أَمر أَن يَقُول ذَلِك عِنْد الْهِجْرَة وَكَانَ أَبُو بكر حِين اسْتَأْذن رَسُول الله فِي الْهِجْرَة قَالَ لَهُ لَا تعجل لَعَلَّ الله يَجْعَل لَك صاحبا فطمع أَبُو بكر أَن رَسُول الله إِنَّمَا يَعْنِي نَفسه فَابْتَاعَ راحلتين فحبسهما يعلفهما كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَعَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ كَانَ النَّبِي لَا يخطيء أَن يَأْتِي بَيت أبي بكر طرفِي النَّهَار إِمَّا بكرَة أَو عَشِيَّة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم أذن لَهُ فِي الْهِجْرَة أَتَانَا رَسُول الله بالمهاجرة فِي سَاعَة كَانَ لَا يَأْتِي فِيهَا قلت فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر قَالَ مَا جَاءَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي هَذِه السَّاعَة إِلَّا لأمر حدث فَلَمَّا حضر تَأَخّر لَهُ أَبُو بكر عَن سَرِيره فَجَلَسَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَيْسَ عِنْد أبي بكر إِلَّا أَنا وأختي أَسمَاء فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أخرج عني من عنْدك فَقَالَ إِنَّمَا هما ابنتاي وَفِي رِوَايَة إِنَّمَا فِي الْبَيْت أهلك وَأُخْتهَا لِأَنَّهَا كَانَت معقودا علها مِنْهُ فَقَالَ إِن الله قد أذن لي فِي الْهِجْرَة فَقَالَ أَبُو بكر الصُّحْبَة يَا رَسُول الله قَالَ نعم قَالَت عَائِشَة رَأَيْت أبي يبكي من الْفَرح وَمَا كنت أَظن أحدا يبكي من الْفَرح فَقَالَ أَبُو بكر فَخذ إِحْدَى رَاحِلَتي هَاتين فَقَالَ رَسُول الله لَا إِلَّا بِالثّمن فَقَالَ أَبُو بكر بِالثّمن وَكَانَ ثمنهَا ثَمَانمِائَة دِرْهَم قَالَ ابْن سعد وَعَاشَتْ إِلَى زمن خلَافَة أبي بكر وَكَانَت مُرْسلَة ترعى بِالبَقِيعِ وَهِي الجدعاء قَالَه ابْن إِسْحَاق وَقَالَ إِنَّهَا من نعم بني الجريش قَالَت عَائِشَة فجهزناهما أحب الجهاز ووضعنا لَهما سفرة فِي جراب فَقطعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 أَسمَاء بنت أبي بكر قِطْعَة من نطاقها فَربطت بهَا فَم الجراب وبالقطعة الْأُخْرَى فَم السقاء فَلذَلِك سميت ذَات النطاقين رَوَاهُ البُخَارِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق واستأجر أَبُو بكر من بني الديل هادياً خريتاً يُقَال لَهُ عبد الله بن الْأُرَيْقِط وَكَانَ مُشْركًا أَو قَالَ على دين الْكفَّار فَأَمنهُ وَدفع إِلَيْهِ الراحلتين وواعده غَار ثَوْر بعد ثَلَاث وَأمر أَبُو بكر مَوْلَاهُ عَامر بن فهَيْرَة وَكَانَ رَاعيا لأغنام حول جبل ثَوْر أَن يخرج عَلَيْهَا الْغنم بعد هزيع من اللَّيْل وَأمر ابْنه عبد الله بن أبي بكر أَن يستمع مَا يَقُول النَّاس فيهمَا نَهَارا ويأتيهما بذلك إِذا أَمْسَى لَيْلًا فيخبرهما بِمَا كَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم من الْخَبَر وَكَانَ يفعل ذَلِك وَفِي أنوار التَّنْزِيل الْغَار ثقب فِي أَعلَى ثَوْر وثور جبل قَالَ فِي الْقَامُوس يُقَال ثَوْر نِسْبَة إِلَى ثَوْر بن عبد مَنَاة نسب الْجَبَل إِلَيْهِ قَالَ ابْن جُبَير فِي رحلته جبل ثَوْر من مَكَّة على ثَلَاثَة أَمْيَال وَفِي بعض كتب اللُّغَة ثَوْر أَبُو قَبيلَة من مُضر هُوَ ثَوْر بن عبد مَنَاة بن أد بن طابخة وهم رَهْط سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ نسب إِلَيْهِ الْجَبَل وَفِيه الْغَار الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي دخله النَّبِي مَعَ أبي بكر وَيُقَال لَهُ ثَوْر أطحل وَقَالَ بَعضهم اسْم الْجَبَل أطحل وَالْبَحْر يرى من أَعلَى هَذَا الْجَبَل وَفِيه من كل نَبَات الْحجاز وَفِيه ألبان وَفِيه شَجَرَة من حمل مِنْهَا شَيْئا لم تلدغه الهامة وَلما كَانَت الْعَتَمَة من تِلْكَ اللَّيْلَة اجْتمع الْمُشْركُونَ بِمَكَّة على بَاب النَّبِي ثمَّ ترصدوه حَتَّى ينَام فيثبون عَلَيْهِ فيقتلونه وَفِي الوفا اجْتمعت قُرَيْش إِلَى بَاب الدَّار فَقَالَ أَبُو جهل لَا تقتلوه حَتَّى يجتمعوا يَعْنِي الْخَمْسَة من الْخمس الْقَبَائِل وَجعل يَقُول لَهُم هَذَا مُحَمَّد يزْعم إِن بايعتموه غلبتم الْعَرَب والعجم وَيكون لكم فِي الْآخِرَة جنَّات تَأْكُلُونَ مِنْهَا وَإِن لم تبايعوه يكون لكم ذبح فِي الدُّنْيَا وَيَوْم الْقِيَامَة نَار تحرقون فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله نعم كَذَا أَقُول وَكَذَا يكون وَأَنت أحدهم فَلَمَّا رأى رَسُول الله اجْتِمَاعهم ومكانهم قَالَ لعَلي نم على فِرَاشِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 واتشح بردائي الْحَضْرَمِيّ الْأَخْضَر فَإِنَّهُ لَا يخلص إِلَيْك شَيْء تكرههُ مِنْهُم فَرد هَذِه الودائع إِلَى أَهلهَا وَكَانَت الودائع تودع عِنْده لصدقة وأمانته فَبَاتَ عَليّ كرم الله وَجهه على فرَاش النَّبِي وَخرج رَسُول الله إِلَى الْغَار وَلما خرج قَامَ على رُءُوسهم وَقد ضرب الله على أَبْصَارهم وَنزل تِلْكَ اللَّيْلَة أول سُورَة يس فَأخذ قَبْضَة من تُرَاب وَجعل ينثر على رُءُوس الْقَوْم وَهُوَ يقْرَأ {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلَنَا مِن بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} يس 8 9 وتلا {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً} الْإِسْرَاء 45 ثمَّ أَتَى منزل أبي بكر ثمَّ خرجا من خوخة كَانَت لَهُ فِي ظهر الْبَيْت وَعمد إِلَى غَار ثَوْر وَلم يعلم بخروجهما إِلَّا على وَآل أبي بكر وَأقَام الْمُشْركُونَ سَاعَة فَجعلُوا يتحدثون فَأَتَاهُم آتٍ فَقَالَ مَا تنتظرون قَالُوا أَن نصبح فنقتل مُحَمَّدًا قَالَ قبحكم الله وخيبكم أَو لَيْسَ قد خرج عَلَيْكُم وَجعل على رءوسكم التُّرَاب قَالَ أَبُو جهل أَو لَيْسَ هُوَ ذَاك مسجى بِبرْدِهِ الْآن كلمنا وَذكر أهل السِّيرَة أَن السَّبَب الْمَانِع لَهُم من التقحم عَلَيْهِ فِي الدَّار مَعَ قصر الدَّار وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا جَاءُوا لقَتله هُوَ انهم لما همموا بالولوج عَلَيْهِ صاحت امْرَأَة من الدَّار فَقَالَ بَعضهم لبَعض وَالله إِنَّهَا لسبة فِي الْعَرَب أَن يتحدث عَنَّا أَنا تسورنا الْحِيطَان على بَنَات الْعم وهتكنا ستر حرمتنا فَهَذَا الَّذِي أقامهم حَتَّى أَصْبحُوا ينتظرون خُرُوجه ثمَّ طمست أَبْصَارهم عِنْد خُرُوجه فَلَمَّا أَصْبحُوا قَامَ عَليّ من الْفراش فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جهل قَالَ صدقنا ذَلِك الْمخبر فاجتمعت قُرَيْش وَأخذت الطّرق وَجعلت الجعائل لمن جَاءَ بِهِ وانصرفت عيونهم فَلم يَجدوا شَيْئا وَفِي رِوَايَة لما قَامَ عَليّ من الْفراش قَالُوا لَهُ أَيْن صَاحبك فَقَالَ لَا علم لي قيل إِنَّهُم ضربوا عليا وحبسوه سَاعَة ثمَّ تَرَكُوهُ وَاقْتَصُّوا أثر النَّبِي فَلَمَّا بلغُوا الْجَبَل اخْتَلَط عَلَيْهِم روى أَنه لم يبْق أحد من الَّذين وضع على رُءُوسهم التُّرَاب إِلَّا قتل يَوْم بدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَأَنْشَأَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَقُول هَذِه الأبيات // (من الطَّوِيل) // (وقيت بنفسي خير من وطيء الثّرى ... فنجّاه ذُو الطّول الْإِلَه من الْمَكْر) (وقيت بنفسي خير من وطيء الثّرى ... وَمن طَاف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق وبالحجر) (رَسُول إلهٍ خَافَ أَن يَمْكُرُوا بِهِ ... فنجّاه ذُو الطّول الْإِلَه من الْمَكْر) (وَبَات رَسُول الله فِي الْغَار آمنا ... موقّىً وَفِي حفظ الْإِلَه وَفِي ستر) (وبتّ أُراعيهم وَمَا يثبتونني ... وَقد وطنت نَفسِي على الْقَتْل والأسر) قَالَ الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى وَقد سَمِعت بِأَبْيَات أَرْبَعَة فِي مثل معنى هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة وَزِيَادَة لبَعض الْفُضَلَاء وَهِي // (من الْكَامِل) // (أمجادلي فِيمَن رويت صِفَاته ... عَن هَلْ أَتَى وشرفن من أَوْصَاف) (أتظنّ تَأْخِير الإِمَام نقيصةً ... والنّقص فِي الْأَطْرَاف لَا الْأَشْرَاف) (زوج البتول ووالد السّبطين والفادي ... النّبي ونجل عبد منَاف) (أَو مَا ترى أنّ الْكَوَاكِب سبعةٌ ... والشّمس رابعةٌ بِغَيْر خلاف) وَقَوله فِي الْبَيْت الأول هَل أَتَى أَرَادَ بِهِ مَا روى التِّرْمِذِيّ أَنه رَضِي الله عَنهُ كَانَ عِنْده سِتَّة أرغفة يُرِيد بهَا الْعشَاء مَعَ زَوجته وولديه وخادمه فَوقف عَلَيْهِ سَائل وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ وَمن ذكر طاوين يَوْمًا وَلَيْلَة وَيَوْما فورد عَلَيْهِ سَائل فَقَالَ مِسْكين مِسْكين فَدفع إِلَيْهِ كرم الله وَجهه السِّتَّة الأرغفة وطوى وَمن مَعَه ثمَّ وجد مثلهَا فجَاء عِنْد اللَّيْل سَائل فَوقف قَلِيلا يَتِيم مُنْقَطع يَتِيم فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا وطوى وَمن مَعَه ثمَّ وجد مثلهَا فَجَاءَهُ عِنْد اللَّيْل سَائل فَوقف قَائِلا أَسِير أَسِير فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا فَأنْزل الله فِي شَأْنه الْآيَات فِي سُورَة {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمّ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} الْإِنْسَان 1 إِلَى قَوْله {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتيِماً وَأَسِيراً} الْإِنْسَان 8 أخرج هَذِه الْقِصَّة غير وَاحِد من الْمُحدثين وَإِن ضعفها بعض النقاد انْتهى قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء إِن لَيْلَة بَات عَليّ بن أبي طَالب على فرَاش النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أوحى الله إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل إِنِّي قد آخيت بَيْنكُمَا وَجعلت عمر أَحَدكُمَا أطول من الآخر فأيكما يُؤثر صَاحبه بِالْحَيَاةِ فَاخْتَارَ كل مِنْهُمَا الْحَيَاة فَأوحى الله إِلَيْهِمَا أَفلا كنتما مثل عَليّ بن أبي طَالب آخيت بَينه وَبَين مُحَمَّد فَبَاتَ على فرَاشه يفْدِيه بِنَفسِهِ ويؤثره بِالْحَيَاةِ اهبطا إِلَى الأَرْض فاحفظاه من عدوه فَكَانَ جِبْرِيل عِنْد رَأسه وَمِيكَائِيل عِنْد رجلَيْهِ يُنَادي بخ بخ من مثلك ياابن أبي طَالب يباهي بك الله مَلَائكَته فَأنْزل الله تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مرضات الله وَالله رءوف بالعباد} الْبَقَرَة 207 وَلما سَار النَّبِي وَمَعَهُ أَبُو بكر إِلَى الْغَار جعل أَبُو بكر يمشي سَاعَة بَين يَدي رَسُول الله وَسَاعَة خَلفه فَقَالَ رَسُول الله مَا بالك يَا أَبَا بكر تفعل ذَلِك فَقَالَ أذكر الطّلب فأمشي خَلفك ثمَّ أذكر الرصد فأمشي أمامك وروى عَن أبي بكر أَنه قَالَ لعَائِشَة لَو رَأَيْتنِي وَرَسُول الله إِذْ صعدنا الْجَبَل فَأَما قدما رَسُول الله فقطرتا دَمًا وَأما قَدَمَايَ فعادتا كَأَنَّهُمَا صَفْوَان فَقَالَت عَائِشَة إِن رَسُول الله لم يتعود الحفاء وَفِي معالم التَّنْزِيل لما وصل إِلَى فَم الْغَار قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَكَانك حَتَّى استبريء لَك الْغَار وَكَانَ الْغَار مَشْهُورا بِكَوْنِهِ سكن الْهَوَام قَالَ ادخل فَدخل فَرَأى غاراً مظلماً فَجَلَسَ مِنْهُمَا يلمس بِيَدِهِ كلما وجد جحراً شقّ ثَوْبه فألقمه إِيَّاه حَتَّى فعل ذَلِك بِثَوْبِهِ كُله فَبَقيَ جُحر ألقمه عقبه وَفِي الرياض النضرة فَجعل الأفاعي والحيات يضربنه وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ لدغته الْحَيَّة تِلْكَ اللَّيْلَة قَالَ أَبُو بكر قد كَانَت اللدغة أحب إِلَيّ من أَن يلْدغ رَسُول الله ثمَّ قَالَ أَبُو بكر ادخل يَا رَسُول الله فَإِنِّي قد بوأت لَك مَكَانا فَدخل فاضطجع وَأما أَبُو بكر فَكَانَ متألماً من لدغة الْحَيَّة فَلَمَّا اصبحا رأى النَّبِي على أبي بكر أثر الورم فَسَأَلَهُ عَنهُ فَقَالَ من لدغة الْحَيَّة فَقَالَ هلا أَخْبَرتنِي فَقَالَ كرهت إِن اوقظك فمسحه النَّبِي فَذهب مَا بِهِ من الورم والألم ثمَّ قَالَ فَأَيْنَ ثَوْبك فَأخْبرهُ بِمَا فعل فَعِنْدَ ذَلِك رفع النَّبِي يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل أَبَا بكر معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 قلت نظرت إِلَى بعض غلاة الروافض فَإِذا هُوَ لابس طاقية لباد وَقد خاط عَلَيْهَا مِمَّا يَلِي ناصيته التعيسة خرقَة زرقاء فِي طول وَعرض الْخِنْصر فَأخْبرت أَن فرقة مِنْهُم تعْمل ذَلِك حبا للحية وشكراً لَهَا لما فعلت فِي الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يعْتَقد ذَلِك عملا صَالحا يُثَاب عَلَيْهِ أَخْزَاهُ الله فِي ديناه وأخراه وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ أَبُو بكر مَعَ النَّبِي فِي الْغَار فعطش عطشاً شَدِيدا فَشَكا ذَلِك إِلَى النَّبِي فَقَالَ لَهُ النَّبِي اذْهَبْ إِلَى صدر الْغَار فَاشْرَبْ قَالَ أَبُو بكر فَانْطَلَقت إِلَى صدر الْغَار فَشَرِبت مَاء أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن وأذكى رَائِحَة من الْمسك ثمَّ عدت إِلَى النَّبِي فَقَالَ شربت قلت نعم قَالَ أَلا أُبَشِّرك يَا أَبَا بكر قلت بلَى يَا رَسُول الله فَقَالَ إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أَمر الْملك الْمُوكل بأنهار الْجنَّة أَن اخرق نَهرا من جنَّة الفردوس إِلَى صدر الْغَار ليشْرب أَبُو بكر فَقلت يَا رَسُول الله ولي عِنْد الله هَذِه الْمنزلَة فَقَالَ النَّبِي نعم وَأفضل وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يدْخل الْجنَّة مبغضك وَلَو كَانَ لَهُ عمل سبعين نَبيا أخرجه الملا فِي سيرته كَذَا فِي الرياض النضرة للمحب الطَّبَرِيّ قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف ورد فِي الصَّحِيح عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ أَبُو بكر لرَسُول الله وهما فِي الْغَار لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ لرآنا فَقَالَ رَسُول الله يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما وَرُوِيَ أَيْضا أَنهم لما انْتَهوا إِلَى بَاب الْغَار وَقد أنبت الله عَلَيْهِ شَجَرَة الرَّاء كَمَا سَيَأْتِي رأى أَبُو بكر الْقَافة فَاشْتَدَّ حزنة على رَسُول الله وَقَالَ إِن قتلت فَإِنَّمَا أَنا رجل من قُرَيْش وَإِن قتلت أَنْت هَلَكت الْأمة فَعندهَا قَالَ لَهُ رَسُول الله {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} التَّوْبَة 40 أَلا ترى كَيفَ قَالَ لَا تحزن وَلم يقل لَا تخف لِأَن حزنه على رَسُول الله شغله عَن خَوفه على نَفسه وَلِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 أَيْضا رأى مَا نزل برَسُول الله من النصب وَكَونه فِي ضيق من الْغَار مَعَ فرقة الْأَهْل ووحشة الغرباء وَكَانَ أرق النَّاس على رَسُول الله وأشفقهم عَلَيْهِ فَحزن وَقَول الله تَعَالَى {فَأَنَزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} التَّوْبَة 40 قَالَ أَكثر أهل التَّفْسِير يُرِيد على أبي بكر فَالضَّمِير لَهُ وَأما الرَّسُول فَكَانَت السكينَة عَلَيْهِ وَقَوله {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودِ لَّمْ تَرَوْهَا} التَّوْبَة 40 الْهَاء فِيهِ رَاجِعَة إِلَى النَّبِي والجنود الْمَلَائِكَة أنزلهم عَلَيْهِ الْغَار فبشروه بالنصر على أعدائه فأيده ذَلِك وَقواهُ على الصَّبْر وَقيل أيده بِجُنُود لم تَرَوْهَا يَعْنِي يَوْم بدر وحنين وَغَيرهمَا من مشاهده وَقد قيل الْهَاء رَاجِعَة على النَّبِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَيْهِ وأيده جَمِيعًا وَأَبُو بكر تبع لَهُ فَدخل فِي حكم السكينَة بِالْمَعْنَى وَكَانَ فِي مصحف حَفْصَة فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِمَا} وَقيل إِن حزن أبي بكر عِنْدَمَا رأى بعض الْكفَّار يَبُول عِنْد بَاب الْغَار كَمَا سَيَأْتِي ذكره قَرِيبا فأشفق أَبُو بكر أَن يَكُونُوا قد رأوهما فَقَالَ لَهُ النَّبِي لَا تحزن فَإِنَّهُم لَو رأونا لم يستقبلونا بفروجهم عِنْد الْبَوْل إِن لقريش نخوة وَلما تشاغلوا بِشَيْء عَن أَخذنَا فَائِدَة زعمت الرافضة أَن فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ غضا مِنْهُ وذماً لَهُ فَإِن فِي حزنه ذَلِك إِن كَانَ طَاعَة فالنبي لَا ينْهَى عَن الطَّاعَة فَلم يبْق إِلَّا أَنه مَعْصِيّة فَيُقَال لَهُم على طَريقَة الجدل قد قَالَ تَعَالَى لرَسُوله مُحَمَّد {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} يس 79 وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} آل عمرَان 178 وَقَالَ لمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} طه 21 وَقَالَت الْمَلَائِكَة للوط عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَلما إِن جَاءَت رسلنَا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وَقَالُوا لَا تخف وَلَا تحزن} العنكبوت 33 فان زعمتم إِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين قيل لَهُم هَذَا كَانُوا فِي مَعْصِيّة فقد كَفرْتُمْ ونقضتم أصلكم فِي وجوب الْعِصْمَة للْإِمَام الْمَعْصُوم فِي زعمكم وَهُوَ من غير الْأَنْبِيَاء فَكيف بهم وَإِنَّمَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تحزن وَقَوله تَعَالَى لأنبيائه مثل هَذَا تسكين لإيحاشهم وتيسير لَهُم وتأنيس لَا على جِهَة النَّهْي الَّذِي زَعَمُوا وَلَكِن كَمَا قَالَ تَعَالَى (تتنزل عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الْمَلَائِكَة لَا تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ} فصلت 30 وَهَذَا القَوْل إِنَّمَا يُقَال لَهُم عِنْد المعاينة وَلَيْسَ إِذْ ذَاك أَمر بِطَاعَة لَا نهي عَن مَعْصِيّة فانتبه للصَّوَاب أَيهَا العَبْد الْمُوفق الْمَأْمُور بتدبر كتاب الله تَعَالَى لقَوْله {إِذْ يَقُول لصَاحبه لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} التَّوْبَة 40 كَيفَ كَانَ مَعَهُمَا بِالْمَعْنَى وباللفظ أما الْمَعْنى فَكَانَ مَعَهُمَا بالنصر والإرشاد وَالْهِدَايَة وَأما اللَّفْظ فَإِن اسْم الله تَعَالَى كَانَ يذكر إِذا ذكر رَسُوله وَإِذا دعى فَقيل يَا رَسُول الله أَو فعل رَسُول الله ثمَّ كَانَ لصَاحبه أبي بكر كَذَلِك يُقَال يَا خَليفَة رَسُول الله وَفعل خَليفَة رَسُول الله فَكَانَ يذكر مَعَ ذكرهمَا بالرسالة والخلافة ثمَّ ارْتَفع ذَلِك فَلم يكن لأحد من الْخُلَفَاء وَلَا يكون انْتهى مَا قَالَه السُّهيْلي فِي الرَّوْض قلت قَوْله ثمَّ ارْتَفع ذَلِك صَحِيح لِأَنَّهُ لما ولي عمر رَضِي الله عَنهُ استثقل دعاؤه يَا خَليفَة خَليفَة رَسُول الله حَتَّى جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فاستمرت تِلْكَ عَلَيْهِ وعَلى الْخُلَفَاء بعده إِلَى آخر الدَّهْر وَأما قَوْله وَلَا يكون فِيهِ نظر إِذْ كَانَ يَصح فِي عمر وَعُثْمَان وعَلى ذَلِك الْمَعْنى لَو قيل لكنه ترك لما ذكر من الاستثقال والاكتفاء بامير الْمُؤمنِينَ وَالله أعلم وَحكى الْوَاقِدِيّ إِن رَسُول الله لما دخل الْغَار دَعَا شَجَرَة كَانَت أَمَام الْغَار فَأَقْبَلت حَتَّى وقفت عِنْد فَم الْغَار فحجبت أعين الْكفَّار قَالَ السُّهيْلي وَذكر قَاسم ابْن ثَابت فِي الدَّلَائِل فِيمَا شرح من الحَدِيث إِن رَسُول الله لما دخل الْغَار أنبت الله على بَابه الرَّاء قَالَ عَاصِم قَالَ ابْن ثَابت وَهِي شَجَرَة مَعْرُوفَة من أعلاث الشّجر تكون مثل قامة الْإِنْسَان وَلها خيطان وزهر أَبيض تحشى مِنْهُ المخاد فَيكون كالريش لخفته وَلينه وَأخرج الْبَزَّار أَن الله أَمر العنكبوت فَنسجَتْ على وَجه الرَّاء وَأرْسل حَمَامَتَيْنِ فوقفتا وباضتا فِي أَسْفَل النقب وَإِن ذَلِك مِمَّا صد الْمُشْركين وَأَن حمام الْحرم من نسل تينك الحمامتين وَفِي الْمَوَاهِب اللدنية أخرج أَبُو نعيم فِي الحَدِيث عَن عَطاء بن ميسرَة قَالَ نسجت العنكبوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 مرَّتَيْنِ على دَاوُد حِين كَانَ يَطْلُبهُ طالوت وَمرَّة هَذِه على النَّبِي انْتهى قلت وَكَذَا نسجت عل الْغَار الَّذِي دخله عبد الله بن أنيس لما بَعثه النَّبِي لقتل سُفْيَان بن خَالِد بن نُبيح الْهُذلِيّ بعرنة فَقتله ثمَّ احْتمل رَأسه وَدخل فِي الْغَار فَنسجَتْ عَلَيْهِ العنكبوت وَجَاء الطّلب فَلم يَجدوا شَيْئا فانصرفوا رَاجِعين وَفِي تَارِيخ ابْن عَسَاكِر أَن العنكبوت نسجت أَيْضا على عَورَة زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب لما صلب عُريَانا فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة فِي دولة هِشَام بن عبد الْملك فَإِنَّهُ قتل بِالْكُوفَةِ فِي المصاف وَكَانَ قد خرج وَبَايَعَهُ خلق كثير فحاربه نَائِب الْعرَاق يُوسُف بن عمر وظفر بِهِ فَقتله وصلبه عُريَانا وَبَقِي جسده مصلوباً أَربع سِنِين روى أَن الْمُشْركين كَانُوا يعلمُونَ محبَّة رَسُول الله لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَذَهَبُوا لطلبه على بَاب أبي بكر وَفِيهِمْ أَبُو جهل فَخرجت إِلَيْهِم أَسمَاء بنت أبي بكر فَقَالُوا لَهَا أَيْن أَبوك فَقَالَت لَا أَدْرِي فَرفع أَبُو جهل يَده وَكَانَ فَاحِشا خبيثاً فلطم خدها لطمة خرج مِنْهَا قُرْطهَا وَسقط ثمَّ انصرفوا فوقعوا فِي طلبهما وَفِي الِاكْتِفَاء فقدت قُرَيْش رَسُول الله فَلم يجدوه بِمَكَّة أَعْلَاهَا وأسفلها وبعثوا الْقَافة يتبعُون أَثَره فِي كل جِهَة فَوجدَ الَّذِي ذهب جِهَة ثَوْر أَثَره هُنَاكَ فَلم يزل يتبعهُ حَتَّى انْقَطع لما انْتهى إِلَى ثَوْر وشق على قُرَيْش خُرُوجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وجزعوا لذَلِك فطفقوا يطلبونه بِأَنْفسِهِم فِيمَا قرب مِنْهُم ويرسلون من يَطْلُبهُ فِيمَا بعد عَنْهُم وَجعلُوا مائَة بعير لمن رده عَلَيْهِم وَلما انْتَهوا إِلَى فَم الْغَار وَقد كَانَت العنكبوت ضربت على بَابه قَالَ قَائِل مِنْهُم ادخُلُوا الْغَار فَقَالَ أُميَّة بن خلف مَا أربكم فِي الْغَار إِن عَلَيْهِ لعنكبوتاً أبعد من مِيلَاد مُحَمَّد قيل فَلذَلِك نهى رَسُول الله عَن قتل العنكبوت وَقَالَ إِنَّهَا جند من جنود الله وَفِي رِوَايَة أقبل فتيَان من مُشْركي قُرَيْش وَمَعَهُمْ قائف من قافة بني مُدْلِج وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 المشهورون بالقيافة بَين الْعَرَب فالتمسوا أثرهما فقصوه إِلَى أَن دنوا من فَم الْغَار قَالَ الْقَائِف وَالله مَا جَازَ مطلوبكم هَذَا الْغَار فَعِنْدَ ذَلِك حزن أَبُو بكر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله لَا تحزن إِن الله مَعنا قَالَ يَا رَسُول الله لَو نظر أحدهم إِلَى قَدَمَيْهِ لرآنا ثمَّ دنا بَعضهم فَبَال فِي أَسْفَل النقب فَقَالَ النَّبِي إِن لقريش نخوة وَإنَّهُ لَو رآك لما كشف سوءته قبلك وَقَالَ لَهُ النَّبِي مَا بالك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما وَفِي معالم التَّنْزِيل لم يكن حزن أبي بكر جزعاً من الْمَوْت وَإِنَّمَا اشفاقاً على رَسُول الله قَالَ إِن أقتل فَأَنا رجل من قُرَيْش وَإِن قتلت هَلَكت الْأمة وَلم يعبد الله فَجعلُوا يضْربُونَ حول الْغَار يمنة ويسرة وَيَقُولُونَ لَو دخل الْغَار لانكسر بيض الْحمام وتفسخ نسج العنكبوت فَلَمَّا سمع ذَلِك النَّبِي علم إِن الله تَعَالَى قد حمى حماها بالحمام وَصرف عَنْهُمَا كيدهم بالعنكبوت أَشَارَ إِلَى ذَلِك البوصيري رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْبَسِيط) // (ظنّوا الْحمام وظنّوا العنكبوت على ... خير البريّة لم تنسّج وَلم تحم) (وقاية الله أغنت عَن مضاعفةٍ ... من الدّروع وَعَن عالٍ من الأُطُم) وَقَالَ فِي همزيته // (من الْخَفِيف) // (وكفته بسنجها عنكبوتٌ ... مَا كفته الْحَمَامَة الحصداء) وَللَّه در الْقَائِل // (من الوافر) // (ودود القزّ إِن نسجت حَرِيرًا ... يجمّل لبسه فِي كلّ زيّ) (فَإِن العنكبوت أجلّ مِنْهَا ... بِمَا نسجت على رَأس النّبيّ) وَقد تقدم أَن عَامر بن فهَيْرَة اتبع أَثَره حَتَّى يُعْفَى عَلَيْهِ بأظلاف الْغنم فَخرج مَعَهُمَا رَدِيف أبي بكر يَخْدُمهُمَا وعامر بن فهَيْرَة أسلم وَكَانَ حسن الْإِسْلَام عذب فِي الله فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر فَأعْتقهُ وَشهد بَدْرًا وأحداً وَقتل يَوْم بِئْر مَعُونَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة قَتله عَامر بن الطُّفَيْل وَهُوَ من مولدِي الأزد أسود اللَّوْن ذكر ذَلِك كُله مُوسَى ابْن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَأَقَامَا فِي الْغَار ثَلَاثَة أَيَّام الْجُمُعَة والسبت والأحد وركبا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ومعهما دليلهما عبد الله بن أريقط وَكَانَ ماهراً خريتاً فسلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 بهما أَسْفَل مَكَّة ثمَّ مضى بهما إِلَى سَاحل من عسفان ثمَّ سلك بهما على اسفل امج ثمَّ نزل على قديد حِين خيام أم معبد عَاتِكَة بنت خَالِد الْخُزَاعِيَّة من بني كَعْب وَكَانَت بِقديد وَفِي مُعْجم مَا استعجم من قديد إِلَى المسلك ثَلَاثَة اميال بيهما خيمة أم معبد امْرَأَة بزْرَة جلدَة تَحْتَبِيَ بِفنَاء الْخَيْمَة وَمعنى بزْرَة تخرج للنَّاس وَفِي خصلاة الوفا قديد كزبير قَرْيَة جَامِعَة بطرِيق مَكَّة كَثِيرَة الْمِيَاه فنزلوا عِنْدهَا فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا ليشتروا مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا من ذَلِك وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ فَقَالَت وَالله لَو كَانَ عِنْدِي شَاة مَا أعوزكم الْقرى فَنظر رَسُول الله إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد فَقَالَت خلفهَا الْجهد عَن الْغنم قَالَ هَل بهَا من لبن قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك فَقَالَ لَهَا أَتَأْذَنِينَ لي أَن أَحْلَبَهَا فَقَالَت بِأبي أَنْت وَأمي إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها فَدَعَا بِالشَّاة فاعتقلها وَمسح ضرْعهَا فتفاجت وَدرت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط أَي يشْبع الْجَمَاعَة حَتَّى يربضوا فَحلبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى علاهُ الْبَهَاء وَسَقَى الْقَوْم حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم ثمَّ حلب فِيهِ مرّة أُخْرَى ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا وذهبوا فقلما لبث حَتَّى جَاءَ زَوجهَا أَبُو معبد يَسُوق أَعْنُزًا عِجَافًا وَكن هزالًا مُخّهنَّ قَلِيل وَاسم أبي معبد قَالَ السُّهيْلي لَا يعرف وَقَالَ العسكري اسْم أَكْثَم بن أبي الجون فَلَمَّا رأى اللَّبن قَالَ مَا هَذَا يَا أم معبد أَنى لَك هَذَا وَالشَّاء عَازِب حِيَال وَلَا حلوبة بِالْبَيْتِ فَقَالَت لَا وَالله إِلَّا أَنه مر بِنَا رجل مبارك فَقَالَ صَفيه يَا أم معبد فَقَالَت رَأَيْت رجلا ظَاهر الْوَضَاءَة أَبْلَج الْوَجْه حسن الْخلق لم تَعبه نجلة وَلم تزر بِهِ صعلة وسيم قسيم فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ وَفِي أَشْفَاره وَطف وَفِي صَوته صَحِلَ أحور أكحل أَزجّ أقرن شَدِيد سَواد الشّعْر وَفِي عُنُقه سَطَعَ وَفِي لحيته كثاثة إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما بِهِ وعلاه الْبَهَاء أكمل النَّاس وأبهاهم من بعيد واحسنهم واعلاهم من قريب حُلْو المنطلق فصل لَا نزر وَلَا هذر كَأَن مَنْطِقه خَرَزَات نظم ينحدرن ربعَة لَا تشنؤه عين من طول وَلَا تشنؤه من قصر غُصْن بَين غُصْنَيْنِ وَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَة منْظرًا وَأَحْسَنهمْ قدرا لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ إِذا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أَنْصتُوا وَإِن أَمر تبَادرُوا لأَمره مَحْفُودٌ محشود لَا عَابس وَلَا مُفند قَالَ أَبُو معبد هَذَا وَالله صَاحب قُرَيْش الَّذِي ذكر لنا من أمره مَا ذكر بِمَكَّة وَلَقَد هَمَمْت أَن أَصْحَبهُ وَلَأَفْعَلَن إِن وجدت إِلَى ذَلِك سَبِيلا فَخرج أَبُو معبد فِي أَثَرهم ليسلم فَيُقَال أدركهم بِبَطن دلم فَبَايعهُ وَانْصَرف وَفِي الصفوة بلغنَا أَن أم معبد هَاجَرت إِلَى النَّبِي وَأسْلمت قَالَ رزين أَقَامَت قُرَيْش أَيَّامًا لَا يَدْرُونَ أَيْن توجه رَسُول الله واي طَرِيق سلك حَتَّى سمعُوا بعد ذهابهما بأيام هاتفاً أقبل من أَسْفَل مَكَّة بِأَبْيَات يُغني بهَا غناء الْعَرَب عَالِيا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَالنَّاس يسمعُونَ الصَّوْت ويبتغونه وَلَا يرَوْنَ صَاحبه حَتَّى خرج من أَعلَى مَكَّة وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (جزى الله ربّ النّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حلا خيتمي أُمّ معبد) (هما نزلا بالبرّ ثمّ ترحّلا ... فأفلح من أَمْسَى رَفِيق محمّد) (فَمَا حملت من ناقةٍ فَوق رَحلهَا ... أبرّ وأوفى ذمّةً من محمّد) (فيالقُصيّ مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعالٍ لَا تُجارى وسؤدد) (لِيهن بني كعبٍ مَكَان فَتَاتهمْ ... ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد) (سلوا أُختكم عَن شَاتِهَا وإنائها ... فَإِن أَنْتُم تستشهدوا الشّاة تشهد) (دَعَاهَا بشاةٍ حَائِل فتحلّبت ... لَهُ بصريحٍ ضرّة الشّاة مُزْبِد) (فغادرها رهنا لَدَيْهَا لحالب ... يردهَا فِي مصدرٍ ثمّ مورد) وَقيل كَانَ الْهَاتِف الْقَائِل هَذِه الأبيات يسمع صَوته الجهوري على أبي قبيس وَلما سمع هَذِه الأبيات حسان بن ثَابت قَالَ هَذِه الأبيات // (من الطَّوِيل) // (لقد خَابَ قومٌ زَالَ عَنْهُم نبيّهم ... وَقد سر من يسري إِلَيْهِم وَيَغْتَدِي) (ترحّل عَن قومٍ فَزَالَتْ عُقُولهمْ ... وحلّ على قومٍ بنورٍ مجدّد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 (هدَاهُم بِهِ بعد الضّلالة ربّهم ... وأرشدهم من يبتع الحقّ يرشد) (وَهل يَسْتَوِي ضلاّل قومٍ تسفّهوا ... عمى وهداةٌ يَهْتَدُونَ بمهتدي) (لقد نزلت مِنْهُ على أهل يثربٍ ... ركاب هدى حلّت عَلَيْهِم بِأَسْعَد) (نبيّ يرى مَا لَا يرى النّاس حوله ... وَيَتْلُو كتاب الله فِي كلّ مشْهد) (وَإِن قَالَ فِي يومٍ مقَالَة غائبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْم أَو فِي ضحى الْغَد) (لِيهن أَبَا بكرٍ سَعَادَة جدّه ... بِصُحْبَتِهِ من يسْعد الله يسْعد) وَمِمَّا يسئل عَنهُ فِي هَذِه الْقِصَّة أَن يُقَال هَل استمرت هَذِه الْبركَة فِي شَاة أم معبد بعد ذَلِك الْيَوْم أم عَادَتْ إِلَى حَالهَا الأول فَفِي الْخَبَر عَن هِشَام بن حُبَيْش الكعبي أَنه قَالَ أَنا رَأَيْت تِلْكَ الشَّاة وَإِنَّهَا لتؤدم أم معبد وَجَمِيع صرمها أَي أهل ذَلِك المَاء فقد ظهر انها استمرت وَمر على تعهن صَخْرَة وروى إِن امراى تسكن تعهن يُقَال لَهَا أم عقى فحين مر بهَا النَّبِي استسقاها فَلم تسقه فَدَعَا عَلَيْهَا فمسخت صَخْرَة فَهِيَ تِلْكَ الصَّخْرَة ثمَّ مر بِعَبْد يرْعَى غنما فاستسقاه اللَّبن فَقَالَ مَا عِنْدِي شَاة تحلب غير أَن هَهُنَا عنَاقًا حملت أول وَمَا بَقِي لَهَا لبن فَقَالَ ادْع بهَا فاعتقلها وَمسح ضرْعهَا ودعا حَتَّى أنزلت وَجَاء أَبُو بكر بمجن فسقى أَبَا بكر ثمَّ حلب فسقى الرَّاعِي ثمَّ حلب فَشرب فَقَالَ الرَّاعِي من أَنْت فوَاللَّه مَا رَأَيْت مثلك قَالَ أَو تكْتم عَليّ حَتَّى أخْبرك قَالَ نعم قَالَ فَإِنِّي مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ أَنْت الَّذِي تزْعم قُرَيْش أَنه صابيء فَقَالَ إِنَّهُم ليقولون ذَلِك قَالَ أشهد أَنَّك نَبِي وَأَن مَا جِئْت بِهِ حق وَأَنه لَا يفعل مَا فعلت إِلَّا نَبِي وَأَنا متبعك قَالَ إِنَّك لَا تَسْتَطِيع ذَلِك يَوْمك فَإِذا بلغت أَنِّي قد ظَهرت فأتنا قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ قلت أَنى الرحيل يَعْنِي من الْمَكَان الَّذِي نَحن بِهِ عِنْد الرَّاعِي الْمَذْكُور فارتحلنا وَالْقَوْم يطلبوننا فَلم يدركنا أحد مِنْهُم إِلَّا سراقَة بن مَالك المدلجي فَقلت يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا قَالَ لَا تحزن إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الله مَعنا حَتَّى إِذا دنا منا وَكَانَ بَيْننَا وَبَينه قدر رمح أَو رُمْحَيْنِ أَو ثَلَاثَة قلت يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا فَدَعَا رَسُول الله فَقَالَ الله اكْفِنَا بِمَا شِئْت فساخت قَوَائِم فرسه إِلَى صدرها فِي أَرض صلد فَوَثَبَ عَنْهَا وَقَالَ يَا مُحَمَّد قد علمت أَن هَذَا عَمَلك فَادع الله أَن ينجيني مِمَّا أَنا فِيهِ فوَاللَّه لأعمين على من ورائي من الطّلب وَهَذِه كِنَانَتِي فَخذ مِنْهَا سَهْما فَإنَّك ستمر بإبلي وغنمي فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهَا حَاجَتك فَقَالَ رَسُول الله لَا حَاجَة لي فِيهَا فَأطلق فَرجع إِلَى أَصْحَابه وَجعل لَا يلقى أحدا إِلَّا قَالَ كفيتم مَا هَهُنَا فَلَا يلقى أحدا إِلَّا رده وَإِن أَبَا جهل لَعنه الله لما سمع قصَّة سراقَة أنشأ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ // (من الطَّوِيل) // (بني مُدْلِج إنّي أَخَاف سفيهكم ... سراقَة يستغوي بنصر محمّد) (عَلَيْكُم بِهِ ألاّ يفرّق جمعكم ... فَيُصْبِح شتّى بعد عزّ وسؤدد) وَلما سمع سراقَة شعر أبي جهل قَالَ // (من الطَّوِيل) // (أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا ... لأمر جوادي إِذْ تَسُوخ قوائمه) (علمت وَلم تشك بأنّ محمّداً ... رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه) (عَلَيْك بكفّ الْقَوْم عَنهُ فإنّني ... أرى أمره يَوْمًا ستبدو معالمه) (بأمرٍ يودّ النّاس فِيهِ بأسرهم ... بأنّ جَمِيع النّاس طرّاً يسالمه) قَالَ الشخ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس فِي سيرته سراقَة بن مَالك بن جعْشم الْكِنَانِي يكنى أَبَا سُفْيَان روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي مُوسَى عَن الْحسن أَن رَسُول الله قَالَ لسراقة هَذَا بعد اسلامه وَهُوَ بِالْمَدَنِيَّةِ كَيفَ بك إِذا لبست سواري كسْرَى فَلَمَّا أَتَى عمر رَضِي الله عَنهُ بِسوَارِي كسْرَى ومنطقته وتاجه فِي وقْعَة الْقَادِسِيَّة وظفر جنده رَضِي الله عَنهُ بِالْغَنِيمَةِ فَأتى بذلك مَعَ مَا أَتَى بِهِ إِلَيْهِ دَعَا سراقَة ابْن مَالك هَذَا فألبسه السوارين وَكَانَ سراقَة رجلا أزب الذارعين كثير شعرهما وَقَالَ لَهُ ارْفَعْ يَديك وَقل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 أكبر الْحَمد لله الَّذِي سلبهما كسْرَى بن هُرْمُز الَّذِي كَانَ يَقُول أَنا رب النَّاس وألبسهما سراقَة بن مَالك بن جعْشم أَعْرَابِيًا من بني مُدْلِج فَرفع صَوته وَقَالَ ذَلِك وَكَانَ سراقَة شَاعِرًا مجيداً وَهُوَ الَّذِي قَالَ لأبي جهل أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا الأبيات الَّتِي ذَكرنَاهَا روى عَنهُ من الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَجَابِر وروى عَنهُ سعيد بن الْمسيب وَابْنه مُحَمَّد بن سراقَة وروى لسراقة البُخَارِيّ وَالْأَرْبَعَة وَجَاء سراقَة إِلَى النَّبِي وَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الضَّالة ترد على حَوْض إبلي أَلِي أجر إِن سقيتها فَقَالَ فِي الكبد الحري أجر وَهُوَ السَّائِل عَن مُتْعَة الْحَج أللأبد هِيَ توفّي سنة أَربع وَعشْرين فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا وَقيل فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه انْتهى وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي دُخُوله الْغَار مَعَ النَّبِي وسيرهم وَطلب سراقَة إيَّاهُم هَذِه الأبيات // (من الْبَسِيط) // (قَالَ النّبيّ وَلم يجزع يوقّرني ... وَنحن فِي سدفةٍ من ظلمَة الْغَار) (لَا تخش شَيْئا فإنّ الله ثالثنا ... وَقد تكفّل لي مِنْهُ بِإِظْهَار) (وإنّما كيد من تخشى بوادره ... كيد الشّياطين كادته لكفّار) (وَالله مهلكهم طرّاً بِمَا كسبوا ... وجاعل الْمُنْتَهى مِنْهُم إِلَى النّار) (وَأَنت مرتحلٌ عَنْهُم وتاركهم ... إمّا غدوّاً وإمّا مدلجٌ ساري) (وهاجرٌ أَرضهم حتّى يكون لنا ... قومٌ عَلَيْهِم ذَوُو عزٍّ وأنصار) (حتّى إِذا اللَّيْل وأرانا جوانبه ... وسدّ من دون مَا يخْشَى بِأَسْتَارِ) (سَار الأُريقط يهدينا وأينقه ... ينعبن بالقوم نعباً تَحت أكوار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 (حتّى إِذا قلت قد أنجدن عَارَضنَا ... من مدلجٍ فارسٌ فِي منصبٍ واري) (فَقَالَ كرّوا فَقُلْنَا إنّ كرّتنا ... من دون ذَلِك نصر الْخَالِق الْبَارِي) (إِن يخسف الله بالأحوى وفارسه ... فَانْظُر إِلَى أربعٍ فِي الأَرْض غوّار) (فهيل لمّا رأى أرساغ مهرته ... يرسخن فِي الأَرْض لم تحفر بمحفار) (فَقَالَ هَل لكم أَن تطلقوا فرسي ... وتأخذوا موثقًا من نصح إسراري) (فَادعوا الّذي كفّ عَنْكُم أَمر غدوتنا ... يُطلق جوادي فَأنْتم خير أبرار) (فَقَالَ قولا رَسُول الله مبتهلاً ... يَا ربّ إِن كَانَ يَنْوِي غير إخفار) (فنجّه سالما من شرّ دَعوتنَا ... ومهره مُطلق من كلّ آسار) (فأظهر الله إِذْ يَدْعُو حَوَافِرِهِ ... وفاز فارسه من هول أخطار) قلت انكر بعض الْعلمَاء نِسْبَة هَذَا الشعرالى الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ كَذَلِك وَأَنا أنكرهُ أَيْضا لما فِيهِ من الركة والسماجة الَّتِي مَا لَهَا حَاجَة قَالَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد بن مُوسَى بن النُّعْمَان فِي كِتَابه الْمُسَمّى مِصْبَاح الظلام فِي المستغيثين بِسَيِّد الْأَنَام فِي الْيَقَظَة والمنام روينَا إِن رَسُول الله قَالَ لحسان بن ثَابت أقلت فِي أبي بكر شَيْئا قَالَ نعم قَالَ قل فَأَسْمع فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (إِذا تذكّرت شجواً من أخي ثقةٍ ... أُذكر أَخَاك أَبَا بكرٍ بِمَا فعلا) (خير البريّة أتقاها وأعدلها ... بعد النّبيّ وأوفاها بِمَا حملا) (وَالثَّانِي التّالي الْمَحْمُود مشهده ... وأوّل النّاس حقّاً صدّق الرّسلا) (وَثَانِي اثْنَيْنِ فِي الْغَار المنيف وَقد ... طَاف العدوّ بِهِ إِذْ صعّد الجبلا) (وَكَانَ حبّ رَسُول الله قد علمُوا ... من البريّة لم يعدل بِهِ رجلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وَخرج بهم على السَّاحِل ثمَّ أجَاز عسفان ثمَّ عَارض الطَّرِيق بعد إِلَى أَن أجَاز قديداً ثمَّ سلك الْحرار ثمَّ أجَاز على تَثْنِيَة الْمرة ثمَّ سلك مُدْلِجَة لقف ثمَّ استبطن مُدْلِجَة مجلح ثمَّ بطن مُرَجّح من ذِي العصوين ثمَّ أجَاز القاحة ثمَّ هَبَط العرج ثمَّ أجَاز فِي ثنية العائر عَن يَمِين ركُوبه ثمَّ هَبَط رئم ثمَّ قدم قبَاء من قبل الْعَالِيَة قَالَ الذَّهَبِيّ روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت إِن الْمُسلمين بِالْمَدِينَةِ لما سمعُوا بمخرج النَّبِي كَانُوا يَغْدُونَ إِلَى الْحرَّة ينتظرونه حَتَّى يردهم حر الشَّمْس فَركب يريدة بن الخصيب فِي سبعين من بني أسلم وَقَالَ الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عُرْوَة أَن الزبير كَانَ فِي ركب تجار بِالشَّام فقفلوا إِلَى مَكَّة فعارضوا رَسُول الله وَأَبا بكر بِثِيَاب بَيَاض فتلقوا رَسُول الله لَيْلًا فَقَالَ لَهُ من أَنْت قَالَ بُرَيْدَة فَالْتَفت إِلَى أبي بكر وَقَالَ برد أمرنَا وَصلح ثمَّ قَالَ لَهُ وَمِمَّنْ قَالَ من أسلم قَالَ لأبي بكر سلمنَا ثمَّ قَالَ مِمَّن قَالَ من بني سهم قَالَ خرج سهمك فَأسلم بُرَيْدَة وَالَّذين مَعَه جَمِيعًا فَلَمَّا اصبحوا قَالَ بُرَيْدَة للنَّبِي لَا تدخل المدنية إِلَّا ومعك لِوَاء فَحل عمَامَته ثمَّ شدها فِي رمح ثمَّ مَشى بَين يَدي النَّبِي وَقَالَ يَا نَبِي الله تنزل على من فَقَالَ أنزل على بني النجار أخوال جدي عبد الْمطلب لأكرمهم بذلك فَلَمَّا أصبح غَدا حَيْثُ أَمر فَلَمَّا كَانَ يَوْم دُخُوله جَلَسُوا كَمَا كَانُوا يَجْلِسُونَ حَتَّى إِذا رَجعْنَا وحميت القائلة إِذا رجل من الْيَهُود أشرف من اطم فَرَأى النَّبِي فَلم يملك أَن صَاح يَا بني قيلة هَذَا جدكم قد أقبل أَي حظكم وسعدكم فثار الْمُسلمُونَ إِلَى السِّلَاح فتلقوه بِظهْر الْحرَّة فَعدل بهم ذَات الْيَمين حَتَّى نزل فِي بني عَمْرو بن عَوْف على كُلْثُوم بن الْهدم وَكَانَ شَيخا صَالحا عابداً يَوْم الِاثْنَيْنِ من ربيع الأول فَطَفِقَ من لم يعرف النَّبِي يسلم على أبي بكر حَتَّى أَصَابَت الشَّمْس رَسُول الله فَأقبل أَبُو بكر يظله بردائه فَعرف النَّاس عِنْد ذَلِك رَسُول الله فَلبث فِي بني عَمْرو بن عَوْف أَرْبَعِينَ لَيْلَة واسس مَسْجِدهمْ اقبل النَّبِي مردفاً أَبَا بكر وَهُوَ شيخ يَعْنِي فِيهِ مبادئ الشمط وَالنَّبِيّ سَاب لَا يعرف فَيلقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الرجل أَبَا بكر فَيَقُول من هَذَا بَين يَديك فَيَقُول رجل يهديني الطَّرِيق وَإِنَّمَا يَعْنِي طَرِيق الْخَيْر وَفِي الْوَفَاء للعلامة السَّيِّد السمهودي رَحمَه الله روى رزين عَن أنس بن مَالك قَالَ كنت إِذْ قدم رَسُول الله الْمَدِينَة ابْن تسع سِنِين فَأَسْمع الغلمان والولائد يَقُولُونَ جَاءَ رَسُول الله وَأَبُو بكر فمكثا فِي حرث فِي طرف الْمَدِينَة وَفِي رِوَايَة فَنزلَا جَانب الْحرَّة فأرسلا رجلا من أهل الْبَادِيَة ليؤذن بهما الْأَنْصَار فَاسْتَقْبَلَهُمَا زهاء خَمْسمِائَة رجل من الْأَنْصَار حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِمَا فَنزل فِي بني عَمْرو بن عَوْف بقباء على كُلْثُوم بن الْهدم ولرزين نزل فِي ظلّ نَخْلَة ثمَّ انْتقل إِلَى دَار كُلْثُوم وَفِي رِوَايَة على سعد بن خَيْثَمَة وَوجه الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَن أول نُزُوله كَانَ على كُلْثُوم بن الْهدم وَلَكِن عينوا لَهُ مسكنا فِي دَار سعد بن حيثمة يكون النَّاس فِيهِ وَذَلِكَ لِأَن سَعْدا كَانَ عزباً لَا أهل لَهُ وَيُسمى منزله منزل الغرباء قَالَ المطرزي وَبَيت سعد بن خَيْثَمَة أحد الدّور الَّتِي قبلي مَسْجِد قبَاء وَهِي الَّتِي تلِي الْمَسْجِد فِي قبلته يدخلهَا النَّاس إِذا رَأَوْا مَسْجِد قبَاء وَيصلونَ فِيهَا وَهُنَاكَ أَيْضا دَار كُلْثُوم بن الْهدم وَفِي تِلْكَ الْعَرَصَة كَانَ رَسُول الله نازلاً قبل خُرُوجه إِلَى الْمَدِينَة وَكَذَلِكَ أَهله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأهل أبي بكر حِين قدمُوا بعد خُرُوج رَسُول الله من مَكَّة وَهن سَوْدَة وَعَائِشَة وَأمّهَا أم رُومَان وَأُخْتهَا أَسمَاء وَهِي حَامِل بِعَبْد الله بن الزبير فَولدت بقباء قبل نزولهم الْمَدِينَة وَنزل أَبُو بكر بالسنح على خبيب بن يسَاف أحد بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَقيل على خَارِجَة بن زيد بن رهم وَعَن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي رُقَيْش عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن حَارِثَة قَالَ نزل رَسُول الله بِظهْر حرتنا هُوَ وَأَبُو بكر ثمَّ ركبا فَأَنَاخَ على عذق عِنْد بِئْر غرس قبل أَن تبزغ الشَّمْس وَقَوله عِنْد بِئْر غرس الظَّاهِر أَنه تَصْحِيف وَلَعَلَّه بِئْر عذق لبعد بِئْر غرس عَن منزله بقباء بِخِلَاف بِئْر عذق وَلما نزل النَّبِي وَأَبُو بكر وعامر بن فهَيْرَة على كُلْثُوم قَالَ كُلْثُوم لمولى لَهُ يَا نجيح أطعمنَا رطبا فَلَمَّا سمع رَسُول الله بنجيح الْتفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 أنجحنا فَأتوا بقنو من أم جودان فِيهِ رطب منصف وزهو فَقَالَ هَذَا عذق أم جودان فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك فِي أم جودان وَكَانَ لكلثوم بن الْهدم مربد وَهُوَ الْموضع الَّذِي يبسط فِيهِ التَّمْر لييبس فَأخذ مِنْهُ فأسسه مَسْجِدا كَذَا فِي رواياة ابْن زبالة وَغَيره وَفِي الصَّحِيح عَن عُرْوَة أَقَامَ فِي بني عَمْرو بن عَوْف بضع عشرَة لَيْلَة وَأسسَ مَسْجده الَّذِي أسس على التَّقْوَى وَقد اخْتلف فِي المُرَاد بقوله تَعَالَى {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لمّسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} التَّوْبَة 108 فالجمهور على أَن المُرَاد بِهِ مَسْجِد قبَاء وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله فِي مَسْجِد الْمَدِينَة هُوَ مَسْجِدكُمْ هَذَا إِذْ كل مِنْهُم أسس على التَّقْوَى وَعَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ لما سَأَلَ أهل قبَاء النَّبِي أَن يبْنى لَهُم مَسْجِدا قَالَ رَسُول الله ليقمْ بَعْضكُم فليركب النَّاقة فَقَامَ أَبُو بكر فركبها فحركها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَامَ عمر فركبها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَالَ رَسُول الله ليقمْ بَعْضكُم فيركب النَّاقة فَقَامَ عَليّ فَلَمَّا وضع رجلَيْهِ فِي غرز الركاب وَثَبت بِهِ فَقَالَ رَسُول الله ارخ زمامها فسارت حَتَّى وقفت حبيث الْمَسْجِد الْيَوْم فَقَالَ ابْتَنَوْا على مدارها فَإِنَّهَا مأمورة ثمَّ قَالَ يَا أهل قبَاء ائْتُونِي بأحجار من الْحرَّة فَجمعت عِنْده أَحْجَار كَثِيرَة فَخط قبلتهم فَأخذ حجرا فَوَضعه ثمَّ قَالَ يَا أَبَا بكر خُذ حجرا فضعه إِلَى جنب حجري ثمَّ قَالَ يَا عمر خُذ حجرا فضعه إِلَى جنب حجر أبي بكر ثمَّ قَالَ يَا عُثْمَان خُذ حجرا فضعه إِلَى جنب حجر عمر وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر كَانَ رَسُول الله يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا أَو مَاشِيا وَعنهُ أَيْضا اني سَمِعت رَسُول الله يَقُول من صلى فِيهِ كَانَ كَعدْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 عمْرَة وروى ابْن زبالة أَن النَّبِي صلى إِلَى الأسطوانة الثَّالِثَة فِي مَسْجِد قبَاء الَّتِي فِي الرحبة وَعَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ كَانَ فِي مَوضِع الأسطوانة المخلقة الْخَارِجَة فِي رحبة الْمَسْجِد قَالَ ابْن رقيشي حَدثنِي نَافِع أَن عمر كَانَ إِذا جَاءَ مَسْجِد قبَاء صلى إِلَى الأسطوانة المخلقة يقْصد بذلك مَسْجِد النَّبِي الأول وروى ابْن زبالة عَن عبد الْملك بن بكير عَن أبي ليلى عَن أَبِيه إِن رَسُول الله صلى فِي مَسْجِد قبَاء إِلَى الأسطوانة الثَّالِثَة فِي الرحبة إِذا دخلت من الْبَاب الَّذِي بِفنَاء دَار سعد بن خَيْثَمَة قَالَ السَّيِّد السمهودي رَحمَه الله الْبَاب الْمَذْكُور هُوَ المشدود الْيَوْم بِظهْر رسمه من خَارج الْمَسْجِد من جِهَة الْمغرب وَكَانَ شَارِعا فِي الرواق الَّذِي يَلِي الرحبة من السّقف القبلي فالأسطوانة الثَّالِثَة فِي الرحبة هِيَ الَّتِي عِنْدهَا الْيَوْم محراب فِي رحبة الْمَسْجِد لانطباق الْوَصْف الْمَذْكُور عَلَيْهَا فَهِيَ المرادة بقول الْوَاقِدِيّ كَانَ الْمَسْجِد فِي مَوضِع الأسطوانة المخلقة الْخَارِجَة فِي رحبة الْمَسْجِد وَهِي الَّتِي كَانَ ابْن عمر يُصَلِّي إِلَيْهَا واقام بقباء يَوْم الأثنين وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس ثمَّ أرسل إِلَى بني النجار أخوال جده عبد الْمطلب فَجَاءُوا متقلدين سيوفهم فَسَلمُوا على النَّبِي وابي بكر وَقَالُوا اركبنا آمِنين مطاعين فركبا يَوْم الْجُمُعَة وَاجْتمعت بَنو عَمْرو بن عَوْف وَقَالُوا أخرجت ملالاً لنا أم تُرِيدُ دَار خيرا من دَارنَا قَالَ إِنِّي أمرت بقرية تَأْكُل الْقرى فخلوها أَي نَاقَته فَإِنَّهَا مأمورة فَسَار حَتَّى أَدْرَكته الْجُمُعَة فِي بني سَالم فَصلاهَا بِمن مَعَه فِي بطن الْوَادي وَادي ذِي صلت وَفِي سيرة ابْن هِشَام وَادي رَانُونَاء وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رجلا وَقيل مائَة وَكَانَت هَذِه أول جُمُعَة جمعهَا فِي الْإِسْلَام حِين قدم الْمَدِينَة وَقيل إِنَّه كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة فِي مَسْجِد قبَاء فِي إِقَامَته هُنَاكَ على قَول من قَالَ إِنَّهَا كَانَت أَرْبَعِينَ يَوْمًا وخطب يَوْمئِذٍ خطْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 بليغة يَعْنِي فِي بني سَالم وَهِي أول خطْبَة خطبهَا عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْإِسْلَام وروى عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي أَنه بلغه عَن خطْبَة رَسُول الله فِي أول جُمُعَة صليت فِي الْمَدِينَة فِي بني سَالم بن عَوْف أَنَّهَا هِيَ هَذِه الْحَمد لله أَحْمَده وَأَسْتَعِينهُ وأستغفره وأستهديه وأومن بِهِ وَلَا أكفره وأعادي من يكفره وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرسل بِالْهدى والنور وَالْمَوْعِظَة على فَتْرَة من الرُّسُل وَقلة من الْعلم وضلالة من النَّاس وَانْقِطَاع من الزَّمَان ودنو من السَّاعَة وَقرب من الْأَجَل من يطع الله وَرَسُوله فقد رشده وَمن يعْص الله وَرَسُوله فقد غوى وفرط وضل ضلالا بَعيدا أوصيكم بتقوى الله فَإِنَّهُ خير مَا أوصِي بِهِ الْمُسلم أَخَاهُ أَن يحضه على الْآخِرَة وَأَن يَأْمُرهُ بتقوى الله فاحذروا مَا حذركُمْ الله من نَفسه وَلَا أفضل من ذَلِك ذكر وَإِن تقوى الله لمن عمل بهَا على وَجل ومخافة من ربه عون صدق على مَا تَبْتَغُونَ من أَمر الْآخِرَة وَمن يصلح الَّذِي بَينه وَبَين الله من أمره فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة لَا يَنْوِي بذلك إِلَّا وَجه الله يكن لَهُ ذخْرا فِي عَاجل أمره وذخراً فِيمَا بعد الْمَوْت حِين يفْتَقر الْمَرْء إِلَى مَا يقدم وَمَا كَانَ من سوى ذَلِك يود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمداً بَعيدا ويحذركم الله نَفسه وَالله رءوف بالعباد وَالَّذِي صدق قَوْله وانجز وعده وَلَا خلف لذَلِك فاهه يَقُول {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَاْ بظالم لِلْعَبِيدِ} ق 29 فَاتَّقُوا الله فِي عَاجل أَمركُم وآجله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَإِنَّهُ من يتق الله يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا وَمن يتق الله فقد فَازَ فوزاً عَظِيما وَإِن تقوى الله توقي مقته وعقوبته وَسخطه وتبيض الْوُجُوه وترضى الرب وترفع الدرجَة خُذُوا بحظكم وَلَا تفرطوا فِي جنب الله فقد علمكُم الله كِتَابه ونهج لكم سَبيله ليعلم الَّذِي صدقُوا وَيعلم الْكَاذِبين فَأحْسنُوا كَمَا أحسن إِلَيْكُم وعادوا أعداءه وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده وَهُوَ اجتنابكم وسماكم الْمُسلمين ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَكْثرُوا ذكر الله ثمَّ اعلموا أَنه خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَاعْلَمُوا لما بعد الْمَوْت فَإِنَّهُ من يصلح مَا بَينه وَبَين الله يَكْفِيهِ مَا بَينه وَبَين النَّاس وَذَلِكَ بِأَن الله يقْضِي الْحق على النَّاس وَلَا يقضون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 عَلَيْهِ وَيملك من النَّاس وَلَا يملكُونَ عَلَيْهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم ثمَّ ركب نَاقَته القصوى وَالنَّاس عَن يَمِينه وشماله وَخَلفه مِنْهُم الرَّاكِب وَمِنْهُم الْمَاشِي فاعترضه الْأَنْصَار فَلَا يمر بدار إِلَّا قَالُوا هَلُمَّ إِلَى الْعِزّ والمنعة والثروة فَيَقُول لَهُم خيرا وَيَدْعُو لَهُم وَيَقُول إِنَّهَا مأمورة خلوا سَبِيلهَا فَمر ببني سَالم فَقَامَ إِلَيْهِ عتْبَان بن مَالك وَنَوْفَل بن عبد الله بن مَالك والعجلان وَهُوَ آخذ بزمام رَاحِلَته يَقُول يَا رَسُول الله انْزِلْ فِينَا فَإِن فِينَا الْعدة وَالْعدَد وَالْحَلقَة يَعْنِي السِّلَاح وَنحن أَصْحَاب الفضاء والحدائق والدرك يَا رَسُول الله كَانَ الرجل من الْعَرَب يدْخل هَذِه البحرة خَائفًا فيلجأ إِلَيْنَا فَنَقُول توقل حَيْثُ شِئْت فَجعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يبتسم وَيَقُول خلوا سَبِيلهَا فَإِنَّهَا مأمورة وَقَامَ إِلَيْهِ عبَادَة بن الصَّامِت ونضلة بن العجلان فجعلان يَقُولَانِ يَا رَسُول الله انْزِلْ فِينَا فَيَقُول إِنَّهَا مأمورة ثمَّ أَخذ عَن يَمِين الطَّرِيق حَتَّى جَاءَ بني الحلبى وَأَرَادَ أَن ينزل على عبد الله بن أبي بن سلول فَلَمَّا رَآهُ وَهُوَ عِنْد مُزَاحم اسْم لأطم مُحْتَبِيًا قَالَ عبد الله بن أبي اذْهَبْ إِلَى الَّذين دعوك فَانْزِل عَلَيْهِم فَقَالَ سعد ابْن عبَادَة يَا رَسُول الله لَا تَجِد فِي نَفسك من قَوْله فقد قدمت علينا والخزرج تُرِيدُ أَن تملكه علينا وَإِنَّهُم لينظمون لَهُ الودع ليتوجوه قلت وَهَذَا عبد الله وَهُوَ رَأس الْمُنَافِقين وَرَأس أهل الْإِفْك الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النُّور 11 مَاتَ على كفره ونفاقه لَعنه الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ سعد بن عبَادَة وَلَكِن هَذِه دَاري فَمر ببني سَاعِدَة فَقَالَ لَهُ الْمُنْذر بن عَمْرو وَأَبُو دُجَانَة يَا رَسُول الله إِلَى الْعدَد والثروة وَالْقُوَّة وَالْجَلد وَسعد ابْن عبَادَة يَقُول لَيْسَ فِي قومِي أَكثر عذقاً وَلَا أوسع فَم بِئْر مَعَ الثروة وَالْعدَد وَالْحَلقَة فَيَقُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَارك الله عَلَيْكُم وَيَقُول يَا أَبَا ثَابت خل سَبِيلهَا فانها مامورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ثمَّ مر ببني عدي بن النجار أخوال جده عبد الْمطلب فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو سليط وصرمة ابْن أبي أنيس فَقَالَا يَا رَسُول الله نَحن أخوالك هَلُمَّ إِلَى الْعدَد والمنعة وَالْقُوَّة مَعَ الْقَرَابَة لَا تجاوزنا إِلَى غَيرنَا لَيْسَ أحد من قَومنَا أولى بك منا لقرابتنا لَك فَقَالَ خلوا سَبِيلهَا فَإِنَّهَا مأمورة فسارت حَتَّى استناخت فِي مَوضِع الْمَسْجِد فَلم ينزل عَن ظهرهَا فَقَامَتْ ومشت قَلِيلا وَهُوَ لَا يهيجها ثمَّ التفتت فَكرت رَاجِعَة إِلَى مَكَانهَا الأول وبكرت بِهِ وَوضعت جِرَانهَا على الأَرْض فَنزل عَنْهَا فَأخذ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَحلهَا فَحَمله إِلَى دَاره وَنزل النَّبِي فِي بَيت من دَار أبي أَيُّوب ثمَّ دَعَتْهُ الْأَنْصَار إِلَى النُّزُول عَلَيْهِم فَقَالَ الْمَرْء حَيْثُ رَحْله فمضت كَلمته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مثلا وَلما بَركت النَّاقة خرجن جواري بني النجار يضربن الدفوف وَيَقُلْنَ // (من الرجز) // (نَحن جوارٍ من بني النّجار ... يَا حبّذا محمّد من جَار) قلت أَبُو أَيُّوب اسْمه خَالِد بن يزِيد أَو زيد هُوَ من بني النجار اطول جده عبد الْمطلب فَقَالَ لَهُنَّ النَّبِي أتحبنني قُلْنَ نعم يَا رَسُول الله قَالَ وَالله وَأَنا أحبكن قَالَهَا ثَلَاثًا وَعَن أَفْلح مولى أبي ايوب إِن رَسُول الله لما نزل عَلَيْهِ نزل أَسْفَل وَأَبُو أَيُّوب فِي الْعُلُوّ فانتبه أَبُو ايوب فَبَاتَ ليلته لم ينم فَقَالَ نمشي فَوق رَسُول الله فتحول هُوَ وَأَهله فِي جَانب فَلَمَّا أصبح ذكر ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْأَسْفَل أرْفق بِي فَقَالَ أَبُو أَيُّوب لَا أعلو سَقِيفَة أَنْت تحتهَا فتحول أَبُو أَيُّوب إِلَى السّفل وَالنَّبِيّ إِلَى الْعُلُوّ واقام فِي دَار أبي أَيُّوب سَبْعَة أشهر بِتَقْدِيم السِّين قَالَ فِي الرَّوْض الْأنف منزل أبي ايوب الَّذِي نزل فِيهِ رَسُول الله تصير بعده إِلَى أَفْلح مولى أبي أَيُّوب فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بعد مَا خرب وتثملت حيطانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام بِأَلف دِينَار بحيلة احتالها عَلَيْهِ الْمُغيرَة ثمَّ أصلح الْمُغيرَة مَا وَهِي من الْبَيْت وَتصدق بِهِ على أهل بَيت من فُقَرَاء الْمَدِينَة فَكَانَ بعد ذَلِك أَفْلح يَقُول للْمُغِيرَة خدعتني فَيَقُول لَهُ الْمُغيرَة لَا أَفْلح من نَدم انْتهى وَهِي فِي شَرْقي الْمَسْجِد الْمُقَدّس ثمَّ بِيعَتْ فاشتراها الْملك المظفر لشهاب الدّين غَازِي ابْن الْملك الْعَادِل سيف الدّين بن أبي بكر بن شادي مَعَ عَرصَة الدَّار وبناها مدرسة للمذاهب الْأَرْبَعَة تعرف الْيَوْم بمدرسة الشهابية وَمن إيوَان قاعتها الصُّغْرَى خزانَة صَغِيرَة جدا مِمَّا يَلِي الْقبْلَة فِيهَا محراب يُقَال أَنه مبرك نَاقَته وَذَلِكَ على رِوَايَة أَنَّهَا بَركت عِنْد دَار أبي أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق إِن هَذَا الْبَيْت بناه تبع الأول لما مر بِالْمَدِينَةِ للنَّبِي ينزله إِذا قدم الْمَدِينَة فتداول اليبت الْملاك إِلَى أَن صَار إِلَى أبي أَيُّوب وَهُوَ من ذريتة الحبر الَّذِي اسلمه تبع كِتَابه للنَّبِي فَلم يزل سَاكِنا عِنْد أبي أَيُّوب حَتَّى بنى مَسْجده وحجرة فِي المربد قَالَ فِي الْمَوَاهِب لما اراد النَّبِي بِنَاء الْمَسْجِد الشريف قَالَ يَا بني النجار ثامنوني بحائطكم قَالُوا لَا نطلب ثمنه إِلَّا إِلَى الله تَعَالَى فَأبى ذَلِك واتباعه بِعشْرَة دَنَانِير أَدَّاهَا من مَال أبي بكر قَالَ أنس وَكَانَ فِي مَوَاضِع نخل وَخرب ومقابر مُشْرِكين فَأمر بالقبور فنبشت وَأخرج مِنْهَا الْعِظَام وبالخرب فسويت وبالنخل فَقطعت ثمَّ أَمر باتخاذ اللَّبن فاتخذه وَبنى الْمَسْجِد وسقفه بِالْجَرِيدِ وَجعلت عمده خشب النّخل صف النّخل فنصب فِي قبْلَة الْمَسْجِد أَي جعله سواري فِي جِهَة الْقبْلَة ليسقف عَلَيْهَا وَجعل عضادتيه حِجَارَة وَجعل قبْلَة الْمَسْجِد الْمُقَدّس وَجعل لَهُ ثَلَاثَة أَبْوَاب بَابا فِي آخِره يُقَال لَهُ بَاب الرَّحْمَة وَالْبَاب الَّذِي يدْخل مِنْهُ وَجعل طوله مِمَّا يَلِي الْقبْلَة إِلَى مؤخره مائَة ذِرَاع وَفِي الْجَانِبَيْنِ مثل ذَلِك أَو دونه وَجعل أساسه قَرِيبا من ثَلَاثَة أَذْرع وَبنى بُيُوتًا إِلَى جَانِبه بِاللَّبنِ وسقفها بجذوع النّخل والجريد فَلَمَّا فرغ من بنائِهِ بنى لعَائِشَة فِي الْبَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الَّذِي يَلِيهِ شَارِعا إِلَى الْمَسْجِد وَجعل سَوْدَة بنة زَمعَة فِي الْبَيْت الآخر الَّذِي يَلِيهِ أَي الْبَاب الَّذِي يَلِي آل عُثْمَان ثمَّ تحول من دَار أبي أَيُّوب إِلَى مساكنه الَّتِي بناها قَالَ البلاذري نزل رَسُول الله عِنْد أبي أَيُّوب ووهبت لَهُ الْأَنْصَار كل فضل كَانَ فِي خططها وَقَالُوا خُذ منا مَنَازلنَا فَقَالَ لَهُم خيرا وَكَانَ أَبُو أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة يجمع بِمن يَلِيهِ فِي مَسْجِد لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُصَلِّي بهم فِيهِ ثمَّ إِنَّه سَأَلَ أسعد أَن يَبِيعهُ أَرضًا مُتَّصِلَة بذلك الْمَسْجِد وَهِي مربد التَّمْر كَانَت فِي يَده ليتيمين فِي حجره يُقَال لَهما سهل وَسُهيْل ابْني رَافع بن عَمْرو بن عَائِذ بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار وَكَانَ مَسْجِد أسعد الَّذِي بناه جداراً مجدراً لَيْسَ عَلَيْهِ سقف وقبلته إِلَى الْقُدس وَعَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت بنى رَسُول الله مَسْجده فَضرب اللَّبن وعجن الطين وَقرب مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَوضع رِدَاءَهُ فَلَمَّا رأى ذَلِك الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وضعُوا أرديتهم وَجعلُوا يرتجزون فَيَقُولُونَ // (من الرجز) // (لَئِن قعدنا والنّبيّ يعْمل ... ذَاك إِذن لعمل مضلّل) قَالَ فِي الْمَوَاهِب وروينا أَنه كَانَ ينْقل مَعَهم اللَّبن فِي ثِيَابه وَيَقُول وَهُوَ ينْقل // (من الْوَسِيط) // (هَذَا الْجمال لَا حمال خَيْبَر ... هَذَا أبر رَبنَا وأطهر) (اللهمّ إنّ الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة ... فَارْحَمْ الْأَنْصَار والمهاجرة) قَالَ قَالَ ابْن شهَاب وَلم يبلغنَا إِن رَسُول الله تكلم بِبَيْت شعر غير هَذَا وَقيل إِن الْمُمْتَنع عَلَيْهِ إنْشَاء الشّعْر لَا إنشاده وَلَا دَلِيل على منع إنشاده متمثلاً وَقَوله هَذَا الْحمال هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي الْمَحْمُول من اللَّبن أبر عِنْد الله من حمال خَيْبَر أَي الَّذِي يحمل مِنْهَا من التَّمْر وَالزَّبِيب وَنَحْو ذَلِك وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي بِالْجِيم انْتهى وَعَن الزُّهْرِيّ وَكَانَ عُثْمَان بن مَظْعُون رجلا منتظفا فَكَانَ يحمل اللبنة فِي ثَوْبه فَإِذا وَضعهَا نفض كمه وَنظر إِلَى ثَوْبه فَإِن أَصَابَهُ شَيْء من التُّرَاب نفضه فَنظر إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 عَليّ بن أبي طَالب فَأَنْشَأَ يَقُول // (من الرجز) // (لَا يَسْتَوِي من يعمر المساجدا ... يدأب فِيهَا قَائِما وَقَاعِدا) (وَمن يرى عَن التّراب حائدا ... ) فَسَمعَهَا عمار بن يَاسر فَجعل يرتجز بهَا وَهُوَ لَا يدْرِي من يَعْنِي بهَا فَمر بعثمان ابْن مَظْعُون فَقَالَ لَهُ يَا بن سميَّة بِمن تعرض وتشتمه لتكفن أَو لأعترضن بهَا وَجهك لحديدة كَانَت بِيَدِهِ فَسَمعهُ النَّبِي وَهُوَ جَالس فِي ظلّ بَيت أم سَلمَة فَغَضب ثمَّ قَالَ الصَّحَابَة لعمَّار إِن النَّبِي قد غضب فِيك ونخاف أَن ينزل فِينَا قُرْآن فَقَالَ أَنا أرضيه كَمَا غضب فَقَالَ يَا رَسُول الله مَالِي ولأصحابك قَالَ مَالك وَلَهُم قَالَ يُرِيدُونَ قَتْلِي يحملون لبنة لبنة ويحملون عَليّ اللبنتين وَالثَّلَاث فَأخذ بِيَدِهِ فَطَافَ بِهِ فِي الْمَسْجِد وَجعل يمسح وفرته بِيَدِهِ من التُّرَاب وَيَقُول ياابن سميَّة لَا يقتلك أَصْحَابِي وَلَكِن تقتلك الفئة الباغية وَقَالَ ابْن إِسْحَاق وَسَأَلت غير وَاحِد من أهل الْعلم بِمَا يشْعر عَن هَذَا الرجز يَعْنِي قَوْله لَا يَسْتَوِي إِلَى آخِره فَقَالُوا بلغنَا أَن عَليّ بن أبي طَالب ارتجز بِهِ فَلَا نَدْرِي أهوَ قَائِله أم غَيره وَإِنَّمَا قَالَ عَليّ ذَلِك مطايبة ومباسطة كَمَا هِيَ عَادَة الْجُمُعَة إِذا اجْتَمعُوا على عمل وَلَيْسَ ذَلِك طَعنا مِنْهُ على عُثْمَان بن مَظْعُون وَفِي الصَّحِيح كُنَّا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيْح عمار تقلته الفئة الباغية يَدعُوهُم إِلَى الْجنَّة ويدعونه إِلَى النَّار فَيَقُول عمار أعوذ بِاللَّه من الْفِتَن فَقتل عمار فِي حَرْب مُعَاوِيَة بصفين تَحت راية عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم الله وَجهه وَعَن أُسَامَة عَن أَبِيه قَالَ كَانَ الَّذِي أسسوا الْمَسْجِد جعلُوا طوله مائَة ذِرَاع وَالْعرض مثله أَو دونه كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وروى رزين عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 أَبِيه قَالَ بِنَاء مَسْجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لبنة لبنة ثمَّ بالسعيدة لبنة وَنصف أُخْرَى ثمَّ كَثُرُوا فَقَالُوا يَا رَسُول الله لَو زيد فِيهِ فَفعل فَبنى بِالذكر وَالْأُنْثَى وهما لبنتان مُخْتَلِفَتَانِ وَقَالَ ارْفَعُوا أساسه قَرِيبا من ثَلَاثَة أَذْرع بِالْحِجَارَةِ وَلم يسطح فشكوا الْحر فَجعلُوا خشبه وسواريه جذوعاً وظللوه بِالْجَرِيدِ ثمَّ بالخصف فَلَمَّا وكف عَلَيْهِم الْمَطَر طينوا عَلَيْهِ بالطين وَكَانَ جِدَاره قل أَن يظلل قامة وشيئاً وَجعل وَسطه رحبة وَبنى بَيْتَيْنِ لزوجتيه عَائِشَة وَسَوْدَة على نعت بِنَاء الْمَسْجِد من لبن وجريد وَكَانَ بَاب عَائِشَة مواجه الشَّام وَكَانَ بمصراع وَاحِد من عرعر أَو سَاج وَلما تزوج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَزوَاجه بنى لَهُنَّ حجرا وَهن تِسْعَة أَبْيَات قَالَ أهل السّير ضرب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بُيُوتهنَّ مَا بَين بَيت عَائِشَة وَبَين الْقبْلَة والشرق إِلَى الشَّام وَلم يضْربهَا فِي غربيه وَكَانَت خَارِجَة من الْمَسْجِد مديرة بِهِ إِلَّا من الغرب فَكَانَت أَبْوَابهَا شارعة فِي الْمَسْجِد وَعَن مُحَمَّد بن هِلَال أدْركْت بيُوت أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جريد مَسْتُور بمسوح الشّعْر مستطيرة إِلَى الْقبْلَة والشرق وَالشَّام لَيْسَ فِي غربي الْمَسْجِد مِنْهَا شَيْء وَفِي دَلَائِل النُّبُوَّة قَالَ مُحَمَّد بن عمر كَانَت لحارثة بن النُّعْمَان منَازِل قرب الْمَسْجِد وَحَوله فَلَمَّا أحدث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَهلا تحول لَهُ حَارِثَة عَن منزله حَتَّى صَارَت كلهَا لرَسُول الله وَكَانَ فِي الْمَسْجِد مَوضِع مظلل تأوي إِلَيْهِ الْمَسَاكِين يُسمى الصّفة وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَدعُوهُم بِاللَّيْلِ فيفرقهم على أَصْحَابه وتتعشى طَائِفَة مِنْهُم مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ إِن الْقبْلَة قبل أَن يحول اسْتِقْبَال بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة كَانَت فِي شمَالي الْمَسْجِد فَلَمَّا حولت الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة بَقِي حَائِط الْمَسْجِد الأول مَكَان أهل الصّفة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر الصّفة مَكَان مُؤخر الْمَسْجِد مظلل أعد لنزول الغرباء وَمن لَا مأوى لَهُ فَكَانُوا يكثرون فِيهِ تَارَة ويقلون أُخْرَى بِحَسب من يتَزَوَّج مِنْهُم أَو يَمُوت أَو يُسَافر وَقد سرد أَسْمَاءَهُم أَبُو نعيم فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالحلية فزادوا على الْمِائَة وَكَانَ الْمَسْجِد على هَذِه الْهَيْئَة فِي عهد رَسُول الله وَأبي بكر فَزَاد فِيهِ عمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الْخطاب مِائَتي ذِرَاع من جِهَة الشَّام فَقَط سنة 17 فوسعه وَلم يُغير شَيْئا بل بناه على مَا بنى فِي عهد رَسُول الله بِاللَّبنِ والجريد ثمَّ وَسعه عُثْمَان ثمَّ وَسعه عمر ابْن عبد الْعَزِيز بِأَمْر الْوَلِيد سنة 93 ثمَّ زَاد فِيهِ الْمهْدي مائَة ذِرَاع من جِهَة الشَّام فَقَط سنة 161 ثمَّ جدده الْمَأْمُون وَزَاد فِيهِ وَذَلِكَ سنة ثمَّ الْملك الْأَشْرَف قايتباي عمَارَة لَا غير سنة 888 وَإِلَى يَوْمنَا هَذَا بِنَاؤُه كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَيُقَال أَنه لم يقم فِي قبَاء إِلَّا أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَقيل ثَمَانِيَة عشر ولحقه بهَا بعد ثَلَاث عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ قد تخلف عَنهُ بِمَكَّة لرد ودائع وأمانات كَانَت للنَّاس عِنْد رَسُول الله وَفَاطِمَة بنت أَسد والدته وَفَاطِمَة ابْنة عَمه حَمْزَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 (الْبَاب الثَّالِث من الْمَقْصد الثَّانِي) (فِي ذكر أَعْمَامه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَوْلَادهمْ وعماته وأولادهن) قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي التلقيح كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَهُ اثْنَا عشر عَمَّا بَنو عبد الْمطلب أَبوهُ عبد الله ثَالِث عشرهم عبد الله أَبُو طَالب الزبير حَمْزَة حجل الْمُقَوّم الْعَوام ضرار الْعَبَّاس الْحَارِث قثم أَبُو لَهب مُصعب وَقيل نَوْفَل الملقب بالغيداق وَقَالَ الْعَلامَة شمس الدّين عبد الدَّائِم بن شرف الدّين مُوسَى الْعَسْقَلَانِي الْبرمَاوِيّ رَحمَه الله اثْنَا عشر فعدهم الْحَارِث أول أَوْلَاد عبد الْمطلب وَبِه كَانَ يكنى فَيُقَال يَا أَبَا الْحَارِث وَأَبُو طَالب وَالزُّبَيْر وَعبد الْكَعْبَة والمقوم وحجل واسْمه الْمُغيرَة والغيداق وَقثم مَاتَ صَغِيرا وَضِرَار وَأَبُو لَهب واسْمه عبد الْعُزَّى وَحَمْزَة وَالْعَبَّاس وهما اللَّذَان أسلما من أَعْمَامه وَقَالَ الْعَلامَة الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه ذخائر العقبى فِي مَنَاقِب ذَوي الْقُرْبَى أَوْلَاد عبد الْمطلب ثَلَاثَة عشر عبد الله وَالِد رَسُول الله والْحَارث وَأَبُو طَالب واسْمه عبد منَاف وَالزُّبَيْر وَحَمْزَة وَأَبُو لَهب واسْمه عبد الْعُزَّى والغيداق والمقوم وَضِرَار وَالْعَبَّاس وَقثم وَعبد الْكَعْبَة وجحل بِتَقْدِيم الْجِيم وَهُوَ السقاء الضخم وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ بِتَقْدِيم الْحَاء مَكْسُورَة قبل الْجِيم الساكنة وَهُوَ الْقَيْد والخلخال وَيُسمى الْمُغيرَة وَقيل كَانُوا اثنى عشر فأسقط الْمُقَوّم وَقيل هُوَ لقب عبد الْكَعْبَة وَقيل كَانُوا أحد عشر فأسقط الغيداق وحجل وَقيل عشرَة وَقيل تِسْعَة كلهم مَاتُوا قبل الْبعْثَة إِلَّا أَرْبَعَة أَبُو طَالب وَأَبُو لَهب والحمزة وَالْعَبَّاس أسلم الأخيران بِلَا خلاف وَاخْتلف فِي إِسْلَام أول الْأَوَّلين وست عمات الْبَيْضَاء بنت عبد الْمطلب تكنى بام الْحَكِيم ودرة وعاتكة وأروى وَأُميَّة وَصفِيَّة وَسَيَأْتِي ذكرهن وَذكر من لود بعد ذكر الذُّكُور من أبنائه وَأَبْنَائِهِمْ قَرِيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ولنذكر أَعْمَامه جَمِيعًا ونبدأ بِتَقْدِيم حَمْزَة وَالْعَبَّاس على غَيرهمَا وَإِن كَانَ أكبر كالحارث بن عبد الْمطلب فَإِنَّهُ كَمَا تقدم أكبر أَوْلَاد عبد الْمطلب لِأَن الْإِسْلَام قدمهما فَنَقُول أما حَمْزَة فأمه هَالة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة أسلم فِي السّنة الثَّانِيَة من الْبَعْث بعد دُخُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَار الأرقم وَقبل إِسْلَام عمر رَضِي الله عَنهُ بِثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ أعز فَتى فِي قُرَيْش وأشده شكيمة فعز بِهِ رَسُول الله وكفت عَنهُ قُرَيْش قَلِيلا من أذاها فَقَالَ حِين أسلم هَذِه الأبيات // (من الوافر) // (حمد الله حِين هدى فُؤَادِي ... إِلَى الْإِسْلَام والدّين الحنيف) (لدينٍ جَاءَ من ربّ عزيزٍ ... خبيرٍ بالعباد بهم لطيف) (إِذا تليت رسائله علينا ... تحدّر دمع ذِي اللبّ الحصيف) (رسائل جَاءَ أَحْمد من هداها ... بآياتٍ مبيّنة الْحُرُوف) (وَأحمد مصطفىً فِينَا مطاعٌ ... فَلَا تغشوه بِالْقَلْبِ العنيف) (فَلَا وَالله نسلمه لقومٍ ... ولمّا نقض فيهم بالسّيوف) وَشهد بَدْرًا وَقتل بهَا شيبَة بن ربيعَة مبارزة وَأول راية عقدهَا النَّبِي كَانَت لِحَمْزَة فِي أول سَرِيَّة بعثها أرْسلهُ يعْتَرض عيرًا لقريش فِيهَا أَبُو جهل بن هِشَام فَلَمَّا تصافوا حجز بَينهم مجدي بن عَمْرو الْجُهَنِيّ كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي بَاب الْحَوَادِث من سنة هجرتنه إِلَى وَفَاته وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير أعمامي حَمْزَة رَوَاهُ الْحَافِظ الدِّمَشْقِي وقصة سَبَب إِسْلَامه ذكرهَا صَاحب تَارِيخ الْخَمِيس وَغَيره وَهِي أَنه كَانَ جَالِسا عِنْد الصَّفَا فَمر بِهِ أَبُو جهل لَعنه الله فشتمه وآذاه وَقَالَ فِيهِ مَا يكره من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الْعَيْب لدينِهِ والتضعيف لأَمره فَلم يكلمهُ رَسُول الله ومولاة لعبد الله بن جدعَان الْقرشِي التَّيْمِيّ فِي مسكن لَهَا تسمع ذَلِك ثمَّ انْصَرف أَبُو جهل عَنهُ فَعمد إِلَى نَادِي قُرَيْش عِنْد الْكَعْبَة فَجَلَسَ مَعَهم فَلم يلبث حَمْزَة بن عبد الْمطلب أَن أقبل متوشحاً قوسه رَاجعا من قنصه وَكَانَ إِذا رَجَعَ من قنصه لم يصل إِلَى أَهله حَتَّى يطوف بِالْكَعْبَةِ وَكَانَ إِذا فعل ذَلِك لَا يمر على نَاد من أندية قُرَيْش إِلَّا وقف وَسلم فَلَمَّا مر بالمولاة وَقد رَجَعَ رَسُول الله إِلَى بَيته قَالَت لَهُ يَا أَبَا عمَارَة لَو رَأَيْت الْيَوْم مَا لَقِي ابْن أَخِيك من أبي الحكم بن هِشَام وجده فآذاه وسبه وَبلغ بِهِ مَا يكره ثمَّ انْصَرف عَنهُ وَلم يكلمهُ مُحَمَّد فَاحْتمل حَمْزَة الْغَضَب لما أَرَادَ الله تَعَالَى بِهِ من كرامته فَخرج يسْعَى لم يقف على أحد مغذاً لأبي جهل أَن يُوقع بِهِ فعلا فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد نظر إِلَيْهِ جَالِسا فِي الْقَوْم فَأقبل نَحوه حَتَّى إِذا قَامَ على رَأسه رفع الْقوس فَضَربهُ بهَا فَشَجَّهُ شجة عَظِيمَة فَقَالَ أتشتمه وَأَنا على دينه أَقُول مَا يَقُول فاردد عَليّ ذَلِك إِن اسْتَطَعْت فَقَامَتْ رجال من بني مَخْزُوم إِلَى حَمْزَة لينصروا أَبَا جهل فَقَالَ أَبُو جهل دعوا أَبَا عمَارَة فَإِنِّي وَالله سببت ابْن أَخِيه سباً قبيحاً وَتمّ حَمْزَة على اسلامه ومتابعة النَّبِي فَلَمَّا أسلم حَمْزَة عرفت قُرَيْش أَن رَسُول الله قد عز وَامْتنع وَأَن حَمْزَة سيمنعه فكفوا عَن بعض مَا كَانُوا ينالون مِنْهُ وَأنْشد حَمْزَة تِلْكَ الأبيات السَّابِقَة وَكَانَ إِسْلَام حَمْزَة يَوْم ضرب أَبُو بكر وَذَلِكَ أَن اصحاب رَسُول الله لما اجْتَمعُوا فِي دَار الأرقم وَكَانُوا تِسْعَة وَثَلَاثِينَ رجلا ألح أَبُو بكر على رَسُول الله فِي الظُّهُور فَقَالَ يَا أَبَا بكر إِنَّا قَلِيل فَلم يزل يلح عَلَيْهِ حَتَّى ظهر رَسُول الله فِي نواحي الْمَسْجِد وَقَامَ أَبُو بكر فِي النَّاس خَطِيبًا وَرَسُول الله جَالس وَكَانَ أول خطيب دَعَا إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى رَسُوله فثار الْمُشْركُونَ على أبي بكر وعَلى الْمُسلمين يضربونهم فِي نواحي الْمَسْجِد ضربا شَدِيدا ووطىء أَبُو بكر وَضرب ضربا شَدِيدا ودنا مِنْهُ عتبَة بن ربيعَة وَأدْخل إصبعه فِي عينه وَجعل يضْربهُ بنعلين مخصوفتين ويحرفهما بِوَجْهِهِ وَأثر ذَلِك على وَجه أبي بكر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى صَار لَا يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَجَاءَت بَنو تيم تَتَعَادَى فأجلوا الْمُشْركين عَن أبي بكر وَحمل أَبُو بكر فِي ثوب حَتَّى أدخلوه بَيته وَلَا يَشكونَ فِي مَوته فَرَجَعت بَنو تيم فَدَخَلُوا الْمَسْجِد وَقَالُوا وَالله لَئِن قتل أَبُو بكر لَنَقْتُلَنَّ عتبَة بن ربيعَة وَرَجَعُوا إِلَى أبي بكر وَجعل أَبوهُ أَبُو قُحَافَة وَبَنُو تيم يكلمون أَبَا بكر حَتَّى أجابهم آخر النَّهَار فَقَالَ مَا فعل برَسُول الله فَقَالُوا لأم الْخَيْر انظري تطعمينه شَيْئا أَو تسقينه إِيَّاه فَلَمَّا خلت بِهِ وألحت عَلَيْهِ جعل يَقُول مَا فعل برَسُول الله قَالَت وَالله مَا لي علم بصاحبك قَالَ فاذهبي إِلَى أم جميل بنت الْخطاب فاسأليها عَنهُ فَخرجت حَتَّى جَاءَت إِلَى أم جميل فَقَالَت إِن أَبَا بكر يسْأَل عَن مُحَمَّد قَالَت مَا أعرف أَبَا بكر وَلَا مُحَمَّدًا وَإِن تحبى أَن أمضى مَعَك إِلَى ابْنك فَقَالَت نعم فمضت مَعهَا حَتَّى وجدت أَبَا بكر صَرِيعًا دنفاً فرنت أم جميل وأعلنت بالصياح وَقَالَت إِن قوما نالوا مِنْك هَذَا لأهل فسق وَإِنِّي لأرجو أَن ينقم الله لَك قَالَ مَا فعل رَسُول الله قَالَت هَذِه أمك تسمع قَالَت هُوَ صَالح سَالم قَالَ فَأنى هُوَ قَالَت فِي دَار الأرقم قَالَ فَإِن لله على أَلا أَذُوق طَعَاما وَلَا شرابًا أَو آتى رَسُول الله فأمهلنا حَتَّى هدأت الرجل وَسكن النَّاس خرجنَا بِهِ يتكيء حَتَّى ادخلناه على النَّبِي فأكب عَلَيْهِ فَقبله وأكب عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ ورق رَسُول الله عَلَيْهِ رقة شَدِيدَة فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِأبي أَنْت وَأمي لَيْسَ بِي إِلَّا مَا نَالَ الْفَاسِق من وَجْهي وَهَذِه امْرَأَة برة بِوَلَدِهَا وَأَنت مبارك فادعها إِلَى الله تَعَالَى وادع لَهَا عَسى أَن يستنقذها الله بك من النَّار فَدَعَا لَهَا رَسُول الله ودعاها إِلَى الله عز وَجل فَأسْلمت وَأَقَامُوا على رَسُول الله شهرا وهم تِسْعَة وَثَلَاثُونَ رجلا فَأسلم حَمْزَة ذَلِك الْيَوْم وَرجع وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد ذكران وَأُنْثَى عمَارَة وَبِه يكنى ويعلى وَكَانَ أَيْضا يكنى بِهِ قَلِيلا وَلم يعقبا وَالْأُنْثَى فَاطِمَة تزَوجهَا عَمْرو بن سَلمَة المَخْزُومِي ربيبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ابْن أم سَلمَة زَوجته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وامها زَيْنَب بنت عُمَيْس وَاسْتشْهدَ حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وقْعَة أحد قَتله وَحشِي غُلَام لجبير بن مطعم بن عدي وعده الْعتْق على قَتله حَمْزَة عَم النَّبِي بِعَمِّهِ طعمة بن عدي فَقتله غيلَة لَا مبارزة وَعَن سعيد بن الْمسيب كَانَ يَقُول كنت أعجب لقَاتل حَمْزَة كَيفَ ينجو حَتَّى أَنه مَاتَ غريقا فِي الْخمر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ ابْن هِشَام بَلغنِي أَن وحشياً لم يزل يحد فِي الْخمر حَتَّى خلع من الدِّيوَان وَكَانَ عمر يَقُول لقد علمت أَن الله لم يكن ليَدع قَاتل حَمْزَة وَلما رأى حَمْزَة قَتِيلا بَكَى فَلَمَّا رأى مَا مثل بِهِ شهق وَذَلِكَ أَن هِنْد ابْنة عتبَة بن ربيعَة لما قتل أَبَاهَا وعمها وأخاها أَبُو عُبَيْدَة بن الْحَارِث وَحَمْزَة وَعلي مبارزة لم تزل هِيَ والنسوة اللَّاتِي كن مَعهَا يَوْم أحد يجدعن آناف الْقَتْلَى وآذانهم ونظمت من ذَلِك أساور ومخانق وخلاخل وأعطت أساورها ومخانقها وخلاخلها لوحشي ثمَّ عَمَدت إِلَى بطن حَمْزَة فشقتها وأخرجت كبده فلاكتها فَلم تستطع سيغها فلفظتها ثمَّ علت على صَخْرَة مشرفة ثمَّ أنشدت // (من الرجز) // (نَحن جزيناكم بِيَوْم بدر ... وَالْحَرب بعد الْحَرْب ذَات سعر) (مَا كَانَ عَن عتبَة لي من صَبر ... وَلَا أخي وعمّه وبكري) (شفيت نَفسِي وقضيت نذري ... شفيت وحشيّ غليل صَدْرِي) (فَشكر وحشيّ عليّ عمري ... حتّى ترمّ أعظمي فِي قَبْرِي) فأجابتها هِنْد بنت أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب فَقَالَت // (من الرجز) // (خزيت فِي بدرٍ وَبعد بدر ... يَا ابْنة وقّاعٍ عَظِيم الْكفْر) (صبّحك الله غَدَاة الْفجْر ... فِي الهاشمّيين الطّوال الغرّ) (بكلّ قطّاعٍ حسامٍ يفرى ... حَمْزَة ليثي وعليٌّ صقري) (إِذْ ارْمِ شيبٌ وَأَبُوك غدري ... فخضّبا مِنْهُ ضواحي النّحر) (ونذرك السوء فشر نذر ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَقد ذكرهَا بذلك حِين أسلمت وبايعت يَوْم فتح مَكَّة فَقَالَ أَنْت هِنْد فَبَايَعته بيعَة النِّسَاء الْمشَار إِلَيْهَا فِي الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} الممتحنة 12 إِلَى آخر الْآيَة كَمَا تقدم ذكر جَمِيع ذَلِك وَعَن أبي هُرَيْرَة وقف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على حَمْزَة وَقد قتل وَمثل بِهِ فَلم ينظر منْظرًا كَانَ أوجع لِقَلْبِهِ مِنْهُ رَوَاهُ أَبُو عَمْرو وَصَاحب الصفوة وَعَن ابْن شَاذان من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَا رَأينَا رَسُول الله باكياً قطّ أَشد من بكائه على عَمه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَضعه فِي الْقبْلَة ثمَّ وقف على جنَازَته وانتحب حَتَّى نشغ من الْبكاء يَقُول يَا حَمْزَة يَا عَم رَسُول الله واسد رَسُول الله يَا حمزى يَا فَاعل الْخيرَات يَا حَمْزَة يَا كاشف الكربات يَا ذاباً عَن وَجه رَسُول الله والنشغ الشهيق حَتَّى بلغ بِهِ الغشى ثمَّ قَالَ لَئِن امكنن الله تَعَالَى لَأُمَثِّلَن بسبعين من قُرَيْش فَأنْزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ آخر سُورَة النَّحْل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} النَّحْل 126 إِلَى آخر السُّورَة فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبِر وأحتسب عنْدك مصيبتي وَقَوله تَعَالَى فِي الْآيَة {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} النَّمْل 70 قيل لَا تحزن على هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى فَإِنَّهُم شُهَدَاء الدَّاريْنِ أَو لَا تحزن على عدم إِيمَان قُرَيْش فَيكون الضَّمِير لَهُم قيل وَهُوَ الأولى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَا بعده وَهُوَ {وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} النَّمْل 70 لعدم تفرق الضميرين على الثَّانِي دون الأول قَالَه بعض محشي الْبَيْضَاوِيّ وَصلى عَلَيْهِ فَكبر سبعين تَكْبِيرَة رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَقد روى أنس بن مَالك أَن شُهَدَاء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم وَلم يصل عَلَيْهِم أخرجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 أَحْمد وَأَبُو دَاوُد فَيحمل أَمر حَمْزَة على التَّخْصِيص وَكَانَ سنّ حَمْزَة يَوْم قتل تسعا وَخمسين سنة وَدفن هُوَ وَابْن أُخْته عبد الله بن جحش فِي قبر وَاحِد فِي سفح أحد حَيْثُ الْوَقْعَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد عمَارَة أمه خَوْلَة بنت قيس بن فهر النجاري ويعلى قَالَ مُصعب لم يعقب وَاحِد مِنْهُمَا وَلم يحفظ عَن أحد مِنْهُم رِوَايَة وَولد ليعلى خَمْسَة رجال وماتوا عَن غير عقب وَابْنَة اسْمهَا فَاطِمَة وَقيل اسْمهَا أُمَامَة من زَيْنَب بنت عُمَيْس الخثعمية تزَوجهَا عمر بن أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي ربيب رَسُول الله ابْن زَوجته أم سَلمَة وَهِي الَّتِي اخْتصم فِي حضانتها على جَعْفَر وَزيد فَقَالَ عَليّ ابْنة عمي وَقَالَ جَعْفَر ابْنة عمي كَذَلِك وَقَالَ زيد ابْنة أخي فَقضى بهَا رَسُول الله لخالتها وَقَالَ الْخَالَة بمنزل الْأُم وَفِيه دلَالَة على أَن من نكحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 لَا يسْقط حَقّهَا من الْحَضَانَة وَعَن عَليّ قلت لرَسُول الله أَلا تتَزَوَّج ابْنة حَمْزَة فَإِنَّهَا أحسن فتاة فِي قُرَيْش فَقَالَ أَلَيْسَ قد علمت أَنَّهَا ابْنة أخي من الرضَاعَة وَأَن الله عز وَجل قد حرم بالرضاعة مَا حرم من النّسَب أخرجه الْبَغَوِيّ مُعْجَمه انْتهى وَأما الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وكنيته أَبُو الْفضل فأمه نثلة وَيُقَال نثيلة بنت جناب ابْن كلب فتح الْجِيم وَتَشْديد النُّون بن النمر بن قاسط وَيُقَال إِنَّهَا أول عَرَبِيَّة كست الْبَيْت بالديباج وَسبب الْكسْوَة أَن الْعَبَّاس ضل وَهُوَ صبي فنذرت إِن وجدته لتكسون الْبَيْت وَكَانَ الْعَبَّاس جميلاً وسيماً أَبيض لَهُ ضفيرتان معتدلاً وَقيل كَانَ طوَالًا ولد قبل الْفِيل بِثَلَاث سِنِين وَكَانَ اسن من النَّبِي بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث وَكَانَ رَئِيسا فِي قومه وَإِلَيْهِ عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَكَانَ مَعَ النَّبِي يَوْم الْعقبَة يقْعد لَهُ الْبيعَة على الْأَنْصَار وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَثِق بِهِ فِي أمره كُله وَلما شدوا وثَاقه فِي اسرى بدر سهر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَقيل مَا يسهرك يَا رَسُول الله قَالَ أَنِين الْعَبَّاس فَقَامَ رجل فَأرْخى من وثَاقه وَفعل ذَلِك بالأسارى كلهم ذكره أَبُو عمر وَصَاحب الصفوة وَقيل كَانَ يكتم إِسْلَامه وَخرج مَعَ الْمُشْركين يَوْم بدر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من لقى مِنْكُم الْعَبَّاس فَلَا يقْتله فَإِنَّهُ خرج مستكرهاً فَأسرهُ كَعْب بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 عَمْرو ففادى نَفسه وَرجع إِلَى مَكَّة وروى من حَدِيث أبي الْيُسْر أَنه أسر الْعَبَّاس وَقيل للْعَبَّاس وَكَانَ جسيماً كَيفَ أسرك وَهُوَ دميم الْخلقَة وَلَو شِئْت لجعلته فِي كفك فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا أَن لَقِيَنِي فَظهر فِي عَيْني كالخندمة انْتهى قلت الخندمة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة جبل من جبال مَكَّة مَعْرُوف قَالَه فِي الْقَامُوس وَأخرج ابْن إِسْحَاق من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ يَا عَبَّاس افْدِ نَفسك وَابْني أَخِيك عقيل بن أبي طَالب وَنَوْفَل بن الْحَارِث وَحَلِيفك عقبَة بن عَمْرو وَقَالَ إِنِّي كنت مُسلما وَلَكِن الْقَوْم اسْتَكْرَهُونِي قَالَ الله أعلم بِمَا تَقول إِن يَك مَا تَقول حَقًا فَإِن الله يجْزِيك وَلَكِن ظَاهر أَمرك أَنَّك كنت علينا وَذكر مُوسَى ابْن عقبَة أَن فداءهم كَانَ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة ذَهَبا وَفِي رِوَايَة من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه جعل على الْعَبَّاس مائَة أُوقِيَّة وعَلى عقيل ثَمَانِينَ فَقَالَ الْعَبَّاس الْقَرَابَة صنعت هَذَا فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِيُّ قُل لِمَن فِي أَيْدِيكُم مِنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} الْأَنْفَال 70 فَقَالَ الْعَبَّاس بعد ذَلِك وددت لَو كنت أَخذ مني أضعافها لقَوْله تَعَالَى ( {يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} وَكَانَ الْعَبَّاس فِيمَا قَالَه أهل الْعلم بالتاريخ قد أسلم قَدِيما وَكَانَ يكتم إِسْلَامه وَقيل إِنَّه أسلم يَوْم بدر وَسبب إِسْلَامه أَنه خرج لبدر بِعشْرين أُوقِيَّة من ذهب ليطعم بهَا الْمُشْركين فَأخذت مِنْهُ فِي الْحَرْب فَكلم النَّبِي أَن يحْسب الْعشْرين أُوقِيَّة من فدائه فَأبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ أما شَيْء خرجت تعين بِهِ علينا فَلَا نتركه كَذَلِك فَقَالَ الْعَبَّاس تَرَكتنِي فَقِيرا أَتَكَفَّف النَّاس وَفِي رِوَايَة قُريْشًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَيْنَ الذَّهَب الَّذِي دَفَنته أَنْت وَأم الْفضل تَحت رجل السرير وَقت خُرُوجك من مَكَّة فَقَالَ الْعَبَّاس وَمَا يدْريك قَالَ أَخْبرنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 رَبِّي فَقَالَ الْعَبَّاس أشهد أَنَّك صَادِق فَإِن هَذَا لم يطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله وَأَنا أشهد أَن لَا إِلَّا الله وَأَنَّك عَبده وَرَسُوله ثمَّ أقبل إِلَى الْمَدِينَة مُهَاجرا فَاسْتقْبل النَّبِي يَوْم الْفَتْح بالأبواء وَكَانَ أَبُو الْيُسْر مَعَه فِي فتح مَكَّة وَبِه ختمت الْهِجْرَة وَقَالَ عَمْرو أسلم قبل فتح خَيْبَر وَكَانَ يكتم إِسْلَامه ويسره مَا يفتح الله بِهِ على الْمُسلمين وَأظْهر إِسْلَامه يَوْم فتح مَكَّة وَشهد حنيا والطائف وتبوك وَيُقَال أَيْضا إِن إِسْلَامه كَانَ قبل بدر أَيْضا وَكَانَ يكْتب بأخبار الْمُشْركين إِلَى رَسُول الله وَكَانَ الْمُسلمُونَ يثقون بِهِ وَكَانَ يحب الْقدوم على رَسُول الله فَكتب إِلَيْهِ إِن مقامك بِمَكَّة خير لَك وَذكر السُّهيْلي فِي الْفَضَائِل أَن أَبَا رَافع لما بشر النَّبِي بِإِسْلَام الْعَبَّاس أعْتقهُ خبر أبي رَافع اسْمه أسلم وَقَالَ ابْن معِين اسْمه إِبْرَاهِيم وَقيل هُرْمُز كَانَ عبدا قبطيا فوهب للنَّبِي فَأعْتقهُ لما بشره بِإِسْلَام الْعَبَّاس فَكَانَ مولى رَسُول الله وَلما قدم أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث من بدر إِلَى مَكَّة سَأَلَهُ أَبُو لَهب وَكَانَ قد تخلف عَن الْخُرُوج إِلَى الْحِرَابَة فَلم يشْهد بَدْرًا عَن خبر قُرَيْش فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان مَا هُوَ إِلَّا لَقينَا الْقَوْم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كَيفَ شَاءُوا ويأسروننا كَيفَ شَاءُوا وَايْم الله مَعَ ذَلِك مَا لمت النَّاس لَقينَا رجَالًا بيضًا على خيل بلق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَالله لَا يقوم لَهَا شَيْء قيل وَكَانَ جلوسهما للمحادثة بِهَذَا الْأَمر عِنْد خباء الْعَبَّاس جنب زَمْزَم قَالَ فَلَمَّا سمع ذَلِك أَبُو رَافع وَكَانَ فِي الخباء ينحت أقداحاً لَهُ قَالَ وَكَانَ الْإِسْلَام قد دَخَلنَا فَرفعت طرف الخباء فَقلت وَالله تِلْكَ الْمَلَائِكَة فَرفع أَبُو لَهب يَده فضربني فِي وَجْهي ثمَّ احتملني فَضرب بِي الأَرْض فَقَامَتْ أم الْفضل إِلَى عَمُود فَضربت بِهِ رَأس أبي لَهب وَقَالَت استنقصته أَن غَابَ عَنهُ سَيّده فَقَامَ منكسراً فوَاللَّه مَا عَاشَ سبع لَيَال حَتَّى رَمَاه الله بالعدسة وَهِي قرحَة كَانَت الْعَرَب تتشاءم بهَا وَأَنَّهَا تعدى أَشد الْعَدْوى فتباعد عَنهُ بنوه حَتَّى قَتله الله بهَا وَبَقِي بعد مَوته ثَلَاثًا لَا تقرب جنَازَته وَلَا تدفن فَلَمَّا خَافُوا السبة فِي تَركه حفروا لَهُ ثمَّ دفعوه بِعُود فِي حفرته ثمَّ قذفوا عَلَيْهِ بِالْحِجَارَةِ من بعيد كَذَا وَرَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 كَذَا فِي الرَّوْض الْأنف قلت فِي حفظي عَن كبار مشايخي أَن مَحل الحفرة الَّتِي ألْقى فِيهَا أَبُو لَهب هِيَ الْآن محطة الْعَجم من سوق المعلاة وَالله أعلم وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يكرم الْعَبَّاس بعد إِسْلَامه ويعظمه وَوَصفه فَقَالَ أَجود النَّاس وأحناهم عَلَيْهِم رَوَاهُ الفضائلي فِي مُعْجم الْبَغَوِيّ الْعَبَّاس عمي وصنو أبي من آذاه فقد آذَانِي وَذكر السُّهيْلي فِي الْفَضَائِل إِن الْعَبَّاس أَتَى النَّبِي فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ وَقبل بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ هَذَا عمي فَمن شَاءَ فليباه بِعَمِّهِ فَقَالَ الْعَبَّاس نعم القَوْل يَا رَسُول الله قلت قَالَ وَلم لَا أَقُول هَذَا وَأَنت عمي وصنو أبي وَبَقِيَّة آبَائِي ووارثي خير من أخلف من أَهلِي وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا عَم لَا ترم مَنْزِلك أَنْت وبنوك غَدا حَتَّى آتيكم فَإِن لي فِيكُم حَاجَة فَلَمَّا أَتَاهُم اشْتَمَل عَلَيْهِم بملاءة ثمَّ قَالَ يَا رب هَذَا عمي وصنو أبي وَهَؤُلَاء أهل بَيْتِي فاسترهم من النَّاس كستري اياهم بملاءتي هَذِه قَالَ فاضت أُسْكُفَّة الْبَاب وحوائط الْبَيْت رَوَاهُ ابْن غيلَان والسهمي وَرَوَاهُ ابْن السرى وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ فألبسنا كسَاء ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر للْعَبَّاس وَولده مغْفرَة ظَاهِرَة وباطنة لَا تغادر ذَنبا اللَّهُمَّ احفظه وَولده وَقَالَ حسن غَرِيب وَعَن ابْن عبد الْبَاقِي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة اللَّهُمَّ اغْفِر للْعَبَّاس وَولد الْعَبَّاس وَلمن أحبهم وروى الْبَغَوِيّ أَنه قَالَ لَك يَا عَم من الله حَتَّى ترْضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وروى السَّهْمِي فِي الْفَضَائِل أَنه قَالَ يَا عَبَّاس إِن الله عز وَجل غير معذبك وَلَا أحدا من ولدك وَفِي المناقب للْإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ أَن الْعَبَّاس قَالَ كنت عِنْد النَّبِي ذَات لَيْلَة قَالَ هَل ترى فِي السَّمَاء قلت نعم قلت الثريا قَالَ أما إِنَّه يَلِي هَذِه الْأمة بعددها من صلبك وروى السَّهْمِي من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ أَلا أُبَشِّرك يَا عَم قلت بلَى بِأبي أَنْت وَأمي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن من ذريتك الأصفياء وَمن عترتك الْخُلَفَاء وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيكُم النُّبُوَّة والمملكة وَمن حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ يَا أَبَا بكر هَذَا الْعَبَّاس قد أقبل وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض وسيلبس وَلَده من بعده السوَاد وَعَن جَابر بن عبد الله سَمِعت رَسُول الله يَقُول لَيَكُونن من ولد الْعَبَّاس مُلُوك يكونُونَ أُمَرَاء أمتِي يعز الله بهم الدّين قَالَ الْحَافِظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر خرجه الْأَصْفَهَانِي وَتُوفِّي رَضِي الله عَنهُ فِي خلَافَة عُثْمَان قبل مَقْتَله بِسنتَيْنِ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة يَوْم الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة وَقيل لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من رَجَب وَقيل من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَقيل ثَلَاث وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة بعد أَن كف بَصَره وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة أدْرك مِنْهَا فِي الْإِسْلَام اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَدفن بِالبَقِيعِ وَدخل قَبره ابْنه عبد الله بن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِي البُخَارِيّ لما رَجَعَ رَسُول الله من غَزْوَة تَبُوك فَدَنَا من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَ إِن بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مسيرًا وَلَا قطعْتُمْ وَاديا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ حَبسهم الْعذر وَهَذَا يُؤَيّد معنى مَا روى نِيَّة الْمَرْء خير من عمله فَإِن نِيَّة هَؤُلَاءِ أبلغ من أَعْمَالهم فَإِنَّهَا بلغت بهم مبلغ أُولَئِكَ العاملين بأبدانهم وهم على فرشهم فِي بُيُوتهم فالمسابقة إِلَى الله وَإِلَى الدَّرَجَات العلى بِالنِّيَّاتِ والهمم لَا بِمُجَرَّد الْأَعْمَال وَلما أشرف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْمَدِينَة قَالَ هَذِه طابة وَهَذَا أحد جبل يحبنا ونحبه وَلما دخل قَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله قد امتدحتك فائذن لي قَالَ قل لَا يفضض الله فَاك فَقَالَ // (من المنسرح) // (من قبلهَا طبت فِي الظّلال وَفِي ... مستودع حَيْثُ يخصف الْوَرق) (ثمّ هَبَطت الْبِلَاد لَا بشرٌ ... أَنْت وَلَا مضغةٌ وَلَا علق) (بل نطفةٌ تركب السّفين وَقد ... ألْجم نسراً وَأَهله الْغَرق) (تنقل من صالبٍ إِلَى رحمٍ ... إِذا مضى عالمٌ بدا طبق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 (حَتَّى احتوى بَيْتك الْمُهَيْمِن من ... خندف علياء دونهَا النّطق) (وَردت نَار الْخَلِيل مكتتماً ... فِي صلبه أَنْت كَيفَ يَحْتَرِق) (وَأَنت لما ولدت اشرقت الأَرْض ... وضاءت بنورك الأُفق) (فَنحْن فِي ذَلِك الضّياء وَفِي النُّور ... وسبل الرّشاد نخترق) (وعالياً قدرك الرّفيع وَفِي ... معناك حسنا يميلها النّسق) (قدّاً تثنّيك والقوام إِذا ... غصنا رطيبا قوامك الرشيق) (ووجهك الْبَدْر إِذْ يضي وَمن ... شعرٍ لَك الّليل يحلك الغسق) (أَضَاء مِنْك الْوُجُود نور سنا ... وفاح مسكاً نسيمك العبق) قَوْله من قبلهَا إِضْمَار قبل الذّكر لظُهُور الْمَعْنى وَهُوَ وَارِد فِي كَلَامهم كثيرا وَالْمرَاد بهَا الدُّنْيَا أَو الأَرْض أَي كنت طيبا فِي صلب آدم حَيْثُ كَانَ فِي الْجنَّة وَقَوله تركب السفين يُرِيد بِهِ حَال كَونه فِي صلب أَبِيه نوح فَإِنَّهُ الرَّاكِب السفين وَقَوله ألْجم نسراً يُرِيد بِهِ الَّذِي كَانَ يعبده قوم نوح والنطق جمع نطاق وَهِي أَعْرَاض من جبال بَعْضهَا فَوق بعض أَي نواحي واوساط مِنْهَا شهبت بالنطق الَّتِي تشد فِي الأوساط ضربه مثلا فِي ارتفاعه وتوسطه فِي عشيرته وجعلهم تَحْتَهُ بِمَنْزِلَة أوساط الْجبَال قَوْله حَتَّى احتوى بَيْتك اراد بِهِ شرفه ومجده الشَّاهِد على فَضله أَي احتوى أَعلَى مَكَان من نسب خندف إِشَارَة إِلَى الْقَبِيلَة وَهَذَا الِاسْم أَعنِي خندف لزوجة إلْيَاس بن مُضر وَاسْمهَا سلمى بنت عمرَان بن الحاف بن قضاعة وَله قصَّة تقدّمت سميت الْقَبِيلَة بهَا فَقيل خندف وَمِنْهَا مَا هُنَا انْتهى وَكَانَ لَهُ من الذُّكُور تِسْعَة وَقيل عشرَة وَمن الْإِنَاث ثَلَاث الْفضل وَبِه كَانَ يكنى وَعبد الله وَعبيد الله وَعبد الرَّحْمَن وَقثم ومعبد وَأم حبيب وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة صَفِيَّة وأمينة من أمة وَأم هَؤُلَاءِ مَا عدا صَفِيَّة وأمينة لبَابَة الْكُبْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الْهِلَالِيَّة أُخْت مَيْمُونَة زوج النَّبِي روى انها أول امرى أسلمت بعد خَدِيجَة وَكثير وَتَمام شقيقان أمهما أم ولد والْحَارث بمفرده من أم هذلية وَعون هُوَ الْعَاشِر على الرِّوَايَة الثَّانِيَة وروى صبيح ومسهر وَلم يُتَابع عَلَيْهِمَا ابْن الْكَلْبِيّ قتل هَذَا الْحَارِث سنة ثَلَاثَة عشرَة من الْهِجْرَة وَقيل مَاتَ فِي طاعون عمواس وَهُوَ أول طاعون فِي الْإِسْلَام بِالشَّام سنة ثَمَان عشرَة فِي خلَافَة عمر وَقيل قتل يَوْم اليرموك فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أما الْفضل بن الْعَبَّاس فَكَانَ أكبر أَوْلَاد الْعَبَّاس وَبِه كَانَ يكنى لم يزل اسْمه جَاهِلِيَّة وإسلاماً وَكَانَ أجمل النَّاس وَجها وَلما دفع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من مُزْدَلِفَة إِلَى منى أردفه فَمر ظعن يجرين فَجعل الْفضل ينظر إلَيْهِنَّ فَوضع رَسُول الله يَده على وَجه الْفضل فحول الْفضل وَجهه إِلَى الشق الآخر فحول النَّبِي يَده إِلَى الشق الآخر أخرجه مُسلم وَفِي رِوَايَة غَيره قَالَ الْعَبَّاس لويت عنق ابْن عمك يَا رَسُول الله قَالَ رَأَيْت شَابًّا وشابة فَلم آمن الشَّيْطَان عَلَيْهِمَا شهد الْفضل فتح مَكَّة وغزا حنيناً وَثَبت يَوْمئِذٍ وَشهد حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ الَّذِي كَانَ يصب المَاء فِي غسل رَسُول الله فِي رِوَايَة وَعلي يغسلهُ اسْتشْهد بأجنادين بلد من نواحي دمشق فِي وقْعَة بَين الْمُسلمين وَالروم اميرهما عَمْرو ابْن الْعَاصِ وَأَبُو عُبَيْدَة وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وشرحبيل بن حَسَنَة كل مِنْهُم على طَائِفَة وَقيل بطاعون عمواس وَلم يخلف غير ابْنة تزَوجهَا عبد الْحسن بن عَليّ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَولدت لَهُ مُوسَى وَمَات عَنْهَا فَتَزَوجهَا عمر بن طَلْحَة بن عبيد الله وَيُقَال خلفت أَيْضا ابْنا اسْمه عبد الله وَلم يثبت ذَلِك انْتهى وَأما عبد الله فَهُوَ الحبر ولد قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وحنكه رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 بريقه ودعا لَهُ اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ وانشر مِنْهُ أَو أَكثر وَعلمه الْحِكْمَة وَسَماهُ ترجمان الْقُرْآن وروى أَنه قَالَ توفّي رَسُول الله وَأَنا ابْن عشر سِنِين وَقيل وَأَنا ابْن خمس عشرَة وَكَانَ طَويلا أَبيض مشرباً بالشقرة جسيماً وسيماً صبيح الْوَجْه شهد مَعَ عَليّ الْجمل وصفين والنهروان وَقَالَت أمه لما وَضعته اتيت بِهِ النَّبِي فَأذن فِي أُذُنه الْيُمْنَى وَأقَام فِي أُذُنه الْيُسْرَى وحنكه من رِيقه وَسَماهُ عبدا لله ثمَّ ناولنيه فَقَالَ اذهبي بِأبي الْخُلَفَاء رَوَاهُ ابْن حبَان وَغَيره وَقد مَلأ عقبه الأَرْض حَتَّى قيل إِنَّهُم بلغُوا فِي زمن الْمَأْمُون سِتّمائَة ألف واستبعد كَذَا فِي الْمَوَاهِب توفّي رَضِي الله عَنهُ بِالطَّائِف سنة ثَمَان وَسِتِّينَ أَيَّام ابْن الزبير وَهُوَ ابْن أَربع وَسبعين سنة وَقيل سبعين وَقيل إِحْدَى وَسبعين وَصلى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَقَالَ الْيَوْم مَاتَ رباني هَذِه الْأمة وَضرب على قَبره فسطاطاً قَالَ الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد الشَّامي فِي سيرته أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَدَت لنا معشر الْأَنْصَار حَاجَة إِلَى الْوَالِي وَكَانَ الَّذِي طلبنا إِلَيْهِ أمرا صعباً فمشينا إِلَيْهِ بِرِجَال من قُرَيْش وَغَيرهم فكلموه وَذكروا لَهُ وَصِيَّة رَسُول الله بِنَا فَذكر لَهُم صعوبة الْأَمر فعذره الْقَوْم وألح ابْن عَبَّاس عَلَيْهِ فوَاللَّه مَا وجد الْوَالِي بدا من قَضَاء حَاجته فخرجنا فَإِذا الْقَوْم أندية قَالَ حسان فَضَحكت وَأَنا أسمعهم إِنَّه وَالله كَانَ أولاكم بهَا إِنَّه وَالله صبَابَة النُّبُوَّة ووراثة أَحْمد وتهذيب أعراقه وأسرع شبه طباعه فَقَالَ الْقَوْم أجمل بهَا حسان فَقَالَ ابْن عَبَّاس صدقُوا فأجمل فَأَنْشَأَ حسان يمدح ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 // (من الطَّوِيل) // (إِذا مَا ابْن عبّاس بدا لَك وَجهه ... رَأَيْت لَهُ فِي كلّ معمعةٍ فضلا) (إِذا قَالَ لم يتْرك مقَالا لقائلٍ ... بملتقطاتٍ لَا ترى بَينهَا فضلا) (كفى وشفى مَا فِي النُّفُوس فَلم يدغ ... لذِي إربةٍ فِي القَوْل جدّاً وَلَا هزلا) (سموت إِلَى الْعليا بِغَيْر مشقّةٍ ... ونلت ذراها لَا دنيّاً وَلَا وغلا) (خلقت طبيعا للمروءة والنّدى ... مليحاً وَلم تخلق كهاماً وَلَا جبلا) فَقَالَ الْوَالِي مَا أَرَادَ بالكهام غَيْرِي وَالله بَينه وَبَينه انْتهى مروياته رَضِي الله عَنهُ ألف وسِتمِائَة وَسِتُّونَ حَدِيثا وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد سَبْعَة خَمْسَة ذُكُور وَالسَّادِس وَالسَّابِع أثنيان الْعَبَّاس وَعلي ولافضل وَمُحَمّد وَعبيد الله ولبابة وَأَسْمَاء وَأما عبيد الله فَقيل أَنه رأى النَّبِي وَسمع مِنْهُ اسْتَعْملهُ عَليّ بن أبي طَالب على الْيمن وَأمره على الْمَوْسِم فحج بِالنَّاسِ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ فَلَمَّا كَانَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين بَعثه أَيْضا على الْمَوْسِم وَبعث مُعَاوِيَة ذَلِك الْعَام يزِيد بن شَجَرَة الرهاوي ليقيم الْحَج فَلَمَّا اجْتمعَا سَأَلَ كل مِنْهُمَا صَاحبه أَن يسلم لَهُ فَأبى واصطلحا على أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ شيبَة بن عُثْمَان الحَجبي وروى أَن مُعَاوِيَة بعث بسر بن أَرْطَأَة العامري إِلَى الْيمن وَعَلَيْهَا عبيد الله بن الْعَبَّاس هَذَا من قبل عَليّ فَتنحّى عبيد الله وَاسْتولى بسر عَلَيْهِ فَبعث عَليّ رَضِي الله عَنهُ جَارِيَة بن قدامَة السَّعْدِيّ فهرب بسر وَرجع عبيد الله بن عَبَّاس فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى قتل عَليّ وَكَانَ عبيد الله هَذَا أحد الأجواد الْمَشْهُورين كَانَ يُقَال من اراد الْجمال والفعة والسخاء فليأت ولد الْعَبَّاس الْجمال للفضل والعفة لعبد الله والسخاء لِعبيد الله مَاتَ عبيد الله بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَخمسين وَأما عبد الرَّحْمَن بن عَبَّاس ومعبد فولدا على عَهده وقتلا شهيدين بإفريقية فِي خلَافَة عُثْمَان مَعَ عبد الله بن أبي سرح سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَاسْتعْمل الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 مِنْهُمَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على مَكَّة وَيُقَال لمن من إخْوَة أَشد تبَاعد قُبُور من بني الْعَبَّاس الْفضل بِدِمَشْق وَعبد الله بِالطَّائِف وَعبيد الله بِالْمَدِينَةِ وَعبد الرَّحْمَن ومعبد بإفريقية وَقثم بسمرقند وَأما قثم فَهُوَ أحد السَّبْعَة المشبهين برَسُول الله وَهُوَ لِدَة الْحسن بن عَليّ ورضيعه وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَهُ ابْن يُقَال لَهُ قثم يَضَعهُ على صَدره وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) // (خير الْبَنِينَ ذَا قثم ... شَبيه ذِي الْأنف الأشم) (نبيّ ربٍ ذِي نعم ... برغم أنف من رغم) وَقثم هَذَا آخر النس عهدا برَسُول الله لِأَنَّهُ آخر من خرج من قَبره مِمَّن نزل فِيهِ وَقيل إِن الْمُغيرَة بن شُعْبَة آخر من خرج من قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِمَّن نزل فِيهِ لِأَنَّهُ ترك خَاتمه فِي الْقَبْر فَلَمَّا خرج قَالَ نسيت خَاتمِي فَنزل ثَانِيًا فَكَانَ آخر النَّاس عهدا بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وانكر كَونه آخر ابْن عَبَّاس فَقَالَ آخر النَّاس عهدا برَسُول الله أخي قثم بن الْعَبَّاس وولاه عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ مَكَّة زمن مُعَاوِيَة وَأبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى قتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه ثمَّ خرج إِلَى سَمَرْقَنْد مَعَ سعيد بن عُثْمَان زمن مُعَاوِيَة فاستشهد بهَا وقبره فِي قبَّة عالية تعرف بمزار شاه زند يَعْنِي السُّلْطَان الْحَيّ خَارج سور سَمَرْقَنْد وَأما كثير بن عَبَّاس فأمه أم ولد رُومِية اسْمهَا سبا وَقيل حميرية ولد قبل وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بأشهر وَكَانَ فَقِيها فَاضلا ذكياً روى عَنهُ الْأَعْرَج وَابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَأما تَمام فأمه وَأم أَخِيه قبله وَاحِدَة وَهِي سبا الرومية أَو الحميرية روى عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تدْخلُوا عَليّ قلحاً استاكوا فلولا أَن أشق على أمتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ولاه عَليّ رَضِي الله عَنهُ الْمَدِينَة وَكَانَ قد اسْتخْلف قبله سُهَيْل بن حنيف حِين توجه إِلَى الْعرَاق ثمَّ عَزله واستجبله لنَفسِهِ وَولى تَمامًا ثمَّ عَزله وَولي أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ ثمَّ أشخص أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ واستخلفه فَلم يزل تَمام والياً فِيهَا إِلَى أَن قتل عَليّ وَكَانَ تَمام أَشد النَّاس بطشاً وَله عقب قَالَ أَيُّوب بن بكار كَانَ للْعَبَّاس عشرَة بَنِينَ سِتَّة مِنْهُم من أم الْفضل لبَابَة الْهِلَالِيَّة فيهم يَقُول يزِيد الْهِلَالِي // (من الرجز) // (مَا ولدت نجيبةٌ من فَحل ... كستّةٍ من بطن أُمّ الْفضل) (أكْرم بهَا من كهلةٍ وكهل ... ) وهم الْفضل وَعبد الله وَعبيد الله وَقثم ومعبد وَعبد الرَّحْمَن وَقد تقدم أَنهم أشقاء وهم سِتَّة سابعتهم أم حَبِيبَة شقيقتهم وَأما عون فَقَالَ ابْن عَمْرو لم أَقف على اسْم أمه وأصغرهم سنا تَمام وَكَانَ الْعَبَّاس أَبوهُ يحملهُ وَيَقُول // (من الرجز) // (تمّوا بتمّام فصاروا عشره ... يَا ربّ فاجعلهم كراماً برره) (وَاجعَل لَهُم ذكرا وأنم الشّجرة ... ) وَأما الْإِنَاث من أَوْلَاد الْعَبَّاس فَثَلَاث أم حبيب وَقد روى من حَدِيث أمهَا أم الْفضل إِن النَّبِي قَالَ لَو بلغت أم حبيت بنت الْعَبَّاس وَأَنا حَيّ لتزوجتها فَتوفي قبل أَن تبلغ فَتَزَوجهَا الْأسود بن عبد الْأسد أَخُو أبي سَلمَة بن عبد الْأسد فَولدت لَهُ رزق بن الْأسود ولبابة وَصفِيَّة وأمينة تزوج أمينة عَبَّاس بن عُيَيْنَة بن أبي لَهب فَولدت لَهُ الْفضل الشَّاعِر وَلَا رِوَايَة لَهَا وَلَا لصفية وَهِي الثَّالِثَة من بَنَات الْعَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وروى الطَّبَرِيّ فِي ذخائر العقبى انبة رَابِعَة تسمى أم كُلْثُوم وروى عَنْهَا وَعَن أُخْتهَا أم حبيب مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَأما أَبُو طَالب فاسمه عبد منَاف وَلما مَاتَ جده عبد الْمطلب كافله كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْعُمر ثَمَان سِنِين كفله عَمه أَبُو طَالب بِوَصِيَّة من عبد الْمطلب لكَونه شَقِيق وَالِده عبد الله وَقد أخرج ابْن عَسَاكِر عَن جلهمة عَن عطرفة قَالَ قدمت مَكَّة وهم فِي قحط فَقَالَت قُرَيْش يَا أَبَا طَالب أقحط الْوَادي وأجدب الْعِيَال فَهَلُمَّ فاستسق فَخرج أَبُو طَالب وَمَعَهُ غُلَام كَأَنَّهُ شمس دجن تجلت عَنهُ سَحَابَة قتماء وَحَوله أغيلمة فَأَخذه أَبُو طَالب وألصق ظَهره بِالْكَعْبَةِ ولاذ الْغُلَام بِأُصْبُعِهِ وَمَا فِي السَّمَاء قزعة فَأقبل السَّحَاب من هَهُنَا وَهَهُنَا وأغدق وانفجر لَهُ الْوَادي وأخصب البادي والنادي وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو طَالب // (من الطَّوِيل) // (وأبيض يُستسقى الْغَمَام بِوَجْه ... ثمال الْيَتَامَى عصمةٌ للأرامل) وَهُوَ من قصيدة نَحْو ثَمَانِينَ بَيْتا قَالَهَا لما تولت عَنهُ وتمالأت عَلَيْهِ قُرَيْش ونفروا عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وأولها // (من الطَّوِيل) // (ولمّا رَأَيْت الْقَوْم لَا ودّ عِنْدهم ... وَقد قطّعوا كلّ العرى والوسائل) (وَقد جاهرونا بالعداوة والأذى ... وَقد طاوعوا أَمر العدوّ المزايل) (صبرت لَهُم نَفسِي بسمراء سمحةٍ ... وأبيض عضبٍ من تراث المقاول) (وأحضرت عِنْد الْبَيْت رهطى وإخوتي ... وَأَمْسَكت من أثوابه بالوصائل) (أعبد منافٍ انتم خير قومكم ... فَلَا تُشْرِكُوا فِي أمرنَا كلّ واغل) (فقد خفت إِن لم يصلح الله أَمركُم ... تَكُونُوا كَمَا كَانَت أَحَادِيث وَائِل) (أعوذ بربّ النّاس من كلّ طَاعن ... علينا بسوءٍ أَو ملحٍّ بباطل) (وثورٍ وَمن أرسى ثبيراً مَكَانَهُ ... وراق ليرقى فِي حراءٍ ونازل) (وبالبيت حَقًا حلّ فِي بطن مكّةٍ ... وَبِاللَّهِ إنّ الله لَيْسَ بغافل) (لقد علمُوا أنّ ابننا لَا مكذّبٌ ... لدينا وَلَا يعْنى بعوراء بَاطِل) (كَذبْتُمْ وَبَيت الله نُبزي محمّداً ... ولمّا نطاعن عِنْده ونناضل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 (ونسلمه حتّى نصرّع حوله ... ونذهل عَن أَبْنَائِنَا والحلائل) (وينهض قومٌ فِي الْحَدِيد إِلَيْكُم ... نهوض الرّوايا تَحت ذَات الصّلاصل) (وينهض قومٌ نحوكم غير عزّلٍ ... ببيضٍ حديثٍ عهدها بالصّياقل) (وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمةٌ للأرامل) (يلوذ بِهِ الهلاّك من آل هاشمٍ ... فهم عِنْده فِي رحمةٍ وفواضل) (لعمري لقد كلّفت وجدا بأحمدٍ ... وَإِخْوَته دأب المحبّ المواصل) (فَمن مثله فِي النّاس أيّ مؤمّلٍ ... إِذا قاسه الحكّام عِنْد التّفاضل) (حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائشٍ ... يوالي إِلَهًا لَيْسَ عَنهُ بغافل) (وميزان حقٍّ مَا يعول شعيرَة ... ووزّان حقٍّ وَزنه غير عائل) (فوَاللَّه لَوْلَا أَن أجىء بسبةٍ ... تجرّ على أشياخنا فِي المحافل) (لكنّا اتّبعناه على كلّ حالةٍ ... من الدّهر جدّاً غير قَول التّهازل) (فَأصْبح فِينَا أحمدٌ ذَا أرومةٍ ... تقصر عَنْهَا سُورَة المتطاول) (حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عَنهُ بالذّرا والكلاكل) (جزى الله عنّا عبد شمسٍ ونوفلاً ... عُقُوبَة شرٍّ عاجلٍ غير آجل) قلت لم أظفر من هَذِه القصيدة إِلَّا بِنَحْوِ السَّبْعَة وَالثَّمَانِيَة الأبيات فِي غَالب كتب السّير وَلم أزل أطلبها حَتَّى ظَفرت بغالبها من تَارِيخ الْعَلامَة الْحَافِظ مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عُثْمَان الذَّهَبِيّ الْمُسَمّى دوَل الْإِسْلَام فنقلتها مِنْهُ وَللَّه الْحَمد وَقَوله ذَات الصلاصل رَأَيْت فِي تَارِيخ التقي الفاسي رَحمَه الله مَا نَصه بِئْر صلاصل فِي الْجَانِب الَّذِي يكون على يَمِين الصاعد إِلَى منى وَلَعَلَّ ذَلِك نسبتها إِلَى صلصل بن أَوْس بن مجاسر بن مُعَاوِيَة بن شرف من بني عَمْرو بن تَمِيم لِأَن الفاكهي روى بِسَنَدِهِ عَن هِشَام بن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ كَانَت الْعَرَب فِي أشهر الْحَج على ثَلَاثَة أهواء مِنْهُم من يفعل الْمُنكر وهم المحلون الَّذِي يحلونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 الْأَشْهر الْحرم فيغتالون فِيهَا وَيَسْرِقُونَ وَمِنْهُم من كَانَ يكف عَن ذَلِك وَمِنْهُم أهل هوى شَرعه لَهُم صلصل بن أَوْس بن مجاسر الْمَذْكُور فِي قتال المحلين ثمَّ قَالَ بعد أَن ذكر المحرمين وَكَانُوا يسمونهم الصلاصل لِأَن صلصل شرع ذَلِك لَهُم وَكَانُوا ينزلون على بِئْر قرب منى ثمَّ يتفرقون على النَّاس مِنْهَا وَكَانَت الْبِئْر تسمى بِئْر صلصل انْتهى قلت قَول أبي طَالب تَحت ذَات صلاصل يعنيها كَأَنَّهُ يُرِيد تَشْبِيه الْقَوْم الثائرين للمدافعة عَن النَّبِي بأولئك الْقَوْم النازلين عِنْد الْبِئْر وَيكون وَجه الشّبَه الجرأة والإقدام إِن كَانَت الرِّوَايَة بالزاي الْمُعْجَمَة فِي الزوايا جمع زوية للجماعات الكامنين هُنَاكَ وَإِن كَانَت الرِّوَايَة بالراء الْمُهْملَة فِيهَا فَيكون وَجه التَّشْبِيه الثّقل بالحديد وَالسِّلَاح كثقل الروايا بِالْمَاءِ القراح وَهَذِه الْبِئْر هِيَ الْمُسَمَّاة الْآن عِنْد الْعَامَّة بِئْر صراصر برائين مهملتين وَهِي مَعْرُوفَة انْتهى وَمعنى نناضل هُنَا نناظر ونجادل ونخاصم ونبزى بِضَم النُّون وَالْبَاء سَاكِنة أَي نقهره ونغلب عَلَيْهِ وَأَنْشَأَ أَبُو طَالب أبياتاً مِنْهَا قَوْله // (من الطَّوِيل) // (وشقّ لَهُ من إسمه ليجلّه ... فذو الْعَرْش محمودٌ وَهَذَا محمّد) فَقَالَ حسان وَضمن ذَلِك // (من الطَّوِيل) // (ألم تَرَ أنّ الله أرسل عَبده ... بآياته وَالله أَعلَى وأمجد) (أغرّ عَلَيْهِ للنّبوّة خاتمٌ ... من الله مشهورٌ يلوح وَيشْهد) (وضمّ الْإِلَه اسْم النّبيّ إِلَى اسْمه ... إِذا قَالَ فِي الْخمس المؤذّن أشهد) (وشقّ لَهُ من إسمه ليجلّه ... فذو الْعَرْش محمودٌ وَهَذَا محمّد) (نبيٌّ أَتَانَا بعد يأسٍ وفترةٍ ... من الدّين والأوثان فِي الأَرْض تعبد) (وأرسله ضوءاً منيراً وهادياً ... يلوح كَمَا لَاحَ الصّقيل المهنّد) قَالَ الْعَلامَة ابْن التِّين فِي شعر أبي طَالب دلَالَة على أَنه كَانَ يعرف نبوة النَّبِي قبل أَن يبْعَث لما أخبرهُ بحيرا الراهب وَغَيره من شَأْنه وَتعقبه الْحَافِظ ابْن حجر بِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 ابْن إِسْحَاق ذكر أَن إنْشَاء أبي طَالب لهَذَا الشّعْر كَانَ بعد الْبَعْث وَمَعْرِفَة أبي طَالب بنبوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جَاءَت فِي كثير من الْأَخْبَار قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَتَت قُرَيْش إِلَى أبي طَالب فَقَالُوا يَا أَبَا طَالب هَذَا عمَارَة بن الْوَلِيد أعز فَتى فِي قُرَيْش وأجمله فَخذه فلك عقله ونصرته واتخذه لَك ولدا فَهُوَ لَك وَأسلم إِلَيْنَا ابْن أَخِيك فقد أفسد أَحْلَامنَا وَعَابَ آلِهَتنَا وَخَالف دينك وَدين آبَائِك نَقْتُلهُ فَإِنَّمَا رجل كَرجل فَقَالَ وَالله بئْسَمَا تأمرونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابْني تَقْتُلُونَهُ هَذَا وَالله لَا يكون أبدا فَقَالَ الْمطعم بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف وَالله يَا أَبَا طَالب لقد أنصفك قَوْمك وجهدوا على التَّخَلُّص مِمَّا تكره فَمَا أَرَاك تُرِيدُ أَن تقبل مِنْهُم شَيْئا فَقَالَ وَالله مَا أنصفوا وَلَكِنَّك قد أَجمعت على خلافي ومظاهرة الْقَوْم على فَاصْنَعْ مَا بدا لَك فحقب الْأَمر وحميت الْحَرْب وتنابذ الْقَوْم فَقَالَ أَبُو طَالب // (من الطَّوِيل) // (أَلا قل لعَمْرو والوليد ومطعمٍ ... أَلا لَيْت حظّي من حياطتكم بكر) (من الخور صخّابٌ كثيرٌ رغاؤه ... يرشّ على السّاقين من بَوْله قطر) (أرى أخوينا من أَبينَا وأُمّنا ... إِذا سئلا قَالَا إِلَى غَيرنَا الْأَمر) (أخصّ خُصُوصا عبد شمس ونوفلاً ... هما نبذانا مثل مَا تنبذ الْخمر) وَفِي حَيَاة الْحَيَوَان مَاتَ أَبُو طَالب فِي نصف شَوَّال من السّنة الْعَاشِرَة من الْبعْثَة وَكَانَ النَّبِي ابْن سبع وَأَرْبَعين سنة وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا وَأَبُو طَالب ابْن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ قبل هجرته بِثَلَاث سِنِين روى سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول الله فَوجدَ عِنْده أَخَاهُ الْعَبَّاس وَعبد الله بن أُميَّة وَأَبا جهل بن هِشَام فَقَالَ يَا عَم قل لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة أشهد لَك بهَا عِنْد الله فَقَالَ أَبُو جهل يَا أَبَا طَالب أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب فَلم يزل رَسُول الله يعرضهَا عَلَيْهِ وَيَقُول لَهُ أَبُو جهل أترغب إِلَى اخره فَلَمَّا رأى حرص النَّبِي قَالَ يَا ابْن أخي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَالله لَوْلَا مَخَافَة قُرَيْش أَن تَقول إِنِّي إِنَّمَا قلتهَا جزعاً من الْمَوْت لقلتهَا فَلَمَّا تقَارب من أبي طَالب الْمَوْت نظر الْعَبَّاس إِلَيْهِ يُحَرك شَفَتَيْه فأصغى إِلَيْهِ بأذنيه فَسَمعهُ فَقَالَ يَا ابْن أخي وَالله لقد قَالَ أخي الْكَلِمَة الَّتِي امرته بهَا فَقَالَ لم أسمعهُ كَذَا فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق أَنه أسلم عِنْد الْمَوْت وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق يُونُس بن كَبِير لَكِن قَالَ إِنَّه مُنْقَطع والْحَدِيث أثبت لأبي طَالب الْوَفَاة على الْكفْر والشرك كَمَا روينَا فِي الصَّحِيح من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه حَتَّى قَالَ آخر مَا كَلمهمْ بِهِ أَبُو طَالب قَوْله على مِلَّة عبد الْمطلب وأبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ قَالَ رَسُول الله لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أُنه عَنْك فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْله {مَا كَانَ لِلنَّبِيّ وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى} التَّوْبَة 113 وَأنزل الله فِي أبي طَالب {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} الْقَصَص 56 وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من حَدِيث يحيى بن سَلمَة بن كهيل عَن أَبِيه عَن حَبَّة العرنى قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب ضحك على الْمِنْبَر حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ثمَّ سُئِلَ بعد فَقَالَ ظهر علينا أَبُو طَالب وَأَنا مَعَ رَسُول الله نصلي بِبَطن نَخْلَة فَقَالَ مَاذَا تصنعان يَا ابْن أخي فَدَعَاهُ رَسُول الله إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ مَا بِالَّذِي تصنعان من بَأْس وَلَكِن وَالله لَا تعلوني استى أبدا فَذكرت ذَلِك فَضَحكت تَعَجبا من قَول أبي انْتهى ذكره الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه وَفِي الصَّحِيح إِن ابْن عَبَّاس سَأَلَ رَسُول الله فَقَالَ إِن أَبَا طَالب كَانَ يحوطك وينصرك فَهَل نَفعه ذَلِك قَالَ نعم وجدته فِي غَمَرَات النَّار فَأَخْرَجته إِلَى ضحضاح مِنْهَا وروى البُخَارِيّ حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الضحضاح وَلَفظه مَا أغنيت عَن عمك فَإِنَّهُ كَانَ يحوطك ويغضب لَك قَالَ نعم هُوَ فِي ضحضاح من نَار وَلَوْلَا أَنا لَكَانَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله قَالَ أَهْون أهل النَّار عذَابا أَبُو طَالب فِي ضحضاح من نَار منعل نَعْلَيْنِ من حَدِيد يغلي مِنْهُمَا دماغه قيل إِن النَّبِي مسح أَبَا طَالب بعد مَوته بِيَدِهِ الشَّرِيفَة وأنسى بَاطِن قَدَمَيْهِ فَلم يمسحهما فَكَانَ مس الْعَذَاب لَهما وَذَلِكَ أَنه لما ثَبت قدماه ثبوتاً معنوياً على الشّرك كَانَ الْعقَاب عَلَيْهِمَا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَارض رَسُول الله فَقَالَ وصلتك رحم وجزاك الله خيرا يَا عَم وَفِي معالم التَّنْزِيل الْكفْر أَرْبَعَة أَنْوَاع كفر الْإِنْكَار وَكفر الْجُحُود وَكفر النِّفَاق وَكفر العناد أما كفر الْإِنْكَار فَهُوَ أَلا يعرف الله بِالْقَلْبِ وَلَا يعْتَرف بِاللِّسَانِ وَأما كفر الْجُحُود فَهُوَ أَن يعرف الله بِقَلْبِه وَلَكِن لَا يقر بِلِسَانِهِ ككفر إِبْلِيس وَكفر الْيَهُود بِمُحَمد من هَذَا الْقَبِيل قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} الْبَقَرَة 89 أَي جَحَدُوا وَأما كفر النِّفَاق فَهُوَ أَن يقر بِاللِّسَانِ وَلَا يعْتَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 بِالْقَلْبِ وَأما كفر العناد فَهُوَ أَن يعرف الله بِقَلْبِه ويعترف بِلِسَانِهِ وَلَكِن لَا يدين بِهِ وَلَا يكون منقادا مُطيعًا ككفر أبي طَالب فَإِنَّهُ قَالَ فِي شعر لَهُ // (من الْكَامِل) // (وَلَقَد علمت بأنّ دين محمدٍ ... من خير أَدْيَان البريّة دينا) (لَوْلَا الْمَلَامَة أَو حذَارِي سبةٍ ... لوجدتّني سَمحا بِذَاكَ مُبينًا) (وَدَعَوْتنِي وَعلمت أنّك ناصحي ... وَلَقَد صدقت وَكنت ثمّ أَمينا) (وَالله لن يصلوا إِلَيْك بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوسّد فِي التّراب دَفِينا) (فَاصْدَعْ بِأَمْرك مَا عَلَيْك غضاضةٌ ... واجهر وقرّ بِذَاكَ مِنْك عيُونا) وَجَمِيع الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة سَوَاء فِي أَن الله تَعَالَى لَا يغْفر لأصحابها إِذا مَاتُوا عَلَيْهَا نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا وَحكى عَن هِشَام بن السَّائِب الْكَلْبِيّ أَو أَبِيه أَنه قَالَ لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة جمع إِلَيْهِ وُجُوه قُرَيْش فأوصاهم فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش أَنْتُم صفوة الله من خلقه وَإِنِّي أوصيكم بِمُحَمد خيرا فَإِنَّهُ الْأمين فِي قُرَيْش وَالصديق فِي الْعَرَب وَهُوَ الْجَامِع لكل مَا أوصيكم بِهِ وَقد جَاءَ بِأَمْر قبله الْجنان وَأنْكرهُ اللِّسَان مَخَافَة الشنآن وَايْم الله كَأَنِّي أنظر إِلَى صعاليك الْعَرَب وَأهل الْوَبر والأطراف وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من النَّاس قد أجابوا دَعوته وَصَدقُوا كَلمته وعظموا أمره فَخَاضَ بهم غَمَرَات الْمَوْت فَصَارَت رُؤَسَاء قُرَيْش وَصَنَادِيدهَا أذناباً ودورها خراباً وضعفاؤها أَرْبَابًا فَإِذا أعظمهم إِلَيْهِ أحوجهم إِلَيْهِ وأبعدهم مِنْهُ أحظاهم عِنْده قد محضته الْعَرَب ودادها وأصفت لَهُ فؤادها وأعطت لَهُ قيادها يَا معشر قُرَيْش كونُوا لَهُ وُلَاة ولحرمه حماة وَالله لَا يسْلك أحد سَبيله إِلَّا رشد وَلَا يَأْخُذ أحد بهديه إِلَّا سعد وَلَو كَانَ لنَفْسي مُدَّة ولأجلي تَأْخِير لكففت عَنهُ الهزاهز ولدفعت عَنهُ الدَّوَاهِي ثمَّ هلك وَدفن بصدر الشّعب أَعلَى الْحجُون وَجُمْلَة أَوْلَاده أَرْبَعَة ذُكُور وأنثيان أكبرهم طَالب وَبِه كَانَ يكنى ثمَّ ولد لَهُ بعد عشر سنيتن عقيل ثمَّ بعد عشرَة سِنِين جَعْفَر ثمَّ بعد عشر سِنِين عَليّ والأنثيان هِنْد أَو فَاخِتَة وتكنى بِأم هانىء بِابْن كَانَ لَهَا اسْمه هَانِيء وَالْأُخْرَى جمانة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَأما طَالب فَهُوَ الْقَائِل // (من الرجز) // (لاهمّ إمّا يغزونّ طَالب ... فِي عصبةٍ مخالفٌ محَارب) (فِي مقنبٍ من تلكم المقانب ... فَلْيَكُن المسلوب غير السّالب) (وَليكن المغلوب غير الْغَالِب ... ) قَالَ هَذَا الشّعْر عِنْد خُرُوج قُرَيْش لمنع العير فِي وقْعَة بدر ومحاربة النَّبِي وَهِي وقْعَة بدر الْكُبْرَى وَكَانَ بَين طَالب فِي الْقَوْم وَبَين بعض قُرَيْش محاورة فَقَالُوا وَالله لقد عرفنَا يَا بني هَاشم وَإِن خَرجْتُمْ مَعنا إِن هواكم مَعَ مُحَمَّد فَرجع طَالب إِلَى مَكَّة فَقَالَ هَذِه الأبيات قلت لم أفهم معنى هَذِه الأبيات وَهِي كَمَا ترَاهَا نقلتها من نُسْخَة قديمَة من سيرة ابْن هِشَام تَارِيخ كتبهَا سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة مصححة مقروءة فَلَا غلط فِي اللَّفْظ وَلَا تَصْحِيف إِلَّا أَن الْمَعْنى يحْتَاج إِلَى تَبْيِين وتوقيف إِذا المغلوب غير الْغَالِب والمسلوب غير السالب وَلم يظْهر لي وَجه فِي صِحَة الْمَعْنى إِلَّا أَن تكون لَفْظَة غير مصحفة من لَفْظَة عين فَيكون هَكَذَا فَلْيَكُن المسلوب عين السالب بِنصب المسلوب على أَنه خبر كَانَ متوسطاً وَاسْمهَا عين فَيكون دُعَاء مِنْهُ على قُرَيْش بالسلب لَهُم وَالْغَلَبَة عَلَيْهِم انْتهى قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي الرياض النضرة فِي مَنَاقِب الْعشْرَة عَن أبي الْحجَّاج مُجَاهِد بن جُبَير قَالَ كَانَ من نعم الله تَعَالَى على عَليّ بن أبي طَالب وَمِمَّا أَرَادَ الله بِهِ من الْخَيْر أَن قُريْشًا أَصَابَتْهُم شدَّة ومجاعة وَكَانَ أَبُو طَالب فِي مبدأ أمره مقلاً ذَا عِيَال كثير فَقَالَ رَسُول الله للْعَبَّاس عَمه يَا عَبَّاس إِن أَخَاك أَبَا طَالب كثير الْعِيَال وَقد أصَاب النَّاس مَا ترى من هَذِه الأزمة فَانْطَلق بِنَا إِلَيْهِ فلنخفف من عِيَاله فآخذ من بنيه رجلا وَتَأْخُذ رجلا فنكفيهما عَنهُ قَالَ الْعَبَّاس نعم فَانْطَلَقْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 حَتَّى أَتَيَا أَبَا طَالب فَقَالَا لَا إِنَّا نُرِيد أَن نخفف عَنْك من عِيَالك حَتَّى ينْكَشف عَن النَّاس مَا هم فِيهِ فَقَالَ لَهما أَبُو طَالب إِذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا مَا شئتما وَفِي رِوَايَة وطالباً فَأخذ رَسُول الله عليا رَضِي الله عَنهُ فضمه إِلَيْهِ فَلم يزل عَليّ مَعَ رَسُول الله حَتَّى بَعثه الله رَسُولا فَآمن بِهِ عَليّ وَصدقه وَأخذ الْعَبَّاس جعفراً وَلم يزل جَعْفَر عِنْد الْعَبَّاس انْتهى وَلكُل من عَليّ وجعفر وَعقيل عقب وَأَكْثَرهم عقباً عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَسَيَأْتِي ذكرهم عِنْد ذكر خِلَافَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأما عقيل بن أبي طَالب فَلم يزل اسْمه جَاهِلِيَّة وإسلاماً عقيلاً ويكنى أَبَا يزِيد وَكَانَ قد خرج مَعَ كفار قُرَيْش مكْرها يَوْم بدر فَأسر فَفَدَاهُ عَمه الْعَبَّاس ثمَّ أَتَى النَّبِي مُسلما قبل الْحُدَيْبِيَة وَشهد غَزْوَة مُؤْتَة روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَهُ يَا أَبَا يزِيد إِنِّي أحبك حبين حبا لقرابتك وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك وَكَانَ أعلم قُرَيْش بأنسابها وأعرفهم بأيامها وَكَانَ مبغضاً إِلَيْهِم لِأَنَّهُ كَانَ يعد مساويهم وَكَانَت لَهُ قطيفة تفرش فِي مَسْجِد رَسُول الله يُصَلِّي عَلَيْهَا ويجتمع عَلَيْهِ فِي علم النّسَب وَأَيَّام الْعَرَب وَكَانَ أسْرع النَّاس جَوَابا وأحضرهم مُرَاجعَة فِي القَوْل وأبلغهم فِي ذَلِك وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عقيلاً جَاءَ إِلَى عَليّ بالعراق فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن أَحْبَبْت أَن أكتب لَك إِلَى مَالِي بينبع فأعطيك مِنْهُ فَقَالَ لَهُ عقيل لأذهبن إِلَى رجل أوصل لي مِنْك فَذهب إِلَى مُعَاوِيَة وَقَالَ أَبُو عَمْرو غاضب عقيل عليا وَخرج إِلَى مُعَاوِيَة وَأقَام عِنْده فزعموا أَن مُعَاوِيَة قَالَ يَوْمًا بِحَضْرَة عقيل هَذَا أَبُو يزِيد لَوْلَا علمه بِأَنِّي خير لَهُ من أَخِيه مَا أَقَامَ عِنْدِي وَتَركه فَقَالَ عقيل أخي خير لي فِي ديني وَأَنت خير لي فِي دنياي وَقد آثرت دنياي وأسأل الله خَاتِمَة خير وَتُوفِّي عقيل فِي خلَافَة مُعَاوِيَة يروي أَن الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط قَالَ لَهُ غلبك أَبُو تُرَاب على الثروة وَالْعدَد فَقَالَ عقيل نعم وسبقنيى وَإِيَّاك إِلَى الْجنَّة فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الْوَلِيد أما وَالله إِن شدقيك لمتوضمتان من دم عُثْمَان فَقَالَ لَهُ عقيل ملك ولقريش إِن أَنْت فيهم لَا كمنيح الميسر فَقَالَ الْوَلِيد وَالله إِنِّي لأرى أهل الأَرْض لَو أشركوا فِي قَتله لوردوا صعُودًا فَقَالَ لَهُ عقيل كلا أما ترغب لَهُم عَن صُحْبَة أَبِيك وَذكر أَنه حضر وَمَعَهُ كَبْش لَهُ إِلَى مجْلِس عَليّ كرم الله وَجهه فَقَالَ عَليّ يمازحه بعد أَن اسْتَقر بهما الْمجْلس أحد الثَّلَاثَة أَحمَق فَقَالَ عقيل أما أَنا وكبشي فَلَا فتضاحكا طَويلا كَذَا فِي دوَل الْإِسْلَام للعلامة الذَّهَبِيّ وَمن أَوْلَاد عقيل مُسلم بن عقيل الَّذِي قَتله أهل الْكُوفَة حِين سيره الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ إِلَيْهِم برسالة قبله وجميعهم من فاطمبة بنت أَسد بن هَاشم وَأما جَعْفَر بن أبي طَالب فيكنى أَبَا عبد الله أسلم قَدِيما وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة وَمَعَهُ زَوجته أَسمَاء بنت عُمَيْس وَولدت لَهُ ثمَّة ابنيه عبد الله ومحمداً فحصلت لَهُ الهجرتان وَقد تقدم ذكر جواره بِأَرْض الْحَبَشَة وَمَا جرى لَهُ هُوَ وَأَصْحَابه مَعَ النَّجَاشِيّ بِسَبَب مَا قَالَه عَمْرو بن الْعَاصِ للنجاشي وَقِرَاءَة جَعْفَر سُورَة الْكَهْف بَين يَدي النَّجَاشِيّ وَأما أم هانىء فَتَزَوجهَا هُبَيْرَة بن أبي وهب المَخْزُومِي وَولدت لَهُ أَوْلَادًا وهرب إِلَى نَجْرَان وَمَات بهَا مُشْركًا وَهُوَ الْقَائِل يَوْم أحد يذكر قومه ويفتخر // (من الْبَسِيط) // (مَا بَال همّ عميدٍ بَات يطرقني ... بالود من هِنْد إِذْ تَغْدُو عواديها) (باتت تعاتبني هندٌ وتعذلني ... وَالْحَرب قد شغلت عنّي مواليها) (مهلا فَلَا تعذليني إنّ من خلقي ... مَا قد علمت وَمَا إِن لست أُخفيها) (مساعفٌ لبني كَعْب بِمَا كلفوا ... حمّال عبءٍ وأثقال أُعانيها) (وَقد حملت سلاحي فَوق مشترف ... ساطٍ سبوحٍ إِذا يجْرِي يباريها) (كأنّه إِذْ جرى عيرٌ بفدفدةٍ ... مكدّمٌ لاحقٌ بالعون يحميها) (من آل أَعْوَج يرتاح النّديّ لَهُ ... كجذع شعراء مستعلٍ مراقيها) (أعددتّه ورفاق الحدّ منتخلاً ... وَمَا رنا لخطوبٍ قد أُلاقيها) (هَذَا وبيضاء مثل النّهي محكمةٌ ... لظّت عليّ فَمَا تبدو مساويها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 (سقنا كنَانَة من أَطْرَاف ذِي يمنٍ ... عرض الْبِلَاد على مَا كَانَ يزجيها) (قَالَت كنَانَة أنّى تذهبون بِنَا ... قُلْنَا النّخيل فأمّوها وَمن فِيهَا) (نَحن الفوارس يَوْم الجرّ من أُحدٍ ... هابت معدٌّ فَقُلْنَا نَحن نأتيها) (هابوا ضراباً وطعناً صَارِمًا خذماً ... ممّا يرَوْنَ وَقد ضمّت قواصيها) (ثمت رحنا كأنا عراض برد ... وَقَامَ هام بني النّجّار يبكيها) (كأنّ هامهم عِنْد الوغى فلقٌ ... من قيض ربدٍ نفته عَن أداحيها) (أَو حنظلٌ زعزعته الرّيح فِي غصنٍ ... بالٍ تعاوره مِنْهَا سوافيها) (قد نبذل المَال سحّاً لَا حِسَاب لَهُ ... ونطعن الْخَيل شزراً فِي مآقيها) (وليلةٍ يصطلي بالفرث جازرها ... يختصّ بالنّفر المثرين داعيها) (فِي ليلةٍ من جمادي ذَات أنديةٍ ... جربا جماديّةٍ قد بتّ أسريها) (لَا ينبح الْكَلْب فِيهَا غير واحدةٍ ... من القريس وَلَا تسري أفاعيها) (أوقدتّ فِيهَا لذِي الضّرّاء جاحمةً ... كالبرق ذاكية الْأَركان أُحميها) (أورثني ذاكم عمرٌو ووالده ... من قبله كَانَ بِالْمَثْنَى يُغَالِيهَا) (كَانُوا يبَارُونَ أَنوَاءَ النجُومِ فَمَا ... دنت عَن السّورة الْعليا معاليها) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (سقتم كنَانَة جهلا من سفاهتكم ... إِلَى الرَّسُول فجند الله مخزيها) (أوردتموها حِيَاض الْمَوْت ضاحيةً ... فالنّار موعدها وَالْقَتْل لاقيها) (جمّعتموهم أحابيشاً بِلَا حسبٍ ... أئمّة الْكفْر غرّتكم طواغيها) (ألها اعتبرتم بخيل الله إِذْ قتلت ... أهل القليب وَمن ألقينه فِيهَا) (كم من أسيرٍ فككناه بِلَا ثمنٍ ... وجزّ ناصيةٍ كنّا مواليها) وَإِنَّمَا أوردتها وجوابها لاشتمالها على المباني الراسخة والمعاني الشامخة وَأم هَانِيء هَذِه هِيَ الَّتِي صلى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي بَيتهَا يَوْم الْفَتْح صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات فِي ثوب وَاحِد مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ فروت ذَلِك وَقَالَت وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 قد التجأ إِلَيْهَا بعض أصهارها من بني مَخْزُوم قيل هُوَ الْحَارِث بن هَاشم وَآخر مَعَه فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أخي عليا لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَأَن أَخَاف أَن يعلم بِمن لَجأ إِلَيّ فيقتله فَاجْعَلْ من دخل دَار أم هَانِيء آمنا حَتَّى يسمع كَلَام الله وَفِي رِوَايَة إِن أخي اراد قَتلهمَا إِنِّي قد اجرتهما فَقَالَ قد أجرنا من أجرت يَا أم هَانِيء ثمَّ قَالَ هَل عنْدك من طَعَام نأكله فَقَالَت لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا كسر يابسة وَإِنِّي لأَسْتَحي أَن أقدمهن إِلَيْك قَالَ هَلُمِّي بِهن فكسرهن فِي مَاء وملح فَقَالَ هَل من إدام فَقَالَت مَا عِنْدِي يَا رَسُول الله إِلَّا شَيْء من خل فَقَالَ هلميه فَصَبَّهُ على طَعَامه فَأَكله ثمَّ حمد الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ نعم الإدام الْخلّ يَا أم هَانِيء لَا يفقر بَيت فِيهِ خل أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِهَذَا السِّيَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وَمن أَوْلَادهَا من هُبَيْرَة جعدة بن هُبَيْرَة وَقد اسْتَعْملهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ حِين أفضت إِلَيْهِ الْخلَافَة وَهُوَ الْقَائِل // (من الطَّوِيل) // (أَنا من بني مَخْزُوم إِن كنت سَائِلًا ... وَمن هَاشم أُمّي لخير قبيل) (فَمن ذَا الّذي يبأى علّى بخاله ... وخالي عليٌّ ذُو النّدى وَعقيل) قلت لَعَلَّ قبيلا مُضَاف إِلَى يَاء المتلكم تخلصاً من الْوُقُوع فِي الضَّرُورَة أَو ورطة عين الإقواء وَالله أعلم وَأما جمانة بنت أبي طَالب فَتَزَوجهَا ابْن عَمها أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَولدت لَهُ وَلم يسند عَنْهَا شَيْء ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ وَأما أَبُو عَمْرو فَلم يذكرهَا فَلَعَلَّهُ لم يثبت إسْلَامهَا عِنْده لِأَنَّهُ لَا يذكر إِلَّا من أسلم فَلم يذكرهَا لذَلِك وَذكرهَا ابْن قُتَيْبَة وَأَبُو سعد فِي شرف النُّبُوَّة فِي جملَة أَوْلَاد أبي طَالب وَأما الْحَارِث فَهُوَ كَمَا سبق أكبر أَوْلَاد عبد الْمطلب وَبِه كَانَ يكنى مَاتَ قبل الْبعْثَة وَله من الْأَوْلَاد خَمْسَة ذُكُور أَبُو سُفْيَان وَنَوْفَل وَرَبِيعَة والمغيرة وَعبد شمس وَأُنْثَى وَاحِدَة وَهِي أروى أما أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث وَهُوَ الأول من اولاد الْحَارِث ذكرا واخو رَسُول الله من الرضَاعَة أرضعتهما حليمة السعدية وَكَانَ ترب رَسُول الله يألفه إلفاً شَدِيدا قبل النُّبُوَّة فَلَمَّا بعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَادَاهُ وهجاه وهجا أَصْحَابه وَكَانَ شَاعِرًا قَالَ الذَّهَبِيّ وَعَن مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله قَالَ اهجوا قُريْشًا فَإِنَّهُ أَشد عَلَيْهِم من رشق النبل وَأرْسل إِلَى عبد الله بن رَوَاحَة فَقَالَ اهجهم فهجاهم فَلم يرضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هجوه فَأرْسل إِلَى كَعْب بن مَالك كَذَلِك فهجاهم فَلم يرضه ثمَّ أرسل إِلَى حسان فَلَمَّا دخل قَالَ قد آن لكم أَن تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأسد الضَّارِب بِذَنبِهِ ثمَّ أدلع لِسَانه فَجعل يحركه ثمَّ قَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لأفرينهم بِهِ فري الْأَدِيم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تعجل فَإِن أَبَا بكر أعلم قُرَيْش بأنسابها وَإِن لي فيهم نسبا فأته حَتَّى يخلص لَك نسبي فَأَتَاهُ حسان ابْن ثَابت ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُول الله قد أخْلص لي نسبك وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لأسلنك مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (لقد علم الأقوام أنّ ابْن هاشمٍ ... هُوَ الْغُصْن ذُو الأفنان لَا الْوَاجِد الوغد) (وأنّ سَنَام الْمجد من آل هاشمٍ ... بَنو بنت مَخْزُوم ووالدك العَبْد) (وَمن ولدت أَبنَاء زهرَة مِنْهُم ... كرام وَلم يلْحق عجائزك الْمجد) (وَلست كعبّاسٍ وَلَا كَابْن أُمّه ... وَلَكِن لئيم لَا يَقُول لَهُ زند) (وَمَا لَك فيهم محتد غير ملصق ... فدونك فالصق مثل مَا لصق القرد) (وإنّ امْرأ كَانَت غزيّة أُمه ... وسمراء مغمور إِذا بلغ الْجهد) (وَأَنت زنيمٌ ليط فِي آل هَاشم ... كماليط خلف الرّاكب الْقدح الْفَرد) وَقَالَ حسان عدمت بنيتي تَصْغِير بنت وَرَأَيْت فِي نُسْخَة ثنيتي وَفِي أُخْرَى نشيتي وَكلهَا يَقع بِهِ الْقسم بَينهم وَفِي رِوَايَة عدمنا خَيْلنَا // (من الوافر) // (عدمنا خَيْلنَا إِن لم تَرَوْهَا ... تثير النّقع مطْلعهَا كداء) (يبارين الأعنّة مسرجاتٍ ... تلطّمهنّ بِالْخمرِ النّساء) (فإمّا تعرضوا عنّا اعتمرنا ... وَكَانَ الْفَتْح وانكشف الغطاء) (وإلاّ فَاصْبِرُوا لجلاد يومٍ ... يعزّ الله فِيهِ من يَشَاء) (وَقَالَ الله قد أرْسلت عبدا ... يَقُول الحقّ لَيْسَ بِهِ خَفَاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 (وَقَالَ الله قد سيّرت جنداً ... هم الْأَنْصَار عُرْضَتُهَا اللقَاءُ) (لَنَا فِي كُل يَوْمٍ مِنْ معدٍّ ... سبابٌ أَو قتالٌ أَو هجاء) (وجبريلٌ رَسُول الله فِينَا ... وروح الله لَيْسَ لَهُ كفاء) وَصرح بخطاب أبي سُفْيَان خَاصَّة فَقَالَ (هجوت محمّداً فأجبت عَنهُ ... وَعند الله فِي ذَاك الْجَزَاء) (هجوت مُبَارَكًا برّاً حَنِيفا ... رَسُول الله شيمته الْوَفَاء) (أتهجوه وَلست لَهُ بكفءٍ ... فشركما لخيركما الْفِدَاء) (فَمن يهجو رَسُول الله مِنْكُم ... ويمدحه وينصره سَوَاء) (فإنّ أَبى ووالده وعرضي ... لعرض محمّدٍ مِنْكُم وقاء) (لساني صارمٌ لَا فلّ فِيهِ ... وبحري لَا تكدّره الدّلاء) فَقَالَ رَسُول الله يَا حسان إِن روح الْقُدس لَا يزَال يؤيدك مَا نافحت عَن الله وَرَسُوله قَالَ عَائِشَة سَمِعت رَسُول الله يَقُول هجاهم حسان فشفى وأشفى وَقد قَالَ حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ غير هَذِه الأبيات الهمزية قبل فتح مَكَّة وَفِي مغازي ابْن عقبَة أَن رَسُول الله أَمر خَالِدا أَن يدْخل من أَسْفَل مَكَّة وَنَهَاهُ عَن الْقِتَال فَلَمَّا دخل من أَسْفَلهَا قَاتل فَقَالَ لَهُ النَّبِي لم قَاتَلت وَقد نهيتك عَن الْقِتَال قَالَ خَالِد هم بدءونا بِالْقِتَالِ وَوَضَعُوا فِينَا السِّلَاح واشعرونا بِالنَّبلِ وَقد كَفَفْت يَدي مَا اسْتَطَعْت فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا قضى الله خير وَيُقَال قَالَ أَبُو بكر يَوْمئِذٍ يَا رَسُول الله إِنِّي أرنى فِي الْمَنَام وأراك دنونا من مَكَّة فَخرجت إِلَيْنَا كلبة تهر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذهب كلبهم وَأَقْبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 دِرْهَم ثمَّ الْتفت إِلَى أبي بكر مُبْتَسِمًا حِين رأى الْخَيل يلطمن بِالْخمرِ أَي ينفضن الْغُبَار عَن الْخَيل فاستنشده هَذِه الأبيات لحسان فأنشده إِيَّاهَا أَقُول تحْتَاج هَذِه السَّبْعَة الأبيات الدالية إِلَى تَفْسِير مبناها وتفصيل مَعْنَاهَا أما قَوْله بَنو بنت مَخْزُوم فَأَرَادَ بهم عبد الله بن عبد الْمطلب وَالِد النَّبِي وَالزُّبَيْر بن عبد الْمطلب وَأَبا طَالب بن عبد الْمطلب والبيضاء بنت عبد الْمطلب وَمرَّة وعاتكة وأروى وَأُمَيْمَة فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الذُّكُور وَالْخمس الْإِنَاث أشقاء أمّهم جَمِيعًا فَاطِمَة بنت عَمْرو بن عَائِذ بن مَخْزُوم وَهِي المرادة بقوله بَنو بنت مَخْزُوم وَأما قَوْله وَمن ولدت أَبنَاء زهرَة مِنْهُم فيريد بذلك حَمْزَة والمقوم وحجل وَصفِيَّة فهم أشقاء أَيْضا أمّهم هَالة بنت وهيب بن عبد منَاف بن زهرَة وَأما قَوْله وَلست كعباس وَلَا كَابْن أمه يَعْنِي أَخَاهُ ضِرَارًا وهما شقيقان أَيْضا أمهما نثلة بنت جناب بن كلب بن النمر بن قاسط وَأما الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَهُوَ مُفْرد وَأمه سمراء بنت جُنْدُب بن هجير بن عَامر بن صعصعة وَابْنه أَبُو سُفْيَان هَذَا الْمَقْصُود بالهجاء كَذَلِك مُفْرد لَا شَقِيق لَهُ وَأمه غزيَّة بنت قُرَيْش بن طريف من ولد فهر بن مَالك وَقيل لَهُ شَقِيق يُسمى قثم بن الْحَارِث مَاتَ صَغِيرا وَالْمعْنَى أَن حسانا جعل تفرد أبي سُفْيَان من غزيَّة أمه تفرد أَبِيه من سمراء أمه غمزاً فِي نسبه مضمراً ثمَّ أفْصح بِإِخْرَاجِهِ أَصَالَة من النّسَب فِي قَوْله فِي الْبَيْت الْأَخير وَأَنت زنيم إِلَى آخِره كَمَا أفحش فِي قَوْله فِي الْبَيْت الثَّانِي ووالدك العَبْد لَعَلَّه أَرَادَ معنى الْعُبُودِيَّة لله وروى عَنهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِيهِ هجاؤه وعَلى الْجُمْلَة فَللَّه در حسان فِيمَا أَتَى بِهِ فِي هجاء هَذَا السَّيِّد الْكَرِيم ذِي النّسَب الصَّرِيح اللّبَاب الصميم إِذْ هُوَ من أكبر أَوْلَاد عبد الْمطلب وَمن بِهِ كَانَ يكنى فَيُقَال يَا أَبَا الْحَارِث كَمَا تقدم ذكر ذَلِك لَكِن يسْتَحق الْعَزِيز المذلة بتطاوله على الْأَعَز وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَلكنه لله الْحَمد أسلم فَإِنَّهُ لما كَانَ عَام الْفَتْح ألْقى الله فِي قلبه الْإِسْلَام فَخرج متنكراً فتصدى لرَسُول الله فَأَعْرض عَنهُ فتحول إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 الْجَانِب الآخر فَأَعْرض عَنهُ قَالَ أَبُو سُفْيَان فَقلت أَنا مقتول قبل أَن أصل إِلَيْهِ وَذَلِكَ بطرِيق الْأَبْوَاء مقبل النَّبِي إِلَى فتح مَكَّة فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَيُقَال أَنه مَا رفع راسه إِلَى النَّبِي حَيَاء مِنْهُ وَأسلم مَعَه ابْنه جَعْفَر فَأَسْلمَا قبل دُخُول مَكَّة وَقيل بل لقِيه هُوَ وَابْنه بَين السقيا وَالْعَرج فَأَعْرض رَسُول الله عَنْهُمَا فَقَالَت لَهُ أم سَلمَة زوج النَّبِي يَا رَسُول الله لَا يكن ابْن عمك أَشْقَى النَّاس بك وَقَالَ لَهُ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه يَا أَبَا سُفْيَان ائْتِ رَسُول الله من قبل وَجهه فَقل لَهُ مَا قَالَه إخْوَة يُوسُف ليوسف {تَاللهِ لَقَد آثَرَكَ الله علينَا وَإن كُنَا لَخَاطِئين} يُوسُف 91 فَإِنَّهُ لَا يرضى أَن يكون أحد أحسن قولا مِنْهُ فَفعل ذَلِك أَبُو سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} يُوسُف 92 قَالَ أَبُو سُفْيَان وسرت مَعَه حَتَّى شهِدت فتح مَكَّة وحنيناً فَلَمَّا لَقينَا الْعَدو بحنين اقتحمت فرسي وَبِيَدِي السَّيْف صَلتا وَالله يعلم أَنِّي أُرِيد الْمَوْت دونه وَهُوَ ينظر إِلَيّ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله أَخُوك وَابْن عمك أَبُو سُفْيَان فارض عَنهُ فَقَالَ قد فعلت فغفر الله كل عَدَاوَة عادانيها ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ أخي لعمري فَقبلت رجله فِي الركاب وَكَانَ أَبُو سُفْيَان مِمَّن ثَبت مَعَ رَسُول الله وَلم يفر وَلم تفارق يَده لجام بغلة رَسُول الله وَكَانَ الَّذين يشبهون رَسُول الله سَبْعَة جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَالْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَعبد الله بن عَامر ابْن عمته الْبَيْضَاء المكناة أم حليمة وَعبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث هَذَا رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يحب أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث وَشهد لَهُ بِالْجنَّةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث من شُبَّان الْجنَّة وَقَالَ أَبُو سُفْيَان خير أَهلِي أَو من خير أَهلِي وَلما حضرت أَبَا سُفْيَان الْوَفَاة قَالَ لأَهله لَا تبكوا عَليّ فَإِنِّي لم ألمم بخطيئة مُنْذُ أسلمت وَمَات رَضِي الله عَنهُ بِالْمَدِينَةِ بعد اسْتِخْلَاف عمر سنة عشْرين من الْهِجْرَة وَصلى عَلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ وَدفن قيل بِالبَقِيعِ وَقيل بدار عقيل بن أبي طَالب وحفر قبر نَفسه قبل أَن يَمُوت بِثَلَاثَة أَيَّام فَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد جَعْفَر الَّذِي أسلم مَعَه وَشهد حنيناً مَعَ النَّبِي وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وَعبد الله رأى النَّبِي وروى عَنهُ وَأَبُو الْهياج قيل اسْمه عبد الله أَو عَليّ فهم ثَلَاثَة وَابْنَة رَابِعَة وَاسْمهَا عَاتِكَة تزَوجهَا معتب بن أبي لَهب وَولدت لَهُ وَأما نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَهُوَ الثَّانِي من أَوْلَاد الْحَارِث ذكرا وَكَانَ أسن من إخْوَته وَمن جَمِيع من أسلم من بني هَاشم فَأسر يَوْم بدر فَفَدَاهُ الْعَبَّاس أَو هُوَ فدى نَفسه وَذَلِكَ أَنه لما أسر قَالَ رَسُول الله افْدِ نَفسك برماحك الَّتِي بجدة قَالَ وَالله مَا علم أحد اني لي بجدة رماحاً بعد الله أشهد أَنَّك رَسُول الله وفدى نَفسه بهَا وَكَانَت ألف رمح ثمَّ شهد مَعَ رَسُول الله فتح مَكَّة وحنيناً والطائف وَكَانَ مِمَّن ثَبت مَعَ رَسُول الله يَوْم حنين فَقَالَ رَسُول الله كَأَنِّي أرى رماحك تقصف أصلاب الْمُشْركين وآخى رَسُول الله بَينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وَبَين الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّة متفاوضين فِي المَال متحابين توفّي بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة عمر وَصلى عَلَيْهِ وشيعه بِالبَقِيعِ ووقف على قَبره حِين دفن وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد الْحَارِث وَعبد الله وَعبيد الله والمغيرة وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن وَرَبِيعَة فهم سَبْعَة فَأَما الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ببة لِأَن أمه هِنْد ابْنة سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة كَانَت ترقصه وَهُوَ طِفْل فَتَقول // (من الرجز) // (لأنكحن ببّة ... جَارِيَة خدبّه) (مكرمَة محبّه ... تحبّ أهل الكعبه) والخدبة الْعَظِيمَة السمينة والخدب الْعَظِيم السمين الجافي وَكَانَ الْحَارِث هَذَا قد اصلح عَلَيْهِ أهل الْبَصْرَة حِين توفى يزِيد بن مُعَاوِيَة وَخرج ابْن الْأَشْعَث فَلَمَّا هزم هرب إِلَى همذان فَمَاتَ بهَا وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَ الْحَارِث بن نَوْفَل على عَهده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ولد لَهُ عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فاتى بِهِ رَسُول الله فحنكه ودعا لَهُ وَكَانَت تَحت الْحَارِث هَذِه درة بنت أبي لَهب بن عبد الْمطلب وَاسْتَعْملهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على بعض اعمال بِمَكَّة وَاسْتَعْملهُ أَبُو بكر أَيْضا وَقيل إِنَّه مَاتَ بِالْبَصْرَةِ بعد أَن اختطها دَارا فِي ولَايَة عبد الله بن عَامر بن كريز فَمَاتَ بهَا آخر خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا وَأما الْمُغيرَة بن نَوْفَل بن الْحَارِث فيكنى أَبَا يحيى بِابْن لَهُ من أُمَامَة بنت الرّبيع الَّتِي أمهَا زَيْنَب بنت رَسُول الله كَانَ الْمُغيرَة تزَوجهَا بعد عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه شهد صفّين مَعَ عَليّ وولاه الْقَضَاء عُثْمَان بن عَفَّان ولد الْمُغيرَة الْمَذْكُور بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة وَقيل بعْدهَا وَلم يدْرك من حَيَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام غير سِتّ سِنِين وَهُوَ الَّذِي تلقى عبد الرَّحْمَن بن ملجم لَعنه الله حِين ضرب علينا فَلَمَّا علم النَّاس بِهِ حمل عَلَيْهِم بِسَيْفِهِ فأفرجوا لَهُ فَتَلقاهُ الْمُغيرَة هَذَا بقطيفة فَرَمَاهَا عَلَيْهِ واحتمله وَضرب بِهِ الأَرْض وَقعد على صَدره وانتزع السَّيْف من يَده وَكَانَ أسداً وافرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وَأما عبد الله بن نَوْفَل فَكَانَ جميلاً يشبه رَسُول الله ولي الْقَضَاء بِالْمَدِينَةِ لمعاوية وَهُوَ أول قاضٍ لَهَا بهَا وَأما عبيد الله بن نَوْفَل وَسَعِيد بن نَوْفَل فقد روى عَنْهُمَا الْعلم وَأما عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل وَرَبِيعَة بن نَوْفَل فَذكر الدارقطين أَن لَا لقيا لَهما وَلَا رِوَايَة وَأما ربيعَة بن الْحَارِث وَهُوَ الثَّالِث من أَوْلَاد الْحَارِث بن عبد الْمطلب ذكرا ويكنى أَبَا أروى فَكَانَت لَهُ صُحْبَة وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم فتح مَكَّة أَلا إِن كل مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة فَهِيَ تَحت قدمي هَاتين وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة وَإِن أول دم أَنا وَاضعه دم آدم بن ربيعَة بن الْحَارِث وَذَلِكَ أَنه كَانَ قتل لِرَبِيعَة بن الْحَارِث الْمَذْكُور ابْن سمي آدم وَقيل تَمام وأبطل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطّلب بِهِ فِي الْإِسْلَام وَلم يَجْعَل لِرَبِيعَة فِي ذَلِك تبعة وأطعمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطّلب بِهِ فِي الْإِسْلَام وَلم يَجْعَل لِرَبِيعَة فِي ذَلِك تبعة وأطعمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطّلب بِهِ فِي الْإِسْلَام وَلم يَجْعَل لِرَبِيعَة فِي ذَلِك تبعة وأطعمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مائَة وسق من خَيْبَر كل عَام وَكَانَ أسن من الْعَبَّاس بِنَحْوِ سنة وَكَانَ شريك عُثْمَان فِي التِّجَارَة توفّي فِي آخر خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَله من الْوَلَد الْعَبَّاس بن ربيعَة وَعبد الْمطلب بن ربيعَة وَعبد الله بن ربيعَة وَشهد الْعَبَّاس وَعبد الله صفّين مَعَ عَليّ وللعباس وَاقعَة غَرِيبَة سأذكرها فِي وقْعَة صفّين إِن شَاءَ الله تَعَالَى والْحَارث بن ربيعَة وَأُميَّة بن ربيعَة وَعبد شمس بن ربيعَة ذكر هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الدَّارَقُطْنِيّ وآدَم بن ربيعَة وَكَانَ هَذَا ذَا قدر عَظِيم أقطعه عُثْمَان دَارا بِالْبَصْرَةِ وَأَعْطَاهُ مائَة ألف دِرْهَم وَله أَوْلَاد من أم فراس بنت حسان بن ثَابت وَكَذَلِكَ عدَّة بَنَات لم تذكر أسماؤهن مِنْهُنَّ أروى بنت ربيعَة وَهِنْد تزَوجهَا حَيَّان بن منقذ الْأنْصَارِيّ النجاري فَولدت لَهُ يحيى بن حَيَّان قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ وَلم أظفر بأسمائهن وَلَا بعددهن وَإِنَّمَا ذكر لَهُنَّ على سَبِيل الْإِجْمَال وَأما الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَهُوَ الرَّابِع من أَوْلَاد الْحَارِث السِّتَّة فَلهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 صُحْبَة قيل إِن الْمُغيرَة اسْم لأبي سُفْيَان فَهُوَ عينه وَالصَّحِيح أَنه أَخُوهُ فَهُوَ غَيره وَأما عبد شمس بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَهُوَ الْخَامِس من أَوْلَاد الْحَارِث بن عبد الْمطلب سَمَّاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عبد الله وَمَات بالصفراء فِي حَيَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَكَفنهُ فِي قَمِيصه وَقَالَ سعيد أَدْرَكته السَّعَادَة وَله عقب بِالشَّام يُقَال لَهُم المنازرة لقلتهم لَا يكادون يزِيدُونَ على ثَلَاثَة أشخاص وَفِي مُعْجم الْبَغَوِيّ لَا عقب لَهُ وَأما أَبُو لَهب بن عبد الْمطلب واسْمه عبد الْعُزَّى فقد كناه أَبوهُ بذلك لحسنه وإشراق وَجهه وَله من الْأَوْلَاد ثَلَاثَة ذُكُور وأنثيان عتبَة وعتيبة ومعتب ودرة وسبيعة إِن كَانَت غير درة وَإِلَّا فالأربعة أسلم الأول وَالثَّالِث من الذُّكُور وهما من أم جميل حمالَة الْحَطب ابْنة حَرْب بن أُميَّة أُخْت أبي سُفْيَان بن حَرْب أسلما يَوْم الْفَتْح وَكَانَا قد هربا من النَّبِي وَلما قدم مَكَّة عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ يَا عَبَّاس أَيْن ابْنا أَخِيك عتبَة ومعتب لَا أراهما قَالَ الْعَبَّاس فَقلت يَا رَسُول الله تنحيا فِيمَن تنحى من مشيخة قُرَيْش فَقَالَ اذْهَبْ إِلَيْهِمَا فائتني بهما قَالَ الْعَبَّاس فركبت إِلَيْهِمَا بِعَرَفَة فَقلت إِن رَسُول الله يدعوكما فركبا معي فَقدما على رَسُول الله فدعاهما إِلَى الْإِسْلَام فَأَسْلمَا وبايعهما وسر بإسلامهما وشهدا مَعَه حنيناً والطائف وفقئت عين معتب بحنين وَكَانَ فِيمَن ثَبت وَلم ينهزم وَلم يخرجَا بعد من مَكَّة وَلما يأتيا الْمَدِينَة وَلَهُمَا عقب وروى الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن مرّة عَن سعيد بن جبر عَن ابْن عَبَّاس لم نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} الشُّعَرَاء 214 خرج رَسُول الله حَتَّى صعد الصَّفَا فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاه قَالُوا من هَذَا الَّذِي يَهْتِف قيل مُحَمَّد فاجتموا إِلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتُم لَو أَخْبَرتكُم أَن خيلاً تخرج من خلف هَذَا الْجَبَل أَكُنْتُم مصدقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 قَالُوا نعم مَا جربنَا عَلَيْك كذبا قَالَ فَإِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد فَقَالَ أَبُو لَهب تَبًّا لَك أَلِهَذَا جمعتنَا فَنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} المسد 1 كَذَا فِي صَحِيح مُسلم وروى ابْن عُيَيْنَة عَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا لما نزلت سُورَة تبت أَقبلت أم جميل بنت حَرْب زَوْجَة أبي لَهب وَلها ولولة وبيدها فهر وَهِي تَقول // (من الرجز) // (مذمما قلينا ... ودينة ابينا ... أمره عصينا) وَالنَّبِيّ بِالْمَسْجِدِ وَأَبُو بكر مَعَه فَقَالَ يَا رَسُول الله قد أَقبلت هَذِه وَإِنَّهَا امْرَأَة بذيئة فَلَو قُمْت فَقَالَ النَّبِي إِنَّهَا لن تراني فَجَاءَت فَلم تره فَقَالَت يَا أَبَا بكر أَيْن صَاحبك فقد أخْبرت أَنه قد هجاني فو الله لَو وجدته لضَرَبْت بِهَذَا الفهر فَاه وَالله اني لشاعرة فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَا وَرب الْبَيْت مَا هجاك وَإنَّهُ لَا يَقُول الشّعْر فَقَالَت أَنْت عِنْدِي مُصدق فَانْصَرَفت وَهِي تَقول لقد علمت قُرَيْش أَنِّي ابْنة سَيِّدهَا فَقَالَ أَبُو بكر للنَّبِي إِنَّهَا لم ترك يَا رَسُول الله فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يزل عِنْدِي ملك يسترني مِنْهَا بجناحيه قَالَ أَبُو زناد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ انظرونا قُريْشًا كَيفَ يصرف الله عني شتمهم ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وَأَنا مُحَمَّد النَّبِي كَذَا فِي التلقيح للعلامة ابْن الْجَوْزِيّ رَحمَه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وَلما نزلت سُورَة تبت قَالَ أَبُو لَهب لِوَلَدَيْهِ عتبَة وعتيبة رَأْسِي من رأسكما حرَام إِن لم تفارقنا ابْنَتي مُحَمَّد وكانتا تحتهما رقية تَحت عتبَة وَأم كُلْثُوم تَحت عتيبة ففارقاهما وَلم يَكُونَا دخلا بهما فصانهما الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلما فارقاهما جَاءَ عتيبة إِلَى النَّبِي فَقَالَ كفرت بِدينِك وَفَارَقت ابْنَتك لَا تحبني وَلَا أحبك ثمَّ سَطَا عَلَيْهِ وشق قَمِيصه وَهُوَ خَارج نَحْو الشَّام تَاجِرًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك وَأَبُو طَالب حَاضر فَوَجَمَ لَهَا فَقَالَ لَهُ مَا كَانَ أَغْنَاك عَن دَعْوَة ابْن أخي فَخرج فِي تجر من قُرَيْش حَتَّى نزلُوا مَكَانا بِالشَّام يُقَال لَهُ البلقاء لَيْلًا فأطاف بهم الْأسد تِلْكَ اللَّيْلَة فَجعل عتيبة يَقُول يَا ويل أُمِّي هُوَ وَالله آكِلِي كَمَا دَعَا عَليّ مُحَمَّد أقاتلي ابْن أبي كَبْشَة وَهُوَ بِمَكَّة وَأَنا بِالشَّام روى أَنهم جمعُوا مَتَاعهمْ وقصدوه وناموا حوله وَعَلِيهِ فجَاء الْأسد فَجعل يشم وُجُوههم ثمَّ ألْقى ذَنبه فَضَربهُ ضَرْبَة وَاحِدَة فخدشه فَقَالَ قتلتني وَمَات وَفِي رِوَايَة أَن الْأسد أقبل يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخذ بِرَأْس عتيبة ففدغه ذكره الدولابي كَذَا فِي الذَّخَائِر قلت قَول عتيبة أقاتلي ابْن أبي كبيشة يَعْنِي النَّبِي هُوَ كَقَوْل أبي سُفْيَان بن حَرْب وَهُوَ عِنْد ملك الرّوم لما جَاءَهُ كتاب النَّبِي وَسَأَلَ أَبَا سُفْيَان عَن نسب النَّبِي وَغَيره وَرَأى أَبُو سُفْيَان مَا رأى من خوف هِرقل لقد أَمر أَمر ابْن أبي كَبْشَة حِين أصبح يخافه ملك بني الْأَصْفَر وكقول غَيره من كفار قُرَيْش قَالَ ابْن أبي كَبْشَة وَفعل ابْن أبي كَبْشَة وَنسبَة النَّبِي إِلَيْهِ فِيهَا أَقْوَال قيل إِنَّهَا كنية أَبِيه لأمه وهب بن عبد منَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَقيل كنية أَبِيه من الرضَاعَة الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى وَقيل إِن سلمى أم عبد الْمطلب كَانَ أَبوهَا عَمْرو بن لبيد يكنى أَبَا كَبْشَة وَالْأَشْهر من هَذِه الْأَقْوَال كلهَا عِنْد النَّاس أَنهم شبهوه بِرَجُل كَانَ يعبد الشعري وَحده دون الْعَرَب فشبهوه بِخُرُوجِهِ عَن دين قومه كخروج الْمُشبه بِهِ ونسبوه إِلَيْهِ بِسَبَب هَذِه المشابهة وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ اسْم أبي كَبْشَة هَذَا فِي المؤتلف والمختلف فَقَالَ اسْمه وخز بن غَالب وَهُوَ خزاعي انْتهى كَذَا فِي الرَّوْض الْأنف للعلامة السُّهيْلي وَأما درة بنت أبي لَهب فَأسْلمت تزَوجهَا نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة والوليد وَعقبَة وروت عَن أبي هُرَيْرَة أَن أُخْتهَا سبيعة بنت أبي لَهب شكت إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَذَى النَّاس لَهَا بقَوْلهمْ لَهَا بنت حطب النَّار وَقيل إِن سبيعة لقب لدرة فَهِيَ عينهَا لَا غَيرهَا وَزيد عَلَيْهِمَا فروى خالدة وَلَا رِوَايَة لَهما قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ وَأما الزبير بن عبد الْمطلب فَلهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد ذكر وَاحِد وَهُوَ عبد الله وابنتان أم حَكِيم وضباعة أم عبد الله بن الزبير فأمه عَاتِكَة بنت أبي وهب أُخْت هُبَيْرَة بن أبي وهب زوج أم هَانِيء بنت أبي طَالب أدْرك الْإِسْلَام وَثَبت مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم حنين شهد أجنادين فِي خلَافَة أبي بكر وَاسْتشْهدَ بهَا بعد أَن قتل جمَاعَة من الرّوم وجدوا حوله قَتْلَى ثمَّ أثخنته الْجراحَة فَمَاتَ وَذكر الْوَاقِدِيّ فَقَالَ كَانَ أول قَتِيل من الرّوم بطرِيق معلم برز ودعا إِلَى البرَاز فبرز إِلَيْهِ عبد الله بن الزبير بن عبد الْمطلب هَذَا فَقتله عبد الله وَلم يعْتَرض لسلبه ثمَّ برز آخر يَدْعُو إِلَى البرَاز فبرز إِلَيْهِ أَيْضا الله فاقتتلا بالرمحين ثمَّ صَارا إِلَى السيفين فَضَربهُ عبد الله على عَاتِقه وَهُوَ يَقُول خُذْهَا وَأَنا ابْن عبد الْمطلب فَقطع سَيْفه وأسرع فِي مَنْكِبه ثمَّ ولى الرُّومِي مُنْهَزِمًا فعزم عَلَيْهِ عَمْرو بن الْعَاصِ لَا يبارز فَقَالَ عبد الله إِنِّي وَالله مَا أجد أَنِّي أَصْبِر فَلَمَّا التحمت السيوف وَأخذ بَعْضهَا بَعْضًا وجد فِي ربضة من الرّوم عشرَة حوله قَتْلَى وَهُوَ بَينهم قَتِيل وَكَانَت سنه نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة وَلم يعقب وَأما ضباعة بنت الزبير وَهِي الَّتِي أمرهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالاشتراط فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الْحَج يَعْنِي اشْتِرَاط التَّحَلُّل بِوُقُوع الْمَرَض فَكَانَت تَحت الْمِقْدَاد بن الْأسود الْكِنْدِيّ وَأما أم حَكِيم فَكَانَت تَحت ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب قَالَه ابْن قُتَيْبَة وَأما الغيداق والمقوم وحجل وَضِرَار والعوام وَقثم على الْعدة المصدرة الَّتِي عدهَا ابْن الْجَوْزِيّ فَلم يذكر الْقُسْطَلَانِيّ وَابْن هِشَام لَهُم عقباً وَالْحَاصِل أَن جملَة بني اعمامه خَمْسَة وَعِشْرُونَ اثْنَان مِنْهُم لم يسلما طَالب بن أبي طَالب وعتيبة بن أبي لَهب أكيل السَّبع وَالْبَاقُونَ أَسْلمُوا وَلَهُم صُحْبَة وَأما أَوْلَاد أبي طَالب فعقيل وجعفر وَعلي وَأما بَنو الْعَبَّاس فعشرة الْفضل وَعبد الله وَعبيد الله وَعبد الرَّحِيم وَقثم ومعبد وَكثير والْحَارث وَعون وَتَمام وَأما بَنو الْحَارِث بن عبد الْمطلب فخمسة أَبُو سفاين وَنَوْفَل وَرَبِيعَة والمغيرة وَعبد شمس كَذَا عدهم صَاحب تَارِيخ الْخَمِيس قلت وَلَيْسَ مِنْهُم عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب كَمَا توهم بَعضهم فعدهم بِهِ سِتَّة إِذْ الْكَلَام فِي بني الْحَارِث بن عبد الْمطلب لَا فِي أَبنَاء الْمطلب فَهُوَ ابْن ابْن عَم أَبِيهِم لَا اخوهم وَعبارَته فِي تَرْجَمَة عبيد بن الْحَارِث هِيَ عُبَيْدَة بن الْحَارِث ابْن الْمطلب كَانَ اسن من رَسُول الله بِعشر سِنِين وَأسلم قبل دُخُوله دَار الأرقم ثمَّ شهد بَدْرًا وجرح بهَا وتأخرت وَفَاته حَتَّى وصل وَادي الصَّفْرَاء فَدفن بهَا وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة انْتهى قلت وَهُوَ المبارز لعتبة بن ربيعَة يَوْم بدر فَإِنَّهُ صرع عتبَة وَعتبَة ضربه فِي نصف سَاقه فقطعها فَلذَلِك هُوَ الْجرْح الَّذِي مَاتَ بِهِ وَأما بَنو أبي لَهب فَثَلَاثَة عتبَة وعتيبة ومعتب وَأما بَنو حَمْزَة فعمارة ويعلى وَأما بَنو الزبير بن عبد الْمطلب فواحد عبد الله بن الزبير بن عبد الْمطلب فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة وَعِشْرُونَ رجلا وَأَن جملَة بَنَات اعمامه عشر اثْنَتَانِ لأبي طَالب أم هانىء وجمانة وَثَلَاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 للْعَبَّاس أم حَبِيبَة وَصفِيَّة وأمينة وَوَاحِدَة لأبي لَهب اسْمهَا درة وَوَاحِدَة لِحَمْزَة اسْمهَا فَاطِمَة وَأما عماته وأولادهن فعماته سِتّ الْبَيْضَاء وعاتكة وأروى وبرة وَأُمَيْمَة وَصفِيَّة أما الْبَيْضَاء وتكنى أم حَكِيم فَهِيَ توأم عبد الله وَالِد النَّبِي تزَوجهَا كزير بن ربيعَة بن عبد شمس فَولدت لَهُ عَامِرًا وَهَذَا عَامر هُوَ الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الشّعب بِمَكَّة الْمَعْرُوف بشعب عَامر كَذَا رَأَيْته فِي شِفَاء الغرام للعلامة الفاسي وَهُوَ وَالِد عبد الله بن عَامر الَّذِي تفل فِي فَمه النَّبِي هُوَ طِفْل فتسوعها وازدراها فَقَالَ النَّبِي أَنه لمسقى وَهُوَ أحد السَّبْعَة المشهابهين لَهُ فِي الْخلقَة وَقد تقدم ذكرهم وَهُوَ الَّذِي شقّ نهر الْبَصْرَة حِين كَانَ عَاملا عَلَيْهِ لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ولي الْعرَاق وخراسان وَهُوَ ابْن أَربع وَعشْرين سنة وَقَالَ فِيهِ النَّبِي يَا بني عبد شمس هُوَ من صلبكم وَهُوَ بِنَا أشبه مِنْهُ بكم ثمَّ ولدت الْبَيْضَاء الْمَذْكُورَة لكريز بعد عَامر أُخْتا لَهُ اسْمهَا أروى وَهِي أم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فعامر خَال عُثْمَان وَابْنه عبد الله بن عَامر ابْن خَاله وَعُثْمَان ابْن عمَّة عبد الله بن عَامر الْمَذْكُور وَأما عَاتِكَة ابْنة عبد الْمطلب فَتَزَوجهَا أَبُو أُميَّة المَخْزُومِي فأنجب مِنْهَا عبد الله وزهيراً فَأَما عبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي فَأسلم وَكَانَ قبل إِسْلَامه شَدِيد الْعَدَاوَة لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وللمسلمين وَهُوَ الَّذِي قَالَ لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا ثمَّ أَنه خرج مُهَاجرا إِلَى النَّبِي فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيق بَين السقيا وَالْعَرج مرِيدا مَكَّة عَام الْفَتْح فَتَلقاهُ فَأَعْرض عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ تَلقاهُ فَأَعْرض عَنهُ مرّة أُخْرَى حَتَّى دخل على أُخْته لأمه أم سَلمَة وسألها أَن تشفع لَهُ فشفعها فِيهِ رَسُول الله فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَشهد مَعَ رَسُول الله فتح مَكَّة مُسلما وحنيناً والطائف فَرمى يَوْم الطَّائِف بِسَهْم فَقتل فَمَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 شَهِيدا وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ المخنث فِي بَيت أم سَلمَة يَا عبد الله إِذا فتح الله عَلَيْكُم الطَّائِف غَدا فَإِنِّي أدلك على بادية بنت غيلَان فَإِنَّهَا تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان إِن مشت تثنت وَإِن قعدت تبنت وَإِن تحدثت تغنت وَإِن لبين فخذيها لكالعقب المكفى قَالَ فَدخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على أم سَلمَة حِينَئِذٍ فَسَمعهُ يتَكَلَّم بِهَذَا الْكَلَام فَقَالَ اخْرُج فَلَقَد غلغلت النّظر يَا عَدو الله وَفِي رِوَايَة من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ يدْخل على ازواج رَسُول الله مخنث قَالَت وَكَانُوا يعدونه من غير أولي الإربة ثمَّ قَالَ لَا يدْخل عَلَيْكُم هَذَا بعد الْيَوْم فحجبوه وَقَوله تقبل بِأَرْبَع إِلَى آخر مَا قَالَ سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْمَقْصد الرَّابِع قبل الخاتمة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فالأليق تَأْخِيره عَن ذكره فِي معرض ذكر أَعْمَامه وعماته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأما زُهَيْر بن أُميَّة فَأسلم وعد من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ أحد القائمين فِي نقض الصَّحِيفَة القاطعة الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَالْإِشَارَة إِلَيْهَا فِي قَول الإِمَام أبي سعيد البوصيري وَزُهَيْر والمطعم بن عدي إِلَى آخِره وَأَبُو أُميَّة هَذَا هُوَ وَالِد أم سَلمَة زوج النَّبِي مشيرة الْحُدَيْبِيَة بِالْحلقِ الَّتِي كَانَت زَوْجَة أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي تزَوجهَا النَّبِي بعد وَفَاته وعاتكة هَذِه هِيَ صَاحِبَة الرُّؤْيَا فِي قصَّة بدة قَالَ ابْن هِشَام لما سمع رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 الله بِأبي سُفْيَان مُقبلا من الشَّام بتجارات لقريش قَالَ هَذِه عير قُرَيْش فِيهَا تِجَارَتهمْ وَأَمْوَالهمْ فاخرجوا إِلَيْهَا لَعَلَّ الله أَن ينفلكموها فَانْتدبَ النَّاس فخف بَعضهم وَثقل بَعضهم وَذَلِكَ أَنهم لم يَظُنُّوا إِن رَسُول الله يقلى حَربًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَان فِي العير وَكَانَ حِين دنا من الْحجاز يتحسس الْأَخْبَار وَيسْأل من لَقِي من الركْبَان وَالرجلَانِ عَن أَمر النَّاس حَتَّى أصَاب خَبرا من بعض الركْبَان أَن مُحَمَّدًا قد استفز أَصْحَابه لَك ولعيرك فحذر عِنْد ذَلِك واستأجر ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فَبَعثه إِلَى مَكَّة وَأمره أَن يَأْتِي قُريْشًا ويستنفرهم إِلَى أَمْوَالهم ويخبرهم أَن مُحَمَّدًا قد عرض لَهَا فِي أَصْحَابه فَخرج ضَمْضَم بن عَمْرو سَرِيعا إِلَى مَكَّة قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني من لَا أتهم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَيزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَا وَقد رَأَتْ عَاتِكَة ابْنة عبد الْمطلب قبل قدوم ضَمْضَم بِثَلَاث رُؤْيا أفزعتها فَبعثت إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَقَالَت لَهُ وَالله يَا أخي لقد رَأَيْت اللَّيْلَة رُؤْيا أفظعتني وتخوفت أَن يدْخل على قَوْمك مِنْهَا شَرّ ومصيبة فاكتم عني مَا أحَدثك فَقَالَ لَهَا مَا رَأَيْت قَالَت رَأَيْت اللَّيْلَة رابكا أقبل على بعير لَهُ حَتَّى وقف بِالْأَبْطح ثمَّ صرخَ بِأَعْلَى صَوته أَلا انفروا يَا آل غدر لمصارعكم فِي ثَلَاث فَأرى النَّاس اجْتَمعُوا إِلَيْهِ ثمَّ دخل الْمَسْجِد وَالنَّاس يتبعونه فَبَيْنَمَا هم حوله مثل بِهِ بعيره على ظهر الْكَعْبَة ثمَّ صرخَ بِمِثْلِهَا أَلا انفروا يَا آل غدر لمصارعكم فِي ثَلَاث ثمَّ مثل بِهِ بعيره على رَأس أبي قبيس فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا ثمَّ أَخذ صَخْرَة فأرسلها فَأَقْبَلت تهوي حَتَّى إِذا كَانَت بِأَسْفَل الْجَبَل ارفضت فَمَا بَقِي بَيت من بيُوت مَكَّة وَلَا دَار مِنْهَا إِلَّا دَخلهَا فلقَة من تِلْكَ الصَّخْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 قَالَ الْعَبَّاس وَالله إِنَّهَا لرؤيا وَأَنت فاكتميها وَلَا تذكريها لأحد ثمَّ خرج الْعَبَّاس فلقي الْوَلِيد بن عتبَة بن ربيعَة وَكَانَ لَهُ صديقا فَذكرهَا لَهُ واستكتمه إِيَّاهَا فَذكرهَا الْوَلِيد لِابْنِهِ عتبَة فَفَشَا الحَدِيث حَتَّى تحدثت بِهِ قِرْش فِي أنديتها قَالَ الْعَبَّاس فَغَدَوْت لأَطُوف بِالْبَيْتِ وَأَبُو جهل بن هِشَام فِي رَهْط من قُرَيْش يتحدثون برؤيا عَاتِكَة فَلَمَّا رَآنِي أَبُو جهل قَالَ يَا أَبَا الْفضل إِذا فرغت من طوافك فَأقبل إِلَيْنَا فَلَمَّا فرغت أَقبلت حَتَّى جَلَست مَعَهم فَقَالَ لي أَبُو جهل يَا بني عبد الْمطلب مَتى حدثت فِيكُم هَذِه النبية قلت وَمَا ذَاك قَالَ تِلْكَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَتْ عَاتِكَة فَقلت وَمَا رَأَتْ فَقَالَ أَبُو جهل يَا بني عبد الْمطلب أما رَضِيتُمْ إِن تتبنأ رجالكم حَتَّى تنبأت نِسَاؤُكُمْ قد زعمت عَاتِكَة فِي رؤياها أَنه قَالَ انفروا فِي ثَلَاث فسنتربص بكم هَذِه الثَّلَاث فَإِن يَك حَقًا مَا تَقول فسيكون وَإِن تمض الثَّلَاث وَلم يكن من ذَلِك شَيْء نكتب عَلَيْكُم كتابا أَنكُمْ أكذب أهل بَيت فِي الْعَرَب قَالَ الْعَبَّاس فوَاللَّه مَا كَانَ مني إِلَيْهِ كَبِير إِلَّا أَنِّي جحدت ذَلِك وَأنْكرت أَن تكون رَأَتْ شَيْئا قَالَ ثمَّ تفرقنا فَلَمَّا أمسيت لم تبْق امْرَأَة من بني عبد الْمطلب إِلَّا أَتَتْنِي فَقَالَت أقررتم لهَذَا الْفَاسِق الْخَبيث أَن يَقع فِي رجالكم ثمَّ قد تنَاول النِّسَاء وَأَنت تسمع ثمَّ لم يكن عنْدك غيرَة لشَيْء قَالَ قلت قد وَالله فعلت مَا كَانَ مني إِلَيْهِ كَبِير أَمر وَايْم الله لأتعرضن لَهُ فَإِن عَاد لأكفيكنه قَالَ فَغَدَوْت فِي الْيَوْم الثَّالِث من رُؤْيا عَاتِكَة وَأَنا حَدِيد مغضب أرى أَن قد فَاتَنِي مِنْهُ أَمر أحب أَن أدْركهُ مِنْهُ قَالَ فَدخلت الْمَسْجِد فرأيته فو الله إِنِّي لأمشي نَحوه أتعرضه ليعود لبَعض مَا قَالَ فأقع بِهِ وَكَانَ رجلا خَفِيفا حَدِيد الْوَجْه حَدِيد اللِّسَان حَدِيد النّظر قَالَ إِذْ خرج نَحْو بَاب الْمَسْجِد يشْتَد قَالَ قلت فِي نَفسِي مَاله لعنة الله عَلَيْهِ أكل هَذَا فرقا من أَن أشاتمه قَالَ فَإِذا هُوَ قد سمع مَا لم أسمع صَوت ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وَهُوَ يصْرخ بِبَطن الْوَادي وَاقِفًا على بعيره قد جدع بعيره وَحَوله رَحْله وشق قَمِيصه وَهُوَ يَقُول يَا معشر قُرَيْش اللطيمة اللطيمة أَمْوَالكُم مَعَ أبي سُفْيَان قد عرض لَهَا مُحَمَّد فِي أَصْحَابه لَا أَدْرِي أَن تدركوها الْغَوْث الْغَوْث قَالَ فَشَغلهُ عني وشغلني عَنهُ مَا جَاءَ من الْأَمر فتجهز النَّاس سرَاعًا فَخَرجُوا إِلَى بدر وَكَانَت القتلة فِي أَشْرَافهم ورءوسهم وصناديدهم وأعز الله الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وَأَهله فَهَذِهِ رُؤْيا عَاتِكَة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله وَهِي صَاحِبَة الرُّؤْيَا فِي قصَّة بدر وَأما أروى ابْنة عبد الْمطلب فَكَانَت تَحت عُمَيْر بن وهب بن عبد بن قصي بن كلاب أسلم رَضِي الله عَنهُ ولإسلامه قصَّة هِيَ أَنه لما كَانَت وقْعَة بدر وَقتل من قتل من أَشْرَافهم وصناديدهم منعت قُرَيْش النِّيَاحَة على من قتل إِظْهَارًا للْجدّ والثبات فَاجْتمع صَفْوَان بن أُميَّة وَعُمَيْر ابْن وهب وَكَانَ هَذَا عُمَيْر فِي الْجَاهِلِيَّة شَيْطَانا من الشَّيَاطِين وَهُوَ الَّذِي حرز لقريش النَّبِي وَأَصْحَابه يَوْم بدر فَضرب بفرسه بطن الْوَادي ثمَّ قَالَ الْقَوْم ثَلَاثمِائَة يزِيدُونَ قَلِيلا أَو ينقصُونَ وهم كَذَلِك كَانُوا فِي الْحَقِيقَة ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا ثمَّ رَجَعَ واستبطن الْوَادي وَقَالَ توهمت أَن للْقَوْم كميناً فَلم أجد وَلَكِنِّي يَا معشر قُرَيْش رَأَيْت المنايا على البلايا نواضح يثرب تحمل السم الناقع لَا ملْجأ لَهُم وَلَا مَنْعَة إِلَّا سيوفهم وَالله لَئِن أَصَابُوا منا كَمَا نصيب مِنْهُم لبطن الأَرْض خير من ظهرهَا فَاجْتمع هُوَ وَصَفوَان بعد وقْعَة بدر فَقَالَ عُمَيْر لَوْلَا أَن لي صبية وَأهلا لذهبت حَتَّى أغتال مُحَمَّدًا أصل إِلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ فِي طلب ابْني وَكَانَ لَهُ ابْن أسر يَوْم بدر فضمن لَهُ صَفْوَان كِفَايَة أَوْلَاده وَأَهله وَأَن يجعلهم أُسْوَة أَهله وَيقوم عَلَيْهِم بِمَا يَحْتَاجُونَ فاتفقا على ذَلِك وَأَن يُعْطِيهِ مَا يُعْطِيهِ فَخرج عُمَيْر حَتَّى قدم الْمَدِينَة المشرفة وأناخ بِبَاب الْمَسْجِد فَأقبل عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه فِي صَدره وحمائل سَيْفه وَدخل بِهِ إِلَى النَّبِي فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله مُقبلا كَذَلِك قَالَ أرْسلهُ يَا عمر ادن لي يَا عُمَيْر فَدَنَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا الَّذِي أقدمك قَالَ لهَذَا الْأَسير الَّذِي فِي أَيْدِيكُم فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمَا بَال هَذَا السَّيْف مَعَك فَقَالَ عُمَيْر قبحها الله من سيوف وَهل أغنت عَنَّا يَوْم بدر شَيْئا ثمَّ قَالَ لَهُ إِنَّمَا أتيت من أجل فدَاء ابْني قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ألم تجْلِس أَنْت وَصَفوَان بن أُميَّة بِالْحجرِ فتذاكرتما مصاب قُرَيْش فَقلت مَا قلت وشكوت خوف ضَيْعَة صبيتك وَأهْلك فضمن لَك صَفْوَان الْقيام بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِم والكفاية لَهُم قَالَ من أخْبرك بِهَذَا فَلم يكن أحد مَعنا قَالَ أَخْبرنِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 عز وَجل قَالَ صدق الله وصدقت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَنَّك رَسُول الله هَذَا وَصَفوَان بعد ذهَاب عُمَيْر كَانَ يَقُول سَيَأْتِيكُمْ يَا أهل مَكَّة أَمر يسر كل ذِي حزن فَلَمَّا طَالَتْ الْمدَّة وَجَاء الْخَبَر بِإِسْلَام عُمَيْر غضب صَفْوَان وَمنع النَّفَقَة على أَوْلَاد عُمَيْر وَأَهله فَهَذَا سَبَب إِسْلَامه رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ طليب بن عُمَيْر أسلم طليب وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة وَشهد بَدْرًا وَقتل بأجنادين وَكَانَ سَببا فِي إِسْلَام أمه كَمَا ذكره الْوَاقِدِيّ ثمَّ خلف عَلَيْهِ بعد موت عُمَيْر كلدة بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي أمهَا غزيَّة بنت جندت أم الْحَارِث ابْن عبد الْمطلب فَهِيَ شقيقته وَكَأن حسانا لما جعله فَذا فِي السَّبْعَة الأبيات الْمُقدم ذكرهَا لم يَعْتَبِرهَا شَقِيقَة لَهُ للأنوثة الَّتِي لَيست موضعا للفخر فنبذ ابْنه أَبَا سُفْيَان بِانْفِرَادِهِ من سمراء وبتره بِانْفِرَادِهِ من غزيَّة وَكَيْفِيَّة سببيته فِي إِسْلَام أمه أروى هِيَ أَنه لما أسلم طليب فِي دَار الأرقم ثمَّ خرج دخل على أمه أروى بنت عبد الْمطلب فَقَالَ لَهَا تبِعت مُحَمَّدًا وَأسْلمت لله عز وَجل فَقَالَت إِن أَحَق من واددت وعضدت ابْن خَالك وَالله لَو قَدرنَا على مَا تقدر عَلَيْهِ الرِّجَال لمنعناه وذببناه عَنهُ فَقَالَ لَهَا طليب مَا يمنعك أَن تسلمي وتتبعيه فقد أسلم أَخُوك حَمْزَة قَالَت أنظر مَا يصنع أخواتي ثمَّ أكون إِحْدَاهُنَّ قَالَ فَقلت اني اسألك بِاللَّه لَا أَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ وصدقتيه وَشهِدت أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَأَتَت النَّبِي وَقَالَت إِنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 كَانَت تعضد النَّبِي بلسانها وتحض على نصرته وَالْقِيَام بأَمْره وَقَالَ الزبير بن بكار كَانَ طليب من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَقتل بأجنادين شَهِيدا وَلَا عقب لَهُ وَقيل قتل يَوْم اليرموك وَالله أعلم وَأما برة بنت عبد الْمطلب فَكَانَت عِنْد أبي رهم بن عبد الْعُزَّى العامري فَولدت لَهُ أَبَا سُبْرَة بن أبي رهم ثمَّ خلف عَلَيْهَا عبد الْأسد بن هِلَال المَخْزُومِي فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد الَّذِي كَانَ زوج أم سَلمَة قبل النَّبِي وَاسم أبي سَلمَة عبد الله أسلم وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة الهجرتين وَهُوَ أول من هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ أَيْضا أول من هَاجر إِلَيْهَا وَكَانَت هجرته قبل بيعَة الْعقبَة لما آذته قُرَيْش حِين قدم من الْحَبَشَة وَقد بلغه إِسْلَام من أسلم من الْأَنْصَار فَخرج مُهَاجرا إِلَيْهَا وَشهد بَدْرًا وجرح جرحا اندمل ثمَّ انْتقض عَلَيْهِ فَمَاتَ مِنْهُ وَتزَوج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زَوجته أم سَلمَة بعده قَالَت أم سَلمَة دخل عَليّ أبي سَلمَة وَقد شقّ بَصَره فأغمضه وَقَالَ إِن الرّوح إِذا قبض تبعه الْبَصَر فصاح نَاس من أَهله فَقَالَ لَا تدعوا على أَنفسكُم إِلَّا بِخَير فَإِن الْمَلَائِكَة تؤمن على مَا تَقولُونَ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لأبي سَلمَة وارفع دَرَجَته فِي المقربين اللَّهُمَّ افسح لَهُ فِي قَبره ونوره لَهُ أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم ثمَّ قَالَ لَهَا قولي اللَّهُمَّ إِنِّي أحتسب عنْدك مصيبتي واخلف عَليّ خيرا مِنْهُ فَقَالَت وَهل خير من أبي سَلمَة فأخلف الله عَليّ مِنْهُ النَّبِي فَكَانَ هُوَ خيرا أَو كَمَا قَالَ وَأما أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب فَكَانَت تَحت جحش بن رِئَاب فَولدت لَهُ عبد الله وَعبيد الله والبصير الملقب أَبَا أَحْمد وَزَيْنَب وَأم حَبِيبَة وَحمْنَة أما عبد الله بن جحش فَهُوَ ابْن أُخْت حَمْزَة مثل بِهِ كَمَا مثل بِحَمْزَة وَعبد الله هَذَا يعرف بالمجدع فِي الله جدع أَنفه وأذناه يَوْمئِذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وَكَانَ سعد بن أبي وَقاص يحدث أَنه لقِيه يَوْم أحد أول النَّهَار فَخَلا بِهِ وَقَالَ لَهُ عبد الله ياسعد هَلُمَّ فلندع الله وليذكر كل منا حَاجته وليؤمن الآخر قَالَ سعد فدعوت الله أَن ألْقى فَارِسًا شَدِيدا جريئاً من الْمُشْركين فَأَقْتُلهُ فَأخذ سلبه فَقَالَ عب الله آمين ثمَّ اسْتقْبل عبد الله الْقبْلَة وَقَالَ اللَّهُمَّ لقني الْيَوْم فَارِسًا شَدِيدا بأسه شَدِيدا جرده فَيَقْتُلنِي ويجدع أنفي وأذني فَإِذا لقيتك غَدا تَقول لي يَا عبد الله فيمَ جدع أَنْفك فَأَقُول فِيك يَا رب وَفِي رَسُولك فَتَقول لي صدقت قل يَا سعد آمين فقلتها ثمَّ مَرَرْت بِهِ آخر النَّهَار قَتِيلا مجدع الْأنف والأذنين وَإِن أَنفه وَأُذُنَيْهِ معلقتان فِي خيط وَلَقِيت أَنا فلَانا من الْمُشْركين فَقتلته وَأخذت سلبه وَذكر الزبير بن بكار أَن سيف عبد الله بن جحش انْقَطع يَوْم أحد فَأعْطَاهُ رَسُول الله عرجوناً فَعَاد فِي يَده سَيْفا صقيلاً فقاتل بِهِ وَكَانَ ذَلِك السَّيْف يُسمى العرجون وَلم يزل حَتَّى بيع من بغا التركي بِمِائَة دِينَار وَالَّذِي قتل عبد الله بن جحش هُوَ الْأَخْنَس بن شريق وَكَانَ عبد الله حِين قتل ابْن بضع وَأَرْبَعين سنة وَدفن مَعَ حَمْزَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَأما عبيد الله بن جحش فَأسلم وَهَاجَر بِزَوْجَتِهِ رَملَة بنت أبي سُفْيَان إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة ثمَّ تنصر وارتد عَن الْإِسْلَام وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَمَات هُنَاكَ وَسَيَأْتِي ذكر زَيْنَب فِي زَوْجَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأما حمْنَة فَكَانَت تَحت مُصعب بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار فَلم يُولد لَهُ مِنْهَا ثمَّ تزَوجهَا طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ فَولدت لَهُ مُحَمَّدًا وَعمْرَان وَهِي الَّتِي استحيضت وَسَأَلت النَّبِي وحديثها فِي بَاب الِاسْتِحَاضَة مَشْهُور وَأما أم حَبِيبَة وَيُقَال أم حبيب فَكَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَكَانَت تستحاض أَيْضا وَأهل السّير يَقُولُونَ الْمُسْتَحَاضَة حمْنَة وَالصَّحِيح أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 استحيضت وَقد قيل إِن زَيْنَب أَيْضا كَانَت استحاضت وَأما أَبُو أَحْمد الملقب بالبصير فَكَانَ سلفا لرَسُول الله كَانَت تَحْتَهُ الفارعة بنت أبي سُفْيَان مَاتَ بعد وَفَاة أُخْته زَيْنَب فِي سنة عشْرين وَكَانَ عبد الله بن جحش أول من سنّ الْخمس فِي الْغَنِيمَة للنَّبِي قبل أَن يفْرض ثمَّ افْترض بعد ذَلِك واستشاره وابا بكر النَّبِي فِي اسارى بدر فَأَشَارَ بِالْفِدَاءِ وَأَشَارَ عمر بِالْقَتْلِ وَكَانَ أول لِوَاء عقد لَهُ وَقيل لِحَمْزَة وَقيل لعبيدة ابْن الْحَارِث وَأما صَفِيَّة ابْنة عبد الْمطلب فأمها هَالة بنت وهب بن عبد منَاف وَشهِدت الخَنْدَق وَقتلت رجلا من الْيَهُود وَضرب لَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسَهْم وروت عَنهُ حَدِيثا رَوَاهُ عَنْهَا الزبير وقتلها لِلْيَهُودِيِّ هُوَ أَنه لما كَانَت فِي النِّسَاء والذراري رَأَتْ يَهُودِيّا يَدُور حول الْحصن يُرِيد اغتيالاً فَقَالَت لحسان بن ثَابت وَكَانَ مَعَ النِّسَاء والذراري فِيهِ أَلا تتسور لَهُ تقتله فَقَالَ مَا لي وَله يَا ابْنة عبد الْمطلب ثمَّ إِنَّهَا احتزمت وَأخذت بِيَدِهَا عموداً فَضربت بِهِ الْيَهُودِيّ فَقتلته ثمَّ قَالَت يَا حسان انْزِلْ إِلَيْهِ فاسلبه فَإِنِّي امْرَأَة وَهُوَ رجل فَقَالَ حسان مَالِي ولسلبه يَا ابْنة عبد الْمطلب قَالَ السُّهيْلي عِنْد ذكر حسان حِين جعل فِي الْآطَام مَعَ النِّسَاء والذراري مَا نَصه قيل إِن حسانا كَانَ جَبَانًا شَدِيد الْجُبْن وَقد دفع هَذَا بعض الْعلمَاء وَقَالَ إِنَّه حَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد وَقَالَ لَو صَحَّ هَذَا لهجي بِهِ حسان فَإِنَّهُ كَانَ يهاجي فحول الشُّعَرَاء كضرار وَابْن الزبعري وَغَيرهمَا وَكَانُوا يناقشونه ويردون عَلَيْهِ فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 عيره أحد مِنْهُم بجبن وَلَا وصمه بِهِ فَدلَّ ذَلِك على ضعف حَدِيث ابْن إِسْحَاق وَإِن صَحَّ فَلَعَلَّ حسانا كَانَ مُعْتَلًّا فِي ذَلِك الْيَوْم بعلة منعته من شُهُود الْقِتَال انْتهى مَا قَالَه السُّهيْلي قلت وَرَأَيْت فِي كتب السّير إِن حسانا أَصَابَته عِلّة أحدثت فِيهِ الْجُبْن وَلم يكن أول أمره جَبَانًا وَإِلَّا لعير بِهِ كَمَا قَالَه السُّهيْلي وَقد سَأَلت بعض حذاق الْأَطِبَّاء عَن هَذَا فَقَالَ نعم ذَلِك مَذْكُور عندنَا وَالله أعلم وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تَحت الْحَارِث بن حَرْب بن أُميَّة فَولدت لَهُ صَيْفِي بن الْحَارِث ثمَّ هلك عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا الْعَوام بن خويلد أَخُو خَدِيجَة فَولدت لَهُ الزبير والسائب وَعبد الْكَعْبَة فَأَما الزبير فَأسلم قَدِيما وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين أَو سِتّ عشرَة سنة وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة الهجرتين وَلم يتَخَلَّف عَنهُ فِي غزَاة وَقتل يَوْم الْجمل غيلَة وَسَيَأْتِي ذكره عِنْد ذكر وقعته وَأما عبد الْكَعْبَة فَهُوَ مَذْكُور من اولاد صَفِيَّة توفيت بِالْمَدَنِيَّةِ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ سنة عشْرين من الْهِجْرَة وَلها ثَلَاث وَسَبْعُونَ سنة ودفنت بِالبَقِيعِ فَهَؤُلَاءِ عماته وأولادهن أسلم مِنْهُنَّ صَفِيَّة بِيَقِين وَاخْتلف فِي إِسْلَام عَاتِكَة وأروى والأشقاء من أَوْلَاد عبد الْمطلب عبد الله وَالزُّبَيْر وَأَبُو طَالب وَالْخمس الْإِنَاث مَا عدا صَفِيَّة كلهم من فَاطِمَة بنت عَمْرو بن عَائِذ بن عمر بن مَخْزُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَحَمْزَة وحجل والمقوم وَصفِيَّة أشقاء أمّهم هَالة بنت وهب وَكَذَلِكَ بَقِيَّتهمْ أشقاء كالعباس وَضِرَار وَقثم فانهم من نثلة بنت جناب ماعدا أكبر أَوْلَاد عبد الْمطلب وَهُوَ الْحَارِث فَإِنَّهُ فذ أمه سمراء بنت جُنْدُب كَمَا تقدم عِنْد ذكر أَبْيَات حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ فِي أبي سُفْيَان وَأما أَوْلَاد عماته فأحد عشر رجلا وَثَلَاث بَنَات عرفن أما الرِّجَال فعامر بن الْبَيْضَاء بن كريز بن ربيعَة بن عبد شمس وَعبد الله وَزُهَيْر ابْنا عَاتِكَة بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد المَخْزُومِي وَعبد الله وَعبيد الله والبصير الملقب أَبَا أَحْمد بَنو أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب من جحش بن رِئَاب وطليب بن أروى من عُمَيْر بن وهب المَخْزُومِي وَالزُّبَيْر والسائب وَعبد الْكَعْبَة بَنو صَفِيَّة من الْعَوام بن خويلد كلهم أَسْلمُوا وثبتوا على الْإِسْلَام إِلَّا عبيد الله بن جحش كَمَا تقدم فَإِنَّهُ ارْتَدَّ وَتَنصر بِالْحَبَشَةِ وَمَات بهَا وَأما الْإِنَاث فزينب وَأم حَبِيبَة وَحمْنَة بَنَات أُمَيْمَة من جحش وَذكر للبيضاء بَنَات وَلم يذكر عددهن وَلَا أساميهن سوى أروى من كريز الْمَذْكُور وَهِي أم عُثْمَان بن عَفَّان فهن بهَا أَربع وَذكر لبرة ابْن من أبي رهم فَيكون ثَانِي عشر أَبنَاء العمات وَأما جداته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جِهَة أَبِيه فَأم أَبِيه عبد الله بن عبد الْمطلب فَاطِمَة بنت عمر بن عَائِذ بن عَمْرو بن مَخْزُوم وَأم عبد الْمطلب سلمى بنت عَمْرو النجارية وَكَانَت قبل هَاشم تَحت أحيحة بن الجلاح فلودت لَهُ عَمْرو بن أحيحة فَهُوَ أَخُو عبد الْمطلب لأمه وَله أَو لِأَبِيهِ القصيدة المرثية البليغة الَّتِي يستشهد أهل الْمعَانِي مِنْهَا بقوله // (من المنسرح) // (ألألمعي الَّذِي يظنّ بك الظظن ... كَأَن قد رأى وَقد سمعا) وَقَبله قَوْله (إِن الَّذِي جمع السماحة والسؤدد ... وَالْمجد والتُّقى جمعا) وَهِي طَوِيلَة مطْلعهَا (أيّتها النّفس أجملي جزعا ... إنّ الّذي تحذرين قد وَقعا) ولعلي أَن أظفر إِن شَاءَ الله تَعَالَى بهَا فألحقها بِمَا هُنَا وَأم هَاشم هِيَ عَاتِكَة بنت مرّة بن هِلَال بن فالح بن ذكْوَان من بني سليم وَأم عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 منَاف عَاتِكَة الْبَيْضَاء بنت فالح بن مَالك بن ذكْوَان من بني سليم وَأم قصي فَاطِمَة بنت سعد بن سبل من أَزْد السراة وَأم كلاب نعم بنت سَرِير بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن كنَانَة وَأم مرّة وحشية بنت شَيبَان بن محَارب بن فهم وَأم كَعْب سلمى بنت فهر أَو فهم وَأم لؤَي وحشية بنت مُدْلِج بن مرّة بن عبد منَاف بن كنَانَة وَأم غَالب سلمى بنت سعد بن هُذَيْل وَأم فهر جذلة ابْنة الْحَارِث الجرهمي وَأم مَالك هِنْد بنت عدوان بن عَمْرو بن قيس عيلان وَأم النَّضر برة أُخْت تَمِيم بن مر ذكره ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب المعارف فالجدة الأولى مخزومية وَالثَّانِي نجارية وَالثَّالِثَة سلمية وَالرَّابِعَة سلمية أَيْضا وَالْخَامِسَة أزدية وَالسَّادِسَة كنانية وَالسَّابِعَة فهمية وَالثَّامِنَة فهرية أَو فهمية لإيهام الْخط فِيهَا والتاسعة كنانية والعاشرة هذلية والحادية عشرَة جرهمية وَالثَّانيَِة عشرَة قيسية من قيس عيلان وَالثَّالِثَة عشرَة مرية وَأما جداته من جِهَة أمه فَأم آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب برة بنت عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب وَأم أَبِيهَا وهب عَاتِكَة بنت الأوقص بن مرّة بن هِلَال بن فالح بن ذكْوَان من سبي سليم وَأم مرّة أم حبيب بنت أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب وَأم أم حبيب برة بنت عَوْف بن عبيد بن عدي بن كَعْب بن لؤَي وَأم برة قلَابَة بنت الْحَارِث بن صعصعة بن عَائِذ بن لحيان بن هُذَيْل وَأم قلَابَة هِنْد بنت يَرْبُوع من ثَقِيف فالجدة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة من أُمَّهَات أمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قرشيات وَالرَّابِعَة لحيانية هذلية وَالْخَامِسَة ثقفية فَفِي كل قَبيلَة من قبائل الْعَرَب لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام علقَة نسب وَأما إخْوَته من الرضَاعَة فحمزة عَمه وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد أرضعتهما مَعَه ثويبة جَارِيَة عَمه أبي لَهب بِلَبن ابْنهَا مسروح بن ثويبة وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب أَرْضَعَتْه مَعَ رَسُول الله حليمة السعدية وَعبد الله وأنيسة وحذافة وتعرف بالشيماء الثَّلَاثَة أَوْلَاد حليمة وَقد روى أَن خيلاً لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أغارت على هوَازن فَأخذُوا هَذِه الشيماء فِي جملَة السَّبي فَقَالَت أَنا أُخْت نَبِيكُم أَو صَاحبكُم فَلَمَّا قدمُوا على رَسُول الله قَالَت لَهُ يَا مُحَمَّد أَنا أختك فَرَحَّبَ بهَا وَبسط لَهَا رِدَاءَهُ وأجلسها عَلَيْهِ ودمعت عَيناهُ وَقَالَ لَهَا إِن أَحْبَبْت أقيمي عِنْدِي مكرمَة محببة وَإِن أَحْبَبْت أَن تَرْجِعِي إِلَى قَوْمك وصلتك قَالَت بل أرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 إِلَى قومِي فَأسْلمت وَأَعْطَاهَا ثَلَاثَة أعبد وَجَارِيَة وَنِعما وشيئاً ذكره ابْن قُتَيْبَة وَيُقَال إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَهَا حِين قَالَت أَنا اختك قَالَ مَا آيَة ذَلِك قَالَت عضة فِي ظَهْري مِنْك خَفِيفَة إِذْ كُنَّا نروح فِي البهم وَالله تَعَالَى أعلم وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَة فِي قَول البوصيري رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْخَفِيف) // (وأتى السّبي فِيهِ أُخت رضاعٍ ... وضع الْكفْر قدرهَا والسّباء) (بسط الْمُصْطَفى لَهَا من رداءٍ ... أيّ فضلٍ حواه ذَاك الرّداء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 (الْبَاب الرَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي) (فِي ذكر أَزوَاجه الطاهرات أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وسراريه) لَا خلاف بَين أهل السّير وَالْعلم بالأثر أَن أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اللَّاتِي دخل بِهن إِحْدَى عشرَة امْرَأَة سِتّ من قُرَيْش وَأَرْبع عربيات وَوَاحِدَة من بني إِسْرَائِيل من سبط هَارُون بن عمرَان وَهِي صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب وكونهن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ فِي تَحْرِيم نِكَاحهنَّ وَوُجُوب احترامهن لَا فِي جَوَاز النّظر إلَيْهِنَّ وَالْخلْوَة بِهن لَا يُقَال بناتهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ وَلَا آباؤهن وَلَا أمهاتهن أجداد وجدات الْمُؤمنِينَ وَلَا إخوتهن وأخواتهن أخوال وخالات الْمُؤمنِينَ قَالَ الْبَغَوِيّ هن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من الرِّجَال دون النِّسَاء روى ذَلِك عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت فِي قَضِيَّة أَنا أم رجالكم لَا أم نِسَائِكُم وَهُوَ جَار على الصَّحِيح عَن أَصْحَابنَا وَغَيرهم من أهل الْأُصُول أَن النِّسَاء لَا يدخلن فِي خطاب الرِّجَال وَقَالَ وَكَانَ أَبَا للرِّجَال وَالنِّسَاء وَيجوز أَن يُقَال أَبُو الْمُؤمنِينَ فِي الْحُرْمَة وفضلت زَوْجَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على النِّسَاء وثوابهن وعقابهن مضاعف وَلَا يحل سؤالهن إِلَّا من وَرَاء الْحجاب وأفضلهن خَدِيجَة وَعَائِشَة وَيَأْتِي تَحْقِيق ذَلِك قَرِيبا انْتهى ولنذكرهن على تَرْتِيب تزَوجه بِهن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فأولهن خَدِيجَة ثمَّ سَوْدَة بنت زَمعَة ثمَّ عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ زَيْنَب بنت خُزَيْمَة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ زَيْنَب بنت جحش ثمَّ جوَيْرِية بنت الْحَارِث ثمَّ أم حَبِيبَة رَملَة بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 أبي سُفْيَان بن حَرْب ثمَّ صلية بنت حييّ ثمَّ مَيْمُونَة بنت الْحَارِث العامرية اما أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا فَهِيَ بنت خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي كَانَت تدعى فِي الْجَاهِلِيَّة الطاهرة وَكَانَت قد ذكرت وَهِي بكر لورقة بن نَوْفَل فَلم يقْض بيهما نِكَاح وَفِي السمط الثمين فِي مَنَاقِب أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ ابْن شهَاب تزوجت خَدِيجَة قبله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رجلَيْنِ الأول مِنْهُمَا عَتيق ابْن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم فَولدت لَهُ جَارِيَة اسْمهَا هِنْد فَأسْلمت وَتَزَوَّجت وَفِي سيرة مغلطاي ولدت لَهُ عبد الله وَقيل عبد منَاف ثمَّ خلف عَلَيْهَا بعده أَبُو هَالة النباش بن زُرَارَة التَّمِيمِي أَخُو حَاجِب بن زُرَارَة وَيُقَال لَهُ هِنْد فَولدت لَهُ رجلا يُقَال لَهُ هِنْد وَامْرَأَة يُقَال لَهَا هَالة ويكنى بهَا وَفِي رِوَايَة المتزوج لَهَا أَولا أَبُو هَالة ثمَّ بعده عَتيق وَلم يذكر ابْن قُتَيْبَة غير الأول فَأَما هِنْد بن أبي هَالة الْمُسَمّى هندا أَيْضا فَهُوَ ربيب النَّبِي عَاشَ مُسلما إِلَى أَن قتل مَعَ عَليّ يَوْم الْجمل وَقيل بِالْبَصْرَةِ فِي الطَّاعُون فازدحم النَّاس على جنَازَته وَتركُوا جنائزهم وَقَالُوا ربيب رَسُول الله وَكَانَ فصيحاً بليغاً وصافاً وصف رَسُول الله فَأحْسن وأتقن قلت وعَلى نَعته غَالب أَحَادِيث الْكتاب الْمُسَمّى بالشمائل وَرِوَايَته وَكَانَ يَقُول أَنا أكْرم النَّاس أما وَأَبا وأخاً وأختاً أبي رَسُول الله وَأمي خَدِيجَة وَأخي الْقَاسِم بن مُحَمَّد وأختي فَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَرَضي الله عَنْهُم وَأما الجاريتان وهما هِنْد الَّتِي من عَتيق رمالة الَّتِي من النباش بن زُرَارَة فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة وَأَبُو سعيد وَأَبُو عَمْرو لم نظفر من اخبارهما بِشَيْء وروى إِن رَسُول الله لما بلغ خمْسا وَعشْرين سنة قَالَ لَهُ عَمه أَبُو طَالب أَنا رجل معيل لَا مَال لي وَقد اشْتَدَّ الزَّمَان وَهَذِه عير قَوْمك قد حضر خُرُوجهَا إِلَى الشَّام وَخَدِيجَة بنت خويلد تبْعَث رجَالًا من قَوْمك فِي تجارتها فَلَو ذهبت إِلَيْهَا وَقلت لَهَا فِي ذَلِك لَعَلَّهَا تقبل وَبلغ خَدِيجَة ذَلِك فَأرْسلت إِلَى النَّبِي فِي ذَلِك وَقَالَت أُعْطِيك ضعف مَا أعْطى رجلا من قَوْمك وَفِي رِوَايَة أَتَى إِلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 أَبُو طَالب فَقَالَ لَهَا هَل لَك أَن تستأجري مُحَمَّدًا فقد بلغنَا أَنَّك اسْتَأْجَرت ببكرين ولسنا نرضى لمُحَمد دون أَربع بكرات فَقَالَت خَدِيجَة لَو سَأَلت ذَلِك لبعيد بغيض فعلنَا فَكيف وَقد سَأَلت لحبيب قريب فَقَالَ أَبُو طَالب للنَّبِي هَذَا رزق سَاقه الله إِلَيْك فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ غلامها ميسرَة وَوَقعت لَهُ الْقِصَّة مَعَ نسطور الراهب إِلَى آخر مَا هُوَ مَذْكُور فِي مَحَله من كتب السّير المفردة لذَلِك وَلما رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالتِّجَارَة من الشَّام وربحت التِّجَارَة الدِّرْهَم أَرْبَعَة دَرَاهِم قَالَت نفيسة بنت منية أرسلتني خَدِيجَة دسيسا إِلَى مُحَمَّد فَقلت يَا مُحَمَّد مَا يمنعك أَن تتَزَوَّج فَقَالَ مَا بيَدي مَا أَتزوّج بِهِ قلت فَإِن كفيت ذَلِك ودعيت إِلَى المَال وَالْجمال والشرف والكفاءة أَلا تجيب قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمن هِيَ قلت خَدِيجَة قَالَ وَكَيف لي بذلك قَالَت عَليّ فَأَنا أفعل فَذَهَبت إِلَى خَدِيجَة فَأَخْبَرتهَا فارسلت إِلَى النَّبِي أَن ائْتِ سَاعَة كَذَا وَكَذَا وصنعت طَعَاما وَشَرَابًا ودعت أَبَاهَا وَالصَّحِيح أَنه عَمها وَهُوَ عَمْرو أَخُو خويلد وَالْعرب تسمى الْعم والداً فَإِن أَبَاهَا خويلد مَاتَ قبل حَرْب الْفجار وَحرب الْفجار كَانَت وسنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عشرُون عَاما كَمَا تقدم ذكره وَنَفَرًا من قُرَيْش فطعموا وَشَرِبُوا فَقَالَت خَدِيجَة إِن مُحَمَّد بن عبد الله يخطبني فَزَوجهَا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فخلقته وألبسته حلَّة وَكَذَلِكَ كَانُوا يصنعون إِذا زوجوا نِسَاءَهُمْ وَالضَّمِير فِي خلقته ورديفه إِلَى عَمها المزوج لَهَا عَمْرو بن خويلد الْمَذْكُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 لَا إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ فِي السمط الثَّمَانِينَ للمحب الطَّبَرِيّ وَحضر أَبُو طَالب ورؤساء مُضر فَخَطب أَبُو طَالب فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَزرع إِسْمَاعِيل وضئضىء معد وعنصر مُضر وَجَعَلنَا سدنة بَيته وسواس حرمه وَجعل لنا بَيْتا محجوجاً وحرماً آمنا وَجَعَلنَا الْحُكَّام على النَّاس ثمَّ إِن ابْن أخي هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله من لَا يُوزن بِهِ رجل إِلَّا رجح بِهِ فَإِن كَانَ فِي المَال قل فَإِن المَال ظلّ مائل وَأمر حَائِل وَمُحَمّد قد عَرَفْتُمْ قرَابَته وَقد خطب خَدِيجَة بنت خويلد وبذل لَهَا مَا آجله وعاجله من مَالِي كَذَا وَهُوَ وَالله بعد هَذَا لَهُ نبأ عَظِيم وخطر جليل جسيم فَلَمَّا أتم أَبُو طَالب خطبَته تكلم ورقة بن نَوْفَل فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا كَمَا ذكرت وفضلنا على مَا عددت فَنحْن سادة الْعَرَب وقادتها وَأَنْتُم أهل ذَلِك كُله لَا تنكر الْعَشِيرَة فَضلكُمْ وَلَا يرد أحد من النَّاس فخركم وشرفكم وَقد رغبنا فِي الِاتِّصَال بحبلكم وشرفكم فَاشْهَدُوا عَليّ معاشر قُرَيْش بِأَنِّي قد زوجت خَدِيجَة بنت خويلد من مُحَمَّد بن عبد الله على أَرْبَعمِائَة دِينَار ثمَّ سكت ورقة فَقَالَ أَبُو طَالب قد أَحْبَبْت أَن يشركك عَمها فَقَالَ عَمها عَمْرو بن خويلد اشْهَدُوا عَليّ يَا معشر قُرَيْش أَنِّي قد انكحت مُحَمَّدًا بن عبد الله خَدِيجَة بنت خويلد وَشهد على ذَلِك صَنَادِيد قُرَيْش وَفِي السمط الثمين اصدقها عشْرين بكرَة وَفِي الْمَوَاهِب عَن الدولاي أصدقهَا اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ذَهَبا ونشاً قَالُوا وكل أُوقِيَّة أَرْبَعُونَ درهما والنش نصف أُوقِيَّة وَلَا مُنَافَاة بَين هَذَا وَبَين من قَالَ أصدقهَا أَبُو طَالب لقَوْله فِي الْخطْبَة من مَالِي كَذَا لجَوَاز كَون أبي طَالب أصدقهَا وَزَاد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صَدَاقهَا فَكَانَ الْكل صَدَاقا وَذكر الملا فِي سيرته لما تزوج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَدِيجَة ذهب ليخرج فَقَالَت لَهُ خَدِيجَة إِلَى أَيْن يَا مُحَمَّد اذْهَبْ فانحر جزوراً أَو جزورين وَأطْعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 النَّاس فَفعل ذَلِك رَسُول الله وَهِي أول وَلِيمَة أولمها رَسُول الله وَفِي رِوَايَة أمرت خَدِيجَة جواريها أَن يرقصن ويضربن بِالدُّفُوفِ وَقَالَت يَا مُحَمَّد مر عمك أَبَا طَالب أَن ينْحَر بكرا من بكارك وَأطْعم النَّاس على الْبَاب وهلم فَقل مَعَ أهلك فأطعم النَّاس وَدخل فَقَالَ مَعَ أَهله خَدِيجَة فَأقر الله عينه وَفَرح أَبُو طَالب بذلك فَرحا شَدِيدا وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الكرب وَدفع عَنَّا الهموم وَأم خَدِيجَة فَاطِمَة بنت زَائِدَة بن الْأَصَم تزوج خَدِيجَة وَلها من الْعُمر أَرْبَعُونَ سنة وَبَعض أُخْرَى وَله خمس وَعِشْرُونَ سنة وَقيل إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وَالْأول عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَكَانَت مُدَّة إِقَامَتهَا مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَرْبعا وَعشْرين سنة وَخَمْسَة اشهر وَثَمَانِية أَيَّام خمس عشرَة سنة مِنْهَا قبل الْوَحْي والباقيات بعده إِلَى إِن توفيت وَهِي ابْنة خمس وَسِتِّينَ سنة وَلم يكن يَوْمئِذٍ يُصَلِّي على الْجَنَائِز وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا أول امْرَأَة تزوج بهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يتَزَوَّج قبلهَا وَلَا عَلَيْهَا وَكَانَت وفاتها قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين ودفنت بالحجون وَولدت لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَوْلَاده كلهم مَا عدا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة وَسَيَأْتِي ذكرهَا آخر الْبَاب قَالَ حَكِيم بن حزَام بن خويلد توفيت عَمَّتي خَدِيجَة بنت خويلد فخرجنا بهَا من منزلهَا حَتَّى دفناها بالحجون وَنزل فِي قبرها وَفِي الْمَوَاهِب اللدنية وَكَانَت خَدِيجَة أول من آمن من النَّاس وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ إِن جِبْرِيل قَالَ للنَّبِي إِن خَدِيجَة قد أتتك بِإِنَاء فِيهِ طَعَام وإدام وشراب فَإِذا هِيَ أتتك فاقرأ عَلَيْهَا السَّلَام من رَبهَا وَمنى وبشرها بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب وَالْمرَاد بالقصب اللُّؤْلُؤ المجوف قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يسمع شَيْئا من رد عَلَيْهِ وَتَكْذيب لَهُ فيحزنه ذَلِك إِلَّا فرج الله عَنهُ بخديجة إِذا رَجَعَ إِلَيْهَا تثبته وتخفف عَنهُ وَتصدقه وتهون عَلَيْهِ أَمر النَّاس حَتَّى مَاتَت وَعَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنِّي لسَيِّد الْبشر يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا رجلا من ذريتي نَبيا من الْأَنْبِيَاء يُقَال لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 أَحْمد فضل عَليّ بِاثْنَتَيْنِ زَوجته عاونته فَكَانَت لَهُ عوناً وَكَانَت زَوْجَتي عوناً عَليّ وأعانه الله على شَيْطَانه فَأسلم وَكفر شيطاني أخرجه الدولابي كَمَا ذكره الطَّبَرِيّ وَخرج الإِمَام أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ أفضل نسَاء الْجنَّة خَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَمَرْيَم بنة عمرَان وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين الْعِرَاقِيّ خَدِيجَة أفضل أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ على الصَّحِيح الْمُخْتَار وَقيل عَائِشَة وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ فِي شرح بهجة الْحَاوِي الْمُسَمّى بالغرر البهية فِي شرج الْبَهْجَة الوردية أفضلهن خَدِيجَة وَعَائِشَة وَفِي أفضليتهما خلاف صحّح ابْن الْعِمَاد تَفْضِيل خَدِيجَة لما ثَبت أَنه قَالَ لعَائِشَة حِين قَالَت لَهُ لَا تزَال تلهج بِذكر خَدِيجَة إِن هِيَ إِلَّا عَجُوز من عَجَائِز قُرَيْش كَأَنِّي أنظر إِلَى حمرَة شدقيها ودردرها وَقد رزقك الله خيرا مِنْهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا وَالله مَا رَزَقَنِي خيرا مِنْهَا آمَنت حِين كفر بِي النَّاس وصدقتني حِين كَذبَنِي النَّاس وأعطتني مَالهَا حِين حرمني النَّاس وَسُئِلَ ابْن دَاوُد أَيهمَا أفضل فَقَالَ عَائِشَة أقرأها النَّبِي السَّلَام عَن جِبْرِيل وَخَدِيجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 أقرأها السَّلَام جِبْرِيل من رَبهَا على لِسَان مُحَمَّد فَهِيَ أفضل وَقيل لَهُ فَمن أفضل خَدِيجَة أم فَاطِمَة فَقَالَ إِن رَسُول الله قَالَ فَاطِمَة بضعَة مني فَلَا أعدل ببضعة رَسُول الله أحدا وَيشْهد لَهُ قَوْله أما ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إِلَّا مَرْيَم بنة عمرَان وَاحْتج من فضل عَائِشَة بِمَا احتجت بِهِ هِيَ من انها فِي الْآخِرَة مَعَ النَّبِي فِي الدرجَة وَفَاطِمَة مَعَ عَليّ فِيهَا وَسُئِلَ الْعَلامَة السُّبْكِيّ عَن ذَلِك فَقَالَ الَّذِي نختاره وندين الله بِهِ أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد أفضل من أمهَا خَدِيجَة ثمَّ أمهَا خَدِيجَة ثمَّ عَائِشَة ثمَّ اسْتدلَّ لذَلِك بِمَا تقدم بعضه وَأما خبر الطَّبَرَانِيّ خير نسَاء الْعَالمين مَرْيَم بنة عمرَان ثمَّ خَدِيجَة بنت خويلد ثمَّ فَاطِمَة بنت مُحَمَّد ثمَّ آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن فَأجَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 عَنهُ ابْن الْعِمَاد بِأَن خَدِيجَة إِنَّمَا فضلت فَاطِمَة بِاعْتِبَار الأمومه لَا بِاعْتِبَار السِّيَادَة وَاخْتَارَ السُّبْكِيّ أَن مَرْيَم أفضل من خَدِيجَة لهَذَا الْخَبَر للِاخْتِلَاف فِي نبوتها وَقَالَ ابْن النقاش إِن سبق خَدِيجَة وتأثيرها فِي أول الْإِسْلَام ومؤازرتها ونصرتها وقيامها فِي الدّين لله بمالها ونفسها لم يشركها فِيهِ أحد لَا عَائِشَة وَلَا غَيرهَا من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وتأثير عَائِشَة فِي آخر الْإِسْلَام فِي حمل الدّين وتبليغه إِلَى الْأمة وإدراكها من الْأَمر مَا لم تشركها فِيهِ خَدِيجَة وَلَا غَيرهَا مِمَّا تميز بِهِ عَن غَيرهَا وَفِي سيرة الشَّامي روى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ قَالَ لم يتَزَوَّج رَسُول الله على خَدِيجَة حَتَّى مَاتَت بعد أَن مكثت عِنْده أَرْبعا وَعشْرين سنة وأشهراً وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله أطْعم خَدِيجَة من عِنَب الْجنَّة وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله إِذا أَتَى بِشَيْء يَقُول اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيت فُلَانَة فَإِنَّهَا كَانَت صديقَة لِخَدِيجَة رَوَاهُ ابْن حبَان والدولابي وَفِي رِوَايَة فَإِنَّهَا كَانَت تحب خَدِيجَة وَفِي رِوَايَة جَاءَت عَجُوز إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا من أَنْت فَقَالَت جثامة المزنية فَقَالَ كَيفَ أَنْتُم كَيفَ حالكم كَيفَ كُنْتُم بَعدنَا قَالَت بِخَير بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَت عَجُوز تَأتي النَّبِي فيبش لَهَا ويكرمها وَفِي لفظ كَانَت تَأتي النَّبِي امْرَأَة فَقلت يَا رَسُول الله من هَذِه وَفِي لفظ بِأبي أَنْت وَأمي إِنَّك لتصنع بِهَذِهِ الْعَجُوز مَا لم تصنع بِأحد وَفِي لفظ فَلَمَّا خرجت قلت يَا رَسُول الله تقبل على هَذِه الْعَجُوز هَذَا الإقبال فَقَالَ يَا عَائِشَة إِنَّهَا كَانَت تَأْتِينَا زمَان خَدِيجَة وَإِن حسن الْعَهْد من الْإِيمَان وَفِي لفظ فَإِن كرم الْعَهْد من الْإِيمَان انْتهى وَأما أم الْمُؤمنِينَ سَوْدَة بنت زَمعَة بن قيس بن عبد شمس القرشية فأمها الشموس بنت قيس بن زيد بن لبيد ابْن أخي سلمى بنت عَمْرو بن زيد بن لبيد أم عبد الْمطلب فَأسْلمت قَدِيما وبايعت وَكَانَت تَحت ابْن عَم لَهَا يُقَال لَهُ السَّكْرَان بن عَمْرو بن عبد شمس بن عبد ود بن عَامر بن لؤَي أخي سُهَيْل بن عَمْرو وَسَهل بن عَمْرو وسليط وحاطب أسلم السَّكْرَان زَوجهَا مَعهَا قَدِيما وهاجراً جَمِيعًا إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة فَلَمَّا قدما مَكَّة مَاتَ زَوجهَا وَقيل إِنَّه مَاتَ بِالْحَبَشَةِ وَولدت لَهُ ابْنا اسْمه عبد الرَّحْمَن قتل فِي حَرْب جَلُولَاء اسْم قَرْيَة من قرى فَارس وَقعت تِلْكَ الْحَرْب فِيهَا وَتَزَوجهَا بِمَكَّة بعد موت خَدِيجَة بأيام فِي السّنة الْعَاشِرَة من النُّبُوَّة قبل أَن يعْقد على عَائِشَة وَهَذَا قَول قَتَادَة وَأبي عُبَيْدَة وَلم يذكر ابْن قُتَيْبَة غَيره وَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل تزَوجهَا بعد عَائِشَة روى الْقَوْلَانِ عَن ابْن شهَاب وَيجمع بَين الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ عقد على عَائِشَة قبل سَوْدَة وَدخل بسودة قبل عَائِشَة وَالتَّزْوِيج يُطلق على كل من العقد وَالدُّخُول وَإِن كَانَ الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم الأول وللبخاري توفيت خَدِيجَة قبل مخرج النَّبِي إِلَى الْمَدِينَة بِثَلَاث سِنِين فَلبث سنتَيْن أَو قَرِيبا من ذَلِك ونكح عَائِشَة وَهِي بنت سِتّ سِنِين ثمَّ بنى بهَا بِالْمَدِينَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَهِي بنت تسع سِنِين بِتَقْدِيم التَّاء قَالَ فِي السِّيرَة الشامية قَالَ ابْن كثير وَالصَّحِيح أَن عَائِشَة عقد عَلَيْهَا قبل سَوْدَة وَلم يدْخل بعائشة إِلَّا فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وَأما سَوْدَة فَإِنَّهُ دخل بهَا بِمَكَّة وَسَبقه إِلَى ذَلِك أَبُو نعيم وَجزم بِهِ الْجُمْهُور وَمِنْهُم قَتَادَة وابو عبيد معمر بن الْمثنى وَالزهْرِيّ قَالَ فِي تَارِيخ الْخَمِيس روى أَنه لما مَاتَت خَدِيجَة جَاءَت خَوْلَة بنت حَكِيم امْرَأَة مَظْعُون فَقَالَت يَا رَسُول الله أَلا تتَزَوَّج قَالَ من قَالَت إِن شِئْت بكرا وَإِن شِئْت ثَيِّبًا قَالَ فَمن الْبكر قَالَت ابْنة أحب الْخلق إِلَيْك أبي بكر قَالَ وَمن الثّيّب قَالَت سَوْدَة بنت زَمعَة قد آمَنت بك واتبعتك على مَا تَقول قَالَ فاذهبي فاذكريهما عَليّ فَدخلت بَيت أبي بكر وَقَالَت يَا أم رُومَان مَاذَا أَدخل الله عَلَيْكُم من الْخَيْر وَالْبركَة قَالَت وَمَا ذَاك قَالَت أَرْسلنِي رَسُول الله أَخطب عَلَيْهِ عَائِشَة قَالَت انتظري أَبَا بكر حَتَّى يَأْتِي فجَاء أَبُو بكر فَقَالَت لَهُ مَاذَا أَدخل الله عَلَيْكُم من الْخَيْر وَالْبركَة قَالَ وَمَا ذَاك قَالَت أَرْسلنِي رَسُول الله أَخطب عَلَيْهِ عَائِشَة قَالَ وَهل تصلح لَهُ إِنَّمَا هِيَ ابْنة أَخِيه فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله فَذكرت لَهُ ذَلِك قَالَ ارجعي إِلَيْهِ فَقولِي لَهُ أَنا أَخُوك وَأَنت أخي فِي الْإِسْلَام وابنتك تصلح لي فَرَجَعت فَذكرت ذَلِك لَهُ قَالَ انظري قَالَت أم رُومَان إِن مطعم بن عدي قد كَانَ قد ذكرهَا على ابْنه فوَاللَّه مَا وعد وَعدا قطّ فأخلفه تَعْنِي أَبَا بكر فَدخل أَبُو بكر على مطعم بن عدي وَعِنْده امْرَأَته أم الْفَتى فَقَالَت يَا ابْن أبي قُحَافَة لَعَلَّك تصبي صاحبنا تدخله فِي دينك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ إِن تزوج إِلَيْك قَالَ أَبُو بكر لمطعم بن عدي أَقُول هَذِه تَقول قَالَ إِنَّهَا تَقول ذَلِك فَخرج أَبُو بكر من عِنْده وَقد أذهب الله مَا فِي نَفسه من عدته الَّتِي وعده بهَا فَخرج فَقَالَ لخولة ادعِي لي رَسُول الله فدعته فَزَوجهُ إِيَّاهَا وَعَائِشَة يَوْمئِذٍ بنت سِتّ سِنِين كَمَا مر ثمَّ خرجت خَوْلَة حَتَّى دخلت على سَوْدَة بنت زَمعَة فَقَالَت مَاذَا أَدخل الله عَلَيْكُم من الْخَيْر وَالْبركَة قَالَت وَمَا ذَاك قَالَت ارسلني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 رَسُول الله أخطبك عَلَيْهِ قَالَت وددت ذَلِك ادخلي على أبي واذكري لَهُ ذَلِك وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد أَدْرَكته السن وَقد تخلف عَن الْحَج فَدخلت عَلَيْهِ فَذكرت لَهُ فَقَالَ كفؤ كريم فَدَعَا رَسُول الله فَزَوجهُ إِيَّاهَا فجَاء أَخُوهَا عبد الله بن زَمعَة فَجعل يحثو التُّرَاب على رَأسه أَن تزوج رَسُول الله سَوْدَة بنت زَمعَة فَلَمَّا أسلم قَالَ إِنِّي لسفيه يَوْم أحثو التُّرَاب على رَأْسِي أَن تزوج رَسُول الله أُخْتِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال ثِقَات وَالْإِمَام أَحْمد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بِسَنَد جيد قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّامي روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَت سَوْدَة بنت زَمعَة تَحت السَّكْرَان بن عَمْرو أخي سُهَيْل بن عَمْرو العامري فرأت فِي الْمَنَام كَأَن النَّبِي أقبل يمشي حَتَّى وضع رجله على رقبَتهَا فَأخْبرت زَوجهَا بذلك فَقَالَ لَئِن صدقت رُؤْيَاك لأموتن وليتزوجك مُحَمَّد ثمَّ رَأَتْ فِي الْمَنَام لَيْلَة أُخْرَى إِن قمرا انقض عَلَيْهَا وَهِي مُضْطَجِعَة فَأخْبرت زَوجهَا فَقَالَ لَئِن صدقت رُؤْيَاك لم البث يَسِيرا حَتَّى أَمُوت وتتزوجين من بعدِي فاشتكى السَّكْرَان من يَوْمه فَلم يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى مَاتَ وَتَزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وروى أَبُو عمر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما أَسِنَت سَوْدَة عِنْد رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 هم بِطَلَاقِهَا فَقَالَت لَا تُطَلِّقنِي وَأَنت فِي حل مني فَأَنا أُرِيد أَن أحْشر فِي أَزوَاجك وَإِنِّي قد وهبت يومي لعَائِشَة وَإِنِّي لَا أُرِيد مَا تُرِيدُ النِّسَاء فَأَمْسكهَا رَسُول الله حَتَّى مَاتَ عَنْهَا مَعَ سَائِر مَعَ توفّي عَنْهُن من ازواجه ورضى عَنْهُن وروى الإِمَام أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة إِن رَسُول الله قَالَ لنسائه عَام حجَّة الْوَدَاع هَذِه ثمَّ ظُهُور الْحصْر قَالَ فَكُن كُلهنَّ يحججن إِلَّا زَيْنَب وَسَوْدَة هَذِه فكانتا تقولان وَالله لَا تحركنا دَابَّة بعد أَن سمعنَا ذَلِك من رَسُول الله مَاتَت بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي وفاتها وَنقل ابْن سعد عَن الْوَاقِدِيّ أَنَّهَا توفيت سنة أَربع وَخمسين فِي خلَافَة مُعَاوِيَة أصدقهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَرْبَعمِائَة دِينَار قَالَ هَذَا الشَّمْس الْبرمَاوِيّ فِي مُخْتَصر سيرته وَأما أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق القرشية التيمية فأمها أم رُومَان بنت عَامر بن عُوَيْمِر روى أَبُو بكر بن خَيْثَمَة عَن عَليّ بن زيد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن أم رُومَان زوج أبي بكر أم عَائِشَة لما دليت فِي قبرها قَالَ رَسُول الله من سره أَن ينظر إِلَى امْرَأَة من الْحور الْعين فَلْينْظر إِلَى أم رُومَان ولدت عَائِشَة بعد الْبعْثَة بِأَرْبَع سِنِين أَو خمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وروى ابْن الْجَوْزِيّ فِي الصفوة عَنْهَا رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قلت يَا رَسُول الله أتكنيني قَالَ تكنى بابنك يَعْنِي عبد الله بن الزبير ابْن أُخْتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر وروى ابْن حبَان عَنْهَا قَالَت لما ولد عبد الله بن الزبير ابْن أُخْتهَا أَسمَاء اتيت بِهِ رَسُول الله فتفل فِي فِيهِ فَكَانَ أول شَيْء دخل جَوْفه رِيقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ هُوَ عبد الله وَأَنت أم عبد الله وَقيل أَنَّهَا ولدت من رَسُول الله ولدا مَاتَ طفْلا وَهَذَا غير ثَابت وَالصَّحِيح الأول وروى الإِمَام أَحْمد والشيخان عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ لي رَسُول الله أريتك فِي الْمَنَام قبل أَن أتزوجك مرَّتَيْنِ وَفِي لفظ ثَلَاث لَيَال جَاءَنِي بك الْملك فِي سَرقَة من حَرِير فَيَقُول هَذِه امْرَأَتك فأكشف عَن وَجهك فَإِذا هِيَ أَنْت فَأَقُول إِن يكن من عِنْد الله يمضه وروى التِّرْمِذِيّ وَحسنه ابْن عَسَاكِر عَنْهَا عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 رَسُول الله قَالَ جَاءَنِي بك جِبْرِيل فِي خرقَة خضراء فَقَالَ هَذِه زَوجتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وروى الطَّبَرِيّ بِرِجَال ثِقَات وَالْإِمَام أَحْمد فِي المناقب والمسند وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن أبي سَلمَة بن عبد الله بن حَاطِب عَن عَائِشَة قَالَت لما مَاتَت خَدِيجَة جَاءَت خَوْلَة بنت حَكِيم امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون فَذكر الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِي خطْبَة سَوْدَة وَتَمَامه فَقَالَت لخولة قولي لرَسُول الله فليأت فجَاء رَسُول الله فملكها قَالَت عَائِشَة فتزوجني ثمَّ لَبِثت سنتَيْن فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة نزلنَا بالسنح فِي دَار بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج قَالَت فَإِنِّي لأترجح بَين عذقين وَأَنا ابْنة تسع فَجَاءَت بِي أُمِّي من الأرجوحة ولي جميمة ثمَّ أَقبلت تقودني حَتَّى وقفت عِنْد الْبَاب وَأَنا أنهج فمسحت وَجْهي بِشَيْء من مَاء وَفرقت جميمتي وَدخلت بِي على رَسُول الله وَفِي الْبَيْت رجال وَنسَاء فأجلستني فِي حجرَة ثمَّ قَالَت هَؤُلَاءِ أهلك يَا رَسُول الله فارك الله لَك فِيهِنَّ وَبَارك لَهُنَّ فِيك قَالَت فَقَامَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَبنى بِي رَسُول الله وَلَا وَالله مَا نحرت على من جزور وَلَا ذبحت من شَاة وَلَكِن جَفْنَة كَانَ يبْعَث بهَا سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ إِلَى رَسُول الله وروى ابْن حبَان زِيَادَة بعد قَوْلهَا وَأَنا أنهج فَقلت هه هه حَتَّى ذهب نَفسِي فَأخذت شَيْئا من مَاء فمسحت بِهِ وَجْهي ثمَّ دخلت بِي الدَّار فَإِذا نسْوَة من الْأَنْصَار فِي الْبَيْت فَقُلْنَ على الْخَيْر وَالْبركَة وعَلى خير طَائِر فأسلمتني إلَيْهِنَّ فأصلحوا شأني فَلم يرعني إِلَّا رَسُول الله جَالس على سَرِير فِي بيتنا فأسلمتني إِلَيْهِ وَبنى بِي رَسُول الله فِي بيتنا ثمَّ ذكرت قَوْلهَا فَمَا نحرت إِلَى آخر الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 وروى مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَنْهَا قَالَت تزَوجنِي رَسُول الله وَأَنا ابْنة سِتّ وَبنى بِي وَأَنا ابْنة تسع وَكنت العب بالبنات وَكن جوَار يأتينني فَإِذا رأين رَسُول الله يتقنعن مِنْهُ وَكَانَ يسربهن إِلَيّ وروى ابْن سعد عَنْهَا قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله وَأَنا أَلعَب بالبنات فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَة فَقلت خيل سُلَيْمَان فَضَحِك عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وروى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كنت صَاحِبَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا الَّتِي هيأتها وادخلتها على رَسُول الله وَمَعِي نسْوَة فوَاللَّه مَا وجدنَا عِنْدهَا قرى إِلَّا قدحاً من لبن قَالَت فَشرب مِنْهُ ثمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَة فاستحيت الْجَارِيَة فَقلت لَا تردن يَد رَسُول الله فَأَخَذته على حَيَاء فَشَرِبت مِنْهُ ثمَّ قَالَ ناولي صواحبك فَقُلْنَ لَا نشتهيه فَقَالَ لَا تجمعن جوعا وكذباً فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّا إِذا قُلْنَا لشَيْء نشتهيه لَا نشتهيه يعد ذَلِك كذبا قَالَ إِن الْكَذِب يكْتب كذبا حَتَّى تكْتب الكذيبة كذيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وروى الإِمَام أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَنْهَا قَالَت تزَوجنِي رَسُول الله فِي شَوَّال وَبنى بِي فِي شَوَّال فَأَي نِسَائِهِ كَانَ احظى عَنهُ مني قَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى تزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ قلت يَعْنِي عقد عَلَيْهَا كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي شَوَّال وَهِي ابْنة سِتّ سِنِين فَكَانَت تسْتَحب أَن يبتنى بنسائها فِي شَوَّال قَالَ أَبُو عَاصِم إِنَّمَا كره النَّاس أَن تدخل النِّسَاء فِي شَوَّال لطاعون وَقع فِي شَوَّال فِي الزَّمن الأول وروى أَبُو بكر ابْن أبي خَيْثَمَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ لم يتَزَوَّج رَسُول الله بكرا غير عَائِشَة وروى ابْن حبَان وَأَبُو بكر عَنْهَا تزَوجنِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَنا ابْنة سِتّ وَدخلت عَلَيْهِ وَأَنا ابْنة تسع وَمكث عِنْدهَا تسع سِنِين وَمَات عَنْهَا وَهِي ابْنة ثَمَان عشرَة سنة وروى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن عبد الله بن زِيَاد الْأَسدي قَالَ سَمِعت عماراً يَقُول هِيَ زَوجته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ أَبُو الْحسن الخلعي عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الله يَا عَائِشَة إِنَّهَا ليهون على الْمَوْت أَنِّي قد رَأَيْتُك زَوْجَتي فِي الْجنَّة وروى ابْن عَسَاكِر بِلَفْظ مَا أُبَالِي الْمَوْت مُنْذُ علمت أَنَّك زَوْجَتي فِي الْجنَّة وروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قيل يَا رَسُول الله أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ عَائِشَة قيل فَمن الرِّجَال قَالَ أَبوهَا وروى أَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِسَنَد حسن عَن عَائِشَة قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله وَأَنا أبْكِي فَقَالَ مَا يبكيك قلت سبتني فَاطِمَة فَقَالَ يَا فَاطِمَة أسببت عَائِشَة قَالَت نعم قَالَ أَلَيْسَ تحبين من أحب قَالَت بلَى وتبغضين من أبْغض قَالَت بلَى قَالَ فَانِي احب عَائِشَة فأحببيها قَالَت فَاطِمَة لَا أَقُول لعَائِشَة شَيْئا يؤذيها أبدا وروى النَّسَائِيّ عَنْهَا مَا علمت حَتَّى دخلت عَليّ زَيْنَب بِغَيْر إِذن وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 غَضبى ثمَّ قَالَت لرَسُول الله أحسبك إِذا قلبت لَك بنت أبي بكر ذُرَيْعَتَيْهَا ثمَّ أَقبلت عَليّ فَأَعْرَضت عَنْهَا حَتَّى قَالَ لي دُونك فَانْتَصِرِي فَأَقْبَلت عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتهَا قد يَبِسَتْ ريقتها فِي فمها مَا ترد على شَيْئا فرأيته يَتَهَلَّل وَجهه وروى البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت أرسل أَزوَاج النَّبِي فَاطِمَة إِلَيّ النَّبِي فاستأذنت وَالنَّبِيّ مَعَ عَائِشَة فِي مرْطهَا فَأذن لَهَا فَدخلت فَقَالَت إِن أَزوَاجك أرسلنني يسألنك الْعدْل فِي بنت أبي قُحَافَة قَالَ أَي بنية أتحبين مَا أحب قَالَت بلَى قَالَ فأحبي هَذِه فَقَامَتْ فَخرجت فحدثتهن فَقُلْنَ مَا أغنيت عَنَّا شَيْئا فارجعي إِلَيْهِ فَقَالَت وَالله لَا ُأكَلِّمهُ فِيهَا أبدا وروى ابْن أبي خَيْثَمَة أَن النِّسَاء قُلْنَ لأم سَلمَة قولي لرَسُول الله إِن النَّاس تَأْتِيك هداياهم يَوْم عَائِشَة فَقل للنَّاس يهدوا إِلَيْك حَيْثُ مَا كنت فَإنَّا نحب الْخَيْر كَمَا تحبه عَائِشَة فَلَمَّا جاءها رَسُول الله قَالَت لَهُ ذَلِك فَأَعْرض عَنْهَا فَلَمَّا ذهب جَاءَ النِّسَاء إِلَى أم سَلمَة يقلن مَا قَالَ لَك رَسُول الله قَالَت قد قلت لَهُ فَأَعْرض عَن فَقُلْنَ لَهَا عودي فَقولِي لَهُ أَيْضا فَلَمَّا دَار إِلَيْهَا قَالَت لَهُ مثل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 فَقَالَ لَهَا يَا أم سَلمَة لَا تؤذيني فِي عَائِشَة فوَاللَّه مَا مِنْكُن امْرَأَة ينزل عَليّ الْوَحْي فِي ثوبها إِلَّا عَائِشَة وروى أَبُو عَمْرو بن السماك أَن عَائِشَة قَالَت اني لأفخر على ازواج النَّبِي بِأَرْبَع ابتكرني وَلم يبتكر امْرَأَة غَيْرِي وَلم ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن مُنْذُ دخل عَليّ إِلَّا فِي بَيْتِي وَنزل فِي عُذْري قُرْآن يُتْلَى واتاه جِبْرِيل بصورتين مرَّتَيْنِ قبل أَن يملك عقدي وروى الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار بِرِجَال ثِقَات وَابْن حبَان عَنْهَا قَالَت رَأَيْت رَسُول الله طيب النَّفس فَقلت يَا رَسُول الله ادْع لي فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لعَائِشَة مَا تقدم من ذنبها وَمَا تَأَخّر وَمَا أسرت وَمَا أعلنت فَضَحكت عَائِشَة حَتَّى سقط رَأسهَا فِي حجرها من الضحك فَقَالَ رَسُول الله أسرك دعائي فَقَالَت مَا لي لَا يسرني دعاؤك فَقَالَ فوَاللَّه إِنَّهَا لدعوتي لأمي فِي كل صَلَاتي وروى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يقبلهَا وَهُوَ صَائِم ويمص لسانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وروى ابْن عَسَاكِر عَنْهَا أَنه كَانَ بَينهَا وَبَين رَسُول الله كَلَام فَقَالَ لَهَا من ترْضينَ بيني وَبَيْنك اترضين بعمر بن الْخطاب قَالَت لَا عمر فظ غليظ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أترضين بأبيك بَين وَبَيْنك قَالَت نعم فَبعث إِلَيْهِ رَسُول الله فَقَالَ إِن هَذِه من أمرهَا كَذَا وَمن أمرهَا كَذَا قَالَت فَقلت اتَّقِ الله وَلَا تقل إِلَّا حَقًا قَالَت فَرفع أَبُو بكر يَده فرثم أنفي وَقَالَ أَنْت لَا أم لَك يَا ابْنة أم رُومَان تَقُولِينَ الْحق أَنْت وابوك وَلَا يَقُوله فابتدرني منخراي كَأَنَّهُمَا عزلاوان فَقَالَ رَسُول الله إِنَّا لم نَدعك لهَذَا قَالَت ثمَّ قَامَ إِلَى جَرِيدَة فِي الْبَيْت وَجعل يضربني بهَا فوليت هاربة مِنْهُ فلزقت برَسُول الله فَقَالَ أَقْسَمت عَلَيْك لما خرجت فَإنَّا لم نَدعك لهَذَا فَلَمَّا خرج قُمْت فتنحيت عَن رَسُول الله فَقَالَ ادني مني فأبيت أَن أفعل فَتَبَسَّمَ رَسُول الله وَقَالَ لَهَا لقد كنت من قبل شَدِيدَة اللصوق لي بظهري وروى مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْهَا قَالَت قَالَ لي رَسُول الله إِنِّي لأعْلم إِذا كنت عَليّ راضية وَإِذا كنت عَليّ غَضبى قَالَت فَقلت بِمَ تعلم ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ إِذا كنت راضية عَلَيْهِ قلت لَا وَرب مُحَمَّد وَإِذا كنت غَضبى قلت لَا وَرب إِبْرَاهِيم قلت صدقت يَا رَسُول الله مَا أَهجر إِلَّا اسْمك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن عدي والإسماعيلي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله جَالِسا فسمعنا لَغطا وَصَوت صبيان فَقَامَ رَسُول الله فَإِذا بِالْحَبَشَةِ يزفنون ويلعبون بِحِرَابِهِمْ فِي الْمَسْجِد وَالصبيان حَولهمْ فَقَالَ يَا عَائِشَة تعالي فانظري وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ يَا حميراء أتحبين أَن تنظري إِلَيْهِم فَقلت نعم فَوضعت خدي على منْكب رَسُول الله وَهُوَ يسترني بردائه فَجعلت أنظر بَين الْمنْكب إِلَى رَأسه فَجعل يَقُول يَا عَائِشَة أما شبعت أما شبعت وَفِي رِوَايَة حَسبك قلت يَا رَسُول الله لَا تعجل فَقَامَ ثمَّ قَالَ حَسبك قلت لَا تعجل يَا رَسُول الله إِنِّي أحب النّظر إِلَيْهِم تَقول عَائِشَة قد بلغت الْقَصْد من النّظر إِلَيْهِم وَلَكِن أَحْبَبْت أَن يبلغ النِّسَاء مقَامه لي ومكاني مِنْهُ وَفِي لفظ فَأَقُول لَا لأنظر منزلتي عِنْده وَلَقَد رَأَيْته يزاوج بَين قدمية إِذا طلع عمر فَارْفض النَّاس عَنْهُم وَالصبيان فَقَالَ رَسُول الله إِنِّي لأنظر إِلَى شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ قد فروا من عمر ورى البرقاني عَنْهَا قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله وَعِنْدِي جاريتان تُغنيَانِ بغناء بُعَاث فاضطجع على الْفراش وحول وَجهه وَدخل أَبُو بكر فَانْتَهرنِي وَقَالَ مزمارة الشَّيْطَان عِنْد رَسُول الله فَأقبل عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ دعها فَلَمَّا غفل غمزتهما فخرجتا وَقَالَت كَانَ يَوْم عيد تلعب السودَان بالدف والحراب إِلَى آخر الحَدِيث الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وروى النَّسَائِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت زارتنا سَوْدَة يَوْمًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بيني وَبَينهَا إِحْدَى رجلَيْهِ فِي حجري وَالْأُخْرَى فِي حجرها فَحملت لَهُ حريرة أَو قَالَت خزيرة فَقلت كلي فَأَبت فَقلت كلي أَو لألطخن وَجهك فَأَبت فَأخذت من الْقَصعَة شَيْئا فلطخت بِهِ وَجههَا فَضَحِك رَسُول الله وَرفع رجله عَن حجرها لتبعد مني وَقَالَ الطخي وَجههَا فَأخذت من الْقَصعَة شَيْئا ولطخت بِهِ وَجْهي وَرَسُول الله يضْحك وروى ابْن أبي شيبَة عَن قيس بن وهب قَالَ قلت لعَائِشَة أَخْبِرِينِي عَن خلق رَسُول الله قَالَت أَو مَا تقْرَأ الْقُرْآن {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقِ عَظِيمٍ} نون 4 قَالَت جَاءَنِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ أَصْحَابه فصنعت لَهُم طَعَاما وصنعت لَهُ حَفْصَة طَعَاما فسبقتني حَفْصَة فَقلت لِلْجَارِيَةِ انطلقي فاكفئي قصعتها فلحقتها وَقد هوت أَن تضع بَين يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فكفأتها فَانْكَسَرت الْقَصعَة وانتثر الطَّعَام فجمعها رَسُول الله وَمَا فِيهَا من الطَّعَام على الأَرْض وَبعث بقصعتي فَدَفعهَا إِلَى حَفْصَة فَقَالَ ظرفا مَكَان ظرف قَالَت فَمَا رَأَيْت فِي وَجهه تغيراً وروى النَّسَائِيّ عَن أم سَلمَة أَنَّهَا أَتَت بِطَعَام فِي صفحة لَهَا وروى مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن الله عز وَجل أنزل الْخِيَار فَبَدَأَ بعائشة وَقَالَ إِنِّي أذكر لَك أمرا مَا أحب أَن تعجلِي فِيهِ حَتَّى يَأْتِي أَبُو بكر قَالَت مَا هُوَ فَتلا رَسُول الله {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الحيواة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الْأَحْزَاب 28 إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَت أفيك أَستَأْمر أبي بل أخْتَار الله وَرَسُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وروى أَبُو طَاهِر عَن الشّعبِيّ وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن عَمْرو بن الْحَارِث بن المصطلق قَالَ بعث زِيَاد بن أُميَّة مَعَ عَمْرو بن الْحَارِث بِهَدَايَا وأموال إِلَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ ففضل عَائِشَة عَلَيْهِنَّ فَجعل رَسُول يعْتَذر إِلَى أم سَلمَة وَصفِيَّة فَقُلْنَ يعْتَذر إِلَيْنَا زِيَاد فقد كَانَ يفضلها من كَانَ أعظم علينا تَفْضِيلًا من زِيَاد رَسُول الله وروى ابْن سعد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت فضلت على نسَاء النَّبِي بخصال عشر قيل وَمَا هن يَا أم الْمُؤمنِينَ قَالَت لم ينْكح بكرا غَيْرِي وَلم ينْكح امْرَأَة ابوها مُهَاجرا غَيْرِي وَأنزل الله براءتي من السَّمَاء وجاءه جِبْرِيل بِصُورَتي من السَّمَاء فِي حريرة وَقَالَ تزَوجهَا فَإِنَّهَا امْرَأَتك وَكنت أَغْتَسِل أَنا وَهُوَ من إِنَاء وَاحِد وَلم يكن يصنع ذَلِك بِأحد من نِسَائِهِ وَكَانَ يُصَلِّي وَأَنا مُعْتَرضَة بَين يَدَيْهِ وَكَانَ ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَهُوَ معي وَلم يكن ينزل عَلَيْهِ وَهُوَ مَعَ أحد من نِسَائِهِ وَقَبضه الله وَهُوَ بَين سحرِي وَنَحْرِي وَدفن فِي بَيْتِي وَرَأَيْت جِبْرِيل وَلم يره أحد من نِسَائِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وروى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن أبي خَيْثَمَة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا اشكل علينا أَصْحَاب رَسُول الله حَدِيث قطّ فسألنا عَنهُ عَائِشَة إِلَّا وجدنَا عِنْدهَا مِنْهُ علما وروى الطَّبَرَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله قَالَ لَو جمع نسَاء هَذِه الْأمة فِيهِنَّ أَزوَاج النَّبِي كَانَ علم عَائِشَة أَكثر من علمهن وروى الْحَاكِم بِسَنَد حسن عَن مَسْرُوق أَنه كَانَ يحلف بِاللَّه لقد رَأَيْت الأكابر من أَصْحَاب رَسُول الله يسْأَلُون عَائِشَة عَن الْفَرَائِض وروى الطَّبَرَانِيّ عَن مُوسَى بن طَلْحَة مَا رَأَيْت أحدا كَانَ أفْصح من عَائِشَة وروى أَبُو عمر وَابْن عَسَاكِر عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ مَا رَأَيْت أحدا أعرف بِالْقُرْآنِ وَلَا بفريضة وَلَا بحلال وَلَا بِحرَام وَلَا بِفقه وَلَا بطب وَلَا بِحَدِيث الْعَرَب وَلَا بِنسَب من عَائِشَة وروى عَن عُرْوَة وَقد قيل لَهُ مَا أرواك وَكَانَ أروى النَّاس للشعر فَقَالَ مَا رِوَايَة فِي عَائِشَة مَا كَانَ ينزل بهَا شَيْء إِلَّا أنشدت فِيهِ شعرًا وروى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الإِمَام أَحْمد عَن عُرْوَة أَيْضا أَنه كَانَ يَقُول لعَائِشَة يَا أُمَّاهُ لَا أعجب من فقهك أَقُول زَوْجَة رَسُول الله وَابْنَة أبي بكر وَلَا أعجب من علمك بالشعر وَأَيَّام النَّاس أَقُول ابْنة أبي بكر وَكَانَ أعلم أَو من أعلم النَّاس بأيام الْعَرَب وأنسابها وَلَكِن أعجب من علمك بالطب كَيفَ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ فَضربت على مَنْكِبه وَقَالَت أَي عرية تَصْغِير عُرْوَة إِن رَسُول الله كَانَ يسقم وَفِي لفظ كثرت أسقامه آخر عمره فَكَانَت تقدم عَلَيْهِ وُفُود الْعَرَب من كل وَجه فَكَانَت تنْعَت لَهُ الألعاق وَكنت أعالجها فَمن ثمَّ وروى الْحَاكِم وَأَبُو عمر وَابْن الْجَوْزِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ لَو جمع علم النَّاس كلهم ثمَّ علم أَزوَاج رَسُول الله لكَانَتْ عَائِشَة أوسعهم علما وروى الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد وَالْحَاكِم عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ سَمِعت خطْبَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَالْخُلَفَاء وهلم جرا فَمَا سَمِعت لكَلَام مَخْلُوق مِنْهُم أفخم وَلَا أحسن من فِي عَائِشَة وروى ابْن أبي خَيْثَمَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ قَالَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان يَا زِيَاد أَي النَّاس أعلم قَالَ أَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أعزم عَلَيْك قَالَ أما إِذا عزمت عَليّ فعائشة وروى البلاذري عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ كَانَت عَائِشَة قد اسْتَقَلت بالفتوى زمن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وهلم جرا إِلَى أَن مَاتَت وعنها رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كنت أَدخل الْبَيْت الَّذِي دفن فِيهِ رَسُول الله وابي وَاضِعَة ثوبي عني واقول إِنَّمَا هما زَوجي وَأبي فَلَمَّا دفن عمر وَالله مَا دَخلته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 إِلَّا مشدودة عَليّ ثِيَابِي حَيَاء من عمر وروى أَبُو يعلى وَأَبُو الشَّيْخ ابْن حَيَّان وَسَنَده حسن عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ متاعي فِيهِ خفَّة وَكَانَ على جمل قارح وَكَانَ مَتَاع صَفِيَّة فِيهِ ثقل وَكَانَ على جمل ثفال بطيء فَقَالَ رَسُول الله حولوا مَتَاع عَائِشَة على جمل صَفِيَّة وحولوا مَتَاع صَفِيَّة على جمل عَائِشَة فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك قلت يَا لعباد الله غلبتنا هَذِه الْيَهُودِيَّة على رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله يَا أم عبد الله إِن متاعك فِيهِ خف ومتاع صَفِيَّة فِيهِ ثقل فَأَبْطَأَ بالركب فحولنا متاعها على بعيرك وحولنا متاعك على بَعِيرهَا فَقَالَت عَائِشَة أَلَسْت تزْعم أَنَّك رَسُول الله فَتَبَسَّمَ رَسُول الله وَقَالَ أَو فيّ شكّ فَقلت أَلَسْت تزْعم أَنَّك رَسُول الله فَهَلا عدلت فسمعني أَبُو بكر وَكَانَ فِيهِ غرب أَي حِدة فَأقبل عَليّ وَلَطم وَجْهي فَقَالَ رَسُول الله مهلا يَا أَبَا بكر فَقَالَ يَا رَسُول الله أما سَمِعت مَا قَالَت فَقَالَ رَسُول الله إِن الْغيرَة لَا تبصر أَسْفَل الْوَادي من أَعْلَاهُ وروى ابْن أبي خَيْثَمَة عَن عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لَهُ إِذا أَنا مت فادفني مَعَ صواحبي بِالبَقِيعِ وَكَانَت وفاتها فِي رَمَضَان لَيْلَة الثُّلَاثَاء لسبع عشرَة خلت مِنْهُ على الصَّحِيح عِنْد الْأَكْثَرين سنة ثَمَان وَخمسين من الْهِجْرَة وَصلى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة خَليفَة مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ روى لَهَا عَن رَسُول الله ألف وَمِائَتَا حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث اتّفق البُخَارِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَمُسلم مِنْهَا على مائَة وَأَرْبَعَة وَسبعين حَدِيثا وَانْفَرَدَ الأول بأَرْبعَة وَخمسين حَدِيثا وَالثَّانِي بِمِائَة وَسبعين وروى عَنْهَا خلق كثير من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَأما أم الْمُؤمنِينَ حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا فأمها زَيْنَب بنت مَظْعُون اسلمت وَهَاجَرت وَكَانَت قبل رَسُول الله تَحت خُنَيْس بن حذافة السَّهْمِي هَاجَرت مَعَه وَمَات عَنْهَا بعد غَزْوَة بدر فَلَمَّا تأيمت ذكرهَا عمر على أبي بكر وَعُثْمَان فَلم يجبهُ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى زواجها فَخَطَبَهَا رَسُول الله فأنكحه إِيَّاهَا فِي شَوَّال سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَطَلقهَا رَسُول الله تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثمَّ رَاجعهَا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي رَاجع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَإِنَّهَا زَوجتك فِي الْجنَّة روى عَنْهَا جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَفِي تَارِيخ الْخَمِيس توفّي عَنْهَا زَوجهَا خُنَيْس أَو حُبَيْش بن حذافة بِالْمَدِينَةِ بعد شُهُوده بَدْرًا مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فعرضها عمر أَبوهَا على أبي بكر فَلم يجبهُ بِشَيْء ثمَّ عرضهَا على عُثْمَان فَلم يجبهُ بِشَيْء فَشَكا عمر إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله عرضت على عُثْمَان حَفْصَة فَأَعْرض عني فَقَالَ رَسُول الله هَل لَك فِي خير من ذَلِك أَتزوّج أَنا حَفْصَة وأزوج عُثْمَان أم كُلْثُوم أخرجه أَبُو عمر وَقَالَ حَدِيث صَحِيح وَعَن ربعي بن حِرَاش عَن عُثْمَان أَنه خطب إِلَى عمر ابْنَته فَرده فَبلغ ذَلِك النَّبِي فَلَمَّا رَاح إِلَيْهِ عمر قَالَ لَهُ أدلك على خير لَك من عُثْمَان وأدل عُثْمَان على خير لَهُ مِنْك قَالَ نعم يَا نَبِي الله قَالَ تزَوجنِي ابْنَتك وأزوج عُثْمَان ابْنَتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 اخْرُج الخجندي قلت مَا رَوَاهُ الخجندي يُخَالف مَا تقدم عَن تَارِيخ الْخَمِيس فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ عرض ابْنَته على عُثْمَان واعرض عُثْمَان عَنهُ وَمَا رَوَاهُ الخجندي خطب عُثْمَان إِلَى عمر ابْنَته فَرده فَلْينْظر وَجه الْوِفَاق وَالله أعلم وَتزَوج عُثْمَان أم كُلْثُوم بعد رقية وَتزَوج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَفْصَة ثمَّ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طَلقهَا فَأَتَاهَا خالاها قدامَة بن مَظْعُون وَعُثْمَان بن مَظْعُون فَبَكَتْ وَقَالَت وَالله مَا طَلقنِي رَسُول الله عَن شبع روى أَنه لما بلغ خبر طَلَاقا أَبَاهَا عمر حثا على رَأسه التُّرَاب وَقَالَ مَا يعبأ الله بعمر وَابْنَته بعد هَذَا فَنزل جِبْرِيل من الْغَد وَقَالَ للنَّبِي إِن الله يَأْمُرك أَنْت تراجع حَفْصَة رَحْمَة لعمر فجَاء رَسُول الله فَقَالَ إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ لي رَاجع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَإِنَّهَا زَوجتك فِي الْجنَّة وَفِي رِوَايَة هم بِطَلَاقِهَا وَلم يُطلق وروى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لما تزَوجهَا رَسُول الله قلت لأبي بكر مَا حملك على مَا صنعت قَالَ إِن رَسُول الله قد ذكرهَا فَمن ذَلِك سكت عَنْك وأعرضت فَكَانَت عِنْد النَّبِي قَرِيبا من ثَمَانِينَ سِنِين قَالَ الْعَلامَة الشَّامي كَانَ زَوجهَا خُنَيْس بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة بعْدهَا نون ثمَّ يَاء وسين مِمَّن شهد بَدْرًا فَعَاد إِلَى الْمَدِينَة فَمَاتَ بهَا من جراحات أَصَابَته يَوْم بدر توفيت حَفْصَة فِي شعْبَان سنة خمس وَأَرْبَعين بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وَبكى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 عَلَيْهَا مَرْوَان بن الحكم أَمِير الْمَدِينَة وَحمل سريرها بعض الطَّرِيق ثمَّ حمل أَبُو هُرَيْرَة إِلَى قبرها فَنزل فِي قبرها عبد الله وَعَاصِم ابْنا عمر رَضِي الله عَنْهُم وَسَالم وَعبد الله وَحَمْزَة أَبنَاء عبد الله بن عمر وَقد بلغت سِتِّينَ سنة وَقيل مَاتَت سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعين وأوصت إِلَى عبد الله أَخِيهَا بِمَا أوصى إِلَيْهَا أَبوهَا عمر وتصدقت بِمَال لَهَا وقفته بِالْغَابَةِ مروياتها سَبْعُونَ حَدِيثا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم مِنْهَا على أَرْبَعَة وَانْفَرَدَ مُسلم بِسِتَّة والباقية فِي سَائِر الْكتب وَأما أم الْمُؤمنِينَ زَيْنَب بنت خُزَيْمَة بن الْحَارِث بن عبد الله بن عَمْرو بن عبد منَاف ابْن هِلَال الْهِلَالِيَّة فَتَزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي رَمَضَان من السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة تكنى أم الْمَسَاكِين لإطعامها إيَّاهُم كَانَت تَحت عبد الله بن جحش فِي قَول الزُّهْرِيّ قتل عَنْهَا يَوْم أحد فَتَزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم تلبث عِنْده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة أشهر توفيت فِي حَيَاته وَقيل مكثت عِنْده ثَمَانِيَة أشهر ذكره الفضائلي قَالَ الشَّامي فِي سيرته قَالَ قَتَادَة بن دعامة كَانَت قبل رَسُول الله عِنْد الطُّفَيْل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَلما خطبهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جعلت أمرهَا إِلَيْهِ فَتَزَوجهَا وَأشْهد وَأصْدقهَا اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشاً روى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح عَن ابْن إِسْحَاق تزوج النَّبِي زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة أم الْمَسَاكِين كَانَت قبله عَن الْحصين أَو عِنْد الطُّفَيْل بن الْحَارِث بِالْمَدِينَةِ وَهِي أول نِسَائِهِ موتا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ كَانَت عِنْد الطُّفَيْل بن الْحَارِث فَطلقهَا فَتَزَوجهَا أَخُوهُ عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَقتل عَنْهَا يَوْم بدر شَهِيدا ثمَّ خلف عَلَيْهَا رَسُول الله قبل أَن يتَزَوَّج أُخْتهَا لأمها مَيْمُونَة قَالَ ابْن أبي خثيمَةَ كَانَت تمسى أم الْمَسَاكِين فِي الْجَاهِلِيَّة وأرادت أَن تعْتق جَارِيَة لَهَا سَوْدَاء فَقَالَ لَهَا رَسُول الله أَلا تفدين بهَا بني أَخِيك أَو ابْني أَخِيك من رِعَايَة الْغنم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وَأما أم الْمُؤمنِينَ أم سَلمَة هِنْد وَقيل رَملَة وَالْأول أصح بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن مَخْزُوم بن نقطة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي وَاسم أبي أُميَّة سُهَيْل وَيُقَال لَهُ زَاد الرَّاكِب وَقَالَ أَبُو عَمْرو تزَوجهَا رَسُول الله سنة أَربع فِي شَوَّال كَذَا فِي السمط الثمين قَالَ فِي الْمَوَاهِب تزَوجهَا فِي لَيَال بَقينَ من شَوَّال من السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَبُو سَلمَة وَمَات أَبُو سَلمَة سنة أَربع وَقيل سنة ثَلَاث وَكَانَت أم سَلمَة سَمِعت مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول مَا من مُسلم تصيبه مُصِيبَة فَيَقُول اللَّهُمَّ آجرني فِي مصيبتي واخلف لي خيرا مِنْهَا إِلَّا أخلف الله لَهُ خيرا مِنْهَا قَالَ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلمَة قلت أَي الْمُسلمين خير من أبي سَلمَة ثمَّ إِنِّي قلتهَا فأخلف الله لي رَسُول الله فَأرْسل إِلَيّ حَاطِب بن أبي بلتعة يخطبني لَهُ وَكَانَت قبله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَحت أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي وَكَانَت هِيَ وَزوجهَا الْمَذْكُور أول من هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَولدت لَهُ بهَا زَيْنَب وَولدت لَهُ بعد ذَلِك سَلمَة وَعمر ودرة وَقيل هِيَ أول ظَعِينَة دخلت الْمَدِينَة مهاجرة وَلما مَاتَ زَوجهَا أَبُو سَلمَة خطبهَا عمر رَضِي الله عَنهُ فَأَبت فَأرْسل إِلَيْهَا رَسُول الله فَقَالَت مرْحَبًا برَسُول الله إِن فيّ خلالاً ثَلَاثًا أَنا امْرَأَة شَدِيدَة الْغيرَة وَأَنا امْرَأَة مصبية وَأَنا امْرَأَة لَيْسَ هُنَا أحد من أوليائي فيزوجني فَغَضب عمر رَضِي الله عَنهُ لرَسُول الله أَشد مِمَّا غضب لنَفسِهِ حِين ردته فَأَتَاهَا رَسُول الله فَقَالَ أما مَا ذكرت من غيرتك فَإِنِّي أَدْعُو الله أَن يذهبها عَنْك وَأما مَا ذكرت من صبيتك فَإِن الله سيكفيهم وَأما مَا ذكرت من أوليائك فَمَا أحد مِنْهُم يكرهني فَقَالَت لابنها عمر زَوجنِي عَلَيْهِ قلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 لَعَلَّ هَذَا من خصوصياته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ قَوَاعِد مَذْهَبنَا أَن الابْن لَا يُزَوّج أمه إِلَّا إِن كَانَ ابْن ابْن عَم لَهَا وَالله سُبْحَانَهُ أعلم فيزوج بِجِهَة الْعُصُوبَة حِينَئِذٍ لَا بِجِهَة الْبُنُوَّة انْتهى قَالَ صَاحب السمط الثمين رَوَاهُ بِهَذَا السِّيَاق هدبة بن خَالِد وَصَاحب الصفوة وَخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ طرفا مِنْهُ وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيح وَفِيه دلَالَة على أَن الابْن يَلِي العقد على أمه وَعِنْدنَا أَنه إِنَّمَا زَوجهَا بالعصوبة لِأَنَّهُ ابْن ابْن عَمها لِأَن أَبَا سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله وَأم سَلمَة هِنْد بنت سهل ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله وَلم يكن من عصبتها أحد حَاضرا غَيره وَكَانَت أم سَلمَة من أجل النَّاس روى عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت لما تزوج رَسُول الله أم سَلمَة حزنت حزنا شَدِيدا لما ذكرُوا لي من جمَالهَا فاطلعت حَتَّى رَأَيْتهَا وَالله أَضْعَاف مَا ذكرت لي فِي الْحسن فَذكرت ذَلِك لحفصة وكانتا يدا وَاحِدَة فَقَالَت لَا وَالله إِن هَذَا إِلَّا لغيرة مَا هِيَ كَمَا يَقُولُونَ فتلطفت بهَا حَفْصَة حَتَّى رأتها فَقَالَت رَأَيْتهَا لَا وَالله مَا هِيَ كَمَا يَقُولُونَ وَلَا قَرِيبا مِنْهُ وَإِنَّهَا لجميلة قَالَت عَائِشَة فرأيتها بعد فَكَانَت كَمَا قَالَت حَفْصَة وَلَكِنِّي كنت غيراء وَفِي السمط الثمين فِي مَنَاقِب أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ أرسل إِلَيْهَا رَسُول الله حَاطِب بن أبي بلتعة يخطبها فَقَالَ لَهَا رَسُول الله أما إِنِّي لم أنقصك عَمَّا أَعْطَيْت فُلَانَة يَعْنِي زَيْنَب بنت خُزَيْمَة وَكَانَت قد مَاتَت زَيْنَب قبلهَا قيل لأم سَلمَة مَا أعْطى فُلَانَة قَالَت أَعْطَاهَا جرتين تضع فيهمَا حبها ورحى ووسادة من أَدَم حشوها لِيف ثمَّ انْصَرف حَاطِب فَأقبل رَسُول الله يَأْتِيهَا فَلَمَّا رَأَتْهُ وضعت زَيْنَب أَصْغَر وَلَدهَا فِي حجرها فَرجع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ عَاد مرّة ثَانِيَة فَفعلت ذَلِك أَيْضا فقطن عمار فَأقبل مسرعاً بَين يَدي رَسُول الله وَكَانَ اخاها لأمها وانتزعها من حجرها وَقَالَ هَاتِي هَذِه المقبوحة المشقوحة الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 منعت رَسُول الله فجَاء رَسُول الله فَلم يرهَا فِي حجرها فَقَالَ أَيْن زناب قَالَت أَخذهَا عمار فَدخل رَسُول الله إِلَى أَهله فَكَانَت أم سَلمَة فِي النِّسَاء كَأَنَّهَا لم تكن مِنْهُنَّ وَلَا تَجِد مَا يجدن من الْغيرَة قلت هَذَا لَا يُخَالف مَا تقدم من قَوْلهَا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ابْتِدَاء الْخطْبَة أَنا امْرَأَة شَدِيدَة الْغيرَة لِأَنَّهَا كَانَت كَذَلِك قبل الدعْوَة بإذهاب غيرتها وَمَا هُنَا بعْدهَا انْتهى قَالَ أنس إِن النَّبِي تزوج أم سَلمَة على مَتَاع قِيمَته عشرَة دَرَاهِم وروى أَنه لما تزَوجهَا نقلهَا إِلَى بَيت زَيْنَب بنت خُزَيْمَة بعد مَوتهَا فَدخلت فرأت جرة فِيهَا شعير ورحى وبرمته فطحنته ثمَّ عجنته ثمَّ عصدته فِي البرمة فأدمته بإهالة وروى عَن هِنْد بنت الْحَارِث الفراسية قَالَت قَالَ رَسُول الله إِن لعَائِشَة مني شُعْبَة مَا نزلها مني أحد فَلَمَّا تزوج أم سَلمَة قيل يَا رَسُول الله مَا فعلت تِلْكَ الشعبة فَسكت فَيُوجب أَن أم سَلمَة نزلتها قَالَ فِي السِّيرَة الشامية مَاتَ زَوجهَا أَبُو سَلمَة سنة أَربع شهد بَدْرًا وأحداً وَرمى بِهِ بِسَهْم فِي عضده فَمَكثَ شهرا يداويه ثمَّ برأَ الْجرْح بَعثه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هِلَال الْمحرم على رَأس خَمْسَة وَثَلَاثِينَ شهرا من مهاجره وَبعث مَعَه مائَة وَخمسين رجلا إِلَى قطن جبل بِنَجْد فَغَاب تسعا وَعشْرين لَيْلَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة فانتفض جرحه فَمَاتَ مِنْهُ لثمان خلون من جمادي الْآخِرَة سنة أَربع فاعتدت أم سَلمَة وحلت لعشر بَقينَ من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فَتَزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ليل بَقينَ من شَوَّال الْمَذْكُور وَلَو لم يكن من فَضلهَا إِلَّا مشورتها على رَسُول الله بِالْحلقِ فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة لما امْتنع مِنْهُ أَكثر أَصْحَابه لكفاها وروى أَبُو الْحُسَيْن الخلعي عَن عَمْرو بن شُعَيْب أَنه دخل على زَيْنَب بنت أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 سَلمَة فَحَدَّثته إِن رَسُول الله كَانَ عِنْد أم سَلمَة فَجعل حسنا من شقّ وَحسَيْنا من شقّ وَفَاطِمَة فِي حجره وَقَالَ {رحمت الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} هود 73 وَأَنا وَأمي أم سَلمَة جالسان فَبَكَتْ اسْم سَلمَة فَقَالَ رَسُول الله إِنَّك من أهل الْبَيْت وروى عمر الملا عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله إِذا صلى الْعَصْر دخل على نِسَائِهِ وَاحِدَة وَاحِدَة يبْدَأ بِأم سَلمَة لِأَنَّهَا أكبرهن وَيخْتم بعائشة وروى الإِمَام أَحْمد عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أمه عَن أم كُلْثُوم قَالَت لما تزوج رَسُول الله أم سَلمَة قَالَ يَا أم سَلمَة إِنِّي قد أهديت إِلَى النَّجَاشِيّ حلَّة وأواقي مسك وَلَا أرى النَّجَاشِيّ إِلَّا قد مَاتَ وَلَا أرى هديتي إِلَّا مَرْدُودَة فَهِيَ لَك فَكَانَ كَمَا قَالَ وَردت إِلَيْهِ هديته فَأعْطى كل وَاحِدَة مِنْهُم أُوقِيَّة وَأعْطى أم سَلمَة الْمسك والحلة وروى عَنْهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي فأنقضه لغسل الْجَنَابَة فَقَالَ رَسُول الله لَا إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات ثمَّ تفيضي عَلَيْك بِالْمَاءِ فتطهري وروى الإِمَام أَحْمد والشيخان عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قَالَا إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 رَسُول الله صَالح أهل مَكَّة وَكتب كتاب الصُّلْح بَينه وَبينهمْ فَلَمَّا فرغ قَالَ للنَّاس قومُوا فَانْحَرُوا ثمَّ احْلقُوا قَالَ فوَاللَّه مَا قَامَ مِنْهُم رجل حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَلَمَّا فرغ قَالَت أم سَلمَة يَا رَسُول الله لَا ترى أحدا مِنْهُم يفعل ذَلِك حَتَّى تنحر بدنك وَتَدْعُو الحلاق فيحلقك فَخرج فَفعل فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَامُوا ونحروا حَتَّى كَادُوا يقتتلون على الحلاق وَجعل بَعضهم يحلق بَعْضًا توفيت أم سَلمَة فِي خلَافَة يزِيد بن مُعَاوِيَة سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ على الصَّحِيح واستخلف يزِيد سنة سِتِّينَ بعد مَا جاءها الْخَبَر بقتل الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَلها من الْعُمر أَربع وَثَمَانُونَ سنة على الصَّوَاب وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن الْهَيْثَم بن عدي قَالَ أول من مَاتَ من أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زَيْنَب بنت جحش وآخرهن موتا أم سَلمَة هَذِه وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَوْلَاد سَلمَة أكبرهم وَعمر وَزَيْنَب أَصْغَرهم ربوا فِي حجر النَّبِي وَاخْتلف فِيمَن زَوجهَا من النَّبِي فَقيل وَلَدهَا عمر كَمَا تقدم وَقيل غَيره وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ وَزوج سَلمَة هَذَا النَّبِي أُمَامَة وَقيل فَاطِمَة بنة حَمْزَة بن عبد الْمطلب وعاش سَلمَة إِلَى خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان وَلم تحفظ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 رِوَايَة وَأما اخوه عمر بن أبي سملة فَلهُ رِوَايَة وَتُوفِّي رَسُول الله وَله تسع سِنِين ومولده كَانَ بِالْحَبَشَةِ وَاسْتَعْملهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ على فَارس والبحرين وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ سنة ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ فِي خلَافَة عبد الْملك وَأما زَيْنَب بنت أبي سَلمَة فَولدت بِأَرْض الْحَبَشَة وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها رَسُول الله زَيْنَب دخلت على رَسُول الله وَهُوَ يغْتَسل فنضح فِي وَجههَا شئيا من المَاء فَلم يزل مَاء الشَّبَاب فِي وَجههَا حَتَّى كَبرت وعجزت قَالَ العطاف قَالَت أُمِّي رَأَيْت وَجه زَيْنَب وَهِي عَجُوز كَبِيرَة مَا نقص من وَجههَا شَيْء تزَوجهَا عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود الْأَسدي وَولدت لَهُ وَكَانَت من أفقه أهل زمانها رَضِي الله عَنْهَا وَلما مَاتَت أم سَلمَة دفنت بِالبَقِيعِ وَصلى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة وَقيل سعيد بن زيد وَكَانَ عمرها أَرْبعا وَثَمَانِينَ سنة وَأما أم الْمُؤمنِينَ زَيْنَب بنت جحش وَأمّهَا أُميَّة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم فَكَانَ رَسُول الله زَوجهَا من زيد بن حَارِثَة فَمَكثت عِنْده مُدَّة ثمَّ طَلقهَا فَلَمَّا انْقَضتْ عدتهَا مِنْهُ قَالَ لزيد بن حَارِثَة اذْهَبْ فاذكرني لَهَا فَقَالَ زيد فَذَهَبت فَجعلت ظَهْري إِلَى الْبَاب فَقلت يَا زَيْنَب بعث رَسُول الله يذكرك فَقَالَت مَا كنت لأحدث شَيْئا حَتَّى أؤامر رَبِّي عز وَجل فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِد لَهَا فَأنْزل الله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} الْأَحْزَاب 37 فجَاء رَسُول الله فَدخل عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن أخرجه مُسلم وَقَالَ المُنَافِقُونَ حرم مُحَمَّد نسَاء الْوَلَد وَقد تزوج امْرَأَة ابْنه فَأنْزل الله تَعَالَى {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِجَالِكُمْ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الْأَحْزَاب 40 الْآيَة فَكَانَت زَيْنَب تفتخر على أَزوَاج النَّبِي فَتَقول زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زَيْنَب وَعَن أنس لما تزوج زَيْنَب بنت جحش دَعَا الْقَوْم فطعموا ثمَّ جَلَسُوا يتحدثون فَإِذا هُوَ كَأَنَّهُ يتهيأ للْقِيَام فَلم يقومُوا فَلَمَّا رأى ذَلِك قَامَ وَقَامَ من قَامَ وَقعد ثَلَاثَة نفر فجَاء النَّبِي ليدْخل فَإِذا الْقَوْم جُلُوس ثمَّ إِنَّهُم قَامُوا فَانْطَلَقت فَجئْت فَأخْبرت النَّبِي أَنهم انْطَلقُوا فجَاء حَتَّى دخل فَذَهَبت لأدخل فَألْقى الْحجاب بيني وَبَينه فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيّ} الْأَحْزَاب 53 الْآيَة تزَوجهَا هِلَال ذِي الْقعدَة سنة أَربع من الْهِجْرَة وَهِي بنت خمس وَثَلَاثِينَ سنة يَوْمئِذٍ كَذَا فِي مُخْتَصر سيرة البرماويوقال فِي الْمَوَاهِب سنة خمس وَقيل سنة ثَلَاث وَهِي أول من مَاتَ من أَزوَاجه بعده وروى ابْن أبي شيبَة وَابْن منيع بِسَنَد صَحِيح عَن أنس قَالَ أولم رَسُول الله على زَيْنَب فأشبع الْمُسلمين خبْزًا وَلَحْمًا ثمَّ خرج فَصنعَ كَمَا كَانَ يصنع إِذا تزوج فَأتى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَسلم عَلَيْهِنَّ وسلمن عَلَيْهِ ودعا لَهُنَّ ثمَّ رَجَعَ وَأَنا مَعَه وروى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَت زَيْنَب هِيَ الَّتِي تساميني من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 ازواج النَّبِي فِي حسن الْمنزلَة عِنْده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا رَأَيْت امْرَأَة قطّ خيرا من زَيْنَب وَأتقى لله وأصدق حَدِيثا وأوصل للرحم وَأعظم صَدَقَة وروى أَبُو يعلى بِسَنَد حسن عَن أبي بزْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ لرَسُول الله تسع من النِّسَاء فَقَالَ يَوْمًا خيركن أَطْوَلكُنَّ يدا فَقَامَتْ كل وَاحِدَة تضع يَدهَا على الْجِدَار فَقَالَ لست أَعنِي هَذَا أصنعكن يدين وروى الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله أولكن لحَاقًا بِي أَطْوَلكُنَّ يدا قَالَت فَكُن يَتَطَاوَلْنَ أيتهن أطول يدا قَالَت وَكَانَت أطولنا يدا زَيْنَب أَنَّهَا كَانَت تعْمل بِيَدِهَا وَتَتَصَدَّق وَفِي لفظ البُخَارِيّ فَكُنَّا إِذا اجْتَمَعنَا فِي بَيت إحدانا بعد وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نمد أَيْدِينَا فِي الْجِدَار نتطاول فَلم نزل نَفْعل ذَلِك حَتَّى توفيت زَيْنَب بنت جحش وَكَانَت امْرَأَة قَصِيرَة وَلم تكن بأطولنا فَعرفنَا حِينَئِذٍ أَن النَّبِي إِنَّمَا أَرَادَ طول الْيَد بِالصَّدَقَةِ وروى الطَّبَرَانِيّ عَن رَاشد بن سعد قَالَ دخل رَسُول الله منزله وَمَعَهُ عمر بن الْخطاب فَإِذا هُوَ بِزَيْنَب تصلي وَهِي تَدْعُو فِي صلَاتهَا فَقَالَ النَّبِي إِنَّهَا لأواهة وَقَالَت عَائِشَة لقد ذهبت زَيْنَب حميدة فقيدة مفزعا لِلْيَتَامَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وللأرامل وروى ابْن الْجَوْزِيّ عَن عبد الله بن رَافع عَن بزْرَة بنت رَافع قَالَت لما جَاءَنَا الْعَطاء بعث عمر إِلَى زَيْنَب بنت جحش بِالَّذِي لَهَا فَلَمَّا أَدخل عَلَيْهَا قَالَت غفر الله لعمر غَيْرِي من أخواتي أقدر مني على قسم هَذَا قَالُوا هَذَا كُله لَك قَالَت سُبْحَانَ الله واستترت مِنْهُ بِثَوْب وَقَالَت صبوه واطرحوا عَلَيْهِ ثوبا ثمَّ قَالَت أدخلي يدك فاقبضي مِنْهُ قَبْضَة فاذهبي بهَا إِلَى بني فلَان وَبني فلَان من أهل رَحمهَا وأيتامها فغرفته حَتَّى مَا بَقِي مِنْهُ بَقِيَّة تَحت الثَّوْب فَقَالَت لَهَا بزْرَة بنت رَافع غفر الله لَك يَا أم الْمُؤمنِينَ وَالله لقد كَانَ لنا فِي هَذَا حق قَالَت لكم مَا تَحت الثَّوْب فَوَجَدنَا تَحْتَهُ خَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما ثمَّ رفعت يَدهَا إِلَى السَّمَاء فَقَالَت اللَّهُمَّ لَا يدركني عَطاء عمر بعد عَامي هَذَا فَمَاتَتْ قبله قَالَ فِي الرَّوْض الْأنف زَيْنَب بنت جحش كَانَ اسْمهَا برة بِضَم الْبَاء وَتَخْفِيف الرَّاء فسماها عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زَيْنَب اسْم أَبِيهَا جحش بن رياب فَقَالَت يَا رَسُول الله لَو غيرت اسْم أبي وَإِن الْبرة ضفيرة فَقَالَ لَهَا لَو كَانَ أَبوك مُسلما سميته باسم من أسمائنا أهل الْبَيْت وَلَكِن قد سمى جحشاً والجحش أكبر من الْبرة ذكر هَذَا الحَدِيث مُسْندًا فِي كتاب المؤتلف والمختلف أَو السحن الدَّارَقُطْنِيّ قلت أصل الْبرة حَلقَة تجْعَل فِي أنف الْبَعِير ليذل بهَا فينقاد تكون من فضَّة أَو حَدِيد وَقد تجْعَل للذلول لقصد الزِّينَة كَمَا كَانَت فِي جمل أبي لَهب الَّذِي غنمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فأهداه إِلَى الْكَعْبَة عَام الْحُدَيْبِيَة ليغيظ الْمُشْركين حِين يرونه وَالله أعلم توفّي سنة سِتَّة وَعشْرين وَصلى عَلَيْهَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَاشَتْ ثَلَاثًا وَخمسين سنة وَأما أم الْمُؤمنِينَ جوَيْرِية بنت الْحَارِث بن أبي ضرار بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وَتَخْفِيف الرَّاء الْمُصْطَلِقِيَّة فَكَانَت تَحت سافع بن مسافع بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْفَاء ابْن صَفْوَان المصطلقي كَانَت وَقعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس الْأنْصَارِيّ فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع وَهِي غَزْوَة بن المصطلق سنة خمس وَقيل سِتّ وكاتبت ثَابتا على نَفسهَا ثمَّ جَاءَت رَسُول الله فَقَالَت يَا رَسُول الله أَنا جوَيْرِية بنت الْحَارِث وَكَانَ من أَمْرِي مَا لَا يخفى عَلَيْك وَوَقعت فِي سهم ثَابت بن قيس وَإِنِّي كاتبت على نَفسِي فَجئْت أَسأَلك فِي كتابتي فَقَالَ لَهَا رَسُول الله هَل لَك فِيمَا هُوَ خير لَك قَالَت وَمَا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ أوفي عَنْك كتابتك وأتزوجك قَالَت قد فعلت وتسامع النَّاس أَن رَسُول الله تزوج جوَيْرِية فأرسلوا مَا بِأَيْدِيهِم من السَّبي فاعتقوهم وَقَالُوا اصهار رَسُول الله قَالَت عَائِشَة فَلَمَّا رَأَيْت امْرَأَة كَانَت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا أعتق بِسَبَبِهَا مائَة أهل بَيت من بني المصطلق أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة وَقَالَ ابْن هِشَام وَمُقَاتِل اشْتَرَاهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ثَابت وأعتقها وَتَزَوجهَا وَأصْدقهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم وَعَن ابْن شهَاب سباها يَوْم الْمُريْسِيع فحجبها وَقسم لَهَا وَكَانَت ابْنة عشْرين سنة وَكَانَ اسْمهَا برة فحوله وسماها جوَيْرِية كَمَا تقدم فِي زَيْنَب بنت جحش وروى ابْن سعد عَن أبي قلَابَة قَالَ جَاءَ أَبُو جوَيْرِية فَقَالَ لَا يسبى مثلهَا فَخَل سَبِيلهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بل اخبرها قَالَ قد أَحْسَنت فَأتى أَبوهَا إِلَيْهَا فَقَالَ إِن هَذَا الرجل قد خيرك فَلَا تفضحينا قَالَت إِنِّي أخْتَار الله وَرَسُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وروى الطَّبَرَانِيّ مُرْسلا بِرِجَال الصَّحِيح عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَت جويرة ملك النَّبِي فَأعْتقهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَأعْتق كل أَسِير من بني المصطلق وروى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح عَن مُجَاهِد قَالَ قَالَت جوَيْرِية لرَسُول الله إِن أَزوَاجك يفخرن عَليّ وَيَقُلْنَ لم يتزوجك رَسُول الله فَقَالَ ألم أعظم صداقك ألم أعتق أَرْبَعِينَ من قَوْمك توفيت فِي ربيع الأول سنة خمسين وَقيل سنة سِتّ وَخمسين وَصلى عَلَيْهَا مَرْوَان ابْن الحكم وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة وَقد بلغت من السن سبعين سنة وَأما أم الْمُؤمنِينَ أم حَبِيبَة رَملَة بنت أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس وَقيل اسْمهَا هِنْد وَالْأول أصح فأمها صفسية بنت أبي الْعَاصِ وَكَانَت تَحت عبيد الله بن جحش وَهَاجَر بهَا إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة ثمَّ تنصر وارتد عَن الْإِسْلَام وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى فَمَاتَ على النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ يَقُول للْمُسلمين صأصأتم وأبصرنا وَثبتت زَوجته أم حَبِيبَة هَذِه على الْإِسْلَام وَاخْتلف فِي نِكَاح رَسُول الله إِيَّاهَا وَمَوْضِع العقد فَقيل إِنَّه عقد عَلَيْهَا بِأَرْض الْحَبَشَة سنة سِتّ روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي إِلَى النَّجَاشِيّ ليخطبها عَلَيْهِ فَزَوجهُ إِيَّاهَا وَأصْدقهَا النَّجَاشِيّ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَرْبَعمِائَة دِينَار وَبعث بهَا إِلَيْهِ مَعَ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة وروى أَن النَّجَاشِيّ أرسل إِلَيْهَا جَارِيَة أَبْرَهَة فَقَالَت لَهَا إِن الْملك يَقُول لَك إِن رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 كتب إِلَيّ أَن أزَوجك مِنْهُ فَأرْسلت أم حَبِيبَة إِلَى خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ فَوَكَّلَتْهُ وأعطت جَارِيَة أَبْرَهَة سِوَارَيْنِ وخواتم من فضَّة سُرُورًا بِمَا بَشرَتهَا بِهِ فَلَمَّا كَانَ العشى أَمر النَّجَاشِيّ جَعْفَر بن أبي طَالب وَمن هُنَاكَ من الْمُسلمين فَحَضَرُوا فَخَطب النَّجَاشِيّ فَقَالَ الْحَمد لله الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ أما بعد فقد أجبْت مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُول الله وَقد أَصدقتهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار ذَهَبا ثمَّ سكب الدَّنَانِير بَين يَدي الْقَوْم فَتكلم خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ فَقَالَ الْحَمد لله أَحْمَده واستعينه وأسنفره وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ أما بعد فقد أجبْت إِلَى مَا دَعَا بِهِ رَسُول الله وَزَوجته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَبَارك الله لرَسُول الله وَدفعت الدَّنَانِير إِلَى خَالِد فقبضها ثمَّ أَرَادوا أَن يقومُوا فَقَالَ النَّجَاشِيّ اجلسوا فَإِن سنة الْأَنْبِيَاء إِذا تزوجوا أَن يُؤْكَل طَعَام على التَّزْوِيج فَدَعَا بِطَعَام فَأَكَلُوا ثمَّ تفَرقُوا وَكَانَ ذَلِك فِي الْمحرم سنة سبع على مَا قَالَه الشَّمْس الْبرمَاوِيّ وَقد قيل إِن عقد النِّكَاح عَلَيْهَا بِالْمَدِينَةِ بعد رُجُوعهَا من الْحَبَشَة وَالْمَشْهُور الأول وَكَانَ أَبوهَا أَبُو سُفْيَان حَال نكاحكها بِمَكَّة مُشْركًا مُحَاربًا لرَسُول الله فَقَالَ لما بلغه تزَوجه بهَا مثل ذَلِك الْفَحْل لَا يقرع أَنفه توفيت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأما أم الْمُؤمنِينَ صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب بن سعية بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالمثناة تَحت ابْن ثَعْلَبَة بن عبيد من بني إِسْرَائِيل من سبط هَارُون بن عمرَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأمّهَا ضرَّة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء ابْنة السموأل فَكَانَت تَحت كنَانَة بن أبي الْحقيق بِضَم الْحَاء وَفتح الْقَاف وَسُكُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة فَقتل يَوْم خَيْبَر فِي الْمحرم سنة سبع من الْهِجْرَة قَالَ أنس لما افْتتح رَسُول الله خَيْبَر وَجمع السَّبي جَاءَهُ دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ فَقَالَ يَا رَسُول الله أَعْطِنِي جَارِيَة فَقَالَ اذْهَبْ فَخذ جَارِيَة فَأخذ صَفِيَّة بنت حييّ فجَاء رجل إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله أَعْطَيْت دحْيَة صَفِيَّة بنت حييّ سيدة قريظ وَالنضير مَا تصلح إِلَّا لَك قَالَ ادعوهُ بهَا فجَاء بهَا فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا النَّبِي قَالَ خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا قَالَ فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا فَقَالَ لَهُ ثَابت يَا أَبَا حَمْزَة يَعْنِي أنس بن مَالك فَإِنَّهُ كَانَ يكنى بِأبي حَمْزَة وَهُوَ الرَّاوِي مَا أصدقهَا قَالَ نَفسهَا أعْتقهَا واتزوجها ثمَّ نَادَى من كَانَ عِنْده شَيْء فليجىء بِهِ قَالَ فَبسط نطعاً فَجعل الرجل يَجِيء بالأقط وَجعل الرجل يَجِيء بِالتَّمْرِ وَجعل الرجي يَجِيء بالسمن فحاسوا حَيْسًا فَكَانَت وَلِيمَة رَسُول الله وَفِي رِوَايَة فَقَالَ النَّاس لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجهَا أم اتخذها أم ولد قَالُوا إِن حجبها فَهِيَ امْرَأَة وَإِن لم يحجبها فَهِيَ أم ولد فَلَمَّا أَرَادَ أَن يركب حجبها ورجعنا إِلَى الْمَدِينَة فرأيته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يحوي لَهَا وَرَاءه بعباءة ثمَّ يجلس عِنْد بَعِيرهَا فَيَضَع ركبته وتضع صَفِيَّة رجله على ركبته حَتَّى تركب ثمَّ انْطَلَقت حَتَّى إِذا رَأينَا جدر الْمَدِينَة هششنا إِلَيْهِ فرفعنا مطايانا وَرفع رَسُول الله مطيته قَالَ وَصفِيَّة خَلفه قد أردفها قَالَ فَعَثَرَتْ مَطِيَّة رَسُول الله فصرع وصرعت قَالَ فَلَيْسَ أحد من النَّاس ينظر إِلَيْهِ وإليها حَتَّى قَامَ رَسُول الله فسترها قَالَ فَدَخَلْنَا الْمَدِينَة فخرجن جواري نِسَائِهِ يتراءينها ويشمتن بصرعتها رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهَذَا لفظ مُسلم وروى جَابر أَنه أَتَى بصفية يَوْم خَيْبَر وَأَنه قتل أَبَاهَا وأخاها وَأَن بِلَالًا مر بهما بَين المقتولين وانه خَيرهَا بَين أَن يعتقها فترجع إِلَى من بَقِي من أَهلهَا أَو تسلم فيتخذها لنَفسِهِ فَقَالَت أَنا أخْتَار الله وَرَسُوله أخرجه فِي الصفوة وَأخرج تَمام فِي فَوَائده من حَدِيث أنس أَن رَسُول الله قَالَ لَهَا هَل لَك فيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 قَالَت يَا رَسُول الله لقد كنت أَتَمَنَّى ذَلِك فِي الشّرك فَكيف إِذا أمكنني الله مِنْهُ فِي الْإِسْلَام وَأخرج أَبُو نعيم من حَدِيث ابْن عمر رأى رَسُول الله بِعَين صَفِيَّة خضرَة فَقَالَ مَا هَذِه الخضرة فَقَالَت كَانَ رَأْسِي فِي حجر أبي الْحقيق وَأَنا نَائِمَة فَرَأَيْت قمراً وَقع فِي حجري فَأَخْبَرته بذلك فلطمني وَقَالَ تمنين ملك يثرب وَبنى بهَا لما بلغ سد الصَّهْبَاء فَصنعَ حَيْسًا فِي نطع قَالَ أنس وَأَمرَنِي فدعوت لَهُ من حوله فَكَانَت تِلْكَ وَلِيمَة رَسُول الله وروى عَن صَفِيَّة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله وَأَنا أبْكِي فَقَالَ يَا ابْنة حييّ مَا يبكيك قَالَت بَلغنِي أَن حَفْصَة وَعَائِشَة ينالان مني ويقولان إِنَّا نَحن خير مِنْهَا نَحن بَنَات عَم رَسُول الله وأزواجه قَالَ أَلا قلت لَهُنَّ كَيفَ تكن خيرا مني وَأبي هَارُون وَعمي مُوسَى وَزَوْجي مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وروى أَبُو يعلى بأسانيد رجال الصَّحِيح عَن صَفِيَّة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت انْتَهَيْت إِلَى رَسُول الله وَمَا من النَّاس أحد أكره إِلَيّ مِنْهُ قتل أبي وَزَوْجي فَمَا زَالَ يعْتَذر إِلَيّ وَيَقُول يَا صَفِيَّة إِن أَبَاك ألب عَليّ الْعَرَب وَفعل وَفعل حَتَّى ذهب ذَلِك من نَفسِي فَمَا قُمْت من مقعدي وَمن النَّاس أحد أحب إِلَيّ مِنْهُ قلت حَدِيث أبي يعلى هَذَا يشكل على الحَدِيث الَّذِي أخرجه تَمام إِذْ صَرِيح حَدِيثه تمنيها النَّبِي لمحبتها إِيَّاه وَمَفْهُوم هَذَا صَرِيح الْكَرَاهَة وتبيين سَببهَا وَالله أعلم فَلْينْظر وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا وَفِي رِوَايَة عَنْهَا قَالَت مَا رَأَتْ أحسن خلقا من رَسُول الله رَأَيْته ركب بِي من خَيْبَر على عجز نَاقَته لَيْلًا فَجعلت أنعس فَضرب رَأْسِي مؤخرة الرحل فَيَقُول يَا هَذِه مهلا يَا بنت حييّ حَتَّى إِذا جَاءَ سد الصَّهْبَاء قَالَ أما إِنِّي أعْتَذر يَا صَفِيَّة مِمَّا صنعت بقومك إِنَّهُم قَالُوا لي كَذَا وَكَذَا وروى أَبُو عمر الملا فِي سيرته عَنْهَا قَالَت حج رَسُول الله بنسائه فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق برك جملي وَكنت من أحسنهن ظهرا فَبَكَيْت فجَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَجعل يمسح دموعي بردائه وَبِيَدِهِ وَجعلت لَا أزداد إِلَّا بكاء وَهُوَ ينهاني فَلَمَّا أكثرت زبرني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وروى أَبُو عمر أَن جَارِيَة لصفية قَالَت لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِن صَفِيَّة تحب السبت وَتصل الْيَهُود فَبعث إِلَيْهَا عمر فَسَأَلَهَا فَقَالَت أما السبت فَإِنِّي لَا أحبه مُنْذُ أبدلني الله يَوْم الْجُمُعَة وَأما الْيَهُود فَإِن لي فيهم رحما فَأَنا أَصْلهَا ثمَّ قَالَت لِلْجَارِيَةِ مَا حملك على مَا صنعت قَالَت الشَّيْطَان قَالَت اذهبي فَأَنت حرَّة توفيت رَضِي الله عَنْهَا فِي رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين ودفنت بِالبَقِيعِ مَعَ صواحباتها من ازواج النَّبِي قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة بَلغنِي أَنَّهَا مَاتَت زمن مُعَاوِيَة وورثت مائَة ألف دِرْهَم بِقِيمَة أَرض وَعرض وأوصت لِابْنِ أَخِيهَا بِالثُّلثِ وَكَانَ يَهُودِيّا وَأما أم الْمُؤمنِينَ مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَأمّهَا هِنْد بنت عَوْف بن زُهَيْر بن الْحَارِث من ولد حماطة بن حمير فَتَزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما كَانَ بِمَكَّة مُعْتَمِرًا سنة سبع بعد غَزْوَة خَيْبَر وَكَانَت أُخْتهَا الثَّانِيَة أم الْفضل لبَابَة الْكُبْرَى بنت الْحَارِث تَحت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَأُخْتهَا لأمها الثَّالِثَة أَسمَاء بنت عُمَيْس تَحت جَعْفَر وسلمى أُخْتهَا الرَّابِعَة بنت عُمَيْس تَحت حَمْزَة وَكَانَت جعلت أمرهَا إِلَى الْعَبَّاس زوج أُخْتهَا فَأَنْكحهَا النَّبِي وَهُوَ محرم فَلَمَّا رَجَعَ بنى بهَا بسرف حَلَالا ذكرهَا أَبُو عمر وَفِي الصَّحِيح من أَفْرَاد مُسلم عَنْهَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزَوجهَا وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 حَلَال زَاد البرقاني بعد قَوْله تزَوجهَا وَبنى بهَا حَلَالا فَيحمل قَوْله وَهُوَ محرم على أَنه دَاخل فِي الْحرم وَيكون العقد وَقع بعد انْقِضَاء الْعمرَة ثمَّ خرج مِنْهُ إِلَى سرف وابتنى فِيهِ وَهُوَ على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة قلت وَهُوَ مَحل على يَمِين الدَّاخِل إِلَى مَكَّة كَانَ داثراً فعمره الشَّيْخ الْعَلامَة المرحوم مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي فِيمَا عمر من المآثر رَحمَه الله تَعَالَى كَانَت مَيْمُونَة قبله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَحت أبي رهم بن عبد الْعُزَّى وَقيل بل تَحت أَخِيه عبد الله وَقيل بل تَحت حويطب بن عبد الْعُزَّى وَيُقَال إِنَّهَا وهبت نَفسهَا للنَّبِي وَذَلِكَ أَن خطبَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جاءتها وَهِي على بَعِيرهَا فَقَالَت الْبَعِير وَمَا عَلَيْهِ لله وَلِرَسُولِهِ وَقيل الواهبة نَفسهَا غَيرهَا وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها النَّبِي مَيْمُونَة وَهِي خَالَة ابْن عَبَّاس وخَالِد بن الْوَلِيد وَأَخَوَاتهَا أم الْفضل لبَابَة الْكُبْرَى بنت الْحَارِث زوج الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أم ابْن عَبَّاس ولبابة الصُّغْرَى بنت الْحَارِث كَانَت تَحت أبي بن خلف الجُمَحِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 فَولدت لَهُ عليا بِي أبي وَعزة بنت الْحَارِث كَانَت تَحت زِيَاد بن عبد الله بن مَالك الْهِلَالِي فَهَؤُلَاءِ إخوتها لأَبِيهَا وَأمّهَا وَلها أَخَوَات من أمهَا الأولى أَسمَاء بنت عُمَيْس كَانَت تَحت جَعْفَر بن أبي طَالب فَولدت لَهُ عبد الله ومحمداً وعوناً ثمَّ لما قتل فِي غَزْوَة مُؤْتَة اسْم لمَكَان خلف عَلَيْهَا أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ مُحَمَّد بن أبي بكر ثمَّ خلف عَلَيْهَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ يحيى الثَّانِيَة سلمى بنت عُمَيْس وَكَانَت تَحت حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَولدت لَهُ أمة الله بنت حَمْزَة وَقيل أُمَامَة بنت حَمْزَة ثمَّ خلف عَلَيْهَا شَدَّاد بن أُسَامَة بن الْهَادِي اللَّيْثِيّ فَولدت لَهُ عبد الله وَعبد الرَّحْمَن الثَّالِثَة سَلامَة بنت عُمَيْس كَانَت تَحت عبد الله بن كَعْب ابْن مُنَبّه الْخَثْعَمِي الرَّابِعَة زَيْنَب بنت خُزَيْمَة كَانَت تَحت عبد الله بن جحش فَقتل عَنْهَا يَوْم أحد فَتَزَوجهَا النَّبِي وَهِي الْمُسَمَّاة أم الْمَسَاكِين كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فِي ترجمتها وَكَانَ يُقَال أكْرم أَصْهَار عَجُوز فِي الأَرْض هِنْد بنت عَوْف بن زُهَيْر بن الْحَارِث أم مَيْمُونَة الْمَذْكُورَة وَأم أخواتها أصهارها الْعَبَّاس وَحَمْزَة ابْنا عبد الْمطلب الأول على لبَابَة الْكُبْرَى بنت الْحَارِث مِنْهَا وَالثَّانِي على سلمى بنت عُمَيْس مِنْهَا وجعفر وَعلي ابْنا أبي طَالب وَكِلَاهُمَا على أَسمَاء بنت عُمَيْس الأول قبل أبي بكر وَالثَّانِي بعد أبي بكر وَشَدَّاد بن أُسَامَة بن الْهَادِي اللَّيْثِيّ على سلمى بنت عُمَيْس مِنْهَا بعد وَفَاة حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَرَسُول الله على بنتهَا زَيْنَب بنت خُزَيْمَة كَذَا فِي السمط الثمين فِي مَنَاقِب أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بِتَصَرُّف حسن يسير زوج النَّبِي مَيْمُونَة عَمه الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كَمَا تقدم ذكره وَأصْدقهَا عَنهُ أَرْبَعمِائَة دِرْهَم قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ صدَاق نِسَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَرْبَعمِائَة دِرْهَم وروى مُسلم عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ صدَاق رَسُول الله لأكْثر نِسَائِهِ اثنى عشر أُوقِيَّة ونشاً قَالَت أَتَدْرِي مَا النش قلت لَا قَالَت نصف اوقية فَلذَلِك خَمْسمِائَة دِرْهَم فَذَلِك صدَاق رَسُول الله قَالَ فِي تَارِيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 الْخَمِيس وَهَذَا أولى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ مُتَّفق على صِحَّته وَلِأَن روايه مَعَه زِيَادَة علم كَذَا فِي السمط الثمين وروى ابْن أبي خَيْثَمَة أَن رَسُول الله تزوج مَيْمُونَة بنت الْحَارِث فِي عمْرَة الْقَضَاء وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثًا وَكَانَ قد شرطت عَلَيْهِ قُرَيْش حِين صدوه أَن يَأْتِي مُعْتَمِرًا فِي الْعَام الْقَابِل السيوف فِي الْقرب وَألا يعْتَمر غير ثَلَاث فَلَمَّا جَاءَ خطب مَيْمُونَة وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثَة وَأَتَاهُ حويطب بن عبد الْعُزَّى فِي نفر من قُرَيْش فِي الْيَوْم الثَّالِث فَقَالُوا إِنَّه قد انْقَضى أَجلك فَاخْرُج عَنَّا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَو تركتموني فأعرست بَين أظْهركُم فصنعت لكم طَعَاما فحضرتموه فَقَالُوا لَا حَاجَة لنا بطعامك فَاخْرُج فَخرج بميمونة بنت الْحَارِث حَتَّى أعرس بهَا بسرف مَاتَت رَضِي الله عَنْهَا بسرف أَيْضا وَهُوَ الْموضع الَّذِي بنى بهَا رَسُول الله فِيهِ ودفنت فِي مَوضِع قبتها الَّتِي ضرب لَهَا رَسُول الله حِين الْبناء بهَا وَذَلِكَ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وروى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال ثِقَات عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ مَاتَت مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي عَام الْحرَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَصلى عَلَيْهَا ابْن عَبَّاس وَدخل فِي قبرها رَضِي الله عَنْهُمَا وعنهن أَجْمَعِينَ فَهَؤُلَاءِ أَزوَاجه اللَّاتِي دخل بِهن لَا خلاف فِي ذَلِك بَين أهل السّير وَالْعلم بالأثر وَمَاتَتْ خَدِيجَة وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة مِنْهُنَّ فِي حَيَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتوفى عَن التسع الْبَوَاقِي بِلَا خلاف وَعَن أم ولد هِيَ مَارِيَة بنت شَمْعُون الْقبْطِيَّة أم ابْنه إِبْرَاهِيم وَقد ذكر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عقد على نسْوَة لم يدْخل بِهن وخطب نسْوَة وَلم يعْقد عَلَيْهِنَّ أما اللَّاتِي عقد عَلَيْهِنَّ وَلم يدْخل بِهن فَذكر فِي تَارِيخ الْخَمِيس والمواهب وذخائر القعبى أَن عدتهن اثْنَتَا عشرَة امْرَأَة الأولى الواهبة نَفسهَا لَهُ وَاخْتلف من هِيَ فَقيل هِيَ أم شريك القرشية العامرية اسْمهَا غزيَّة بِضَم الْغَيْن وَفتح الزَّاي وَشد الْيَاء بنت دودان وَقيل بنت جَابر بن عون وَكَانَ ذَلِك بِمَكَّة وَكَانَت قبله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَحت أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 الْعَسْكَر بن تَمِيم بن الْحَارِث الْأَزْدِيّ فَولدت لَهُ شَرِيكا وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف عَن أبي الْيَقظَان أَن الواهبة نَفسهَا خَوْلَة بنت حَكِيم السّلمِيّ وَيجوز أَن تَكُونَا وهبتا نفسيهما من غير تضَاد وَعَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ كَانَت خَوْلَة بنت حَكِيم من اللائي وهبْنَ أَنْفسهنَّ للنَّبِي فَقَالَت عَائِشَة أما تَسْتَحي الْمَرْأَة أَن تهب نَفسهَا للرجل فَلَمَّا نزلت {تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتؤي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} الْأَحْزَاب 51 قَالَت عَائِشَة يَا رَسُول الله مَا أرى رَبك إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهَذِه خَوْلَة هِيَ زوج عُثْمَان بن مَظْعُون وَيجوز أَن يكون ذَلِك مِنْهَا قبل عُثْمَان وَلذَلِك قَالَ الفضائلي فَلَمَّا أرجأها تزَوجهَا عُثْمَان وَيجوز أَن يكون ذَلِك وَقع مِنْهُمَا بعد وَفَاته وَفِي الْكَشَّاف وَغَيره من التفاسير وَاخْتلف فِي أَنه هَل اتّفق أَن تهب امْرَأَة نَفسهَا للنَّبِي وَلم تطلب مهْرا أم لَا فَعَن ابْن عَبَّاس لم يكن عِنْده أحد مِنْهُنَّ وَآيَة {وَامْرَأَةً مُؤمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيّ} الْأَحْزَاب 50 بَيَان حكم فِي الْمُسْتَقْبل وَالْقَائِل بِاتِّفَاق ذَلِك ذكر أَرْبعا مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة بن الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَأم شريك الْمَذْكُورَة وَخَوْلَة بنت حَكِيم الثَّانِيَة خَوْلَة بنت الْهُذيْل بن هُبَيْرَة تزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِيمَا ذكره الْجِرْجَانِيّ فِي نِسَائِهِ وَهَلَكت فِي الطَّرِيق قبل وصولها إِلَيْهِ ذكره أَبُو عَمْرو وَأَبُو سعيد الثَّالِثَة عمْرَة بنت يزِيد بن الجون الْكلابِيَّة تزَوجهَا رَسُول الله يَعْنِي عقد بهَا إِذْ الْبَاب مَعْقُود لمن عقد عَلَيْهَا وَلم يدْخل وَهُوَ معنى التَّزَوُّج فِي جَمِيع هَذَا الْبَاب فتعوذت مِنْهُ فَقَالَ لَهَا لقد عذت بمعاذ فَطلقهَا وَأمر أُسَامَة بن زيد فمتعها ثَلَاثَة أَبْوَاب وَقَالَ أَبُو عمر هَكَذَا روى عَن عَائِشَة وَقَالَ قَتَادَة كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 ذَلِك فِي امْرَأَة من سليم وَقَالَ أَبُو عبيد إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي امْرَأَة يُقَال لَهَا أَسمَاء بنت النُّعْمَان بن الجون وَيُقَال فِي عمْرَة هَذِه أَن أَبَاهَا وصفهَا للنَّبِي إِلَى أَن قَالَ فِي وصفهَا وَأَزِيدك أَنَّهَا لم تمرض قطّ فَقَالَ رَسُول الله مَا لهَذِهِ عِنْد الله من خير ثمَّ طَلقهَا الرَّابِعَة بنت النُّعْمَان بن الجون بِفَتْح الْجِيم بن شرَاحِيل أَجمعُوا على أَن رَسُول الله تزَوجهَا وَاخْتلفُوا فِي سَبَب فِرَاقه لَهَا فَقَالَ قَتَادَة وَأَبُو عُبَيْدَة سَببه أَنه لما دَعَاهَا قَالَت لَهُ أَنْت تعال وأبت أَن تجيبه وَقيل قَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك فَقَالَ لقد عذت بمعاذ وَقد أَعَاذَك الله مني وَفِي رِوَايَة قد أعذتك الحقي بأهلك قيل إِن نِسَاءَهُ علمنَا ذَلِك فَإِنَّهَا كَانَت من أجمل النِّسَاء فخفن أَن تغلبهن عَلَيْهِ فَقُلْنَ لَهَا إِنَّه يحب إِذا دنا مِنْك أَن تقولي لَهُ أعوذ بِاللَّه مِنْك وَقيل قُلْنَ لَهَا إِذا أردْت أَن تحظي عِنْده تعوذي بِاللَّه مِنْهُ فَلَمَّا دنا مِنْهَا قَالَت ذَلِك فَقَالَ لَهَا مَا قَالَ فَطلقهَا ثمَّ سرحها إِلَى أَهلهَا فَكَانَت تسمي نَفسهَا الشقية فخلف عَلَيْهَا المُهَاجر بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي فَأَرَادَ عمر أَن يحده فَقَالَت لم يدْخل بِي وأقامت الْبَيِّنَة على ذَلِك وَقيل المتعوذة غَيرهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَيجوز أَن تَكُونَا تعوذتا وَقَالَ آخَرُونَ وجد بهَا وضحاً فَقَالَ الحقي بأهلك وَقيل فِي اسْمهَا أُمَيْمَة وَقيل أُمَامَة الْخَامِسَة مليكَة بنت كَعْب الليثية وَقَالَ بَعضهم هِيَ المستعيذة وَقيل دخل بهَا وَالْأول أصح أَي إِنَّه لم يدْخل بهَا وَمِنْهُم من يُنكر تَزْوِيجهَا مِنْهُ أصلا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 السَّادِسَة فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي تزوج بهَا بعد وَفَاة ابْنَته زَيْنَب وَخَيرهَا حِين نزلت آيَة التَّخْيِير فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا ففارقها فَكَانَت بعد ذَلِك تلْتَقط البعر وَتقول أَنا الشقية اخْتَرْت الدُّنْيَا هَكَذَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق لَكِن قَالَ أَبُو عمر هَذَا عندنَا غير صَحِيح لِأَن ابْن شهَاب يروي عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَنه حِين خير أَزوَاجه بَدَأَ بهَا فَاخْتَارَتْ الله وَرَسُوله وتابع أَزوَاج النَّبِي على ذَلِك وَقَالَ قَتَادَة وَعِكْرِمَة كَانَ عِنْده عِنْد التَّخْيِير تسع نسْوَة وَهن اللَّاتِي توفى عَنْهُن وَقيل إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزَوجهَا سنة ثَمَان وَقيل إِن أَبَاهَا قَالَ إِنَّهَا لم تصدع قطّ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا حَاجَة لي بهَا قلت وَقد تقدم نَظِير هَذَا القَوْل فِي شَأْن الْمَرْأَة الثَّالِثَة من هَذَا الصِّنْف وَهِي عمْرَة بنت يزِيد فَلَعَلَّ الْأَصَح الأولى أَو التالية أَو كلتاهما السَّابِعَة الْعَالِيَة بِعَين مُهْملَة بنت ظبْيَان بِظَاء مشالة فموحدة فتحتية ابْن عَمْرو بن عَوْف تزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَت عِنْده مَا شَاءَ الله ثمَّ طَلقهَا وَقل من ذكرهَا قَالَ أَبُو عمر وَمُقْتَضى ذَلِك أَن تكون مِمَّن دخل بِهن وَقَالَ أَبُو سعد طَلقهَا حِين دخلت عَلَيْهِ وروى أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي أُمَامَة بن حنيف فَذكر حَدِيثا طَويلا وَفِيه طلق رَسُول الله الْعَالِيَة بنت ظبْيَان وَفَارق أُخْت بني عَمْرو بن الجون الكندية من أجل بَيَاض كَانَ بهما قَالَ الزُّهْرِيّ وبلغنا أَنَّهَا تزوجت قبل أَن يحرم على النَّاس نِكَاح أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ونكحت ابْن عَم لَهَا من قَومهَا وَولدت فيهم الثَّامِنَة قتيلة بِضَم الْقَاف وَفتح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَسُكُون الْيَاء التَّحْتِيَّة بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 قيس أُخْت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ زَوجهَا مِنْهُ أَخُوهَا فِي سنة عشرَة من الْهِجْرَة ثمَّ انْصَرف إِلَى حَضرمَوْت فحملها فَقبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سنة إِحْدَى عشرَة قبل وصولها إِلَيْهِ وَقيل تزَوجهَا قبل وَفَاته بشهرين وَقَالَ قَائِلُونَ إِن رَسُول الله أوصى بِأَن تخير فَإِن شَاءَت ضرب عَلَيْهَا الْحجاب وَكَانَت من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَإِن شَاءَت الْفِرَاق فلتنكح من شَاءَت فَاخْتَارَتْ النِّكَاح فَتَزَوجهَا عِكْرِمَة ابْن أبي لَهب بحضرموت فَبلغ ذَلِك أَبَا بكر فَقَالَ هَمَمْت أَن أحرق عَلَيْهَا بيتهافقال لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ مَا هِيَ من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ مَا دخل عَلَيْهَا وَلَا ضرب عَلَيْهَا الْحجاب وَقَالَ بَعضهم لم يوص فِيهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِشَيْء وَلكنهَا ارْتَدَّت حِين ارْتَدَّ أَخُوهَا الْأَشْعَث بن قيس وَبِذَلِك احْتج عمر على أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا بِأَنَّهَا لَيست من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بارتدادها لَا بِسَبَب عدم دُخُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام التَّاسِعَة سبأ بنت أبي الصَّلْت السلمِيَّة تزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَات قبل أَن يدْخل بهَا وَقَالَ ابْن إِسْحَاق طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا الْعَاشِرَة شراف بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالفاء بنت خَليفَة الْكَلْبِيَّة أُخْت دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ تزَوجهَا فَمَاتَتْ قبل دُخُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بهَا الْحَادِيَة عشرَة ليلى بنت الخطيم بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الطَّاء ابْن عدي ابْن عَمْرو بن سوار بن ظفر بالظاء المشالة وَالْفَاء الْأَنْصَارِيَّة أُخْت قيس بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الخطيم روى ابْن أبي خَيْثَمَة وَأَبُو سعد من طَرِيق هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أَقبلت ليلى بنت الخطيم إِلَى رَسُول الله وَهُوَ مول ظَهره إِلَى الشَّمْس فَضربت على مَنْكِبَيْه فَقَالَ من هَذَا أكله الْأسود وَكَانَ كثيرا مَا يَقُولهَا فَقَالَت أَنا بنت مطعم الطير ومباري الرّيح أَنا ليلى بنت الخطيم جِئْت لأعرض عَلَيْك نَفسِي فتزوجني قَالَ قد فعلت فَرَجَعت إِلَى قَومهَا فَقَالَت قد تزَوجنِي رَسُول الله فَقَالُوا بئْسَمَا فعلت أَنْت امْرَأَة غيرى وَالنَّبِيّ صَاحب نسَاء تَغَايَرْنَ عَلَيْهِ فيدعو الله عَلَيْك فاستقيليه نَفسك فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله فَقَالَت يَا رَسُول الله أَقلنِي قَالَ قد أقلتك فَتَزَوجهَا مَسْعُود بن أَوْس بن سَواد بن ظفر فَولدت لَهُ فَبَيْنَمَا هِيَ فِي حَائِط من حيطان الْمَدِينَة تَغْتَسِل إِذْ وثب عَلَيْهَا الذِّئْب لقَوْل رَسُول الله أكله الْأسود فَأكل بَعْضهَا فأدركت فَمَاتَتْ الثَّانِيَة عشرَة امْرَأَة من غفار تزَوجهَا رَسُول الله فَأمرهَا فنزعت ثِيَابهَا فَرَأى بكشحها بَيَاضًا فَقَالَ الحقي بأهلك وَلم يَأْخُذ مِمَّا آتاها شَيْئا أخرجه الإِمَام أَحْمد وروى ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة أَنَّهَا لما دخلت عَلَيْهِ وجردها رأى بهَا وضحاً فَردهَا وَأوجب لَهَا الْمهْر وَحرمت على من بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 قلت زَاد الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّامي فِي عدتهن فَذكر أَنَّهُنَّ سِتّ وَعِشْرُونَ فَذكر الاثنتي عشرَة الْمَذْكُورَة ثمَّ زَاد فَذكر أم حرَام كَذَا فِي حَدِيث سهل بن حنيف رَضِي الله عَنهُ عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَذكر سلمى بنت نجدة بالنُّون وَالْجِيم كَمَا فِي الْإِشَارَة وَالزهْرِيّ بِخَط مغلطاي وَقَالَ فِي المورد بنت بحيرة بن الْحَارِث الليثية وَنقل عَن ابيس سعد عبد الْملك النَّيْسَابُورِي فِي كتاب شرف الْمُصْطَفى أَنه قَالَ إِن رَسُول الله نَكَحَهَا فتوفى عَنْهَا وأبت أَن تتَزَوَّج بعده وَذكر سبأ بنت سُفْيَان بن عَوْف بن كَعْب بن أبي بكر بن كلاب فَقَالَ ذكرهَا ابْن سعد عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَهِي بِالْمُوَحَّدَةِ بعد السِّين الْمُهْملَة وَذكر سناء بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة بنت أَسمَاء بن الصَّلْت بن حبيب بن جَابر بن حَارِثَة بن هِلَال بن حرَام بن سماك بن عَوْف بن امْرِئ الْقَيْس من بني حرَام بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 سليم السلمِيَّة ذكرهَا أَبُو جَيِّدَة فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ وَابْن حبيب فِيمَن تزَوجهَا رَسُول الله وَطَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا وَحكى الوشاطي عَن بَعضهم أَن سَبَب مَوتهَا أَنه لما بلغَهَا إِن رَسُول الله تزَوجهَا سرت بذلك حَتَّى مَاتَت من الْفَرح ثمَّ ذكر الشَّاة بنت رِفَاعَة ثمَّ ذكر الشنباء بشين مُعْجمَة فنون فموحدة بنت عمر الْغِفَارِيّ روى ابْن عَسَاكِر من طَرِيق سيف بن عمر التَّمِيمِي والمتفضل بن غَسَّان القلابي فِي تَارِيخه من طَرِيق عُثْمَان ابْن مقسم عَن قَتَادَة لما دخلت عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم تكن إِلَّا مُدَّة يسيرَة وَمَات إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله على بَقِيَّة من ذَلِك فَقَالَت لَو كَانَ نَبيا لما مَاتَ أحب النَّاس إِلَيْهِ وأعزهم عَلَيْهِ فَطلقهَا وَأوجب لَهَا الْمهْر وَحرمت على الْأزْوَاج ذكر هَذَا ابْن رشد فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة ثمَّ ذكر ليلى بنت حَكِيم الْأَنْصَارِيَّة الأوسية ثمَّ ذكر مليكَة بنت كَعْب الكنانية روى ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن عمر وَعَن أبي معشر أَن النَّبِي تزَوجهَا وَكَانَت تذكر بِجَمَال بارع فَدخلت عَلَيْهَا عَائِشَة فَقَالَت لَهَا أما تستحين أَن تنكحي قَاتل أَبِيك وَكَانَ أَبوهَا قتل يَوْم فتح مَكَّة قَتله خَالِد بن الْوَلِيد فاستعاذت من رَسُول الله فَطلقهَا فجَاء قَومهَا فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّهَا صَغِيرَة وَإِنَّهَا لَا رَأْي لَهَا وَإِنَّهَا خدعت فارتجعتها فَأبى رَسُول الله فاستأذنوه أَن يزوجوها قَرِيبا لَهَا من بني عذرة فَأذن لَهُم قَالَ مُحَمَّد بن عمر وأصحابنا يُنكرُونَ ذَلِك وَيَقُولُونَ لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 يتَزَوَّج رَسُول الله كنانية قطّ ثمَّ ذكر آخِرهنَّ هِنْد بنت يزِيد الْمَعْرُوفَة بابنة البرصاء سَمَّاهَا أَبُو عيبدة معمر ابْن الْمثنى فِي أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ أَحْمد بن صَالح هِيَ عمْرَة بنت يزِيد الْمُتَقَدّمَة تَنْبِيه قد تقدم أَن المُرَاد بِعَدَمِ الدُّخُول عَلَيْهَا الْوَطْء فَإِن من هَؤُلَاءِ من مَاتَ قبل الدُّخُول وَهِي أُخْت دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ بِاتِّفَاق وَاخْتلف فِي مليكَة وسناء أماتتا أَو طلقهما مَعَ الِاتِّفَاق على عدم الدُّخُول بهما وَفَارق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد الدُّخُول بالِاتِّفَاقِ بنت الضَّحَّاك وَبنت ظبْيَان وَقَبله بِاتِّفَاق عمْرَة وَأَسْمَاء والغفارية وَاخْتلف فِي أم شريك هَل دخل بهَا مَعَ الِاتِّفَاق على الْفرْقَة والمستقيلة الَّتِي جهل حَالهَا والمفارقات بِاتِّفَاق سبع وَاثْنَتَانِ على خلف وَالْمَيتَات فِي حَيَاته أَربع خَدِيجَة بنت خويلد وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة بعد الدُّخُول وَأُخْت دحْيَة وَبنت الْهُذيْل قبله بِاتِّفَاق وَمَات عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن عشرَة وَاحِدَة لم يدْخل بهَا فهن ثَلَاث وَعِشْرُونَ امْرَأَة قلت يشكل قَوْله فَارق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد الدُّخُول بِاتِّفَاق بنت الضَّحَّاك وَبنت ظبْيَان على إيرادهما فِي هَذَا الْبَاب الْمَعْقُود لمن عقد عَلَيْهَا وَلم يدْخل بهَا وَإِن قُلْنَا فِي التَّوْجِيه لَعَلَّه على رِوَايَة فِي ذَلِك منع من ذَلِك قَوْله بالِاتِّفَاقِ فَلْيتَأَمَّل وَذكر فِي شرف النُّبُوَّة أَن جملَة أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِحْدَى وَعِشْرُونَ امْرَأَة طلق مِنْهُنَّ سِتا وَمَات عِنْده مِنْهُنَّ خمس وَتُوفِّي عَن عشر وَاحِدَة لم يدْخل بهَا وَكَانَ يقسم لتسْع فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يقسم لثمان وَلَا يقسم لوَاحِدَة قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح هِيَ صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب قلت هَذَا على رِوَايَة من روى أَنه لم يعْقد عَلَيْهَا وَلم يحجبها الْمُتَقَدّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 خلَافهَا وعدها فِي أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ انْتهى وَلقَوْله تَعَالَى {تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} الْأَحْزَاب 51 ترجى بِالْهَمْز وَتَركه تُؤخر وَتُؤْوِي بِضَم يَعْنِي تتْرك مضاجعة من تشَاء مِنْهُنَّ وتضاجع من تشَاء مِنْهُنَّ روى أَنه أرجأ مِنْهُنَّ سَوْدَة وَجُوَيْرِية وَصفِيَّة ومَيْمُونَة وَأم حَبِيبَة وَكَانَ يقسم لَهُنَّ مَا شَاءَ كَمَا شَاءَ وَأَوَى إِلَيْهِ عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم سَلمَة وَزَيْنَب بنت جحش أرجأ خمْسا وآوى أَرْبعا كَذَا ذكره الْمُنْذِرِيّ وَأما اللَّاتِي خطبهن وَلم يعْقد عَلَيْهِنَّ فَعدَّة نسْوَة الأولى مِنْهُنَّ امْرَأَة من بني عَمْرو بن عَوْف بن سعد بن دِينَار قَالَ أَبُو الْيَقظَان خطبهَا رَسُول الله إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ إِن بهَا برصاً وَهُوَ كَاذِب فَرجع فَوَجَدَهَا برصاء وَيُقَال إِن ابْنهَا هُوَ الْمُسَمّى شبيب بن البرصاء بن الْحَارِث بن عَوْف الْمُزنِيّ ذكره ابْن قُتَيْبَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير جَازِمًا هِيَ أم شبيب بن البرصاء الشَّاعِر الثَّانِيَة امْرَأَة قرشية يُقَال لَهَا سَوْدَة خطبهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَت مصبية فَقَالَت إِن لي صبية أكره أَن يتضاغوا عِنْد رَأسك بكرَة وَعَشِيَّة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير نسَاء ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش أحناهن على ولد فِي صغره وأرعاهن لبعل فِي ذَات يَده وأصل هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم فَدَعَا لَهَا وَتركهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 الثَّالِثَة امْرَأَة تدعى صَفِيَّة بنت بشامة كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَصَابَهَا فِي السَّبي فَخَيرهَا بَين نَفسه الْكَرِيمَة وَبَين زَوجهَا فَاخْتَارَتْ زَوجهَا الرَّابِعَة امْرَأَة لم يذكر اسْمهَا قيل إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خطبهَا فَقَالَت أَستَأْمر أبي فَلَقِيت أَبَاهَا وَأذن لَهَا فَعَادَت إِلَى النَّبِي فَقَالَ لَهَا قد التحفنا غَيْرك الْخَامِسَة أم هَانِيء بنت أبي طَالب خطبهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَت إِنِّي امْرَأَة مصبية واعتذرت إِلَيْهِ فعذرها عَن أبي صَالح عَن أم هَانِيء بنت أبي طَالب قَالَت خطبني رَسُول الله فاعتذرت إِلَيْهِ فعذرني قَالَ الْعَلامَة الشَّامي خطبهَا رَسُول الله إِلَى عَمه أبي طَالب وخطبها هُبَيْرَة المَخْزُومِي فَزَوجهَا أَبُو طَالب هُبَيْرَة فَعَاتَبَهُ رَسُول الله فَقَالَ أَبُو طَالب يَا ابْن أخي إِنَّا قد صاهرنا إِلَيْهِم والكريم يُكَافِئ الْكَرِيم ثمَّ فرق الْإِسْلَام يبن أم هَانِيء وهبيرة فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَت كنت أختك فِي الْجَاهِلِيَّة فَكيف فِي الْإِسْلَام وَإِنِّي امْرَأَة مصبية وروى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال ثِقَات قَالَت خطبني رَسُول الله فَقلت مَا لي عَنْك رَغْبَة يَا رَسُول الله وَلَكِن مَا أحب أَن أَتزوّج وَبني صغَار فَقَالَ رَسُول الله خير نسَاء ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش إِلَى آخر مَا تقدم فِي شَأْن سَوْدَة القرشية وَفِي رِوَايَة عَن أبي صَالح عَن أم هَانِيء قَالَت قبل نزُول هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} الْأَحْزَاب 50 الْآيَة أَرَادَ أَن يَتَزَوَّجنِي فخطبني فَنهى عني أَنِّي لم أُهَاجِر وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ فَلم أكن أحل لَهُ لِأَنِّي لم أكن من الْمُهَاجِرَات كنت من المطلقات يَعْنِي كَانَ إسْلَامهَا بعد فتح مَكَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 السَّادِسَة الجندعية امْرَأَة من جندع وَهِي ابْنة جُنْدُب بن ضَمرَة وأنكرها بعض الروَاة السَّابِعَة ضباعة بالضاد الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة وَالْعين الهملة بنت مام ابْن قرط بِفَتْح الْقَاف والطاء الْمُهْملَة ابْن سَلمَة خطبهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام من ابْنهَا سَلمَة بن قُشَيْر بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة أسلمت قيدما وَهَاجَرت ذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ وَابْن عَسَاكِر فِي هَذَا الْبَاب وَكَانَت من أجمل نسَاء الْعَرَب وأعظمهن خلقا وَكَانَت إِذا جَلَست أخذت من الأَرْض شَيْئا كثيرا وَكَانَت تغطي جَسدهَا مَعَ عظمه بشعرها وَكَانَت تَحت هَوْذَة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْوَاو والذال الْمُعْجَمَة ابْن عَليّ الْحَنَفِيّ فَمَاتَ عَنْهَا فَتَزَوجهَا عبد الله بن جدعَان فَلم يلق بخاطرها فَسَأَلته طَلاقهَا فَفعل فَتَزَوجهَا هِشَام بن الْمُغيرَة فَولدت لَهُ سَلمَة وَكَانَ من خِيَار عباد الله فَلَمَّا هَاجَرت خطبهَا رَسُول الله إِلَى ابْنهَا سَلمَة فَقَالَت يَا رَسُول الله مَا عَنْك مدفع قَالَ فاستأمرها قَالَ نعم فَأَتَاهَا فَأَخْبرهَا فَقَالَت إِنَّا لله أَفِي رَسُول الله تستأمرني ارْجع إِلَيْهِ فَقل لَهُ نعم وَقيل لرَسُول الله فِي ذهَاب ابْنهَا إِن ضباعة لَيست كَمَا تعهد قد كثرت غُضُون وَجههَا وَسَقَطت أسنانها من فِيهَا فَلَمَّا رَجَعَ ابْنهَا سَلمَة وَأخْبر رَسُول الله بِمَا قَالَت سكت عَنهُ الثَّامِنَة نعَامَة لم يذكر اسْم أَبِيهَا وَهِي من سبي بني العنبر فَكَانَت جميلَة عرض رَسُول الله أَن يَتَزَوَّجهَا فَلم يلبث أَن جَاءَ زَوجهَا ذكره فِي ذيل الِاسْتِيعَاب وَعرض عَلَيْهِ امْرَأَتَانِ فردهما لمَانع شَرْعِي الأولى أُمَامَة وَقيل فَاطِمَة بنت حَمْزَة بن عبد الْمطلب قفال هِيَ ابْنة أخي من الرَّضَاع وَالثَّانيَِة عزة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُشَدّدَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب فَقَالَ لَا تحل لي لمَكَان أُخْتهَا أم حَبِيبَة الْمُسَمَّاة رَملَة بنت أبي سُفْيَان وحديثهما فِي الصَّحِيح وَأما سراريه فروى ابْن أبي خَيْثَمَة عَن أبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى قَالَ كَانَ لرَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 الله أَربع ولائد مَارِيَة وَرَيْحَانَة وجميلة ونفيسة أما مَارِيَة القطبية فَهِيَ بنت شَمْعُون بِفَتْح الشيين الْمُعْجَمَة أم وَلَده إِبْرَاهِيم أهداها لَهُ الْمُقَوْقس القبطي صَاحب مصر والإسكندرية سنة سبع من الْهِجْرَة وَبعث مَعهَا أُخْتهَا سِيرِين بنت شَمْعُون وَخَصِيًّا يُقَال لَهُ مَأْبُور وَألف مِثْقَال ذهب وَعشْرين ثوبا من قَبَاطِي مصر وَبغلة شهباء وَحِمَارًا أَشهب وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ يَعْفُور وَعَسَلًا من عسل بنها بباء مَكْسُورَة فنون سَاكِنة قَرْيَة من قرى مصر بَارك النَّبِي فِي عسلها لما أعجبه وَالنَّاس الْيَوْم يفتحون الْبَاء فَأسْلمت وَأسْلمت أُخْتهَا وَكَانَت مَارِيَة بَيْضَاء جميلَة أنزلهَا رَسُول الله بِالْعَالِيَةِ وَكَانَ يخْتَلف إِلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَت فِي الْمحرم سنة عشر وروى الْبَزَّار والضياء الْمُقَدّس فِي صَحِيحه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ كثر على مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم فِي قبْطِي ابْن عَم لَهَا هُوَ مَأْبُور الْمَذْكُور كَانَ يزورها فيختلف إِلَيْهَا فَقَالَ لي رَسُول الله خُذ هَذَا السَّيْف فَانْطَلق بِهِ فَإِن وجدته عِنْدهَا فاقتله قَالَ قلت يَا رَسُول الله أكون فِي أَمرك إِذا أرسلتني كالسكة المحماة لَا يسبقني شَيْء حَتَّى أمضي لما أَمرتنِي بِهِ أم الشَّاهِد يرى مَا لَا يرى الْغَائِب قَالَ فافعل فَأَقْبَلت متوشحاً السَّيْف وَوَجَدته عِنْدهَا فاخترطت السَّيْف فَلَمَّا رَآنِي أَقبلت نَحوه عرف أَنِّي أريده فَأتى نَخْلَة فرقاها ثمَّ رمى بِنَفسِهِ قَالَ قَتَادَة ثمَّ شغر بِرجلِهِ فَإِذا هُوَ أجب أَمسَح مَا لَهُ قَلِيل وَلَا كثير فغمدت السَّيْف ثمَّ أتيت رَسُول الله فَأَخْبَرته فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي يصرف عَنَّا أهل الْبَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وروى الْبَزَّار بِسَنَد جيد عَن أنس قَالَ لما ولد إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله من مَارِيَة جَارِيَته وَقع فِي نفس النَّبِي مِنْهُ شَيْء حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا إِبْرَاهِيم ووهب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أُخْتهَا سِيرِين بنت شَمْعُون لحسان بن ثَابت فَهِيَ أم وَلَده عبد الرَّحْمَن بن حسان كَذَا فِي سيرة الشَّامي إِلَّا قَوْله وهب فَفِي الْمَوَاهِب وَقَالَ فِي الرَّوْض الْأنف أعْطى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حسان جَارِيَته سِيرِين بِضَرْب صَفْوَان بن الْمُعَطل لَهُ قلت كَانَ السَّبَب فِي ضرب صَفْوَان بن الْمُعَطل حسانا بِالسَّيْفِ فِي وَجهه مَا كَانَ من حسان من الْخَوْض فِي حَدِيث الْإِفْك لِأَنَّهُ المرمي بِهِ عَائِشَة وَفِي ذكرى أَن حسانا عمى آخر عمره وَكَانَ سَببه تِلْكَ الضَّرْبَة من صَفْوَان فَأعْطَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سِيرِين أُخْت مَارِيَة هَذِه وَهِي أم عبد الرَّحْمَن بن حسان الشَّاعِر وَكَانَ عبد الرَّحْمَن يفخر بِأَنَّهُ ابْن خَالَة إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله وَقد رَوَت سِيرِين عَن النَّبِي حَدِيثا قَالَت رأى رَسُول الله خللاً فِي قبر ابْنه إِبْرَاهِيم فأصلحه وَقَالَ إِن الله يحب من العَبْد إِذا عمل عملا أَن يتقنه وَأما رَيْحَانَة فَهِيَ بنت شَمْعُون أَيْضا من سبي بني قُرَيْظَة وَقيل من سبي بني النَّضِير وَالْأول أظهر وَكَانَت متزوجة فيهم رجلا يُقَال لَهُ الْحَكِيم الحكم وَكَانَت جميلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وَسُميَّة وَقعت فِي سبي بني قُرَيْظَة فَكَانَت صفي رَسُول الله فَخَيرهَا بَين الْإِسْلَام ودينها فَاخْتَارَتْ الْإِسْلَام فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا وَأصْدقهَا اثْنَتَيْ عشرَة أاوقية ونشاً وأعرس بهَا فِي الْمحرم سنة سِتّ فِي بَيت سلمى بنت قيس النجارية بعد أَن حَاضَت حَيْضَة وَضرب عَلَيْهَا الْحجاب فغارت عَلَيْهِ غيرَة شَدِيدَة فَطلقهَا تَطْلِيقَة فَأَكْثَرت الْبكاء فَدخل عَلَيْهَا وَهِي على تِلْكَ الْحَال فَرَاجعهَا وَلم تزل عِنْده حَتَّى مَاتَت مرجعه من حجَّة الْوَدَاع سنة عشر ودفنت بِالبَقِيعِ وَقيل كَانَت مَوْطُوءَة لَهُ بِملك الْيَمين وَهَذَا جزم بِهِ خلائق قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَكَانَ يَطَؤُهَا بِملك الْيَمين وَقيل اعقتها وَتَزَوجهَا وَأما جميلَة فأصابها من السَّبي فأكدنها نساؤه وخفن أَن تغلب عَلَيْهِ وَأما نفيسة فوهبتها لَهُ زَيْنَب بنت جحش وَكَانَ هجرها يَعْنِي زَيْنَب فِي صَفِيَّة بنت حييّ ذَا الْحجَّة وَالْمحرم وصفر فَلَمَّا كَانَ فِي شهر ربيع الأول الَّذِي قبض فِيهِ النَّبِي رضى عَن زَيْنَب وَدخل عَلَيْهَا فَقَالَت مَا أَدْرِي مَا أجزيك بِهِ فوهبتها لَهُ كَذَا ذكره الشَّامي نَاقِلا لكَلَام أبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 (الْبَاب الْخَامِس من الْمَقْصد الثَّانِي) (فِي أَوْلَاده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا اتّفق عَلَيْهِ مِنْهُم وَمَا اخْتلف فِيهِ) جملَة مَا اتّفق عَلَيْهِ سِتَّة ذكران الْقَاسِم وَإِبْرَاهِيم وَأَرْبع بَنَات زَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُم وكلهن ادركهن الْإِسْلَام وهاجرن مَعَه وَاخْتلف فِيمَا سواهن فَقيل لم يكن لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سواهُم وَالْمَشْهُور خِلَافه قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ لَهُ الطّيب والطاهر أَيْضا فَيكون على هَذَا جُمْلَتهمْ ثَمَانِيَة أَرْبَعَة ذُكُور وَأَرْبع إناث وَقَالَ الزبير بن بكار فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال ثِقَات كَانَ لرَسُول الله غير إِبْرَاهِيم وَالقَاسِم عبد الله وَهُوَ قَول أَكثر أهل النّسَب وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ لَا يثبت وَصَححهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَسمي عبد الله بالطيب والطاهر لِأَنَّهُ ولد بعد النُّبُوَّة فَتكون على هَذَا جُمْلَتهمْ سَبْعَة ثَلَاثَة ذُكُور وَأَرْبع إناث وَقيل كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطّيب والمطيب ولدا فِي بطن والمطهر والطاهر ولدا فِي بطن فَيكون على هَذَا جُمْلَتهمْ أحد عشر قَالَ ابْن إِسْحَاق ولد أَوْلَاده كلهم غير إِبْرَاهِيم قبل الْإِسْلَام وَمَات البنون قبل الْإِسْلَام وهم يرضعون وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول غَيره إِن عبد الله ولد بعد النُّبُوَّة وَلذَلِك يُسمى بالطيب الطَّاهِر وَالأَصَح قَول الْجُمْهُور إِنَّهُم ثَلَاثَة ذُكُور الْقَاسِم وَعبد الله وابراهيم وَالْبَنَات الْمُتَّفق عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ من خَدِيجَة بنت خويلد الأَسدِية إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 قَالَ مُحَمَّد بن عمر كَانَت سلمى مولاة صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب هِيَ قَابِلَة خَدِيجَة فِي أَوْلَادهَا وَكَانَت خَدِيجَة تعق عَن كل غُلَام بشاتين وَعَن الْجَارِيَة بِشَاة وَكَانَ بَين كل وَلدين لَهَا سنة وَكَانَت تسترضع وتعد بِضَم التَّاء وَكسر الْعين ذَلِك قبل ولادها واكبر بَنَاته زَيْنَب كَمَا ذكره الْجُمْهُور وَقَالَ الزبير بن بكار وَغَيره أكبر بَنَاته رقية وَالْأول أصح وَقَالَ الزبير فِيمَا نَقله أَبُو عَمْرو عَنهُ ولد لَهُ الْقَاسِم وَهُوَ أكبر وَلَده ثمَّ زَيْنَب ثمَّ عبد الله ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ رقية هَكَذَا الأول فَالْأول وَقيل رقية أكبر من أم كُلْثُوم وَهُوَ الْأَشْبَه لِأَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ تزَوجهَا أَولا فِي أول إِسْلَامه وَهَاجَرت مَعَه وَمَاتَتْ وَرَسُول الله فِي غَزْوَة بدر وَجَاء بشيره إِلَى الْمَدِينَة بالنصر وَقد نفضوا أَيْديهم من دَفنهَا وبسبب تمريضها تخلف عُثْمَان عَن شُهُود وقْعَة بدر ثمَّ أم كُلْثُوم بعْدهَا بعد وقْعَة بدر وَالظَّاهِر أَن الْكَبِيرَة تزوج أَولا وَإِن جَازَ خِلَافه وَالْأَكْثَر على أَن فَاطِمَة أصغرهن سنا وَلَا خلاف إِن اكبرهن سنا زَيْنَب قَالَ فِي الْخَمِيس ثمَّ مَاتَ الْقَاسِم بِمَكَّة وَهُوَ أول ميت مَاتَ من ولد رَسُول الله ثمَّ مَاتَ عبد الله أَيْضا بِمَكَّة وَقَالَ ابْن إِسْحَاق ولدت خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا زَيْنَب ثمَّ رقية ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ الْقَاسِم ثمَّ الطَّاهِر ثمَّ الطّيب فَأَما الْقَاسِم وَالطّيب والطاهر فماتوا فِي الْجَاهِلِيَّة وَأما بَنَاته فأدركهن الْإِسْلَام كُلهنَّ وهاجرن مَعَه قَالَ أَبُو عَمْرو وَقَالَ عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْجِرْجَانِيّ اولاد رَسُول الله الْقَاسِم وَهُوَ أكبر أَوْلَاده ثمَّ زَيْنَب وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ زَيْنَب ثمَّ الْقَاسِم ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ رقية ثمَّ عبد الله هَكَذَا ذكره على سَبِيل الْإِجْمَال وَسَيَأْتِي ذكرهن على التَّفْصِيل والمحتصل من مَجْمُوع الْأَقْوَال الْأَصَح مِنْهَا أَنهم سَبْعَة ثَلَاثَة ذُكُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الْقَاسِم وابراهيم وَعبد الله الْمُسَمّى بالطيب الطَّاهِر وَأَرْبع بَنَات مُتَّفق عَلَيْهِنَّ وَكلهمْ من خَدِيجَة بنت خويلد إِلَّا إِبْرَاهِيم كَمَا تقدم روى الْهَيْثَم بن عدي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ ولدت خَدِيجَة للنَّبِي عبد الْعُزَّى وَعبد منَاف قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان والحافظ فِي اللِّسَان هَذَا من افتراء الْهَيْثَم على هِشَام وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ الْهَيْثَم كَذَّاب لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله قَالَ شَيخنَا ابْن نَاصِر لم يسم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عبد منَاف وَلَا عبد الْعُزَّى قطّ والهيثم كذبه البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْعجلِي والساجي وَقَالَ ابْن حبَان لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على سَبِيل الِاعْتِبَار وَقَالَ فِي المورد وَلَا يجوز لأحد أَن يَقُول إِن هَذِه التَّسْمِيَة وَقعت من رَسُول الله وَلَئِن قيل إِن هَذِه التَّسْمِيَة وَقعت يَعْنِي على فرض صِحَة رِوَايَة الْهَيْثَم فَيكون من غَيره وَيحْتَمل أَن يكون ولد هَذَا الْمَوْلُود وَالنَّبِيّ مشتغل بِعبَادة ربه أَو بِغَيْر ذَلِك من شئونه وَسَماهُ بعض أهل خَدِيجَة بذلك وَلم يسمعهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يره أَو يكون أحد من شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ اختلق ذَلِك لما ولد أحد أَوْلَاده الْمَذْكُورين ليدْخل فِي ذَلِك لبساً فِي قلب ضَعِيف الْإِيمَان وَيكون النَّبِي لما بلغه ذَلِك غَيره أَو يكون غير ذَلِك مِمَّا الله تَعَالَى عالمه وَأورد الطَّحَاوِيّ فِي فشكل الحَدِيث وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن وَأَبُو سعد النقاش والجوزقاني فِي الموضوعات وَغَيرهم مَا نَقله الْهَيْثَم عَن هِشَام بن عُرْوَة وَلم ينْقل أحد من الثِّقَات مَا نَقله الْهَيْثَم عَن هِشَام كَذَا فِي سيرة الشَّامي قَالَ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْأَطِبَّاء عَلَاء الدّين بن نَفِيس رَحمَه الله لما كَانَ مزاجه شَدِيد الِاعْتِدَال لم يكن أَوْلَاده إِنَاثًا فَقَط لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يكون لحرارة المزاج وَلما كَانَ مزاج النَّبِي معتدلاً فَيجب أَن يكون لَهُ بنُون وَبَنَات وَبَنوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 يجب أَلا تطول أعمارهم وَإِذا طَالَتْ بلغُوا إِلَى سنّ النُّبُوَّة وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونُوا أَنْبيَاء أَو لَا يَكُونُوا كَذَلِك وَلَا جَائِز أَن يَكُونُوا أَنْبيَاء وَإِلَّا لما كَانَ هُوَ خَاتم النَّبِيين وَلَا يجوز أَن يَكُونُوا غير أَنْبيَاء وَإِلَّا كَانَ نقصا فِي حَقه وانحطاطاً عَن دَرَجَة كثير من الْأَنْبِيَاء فَإِن كثيرا من الْأَنْبِيَاء كَانَ أَوْلَادهم انبياء أَيْضا وَأما بَنَات هَذِه النَّبِي فَيجوز أَن تطول أعمارهن لِأَن النِّسَاء لسن بِأَهْل للنبوة انْتهى أما سيدنَا الْقَاسِم ابْن سيدنَا رَسُول الله فَكَانَ أكبر أَوْلَاده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا تقدم وَبِه كَانَ يكنى وَهُوَ أول من مَاتَ مِنْهُم بِمَكَّة قبل النُّبُوَّة مَاتَ صَغِيرا عَاشَ حَتَّى مَشى وَقيل عَاشَ سنتَيْن وَقيل عَاشَ سبع لَيَال قَالَ مُجَاهِد وَخَطأَهُ الملا وَقَالَ الصَّوَاب أَنه عَاشَ سَبْعَة عشر شهرا وَقَالَ ابْن فَارس بلغ أَن يركب الدَّابَّة وَأَن يسير على النجيب وَقَالَ السُّهيْلي بلغ الْمَشْي غير أَن رضاعته لم تكمل وروى يُونُس بن بكير عَن أبي عبد الله الْجعْفِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم قَالَ كَانَ الْقَاسِم بلغ أَن يركب الدَّابَّة ويسير على النجيب فَلَمَّا قبض قَالَ الْعَاصِ بن وَائِل لقد أصبح مُحَمَّد أَبتر فَنزلت {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَرَ} الْكَوْثَر 1 أَي عَن مصيبتك يَا مُحَمَّد قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّامي فَهَذَا يدل على أَن الْقَاسِم مَاتَ بعد الْبعْثَة خلاف مَا تقدم أَنهم مَاتُوا قبلهَا يَعْنِي الْبَنِينَ الثَّلَاثَة وروى الطَّيَالِسِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَرْبِيّ عَن فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عَن أَبِيهَا رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت لما هلك الْقَاسِم قَالَت خَدِيجَة يَا رَسُول الله درت لبينة الْقَاسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 فَلَو كَانَ الله أبقاه حَتَّى يتم رضاعه قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن تَمام رضاعه فِي الْجنَّة زَاد ابْن مَاجَه فَقَالَت لَو أعلم ذَلِك لهون عَليّ قَالَ إِن شِئْت دَعَوْت الله فأسمعك صَوته فَقَالَت بل أصدق الله وَرَسُوله قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ وَهَذَا ظَاهر جدا فِي أَنه مَاتَ فِي الْإِسْلَام بعد الْبعْثَة لَكِن فِي السَّنَد ضعف وروى البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْأَوْسَط من طَرِيق سُلَيْمَان بن بِلَال عَن هِشَام بن عُرْوَة أَن الْقَاسِم مَاتَ قبل الْإِسْلَام وَهَذَا يُؤَيّد الأول السَّابِق أَنهم درجوا صغَارًا قبل الْبعْثَة وَأما سيدنَا عبد الله ابْن سيدنَا رَسُول الله فَمَاتَ صَغِيرا بِمَكَّة كَمَا تقدم وَيُقَال لَهُ الطّيب والطاهر ثَلَاثَة أَسمَاء وَهُوَ قَول أَكثر أهل السّير وَالْعلم قَالَه أَبُو عَمْرو وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ الأثبت وَيُسمى عبد الله بالطيب والطاهر لِأَنَّهُ ولد بعد النُّبُوَّة أَي على خلاف فِي ذَلِك كَمَا تقدم ذكره فبه كَانَت جُمْلَتهمْ سَبْعَة ثَلَاثَة ذُكُور وَأَرْبع إناث كَمَا تقدم وَأما سيدنَا إِبْرَاهِيم ابْن سيدنَا رَسُول الله فَهُوَ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة وَقد تقدم ذكرهَا فِي سراريه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بِالْعَالِيَةِ قَالَه مُصعب بن الزبير وروى ابْن سعد عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة قَالَ كَانَ رَسُول الله معجباً بمارية الْقبْطِيَّة وَكَانَت بَيْضَاء جميلَة فأنزلها عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على أم سليم بنت ملْحَان وَعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأسْلمت فوطئا بِالْملكِ وحولها إِلَى مَال لَهُ بِالْعَالِيَةِ وَكَانَ من أَمْوَال بني النَّضِير وَكَانَت فِيهِ فِي الصَّيف وَفِي خرافة النّخل فَكَانَ يَأْتِيهَا هُنَاكَ وَكَانَت حَسَنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 الدّين وَولدت لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام غُلَاما فَسَماهُ إِبْرَاهِيم وعق عَنهُ بِشَاة يَوْم سابعه وَحلق رَأسه وَتصدق بزنة شعره فضَّة على الْمَسَاكِين وَأمر بِشعرِهِ فَدفن فِي الأَرْض وَكَانَت قابلتها سلمى مولاة رَسُول الله فَخرجت إِلَى زَوجهَا أبي رَافع فاخرته بَان مَارِيَة قد ولدت غُلَاما فجَاء أَبُو رَافع إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فبشره فوهب لَهُ عبدا وغار نسَاء رَسُول الله مِنْهَا وَاشْتَدَّ عَلَيْهِنَّ حِين رزق مِنْهَا الْوَلَد كَذَا فِي سيرة الشَّامي قلت سلمى هِيَ مولاة صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَقد تقدم أَنَّهَا قَابِلَة خَدِيجَة على اولادها مِنْهُ ووصفها هُنَا بمولاة رَسُول الله لَا شَيْء فِيهِ إِذْ مولاة عمَّة الشَّخْص مولاته وروى ابْن سعد وَالزُّبَيْر بن كبار عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة قَالَ لما ولد إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله تنافس فِيهِ نسَاء الْأَنْصَار أيتهن ترْضِعه وأحببن أَن يفرغن مَارِيَة لرَسُول الله لما يعلمن من ميله إِلَيْهَا فَدفعهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى أم بردة بنت الْمُنْذر بن زيد بن لبيد بن النجار وَزوجهَا الْبَراء بن أَوْس بن خَالِد بن الْجَعْد بن النجار وَكَانَت ترْضِعه فَكَانَ يكون عِنْد أَبَوَيْهِ فِي بني النجار وَيَأْتِي رَسُول الله أم بردة فيغتسل عِنْدهَا وَيُؤْتى إِبْرَاهِيم واعطى رَسُول الله أم بردة قِطْعَة نخل وروى الشَّيْخَانِ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دفع إِبْرَاهِيم إِلَى أم سيف وَهُوَ قين أَي حداد بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ سيف فَانْطَلق رَسُول الله وتبعته حَتَّى انتهينا إِلَى أبي سيف وَهُوَ ينْفخ بكيره وَقد امْتَلَأَ الْبَيْت دخاناً فأسرعت فِي الْمَشْي بَين يَدي رَسُول الله حَتَّى انْتَهَيْت فِي الْمَشْي إِلَى أبي سيف فَقلت يَا أَبَا سيف أمسك جَاءَ رَسُول الله فَأمْسك ودعا رَسُول الله بِالصَّبِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 فضمه إِلَيْهِ وَقَالَ مَا شَاءَ الله أَن يَقُول وروى أَيْضا عَن أنس رَضِي الله عَنهُ مَا رَأَيْت أحدا أرْحم بعياله من رَسُول الله كَانَ ابْنه إِبْرَاهِيم مسترضعاً فِي عوالي الْمَدِينَة فَكَانَ يَأْتِيهِ وَنحن مَعَه فَيدْخل الْبَيْت وَإنَّهُ ليدخن وَكَانَ ظئره قينا فَيَأْخذهُ قيقبله مَاتَ إِبْرَاهِيم سنة عشر من الْهِجْرَة قَالَه الْوَاقِدِيّ جَازِمًا بِهِ وَقَالَ يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر خلون من ربيع الأول وكسفت الشَّمْس يَوْم مَوته فَقَالُوا كسفت لمَوْته فَقَامَ خَطِيبًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ فِيهَا إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله لَا ينخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِن يخوف الله بهما عباده فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى ذكر الله وَالصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَاشَ سَبْعَة عشر شهرا أَو ثَمَانِيَة عشر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله أَخذ بيد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَانْطَلق بِهِ إِلَى النّخل الَّذِي فِيهِ إِبْرَاهِيم فَدخل وَإِبْرَاهِيم يجود فِي نَفسه فَوَضعه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حجره فَلَمَّا مَاتَ دَمَعَتْ عينا رَسُول الله فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تبْكي يَا رَسُول الله أَو لم تنه عَن الْبكاء قَالَ إِنَّمَا نهيت عَن النوح وَعَن صَوْتَيْنِ أخنعين فاجرين صَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَلعب وَمَزَامِير الشَّيْطَان وَصَوت عِنْد مُصِيبَة خَمش وَجه وشق جيب وَرَنَّة الشَّيْطَان وَفِي رِوَايَة إِنَّمَا نهيت عَن النِّيَاحَة وَأَن ينعَت الْمَيِّت بِمَا لَيْسَ فِيهِ ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا هَذِه رَحْمَة وَمن لَا يرحم لَا يرحم يَا إِبْرَاهِيم لَوْلَا أَنه أَمر حق ووعد صدق وَيَوْم جَامع وَفِي رِوَايَة لَوْلَا أَنه أجل مَحْدُود وَوقت صَادِق لحزنا عَلَيْك حزنا أَشد من هَذَا وَإِنَّا بك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب وروى ابْن مَاجَه والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أنس لما قبض إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي قَالَ لَهُم لَا تدرجوه فِي أَكْفَانه حَتَّى أنظر إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فانكب عَلَيْهِ وَبكى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 وَاخْتلف هَل صلى عَلَيْهِ فروى الإِمَام أَحْمد وَابْن سعد من طَرِيق جَابر الْجعْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف عَن الْبَراء وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مُرْسلا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلى على ابْنه إِبْرَاهِيم زَاد الْبَيْهَقِيّ فِي القاعة وَهُوَ مَوضِع الْجَنَائِز زَاد أنس وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَهَذِه الطّرق يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا وَعَن مَكْحُول أَن رَسُول الله كَانَ على شَفير قبر ابْنه إِبْرَاهِيم فَرَأى فُرْجَة فِي اللَّحْد فناول الحفار مَدَرَة وَقَالَ إِنَّهَا لَا تضر وَلَا تَنْفَع وَلكنهَا تقر عين الْحَيّ وَجعل رَسُول الله يُسَوِّي بِأُصْبُعِهِ وَيَقُول إِذا عمل أحدكُم عملا فليتقنه قلت هُوَ معنى الحَدِيث الْمُتَقَدّم الَّذِي روته سِيرِين أُخْت مَارِيَة وَقد ذكرته فِي ذكرهَا عِنْد ذكر أُخْتهَا وروى ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت عَن أمه سِيرِين أُخْت مَارِيَة قَالَت حضرت موت إِبْرَاهِيم فرأيته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كلما صحت أَنا وأختي مَارِيَة مَا ينهانا فَلَمَّا مَاتَ نَهَانَا عَن الصياح وغسله الْفضل بن عَبَّاس وَرَسُول الله وَالْعَبَّاس جَالس إِلَى جنبه وَنزل فِي حفرته الْفضل بن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وَأُسَامَة بن زيد وَلما دفن إِبْرَاهِيم رش على قَبره وَأعلم بعلامة قَالَ وَهُوَ أول قبر رش وروى ابْن سعد عَن رجل من آل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ إِن رَسُول الله حِين دفن إِبْرَاهِيم قَالَ هَل من أحد يَأْتِي بقربة فَأتى رجل من الْأَنْصَار بقربة مَاء فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رشها على قبر إِبْرَاهِيم وروى ابْن مَاجَه عَن ابْن اعباس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما مَاتَ إِبْرَاهِيم قَالَ رَسُول الله إِن لَهُ مُرْضِعَة فِي الْجنَّة وَلَو عَاشَ لَكَانَ صديقا نَبيا وَلَو عَاشَ لتعتقت أَخْوَاله القبط وَمَا اسْترق قبْطِي قطّ وروى الْعَلامَة مُحَمَّد بن يُوسُف الشَّامي فِي سيرته اشْتهر على الْأَلْسِنَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لقن ابْنه إِبْرَاهِيم بعد الدّفن قَالَ قل الله رَبِّي ورسولي أبي وَهَذَا شَيْء لم يُوجد فِي كتب الحَدِيث وَإِنَّمَا ذكره الْمُتَوَلِي فِي تتمته بِلَفْظ روى أَن النَّبِي لما دفن إِبْرَاهِيم قَالَ قل الله رَبِّي ورسولي أبي وَالْإِسْلَام ديني فَقيل يَا رَسُول الله أَنْت تلقنه فَمن يلقننا فَأنْزل الله {يثبت الله الَّذين آمنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} إِبْرَاهِيم 27 الْآيَة والأستاذ أَبُو بكر بن فورك فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالنظامي وروى ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا أَن رَسُول الله قَالَ إِذا ملكتم القبط فَأحْسنُوا إِلَيْهِم فَإِن لَهُم ذمَّة وَإِن لَهُم رحما وَعَن ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 كَعْب بن مَالك إِن رَسُول الله قَالَ اسْتَوْصُوا بالقبط خيرا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحماً وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا إِن رَسُول الله قَالَ الله الله فِي قبط مصر فَإِنَّكُم ستظهرون عَلَيْهِم فَيَكُونُوا لكم عدَّة وأعواناً فِي سَبِيل الله وَأما السيدة زَيْنَب بنت رَسُول الله فَلَا خلاف انها اكبر بَنَاته إِنَّمَا الْخلاف فِيهَا وَفِي الْقَاسِم أَيهمَا ولد أَولا قَالَ ابْن إِسْحَاق سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي يَقُول ولدت زَيْنَب بنت رَسُول الله فِي سنة ثَلَاثِينَ من مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأدْركت الْإِسْلَام وَهَاجَرت وَكَانَ رَسُول الله محباً فِيهَا وَتَزَوجهَا ابْن خَالَتهَا أَبُو الْعَاصِ واسْمه لَقِيط على الْأَكْثَر وَقيل هشم وَقيل مهشم بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف أمه هَالة بنت خويلد فَلِذَا كَانَ ابْن خَالَة زَيْنَب روى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ أَبُو الْعَاصِ من رجال مَكَّة الْمَعْدُودين مَالا وتجارة وَأَمَانَة فَقَالَت خَدِيجَة لرَسُول الله زوجه وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يُخَالِفهَا وَذَلِكَ قبل أَن ينزل عَلَيْهِ فَزَوجهُ زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا فَلَمَّا أكْرم الله نبيه بنبوته آمَنت خَدِيجَة وبناتها فَلَمَّا نَادَى رَسُول الله قُريْشًا بِأَمْر الله تَعَالَى وَدينه أَتَوا أَبَا الْعَاصِ بن الرّبيع هَذَا فَقَالُوا فَارق صَاحبَتك وَنحن نُزَوِّجك بِأَيّ امْرَأَة شِئْت فَقَالَ لَا وَالله لَا أُفَارِق صَاحِبَتي وَمَا يسرني أَن لي بهَا أفضل امْرَأَة من قُرَيْش وَفِي الْخَمِيس عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ الْإِسْلَام فرق بَين زَيْنَب وَبَين أبي الْعَاصِ إِلَّا أَن رَسُول الله لَا يقدر أَن يفرق بَينهمَا وَكَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ بِمَكَّة قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام فِي سيرته بعد أَن ذكر مثل مَا تقدم فأقامت مَعَه على إسْلَامهَا وَهُوَ على شركه حَتَّى هَاجر رَسُول الله فَلَمَّا سَارَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 قُرَيْش إِلَى بدر سَار فيهم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فأصيب فِي الْأُسَارَى يَوْم بدر فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْد رَسُول الله قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عباد عَن عَائِشَة قَالَت لما بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء أَسْرَاهُم بعثت زَيْنَب بنت رَسُول الله فِي فدَاء زَوجهَا أبي الْعَاصِ بِمَال وَبعثت فِيهِ بقلادة لَهَا كَانَت خَدِيجَة أدخلتها بهَا على أبي الْعَاصِ حِين بنى بهَا قَالَت فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله رق لَهَا رقة شَدِيدَة وَقَالَ إِن رَأَيْتُمْ أَن تطلقوا لَهَا أَسِيرهَا وتردوا عَلَيْهَا قلادتها فافعلوا قَالُوا نعم يَا رَسُول الله فأطلقوه وردوا عَلَيْهَا الَّذِي كَانَ لَهَا وَكَانَ رَسُول الله قد أَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد أَو هُوَ وعد رَسُول الله يَوْم ذَلِك أَن يخلي سَبِيل زَيْنَب إِلَيْهِ أَو كَانَ شَرط ذَلِك عَلَيْهِ فِي إِطْلَاقه وَلم يظْهر ذَلِك مِنْهُ وَلَا من رَسُول الله فَيعلم مَا هُوَ إِلَّا أَنه لما خرج أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّة وخلى سَبيله بعث رَسُول الله زيد بن حَارِثَة ورجلا من الاعصار فَقَالَ كونا بِبَطن يأجج حَتَّى تمر بكما زَيْنَب فتصحباها حَتَّى تأتياني بهَا فَخَرَجَا إِلَى مكانهما ذَلِك بعد بدر بِشَهْر أَو شيعه فَلَمَّا قدم أَبُو الْعَاصِ مَكَّة أمرهَا باللحوق بأبيها فخجرت تجهز قَالَ قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني عبد الله بن أبي بكر قَالَ حدثت عَن زَيْنَب انها قَالَت بَيْنَمَا أَنا أتجهز بِمَكَّة للحوق بِأبي لقيتني هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة زَوْجَة أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 سُفْيَان بن حَرْب فَقَالَت يَا بنة مُحَمَّد ألم يبلغنِي أَنَّك تريدين اللحوق بأبيك قَالَت فَقلت مَا أردْت ذَلِك قَالَت هِنْد أَي ابْنة عَم لَا تفعلي إِن كَانَت لَك حَاجَة بمتاع مِمَّا يرفق بك فِي سفرك أَو بِمَا تصلين بِهِ إِلَى أَبِيك فَإِن عِنْدِي حَاجَتك فَلَا تضطني مني فَإِنَّهُ لَا يدْخل بَين النِّسَاء مَا بَين الرِّجَال قَالَت وَالله مَا أَرَاهَا قَالَت ذَلِك إِلَّا لتفعل قَالَت وَلَكِنِّي خفتها فأنكرت أَن أكون أُرِيد ذَلِك وتجهزت فَلَمَّا فرغت من جهازها قدم لَهَا حموها كنَانَة بن الرّبيع أَخُو زَوجهَا لَقِيط بن الرّبيع المكنى أَبَا لعاص بَعِيرًا فركبته وَأخذ قوسه وكنانته ثمَّ خرج بهَا نَهَارا يَقُود بهَا وَهِي فِي هودج لَهَا وتحدث بذلك رجال من قُرَيْش فَأخذُوا فِي طلبَهَا حَتَّى أدركوها بِذِي طوى فَكَانَ أول من سبق إِلَيْهَا هَبَّار بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى الفِهري فروعها بِالرُّمْحِ وَهِي فِي هودجها وَقيل نخس بَعِيرهَا فقمص بهَا فَسَقَطت على صَخْرَة وَكَانَت الْمَرْأَة حَامِلا فِيمَا يَزْعمُونَ فَلَمَّا ريعت طرحت مَا فِي بَطنهَا وبرك حموها على رُكْبَتَيْهِ ونثر كِنَانَته ثمَّ قَالَ وَالله لَا يدنو مِنْهَا رجل إِلَى وضعت فِيهِ سَهْما فتكركر النَّاس عَنهُ وأتى أَبُو سُفْيَان فِي حلَّة من قُرَيْش فَقَالَ أَيهَا الرجل كف عَنَّا نبلك حَتَّى نكلمك فَكف فَأقبل أَبُو سُفْيَان حَتَّى وقف عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّك لم تصب خرجت بِالْمَرْأَةِ على رُءُوس النَّاس عَلَانيَة وَقد عرفت مُصِيبَتنَا ونكبتنا بِمَا دخل علينا من مُحَمَّد فيظن النَّاس إِذْ أخرجت بنته عَلَانيَة على رُءُوس النَّاس من بَين أظهرنَا أَن ذَلِك على ذل أَصْحَابنَا من مُصِيبَتنَا الَّتِي كَانَت وَأَن ذَلِك بِنَا ضعف ووهن ولعمري مَا لنا بحبسها عَن أَبِيهَا من حَاجَة وَمَا لنا فِي ذَلِك من ثورة وَلَكِن ارْجع بِالْمَرْأَةِ حَتَّى إِذا هدأت الْأَصْوَات وتحدثت النَّاس أَن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها فَرجع بهَا كنَانَة فاستخبر فِيهَا بَنو هَاشم وَبَنُو أُميَّة فَقَالَت بَنو أُميَّة نَحن أَحَق بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 لكَونهَا تَحت ابْن عمهم أبي الْعَاصِ فَكَانَت عِنْد هِنْد بنت عتبَة بن الرّبيع فَكَانَت هِنْد تَقول لَهَا هَذَا فِي سَبَب أَبِيك قَالَ فأقامت ليَالِي حَتَّى إِذا هدأت الْأَصْوَات خرج بهَا لَيْلًا حَتَّى أسلمها إِلَى زيد بن حَارِثَة وَصَاحبه فَقدما بهَا على رَسُول الله وَكَانَ رَسُول الله لما أرسل زيد بن حَارِثَة وَصَاحبه قَالَ لزيد خُذ خَاتمِي فأعطها فَانْطَلق زيد فَلم يزل يتلطف حَتَّى لَقِي رَاعيا فَقَالَ لمن ترعى قَالَ لأبي الْعَاصِ فَقَالَ لمن هَذِه الْغنم قَالَ لِزَيْنَب بنت مُحَمَّد فَسَار مَعَه شَيْئا ثمَّ قَالَ هَل لَك إِن أَعطيتك شَيْئا فتعطيها إِيَّاه وَلَا تذكره لأحد قَالَ نعم فَأعْطَاهُ الْخَاتم فَانْطَلق الرَّاعِي فَأدْخل الْغنم وَأَعْطَاهَا الْخَاتم فعرفته فَقَالَت من أَعْطَاك هَذَا قَالَ رجل قلت فَأَيْنَ تركته قَالَ بمَكَان كَذَا فَسَكَتَتْ حَتَّى إِذا جَاءَ اللَّيْل أخْبرت زَوجهَا فتجهزت فَأخْرج بهَا أَخَاهُ كنَانَة بن الرّبيع حَتَّى أسلمها إِلَى زيد وَصَاحبه كَمَا تقدم فَلَمَّا جَاءَتْهُ قَالَ لَهَا زيد ارْكَبِي بَين يَدي على بَعِيري فَقَالَت لَا وَلَكِن اركب أَنْت بَين يَدي فَركب وَركبت خَلفه حَتَّى أَتَت الْمَدِينَة قَالَ عُرْوَة فَكَانَ رَسُول الله يَقُول هِيَ أفضل بَنَاتِي أُصِيبَت فيّ فَبلغ ذَلِك عَليّ بن الْحُسَيْن فَانْطَلق إِلَى عُرْوَة فَقَالَ مَا حَدِيث بَلغنِي عَنْك تحدثه تنقص بِهِ حق فَاطِمَة قَالَ عُرْوَة مَا أحب أَن لي بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَأَنِّي أنتقص فَاطِمَة حَقًا هُوَ لَهَا وَإِنَّمَا بعد فلك عليّ أَلا أحدث بِهِ أخرجه الدولابي قَالَ ابْن هِشَام قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَة أَخُو بني سَالم بن عَوْف فِي الَّذِي كَانَ من أَمر زَيْنَب // (من الطَّوِيل) // (أَتَانِي الّذي لَا تقدر النّاس قدره ... لِزَيْنَب فيهم من عقوقٍ ومأثم) (وإخراجها لم يخز فِيهِ محمّدٌ ... على مأقط وبيننا عطر منشم) (وَأمسى أَبُو سُفْيَان من حلف ضمضمٍ ... وَمن حربنا فِي رغم أنفٍ ومندم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 (قرنّا ابْنه عمرا وَمولى يَمِينه ... بِذِي حلقٍ جلد الصّلاصل مُحكم) (فأقسمت لَا تنفكّ منّا كتائبٌ ... سراة خَمِيس فِي لهام مسوّم) (نروع قُرَيْش الْكفْر حتّى نعلّها ... بخاطمةٍ فَوق الأُنوف بميسم) (تنزلهم أكناف نجدٍ ونخلةٍ ... وَإِن يتهموا بِالْخَيْلِ والرّجل نُتهم) (مدى الدّهر حتّى لَا يعوج سربنا ... ونلحقهم آثَار عادٍ وجرهم) (ويندم قومٌ لم يطيعوا محمّداً ... على أمره وأيّ حِين تندّم) (فأبلغ أَبَا سُفْيَان إمّا لَقيته ... لَئِن أَنْت لم تخلص سجوداً وتسلم) (فأبشر بخزيٍ فِي الْحَيَاة معجّلٍ ... وسربال نارٍ خَالِدا فِي جهنّم) وَقَوله قرنا ابْنه عمرا وَمولى يَمِينه يُرِيد بِهِ عقبَة بن عبد الْحَارِث بن الْحَضْرَمِيّ لِأَنَّهُ أسر يَوْم بدر هُوَ وَعَمْرو بن أبي سُفْيَان بن حَرْب لِأَن حلف الْحَضْرَمِيّ وَذَوِيهِ كَانَ إِلَى حَرْب بن أُميَّة وَمن بعده إِلَى أبي سُفْيَان بن حَرْب وَلما انْصَرف الَّذين خَرجُوا إِلَى زَيْنَب ليردوها إِلَى مَكَّة عِنْد خُرُوجهَا أول مرّة مَعَ كنَانَة بن الرّبيع لقيتهم هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة فَقَالَت لَهُم // (من الطَّوِيل) // (أَفِي السم أعياراً جفَاء وغلظةً ... وَفِي الْحَرْب أشباه النّساء العوارك) وَقَالَ كنَانَة بن الرّبيع الْمَذْكُور فِي أَمر زَيْنَب // (من الطَّوِيل) // (عجبت لهبّارٍ وأوباشٍ قومه ... يُرِيدُونَ إخفاري ببنت محمّد) (وَلست أُبالي مَا حييت فديدهم ... وَمَا استجمعت قبضا يَدي بالمهنّد) قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن أبي إِسْحَاق الدوسي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث رَسُول الله سَرِيَّة أَنا فِيهَا فَقَالَ لنا إِن ظفرتم بهبار بن الْأسود وَالرجل الَّذِي سبق مَعَه إِلَى زَيْنَب قَالَ ابْن هِشَام وَقد سمى ابْن إِسْحَاق الرجل بِعَيْنِه فَقَالَ هُوَ نَافِع بن عبد قيس فحرقوهما بالنَّار قَالَ فَلَمَّا كَانَ الْغَد بعث الينا رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 فَقَالَ إِنِّي كنت أَمرتكُم بتحريق هذَيْن الرجلَيْن إِن اخذتموها ثمَّ رَأَيْت أَنه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يعذب بالنَّار إِلَّا الله فَإِن ظفرتم بهما فاقتلوهما قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّة واقامت زَيْنَب عِنْد رَسُول الله حَتَّى فرق بَينهمَا بِالْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى إِذا كَانَ قبيل الْفَتْح خرج أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إِلَى الشَّام وَكَانَ رجلا مَأْمُونا بِمَال لَهُ وأموال لرجال من قُرَيْش أبضعوها مَعَه فَلَمَّا خرج من تِجَارَته وَأَقْبل قَافِلًا لَقيته سَرِيَّة لرَسُول الله فَأَصَابُوا مَا مَعَه وأعجزهم هرباً فَلَمَّا قدمت السّريَّة بِمَا أَصَابُوا من مَاله أقبل أَبُو الْعَاصِ تَحت اللَّيْل حَتَّى دخل على زَيْنَب بنت رَسُول الله زَوجته فَاسْتَجَارَ بهَا فَأَجَارَتْهُ وَجَاء فِي طلب مَاله فَلَمَّا خرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى صَلَاة الصُّبْح كَمَا حَدثنِي بِهِ يزِيد ابْن رُومَان فَكبر وَكبر النَّاس مَعَه حَتَّى صرخت زَيْنَب من صف النِّسَاء أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أجرت أَبَا الْعَاصِ بن الرّبيع قَالَ فَلَمَّا سلم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الصَّلَاة أقبل فَقَالَ أَيهَا النَّاس هَل سَمِعْتُمْ مَا سَمِعت قَالُوا نعم قَالَ أما وَالله الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا علمت بِشَيْء حَتَّى سَمِعت مَا سَمِعْتُمْ إِنَّه يجير على الْمُسلمين أَدْنَاهُم ثمَّ انْصَرف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَدخل على ابْنَته فَقَالَ أَي بنية أكرمي مثواه وَلَا يخلص إِلَيْك فَإنَّك لَا تحلين لَهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر أَن رَسُول الله بعث إِلَى السّريَّة الَّتِي أَصَابَت مَال أبي الْعَاصِ فَقَالَ لَهُم إِن هَذَا الرجل منا حَيْثُ علمْتُم وَقد أصبْتُم لَهُ مَالا فَإِن تحسنوا وتردوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَإنَّا نحب ذَلِك وَإِن أَبَيْتُم فَهُوَ فىء الله الَّذِي أَفَاء لكم فَأنْتم أَحَق بِهِ قَالُوا يَا رَسُول الله بل نرده عَلَيْهِ قَالَ فَردُّوهُ عَلَيْهِ حَتَّى إِن الرجل ليَأْتِي بالدلو وَيَأْتِي الآخر بالشنة والإدواة حَتَّى إِن أحدهم ليَأْتِي بالشظاظ حَتَّى ردوا عَلَيْهِ مَاله بأسره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 لَا يفقد مِنْهُ شَيْئا ثمَّ احْتمل إِلَى مَكَّة فَأدى إِلَى كل ذِي مَال من قُرَيْش مَاله وَمَا كَانَ أبضع مَعَه ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش هَل بَقِي لأحد مِنْكُم عِنْدِي مَال لم يَأْخُذهُ قَالُوا لَا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفياً كَرِيمًا قَالَ إِنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وَللَّه مَا مَنَعَنِي من الْإِسْلَام عِنْده إِلَّا تخوفي أَن تظنوا أَنِّي إِنَّمَا أردْت أَن آكل اموالكم فَلَمَّا اداها الله سُبْحَانَهُ إِلَيْكُم وفرغت مِنْهَا أسلمت ثمَّ خرج حَتَّى قدم على رَسُول الله قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رد النَّبِي إِلَيْهِ زَيْنَب على النِّكَاح الأول لم يحدث شَيْئا بعد سِتّ سِنِين قَالَ ابْن هِشَام وحَدثني أَبُو عُبَيْدَة أَن أَبَا الْعَاصِ بن الرّبيع لما قدم من الشَّام وَمَعَهُ أَمْوَال الْمُشْركين قيل لَهُ هَل لَك أَن تسلم وَتَأْخُذ هَذِه الْأَمْوَال فانما هِيَ أَمْوَال الْمُشْركين فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بئْسَمَا أبدأ بِهِ إسلامي أَن أخون أمانتي قَالَ فِي الْمَوَاهِب ردهَا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالنِّكَاحِ الأول بعد سنتَيْن وَقيل بعد سِتّ سِنِين وَقيل قبل انْقِضَاء الْعدة فِيمَا ذكره ابْن عقبَة وَفِي حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده ردهَا لَهُ بِنِكَاح جَدِيد سنة سبع من الْهِجْرَة مَاتَت زَيْنَب بنت رَسُول الله فِي أول سنة ثَمَان من الْهِجْرَة فغسلتها أم أَيمن وَسَوْدَة بنت زَمعَة وَأم سَلمَة وَصلى عَلَيْهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنزل فِي قبرها وَمَعَهُ أَبُو الْعَاصِ وَجعل لَهَا نعشاً فَكَانَت أول من اتخذ لَهَا ذَلِك وَعَن أبي عمر لما دفن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ابْنَته زَيْنَب جلس عِنْد الْقَبْر فتربد وَجهه ثمَّ سرى عَنهُ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ ذكرت ابْنَتي زَيْنَب وضعفها وَعَذَاب الْقَبْر فدعوت الله فَفرج عَنْهَا وَايْم الله لقد ضمت ضمة سَمعهَا مَا بَين الْخَافِقين أخرجه سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وروى الطَّبَرَانِيّ عَن رجال الصَّحِيح عَن عُرْوَة ابْن الزبير أَن زَيْنَب لم تزل وجعة مِمَّا وَقع من الْإِسْقَاط بِسَبَب فعل هَبَّار بن الْأسود حَتَّى مَاتَت فَكَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا شهيدة ولدت زَيْنَب من أبي الْعَاصِ غُلَاما يُقَال لَهُ عَليّ توفّي وَقد ناهز الْحلم وَكَانَ رَدِيف رَسُول الله على نَاقَته يَوْم الْفَتْح وَمَات فِي حَيَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَولدت لَهُ جَارِيَة يُقَال لَهَا أُمَامَة أُخْت عَليّ الْمَذْكُور تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب بعد موت السيدة فَاطِمَة بِوَصِيَّة مِنْهَا وَلم تَلد لَهُ وَقيل ولدت لَهُ مُحَمَّدًا وَعَلِيهِ كَثِيرُونَ وَقتل عَنْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يحب أُمَامَة هَذِه وَكَانَ يحملهَا على عَاتِقه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 الصَّلَاة فَإِذا ركع وَضعهَا وَإِذا رفع رَأسه من السُّجُود أَعَادَهَا وروى الإِمَام أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت وَأهْدى لرَسُول الله قلادة من جزع معلمات بِالذَّهَب ونساؤه مجتمعات فِي بَيت كُلهنَّ وأمامة بنت أبي الْعَاصِ جَارِيَة تلعب فِي جَانب الْبَيْت بِالتُّرَابِ فَقَالَ رَسُول الله كَيفَ تَرين هَذِه فَنَظَرْنَا إِلَيْهَا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله مَا رَأينَا أحسن من هَذِه قطّ وَلَا أعجب فَقَالَ ارددنها إِلَيّ فولله لأضعنها فِي رَقَبَة أحب أهل الْبَيْت إِلَيّ قَالَت عَائِشَة فأظلمت عَليّ الأَرْض بيني وَبَينه خشيَة أَن يَضَعهَا فِي رَقَبَة غَيْرِي مِنْهُنَّ وَلَا اراهن لَا أصابهن مثل الَّذِي أصابني ووجمنا جَمِيعًا سكُوتًا فَأقبل بهَا حَتَّى وَضعهَا فِي رَقَبَة أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ فسرى عَنَّا وَكَانَ تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب كَمَا تقدم من الزبير بن الْعَوام لِأَنَّهُ كَانَ أَبوهَا أَبُو الْعَاصِ أوصى بهَا إِلَى الزبير فَكَانَ وَصِيّه عَلَيْهَا فَزَوجهَا بعلي رَضِي الله عَنْهُمَا فَلَمَّا قتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه تزَوجهَا الْمُغيرَة بن نَوْفَل بن الْحَارِث ابْن عبد الْمطلب وَكَانَ عَليّ قد أمره بذلك بعده لِأَنَّهُ خَافَ أَن يَتَزَوَّجهَا مُعَاوِيَة وَولدت لَهُ يحيى وَبِه كَانَ يكنى وَقيل لم تَلد فَلَا عقب لِزَيْنَب وَمَاتَتْ عِنْده سنة خمسين من الْهِجْرَة روى أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهَا حِين حَضرته الْوَفَاة إِنِّي لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 آمن أَن يخطبك مُعَاوِيَة فَإِن كَانَ لَك فِي الرِّجَال حَاجَة فقد رضيت لَك الْمُغيرَة بن نَوْفَل عشيراً فَلَمَّا انْقَضتْ عدتهَا كتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان يَأْمُرهُ أَن يخطبها ويبذل لَهَا مائَة ألف دِينَار فَلَمَّا خطبهَا أرْسلت إِلَى الْمُغيرَة بن نَوْفَل إِن هَذَا تَعْنِي مُعَاوِيَة أرسل يخطبني فَإِن كَانَ لَك بِنَا حَاجَة فَأقبل وخطبها إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ فَزَوجهَا مِنْهُ خرج ذَلِك أَبُو عمر وَذكر الدولابي أَن عليا لما أُصِيب وَأرْسل مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان يخطبها لَهُ قَالَ لَهَا الْمُغيرَة اجعلي أَمرك إِلَيّ فَأَنا خير لَك مِنْهُ فَفعلت فَدَعَا رجَالًا فَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قد تَزَوَّجتهَا وأصدقتها كَذَا وَكَذَا وعاش بعد زَيْنَب زَوجهَا أَبُو الْعَاصِ وَتزَوج بنت سعيد بن الْعَاصِ إِلَى أَن هلك بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة عُثْمَان وَأوصى إِلَى الزبير بن الْعَوام كَمَا تقدم رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ذكر السيدة رقية بنت رَسُول الله ولدت لرَسُول الله وعمره ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وسماها رقية وَأسْلمت حِين أسلمت أمهَا خَدِيجَة وبايعته حِين بَايعه النِّسَاء قَالَ قَتَادَة بن دعامة وَمصْعَب بن الزبير فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة عَنْهَا كَانَت رقية تَحت عتبَة بن أبي لَهب وَأم كُلْثُوم تَحت عتيبة فَلَمَّا نزلت سُورَة تبت قَالَ لَهما أَبوهُمَا رَأْسِي من رأسكما حرَام إِن لم تفارقا ابْنَتي مُحَمَّد ففارقاهما وَلم يَكُونَا قد دخلا بهما كَرَامَة من الله لَهما وَهَوَانًا لأبي أبي لَهب فَتزَوج رقية عُثْمَان بن عَفَّان وَهَاجَر بهَا الهجرتين إِلَى الْحَبَشَة وَالْمَدينَة وَتوفيت عِنْده وَكَانَ زواجه بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَه الدولابي وَالَّذِي ذكره غَيره أَنه كَانَ بعد إِسْلَامه وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَتَت قُرَيْش عتبَة بن أبي لَهب فَقَالُوا طلق ابْنة مُحَمَّد وَنحن نُزَوِّجك أَي امْرَأَة شِئْت فَقَالَ إِن زَوَّجْتُمُونِي ابْنة أبان بن سعيد بن الْعَاصِ فارقتها فَزَوجُوهُ ففارقها وَقد تقدم فِي ذكر الْأَعْمَام كَيْفيَّة هجرتهَا مَعَ زَوجهَا عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 إِلَى الْحَبَشَة وسؤال النَّبِي عَنْهَا الْمَرْأَة من قُرَيْش كَيفَ رأتها وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صحبهما الله إِن كَانَ عُثْمَان لأوّل من هَاجر إِلَى الله بأَهْله بعد لوط وَكَانَت رقية ذَات جمال رائع فَكَانَ يُقَال أحسن زوج رَآهُ إِنْسَان مَعَ زَوجهَا قَالَ مُحَمَّد بن قدامَة روينَا أَن فتيَان أهل الْحَبَشَة كَانُوا يعرضون لرقية ينظرُونَ إِلَيْهَا ويتجبون من جمَالهَا فآذاها ذَلِك فدعَتْ عَلَيْهِم فهلكوا جَمِيعًا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن الله أوحى إِلَيّ أَن أزوج كَرِيمَتي عُثْمَان بن عَفَّان خرجه الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه قَالَ مُصعب الزبيرِي توفيت رقية عِنْد عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ وَالنَّبِيّ فِي غَزْوَة بدر الْكُبْرَى وتخلف عُثْمَان بِسَبَب مَرضهَا عَن غَزْوَة بدر فَلم يشدها وَكَانَ تخلفه بِأَمْر رَسُول الله وَضرب لَهُ بسهمه وأجره عَن ابْن شهَاب إِن مَرضهَا هُوَ أَنه اصابتهما الحصبة فمرضت وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة وَجَاء بشيره إِلَى الْمَدِينَة بنصرة بدر وَهُوَ زيد بن حَارِثَة وَعُثْمَان قَائِم على قبر رقية قد نفض هُوَ وَمن مَعَه أَيْديهم من دَفنهَا وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لما عزي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام برقية قَالَ الْحَمد لله دفن الْبَنَات من المكرمات ولدت رقية لعُثْمَان ولدا بِالْحَبَشَةِ سَمَّاهُ عبد الله قَالَ مُصعب بلغ سِتّ سِنِين وَقيل سنتَيْن فنقره فِي عينه ديك فورم وَجهه وَمرض فَمَاتَ وَصلى عَلَيْهِ رَسُول الله وَنزل أَبوهُ عُثْمَان فِي حفرته وَقيل إِنَّه مَاتَ وَهُوَ رَضِيع وَقَالَ قَتَادَة لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 تَلد رقية لعُثْمَان شَيْئا وغلطوه وَالْأول أصح كَمَا تقدم رَضِي الله عَنْهُمَا ذكر السيدة أم كُلْثُوم رَضِي الله عَنْهَا هِيَ أكبر من فَاطِمَة سَمَّاهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أم كُلْثُوم وَلم يعرف لَهَا اسْم إِنَّمَا تعرف بكنيتها أسلمت حِين أسلم أخواتها وبايعت مَعَهُنَّ وَهَاجَرت حِين هَاجر رَسُول الله فَلَمَّا توفيت رقية تزَوجهَا عُثْمَان بن عَفَّان فِي ربيع الأول سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَبنى بهَا فِي جمادي الْآخِرَة وروى ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تزوج عُثْمَان أم كُلْثُوم على مثل صدَاق رقية وعَلى مثل صحبتهَا وَقد تقدم قبل هَذَا أَنَّهَا كَانَت تَحت عتيبة بن أبي لَهب ثمَّ فَارقهَا قبل دُخُوله بهَا فخلف عَلَيْهَا عُثْمَان بن عَفَّان بعد موت أُخْتهَا رقية وَعَن قَتَادَة أَن عتيبة فَارق أم كُلْثُوم ثمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِي فَقَالَ كفرت بِدينِك وَفَارَقت ابْنَتك لَا تحبني وَلَا أحبك ثمَّ سَطَا عَلَيْهِ وشق قَمِيصه وتفل فَرجع التفل فِي وَجه التافل فَاحْتَرَقَ مَكَانَهُ فِي وَجه وَكَانَ خَارِجا إِلَى الشَّام تَاجِرًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك فَأَكله السَّبع والقصة قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 تقدّمت فِي ذكر أَعْمَامه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا أغْنى عَن الْإِعَادَة هُنَا قَالَ فِي الْخَمِيس رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ أم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ من رقية بنت رَسُول الله وآمت حَفْصَة بنت عمر من زَوجهَا خُنَيْس بن حذافة السَّهْمِي فَمر عُثْمَان بعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ عمر لَهُ هَل لَك فِي حَفْصَة فَلم يجب فَذكر ذَلِك لرَسُول الله فَقَالَ هَل أدلك على خير من ذَلِك أَتزوّج أَنا حَفْصَة وأزوج عُثْمَان خيرا مِنْهَا أم كُلْثُوم خرجه أَبُو عمر ثمَّ قَالَ حَدِيث صَحِيح وَإِنَّمَا كَانَ امْتنَاع عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ سمع أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يذكر حَفْصَة وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله يَقُول أَتَانِي جِبْرِيل فَأمرنِي أَن أزوج عُثْمَان ابْنَتي وَقَالَت عَائِشَة فِي ذَلِك كن لما لَا ترجو أَرْجَى مِنْك لما ترجو فَإِن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خرج يلْتَمس نَارا فَرجع بِالنُّبُوَّةِ خرجه إِلَى الْحسن أَبُو نعيم الْبَصْرِيّ قلت عقد هَذَا الْأَثر عَن عَائِشَة بعض الأدباء شعرًا فِي أَبْيَات أَرْبَعَة هِيَ قَوْله // (من الْخَفِيف) // (كُن لما لَا يُرْجَى من الأمرى أَرْجَى ... مِنْك يَوْمًا لما لَهُ أَنْت راجي) (إنّ مُوسَى مضى ليقبس نَارا ... من شهابٍ يلوح وَاللَّيْل داجي) (فانثنى رَاجعا وَقد كلم الله ... وناجاه وَهُوَ خير مناجي) (وَكَذَا الكرب حِين يشْتَد بِالْمَرْءِ ... فأدنى لسرعة الإنفراج) وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ عُثْمَان لما مَاتَت امْرَأَتي رقية بنت رَسُول الله بَكَيْت بكاء شَدِيدا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا يبكيك قلت أبْكِي على انْقِطَاع صهري مِنْك قَالَ فَهَذَا جِبْرِيل يَأْمُرنِي بِأَمْر الله أَن أزَوجك أُخْتهَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن عِنْدِي مائَة بنت يمتن وَاحِدَة بعد وَاحِدَة زَوجتك أُخْرَى حَتَّى لَا يقبى بعد الْمِائَة شَيْء هَذَا جبرل أَخْبرنِي أَن الله يَأْمُرنِي أَن أزَوجك أُخْتهَا وَأَن أجعَل صَدَاقهَا مثل صدَاق أُخْتهَا أخرجه الفضائلي الرَّازِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 مَاتَت أم كُلْثُوم سنة تسع من الْهِجْرَة وَصلى عَلَيْهَا ابوها وغسلتها أَسمَاء بنت عُمَيْس وَصفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَشهِدت أم عَطِيَّة غسلهَا فروت قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اغسليها ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن ذَلِك بِمَاء وَسدر واجعلن فِي الْآخِرَة كافوراً أَو شَيْئا من كافور فَإِذا فرغتن آذنني فَلَمَّا فَرغْنَا آذناه فَألْقى إِلَيْنَا حقوه وَقَالَ أشعرنها إِيَّاه قَالَت ومشطناها ثَلَاثَة قُرُون وألقيناها خلفهَا وعنها أَنه قَالَ ابدأن بميامنها ومواضع السُّجُود مِنْهَا وَعَن ليلى بنت قائف الثقفية قَالَت كنت مِمَّن غسل أم كُلْثُوم فَكَانَ أول مَا أَعْطَانَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الحقو ثمَّ الدرْع ثمَّ الْخمار ثمَّ الملحفة ثمَّ أدرجت فِي الثَّوْب الآخر قَالَت وَرَسُول الله جَالس على الْبَاب مَعَه كفنها فناولنا ثوبا ثوبا خرجه الدولابي وَعَن أنس شَهِدنَا مدفن بنت رَسُول الله أم كُلْثُوم وَرَسُول الله جَالس على شَفير الْقَبْر فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تدمعان فَقَالَ هَل فِيكُم من أحد لم يقارف اللَّيْلَة أَهله فَقَالَ أَبُو طَلْحَة أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ انْزِلْ فِي قبرها فَنزل خرجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 البُخَارِيّ وروى أَنه نزل فِي حفرتها عَليّ وَالْفضل بن عَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وَأَن أَبَا طَلْحَة استأذنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي النُّزُول مَعَهم فَأذن لَهُ ذكره أَبُو عمر وَلَا تضَاد بَين هَذَا وَمَا قبله الْمخْرج فِي البُخَارِيّ إِذْ يجوز أَن يكون اسْتَأْذن أَولا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذَلِك ليثبت لأبي طَلْحَة مُوجب اخْتِصَاصه بالنزول وَقد رويت هَذِه الْقِصَّة فِي رقية وَهُوَ وهم فَإِن النَّبِي لم يكن حَال دفن رقية حَاضرا بل كَانَ فِي غَزْوَة بدر كَمَا تقدم وَإِنَّمَا كَانَ حَاضرا فِي وَفَاة هَذِه أم كُلْثُوم ودفنها قَالَ السُّهيْلي فِي شرح سيرة ابْن هِشَام مَا الْحِكْمَة فِي قَول النَّبِي لما دفن ابْنَته أم كُلْثُوم أَيّكُم لم يقارف اللَّيْلَة أَهله فَقَالَ أَبُو طَلْحَة أَنا وَقد كَانَ عُثْمَان احق بذلك مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْلهَا قَالَ ابْن بطال أَرَادَ النَّبِي أَن يحرم عُثْمَان النُّزُول فِي قبرها وَقد كَانَ أَحَق النَّاس بذلك لِأَنَّهُ كَانَ بَعْلهَا وفقد مِنْهُم علقاً لَا عوض لَهُ لِأَنَّهُ حِين قَالَ النَّبِي أَيّكُم لم يقارف اللَّيْلَة أَهله سكت عُثْمَان وَلم يقل أَنا لِأَنَّهُ كَانَ قد قارف لَيْلَة مَاتَت بعض نِسَائِهِ وَلم يشْغلهُ الْهم بالمصيبة وَانْقِطَاع صهره من النَّبِي عَن المقارفة فَحرم بذلك مَا كَانَ حَقًا لَهُ وَكَانَ أولى بِهِ من أبي طَلْحَة وَغَيره وَهَذَا بَين فِي معنى الحَدِيث وَلَعَلَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد كَانَ علم ذَلِك بِالْوَحْي فَلم يقل لَهُ شَيْئا لِأَنَّهُ فعل فعلا حَلَالا غير أَن الْمُصِيبَة لم تبلغ مِنْهُ مبلغا يشْغلهُ حَتَّى حرم مَا حرم من ذَلِك بتعريض غير تَصْرِيح وَلم يكن لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ من أم كُلْثُوم شَيْء من الْوَلَد رَضِي الله عَنْهَا ذكر السيدة فَاطِمَة الزهراء بنت رَسُول الله قَالَ فِي الصفوة ولدت فَاطِمَة وقريش تبني الْكَعْبَة قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين وَهِي أَصْغَر بَنَاته وَولدت الْحسن وَلها إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة بعد الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَقَالَ أَبُو عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 ولدت فَاطِمَة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ مُغَاير لما تقدم من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق من أَن أَوْلَاده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كلهم ولدُوا قبل النُّبُوَّة إِلَّا إِبْرَاهِيم بالِاتِّفَاقِ وَإِلَّا عبد الله على قَول ادّعى قَائِله أَن ذَلِك سَبَب تلقيبه بالطيب الطَّاهِر روى مَرْفُوعا إِنَّمَا سميت فَاطِمَة لِأَن الله تَعَالَى قد فطمها وذريتها من النَّار أخرجه الْحَافِظ الدِّمَشْقِي وروى النَّسَائِيّ لِأَن الله فطمها ومحبيها من النَّار وَسميت بتولاً والبتل الْقطع لانقطاعها عَن نسَاء زمانها فضلا وديناً وحسناً وَقيل لانقطاعها عَن الدُّنْيَا إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير وَعَن أبي جَعْفَر قَالَ دخل الْعَبَّاس على عَليّ وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُم وَأَحَدهمَا يَقُول للْآخر أَيّنَا أكبر فَقَالَ الْعَبَّاس ولدت أَنْت يَا عَليّ قبل بِنَاء قُرَيْش الْبَيْت بسنوات وَولدت أَنْت يَا فَاطِمَة وقريش تبني الْبَيْت وَرَسُول الله ابْن خمس وَثَلَاثِينَ سنة قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين أخرجه الدولابي وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يحب فَاطِمَة حبا شَدِيدا فَتزوّجت بعلي رَضِي الله عَنهُ فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة وَقيل بعد أحد وَقيل بعد بنائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وَالسَّلَام بعائشة بأَرْبعَة أشهر وَنصف وَكَانَ العقد فِي رَجَب وَقيل فِي رَمَضَان وَقيل تزوج بهَا فِي صفر من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وَبنى بهَا فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ سنّهَا حَال تَزْوِيجهَا خمس عشرَة سنة وَخَمْسَة أشهر وَنصف وَسن عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِحْدَى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَقيل غير ذَلِك وَلم يتَزَوَّج عَلَيْهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَتَّى مَاتَت عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ أَبُو بكر ثمَّ عمر يخطبان فَاطِمَة إِلَى النَّبِي فَسكت وَلم يرجع إِلَيْهِمَا شَيْئا فَانْطَلقَا إِلَى عَليّ يأمرانه بِطَلَب ذَلِك قَالَ عَليّ فنبهاني لأمر فَقُمْت أجر رِدَائي كَذَا فِي الْمَوَاهِب وَفِي سيرة الشَّامي روى الطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي خَيْثَمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيق يحيى بن يعلى الْأَسْلَمِيّ وَالْبَزَّار من طَرِيق مُحَمَّد بن ثَابت بن أسلم وهما ضعيفان عَن أنس بن مَالك وَابْن أبي خَيْثَمَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ابْن ثَابت إِن عمر ابْن الْخطاب أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ مَا يمنعك أَن تتَزَوَّج فَاطِمَة بنت مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ لَا يزوجني قَالَ إِذا لم يزوجك فَمن يُزَوّج إِنَّك من أكْرم النَّاس عَلَيْهِ وأقدمهم فِي الْإِسْلَام قَالَ فَانْطَلق أَبُو بكر إِلَى بَيت عَائِشَة فَقَالَ يَا عَائِشَة إِذا رَأَيْت من رَسُول الله طيب نفس وإقبالاً عَلَيْك فاذكري لَهُ أَنِّي ذكرت فَاطِمَة فَلَعَلَّ الله عز وَجل أَن ييسرها لي قَالَ فجَاء رَسُول الله فرأت مِنْهُ طيب نفس وإقبالاً فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أَبَا بكر ذكر فَاطِمَة وامرني إِن اذْكُرْهَا فَقَالَ حَتَّى ينزل الْقَضَاء فَرجع إِلَيْهَا أَبُو بكر فَقَالَت يَا أبتاه وددت أَنِّي لم أذكر لَهُ الَّذِي ذكرت وَقَالَ يحيى إِن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ جَاءَ إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله لقد عرفت مني صحبتي وتقدمي فِي الْإِسْلَام وَأَنِّي وَأَنِّي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا ذَاك قَالَ تزَوجنِي فَاطِمَة فَسكت عَنهُ أَو قَالَ فَأَعْرض عَنهُ فَرجع أَبُو بكر إِلَى عمر فَقَالَ هَلَكت وأهلكت قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَمَا ذَاك قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 أَبُو بكر خطبت فَاطِمَة إِلَى رَسُول الله فَأَعْرض عني وَقَالَ ابْن ثَابت فَانْطَلق عمر إِلَى حَفْصَة ابْنَته فَقَالَ لَهَا إِذا رَأَيْت من رَسُول الله اقبالا عَلَيْك فاذكري لَهُ إِنِّي قد ذكرت فَاطِمَة لَعَلَّ الله أَن ييسرها إِلَيّ فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله إِلَى حَفْصَة قَالَت حَفْصَة وجدت مِنْهُ إقبالاً وَطيب نفس فَذكرت لَهُ أَن عمر يذكر فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ حَتَّى ينزل الْقَضَاء وَقَالَ ابْن ثَابت فَأتى عمر رَسُول الله فَقعدَ بَين يَدَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله قد علمت مني صحبتي وَقدمي فِي الْإِسْلَام وَأَنِّي وَأَنِّي قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ تزَوجنِي فَاطِمَة فَأَعْرض عَنهُ فَرجع عمر إِلَى أبي بكر فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر إِنَّه ينْتَظر أَمر الله تَعَالَى فِيهَا فَانْطَلق عمر إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ يحيى بن يعلى إِن أَبَا بكر وَعمر قَالَا انْطلق بِنَا إِلَى عَليّ حَتَّى نأمره أَن يطْلب مِنْهُ مثل الَّذِي طلبنا فَقَالَ عَليّ فأتياني وَأَنا فِي سَبِيل فَقَالَا ابْنة عمك تخْطب فنبهاني لأمر فَقُمْت أجر رِدَائي طرف على عَاتِقي وطرف آخر فِي الأَرْض حَتَّى أتيت رَسُول الله وَقَالَ بن ثَابت وَلم يكن لعَلي مثل عَائِشَة وَلَا مثل حَفْصَة فلقى رَسُول الله فَقَالَ إِنِّي أُرِيد أَن أَتزوّج فَاطِمَة قَالَ فافعل قَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا دِرْعِي الخطمية الحَدِيث وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق يحيى بن الْعَلَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 قَالَ كَانَت فَاطِمَة لرَسُول الله فَلَا يذكرهَا أحد إِلَّا صد عَنْهَا حَتَّى يئسوا مِنْهَا فلقى سعد بن معَاذ عليا رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ إِنِّي وَالله مَا أرى رَسُول الله يحسبها إِلَّا عَلَيْك فَقَالَ لَهُ عَليّ هَل ترى ذَلِك مَا أَنا بِأحد الرجلَيْن مَا أَنا بِصَاحِب دنيا يلْتَمس مَا عِنْدِي وَقد علم مَالِي بَيْضَاء وَلَا صفراء وَمَا أَنا بالكافر الَّذِي يترفق بهَا عَن دينه يَعْنِي يتألفه إِنِّي لأوّل من أسلم فَقَالَ لَهُ سعد بن معَاذ إِنِّي أعزم عَلَيْك لتقر بهَا عَيْني فَإِن لي فِي ذَلِك فَرحا قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَقُول مَاذَا قَالَ سعد تَقول جِئْت خاطباً إِلَى الله وَرَسُوله فَاطِمَة بنت مُحَمَّد فَانْطَلق عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَعرض للنَّبِي وَهُوَ ثقيل حضر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله كَانَ لَك حَاجَة يَا عَليّ قَالَ أجل جِئْت خاطباً إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى رَسُوله بنت مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ مرْحَبًا كلمة ضَعِيفَة فَرجع عَليّ إِلَى سعد فَقَالَ لَهُ قد فعلت الَّذِي أَمرتنِي بِهِ فَلم يزدْ على أَن مرحب بِي كلمة ضَعِيفَة فَقَالَ سعد انكحك رَسُول الله وَفِي حَدِيث بُرَيْدَة عِنْد الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِرِجَال ثِقَات غالبهم رجال الصَّحِيح وَالنَّسَائِيّ والدولابي أَن نَفرا من الْأَنْصَار قَالُوا لعَلي لَو خطبت فَاطِمَة بنت رَسُول الله وَفِي لفظ لَو كَانَت عنْدك فَاطِمَة فَدخل عَليّ على النَّبِي فَقَالَ رَسُول الله مَا حَاجَة ابْن أبي طَالب فَقَالَ يَا رَسُول الله ذكرت فَاطِمَة فَقَالَ رَسُول الله مرْحَبًا وسهلا لم يزده عَلَيْهِمَا فَخرج على أُولَئِكَ الرَّهْط من الْأَنْصَار وهم ينتظرونه فَقَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ لَا أَدْرِي غير أَنه قَالَ لي مرْحَبًا وَأهلا قَالُوا يَكْفِيك من رَسُول الله إِحْدَاهمَا أَعْطَاك الْأَهْل والرحب وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فَقَالَ سعد أنكحك وَالَّذِي بَعثه بِالْحَقِّ إِنَّه لَا خلف وَلَا كذب عِنْده أعزم عَلَيْك لتأتينه غَدا فَتَقول يَا رَسُول الله مَتى تبنيني بأهلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 فَقَالَ عَليّ هَذِه أَشد من الأولى أَولا أَقُول يَا رَسُول الله حَاجَتي قَالَ سعد قل كَمَا أَمرتك فَانْطَلق عَليّ فَقَالَ يَا رَسُول الله مَتى تبنيني بأهلي قَالَ اللَّيْلَة إِذا شَاءَ الله قَالَ فِي التَّنْقِيح روى عَن عَليّ نَفسه أَنه قَالَ قَالَت لي مولاتي هَل علمت أَن فَاطِمَة خطبت إِلَى رَسُول الله قلت لَا قَالَت خطبت فَمَا يمنعك إِن تَأتي رَسُول الله فيزوجك قلت مَا عِنْدِي شَيْء أَتزوّج بِهِ قَالَت فَإنَّك إِن جِئْته يزوجك فَمَا زَالَت ترغبني حَتَّى دخلت عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَت لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جلالة وهيبة فَلَمَّا قعدت بَين يَدَيْهِ أفحمت فوَاللَّه مَا قدرت أَتكَلّم فَقَالَ مَا جَاءَ بك أَلَك حَاجَة فَسكت فَقَالَ لَعَلَّك جِئْت تخْطب فَاطِمَة قلت نعم قَالَ فَهَل لَك عنْدك شَيْء تستحلها بِهِ فَقلت لَا وَالله فَقَالَ مَا فعلت بالدرع الَّتِي أسلحتكها فَقلت عِنْدِي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا الحطمة مَا ثمنهَا إِلَّا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم قَالَ قد زَوجتك بهَا فَابْعَثْ إِلَيْنَا بهَا فَإِن كَانَت لصداق بنت رَسُول الله أخرجه ابْن إِسْحَاق وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ مِمَّا أصبت يَوْم بدر شارفا واعطاني رَسُول الله شارفاً أُخْرَى فَكنت آتِي عَلَيْهِمَا بالآجر فأبيعه وأجمعه لأدفع مَا يتَحَصَّل من ثمن ذَلِك فِي مهر فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فكانتا معلقتين بالفناء وَكَانَ حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ فِي حجرَة قَرِيبا مِنْهُمَا فِي شرب من الْأَنْصَار يشربون الْخمر قبل تَحْرِيمهَا وقينتان تغنيانهم فَقَالَتَا فِي غنائهما هَذِه الأبيات // (من الوافر) // (أَلا يَا حمز للشُّرف النّواء ... وهنّ معقّلاتٌ بالفناء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 (ضع السكين فِي اللبات مِنْهَا ... وخضبن حَمْزَة بالدّماء) (وعجّل من أطايبها لشربٍ ... قديداً من طبيخٍ أَو شواء) فَلَمَّا سمع حَمْزَة اخْتَرَطَ سَيْفه وَخرج إِلَى الشارفين فشق بطنهما واخرج من اكبادهما ثمَّ اجتب اسمنتهما وأتى بذلك عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَأَتَانِي الْخَبَر فَأتيت فَلَمَّا رأيتهما لم أملك عَيْني فَدخلت إِلَى النَّبِي وَعِنْده رجال من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَأَخْبَرته فَقَامَ يجر رِدَاءَهُ وَقَامُوا مَعَه حَتَّى دخل على حَمْزَة وَهُوَ ثمل وَعَيناهُ جمرتان فَوقف على رَأسه وَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي فعلته يَا حَمْزَة فَصَعدَ حَمْزَة النّظر فِي النَّبِي وَصَوَّبَهُ ثمَّ قَالَ إِن أَنْتُم يَا بني عبد الْمطلب إِلَّا عبيد أبي فَرجع عَنهُ وَمَشى الْقَهْقَرِي حَتَّى خرج قلت لم يكن بكاء عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حرصاً مِنْهُ على الدُّنْيَا حاشاه من ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ حزن لتوهم فَوَات مَا هما وَسِيلَة فِي تَحْصِيله من تزَوجه بفاطمة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلذَا قَالَ رَضِي الله عَنهُ للنَّبِي حِين قَالَ هَل عنْدك شَيْء تستحلها بِهِ قَالَ لَا وَالله هَذَا والشرف جمع شَارف وَهِي النَّاقة الشَّابَّة والنواء بِكَسْر النُّون مُشَدّدَة جمع ناوية وَهِي السمينة الممتلئة شحماً والني بِالْفَتْح الشَّحْم قَالَ أَبُو الطّيب فِي وصفهَا // (من الْكَامِل) // (فتبيت تُسئد مسئداً فِي نيّها ... إسآدها فِي المهمه الإنضاء) وَهَذَا الْبَيْت مِمَّا تَدور فِيهِ أفهام الروَاة وَلَا يشفى دَاء مَعْنَاهُ إِلَّا أطباء النُّحَاة وَالله أعلم وَقَالَ يحيى بن يعلى فَقَالَ رَسُول الله مَا عنْدك يَا عَليّ فَقَالَ فرسي وبدني ودرعي يَعْنِي الحطمة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أما فرسك فَلَا بُد لَك مِنْهُ وَأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وَثَمَانِينَ درهما فَأتيت بهَا رَسُول الله فوضعها فِي حجره فَقبض مِنْهَا قَبْضَة فَقَالَ أَي بِلَال ابتع لنا بهَا طيبا وَالْبَاقِي ادفعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 إِلَى أم أَيمن وَقَالَ يكون فِيمَا يصلح الْمَرْأَة وزجها رَسُول الله قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي تلقيحه قَالَ انس بن مَالك خَادِم رَسُول الله ثمَّ دَعَاني النَّبِي فَقَالَ لي يَا أنس اخْرُج فَادع لي أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وطحلة الزبير وعدة من الْأَنْصَار قَالَ أنس فدعوتهم فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده وَأخذُوا مجَالِسهمْ وَكَانَ عَليّ غَائِبا فِي حَاجَة للنَّبِي فَقَالَ النَّبِي خاطباً خطْبَة العقد الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته المعبود بقدرته المطاع سُلْطَانه المرهوب من عَذَابه وسطوته النَّافِذ أمره فِي سمائه وأرضه الَّذِي خلق الْخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بِدِينِهِ واكرمهم بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد إِن الله سُبْحَانَهُ وتبارك اسْمه وتعالت عَظمته جعل الْمُصَاهَرَة نسبا لَا حَقًا وأمداً مفترضاً أوشج بِهِ الْأَرْحَام وألزم الْأَنَام فَقَالَ عز من قَائِل {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} الْفرْقَان 54 فَأمر الله تَعَالَى يجْرِي إِلَى قَضَائِهِ وقضاؤه إِلَى قدره وَلكُل قَضَاء قدر وَلكُل قدر أجل وَلكُل أجل كتاب {يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثّبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكتاب} الرَّعْد 39 إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة بنت خَدِيجَة من عَليّ ابْن أبي طَالب فَاشْهَدُوا أَنِّي قد زَوجته على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رَضِي عَليّ بذلك ثمَّ دَعَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بطبق من بسر فَوضع بَين ايدينا ثمَّ قَالَ انتبهوا فانتبهنا فَبينا نَحن ننتهب إِذْ دخل عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَتَبَسَّمَ رَسُول الله فِي وَجهه ثمَّ قَالَ إِن الله أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة بنت مُحَمَّد على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رضيت فَقَالَ عَليّ قد رضيت بذلك يَا رَسُول الله قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَالْعقد لعَلي وَهُوَ غَائِب مَحْمُول على أَنه كَانَ لَهُ وَكيل حَاضر أَو على أَنه لم يرد بِهِ العقد بل إِظْهَار ذَلِك ثمَّ عقد مَعَه لما حضر أَو على تَخْصِيصه بذلك جمعا بَينه وَبَين مَا ورد مِمَّا يدل على اشْتِرَاط الْقبُول على الْفَوْر قلت لَا حَاجَة إِلَى هَذَا الْحمل إِذْ قد صرح فِي الحَدِيث بِأَن النَّبِي اعاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 الْإِيجَاب عِنْد حُضُور عَليّ رَضِي الله عَنهُ بقوله إِن الله زَوجك فَاطِمَة بنت مُحَمَّد إِلَى آخِره وَوَقع الْقبُول من عَليّ على الْفَوْر وَهُوَ مَا ذكره صَاحب الْمَوَاهِب فِي الْحمل الثَّانِي وَالله أعلم ثمَّ أَمرهم أَن يجهزوها فَجعل لَهَا شريط مشرط ووسادة من أَدَم حشوها لِيف وروى الإِمَام أَحْمد فِي المناقب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جهز رَسُول الله فَاطِمَة فِي خميلة وقربة ووسادة من أَدَم حشوها لِيف وروى أَبُو بكر بن فَارس عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ وَكَانَ فرَاش عَليّ وَفَاطِمَة لَيْلَة عرسهما إهَاب كَبْش وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مُسلم بن خَالِد الزنْجِي حَدثنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ حَضَرنَا عرس عَليّ بن أبي طَالب على فَاطِمَة بنت رَسُول الله فَمَا رَأينَا عرساً أحسن مِنْهُ هيأ لنا رَسُول الله زبيباً وَتَمْرًا فأكلنا وروى عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس بِسَنَد ضَعِيف قَالَت دخلت فَاطِمَة بنت رَسُول الله على درع ممشق بمغرة وَنصف قطيفة بَيْضَاء وقدح وَأَن كَانَت تستر بكم درعها وَمَا لَهَا خمار رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَت يَعْنِي أَسمَاء اعطاني رَسُول الله آصعاً من تمر وَمن شعير فَقَالَ إِذا دخلن عَلَيْك نسَاء الْأَنْصَار فأطعميهن مِنْهُ وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عون بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس أَيْضا قَالَت أهديت جدتك فَاطِمَة إِلَى جدك عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَمَا كَانَ حَشْو فراشهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 ووسادتهما إِلَّا لِيف وَلَقَد أولم عَلَيْهَا فَمَا كَانَت وَلِيمَة فِي ذَلِك الزَّمَان أفضل من وليمته رهن درعه عِنْد يَهُودِيّ بِشَطْر من شعير وَرَوَاهُ الدولابي عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس كَانَ وليمتها آصعاً من شعير وتمر وحيس وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فَدَعَا رَسُول الله بِلَالًا فَقَالَ يَا بِلَال اني قد زوجت ابْنَتي ابْن عمي وَأَنا أحب أَن يكون من سنة أمتى إطْعَام الطَّعَام عِنْد النِّكَاح فَخذ شَاة وَأَرْبَعَة أَمْدَاد أَو خَمْسَة فَاجْعَلْ لي قَصْعَة لعَلي أَدْعُو عَلَيْهَا الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَإِذا فرغت مِنْهَا فَآذِنِّي بهَا فَانْطَلق فَفعل لما أمره بِهِ ثمَّ أَتَاهُ بالقصعة فوضعها بَين يَدَيْهِ فطعن رَسُول الله فِي رَأسهَا ثمَّ قَالَ أَدخل على النَّاس دفْعَة دفْعَة فَجعل النَّاس يردون كلما فرغت دفْعَة وَردت أُخْرَى حَتَّى فرغ النَّاس ثمَّ مد رَسُول الله يَده إِلَى مَا فضل مِنْهَا فتفل فِيهِ وبرك وَقَالَ يَا بِلَال احملها إِلَى أمهاتك وَقل لَهُنَّ يأكلن مِنْهَا ويطعمن من يعتريهن وَعند الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح فِي حَدِيث أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت لما أهديت فَاطِمَة إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا لم تَجِد فِي بَيته إِلَّا رملاً مَبْسُوطا أَي سَعَفًا مرمولاً منسوجاً ووسادة حشوها لِيف وجرة وكوزاً فَجَاءَت السيدة فَاطِمَة مَعَ أم أَيمن وَقَعَدت فِي جَانب الْبَيْت وَأم أَيمن فِي جَانب وَأرْسل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَلي لَا تقرب أهلك حَتَّى آتِيك فجَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ هَهُنَا أخي فَقَالَت أم أَيمن أَخُوك وَقد زَوجته ابْنَتك قَالَ إِنَّه أخي فَدخل رَسُول الله الْبَيْت فَقَالَ لفاطمة ائْتِنِي بِمَاء فَقَامَتْ إِلَى قَعْب فِي الْبَيْت فَأَتَت فِيهِ بِمَاء فَأَخذه رَسُول الله وَمَج فِيهِ ثمَّ قَالَ لَهَا تقدمي فتقدمت فنضح بَين ثدييها ورأسها وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثمَّ قَالَ رَسُول الله ائْتُونِي بِمَاء فَعمِلت الَّذِي يُرِيد فملأت الْقَعْب مَاء فَأَخذه وَمَج فِيهِ وصنع بعلي مثل مَا صنع بفاطمة ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ بَارك فيهمَا وَبَارك لَهما فِي ابنائهما وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وَفِي لفظ بَارك لَهما فِي نسلهما ثمَّ قَالَ ادخل بأهلك فباسم الله وَالْبركَة وَفِي رِوَايَة فَدَعَا بِإِنَاء فَسمى ثمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ أَن يَقُول ثمَّ مسح صدر عَليّ وَوَجهه بِهِ ثمَّ دَعَا فَاطِمَة فَقَامَتْ إِلَيْهِ تعثر فِي مرْطهَا من الْحيَاء فنضح عَلَيْهَا من ذَلِك الما ثمَّ قَالَ لَهَا أما إِنِّي لم آل إِن انكحتك احب أهل أَهلِي إِلَيّ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ بَارك إِلَى آخر مَا تقدم وَأورد الضياء الْمَقْدِسِي فِي صَحِيحه قَالَ قَالَت أَسمَاء بنت عُمَيْس رأى رَسُول الله سواداً من وَرَاء السّتْر أَو من وَرَاء الْبَاب فَقَالَ من هَذَا قلت أَسمَاء قَالَ أَسمَاء بنت عُمَيْس قلت نعم يَا رَسُول الله جِئْت كَرَامَة لرَسُول الله إِن الفتاة يبْنى بهَا اللَّيْلَة وَلَا بُد لَهَا من امْرَأَة تكون قَرِيبا مِنْهَا إِن عرضت لَهَا حَاجَة أفضت بهَا إِلَيْهَا قَالَت أَسمَاء فَدَعَا لي بِدُعَاء إِنَّه لأوثق عَمَلي عِنْدِي ثمَّ قَالَ لعَلي دُونك أهلك ثمَّ خرج فَمَا زَالَ يدعوا لَهما حَتَّى تواره فِي حجره تَنْبِيه تقدم أَن عليا رَضِي الله عَنهُ أصدقهَا درعاً وَأَنه بَاعَ الدرْع وَأصْدقهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم قَالَ أَبُو جَعْفَر يشبه أَن يكون العقد وَقع على الدرْع كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَبعث بهَا عَليّ ثمَّ ردهَا رَسُول الله ليبيعها فباعاها وَأَتَاهُ بِثمنِهَا من غير أَن يكون بَين الْحَدِيثين تضَاد وَقد ذهب إِلَى مَدْلُول كل وَاحِد من الْحَدِيثين قَائِل فَقَالَ بَعضهم كَانَ مهرهَا رَضِي الله عَنْهَا الدرْع وَلم يكن هُنَاكَ بَيْضَاء وَلَا صفراء وَقَالَ بَعضهم كَانَ مهرهَا رَضِي الله عَنْهَا أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ درهما أَو مِثْقَالا من فضَّة تَنْبِيه آخر قد تضمن حَدِيث ابْن عَبَّاس وَحَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَحَدِيث أنس أَن الَّذِي حثه على تَزْوِيج فَاطِمَة متضاد وَلَا تضَاد بَينهمَا لاحْتِمَال أَن تكون مولاته حثته أَولا ثمَّ أَبُو بكر وَعمر أَو بِالْعَكْسِ ثمَّ خرج لذَلِك فَلَقِيَهُ الْأَنْصَار فحثوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 على ذَلِك من غير أَن يكون أحدهم علم بِالْآخرِ تَنْبِيه آخر يحْتَمل أَن تُرِيدُ أَسمَاء بِمَا روته فِي حَدِيثهَا عَن وليمته رَضِي الله عَنهُ مَا قَامَ بِهِ هُوَ نَفسه غير مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْصَار من الحيس وَالتَّمْر جمعا بَين الْحَدِيثين وَأَن يكون رَسُول الله دفع لَهَا مَعَ ذَلِك الآصع من التَّمْر وَالشعِير وَأَن يكون مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْصَار وَلِيمَة الرِّجَال وَمَا دَفعه لَهَا وَلِيمَة النِّسَاء كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيثهَا وَالله أعلم روى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ دخل رَسُول الله بَيت فَاطِمَة وَعلي عِنْدهَا وهما يضحكان فَلَمَّا رأياه سكتا فَقَالَ لَهما رَسُول الله مَا لَكمَا كنتما تضحكان فَلَمَّا رأيتماني سكتما فبادرت فَاطِمَة فَقَالَت بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ هَذَا أَنا أحب إِلَى رَسُول الله مِنْك فَقلت بل أَنا أحب إِلَى رَسُول الله مِنْك فَتَبَسَّمَ رَسُول الله وَقَالَ أَنْت ابْنَتي وَلَك رقة الْوَلَد وَعلي أعز عَليّ مِنْك وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَغوِيّ عَن أُسَامَة بن زيد إِن رَسُول الله قَالَ أحب أَهلِي إِلَيّ فَاطِمَة وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ يَا رَسُول الله أَيّنَا أحب إِلَيْك أَنا أم فَاطِمَة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَاطِمَة أحب إِلَيّ مِنْك وَأَنت أعز عَليّ مِنْهَا وروى الطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني وَأَبُو سعد النَّيْسَابُورِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 شرف النُّبُوَّة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول الله قَالَ لفاطمة إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس رَضِي الله عَنْهَا قَالَت خطبني عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَبلغ ذَلِك فَاطِمَة بنت رَسُول الله فَأَتَت رَسُول الله فَقَالَت إِن أَسمَاء متزوجة عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ مَا كَانَ لَهَا أَن تؤذي الله وَرَسُوله وَعَن ابْن عَبَّاس والمسور بن مخرمَة رَضِي الله عَنْهُم أَن عَليّ بن أبي طَالب خطب بنت أبي جهل وَعِنْده فَاطِمَة بنت رَسُول الله فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك أَتَت النَّبِي فَقَالَت إِن قَوْمك يتحدثون أَنَّك لَا تغْضب لبناتك وَهَذَا عَليّ ناكح ابْنة أبي جهل فَصَعدَ الْمِنْبَر وَقَالَ أما بعد فَإِنِّي لست أحرم حَلَالا وَلَا أحلل حَرَامًا وَلَكِن إِن كنت متزوجها فَرد علينا بنتنا وَالله لَا تَجْتَمِع بنت رَسُول الله وَبنت عَدو الله عِنْد رجل وَاحِد أبدا زَاد الْمسور فِي رِوَايَته إِن بني هَاشم وَبني الْمُغيرَة استأذنوني فِي أَن ينحكوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب فَلَا آذن لَهُم إِلَّا أَن يحب ابْن أبي طَالب أَن يُطلق ابْنَتي ويتزوج ابنتهم فَإِنَّمَا ابْنَتي بضعَة مني يريبني مَا رابها وَيُؤْذِينِي مَا آذاها أخرجه الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْنَة أبي جهل هَذِه اسْمهَا جوَيْرِية أسلمت وبايعت تزَوجهَا عتاب بن أسيد ثمَّ أبان بن سعيد بن الْعَاصِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 قلت أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه حضر مجْلِس الإِمَام المرحوم الْمُقَدّس السَّيِّد الشريف الإِمَام الْحق والقائم الصدْق أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم الإِمَام الدَّاعِي بقطر الْيمن كأسلافه الطاهرين نور الله ضريحه وَجعل الرَّحِيق الْمَخْتُوم غبوقه وصبوحه وَكَانَ يقريء من حَدِيث رَسُول الله صَحِيح البُخَارِيّ والمجلس غاص بالسادة الْعلمَاء والقادة الْفُضَلَاء وَكَانَ إِلَى جنبه الْعَلامَة المستغنى عَن التَّعْرِيف والعلامة مجمع بحري الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول منبع نهري الْفُرُوع وَالْأُصُول مَوْلَانَا وَشَيخنَا الْفَقِيه صَالح ابْن المرحوم الْمهْدي عرف بالمقبلي فَقَرَأَ القاريء قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث كَمَا هُوَ شَأْن البُخَارِيّ فِي اقتطاعه بعض الحَدِيث شَوَاهِد لأبواب يترجم لَهَا هِيَ قَوْله فَاطِمَة بضعَة مني إِلَى آخِره فَبين لَهُ المرحوم الإِمَام الْمَعْنى من ذَلِك فَإِذا بشخص من الْحَاضِرين هُوَ القاريء عينه قَالَ يَا مَوْلَانَا أَيْن عمر بن الْخطاب عَن هَذَا الحَدِيث وَقد أغضبها وآذاها فَقَالَ الإِمَام رَحمَه الله مَا أغضبها وَلَا آذاها عمر وَلَكِن هَذَا وَالله وأشباهه من أكاذيب الروافض على عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ الْتفت الإِمَام إِلَى الْفَقِيه صَالح وَقَالَ مَا تَقولُونَ فَقَالَ الْفَقِيه هَذَا الحَدِيث لَهُ أول وَهُوَ وَارِد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسَبَب وقصة وَأورد الحَدِيث وقصته هَذِه الْمَذْكُورَة فرحم الله من سلف وَأبقى لنا الْفَقِيه فَهُوَ خير خلف انْتهى وروى الإِمَام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ثَوْبَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله إِذا سَافر آخر عَهده إتْيَان فَاطِمَة وَأول من يدْخل عَلَيْهِ إِذا قدم فَاطِمَة وروى أَبُو عمر عَن أبي ثَعْلَبَة كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا قدم من سفر أَو غز بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَتَى فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا ثمَّ أَتَى أَزوَاجه وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت مَا رَأَيْت أحدا أشبه سمتاً وَلَا هَديا وَلَا حَدِيثا برَسُول الله فِي قِيَامهَا وقعودها من فَاطِمَة وروى ابْن حبَان عَنْهَا أَيْضا مَا رَأَيْت أحدا أشبه كلَاما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 برَسُول الله من فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إِذْ دخل عَلَيْهَا قَامَت إِلَيْهِ فقبلته وَأخذت بِيَدِهِ وأجلسته مَكَانهَا فَدخلت عَلَيْهِ فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ فَأسر إِلَيْهَا فَبَكَتْ ثمَّ أسر إِلَيْهَا فَضَحكت فَقلت كنت أَحسب أَن هَذِه الْمَرْأَة فضلى على النِّسَاء فَإِذا هِيَ امْرَأَة مِنْهُنَّ بَينا هِيَ تبْكي إِذْ هِيَ تضحك فَلَمَّا توفّي رَسُول الله سَأَلتهَا عَن ذَلِك فَقَالَت أسر إِلَى أَنه ميت فَبَكَيْت ثمَّ أسر إِلَى أَنِّي أول أَهله لُحُوقا بِهِ فَضَحكت وروى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ إِن ملكا فِي السَّمَاء لم يكن زارني فَاسْتَأْذن ربه فِي زيارتي فبشرني وَأَخْبرنِي أَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أمتِي وروى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا رَأَيْت أفضل من فَاطِمَة غير أَبِيهَا وروى أَبُو يعلى بِرِجَال الصَّحِيح عَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت مَا رَأَيْت أحدا كَانَ أصدق لهجة من فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَّا أَن يكون والدها وروى أَبُو يعلى بِرِجَال الصَّحِيح وَابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قلت لأمي فَاطِمَة بنت أَسد أكفي فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سِقَايَة المَاء والذهاب فِي الْحَاجة وتكفيك خدمَة الدَّاخِل الطَّحْن والعجن وروى الطَّبَرَانِيّ عَن عمرَان ابْن الْحصين رَضِي الله عَنهُ قَالَ اني جَالس عِنْد رَسُول الله إِذْ اقبلت فَاطِمَة فَقَامَتْ بحذاء النَّبِي فَقَالَ لَهَا رَسُول الله ادني يَا فَاطِمَة فدنت دنوة ثمَّ قَالَ ادني يَا فَاطِمَة فدنت دنوة ثمَّ قَالَ ادني يَا فَاطِمَة فدنت حَتَّى قَامَت بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 يَدَيْهِ قَالَ عمرَان فَرَأَيْت صفرَة قد ظَهرت على وَجههَا وَذهب الدَّم فَبسط رَسُول الله بَين أَصَابِعه ثمَّ وضع كَفه بَين ترائبها وَرفع رَأسه فَقَالَ اللَّهُمَّ مشبع الجوعة وقاضي الْحَاجة وَرَافِع الضيقة لَا تجع فَاطِمَة بنت مُحَمَّد قَالَ عمرَان فَرَأَيْت صفرَة الْجُوع قد ذهبت عَن وَجههَا وَظهر الدَّم ثمَّ سَأَلتهَا بعد ذَلِك فَقَالَت مَا جعت بعد ذَلِك وروى الإِمَام أَحْمد بِسَنَد جيد عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لفاطمة رَضِي الله عَنْهَا ذَات يَوْم لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقد جَاءَ أَبَاك سبي فاذهبي فاستخدميه فَقَالَت وَأَنا وَالله لقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي فَأَتَت رَسُول الله فَقَالَ مَا جَاءَ بك أَي بنية قَالَت جِئْت لأسلم عَلَيْك فاستحيت أَن تسأله وَرجعت فَقَالَ لَهَا عَليّ مَا فعلت قَالَت استحييت أَن اسأله فَأتيَا جَمِيعًا رَسُول الله لله فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الله لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقَالَت فَاطِمَة يَا رَسُول الله لقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي وَقد جَاءَك الله بسبي وسعة فأخدمنا فَقَالَ وَالله لَا أُعْطِيكُم وأدع أهل الصّفة تطوى بطونهم من الْجُوع لَا أجد مَا أنْفق عَلَيْهِم فَرَجَعَا فأتاهما رَسُول الله وَقد دخلا فِي قطيفتهما إِذا غطيت رءوسهما تكشف أقدامهما وَإِذا غطيت أقدامهما تكشف رءوسهما فَقَالَ مَكَانكُمَا ثمَّ قَالَ أَلا أخبركما بِخَير مِمَّا سألتما قَالَا بلَى قَالَ كَلِمَات علمنيهن جِبْرِيل قَالَ تسبحان دبر كل صَلَاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا فَإِذا أويتما إِلَى فراشكما فسبحا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ واحمدا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وكبرا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى قَالَت إِن رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 اتاهما فَقَالَ أَيْن ابناي يَعْنِي حسنا وَحسَيْنا قَالَت أصحبنا وَلَيْسَ فِي بيتنا شَيْء يذوقه ذائق فَقَالَ عَليّ أذهب بهما فَإِنِّي أَخَاف أَن يبكيا عَلَيْك وَلَيْسَ عنْدك شَيْء فَأَخذهُمَا فَذهب بهما إِلَى فلَان الْيَهُودِيّ فَتوجه إِلَيْهِ رَسُول الله فوجدهما فِي مربد بَين أَيْدِيهِمَا فضل من تمر فَقَالَ رَسُول الله إِلَّا تقلت ابْني قبل أَن يشْتَد الْحر قَالَ عَليّ أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي بيتنا شَيْء فَلَو جَلَست يَا رَسُول الله حَتَّى أجمع لفاطمة تَمرا فَكَانَ يجمع لَهَا بِعَمَلِهِ فِي كل دلو يمتحه تَمْرَة فَجَلَسَ رَسُول الله حَتَّى اجْتمع لفاطمة شَيْء من التَّمْر فَجعله عَليّ فِي حجزته ثمَّ أقبل فَحمل النَّبِي أَحدهمَا وَحمل عَليّ الآخر حَتَّى أَقبلَا بهما وروى الإِمَام أَحْمد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن بِلَالًا رَضِي الله عَنهُ أَبْطَأَ عَن صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ لَهُ رَسُول الله مَا حَسبك قَالَ مَرَرْت بفاطمة وَهِي تطحن وَالصَّبِيّ يبكي فَقلت إِن شِئْت كفيتك الرَّحَى وكفيتني الصَّبِي وَإِن شِئْت كفيتك الصَّبِي وكفيتني الرَّحَى فَقَالَت أَنا أرْفق بِابْني مِنْك فَذَاك الَّذِي حَبَسَنِي وروى الْبَزَّار وَتَمام فِي فؤائده وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي والعقيلي وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود وَابْن شاهين وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق آخر عَنهُ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد رجال ثِقَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله قَالَ فَاطِمَة أحصنت فرجهَا فَحَرمهَا الله عز وَجل وذريتها على النَّار زَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الْعقيلِيّ قَالَ أَبُو كريب هَذَا لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن وَلمن أطَاع الله مِنْهُم وَفِي لفظ إِن الله عز وَجل غير معذبك وَلَا ولدك وروى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ أَن الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هَذَا خَاص بالْحسنِ وَالْحُسَيْن قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّامي الصَّوَاب أَن هَذَا الحَدِيث سَنَده قريب من الْحسن وَالْحكم عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ غلط وروى تَمام وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَأَبُو بكر الشَّافِعِي عَن أبي هُرَيْرَة وَتَمام عَن أبي أَيُّوب وَأَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان والخطيب عَن عَائِشَة والأزدي عَن أبي سعيد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بأسانيد ضَعِيفَة إِذا انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى بعض أَفَادَ قُوَّة إِن رَسُول الله قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد من بطْنَان الْعَرْش يَا أَيهَا النَّاس وَفِي لفظ يأهل الْجمع غضوا أبصاركم ونكسوا رءوسكم حَتَّى تجوز فَاطِمَة بنت مُحَمَّد إِلَى الْجنَّة وَفِي لفظ حَتَّى تمر على الصِّرَاط فتمر وَعَلَيْهَا ريطتان خضراوان ذكر اولادهما رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وعنهم قَالَ اللَّيْث بن سعد رَحمَه الله تَعَالَى تزوج عَليّ فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَولدت لَهُ حسنا وَحسَيْنا ومحسناً بميم مَضْمُومَة فحاء مُهْملَة فسين مُشَدّدَة مَكْسُورَة وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم ورقية وَقَالَ مَاتَت صَغِيرَة دون الْبلُوغ وَسَيَأْتِي ذكر الْحسن فِي خِلَافَته وَذكر الْحُسَيْن فِي خلَافَة يزِيد بن معاوي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما محسن فَمَاتَ صَغِيرا وَكلهمْ ولدُوا قبل وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتَزَوَّجت زَيْنَب بنت فَاطِمَة ابْن عَمها عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَمَاتَتْ عِنْده وَقد ولدت لَهُ عليا وعوناً وجعفراً وعباساً وَأم كُلْثُوم قَالَ الشَّامي فِي سيرته أَوْلَاد زَيْنَب الْمَذْكُورَة من عبد الله بن جَعْفَر موجودون بِكَثْرَة الْعقب مِنْهُ فِي عَليّ وَأُخْته أم كُلْثُوم ابْني عبد الله بن جَعْفَر وَيُقَال لمن ينْسب لهَؤُلَاء جعفري وَلَا ريب أَن لهَؤُلَاء شرفاً وَتكلم عَلَيْهِم من عشرَة أوجه الأول أَنهم من آل النَّبِي وَأهل بَيته بِالْإِجْمَاع لِأَن آله هم الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم وَالْمطلب الثَّانِي أَنهم من وَلَده وَذريته بِالْإِجْمَاع الثَّالِث أَنهم يشاركون الْحسن وَالْحُسَيْن وينسبون إِلَى النَّبِي وَفرق بَين من يُسمى ولد النَّبِي وَبَين من ينْسب إِلَيْهِ الرَّابِع هَل يُطلق عَلَيْهِم أَشْرَاف وَالْجَوَاب الشّرف على اصْطِلَاح أهل مصر يُطلق على أَنْوَاع عَام لجَمِيع أهل بَيت وخاص بالذرية فَيدْخل فِي الأول الزينبيون وَالثَّانِي وَهُوَ أخص مِنْهُ شرف النِّسْبَة وَهُوَ مُخْتَصّ بالْحسنِ وَالْحُسَيْن الْخَامِس تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة بِالْإِجْمَاع لِأَن بني جَعْفَر من الْآل السَّادِس يسْتَحقُّونَ سهم ذَوي الْقُرْبَى بِالْإِجْمَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 السَّابِع يسْتَحقُّونَ من وقف بركَة الْحَبَش بِالْإِجْمَاع لِأَن نصفهَا وقف على الْأَشْرَاف وهم أَوْلَاد الْحسن وَالْحُسَيْن وَنِصْفهَا على الطالبيين وهم ذُرِّيَّة عَليّ أبي طَالب مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَإِخْوَته جَعْفَر بن أبي طَالب وذرية عقيل بن أبي طَالب وَثَبت هَذَا الْوَقْف على هَذَا الْوَجْه عِنْد قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن يُوسُف السنجاري ثَانِي عشر ربيع الآخر سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة ثمَّ اتَّصل ثُبُوته عِنْد شيخ الْإِسْلَام الْعِزّ بن عبد السَّلَام فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ اتَّصل ثُبُوته عِنْد قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة ذكر ذَلِك ابْن المتوج فِي كِتَابه إيقاظ المتأمل الثَّامِن هَل يلبسُونَ الْعَلامَة الخضراء الْجَواب لَا يمْنَع مِنْهَا من أرادها من شرِيف أَو غَيره يَعْنِي من الْمَذْكُورين وَلَا يُؤمر بهَا من تَركهَا من شرِيف أَو غَيره لِأَنَّهَا إِنَّمَا حدثت سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة بِأَمْر الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حسن ابْن مُحَمَّد بن قلاوون ملك مصر أقْصَى مَا يكون أَنه أحدث التميز بهَا لهَؤُلَاء من ذُرِّيَّة الْحسن وَالْحُسَيْن عَن غَيرهم وَقد يسْتَأْنس لاختصاصها بهم لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} الْأَحْزَاب 59 فقد اسْتدلَّ بهَا بعض الْعلمَاء على تَخْصِيص أهل الْعلم بلباس يختصون بِهِ من تَطْوِيل وإدارة طيلسان وَنَحْو ذَلِك ليعرفوا فيجلوا تكريماً للْعلم ويسألوا ويمتثل قَوْلهم إِذْ عظم الْهَيْئَة لَهُ دخل أَي دخل وَهَذَا وَجه حسن وَالله أعلم التَّاسِع هَل يدْخلُونَ فِي الْوَصِيَّة على الْأَشْرَاف أم لَا الْعَاشِر هَل يدْخلُونَ فِي الْوَقْف على الْأَشْرَاف أم لَا الْجَواب إِن وجد من الْمُوصي والواقف نَص يَقْتَضِي دُخُولهمْ أَو خُرُوجهمْ اتبع وَإِلَّا فقاعدة الْفِقْه أَن الْوَصِيَّة وَالْوَقْف ينزلان على عرف الْبَلَد وَعرف مصر من عهد الْخُلَفَاء الفاطميين إِلَى الْآن أَن الْأَشْرَاف لقب لكل حسني وحسيني فَلَا يدْخلُونَ على مُقْتَضى هَذَا الْعرف وَإِنَّمَا دخلُوا فِي وقف بركَة الْحَبَش لِأَن واقفها نَص على أَن نصفهَا على الْأَشْرَاف وَنِصْفهَا على الطالبيين وَلم يكن لرَسُول الله عقب إِلَّا من ابْنَته فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فانتشر نَسْله الشريف مِنْهَا من جِهَة السبطين وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَقَط وَيُقَال للمنسوب لأولهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 حسني ولثانيهما حسيني وَقد يضم للحسيني من يكون من ذُرِّيَّة إِسْحَاق بن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن عَليّ زين العابدين ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الإسحاقي فَيُقَال الْحُسَيْنِي الإسحاقي وَإِن إِسْحَاق هَذَا هُوَ زوج السيدة نفيسة بنت الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ وَيُقَال بنت زيد بن الْحسن فالحسن أَخُوهَا لَا أَبوهَا وَالْأَكْثَرُونَ على الأول ولد لَهُ مِنْهَا الْقَاسِم وَأم كُلْثُوم وَلم يعقب وَأما الجعافرة المنسوبون إِلَى عبد الله بن جَعْفَر فَلهم أَيْضا شرف لكنه يتَفَاوَت فَمن كَانَ مِنْهُم من زَيْنَب بنت فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله عَنْهَا فَهُوَ الشّرف وَمن كَانَ من وَلَده من غَيرهَا مَعَ كَون من كَانَ من زَيْنَب لَا يوازون شرف المنسوبين لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن لمزيد شرفهما وَكَذَا يُوصف العباسيون بالشرف لشرف بني هَاشم قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي الألقاب وَقد لقب بِهِ يَعْنِي الشّرف كل عباسي بِبَغْدَاد وعلوي بِمصْر وَفِي شُيُوخ ابْن الرّفْعَة شخص يُقَال لَهُ الشريف العباسي وَأما أم كُلْثُوم فَتَزَوجهَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَكَانَت صَغِيرَة دون الْبلُوغ حَال خطبتها روى أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ جَاءَ إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه فِي عدَّة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يخْطب ابْنَته أم كُلْثُوم فَقَالَ أما وَالله مَا بِي من توق إِلَى شَهْوَة وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول كل نسب وَسبب وصهر مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا نسبي وسببي وصهري فَأَحْبَبْت أَن أَخذ بمصاهرة رَسُول الله فَقَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِنَّهَا صَغِيرَة فَقَالَ قد قبلت فَزَوجهُ بهَا فأرسلها عَليّ رَضِي الله عَنهُ ذَات يَوْم إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ بطقيفة فَقَالَت لَهُ يَقُول لَك أبي انْظُر إِلَى هَذِه القطيفة فَلَمَّا أَقبلت إِلَى عمر وأخبرته بِمَا قَالَ لَهَا أَبوهَا وأرته القطيفة قَالَ عمر قولي لأَبِيك قد رَأينَا وَقَبلنَا ثمَّ إِنَّه لمس سَاقهَا فنهرته وَأَتَتْ إِلَى أَبِيهَا غَضبى وَقَالَت أرسلتني إِلَى شيخ مَجْنُون لمس ساقي وَالله لَوْلَا أَنه أَمِير الْمُؤمنِينَ لهشمت أَنفه فَقَالَ لَهَا إِنَّه زَوجك فقد زَوجتك إِيَّاه وَأرْسل لَهَا عمر أَرْبَعِينَ ألفا مهْرا وَبنى بهَا رَضِي الله عَنهُ وَقتل عَنْهَا بعد أَن ولدت لَهُ زيدا الْأَكْبَر ورقية فَأَما زيد الْأَكْبَر فَعَاشَ إِلَى أَن ارتحل فَرمى فِي حنين بِحجر مَاتَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 أَصَابَهُ بِهِ خَالِد بن أسلم مولى أَبِيه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خطأ وَلم يتْرك عقباً كَذَا فِي الْجمع الْغَرِيب وَأما رقية فَتَزَوجهَا إِبْرَاهِيم بن نعيم النحام وَمَاتَتْ عِنْده وَلَيْسَ لَهَا عقب قَالَ فِي وَسِيلَة الْمَآل قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي وَالِدي إِسْحَاق حَدثنِي بشار عَن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط قَالَ لما تأيمت أم كُلْثُوم من عمر بن الْخطاب دخل عَلَيْهَا أَخَوَاهَا الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَا لَهَا أَنْت كَمَا عرفت بنت سيدة نسَاء الْعَالمين وَإنَّك وَالله إِن أمكنت عليا لينكحنك بعض أبنائه وَإِن أردْت أَن تصبي بِنَفْسِك مَالا عَظِيما لتصبينه فوَاللَّه مَا قاما حَتَّى دخل عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَليّ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر مَنْزِلَتهمْ من رَسُول الله فَقَالُوا صدقت رَحِمك الله وجزاك عَنَّا خيرا ثمَّ قَالَ أَي بنية إِن الله قد جعل أَمرك بِيَدِك فَأَنا أحب أَن تجعليه بيَدي فَقَالَت أَي أَبَت إِنِّي وَالله امْرَأَة أَرغب فِيمَا ترغب فِيهِ النِّسَاء وَأحب أَن أُصِيب مَا تصيب النِّسَاء من الدُّنْيَا وَإِنِّي أُرِيد أَن أنظر فِي أَمر نَفسِي فَقَالَ لَا وَالله يَا بِنْتي مَا هَذَا من رَأْيك مَا هُوَ إِلَّا رَأْي هذَيْن ثمَّ قَامَ فَقَالَ وَالله لَا أكلم أحدا مِنْهُمَا أَو تفعلين فأخذا بثيابه وَقَالا اجْلِسْ يَا أَبَت فوَاللَّه مَا على هجرتك من صَبر اجعلي أَمرك بِيَدِهِ فَقَالَت قد جعلت فَقَالَ قد زَوجتك من عون بن جَعْفَر يَعْنِي ابْن أَخِيه وَإنَّهُ لغلام ثمَّ رَجَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى بَيته وَبعث إِلَيْهَا بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم وَبعث إِلَى ابْن أَخِيه عون فَأدْخلهَا عَلَيْهِ قَالَ رَاوِيه الْحسن بن الْحسن فوَاللَّه مَا سَمِعت بِمثل عشق مِنْهَا لَهُ مُنْذُ خلقني الله عز وَجل فَهَلَك عَنْهَا فَزَوجهَا والدها عَليّ رَضِي الله عَنهُ من أخي عون بن جَعْفَر مُحَمَّد بن جَعْفَر فَولدت لَهُ جَارِيَة مَاتَت صَغِيرَة ثمَّ هلك عَنْهَا ثمَّ زَوجهَا من أخيهما عبد الله بن جَعْفَر فَمَاتَتْ عِنْده وَلم تَلد لَهُ شَيْئا فَلَا عقب لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 وَكَانَ مَوتهَا هِيَ وَوَلدهَا من عمر الْمُسَمّى زيدا الْأَكْبَر الْمَقْتُول خطأ بيد خَالِد بن أسلم مولى زَوجهَا عمر رَضِي الله عَنهُ فِي وَقت وَاحِد وَصلى عَلَيْهِمَا ابْن عمر قدمه الْحسن بن عَليّ وَكَانَ فيهمَا سنتَانِ احداهما عدم تَوْرِيث احداهما من الآخر وَالْأُخْرَى تَقْدِيم زيد على أمه مِمَّا يَلِي الإِمَام حَكَاهُ أَبُو عمر قلت لَا يشكل على قَوْله صلى عَلَيْهِمَا مَا تقدم من أَن زيدا رمى فِي حنين خطأ لجَوَاز تَأَخّر مَوته بِهِ إِلَى وَقت موت أمه وَالله أعلم رَأَيْت فِي تَارِيخ ابْن السُّبْكِيّ فِي حوادث سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة قَالَ استهلت والخليفة الْمُطِيع لله العباسي وَالسُّلْطَان معز الدولة أَحْمد بن بويه الديلمي وعملت الروافض فِي يَوْم عَاشُورَاء بدعتهم الشعناء وداهيتهم الصلعاء من تغليق الدكاكين وَتَعْلِيق المسوح السود ونثر النتن فِي الْأَسْوَاق والجيف وَخُرُوج النِّسَاء حاسرات على وجوههن وصدورهن يَنحن على الْحُسَيْن وَلما كَانَ ثَالِث عشر ربيع الأول توفّي معز الدولة بعلة الذرب وَصَارَ لَا يثبت فِي معدته شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ وَلما أحس بِالْمَوْتِ أظهر التَّوْبَة عَن سبّ الشَّيْخَيْنِ وأناب إِلَى الله عز وَجل ورد كثيرا من الْمَظَالِم وَتصدق بِكَثِير من أَمْوَاله وَأعْتق خلقا كثيرا من مماليكه وعهد إِلَى ابْنه بختيار عز الدولة بن معز الدولة وَسَببه أَنه كَانَ قد اجْتمع بعض الْعلمَاء فَكَلمهُ فِي السّنة والترضي وَأخْبرهُ أَن عليا زوج ابْنَته أم كُلْثُوم من عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ وَالله مَا سَمِعت بِهَذَا قطّ وَرجع إِلَى السّنة والترضي ومتابعة الْأمة بذلك ذكر وَفَاة فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا روى بأسانيد أَحدهَا رجال أَحدهمَا رجال الصَّحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت توفيت فَاطِمَة بعد رَسُول الله بِسِتَّة أشهر لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثلاث خلون من رَمَضَان سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة ودفنها عَليّ بن أبي طَالب لَيْلًا وروى الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح إِلَّا أَن جعفراً لم يدْرك الْقِصَّة فَفِيهِ انْقِطَاع عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم قَالَ مكثت فَاطِمَة بعد رَسُول الله ثَلَاثَة أشهر وَمَا رؤيت ضاحكة بعد رَسُول الله إِلَّا أَنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 امتروا فِي طرف نابها وروى الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل مُنْقَطِعًا لِأَن عبد الله لم يدْرك الْقِصَّة أَن فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لما حضرتها الْوَفَاة أمرت عليا فَوضع لَهَا فاغتسلت وتطهرت ودعت بِثِيَاب أكفانها ثِيَاب غِلَاظ خشن فلبستها ومست من حنوط ثمَّ أمرت عليا أَلا تكشف إِذا قبضت وَأَن تدرج كَمَا هِيَ وروى الإِمَام أَحْمد بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف عَن أم سَلمَة قَالَت اشتكت فَاطِمَة بنت رَسُول الله شكواها الَّتِي قبضت فِيهَا فَكنت أمرضها فَأَصْبَحت يَوْمًا كأمثل مَا رَأَيْتهَا فِي شكواها قَالَت وَخرج على بعض حَاجَة فَقَالَت يَا أمه اسكبي لي غسلا فَسَكَبت لَهَا غسلا فاغتسلت كأحسن مَا رَأَيْتهَا تَغْتَسِل ثمَّ قَالَت يَا أمه أَعْطِنِي ثِيَابِي الجدد فأعطيتها فَلبِست ثمَّ قَالَت يَا أمه قدمي فرشي وسط الْبَيْت فَفعلت فاضطجعت واستقبلت الْقبْلَة وَجعلت يَدهَا تَحت خدها ثمَّ قَالَت يَا أمه إِنِّي مَقْبُوضَة الْآن وَقد تطهرت فَلَا يكشفني أحد فقبضت مَكَانهَا فجَاء عَليّ فَأَخْبَرته بِالَّذِي قَالَت وَبِالَّذِي أَمرتنِي فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَالله لَا يكشفنها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها ذَلِك وَلم يكشفها وَلَا غسلهَا أحد وروى أَبُو نعيم عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله أَنَّهَا قَالَت لأسماء بنت عُمَيْس يَا أَسمَاء إِنِّي قد استقبحت هَذَا الَّذِي يصنع بِالنسَاء يطْرَح على الْمَرْأَة الثَّوْب فيصفها قَالَت أَسمَاء يَا بنة رَسُول الله أَلا أريك شَيْئا رَأَيْته بِالْحَبَشَةِ فدعَتْ بجريد رطب فحتته ثمَّ ألقيت عَلَيْهِ ثوبا فَقَالَت فَاطِمَة مَا أحسن هَذَا وأجمله تعرف بِهِ الْمَرْأَة من الرجل فَإِذا أَنا مت فغسليني أَنْت وَعلي وَلَا يدْخل عَليّ أحد ثمَّ اصنعي بِي هَكَذَا فَلَمَّا توفيت صنع بهَا مَا أمرت بِهِ بعد أَن غسلتها أَسمَاء وَعلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وروى أَنَّهَا لما توفيت رَضِي الله عَنْهَا جَاءَت عَائِشَة رَضِي الله عنهعا تُرِيدُ أَن تدخل على غسلهَا فَقَالَت لَهَا أَسمَاء لَا تدخلي فَرَجَعت إِلَى أَبِيهَا أبي بكر فشكت إِلَيْهِ وَقَالَت إِن هَذِه الخثعمية تَعْنِي أَسمَاء بنت عُمَيْس تحول بيني وَبَين بنت رَسُول الله وتمنع النِّسَاء أَن يدخلن على بنت رَسُول الله وَجعلت لَهَا مثل هودج الْعَرُوس فَقَالَت أَسمَاء أَمرتنِي أَلا يدْخل عَلَيْهَا أحد وأريتها هَذَا الَّذِي صَنعته وَهِي حَيَّة فأمرتني أَن أصنع ذَلِك لَهَا فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ اصنعى مَا أَمرتك بِهِ ثمَّ انصرفت قلت حَدِيث أَسمَاء هَذَا مضاد لحَدِيث أم سَلمَة وَفِيه من لَا يعرف كَمَا ذكره الْأَئِمَّة النقاد وَالله أعلم وَتوفيت وسنها ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة كَذَا فِي الصفوة وَفِي ذخائر العقبى تسع وَعِشْرُونَ سنة وَقَالَ عبد الله بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب ابْنة ثَلَاثِينَ سنة وَقَالَ الْكَلْبِيّ ابْنة خمس وَثَلَاثِينَ سنة ومنشأ هَذَا الِاخْتِلَاف الِاخْتِلَاف فِي مولدها هَل كَانَ قبل النُّبُوَّة أَو بعْدهَا وَقد علمت أَن الْأَصَح من مولدها أَنه كَانَ قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين حَال بِنَاء قُرَيْش الْكَعْبَة وسنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ ذَاك خمس وَثَلَاثُونَ سنة وَمَاتَتْ سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة فِي رَمَضَان كَمَا تقدم فَتكون سنّهَا حِين ذَلِك تسعا وَعشْرين على مَا ذكره صَاحب الذَّخَائِر العقبى وَعَن مَالك عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ مَاتَت فَاطِمَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء فحضرها أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَلَمَّا وضعت ليُصَلِّي عَلَيْهَا قَالَ عَليّ تقدم يَا أَبَا بكر قَالَ أَبُو بكر وَأَنت شَاهد يَا أَبَا الْحسن قَالَ نعم تقدم فوَاللَّه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا غَيْرك فصلى عَلَيْهَا أَبُو بكر ودفنت لَيْلًا أخرجه الْبَصْرِيّ وَابْن السمان فِي الْمُوَافقَة وَهَذَا مُغَاير لما جَاءَ فِي الصَّحِيح إِن عليا لما يُبَايع أَبَا بكر حَتَّى مَاتَت فَاطِمَة وجريان هَذَا مَعَ عدم الْمُبَايعَة يبعد فِي الظَّاهِر وَالْغَالِب وَإِن جَازَ أَن يَكُونُوا لما سمعُوا بموتها حضروها فاتفق ذَلِك ثمَّ بَايع بعده كَذَا فِي الرياض النضرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 وَأما مَوضِع قبرها رَضِي الله عَنْهَا فَذكره الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر أَن الْحسن لما توفّي دفن إِلَى جَانب أمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله وقبر الْحسن مَعْرُوف بِجنب قبر الْعَبَّاس وَيذكر لفاطمة ثمَّة قبر فَتكون على هَذَا مَعَ الْحسن فِي قبَّة الْعَبَّاس فَيَنْبَغِي أَن يسلم عَلَيْهَا هُنَالك وروى أَن أَبَا الْعَبَّاس المرسي كَانَ إِذا زار البقيع وقف أَمَام قبَّة الْعَبَّاس وَسلم على فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَيذكر أَنه كشف لَهُ عَن قبرها ثمَّة وَعَن عبد الرَّحْمَن بن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَنه كَانَ يَقُول قبر فَاطِمَة بَيتهَا الَّذِي أدخلهُ عمر بن عبد الْعَزِيز فِي الْمَسْجِد مروياتها فِي كتب الْأَحَادِيث ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا الْمُتَّفق عَلَيْهِ مِنْهَا وَاحِد وَالْبَاقِي فِي سَائِر الْكتب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 (الْبَاب السَّادِس من الْمَقْصد الثَّانِي فِي ذكر موَالِيه وخدامه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وجداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وَمَا يتبع ذَلِك) أما موَالِيه فَمنهمْ أُسَامَة حب رَسُول الله ابْن زيد وَأَبوهُ زيد بن حَارِثَة أعْتقهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وزوجه مولاته أم أَيمن وَاسْمهَا بركَة فَولدت لَهُ أُسَامَة وَكَانَ زيد قد أسر فِي الجاهلة فَاشْتَرَاهُ حَكِيم بن حزَام لِعَمَّتِهِ خَدِيجَة فاستوهبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْهَا ذكر قصَّته مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَأَن أَبَاهُ وَعَمه أَتَيَا مَكَّة فوجداه فطلبا أَن يفدياه فخيره النَّبِي بَين أَن يدْفع لَهما أَو يبْقى عِنْده فَاخْتَارَ أَن يبْقى عِنْده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وفى رِوَايَة التِّرْمِذِيّ قَالَ يَا رَسُول الله لَا أخْتَار عَلَيْك أحدا أبدا وَاسْتشْهدَ فِي غَزْوَة مُؤْتَة رَضِي الله عَنهُ وَمَات ابْنه أُسَامَة هَذَا بِالْمَدِينَةِ أَو بوادي الْقرى سنة أَربع وَخمسين وَمِنْهُم ثَوْبَان لَازم رَسُول الله وَنزل بعده الشَّام وَمَات بحمص سنة أَربع وَخمسين وَأَبُو كَبْشَة أَوْس وَيُقَال سليم من مولدِي مَكَّة شهد بَدْرًا وَمِنْهُم شقران بِضَم الشين واسْمه صَالح الحبشي وَيُقَال فَارسي شهد بَدْرًا وَهُوَ مَمْلُوك ثمَّ عتق قَالَه الْحَافِظ ابْن حجر قَالَ وَأَظنهُ مَاتَ فِي خلَافَة عُثْمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وَمِنْهُم رَبَاح بِفَتْح الرَّاء وبالموحدة الْأسود وَكَانَ يَأْذَن عَلَيْهِ أَحْيَانًا إِذا انْفَرد وَهُوَ الَّذِي أذن لعمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْمشْربَة ويسار الرَّاعِي وَهُوَ الَّذِي قَتله العرنيون وَمِنْهُم زيد أَبُو يسَار وَلَيْسَ زيد بن حَارِثَة وَالِد أُسَامَة ذكره ابْن الْأَثِير وَمِنْهُم مِدعَم بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْعين عبد أسود كَانَ لِرفَاعَة بن زيد الضبَيبي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالياء الْمَفْتُوحَة على صِيغَة التصغير فأهداه رِفَاعَة إِلَى رَسُول الله وَمِنْهُم أَبُو رَافع واسْمه أسلم القبطي وَكَانَ للْعَبَّاس فوهبه للنَّبِي فَلَمَّا بشر النَّبِي بِإِسْلَام عَمه الْعَبَّاس أعْتقهُ توفّي قبل عُثْمَان بِيَسِير وَمِنْهُم ابْن زيد الجذامي وَمِنْهُم سفينة بِوَزْن كَبِيرَة وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل طهْمَان وَقيل كيسَان وَقيل مهْرَان سَمَّاهُ رَسُول الله سفينة لأَنهم كَانُوا حملوه شَيْئا كثيرا فِي السّفر وَمِنْهُم مَأْبُور القبطي أَخُو مَارِيَة الْقبْطِيَّة الَّذِي أهدي إِلَيْهِ مَعهَا وَمِنْهُم وَاقد أَو أَبُو رَاقِد وَمِنْهُم سلمَان الْفَارِسِي أَبُو عبد الله وَيُقَال لَهُ سلمَان الْخَيْر أَصله من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 أصفهان وَقيل من رامهرمز أول مشاهده الخَنْدَق وَهُوَ المشير بِعَمَلِهِ على رَسُول الله مَاتَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ يُقَال بلغ من الْعُمر ثَلَاثمِائَة سنة وَمِنْهُم سمعون بن زيد قَالَ ابْن حجر حَلِيف الْأَنْصَار وَيُقَال مولى رَسُول الله شهد فتح دمشق وَقدم مصر وَسكن بَيت الْمُقَدّس وَمِنْهُم أَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث سمى بذلك لِأَنَّهُ تدلى ببكرة من حصن الطَّائِف إِلَى النَّبِي بعد قَوْله من نزل إِلَيْنَا فَهُوَ حر وَمن النِّسَاء أم أَيمن الحبشية وسلمى أم رَافع ومارية وَرَيْحَانَة وَسِيرِين أُخْت مَارِيَة وَغير ذَلِك قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ موَالِيه ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ وإماؤه إِحْدَى عشرَة وَأما خُدَّامه فَمنهمْ أنس بن مَالك بن النَّضر بن ضَمْضَم بن زيد الْأنْصَارِيّ الخزرجي يكنى أَبَا حَمْزَة خدم النَّبِي تسع أَو عشر سِنِين ودعا لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 فَقَالَ اللَّهُمَّ أَكثر مَاله وَولده وَأدْخلهُ الْجنَّة فَقيل بلغت أَوْلَاده الْمِائَة قَالَ أَبُو هُرَيْرَة مَا رَأَيْت أحدا أشبه صَلَاة برَسُول الله مِنْهُ توفّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَقيل اثْنَتَيْنِ وَقيل إِحْدَى وَقد جَاوز مائَة سنة وَمِنْهُم ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ صَاحب وضوئِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِنْهُم أَيمن بن أم أَيمن صَاحب مطهرته اسْتشْهد يَوْم حنين وَمِنْهُم عبد الله بن مَسْعُود بن غافل بالغين وَالْفَاء ابْن حبيب الْهُذلِيّ أحد السَّابِقين الْأَوَّلين شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا كَانَ صَاحب وسَادَة رَسُول الله وسواكه ونعليه وَطهُوره كَانَ يَلِي ذَلِك كُله وَكَانَ إِذا قَامَ النَّبِي ألبسهُ نَعْلَيْه وَإِذا جلس جَعلهمَا فِي ذراعه حَتَّى يقوم وَكَانَ قَصِيرا طوله ذِرَاع توفّي بِالْمَدِينَةِ وَقيل بِالْكُوفَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقيل سنة ثَلَاث وَمِنْهُم عقبَة بن عَامر بن قيس بن عَمْرو الْجُهَنِيّ وَكَانَ صَاحب بغلته يَقُودهَا بِهِ فِي الْأَسْفَار روينَا عَنهُ أَنه قَالَ بَيْنَمَا أَنا أَقُود برَسُول الله فِي نقب من تاك النقاب إِذْ قَالَ لي يَا عقبَة اركب فأجللت رَسُول الله أَن أركب مركبه ثمَّ أشفقت أَن يكون مَعْصِيّة قَالَ فركبت هنيَّة ثمَّ نزلت ثمَّ ركب النَّبِي وقدت ثمَّ قَالَ لي يَا عقبَة أَلا أعلمك من خير سورتين قرأهما النَّاس فَقلت بلَى بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله فَقَالَ ( {قُل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 أعوذ بِرَبّ النَّاس} الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَكَانَ عقبَة عَالما بِكِتَاب الله والفرائض فصيحاً شَاعِرًا مفوهاً ولاه مُعَاوِيَة مصر سنة أَربع وَأَرْبَعين ثمَّ صرفه عَنْهَا بِمسلمَة بن مخلد وَتوفى سنة ثَمَان وَخمسين وَمِنْهُم أسلع بن شريك صَاحب رَاحِلَته فِي الطَّبَرَانِيّ وَمِنْهُم سعد مولى أبي بكر وَقيل سعيد وَلم يثبت وروى عَنهُ ابْن ماجة وَمِنْهُم أَبُو ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ أسلم قَدِيما وَتوفى بالربذة وَسَتَأْتِي قصَّته مَعَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَصلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود ثمَّ مَاتَ ابْن مَسْعُود بعده فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ ابْن الْأَثِير وَابْن حجر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِنْهُم مهَاجر مولى أم سَلمَة وَمِنْهُم حنين وَالِد عبد الله مولى ابْن عَبَّاس وَكَانَ يَخْدمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ وهبه لِعَمِّهِ الْعَبَّاس وَمِنْهُم نعيم بن ربيعَة الْأَسْلَمِيّ وَمِنْهُم أَبُو الْحَمْرَاء مَوْلَاهُ وخادمه واسْمه هِلَال بن الْحَارِث وَابْن ظفر توفّي بحمص رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم أَبُو السَّمْح خادمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام واسْمه إياد وَمن النِّسَاء بركَة أم أَيمن الحبشية وَهِي وَالِدَة أُسَامَة بن زيد كَمَا تقدم ومنهن خَوْلَة جدة حَفْص ومنهن سلمى أم رَافع زوج أبي رَافع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 ومنهن مَيْمُونَة بنت سعد ومنهن أم عَيَّاش مَوْلَاهُ رقية بنته وَأما كِتَابه فالخلفاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَأول من كتب لَهُ بِمَكَّة عبد الله بن سعد بن أبي سرح الْقرشِي العامري أحد بني عَامر بن لؤَي أسلم وَكتب الْوَحْي لرَسُول الله ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَلحق بالمشركين بِمَكَّة فَلَمَّا فتحهَا رَسُول الله أهْدر دَمه فِيمَا أهْدر من الدِّمَاء فجَاء إِلَى عُثْمَان فغيبه ثمَّ أَتَى بِهِ إِلَى النَّبِي بعد أَن اطْمَأَن أهل مَكَّة وَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُول الله فَصمت عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طَويلا ثمَّ قَالَ نعم فَلَمَّا انْصَرف عُثْمَان قَالَ النَّبِي مَا صمت إِلَّا لتقتلوه فَقَالَ رجل هلاّ أَوْمَأت إِلَيْنَا يَا رَسُول الله فَقَالَ مَا كَانَ لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين ثمَّ أسلم ذَلِك الْيَوْم وَحسن إِسْلَامه وَلم يظْهر مِنْهُ بعد ذَلِك مَا يُنكر وَهُوَ أحد الْفُضَلَاء الكرماء من قُرَيْش عرف فَضله وجهاده وَكَانَ على ميمنة عَمْرو بن الْعَاصِ حِين افْتتح مصر ولاه عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ مصر سنة خمس وَعشْرين فَفتح الله على يَده إفريقية وَكَانَ فتحا عَظِيما بلغ سهم الْفَارِس فِيهِ ثَلَاثَة آلَاف مِثْقَال وَكَانَ مَعَه عبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن الزبير وغزا بعد إفريقية السوادَ من أَرض النّوبَة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وغزوة السوارى فِي بَحر الرّوم وَاعْتَزل الْفتية حِين قتل عُثْمَان فَأَقَامَ بعسقلان وَقيل بالرملة ودعا الله عز وَجل أَن يقبضهُ ويعجل وَفَاته وَختم عمره بِالصَّلَاةِ فَسلم من صَلَاة الصُّبْح التسليمة الأولى ثمَّ هم بالتسليمة الثَّانِيَة فتوفى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ الصَّحِيح وَقيل سنة سبع وَقيل سنة تسع وَخمسين قَالَ خَليفَة بن خياط وَوهم من عدَّ وَالِده أَبَا سرح فِي كِتَابه وَمِنْهُم طَلْحَة بن عبيد الله أحد الْعشْرَة اسْتشْهد يَوْم الْجمل سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَمِنْهُم الزبير بن الْعَوام بن خويلد أحد الْعشْرَة أَيْضا قتل كَذَلِك سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 سِتّ وَثَلَاثِينَ يَوْم الْجمل وَمِنْهُم أبي بن كَعْب بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء هُوَ أبي بن كَعْب بن الْمُنْذر ابْن قيس الخزرجي الْأنْصَارِيّ أَبُو الْمُنْذر أَو أَبُو الطُّفَيْل سيد الْقُرَّاء شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وبدراً وَمَا بعْدهَا وَهُوَ أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة وأقرؤهم لكتاب الله عز وَجل وَقَالَ لَهُ رَسُول الله إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك {لَم يكن} لِأَن فِيهَا {رَسُول مِنَ الله يَتلُوا صحفاً مطهرة فِيهَا كتب قيمَة} (روى ابْن أبي شيبَة وخيثمة ذَلِك وَهُوَ أول من كتب الْوَحْي بَين يَدي رَسُول الله بِالْمَدِينَةِ كناه رَسُول الله أَبَا الْمُنْذر وكناه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَبَا الطُّفَيْل بولده الطُّفَيْل بن أبي مَاتَ أبي سنة تسع عشرَة وَقيل سنة عشْرين وَقيل اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَقيل سنة ثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم الأرقم بن أبي الأرقم، عبد منَاف بن أَسد بن جُنْدُب المَخْزُومِي، كَانَ من السَّابِقين فِي الْإِسْلَام، هَاجر وَشهد بدر وَمَا بعْدهَا، ثن توفّي وَله خمس وَثَلَاثُونَ سنة وَمِنْهُم ثَابت بن قيس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ ثَابت بن قيس بن شماس بن مَالك الْأنْصَارِيّ الخزرجي أَبُو عبد الله وَقيل أَبُو مُحَمَّد خطيب رَسُول الله وَشهد لَهُ بِالْجنَّةِ شهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد قتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا فِي أَيَّام أبي بكر سنة إِحْدَى عشرَة وَكَانَ خرج مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى قتال مُسَيْلمَة بهَا فَلَمَّا الْتَقَوْا انكشفوا فَقَالَ ثَابت وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله ثمَّ حفر كل وَاحِد مِنْهُمَا لنَفسِهِ حُفْرَة وثبتا وقاتلا حَتَّى قتلا وعَلى ثَابت درع لَهُ نفيسة فَمر بِهِ رجل من الْمُسلمين فَأَخذهَا فَبينا رجل من الْمُسلمين نَائِم إِذْ أَتَاهُ ثَابت فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ إِنِّي أوصيك فإياك أَن تَقول هَذَا حلم فتضيعها إِنِّي لما قتلت أمسِ مر بِي رجل من الْمُسلمين فَأخذ دِرْعِي ومنزله فِي أقْصَى النَّاس وَعند خبائه فرس يستنُّ فِي طوله وَفد كفأ على الدرْع برمة فَائت خَالِدا فمره أَن يَأْخُذهَا فَإِذا قدمت على أبي بكر خَليفَة رَسُول الله فَقل لَهُ إِن علىَّ من الدَّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 كَذَا وَكَذَا وَفُلَان من رقيقي عَتيق فَأتى الرجل خَالِدا فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الدرْع فَأتى بهَا وَحدث أَبَا بكر فَأجَاز وَصيته وَلَا يُعلم أحد أجيزت وَصيته بعد مَوته غير ثَابت هَذَا وَمِنْهُم خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن سعيد الْقرشِي الْأمَوِي أسلم قَدِيما وَقيل إِنَّه أول من كتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قيل إِنَّه أسلم بعد أبي بكر فَكَانَ ثلث الْإِسْلَام وَقيل غير ذَلِك هَاجر إِلَى الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة وَأقَام بهَا بضع عشر سِنِين وَأهْدى لرَسُول الله خَاتمه الَّذِي نقش عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله الَّذِي وَقع فِي بِئْر أريس وَمِنْهُم زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ النجاري كَانَ هُوَ وَمُعَاوِيَة ألزمهم لذَلِك وروى البُخَارِيّ أَن رَسُول الله أمره أَن يتَعَلَّم كتاب يهود ليقرأه على النَّبِي إِذا كتبُوا إِلَيْهِ فتعلمه فِي خَمْسَة عشر يَوْمًا وروى ابْن أبي هَاشم عَنهُ قَالَ كنت أكتب لرَسُول الله فَإِنِّي لواضع الْقَلَم على أُذُنِي فَأمر بِالْقِتَالِ فَجعل رَسُول الله ينظر مَا ينزل عَلَيْهِ إِذْ جَاءَ أعمى فَقَالَ كَيفَ بك يَا رَسُول الله وَأَنا أعمى فَنزلت ( {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} قدم على رَسُول الله الْمَدِينَة وَهُوَ ابْن إِحْدَى عشرَة سنة شهد أحدا وَمَا بعْدهَا وَقيل أول مشاهده الخَنْدَق وَهُوَ أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة وَالَّذين جمعُوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله وَكَانَ أفكه النَّاس إِذا خلا فِي منزلَة وأزمهم إِذا جلس مَعَ الْقَوْم مَاتَ سنة سِتّ وَخمسين وروى الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَدِينَة ذهبت إِلَيْهِ فأعجب بِي فَقيل يَا رَسُول الله هَذَا غُلَام من بني النجار وَمَعَهُ مِمَّا أنزل عَلَيْك بضع عشرَة سُورَة فاْعجب ذَلِك رَسُول الله فَقَالَ يَا زيد تعلم كتاب يهود فَإِنِّي وَالله مَا آمن يهود على كتابي فَمَا مر بِي نصف شهر حَتَّى نقلته وحذقته فَكنت أكتب إِلَيْهِم وأقرأ لَهُ كتبهمْ كَانَ يكْتب للنَّبِي الْوَحْي وَيكْتب لَهُ أَيْضا المراسلات وَكَانَ يكْتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 لأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي خِلَافَتهمَا وَقد قَالَ فِيهِ أفرضكم زيد وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يستخلفه إِذا حج وَكَانَ مَعَه حِين قدم الشَّام وَهُوَ الَّذِي تولى قسم غَنَائِم اليرموك وَكَانَ عُثْمَان أَيْضا يستخلفه إِذا حج وَكَانَ على بَيت المَال لعُثْمَان توفّي بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وَقيل سنة سِتّ وَقيل إِحْدَى وَقيل ثَلَاث وَقيل خمس وَخمسين وَقيل سنة أَرْبَعِينَ وَقيل إِحْدَى وَقيل ثَلَاث وَأَرْبَعين رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِنْهُم السّجل رَضِي الله عَنهُ روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي الجوزاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يَقُول فِي هَذِه الْآيَة ( {يَومَ نَطوِي السَّمَاء كطي السّجل} قَالَ السّجل كَاتب للنَّبِي وروى ابْن مرْدَوَيْه وَابْن مَنْدَه من طَرِيق حمدَان بن سعيد عَن ابْن نمير عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ للنَّبِي كَاتب يُقَال لَهُ السّجل فَأنْزل الله تَعَالَى ( {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب} والسجل هُوَ الرجل بالحبشية وَرَوَاهُ أَبُو نعيم لَكِن قَالَ حمدَان بن عَليّ وَوهم ابْن مَنْدَه فِي قَوْله ابْن سعيد قَالَ ابْن مَنْدَه تفرد بِهِ حمدَان قَالَ الْحَافِظ فَإِن كَانَ هُوَ ابْن عَليّ فَهُوَ ثِقَة وَهُوَ مَعْرُوف واسْمه مُحَمَّد بن على مهْرَان من أَصْحَاب مُحَمَّد، وَلَكِن رَوَاهُ الْخَطِيب فِي تَرْجَمَة حمدَان بن سعيد فترجحت رِوَايَة ابْن مَنْدَه وَنقل الْخَطِيب عَن البرقاني أَن الْأَزْدِيّ قَالَ تفرد بِهِ ابْن نمير من كبار الثِّقَات فَهَذَا الحَدِيث صَحِيح بِهَذِهِ الطّرق، وغفل من زعم أَنه مَوْضُوع نعم إِنَّه ورد مَا يُخَالِفهُ فروى الربعِي والعوفي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي هَذِه الْآيَة كطي الصَّحِيفَة على الْكتاب وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد وَغَيره قَالَ الْحَافِظ ابْن كثير وَعرضت هَذَا الحَدِيث أَي حَدِيث ابْن عَبَّاس السَّابِق على الْحَافِظ الْمزي فَأنكرهُ جدا وأخبرته أَن ابْن تَيْمِية كَانَ يَقُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع وَإِن كَانَ فِي سنَن أبي دواد قَالَ الْمزي وَأَنا أقوله انْتهى قَالَ الْحَافِظ وَهَذِه مُكَابَرَة وَمِنْهُم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة الْقرشِي الْأمَوِي العبشمي ولى لعمر رَضِي الله عَنهُ الشَّام وَأقرهُ عُثْمَان قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ أَمِيرا عشْرين سنة وَخَلِيفَة عشْرين سنة وروى فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من طَرِيق الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول اللَّهُمَّ علم مُعَاوِيَة الْكتاب والحساب وقه الْعَذَاب وَهُوَ مَشْهُور بِكِتَابَة الْوَحْي وروى الإِمَام أَحْمد وَوَصله أَبُو يعلى فَقَالَ عَن مُعَاوِيَة وَالطَّبَرَانِيّ وَرِجَال الْأَوَّلين رجال الصَّحِيح عَن سعيد بن عمر بن سعد ابْن أبي وَقاص أَن أَبَا هُرَيْرَة اشْتَكَى وَأَن مُعَاوِيَة أخد الإدارة فَبَيْنَمَا هُوَ يوضىء رَسُول الله رفع رَأسه إِلَيْهِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَهُوَ يتَوَضَّأ فَقَالَ يَا مُعَاوِيَة إِن وليت أمرا فَاتق واعدل وَلَفظ الصَّغِير للطبراني بِرِجَال وثقوا وَفِيهِمْ خلاف وفى سَنَده انْقِطَاع عَن مسلمة بن مخلد أَن رَسُول الله قَالَ لمعاوية اللَّهُمَّ علمه الْكتاب والحساب وقه الْعَذَاب وَمكن لَهُ فِي الْبِلَاد مَاتَ فِي رَجَب سنة سِتِّينَ وَقد قَارب الثَّمَانِينَ وَمِنْهُم شُرَحْبِيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مَكْسُورَة فتحتية سَاكِنة ابْن حَسنة وَهِي أمه وَمِنْهُم خَالِد بن الْوَلِيد سيف الله أسلم بَين الْحُدَيْبِيَة وَالْفَتْح مَاتَ سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَمِنْهُم عَمْرو بن الْعَاصِ أسلم عَام الْحُدَيْبِيَة ولي إمرة مصر مرَّتَيْنِ وَهُوَ الفاتح لَهَا وَمَات بهَا سنة نَيف وَأَرْبَعين وَقيل بعد الْخمسين وَمِنْهُم الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ أسلم قبل الْحُدَيْبِيَة ولي إمرة الْبَصْرَة ثمَّ الْكُوفَة مَاتَ سنة خمسين على الصَّحِيح وَأما أمراؤه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمنهمْ باذان بن سامان من ولد بهْرَام أمره على الْيمن وَهُوَ أول أَمِير فِي الْإِسْلَام وَأول من أسلم من مُلُوك الْعَجم وَأمر على صنعاء خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَولى زِيَاد بن لبيد الْأنْصَارِيّ حَضرمَوْت وَولى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ زبيد وعدن وَولى معَاذ بن جبل الْجند وَولى أَبَا سُفْيَان بن حَرْب نَجْرَان وَولى ابْنه يزِيد تيماء وَولى عَتاب بن أسيد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة فَوق وَفتح الْهمزَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة مَكَّة وَإِقَامَة الْمَوْسِم وَالْحج بِالْمُسْلِمين سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَهُوَ عَام فتحهَا وَولى عَليّ ابْن أبي طَالب الْقَضَاء بِالْيمن وَولى عَمْرو بن الْعَاصِ عُمان وَأما مؤذنوه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَرْبَعَة اثْنَان بِالْمَدِينَةِ بِلَال وَسعد بن عَائِذ أَو ابْن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِسَعْد الْقرظ أَو الْقرظِيّ وَاثْنَانِ بِمَكَّة عَمْرو بن أم مَكْتُوم وَأَبُو مَحْذُورَة أما بِلَال فَهُوَ ابْن رَبَاح وَأمه حمامة مولى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أول من أذن لرَسُول الله وَلم يُؤذن بعده لأحد من الْخُلَفَاء إِلَّا أَن عمر رَضِي الله عَنهُ لما قدم الشَّام حِين فتحهَا أذن بِلَال فَتذكر النَّاس النَّبِي قَالَ أسلم مولى عمر رَضِي الله عَنهُ فَلم أر أَكثر باكيا من يومىء وَتوفى بِلَال سنة سبع عشرَة أَو عشْرين ب داريا وَدفن بِبَاب كيسَان وَله بضع وَسِتُّونَ سنة وَقيل دفن بحلب وَقيل بِدِمَشْق وَأما سعد بن عَائِذ أَو ابْن عبد الرَّحْمَن الْقرظِيّ مولى عمار فَأذن لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بقباء وَبَقِي إِلَى ولَايَة الْحجَّاج على الْحجاز وَذَلِكَ سنة أَربع وَسبعين من الْهِجْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وَأما عَمْرو بن أم مَكْتُوم الْقرشِي الْأَعْمَى فَأسلم وَأذن لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَأما أَبُو مَحْذُورَة بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة واسْمه أَوْس الجُمَحِي الْمَكِّيّ أَبُو معير بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْعين وتحريك التَّحْتِيَّة مَاتَ بِمَكَّة سنة تسع وَخمسين وَقيل تَأَخّر إِلَى بعد ذَلِك قَالَ فِي الرَّوْض الْأنف وَأَبُو مَحْذُورَة الجُمَحِي واسْمه سَلمَة بن معير وَقيل سَمُرَة فَإِنَّهُ لما سمع الْأَذَان وَهُوَ مَعَ فتية من قُرَيْش خَارج مَكَّة أَقبلُوا يستهزئون ويحكون صَوت الْمُؤَذّن غيظا فَكَانَ أَو مَحْذُورَة هَذَا من أحْسنهم صَوتا فَرفع صَوته مستهزئا بِالْأَذَانِ فَسَمعهُ رَسُول الله فَأمر بِهِ فَمثل بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يظنّ أَنه مقتول فَمسح رَسُول الله ناصيته وصدره بِيَدِهِ الشَّرِيفَة قَالَ فَامْتَلَأَ قلبِي وَالله إِيمَانًا ويقيناً وَعلمت أَنه رَسُول الله فَألْقى عَلَيْهِ رَسُول الله الْأَذَان وَعلمه إِيَّاه فَأمره أَن يُؤذن لأهل مَكَّة وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة فَكَانَ مؤذنهم حَتَّى مَاتَ ثمَّ عقبه بعده يتوارثون الْأَذَان وَكَانَ هَؤُلَاءِ المؤذنون المذكورون مِنْهُم من يرجع الْأَذَان ويثني الْإِقَامَة وبلال لَا يرجع ويفرد الْإِقَامَة فَأخذ الشَّافِعِي بِإِقَامَة بِلَال وَأهل مَكَّة أخذُوا بِأَذَان أبي مَحْذُورَة وَإِقَامَة بِلَال وَأخذ أَبُو حنيفَة وَأهل الْعرَاق بِأَذَان بِلَال وَإِقَامَة أبي مَحْذُورَة وَأخذ أَحْمد بِأَذَان بِلَال وإقامته وَخَالفهُم مَالك فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِعَادَة التَّكْبِير وتثنية لفظ الْإِقَامَة وَكَانَ خَطِيبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَابت بن قيس بن شماس بِمُعْجَمَة وَمِيم مُشَدّدَة وَآخره سين مُهْملَة وَهُوَ خزرجي شهد لَهُ النَّبِي بِالْجنَّةِ وَكَانَ خَطِيبه وخطيب الْأَنْصَار وَاسْتشْهدَ يَوْم الْيَمَامَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقد تقدم ذكره وَأما شعراؤه فمدحه بالشعر جمَاعَة من رجال الصَّحَابَة وَنِسَائِهِمْ جمعهم الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح ابْن سيد النَّاس فِي قصيدة ثمَّ شرحها فِي مجلدة سَمَّاهَا فتح الْمَدْح ورتبهم على حُرُوف المعجم قَارب بهم الْمِائَتَيْنِ وَأما شعراؤه الَّذين كَانُوا بِسَبَب المناضلة عَنهُ والهجاء لكفار قُرَيْش فَإِنَّهُم ثَلَاثَة حسان بن ثَابت بن الْمُنْذر بن عَمْرو بن حرَام الْأنْصَارِيّ وَكَانَ يقبل بالهجو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 على أنسابهم دَعَا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس فَيُقَال إِنَّه أَعَانَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بسبعين بَيْتا وفى الحَدِيث إِن جِبْرِيل مَعَ حسان مَا نافح أَي دَافع وَالْمرَاد هجاء الْمُشْركين ومجاوبتهم على أشعارهم وَلما جَاءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَنو تَمِيم وشاعرهم الْأَقْرَع بن حَابِس فَنَادَوْهُ يَا مُحَمَّد اخْرُج إِلَيْنَا نفاخرك ونشاعرك فَإِن مَدْحنَا زين وذمنا شين فَلم يزدْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على أَن قَالَ ذَلِك الله إِذا مدح زَان واذا ذمّ شان إِنِّي لم أبْعث بالشعر وَلم أُؤمر بالهجر وَلَكِن هاتوا فَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَابت بن قيس خَطِيبه أَن يُجيب على خطبتهم فَخَطب ثَابت فغلبه فَقَامَ شَاعِرهمْ الْأَقْرَع بن حَابِس فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْرِفَ النَّاسُ فَضْلَنَا ... إِذَا خَلَفُونَا عِنْدَ ذِكْرِ المَكَارِمِ) (وَأَنَّا رُءُوسُ النَّاسِ فِي كُلِّ مَعْشَرٍ ... وَأّنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ) فَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حسانا أَن يجِيبه فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (بَنِي درَاِمِ لاَ تَفْخَرُوا إِنَّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالاً عِنْدَ ذِكْرِ المَكَارِم) (هَبَلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمُ ... لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ) وَكَانَ أول من أسلم شَاعِرهمْ عَاشَ حسان مائَة وَعشْرين سنة سِتِّينَ مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَام وَكَذَا عَاشَ أَبوهُ ثَابت وجده الْمُنْذر وجد أَبِيه حرَام كل وَاحِد مِنْهُم مائَة وَعشْرين سنة وَتُوفِّي حسان سنة أَربع وَخمسين من الْهِجْرَة قلت وَهَؤُلَاء الْوَفْد الَّذين أنزل فِي شَأْنهمْ ( {إنَ اَلًذِين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحجرات أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ وَلَو أَنهم صَبَرُوا} وَالله أعلم وَعبد الله بن رَواحة وَكَانَ يعير قُريْشًا بالْكفْر وَكَعب بن مَالك وَكَانَ يخوفهم بِالْحَرْبِ وَكَانُوا لَا يبالون قبل الْإِسْلَام بأهاجي ابْن رَوَاحَة ويألمون من أهاجي حسان فَلَمَّا دخل من دخل مِنْهُم الْإِسْلَام وجد أهاجي ابْن رَوَاحَة أَشد وأشق قَالَ فِي زَاد الْمعَاد وَكَانَ أَشَّدهم على الْكفَّار حسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 ابْن ثَابت وَكَعب بن مَالك يعيرهم بالشرك وَالْكفْر وَأما حُداته فَأَرْبَعَة أَنْجَشَة بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْجِيم وبالشين الْمُعْجَمَة كَانَ عبدا أسود حسن الحداء يَحْدُو بِالنسَاء فحدا بأمهات الْمُؤمنِينَ فِي حجَّة الْوَدَاع فأسرعت الْإِبِل فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رويدك يَا أَنْجَشَة رفقا بِالْقَوَارِيرِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وفى صَحِيح مُسلم وَكَانَ لرَسُول الله حاد حسن الصَّوْت فَقَالَ لَهُ رَسُول الله رويدك يَا أَنْجَشَة لَا تكسر الْقَوَارِير يَعْنِي ضعفة النِّسَاء وَفِي الْمَوَاهِب كَانَ يَحْدُو وينشد القريض وَالرجز فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَهُ ذَلِك القَوْل يشبههن بِالْقَوَارِيرِ من الزّجاج لِأَنَّهُ يسْرع إلَيْهِنَّ الْكسر فَلم يَأْمَن عليهمن أَن يصيبهن أَو يَقع فِي قلوبهن حداؤه فَأمره بالكف وفى الْمثل الْغناء رقية الزِّنَا وَقيل أَرَادَ أَن الْإِبِل إِذا سَمِعت الحداء أسرعت فِي الْمَشْي واشتدت فأزعجت الرَّاكِب وأتعبته فَنَهَاهُ عَن ذَلِك بقوله رفقا بِالْقَوَارِيرِ لِأَن النِّسَاء يضعفن عَن شدَّة الْحَرَكَة هَذِه عِبَارَته قلت لَا ريب أَن هَذَا هُوَ المُرَاد من الحَدِيث وَالْعلَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 فِي النَّهْي لَا سواهُ يُؤَيّدهُ مَا رَوَاهُ ابْن سعد عَن مُجَاهِد عَن طَاوس قَالَ كَانَ رَسُول الله فِي سفر فَبينا هُوَ يسير بِاللَّيْلِ وَمَعَهُ رجل يسايره إِذْ سمع حَادِيًا يَحْدُو وَقوم أَمَامه فَقَالَ لصَاحبه لَو أَتَيْنَا حادى الْقَوْم فَقَرَّبْنَا حَتَّى غشينا الْقَوْم فَقَالَ رَسُول الله مِمَّن الْقَوْم فَقَالُوا من مُضر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَنا من مُضر دنا حادينا يسمع حاديكم فسمعنا حاديكم فأتيناكم زَاد طَاوس نسْمع حداءه فَقَالُوا يَا رَسُول الله أما إِن أول من حدا منا رجل فِي سفر ضرب غُلَاما لَهُ على يَده بعصا فَانْكَسَرت يَده فَجعل الْغُلَام يَقُول وَهُوَ يُشِير يَا يَدَاهُ يَا يَدَاهُ فسارت الْإِبِل على صَوته وَقطعت أَوديَة بِسُرْعَة وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا قَول الشَّاعِر // (من مجزوء الْكَامِل) // (إنْ كُنْتَ تُنْكِرُ أّنَّ فِي الأَلْحَانِ ... تَأْثِيرّا وَنَفْعَا) (فَانْظُرْ إِلَى الإِبِلِ الَّتِي ... لاَ شَكَّ أَغْلَظُ مِنْكَ طَبْعَا) (تُصْغِي إِلَى صَوْتِ الُحُدَاةِ ... فَتَقْطَعُ الفَلَوَاتِ قَطْعَا) وَالْعجب من صَاحب الْمَوَاهِب كَيفَ جعل الْمَعْنى الأول هُوَ المُرَاد من الحَدِيث فَجعل عِلّة النَّهْي خوف أَن يصبهن أَو يَقع فِي قلوبهن حداؤه وأردفه بإيراد الْمثل الَّذِي أوردهُ فليته لم يُورِدهُ وَهُوَ معنى غير لَائِق التَّعْلِيل بِهِ فِي آحَاد حرائر نسَاء الْمُسلمين فَكيف يُعلل بِهِ فِي المحدوِّ بِهن فِي الْوَاقِع وَهن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ على أَن تَشْبِيه النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ من الزّجاج فِي الضعْف وَسُرْعَة الْكسر إِلَيْهَا إِنَّمَا يلائم الْمَعْنى الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ بِصِيغَة التمريض فَمَا مَرضه هُوَ الصَّحِيح وَمَا صَححهُ فقدمه هُوَ الْمَرِيض إِذْ لَا تمكن صِحَّته إِلَّا بِضَرْب من الْمجَاز مَعَ أَنَّك أَيهَا الْمنصف لَو نظرت إِلَيْهِ فِي جادة الشَّرْع وجدته قَرِيبا من عدم الْجَوَاز وَالله أعلم وعامر بن الْأَكْوَع بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْكَاف وَفتح الْوَاو وبالعين الْمُهْملَة هُوَ عَم سَلمَة بن الْأَكْوَع وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي إِلَى خَيْبَر فسرنا لَيْلًا فَقَالَ رجل من الْقَوْم لعامر يَا عَامر أَلا تسمعنا من هنياتك وَكَانَ عَامر رجلا شَاعِرًا فَنزل يَحْدُو بالقوم // (من الرجز) // (تاللهِ لَوْلاَ الله مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَتَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامِ إِنْ لاَ قَيْنَا) (وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) (وَبِالصّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا ... ) وفى رِوَايَة فِي هَذَا الرجز زِيَادَة: (إنَّ الذِينَ قَدْ بَغوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أرَادُوا فتنَةً أَبَيْنَا) (ونَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ... ) فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من هَذَا السَّائِق قَالُوا عَامر بن الْأَكْوَع قَالَ يرحمه الله فَقَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت يَا رَسُول الله لَو أمتعتنا بِهِ وفى رِوَايَة أَحْمد فَجعل عَامر يرتجز ويسوق الركاب وَهَذِه كَانَت عَادَتهم إِذا أَرَادوا تنشيط الْإِبِل من السّير ينزل بَعضهم فيسوقها ويحدو فِي تِلْكَ الْحَال وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من هَذَا السَّائِق فَقَالُوا عَامر بن الْأَكْوَع فَقَالَ يرحمه الله فَقَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت أَي ثبتَتْ لَهُ الشَّهَادَة وستقع قَرِيبا وَكَانَ مَعْلُوما عِنْدهم أَن من دَعَا لَهُ بِهَذَا الدُّعَاء فِي مثل هَذَا الموطن اسْتشْهد فَلذَلِك قَالُوا هلا أمتعتنا بِهِ أَي وَدِدْنَا أَنَّك أخرت الدُّعَاء لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقت آخر لنتمتع بمصاحبته ورؤيته مُدَّة وَاسْتشْهدَ رَضِي الله عَنهُ يَوْم خَيْبَر وَعبد الله بن رَواحة كَانَ يَحْدُو بَين يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي السّفر روى التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل من حَدِيث أنس أَنه دخل مَكَّة فِي عمْرَة الْقَضَاء وَابْن رَوَاحَة آخذ بزمام رَاحِلَته يرتجز فَيَقُول // (من الرجز) // (خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ) (بِأَنَّ خَيْرِ القَتْلِ فِي سَبِيلِهِ ... أليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ) (ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الَخلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ) (يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... إِنِّي رَأَيْتُ الْحَقَّ فِي قَبُولِهِ) والبراء بن مَالك قَالَ أنس كَانَ الْبَراء بن مَالك يَحْدُو بِالرِّجَالِ وأنجشة يَحْدُو بِالنسَاء وَمن حراسه أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ حارس رَسُول الله وفى اسْمه أَقْوَال أشهرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 الْحَارِث بن ربعي شهد أحدا والمشاهد كلهَا وروى عَن رَسُول الله مائَة وَسبعين حَدِيثا قيل إِنَّه شهد بَدْرًا وَلم يَصح وَمِنْهُم أَبُو رَيْحَانَة رجل من الْأَنْصَار روى الإِمَام أَحْمد بِرِجَال ثِقَات وَالطَّبَرَانِيّ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله فِي غزَاة فأتينا ذَات لَيْلَة على شرف فبتنا عَلَيْهِ فأصابنا عَلَيْهِ برد شَدِيد حَتَّى رَأَيْت من يحْفر فِي الأَرْض من حُفْرَة فَيدْخل فِيهَا ويلقي عَلَيْهِ جُحْفَته يعْنى الترس فَلَمَّا رأى رَسُول الله ذَلِك بِالنَّاسِ قَالَ من يحرسنى اللَّيْلَة وأدعو الله دُعَاء يكون فِيهِ فضلا فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار أَنا يَا رَسُول الله فَفتح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالدُّعَاءِ فَأكْثر مِنْهُ قَالَ أَبُو رَيْحَانَة فَلَمَّا سَمِعت مَا دَعَا بِهِ رَسُول الله قلت أَنا رجل آخر فَقَالَ ادنه فدنوت فَقَالَ من أَنْت فَقلت أَنا أَبُو رَيْحَانَة فَدَعَا لي بِدُعَاء دون دُعَائِهِ للْأَنْصَارِيِّ وَمِنْهُم سعد بن معَاذ يَوْم بدر حِين نَام فِي الْعَريش ذكره ابْن عبد قيس وَمِنْهُم الْمُغيرَة بن شُعْبَة حِين وقف على رَأسه بِالسَّيْفِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَعُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ يكلمهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ويلمس لحيته فَضرب الْمُغيرَة يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ اكفف يدك عَن لحية رَسُول الله وَكَانَ إِذْ ذَاك عُرْوَة لم يسلم وَمِنْهُم مُحَمَّد بن مسلمة حرسه يَوْم أحد وَمِنْهُم الزبير بن الْعَوام يَوْم الخَنْدَق وَمِنْهُم مرْثَد بن أبي مرْثَد الغنوي بوادي الْقرى ذكره ذكْوَان بن عبد قيس وَمِنْهُم أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَقت دُخُوله بصفية بِخَيْبَر أَو بِبَعْض الطّرق فَدَعَا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ لَهُ حرسك الله يَا أَبَا أَيُّوب كَمَا بت تحرس نبيه قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف فحرس الله أَبَا أَيُّوب بِهَذِهِ الدعْوَة حَتَّى أَن الرّوم لتحرس قَبره ويستسقون بِهِ وَذَلِكَ أَنه غزا مَعَ يزِيد بن مُعَاوِيَة سنة خمسين من الْهِجْرَة فَلَمَّا بلغُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّة توفّي أَبُو أَيُّوب هُنَاكَ شَهِيدا وَكَانَ قد أوصى إِلَى يزِيد أَن يدفنه فِي أقرب مَوضِع من مَدِينَة الرّوم فَركب الْمُسلمُونَ وَمَشوا بِهِ حَتَّى إِذا لم يحدوا مساغاً دفنوه فسألتهم الرّوم عَن شَأْنهمْ فَأَخْبرُوهُمْ أَنه كَبِير من أكَابِر أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالَت الرّوم ليزِيد بن مُعَاوِيَة مَا أحمقك وأحمق من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 أرسلك أأمنت أَن ننبشه بعْدك فنحرق عِظَامه فأقسم لَهُم يزِيد لَئِن فعلوا ذَلِك ليهدمن كل كَنِيسَة لَهُم بِأَرْض الْعَرَب وينبش قُبُورهم فَحِينَئِذٍ حلفوا لَهُ بدينهم ليكرمن قَبره وليحرسنه مَا اسْتَطَاعُوا فَذَلِك أثر دَعوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمِنْهُم سعد بن أبي وَقاص بوادي الْقرى روى أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز اللّغَوِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت بَات رَسُول الله ذَات لَيْلَة فَقَالَ لَيْت رجلا صَالحا يَحْرُسنِي قَالَت إِذْ سَمِعت السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالَ من هَذَا قَالَ أَنا سعيد بن أبي وَقاص أَنا أَحْرُسُك يَا رَسُول الله قَالَت فَنَامَ رَسُول الله حَتَّى سَمِعت غَطِيطه وَمِنْهُم عباد بن بشر وَهُوَ الَّذِي كَانَ على حرسه فَلَمَّا نزلت آيَة ( {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} خرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأخْبرهُم وَصرف الحرس وَأما خيله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فالسكب بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْكَاف يُقَال فرس سكب أَي كثير الجري كَأَنَّمَا يصب جريه صبا وَأَصله من سكب المَاء يسكبه وَهُوَ أول فرس ملكه اشْتَرَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِعشر أَوَاقٍ وَكَانَ أغر محجلاً طلق الْيُمْنَى كميتا وَقَالَ ابْن الْأَثِير كَانَ أدهم والمرتجز سمي بِهِ لحسن صهيله مَأْخُوذ من الرجز الَّذِي هُوَ ضرب من الشّعْر وَكَانَ أَبيض وَهُوَ الَّذِي شهد فِيهِ خُزَيْمَة بن ثَابت فَجعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَهَادَته بِشَهَادَة رجلَيْنِ وَقَالَ من شهد لَهُ خُزَيْمَة كفى أَو كَمَا قَالَ والظرب بالظاء الْمُعْجَمَة آخِره مُوَحدَة وَاحِد الظراب للجيل الصَّغِير سمي بِهِ لكبره وسمنه وَقيل لقُوته وصلابة رجلَيْهِ أهداه لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو الجذامي واللحيف بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاء أهداه لَهُ ربيعَة بن أبي الْبَراء سمي لسمنه وَكبره كَأَنَّهُ يلحف الأَرْض أَي يغطيها بذيله لطوله فعيل بِمَعْنى فَاعل يُقَال لحفت الرجل باللحاف طرحته عَلَيْهِ ويروى بِالْجِيم وبالخاء الْمُعْجَمَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلم يتحققه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وَالْمَعْرُوف بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَه ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة واللزاز سمى بِهِ لتلززه واجتماع خَلقه لز بِهِ الشَّيْء لزق بِهِ كَأَنَّهُ يلزق بالمطلوب لسرعته وَهَذَا أهداه لَهُ الْمُقَوْقس والورد قَالَ ابْن سعد أهداه لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأعْطَاهُ عمر فَحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله ثمَّ وجده يُبَاع برخص فَاشْتَرَاهُ وسبحة بِالضَّمِّ وَالْمُوَحَّدَة من قَوْلهم فرس سابح إِذا كَانَ حسن مد الْيَدَيْنِ فِي الجري قَالَ ابْن التِّين هِيَ فرس شقراء اشْتَرَاهَا من أَعْرَابِي من جُهَيْنَة بِعشر من الْإِبِل فَهَذِهِ سَبْعَة مُتَّفق عَلَيْهَا وَذكر ابْن بَنِينَ فِيمَا حَكَاهُ الْحَافِظ الدمياطي الْبَحْر فِي خيله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ وَكَانَ اشْتَرَاهُ من تجر قدمُوا من الْيمن فَسبق عَلَيْهِ مَرَّات فَجَثَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على رُكْبَتَيْهِ وَمسح وَجهه وَقَالَ مَا أَنْت إِلَّا بَحر فَسمى بحراً قَالَ ابْن الْأَثِير وَكَانَ لَونه كميتاً والسجل بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم ذكره عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن عَبدُوس الْكُوفِي وَلَعَلَّه مَأْخُوذ من قَوْلهم سجلت فِي المَاء فانسجل إِذا صببته فانصب وَذُو لملة بِكَسْر اللَّام وَشد الْمِيم ذكره ابْن حبيب وَذُو العُقار بِضَم الْعين وَشد الْقَاف وَحكى بَعضهم تخفيفها والسرحان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء ذكره ابْن خالويه والطرف بِكَسْر الطَّاء وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا ذكره ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف وَذكر أَن فِي رِوَايَة أَنه هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْأَعرَابِي وَشهد لَهُ خُزَيْمَة ابْن ثَابت فِيهِ والمرتجل بِكَسْر الْجِيم ذكره ابْن خالويه من قَوْلهم ارتجل الْفرس ارتجالاً إِذا خلط العَنَق بِشَيْء من الهملجة والمرواح بِكَسْر الْمِيم من أبنية الْمُبَالغَة كالمطعام مُشْتَقّ من الرّيح لسرعته أَو من الرواح لتوسعه فِي الجرى أهداه لَهُ قوم من مذْحج ذكره ابْن سعد وملاوح بِضَم الْمِيم وَكسر الْوَاو ذكره ابْن خالويه وَالْمَنْدُوب ذكره بَعضهم فِي خيله وَكَانَ دفتا سَرْجه من لِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وَأما سلاحه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَكَانَ لَهُ تِسْعَة أسياف مَأْبُور وَهُوَ أول سيف ملكه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ الَّذِي يُقَال إِنَّه قدم بِهِ إِلَى الْمَدِينَة فِي الْهِجْرَة العضب بِعَين مُهْملَة وضاد مُعْجمَة وَمَعْنَاهُ الْقَاطِع أرْسلهُ إِلَيْهِ سعد بن عبَادَة حِين سَار إِلَى غَزْوَة بدر ذُو الفقار لِأَنَّهُ كَانَ وَسطه مثل فقار الظّهْر وَيجوز فِي فائه الْفَتْح وَالْكَسْر وَصَارَ إِلَيْهِ يَوْم بدر وَكَانَ للعاصي بن مُنَبّه بن الْحجَّاج الجُمَحِي فَكَانَ هَذَا السَّيْف لَا يُفَارِقهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يكون مَعَه فِي كل حَرْب يشهدها وَكَانَت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته وَنَعله من فضَّة وَهُوَ الَّذِي صَار إِلَى الإِمَام عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقيل لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا عَليّ القلعي بِضَم الْقَاف وَفتح اللَّام وَهُوَ الَّذِي أَصَابَهُ من قلع مَوضِع بالبادية البتار أَي الْقَاطِع الحتف وَهُوَ الْمَوْت المخذم وَهُوَ الْقَاطِع الرسوب أَي الَّذِي يمْضِي فِي الضَّرْبَة ويغيب فِيهَا وَهُوَ فعول من رسب يُرْسل إِذا ذهب إِلَى أَسْفَل وَإِذا ثَبت أصَاب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المخذم والرسوب من الْفلس بِضَم الْفَاء وَسُكُون اللَّام اسْم صنم كَانَ لطيء وَكَانَ لَهُ سيف اسْمه وأرماحه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المثوى قَالَ ابْن الْأَثِير سمى بذلك لِأَنَّهُ يثوى المطعون بِهِ من الثوى وَهُوَ الْإِقَامَة والمثنى ورمحان آخرَانِ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَرْبَة كَبِيرَة اسْمهَا الْبَيْضَاء وحربة صَغِيرَة دون الرمْح شبه العكازة يُقَال لَهَا العنزة وَكَانَت تركز أَمَامه وَيُصلي إِلَيْهَا فِي السّفر وَبِذَلِك اغْترَّ بعض العنزيين فَقَالَ صلى النَّبِي إِلَيْنَا ظنا مِنْهُ أَنَّهَا الْقَبِيلَة الَّتِي هُوَ مِنْهَا وَإِنَّمَا هِيَ العكازة كَمَا رَأَيْت وَأما أدراعه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فسبع ذَات الفضول بالضاد الْمُعْجَمَة لطولها أرسلها إِلَيْهِ سعد بن عبَادَة حِين سَار إِلَى بدر وَهِي الَّتِي رَهنهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 عِنْد أبي الشَّحْم الْيَهُودِيّ على ثَلَاثِينَ صَاعا من شعير وَكَانَ الدّين إِلَى سنة وَذَات الوشاح وَذَات الْحَوَاشِي والسغدية بِالسِّين الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَهِي درع عكبراء لقينقاعي قيل وَهِي درع دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّتِي لبسهَا حِين قتل جالوت وَفِضة وَكَانَ أَصَابَهَا من بني قينقاع والبتراء لقصرها والخرنق باسم ولد الأرنب وَكَانَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم أحد دِرْعَانِ ذَات الفضول وَفِضة وَكَانَ عَلَيْهِ يَوْم خَيْبَر دِرْعَانِ ذَات الفضول والسغدية وَأما أقواسه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَكَانَت سِتَّة الأولى الزَّوْرَاء وَثَلَاث من سلَاح بني قينقاع الروحاء والصفراء وشوحط والكتوم كسرت يَوْم أحد فَأَخذهَا قَتَادَة والسداد وَكَانَت لَهُ جعبة تسمى الكافور وَكَانَت لَهُ منْطقَة من أَدِيم فِيهَا ثَلَاث حلق من فضَّة والإبزيم من فضَّة والطرف من فضَّة وَأما أتراسه فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ترس اسْمه الزلوق يزلق عَنهُ السِّلَاح وترس يُقَال لَهُ الْعتْق وترس أهْدى إِلَيْهِ فِيهِ صُورَة عِقَاب أَو كَبْش فَوضع يَده عَلَيْهِ فَأذْهب الله تِلْكَ الصُّورَة وَأما غنمه ولقاحه فَكَانَت لَهُ مائَة شَاة وَكَانَت لَهُ سبع أعنز ترعاهن أم أَيمن جَارِيَته الحبشية وَكَانَت لَهُ من اللقَاح القصوى وَهِي الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا إِلَى الْمَدِينَة والعضباء والجدعاء وَلم يكن بهما عضب وَلَا جدع وَإِنَّمَا سميتا بذلك وَقيل كَانَ بأذنها عضب وَقيل العضباء والجدعاء وَاحِدَة والعضباء هِيَ الَّتِي كَانَت لَا تسبق فجَاء أَعْرَابِي على قعُود لَهُ فسبقها فشق ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن حَقًا على الله أَلا يرفع شَيْئا من هَذِه الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه وغنم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم بدر جملا لأبي جهل فِي أَنفه برة من فضَّة فأهداه إِلَى الْكَعْبَة يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 الْحُدَيْبِيَة ليغيظ بذلك الْمُشْركين وَكَانَت لَهُ خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ لقحة أرسل بهَا إِلَيْهِ سعد ابْن عبَادَة وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من البغال خمس الأولى شهباء أهداها لَهُ الْمُقَوْقس مَعَ مَارِيَة وَأُخْتهَا فِيمَا أهداه إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالثَّانيَِة فضَّة أهداها لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو الجذامي وَالثَّالِثَة أهداها لَهُ ابْن العكماء صَاحب أَيْلَة الرَّابِعَة من دومة الجندل الْخَامِسَة أهداها لَهُ النَّجَاشِيّ وَقيل إنَّهُنَّ سِتّ وَالسَّادِسَة أهداها لَهُ كسْرَى قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَفِيه نظر وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْحمير عفير أهداه لَهُ الْمُقَوْقس وَكَانَ لَهُ آخر يُسمى يَعْفُور أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي مَنْظُور قَالَ لما فتح رَسُول الله خَيْبَر أصَاب حمارا أسود فَكلم رَسُول الله الْحمار فَكَلمهُ الْحمار فَقَالَ لَهُ رَسُول الله مَا اسْمك فَقَالَ يزِيد بن شهَاب أخرج الله من نسل جدي سِتِّينَ حمارا كلهم لَا يركبهم إِلَّا نَبِي وَقد كنت أتوقعك أَن تركبني لم يبْق من نسل جدي غَيْرِي وَلَا من الْأَنْبِيَاء غَيْرك قد كنت قبلك لرجل يَهُودِيّ وَكنت أتعثر بِهِ عمدا فَكَانَ يجيع بَطْني وَيضْرب ظَهْري فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَنت يَعْفُور فَكَانَ رَسُول الله يَبْعَثهُ إِلَى بَاب الرجل فَيَأْتِي الْبَاب فيقرعه بِرَأْسِهِ فَإِذا خرج إِلَيْهِ صَاحب الدَّار أَوْمَأ إِلَيْهِ أَن أجب رَسُول الله فَلَمَّا قبض رَسُول الله جَاءَ إِلَى بِئْر كَانَت لأبي الْهَيْثَم بن التيهَان الْأنْصَارِيّ فتردى فِيهَا جزعاً على رَسُول الله فَمَاتَ رَوَاهُ أَبُو نعيم بِنَحْوِهِ من حَدِيث معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فسطاط يُسمى الْكن وَكَانَ لَهُ محجن قدر ذِرَاع أَو أَكثر يمشي ويركب بِهِ يعلقه بَين يَدَيْهِ على بعير وَكَانَت لَهُ مخصرة تسمى العرجون وَكَانَ لَهُ قضيب من الشوحط يُسمى الممشوق وَكَانَ لَهُ قدح يُسمى الريان وَآخر يُسمى مغيثاً وَآخر مضبب بسلسلة من فضَّة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع مِنْهُ وَآخر من عيدَان بِفَتْح الْعين اسْم شَجَرَة مَعْرُوفَة وَآخر من زجاج وتور من حِجَارَة بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق يُسمى المخضب وركوة تسمى الصادرة ومخضب من نُحَاس ومغتسل من صفر ومدهن وربعة إسكندرية تجْعَل فِيهَا الْمرْآة ومشط من عاج وَهُوَ الذبل ومكحلة يكتحل مِنْهَا عِنْد النّوم وَكَانَ فِي الربعة أَيْضا المقراض والسواك وَهَذِه الربعة أهداها لَهُ الْمُقَوْقس صَاحب إسكندرية مَعَ مَارِيَة وَمَا مَعهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَكَانَت لَهُ قَصْعَة تسمى الغراء بِأَرْبَع حلق وَكَانَ لَهُ صَاع وَمد وقطيفة وسرير قوائمه من سَاج وفراش من أَدَم حشوه لِيف وَخَاتم من فضَّة ملوى بفصة وَخَاتم من فضَّة فصه مِنْهُ يَجعله فِي يَمِينه وَقيل كَانَ أَولا فِي يَمِينه ثمَّ حوله إِلَى يسَاره منقوش عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله ثَلَاثَة أسطر قَالَ الإِمَام الْإِسْنَوِيّ فِي حفظي أَن أول الأسطر قَرَأت مُحَمَّد ثمَّ فَوْقه رَسُول ثمَّ فَوْقه الله فسطر اسْم الله الْأَعْلَى وَأهْدى لَهُ النَّجَاشِيّ خُفَّيْنِ سادجين فلبسهما وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاث جبات يلبسهن فِي الْحَرْب وجبة سندس أَخْضَر وجبة ممالسة وعمامة يُقَال لَهَا السَّحَاب وَأُخْرَى سَوْدَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 (الْبَاب السَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي) فِي الْحَوَادِث من أول سنى هجرته إِلَى وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَقَامَ بهَا عشر سِنِين وَقبض فِي الْحَادِيَة عشرَة تتجدد لَهُ فِي كل سنة أُمُور وَشَرَائِع لَا تَنْحَصِر فلنذكر شَيْئا من ذَلِك على التَّرْتِيب نبدأ بِمَا فِي كل سنة من غَزْوَة ثمَّ من سَرِيَّة ثمَّ من غَيرهمَا 3 - (حوادث السّنة الأولى من الْهِجْرَة) لما اسْتَقر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَدِينَةِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِ أَصْحَابه وَقَامُوا بنصره وَصَارَت الْمَدِينَة لَهُم دَار إِسْلَام ومعقلاً وملجأ يلجئون إِلَيْهِ شرع الله تَعَالَى جهادَ الْأَعْدَاء فَبعث الْبعُوث والسرايا وغزا وَقَاتل هُوَ وَأَصْحَابه حَتَّى دخل النَّاس فِي دين الله أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا وَكَانَ عدد مغازيه الَّتِي خرج فِيهَا بِنَفسِهِ سبعا وَعشْرين قَاتل فِي تسع مِنْهَا بِنَفسِهِ بدر وَأحد والمريسيع وَالْخَنْدَق وَقُرَيْظَة وخيبر وَفتح مَكَّة وحنين والطائف وَهَذَا على قَول من قَالَ إِن مَكَةَ فتحت عنْوَة وَكَانَت سراياه الَّتِي بعث بهَا سبعا وَأَرْبَعين سَرِيَّة وَقيل إِنَّه قَاتل فِي بني النَّضِير قَالَ فِي فتح الْبَارِي السّريَّة بِفَتْح السِّين وَكسر الرَّاء وَتَشْديد التَّحْتِيَّة هِيَ الَّتِي تخرج بِاللَّيْلِ والسارية هِيَ الَّتِي تخرج بِالنَّهَارِ وَقيل سميت بذلك لِأَنَّهَا تخفي ذهابها وَهَذَا يقتضى أَنَّهَا أُخذت من السِّرّ وَلَا يَصح لاخْتِلَاف الْمَادَّة وهى قِطْعَة من الْجَيْش تخرج مِنْهُ وتعود إِلَيْهِ وَهِي من مائَة إِلَى خَمْسمِائَة فَمَا زَاد على خَمْسمِائَة يُقَال لَهُ منسر بالنُّون ثمَّ السِّين الْمُهْملَة فَإِن زَاد على الثَّمَانمِائَة سمي جَيْشًا فَإِن زَاد على أَرْبَعَة آلَاف سمي جحفلاً وَالْخَمِيس الْجَيْش الْعَظِيم وَمَا افترق من السّريَّة يُسمى بَعْثاً والكتيبة مَا اجْتمع وَلم ينتشر الحديث: 3 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وَكَانَ أول بعوثه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على رَأس سَبْعَة أشهر فِي رَمَضَان بعث حَمْزَة بن عبد الْمطلب مرّة على ثَلَاثِينَ رجلا من الْمُهَاجِرين وَقيل من الْأَنْصَار وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لم يبْعَث أحدا من الْأَنْصَار حَتَّى غزا بهم بَدْرًا خرج حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ وَمن مَعَه يعترضون عيرًا لقريش فيهم أَبُو جهل اللعين فَلَقِيَهُ فِي ثَلَاثمِائَة رَاكب فبلغوا سيف الْبَحْر من نَاحيَة الْعيص فَلَمَّا تصافوا حجز بَينهم مجدي بن عَمْرو الْجُهَنِيّ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد عقد لَهُ لِوَاء أَبيض واللواء هُوَ الْعلم الَّذِي يحمل فِي الْحَرْب يعرف بِهِ مَوضِع صَاحب الْجَيْش وَقد يحملهُ أَمِير الْجَيْش نفسْه وَقد يدْفعه لمقدم المعسكر وَقد صرح جمَاعَة من أَئِمَّة اللُّغَة بترادف اللِّوَاء والراية لَكِن روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس كَانَت راية رَسُول الله سوداءَ ولواؤُه أبيضَ وَمثله عِنْد الطَّبَرَانِيّ عَن بُرَيْدَة وَعند ابْن عدي عَن أبي هُرَيْرَة وَزَاد فِيهِ مَكْتُوب لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله وَهُوَ ظَاهر فِي التغاير فَلَعَلَّ التَّفْرِقَة بَينهمَا عرفية وَذكر ابْن إِسْحَاق وَكَذَا أَبُو الْأسود عَن عُرْوَة أَن أول مَا حدثت الرَّايَات يَوْم خَيْبَر وَمَا كَانُوا يعْرفُونَ قبل ذَلِك إِلَّا الألوية انْتهى ثمَّ فِيهَا سَرِيَّة عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب إِلَى بطن رابغ فِي شَوَّال فِي سِتِّينَ رجلا وَعقد لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِوَاء أَبيض حمله مسطح بن أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب فلقي أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَكَانَ على الْمُشْركين وَقيل مكرز بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 حَفْص وَقيل عِكْرِمَة بن أبي جهل فِي مِائَتَيْنِ من الْمُشْركين وَلم يكن بَينهم قتال إِلَّا أَن سعد بن أبي وَقاص رَمَى بِسَهْم فَكَانَ أولَ سهم رمى بِهِ فِي سَبِيل الله فِي الْإِسْلَام قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَت راية عُبَيْدَة أولَ راية عقدت فِي الْإِسْلَام وَقد تقدم أَن أول راية عقدت لِحَمْزَة وَإِنَّمَا أشكل أمرهَا لِأَنَّهُ بعثهما مَعًا فَاشْتَبَهَ ذَلِك على النَّاس وَهَذَا يشكل بقَوْلهمْ إِن بعث حَمْزَة كَانَ على رَأس سَبْعَة أشهر لَكِن يحْتَمل أَن يكون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عقد رايتهما مَعًا ثمَّ تَأَخّر خُرُوج أبي عُبَيْدَة إِلَى رَأس الثَّمَانِية لأمرٍ اقْتَضَاهُ ثمَّ فِيهَا سَرِيَّة سعد بن أبي وَقاص إِلَى الخرار بخاء مُعْجمَة فراءين مهملتين وَهُوَ وَاد يصب بالحجاز فِي الْجحْفَة كَانَ ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة على رَأس تِسْعَة أشهر وَعقد لَهُ لِوَاء أَبيض حمله الْمِقْدَاد بن الْأسود فِي عشْرين رجلا يعْتَرض عيرًا لقريش فَخَرجُوا على أَقْدَامهم فصبحوا صبح خَامِسَة فوجدوا العير قد مرت بالْأَمْس ثمَّ فِيهَا غير مَا سبق قَرِيبا من بِنَاء الْمَسْجِد والمساكن دعاؤه بِنَقْل وباء الْمَدِينَة إِلَى مهيعة بَريَّة مسبعَة وَهِي الْجحْفَة وَسبب ذَلِك وَعكُ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَغَيره من الصَّحَابَة وَذَلِكَ أَنه روى أَن هَوَاء الْمَدِينَة كَانَ عَفِناً وخماً يكون فِيهِ الوباء وَكَانَت مَشْهُورَة بالوباء فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِذا دَخلهَا غَرِيب نهق نهيق الْحمار يسمونه التعشير يُقَال لَهُ إِذا أردْت أَن تسلم من الوعك والوباء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 فانهق نهيق الْحمار فَإِذا فعل سلم فاستوخم الْمُهَاجِرُونَ هَوَاء الْمَدِينَة وَلم يُوَافق أمزجتَهُم فَمَرض كثير مِنْهُم وضعفوا حَتَّى لم يقدروا على الصَّلَاة قيَاما وَفِي سنَن النَّسَائِيّ وسيرة ابْن هِشَام أَن الصّديق لما قدم الْمَدِينَة أَخَذته الْحمى وعامرَ بنَ فهيرةَ وبلالاً قَالَت عَائِشَة فدخلتُ عَلَيْهِم وهم فِي بيتٍ وَاحِد قبل أَن يضْرب علينا الْحجاب فَقلت يَا أَبَت كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ // (من الرجز) // (كُلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ) فَقلت إِنَّا لله إِن أبي ليهذي فَقلت لعامر بن فهَيْرَة كَيفَ تجدك فَقَالَ // (من الرجز) // (لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... وَالْمَرْءُ يَأتي مَوْتُهُ مِنْ فَوْقِهِ) (كُلُّ امْرِىءٍ مُجَاهِدٌ بِطَوْقِهِ ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي أَنْفَهُ بِرَوْقِهِ) قَالَت فَقلت هَذَا وَالله لَا يدْرِي مَا يَقُول ثمَّ قلت لِبلَال كَيفَ أَصبَحت وَكَانَ بِلَال إِذا أقلعت عَنهُ الْحمى يرفع عقيرته وَيَقُول // (من الطَّوِيل) // (أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيِتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخِّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ) (وَهَلْ أَرِدْنَ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَيَبْدُو لِعَيْنِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ) ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ الْعَن عتبَة بن ربيعَة وَأُميَّة بن خلف كَمَا أخرجونا إِلَى أَرض الوباء قَالَت عَائِشَة فَدخلت على رَسُول الله فَأَخْبَرته فَقَالَ اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَدِينَة كحبنا مَكَّة أَو أَشد حبا وصححها وَبَارك لنا فِي صاعها ومدها وانقل حماها إِلَى مهيعة فَأجَاب الله دعاءه فَجعل هواءها صَحِيحا مُوَافقا لأمزجة الغرباء وَنقل وباءها وحماها وعفونة هوائها إِلَى الْجحْفَة وَهِي يَوْمئِذٍ كَانَت دارَ الْيَهُود وَلم يكن بهَا مُسلم يُقَال كَانَت لَا يدخلهَا الطير إِلَّا حم عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي قَالَ رَأَيْت امْرَأَة ثائرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 الرَّأْس خرجت من الْمَدِينَة حَتَّى نزلت مهيعة قَالَ صَاحب الْخَمِيس نقلا عَن الصفوة مَهِيعة ك معيشة كلتاهما بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة اسْم للجحفة قلت الْمَشْهُور أَنَّهَا بِسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء التَّحْتِيَّة بِوَزْن مَسْبعة كَمَا تقدم وَفِي تشويق الساجد إِلَى أشرف الْمَسَاجِد الْجحْفَة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الحاءِ قريةٌ تسمى مهيعة على خمس مراحلَ من مَكَّة وَهِي ميقاتُ أهل مصر وَالْمغْرب وَهِي بِقرب رابغ محاذية لَهُ على يسَار الذَّاهِب إِلَى مَكَّة بَينهَا وَبَين الْبَحْر سِتَّة أَمْيَال وغدير خم على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْجحْفَة يُسرة عَن الطَّرِيق وَهَذَا الغدير تصب فِيهِ عين وَحَوله شجر كثير ملتف وَهِي الغيضة الَّتِي تسمى خم وَبِهَذَا الغدير قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي خطبَته هُنَالك من كنت مَوْلَاهُ فعلى مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ والِ من وَالَاهُ إِلَى آخِره وَذَلِكَ منصَرَفَه من حجَّة الْوَدَاع يَوْم ثامن من ذِي الْحجَّة الْحَرَام وفيهَا وَآخَى بعد مقدمه إِلَى الْمَدِينَة بِخَمْسَة أشهر بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَكَانُوا تسعين كل طَائِفَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ على الْحق والمساعدة والتوارث وَكَانُوا كَذَلِك حَتَّى نزل بعد بدر قَوْله تَعَالَى {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وَكتب كتابا بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار \ وفيهَا وادع الْيَهُود وأقرهم وَاشْترط عَلَيْهِم وَلَهُم ذكر السَّبَب فِي كَون الْيَهُود ب الْمَدِينَة قَالَ السُّهيْلي فِي روضه السَّبَب فِي ذَلِك مَعَ أَن الْمَدِينَة وسط أَرض الْعَرَب وَالْيَهُود أصلهم من أَرض كنعان هُوَ أَن بني إِسْرَائِيل كَانَت تغير عَلَيْهِم العماليق من أَرض الْحجاز وَكَانَت مَنَازِلهمْ يثرب والجحفة إِلَى مَكَّة فشكَت بَنو إِسْرَائِيل ذَلِك إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَسَائِر النبِيينَ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَوجه إِلَيهِمْ جَيْشًا وَأمرهمْ أَن يقتلوهم وَلَا يبقوا مِنْهُم أحدا فَفَعَلُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَتركُوا مِنْهُم ابْن مَالك لَهُم كَانَ غُلَاما حسنا فرقوا لَهُ يُقَال للْملك الأرقم بن أبي الأرقم فِيمَا ذكره الزبير بن بكار ثمَّ رجعُوا إِلَى الشَّام ومُوسَى قد مَاتَ فَقَالَت لَهُم بَنو إِسْرَائِيل قد عصيتم وخالفتم فَلَا نؤويكم فَقَالُوا نرْجِع إِلَى الْبِلَاد الَّتِي غلبنا عَلَيْهَا فنكون بهَا فَرَجَعُوا إِلَى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بهَا إِلَى أَن نزلت عَلَيْهِم الْأَوْس والخزرج ابْنا ثَعْلَبَة بن قيس بعد سيل العَرم وتفرقهم من بِلَاد الْيمن بِهِ ذكر ذَلِك أَبُو الْفرج الْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابه الأغاني وَالَّذِي قَالَه غَيره أَن طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل لحقت بِأَرْض الْحجاز حِين دَوّخ بخت نصر البابلي بلادَهُم وجاس هُوَ وقومُه خلال دِيَارهمْ فَحِينَئِذٍ لحق من لحق مِنْهُم بالججار كالقريظة وَالنضير وَسَكنُوا خَيْبَر وَالْمَدينَة وَأما يثرب فاسم رجل من العماليق أول من نزل بهَا وَقد تقدم ذكر هَذَا فِي الْمَقْصد الأول من هَذَا الْكتاب وفيهَا أُرِي عبدُ الله بن زيد بن عبد ربه الأذانَ وَوَافَقَهُ جَمع فِي رُؤْيَاهُ وَبعد شهر من مقدمه زِيدَ فِي صَلَاة الْحَضَر على قَول من قَالَ أول مَا فرضت رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّ من حَدِيث عَائِشَة وَالْأَكْثَر على أَنَّهَا فرضت تَامَّة ثمَّ خففت بِالْقصرِ فيْ السّفر لقَوْله تَعَالَى {فَلَيسَ عَليكم جنَاح أَن تقصرُوا من الصلواة} الْآيَة فيؤوّل حَدِيث عَائِشَة إِمَّا بِأَن الْمَعْنى أول مَا فرضت رَكْعَتَيْنِ بعدهمَا تشهد وَسَلام أَي وَقبل ذَلِك كَانَت الْأَرْبَع بِلَا تشهد أول وَيكون معنى قَوْلهَا أقرَّت فِي السّفر أَي من غير زِيَادَة رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَقيل فِي التَّأْوِيل أَيْضا غير ذَلِك وفيهَا بعد دُخُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَدِينَة أسلم عبد الله بن سَلام وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 اسْمه الْحصين فَسَماهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عبد الله وَهُوَ من ولد يُوسُف الصّديق بن يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام وفيهَا كَانَ ابْتِدَاء خدمَة أنس للنَّبِي وفيهَا أسلم سلمَان الْفَارِسِي وفيهَا ولد عبد الله بن الزبير جَاءَت أمه أَسمَاء بنت أبي بكر حَامِلا بِهِ بعد الْهِجْرَة فنفِسَتْ بِهِ فِي قبَاء فِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي الأولى وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وَفِي الْمَوَاهِب وتاريخ اليافعي وَأسد الغابة ولد بِالْمَدِينَةِ على رَأس عشْرين شهرا من الْهِجْرَة وَقيل فِي السّنة الأولى وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر الْمُعْتَمد أَنه ولد فِي السّنة الأولى للْحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَمحل بسط أَحْوَال هَذِه الْحَوَادِث كتب السّير الْمُدَوَّنَة لذَلِك المتناولة الْمَشْهُورَة المسالك لَكنا أردنَا التَّبَرُّك بنفح عبيرها والتكفف بيسيرها عَن تيسيرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 (حَوَادِث السنَةِ الثانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ) فِيهَا كَانَت غَزْوَة الْأَبْوَاء خرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صفر وَهِي أول مغازيه كَمَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَهِي من ودان على سِتَّة أَمْيَال أَو ثَمَانِيَة مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة ولتقاربهما أطلق عَلَيْهَا غَزْوَة ودان أَيْضا وودان قَرْيَة من أُمَّهَات الْقرى وَقيل وَاد فِي الطَّرِيق يقطعهُ المصعدون من حجاج الْمَدِينَة روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتخْلف على الْمَدِينَة سعد بن عبَادَة فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام وَخرج فِي صفر فِي سِتِّينَ رجلا من أَصْحَابه يعْتَرض عير قُرَيْش وَبني ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة فَلَمَّا بلغ الْأَبْوَاء تلقى سيد بني ضَمرَة مخشي بن عَمْرو الضمرِي فَصَالحه على مَا سَيذكرُ فَانْصَرف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الْمَدِينَة بعد مَا وادع مخشي بن عَمْرو وَصَالَحَهُ وَكَانَت الموادعةُ والمصالحة على أَن بني ضَمرَة لَا يغزونه وَلَا يكثرون عَلَيْهِ جمعا وَلَا يعينون عدوا وَلم يلق كيداً أَي حَربًا وفيهَا غَزْوَة بواط اسْم جبل لجهينة على أَرْبَعَة برد من الْمَدِينَة فِي ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة يعْتَرض عيرًا لقريش فِيهَا أُميَّة بن خلف فَرجع وَلم يلق كيداً بواط بِفَتْح الْبَاء وَالْوَاو والطاء الْمُهْملَة وَفِي الْخُلَاصَة رضوى ك كسْرَى جبل على يَوْم من يَنْبع وَأَرْبَعَة أَيَّام من الْمَدِينَة ذُو شعاب وأودية وَبِه مياه وأشجار وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَمِنْه تقطع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 حِجَارَة المسان وَهُوَ أول تِهَامة وَهُوَ مِمَّا وَقع ب الْمَدِينَة من الْجَبَل الَّذِي تجلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَصَارَ لهيبته جبلا ورضوى من جبال الْجنَّة وَفِي رِوَايَة من الْجبَال الَّتِي بني مِنْهَا الْبَيْت وَفِي الحَدِيث رضوى رَضِي الله عَنهُ وَقدس قدسه الله وَأحد جبل يحبنا ونحبه وتزعم الكيسانية المنسوبون إِلَى كيسَان وَهُوَ لقب للمختار بن أبي عبيد الثَّقَفِيّ دَاعِيَة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَنه مُقيم ب رضوى حَي يرْزق وينشدون لذَلِك أبياتاً لدعبل فِيهِ سَيَأْتِي ذكرهَا عِنْد ذكره رَضِي الله عَنهُ خرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي هَذِه الْغَزْوَة فِي مِائَتي رجل من قُرَيْش وَكَانَ فِي العير أَلفَانِ وَخَمْسمِائة بعير فسْار فَلم يلق كيداً فرجعْ إِلَى الْمَدِينَة وفيهَا غَزْوَة بدر الأولى فِي ربيع الأول لطلب كرز بن جَابر الفِهري لما أغار على سرح الْمَدِينَة ب شغر بلغ سفوان فَلم يلْحق كرزاً وَتسَمى بَدْرًا الأولى لقرب سفوان الْمَذْكُور من بدر هَكَذَا ذكرهَا الشَّمْس الْبرمَاوِيّ قبل غَزْوَة الْعَشِيرَة وَذكرهَا صَاحب الْمَوَاهِب وَالْخَمِيس مؤخرة عَن عزوة الْعَشِيرَة مؤرخة بعْدهَا بِعشْرَة أَيَّام قَالَ ابْن هِشَام وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة زيد بن حَارِثَة وَحمل اللِّوَاء عَليّ بن أبي طَالب وفيهَا غَزْوَة الْعَشِيرَة بالشين الْمُعْجَمَة والتصغير آخرهَا هَاء لم يخْتَلف أهل الْمَغَازِي فِي ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَفِي البُخَارِيّ العشير والعسيرة بِالتَّصْغِيرِ وَالْأولَى بِالْمُعْجَمَةِ بِلَا هَاء وَالثَّانيَِة بِالْمُهْمَلَةِ وبالهاء وَأما غَزْوَة الْعسرَة بِالْمُهْمَلَةِ من غير تَصْغِير فَهِيَ غَزْوَة تَبُوك وَسَتَأْتِي ونسبت هَذِه الْغَزْوَة إِلَى الْمَكَان الَّذِي وصلوا إِلَيْهِ وَهُوَ مَوضِع لبني مُدْلِج ب يَنْبع قلت أفادني بعض مشايخي من أهل مصر أَن محلهَا هُوَ محطة الْحَاج الْمصْرِيّ الْآن ب يَنْبع جائيا وذاهبا خرج إِلَيْهَا فِي جُمَادَى الأولى وَقيل الْأُخْرَى فِي مائَة وَخمسين رجلا وَقيل فِي مِائَتَيْنِ وَمَعَهُمْ ثَلَاثُونَ بَعِيرًا يتعقبونها وَحمل اللِّوَاء حَمْزَة بن عبد الْمطلب خرج يُرِيد قُريْشًا حالَ صدورها من مَكَّة إِلَى الشَّام بِالتِّجَارَة فَخرج إِلَيْهَا ليغنمها فَوَجَدَهَا قد مَضَت ووادع بني مُدْلِج من كنَانَة وَكَانَت نُسْخَة الْمُوَادَعَة فِيمَا ذكره غير ابْن إِسْحَاق بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لبني مُدْلِج فَإِنَّهُم آمنون على أَمْوَالهم وأنفسهم وَأَن لَهُم النَّصْر على من رامهم على أَلا يحاربوا فِي دين الله مَا بل بَحر صوفة وَأَن النَّبِي إِذا دعاهم لنصره أجابوه عَلَيْهِم بذلك ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا سَلمَة بن عبد الأس المَخْزُومِي وَقَالَ ابْن إِسْحَاق يَعْنِي على مُقْتَضى رِوَايَة من قدم غَزْوَة الْعَشِيرَة على بدر الأولى لما رَجَعَ من غَزْوَة الْعَشِيرَة لم يقم ب الْمَدِينَة إِلَّا ليَالِي قَلَائِل لَا تبلغ الْعشْر وبَلغهَا صَاحب الْمَوَاهِب فَقَالَ عشر لَيَال حَتَّى أغار كرز بن جَابر الفِهري على سرح الْمَدِينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وشغر ك زفر جبل بِأَصْل جماء أم خَالِد وسفوان بِفَتَحَات وادٍ من نَاحيَة بدر وَبِه سميت هَذِه الْغَزْوَة بَدْرًا الأولى وفيهَا فِي كل رَجَب كَمَا فِي الْمَوَاهِب وَالْخَمِيس كَانَت سَرِيَّة عبد الله بن جحش بن رِئَاب الْأَسدي إِلَى بطن نَخْلَة على لَيْلَة من مَكَّة ونخلة بِلَفْظ مُفْردَة النّخل مَوضِع على يَوْم وَلَيْلَة من مَكَّة وَهِي الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا بطن نَخْلَة الْوَارِد فِيهَا حَدِيث اسْتِمَاع جن نَصِيبين لقرَاءَته فِي صَلَاة الصُّبْح بهَا سورةَ الْجِنّ الْمَعْنيين بقوله تَعَالَى ( {وَإِذ صَرَفنآ إِلَيْك نَفَراً مِنَ الْجِنّ} سَبْعَة أَو ثَمَانِيَة شاصر وماص ومنشي وناشي والأحقب وَعمر بن جَابر وزوبعة وسرق وَالأَصَح أَنهم سَبْعَة وَأَن الأحقب صفة لأَحَدهم وهما نخلتان شامية ويمانية فالشامية تنصب من الغمير واليمانية من بطن قرن الْمنَازل وَهُوَ طَرِيق الْيمن إِلَى مَكَّة فَإِذا اجْتمعَا فَكَانَا وَاحِدًا فَهُوَ السد ثمَّ يضمهما بطن مَر بَعثه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ثَمَانِيَة من الْمُهَاجِرين لَيْسَ فيهم من الْأَنْصَار أحد وَقيل اثْنَا عشر رجلا سعد بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ وعكاشة بن مُحصن الْأَسدي وَعتبَة بن غَزوَان بن جَابر السّلمِيّ وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة العبشمي وَسُهيْل بن بَيْضَاء الْحَارِثِيّ وعامر بن ربيعَة الوائلي الْعَنزي وواقد بن عبد الله بن عبد منَاف التَّمِيمِي وخَالِد بن البكير اللَّيْثِيّ كل اثْنَيْنِ مِنْهُم يعتقبان بَعِيرًا وَكتب لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتابا وَأمره أَلا ينظر فِيهِ حَتَّى يسير يَوْمَيْنِ ثمَّ ينظر فِيهِ فيمضي لما أمره بِهِ وَلَا يستكره أحدا من أَصْحَابه على الْمسير مَعَه فَلَمَّا سَار عبد الله يَوْمَيْنِ فتح الْكتاب فَإِذا فِيهِ إِذا نظرت فِي كتابي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة بَين مَكَّة والطائف فترصد بهَا قُريْشًا وَتعلم لنا من أخبارهم وَفِي رِوَايَة فَإِذا فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما بعد فسر على بركَة اله بِمن تبعك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 من أَصْحَابك حَتَّى تنزل بطن نَخْلَة فترصد بهَا عير قُرَيْش لَعَلَّك أَن تَأتي لنا بِخَبَر فَلَمَّا نظر فِي الْكتاب قَالَ سمعا وَطَاعَة ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه قد أَمرنِي رَسُول الله أَن أمضي إِلَى نَخْلَة لنرصد بهَا قُريْشًا حَتَّى آتِي إِلَيْهِ بِخَبَر وَقد نهاني أَن أستكره أحدا مِنْكُم فَمن كَانَ مِنْكُم يُرِيد الشَّهَادَة ويرغب فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمن كره ذَلِك فَليرْجع وَأما أَنا فماض لأمر رَسُول الله فَمضى وَمضى مَعَه أَصْحَابه لم يتَخَلَّف مِنْهُم أحد وسلك على الْمجَاز حَتَّى إِذا كَانَ فَوق الْفَرْع بِمحل يُقَال لَهُ بحران أضلّ سعد بن أبي وَقاص وَعتبَة بن غَزوَان بَعِيرًا فتخلفا فِي طلبه وحبسهما ابتغاؤه وَمضى عبد الله بن جحش فِي بَقِيَّة أَصْحَابه وَفِي الْوَفَاء مضى الْعشْرَة حَتَّى نزلُوا نَخْلَة فمرت بهم عير قُرَيْش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة لقريش فَمنهمْ عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ وَاسم الْحَضْرَمِيّ عبد الله وَالْحكم بن كيسَان وَعُثْمَان بن عبد الله بن الْمُغيرَة وَأَخُوهُ نَوْفَل بن عبد الله المخزوميان فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَوْم هابوهم وَقد نزلُوا قَرِيبا مِنْهُم فَقَالَ عبد الله إِن الْقَوْم قد رعبوا مِنْكُم فاحلقوا رَأس رجل مِنْكُم فليعترض لَهُم فحلقوا رَأس عكاشة فَأَشْرَف عَلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْهُ أمنُوا وَقَالُوا قوم عمار لَا بَأْس عَلَيْكُم مِنْهُم وتشاور الْقَوْم فيهم وَذَلِكَ آخر يَوْم من رَجَب فَقَالُوا لَئِن تركْتُم الْقَوْم هَذِه اللَّيْلَة ليدخلن الْحرم وليمتنعن عَلَيْكُم بِهِ وَلَئِن قَتَلْتُمُوهُمْ لنقتلنهم فِي الشَّهْر الْحَرَام وَفِي الْكَشَّاف كَانَ ذَلِك الْيَوْم أول يَوْم من رَجَب وهم يَظُنُّونَهُ من جُمَادَى الْأُخْرَى فتردد الْقَوْم وهابوا الْإِقْدَام عَلَيْهِم ثمَّ شجعوا أنفسهم عَلَيْهِم وَأَجْمعُوا على قتل من قدرُوا عَلَيْهِ مِنْهُم وَأخذ مَا مَعَهم فَرمى وَاقد بن عبد الله اللَّيْثِيّ عَمْرو ابنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْم فَقتله واستأسروا عُثْمَان بن عبد الله وَالْحكم بن كيسَان وأعجزهم الْبَاقُونَ هرباً وَأَقْبل عبد الله بن جحش بالعير والأسيرين وَقد عزل عبد الله بن جحش لرَسُول الله خُمُس تِلْكَ الْغَنِيمَة وَقسم بَاقِيهَا بَين أَصْحَابه وَذَلِكَ قبل أَن يفْرض الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 الْخمس من الْغَنَائِم لرَسُول الله فَلَمَّا أحل الله الْفَيْء بعد ذَلِك فَأمر بقسمه وَفرض الْخمس فِيهِ ورقع على مَا كَانَ صنعه عبد الله بن جحش فِي تِلْكَ العير فَلَمَّا قدمُوا على رَسُول الله قَالَ مَا أَمرتكُم بِقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام فوقفَ العيرَ والأسيرين وأبى أَن يَأْخُذ من ذَلِك شَيْئا فَلَمَّا قَالَ ذَلِك رَسُول الله سُقِطَ فِي أَيدي الْقَوْم وظنوا أَنهم قد هَلَكُوا وَعَنَّفَهُمْ إِخْوَتهم من الْمُسلمين فِيمَا صَنَعُوا وَقَالَت قُرَيْش قد اسْتحلَّ مُحَمَّد وَأَصْحَابه الشَّهْر الْحَرَام وسفكوا فِيهِ الدِّمَاء وَأخذُوا الْأَمْوَال وأسروا الرِّجَال وعَير بذلك أهلُ مَكَّة مَن فِيهَا من الْمُسلمين وَقَالُوا يَا معشر الصبَأة قد استحللتم الشَّهْر الْحَرَام وقاتلتم فِيهِ وَكَتَبُوا فِي ذَلِك تشنيعاً وتعييراً قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ من يرد عَلَيْهِم من الْمُسلمين مِمَّن كَانَ ب مَكَّة إِنَّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شعْبَان قلت قَول ابْن إِسْحَاق هَذَا يرد قَول الْكَشَّاف السَّابِق قَرِيبا أَن ذَلِك الْيَوْم أول يَوْم من رَجَب وَيَردهُ أَيْضا قَول أَصْحَاب عبد الله بن جحش لَئِن تركْتُم الْقَوْم إِلَى آخِره إِذْ تمحيض تَعْلِيلهم عدمَ تَركهم إِلَى غَد بتخوفِ امتناعهم بِدُخُول الْحرم قاضٍ بِمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق حملا لكَلَام فرسَان الْكَلَام على التَّقْسِيم الصّرْف الْغَيْر المتداخل وَلَا يَسْتَقِيم إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك الْيَوْم آخر يَوْم من رَجَب لَا أول يَوْم من شعْبَان وَإِن جَازَ خِلَافه وَالله أعلم وَقَالَت الْيَهُود نتفاءل على رَسُول الله عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ قَتله وَاقد عَمْرو عمرت الْحَرْب والحضرمي حضرت الْحَرْب وواقد وقدت الْحَرْب فَجعل الله ذَلِك عَلَيْهِم لَا لَهُم فَلَمَّا كثر النَّاس فِي ذَلِك أنزل الله تَعَالَى على رَسُوله {يسئلونك عَنِ الشهرِ الحَرَام قِتَالِ فِيه قُل قِتَال فِيهِ كبَير وصَد عَن سبِيلِ اَللهَ وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام وإخراح أهلِه مِنهُ أكبَرُ عِندَ اَللهِ والفِتنَةُ أكبَرُ من الْقَتْل} أَي إِن أنكرتموه فِي الشَّهْر الْحَرَام فقد كَانَ صدودُكم عَن سَبِيل الله مَعَ الْكفْر بِهِ وَعَن الْمَسْجِد الْحَرَام وإخراجُكم أهلَه أكبرَ عِنْد الله من قَتل من قُتِل مِنْكُم والفتنة أكبر من الْقَتْل وَكَانُوا يفتنون الْمُسلم عَن دينه حَتَّى يردوه إِلَى الْكفْر بعد إيمَانه فَذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 أكبر عِنْد الله من الْقَتْل فَلَمَّا نزل الْقُرْآن بِهَذَا الْأَمر وَفرج الله عَن الْمُسلمين مَا هم فِيهِ من المشاق قبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام العير والأسيرين وَبعثت إِلَيْهِ قُرَيْش فِي فك عُثْمَان بن عبد الله وَالْحكم بن كيسَان فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا نفديكموهما حَتَّى يقدم صاحبانا سعد بن أبي وَقاص وَعتبَة بن غَزوَان فَإنَّا نخشاكم عَلَيْهِمَا فَإِن تقتلوهما نقْتل صاحبيكم فَقدم سعد وَعتبَة فأفداهما رَسُول الله مِنْهُم فَأَما الحكم بن كيسَان فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَأقَام عِنْده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة شَهِيدا وَأما ابْن عبد الله فلحق بِمَكَّة فَمَاتَ كَافِرًا فَلَمَّا تجلى عَن عبد الله بن جحش وَأَصْحَابه مَا كَانُوا فِيهِ حِين نزل الْقُرْآن طمعوا فِي الْأجر فَقَالُوا يَا رَسُول الله أنطمع أَن تكون لنا غَزْوَة نعطى فِيهَا أجرَ الْمُجَاهدين فَأنْزل الله {إِن الَّذين ءامنوا وَالذِينَ هَاجروا وَجاَهَدُوا فِي سبِيلِ اللهِ أولئكَ يرجون رحمت الله وَالله غَفُور رَحِيم} فوضعهم الله من ذَلِك على أعظم الرَّجَاء قَالَ ابْن هِشَام وَهِي أول غنيمَة غنمها الْمُسلمُونَ قَالَ وَقَالَ عبد الله بن جحش فِي ذَلِك // (من الطَّوِيل) // (تعّدُّون قَتْلِي فِي الحَرامِ عَظيمَةً ... وَأَعظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرُّشْدَ رَاشِدُ) (صُدُودُكُمُ عَمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ ... وَكُفْرٌ بِهِ وَاللهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ) (وَإِخْرَاجِكُمْ مِنْ مَسْجِدِ الله أَهْلَهُ ... لِئَلاَّ يُرَى لله فِي البَيْتِ سَاجِدُ) (فَإنَّا وَإِنْ عَيَّرْتُمُونا بِقَتْلِهِ ... وَأَرْجَفَ بِالإسْلاَمِ بَاغٍ وَحَاسِدُ) (سَقَيْنا مِن ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ رِمَاحَنَا ... بِنَخْلَةَ لَمَّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ) (وَسَارَ ابْنُ عَبْدِ الله عُثْمانُ بَيْنَنَا ... يُنَازِعُهُ غُلٌّ منَ القِدِّ عَانِدُ) فِيهَا فِي نصف شعْبَان وَقيل فِي نصف رَجَب يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقيل فِي جُمَادَى الْآخِرَة يَوْم الثُّلَاثَاء بعد سِتَّة عشر شهرا من مقدمه الْمَدِينَة وَقيل سَبْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 عشر وَقيل ثَمَانِيَة عشر حولت الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَقَالَ الْحَرْبِيّ قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَدِينَة فِي ربيع الأول فصلى إِلَى بَيت الْمُقَدّس إِلَى تَمام السّنة وَصلى فِي سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة سِتَّة أشهر ثمَّ حولت الْقبْلَة رُوِيَ أَنه زار أم بشر أم الْبَراء بن معْرور فِي بني سَلمَة فصنعت لَهُ طَعَاما فتغدى هُوَ وَأَصْحَابه وَجَاءَت صلاةُ الظّهْر فصلى بِأَصْحَابِهِ فِي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ من الظّهْر نَحْو الشَّام ثمَّ أُمِرَ أَن يسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ رَاكِع فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَاسْتَدَارَ إِلَى الْكَعْبَة واستقبل الْمِيزَاب ودارت الصُّفُوف خَلفه ثمَّ أتم الصَّلَاة فَسُمي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ قَالَ ابْن سعد قَالَ الْوَاقِدِيّ هَذَا أثبت من قَول من قَالَ إِنَّهَا فِي مَسْجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقيل إِن الصَّلَاة كَانَت صَلَاة الْعَصْر يشْهد لَهُ حَدِيث الْبَراء فِي البُخَارِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَأما أهل قبَاء فَلم يبلغهم الْخَبَر إِلَى صَلَاة الْفجْر من الْيَوْم الثَّانِي كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا دَلِيل على أَن النَّاسِخ لَا يلْزم حكمه إِلَّا بعد الْعلم بِهِ وَإِن تقدم نُزُوله لأَنهم لم يؤمروا بِإِعَادَة الْعَصْر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالله أعلم وفيهَا كَانَ فرض صِيَام رَمَضَان بعد تَحْويل الْقبْلَة بِشَهْر فِي شعْبَان على رِوَايَة من روى أَن تَحْويل الْقبْلَة كَانَ فِي رَجَب وفيهَا فرضت زَكَاة الْفطر قبل الْعِيد بيومين وَذَلِكَ قبل أَن تفرض زَكَاة الْأَمْوَال وَقيل إِن الزَّكَاة فرضت فِيهَا وَقيل قبل الْهِجْرَة وَالله أعلم وفيهَا غَزْوَة بدر الْكُبْرَى وَتسَمى الْعُظْمَى وَالثَّانيَِة وَبدر الْقِتَال وَهِي قَرْيَة مَشْهُورَة نسبت إِلَى بدر بن مخلد بن النَّضر بن كنَانَة أول من نزلها وَقيل نسبت لبدر بن الْحَارِث حافر بِئْرهَا وَقيل بدر اسْم للبئر الَّتِي بهَا سيمت بَدْرًا لاستدارتها ولصفائها ورؤية الْبَدْر فِيهَا قَالَ ابْن كثير وَهُوَ يَوْم الْفرْقَان الَّذِي أعز الله فِيهِ الْإِسْلَام وَأَهله وَوضع فِيهِ الشّرك وَخرب مَحَله هَذَا مَعَ قلَّة عدد الْمُسلمين وَكَثْرَة الْعَدو مَعَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ من سوابغ الْحَدِيد وَالْعدة الْكَامِلَة والخيول المسومة والخُيَلاء الزَّائِد فأعز الله رسولَه وَأظْهر وحيه وتنزيلَه وبيض وَجه النَّبِي وقبيلَه وأخزى الشَّيْطَان وجيلَه وَلِهَذَا قَالَ ممتنا على عباده الْمُتَّقِينَ ( {وَلَقَد نصًرَكمٌ اَللهُ ببدرِ وَأَنتم أَذِلة} أَي قَلِيل عددكم لِتَعْلَمُوا أَن النَّصْر من عِنْد الله لَا بكثر العَددِ والعدَدِ فقد كَانَت هَذِه الْغَزْوَة أعظَم الْغَزَوَات فِي الْإِسْلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَحكى الْوَاقِدِيّ بعد أَن ذكر الْأَقْوَال فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا بَدْرًا إِنْكَار ذَلِك كُله عَن غير وَاحِد من شُيُوخ بني غفار قَالُوا إِنَّمَا هِيَ مأوانا ومنازلنا وَمَا ملكهَا أحد قطّ يُقَال لَهُ بدر وَإِنَّمَا هِيَ عَلم عَلَيْهَا كَغَيْرِهَا من الْبِلَاد وَهِي على ثَمَانِيَة وَعشْرين فرسخاً من الْمَدِينَة قَالَ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة إِن رَسُول الله لما سمع بِأبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب مُقبلا من الشَّام فِي عير لقريش عَظِيمَة فِيهَا أَمْوَال لَهُم وتجارة من تجاراتهم وفيهَا ثَلَاثُونَ رجلا من قُرَيْش أَو أَرْبَعُونَ مِنْهُم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب ومخرمة بن نَوْفَل بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ بن وَائِل وَهِي العير الَّتِي كَانَ خرج إِلَيْهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فوصل إِلَى الْعَشِيرَة حَال إقبالها من مَكَّة فَلم يُدْرِكهَا فَرجع إِلَى الْمَدِينَة فَأخْبرهُ جِبْرِيل بقفول العير من الشَّام فَأخْبر النَّبِي أَصْحَابه الْمُسلمين فَقَالَ هَذِه عير قُرَيْش قد أَقبلت فِيهَا أَمْوَالهم فاخرجوا إِلَيْهَا لَعَلَّ الله أَن ينفلكموها فَانْتدبَ الْمُسلمُونَ فخف بَعضهم وَثقل بَعضهم وَذَلِكَ أَنهم لم يَظُنُّوا أَن رَسُول الله يلقى حَربًا وَكَانَت العير زهاء ألف وفى أحمالها من التَّمْر وَالشعِير وَالْبر وَالزَّبِيب وَغير ذَلِك وَكَانَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب حِين دنا من الْحجاز يتجسس الْأَخْبَار وَيسْأل من لَقِي من الركْبَان تخوفاً عَن أَمر النَّاس حَتَّى أصَاب خَبرا من بعض الركْبَان أَن مُحَمَّدًا قد اسْتنْفرَ أَصْحَابه لَك ولعيرك فحذر عِنْد ذَلِك واستأجر ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فَبَعثه إِلَى مَكَّة وَأمره أَن يَأْتِي قُريْشًا فيستنفرهم إِلَى أَمْوَالهم ويخبرهم أَن مُحَمَّدًا قد عرض لَهَا فِي أَصْحَابه فَخرج ضَمْضَم فَقبل وُصُول ضَمْضَم إِلَى مَكَّة بثلاثٍ رَأَتْ عاتكةُ بنت عبد الْمطلب رُؤْيا أفزعتها وَهِي الرُّؤْيَا الَّتِي تقدم ذِكرُنَاهَا فِي ذكر أَعْمَامه وعماته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا أغْنى عَن إِعَادَتهَا هُنَا وَكَانَ خُرُوج النَّبِي وَالْمُسْلِمين من الْمَدِينَة لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة مَضَت من رَمَضَان كَذَا فِي الْمَوَاهِب وَقَالَ ابْن هِشَام لثمان لَيَال وَكَانَ الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة صَبِيحَة السَّابِع عشر من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 رَمَضَان وَقيل التَّاسِع عشر مِنْهُ وَالْأول أصح وَلما وصل ضَمْضَم إِلَى مَكَّة وَفعل مَا فعل وحثهم على الْخُرُوج فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش اللطيمة اللطيمة أَمْوَالكُم مَعَ أبي سُفْيَان قد عرض لَهَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه لَا أرى أَن تدركوها الغوثَ الغوثَ طلع أَبُو جهل على ظهر الْكَعْبَة فَنَادَى النجاءَ النَّجَاء على كل صَعب وَذَلُول عِيركُمْ وَأَمْوَالكُمْ إِن أَصَابَهَا مُحَمَّد لن تُفْلِحُوا إِذن أبدا فتجهز النَّاس سرَاعًا وَقَالُوا أيظن مُحَمَّد وَأَصْحَابه أَن تكون كعير ابْن الْحَضْرَمِيّ كلا وَالله ليعلمن غير ذَلِك وَقَوْلهمْ كعير ابْن الْحَضْرَمِيّ يشيرون بذلك إِلَى العير الَّتِي غنمها عبد الله بن جحش فِي سيرته إِلَى بطن نَخْلَة الْمُتَقَدّم ذكرهَا فِي حوادث السّنة الأولى قبل هَذِه السّنة فَكَانُوا بَين رجلَيْنِ إِمَّا خَارج أَو باعث مَكَانَهُ وأوعبت قُرَيْش وَلم يتَخَلَّف من أَشْرَافهَا أحد إِلَّا أَن أَبَا لَهب بن عبد الْمطلب تخلف وَبعث مَكَانَهُ العَاصِي بن هِشَام بن الْمُغيرَة كَانَت لَهُ عَلَيْهِ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم أفلس بهَا فاستأجره بهَا على أَن يَجْزِي عَنهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي نجيح أَن أُميَّة بن خلف كَانَ قد أجمع الْقعُود وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا جسيماً فَأَتَاهُ عقبَة بن أبي معيط وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد بَين ظهراني قومه بمجمرة يحملهَا فِيهَا نَار حَتَّى وَضعهَا تَحت ثَوْبه ثمَّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا صَفْوَان استجمر فَإِنَّمَا أَنْت من النِّسَاء فَقَالَ قبحك الله وقبح مَا جِئْت بِهِ ثمَّ تجهز وَخرج مَعَ النَّاس وَلما فرغوا من جهازهم وَأَجْمعُوا على الْمسير ذكرُوا مَا بَينهم وَبَين بني بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة من الْحَرْب والعداوة وَقَالُوا نخشى أَن يَأْتُونَا من خلفنا وَكَاد ذَلِك أَن يثبطهم ويثنيهم فتمثل لَهُم إِبْلِيس فِي صُورَة سراقَة بن مَالك بن جعْشم وَكَانَ من أَشْرَاف كنَانَة وَقَالَ لَهُم أَنا جَار لكم من أَن تَأْتيكُمْ كنَانَة من خلفكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 بِشَيْء تكرهونه فَسَارُوا وَفِي الاكتفا لأبى بكر الكلَاعِي أَنهم كَانُوا يرونه فِي كل منزل على صُورَة سراقَة لَا ينكرونه حَتَّى كَانَ يَوْم بدر والتقى الْجَمْعَانِ وَكَانَ فِي صف الْمُشْركين آخِذا بيد الْحَارِث بن هِشَام أَو بيد أَخِيه أبي جهل بن هِشَام وَرَأى الْمَلَائِكَة نزلت من السَّمَاء وَرَأى جِبْرِيل معتجرا بِبرد يمشى بَين يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبِيَدِهِ اللجام يَقُود الْفرس وَمَا ركب بعد وَعلم أَن لَا طاقةَ لَهُ بهم نكص على عَقِبَيْهِ موليا هَارِبا فَقَالَ لَهُ الْحَارِث إِلَى أَيْن أفِرَاراً من غير قتال أتخذلنا فِي هَذِه الْحَالة فَقَالَ إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ وَدفع فِي صدر الْحَارِث فَانْطَلق فَانْهَزَمَ النَّاس وَلما قدمُوا مَكَّة قَالُوا هزمَ الناسَ سراقةُ فَبلغ ذَلِك سراقَة فَقَالَ بَلغنِي أَنكُمْ تَقولُونَ إِنِّي هزمت النَّاس فوَاللَّه مَا شَعرت بمسيركم حَتَّى بلغتني هزيمتكم فَقَالُوا أما أَتَيْتنَا يَوْم كَذَا وكذ فَحلف لَهُم فَلَمَّا أَسْلمُوا علمُوا أَن ذَلِك كَانَ الشَّيْطَان وروى عَن السّديّ والكلبي أَنَّهُمَا قَالَا كَانَ الْمُشْركُونَ حِين خَرجُوا من مَكَّة أخذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَقَالُوا اللَّهُمَّ انصر أهْدى الفئتين وَأَعْلَى الجندين وَأكْرم الحزبين وَأفضل الدينَيْنِ فَفِيهِ نزلت {إِن تَستَفتحوا فَقَد جَاءكمُ اَلفتح} وَكَانَ عدَّة الْمُسلمين ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر وَفِي البُخَارِيّ والكشاف ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا وَفِي الحَدِيث قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأَصْحَابه يَوْم بدر أَنْتُم الْيَوْم كعدد الْمُرْسلين وَأَصْحَاب طالوت يَوْم عبروا النَّهر سَبْعَة وَسَبْعُونَ مِنْهُم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الْمُهَاجِرين ومائتان وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ من الْأَنْصَار مَعَهم ثَلَاثَة أَفْرَاس فرس الْمِقْدَاد ابْن الْأسود وَالْأسود تبناه وَاسم أَبِيه الْحَقِيقِيّ عَمْرو وَفرس الزبير بن الْعَوام واسْمه اليعبوب وَفرس مَرثد بن أبي مرْثَد الغنوي وَكَانَ مَعَهم من الدروع تِسْعَة وَفِي رِوَايَة سِتَّة وَمن السيوف ثَمَانِيَة أسياف وَمن الظّهْر سَبْعُونَ بَعِيرًا وَثَمَانِية من الْمُسلمين لم يشْهدُوا لعذر إِنَّمَا ضرب لَهُم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بأجرهم وسهمهم فَكَانُوا كمن حضرها ثَلَاثَة من الْمُهَاجِرين عُثْمَان بن عَفَّان تخلف لتمريض رقية زَوجته رَضِي الله عَنهُ بنته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مَرضهَا الَّذِي مَاتَت فِيهِ فِي غيبته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي هَذِه الْغَزْوَة وَالثَّانِي وَالثَّالِث طَلْحَة بن عبيد الله وَسَعِيد بن زيد بعثهما عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عينين يتجسسان خبر العير فسارا حَتَّى بلغا الخرار فَكَمَنَا هُنَاكَ فمرت بهما العير فَبَلغهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْخَبَر فَخرج من الْمَدِينَة ورجعا إِلَى الْمَدِينَة وَلم يعلمَا بِخُرُوجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فقدماها بِخَبَر الْغَيْر فَلم يجداه وَفِي رِوَايَة كَانَ قدومهما الْمَدِينَة فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَت فِيهِ الْوَقْعَة فَرَجَعَا إِلَيْهِ فلقياه منصرفاًَ من بدر فَضرب لَهما بسهمهما وأجرهما فَكَانَا كمن حضر وَخَمْسَة من الْأَنْصَار أَبُو لبَابَة رده من الطَّرِيق إِلَى الْمَدِينَة بخلافة الْمَدِينَة وَعَاصِم بن عدي الْعجْلَاني اسْتَعْملهُ على أهل العوالي وحارثة بن حَاطِب بَعثه من الروحاء إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف وَالرَّابِع وَالْخَامِس الْحَارِث بن الصمَّة وخوات بن جُبَير سقطا من الْبَعِير فَأَصَابَهُمَا بعض كسر فردهما من الطَّرِيق وَأما عدد الْمُشْركين فَكَانُوا ألفا وَقيل تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ رجلا مَعَهم من الْخَيل مائَة وَمن الظّهْر سَبْعمِائة وَمَعَهُمْ القيان والدفوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وَلما نظر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى أَصْحَابه وَرَأى قلَّة عَددهم وعُددهم قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهُم حُفَاة فاحملهم اللَّهُمَّ إِنَّهُم عُرَاة فاكسُهم اللَّهُمَّ إِنَّهُم جِيَاع فأشبعهم اللَّهُمَّ إِنَّهُم عَالَة فأغنهم فاستجيبت دَعوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَفتح الله عَلَيْهِ فَمَا مِنْهُم رجل إِلَّا رَجَعَ بِخَير وجمل أَو جملين واكتسوا وشبعوا وَدفع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اللِّوَاء وَكَانَ أَبيض إِلَى مُصعب بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار وَكَانَ أَمَامه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رايتان سوداوان إِحْدَاهمَا مَعَ عَليّ بن أبي طَالب يُقَال لَهَا الْعقَاب وَالْأُخْرَى مَعَ بعض الْأَنْصَار وَكَانُوا يعتقبون السّبْعين الْبَعِير فَكَانَ رَسُول الله وَعلي بن أبي طَالب ومرثد بن أبي مرْثَد الغنوي يعتقبون بَعِيرًا وَفِي الْكَشَّاف يعتقب النَّفر مِنْهُم الْبَعِير الْوَاحِد وَفِي الحَدِيث إِذا كَانَ عقبَة النَّبِي يَقُولَانِ لَهُ اركب يَا رَسُول الله حَتَّى نمشي عَنْك فَيَقُول لَهما مَا أَنْتُمَا بأقوى على الْمسير مني وَمَا أَنا بأغنى عَن الْأجر مِنْكُمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق فسلك طريقَهُ من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة على نقب الْمَدِينَة ثمَّ على العقيق ثمَّ على ذِي الحليفة ثمَّ على أولات الْجَيْش قَالَ ابْن هِشَام ذَات الْجَيْش ثمَّ مر على تريان ثمَّ على ملل ثمَّ على عُمَيْس الْحمام ثمَّ على صخيرات اليمام ثمَّ على السيالة ثمَّ على فج الروحاء ثمَّ على شَوْكَة وَهِي على الطَّرِيق المعتدلة حَتَّى إِذا كَانَ ب عرق الطبية لقوا رجلا من الْأَعْرَاب فَسَأَلُوهُ عَن النَّاس فَلم يَجدوا عِنْده خَبرا فَقَالَ لَهُ النَّاس سلم على رَسُول الله فَقَالَ أوَ فِيكُم رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فَقَالُوا نعم فَسلم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن كنتَ رسولَ الله فَأَخْبرنِي عَمَّا فِي بطن نَاقَتي هَذِه فَقَالَ لَهُ سَلمَة بن سَلامَة بن وقش الْأنْصَارِيّ لَا تسْأَل رَسُول الله وَأَقْبل إِلَيّ أَنا أخْبرك عَن ذَلِك نزوتَ عَلَيْهَا فَفِي بَطنهَا سخلة فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أفحشت على الرجل ثمَّ أعرض عَن سَلمَة ثمَّ نزل سَجْسَج وَهِي بِئْر الروحاء وَأخذ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ب الروحاء عينا لَهُ من جُهَيْنَة حليفاً للْأَنْصَار يدعى ابْن الْأُرَيْقِط فَأَتَاهُ بِخَبَر الْقَوْم وسبقت العير رَسُول الله ثمَّ ارتحل من الروحاء حَتَّى إِذا كَانَ ب المنصرف ترك طَرِيق مَكَّة بيسار وسلك ذَات الْيَمين على النازية يُرِيد بَدْرًا فسلك فِي نَاحيَة مِنْهَا حَتَّى جزع وَاديا يُقَال لَهُ صفان بَين النازية وَبَين مضيق الصَّفْرَاء ثمَّ على الْمضيق ثمَّ انصب بِهِ حَتَّى إِذا كَانَ قَرِيبا من الصَّفْرَاء بعث بسبس بن عَمْرو الْجُهَنِيّ حليفَ بني سَاعِدَة وعدي بن أبي الزغباء الْجُهَنِيّ إِلَى بدر يتجسسان لَهُ الْأَخْبَار عَن أبي سُفْيَان وعيره فَمضى العينان حَتَّى نزلا بَدْرًا فأناخا إِلَى تل قريب من المَاء ثمَّ أخذا شناً لَهما فاستقيا فِيهِ ومجدي بن عَمْرو الْجُهَنِيّ على المَاء فسمعا جاريتين من جواري الْحَاضِرَة يتلازمان على المَاء والملزومة تَقول للازمة إِنَّمَا ترد العير غَدا أَو بعد غَد فأعمل لَهُم ثمَّ أقضيك الَّذِي لَك فَقَالَ مجدي بن عَمْرو صدقت ثمَّ خلص بَينهمَا فَلَمَّا سمع عدي وبسبس ذَلِك جلسا على بعير لَهما ثمَّ انْطَلقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُول الله فَأَخْبَرَاهُ ثمَّ تقدم أَبُو سُفْيَان العير حذرا حَتَّى ورد المَاء فَقَالَ لمجدي بن عَمْرو هَل أحسست أحدا قَالَ مَا رَأَيْت أحدا إِلَّا أَن راكبين قد أناخا إِلَى هَذَا التل ثمَّ استقيا فِي شن لَهما ثمَّ انْطَلقَا فَأتى أَبُو سُفْيَان مناخَهُمَا فَأخذ من أبعار بعيرهما ففتته فَإِذا فِيهِ كسرات النَّوَى فَقَالَ هَذِه وَالله علائفُ يثرب فَرجع إِلَى أَصْحَابه سَرِيعا فصرف وَجه عيره عَن الطَّرِيق فساحل بهَا وَترك بَدْرًا بيسار وَانْطَلق حَتَّى أسْرع قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ ارتحل رَسُول الله وَقد قدم العينان فَلَمَّا اسْتقْبل الصَّفْرَاء وَهِي قَرْيَة بَين جبلين سَأَلَ عَن اسْم جبليهما فَقَالُوا اسْم أَحدهمَا مسلح وَالْآخر مخرى وَسَأَلَ عَن أَهلهَا فَقيل لَهُ يسمون بني النَّار وَبني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 حراق بطْنَان من غفار فكرههما والمرورَ بَينهمَا فَتَركهُمَا والصفراء بيسار وسلك ذَات الْيَمين على وادِ يُقَال لَهُ ذَفِرَان وَفِي خُلَاصَة الوفا ذَفِرَان وَاد مَعْرُوف قبل الصَّفْرَاء بِيَسِير يصب سيله فِيهَا من الْمغرب يسلكه الْحَاج الْمصْرِيّ فِي رُجُوعه إِلَى يَنْبع فَيَأْخُذ ذَات الْيَمين كَمَا فعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ذَهَابه إِلَى غَزْوَة بدر وَبِه مَسْجِد يتبرك بِهِ على يسَار السالك إِلَى يَنْبع وَأَظنهُ مَسْجِد ذَفِرَان وَفِي الْقَامُوس ذَفِرَان بِكَسْر الْفَاء وَاد قرب الصَّفْرَاء قَالَ وَلما نزل ذَفِرَان أَتَاهُ الْخَبَر عَن قُرَيْش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فَاسْتَشَارَ النَّاس وَأخْبرهمْ عَن قُرَيْش وَفِي الْكَشَّاف لما كَانَ رَسُول الله ب ذَفِرَان نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله وَعدك إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا العير وَإِمَّا قُرَيْش فَحِينَئِذٍ اسْتَشَارَ أَصْحَابه فَقَالَ مَا تَقولُونَ إِن الْقَوْم قد خَرجُوا من مَكَّة على كل صَعب وَذَلُول فالعير أحب إِلَيْكُم أم النفير قَالُوا العير أحب إِلَيْنَا من لِقَاء النفير فَتغير وَجهه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ رد عَلَيْهِم فَقَالَ إِن العير قد مَضَت من سَاحل الْبَحْر وَهَذَا أَبُو جهل قد أقبل قَالُوا يَا رَسُول الله عَلَيْك بالعير ودع الْعَدو فَقَامَ عِنْد غضب النَّبِي أَبُو بكر فَقَالَ وَأحسن ثمَّ قَامَ عمر وَأحسن ثمَّ قَامَ سعد بن عبَادَة فَقَالَ انْظُر أَمرك وامض لما أمرت فوَاللَّه لَو سرت إِلَى عدن أبين مَا تخلف عَنْك رجل من الْأَنْصَار ثمَّ قَامَ الْمِقْدَاد بن الْأسود فَقَالَ يَا رَسُول الله امْضِ لما أَمرك الله فَنحْن مَعَك وَالله مَا نقُول كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {فَاَذهَب أَنتَ وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِن اذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ مَا دَامَت منا عين تطرف نُقَاتِل عَن يَمِينك وَعَن يسارك وَمن بَين يَديك وَمن خَلفك فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لَو سرت بِنَا إِلَى برك الغماد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 لجالدنا مَعَك دونه حَتَّى تبلغه فَضَحِك رَسُول الله وَقَالَ لَهُ خيرا ثمَّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَشِيرُوا عَليّ وَإِنَّمَا يُرِيد الْأَنْصَار وَذَلِكَ أَنهم حِين بَايعُوهُ بِالْعقبَةِ قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا برَاء من ذِمَامك حَتَّى تصل إِلَى دِيَارنَا فَإِذا وصلت إِلَيْنَا فَأَنت فِي ذِمَامنَا نَمْنَعك مِمَّا نمْنَع مِنْهُ أبناءنا وَنِسَاءَنَا فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتخوف أَلا تكون الْأَنْصَار ترى عَلَيْهَا نصْرَة إِلَّا مِمَّن دهمه ب الْمَدِينَة من عدوه وَأَن لَيْسَ عَلَيْهِم أَن يسير بهم إِلَى عَدو بعيد عَن بِلَادهمْ فَلَمَّا قَالَ ذَلِك قَالَ لَهُ سعد بن معَاذ كَأَنَّك تُرِيدنَا يَا رَسُول الله قَالَ أجل قَالَ فقد آمنا بك وَصَدَّقنَاك وَشَهِدْنَا أَن مَا جِئْت بِهِ هُوَ الْحق وَأَعْطَيْنَاك على ذَلِك مواثيقنا على السّمع وَالطَّاعَة فَامْضِ يَا رَسُول الله لما أردْت فَنحْن مَعَك فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لَو استعرضتَ بِنَا هَذَا الْبَحْر فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك مَا تخلف منا رجل وَاحِد وَمَا نكره أَن تلقى بِنَا عدونا وَإِنَّا لصُبُر فِي الْحَرْب صُدق عِنْد اللِّقَاء لَعَلَّ الله يُرِيك منا مَا تقر بِهِ عَيْنك فسر بِنَا على بركَة الله فَقَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا فَإِن الله وَعَدَني إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَالله لكَأَنِّي أنظر الْآن إِلَى مصَارِع الْقَوْم ثمَّ ارتحل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ذَفِرَان فسلك على ثنايا يُقَال لَهَا الأصافر ثمَّ انحط مِنْهَا إِلَى بلد يُقَال لَهُ الدَّبة بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي الْقَامُوس الدبة مَوضِع قرب بدر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَترك الحنان بِيَمِين وَهُوَ كثيب عَظِيم كالجبل ثمَّ نزل قَرِيبا من بدر فَركب هُوَ وَرجل من أَصْحَابه قَالَ ابْن هِشَام الرجل هُوَ أَبُو بكر الصّديق وَسَار حَتَّى نزل على شيخ من الْعَرَب فَسَأَلَهُ عَن قُرَيْش وَعَن مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَقَالَ لَهما الشَّيْخ لَا أخبركما حَتَّى تخبراني من أَنْتُمَا فَقَالَ رَسُول الله إِذا أخبرتنا أخبرناك قَالَ وَذَاكَ بِذَاكَ قَالَ نعم قَالَ الشَّيْخ فَإِنَّهُ بَلغنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 أَن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه خَرجُوا يَوْم كَذَا وَكَذَا فَإن كَانَ صدقني الَّذِي أَخْبرنِي فهم الْيَوْم بمَكَان كَذَا وَكَذَا للمكان الَّذِي بِهِ رَسُول الله وَبَلغنِي أَن قُريْشًا خَرجُوا يَوْم كَذَا وَكَذَا فَإِن كَانَ الَّذِي أَخْبرنِي صدقني فهم الْيَوْم بمَكَان كَذَا وَكَذَا للمكان الَّذِي فِيهِ قُرَيْش فَلَمَّا فرغ من خَبره قَالَ مِمَّن أَنْتُمَا فَقَالَ رَسُول الله نَحن من مَاء ثمَّ انصرفا عَنهُ قَالَ يَقُول الشَّيْخ مَا من مَاء من مَاء الْعرَاق أَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يُوهِمهُ أَنه من الْعرَاق وَكَانَ الْعرَاق يُسمى مَاء لِكَثْرَة المَاء فِيهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه خلق من نُطْفَة من مَاء ثمَّ رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى أَصْحَابه فَلَمَّا أَمْسَى بعث عَليّ بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَسعد بن أبي وَقاص فِي نفر من أَصْحَابه إِلَى مَاء بدر يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر فَأَصَابُوا راوية لقريش فِيهَا غُلَام أسود لبني الْحجَّاج اسْمه أسلم وَغُلَام لبني الْعَاصِ بن سعيد عريض بن يسَار وفر الْبَاقُونَ وَكَانُوا كثيرا وَأول من بلغ قُريْشًا من الْفِرَار رجل اسْمه عجير فَبَلغهُمْ خبر رَسُول الله وَقَالَ يَا آل غَالب هَذَا ابْن أبي كَبْشَة مَعَ أَصْحَابه قد أخذُوا راويتكم مَعَ غلامين منا أَيهَا الوراد فَوَقع فِي جيشهم انزعاج واضطراب وَخَوف فَلَمَّا أَتَوا رَسُول الله بالغلامين سألوهما وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُصلي فَقَالَا نَحن سقاة قُرَيْش بعثونا نسقيهم من المَاء فكره الْقَوْم خبرهما ورجوا أَن يَكُونَا لأبي سُفْيَان صاحبِ العير فضربوهما فَلَمَّا أذلقوهما قَالَا نَحن لأبي سُفْيَان فتركوهما وَسلم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من صلَاته فَقَالَ إِذا صدقاكم ضربتموهما وَإِذا كذباكم تركتموهما صدقا وَالله إنَّهُمَا لقريش أخبراني عَن قُرَيْش قَالَا هم وَالله وَرَاء هَذَا الْكَثِيب الْعَقَنْقَل فَقَالَ لَهما كم الْقَوْم فَقَالَا كثير قَالَ كم عدتهمْ قَالَا مَا نَدْرِي قَالَ كم ينحرون كل يَوْم من الْإِبِل قَالَا يَوْمًا تسعا وَيَوْما عشرا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْقَوْم بَين التسْعمائَة وَالْألف ثمَّ قَالَ لَهما فَمن فيهم من أَشْرَاف قُرَيْش قَالَا عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو البخْترِي بن هِشَام وَحَكِيم بن حزَام وَنَوْفَل بن خويلد والْحَارث بن عَامر بن نَوْفَل وَطعيمَة بن عدي بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 نَوْفَل وَزَمعَة بن الْأسود وَأَبُو جهل بن هِشَام وَأُميَّة ابْن خلف ونُبيه ومنبه ابْنا الْحجَّاج وَسُهيْل بن عَمْرو بن عبد ود العامري فَأقبل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّاس قَائِلا هَذِه وَالله مَكَّة قد أَلْقَت أفلاذ كَبِدهَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَلما أَقبلت قُرَيْش ونزلوا الْجحْفَة رأى جهيم بن الصَّلْت بن مخرمَة بن الْمطلب بن عبد منَاف رُؤْيا فَقَالَ إِنِّي أرى فِيمَا يرى النَّائِم وَإِنِّي لبين النَّائِم وَالْيَقظَان إِذْ نظرت إِلَى رجل أقبل على فرس حَتَّى وقف وَمَعَهُ بعير لَهُ ثمَّ قَالَ قتل عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو جهل بن هِشَام وَأُميَّة بن خلف وَفُلَان وَفُلَان فعد رجَالًا مِمَّن قتل يَوْم بدر من أَشْرَاف قُرَيْش ثمَّ رَأَيْته ضرب فِي لبة بعيره ثمَّ أرْسلهُ فِي الْعَسْكَر فَمَا بَقِي خباء من أخبية الْعَسْكَر إِلَّا أَصَابَهُ نضح من دَمه فبلغت هَذِه الرُّؤْيَا أَبَا جهل فَقَالَ وَهَذَا أَيْضا نَبِي من بني الْمطلب سَيعْلَمُ غَدا من الْمَقْتُول إِن نَحن الْتَقَيْنَا قَالَ ابْن هِشَام وَلما رأى أَبُو سُفْيَان أَنه قد أحرز عيره أرسل إِلَى قُرَيْش إِنَّكُم إِنَّمَا خَرجْتُمْ لتمنعوا رجالكم وَأَمْوَالكُمْ وعيركم فَارْجِعُوا فَقَالَ أَبُو جهل بن هِشَام وَالله لَا نرْجِع حَتَّى نرد بَدْرًا وَكَانَت بدر موسماً من مواسم الْعَرَب يجْتَمع لَهُم بهَا سوق فِي كل عَام فنقيم عَلَيْهَا ثَلَاثًا فننحر الجزر ونطعم الطَّعَام ونسقي الْخمر وتعزف علينا القيان بِالدُّفُوفِ وَتسمع بِنَا الْعَرَب وبمسيرنا وجمعنا فَلَا يزالون يهابوننا أبدا بعْدهَا فامضوا فوافوها فَسُقوا كئوس المنايا مَكَان الْخمر وناحت عَلَيْهِم النوائح مَكَان القيان وَقَالَ أبي بن شريق بن عَمْرو بن وهب الثَّقَفِيّ وَكَانَ حليفاً لبني زهرَة يَا بني زهرَة قد نجى الله لكم أَمْوَالكُم وخلص لكم صَاحبكُم مخرمةَ بن نَوْفَل وَإِنَّمَا نفرتم لتمنعوه وَمَاله فاجعلوا عَليّ عارها وَارْجِعُوا فَإِنَّهُ لَا حَاجَة لكم بِأَن تخْرجُوا فِي ضَيْعَة لَا تسمعوا مَا يَقُول هَذَا يَعْنِي أَبَا جهل فَرَجَعُوا فَلم يشهدها زُهري وَقيل إِن سَبَب رُجُوعه بهم أَنه خلا بِأبي جهل حِين ترَاءى الْجَمْعَانِ فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 يَا أَبَا الحكم أَتَرَى أَن مُحَمَّدًا يكذب فَقَالَ أَبُو جهل كَيفَ يكذب على الله وَقد كُنَّا نُسَمِّيه الْأمين لِأَنَّهُ مَا كذب قطّ وَلَكِن إِذا اجْتمعت فِي بني عبد منَاف السِّقَايَة والرفادة والحجابة والممشورة ثمَّ تكون فيهم النُّبُوَّة فَأَي شَيْء بَقِي لنا فَحِينَئِذٍ انخنس أبي ببني زهرَة وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة رجل فَسُمي الْأَخْنَس من ذَاك لذَلِك فَلم يشْهد بَدْرًا زهري فأطاعوه وَكَانَ فيهم مُطَاعًا كَذَا فِي الرَّوْض الْأنف وَلم يبْق بطن من قُرَيْش إِلَّا وَقد نفر مِنْهُ نَاس إِلَّا بني عدي بن كَعْب لم يخرج مِنْهُم أحد فَلم يشْهد بَدْرًا من هَاتين القبيلتين بني زهرَة وَبني عدي أحد وروى أَن أَبَا سُفْيَان لَقِي بني زهرَة فَقَالَ يَا بني زهرَة لَا فِي العير وَلَا فِي النفير وَهُوَ أول من قَالَهَا قَالُوا أَنْت أرْسلت إِلَى قُرَيْش أَن ترجع وَلما بلغ أَبَا سُفْيَان قولُ أبي جهل وَالله لَا نرْجِع إِلَى آخر مَا قَالَه قَالَ واقوماه هَذَا عَمَل عَمْرو بن هِشَام يَعْنِي أَبَا جهل وَلما بلّغ أَبُو سُفْيَان العيرَ إِلَى مَكة لحق بِقُرَيْش فَمضى مَعَهم وَشهد بَدْرًا وجرح يَوْمئِذٍ جراحاتٍ وأفلت هَارِبا وَلحق ب مَكَّة رَاجِلا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمضى الْقَوْم وَكَانَت بَين طَالب بن أبي طَالب وَكَانَ فِي الْقَوْم وَبَين بعض قُرَيْش محاورة فَقَالُوا وَالله لقد عرفنَا يَا بني هَاشم وَإِن خَرجْتُمْ مَعنا أَن هواكم لمع مُحَمَّد فَرجع طَالب إِلَى مَكَّة مَعَ من رَجَعَ وَقَالَ تِلْكَ الأبيات الْمُتَقَدّم ذكرهَا لاهم إِمَّا يغزون طَالب ... إِلَى آخِره وَمَضَت قُرَيْش حَتَّى نزلُوا ب العدوة القصوى من الْوَادي خلف الْعَقَنْقَل وَنزل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بطن الْوَادي وَهُوَ يليل بَين بدر وَبَين الْعَقَنْقَل الَّذِي خَلفه قُرَيْش فِي العدوة الدُّنْيَا أَي الْقُرْبَى إِلَى الْمَدِينَة من بطن يليل وَبعث الله السماءَ وَكَانَ الْوَادي دهسا فَأصَاب رَسُول الله وَأَصْحَابه مَا لبد لَهُم الأَرْض وَلم يمنعهُم الْمسير وَأصَاب قُريْشًا مِنْهَا مَا لم يقدروا مَعَه أَن يرتحلوا فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يبادرهم إِلَى المَاء حَتَّى إِذا جَاءَ أدنى مَاء ب بدر فَنزل بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 روى أَنه فِي اللَّيْلَة السَّابِقَة على يَوْم الْحَرْب غلب النّوم والأمنة على الْمُسلمين بِحَيْثُ لم يقدروا أَن يَكُونُوا أيقاظاً روى عَن الزبير أَنه قَالَ سلط عَليّ النّوم بِحَيْثُ كلما أردْت أَن أَجْلِس يلقيني النّوم على الأَرْض وَكَذَا كَانَ النَّبِي وَأَصْحَابه قَالَ سعد بن أبي وَقاص رَأَيْتنِي تقع ذقني بَين ثديي فَلَمَّا أنتبه أسقط على جَنْبي وَكَانَ مشركو قُرَيْش بِقرب مِنْهُم وَقد غلبهم الْخَوْف فَبعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عمار بن يَاسر وَعبد الله بن مَسْعُود إِلَيْهِم فَرَجَعَا وَقَالا يَا رَسُول الله غلب على الْمُشْركين الخوفُ حَتَّى إِذا صهلت خيلهم ضربوا وجوهها من شدَّة الْخَوْف وروى أَن الْمُسلمين قَامُوا فَاحْتَلَمَ أَكْثَرهم وأجنبوا وَقد غلب الْمُشْركُونَ على المَاء فتمثل لَهُم الشَّيْطَان فوسوس إِلَيْهِم وَقَالَ كَيفَ تُنصرون وَقد غُلبتم على المَاء وَأَنْتُم تظلون محدثين مجنبين وَالْحَال أَن آيَة التَّيَمُّم لم تنزل بعد وتزعمون أَنكُمْ أَوْلِيَاء الله وَفِيكُمْ رَسُوله فأشفقوا فَأرْسل الله عَلَيْهِم السَّمَاء حَتَّى سَالَ الْوَادي فاتخذوا الْحِيَاض وَشَرِبُوا وَسقوا الركاب وَاغْتَسلُوا وَتَوَضَّئُوا وملئوا الأسقية وانطفأ الْغُبَار وتلبدت لَهُم الأَرْض حَتَّى ثبتَتْ عَلَيْهَا الْأَقْدَام وَلم يمْنَع السّير وزالت عَنْهُم الوسوسة وَطَابَتْ النُّفُوس كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِذْ يغشيكم النعاس أَمَنَة مِنْهُ} وَلما كَانَت العدوة القصوى مناخ قُرَيْش أَرضًا سهلة لينَة لم تبلغ أَن تكون رملاً وَلَيْسَ هُوَ بِتُرَاب أَصَابَهُم مَا لم يقدروا أَن يرتحلوا مَعَه فبادر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى نزل على مَاء من بدر فَقَالَ لَهُ الْحباب بن الْمُنْذر يَا رَسُول الله أَهَذا منزل أنزلكه الله لَيْسَ لنا أَن نتقدمه أَو نتأخر عَنهُ أم هُوَ الرَّأْي وَالْحَرب والمكيدة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بل هُوَ الرَّأْي وَالْحَرب والمكيدة قَالَ يَا رَسُول الله إِن هَذَا لَيْسَ بمنزل فانهض بِالنَّاسِ حَتَّى نأتي أدنى مَاء من الْقَوْم فننزله ثمَّ نغور مَا وَرَاءه من الْقلب ثمَّ نَبْنِي لَك حوضاً فنملأه مَاء ثمَّ نُقَاتِل الْقَوْم فنشرب وَلَا يشربون فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لقد أَشرت بِالرَّأْيِ فَنَهَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَى أدنى مَاء من الْقَوْم فَنزل عَلَيْهِ ثمَّ أَمر بِالْقَلْبِ فغورت وَبنى حوضاً على القليب الَّذِي نزل عَلَيْهِ فملىء مَاء ثمَّ قذفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 فِيهِ الْآنِية وَكَانَ نُزُوله عشَاء لَيْلَة الْجُمُعَة السَّابِع عشر من رَمَضَان كَمَا مر وَلما نزل قَامَ مَعَ جمَاعَة من أَصْحَابه يسير فِي عرضه بدر وَيَضَع يَده على الأَرْض وَيَقُول هَذَا مصرع فلَان وَهَذَا مصرع فلَان يرى أَصْحَابه مصَارِع صَنَادِيد قُرَيْش فوَاللَّه مَا تجَاوز أحد مِنْهُم الموضعَ الَّذِي عين لَهُ وَقَالَ سعد بن معَاذ يَا رَسُول الله أَلا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تكون فِيهِ ونعد عنْدك ركائبك ثمَّ نلقى عدونا فَإِن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كَانَ ذَلِك مَا أحببنا وَإِن كانتِ الْأُخْرَى قعدت على ركائبك فلحقت بِمن وَرَاءَنَا من قَومنَا فقد تخلف عَنْك أَقوام مَا نَحن بأشد حبا لَك مِنْهُم وَلَو ظنُّوا أَنَّك تلقى حَربًا مَا تخلفوا عَنْك فَأثْنى عَلَيْهِ رَسُول الله ودعا لَهُ بِخَير ثمَّ بني لرَسُول الله عَرِيشًا فَكَانَ فِيهِ وَفِي الْخُلَاصَة للسَّيِّد السمهودي مَسْجِد بدر مَكَان الْعَريش الَّذِي بني لرَسُول الله يَوْم بدر عِنْده وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد النخيل وَالْعين قريب مِنْهُ وبقربه فِي جِهَة الْقبْلَة مسجدَ آخر تسميه الْعَامَّة مَسْجِد النَّصْر لم أَقف فِيهِ على شَيْء قَالَ ابْن إِسْحَاق وَارْتَحَلت قُرَيْش حِين أَصبَحت فَأَقْبَلت فَلَمَّا رَآهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تصوب من الْكَثِيب إِلَى الْوَادي قَالَ اللَّهُمَّ هَذِه قُرَيْش قد أَقبلت بخيَلائها وَفَخْرهَا وحديدها تُحَادك وتكذّب رَسُولك اللَّهُمَّ فَنَصرك الَّذِي وَعَدتنِي اللَّهُمَّ أحنهم الْغَدَاة ثمَّ قَالَ وَقد رأى عتبَة بن ربيعَة فِي الْقَوْم على جمل أَحْمَر إِن يكن فِي أحدِ من الْقَوْم خير فَفِي رَاكب الْجمل الْأَحْمَر إِن يطيعوه يرشدوا وَكَانَ رجل من غفار يدعى خفاف بن رخصَة بعث إِلَى قُرَيْش حِين مروا بِهِ ابْنا لَهُ بجزائر أهداها عَلَيْهِم وَقَالَ إِن أَحْبَبْتُم أمدكم بسلاح وَرِجَال فأرسلوا إِلَيْهِ أَن وصلتك رحم فقد قضيت الَّذِي عَلَيْك ولعمري إِن كُنَّا إِنَّمَا نُقَاتِل النَّاس مَا بِنَا ضعف عَنْهُم وَلَئِن كُنَّا إِنَّمَا نُقَاتِل الله كَمَا يزْعم مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَمَا لأحد بِاللَّه من قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 فَلَمَّا نزل النَّاس أقبل نَاس من قُرَيْش حَتَّى وردوا حَوْضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فيهم حَكِيم بن حزَام فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دعوهم فَمَا شرب أحد مِنْهُ إِلَّا قتل يَوْمه مَا عدا حَكِيم بن حزَام فَإِنَّهُ لم يقتل ثمَّ أسلم بَعدُ فَحسن إِسْلَامه فَكَانَ إِذا حلف واجتهد فِي يَمِينه قَالَ وَالله الَّذِي نجاني من مَاء بدر وَلما اطْمَأَن الْقَوْم بعثوا عُمَيْر بن وهب الجُمَحِي فَقَالُوا احرز لنا أَصْحَاب مُحَمَّد فدار بفرسه حول الْعَسْكَر ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ ثَلَاثمِائَة رجل يزِيدُونَ قَلِيلا أَو ينقصونه وَلَكِن أمهلوني حَتَّى أنظر أللقوم كمين أَو مدد فَضرب فِي بطن الْوَادي حَتَّى أبعد فَلم ير شَيْئا فَرجع فَقَالَ مَا رَأَيْت شَيْئا وَلَكِنِّي قد رَأَيْت يَا معشر قُرَيْش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل السم الناقع قوم لامنعة لَهُم وَلَا ملْجأ إِلَّا سيوفهم وَالله مَا أرى أَن يُقتل مِنْهُم رجل حَتَّى يُقتلَ مِنْكُم رجل فَإِن أَصَابُوا أعدادهم مِنْكُم فَلَا خير فِي الْعَيْش بعد ذَلِك فَروا رَأْيكُمْ وَلما سمع حَكِيم بن حزَام كَلَام عُمَيْر مَشى فِي النَّاس فَأتى عتبَة بن ربيعَة فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيد إِنَّك كَبِير قُرَيْش وسيدها المطاع هَل لَك فِي الَّتِي لَا تزَال تذكر مِنْهَا بِخَير إِلَى آخر الدَّهْر قَالَ وَمَا ذَاك يَا حَكِيم قَالَ ترجع بِالنَّاسِ وَتحمل أَمر حليفك عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ قَالَ عتبَة قد فعلت أَنْت عَليّ بذلك إِنَّمَا هُوَ حليفي فعلي عقله وَمَا أُصِيب من مَاله فَائت ابْن الحنظلية يعْنى أَبَا جهل وَاسم أمه أَسمَاء بنت مخرمَة إِحْدَى بني نهشل بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة فَإِنِّي لَا أخْشَى أَن يُشجر أَمر النَّاس غَيره ثمَّ قَامَ عتبَة خَطِيبًا فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِنَّكُم وَالله مَا تَصْنَعُونَ بِأَن تلقوا مُحَمَّد وَأَصْحَابه شَيْئا وَالله لَئِن أصبتموهم لَا يزَال الرجل ينظر فِي وَجه رجلٍ يكره النّظر إِلَيْهِ قتل ابْن عَمه أَو ابْن خَاله أَو رجلا من عشيرته فَارْجِعُوا وخلوا بَين مُحَمَّد وَبَين سَائِر الْعَرَب فان أَصَابُوهُ فَذَلِك الَّذِي أردتم وَإِن كَانَ غير ذَلِك كفاكم وَلم تتعرضوا لما يكره قلت وَهَذَا مصداق قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن يكن فِي أحدِ من الْقَوْم خير فَفِي رَاكب الْجمل الْأَحْمَر إِن يطيعوه يرشدوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 قَالَ حَكِيم بن حزَام فَانْطَلَقت حَتَّى جِئْت أَبَا جهل فَوَجَدته قد نثل درعاً لَهُ من جرابها فَهُوَ يهيئها فَقلت يَا أَبَا الحكم إِن عتبَة أَرْسلنِي إِلَيْك بِكَذَا وَكَذَا للَّذي قَالَ عتبَة فَقَالَ أَبُو جهل انتفخ وَالله سحر عتبَة حِين رأى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه كلا وَالله لَا نرْجِع حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَبَين مُحَمَّد وَمَا بِعتبَة ذَاك وَلكنه قد رأى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه أَكلَة جزور وَفِيهِمْ ابْنه فقد تخوفكم عَلَيْهِ يَعْنِي أَبَا حُذَيْفَة ابْن عتبَة وَكَانَ قد أسلم قبل وَكَانَ فِي أَصْحَاب النَّبِي يَوْمئِذٍ وَفِي رِوَايَة عَن حَكِيم فَجِئْته فَإِذا هُوَ فِي جمَاعَة من بَين يَدَيْهِ وَمن وَرَائه وَإِذا ابْن الْحَضْرَمِيّ واقفٌ على رَأسه وَهُوَ يَقُول قد فسخت عقدي من بني عبد شمس وعقدي إِلَى بني مَخْزُوم قَالَ حَكِيم فَجئْت إِلَى عتبَة وَهُوَ متكىء على خفاف بن رحضة الْغِفَارِيّ الْمهْدي الجزرَ السَّابِق ذكرهَا فَأَخْبَرته بمقالة أبي جهل فَقَالَ عتبَة سَيعْلَمُ مصفر استه من انتفخ سحره أَنا أم هُوَ وانتفاخ السحر تَقوله الْعَرَب للجبان كِنَايَة عَن الْفَزع ومصفر استه إِنَّمَا قَالَه عتبَة لِأَن أَبَا جهل كَانَ بِهِ بعض برص فِي أليته فَكَانَ يردعه بالزعفران فَغَضب أَبُو جهل وطلع فِي وَجهه الشَّرّ فسل سَيْفه وَضرب بِهِ متن فرسه فَقَالَ لَهُ خفاف بن رحضة بئس الفأل تفاءلت بِهِ ثمَّ بعث أَبُو جهل إِلَى ابْن الْحَضْرَمِيّ فَقَالَ هَذَا حليفك يُرِيد أَن يرجع بِالنَّاسِ وَقد رَأَيْت ثَأرَكَ بِعَيْنِك فَقُمْ وانشد خفرتك ومقتل أَخِيك فَقَامَ عَامر بن الْحَضْرَمِيّ فاكتشف ثمَّ صَاح واعمراه واعمراه فحميت الْحَرْب وحقب أَمر النَّاس واستوسقوا على مَا هم عَلَيْهِ من الشَّرّ وأفسد أَبُو جهل على النَّاس الرَّأْي الَّذِي دعاهم إِلَيْهِ عتبَة بن ربيعَة وَخرج الْأسود بن عبدْ الْأسد المَخْزُومِي وَكَانَ رجلا شرسا سيىء الْخلق فَقَالَ أعَاهد الله لأشربن من حوضهم أَو لأهدمنه أَو لأموتن دونه فَخرج إِلَيْهِ حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَلَمَّا التقيا ضربه حَمْزَة فأطن قدمه بِنصْف سَاقه وَهُوَ دون الْحَوْض فَوَقع على ظَهره تشخب رجله دَمًا ثمَّ حبا إِلَى الْحَوْض حَتَّى اقتحم فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 يُرِيد بر يَمِينه فَأتبعهُ حَمْزَة فَضَربهُ حَتَّى قَتله فِي الْحَوْض ثمَّ التمس عتبَة بن ربيعَة بَيْضَة ليدخلها فِي رَأسه فَمَا وجد فِي الْجَيْش بَيْضَة تسعه لعظم هامته أَو انتفاخها فَلَمَّا رأى ذَلِك اعتجر بِبرد لَهُ على رَأسه ثمَّ خرج بَين أَخِيه شيبَة ابْن ربيعَة وَولده الْوَلِيد بن عتبَة بن ربيعَة حَتَّى إِذا نصل من الصَّفّ دَعَا إِلَى المبارزة فَخرج إِلَيْهِ ثَلَاثَة من الْأَنْصَار عَوْف ومعوذ ابْنا الْحَارِث وَعبد الله بن رَوَاحَة فَقَالُوا لَهُم من أَنْتُم قَالُوا رَهْط من الْأَنْصَار قَالُوا مَا لنا بكم من حَاجَة وَقَالَ ابْن إِسْحَاق إِن عتبَة قَالَ للثَّلَاثَة من الْأَنْصَار حِين انتسبوا لَهُ أكَفَاء كرام إِنَّمَا نُرِيد من قَومنَا ثمَّ نَادَى مناديهم يَا مُحَمَّد أخرج لنا أَكفَاءنا من قَومنَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قُم يَا عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب قُم يَا حَمْزَة بن عبد الْمطلب قُم يَا عَليّ بن أبي طَالب فَلَمَّا دنوا مِنْهُم قَالُوا من أَنْتُم قَالَ عُبَيْدَة عُبَيْدَة وَقَالَ حَمْزَة حَمْزَة وَقَالَ عَليّ عَليّ قَالُوا نعم أكفَاء كرام فبارز عُبَيْدَة وَكَانَ أسن الْقَوْم عتبَة بن ربيعَة وبارز حمزةُ شيبَة وبارز عَليّ الْوَلِيد بن عتبَة فَأَما حَمْزَة فَلم يُمْهل شيبَة أَن قَتله وَأما عَليّ فَلم يُمْهل الْوَلِيد أَن قَتله وَاخْتلف عبيدةُ وعتبةُ بَينهمَا ضربتين كِلَاهُمَا أثبت صَاحبه وكر حَمْزَة وَعلي على عتبَة فذففا عَلَيْهِ واحتملا صَاحبهمَا فحازاه إِلَى أَصْحَابه قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ تزاحف النَّاس ودنا بَعضهم من بعض وَقد أَمر رَسُول الله أَصْحَابه أَلا يحملوا حَتَّى يَأْمُرهُم وَقَالَ إِن اكتنفكم الْقَوْم فانضحوهم عَنْكُم بِالنَّبلِ وَرَسُول الله فِي الْعَريش مَعَه أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَكَانَت وقْعَة بدر يَوْم الْجُمُعَة صَبِيحَة سبع عشرَة من شهر رَمَضَان كَمَا تقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني حبَان بن وَاسع بن حبَان عَن أَشْيَاخ من قومه أَن رَسُول الله عدّل صُفُوف أَصْحَابه يَوْم بدر وَفِي يَده قِدح يعدل بِهِ الْقَوْم فَمر بسواد بن غزيَّة حَلِيف بني عدي بن النجار قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ مستنصل من الصَّفّ فطعن فِي بَطْنه بالقدح وَقَالَ استو يَا سَواد فَقَالَ يَا رَسُول الله أوجعتني وَقد بَعثك الله بِالْحَقِّ وَالْعدْل؛ فأقدني. قَالَ: فكشف رَسُول الله عَن بَطْنه وَقَالَ استقد قَالَ فاعتنقه وَقبل بَطْنه فَقَالَ مَا حملك على هَذَا يَا سَواد قَالَ يَا رَسُول الله حضر مَا ترى فأدرت أَن يكون آخر الْعَهْد بك أَن يمس جلدي جِلْدك فَدَعَا لَهُ رَسُول الله بِخَير قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ عدَّل رَسُول الله الصُّفُوف وَرجع إِلَى الْعَريش فدخله وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بكر لَيْسَ مَعَه فِيهِ غَيره وَرَسُول الله يناشد ربه مَا وعده من النَّصْر يَقُول فِيمَا يَقُول اللَّهُمَّ إِن تَهلِك هَذِه العصابةُ الْيَوْم لَا تُعبد وَأَبُو بكر يَقُول يَا نَبِي الله بعض مُنَاشَدَتك رَبك فَإِن الله منجز لَك مَا وَعدك وَقد خَفق رَسُول الله خفقة وَهُوَ فِي الْعَريش ثمَّ انتبه فَقَالَ أبشر يَا أَبَا بكر أَتَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 نصر الله هَذَا جِبْرِيل آخذ بعنان فرسه يَقُودهُ على ثناياه النَّقْع قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد رُمي مهجع مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِسَهْم فقُتل فَكَانَ أول قَتِيل من الْمُسلمين ثمَّ رمي حَارِثَة بن سراقَة أحد بني عدي ابْن النجار وَهُوَ يشرب من الْحَوْض فَأصَاب نَحره فَقتل ثمَّ خرج رَسُول الله إِلَى النَّاس فحرضهم وَقَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يقاتلهم الْيَوْم رجل فَيقْتل صَابِرًا محتسباً مُقبلا غير مُدبر إِلَّا أدخلهُ الله الْجنَّة قَالَ فَقَامَ عُمَيْر بن الحُمام أَخُو بني سَلمَة وَفِي يَده تمرات يأكلهن فَقَالَ بخ بخ فَمَا بيني وَبَين الْجنَّة إِلَّا أَن يقتلني هَؤُلَاءِ قَالَ فقذف التمرات من يَده وَأخذ السَّيْف بِيَدِهِ فقاتل الْقَوْم حَتَّى قتل قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن عَوْف بن الْحَارِث وَهُوَ ابْن عفراء قَالَ يَا رَسُول الله مَا يضْحك الرب من عَبده قَالَ غمسُه يَده فِي الْعَدو حاسراً قَالَ فَنزع درعاً كَانَت عَلَيْهِ فقذفها ثمَّ آخذ سَيْفه فقاتل الْقَوْم حَتَّى قتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد حَدثنِي مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير العذري حَلِيف بني زهرَة أَنه حَدثهُ لما التقى النَّاس ودنا بَعضهم من بعض قَالَ أَبُو جهل اللَّهُمَّ أقطعنا للرحم وآتانا بِمَا لَا نَعْرِف فأحنه الْغَدَاة فَكَانَ هُوَ المستفتح على نَفسه قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ إِن رَسُول الله آخذ حفْنَة من الْحَصْبَاء فَاسْتقْبل بهَا قُريْشًا ثمَّ قَالَ شَاهَت الْوُجُوه ثمَّ نفحهم بهَا فَأمر أَصْحَابه فَقَالَ شدوا فَكَانَت الْهَزِيمَة فَقتل الله من قتل من صَنَادِيد قُرَيْش وَأسر من أسر من أَشْرَافهم فَلَمَّا وضع القومُ أَيْديهم يأسرون وَرَسُول الله فِي الْعَريش وَسعد بن معَاذ قَائِم على بَاب الْعَريش الَّذِي فِيهِ رَسُول الله متوشح بِالسَّيْفِ فِي نفر من الْأَنْصَار يَحْرُسُونَ رَسُول الله يخَافُونَ عَلَيْهِ كرة الْعَدو رأى رَسُول الله فِي وَجه سعد بن معَاذ الْكَرَاهِيَة لما يصنع النَّاس فَقَالَ لَهُ رَسُول الله وَالله لَكَأَنَّك يَا سعد تكره مَا يصنع الْقَوْم فَقَالَ أجل يَا رَسُول الله كَانَت أولَ وقْعَة أوقعهَا الله بِأَهْل الشّرك فَكَانَ الإثخانُ فِي الْقَتْل أحب إِلَيّ من الاستبقاء للرِّجَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني الْعَبَّاس بن عبد الله بن معبد عَن بعض أَهله عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله قَالَ لأَصْحَابه يَوْمئِذٍ إِنِّي قد عرفت أَن رجَالًا من بني هَاشم وَغَيرهم قد أُخرجوا كرها لَا حَاجَة لَهُم بقتالنا فَمن لَقِي مِنْكُم أحدا من بني هَاشم فَلَا يقْتله وَمن لَقِي أَبَا البخْترِي بن هِشَام بن الْحَارِث بن أَسد فَلَا يقْتله وَمن لَقِي الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَم رَسُول الله فَلَا يقْتله فَإِنَّهُ إِنَّمَا خرج مستكرهاً قَالَ فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَة أنقتل آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وإخواننا وعشيرتنا ونترك الْعَبَّاس وَالله إِن لَقيته لألحمنه بِالسَّيْفِ قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال لألجمنه قَالَ ابْن إِسْحَاق فبلغت رَسُول الله فَقَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَا أَبَا حَفْص فَقَالَ عمر وَالله إِنَّه لأوّل يَوْم كناني فِيهِ رَسُول الله بِأبي حَفْص أيضرب وَجه عَم رَسُول الله فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله دَعْنِي فلأضرب عُنُقه بِالسَّيْفِ فوَاللَّه لقد نَافق قَالَ فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَة يَقُول مَا أَنا بآمنٍ من تِلْكَ الْكَلِمَة الَّتِي قلت يَوْمئِذٍ وَلَا أَزَال مِنْهَا خَائفًا إِلَّا أَن تكفرها عني الشَّهَادَة فَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَإِنَّمَا نهى رَسُول الله عَن قتل أبي البخْترِي بن هِشَام لِأَنَّهُ كَانَ أكف الْقَوْم عَن رَسُول الله وَهُوَ ب مَكَّة فَكَانَ لَا يُؤْذِيه وَلَا يبلغهُ عَنهُ شَيْء يكرههُ وَكَانَ مِمَّن قَامَ فِي نقض الصَّحِيفَة الَّتِي كتبتها قُرَيْش على بني هَاشم وَبني الْمطلب فَلَقِيَهُ المجذر بن زِيَاد البلوي حَلِيف الْأَنْصَار من بني سَالم بن عَوْف فَقَالَ المجذر لأبي البخْترِي إِن رَسُول الله قد نَهَانَا عَن قَتلك وَمَعَ أبي البخْترِي زميل لَهُ قد خرج مَعَه من مَكَّة وَهُوَ جُنَادَة بن مليحة بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد وجنادة من بني لَيْث وَاسم أبي البخْترِي العَاصِي قَالَ وزميلي فَقَالَ لَهُ المجذر لَا وَالله مَا نَحن بتاركي زميلك وَمَا أمرنَا رَسُول الله إِلَّا بك وَحدك قَالَ لَا وَالله إِذن لأموتن أَنا وَهُوَ جَمِيعًا لَا تحدث عني نسَاء مَكَّة أَنِّي تركت زميلي حرصاً على الْحَيَاة فَقَالَ أَبُو البخْترِي حِين نازله المجذر وَأَبى إِلَّا الْقِتَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 يرتجز (لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرَّةٍ زَمِيلَهْ ... حَتَّى يَمُوتَ أوْ يَرَى سَبِيلَهْ) فاقتتلا فَقتله المجذر بن زِيَاد وَقَالَ المجذر فِي قَتله أَبَا البخْترِي (إمَّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبي ... فَأَثْبِتِ النَّسْبَةَ أّنِّي مِنْ بَلِي) (ألطَّاعِنينَ بِرِمَاحِ الْيَزَنِي ... وَالَضَّارِبِيِنَ الْكَبْشَ حَتَّى يَنْحَنِي) (بَشِّرْ بِيُتْم مِنْ أبِيهِ الْبَحْتَرِي ... أَوْ بَشِّرَنْ بِمِثْلِهَا مِنِّي بَنِي) (أَنَّا الَّذِي يُقَالُ أَصْلِي مِنْ بَلِي ... أَطْعُنُ بِالصَّعْدَةِ حَتَّى تَنْثَنِي) (وَأَعْبِطُ الْقِرْنَ بِغَصْبٍ مَشْرَفي ... أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزامِ الْمَرِي) (فَلاّ تَرَى مُجَذِّرّا يَفْرِي فَرِي ... ) المري النَّاقة الَّتِي يسْتَنْزل لَبنهَا على عسر قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ أَتَى المجذر رَسُول الله فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد جهدت عَلَيْهِ أَن يستأسر فآتيك بِهِ فَأبى إِلَّا أَن يقاتلني فقاتلته فَقتلته قَالَ وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه وحدثنيه أَيْضا عبد الله بن أبي بكر وَغَيرهمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ كَانَ أُميَّة بن خلف صديقا لي ب مَكَّة وَكَانَ اسْمِي عبد عَمْرو فسميت حِين أسلمت عبد الرَّحْمَن فَكَانَ يلقاني فَيَقُول يَا عبد عَمْرو أرغبت عَن اسْم سماكه أَبوك فَأَقُول نَعَم فَيَقُول إِنِّي لَا أعرف الرَّحْمَن فَاجْعَلْ بيني وَبَيْنك شَيْئا أَدْعُوك بِهِ أما أَنْت فَلَا تُجِيبنِي بِاسْمِك الأول وَأما أَنا فَلَا أَدْعُوك بِمَا لَا أعرف قَالَ فَكَانَ إِذا دَعَاني يَا عبد عَمْرو لم أجبه قَالَ فَقلت لَهُ يَا أَبَا عَليّ اجْعَل مَا شِئْت قَالَ فَأَنت عبد الْإِلَه قَالَ فَقلت نعم قَالَ فَكنت إِذا مَرَرْت بِهِ فَيَقُول يَا عبد الْإِلَه فَأُجِيبَهُ فأتحدث مَعَه حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم بدر مَرَرْت بِهِ وَهُوَ وَاقِف مَعَ ابْنه عَليّ بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 أُميَّة آخذ بِيَدِهِ وَمَعِي أَدْرَاع قد استلبتها فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا عبد عَمْرو فَلم أجبه فَقَالَ يَا عبد الْإِلَه فَقلت نعم فَقَالَ هَل لَك فِي فَأَنا خير لَك من هَذِه الأدراع قلت نعم هَا الله إِذن فطرحت الأدراع وَأخذت بِيَدِهِ وَيَد ابْنه وَهُوَ يَقُول مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ أما لكم حَاجَة فِي اللَّبن قَالَ ابْن هِشَام أَرَادَ بِاللَّبنِ أَن من أسرني افتديت مِنْهُ بِالْإِبِلِ الْكَثِيرَة اللَّبن قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي عبد الْوَاحِد بن أبي عون عَن سعيد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ قَالَ لي أُميَّة بن خلف وَأَنا بَينه وَبَين ابْنه آخذ بأيديهما يَا عبد الْإِلَه من الرجل مِنْكُم الْمعلم بريشة نعَامَة فِي صَدره قلت ذَاك حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ ذَاك الَّذِي فعل بِنَا الأفاعيل قَالَ عبد الرَّحْمَن فوَاللَّه إِنِّي لأقودهما إِذْ رَآهُ بِلَال معي وَكَانَ هُوَ الَّذِي يعذب بِلَالًا ب مَكَّة على ترك الْإِسْلَام فيخرجه إِلَى رَمْضَاءُ مَكَّة إِذا حميت فيضجعه على ظَهره ثمَّ يَأْمر بالصخرة الْعَظِيمَة فتوضع على صَدره ثمَّ يَقُول لَا تزَال هَكَذَا أَو تفارق دين مُحَمَّد فَيَقُول بِلَال أحد أحد فَلَمَّا رَآهُ بِلَال قَالَ رَأس الْكفْر أُميَّة بن خلف لَا نجوتُ إِن نجا قَالَ فأحاطوا بِنَا حَتَّى جعلونا فِي مثل المسكة وَأَنا أَذُب عَنهُ قَالَ فأخلف رجل السَّيْف فَضرب رِجْل ابنِهِ فَوَقع قَالَ وَصَاح أُميَّة صَيْحَة مَا سَمِعت مثلهَا قطّ قَالَ فَقلت لَهُ انج بِنَفْسِك وَلَا نجاء بك فوَاللَّه مَا أُغني عَنْك شَيْئا قَالَ فهبروهما بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى فرغوا مِنْهُمَا قَالَ فكاد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَقُول يرحم الله بِلَالًا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر أَنه حدث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي رجل من بني غفار قَالَ أَقبلت أَنا وَابْن عَم لي حَتَّى أصعدنا فِي جبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 يشرف على بدر وَنحن مُشْرِكَانِ نَنْتَظِر الْوَقْعَة على من تكون الدائرة فننتهب مَعَ من ينتهب قَالَ فَبينا نَحن فِي الْجَبَل إِذْ دنت منا سَحَابَة فسمعنا فِيهَا حَمْحَمَة الْخَيل فَسمِعت قَائِلا يَقُول أقدم حيزوم فَأَما ابْن عمي فانكشف قناع قلبه فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأما أَنا فكدت أَهْلِك ثمَّ تماسكت وحيزوم اسْم فرس جِبْرِيل قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر عَن بعض بني سَاعِدَة عَن أبي أسيد مَالك بن ربيعَة وَكَانَ قد شهد بَدْرًا قَالَ بعد أَن ذهب بَصَره لَو كنت الْيَوْم ببدر وَمَعِي بَصرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشّعب الَّذِي خرجت مِنْهُ الْمَلَائِكَة لَا أَشك فِيهِ وَلَا أتمارى قَالَ وحَدثني أبي إسحاقُ بن يسَار عَن رجال من بني مَازِن بن النجار عَن أبي دَاوُد الْمَازِني وَكَانَ شهد بَدْرًا قَالَ إِنِّي لَأَتبع رجلا من الْمُشْركين يَوْم بدر لأَضْرِبهُ إِذْ وَقع رأسهُ قبل أَن يصل إِلَيْهِ سَيفي فَعرفت أَنه قد قَتله غَيْرِي قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني من لَا أتهم عَن مقسم مولى عبد الله بن الْحَارِث عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ كَانَت سِيمَا الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائمَ بَيْضَاء قد أرسلوها فِي ظُهُورهمْ وَيَوْم حنين عمائم حَمْرَاء قَالَ ابْن هِشَام وحَدثني بعض أهل الْعلم أَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 قَالَ العمائم تيجان الْعَرَب وَكَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائم بَيْضَاء قد أرخوها على ظُهُورهمْ إِلَّا جبرئيل فَإِنَّهُ كَانَت عَلَيْهِ عِمَامَة صفراء قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني من لَا أتهم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس وَلم تقَاتل الْمَلَائِكَة فِي يَوْم من الْأَيَّام سوى يَوْم بدر وَكَانُوا يكونُونَ فِيمَا سواهُ من الْأَيَّام عددا ومدداً لَا يضْربُونَ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَقْبل أَبُو جهل يَوْمئِذٍ يرتجز يُقَاتل وَهُوَ يَقُول (مَا تَنْقمُ الْحَربُ الْعَوَانُ مِنِّي ... بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيث سِنِّي) (لِمِثْل هَذَا وَلَدَتْني أُمِّي ... ) قَالَ ابْن هِشَام وَكَانَ شعار أَصْحَاب رَسُول الله يَوْم بدر أحد أحد قَالَ ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا فرغ رَسُول الله من عدوه أَمر بِأبي جهل بن هِشَام أَن يلْتَمس فِي الْقَتْلَى وَكَانَ أولُ من لَقِي أَبَا جهل كَمَا حَدثنِي ثَوْر بن زيد عَن عِكْرِمَة عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن أبي بكر أَيْضا قد حَدثنِي ذَلِك قَالَا قَالَ معَاذ بن عَمْرو بن الجموح أَخُو بني سَلمَة سَمِعت الْقَوْم وَأَبُو جهل فِي مثل الحرجهّ قَالَ ابْن هِشَام الحرجة الشّجر الملتف وَفِي الحَدِيث عَن عمر بن الْخطاب أَنه سَأَلَ أَعْرَابِيًا عَن الحرجة فَقَالَ هِيَ شَجَرَة بَين الْأَشْجَار لَا يصل رَاع إِلَيْهَا وهم يَقُولُونَ أَبُو الحكم لَا يخلص إِلَيْهِ قَالَ فَلَمَّا سَمعتهَا جَعلتهَا من شأني فصمدت نَحوه فَلَمَّا أمكنني حملتُ عَلَيْهِ فضربته ضَرْبَة أطنت قدمه من نصف سَاقه فوَاللَّه مَا شبهتها حِين طاحت إِلَّا بالنواة تطيح من تَحت مِرضَخَةِ النَّوَى حِين يضْرب بهَا قَالَ وضربني ابْنه عِكْرِمَة على عَاتِقي فَطرح يَدي فتعلقت بجلدة من جَنْبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وأجهضني الْقِتَال عَنهُ فَلَقَد قاتلتُ عَامَّة يومي وَإِنِّي لأسحبها خَلْفي فَمَا آذتني وضعت عَلَيْهَا قدمي ثمَّ وطِئت بهَا عَلَيْهَا حَتَّى طرحتها قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ عَاشَ بعد ذَلِك حَتَّى كَانَ زمَان عُثْمَان ثمَّ مر بِأبي جهل وَهُوَ عقير معوذ بن عفراء فَضَربهُ حَتَّى أثْبته فَتَركه وَبِه رَمق وَقَاتل معوذ حَتَّى قتل فَمر عبد الله بن مَسْعُود بِأبي جهل حِين أَمر بِهِ رَسُول الله أَن يلْتَمس فِي الْقَتْلَى وَقد قَالَ لَهُم رَسُول الله فِيمَا بَلغنِي انْظُرُوا إِن خَفِي عَلَيْكُم فِي الْقَتْلَى إِلَى أثر جرح فِي ركبته إِنِّي ازدحمت أَنا وَهُوَ يَوْمًا على مائدة لعبد الله بن جُدعان وَنحن غلامان فَكنت أسن مْنه بِيَسِير فَدَفَعته فَوَقع على رُكْبَتَيْهِ فجحشت إِحْدَاهمَا جحشاً لم يزل أَثَره بِهِ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود فَوَجَدته بآخر رَمق فعرفته فَوضعت رجْلي على عُنُقه قَالَ وَقد كَانَ ضبث بِي مرّة ب مَكَّة فآذاني ولكزني ثمَّ قلت لَهُ هَل أخزاك الله يَا عَدو الله قَالَ وَبِمَا أخزاني أعمد من رجل قَتَلْتُمُوهُ وَفِي رِوَايَة أعظم من رجل قَتله قومه أَخْبرنِي لمن الدبرة الْيَوْم والدبرة الْغَلَبَة وَالظفر قَالَ قلت لله وَلِرَسُولِهِ قَالَ ابْن إِسْحَاق فَزعم رجل من بني مَخْزُوم أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول قَالَ لي لقد ارتقيت يَا رويعي الْغنم مرتقى صعبا قَالَ ثمَّ احترزت رَأسه ثمَّ جِئْت بِهِ رَسُول الله فَقلت يَا رَسُول الله هَذَا رَأس عَدو الله أبي جهل بن هِشَام قَالَ فَقَالَ رَسُول الله آللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا غَيره قَالَ وَكَانَت يمْين رَسُول الله قَالَ قلت نعم وَالله الَّذِي لَا إِلَه غَيره ثمَّ ألقيت رَأسه بَين يَدي رَسُول الله فَحَمدَ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 قَالَ ابْن هِشَام وحَدثني أَبُو عُبَيْدَة وَغَيره من أهل الْعلم بالمغازي أَن عمر بن الْخطاب قَالَ لسَعِيد بن الْعَاصِ وَمر بِهِ إِنِّي أَرَاك كَأَن فِي نَفسك شَيْئا أَرَاك تظن أَنِّي قتلت أَبَاك إِنِّي لَو قتلته لم أعْتَذر إِلَيْك من قَتله وَلَكِنِّي قتلت خَالِي الْعَاصِ بن هِشَام بن الْمُغيرَة فَأَما أَبوك فَإِنِّي مَرَرْت بِهِ وَهُوَ يبْحَث بحث الثور بروقه فَحدث عَنهُ وَقصد لَهُ ابنُ عَمه عَليّ فَقتله قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَاتل عكاشة بن مُحصن بن حرثان الْأَسدي حَلِيف بني عبد شمس ابْن عبد منَاف يَوْم بدر بِسَيْفِهِ حَتَّى انْقَطع فِي يَده فَأتى رَسُول الله فَأعْطَاهُ جزلاً من حطب فَقَالَ قَاتل بِهَذَا يَا عكاشة فَلَمَّا أَخذه من رَسُول الله هزه فَعَاد سَيْفا فِي يَده طَوِيل الْقَامَة شَدِيد الْمَتْن أَبيض الحديدة فقاتل بِهِ حَتَّى فتح الله بِهِ على الْمُسلمين وَكَانَ ذَلِك السَّيْف يُسمى العون ثمَّ لم يزل عِنْده يشْهد بِهِ الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله حَتَّى قتل يَوْم الرِّدَّة وَهُوَ عِنْده قَتله طَلْحَة بن خويلد الْأَسدي قَالَ ابْن هِشَام ونادى أَبُو بكر الصّديق ابْنه عبد الرَّحْمَن وَهُوَ يَوْمئِذٍ مَعَ الْمُشْركين أَيْن مَالِي يَا خَبِيث فَقَالَ عبد الرَّحْمَن // (من السَّرِيع) // (لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكَّةٍ وَيَعْبُوبْ ... وَصَارِمٍ يَقْتُلُ ضُلاَّلَ الشِّيبْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة قَالَت لما أَمر رَسُول الله بالقتلى أَن يطْرَحُوا فِي القليب طرحوا فِيهِ إِلَّا مَا كَانَ من أُميَّة بن خلف فَإِنَّهُ انتفخ فِي درعه فَذَهَبُوا ليحركوه فتزايل فأقره وألقوا عَلَيْهِ مَا غيبه من التُّرَاب وَالْحِجَارَة فَلَمَّا ألقوهم فِي القليب وقف عَلَيْهِم رَسُول الله فَقَالَ يَا أهل القليب هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَإِنِّي قد وجدتُ مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا قَالَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه يَا رَسُول الله أَتكَلّم قوما موتى فَقَالَ لَهُم لقد علمُوا أَن مَا وعدهم رَبهم حق قَالَت عَائِشَة وَالنَّاس يَقُولُونَ لقد سمعُوا مَا قلت لَهُم فَإِنَّمَا قَالَ رَسُول الله لقد علمُوا قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك قَالَ سمع أَصْحَاب رَسُول الله رَسُول الله من جَوف اللَّيْل وَهُوَ يَقُول يَا أهل القليب يَا عتبَة بن ربيعَة وَيَا شيبَة بن ربيعَة وَيَا أُميَّة بن خلف وَيَا أَبَا جهل بن هِشَام فعدد من كَانَ مِنْهُم فِي القليب هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَإِنِّي وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا فَقَالَ الْمُسلمُونَ يَا رَسُول الله أتنادي أَقْوَامًا قد جيفوا فَقَالَ مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم وَلَكنهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يجيبوا قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني بعض أهل الْعلم أَن رَسُول الله قَالَ يَوْم قَالَ هَذِه الْمقَالة يَا أهل القليب بئس عشيرة النَّبِي كُنْتُم لنبيكم كذبتموني وصدقني النَّاس وأخرجتموني وآواني النَّاس وقاتلتموني ونصرني النَّاس ثمَّ قَالَ هَل وجدْتُم مَا وَعدكُم ربكُم حَقًا للمقالة الَّتِي قَالَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ حسان بن ثَابت // (من الوافر) // (عَرفْتُ ديَارَ زَيْنبَ بِالْكَثيبِ ... كَخَطِّ الْوَحْي فِي الوَرقِ الْقَشِيبِ) (تَدَاوَلَهَا الرِّيَاحُ وَكُلُّ جَوْنٍ ... مِنَ الْوَسْمِيِّ مُنهمِرٍ سَكُوبِ) (فَأَمْسَى رَسْمُهَا خلقا وَأَمْسَتْ ... يَباباً بَعْدَ سَاكِنهَا الْحَبِيبِ) (فَدَعْ عَنْكَ التَّذَكُرَ كُلَّ يَوْمٍ ... وَرُدَّ حَرَارَة الصَّدْرِ الْكَئِيبِ) (وَخَبِّرْ بِالَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ... بِصِدْقٍ غَيْرِ إِخْبَارِ الْكَذُوبِ) (بِمَا صَنعَ المَليكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنَا فِي المُشْركينَ مِنَ النَّصيب) (غَدَاةَ كَأَنَّ جَمْعَهُمُ حِرَاءٌ ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الغُرُوب) (فَلاقَيْنَاهُمُ مِنَّا بِجَمْعٍ ... كَأُسْدِ الغَابِ مُرْدَانٍ وَشيبِ) (أَمَامَ محمَّدٍ قَدْ وَازروُهُ ... عَلَى الأَعْدَاء فِي لَفْح الحُرُوبِ) (بِأَيْدِيهِمْ صَوَارمُ مُرْهَفاتٌ ... وكلُّ مجرَّبٍ خاظي الكُعُوبِ) (بَنُو الأَوْسِ الْغَطَارِفُ وازرتها ... بَنُو النَّجَار فِي الدِّين الصَّليبِ) (فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَريِعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بالجُبُوبِ) (وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ ... ذَوِي حَسَبٍ إِذَا نُسِبُوا حَسِيبِ) (يُنَادِيهم رَسُولُ الله لمَّا ... قّذّقْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ) (أَلَمْ تَجدُوا كَلاَمِيَ كَانَ حَقًّأ ... وَأَمْرُ الله يأخُذُ بِالقُلُوبِ) (فَمَا نَطَقُوا وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا ... صَدَقْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأيٍ مُصيبِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 قَالَ ابْن إِسْحَاق وَلما أَمر رَسُول الله بهم أَن يلْقوا فِي القليب أَخذ عتبَة بن ربيعَة فسحب إِلَى القليب فَنظر رَسُول الله فِيمَا بَلغنِي إِلَى وَجه ابْنه أبي حُذَيْفَة بن عتبَة فَإِذا هُوَ كئيب قد تغير فَقَالَ يَا أَبَا حُذَيْفَة لَعَلَّك قد داخلك من شَأْن أَبِيك شَيْء أَو كَمَا قَالَ فَقَالَ لَا وَالله يَا رَسُول الله مَا شَككت فِي أبي وَلَا فِي مصرعه وَلَكِنِّي كنت أعرف من أبي رَأيا وحلماً وفضلاً وَكنت أَرْجُو أَن يهديه ذَلِك لِلْإِسْلَامِ فَلَمَّا رَأَيْت مَا أَصَابَهُ ذكرت مَا مَاتَ عَلَيْهِ من الْكفْر بعد الَّذِي كنت أرجوه لَهُ أحزنني ذَلِك فَدَعَا لَهُ رَسُول الله بِخَير وَقَالَ لَهُ خيرا وَكَانَ الفتيةُ الَّذين قتلوا ببدر وَنزل فيهم من الْقرَان، فِيمَا ذكر لنا (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم قَالُوا فيهم كُنْتُم قَالوُا كناَ مُستَضعَفينَ فِي اَلأرَض قَالُوا ألَم تكَن أَرضُ الله وَاسِعَةَ فَتهَاجِروا فيهَا فَأُولَئِك مأواهم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} فتيةَ مسمين من بني أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْحَارِث بن زَمعَة وَمن بني مَخْزُوم أَبُو قيس ابْن الْفَاكِه وَقيس بن جمح عَليّ بن أُميَّة بن خلف وَمن بني سهم الْعَاصِ بن مُنَبّه وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا أَسْلمُوا وَرَسُول الله ب مَكَّة فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة حَبسهم آباؤهم وعشائرهم ب مَكَّة وفتنوهم ثمَّ سَارُوا مَعَ قَومهمْ إِلَى بدر فأصيبوا بِهِ جَمِيعًا ثمَّ إِن رَسُول الله أَمر بِمَا فِي الْعَسْكَر مِمَّا جمع النَّاس فَجمع فَاخْتلف فِيهِ الْمُسلمُونَ فَقَالَ من جمعه هُوَ لنا وَقَالَ الَّذين كَانُوا يُقَاتلُون الْعَدو ويطلبونه وَالله لَوْلَا نَحن مَا أصبتموه ولنحن شغلنا عَنْكُم الْقَوْم حَتَّى أصبْتُم مَا أصبْتُم وَقَالَ الَّذين كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُول الله مَخَافَة أَن يخلص إِلَيْهِ الْعَدو وَالله مَا أَنْتُم بِأَحَق بِهِ منا لقد رَأينَا أَن نُقَاتِل الْعَدو إِذْ منحنا الله أكتافهم وَلَقَد رَأينَا أَن نَأْخُذ الْمَتَاع حِين لم يكن دونه من يمنعهُ وَلَكِن خفنا على رَسُول الله كرةَ الْعَدو فقمنا دونه فَمَا أَنْتُم بِأَحَق بِهِ منا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَغَيره عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ واسْمه صدي بن عجلَان قَالَ سَأَلت عبَادَة بن الصَّامِت عَن الْأَنْفَال فَقَالَ فِينَا أَصْحَاب بدر نزلت حِين اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْل وَسَاءَتْ فِيهِ أخلاقُنا فَنَزَعَهُ الله من أَيْدِينَا فَجعله إِلَى رَسُول الله فَقَسمهُ رَسُول الله بَين الْمُسلمين عَن بَوَاء يَقُول على سَوَاء قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر قَالَ حَدثنِي بعض بني سَاعِدَة عَن أبي أسيد مَالك بن ربيعَة قَالَ أصبت سيف بني عَائِذ المخزوميين الَّذِي يُسمى الْمَرْزُبَان يَوْم بدر فَلَمَّا أَمر رَسُول الله أَن يردوا مَا فِي أَيْديهم من النَّفْل أَقبلت حَتَّى أَلقيته فِي النَّفْل قَالَ فَكَانَ رَسُول الله لَا يمْنَع شَيْئا يسْأَله فَعرفهُ الأرقم بن أبي الأرقم فَسَأَلَهُ رَسُول الله فَأعْطَاهُ إِيَّاه قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ بعث رَسُول الله عِنْد الْفَتْح عبد الله بن رَوَاحَة بشيراً إِلَى أهل الْعَالِيَة بِمَا فتح الله على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وَبعث زيد بن حَارِثَة إِلَى أهل السافلة قَالَ أُسَامَة بن زيد فَأَتَانَا الْخَبَر حِين سوينا التُّرَاب على رقية بنت رَسُول الله الَّتِي كَانَت عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان كَانَ رَسُول الله خلفني عَلَيْهَا مَعَ عُثْمَان بن عَفَّان أَن زيد بن حَارِثَة قد قدم قَالَ فَجِئْته وَهُوَ واقفٌ بالمصلى قد غشيه النَّاس وَهُوَ يَقُول قتل عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو جهل بن هِشَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَزَمعَة بن الْأسود وَأَبُو البخْترِي الْعَاصِ بن هِشَام وَأُميَّة بن خلف وَنبيه ومنبه ابْنا الْحجَّاج قَالَ قلت يَا أَبَت أَحَق هَذَا قَالَ نعم وَالله يَا بني ثمَّ أقبل رَسُول الله قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ الْأُسَارَى من الْمُشْركين وَفِيهِمْ عقبَة بن أبي معيط وَالنضْر بن الْحَارِث بن كلدة وَاحْتمل رَسُول الله مَعَه النَّفْل الَّذِي أُصِيب من الْمُشْركين وَجعل على النَّفْل عبد الله بن كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف ابْن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَالك بن النجار فَقَالَ راجز من الْمُسلمين قَالَ ابْن هِشَام يُقَال هُوَ عدي بن أبي الزغباء // (من الرجز) // (أَقمْ لَهَا صُدُورَها يَا بَسْبَسُ ... لَيْس بِذي الطَّلْح لَهَا مُعَرِّسُ) (وَلاَ بِصَحْرَاءِ غُمَيْرٍ مَحْبِسُ ... إنَّ مَطَايَا الْقَوْمِ لاَ تُحَبسُ) (فَحَمْلُهَا عَلَى الطَّرِيقِ أَكْيسُ ... قَدْ نَصَرَ اللهُ وَفَرَّ الأَخْنَسُ) ثمَّ أقبل رَسُول الله حَتَّى إِذا خرج من مضيق الصَّفْرَاء نزل على الْكَثِيب بَين الْمضيق وَبَين النازية يُقَال لَهُ سَيَر إِلَى سرحة بِهِ فقسم هُنَالك النَّفْل الَّذِي أَفَاء الله على الْمُسلمين من الْمُشْركين على السوَاء ثمَّ ارتحل رَسُول الله حَتَّى إِذا كَانَ ب الروحاء لقِيه الْمُسلمُونَ يهنئونه بِمَا فتح الله عَلَيْهِ وَمن مَعَه من الْمُسلمين فَقَالَ لَهُم سَلمَة بن سَلامَة كَمَا حَدثنِي عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَيزِيد بن رُومَان مَا الَّذِي تهنئوننا بِهِ فوَاللَّه إِن لَقينَا إِلَّا عَجَائِز صلعَاً كالبدن الْمُعَلقَة فنحرناها فَتَبَسَّمَ رَسُول الله ثمَّ قَالَ أَي ابْن أخي أُولَئِكَ الْمَلأ قَالَ ابْن هِشَام يُرِيد بالملأ الْأَشْرَاف والرؤساء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 قَالَ ابْن إِسْحَاق حَتَّى إِذا كَانَ الرَّسُول بالصفراء قتل النَّضر بن الْحَارِث صبرا قَتله عليّ بن أبي طَالب كَمَا أَخْبرنِي بعض أهل الْعلم من أهل مَكَّة قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ خرج حَتَّى إِذا كَانَ بعرق الظبية قتل عقبَة بن أبي معيط قَالَ ابْن إِسْحَاق وَالَّذِي أسر عقبةَ عبدُ الله بن سَلمَة أحدُ بني العجلان فَقَالَ عقبَة حِين أَمر رَسُول الله بقتْله فَمن للصيبة يَا مُحَمَّد قَالَ النَّار فَقتله عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح الْأنْصَارِيّ أَخُو بني عَمْرو بن عَوْف كَمَا حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة بن عمار بن يَاسر قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال قَتله عَليّ بن أبي طَالب فِيمَا ذكره ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَغَيره وَلَقي رَسُول الله بذلك الْموضع أَبُو هِنْد مولى فَرْوَة بن عَمْرو البياضي قَالَ ابْن هِشَام وَقد كَانَ تخلف عَن بدر ثمَّ شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله وَكَانَ حجام رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله إِنَّمَا أَبُو هِنْد امْرُؤ من الْأَنْصَار فأنكحوه وَانْكِحُوا إِلَيْهِ فَفَعَلُوا قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ مضى رَسُول الله حَتَّى قدم الْمَدِينَة قبل الْأُسَارَى بِيَوْم قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر أَن يحيى بن عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة قَالَ قدم بالأسارى حِين قدم بهم وَسَوْدَة بنت زَمعَة زوج النَّبِي عِنْد آل عفراء فِي مناخهم على عَوْف ومعوذ ابْني عفراء قَالَ وَذَلِكَ قبل أَن يضْرب عَلَيْهِن الْحجاب قَالَ تَقول سَوْدَة وَالله إِنِّي لعندهم إِذْ أُتينا فَقيل هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى قد أَتَى بهم قَالَت فَرَجَعت إِلَى بَيْتِي وَرَسُول الله فِيهِ وَإِذا أَبُو يزِيد سهيلُ بن عَمْرو فِي نَاحيَة من الْحُجْرَة مَجْمُوعَة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه قَالَت فَلَا وَالله مَا ملكت نَفسِي حِين رَأَيْت أَبَا يزِيد كَذَلِك أَن قلت أَي أَبَا يزِيد أعطيتم بِأَيْدِيكُمْ أَلا متم كراماً فوَاللَّه مَا أنبهني إِلَّا قَول رَسُول الله من الْبَيْت يَا سَوْدَة أَعلَى الله وعَلى رَسُوله تحرضين قَالَت فَقلت يَا رَسُول الله وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا ملكت نَفسِي حِين رَأَيْت أَبَا يزِيد مَجْمُوعَة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه أَن قلت مَا قلت قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني نبيه بن وهب أَخُو بني عبد الدَّار أَن رَسُول الله حِين أقبل بالأسارى فرقهم بَين أَصْحَابه وَقَالَ اسْتوصوا بالأسارى خيرا قَالَ فَكَانَ أَبُو عَزِيز بن عُمَيْر بن هَاشم أَخُو مُصعب بن عُمَيْر لِأَبِيهِ وَأمه فِي الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو عَزِيز مر بِي أخي مصعبُ بن عُمَيْر وَرجل من الْأَنْصَار يأسرني فَقَالَ شُد يَديك بِهِ فَإِن أمه ذَات مَتَاع لَعَلَّهَا تفديه مِنْك قَالَ وَكنت فِي رَهْط من الْأَنْصَار حَتَّى أَقبلُوا بِي من بدر فَكَانُوا إِذا قدمُوا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التَّمْر لوَصِيَّة رَسُول الله إيَّاهُم بِنَا فَمَا تقع فِي يَد رجل كسرة من الْخبز إِلَّا نفحني بهَا قَالَ فأستحيي فأردها عَلَيْهِ فيردها عَليّ مَا يَمَسهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ أَبُو عَزِيز صاحبَ لِوَاء الْمُشْركين بعد النَّضر بن الْحَارِث قَالَ ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا قَالَ أَخُوهُ مُصعب لأبي الْيُسْر وَهُوَ الَّذِي أسره مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيز يَا أخي هَذِه وصاتك بِي فَقَالَ أَخُوهُ مُصعب إِنَّه أخي دُونك قَالَ فَسَأَلت أمه عَن أغْلى مَا فدى بِهِ قرشي فَقيل لَهَا أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَبعثت بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم ففدته بهَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ أول من قدم مَكَّة بمصاب قُرَيْش الحيسمان بن عبد الله الْخُزَاعِيّ فَقَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ قتل عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو الحكم ابْن هِشَام وَأُميَّة بن خلف وَزَمعَة بن الْأسود وَنبيه ومنبه ابْنا الْحجَّاج وَأَبُو البخْترِي بن هِشَام فَلَمَّا جعل يعدد أَشْرَاف قُرَيْش قَالَ صَفْوَان بن أُميَّة وَهُوَ قَاعد فِي الْحجر وَالله إِن يعقل هَذَا فَاسْأَلُوهُ عني فَقَالُوا مَا فعل صَفْوَان بن أُميَّة قَالَ هُوَ ذَاك جَالِسا فِي الْحجر وَقد وَالله رَأَيْت أَبَاهُ وأخاه حِين قتلا قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عباد قَالَ ناحت قُرَيْش على قتلاها ثمَّ قَالُوا لَا تَفعلُوا فَيبلغ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه فيشمتوا بكم وَلَا تبعثوا فِي أَسْرَاكُم حَتَّى تستأنوا بهم لَا يأرب عَلَيْكُم مُحَمَّد وَأَصْحَابه فِي الْفِدَاء وَكَانَ الْأسود بن الْمطلب قد أُصِيب لَهُ ثَلَاثَة من وَلَده زَمعَة بن الْأسود وَعقيل ابْن الْأسود والْحَارث بن زَمعَة بن الْأسود وَكَانَ يجب أَن يبكي على بنيه قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ سمع نائحة من اللَّيْل فَقَالَ لغلام لَهُ وَقد ذهب بَصَره انْظُر هَل أُحل النحب هَل بَكت قُرَيْش على قتلاها لعَلي أبْكِي علْى أبي حكيمة يَعْنِي زَمعَة فَإِن جوفي قد احْتَرَقَ قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ الْغُلَام قَالَ إِنَّمَا هِيَ امْرَأَة تبْكي على بعير لَهَا أضلته قَالَ فَذَاك حِين يَقُول الْأسود // (من الوافر) // (أَتَبْكِي أنْ يَضِلَّ لهَا بَعِيرٌ ... وَيَمنعها مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ؟ !) (فَلا تَبْكي عَلَى بَكْرٍ، وَلكنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرت الجُدُودُ) (عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بِنَى هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبي الْوَليدِ) (وَبَكِّي إِنْ بَكَيْتِ عَلى عَقِيلٍ ... وَبَكِّي حَارثاً أَسَدَ الأُسُودِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 (وَبَكِّيهِم وَلاَ تَسمِي جَمِيعاً ... وَمَا لأبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ) (أَلاَ قَدْ سَادَ بَعْدَهُمُ رِجَالٌ ... وَلَوْلا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو ودَاعَة بن ضبيرة السَّهْمِي فَقَالَ رَسُول الله إِن لَهُ بِمَكَّة ابْنا كيساً تَاجِرًا ذَا مَال وكأنكم بِهِ قد جَاءَ فِي طلب فدَاء أَبِيه فَلَمَّا قَالَت قُرَيْش لَا تعجلوا فِي فدَاء أَسْرَاكُم لَا يأرب عَلَيْكُم مُحَمَّد وَأَصْحَابه قَالَ الْمطلب بن أبي ودَاعَة وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُول الله عني صَدقْتُمْ وَلَا تعجلوا وانسل من اللَّيْل فَقدم الْمَدِينَة فَأخذ أَبَاهُ بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم فَانْطَلق بِهِ ثمَّ بعثت قُرَيْش فِي فدَاء الْأُسَارَى فَقدم مكرز بن حَفْص بن الأخيف فِي فدَاء سُهَيْل بن عَمْرو وَكَانَ الَّذِي أسره مَالك بن الدخشم أَخُو بني سَالم بن عَوْف فَقَالَ // (من المتقارب) // (أَسَرْتُ سُهَيْلاً فَلاَ أَبْتَغِي ... أَسِيراً بِهِ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمْ) (وَخِنْدِفُ تَعْلَمُ أَنَّ الْفَتَى ... فَتَاهَا سُهَيلٌ إِذَا يُظَّلمْ) (ضَرَبْتُ بِذِي الشَّفْرِ حَتَّى انْثَنَى ... وَأَكرَهْتُ نَفْسي عَلَى ذِي العَلَمْ) وَكَانَ سُهَيْل بن عَمْرو أعلم وهوالمشقوق من الشّفة الْعليا قَالَ ابْن هِشَام وَبَعض أهل الْعلم بالشعر يُنكر هَذَا الشّعْر لمَالِك بن الدخشم قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء أَخُو بني عَامر بن لؤَي أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لرَسُول الله يَا رَسُول الله انْزعْ ثنيتي سُهَيْل بن عَمْرو يدلع لِسَانه فَلَا يقوم عَلَيْك خَطِيبًا فِي مَوضِع أبدا قَالَ فَقَالَ رَسُول الله لَا أمثل بِهِ فيمثل الله بِي وَإِن كنت نَبيا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد بَلغنِي أَن رَسُول الله قَالَ لعمر فِي هَذَا الحَدِيث إِنَّه عَسى أَن يقوم مقَاما لَا تذمه وَقد ذكر هَذَا الْمقَام ابْن هِشَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 قَالَ ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا قاولهم فِيهِ مكرز وانْتهى إِلَى رضاهم قَالَ هَات الَّذِي لنا قَالَ اجعلوا رجْلي مَكَان رجله وخلوا سَبيله حَتَّى يبْعَث إِلَيْكُم بفدائه فَخلوا سَبِيل سُهَيْل وحبسوا مكرزاً عِنْدهم فَقَالَ مكرز // (من الطَّوِيل) // (فديتُ بأذوادٍ ثَمَانٍ سِبَا فَتَىً ... يَنَالُ الصَّمِيمَ غُرْمُهَا لاَ الموالِيَا) (رَهَنْتُ يَدِي والمالُ أَيْسَرُ مِنْ يَدِي ... عَلَيَّ وَلَكِنِّي خَشيتُ المخَازِيَا) (وقلتُ سُهيلٌ خَيْرُنَا فاذهَبُوا بِهِ ... لأَبْنَائِنَا حتَّى نُدِيرَ الأَمَانِيَا) قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر قَالَ كَانَ عَمْرو بن أبي سُفْيَان بن حَرْب قَالَ ابْن هِشَام: أم عَمْرو بنت أبي عْمرو: أُخْت أبي معيط بن أبي عَمْرو) - أَسِيرًا فِي يَدي رَسُول الله من أُسَارَى بدر قَالَ ابْن هِشَام: أسره عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر قَالَ قيل لأبي سُفْيَان افْدِ عمرا ابْنك فَقَالَ أيجمع عَليّ دمي وَمَالِي قتلْوا حَنْظَلَة وأفدى عمرا دَعوه فِي أَيْديهم يمسكونه مَا بدا لَهُم قَالَ فَبينا هُوَ كَذَلِك مَحْبُوس بِالْمَدِينَةِ عِنْد رَسُول الله إِذْ خرج سعد بن النُّعْمَان بن أكال أَخُو بني عَمْرو بن عَوْف ثمَّ أحد بني مُعَاوِيَة مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مرية لَهُ وَكَانَ شَيخا مُسلما فِي غنم لَهُ بِالبَقِيعِ فَخرج من هُنَالك مُعْتَمِرًا وَلَا يخْشَى الَّذِي صنع بِهِ لم يظنّ أَنه يحبس بِمَكَّة إِنَّمَا جَاءَ مُعْتَمِرًا وَقد كَانَ عهد قُرَيْش لَا يعرضون لأحد جَاءَ حَاجا أَو مُعْتَمِرًا إِلَّا بِخَير فَعدا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَان ابْن حَرْب فحبسه بِابْنِهِ عَمْرو ثمَّ قَالَ // (أَبُو سُفْيَان) // من الطَّوِيل (أرَهْط ابْنِ أكَّال أَجيبُوا دُعاءهُ ... تَعَاقدتمُ لاَ تُسْلِمُوا السَّيِّد الْكَهْلاَ) (فَإنَّ بني عَمْرو لِئَامٌ أَذِلَّة ... لَئِنْ لَمْ يَفُكوا عَنْ أَسِيرهِمُ الْكَبْلاَ) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت // (من الطَّوِيل) // (لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكَّةَ مُطلَقاً ... لأَكْثَر فِيكمْ قَبْل أنْ يُؤسَرَ القَتلاَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 (بِعضبٍ حُسامٍ أوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ ... تَحِنُّ إِذَا مَا أُنْبضَتْ تحفز النَّبْلاَ) وَمَشى بَنو عَمْرو بن عَوْف إِلَى رَسُول الله فأخبروه خَبره وسألوه أَن يعطيهم عَمْرو بن أبي سُفْيَان يفكوا بِهِ صَاحبهمْ فَفعل رَسُول الله فبعثوا بِهِ إِلَى أبي سُفْيَان فخلى سَبِيل سعد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَبُو عزة عَمْرو بن عبد الله بن عُثْمَان بن أهيب بن حذافة بن جمح وَكَانَ مُحْتَاجا ذَا بَنَات فَكلم رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله لقد عرفت مَا لي من مَال وَإِنِّي لذُو حَاجَة وَذُو عِيَال فَامْنُنْ عَليّ فَمن عَلَيْهِ رَسُول الله وَأخذ عَلَيْهِ أَلا يظاهر عَلَيْهِ أحدا أبدا فَقَالَ أَبُو عزة فِي ذَلِك يمدح رَسُول الله وَيذكر فَضله فِي قومه // (من الطَّوِيل) // (منْ مُبْلغٌ عَنِّي الرَّسُول مُحَمَّداً ... بِأَنَّكَ حَقٌّ والمليكُ حَمِيدُ) (وَأَنْتَ امْرِؤ يَدْعُو إِلى الحَقِّ والهدَى ... عَلَيْكَ مِنْ الله العظيمِ شَهيدُ) (وأَنْتَ امْرؤٌ بُوِّئْتَ فِينَا مبَاءةً ... لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وصعُودُ) (فَإِنَّكَ مَنْ حَارَبْتَهُ لَمحُارَبٌ ... شَقيٌّ ومَنْ سالمْتَهُ لسعِيدُ) (وَلكن إذَا ذُكِّرْتُ بَدْراً وَأَهْلَهُ ... تَأَوَّبَ مَا بِي حَسْرَةٌ وَقُعُودُ) قَالَ ابْن هِشَام وَكَانَ فدَاء الْمُشْركين يَوْمئِذٍ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم إِلَّا من لَا شَيْء لَهُ فَمن عَلَيْهِ رَسُول الله حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ فَلَمَّا انْقَضى أَمر بدر أنزل الله عز وَجل فِيهِ من الْقرَان الْأَنْفَال بأسرها وَكَانَ مِمَّا أنزل فِيهَا من اخْتلَافهمْ فِي النَّفْل حِين اخْتلفُوا فِيهِ {يسئلَونَكَ عَنِ الأنَفَال قُلِ اَلأنفَالُ للهِ وَاَلرَسُولِ فَآتَقُوا اَللهَ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينكمُ وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتمُ مُّؤمِنين} الْأَنْفَال: 1 فَكَانَ عبَادَة بن الصَّامِت فِيمَا بَلغنِي إِذا سُئِلَ عَن الْأَنْفَال قَالَ فِينَا معشر أَصْحَاب بدر نزلت حِين اخْتَلَفْنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 فِي النَّفْل يَوْم بدر فانتزعه الله من أَيْدِينَا حِين ساءت فِيهِ أَخْلَاقنَا فَرده على رَسُول الله فَقَسمهُ بَيْننَا عَن بَوَاء يَقُول على السوَاء وَفِي ذَلِك تقوى الله وطاعته وَطَاعَة رَسُوله وَصَلَاح ذَات الْبَين ثمَّ ذكر الْقَوْم ومسيرهم مَعَ رَسُول الله حِين عرف الْقَوْم أَن قُريْشًا سَارُوا إِلَيْهِم وَإِنَّمَا خَرجُوا يُرِيدُونَ العير طَمَعا فِي الْغَنِيمَة فَقَالَ {كَمَا أَخرَجَكَ رَبُك مِن بَيتك باَلحق وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلمُؤمنِينَ لَكاَرِهُونَ يجادلوُنَكَ فِي الْحق بَعْدَمَا تبينَ كأنَما يسُاقُونَ إِلَى اَلمَوتِ وَهُم يَنظُرُونَ} الْأَنْفَال 5، 6 أَي كَرَاهِيَة للقاء الْقَوْم وَإِنْكَارا لمسير قُرَيْش حِين ذكرُوا لَهُم {وَإذ يَعِدُكُمُ اَللهُ إِحدىَ اَلطَائفتينِ أَنهَا لَكُم وَتَوَدُونَ أَن غَيرَ ذَاتِ اَلشَوكةِ تَكونُ لَكم} الْأَنْفَال 7 أَي الْغَنِيمَة دون الْحَرْب {وَيُرِيد الله أَن يحِق ألحَق بكلماته ويقطَعَ دَابِرَ اَلكافِرِينَ} الْأَنْفَال 7 أَي بالوقعة الَّتِي أوقع بصناديد قُرَيْش وَقَادَتهمْ يَوْمئِذٍ تأييداً لدين الْحق دين رَسُول الله قَالَ ابْن إِسْحَاق وَهَذِه تَسْمِيَة من شهد بَدْرًا من الْمُسلمين ثمَّ قُرَيْش ثمَّ من بني هَاشم بن عبد منَاف وَبني الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة مُحَمَّد رَسُول الله ابْن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب بن هَاشم أَسد الله وَأسد رَسُوله عَم رَسُول الله وَعلي بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم وَزيد بن حَارِثَة بن شُرَحْبِيل الْكَلْبِيّ أنعم الله عَلَيْهِ وَرَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ابْن إِسْحَاق وآَنسَة مولى رَسُول الله وَأَبُو كَبْشَة مولى رَسُول الله وَأَبُو مرْثَد بن حُصَيْن بن يَرْبُوع وَابْنَة مرْثَد بن أبي مرْثَد حليفاً حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب وأخواه طفيل وَالْحصين ابْنا الْحَارِث ومسطح واسْمه عَوْف بن أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب وَمن عبد شمس عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس تخلف على امْرَأَته رقية بنت رَسُول الله فَضرب لَهُ رَسُول الله بسهمه قَالَ وَأجْرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 يَا رَسُول الله قَالَ وأجرك وَأَبُو حُذَيْفَة بن ربيعَة بن عبد شمس وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَاسم أبي حُذَيْفَة هَذَا مهشم وَسَالم سائبة لتثبيتة بنت يعار بن زيد سيبته فَانْقَطع إِلَى أبي حُذَيْفَة فَتَبَنَّاهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَزَعَمُوا أَن صبيحاً مولى أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس تجهز لِلْخُرُوجِ مَعَ رَسُول الله ثمَّ مرض فَحمل على بعيره أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم ثمَّ شهد صبيح بعد ذَلِك الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله وَشهد بَدْرًا من حلفاء بني عبد شمس ثمَّ من بني أَسد بن خُزَيْمَة عبد الله بن جحش بن رِئَاب بن يعمر بن صبرَة بن مرّة بن كَبِير بن غنم بن دودان بن أَسد وعكاشة بن مُحصن وشجاع بن وهب بن ربيعَة وَأَخُوهُ عقبَة بن وهب وَيزِيد بن رُقَيْش بن رِئَاب وَأَبُو سِنَان بن مُحصن وَابْنه سِنَان بن أبي سِنَان ومحرز بن نَضْلَة ابْن عبد الله وَرَبِيعَة بن أَكْثَم أخي عكاشة بن مُحصن بن سَخْبَرَة بن عَمْرو بن لكيز ابْن عَامر بن غنم بن دودان بن أَسد وَمن حلفاء بني كَبِير بن غنم بن دودان بن أَسد ثقف بن عَمْرو وأخواه مَالك ابْن عَمْرو ومدلج قَالَ ابْن هِشَام مدلاج بن عَمْرو وهم من بني حجر آل بني سليم وَأَبُو مخشي حَلِيف لَهُم قَالَ ابْن هِشَام أَبُو مخشي طائي واسْمه سُوَيْد بن مخشي وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف عتبَة بن غَزوَان بن جَابر من بني قيس بن عيلان وخباب مولى عتبَة بن غَزوَان وَمن بني أَسد بن عبد الْغَزِّي بن قصي الزبير بن الْعَوام وحاطب بن أبي بلتعة وَسعد مولى حَاطِب قَالَ ابْن هِشَام حَاطِب بن أبي بلتعة لخمي وَسعد مَوْلَاهُ كَلْبِي وَمن بني عبد الدَّار بن قصي مُصعب بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار وسويبط بن سعد بن حُرَيْمِلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وَمن بني زهرَة بن كلاب عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بن عبد عَوْف بن عبد الْحَارِث ابْن زهرَة وَسعد بن أبي وَقاص وَأَخُوهُ عُمَيْر بن أبي وَقاص وَمن حلفائهم الْمِقْدَاد بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن قضاعة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَعبد الله بن مَسْعُود من هُذَيْل ومسعود بن ربيعَة من القارة قَالَ ابْن هِشَام القارة لقب لَهُم يُقَال قد أنصف القارة من راماها وَكَانُوا رُمَاة وَذُو الشمالين بن عبد عَمْرو بن نَضْلَة من خُزَاعَة وَإِنَّمَا قيل لَهُ ذُو الشمالين لِأَنَّهُ كَانَ أعْسر واسْمه عُمَيْر وخباب بن الْأَرَت من بني تَمِيم وَيُقَال من خُزَاعَة وَمن بني تيم من مرّة أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ واسْمه عَتيق وَقيل عبد الله ولقب بعتيق لحسن وَجهه وعتقه وبلال بن رَبَاح مولى أبي بكر مولد من مولدِي بني جمح لَا عقب لَهُ وعامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مولد من مولدِي الْأسد لَا عقب لَهُ وصهيب بن سِنَان من النمر بن قاسط وَيُقَال مولى عبد الله بن جُدعان وَيُقَال إِنَّه رومي وَقيل كَانَ أَسِيرًا فِي الرّوم فَاشْترى مِنْهُم وَفِي الحَدِيث عَن النَّبِي صُهَيْب سَابق الرّوم وَطَلْحَة بن عبيد الله بن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم كَانَ بِالشَّام قدم بعد رُجُوع رَسُول الله من بدر فَكَلمهُ فَضرب لَهُ بسهمه فَقَالَ وَأجْرِي يَا رَسُول الله قَالَ وأجرك وَمن بني مَخْزُوم بن يقظة أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وشماس بن عُثْمَان بن الشريد والأرقم بن أبي الأرقم عبد منَاف بن أَسد وعمار بن يَاسر قَالَ ابْن هِشَام عنسي من مذْحج ومعتب بن عَوْف بن عَامر من خُزَاعَة حَلِيف لَهُم وَهُوَ الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 يُقَال لَهُ معتب بن حَمْرَاء وَمن بني عدي بن كَعْب عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعزي وَأَخُوهُ زيد ابْن الْخطاب وَمهجع مولى عمر رَضِي الله عَنهُ من أهل الْيمن أول من قتل بَين الصفين رمى بِسَهْم قَالَ ابْن هِشَام مهجع من عك وَعَمْرو بن سراقَة وَأَخُوهُ عبد الله بن سراقَة وواقد بن عبد الله بن عبد منَاف بن عرين بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع ابْن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم حَلِيف لَهُم وخولى بن أبي خولى وَمَالك ابْن أبي خولى حليفان لَهُم وعامر بن ربيعَة حَلِيف آل الْخطاب من عنز بن وَائِل وعامر بن البكير بن عبد ياليل وعاقل بن البكير وخَالِد بن البكير وَإيَاس بن البكير حلفاء بني عدي بن كَعْب وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل قدم بعد بدر فَضرب لَهُ رَسُول الله بسهمه قَالَ وَأجْرِي يَا رَسُول الله قَالَ وأجرك وَمن بني جمح عُثْمَان بن مَظْعُون وَابْنه السَّائِب وأخواه قدامَة بن مَظْعُون وَعبد الله بن مَظْعُون وَمعمر بن الْحَارِث بن معمر وَمن بني سهم خُنَيْس بن حذافة بن قيس وَمن بني عَامر بن لؤَي ثمَّ من بني مَالك بن حسل بن عَامر أَبُو سُبْرَة بن أبي رهم وَعبد الله بن مخرمَة بن عبد الْعُزَّى، وَعبد الله بن سُهَيْل بن عَمْرو، خرج مَعَ أَبِيه سُهَيْل بن عَمْرو فَلَمَّا نزل النَّاس بَدْرًا فر إِلَى رَسُول الله فشهدها مَعَه وَعُمَيْر بن عَوْف مولى سُهَيْل بن عَمْرو وَسعد بن خَوْلَة حَلِيف لَهُم قَالَ ابْن هِشَام سعد بن خَوْلَة من الْيمن وَمن بني الْحَارِث بن فهر أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ عَامر بن عبد الله بن الْجراح وَسُهيْل بن وهب بن ربيعَة وَأَخُوهُ صَفْوَان بن وهب وهما ابْنا بَيْضَاء وَعَمْرو بن أبي سرح بن ربيعَة وَعَمْرو بن الْحَارِث بن زُهَيْر الْخَمْسَة من هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث فَجَمِيع من شهد بَدْرًا من الْمُهَاجِرين وَمن ضرب لَهُ رَسُول الله بسهمه وأجره ثَلَاثَة وَثَمَانُونَ رجلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 قَالَ ابْن هِشَام وَكثير من أهل الْعلم غير ابْن إِسْحَاق يذكرُونَ فِي الْمُهَاجِرين ببدر من قُرَيْش ثمَّ من بني هَاشم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي بني عَامر بن لؤَي وهب بن سعد بن أبي سرح وحاطب بن عَمْرو وَفِي بني الْحَارِث بن فهر عِيَاض بن أبي زُهَيْر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَشهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله من الْمُسلمين من الْأَنْصَار ثمَّ من الْأَوْس بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن عَامر ثمَّ من بني عبد الْأَشْهَل بن جشم ابْن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس سعد بن معَاذ بن النُّعْمَان ابْن امرىء الْقَيْس بن زيد بن عبد الْأَشْهَل وَعَمْرو بن معَاذ بن النُّعْمَان والْحَارث ابْن أَوْس بن معَاذ بن النُّعْمَان والْحَارث بن أنس بن رَافع بن امرىء الْقَيْس وَمن بني عبيد بن كَعْب بن عبد الْأَشْهَل سعد بن زيد بن مَالك بن عبيد وَمن بني زاعوراء بن عبد الْأَشْهَل وَيُقَال زعوراء فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام سَلمَة بن سَلامَة ابنْ وقش بن زغبة بن زاعوراء وَعباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زاعوراء وَسَلَمَة ابْن ثَابت بن وقش وَرَافِع بن يزِيد بن كرز بن سكن بن زاعوراء والْحَارث بن خزمة ابْن عدي وَيُقَال خُزَيْمَة بن عدي حَلِيف لَهُم من بني عَوْف بن الْخَزْرَج وَمُحَمّد ابْن مسلمة بن خَالِد حَلِيف لَهُم من بني حَارِثَة وَسَلَمَة بن أسلم بن حريش حَلِيف لَهُم من بني حَارِثَة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان وَعبيد بن التيهَان قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال عتِيك بن التيهَان قَالَ ابْن إِسْحَاق وَعبد الله بن سهل قَالَ ابْن هِشَام عبد الله بن سهل أَخُو بني زعوراء وَيُقَال من غَسَّان قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني ظفر ثمَّ من بني سَواد بن كَعْب قَالَ ابْن هِشَام ظفر ابْن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس قَتَادَة بن النُّعْمَان ابْن زيد بن عَامر بن سَواد وَعبيد بن أَوْس بن مَالك بن سَواد وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ مقرن لِأَنَّهُ قرن أَرْبَعَة أسرى فِي يَوْم بدر وَهُوَ الَّذِي أسر عقيل بن أبي طَالب يَوْمئِذٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني عبد بن رزاح بن كَعْب نصر بن الْحَارِث بن عبد ومعتب بن عبيد وَمن حلفائهم من بليّ عبد الله بن طَارق ثَلَاثَة نفر وَمن بني حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس مَسْعُود بن سعد بن عَامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حَارِثَة قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال مَسْعُود بن عبد سعد وَأَبُو عبس بن جبر بن عَمْرو بن زيد بن جشم وَمن حلفائهم من بلي أَبُو بردة من نيار من بني عَمْرو بن الحاف بن قضاعة وَمن بني عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس ثمَّ من بني ضبيعة عَاصِم بن ثَابت بن قيس وَقيس أَبُو الأقلح بن عصمَة بن مَالك ومعتب بن قُشَيْر بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وَأَبُو مليل بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وَعَمْرو بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة قَالَ ابْن هِشَام عُمَيْر بن معبد وَسَهل بن حنيف بن واهب بن العكيم من بني عَمْرو الَّذِي يُقَال لَهُ بحزج ابْن حَنش بن عَوْف وَمن بني أُميَّة بن زيد بن مَالك مُبشر بن عبد الْمُنْذر بن زنبر بن زيد بن أُميَّة وَرِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر وَسعد بن عبيد بن النُّعْمَان وعويم بن سَاعِدَة وَرَافِع ابْن عنجدة وعنجدة أمه وَعبيد بن أبي عبيد وثعلبة بن حَاطِب وَزَعَمُوا أَن أَبَا لبَابَة ابْن عبد الْمُنْذر والْحَارث بن حَاطِب خرجا مَعَ رَسُول الله فرجعهما وَأمر أَبَا لبَابَة على الْمَدِينَة فَضرب لَهما بسهمين مَعَ أَصْحَاب بدر قَالَ ابْن هِشَام ردهما من الروحاء قَالَ ابْن هِشَام وحاطب بن عَمْرو بن عبيد ابنْ أُميَّة وَاسم أبي لبَابَة بشير قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني عبيد بن زيد بن مَالك أنيس بن قَتَادَة بن ربيعَة بن خَالِد بن الْحَارِث بن عبيد وَمن حلفائهم من بلي معن بن عدي بن الْجد بن العجلان بن ضبيعة وثابت بن أقرم بن ثَعْلَبَة وَعبد الله بن سَلمَة بن مَالك وَزيد بن أسلم بن ثَعْلَبَة ورِبْعِي بن رَافع بن زيد وَخرج عَاصِم بن عدي بن الْجد بن عجلَان فَرده رَسُول الله وَضرب لَهُ بسهمه مَعَ أَصْحَاب بدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وَمن بني ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن عَوْف عبد الله بن جُبَير بن النُّعْمَان وَعَاصِم بن قيس بن ثَابت قَالَ ابْن إِسْحَاق وَسَالم بن عُمَيْر بن ثَابت وَأَبُو ضياح بن ثَابت بن النُّعْمَان والْحَارث بن النُّعْمَان بن أُميَّة وخوات بن جُبَير بن النُّعْمَان ضرب لَهُ رَسُول الله بِسَهْم من أهل بدر وَمن بني جحجبى بن كلفة بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف مُنْذر بن مُحَمَّد بن عقبَة ابْن أحيحة بن الجلاح وَمن حلفائهم من بني أنيف أَبُو عقيل بن عبد الله بن ثَعْلَبَة قَالَ ابْن إِسْحَاق ومنْ بني غنم بن السّلم بن امرىء الْقَيْس بن مَالك بن الْأَوْس سعد بن خَيْثَمَة بن الْحَارِث وَمُنْذِر بن قدامَة وَمَالك بن قدامَة بن عرْفجَة قَالَ ابْن إِسْحَاق والْحَارث بن عرفحة قَالَ ابْن هِشَام عرْفجَة بن كَعْب بن النحاط بن كَعْب بن حَارِثَة بن غنم قَالَ ابْن إِسْحَاق وَتَمِيم مولى بني غنم وَمن بني مُعَاوِيَة بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف جبر بن عتِيك بن الْحَارِث بن قيس بن هيشة بن الْحَارِث بن أُميَّة بن مُعَاوِيَة وَمَالك بن نميلَة حَلِيف لَهُم من مزينة والنعمان بن عصر حَلِيف لَهُم من بلَى فَجَمِيع من شهد بَدْرًا من الْأَوْس مَعَ رَسُول الله وَمن ضرب لَهُ بسهمه وأجره أحد وَسِتُّونَ رجلا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَشهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله من الْمُسلمين ثمَّ من الْأَنْصَار ثمَّ من الْخَزْرَج بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن عَامر ثمَّ من بني الْحَارِث ابْن الْخَزْرَج ثمَّ من بني امرىء الْقَيْس بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج خَارِجَة بن زيد بن أبي زُهَيْر وَسعد بن ربيع بن عَمْرو بن أبي زُهَيْر وَعبد الله بن رَوَاحَة بن امرىء الْقَيْس وخلاد بن سُوَيْد بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو ابْن حَارِثَة بن امرىء الْقَيْس وَمن بني زيد بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بشير بن سعد بن ثَعْلَبَة بن خلاس بن زيد وَأَخُوهُ سماك بن سعد قَالَ ابْن هِشَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وَيُقَال جلاس وَهُوَ عندنَا خطأ وَمن بني عدي بن كَعْب بن الْخَزْرَج بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج سبيع بن قيس بن عيشة بن أُميَّة بن مَالك بن عَامر بن عدي وَعباد بن قيس بن عيشة أَخُوهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَعبد الله بن عبس وَمن بني أَحْمَر بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج يزِيد بن الحْارث بن قيس بن مَالك بن أَحْمَر وَمن بني جشم بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَزيد بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج وهما التوءمان خبيب بن أساف بن عتبَة بن عَمْرو بن خديج بن عَامر بن جشم وَعبد الله ابْن زيد بن ثَعْلَبَة وَأَخُوهُ حُرَيْث بن زيد بن ثَعْلَبَة زَعَمُوا وسُفْيَان بن بشر قَالَ ابْن هِشَام سُفْيَان بن نسر بن عَمْرو بن الْحَارِث بن كَعْب بن زيد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني جدارة بن عَوْف بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج تَمِيم بن يعار بن قيس بن عدي بن أُميَّة بن جدارة وَعبد الله بن عُمَيْر بن عدي بن أُميَّة بن جدارة وَزيد بن المزين بن قيس وَعبد الله بن عرفطة بن عدي بن أُميَّة بن جدارة وَمن بني الأبجر وهم بَنو خُدرة بن عَوْف بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج عبد الله بن ربيع بن قيس بن عَمْرو بن عباد بن الأبجر وَمن بني عَوْف بن الْخَزْرَج ثمَّ من بني عبيد بن مَالك بن سَالم بن غنم بن عَوْف بن الْخَزْرَج وهم بَنو الحبلى قَالَ ابْن هِشَام الحبلى سَالم بن غنم سمي بِهِ لعظم بَطْنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن مَالك بن الْحَارِث بن عبيد وسلول أم أبيّ وَأَوْس بن خولي بن عبد الله بن الْحَارِث بن عبيد وَمن بني جُزْء بن عدي بن مَالك بن سَالم زيد بن وَدِيعَة بن عَمْرو بن قيس بن جُزْء وَعقبَة بن وهب بن كلدة حَلِيف لَهُم من بني عبد الله بن غطفان وَرِفَاعَة بن عَمْرو بن زيد وعامر بن سَلمَة بن عَامر حَلِيف لَهُم من الْيمن وَأَبُو خميصة معبد ابْن عباد بن قُشَيْر بن الْمُقدم بن سَالم بن غنم وعامر بن البكير حَلِيف لَهُم وَمن بني سَالم بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن الْخَزْرَج ثمَّ من بني العجلان بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 بن زيد بن غنم بن سَالم نَوْفَل بن عبد الله بن نَضْلَة بن مَالك بن العجلان وَمن بني أَصْرَم بن فهر بن ثَعْلَبَة بن غنم بن سَالم بن عَوْف عبَادَة بن الصَّامِت بن قيس بن أَصْرَم وَأَخُوهُ أَوْس بن الصَّامِت وَمن بني دعد بن فهر بن ثَعْلَبَة بن غنم النُّعْمَان بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن دعد والنعمان الَّذِي يُقَال لَهُ قوقل وَمن بني قربوش بن غنم بن أُميَّة بن لوذان بن سَالم ثَابت بن هزال بن عَمْرو ابْن قربوش وَيُقَال قربوس بِالْمُهْمَلَةِ وَمن بني مرضخة بن غنم مَالك بن الدخشم قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني لوذان ابْن غنم بن سَالم ربيع بن إِيَاس بن عَمْرو بن غنم بن أُميَّة بن لوذان وَأَخُوهُ ورقة ابْن إِيَاس وَعَمْرو بن إِيَاس حَلِيف لَهُم من أهل الْيمن قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال عَمْرو أَخُو ربيع وورقة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن حلفائهم من بلَى ثمَّ من بني غصينة وغصينة أمّهم كَمَا قَالَ ابْن هِشَام وأبوهم عَمْرو بن عمَارَة المجذر بن ذياد وَاسم المجذر عبد الله بن عَمْرو بن زمزمة وَعباد وَيُقَال عبَادَة بن الخشخاش بن عَمْرو بن زمزمة ونحاب بن ثَعْلَبَة بن خزمة وَيُقَال نحاث بن ثَعْلَبَة وَعبد الله بن ثَعْلَبَة ابْن خزمة بن أَصْرَم قَالَ ابْن هِشَام وَزَعَمُوا أَن عتبَة بن ربيعَة بن خَالِد بن مُعَاوِيَة حَلِيف لَهُم من بهراء قد شهد بَدْرًا قَالَ ابْن هِشَام عتبَة بن بهز من بني سليم وَمن بني سَاعِدَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج ثمَّ من بني ثَعْلَبَة بن الْخَزْرَج بن سَاعِدَة أَبُو دُجَانَة سماك بن أَوْس بن خَرشَة بن لوذان وَالْمُنْذر بن عَمْرو بن خُنَيْس بن حَارِثَة ابْن لوذان وَمن بني الْبَدِيِّ بن عَامر بن عَوْف بن حَارِثَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج بن سَاعِدَة أَبُو أسيد ماْلك بن ربيعَة بن الْبَدِيِّ وَمَالك بن مَسْعُود وَهُوَ إِلَى الْبَدِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 وَمن بني طريف بن الْخَزْرَج بن سَاعِدَة عبد ربه بن حق بن أَوْس بن وقش بن ثَعْلَبَة بن طريف وَمن حلفائهم من جُهَيْنَة كَعْب بن حمَار بن ثَعْلَبَة قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال كَعْب بن جماز وَهُوَ من غبشان وضمرة وَزِيَاد وبسبس بَنو عَمْرو وَيُقَال ضَمرَة وَزِيَاد ابْنا بشر وَعبد الله بن عَامر من بلي وَمن بني جشم بن الْخَزْرَج ثمَّ من بني سَلمَة بن سعد ثمَّ من بني حرَام بن كَعْب بن غنم خرَاش بن الصمَّة بن عَمْرو بن الجموح والحباب بن الْمُنْذر بن الجموح وَعُمَيْر بن الْحمام بن الجموح وَتَمِيم مولى خرَاش بن الصمَّة وَعبد الله بن عَمْرو بن حرَام ومعاذ بن عَمْرو بن الجموح ومعوذ بن عَمْرو بن الجموح وخلاد بن عَمْرو بن الجموح وَعقبَة بن عَامر بن نابي وخبيب بن الْأسود مولى لَهُم وثابت بن ثَعْلَبَة بن زيد بن الْحَارِث بن حرَام وثعلبة الَّذِي يُقَال لَهُ الْجذع وَعُمَيْر بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة قَالَ ابْن هِشَام وكل مَا كَانَ هاههنا الجموح فَهُوَ الجموح بن زيد بن حرَام إِلَّا مَا كَانَ من جد الصمَّة فَإِنَّهُ الجموح بن حرَام قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة ثمَّ من بني خنساء بن سِنَان بن عبيد بشر بن الْبَراء بن معْرور بن صَخْر بن خنساء والطفيل بن مَالك بن خنساء والطفيل بن النُّعْمَان بن خنساء وَعبد الله بن الْجد بن قيس بن صَخْر بن خنساء وَسنَان بن صَيْفِي بن صَخْر بن خنساء وَعتبَة بن عبد الله بن صَخْر ابْن خنساء وجبار بن صَخْر وخارجة بن حمير وَعبد الله بن حمير حليفان لَهُم من أَشْجَع من بني دهمان قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال جَبَّار بن صَخْر بن أُميَّة بن خناس قَالَ ابْن إِسْحَاق تِسْعَة نفر وَمن بني خناس بن سِنَان بن عبيد يزِيد بن الْمُنْذر بن سرح بن خناس وَمَعْقِل ابْن الْمُنْذر بن سرح وَعبد الله بن النُّعْمَان بن بلدمة وَالضَّحَّاك بن حَارِثَة بن زيد بن ثَعْلَبَة بن عبيد وَسَوَاد بن زُرَيْق بن ثَعْلَبَة بن عبيد قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال سَواد بن رزن بن زيد بن ثَعْلَبَة ومعبد بن قيس بن صَخْر بن حرَام وَعبد الله بن قيس بن صَخْر بن حرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَمن بني النُّعْمَان بن سِنَان بن عبيد عبد الله بن عبد منَاف بن النُّعْمَان وَجَابِر بن عبد الله بن رِئَاب بن النُّعْمَان وخليدة بن قيس بن النُّعْمَان والنعمان بن سِنَان مولى لَهُم وَمن بني سَواد بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة ثمَّ من بني حَدِيدَة بن عَمْرو بن غنم ابْن سَواد أَبُو الْمُنْذر وَهُوَ يزِيد بن عَامر بن حَدِيدَة وسليم بن عَمْرو بن حَدِيدَة وَقُطْبَة بن عَامر بن حَدِيدَة وعنترة مولى سليم بن عَمْرو قَالَ ابْن هِشَام عنترة من بني سليم بن مَنْصُور ثمَّ من بني ذكْوَان وَمن بني عدي بن نابي بن عَمْرو بن سَواد بن غنم عبس بن عَامر بن عدي وثعلبة بن غنمة بن عدي وَأَبُو الْيُسْر وَهُوَ كَعْب بن عَمْرو بن عباد بن عَمْرو بن غنم بن سَواد وَسَهل بن قيس بن أبي كَعْب بن الْقَيْن بن كَعْب بن سَواد وَعَمْرو بن طلق بن زيد بن أُميَّة بن سِنَان بن كَعْب بن غنم ومعاذ بن جبل بن عَمْرو قَالَ ابْن هِشَام إِنَّمَا نسب ابْن إِسْحَاق معَاذ بن جبل فِي بني سَواد وَلَيْسَ مِنْهُم لِأَنَّهُ فيهم قَالَ ابْن إِسْحَاق وَالَّذين كسروا آلِهَة بني سَلمَة معَاذ بن جبل وَعبد الله بن أنيس وثعلبة بن غنمة وهم فِي بني سَواد بن غنم قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني زُرَيْق بن عَامر بن زُرَيْق بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم بن الْخَزْرَج ثمَّ من بني مخلد بن عَامر بن زُرَيْق وَيُقَال عَامر بن الْأَزْرَق قيس بن مُحصن بن خَالِد بن مخلد وَأَبُو خَالِد وَهُوَ الْحَارِث بن قيس ابْن خَالِد بن مخلد وَجبير بن إِيَاس بن خَالِد بن مخلد وَأَبُو عبَادَة وَهُوَ سعد بن عُثْمَان بن خلدَة بن مخلد وَأَخُوهُ عقبَة بن عُثْمَان بن خلدَة بن مخلد وذكوان بن عبد قيس بن خلدَة بن مخلد ومسعود بن خلدَة بن عَامر بن مخلد وَمن بني خلدَة بن عَامر بن زُرَيْق أسعد بن يزِيد بن الْفَاكِه بن زيد بن خلدَة والفاكه بن بشر بن الْفَاكِه بن زيد بن خلدَة قَالَ ابْن هِشَام بسر بن الْفَاكِه ومعاذ بن ماعص بن قيس بن خلدَة وَأَخُوهُ عَائِذ ابْن ماعص بن قيس بن خلدَة ومسعود بن سعد بن قيس بن خلدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَمن بني العجلان بن عَمْرو بن عَامر بن زُرَيْق رِفَاعَة بن رَافع بن مَالك بن العجلان وَأَخُوهُ خَلاد بن رَافع بن مَالك بن العجلان وَعبيد بن زيد بن عَامر بن العجلان وَمن بني بياضة بن عَامر بن رُزَيْق زِيَاد بن لبيد بن ثَعْلَبَة بن سِنَان بن عَامر بن عدي بن أُميَّة بن بياضة وفروة بن عَمْرو بن وذفة بن عبيد بن عَامر بن بياضة ورجيلة بِالْمُعْجَمَةِ وعطية بن نُوَيْرَة بن عَامر بن عَطِيَّة بن عَامر بن بياضة وَخَلِيفَة ابْن عدي بن عَمْرو بن مَالك بن عَامر بن فهَيْرَة بن بياضة قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال عليفة وَمن بني حبيب بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم بن الْخَزْرَج رَافع بن الْمُعَلَّى بن لوذان بن حَارِثَة بن عدي بن زيد بن ثَعْلَبَة بن زيد مَنَاة بن حبيب وَمن بني النجار وَهُوَ تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج ثمَّ من بني غنم ابْن مَالك بن النجار ثمَّ من بني ثَعْلَبَة بن عبد عَوْف بن غنم أَبُو أَيُّوب خَالِد بن زيد ابْن كُلَيْب بن ثَعْلَبَة وَمن بني عسيرة بن عبد عَوْف بن غنم ثَابت بن خَالِد بن النُّعْمَان بن خنساء بن عسيرة قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال عشيرة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني عَمْرو بن عبد بن عَوْف بن غنم بن عمَارَة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عَمْرو وسراقة بن كَعْب بن عبد الْعُزَّى بن غزيَّة بن عَمْرو وَمن بني عبيد بن ثَعْلَبَة بن غنم حَارِثَة بن النُّعْمَان بن زيد بن عبيد وسليم بن قيس بن فَهد واسْمه خَالِد بن قيس بن عبيد وَمن بني عَائِذ بن ثَعْلَبَة بن غنم وَيُقَال عَابِد بِالْمُوَحَّدَةِ والمهملة سُهَيْل بن رَافع بن أبي عَمْرو بن عَائِذ وعدي بن أبي الزغباء حَلِيف لَهُم من جُهَيْنَة وَمن بني زيد بن ثَعْلَبَة بن غنم مَسْعُود بن أَوْس بن زيد وَأَبُو خُزَيْمَة بن أَوْس بن زيد بن أَصْرَم بن زيد وَرَافِع بن الْحَارِث بن سَواد بن زيد وَمن بني سَواد بن مَالك بن غنم عَوْف ومعوذ ومعاذ بَنو الْحَارِث بن رِفَاعَة بن سَواد بَنو عفراء والنعمان بن عَمْرو بن رِفَاعَة بن سَواد وَيُقَال نعيمان فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام وعامر بن مخلد بن الْحَارِث بن سَواد وَعبد الله بن قيس بن خَالِد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 خلدَة بن الْحَارِث بن سَواد وعصيمة حَلِيف لَهُم من أَشْجَع ووديعة بن عَمْرو حَلِيف لَهُم من جُهَيْنَة وثابت بن عَمْرو بن زيد بن عدي بن سَواد وَزَعَمُوا أَن أَبَا الْحَمْرَاء مولى الْحَارِث بن عفراء شهد بَدْرًا وَمن بني عَامر بن مَالك بن النجار وعامر مبذول ثمَّ من بني عتِيك بن عَمْرو بن مبذول ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن مُحصن بن عَمْرو الْعَتكِي وَسَهل بن عتِيك بن عَمْرو ابْن النُّعْمَان والْحَارث بن الصمَّة بن عَمْرو بن عتِيك كسر بِهِ فِي الروحاء فَضرب لَهُ رَسُول الله بسهمه وأجره وَمن بني عَمْرو بن مَالك بن النجار وهم بَنو حديلة ثمَّ من بني قيس بن عبيد ابْن زيد مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن مَالك بن النجار أبي بن كَعْب بن قيس وَأنس بن معَاذ بن أنس بن قيس وَمن بني عدي بن عَمْرو بن مَالك بن النجار أَوْس بن ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام ابْن عَمْرو بن زيد مَنَاة بن عدي وَأَبُو شيخ بن أبي ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام أَخُو حسان بن ثَابت وَأَبُو طَلْحَة وَهُوَ زيد بن سهل بن الْأسود بن حرَام وَمن بني عدي بن النجار ثمَّ من بني عدي بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار حَارِثَة بن سراقَة بن الْحَارِث بن عدي بن مَالك بن عدي بن عَامر وَعَمْرو بن ثَعْلَبَة ابْن وهب بن عدي وَهُوَ أَبُو حَكِيم وَأَبُو سليط وَهُوَ أسيرة بن قيس بن عَمْرو وَعَمْرو أَبُو خَارِجَة بن قيس بن مَالك بن عدي بن عَامر وثابت بن خنساء بن عَمْرو ابْن مَالك بن عدي بن عَامر وعامر بن أُميَّة بن زيد بن الحسحاس بن مَالك بن عدي ابْن عَامر ومحرز بن عَامر بن مَالك بن عدي وَسَوَاد بن غزيَّة بن أهيب حَلِيف لَهُم من بلي وَيُقَال سَواد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار أَبُو زيد قيس بن سكن بن قيس بن زعوراء بن حرَام وَأَبُو الْأَعْوَر بن الْحَارِث بن ظَالِم بن عبس بن حرَام وسليم بن ملْحَان وَحرَام بن ملْحَان وَمن بني مَازِن بن النجار ثمَّ من بني عَوْف بن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن ابْن النجار قيس بن أبي صعصعة وَاسم أبي صعصعة عَمْرو بن زيد بن عَوْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وَعبد الله بن كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف وعصيمة حَلِيف لَهُم من بني أَسد بن خُزَيْمَة وَمن بني خنساء بن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن أَبُو دَاوُد عُمَيْر بن عَامر بن مَالك بن خنساء وسراقة بن عَمْرو بن عَطِيَّة بن خنساء وَمن بني ثَعْلَبَة بن مَازِن بن النجار قيس بن مخلد بن ثَعْلَبَة بن صَخْر بن حبيب ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة وَمن بني دِينَار بن النجار ثمَّ من بني مَسْعُود بن عبد الْأَشْهَل بن حَارِثَة بن دِينَار ابْن النجار النُّعْمَان بن عبد عَمْرو بن مَسْعُود وَالضَّحَّاك بن عبد عَمْرو بن مَسْعُود وسليم بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن حَارِثَة بن دِينَار وَهُوَ أَخُو الضَّحَّاك والنعمان ابْني عبد عَمْرو لِأُمِّهِمَا وَجَابِر بن خَالِد بن عبد الْأَشْهَل بن حَارِثَة وَسعد بن سُهَيْل بن عبد الْأَشْهَل وَمن بني قيس بن مَالك بن كَعْب بن حَارِثَة بن دِينَار بن النجار كَعْب بن زيد بن قيس وبجير بن أبي بجير حَلِيف لَهُم من عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ثمَّ من بني جذيمة بن رَوَاحَة قَالَ ابْن إِسْحَاق فَجَمِيع من شهد بَدْرًا من الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رجلا قَالَ ابْن هِشَام وَأكْثر أهل الْعلم يذكر فِي الْخَزْرَج ببدر فِي بني العجلان بن زيد ابْن غنم عتْبَان بن مَالك بن عَمْرو بن العجلان ومليل بن وبرة بن خَالِد بن العجلان وعصمة بن الْحصين بن وبرة بن خَالِد بن العجلان وَفِي بني حبيب بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم بن الْخَزْرَج وهم من بني زُرَيْق وهلال بن الْمُعَلَّى بن لوذان بن حَارِثَة بن عدي بن زيد بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن حبيب قَالَ ابْن إِسْحَاق فَجَمِيع من شهد بَدْرًا من الْمُسلمين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن ضرب لَهُ بسهمه وأجره ثَلَاثمِائَة رجل وَأَرْبَعَة عشر رجلا ثَلَاثَة وَثَمَانُونَ من الْمُهَاجِرين وَمن الْأَوْس وَاحِد وَسِتُّونَ وَمن الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رجلا وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين يَوْم بدر مَعَ رَسُول الله من قُرَيْش ثمَّ من بني الْمطلب بن عبد منَاف عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب قَتله عتبَة بن ربيعَة قطع رجله فَمَاتَ بالصفراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَمن بني زهرَة بن كلاب عُمَيْر بن أبي وَقاص بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة أَخُو سعد بن أبي وَقاص بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة وَذُو الشمالين بن عبد عَمْرو بن نَضْلَة حَلِيف لَهُم من خُزَاعَة وَمن بني عدي بن كَعْب بن لؤَي عَاقل بن البكير حَلِيف لَهُم من بني سعد بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وَمهجع مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَمن بني الْحَارِث بن فهر صَفْوَان بن بَيْضَاء وَمن الْأَنْصَار ثمَّ من بني عَمْرو بن عَوْف سعد بن خَيْثَمَة ومبشر بن عبد الْمُنْذر ابْن زبير وَيُقَال مرّة بن زنبر وَمن بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج يزِيد بن الْحَارِث وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن فسحم وَمن بني سَلمَة ثمَّ من بني حرَام بن كَعْب بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة عُمَيْر بن الْحمام وَمن بني حبيب بن عبد حَارِثَة رَافع بن الْمُعَلَّى وَمن بني النجار حَارِثَة بن سراقَة بن الْحَارِث وَمن بني غنم بن مَالك بن النجار عَوْف ومعوذ ابْنا الْحَارِث بن رِفَاعَة بن سَواد وهما ابْنا عفراء نقل صَاحب تَارِيخ الْخَمِيس الْعَلامَة حُسَيْن بن مُحَمَّد الديار بكري عَن الْجلَال الدواني عَن كبار مشايخه أَن الدُّعَاء مستجابٌ عِنْد ذكر أَصْحَاب بدر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ونفعنا بهم تسميةُ من قتل من الْمُشْركين يَوْم بدر من قُرَيْش ثمَّ من بني عبد شمس بن عبد منَاف حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان بن حَرْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 ابْن أُميَّة بن عبد شمس قَتله زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله وَيُقَال اشْترك فِيهِ حَمْزَة وَعلي وَزيد قَالَه ابْن هِشَام وَعتبَة بن ربيعَة بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس وَأَخُوهُ شيبَة بن ربيعَة وَابْنه الْوَلِيد بن عتبَة والْحَارث وعامر ابْنا الْحَضْرَمِيّ حليفان لَهُم قتل عَامِرًا عمارُ بن يَاسر وَقتل الْحَارِث النُّعْمَان بن عصر حَلِيف الْأَوْس فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام وَعُمَيْر بن أبي عُمَيْر وَابْنه موليان لَهُم قتل عُمَيْرًا سَالم مولى أبي حُذَيْفَة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَعبيدَة بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس قَتله الزبير ابْن الْعَوام وَالْعَاص بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَعقبَة بن أبي معيط قَتله عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح أَخُو بني عَمْرو بن عَوْف صبرا قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال عَليّ بن أبي طَالب قَالَ ابْن إِسْحَاق وَعتبَة بن ربيعَة قَتله عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب قَالَ ابْن هِشَام اشْترك فِيهِ هُوَ وَحَمْزَة وَعلي قَالَ ابْن إِسْحَاق وَشَيْبَة بن ربيعَة قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب والوليد بن عتبَة ابْن ربيعَة قَتله عَليّ بن أبي طَالب وعامر بن عبد الله حَلِيف لَهُم من بني أَنْمَار ابْن بغيض قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل قَتله فِيمَا يذكرُونَ خبيب بن أساف أَخُو بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَطعيمَة بن عدي بن نَوْفَل قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَيُقَال حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمن بني أَسد بن عبد الْعزي زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد قَالَ ابْن هِشَام قَتله ثَابت بن الْجذع أَخُو بني حرَام وَيُقَال اشْترك فِيهِ عَليّ وَحَمْزَة وثابت قَالَ ابْن إِسْحَاق والْحَارث بن زَمعَة قَتله عمار بن يَاسر فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام وَعقيل بن الْأسود بن الْمطلب قَتله حَمْزَة وَعلي وَأَبُو البخْترِي العَاصِي بن هِشَام قَتله المجذر بن ذياد البلوي وَنَوْفَل بن خويلد بن أَسد وَهُوَ ابْن العدوية عدي خُزَاعَة أَخُو خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَ من شياطين قُرَيْش وَهُوَ الَّذِي قرن أَبَا بكر الصّديق وَطَلْحَة بن عبيد الله حِين أسلما فَكَانَا يسميان القرينين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 لذَلِك قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَمن بني عبد الدَّار بن قصي النَّضر بن الْحَارِث بن كلدة بن عَلْقَمَة بن عبد منَاف ابْن عبد الدَّار قَتله عَليّ بن أبي طَالب صبرا عِنْد عود رَسُول الله بالصفراء فِيمَا يذكرُونَ قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال النَّضر بن الْحَارِث بن عَلْقَمَة بن كلدة وَزيد بن مليص مولي عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار قَتله بِلَال بن رَبَاح مولى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقيل قَتله الْمِقْدَاد بن عَمْرو قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن تيم بن مرّة عُمَيْر بن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد ابْن تيم قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَيُقَال قَتله عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعُثْمَان بن مَالك بن عبيد الله بن عُثْمَان بن كَعْب قَتله صُهَيْب بن سِنَان وَمن بني مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة أَبُو جهل بن هِشَام واسْمه عَمْرو بن هِشَام ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم ضربه معَاذ بن عَمْرو بن الجموح فَقطع رجله وضربَ ابنُه عِكْرِمَة يَد معَاذ فطرحها ثمَّ ضربه معوذ بن عفراء حَتَّى أثْبته وَتَركه وَبِه رَمق ثمَّ ذفف عَلَيْهِ عبد الله بن مَسْعُود واحتز رَأسه حِين أَمر رَسُول الله بن أَن يلْتَمس فِي الْقَتْلَى والعاصي بن هِشَام بن الْمُغيرَة قَتله عمر بن الْخطاب وَيزِيد بن عبد الله حَلِيف لَهُم من بني تَمِيم قَالَ ابْن هِشَام ثمَّ أحد بني عَمْرو ابْن تَمِيم وَكَانَ شجاعاً قَتله عمار بن يَاسر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَبُو مسافع الْأَشْعَرِيّ حَلِيف لَهُم قَتله أَبُو دُجَانَة السَّاعِدِيّ وحرملة بن عمر حَلِيف لَهُم قَتله خَارِجَة بن زيد بن أبي زُهَيْر أَخُو بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَيُقَال قَتله عَليّ بن أبي طَالب قالهما ابْن هِشَام وحرملة من بني الْأسد ومسعود بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَأَبُو قيس بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة قَتله عمار بن يَاسر وَيُقَال عَليّ بن أبي طَالب وَرِفَاعَة بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم قَتله سعد ابْن الرّبيع أَخُو بلحارث بن الْخَزْرَج فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وَالْمُنْذر بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ قَتله معن بن عدي بن الْجد بن العجلان حَلِيف لَهُم وَعبد الله بن الْمُنْذر بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ قَتله عَليّ بن أبي طَالب والسائب ابْن أبي السَّائِب بن عَائِذ قَالَ ابْن هِشَام والسائب بن أبي السَّائِب شريك رَسُول الله الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث فِيهِ عَن رَسُول الله نعم الشريكُ السائبُ لَا يشاري وَلَا يُمَارِي وَكَانَ أسلم فَحسن إِسْلَامه فِيمَا بلغنَا قَالَ وَذكر ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن السَّائِب بن أبي السَّائِب بن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم مِمَّن بَايع رَسُول الله من قُرَيْش وَأَعْطَاهُ يَوْم الْجِعِرَّانَة من غَنَائِم حنين وَذكر غير ابْن إِسْحَاق أَن الَّذِي قَتله الزبير بن الْعَوام قَالَ ابْن إِسْحَاق وَالْأسود بن عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب وحاجب بن السَّائِب قَتله عَليّ بن أبي طَالب وعويمر بن السَّائِب بن عُوَيْمِر قَتله النُّعْمَان بن مَالك القوقلي مبارزة فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام وَعَمْرو بن سُفْيَان وَجَابِر بن سُفْيَان حليفان لَهُم من طيىء قتل عمرا يزِيد بن رُقَيْش وَقتل جَابِرا أَبُو بردة بن نيار وَمن بني سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي مُنَبّه بن الْحجَّاج بن عَامر ابْن حُذَيْفَة بن سعد بن سهم قَتله أَبُو الْيُسْر أَخُو بني سَلمَة وَابْنه العَاصِي بن مُنَبّه بن الْحجَّاج قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَنبيه بن الْحجَّاج قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَسعد بن أبي وَقاص اشْتَركَا فِيهِ فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام وَأَبُو الْعَاصِ بن قيس بن عدي ابْن سعد بن سهم قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَيُقَال النُّعْمَان بن مَالك القوقلي وَيُقَال أَبُو دُجَانَة وَعَاصِم بن أبي عَوْف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم قَتله أَبُو الْيُسْر أَخُو بني سَلمَة وَمن بني جمح بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي أُميَّة بن خلف بن وهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 ابْن حذاقة بن جمح قَتله رجل من الْأَنْصَار من بني مَازِن وَقيل قَتله معَاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشْتَركُوا فِيهِ وَابْنه عَليّ بن أُميَّة بن خلف قَتله عمار بن يَاسر وَأَوْس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح قَتله عَليّ ابْن أبي طَالب وَيُقَال قَتله الْحصين بن الْحَارِث بن الْمطلب وَعُثْمَان بن مَظْعُون اشْتَركَا فِيهِ فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام وَمن بني عَامر بن لؤَي مُعَاوِيَة بن عَامر حَلِيف لَهُم من عبد الْقَيْس قَتله عَليّ ابْن أبي طَالب وَيُقَال عكاشة بن مُحصن ومعبد بن وهب حَلِيف لَهُم من بني كلب بن عَوْف بن كَعْب بن عَامر بن لَيْث قَتله خَالِد وَإيَاس ابْنا البكير وَيُقَال أَبُو دُجَانَة قَالَ ابْن إِسْحَاق فَجَمِيع من أحصى لنا من قَتْلَى قُرَيْش يَوْم بدر خَمْسُونَ رجلا قَالَ ابْن هِشَام حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى عَن أبي عَمْرو أَن قَتْلَى بدر من الْمُشْركين كَانُوا سبعين رجلا والأسرى كَذَلِك وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَفِي كتاب الله عز وَجل ( {أوَ لمَا أَصابتكمُ مصِيبَة قد أَصَبتُم مثليها} يَقُول لأَصْحَاب أحد وَكَانَ من اسْتشْهد مِنْهُم سبعين رجلا يَقُول قد أصبْتُم يَوْم بدر مثلي من اسْتشْهد مِنْكُم بِأحد سبعين قَتِيلا وَسبعين أَسِيرًا قَالَ وأنشدني أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ لكعب بن مَالك // (من الْكَامِل) // (فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمُ ... سَبْعُونُ عُتْبَةُ مِنْهُمُ وَالأّسْوَدُ) قَالَ ابْن هِشَام يَعْنِي قَتْلَى بدر وَهَذَا الْبَيْت فِي قصيدة لَهُ فِي حَدِيث يَوْم أحد سأذكرها فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِمَّنْ لم يذكر ابْن إِسْحَاق من هَؤُلَاءِ السّبْعين الْقَتْلَى من بني عبد شمس بن عبد منَاف وهب بن الْحَارِث من بني أَنْمَار بن بغيض حَلِيف لَهُم وعامر بن زيد حَلِيف لَهُم من الْيمن وَمن بني أَسد بن عبد الْعُزَّى عقبَة بن زيد حَلِيف لَهُم من الْيمن وَعُمَيْر مولى لَهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وَمن بني عبد الدَّار بن قصي نبيه بن زيد بن مليص وَعبيد بن سليط حَلِيف لَهُم من قيس وَمن بني تيم بن مرّة مَالك بن عبيد الله بن عُثْمَان أسر فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى فعد فِي الْقَتْلَى وَيُقَال وَعَمْرو بن عبد الله بن جُدعان وَمن بني مَخْزُوم بن يقظة حُذَيْفَة بن أبي حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة قَتله سعد بن أبي وَقاص وَهِشَام بن أبي حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة قَتله صُهَيْب بن سِنَان وَزُهَيْر بن أبي رِفَاعَة قَتله أَبُو أسيد مَالك بن ربيعَة والسائب بن أبي رِفَاعَة قَتله عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وعائد بن السَّائِب بن عُوَيْمِر أسر ثمَّ افتدى فَمَاتَ فِي الطَّرِيق من جِرَاحَة جرحه إِيَّاهَا حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعُمَيْر حَلِيف لَهُم من طيىء وَخيَار حَلِيف لَهُم من القارة وَمن بني جمح بن عَمْرو سُبْرَة بن مَالك حَلِيف لَهُم وَمن بني سهم بن عَمْرو الْحَارِث بن مُنَبّه بن الْحجَّاج قَتله صُهَيْب بن سِنَان وعامر بن أبي عَوْف بن صبيرة أَخُو عَاصِم قَتله عبد الله بن سَلمَة الْعجْلَاني وَيُقَال أَبُو دُجَانَة تَسْمِيَة من أسر من الْمُشْركين يَوْم بدر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأسر من الْمُشْركين من قُرَيْش يَوْم بدر ثمَّ من بني هَاشم بن عبد منَاف عقيل بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب وَنَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَمن بني الْمطلب بن عبد منَاف السَّائِب بن عبيد بن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب ونعمان بن عَمْرو بن عَلْقَمَة بن الْمطلب وَمن بني عبد شمس بن عبد منَاف عَمْرو بن أبي سُفْيَان بن حَرْب والْحَارث بن أبي وجرة بن أبي عَمْرو بن أُميَّة بن عبد شمس وَيُقَال ابْن أبي وحرة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَأَبُو الْعَاصِ بن نَوْفَل بن عبد شمس وَأَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى ابْن عبد شمس وَمن حلفائهم أَبُو ريشة بن أبي عَمْرو وَعَمْرو بن الْأَزْرَق وَعقبَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْحَضْرَمِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف عدي بن الْخِيَار بن عدي بن نَوْفَل وَعُثْمَان بن عبد شمس ابْن أخي غَزوَان بن جَابر حَلِيف لَهُم من بني مَازِن بن مَنْصُور وَأَبُو ثَوْر حَلِيف لَهُم وَمن بني عبد الدَّار بن قصي أَبُو عَزِيز بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار وَالْأسود بن عَامر حَلِيف لَهُم وَيَقُولُونَ نَحن بَنو الْأسود بن عَامر بن عَمْرو بن الْحَارِث بن السباق وَمن بني أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي السَّائِب بن أبي حُبَيْش بن الْمطلب بن أَسد وَالْحُوَيْرِث بن عباد بن عُثْمَان بن أَسد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَسَالم بن شماخ حَلِيف لَهُم وَمن بني مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة خَالِد بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر ابْن مَخْزُوم والوليد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَعُثْمَان بن عبد الله بن الْمُغيرَة وَصَيْفِي ابْن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم وَأَبُو الْمُنْذر بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ وَأُميَّة بن أبي حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة وَأَبُو عَطاء عبد الله بن أبي السَّائِب بن عَائِذ وَالْمطلب بن حنْطَب بن الْحَارِث بن عبيد بن عمر بن مَخْزُوم وخَالِد بن الأعلم حَلِيف لَهُم وَهُوَ فِيمَا يذكر كَانَ أول من ولى فَارًّا مُنْهَزِمًا وَهُوَ الَّذِي يَقُول // (من الطَّوِيل) // (لَسْنَا عَلَى الأّدْبَارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمُ) قَالَ ابْن هِشَام ويروي ولسنا على الأعقاب وخَالِد بن الأعلم من خُزَاعَة وَيُقَال عقيلي قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب أَبُو ودَاعَة بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم كَانَ أول أَسِير افتدى من أُسَارَى بدر افتداه ابْنه الْمطلب بن أبي ودَاعَة وفروة بن قيس بن عدي بن حذاقة بن سعد بن سهم وحَنْظَلَة بن قبيصَة بن حذاقة وَالْحجاج بن الْحَارِث بن قيس بن عدى بن سعيد وَمن بني جمح بن عَمْرو بن هصيص عبد الله بن أبي خلف بن وهب بن حذاقة ابْن جمح وَأَبُو عزة عَمْرو بن عبد الله بن عُثْمَان بن أهيب بن حذاقة بن جمح والفاكه مولى أُميَّة بن خلف وَهُوَ يزْعم أَنه من بني الشماخ بن محَارب بن فهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 ووهب بن عُمَيْر بن وهب وَرَبِيعَة بن دراج بن العنبس بن أهبان بن وهب وَمن بني عَامر بن لؤَي سُهَيْل بن عَمْرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسان بن عَامر بن أسره مَالك بن الدخشم أَخُو بني سَالم بن عَوْف وَعبد بن زَمعَة بن قيس بن عبد شمس وَمن بني الْحَارِث بن فهر الطُّفَيْل بن أبي قنيع وَعتبَة بن عَمْرو بن جحدم فَجَمِيع من حفظ لنا من الْأُسَارَى ببدر ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ رجلا قَالَ أبن هِشَام وَبَقِي من جملَة الْعدَد رجل لم أذكر اسْمه وَمِمَّنْ لم يذكر ابْن إِسْحَاق من الأسرى من بني هَاشم بن عبد منَاف عتبَة حَلِيف لَهُم من بني فهر وَمن بني الْمطلب بن عبد منَاف عقيل بن عَمْرو حَلِيف لَهُم وَأَخُوهُ تَمِيم بن عَمْرو وَابْنه وَمن بني عبد شمس بن عبد منَاف خَالِد بن أسيد بن أبي الْعيص وَأَبُو العريض يسَار مولى الْعَاصِ بن أُميَّة وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف نَبهَان مولى لَهُم وَمن بني أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي عبد الله بن حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث وَمن بني عبد الدَّار عقيل حَلِيف لَهُم من الْيمن وَمن بني تيم بن مرّة مسافع بن عِيَاض بن صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم وَجَابِر بن الزبير حَلِيف لَهُم وَمن بني مَخْزُوم: قيس بن السَّائِب. وَمن بني جمح بن عَمْرو عَمْرو بن أبي بن خلف وَأَبُو رهم بن عبد الله حَلِيف لَهُم وحليف لَهُم آخر ذهب عني اسْمه وموليان لأمية بن خلف أَحدهمَا نسطاس وَأَبُو رَافع غُلَام أُميَّة بن خلف وَمن بني سهم بن عَمْرو أسلم مولى نبيه بن الْحجَّاج وَمن بني عَامر بن لؤَي حبيب بن جَابر والسائب بن مَالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني الْحَارِث بن فهر شَافِع وشفيع حليفان لَهُم من الْيمن قلت الْعجب من ابْن هِشَام أَنه لم يذكر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فِي جملَة الأسرى وَقد ذكر غَيره وَيدل لَهُ الحَدِيث الشريف إِنِّي لم أَبَت من أَنِين الْعَبَّاس فاحللوا من وثَاقه أَو كَمَا قَالَ وَكَانَ مِمَّا قيل فِي بدر من الشّعْر وترادَّ بِهِ الْقَوْم بَينهم لما كَانَ فِيهِ قَول حَمْزَة ابْن عبد الْمطلب يرحمه الله قَالَ ابْن هِشَام وَأكْثر أهل الْعلم بالشعر ينكرها ونقيضتها // (من الطَّوِيل) // (أَلَمْ تَرَ أَمْراً مِنْ عَجَبِ الدَّهْرِ ... وَلِلْحَيْنِ أَسْبَابٌ مُبَيَّنَةُ الأَمْرِ) (وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ قَوْماً أَفَادَهُمْ ... فَخَانُوا تَوَاصَوْا بِالْعٌ قُوقِ وبِالْكُفْرِ) (عَشِيَّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُوناً لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ) (وَكُنَّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إِلَيْنَا فالتقينا عَلَى قَدْرِ) (فَلَمَّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيَّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالمثقَّفَةِ السُّمْرِ) (وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِى الْهَامَ حَدُّهَا ... مُشَهَّرَةِ الأَلْوَانِ بَيِّنةِ الأَثْرِ) (وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَىِّ ثَاوِياً ... وَشَيْبَةَ فِي قَتْلَى تَجَرْجَمَ فِي الْجَفْرِ) (وَعَمْرٌ وثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِن حُمَاتِهِمْ ... فَشُقَّتْ جُيُوبُ النَّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو) (جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَىِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَام تَفَرَّعْنَ الْذَوَائِبَ مِنْ فِهْرِ) (أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلالِهِمْ ... وَخَلَّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرِ) (لِوَاءَ ضَلالٍ قَادَ إِبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ إِنَّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ) (وَقَالَ لَهُمْ إِذْ عَايَنَ الأَمْرَ وَاضِحَاً ... بَرِئْتُ إِلَيْكُمْ مَا بِىَ الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ) (فَإِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَإِنَّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ الله وَالله ذُو قَسْرِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 (فَقَدَّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتَّى تَوَرَّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرِ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ) (فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفاً وَجَمْعُنَا ... ثَلاَثَ مِئِينٍ كالمُسَدَّمَةِ الزُّهْرِ) (وَفِينَا جُنُودُ الله حِينَ يُمِدُّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثَمَّ مُسْتَوْضِح الذِّكْرِ) (فَشَدَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٌ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي) فَأَجَابَهُ الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (أَلاَ يَالَقَوْمِي لِلصَّبَابَةِ والْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنِّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصَّدْرِ) (وَلِلدَّمْعِ مِنْ عَيْنَيَّ جوداً كَأّنَّهُ ... فَرِيدٌ هَوى مِنْ سِلْك نَاظِمِهِ يَجْرِي) (عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشَّمَائِلِ إِذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ) (فَلاَ تَبْعَدّنْ يَا عَمْرَو مِنْ ذِي قَرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نِدّامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ) (فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْكَ دَوْلّةً ... فَلاَ بُدَّ لِلأَيَّامِ مِنْ دوَل الدَّهْرِ) (فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَاناً مِنْكَ ذَا سُبُلٍ وَعْرِ) (فَإِنْ لاَ أَمُتْ يَا عَمْرُو أَتْرُكْكَ ثَائِراً ... وَلا أبْقِ بُقْيا فِي إِخَاءٍ وَلاَ صِهْرِ) (وأَقْطَعُ ظَهْراً مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي) (أَغَرَّهُمُ مَا جَمَّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصَّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْر؟ ! ِ) (فَيَالَ لُوَيٍّ ذَبِّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لاَ تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ) (تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمُ ... أَوَاسِيَّهَا والْبَيْتَ ذَا السَّقْفِ وَالسِّتْرِ) (فَمَا لحليم قَدْ أَرَادَ هَلاَكَكُمْ ... فَلاَ تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبَ مِنْ عُذْرِ) (وَجِدُّوا لِمَنْ عَادَيْتُمُ وَتَوازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعاً فِي التَّأَسِّي وَفِي الصَّبْرِ) (لَعَلَّكُمُ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمُ ... وَلاَ شَيْء إِنْ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرو) (بِمُطَّرِدّاتٍ فِي الأَكُفَّ كَأَنَّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيِّنَة الأَثْرِ) (كَأَنْ مَدبَّ الذَّرِّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إِذَا جُرِّدَتْ يَوْمًا لأَعْدَائِهَا الخُزْرِ) قَالَ ابْن هِشَام أبدلنا فِي هَذِه القصيدة كَلمتين مِما رَوَى ابْن إِسْحَاق وهما الفَخر فِي آخر الْبَيْت الْعَاشِر وفَمَا لِحَلِيم فِي أول الْبَيْت الثَّانِي عشر لِأَنَّهُ نَالَ فيهمَا من النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 قَالَ ابْن هِشَام وَلم أر أحدا من أهل الْعلم بالشعر يعرفهَا وَلَا نقيضتها وَإِنَّمَا كتبناها لِأَنَّهُ يُقَال إِن عَمْرو بن عبد الله بن جدعَان قتل يَوْم بدر وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْقَتْلَى وَذكره فِي هَذَا الشّعْر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب // (من الطَّوِيل) // (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلاَءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وذِي فَضْلِ؟ !) (بِمَا أَنْزَلَ الْكُفَّارَ دَارَ مَذَلَّةٍ ... فَلاَقَوْا هَوَانَاً مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتل) ْ (فَأَمْسَى رَسُولُ الله قَدْ عَزَّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ الله أُرْسِلَ بِالْعَدْلِ) (فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنَ الله مُنْزِلٍ ... مُبَيَّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْلِ) (فَآمَنَ أَقْوامٌ بِذاكَ وَأيْقَنُوا ... فَأَمْسُوا بِحَمْدِ الله مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ) (وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلاً عَلَى خَبْلِ) (وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يُوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ ... وَقَوْمَاً غِضَاباً فِعلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ) (بأَيديهِمُ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالجلاَءِ وَبِالصَّقْلِ) (فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِىء ذِي حَمِيَّةٍ ... صَرِيعاً وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ مِنْهُمُ كَهْلِ) (تَبِيتُ عُيُونُ النَّائِحَاتِ عَلَيْهِمُ ... تَجُودُ بِإِسْبَالِ الرَّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ) (نَوَائِح تَنْعَى عُتْبَةَ الغَي وَابنَهُ ... وَشَيبَةَ تَنعَاهُ وَتَنعَى أَبا جَهلِ) (وَذَا الرجلِ تَنعَى وابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمُ ... مُسَلَّبَة حَرَّى مُبَيَّنَةَ الُّثكْل) (ثَوَى مِنْهُمُ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوُو نَجَداتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْلِ) (دَعَا الْغَيُّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيِّ أَسْبَابٌ مُرَمَّقَةُ الْوَصْلِ) (فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بمعزَلٍ ... عَنِ الشغْبِ وَالعُدْوَانِ فِي أَشْغَلِ الشُّغْلِ) فَأَجَابَهُ الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (عَجِبْتُ لأَقْوَامٍ تَغَنَّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرِ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلِ) (تَغَنَّى بِقَتْلَى يَوْمِ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَام الْمَسَاعِي مِنْ غُلاَمٍ وَمِنْ كَهْلِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 (مَصَالِيتُ بِيضٌ مِنْ ذُؤَابَةِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينُ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمُ فِي المَحْلِ) (أُصيبُوا كِرَاماً لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمٍ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدَّارِ وَالأَصْلِ) (كَمَا أَصْبَحَتْ غَسَّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلاً مِنَّا فَيَا لَكَ مِنْ فِعْلِ) (عُقُوقًأ وَإِثَّمًا بَيِّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جَوْرَكُمْ فِيهَا ذَوُو الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ) (فَإِنْ يْكُ قَوْمٌ قَدْ مَضّوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنَ الْقَتْلِ) (فَلاَ تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلاً مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ) (فَإِنَّكُمُ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتاً هَوَاكُمْ غَيْرَ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ) (بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فعَالُهُ ... وَعُتْبَةَ وَالْمَدْعُوِّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ) (وَشَيْبَةُ فِيهِمْ وَالْوَلِيدُ وَفِيهِمُ ... أُمَيِّةُ مَأْوَى المُقْتِرِينَ وَذُو الرِّجْلِ) (أُولئِكَ فَابْكِ ثُمَّ لاَ تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُوا بِالرِّزِيَّةِ وَالثُّكْلِ) (وَقُولُوا لأَهْلِ الْمَكَّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إِلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النَّخْلِ) (جَمِيعاً وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبِّبُوا ... بِخَالِصَةِ الأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصَّقْلِ) (وَإلاَّ فَبِيتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلَّ لِوَطءِ الْوَاطِئِينَ مِنَ النَّعْلِ) (عَلَى أَنَّنِي وَاللاتِ يَا قَوْمِ فَاعلَمُوا ... بِكُمْ وَاثقٌ ألاَّ تقيمُوا عَلَى تَبْلِ) (سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسَّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبِيضِ والْبِيضِ الْقَواطِعِ وَالنَّبْلِ) وَقَالَ ضرار بن الْخطاب بن مرداس أَخُو بني محَارب بن فهر // (من الطَّوِيل) // (عَجِبْتُ لِفَخْرِ الأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرُ ... عَلَيْهِمْ غَدّا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ) (وَفَخْرِ بَنِي النَّجَّارِ أَنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثَمَّ صَابِرُ) (فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنَّا رِجَالاً بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ) (وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وِسْطَكُمْ ... بَنِي الأَوْسِ حَتَّى يَشْفِيَ النَّفْسَ ثَائِرُ) (وَوَسْطَ بَنِي النَّجَّارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا وَالدَّارِعِينَ زَوَافِرُ) (فَنَتْرُك صَرْعَى تَعْصِبُ الطيرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ الأَمَانِيَّ نَاصِرُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 (وَتَبْكِيهِمُ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنَّ بِهَا لَيْلٌ عَنِ النَّوْمِ سَاهِرُ) (وَذَلِكَ أَنَّا لاَ تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنَّ دَمٌ مِمَّا يُحَارِبْنَ ماثِرُ) (فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهْوَ ظَاهِرُ) (وَبالنَّفَرِ الأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي اللأْوَاءِ وَالمَوْتُ حَاضِرُ) (يُعَدُّ أبُّو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهمُ ... ويُدْعَى عَلِيُّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ) (أُولئِكَ لاَ مَنْ نَتَّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حِينَ تُفَاخِرُ) (وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... إِذَا عُدَّتِ الأَنْسَابُ كَعْبٌ وعَامِرُ) (هُمُ الطَّاعَنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلِّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الأَطْيَبُونَ الأكابِرُ) فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك أَخُو بني سَلمَة فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (عَجِبْتُ لأَمْرِ الله وَالله قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لله قاهِرُ) (قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلاَقِي مَعْشَرًا ... بَغَوا وسَبِيلُ الْبَغْيِ بِالنَّاسِ جَائِرُ) (وَقَدْ حَشَدُوا وَاستَنْفَرُوا مَنْ يَلِيهمُ ... مِنَ النَّاسِ حَتَّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثِرُ) (وَسَارَتْ إِلَيْنَا لاَ تُحاوِلُ غَيْرَنا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرٌ) (وَفِينَا رَسُولُ الله وَالأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ) (وَجَمْعُ بَنِي النَّجَارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يَمِيسُونَ فِي الْمَاذِيَّ وَالنَّقْعُ ثَائِرُ) (فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَكُلُّ مُجَاهِدٌ ... لأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صَابِرُ) (شَهِدْنَا بأَنَّ الله لاَ رَبَّ غَيْرُهُ ... وأَنَّ رَسُولَ الله بِالْحَقِّ ظَاهِرُ) (وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ خَفَافٌ كَأَنَّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَينيْكَ شَاهِرُ) (بِهِنَّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدَّدوا ... وَكَانَ يُلاَقِي الْحَين مَنْ هُوَ فَاجِرُ) (فَكبَّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعاً لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهوَ عَاثِرُ) (وشَيْبَةَ والتَّيْمِيَّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمُ إِلاَّ بِذِي الْعَرْشِ كافِرُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 (فَأَمْسَوْا وَقُودَ النَّارِ فِي مُسْتَقَرِّهَا ... وَكُلُّ كَفُورٍ فِي جَهَنَّمَ صَائِرُ) (تَلَظَّى عَلَيْهِمْ وَهْيَ قَدْ شَبَّ حَمْيَهَا ... بِزُبْرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ) (وَكَانَ رَسُولُ الله قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلَّوْا وَقَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ سَاحِرُ) (لأَمْرٍ أَرَادَ الله أَن يَهْلِكُوا بهِ ... وَلَيْسَ لأَمْرٍ حَمَّهُ الله زَاجِرُ) وَقَالَ عبد الله بن الزبعري السَّهْمِي يبكي قَتْلَى بدر قَالَ ابْن هِشَام وتروى للأعشى بن زُرَارَة بن النباش أحد بني أسيد بني عَمْرو بن تَمِيم حَلِيف بني نَوْفَل بن عبد منَاف قَالَ بن إِسْحَاق حَلِيف بني عبد الدَّار // (من الْكَامِل) // (مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... منْ فِتيةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامِ) (تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ ومُنَبِّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَة خَيْرَ خَصْم فِئَامِ) (والْحَارِثَ الْفَيَّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدرِ جَلَّى لَيْلَةَ الإِظْلاَم) (وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبِّهٍ ذَا مِرَّةٍ ... رًمْحّا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَامِ) (تَنْمِي بِهِ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الأخْوَالِ وَالأَعْمَامِ) (وَإِذَا بَكَى باكٍ فَأَعْوَلَ شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرَّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَام) (حَيَّا الإِلهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبُّ الأَنامِ وَخَصَّهُ بِسَلاَمِ) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ فَقَالَ // (من الْكَامِل) // (إِبْكِ بَكَتْ عَيْنَاكَ ثُمَّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمٍ يَعُلُّ غُرُوبَهَا سَجَّامِ) (مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الَّذِينَ تَتَابَعُوا؟ { ... هَلاَّ ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الأَقْوَام} ِ) (وَذَكَرْتَ مِنَّا مَاجِدًا ذَا هِمَّةٍ ... سَمْح الْخَلاَئِقِ صَادِق الإقْدَامِ) (أَعْنِي النّ بِيَّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنَّدَى ... وَأَبَرَّ مَنْ يُولِي عَلَى الأَقْسَامِ) (فَلَمِثْلُهُ وَلَمِثْلُ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الممدَّحَ ثَمَّ غَيْرَ كَهَامِ) وَقَالَ حسان بن ثَابت أيضَاً // (من الْكَامِل) // (تَبَلَتْ فُؤَادَكَ فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ ... تَشْفِي الضَّجِيعَ بِبَارِدٍ بَسَّامِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 (كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءٍ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ) (نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بَوْصُهَا مُتَنَضِّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الأَقْسَامِ) (بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمَّ كَأَنَّهُ ... فُضُلاً إِذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ) (وَتَكَادُ تكْسَلُ أَنْ تَجِيءَ فِرَاشَهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ قَوَامِ) (أَمَّا النَّهَارَ فَلاَ أُفَتِّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللَّيْل تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلاَمِي) (أَقْسَمْتُ أَنْسَاهَا وَأَترُكُ ذِكْرَهَا ... حَتَّى تُغَيَّبَ فِي الضَّرِيحِ عِظَامِي) (يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الهَوَى لُوَّامِي) (بَكَرَتْ عَلَي بِسُحْرَةً بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الأَيَّامِ) (زَعَمَتْ بأَنَّ الْمَرْءَ يُكْربُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لَمُعْتَكِرٍ مِنَ الأَصْرَامِ) (إِنْ كُنْتِ كاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ) (تَرَكَ الأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمِرَّةٍ وَلجامِ) (يَذَرُ الْعَنَاجِيجَ الْجِيَادَ بِقَفْرَةٍ ... مَرَّ الدَّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ) (مَلأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدَّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبَّتُهُ بِشَرِّ مُقَامِ) (وَبَنُو أبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الإِلَهُ بِهِ ذَوِي الإِسْلاَمِ) (طَحَنَتْهُمُ وَالله يُنْفِذُ أَمْرَهُ ... حَرْبٌ يُشَبُّ سَعِيرُها بِضِرَامِ) (لَوْلاَ الإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السِّبَاعِ وَدُسْنَهُ بِحَوَامِ) (مِنْ بَيْنِ مَأْسُورٍ يُشَدُّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إِذَا لاَقَى الأَسِنَّةَ حَامِي) (ومُجَدَّلٍ لاَ يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتَّى تَزُولَ شَوَامِخُ الأَعْلاَمِ) (بِالْعَارِ وَالذُّلِّ الْمُبَيَّنِ إِذْ رَأَى ... بِيضَ السُّيُوفِ تَسُوقُ كُلَّ هُمَامِ) (بِيَدَيْ أَغَرَّ إِذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَعٍ مِقْدَام) (بِيضٌ إِذَا لاَقَتْ حَدِيداً صَمَّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظلام كُلِّ غَمَامِ) فَأَجَابَهُ الْحَارِث بن هِشَام فِيمَا ذكر ابْن هِشَام فَقَالَ // (من الْكَامِل) // (الله أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُمْ ... حَتَّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِدِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 (وَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلاَ يُنْكِي عَدُوِّي مَشْهدِي) (فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالأَحِبَّةُ فِيهِمُ ... طَمَعَا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ) قَالَ ابْن إِسْحَاق قَالَهَا الْحَارِث يعْتَذر من فراره يَوْم بدر وتركهِ أَخَاهُ أَبَا جهل بن هِشَام قلت رَأَيْت فِي كتاب ألف با للبلوي نقلا عَن الْأَصْمَعِي وجماعات أحسن مَا قيل فِي الِاعْتِذَار عَن الْفِرَار قَول الْحَارِث بن هِشَام هَذِه الثَّلَاثَة الأبيات وَخَالفهُ من أَئِمَّة اللُّغَة وَالْأَدب خلف الْأَحْمَر وَمن تبعه فَقَالَ أحسن مَا قيل فِي الِاعْتِذَار عَن ذَلِك قَول هُبَيْرَة بن أبي وهب المَخْزُومِي زوج أم هانىء بنت أبي طَالب حَيْثُ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (لَعَمْرُكَ مَا وَلَّيْتُ ظَهْرِي مُحَمَّدًا ... وَأَصْحَابَهُ جُبْنًا وَلاَ خِيفَةَ الْقَتْلِ) (وَلَكِنَّنِي قَلَّبْتُ طَرْفي فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي مَصَالاً إِنْ ضَرَبْتُ وَلاَ نَبْلِي) (وَقَفْتُ فَلَمَّا خِفْتُ ضَيْعَةَ مَوْقِفِي ... فَرَرْتُ لِعَوْدٍ كَالهِزَبْرِ إِلَى الشِّبْلِ) ولعمري كلتا القطعتين غايتان فِي الْمَعْنى المُرَاد مَا لبليغ إِلَى أفضل مِنْهُمَا منتجع وَلَا مُرَاد إِلَّا أَن الَّذِي يحدوني إِلَيْهِ فكري وذوقي ويجذبني بِردني وطوقي هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَصْمَعِي فَهَل أَنْت أَيهَا النَّاظر معي فَإِن معي على ذَلِك شُهُودًا معدله تثبت لعبد الْملك الْفَخر لَهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ حسان بن ثَابت أَيْضا // (من الوافر) // (لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشَّدِيدِ) (بِأَنَّا حِينَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ) (قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارَا ... إِلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ) (وَفَرَّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النَّجَّارِ تَخْطِرُ كَالأُسُودِ) (وَوَلَّتْ عِنْدَ ذَاكَ جُمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِثُ مِنْ بَعِيدِ) (لَقَدْ لاَقَيْتُمُ ذَلاًّ وَقَتْلاً ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ) (وَكُلُ الْقَوْمِ قَدْ وَلَّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التَّلِيدِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَقَالَ طَالب بن أبي طَالب يمدح رَسُول الله ويبكي أَصْحَاب القليب // (من الطَّوِيل) // (أَلاَ إِنَّ عَيْنِي أَنْفّدَتْ دَمْعَهَا سَكْبَا ... تُبَكِّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إِنْ تَرَى كَعْبَا) (أَلاَ إِنَّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمُ ذَا الدَّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبَا) (وَعَامرُ تَبْكِي لِلْمُلِمَّات غُدْوَةً ... فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبَا؟ !) (هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدَّا لِغَيَّةٍ ... تُعَدُّ وَلَنْ يُسْتَامَ جَارُهمُا غَصْبَا) (فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلاَ ... فِدًى لَكُمَا لاَ تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبَا) (وَلاَ تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدِّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيها كُلُّكُمْ يَشْتَكِي النَّكْبَا) (أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومَ إِذْ مَلَئُوا الشِّعْبَا) (فَلَوْلاَ دَفَاعُ الله لَا شَيْء غَيْرُهُ ... لأَصْبَحْتُمُ لاَ تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا) (فَمَا إِنْ جَنَيْنَا فِي قُرَيْشٍ عَظِيمةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِىءَ الترْبَا) (أَخَا ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ مُرَزَّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لاَ بَخِيلاً وَلاَ ذَرْبَا) (يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمُّونَ نَهْرًا لاَ نَزُورًا وَلاَ صَرْبَا) (فَوَالله لاَ تَنْفَكُّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمَلُ حَتَّى تَصَدُقُوا الْخَزْرَجَ الضَّرْبَا) وَقَالَ ضرار بن الْخطاب الفِهري يرثي أَبَا جهل // (من الطَّوِيل) // (أَلاَ مَنْ لِعَينٍ بَاتَتِ الليْلَ لَمْ تَنمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمًا فِي سَوَادٍ مِنَ الظُّلَمْ) (كَأَنَّ قَذّى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذّى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدَّمْعِ تَنْسَجِمْ) (فَبَلِّغْ قُرَيشاً أَنَّ خَيْر نَدِّيهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ) (ثَوى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْن خَوصاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ المسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلاَ بَرَمْ) (فَآلَيْتُ لاَ تَنْهَلُّ عَيْني بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِك بَعْدَ الرَّئِيس أَبِي الَحكمْ) (عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيَّ بْنَ غَالبٍ ... أَتَتْهُ المَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يرِمْ) (تَرَى كِسَرَ الخَطِّيِّ فِي نحر مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لحمِهِ بَيْنَهَا خذَمْ) (وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بيشَة ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبطْحَاءَ فِي أَجَمْ) (بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقُمَاقِمَةِ البُهُمْ) (فَلاَ تَجزْعُوا آلَ المغيرَةِ واصْبِروا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَليْهِ فَلَمْ يُلَمْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 (وَجِدُّوا فإنَّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ) (وَقَدْ قُلْتُ إِنَّ الرِّيحَ طَيِّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزَّ الْمقام غَيْرَ شَكٍّ لِذِي فَهَمْ) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت يرثي من أُصِيب من قُرَيْش يَوْم بدر // (من مجزوء الْكَامِل) // (أَلاَّ بَكَيْتَ عَلَى الْكِرَامِ ... بَنِي الْكِرَامِ أُولِي المَمَادِحْ) (كَبُكَا الحَمَامِ عَلَى فُروعِ ... الأَيْكِ فِي الْغُصنِ الجَوانِحْ) (يَبْكِينَ حَرَّى مُسْتَكِينَاتٍ ... يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ) (أمْثَالُهُنَّ البَاكِيَاتُ ... المُعْولاَتُ مِنَ النَّوائِحْ) (مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِي عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلُّ مَادحْ) (مَاذَا بِبَدْرٍ والْعَقَنْقَلِ ... مِنْ مَرَازِيَةٍ جَحَاجِحْ) (فَمَدَافِعِ البَرْقين فَالْحَنَّانِ ... مِنْ طَرْفِ الأَوَاشِحْ) (شُمْطٍ وشُبَّانٍ بَهَالِيلٍ ... مَغَاوِيرٍ وَحَاوِحْ) (أَلاَّ تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلِّ لاَمِحْ) (أَن قَدْ تَغَيَّرَ بَطْنُ مَكْكَةَ ... فَهْيَ مُوحِشَةُ الأَبَاطِحْ) (مِنْ كُلِّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ ... نَقِيِّ اللَّوْنِ وَاضِحْ) (دُعْموصِ أَبْوَابِ المُلُوكِ ... وَجَائِبٍ لِلْخَرْقِ فَاتحْ) (مِنَ السِّرَاطمةِ الخلاَجِمَةِ ... المَلاَوثَةِ المنَاجِحْ) (القَائلينَ الفَاعِلينَ ... الآمِرِينَ بِكُلِّ صَالِحْ) (أَلْمُطْعِمِينَ الشَّحْمَ فَوْقَ الْخبز شحما كالأنافخ) (نقل الجفان مَعَ الجفان ... إِلى جَفَانٍ كالمنَاضِحْ) (لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لمَنْ ... يَعْفُوا وَلاَ رحٍّ رَحَارِحْ) (لِلضَّيْفِ ثُمَّ الضَّيْفِ بَعْدَ ... الضَّيْفِ والْبُسُطِ السَّلاَطِحْ) (وهُبِ المِئينَ مِنَ المِئينَ ... إِلَى المِئينَ مِنَ اللَّوَاقِحْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 (سَوقَ المُؤبَّلِ لِلمْؤبْبَلِ ... صَادِرَاتٍ عَنْ بَلادِحْ) (لِكرامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَامِ ... مَزِيَّةٌ وَزْنَ الرَّوَاجِحْ) (كَتَثَاقُلِ الأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ ... فِي الأَيْدِي المْوَائِحْ) (خَذَلتْهُمُ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الفَضَائِحْ) (ألضاربين التقدمية ... بالمنهدة الصفَائِح) (وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ) (لله دَرُّ بَنِي عَلِيٍ ... أَيَّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ) (إنْ لَمْ يُغِيروا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلَّ نَابِحْ) (بالمُقْربَاتِ المُبْعِدَاتِ ... الطَّامِحَاتِ مَعَ الطَّوَامِحْ) (مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إِلَى ... أُسُدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ) (وَيُلاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ المُصَافِحِ لِلْمُصَافِح) (بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمَّ ألفٍْ ... بَينَ ذِي بدَنٍ وَرَامِحْ) وَقَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت يبكي زَمعَة بن الْأسود وقتلى بني أسدة // (من الْخَفِيف) // (عَينُ بَكِّي بِالمُسْبِلاتِ أَبَا الْحَارِثِ ... لاَ تَذْخَرِي عَلَى زَمَعَهْ) (إِبْكِي عَقيلَ بْنَ أَسْوَدٍ أَسَدَ الْبَأْسِ ... لِيَوْمِ الهِياجِ وَالدَّفعَهْ) (فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِم خَوَت الجَوْزَاءُ ... لاَ خَانَةٌ ولاَ خَدَعَهْ) (وَهُمُ الأُسْرَةُ الوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ) (أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرٍ شَعَرَ الرَّأْسِ ... وَهُمْ أَلْحَقُوهُمُ الْمَنعَهْ) (فَبَنُو عَمِّهِمْ إِذَا حَضَرُوا الْبَأْسِ ... عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ) (وَهمُ المُطْعِمُونَ إِنْ قَحَطَ الَقَطْرُ ... وَحَالَتْ فَلاَ تَرَى قَزَعَهْ) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ أَبُو أُسَامَة مُعَاوِيَة بن زُهَيْر بن قيس بن الْحَارِث بن سعد بن ضبيعة بن مَازِن بن عدي بن جشم بن مُعَاوِيَة حَلِيف بني مخزون قَالَ ابْن هِشَام وَكَانَ مُشْركًا وَكَانَ مهر بهبيرة بن أبي رهم منهزمون يَوْم بدر وَقد أعيي هُبَيْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 فَقَامَ وَألقى عَنهُ درعه وَحمله وَمضى بِهِ قَالَ ابْن هِشَام وَهَذِه أصح أشعار أهل بدر // (من الوافر) // (وَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ القَومَ خفُّوا ... وَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ) (وأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ القَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنَّ خيارهم أَذْبَاحُ عِتْرِ) (وَكَانَتْ جمة وَافَتْ حِمامًا ... وَلُقَّينَا المنَايَا يَوْمَ بَدْرِ) (نَصُدُّ عَنِ الطَّرِيقِ وأَدُرَكُونَا ... كَأَنَّ زُهَاءهُمْ غَطيَانُ بَحْرِ) (وَقَالَ القَائِلُونَ مَنِ ابْنُ قَيْسٍ؟ ... فقُلْتُ أَبُو أُسَامَةَ غَيْرَ فَخْر) (أَنَا الجُشَمِيُّ كَيْمَا يَعْرِفُوني ... أُبَيِّنُ نسبتى نَفرا بِنَقرِ) (فإِن تَكُ فِي الغَلاَصِمِ مِنْ قُرَيْشِ فَإِني مِنْ مُعَاويَةَ بْنِ بَكْرِ) (فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمَّا غُشِينَا ... وَعِنْدَكَ مالِ إِنْ نَبَّأْتَ خُبْرِي) (وأَبْلِغْ إِنْ عَرَضْتَ القَوْمَ عَنَّا ... هُبَيْرةَ وَهْوَ ذُو عِلْم وَقَدْرِ) (بِأَنِّي إِن دعيتُ إِلَى أُفَيْدٍ ... كَرَرْتُ وَلمْ يَضقْ بِالكَرِّ صَدْري) (عَشِيَّةَ لَا يُكَرُّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلاَ ذِي هِمَّةٍ مِنْهُمْ وَصِهرِ) (فَدُونَكُمُ بَنِي لأي أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمَّ عَمْرو) (فَلَوْلاَ مَشْهَدي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوقَّفَةُ القَوَائِمِ أُمُّ أَجْرِ) (دَفُوعٌ للقُبُورِ بمَنْكِبَيْهَا ... كأَنَّ بوَجْهها تَحْمِيمَ قِدْرِ) (فَأُقْسِمُ بالذِي قَدْ كَانَ ربِّي ... وأَنْصَابٍ لَدَى الجمرَاتِ مُغْرِ) (لَسَوفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبي إَذَا مَا ... تَبَدّلَتِ الجلودُ جُلُودَ نمْر) (فَمَا إِنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْد تَرْج ... مُدِلٌّ عَنبسٌ فِي الغيل مجرِي) (فَقَدْ أَحْمَى الأَبَاءة من كُلافٍ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بنفرٍ) (بِخلٍّ تعجز الحُلَفَاء عَنْهُ ... يَوَاثِبُ كُلَّ هجهَجَةٍ وَزَجْرِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 (بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنِّي إِذَا مَا ... حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ) (ببيضٍ كالأَسِنَّة مُرْهَفاتٍ ... كَأَنَّ ظُبَاتِهِنَّ جحيمُ جَمْرِ) (وأكلف مجنإ من جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءِ البُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ) (وأَبْيَضَ كالغدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بالمداوِسِ نصْف شَهْر) (أُرَفِّلُ فِي حَمَائِلِهِ وأمشي ... كَمِشْيَةِ خَادرٍ لَيْثٍ سِبْطْرِ) (يَقُولُ لِيَ الفَتَى سَعْدٌ هَدِيًّا ... فَقُلْتُ لَعَلَّه تقريب غدر) (وَقُلْتُ أَبَا عَدِيِّ لاَ تَطُرْهُمْ ... وَذَلِكَ إِنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي) (كَدَأْبِهِمُ بِفَرْوةَ إِذْ أَتَاهُمْ ... فَظَلَّ يُقَادُ مَكْتوفًا بضفرِ) وَقَالَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة ترثي أَبَاهَا يَوْم بدر // (من المتقارب) // (أعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ) (تَدَاعَى لهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبْ) (يُذيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهمْ ... يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ) (يَجُرُّونَهُ وَعَفِيرُ التُّرَابِ ... عَلَي وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ) (وَكَانَ لَنَا جَبَلاَ رَاسِيًا ... جَمِيلَ المَرَاةِ كَثِيرَ العُشُبْ) (فأمَّا بُريٌّ فَلَمْ أَعْنه ... فَأوتيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ) وَقَالَت هِنْد أَيْضا // (من الطَّوِيل) // (يَريبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشيء يغالبهْ) (أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِب ... يُرَاعُ امْرُؤٌ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ؟ !) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 (أَلاَ رُبَّ يَوْم قَدْ رزِئْتُ مُرَزًّأً ... تَرُوح وتَغْدُو بِالجزِيلِ مَوَاهِبُهْ) (فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلقهُ يَوْمًا فَسَوفَ أُعاتبُهْ) (فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الحرْبَ إِنَّهُ ... لِكُلِّ امْرِىء فِي النَّاس مَوْلى يُطَالِبُهْ) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَت أَيْضا // (من مجزوء الْكَامِل) // (لله عَيْنَا مَنْ رَأَى ... هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليَهْ) (يَا رُبَّ بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النَّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ) (كَمْ غَادَرُوا يَومَ الْقَلِيبِ ... غَدَاةَ تِلْكَ الوَاعِيَهْ) (مِنْ كُلِّ غَيْثٍ فِي السِّنينَ ... إِذَا الْكَوَاكِبُ خَاويَهْ) (قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَاليومَ حقَّ حِذَارِيَهْ) (قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الغَداةَ مُوَامِيهْ) (بل رُبَّ قائلةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمِّ مُعَاويهْ) وَقَالَت أيضَاً // (من الرجز) (يَا عَينُ بَكي عُتبَهْ ... شَيْخًا شَديد الرَّقَبَهْ) (يُطعِمُ يومَ المسْغَبهْ ... يَدْفعُ يومَ المغلبهْ) (إِني عَلَيْهِ حَربَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مسْتلبهْ) (لنهبطنَّ يثربَهْ ... بغارة منثعبَهْ) (فِيهَا الْخُيُول مقربهْ ... كل جواد سلهبه) وَقَالَت صَفِيَّة بنت مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أْمية بن عبد شمس تبْكي أهل القليب الَّذين أصيبوا يَوْم بدر من قُرَيْش // (من الْبَسِيط) // (يَا مَنْ لِعين قَذَاهَا عَائِرُ الرَّمَدِ ... حَدَّ النَّهَارِ وَقرنُ الشَّمْسِ لَمْ يَقد) (أُخْبرْتُ أَنَّ سَرَاةَ الأكْرَمِينَ مَعاً ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إِلَى أَمَدِ) (وَفَرّض بالقَوْمِ أَصْحَابُ الرِّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ) (قومِي صَفِيَّ وَلاَ تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْت فَانقصفتْ ... فَأَصْبَحَ السّقف مِنْهَا غَيْرَ ذِي عُمُدِ) وَقَالَت صَفِيَّة أَيْضا // (من الهزج) // (أَلاَ يَا مَنْ لعينٍ لِلتْتَبكِّي ... دَمْعها فانْ) (كَغَرْبَيْ دالِجٍ يَسْقِي ... خِلالَ الغَيثِ الدَّانْ) (وَمَا لَيْثُ غَريفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَان) (أَبُو شِبْلَين وَثَّابٌ ... شَديد البَطْش غرثانْ) (كَحِبِّي إِذْ تَوَلَّى وَوُجُوهُ ... القَوْمِ أَلْوَانْ) (وَبالكَفِّ حسام صَارِمٌ ... أَبْيَضُ ذُكْرَانْ) (وَأنْتَ الطَّاعِنُ النَّجْلاَءَ ... مِنْهَا مُزْبِدٌ آنْ) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَت هِنْد بنت أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب ترثي عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب // (من الطَّوِيل) // (لَقَدْ ضُمِّن الصَّفْراء مجْدًا وَسُؤدَدًا ... وَحِلْمًا أصيلاً وَافِرَ اللُّبِّ وَالعقلِ) (عُبيدةَ فابْكِيهِ لأَضيافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرملةٍ تهْوي لأشعثَ كالجذلِ) (وَبكِّيه للأَقوام فِي كُلِّ شَتْوَةٍ ... إِذَا احْمَرَّ آفاقُ السَّمَاءِ مِنَ الْمحل) (وَبَكِّيه للأَيْتَامِ وَالرِّيحُ زفزفٌ ... وَتَشْبِيبِ قدْرٍ طالما أزبَدَتْ تَغْلِي) فَإِنْ تُصبح النيرانُ قد مَاتَ ضَوْءهَا ... فقد كَانَ يذكيهنَّ بِالحطَبِ الجَزْلِ) (لِطَارِقِ لَيْلٍ أوْ لمُلتَمِس الْقرى ... وَمُستنبحٍ أَضحى لَدَيْهِ على رسلِ) وَقَالَت قتيلة بنت الْحَارِث أُخْت النَّضر بن الْحَارِث // (من الْكَامِل) // (يَا رَاكِبًا إِن الأثيل مظنةٌ ... مِنْ صبح خامسةٍ وَأَنت موفقُ) (أَبْلغ بهَا مَيتا بأنَّ تحيَّةً ... مَا إِن تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تخفقُ) (مِنِّي إِلَيْكَ وَعَبرة مسفوحةً ... جَادَتْ بوَاكِفها وأُخرَى تخنُقُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 (هَل يسمعنِّي النَّضْرُ إِنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يسمعُ ميِّت لَا ينْطق؟) (أَمُحَمَّدٌ يَا خَيْرَ ضنء كَريمَةٍ ... فِي قَومهَا والفحل فَحل مُعْرِقُ) (مَا كَانَ ضرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَربَّمَا ... مَنَّ الفتَى وهُوَ المغيظُ المحنقُ) (أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِديَةٍ فَلَيُنْفَقَنْ ... بأَعَزِّ مَا يغلو بِهِ مَا يُنفق) (فالنَّضْرُ أقرب مَنْ أَسرْتَ قَرَابَةً ... وَأَحقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْق يعتقُ) (ظَلَّتْ سُيُوفُ بني أبِيهِ تنوشُهُ ... لله أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشقَّقُ) (صَبْرًا يُقَادُ إِلَى المنيَّة مُتْعباً ... رَسْفَ المُقيِّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوثَقُ) قَالَ ابْن هِشَام فَيُقَال وَالله أعلم إِن رَسُول الله لما بلغه هَذَا الشّعْر قَالَ لَو بَلغنِي هَذَا قبل قَتله لمننت عَلَيْهِ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ فرَاغ رَسُول من بدر عقب شهر رَمَضَان فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة لم يقم بهَا إِلَّا سبع لَيَال حَتَّى غزا بِنَفسِهِ يُرِيد بني سُليم قَالَ ابْن هِشَام وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة سِبَاع بن عرفطة الْغِفَارِيّ أَو ابْن أم مَكْتُوم قَالَ ابْن إِسْحَاق فَبلغ مَاء من مِيَاههمْ يُقَال لَهُ الكدر فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاث لَيَال ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَلم يلق كيداً فَأَقَامَ بهَا شَوَّال وَذَا الْقعدَة وأفدى فِي إِقَامَته تِلْكَ جلّ الْأُسَارَى من قُرَيْش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 (أَمر بني قينقاع قينقاع بِضَم النُّون فِي الْأَشْهر وَيجوز فتحهَا وَكسرهَا بطن من الْيَهُود لَهُم شجاعة وصبر \ خرج يَوْم السبت نصف شَوَّال على رَأس عشْرين شهرا من الْهِجْرَة حَاصَرَهُمْ خمس عشرَة لَيْلَة فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فنزلوا على حكمه وعَلى أَن لَهُ أَمْوَالهم وَلَهُم النِّسَاء والذرية فَلَحقُوا بأذرعات وَأخذ من حصنهمْ سِلَاحا كثيرا وَقد كَانَت الْكفَّار بعد الْهِجْرَة مَعَ النَّبِي على ثَلَاثَة أَقسَام قسم وادعهم عَلَيْهِ السَّلَام على أَلا يحاربوه وَلَا يؤلبوا عَلَيْهِ عدوا وهم طوائف الْيَهُود الثَّلَاث قُرَيْظَة وَالنضير وَبَنُو قينقاع وَقسم حَارَبُوهُ ونصبوا لَهُ الْعَدَاوَة كقريش وَقسم تَرَكُوهُ وَانْتَظرُوا مَا يَئُول إِلَيْهِ أمره كطوائف من الْعَرَب فَمنهمْ من كَانَ يحب ظُهُوره فِي الْبَاطِن كخزاعة وَبِالْعَكْسِ كبني بكر وَمِنْهُم من كَانَ مَعَه ظَاهرا وَمَعَ عدوه بَاطِنا وهم المُنَافِقُونَ وَكَانَ أولَ من نقض الْعَهْد من الْيَهُود بَنو قينقاع فحاربهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي شَوَّال بعد وقْعَة بدر قَالَ الْوَاقِدِيّ بِشَهْر وَأغْرب الْحَاكِم فَزعم أَن إجلاء بني قينقاع وَبنى النَّضِير كَانَ فِي زمن وَاحِد وَلم يوافَقْ على ذَلِك لِأَن إجلاء بني النَّضِير كَانَ بعد بدر بِسِتَّة أشهر على قَول عُرْوَة أَو بعد ذَلِك بِمدَّة طَوِيلَة على قَول ابْن إِسْحَاق وَكَانَ من أَمر بني قينقاع أَن امْرَأَة من الْعَرَب جَلَست إِلَى صائغ يَهُودِيّ فَرَاوَدَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 على كشف وَجههَا فَأَبت فَعمد إِلَى طرف ثوبها فعقده إِلَى ظهرهَا فَلَمَّا قَامَت انكشفت سوءَتها فضحكوا مِنْهَا فصاحت فَوَثَبَ رجل من الْمُسلمين على الصَّائِغ فَقتله فشدت الْيَهُود على الْمُسلم فَقَتَلُوهُ وَوَقع الشَّرّ بَين الْمُسلمين وَبَين بني قينقاع فَسَار إِلَيْهِم النَّبِي بعد أَن اسْتخْلف أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر فَحَاصَرَهُمْ أَشد الْحصار خمس عشرَة لَيْلَة إِلَى هِلَال ذِي الْقعدَة وَكَانَ اللواءُ بيد حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَكَانَ أَبيض فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب ونزلوا على حكم رَسُول الله على أَن لَهُ أَمْوَالهم وَلَهُم النِّسَاء والذرية فَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُنْذر بن قدامَة بتكتيفهم وكلم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يجلوا وتركهم من الْقَتْل وَأمر بِأَن يجلوا من الْمَدِينَة فَلَحقُوا بأذرعات فَمَا كَانَ أقل بقاءهم فِيهَا وَأخذ من حصنهمْ سِلَاحا وَآلَة كَثِيرَة وَكَانَت بَنو قينقاع حلفاءَ لعبد الله ابْن سلول وَعبادَة بن الصَّامِت فتبرأ عبَادَة بن الصَّامِت من حلفهم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَتَبرأ إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله من حلفهم وأتولى الله وَرَسُوله على الْمُؤمنِينَ وَأَبْرَأ من حلف الْكفَّار وولايتهم ففيهم وَفِي عبد الله أنزل ( {يَا أَيهَا الذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذوْا اليهودَ والنَصَارى أوْلِياءَ بعْضُهُمُ أولياءَ بعضٍ} إِلَى قَوْله ( {فإنَ حِزْبَ الله هم الغالبون} ثمَّ غَزْوَة السويق سميت بذلك لِأَنَّهُ كَانَ أكثرَ زَاد الْمُشْركين وَتسَمى أَيْضا غَزْوَة الكُدر بِضَم الْكَاف وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة اسْم لماء هُنَاكَ وهم مِائَتَا رَاكب فيهم أَبُو سُفْيَان خرج لَهُم يَوْم الْأَحَد خَامِس ذِي الْحجَّة على رَأس اثْنَيْنِ وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي صفر فِي مِائَتي رجل من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَقيل فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَكَانَ سَبَب هَذِه الْغَزْوَة إِن أَبَا سُفْيَان حِين رَجَعَ بالعير من بدر إِلَى مَكَّة نذر أَلا يمس النِّسَاء والدهن حَتَّى يَغْزُو مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَخرج فِي مِائَتي رَاكب من قُرَيْش ليبر يَمِينه حَتَّى أَتَوا العريض نَاحيَة من الْمَدِينَة على ثَلَاثَة أَمْيَال فحرقوا نخلا وَقتلُوا رجلا من الْأَنْصَار فَرَأى أَبُو سُفْيَان أَن قد انْحَلَّت يَمِينه فَانْصَرف بقَوْمه رَاجِعين وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي طَلَبهمْ فِي مِائَتَيْنِ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَجعل أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه يلقون جرب السويق وَهِي عَامَّة أَزْوَادهم يتخففون للهرب فيأخذها الْمُسلمُونَ فَلم يلحقهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَرجع إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت غيبته خَمْسَة أَيَّام وَفِي ذِي الْحجَّة صلى رَسُول الله الْعِيد وَأمر بالأضحية وَفِيه مَاتَ عُثْمَان بن مَظْعُون وفى هَذِه السّنة تزوج عَليّ بفاطمة رَضِي الله عَنْهُمَا (حوادث السّنة الثَّالِثَة) فِيهَا غَزْوَة غَطَفان وَهِي غَزْوَة ذِي أَمر بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وسماها الْحَاكِم غَزْوَة أَنْمَار وَهِي بِنَاحِيَة نجد وَكَانَت لثنتي عشرَة مَضَت من ربيع الأول على رَأس خَمْسَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة وسببها أَن جمعا من ثَعْلَبَة ومحارب تجمعُوا يُرِيدُونَ الإغارة جمعهم دعثور ابْن الْحَارِث الْمحَاربي وَسَماهُ الْخَطِيب غورث وَغَيره غورك وَكَانَ شجاعا فندب الْمُسلمين وَخرج فِي أَرْبَعمِائَة وَخمسين فَارِسًا واستخلف على الْمَدِينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 عُثْمَان بن عَفَّان فَلَمَّا سمعُوا بمهبطه هربوا فِي رُؤُوس الْجبَال فَأَصَابُوا رجلا مِنْهُم من بني ثَعلَبة فأُدخل على رَسُول الله فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام وضمه إِلَى بِلَال وَأصَاب النَّبِي مطر فَنزع ثوبيه ونشرهما على شَجَرَة ليجفّا واضطجع تحتهَا وهم ينظرُونَ فَقَالُوا لدعثور قد انْفَرد مُحَمَّد فَعَلَيْك بِهِ فَأقبل وَمَعَهُ سيف حَتَّى قَامَ على رَأسه فَقَالَ من يمنعك مني الْيَوْم فَقَالَ الله فَدفع جِبْرِيل فِي صَدره فَوَقع السَّيْف من يَده فَأَخذه النَّبِي فَقَالَ من يمنعك منى قَالَ لَا أحد وَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله ثمَّ أَتَى قومه فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام وَأنزل الله (يَا أَيُهَا اَلَذِين آمَنُوا اَذكُرُوا نِعمَتَ الله عَلَيْكُم إِذ هَم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم. .} الْآيَة وَيُقَال كَانَ ذَلِك فِي ذَات الرّقاع ثمَّ رَجَعَ وَلم يلق كيداً وَكَانَت غيبته إِحْدَى عشرَة لَيْلَة وفيهَا غَزْوَة نَجْرَان وَتسَمى غَزْوَة بني سُليم من نَاحيَة الفرَع بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء كَمَا قَيده السُّهيْلي وَقَالَ فِي الْقَامُوس ونجران وتضم مَوضِع بِنَاحِيَة الْفَرْع كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ بِضَم الْفَاء لَا غير وسببها أَنه بلغه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن بهَا جمعا كثيرا من بني سُليم فَخرج فِي ثَلَاثمِائَة رجل من أَصْحَابه فوجدوهم قد تفَرقُوا فِي مِيَاههمْ فَرَجَعُوا وَلم يلق كيداً وَكَانَ قد اسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم كَمَا قَالَه ابْن هِشَام وَكَانَت غيبته عشر لَيَال وفيهَا سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى القَرْدة بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء كَمَا ضَبطه ابْن الْفُرَات اسْم مَاء من مياه نجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وسببها كَمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق أَن قُريْشًا خَافُوا من طرقهم الَّتِي يسلكون مِنْهَا إِلَى الشَّام حِين كَانَ من وقْعَة بدر مَا كَانَ فسلكوا طَرِيق الْعرَاق فَخرج مَعَهم تجار مِنْهُم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَمَعَهُمْ فضَّة كَثِيرَة وَعند ابْن سعد بَعثه لهِلَال جُمَادَى الْآخِرَة على رَأس ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة فِي مائَة رَاكب يعْتَرض عيرًا لقريش فِيهَا صَفْوَان بن أُميَّة وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى وَمَعَهُمْ مَال كثير وآنية فأصابوها وَقدمُوا بالعير على رَسُول الله وخمسها فَبلغ الْخمس قيمَة عشْرين ألف دِرْهَم وَعند مغلطاي خَمْسَة وَعشْرين ألف دِرْهَم وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق قبل قتل ابْن الْأَشْرَف وَمن حوادثها سَرِيَّة مُحَمَّد بن مَسْلمة وَأَرْبَعَة مَعَه إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول على رَأس خَمْسَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه أَن كَعْب بن الْأَشْرَف كَانَ شَاعِرًا يهجو رَسُول الله بالشعر فَلَمَّا أَبى كَعْب بن الْأَشْرَف أَن ينْزع عَن أَذَاهُ أَمر رَسُول الله سعدَ بن معَاذ أَن يبْعَث رهطاً ليقتلوه وفى رِوَايَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من لنا بِابْن الْأَشْرَف وَفِي أُخْرَى من لكعب بن الْأَشْرَف أَي من ينتدب لقَتله فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا وَقد خرج إِلَى قُرَيْش وجمعهم إِلَى قتالنا وَقد أَخْبرنِي الله بذلك ثمَّ قَرَأَ على الْمُسلمين ( {أَلم تَرَ إِلَى اَلذينَ أُوتُوا نصَيباً مِّنَ اَلكتاب يُؤمِنوُنَ باَلجِبتِ والطاغوتِ وَيَقُولوُنَ لِلَذِينَ كَفَرُوا هؤلاءِ أَهدىَ مِنَ الَّذين آمنُوا سَبِيلا أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله} وَفِي الإكليل فقد آذَانا بِشعرِهِ وقوى الْمُشْركين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وفى رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة أَخُو بني عبد الْأَشْهَل أَنا لَهُ يَا رَسُول الله أَنا أَقتلهُ قَالَ فافعل إِن قدرت على ذَلِك قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه لَا بدَ لنا أَن نقُول قَالَ قُولُوا مَا بدا لكم فَأنْتم فِي حل من ذَلِك فَاجْتمع فِي قَتله مُحَمَّد بن مسلمة وَأَبُو نائلة بنُون وَبعد الألفِ تَحْتَانِيَّة سلكان بن سَلامَة وَكَانَ أَخا كَعْب من الرضَاعَة وَعبادَة بن بشر والْحَارث بن أَوْس بن معَاذ وَأَبُو عبس بن جبر وَهَؤُلَاء الْخَمْسَة من الْأَوْس وَفِي رِوَايَة ابْن سعد فَلَمَّا قَتَلُوهُ وبلغوا بَقِيع الْغَرْقَد كَبروا وَقد قَامَ عَلَيْهِ السَّلَام تِلْكَ اللَّيْلَة يُصَلِّي فَلَمَّا سمع تكبيرهم كبر وَعرف أَنهم قد قَتَلُوهُ ثمَّ انْتَهوا إِلَيْهِ فَقَالَ أفلحت الْوُجُوه قَالُوا وَجهك يَا رَسُول الله ورموا بِرَأْسِهِ بَين يَدَيْهِ فَحَمدَ الله على قَتله وَفِي كتاب شرف الْمُصْطَفى إِن الَّذين قتلوا كَعْبًا حملُوا رَأسه فِي مخلاة إِلَى الْمَدِينَة فَقيل إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام وَأصَاب ذياب السَّيْف الْحَارِث بن أَوْس فجرح ونزفه الدَّم فتفل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على جرحه فَلم يؤذه بعد وفيهَا غَزْوَة أحد يَوْم السبت تَاسِع شَوَّال حِين جمعت قُرَيْش لقتاله ثَلَاثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 آلَاف فيهم سَبْعمِائة دارع وَمِائَتَا فَارس وَثَلَاثَة آلَاف بعير وَخمْس عشرَة امْرَأَة والمسلمون ألف رجل وَقَالَ لِلرُماة لَا تتغيروا فَلَمَّا تغيرُوا انْهَزمُوا وَقتل من الْمُسلمين سَبْعُونَ وَمِنْهُم حَمْزَة وشج جَبينه وَكسرت رَبَاعيته وَدخل فِي وجنته حلقتان من المغفر وَشقت شفته وَقتل من الْمُشْركين ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ وَثَبت وَمَعَهُ أَرْبَعَة عشَرَ رجلا وَنَصره الله عَلَيْهِم فَرجع من يَوْمه آخر النَّهَار وَكَانَ سَببهَا كَمَا ذكره ابْن إِسْحَاق عَن شُيُوخه ومُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَأَبُو الْأسود عَن عُرْوَة وَابْن سعد قَالُوا وَمن قَالَ مِنْهُم مَا حَاصله إِن قُريْشًا لما رجعُوا من بدر إِلَى مَكَّة وَقد أُصِيب أَصْحَاب القليب وَرجع أَبُو سُفْيَان بِعيره قَالَ عبد الله بن أبي ربيعَة وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وَجَمَاعَة مِمَّن أُصِيب آباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم يَوْم بدر يَا معشر قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد وتركم وَقتل خياركم فأعينونا بِهَذَا المَال على حربه يعنون عير أبي سُفْيَان وَمن كَانَت لَهُ فِي تِلْكَ العير تِجَارَة لَعَلَّنَا أَن ندرك مِنْهُ ثأراً فَأَجَابُوهُ لذَلِك فَبَاعُوهَا وَكَانَت ألف بعير وَالْمَال خمسين ألف دِينَار وَفِيهِمْ كَمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَغَيره أنزل الله تَعَالَى ( {إِن اَلَذين كَفَرُوا ينفِقُونَ أَموالَهُم ليصدوا عَن سَبيلِ الله فَسَيُنفقُونَهَا ثمَّ تكون عَلَيْهِم حسرة ثمَّ يغلبُونَ} وَاجْتمعت قُرَيْش لِحَرْب رَسُول الله وَكتب الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كتابا يخبر رَسُول الله بخبرهم وَسَار بهم أَبُو سُفْيَان حَتَّى نزل بهم بِبَطن الْوَادي من قبل أحد مُقَابل الْمَدِينَة وَكَانَ رجال من الْمُسلمين أسفوا على مَا فاتهم من مشْهد بدر وَأرى لَيْلَة الْجُمُعَة رُؤْيا فَلَمَّا أصبح قَالَ وَالله لقد رَأَيْت خيرا رَأَيْت بقرًا تذبحُ وَرَأَيْت فِي ذُبَاب سَيفي ثلمًا وَرَأَيْت إِنِّي أدخلت يَدي فِي درع حَصِينَة فَأَما الْبَقر فناس من أَصْحَابِي يقتلُون وَأما الثلم الَّذِي رَأَيْت فِي سَيفي فَهُوَ رجل من أهل بَيْتِي يقتل وَقَالَ ابْن عقبَة وَيَقُول رجال كَانَ الَّذِي بِسَيْفِهِ مَا قد أصَاب وَجهه فَإِن الْعَدو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 أَصَابُوا وَجهه الشريف يَوْمئِذٍ وكسروا رَباعيته وجرحوا شفته وفى رِوَايَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وأولت الدرْع الحصينة بِالْمَدِينَةِ فامكثوا فَإِن دخل الْقَوْم الْأَزِقَّة قاتلناهم ورُمُوا من فَوق الْبيُوت فَقَالَ أُولَئِكَ الْقَوْم يَا رَسُول الله كُنَّا نتمنى هَذَا الْيَوْم اخْرُج بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا لَا يرَوْنَ أَنا جبنا عَنْهُم فصلى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالنَّاسِ الْجُمُعَة ثمَّ وعظهم وَأمرهمْ بالجد وَالِاجْتِهَاد وَأخْبرهمْ أَن لَهُم النَّصْر مَا صَبَرُوا وَأمرهمْ بالتهيؤ لعدوهم ففرح النَّاس بذلك ثمَّ صلى بِالنَّاسِ الْعَصْر وَقد حشدوا وَحضر أهل العوالي ثمَّ دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَيته وَمَعَهُ صَاحِبَاه أَبُو بكر وَعمر فعمماه وألبساه وصف النَّاس ينتظرون خُرُوجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ لَهُم سعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير استكرهتم رَسُول الله على الْخُرُوج فَردُّوا الْأَمر إِلَيْهِ فَخرج رَسُول الله وَقد لبس لأمته وَهِي بِالْهَمْز وَقد يتْرك تَخْفِيفًا الدرْع وتقلد سَيْفه فَنَدِمُوا جَمِيعًا على مَا صَنَعُوا فَقَالُوا مَا كَانَ لنا أَن نخالفك فاصنَعْ مَا شِئْت فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا لبس لأمته أَن يَضَعهَا حَتَّى يحكم الله بَينه وَبَين عدوه وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم نَحْو حَدِيث ابْن إِسْحَاق وَفِيه إِشَارَة النَّبِي ألاَ يبرحوا من الْمَدِينَة وإيثارهم بِالْخرُوجِ لطلب الشَّهَادَة ولبسه اللأمة وندامتهم على ذَلِك وَقَوله لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا لبس لأمته أَن يَضَعهَا حَتَّى يُقَاتل وَفِيه إِنِّي رَأَيْت إِنِّي فِي درع حَصِينَة. . الحَدِيث وَعقد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاثَة ألوية لِوَاء لِلْأَوْسِ بيد أسيد بن الْحضير ولواء للمهاجرين بيد عَليّ بن أبي طَالب وَقيل بيد مُصعب بن عُمَيْر ولواء للخزرج بيد الْحباب بن الْمُنْذر وَقيل بيد سعد بن عبَادَة وَفِي الْمُسلمين مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 دارع وَخرج السعدان أَمَامه يعدوان سعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة دارعين وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وعَلى الحرس تِلْكَ اللَّيْلَة مُحَمَّد بن مَسلمة وأدلج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي السحر وَكَانَ قد رد جمَاعَة من الْمُسلمين لصغرهم مِنْهُم أُسَامَة وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ والنعمان ابْن بشير قَالَ مغلطاي وَفِيه نظر وَكَانَ المسلمونَ ألف رجل وَيُقَال تِسْعمائَة وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَة آلَاف رجل فيهم سَبْعمِائة دارع وَمِائَتَا فرس وَثَلَاثَة آلَاف بعير وَخمْس عشرَة امْرَأَة وَنزل عَلَيْهِ السَّلَام بِأحد وَرجع عَنهُ عبد الله بن أبي فِي ثَلَاثمِائَة مِمَّن تبعه من قومه من أهل النِّفَاق وَيُقَال إِن النَّبِي أَمرهم بالانصراف لكفرهم بمكانٍ يُقَال لَهُ الشوطُ وَيُقَال بِأحد ثمَّ صف الْمُسلمُونَ بِأَصْل أحد وصف الْمُشْركُونَ بالسبخة قَالَ ابْن عقبَة وَكَانَ على ميمنة خيل الْمُشْركين خَالِد بن الْوَلِيد وعَلى ميسرتها عِكْرِمَة بن أبي جهل وَجعل على الرُّمَاة وهم خَمْسُونَ رجلا عبد الله بن جُبَير وَقَالَ لَو رَأَيْتُمُونَا يتخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ هَذَا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم وَإِن رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القومَ ووطئناهم فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم كَذَا فِي البُخَارِيّ من حَدِيث الْبَراء وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم أَنه أقامهم فِي مَوضِع ثمَّ قَالَ احموا ظُهُورنَا فَإِن رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تنصرونا وَإِن رَأَيْتُمُونَا قد غنمنا فَلَا تشركونا وَقَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ رَسُول الله من يَأْخُذ هَذَا السَّيْف بِحقِّهِ فَقَامَ إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 رجال فأمسكه عَنْهُم حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك فَقَالَ وَمَا حَقه يَا رَسُول الله قَالَ أَن تضرب بِهِ فِي وَجه الْعَدو حَتَّى ينحني قَالَ أَنا آخذه بِحقِّهِ يَا رَسُول الله فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَكَانَ رجلا شجاعاً يختال عِنْد الْحَرْب فَلَمَّا رَآهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتبختر قَالَ إِنَّهَا لمشية يبغضها الله إِلَّا فِي هَذَا الموطن قَالَ الزبير بن الْعَوام فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام فَقلت وَالله لأنظرن مَا يصنع أَبُو دُجَانَة فاتبعته فَأخذ عِصَابَة حَمْرَاء فعصب بهَا رَأسه فَقَالَت الْأَنْصَار أخرج عِصَابَة الْمَوْت فَخرج وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) // (أَنَا الذِي عاهدَنِي خليلِي ... ونحْنُ بالسَّفْحِ لَدَى النَّخيلِ) (ألاَّ أقومَ الدَّهْرَ فِي الكَيُّولِ ... أَضْرِبْ بسيفِ الله والرِّسولِ) فَجعل لَا يلقى أحدا من الْمُشْركين إِلَّا قَتله وَقَوله الكَيول بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة مُؤخر الصُّفُوف وَهُوَ فيعول من كالَ الزند يكيلُ كَيْلا إِذا كبا وَلم يخرج نَارا فَشبه مُؤخر الصَّفّ بِهِ لِأَن من كَانَ فِيهِ لَا يُقَاتل قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَلم يسمع إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث وَقتل شُرَحْبِيل بن هَاشم بن عبد منَاف والتقى حَنْظَلَة الغسيل وَأَبُو سُفْيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 فَضَربهُ شَدَّاد بن أَوْس فَقتله إِن حَنْظَلَة لتغسله الْمَلَائِكَة فسألوا امْرَأَته جميلَة أُخْت عبد الله بن أبي فَقَالَت خرج وَهُوَ جُنُب فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لذَلِك غسلته الملائكةُ وَبِذَلِك تمسك من قَالَ من الْعلمَاء بِأَن الشَّهِيد يغسل إِذا كَانَ جنبَاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وَقتل عَليّ طَلْحَة بن أبي طَلْحَة صَاحب لِوَاء الْمُشْركين ثمَّ حمل لواءهم عُثْمَان ابْن أبي طَلْحَة فَحمل عَلَيْهِ حَمْزَة فَقطع يَده وكتفه ثمَّ أنزل الله نَصره على الْمُسلمين فحسوا الْكفَّار بِالسُّيُوفِ حَتَّى كشفوهم عَن الْعَسْكَر وَكَانَت الْهَزِيمَة فولى الْكفَّار لَا يلوون على شَيْء وَنِسَاؤُهُمْ يدعونَ بِالْوَيْلِ وتبعهم الْمُسلمُونَ حَتَّى أجهضوهم ووقعوا ينهبون الْعَسْكَر وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهِ من الْغَنَائِم وَفِي البُخَارِيّ قَالَ الْبَراء فَقَالَ أَصْحَاب عبد الله بن جُبَير أنسيتم مَا قَالَ لكم رَسُول الله قَالُوا وَالله لنأتين فلنصيبن من الْغَنَائِم فَلَمَّا أتوهم صرفت وُجُوههم فَأَقْبَلُوا منهزمين وَفِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا لما كَانَ يَوْم أحد هزم الْمُشْركُونَ هزيمَة بَيِّنَة فصاح إِبْلِيس عباد الله أخراكم فَرَجَعت أولاهم فاجتلدت مَعَ أخراهم وَعند أَحْمد وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنهم لما رجعُوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فَلم يتميزا فَوَقع الْقَتْل فِي الْمُسلمين بَعضهم من بعض وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا وَنظر خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى خلاء الْجَبَل وَقلة أَهله فكَر بِالْخَيْلِ وَتَبعهُ عِكْرِمَة بن أبي جهل فحملوا على من بَقِي من النَّفر الرُّمَاة فَقَتَلُوهُمْ وأميرهم عبد الله بن جُبَير وَفِي البُخَارِيّ أَنهم لما اصطفوا لِلْقِتَالِ خرج سِبَاع فَقَالَ هَل من مبارز فَخرج إِلَيْهِ حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَشد عَلَيْهِ فَكَانَ كأمس الذَّاهِب وَكَانَ وَحشِي كامنا تَحت الصحرة فَلَمَّا دنا مِنْهُ رَمَاه بحربته حَتَّى خرجَت من بَين وركيه فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ انْتهى وَكَانَ مُصعب بن عُمَيْر قَاتل دون رَسُول الله وَكَانَ الَّذِي قَتله ابْن قمئة وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 يَظُنّهُ أَنه رَسُول الله فصاح ابْن قمئة إِن مُحَمَّدًا قتل وَيُقَال كَانَ ذَاك أزب الْعقبَة وَيُقَال بل إِبْلِيس لَعنه الله تصوَر فِي صُورَة جِعَال وَقَالَ أَي عباد الله أخراكم أَي احترزوا من جِهَة أخراكم فعطف الْمُسلمُونَ وَقتل بَعضهم بَعْضًا وهم لَا يَشْعُرُونَ وَانْهَزَمَ طَائِفَة مِنْهُم إِلَى جِهَة الْمَدِينَة وتفرق سَائِرهمْ وَوَقع الْقَتْل فيهم وَقَالَ ابْن عقبَة وَلما فقد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ رجل مِنْهُم إِن رَسُول الله قد قتل فَارْجِعُوا إِلَى قومكم ليؤمنوكم قبل أَن يأتوكم فيقتلوكم فَإِنَّهُم داخلو الْبَيْت وَقَالَ رجل مِنْهُم إِن كَانَ رَسُول الله قتل أَفلا تقاتلون على دينكُمْ وعَلى مَا كَانَ عَلَيْهِ نَبِيكُم حَتَّى تلقوا الله عز وَجل شُهَدَاء مِنْهُم أنس بن مَالك بن النَّضر شهد لَهُ بهَا عِنْد رَسُول الله سعد بن معَاذ قَالَ فِي عُيُون الْأَثر كَذَا وَقع فِي هَذَا الْخَبَر أنس بن مَالك وَإِنَّمَا هُوَ أنس بن النَّضر عَم أنس بن مَالك بن النَّضر انْتهى وَثَبت رَسُول الله حِين انكَشفُوا عَنهُ وَثَبت مَعَه من أَصْحَابه أَرْبَعَة عشر رجلا من الْمُهَاجِرين فيهم أَبُو بكر الصّديق وَسَبْعَة من الْأَنْصَار وَفِي البُخَارِيّ لم يبْق مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا اثْنَا عشر رجلا فَأَصَابُوا منا سبعين وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه أصَاب من الْمُشْركين يَوْم بدر أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَسبعين أَسِيرًا وسبعينَ قَتِيلا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد ثَلَاث مَرَّات فنهاهم النَّبِي أَن يُجِيبُوهُ ثمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْم ابْن أبي قُحَافَة ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْم ابْن الْخطاب ثَلَاث مَرَّات ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ أما هَؤُلَاءِ فقد قتلوا فَمَا ملك عمر نَفسه أَن قَالَ كذبتَ يَا عدُو الله إِن الَّذين عددت لأحياء كلهم وَقد بَقِي لَك مَا يسوءك فَقَالَ يَوْم بِيَوْم وَتوجه يلْتَمس أَصْحَابه فَاسْتَقْبلهُ الْمُشْركُونَ فرموا وَجهه فأدموه وكسروا رباعيته وَالَّذِي جرح وَجهه عبد الله بن قمئة وَعتبَة بن أبي وَقاص أَخُو سعد هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 الَّذِي كسر رباعيته وَمن ثمَّ لم يُولد لَهُ ولد من نَسْله فَيبلغ الْحِنْث إِلَّا وَهُوَ أبخر أَو أهشَمُ أَي مكسور الثنايا من أَصْلهَا يعرف ذَلِك فِي عقبه وَقَالَ ابْن هِشَام فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ إِن عتبَة بن أبي وَقاص رمى رَسُول الله يَوْمئِذٍ فَكسر رباعيته الْيُمْنَى السفلَى وجرح شفته السُّفْلى وَإِن عبد الله بن هِشَام الزُّهْرِيّ شجه فِي جَبهته وَإِن ابْن قمئة جرح وجنتة فدخلَتْ حلقتان من المغفر فِي وجنته وَوَقع فِي حُفْرَة من الْحفر الَّتِي كَانَ أَبُو عَامر الْفَاسِق يكيد بهَا للْمُسلمين وَفِي رِوَايَة وهشموا الْبَيْضَة على رَأسه أَي كسروا الخوذة ورموه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى سقَطَ فِي حُفْرَة من الْحفر الَّتِي حفرهَا أَبُو عَامر فَأَخذه على بِيَدِهِ واحتضنه طَلْحَة بن عبيد الله حَتَّى اسْتَوَى قائمَاً ونشبتْ حلقتا المغفر فِي وجنته وامتص مَالك بن سِنَان وَالِد أبي سعيد الْخُدْرِيّ الدَّم من وجنته ثمَّ ازْدَردهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أصَاب دمي دَمه لم تصبه النَّار وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى حكم دَمه عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ رمى عبد الله بن أبي قمئة رَسُول الله يَوْم أحد فشج وَجهه وَكسر رباعيته فَقَالَ خُذْهَا وَأَنا ابْن قمئة فَقَالَ رَسُول الله أَقْمَأَك الله وَهُوَ يمسح الدَّم عَن وَجهه فَسلط الله عَلَيْهِ تَيْس جبل فَلم يزل يَنْطَحُهُ حَتَّى قطعه قِطْعَة قِطْعَة وروى ابْن إِسْحَاق عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس قَالَ كسرت رباعيته يَوْم أحد وشج وَجهه فَجعل الدَّم يسيل على وَجهه وَجعل يمسحه وَيَقُول كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم فَأنْزل الله تَعَالَى (لَيسَ لَك مِنَ اَلأمرِ شَيء أَوْ يَتوبَ عَلَيهِم أَوْ يُعَذِبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمُونَ} وَرَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق حميد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وَعند ابْن عَائِذ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ بلغنَا أَنه لما جرح يَوْم أحد أَخذ شَيْئا ينشف دَمه وَقَالَ لَو وَقع مِنْهُ شَيْء على الأَرْض لنزل عَلَيْهِم الْعَذَاب من السَّمَاء ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ ضُرِبَ وَجه النَّبِي يَوْمئِذٍ بِالسَّيْفِ سبعين ضَرْبَة ووقاه الله شَرها كلهَا قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَهَذَا مُرْسل قوي وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بالسبعين حَقِيقَتهَا أَو الْمُبَالغَة انْتهى وقاتلت أم عمَارَة نسيبة بنت كَعْب المازنية يَوْم أحد فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام فَخرجت أول النَّهَار حَتَّى انْتَهَت إِلَى رَسُول الله قَالَت فَقُمْت أباشر الْقِتَال وأذب عَنهُ بِالسَّيْفِ وأرمي عَن الْقوس حَتَّى خلصت الْجراحَة إِلَى أَن أصابني ابْن قمئة أقمأه الله لما ولى النَّاس عَن رَسُول الله أقبل يَقُول دلوني على مُحَمَّد فَلَا نجوتُ إِن نجا قَالَت فاعترضْتُ لَهُ فضربني هَذِه الضَّرْبَة وَلَكِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 ضَربته ضرباتٍ على ذَلِك وَلَكِن عَدو الله عَلَيْهِ دِرْعَانِ قَالَت أم سعد بن الرّبيع فَرَأَيْت على عاتقها جرحا أجوف لَهُ غور وترس دون رَسُول الله فِيمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق أَبُو دُجَانَة بِنَفسِهِ يَقع النبل فِي ظَهره وَهُوَ ينحني عَلَيْهِ حَتَّى كثر عَلَيْهِ النبل وَهُوَ لَا يَتَحَرَّك وَرمى سعد بن أبي وَقاص دون رَسُول الله قَالَ سعد فَلَقَد رَأَيْته يناولني النبل وَيَقُول ارْمِ سعد فَذَاك أبي وَأمي حَتَّى إِنَّه يناولني السهْم مَا لَهُ نصل فَيَقُول أرم بِهِ فَيَعُود منصلاً وَأُصِيبَتْ عين قَتَادَة بن النُّعْمَان حَتَّى وقعتْ على وجنته فَأتى بهَا إِلَى رَسُول الله فَأَخذهَا رَسُول الله بِيَدِهِ وردهَا إِلَى موضعهَا وَقَالَ اللَّهُمَّ اكسه جمالاً فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ وَأَحَدهمَا نظرا وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِنَحْوِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وَرمى أَبُو رهم الْغِفَارِيّ كُلْثُوم بن الحصبن بِسَهْم فَوَقع فِي نَحره فبصق عَلَيْهِ فبرىء وَانْقطع سيف عبد الله بن جحش فَأعْطَاهُ عرجوناً فَعَاد فِي يَده سَيْفا فقاتل بِهِ وَكَانَ ذَلِك السَّيْف يُسمى العرجون وَلم يزل يتوارثُ حَتَّى بيع من بُغا التركي من أُمَرَاء المعتصم بِاللَّه فِي بَغْدَاد بِمِائَتي دِينَار وَهَذَا نَحْو حَدِيث عكاشة السَّابِق فِي غَزْوَة بدر إِلَّا أَن سيف عكاشة كَانَ يُسمى العَوْن واشتغَلَ الْمُشْركُونَ بقتلى الْمُسلمين يمثلون بهم ويقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون الْبُطُون وهم يظنون أَنهم أَصَابُوا رَسُول الله وأشراف أَصْحَابه وَكَانَ أول من عرف رَسُول الله كَعْب بن مَالك قَالَ عرفت عَيْنَيْهِ تزهوان من تَحت المغفر فناديت بِأَعْلَى صوتي يَا معشر الْمُسلمين هَذَا رَسُول الله فَلَمَّا عرفوه نهضوا ونهض مَعَهم نَحْو الشّعب مَعَه أَبُو بكر وَعمر وَعلي ورهط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 من الْمُسلمين فَلَمَّا أسْند رَسُول الله فِي الشّعب أدْركهُ أبيّ بن خلف وَهُوَ يَقُول أَيْن مُحَمَّد لَا نجوت إِن نجا فَقَالُوا يَا رَسُول الله يعْطف عَلَيْهِ رجل منا فَقَالَ دَعوه فَلَمَّا دنا تنَاول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الحربة من الْحَارِث بن الصمَّة فَلَمَّا أَخذهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انتفض بهَا انتفاضَةَ تطايروا عَنهُ تطاير الشّعْر عَن ظهر الْبَعِير إِذا انتفض ثمَّ استقبله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فطعنه طعنة وَقع بهَا عَن فرسه وَلم يخرج لَهُ دم فَكسر ضلعاً من أضلاعه فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْش قَالَ قتلني مُحَمَّد وَالله قَالُوا لَيْسَ عَلَيْك يَا أَبَا عَليّ من بَأْس فَقَالَ أَلَيْسَ كَانَ قد قَالَ لي بِمَكَّة أَنا أَقْتلك فوَاللَّه لَو بَصق على لَقَتَلَنِي قلت نعم قد كَانَ أبي هَذَا يلاقي النَّبِي بِمَكَّة فَيَقُول لَهُ إِن معي فرسا أعلفه كل يَوْم فرقا من ذرة أَقْتلك عَلَيْهِ فَيَقُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَهُ بل أَنا أَقْتلك عَلَيْهِ فَذَلِك قَول أبيّ أَلَيْسَ قد قَالَ لي إِلَى آخِره فَمَاتَ عَدو الله بسرف وهم قافلون بِهِ إِلَى مَكَّة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَلم يذكر فَكسر ضلعاً من أضلاعه قَالَ الْوَاقِدِيّ وَكَانَ ابْن عمر يَقُول مَاتَ أبيّ بن خلف بِبَطن رابغ فَإِنِّي لأسير بِبَطن رابغ بعد هويّ من اللَّيْل إِذْ نَار تأجج لي فهبتها وَإِذا رجل يخرج مِنْهَا فِي سلسلة يجتذبها يَصِيح الْعَطش وَإِذا رجل يَقُول لَا تسقه فَإِن هَذَا قَتِيل رَسُول الله هَذَا أبيُّ بن خلف وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَلما انْتهى رَسُول الله إِلَى فَم الشّعب مَلأ عَليّ بن أبي طَالب درقته من المهراس وَهُوَ صَخْرَة منقورة تسع كثيرا من المَاء فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله وَغسل عَن وَجهه الدَّم وصب على رَأسه وَهُوَ يَقُول اشْتَدَّ غضب الله على من أدْمى وَجه نبيه وَصلى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْمئِذٍ الظّهْر قَاعِدا من الْجراح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 الَّتِي أَصَابَته وَصلى الْمُسلمُونَ خَلفه قعُودا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَوَقعت هِنْد بنت عتبَة والنسوة اللَّاتِي مَعهَا يمثلنَ بالقتلى من أَصْحَاب رَسُول الله يخلعنَ الآذان والأنوف وبقرت عَن كبد حَمْزَة فلاكتها فَلم تستطع أَن تسيغها فلفظتها وَلما أَرَادَ أَبُو سُفْيَان الانصرافَ أشرف على الْجَبَل ثمَّ صرخَ بِأَعْلَى صَوته أَنْعَمت فعال إِن الْحَرْب سِجَال يَوْم بِيَوْم بدر اعْلُ هُبل اعلُ هُبل وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حِين أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى أحد كتب على سهم نعم وعَلى الآخر لَا وأجالهما عِنْد هُبل فَخرج سهم نعم فَخرج إِلَى أحد وَلما قَالَ اعْل هُبل أَي زد علوا قَالَ رَسُول الله لعمر أجبه فَقَالَ الله أَعلَى وَأجل لَا سَوَاء قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار فَقَالَ إِن لنا عُزى وَلَا عُزى لكم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قُولُوا الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم وَلما انْصَرف أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه نَادَى أَبُو سُفْيَان بِأَعْلَى صَوته إِن مَوْعدكُمْ بدر الْعَام الْقَابِل فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لرجل من أَصْحَابه قل لَهُ نعم هُوَ بَيْننَا وَبَيْنكُم موعد وَذكر الطَّبَرَانِيّ أَنه لما انصر الْمُشْركُونَ خرج النِّسَاء إِلَى الصَّحَابَة يُعِنْهُمْ فَكَانَت فَاطِمَة فِيمَن خرج فَلَمَّا لقِيت النَّبِي اعتنقته وَجعلت تغسل جراحاته بِالْمَاءِ فَيَزْدَاد الدَّم فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك أخذت شَيْئا من حَصِير فَأَحْرَقتهُ بالنَّار وكمدته بِهِ حَتَّى لصق بِالْجرْحِ فَاسْتَمْسك الدَّم ثمَّ أرسل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُحَمَّد بن مَسلمة كَمَا ذكره الْوَاقِدِيّ فَنَادَى فِي الْقَتْلَى يَا سعد بن الرّبيع مرّة بعد أُخْرَى فَلم يجبهُ حَتَّى قَالَ إِن رَسُول الله أَرْسلنِي أنظر مَا صنعت فَأجَاب بصوتٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 ضَعِيف فَوَجَدته جريحَاً فِي الْقَتْلَى وَبِه رَمق فَقَالَ سعد أبلغ رَسُول الله مني السلامَ وَقل لَهُ يَقُول لَك جَزَاك الله عَنَّا خَيرَ مَا جزى نبيُّاً عَن أمته وأبلغْ قَوْمك عَنى السَّلَام وَقل لَهُم لَا عذر لكم عِنْد الله أَن يخلص إِلَى نَبِيكُم وَفِيكُمْ عين تطرف ثمَّ مَاتَ وَقتل أَبُو جَابر فَمَا عرف إِلَّا ببنانه أَي أَصَابِعه وَقيل أطرافها وأحدها بنانة وَخرج رَسُول الله يلتمسُ حَمْزَة فَوَجَدَهُ بِبَطن الْوَادي قد بقر بَطْنه عَن كبده وَمثل بِهِ فجدع أَنفه وأذناه فَنظر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى شَيْء لم ينظر إِلَى شَيْء أوجع لِقَلْبِهِ مِنْهُ فَقَالَ رَحْمَة الله عَلَيْك لقد كنت فعولًا للخير وصُولا للرحم أما وَالله لَأُمَثِّلَن بسبعين مِنْهُم مَكَانك قَالَ فَنزلت عَلَيْهِ خَوَاتِيم سُورَة النَّحْل ( {وَإِن عَاقَبتم فَعَاقِبوُا} إِلَى آخر الْآيَة فَصَبر وَكفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 عَن يَمِينه وَأمْسك عَمَّا أَرَادَ وَمِمَّنْ مثل بِهِ كَمَا مثل بِحَمْزَة عبد الله بن جحش ابْن أُخْت حَمْزَة وَلذَا يعرف بالمجدَّع فِي الله وَكَانَ حِين قتل ابْن بضع وَأَرْبَعين سنة وَدفن مَعَ حَمْزَة فِي قبر وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَلما أشرف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْقَتْلَى قَالَ أَنا شَهِيد على هَؤُلَاءِ مَا من جريح يجرح فِي الله إِلَّا وَالله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة بدمى جرحه اللَّوْن لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك وَفِي رِوَايَة عبد الله بن ثَعْلَبَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لقتلى أحد زملوهم بجراحهم وروى أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه أَن رسولَ الله قَالَ يَا جَابر أَلا أخْبرك مَا كلم الله أحدا قطّ إِلَّا من وَرَاء حجاب وَإنَّهُ كلم أَبَاك كفاحاً فَقَالَ سلني أعطك قَالَ أَسأَلك أَن أرد إِلَى الدُّنْيَا فأقتل فِيك ثَانِيَة فَقَالَ الرب عز وَجل إِنَّه سبق مني أنهمِ لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا قَالَ أَي رب فأبلغ من ورائي فَأنْزل الله ( {وَلا تحسَبَنَ الَذِينَ قُتِلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب فِي ظلّ الْعَرْش فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَحسن مقيلهم قَالُوا يَا لَيْت إخوانَنَا يعلمُونَ مَا صنع الله بِنَا لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا ينكلُوا عَن الْحَرْب قَالَ الله تَعَالَى أَنا أبلغهم عَنْكُم فَأنْزل الله عز وَجل هَذِه الْآيَات ( {وَلا تَحسَبَنَ الَّذين قتلوا} رَوَاهُ أَحْمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 قَالَ بعض من تكلم على هَذَا الحَدِيث قَوْله ثَم تأوي إِلَى قناديل مصداقه قَوْله ( {وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم لَهُم أجرهم وَنوُرُهُم} الْحَدِيد 19 وَإِنَّمَا تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل لَيْلًا وتسرح نَهَارا وَبعد دُخُول الْجنَّة فِي الْآخِرَة لَا تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل وَإِنَّمَا ذَلِك فِي البرزخ وَقَالَ مُجَاهِد الشُّهَدَاء يَأْكُلُون من ثمار الْجنَّة وَقد ورد هَذَا القَوْل وَيشْهد لَهُ مَا وَقع فِي مُسْند ابْن أبي شيبَة وَغَيره أَن رَسُول الله قَالَ الشُّهَدَاء بنهر أَو على نهر يُقَال لَهُ بارق عِنْد بَاب الْجنَّة فِي قباب خضر يَأْتِيهم رزقهم مِنْهَا بكرَة وعشياً قَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير الشُّهَدَاء أَقسَام مِنْهُم من تسرح أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة وَمِنْهُم من يكون على هَذَا النَّهر بِبَاب الْجنَّة وَقد يحْتَمل أَن يكون مُنْتَهى سيرهم إِلَى هَذَا النَّهر فيجتمعون هُنَالك ويغدي عَلَيْهِم برزقهم هُنَاكَ وَيرَاح قَالَ وَقد روينَا فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد حَدِيثا فِيهِ بشرى لكل مُؤمن بِأَن روحه تكون فِي الْجنَّة أيضَا وتسرح فِيهَا وتأكل من ثمارها وَترى مَا فِيهَا من النضرة وَالسُّرُور وتشاهد مَا أعد الله لَهَا من الْكَرَامَة قَالَ وَهُوَ بِإِسْنَاد صَحِيح عَزِيز عَظِيم اجْتمع فِيهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَصْحَاب الْمذَاهب المتسعة فَإِن الإِمَام أَحْمد رَوَاهُ عَن الشَّافِعِي عَن مَالك بن أنس عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن ابْن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه يرفعهُ نسمَة الْمُؤمن طَائِر تعلقُ فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ وَقَوله تعلق أَي تَأْكُل وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن روح الْمُؤمن تكون على شكل طائرٍ فِي الْجنَّة وَأما أَرْوَاح الشُّهَدَاء فَفِي حواصل طير خضر فَهِيَ كالراكب بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْوَاح عُمُوم الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهَا تطير بأنفسها فنسأل الله الْكَرِيم المنان أَن يميتنا على الْإِيمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَقد اسْتشْهد يَوْم أحد من الْمُسلمين سَبْعُونَ فِيمَا قَالَه مغلطاي وَغَيره وَقيل خَمْسَة وَسِتُّونَ أَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين وروى ابْن مَنْدَه من حَدِيث أبي بن كَعْب قَالَ اسْتشْهد من الْأَنْصَار يَوْم أحد أَرْبَعَة وَسِتُّونَ وَمن الْمُهَاجِرين سِتَّة وَصَححهُ ابْن حبَان من هَذَا الْوَجْه وَقتل من الْمُشْركين ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ رجلا وقَتل عَلَيْهِ السَّلَام بِيَدِهِ أبيَّ بن خلف وَحَضَرت المَلائكة يَوْمئِذٍ فَفِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص عِنْد مُسلم فِي صَحِيحه أَنه رأَى عَن يَمِين رَسُول الله وَعَن شِمَاله يَوْم أحد رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض قَالَ مَا رأيتهما قبل وَلَا بعد يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل يقاتلان كأشد الْقِتَال وَفِيه كَمَا قدمْنَاهُ فِي غَزْوَة بدر أَن قتال الْمَلَائِكَة مَعَه لَا يخْتَص بِيَوْم بدر خلافًا لمن زَعمه كَمَا نَص عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم كَمَا قَدمته وَالله أعلم وَلما بَكَى الْمُسلمُونَ على قتلاهم سُر المُنَافِقُونَ وَظهر فسق الْيَهُود تَنْبِيه ذكر القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء عَن القَاضِي أبي عبد الله بن المرابط من الْمَالِكِيَّة أَنه قَالَ من قَالَ إِن النَّبِي هزم يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل لِأَنَّهُ تنقصه إِذْ لَا يجوز ذَلِك عَلَيْهِ فِي خاصته إِذْ هُوَ على بَصِيرَة من أمره ويقين عصمته انْتهى وَهَذَا مُوَافق لمذهبنا لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْبِسَاطِيّ من الْمَالِكِيَّة هَذَا الْقَاتِل إِن كَانَ يُخَالف فِي أصل الْمَسْأَلَة أَعنِي حكم التائب فَلهُ وَجه وَإِن وَافق على أَن التائب لَا تقبل تَوْبَته فمشكل انْتهى وَقد كَانَ فِي قصَّة أحد وَمَا أُصِيب بِهِ الْمُسلمُونَ من الْفَوَائِد وَالْحكم الربانية أَشْيَاء عَظِيمَة مِنْهَا تَعْرِيف الْمُسلمين سوء عَاقِبَة الْمعْصِيَة وشؤْمَ ارْتِكَاب الْمنْهِي لما وَقع من ترك الرُّمَاة موقفهم الَّذِي أَمرهم رَسُول الله ألاَ يبرحوا مِنْهُ وَمِنْهَا عَادَة الرُّسُل أَن تبتلي وَتَكون لَهُم الْعَاقِبَة وَالْحكمَة أَن لَو انتصروا دَائِما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 لدخل فِي الْمُسلمين من لَيْسَ مِنْهُم وَلم يتَمَيَّز الصَّادِق من غَيره وَلَو انكسروا دَائِما لم يحصل الْمَقْصُود من الْبعْثَة فاقتضت الْحِكْمَة الْجمع بَين الْأَمريْنِ ليتميز الصَّادِق من الْكَاذِب وَذَلِكَ أَن نفاق الْمُنَافِقين كَانَ مخفياً عَن الْمُسلمين فَلَمَّا جرت هَذِه الْقِصَّة وَأظْهر أهل النِّفَاق مَا أظهرُوا من الْفِعْل وَالْقَوْل عَاد التَّلْوِيح تصريحَاً وَعرف الْمُسلمُونَ أَن لَهُم عدوا فِي دُورهمْ واستعدوا لَهُم وتحرزوا مِنْهُم وَمِنْهَا أَن فِي تَأْخِير النَّصْر فِي بعض المواطن هَضْماً للنَّفس وكسراً لشماختها فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ صَبَرُوا وجزع المُنَافِقُونَ وَمِنْهَا أَن الله تَعَالَى هيأ لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ منازلَ فِي دَار كرامته لَا تبلغها أَعْمَالهم فقيض لَهُم أسبابَ الابتلاءِ والمحنِ ليصلوا إِلَيْهَا وَمِنْهَا أَنه أَرَادَ هَلَاك أعدائه فقيض لَهُم الْأَسْبَاب الَّتِي يستوجبون بهَا ذَلِك من كُفرهم وبغيهم وطغيانهم فِي أَذَى أوليائه فمحص ذنُوب الْمُؤمنِينَ ومحق بذلك الْكَافرين وَكَانَ مِمَّا قيل من الشّعْر فِي يَوْم أحد قَول هُبَيْرَة بن أبي وهب بن عَمْرو بن عَائِذ ابْن عبد بن عمرَان بن مَخْزُوم قَالَ ابْن هِشَام عَائِذ بن عمرَان بن مَخْزُوم // (من الْبَسِيط) // (مَا بَالُ هَمٍّ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقْنِي ... بِالْوُدِّ مِنْ هِنْدَ إِذْ تَعْدُو عَوَادِيهَا) (بَاتَتْ تُعَاتِبِنُنِي هِنْدٌ وَتَعْذِلُنِي ... وَالْحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنِّي مَوَالِيهَا) (مَهْلاً فَلاَ تَعْذِلِينِي إِنَّ مِنْ خُلُقِي ... مَا قَدْ عَلِمْتِ وَمَا إِنْ لَسْتُ أُخْفِيهَا) (مُسَاعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِمَا كَلِفُوا ... حَمَّالُ عِبْءٍ وأَثْقَالٍ أُعَانِيهَا) (وَقَدْ حَمَلْتُ سِلاَحِي فَوْقَ مُشْتَرِفٍ ... سَاطٍ سَبُوحٍ إِذَا يَجْرِي يُبَارِيهَا) (كَأَنَّهُ إِذْ جَرَى عَيْرٌ بِفَدْفَدَةٍ ... مُكَدَّمٌ لاَحِقٌ بِالْعُونِ يَحْمِيهَا) (مِنْ آلِ أَعْوَجَ يَرْتَاحُ النَّدِيَُ لَهُ ... كَجِذْعِ شَعْرَاءَ مُسْتَعْلٍ مَرَاقِيهَا) (أَعْدَدْتُهُ وَرُقَاقَ الْحَدِّ مُنْتَخَلاً ... وَمَارِنًا لِخُطُوبٍ قَدْ أُلاَقِيهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 (هَذَا وَبَيْضَاءَ مِثْلَ النِّهْى مُحْكَمَةً ... لُطَّتْ عَلَيَّ فَمَا تَبْدُو مَسَاوِيهَا) (سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ ... عُرْضَ الْبِلاَدِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا) (قالَتْ كِنَانَةُ أَنَّى تَذْهَبُونَ بِنَا؟ ... قُلْنَا النَّخِيلَ فَأَمُّوهَا وَمنْ فِيهَا) (نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوَمَ الْجَرِّ مِنْ أُحُدٍ ... هَابَتْ مَعَدٌّ فَقُلْنَا نَحْنُ نَأْتِيهَا) (هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خَذِمًا ... مِمَّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمَّتْ قَوَاصِيهَا) (ثُمَّتَ رُحْنَا كَأَنَّا عَارِضٌ بَرِدٌ ... وَقَامَ هَامُ بَنِي النَّجَّارِ يَبْكِيهَا) (كَأَنِّ هَامَهُمُ عِنْدَ الوغى فلقٌ ... من قيض ربدٍ نفته عَن أداحيها) (أَو حنظلٌ زعزعته الرِّيحُ فِي غُصُنٍ ... بَالٍ تَعَاوَرُهُ مِنْهَا سَوَافِيهَا) (قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحًّا لاَ حِسَابَ لَهُ ... وَنَطْعُنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيهَا) (وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصُّ بِالنَّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا) (وَلَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيَّةٍ قَدْ بِتُّ أَسْرِيهَا) (لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدِةٍ ... مِنَ الْقَرِيسِ وَلاَ تَسْرِي أَفَاعِيهَا) (أَوْقَدْتُ فِيَها لِذِي الضَّرَّاءِ جاحمةً ... كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ الأَرْكَانِ أَحْمِيهَا) (أَوْرَثَنِي ذَاكُمُ عَمْرٌ ووَوَالِدُهُ ... مِنْ قَبْلِهِ كَانَ بِالْمَثْنَى يُغَالِهَا) (كَانُوا يُبَارُونَ أَنْوَاءَ النَّجُومِ فَمَا ... دَنَّتْ عَنِ السُّورَةِ الْعلْيَا مَسَاعِيهَا) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلاً مِنْ سَفَاهَتِكُمْ ... إِلَى الرَّسُولِ فَجُنْدُ الله مُخْزِيهَا) (أَوْرَدْتُمُوهَا حِيَاضَ المَوْتِ ضَاحِيَةً ... فَالنَّارُ مَوْعِدُهَا وَالْقَتْلُ لاَقِيهَا) (جَمَعتُمُوهُمْ أَحَابِيشًا بِلاَ حَسَبٍ ... أَئِمَّةَ الْكُفْرِ غَرَّتْكُمْ طَوَاغِيهَا) (أَلاَّ اعْتَبَرْتُمْ بِخَيْلِ الله إِذْ قَتَلَتْ ... أَهْلَ الْقَلِيبِ وَمَنْ أَلْقَيْنَهُ فِيهَا؟ !) (كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلاَ ثَمَنٍ ... وَجَزِّ نَاصِيَةٍ كُنَّا مَوَالِيهَا) قَالَ ابْن هِشَام أنشدنيها أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ لكعب بن مَالك قَالَ وَبَيت هُبَيْرَة ابْن أبي وهب وَهُوَ // (من الْبَسِيط) // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 (وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصُّ بِالنَّقَرَى المُثْرِينَ دَاعِيهَا) يرْوى لجنوب أُخْت عَمْرو ذِي الْكَلْب الْهُذلِيّ فِي أَبْيَات لَهَا فِي غير يَوْم أحد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب بن مَالك يُجيب هُبَيْرَة بن أبي وهب // (من الطَّوِيل) // (أَلاَ هَلْ أَتَى غَسَّانَ عَنَّا وَدُنَهُمْ ... مِنَ الأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ؟) (صَحَارٍ وَأَعْلاَمٌ كَأَنَّ قَتَامَهَا ... مِنَ الْبُعْدِ نَقْعٌ هَامِدٌ مُتَقَطِّعُ) (تَظَلُّ بِهِ البُزْلُ الْعَرَامِيسُ رُزَّحًا ... وَيَخْلُوا بِهِ غَيْثُ السِّنِينَ فَيُمْرِعُ) (بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا ... كَمَا لاَحَ كَتَّانُ التِّجَارِ الْمُوَضَّعُ) (بِهِ الْعِينُ وَالآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَبِيضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ يَتَفَلَّعُ) (مَجَالِدُنَا عَنْ دِينِنَا كُلُّ فَخْمَةٍ ... مُذَرَّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ) (وَكُلُّ صَمُوتٍ فِي الصِّوَانِ كَأَنَّهَا ... إِذَا لُبِسَتْ نَهْيٌ مِنَ المَاءِ مُتْرَعُ) (وَلَكِنْ بِبَدْرٍ سَائِلُوا مَنْ لَقِيتُمُ ... مِنَ النَّاسِ وَالأَبْنَاءُ بِالغَيْب تَنْفَعُ) (وَإِنَّا بِأَرْضَ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا ... سِوَانَا لَقَدْ أَجَلَوْا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا) (إِذَا جَاءَ مِنَّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ ... أَعِدُّوا لِمَا يُزجِي ابْنُ حَرْبٍ وَيَجْمَعُ) (فَمَهْمَا يُهِمُّ النَّاسَ مِمَّا يَكيِدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ أَوْسَعُ) (فَلُوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا تَكِيدُهُ الْبَرِيَّةُ ... قَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَوَرَّعُوا) (نُجَالِدُ لاَ تَبْغِي عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ ... مِنَ النَّاسِ إِلاَّ أَنْ يُهَانُوا وَيُفْظَعُوا) (وَلَمَّا ابْتَنَوْا بِالْعِرْضِ قَالَ سَرَاتُنَا ... عَلاَمَ إِذَا لَمْ نَمْنَعِ الْعِرْضَ نَزْرَعُ؟ !) (وفِينَا رَسُولُ الله نَتْبَعُ أَمْرَهُ ... إِذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لاَ نَتَظَلَّعُ) (تَدَلَّى عَلَيْهِ الرُّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ... يُنَزَّلُ مِنْ جُوِّ السَّمَاءِ وَيُرْفَعُ) (نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُريدُ وَقَصْرُنَا ... إِذَا مَا اشْتَهَى أَنَّا نُطِيعُ ونَسْمَعُ) (وَقَالَ رَسُولُ الله لَمَّا بَدَوْا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُمُ هَوْلَ الْمَنِيَّاتِ وَاطْمَعُوا) (وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرُّبًا ... إِلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ وَيُرْجَعُ) (وَلَكِنْ خُذُوا مِيثَاقَكُمْ وَتَوَكَّلُوا ... عَلَى الله إِنَّ الأَمْرَ لله أَجْمَعُ) (فَسِرْنَا إِلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالِهِمْ ... ضُحَيًّا عَلَيْنَا الْبيضُ لاَ نَتَخَشَّعُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 (بِمَلْمُومَةٍ فِيهَا السَّنَوَّرُ وَالْقَنَا ... إِذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لاَ تُوَرَّعُ) (فَجِئنَا إِلَى مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطَهُ ... أَحَابيش مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ) (ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَنَحْنُ نصيِّةً ... ثَلاَثُ مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا فَأَرْبَعُ) (نُغَاوِرُهُمْ تَجْرِي الْمَنِيَّةُ بَيْنَنَا ... نَشَارِعُهُمْ حَوْضَ الَمَنَايَا وَنَشْرَعُ) (تَهَادَى قِسِيُّ النِّبْعِ فِينَا وَفِيهِمُ ... وَمَا هُوَ إِلاَّ الْيَثْرِبِيُّ المَقْطَّعُ) (وَمَنْجُوفَةٌ حِرْمِيَّةٌ صَاعِدِيَّةٌ ... يُذَرُّ عَلَيْهَا السم سَاعَة تصنع) (تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرجَالِ وَتَارَةً ... تمر بأَعْرَاضَ الْبِصَارِ تَقَعْقَعَ) (وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنَّهَا ... جَرَادُ صَبًا فِي قَرَّةِ يَتَرَيَّعُ) (فَلَمَّا تَلاَقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَا ... وَلَيْسَ لأَمْرٍ حَمَّهُ الله مَدْفَعُ) (ضَرَبْنَاهُمُ حَتَّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كَأَنَّهُمُ بِالْقَاعِ خُشْبٌ مُصَرَّعُ) (لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى اسَتَفَقْنَا عَشِيَّة ... كَأَنَّ ذَكَانَا حَرُّ نَارٍ تَلَفَّعُ) (وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجَعِينَ كَأَنَّهُمْ ... جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرِّيحُ مُقْلِعُ) (وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْم بِبِيشَةَ ضُلَّعُ) (فَنِلْنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنَّا وَرُبَّمَا ... فَعَلْنَا وَلكِنْ مَا لَدَى الله أَوْسَعُ) (وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمُ ... وَقَدْ جَعَلُوا كُلٌّ مِنَ الشَّرِّ يَشْبَعُ) (وَنَحْنُ أُنَاسٌ لاَ نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةٌ ... عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَمْنَعُ) (جِلاَدٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لاَ نَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدَّهْرَ تَدْمَعُ) (بَنُو الْحَرْبِ لاَ نَعْيَا بِشَيْءٍ نَقُولُهُ ... وَلاَ نَحْنُ مِمَّا جَرَّتِ الْحَرْبُ نَجْزَعُ) (بَنُو الْحَرْبِ إِنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحَّشٍ ... وَلاَ نَحْنُ من أظْفَارِهَا نتوجع) (وَكُنَّا شِهَابًا يَتَّقِي النَّاسُ حَرَّهُ ... وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيسْفَعُ) (فَخَرْتَ عَلَيَّ ابْنَ الزَّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ مُتْبعُ) (فَسَلْ عَنْكَ فِي عَلْيَا مَعَدٍّ وَغَيْرِهَا ... مِنَ النَّاسِ مَنْ أَخْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعُ؟ {) (وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا؟} ... وَمَنْ خَدُّهُ يَوْمَ الْكَرِيهةِ أَضْرَع؟ ! ُ) (شدَدْنَا بِحَوْلِ الله والنَّصْرِ شَدَّةً ... عَلَيْكُمْ وَأَطْرَافُ الأَسِنَّةِ شُرَّعُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 (فَكُرُّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنَّ فُرُوعَهَا ... عَزَالَى مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَزَّعُ) (عَمَدْنَا إِلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ ... بِذِكْرِ اللِّوَاءِ فَهْوَ فِي الْحَمْدِ أَسْرَعُ) (فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا ... أَبَى الله إِلاَّ أَمْرَهُ وَهْوَ أَصْنَعُ) قَالَ ابْن هِشَام وَكَانَ كَعْب قد قَالَ مجالدنا عَن جذمنا كل فخمة فَقَالَ رَسُول الله أيصلح أَن تَقول مجالدنا عَن ديننَا فَقَالَ كَعْب نعم فَقَالَ رَسُول الله فَهُوَ أحسن فَقَالَ كَعْب مجالدنا عَن ديننَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عبد الله بن الزبعري فِي يَوْم أحد // (من الرمل) // (يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ ... إِنَّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ) (إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ) (والْعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَنَا ... وَسَوَاءٌ قَبْرُ مُثْرٍ وَمُقِلْ) (كُلُّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ ... وَبَنَاتُ الدَّهْرِ يَلْعَبْنَ بِكُلّ) (أَبْلِغَا حَسَّانَ عَنِّي آيَةً ... فَقَرِيضُ الشِّعْرِ يَشْفِي ذَا الْغُلَلْ) (كَمْ تَرَى بِالْجَرِّ مِنْ جُمْجُمَةٍ ... وَأَكُفٍّ قَدْ أُتِرَّتْ وَرِجِلْ) (وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ عَرِيَتْ ... عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ) (كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيِّدٍ ... مَاجِدِ الجَدِّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ) (صَادِقِ النَّجْدةِ قَرْمٍ بَارعٍ ... غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الأَسَلْ) (فَسَلِ الْمِهْرَاسَ مَا سَاكِنُهُ ... بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ) (لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الأَسَلْ) (حِينَ حَكَّتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا ... واسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي عَبْدِ الأَشَلْ) (ثُمَّ خَفُّوا عِنْدَ ذَاكُمْ رُقَّصًا ... رَقَصَ الْحَفَّانِ يَعْلُو فِي الْجَبَلْ) (فَقَتَلْنَا الضِّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ... وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ) (لاَ أَلُومُ النَّفْسَ إِلاَّ أَنَّنَا ... لَوْ كَرَرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 (بسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ ... عَلَلاً تَعْلُوهُمُ بَعْدَ نَهَلْ) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت // (من الرمل) // (ذَهَبَتْ يَابْنَ الزِّبَعْرَى وَقْعَةٌ ... كَانَ مِنَّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ عَدَلْ) (وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنِلْنَا مِنْكُمُ ... وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُوَلْ) (نَضَعُ الأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ ... حَيْثُ نَهْوَى عَلَلاً بَعْدَ نَهَلْ) (نُخْرِجُ الأَصْبَحَ مِنْ أَسْتَاهِكُمْ ... كَسُلاَحِ النيبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ) (إِذْ تُوَلُّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... هَرَبًا فِي الشِّعْبِ أَشْبَاهَ الرَّسَلْ) (إِذْ شَدَدْنَا شَدِّةً صَادِقَةً ... فَأَجَأنَاكُمْ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلْ) (بِخَنَاطِيلَ كَأَشْدَافِ المَلاَ ... مَنْ يُلاَقُوهُ مِنَ النَّاسِ يُهَلْ) (ضَاقَ عَنَّا الشِّعْبُ إِذْ نَجْزَعُهُ ... وَمَلأْنَا الْفُرْطَ مِنْهُ وَالرِّجلْ) (بِرِجَالٍ لَسْتُمُ أَمْثَالَهُمْ ... أُيِّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ) (وَعَلَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالتُّقَى ... طَاعَة الله وَتَصْدِيق الرُّسُلْ) (وَقَتَلْنَا كُلَّ رَأْسٍ مِنْهُم ... وَقَتَلْنَا كُلَ جَحْجَاحٍ رفل) (وَتَرَكْنَا فِي قُرَيْسٍ عَوْرةً ... يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمثل) (وَرَسُولُ اللهِ حَقًّا شَاهِدٌ ... يَوْمَ بَدْرٍ والتَّنَابِيلُ الهُبَلْ) (فِي قُرَيْش مِنْ جُمُوعٍ جَمَّعُوا ... مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الخِصْبِ الهمَلْ) (نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ ولْد اسْتِهَا ... نَحْضُرُ البَأْسَ إِذَا البَأْسُ نَزَلْ) قَالَ ابْن هِشَام وأنشدني أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ وَأَحَادِيث الْمثل وَالْبَيْت الَّذِي قبله وَقَوله فِي قُرَيْش من جموع جمعُوا عَن غير ابْن إِسْحَاق قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب بن مَالك يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب وقتلى أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 من الْمُسلمين // (من المتقارب) // (نَشَجْتَ وَهَلْ لَكَ مِنْ مَنْشَجِ ... وَكُنْتَ مَتَى تَذَّكِرْ تَلْجَجِ) (تَذَكُّرَ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ ... أَحَادِيثُ فِي الزَّمَنْ الأَعْوَجِ) (فَقَلْبُكَ مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ ... مِنَ الشَّوْقِ والحُزُنِ المْنُضَجِ) (وَقَتْلاَهُمُ فِي جِنَانِ النَّعِيمِ ... كِرَامُ المدَاخِلِ والمخرَجِ) (بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلّ اللِّوَاءِ ... لواءِ الرَّسُولِ بِذي الأَضْوُجِ) (غَدَاةَ أَجَابَتْ بأسْيَافها ... جَمِيعًا بَنُو الأَوْسِ والخزرجِ) (وأَشياع أحْمَدَ إِذْ شايعوا ... عَلَى الْحق ذِي النُّورِ والمنْهج) (فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الكُمَاةَ ... وَيَمْضُونَ فِي القَسْطَلِ المُرْهَجِ) (كَذَلِكَ حَتَّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ ... إِلَى جَنّةٍ دَوْحَةِ المَوْلجِ) (فَكُلُّهُمُ مَاتَ حُرَّ البَلاَءِ ... عَلَى مِلَّةِ اللهِ لَمْ يَحْرَجِ) (كَحَمْزَةَ لمّا وَفَى صَادِقًا ... بِذِي هَبَّةٍ صَارِمٍ سَلْجَجِ) (فَلاَقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ ... يُبَرْبِرُ كالجمَلِ الأَذْعَجِ) (فأَوجَرَهُ حَرْبَةً كَالشِّهَابِ ... تَلَهَّبُ فِي اللهَبِ المُوهَجِ) (وَنُعمانُ أوْفى بميثَاقِهِ ... وَحَنْظَلَةُ الخيرِ لم يُحْنَجِ) (عَن الحَقِّ حَتَّى غَدَتْ رُوحُهُ ... إِلَى مَنْزِلٍ فَاخِرِ الزِّبْرِج) (أولئكَ لاَ مَنْ ثوى مِنْكُمُ ... مِنَ النَّارِ فِي الدَّرَكِ المُرْتَجِ) فَأَجَابَهُ ضرار بن الْخطاب الفِهري // (من المتقارب) // (أَيجْزَعُ كَعْب لأشياعهِ ... ويبكي من الزَّمن الأعوج؟ !) (عَجِيجَ المُذَكِّي رَأَى إِلْفَهُ ... تَرَوَّحَ فِي صَادِرٍ مُحْنَجِ) (فَرَاحَ الرَّوَايَا وَغَادَرْنَهُ ... يُعَجْعِجُ قَسْرًا وَلَمْ يُحْدَجِ) (فَقُولاَ لِكَعْبٍ يُثَنِّ البُكَا ... وَللنيءِ مِنْ لَحْمِهِ يَنْضجِ) (لِمَصْرَعِ إِخْوَانِهِ فِي مَكَرِّ ... مِنَ الْخَيل ذِي قَسْطَلٍ مُرْهجِ) (فَيَا لَيْتَ عَمْرًا وَأَشْيَاعَهُ ... وَعُتْبَةَ فِي جَمْعِنَا السَّوْرَجِ) (فَيَشْفُوا النُّفُوسَ بِأَوْتَارِهَا ... بِقَتْلَى أُصيبَتْ مِن الخَزْرَجِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 (وَقَتْلَى من الأوْسِ فِي مَعْرَكٍ ... أُصيبوا جَمِيعًا بِذِي الأضْوُجِ) (وَمَقْتلِ حَمْزَةَ تَحْتَ اللِّوَاءِ ... بِمُطَّرِدٍ مَارِنٍ مُخْلَجِ) (وَحَيْثُ انثنى مضعب ثاويا ... بضربة ذِي هبة سلجج) (بِأُخدٍ وأَسْيَافُنَا فِيهمُ ... تَلَهَّبُ كَالّلَهَبِ المُوهِجِ) (غَدَاةَ لقينَاكُمُ فِي الحَديدِ ... كَأُسْدِ البَرَاحِ فَلَمْ نُعنَجِ) (بِكُلِّ مُجَلَّحَةٍ كَالعُقَابِ ... وَأَجْرَدَ ذِي مَيْعَةٍ مُسْرَجِ) (فَدُسْنَاهُمُ ثَمَّ حَتَّى انثَنَوْا ... سِوَى زَاهِقِ النَّفْسِ أَوْ مُحْرَجِ) قَالَ ابْن هِشَام وَبَعض أهل الْعلم بالشعر ينكرُ هَذَا لِضِرَار وَقَول كَعْب ذِي النُّور والمنهج عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عبد الله بن الزبعري فِي يَوْم أحد // (من الطَّوِيل) // (ألاَ ذَرَفَتْ مِنْ مقلَتَيْكَ دُمُوعُ ... وَقَدْ بَانَ مِنْ حَبْلِ الشَّبَابِ قُطُوعُ؟ !) (وشَطَّ بِمَنْ تَهْوَى المزَارُ وَفَرَّقَتْ ... نَوَى الحيِّ دَارٌ بِالحَبِيب فَجُوعُ) (وَلَيْسَ لِمَا وَلَّى عَلَى ذِي حَرَارَةٍ ... وَإِنْ طَالَ تَذْرَافُ الدُّمُوع رُجُوعُ) (فَذَرْ ذَا وَلَكِنْ هَلْ أَتَى أُمَّ مَالِكٍ ... أَحَادِيثُ قَوْمِي والحدِيثُ يشيعُ) (وَمَجْنَبُنَا جُرْدًا إِلى أَهْلِ يثْرِبٍ ... عَنَاجِيجَ مِنْهَا مُتْلَدٌ وَنَزِيعُ) (عَشيَّةَ سِرْنَا فِي لهامٍ يَقُودنا ... ضَرُورُ الأَعَادِي للصدِيقِ نَفُوعُ) (نَشُّدُّ عَلَيْنَا كُلَّ زَعْفٍ كَأَنَّهَا ... غَدِيرٌ بِضَوْجِ الوَادِبَيْنِ نَقِيعُ) (فَلَمَّا رَأَوْنَا خَالَطَتْهُمْ مَهَابَةٌ ... وَعَايَنَهُمْ أَمْر هَنَاكَ فَظِيعُ) (وَوَدُّوا لَوَ انَّ الأَرْضَ يَنْشَقُّ ظَهْرُهَا ... بِهِمْ وَصَبُورُ القَوْمِ ثَمَّ جَزُوعُ) (وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ كَأَنَّ وَمِيضَهَا ... حَرِيقٌ تَرَقَّى فِي الأَبَاءِ سَرِيعُ) (بِأَيْمَانِنَا نَعْلُو بِهَا كُلَّ هَامَةٍ ... وَمِنْهَا سِمَامٌ لِلْعَدُوّ ذَرِيعُ) (فَغَادَرْنَ قَتْلَى الأَوْسِ عَاصِبَةً بِهِمْ ... ضِبَاعٌ وَطَيْرٌ يَعْتَفِينَ وقُوعُ) (وَجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ فِي كُلَّ تَلْعَةٍ ... بِأَبْدَانِهِمْ منْ وَقْعِهِنَّ نَجِيعُ) (وَلَوْلاَ عُلُوُّ الشِّعْبِ غَادَرْنَ أَحْمَدًا ... وَلَكِنْ عَلاَ والسَّمْهَرِيُّ شَرُوعُ) (كَمَا غَادَرَتْ فِي الكرِّ حّمْزَةَ ثَاوِيًا ... وفِي صَدْرِهِ مَاضِي الشَّبَاةِ وَقِيعُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 (وَنُعْمَانَ قَدْ غَادرْنَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... عَلَى لَحْمِهِ طَيْرٌ يَحِفْنَ وُقُوعُ) (بِأُحْدٍ وَأَرْمَاحُ الكُمَاةِ يُرُدْنَهُمْ ... كَمَا غَالَ أَشْطَانَ الدِّلاَءِ نُزُوعُ) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (أَشَاقَكَ مِنْ أُمِّ الولِيدِ ربُوعُ ... بلاَقِعُ مَا منْ أَهْلِهِنَّ جَمِيعُ؟) (عَفَاهُنَّ صَيْفِيُّ الرِّيَاحِ وَوَاكِفُ ... مِنَ الدَّلْوِ رَجَّافُ السِّحَابِ هَمُوعُ) (فَلَمْ يَبْق إِلاَّ مَوْقِدُ النَّارِ حَوْلَهُ ... رَوَاكِدُ أَمثَالُ الْحمام كنوعُ) (فَدَعْ ذِكْرَ دَارٍ بددتْ بَيْنَ أَهْلِهَا ... نَوًى لِمَتينَاتِ الحبَالِ قَطُوعُ) (وَقُلْ إِنْ يَكُنْ يَوْمٌ بِأُحْدٍ يَعُدُّهُ ... سَفِيهٌ فَإِنَّ الحَقَّ سَوْفَ يَشيعُ) (فَقَدْ صَابَرَتْ فِيهِ بَنُو الأَوْسِ كُلُّهُمْ ... وَكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ هَنَاكَ رَفِيعُ) (وَحَامى بَنُو النَّجَّارِ فِيهِ وَصَابروُا ... وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي اللقَاءِ جزوعُ) (أَمَام رسُولِ اللهِ لَا يخذلُونه ... لَهُمْ نَاصِرٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَشَفِيعُ) (وَفَوْا إِذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ بِرَبِّكُمْ ... وَلاَ يَسْتَوِي عَبْدٌ وَفَى وَمُضِيعُ) (بِأَيْدِيهمُ بِيضٌ إِذَا حَمِشَ الوَغَى ... فَلاَ بُدَّ أنْ يَرْدَى لَهُنَّ صَرِيعُ) (كَمَا غَادَرَتْ فِي النَّقْعِ عُتْبَةَ ثَاوِيًا ... وسَعْدًا صَرِيعاً والوشِيجُ شُرُوعُ) (وَقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ العَجَاجَةِ مُسْنَدًا ... أُبيًّا وَقَدْ بَلَّ القَمِيصَ نَجِيعُ) (بِكَفِّ رَسُولِ الله حَيْثُ تَنصَّبَتْ ... عَلَى القَومِ مِمَّا قَدْ يُثِرْنَ نُقُوعُ) (أُولئِكَ قَوْمٌ سَادَةٌ مِنْ فَرُوعِكُمْ ... وَفِي كُلِّ قَوْمٍ سَادَةٌ وَفُرُوعُ) (بِهِنَّ نُعِزُّ الله حَتَّى يُعِزَّنَا ... وَإِنْ كَانَ أَمْرٌ يَا سَخِينَ فظيعُ) (فَلاَ تَذْكُرُوا قَتْلَى وَحَمْزَةُ فِيهِمُ ... قَتِيلٌ ثَوَى لِلهِ وَهْوَ مُطِيعُ) (فَإِنَّ جِنَانَ الخُلْدِ مَنْزِلَةٌ لَهُ ... وَأَمْرُ الَّذِي يَقْضِي الأُمُورَ سَرِيعُ) (وَقَتْلاَكُمُ فِي النَّارِ أَفْضَلُ رِزْقِهِمْ ... حَمِيمٌ مَعًا فِي جَوْفِهَا وضَرِيعُ) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ فِي يَوْم أحد // (من الطَّوِيل) // (خَرَجْنَا مِنَ الفيفا عَلَيْهِم كأّنَّنَا ... مَعَ الصُّبْحِ مِنْ رَضْوَى الحبيكُ المنطقُ) (تَمَنَّتْ بَنُو النَّجَّارِ جَهْلاً لِقَاءَنَا ... لَدَى جَنْبِ سَلْعٍ وَالأمَانيُّ تَصْدُقُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 (فَمَا رَاعَهُمْ بِالشَّرَّ إِلاَّ فُجَاءَةً ... كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الأَزِقَّةِ تَمْرُقُ) (أَرَادُوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا ... وَدُونَ القِبَابِ اليَوْمَ ضَرْبٌ مُحَرِّقُ) (وكانَتْ قِبَابًا أومنَتْ قَبْلَ مَا تَرَى ... إِذَا رَامَهَا قَوْم أُبِيحُوا وأُحْنِقُوا) (كَأَن رُءُوس الخزرجيين غُدْوَةً ... وَأَيْمَانَهُمْ بِالمشَرفِيَّةِ بَرْوَقُ) فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك فِيمَا ذكر ابْن هِشَام فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (أَلا أبلغا فهراً عَلَى نَأْيِ دَارِهَا ... وعنْدَهُمُ مِنْ عِلْمنَا اليَوْمَ مَصْدَقُ) (بِأُنَّا غَدَاةَ السَّفْحِ مِنْ بَطْنِ يَثْرِبٍ ... صَبَرْنَا وَرَايَاتُ المَنيَّةِ تَخْفِقُ) (صَبَرْنَا لَهُمْ والصَّبْر مِنَّا سَجِيَّةٌ ... إِذَا طَارَتِ الأَبْرَامُ نَسْمُو وَنَرْتُقُ) (عَلَى عَادَةٍ تِلْكُمْ جَرَيْنَا بِصَبْرِنَا ... وَقِدْمًا لَدى الغَايَاتِ نَجْرِي فَنَسْبِقُ) (لَنَا حَوْمَةٌ لاَ تُسْتَطَاعُ يَقُودُها ... نَبِيٌّ أَتى بِالحَقّ عَفٌّ مُصَدَّقُ) (أَلاَ هَلْ أَتَى أَفْنَاءَ فِهْرِ بْن مَالِكٍ ... مُقَطَّعُ أَطْرَافٍ وَهَامٌ مُفَلَّقُ) وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ // (من مجزوء الْكَامِل) // (لَمَّا رَأَيْتُ الحرْبَ يَنْزُو ... شَرّهَا بِالرَّضْفِ نَزْوَا) (وَتَنَازَلَتْ شَهْبَاءُ تَلْحُو ... النَّاسَ بِالضَّرَّاءِ لحْوَا) (أَيْقَنْتُ أَنَّ الموتَ حَقْق ... وَالحياةُ تَكُونُ لغْوَا) (حَمَّلْتُ أَثْوَابِي عَلَى ... عَتَدٍ يَبُذُ الخيْلَ رَهْوَا) (رَبِذٍ كَيَعْفُورِ الصَّرِيمةِ ... رَاعَهُ الرَّامُونَ دَحْوَا) (شَنِجٍ نَسَاهُ ضَابِطٍ ... لِلْخَيْلِ إِرْخَاءً وَعَدْوَا) (فَفِدًى لَهُمْ أُمِّي غَدَاةَ ... الرَّوْعِ إِذْ يَمْشُونَ قَطْوَا) (سَيْرَا إِلَى كَبْشِ الْكَتيبَةِ ... إِذْ جَلَتْهُ الشَّمْسُ جَلْوَا) قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 (وَيَوْمَ بَدْرٍ لقينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مَعَ النَّصْرِ مِيكَالٌ وَجِبْرِيلُ) (إِنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الحقِّ فِطْرَتُنَا ... والقتْلُ فِي الحقِّ عِنْدَ اللهِ تَفْضِيلُ) (وَإِنْ تَرَوْا أمْرَنَا فِي رَأْيِكُمْ سفَهًا ... فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ الإسْلاَمَ تَضْلِيلُ) (فَلاَ تَمَنَّوْا لِقَاحَ الحربِ واقْتَعِدُوا ... إِنَّ أَخَا الحربِ أَصْدى اللَّوْنِ مَشْغُولُ) (إِنَّ لَكُمْ عِنْدَنَا ضَرْبًا تُرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضَّبَاعِ لَهُ خَذْمٌ رَعَابِيلٌ) (إنَّا بَنُو الحرْبِ نَمْرِيهَا وَنْنْتُجُهَا ... وَعِنْدَنَا لِذوِي الأَضَغَانِ تَنْكِيلُ) (إِنْ يَنْجُ مِنْهَا ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ ... مِنْهُ التَّرَاقِي وَأَمْرُ اللهِ مَفْعُولُ) (فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُ حِلْمًا وَمَوعظةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ لُبٌّ وَمَعْقُولُ) (وَلَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السَّيْلِ كَافَحَكُمْ ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ البَطْحَاءِ تَرعيلُ) (تَلْقَاكُمُ عُصَبٌ حَوْلَ النَّبِيِّ لَهُمْ ... مِمَّا يُعِدّونَ لِلْهَيْجَا سَرَابِيلُ) (مِنْ جَذْمِ غَسَّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لاَ جُبَنَاءُ وَلاَ ميلٌ مَعَازِيلُ) (يَمْشُونَ تَحْتَ عَمَايَاتِ القِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي المصَاعِبةُ الأُدْمُ المَرَاسِيلُ) (أَوْ مثْل مشْي أُسُود الطلِّ أَلثْقَهَا ... يَوْمُ رَذَاذٍ مِنَ الجَوْزَاءِ مَشْمُولُ) (فِي كُلِّ سَابِغَةٍ كَالنِّهْي مُحْكَمَةٍ ... قِيَامُهَا فَلَجٌ كَالسَّيْفِ بُهْلُولُ) (تَرُدُّ حَدَّ قِرَانِ النَّبْلِ خَاسِئةً ... وَيَرْجِعُ السَّيْفُ عَنْهَا وَهْوَ مَفْلُولُ) (وَلَوْ قَذَفتمْ بِسَلْعٍ عَنْ ظُهُورِكُمُ ... وَلِلْحَيَاةِ وَدَفْعِ الموْتِ تَأْجِيلُ) (مَا زَالَ فِي القَوْمِ وَتْرٌ منْكُمُ أَبدًا ... تَعْفُو السلاَمُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَطْلُولُ) (عَبْدٌ وَحُرٌّ كَرِيمٌ مُوثَقٌ قَنَصًا ... شَطْرَ المَدينةِ مَأْسُورٌ وَمَقْتُولُ) (كُنَّا نُؤمِّلُ أُخْرَاكُمْ فَأَعجَلَكُمْ ... مِنَّا فَوَارِسُ لاَ عُزْلٌ وَلاَ مِيلُ) (إِذَا جَنَى فِيهِمُ الجَانِي فَقَدْ عَلِمُوا ... حَقَّا بِأَنَّ الَّذِي قَدْ جَرَّ مَحْمُولُ) (مَا يَجْنِ لاَ يَجْنِ مِنْ إِثْمٍ مُجَاهَرَةً ... وَلاَ مَلُومٌ وَلاَ فِي الغُرْمِ مَخْذُولُ) وَقَالَ حسان بن ثَابت يذكر عدَّة أَصْحَاب اللِّوَاء يَوْم أحد // (من الْخَفِيف) // (مَنَعَ النَّوْمَ بِالعشاءِ الهُمُومُ ... وخَيَالٌ إِذَا تَغُورُ النُّجُومُ) (مِنْ حَبِيبٍ أَصَابَ قَلْبَكَ مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهْوَ دَاخِلٌ مَكْتُومُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 (يَالَقَوْمي هَلْ يَقْتُلُ المرءَ مِثْلي ... وَاهِنُ البَطْشِ والعِظَامِ سَئُومُ؟) (لَوْ يَدِبُّ الحولِيُّ مِنْ وَلدِ الذّرْ ... رِعَلَيْهَا لأَنْدَبَتْهَا الكُلُومُ) (شَأْنُهَا العِطْرُ والفِرَاشُ وَيَعْلُوهَا ... لجينٌ وَلُؤلُؤٌ مَنْظُومُ) (لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النَّهَارِ بشيءٍ ... غَيْرَ أَنَّ الشَّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ) (إِنَّ خَالِي خَطِيبُ جَابيَةِ الجولاَنِ ... عِنْدَ النُّعْمَانِ حِينَ يَقُومُ) (وأَنَا الصِّقْرُ عِنْدَ بَابِ ابْنِ سَلْمَى ... يَوْمَ نُعْمَانُ فِي الكُبُولِ سَقِيمُ) (فَأُبي وَوَاقِدٌ أُطْلقَا لِي ... يَوْمَ رَاحَا وَكَبْلُهُ مَحْطُومُ) (وَرَهَنْتَ اليَدَين عَنْهُم جَمِيعًا ... كُلُّ كَفّ جُزءٌ لَهَا مَقْسُومُ) (وَسَطَتْ نِسْبَتِي الذَّوَائِبَ مِنْهُمْ ... كُلُّ دَارٍ فِيهَا أَبٌ لِي عَظِيمُ) (وَأَبِي فِي سُمَيْحَة القَاتِلُ الْفَاصِلُ ... يَوْمَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ الْخُصُومُ) (تِلْكَ أَفْعَالُنَا وَفِعْلُ الزِّبَعْرَى ... خَامِلٌ فِي صَدِيقِهِ مَذْمُومُ) (رُبَّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ المَالِ ... وَجَهْلٍ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعِيمُ) (إِنَّ دَهْرًا يَبُورُ فِيهِ ذَوُو الْعِلْمِ ... لَدَهْرٌ هُوَ الْعَتُوُّ الزَّنِيمُ) (لاَ تَسُبَّنَّنِي فَلَسْتَ بِسِبِّي ... إِنَّ سِبِّي مِنَ الرِّجَالِ الْكَرِيم) (مَا أُبَالِي أَنّبَّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ) (وَلِيَ الْبَأْسُ مِنْكُمُ إِذْ رَحَلْتُمْ ... أُسْرَةٌ مِنْ بَنِي قُصَيِّ صَمِيمُ) (تِسْعَةٌ تَحْمِلُ اللِّوَاءَ وَطَارَتْ ... فِي رعَاعٍ مِنَ الْقَنَا مَخْزُومُ) (وَأَقَامُوا حَتَّى أُبِيحُوا جَمِيعًا ... فِي مَقَامٍ وَكُلُّهُمْ مَذْمُومُ) (بِدَمِ عَانِكٍ وَكَانَ حِفَاظًا ... أَنْ يُقيمُوا إِنَّ الْكَرِيمَ كَرِيمُ) (وَأَقَامُوا حَتَّى أُزِيرُوا شَعُوبًا ... وَالْقَنَا فِي نُحُورِهِمْ مَحْطُومُ) (وَقُرَيْشٌ تَفِرُّ مِنَّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفَّ مِنْهَا الْحُلُومُ) (لَمْ تطِقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إِنَّمَا يَحْمِلُ اللوَاءَ النُّجُومُ) قَالَ ابْن هِشَام وأنشدني أَبُو عُبَيْدَة للحجاج بن علاط السّلمِيّ يمدح عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَيذكر قَتله طَلْحَة بن أبي طَلْحَة بن العَبْد الْعزي بن عُثْمَان بن عبد الدَّار صَاحب لِوَاء الْمُشْركين يَوْم أحد // (من الْكَامِل) // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 (لله أَيُّ مُذَبِّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ... أَعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ الْمُعِمِّ الْمُخُوِلاَ) (سَبَقَتْ يَدَاكَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... تَرَكتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ مُجَدَّلاَ) (وَشّدَدْتَ شَدَّةَ بَاسِلٍ فَهَزَمْتَهُمْ ... بِالْجَرِّ إِذْ يَهُوونَ أَخْوَلَ أَخُولاَ) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ حسان بن ثَابت يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمن أُصِيب من أَصْحَاب رَسُول الله يَوْم أحد // (من مجزوء الْكَامِل) // (يَامَيُّ قُومِي فَانْدُبْننَّ ... بِسُحْرَةٍ شَجْوَ النَّوَائِحْ) (كَالْحَامِلاَتِ الْوَقْرَ بِالثْثِقْلِ ... الْمُلحَّاتِ الدَّوَالِحْ) (أَلْمُعْولاَتِ الْخَامِشَاتِ ... وُجُوهَ حُرَّاتٍ صَحَائِحْ) (وَكَأّنَّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الأَنْصَابُ ... تُخْضَبُ بِالذَّبَائِحْ) (يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنَ ... هُنَاكَ بَادِيَةَ الْمَسَائِحْ) (وَكَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ ... بالضُّحَى شُمْسٍ رَوَامِحْ) (مِنْ بَيْنِ مَشْرُورٍ ومَجْزُورٍ ... يُذَعْذَعُ بِالْبَوَارِحْ) (يَبْكِينَ شَجْوَ مُسَلَّبَاتٍ ... كَدَّحَتْهُنَّ الكَوَادِحْ) (وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا ... مَجْلٌ لَهُ جُلَبٌ قَوَارِحْ) (إِذْ أَقْصَدَ الْحِدْثَانُ مَنْ ... كُنَّا نُرجِّي إِذْ نُشَايِحْ) (أَصْحَابَ أُحْدٍ غَالَهُمْ ... دَهْرٌ أَلَمَّ لَهُ جَوَارِحْ) (مَنْ كَانَ فَارِسَنَا وَحَامِيَنَا ... إِذَا بُعِثَ الْمَسَالِحْ) (يَا حَمْزَ لاَ وَالله لاَ ... أَنْسَاكَ مَا صُرَّ اللقَائِحْ) (لِمُنَاخِ أَيْتَامٍ وَأَضْيَافٍ ... وَأَْرمَلَةٍ تُلاَمِحْ) (وَلَمَا يَنُوبُ الدَّهْرُ فِي ... حَرْبٍ لحَرْبٍ وَهْيَ لاَقِحْ) (يَا فَارِسًا يَا مِدْرَهًا ... يَا حَمْزَ قَدْ كُنْتَ المُصَامِحْ) (عَنَّا شَدِيدَاتِ الْخُطُوبِ ... إِذَا يَنُوبُ لَهُنَّ فَادِحْ) (ذَكَّرْتَنِي أَسَدَ الرَّسُولِ ... وَذَاكَ مِدْرَهُنَا المُنَافِحْ) (عَنَّا وَكَانَ يُعَدُّ إِذْ ... عُدَّ الشَّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 (يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً ... سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرَّ وَاضِحْ) (لاَ طَائِشٌ رَعِشٌ وَلاَ ... ذُو عِلَّةٍ بِالْحَمْلِ آنِحْ) (بَحْرٌ فَلَيْسَ يُغِبُّ جارًا ... مِنْهُ سَيْبٌ أَوْ مَنَادِحْ) (أَوْدَى شَبَابُ أُولِي الْحَفَائِظِ ... وَالثُّقِيلُونَ الْمَرَاجِحْ) (أَلْمُطْعِمُونَ إِذَا الْمَشَاتِي ... مَا يُصَفِّقُهُنَّ نَاضِحْ) (لَحْمَ الْجَلاَدِ وَفَوْقَهُ ... مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ) (لِيُدَافِعُوا عَنْ جَارِهِمْ ... مَا رَامَ ذُو الضِّغْنِ الْمُكَاشِحْ) (لَهْفِي لشبَّانٍ رُزِئْنَاهُم ... كَأَنَّهُم الْمَصَابِحْ) (شُمِّ بَطَارِقَةٍ غَطَارِفَةٍ ... خضَارِمَةٍ مَسَامِحْ) (أَلْمُشْتَرُونَ الْحَمْدَ بِالأمْوَالِ ... إِنَّ الْحَمْدَ رَابِحْ) (وَالْجَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ ... يَوْمًا إِذَا مَا صَاحَ صَائِحْ) (مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنَّوَاقِرِ ... مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِحْ) (مَا إِنْ تَزَالُ رِكَابُهُ ... يَرْسَمنْ فِي غُبْرٍ صَحَاصِحْ) (رَاحَتْ تَبَارَى وَهْوَ فِي ... رَكْبٍ صُدُورُهُمُ رَوَاشِحْ) (حَتَّى تَئُوبَ لَهُ الْمَعَالِي ... لَيْسَ منْ فَوْزِ السَّفَائِحْ) (يَا حَمْزَ قَدْ أَوْحَدْتَنِي ... كَالْعُودِ شَذَبَهُ الْكَوَافِحْ) (أَشْكُو إِلَيْكَ وَفَوْقَك التتُرْبُ ... الْمُكَوَّرُ وَالصَّفَائِحْ) (مِنْ جَنْدَلٍ يُلْقِيهِ فَوْقَكَ ... إِذْ أَجَادَ الضَّرْحَ ضَارِحْ) (فِي وَاسِعٍ يَحْثُونَهُ ... بِالتُّرْبِ سَوَّتْهُ الْمَمَاسِحْ) (فَعَزَاؤُنَا أَنَّا نَقُولُ ... وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِحْ) (مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهْوَ عَمْمَا ... أَوْقَعَ الْحِدثَانُ جَانِحْ) (فَلْيَأَتِنَا فلتبك عَيناهُ ... لهلكنا النوافخ) (ألقائلين الْفَاعِلِينَ ... ذَوِي السَّمَاحَةِ وَالْمَمَادِحْ) (مَنْ لاَ يَزَالُ نَدَى يَدَيْهِ ... لَهُ طِوَالَ الدَّهْرِ مَائِحْ) قَالَ ابْن هِشَام وَأكْثر أهل الْعلم بالشعر ينكرها لحسان وبيته المطمعون إِذا المشاتي وبيته والجامزون بلحمهم وبيته من كَانَ يَرْمِي بالنواقر عَن غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 ابْن إِسْحَاق قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ حسان بن ثَابت أيضَاً يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من السَّرِيع) // (أَتَعْرِفُ الدَّارَ عَفَا رَسْمَهَا ... بَعْدَكَ صَوْبُ المُسْبِلِ الْهَاطِلِ) (بَيْنَ السَّرَادِيحِ فأُدْمَانَةٍ ... فَمَدْفَعِ الرَّوْحَاءِ فِي حَائِلِ) (سَأَلْتُهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ... لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السَّائِلِ) (دَعْ عَنْكَ دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ... وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النَّائِلِ) (أَلْمَالِىء الشِّيزَى إِذَا أَعْصَفَتْ ... غَبْرَاءُ فِي ذِي الشَّبِمِ الْمَاحِلِ) (والتَّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ ... يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذَابِلِ) (وَاللاِّبِسِ الْخَيْلَ إَذَا أَحْجَمَتْ ... كَالليثِ فِي غَابَتِهِ الْبَاسِلِ) (أَبْيَضُ فِي الذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَمْ يَمْرِ دُونَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ) (مَالَ شَهِيداً بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ... شَلَّتْ يَدَا وَحْشِيِّ مِنْ قَاتِلِ) (أَيَّ امْرِىء غَادَرَ فِي أَلَّةٍ ... مَطْرُورَةٍ مَارِنَةِ الْعَامِلِ) (أَظْلَمَتِ الأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ ... وَاسْوَدَّ نُورُ الْقَمَرِ النَّاصِلِ) (صلَّى عَلَيْهِ الله فِي جَنَّةٍ ... عَالِيَةٍ مُكْرَمَةِ الدَّاخِلِ) (كُنَّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا لَنَا ... فِي كُلِّ أَمْرٍ نَابَنَا نَازِلِ) (وَكَانَ فِي الإِسْلاَمِ ذَا تُدْرَإ ... يَكْفِيكَ فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ) (لاَ تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَجْلِبِي ... دَمْعًا وَأَذْرِي عَبْرَةَ الثَّاكِلِ) (وَابْكِي عَلَى عُتْبَةَ إِذْ قَطَّهُ ... بِالسَّيْفِ تَحْتَ الرَّهَجِ الْجَائِلِ) (إِذْ خَرَّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمُ ... مِنْ كُلِّ عَاتٍ قَلْبُهُ جَاهِلِ) (أَرْدَاهُمُ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ... يَمْشُونَ تَحتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ) (غَدَاةَ جِبْرِيلُ وَزِيرٌ لَهُ ... نِعْمَ وَزِيرُ الفَارِسِ الْحَامِلِ) وَقَالَ كَعْب بن مَالك يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من الْكَامِل) // (طَرَقَتْ هُمُومُكَ فَالرُّقَادُ مُسَهَّدُ ... وَجَزِعْتَ أَنْ سُلِخَ الشَّبَابُ الأَغْيَدُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 (وَدَعَتْ فُؤَادَكَ لِلْهَوَى ضَمْرِيَّةٌ ... فَهَوَاكَ غَوْرِيٌّ وَصَحْبُكَ مُنْجِدُ) (فَدَعِ التَّمَادِي فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْتَ فِي طَلَبِ الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ) (وَلَقَدْ أَنَى لَكَ أنْ تَنَاهَى طَائِعًا ... أَوْ تَسْتَفِيقَ إِذَا نَهَاكَ الْمُرْشِدُ) (وَلَقَدْ هُدِدْت لِفَقْدِ حَمْزَةً هَدَّةً ... ظَلَّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا تُرْعَدُ) (وَلَوَ انَّهُ فُجِعَتْ حِرَاءُ بِمِثْلِهِ ... لَرَأَيْتَ رَاسِيَ صَخْرِهَا يَتَبَدَّدُ) (قِرْمٌ تَمَكَّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... حَيْثُ النُّبُوَّةُ وَالنَّدَى وَالسُّؤْدَدُ) (وَالْعَاقِرُ الْكُوَمِ الْجِلاَدِ إَذَا غَدَتْ ... رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ) (وَالتَّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيَّ مُجَدَّلاً ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا يَتَفَصَّدُ) (وَتَرَاهُ يَرْفُلُ فِي الْحَدِيدِ كَأَنَّهُ ... ذُو لِبْدَةٍ شَثْنُ الْبَرَاثِنِ أَرْبَدُ) (عَمُّ النَّبِي مُحَمَّدٍ وَصَفِيُّهُ ... وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ) (وَأَتَى الْمَنِيَّةَ مُعْلَمًا فِي أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النَّبِيَّ وَمِنْهُمُ الْمُسْتَشْهِدُ) (وَلَقَدْ إِخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشِّرَتْ ... لِتُمِيتَ دَاخِلَ غُصَّةٍ لاَ تَبْرُدُ) (مِمَّا صَبَحْنَا بِالْعَقَنْقَلِ قَوْمَهَا ... يَوْمًا تَغَيَّبَ فِيهِ عَنْهَا الأَسْعَدُ) (وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجَوهَهُمْ ... جَبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ) (حَتَّى رَأَيْتُ لَدَى النَّبِيِّ سَرَاتَهُمْ ... قِسْمَيْنِ نَقْتُلُ مَنْ نَشَاءُ ونَطْرُدُ) (فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمُ ... سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمُ وَالأَسْوَدُ) (وَابْنَ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً ... فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا رَشَاشٌ مُزْبِدُ) (وَأُمَيَّةُ الْجُمَحِيُّ قَوَّمَ مَيْلَهُ ... عَضْبٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مُهَنَّدُ) (فأَتَاكَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ كَأَنَّهُمْ ... وَالْخَيْلُ تَثْفُنُهُمْ نَعَامٌ شُرَّدُ) (شَتَّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنَّمَ ثَاوِيًا ... أَبَدًا وَمَنْ هُوَ فِي الْجِنَانِ مُخَلَّدُ) وَقَالَ كَعْب أَيْضا يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من المتقارب) // (صَفِيَّةُ قُومِي وَلاَ تَعْجِزِي ... وَبَكِّي النِّسَاءَ عَلَى حَمْزَةِ) (وَلاَ تَسْأَمِي أَنْ تُطِيلي البُكَا ... عَلَى أَسَدِ الله فِي الْهِزَّةِ) (فَقَدْ كَانَ عِزًّا لأَيْتَامِنَا ... وَلَيْثَ الْمَلاَحِمِ فِي الْبِزَّةِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 ( (يُرِيدُ بِذَاكَ رَضَا أَحْمَدٍ ... وَرِضْوَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْعِزَّةِ) وَقَالَ كَعْب أَيْضا فِي يَوْم أحد // (من المتقارب) // (إِنَّكِ عَمْرَ أَبِيكِ الْكَرِيمِ ... إِنْ تَسْأَلِي عَنْكِ مَنْ يَجْتَدِينَا) (فَإِنْ تَسْأَلِي ثُمَّ لاَ تُكْذَبِي ... يُخَبِّرْكِ مَنْ قَدْ سَأَلْتِ الْيَقِينَا) (بِأَنَّا لَيَالي ذَاتِ الْعِظَامِ ... كُنِّا ثِمَالاً لِمَنْ يَعْتَرِينَا) (تَلُودُ النَّجُودُ بِأَذْرَائِنَا ... مِنَ الضُّرِّ فِي أَزَمَاتِ السِّنِينَا) (بِجَدْوَى فَضُولِ أُولِي وُجْدِنَا ... وَبِالصَّبْرِ وَالْبَذْلِ فِي الْمُعْدمِينَا) (وَأَبْقَتْ لَنَا جَلَمَاتُ الْحُرُوبِ ... مِمَّا نُوَازِي لَدُنْ أَنْ بُرِينَا) (مَعَاطِنَ تَهْوِي إِلَيْهَا الْحُقُوقُ ... يَحْسَبُهَا مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا) (تُخُيِّسُ فِيهَا عِتَاقُ الْجَمَالِ ... صُحْمًا دَوَاجِنَ حُمْرًا وَجُونًا) (وَدُفَّاعَ رَجْلٍ كَمَوْجِ الْفُرَاتِ ... يَقْدُمُ جَأْوَاءَ جُولاً طَحُونَا) (تَرَى لَوْنَهَا مِثْلَ لَوْنِ النَّجُّومِ ... رَجْرَاجَةً تُبْرِقُ النَّاظِرِينَا) (فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شَأْنِنَا جَاهِلاً ... فَسَلْ عَنْهُ ذَا الْعِلْمِ مِمَّنْ يَلِينَا) (بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ إِنْ قَلَّصَتْ ... عَوَانًا ضَرُوساً عضُوضاً حَجُونَا) (أَلَسْنَا نَشُدُّ عَلَيْهَأ الْعِصَابَ ... حَتَّى تَدِرَّ وَحَتَّى تَلِينَا) (وَيَوْمٍ لَهُ رَهَجٌ دَائِمٌ ... شَدِيدِ التَّهَاوُلِ حَامِي الإِرِينَا) (طَوِيلٍ شَدِيدِ أُوَارِ الْقِتَالِ ... تَنْفِي قَوَاحِزُهُ الْمُقْرِفِينَا) (تَخَالُ الْكُمَاةَ بِأَعْرَاضِهِ ... ثِمَالاً عَلَى لَذَّةٍ مُتْرِفِينَا) (تَعَاوَرُ أَيْمَانُهُمْ بَيْنَهُمْ ... كُئُوسَ الْمَنَايَا بحَدِّ الظُّبِينَا) (شَهِدْنَا فَكُنَّا أُولِي بَأْسِهِ ... وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ وَالْمُعْلَمِينَا) (بِخُرْسِ الْحَسِيسِ حِسَانٍ رِوَاءٍ ... وَبُصْريَّةٍ قَدْ أَجِمْنَ الْجُفُونَا) (فَمَا يَنْفَلِلْنَ وَمَا يَنْحَنِينَ ... وَمَا يَنْتَهِينَ إِذَا مَا نُهِينَا) (كَبَرْقِ الْخَرِيفِ بِأَيْدِي الْكُمَاةِ ... يُفَجِّعْنَ بِالظِّلِّ هَامًا سُكُونَا) (وَعَلَّمَنَا الضَّرْبَ آبَاؤُنَا ... وَسَوْفَ نُعَلِّمُ أَيْضًا بَنِينَا) (جِلاَدَ الْكُمَاةِ وَبَذْلَ التِّلاَدِ ... عَنْ جُلِّ أَحْسَابِنَا مَا بَقِينَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 (إِذَا مَرَّ قِرْنٌ كَفَى نَسْلَهُ ... وَأَوْرَثَهُ بَعْدَهُ آخَرِينَا) (نَشِبُّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا ... وَبَيْنَا نُرَبِّي بَنِينَا فَنِينَا) (سأَلْتُ بِكَ ابْنَ الزِّبَعْرَى فَلَمْ ... أُنَبَّأْكَ فِي الْقَوْمِ إِلاَّ هَجِينَا) (خَبِيثًا تُطِيفُ بِكَ الْمُنْدِيَاتُ ... مُقِيمًا عَلَى اللؤْمِ حِينًا فَحِينَا) (تَبَجَّسْتَ تَهْجُو رَسُولَ الْمَلِيكِ ... قَاتَلَكَ الله جِلْفّا لَعِينَا) (تَقُولُ الْخَنَا ثُمِّ تَرْمِي بِهِ ... نَقِيَّ الثِّيَابِ تَقِيًّا أَمِينَا) قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني بَيته بِنَا كَيفَ نَفْعل وَالْبَيْت الَّذِي يَلِيهِ وَالْبَيْت الثَّالِث مِنْهُ وَصدر الرَّابِع مِنْهُ وَقَوله نشب وتهلك آبَاؤُنَا وَالْبَيْت الَّذِي يَلِيهِ وَالثَّالِث مِنْهُ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب بن مَالك أَيْضا فِي يَوْم أحد // (من الْبَسِيط) // (سَائِلْ قُرَيْشًا غَدَاةَ السَّفْحِ من أُحُدٍ ... مَاذَا لَقِينَا وَمَا لاَقَوْا مِنَ الْهَرَب؟ ! ِ) (كُنَّا الأُسُودَ وَكَانُوا النُّمْرَ إِذْ زَحَفُوا ... مَا إِنْ نُرَاقِبُ مِنْ إِلٍّ وَلاَ نَسَبِ) (فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِنْ سَيد بَطَلٍ ... حَامِي الذَّمَارِ كَرِيمِ الْجَدِّ وَالْحَسَبِ) (فِينَا الرَّسُولُ شِهَابٌ ثَمَّ نَتْبَعُهُ ... نُورٌ مُضِيءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الشُّهُبِ) (أَلْحَقُّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيرَتُهُ ... فَمَنْ يُجِبْهُ إِلَيْهِ يَنْجُ مِنْ تَبَبِ) (نَجْدُ الْمُقَدَّمِ مَاضِي الْهَمِّ مُعْتَزِمٌ ... حِينَ الْقُلُوبُ عَلَى رَجْفٍ مِنَ الرُّعُبِ) (يَمْضِي وَيَذْمُرُنَا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ... كَأَنَّهُ الْبَدْرُ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى الْكَذِبِ) (بَدَا لَنَا فَاتَّبَعْنَاهُ نُصَدِّقُهُ ... وَكَذّبُوهُ فَكُنَّا أَسْعَدَ الْعَرَبِ) (جَالُوا وَجُلْنَا فَمَا فَاءُوا وَلَا رَجَعُوا ... وَنَحْنُ نَثْفِنُهُمْ لَمْ نَأْلُ فِي الطَّلَبِ) (لَيْسَا سَوَاءً وَشَتَّى بَيْنَ أَمْرِهِمَا ... حِزْبُ الإِلَهِ وَأَهْلُ الشِّرْكِ وَالنُّصُبِ) قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني من قَوْله نمضي ويذمرنا إِلَى آخرهَا أَبُو زيد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عبد الله بن رَواحة يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ ابْن هِشَام أنشدنيها أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ لكعب بن مَالك // (من الوافر) // (بَكَتْ عَيْنِي وحقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلاَ العَوِيلُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 (علَى أَسَدِ الإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا ... أَحَمْزَةُ ذَاكُمُ الرَّجُلُ الْقَتِيلُ) (أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرَّسُولُ) (أَبَا يَعْلَى لَكَ الأَرْكَانُ هُدَّتْ ... وَأَنْتَ الْمَاجِدُ البَرُّ الْوَصُولُ) (عَلَيْكَ سَلاَمُ رَبِّكَ فِي جِنَانٍ ... مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لاَ يَزُولُ) (أَلاَ يَا هَاشِمُ الأَخْيَارُ صَبْرًا ... فَكُلُّ فَعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ) (رَسُولُ الله مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ ... بِأَمْرِ الله يَنْطِقُ إِذْ يَقُولُ) (أَلاَ مَنْ مُبلِغٌ عَنِّي لُؤَيًّا ... فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ) (وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا ... وَقَائِعنَا بِهَا يُشْفَى الْغَلِيلُ) (نَسِيتُمْ ضَرْبَنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ... غَدَاةَ أَتَاكُمُ الْمَوتُ الْعَجِيلُ) (غَدَاةَ ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ حَائِمَةً تَجُولُ) (وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرَّا جَمِيعًا ... وَشَيْبَةُ عَضَّهُ السَّيْفُ الصَّقِيلُ) (وَمَتْرَكُنَأ أُمَيَّةَ مُجْلَعِبًّا ... وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نَبِيلُ) (وَهَامَ بَنِي رَبِيعَةَ سَائِلُوهَا ... فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فَلُولُ) (أَلاَ يَا هِنْدُ لاَ تُبْدِي شَمَاتًا ... بِحَمْزَةَ إِنَّ عِزَّكُمُ ذَلِيلُ) (أَلاَ يَا هِنْدُ فَابْكِي لاَ تَملِّي ... فَأَنْتِ الْوَالِهْ الْعَبْرَى الْهَبُولُ) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب أَيْضا // (من المتقارب) // (أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَلَى نَأْيِهَا ... أَتَفْخَرُ مِنَّا بِمَا لَمْ تَلِ؟ {) (فَخَرْتُمْ بِقَتْلَى أَصَابَتْهُمُ ... فَوَاضِلُ مِنْ نِعَمِ الْمُفْضِلِ) (فَحَلُّوا جِنَانًا وَأَبْقَوْا لَكُمْ ... أُسُودًا تُحَامِي عَنِ الأَشْبُلِ) (تُقَاتِلُ عَنْ دِينِهَا وَسْطَهَا ... نَبِيٌّ عَنِ الْحَقِّ لَمْ يَنْكُل) (رَمَتْهُ مَعَدٌّ بِعُورِ الْكَلاَمِ ... وَنَبْلِ الْعَدَاوَةِ لاَ تأْتَلِي) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ ضرار بن الْخطاب فِي يَوْم أحد // (من الْبَسِيط) // (مَا بَالُ عَيْنك قَدْ أَزْرَى بِهَا السُّهُدُ ... كَأّنَّمَا جَالَ فِي أَجْفَانِهَا الرَّمَدُ) (أَمِنْ فِرَاقِ حَبِيبٍ كُنْتَ تَأْلَفُهُ ... قَدْ حَالَ مِنْ دُونِهِ الأَعْدَاءُ وَالْبُعُدُ؟} ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 (أَمْ ذَاكَ مِنْ شَغْبِ قَوْمٍ لاَ جَدَاءَ بِهِمْ ... إِذَا الْحُرُوبُ تَلَظَّتْ نَارُهَا تَقِدُ) (مَا يَنْتَهُونَ عَنِ الْغَيِّ الَّذِي رَكِبُوا ... وَمَا لَهُمْ مِنْ لُؤَيِّ وَيْحَهُمْ عَضُدُ) (وَقَدْ نَشَدْنَاهُمُ بِالله قَاطِبَةً ... فَمَا تَرُدُّهُمُ الأَرْحَامُ وَالنِّشَدُ) (حَتَّى إِذَا مَا أَبَوْا إِلاَّ مُحَارَبَةً ... وَاسْتَحْصَدَتْ بَيْنَنَا الأَضْغَانُ وَالْحِقَدُ) (سِرْنَا إِليْهِمْ بِجَيْشٍ فِي جَوَانِبِهِ ... قَوَانِسُ الْبيض وَالْمَحْبُوكَةُ السُّردُ) (وَالْجُرْدُ تَرْفُلُ بِالأَبْطَالِ شَازِبَةً ... كَأَنَّهَا حِدَأ فِي سَيْرِهَا تُؤَدُ) (جَيْشٌ يَقُودُهُمْ صَخْرٌ وَيَرْأَسُهُمْ ... كأَنَّهُ لَيْثُ غَابٍ هَاصِرٌ حَرْدُ) (فأَبْرَزَ الْحَيْنُ قَوْمًا مِنْ مَنازِلِهِمْ ... فَكَانَ مِنَّا وَمِنْهُمْ مُلْتَقًى أُحُدُ) (فَغُودِرَتْ مِنْهُمُ قَتْلَى مُجَدَّلَةً ... كَالْمَعْزِ أَصْرَدَهُ بِالصَّرْدَحِ الْبَرَدُ) (قَتْلَى كِرَامٌ بَنُو النَّجَّارِ وَسْطَهُمُ ... وَمُصْعَبٌ مِنْ قَنَانَا حَوْلَهُ قِصَدُ) (وَحَمْزَةُ الْقَرْمُ مَصْرُوعٌ تُطِيفُ بِهِ ... ثَكْلَى وَقَدْ حُزَّ مِنْهُ الأَنْفُ وَالْكَبِدُ) (كَأَنَّهُ حِينَ يَكْبُو فِي جَدِيَّتِهِ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَفِيهِ ثَعْلَبٌ جَسِدُ) (حُوَارُ نَابٍ وَقَدْ وَلَّى صَحَابَتُهُ ... كَمَا تَوَلَّى النَّعَامُ الْهَارِبُ الشُّرُدُ) (مُجَلِّحِينَ وَلاَ يَلْوُونَ قَدْ مُلِئُوا ... رُعْبًا فَنَجَّتْهُمُ الْعَوْصَاءُ والْكُؤُدُ) (تَبْكِي عَلَيْهِمْ نِسَاءٌ لاَ بُعُولَ لَهَا ... مِنْ كُلِّ سَالِبَةٍ أَثْوَابُهَا قِدَدُ) (وَقَدْ تَرَكْنَاهُمُ لِلطَّيْرِ مَلْحَمَةً ... وَلِلضِّبَاعِ إِلَى أَجْسَادِهِمْ تَفِدُ) وَقَالَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب تبْكي أخاها حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من الطَّوِيل) // (أَسَائِلَةٌ أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً ... بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ) (فَقَالَ الْخَبِيرُ إِنَّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى ... وَزِيرُ رَسُولِ الله خَيْرُ وَزِيرِ) (دَعَاهُ إِلَهُ الْحَقِّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً ... إِلَى جَنَّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ) (فَذَلِكَ مَا كُنَّا نُرَجِّي وَنَرْتَجِي ... لَحمْزَةَ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرَ مَصِيرِ) (فَوَالله لاَ أَنْسَاكَ مَا هَبَّتِ الصَّبَا ... بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَيْسِري) (عَلَى أَسَدِ الله الَّذِي كَانَ مِدْرَهًا ... يَذُودُ عَنِ الإِسْلاَمِ كُلَّ كَفُورِ) (فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي ... لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ) (أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النَّعِيَّ عَشِيرَتِي ... جَزَى اله خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِيرِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني بعض أهل الْعلم بالشعر قَوْلهَا بكاء وحزنا محضري ومسيري وَقَالَت نعم امْرَأَة شماس بن عُثْمَان تبْكي شماساً وَأُصِيب يَوْم أحد فَقَالَت // (من الْبَسِيط) // (يَا عَيْنُ جُودِي بِقَيْضٍ غَيْرِ إِبْسَاسِ ... عَلَى كَريمٍ مِنَ الْفِتْيَانِ لَبَّاسِ) (صَعْبِ الْبَدِيهَةِ مَيْمُونٍ نَقِيبَتُهُ ... حَمَّالِ أَلْوِيَةٍ رَكَّابِ أَفْرَاسِ) (أَقُولُ لَمَّا أَتَى النَّاعِي لَهُ جَزَعًا ... أَوْدَى الْجَوَادُ وَأَوْدَى الْمُطْعِمُ الْكَاسِي) (وَقُلْتُ لَمَّا خَلَتْ مِنْهُ مَجَالِسُهُ ... لاَ يُبْعِدُ الله عَنَّا قُرْبَ شَمَّاسِ) فاْجابها أَخُوهَا وَهُوَ أَبُو الحكم بن سعيد بن يَرْبُوع يعزيها فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (إِقْنَىْ حَيَاءَكِ فِي سِتْرٍ وَفِي كَرَمٍ ... فَإِنَّمَا كَانَ شَمَّاسٌ مِنَ النَّاسِ) (لاَ تَقْتُلِي النَّفْسَ إِذْ حَانَتْ مَنِيَّتُهُ ... فِي طَاعَةِ اله يَوْمَ الرَّوْعِ وَالْبَاسِ) (قَدْ كَانَ حَمْزَةُ لَيْثَ الله فَاصْطَبِرِي ... فَذَاقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ كَأسِ شّمَّاسِ) وَقَالَت هِنْد بنت عتبَة حِين انْصَرف الْمُشْركُونَ عَن أحد // (من الطَّوِيل) // (رَجَعْتُ وَفِي نَفسِي بَلاَبِلُ جَمَّةٌ ... وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الَّذِي كَانَ مَطْلَبِي) (مِنَ اصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ... بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ يَثْرِبِ) (وَلَكِنِّنِي قَدْ نِلْتُ شَيْئاً وَلَمْ يَكُنْ ... كَمَا كُنْتُ أَرْجُو فِي مَسِيري ومَرْكَبِي) قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني بعض أهل الْعلم بالشعر قَوْلهَا وَقد فَاتَنِي بعض الَّذِي كَانَ مطلبي وَبَعْضهمْ ينكرها لهِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 (وَمِنْهَا غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد) أَقَامَ بهَا يطْلب الْعَدو الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَرجع بعد خمس للمدينة وَهِي على ثَمَانِيَة أَمْيَال عَن الْمَدِينَة عَن يسَار الطَّرِيق إِذا أردْت الحليفة وَكَانَت صَبِيحَة يَوْم أحد لست عشرهَ مَضَت أَو لثمان خلون من شَوَّال على رَأس اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة لطلب عدوهم بالْأَمْس ونادى مُؤذن رَسُول الله أَلا يخرج مَعنا أحد إِلَّا من حضر يَوْمنَا بالْأَمْس أَي من شهد أحدا وَإِنَّمَا خرج عَلَيْهِ السَّلَام مُرْهِبًا لِلْعَدو ليبلغهم أَنه خرج فِي طَلَبهمْ ليِظنوا بِهِ قوَة وَأَن الَّذِي أَصَابَهُم لم يُوهِنهُمْ عَن عدوهم وظفر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مخرجه ذَلِك بِمُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة بن أبي الْعَاصِ فَأمر بِضَرْب عُنُقه صبرا قَالَ الْحَافِظ مغلطاي وَحرمت الْخمر فِي شَوَّال وَيُقَال سنة أَربع انْتهى قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد حرمت الْخمر ثَلَاث مَرَّات قدم رَسُول الله الْمَدِينَة وهم يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فسألوا رَسُول الله عَنْهُمَا فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَنِ الخمرِ وَاَلمَيسِر قُل فِيهِمَا إِثمِ كَبِير وَمَناَفِعُ لِلنَّاسِ} إِلَى آخر الْآيَة الْبَقَرَة 219 فَقَالَ النَّاس مَا حرم علينا إِنَّمَا قَالَ فيهمَا إِثْم كَبِير وَكَانُوا يشربون الْخمر حَتَّى كَانَ يَوْمًا من الْأَيَّام صلى رجل من االمهاجرين أمَ أَصْحَابه فِي الْمغرب فخلط فِي قِرَاءَته فَأنْزل الله آيَة أغْلظ مِنْهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأنتُم سُكاَرَى حَتَّى تعلَمُوا مَا تقولونَ} النِّسَاء 43 وَكَانَ النَّاس يشربون ثمَّ نزلت اَية أغْلظ من ذَلِك {يَا أَيُهَا الذَينَ آمَنُوا إنمَا اَلخمُر وَاَلْمَيسِرُ} إِلَى {لَعَلكم تُفلِحُون} الْمَائِدَة 90 قَالُوا انتهينا رَبنَا وَالْميسر الْقمَار وَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَولد الْحسن بن على فِي هَذِه السّنة وَمِنْهَا سَرِيَّة مُحَمَّد بن مَسْلمة فِي أَرْبَعَة إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ الشَّاعِر رابعَ عَشَرَ ربيع فَقتله الله فِي دَاره لَيْلًا وسرية زيد بن حَارِثَة هِلَال جُمَادَى الْآخِرَة فِي مائَة رَاكب إِلَى القَردة يعْتَرض عيرًا لقريش فِيهَا صَفْوَان بن أُميَّة فأصابوها فَبلغ خمسها عشْرين ألف دِرْهَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 (حوادث السّنة الرَّابِعَة) فِيهَا غَزْوَة بني النَّضِير بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة المبسوطة قَبيلَة كَبِيرَة من الْيَهُود فِي ربيع الأول سنة أَربع وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي الثَّالِثَة قَالَ السُّهيْلي وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكرهَا بعد بدر لما روى عقيل بن خَالِد وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير بعد بِئْر مَعُونَة مستدلاً بقوله تَعَالَى {وَأَنزَلَ الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم} الْأَحْزَاب 26 قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن حجر وَهُوَ استدلالْ واهٍ فَإِن الْآيَة نزلت فِي شَأْن بني قُرَيْظَة فَإِنَّهُم الَّذين ظاهروا الْأَحْزَاب وَأما بَنو النَّضِير فَلم يكن لَهُم فِي الْأَحْزَاب ذِكر بل كَانَ من أعظم الْأَسْبَاب فِي جمع الْأَحْزَاب مَا ذكر من إجلائهم فَإِنَّهُ كَانَ من رُءُوسهم حييّ بن أَخطب وَهُوَ الَّذِي حَسّنَ لبني قُرَيْظَة الْغدر وموافقة الْأَحْزَاب حَتَّى كَانَ من هلاكهم مَا كَانَ فَكيف يصير السابقُ لاحقاً انْتهى وَقد تقدم أَن عَامر بن الطُّفَيْل أعتَقَ عَمْرو بن أُميَّة لما قتل أهل بِئْر مَعُونَة عَن رَقَبَة عَن أمه فَخرج عَمْرو إِلَى الْمَدِينَة فصادف رجلَيْنِ من بني عَامر مَعَهُمَا عَقد وعهد من رَسُول الله لم يشْعر بِهِ عَمْرو فَقَالَ لَهما عَمْرو من أَنْتُمَا فذكرا لَهُ أَنَّهُمَا من بني عَامر فَتَركهُمَا حَتَّى نَامَا فَقَتَلَهُمَا عَمْرو وظَن أَنه ظفر بِبَعْض ثأر أَصْحَابه فَأخْبر رَسُول الله بذلك فَقَالَ لقد قتلتَ قَتِيلين لأَدِيَنهُمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى بني النَّضِير يَسْتَعِين بهم فِي دِيَة الْقَتِيلين اللَّذين قَتلهمَا عَمْرو بن أُميَّة للجوار الَّذِي كَانَ عقده لَهما وَكَانَ بَين بني النَّضِير وَبَين بني عَامر عقد وَحلف فَلَمَّا أَتَاهُم عَلَيْهِ السَّلَام يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَتهمَا قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم نعينك على مَا أحببتَ مِمَّا استعنتَ بِنَا عَلَيْهِ ثمَّ خلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا إِنكم لن تَجِدُوهُ على مثل هَذَا الْحَال وَكَانَ رَسُول الله إِلَى جنب جِدَار من بُيُوتهم قَالُوا مَن رجل يَعْلُو هَذَا البيتَ فيلقي هَذِه الصَّخْرَة عَلَيْهِ فيقتله ويريحنا مِنْهُ فَانْتدبَ لذَلِك عَمْرو بن جحاش بن كَعْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 فَقَالَ أَنا لذَلِك فَصَعدَ ليلقي عَلَيْهِ الصَّخْرَة وَرَسُول الله فِي نفر من أَصْحَابه فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم قَالَ ابْن سعد فَقَالَ سَلام بن مشْكم للْيَهُود لَا تَفعلُوا وَالله ليُخبَرَن بِمَا هممتم وَإنَّهُ لنقض للْعهد الَّذِي بَيْننَا وَبَينه قَالَ ابْن إِسْحَاق وأتى رَسُول الله الخَبَرُ من السَّمَاء بِمَا أَرَادَ الْقَوْم فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مظْهرا أَنه يقْضِي حَاجَة وَترك أَصْحَابه فِي مجلسهم وَرجع مسرعاً إِلَى الْمَدِينَة واستبطأ النَّبِي أَصْحَابه فَقَامُوا فِي طلبه حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِ فَأخْبرهُم بِمَا أَرَادَت الْيَهُود من الْغدر بِهِ قَالَ ابْن عقبَة وَنزل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُهَا اَلَذِين آمَنُوا اَذكُرُوا نِعمَتَ الله عَلَيْكُم إِذ هَم قَوم أَن يبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم. .} الْآيَة الْمَائِدَة 11 قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالتهيؤ لحربهم والمسير إِلَيْهِم قَالَ ابْن هِشَام وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم ثمَّ سَار بِالنَّاسِ حَتَّى نزل بهم فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَال قَالَ ابْن إِسْحَاق فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ بالحصون فَقطع النّخل وحرقها وَخرب فَنَادَوْهُ يَا مُحَمَّد قد كنت تنهَى عَن الْفساد وتعيبه على من صنعه فَمَا بَال قطع النّخل وتخريبها قَالَ السُّهيْلي قَالَ أهل التَّأْوِيل وَقع فِي نفوس بعض الْمُسلمين من هَذَا الْكَلَام شَيْء حَتَّى أنزل الله {مَا قَطَعتُم مِن لينَةٍ} الْآيَة الْحَشْر 5 واللينة أَلْوَانُ التَّمْر مَا عدا الْعَجْوَة والبرني فَفِي هَذِه الْآيَة أَنه لم يقطع من نَخْلهمْ إِلَّا مَا لَيْسَ بقوت للنَّاس وَكَانُوا يقتاتون الْعَجْوَة وَفِي الحَدِيث الْعَجْوَة من الْجنَّة وتمرها يغذو أحسن غذَاء والبرنيُ أَيْضا كَذَلِك فَفِي قَوْله تَعَالَى (مَا قطعْتُمْ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 لينَة} الْحَشْر 5 وَلم يقل من نَخْلَة على الْعُمُوم تَنْبِيه على كَرَاهَة قطع مَا يقتات ويغذو من شجر الْعَدو إِذا رجى أَن يصل إِلَى الْمُسلمين قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد كَانَ رَهْط من بني عَوْف بن الْخَزْرَج مِنْهُم عبد الله بن أبي ابْن سلول بعثوا إِلَى بني النَّضِير أَن اثبتوا وتمنعوا فَإنَّا لن نسلمكم إِن قوتلتم قاتلنا مَعكُمْ وَإِن أخرجتم خرجنَا مَعكُمْ فتربصوا فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فَلم ينصروهم فسألوا رَسُول الله أَن يجلبهم عَن أَرضهم ويكف عَن دِمَائِهِمْ وَعَن ابْن سعد أَنهم حِين هموا بغدره وأعلمه الله بذلك بعث إِلَيْهِم مُحَمَّد ابْن مَسلمة أَن اخْرُجُوا من بلدي فَلَا تساكنوني بهَا وَقد هممتم بِمَا هممتم من الْغدر وَقد أجلتكم عشرا فَمن رئي مِنْكُم بعد ذَلِك ضربت عُنُقه فَمَكَثُوا على ذَلِك أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ وتكاروا من النَّاس إبِلا فَأرْسل إِلَيْهِم عبد الله بن أبي أَن لَا تخْرجُوا من دِيَارهمْ وَأقِيمُوا فِي حصونكم فَإِن معي أَلفين من قومِي من الْعَرَب يدْخلُونَ حصنكم وتمدكم قُرَيْظَة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حُيَي بِمَا قَالَ ابْن أبي فَأرْسل إِلَى رَسُول الله إِنَّا لَا نخرج من دِيَارنَا فَاصْنَعْ مَا بدا لَك فأظهر التَّكْبِير وكَبر الْمُسلمُونَ بتكبيره وَسَار إِلَيْهِم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أَصْحَابه فصلى الْعَصْر بفِناء بني النَّضِير وَعلي يحمل رايته فَلَمَّا رَأَوْا رَسُول الله قَامُوا على حصونهم مَعَهم النبل وَالْحِجَارَة واعتزلهم ابْن أبي وَلم يُعِنْهُمْ وَكَذَا حفاؤهم من غطفان فيئسوا من نَصرهم فَحَاصَرَهُمْ وَقطع نَخْلهمْ وَقَالَ لَهُم عَلَيْهِ السَّلَام اخْرُجُوا مِنْهَا وَلكم دماؤكم وَمَا حملَتِ الإبلُ إِلَّا الحلْقَةَ وَهِي بِإِسْكَان اللَّام قَالَ فِي الْقَامُوس الدرْع فَنزلت الْيَهُود على ذَلِك وَكَانَ حَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَكَانُوا يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم ثمَّ أجلاهم عَن الْمَدِينَة قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة وحملوا النِّسَاء وَالصبيان وتحملوا على سِتّمائَة بعير فَلَحقُوا بِخَيْبَر وحزن المُنَافِقُونَ عَلَيْهِم حزنا شَدِيدا وَقبض الْأَمْوَال وَوجد من الْحلقَة خمسين درعاً وَخمسين بَيْضَة وثلاثمائة وَأَرْبَعين سَيْفا وَكَانَت بَنو النَّضِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 صفيا لرَسُول الله حبسا لنوائبه وَلم يسهمْ مِنْهَا لأحد من الْمُسلمين لأَنهم لم يوجفوا عَلَيْهَا بخيل وَلَا ركاب وَإِنَّمَا قذف الله فِي قُلُوبهم الرعب وجلوا من مَنَازِلهمْ إِلَى خَيْبَر وَلم يكن ذَلِك عَن قتال من الْمُسلمين لَهُم فَقَسمهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَين الْمُهَاجِرين ليرْفَع بذلك مؤنتهم عَن الْأَنْصَار إِذْ كَانُوا قد قاسموهم الْأَمْوَال والديار غير أَنه أعطَى أَبَا دُجَانَة وَسَهل بن حنيف لحاجتهما وَفِي الإكليل وَأعْطى سعد بن معَاذ سيفَ ابْن أبي الْحقيق وَكَانَ سَيْفا لَهُ ذِكرٌ عِنْدهم (غَزْوَة بدر الْأَخِيرَة) وهى الصُّغْرَى وَتسَمى بدر الْموعد وَكَانَت فِي شعْبَان بعد ذَات الرّقاع كَذَا فِي الْمَوَاهِب قَالَ الْحَافِظ شرف الدّين الْبرمَاوِيّ هِلَال ذِي الْقعدَة وَذَلِكَ أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ يَوْم أحد الموعدُ بَيْننَا وَبَيْنكُم رَأس الْحول فَقَالَ النَّبِي نعم فَخرج وَمَعَهُ ألف وَخَمْسمِائة فأقاموا بهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَبَاعُوا مَا مَعَهم من التِّجَارَة فَرَبِحُوا الدِّرْهَم درهمَيْنِ وَخرج أَبُو سُفْيَان إِلَى مَر الظهْرَان فَرجع لِأَنَّهُ كَانَ عَام جَدب فَنزل فِي حق الْمُؤمنِينَ {فَاَنقَلَبُوا بِنِعمَة مِنَ اَللهِ وَفَضلٍ} الْآيَة آل عمرَان 174 قَالَ ابْن إِسْحَاق لما قدم رَسُول الله الْمَدِينَة من غَزْوَة ذَات الرّقاع أَقَامَ بهَا جُمَادَى الأولى إِلَى آخر رَجَب ثمَّ رَجَعَ فِي شعْبَان إِلَى بدر لميعاد أبي سُفْيَان وَيُقَال كَانَت فِي هِلَال ذِي الْقعدَة فَخرج عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ ألف وَخَمْسمِائة من أَصْحَابه وَعشرَة أَفْرَاس واستخلف على الْمَدِينَة عبد الله بن رَواحة وَأَقَامُوا على بدر ينتظرون أَبَا سُفْيَان وَخرج أَبُو سُفْيَان حَتَّى نزل مَجَنة من نَاحيَة مر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الظهْرَان وَيُقَال عسفان ثمَّ بدا لَهُ الرُّجُوع فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِنَّه لَا يصلحكم إِلَّا عَام خصبٌ ترعونَ فِيهِ الشّجر وتشربون فِيهِ اللَّبن وَإِن عامكم هَذَا عامُ جَدب وَإِنِّي رَاجع فَارْجِعُوا فَرجع النَّاس فسماهم أهل مَكَّة جَيش السويق يَقُولُونَ إِنَّمَا خَرجْتُمْ تشربون السويق وَأقَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ببدرٍ ثَمَانِيَة أَيَّام وَبَاعُوا مَا مَعَهم من التِّجَارَة فَرَبِحُوا الدِّرْهَم دِرْهَمَيْنِ وَأنزل الله فِي الْمُؤمنِينَ ( {اَلَذِينَ اَستَجَابوُا لِلهِ وَاَلرًسُولِ} إِلَى قَوْله ( {فَاَنقَلَبوُا بِنِعْمَة مِنَ الله وَفضلٍ لَم يمسسهم سوءٌ} الْآيَة آل عمرَان 172 - 174 والصحيحُ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي حَمْرَاء الْأسد كَمَا نصَّ عَلَيْهِ الْعِمَاد بن كثير وفيهَا غَزْوَة ذَات الرّقاع عَاشر الْمحرم لما بلغه أَن أَنْمَار جمعُوا الجموع فَخرج فِي أَرْبَعمِائَة فوجدوا أعراباً هربوا فِي الْجبَال وَغَابَ خَمْسَة يَوْمًا وَصلى بهَا صَلَاة الْخَوْف وَاخْتلف فِيهَا مَتى كانَت فَعِنْدَ ابْن إِسْحَاق بعد بني النَّضِير سنة أَربع فِي شهر ربيع وَبَعض جُمَادَى وَعند ابْن سعد وَابْن حبَان فِي الْمحرم سنة خمس وَجزم أَبُو معشر بِأَنَّهَا بعد بني قُرَيْظَة فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس فتكونُ ذَات الرّقاع فِي آخر السّنة وَأول الَّتِي تَلِيهَا وَقد جنح البُخَارِيّ إِلَى أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر وَاسْتدلَّ لذَلِك بِأُمُور وَمَعَ ذَلِك ذكرهَا قبل خَيْبَر فَلَا أَدْرِي هَل تعمد ذَلِك تَسْلِيمًا لأَصْحَاب الْمَغَازِي أَنَّهَا كَانَت قبلهَا أَو أَن ذَلِك من الروَاة عَنهُ وَأَشَارَ إِلَى احْتِمَال أَن تكون ذَات الرّقاع اسْما لغزوتَين مختلفتين كَمَا أَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 على أَن أَصْحَاب الْمَغَازِي مَعَ جزمهم بِأَنَّهَا كانَتْ قبل خَيْبَر مُخْتَلفُونَ فِي زمانها انْتهى وَالَّذِي جزم بِهِ ابْن عقبَة تقدمها لَكِن تردد فِي وَقتهَا فَقَالَ لَا نَدْرِي كَانَت قبل بدر أَو بعْدهَا أَو قبل أحد أَو بعْدهَا وَهَذَا التَّرَدُّد لَا حَاصِل لَهُ بل الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْم بِهِ أَنَّهَا بعد غَزْوَة بني قُرَيْظَة إِذْ صَلَاة الْخَوْف فِي غَزْوَة الخَنْدَق لم تكن شرعت وَقد ثَبت وُقُوع صَلَاة الْخَوْف فِي ذَات الرّقاع فَدلَّ على تَأْخِيرهَا بعد الخَنْدَق ثمَّ قَالَ عِنْد قَول البُخَارِيّ وَهِي بعد خَيْبَر لِأَن أَبَا مُوسَى جَاءَ بعد خَيْبَر وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَثَبت أَن أَبَا مُوسَى شهد غَزْوَة ذَات الرّقاع لزم أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر قَالَ وَعَجِيب من ابْن سيد النَّاس كَيفَ قَالَ جعل البُخَارِيّ حَدِيث أبي مُوسَى هَذَا حجَّة فِي أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع مُتَأَخِّرَة عَن خَيْبَر قَالَ وَلَيْسَ فِي خَيْبَر أبي مُوسَى مَا يدل على شَيْء من ذَلِك انْتهى كَلَام ابْن سيد النَّاس قَالَ وَهَذَا النَّفْي مَرْدُود وَالدّلَالَة من ذَلِك وَاضِحَة قَالَ وَأما الدمياطى فَادّعى غلط الحَدِيث الصَّحِيح وَأَن جَمِيع أهل السّير على خِلَافه وَقد تقدم أَنهم مُخْتَلفُونَ فِي زمانها فَالْأولى الِاعْتِمَاد على مَا ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَأما قَول الْغَزالِيّ إِنَّهَا آخر الْغَزَوَات فَهُوَ غلطٌ وَاضح وَقد بَالغ ابْن الصّلاح فِي إِنْكَاره وَقَالَ بعض من انتصر للغزالي لعلَه أَرَادَ آخر غَزْوَة صليت فِيهَا صَلَاة الْخَوْف وَإِنَّمَا أسلم أَبُو بكرَة بعد غَزْوَة الطَّائِف بالِاتِّفَاقِ انْتهى وَأما تَسْمِيَتهَا بِذَات الرّقاع فلأنهم رقعوا فِيهَا راياتهم قَالَه ابْن هِشَام وَقيل الشَّجَرَة فِي ذَلِك الْموضع يُقَال لَهَا ذَات الرّقاع وَقيل الأَرْض الَّتِي نزلُوا بهَا فِيهَا بقع سود وبقع بيض كَأَنَّهَا مرقعة برقاعٍ مختلفةٍ فسميتْ ذَات الرّقاع لذَلِك وَقيل إِن خيلهم كَانَ بهَا سوادٌ وَبَيَاض قَالَه ابْن حبَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وَقَالَ الْوَاقِدِيّ سميت بجبل هُنَاكَ فِيهِ بقع قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَهَذَا لَعَلَّه مُسْتَند ابْن حبَان وَيكون قد تصحف عَلَيْهِ بخيل قَالَ وَأغْرب الدَّاودِيّ فَقَالَ سميت ذَات الرّقاع لوُقُوع صَلَاة الْخَوْف فِيهَا فسميت بذلك لترقيع الصَّلَاة فِيهَا انْتهى قَالَ السُّهيْلي وأصحُّ من هَذِه الْأَقْوَال كلهَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله فِي غَزْوَة وَنحن سِتَّة نفر بَيْننَا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قَدَمَايَ وَسَقَطت أظفاري فَكُنَّا نلف على أَرْجُلنَا الْخرق فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع لما نعصب من الْخرق على أَرْجُلنَا وَكَانَ من خبر هَذِه الْغَزْوَة كَمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق أَنه غزا نجداً يُرِيد بني محَارب وَبني ثَعْلَبَة بِالْمُثَلثَةِ من غطفان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بلغه أَنهم جمعُوا الجموع فَخرج فِي أَرْبَعمِائَة من أَصْحَابه وَقيل سَبْعمِائة وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة عُثْمَان بن عَفَّان وَقيل أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ حَتَّى نزلَ نخلا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة موضعا من نجد من أَرَاضِي غطفان قَالَ ابْن سعد فَلم يجد فِي محالهم إِلَّا نسْوَة فأخذهن وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فلقي جمعا مِنْهُم فتقارب النَّاس وَلم يكن بَينهم حَرْب وَقد أَخَاف النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صلى رَسُول الله بِالنَّاسِ صَلَاة الْخَوْف ثمَّ انْصَرف النَّاس قَالَ ابْن سعد وَكَانَ ذَلِك أول مَا صلاهَا وَقد رويت صَلَاة الْخَوْف من طرق كَثِيرَة وَسَيَأْتِي الْكَلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى على مَا تيَسّر مِنْهَا وَكَانَت غيبته فِي هَذِه الْغَزْوَة خمس عشرَة لَيْلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وَفِي البُخَارِيّ عَن جَابر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي بِذَات الرّقاع فَإِذا أَتَيْنَا على شَجَرَة ظليلة تركناها للنَّبِي فجَاء رجل من الْمُشْركين وَسيف النَّبِي مُعَلّق بِالشَّجَرَةِ فاخترطه يَعْنِي سَلَهُ من غمده فَقَالَ تخافني قَالَ لَا قَالَ من يمنعك مني قَالَ الله وَفِي رِوَايَة أبي الْيَمَان عِنْد البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد قَالَ من يمنعك مني ثَلَاث مَرَّات وَهُوَ اسْتِفْهَام إنكاري أَي لَا يمنعك مني أحد وَكَانَ الْأَعرَابِي قَائِما على رَأسه وَالسيف فِي يَده وَالنَّبِيّ جَالس لَا سيف مَعَه وَيُؤْخَذ من مُرَاجعَة الْأَعرَابِي لَهُ فِي الْكَلَام أَن الله سُبْحَانَهُ منع نبيه وَإِلَّا فَمَا الَّذِي أحوجه إِلَى مُرَاجعَته مَعَ احْتِيَاجه إِلَى الحظوة عِنْد قومه بقتْله وَفِي قَوْله الله يَمْنعنِي مِنْك إِشَارَة إِلَى ذَلِك وَلذَلِك لما أَعَادَهَا الْأَعرَابِي لم يزده على ذَلِك الْجَواب وَفِي ذَلِك غَايَة التَهَكُمِ وَعدم المبالاة بِهِ وَذكر الْوَاقِدِيّ فِي نَحْو هَذِه الْقِصَّة أَنه أسلم وَرجع إِلَى قومه فاهتدى بِهِ خلق كثير وَقَالَ فِيهِ إِنَّه رمي بالزُلَّخة حِين هم بقتْله فندر السَّيْف من يَده وَسقط إِلَى الأَرْض والزُلَّخَة بِضَم الزَّاي الْمُشَدّدَة وَتَشْديد اللَّام وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وجع يَأْخُذ فِي الصلب وَقَالَ البُخَارِيّ قَالَ مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر اسْم الرجل غورث بن الْحَارِث أَي على وزن جَعْفَر وَحكى الْخطابِيّ فِيهِ غويرث بِالتَّصْغِيرِ وَقد تقدم فِي غَزْوَة غطفان وَهِي غَزْوَة ذِي أَمر بِنَاحِيَة نجد مثل هَذِه الْقِصَّة لرجلِ اسْمه دعثور وَأَنه قَامَ على رَأسه بِالسَّيْفِ فَقَالَ من يمنعك مني فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الله وَدفع جِبْرِيل صَدره فَوَقع السَّيْف من يَده وَأَنه أسلم قَالَ فِي عُيُون الْأَثر وَالظَّاهِر أَن الْخَبَرَيْنِ واحدٌ وَقَالَ غَيره من الْمُحَقِّقين وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا قصتان فِي غزوتين وَفِي هَذِه الْقِصَّة فرط شجاعته وَقُوَّة يقينه وَصَبره على الْأَذَى وحلمه على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 الْجُهَّال وَفِي انْصِرَافه من هَذِه الْغَزْوَة أَبْطَأَ جمل جَابر بن عبد الله فنخسه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَانْطَلق مُتَقَدما بَين يَدي الركاب ثمَّ قَالَ أتبيعنيه فابتاعه مِنْهُ وَقَالَ لَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا وَصلهَا أعطَاهُ الثّمن وأرجح ووهب لَهُ الْجمل والْحَدِيث أَصله فِي البُخَارِيّ وَلَا حجَّة فِيهِ لجَوَاز بيع وَشرط لما وَقع فِيهِ من الِاضْطِرَاب وَقيل غير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره وفيهَا غَزْوَة دومة الجندل لخمس بَقينَ من ربيع الأول لما بلغه أَن بهَا جمعا كثيرا يظْلمُونَ النَّاس فَلم يَجدوا بهَا إِلَّا نعما وَشاء فَأصَاب من ذَلِك وَأقَام أَيَّامًا وَهِي بِضَم الدَّال مَدِينَة بَينهَا وَبَين دمشق خمس لَيَال وبُعدها من الْمَدِينَة خمس عشرَة أَو سِتّ عشرَة لَيْلَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة والبكري سُمِّيَتْ بدوم بن إِسْمَاعِيل كَانَ نزلها وَكَانَت على رَأس تسعين وَأَرْبَعين شهرا من الْهِجْرَة وَكَانَ سَببهَا أَنه بلغه أَن بهَا جمعا كثيرا يظْلمُونَ من مرَ بهم فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لخمس لَيَال بَقينَ من ربيع فِي ألف من أَصْحَابه فَكَانَ يسير اللَّيْل ويكمن النَّهَار واستخلف على الْمَدِينَة سِبَاع بن عرفطة فَلَمَّا دنا مِنْهُم لم يجد إِلَّا النعم وَالشَّاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فَأصَاب من أصَاب وهرب من هرب فِي كل وَجه وَجَاء الْخَبَر أهل دومة فَتَفَرَّقُوا وَنزل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسَاحَتِهِمْ فَلم يلق بهَا أحدا فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا وَبث السَّرَايَا وفرقها فَرَجَعُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَلم يصب مِنْهُم أحد وَدخل الْمَدِينَة فِي الْعشْرين من ربيع الآخر وفيهَا سَرِيَّة أبي سَلمَة هِلَال الْمحرم إِلَى قطن فِي مائَة وَخمسين يطْلب طليحة وَسَلَمَة ابْني خويلد فَلم يجدوهما ووجدوا إبِلا وَشاء فَأَصَابُوا مِنْهَا وَلم يلق كيداً وَعبد الله بن أنيس وَجهه إِلَى سُفْيَان بن خَالِد الْهُذلِيّ بعرنة وَهُوَ وَادي عَرَفَة خَامِس الْمحرم لما بلغه أَنه يجمع لحربه فَقَالَ لَهُ عبد الله جئْتُك لأَكُون مَعَك ثمَّ اغترهُ فَقتله وَالْمُنْذر بن عَمْرو إِلَى بِئْر مَعُونَة فِي صفر وَمَعَهُ الْقُرَّاء وهم سَبْعُونَ فَقَتلهُمْ رِعل وذكوان وَعصيَّة فقنت يَدْعُو عَلَيْهِم شَهراً ومرثد بن أبي مرْثَد الغنوي إِلَى الرجيع بَين مَكَّة وَعُسْفَان فِي صفر فِي عشر أَو سِتَّة على الْخلاف لما سَأَلَهُ عضل والقارة أَن يُرْسل مَعَهم من يعلمهُمْ شرائع الْإِسْلَام فَأرْسل مرثداً وَعَاصِم بن ثَابت وخبيب ابْن عدي وَزيد بن الدثنة وخَالِد بن أبي البكير وَعبد الله بن طَارق وأخاه لأمه مغيث بن عبيد فغدروا بهم فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا خبيب بن عدي وَزيد بن الدثنة فأسروهما وباعوهما فِي مَكَّة فَقَتَلُوهُمَا وَصلى خبيب قبل أَن يقتل رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ أول من سنّ ذَلِك وفيهَا رجم الْيَهُودِيّ واليهودية اللَّذين زَنَيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وَقصرت الصَّلَاة إِن قُلْنَا كَانَ فَرضهَا أَرْبعا وَفرض التَّيَمُّم لَكِن نَص الشافعيُ فِي الْأُم أَنه فِي المصطلق وَذَلِكَ إِمَّا فِي الْخَامِسَة أَو السَّادِسَة أَو الرَّابِعَة وَخسف الْقَمَر وزلزلت الْمَدِينَة الْمَدِينَة وسابق بَين الْخَيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 (حوادث السّنة الْخَامِسَة) فِيهَا غَزْوَة الْمُريْسِيع وَهِي غَزْوَة بني المصطلق ثَانِي شعْبَان خرج وَمَعَهُ كثير بشر وَثَلَاثُونَ فرسا فحملوا على الْقَوْم حَملَة وَاحِدَة فَمَا انْفَكَّ مِنْهُم إِنْسَان بل قتل عشرَة وَأسر سَائِرهمْ وَغَابَ ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا وَكَانَ فِيهَا قصَّة الْإِفْك وَالنَّهْي عَن الْعَزْل قَالَ فِي الْمَوَاهِب والمُصْطَلِق بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الطَّاء المشالة الْمُهْملَة وَكسر اللَّام بعْدهَا قَاف وَهُوَ لقب واسْمه جذيمة بن سعد ابْن عَمْرو بطن من خُزَاعَة وَكَانَت يَوْم الِاثْنَيْنِ لليلتين خلتا من شعْبَان سنة خمس وَفِي البُخَارِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق سنة سِتّ وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة سنة أَربع انْتهى وسببها أَنه بلغه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن رئيسهم الْحَارِث بن أبي ضرار سَار فِي قومه وَمن قدر عَلَيْهِ من الْعَرَب فَدَعَاهُمْ إِلَى حَرْب رَسُول الله فَأَجَابُوهُ وتهيئوا للمسير فَبعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بُرَيْدَة بن الخصيب الْأَسْلَمِيّ يعلم علم ذَلِك فَأَتَاهُم وَلَقي الْحَارِث بن أبي ضرار فكلَمه وَرجع إِلَى رَسُول الله وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسرعاً فِي بشر كثير من الْمُنَافِقين لم يخرجُوا فِي غَزْوَة قَط مثلهَا واستخلف على الْمَدِينَة زيد بن حَارِثَة وقادوا الْخَيل وَكَانَت ثَلَاثِينَ فرسا وَخرجت عَائِشَة وَأم سَلمَة وَبلغ الْحَارِث وَمن مَعَه مسيره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فسيء بذلك هُوَ وَمن مَعَه وخافوا خوفًا شَدِيدا وتفرق عَنْهُم من كَانَ مَعَهم من الْعَرَب وَبلغ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُريْسِيع وصف أَصْحَابه وَدفع راية الْمُهَاجِرين إِلَى أبي بكر وَرَايَة الْأَنْصَار إِلَى سعد بن عبَادَة وتراموا بِالنَّبلِ سَاعَة ثمَّ أَمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فحملوا حَملَة رجل وَاحِد وَقتلُوا عشرَة وأسروا سَائِرهمْ وَسبوا النِّسَاء وَالرِّجَال والذرية وَالنعَم وَالشَّاء وَلم يقتل من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الْمُسلمين إِلَّا رجل وَاحِد كَذَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَالَّذِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر يدل على أَنه أغار عَلَيْهِم على حِين غَفلَة مِنْهُم فأوقع بهم وَلَفظه أغار على بني المصطلق وهم غَارونَ وأنعامهم تسقى على المَاء فَقتل مقاتلهم وسبى ذَرَارِيهمْ وهم على المَاء فيحتملُ أَن يكون حِين الْإِيقَاع بهم سبوا قَلِيلا فَلَمَّا كثر عَلَيْهِم الْقِتَال انْهَزمُوا بِأَن يكون لما دهمهم وهم على المَاء وتصافوا ووفع الْقِتَال بَين الطَّائِفَتَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك وَقعت الْغَلَبَة عَلَيْهِم قيل وَفِي هَذِه الْغَزْوَة نزلت آيَة التَيَمُمِ قَالَ فِي فتح الْبَارِي قَوْله فِي بعض أَسْفَاره قَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد يُقَال إِنَّه كَانَ فِي غَزْوَة المصطلق وَجزم بذلك فِي الاستذكار وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن سعد وَابْن حبَان وغزوة المصطلق هِيَ غَزْوَة الْمُريْسِيع وفيهَا كَانَت قصَّة الْإِفْك لعَائِشَة وَكَانَ ابْتِدَاء ذَلِك بِسَبَب وُقُوع عقدهَا أَيْضا فَإِن كَانَ مَا جزموا بِهِ ثَابتا حمل على أَنه سقط مِنْهَا فِي تِلْكَ السفرة مرَّتَيْنِ لاخْتِلَاف الْقصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ بَين فِي سياقهما قَالَ واستبعد بعض شُيُوخنَا ذَلِك لِأَن الْمُريْسِيع من نَاحيَة مَكَّة بَين قُديد والساحِل وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت من نَاحيَة خَيْبَر لقولها فِي الحَدِيث حَتَّى إِذا كُنَّا فِي الْبَيْدَاء أَو بِذَات الْجَيْش وهما بَين الْمَدِينَة وخيبر كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 قَالَ وَمَا جزم بِهِ مُخَالف لما جزم بِهِ ابْن التِّين فَإِنَّهُ قَالَ الْبَيْدَاء هُوَ ذُو الحليفة بِالْقربِ من الْمَدِينَة من طَرِيق مَكَّة وَذَات الْجَيْش وَرَاء ذِي الْخَلِيفَة وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه أدني إِلَى مَكَّة من ذِي الحليفة ثمَّ سَاق حَدِيث عَائِشَة هَذَا ثمَّ قَالَ وَذَات الْجَيْش من الْمَدِينَة على بريد قَالَ وَبَينهَا وَبَين العقيق سَبْعَة أَمْيَال والعقيق من طَرِيق مَكَّة لَا من طَرِيق خَيْبَر فاستقام مَا قَالَه ابْن التِّين وَقد قَالَ قوم بِتَعَدُّد ضيَاع العقد وَمِنْهُم مُحَمَّد بن حبيب الإخباري فَقَالَ سقط عقد عَائِشَة فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع وَفِي غَزْوَة بني المصطلق وَاخْتلف أهل الْمَغَازِي فِي أَي هَاتين الغزوتين كَانَت أَولا قَالَ الدَّاودِيّ كَانَت قصَّة التَّيَمُّم فِي غزَاة الْفَتْح ثمَّ تردد فِي ذَلِك وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ لما نزلت آيَة التَّيَمُّم لم أدرِ كَيفَ أصنعُ فَهَذَا يدلُ على تأخرها عَن غَزْوَة بني المصطلق لِأَن إِسْلَام أبي هُرَيْرَة كَانَ فِي السّنة السَّابِعَة وَهِي بعْدهَا بِلَا خلاف وَكَانَ البُخَارِيّ يرى أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع كَانَت بعد قدوم أبي مُوسَى وقدومه كَانَ وَقت إِسْلَام أبي هُرَيْرَة وَمِمَّا يدلُ على تَأَخّر الْقِصَّة أَيْضا عَن قصَّة الْإِفْك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت لما كَانَ من أَمر عقدي مَا كَانَ وَقَالَ أهل الْإِفْك مَا قَالُوا خرجت مَعَ رَسُول الله فِي غَزْوَة أُخْرَى فَسقط عقدي حَتَّى حبس النَّاس على التماسه فَقَالَ لي أَبُو بكر يَا بنية فِي كل سفرة تكونين عناءً وبلاءً على النَّاس فَأنْزل الله الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم فَقَالَ أَبُو بكر إِنَّك لمباركة وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ وَفِيه مقَال وَفِي سِيَاقه من الْفَوَائِد بَيَان عتاب أبي بكر الَّذِي أبهم فِي حَدِيث الصَّحِيح وَالتَّصْرِيح بِأَن ضيَاع العقد كَانَ مرَّتَيْنِ فِي غزوتين انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وَفِي هَذِه الْغَزْوَة قَالَ ابْن أبي لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَسَمعهُ زيد بن أَرقم ذُو الْأَذَان الواعية فَحدث رَسُول الله بذلك فَأرْسل إِلَى ابْن أبي وَأَصْحَابه فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَأنْزل الله تَعَالَى {إِذا جاءكَ المُنَافِقُونَ} المُنَافِقُونَ 1 فَقَالَ لَهُ رَسُول الله إِن الله صدقك يَا زيد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَكَانَت غيبته فِي هَذِه الْغَزْوَة ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ قَالَ حسان بن ثَابت يعْتَذر من الَّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا // (من الطَّوِيل) // (حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوافِلِ) (عَقِيلةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ المَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ) (مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ الله خِيمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَاطِلِ) (فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ الَّذِي قَدْ زَعَمْتُمُ ... فَلاَ رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَىِّ أَنّامِلِي) (وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لآِلِ رَسُولِ الله زَيْنِ المحافِلِ) (لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النَّاسِ كُلُّهِمْ ... تَقَاصَر عَنْهُ سَوْرَةُ المُتَطَاوِلِ) (فَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلاَئِطٍ ... وَلَكِنَّهُ قَوْلُ امْرِىءٍ بِيَ مَاحِلِ) قَالَ ابْن هِشَام بَيته عقيلة حَيّ وَالْبَيْت الَّذِي بعده وبيته لَهُ رتب عَال عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ وحَدثني أَبُو عُبَيْدَة أَن امْرَأَة مدحت بنت أَو بِبَيْت حسان بن ثَابت عِنْد عَائِشَة فَقَالَت // (من الطَّوِيل) // (حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لحُومِ الغَوَافِلِ) فَقَالَت عَائِشَة لَكِن أَبوهَا فَمن روى بِبَيْت حسان يَقُول أَبوهَا أَي أَبَوا هَذِه الصّفة أَن يقولوها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 حِينَئِذٍ وَمن روى بنت حسان فَمَعْنَى أَبوهَا أَنه لَيْسَ مثلهَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ قَائِل من الْمُسلمين فِي ضرب حسان وَأَصْحَابه فِي فريتهم على عَائِشَة // (من الطَّوِيل) // (لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الَّذِي كَانَ أَهْلَهُ ... وَحَمْنَةُ إِذْ قَالُوا هَجِيراً وَمِسْطَحُ) (تَعَاطُوا بِرَجْم الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيِّهِمْ ... وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيم فَأُبْرِحُوا) (وَآذَوْا رَسُولَ الله فِيهاَ فَجُلِّلُوا ... مَخَازِيَ تَبْقَى عَمَّمُوهَا وَفُصِّحُوا) (وَصُبَتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأّنَّهَأ ... شَآبِيبُ قَطْرٍ مِنْ ذُرَى المُزْنِ تَسْفَحُ) وفيهَا غَزْوَة الخَنْدَق وَهِي الْأَحْزَاب فِي ذِي الْقعدَة كَانَ الْمُسلمُونَ ثَلَاثَة آلَاف وَالْمُشْرِكُونَ عشرَة آلَاف مَعَ أبي سُفْيَان فحفر وَأَصْحَابه الخَنْدَق بِإِشَارَة سلمَان الْفَارِسِي على عَادَة بِلَاده وتداعوا للبراز نَحْو أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَأرْسل الله ريحًا هزمت الْكفَّار فَلَمَّا انْصَرف جَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ إِن الْمَلَائِكَة مَا وضعت السِّلَاح بعدُ وَإِن الله يَأْمُرك أَن تسير إِلَى بني قُرَيْظَة فَمضى فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا فنزلوا على حكم سعد بن معَاذ وَكَانَ ضَعِيفا فَحكم بقتل الرِّجَال وَسبي الذَّرَارِي وَالنِّسَاء فَقَالَ حكمت فيهم بِحكم الله وَفرغ من ذَلِك خَامِس ذِي الْحجَّة وفيهَا فرض الْحَج أَو فِي السَّادِسَة وَرجح أَو فِي الثَّامِنَة أَو التَّاسِعَة أَو الْعَاشِرَة أَو قبل الْهِجْرَة أَو غير ذَلِك أَقْوَال وفيهَا نزلت آيَة الْحجاب قَالَ فِي الْمَوَاهِب هِيَ الْأَحْزَاب جمع حزب أَي طَائِفَة فَأَما تَسْمِيَتهَا بالخندق فلأجل الخَنْدَق الَّذِي حفر حول الْمَدِينَة بأَمْره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يكن اتِّخَاذ الخَنْدَق من شَأْن الْعَرَب وَلكنه من مكايد الْفرس وَكَانَ الَّذِي أَشَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 بذلك سلمَان الْفَارِسِي فَقَالَ يَا رَسُول اللله إِنَّا كُنَّا بِفَارِس إِذا حُصِرْنَا خندقنا علينا فَأمر النَّبِي بحفره وَعمل فِيهِ بِنَفسِهِ ترغيباً للْمُسلمين فَأَما تَسْمِيَتهَا بالأحزاب فلاجتماع طوائف الْمُشْركين على حَرْب الْمُسلمين وهم قُرَيْش وغَطَفَان وَالْيَهُود وَمن مَعَهم وَقد أنزل الله فِيهِ هَذِه الْقِصَّة صَدرا من سُورَة الْأَحْزَاب وَاخْتلف فِي تاريخها فَقَالَ مُوسَى بن عقبَة كَانَت فِي شَوَّال سنة أَربع وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي شَوَّال سنة خمس وَبِذَلِك صرح غَيره من أهل الْمَغَازِي وَمَال البُخَارِيّ إِلَى قَول مُوسَى بن عقبَة وَقواهُ بقول ابْن عمر إِن رَسُول الله عرضه يَوْم أحد وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة فَلم يجزه وَعرضه يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة فَأَجَازَهُ فَيكون بَينهمَا سنة وَاحِدَة وأُحدٌ كَانَت سنة ثَلَاث فَيكون الخَنْدَق سنة أَربع وَلَا حجَّة فِيهِ إِذا ثَبت لنا أَنَّهَا كَانَت سنة خمس لاحْتِمَال أَن يكون ابْن عمر فِي أحد كَانَ أول مَا طعن فِي الرَّابِعَة عشرَة وَكَانَ فِي الْأَحْزَاب اسْتكْمل الْخمس عشرَة وَبِهَذَا أجَاب الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الشَّيْخ ولي الدّين بن الْعِرَاقِيّ والمشهرو أَنَّهَا فِي السّنة الرَّابِعَة وَكَانَ من حَدِيث هَذِه الْغَزْوَة أَن نَفرا من يهود خَرجُوا حَتَّى قدمُوا على قُرَيْش مَكَّة وَقَالُوا إِنَّا سنكون مَعكُمْ عَلَيْهِ حَتَّى نستأصله فَاجْتمعُوا لذَلِك واستعدوا لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ثمَّ خرج أُولَئِكَ الْيَهُود حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ من قيس عيلان فدعوهم إِلَى حربه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وخبروهم أَنهم سيكونون مَعَهم عَلَيْهِم وَأَن قُريْشًا قد بايعوهم على ذَلِك واجتمعوا مَعَهم فَخرجت قُرَيْش وقائدها أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَخرجت غطفان وقائدها عُيينة بن حصن فِي فَزَارَةَ والْحَارث بن عَوْف المريّ فِي مرّة وَكَانَت عدتُهُم فِيمَا ذكره ابْن إِسْحَاق عشرَة آلَاف والمسلمون ثَلَاثَة آلَاف وَقيل غير ذَلِك وَذكر ابْن سعد أَنه كَانَ مَعَ الْمُسلمين سِتّ وَثَلَاثُونَ فرسا وَلما سمع رَسُول الله بالأحزاب وَبِمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ من الْأَمر ضرب على الْمُسلمين الخَنْدَق فَعمل فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ترغيباً لِلْأجرِ وَعمل مَعَه الْمُسلمُونَ فدأب ودأبوا وَأَبْطَأ على رَسُول الله وعَلى الْمُسلمين فِي عَمَلهم ذَلِك ناسٌ من الْمُنَافِقين وَجعلُوا يورون بالضعف عَن الْعَمَل وَفِي البُخَارِيّ عَن سهل بن سعد قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي فِي الخَنْدَق وهم يحفرون وَنحن ننقل التُّرَاب على أكتادنا فَقَالَ رَسُول الله (اللهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِر للأَنْصَارِ والمهَاجِرَهْ) والأكتاد بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة جمع كَتِد بِفَتْح أَوله وَكسر الْمُثَنَّاة وَهُوَ مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر وَفِي بعض نسخ البُخَارِيّ أكبادنا بموحدة وَهُوَ موجه على أَن يكون المُرَاد بِهِ مَا يَلِي الكبد من الْجنب وَفِي البُخَارِيّ أَيْضا عَن أنس فَإِذا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار يحفرون فِي غَدَاة بَارِدَة فَلم يكن لَهُم عبيد يعْملُونَ ذَلِك لَهُم فَلَمَّا رأى مَا بهم من النصب والجوع قَالَ (اللهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ للأَنْصَارِ والمهَاجِرَهْ) فَقَالُوا مجيبين لَهُ // (من الرجز) // (نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا ... عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 قَالَ ابْن بطال وَقَوله اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة هُوَ من قَول ابْن رَوَاحَةَ تمثل بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة من مُرْسل طَاوس زِيَادَة فِي آخر الرجز // (من الرجز) // (وَالْعَنْ إِلَهِي عُضَلاً والقَارهْ ... هُمْ كَلَّفُونَا ثِقَلَ الحجَارَهْ) وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث الْبَراء قَالَ لما كَانَ يَوْم الْأَحْزَاب وَخَنْدَق رَأَيْته ينْقل من تُرَاب الخَنْدَق حَتَّى وارى عني الْغُبَار جلدَة بَطْنه وَكَانَ كثير الشَّعْرِ فَسَمعته يرتجز بِشعر ابْن رَواحة وَهُوَ ينْقل التُّرَاب وَيَقُول // (من الرجز) // (اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... ) (وَلاَ تَصَدَّقْنَا ولاَ صَلَّيْنَا ... ) (فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... ) (وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ... ) قَالَ يمد بهَا صَوته فِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا (إِنَّ الأُلى قَدْ بَغَوا عَلَيْنَا ... ) (إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ... ) وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَنه حِين ضرب فِي الخَنْدَق قَالَ (بِسْمِ الإِلَهِ وَبِهِ بَدِينَا ... ) (وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا ... ) (حَبَّذَا رَبَّا وَحَبَّذَا دِينَا ... ) قَالَ فِي النِّهَايَة يُقَال بَدِيت بالشَّيْء بِكَسْر الدَّال أَي ابتدأتُ بِهِ فَلَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 خففت الْهمزَة كُسِرَت الدَّال فَانْقَلَبت الْهمزَة يَاء وَلَيْسَت من بَنَات الْيَاء انْتهى وَقد وَقع فِي حفر الخَنْدَق آيَات من أَعْلَام نبوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيح عَن جَابر قَالَ إِنَّا فِي يَوْم الخَنْدَق نحفر فعرضت كدية شَدِيدَة وَهِي بِضَم الْكَاف وَتَقْدِيم الدَّال الْمُهْملَة على التَّحْتَانِيَّة وَهِي الْقطعَة الصلبة فَجَاءُوا إِلَى النَّبِي فَقَالُوا هَذِه كدية عرضت فِي الخَنْدَق فَقَامَ وبطنُه مشدود بِحجر وَلنَا ثَلَاثَة أَيَّام لَا نذوق ذواقا فَأخذ النَّبِي الْمعول فَضرب فَعَاد كثيباً أهيل أَو أهيم كَذَا بِالشَّكِّ من الرَّاوِي وفى رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ بِاللَّامِ من غير شكّ وَالْمعْنَى أَنه صَار رملاً يسيل فَلَا يتماسك وأهيم بِمَعْنى أهيل وَقد قيل فِي قَوْله {فَشَاربوُنَ شُرب اَلهِيم} الواقعه 55 المُرَاد الرمال الَّتِي لَا يَرْوِيهَا المَاء وَقد وَقع عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ فِي هَذِه الْقِصَّة زِيَادَة بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث الْبَراء قَالَ لما أمرنَا رَسُول الله بِحَفر الخَنْدَق عرضت لنا فِي بعض الخَنْدَق صخرهً لَا تَأْخُذ مِنْهَا المعاول فاشتكينا ذَلِك لرَسُول الله فجَاء فَأخذ الْمعول فَقَالَ باسم الله فَضرب ضَرْبَة فنثر ثلثهَا وَقَالَ الله أكبر أَعْطَيْت مَفَاتِيح الشَّام وَالله إِنِّي لَأبْصر قُصُورهَا الْحمر السَّاعَة ثمَّ ضرب الثَّانِيَة فَقطع ثلثا آخر فَقَالَ الله أكبر أَعْطَيْت مَفَاتِيح فَارس وَإِنِّي وَالله لَأبْصر قصر الْمَدَائِن الْأَبْيَض الْآن ثمَّ ضرب الثَّالِثَة فَقَالَ باسم الله فَقطع بَقِيَّة الْحجر فَقَالَ الله أكبر أَعْطَيْت مَفَاتِيح الْيمن وَالله إِنِّي لَأبْصر أَبْوَاب صنعاء من مَكَاني السَّاعَة وَمن أَعْلَام نبوته مَا ثَبت فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث جَابر من تَكْثِير الطَّعَام الْقَلِيل يَوْم حفر الخَنْدَق كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد وَقع عِنْد مُوسَى بن عقبَة أَنهم أَقَامُوا فِي عمل الخَنْدَق قَرِيبا من عشْرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 لَيْلَة وَعند الْوَاقِدِيّ أَرْبعا وَعشْرين وفى الرَّوْضَة للنووي خَمْسَة عشر يَوْمًا وفى الْهَدْي النَّبَوِيّ لِابْنِ الْقيم أَقَامُوا شهرا وَلما فرغ رَسُول الله من الخَنْدَق أَقبلت قُرَيْش حَتَّى نزلت بمجمع السُّيُول فِي عشرَة آلَاف من أحابيشهم وَمن تَبِعَهُمْ من بني كنَانَة وتهامة وَنزل عُيَيْنَة بن حصن فِي غَطَفان وَمن تَبِعَهُمْ من أهل نجد إِلَى جَانب أحد وَخرج رَسُول الله والمسلمون حَتَّى جعلُوا ظُهُورهمْ إِلَى سلع وَكَانُوا ثَلَاثَة آلَاف رجل وَضرب هُنَالك عسكره والخندقُ بَينه وَبَين الْقَوْم وَكَانَ لِوَاء الْمُهَاجِرين بيد زيد بن حَارِثَة ولواء الْأَنْصَار بيد سعد بن عبَادَة وَكَانَ يبْعَث الحرس إِلَى الْمَدِينَة خوفًا على الذَّرَارِي من بني قُرَيْظَة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَخرج عَدو الله حُيي بن أَخطب حَتَّى أَتَى كعبَ بن أَسد الْقرظِيّ صَاحب عقد بني قُرَيْظَة وَعَهْدهمْ وَكَانَ وادع رَسُول الله على قومه وعاقده فأغلق كَعْب دونه بَاب حصنه وأبى أَن يفتح لَهُ وَقَالَ وَيحك يَا حييّ إِنَّك امْرُؤ مشئوم وإنى قد عَاهَدت مُحَمَّدًا فلستُ بناقض مَا بيني وَبَينه فَإِنِّي لم أر مِنْهُ إِلَّا وَفَاء وصدقاً فَقَالَ وَيلك افْتَحْ فَلم يزل بِهِ حَتَّى فتح لَهُ فَقَالَ يَا كَعْب جئْتُك بعز الدَّهْر جئْتُك بِقُرَيْش حَتَّى أنزلتهم بمجتمع الأسيال وَمن دونهم غطفان وَقد عاهدوني على أَلا يبرحوا حَتَّى يستأصلوا مُحَمَّدًا وَمن مَعَه فَلم يزل بِهِ حَتَّى نقض عَهده وَبرئ مِمَّا كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله وَعَن عبد الله بن الزبير قَالَ كنتُ يَوْم الْأَحْزَاب أَنا وَعَمْرو بن أبي سَلمَة مَعَ النِّسَاء فِي أَطَم حسان فنظرتُ فَإِذا الزبير على فرسه يخْتَلف إِلَى بني قُرَيْظَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَلَمَّا رجعت قلت يَا أَبَت رَأَيْتُك تخْتَلف قَالَ رَأَيْتنِي يَا بني قلت نعم قَالَ كَانَ رَسُول الله قَالَ من يَأْتِي بني قُرَيْظَة فيأتيني بخبرهم فانطلقتُ فَلَمَّا رجعتُ جمع لي رَسُول الله أَبَوَيْهِ فَقَالَ فدَاك أبي وَأمي // (أخرجه الشَّيْخَانِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن) // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَفِي رِوَايَة أَصْحَاب الْمَغَازِي فَلَمَّا انْتهى الْخَبَر إِلَى رَسُول الله بعث سعد بن معَاذ وَسعد بن عبادهَ ومعهما ابْن رَوَاحَة وخوات بن جُبَير ليعرفوا الْخَبَر فوجدوهم على أَخبث مَا بَلغهُمْ عَنْهُم نالوا من رَسُول الله وتبرءُوا من عقده وَعَهده ثمَّ أقبل السعدان وَمن مَعَهُمَا على رَسُول الله وَقَالُوا عضل والقارة أَي كغدرهما بأصحاب الرجيع فَعظم عِنْد ذَلِك البلاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْف وأتاهم عدوهم من فَوْقهم وَمن أَسْفَل مِنْهُم حَتَّى ظن الْمُؤْمِنُونَ كل ظن وَنجم النِّفَاق من بعض الْمُنَافِقين وَأنزل الله تَعَالَى {وَإِذ يقُولُ المُنَافِقُونَ وَاَلّذَينَ فِي قُلوُبِهِم مَّرَض مَا وعَدَنَا اَللهُ وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا} الْأَحْزَاب 12 وَقَالَ رجال مِمَّن مَعَه {يَا أهلَ يَثرِبَ لَا مُقامَ لَكم فَاَرجِعُوا} الْأَحْزَاب 13 وَقَالَ أَوْس بن قيظي إِن بُيُوتنَا عَورَة من الْعَدو فَأذَنْ لنا نرْجِع إِلَى دِيَارنَا فَإِنَّهَا خَارج الْمَدِينَة قَالَ ابْن عَائِذ وَأَقْبل نَوْفَل بن عبد الله بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي على فرس لَهُ ليوثبه الخَنْدَق فَوَقع فِي الخَنْدَق فَقتله الله وَكبر ذَلِك على الْمُشْركين فأرسلوا إِلَى رَسُول الله إِنَّا نعطيكم الدِّيَة على أَن تدفعوه إِلَيْنَا فندفنه فَرد إِلَيْهِم إِنَّه خَبِيث الدِّيَة فلعنه الله وَلعن دِيَته وَلَا نمنعكم أَن تدفنوه وَلَا أَرَبَ لنا فِي دِيَته وَأقَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والمسلمون وعدوهم يحاصرهم وَلم يكن بَينهم قتال إِلَّا مراماة بِالنَّبلِ لَكِن كَانَ عَمْرو بن عبد ود العامري اقتحم هُوَ وَنَفر مَعَه بخيولهم من نَاحيَة ضيقَة من الخَنْدَق حَتَّى صَارُوا بالسبخة فبارزه عَليّ فَقتله وبرز نَوْفَل بن عبد الله بن الْمُغيرَة فَقتله الزبير وَقيل قَتله عَليّ وَرجعت بَقِيَّة الْخُيُول منهزمةً ورُمى سعد بن معَاذ بِسَهْم فَقطع مِنْهُ الأكحل وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة والمهملة بَينهمَا كَاف سَاكِنة عِرق فِي وسط الذِّرَاع قَالَ الْخَلِيل هُوَ عرق الْحَيَاة يُقَال إِن فِي كل عُضْو مِنْهُ شُعْبَة فَهُوَ فِي الْيَد الأكحل وفى الظّهْر الْأَبْهَر وفى الْفَخْذ النسا إِذا قطع لم يرقأ الدَّم وَكَانَ الَّذِي رَمَى سَعْدا ابنُ العرقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 أحد بني عَامر بن لؤَي قَالَ خُذْهَا وَأَنا ابْن العرقة فَقَالَ لَهُ سعد عرق الله وَجهك فِي النَّار ثمَّ قَالَ سعد اللَّهُمَّ إِن كنت أبقيتَ من حربِ قريشٍ فأبقني لَهَا فَإِنِّي لَا قَوْمَ أحب إِلَيّ أَن أجاهد من قوم آذوا رَسُولك وكذبوه وأخرجوه وَأقَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه بضع عشرَة لَيْلَة فَمشى نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ وَهُوَ مخف إِسْلَامه فثبط قوما عَن قوم وأوقع بَينهم شرا لقَوْله لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْحَرْب خدعة فاختلفت كلمتهم وروى الْحَاكِم عَن حُذَيْفَة قَالَ لقد رَأَيْتنَا لَيْلَة الْأَحْزَاب وَأَبُو سُفْيَان وَمن مَعَه من قَومنَا وَقُرَيْظَة أَسْفَل منا نخافهم على ذرارينا وَمَا أَتَت علينا لَيْلَة أَشد ظلمَة وَلَا ريحًا مِنْهَا فَجعل المُنَافِقُونَ يستأذنون وَيَقُولُونَ بُيُوتنَا عَورَة فَمر بِي النَّبِي وَأَنا جاثٍ على ركبتي وَلم يبْق مَعَه إِلَّا ثَلَاثمِائَة فَقَالَ اذْهَبْ فَأتِني بِخَبَر الْقَوْم قَالَ فَدَعَا لي فأذهبَ الله عَنى القر والفزع فَدخلت عَسْكَرهمْ فَإِذا الرّيح فِيهِ تجَاوز شبْرًا فَلَمَّا رجعت رَأَيْت فوارسَ فِي طريقى فَقَالُوا أخبر صَاحبك أَن الله كَفاهُ الْقَوْم وفى رِوَايَة أَن حُذَيْفَة لما أرْسلهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ليَأْتِيه بالْخبر سمع أَبَا سُفْيَان يَقُول يَا معشر قُرَيْش إِنَّكُم وَالله مَا أَصْبَحْتُم بدار مقَام وَلَقَد هلك الْخُف والكُراع واختلفنا وَبَنُو قُرَيْظَة ولقينا من هَذِه الرّيح مَا ترَوْنَ فارتحلوا فَإِنِّي مرتحل ووثب على جمله فَمَا حل عقال يَده إِلَّا وَهُوَ قَائِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَوَقع فِي البُخَارِيّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب من يأتينا بِخَبَر الْقَوْم فَقَالَ الزبير أَنا ثمَّ قَالَ من يأتينا بِخَبَر الْقَوْم فَقَالَ الزبير أَنا قَالَهَا ثَلَاثًا وَقد أشكل ذكر الزبير فِي هَذِه فَقَالَ ابْن الملقن وَقع هُنَا أَن الزبير هُوَ الَّذِي ذهب وَالْمَشْهُور أَنه حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر هَذَا الْحصْر مَرْدُود فَإِن الْقِصَّة الَّتِي ذهب الزبير لكشفها غير الْقِصَّة الَّتِي ذهب حُذَيْفَة لكشفها فقصة الزبير كَانَت لكشف بني قُرَيْظَة هَل نقضوا الْعَهْد بَينهم وَبَين الْمُسلمين ووافقوا قُريْشًا على محاربة الْمُسلمين وقصة حُذَيْفَة كَانَت لما اشْتَدَّ الْحصار على الْمُسلمين بالخندق وتمالأت عَلَيْهِ الطوائف ثمَّ وَقع بَين الْأَحْزَاب الِاخْتِلَاف وحذرت كل طَائِفَة من الْأُخْرَى وَأرْسل الله عَلَيْهِم الرّيح وَاشْتَدَّ الْبرد تِلْكَ اللَّيْلَة فَانْتدبَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من يَأْتِيهِ بِخَبَر قُرَيْش فَانْتدبَ لَهُ حُذَيْفَة بعد تكراره طلبَ ذَلِك وقصته فِي ذَلِك مَشْهُورَة لما دخل بَين قُرَيْش فِي اللَّيْل وَعرف قصتهم وفى البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى قَالَ دَعَا رسولُ الله على الْأَحْزَاب فَقَالَ اللَّهُمَّ منزل الْكتاب سريعَ الْحساب اهزم الْأَحْزَاب اللَّهُمَّ اهزمهم وزلزلهم وروى أَحْمد عَن أبي سعيد قَالَ قُلْنَا يَوْم الخَنْدَق يَا رَسُول الله هَل من شَيْء تَقوله فقد بلغت القلوبُ منا الْحَنَاجِر قَالَ نعم اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتنا وآمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 روعاتنا قَالَ وَضرب الله وجوهَ أَعْدَائِنَا بِالرِّيحِ وَفِي ينبوع الْحَيَاة لِابْنِ ظفر قيل إِنَّه دَعَا فَقَالَ يَا صريخَ المكروبين يَا مجيبَ الْمُضْطَرين اكشف هَمي وغمي وكربي فَإنَّك ترى مَا نزل بِي وبأصحابي فَأَتَاهُ جِبْرِيل فبشره بِأَن الله يُرْسل عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً فَأعْلم أَصْحَابه وَرفع يَدَيْهِ قَائِلا شكرا شكرا وهبت ريح الصِّبَا لَيْلًا فَقلعت الْأَوْتَاد وَأَلْقَتْ عَلَيْهِم الْأَبْنِيَة وكفأت الْقُدُور وَسَفتْ عَلَيْهِم التُّرَاب ورمتهم بالحصباء وسمعوا فى أرجاء عَسْكَرهمْ التَّكْبِير وقعقة السِّلَاح فارتحلوا هرباً فِي ليلتهم وَتركُوا مَا استثقلوه من مَتَاعهمْ قَالَ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَأَرسَلنا عَليهِم رِيحاً وَجُنوداً لم تَرَوْهَا} الْأَحْزَاب 9 وفى البُخَارِيّ عَن عَليّ أَن رَسُول الله قَالَ يَوْم الخَنْدَق مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَارا كَمَا شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس وَمُقْتَضى هَذَا أَنه اسْتمرّ اشْتِغَاله بِقِتَال الْمُشْركين حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس ويعارضه مَا فِي // (صَحِيح مُسلم) // عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ حبس الْمُشْركُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 رَسُول الله عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْس أَو اصْفَرَّتْ فَقَالَ رَسُول الله شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى الحَدِيث وَمُقْتَضى هَذَا أَنه لم يخرج الْوَقْت بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد مُشِيرا إِلَى الْجمع بَين مَا فِي البُخَارِيّ وَمَا فِي مُسلم فَلَا تعَارض الْحَبْس انْتهى ذَلِك الْوَقْت إِلَى الْحمرَة وَلم تقع الصَّلَاة إِلَّا بعد الْمغرب انْتهى وفى البُخَارِيّ عَن عمر بن الْخطاب أَنه جَاءَ يَوْم الخَنْدَق بَعْدَمَا غربت الشَّمْس فَجعل يسب كفار قُرَيْش وَقَالَ مَا كدتُ أصلى الْعَصْر حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب فَقَالَ رَسُول الله وَالله مَا صليتها فنزلنا مَعَ النَّبِي بطحان فَتَوَضَّأ للصَّلَاة وتوضئنا لَهَا فصلى الْعَصْر بعد مَا غربت الشَّمْس ثمَّ صلى بعْدهَا الْمغرب وَقد يكون ذَلِك للاشتغال بِأَسْبَاب الصَّلَاة وَغَيرهَا وَمُقْتَضى هَذِه الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة أَنه لم يفت غير الْعَصْر وَفِي الْمُوَطَّأ الظّهْر وَالْعصر وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَن الْمُشْركين شغلوا رَسُول الله عَن أَربع صلوَات يَوْم الخَنْدَق وَقَالَ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْس إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من عبد الله فَمَال ابْن الْعَرَبِيّ إِلَى التَّرْجِيح وَقَالَ الصَّحِيح أَن الَّتِي اشْتغل عَنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وَاحِدَة هِيَ الْعَصْر وَقَالَ النَّوَوِيّ طَرِيق الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات أَن وقْعَة الخَنْدَق بقيت أَيَّامًا فَكَانَ هَذَا فِي بعض الْأَيَّام وَهَذَا فِي بَعْضهَا قَالَ وَأما تَأْخِيره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس فَكَانَ قبل نزُول صَلَاة الْخَوْف قَالَ الْعلمَاء يحْتَمل أَنه آخرهَا نِسْيَانا لَا عمدا وَكَانَ السَّبَب فِي النسْيَان الِاشْتِغَال بِأَمْر الْعَدو وَيحْتَمل أَنه آخرهَا عمدا للاشتغال بالعدو فَكَانَ هَذَا عذرا فِي تَأْخِير الصَّلَاة قبل نزُول صَلَاة الْخَوْف وَأما الْيَوْم فَلَا يجوز تَأْخِير الصَّلَاة عَن وَقتهَا بِسَبَب الْعَدو والقتال بل يُصَلِّي صَلَاة الْخَوْف على حسب الْحَال وَقد اخْتلف فِي المُرَاد بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَجمع الْحَافِظ الدمياطي فِي ذَلِك مؤلفاً مُفردا سَمَّاهُ كشف المغطى عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَبلغ تِسْعَة عشر قولا وهى الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب أَو جَمِيع الصَّلَوَات وَهُوَ يتَنَاوَل الْفَرَائِض والنوافل وَاخْتَارَهُ ابْن عبد الْبر وَالْجُمُعَة وَصَححهُ القَاضِي حُسَيْن فِي صَلَاة الْخَوْف من تعليقته وَالظّهْر فِي الْأَيَّام وَالْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة وَالْعشَاء لِأَنَّهَا بَين صَلَاتَيْنِ لَا تقصران وَالصُّبْح وَالْعشَاء أَو الصُّبْح وَالْعصر لقُوَّة الْأَدِلَّة فَظَاهر الْقُرْآن الصُبْح وَنَصّ السّنة الْعَصْر وَصَلَاة الْجَمَاعَة أَو الْوتر وَصَلَاة الْخَوْف أَو صَلَاة عيد الْأَضْحَى أَو الْفطر أَو صَلَاة الضُّحَى أَو وَاحِدَة من الْخمس غير مُعينَة أَو الصُّبْح أَو الْعَصْر على الترديد وَهُوَ غير القَوْل السَّابِق أَو التَّوْفِيق انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَانْصَرف من غَزْوَة الخَنْدَق يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد أَقَامَ بالخندق خَمْسَة عشر يَوْمًا وَقيل أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاه وَالسَّلَام لن تغزوكم بعد عامكم هَذَا وفى ذَلِك علم من أَعْلَام النُّبُوَّة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اعْتَمر فِي السّنة السَّادِسَة فصدته قُرَيْش عَن الْبَيْت وَوَقعت الْهُدْنَة بَينهم إِلَى أَن نقضوها وَكَانَ ذَلِك سَبَب فتح مَكَّة فَوَقع الْأَمر كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وسيأتى ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد أخرج الْبَزَّار من حَدِيث جَابر بِإِسْنَاد حسن شَاهدا لهَذَا وَلَفظه أَن النَّبِي قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب وَقد جمعُوا لَهُ جموعاً كَثِيرَة لَا يغزونكم بعْدهَا أبدا وَلَكِن أَنْتُم تغزونهم وَلما دخل الْمَدِينَة يَوْم الْأَرْبَعَاء هُوَ وَأَصْحَابه وَوَضَعُوا السِّلَاح جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام معتجراً بعمامة من إستبرق على بغلة عَلَيْهَا قيطفة ديباج وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة أَنه لما رَجَعَ وَوضع السِّلَاح اغْتسل وَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ قد وضعت السِّلَاح وَالله مَا وضعناه اخْرُج إِلَيْهِم وَأَشَارَ إِلَى بني قُرَيْظَة وَعند ابْن إِسْحَاق إِن الله يَأْمُرك يَا مُحَمَّد بِالْمَسِيرِ إِلَى بني قُرَيْظَة فَإِنِّي عَامِد إِلَيْهِم فمزلزلَ بهم فَأمر رَسُول الله مُؤذنًا فأذّن فِي النَّاس من كَانَ سَامِعًا مُطيعًا فَلَا يصلين الْعَصْر إِلَّا ببني قُرَيْظَة وَعند ابْن عَائِذ قُم فَشد عَلَيْك سِلَاحك فوَاللَّه لأذقنهم دق الْبيض على الصَّفَا وَبعث يَوْمئِذٍ منادياً يُنَادي يَا خيل الله ارْكَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَعند الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَبعث عليا على الْمُقدمَة وَخرج فِي أَثَره وَعند ابْن سعد ثمَّ سَار إِلَيْهِم فِي الْمُسلمين وهم ثَلَاثَة آلَاف وَالْخَيْل سِتَّة وَثَلَاثُونَ فرسا قَالَ وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم على مَا قَالَه ابْن هِشَام وَنزل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على بِئْر من آبار بني قُرَيْظَة وتلاحق بِهِ النَّاس فَأتى رجال بعد الْعشَاء الْآخِرَة وَلم يصلوا الْعَصْر لقَوْله لَا يصلين أحد الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة فصلوا الْعَصْر بهَا بعد الْعشَاء الْآخِرَة فَمَا عابهم الله تَعَالَى بذلك وَلَا عنفهم بِهِ رَسُول الله وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عمر أدْرك بَعضهم الْعَصْر فِي الطَّرِيق فَقَالَ بَعضهم لَا نصلي حَتَّى نأتيها وَقَالَ بَعضهم بل نصلي لم يرد منا ذَلِك فَذكر ذَلِك للنَّبِي فَلم يعنف وَاحِدًا مِنْهُم كَذَا وَقع فِي جَمِيع النّسخ من البُخَارِيّ أَنَّهَا الْعَصْر واتفقَ جَمِيع أهل الْمَغَازِي وَوَقع فِي مُسلم أنهَا الظهرُ مَعَ اتفَاقِ البُخَارِيّ وَمُسلم على رِوَايَته عَن شيخِ وَاحِد بِإِسْنَاد وَاحِد وَوَافَقَ مُسلما أَبُو يعلى وَآخَرُونَ وَجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَال أَن يكون بَعضهم قبل الْأَمر كَانَ صلى الظّهْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَبَعْضهمْ لم يصلها فَقيل لمن لم يصلها لَا يصلين أحد الظّهْر وَلمن صلاهَا لَا يصلين أحد الْعَصْر وَجمع بَعضهم بِاحْتِمَال أَن تكون طَائِفَة مِنْهُم راحت بعد طَائِفَة فَقيل للطائفة الأولى الظّهْر وللطائفة الَّتِي بعْدهَا الْعَصْر وَالله أعلم قَالَ ابْن إِسْحَاق وحاصرهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خمْسا وَعشْرين لَيْلَة حَتَّى أجهدهم الْحصار وَعند ابْن سعد خمس عشرَة وَعند ابْن عقبَة بضع عشرهَ لَيْلَة وَقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فَعرض عَلَيْهِم رئيسهم كَعْب بن أَسد أَن يُؤمنُوا فَقَالَ لَهُم يَا معشر يهود قد نزل بكم من الْأَمر مَا ترَوْنَ وَإِنِّي أعرض إِلَيْكُم خلالاً ثَلَاثًا فَخُذُوا أَيهَا شِئْتُم قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ نُبَايِع هَذَا الرجل ونصدقه فوَاللَّه لقد تبين أَنه نَبِي مُرْسل وَأَنه الَّذِي تجدونه فِي كتابكُمْ فتأمنون بِهِ على دمائكم وَأَمْوَالكُمْ وأبنائكم ونسائكم فَأَبَوا قَالَ فَإِذا أَبَيْتُم عَليّ هَذِه فَهَلُم نقْتل أبناءنا وَنِسَاءَنَا ثمَّ نخرج إِلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه رجَالًا مصلتين بِالسُّيُوفِ لم نَتْرُك وَرَاءَنَا ثقلاً حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَبَين مُحَمَّد فَإِن يهْلك نهلك وَلم نَتْرُك وَرَاءَنَا مَا نخشى عَلَيْهِ فَقَالُوا أَي عَيْش لنا بعد أَبْنَائِنَا ونسائنا قَالَ فَإِن أَبَيْتُم عَليّ هَذِه فَإِن اللَّيْلَة لَيْلَة السبت وَعَسَى أَن يكون مُحَمَّد وَأَصْحَابه قد أمنُوا فِيهَا فانزلوا لَعَلَّنَا نصيب من مُحَمَّد وَأَصْحَابه غرَّة قَالُوا نفسد سبتنا ونحدث فِيهِ مَا لم يحدث فِيهِ من كَانَ قبلنَا إِلَّا من علمت فَأَصَابَهُ مَا لم يخف عَلَيْك من المسخ وَأَرْسلُوا إِلَى رَسُول الله أَن ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لبَابَة وَهُوَ رِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر نستشره فِي أمرنَا فَأرْسلهُ إِلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَال وجهش إِلَيْهِ النِّسَاء وَالصبيان يَبْكُونَ فِي وَجهه فرق لَهُم وَقَالُوا يَا أَبَا لبَابَة أَتَرَى أَن ننزل على حكم مُحَمَّد قَالَ نعم وَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنه الذّبْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 قَالَ أَبُو لبَابَة فوَاللَّه مَا زَالَت قَدَمَايَ من مكانهما حَتَّى عرفت أَنِّي خُنْت الله وَرَسُوله ثمَّ انْطلق أَبُو لبَابَة على وَجهه فَلم يَأْتِ رَسُول الله حَتَّى ارْتبط فِي الْمَسْجِد إِلَى عَمُود من عمده وَقَالَ لَا أَبْرَح من مَكَاني هَذَا حَتَّى يَتُوب الله عَليّ مِمَّا صنعت وَعَاهد الله أَلا يطَأ بني قُرَيْظَة أبدا وَلَا أرى فِي بلد خنتُ الله وَرَسُوله فِيهِ أبدا فَلَمَّا بلغ رَسُول الله خبرُه وَكَانَ قد اسْتَبْطَأَهُ قَالَ أما لَو جَاءَنِي لاستغفرتُ لَهُ وَأما إِذْ فعل مَا فعل فَمَا أَنا بِالَّذِي أطلقهُ من مَكَانَهُ حَتَّى يَتُوب الله عَلَيْهِ قَالَ وَأقَام أَبُو لبَابَة وَقَالَ أَبُو عمر وروى وهب عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر أَن أَبَا لبَابَة ارْتبط بسلسلة ثَقيلَة بضع عشرَة لَيْلَة حَتَّى ذهب سَمعه فكاد لَا يسمع وَكَاد يذهب بَصَره وَكَانَت ابْنَته تحله إِذا حضرت الصَّلَاة أَو أَرَادَ أَن يذهب لحاله فَإِذا فرغ أعادته وَعَن عبد الله بن قسط أَن تَوْبَة أبي لبَابَة نزلت على رَسُول الله وَهُوَ فِي بَيت أم سَلمَة قَالَت أم سَلمَة فَسمِعت رَسُول الله من السحر وَهُوَ يضْحك قَالَت فَقلت ممَّ تضحك أضْحك الله سنك قَالَ تيب على أبي لبَابَة قَالَت أَفلا أُبَشِّرهُ يَا رَسُول الله قَالَ بلَى إِن شِئْت قَالَ فَقَامَتْ على بَاب حُجْرَتهَا وَذَلِكَ قبل أَن يضْرب الْحجاب فَقَالَت يَا أَبَا لبَابَة أبشر فقد تَابَ الله عَلَيْك قَالَت فثار النَّاس إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَالله حَتَّى يكون رَسُول الله هُوَ الَّذِي يُطلقنِي بِيَدِهِ فَلَمَّا مر عَلَيْهِ خَارِجا إِلَى صَلَاة الصُّبْح أطلقهُ وروى الْبَيْهَقِيّ فِي دلائله بِسَنَدِهِ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى (اعْتَرَفُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 بِذُنوبِهِم} التَّوْبَة 102 قَالَ هُوَ أَبُو لبَابَة إِذْ قَالَ لقريظة مَا قَالَ وَأَشَارَ إِلَى حلقه بِأَن مُحَمَّدًا يذبح إِن نزلتم على حكمه وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس مَا دلّ على أَن ارتباطه بِسَارِيَة الْمَسْجِد كَانَ بتخلفه عَن غَزْوَة تَبُوك كَمَا قَالَ ابْن الْمسيب قَالَ وَفِي ذَلِك نزلت هَذِه الْآيَة وَلما اشْتَدَّ الْحصار ببني قُرَيْظَة أذعنوا أَن ينزلُوا على حكم رَسُول الله فحكَم فيهم سعد بن معَاذ وَكَانَ قد جعله فِي خيمةٍ فِي الْمَسْجِد الشريف لامْرَأَة من أسلم يُقَال لَهَا رفيدة وَكَانَت تداوي الْجَرْحى فَلَمَّا حكَمه أَتَاهُ قومُه فَحَمَلُوهُ على حمارة وَقد وطئوا لَهُ بوسادة من أَدَم وَكَانَ رجلا جسيماً ثمَّ أَقبلُوا مَعَه إِلَى رَسُول الله فَلَمَّا انْتهى سعد إِلَى رَسُول الله وَالْمُسْلِمين قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قومُوا إِلَى سيدكم فَأَما الْمُهَاجِرُونَ من قُرَيْش فَيَقُولُونَ إِنَّمَا أَرَادَ رَسُول الله الْأَنْصَار وَأما الْأَنْصَار فَيَقُولُونَ عَم بهَا رَسُول الله المسلمن فَقَالُوا إِن رَسُول الله قد ولاك أَمر مواليك لتَحكم فيهم فَقَالَ سعد فَإِنِّي أحكم فيهم أَن يقتل الرِّجَال وتقسم الْأَمْوَال وتسبى الذَّرَارِي وَالنِّسَاء فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لقد حكمت فيهم بِحكم الله من فَوق سَبْعَة أَرقعَة والرقيع السَّمَاء سميت بذلك لِأَنَّهَا رُقعت بالنجوم وَوَقع فِي البُخَارِيّ قَالَ قضيتَ فيهم بِحكم الله وَرُبمَا قَالَ بِحكم الملِكِ بِكَسْر اللَّام وفى رِوَايَة مُحَمَّد بن صَالح لقد حكمت الْيَوْم فيهم بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات وفى حَدِيث جَابر عَن ابْن عَائِذ فَقَالَ احكم فيهم يَا سعد فَقَالَ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وَرَسُوله أَحَق بالحكم قَالَ قد أَمرك الله أَن تحكم فيهم وفى هَذِه الْقِصَّة جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي زَمَنه وَهِي مَسْأَلَة اخْتلف فِيهَا أهل أصُول الْفِقْه وَالْمُخْتَار الْجَوَاز سَوَاء كَانَ فِي حَضرته أم لَا وَإِنَّمَا استبعد الْمَانِع وُقُوع الِاعْتِمَاد على الظَّن مَعَ إِمْكَان الْقطع وَلَا يضر ذَلِك لِأَنَّهُ بالتقرير يصير قَطْعِيا وَقد ثَبت وُقُوع ذَلِك بِحَضْرَتِهِ كَمَا فِي هَذِه الْقِصَّة وَغَيرهَا وَانْصَرف يَوْم الْخَمِيس لسبع لَيَال كَمَا قَالَه الدمياطي أَو لخمس كَمَا قَالَه مغلطاي خلون من ذِي الْحجَّة وَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ببني قُرَيْظَة فأدخلوا الْمَدِينَة وحفر لَهُم أخدُود فِي السُّوق وَجلسَ وَمَعَهُ أَصْحَابه وأُخرجوا إِلَيْهِ فَضربت أَعْنَاقهم فَكَانُوا مَا بَين سِتّمائَة إِلَى سَبْعمِائة وَقَالَ السُّهيْلي المكثر يَقُول إِنَّهُم مَا بَين الثَّمَانمِائَة إِلَى التسْعمائَة وفى حَدِيث جَابر عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان بِإِسْنَاد صَحِيح إِنَّهُم كَانُوا أَرْبَعمِائَة مقَاتل فَيحْتَمل فِي طَرِيق الْجمع أَن يُقَال إِن البَاقِينَ كَانُوا أتباعا وَاصْطفى لنَفسِهِ الْكَرِيمَة رَيْحَانَة فَتَزَوجهَا وَقيل كَانَ يَطَؤُهَا بِملك الْيَمين وَأمر بالغنائم فَجمعت فَأخْرج الْخمس من الْمَتَاع والسبي ثمَّ أَمر بِالْبَاقِي فَبيع مِمَّن يُريدهُ وقسمه بَين الْمُسلمين فَكَانَت على ثَلَاثَة آلَاف واثنين وَسبعين سَهْما للْفرس سَهْمَان ولصاحبه سهم وَصَارَ الْخمس إِلَى محمية بن جُزْء الزبيدِيّ فَكَانَ النَّبِي يعْتق مِنْهُ ويهب ويُخدم مِنْهُ من أَرَادَ وَكَذَلِكَ بِمَا صَار إِلَيْهِ من الرثة وَهُوَ السقط من الْمَتَاع وانفجر جرج سعد بن معَاذ فَمَاتَ شَهِيدا وفى البُخَارِيّ أَنه دَعَا اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنه لَيْسَ أحد أحب إِلَيّ أَن أجاهدهم فِيك من قوم كذبُوا رَسُولك اللَّهُمَّ إِني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 أَظن أَنَّك قد وضعتَ الْحَرْب فافجرها وَاجعَل موتِي فِيهَا فانفجرت من ليلته فَلم يرعهم إِلَّا الدَّم يسيل إِلَيْهِم فَقَالُوا يَا أهل الْخَيْمَة مَا هَذَا الَّذِي يأتينا من قبلكُمْ فَإِذا جرح سعد يغذو أَي يسيل يُقَال غذا الْجرْح إِذا سَالَ مَا فِيهِ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا وَقد كَانَ ظن سعد مصيباً ودعاؤه فِي هَذِه الْقِصَّة مجاباً وَذَلِكَ أَنه لم يَقع بَين الْمُسلمين وَبَين قُرَيْش من بعد وقْعَة الخَنْدَق حربٌ يكون ابْتِدَاء الْقَصْد فِيهَا من الْمُشْركين فَإِنَّهُ تجهز إِلَى الْعمرَة فصدوه عَن دُخُول مَكَّة وَكَاد الْحَرْب أَن يَقع بَينهم فَلم يَقع كَمَا قَالَ تَعَالَى {وهُوَ اَلذي كَفَّ أيديَهُم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عنهُم بِبَطنِ مَكَةَ من بَعدِ أَن أَظْفَرَكم عَلَيْهِم} ثمَّ وَقعت الْهُدْنَة وَاعْتمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قَابل وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى أَن نقضوا الْعَهْد فَتوجه إِلَيْهِم غازياً ففتحت مَكَّة فعلى هَذَا فَالْمُرَاد بقوله أَظن أَنَّك قد وضعت الْحَرْب أَي لن يقصدونا محاربين وَهُوَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تغزونهم وَلَا يغزونكم كَمَا تقدم وَقد بَين سَبَب انفجار جرح سعد فِي مُرْسل حميد بن هِلَال عِنْد ابْن سعد وَلَفظه أَنه مرت بِهِ عنز وَهُوَ مُضْطَجع فَأصَاب ظلفُها موضعَ النَّحْر فانفجرت حَتَّى مَاتَ وَحضر جنَازَته سَبْعُونَ ألف ملك واهتز لمَوْته عرش الرَّحْمَن // (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) // قَالَ النَّوَوِيّ اخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيله فَقَالَت طَائِفَة هُوَ على ظَاهره واهتزاز الْعَرْش تحركه فَرحا بقدوم روح سعد وَجعل الله تَعَالَى فِي الْعَرْش تمييزاً حصل بِهِ هَذَا وَلَا مَانع مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإن مِنهَا لَمَا يهبِطُ من خَشْيَة الله} وَهَذَا القَوْل هُوَ ظَاهر الحَدِيث وَهُوَ الْمُخْتَار قَالَ الْمَازرِيّ قَالَ بَعضهم وَهُوَ على حَقِيقَته وَإِن الْعَرْش تحرّك لمَوْته قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 وَهَذَا لَا يُنكر من جِهَة الْعقل لِأَن الْعَرْش جسم من الْأَجْسَام يقبل الْحَرَكَة والسكون قَالَ لَكِن لَا تحصل فَضِيلَة سعد بذلك إِلَّا أَن يُقَال إِن الله تَعَالَى جعل حركته عَلامَة للْمَلَائكَة على مَوته وَقَالَ آخَرُونَ المُرَاد بالاهتزاز الاستبشار وَالْقَبُول ومِنْهُ قَول الْعَرَب فلَان يَهْتَز للمكارم لَا يُرِيدُونَ اضطرابَ جِسْمه وحركته وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ ارتياحه إِلَيْهَا وإقباله عَلَيْهِ قَالَ الْحَرْبِيّ وَهُوَ كِنَايَة عَن تَعْظِيم شأنِ وَفَاته وَالْعرب تنسبُ الشَّيْء الْمُعظم إِلَى أعظم الْأَشْيَاء فَيَقُولُونَ أظلمت لمَوْت فلَان الأَرْض وَقَامَت لَهُ الْقِيَامَة وَقَالَ جمَاعَة المُرَاد اهتزاز سَرِير الْجِنَازَة وَهُوَ النعش وَهَذَا القَوْل بَاطِل يردهُ صَرِيح الرِّوَايَات الَّتِي ذكرهَا مُسلم وَالله أعلم انْتهى وَقيل المُرَاد باهتزاز الْعَرْش اهتزاز حَمَلة الْعَرْش وَصحح الترمذيُ من حَدِيث أنس قَالَ لما حملت جَنَازَة سعد بن معَاذ قَالَ المُنَافِقُونَ مَا أخف جنَازَته فَقَالَ النَّبِي إِن الملائكةَ كَانَت تحمله وَعَن الْبَراء قَالَ أهديت لرَسُول الله حلَّة حَرِير فَجعل أَصْحَابه يمسونها ويعجبون من لينها فَقَالَ أتعجبون من لين هَذِه لمَنَاديلُ سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة خير مِنْهَا وألين هَذَا لفظ رِوَايَة أبي نعيم فِي مستخرجه على مُسلم والمناديل جمع منديل بِكَسْر الْمِيم فِي الْمُفْرد وَهُوَ مَعْرُوف قَالَ الْعلمَاء هَذِه إِشَارَة إِلَى عظم منزلَة سعد فِي الْجنَّة وَأَن أدنى ثِيَابه فِيهَا خير من هَذِه لِأَن المناديل أدنى الثِّيَاب لِأَنَّهُ معد للوسخ والامتهان فَغَيره أفضل مِنْهُ انْتهى وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قَالَ قبض إِنْسَان يَوْمئِذٍ من تُرَاب قَبره قَبْضَة فَذهب بهَا ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 نظر إِلَيْهَا بعد ذَلِك فَإِذا هِيَ مسك قَالَ فَقَالَ رَسُول الله سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله حَتَّى عُرِفَ ذَلِك فِي وَجهه فَقَالَ الْحَمد لله لَو كَانَ أحد ناجياً من ضمة الْقَبْر لنجا مِنْهَا ضُم ضَمّة ثمَّ فرج الله عَنهُ وَأخرج ابْن سعد عَن أبي سعيد قَالَ كنت فِيمَن حفر لسعد قَبره فَكَانَ يفوح علينا الْمسك كلما حفرنا قَالَ الْحَافِظ مغلطاي وَغَيره فِي هَذِه السّنة فُرِضَ الْحَج وَقيل سنة سِتّ وَصَححهُ غير وَاحِد وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَقيل سنة سبع وَقيل سنة ثَمَان وَرجحه جمَاعَة من الْعلمَاء وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 (حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ) فِيهَا غَزْوَة بني لحيان فِي ربيع الأول انْتهى فِيهَا إِلَى غران وادٍ عِنْد عسفان فِي مِائَتي رجل فَهَرَبُوا فَأَقَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ يبْعَث السَّرَايَا لكل نَاحيَة فَلم يَجدوا أحدا فَرجع للمدينة بعد تِسْعَة عشر يَوْمًا قَائِلا آيبون تائبون لربنا حامدون وفى الْمَوَاهِب لحيان بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا لُغَتَانِ فِي ربيع الأول سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي جُمَادَى الأولى فِي رَأس سِتَّة أشهر من قُرَيْظَة قَالَ ابْن حزم الصَّحِيح أَنَّهَا فِي الْخَامِسَة قَالُوا وجد رَسُول الله على عَاصِم بن ثَابت وَأَصْحَابه وَجْداً شَدِيدا فأظهر أَنه يُرِيد الشَّام وعسكر فِي مِائَتي رجل وَمَعَهُمْ عشرُون فرسا واستخلف على الْمَدِينَة عبد الله بن أم مَكْتُوم ثمَّ أسْرع الْمسير حَتَّى انْتهى إِلَى بطن غران وَاد بَين أمج وَعُسْفَان وَبَينهَا وَبَين عسفان خَمْسَة أَمْيَال حَيْثُ مصاب أَصْحَاب الرجيع الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة فترحم عَلَيْهِم ودعا لَهُم فَسمِعت بِهِ بَنو لحيان فَهَرَبُوا فِي رُءُوس الْجبَال فَلم يقدر مِنْهُم على أحد فَأَقَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ يبْعَث السرايَا فِي كل ناحيةِ ثمَّ خرج حَتَّى أَتَى عسفان فَبعث أَبَا بكر فِي عشرَة فوارس لتسمع بِهِ قُرَيْش فيذعرهم فَأتوا كرَاع الغميم ثمَّ رجعُوا وَلم يلْقوا أحدا وَانْصَرف وَلم يلق كيداً وَهُوَ يَقُول آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون وَغَابَ عَن الْمَدِينَة أَربع عشرَة لَيْلَة وَقيل سَبْعَة عشرَة لَيْلَة وفيهَا غَزْوَة الغابة وَهِي غَزْوَة ذِي قَرَدٍ فِي ربيع الأول فِي خَمْسمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 غَابَ خمس لَيَال وَصلى صَلَاة الْخَوْف أَيْضا وقَرَد بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وبالدال الْمُهْملَة وَهُوَ مَاء على بَرِيد من الْمَدِينَة قبل الْحُدَيْبِيَة وَعند البُخَارِيّ أَنَّهَا كَانَت قبل خَيْبَر بِثَلَاثَة أَيَّام وفى مُسلم نَحوه قَالَ مغلطاي وفى ذَلِك نظر لإِجْمَاع أهل السّير على خلَافهَا انْتهى قَالَ الْقُرْطُبِيّ شَارِح مُسلم لَا يخْتَلف أهل السّير أَن غَزْوَة ذِي قرد كَانَت قبل الْحُدَيْبِيَة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر مَا فِي الصَّحِيح من التَّارِيخ لغزوة ذِي قرد أصح مِمَّا ذكره أهل السّير انْتهى وسببها أَنه كَانَ لرَسُول الله عشرُون لقحة وَهِي ذَوَات اللَّبن الْقَرِيبَة الْعَهْد بِالْولادَةِ ترعى بِالْغَابَةِ وَكَانَ ابْن أبي ذَر فِيهَا فَأَغَارَ عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن الفِزَاري لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا فاستاقوها وَقتلُوا ابْن أبي ذَر وَقَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ فيهم رجل من غفار وَامْرَأَة فَقتلُوا الرجل وَسبوا الْمَرْأَة فركبت نَاقَة لَيْلًا حِين غفلتهم تُرِيدُ النَّبِي ونذرت لَئِن نجت لتنحرنها فَلَمَّا قدمت على النَّبِي أخْبرته بذلك فَقَالَ لَا نذر فِي مَعْصِيّة وَلَا لأحد فِيمَا لَا يملك وَنُودِيَ يَا خيل الله ارْكَبِي وَكَانَ أول مَا نُودي بهَا وَركب رَسُول الله فِي خَمْسمِائَة وَقيل سَبْعمِائة واستخلف على الْمَدِينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 ابْن أم مَكْتُوم وَخلف سعد بن عبَادَة فِي ثَلَاثمِائَة يَحْرُسُونَ الْمَدِينَة وَقد كَانَ عقد لِلْمِقْدَادِ بن عَمْرو لِوَاء فِي رمحه وَقَالَ لَهُ امْضِ حَتَّى تلحقك الْخُيُول وَأَنا على أثرك فَأدْرك أخريات الْعَدو وَقتل أَبُو قَتَادَة مسْعدَة فَأعْطَاهُ رَسُول الله فرسه وسلاحه وَقتل عكاشة بن مُحصن أبان بن عَمْرو وَقتل من الْمُسلمين مُحرز بن نَضْلَة قَتله مسْعدَة وَأدْركَ سَلمَة بن الْأَكْوَع الْقَوْم وَهُوَ على رجلَيْهِ فَجعل يرميهم بِالنَّبلِ وَيَقُول // (من الرجز) // (خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع ... وَالْيَوْم يَوْم الرضع) يَعْنِي يَوْم هَلَاك اللئام من قَوْلهم لئيم راضع أَي رضع اللؤم فِي بطن أمه وَقيل مَعْنَاهُ الْيَوْم يعرف من أَرْضَعَتْه الْحَرْب من صغره وتدرب بهَا وَيعرف غَيره وَلحق رَسُول الله النَّاس والخيول عشَاء قَالَ سَلمَة فَقلت يَا رَسُول الله إِن الْقَوْم عطاش فَلَو بعثتني فِي مائَة رجل استنقذتُ مَا فِي أَيْديهم من السَّرْح وَأخذت بأعناق الْقَوْم فَقَالَ ملكتَ فَأَسْجِحْ وَهِي بِهَمْزَة قطع ثمَّ سين مُهْملَة ثمَّ جِيم مَكْسُورَة ثمَّ حاء مُهْملَة أَي فارفق وَأحسن والسجَاحة السهولة أَي لَا تَأْخُذ بالشدة بل ارْفُقْ فقد حصلت النكاية فِي الْعَدو وَللَّه الْحَمد ثمَّ قَالَ إِنَّهُم الْآن ليقرون فِي غطفان وَذهب الصَّرِيخ إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف فَجَاءَت الأمداد فَلم تزل الْخَيل تَأتي وَالرِّجَال على أَقْدَامهم وعَلى الْإِبِل حَتَّى انْتَهوا إِلَى رَسُول الله بِذِي قرد فاستنقذوا عشر لقاح وأفلت الْقَوْم بِمَا بَقِي وَهِي عشر وَصلى رَسُول الله بِذِي قرد صَلَاة الْخَوْف وَأقَام يَوْمًا وَلَيْلَة وَرجع وَقد غَابَ خمس لَيَال وَقسم فِي كل مائَة من أَصْحَابه جَزوراً ينحرونها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وفيهَا غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة هِلَال ذِي الْقعدَة فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وَبَايع بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة على الْمَوْت حِين أرسل عُثْمَان فحبسوه فِي مَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو فِي الصُّلْح فواعدهم عشر سِنِين فَأَقَامَ بضعَة عشر يَوْمًا هُنَاكَ وَهُوَ مُعْتَمر فتحلَل من عمرته وَرجع فَنزلت عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق سُورَة الْفَتْح وَفِي الْمَوَاهِب الْحُدَيْبِيَة بتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها بِئْر سمي الْمَكَان بهَا وَقيل شَجَرَة وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ قَرْيَة قريبَة من مَكَّة أَكْثَرهَا فِي الْحرم وَهِي على تِسْعَة أَمْيَال من مَكَّة خرج عَلَيْهِ السَّلَام من الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ هِلَال ذِي الْقعدَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة للْعُمْرَة وَأخرج مَعَه زَوجته أم سَلمَة فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وَيُقَال وَخَمْسمِائة وَقيل ألف وثلاثمائة وَالْجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال أَنهم كَانُوا أَكثر من ألف وَأَرْبَعمِائَة فَمن قَالَ ألف وَخَمْسمِائة جبر الْكسر وَمن قَالَ وَأَرْبَعمِائَة ألغاه وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْبَراء ألف وَأَرْبَعمِائَة أَو أَكثر وَاعْتمد على هَذَا الْجمع النَّوَوِيّ وَأما رِوَايَة ألف وثلاثمائة فَيمكن حَمْلُها على مَا اطلع عَلَيْهِ واطلع غَيره على زِيَادَة مِائَتَيْنِ لم يطلع هُوَ عَلَيْهِم وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة وَأما قَول ابْن إِسْحَاق إِنَّهُم كَانُوا سَبْعمِائة فَلم يُوَافقهُ أحد عَلَيْهِ قَالَه استنباطاً من قَول جَابر نحرنا الْبَدنَة عَن عشرَة وَكَانُوا نحرُوا سبعين بَدَنَة وَهَذَا لَا يدل على أَنهم لم ينحروا غير الْبدن مَعَ أَن بَعضهم لم يكن أحرم أصلا وَجزم مُوسَى بن عقبَة أَنهم كَانُوا ألفا وسِتمِائَة وَعند ابْن أبي شيبَة من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع ألف وَسَبْعمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَحكى ابْن سعد ألفا وَخَمْسمِائة وَخَمْسَة وَعشْرين واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وَلم يخرج مَعَه بسلاحِ إِلَّا سلَاح الْمُسَافِر السيوف فِي الْقرب وَفِي البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قَالَ خرج رَسُول الله عَام الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة مائَة من أَصْحَابه فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحليفة قلد الْهدى وأشعر وَأحرم مِنْهَا وَفِي رِوَايَة أحرم مِنْهَا بِعُمْرَة وَبعث عينا لَهُ من خُزَاعَة وَسَار النَّبِي حَتَّى إِذا كَانَ بغدير الأشطاط أَتَاهُ عينه فَقَالَ إِن قُريْشًا جمعُوا لَك جموعاً وَقد جمعُوا لَك الْأَحَابِيش وهم مقاتلوك وصادُوك عَن الْبَيْت ومانعوك فَقَالَ أَشِيرُوا عَليّ أَيهَا النَّاس أَتَرَوْنَ أَن أميل إِلى عِيَالهمْ وذراري هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يصدونا عَن الْبَيْت فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله خرجت عَامِدًا لهَذَا الْبَيْت لَا تُرِيدُ قتال أحد وَلَا حَرْب أحد فَتوجه لَهُ فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امضوا على اسْم الله وروى أَحْمد كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول مَا رَأَيْت أحدا قطّ كَانَ أَكثر مُشَاورَة لأَصْحَابه من رَسُول الله وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ النَّبِي إِن خَالِد بن الْوَلِيد بالغميم فِي خيل لقريش طَلِيعَة فَخُذُوا ذَات الْيَمين فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى إِذا هم بقترة الْجَيْش فَانْطَلق يرْكض نذيراً لقريش وَسَار النَّبِي حَتَّى إِذا كَانَ بالثَّنية الَّتِي يهْبط عَلَيْهِم مِنْهَا بَركت رَاحِلَته فَقَالَ النَّاس حل حل فألحت يَعْنِي تمادتْ على عدم الْقيام فَقَالُوا خلأت القصوى خلأت القصوى فَقَالَ النَّبِي مَا خلأت القصوى وَمَا ذَاك لَهَا بِخلق وَلَكِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 حَبسهَا حَابِس الْفِيل أَي حَبسهَا الله عَن دُخُول مَكَّة كَمَا حبس الْفِيل عَن دُخُولهَا ومناسبة ذَلِك أَن الصَّحَابَة لَو دخلُوا مَكَّة على تِلْكَ الصُّورَة وصدهم قُرَيْش لوقع بَينهم الْقِتَال المفضى إِلَى سفك الدِّمَاء وَنهب الْأَمْوَال كَمَا لَو قدر دُخُول الْفِيل لَكِن سبق فِي علم الله أَنه سيدخل فِي الْإِسْلَام مِنْهُم خَلْق كثير وسيخرج من أصلابهم نَاس يسلمُونَ ويجاهدون ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إياهَا ثمَّ زجرها فَوَثَبت قَالَ فَعدل عَنْهُم حَتَّى نزل بأقصى الْحُدَيْبِيَة على ثَمد قَلِيل المَاء يَعْنِي حُفْرَة فِيهَا مَاء قَلِيل يتبرضه النَّاس تبرضاً أَي يأخذونه قَلِيلا قَلِيلا فَلم يلبث النَّاس حَتَّى نَزَحُوهُ وشكي إِلَى رَسُول الله الْعَطش فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته ثمَّ أَمرهم أَن يَجْعَلُوهُ فِيهِ فوَاللَّه مَا زَالَ يَجِيش بِالريِّ حَتَّى صدرُوا عَنهُ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نَفَرٍ من قومه من خُزَاعَة وَكَانُوا عَيْبَة نصح لرَسُول الله من أهل تهَامَة فَقَالَ إِنِّي تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي نزلُوا أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة مَعَهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادُوك عَن الْبَيْت والعُوذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة جمع عَائِذ وَهِي النَّاقة ذَات اللَّبن والمطافيل الْأُمَّهَات الَّتِي مَعهَا أطفالُهَا يُرِيد أَنهم خَرجُوا لَهُم بذوات الألبان من الْإِبِل ليروو بألبانها وَلَا يرجِعوا حَتَّى يمنعوه أَو كني بذلك عَن النِّسَاء مَعَهُنَّ الْأَطْفَال وَالْمرَاد أَنهم خَرجُوا بنسائهم وَأَوْلَادهمْ لإِرادة طول الْمقَام ليَكُون أدعى إِلى عدم الْفِرَار فَقَالَ رَسُول الله إِنَّا لم نأت لقِتَال أحدٍ وَلَكنَّا جِئْنَا معتمرين وَإِن قُريْشًا قد نهكتهم الْحَرْب فأضرت بهم فإِن شَاءُوا ماددتهم مُدَّة ويخلوا بيني وَبَين النَّاس فإِن أظهر فَإِن شَاءُوا أَن يدخلُوا فِيمَا دخل فِيهِ النَّاس فعلوا وَإِلَّا فقد جموا يعْنى استراحوا وَإِن أَبَوا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لأقاتلنهم على أَمْرِي حَتَّى تنفرد سالفتي أَي صفحة الْعُنُق كنى بذلك عَن الْقَتْل أَو لينفذن الله أمره فَقَالَ بديل سأبلغهم مَا تَقول فَانْطَلق حَتَّى أَتَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 قُريْشًا فَقَالَ إِنَّا قد جئناكم من عِنْد هَذَا الرجل وسمعناه يَقُول قولا فإِن شِئْتُم أَن نعرضه عَلَيْكُم فعلنَا فَقَالَ سفهاؤهم لَا حَاجَة لنا أَن تخبرنا عَنهُ بِشَيْء وَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُم هَات مَا سمعته فَقَالَ سمعته يَقُول كَذَا وَكَذَا فَحَدثهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِي فَقَامَ عُرْوَة بن مَسْعُود فَقَالَ أَي قوم ألستم بالوالد قَالُوا بلَى قَالَ أولست بِالْوَلَدِ قَالُوا بلَى قَالَ فَهَل تتهموني قَالُوا لَا قَالَ ألستم تعلمُونَ أَنِّي استنفرت أهل عكاظ فَلَمَّا بلحوا عليّ أَي تمنعوا من الْإِجَابَة جِئتُكُمْ بأهلي وَوَلَدي وَمن أَطَاعَنِي قَالُوا بلَى قَالَ إِن هَذَا قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد أَي خصْلَة خير وَصَلَاح اقبلوها ودعوني آته فَأَتَاهُ فَجعل يكلم النَّبِي فَقَالَ النَّبِي نَحوا من قَوْله لبديل فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك أَي مُحَمَّد أَرَأَيْت إِن استأصلتَ قَوْمك هَل سمعتَ بأحدٍ من الْعَرَب اجتاح أَصله قبلك وِإن تكن الْأُخْرَى فَإِنِّي وَالله لَا أرى وُجُوهًا وَإِنِّي لأرى أشواباً يعْنى أخلاطاً من النَّاس خليقاً أَن يفرُّوا ويدَعوك فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ امصص بظر اللات أَنَحْنُ نفر عَنهُ أَو ندعه قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا مُبَالغَة من أبي بكر فِي سَب عُرْوَة فإِنه أَقَامَ معبود عُرْوَة وَهُوَ صنمه مقَام أمه وَحمله على ذَلِك مَا أغضبهُ بِهِ من نِسبته الْفِرَار إِليهم والبَظر بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَة والظاء الْمُعْجَمَة الساكنة قِطْعَة تبقى بعد الْخِتَان فِي فرج الْمَرْأَة وَاللات اسْم صنم وَالْعرب تطلق هَذَا اللَّفْظ فِي معرض الذَّم انْتهى فَقَالَ عُرْوَة من هَذَا فَقَالُوا أَبُو بكر فَقَالَ أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَد كَانَت لَك عِنْدِي لم أجزك بهَا لأجبتك قَالَ وَجعل يكلم النَّبِي فَكلما تكلم أَخذ بلحيته والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم على رَأس النَّبِي وَمَعَهُ السَّيْف وَعَلِيهِ المغفر فَكلما أَهْوى عُرْوَة بِيَدِهِ إِلَى لحية النَّبِي ضرب يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ اكفف يدك عَن لحية النَّبِي قَالَ الْعلمَاء وَقد كَانَت عادةُ الْعَرَب أَن يتَنَاوَل الرجل لحية من يكلمهُ لَا سِيمَا عِنْد الملاطفة وَفِي الْغَالِب إِنما يصنع ذَلِك النظير بالنظير فَكَانَ النَّبِي يُفْضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 لعروة استمالةً وتأليفاً والمغيرة يمنعهُ إجلالاً للنَّبِي وتعظيماً قَالَ فَرفع عُرْوَة رَأسه فَقَالَ من هَذَا قَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ أَي غُدَر أَلَسْت أسعى فِي غدرتك وَكَانَ الْمُغيرَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة وَأخذ أَمْوَالهم ثمَّ جَاءَ فَأسلم فَقَالَ النَّبِي أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء ثمَّ إِن عُرْوَة جعل يرمق أَصْحَاب النَّبِي بِعَيْنِه فَيرى أَنهم مَا تنخم رَسُول الله نخامة إِلَّا وقعتْ فِي يَد رجل مِنْهُم فَذَلِك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا أَمرهم أمرا ابتدروا لأَمره وإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدُّون إِليه النّظر تَعْظِيمًا لَهُ قَالَ فِي فتح الْبَارِي فِيهِ إِشَارَة إِلَى الرَّد على مَا خشيه من فرارهم فكأنهم قَالُوا بِلِسَان الْحَال من يُحِبهُ هَذِه الْمحبَّة ويعظمه هَذَا التَّعْظِيم كَيفَ يظنّ بِهِ أَنه يفر عَنهُ ويسلمه لعَدوه بل هم أَشد اغتباطاً بِهِ وبدينه وَنَصره من هَذِه الْقَبَائِل الَّتِي تداعى بَعْضهَا لمُجَرّد الرَّحِم وَالله أعلم انْتهى قَالَ فَرجع عُروة إِلى أَصْحَابه فَقَالَ أَي قوم وَالله لقد وفدت على الْمُلُوك ووفدت على قَيْصر وكسرى وَالنَّجَاشِي وَالله إنْ رأيتُ ملكا قطّ يعظمه أَصْحَابه مَا يعظم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا وَالله إِن يتنخم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف رجل مِنْهُم فدلك بهَا وَجهه وَجلده وإِذا أَمرهم ابتدروا أمره وَإِذا توضَأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدُّون إِليه النّظر تَعْظِيمًا لَهُ وِإنه قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها فَقَالَ رجل من بني كنَانَة دَعونِي آته فَقَالُوا ائته فَلَمَّا أشرف على النَّبِي قَالَ رَسُول الله هَذَا فلَان وَهُوَ من قوم يعظمون البُدنَ فابعثوها لَهُ فبعثوها لَهُ واستقبله النَّاس يلبون فَلَمَّا رأى ذَلِك قَالَ سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لهَؤُلَاء أَن يصدوا عَن الْبَيْت فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه قَالَ رَأَيْت الْبدن قد أعلمت وأشعرت فَمَا أرى أَن يصدوا عَن الْبَيْت فَقَامَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ مِكرَزُ بن حَفْص بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَفتح الرَّاء بعْدهَا زَاي فَقَالَ دَعونِي آته فَلَمَّا أشرف عَلَيْهِم قَالَ النَّبِي هَذَا مكرز وَهُوَ رجل فَاجر فَجعل يكلم النَّبِي فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 ابْن عَمْرو قَالَ معمر فَأَخْبرنِي أَيُّوب عَن عِكْرِمَة أَنه لما جَاءَ سُهَيْل قَالَ النَّبِي إِنَّه قد سهل من أَمركُم مَا صَعب وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فَأرْسلت قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَت اذْهَبْ إِلى هَذَا الرجل فَصَالحه فَقَالَ النَّبِي قد أَرَادَت قُرَيْش الصُّلْح حِين بعثت هَذَا فَلَمَّا انْتهى إِلَى النَّبِي جرى بَينهمَا القَوْل حَتَّى وَقع بَينهمَا الصلحُ على أَن تُوضَع الحربُ بَينهم عشر سِنِين وَأَن يَأْمَن بَعضهم بَعْضًا وَأَن يرجع عَنْهُم عَامهمْ هَذَا وَقَالَ معمر قَالَ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيثه فجَاء سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ هَات اكْتُبْ بَيْننَا وَبَيْنك كتابا فَدَعَا النَّبِي عليا وَقَالَ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ سُهَيْل أما الرَّحْمَن الرَّحِيم فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كنت تكْتب فَقَالَ الْمُسلمُونَ وَالله لَا نكتبها إِلَّا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ النَّبِي اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ثمَّ قَالَ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَفِي حَدِيث عبد الله بن مُغفل عِنْد الْحَاكِم فَكتب هَذَا مَا صَالح مُحَمَّد رسولُ الله أهل مَكَّة ... الحَدِيث فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَو كُنَّا نعلم أَنَّك رسولُ الله مَا صَدَدْنَاك وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ النَّبِي وَالله إِنِّي لرَسُول الله وِإن كذبتموني وَفِي رِوَايَة لَهُ يعْنى البُخَارِيّ وَلمُسلم فَقَالَ النَّبِي لعَلي امحه فَقَالَ مَا أَنا بِالَّذِي أمحاه وَهِي لُغَة فِي أمحوه قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا الَّذِي فعل عَليّ من بَاب الْأَدَب وَالْمُسْتَحب لِأَنَّهُ لم يفهم من النَّبِي تحتم محو عَليّ نَفسه وَلِهَذَا لم يُنكر عَلَيْهِ وَلَو حتم محوه لنَفسِهِ لم يجز لعَلي تَركه انْتهى ثمَّ قَالَ أَرِنِي مَكَانهَا فَأرَاهُ مَكَانهَا فمحاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَكتب ابْن عبد الله وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي فَأخذ رَسُول الله الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب مَكَان رَسُول الله هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَقد تَمسك بِظَاهِر هَذِه الرِّوَايَة أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَادّعى أَن النَّبِي كتب بِيَدِهِ بعد أَن لم يكن يُحْسن أَن يكْتب فشنع عَلَيْهِ عُلَمَاء الأندلس فِي زَمَانه ورموه بالزندقة وَأَن الَّذِي قَالَه يُخَالف الْقُرْآن حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ شعرًا // (من الْبَسِيط) // (بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بِآخِرَةٍ ... وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ كَتَبَا) فَجَمعهُمْ الْأَمِير فاستظهر الْبَاجِيّ عَلَيْهِم بِمَا لَدَيْهِ من الْمعرفَة وَقَالَ هَذَا لَا يُنَافِي الْقُرْآن بل يُؤْخَذ من مَفْهُوم الْقُرْآن أَنه قيد النَّفْي بِمَا قبل وُرُود الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى {وَمَا كنتَ تَتلُوا مَن قَبله مِن كِتابِ وَلَا تَخُطهُ بيمِينِك} وَبعد أَن تحققت أمْنِيته وتقررت بذلك معجزته وَأمن الارتياب فِي ذَلِك لَا مَانع من أَن يعرف الْكِتَابَة بعد ذَلِك من غير تَعْلِيم فَتكون معْجزَة أُخْرَى وَذكر ابْن دحْيَة أَن جمَاعَة من الْعلمَاء وافقوا الْبَاجِيّ على ذَلِك مِنْهُم شَيْخه أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي وَآخَرُونَ من عُلَمَاء إفريقية وَاحْتج بَعضهم لذَلِك بِمَا أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق مُجَالد عَن عون بن عبد الله مَا مَاتَ رَسُول الله حَتَّى كتب وَقَرَأَ قَالَ مُجَاهِد فَذَكرته لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ صدق قد سَمِعت من يذكر ذَلِك وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَردت آثارٌ تدل على مَعْرفَته حُرُوف الْخط وَحسن تصورها كَقَوْلِه لكَاتبه تضع الْقَلَم على أُذُنك فَإِنَّهُ أذكر لَك وَقَوله لمعاوية ألق الدواة وحرف الْقَلَم وَفرق السِّين وَلَا تعور الْمِيم إِلَى غير ذَلِك قَالَ وَهَذَا وَإِن لم يثبت أَنه كتب فَلَا يبعد أَن يرْزق علم وضع الْكِتَابَة فإِنه أُوتِيَ علم كل شَيْء وَأجَاب الْجُمْهُور بِضعْف هَذِه الْأَحَادِيث وَعَن قصَّة الْحُدَيْبِيَة بِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَالْكَاتِب فِيهَا هُوَ عَليّ بن أبي طَالب وَقد صرح فِي حَدِيث الْمسور بن مخرمَة بِأَن عليا هُوَ الَّذِي كتب فَيحمل على أَن النُّكْتَة فِي قَوْله فَأخذ الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب لبَيَان أَن قَوْله أَرِنِي إِيَّاهَا أَنه إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى أَن يرِيه مَوضِع الْكَلِمَة الَّتِي امْتنع عليّ من محوها لكَونه كَانَ لَا يحسن الْكِتَابَة وعَلى أَن قَوْله بعد ذَلِك فَكتب فِيهِ حذف تَقْدِيره فمحاها فَأَعَادَهَا لعَلي فَكتب أَو أطلق كتب بِمَعْنى أَمر بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ كثير كَقَوْلِه كتب إِلى كسْرَى وَقَيْصَر وعَلى تَقْدِير حمله على ظَاهره فَلَا يلْزم من كِتَابَة اسْمه الشريف فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ لَا يحسن الْكِتَابَة أَن يصير عَالما بِالْكِتَابَةِ وَيخرج عَن كَونه أميَّاً ككثير من الْمُلُوك وَيحْتَمل أَن يكون جرب يَده بِالْكِتَابَةِ حِينَئِذٍ وَهُوَ لَا يحسن فَخرج الْمَكْتُوب على وفْق المُرَاد فَيكون معْجزَة أُخْرَى فِي ذَلِك الْوَقْت خَاصّا وَلَا يخرج بذلك عَن كَونه أُمِّيا وَبِهَذَا أجَاب أَبُو جَعْفَر السمناني أحد أَئِمَّة الْأُصُول من الأشاعرة وَتَبعهُ ابْن الْجَوْزِيّ وَتعقب ذَلِك السُّهيْلي وَغَيره بِأَن هَذَا وَإِن كَانَ مُمكنا وَيكون آيَة أُخْرَى لكنه يُنَاقض كَونه أُمِّيا لَا يكْتب وَهِي الْآيَة الَّتِي قَامَت بهَا الْحجَّة وأفحم الجاحد وانحسمت الشُّبْهَة فَلَو جَازَ أَن يصير يكْتب بعد ذَلِك لعادت الشُّبْهَة وَقَالَ المعاند كَانَ يحسن يكْتب لكنه كَانَ يكتم ذَلِك قَالَ السُّهيْلي والمعجزات يستحيلُ أَن يدْفع بَعْضهَا بَعْضًا وَالْحق أَن معنى قَوْله فَكتب أَمر عليا أَن يكْتب انْتهى قَالَ وَفِي دَعْوَى أَن كِتَابَة اسْمه الشريف فَقَط على هَذِه الصُّورَة يسْتَلْزم مناقضة المعجزة وَيثبت كَونه غير أُمِّي نظر كَبِير وَالله أعلم انْتهى وَأما قَوْله اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَوله أما الرَّحْمَن الرَّحِيم فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ. . إِلَى آخِره فَقَالَ الْعلمَاء وافقهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ترك كِتَابَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَكتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ وَكَذَا وافقهم فِي مُحَمَّد بن عبد الله وَترك كِتَابَة رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 للْمصْلحَة المهمة الْحَاصِلَة بِالصُّلْحِ مَعَ أَنه لَا مفْسدَة فِي هَذِه الْأُمُور أما الْبَسْمَلَة وباسمك اللَّهُمَّ فمعناها واحدْ وَكَذَا قَوْله مُحَمَّد بن عبد الله هُوَ أَيْضا رَسُوله وَلَيْسَ فِي ترك وصف الله تَعَالَى فِي هَذَا الْموضع بالرحمن الرَّحِيم مَا يَنْفِي ذَلِك وَلَا فِي ترك وَصفه هَذَا بالرسالة مَا ينفيها فَلَا مفْسدَة فِيمَا طلبوه وَإِنَّمَا كَانَت الْمفْسدَة تكون لَو طلبُوا أَن يكْتب مَا لَا يحل من تَعْظِيم آلِهَتهم وَنَحْو ذَلِك انْتهى قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَكتب هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ على أَن يخلوا بَيْننَا وَبَين الْبَيْت فنطوف بِهِ فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَا تتحدَث الْعَرَب؛ أَنا أخدنا ضغطة، وَلَكِن ذَلِك من الْعَام الْمقبل فَكتب فَقَالَ سُهَيْل: وعَلى أَنه لَا يَأْتِيك منا رجل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلينا قَالَ الْمُسلمُونَ سُبْحَانَ الله كَيفَ يرد إِلَى الْمُشْركين وَقد جَاءَ مُسلما الضغطة بِالضَّمِّ قَالَ فِي الْقَامُوس الضّيق وَالْإِكْرَاه انْتهى فَإِن قلت مَا الْحِكْمَة فِي كَونه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَافق سهيلاً على أَنه لَا يَأْتِيهِ مِنْهُم رجل وَإِن كَانَ على دين الْإِسْلَام إِلَّا يردهُ إِلى الْمُشْركين فَالْجَوَاب أَن الْمصلحَة المترتبة على هَذَا الصُّلْح مَا ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده الظَّاهِرَة الَّتِي كَانَت عَاقبَتهَا فتح مَكَّة وَإِسْلَام أَهلهَا كلهم وَدخُول النَّاس فِي دين الله أفواجَاً وَذَلِكَ أَنهم قبل الصُّلْح لم يَكُونُوا يختلطون بِالْمُسْلِمين وَلَا تتظاهر عِنْدهم أُمُور النَّبِي كَمَا هِيَ وَلَا يخلون بِمن يعلمهُمْ بهَا مفصَّلة فَلَمَّا حصل صلح الْحُدَيْبِيَة اختلطوا بِالْمُسْلِمين وَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة وَذهب الْمُسلمُونَ إِلى مَكَّة وخلوا بأهليهم وأصدقائهم وَغَيرهم مِمَّن يستنصحونه وسمعوا مِنْهُم أَحْوَال النَّبِي ومعجزاته الظَّاهِرَة وأعلام نبوته المتظاهرة وَحسن سيرته وَجَمِيل طَرِيقَته وعاينوا بِأَنْفسِهِم كثيرا من ذَلِك فمالت نفوسُهم إِلى الْإِيمَان حَتَّى بَادر خلق كثير مِنْهُم إِلى الْإِسْلَام قبل فتح مَكَّة فأسلموا بَين صلح الْحُدَيْبِيَة وَفتح مَكَّة وازداد الْآخرُونَ ميلًا إِلى الْإِسْلَام فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَسْلمُوا كلهم لما كَانَ قد تمهد لَهُم من الْميل وَكَانَت الْعَرَب غير قُرَيْش فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 الْبَوَادِي قَالَ الله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نصرُ الله وَالفَتحُ وَرَأيت الناسَ يَدخلوُنَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا} فَالله وَرَسُوله أعلم انْتهى قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فبينماهم كَذَلِك إِذْ دخل أَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو يُوسُف فِي قيوده قد خرج من أَسْفَل مَكَّة حَتَّى رمى بِنَفسِهِ بَين أظهر الْمُسلمين فَقَالَ سُهَيْل هَذَا يَا مُحَمَّد أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ أَن ترده إِلَيّ فَقَالَ إِنَّا لم نمض الْكتاب بعد قَالَ فوَاللَّه إِذن لَا أصالحك على شَيْء أبدا قَالَ النَّبِي فأجزه إِلي قَالَ مَا أَنا بمجيزه لَك قَالَ بلَى فافعل قَالَ مَا أَنا بفاعلِ قَالَ مكرز بلَى قد أجزنا ذَلِك قَالَ أَبُو جندل أَي معشر الْمُسلمين أُرَدُ إِلى الْمُشْركين وَقد جِئْت مُسلما إِلَّا ترَوْنَ مَا قد لقِيت وَكَانَ عُذبَ فِي الله عذَابا شَدِيدا زَاد ابْن إِسْحَاق فَقَالَ النَّبِي يَا أَبَا جندل اصبر واحتسب فإِنا لَا نغدر وَإِن الله جَاعل لَك فرجا ومخرجاً ووثب عمر يمشي إل جنبه وَيقرب مِنْهُ قَائِم السَّيْف وَيَقُول اصبر فإِنما هم الْمُشْركُونَ وَإِن دم أحدهم كَدم الْكَلْب يعرض لَهُ بقتل أَبِيه فَلَمَّا لم يفعل قَالَ عمر ضنَّ الرجل بِأَبِيهِ قَالَ الخطَابي تأوَّل العلماءُ مَا وَقع فِي قصَّة أبي جندل على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الله قد أَبَاحَ التقية للْمُسلمِ إِذا خَافَ الْهَلَاك وَرخّص لَهُ أَن يتَكَلَّم بالْكفْر مَعَ إِضْمَار الإِيمان إِن لم يُمكنهُ التورية فَلم يكن رده إِليهم إسلاماً لأبي جندل إِلى الْهَلَاك مَعَ وجود السَّبِيل إِلى الْخَلَاص من الْمَوْت بالتقية وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه إِنَّمَا رده إِلى أَبِيه وَالْغَالِب أَن أَبَاهُ لم يبلغ بِهِ إِلى الْهَلَاك وَإِن عذبه أَو سجنه فَلهُ مندوحة بالتقية أَيْضا وَأما مَا يخَاف عَلَيْهِ من الْفِتْنَة فإِن ذَلِك امتحان من الله يَبْتَلِي بِهِ صَبر عباده الْمُؤمنِينَ وَاخْتلف الْعلمَاء هَل يجوز الصُّلْح مَعَ الْمُشْركين على أَن يرد إِلَيْهِم من جَاءَ مُسلما من عِنْدهم أم لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فَقيل نعم على مَا دلّت عَلَيْهِ قصَّة أبي جندل وَأبي بَصِير وَقيل لَا وَأَن الَّذِي وَقع فِي الْقِصَّة مَنْسُوخ وَأَن ناسخه حَدِيث أَنا بَرِيء من مُسلم بَين الْمُشْركين وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة تفصل بَين الْعَاقِل وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَلَا يُرَدان وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة منَاط جَوَاز الرَّد أَن يكون الْمُسلم بِحَيْثُ لَا تجب عَلَيْهِ الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَالله أعلم قَالَ فِي فتح الْبَارِي قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَقَالَ عمر بن الخطَاب فَأتيت النَّبِي فَقلت ألستَ نَبِي الله حَقًا قَالَ بلَى قلت ألستَ على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قلت فَلم نعطي الدَنية فِي ديننَا إِذن قَالَ إِنِّي رَسُول الله وَلست أعصيه وَهُوَ ناصري قلت أَو لست كنت تحدثنا أَنا نأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى فأخبرتك أَنا نأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ قَالَ فَأتيت أَبَا بكر فَقلت يَا أَبَا بكر أَلَيْسَ هَذَا نبيَّ الله حَقًا قَالَ بلَى قلت أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قلت فَلم نعطي الدَنية فِي ديننَا إِذن قَالَ أَيهَا الرجل إِنَّه رَسُول الله وَلَيْسَ يَعْصِي ربه وَهُوَ ناصره فَاسْتَمْسك بغرزه فوَاللَّه إِنَّه على الْحق قلت أَو لَيْسَ كَانَ يحدثنا أَنا سنأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى أفأخبرك أَنا نأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ إِنَّك آتيه فمطوف بِهِ قَالَ الْعلمَاء لم يكن سُؤال عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَلَامه الْمَذْكُور شَكاً بل طلبا لكشف مَا خَفِي عَلَيْهِ وحثاً على إِذلال الْكفَّار وَإِظْهَار الإِسلام كَمَا عرف فِي خلقه وقوته فِي نصرته الدّين وإِذلال المبطلين وَأما جَوَاب أبي بكر لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا بِمثل جَوَاب النَّبِي فَهُوَ من الدَّلَائِل الظَّاهِرَة على عظم فَضله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وبارع علمه وَزِيَادَة عرفانه ورسوخه وزيادته فِي كل ذَلِك على غَيره وَكَانَ الصُّلْح بَينهم مُدَّة عشر سِنِين كَمَا فِي السّير وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر وَلأبي نعيم فِي مُسْند عبد الله بن دِينَار كَانَت أَربع سِنِين وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي البيع من الْمُسْتَدْرك وَالْأول أشهر وَكَانَ الصُّلْح على وضع الْحَرْب بِحَيْثُ يَأْمَن النَّاس ويكف بَعضهم عَن بعض وَألا يدْخل الْبَيْت إِلَّا الْعَام الْقَابِل ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يدخلوها إِلَّا بجلبان السِّلَاح وَهُوَ القراب بِمَا فِيهِ والجلبان بِضَم الْجِيم وَسُكُون اللَّام شبه الجراب من الْأدم يوضع فِيهِ السَّيْف مغموداً وَرَوَاهُ القتيبي بِضَم الْجِيم وَاللَّام وَتَشْديد الْبَاء وَقَالَ هِيَ أوعية السِّلَاح بِمَا فِيهَا وَفِي بعض الرِّوَايَات إِلَّا بجلبان السِّلَاح السَّيْف والقوس وِإنما اشترطوا ذَلِك ليَكُون علما وأمارة السّلم إِذْ كَانَ دُخُولهمْ صلحا وَقَالَ مكي بن أبي طَالب القيرواني فِي تَفْسِيره وَبعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْكتاب إِلَيْهِم مَعَ عُثْمَان بن عَفَّان وَأمْسك سُهَيْل بن عَمْرو عِنْده فَأمْسك الْمُشْركُونَ عُثْمَان فَغَضب الْمُسلمُونَ وَقَالَ مغلطاي فاحتبسته قُرَيْش عِنْدهَا فَبلغ النَّبِي أَن عُثْمَان قد قتل فَدَعَا النَّاس إِلَى بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة على الْمَوْت وَقيل على أَلا يَفروا انْتهى وَوضع النَّبِي شِمَاله فِي يَمِينه وَقَالَ هَذِه عَن عُثْمَان وَفِي البُخَارِيّ فَقَالَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِه بيعَة عُثْمَان فَضرب بهَا على يَده ... الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وَلما سمع الْمُشْركُونَ بِهَذِهِ خَافُوا فبعثوا بعثمان وَجَمَاعَة من الْمُسلمين وَفِي هَذِه الْبيعَة نزل قَوْله تَعَالَى {إنَ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنمَا يُبَايِعُونَ الله يَد الله فَوق أَيْديهم} 10 وَقَوله تَعَالَى {لقد رَضِي اللهُ عَنِ المُؤمنِينَ} وَحلق النَّاس مَعَ النَّبِي ونحروا هداياهم بِالْحُدَيْبِية قَالَ مغلطاي وَأرْسل الله ريحًا فَحملت شُعُورهمْ فألقتها فِي الْحرم وَأقَام بِالْحُدَيْبِية بضعَة عشر يَوْمًا وَقيل عشْرين يَوْمًا ثمَّ قفل وَفِي نفوس بَعضهم شَيْء فَأنْزل الله تَعَالَى سُورَة الْفَتْح يسليهم بهَا وَيذكرهُمْ نعْمَة الله فَقَالَ تَعَالَى {إنّا فَتحَنَا لَكَ فتحا مُبينًا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَأنس والبراء بن عَازِب الْفَتْح هُنَا فتح الْحُدَيْبِيَة وَوُقُوع الصُّلْح بعد أَن كَانَ المُنَافِقُونَ يظنون أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول والمؤمنون إِلى أَهْليهمْ أبدا أَي حسبوا إِلَّا يرجِعوا بل يقتلُون كلهم وَأما قَوْله تَعَالَى {وأثابهم فتحا قَرِيبا} فَالْمُرَاد فتح خَيْبَر على الصَّحِيح فَإِنَّهَا وَقعت فِيهَا الْمَغَانِم الْكَثِيرَة للْمُسلمين وَقد روى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن مجمع بن حَارِثَة قَالَ شَهِدنَا الْحُدَيْبِيَة فَلَمَّا انصرفنا وجدنَا رَسُول الله وَاقِفًا عِنْد كرَاع الغميم وَقد جمع النَّاس قَرَأَ عَلَيْهِم {إنَا فَتحَنَا لَكَ فَتحاً مُبينَاً} الْحُدَيْبِيَة وَغفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وتبايعوا بيعَة الرضْوَان وأطعموا نخيل خَيْبَر وَظَهَرت الرّوم على فَارس وَفَرح الْمُسلمُونَ بنصر الله وَأما قَوْله تَعَالَى {إذَا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} وَقَوله لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح فَفتح مَكَّة بالِاتِّفَاقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فَبِهَذَا يرْتَفع الإِشكال وتجتمع الْأَقْوَال وَالله أعلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَفِي هَذِه السّنة كسفت الشَّمْس وظَاهَرَ أَوْس بن الصَّامِت من امْرَأَته خَولَةَ وفيهَا استسقى فِي رَمَضَان ومطر النَّاس فَقَالَ النَّبِي أصبح من النَّاس مُؤمن بِاللَّه وَكَافِر بالكواكب قَالَه مغلطاي وَجزم الدمياطي فِي سيرته بِأَن تَحْرِيم الْخمر كَانَ فِي سنة الْحُدَيْبِيَة وَذكر ابْن إِسْحَاق أَنه كَانَ فِي وقْعَة بني النَّضِير وَهِي بعد أحد وَذَلِكَ سنة أَربع على الرَّاجِح وَفِيه نظرا لِأَن أنسا كَانَ الساقي يَوْم حرمت وَأَنه لما سمع الْمُنَادِي بتحريمها بَادر فأراقها وَلَو كَانَ سنة أَربع لَكَانَ أنس يصغر عَن ذَلِك وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بسندٍ صحيحٍ عَن ابْن عَبَّاس إِنما نزل تَحْرِيم الْخمر فِي قبيلتين من الْأَنْصَار شربوا فَلَمَّا ثمل الْقَوْم عَبث بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا أَن صحوا جعل الرجل يرى فِي وَجهه وَرَأسه الْأَثر فَيَقُول صنع هَذَا أخي فلَان وَكَانُوا إخْوَة لَيْسَ فِي قُلُوبهم ضغائن فَيَقُول وَالله لَو كَانَ بِي رحِيما مَا صنع بى هَذَا حَتَّى وَقعت فِي قُلُوبهم الضغائن فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة {يَا أَيُهَا الذَينَ آمَنُوا إنمَا اَلخمُر وَاَلْمَيسِرُ} إِلَى {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ نَاس من المتكلفين هِيَ رِجْس وَهِي فِي بطن فلَان وَفُلَان وَقد قتل يَوْم أحد فَأنْزل الله {لَيسَ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالحاتِِ جنَاح فِيمَا طَعمُوا} إِلَى {الْمُحْسِنِينَ} وَآيَة تَحْرِيم الْخمر نزلت فِي عَام الْفَتْح قبل الْفَتْح وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وفيهَا سَرِيَّة مُحَمَّد بن مَسلمة فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلى القرظاء من بني بكر بن كلاب بضرية وَهِي على سبع لَيَال من الْمَدِينَة عَاشر الْمحرم فَلَمَّا أَغَارُوا عَلَيْهِم هربوا فعنم وَجَاء آخر الْمحرم وَمَعَهُ ثُمَامَة بن أَثَال أَسِيرًا وعكاشة بن مُحصن الْأَسدي فِي ربيع الأول إِلَى مَاء لبني أَسد يُقَال لَهُ عمْرَة مَرْزُوق فِي أَرْبَعِينَ فغنم وَلم يلق كيداً وَمُحَمّد بن مسلمة أَيْضا إِلَى ذِي القصَة فِي ربيع الأول مَعَه عشرَة إِلى بني ثَعْلَبَة وهم مائَة فَقتلُوا إِلَّا ابْن مسلمة فَبعث إِلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَة فِي ربيع الآخر بِأَرْبَعِينَ رجلا فغنموا نعما وَشاء وأسروا رجلا فَأسلم وَزيد بن حَارِثَة فِي ربيع الآخر إِلى بني سليم بالجموع فغنموا نعما وَشاء ثمَّ إِلى الْعيص فِي جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ مائَة وَسَبْعُونَ رَاكِبًا يعْتَرض عيرًا لِصَفْوَان بن أُميَّة فَأسر مِنْهُم نَاسا مِنْهُم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فَأَجَارَتْهُ زَوجته زَيْنَب ابْنة رَسُول الله ثمَّ إِلى الطَرَف مَاء على سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا من الْمَدِينَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة بِخَمْسَة عشر لبني ثَعْلَبَة فَأصَاب نعما وَشاء ثمَّ إِلَى حسمى وَرَاء وَادي الْقرى فِي جُمَادَى الْآخِرَة إِلى قوم من جذام قطعُوا الطَّرِيق على دحْيَة فَقتل مِنْهُم قتلا ذريعاً وَأصَاب مَغَانِم كَثِيرَة ثمَّ ردهَا عَلَيْهِم جَمِيعهَا لما جَاءَهُ زيد بن رِفَاعَة وَسَأَلَهُ فِي ذَلِك وَأسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 ثمَّ إِلَى وادى الْقرى فِي رَجَب فَقتل من الْمُسلمين قَتْلَى وَارْتثَّ زيد ثمَّ إِلَى أم قرفة فَاطِمَة بنت ربيعَة الفزارية بِنَاحِيَة وَادي الْقرى فربطها بَين بَعِيرَيْنِ حَتَّى مَاتَت وَفِي مُسلم أَن أَمِير هَذِه السّريَّة أَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَى دومة الجندل فِي شعْبَان يَدْعُو أَهلهَا إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم كثير بن الْأَصْبَغ بن عمر الْكَلْبِيّ وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَتزَوج عبد الرَّحْمَن ابْنَته تماضر فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَضرب الْجِزْيَة على من لم يسلم وَعلي بن أبي طَالب إِلَى بني سعد بِفَدَكَ فغنم نعما وَشاء وَعبد الله بن عتِيك لقِتَال أبي رَافع عبد الله أَو سَلام ابْن أبي الْحقيق على الْخلاف فِيهِ فِي رَمَضَان وَمَعَهُ أَرْبَعَة نفر فَقَتَلُوهُ فِي دَاره بِخَيْبَر وَعبد الله بن رَواحة فِي ثَلَاثِينَ رجلا إِلَى أَسِير بن رزام الْيَهُودِيّ بِخَيْبَر فَقتل وَقتل مَعَه نَحْو الثَّلَاثِينَ وكرز بن جَابر فِي عشْرين رجلا إِلَى العرنيين الَّذين اجتووا الْمَدِينَة فَأمر النَّبِي أَن يشْربُوا من لقاحه ويتداووا فَلَمَّا أَصْبحُوا قتلوا راعي النَّبِي يساراً النوبي وَاسْتَاقُوا اللقَاح فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وسمل أَعينهم وَكَانُوا ثَمَانِيَة وَنزل {إِنمَا جزاؤا الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} وَعَمْرو بن أُميَّة الضمرِي انْظُر وَمَعَهُ سَلمَة بن أسلم ليصادفا غرَّة من أبي سُفْيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 بن حَرْب فيقتلاه فَفطن لذَلِك وهرب وَسبب ذَلِك أَن أَبَا سُفْيَان أرسل إِلَى النَّبِي من يقْتله غدراً فَأقبل الرَّسُول وَمَعَهُ خنجر ليغتاله فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي قَالَ إِن هَذَا ليريدُ غدراً فَجَذَبَهُ أسيد بن الْحضير بداخلة إزَاره فَإِذا بالخنجر فَسقط فِي يَده فَقَالَ اصدقنى مَا أَنْت قَالَ وَأَنا آمن قَالَ نعم فَأخْبرهُ بِخَبَرِهِ فخلى عَنهُ وَبعث عَمْرو بن أُميَّة وَمَعَهُ سَلمَة بن أسلم وَيُقَال جَبَّار بن صَخْر إِلَى أبي سُفْيَان وَقَالَ إِن أصبْتُمَا مِنْهُ غرَّة فاقتلاه وَمضى عَمْرو بن أُميَّة يطوف بِالْبَيْتِ لَيْلًا فَرَآهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَأخْبر قُريْشًا بمكانه فخافوا وطلبوه وَكَانَ فاتكاً فِي الْجَاهِلِيَّة فحشد لَهُ أهل مَكَّة وتجمعوا فهرب عَمْرو وَسَلَمَة فلقي عَمْرو عبيد الله بن مَالك التَّمِيمِي فَقتله وَقتل آخر وَلَقي رسولَين لقريش بعثا يتجسسان الْخَبَر فَقتل أَحدهمَا وَأسر الآخر فَقدم بِهِ الْمَدِينَة فَجعل عَمْرو يخبر رَسُول الله وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يضْحك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 (حوادث السّنة السَّابِعَة) فِيهَا غَزْوَة خَيْبَر فِي جُمَادَى الأولى وَقَاتل بهَا أَشد الْقِتَال وَقتل من أَصْحَابه خَمْسَة وَمن الْيَهُود ثَلَاثَة وَتسْعُونَ وَفتحهَا الله عَلَيْهِ حصناً حصناً وفيهَا حرم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَنهى عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وَعَن بيع الْمَغَانِم حَتَّى تقسم وَألا تُوطأ جَارِيَة حَتَّى تستبرأ وَعَن مُتْعَة النِّسَاء وَوضعت لَهُ السم فِي الشَّاة زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم فَأَخْبَرته الذِّرَاع بذلك وَفتح وَادي الْقرى فِي جُمَادَى الْآخِرَة بعد مَا حَاصَرَهُمْ أَرْبعا أَو أَكثر وَصَالَحَهُ أهل تيماء على الْجِزْيَة قَالَ فِي الْمَوَاهِب هِيَ مَدِينَة كَبِيرَة ذَات حصون ومزارع على ثَمَانِيَة برد من الْمَدِينَة إِلَى جِهَة الشَّام قَالَ ابْن إِسْحَاق خرج فِي بَقِيَّة الْمحرم سنة سبع فَأَقَامَ يحاصرها بضع عشرَة لَيْلَة إِلَى أَن فتحهَا وَقيل كَانَت فِي آخر سنة سِتّ وَهُوَ مَنْقُول عَن مَالك وَبِه جزم ابْن حزم قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَالرَّاجِح مَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَيُمكن الْجمع بِأَن من أطلق سنة سِتّ بناه على أَن ابْتِدَاء السّنة من شهر الْهِجْرَة الْحَقِيقِيّ وَهُوَ ربيع الأول وَأغْرب ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة فرويا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ خرجنَا مَعَ رَسُول الله إِلَى خَيْبَر لثمان عشرَة من رَمَضَان وَإِسْنَاده حسن لكنه خطأ ولعلها كَانَت إِلَى حنين فتصحفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وتوجيهه بِأَن غَزْوَة خَيْبَر كَانَت ناشئة عَن غَزْوَة الْفَتْح وغزوة الْفَتْح خرج فِيهَا فِي رَمَضَان جزما قَالَ وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التعليقة أَنَّهَا كَانَت سنة خمس وَهُوَ وهم وَلَعَلَّه انْتِقَال من الخَنْدَق إِلَى خَيْبَر وَكَانَ مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ألف وَأَرْبَعمِائَة راجل وَمِائَتَا فَارس وَمَعَهُ أم سَلمَة زَوجته وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي إِلَى خَيْبَر فسرنا لَيْلًا فَقَالَ رجل من الْقَوْم لعامر يَا عَامر هَل تسمعنا من هنيهاتك وَكَانَ عامرٌ رجلا شَاعِرًا فَنزل يَحْدُو بالقوم يَقُول (اللهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا) (فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا أبقينَا ... وَثَبِّت الأقدامَ إِنْ لاَقَيْنَا) (وَأَلْقِينْ سَكِينةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنّا أَتَيْنَا) (وَبالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا ... ) وَفِي رِوَايَة إِيَاس بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أَحْمد فِي هَذَا الرجز زِيَادَة (إِنّ الذِينّ قَدْ بَغُوا عَلَيْنَأ ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا) (وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسَتغنَيْنَا ... ) فقَال رَسُول الله كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من هَذَا السَّائِق قَالُوا عَامر بن الاكوع قَالَ يرحمه الله قَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت يَا نَبِي الله لَوْلَا أمتعتنا بِهِ ... الحَدِيث وَفِي رِوَايَة أَحْمد فَجعل عَامر يرتجز ويسوق الركاب وَهَذِه كَانَت عَادَتهم إِذا أروادوا تنشيط الْإِبِل فِي السّير ينزل بَعضهم فيسوقها ويحدو فِي تِلْكَ الْحَال وَقَوله اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا كَذَا الرِّوَايَة قَالُوا وَصَوَابه فِي الْوَزْن لاهم أَو تَالله كَمَا فِي الحَدِيث الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَقَوله فدَاء لَك قَالَ الْمَازِني هَذِه اللَّفْظَة مشكلة فَإِنَّهُ لَا يُقَال للباري سُبْحَانَهُ فديتك لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي مَكْرُوه يتَوَقَّع حُلُوله بالشخص فيختار شخص آخر أَن يحل ذَلِك بِهِ ويفديه مِنْهُ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا وَقع من غير قصد إِلَى حَقِيقَة مَعْنَاهُ كَمَا يُقَال قَاتله الله وَلَا يُرِيد بذلك حَقِيقَة الدُّعَاء عَلَيْهِ وَكَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تربتْ يداك وتربت يمينُكَ وَفِيه كُله ضرب من الِاسْتِعَارَة لِأَن المفادِيَ مبالغ فِي طلب رضَا المفادَى حِين بذل نَفسه عَن نَفسه للمكروه فَكَأَن مُرَاد الشَّاعِر إِنِّي أبذل نَفسِي فِي رضاك وعَلى كل حالٍ فَإِن الْمَعْنى وَإِن أمكن صرفه إِلَى جِهَة صَحِيحَة فإطلاق اللَّفْظ واستعارته والتجوز فِيهِ يفْتَقر إِلَى وُرُود الشَّرْع بِالْإِذْنِ فِيهِ قَالَ وَقد يكون المُرَاد بقوله فدَاء لكَ رجلا يخاطبه وَفصل بَين الْكَلَام بذلك ثمَّ عَاد إِلَى تَمام الأول فَقَالَ مَا أبقينا قَالَ وَهَذَا تَأْوِيل يصحُ مَعَه اللَّفْظ وَالْمعْنَى لَوْلَا أَن فِيهِ تعسفاً اضطررنا إِلَيْهِ لتصحيح الْكَلَام انْتهى فَقيل إِنَّه يُخَاطب بِهَذَا الشّعْر النَّبِي وَالْمعْنَى لَا تُؤَاخِذنَا بتقصيرنا فِي حَقك ونصرك وعَلى هَذَا فَقَوله اللَّهُمَّ لم يقْصد بهَا الدُّعَاء وَإِنَّمَا افْتتح بهَا الْكَلَام والمخاطب بقول الشَّاعِر لَوْلَا أَنْت النَّبِي لَكِن يعكرُ عَلَيْهِ بعد ذَلِك (فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَأ ... وثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا) فَإِنَّهُ دُعَاء لله تَعَالَى وَيحْتَمل أَن يكون فاسأل رَبك أَن ينزل وَيثبت وَالله أعلم وَقَوله إِذا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا أَي إِذا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوه من المكاره وَفِي رِوَايَة أَبينَا بِالْمُوَحَّدَةِ بدل الْمُثَنَّاة أَي أَبينَا الْفِرَار وَقَوله وبالصياح عولوا علينا أَي اسْتَغَاثُوا بِنَا واستفزعونا لِلْقِتَالِ وَقيل هُوَ من التعويل على الشَّيْء وَهُوَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ وَقيل هُوَ من العويل وَهُوَ الصَّوْت وَقَوله من هَذَا السَّائِق قَالُوا عَامر قَالَ يرحمه الله قَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت أَي ثبتَتْ لَهُ الشَّهَادَة وستقع قَرِيبا وَكَانَ مَعْلُوما عِنْدهم أَن من دَعَا لَهُ النَّبِي هَذَا الدُّعَاء فِي هَذَا الموطن استشهدَ فَقَالُوا هلا أمتعتنا بِهِ أَي وَدِدْنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 أَنَّك أخرت الدُّعَاء لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقت اخر لنتمتع بمصاحبته ورؤيته مُدَّة وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أنس أَنه أَتَى خَيْبَر لَيْلًا وَكَانَ إِذا أَتَى قوما بلَيْل لم يغزهم حَتَّى يصبح فَلَمَّا أصبح خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّد وَالله مُحَمَّد وَالْخَمِيس فَقَالَ النَّبِي خرجت خيبرُ إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين وَفِي رِوَايَة فَرفع يَده وَقَالَ الله أكبر خرجت خَيْبَر وَالْخَمِيس الْجَيْش سمى بِهِ لِأَنَّهُ مقسوم بِخَمْسَة أَقسَام الْمُقدمَة والساقة والميمنة والميسرة وَالْقلب وَمُحَمّد خبر مُبْتَدأ أَي هَذَا مُحَمَّد قَالَ السُّهيْلي وَيُؤْخَذ من هَذَا الحَدِيث التفاؤُلُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما رأى آلَة الْهدم تفاؤل أَن مدينتهم ستخرب انْتهى وَيحْتَمل كَمَا قَالَه فِي فتح الْبَارِي أَن يكون قَالَ خربَتْ خَيْبَر بطرِيق الْوَحْي وَيُؤَيِّدهُ قَوْله بعد ذَلِك إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين وَفِي رِوَايَة أَنه صلى الصُّبْح قَرِيبا من خَيْبَر بِغَلَس ثمَّ قَالَ الله أكبر خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين وَقَالَ مغلطاي وَغَيره وَفرق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الرَّايَات وَلم تكنِ الراياتُ إِلَّا بِخَيْبَر وَإِنَّمَا كَانَت الألوية وَقَالَ الدمياطي وَكَانَت راية النَّبِي السَّوْدَاء من برد لعَائِشَة وَفِي البُخَارِيّ وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب تخلَفَ عَن النَّبِي وَكَانَ رمداً فلحق فَلَمَّا بتنا اللَّيْلَة قَالَ لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا أَو ليأخذن الرَّايَة غَدا رجلا يحبُّ الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يفتح الله عَلَيْهِ فَلَمَّا أصبح النَّاس غدوا على رَسُول الله كلهم يَرْجُو أَن يعطاها فَقَالَ أَيْن عَليّ بن أبي طَالب فَقَالُوا هُوَ يَا رَسُول الله يشتكي عَيْنَيْهِ فَأرْسل إِلَيْهِ فَأتى بِهِ فبصق رَسُول الله فِي عَيْنَيْهِ ودعا لَهُ فبرأ حَتَّى كَأَن لم يكن بِهِ وجع فَأعْطَاهُ الرَّايَة فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 الله أقاتلهم حَتَّى يَكُونُوا مثلنَا فَقَالَ ائتد على رسلك حَتَّى تنزل بِسَاحَتِهِمْ ثمَّ ادعهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخْبرهمْ بِمَا يجب عَلَيْهِم من حق الله فِيهِ فوَاللَّه لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من أَن يكون لَك حمر النعم ... الحَدِيث وَلما أَن تصاف الْقَوْم كَانَ سيف عَامر قَصِيرا فَتَنَاول سَاق يَهُودِيّ ليضربه فَرجع ذُبَاب سَيْفه فَأصَاب عين ركبة عَامر فَمَاتَ مِنْهُ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلمَة قلت يَا رَسُول الله فدَاك أبي وَأمي زَعَمُوا أَن عَامِرًا حبطَ عمله عَلَيْهِ قَالَ كذب من قَالَ وَإِن لَهُ أَجْرَيْنِ وَجمع بَين إصبعيه إِنَّه لجاهد مُجَاهِد رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا وَعَن يزِيد بن أبي عُبَيْدَة قَالَ رَأَيْت ضَرْبَة بساق سَلمَة فَقلت مَا هَذِه الضَّرْبَة قَالَ هَذِه ضَرْبَة أصابنيها يَوْم خَيْبَر فَأتيت النَّبِي فنفث فِيهَا ثَلَاث نفثات فَمَا اشتكيتها حَتَّى السَّاعَة أخرجه البُخَارِيّ وَعِنْده أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة شَهِدنَا خَيْبَر فَقَالَ رَسُول الله لرجل مِمَّن مَعَه يدعِي الْإِسْلَام هَذَا من أهل النَّار فَلَمَّا حضر الْقِتَال قَاتل الرجل أَشد الْقِتَال حَتَّى كثرت فِيهِ الْجراحَة فكاد بعض النَّاس يرتاب فَوجدَ الرجل ألم الْجراحَة فَأَهوى بِيَدِهِ إِلَى كنَانَة فاستخرج مِنْهَا سَهْما فَنحر نَفسه فَاشْتَدَّ رجال من الْمُسلمين فَقَالُوا يَا رَسُول الله صدَّقَ الله حَدِيثك انتحر فلَان فَقتل نَفسه فَقَالَ قُم يَا فلَان فَأذن لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن وَإِن الله يُؤَيّد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر وَفِي رِوَايَة فَقَالَ رَسُول الله عِنْد ذَلِك إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَقَاتل النَّبِي أهل خَيْبَر وقاتلوه أَشد الْقِتَال وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين خَمْسَة عشرَة وَقتل من الْيَهُود ثَلَاثَة وَتسْعُونَ وَفتحهَا الله عَلَيْهِ حصناً حصناً وَهِي النطاة وحصن الصعب وحصن ناعم وحصن قلعة الزبير والشق وحصن أبي وحصن الْبَراء والقموص والوطيح والسلالم وَهُوَ حصن بني الْحقيق الَّذِي كَانَ لَهُم بِهِ كنز فِي مسك الْحمار وَكَانُوا قد غيبوه فِي خربة فَدلَّ الله رَسُوله عَلَيْهِ فاستخرجه وَقلع عَليّ بَاب خَيْبَر وَلم يحركه سَبْعُونَ رجلا إِلَّا بعد جهد وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق سَبْعَة وَأخرجه من طَرِيقه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَعنهُ الْبَيْهَقِيّ من جِهَة لَيْث بن أبي سليم عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن جَابر أَن عليا حمل الْبَاب يَوْم خَيْبَر وَأَنه جرب بعد ذَلِك وَلم يحملهُ أَرْبَعُونَ رجلا وَلَيْث ضَعِيف وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ أَن عليا لما انْتهى إِلَى الْحصن اجتبذ أحد أبوابه فَأَلْقَاهُ فِي الأَرْض فَاجْتمع عَلَيْهِ بعده منا سَبْعُونَ رجلا وَكَانَ جهداً أَن أعادوا الْبَاب مَكَانَهُ قَالَ شَيخنَا وَكلهَا واهية وَلذَا أنكرهُ بعض الْعلمَاء انْتهى وَفِي البُخَارِيّ وَتزَوج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بصفية بنت حُيي بْنِ أَخطب وَكَانَ قد قتل زَوجهَا كنانهْ بن الرّبيع بن أبي الْحقيق وَكَانَت عروساً فَذكر لَهُ جمَالهَا فاصطفاها لنَفسِهِ فَخرج بهَا حَتَّى إِذا بلغت سد الضهباء حلت لَهُ يَعْنِي طهرت من الْحيض فَبنى بهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَصنعَ حَيْسًا فِي نطع صَغِير ثمَّ قَالَ لأنس آذن من حولك فَكَانَت وليمته على صَفِيَّة قَالَ ثمَّ خرجنَا إِلَى الْمَدِينَة فَرَأَيْت النَّبِي يحوي لَهَا وَرَاءه بعباءة ثمَّ يجلس عِنْد بعيره فَيَضَع ركبته وتضع صَفِيَّة رجلهَا على رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تركب وَفِي رِوَايَة فَقَالَ الْمُسلمُونَ إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ أَو مَا ملكَت يَمِينه قَالُوا إِن حجبها فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَإِن لم يحجبها فَهِيَ مَا ملكت يَمِينه فَلَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 ارتحل وطأ لَهَا وَمد الْحجاب وَفِي رِوَايَة أَنه قتل الْمُقَاتلَة وسبى الذُّرِّيَّة وَكَانَ فِي السَّبي صَفِيَّة فَصَارَت إِلَى دحْيَة الْكَلْبِيّ ثمَّ صَارَت إِلَى النَّبِي فَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَفِي رِوَايَة فَأعْتقهَا وَفِي رِوَايَة قَالَ لدحية خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا وَفِي رِوَايَة لمُسلم أَنه اشترَى صَفِيَّة مِنْهُ بسبعة أرؤس وَإِطْلَاق الشِّرَاء على ذَلِك على سَبِيل الْمجَاز وَلَيْسَ فِي قَوْله بسبعة أرؤس مَا يُنَافِي قَوْله فِي رِوَايَة البُخَارِيّ خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا إِذْ لَيْسَ هُنَا دلَالَة على نفي الزِّيَادَة وَالله أعلم وَإِنَّمَا أَخذ صَفِيَّة لِأَنَّهَا بنت ملك من مُلُوكهمْ وَلَيْسَت مِمَّن توهب لدحية لِكَثْرَة من كَانَ من الصَّحَابَة مثل دحْيَة وفوقه وَقلة من كَانَ فِي السَّبي مثل صَفِيَّة فِي نقاستها فَلَو خصّه بهَا لأمكن تغير خاطر بَعضهم فَكَانَ من الْمصلحَة الْعَامَّة ارتجاعها مِنْهُ واختصاصُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بهَا فإنَّ فِي ذَلِك رضَا الجميعِ وَلَيْسَ ذَلِك من الرُّجُوع فِي الْهِبَة فِي شَيْء انْتهى وَقَالَ مغلطاي وَغَيره كَانَت صَفِيَّة قبل رأتْ أَن القمَرَ سقَطَ فِي حجرها فتؤول بذلك قَالَ الْحَاكِم وَكَذَا جرى لجويرية وفيهَا حرم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة كَمَا فِي البُخَارِيّ وَلَفظه فَلَمَّا أَمْسَى النَّاس مسَاء الْيَوْم الَّذِي فتحت عَلَيْهِم يعْنى خَيْبَر أوقدوا نيراناً كَثِيرَة فَقَالَ مَا هَذِه النيرَان على أَي شَيْء توقدون قَالُوا على لحم قَالَ على أَي لحم قَالُوا لحم الْحمر الأنسية فَقَالَ النَّبِي أهريقوها واكسروها فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أَو نهريقها ونغلسها قَالَ أَو ذَاك وَالْمَشْهُور فِي الإنسية كسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الْهمزَة منسوبة إِلَى الْإِنْس وهم بَنو آدم وَحكى ضم الْهمزَة ضد الوحشية وَيجوز فتحهَا وَالنُّون أَيْضا مصدر أنست بِهِ آنس أنسا وأنسة وَفِي رِوَايَة نهى يَوْم خَيْبَر عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَرخّص فِي الْخَيل قَالَ ابْن أبي أوفى فتحدثنا أَنه إِنَّمَا نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا لم تخمس وَقَالَ بَعضهم نهى عَنْهَا أَلْبَتَّة لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل الْعذرَة قَالَ الْعلمَاء وَإِنَّمَا أَمر بإراقتها لِأَنَّهَا نَجِسَة مُحرمَة وَقيل إِنَّمَا نهى عَنْهَا للْحَاجة إِلَيْهَا وَقيل لأخذها قبل الْقِسْمَة وَهَذَانِ التأويلان لِلْقَائِلين بِإِبَاحَة لحومها وَالصَّوَاب مَا قدمنَا وَأما قَوْله اكسروها فَقَالَ رجل أَو نهريقها ونغسلها قَالَ أَو ذَاك فَهَذَا مَحْمُول على أَنه اجْتهد فِي ذَلِك فَرَأى كسرهَا ثمَّ تغير اجْتِهَاده وَأوحى إِلَيْهِ بغسلها وَأما لُحُوم الْخَيل فَاخْتلف الْعلمَاء فِي إباحتها فمذهب الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف أَنه مُبَاح لَا كَرَاهَة فِيهِ وَبِه قَالَ عبد الله بن الزبير وَأنس بن مَالك وَأَسْمَاء بنت أبي بكر وَفِي صَحِيح مُسلم عَنْهَا نحرنا فرسا على عهد رَسُول الله فأكلناه وَنحن بِالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فأكلناه نَحن وَأهل بَيت النَّبِي قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَيُسْتَفَاد من قَوْلهَا وَنحن بِالْمَدِينَةِ أَن ذَلِك بعد فرض الْجِهَاد فَيرد على من اسْتدلَّ فِي منع أكلهَا لعِلَّة أَنَّهَا من آلَة الْجِهَاد وَقَوْلها وَأهل بَيت النَّبِي رد على من زعم أَنه لَيْسَ فِيهِ أَن النَّبِي اطلع على ذَلِك مَعَ أَن ذَلِك لَو لم يرد لم يظنَ بآل أبي بكر أَنهم يقدمُونَ على فعل شَيْء فِي زَمَنه إِلَّا وَعِنْدهم الْعلم بِجَوَازِهِ لشدَّة اختلاطهم بِهِ عَلَيْهِ الصلاهَ وَالسَّلَام وَعدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 مفارقتهم لَهُ وَهَذَا مَعَ توفر دَاعِيَة الصَّحَابَة إِلَى سُؤَاله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الْأَحْكَام وَمن ثمَّ كَانَ الرَّاجِح أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ كُنَّا نَفْعل كَذَا على عهد رَسُول الله كَانَ لَهُ حكم الرّفْع لِأَن الظَّاهِر اطِّلَاعه على ذَلِك وَتَقْرِيره وَإِذا كَانَ ذَلِك فِي مُطلق الصَّحَابِيّ فَكيف بآل أبي بكر وَقَالَ الطَّحَاوِيّ ذهب أَبُو حنيفَة إِلَى كَرَاهَة أكل الْخَيل وَخَالفهُ صَاحِبَاه وَغَيرهمَا وَاحْتَجُّوا بالأخبار المتواترة فِي حلهَا انْتهى وَقد نقل بعض التَّابِعين الْحل عَن الصَّحَابَة مُطلقًا من غير اسْتثِْنَاء أحد فَأخْرج ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ عَن عَطاء قَالَ لم يزلْ سلفك يأكلونها قَالَ ابْن جريج قلت أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالَ نعم وَأما مَا نقل فِي ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس من كراهتها فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق بِسَنَدَيْنِ ضعيفين وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير أكره لُحُوم الْخَيل فَحَمله أَبُو بكر الرَّازِيّ على التَّنْزِيه وَقَالَ لم يُطلق أَبُو حنيفَة فِيهِ التَّحْرِيم وَلَيْسَ هُوَ عِنْده كالحمار الأهلي وَصحح أَصْحَاب الْمُحِيط وَالْهِدَايَة والذخيرة عَنهُ التَّحْرِيم وَهُوَ قَول أَكْثَرهم وَقَالَ القرطبى فِي شرح مُسلم مَذْهَب مَالك الْكَرَاهَة وَقَالَ الفاكهي الْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة الْكَرَاهَة وَالصَّحِيح عِنْد الْمُحَقِّقين مِنْهُم التَّحْرِيم وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بن أبي جَمْرَة الدَّلِيل على الْجَوَاز مُطلقًا وَاضح لَكِن سَبَب كَرَاهَة مَالك لأكلها كَونهَا تسْتَعْمل غَالِبا فِي الْجِهَاد فَلَو انْتَفَت الْكَرَاهَة لكثر اسْتِعْمَالهَا وَلَو كثر لأفضى إِلَى فنائها فيئول إِلَى النَّقْص من إرهاب الْعَدو الَّذِي وَقع الْأَمر بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِن رِبَاطِ آلخَيل تُرهِبُونَ بِه} فعلى هَذَا فالكراهة لسَبَب خَارج وَلَيْسَ الْبَحْث فِيهِ فَإِن الْحَيَوَان الْمُتَّفق على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 إِبَاحَته لَو حدث أَمر يَقْتَضِي أَن لَو ذبح لأفضى إِلَى ارْتِكَاب مَحْذُور لامتنع وَلَا يلْزم من ذَلِك القَوْل بِتَحْرِيمِهِ انْتهى وَأما قَول بعض المانعين لَو كَانَت حَلَالا لجازت الْأُضْحِية بهَا فمنتقض بحيوان الْبر فَإِنَّهُ مَأْكُول وَلم تشرع الْأُضْحِية بِهِ وَأما حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ نهى رَسُول الله عَن لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير فَإِنَّهُ ضَعِيف وَلَو سلم لَا ينْهض مُعَارضا لحَدِيث جَابر الدَّال على الْجَوَاز وَقد وَافقه حَدِيث أَسمَاء وَقد ضعف حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ والخطابى وَابْن عبد الْبر وَعبد الْحق وَآخَرُونَ وَزعم بَعضهم أَن حَدِيث جَابر دَال على التَّحْرِيم لقَوْله رخص لِأَن الرُّخْصَة اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور مَعَ قيام الْمَانِع فَدلَّ على أَنه رخص لَهُم بِسَبَب المخمصة الَّتِي أَصَابَتْهُم بِخَيْبَر فَلَا يدل ذَلِك على الْحل الْمُطلق وَأجِيب بِأَن أَكثر الرِّوَايَات جَاءَ بِلَفْظ الْإِذْن كَمَا رَوَاهُ مُسلم وَفِي رِوَايَة لَهُ أكلنَا زمن خَيْبَر الْخَيل وحمر الْوَحْش ونهانا النَّبِي عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة وَأمر بلحوم الْخَيل فدلَ على أَن المُرَاد بقله رخص أذن ونوقض أَيْضا بِالْإِذْنِ فِي أكل الْخَيل وَلَو كَانَت رخصَة لأجل المخمصة لكَانَتْ الْحمر الْأَهْلِيَّة أولى بذلك لكثرتها وَعزة الْخَيل حِينَئِذٍ فدلَ على أَن الْإِذْن فِي كل الْخَيل إِنَّمَا كَانَ للْإِبَاحَة لَا لخُصُوص الضَّرُورَة وَقد نقل عَن مَالك وَغَيره من الْقَائِلين بِالتَّحْرِيمِ أَنهم احْتَجُّوا للْمَنْع بقوله تَعَالَى {والخيلَ وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} وقرروا ذَلِك بأوجه أَحدهَا أَن اللَّام للتَّعْلِيل فَدلَّ على أَنَّهَا لم تخلق لغير ذَلِك لِأَن الْعلَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 المنصوصة تفِيد الْحصْر فإباحة أكلهَا تَقْتَضِي خلاف ظَاهر الْآيَة ثَانِيهَا عطف البغال وَالْحمير فَدلَّ على اشتراكها مَعَهُمَا فِي حكم التَّحْرِيم فَيحْتَاج من أفرد حكم مَا عطف عَلَيْهَا إِلَى دَلِيل ثَالِثهَا أَن الْآيَة سيقت مساق الامتنان فَلَو كَانَ ينْتَفع بهَا فِي الْأكل لَكَانَ الامتنان بِهِ أعظم والحكيم لَا يمتن بِأَدْنَى النعم وبترك أَعْلَاهَا لَا سِيمَا وَقد وَقع الامتنان بِالْأَكْلِ فِي الْمَذْكُورَات قبلهَا رَابِعهَا لَو أُبِيح أكلهَا لفاتت الْمَنْفَعَة بهَا فِيمَا وَقع بِهِ الامتنان من الرّكُوب والزينة وَأجِيب بِأَن آيَة النَّحْل مَكِّيَّة اتِّفَاقًا وَالْإِذْن فِي أكل الْخَيل كَانَ بعد الْهِجْرَة من مَكَّة بِأَكْثَرَ من سِتّ سِنِين فَلَو فهم النَّبِي من الْآيَة الْمَنْع لما أذن فِي الْأكل وَأَيْضًا فآية النَّحْل لَيست نصا فِي منع الْأكل والْحَدِيث صَرِيح فِي جَوَازه وَأَيْضًا فَلَو سلمنَا أَن اللَّام للتَّعْلِيل لم نسلم إِفَادَة الْحصْر فِي الرّكُوب والزينة فَإِنَّهُ ينْتَفع بِالْخَيْلِ فِي غَيرهَا وَفِي الْأكل اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ذكر الرّكُوب والزينة لِكَوْنِهِمَا أغلب مَا تطلب لَهُ الْخَيل وَنَظِيره حَدِيث الْبَقَرَة الْمَذْكُور فِي الصَّحِيحَيْنِ خاطبت راكبها فَقَالَت لم أخلق لهَذَا وَإِنَّمَا خلقت للحرث فَإِنَّهُ مَعَ كَونه أصرح فِي الْحصْر مَا يقْصد بِهِ إِلَّا الْأَغْلَب وَإِلَّا فَهِيَ تُؤْكَل وَينْتَفع بهَا فِي أَشْيَاء غير الْحَرْث اتِّفَاقًا وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ وَاسْتدلَّ بهَا أَي بِآيَة النَّحْل على حُرْمَة لحومها وَلَا دَلِيل فِيهَا إِذْ لَا يلْزم من تَعْلِيل الْعقل بِمَا يقْصد مِنْهُ غَالِبا إِلَّا يقْصد مِنْهُ غَيره أَيْضا انْتهى وَأَيْضًا فَلَو سلم الِاسْتِدْلَال للَزِمَ منع حمل الأثقال على الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَلَا قَائِل بِهِ وَأما عطف البغال وَالْحمير فدلالة الْعَطف إِنَّمَا هِيَ وضعية وَهِي ضَعِيفَة وَأما أَنَّهَا سيقت مساق الامتنان فالامتنان إِنَّمَا قصد بِهِ غَالب مَا يَقع بِهِ انتفاعهم بِالْخَيْلِ فَخُوطِبُوا بِمَا ألفوا وَعرفُوا وَلم يَكُونُوا يعْرفُونَ أكل الْخَيل لعزتها فِي بِلَادهمْ بِخِلَاف الْأَنْعَام فَإِن أَكثر انتفاعهم بهَا كَانَ بِحمْل الأثقال وَالْأكل فاقتصر فِي كل من إلصنفين على الامتنان بأغلب مَا ينْتَفع بِهِ فَلَو لزم من ذَلِك الْحصْر فِي هَذَا الشق لأضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وَأما قَوْلهم لَو أُبِيح أكلهَا لفاتت الْمَنْفَعَة بهَا. . إِلَى آخِره فَأُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لَو لزم من الْإِذْن فِي أكلهَا أَن تفنى للَزِمَ مثله فِي الْبَقر وَغَيرهَا مِمَّا أُبِيح أكله وَوَقع الامتنان بِهِ وَإِنَّمَا أطلت فِي ذَلِك لأمر اقْتَضَاهُ وَالله أعلم وفيهَا أَيْضا نهى النَّبِي عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وَعَن بيع الْمَغَانِم حَتَّى تقسم وَألا تُوطأ جَارِيَة حَتَّى تستبرأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وفيهَا سمت النَّبِي زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم كَمَا فِي البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَفظه لما فتحت خَيْبَر أهديت لرَسُول الله شَاة فِيهَا سم فَقَالَ رَسُول الله اجْمَعُوا لي من كَانَ هَاهُنَا من الْيَهُود فَجمعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله إِنِّي سَائِلكُمْ عَن شَيْء فَهَل أَنْت صادقوني عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 فَقَالُوا نعم يَا أَبَا الْقَاسِم فَقَالَ لَهُم رَسُول الله من أبوكم قَالُوا أَبونَا فلَان فَقَالَ لَهُم رَسُول الله كَذبْتُمْ بل أبوكم فلَان فَقَالُوا صدقت وبررت قَالَ هَل أَنْتُم صادقوني عَن شَيْء إِن سألتكم فَقَالُوا نعم يَا أَبَا الْقَاسِم وَإِن كذبناك عرفت كذبنَا كَمَا عَرفته فِي أَبينَا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله من أهل النَّار فَقَالُوا نَكُون فِيهَا يَسِيرا ثمَّ تخلفوننا فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله اخْسَئُوا فِيهَا وَالله لَا نخلفكم فِيهَا أبدا ثمَّ قَالَ هَل أَنْتُم صادقوني عَن شَيْء إِن سألتكم عَنهُ فَقَالُوا نعم فَقَالَ هَل جعلتم فِي هَذِه الشَّاة سُماً فَقَالُوا نعم فَقَالَ مَا حملكم على ذَلِك فَقَالُوا أردنَا إِن كنت كذابا أَن نستريح مِنْك وَإِن كنت نَبيا لم يَضرك وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد أبي دَاوُد أَن يهوديةَ من أهل خَيْبَر سمت شَاة مصلية ثمَّ أَهْدَتْهَا إِلَى رَسُول الله فَأَخذهَا رَسُول الله يَأْكُل مِنْهَا وَأكل رَهْط من أَصْحَابه مَعَه فَقَالَ رَسُول الله ارْفَعُوا أَيْدِيكُم وَأرْسل إِلَى الْيَهُودِيَّة فَقَالَ سممت هَذِه الشَّاة فَقَالَت من أخْبرك قَالَ أَخْبَرتنِي هَذِه فِي يَدي لِلذِّرَاعِ قَالَت نعم قلت إِن كَانَ نَبيا فَلم يضرّهُ وَإِن لم يكن نَبيا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَعَفَا عَنْهَا وَلم يُعَاقِبهَا وَتُوفِّي أَصْحَابه الَّذين أكلُوا من الشَّاة وَاحْتَجَمَ رَسُول الله على كَاهِله من أجل الَّذِي أكل من الشَّاة وَفِي رِوَايَة جعلت زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم تسْأَل أَي الشَّاة أحب إِلَى مُحَمَّد فَيَقُولُونَ الذِّرَاع فعمدت إِلَى عنز لَهَا فذبحتها وصلتها ثمَّ عَمَدت إِلَى سم لَا يطني يَعْنِي لَا يلبث أَن يقتل من سَاعَته وَقد شاورت يهود فِي سموم فَاجْتمعُوا لَهَا على هَذَا السم بِعَيْنِه فسمَت الشَّاة وَأَكْثَرت فِي الذراعين والكتف فَوضعت بَين يَدَيْهِ وَمن حضر من أَصْحَابه وَفِيهِمْ بشر بن الْبَراء وَتَنَاول الذِّرَاع وانتهش مِنْهَا وَتَنَاول بشر بن الْبَراء عظما آخر فَلَمَّا ازدرد لقمته ازدرد بشر بن الْبَراء مَا فِي فِيهِ وَأكل الْقَوْم فَقَالَ ارْفَعُوا أَيْدِيكُم فَإِن هَذَا الذِّرَاع تُخبرنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة وَفِيه أَن بشر بن الْبَراء مَاتَ وَفِيه أَنه دَفعهَا إِلَى أَوْلِيَاء بشر بن الْبَراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 فَقَتَلُوهَا رَوَاهُ الدمياطي وَقد اخْتلف هَل عاقبها فَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَمَا عرض لَهَا وَمن طَرِيق أبي نَضرة عَن جَابر نَحوه قَالَ فَلم يُعَاقِبهَا وَفِيه قَول صَاحب الهمزية // (من الْخَفِيف) // (وبخلْقٍ من النَّبِيِّ كريمٍ ... لم تُقَاصَصْ بِجُرْحِهَا العَجْمَاءُ) وَقَالَ الزُّهْرِيّ أسلمت فَتَركهَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ يحْتَمل أنَه تَركهَا أَولا ثمَّ لما مَاتَ بشر بن الْبَراء من الْأكلَة قَتلهَا وَبِذَلِك أجَاب السُّهيْلي وَزَاد أَنه تَركهَا لِأَنَّهُ كَانَ لَا ينْتَقم لنَفسِهِ ثمَّ قَتلهَا ببشر قصاصا وَيحْتَمل أَن يكون تَركهَا لكَونهَا أسلمت وَإِنَّمَا أخر قَتلهَا حَتَّى مَاتَ بشر لِأَن بِمَوْتِهِ يتَحَقَّق وجوب الْقصاص بِشَرْطِهِ وَفِي مغازي سُلَيْمَان التَّيْمِيّ أَنَّهَا قَالَت إِن كنت كَاذِبًا أرحت النَّاس مِنْك وَقد استبان لي الْآن أَنَّك صَادِق وَأَنا أشهدك وَمن حضر أَنِّي على دينك وَأَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قَالَ فَانْصَرف عَنْهَا حِين أسلمت وَفِيه مُوَافقَة الزُّهْرِيّ على إسْلَامهَا فَالله أعلم وفيهَا أَيْضا نَام عَن صَلَاة الْفجْر لما وكل بِهِ بِلَالًا كَمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم أَن رَسُول الله حِين قفل من غَزْوَة خَيْبَر سَار ليله حَتَّى إِذا أدْركهُ الْكرَى عرس وَقَالَ لِبلَال اكلاً لنا اللَّيْل فصلى بِلَال مَا قدر لَهُ ونام وَأَصْحَابه فَلَمَّا قَارب الْفجْر اسْتندَ بِلَال إِلَى رَاحِلَته مواجة الْفجْر فَغلبَتْ بِلَالًا عَيناهُ وَهُوَ مُسْتَند إِلَى رَاحِلَته فَلم يَسْتَيْقِظ وَلَا بِلَال وَلَا أحد من أَصْحَابه حَتَّى ضربتهم الشَّمْس فَكَانَ أَوَّلهمْ استيقاظاً فَقَالَ أَي بِلَال فَقَالَ بِلَال أَخذ بنفسي الَّذِي أَخذ بِنَفْسِك بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله قَالَ اقتادوا فاقتادوا رواحلهم شَيْئا ثمَّ تَوَضَّأ وَأمر بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاة فصلى بهم الْفجْر فَلَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 قضى الصَّلَاة قَالَ من نسي الصَّلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَأًقِمِ الصَّلَاة لذكري} وفيهَا قدم جَعْفَر وَمن مَعَه من الْحَبَشَة وَاخْتلف فِي فتح خَيْبَر هَل كَانَ عنْوَة أَو صلحا وَفِي حَدِيث عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب وَعَن أنس التصريحُ بِأَنَّهُ كَانَ عنْوَة وَبِه جزم ابْن عبد الْبر ورد على من قَالَ فتحت صلحا قَالَ وَإِنَّمَا دخلت الشُّبْهَة على من قَالَ فتحت صلحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 بالحصنين اللَّذين أسلمهما أهلهما لتحقن دِمَاؤُهُمْ وَهُوَ ضرب من الصُّلْح لَكِن لم يَقع ذَلِك إِلَّا بحصار وقتال وفيهَا سَرِيَّة أبي بكر إِلَى بني كلاب فسبى مِنْهُم وَقتل وَبشير بن سعد إِلَى بني مرّة بِفَدَكَ فِي شعْبَان فِي ثَلَاثِينَ فَقتلُوا وَارْتثَّ بشير وأيضَا إِلَى يمن وجبار فِي شَوَّال وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة فَهَرَبُوا وغنم مِنْهُم وَأسر رجلَيْنِ فَأَسْلمَا والأخرم بن أبي العوجاء السّلمِيّ إِلَى بني سليم فِي ذِي الْحجَّة وَمَعَهُ خَمْسُونَ رجلا فأحدق بهم الْكفَّار فَقَتَلُوهُمْ وَخرج ابْن أبي العوجاء وغالب بن عبد الله الليثى إِلَى الْمِيفَعَة نَاحيَة نجد فِي رَمَضَان فَقتل أُسَامَة نهيك بن مرداس بعد قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله وَقيل إِنَّمَا كَانَ ذَلِك سنة ثَمَان استاقوا نعما وَشاء إِلَى الْمَدِينَة وفيهَا عمْرَة الْقَضِيَّة وَيُقَال الْقَضَاء وَالْقصاص هِلَال ذِي الْحجَّة وَمَعَهُ أَلفَانِ وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَبنى بميمونة بسرف قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَتسَمى عمْرَة الْقَضَاء لِأَنَّهُ قاضى فِيهَا قُريْشًا لَا لِأَنَّهَا قَضَاء عَن الْعمرَة الَّتِي صد عَنْهَا لِأَنَّهَا لم تكن فَسدتْ حَتَّى يجب قَضَاؤُهَا بل كَانَت عمْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 تَامَّة وَلِهَذَا عدوا عمر النَّبِي كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ آخَرُونَ بل كَانَت قَضَاء عَن الْعمرَة الأولى وعدوا عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فِي الْعُمر لثُبُوت الْأجر فِيهَا لَا لِأَنَّهُمَا كملت وَهَذَا الْخلاف مَبْنِيّ على الِاخْتِلَاف فِي وجوب الْقَضَاء على من اعْتَمر فصد عَن الْبَيْت فَقَالَ الْجُمْهُور يجب عَلَيْهِ الْهَدْي وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَعَن أبي حنيفَة عَكسه وَعَن أَحْمد رِوَايَة أَنه لَا يلْزمه هدي وَلَا قَضَاء وَأُخْرَى يلْزمه الْقَضَاء وَالْهَدْي فحجة الْجُمْهُور قَوْله تَعَالَى {فَإنْ أحصرتُم فَمَا أستَيسَرَ مِنَ الهديَ} الْبَقَرَة 196 وَحجَّة أبي حنيفَة أَن الْعمرَة تلْزم بِالشُّرُوعِ فَإِذا حصر صَار لَهُ تَأْخِيرهَا فَإِذا زَالَ الْحصْر أَتَى بهَا وَلَا يلْزم من التَّحَلُّل بَين الإحرامين سُقُوط الْقَضَاء وَحجَّة من أوجبهَا مَا وَقع للصحابة فَإِنَّهُم نحرُوا الْهَدْي حَيْثُ صدوا فاعتمروا من قَابل وَسَاقُوا الْهَدْي وَحجَّة من لم يُوجِبهَا أَن تحللهم بالحصر لم يتَوَقَّف على نحر الْهَدْي بل أَمر من مَعَه هدي أَن ينحره وَمن لَيْسَ مَعَه هدي أَن يحلوا انْتهى قَالَ الْحَاكِم فِي الإكليل تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار أَنه لما أهل ذُو الْقعدَة يَعْنِي سنة سبع أَمر أَصْحَابه أَن يعتمروا قَضَاء لعمرتهم الَّتِي صدهم الْمُشْركُونَ عَنْهَا بِالْحُدَيْبِية وَألا يتَخَلَّف أحد مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة فَلم يتَخَلَّف مِنْهُم إِلَّا رجال اسْتشْهدُوا بِخَيْبَر وَرِجَال مَاتُوا وَخرج مَعَه من الْمُسلمين أَلفَانِ واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا رهم الْغِفَارِيّ وسَاق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سِتِّينَ بَدَنَة وَحمل السِّلَاح وَالْبيض والدروع والرماح وقاد مائَة فرس فَلَمَّا انْتهى إِلَى ذِي الحليفة قدم الْخَيل أَمَامه عَلَيْهَا مُحَمَّد ابْن مسلمة وَقدم السِّلَاح وَاسْتعْمل عَلَيْهِ بشر بعد وَأحرم ولبى والمسلمون يلبون مَعَه وَمضى مُحَمَّد بن مسلمة فِي الْخَيل إِلَى مر الظهْرَان فَوجدَ بهَا نَفرا من قُرَيْش فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا هَذَا رَسُول الله يصبحُ هَذَا الْمنزل غَدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَأتوا قُريْشًا فَأَخْبرُوهُمْ ففزعوا وَنزل رَسُول الله بمر الظهْرَان وَقدم السِّلَاح إِلَى بطن يأجج كيسمع وينصر وَيضْرب مَوضِع بِمَكَّة حَيْثُ ينظر إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 أنصاب الْحرم وَخلف عَلَيْهِ أَوْس بن خولى الْأنْصَارِيّ فِي مِائَتي رجل وَخرجت قُرَيْش من مَكَّة إِلَى رُءُوس الْجبَال وَقدم رَسُول الله الْهَدْي أَمَامه فحبس بِذِي طوى وَخرج على رَاحِلَته القصوى والمسلمون متوشحون السيوف محدقون برَسُول الله يلبون فَدخل من الثَّنية الَّتِي تطلعه على الْحجُون وَابْن رَوَاحَة آخذ بزمام رَاحِلَته وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس أَنه دخل مَكَّة فِي عمْرَة الْقَضَاء وَابْن رَوَاحَة يمشي بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) // (خَلُّوا بَنِي الكُفَّار عَنْ سَبِيلِهِ ... ) (أليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... ) (ضَرْبًأ يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... ) (ويُذْهِلُ الخَليِلَ عَنْ خَلِيلِهِ ... ) فَقَالَ لَهُ عمر يَا بن رَوَاحَة بَين يَدي رَسُول الله وَفِي حرم الله تَقول شعرًا فَقَالَ خَلِّ عَنهُ يَا عمر فلهى أسْرع فيهم من نضح النبل وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث أنس أَيْضا من وَجْهَيْن بِلَفْظ // (من الرجز) // (خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ) ... (قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ ... ) (بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ ... ) (نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... ) (ضَربًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... ) (ويُذْهِلُ الخَلِيلَ عنْ خَلِيلِهِ ... ) (يَا رب إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... ) وَعند ابْن عقبَة فِي الْمَغَازِي بعد قَوْله (قَدْ أنزَلَ الرَّحْمنُ فِي تَنْزِيلِه ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 (فِي صُحُفِ تُتْلَى عَلَى رَسُولِهِ ... ) وَزَاد ابْن إِسْحَاق بعد قَوْله // (من الرجز) // (يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... ) (إِنِّي رَأَيْتُ الحَقَّ فِي قَبُولِهِ ... ) وَقَالَ ابْن هِشَام إِن قَوْله نَحن ضربناكم على تَنْزِيله إِلَى آخر الشّعْر من قَول عمار بن يَاسر قَالَه يَوْم حنين قَالُوا وَلم يزل رَسُول الله يُلَبِّي حَتَّى اسْتَلم الرُّكْن بِمِحْجَنِهِ مضطبعاً بِثَوْبِهِ وَطَاف على رَاحِلَته والمسلمون يطوفون مَعَه وَقد اضطبعوا بثيابهم وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْمُشْركُونَ إِنَّه يقدم عَلَيْكُم وَفد قد وهنتهم حمى يثرب فَأَمرهمْ أَن يرملوا الأشواط الثَّلَاثَة وَأَن يمشوا بَين الرُّكْنَيْنِ وَلم يمنعهُ أَن يرملوا الأشواط كلهَا إِلَّا الْإِبْقَاء عَلَيْهِم وَفِي رِوَايَة قَالَ ارملوا ليرى الْمُشْركُونَ قوتكم وَالْمُشْرِكُونَ من قبل قعيقعان وَمعنى قَوْله الْإِبْقَاء عَلَيْهِم أَي لم يمنعهُ من أَمرهم بالرمل فِي جَمِيع الْأَوْقَات إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 الرِّفْق بهم والإشفاق عَلَيْهِم ثمَّ طَاف رَسُول الله بَين الصَّفَا والمروة على رَاحِلَته فَلَمَّا كَانَ الطّواف السَّابِع عِنْد فَرَاغه وَقد وقف الْهَدْي عِنْد الْمَرْوَة قَالَ هَذَا المنحر وكل فجاج مَكَّة منحر فَنحر عِنْد الْمَرْوَة وَحلق هُنَاكَ وَكَذَلِكَ فعل الْمُسلمُونَ وَأمر رَسُول الله نَاسا مِنْهُم إِلَى أَصْحَابهم بِبَطن يأجج فيقيموا على السِّلَاح وَيَأْتِي الْآخرُونَ فيقضوا نسكهم فَفَعَلُوا فَأَقَامَ رَسُول الله بِمَكَّة ثَلَاثًا وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث الْبَراء فَلَمَّا دَخلهَا يعْنى مَكَّة وَمضى الْأَجَل أَتَوا عليا وَقَالُوا قل لصاحبك يخرج عَنَّا فقد مضى الْأَجَل فَخرج النَّبِي فتبعته ابْنة حَمْزَة تنادي يَا عَم يَا عَم فَتَنَاولهَا عَليّ فَأخذ بِيَدِهَا وَقَالَ لفاطمة دُونك بنت عمك فحملتها فختصم فِيهَا على زيد وجعفر قَالَ عَليّ أَنا أَخَذتهَا وَهِي ابْنة عمي وَقَالَ جَعْفَر ابْنة عمي وخالتها تحتي وَقَالَ زيد بنت أخي فَقضى بهَا النَّبِي لخالتها وَقَالَ الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم الحَدِيث وَإِنَّمَا أقرهم النَّبِي على أَخذهَا مَعَ اشْتِرَاط الْمُشْركين إِلَّا يخرج بِأحد من أَهلهَا أَرَادَ الْخُرُوج لأَنهم لم يطلبوها وَقَوله الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم أَي فِي هَذَا الحكم الْخَاص لِأَنَّهَا تقرب مِنْهَا فِي الحنية والشفقة والاهتداء إِلَى مَا يصلح الْوَلَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْخَالَة فِي الْحَضَانَة مُقَدّمَة على الْعمة لِأَن صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب كَانَت مَوْجُودَة حِينَئِذٍ وَإِذا قدمت على الْعمة مَعَ كَونهَا أقرب من الْعَصَبَات من النِّسَاء فَهِيَ مُقَدّمَة على غَيرهَا وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَقْدِيم أقَارِب الْأُم على أقَارِب الْأَب انْتهى قَالَ ابْن عَبَّاس وَتزَوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم وَبنى بهَا وَهُوَ حَلَال وَقد استدرك ذَلِك على ابْن عَبَّاس وعُدَ من وهمه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَهِلَ ابْن عَبَّاس وَإِن كَانَت خَالَته مَا تزوَجها إِلَّا بعد مَا حل ذكره البُخَارِيّ وَهِلَ بِكَسْر الْهَاء أَي غلط وَقَالَ يزِيد بن الْأَصَم عَن مَيْمُونَة تزَوجنِي رَسُول الله وَنحن حلالان بسرف رَوَاهُ مُسلم وسيأتى فِي الخصائص أَن لَهُ النكاحَ فِي حالِ الْإِحْرَام على أصح الْوَجْهَيْنِ عِنْد الشَّافِعِيَّة وَفِي هَذِه السّنة قدم حَاطِب من عِنْد الْمُقَوْقس ملك مصر جريج بن مينا وَمَعَهُ الْهَدَايَا وفيهَا رد رَسُول الله ابْنَته زَيْنَب على زَوجهَا أبي الْعَاصِ بن الرّبيع وَأخرج عمَارَة أَو فَاطِمَة أَو غير ذَلِك على الْخلاف فِي اسْمهَا بنت حَمْزَة من عِنْد الْمُشْركين أَو على بِإِذْنِهِ فاختصم فِيهَا زيد وجعفر وَعلي فِي الحَدِيث الْمَشْهُور وَأرْسل الرُّسُل إِلَى الْمُلُوك أول الْمحرم وَقيل آخر سنة سِتّ عبد الله ابْن حذافة السَّهْمِي إِلَى كسْرَى فمزق كِتَابه فَدَعَا عَلَيْهِ بتمزيق ملكه فملكهم لَا يزَال ممزقاً وَعَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى ملكَي عُمَان عبد وجيفر ابْني الجلندي فَأَسْلمَا وسليط بن عَمْرو إِلَى هَوْذَة بن عَليّ بِالْيَمَامَةِ وشجاع بن وهب إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء والْعَلَاء الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى بِالْبَحْرَيْنِ فأسِلم وَأَبا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمعَاذًا إِلَى الْيمن وعمراً الضمرِي إِلَى مُسَيْلمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَعَيَّاش بن الربيعة إِلَى الْحَارِث ومسروح ونعيم بن عبد كلال ودحية الْكَلْبِيّ بكتابه إِلَى هِرقل ليدفعه إِلَى عَظِيم بصرى ليدفعه إِلَى هِرقل وَحَدِيثه الصَّحِيح مَشْهُور إِلَى جمَاعَة كَثِيرَة وفيهَا لبس الْخَاتم أَو فِي آخر السَّادِسَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 (حوادث السّنة الثَّامِنَة) فِيهَا غَزْوَة مُؤْتَةَ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بِغَيْر همز لأكْثر الروَاة وَبِه جزم الْمبرد وَجزم ثَعْلَب والجوهري وَابْن فَارس بِالْهَمْز وَحكى غَيرهم الْوَجْهَيْنِ وَهِي من عمل البلقاء بِالشَّام فِي جُمَادَى الأولى وَهِي سَرِيَّة أَمر فِيهَا زيد بن حَارِثَة على ثَلَاثَة آلَاف رجل وَقَالَ إِن قتل فجعفر فَإِن قتل فعبد الله بن رَواحة فَإِن قتل فليرتض الْمُسلمُونَ بِرَجُل مِنْهُم فَقتلُوا كَذَلِك فَأخذ الرَّايَة ثَابت بن أقرم الْعجْلَاني إِلَى أَن اصْطَلحُوا على خَالِد فَفتح الله بِهِ وَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأخذ غنيمَة كَثِيرَة وَذَلِكَ أَن رَسُول الله كَانَ أرسل الْحَارِث بن عُمَيْر الْأَزْدِيّ بِكِتَاب إِلَى ملك بصرى فَلَمَّا نزل مُؤْتَة عرض لَهُ شُرَحْبِيل الغساني فَقتله وَلم يقتل لرَسُول الله رَسُول غَيره فَأمر رَسُول الله زيد بن حَارِثَة على ثَلَاثَة آلَاف وَقَالَ إِن قتل. . إِلَى آخر مَا تقدم وَفِي حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح إِن قتل زيد فأميركم جَعْفَر ... الحَدِيث قَالُوا وَعقد لَهُم لِوَاء أَبيض وَدفعه إِلَى زيد بن حَارِثَة وأوصاهم أَن يَأْتُوا مقتل الْحَارِث بن عُمَيْر وَأَن يدعوا من هُنَاكَ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أجابوا وَإِلَّا استعانوا عَلَيْهِم بِاللَّه وقاتلوهم وَخرج مشيعاً لَهُم حَتَّى بلغ ثنية الْوَدَاع فَوقف فودعهم فَلَمَّا سَارُوا نَادَى والمسلمون دفع الله عَنْكُم وردكم سَالِمين غَانِمِينَ فَقَالَ ابْن رَوَاحَة // (من الْبَسِيط) // (لَكنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا) فَلَمَّا فصلوا من الْمَدِينَة سمع الْعَدو بمسيرهم فَجمعُوا لَهُم وَقَامَ فيهم شُرَحْبِيل ابْن عَمْرو فَجمع أَكثر من مائَة ألف وَقدم الطَّلَائِع أَمَامه وَقد نزل الْمُسلمُونَ مَعَان بِفَتْح الْمِيم مَوضِع من أَرض الشَّام وَبلغ النَّاس كَثْرَة الْعَدو وتجمعهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وَأَن هِرقل نزل بِأَرْض البلقاء فِي مائَة ألف من الْمُشْركين فأقاموا لَيْلَتَيْنِ لينظروا فِي أَمرهم وَقَالُوا نكتب إِلَى رَسُول الله فنخبره الْخَبَر فشجعهم عبد الله بن رَوَاحَة على الْمُضِيّ فَمَضَوْا إِلَى مُؤْتَة ووافاهم الْمُشْركُونَ فجَاء مِنْهُم مَا لَا قِبَلَ لأحد بِهِ من الْعدَد وَالسِّلَاح والكراع والديباج وَالْحَرِير وَالذَّهَب والتقى الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فقاتل الْأُمَرَاء يَوْمئِذٍ على أَرجُلهم فَأخذ اللِّوَاء زيد بن حَارِثَة فقاتل وَقَاتل الْمُسلمُونَ مَعَه على صفوفهم حَتَّى قتل طَعنا بِالرِّمَاحِ ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر بن أبي طَالب فَنزل عَن فرس لَهُ شقراء وَقَاتل حَتَّى قتل ضربه رجل من الرّوم فَقَطعه نِصْفَيْنِ فَوجدَ فِي أحد نصفيه بضعَة وَثَمَانُونَ جرحا وَفِيمَا أقبل من بدنه اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ ضَرْبَة بِسيف وطعنة بِرُمْح قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَوجدنَا فِي جسده بضعاً وَتِسْعين من طعنة ورمية وَفِي رِوَايَة أَن ابْن عمر وَقَفَ على جَعْفَر يَوْمئِذٍ وَهُوَ قَتِيل قَالَ فعددت بِهِ خمسين بَين طعنة وضربة لَيْسَ فِيهَا شَيْء فِي دبره وَذكر ابْن إِسْحَاق بِإِسْنَاد حسن وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد من طَرِيقه عَن رجل من مرّة قَالَ وَالله لكَأَنِّي أنظر إِلَى جَعْفَر بن أبي طَالب حِين اقتحم عَن فرس لَهُ شقراء فعقرها ثمَّ تقدَم فقاتل حَتَّى قتل قَالُوا ثمَّ أَخذ اللِّوَاء عبد الله بن رَوَاحَة فقاتل حَتَّى قتل فَأخذ اللِّوَاء ابْن أقرم الْعجْلَاني إِلَى أَن اصْطلحَ النَّاس على خَالِد بن الْوَلِيد فَأخذ اللِّوَاء وانكشف النَّاس فَكَانَت الْهَزِيمَة فَتَبِعهُمْ الْمُشْركُونَ فَقتل من قتل من الْمُسلمين وَقَالَ الْحَاكِم قَاتلهم خَالِد بن الْوَلِيد فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأصَاب غنيمَة وَقَالَ ابْن سعد إِنَّمَا انهزم بِالْمُسْلِمين وَقَالَ ابْن إِسْحَاق انْحَازَتْ كل طَائِفَة من غير هزيمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وَرفعت الأَرْض لرَسُول الله حَتَّى نظر إِلَى معترك الْقَوْم وَعَن عبد الله بن الزبير قَالَ حَدثنِي أبي الَّذِي أرضعني وَكَانَ أحد بني مرّة قَالَ شهِدت مُؤْتَة مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه فَرَأَيْت جعفراً حِين التحم الْقِتَال اقتحم عَن فرس لَهُ شقراء ثمَّ عقرهَا وَقَاتل الْقَوْم حَتَّى قتل خرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَقطعت فِي تِلْكَ الْوَقْعَة يَدَاهُ جَمِيعًا ثمَّ قتل فَقَالَ رَسُول الله إِن الله أبدله بيدَيْهِ جناحين يطير بهما فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ خرجه أَبُو عَمْرو وَفِي البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لما جَاءَ قتل ابْن رَوَاحَة وَابْن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب جلس رَسُول الله يعرف مِنْهُ الْحزن الحَدِيث وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ قَالَ رَسُول الله هَنِيئًا لَك أَبوك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ الْمَلَائِكَة أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم // (وَفِي إِسْنَاده ضعف) // لَكِن لَهُ شَاهد من حَدِيث عَليّ عِنْد ابْن سعد وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَيْضا عَن النَّبِي قَالَ مرّ بِي جَعْفَر اللَّيْلَة فِي ملاً من الْمَلَائِكَة وَهُوَ مخضب الجناحين بِالدَّمِ أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ على شَرطه وَأخرج أَيْضا هُوَ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا دخلت البارحة الْجنَّة فَرَأَيْت فِيهَا جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ الْمَلَائِكَة وَفِي طَرِيق أُخْرَى عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 أَن جعفراً يطير مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل لَهُ جَنَاحَانِ عوضه الله من يَدَيْهِ وَإسْنَاد هَذَا جيد فقد عوّضه الله عَن قطع يَدَيْهِ فِي هَذِه الْوَقْعَة حَيْثُ أَخذ اللِّوَاء بِيَمِينِهِ فَقطعت ثمَّ أَخذه بِشمَالِهِ فَقطعت ثمَّ احتضنه فَقتل قَالَ السُّهيْلي لَهُ جَنَاحَانِ لَيْسَ كَمَا يسْبق إِلَى الْفَهم كجناحي الطير وريشه لِأَن الصُّورَة الْآدَمِيَّة أشرف الصُّور كلهَا فَالْمُرَاد بالجناحين صفة ملكية وَقُوَّة روحانية وَقَالَ الْعلمَاء فِي أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة إِنَّهَا صِفَات ملكية لَا تفهم إِلَّا بالمعاينة فقد ثَبت أَن لجبريل سِتّمائَة جنَاح وَلَا يعْهَد للطير ثَلَاثَة أَجْنِحَة فضلا عَن أَكثر من ذَلِك وَإِذا لم يثبت خبر فِي بَيَان كيفيتها فنؤمنُ بهَا من غير بحث عَن حَقِيقَتهَا قَالَ حَافظ ابْن حجر وَهَذَا الَّذِي جزم بِهِ فِي مقَام الْمَنْع وَالَّذِي حَكَاهُ عَن الْعلمَاء لَيْسَ صَرِيحًا فِي الدّلَالَة على مَا ادَّعَاهُ وَلَا مَانع من الْحمل على الظَّاهِر إِلَّا من جِهَة مَا ذكره من الْمَعْهُود وَهُوَ قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وَهُوَ ضعيفٌ وَكَون الصُّور البشرية أشرف الصُّور لَا يمنعُ من حَمْلِ الْخَبَر على ظَاهره لِأَن الصُّور بَاقِيَة وَقد روى الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من مُرْسل عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن جناحي جَعْفَر من ياقوت وَجَاء فِي جناحي جِبْرِيل أَنَّهُمَا من لُؤْلُؤ أخرجه ابْن مَنْدَه فِي تَرْجَمَة ورقة وَذكر مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي أَن يعلى بن أُميَّة قدم بِخَبَر أهل مُؤْتَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله إِن شئتَ فَأَخْبرنِي وَإِن شئتَ فأخبرتك قَالَ أَخْبرنِي فَأخْبرهُ خبرهم فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا تركتَ من حَدِيثهمْ حرفا لم تذكره وَعند الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الْيُسْر الْأنْصَارِيّ أَن أَبَا عَامر الْأَشْعَرِيّ هُوَ الَّذِي أخبر النَّبِي بمصابهم وفيهَا فتح مَكَّة فِي رَمَضَان لنقض قُرَيْش الْعَهْد فَخرج وَمَعَهُ عشرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 آلَاف يَوْم الْأَرْبَعَاء بعد الْعَصْر لعشر مضين من رَمَضَان فَفَتحهَا صلحا أَو عنْوَة على الْخلاف وَخرج سادس شَوَّال إِلَى حنين فَهَزَمَهُمْ وَقتل من الْمُشْركين أَكثر من سبعين وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين أَرْبَعَة ونادى مناديه من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَأخذ مِنْهَا غَنَائِم فَقَسمهَا بالجعرانة وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي زَاد الْمعَاد الْفَتْح الْأَعْظَم الْمُبين الَّذِي أعز الله بِهِ دينه وَرَسُوله وجنده وَحرمه الْأمين واستنقذ بِهِ بَلَده وبيته الَّذِي جعله هدى للْعَالمين من أَيدي الْكفَّار وَالْمُشْرِكين وَهُوَ الْفَتْح الَّذِي استبشر بِهِ أهل السَّمَاء وَضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء وَدخل النَّاس بِهِ فِي دين الله أَفْوَاجًا وأشرَقَ بِهِ وَجه الأَرْض ضِيَاء وابتهاجا خرج لَهُ بكتائب الْإِسْلَام وجنود الرَّحْمَن لنقض قُرَيْش الْعَهْد الَّذِي وَقع بِالْحُدَيْبِية لِأَنَّهُ كَانَ قد وَقع الشَّرْط أَن من أحب أَن يدْخل فِي عقد رَسُول الله وَعَهده فعل وَمن أحب أَن يدْخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ فعل فَدخلت بَنو بكر فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ وَدخلت خُزَاعَة فِي عقد رَسُول الله وَعَهده وَكَانَ بَين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى فِي الْجَاهِلِيَّة فتشاغلوا عَن ذَلِك لما ظهر الْإِسْلَام فَلَمَّا كَانَت الْهُدْنَة خرج نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلِي من بني بكر فِي بني الديل حَتَّى بيَّتَ خُزَاعَة وهم على مَاء لَهُم يُقَال لَهُ الْوَتِير فَأصَاب مِنْهُم رجلا يُقَال لَهُ مُنَبّه واستيقظت لَهُم خُزَاعَة فَاقْتَتلُوا إِلَى أَن دخلُوا الْحرم وَلم يتْركُوا الْقِتَال وأمدت قُرَيْش بني بكر بِالسِّلَاحِ وَقَاتل بَعضهم مَعَهم لَيْلًا فِي خُفْيَة وَخرج عَامر الْخُزَاعِيّ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا من خُزَاعَة فقدموا على رَسُول الله يخبرونه بِالَّذِي أَصَابَهُم ويستنصرونه فَقَامَ وَهُوَ يجر رِدَاءَهُ وَيَقُول لَا نصرت إِن لم أَنْصُركُمْ بِمَا أنْصر بِهِ نَفسِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وَفِي المعجم الصَّغِير للطبراني من حَدِيث مَيْمُونَة أَنَّهَا سمعته يَقُول فِي متوضئه لَيْلًا لبيْك لبيْك ثَلَاثًا نصرت نصرت ثَلَاثًا فَقَالَت كَأَنَّك تكلم إنْسَانا فَهَل كَانَ مَعَك أحد فَقَالَ هَذَا راجز بني كَعْب يستصرخني وَيَزْعُم أَن قُريْشًا أعانَتْ عَلَيْهِم بني بكر ثمَّ خرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأمر عَائِشَة أَن تجهزه وَلَا تُعْلِم أحدا قَالَت فَدخل عَلَيْهَا أَبُو بكر فَقَالَ يَا بنية مَا هَذَا الجهاز فَقَالَت مَا أَدْرِي فَقَالَ وَالله مَا هَذَا زمَان غَزْو بني الْأَصْفَر فَأَيْنَ يُرِيد رَسُول الله قَالَت وَالله لَا علم لي قَالَت فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا ثمَّ صلى الصُّبْح بِالنَّاسِ فَسمِعت الراجز ينشد // (من الرجز) // (يَا رّبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... ) (حِلْفَ أَبِينَا وَأبِيهِ الأَتْلَدَا ... ) (إِنَّا وَلَدْنَاكَ فَكُنْتَ الوَلَدَا ... ) (ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِع يَدَا ... ) (إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا ... ) (وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤّكَّدَا ... ) (وزعَمُوا أنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا ... ) (فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نصْرًا أَيّدَا ... ) (وادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا ... ) (فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... ) (أَبْيَضَ كَالْبَدْرِ تَنَمَّى صُعُدَا ... ) (إِن سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا ... ) قَالَ فِي الْقَامُوس وَتَربد بالراء تغير انْتهى وَزَاد ابْن إِسْحَاق (هُمْ بَيَّتُونَا بالْوَتيرِ هُجَّدَا ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 (وقَتَّلُونَا رُكَّعًأ وَسُجَّدا ... ) (وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدَا ... ) (وَهمْ أذَلُ وَأقَل عَدَدَا) فَقَالَ لَهُ رَسُول الله نصرت يَا عَمْرو بن سَالم فَكَانَ ذَلِك مَا هاج فتح مَكَّة وَقد ذكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بعض الأبيات وَقدم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب على رَسُول الله الْمَدِينَة يسْأَله أَن يجدد الْعَهْد وَيزِيد فِي الْمدَّة فَدخل على ابْنَته رَملَة زوج النَّبِي فَذهب ليجلس على فرَاش رَسُول الله فَقَالَت مَكَانك فطوته عَنهُ وَقَالَت إِنَّك رِجْس فَقَالَ لَهَا لقد أَصَابَك بعدِي شَر يَا بنية فَلَمَّا أَتَى رَسُول الله سَأَلَهُ فِيمَا جَاءَ لصدده فَأبى عَلَيْهِ وَلم يجبهُ فَكلم أَبَا بكر ثمَّ عمر ثمَّ عليا فَلم يجبهُ أحد مِنْهُم فَدخل بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله فَقَالَ لَهَا يَا بنة مُحَمَّد إِنِّي دَاخل على ابْنك الْحسن أَن يجير بَين النَّاس فَقَالَت مَا بلغ ابْني أَن يجير بَين النَّاس فَقَالَ لعَلي إِنَّك أمسُ الْقَوْم بِي رحما فَمَا تُشِير بِهِ عَليّ فَقَالَ لَهُ عَليّ إِنَّك سيد كنَانَة وَمَا أرى لَك إِلَّا أَن تقوم فتجير بَين النَّاس وَمَا أرَاهُ مجديَاً شَيْئا فغدا على النَّاس فِي الْمَسْجِد فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أجرت بَين النَّاس ثمَّ ركب نَاقَته فَعَاد إِلَى مَكَّة فَقَالُوا مَاذَا صنعت فَأخْبرهُم بِمَا كَانَ فَقَالُوا أفأجاز ذَلِك مُحَمَّد وَأَبُو بكر وَعمر فَقَالَ لَا فَقَالُوا مَا زِدْت على أَن لعب بك ابْن أبي طَالب وتجهزَ رسولُ الله من غير إِعْلَام أحد بذلك فَكتب حَاطِب كتابا وأرسله إِلَى مَكَّة يخبر بذلك فَأطلع الله نبيه على ذَلِك فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَلي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر والمقداد انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ مِنْهَا قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَة فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا أَخْرِجِي الْكتاب قَالَت مَا معي كتاب فَقُلْنَا لتخْرجن الْكتاب أَو لنلقين الثِّيَاب قَالَ فَأَخْرَجته من عقاصها فأتينا بِهِ رَسُول الله فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى نَاس من الْمُشْركين بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر رَسُول الله فَقَالَ يَا حَاطِب مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُول الله لَا تعجَل عَليّ إِنِّي كنت امْرأ مُلْصقًا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 قُرَيْش يَقُول كنت حليفاً وَلم أكن من أَنْفسهَا وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم قَرَابَات يحْمُونَ أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أَتَّخِذ عِنْدهم يدا يحْمُونَ قَرَابَتي وَلم أَفعلهُ ارْتِدَادًا عَن ديني وَلَا رِضاً بالْكفْر بعد الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله أما إِنَّه قد صدقكُم فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ إِنَّه قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على من شهد بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أيُها الذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدوي وَعَدُوكُم أوَلياءَ تُلقُون إلَيهِم بِالمَوَدةِ} إِلَى قَوْله {فقد ضل سَوَاء السَّبِيل} قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَإِنَّمَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق مَعَ تَصْدِيق رَسُول الله لحاطب فِيمَا اعتذر بِهِ لما كَانَ عِنْد عمر من الْقُوَّة فِي الدّين وبغض الْمُنَافِقين فَظن أَن من خَالف مَا أَمر بِهِ النَّبِي اسْتحق القتلَ لكنه لم يجْزم بذلك فَلذَلِك اسْتَأْذن فِي قَتله وَأطلق عَلَيْهِ منافقَاً لكَونه أبطن خلاف مَا أظهر وَعذر حَاطِب مَا ذكره فَإِنَّهُ صنع ذَلِك متأولاً أَن لَا ضَرَر فِيهِ وَعند الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْحَارِث عَن على فِي هَذِه الْقِصَّة فَقَالَ أَلَيْسَ قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فأرشد إِلَى عِلّة ترك قَتله وَعند الطَّبَرِيّ أَيْضا عَن عُرْوَة فَإِنِّي غَافِر لكم وَهَذَا يدل على أَن المُرَاد بقوله غفرت أَغفر على طَرِيق التَّعْبِير عَن الْآتِي بالواقع مُبَالغَة فِي تحَققه قَالَ وَالَّذِي يظْهر أَن هَذَا الْخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أَن هَؤُلَاءِ حصلت لَهُم حَالَة غفرت بهَا ذنوبهم السالفة وتأهلوا أَن يغْفر لَهُم مَا يسْتَأْنف من الذُّنُوب اللاحقة وَقد أظهر الله صدق رَسُوله فِي كل مَا أخبر عَنهُ بِشَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُم لم يزَالُوا على أَعمال أهل الْجنَّة إِلَى أَن فارقوا الدُّنْيَا وَلَو قدر صُدُور شَيْء من أحدهم لبادر إِلَى التَّوْبَة ولازم الطَّرِيقَة المثلى يعلم ذَلِك من أَحْوَالهم بِالْقطعِ من اطلع على سيرهم قَالَه الْقُرْطُبِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وَذكر بعض أهل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي تَفْسِير يحيى بن سَلام أَن لفظ الْكتاب الَّذِي كتبه حَاطِب أما بعد يَا معشر قُرَيْش فَإِن رَسُول الله جَاءَكُم بِجَيْش كالليل يسير كالسيل فوَاللَّه لَو جَاءَكُم وَحده لنصره الله وأنجز لَهُ فانظروا لأنفسكم كَذَا حَكَاهُ السُّهيْلي وروى الْوَاقِدِيّ بِسَنَد مُرْسل أَن حاطبَاً كتب إِلَى سُهَيْل بن عَمْرو وَصَفوَان بن أُميَّة وَعِكْرِمَة أَن رَسُول الله أذنَ فِي النَّاس بالغزو لَا أرَاهُ يُرِيد غَيْركُمْ فَأَحْبَبْت أَن تكون لي عنْدكُمْ يَد انْتهى وَبعث رَسُول الله إِلَى من حوله من الْعَرَب فجلبهم أسلم وغفار وَمُزَيْنَة وجهينة وَأَشْجَع وسليم فَمنهمْ من وافاه بِالْمَدِينَةِ وَمِنْهُم من لحقه بِالطَّرِيقِ فَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي غَزْوَة الْفَتْح عشرَة آلَاف وَفِي الإكليل وَشرف الْمُصْطَفى اثْنَا عشر ألفا وَيجمع بَينهمَا بِأَن الْعشْرَة آلَاف خرج بهَا من نفس الْمَدِينَة ثمَّ تلاحق بِهِ الألفان واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وَقيل أَبَا رهم الْغِفَارِيّ وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر خلون من رَمَضَان بعد الْعَصْر فِي ثَمَان من الْهِجْرَة قَالَه الْوَاقِدِيّ وَعند أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي سعيد قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله عَام الْفَتْح لليلتين خلتا من شهر رَمَضَان فَمَا قَالَه لَيْسَ بِقَوي لمُخَالفَته مَا هُوَ أصحُ وَفِي تعْيين هَذَا التَّارِيخ أَقْوَال أخر مِنْهَا عِنْد مُسلم لست عشرَة وَلأَحْمَد ثَمَانِي عشرَة وَفِي أُخْرَى لثنتي عشرَة وَالَّذِي فِي الْمَغَازِي لِابْنِ عقبَة لتسْع عشرَة مَضَتْ وَهُوَ مَحْمُول على الِاخْتِلَاف فِي أول الشَّهْر وَوَقع فِي أُخْرَى تسع عشرَة أَو سبع عشرَة على الشَّك وَلما بلغ الكدِيد بِفَتْح الْكَاف المَاء الَّذِي بَين قديد وَعُسْفَان أفطر فَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 يزل مُفطرا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْر رَوَاهُ البُخَارِيّ وَفِي أُخْرَى لَهُ أفطر وأفطروا ... الحَدِيث وَكَانَ الْعَبَّاس قد خرج قبل ذَلِك بأَهْله وَعِيَاله مُسلما مُهَاجرا فلقي رَسُول الله بِالْجُحْفَةِ وَكَانَ قبل ذَلِك مُقيما بِمَكَّة على سقايته وَرَسُول الله عَنهُ رَاض وَكَانَ مِمَّن لقِيه بِالطَّرِيقِ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث ابْن عَمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَخُوهُ من إِرْضَاع حليمة السعدية وَمَعَهُ وَلَده جَعْفَر بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَبُو سُفْيَان يألف رَسُول الله فَلَمَّا بعث عَادَاهُ وهجاه وَكَانَ لقاؤهما لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالأبواء وأسلما قبل دُخُول مَكَّة وَقيل بل لقِيه هُوَ وَعبد الله بن أبي أُميَّة ابْن عمته عَاتِكَة بنيت عبد الْمطلب بَين السقيا وَالْعَرج فَأَعْرض عَنْهُمَا لما كَانَ يلقى مِنْهُمَا من شدَّة الأذَى والهَجوِ فَقَالَت لَهُ أم سَلمَة لَا يكنِ ابْن عمك وَابْن عَمَّتك أَشْقَى الناسِ بك وَقَالَ عَليّ لأبي سُفْيَان فِيمَا حَكَاهُ ابْن عَمْرو وَصَاحب ذخائر العقبى ائْتِ رَسُول الله من قبل وَجهه فَقل لَهُ مَا قَالَ إخْوَة يُوسُف ليوسف {تَاللهِ لَقَد آثَرَكَ الله علينا وَإِن كُنَّا لخاطئين} فَإِنَّهُ لَا يرضى أَن يكون أحد أحسن مِنْهُ قولا فَفعل ذَلِك أَبُو سُفْيَان فَقَالَ {لَا تَثْرِيب عَلَيكمٌ اليوَمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} وَيُقَال إِنَّه مَا رفع رَأسه إِلَى رَسُول الله مُنْذُ أسلم حَيَاء مِنْهُ قَالُوا ثمَّ سَار رَسُول الله فَلَمَّا كَانَ بِقديد عقد الألوية والرايات وَدفعهَا إِلَى الْقَبَائِل ثمَّ نزل مر الظهْرَان عشَاء فَأمر أَصْحَابه فأوقدوا عشرَة آلَاف نَار وَلم يبلغ قُريْشًا مسيره وهم مغتمون لما يخَافُونَ من غَزوه إيَّاهُم فبعثوا أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَقَالُوا إِن لقِيت مُحَمَّدًا فَخذ لنا مِنْهُ أَمَانًا فَخرج أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء حَتَّى أَتَوا مر الظهْرَان فَلَمَّا رَأَوْا الْعَسْكَر أفزعهم قَالَ البُخَارِيّ فَإِذا هم بنيران كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا هَذِه كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة فَقَالَ بديل بن وَرْقَاء نيران بني عَمْرو فَقَالَ أَبُو سُفْيَان بَنو عَمْرو أقَل من ذَلِك فَرَآهُمْ نَاس من حَرَسِ رَسُول الله فأدركوهم فَأَخَذُوهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 فَأتوا بهم إِلَى رَسُول الله فَأسلم أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا سَار قَالَ للْعَبَّاس احْبِسْ أَبَا سُفْيَان عِنْد حطم الْخَيل حَتَّى ينظر إِلَى الْمُسلمين فحبسه الْعَبَّاس فَجعلت الْقَبَائِل تمر مَعَ النَّبِي كَتِيبَة كَتِيبَة على أبي سُفْيَان فمرت كَتِيبَة فَقَالَ يَا عَبَّاس من هَذِه قَالَ هَذِه غفار قَالَ مَا لي وَلِغفار ثمَّ مرت جُهَيْنَة فَقَالَ مثل ذَلِك حَتَّى أَقبلت كَتِيبَة لم ير مثلهَا قَالَ من هَذِه قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار عَلَيْهِم سعد بن عبَادَة مَعَه الرَّايَة فَقَالَ سعد بن عبَادَة يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَا عَبَّاس حبذا يَوْم الذمَار بِالْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَة أَي الْهَلَاك قَالَ الْخطابِيّ تمنى أَبُو سُفْيَان أَن يكون لَهُ يَد فيحمي قومه وَيدْفَع عَنْهُم وَقيل هَذَا يَوْم الْغَضَب للحريم والأهل والانتصار لَهُم مِمَّن قدر عَلَيْهِ وَقيل هَذَا يَوْم يلزمك فِيهِ حفظي وحمايتي من أَن ينالني مَكْرُوه وَقَالَ ابْن إِسْحَاق زعم بعض أهل الْعلم أَن سَعْدا قَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة فَسَمعَهَا رجل من الْمُهَاجِرين فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا آمنُ أَن يكون لسعد فِي قُرَيْش صولة فَقَالَ لعَلي أدْركهُ فَخذ الرَّايَة مِنْهُ فكنْ أنْتَ الَّذِي تدخلُ بهَا وَقد روى الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي لما حاذاه أمرتَ بقتل قَوْمك قَالَ لَا فَذكر لَهُ مَا قَالَ سعد بن عبَادَة ثمَّ ناشده الله والرَحِمَ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم المرحمة ن الْيَوْم يَوْم يعز الله قُريْشًا وَأرْسل إِلَى سعد فَأخذ الرَّايَة مِنْهُ فَدَفعهَا إِلَى ابْنه قيس وَعند ابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ لما قَالَ سعد بن عبَادَة ذَلِك عارضت امْرَأَة من قُرَيْش رَسُول الله فَقَالَت // (من الْخَفِيف) // (يَا نبيَّ الهُدَى إِلَيْك لَجَا ... حَتى قُرَيشٍ وَلاتَ حِينَ لجاءِ) (حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ سَعَةُ الأَرْضِ ... وَعَادَاهُمُ إلهُ السَّمَاءِ) (التقَتْ حَلْقَتَا البِطَانِ عَلَى القَوْمِ ... ونُودُوا بالصَّيْلَمِ الصَّلْعَاءِ) (إِنَّ سَعْداً يُرِيدُ قاصمة الظَّهْرِ ... بأَهْلِ الحجُونِ والبطحاءِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 (خَزْرَجِيٌّ لَوْ يَسْتَطِيعُ مِنَ الغَيْظِ ... رَمَانَا بِالنَّسْرِ والعوَّاءِ) (وَغِرُ الصَّدْرِ لَا يَهِمُّ بِشَيءٍ ... غَيْرِ سَفْكِ الدما وسَبْىِ النِّسَاءِ) (قد تلظَّى عَلَى البِطَاحِ وجاءَتْ ... عِنْدَ هِنْدٍ بالسَّوْأَةِ السَّوْدَاءِ) (إِذْ يُنَادِي بِذُلٍّ حَيٍّ قُريشٍ ... وابنُ حَرب بِذَا مِنَ الشُهَدَاءِ) (فَلَئِنْ أقحَمَ اللوَاء ونَادَى ... يَا حمَاةَ اللِّواءِ أَهْلَ اللِّواءِ) (ثمَّ ثابَتْ إِليه مَنْ بهمُ الخَزْرجُ ... والأوسُ أَنْجُمُ الهَيْجَاءِ) (لتَكُونن بالبِطَاحِ قُرَيْشٌ ... فقعة القَاعِ فِي أَكُفِّ الإِمَاءِ) (فَانْهَيَنْهُ فإِنهُ أَسَدُ الأُسْد ... لَدَى الغَابِ والغاً فِي الدّمَاءِ) (إِنَّهُ مُطْرِقٌ يُدِيِرُ لَنَا الأَمْرَ ... سكوناً كالحيَّةِ الصَّمَّاءِ) قلت وَفِي سيرة ابْن سيد النَّاس عزوا هَذَا الشّعْر لِضِرَار بن الْخطاب الفِهري فَلَمَّا سمع هَذَا الشّعْر دَخلته رأفة لَهُم وَرَحْمَة فَأمر بالراية فأخذَتْ من سعد وَدفعت إِلَى ابْنه قيس وَعند أبي يعلى من حَدِيث الزبير أَن النَّبِي دَفعهَا إِلَيْهِ فَدخل مَكَّة بلواءين وَإِسْنَاده ضَعِيف جدا لكنْ جزم مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ أَنه دَفعهَا إِلَى الزبير بن الْعَوام فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِيمَن دفعت إِلَيْهِ الرَّايَة الَّتِي نزعت من سعد وَالَّذِي يظْهر فِي الْجمع أَن عليا أرسل بهَا لينزعها وَيدخل بهَا ثمَّ خشِي تغير خاطر سعد فَأمر بدفعها إِلَى ابْنه قيس ثمَّ إِن سَعْدا خشِي أَن يَقع من ابْنه شَيْء يُنكره فَسَأَلَ النَّبِي أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ فَأَخذهَا الزبير حِينَئِذٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ ثمَّ جاءَتْ كَتِيبَة فِيهَا رَسُول الله وَأَصْحَابه وَرَايَة النَّبِي مَعَ الزبير فَلَمَّا مر رَسُول الله بِأبي سُفْيَان قَالَ ألم تعلم مَا قَالَ سعد بن عبَادَة قَالَ مَا قَالَ قَالَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ كذب سعد وَلَكِن هَذَا يَوْم يعظم الله فِيهِ الْكَعْبَة وَيَوْم تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَة قَالَ وَأمر رَسُول الله أَن تركز رايته بالحجون قَالَ وَقَالَ عُرْوَة وَأَخْبرنِي نَافِع بن جُبَير بن مطعم قَالَ سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول للزبير بن الْعَوام يَا أَبَا عبد الله هَا هُنَا أَمرك رَسُول الله أَن تركز الرَّايَة قَالَ نعم وَأمر رَسُول الله خَالِد بن الْوَلِيد أَن يدْخل من أَعلَى مَكَّة من كَدَاء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَدخل النَّبِي من كُدى بِالضَّمِّ وَالْقصر فَقتل من خيل خَالِد يَوْمئِذٍ رجلَانِ حُبَيْش بن الْأَشْقَر وكرز بن جَابر الفِهري قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَهَذَا مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة الْآتِيَة أَن خَالِدا دخل من أَسْفَل مَكَّة وَالنَّبِيّ من أَعْلَاهَا يعْنى حَدِيث ابْن عمر أَنه أقبل يَوْم الْفَتْح من أَعلَى مَكَّة على رَاحِلَته مردفاً أُسَامَة بن زيد وَحَدِيث عَائِشَة أَنه دخل عَام الْفَتْح من كداء الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّة وَغَيرهمَا قَالَ وَقد سَاق ذَلِك مُوسَى بن عقبَة سياقاً وَاضحا فَقَالَ وَبعث رَسُول الله الزبير بن الْعَوام على الْمُهَاجِرين وخيلهم وأمرهن يدخلنَ من كداء من أَعلَى مَكَّة وَأمره أَن يغرز رايته بالحجون وَلَا يبرح حَتَّى يَأْتِيهِ وَبعث خَالِد بن الْوَلِيد فِي قبائل قضاعة وسُلَيم وَغَيرهم وَأمره أَن يدْخل من أَسْفَل مَكَّة وَأَن يغرز رايته عِنْد أدنى الْبيُوت وَبعث سعد بن عبَادَة فِي كَتِيبَة الْأَنْصَار فِي مُقَدّمَة رَسُول الله وَأمرهمْ أَن يكفوا أَيْديهم عَن الْقِتَال وَلَا يقاتلوا إِلَّا من قَاتلهم واندفع خَالِد بن الْوَلِيد حَتَّى دخل من أَسْفَل مَكَّة وَقد تجمع بَنو بكر وَبَنُو الْحَارِث بن عبد منَاف وناس من هُذَيْل وَمن الْأَحَابِيش الَّذين استنصرت بهم قُرَيْش فَقَاتلُوا خَالِدا فَقَاتلهُمْ فَانْهَزَمُوا وَقتل من بني بكر نَحْو من عشْرين رجلا وَمن هُذَيْل ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة حَتَّى انْتهى بهم الْقَتْل إِلَى الْحَزْوَرَة إِلَى بَاب الْمَسْجِد حَتَّى دخلُوا الدّور فارتفعت طَائِفَة مِنْهُم على الْجبَال وَصَاح أَبُو سُفْيَان من دخل دَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن فَقَالَت لَهُ زَوجته هِنْد بنت عتبَة وَأخذت بشاربه اقْتُلُوا الحميت الدسم الأحمش قُبحتَ من طَلِيعَة قوم وَمَا تغني دَارك ثمَّ قَالَ وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن أغلق بَابه وكف يَده فَهُوَ آمن قَالَ وَنظر رَسُول الله إِلَى البارقة فَقَالَ مَا هَذَا وَقد نهيت عَن الْقِتَال فَقَالُوا نظن أَن خَالِدا قوتل وبدىء بِالْقِتَالِ فَلم يكن لَهُ بُد من أَن يقاتلهم قَالَ وَقَالَ رَسُول الله بعد أَن اطْمَأَن لخَالِد بن الْوَلِيد لم قاتلتَ وَقد نهيتك عَن الْقِتَال فَقَالَ هم بدءونا بِالْقِتَالِ وَقد كَفَفْت يَدي مَا استطعتُ فَقَالَ قَضَاء الله خير وَعند ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا نزل مر الظهْرَان رقت نفس الْعَبَّاس لأهل مَكَّة فَخرج لَيْلًا رَاكِبًا بغلة النَّبِي لكَي يجد أحدا فَيعلم أهل مَكَّة بمجيء النَّبِي فيستأمنوه فَلَمَّا بلغ الْأَرَاك سمع الصَّوْت أبي سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام يتناجيان فَقَالَ الْعَبَّاس أَبَا حَنْظَلَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان أَبَا الْفضل فتلاقيا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان واصباح قُرَيْش إِن دَخلهَا عَلَيْهِم عنْوَة فَأرْدف أَبَا سُفْيَان خَلفه وأتى بِهِ النَّبِي وَانْصَرف الْآخرَانِ ليعلما أهل مَكَّة روى أَن عمر بن الْخطاب لما رأى أَبَا سُفْيَان رَدِيف الْعَبَّاس قَالَ أَبُو سُفْيَان عَدو الله الْحَمد لله الَّذِي أمكن مِنْك من غير عقد وَلَا عهد قَالَ الْعَبَّاس ثمَّ عدا فركضتُ البغلة فسبقته بِمَا تسبق البغلة الرجل البطيء فَدخل بِهِ على رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي قد أجرته فَقَالَ اذْهَبْ بِهِ يَا عَبَّاس إِلَى رحلك فَإِذا أَصبَحت فَأتني بِهِ فَذهب فَلَمَّا أصبح غَدا بِهِ على رَسُول الله فَوقف عمر بن الْخطاب على رَأسه وَقَالَ دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عُنُقه فَقَالَ الْعَبَّاس أما إِنَّه لَو كَانَ من آل الْخطاب لما قلت هَذَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمَكَ وأكرمك وأوصَلَكَ قَالَ وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم إِنِّي رَسُول الله فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمَكَ وأكرمك وأوصَلَكَ أما هَذِه فَفِي النَّفس مِنْهَا شَيْء فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس وَيحك أسلم واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قبل أَن تضرب عُنُقك فَأسلم وَشهد شَهَادَة الْحق وَفِي رِوَايَة أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 حِينَئِذٍ فَمَا أصنع بالعُزى فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ تخرأ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان إِنَّك يَا ابْن الْخطاب رجل فَاحش وَلم أخاطبك إِنَّمَا أخاطب ابْن عمي فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا قَالَ نعم وَأمر فَنَادَى مناديه من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن إِلَّا المستثنين وهم كَمَا قَالَه مغلطاي وَغَيره عبد الله بن سعد بن أبي سرح أسلم وَابْن خَطَلٍ قَتله أَبُو بَرزَة وقينتاه وهما فَرتَنَا بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَة وَالرَّاء الساكنة والمثناة الْفَوْقِيَّة وَالنُّون وقُلَيبَة بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَة مُصَغرًا أسلمت إِحْدَاهمَا وَقتلت الْأُخْرَى وسَارَة مولاة لبني الْمطلب وَيُقَال كَانَت مولاة عمر بن ضبع بن هِشَام وأرْنَب علم امْرَأَة وقرينة قتلت وَعِكْرِمَة بن أبي جهل أسلم والْحَارث بن نفَيْل قَتله عَليّ وَمقيس بن صُبَابة بِمُهْملَة مَضْمُومَة وموحدتين الأولى خَفِيفَة قَتله نميلَة اللَّيْثِيّ وَهَبَّار بن الْأسود أسلم وَهُوَ الَّذِي عرض لِزَيْنَب بنت رَسُول الله حِين هَاجَرت فَنَخَسَ بَعِيرهَا حَتَّى سقطَت على صَخْرَة وأسقطت جَنِينهَا وَكَعب بن زُهَيْر أسلم وَهِنْد بنت عتبَة أسلمت وَوَحْشِي بن حَرْب أسلم انْتهى وَابْن خَطَلٍ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وَابْن نُقَيدٍ بِضَم النُّون وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة آخِره دَال مُهْملَة وَقد جمع الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه أَسمَاء من لم يُؤمن يَوْم الْفَتْح وَأمر بقتل عشرَة أنفس سِتَّة رجال وَأَرْبع نسْوَة روى أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أقبل رَسُول الله وَقد بعث على إِحْدَى المجنبتين خَالِد بن الْوَلِيد وَبعث الزبير على الْأُخْرَى وَبعث أَبَا عُبَيْدَة على الحُسر بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة أَي الَّذين بِغَيْر سلَاح فَقَالَ لي يَا أَبَا هُرَيْرَة اهتف لي بالأنصار فهتفت بهم فَجَاءُوا فطافوا بِهِ فَقَالَ لَهُم ترَوْنَ إِلَى أوباش قُرَيْش وأتباعهم فَقَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى احصدوهم حصداً حَتَّى توافوني بالصفا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَانْطَلَقْنَا فَمَا نشَاء أَن نقْتل أحدا مِنْهُم إِلَّا قَتَلْنَاهُ فجَاء أَبُو سُفْيَان فَقَالَ يَا رَسُول الله أُبيحت خضراء قُرَيْش لَا قّريشَ بعد الْيَوْم فَقَالَ من أغلق بَابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 فَهُوَ آمن قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَقد تمسك بِهِ من قَالَ إِن مَكَّة فتحت عنْوَة وَهُوَ قَول الْأَكْثَر وَعَن الشَّافِعِي وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد إِنَّهَا فتحت صلحا لما وَقع من هَذَا التَّأْمِين ولإضافة الدّور إِلَى أَهلهَا لِأَنَّهَا لم تقسم وَلِأَن الْغَانِمين لم يملكُوا دورها وَإِلَّا لجَاز إِخْرَاج أهل الدّور مِنْهَا وَحجَّة الْأَوَّلين مَا وَقع التَّصْرِيح بِهِ من الْأَمر بِالْقِتَالِ ووقوعه بِخَالِد بن الْوَلِيد وبتصريحه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَنَّهَا أحلتْ لَهُ سَاعَة من نَهَار وَنَهْيه عَن التأسي بِهِ فِي ذَلِك وَأَجَابُوا عَن ترك الْقِسْمَة بِأَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم عدم الْقِسْمَة وَقد تفتح الْبَلَد عنْوَة ويمن على أَهلهَا وتترك لَهُم دُورهمْ قَالَ وَأما قَول النَّوَوِيّ وَاحْتج الشَّافِعِي بالأحاديث الْمَشْهُورَة أَن النَّبِي صَالحهمْ على مر الظهْرَان قبل دُخُول مَكَّة فَفِيهِ نظر لِأَن الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ إِن كَانَ مُرَاده مَا وَقع من قَوْله من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن كَمَا تقدم وَكَذَا من دخل الْمَسْجِد كَمَا عِنْد ابْن إِسْحَاق فَإِن ذَلِك لَا يُسمى صلحا إِلَّا إِذا الْتزم من أَشَارَ إِلَيْهِ بذلك الْكَفّ عَن الْقِتَال وَالَّذِي ورد فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ظَاهر فِي أَن قُريْشًا لم يلتزموا ذَلِك لأَنهم اسْتَعدوا للحرب وَإِن كَانَ مُرَاده بِالصُّلْحِ وقوعَ عقده فَهَذَا لم ينْقل وَمَا أَظُنهُ عَنى إِلَّا الِاحْتِمَال الأول وَفِيه مَا ذكرته انْتهى ثمَّ دخل فِي كتيبته الخضراء وَهُوَ على نَاقَته الْقَصْوَاء بَين أبي بكر وَأسيد بن حضير فَرَأى أَبُو سُفْيَان مَا لَا قبل لَهُ بُد فَقَالَ للْعَبَّاس يَا أَبَا الْفضل لقد أصبح مَالك ابْن أَخِيك عَظِيما فَقَالَ الْعَبَّاس وَيحك إِنَّه لَيْسَ بملكٍ وَلكنهَا النُّبُوَّة قَالَ نعم روى أَنه وضع رَأسه تواضعاً لله لما رأى مَا أكْرمه الله بِهِ من الْفَتْح حَتَّى إِن رَأسه ليكاد يُمْسِي مقدم رَحْله شكرا وخضوعاً لعظمته إِذْ أحل لَهُ بَلَده وَلم يحله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 لأحد قبله وَلَا لأحد بعده وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وعَلى رَأسه المِغْفَرُ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء زرد ينسج من الدروع على قدر الرَّأْس وَفِي الْمُحكم هُوَ مَا يَجْعَل من فضل درع الْحَدِيد على الرَّأْس مثل القلنسوة فَلَمَّا نَزعه جَاءَهُ رجل فَقَالَ ابْن خطل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقَالَ اقتله وَفِي حَدِيث سعيد بن يَرْبُوع عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم أَن رَسُول الله قَالَ أَرْبَعَة لَا نؤمنهم لَا فِي حل وَلَا فِي حرم الْحُوَيْرِث بن نُقيد وهلال بن خطل وَمقيس بن صُبَابة وَعبد الله بن أبي سرح قَالَ فَأَما هِلَال بن خطل فَقتله الزبير ... الحَدِيث وَحَدِيث سعد بن أبي وَقاص عِنْد الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل نَحوه قَالَ أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَانِ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَذكره لَكِن قَالَ عبد الله بن خطل بدل هِلَال وَقَالَ عِكْرِمَة بدل الْحُوَيْرِث وَلم يسم الْمَرْأَتَيْنِ وَقَالَ فَأَما عبد الله بن خطل فَأدْرك وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَاسْتَبق إِلَيْهِ سعيد بن حُرَيْث وعمار بن يَاسر فَسبق سعيد عماراً وَكَانَ أشب الرجلَيْن فَقتله الحَدِيث وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَن أَبَا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قتل ابْن خطل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة // (وَإِسْنَاده صَحِيح مَعَ إرْسَاله) // وَرَوَاهُ أَحْمد من وَجه آخر وَهُوَ أصح مَا ورد فِي تعْيين قَاتله وَبِه جزم البلاذري وَغَيره من أهل الْأَخْبَار وَتحمل بَقِيَّة الرِّوَايَات على أَنهم ابتدروا قَتله وَكَانَ الْمُبَاشر لَهُ مِنْهُم أَبُو بَرزَة وَيحْتَمل أَن يكون غَيره شَاركهُ فِيهِ فقد جزم ابْن هِشَام فِي السِّيرَة بِأَن سعيد بن حُرَيْث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وَأَبا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ اشْتَركَا فِيهِ وَإِنَّمَا أَمر بقتل ابْن خطل لِأَنَّهُ كَانَ مُسلما فَبَعثه مُصدقا يعْنى لأخذ الصَّدقَات وَبعث مَعَه رجلا من الْأَنْصَار وَكَانَ مَعَه مولى يَخْدمه وَكَانَ مُسلما وَنزل منزلا فَأمر الْمولى أَن يذبح تَيْسًا ويصنع لَهُ طَعَاما ونام فَاسْتَيْقَظَ وَلم يصنع لَهُ شَيْئا فَعدا عَلَيْهِ فَقتله ثمَّ ارْتَدَّ مُشْركًا وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بِهِجَاء رَسُول الله وَأما الْجمع بَين الْأَقْوَال فِي اسْمه أَنه كَانَ يُسمى عبد الْعُزَّى فَلَمَّا أسلم سمى عبد الله وَأما من قَالَ هِلَال فألبس عَلَيْهِ بِأَخ لَهُ اسْمه هِلَال وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من حَدِيث مُصعب لما كَانَ يَوْم الْفَتْح أَمن رَسُول الله النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر فَذكرهمْ ثمَّ قَالَ وَأما ابْن أبي سرح فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ حَتَّى أوقفهُ على رَسُول الله فَقَالَ يَا نَبِي الله بَايع عبد الله فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد ثَلَاث ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ أما كَانَ رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين كَفَفْت عَن بيعَته يقْتله فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا نَدْرِي مَا فِي نَفسك أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا قَالَ إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين. . الحَدِيث قَالَ مَالك كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَلم يكن رَسُول الله فِيمَا نرى يَوْمئِذٍ محرما انْتهى وَقَول مَالك هَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك جَازِمًا بِهِ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْغَرِيب وَيشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سوداءُ بِغَيْر إحرامِ وروى ابْن أبي شيبَة // (بِإِسْنَاد صَحِيح) // عَن طَاوس قَالَ لم يدْخل النَّبِي مَكَّة إِلَّا محرما إِلَّا يَوْم فتح مَكَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَقد اخْتلف الْعلمَاء هَل يجبُ على من دخل مَكَّة الْإِحْرَام أم لَا فَالْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي أَن من قَصدهَا لغير النّسك لَا يجبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَام مُطلقًا وَفِي قَول يجب إِن لم يتَكَرَّر دُخُوله كحطاب وحشاش وصياد وَالْمَشْهُور عَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة الْوُجُوب وَفِي رِوَايَة عَن كل مِنْهُم لَا يجب وَجزم بِهِ الْحَنَابِلَة باستثناء ذوى الْحَاجَات المتكررة وَاسْتثنى الْحَنَفِيَّة من كَانَ دَاخل الْمِيقَات وَالله أعلم وَقد زعم الْحَاكِم فِي الإكليل أَن بَين حَدِيث أنس فِي المغفر وَبَين حَدِيث جَابر فِي الْعِمَامَة السَّوْدَاء مُعَارضة وتعقبوه بِاحْتِمَال أَن يكون أول دُخُوله كَانَ على رَأسه المغفر ثمَّ أزاله وَلبس الْعِمَامَة بعد ذَلِك فَحكى كل مِنْهُمَا مَا رَآهُ وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث أَنه خطب النَّاس وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء أخرجه مُسلم أَيْضا وَكَانَت الْخطْبَة عِنْد بَاب الْكَعْبَة وَذَلِكَ بعد تَمام الدُّخُول وَهَذَا الْجمع للْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ غَيره يجمع بِأَن الْعِمَامَة السَّوْدَاء كَانَت ملفوفة فَوق المغفر وَكَانَت تَحت المغفر وقاية لرأسه الشريف من صدأ الْحَدِيد فَأَرَادَ أنس بِذكر المغفر كَونه دخل متأهباً للحرب وَأَرَادَ جَابر بِذكر الْعِمَامَة كَونه دخل غير محرم وَفِي البُخَارِيّ عَن أُسَامَة بن زيد أَنه قَالَ زمن الْفَتْح يَا رَسُول الله أَيْن تنزل بِنَا غَدا قَالَ وَهل ترك لنا عَقِيلٌ من منزل وَفِي رِوَايَة هَل ترك لنا عَقِيلٌ من رباع أَو دور وَكَانَ عقيلٌ ورث أَبَا طَالب وطالباً وَلم يرثْ عَليّ وَلَا جَعْفَر شَيْئا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسلمين وَكَانَ عقيل وطالب كافرينِ إِذْ ذَاك فَكَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول لَا يَرث الْكَافِر الْمُؤمن وَلَا الْمُؤمن الْكَافِر وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام منزلنا إِن شَاءَ الله إِذا فتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 الله الْخيف حَيْثُ تقاسموا على الْكفْر يعْنى بِهِ المحصب وَذَلِكَ أَن قُريْشًا وكنانة تحالفت على بني هَاشم وَالْمطلب أَلا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم حَتَّى يسلمُوا إِلَيْهِم النَّبِي كَمَا تقدم وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ أَن يَوْم فتح مَكَّة اغْتسل فِي بَيت أم هانىء ثمَّ صلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات قَالَت لم أره صلى صَلَاة أخف مِنْهَا غير أَنه يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود وأجارت أم هانىء حموين لَهَا فَقَالَ النَّبِي قد أجرنا من أجرت يَا أم هانىء وَالرجلَانِ الْحَارِث بن هِشَام وَزُهَيْر بن أُميَّة بن الْمُغيرَة كَمَا قَالَ ابْن هِشَام وَقد كَانَ أَخُوهَا عَليّ بن أبي طَالب أَرَادَ أَن يقتلهما فأغلقتْ عَلَيْهِمَا بَاب بَيتهَا وَذَهَبت إِلَى النَّبِي وَلما كَانَ الْغَد من يَوْم الْفَتْح قَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَطِيبًا فِي النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ومجده بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن لله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات والأرضَ فهى حرَام بِحرْمَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يحل لامرىء يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يسفك بهَا دَمًا أَو يَعضُدَ بهَا شَجَرَة فَإِن أحد ترخص فِيهَا لقِتَال فَقولُوا إِن الله أذن لرَسُوله وَلم يَأْذَن لكم وَإِنَّمَا أحلَّتْ لي سَاعَة من نَهَار وَقد عَادَتْ حرمتهَا الْيَوْم كحرمتها بالْأَمْس فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش مَا ترَوْنَ أَنِّي فَاعل فِيكُم قَالُوا خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم قَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء أَي الَّذين أطْلقُوا فَلم يسترقوا وَلم يؤسروا والطليق الْأَسير إِذا أطلق وَالْمرَاد بالساعة الَّتِي أحلتْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا بَين أول النَّهَار وَدخُول الْعَصْر كَذَا قَالَه فِي فتح الْبَارِي قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَلَقَد أَجَاد الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد السَّرقسْطِي حَيْثُ يَقُول فِي قصيدته الْمَشْهُورَة // (من الْبَسِيط) // (وَيَوْم مكَّة إذْ أشرفْتَ فِي أممٍ ... يضيقُ عَنْهَا فِجَاجُ الوَعْثِ والسهلِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 (خوافقٌ ضَاقَ ذَرْعُ الخافقَيْنِ بهَا ... فِي قائمٍ من عَجَاجِ الخَيْلِ والإِبلِ ... ) (وَجَحْفَلٍ قَذَفَ الأرْجَاءَ ذِي لَجَبٍ ... عَرَمرَمٍ كَزُهَاءِ الليلِ مُنْسَجِلِ) (وأنتَ صلَّى عليكَ الله تقدمُهُمْ ... فِي بَهْوِ إشراقِ نورٍ مِنْك مُكْتَمِلِ) (تنيرُ فوقَ أغرِّ الوجهِ منتجبٍ ... متوِّجٍ بعزيزِ النَّصْرِ مُقْتبلِ) (تسمو أمامَ جنودِ الله مُرْتدياً ... ثوبَ الوَقَارِ لأمرِ اللهِ ممتثلِ) (خَشَعْتَ تحْتَ بهاء العزِّ حِين سمَتْ ... بكَ المهابةُ فعلَ الخائفِ الوَجِلِ) (وَقد تباشرْنَ أملاكُ السماءِ بِمَا ... مَلَكْتَ إِذْ نلْتَ مِنْهُ غايةَ الأملِ) (والأرضُ تَرْجِفُ من زَهْوٍ وَمن فَرَقٍ ... والجوُّ يُزْهِرُ إشراقاً من الجَذَلِ) (والخيلُ تَخْتَألُ زهواً فِي أَعِنَّتها ... والعيشُ يَنْثَالُ زَهْواً فِي ثنى الجدلِ) (لَوْلَا الَّذِي خطَّتِ الأقلامُ من قدرٍ ... وسابقٍ مِنْ قضاءٍ غيرِ ذِي حولِ) (أهلِّ ثهلانُ بالتهليلِ من طربٍ ... وذابَ يذبلُ تهليلاً من الذبلِ) (المُلكُ لله هَذَا عزَ من عقدَتْ ... لَهُ النبوَّةُ فوقَ العرشِ فِي الأزلِ) (شعبتَ صدْعَ قريشٍ بعد مَا قذفَتْ ... بهمْ شعوبٌ شعابَ السهلِ والقللِ) (قَالُوا محمدُ قد زارَتء كتائبُه ... كالأسْدِ تزأرُ فِي أنيابِهِ العصلِ) (فويلَ مكَّةَ من آثارِ وطأتِهِ ... وويلَ أم قريشٍ من جوى الهبلِ) (فجدت عفوا بفضلِ العفوِ منكَ ولمْ ... تلممْ وَلَا بأليمِ اللومِ والعذلِ) (ضربْتَ بالصفحِ صفحاً عَن غوائِلِهِمْ ... طولا أطالَ مقيل النومِ فِي المقلِ) (رحمتَ واشج أرحامٍ أتيحَ لَهَا ... تحتَ الوشيجِ نَسِيج الروعِ والوجلِ) (عاذوا بظلِّ كريمِ الْعَفو ذِي لطفٍٍ ... مباركِ الوجْهِ بالتوفيقِ مشتملِ) (أزكى الخليقةِ أَخْلَاقًا وأظْهرها ... وأَكْرَم الناسِ صفحاً عَن ذوى الزلل) (وطفْت بِالْبَيْتِ محبوراً وطافَ بِهِ ... مَنْ كانَ عَنهُ قبيل الفتحِ فِي شغلِ) والجحفل الْجَيْش الْعَظِيم قذف الأرجاء أَي متباعدها واللجب بِالْجِيم الضجة من كَثْرَة الْأَصْوَات والعرمرم الضخم الْكثير الْعدَد وَقَوله كزهاء اللَّيْل شبهه بِاللَّيْلِ فِي سَده الْأُفق واسوداده بِالسِّلَاحِ والمنسحل بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَاضِي فِي سيره يتبع بعضه بَعْضًا قَوْله فِي بهو إشراق نور شبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 الَّذِي يَغْشَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ببهو أحَاط بِهِ والبهو الْبناء العالي كالإيوان وَنَحْوه والمنتجب المتخير من أصل نجيب كريم المقتبل الْمُسْتَقْبل ترجف تهتز والزهو الخفة من الطَّرب يَعْنِي أَن الأَرْض اهتزت فَرحا بِهَذَا الْجَيْش وفرقاً من صولته أَي كَادَت تهتز قَالَ تَعَالَى {إِذ جَاءُوكم مِن فَوقكِم وَمِن أسفَلَ مِنكُم وَإِذ زاغت الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الحنجر} أَي كَادَت تبلغ الجدل جمع جديل وَهُوَ الزِّمَام المضفور وَثني الجدل مَا انثنى على أَعْنَاق الْإِبِل أَي انعطف وثهلان جبل مَعْرُوف وأهَلَ رفع صَوته ويذبلُ جبل أَيْضا والذبل الرماح الذوابل وَهِي الَّتِي لم تقطع من منابتها حَتَّى ذبلت أَي جَفتْ ويبست وتهليلاً أَي جبنا وفزعاً يَعْنِي لَوْلَا مَا سبق من تَقْدِير الله أَن الْجبَال لَا تنطق لرفع ثهلان صَوته وَهَلل من الطَّرب ولذاب يذبل من الْجزع وَالْفرق وَقَوله شعبت أَي جمعت وأصلحت وقذفت أَي فرقت بهم مَخَافَة شعوب وشعوب اسْم للمنية لِأَنَّهَا تفرق الْجَمَاعَات من شعبت أَي فرقت وَهُوَ من الأضداد والشعاب الطّرق فِي الْجبَال والسهل خلاف الْجَبَل والقلل رُءُوس الْجبَال يَعْنِي أَنه عَفا عَنْهُم بَعْدَمَا تصدعوا أَي تفَرقُوا وهربوا من خَوفه إِلَى كل سهل وجبل وَقَوله كالأسد تزأر فِي أنيابها العصل أَي المعوجة وَالله أعلم وَلما فتح الله مَكَّة على رَسُوله قَالَ الْأَنْصَار فِيمَا بَينهم أتَرَوْنَ أَن رَسُول الله إِذْ فتح الله عَلَيْهِ أرضه وبلده يقيمُ بهَا وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَدْعُو على الصَّفَا رَافعا يَدَيْهِ فَلَمَّا فرغ من دُعَائِهِ قَالَ مَاذَا قُلْتُمْ قَالُوا لَا شَيْء يَا رَسُول الله فَلم يزل بهم حَتَّى أَخْبرُوهُ فَقَالَ معَاذ الله الْمحيا محياكم والمماتُ مماتكم وهَم فضَالة بن عُمَيْر بن الملوح أَن يقتل رَسُول الله وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 يطوف بِالْبَيْتِ فَلَمَّا دنا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُول الله أفضالة قَالَ نَعَمْ يَا رَسُول الله قَالَ مَاذَا كنت تحدَّثُ بِهِ نَفسك قَالَ لَا شَيْء كنت أذكر الله فَضَحِك رَسُول الله ثمَّ قَالَ اسْتغْفر الله ثمَّ وضع يَده على صَدره فسكن قلبه وَكَانَ فضَالة يَقُول وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا خلق الله شَيْئا أحب إِلَيّ مِنْهُ وَطَاف بِالْبَيْتِ يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من رَمَضَان وَكَانَ حول الْبَيْت ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنماً فَكلما مر بصنم أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَضِيبِهِ وَهُوَ يَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً فَيَقَع الصَّنَم لوجهه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي رِوَايَة أبي نعيم قد ألزقها الشَّيَاطِين بالرصاص والنحاس وَفِي تَفْسِير الْعَلامَة ابْن النَّقِيب الْمَقْدِسِي أَن الله تَعَالَى لما أعلمهُ بِأَنَّهُ قد أنْجز لَهُ وعده بالنصر على أعدائه وفتحه مَكَّة وإعلائه كلمة دينه أمره إِذا دخل مَكَّة أَن يَقُول وَقل جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَصَارَ يطعن الْأَصْنَام الَّتِي حول الْكَعْبَة بِمِحْجَنِهِ وَيَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فيخر الصَّنَم سَاقِطا مَعَ أَنَّهَا كَانَت كلهَا مثبتة بالحديد والرصاص وَكَانَت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً بِعَدَد أَيَّام السّنة قَالَ وَفِي معنى الْحق وَالْبَاطِل لعلماء التَّفْسِير أَقْوَال قَالَ قَتَادَة جَاءَ الْحق الْقُرْآن وَذهب الشَّيْطَان وَقَالَ ابْن جريج جَاءَ الْجِهَاد وَذهب الشّرك وَقَالَ مقَاتل جَاءَت عبَادَة الله وَذَهَبت عبَادَة الشَّيْطَان وَقَالَ ابْن عَبَّاس وجد رَسُول الله يَوْم الْفَتْح حول الْبَيْت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً كَانَت لقبائل الْعَرَب يحجون إِلَيْهَا وينحرون لَهَا فَشَكا الْبَيْت إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ أَي ربِّ حَتَّى مَتى تعبد هَذِه الْأَصْنَام حَولي دُونك فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 سأحدث لَك نوبَة جَدِيدَة يدفُّونَ إِلَيْك دفوف النسور ويحنون إِلَيْك حنين الطير إِلَى بيضها لَهُم عجيج حولك بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ وَلما نزلت الْآيَة يَوْم الْفَتْح قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لرَسُول الله خُذ مخصرتك ثمَّ ألقها فَجعل يَأْتِي الصَّنَم فيطعن فِي عينه أَو بَطْنه بمخصرته وَيَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَينكب الصَّنَم لوجهه حَتَّى أَلْقَاهَا جَمِيعًا وَبَقِي صنم خُزَاعَة فَوق الْكَعْبَة وَكَانَ من قَوَارِير صفر فَقَالَ يَا عَليّ ارمِ بِهِ فَحَمله عَليّ حَتَّى صعد ورمَى بِهِ وكسره فَجعل أهل مَكَّة يتعجبون مِنْهُ انْتهى وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما قدم أَبى أَن يدْخل الْبَيْت وَفِيه الْآلهَة فَأمر بهَا فأخرجَتْ فأخرجوا صُورَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل فِي أَيْدِيهِمَا الأزلام يَعْنِي القداح الَّتِي كَانُوا يستقسمون بهَا فَقَالَ رَسُول الله قَاتلهم الله أما وَالله لقد علمُوا أَنَّهُمَا لم يستقسما بهَا قطّ فَدخل الْبَيْت وَكبر فِي نواحيه وَلم يصل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَعَن ابْن عمر قَالَ أقبل رَسُول الله عَام الْفَتْح على نَاقَته القَصْوَاء وَهُوَ مردف أُسَامَة حَتَّى أَنَاخَ بِفنَاء الْكَعْبَة ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن طَلْحَة فَقَالَ ائْتِنِي بالمفتاح فَذهب إِلَى أمه فَأَبت أَن تعطيه فَقَالَ لتعطينه أَو ليخرجن هَذَا السَّيْف من صلبي فَأَعْطَتْهُ إِيَّاه فجَاء بِهِ إِلَى النَّبِي فَدفعهُ إِلَيْهِ فَفتح الْبَاب رَوَاهُ مُسلم وروى الفاكهي من طَرِيق ضَعِيفَة عَن ابْن عمر أَيْضا قَالَ كَانَ بَنو طَلْحَة يَزْعمُونَ أَنه لَا يَسْتَطِيع أحد فتح الْكَعْبَة غَيرهم فَأخذ رَسُول الله الْمِفْتَاح فَفَتحهَا بِيَدِهِ وَعُثْمَان الْمَذْكُور هُوَ عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة بن عبد الْعزي وَيُقَال لَهُ الحَجَبي بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْجِيم وَبَنوهُ يعْرفُونَ الْآن بالشيبيين نِسْبَة إِلَى شيبَة بن عُثْمَان ابْن أبي طَلْحَة وَهُوَ ابْن عَم عُثْمَان وَعُثْمَان هَذَا لَا وَلَدَ لَهُ وَله صُحْبَة وَرِوَايَة وَاسم أم عُثْمَان سُلآفَة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَفِي الطَّبَقَات لِابْنِ سعد عَن عُثْمَان بن طَلْحَة قَالَ كُنَّا نفتح الْكَعْبَة فِي الْجَاهِلِيَّة يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَأقبل النَّبِي يَوْمًا يُرِيد أَن يدْخل الْكَعْبَة مَعَ النَّاس فأغلطت لَهُ ونلت مِنْهُ فحلم عَليّ ثمَّ قَالَ يَا عُثْمَان لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شئتُ فَقلت لقد هلكَتْ قُرَيْش يَوْمئِذٍ وذلَتْ قَالَ بل عمرت وعزت يَوْمئِذٍ وَدخل الْكَعْبَة فوَقعت كَلمته مني موقعاً ظَنَنْت أَن الْأَمر يَوْمئِذٍ سيصير إِلَى مَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح قَالَ يَا عُثْمَان ائْتِنِي بالمفتاح فَأَتَيْته بِهِ فَأَخذه منى ثمَّ دَفعه إِلَيّ وَقَالَ خذوها خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا ظَالِم يَا عُثْمَان إِن الله استأمنكم على بَيته فَكُلُوا مِمَّا يصل إِلَيْكُم من هَذَا الْبَيْت بِالْمَعْرُوفِ فَلَمَّا وليت ناداني فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقَالَ ألم يكن الَّذِي قلت لَك قَالَ فَذكرت قَوْله فِي بِمَكَّة قبيل الْهِجْرَة لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شِئْت قلت بلَى أشهد أَنَّك رَسُول الله وَفِي التفسر أَن هَذِه الْآيَة {إِن اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} نزلت فِي عُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يَأْتِيهِ بمفتاح الْكَعْبَة فَأبى عَلَيْهِ وأغلق بَاب الْبَيْت وَصعد إِلَى السَّطْح وَقَالَ لَو علمت أَنه رَسُول الله لم أمْنَعهُ فَلوى عَليّ يَده وَأخذ مِنْهُ الْمِفْتَاح وَفتح الْبَاب قلت يتَعَيَّن أَن يكون المُرَاد بِالْبَيْتِ فِي وأغلق بَاب الْبَيْت بيتَ نفسِهِ إِذْ لَو كَانَ المُرَاد بِالْبَيْتِ الْكَعْبَة لَا يُمكن عليا كرم الله وَجهه لَيُ يَده وَأما فِي بَيت نَفسه فَيمكن ذَلِك بِنَحْوِ قلع الْبَاب أَو كَسره وَالله أعلم فَدخل الْبَيْت فَلَمَّا خرج سَأَلَهُ الْعَبَّاس أَن يُعْطِيهِ الْمِفْتَاح وَيجمع لَهُ بَين السِّقَايَة والسدانة فَأنْزل الله الْآيَة وَأمر عليا أَن يرد الْمِفْتَاح إِلَى عُثْمَان وَيعْتَذر إِلَيْهِ فَفعل ذَلِك عَليّ فَقَالَ أكرهت وَآذَيْت ثمَّ جِئْت ترفق فَقَالَ عَليّ لقد أنزل الله فِي شَأْنك وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَة فَقَالَ عُثْمَان أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فجَاء جِبْرِيل فَقَالَ مَا دَامَ هَذَا الْبَيْت أَو لبنة من لبنَاته قَائِمَة فَإِن الْمِفْتَاح والسدانة فِي أَوْلَاد عُثْمَان فَكَانَ الْمِفْتَاح مَعَه فَلَمَّا مَاتَ دَفعه إِلَى شيبَة فالمفتاح والسدانة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 أَوْلَادهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ ابْن ظفر فِي ينبوع الْحَيَاة قَوْله وَلَو أعلم أَنه رَسُول الله لم أمْنَعهُ هَذَا وهم لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن أسلم فَلَو قَالَ هَذَا كَانَ مُرْتَدا وَعَن الْكَلْبِيّ لما طلب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمِفْتَاح من عُثْمَان مد بِهِ يَده إِلَيْهِ فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله اجْعَلْهَا مَعَ السِّقَايَة فَقبض عُثْمَان يَده بالمفتاح فَقَالَ لَهُ إِن كنت يَا عُثْمَان تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فهاته فَقَالَ هاكه بالأمانة فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَنزلت الْآيَة قَالَ ابْن ظفر وَهَذَا أولى بِالْقبُولِ وَفِي رِوَايَة لمُسلم دخل رَسُول الله هُوَ وَأُسَامَة بن زيد وبلال وَعُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي فأغلقوا عَلَيْهِم الْبَاب قَالَ ابْن عمر فَلَمَّا فتحُوا كنت أول من ولج فَلَقِيت بِلَالًا فَسَأَلته هَل صلى فِيهِ رَسُول الله قَالَ نعم بَين العمودين اليمانيين وَذهب عني أَن أسأله كم صلى وَفِي رِوَايَات البُخَارِيّ جعل عموداً عَن يسَاره وعموداً عَن يَمِينه وَثَلَاثَة أعمدة وَرَاءه وَلَيْسَ بَين الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالفَة لَكِن قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَكَانَ الْبَيْت يَوْمئِذٍ على سِتَّة أعمدة كَأَنَّهُ يشْعر بِكَوْن مَا عَن يَمِينه أَو يسَاره كَانَ اثْنَيْنِ وَلِهَذَا أعقبه البُخَارِيّ بِرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس الَّتِي قَالَ فِيهَا عمودين عَن يَمِينه وَيُمكن الْجَمِيع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ حَيْثُ ثَنَّى أَشَارَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْبَيْت فِي زَمَنه وَحَيْثُ أفرد أَشَارَ إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ بعد ذَلِك ويرشد إِلَيْهِ قَوْله وَكَانَ الْبَيْت يومئد لِأَن فِيهِ إشعاراً بِأَنَّهُ تغير عَن هَيئته الأولى وَيحْتَمل أَن يُقَال لم تكن الأعمدة الثَّلَاثَة على سمت وَاحِد بل اثْنَان على سمت وَالثَّالِث على غير سمتهما وَلَفظ الْمُتَقَدِّمين فِي إِحْدَى رِوَايَات البُخَارِيّ مشْعر بذلك وَفِي رِوَايَة لمُسلم جعل عمودين عَن يسَاره وعموداً عَن يَمِينه عكس رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي وَبشر بن عَمْرو فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَجمع بعض الْمُتَأَخِّرين بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَال تعدد الْوَاقِعَة وَهُوَ بعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 لِاتِّحَاد مخرج الحَدِيث وَقد جزم الْبَيْهَقِيّ بترجيح رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْن الْعَرَبِيّ والقعنبي وَأَبُو مُصعب وَمُحَمّد بن الْحسن وَأَبُو حذافة وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي وَابْن مهْدي فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا انْتهى مخلصا من فتح الْبَارِي وَقد بَين مُوسَى بن عقبَة فِي رِوَايَته عَن نَافِع أَن بَين موقفه وَبَين الْجِدَار الَّذِي استقبله قريب من ثَلَاثَة أَذْرع وَجزم بِرَفْع هَذِه الزِّيَادَة مَالك عَن نَافِع فِيمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْغَزْو وَلَفظه وَصلى بَينه وَبَين الْقبْلَة ثَلَاثَة أَذْرع وَفِي كتاب مَكَّة للفاكهي والأزرقي أَن مُعَاوِيَة سَأَلَ ابْن عمر أَيْن صلى رَسُول الله فَقَالَ اجْعَل بَيْنك وَبَين الْجِدَار ذراعين أَو ثَلَاثَة فعلى هَذَا يَنْبَغِي لمن أَرَادَ الِاتِّبَاع فِي ذَلِك أَن يَجْعَل بَينه وَبَين الْجِدَار ثَلَاثَة أَذْرع فَإِنَّهُ تقع قدماه فِي مَكَان قَدَمَيْهِ إِن كَانَ ثَلَاثَة سَوَاء وَتَقَع ركبتاه أَو يَدَاهُ أَو وَجهه فِي مَحلهمَا إِن كَانَ أقل من ثَلَاثَة أَذْرع وَالله أعلم وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَخْبرنِي أُسَامَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما دخل البَيتَ دَعَا فِي نواحيه كلهَا وَلم يصل فِيهِ حَتَّى خرج فَلَمَّا خرج ركع قبل الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ هَذِه الْقبْلَة // (رَوَاهُ مُسلم) // وَالْجمع بَينه وَبَين حَدِيث ابْن عمر أَن أُسَامَة أخبرهُ أَن النَّبِي صلى فِي الْكَعْبَة كَمَا رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِأَن أُسَامَة حَيْثُ أثبتها اعْتمد فِي ذَلِك على غَيره وَحَيْثُ نفاها أَرَادَ مَا فِي علمه لكَونه لم يره حِين صلى وبكون ابْن عمر ابْتَدَأَ بِلَالًا بالسؤال ثمَّ أَرَادَ زِيَادَة الاستثبات فِي مَكَان الصَّلَاة فَسَأَلَ أُسَامَة أَيْضا وَقَالَ النَّوَوِيّ قد أجمع أهل الحَدِيث على الْأَخْذ بِرِوَايَة بِلَال لِأَنَّهُ مُثبت فمعه زِيَادَة علم فَوَجَبَ تَرْجِيحه قَالَ وَأما نفي أُسَامَة فَيُشبه أَنهم لما دخلُوا الْكَعْبَة أغلقوا الْبَاب وَاشْتَغلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأى أُسَامَة النَّبِي يَدْعُو ثمَّ اشْتغل أُسَامَة فِي نَاحيَة من نواحي الْبَيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وَالنَّبِيّ فِي نَاحيَة أُخْرَى وبلال قريبٌ مِنْهُ ثمَّ صلى النَّبِي فَرَآهُ بِلَال لقُرْبه مِنْهُ وَلم يره أُسَامَة لبعده واشتغاله وَكَانَت صلَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَفِيفَة فَلم يرهَا أُسَامَة لإغلاق الْبَاب مَعَ بعده واشتغاله بِالدُّعَاءِ وَجَاز لَهُ نَفيهَا عملا بظنه وَأما بِلَال فتحققها وَأخْبر بهَا انْتهى وتعقبوه بِمَا يطول ذكره وَأقرب مَا قيل فِي الْجمع أَنه صلى فِي الْكَعْبَة لما غَابَ عَنهُ أُسَامَة من الْكَعْبَة لأمر نَدبه إِلَيْهِ وَهُوَ أَن يَأْتِي بِمَاء يمحو بِهِ الصُّور الَّتِي كَانَت فِي الْكَعْبَة فَأثْبت الصَّلَاة بِلَال لرُؤْيَته لَهَا ونفاها أُسَامَة لعدم رُؤْيَته وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ دخلت على رَسُول الله فِي الْكَعْبَة وَرَأى صُورَة فَدَعَا بِدَلْو من مَاء فَأَتَيْته بِهِ فَجعل يمحوها وَيَقُول قَاتل الله قوما يصورُونَ مَا لَا يخلقون وَرِجَاله ثِقَات وَأفَاد الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة أَن خَالِد بن الْوَلِيد كَانَ على بَاب الْكَعْبَة يذب عَنهُ النَّاس وَفِي البُخَارِيّ أَنه أَقَامَ خمس عشرَة لَيْلَة وَفِي رِوَايَة تسع عشرَة وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد سبع عشرَة وَعند التِّرْمِذِيّ ثَمَانِي عشرَة وَفِي الإكليل أَصَحهَا بضع عشرَة يقصر الصَّلَاة وَقَالَ الفاسي فِي تَارِيخ مَكَّة كَانَ فتح مَكَّة لعشر لَيَال بَقينَ من شهر رَمَضَان وَكَانَ مِمَّا قيل من الشّعْر فِي ذَلِك قَول حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ // (من الوافر) // (عَفَتْ ذَاتُ الأَصَابعِ فَالْجِوَاءُ ... إِلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلاَءُ) (دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ... تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ وَالسَّمَاءُ) (وَكَانَتْ لاَ يَزَالُ بِهَأ أَنِيسٌ ... خِلاَلَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ) (فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ ... يُؤَرِّقُنِي إِذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ) (لِشَعْثَاءَ الَّتِي قد تَيَّمْتُه ... فَلَيْسَ لِقَلْبِه منْهَا شِفَاءُ) (كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 (عَلَى أنيابها أَو طعم غض ... من التفاحِ هصَّره الجناء) (إِذَا مَا الأشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا ... فَهُنَّ لِطَيِّبِ الرَّاحِ الْفِدَاءُ) (نولِّيهَا الْمَلاَمَةَ إِنْ أَلَمْنَا ... إِذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحاءُ) (وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكنَا مُلُوكًا ... وَأُسْداً مَا يُنْهْنِهُنَا اللِّقَاءُ) (عَدِمْنَا خَيْلَنَا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّفْعَ مَوْعِدُهَأ كَدَاءُ) (يُنَازِعْنَ الأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الأسَلُ الظِّمَاءُ) (تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ) (فَإِمَّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ) (وَإِلاَّ فَاصْبِروا لِجِلاَدِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ الله فِيهِ مَنْ يَشَاءُ) (وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ الله فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ) (وَقَالَ الله قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ إِنْ نَفَعَ الْبَلاَءُ) (شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدِّقُوهُ ... فَقُلْتُمْ لاَ نَقُومُ وَلاَ نَشَاءُ) (وَقَالَ الله قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الأنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ) (لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَوْ قَتَالٌ أوْ هِجَاءُ) (فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافي مَنْ هَجَانَا ... وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ) (أَلاَ بلِّغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي ... مُغَلْغَلةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ) (بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْداً ... وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الإِمَاءُ) (هَجَوْتَ مُحَمَّداً وَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِندَ اللِه فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ) (أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيركُمَا الْفِدَاءُ) (هَجَوْتَ مُبَارَكاً بَرًّا حَنِيفًا ... أَمِينَ الله شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ) (أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ) (فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ) (لِسَانِي صَارِمٌ لاَ عَيْبَ فِيهِ ... وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ) قَالَ ابْن هِشَام قَالَهَا حسان قبل الْفَتْح وَبَلغنِي عَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله لما رأى النِّسَاء يلطمنَ الْخَيل بِالْخمرِ تَبَسم إِلَى أبي بكر الصّديق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ أنس بن زنيم الديلِي يعْتَذر إِلَى رَسُول الله مِمَّا كَانَ قَالَ فيهم عَمْرو بن سَالم الْخُزَاعِيّ // (من الطَّوِيل) // (أأنْتَ الَّذِي تُهْدَى مَعَدٌّ بِأَمْرِهِ ... بَلِ اللهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَكَ اشْهَدِ) (وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحمَّدِ) (أَحَثَّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلاً ... إِذَا رَاحَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ الْمُهَنَّدِ) (وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ... وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ المُتجَرِّدِ) (تَعَلَّمْ رَسُولَ الله أَنَّكَ مُدْرِكِي ... وَأَنَّ وَعِيداً مِنْكَ كَالأخْذِ بِالْيَدِ) (تَعَلَّمْ رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قَادِرٌ ... عَلَى كُلِّ صِرْم مُتْهِمِينَ ومُنْجِدِ) (تَعَلَّمْ بِأَنَّ الرَّكْبَ رَكْبَ عُوَيْمِرٍ ... هُمُ الْكَاذِبُونَ المُخْلِفُو كُلِّ مَوْعِدِ) (وَنَبَّوْا رَسُولَ الله أَنِّي هَجَوتُهُ ... فَلاً حَمَلَتْ سَوطِي إِلَى إِذَن يَدِي) (سِوَى أننِي قَد قلت ويل أم فتية ... أصيبوا بنحس لَا بِطَلقٍ وَأسْعُدِ) (أصَابَهُمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً فَعَزَّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلُّدِي) (فَإِنَّكَ قَدْ أَخْفَرْتَ إِنْ كُنْتَ سَاعِياً ... بِعَبْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنَةَ مَهْوَدِ) (ذُوَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا ... جَمِيعاً فَإِلاَّ تَدْمَعِ الْعَيْنِ أَكْمَدِ) (وَسَلْمَى وَسَلْمَى لَيْسَ حَيٌّ كَمِثْلِهِ ... وَإِخْوتُهُ وَهَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ) (فَإِنّي لاَ دِينًا فَتَقْتُ وَلاَ دَمًا ... هَرَقْتُ تَبَيَّن عَالِمَ الْحَقِّ وَاقْصدِ) فَأَجَابَهُ بُدَيل بن عبد منَاف بن أم أَصْرَم فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (بَكَى أَنَسٌ رَزْنًا فَأَعْوَزَهُ الْبُكَا ... فَأَلاَّ عَدِيًّا إِذْ تُطَلُّ وَتَبْعُدُ) (بَكَيْتَ أَبَا عَبْسٍ لِقُرْبِ دِمَائِهَا ... فَتُعْذِرَ إِذْ لَا يُوقِدُ الْحَرْبَ مُوقِدُ) (أَصَابَهُمُ يَومَ الْخَنَادِمِ فِتْيَةٌ ... كِرامٌ فَسَلْ مِنْهُمْ نُفَيْلٌ وَمَعْبَدُ) (هُنَالِكَ إِنْ تُسْفَحْ دُمُوعُكَ لاَ تُلَمْ ... عَلَيْهِمْ وَإِن لَمْ تَدْمَعِ الْعَيْن فَاكْمَدُوا) قَالَ ابْن هِشَام وَهَذِه الأبيات فِي قصيدة لَهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ بُجَيرُ بن زُهَيْر بن أبي سلمى فِي يَوْم الْفَتْح // (من الوافر) // (نَفَى أَهْلَ الْحَبلَّقِ كُلَّ فَجٍّ ... مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وَبَنُو خُفَافِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 (ضَرَبْنَاهُمُ بمَكَّةَ يَوْمَ فَتْح النْنَبِيِّ ... الْخَيْرِ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ) (صَبحنَاهُمْ بِسَبْعٍ مِنْ سُلَيْمٍ ... وَأَلْفٍ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ وَافى) (نَطَا أَكْتَافَهُمْ ضَرْبًا وَطَعْنًا ... وَرَشْقًا بِالْمُرَيَّشَةِ اللِّطَافِ) (تَرَى بَيْنَ الصُّفُوفِ لَهَا حَفِيفًا ... كَما انْصَاعَ الْفُواقُ مِنَ الرِّصَافِ) (فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ تَجُولُ فِيهِمْ ... بِأَرْمِاح مُقَوَّمَةِ الثِّقَافِ) (فَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا ... وَآبُوا نَادِمينَ عَلَى الْخِلاَفِ) (وَأعْطَيْنَا رَسُولَ اللهِ مِنَّا ... مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التَّصَافِي) (وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمُّوا ... غَدَاةَ الرَّوْعِ مِنَّا بِانْصِرافِ) وفيهَا غَزْوَة حُنَين بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ وَاد فَوق ذِي الْمجَاز وَقيل بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاث لَيَال قرب الطَّائِف وَتسَمى غَزْوَة هوَازن وَذَلِكَ أَن النَّبِي لما فرغ من فتح مَكَّة وتمهيدها وَأسلم عَامَّة أَهلهَا مشت أَشْرَاف هوَازن وَثَقِيف بَعضهم إِلَى بعض وحشدوا وقصدوا محاربة الْمُسلمين وَكَانَ رئيسهم مَالك بن عَوْف النصري فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله من مَكَّة يَوْم السبت لست لَيَال خلون من شَوَّال فِي اثْنَي عشر ألفا من الْمُسلمين عشرَة آلَاف من أهل الْمَدِينَة وَأَلْفَانِ مِمَّن أسلم من أهل مَكَّة وهم الطُّلَقَاء يَعْنِي الَّذين خلى عَنْهُم يَوْم فتح مَكَّة وأطلقهم فَلم يسترقَهم واحدهم طليق فعيل بِمَعْنى مفعول وَهُوَ الْأَسير إِذا أطلق سَبيله كَمَا تقدم وَاسْتعْمل على مَكَّة عتاب بن أسيد وَخرج مَعَه ثَمَانُون من الْمُشْركين مِنْهُم صَفْوَان بن أُميَّة وَكَانَ اسْتعَار مِنْهُ مائَة درع بأداتها فوصل إِلَى حنين لَيْلَة الثُّلَاثَاء لعشر لَيَال خلون من شَوَّال فَبعث مَالك بن عَوْف ثَلَاثَة نفر يأتونه بِخَبَر أَصْحَاب رَسُول الله فَرَجَعُوا إِلَيْهِ وَقد تفرقَت أوصالهم من الرعب وَوجه رَسُول الله عبد الله بن أبي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ فَدخل عَسْكَرهمْ فَطَافَ بِهِ وَجَاء بخبرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَفِي حَدِيث سهل بن الحنظلية عِنْد أبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن أَنهم سَارُوا مَعَ رَسُول الله فأطنبوا السّير فجَاء رجل فَقَالَ انْطَلَقت بَين أَيْدِيكُم حَتَّى طلعت جبل كَذَا وَكَذَا فَإِذا أَنا بهوزان عَن بكرَة أَبِيهِم بظعنهم ونعمهم وشياههم اجْتَمعُوا إِلَى حنين فَتَبَسَّمَ وَقَالَ تِلْكَ غنيمَة الْمُسلمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوله عَن بكرَة أَبِيهِم كلمة للْعَرَب يُرِيدُونَ بهَا الْكَثْرَة وتوفر الْعدَد وَلَيْسَ هُنَاكَ بكرَة فِي الْحَقِيقَة وَهِي الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء فاستعيرَتْ هُنَا وَقَوله بظعنهم أَي بنسائهم واحدتها ظَعِينَة وأصل الظعينة الرَّاحِلَة الَّتِي ترحل ويظعن عَلَيْهَا أَي يسَار وَقيل للْمَرْأَة ظَعِينَة لِأَنَّهَا تظعن مَعَ زَوجهَا حَيْثُ مَا ظعن أَو لِأَنَّهَا تحمل على الرَّاحِلَة إِذا ظعنت وَقيل الظعينة الْمَرْأَة فِي الهودج ثمَّ قيل للْمَرْأَة بِلَا هودج وللهودج بِلَا امْرَأَة ظَعِينَة انْتهى روى يُونُس بن بكير فِي زِيَادَة الْمَغَازِي عَن الرّبيع قَالَ قَالَ رجل يَوْم حنين لن نُغلب الْيَوْم من قِلة فشق ذَلِك على النَّبِي ثمَّ ركب بغلته الْبَيْضَاء الدلْدل وَلبس درعين والمغفر والبيضة فَاسْتَقْبَلَهُمْ من هوزان مَا لم يرَوا مثله قَط من السوَاد وَالْكَثْرَة وَذَلِكَ فِي غبش الصُّبْح وَخرجت الْكَتَائِب من مضيق الْوَادي فحملوا حَملَة وَاحِدَة فَانْكَشَفَتْ خيل بني سليم مولية وتبعهم أهل مَكَّة وَالنَّاس فَقَالَ أَخُو صَفْوَان بن أُميَّة غلبت هوَازن لَا يرد هاربهم إِلَّا الْبَحْر فَقَالَ لَهُ صَفْوَان أَخُوهُ بفيكَ الكِثْكِثُ لأنْ يَرُبني رجل من قُرَيْش خير لي من أَن يربنِي رجل من هوَازن رئيسهم مَالك بن عَوْف وَلم يثبت مَعَه يَوْمئِذٍ إِلَّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وعَلى بن أبي طَالب وَالْفضل بن الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَأَبُو بكر وَعمر وَأُسَامَة بن زيد فِي أنَاس من أهل بَيته وَأَصْحَابه قَالَ الْعَبَّاس وَأَنا آخذ لجام بغلته أكُفها مَخَافَة أَن تصل إِلَى الْعَدو لِأَنَّهُ كَانَ يتَقَدَّم فِي نحر الْعَدو وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بركابه وَجعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول للْعَبَّاس نَاد يَا معشر الْأَنْصَار يَا أَصْحَاب السمُرَةِ يَعْنِي شَجَرَة بيعَة الرضْوَان الَّتِي بَايعُوهُ تحتهَا إِلَّا يَفروا عَنهُ فَجعل يُنَادي تَارَة يأهل السمرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وَتارَة يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة وَكَانَ الْعَبَّاس رجلا صيتًا فَلَمَّا سمع الْمُسلمُونَ نِدَاء الْعَبَّاس أَقبلُوا كَأَنَّهُمْ الْإِبِل إِذا حنت على أَوْلَادهَا يَقُولُونَ يَا لبيْك يَا لبيْك فتراجعوا إِلَى رَسُول الله حَتَّى إِن الرجل مِنْهُم إِذا لم يطاوعه بعيره على الرُّجُوع انحدر عَنهُ وأرسله فَرجع بِنَفسِهِ إِلَى رَسُول الله فَأَمرهمْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن الحملة فَاقْتَتلُوا مَعَ الْكفَّار فَأَشْرَف رَسُول الله فَنظر إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ الْآن حَمِيَ الوَطِيسُ وَهُوَ التنورُ وَلم تسمع من أحد قبل النَّبِي وَتَنَاول حَصَيَات من الأَرْض ثمَّ قَالَ شَاهَت الْوُجُوه أَي قبحت وَرمى بهَا فِي وَجه الْمُشْركين فَمَا خلق الله مِنْهُم إنْسَانا إِلَّا مَلأ عَيْنَيْهِ من تِلْكَ القبضة وَفِي رِوَايَة مُسلم قَبْضَة من تُرَاب من الأَرْض فَيحْتَمل أَنه رمى بذا مرّة وبالأخرى أُخْرَى وَيحْتَمل أَن يكون أَخذ قَبْضَة وَاحِدَة مخلوطة من حَصى وتراب وَلأَحْمَد وأبى دَاوُد والدارمي من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن الفِهري فِي قصَّة حنين فولى الْمُسلمُونَ مُدبرين كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ وليتم مُدبرين} فَقَالَ رَسُول الله أَنا عبد الله أَنا عبد الله وَرَسُوله ثمَّ اقتحَمَ عَن فرسه وَأخذ كَفاً من تُرَاب قَالَ فَأَخْبرنِي الَّذِي كَانَ أدنى إِلَيْهِ مني أَنه ضرب وُجُوههم وَقَالَ شَاهَت الْوُجُوه فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى قَالَ يعلى بن عَطاء رِوَايَة عَن أبي همام عَن أبي عبد الرَّحْمَن الفِهري فَحَدثني أبناؤهم عَن آبَائِهِم قَالُوا لم يبْق منا أحد إِلَّا امتلأتْ عَيناهُ وفمه تُرَابا وَسَمعنَا صلصلةَ من السَّمَاء كإمرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد بِالْجِيم قَالَ فِي النِّهَايَة وصف الطست وَهِي مُؤَنّثَة بالجديد وَهُوَ مُذَكّر إِمَّا لِأَن تأنيثها غير حَقِيقِيّ فأوله على الْإِنَاء والظرف أَو لِأَن فعيلاً يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث بِلَا عَلامَة تَأْنِيث كَمَا يُوصف بِهِ الْمُذكر نَحْو امْرَأَة قَتِيل انْتهى وَلأَحْمَد وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن مَسْعُود فحادت بِهِ بغلته فَمَال السرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 فَقلت ارْتَفع ارتفعك رفعَكَ الله فَقَالَ ناولني كَفاً من تُرَاب فَضرب وُجُوههم وامتلأت أَعينهم تُرَابا وَجَاء الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار سيوفهم بأيمانهم كَأَنَّهَا الشهب فولى الْمُشْركُونَ الأدبار وروى أَبُو جَعْفَر بن جرير بِسَنَدِهِ عَن عبد الرَّحْمَن مولى أم برثن عَن رجل كَانَ فِي الْمُشْركين يَوْم حنين قَالَ لما الْتَقَيْنَا نَحن وَأَصْحَاب رَسُول الله يَوْم حنين لم يقومُوا لنا حلب شَاة فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ جعلنَا نسوقهم فِي آثَارهم حَتَّى انتهينا إِلَى صَاحب البغلة الْبَيْضَاء فَإِذا هُوَ رَسُول الله قَالَ فتلقانا عِنْده رجال بيض الْوُجُوه حسان فَقَالُوا لنا شَاهَت الْوُجُوه ارْجعُوا قَالَ فَانْهَزَمْنَا وركبوا أكتافنا وَفِي سيرة الدمياطي كَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَة يَوْم حنين عمائم حَمْرَاء أرخَوهَا بَين أكتافهم وَفِي البُخَارِيّ عَن الْبَراء سَأَلَهُ رجل من قيس أَفَرَرْتُم عَن رَسُول الله فَقَالَ لَكِن رَسُول الله لم يفر كَانَ هوَازن رُمَاة وَإِنَّا لما حملنَا عَلَيْهِم انكشفوا فأكببنا على الْغَنَائِم فَاسْتقْبلنَا بِالسِّهَامِ وَلَقَد رَأَيْت النَّبِي على بغلته الْبَيْضَاء وَإِن أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بزمامها يوكلها فيدفعها فِي نحر الْعَدو وَهُوَ يَقُول // (من مجزوء الرجز) // (أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ) وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن صفة النُّبُوَّة يَسْتَحِيل مَعهَا الْكَذِب فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنا النبيُ والنبيُ لَا يكذب فلستُ بكاذب فِيمَا أَقُول حَتَّى انْهَزمُوا بل أَنا مُتَيَقن أَن الَّذِي وَعَدَني الله بِهِ من النَّصْر حق فَلَا يجوز عَليّ الْفِرَار وَأما مَا فِي رِوَايَة مُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع من قَوْله فَارْجِع مُنْهَزِمًا إِلَى قَوْله مَرَرْت على رَسُول الله مُنْهَزِمًا فَقَالَ لقد رأى ابْن الْأَكْوَع فَزعًا فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 الْعلمَاء قَوْله مُنْهَزِمًا حَال من ابْن الْأَكْوَع كَمَا صرح أَولا بانهزامه وَلم يرد أَن النَّبِي انهزَمَ وَقد قَالَت الصَّحَابَة كلهم إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا انهزم وَلم ينْقل أحد قطّ أَنه انهزم فِي موطن من المواطن وَقد نقلوا إِجْمَاع الْمُسلمين على أَنه لَا يجوز أَن يعْتَقد انهزامه وَلَا يجوز ذَلِك عَلَيْهِ بل كَانَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذين ببغلته يَكُفَّانها عَن إسراع التَّقَدُّم إِلَى الْعَدو وَقد تقدم فِي غَزْوَة أحد مَا نسب لِابْنِ المرابط من الْمَالِكِيَّة مِمَّا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء أَن من قَالَ إِن النَّبِي هزم يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وغلا قتل وَإِن الْعَلامَة الْبِسَاطِيّ تعقبه بِمَا لَفظه هَذَا الْقَائِل إِن كَانَ يُخَالف فِي أصل الْمَسْأَلَة يَعْنِي حكم الساب فَلهُ وَجه وَإِن وَافق على أَن الساب لَا تقبل تَوْبَته فمشكل انْتهى قَالَ بَعضهم وَقد كَانَ ركُوبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام البغلة فِي هَذَا الْمحل الَّذِي هُوَ مَوضِع الْحَرْب والطعن وَالضَّرْب تَحْقِيقا لنبوته لما كَانَ الله تَعَالَى خصّه بِهِ من مزِيد الشجَاعَة وَتَمام الْقُوَّة وَإِلَّا فالبغال عَادَة من مراكب الطُّمَأْنِينَة وَلَا يصلح لموطن الْحَرْب فِي الْعَادة إِلَّا الْخَيل فَبين عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن الْحَرْب عِنْده كالسلم قوةَ قلب وشجاعة نَفسِ وثقة وتوكلاً على الله تَعَالَى وَقد ركبت الْمَلَائِكَة فِي الْحَرْب مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْخَيل لَا غير لِأَنَّهَا بصدد ذَلِك عرفا دون غَيرهَا من المركوبات وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ فِي الْحَرْب إِلَّا للخيل والسر فِي ذَلِك أَنَّهَا المخلوقة للكر والفر بِخِلَاف البغال وَالْإِبِل انْتهى وَعند ابْن أبي شيبَة من مُرْسل الحكم بن عتيبة لم يبْق مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا أَرْبَعَة نفر ثَلَاثَة من بني هَاشم ورجلاً من غَيرهم عَليّ وَالْعَبَّاس بَين يَدَيْهِ وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بالركاب وَابْن مَسْعُود من الْجَانِب الآخر وَلَيْسَ يقبل نَحوه أحد إِلَّا قتل وَفِي التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث ابْن عمر لقد رَأَيْتنَا يَوْم حنين وَإِن النَّاس لمولون وَمَا مَعَ رَسُول الله مائَة رجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَفِي شرح مُسلم للنووي إِنَّه ثَبت مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اثْنَا عشر رجلا وَكَأَنَّهُ أَخذه من قَول ابْن إِسْحَاق وَوَقع فِي شعر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَن الَّذين ثبتوا مَعَه كَانُوا عشرَة فَقَط وَذَلِكَ لقَوْله // (من الطَّوِيل) // (نَصَرْنَا رَسُولَ اللهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةً ... وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا) (وَعَاشِرُنَا لآقَى الحِمَامَ بِنَفْسِهِ ... لِمَا مَسَّهُ فِي الله لاَ يَتَوَجُّعُ) وَقد قَالَ الطَّبَرَانِيّ الانهزام المنهيُّ عَنهُ هُوَ مَا وَقع على غير نِيَّة الْعود وَأما الاستطراد للكرة فَهُوَ كالتحيز إِلَى فِئَة وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام // (من مجزوء الرجز) // (أَنَّا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَّا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ) فَقَالَ الْعلمَاء إِنَّه لَيْسَ بِشعر لِأَن الشَّاعِر إِنَّمَا سمي شَاعِرًا لوجوه مِنْهَا أَنه شعر الْمَقُول وقصده واهتدى إِلَيْهِ وأتى بِهِ كلَاما مَوْزُونا على طَريقَة الْعَرَب مقفُّى فَإِن خلا من هَذِه الْأَوْصَاف أَو بَعْضهَا لم يكن شعرًا وَلم يكن قَائِله شَاعِرًا وَالنَّبِيّ لم يقصدْ بِكَلَامِهِ ذَلِك الشّعْر وَلَا أَرَادَهُ فَلَا يعد شعرًا وَإِن كَانَ مَوْزُونا وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنا ابْن عبد الْمطلب وَلم يقل أَنا ابْن عبد الله فَأُجِيب بِأَن شهرته بجده كَانَت أَكثر من شهرته بِأَبِيهِ لِأَن أَبَاهُ توفّي فِي حَيَاة أَبِيه عبد الْمطلب قبل مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ عبد الْمطلب مَشْهُورا شهرة ظَاهِرَة شائعة وَكَانَ سيد قُرَيْش وَكَانَ كثير من النَّاس يدعونَ النَّبِي ابْن عبد الْمطلب ينسبونه إِلَى جده لشهرته وَمِنْه حَدِيث ضمام بن ثَعْلَبَة فِي قَوْله أَيّكُم ابْن عبد الْمطلب وَقيل غير هَذَا وَأمر النَّبِي أَن يقتل من قدر عَلَيْهِ وأفضى الْمُسلمُونَ فِي الْقَتْل إِلَى الذُّرِّيَّة فنهاهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن ذَلِك وَقَالَ من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه واستلبَ طَلْحَة وَحده ذَلِك اليومَ عشرينَ رجلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 قَالَ ابْن الْقيم فِي الْهَدْي النَّبَوِيّ كَانَ الله تَعَالَى وعد رَسُوله إِذا فتح مَكَّة دخل النَّاس فِي دين الله أَفْوَاجًا ودانت لَهُ الْعَرَب بأسرها فَلَمَّا تمّ الْفَتْح الْمُبين اقْتَضَت حكمته أَن أمسك قُلُوب هوَازن وَمن تبعها عَن الْإِسْلَام وَأَن يتجمعوا ويتألبوا لحربه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ليظْهر أمره تَعَالَى وَتَمام إعزازه لرَسُوله وَنَصره لدينِهِ ولتكون غنائمهم شكراناً لأهل الْفَتْح وليظهر الله تَعَالَى رَسُوله وعباده وقهره لهَذِهِ الشَّوْكَة الْعَظِيمَة الَّتِي لم يلق الْمُسلمُونَ قبلهَا مثلهَا وَلَا يقاومهم بعدُ أحَد من الْعَرَب فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أَن أذاق الْمُسلمُونَ أَولا مرَارَة الْهَزِيمَة والكسرة مَعَ كَثْرَة عَدَدِهْم وعددهم وَقُوَّة شوكتهم ليطامن رُءُوسًا رفعت بِالْفَتْح وَلم تدخل بَلَده وَحرمه كَمَا دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاضِعا رَأسه منحنياً على مركوبه تواضعاً لرَبه وخضوعاً لعظمته أَن أحل لَهُ بَلَده وَلم يحله لأحد قبله وَلَا لأحد بعده ليبينَ سُبْحَانَهُ لمن قَالَ لن نُغلب الْيَوْم من قلَّة أَن النَّصْر إِنَّمَا هُوَ من عِنْد الله تَعَالَى وَأَنه من ينصره فَلَا غالبَ لَهُ وَمن يَخْذُلهُ فَلَا نَاصِر لَهُ وَأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي تولى نصر رَسُوله وَدينه لَا كثرتكم الَّتِي أَعجبتكُم فَإِنَّهَا لن تغني عَنْكُم شَيْئا فوليتم مُدبرين فَلَمَّا انكسرَتْ قلوبهمِ أرْسلت خلِع الْجَبْر من بريد {أنزَلَ اللهُ سَكيِنتَه عَلىَ رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وَأنزل جُنُودا لم تَرَوْهَا} وَقد اقْتَضَت حكمته تَعَالَى أَن خِلَعَ النصرِ وجوائزه إِنَّمَا تفاض على أهل الانكسار {وَنرُيد أَن نمُنَّ عَلَى الَذِينَ أستُضعِفُوا فيِ الأرضِ} قَالَ وبهاتين الغزاتين أَعنِي حنيناً وبدراً قَاتَلت الْمَلَائِكَة بأنفسها مَعَ الْمُسلمين وَرمى رَسُول الله وَجه الْمُشْركين فيهمَا انْتهى وَأمر بِطَلَب الْعَدو فَانْتهى بَعضهم إِلَى الطَّائِف نَحْو نَخْلَة وَقوم مِنْهُم إِلَى أَوْطَاس اسْم مَكَان وَقتل من الْمُشْركين أَكثر من سبعين قَتِيلا وَمِمَّا قيل من الشّعْر فِي غَزْوَة حنين قَول الْعَبَّاس بن مرداس يذكر قَارب بن الْأسود وفراره من بني أَبِيه وَذَا الْخمار وحبسه قومه للْمَوْت // (من الوافر) // (أَلاَ منْ مُبْلِغ غَيْلاَنَ عَنِّي ... وَسَوْفَ إِخَالُ يَأْتِيهِ الْخَبِيرُ) (وَعُرْوَةَ إِنَّمَا أُهْدِي جَوَاباً ... وَقَوْلاَ غَيْرَ قَوْلَكُمَا يَسِيرُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 (بِأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدٌ رَسُولٌ ... لِرَبٍّ لاَ يَضِلُّ وَلاَ يَجُورُ) (وَجَدْنَاهُ نَبِيًّا مِثْلَ مُوسى ... فَكُلُّ فَتًى يُخَايِرُهُ مَخِيرُ) (وَبِئْسَ الأَمْرُ أَمْرُ بَنِي قَسِيٍّ ... بِوَجٍّ إِذْ تُقُسِّمَتِ الأُمُورُ) (أَضَاعُوا أَمْرَهُمْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ ... أَمِيرٌ وَالدَّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ) (فَجِئْنَا أُسْدَ غَابَاتٍ إلَيْهِمْ ... جُنُودُ الله ضَاحِيَةً تَسِيرُ) (نَؤُمُّ الْجَمْعَ جَمعَ بَنِي قَسيٍّ ... عَلَى حَنَقٍ نَكَادُ لَهُ نَطِيرُ) (وَأُقْسِمُ لَوْ هُمُو مَكَثُوا لَسِرْنَا ... إِلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ ولَمْ يَغُورُوا) (فَكُنَّا أُسْدَ لِيَّةَ ثَمَّ حَتَّى ... أَبَحْنَاهَا وأُسْلمتِ النُّصُورُ) (وَيَومٌ كَانَ قَبْلُ لَدَى حُنَيْنٍ ... فَأَقْلَعَ وَالدَّمَاءُ بِهِ تَمُورُ) (مِنَ الأَيَّامِ لَمْ تَسْمَعْ كَيَوْمٍ ... وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ قَوْمٌ ذُكُورُ) (قَتَلْنَا فِي الْغُبَارِ بَنِي حُطَيْطٍ ... عَلَى رَايَاتِهَا والْخَيْلُ زُورُ) (وَلَمْ يَكُ ذُو الْخِمَارِ رَئيسَ قَوْمٍ ... لَهُمْ عَقْلٌ يُعَاتَبُ أَوْ نَكِيرُ) (أَقَامَ بِهِمْ عَلَى سَنَنِ الْمَنَايَا ... وَقَد بَانَتْ لمبْصِرِهَا الأُمُورُ) (فَأفْلَتَ مَنْ نَجَا مِنْهُمْ جَرِيضاً ... وَقُتِّلَ مِنْهُمُ بَشَرٌ كَثِيرُ) (وَلاَ يُغْنِي الأُمُور أَخُو التَّوَانِي ... وَلاَ الْغَلِقُ الصُّرَيِّرَةُ الْحَصُورُ) (أَحَانَهُمُ وَحَانَ وَمَلَّكُوهُ ... أُمُورَهُمُ وَأفْلَتَتِ الصُّقُورُ) (بَنُو عَوْفٍ تَمِيحُ بِهِم جِيَادٌ ... أُهِينَ لَها الْفَصَافِصُ وَالشَّعِيرُ) (فَلَوْلاَ قَاربٌ وَبَنُو أبِيهِ ... تُقُسِّمَتِ الْمَزَارِعُ والْقُصُورُ) (وَلكِنَّ الرِّيَاسَةَ عُمِّمُوهَا ... عَلَى يُمْنٍ أشَارَ بِهِ الْمُشِيرُ) (أطَاعُوا قارِبًا وَلَهُمْ جُدُودٌ ... وَأَحْلاَمٌ إلَى عِزٍّ تَصِيرُ) (فَإِنْ يُهْدَوْا إِلَى الإِسْلاَمِ يُلْفَوْا ... أُنُوفَ النَّاسِ مَا سَمَرَ السَّمِيرُ) (وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَهُمُ أَذَانٌ ... بِحَرْبِ اللهِ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيرُ) (كَمَا حَكَّتْ بَنِي سَعْدٍ وَحَرْبٌ ... بِرهْطِ بَنِي غَزِيَّةَ عَنْقَفِيرُ) (كَأّنَّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ ... إِلَى الإسْلاَمِ ضَائِنَةٌ تَخُورُ) (فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْ ... وَقَدْ بَرِئَتْ مَنَ الإِحَنِ الصدُورُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 (كَأّنَّ الْقَومَ إِذْ جَاءُوا إِلَيْنَا ... مِنَ الْبَغْضَاءِ بَعْدَ السِّلْمِ عُورُ) قَالَ ابْن هِشَام غيلَان غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ وَعُرْوَة عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَلما انهزم الْمُشْركُونَ أَتَوا الطَّائِف وَمَعَهُمْ مَالك بن عَوْف وعسكر بَعضهم بأوطاس وَتوجه بَعضهم نَحْو نَخْلَة وَلم يكن فِيمَن توجه نَحْو نَخْلَة إِلَّا بَنو غيرَة من ثَقِيف وتبعت خيل رَسُول الله من سلك فِي نَخْلَة من النَّاس وَلم تتبع من سلك الثنايا فَأدْرك ربيعةُ بن رفيع بن أهبان بن ثَعْلَبَة بن ربيعَة ابْن يَرْبُوع بن سماك بن عَوْف بن امرىء الْقَيْس وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن الدغنة وَهِي أمه فَغلبَتْ على اسْمه وَيُقَال ابْن لذغة فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام دُرَيْد ابْن الصمةِ فَأخذ بِخِطَام جمله وَهُوَ يظنّ أَنه امْرَأَة وَذَلِكَ أَنه فِي شجار لَهُ فَإِذا هُوَ بِرَجُل فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذا شيخ كَبِير فَإِذا هُوَ دُرَيْد بن الصمَّة فتعرفه الْغُلَام فَقَالَ لَهُ دُرَيْد مَاذَا تُرِيدُ بى قَالَ أَقْتلك قَالَ وَمن أَنْت قَالَ أَنا ربيعَة بن رفيع السّلمِيّ ثمَّ ضربه بِسَيْفِهِ فَلم يُغْنِ فِيهِ شَيْئا فَقَالَ بئْسَمَا سلحتك أمك خُذ سَيفي هَذَا من مُؤخر الرحل ثمَّ اضْرِب بِهِ وارفع عَن الْعِظَام واخفض عَن الدِّمَاغ فَإِنِّي كَذَلِك كنت أضْرب الرِّجَال ثمَّ إِذا أتيت أمك فَأَخْبرهَا أَنَّك قد قتلت دُرَيْد بن الصمَّة فَرُب يَوْم قد منعت فِيهِ نِسَاءَك فَزعم بَنو سليم أَن ربيعَة قَالَ لما ضَربته فَوَقع تكشف فَإِذا عجانه وبطون فَخذيهِ مثل القرطاس من ركُوب الْخَيل إعراء فَلَمَّا رَجَعَ ربيعَة إِلَى أمه أخْبرهَا بقتْله إِيَّاه فَقَالَت أما وَالله لقد أعتَقَ أمهاتٍ لكَ ثَلَاثًا وَقَالَت عمْرَة بنت دُرَيْد فِي قتل ربيعَة دريداً // (من الوافر) // (لَعَمْرُكَ مَا خَشِيتُ عَلَى دُرَيْدٍ ... بِبَطْنِ سُمَيْرَةٍ جَيْشَ الْعَنَاقِ) (جَزَى عَنهُ الإِلَهُ بَنِي سُلَيْمٍ ... وَعَقَّتْهُمْ بِمَا فَعَلُوا عَقَاقِ) (وأَسْقَانَا إِذَا قُدْنَا إِلَيْهِمْ ... دِمَاءَ خِيَارِهِمْ عِنْدَ التَّلاقِي) (فَرُبَّ عَظِيمَةٍ دَافَعْتَ عَنْهُمْ ... وَقَدْ بَلَغَتْ نُفُوسُهُمُ التراقِي) (وَرُبَّ كَرِيمَةٍ أَعْتَقْتَ مِنْهُمْ ... وَأُخْرَى قَدْ فَكَكْتَ مِنْ الْوَثَاقِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 (وَرُبَّ مُنَوِّهٍ بِكَ مِنْ سُلَيْمٍ ... أَجَبْتَ وَقَدْ دَعَاكَ بِلاَ رِمَاقِ) (فَكَانَ جَزَاؤُنَا مِنْهُمْ عُقُوقًا ... وَهَمَّا مَاعَ مِنْهُ مُخُّ سَاقِي) (عَفَتْ آثَارُ خَيْلِكَ بَعْدَ أَيْنٍ ... بِذِي بَقَرٍ إلَى فَيْفِ النُّهَاقِ) وَقَالَ عَبَّاس بن مرداس // (من الطَّوِيل) // (تَقَطَّعَ بَاقِي وَصْلِ أُمِّ مُؤَمِّلٍ ... بِعَاقِبَةٍ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيَّةً خُلْفَا) (وَقَدْ حَلَفَتْ بِاللهِ لاَ تَقْطَعُ الْقُوَى ... فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ وَلاَ بَرَّتِ الْحَلْفَا) (خَفَافِيَّةٌ بَطْنُ الْعَقِيقِ مَصِيفُهَا ... وَتَحْتَلُّ فِي الْبَادِينَ وَجْرَةَ فَالْعُرْفَا) (فإِنْ تَتْبَعِ الْكُفَّارَ أمُّ مُؤَمَّلٍ ... فَقَدْ زَوَّدَتْ قَلْبِي عَلَى نَأْيِهَا شَغْفَا) (وَسَوْفَ يُنَبِّيهَا الْخَبِيرُ بأَنَّنَا ... أَبَيْنَا وَلَمْ نَطْلُبْ سِوَى رَبِّنَا حِلْفَا) (وأنَّا مَعَ الْهَادِي النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... وَفِيْنَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا) (بِفِتْيَانِ صِدْقٍ مِنْ سُلَيْمٍ أعزَّةٍ ... أَطَاعُوا فمَا يَعْصُونَ مِنْ أَمْرِهِ حَرْفَا) (خُفَافٌ وَذَكْوَانٌ وَعَوْفٌ تَخَالُهُمْ ... مَصَاعِبَ زَافَتْ فِي طُرُوقَتِهَا كُلْفَا) (كَأَنَّ النَّسِيجَ الشُّهْب وَالْبِيضَ مُلْبَسٌ ... اُسُودًا تلاقَتْ فِي مَرَاصِدِهَا غُضْفَا) (بِنَا عَزَّ دِينُ الله غَيرَ تَنَحُلٍ ... وَزِدْنَا عَلَى الْحَيِّ الَّذِي مَعَهُ ضِعْفَا) (بِمَكَّةَ إِذْ جِئْنَا كَأّنَّ لِوَاءَنَا ... عُقَابٌ أَرَادَتْ بَعْدَ تَحْلِيقِهَا خَطْفَا) (عَلَى شُخَّصِ الأَبْصَارِ تَحْسِبُ بَيْنَهَا ... إِذَا هِيَ جَالَتْ فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا) (غَدَاةَ وَطِئْنَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ نَجِدْ ... لأَمْرِ رَسُولِ اللهِ عَدْلاً وَلاَ صِرْفَا) (بِمُعْتَرَكٍ لاَ يَسْمَعُ الْقَوْمُ وَسْطَهُ ... لَنَا زَحمَةً إِلاَّ التَّذَامُرَ والنَّفْقَا) (بِبِيضٍ نُطِيرُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرَّهَا ... وَنَقْطِفُ أعْنَاقَ الْكُمَاةِ بِهَا قَطْفَا) (وَكَائِنْ تَرَكْنَا مِنْ قَتِيلٍ مُلَحَّبٍ ... وَأَرْمَلَةٍ تَدْعُو عَلَى بَعْلِهَا لَهْفَا) (رِضَا اللهِ نَنْوِي لاَ رِضَا النَّاسِ نَبْتَغِي ... وَللهِ مَا يَبْدُو جَمِيعاً وَمَا يَخْفَى) وَقَالَ مَالك بن عَوْف يعْتَذر من فراره يَوْمئِذٍ // (من الْكَامِل) // (مَنَعَ الرُّقَادَ فَمَا أُغَمِّضُ سَاعَةً ... نَعَمٌ بِأَجْزَاعِ الطَّرِيقِ مُخَضْرَمُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 (سَائِلْ هَوَازِنَ هَلْ أَضُرَّ عَدُوَّهَا ... وَأُعِينُ غَارِمَهَا إِذَا مَا يَغْرَمُ) (وَكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتِبَةٍ ... فِئَتَيْنِ مِنْهَا حَاسِرٌ وَمُلأَّمُ) (وَمُقَدَّم تَعْيَا النُّفُوسُ لِضيقِهِ ... قَدَّمْتُهُ وَشُهُودُ قَوْمِي أعْلَمُ) (فَوَرَدْتُهُ وَتَرَكْتُ إِخْوَاناً لَهُ ... يَرِدُونَ غَمْرَتَهُ وَغَمْرَتُهُ الدَّمُ) (فَإِذَا انْجَلَتْ غَمَراتُهُ أَوْرَثْنَنِي ... مَجْدَ الْحَيَاةِ وَمَجْدَ غُنْمٍ يُقْسَمُ) (كَلَّفْتُمُونِي ذَنْبَ آلِ مُحَمَّدٍ ... وَالله أَعْلَمُ مَنْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ) (وَخَذَلْتُمُونِي إِذْ أُقَاتِلُ وَاحِداً ... وَخَذَلْتُمُونِي إِذْ تُقَاتِلُ خَثْعَمُ) (وَإِذَا بَنَيْتُ الْمَجْدَ يَهْدِمُ بَعْضُكُمْ ... لاَ يَستَوِي بَانٍ وَآخَرُ يَهْدِمُ) (وَأَقَبَّ مَخْمَاصِ الشِّتَاءِ مُسَارِعٍ ... فِي الْمَجْدِ يُنْمَى لِلْعُلاَ مُتَكَرِّمُ) (أَكْرَهْتُ فِيهِ أَلَّةً يَزَنِيَّةً ... سَحْمَاءَ يَقْدُمُهَا سِنَانٌ سَلْجَمُ) (وَتَرَكْتُ حَنَّتَهُ تَرُدُّ وَلِيَّهُ ... وَتَقُولُ لَيْسَ عَلَى فُلاَنَهَ مُقْدَمُ) (وَنَصَبْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ مُدَجَّجًا ... مِثْلَ الدريئَةِ تُسْتَحَلُّ وَتُشْرَمُ) وفيهَا غَزْوَة الطَّائِف خرج فِي شَوَّال فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا أَو ثَلَاثِينَ بل فِي مُسلم عَن أنس حَاصَرَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين اثْنَا عشر وَقَاتل بِنَفسِهِ وَلم يُؤذن لَهُ فِي فَتحه فَرجع إِلَى الْمَدِينَة بعد غيبَة شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا فَقدم عَلَيْهِ بَعْدُ وفْدُهُمْ فأسلموا وَلما أجمع رَسُول الله السّير إِلَى الطَّائِف حِين فرغ من حنين قَالَ كَعْب بن مَالك // (من الوافر) // (قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَمْنَا السُّيُوفَا) (نُخَبِّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا) (فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إِنْ لَم تَرَوْهَا ... بِسَاحَةِ دارِكُمْ مِنَّا أُلوفا) (وَنَنْتَزِعُ الْعُرُوشَ بِبَطْنِ وَجٍّ ... وَتُصْبِحُ دُورُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفَا) (وَيَأْتِيكُمْ لَنَا سَرْعَانُ خَيْلٍ ... يُغَادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثِيفَا) (إِذَا نَزَلُوا بِسَاحَتِكُمْ سَمِعْتُمْ ... لَهَا مِمَّا أَنَاخَ بِهَا رَجِيفَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 (بِأَيْدِيهِمْ قَوَاضِبُ مُرْهَفَاتٌ ... يُزِرْنَ الْمُسْطَلِينَ بِهَا الْحُتُوفَا) (كَأَمْثَالِ العقَائِقِ أَخْلَصَتْهَا ... قُيُونُ الْهِنْدِ لَمْ تُضْرَبْ كَتِيفَا) (تَخَالُ جَدِيَّةَ الأَبْطَالِ فِيهَا ... غَدَاةَ الزَّحْفِ جَادِيًّا مَدُوفَا) (أَجَدَّهُمُ ألَيْسَ لهُمْ نَصِيحٌ ... مِنَ الأَقْوَامِ كَانَ بِنَا عَرِيفَا) (يُخَبِّرُهُمْ بِأَنَّا قَدْ جَمَعْنَا ... عِتَاقَ الْخَيْلِ وَالنُّجُبَ الطُّرُوفَا) (وَأَنَّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بِزَحْفٍ ... يُحِيط بِسُورِ حِصْنِهِمُ صُفُوفَا) (رَئِيسُهُمُ النَّبِيُّ وَكَانَ صُلْبًا ... نَقِيُّ الْقَلْبِ مُصْطَبِرّا عَزُوفًا) (رَشيدَ الأَمْرِ ذَا حُكْمٍ وَعِلْمٍ ... وَحِلْمِ لَمْ يَكُنْ نَزِقًا خَفِيفَا) (نُطيِعُ نَبِيَّنَا ونُطِيعُ رَبًّاً ... هُوَ الرَّحْمنُ كَانَ بِنَا رَءُوفَا) (فإِنْ تُلْقُوا إِلَيْنَا السِّلْمَ نَقْبَلْ ... وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُدًا وَرِيفاَ) (وَإِنْ تَأْبَوْا نُجَاهدْكُمْ وَنَصْبِرْ ... وَلاَ يَكُ أمْرُنَا رَعِشًا ضَعِيفَا) (نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أوْ تُنِيبُوا ... إِلَى الإسْلاَمِ إِذْعَانًا مُضِيفَا) (نُجَاهِدُ مَا نُبَالِي مَنْ لَقِينَا ... أأهْلَكْنَا التِّلاَدَ أمِ الطَّرِيفَا) (وَكَمْ مِنْ مَعْشَرٍ أَلَبُوا عَلَيْنَا ... صَمِيمَ الْجِذْمِ مِنْهُمْ وَالْحلِيفَا) (أتَوْنَا لاَ يَرَوْنَ لَهُمْ كِفَاءً ... فَجَدَّعْنَا الْمَسَامِعَ وَالأنُوفَا) (بِكُلِّ مُهَنَّدٍ لَيْنٍ صَقِيلٍ ... نَسُوقُهُمُ بِهَا سَوْقاً عَنِيفَا) (لأَمْرِ اللهِ وَالإِسْلاَمِ حَتَّى ... يَقُومَ الدِّينُ مُعْتَدِلاً حَنِيفَا) (وَتُنْسَى اللاتُ وَالْعُزَّى وَوَدٌّ ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلائِد وَالشُّنُوفَا) (فَأَمْسَوْا قَدْ أقرُّوا وَاطمَأَنُّوا ... وَمَنْ لاَ يَمْتَنِعْ يَقْبَلْ خُسُوفَا) قَالَ فِي الْمَوَاهِب بعد ذكر أَن الطَّائِف على ثَلَاث مراحل أَو اثْنَتَيْنِ من مَكَّة من جِهَة الْمشرق كثير الأعناب والفواكه قيل إِن أصبها أَن جِبْرِيل اقتلع الْجنَّة الَّتِي كَانَت لأَصْحَاب الصريم فَسَار بهَا إِلَى مَكَّة فَطَافَ بهَا حول الْبَيْت ثمَّ أنزلهَا هُنَاكَ فَسمى الْموضع بهَا وَكَانَت أَولا بنواحي صنعاء وَاسم الأَرْض وَج بتَشْديد الْجِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وَسَار إِلَيْهَا النَّبِي فِي شَوَّال سنة ثَمَان حِين خرج من حنين وَحبس الْغَنَائِم بالجعرانة وقدَم خَالِد بن الْوَلِيد على مقدمته وَكَانَت ثَقِيف لما انْهَزمُوا من أَوْطَاس دخلُوا حصنهمْ بِالطَّائِف وأغلقوه عَلَيْهِم بعد أَن أدخلُوا فِيهِ مَا يصلحهم لسنة وتهيئوا لِلْقِتَالِ وَلما سَار مرَ فِي طَرِيقه بِقَبْر أبي رِغَال وَهُوَ أَبُو ثَقِيف فِيمَا يُقَال فاستخرج مِنْهُ غصناً من ذهب وَنزل قَرِيبا من الْحصن وعسْكَرَ هُنَاكَ فرموا الْمُسلمين بِالنَّبلِ رمياً شَدِيدا كَأَنَّهُ رَجل جَراد حَتَّى أُصِيب نَاس من الْمُسلمين بجراحة وَقتل مِنْهُم اثْنَا عشر رجلا فيهم عبد الله بن أبي أُميَّة وَرمى عبد الله بن أبي بكر الصّديق يَوْمئِذٍ بِجرح فاندمل ثمَّ نقض عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَمَاتَ مِنْهُ فِي خلَافَة أَبِيه وارتفع إِلَى مَوضِع مَسْجِد الطَّائِف الْيَوْم وَكَانَ مَعَه من نِسَائِهِ أم سَلمَة وَزَيْنَب فَضرب لَهما قبتين وَكَانَ يُصَلِّي بَين القبتين حِصَار الطَّائِف كُله فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَيُقَال خَمْسَة عشر يَوْمًا وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق وَهُوَ أول منجنيق رمي بِهِ فِي الْإِسْلَام وَكَانَ قدم بِهِ الطُّفَيْل الدوسي مَعَه لما رَجَعَ من سَرِيَّة ذِي الْكَفَّيْنِ وَوضع الْمُسلمُونَ الرَّايَات بِأَصْل الْحصن فَأرْسلت عَلَيْهِم ثَقِيف سِكَك الْحَدِيد المحماة وَهِي أخشاب متسعة الأجواف تدفع فِي جِدَار الْحُصُون فيدخلها الرِّجَال لنقب جدارها فرمتهم ثَقِيف بِالنَّبلِ فَقتل مِنْهُم رجال فَأمر بِقطع أَعْنَاقهم وَتَحْرِيقهَا فقطعها الْمُسلمُونَ قطعا ذريعاً ثمَّ سَأَلُوهُ أَن يَدعهَا لله وللرحم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنِّي أدعها لله وللرحم ثمَّ نَادَى مناديه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيّمَا عبد نزل من الْحصن وَخرج إِلَيْنَا فَهُوَ حر قَالَ الدمياطي فَخرج مِنْهُم بضعَة عشر رجلا مِنْهُم أَبُو بكرَة وَعند مغلطاي ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ عبدا وَفِي البُخَارِيّ عَن عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ سَمِعت سَعْدا وَأَبا بكرَة عَن النَّبِي قَالَ عَاصِم لقد شهد عِنْدِي رجلَانِ أما أَحدهمَا فَأول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله وَأما الآخر فَنزل إِلَى النَّبِي ثَالِث ثَلَاثَة وَعشْرين من الطَّائِف ... الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وَأعْتق من نزل مِنْهُم وَدفع كل رجل مِنْهُم إِلَى رجل من الْمُسلمين يمونه فشق ذَلِك على أهل الطَّائِف مشقة شَدِيدَة وَلم يُؤذن لَهُ فِي فتح الطَّائِف وَأمر عمر بن الْخطاب فَأذن فِي النَّاس بالرحيل فَضَجَّ النَّاس من ذَلِك وَقَالُوا نرحل وَلم تفتح علينا الطَّائِف فَقَالَ فاغدوا على الْقِتَال فَغَدوْا فَأصَاب الْمُسلمين جراحات فَقَالَ إِنَّا قافلون غَدا إِن شَاءَ الله فسروا بذلك وأذعنوا وَجعلُوا يرحلون وَرَسُول الله يضْحك قَالَ النَّوَوِيّ قصد الشَّفَقَة عَلَيْهِم والرفق بالرحيل عَن الطَّائِف لصعوبة أمره وَشدَّة الْكفَّار الَّذين فِيهِ وتقويهم بحصنهم مَعَ أَنه علم أَو رجا أَنه سيفتحه بعد هَذَا بِلَا مشقة فَلَمَّا حرص الصَّحَابَة على الْمقَام وَالْجهَاد أَقَامَ وجدّ فِي الْقِتَال فَلَمَّا أَصَابَتْهُم الْجراح رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ قَصده أَولا من الرِّفْق وفرحوا بذلك لما رَأَوْا من الْمَشَقَّة الظَّاهِرَة ووافقوا على الرحيل فَضَحِك تَعَجبا من تغير رَأْيهمْ وفقئت عين أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب يَوْمئِذٍ فَذكر ابْن سعد أَن النَّبِي قَالَ لَهُ وَهِي فِي يَده أَيهمَا أحب إِلَيْك عين فِي الْجنَّة أَو أَدْعُو الله أَن يردهَا عَلَيْك فَقَالَ بل عين فِي الْجنَّة فَرمى بهَا وَشهد اليرموك فقاتل وفقئت عينه الْأُخْرَى يَوْمئِذٍ ذكره الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي شرح التَّقْرِيب وَقَالَ للصحابة قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فَلَمَّا ارتحلوا قَالَ قُولُوا آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فَانْظُر كَيفَ كَانَ إِذا خرج للْجِهَاد يعْتد لذَلِك بِجمع الصَّحَابَة واتخاذ الْخَيل وَالسِّلَاح وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من آلَات الْجِهَاد وَالسّفر ثمَّ إِذا رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتعرى من ذَلِك وَيرد الْأَمر كُله لمَوْلَاهُ عز وَجل لَا لغيره لقَوْله آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَانْظُر إِلَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فنفى مَا تقدم ذكره وَهَذَا هُوَ معنى الْحَقِيقَة لِأَن الْإِنْسَان وَفعله خلق لرَبه عز وَجل فَهُوَ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي خلق ودبر وأعان وأجرى الْأُمُور على يَد من شَاءَ وَمن اخْتَار من خلقه فَكل مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَلَو شَاءَ الله أَن يبيد أهل الْكفْر من غير قتال لفعل قَالَ تَعَالَى {ذَلِك وَلَو يشاءُ اللهُ لانتصَرَ مِنهُم وَلَكِن ليبلُوَا بَعضَكم بِبَعض} مُحَمَّد 4 ليثبت الصابرين وَيجْزِي الثَّوَاب للشاكرين قَالَ تَعَالَى {وَلَنَبلُوَنكُم حَتى نَعلَمَ المجاَهِدِينَ مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلوا أخباركم} فعلى الْمُكَلف الِامْتِثَال فِي الْحَالَتَيْنِ أَي امْتِثَال تعاطى الْأَسْبَاب تأدباً مَعَ الربوبية كَمَا فعل ذَلِك أَولا تأدباً مَعَ الربوبية وتشريعاً لأمته ثمَّ يظْهر الله مَا يَشَاء من قدرته الغامضة الَّتِي ادخرها لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَه ابْن الْحَاج فِي الْمدْخل وَلما قيل لَهُ يَا رَسُول الله ادْع على ثَقِيف قَالَ اللَّهُمَّ اهد ثقيفاً وائت بهم وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أَمر أَن يجمع السَّبي والغنائم مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله يَوْم حنين فَجمع ذَلِك كُله إِلَى الجعرَانة فَكَانَ بهَا إِلَى أَن انْصَرف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الطَّائِف وَكَانَ السَّبي سِتَّة آلَاف رَأس وَالْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير وَالْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألف شَاة وَأَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة فضَّة واستأنى بهوازن أَي انْتظر وتربص أَن يقدموا عَلَيْهِ مُسلمين بضع عشرَة ثمَّ بَدَأَ يقسم الْأَمْوَال وَفِي البُخَارِيّ وطفق يُعْطي رجَالًا الْمِائَة من الْإِبِل مِنْهُم أَبُو سُفْيَان وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ والأقرع بن حَابِس التَّمِيمِي وَأعْطى الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ سِتِّينَ فسخطها ثمَّ أَتَى إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَنْشد // (من المتقارب) // (أتجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العَبِيدِ ... بَين عُيَيْنَةَ والأَقْرَع) (فَمَا كَانَ حِصْنٌ ولاَ حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 (ومَا كُنْتُ دُونَ امرِىءٍ مِنْهُمَا ... ومَنْ تَضَعِ اليَوْمَ لاَ يُرْفَعِ) فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَلي اقْطَعْ لِسَانه عني فأكمل لَهُ مائَة فَقَالَ نَاس من الْأَنْصَار يغْفر الله لرَسُول الله يعْطى قُريْشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دِمَائِهِمْ قَالَ أنس فَحدث رَسُول الله بمقالتهم فَأرْسل إِلَى الْأَنْصَار فَجَمعهُمْ فِي قبَّة من أَدَم ثمَّ قَالَ لَهُم أما ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بالأموال وَالشَّاء وَالْبَعِير وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رحالكُمْ فوَاللَّه لما تنقلبون بِهِ خير مِمَّا يَنْقَلِبُون بِهِ قَالُوا يَا رَسُول الله قد رَضِينَا وَعَن جُبَير بن مطعم قَالَ بَيْنَمَا أَنا مَعَ النَّبِي وَمَعَهُ النَّاس مقفلون من حنين علقت برَسُول الله الْأَعْرَاب حَتَّى اضطرته إِلَى سَمُرَة فخطفت رِدَاءَهُ فَوقف فَقَالَ أعطوني رِدَائي فَلَو كَانَ لي عدد العضاه نعما لقسمته بَيْنكُم ثمَّ لَا تجدوني بَخِيلًا وَلَا كذوباً وَلَا جَبَانًا رَوَاهُ ابْن جرير فِي تهذيبه وَذكر مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه لما قدم رَسُول الله من الطَّائِف نزل الْجِعِرَّانَة فقسم الْغَنَائِم ثمَّ اعْتَمر مِنْهَا وَذَلِكَ لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال قَالَ ابْن سيد النَّاس وَهَذَا ضَعِيف وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل السّير أَن النَّبِي انْتهى إِلَى الْجِعِرَّانَة لَيْلَة الْخَمِيس لخمس لَيَال خلون من ذِي الْقعدَة فَأَقَامَ بهَا ثَلَاث عشرَة لَيْلَة فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف إِلَى الْمَدِينَة خرج لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة لَيْلًا فَأحْرم بِعُمْرَة وَدخل مَكَّة وَفِي تَارِيخ الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أحرم من وَرَاء الْوَادي حَيْثُ الْحِجَارَة المنصوبة وَعند الْوَاقِدِيّ من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي تَحت الْوَادي بالعدوة القصوى من الْجِعِرَّانَة فَكَانَت صلَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا كَانَ بالجعرانة بِهِ والجعرَانة موضعَ بَينه وَبَين مَكَّة بريد يَعْنِي اثْنَي عشر ميلًا كَمَا قَالَه الفاكهي وَقَالَ الْبَاجِيّ ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَسمي بِامْرَأَة تلقب بالجعرانة كَمَا ذكره السُّهيْلي أَخذهَا السَّيْل فوصل بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 إِلَى هَذَا الْمحل فَوجدت ثمَّة فَسمى الْمحل بهَا قَالُوا وَقدم الْمَدِينَة وَقد غَابَ عَنْهَا شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا قَالَ ابْن هِشَام وَلما أعْطى رَسُول الله مَا أعْطى فِي قُرَيْش وقبائل الْعَرَب وَلم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا قَالَ حسان بن ثَابت يعاتبه فِي ذَلِك // (من الْبَسِيط) // (زار الهُمُومُ فماءُ العَيْنِ مُنْحَدِرُ ... سَحًّا إِذا حَفَّلَتْهُ عَبْرَةٌ دررُ) (وجدا بِشّيْماءَ إِذْ شَيْماءُ بَهْكَنَةٌ ... هَيْفَاءُ لاَ دَنَسٌ فِيهَا وَلَا خَوَرُ) (دَعْ عَنْكَ شيماء إِذْ كانَتْ مَوَدَّتُهَا ... نَزْرًا وَشَرٌّ وِصَالِ الوَاصِلِ النَّزْرُ) (وائتِ الرَّسُولَ فَقَلْ يَا خَيْرَ مُؤتَمن ... للمُؤْمنينَ إِذَا مَا عُدَّدَ البَشَرُ) (عَلامَ تُدْعَى سُلَيْمٌ وَهْيَ نَازِحَةٌ ... قُدَّامَ قَوْمٍ هَمُ آووا وَهُم نَصَرُوا) (سمَّاهُمُ اللهُ أَنْصَارًا بِنَصْرِهِمُ ... ديِنَ الهُدّى وعَوَانُ الحَرْبِ تَسْتَعِرُ) (وسَارَعُوا فِي سَبيلِ الله واعْتَرَفُوا ... للنَّائِباتِ ومَا خَامُوا ومَا ضَجرُوا) (والناسُ إلْبٌ عيناَ فيكَ لَيْسَ لَنَا ... إِلاَّ السيُوف وأطْرَافُ القَنَا وزرُ) (نجالد النَّاسَ لَا نُبقِي عَلَى أحَدِ ... وَلا نُضَيِّعُ مَا تُوحِي بِهِ السُّوَرُ) (وَلا تهرُّ جُنَاةُ الحرْبِ ناديناَ ... ونحْنُ حينَ تلظَّى نَارُهَا سعر) (كَمَا رَدَدْنَا ببدرِ دَونَ مَا طَلَبُوا ... أَهْلَ النِّفَاقِ وَفينَا يَنْزِلُ الظِّفَرُ) (ونَحنُ جُنْدُكَ يَوْم النَّعْفِ من أُحُدٍ ... إِذ حَزَّبَتْ بَطَرًا أَحْزَابَهَا مُضَرُ) (فَمَا وَنَيْنَا ومَا خَمْنَا وَمَا خبرُوا ... منَّا عَثَارًا وكل النِّاسِ قَدْ عَثَرُوا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 (حوادث السّنة التَّاسِعَة) فِيهَا غَزْوَة تَبُوك وَهِي الْعسرَة والفاضحة فِي رَجَب لما بلغه أَن الرّوم تجمعت فِي الشَّام مَعَ هِرقل وَقد اشْتَمَلت على أُمُور لِلْمُنَافِقين فضحوا بهَا وفيهَا تَابَ الله على الثَّلَاثَة الَّذين خُلفوا كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة وَأقَام بضع عشرَة لَيْلَة وَانْصَرف وَلم يلق كيداً قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَكَانَت يَوْم الْخَمِيس فِي رَجَب سنة تسع من الْهِجْرَة بِلَا خلاف وذكرُ البُخَارِيّ لَهَا بعد حجَّة الْوَدَاع لَعَلَّه خطأ من النساخ وَكَانَ يَوْمئِذٍ حر شَدِيد وجدب فَلذَلِك لم يُوَر عَنْهَا كعادته فِي سَائِر الْغَزَوَات وَفِي تَفْسِير عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ خَرجُوا فِي قلَّة من الظّهْر وَفِي حر شَدِيد حَتَّى كَانُوا ينحرون الْبَعِير فيشربون مَا فِي كرشه من المَاء فَكَانَ ذَلِك عسرة فِي المَاء وَفِي الظّهْر وَالنَّفقَة فسميت غَزْوَة الْعسرَة وسببها أَنه بلغه من الأنباط الَّذين يقدمُونَ بالزيت من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة أَن الرّوم تجمعت بِالشَّام مَعَ هِرقل فندب النَّاس إِلَى الْخُرُوج وأعلمهم بِالْمَكَانِ الَّذِي يُرِيد لِيَتَأَهَّبُوا لذَلِك وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمرَان بن الْحصين قَالَ كَانَت نَصَارَى الْعَرَب كتبت إِلَى هِرقل إِن هَذَا الرجل الَّذِي خرج يَدعِي النُّبُوَّة قد أَصَابَتْهُم سنُون فَهَلَكت أَمْوَالهم فَبعث رجلا من عظمائهم وجهز مَعَه أَرْبَعِينَ ألفا فَبلغ ذَلِك النَّبِي وَلم يكن للنَّاس قُوَّة وَكَانَ عُثْمَان قد عير إِلَى الشَّام فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذِه مِائَتَا بعير بأقتابها وأحلاسها وَمِائَتَا أُوقِيَّة قَالَ فَسَمعته يَقُول لَا يضر عُثْمَان مَا عمل بعْدهَا وروى عَن قَتَادَة أَنه قَالَ حمل عُثْمَان فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 جَيش الْعسرَة على ألف بعير وَسبعين فرسا وَعَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ عُثْمَان بن عَفَّان بِأَلف دِينَار فِي كمه حِين جهز جَيش الْعسرَة فنثرها فِي حجره فرأيته يقلبها فِي حجره وَيَقُول مَا ضرّ عُثْمَان مَا عمل بعد الْيَوْم أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب وَعند الفضائلي والملا فِي سيرته كَمَا ذكره الطَّبَرِيّ فِي الرياض النضرة من حَدِيث حُذَيْفَة بعث عُثْمَان يعْنى فِي جَيش الْعسرَة بِعشْرَة آلَاف دِينَار إِلَى رَسُول الله فَكَانَ يَقُول بِيَدِهِ ويقلبها ظهرا بِبَطن وَيَقُول غفر الله لَك يَا عُثْمَان مَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَا يُبَالِي مَا عمل بعْدهَا وَلما تأهب لِلْخُرُوجِ قَالَ قوم من الْمُنَافِقين لَا تنفرُوا فِي الْحر فَنزل قَوْله تَعَالَى {لَا تنَفِرُوا فِي الْحر قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ} وَأرْسل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى مَكَّة وقبائل الْعَرَب يستنفرهم وَجَاء البكاءون يستحملونه فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ وهم سَالم بن عُمَيْر وعلبة بن زيد وَأَبُو ليلى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب الْمَازِني والعرباض بن سَارِيَة وهرم بن عبد الله وَعَمْرو بن عتمة وَعبد الله ابْن مُغفل وَعبد الله بن عَمْرو الْمُزنِيّ وَعَمْرو بن الْحمام ومغفل الْمُزنِيّ وحضرمي بن مَازِن والنعمان وسُويد وَمَعْقِل وَعقيل وَسنَان وَعبد الرَّحْمَن وَهِنْد بَنو مقرن وهم الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم {تَوَلوَا وأعيُنُهُم تفيض من الدمع حزنا أَلا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ} قَالَه مغلطاي وَفِي البُخَارِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ أَرْسلنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُول الله أسأله الحملان لَهُم فَقلت يَا نَبِي الله إِن أَصْحَابِي أرسلوني إِلَيْك لتحملهم فَقَالَ وَالله لَا أحملكم على شَيْء فَرَجَعت حَزينًا من منع النَّبِي وَمن مَخَافَة أَن يكون النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وجد فِي نَفسه عَليّ فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرتهمْ الَّذِي قَالَ النَّبِي فَلم ألبث إِلَّا سويعة إِذْ سَمِعت بِلَالًا يُنَادي أَيْن عبد الله بن قيس فأجبته فَقَالَ أجب رَسُول الله يَدْعُوك فَلَمَّا أَتَيْته قَالَ خُذ هَاتين القرينتين وَهَاتين القرينتين لسِتَّة أَبْعِرَة ابتاعها حِينَئِذٍ من سعد فَانْطَلق بهما إِلَى أَصْحَابك فَقل إِن الله وَإِن رَسُول الله يحملكم على هَؤُلَاءِ فاركبوهن ... الحَدِيث وَقَامَ علبة بن زيد فصلى من اللَّيْل وَبكى وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك أمرت بِالْجِهَادِ ورغبتَ فِيهِ ثمَّ لم تجْعَل عِنْدِي مَا أتقوى بِهِ مَعَ رَسُولك وَلم تجْعَل فِي يَد رَسُولك مَا يحملني عَلَيْهِ وَإِنِّي أَتصدق على كل مُسلم بِكُل مظْلمَة أصابني فِي مَال أَو جَسَد أَو عرض ثمَّ أصبح مَعَ النَّاس فَقَالَ النَّبِي أَيْن الْمُتَصَدّق فَليقمْ فأقوم إِلَيْهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ أبشر فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لقد كتبت فِي الزَّكَاة المتقبلة رَوَاهُ يُونُس كَمَا ذكره السُّهيْلي فِي الرَّوْض وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب ليؤذن لَهُم فِي التَّخَلُّف فَأذن لَهُم وهم اثْنَان وَثَمَانُونَ رجلا وَقعد الَّذين كذبُوا الله وَرَسُوله واستخلف على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مسلمة قَالَ الدمياطي وَهُوَ عندنَا أثبت مِمَّن قَالَ غَيره انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي طَالب من شرح التَّقْرِيب لم يتَخَلَّف عَن الْمشَاهد إِلَّا فِي تَبُوك فَإِن النَّبِي خَلفه على الْمَدِينَة وعَلى عِيَاله وَقَالَ لَهُ يَوْمئِذٍ أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص وَرجحه ابْن عبد الْبر وَقيل اسْتخْلف سِبَاع بن عرفطة وتخلف نفر من الْمُسلمين من غير شكّ وَلَا ارتياب مِنْهُم كَعْب بن مَالك ومرارة ابْن الرّبيع وهلال بن أُميَّة وَفِيهِمْ نزل {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وَأَبُو ذَر وَأَبُو خَيْثَمَة ثمَّ لحقاه بعد ذَلِك وَلما رأى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نزل فِي بعض الطَّرِيق قَالَ يمشي وَحده ويعيش وَحده وَيَمُوت وَحده فَكَانَ كَذَلِك وَأمر لكل بطن من الْأَنْصَار والقبائل من الْعَرَب أَن يتخذوا لِوَاء وَرَايَة وَكَانَ مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاثُونَ ألفا وَعند أبي زرْعَة سَبْعُونَ ألفا وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَيْضا أَرْبَعُونَ ألفا وَكَانَت الْخَيل عشرَة آلَاف فرس وَلما مر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْحجرِ بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الْجِيم بديار ثَمُود قَالَ لَا تشْربُوا من مَائِهَا شَيْئا وَلَا يخْرجن أحد مِنْكُم إِلَّا وَمَعَهُ صَاحب لَهُ فَفعل النَّاس إِلَّا أَن رجلَيْنِ من بني سَاعِدَة خرج أَحدهمَا لحَاجَة وَخرج الآخر لطلب بعيره فَأَما الَّذِي خرج لِحَاجَتِهِ فخنق على مذْهبه وَأما الَّذِي خرج لطلب بعيره فاحتملته الرّيح حَتَّى طرحته بجبل طَيء فَأخْبر بذلك رَسُول الله فَقَالَ ألم أنهكم ثمَّ دَعَا للَّذي خنق على مذْهبه فشفي وَأما الآخر فأهدته طَيء لرَسُول الله حِين قدم الْمَدِينَة وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي حميد انْطَلَقت حَتَّى قدمنَا تَبُوك فَقَالَ رَسُول الله تهب اللَّيْلَة عَلَيْكُم ريح شَدِيدَة فَلَا يقم أحد مِنْكُم فَمن كَانَ لَهُ بعير فليشد رَحْله فَهبت ريح شَدِيدَة فَقَامَ رجل فَحَملته الرّيح حَتَّى ألقته بجبل طيىء وروى الزُّهْرِيّ لما مر رَسُول الله بِالْحجرِ سَجى ثَوْبه على وَجهه واستحث رَاحِلَته ثمَّ قَالَ لَا تدْخلُوا بيُوت الَّذين ظلمُوا أنفسهم إِلَّا وَأَنْتُم باكون خوفًا أَن يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلما كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق ضلت نَاقَته فَقَالَ زيد بن لصيب وَكَانَ منافقاً أَلَيْسَ مُحَمَّد يزْعم أَنه نَبِي وَيُخْبِركُمْ عَن خبر السَّمَاء وَهُوَ لَا يدْرِي أَن نَاقَته فَقَالَ رَسُول الله إِن رجلا يَقُول مقَالَة وَإِنِّي وَالله لَا أعلم إِلَّا مَا عَلمنِي الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَقد دلَّنِي الله عَلَيْهَا وَهِي فِي هَذَا الْوَادي فِي شعب كَذَا وَكَذَا وَقد حبستها شَجَرَة بزمامها فَانْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُونِي بهَا فَانْطَلقُوا فَجَاءُوا بهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث معَاذ بن جبل أَنهم وردوا عين تَبُوك وَهِي تبض بِشَيْء من مَاء وَأَنَّهُمْ غرفوا مِنْهَا قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى اجْتمع فِي شَيْء ثمَّ غسل وَجهه وَيَديه ثمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فجرت بِمَاء كثير فاستقى النَّاس ... الحَدِيث وَلما انْتهى إِلَى تَبُوك أَتَاهُ صَاحب أَيْلَة فَصَالحه وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَة وَأَتَاهُ أهل جربا بِالْجِيم وأذراح بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء والحاء الْمُهْملَة بلدين بِالشَّام بَينهمَا ثَلَاثَة أَيَّام فَأَعْطوهُ الْجِزْيَة وَكتب لَهُم كتابا وَوجد هِرقل بحمص فَأرْسل خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر بن عبد الْملك النَّصْرَانِي وَكَانَ ملكا عَظِيما بدومة الجندل فِي أَرْبَعمِائَة وَعشْرين فَارِسًا فِي رَجَب سَرِيَّة وَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّك ستجده لَيْلًا يصيد الْبَقر فَانْتهى إِلَيْهِ خَالِد وَقد خرج من حصنه فِي لَيْلَة مق 4 مرّة إِلَى بقر يطاردها هُوَ وَأَخُوهُ حسان فشدت عَلَيْهِ خيل خَالِد فاستأسر أكيدر وَقتل أَخُوهُ حسان وهرب من كَانَ مَعَهُمَا فَدخل الْحصن ثمَّ أَجَارَ خَالِد أكيدر من الْقَتْل حَتَّى يَأْتِي بِهِ رَسُول الله على أَن يفتح لَهُ دومة الجندل فَفعل وَصَالَحَهُ على ألفي بعير وَثَمَانمِائَة فرس وَأَرْبَعمِائَة درع وَأَرْبَعمِائَة رمح وَفِي هَذِه كتب كتابا فِي تَبُوك إِلَى هِرقل يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فقارب الْإِجَابَة وَلم يجب رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أنس وَفِي مُسْند أَحْمد أَن هِرقل كتب من تَبُوك إِلَى النَّبِي إِنِّي مُسلم فَقَالَ النَّبِي كذب هُوَ على نصرانيته وَفِي كتاب الْأَمْوَال لأبي عُبَيْدَة بِسَنَد صَحِيح من مُرْسل بكر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 عبد الله نَحوه وَلَفظه فَقَالَ كذب عَدو الله لَيْسَ بِمُسلم ثمَّ انْصَرف من تَبُوك بعد أَن أَقَامَ بضع عشرَة لَيْلَة وَقَالَ الدمياطي وَمن قبله ابْن سعد عشْرين لَيْلَة يُصَلِّي بهَا رَكْعَتَيْنِ وَلم يلق بهَا كيداً وَبنى فِي طَرِيقه مَسَاجِد وَأَقْبل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى إِذا نزل بِذِي أَوَان بِفَتْح الْهمزَة بِلَفْظ الأوان للحين وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سَاعَة جَاءَهُ خبر مَسْجِد الضرار من السَّمَاء فَدَعَا مَالك بن الدخشم ومعن بن عدي الْعجْلَاني فَقَالَ انْطَلقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهله فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ فَخَرَجَا فَحَرقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَذَلِكَ بعد أَن أنزل الله فِيهِ {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا} الْآيَة قَالَ الواحدي قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة وَعَامة أهل التَّفْسِير إِن الَّذين اتَّخذُوا مَسْجِد الضرار قَالُوا نقِيل فِيهِ فَلَا نحضر خلف مُحَمَّد قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَلما بنوا ذَلِك لأغراضهم الْفَاسِدَة عِنْد ذهَاب رَسُول الله إِلَى تَبُوك قَالُوا يَا رَسُول الله بنينَا مَسْجِدا لذِي الْعلَّة وَاللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَنحن نحب أَن تصلي فِيهِ وَتَدْعُو لنا بِالْبركَةِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنِّي على جنَاح سفر وَإِذا قدمنَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى صلينَا فِيهِ فَلَمَّا قفل من غَزْوَة تَبُوك سَأَلُوهُ إتْيَان الْمَسْجِد فَنزلت هَذِه الْآيَة وَلما دنا خرج النَّاس لتلقيه وَخرج النِّسَاء وَالصبيان والولائد يقلن // (من مجزوء الرمل) // (طَلَعَ البَدرُ علينَا ... منْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاع) (وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا ... مَا دَعَا للهِ دَاع) وَقد وهم بعض الروَاة كَمَا قَدمته إِذْ قَالَ إِنَّمَا كَانَ هَذَا عِنْد مقدمه الميدنة وَهُوَ وهم ظَاهر لِأَن ثنيات الْوَدَاع إِنَّمَا هِيَ من نَاحيَة الشَّام لَا يَرَاهَا القادم من مَكَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 إِلَى الْمَدِينَة وَلَا يَرَاهَا إِلَّا إِذا توجه إِلَى الشَّام وَفِي البُخَارِيّ لما رَجَعَ من غَزْوَة تَبُوك فَدَنَا من المدينهَ قَالَ إِن بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مسيرًا وَلَا قطعْتُمْ وَاديا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ حَبسهم الْعذر وَهُوَ يُؤَيّد معنى مَا روى نِيَّة الْمَرْء خير من عمله فَإِن نِيَّة هَؤُلَاءِ أبلغ من عَمَلهم فَإِنَّهَا بلغت بهم مبلغ أُولَئِكَ العاملين بأبدانهم وهم على فرشهم فِي بُيُوتهم والمسابقة إِلَى الله تَعَالَى إِلَى الدَّرَجَات الْعلَا بِالنِّيَّاتِ والهمم لَا بِمُجَرَّد الْأَعْمَال وَلما أشرف على الْمَدِينَة قَالَ هَذِه طابة وَهَذَا أحد جبل يحبنا ونحبه وَلما دخل قَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي أمتدحك قَالَ قل لَا يفضض الله فَاك وَقد تقدم ذكرهَا وَتبين غَرِيب ألفاظها ومعانيها وجاءه من كَانَ تخلف عَنهُ فعذرهم واستغفر لَهُم وأرجأ أَمر كَعْب وصاحبيه حَتَّى نزلت تَوْبَتهمْ فِي قَوْله تَعَالَى {لقد تَابَ اللهُ عَلىَ النبيِ والمهاجرينَ وَالأنصارِ} إِلَى {إنَ الله هُوَ التواب الرَّحِيم} وَالثَّلَاثَة هم كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن ربيعَة وَعند الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من مُرْسل سعيد بن الْمسيب أَن أَبَا لبَابَة لما أَشَارَ لبني قُرَيْظَة بِيَدِهِ إِلَى حلقه أَنه الذّبْح فَأخْبر عَنهُ رَسُول الله بذلك فَقَالَ لَهُ أحسبت أَن الله غفل عَن يدك حَيْثُ تُشِير إِلَيْهِم بهَا إِلَى حلقك فَلبث حينا وَرَسُول الله عَاتب عَلَيْهِ ثمَّ غزا تَبُوكا فَتخلف عَنهُ أَبُو لبَابَة فِيمَن تخلف فَلَمَّا قفل رَسُول الله مِنْهَا جَاءَ أَبُو لبَابَة يسلم عَلَيْهِ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله فَفَزعَ أَبُو لبَابَة فَارْتَبَطَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 بِسَارِيَة التَّوْبَة سبعا وَقَالَ لَا يزَال هَذَا مَكَاني حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا أَو يَتُوب الله عَليّ ... الحَدِيث وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس من قَوْله تَعَالَى {وآخَرُونَ اعتَرَفوُا بِذُنوبِهِم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ كَانُوا عشرَة تخلفوا عَن النَّبِي فِي غَزْوَة تَبُوك فَلَمَّا رَجَعَ أوثق سَبْعَة مِنْهُم أنفسهم بِسوَارِي الْمَسْجِد وَكَانَ ممر النَّبِي إِذا رَجَعَ فِي الْمَسْجِد عَلَيْهِم فَقَالَ من هَؤُلَاءِ قَالُوا أَبُو لبَابَة وَأَصْحَاب لَهُ تخلفوا عَنْك يَا رَسُول الله حَتَّى تُطْلِقهُمْ وَتَعْذُرهُمْ قَالَ أقسم بِاللَّه لَا أطلقهُم وَلَا أَعْذرهُم حَتَّى يكون الله الَّذِي يُطْلِقهُمْ رَغِبُوا عني وتخلفوا عَن الْغَزْو فَأنْزل الله تَعَالَى {وَآخَرون اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} 102 فَلَمَّا نزلت أرسل إِلَيْهِم النَّبِي فأطقوا وعذروا ... الحَدِيث قَالُوا وَلما قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من تَبُوك وجد عُوَيْمِر الْعجْلَاني امْرَأَته حُبْلَى فلاعن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَينهمَا وَكَانَت تَبُوك آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله وَقَالَ حسان بن ثَابت يعدد أَيَّام الْأَنْصَار مَعَ رَسُول الله وَيذكر مواطنهم مَعَه فِي أَيَّام غَزوه // (من الْبَسِيط) // (أَلسْتَ خَيْرَ مَعَدٍّ كلِّهَا نَفرا ... ومَعْشَرًا إنْ هُم عُمُّوا وإِنْ حُصِلُوا) (قومٌ هُمُ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ ... مَعَ الرَّسُولِ فَمَا أَلَوْا وَمَا خَذَلُوا) (وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ... منهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إِيِمَانِهِمْ دَخَلُ) (ويومَ صَبَّحَهُمْ فِي الشَّعْبِ مِنْ أُحُدٍ ... ضرْبٌ رَصِينٌ كَحَرِّ النَّأرِ مُشْتَعِلُ) (وَيَوْم ذِي قَرَدٍ يومَ استثَارَ بهمْ ... عَلَى الجِيادِ فَماَ خَامُوا وَمَا نَكَلُوا) (وذَا العُشَيرةِ جاسُوها بخَيْلِهمُ ... مَعَ الرسولِ عيلهَا البيضُ والأسَلَ) (ويومَ ودَّانَ أَجْلَوا أهلَهُ رَقَصًا ... بالخَيْلِ حتَّى نَهَانَا الحزنُ والجبلُ) (وليلَةً طلَبُوا فِيهَا عدُوَّهُمُ ... لله واللهُ يجْزِيهمْ بِمَا عَمِلُوا) (وغزوةَ يَومَ نَجْدٍ ثمَّ كانَ لَهُمْ ... مَعَ الرَّسُولِ بهَا الأسْلابُ والنَّفَلُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 (وَلَيْلَة بحنينٍ جَالدُوا معهُ ... فِيهَا يعلهم بالحْربِ إذْ نَهَلُوا) (وغَزْوةَ القَاعِ فرقْنَا العدوِّ بهِ ... كَمَا تَفرَّقَ دون المشربِ الرَّسلُ) (ويومَ بُويعَ كانُوا أَهْلَ بيعَتِهِ ... عَلى الجِلاَدِ فآسَوْهُ ومَا عَدَلُوا) (وغزوةَ الفتْحِ كانُوا فِي سريَّتِهِ ... مُرَابِطِينَ فَمَا طاشُوا ومَا عَجِلُوا) (ويومَ خَيْبرَ كانُوا فِي كَتيبَتِهِ ... يَمْشُونَ كلُّهُمُ مسْتبسِلٌ بَطَلُ) (بالبيضِ عُرعَشُ تُرعَشُ فِي الأيمَانِ عَارِيةً ... تعوجُ فِي الضِّربِ أَحْيَانًا وتعتَدلُ) (ويومَ سارَ رَسولُ اللهِ محتَسِبًا ... إِلَى تبوكَ وهمْ راياتُهُ الأولُ) (وسَاسَةُ الحربِ إنْ حربٌ بدَتْ لهمُ ... حتَّى بَدَا لهُمُ الإقْبَالُ والقَفَلُ) (أولئكَ القومُ أنصَارُ النبيِّ وهم ... قوْمِي أَصِيرُ إِلَيْهِم حينَ أتَّصِلُ) (ماتُوا كِرامًا ولمْ تُنْكَثْ عهُودُهمُ ... وقَتْلُهم فِي سَبِيل الله إِذْ قتلُوا) وَقَالَ حسان بن ثَابت أَيْضا // (من الطَّوِيل) // (وكنَّا ملوكَ الناسِ قبلَ محمَّدٍ ... فلمَّا أَتى الإسَلامُ كانَ لَنا الفضْلُ) (وأكرمنَا الله الَّذِي ليسَ غيرُه ... إِلَه بأيامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ) (بنصرِ الإلَهِ والرَّسولِ ودينِهِ ... وألبسنَاهُ اسْما مَضَى مَا لَهُ مثْلُ) (أُولَئِكَ قومِي خيرُ قَومٍ بأسرِهم ... فَمَا عُدِّ من خَيْرٍ فقومِي لهُ أهلُ) (يَرُبُّونَ بالمعروفِ معروفَ من مَضَى ... وليسَ عَلَيْهِم دُونَ معروفِهم قفلُ) (إِذا اختُبطُوا لمْ يفْحِشُوا فِي نديِّهم ... وليسَ عَلَى سُؤالهم عِنْدهم بخلُ) (وإنْ حارَبُوا أَوْ سَالموا لَمْ يشبهُوا ... فحربُهُمُ حتْفٌ وسَلْمُهُمُ سَهْلُ) (وَجَارَهُمُ موفٍ بعلْيَاء بَيْتُهُ ... لَهُ مَا ثوى فينَا الكَرامةُ والبَذْلُ) (وحامِلُهم موفٍ بكلِّ حَمَالةٍ ... تحمَّل لَا غرمٌ عَلَيْهِ وَلَا خذْلُ) (وقائلهُم بالحقِّ إِن قَال قَائِلٌ ... وحِلْمُهُمُ عَوْدٌ وحكْمُهُمُ عَدْلُ) (ومنَّا أمينُ المسلِمينَ حياتَهُ ... وَمنْ غسلتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرّسْلُ) وَقَالَ أَيْضا // (من المتقارب) // (قَوْمى أولئِكَ إِنْ تَسْألِي ... كرامٌ إِذا الضّيفُ يَوْمًا ألَم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 (عِظَامُ القُدُورِ لأيْسِارِهم ... يكبُّونَ فِيهَا السَّمِينَ السَّنِمْ) (يُواسُوانَ جَارهُمُ فِي الغِنَى ... ويَحْمُونَ مَوْلاَهُمُ إِن ظُلِمْ) (فكَانُوا مُلُوكًا بَأَرضيهِمُ ... ينادونَ غُضبًا بِأمْرٍ غشمْ) (مُلوكًا عَلَى النَّاسِ لَمْ يُملَكُوا ... مِنَ الدَّهْرِ يَوْمًا كحِلِّ القَسَمْ) (فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وأَشْيَاعها ... ثَمُود وَبَعض بَقَايَا إرَمْ) (بيثْربَ قَدْ شيدُوا فِي النَّخِيل ... حُصونًا ودُجنَ فِيهَا النَّعَمْ) (نَواضِحَ قَدْ علَّمَتْهَا اليهودُ ... علَّ إليكَ وَقَوْلاً هَلمّ) (وفيهَا اشْتَهوا مِنْ عصِير القِطَافِ ... وعيش رخى عَلَى غيرِهمْ) (فَسِرْنَا إِليْهِم بأثْقَالِنَا ... عَلَى كلِّ فَحْلٍ هِجَانٍ قِطمْ) (جَنَبْنَا بِهن جِيَادَ الخيولِ ... والزحفُ مِنْ خَلْفِهِم قَدْ دهَمْ) (فَطَارُوا سَرَاعاً وقَدْ أُفْزِعُوا ... وجِئْنَا إِليْهِمْ كَأُسْدِ الأَجَمْ) (عَلَى كُلِّ سَلْهَبَةٍ فِي الصِّيَان ... لاَ تَسْتَكينَ لطوُلِ السِّأَمْ) (وكل كميت مُطَارِ الفُؤَاد ... أمينِ الفُصوصِ كمِثْل الزُّلَمْ) (عَلَيْهَا فوارسُ قَدْ عوِّدُوا ... قِرَاعَ الكمَاةِ وضرْبَ البُهَمْ) (ملوكٌ إِذا غَشَمُوا فِي البِلادِ ... لاَ يَنْكلُونَ ولكِنْ قُدُمْ) (فأُبْنَا بِسَادَاتهم والنِّسَاء ... وَأولادهُم فيهمُ تقْتَسمْ) (ورِثنا مسَاكنُهم بعدَهُم ... وكنَّا ملوكاً بِهَا لم نرِمْ) (فلمَّا أتانَا الرسولُ الرشيدُ ... بالحقِّ والنُّورِ بعْدَ الظُّلَمْ) (فَقُلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ المليكِ ... هلُم إِلَيْنَا وفينَا أَقِمْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 (فَنَشْهَدُ أنَّكَ عبدُ الإِله ... أُرْسِلتَ نورا بدِينِ قيمْ) (فَإِنَّا وَأْولادنَا جُنَّةٌ ... نَقِيكَ وَفِي مَالِنَا فاحْتَكِمْ) (فَنَحْنُ ولاتكَ إِنْ كذبُوك ... فَنَادِ نِدَاء وَلَا تَحتشِمْ) (ونادِ بِمَا كنتَ أخفَيْتَهُ ... نِدَاء جهاراً وَلَا تَكتتِمْ) (فَسَار الغواةُ بأسيَافِهم ... إِلَيْهِ يظنُّونَ أَن يخْتَرمْ) (فقُمْنَا إِلَيْهِم بأسْيَافِنَا ... نجالدُ عَنهُ بُغَاةَ الأممْ) (بكلِّ صقيلٍ لهُ مَيْعَةٌ ... رَقِيق الذُبابِ عَضُوضٍ خّذِمْ) (إِذا مَا يُصادفُ صمَّ العظَامِ ... لَمْ ينبُ عَنْهَا وَلم ينثَلِمْ) (فَذلك مَا وَرَّثَتْنَأ القرومُ ... مَجْداً تليدَاً وعزُّا أَشمّ) (إِذا مرِّ نَسْلٌ كَفَى نسلَهُ ... وغَادرَ نَسْلاً إِذا مَا انفصمْ) (فَمَا إِنْ من النَّاسِ إِلَّا لَنَا ... عَلَيْهِ وإنْ خَاسَ فضل النَعَمْ) وفيهَا بنى فِي طَرِيقه مَسَاجِد حِين رَجَعَ من تَبُوك وَقدم فِي رَمَضَان وَأمر بِمَسْجِد الضرار أَن يحرق وَاشْترى جمل جَابر مرجعه فَلَمَّا قدمُوا إِلَى الْمَدِينَة أعطَاهُ الْجمل وَالثمن كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وفيهَا بعث المصدقين لأخذ الصَّدقَات عُيَيْنَة بن حصن إِلَى بني تَمِيم كغيرهم والوليد بن عقبَة إِلَى بني المصطلق ليَأْخُذ الصَّدَقَة فَخَرجُوا بِالسِّلَاحِ فَرحا بِهِ فولى رَاجعا وَأخْبر بمنعهم فهم أَن يبْعَث لَهُم جَيْشًا فَنزل {إِن جَاءَكمُ فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وفيهَا سَرِيَّة عبد الله بن عَوْسَجَة إِلَى بني حَارِثَة مستهل صفر يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فرقعوا بالصحيفة أَسْفَل دلوهم وأبوا الْإِجَابَة فَدَعَا عَلَيْهِم بذهاب عقلهم فهم إِلَى الْيَوْم فِي رعدة وعجلة واختلاط كَلَام وَقُطْبَة بن عَامر إِلَى خثعم بِنَاحِيَة بيشة من مخاليف مَكَّة فِي صفر فِي عشْرين رجلا فَقتلُوا مِنْهُم وغنموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وعلقمة بن مُحرز المدلجي إِلَى الْحَبَشَة فِي ثَلَاثمِائَة لما ترَاءى أهل جدة نَاسا من الْحَبَشَة فَخَاضَ إِلَيْهِم فَهَرَبُوا فَلَمَّا رجعُوا وَكَانَ أمره على من تعجل فِي الرُّجُوع وَمَعَهُ عبد الله بن حذافة السَّهْمِي أَو هُوَ الْأَمِير كَمَا فِي بعض الرِّوَايَات فأجج نَارا وأرادهم على الْوُثُوب ثمَّ كف عَن ذَلِك فَبَلغهُ ذَلِك فَقَالَ من أَمركُم بِمَعْصِيَة فَلَا تطيعوه وعليا إِلَى القلس صنم لطيىء فِي مائَة وَخمسين أَو مِائَتَيْنِ فهدمه وغنم غَنَائِم من آل حَاتِم ثمَّ لما ظفروا بهدمه هرب عدي بن حَاتِم إِلَى الشَّام وكلم النَّبِي أُخْت عدي سفانة بنت حَاتِم أَن يمن عَلَيْهِ فَمن عَلَيْهِ ثمَّ قدم وَأسلم وعكاشة بن مُحصن إِلَى الْحباب أَرض عذرة وبلي وغَطَفَان أَو فزارهَ وكلب ولعذرة فِيهَا شركَة وَأَبا سُفْيَان والمغيرة لهدم الطاغية وَغَيرهَا فهدماها وأخذا مَالهَا وفيهَا قدم وَفد بني أَسد فَقَالُوا جِئْنَا قبل أَن ترسل إِلَيْنَا فَنزل {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} وَتَتَابَعَتْ الْوُفُود تَمِيم وَعَبس وفزارة وَغَيرهم مِمَّا لَا ينْحَصر وفيهَا حج أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بِالنَّاسِ فِي ثَلَاثمِائَة رجل وَمَعَهُ عشرُون بَدَنَة وَبعث عليا خَلفه بِسُورَة بَرَاءَة لينبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده وَألا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان فأدركه عَليّ بالعرج مبلغا لَا أَمِيرا وَكَانَ حجهم فِي ذَلِك الْعَام فِي ذِي الْقعدَة وفيهَا مَاتَ النَّجَاشِيّ فَخرج إِلَى الْمصلى وَالنَّاس مَعَه فصلوا عَلَيْهِ وَمَات عبد الله بن أبي الْمُنَافِق فصلى عَلَيْهِ فَنزل {وَلَا تُصَلِّ على أحَدٍ منهُم مَاتَ أبدا} وآلى من نِسَائِهِ شهرا وَلَا عَن بَين عُوَيْمِر الْعجْلَاني أَو هِلَال ابْن أُميَّة وَامْرَأَته خَوْلَة بنت عَاصِم أَو بنت قيس أَو غير ذَلِك على الِاخْتِلَاف لما رَمَاهَا بِشريك بن السحماء فِي شعْبَان عِنْد قدومه من تَبُوك فَوَجَدَهَا حُبْلَى وَنزلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 حِينَئِذٍ آيَة اللّعان قَالَ فِي الْمَوَاهِب حجَّة أبي بكر الصّديق سنة تسع فِي ذِي الْقعدَة كَمَا ذكره ابْن سعد وَغَيره بِسَنَد صَحِيح عَن مُجَاهِد وَوَافَقَهُ عِكْرِمَة بن خَالِد فِيمَا أخرجه الْحَاكِم فِي الإكليل وَقَالَ قوم فِي ذِي الْحجَّة وَبِه قَالَ الدَّاودِيّ والثعلبي وَالْمَاوَرْدِيّ وَيُؤَيِّدهُ أَن ابْن إِسْحَاق صرح بِأَن النَّبِي أَقَامَ بَعْدَمَا رَجَعَ من تَبُوك رَمَضَان وشوالاً وَذَا الْقعدَة ثمَّ بعث أَبَا بكر أَمِيرا على الْحَج فَهُوَ ظَاهر فِي أَن بعث أبي بكر كَانَ بعد انسلاخ ذِي الْقعدَة فَيكون حجه فِي ذِي الْحجَّة على هَذَا وَالله أعلم وَكَانَ مَعَ أبي بكر ثَلَاثمِائَة رجل من الْمَدِينَة وَعِشْرُونَ بَدَنَة وَفِي البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَبَا بكر بعث فِي الْحجَّة الَّتِي أمره رَسُول الله قبل حجَّة الْوَدَاع فِي رَهْط يُؤذن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إِلَّا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ثمَّ أرْدف النَّبِي بعلي بن أبي طَالب وَأمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة فَأذن مُعْلنا فِي أهل منى بِبَرَاءَة وَألا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان قَالَ فنبذ أَبُو بكر إِلَى النَّاس فِي ذَلِك الْعَام فَلم يحجّ فِي الْعَام الْقَابِل الَّذِي حج فِيهِ رَسُول الله حجَّة الْوَدَاع مُشْرك فَأنْزل الله تَعَالَى فِي الْعَام الَّذِي نبذ فِيهِ أَبُو بكر إِلَى الْمُشْركين {يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا إِنَمَا المُشركوُن نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجدَ الحَرَامَ بعد عَامهمْ هَذَا} الْآيَة وَقد دلّت هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة على نَجَاسَة الْمُشرك يعْنى نَجَاسَة اعْتِقَاده وَأما نَجَاسَة بدنه فالجمهور على أَنه لَيْسَ بِنَجس الْبدن والذات وَذهب بعض الظَّاهِرِيَّة إِلَى نَجَاسَة أبدانهم وَهَذَا ضَعِيف لِأَن أعيانهم لَو كَانَت نَجِسَة كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِير لما طهرهم الْإِسْلَام ولاستوى فِي النَّهْي عَن دُخُول الْمُشْركين المسجدُ الْحَرَام وَغَيره من الْمَسَاجِد فَالْمُرَاد نَجَاسَة الْخبث لما فيهم من خبث الظَّاهِر بالْكفْر وخبث الْبَاطِن بالعداوة قَالَه مقَاتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وروى النَّسَائِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي لما رَجَعَ من عمْرَة الْجِعِرَّانَة بعث أَبَا بكر على الْحَج فأقبلنا مَعَه حَتَّى إِذا كُنَّا بالعرج ثوَّب بالصبح فَلَمَّا اسْتَوَى للتكبير سمع الرغوة وَرَاء ظَهره فَوقف عَن التَّكْبِير فَقَالَ هَذِه رغوة نَاقَة رَسُول الله الجدعاء لقد بدا لرَسُول الله فِي الْحَج فَلَعَلَّهُ أَن يكون رَسُول الله فنصلي مَعَه فَإِذا عَليّ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أَمِير أم رَسُول قَالَ رَسُول أَرْسلنِي رَسُول الله بِبَرَاءَة أقرأها على النَّاس فِي مَوَاقِف الْحَج فقدمنا مَكَّة فَلَمَّا كَانَ قبل التَّرويَة بِيَوْم قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فَحَدثهُمْ عَن مناسكهم حَتَّى إِذا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا ثمَّ إِذا كَانَ يَوْم النَّحْر فأفضنا قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فَحَدثهُمْ عَن إفاضتهم وَعَن نحرهم وَعَن مناسكهم فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فقرأعلى النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر فأفضنا قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فَحَدثهُمْ كَيفَ ينفرون وَكَيف يرْمونَ وَيُعلمهُم مناسكهم فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا وَهَذَا السِّيَاق فِيهِ غرابة من جِهَة أَن أَمِير الْحَج سنة الْجِعِرَّانَة إِنَّمَا هُوَ عتاب بن أسيد فَأَما أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّمَا كَانَ سنة تسع وَاسْتدلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّة على أَن فرض الْحَج كَانَ قبل حجَّة الْوَدَاع وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك شهيرة كَثِيرَة وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن حج أبي بكر هَذَا لم يسْقط عَنهُ الْفَرْض بل كَانَ تَطَوّعا قبل فرض الْحَج وَلَا يخفي ضعفه وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ عبد الله بن أبي ابْن مسلول فجَاء ابْنه عبد الله بن عبد الله إِلَى رَسُول الله فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه يُكفن فِيهِ أَبَاهُ فَأعْطَاهُ ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَامَ عمر رَضِي الله عَنهُ فَأخذ بِثَوْب رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله تصلي عَلَيْهِ وَقد نهاك رَبك أَن تصلي عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّمَا خيرني الله عز وَجل قَالَ {أستَغفِر لَهُم أَو لَا تستَغْفِر لهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سبعين مرّة} وسأزيد على السّبْعين قَالَ إِنَّه مُنَافِق فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تُصَلِّ على أحَدٍ منهُم مَاتَ أبدا وَلَا تَقُم عَلىَ قَبرهِ إنَّهُم كفرُوا باللهِ وَرَسُوله وماتوا وهم فَاسِقُونَ} // (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وفيهَا آلى من نِسَائِهِ شهرا وجحش شقَّه أَي خدش وَجلسَ فِي مشربَة لَهُ لَهَا درج من جُذُوع فَأَتَاهُ أَصْحَابه يعودونه فصلى بهم جَالِسا وهم قيام فَلَمَّا سلم قَالَ إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِذا صلى قَائِما فصلوا قيَاما وَإِن صلى قَاعِدا فصلوا قعُودا وَلَا تركعوا حَتَّى يرْكَع وَلَا تَرفعُوا حَتَّى يرفع وَنزل لتسْع وَعشْرين فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك آلَيْت شهرا فَقَالَ إِن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 (حوادث السّنة الْعَاشِرَة) فِيهَا سَرِيَّة خَالِد فِي ربيع الأول إِلَى بني عبد المدان بِنَجْرَان فأسلموا وجريز ابْن عبد الله البَجلِيّ فِي رَمَضَان فِي مائَة وَخمسين إِلَى ذِي الخلصة بَيت أصنام لدوس وخثعم وبجيلة وَمن ببلادهم وَحَدِيثه فِي البُخَارِيّ قَالَ جرير فكسرناه وقتلنا من وَجَدْنَاهُ عِنْده فَدَعَا لنا ولأحمس وفيهَا حجَّة الْوَدَاع وَتسَمى حجَّة الْبَلَاغ وَحجَّة الْإِسْلَام خرج يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ أَو يَوْم الْجُمُعَة أَو يَوْم السبت لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَمَعَهُ تسعون ألفا أَو مائَة وَأَرْبَعَة عشر ألفا ووقف فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة وَنزل {اليومَ أكمَلتُ لكم دينكُمْ} الْآيَة وَرجع من حجَّة الْوَدَاع لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة وفيهَا نزل {يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا ليستئذنكم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} الْآيَة وَكَانُوا لَا يَفْعَلُونَهُ قبل ذَلِك وَقدم وَفد نَجْرَان فِي اثْنَي عشر رَاكِبًا أَمِيرهمْ العاقب عبد الْمَسِيح وَالسَّيِّد إمَامهمْ واسْمه الْأَيْهَم وَأَبُو حَارِثَة أسقفهم صالحوه عَن أهل نَجْرَان قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَكره ابْن عَبَّاس أَن يُقَال حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ قد أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ يُضحي كل عَام ويغزو الْمَغَازِي فَلَمَّا كَانَ فِي ذِي الْقعدَة سنة عشر من الْهِجْرَة أجمع الْخُرُوج إِلَى الْحَج قَالَ ابْن سعد وَلم يحجّ غَيرهَا مُنْذُ تنبأ إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى وَفِي البُخَارِيّ عَن زيد بن أَرقم أَن النَّبِي حج بعد مَا هَاجر حجَّة وَاحِدَة لم يحجّ بعْدهَا وَهِي حجَّة الْوَدَاع قَالَ ابْن إِسْحَاق وبمكة أُخْرَى قيل حج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 بِمَكَّة حجَّتَيْنِ هَذَا بعد النُّبُوَّة وَقبلهَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَخرج من الْمَدِينَة يَوْم السبت لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَجزم ابْن حزم بِأَن خُرُوجه كَانَ يَوْم الْخَمِيس وَفِيه نظر لِأَن أول ذِي الْحجَّة كَانَ يَوْم الْخَمِيس قطعا لما ثَبت وتواتر أَن وُقُوفه بِعَرَفَة كَانَ يَوْم الْجُمُعَة لَكِن ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس صلينَا مَعَ النَّبِي الظّهْر بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا وَالْعصر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ فَدلَّ على أَن خُرُوجهمْ لم يكن يَوْم الْجُمُعَة وَيحمل قَول من قَالَ لخمس بَقينَ أَي إِن كَانَ الشَّهْر ثَلَاثِينَ فاتفق أَن جَاءَ تسعا وَعشْرين فَيكون يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْحجَّة بعد مُضِيّ أَربع لَيَال لَا خمس وَبهَا الْأَخْبَار هَكَذَا جمع الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير الرِّوَايَات وقوى هَذَا الْجمع بقول جَابر إِنَّه خرج لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة أَو أَربع وَصرح بِهِ الْوَاقِدِيّ بِأَن خُرُوجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَوْم السبت لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَكَانَ خُرُوجه من الْمَدِينَة بَين الظّهْر وَالْعصر وَكَانَ دُخُوله مَكَّة صبح رابعه كَمَا ثَبت فِي حَدِيث عَائِشَة وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد وَهَذَا يُؤَيّد أَن خُرُوجه من الْمَدِينَة كَانَ يَوْم السبت كَمَا تقدم فَيكون مكث فِي الطَّرِيق ثَمَان لَيَال وَهِي الْمسَافَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 الْوُسْطَى وَخرج مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تسعون ألفا وَيُقَال مائَة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألفا وَيُقَال أَكثر من ذَلِك كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَرجع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من حجَّة الْوَدَاع لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 (حوادث السّنة الْحَادِيَة عشرَة من الْهِجْرَة) فِيهَا سَرِيَّة أُسَامَة بن زيد إِلَى أهل أُبنى بالسراة نَاحيَة البلقاء يَوْم الِاثْنَيْنِ لأَرْبَع لَيَال بَقينَ من صفر لغزو الرّوم مَكَان قتل أَبِيه زيد وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَغَيرهمَا فَمَرض فعوقهم ذَلِك وَثقل فَجعل يَقُول أنفذوا بعث أُسَامَة وَدخل عَلَيْهِ أُسَامَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقد أصبح مفيقاً فَقَالَ لَهُ اغْدُ على بركَة الله فودعه وَخرج ثمَّ تَأَخّر حَتَّى توفّي رَسُول الله فَخرج حَتَّى وصل إِلَى أهل أبنى فِي عشْرين لَيْلَة فشن عَلَيْهِم الْغَارة وَكَانَ شعارهم يَا مَنْصُور أمت فَقتل وَحرق وغنم وَقبل وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسبع لَيَال أَو ثَلَاث لَيَال أَو ثَلَاث سَاعَات أَو بِأحد وَثَمَانِينَ يَوْمًا أَو عشْرين أَو غير ذَلِك على الْخلاف نزل قَوْله تَعَالَى {وَاتقُوا يَوْمًا ترُجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} الْبَقَرَة 281 فَهِيَ آخر آيَة نزلت وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس إِن آيَة الرِّبَا آخر آيَة نزلت وَالْجمع مُمكن وَفِي آخر مَا نزل أَقْوَال غير ذَلِك وَأما أول مَا نزل ف {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} العلق 1 الْآيَات الْخمس قَالَ الْقشيرِي ثمَّ نون والقلم ثمَّ المزمل ثمَّ المدثر ثمَّ ثَبت ثمَّ كَذَا إِلَى آخر مَا ذكر من التَّرْتِيب ولبسط ذَلِك وتمييز الْمدنِي من الْمَكِّيّ تأليف مَخْصُوصَة لسنا بصددها (فصل فِي صِفَاته الحسية ) كَانَ ربعَة بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أَبيض اللَّوْن مشرباً بحمرة رجل الشّعْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 أسوده يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ إِذا طَال وَنصف ذَلِك إِذا قصر لم يبلغ الشيب فِي رَأسه ولحيته عشْرين شَعْرَة وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب فِي غير قرن أدعج الْعَينَيْنِ أقنى الْعرنِين سهل الْخَدين ضليع الْفَم أشنب مفلج الْأَسْنَان حُلْو الْمنطق يتلألأ وَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر حسن الْخلق معتدله عريض الصَّدْر مَوْصُول مَا بَين لبته وسرته بِشعر يجْرِي كالخط أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصَّدْر عالي الْيَدَيْنِ والبطن فِيمَا سوى ذَلِك أجل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وَأحسنه وأحلاه من قريب إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما وعلاه الْبَهَاء بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة مثل بَيْضَة الْحَمَامَة لَونه لون جسده عَلَيْهِ خيلان روى أَنه مَكْتُوب فِي بَاطِنه الله وَحده لَا شريك لَهُ وَفِي ظَاهره توجه حَيْثُ شِئْت فَإنَّك مَنْصُور ويروى أَيْضا أَن الْمَكْتُوب فِيهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَقيل غير ذَلِك يَقُول واصفه لم أر قبله مثله وَلَا بعده مثله (فصل فِي صِفَاته المعنوية وأخلاقه ) قَالَت عَائِشَة كَانَ خلقه الْقُرْآن يغْضب لغضبه ويرضى لرضاه وَكَانَ أحلم النَّاس قيل لَهُ أَلا تَدْعُو على الْمُشْركين قَالَ إِنَّمَا بعثت رَحْمَة وَلم أبْعث عذَابا وَكَانَ أَشْجَع النَّاس قَالَ عَليّ كُنَّا إِذا حمي الْبَأْس والتقى الْقَوْم اتقينا برَسُول الله وَأَعْدل النَّاس الْقَرِيب والبعيد وَالْقَوِي والضعيف عِنْده سَوَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وأعف النَّاس وأسخاهم لَا يسْأَل شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ لَا يبيت عِنْده دِينَار وَلَا دِرْهَم فَإِن فضل وَلم يجد من يُعْطِيهِ وفجأه اللَّيْل لم يأو إِلَى منزله حَتَّى يبرأ مِنْهُ إِلَى من يحْتَاج إِلَيْهِ لَا يَأْخُذ مِمَّا أعطَاهُ الله إِلَّا قوت عَامه فَقَط من أيسر مَا يجد وَيَضَع سَائِر ذَلِك فِي سَبِيل الله ثمَّ يعود على قوت عَامه فيؤثر مِنْهُ وَكَانَ أَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها لَا يثبت نظره فِي وَجه أحد غاض الطّرف نظره إِلَى الأَرْض أطول من نظره إِلَى السَّمَاء جلّ نطره الملاحظ وَأكْثر تواضعاً يخصف النَّعْل ويرقع الثَّوْب ويفليه قلت معنى يفليه لَيْسَ من الْقمل كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر لِأَن الْقمل لَا يلْحق جسده الشريف وَإِنَّمَا المُرَاد بالتفلية التنقية من نَحْو قشة أَو غُبَار وَمَا أشبههَا ويخيطه ويخدم فِي مهنة أَهله وَيقطع اللَّحْم مَعَهُنَّ ويجيب دَعْوَة الْحر وَالْعَبْد وَيقبل الْهَدِيَّة وَإِن قلت ويكافىء عَلَيْهَا ويأكلها وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة تستتبعه الْأمة والمسكين فيتبعهما حَيْثُ دَعْوَاهُ ويجيب الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ويجالسهم ويواكلهم وأصدق النَّاس لهجة وأوفاهم ذمَّة وألينهم عَرِيكَة وَأكْرمهمْ عشرَة وأرحمهم يصغي الْإِنَاء للهرة فَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا وأشدهم إِكْرَاما لأَصْحَابه لَا يمد رجله بَينهم ويوسع عَلَيْهِم إِذا ضَاقَ الْمجْلس ويتفقدهم وَيسْأل عَنْهُم من مرض عَاده وَمن غَابَ دَعَا لَهُ وَمن مَاتَ اسْترْجع وأتبع ذَلِك بِالدُّعَاءِ لَهُ وَمن تخوف أَنه وجد فِي نَفسه انْطلق حَتَّى يَأْتِيهِ فِي منزله وَيقبل معذرة المعتذر وَيخرج إِلَى بساتين أَصْحَابه وَيَأْكُل من ضيافتهم وَلَا يطوي بشره عَن أحد وَلَا يدع أحدا يمشي خَلفه وَيَقُول خلوا ظَهْري للْمَلَائكَة وَلَا يدع أحد يمشي مَعَه وَهُوَ رَاكب حَتَّى يحملهُ فَإِن أَبى قَالَ تقدمني إِلَى الْمَكَان الَّذِي تُرِيدُ وَأمر فِي سَفَره باصلاح شَاة فَقَالَ رجل عَليّ ذَبحهَا وَآخر عليَّ سلخها وَآخر عليَّ طبخها فَقَالَ وعليَّ جمع الْحَطب فَقَالُوا نَحن نكفيك قَالَ قد علمت وَلَكِن اكره أَن أتميز عَلَيْكُم فَإِن الله يكره من عبد أَن يرَاهُ متميزاً بَين أَصْحَابه وَقَامَ بِجمع الْحَطب يخْدم من خدمه مَا ضرب قطّ خادمه وَلَا امْرَأَة وَلَا شَيْئا إِلَّا فِي جِهَاد وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 يترفع على عبيده وإمائه فِي مأكل وَلَا ملبس قَالَ أنس خدمته عشر سِنِين فَمَا قَالَ لي قطّ أُفٍّ وَلَا لِمَ فعلت وَلَا أَلا فعلت أَكثر النَّاس تبسماً وَأَحْسَنهمْ بشرا لَا يهوله شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا لَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يلبس مَا وجد من مُبَاح ويركب مَا تيَسّر من فرس أَبُو بعير أَو بغلة أَو حمَار ويردف خَلفه عَبده أَو غَيره وَقد روى فِيمَن أردفه أَكثر من ثَلَاثِينَ يمسح وَجه فرسه بِطرف كمه أَو طرف رِدَائه يحب الفأل وَيكرهُ الطَّيرَة إِن جَاءَ مَا يحب قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين أَو مَا يكره قَالَ الْحَمد لله على كل حَال يحب الطّيب وَيكرهُ الرِيح الرَّديئَة يمزح وَلَا يِقول إِلَّا حَقًا يبْدَأ من لقِيه بِالسَّلَامِ لَا يجلس وَلَا يقوَم إِلَّا على ذكر يجلس حَيْثُ انْتهى بِهِ الْمجْلس وَيَأْمُر بذلك وَلَا يقوم عَمَّن يجالسه حَتَّى يقوم إِلَّا أَن يتعجله أَو يَسْتَأْذِنهُ وَلَا يُقَابل أحدا بِمَا يكره وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعْفُو ويصفح لَا يذم شَيْئا قطّ وَمَا عَابَ طَعَاما قطّ إِن اشتهاه أكله وَإِلَّا تَركه يحفظ جَاره وَيكرم ضَيفه وَمَا خير بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا أَو قطيعة رحم فَيكون أبعد النَّاس مِنْهُ أَكثر جُلُوسه للقباة آتَاهُ الله مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض فَلم يقبل وَاخْتَارَ الْآخِرَة يعصب الْحجر على بَطْنه من الْجُوع يبيت هُوَ وَأَهله اللَّيَالِي طاوين وَلم يشْبع من خبز بر ثَلَاثًا تباعا وَلَا من خبز الشّعير حَتَّى لَقِي الله عز وَجل إيثاراً على نَفسه لَا فقرا وَلَا بخلا يَأْتِي على أَهله الشَّهْر والشهران لَا يُوقد فِي بَيت من بيوته نَار وَلَا يَأْكُل مُتكئا وَلَا على خوان فرَاشه من أَدَم وحشوة لِيف يلبس الصُّوف وينتعل المخصوف أحب اللبَاس إِلَيْهِ الْحبرَة من برود الْيمن فياه حمرَة وَبَيَاض يلبس الْإِزَار الْوَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره يعْقد طَرفَيْهِ بَين كَتفيهِ ويلبس يَوْم الْجُمُعَة برده الْأَحْمَر ويعتم وَكَانَ يلبس خَاتمًا فضَّة نقش فصه مُحَمَّد رَسُول الله فِي خِنْصره الْأَيْمن وَرُبمَا لبسه فِي الْأَيْسَر وَيكثر دهن رَأسه ولحيته ويتبخر بِالْعودِ والكافور ويكتحل بالإثمد ويتطيب بالغالية والمسك أَو بالمسك وَحده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 (فصل فِي خَصَائِصه ) فَمن الْوَاجِبَات الْمُشَاورَة فِي الْأُمُور وتخيير نِسَائِهِ بَين أَن يبْقين فِي عصمته أَو لَا ومصابرة الْعَدو الْكثير وتغيير الْمُنكر من غير قيد عدم الْخَوْف وَقَضَاء دين الْمَيِّت الْمُعسر الْمُسلم وَلَيْسَ مِنْهَا وجوب الضُّحَى وَلَا الْأَضْحَى وَلَا الْوتر وَلَا السِّوَاك وَلَا التَّهَجُّد وَنَحْو ذَلِك خلافًا لمن زَعمه وَمن الْمُحرمَات أَخذ الصَّدَقَة وَاجِبَة كَانَت أَو تَطَوّعا وَالشعر والخط وَالْأكل مُتكئا وَأكل ذِي ريح كريه فِي رَأْي قوي وَنزع لأمته إِذا لبسهَا حَتَّى يلقى الْعَدو ومدّ عَيْنَيْهِ لما متع بِهِ النَّاس وخائنة الْأَعْين بِأَن يومىء إِلَى مُبَاح على خلاف مَا يظْهر والمن ليستكثر وإمساك من كرهت نِكَاحه وَمن الْمُبَاحَات مُوَاصلَة الصَّوْم واصطفاء مَا يخْتَار من الْغَنِيمَة كأخذه صَفِيَّة وسيفه ذَا الفقار وَكَانَ لَهُ خمس الْخمس من الْفَيْء وَالْغنيمَة وَأَرْبَعَة أَخْمَاس من الْفَيْء وَدخُول مَكَّة بِلَا إِحْرَام وَإِن اخْتلف فِي غَيره وأبيح لَهُ الْقِتَال بهَا سَاعَة يَوْم الْفَتْح وَكَانَت من ضحوة إِلَى بعد الْعَصْر وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ قطعا ولنفسه وَلَو كره وَيشْهد أَيْضا لنَفسِهِ وَولده وَيقبل من يشْهد لَهما وَيحيى الْموَات لنَفسِهِ وَيَأْخُذ الطَّعَام وَالشرَاب من الْمَالِك الْمُحْتَاج لَهما وَيمْكث بِالْمَسْجِدِ جنبا وَمن يختاره مَعَه فِي ذَلِك كَمَا أشركه مَعَه فِي ذَلِك وَلَا ينْتَقض وضوؤه بنومه // (من الْبَسِيط) // ( ... ... ... ... فالعين نَائِمَة وَالْقلب يقظان) وَله أَن يُزَوّج من نَفسه وَمِمَّنْ شَاءَ بِلَا إِذن ويتولى الطَّرفَيْنِ وَيزِيد على أَربع زَوْجَات بل وعَلى تسع اللَّاتِي اتّفق اجتماعهن وَهُوَ الْعدَد الَّذِي مَاتَ عَنهُ أَيْضا وينكح بِلَا ولي وَلَا شُهُود وَفِي حَالَة إِحْرَامه وبلفظ الْهِبَة من الْمَرْأَة وَبلا مهر لَا حَالا وَلَا مَآلًا وَأكْثر الْمُبَاح لَهُ لم يَقع مِنْهُ وَمن الْفَضَائِل والكرامات تَحْرِيم أَزوَاجه اللَّاتِي دخل بِهن وفارقهن بِمَوْت أَو غَيره على من سواهُ وَإِنَّمَا هن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك وَفِي احترامهن لَا فِي نَحْو نظر وخلوة وَتَحْرِيم بناتهن وأخواتهن وَكَذَا من لم يدْخل بِهن على مَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي لظَاهِر الْقُرْآن ونساؤه أفضل النِّسَاء وأفضلهن خَدِيجَة وَعَائِشَة وَأمته خير الْأُمَم وَلَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة وصفوفهم كَصُفُوف الْمَلَائِكَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَأَصْحَابه خير الْقُرُون ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ وشرعه مؤبد نَاسخ لما خَالفه من الشَّرَائِع وَكتابه معجز يحفظ من التحريف والتبديل مُسْتَمر بعد نبوته ومعجزات غَيره من الْأَنْبِيَاء انقرضت وَنصر بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَجعلت لَهُ الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَأحلت لَهُ الْغَنَائِم وَأعْطِي الشَّفَاعَة وَالْمقَام الْمَحْمُود وَله خمس شفاعات وَأكْثر مِنْهَا فَلهُ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى فِي فصل الْموقف وَهِي الأولى فَيفزع الْكل إِلَيْهِ بعد دلَالَة الرُّسُل عَلَيْهِ وَلَو بتوسط الدّلَالَة على من دلّ عَلَيْهِ إِظْهَارًا لعلو مقَامه وانفراده بِتَمَامِهِ والشفاعة فِي قوم يدْخلُونَ النَّار فَلَا يدْخلُونَهَا وَهِي الثَّالِثَة وَفِي نَاس دخلوها فَيخْرجُونَ مِنْهَا وَهِي الرَّابِعَة وَفِي رفع الدَّرَجَات فِي الْجنَّة وَهِي الْخَامِسَة وَله غَيْرهنَّ شَفَاعَته لمن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَفِي جمع من صلحاء الْمُؤمنِينَ أَن يتَجَاوَز عَنْهُم مَا لَعَلَّهُم قصروا فِيهِ وَفِي تَخْفيف الْعَذَاب عَن بعض هَل النَّار كَمَا فِي عَمه أبي طَالب وَفِي تَخْفيف عَذَاب الْقَبْر كَمَا فِي حَدِيث غرز الجريدتين فِي القبرين وَفِي فتح بَاب الْجنَّة وَالْجَوَاز على الصِّرَاط وَغير ذَلِك وَأرْسل إِلَى النَّاس كَافَّة وَهُوَ سيد ولد آدم وَأول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَأول شَافِع وَأول مُشَفع وَأول من يقرع بَاب الْجنَّة وَأكْثر النَّاس تبعا وَأعْطِي جَوَامِع الْكَلم وَكَانَ لَا ينَام قلبه وَيرى من وَرَاء ظَهره كَمَا يرى من قدامه وتطوعه بِالصَّلَاةِ قَاعِدا كتطوعه قَائِما وَإِن لم يكن لَهُ عذر وَلَا يحل لأحد رفع صَوته فَوق صَوته وَلَا نداؤه من وَرَاء الْحُجْرَة وَلَا باسمه بل يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله وَنَحْو ذَلِك ومخاطبة الْمُصَلِّي بِالسَّلَامِ عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَلَو خَاطب غَيره بطلت وَيجب على الْمُصَلِّي إجَابَته إِذا دَعَاهُ وَلَا تبطل صلَاته وَتحل لَهُ الْهَدِيَّة دون غَيره من الْحُكَّام وَلَا يجوز عَلَيْهِ وَلَا على غَيره من الْأَنْبِيَاء جُنُون وَلَا احْتِلَام وَمن استهان بِأحد مِنْهُم كفر وَلَا يُورث أحد مِنْهُم بل مَاله صَدَقَة على الْمُسلمين وَأَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ وَيجب بذل المهج لِسَلَامَةِ مهمته فالنبي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَمن رغب فِيهَا وَهِي مُزَوّجَة وَجب على زَوجهَا طَلاقهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وفاتته رَكْعَتَانِ بعد الظّهْر فقضاهما بعد الْعَصْر ثمَّ واظب عَلَيْهِمَا وَقَالَ تسموا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي فَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لأحد أَن يكنى بِأبي الْقَاسِم وَحمل نَصه على حَال حَيَاته وَمن رَآهُ فِي الْمَنَام فقد رَآهُ حَقًا فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صورته وَالْأَرْض لَا تَأْكُل لَحْمه وَلَا لحم أحد من الْأَنْبِيَاء وكل نسب وَسبب وصهر مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا نسبه وَسَببه وصهره وَله غير ذَلِك مِمَّا لَا ينْحَصر (فصل فِي معجزاته ) مِنْهَا وَهُوَ أعظمها الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي عجز الْجِنّ وَالْإِنْس أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ بل بِعشر سور مِنْهُ بل بِسُورَة بل بِحَدِيث مثله وانشقاق الْقَمَر ونبع المَاء من بَين أَصَابِعه فَشرب مِنْهُ أهل الْعَسْكَر وَتَوَضَّئُوا كل ذَلِك من قدح وَلَا مَاء فِيهِ فَجَاشَ بِالْمَاءِ حَتَّى شرب الْجَيْش وَرووا وهم أُلُوف وفاضت إِلَى الْيَوْم وبالحديبية مرّة بالبئر فأروتهم وهم ألف وَأَرْبَعمِائَة أَو أَكثر وَأطْعم جَيش الخَنْدَق وهم ثَلَاثَة آلَاف من تمرٍ أَتَت بِهِ ابْنة بشير بن سعد إِلَى أَبِيهَا وخالها لم يمْلَأ كفيه فَأَكَلُوا مِنْهُ حَتَّى شَبِعُوا وفضلت فضلَة وَرمى يَوْم حنين جَيش الْكفَّار بقبضة من تُرَاب فعميت عيونهم وحن إِلَيْهِ الْجذع الَّذِي كَانَ يخْطب إِلَيْهِ حِين عمل لَهُ الْمِنْبَر وَكَلمه الذِّرَاع المسموم بِالشَّاة كَمَا سبق وَكَانَ يخبر بالغيوب كَقَوْلِه إِن عمارا تقتله الفئة الباغية وَإِن عُثْمَان تصيبه بلوى تكون بعْدهَا الْجنَّة وَإِن الْحسن بن عَليّ سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَ إخْبَاره بقتل الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب وَهُوَ بِصَنْعَاء وبمن قَتله وبموت النَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ وبترتيب المقتولين فِي غَزْوَة مُؤْتَة كَمَا مضى وإخباره بقتل ابْن خلف ومصارع صَنَادِيد قُرَيْش فَكَانَ كَمَا قَالَ وَخرج وعَلى بَابه قوم ينتظرونه ليؤذوه فَوضع التُّرَاب على رؤوسهم فَلم يروه ودعا شجرتين فأتتاه فاجتمعتا ثمَّ أَمرهمَا فافترقتا وزويت لَهُ الأَرْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 فَرَأى مشارقها وَمَغَارِبهَا وَأخْبر ببلوغ ملك أمته مَا زوى لَهُ مِنْهَا فَكَانَ كَذَلِك فَبلغ ملكهم من أول الْمشرق إِلَى آخر الْمغرب وَلم يتسعوا فِي الْجنُوب وَالشمَال كَمَا أخبر سَوَاء بِسَوَاء وَمسح ضرع شَاة لم ينز عَلَيْهَا الْفَحْل فَدرت وندرت عين قَتَادَة فَسَقَطت فَردهَا بِيَدِهِ الْكَرِيمَة فَكَانَت أصح عَيْنَيْهِ وأحسنهما وَأَحَدهمَا وَكَانُوا يسمعُونَ تَسْبِيح الطَّعَام بَين يَدَيْهِ والحصى بيدَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ الْحجر وَالشَّجر ليَالِي بعث وَغَيرهمَا وكلمته الْحَيَوَانَات الْبَعِير وَغَيره فِي حاجاتها وَمِنْهَا إنبات النَّخْلَة فِي سَنَام الْبَعِير وَإِدْرَاك ثَمَرهَا فِي الْحَال ففرقه على الْحَاضِرين فَمن علم الله أَن سيؤمن كَانَت التمرة فِي فَمه تَمْرَة كَمَا هِيَ وَمن علم عدم إيمَانه عَادَتْ التمرة فِي فِيهِ حجرا ذكر ذَلِك الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى وَقد بلغ بمعجزاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعض الْأَئِمَّة ثَلَاثَة آلَاف وَزِيَادَة غير الْقُرْآن الْعَظِيم إِذْ كل حرف مِنْهُ معجز فمعجزاته لَا يدْرك حصرها قَالَ ابْن اسحق فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بكر أقبل النَّاس على جهاز رَسُول الله يَوْم الثُّلَاثَاء فَحَدثني عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا أَن عَليّ بن أبي طَالب وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَالْفضل بن الْعَبَّاس وَقثم بن الْعَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وشقران مولى رَسُول الله هم الَّذين توَلّوا غسله وَأَن أَوْس بن خولى أحد بني عَوْف بن الْخَزْرَج قَالَ لعَلي بن أبي طَالب أنْشدك الله يَا عَليّ وحظنا من رَسُول الله وَكَانَ أَوْس من أَصْحَاب رَسُول الله وَأهل بدر قَالَ ادخل فَدخل وَجلسَ وَحضر غسل رَسُول الله فأسنده عَليّ بن أبي طَالب إِلَى صَدره وَكَانَ الْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم يقلبونه مَعَه وَكَانَ أُسَامَة بن زيد وشقران موليَاهُ اللَّذَان يصبَّانِ المَاء عَلَيْهِ وَعلي يغسلهُ قد أسْندهُ إِلَى صَدره وَعَلِيهِ قَمِيص يدلكه بِهِ من وَرَائه وَلَا يُفْضِي بِيَدِهِ إِلَى رَسُول الله وَعلي يَقُول بِأبي أَنْت وَأمي مَا أطيبك حَيا وَمَيتًا وَلم يُر من رَسُول الله شَيْء مِمَّا يرى من الْمَيِّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عباد عَن عَائِشَة قَالَت لما أَرَادوا غسل رَسُول الله اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالُوا وَالله مَا ندي أنجرد رَسُول الله من ثِيَابه كَمَا نجرد مَوتَانا أَو نغسله وَعَلِيهِ ثِيَابه قَالَت فَلَمَّا اخْتلفُوا ألْقى الله عَلَيْهِم النّوم حَتَّى مَا مِنْهُم من رجل إِلَّا ذقنه فِي صَدره ثمَّ كَلمهمْ مُكَلم من نَاحيَة الْبَيْت لَا يَدْرُونَ من هُوَ أَن غسلوا النَّبِي وَعَلِيهِ ثِيَابه قَالَت فَقَامُوا إِلَى رَسُول الله فغسلوه وَعَلِيهِ قَمِيصه يصبون المَاء فَوق الْقَمِيص ويدلكونه والقميص دون أَيْديهم قَالَ فَلَمَّا فرغ من غسل رَسُول الله كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب ثَوْبَيْنِ صحاريين وبردة حبرَة أدرج فِيهِ إدراجاً كَمَا حَدثنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن وحَدثني حُسَيْن بن عبد الله عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أَرَادوا أَن يحفروا لرَسُول الله وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح يصْرخ كحفر أهل مَكَّة وَكَانَ أَبُو طَلْحَة زيد بن سهل هُوَ الَّذِي كَانَ يحْفر لأهل الْمَدِينَة وَكَانَ يلْحد فَدَعَا الْعَبَّاس رجلَيْنِ فَقَالَ لأَحَدهمَا اذْهَبْ إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح وَقَالَ للْآخر اذْهَبْ إِلَى أبي طَلْحَة اللَّهُمَّ خره لرَسُول الله فَلَمَّا فرغ من جهاز رَسُول الله يَوْم الثُّلَاثَاء وضع على سَرِيره فِي بَيته وَقد كَانَ الْمُسلمُونَ اخْتلفُوا فِي دَفنه فَقَالَ قَائِل ندفنه فِي مَسْجده وَقَالَ قَائِل بل ندفنه مَعَ أَصْحَابه فَقَالَ أَبُو بكر إِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول مَا قبض نَبِي إِلَّا دفن حَيْثُ قبض فَرفع فرَاش رَسُول الله الَّذِي توفّي عَلَيْهِ فحفر لَهُ تَحْتَهُ ثمَّ دخل النَّاس على رَسُول الله يصلونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا فَدخل الرِّجَال حَتَّى إِذا فرغوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 دخل النِّسَاء حَتَّى إِذا فرغن دخل الصّبيان وَلم يؤم النَّاس على رَسُول الله أحد ثمَّ دفن رَسُول الله من وسط اللَّيْل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر عَن امْرَأَته فَاطِمَة بنت عمَارَة عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة عَن عَائِشَة قَالَت مَا علمنَا بدفن رَسُول الله حَتَّى سمعنَا صَوت الْمساحِي من جَوف اللَّيْل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَكَانَ الَّذين نزلُوا فِي قبر رَسُول الله عَليّ بن أبي طَالب وَالْفضل بن عَبَّاس وَقثم بن عَبَّاس وشقران مولى رَسُول الله وَقد قَالَ أَوْس بن خولى لعَلي بن أبي طَالب أنْشدك الله وحظنا من رَسُول الله فَقَالَ لَهُ انْزِلْ فَنزل مَعَ الْقَوْم وَقد كَانَ شقران حِين وضع رَسُول الله فِي حفرته وَبنى عَلَيْهِ قد أَخذ قطيفة قد كَانَ رَسُول الله يلبسهَا ويفترشها فدفنها فِي الْقَبْر وَقَالَ وَالله لَا يلبسهَا أحد بعْدك أبدا فدفنت مَعَ رَسُول الله وسيأتى ذكر بَدْء مَرضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أول خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِمَّا قيل من الرثاء لرَسُول الله قَول أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ // (من الوافر) // (أجدكَ مَا لعينِكَ لَا تنامُ ... كأنَّ جفونَهَا فِيهَا كلامُ) (بوقْعِ مصيبةٍ عظُمَتْ وجلَّتْ ... فدمعُ العينِ أهونُهُ انسجامُ) (فُجعنا بالنبيِّ وَكَانَ فِينَا ... مقدَّمنا وَسَيِّدنَا الإمامُ) (وَكَانَ قوامنا وَالرَّأْس فِينَا ... فنحنُ اليومَ لَيْسَ لنا قوامُ) (ننوحُ ونشتكِى مَا قد لَقِينا ... ويشكُو فقدَهُ البلدُ الحرامُ) (كأّنَّ أنوفنا لاقينَ جدعاً ... لفقدِ محمدٍ فِيهَا اصطلامُ) (لفقدِ أغرَّ أبيضَ هاشميٍّ ... إِمَام نبوَّةٍ وَبِه الختامُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 (أمينٌ مصطفًى للخيرِ يَدْعُو ... كضوءِ البدرِ زايله الظلامُ) (سأتبعُ هديهُ مَا دمْتُ حَيا ... طوالَ الدهرِ مَا سجع الحمامُ) (كأنَّ الأرضَ بعْدك طارَ فِيهَا ... فَأَشْعَلَهَا لساكنها ضرامُ) (وفقد الوَحْي إِذ وليت عَنَّا ... وودعنا مِنَ اللهِ الكلامُ) (سوَى أَن قد تَرَكْت لنا سِرَاجًا ... تواريه القراطيسُ الكرامُ) (لقد ورثتنا مِرآةَ صدقٍ ... عليكَ بِهِ التحيةُ والسلامُ) (من الرحمنِ فِي أعلَى جنانٍ ... من الفردوسِ طابَ بهَا المقامُ) (رَفِيق أبيكَ إبراهيمَ فِيهِ ... وَمَا فِي مِثل صحبتِهِ ندامُ) (وَإِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل فِيهِ ... بِمَا صَلُّوا لربهمُ وصاموا) وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يرثي رَسُول الله // (من الْكَامِل) // (مَا زلتُ مذ وضع الفِرَاشَ لجنبه ... وَثوَى مَرِيضا خَائفًا أتوقَّعُ) (شفقاً عَلَيْهِ أَن يزولَ مَكَانَهُ ... عنَّا فنبقَى بعْدَهُ نتوجَّعُ) (وَإِذا تحدثنا الحوادثُ منْ لَنَا ... بالوحْيِ من ربِّ رحيمِ يسمعُ) (ليتَ السماءَ تفطَّرَتْ أكنافُهَا ... وتناثَرَتْ فِيهَا النجومُ الطلعُ) (لما رأيتُ الناسَ هدَّ جمعيهم ... صوتٌ يُنَادي بالنَّعِيِّ فيسمعُ) (وسمعْتُ صوتَا قبلَ ذَلِك هدَّني ... عَبَّاس ينعاه بصوتٍ يقطعُ) (فليبكِهِ أهلُ المدائنِ كلّها ... والمسلمونَ بكُلِّ أرضٍ تجدعُ) وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه // (من الطَّوِيل) // (أَلا طرق الناعِي بلَيْلٍ فراعَنِي ... وأرَّقني لما استقلَّ منادياً) (فقلتُ لَهُ لما رأيتُ الَّذِي أَتَى ... أغَيْرَ رسولِ اللهِ إنْ كنتَ نَاعِيا) (فحققْت مَا أشفقْتُ منهُ وَلم ينلْ ... وَكَانَ خليلي عدَّةً وجماليَا) (فواللهِ مَا أنساكَ أحمَدُ مَا مَشَتْ ... بِيَ العيسُ فِي أرضٍ وجاوزْتَ واديَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 (وكنتُ مَتى أهبطْ من الأرضِ بقْعَة ... أرَى أثرا مِنْهُ جَدِيدا وعافيَا) (مِنَ الأسدِ قد أخْفى العرين مَخَافَة ... تهادي سباعُ الطيرِ مِنْهُ تَعَادِيا) (شَدِيد حوى الصَّدرِ مِنهُمْ مشددٌ ... هُوَ المَوْتُ معدياً عَلَيْهِ وَعَادِيا) وَقَالَ حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ // (من الطَّوِيل) // (بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلَّرَسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وَتَهْمُدُ) (وَلاَ تَنْمَحي الآياتُ مِنْ دَارِ حرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَد) (وَوَاضِحُ آثارٍ وَبَاقِي مَعَالِمٍ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلًّى وَمَسْجِدُ) (بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنَ اللهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ) (مَشَاهِدُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالآيُ مْنهَا تَجَدَّدُ) (عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مُلْحِدُ) (ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلاَهَا مِنَ الْجَفْن تُسْعِدُ) (يُذَكِّرْنَ آلاءَ الرَّسُولِ وَمَا أرَى ... لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ) (مُفَجَعةٌ قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أحْمَدٍ ... فَظَلَّتْ لآلاَءِ الرَّسُولِ تُعدِّدُ) (وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عشيرهُ ... وَلكِنْ لِنَفْسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجَّدُ) (أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْن جَهْدَهَا ... عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أحْمَدُ) (فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ ... بِلاَدٌ ثَوَى فِيهَا الرَّشِيدُ الْمُسَدَّدُ) (وَبُورِكَ لحدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ طَيِّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مْن صَفِيحٍ مُنَضَّدُ) (تَهَيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ أَيْدٍ وَأعْين ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أسْعُدُ) (لَقَدْ غَيَّبُوا حِلمًا وَعِلْمًا وَحكْمَةً ... عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لاَ يُوَسَّدُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 (وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ) (يُبَكُّونَ مَنْ تَبْكِي السَّمواتُ يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ) (وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ ... رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ) (تَقَطَّعَ فِيهِ منْزلُ الْوَحْيِ عَنْهُمُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنْجِدُ) (يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ) (إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِداً ... مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا) (عَفُوٌّ عنِ الزَّلاَّتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنْ يُحْسِنَوا فَاللهُ بِالْخَيْرِ أجْوَدُ) (وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدَّدُ) (فَبَيْنَا هُمُ فِي نِعْمَةِ اللهِ بَيْنهُمْ ... دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ) (عَزِيزٌ عَلَيْهِ أنْ يَزِيغُوا عَنِ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا) (عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لاَ يُثَنِّي جَنَاحَهُ ... إِلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ) (فَبَيْنَا هُمُ فِي ذلِكَ النُّورِ إِذْ غَدَا ... إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوِتِ مُقْصِدُ) (فَأَصْبَحَ مَحْمُوداً إِلَى اللهِ رَاجِعًا ... يُبَكِّيهِ جَفْنُ الْمُرْسَلاَتِ وَيَحْمَدُ) (وَأَمْسَتْ بِلاَدُ الحُرْمِ وَحْشاً بِقَاعُهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ الْوَحي تعْهَدُ) (قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بَلاَطٌ وَغَرْقَدُ) (وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلاَءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ) (وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَيْعٌ وَمَوْلِدُ) (فَبَكَّى رَسُولَ اللهِ يَا عَيْن عَبْرَةً ... وَلاَ أَعْرِفَنْكِ الدَّهْرِ دَمْعُكِ يَجْمُدُ) (وَمَالَكِ لاَ تَبْكِينَ ذَا النَّعْمَةِ الَّتِي ... عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يَتَغَمَّدُ) (فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلي ... لِفَقْدِ الَّذِي لاَ مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ) (وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ ... وَلاَ مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيامَة يُفْقَدُ) (أَعَفَّ وَأوْفَى ذِمَّةٌ بَعْد ذِمَّة ... وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلاً لاَ يُنَكَّدُ) (وَأَبْذَلَ مِنْهُ للطَّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إِذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلِدُ) (وَأَكْرَمَ صِيتاً فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ) (وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلاَ ... دَعَائِمَ عِزٍّ شَامِخَاتٍ تُشَيَّدُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 (وَأثْبَتَ فَرْعًا فِي الفُرُوعِ وَمَنْبِتًا ... وَعُودًا غَدَاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَعْيَدُ) (رَبَاهُ وَلِيداً فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدُ) (تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ ... فَلاَ الْعِلْمُ مَحبُوسٌ وَلا الرَّأْيُ يُفْنَدُ) (أَقُولُ وَلاَ يلْفَى لِقَوْلِيَ عَائِبٌ ... مِنَ النَّاسِ إلاَّ عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ) (وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ أخْلُدُ) (مَعَ المُصْطَفَى أرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أسْعَى وأَجْهَدُ) وَقَالَت السيدة فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا // (من الْكَامِل) // (مَاذَا علَى مَنْ شمُّرْبَةَ أَحْمَدٍ ... أَلاَّ يشَمَّ من الزَّمَانِ غَوَالِيَا) (صُبَّتْ عليَّ مَصَائبٌ لَو أنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ ليالِيَا) وَقَالَت عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهَا // (من الْبَسِيط) // (عينيَّ جُودَا طوالَ الدَّهْرِ وانَهِرَا ... سَكبًا وسَحَّا بدمْعٍ غيرِ تَقْدِيرِ) (يَا عينُ واستَحْسِرِي بالدمعِ واحتَفِلِي ... حتَّى الممَاتِ بسَجْلٍ غيرِ مَنْزورِ) (يَا عين وانهملِي بالدمْعِ واجتهِدِي ... للمصطفَّى دونَ خَلْقِ اللهِ بِالنُّورِ) (بمستهلِّ من الشؤْبُوبِ ذِي سَبَلٍ ... فقدْ رُزِئْت نبيَّ العدلِ والخيرِ) (وكنتُ من حَذَرٍ للموتِ مشفقةَ ... وللذي خُطَّ مِن تلكَ المقاديرِ) (من فَقْدِ أزهَرَ ذِي خلْقٍ وَذي فخرٍ ... صافٍ من العَيْبِ والعاهاتِ والزورِ) (فاذهَبْ حَمِيداً جزاكَ الله مَغْفِرَةً ... يومَ القيامةِ عِنْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ) وَقَالَت أروى أُخْتهَا بنت عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهَا // (من الوافر) // (أَلا يَا عينُ ويحِكِ أسْعِدِيني ... بدمْعٍ مَا بقيتُ وطَاوِعِينِي) (أَلا يَا عَين ويحكِ واستَهِلِّي ... على غيْثِ البلادِ وأسعِدِينِي) (فَإِن عَذَلَتْكِ عَاذِلةٌ فقولِي ... عَلامَ وفيمَ ويحَكِ تعذليني) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 (عَلى نُور البلادَ مَعًا جَمِيعًا ... رَسُولِ اللهِ أحمَد فاتْرُكِينِي) (وَإِنْ لاَ تَقْصرِي بالعَذلْ عنِّي ... فَلُومي مَا بَدَا لَكِ أَو دَعِينِي) (لأمرٍ هَدَّنِي وأَدَكَّ رُكْنِي ... وشَيَّبَ بَعْدَ جِدَّتها قُرُونِي) وَقَالَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهَا // (من الْخَفِيف) // (لهفَ قَلْبِي وبتُّ كالمسلوبِ ... أرق اللَّيلُ مُقْلَةَ المحرُوبِ) (مِنْ همومٍ وحَسْرةٍ وَقَذَتْنِي ... ليتَ أنِّي سَبقْتُهَا لِشَعُوبِ) (حينَ قَالُوا إِنَّ الرسُولَ قد امْسَى ... وافَقَتْهُ مَنِيَّةُ المكتوبِ) (إذْ رَأينَا أنَّ النبيَّ صَرِيعٌ ... فأَشَابَ القَذَالَ أَي مَشِيبِ) (إذْ رَأينا بيوتَهُ مُوحِشَاتٍ ... لَيْسَ فيهنَّ بعد عَيْش حبيبِ) (أَورَثَ القلبَ ذاكَ حزنا طَويلا ... خالَطَ القلبَ فَهْوَ كالمرعُوبِ) (ليتَ شِعْرِي وكْيفَ أُمسي صحيحَاً ... بعد أنْ بِينَ بالرَّسُولِ القريبِ) (أعظم الناسِ فِي البريَّةِ حَقًّا ... سيِّدُ الناسِ حبه فِي القُلُوبِ) (فَإِلى اللهِ ذاكَ أشكُو وحَسْبِي اللهُ ... مولى وحوْبتِي ونَحِيبِي) وَقَالَت أَيْضا // (من المتقارب) // (أفاطمُ فابْكِي وَلَا تَسْأَمِي ... بصَحْبِكِ مَا طَلَعَ الكوكَبُ) (هُوَ المرءُ يبكي بحقٍّ البكا ... هُوَ الماجدُ السيِّدُ الطيبُ) (فأوحشَتِ الأرضُ من فقْدِهِ ... وإِنَّ البريةَ لَا تنكبُ) (فَمَا ليَ بَعْدَك حَتَّى الْمَمَات ... إِلَّا الجَوَى الدَّاخِل المُنْصِبُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 (فَبَكَّى الرسولَ وحقَّتْ لَهُ ... شُهُودُ المدينةِ والغُيَّبُ) (لِتَبْكِكَ شَمْطَاءُ مَضْرُورةٌ ... إِذا حُجِبَ الناسُ لَا تحجَبُ) (ليبكِكَ شيخٌ أَبُو ولدةٍ ... يطوفُ بعقوتِهِ أشْهَبُ) (ويبكك رَكْبٌ إِذا أرمَلُوا ... فَلم يكْفِ مَا طلبِ المطلبُ) (وتبكي الأباطِحُ مِنْ فقدِهِ ... وتبكيه مَكَّةُ والأَخْشَبُ) (وتبكي وُعَيْرَةُ مِنْ فَقْدِهِ ... بُحزْنٍ ويُسْعِدُهَا المِثيبُ) (أَعْيَنيَّ مَا لَكِ لَا تَدْمَعِين ... وحقَّ لدمْعِكِ مَا يَسْكُبُ) صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه إِلَى يَوْم الدّين وَسلم وَقَالَ أَبُو الْفَتْح فيا لَهُ فِي مثل ذَلِك خطب جلّ عَن الخطوب ومصاب عَلم دمع الْعين كَيفَ يصوب ورزء غربت لَهُ النيرات وَلَا تعلل بشروقها بعد الْغُرُوب وَجَاءَت هجمة الْمَوْت فَلَا نجاء مِنْهُ لهارب وَلَا فرار مِنْهُ لمطلوب وَلَا صباح لَهُ فيجلو غياهبه الملمة ودياجيه المدلهمة وَلكُل ليل إِذا دجى صباح يئوب وَمن سر أهل الأَرْض ثمَّ بَكَى سأبكي بعيون سرها وَقُلُوب فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون من نَار طويت عَلَيْهَا الأضالع لَا تخبو وَلَا تخمد ومصيبة تستك مِنْهَا المسامع فَلَا يبْلى على مر الجديدين حزنها المجدد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 (الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) قَالَ ابْن إِسْحَاق ابتدىء رَسُول الله بشكواه الَّتِي قَبضه الله تَعَالَى فِيهَا إِلَى مَا أَرَادَ بِهِ من كرامته وَرَحمته فِي لَيَال بَقينَ من صفر أَو فِي أول شهر ربيع الأول فَكَانَ أول مَا ابْتَدَأَ بِهِ رَسُول الله من ذَلِك فِيمَا ذكر لي أَنه خرج إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد من جَوف اللَّيْل فَاسْتَغْفر لَهُم ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَلَمَّا أصبح ابتدىء بوجعه من يَوْمه ذَلِك قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن عمر عَن عبيد الله بن جُبَير مولى الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن أبي مويهبة مولى رَسُول الله قَالَ بعث إِلَيّ رَسُول الله من جَوف اللَّيْل فَقَالَ يَا أَبَا مويهبة إِنِّي قد أمرت أَن أسْتَغْفر لأهل البقيع فَانْطَلق معي فَانْطَلَقت مَعَه فَلَمَّا وقف بَين أظهرهم قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْمَقَابِر لِيهن لكم مَا أَصْبَحْتُم فِيهِ مِمَّا أصبح النَّاس فِيهِ أَقبلت الْفِتَن كَقطع اللَّيْل المظلم تتبع أخراها أولاها الْآخِرَة شَرّ من الأولى ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ يَا أَبَا مويهة إِنِّي قد أُوتيت مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة فخيرت بَين ذَلِك وَبَين لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة قَالَ أَبُو مويهة فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي فَخذ مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة قَالَ لَا وَالله يَا أَبَا مويهبة لقد اخْتَرْت لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة ثمَّ اسْتغْفر لأهل البقيع وَانْصَرف فَبَدَأَ بِهِ فِي صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم وَجَعه الَّذِي قَبضه الله فِيهِ وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من البقيع وجدني وَأَنا أجد صداعَاً فِي رَأْسِي وَأَنا أَقُول وارأساه فَقَالَ بل أَنا وَالله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وارأساه يَا عَائِشَة ثمَّ قَالَ لي وَمَا ضرك لَو مت قبلي فَقُمْت عَلَيْك وكفنتك وَصليت عَلَيْك ودفنتك قَالَت فَقلت وَالله لكَأَنِّي بك لَو قد فعلتَ ذَلِك لقد رجعتَ إِلَى بَيْتِي فأعرست فِيهِ بِبَعْض نِسَائِك قَالَت فَتَبَسَّمَ رَسُول الله وتتام بِهِ وَجَعه وَهُوَ يَدُور على نِسَائِهِ حَتَّى استعزَّ بِهِ مَرضه يَعْنِي اشْتَدَّ وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة فَدَعَا نِسَاءَهُ فاستأذنهن فِي أَن يمرض فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَين رجلَيْنِ من أَهله أَحدهمَا الْفضل بن الْعَبَّاس وَرجل آخر هُوَ عَليّ بن أبي طَالب عاصباً رَأسه تخط قدماه حَتَّى دخل بَيْتِي وَلما غمره الوجع قَالَ أريقوا عليّ من سبع قرب من آبار شَتَّى حَتَّى أخرج إِلَى النَّاس فأعهد إِلَيْهِم قَالَت فأقعدناه فِي مخضب لحفصة بنت عمر فصببنا عَلَيْهِ المَاء حَتَّى طفق يَقُول حسبكم حسبكم وَقَالَ الزُّهْرِيّ حَدثنِي أَيُّوب بن بشر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خرج عاصباً رَأسه حَتَّى جلس على الْمِنْبَر ثمَّ كَانَ أول مَا تكلم بِهِ أَن صلى على أَصْحَاب أحد واستغفر لَهُم وَأكْثر الصَّلَاة عَلَيْهِم وَقَالَ إِن عبدا خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْد الله قَالَ ففهمها أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَعرف أَنه يُرِيد نَفسه فَبكى وَقَالَ بل نَحن نفديك بِأَنْفُسِنَا وأبنائنا فَقَالَ على رسلك يَا أَبَا بكر ثمَّ قَالَ انْظُرُوا هَذِه الْأَبْوَاب اللافظة فِي الْمَسْجِد فسدوها إِلَّا بَاب أبي بكر ثمَّ استبطأ النَّاس فِي بعث أُسَامَة فَقَالَ أَيهَا النَّاس أنفذوا بعث أُسَامَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 بن زيد فلعمري إِن قُلْتُمْ فِي إمارته لقد قُلْتُمْ فِي إِمَارَة أَبِيه من قبله وَكَانَ قد سمع قَول النَّاس فِي إِمَارَة أُسَامَة أمَّر غُلَاما حَدثا على جلة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَإنَّهُ لخليق بالإمارة وَإِن كَانَ أَبوهُ لخليقاً بهَا ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر وانكمش النَّاس فِي جهازهم واستُعزَّ أَي اشْتَدَّ برَسُول الله وَجَعه فَخرج أُسَامَة وَخرج جَيْشه مَعَه حَتَّى نزلُوا الجرف من الْمَدِينَة على فَرسَخ فَضرب بِهِ عسكره وتتام النَّاس وَثقل رَسُول الله فَأَقَامَ أُسَامَة وَالنَّاس ينتظرون مَا الله قَاض فِي رَسُوله ثمَّ اجْتمع إِلَى رَسُول الله من نِسَائِهِ أم سَلمَة ومَيْمُونَة وَنسَاء من نسَاء الْمُسلمين مِنْهُنَّ أَسمَاء بنت عُمَيْس وَعِنْده الْعَبَّاس عَمه فَأَجْمعُوا أَن يلدُّوه واللد رفع اللِّسَان وَإِدْخَال المسعط فِي الْحلق من وسط الْفَم فَإِن كَانَ من أحد الشقين فَهُوَ الْإِيجَار وَأما اللدود فَهُوَ الدَّوَاء نَفسه فَلَمَّا أَفَاق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ من وضع هَذَا بِي قَالُوا يَا رَسُول الله عمك قَالَ هَذَا دَوَاء أَتَى بِهِ نسَاء جئن من نَحْو هَذِه الأَرْض وَأَشَارَ نَحْو أَرض الْحَبَشَة قَالَ وَلم فَعلْتُمْ ذَلِك قَالَ عَمه خشينا يَا رَسُول الله أَن يكون بك دَاء الْجنب فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن ذَلِك لداء مَا كَانَ الله ليقذفني بِهِ أَو ليعذبني وَفِي رِوَايَة إِنَّهَا لم تسلط عَليّ لَا يبْقى أحد فِي الْبَيْت إِلَّا لد إِلَّا عَمي فَلَقَد لدت مَيْمُونَة وَإِنَّهَا لصائمة لقسم رَسُول الله عُقُوبَة لَهُم بِمَا صَنَعُوا وَلما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الَّذِي قبض فِيهِ رَسُول الله خرج عاصباً رَأسه إِلَى الصُّبْح وَأَبُو بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا خرج تفرج النَّاس فَعرف أَبُو بكر أَنه رَسُول الله فنكص عَن مُصَلَّاهُ فَدفع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ظهر أبي بكر وَقَالَ صل بِالنَّاسِ وَجلسَ رَسُول الله إِلَى جنبه فصلى قَاعِدا عَن يَمِين أبي بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة أقبل على النَّاس فَكَلَّمَهُمْ رَافعا صَوته حَتَّى خرج صَوته من بَاب الْمَسْجِد يَقُول أَيهَا النَّاس سعرت النَّار وَأَقْبَلت الْفِتَن كالليل المظلم إِنِّي وَالله مَا تمسكون عَليّ بِشَيْء وَإِنِّي لم أحل إِلَّا مَا أحل الْقُرْآن وَلم أحرم إِلَّا مَا حرم الْقُرْآن فَلَمَّا فرغ رَسُول الله من كَلَامه قَالَ لَهُ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِنِّي أَرَاك قد أَصبَحت بِنِعْمَة من الله وَفضل كَمَا تحب وَالْيَوْم يَوْم بنت خَارِجَة يَعْنِي زَوجته أفآتيها قَالَ نعم ثمَّ دخل رَسُول الله وَخرج أَبُو بكر إِلَى أَهله بالسنح بِالسِّين الْمُهْملَة المضمومة والحاء الْمُهْملَة آخر الْحُرُوف اسْم مَكَان بِالْعَالِيَةِ قَالَ وَخرج عَليّ بن أبي طَالب يَوْمئِذٍ على النَّاس من عِنْد رَسُول الله فَقَالَ لَهُ النَّاس يَا أَبَا الْحسن كَيفَ رَسُول الله فَقَالَ أصبح بِحَمْد اله بارئاً قَالَ فَأخذ الْعَبَّاس بيد عَليّ ثمَّ قَالَ لَهُ أَنْت وَالله عبد الْعَصَا بعد ثَلَاث أَحْلف بِاللَّه لقد رَأَيْت الْمَوْت فِي وَجه رَسُول الله كَمَا كنت أعرفهُ فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب فَانْطَلق بِنَا إِلَى رَسُول الله فَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر فِينَا عَرفْنَاهُ وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه فأوصى بِنَا النَّاس فَقَالَ لَهُ عَليّ إِنِّي وَالله لَا أفعل ذَلِك وَالله لَئِن منعناها لَا يؤتيناها أحد بعده فَتوفي رَسُول الله حِين اشْتَدَّ الضُّحَى من ذَلِك الْيَوْم وروى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة قَالَ قَالَت عَائِشَة لما رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذَلِك الْيَوْم من الْمَسْجِد دخل إليَّ فاضطجع فِي حجري فَدخل عَليّ رجل من آل أبي بكر وَفِي يَده سواك أَخْضَر فَنظر رَسُول الله إِلَيْهِ نظرا عرفت أَنه يُريدهُ فَقلت أَتُحِبُّ أَن أُعْطِيك هَذَا السِّوَاك قَالَ نعم قَالَت فَأَخَذته فمضغته حَتَّى لينته ثمَّ أَعْطيته إِيَّاه فاستن كأشد مَا رَأَيْته اسْتنَّ بسواك قطّ ثمَّ وَضعه وَوَجَدته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يثقل فِي حجري فَذَهَبت أنظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 فِي وَجهه فَإِذا بَصَره قد شخص وَهُوَ يَقُول بل الرفيق الْأَعْلَى من الْجنَّة قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول مَاتَ رَسُول الله بَين سحرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي لم أظلم فِيهِ أحدَاً فَمن سفهي وحداثة سني أَن رَسُول الله قبض وَهُوَ فِي حجري ثمَّ وضعت رَأسه على وسَادَة ثمَّ قُمْت مَعَ النِّسَاء ألتدم وأضرب وَجْهي وَعَن سَالم بن عبيد الْأَشْجَعِيّ قَالَ لما مَاتَ رَسُول الله صَار عُثْمَان يضْرب على وَجهه كالنساء وأقعد عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخذ عمر رَضِي الله عَنهُ بقائم سَيْفه وَقَالَ لَا أسمع أحدا يَقُول مَاتَ رَسُول الله إِلَّا ضربت عُنُقه بسيفي وَيَقُول إِنَّمَا أرسل إِلَيْهِ كَمَا أرسل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلبث عَن قومه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَالله إِنِّي لأرجو أَن يقطع أَيدي رجال وأرجلهم فَقَالَ النَّاس يَا سَالم اطلب صَاحب رَسُول الله قَالَ فَخرجت من الْمَسْجِد فَإِذا بِأبي بكر فَلَمَّا رَأَيْته أجهشت بالبكاء فَقَالَ مَالك يَا سَالم أمات رَسُول الله فَقلت إِن هَذَا عمر بن الْخطاب يَقُول لَا أسمع أحدا يَقُول مَاتَ رَسُول الله إِلَّا ضربت عُنُقه بسيفي هَذَا فَأقبل أَبُو بكر حَتَّى دخل فَلَمَّا رَآهُ النَّاس سعوا إِلَيْهِ فَدخل على النَّبِي وَهُوَ مسجى بِبُرْدَةٍ فَرفع الْبردَة عَن وَجهه وَوضع فَاه على فِيهِ فَقبله فاستنشأ الرّيح ثمَّ سجاه ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ إِن كَانَ مُحَمَّد إِلَهكُم الَّذِي تعبدونه فَإِن إِلَهكُم قد مَاتَ وَإِن كَانَ إِلَهكُم الَّذِي فِي السَّمَاء فَإِن إِلَهكُم حَيّ لَا يَمُوت ثمَّ تَلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قَد خلت مِن قَبْلِهِ الرسُل} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} قَالَ الزُّهْرِيّ فَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب قَالَ وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن تَلَاهَا أَبُو بكر حَتَّى عقرت وَأَنا قَائِم وخررت إِلَى الأَرْض وَأثبت حِينَئِذٍ أَن رَسُول الله قد مَاتَ قَالَ فوَاللَّه لكأن النَّاس لم يعلمُوا أَن هَذِه الْآيَة نزلت حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 تَلَاهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَوْمئِذٍ فَأَخذهَا النَّاس عَن أبي بكر فَإِنَّمَا هِيَ فِي أَفْوَاههم وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عمر حَدثهُ قَالَ أقبل أَبُو بكر من السنح منزله بِالْعَالِيَةِ حِين بلغه الْخَبَر إِلَى بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأَذنت لَهُ فَدخل فكشف عَن وَجه رَسُول الله فَجعل يقبله ويبكي وَيَقُول توفّي والذى نَفسِي بِيَدِهِ صلوَات الله عَلَيْك يَا رَسُول اله مَا أطيبك حَيا وَمَيتًا وَفِي رِوَايَة عَن عَائِشَة فَوضع فَاه بَين عَيْنَيْهِ وَوضع يَدَيْهِ على صدغيه وَقَالَ وانبياه واخليلاه واصفياه أخرجه ابْن عَرَفَة الْعَبْدي ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ عمر يكلم النَّاس وَيَقُول وَهُوَ شاهر سَيْفه من قَالَ إِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ ... إِلَى آخِره فَقَالَ لَهُ على رسلك يَا عمر أنصت فَأبى عمر إِلَّا أَن يتَكَلَّم فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر لَا ينصت جَاءَ إِلَى الْمِنْبَر فَقَامَ عَلَيْهِ ونادى أَيهَا النَّاس اجلسوا وأنصتوا فجلسوا وأنصتوا فَتشهد شَهَادَة الْحق ثمَّ قَالَ إِن الله تَعَالَى نعى إِلَيْكُم نَبِيكُم وَهُوَ حَيّ بَين أظْهركُم ونعى لكم أَنفسكُم وَهُوَ الْمَوْت حَتَّى لَا يبقي أحدا أَلا إِن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قَد خلت مِن قبلِهِ الرسُل} إِلَى قَوْله {الشاكرِين} آل عمرَان 144 وَقَالَ {إِنك مَيتُ وَإِنَّهُم ميتُونَ} الزمر 30 وَقَالَ {كل نَفسٍ ذائقَةُ الْمَوْت} آل عمرَان 185 وَقَالَ {وَلَا تَدعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لَا إلَهَ إِلَّا هُو كل شَيءٍ هَالِك إِلَّا وَجهَهُ} الْقَصَص 88 وَقَالَ {كُلُ مَنْ عَلَيْهَا فَانِ وَيبقى وَجهُ رَبِك ذوُ الجَلاَلِ وَالإكرامِ} الرَّحْمَن 26، 27 ثمَّ قَالَ إِن الله عز وَجل عمّر مُحَمَّدًا وأبقاه حَتَّى أَقَامَ دين الله وَأظْهر أَمر الله وَبلغ رِسَالَة الله وجاهد أَعدَاء الله حَتَّى توفاه الله على ذَلِك وترككم على الطَّرِيقَة فَلَا يهْلك هَالك إِلَّا بعد التنبه والشفاء والنور فَمن كَانَ الله ربه فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت فليعبده وَمن كَانَ يعبد مُحَمَّدًا أَو يرَاهُ إلهَاً فقد هلك إلهه فَأَقْبَلُوا أَيهَا النَّاس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكُم فَإِن دين الله قَائِم وكلمته بَاقِيَة وَإِن الله نَاصِر دينه ومعز أَهله وَإِن كتاب الله بَين أظْهركُم وَهُوَ النُّور والشفاء وَبِه هدى الله مُحَمَّدًا وَفِيه حَلَال الله وَحَرَامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 وَلَا وَالله مَا نبالي من أجلب علينا من خلق الله إِن سُيُوفنَا مسلولة مَا وضعناها بعد ونجاهد من خَالَفنَا كَمَا جاهدنا مَعَ رَسُول الله فَلَا يبْقين أحد إِلَّا على نَفسه قَالَ ابْن إِسْحَاق لما قبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انحاز هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار بأجمعهم إِلَى سَقِيفَة بني سَاعِدَة منزل سعد بن عبَادَة وَاعْتَزل عَليّ بن أبي طَالب وَبَنُو هَاشم وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة بن عبيد الله وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وعمار بن يَاسر والمقداد بن عَمْرو والبهراني وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَجَمَاعَة آخَرُونَ فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله وانحاز الْمُهَاجِرُونَ مَا عدا أُولَئِكَ إِلَى أبي بكر الصّديق وانحاز مَعَهم أسيد بن حضير فِي بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار فانحازت إِلَى أبي بكر وَعمر فَقَالَ إِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار مَعَ سعد بن عبَادَة قد انحازوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ لكم بِأَمْر النَّاس حَاجَة فأدركوا النَّاس قبل أَن يَتَفَاقَم الْأَمر وَرَسُول الله فِي بَيته لم يفرغ عَن أمره وَقد أغلق دونه الْبَاب أَهله قَالَ عمر فَقلت لأبي بكر انْطلق بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا حَتَّى نَنْظُر مَا هم عَلَيْهِ فَانْطَلَقْنَا نؤمهم حَتَّى لقيَنا رجلَانِ صالحان فذكرا لنا الَّذِي صنع الْقَوْم وَقَالا أَيْن تُرِيدُونَ يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقلت نُرِيد إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار فَقَالَا لَا عَلَيْكُم أَن تقربوهم واقضوا أَمركُم يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقلت وَالله لنأتينهم فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جئناهم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة فَإِذا هم مجتمعون وَإِذا بَين ظهرانيهم رجل مزمل فَقلت مَا هَذَا قَالُوا سعد بن عبَادَة فَقلت مَا لَهُ قَالُوا وجع فَلَمَّا جلسنا قَامَ خطيبهم فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله وَقَالَ أما بعد فَنحْن أنصار الله وكتيبة الْإِسْلَام وَأَنْتُم يَا معشر الْمُهَاجِرين رَهْط منا وَقد دفت دافة مِنْكُم أَي دبّ قوم مِنْكُم بالاستعلاء والترفع علينا تُرِيدُونَ أَن تختزلونا من أصلنَا وتحضنونا من الْأَمر أَي تنحونا عَنهُ وتستبدوا بِهِ دُوننَا فَلَمَّا سكت أردْت أَن أَتكَلّم وَقد كنت زوّرت مقَالَة أعجبتني أردْت أَن أقولها بَين يَدي أبي بكر فَقَالَ لي أَبُو بكر على رسلك فَكرِهت أَن أعصيه وَكَانَ أعلم مني ثمَّ تكلم فوَاللَّه مَا ترك من كلمة أعجبتني فِي تزويري إِلَّا قَالَهَا فِي بديهته وَأفضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 قَالَ أما بعد فَمَا ذكرْتُمْ من خير فَإِنَّكُم أَهله وَلم تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش هم أَوسط الْعَرَب نسبا وداراً وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن أَيهمَا شِئْتُم وَأخذ بيَدي وَيَد أبي عُبَيْدَة فَلم أكره مِمَّا قَالَ غَيرهَا وَكَانَ وَالله أَن أقدَّم فَتضْرب عنقِي لَا يقربنِي ذَلِك من إِثْم أحبَّ إِلَيّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر فَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر من الْأَنْصَار أَنا جُذيلها المحكَك وعُذَيقها المرجب وَقَامَ يحجل بِهَذِهِ الْكَلِمَة منا أَمِير ومنكم أَمِير يَا معشر قُرَيْش وَقَامَ رجل آخر مِنْهُم فَقَالَ إِن رَسُول الله كَانَ إِذا اسْتعْمل الرجل مِنْكُم يقرن مَعَه رجلا منا فنرى أَن يَلِي هَذَا الْأَمر رجلَانِ مِنْكُم وَمنا وَتَتَابَعَتْ خطباؤهم على ذَلِك وَكثر اللَّغط وَارْتَفَعت الْأَصْوَات حَتَّى خشيت الِاخْتِلَاف فَقَامَ زيد بن ثَابت فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار تعلمُونَ أَن رَسُول الله كَانَ من الْمُهَاجِرين وخليفته من الْمُهَاجِرين وَنحن كُنَّا أنصار الله فنكون أنصار خَلِيفَته ثمَّ أَخذ بيد أبي بكر فَقَالَ هَذَا صَاحبكُم فَبَايعهُ عمر ثمَّ بَايعه الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فَقَالَ قَائِل قتلتم سَعْدا فَقَالَ عمر قتل الله سَعْدا قَالَ عَطاء بن السَّائِب لما اسْتخْلف أَبُو بكر أصبح وعَلى رقبته أَثوَاب يتجر فِيهَا فَلَقِيَهُ عمر وَأَبُو عُبَيْدَة فَكَلمَاهُ فَقَالَ من أَيْن أطْعم عيالي قَالَا انْطلق حَتَّى نفرض لَك قَالَ ففرضوا لَهُ كل يَوْم شطر شَاة وماكسوه فِي الرَّأْس والبطن قَالَ فِي الرياض قَالَ ابْن قُتَيْبَة بُويِعَ أَبُو بكر الصّديق بالخلافة يَوْم قبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وبويع بيعَة الْعَامَّة على الْمِنْبَر فِي الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء قَالَ أَبُو عمر وتخلف عَن بيعَته سعد بن عبَادَة وَطَائِفَة من قومه الْخَزْرَج وَطَائِفَة من قُرَيْش ثمَّ بَايعُوهُ بعد غير سعد بن عبَادَة فَإِنَّهُ لم يبايعه وَلم يُبَايع بعده عمر إِلَى أَن مَاتَ بحوران فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنْهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 قَالَ ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ وَغَضب رجال من الْمُهَاجِرين فِي بيعَة أبي بكر مِنْهُم عَليّ وَالزُّبَيْر فدخلا فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله ومعهما السِّلَاح فجَاء عمر بن الْخطاب فِي عِصَابَة من الْمُسلمين مِنْهُم أسيد بن حضير وَسَلَمَة بن وقش وثابت بن قيس بن شماس الخزرجي وَمُحَمّد بن مَسْلمة وَيُقَال كَانَ فيهم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فكلموهما فَأخذ أحدهم سيف الزبير فَضرب بِهِ الْحجر حَتَّى كَسره والضارب بِسيف الزبير هُوَ مُحَمَّد بن سَلمَة أخرجه مُوسَى بن عقبَة قَالَ فِي الرياض وَهُوَ مَحْمُول على تَقْدِير صِحَّته على تسكين نَار الْفِتْنَة وإغماد سيفها لَا على قصد إهانة الزبير قلت بل التحريك فِي هَذَا التسكين تخلف عَن بيعَة أبي بكر يَوْمئِذٍ سعد بن عبَادَة وَطَائِفَة من الْخَزْرَج وعَلى بن أبي طَالب وابناه وَالزُّبَيْر وَالْعَبَّاس عَم رَسُول الله وَبَنوهُ من بني هَاشم وَطَلْحَة وسلمان وعمار وَأَبُو ذَر والمقداد وَغَيرهم وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ثمَّ إِنَّهُم بَايعُوا كلهم فَمنهمْ من أسْرع بيعَته وَمِنْهُم من تَأَخّر حينا إِلَّا مَا روى عَن سعد بن عبَادَة فَإِنَّهُ لم يُبَايع أَبَا بكر وَلَا عمر إِلَى أَن مَاتَ كَمَا تقدم آنِفا وَقَالَ ابْن سعد أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عمر حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح عَن الزبير بن الْمُنْذر بن أبي أسيد السَّاعِدِيّ أَن أَبَا بكر بعث إِلَى سعد بن عبَادَة أَن أقبل فَبَايع فقد بَايع النَّاس فَقَالَ لَا وَالله لَا أبايع حَتَّى أراميكم بِمَا فِي كِنَانَتِي وأقاتلكم بِمن معي قَالَ فَقَالَ بشير بن سعد يَا خَليفَة رَسُول الله إِنَّه أبي ولجّ وَلَيْسَ بمبايعكم أَو يقتل وَلنْ يقتل حَتَّى يقتل مَعَه وَلَده وعشيرته وَلنْ يقتلُوا حَتَّى تقتل الْخَزْرَج فَلَا تحركوه فقد استقام لكم الْأَمر وَلَيْسَ بضاركم وَإِنَّمَا هُوَ رجل وَاحِد مَا تُرك فَقبل أَبُو بكر نصيحة بشير قَالَ فَلَمَّا ولي عمر لقِيه ذَات يَوْم فَقَالَ إيه يَا سعد فَقَالَ إيه يَا عمر فَقَالَ عمر أَنْت صَاحب مَا أَنْت صَاحبه قَالَ نعم وَقد أفضي إِلَيْك هَذَا الْأَمر وَقد كَانَ وَالله صَاحبك أحب إِلَيْنَا مِنْك وَقد وَالله أَصبَحت كَارِهًا لجوارك فَقَالَ عمر إِنَّه من كره جوَار جَاره تحوّل عَنهُ قَالَ أما إِنِّي غير مستسر بذلك وَأَنا متحول إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 جوَار من هُوَ خير مِنْك فَلم يلبث أَن خرج مُهَاجرا إِلَى الشَّام فَمَاتَ بحوران لِسنتَيْنِ وَنصف من خلَافَة عمر سنة خمس عشرَة من الْهِجْرَة وَقَالَ مُحَمَّد بن عمر حَدثنَا يحيى بن عبد الْعَزِيز بن سعد بن عبَادَة عَن أَبِيه قَالَ مَا علم بِمَوْت سعد حَتَّى سمع بِالْمَدِينَةِ غلْمَان فِي بِئْر ممية أَو بِئْر سكنهم يقتحمون نصف النَّهَار قَائِلا من الْبِئْر // (من الهزج) // (قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَرْزَجِ ... سَعْدَ بْنَ عُبَادَهُ) (رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ ... فَلَمْ نُخْطِىءْ فُؤَادَهْ) فذعر الغلمان فحفظ ذَلِك الْيَوْم فوجدوه الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَإِنَّمَا جلس يَبُول فِي ثقب فَقتل سَاعَته ووجدوه قد اخضر جلده رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَكَانَ سعد لَا يُصَلِّي بصلاتهم وَلَا يَصُوم بصومهم وَإِذا حج لم يفض بإفاضتهم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين لما بُويِعَ أَبُو بكر وتخلف عَليّ كرم الله وَجهه عَن مبايعته وَجلسَ فِي بَيته بعث إِلَيْهِ أَبُو بكر مَا أَبْطَأَ بك عني أكرهت إمارتي قَالَ عَليّ مَا كرهت إمارتك ولكنى آلَيْت أَلا أرتدي بردائي إِلَى الصَّلَاة حَتَّى أجمع الْقُرْآن قَالَ ابْن سِيرِين فبلغني أَنه كتبه عَليّ على تَنْزِيله وَلَو أُصِيب ذَلِك الْكتاب لوجد فِيهِ علم كثير وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن عليا مكث سِتَّة أشهر حَتَّى توفيت فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ثمَّ بَايع أَبَا بكر وَلم يُبَايع أحد من بني هَاشم حَتَّى بَايع عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة أَن فَاطِمَة أرْسلت إِلَى أبي بكر تسأله مِيرَاثهَا من رَسُول الله قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة إِن فَاطِمَة سَأَلت أَبَا بكر بعد وَفَاة رَسُول الله أَن يقسم لَهَا مِيرَاثهَا مِمَّا ترك رَسُول الله مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ من الْمَدِينَة وفَدك وسهمه من خَيْبَر فَقَالَ لَهَا إِن رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَغضِبت وهجرت أَبَا بكر فَلم تكَلمه حَتَّى توفيت ودفنها عَليّ لَيْلًا وَلم يؤْذِن بهَا أَبَا بكر وَأرْسل أَزوَاج إِلَى أبي بكر يسألنه ميراثهن مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله حَتَّى كنت أَنا رددتهن فَقلت لَهُنَّ أَلا تتقين الله ألم تسمعن من رَسُول الله يَقُول لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَإِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال كفافاً وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ أَن رَسُول الله قَالَ لَا يقتسم ورثتي دِينَارا وَلَا درهما مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عيالي فَهُوَ صَدَقَة وَعَن أبي صَالح مولى أم هانىء أَن فَاطِمَة دخلت على أبي بكر فَقَالَت يَا أَبَا بكر أَرَأَيْت لَو مت الْيَوْم من كَانَ يرثك قَالَ أَهلِي وَوَلَدي فَقَالَت مَالك تَرث رَسُول الله دون أَهله وَولده قَالَ مَا فعلت يَا بنة رَسُول الله قَالَت بلَى قد عَمَدت إِلَى فدك وَقد كَانَت صَافِيَة لرَسُول الله فَأخذت وعمدت إِلَى مَا أنزل الله من السَّمَاء فَرَفَعته منا فَقَالَ لم أفعل حَدثنِي رَسُول الله أَن الله يطعم النَّبِي الطعمة مَا كَانَ حَيا فَإِذا قبض رَفعهَا قَالَت أَنْت وَرَسُول الله أعلم مَا أَنا بسائلتك بعد مجلسي هَذَا وَعَن أبي الطُّفَيْل لما قبض النَّبِي أرْسلت فَاطِمَة إِلَى أبي بكر أَنْت ورثتَ رَسُول الله أم أَهله قَالَ لَا بل أَهله قَالَت فَأَيْنَ سَهْمه قَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِن الله إِذا أطْعم نَبيا طعمة ثمَّ قَبضه جعلهَا للَّذي يقوم من بعده فَرَأَيْت أَن أرده على الْمُسلمين قَالَت أَنْت وَمَا سَمِعت من رَسُول الله أعلم رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن فَاطِمَة أَتَت أَبَا بكر فَقَالَت قد علمنَا الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 خلقنَا عَنهُ من الصَّدقَات أهل الْبَيْت ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ {وَاعلَمُوا أنْما غَنِمتُم مِّن شَيء فَإنَ لِلهِ خُمسَهُ وَللرسُولِ} الانفال 41 إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَ لَهَا بِأبي وَأمي أَنْت ووالدك وعَلى السّمع وَالْبَصَر كتاب الله وَحقّ رَسُول الله وَحقّ قرَابَته أَنا أَقرَأ من كتاب الله مثل الَّذِي تقرئين وَلَا يبلغ علمي فِيهِ أَن لذِي قرَابَة رَسُول الله هَذَا السهْم كُله من الْخمس يجْرِي بجملته عَلَيْهِم قَالَت أَفَلَك هُوَ ولقرابتك قَالَ لَا وَأَنت عِنْدِي أمينة مصدقة فَإِن كَانَ رَسُول الله عهد إِلَيْك فِي ذَلِك عهدا أَو وَعدك موعداً أوجبه لكم حَقًا صدقتك وسلمته إِلَيْك قَالَت لَا إِلَّا أَن رَسُول الله حِين أنزل عَلَيْهِ ذَلِك قَالَ أَبْشِرُوا آل مُحَمَّد فقد جَاءَكُم الْغنى قَالَ أَبُو بكر صدقت فلك الْغنى وَلم يبلغ علمي فِيهِ وَلَا لهَذِهِ الْآيَة سهم أَن يسلم هَذَا السهْم كُله كَامِلا وَلَكِن لكم الْغنى الَّذِي يغنيكم ويفضل عَنْكُم فانظري هَل يوافقك على ذَلِك أحد مِنْهُم فَانْصَرَفت إِلَى عمر فَذكرت لَهُ كَمَا ذكرت لأبي بكر فَقَالَ لَهَا مثل الَّذِي رَاجعهَا بِهِ أَبُو بكر فعجبت فظنت أَنَّهُمَا قد تذاكرا ذَلِك واجتمعا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَمْزَة العسكري عَن ابْن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ لما مَرضت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أَتَاهَا أَبُو بكر فَاسْتَأْذن فَقَالَ عَليّ يَا فَاطِمَة هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن عَلَيْك فَقَالَت أَتُحِبُّ أَن آذن لَهُ قَالَ نعم فَأَذنت لَهُ فَدخل عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا فَقَالَ وَالله مَا تركتُ الدَّار وَالْمَال والأهل وَالْعشيرَة إِلَّا ابْتِغَاء مرضاة الله وَرَسُوله ومرضاتكم أهل الْبَيْت ثمَّ ترضاها حَتَّى رضيت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنِي من سمع من ابْن عَبَّاس يَقُول كَانَ عمر عرض علينا أَن يُعْطِينَا من الْفَيْء مَا يرى أَنه لنا من الْحق فرغبنا عَن ذَلِك وَقُلْنَا لَهُ مَا سمى الله من حق ذِي الْقُرْبَى وَهُوَ خمس الْخمس فَقَالَ عمر لَيْسَ لكم مَا تدعون لكم حق إِنَّمَا جعل الله الْخمس لأصناف سماهم أسعدهم فِيهِ حظاً أَشَّدهم فاقة وَأَكْثَرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 عيالاً قَالَ فَكَانَ عمر يُعْطي من قبل منا من الْخمس والفيء مَا يرى أَنه لنا فَأخذ منا نَاس وَترك نَاس وَذكر أَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان النضري قَالَ كنت عِنْد عمر رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ حَاجِبه يرفأ فَقَالَ هَل لَك فِي عُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَسعد يستأذنون قَالَ نعم فَدَخَلُوا وسلموا وجلسوا ثمَّ لبث يرفأ قَلِيلا ثمَّ قَالَ لعمر هَل لَك فِي عَليّ وَالْعَبَّاس قَالَ نعم فَلَمَّا دخلا سلما فَجَلَسَا فَقَالَ الْعَبَّاس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بيني وَبَين هَذَا الظَّالِم الْفَاجِر الغادر الخائن قلت الْعلم أَمَانَة وَلَوْلَا أَن هَذِه الْأَلْفَاظ مَذْكُورَة فِي فتح الْبَارِي وَغَيره لما ذكرتها رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وأرضاهما فاستبّا فَقَالَ عُثْمَان وَغَيره يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بَينهمَا وأرح أَحدهمَا من الآخر فَقَالَ أنشدكما بِاللَّه هَل تعلمان أَن رَسُول الله قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة قَالَا قد قَالَ ذَلِك قَالَ فَإِنِّي أحدثكُم عَن هَذَا الْأَمر إِن الله كَانَ قد خص رَسُوله فِي هَذَا الْفَيْء بِشَيْء لم يُعْطه غَيره فَقَالَ تَعَالَى {وَما أَفَاء اللهُ عَلى رَسُولِه مِنهم فَمَا أوجَفتُم عَلَيهَ مِن خَيلِ وَلا رِكابٍ وَلَكنَّ الله يَسُلطُ رُسُلَه عَلىَ مَن يَشَاء وَأللهُ عَلى كل شَيء قَدِير} الْحَشْر 6 فَكَانَت هَذِه خَالِصَة لرَسُول الله وايمُ الله مَا اخْتَارَهَا دونكم وَلَا اسْتَأْثر بهَا عَلَيْكُم لقد أعطاكموها وبثها فِيكُم حَتَّى بَقِي مِنْهَا هَذَا المَال فَكَانَ رَسُول الله ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتهمْ من هَذَا المَال ثمَّ يَجْعَل مَا بقى مجعل مَال الله أنشدكما بِاللَّه هَل تعلمان ذَلِك قَالَا نعم قَالَ ثمَّ توفى الله نبيه فَقَالَ أَبُو بكر أَنا ولي رَسُول الله وخليفته فقبضها وَعمل فِيهَا بِمَا عمل بِهِ رَسُول الله وأنتما تزعمان أَن أَبَا بكر فِيهَا كَاذِب فَاجر غادر وَالله يعلم إِنَّه فِيهَا لصَادِق بار رَاشد ثمَّ توفاه الله فَقلت أَنا ولي رَسُول الله وَولي أبي بكر فقبضتها سنتَيْن من إمارتي أعمل فِيهَا بِعَمَلِهِ وأنتما حِينَئِذٍ وَأَقْبل على عَليّ وَالْعَبَّاس تزعمان إِنِّي فِيهَا كَاذِب فَاجر غادر وَالله يعلم إِنِّي فِيهَا لصَادِق بار رَاشد تَابع للحق ثمَّ جئتماني وكلمتكما وَاحِدَة وأمركما جَمِيع فجئتني تَسْأَلنِي عَن نصيبك يَا عَبَّاس من ابْن أَخِيك وَجَاءَنِي هَذَا يُشِير إِلَى عَليّ يسألنى عَن نصيب امْرَأَته من أَبِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 فَقلت لَكمَا إِن رَسُول الله قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَلَمَّا بدا لي أَن أدفعها إلَيْكُمَا قلت إِذا شِئْت دفعتها إلَيْكُمَا على أَن عَلَيْكُمَا عهد الله وميثاقه لتعملان فِيهَا بِمَا عمل فِيهَا رَسُول الله وَبِمَا عمل فِيهَا أَبُو بكر وَإِلَّا فَلَا تكلماني فقلتما ادفعها إِلَيْنَا بذلك فدفعتها إلَيْكُمَا أنشدكما بِاللَّه هَل دفعتها إلَيْكُمَا بذلك قَالَا نعم قَالَ أفتلتمسان منى قَضَاء غير ذَلِك فوالذي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض لَا أَقْْضِي فِيهَا غير ذَلِك حَتَّى تقوم السَّاعَة فَإِن عجزتما عَنْهَا فادفعاها إِلَيّ أكفيكماها فانصرفا فَكَانَت هَذِه الصَّدَقَة بيد عَليّ غلب عَلَيْهَا الْعَبَّاس ثمَّ كَانَت بيد الْحُسَيْن ثمَّ بيد عَليّ بن الْحُسَيْن وَالْحسن المثني ابْن الْحسن السبط يتداولانها ثمَّ بيد زيد وَهِي صَدَقَة رَسُول الله حَقًا قَالَ الْعَلامَة السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لما توفّي رَسُول الله اشرأب النِّفَاق وارتدت الْعَرَب وانحازت الْأَنْصَار وَاخْتلفُوا أَيْن يدْفن رَسُول الله فَمَا وجد عِنْد أحد من ذَلِك علم فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله يَقُول مَا من نَبِي يقبض إِلَّا دفن تَحت مضجعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاثه فَمَا وجدوا عِنْد أحد علما من ذَلِك فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله يَقُول نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا أول اخْتِلَاف وَقع بَين الصَّحَابَة وَلما اشتهرت وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالنواحي وارتدت طوائف من الْعَرَب وَمنعُوا الزَّكَاة نَهَضَ أَبُو بكر الصّديق إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ عمر فتر عَن قِتَالهمْ فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا أَو عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله لقاتلتهم على منعهَا فَقَالَ عمر كَيفَ نقاتلهم وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فَمن قَالَهَا عصم مني مَاله وَدَمه إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابه على الله فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن الزَّكَاة حق المَال وَقد قَالَ إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 بِحَقِّهَا قَالَ عمر فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله قد شرح صدر أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لِلْقِتَالِ فَعرفت أَنه الْحق وَذكر جمَاعَة من المؤرخين وَغَيرهم أَن رَسُول الله كَانَ وَجه أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا فِي سَبْعمِائة رجل إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزل بِذِي خشب قبض رَسُول الله وارتدت الْعَرَب فاجتمعت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَقَالُوا للصديق ردّ هَؤُلَاءِ يعْنى أُسَامَة وَأَصْحَابه فَقَالَ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو جرت الْكلاب بأرجل أَزوَاج النَّبِي مَا رددت جَيْشًا جهزه رَسُول الله وَلَا حللت لِوَاء عقده رَسُول الله وَأمر أُسَامَة أَن يمْضِي لوجهه وَقَالَ أَبُو بكر أَرَأَيْت أَن تَأذن لعمر رَضِي الله عَنهُ بالْمقَام عِنْدِي أستأنس بِهِ وأستعين بِرَأْيهِ فَقَالَ أُسَامَة رَضِي الله عَنهُ قد فعلت وَسَار أُسَامَة فَجعل لَا يمر بقبيلة تُرِيدُ الارتداد إِلَّا قَالُوا لَوْلَا أَن لهَؤُلَاء قُوَّة مَا خرج مثل هَذَا الْجَيْش من عِنْدهم فَلَقوا الرّوم فقاتلوهم وهزموهم وَرَجَعُوا سَالِمين وَكَانَ لعَلي من النَّاس وَجه حَيَاة فَاطِمَة فَلَمَّا توفيت استنكر عَليّ وُجُوه النَّاس فالتمس مصالحة أبي بكر وَلم يكن بَايع تِلْكَ الْأَشْهر فَأرْسل ابْنه الْحسن إِلَى أبي بكر أَن ائتنا وَلَا يأتنا أحد مَعَك وَكره أَن يَأْتِيهِ عمر لما علم من شدته فَقَالَ عمر وَالله لَا تدخل عَلَيْهِم وَحدك فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لآتينهم وحدي وَمَا عَسى أَن يصنعوا بى فَانْطَلق أَبُو بكر حَتَّى دخل على عَليّ وَقد جمع بني هَاشم عِنْده فَقَامَ عَليّ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنَّهُ لم يمنعنا أَن نُبَايِعك إِنْكَار لفضيلتك لَا نفاسة عَلَيْك بِخَير سَاقه الله إِلَيْك وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا فاستبديتم بِهِ علينا ثمَّ ذكر قرَابَته مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحقه فَلم يزل عَليّ يذكر ذَلِك حَتَّى بَكَى أَبُو بكر فَلَمَّا صمت على رَضِي الله عَنهُ تشهد أَبُو بكر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فوَاللَّه لقرابة رَسُول الله أحب إِلَيّ أَن أصلهم من قرابتى وَالله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 مَا آلوكم فِي هَذِه الْأَحْوَال الَّتِي كَانَت بيني وَبَيْنكُم من الْخَيْر وَلَكِنِّي سَمِعت من رَسُول الله يَقُول لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَإِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال ... إِلَى آخر مَا تقدم وَفِي رِوَايَة أما بعد فوَاللَّه مَا فعلت ذَلِك إِلَّا أَنِّي خشيت الْفِتْنَة. . إِلَى آخر مَا تقدم من قَوْله لفاطمة فِي السَّابِق وَإِنِّي وَالله لَا أذكر صَنِيعه فِيهِ إِلَّا صَنعته إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ عَليّ موعدك العشية لِلْبيعَةِ فَلَمَّا صلى أَبُو بكر الظّهْر أقبل على النَّاس ثمَّ عذر عليا بِبَعْض مَا اعتذر بِهِ لَهُ ثمَّ قَامَ عَليّ فَعظم من حق أبي بكر فَذكر فضيلته وسابقته ثمَّ مضى إِلَى أبي بكر فَبَايعهُ وَأَقْبل النَّاس على عَليّ فَقَالُوا أصبت وأحسنت هَذَا حَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ فِي الرياض قَوْله استبديتم أَو استبددتم أَي انفردتم بِهِ دُوننَا وَقَوله كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا المُرَاد بِالْأَمر الْخلَافَة وَيُؤَيِّدهُ أَن عليا بعث إِلَى أبي بكر ليبايعه فَقدم الْعذر فِي تخلفه أَولا فَقَالَ لم نمتنع نفاسة عَلَيْك وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا فَعلم بِالضَّرُورَةِ أَن الْأَمر الْمشَار إِلَيْهِ بلام الْعَهْد هُوَ مَا تضمنه الْكَلَام الأول فَالْمُرَاد بِهِ حق فِي الْخلَافَة إِمَّا بِمَعْنى الأحقية أَي كُنَّا نظن أَنا أَحَق مِنْكُم بِهَذَا الْأَمر بقرابتنا من رَسُول الله مُضَافا إِلَى مَا اجْتمع فِينَا من أَهْلِيَّة الْإِمَامَة مِمَّا ساوينا فِيهِ غَيرنَا وَإِمَّا بِمَعْنى إِنِّي أستحق استحقاقاً مُسَاوِيا لاستحقاقكم على تَقْدِير انضمام الْقَرَابَة إِلَيْهِ إِذْ الْقَرَابَة معنى تحصل بِهِ الراجحية وَإنَّهُ لَيْسَ بِأَحَق وَلَا يلْزم من تخلفه تِلْكَ الْمدَّة عدم صِحَة خلَافَة أبي بكر وَلَا من سُكُوته عَن الْإِنْكَار الْإِقْرَار على الْبَاطِل لأَنا نقُول إِن تخلفه لرُؤْيَته الأحقية لَهُ كَانَ أول وهلة وَغَابَ عَنهُ إِذْ ذَاك مَا كَانَ يُعلمهُ من حق أبي بكر وَفِيه من قَول رَسُول الله مِمَّا سَيذكرُ فِي فضائله من الْأَرْبَعَة عشر الحَدِيث الدَّالَّة على خِلَافَته ظَاهرا بل وصريحاً إِن صحت زِيَادَة قَوْله فِي الحَدِيث وَهُوَ الْخَلِيفَة من بعدى فَلَمَّا اجْتمع الجم الْغَفِير على ولَايَة أبي بكر اتهمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 نظره فِي حق نَفسه ثمَّ إِنَّه لم ير الْمُبَادرَة إِلَى إِظْهَاره والمطالبة بِمُقْتَضَاهُ حَتَّى بذل جهده فِي التنقير وَالنَّظَر وإمحاص الْفِكر فَإِن ذَلِك من الوقائع الْعَظِيمَة فِي الدّين وَفِيه تَفْرِيق كلمة من أجمع من الْمُسلمين فَلم يقنع فِيهِ بتبادر النّظر خشيَة استمالة الْهوى الْجبلي وَحب الرياسة الطبيعي وَلَا رأى الْمُوَافقَة لما اسْتَقر فِي ذهنه من رُؤْيَة أحقيته فِيمَا يسْتَحق بِهِ الْإِمَامَة وَتعين وجوب الْقيام بِالْأَمر عَلَيْهِ لكَونه أَحَق وَكَانَ ذَلِك فِي بَادِي النّظر قبل الإمعان فِيهِ فَتخلف عَن الْأَمريْنِ سالكاً فِي ذَلِك الطَّرِيق الْوَرع وَالِاحْتِيَاط فِيمَا عِنْده باذلاً جهده فِي الِاجْتِهَاد وَالنَّظَر تِلْكَ الْمدَّة مُجْتَهدا فَلَمَّا تبين لَهُ أحقية أبي بكر وفضيلته بتذكر مقتضيات الْأَفْضَلِيَّة وَوَافَقَ ذَلِك موت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أرسل إِلَى أبي بكر وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ استبان أحقيته وَسِيَاق هَذَا اللَّفْظ مشْعر بِأَن تِلْكَ الرُّؤْيَة قد زَالَت وَلم يكن ذكره الْقَرَابَة إِقَامَة للحجة على أبي بكر فَإِنَّهُ يعْتَذر وَلَا تلِيق المحاجة بالمعتذر وَإِنَّمَا كَانَ إِظْهَارًا لمستند تخلفه وبياناً لمعتمد تمسكه لكيلاً يظنّ فِيهِ أَن تخلفه كَانَ لهوى مُتبع بِغَيْر هدى من الله تَعَالَى لَا عَن اجْتِهَاد وَنظر وَإِن لم يكن صَحِيحا إِذْ الْمُجْتَهد مَعْذُور وَإِن أَخطَأ وَلذَلِك كَانَ لَهُ أجر وَهَذَا التَّأْوِيل مِمَّا يجب اعْتِقَاده وَيَنْبَغِي الْمصير إِلَيْهِ وَمَا قَالَه بَعضهم من أَنه رَضِي الله عَنهُ إِمَّا أَن يعْتَقد صِحَة خلَافَة أبي بكر مَعَ أحقيته فَيكون تخلفه عَن الْبيعَة ومفارقة الْجَمَاعَة وَنزع ربقة الطَّاعَة عُدُولًا عَن الْحق وماذا بعد الْحق إِلَّا الضلال وَهُوَ مبرأ عَن ذَلِك ومنزه عَنهُ أَو لَا يعْتَقد صِحَّتهَا فَيكون قد أقرّ على الْبَاطِل لِأَنَّهُ رَضِي الله عَنهُ قد أقرّ الطير على مَكَانهَا وَلم يظْهر مِنْهُ نَكِير على فعلهم لَا بقول وَلَا بِفعل مَعَ قُوَّة إيمَانه وَشدَّة بأسه وَكثر ناصره وَكفى بفاطمة وَالْعَبَّاس عَمه وَبنى هَاشم بأجمعهم وَمن مَعَه من الصَّحَابَة ظهيراً ونصيراً مَعَ مَا أسس لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْقَوَاعِد فِي العقائد وَأَن موالاته ومحبته من محبته وَالدُّعَاء لمن وَالَاهُ وعَلى من عَادَاهُ وَمَعَ ذَلِك كُله لم يظْهر مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ حَال مثله من إِنْكَار الْبَاطِل بِحَسب طاقته فَلَو كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 بَاطِلا لزم تَقْرِيره الْبَاطِل وَاللَّازِم بَاطِل كَذَلِك فالملزوم كَذَلِك فقد تقدم الْجَواب عَنهُ آنِفا وَالْقَوْل الَّذِي تدعيه الروافض وَمن نحا نحوهم أَن سُكُوته كَانَ تقية بَاطِل غريق فِي الْبطلَان فَإِن مُقْتَضى ذَلِك إِمَّا ضعف فِي الدّين أَو فِي الْحَال فَالْأول بَاطِل إِجْمَاعًا وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لما قَررنَا آنِفا وَيُؤَيِّدهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْحسن الْبَصْرِيّ المتضمن نفي الْعَهْد إِلَيْهِ بالخلافة وَفِيه لَو كَانَ عِنْدِي عهد من النَّبِي فِي ذَلِك مَا تركت أَخا بني تيم بن مرّة وَعمر بن الْخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيَدي وَلَو لم أجد إِلَّا بردتي هَذِه الحَدِيث وَهَذَا أدل دَلِيل على أَنه لم يسكت تقية إِذْ لَو علم بطلَان ذَلِك وَأَنه المتصف بهَا دونه لتعين عَلَيْهِ الْقيام وَكَانَ كالعهد إِلَيْهِ وَقد أخبر رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو تعين عَلَيْهِ بالعهد إِلَيْهِ لقَاتل وَلَقَد أحسن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حَيْثُ قَالَ لبَعض الروافض لَو كَانَ الْأَمر كَمَا تَقولُونَ أَن النَّبِي اخْتَار عليا لهَذَا الْأَمر وَالْقِيَام على النَّاس بعده كَانَ عَليّ أعظم النَّاس جرما وخطيئة إِذْ ترك أَمر رَسُول الله أَن يقوم بِهِ ويُعذر إِلَى النَّاس فَقَالَ لَهُ الروافض ألم يقل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ الْحسن أما وَالله لَو يَعْنِي بهَا رَسُول الله الْأَمر وَالسُّلْطَان لأفصح بِهِ كَمَا أفْصح بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحج وَالصِّيَام ولقال أَيهَا النَّاس إِنَّه الْوَلِيّ بعدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة فَإِن قيل أَلا يجوز أَن يكون المُرَاد بِالْأَمر فِي قَول عَليّ الْمِيرَاث وبالحق حق الْمِيرَاث فَيكون تَقْدِير الْكَلَام كُنَّا نظن أَن لنا قسما خَلفه رَسُول الله حَقًا وَأَنَّك منعتنا إِيَّاه وأصررت على الْمَنْع فَلم تصح لذَلِك خلافتك فَلذَلِك تخلفنا عَن الْبيعَة وَيدل على هَذَا جَوَاب أبي بكر بِنَفْي الْمِيرَاث على الرِّوَايَة الأولى وَإِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 لما كَانَ جَوَابا فَوَجَبَ الْمصير إِلَى هَذَا الْمَعْنى صونا لكَلَام هَذَا الفصيح عَن الزلل وَهُوَ من أفْصح الْعَرَب وأعرفهم بِمَا يَقُول قُلْنَا صُورَة الْحَال وَسِيَاق الْمقَال يَشْهَدَانِ بِخِلَافِهِ ويتبرآن مِنْهُ فَإِن اعتذار عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا كَانَ عَن تخلفه عَن الْبيعَة فَقَالَ لم يمنعنا أَن نُبَايِعك يَا أَبَا بكر إِنْكَار لفضيلتك وَلَا نفاسة لخير سَاقه الله إِلَيْك. . إِلَى آخِره وَلم يجر فِي حَدِيثه ذكر الْمِيرَاث والمبادر مِنْهُ إِلَى الْفَهم عِنْد سَماع هَذَا اللَّفْظ لَيْسَ إِلَّا الْخلَافَة وَجَوَاب أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مَحْمُول على تقدم كَلَام آخر تَركه الرَّاوِي وَيكون لما فرغ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من قَوْله كُنَّا نظن أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا تعرض لذكر الْمِيرَاث ثمَّ اعتذر عَن الْمُبَايعَة فأغنى أَبَا بكر عَن الْجَواب عَن قَوْله كُنَّا نرى إِذْ يَقْتَضِي أَن تكون تِلْكَ الرُّؤْيَة سَابِقَة ثمَّ انْقَطَعت وَأَن رُؤْيَته الْآن غير تِلْكَ هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم من سِيَاق لَفظه كرم الله وَجهه فَمَا عَسى أَن يَقُول لَهُ أَبُو بكر وَقد دلّ كَلَامه على تغير نظره والإجابة على مبايعته ورؤية الْحق فِي ذَلِك فاستغنى أَبُو بكر عَن جَوَاب فصل الْبيعَة وَعدل إِلَى جَوَاب فصل الْمِيرَاث أَو نقُول لم يجر للميراث فِي هَذَا الْمجْلس ذكر إِلَّا أَنه كَانَ قد ذكر قبل ذَلِك وَجرى فِي حَدِيث فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حِين جَاءَت إِلَى أبي بكر فطلبت الْمِيرَاث فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْمجْلس الْمَعْقُود لإِزَالَة صُورَة الوحشة الظَّاهِرَة وَالدُّخُول فِيمَا دخلت فِيهِ الْجَمَاعَة وَاعْتذر عَليّ بِمَا اعتذر بِهِ وَقبل أَبُو بكر عذره ثمَّ أنشأ أَبُو بكر ذكر الْمِيرَاث معتذراً مِمَّا توهم فِيهِ أَولا نافياً لَهُ حَالفا على الاتصاف بِخِلَافِهِ محتجاً بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره وَقصد بذلك إِزَالَة بقايا الوحشة إِن كَانَت حَتَّى لَا يبْقى لَهَا أثر وَأما منع أبي بكر فَاطِمَة عَن الْإِرْث فادعت الرافضة أَن فِي ذَلِك مِنْهُ احتجاجاً بِخَبَر الْوَاحِد مَعَ معارضته لآيَة الْمَوَارِيث الَّتِي استدلت بهَا فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَلَيْسَ ادعاؤهم صَحِيحا إِذْ هُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يحكم بِخَبَر الْوَاحِد الَّذِي هُوَ مَحل الْخلاف وَإِنَّمَا حكم بِمَا سَمعه من رَسُول الله وَهُوَ عِنْده قَطْعِيّ فيساوي آيَة الْمَوَارِيث فِي قَطْعِيَّة الْمَتْن وَأما حمله على مَا فهم مِنْهُ فلانتفاء الِاحْتِمَالَات الَّتِي يُمكن تطرقها إِلَيْهِ بِقَرِينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الْحَال فَصَارَ عِنْده دَلِيلا قَطْعِيا مُخَصّصا لعُمُوم تِلْكَ الْآيَات مَعَ أَن أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم ينْفَرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث فقد رَوَاهُ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَعلي نَفسه وَالْعَبَّاس وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر وَسعد كلهم كَانُوا يعلمُونَ ذَلِك وَإِنَّمَا انْفَرد أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ باستحضاره أَولا ثمَّ استحضره الْبَاقُونَ وَعَلمُوا أَنهم سَمِعُوهُ مِنْهُ فالصحابة فِي موافقتهم أَبَا بكر على حكمه لم يعملوا بِرِوَايَة أبي بكر وَحدهَا وَإِن كَانَت كَافِيَة أَي كَافِيَة فِي ذَلِك وَإِنَّمَا عمِلُوا بهَا وَبِمَا انْضَمَّ إِلَيْهَا من علم أفاضلهم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ وَأما عذر فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فِي طلبَهَا مَعَ رِوَايَته لَهَا الحَدِيث فَيحْتَمل أَنه لكَونهَا رَأَتْ أَن خبر الْوَاحِد لَا يخصص الْقُرْآن كَمَا قيل بِهِ فاتضح عذره فِي الْمَنْع وعذرها فِي الطّلب فَلَا يشكل عَلَيْك ذَلِك قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر قلت قد تقدم فِيمَا نَقله الذَّهَبِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِرِوَايَة صَالح مولى أم هانىء أَن فَاطِمَة قَالَت لأبي بكر بعد رِوَايَته الحَدِيث لَهَا أَنْت وَرَسُول الله أعلم مَا أَنا بسائلتك بعد مجلسي هَذَا فَهجرَته فَلم تكمله حَتَّى مَاتَت صَرِيح كَمَا ترى فِي أَنَّهَا لم تسأله بعد رِوَايَته الحَدِيث فَلَا حَاجَة إِلَى الِاعْتِذَار عَنهُ بِمَا ذكره وَالله أعلم فَعلم بِمَا ذَكرْنَاهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ على حَقِيقَة خلَافَة الصّديق وَأَنه أهل لَهَا وَذَلِكَ كَاف وَلم يرد نَص عَلَيْهَا بل الْإِجْمَاع أقوى من النُّصُوص الَّتِي لم تتواتر لِأَن مفاده قَطْعِيّ وَمفَاده ظَنِّي وَحكى النَّوَوِيّ بأسانيد صَحِيحَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ من قَالَ إِن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ من أبي بكر فقد خطأ أَبَا بكر وَعمر والمهاجرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرْتَفع لَهُ مَعَ هَذَا عمل إِلَى السَّمَاء وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمار بن يَاسر نَحوه فَإِن قيل الحَدِيث الأول يدل على أَن سَبَب التَّخَلُّف الألية على أَنه لَا يرتدى رِدَاءَهُ إِلَّا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى يجمع الْقرَان وَحَدِيث الْحسن فِي دُعَائِهِ أَبَا بكر يدل على أَن التَّخَلُّف كَانَ لما رَآهُ من أَن لَهُ حَقًا فَكيف يجمع بَينهمَا أم كَيفَ تكون الألية يعْنى الْقسم عذرا فِي التَّخَلُّف عَن الْأَمر الْوَاجِب الْمُتَعَيّن والحنث لأَجله وَاجِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 كَنَظِيرِهِ فِي التَّخَلُّف عَن الصَّلَاة الْوَاجِبَة قُلْنَا الْجمع يُمكن بِأَن يكون سَبَب الِامْتِنَاع عَن الْبيعَة وتخلفه أَولا مَا ذكره من قَوْله كُنَّا نظن ثمَّ خطر لَهُ كرم الله وَجهه جمع الْقرَان وَهُوَ فِي مهلة النّظر الْمُتَقَدّم ذكره فآلى تِلْكَ الألية ثمَّ أرسل إِلَى أبي بكر ثمَّ لقِيه عمر فَقَالَ لَهُ تخلفت عَن بيعَة أبي بكر فَقَالَ إِنِّي آلَيْت ... إِلَى آخِره ووافى ذَلِك ظُهُور أحقية أبي بكر عِنْده فَأرْسل إِلَيْهِ معتذرَاً فِي التَّخَلُّف وَاقْتضى نظره لَهُ إِذْ ذَاك أَن هَذَا الْقدر كَاف فِي الطواعية والانقياد وَالدُّخُول فِيمَا دخل فِيهِ الْجَمَاعَة فَلم ير الْحِنْث مَعَ الْبيعَة خشيَة أَن ينْقل عَنهُ وينقسم نظره عِنْد مُلَابسَة النَّاس ومخالطتهم فَأَقَامَ إِظْهَار عذره مقَام حُضُوره إِلَّا أَنه رأى الْيَمين عذرا وَلَا أَنه بَقِي على مَا كَانَ عَلَيْهِ من رُؤْيَة أحقيته كَذَا فِي الرياض رِسَالَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَاتِّبَاع سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه مَعَ سيدنَا أبي عُبَيْدَة عَامر بن الْجراح رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجَوَاب سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه عَن ذَلِك ومبايعته لأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ عَن أبي حَيَّان عَليّ بن مُحَمَّد التوحيدي الْبَغْدَادِيّ قَالَ سمرنا لَيْلَة عِنْد القَاضِي أبي حَامِد أَحْمد بن بشر المروروزي العامري فِي دَار أبي حبشان فِي شَارِع المازبان فتصرف إِلَى الحَدِيث كل متصرف وَكَانَ أَبُو حَامِد وَالله مفنَاً مِخْلطاً مزيلاً معنياً غزير الرِّوَايَة لطيف الدِّرَايَة لَهُ فِي كل جو متنفس وَمن كل نَار مقتبس فَجرى حَدِيث السَّقِيفَة وشأن الْخلَافَة فَركب كل منا متْنا وَقَالَ قولا وَعرض بِشَيْء وَنزع إِلَى فن فَقَالَ هَل فِيكُم من يحفظ رِسَالَة سيدنَا أبي بكر الصّديق إِلَى سيدنَا عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَجَوَاب عَليّ لَهُ ومبايعته إِيَّاه عقب تِلْكَ المناظرة فَقَالَت الْجَمَاعَة الَّتِي بَين يَدَيْهِ لَا وَالله قَالَ هِيَ من بَنَات الحقاق ومخبآت الصناديق فِي الخزائن ومذ حَفظتهَا مَا رويتها إِلَّا للمهلبي أبي مُحَمَّد فِي وزارته وكتبها عني بعده فِي خلْوَة وَقَالَ لَا أعرف على وَجه الأَرْض رِسَالَة أَعقل مِنْهَا وَلَا أبين وَإِنَّهَا لتدل على حكم وَعلم وفصاحة وفقاهة ودهاء وَدين وَبعد غور وَشدَّة غوص فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر الْعَبادَانِي أَيهَا القَاضِي لَو أتممت الْمِنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 بروايتها سمعناها وَنحن أوعى لَهَا عَنْك من المهلبى وَأوجب ذماماً عَلَيْك فَانْدفع فَقَالَ حَدثنَا الخزاعى بِمَكَّة حَدثنَا ابْن أبي ميسرَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن فليح أَنبأَنَا عِيسَى بن دأب أَنبأَنَا صَالح بن كيسَان وَيزِيد بن رُومَان وَكَانَ معلم عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ أَنبأَنَا هِشَام بن عُرْوَة قَالَ أنبأنى أَبُو النفاخ مولى أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح وروى هَذَا الحَدِيث وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ جَرَاءَة ظَاهِرَة وَكَانَ من محفوظاته الْقَدِيمَة فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بدهر ذاكرنا بأحرف من هَذِه الرسَالَة ابْن هَارُون وَكَانَ نَسِيج وَحده حفظا وبياناً واتباعاً فعرفناه اْن الحَدِيث عندنَا من جِهَة أبي حَامِد فَزعم أَن أستاذه ابْن شَجَرَة أَحْمد بن كَامِل القاضى سرده وَلم يكن فِيهِ صَالح بن كيسَان وَذكر مولى أبي عُبَيْدَة أَبَا النفاخ بالنُّون وَالْفَاء وحالف فِي أحرف وَأَنا أكرر عَلَيْهِ الرسَالَة والْحَدِيث بعد ذكرهمَا وأسمى حرفا حرفا مِمَّا وَقع فِيهِ الْخلاف على جِهَة التَّصْحِيف أَو على جِهَة التحريف على أننى مَا سَمِعت بِحَدِيث فِي طوله وغرابته بِأَحْسَن سَلامَة مِنْهُ وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّهُ صَار إِلَيْنَا من رِوَايَة هذَيْن الشَّيْخَيْنِ العلامتين وَكَانَ سَمَاعنَا من أبي حَامِد سنة سِتِّينَ وَمن أبي مَنْصُور سنة خمس وَسبعين قَالَ أَبُو حَامِد قَالَ أَبُو النفاخ سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح يَقُول لما اسْتَقَرَّتْ الْخلَافَة لأبى بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ولحظ بِعَين الهيبة وَالْوَقار وَإِن كَانَ لم يزل كَذَلِك بعد هنيَّة كَاد الشَّيْطَان بهَا فَدفع الله شَرها ورحض عرها وَيسر خَيرهَا وأزاح ضيرها ورد كيدها وقصم ظهر النِّفَاق والفسوق من أَهلهَا بلغ سيدنَا أَبَا بكر الصّديق عَن سيدنَا عَليّ بن أبي طَالب تلكؤ وشماس وتهمهم ونفاس وَكره اْن يتمادى الْحَال وتبدو الْعَدَاوَة وتنفرج ذَات الْبَين وَيصير ذَلِك دريئة لجَاهِل مغرور أَو عَاقل ذِي وَهن أَو صَاحب سَلامَة ضَعِيف الْقلب خوار الْعَنَان دعانى فحضرته وَعِنْده سيدنَا عمر بن الْخطاب وَحده وَكَانَ يُدمن أرضه بالسرجين وَكَانَ عمر قباله ظهيرَا مَعَه يقتبس بِرَأْيهِ ويستملي على لِسَانه فَقَالَ لي أَبُو بكر الصّديق يَا أَبَا عُبَيْدَة مَا أَيمن ناصيتك وَأبين الْخَيْر بَين عَيْنَيْك وعارضيك وَلَقَد كنت من رَسُول الله بِالْمَكَانِ المحوط وَالْمحل المغبوط وَلَقَد قَالَ فِيك فِي يَوْم مشهود أَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة وَطَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 مَا أعز الله بك الْإِسْلَام وَأصْلح فَسَاده على يَديك وَلم تزل للدّين ملْجأ وَلِلْمُؤْمنِينَ دوحاً ولأهلك ركنا ولاخوانك ردْءًا قد أردتك لأمر لَهُ مَا بعده خطره مخوف وصلاحه مَعْرُوف وَإِن لم يندمل جرحه بمسبرك وَلم تستجب حيته لرقيتك فقد وَقع الْيَأْس وأعضل الْبَأْس واحتيج بعد ذَلِك إِلَى مَا هُوَ أَمر من ذَلِك وأعلق وأعسر مِنْهُ وأغلق وَالله أسأَل تَمَامه بك ونظامه على يَديك فتأت لَهُ يَا أَبَا عُبَيْدَة وتلطف فِيهِ وانصح لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ولهذه الْعِصَابَة غير آل جهدا وَلَا قَالَ جدا وَالله كالئك وناصرك وهاديك ومبصرك وَبِه الْحول والتوفيق امْضِ إِلَى عَليّ واخفض جناحك لَهُ واغضض من صَوْتك عِنْده وَاعْلَم أَنه سلالة أبي طَالب ومكانه مِمَّن فقدناه بالْأَمْس مَكَانَهُ وَقل لَهُ الْبَحْر مغرقه وَالْبر مفرقه والجو أكلف وَاللَّيْل أغلف وَالسَّمَاء جلواء وَالْأَرْض صلعاء والصعود مُتَعَذر والهبوط متعسر وَالْحق رءوف عطوف وَالْبَاطِل شنوف عنوف والضغن رائد الْبَوَار والتعريض شجار الْفِتْنَة القعة ثقوب الْعَدَاوَة وَهَذَا الشَّيْطَان متكىء على شِمَاله متحبل بِيَمِينِهِ نافج حضنيه لأَهله ينْتَظر بهم الشتات والفرقة ويدب بَين الْأمة بالشحناء والعداوة عنادَا لله عز وَجل وَلِرَسُولِهِ ولدينه ناكباً يوسوس بِالْفُجُورِ ويُدلى بالغرور ويمنى أهل الشرور ويزجى إِلَى أوليائه بِالْبَاطِلِ دأباً لَهُ مذ كَانَ على عهد أَبينَا آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وعاده مِنْهُ مُنْذُ أهانه الله عز وَجل فِي سالف الدَّهْر لَا يُنجى مِنْهُ إِلَّا عض الناجذين على الْحق وغض الطّرف عَن الْبَاطِل والعاجل وَوَطْء هَامة عَدو الله وعدو الدّين بالأشد فالأشد والأحد فالأحد واسلام النَّفس لله عز وَجل فِيمَا حَاز رِضَاهُ وجنب سخطه وَلَا بُد الْآن من قَول ينفع إِذا ضرّ السُّكُوت وَخيف غبه وَلَقَد أرشدك من أَفَادَ ضالتك وصادقك من أَحْيَا مودته لَك بعتابك وَأَرَادَ الْخَيْر بك من آثر الْبَقَاء مَعَك مَا هَذَا الَّذِي تسول لَك نَفسك ويدوى بِهِ قَلْبك ويلتوى بِهِ عَلَيْك رَأْيك ويتخاوص دونه طرفك ويسرى فِيهِ ظعنك ويتراد مَعَه نَفسك وتكثر مَعَه صعداؤك وَلَا يفِيض بة لسَانك أعجمة بعد إفصاح أم تلبيس بعد أيضاًح أدين غير دين الله عز وَجهه أخُلق غير خُلق الْقرَان أهْدى غير هدى النَّبِي أمثلى يمشى إِلَيْهِ الضراء أَو تدب إِلَيْهِ الخمراء أم مثلك ينقبض عَلَيْهِ الفضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 أَو تكسف فِي عينه القمراء مَا هَذِه القعقعة بالشنان وَمَا هَذِه الوعوعة بالشنآن إِنَّك جد عَارِف باستجابتنا لله عز وَجل وَلِرَسُولِهِ وخروجنا عَن أوطاننا وَأَمْوَالنَا وَأَوْلَادنَا وأحبتنا هِجْرَة إِلَى الله تَعَالَى ذكره ولنصرة نبيه فِي زمَان أَنْت فِيهِ فِي كن الصِّبَا وخدر الغرارة غافل عَمَّا يشبب ويربب لَا تعي مَا يُرَاد ويشاد وَلَا تحصل مَا يساق ويقاد سوى مَا أَنْت جَار عَلَيْهِ إِلَى غايتك الَّتِي إِلَيْهَا عدى بك وَعِنْدهَا حط رحلك غير مَجْهُول الْقدر وَلَا مجحود الْفضل وَنحن فِي أثْنَاء ذَلِك نعاني أحوالاً تزيل الرواسِي ونقاسي أهوالاً تشيب النواصي خائضين غمارها راكبين تيارها نتجرع صابها ونشرح عيابها ونكرع عبابها ونحكم أساسها ونبرم أمراسها والعيون تحدج بالجد والأنوف تعطس بالنكد والصدور تستعر بالغيظ والأعناق تتطاول بالفخر والشفار تشحذ بالمكر وَالْأَرْض تميدُ بالخوف وَلَا نَنْتَظِر عِنْد الْمسَاء صباحاً وَلَا عِنْد الصَّباح مسَاء وَلَا ندفع فِي نحر أَمر إِلَّا أَن نحسو الْمَوْت دونه وَلَا نبلغ إِلَى شَيْء إِلَّا بعد جرع الْغصَص مَعَه، وَلَا نقوم منآداً إِلَّا بعد الْيَأْس من الْحَيَاة عِنْده فادين فِي كل ذَلِك لرَسُول الله بِالْأَبِ وَالأُم وَالْخَال وَالْعم والنشب والسبد واللبد والهلة والبلة والأهل وَالْولد بِطيب نفس وقرور عين ورحب أعطان وثبات عزائم وَصِحَّة عقول وطلاقة وَجه وذلاقة ألسن هَذَا إِلَى خفيات أسرار ومكنونات أَخْبَار كنت عَنْهَا غافلاً وَلَوْلَا حَدَاثَة سنك لم تكن عَن شَيْء مِنْهَا ناكلاً كَيفَ وفؤادك مشهوم وعودك معجوم وغيبك مخبور وَالْقَوْل فِيك كثير والآن قد بلغ الله بك وأرهص الْخَيْر لَك وَجعل لَك مرادك بَين يَديك وعقلك بَين عَيْنَيْك وَعَن علم أَقُول مَا تسمع فَارْتَقِبْ زَمَانك وقلص إِلَيْهِ أردانك ودع التعبيس والنحبيس بِمن لَا يظلع لَك إِذا خطا وَلَا يتزحزح عَنْك إِذا عطا وَالْأَمر غض والنفوس فِيهَا مض وَإنَّك أَدِيم هَذِه الْأمة فَلَا تحلم لجاجاً وسيفها العضب فَلَا تنبو اعوجاجاً وماؤها العذب فَلَا تحل أجاجا وَالله لقد سَأَلت رَسُول الله عَن هَذَا الْأَمر فَقَالَ لي يَا أَبَا بكر هُوَ لمن يرغب عَنهُ لَا لمن يرغب فِيهِ ويجاحش عَلَيْهِ وَلمن يتضاءل لَهُ لَا لمن ينتفجُ إِلَيْهِ وَلمن يُقَال لَهُ هُوَ لَك لَا لمن يَقُول هُوَ لي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وَالله لقد شاورني رَسُول الله فِي الصهر فَذكر فتياناً من قُرَيْش فَقلت لَهُ أَيْن أَنْت من عَليّ فَقَالَ إِنِّي لأكْره لفاطمة ضيق شبابه وحداثة سنه فَقلت لَهُ مَتى كنفته يدك ورعته عَيْنك حفت بهما الْبركَة وأسبغت عَلَيْهِمَا النِّعْمَة مَعَ كَلَام كثير خطبت بِهِ عَنْك ورغبت فِيك وَمَا كنت عرفت مِنْك فِي ذَلِك حوجاء وَلَا لوجاء فَقلت مَا قلت وَأَنا أرى مَكَان غَيْرك وَأَجد رَائِحَة سواك وَكنت لَك إِذْ ذَاك خيرا مِنْك الْآن لي وَلَئِن كَانَ عرض بك رَسُول الله فقد كنى عَن غَيْرك وَإِن كَانَ قَالَ فِيك فَمَا سكت عَن سواك وَإِن يختلج فِي نَفسك شَيْء فَهَلُمَّ فَالْحكم مرضِي وَالصَّوَاب مسموع وَالْحق مُطَاع وَلَقَد نُقل رَسُول الله إِلَى مَا عِنْد الله عز وَجل وَهُوَ عَن هَذِه الْعِصَابَة رَاض وَعَلَيْهَا حدب يسره مَا يسرها ويكيده مَا يكيدها ويرضيه مَا يرضيها ويسخطه مَا أسخطها ألم تعلم أَنه لم يدع أحدا من أَصْحَابه وخلطائه وأقاربه وشجرائه إِلَّا أبانه بفضيلة وَخَصه بمكرمة وأفرده بجلالة لَو أصفقت الْأمة عَلَيْهِ لَكَانَ عِنْده إيالتها وكفالتها وكرامتها وغزارتها أتظن أَنه ترك الْأمة نشرا سدى بَين عدا عباهل سباهل طلاحى مباهل مَفْتُونَة بِالْبَاطِلِ مغبونة عَن الْحق لَا رائد وَلَا ذائد وَلَا سائق وَلَا قَائِد وَلَا حَائِط وَلَا واقي وَلَا هادي وَلَا حادي كلا وَالله مَا اشتاق إِلَى ربه وَلَا سَأَلَهُ الْمصير إِلَى رضوانه حَتَّى ضرب الصوى وأوضح الْهدى وَأمن المهالك والمطاوح وَسَهل الْمُبَارك والمهايع وَإِلَّا بعد أَن شدخ يَا فوخ الشّرك بِإِذن الله عز وَجل وشرم أنف النِّفَاق لوجه الله تَعَالَى جدُّه وجدع أنف الْفِتْنَة فِي ذَات الله تبَارك اسْمه وتفل فِي وَجه الشَّيْطَان بعون الله جلّ ذكره وصدع بملء فِيهِ وَيَده أَمر الله عز وَجل وَبعد فَهَؤُلَاءِ الْأَنْصَار والمهاجرون عنْدك ومعك فِي دَار وَاحِدَة وبقعة جَامِعَة إِن استقاموا بِي لَك وأشاروا عِنْدِي بك فَأَنا أول وَاضع يَدي فِي يدك وصاير إِلَى رَأْيهمْ فِيك وَإِن تكن الْأُخْرَى فَادْخُلْ فِيمَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ وَكن العون على مصالحهم والفاتح لمغالقهم والمرشد لضالهم والرادع لغاويهم فقد أَمر الله عز وَجل بالتعاون على الْبر وأهاب إِلَى التناصر على الْحق وَدعنَا نقض هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا بصدور بريئة من الغل ونلقى الله عز وَجل بقلوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 سليمَة من الضغن وَبعد فَالنَّاس ثُمَامَة فارفق بهم واحن عَلَيْهِم وَلنْ لَهُم وَلَا تشق نَفسك بِنَا خَاصَّة فيهم واترك ناجم الحقد حصيدا وطائر الشد وَاقعا وَبَاب الْفِتْنَة غلقاً فَلَا قَالَ وَلَا قيل وَلَا لوم وَلَا تبيع وَالله عز وَجل على مَا نقُول شَهِيد وَبِمَا نَحن عَلَيْهِ بَصِير قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا تهيأت للنهوض قَالَ لي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كن لَدَى الْبَاب هُنيهة فلي مَعَك ذوق من القَوْل فوقفت وَلَا أَدْرِي مَا كَانَ بعدِي إِلَّا أَنه لَحِقَنِي وَوَجهه يَبْدُو متهللاً وَقَالَ قل لعَلي الرقاد محلمة واللجاج ملحمة والهوى مقحمة وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم وَحقّ مشَاع أَو مقسوم ونبأ ظَاهر أَو مَكْتُوم وَإِن أَكيس الْكيس من منح الشارد تألفاً وقارب الْبعيد تلطفا وَوزن كل امرىء بميزانه وَلم يخلط خَبره بعيانه وَلم يَجْعَل فتره مَكَان شبره وَلَا خَيره مَكَان شَره وَلَا خير فِي معرفَة مشوبة بنكرة وَلَا علم معتل فِي جهل // (من المتقارب) // (وَلَسْنَا كَجِلْدَةِ رفْع الْبَعِيرِ ... بَيْنَ الْعِجَانِ وَبَيْنَ الذَّيَبْ) وكل صال فبناره وكل سيل فَإلَى قراره وَمَا كَانَ سكُوت هَذِه الْعِصَابَة إِلَى هَذِه الْغَايَة لِعي وَلَا سي وَلَا كَلَامهَا الْيَوْم لفتق وَلَا رتق وَلَا فرق وَلَا رهق قد جدع الله لمُحَمد أنف كل ذِي كبر وقصم ظهر كل جَبَّار وَقطع لِسَان كل كذوب فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال مَا هَذِه الخنزوانة الَّتِي فِي فرَاش رَأسك وَمَا هَذَا الشجى الْمُعْتَرض فِي مدارج أنفاسك وَمَا هَذِه الوحرة الَّتِي أكلت شراسيفك والقذاة الَّتِي أعشت ناظريك وَمَا هَذَا الدحس والداسُ اللَّذَان يدلان على ضيق الباع وخور الطباع وَمَا هَذَا الَّذِي لبست بِسَبَبِهِ جلد النمر واشتملت عَلَيْهِ بالشحناء والنكر شَذَّ مَا استسعيت إِلَيْهَا وسريت سرى ابْن أنقد إِلَيْهَا إِن الْعوَان لَا تعلم الْخمْرَة وَإِن الحصان لَا تكلم لخبرة مَا أحْوج الصلعاء إِلَى خَال وَمَا اْحوج الفرعاء إِلَى فال لقد خرج رَسُول الله وَالْأَمر معبد محبس لَيْسَ لأحد فِيهِ ملمس وَلَا مأنس لم يسير فِيك قولا وَلم يسْتَنْزل فِيك قُرْآنًا وَلَا عرف فِي شَأْنك حكما ولسنا فِي كسروية كسْرَى وَلَا قيصرية قَيْصر وَلَا أخذان فَارس وَأَبْنَاء الْأَصْفَر قوما جعلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الله جزراً لسيوفنا وأرماحنا ومزعاً لطعاننا وتبعاً لسلطاتنا بل نَحن فِي نور نبوة وضياء رِسَالَة وَثَمَرَة حِكْمَة وَأثر رَحْمَة وعنوان نعْمَة وظل عصمَة بَين أمة مهدية بِالْحَقِّ والصدق مَأْمُونَة على الفتق والرتق لَهَا من الله عز وَجل قلب أبي وساعد قوي وَيَد ناصرة وَعين باصرة أتظن ظنا أَن أَبَا بكر الصّديق وثب على هَذَا الْأَمر مفتئتا على الْأمة خادعاً لَهَا متسلطاً عَلَيْهَا أتراه امتلخ أحلامها وأزاغ أبصارها وَحل عقدهَا وأحال عقولها واستلب من صدروها حميتها وانتزع من أكبادها عصبيتها وانتكث رشاها وانتضب ماءها وأضلها عَن هُداها وساقها إِلَى رداها وَجعل نَهَارهَا لَيْلًا ووزنها كَيْلا ويقظتها رقاداً وصلاحها فَسَادًا إِن كَانَ هَكَذَا إِن سحره لمبين وَإِن كَيده لمتين كلا وَالله بِأَيّ خيل وَرجل وَبِأَيِّ سِنَان ونصل وَبِأَيِّ قُوَّة ومنة وَبِأَيِّ ذخر وَبِأَيِّ أيد وَشدَّة وَبِأَيِّ عشيرة وأسرة وَبِأَيِّ تدرع وبسطة لقد أصبح عنْدك بِمَا وسمته منيع الرَّقَبَة رفيع العتبة لَا وَالله وَلَكِن سلا عَنْهَا فولهت بِهِ وتطامن لَهَا فلصقت بِهِ وَمَال عَنْهَا فمالت إِلَيْهِ واشتمل دونهَا فاشتملت عَلَيْهِ حبوة حباه الله بهَا وعاقبة بلغه الله إِيَّاهَا ونعمة سربله الله جمَالهَا وَيَد أوجب الله عَلَيْهِ شكرها وَأمة نظر الله بِهِ إِلَيْهَا ولطالما حلقت فَوْقه فِي أَيَّام رَسُول الله وَهُوَ لَا يلْتَفت لفتها وَلَا يرتصد وَقتهَا وَالله أعلم بخلقه وأرأف بعباده يخْتَار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة وَإنَّك بِحَيْثُ لَا يجهل موضعك من بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة وكهف الْحِكْمَة وَلَا يجْحَد حَقك فِيمَا أَتَاك رَبك وَلَكِن لَك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك وقربى أمس من قرابتك وَسن أَعلَى من سنك وَشَيْبَة أروع من شيبتك وسيادة بهَا عرق من الْجَاهِلِيَّة وَفرع من الْإِسْلَام والشريعة ومواقف لَيْسَ لَك فِيهَا من جمل وَلَا نَاقَة وَلَا تذكر مِنْهَا فِي مُقَدّمَة وَلَا ساقة وَلَا تضرب فِيهَا بِذِرَاع وَلَا إِصْبَع وَلَا تخرج مِنْهَا ببازل وَلَا هُبع فَإِن عذرت نَفسك فِيمَا تهدر بِهِ شقشقتك من صاغيتك فاعذرنا فِيمَا تسمع منا فِي لين وسكوت مِمَّا لَا تبعده مِنْهُ وَلَا تناصله عَلَيْهِ وَلَئِن حدبت بِهَذَا نَفسك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 لينتحين عَلَيْك مَا ينسيك الأولى ويلهيك عَن الْآخِرَة وَلَو علم من ضننا بِهِ مَا فِي أَنْفُسنَا لَهُ وَعَلِيهِ لما سكت وَلَا اتَّخذت أَنْت وليجة إِلَى بعض الأرب فَأَما أَبُو بكر الصّديق فَلم يزل حَبَّة سويداء قلب رَسُول الله وعلاقة همه وعيبة سره ومثوى حربه ومفزع رَأْيه ومشورته وراحة كَفه ومرمق طرفه وَذَلِكَ كُله بِمحضر الصَّادِر والوارد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار شهرته مغنية عَن الدّلَالَة عَلَيْهِ ولعمري إِنَّك أقرب إِلَى رَسُول الله قرَابَة لكنه أقرب قربَة والقرابة لحم وَدم والقربة روح وَنَفس وَهَذَا فرق وَقد عرفه الْمُؤْمِنُونَ وَلذَلِك صَارُوا أَجْمَعِينَ وَمهما شَككت فِيهِ فَلَا تشك أَن يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة ورضوانه لأهل الطَّاعَة فَادْخُلْ فِيمَا هُوَ خير لَك الْيَوْم وأنفع لَك غَدا والفظ من فِيك مَا تعلق بلهاتك وانفث سخيمة صدرك عَن ثفاتك فَإِن يَك فِي الأمد طول وَفِي الْأَجَل فسحة فستأكله مريئاً أَو غير مريء وستشربه هَنِيئًا أَو غير هنيء حِين لَا راد لِقَوْلِك إِلَّا من كَانَ مِنْك وَلَا تَابع لَك إِلَّا من كَانَ طامعاً فِيك يمض إهابك ويفري قادمتك ويزري على هديك هُنَاكَ تقرع السن من نَدم وتجرع المَاء ممزوجاً بِدَم وَحِينَئِذٍ تيأس على مَا مضى من عمرك ودارج قَوْمك فتود أَن لَو سقيت بالكأس الَّتِي أبيتها ورددت إِلَى الْحَال الَّتِي استبريتها وَللَّه تَعَالَى فِينَا أَمر هُوَ بالغه وغيب هُوَ شَاهده وعاقبة هُوَ المرجو لضرائِها وَهُوَ الْوَلِيّ الحميد الغفور الْوَدُود قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ فمشيت متزملاً أتوجأ كَأَنَّمَا أخطو على أم رَأْسِي فرقا من الْفرْقَة وشفقاً على الْأمة حَتَّى وصلت إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي خلاء فأبثثته الْكَلَام كُله وبرئت إِلَيْهِ مِنْهُ ورفقت بِهِ فَلَمَّا سَمعهَا ووعاها وسرت فِي أوصاله حمياها قَالَ حلت معلوطة وَوَلَّتْ مخروطة حل لَا حليت التعبيس أدنى لَهَا من قَول لعا (إحْدَى لَيَالِيكَ فَهيسِي هيسي ... لَا تَنْعَمِي بالنومِ والتَّعْرِيسِ) نعم يَا أَبَا عُبَيْدَة أكل هَذَا فِي أنفس الْقَوْم يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ ويصطفقون قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فَقلت لَا جَوَاب لَك عِنْدِي إِلَّا السُّكُوت إِنَّمَا أَنا قَاض حق الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وراتق فتق الْإِسْلَام وساد ثلمة الْأمة يعلم الله ذَلِك من خلجان قلبِي وقرارة نَفسِي قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَالله مَا كَانَ قعودي فِي كسر هَذَا الْبَيْت قصدا للخلافة وَلَا إنكاراً للمعرفة وَلَا زراية على مُسلم بل لما وقذني بِهِ رَسُول الله بِفِرَاقِهِ وأودعني من الْحزن بفقده وَذَلِكَ إِنِّي لم أشهد بعده مشهدا إِلَّا جدد لي حزنا وذكرني شجواً وَإِن الشوق إِلَى اللحاق بِهِ كَاف عَن الطمع فِي غَيره فقد عكفت على عهد الله أنظر فِيهِ وَأجْمع مَا تفرق مِنْهُ رَجَاء ثَوَاب معد لمن أخْلص عمله وَنِيَّته لرَبه على إِنِّي مَا علمت أَن التظاهر عليَّ وَاقع وَلَا لي عَن الْحق الَّذِي سيق إليَّ دَافع وَإِذا كَانَ قد أفعم الْوَادي لي وحشد النادي من أَجلي فَلَا مرْحَبًا بِمَا سَاءَ أحدا من الْمُسلمين وَفِي النَّفس كَلَام لَوْلَا سَابق قَول وسالف عهد لشفيت غيظي بخنصري وبنصري وخضت لجتي بأخمصي ومفرقي لكني ملجم إِلَى أَن ألْقى رَبِّي عز وَجل وَعِنْده أحتسب مَا نزل بِي وَأَنا عَادل إِلَى جماعتكم ومبايع لصاحبكم وصابر على مَا سَاءَنِي وسركم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَكَانَ الله على كل شَيْء شَهِيدا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فعدت إِلَى أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فقصصت القَوْل على غره وَلم اختزل شَيْئا من حلوه ومره فَلَمَّا كَانَ صباح يَوْمئِذٍ وافى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فخرق إِلَى أبي بكر الصُّفُوف وَبَايَعَهُ وَقَالَ خيرا وَوصف جميلاً وَجلسَ زَمنا وَاسْتَأْذَنَ فِي الْقيام ونهض فَتَبِعَهُ عمر تكرمة لَهُ واستئثاراً لما عِنْده فَقَالَ لَهُ عَليّ مَا قعدت عَن صَاحبكُم كَارِهًا لَهُ وَلَا أَتَيْته فرقا مِنْهُ وَإِنَّمَا أَقُول مَا أَقُول تعلة وإنى لأعرف مُسَمّى طرفِي ومخطي قدمي ومنزع قوسي وموقع سهمي وَلَكِنِّي قد أزمت على فاسي ثِقَة بِاللَّه فِي الأدالة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ كفكف غربك واستوقف سربك ودع الْعَصَا بلحائها والدلاء برشائها فَإنَّا من خلفهَا وورائها إِن قدحنا أورينا وَإِن متحنا أروينا وَإِن جرحنا أدمينا وَإِن نصحنا أربينا وَلَقَد سَمِعت أمانيك الَّتِي لغوت بهَا عَن صدر مَقْصُور بالجوى وَلَو شِئْت لَقلت على مَقَالَتك مَا إِذا سمعته نَدِمت على مَا قلته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 زعمت أَنَّك قعدت فِي كسر بَيْتك لما وقذك بِهِ رَسُول الله بِفِرَاقِهِ أفراق رَسُول الله وقذك وَحدك وَلم يقذ سواك بل مصابه أعظم وأعز من ذَلِك فَإِن من حق مصابه أَلا يصدع شَمل الْجَمَاعَة بِكَلِمَة لَا عِصَام لَهَا وَلَا يزرى على اخْتِيَارهَا بِمَا لَا يُؤمن كيد الشَّيْطَان فِي عقباها هَذِه الْعَرَب حولنا وَالله لَو تداعت علينا فِي مصبح يَوْم لم نلتق فِي ممساه وَزَعَمت أَن الشوق بك إِلَى اللحاق بِهِ كَاف عَن الطمع فِي غَيره فَمن الشوق إِلَيْهِ نصْرَة دينه ومؤازرة أَوْلِيَاء الله تَعَالَى جده ومعاونتهم فِيهِ وَزَعَمت أَنَّك عكفت على عهد الله تجمع مَا تبدد مِنْهُ فَمن العكوف على عَهده النَّصِيحَة لِعِبَادِهِ والرأفة على خلقه وبذل مَا يصلحون بِهِ ويرشدون إِلَيْهِ وَزَعَمت أَنَّك لم تعلم أَن التظاهر عَلَيْك وَاقع وَلَك عَن الْحق الَّذِي سبق إِلَيْك دَافع فَأَي تظاهر وَقع عَلَيْك وَأي حق لَك ليطردونك قد علمت مَا قَالَت الْأَنْصَار لَك بالْأَمْس سرا وجهراً وَمَا تقلبت عَلَيْهِ بَطنا وظهراً فَهَل ذكرتك أَو أشارت بك أَو وجدنَا رِضَاهَا عنْدك هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ من الَّذِي قَالَ مِنْهُم بِلِسَانِهِ تصلح لهَذَا الْأَمر أَو أَوْمَأ بِعَيْنِه أَو هَمهمْ فِي نَفسه أتظن أَن النَّاس قد ضلوا من أَجلك وعادوا كفَّارًا زهداً فِيك وَبَاعُوا الله عز وَجل وَرَسُوله تحاملاً عَلَيْك لَا وَالله وَلَكِنَّك اعتزلت تنْتَظر الْوَحْي وتتوكف مُنَاجَاة الْملك لَك ذَاك أَمر طواه الله عز وَجل بعد نَبينَا مُحَمَّد أَكَانَ الْأَمر معقوداً بأنشوطة أَو مسدوداً بأطراف ليطة كلا وَالله إِن الْعِنَايَة لمحلقة وَإِن الشَّجَرَة لمورقة وَلَا عجماء بِحَمْد الله إِلَّا وَقد أفصحت وَلَا عجفاء إِلَّا وَقد سمنت وَلَا شوكاء إِلَّا وَقد لقحت وَمن أعجب شَأْنك قَوْلك لَوْلَا سَابق قَول وسالف عهد لشفيت غيظي وَهل ترك الدّين لأحد من أَهله أَن يشفي غيظه بِيَدِهِ وَلسَانه تِلْكَ جَاهِلِيَّة قد استأصل الله شأفتها وَدفع عَن النَّاس آفتها واقتلع جرثومتها وهور لَيْلهَا وغور سيلها وأبدل مِنْهَا الرّوح وَالريحَان وَالْهدى والبرهان وَزَعَمت أَنَّك ملجم فلعمري إِن من اتَّقى الله عز وَجل وآثر رِضَاهُ وَطلب مَا عِنْده أمسك لِسَانه وأطبق فَاه وَجعل سَعْيه لما وَرَاءه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَالله مَا بذلت مَا بذلت وَأَنا أُرِيد نكثه وَلَا أَقرَرت بِمَا أَقرَرت وَأَنا أبغي حولا عَنهُ وَإِن أخسر النَّاس صَفْقَة عِنْد الله من آثر النِّفَاق واحتضن الشقاق وَبِاللَّهِ سلوة من كل كارث وَعَلِيهِ التَّوَكُّل فِي جَمِيع الْحَوَادِث ارْجع إِلَى مَنْزِلك يَا أَبَا حَفْص ناقع الْقلب مبرود الغليل فسيح البال فَلَيْسَ وَرَاء مَا سمعته وقلته إِلَّا مَا شدّ الأزر وَيَضَع الإصر والوزر وَيجمع الألفة وَيرْفَع الكلفة ويوقع الزلفة بمعونة الله عز وَجل وَحسن توفيقه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ فَانْصَرف عمر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا أصعب مَا مر بناصيتي بعد فِرَاق رَسُول الله قَالَ أَبُو حَيَّان وروى لنا هَذَا كُله أَبُو حَامِد ثمَّ أخرج لنا أَصله فقابلناه بِهِ فَمَا كَانَ غادر مِنْهُ إِلَّا مَا لَا بَال لَهُ فَأَما مَا رَوَاهُ أَبُو مَنْصُور الْكَاتِب فَإِنَّهُ خَالف فِي أحرف فِي حَوَاشِي الْكتاب كل حرف بِإِزَاءِ نَظِيره الَّذِي هُوَ مبدل مِنْهُ وَقد كَانَ أَبُو مَنْصُور بلغَة الْعَرَب أبْصر وَفِي غرائبها أنفذ وَإِنَّمَا قدمت رِوَايَة أبي حَامِد لِأَنَّهُ بشأن الشَّرِيعَة أعلم ولأعاجيبها أحفظ وَفِيمَا أشكل مِنْهَا أفقه فَكَانَ إِسْنَاد الحَدِيث من جِهَته وَقَالَ لنا أَبُو مَنْصُور الْكَاتِب فِي حَدِيثه وَلما حضر عَليّ إِلَى أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِن عِصَابَة أَنْت فِيهَا لمعصومة وَإِن أمة أَنْت فِيهَا لمرحومة وَلَقَد أَصبَحت عَزِيزًا علينا كَرِيمًا لدينا نَخَاف الله إِذا سخطت ونرجوه إِذا رضيت وَلَوْلَا إِنِّي شدهت لما أجبْت لما دعيت إِلَيْهِ وَلَقَد حط الله عَن ظهرك مَا أثقل بِهِ كاهلي وَمَا أسعد من نظر الله إِلَيْهِ بالكفاية وَإِنَّا إِلَيْك محتاجون وبفضلك عالمون وَإِلَى الله عز وَجل بك فِي جَمِيع الْأَحْوَال راغبون (شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب) المفن الَّذِي يتَصَرَّف فِي كل فن المخلط الَّذِي يخلط بعض الْأُمُور بِبَعْض المزيل الَّذِي يفصل بَعْضهَا عَن بعض الْمَعْنى الَّذِي يتَصَرَّف فِي الْمعَانِي الجوى الْهوى الجواء النَّاحِيَة المتنفس الاسْتِرَاحَة والاتساع السَّقِيفَة سَقِيفَة بني سَاعِدَة الَّتِي اجْتمع فِيهَا الْأَنْصَار عِنْد موت النَّبِي الْفَنّ النَّوْع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 يجمع على فنون الْمَتْن فِي الحَدِيث نَصه على وَجهه وَهُوَ من كل شَيْء ظَهره الحقاق جمع حقة وَهُوَ وعَاء يَجْعَل فِيهِ الطَّبِيب والأعلاق والغوص الدُّخُول فِي الشَّيْء الغامض نَسِيج وَحده أَي فريد مَا لَهُ نَظِير وَأَصله فِي الثَّوْب الرفيع الَّذِي لَا مِثَال لَهُ يصنع لَهُ منسج وَحده لَا ينسج عَلَيْهِ غَيره فاستعير ذَلِك للرجل الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي فنه سرد الحَدِيث نَصه وَوصل إِسْنَاده الهنة اللَّطِيف من كل شَيْء رخص عرها أَزَال مكروهها وَأَصله من العر وَهُوَ دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فيكوي غير الْمُصَاب بِهِ فيشفي قَالَ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // ( ... ... ... . . ... كَذِي العرِّ يكْوى غَيْره وَهْوَ رَاتِعُ) التلكؤ التَّأَخُّر الشماس النفار التهمهم والهمهمة كَلَام لَا يُصَرح بِهِ النّفاس المنافسة والحسد ذَات الْبَين الْحَال الْمُتَّصِلَة من قَوْله تَعَالَى {لقد تقطع بَيْنكُم} الْأَنْعَام 94 الظهير الْمعِين الَّذِي يشد بِهِ الظّهْر يُدمن أرضه بالسرجين أَي يصلحها بِهِ مثاءة والثأي الْفساد وَأَصله فِي الخرز وَهُوَ أَن يثقب الخرزة فَيصير الاثنتين وَاحِدَة يُقَال أثأت الخرز فَهُوَ مُثأَى المغبوط الَّذِي يتنافس فِيهِ خوار الْعَنَان يُقَال فرس خوار الْعَنَان إِذا كَانَ رَاكِبه يصرفهُ حَيْثُمَا أَرَادَ فَضرب مثلا الدوح الشّجر الْعَظِيم الردء العون يندمل يبرأ السبر إِدْخَال فتيل فِي الْجرْح ليرى قدر عمقه غير آل أَي مقصر من الألو وَهُوَ التَّقْصِير الْجهد بِالضَّمِّ الطَّاقَة وبالفتح الْغَايَة وَقد يسوى بَينهمَا القالى الْمُبْغض الكاره الْجد التشمير وَالِاجْتِهَاد مغرقة أَي يغرق فِيهِ مفرقة من الْفرق وَهُوَ الْفَزع والروع يَقُول يفزع من السّير فِيهِ الجو الْهَوَاء أكلف أغبر أغلف شَدِيد الظلمَة جلواء ظَاهِرَة النُّجُوم صلعاء لَا نَبَات فِيهَا الصعُود الْمُرْتَفع وبضم الصَّاد الْمصدر وَكَذَلِكَ الهبوط بِالْفَتْح الْمَكَان المنحدر وبالضم الْمصدر الشنوف الْمُبْغض العنوف الشَّديد الثالب الطاعن الضغن الْعَدَاوَة رائد الْبَوَار قَائِد الْهَلَاك شجار الْفِتْنَة الشجار خشب الهودج ضربه مثلا يدلى بالغرور الإدلاء الإدخال فِي الْأَمر وَأَصله إِدْخَال الدَّلْو فِي الْبِئْر القعة التَّأَخُّر وَالْقعُود عَن الْأَمر وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم وَقع الرجل فَهُوَ وَقع إِذا اشْتَكَى لحم قَدَمَيْهِ وَلم يقدر على الْمَشْي الثقوب النَّاقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 الغريرة اللَّبن قَالَ وَالصَّوَاب ثقوب الْعَدَاوَة والثقوب الْحَطب وَمَا يهيج بِهِ النَّار يزجى يسير الناجذ آخر الأضراس أقاد ضالتك ردهَا الحوص بِالْحَاء الْمُهْملَة ضيق فِي الْعين وبالمعجمة غور فِيهَا الصعداء النَّفس العالي وَالْغَضَب والهم وَلَا يغيص أَي مَا يبين وَلَا يفهم الْهدى الطَّرِيق الْمُسْتَقيم الضراء من الشّجر وَكَذَلِكَ الْخمر يُقَال يمشي فلَان لفُلَان الضراء إِذا كَانَ يخفي لَهُ الْعَدَاوَة حَتَّى يجد فرْصَة قَالَ الشَّاعِر (يمشى الضراء وَيَتَّقِي ... ) وَأَصله أَن يسْتَتر الصَّائِد من الصَّيْد حَتَّى يرميه ينقبض أَي يضيق الفضاء المتسع من الأَرْض الشنان جمع شنة وَهِي الْقرْبَة البالية الْيَابِسَة القعقعة صَوتهَا إِذا حركت للبعير الشارد سكن يضْرب مثلا لمن يهدد بِمَا لَا حَقِيقَة لَهُ الوعوعة صَوت الذِّئْب الشنآن الْعَدَاوَة يربب ويشبب وَأَصله من شب النَّار إِذا أوقدها الغمار المَاء الْكثير وَهُوَ جمع غمرة لغمره من يدْخل فِيهِ الأمراس الحبال الَّتِي يستسقى بهَا الصاب الصَّبْر نكرع نشرب العُباب الموج العِياب جمع عَيْبَة وعَاء كَبِير تحدج تنظر تشحذ تحد النشب الضّيَاع السبد الْوَبر يَعْنِي الْإِبِل اللبد الصُّوف يَعْنِي الْغنى تَقول الْعَرَب مَا لَهُ سبد وَلَا لبد الهلة الفرحُ وَمَا يسر بِهِ الرجل البلة أَصْلهَا الرُّطُوبَة ثمَّ اسْتعْمل بِمَعْنى الصِّلَة الرحب السعَة الذلاقة الفصاحه المكنونات المستورات الأعطان مبارك الْإِبِل بعد الْورْد عِنْد المَاء المخبور المجرب أرهص قدم وأصل قلص شمر الأردان الأكمام يظلع يعرج عطا تنَاول المض والمضض والمضاضة الحرقة واللجاجة فِي الْأَمر الأجاج ضد العذب وَلَا تحلم يُقَال حلم الْأَدِيم إِذا وَقع فِيهِ السوس والعضب الْقَاطِع نبا ينبو إِذا ضرب فَلم يقطع يجاحش يدافع يتضاءل يتصاغر ينتفج أَي يتفرشح الحوجاء الْحَاجة اللوجاء إتباع وتداخل فِي الْأَمر التَّعْرِيض ضد التَّصْرِيح الْكِنَايَة كَذَلِك يختلج يضطرب الْعِصَابَة الْجَمَاعَة حدب مُشفق الشجراء جمع شجير وَهُوَ الصّديق أصفقت اجْتمعت الإيالة السياسة نشرا النشر أَن تَنْتَشِر الْغنم فِي المرعى فتعدو عَلَيْهَا الذئاب السدى الشَّيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 المهمل العدا الْأَعْدَاء العرى الْعُرْيَان العباهل الْإِبِل الَّتِي لَا حَافظ لَهَا الطلاحي الَّتِي كلت فَلم تقدر على النهوض المباهل الْإِبِل الَّتِي لَا تمنع أخلافها فيحلبها كل من أَرَادَ صدع بملء فِيهِ أظهر بِكَلَامِهِ ودفاعه بِيَدِهِ أَي الذائد الدَّافِع الْحَائِط الْحَافِظ الَّذِي يحوط وَكَذَلِكَ الواقي الْهَادِي الَّذِي يمشي إِلَى الْأَمر الأسدّ الْحَادِي الَّذِي يمشى وَرَاء الْإِبِل اليافوخ أصل الدِّمَاغ الصوى عَلامَة تجْعَل فِي الطَّرِيق يهتدى بهَا أوضح بَين الرادع القامع الغاوي الضال الْمُفْسد الضغن الْعَدَاوَة الغل البغض الثمام شجر ضَعِيف هنيهة أَي سَاعَة ذوق من القَوْل أَي طرف المحلمة أَن يحلم فِي أَشْيَاء لَا حَقِيقَة لَهَا الملحمة مَوضِع الْقِتَال المقحمة دُخُول الْإِنْسَان فِيمَا لَا يَنْبَغِي التَّأْلِيف التعطيف والتسكين الفتر مَا بَين السبابَة والإبهام مشوبة أَي ممزوجة معتل أَي مستضعف الرفغ أصل الْفَخْذ الصالي المتسخن بالنَّار الْقَرار الْمَكَان الَّذِي يسْتَقرّ بِهِ المَاء لعيّ وسي السي إتباع العي كَقَوْلِهِم حسن بسن وَشَيْطَان ليطان وجائع بَائِع الرتق ضد الفتق الرهق فَسَاد الشَّيْء الخنزوانة التكبر الْفراش عِظَام رقاق الشجا مَا يغص بِهِ من عود وَعظم وَشبهه الوحرة الحقد الشراسيف أَطْرَاف الضلوع الدحس ورم يُصِيب الدَّابَّة فِي حافرها شبه بِهِ الانتفاخ من الْغَضَب الداس الْبَحْث عَن الْأَخْبَار والتجسس الخور الضعْف لبست بِسَبَبِهِ جلد النمر يُقَال لبس فلَان لفُلَان جلد النمر إِذا تنكر وتهيأ لحربه الشحناء العداوه السرى سير اللَّيْل ابْن أنقد بِالدَّال الْمُهْملَة الْقُنْفُذ الْعوَان الَّتِي كَانَ لَهَا زوج الْخمْرَة شدّ الْخمار على الرَّأْس الحَصان الْمَرْأَة العفيفة الْخِبْرَة الاختبار الفرعاء الْكَثِيرَة الشّعْر الْخَال الحديدة الَّتِي يفرق بهَا الشّعْر محتبس مُقَيّد معبد مذلل ملمس أَي مَا يلمس مانس أَي تَأْثِير المزع الْقطع الأثرة أَي مَا يُؤثر بِهِ الرجل دون غَيره أَي يخص مَأْمُونَة على الرتق والفتق يَعْنِي الْإِصْلَاح وَالْفساد مفتئتا يعْنى بِغَيْر اختيارهم الحمية الأنفة انتكث رشاها نقض حبلها انتضب مَاؤُهَا يُقَال نضب المَاء إِذا جف وأنضبته أَنا وانتضبته الأيد الْقُوَّة بِأَيّ تدرع من الدرْع ولهت أَي حنت تطامن انخفض الحبوة الْعَطِيَّة سربله ألبسهُ سربالها قربى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 أمس أَي ألصق الْعرق الأَصْل البازل الْجمل المسن الهبع الصَّغِير من أَوْلَاد الْإِبِل وَهُوَ الَّذِي يُولد فِي آخر زمن النِّتَاج فَإِن ولد فِي أَوله فَهُوَ ربع تهدر بِهِ شقشقتك يُقَال هدر الْبَعِير إِذا صَاح والشقشقة مَا يخرج من حلقه عِنْد هديره الصاغية الْقَرَابَة المناضلة المراماة بِالسِّهَامِ حدبت أَي أنفت وَقيل خضعت وَهُوَ لَا معنى لَهُ هُنَا وَالصَّوَاب الأول الْفظ اطرَح السخيمة الْعَدَاوَة النفاث مَا ينفث بِهِ يمض إهابك أَي يشق جِلْدك ويفري قادمتك أَي يقطع والقادمة ريش مقدم الْجنَاح جمعهَا قوادم استبرأتها أَي تَخَيَّلت مِنْهَا التزمل الالتفاف أتوجى أتعارج حلت معلوطة أَي نزلت والمعلوطة النَّاقة وسم عُنُقهَا بالنَّار وَاسم تِلْكَ السمة العلاط مخروطة أَي دقيقة الْمُؤخر وَهُوَ مَكْرُوه فِي الْإِبِل وَيُقَال للناقة إِذا زجرت حل حل يُقَال حلحلت بِالْإِبِلِ إِذا قلت لَهَا حل حل فَإِذا لم تزدجر يُقَال حل لَا حليت أَي لَا ظَفرت وَلَا فزت فهيسى هيسى يضْرب مثلا لمن وَقع فِي داهية وَأمر عَظِيم يحْتَاج إِلَى الانزعاج وَترك الإخلاد إِلَى الرَّاحَة وَفِي الْقَامُوس هيسى هيسى على الْكسر يضْرب للتمكن من الْأَمر والإغراء بِهِ انْتهى والهيس السّير الشَّديد وأصل هَذَا الْمثل أَن طمسا أوقعت بجديس وأبادتها بِسَبَب قصَّة أمرهَا يطول جرت بَينهمَا فَقَالَ فِي ذَلِك بعض الرِّجَال هَذَا الْمثل الَّذِي ضرب عليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي هَذِه الرسَالَة لعَا هَذِه كلمة تقال عِنْد الْعَرَب للعاثر إِذا عثر دُعَاء لَهُ مَعْنَاهَا انْتَعش وقم على غره يُقَال طويت الثَّوْب على غره بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء الْمُهْملَة وَالْهَاء أَي على طيه الأول يضْرب مثلا لِلْأَمْرِ الَّذِي لم يُغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مخطي قدمي حَيْثُ تخطو قدمي أزمت على فاسي فاس اللجام مَا يدْخل مِنْهُ فِي فَم الْفرس يُقَال أزم الْفرس على فاس اللجام إِذا عض عَلَيْهِ اسْتِعَارَة للسكوت الأدالة هِيَ انقلاب الْأُمُور الغرب الْحَد اللحاء القشر الرشاء الْحَبل أورينا من أورى الزند إِذا ظهر مِنْهُ النَّار الماتح فِي قَوْله وَإِن متحنا الَّذِي يخرج الدَّلْو وَمن أمثالهم أعرف من الماتح باست المائح مَقْصُور مقروح الجوى دَاء يعترى فِي الْجوف العصام حَبل الْقرْبَة يضْرب بِهِ مثلا المؤازرة المعاونة تداعت أَي دَعَا بَعْضهَا بَعْضًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 الْعَهْد هُنَا الْقرَان الهمهمة كَلَام لَا يُصَرح بِهِ الأنشوطة الْعقْدَة الَّتِي تجبذ بطرفها فتنحل الليطة قشر الْبَيْضَة الغيابة مَا أظل الْإِنْسَان فَوق رَأسه كالسحابة أَو الغبرة محلقة أَي مستديرة استأصلها انتزعها من أَصْلهَا الشأفة قرحَة تخرج فِي الْقدَم فتكوى يضْرب بهَا مثلا الجرثومة بِضَم الْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة الأَصْل وجرثومة كل شَيْء أَصله والجرثومة مَا يجْتَمع فِي أصل الشّجر هوَّر لَيْلهَا أَصله من هور الرجل الْبُنيان إِذا هَدمه فيريد أذهب لَيْلهَا النكث النَّقْض حولا أَي تحولاً احتضن أَي تأبط والحضن الْإِبِط الشقاق الْخلاف ناقع الْقلب أَي يرتوي مبرود الغليل الغليل حرقة الْعَطش الفسيح الْوَاسِع اللبان الصَّدْر الأزر الْقُوَّة الْوزر الثّقل وَأَرَادَ هُنَا الْإِثْم الإصر الثّقل شدهت أَي تحيرت الْكَاهِل أَعلَى الْمَنْكِبَيْنِ انْتَهَت الرسَالَة وَقد نقلتها من كتاب المسامرة للشَّيْخ الْأَكْبَر الْعَارِف بربه سَيِّدي محيي الدّين بن عَرَبِيّ وَقد بالغت فِي تصحيحها وضبطها وبذلت فِي ذَلِك وسعي وجهدي وقابلتها بنسخة أُخْرَى فَصحت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَللَّه الْحَمد والْمنَّة قلت هَذِه الرسَالَة وَإِن أوردهَا الإِمَام الْمَذْكُور فِي كِتَابه الْمَزْبُور فعندي فِي صِحَة اتصالها لمن رويت عَنهُ وَهُوَ أَبُو النفاخ مولى أبي عُبَيْدَة عَن أبي عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ وَهم بِلَا شكّ إِذْ فِيهَا أَلْفَاظ نسبت إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ تحيل الْعَادة نطقه بهَا فِي حق مثل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا خُصُوصا قَوْله مَا هَذِه الخنزوانة الَّتِي فِي فرَاش رَأسك وَمَا هَذَا الشجا وَمَا هَذِه الوحرة وَمَا هَذَا الدحس والدلس وَمَا هَذَا الَّذِي لبست وَقَوله يمض إهابك ويفري قادمتك وَقَوله تقرع السن من نَدم وتشرب المَاء ممزوجاً بِدَم إِلَى غير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الفاضحة والكلمات الْجَارِحَة فحمى الله تَعَالَى عمر أَن يَقُول مثل هَذِه الْأَلْفَاظ فِي حق مثل عليّ الَّذِي يَقُول هُوَ فِيهِ لَوْلَا عَليّ لهلك عمر إِذْ مثل هَذِه الْأَلْفَاظ مَا صدرت من بَعضهم لبَعض فِي زمن الْجَاهِلِيَّة الجهلاء فَكيف بعد الْإِسْلَام وامتلاء قُلُوبهم وأسماعهم بأنوار النُّبُوَّة وأخبار السَّمَاء وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا من قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حلت معلوطة ... إِلَى آخر مَا رَوَاهُ عَن عَليّ مِمَّا يشْعر بل يُصَرح بِعَدَمِ رِضَاهُ بالبيعة لأبي بكر وسكوته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 وتمثيله بقوله أزمت على فاسي وَالتَّصْرِيح بِأَن التظاهر وَاقع عَلَيْهِ أَنه إِنَّمَا ترك شِفَاء غيظه لسابق قَول وسالف عهد يَعْنِي من النَّبِي بِالْوَصِيَّةِ لَهُ بترك الْقِتَال كَمَا تدعيه الروافض وَقَوله وَإِنِّي عَادل إِلَى جماعتكم ومبايع لصاحبكم وصابر على مَا سَاءَنِي وسركم وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الَّتِي نسبت إِلَيْهِ مِمَّا تدل تعريضاً وَتَصْرِيحًا على عدم رِضَاهُ بالبيعة لأبي بكر وَأَنه مقهور عَلَيْهَا مضطهد فِيهَا معدول عَنهُ بهَا مخذول فِي أمرهَا كَمَا هُوَ عقدَة عقيدة الروافض فَإِنَّهُم اعتقدوا ذَلِك وَلم يفطنوا لما يلْزم على ذَلِك من نِسْبَة القبائح والرذائل إِلَى الإِمَام الْمَعْصُوم فِي زعمهم الَّتِي لَا تُضَاف إِلَى من لَهُ أدنى شهامة وَلَا يرضى بهَا كريم وَلَا ذُو كَرَامَة من اتصافه بالجبن والذلة مَعَ اتصافه بضدهما عِنْد كل أهل مِلَّة بل وَجَمِيع بني هَاشم وَمن يليهم من جملَة الْمُهَاجِرين وَمن السُّكُوت عَن الْحق وَالْإِقْرَار على الظُّلم والعق وَمن تواطؤ الصَّحَابَة جَمِيعهم على الحيف وَالظُّلم والجهالة الْمَنْفِيّ ذَلِك عَنْهُم بِشَهَادَة لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضلاله فَلَا تغتر بِمَا حوته هَذِه الرسَالَة المجهولة رجال الْإِسْنَاد فتعدل إِلَيْهَا عَمَّا تقدم مِمَّا روته أَئِمَّة الحَدِيث الخبراء النقاد وَكَانَ الصَّوَاب أَلا تثبت فِي إصدار وَلَا إِيرَاد وَلَكِن جرى قلم التَّقْدِير بِمَا أَرَادَ وَقد اطَّلَعت على قصيدة فِي تَفْصِيل مَا يلْزم من قَالَ بِعَدَمِ أَهْلِيَّة أبي بكر للخلافة وَأَن عليا منع عَنْهَا قهرا فَسكت عَجزا وبابع قسراً وَهِي للعلامة الفهامة الشَّيْخ عبد الْحَيّ الشَّامي نظمها فِي ذيل كتاب صنفه الإِمَام عبد الله بن أسعد اليافعي نفع الله بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنى فاستكتب الشَّيْخ الْمَذْكُور الْكتاب الْمَذْكُور رجل من السَّادة الْأَشْرَاف فَكتب لَهُ وَكتب هَذِه القصيدة فِي ذيله من نظمه وَهِي // (من الرجز) // (محاسنٌ لنَشْرها أَشّمٌّ ... إلاَّ طَيِّها طَوْدُ العُلَى الأشمُّ) (معارجٌ ليسَ إِلَى سَنَامِهَا ... إِلَّا قَوى العزمَاتِ يَسمُو) (أُقْعِدّ عَنْهَا قصراً أمثالُنَا ... ونَالَهَا حَرُّ الأديمِ شَهْمُ) (صَاحبَهُ التوفيقُ فِي سُلُوكِهِ ... فهَمُّهُ الأهمُّ فَالأهمُّ) (ونحنُ لَا هَذَا وَلَا تِلْكَ وَلَا ... لنا بِمَا تَحْتَ النقابِ عِلْمُ) (كأنْما المقصودُ مِنْ وجودنا ... نفسٌ تطاعُ وَهوى يؤمُّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 (نَقْرَأ آثارَ الألى بهم عَلاَ ... عنِ الحضيضِ فِي الحظوظِ عَزْمُ) (فنتمنَّى أَن نفوزَ فوزَهُمْ ... بأنفسٍ بالفوزِ لَا تهمُّ) (تلكَ الأمانِي المصْدرات أَهْلها ... بالغُرْم مِنْ حيثُ يرجَّى الغُنْمُ) (سبحانَكَ اللهُمَّ يَا أولى بِنَا ... هَبْنَا لكَ اللهُمَّ يعْفُو الْجُرمُ) (لَا حولَ إِلَّا بكَ أَي مَهْرَبٍ ... للعبْدِ عَن حكمٍ قَضَاهُ خَتْمُ) (رُحْمَاكَ يَا ذَا الطولِ نرجو أبدَاً ... فِي كُلِّ مَا يخصُّ أَو يعمُّ) (فَلَا تَكلنَا للقوَى واسلُكْ بِنَا ... مَسْلَكَ قومٍ لرضاكَ أَمُّوا) (ألقومُ خيرُ القومِ لَا يشقى بهمْ ... جليسُهُمْ وَلَا يهيه هَمُّ) (ألسادةُ الطهرُ مصابيحُ الدجَى ... بلِ الهدَى والجَهْل مُدْلهمُّ) (ألتائبونَ العابدونَ الحامِدُون ... الراكعونَ الساجدُونَ الرحْمُ) (ألعارفونَ بالإلَهِ الغارفونَ ... من عطاهُ الخائفونُ الكتْمُ) (هُمُ الغياثُ للعبادِ وبهمْ ... تحيا البلادُ ويزولُ الغَمُّ) (وهم محلُّ نظرِ الْإِلَه مِنْ ... عبادِهِ هم الرُّقى والسّمُّ) (طوبَى لِمَنْ صفَتْ لَهُ قلوبُهُمْ ... وويْحَ مَنْ لَهُ بسوءٍ هَمُّوا) (إِذْ هُمْ على بينةٍ مِنْ ربِّهِمْ ... وَمَنْ عداهُمْ هَمجٌ وبَهْمُ) (سارَتْ بهم نجائبُ القصْدِ على ... منهجِ صدقٍ مَا نحاه فدْمُ) (فمنهمُ أهْلُ القبابِ والألَى ... خاضو العبابَ حيْثُ ضَلِّ الفهْمُ) (ومنهمُ الأفرادُ لم يعرِّجُوا ... على سوى التفريدِ مذ أَلَمُّوا) (ومنهُمُ أهُل الخفاءِ والفنا ... ومنهُمُ مَنْ بالظهورِ يَنْمُو) (وَمِنْهُمُ أهلُ السطا مُظَاهرا ... جلالَ عدلٍ يَقْتَضِيهِ الحكمُ) (ومنهمُ مظاهرُ الرحمةِ والجمالِ ... فضلا عَمَّ فِيهِ الحلْمُ) (كُلاًّ نمدُّ هَؤُلَاءِ وهَؤُلاَءِ ... مِنْ عطاهُ وعطاهُ الجَمُّ) (وكَلُّهُمْ على افتراقِ حالِهِمْ ... يجمعُهُمْ مِنَ التصوُّفِ اسْمُ) (فليتَ شعري مَا الَّذِي ينكرُهُ ... مِنْ أمرِهِمْ قومٌ عَمُوا وصَمُّوا) (أينكرونَ رفْضَهُمْ لذاتِهِمْ ... فِي اللهِ حَتَّى مَا بهَا مُلِمُّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 (أم قَطْعَهُمْ مألوفَهُمْ أم زهدهُمْ ... فِي الجاهِ والرتبةِ مهما تَسمو) (أم دَفْنَهُم وجودَهُم فِي تربةِ الخُمُولِ ... عافٍ اسمُهُمْ والرسْمُ) (أم صَبْرهم على الأَذى أم صفْحُهُمْ ... مَعَ اقتدارٍ إنْ رُمُوا أَن يُصْمُوا) (أم كونَهُمْ مذ بايَعُوا اللهَ على ... نفوسِهِمْ بشأنها مَا اهتَمُّوا) (قد استوَى عندهُم فِي جَنْبِ مَرْضاة ... الإلهِ مَدْحُهُمْ والذَمُّ) (تراهُمُ كالأرضِ يُلْقَى فَوْقهَا الْقُبْحُ ... فيبدى الحسنَ مِنْهَا الكتْمُ) (مآثرٌ حباهُم الله بهَا ... مِنْ دونِ عليا مستماها النجْمُ) (مَاذَا عسَى يُحْصى المديح مِنْ ثَنَا ... قوْمٍ لَهُم فِي الذكْرِ ذكْرٌ ضَخْمُ) (أَعَزَّهُمْ ذُو العِزِّ أَن يعرفَهُمْ ... مَنْ لَا لَهُ مِنَ اليقينِ سَهْمُ) (فهُمْ خبايا فِي زَوَايَا غَيْرَةِ اللهِ ... وفِي طرزِ الوجودِ رَقْمُ) (حياهُمُ الله وَأَحْيَانا بِهِمْ ... لَعَلَّنَا إليهمُ نُضَمَّ) (وقَدِّسِ اللهُمَّ رُوحَ ... اليافعيِّ إِنَّه بمثلِهِ يُؤْتَمُّ) (جزاه مَوْلَانَا الرِّضَا فَإِنَّهُ ... مُصَنِّف بَحر حجى خِضَمُّ) (قد قامَ بِاللَّه وقالَ الْحق فِي ... تأليفِهِ والحقُّ لَا يغمُّ) (فَهُوَ كتابٌ قد حوَى مباحثَاً ... يُلْقَمُ أحجاراً لَدَيْهَا الخصْمُ) (وَمن يكُنْ قِيَامه لله لَا ... لنفْسِهِ فَدَسْتُهُ الأتمُّ) (حبرته برسْمِ مولى أصلُهُ ... أزكَى الأصولِ فَهُوَ عَنهُ يَسْمُو) (فَرْعُ الذينَ هُمْ أَئِمَّة الورَى ... وهُمْ معاقلُ الهُدّى والعصْمُ) (بيتُ النبيِّ وَالَّذين حُبُّهُمْ ... دِينِي وإيماني بِهِ يتمُّ) (كُلُّ كمالٍ فِي الورَى فَإِنَّمَا ... هم روحُهُ والعالمونَ جِسْمُ) (تَوارَثُوا ملكَ المعالِي خلفا ... عنْ سلفٍ كل أَتَاهُ قسمُ) (مَا نَالَ مِنْ قربِ الإلهِ نائلٌ ... إِلَّا بهمْ وَمَا مقالِي زَعْمُ) (مدينةُ العلْمِ عليٌّ بابُهَا ... نَص بِهِ لَدَى الجدالِ حسْمُ) (يَأَهْلَ بيتٍ لاَ يضامُ جارُهُمْ ... إِنِّي بكُمْ يَا قومُ مستذمُّ) (وليسَ إِلَّا أنْتُمُ وَسِيلَتِي ... يَوْمَ عَنِ الرضيعِ تسلو الأُمُّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 (أنتُمْ لخيرِ عدةٍ وعدة ... إِذا نبا السيفُ وطاش السهْمُ) (أعظِمْ بكُمْ غوثاً إِذا عظيمةٌ ... توهن الجِلْد لَهَا والعظْمُ) (أنتمْ ضياءُ الكونِ كلَّ زمنٍ ... تنيرُهُ مِنْكُم بُدُور تِمٌّ) (كيفَ وشمسُ الفلواتِ جدكمْ ... لكُمْ تسامى عربها والعُجْمُ) (لَا وَالَّذِي أَعلَى بِهِ أقدارَكُمْ ... لأنتُمُ الأعلَوْنَ حَقًا فاسموا) (هَذَا هُوَ الْفَخر الَّذِي لَا يُدَّعَى ... حسْبُ الدَّعِيِّ خزيُهُ والإثْمُ) (وَمَا جرَى مِنَ العظائِمِ الَّتِي ... من كَيِّهَا على القلوبِ وسْمُ) (تلكَ بأمْرِ اللهِ وَالله لَهُ ... مشيئةٌ فِي خلقِهِ وحُكْمُ) (مَا كانَ فِي أمِّ الكتابِ مبرمَاً ... فمستحيلٌ حَلُّهُ والبرمُ) (ومَنْ بِهَذَا الفضْلِ أولَى منكُمُ ... والأمثلُونَ لِلأشدِّ سمُّوا) (على لسانٍ صادقٍ مُنَبأ ... بالغيْبِ وحيَا لَيْسَ فِيهِ رَجْمُ) (هَذَا على أَنِّي كنْتُ لم أطِق ... سماعَ مجْرى الطّفِّ أَو أصمُّ) (كأنَّ وقْعَ ذكرِهِ فِي مسمعِي ... وقْعُ الحسامِ بالحشا يحمُّ) (حتَّى أريتُ مَا بِهِ من حُكْمٍ ... عَن رُتَبٍ لأَهْلهَا تتمُّ) (سَعَادَة قَعْسَاء دُونَ بَعْضهَا ... يَهُونُ كُلُّ كارثٍ يهمُّ) (نالَ بهَا حَهْدَ الشقاءِ أهلُهُ ... وفَازَ بالزلفَى ذووها العظْمُ) (وَهَذِه الدُّنْيَا أَقَلُّ خطراً ... مِنْ أَن تكونَ للحَبِيبِ قسْمُ) (وأنتمُ الأحبابُ والحبُّ وَمَا ... للفضْلِ غَيْرِ بيتكُمْ ملمُّ) (بحبِّكُمْ قُدِّمَ من قدَّمه الله ... على الأمَّةِ فَهُوَ القدْمُ) (برغْمِ أنفِ رافضيٍّ مُفْرِطٍ ... مفرِّطٍ فِيمَا عَلَيْهِ الجّمُّ) (عجبْتُ من عصبَة إفْكٍ أبغضوا ... حبيبَ مَنْ إِلَى هَوَاهُ انضمُّوا) (وهْو أحبُّ صاحبٍ إِلَى الإمامِ ... حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ العِلْمُ) (قد نسبوا إِلَى عليٍّ نِسْبَة ... يجلُّ عَنْهَا قدرُهُ وَيْسمُو) (إِذْ يزعمونَ غَصْبَ قومٍ حقَّهُ ... وهْوَ كَمَا علمْتُ ذَاك القرْمُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 (فأيُّ وجهٍ لسكوتِ مثلِهِ ... عَنْ مِثْلِها إِن صَحَّ هَذَا الزعْمُ) (كيفَ نقُول يَا غلاة الأمْر فِي ... قَضيَّةٍ مَا جَاءَ فِيهَا حُكْمُ) (أجاهلاً كانَ عليٌّ أَن مَا ... قَدْ تَمَّ بَغْيٌ ولديْكُمْ علْمُ) (حاشا جنابَ بَاب حصْنِ العلمِ أنْ ... يجهَلَ أمرا ضرُّهُ أَعَمُّ) (أَو قيلَ أغضَى عَالما يلزمَكُمْ ... إقرارُهُ الظالمُ وَهُوَ ظُلْمُ) (وَهَذِه أدهَى من الألى استَحوا ... مِنَ الإمامِ ويْحَكُمْ وزمُّوا) (أعاجزاً كَانَ عنِ الدفاعِ أَمْ ... خافَ المماتَ وَهُوَ ذاكَ الشهْمُ) (رأتْ بَنو هاشِمَ حَقًا دونه ... حيلَ وعَنْ صاحِبِهِمْ لم يَحْمُوا) (جُبْنٌ بهم أم بالسيوفِ فللٌ ... أم بالرقَى قد حُلَّ مِنْهُم عَزْمُ) (أم أجْمَعَ الكلُّ على الباطِلِ مِنْ ... أَجْلِ أبي بَكْرٍ لبئسَ الزعْمُ) (أهكذا مَنْ حَبَّ قومَاً ينتحِي ... تنقيصَهُمْ أينَ الذكا والفهْمُ) (كَيفَ يقالُ فِي الصحابةِ الكِرام ... إنهُمْ بغَيْرِ حقٍّ هَمُّوا) (وهُمْ أجَلُّ رُتْبَة مِمَّا إِلَى ... جنابِهِمْ فِي ضمْنِ ذَا ينضمُّ) (حاشا قلوباً أرضعَتْ ثدْي الهُدَى ... فِي مهْدِ قربِ الوحْيِ مِمَّا نمُّوا) (لَو علمُوا حَقِّيَةَ الأمْرِ لَمَا ... خِيفَ لديهمْ فِي الْإِلَه خَصْمُ) (بل عصبَةُ الجهلِ بحمْقِ رأيِهمْ ... قد حاولوا أَن يَمْدَحُوا فذمُّوا) (عزَوْا إِلى الكاملِ فِي مِدْحتِهِمْ ... نقائصاً سماعُها يُصِمُّ) (نبرأ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ جملَة ... إِلَى الَّذِي إلَيْه فِيهِ الحُكْمُ) (ونرتجي مِنْهُ هِدَايَةً إِلى ... مناهِجِ الحقِّ لَهَا نَؤُمُّ) (وبالرسولِ والذينَ مَعَهُ ... لقدْ تشفَّعْنَا لما يهمُّ) (أوفِرْ لنا اللهُمَّ من حُبهِمُ ... حظَّا بهمْ لِشَمْلنَا يَلُمُّ) (واجعلْ لنا هَذَا الكتابَ حُجَّةً ... ومشرعاً لَهُ رضَاكَ خَتْمُ) (وارحَمْ بِهِ مؤلفاً وكاتبَاً ... وقارئاً وسامعَاً يأتمُّ) (واجْزِ الجزاءَ الأوفر الأوفَى لِمَنْ ... بكتبه استَخْدَمَنَا لتَسْمُو) (السَّيِّد ابْن السَّيِّد ابْن سيدٍ ... عقْد فخارٍ لم يشنهُ فَصْمُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 (عبد الْكَرِيم ابْن الكَرِيم صِنوه ... فَخُلُقٌ ومَحْتِدٌ وإسْمُ) (بِجَدِّهِ وجِدِّهِ وجُودِهِ ... لُذْ واعتصِمْ واغْنَ عَدَاكَ العُدْمُ) (خدمْتُ علياه بِهِ ممتثلاً ... لأمْرِهِ وهْوَ عليَّ حَتْمُ) (أعملْتُ أقلامي بِهِ قامَتْ على ... أُمِّ الرءوسِ طاعَة تَؤُمُّ) (لَا بِدْعَ أَن طابَتْ فَمن تاريخِهِ ... محاسنٌ لنَشْرِها أَشَمُّ) (مَعَ اعترافِي بالقصُورِ راجياً ... مِنْهُ الَّذِي عَوَّدِنيهِ الحلْمُ) (حسْبُ الطروسِ مفخراً أَن نالها ... بسَعْيها فِي راحَتَيْكُمْ لَثْمُ) (أَو قصر المَدْح فَفِي تاريخِهِ ... محامدٌ لُحسْنِهِ تَتِمُّ) وَالْحَاصِل أَنه وَردت الْأَحَادِيث فِي شَأْن خلَافَة أبي بكر الصّديق وَهِي الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة عشر الْآتِيَة الْمُسْتَدلّ على حقية خِلَافَته وأحقيته بهَا الْمصدر بهَا الْأَحَادِيث الْآتِيَة فَإِنَّهَا تَنْبِيه سَابق مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتَقْرِير لَاحق من الصَّحَابَة وَشَهَادَة مِنْهُم بِصِحَّة خِلَافَته وَأَنَّهَا لم تكن إِلَّا بِحَق إِذْ بَعْضهَا مُصَرح بخلافته على التَّرْتِيب الْوَاقِع مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَارَة من فهم الصَّحَابَة خُصُوصا أَحَادِيث مرائيه فَإِنَّهَا أَحَادِيث مُتَّفق على صِحَّتهَا وَكَذَلِكَ حَدِيث الْأَمر بالاقتداء بِأبي بكر وَفهم الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم من ذَلِك التَّنْبِيه على الْخلَافَة وَحَدِيث استخلافه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما ذهب ليصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف بقباء وَحَدِيث استخلافه عَلَيْهَا أَيْضا فِي مرض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَفَاته وَهُوَ من أوضح الْأَدِلَّة وَعَلِيهِ اعْتمد عمر وَعلي وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فِي الِاسْتِدْلَال على خِلَافَته وعَلى أحقيته بهَا وَوَجهه أَنه كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد تأهب للنقلة إِلَى ربه فعين أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ للْإِمَامَة ثمَّ عورض بِعرْض غَيره عَلَيْهِ لذَلِك فَمنع مِنْهُ ثمَّ لما تقدم غَيره كره ذَلِك وَصرح بِالْمَنْعِ ثمَّ أكده بكرار الْمَنْع فَقَالَ لَا لَا لَا ثمَّ أرْدف ذَلِك بِمَا فِيهِ تَعْرِيض بالخلافة بل تَصْرِيح بقوله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر فَذكر ذَلِك بتكرار كل ذَلِك مَعَ علمه بِأَن ذَلِك مَظَنَّة الْخلَافَة فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إمَامهمْ فِي الصَّلَاة وَالْحَاكِم عَلَيْهِم فَلَمَّا أَقَامَ أَبَا بكر ذَلِك الْمقَام مَعَ توفر هَذِه الْقَرَائِن الحالية والمقالية علم أَنه أَرَادَ ذَلِك وَفِي قَوْله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر إِشَارَة بل أفْصح عبارَة وَلَوْلَا اعْتِمَاده على تِلْكَ الْإِشَارَة المصرحة بِإِرَادَة الْخلَافَة لما أهمل أمرهَا وَأَشَارَ إِلَى أَن الْعُدُول عَن أبي بكر إِلَى غَيره من الوقائع الْعَظِيمَة فِي الدّين بقوله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَإِنَّمَا كَانَ عدم التَّصْرِيح بهَا مِنْهُ اكْتِفَاء بنصبه إِمَامًا عِنْد إِرَادَة الِانْتِقَال عَنْهُم وإحالته على فهم ذَلِك عَنهُ وَلم يُصَرح بالتنصيص عَلَيْهَا لِأَنَّهُ ممتثل لما يُوحى إِلَيْهِ لَا ينفذ شَيْئا إِلَّا بِأَمْر ربه بالتنصيص لينفذ قَضَاؤُهُ وَقدره سُبْحَانَهُ فِي ابتلاء قوم عميت أَبْصَارهم بِمَا ابْتَلَاهُم بِهِ وَلَيْسَ فضل من انْقَادَ للحق بزمام الْإِشَارَة ودله نور بصيرته عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ فَإِن من لم يعْتَقد ذَلِك بعد بُلُوغ هَذِه الْأَحَادِيث وَالْعلم بِتِلْكَ الْقَرَائِن الحالية والمقالية فَالظَّاهِر عناده ورده للحق بعد تبينه وَمِنْهَا حَدِيث الْحِوَالَة يَعْنِي الْمَرْأَة الَّتِي تَعْنِي الْمَوْت فَقَالَ ائتي أَبَا بكر وَهُوَ من أَدِلَّة الْأَدِلَّة وأوضحها وحديثها من أصح الْأَحَادِيث وَإِن صحت الزِّيَادَة على مَا رَوَاهُ مُسلم وَهِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ الْخَلِيفَة بعدِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 كَانَ ذَلِك نصا فِي الْبَاب وكحديث إِرَادَة كتب الْعَهْد وَقَوله فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن أَو يَقُول قَائِل أَنا أولى وَفِي رِوَايَة كَيْلا يطْمع فِي الْأَمر طامع أَو يتَمَنَّى متمن ثمَّ قَالَ ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَفِي رِوَايَة أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف عَلَيْهِ وَهَذَا صَرِيح فِي الْبَاب أَنه نَص على إِمَامَته بتوليه من جِهَته وَأَنه لم يكْتب بل عرف بِأَنَّهُ يكون الْخَلِيفَة بعده فَجعل الله سُبْحَانَهُ ذَلِك بِإِجْمَاع الْمُسلمين فَعلم بِمَا تقرر إِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ على حقية خلَافَة الصّديق وَأَنه أهل لَهَا وَذَلِكَ كَاف لَو لم يرد نَص عَلَيْهَا بل الْإِجْمَاع أقوى من النُّصُوص الَّتِي لم تتواتر لِأَن مفاده قَطْعِيّ ومفادها ظَنِّي وَحكى بأسانيد صَحِيحَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ من قَالَ إِن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ من أبي بكر فقد خطأ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرتقع لَهُ مَعَ هَذَا عمل إِلَى السَّمَاء وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمار بن يَاسر نَحوه كَيفَ والنصوص القرآنية والسنية ظَاهِرَة أما نُصُوص السّنة الدَّالَّة على خِلَافَته الْوَارِدَة عَنهُ فقد ذكرنَا بَعْضهَا هُنَا إِجْمَالا وَسَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي فِي شَأْن أبي بكر وَهِي الْأَرْبَعَة عشر حَدِيثا الَّتِي فِي أَولهَا الْمُسْتَدلّ بهَا عَلَيْهَا وَأما النُّصُوص القرآنية فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا مَن يَرتَدَ مِنكُم عَن دينه فسوفَ يَأتِي اللهُ بِقَوم يُحُبهُم وَيُحِبونَه} إِلَى قَوْله {واسِع عَلِيمُ} الْمَائِدَة 54 وَذَلِكَ أَنه لما ارْتَدَّت الْعَرَب بعد مَوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جاهدهم أَبُو بكر وَالصَّحَابَة حَتَّى ردهم إِلَى الْإِسْلَام كَمَا سَيَأْتِي شرح ذَلِك قريبَاً وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {قل للمخالفين مِنَ الأعرإبِ سَتدعَونَ إِلىَ قَومٍ أولي بَأسِ شَدِيدِ} إِلَى {أليمَاً} الْفَتْح 16 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جوَيْرِية أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم هم بَنو حنيفَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم وَابْن قُتَيْبَة وَغَيرهمَا هَذِه الْآيَة حجَّة على خلَافَة الصّديق لِأَنَّهُ الَّذِي دَعَا إِلَى قِتَالهمْ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ سَمِعت الإِمَام أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج يَقُول خلَافَة الصّديق فِي الْقُرْآن فِي هَذِه الْآيَة قَالَ لِأَن أهل الْعلم أَجمعُوا على أَنه لم يكن بعد نُزُولهَا قتال دعوا إِلَيْهِ إِلَّا دُعَاء أبي بكر لَهُم وَلِلنَّاسِ إِلَى قتال أهل الرِّدَّة وَمن منع الزَّكَاة قَالَ فَدلَّ ذَلِك على وجوب خلَافَة أبي بكر الصّديق وافتراض طَاعَته إِذْ أخبر الله أَن الْمُتَوَلِي عَن ذَلِك يعذبه عذابَاً أليمَاً قَالَ ابْن كثير وَمن فسر الْقَوْم بِأَنَّهُم فَارس وَالروم فالصديق هُوَ الَّذِي جهز الجيوش إِلَيْهِم وَتَمام أَمرهم كَانَ على عهد عمر وَعُثْمَان وهما فرعا الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَإِن قلت يُمكن أَن يُرَاد بالداعي فِي الْآيَة النَّبِي أَو عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت لَا يُمكن ذَلِك مَعَ قَوْله لن تتبعونا وَمن ثمَّ لم يدعوا إِلَى محاربة لأولئك فِي حَيَاته إِجْمَاعًا وَأما عَليّ فَلم يتَّفق لَهُ فِي خِلَافَته قتال لطلب الْإِسْلَام أصلا بل لطلب الْإِمَامَة ورعاية حُقُوقهَا وَأما من بعده فهم عندنَا ظلمَة وَعند غَيرنَا كفار فَتعين أَن ذَلِك الدَّاعِي الدَّاعِي الَّذِي يجب باتباعه الْأجر الْحسن الْمَوْعُود بِهِ فِي الْآيَة وبعصيانه الْعَذَاب الْأَلِيم الْمَوْعُود بِهِ فِيهَا أَيْضا أحد الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم عَلَيْهِ خلَافَة أبي بكر على كل تَقْدِير لِأَن حقية خلَافَة الْأَخيرينِ فرع عَن حقية خِلَافَته إِذْ هما فرعاها الناشئان عَنْهَا المترتبان عَلَيْهَا وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللهُ الذَينَ آمَنُوا مِنكم وَعمِلوُا الصالحاتِ ليستَخلِفَنهُم فِي الأرضِ} إِلَى قَوْله {لَا يشركِوُنَ بيِ شَيئاً} النُّور 55 قَالَ الْعَلامَة ابْن كثير هَذِه الْآيَة منطبقة على خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الحميد الْمهرِي قَالَ إِن خلَافَة أبي بكر وَعمر فِي كتاب الله بقوله تَعَالَى {وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا} النُّور 55 الْآيَة وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {للِفُقَراء الْمُهَاجِرين} إِلَى قَوْله {أُولَئِكَ هم الصادقون} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 الْحَشْر 8 وَجه الدّلَالَة تَسْمِيَة الله إيَّاهُم صَادِقين وَمن شهد لَهُ الله سُبْحَانَهُ بِالصّدقِ لَا يكذب فَعلم أَن مَا أطبقوا عَلَيْهِ من قَوْلهم لأبي بكر يَا خَليفَة رَسُول الله هم صَادِقُونَ فَحِينَئِذٍ كَانَت الْآيَة شاهدة على خِلَافَته أخرجه الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن الإِمَام أبي بكر بن عَيَّاش وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {اهدِنَا الصِّرَاط المُستَقِيم صرَاط الَّذين أنعمتَ عليهِم} الفاتحه 6، 7 قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ هَذِه الْآيَة تدل على خِلَافَته أبي بكر لِأَن تَقْدِير الْآيَة اهدنا صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم وَالله تَعَالَى بَين فِي الْآيَة الْأُخْرَى الَّذين أنعم عَلَيْهِم بقوله {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النبين وَالصدِيقِينَ وَالشُهَداء وَالصالِحينَ} النِّسَاء 69 وَلَا شكّ أَن رَأس الصديقين وَرَئِيسهمْ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَكَانَ معنى الْآيَة أَن الله أَمر أَن نطلب الْهِدَايَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَبُو بكر وَسَائِر الصديقين وَلَو كَانَ أَبُو بكر ظالمَاً لما جَازَ الِاقْتِدَاء بِهِ فَثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ دلَالَة الْآيَة على إِمَامَة أبي بكر وحقيتها وَاعْلَم أَنه لم ينص بالخلافة على أحد بِعَيْنِه عِنْد الْمَوْت وَإِنَّمَا وَردت مِنْهُ ظواهر تدل على أَنه علم بإعلام الله تَعَالَى لَهُ أَنَّهَا لأبي بكر فَأخْبر بِتِلْكَ الظَّوَاهِر وَلم يُؤمر بالتنصيص على أحد بِعَيْنِه وَقد مرت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِيمَا تقدم قَرِيبا وَلَو وَجب على الْأمة مبايعة غير أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لبالغ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي تَبْلِيغ ذَلِك الْوَاجِب إِلَيْهِم بِأَن ينص عَلَيْهِ نصا جلياً بِنَقْل شهير حَتَّى يبلغ الْأمة مَا لَزِمَهُم فَلَمَّا لم ينْقل ذَلِك مَعَ توفر الدَّوَاعِي إِلَى نَقله دلّ على أَنه لَا نَص وتوهم أَن عدم تبليغه للْأمة لعلمه بِأَنَّهُم لَا يأتمرون بأَمْره فَلَا فَائِدَة فِي التَّبْلِيغ بَاطِل فَإِن ذَلِك غير مسْقط عِنْد وجوب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلا ترى أَنه بلغ سَائِر التكاليف للآحاد الَّذين علم مِنْهُم أَنهم لَا يأتمرون فَلم يسْقط الْعلم بِعَدَمِ ائتمارهم التَّبْلِيغ عَنهُ وَاحْتِمَال أَنه بلغ أَمر الْإِمَامَة سرا للْوَاحِد والاثنين وَأَنه نقل كَذَلِك لَا يُفِيد لِأَن سَبِيل مثل هَذِه الشُّهْرَة لصيرورته بِتَعَدُّد التَّبْلِيغ وَكَثْرَة المبلغين أمرا مَشْهُورا إِذْ هُوَ من أهم الْأُمُور لما يتَعَلَّق بِهِ من مصَالح الدّين وَالدُّنْيَا مَعَ مَا فِيهِ من دفع مَا قد يتَوَهَّم فِيهِ من إثارة الْفِتْنَة وَاحْتِمَال أَنه بلغ ذَلِك مشتهراً وَلم ينْقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 أَو نقل وَلم يشْتَهر فِيمَا بعد عصره بَاطِل أَيْضا إِذْ لَو اشْتهر لَكَانَ سَبيله أَن ينْقل نقل الْفَرَائِض لتوفر الدَّاعِي على نقل مهمات الدّين فالشهرة هُنَا لَازِمَة لوُجُود النَّص فَحَيْثُ لَا شهرة وَلَا نَص بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم يَعْنِي على التَّعْيِين لوَاحِد بِعَيْنِه لَا لعَلي وَلَا لغيره فَلَزِمَ من ذَلِك بطلَان مَا تنقله الروافض وَغَيرهم من الأكاذيب يسوّدون بِهِ أوراقهم من نَحْو أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي مُخَاطبا بِهِ عليا كرم الله تَعَالَى وَجهه وَمن خبر سلمُوا على عَليّ بإمرة الْمُؤمنِينَ مِمَّا لَا وجود لَهُ فضلا عَن اشتهاره كَيفَ وَمَا نقلوه من هذَيْن الْحَدِيثين وَمَا شابههما مِمَّا يرونه حَدِيثا من قَوْله لعَلي أَنْت قَاضِي دِيني بِكَسْر الدَّال وَمَا يرونه حَدِيثا أَيْضا من قَوْله عَليّ خير الْبشر فَمن أبي فقد كفر فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كذب بَاطِلَة مَوْضُوعَة مفتراة عَلَيْهِ أَلا لعنة الله على الْكَاذِبين وَلم ينْقل أحد من أَئِمَّة الحَدِيث أَن شَيْئا من هَذِه الْأَحَادِيث بلغ مبلغ الْآحَاد المطعون فِيهَا بل كلهم مجمعون على أَنَّهَا افتراء وَكذب مَحْض وَبِنَاء مرفض من أَبنَاء رفض فَإِن زعم هَؤُلَاءِ الجهلة الكذبة على الله وَرَسُوله وعَلى أَئِمَّة الْإِسْلَام ومصابيح الظلام أَن هَذِه الْأَحَادِيث صحت عِنْدهم قُلْنَا لَهُم هَذَا محَال إِذْ كَيفَ تنفردون بِصِحَّة تِلْكَ الْأَخْبَار مَعَ أَنكُمْ لم تتصفوا قطّ بِرِوَايَة وَلَا بِصُحْبَة مُحدث ويجهل تِلْكَ الْأَحَادِيث مهرَة الحَدِيث وسُياقه الَّذين أفنوا أعمارهم فِي الرحلات والأسفار الْبَعِيدَة وبذلوا جهدهمْ فِي طلبه وَفِي السَّعْي إِلَى كل من ظنُّوا عِنْده قَلِيلا مِنْهُ حَتَّى جمعُوا الْأَحَادِيث ونقبوا عَنْهَا وَعَلمُوا صحيحها من سقيمها ودونوها فِي كتبهمْ على غَايَة من الِاسْتِيعَاب وَنِهَايَة من التَّحْرِير وَكَيف لَا وَالْأَحَادِيث الموضوعات جَاوَزت مئات الألوف وهم مَعَ ذَلِك يعْرفُونَ وَاضع كل حَدِيث مِنْهَا وَسبب وَضعه وَالْحَامِل لواضعه على الْكَذِب والافتراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 على رَسُول الله فجزاهم الله خير الْجَزَاء إِذْ لَوْلَا حسن صنعهم لاستولى المبطلون والمتمردة المفسدون على الدّين وغيروا معالمه وخلطوا الْحق بكذبهم حَتَّى لَا يتَمَيَّز عَنهُ فضلوا وأضلوا ضلالا مُبينًا لَكِن لما حفظ الله تَعَالَى على نبيه شَرِيعَته من الزيغ والتبديل وَجعلُوا من أكَابِر عُلَمَاء أمته فِي كل عصر طَائِفَة على الْحق لَا يضرهم مَن خذلهم لم يبال الدّين بهؤلاء الكذبة المبطلين الجهلة فَلذَلِك قطعت الْعَادة المطردة القطيعة بكذبهم واختلاقهم فِيمَا زعموه من نَص على عَليّ صَحَّ عِنْدهم دون غَيرهم إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق نَعُوذ بِاللَّه من مثله وَأما قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَت بيعَة أبي بكر فلتة لَكِن وقى الله شَرها فَمن عَاد إِلَى مثلهَا فَاقْتُلُوهُ فَهَذِهِ اللَّفْظَة مِمَّا تشبث بِهِ الروافض وَقَالُوا إِنَّهَا قادحة فِي حقية خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذَلِكَ من غباوتهم وجهالاتهم إِذْ لَا دلَالَة فِي ذَلِك لما زعموه لِأَن مَعْنَاهُ أَن الْإِقْدَام على مثل ذَلِك من غير مشورة الْغَيْر وَمن غير حُصُول الِاتِّفَاق عَلَيْهِ مَظَنَّة للفتنة فَلَا يقدمن أحد على مثل ذَلِك على أَنِّي أقدمت عَلَيْهِ فَسلمت على خلاف الْعَادة ببركة صِحَة النِّيَّة وَخَوف الْفِتْنَة لَو حصل توان فِي هَذَا الْأَمر لَا أَنَّهَا فلتة بِمَعْنى على غير الْحق وَالصَّوَاب فَهَذَا شَيْء عُجاب وَهَذَا أحد متعلقاتهم الَّتِي يعتمدونها وعقائدهم الَّتِي يعتقدونها وَسَيَأْتِي بَيَانهَا قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قيل مَا ذكرتموه مِمَّا أوردتموه فِي حق أبي بكر واستدللتم بِهِ على أَنه الْخَلِيفَة بعد رَسُول الله معَارض بِمَا جَاءَ فِي حق عَليّ رَضِي الله عَنهُ فقد وَردت أَحَادِيث تدل على أَنه الْخَلِيفَة بعد رَسُول الله فَمِنْهَا حَدِيث سعد بن أبي وَقاص وَابْن عَبَّاس أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي قَالَ لَهُ ذَلِك وَقد اسْتَخْلَفَهُ لما ذهب إِلَى غَزْوَة تَبُوك // (أخرجه الشَّيْخَانِ) // وَأحمد فِي مُسْنده والحافظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فِي الموافقات وَغَيرهم وَجه الدّلَالَة أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 مُوسَى اسْتخْلف هَارُون عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه فَمُقْتَضى التنظير بَينهمَا أَن يكون خَلِيفَته عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه كَمَا كَانَ هَارُون من مُوسَى وَذَلِكَ ظَاهر جلي وَمِنْهَا حَدِيث يَوْم غَدِير خُم مَن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ إِلَى آخر الحَدِيث // (أخرجه أَحْمد وَأَبُو حَاتِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَغوِيّ) // وَفِي بعض طرقه ألستم تعلمُونَ إِنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ من كنت مَوْلَاهُ فَإِن هَذَا يَعْنِي عليا مَوْلَاهُ وَجه الدّلَالَة أَن الْمولى فِي اللُّغَة الْعَتِيق وَالْمُعتق وَابْن الْعم والعصبة وَمِنْه {خفت الْمولى من وراءى} مَرْيَم 5 وَسموا بذلك لأَنهم يلونه فِي النّسَب من الْوَلِيّ وَهُوَ الْقرب ويطاق على الحليف وَالْجَار والناصر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِأَن الله مولى الَّذين ءامنوا وَأَن الْكَافرين لَا مولى لَهُم} مُحَمَّد 11 وَفِي قَول ابْن عَرَفَة وَالْوَلِيّ وَمِنْه الْآيَة قَالَ بَعضهم أَي وليهم والقائم بأمرهم وَأما الْكَافِر فقد خذله وعاداه وَمِنْه أَيْضا قَوْله أَي امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا فنكاحها بَاطِل فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أوجه لَا يَصح الْحمل على شَيْء من الْأَرْبَعَة الأول مِنْهَا إِذْ لَا معنى لَهُ فِي الحَدِيث وَكَذَا لَا يَصح على الْمَعْنى الْخَامِس إِلَّا على وَجه بعيد فَإِنَّهُ يُرَاد بالحليف النَّاصِر والمتبادر إِلَى الذِّهْن خِلَافه إِذْ الحليف من وجدت مِنْهُ صُورَة المحالفة حَقِيقَة وَالْمجَاز خلاف الظَّاهِر وَكَذَا لَا يَصح الْحمل على الْمَعْنى السَّادِس وَهُوَ الْجَار إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ المجير بِمَعْنى النَّاصِر وَمِنْه وَإِنِّي جَار لكم أَي مجير فَرجع إِلَى معنى النَّاصِر فَتعين أحد الْمَعْنيين النَّاصِر وَالْمولى بِمَعْنى الْمُتَوَلِي وأيا مَا كَانَ أَفَادَ الْمَقْصُود إِذْ مَعْنَاهُ من كنت مُتَوَلِّي أمره والناظر فِي مصْلحَته وَالْحَاكِم عَلَيْهِ فعلي فِي حَقه كَذَلِك ويقابل هَذَا الْمَعْنى بقوله ألستم تعلمُونَ إِنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وَمَا ذَاك إِلَّا لما ذَكرْنَاهُ من النّظر فِيمَا يصلحهم وَفِي الْأَحْكَام عَلَيْهِم أَو يكون مَعْنَاهُ من كنت ناصره ومنصفه مِمَّن ظلمه والآخذ لَهُ بِحقِّهِ وبثأره فعلي من حَقه كَذَلِك وَقد تعذر وَصفه بذلك فِي حَيَاة النَّبِي فَتعين أَن يكون المُرَاد بِهِ بعد وَفَاته وَمِنْهَا وَهُوَ أقواها سنداً ومتناً حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي // (أخرجه أَحْمد) // وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم وَحَدِيث بُرَيْدَة لاتقع فِي عَليّ فَإِنَّهُ مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي أخرجه أَحْمد وَحَدِيثه الآخر من كنت وليه فعلي وليُّه وَجه الدّلَالَة أَن الْوَلِيّ فِي اللُّغَة الْمولى قَالَه الْفراء وَالْمُتوَلِّيّ وَمِنْه {أنَتَ ولي فيِ آلدُنيَا وَالآخِرةَ} يُوسُف 101 أَي متولى أمرى فيهمَا وضد الْعَدو يعبي الْمُحب والناصر وَلَا يتَّجه حمله على الْمُحب وَلَا على الْمُتَوَلِي إِذْ لَا يكون لتقييده بالبعدية معنى فِي الْحَدِيثين الْأَوَّلين فَإِنَّهُ رَضِي الله عَنهُ تَعَالَى كَانَ محباً مُتَوَلِّيًا للْمُؤْمِنين حَيَاة الْمُصْطَفى وَبعد وَفَاته والْحَدِيث الثَّالِث مَحْمُول على الْأَوَّلين فِي إِرَادَة البعدية حملا للمطلق على الْمُقَيد فَتعين أحد الْمعَانِي الثَّلَاثَة وأيا مَا كَانَ أَفَادَ الْمَقْصُود أما بِمَعْنى النَّاصِر فقد تقدم تَوْجِيهه فِي الحَدِيث قبله وَأما معنى الأول فَإِن حمل الْمولى على معنى الْمُحب فَلَا تصح إِرَادَته بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فَظَاهر فِي الْمَقْصُود بل صَرِيح وَالله أعلم قُلْنَا الْجَواب من وَجْهَيْن أما الأول فَإِن الْأَحَادِيث الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مُتَّفق على صِحَّتهَا وَهَذِه الْأَحَادِيث غايتها أَن تكون حَسَنَة وَإِن صَحَّ مِنْهَا شَيْء عِنْد بَعضهم فَلَا يصلح معارضَاً لما اتّفق عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وَمن عَجِيب أَمر هَؤُلَاءِ الجهلة أَنا إِذا استدللنا عَلَيْهِم بالأحاديث الصَّحِيحَة الدَّالَّة صريحَاً على خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَخَبَر اقتدوا باللذين من بعدِي وَغَيره من الْأَخْبَار الناصة على خِلَافَته قَالُوا هَذَا خبر وَاحِد وَلَا يُغني فِيمَا يطْلب فِيهِ الْيَقِين وَإِذا أَرَادوا أَن يستدلوا على مَا زعموه من النَّص على خلَافَة عَليّ أَتَوا بأخبار لَا تدل على زعمهم كَخَبَر من كنت مَوْلَاهُ وَخبر أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى مَعَ أَنَّهَا آحَاد وَإِمَّا بأخبار بَاطِلَة كَاذِبَة متيقنة الْبطلَان وَاضِحَة الْوَضع والبهتان لَا تصل إِلَى دَرَجَة الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي هِيَ أدنى مَرَاتِب الْآحَاد كَخَبَر أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي وَمَا بعده مِمَّا تقدم ذكره آنِفا فَتَأمل هَذَا التَّنَاقُض الصَّرِيح وَالْجهل الْقَبِيح لكِنهمْ لفرط جهلهم وعنادهم وميلهم عَن الْحق يَزْعمُونَ التَّوَاتُر فِيمَا يُوَافق مَذْهَبهم الْفَاسِد وَإِن أجمع أهل الحَدِيث والأثر على أَنه كذب مَوْضُوع مختلق ويزعمون فِيمَا يُخَالف مَذْهَبهم أَنه آحَاد بل وباطل وَإِن اتّفق أُولَئِكَ على صِحَّته وتواتر رِوَايَته تحكماً مِنْهُم وعناداً أَو زيغاً عَن الْحق فقوتلوا وَبِكُل شَرّ قوبلوا الْوَجْه الثَّانِي من وَجْهي الْجَواب تَسْلِيم صِحَّتهَا مَعَ بَيَان أَن لَا دَلِيل لَهُم فِيهَا أما قَوْله فِي الحَدِيث الأول إِن مُوسَى اسْتخْلف هَارُون عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه إِلَى آخر مَا قيل قُلْنَا الْجَواب من وَجْهَيْن الأول نقُول هَذَا عدُول عَمَّا نطق بِهِ لِسَان الْحَال والمقال فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لعلى تِلْكَ الْمقَالة حِين اسْتَخْلَفَهُ لما توجه إِلَى غَزْوَة تَبُوك وَذَلِكَ اسْتِخْلَاف حَال الْحَيَاة فَلَمَّا رأى تألمه بِسَبَب التَّخَلُّف إِمَّا أسفا مِنْهُ على الْجِهَاد أَو بِسَبَب مَا عرض لَهُ من أَذَى الْمُنَافِقين على مَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَرِيبا قَالَ لَهُ تِلْكَ الْمقَالة إِيذَانًا لَهُ بعلو مكانته مِنْهُ إِلَى إِقَامَته مقَام نَفسه فالتنظير بَينه وَبَين هَارُون إِنَّمَا كَانَ من اسْتِخْلَاف مُوسَى لَهُ مُنْضَمًّا إِلَى الْأُخوة وَشد الأزر والعضدية وَكَانَ ذَلِك كُله حَال الْحَيَاة مَعَ قيام مُوسَى فِيمَا اسْتَخْلَفَهُ بعد يشْهد بذلك صُورَة الْحَال فَلْيَكُن الحكم فِي عَليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 كَذَلِك مُنْضَمًّا إِلَى مَا ثَبت لَهُ من أخوة النَّبِي وَشد أزره وعضده بِهِ غير أَنه لَا يُشَارِكهُ فِي النُّبُوَّة كَمَا شَارك هَارُون مُوسَى فَلذَلِك قَالَ إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أَو بعد بعثتي على سَبِيل التنظير وَلَا إِشْعَار فِي ذَلِك بِمَا بعد الْوَفَاة لَا بِنَفْي وَلَا بِإِثْبَات بل نقُول وَلَو حمل على مَا بعد الْوَفَاة لم يَصح تَنْزِيل عَليّ من النَّبِي منزلَة هَارُون من مُوسَى لانْتِفَاء ذَلِك فِي هَارُون فَإِنَّهُ لم يكن الْخَلِيفَة بعد مُوسَى هَارُون وَإِنَّمَا كَانَ الْخَلِيفَة بعده يُوشَع بن نون وَأما هَارُون فقد مَاتَ فِي حَيَاة مُوسَى فَعلم قطعا أَن المُرَاد بِهِ الِاسْتِخْلَاف حَال الْحَيَاة لمَكَان التشابه وَلَا يوحد إِلَّا فِي حَال الْحَيَاة لَا يُقَال عدم اسْتِخْلَاف مُوسَى هَارُون بعد وَفَاته إِنَّمَا كَانَ لفقد هَارُون حِينَئِذٍ وَلَو كَانَ هَارُون حَيا لاستخلفه وَلم يسْتَخْلف غَيره بِخِلَاف عَليّ مَعَ النَّبِي وَإِنَّمَا يتم دليلكم أَن لَو كَانَ هَارُون حَيا بعد وَفَاته واستخلف غَيره لأَنا نقُول الْكَلَام مَعكُمْ فِي تَبْيِين أَن المُرَاد بِهَذَا القَوْل الِاسْتِخْلَاف فِي حَال الْحَيَاة لمَكَان التَّنْزِيل منزلَة هَارُون من مُوسَى ومنزلة هَارُون من مُوسَى فِي الِاسْتِخْلَاف لم تتَحَقَّق إِلَّا فِي حَال الْحَيَاة فَثَبت أَن المُرَاد بِهِ مَا تحقق لَا أَمر آخر وَرَاء ذَلِك وَإِنَّمَا يتم متعلقكم مِنْهُ أَن لَو حصل اسْتِخْلَاف هَارُون بعد وَفَاة مُوسَى ثمَّ نقُول هَب أَن المُرَاد الِاسْتِخْلَاف عِنْد الذّهاب إِلَى الرب فَلم قُلْتُمْ إِن ذَلِك بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يكون ذَلِك كَذَلِك أَن لَو لم يكن إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَمْنُوع إِذْ الذّهاب المُرَاد إِلَى الرب سُبْحَانَهُ فِي الْحَيَاة أَيْضا وَهل كَانَ ذهابُ مُوسَى إِلَى ربه إِلَّا فِي حَال حَيَاته وَالصَّلَاة مُنَاجَاة وَالدُّعَاء كَذَلِك وَالْحجاج والعمار وفدُ الله تَعَالَى فَهَل الذّهاب إِلَى شَيْء من ذَلِك إِلَّا ذَهَابًا إِلَى الرب حَقِيقَة ومطابقتها أوقع من مُطَابقَة الذّهاب بِالْمَوْتِ فَكل ذَاهِب إِلَى طَاعَة ربه ذَاهِب إِلَى ربه لِأَنَّهُ مُتَوَجّه إِلَيْهِ بهَا وَإِن كَانَ فِي بعض التَّوَجُّه أوقع مِنْهُ فِي غَيره وَهَذِه كالأنواع مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 فَيكون النَّبِي اسْتخْلف عليا وَهُوَ ذَاهِب إِلَى ربه بِالْخرُوجِ إِلَى طَاعَته فِي الْجِهَاد كَمَا اسْتخْلف مُوسَى هَارُون فِي حَال حَيَاته ذَاهِبًا إِلَى ربه سُبْحَانَهُ وَالله أعلم الْوَجْه الثَّانِي أَن سِيَاق هَذَا القَوْل خبر وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ مَا بعد الْوَفَاة لوقع لَا محَالة كَمَا وَقع كل مَا أخبر بِوُقُوعِهِ فَإِن خَبره حق وَصدق {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهوى إِن هُوَ إِلا وَحي يوحَى} النَّجْم 3، 4 وَلما لم يَقع عُلم قطعا أَنه لم يرد ذَلِك وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن أذهب إِلَّا وَأَنت خليفتي على أَهلِي فَإِنَّهُ لم يستخلفه إِلَّا عَلَيْهِم والقرابةُ مُنَاسبَة لذَلِك وَأما على الْمَدِينَة فالمستخلف مُحَمَّد بن سَلمَة وَقيل سِبَاع بن عرفطة وَذكره ابْن إِسْحَاق فَقَالَ خلف رَسُول الله فِي غَزْوَة تَبُوك عليا على أَهله وَأمره بِالْإِقَامَةِ فيهم فأرجفَ المُنَافِقُونَ وَقَالُوا مَا خَلفه إِلَّا استثقالاً قَالَ فَأخذ عَليّ سلاحه وَخرج حَتَّى لحق برَسُول الله وَهُوَ نَازل بالجرف فَقَالَ يَا نَبِي الله زعم المُنَافِقُونَ أَنَّك مَا خلفتني إِلَّا أَنَّك استثقلتني فتخففت مني فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كذبُوا وَلَكِنِّي خلفتك لما تركت ورائي فَارْجِع فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي وَأهْلك أَلا ترْضى يَا عَليّ أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أَو يكون الْمَعْنى إِلَّا وَأَنت خليفتي فِي أَهلِي فِي هَذِه الْقَضِيَّة على تَقْدِير عُمُوم استخلافه فِي الْمَدِينَة إِن صَحَّ ذَلِك وَيكون ذَلِك لِمَعْنى اقْتَضَاهُ فِي تِلْكَ الْمدَّة عَلِمَهُ رَسُول الله وجهله غَيره يدل عَلَيْهِ أَنه اسْتخْلف غَيره رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا كَثِيرَة ومرات عديدة أَو يكون الْمَعْنى الَّذِي يَقْتَضِيهِ حالك وأمرك أَلا أذهب فِي جهةٍ إِلَّا وَأَنت خليفتي لِأَنَّك مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى لمَكَان قربك وأخذك عني لَكِن قد يكون شخوصُكَ معي فِي وَقت أَنْفَع لي من استخلافك أَو يكونُ الْحَال يَقْتَضِي أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 المصلحةَ فِي استخلافِ غَيْرك فيتخلف حكم الِاسْتِخْلَاف عَن مُقْتَضَاهُ بمعارض أقوى مِنْهُ يَقْتَضِي خِلَافه وَلَيْسَ فِي شيءِ من هَذَا كُله دَلِيل على أَنه الْخَلِيفَة بعد مَوته وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَقَوله فِيهِ فَتعين أحد مَعْنيين إِمَّا النَّاصِر وَإِمَّا الْمولى بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فَنحْن نقُول بِمُوجبِه لَا بالتقدير الَّذِي قدروه وَالْمعْنَى الَّذِي عَلَيْهِ نزلوه لَا بل يكون التَّقْدِير من كنتُ ناصرَهُ فعلي ناصرهُ لِأَن عليا جلَّى من الكروب فِي الحروب مَا لم يجله غَيره وَفتح الله على يَدَيْهِ فِي زَمَنه مَا لم يفتح على يَد غَيره وشهرةُ ذَلِك تغني عَن الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ والتطويل فِيهِ وَإِذا كَانَ بِهَذِهِ المثابة كَانَ ناصراً من كَانَ النَّبِي ناصره لما أشاد الله بِهِ من دعائم الْإِسْلَام المثبتة لِرَبِّهَا مِنْهُ فِي عنق الْخَاص وَالْعَام بنصرة الْمُسلمين وإشادة منار الدّين وَيكون الْمَعْنى من كنت ناصرَهُ فعلي ناصره وَإِن كَانَ ذَلِك وَاجِبا على كل وَاحِد من الصَّحَابَة بل من الْأمة لَكِن أثبت بذلك لعَلي نوع اختصاصٍ لِأَنَّهُ أقربهم إِلَيْهِ وأولاهم بالانتصار لمن نَصره وَهَذَا أولى من حمل النَّاصِر على الْمَعْنى الَّذِي ذَكرُوهُ لما يسْتَلْزم ذَلِك من الْمفْسدَة الْعَظِيمَة والوصمة الفظيعة فِي جلة أَصْحَاب رَسُول الله من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار على مَا سنقرره فِي الْجَواب عَن الحَدِيث الثَّالِث الَّذِي أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن مِمَّا يدل على أَنه لَا يجوز حمله على معنى الِاسْتِخْلَاف بعده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا على معنى الْمُتَوَلِي ليَكُون التَّقْدِير فعلي وليه أَي مُتَوَلِّي أمره بعده فَلَا يَصح ذَلِك إِذْ الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَنه لم يرد ذَلِك فِي الْحَالة الراهنة فَيكون هَذَا الحَدِيث الثَّانِي كالحديث الثَّالِث الَّذِي سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفِي قَرِيبا على أَنا نقُول لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد الْوَلِيّ الْمُنعم اسْتِعَارَة من مولى الْعتْق التفاتاً إِلَى الْمَعْنى الْمُتَقَدّم آنِفا فِي معنى النَّاصِر فَيكون التَّقْدِير من أنعم الله عَلَيْهِ بالهداية على يَدي نبيه إِلَى الْإِسْلَام وَالْإِيمَان حَتَّى اتّصف النَّبِي بِأَنَّهُ مَوْلَاهُ فقد أنعم الله عَلَيْهِ أَيْضا باستقامة أَمر دينه وأمانه من أَعدَاء الدّين وخذلانهم وَقُوَّة الْإِسْلَام وإشادة دعائمه على يَد عَليّ بن أبي طَالب بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 اخْتصَّ بِهِ من دون غَيره مِمَّا تقدم بَيَانه مِمَّا يصحح الاتصاف بِأَنَّهُ مولى لَهُ أَيْضا وَقد حكى الْهَرَوِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَن معنى الحَدِيث من أَحبَّنِي وتولاني فليحب عليا وليتولهُ قَالَ فِي الرياض النضرة وَفِي هَذَا عِنْدِي بُعدْ يَعْنِي مَا حَكَاهُ الْهَرَوِيّ إِذْ كَانَ قياسهُ على هَذَا التَّقْدِير أَن يَقُول من كَانَ مولَايَ فَهُوَ مولى عَليّ وَيكون الْمولى بِمَعْنى الْوَلِيّ ضد الْعَدو فَلَمَّا كَانَ الْإِسْنَاد إِلَى اللَّفْظ على الْعَكْس من ذَلِك بَطل هَذَا الْمَعْنى وَلَو قَالَ مَعْنَاهُ من كنت أتولاه وأحبه فعلي يَتَوَلَّاهُ وَيُحِبهُ كَانَ أنسبَ للفظ الحَدِيث وَهُوَ ظَاهر لمن تَأمله نعم يتَّجه مَا ذكره الْهَرَوِيّ من وَجه آخر بِتَقْدِير حذفٍ فِي الْكَلَام على وَجه الِاخْتِصَار تَقْدِيره من كنت مَوْلَاهُ فسبيلُ الْمولى يَعْنِي وَحقه أَن يحب ويتولى فعلي أَيْضا مَوْلَاهُ لقُرْبه مني ومكانته من تأييد الْإِسْلَام فَيُحِبهُ وليتوله كَذَلِك وَأما الحَدِيث الثَّالِث فَقَوْلهم فَيتَعَيَّن حمل الْوَلِيّ على النَّاصِر أَو الْمُتَوَلِي ... إِلَى آخر مَا قَالُوهُ قُلْنَا الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن أَيْضا الأول القَوْل بِالْمُوجبِ على الْمَعْنيين مَعَ الْبَيَان بِأَنَّهُ لَا دَلِيل لكم فِيهِ أما على معنى النَّاصِر فَلَمَّا بَيناهُ فِي الحَدِيث قبله وَأما بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فقد كَانَ ذَلِك إِذْ قد تولى عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَمر الْأمة بالخلافة وَإِن كَانَ بعده من كَانَ بعده فقد صدق عَلَيْهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه تولى الْأمة بعده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَقِيقَة وَمثل هَذَا قد ورد وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِب عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه النَّبِي رأى فِي مَنَامه حوريةَ فَقَالَ لَهَا لمن أَنْت فَقَالَت للخليفة من بعْدك عُثْمَانُ وَحِينَئِذٍ فَتكون فَائِدَة ذكره ذَلِك للتّنْبِيه على فَضِيلَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والتمرنِ على محبته فَإِنَّهُ سيلي عَلَيْكُم ويتولى أَمركُم وَمن تتَوَقَّع إمرته فَالْأولى أَن يمرن القلبُ على مودته ومحبته ومجانبة بغضه ليَكُون أدعى إِلَى الانقياد وأسرع للطواعية وَأبْعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 عَن الْخلف وَيشْهد لهَذَا الْمَعْنى وَغَيره حثه فِي هَذِه الْخطْبَة على أهل بَيته عُمُوما وعَلى عَليّ خُصُوصا ويرشد إِلَيْهِ أَيْضا مَا ابْتَدَأَ بِهِ هَذَا الحَدِيث وَلَفظه عِنْد الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح أَنه خطب بغدير خم ثامن عشر ذِي الْحجَّة مرجعه من حجَّة الْوَدَاع تَحت شجرات بُرِّح لَهُ مَا تحتهَا بعد صَلَاة الظّهْر فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّه قد نَبَّأَنِي اللطيفُ الْخَبِير أَنه لم يُعَمر نَبِي إِلَّا نصف عمر الَّذِي يَلِيهِ من قبله وَإِنِّي لأَظُن أَنِّي يُوشك أَن أدعى فَأُجِيب وَإِن مستول وَإِنَّكُمْ مسؤولون فَمَاذَا أَنْتُم قَائِلُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك قد بلغت وجهدت وَنَصَحْت فجزاك الله خيرا فَقَالَ ألستم تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن جنته حق وناره حق وَأَن الْمَوْت حق وَأَن الْبَعْث بعد الْمَوْت حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور قَالُوا بلَى نشْهد بذلك قَالَ اللَّهُمَّ أشهد ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن الله مولَايَ وَأَنا مولى الْمُؤمنِينَ وَأَنا أولى بهم من أنفسهم وَفِي رِوَايَة ألستم تعلمُونَ أَنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى قَالَ فَمن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ وانصر من نَصره واخذل من خذله وأدر الْحق مَعَه أَيْنَمَا دَار ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي فَرَطُكم وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ على الْحَوْض حوضاً عرضه كَمَا بَين بُصرى إِلَى صنعاء فِيهِ عدد نُجُوم السَّمَاء قِدحانٌ من فضَّة وَإِنِّي سَائِلكُمْ حِين تردون عَليّ وَإِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا الثّقل الْأَكْبَر كتاب الله عز وَجل سببٌ طرفه بيد الله وطرفه بِأَيْدِيكُمْ فاستمسكوا بِهِ لَا تضلوا وَلَا تبدلوا وعترتى أهل بَيْتِي فَإِنَّهُ قد نَبَّأَنِي اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهُمَا لن يفترقا حَتَّى يردا على الْحَوْض وَيشْهد لَهُ أَيْضا أَن سبَب ذَلِك كَمَا نَقله الْحَافِظ شمس الدّين بن الْجَوْزِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 عَن ابْن إِسْحَاق أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تكلم فِيهِ بعضُ من كَانَ مَعَه فِي الْيمن فَلَمَّا قضى حجه خطب هَذِه الْخطْبَة تَنْبِيها على قدره وردا على من تكلم فِيهِ كبريدة بن الْحصيب كَمَا فِي البُخَارِيّ أَنه كَانَ يبغضه وَسبب ذَلِك مَا صَححهُ الذَّهَبِيّ أَنه خرج مَعَه إِلَى الْيمن فَرَأى مِنْهُ جفوة فنقصه للنَّبِي فَجعل وَجه النَّبِي يتَغَيَّر فَقَالَ يَا بريده لَا تقع فِي عليّ فَإِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي وَلَا يجوز حمله على أَنه الْمولى عقب وَفَاته فِي الْأَحَادِيث كلهَا لوجوه الأول أَن لفظ الحَدِيث لفظ الْخَبَر مِمَّن لَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ كَذَلِك لوقع لَا محَالة كَمَا وَقع كل مَا أخبر عَنهُ فَلَمَّا لم يَقع ذَلِك دَلَّ على أَن المُرَاد بِهِ غَيره لَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِلَفْظ الْخَبَر الْأَمر لأَنا نقُول يلْزم على ذَلِك محذوران الأول صرف اللَّفْظ عَن ظَاهره وَذَلِكَ مَرْجُوح وَالظَّاهِر رَاجِح فَوَجَبَ الْعَمَل بِهِ الثَّانِي أَن ذَلِك يعْنى أَمر الْخلَافَة أَمر عَظِيم مُهِمّ فِي الدّين تتوفر عَلَيْهِ دواعي الْمُسلمين وَمثل ذَلِك لَا يكْتَفى فِيهِ بالألفاظ المجملة بل يجب فِيهِ التَّصْرِيح بِنَصّ الظَّاهِر الْوَجْه الثَّانِي لُزُوم مفْسدَة عَظِيمَة فِي الْحمل على ذَلِك هِيَ نسبةُ الْأمة إِلَى الِاجْتِمَاع على الضَّلَالَة واعتقادُ خطأ جَمِيع الصَّحَابَة باجتماعهم على تَوْلِيَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَذَلِكَ منفي بقوله لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة وَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمصير إِلَيْهِ دفع لهَذَا الْمَحْذُور وَنفي للظلم وَالْخَطَأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 عَن الجم الْغَفِير الْمَشْهُود لَهُم بِأَنَّهُم كَالنُّجُومِ من اقْتدى بِأَيِّهِمْ اهْتَدَى خُصُوصا من أمَرَ بالاقتداء بِهِ من بعده وَشهد بِالرشد لمن أطاعه وَمَا تدعيه الرافضة من أَن عليا وَمن تَابعه فِي ترك الْمُبَادرَة إِلَى بيعَة أبي بكر إِنَّمَا بَايعُوهُ بعد ذَلِك تقية فَلَا إِجْمَاع على بيعَة أبي بكر فِي نفس الْأَمر فَهَذَا غايةُ الْفساد لما يلْزم عَلَيْهِ من نِسْبَة القبائح والرذائل وَقد قدمنَا بَيَان ذَلِك وَكَيْفِيَّة مبايعته من إرْسَال ابْنه الْحسن إِلَى أبي بكر وخطبة عَليّ كرم الله وَجهه واعتذاره بالعذر الْحسن الْجَمِيل فَانْظُرْهُ فِي أول خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الثَّالِث أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أبي بكر دلّت على أَنه الخليفةُ عقيب وَفَاته وَقد بَين وَجه دلالتها كَمَا ستراها قَرِيبا على خِلَافَته مصدرا بهَا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي شَأْنه وَأَحَادِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مترددةٌ بَين احْتِمَالَيْنِ فِي الْحمل على أحدِهما توفيق بَين الْأَحَادِيث كلهَا وَنفى للمحذور اللَّازِم فِي حق الصَّحَابَة كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَفِي الْحمل على الثَّانِي إِلْغَاء لبعضها وَتَقْرِير لذَلِك الْمَحْذُور فَكَانَ الْحمل على مَا يحصل بِهِ التَّوْفِيق وينفي بِهِ الْمَحْذُور أولى عملا بالأحاديث كلهَا وَكَيف يتَطَرَّق خلافُ ذَلِك إِلَى الْوَهم وَقد روى عَن عَليّ وَغَيره من الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم مَا يشْهد بِصِحَّتِهِ وتتبادر الأفهام عِنْد سَمَاعه إِلَى أَنه مَانع من تطرق تِلْكَ الأوهام أم كَيفَ يحل اعْتِقَاد غير ذَلِك والإجماعُ على خِلَافه فالإجماع على خلَافَة أبي بكر قاضِ بِالْقطعِ بحقيتها لِأَن مفَادَ الْإِجْمَاع القطعُ ومفاد خبر الْوَاحِد ظَنِّي وَلَا تعَارض بَين قَطْعِيّ وظني بل يعْمل بالقطعي ويلغي الظني على أَن الظني لَا عبرةَ بِهِ جملَة كَافِيَة عِنْد الشِّيعَة فَإِن قيل أَي إجماعِ انْعَقَد مَعَ تخلف مثل عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَبني هَاشم أجمع والمقداد وخَالِد بن سعد بن الْعَاصِ وَابْن عَبَّاس وَأبي ذَر وعمار بن يَاسر وَهَؤُلَاء من جِلةِ أهل العقد والحل قُلْنَا كَانَ تأخرهُم إِمَّا لتأثر خواطرهم بترك الْمُشَاورَة فِي أَمر الْبيعَة والاستبداد بهَا دونهم فَإِن الزبير وَطَلْحَة قد أفصحا بذلك وبادرا بالبيعة فِي الْيَوْم الثَّانِي وَإِمَّا للتروي اجْتِهَادًا مِنْهُم فَلَمَّا ظهر لَهُم الْأَمر بَايعُوا وَالله أعلم بالحقائق سُبْحَانَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 الْوَجْه الثَّالِث من أوجه الْجَواب عَن الحَدِيث الثَّالِث لم لَا يجوز أَن يكون الْوَلِيّ هُنَا بِمَعْنى الْمُحب الموَالِي ضد الْعَدو وَالتَّقْدِير وَهُوَ متوليكم ومحبكم بعدِي وَيكون المُرَاد بالبعدية هُنَا البعدية فِي الرُّتْبَة لَا بعدية وَفَاته أَي الْمُتَقَدّم فِي تولي الْمُسلمين ومحبتهم أَنا ثمَّ على فِي الدرجَة الثَّانِيَة لمكانته مني وقربه ومناسبته فَهُوَ أولى بمحبة من أحبه وتولي من أتولاه ونصرة من أنصره وإحارة من أجيره وَالْحَاصِل أَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث من كتب مَوْلَاهُ لَيْسَ نصا على إِمَامَة عَليّ كرم الله وَجهه وَكَيف يكون نصا وَلم يحْتَج بِهِ هُوَ وَلَا الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَا غَيرهمَا وَقت الْحَاجة إِلَى الِاحْتِجَاج وَإِنَّمَا احْتج بِهِ عَليّ فِي خِلَافَته يَقُول رَاوِي ذَلِك أَبُو الطُّفَيْل كَمَا عِنْد أَحْمد وَالْبَزَّار جمع عَليّ النَّاس بالرحبة يَعْنِي بالعراق لما آلتْ إِلَيْهِ الخلافةُ فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُم أُشهد الله من شهد يَوْم غَدِير خم إِلَّا قَامَ وَلَا يقوم رجل يَقُول نبئت وَبَلغنِي إِلَّا رجل سمعتْ أذنَاهُ ووعى قلبه فَقَامَ سبعةَ عشرَ صحابياً وَفِي رِوَايَة ثَلَاثُونَ فَقَالَ هاتوا مَا سَمِعْتُمْ فَذكرُوا الحَدِيث الْمُتَقَدّم وَمن جملَته من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ صَدقْتُمْ وَأَنا عَلَى ذَلِك من الشَّاهِدين فَلَو كَانَ نصا لاحتج بِهِ وَمنع غَيره كَمَا منع أَبُو بكرِ الْأَنْصَار بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فأطاعوه مَعَ كَونه خبرَ واحدٍ وَتركُوا الْإِمَامَة وادعاءها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 لأَجله فَكيف حِينَئِذٍ يتَصَوَّر وجود نَص جلي يقيني لعَلي وَهُوَ بَين قوم لَا يعصون خبرَ الْوَاحِد فِي أَمر الْإِمَامَة وهم من الصلابة فِي الدّين بِالْمحل الأرفع بِشَهَادَة بذلهِمُ الأنفسَ والأموالَ ومهاجرتهم الْأَهْل والأوطانَ وقتلهم الْأَوْلَاد والآباءَ فِي نصرةِ الدّين وَلم يحْتَج عَليّ عَلَيْهِم بذلك النَّص الْجَلِيّ بل وَلَا قَالَ أحد مِنْهُم عَنهُ طلع النزاع فِي أَمر الْإِمَامَة لم يتنازعون فِيهَا وَالنَّص الْجَلِيّ قد عين فلَانا لَهَا فَإِن زعم زاعم أَن عليا قَالَ لَهُم ذَلِك فَلم يطيعوه كَانَ جَاهِلا ضَالًّا مفترياً مُنْكرا للضروريات فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يقلهُ كرم الله وَجهه إِلَّا عِنْدَمَا آلت إِلَيْهِ الْخلَافَة بِشَهَادَة رَاوِيه أبي الطُّفَيْل وَلم يحْتَج بِهِ عِنْد وَفَاته فسكوتُه عَن الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَى أَيَّام خِلَافَته قَاض على من عِنْده أدنى فهم وعقل بِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ أَنه لَا نَص فِيهِ على خِلَافَته عقيب وَفَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 على أَن عليا نَفسه صرح بِأَنَّهُ لم ينص عَلَيْهِ وَلَا على غَيره كَمَا سَيَأْتِي عَنهُ وَفِي البُخَارِيّ وَغَيره حَدِيث خُرُوج عَليّ وَالْعَبَّاس من عِنْد النَّبِي وَقَول الْعَبَّاس وَقد أَخذ بيد عَليّ إِنَّك بعد ثَلَاث عبدُ الْعَصَا وَالله لأرى أَن رَسُول الله متوفي فِي وَجَعه هَذَا وَإِنِّي لأعرف الْمَوْت فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب فلنذهب إِلَى رَسُول الله نَسْأَلهُ فِيمَن يكون هَذَا الْأَمر فَإِن كَانَ فِينَا علمنَا ذَلِك وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه فأوصى بِنَا فَقَالَ عَليّ وَالله إِن سألناها رَسُول الله فَمَنَعَنَاهَا لَا يعطيناها الناسُ أبدا فَهَذَا صَرِيح فِيمَا ذَكرْنَاهُ من أَنه لم ينص على أحد عِنْد مَوته وكل عَاقل يجْزم بِأَنَّهُ حَدِيث من كنت مَوْلَاهُ لَيْسَ نصا فِي إِمَامَة عَليّ وَإِلَّا لَم يَحتج هُوَ وَالْعَبَّاس إِلَى مُرَاجعَته الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث البُخَارِيّ مَعَ قرب الْعَهْد جدا بيومئذ بَينهمَا نَحْو الشَّهْرَيْنِ وتجويز النسْيَان على سَائِر الصَّحَابَة السامعين لخَبر يَوْم الغدير مَعَ قرب الْعَهْد وهم من هم فِي الْحِفْظ والذكاء والفطنة وَعدم التَّفْرِيط والغفلة فِيمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ محَال عادي يجْزم الْعَاقِل بِأَدْنَى بديهة أَنهم لم يَقع مِنْهُم نِسْيَان وَلَا تَفْرِيط وبأنهم حالَ بيعتهم لأبي بكر كَانُوا ذاكرين لذَلِك الحَدِيث عَالمين بِهِ وَبِمَعْنَاهُ فَزعم الشِّيعَة والرافضة أَن الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم علمُوا هَذَا النَّص وَلم ينقادوا لَهُ عناداً أَو مُكَابَرَة بِالْبَاطِلِ وَقَوْلهمْ إِنَّمَا تَركهَا عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ تقية كذب وافتراء أَيْضا لما قدمْنَاهُ فِيمَا مر وَمِنْه إِنَّمَا كَانَ فِي مَنْعَة من قومه وعشيرته مَعَ كثرتهم وشجاعتهم وَأَنه احْتج أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْأَنْصَار لما قَالُوا منا أَمِير ومنكم أَمِير بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فَكيف سلمُوا لَهُ هَذَا الِاسْتِدْلَال ولأي شَيْء لم يَقُولُوا ورد النَّص على إِمَامَة عَليّ فَكيف تحتج أَنْت بِمثل هَذَا الْعُمُوم وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ أصل عقيدة الشِّيعَة تضليل الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم وَإِنَّمَا نبه عَليّ الشِّيعَة لأَنهم أقل فحشاً فِي عقائدهم من الرافضة وَذَلِكَ لِأَن الرافضة يَقُولُونَ بتكفير الصَّحَابَة لأَنهم عاندوا بترك النَّص على إِمَامَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 بل زَاد أَبُو كَامِل وَهُوَ من رؤوسهم الْمُتَقَدِّمين فَكفر عليا زاعما أَنه أعَان الكفارَ على كفرهم وأيدهم على كتمان ذَلِك وعَلى ستر مَا لَا يتم الدّين إِلَّا بِهِ لِأَنَّهُ لم يرو عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَنه احْتج بِالنَّصِّ على إِمَامَته بل تَوَاتر عَنهُ إِن أفضلَ الْأمة أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُ قبل من عمر إِدْخَاله إِيَّاه فِي الشورى وَقد اتخذ الْمُلْحِدُونَ كَلَام هَؤُلَاءِ السفلة الكَذَبة ذَرِيعَة لطعنهم فِي الدّين وَالْقُرْآن وَقد تصدى بعض الْأَئِمَّة للرَّدّ عَلَيْهِم وَمن جملَة مَا قَالَه أُولَئِكَ الْمُلْحِدُونَ كَيفَ يَقُول الله {كنُتُم خيرَ أُمةٍ أُخرِجَت لِلناسِ} آل عمرَان 110 وَقد ارْتَدُّوا بعد وَفَاة نَبِيّهم إِلَّا نَحْو سِتَّة أنفس مِنْهُم لامتناعهم من تَقْدِيم أبي بكر وَعدم رضاهم ببيعته فَانْظُر إِلَى حجَّة الملحد تجدها عينَ حجَّة الرافضة قَاتلهم الله تَعَالَى أَنِّي يؤفكون بل هم أَشد ضَرَرا على الدّين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر فرق الضلال كَمَا صرح بِهِ عَليّ رَضِي الله عَنهُ بقوله تفترق الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة شَرها من ينتحل حبنا وَيُفَارق أمرنَا وَوَجهه مَا اشتملوا عَلَيْهِ من افترائهم قبائحَ الْبدع وغاياتِ العناد والكذبَ حَتَّى تسلطت الملاحدةُ بِسَبَب ذَلِك على الطعْن فِي الدّين وأئمة الْمُسلمين بل قَالَ القاضى أَبُو بكر الباقلاني إِن فِيمَا ذهبت إِلَيْهِ الرافضةُ مِمَّا ذكر إبطالاً لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إِذا أمكن اجتماعُ الصَّحَابَة على الكتم للنصوص أمكن فيهم الكذبُ والتواطؤ عَلَيْهِ لغَرَض فَيمكن أَن سَائِر مَا نقلوه من الْأَحَادِيث زور وَيُمكن أَن الْقُرْآن عُورضَ بِمَا هُوَ أفْصح مِنْهُ كَمَا تدعيه الْيَهُود وَالنَّصَارَى فكتمته الصَّحَابَة وَكَذَا مَا نَقله سَائِر الْأُمَم عَن جَمِيع الرُّسُل يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 الْكَذِب فِيهِ والزور والبهتان لأَنهم أقرُّوا ذَلِك فِي هَذِه الْأمة الَّتِي قد جَاءَ الْقُرْآن بِأَنَّهَا خير أمة أخرجت للنَّاس فادعاؤهم إِيَّاه فِي بَاقِي الْأُمَم أَحْرَى وَأولى فَتَأمل الْمَفَاسِد الَّتِي ترتبت على مَا أصَّلَهُ هَؤُلَاءِ وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا من أهل الْأَهْوَاء أَشد زوراً من الرافضة وَكَانَ إِذا ذكرهم عابهم بالرذالة والسقاطة وَأَنَّهُمْ لَا يتَوَجَّه مَعَهم خطاب وَلَا يرجعُونَ إِلَى رشد وَلَا إِلَى صَوَاب وَعَن الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ لما قدم عَليّ رَضِي الله عَنهُ الْبَصْرَة فِي أثر طَلْحَة وَالزُّبَيْر يُرِيد قِتَالهمْ قَالَ لَهُ ابْن الْكواء وَقيس بن عباد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا تخبرنا عَن مسيرك هَذَا الَّذِي سرت فِيهِ ستتولى على الْأمة وتضرب النَّاس بَعضهم بِبَعْض أَعهد من رَسُول الله إِلَيْك فحدثنا بِهِ فَأَنت الموثوق بِهِ الْمَأْمُون على مَا سَمِعت قَالَ أما أَن يكون عِنْدِي من رَسُول الله عهد فَلَا وَالله لَئِنْ كنت أولَ من صدق بِهِ لَا أكونُ أول من كذب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ عِنْدِي من النَّبِي عهد بذلك مَا تركت أخوي تيم وعدي يقومان على منبره ولقاتلتهما لَو لم أجد إِلَّا بردى وَلَكِن رَسُول الله لم يُقتل قتلا وَلم يمت فَجْأَة مكث فِي مَرضه أَيَّامًا وليالي يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن فيؤذنه بِالصَّلَاةِ فيأمر أَبَا بكر فَيصَلي بِالنَّاسِ وَهُوَ يرى مَكَاني وَلَقَد أرادتِ امْرَأَة من نِسَائِهِ صرفَهُ عَن أبي بكر فَأبى وَغَضب وَقَالَ أنتن صواحبُ يُوسُف يظهرن خلاف مَا يبدين مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَلَمَّا قبض الله نبيه وقعنا فِي أمورنا ثمَّ اخترنا لدنيانا من رضيه رَسُول الله لديننا وَكَانَت الصلاةُ أعظمَ أَرْكَان الْإِسْلَام وقواعِد الدّين فبايَعنا أَبَا بكر فَكَانَ لذَلِك أَهلا لم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان فأديتُ إِلَى أبي بكر حَقه وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الحدودَ بسوطي فَلَمَّا قبض ولاها عمر فَأخذ بِسنة صَاحبه وَمَا يعرف من أمره فَبَايَعْنَاهُ وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان فأديتُ إِلَى عمر حَقه وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الحدودَ بسوطي فَلَمَّا قبض تذكرتُ فِي نفس قَرَابَتي وسابقتي وفضلي وَأَنا أَظن أَن لَا يعدل بِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 وَلَكِن خَشِي أَلا يعملُ الخليفةُ بعده ذَنبا إِلَّا لحقه فِي قَبره فَأخْرج مِنْهَا نَفسه وَولده وَلَو كَانَت مُحَابَاة مِنْهُ لآثر وَلَده وَلَكِن برِئ مِنْهَا إِلَى ستةِ نفر من قُرَيْش أَنا أحدهم فَلَمَّا اجْتمع الرهطُ تذكرتُ فِي نَفسِي قَرَابَتي وسابقتي وَأَنا أَظن أَن لن يعدلُوا بِي فَأخذ عبدُ الرَّحْمَن بن عَوْف مواثيقَ على أَن نسْمع ونطيع لِمَنْ ولاه الله عز وَجل أمرنَا ثمَّ أَخذ بيد عُثْمَان فَضرب يَده على يَده فَنَظَرت فِي أَمْرِي فَإِذا طَاعَتي قد سبقت بيعتي وَإِذا ميثاقي قد أُخِذَ لغيري فَبَايعْنَا عُثْمَان فأديتُ لَهُ حقهُ وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ بسوطي فَلَمَّا أُصِيب عُثْمَان نظرتُ فِي أَمْرِي فَإِذا الخليفتان اللَّذَان أخذاها بِعَهْد رَسُول الله إِلَيْهِمَا فِي الصَّلَاة قد مضيا وَهَذَا الَّذِي أَخذ لَهُ مِيثَاق قد أصيبَ فبايعني أهلُ الْحَرَمَيْنِ وأهلُ هذَيْن المصرين أخرجه أَبُو أَحْمد حَمْزَة بن الْحَارِث وَأَبُو الْفضل ابْن خيرون وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عَسَاكِر والذهبي وَغَيرهم وَابْن السمان فِي الْمُوَافقَة وَزَاد بعد قَوْله وَأهل هذَيْن المصرين قَوْله ثمَّ إِن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان جَاءَ يضربني بِأَهْل الشَّام فَكنت وَالله أَحَق بهَا مِنْهُ وَالله لَو أَن أَبَا بكر حِين بُويِعَ نازعوه لقَاتل وَلَو أَن عمر نوزع حِين بُويِعَ لقَاتل فَقَالَا صدقت يَا أَبَا الْحسن وبررت واحتججت وَكنت أَحَق بهَا مِنْهُ وَفِي رِوَايَة عَبدة أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ أخبرنَا عَن قتالك هذَيْن الرجلَيْن يعنيان طَلْحَة وَالزُّبَيْر وهما صاحباك فِي الْهِجْرَة وَفِي بيعَة الرضْوَان وَفِي الشورى قَالَ بايعاني بِالْمَدِينَةِ وخلعاني بِالْبَصْرَةِ وَلَو أَن رجلا بَايع أَبَا بكر ثمَّ خلعه قَاتَلْنَاهُ أَلا وَلَو أَن رجلا بَايع عمر ثمَّ خلعه قَاتَلْنَاهُ قلت كَأَنِّي أنظر وأسمع رَافِضِي الِاعْتِقَاد يُنكر هَذِه الروايةَ وَيبْطل إسنادها وينقض مبناها ويقوض عمادها إِلَّا قَوْله فِيهَا وَأَنا أَظن أَن لَا يعدلُوا بِي ... إِلَى قَوْله فَبَايعْنَا عُثْمَان فَإِنَّهُ يتَّخذ ذَلِك شبهةَ دليلٍ وبرهانٍ لما يَعْتَقِدهُ من الْكَذِب وَالْبَاطِل والبهتان عَلَيْهِ من الله مَا يسْتَحق قلت وَمن جملَة زعم الرافضة أَن عليا إِنَّمَا سكت عَن النزاع والثيار فِي أَمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 الْخلَافَة وطلبها لِأَن النَّبِي أوصاه أَلا يُوقع بعده فتْنَة وَلَا يسل سَيْفا وَسمعت من بعض غُلاتِهِم أَن عليا كَانَ يتحدث مَعَ فَاطِمَة فِي شَأْن الْخلَافَة وَكَأَنَّهَا تلومه فِي سُكُوته فَأذن الْمُؤَذّن حِينَئِذٍ فَقَالَ لَهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَوْلَا خوفي انْقِطَاع هَذَا الصَّوْت أَو الذّكر مُشِيرا إِلَى الْأَذَان لجعلتُ أرْضهَا سماءها فَإِن صَحَّ كَلَام هَذَا الغالي فقد اخْتلفت العلتان عَلَيْهِم الْوَصِيَّة فِي الأول وَالْخَوْف فِي الثَّانِي وكلا العلتين معلولٌ بِأَنَّهُ افتراء وَكذب وضلالة وحمق وغباوة وجهالة عَمَّا يَتَرَتَّب على ذَلِك إِذْ كَيفَ يعقل مَعَ هَذَا الَّذِي زعموه أَنه جعله إِمَامًا والياً على الْأمة بعده وَمنعه من سل السَّيْف على من امْتنع من قبُول الْحق وَلَو كَانَ مَا زعموه صَحِيحا لما سل كرم الله وَجهه السيفَ فِي حَرْب صفّين وَغَيرهَا وَقَاتل بِنَفسِهِ وَأهل بَيته وشيعته وبارز الألوفَ مِنْهُم وَحده أَعَاذَهُ الله من مُخَالفَة وَصِيَّة رَسُول الله وَأَيْضًا فَكيف يتعقلون أَنه يوصيه بِعَدَمِ سل السَّيْف على من يَزْعمُونَ فيهم أَنهم مجاهرون بأقبح أَنْوَاع الْكفْر من مُخَالفَة أمره وَدفع من نَصَ على أَنَّهَا لَهُ والتمالؤِ والاجتماعِ على إعطائها لغير من هِيَ لَهُ وَمنع فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إرثها بِغَيْر دَلِيل فهما وَمن نحا نَحْوهمَا عِنْدهم مرتدون حماهم الله من ذَلِك وَرَضي الله عَنْهُم فجهادُ مثل هَؤُلَاءِ حتم على الْأمة عُمُوما وعَلى الْخَلِيفَة خُصُوصا قَالَ بعض أَئِمَّة أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ من العترة الطاهرة وَقد تأملتُ كلماتِهم يَعْنِي الرافضة فَرَأَيْت قوما أعْمَى اللهُ بصائرهم فَلم يبالوا بِمَا يَتَرَتَّب على مقالتهم من الْمَفَاسِد أَلا ترى إِلَى قَوْلهم إِن عمر رَضِي الله عَنهُ قاد عليا بحمائل سَيْفه وَحصر فَاطِمَة فهابت فَأسْقطت ولدا اسْمه المحسن فقصدوا بِهَذِهِ الْفِرْيَة القبيحة والغباوة الَّتِي أورثتهم الْعَار والبوار والفضيحة إيغارَ الصُّدُور على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلم يبالوا بِمَا يَتَرَتَّب وَيلْزم على ذَلِك من نسبةِ عَليّ إِلَى الذلة وَالْعجز والخَوَر بل نِسْبَة جَمِيع بني هَاشم وهم أهل النجدة والنخوة والأنفة إِلَى ذَلِك الْعَار الَّذِي لَا أقبحَ مِنْهُ عَلَيْهِم بل نِسْبَة جَمِيع الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم إِلَى ذَلِك مَعَ مَا استفاض وتواتر عَنْهُم من غيرتهم لنبيهم وَدينهمْ وَشدَّة غضبهم عِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 انتهاك حرماته حَتَّى قَاتلُوا فَقتلُوا الآباءَ والأبناءَ فِي طَلَبهمْ مرضاة الله تَعَالَى ومرضاة رَسُوله لَا يُتَوَهَّمُ إلحاقُ أدنى نقصِ أَو السُّكُوت على بَاطِل من هَؤُلَاءِ الْعِصَابَة الكمل الَّذين طهرهم الله من كل رِجْس ودنس وَنقص على لِسَان نبيه فِي الْكتاب وَالسّنة كَمَا تقدم بِوَاسِطَة صحبتهم لَهُ وَمَوته وَهُوَ رَاض عَنْهُم وبسبب صدقهم فِي محبته واتباعه إِلَّا عبد أضلّهُ الله وخذله فباء مِنْهُ تَعَالَى بعظيم الخسار والبوار وأحله نَار جَهَنَّم وَبئسَ الْقَرار نسْأَل الله السَّلامَة من الموبقات فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات آمين ولهذه الطائفةِ الرذلة شبه لَا حاجةَ لنا إِلَى إيرادها وتسويد الطِّرْس بسوادها فقد ردهَا الْأَئِمَّة المتقدمون والمتأخرون فِي غير مَا كتاب وأماطوا عَن مشوهاتها الْخمار والنقاب وَقد رَوَتْ أقاويلَ الْأَئِمَّة المعتبرين من أهل الْبَيْت فِي الترضي عَن الشَّيْخَيْنِ وتوليهما وَالثنَاء عَلَيْهِمَا الأئمةُ الحفاظُ الَّذين عَلَيْهِم المعوّل فِي معرفَة الحَدِيث والْآثَار وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم الْمُتَّصِلَة فَمِنْهَا مَا أخرجه أَبُو نعيم عَن الإِمَام الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط أَنه لما قيل لَهُ ذَلِك أَي أَن خبر من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ نصُّ فِي إِمَامَة عليِّ قَالَ أما وَالله لَو يَعْنِي بذلك الإِمارة وَالسُّلْطَان لأفصح لَهُم بِهِ فَإِن رَسُول الله كَانَ أنصح للْمُسلمين ولقال لَهُم ياأيها النَّاس هَذَا ولي أَمْرِي والقائم عَلَيْكُم بعدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا مَا كَانَ من هَذَا شَيْء فوَاللَّه لَئِن كانَ الله ورسولهُ اختارَا عليَّاً لهَذَا الْأَمر والقيامِ بِهِ للْمُسلمين من بعده ثمَّ تَرَكَ عَليّ أَمر الله وَرَسُوله أنْ يقومَ بِهِ أَو يعْذر فِيهِ إِلَى الْمُسلمين إنْ كانَ أعظم النَّاس خطيئةَ لَعَلي إِذْ ترك أَمر الله وَرَسُوله وحاشاه من ذَلِك وَفِي رِوَايَة عَنهُ وَلَو كَانَ هَذَا الْأَمر كَمَا تَقول وَأَن الله اخْتَار عليا للْقِيَام على النَّاس لَكَانَ أعظم النَّاس خَطِيئَة أَن ترك أَمر رَسُول الله وَلم يقم بِهِ فَقَالَ الرجل ألم يقل رَسُول الله من كنت مَوْلَاهُ فَقَالَ الْحسن مَا تقدم ذكره وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه لما قدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 الْمَدِينَة سألَ أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد الباقر عَن أبي بكر وَعمر فترحم عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة إِنَّهُم يَقُولُونَ عندنَا بالعراق إِنَّك تتبرأ مِنْهُمَا فَقَالَ معَاذ الله كذبُوا وَرب الْكَعْبَة ثمَّ ذكر لأبي حنيفَة تزويجَ عَليّ ابنتَه أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة من عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه لَو لم يكن لَهَا أَهلا لما زوجه إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة لَو كتبت إِلَيْهِم فَقَالَ لَا يطيعونني بالكتب وتزويج عَليّ أم كُلْثُوم لعمر رَضِي الله عَنهُ يقطع بِبُطْلَان مَا زعمته الرافضة فِيهِ قلت وَجه الْقطع مَا يلْزم أَن عليا زوج ابْنَته أم كُلْثُوم من كافرٍ على زعمهم الْفَاسِد معلومٍ كفرُه وسببُ كفره فيبطلوا أصلَهم فِي اعْتِقَاد العصمةِ لواجبها إِذْ تَزْوِيج الْكَافِر بالمسلمة حرَام بِنَصّ {لَا هُنَ حِل لَهم وَلَا هُم يحلوُنَ لَهنُ} الممتحنة 10 وَهَذِه الرِّوَايَة عَن الْحسن وأشباههُا من الرِّوَايَات زور عِنْدهم وافتراء وَكذب صراح لَا شُبْهَة فِيهِ وَلَا مراء لِأَنَّهَا تَفُت فِي أعضادهم وتنكث قواهم وتبت قوتهم وَتحل عراهم وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمُتَقَدّم ذكره لقب بالمحض لِأَنَّهُ أول من جمع ولادَة الْحسن والحشين وَالْحُسَيْن لِأَن أمه فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَكَانَ شيخَ بني هَاشم وَرَئِيسهمْ أَنه سُئِلَ أتمسح على الْخُفَّيْنِ فَقَالَ أَمسَح عَلَيْهِمَا قد مسح عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ لَهُ السَّائِل إِنَّمَا أَسأَلك أنتَ أتمسح عَلَيْهِمَا قَالَ ذَلِك أعجزُ لَك أخبر عَن عمر وتسألني عَن رَأْيِي فعمر خيرٌ مني وملء الأَرْض من مثلي فَقيل لَهُ هَذَا تقية فَقَالَ نَحن بَين الْقَبْر والمنبر اللَّهُمَّ هَذَا قولي فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَلَا يسمع قولي أحد بعدِي ثمَّ قَالَ من هَذَا الَّذِي يزْعم أَن عليا كَانَ مقهورا وَأَن النَّبِي أمره بِأَمْر فَلم ينفذهُ فَكفى بِهَذَا إزراء ومنقصة وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن ولد عبد الله الْمَحْض وَهُوَ السَّيِّد مُحَمَّد الملقب بِالنَّفسِ الزكية أَنه قَالَ لما سُئِلَ عَن الشَّيْخَيْنِ لَهُمَا عِنْدِي أفضلُ من عَليّ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن مُحَمَّد الباقر أَنه قَالَ أجمع بَنو فَاطِمَة على أَن نقُول فِي الشَّيْخَيْنِ أحسنَ مَا يكون من القَوْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر أَن رجلا جَاءَ إِلَى أَبِيه زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن أبي بكر فَقَالَ عَن الصّديق فَقَالَ الرجل وتسميه الصّديق فَقَالَ لَهُ ثكلتك أمك وَقد سَمَّاهُ صديقا رَسُول الله والمهاجرون وَالْأَنْصَار وَمن لم يسمه صديقَاً فَلَا صدق الله قولَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة فَأحب أَبَا بكر وَعمر وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن عُرْوَة عَن عبد الله سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّدًا الباقر عَن حلية السَّيْف فَقَالَ لَا بَأْس بهَا قد حلي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سَيْفه قَالَ قلت وَتقول الصّديق قَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق فَمن لم يقل الصّديق فَلَا صدق الله قولَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأخرجه ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة وَزَاد فَوَثَبَ وثبةً واستقبل فَقَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه قَالَ مَا أَرْجُو من شَفَاعَة عَليّ شَيْئا إِلَّا وَأَنا أَرْجُو من شَفَاعَة أبي بكر مثله وَلَقَد ولدني مرَّتَيْنِ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن زيد بن عَليّ أَنه قَالَ لمن تَبرأ مِنْهُمَا أعلم وَالله أَن البراءةَ من الشَّيْخَيْنِ البراءةُ من عَليّ فَتقدم أَو تَأَخّر وَمِنْهَا مَا أخرجه الْحَافِظ عمر بن شبة أَن زيدا هَذَا قيل لَهُ إِن أَبَا بكر انتزع من فاطمةَ فَدكَ فَقَالَ إِنَّه كَانَ رحِيما وَكَانَ يكره أَن يُغير شَيْئا تَركه رَسُول الله فَأَتَتْهُ فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَت لَهُ إِن رَسُول الله أَعْطَانِي فدك فَقَالَ هَل لَك بَينه فَشهد لَهَا عَليّ وَأم أَيمن فَقَالَ لَهَا فبرجل وَامْرَأَة تستحقينها ثمَّ قَالَ زيد وَالله لَو رَجَعَ الأمرُ فِيهَا إِلَيّ لقضيتُ بِقَضَاء أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا قَالَ انطلقتِ الْخَوَارِج فبرئت مِمَّن دون أبي بكر وَعمر وَلم يستطيعوا أَن يَقُولُوا فيهمَا شَيْئا وانطلقتم أَنْتُم فطفرتم أَي وثبتم فَوق ذَلِك فبرئتم مِنْهُمَا فَمن بَقِي فوَاللَّه مَا بَقِي أحد إِلَّا برئتم مِنْهُ يُخَاطب بذلك الرافضة لما قَالُوا لَهُ ابرأ من الشَّيْخَيْنِ وَنحن نُبَايِعك فَأبى فَقَالوا إِنَّا نرفضك فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة فَمن حِينَئِذٍ سموا الرافضة وسيمت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 شيعتهُ بالزيدية وَمِنْهَا مَا أخرجه ابْن عَسَاكِر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قلت لمُحَمد ابْن الْحَنَفِيَّة هَل كَانَ أَبُو بكر أولَ الْقَوْم إسلاماً قَالَ لَا قلت فَبِمَ علا أَبُو بكر وَسبق حَتَّى لَا يذكر أحد غير أبي بكر قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ أفضلَهم إسلاماً حِين أسلم حَتَّى لحق بربه وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن سَالم بن أبي حَفْصَة وَهُوَ شيعي لكنه ثِقَة قَالَ سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن على وجعفر بن مُحَمَّد عَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَا يَا سَالم تولهما وابرأ من عدوهما فَإِنَّهُمَا كَانَا إمامَي هدَى وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ قَالَ دخلت على أبي جَعْفَر فَقَالَ وَأرَاهُ قَالَ ذَلِك من أَجلي اللَّهُمَّ إِنِّي أتولى أَبَا بكر وَعمر وأحبهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ دخلتُ على جَعْفَر بن مُحَمَّد وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحب أَبَا بكر وَعمر وأتولاهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا قَالَ قَالَ لي يَا سَالم أيسب الرجل جَدَهُ أَبُو بكرٍ جدي لَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد إِن لم أكن أتولاهما وَأَبْرَأ من عدوهما وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه قيل لَهُ إِن فلَانا يزْعم أَنَّك تتبرأ من أَبى بكر وَعمر فَقَالَ برىء الله من فلَان إِنِّي لأرجو أَن يَنْفَعنِي الله بِقَرَابَتِي من أبي بكر وَلَقَد مَرضت فأوصيت إِلَى خَالِي عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمِنْهَا مَا أخرجه هُوَ والحافظ عمر بن شبة عَن كثير قلت لأبى جَعْفَر وَمُحَمّد ابْن عَليّ أَخْبرنِي أظَلَمَكم أَبُو بكر وَعمر من حقكم شَيْئا فَقَالَ ومُنزلِ القرآنِ على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيراً مَا ظلمنَا من حَقنا مَا يزن حَبَّة خَرْدَل قَالَ قلت أفأتولاهما جعلني الله فدَاك قَالَ نعم يَا كثير تولهما فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وَجعل يصك عنق نَفسه وَيَقُول مَا أصابكَ فبعنقي ثمَّ قَالَ برىء الله ورسولهُ من الْمُغيرَة بن سعيد وَأبي زَيْنَب فَإِنَّهُمَا كذبا علينا أهلَ الْبَيْت وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن بسام الصَّيْرَفِي قلت لأبي جَعْفَر مَا تَقول فِي أبي بكر وَعمر فَقَالَ وَالله إِنِّي لأتولاهما وَأَسْتَغْفِر لَهما وَمَا أدْركْت أحدا من أهل بَيْتِي إِلَّا وَهُوَ يتولاهما وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن إِمَام الْمَذْهَب مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن جَعْفَر بن أبي طَالب قَالَ وَليَنا أَبُو بكر خيرُ خَليفَة وأرحَمُه لنا وأحنَاهُ علينا وَفِي رِوَايَة فَمَا وَليَنا أحد من النَّاس مثله وَفِي أُخْرَى فَمَا رَأينَا قطّ مَنْ كَانَ خيرَاً مِنْهُ وَمِنْهَا مَا أخرجه يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر أَنه قيل لَهُ إِن فلَانا حَدثنِي أَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صدروهم مِّن غِلٍّ} الْحجر 47 نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَعلي قَالَ وَالله فيهم نزلت ففيمن نزلت إِلَّا فيهم قيل فَأَي غل هُوَ قَالَ غل الْجَاهِلِيَّة إِن بني تيم وَبني عدي وَبني هَاشم كَانَ بَينهم شَيْء فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أسلم هَؤلاءِ القومُ تحَابوا فأخذتْ أبَا بكر الخاصرةُ فَجعل عَليّ يسخن يَده ويكمد بهَا خاصرةَ أبي بكر فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن على أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي هَذِه الْبُطُون الثَّلَاثَة تيم وعدي وَبني هَاشم وَقَالَ مِنْهُم أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد الباقر وَأَنه قيل لَهُ هَل كَانَ أحد من أهل الْبَيْت يسب أَبَا بكر وَعمر قَالَ معَاذ الله بل يتولونهما وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهما وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِمَا وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن أبي جَعْفَر أَيْضا عَن أَبِيه عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَنه قَالَ لجَماعَة خَاضُوا فِي أبي بكر وَعمر ثمَّ فِي عُثْمَان أَلا تخبروني أَنْتُم الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ {الذِينَ أُخْرِجُوأ مِن دِياَرِهِم وَأموَالِهِم يبتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللهِ ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هُمُ الصّاَدِقوُنَ} الْحَشْر 8 قَالُوا لَا / قَالَ فَأنْتم (وَالَّذين تبوءو الدَّارَ وَالإيمانَ مِن قبلِهم يحبِونَ مَن هَاجَرَ إِلَيْهِم وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرونَ عَلى أنفُسِهم) {إِلَى} (المُفلحُونَ} الْحَشْر 9 قَالُوا لَا قَالَ أما أَنْتُم فقد برئتم أَن تَكُونُوا فِي أحد هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ وَأَنا أشهد أَنكُمْ لَسْتُم من {وَالَّذين جَاءُوا مِن بعدهمِ يَقُولونَ رَبًنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الذينَ سَبَقُونَا بالإيمانِ} {إِلَى} (رَءوف رَحيِم} الْحَشْر 10 وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن فُضَيْل بن مَرْزُوق سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْحسن ابْن الْحسن أَخا عبد الله بن الْحسن يَقُول وَالله قد مَرَقَت علينا الرافضة كَمَا مرقت الحرورية عَلَى عَلِيً وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا سَمِعت الْحسن بن الْحسن يَقُول لرجل من الرافضة لَئِن أمكن الله مِنْكُم لنقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف وَلَا نقبل مِنْكُم تَوْبَة وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ ذكر عُثْمَان عِنْد الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَي عَليّ أَتَاكُم الْآن يُخْبِركُمْ عَنهُ إِذْ جَاءَ عَليّ قَالَ الزُّهْرِيّ مَا أَدْرِي أسمعهم يذكرُونَ عُثْمَان أم سَأَلُوهُ عَنهُ فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عُثْمَان من الَّذين {اتقَوا وآمَنُوا ثُمَ اتقوأ وأحسَنُوأ وَالله يُحِبُ المحسنِينَ} الْمَائِدَة 93 وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاطِب من طرق قَالَ دخلتُ عَلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أردْت الْحجاز وَإِن النَّاس يَسْأَلُونِي فَمَا تَقول فِي قتل عُثْمَان وَكَانَ عَليّ مُتكئا فَجَلَسَ فَقَالَ يَا بن حَاطِب وَالله إِنِّي لأرجو أَن أكونَ أَنا وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّن غِلٍّ} الْحجر 47 الْآيَة وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ كنت جَالِسا عِنْد مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَذكرُوا عُثْمَان فنهانا مُحَمَّد وَقَالَ كفوا فغدونا يَوْمًا آخر فنلنا مِنْهُ أَكثر مِمَّا كَانَ قبل فَقَالَ ألم أنهكم عَن هَذَا الرجل قَالَ وَابْن عَبَّاس جَالس عِنْده فَقَالَ يَابْنَ عَبَّاس أَتَذكر عَشِيَّة الْجمل وَأَنا عَن يَمِين عَليّ وَفِي يَدي الرَّايَة وَأَنت عَن يسَاره إِذْ سمع هدة فِي المربد فَأرْسل رَسُولا فجَاء الرَّسُول فَقَالَ هَذِه عَائِشَة تلعن قتلةَ عُثْمَان فِي المربد فَرفع عَليّ يَدَيْهِ حَتَّى بلغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 بهما وَجهه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَقَالَ أَنا ألعن قتلة عُثْمَان لعنهم الله فِي السهل والجبل قَالَ فَصدقهُ ابْن عَبَّاس ثمَّ أقبل علينا فَقَالَ فيّ وَفِي هَذَا لَكُم شاهدُ عدل وَأخرج عَن مَرْوَان بن الحكم أَنه قَالَ مَا كَانَ أحد أدفعَ عَن عُثْمَان من عَليّ قيل لَهُ فَمَا بالكم تسبونه على المنابر قَالَ إِنَّه لَا يَسْتَقِيم لنا الْأَمر إِلَّا بذلك وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ يأهل الْكُوفَة اتَّقوا الله عز وَجل وَلَا تَقولُوا فِي أبي بكر وَعمر مَا ليسَا لَهُ بِأَهْل وَأخرج أَيْضا عَن جُنْدُب الْأَسدي أَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن آتاهُ قوم من أهل الْكُوفَة والجزيرة فَسَأَلُوهُ عَن أبي بكر وَعمر فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ انْظُر إِلى أهل بلدك يَسْأَلُونِي لَهُما عِنْدِي أفضل من عَليّ وَأخرج آدم عَن عبد الله بن الْحسن أَنه قَالَ وَالله لَا يَقبَلُ الله توبةَ عبد تَبرأ مِنْهُمَا وإنهما ليعرضان على قلبِي فأدعو الله عز وَجل لَهما أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله عز وَجل وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن عبد الْجَبَّار الْهَمدَانِي أَن جعفراً الصادقَ أَتَاهُم وهم يُرِيدُونَ أَن يرتحلوا من الْمَدِينَة فَقَالَ إِنَّكُم إِن شَاءَ الله من صالحي مصركم فأبلغوني عني من زعم إِنِّي إِمَام مفترَضُ الطَّاعَة فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيء وَمن زعم إِنِّي بَرِيء من أبي بكر وَعمر فَأَنا مِنْهُ بَرِيء وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِن الخبثاء من أهل الْعرَاق يَزْعمُونَ أَنا نقع فِي أبي بكر وَعمر وهما وَالِدَايَ أَي لِأَن أمه أم فَرْوَة ابنةُ الْقَاسِم الْفَقِيه ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر وأمهما أَسمَاء بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَمن ثمَّ سبق لَهُ قَوْله ولدني أَبُو بكر مرَّتَيْنِ وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر قَالَ من لم يعرف فضلَ أبي بكر وَعمر فقد جهل بِالسنةِ قَالَ بعض الْأَئِمَّة صدق وَالله إِنَّمَا نَشأ من الشِّيعَة والرافضة وَغَيرهمَا مَا نَشأ من الْبدع والضلالات من جهلهم بِالسنةِ وَفِي الطيوريات بِسَنَدِهِ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رجل لعَلي رَضِي الله عَنهُ نسمعك تَقول فِي الْخطْبَة اللَّهُمَّ أَصْلحنَا بِمَا أصلحت بِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين فمَن هم فاغرورقت عَيناهُ فَقَالَ هما حبيبا نبيي أَبُو بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وَعمر إِمَامًا الْهدى وشيخَا الْإِسْلَام ورَجُلا قُرَيْش المقتدى بهما بعد رَسُول الله مَنِ اقْتدى بهما عُصِم وَمن اتبع آثارهما هُدِيَ الصراطَ الْمُسْتَقيم وَمن تمسك بهما فَهُوَ من حزب الله قلت وَمِنْهَا مَا رَأَيْته فِي شرح الْمَقَاصِد للعلامة السعد التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله وَنَصه نعم مَا قَالَ الْمَأْمُون العباسي وجدت أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة الزّهْد فِي الْمُعْتَزلَة وَالْكذب فِي الرافضة والمروءة فِي أَصْحَاب الحَدِيث وَحب الرياسة فِي أَصْحَاب الرَّأْي ثمَّ قَالَ أَوْلَاد الوَصيً الموسومون بالدراية المعتصمون بالرواية لم تكن مَعَهم هَذِه التعصبات والأحقاد وَلَا هَذِه البواطن الخبيثة فِي سوء الِاعْتِقَاد وَلم يذكرُوا عَن الصَّحَابَة إِلَّا الكمالات والترضي عَنْهُم والترحم عَلَيْهِم فِي سَائِر الْحَالَات وَلم يسلكوا مَعَ رُؤَسَاء الْمذَاهب من عُلَمَاء الْإِسْلَام إِلَّا طَرِيق الإجلال والإعظام وَهَا هُوَ الإِمَام عَليّ الرضي ابْن الإِمَام مُوسَى الكاظم مَعَ جلالة قدره ونباهة ذكره وَكَمَال علمه وهداه وورعه وتقاه قد كتب على ظهر كتاب عهد الْمَأْمُون لَهُ بالخلافة مَا يُنبئ عَن قبُول عَهده ووفور شكره وحمده والتزام مَا شَرط عَلَيْهِ فَكتب فِي أثْنَاء سطور الْعَهْد تَحت قَول الْمَأْمُون وسميته الرضي رَضِي الله تَعَالَى عَنْك وأرضاك وَتَحْت قَوْله وَتَكون لَهُ الإمرة الْكُبْرَى بعدِي بل جُعلتُ فدَاك وَفِي مَوضِع آخر وصلتك رحم وجزيت خيرا قَالَ وَهَذَا الْعَهْد بخطهما مَوْجُود إِلَى الْآن فِي المشهد الرضوي بخراسان وآحادُ الشيعةِ فِي هَذَا الزَّمَان لَا يسمحون بالترضي عَن كبار الصَّحَابَة فضلا عَن بني الْعَبَّاس فقد رَضوا مِنْهُم رَأْسا بِرَأْس وَمن الْبَين الْوَاضِح فِيمَا أوردنا هَذِه الرِّوَايَات فِي شَأْنه مَا كتبه أميرُ الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب قد جعلتُ هَكَذَا لآل بني كاكلة على كَافَّة بَيت مَال الْمُسلمين كل عَام مِائَتي مِثْقَال ذَهَبا عينا إبريزاً كتبه عمر بن الْخطاب فَكتب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ {للهِ الْأَمر من قبل وَمن بعد ويَومَئِذٍ يفرح المُؤمنونَ بِنَصر الله} الرّوم 4 أَنا أول من اتبع أمرَ من أعز الْإِسْلَام وَنصر الدّين وَالْأَحْكَام ورسمتُ بِمثل مَا رسم لآل بني كاكلة فِي كل عَام مِائَتي مِثْقَال ذَهَبا عينا إبريزا واتبعث أَثَره وَجعلت لَهُم مثل مَا رسم عمر إِذْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 وَجب عَليّ وعَلى جَمِيع الْمُسلمين اتِّبَاع ذَلِك كتبه عَليّ بن أبي طَالب وَهَذَا بخطهما مَوْجُود الْآن فِي ديار الْعرَاق فَهَذِهِ أقاويل الْأَئِمَّة المعتبرين من أهل الْبَيْت رَوَاهَا عَنْهُم الأئمةُ الحفاظُ الَّذين عَلَيْهِم المعوّل فِي معرفَة الحَدِيث والْآثَار وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم الْمُتَّصِلَة فَكيف يسع المتمسكَ بِحَبل أهل الْبَيْت الزاعمَ حبهم أَن يعدل عَمَّا قَالُوهُ من تَعْظِيم أبي بكر وَعمر واعتقادهم خِلَافَتهمَا وَمَا كَانَا عَلَيْهِ وَقد صَرَّحُوا بتكذيب من نقل عَنْهُم خِلَافه وَمَعَ ذَلِك ينْسب إِلَيْهِم مَا تبرءوا مِنْهُ ورأوه ذماً فِي حَقهم حَتَّى قَالَ الإِمَام زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم يأيها النَّاس أحبونا حب الْإِسْلَام فوَاللَّه مَا برح بِنَا حبكم حَتَّى صَار علينا عاراً وَفِي رِوَايَة حَتَّى بغضتمونا إِلَى النَّاس أَي بِسَبَب مَا نسبوه إِلَيْهِم مِمَّا هم برَاء مِنْهُ فلعن الله مَنْ كَذَبَ على هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَرَمَاهُمْ بالزور والبهتان (أفْضَلِيةُ أبي بَكْرِ الصّديق رَضِي الله عَنهُ) اعْلَم أَن الَّذِي أطبق عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأمة واْجمع عَلَيْهِ عُظَمَاء الْأَئِمَّة أَن أفضل هَذِه الْأمة أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر ثمَّ اخْتلفُوا فالأكثرون على أَن الْأَفْضَل عُثْمَان ثمَّ عَليّ وَهُوَ الْمَشْهُور عَن الإِمَام مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجزم الْكُوفِيُّونَ وَمِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ بتفضيل عَليّ على عُثْمَان وَقيل بِالْوَقْفِ عِنْد التَّفَاضُل بَينهمَا وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك فقد حكى أَبُو عبد الله الْمَازِني عَن الْمُدَوَّنَة أَن مَالِكًا سُئِلَ أَي النَّاس أفضل بعد نَبِيّهم فَقَالَ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ قَالَ أَو فِي ذَلِك شكّ فَقيل وَعلي وَعُثْمَان فَقَالَ مَا أدْركْت أحدا ممَنْ يُقْتدي بِهِ يفضل أَحدهمَا على الآخر وَمَال إِلَى الْوَقْف إمامُ الْحَرَمَيْنِ عبد الْملك بن أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ فَقَالَ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالإرشاد مَا نَصه لم يقم عندنَا دَلِيل قَاطع على تَفْضِيل بعض الْأَئِمَّة على بعض إِذْ الْعقل لَا يشْهد على ذَلِك وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي فضائلهم متعارضة وَلَا يُمكن تَلَقي التَّفْضِيل من مَنعِ إمامةِ المفضولِ وَلَكِن الغالبَ على الظَّن أَن أَبَا بكر أفضل الْخَلَائق بعد رَسُول الله ثمَّ عمر أفضلهم بعده وتتعارض الظنون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 فِي عُثْمَان وَعلي انْتهى وَنقل الوقفَ ابنُ عبد الْبر عَن جمَاعَة من السّلف وَيحيى الْقطَّان وَابْن معِين وَأما حِكَايَة أبي مَنْصُور الإجماعَ على أَفضَلِيَّة عُثْمَان عَلَى عَلِي فمدخولة وَإِن نقل ذَلِك عَنهُ بعضُ الْحفاظ لما بَيناهُ من الْخلاف ثمَّ الَّذِي مَال إِلَيْهِ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ إِمَام الأشاعرة أَن تفضيلَ أبي بكر على من بعده قَطْعِيّ وَخَالفهُ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني فَقَالَ إِنَّه ظَنِّي وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي إرشاده وَجزم بِهِ صَاحب الْمُفْهم فِي شرح مُسلم وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب ذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ لَو أَن رجلا قَالَ عَليّ عِنْدِي أفضل من أبي بكر وَعمر لم أعنفه إِذا ذكر فضل الشَّيْخَيْنِ وأحبهما وَأثْنى عَلَيْهِمَا بِمَا هما لَهُ أهل فذكرتُ ذَلِك لوكيع فأعجبه واشتهاه انْتهى وَلَيْسَ ملحظُ عدمِ تعنيفهِ قَائِل ذَلِك إِلَّا أَن التفضيلَ المذكورَ ظَنِّي لَا قَطْعِيّ فَإِن قلت قد نقل ابْن عبد الْبر أَن السّلف اخْتلفُوا فِي تَفْضِيل أبي بكر على عَلِي فقد رُوِيَ عَن سلمَان وَأبي ذَر والمقداد بن عبمرو وخباب بن الْأَرَت وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَزيد بن أَرقم وعمار بن يَاسر أَن عليا أول من أسلم وفضله هَؤُلَاءِ على غَيره فَكيف يَصح الْإِجْمَاع مَعَ خلاف هَؤُلَاءِ وهم من أَعْيَان الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ قيل فِي جَوَاب ذَلِك أما عَن الأول وَهُوَ قَوْله إِن السّلف اخْتلفُوا فبأن الْأَئِمَّة إِنَّمَا أَعرضُوا عَن هَذِه الْمقَالة يعْنى قَوْله اخْتلفُوا لشذوذها ذَهَابًا إِلَى أَن شذوذ الْمُخَالف لَا يقْدَح فِيهِ أَو رَأَوْا أَنَّهَا حَادِثَة بعد انْعِقَاد الْإِجْمَاع فَكَانَت تِلْكَ المقالةُ فِي حيّز الطرح وَالرَّدّ وَأما عَن الثَّانِي فَلَا يَقْتَضِي من تَفْضِيلهمْ عليا أَنهم قَائِلُونَ بأفضليته على أبي بكر مُطلقًا بل إِمَّا من حَيْثُ تقدمه عَلَيْهِ إسلاماً بِنَاء على القَوْل بذلك أَو مُرَادهم بتفضيل عَليّ عَلَى غَيره من عدا الشَّيْخَيْنِ لقِيَام الْأَدِلَّة الصَّرِيحَة الصَّحِيحَة على أفضليتهما على من عداهما فَإِن قلت مَا مُسْتَند الْإِجْمَاع على أَفضَلِيَّة أبي بكر عَلَى عَليّ فَان كَانَت من أَدِلَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 الْكتاب أَو السّنة فقد قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وناهيك بِهِ علما وزهداً وورعاً وديناً لم يرد فِي حق أحدٍ من الْآيَات وَالْأَحَادِيث مَا ورد فِي حق عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِن كَانَت من غَيرهمَا من الْأَشْيَاء الَّتِي يسْتَحق بهَا أَصْحَاب رَسُول الله الْفضل فقد قَالَ الإِمَام أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن على المَسْعُودِيّ مُبينًا لذَلِك بقوله الْأَشْيَاء الَّتِي يسْتَحق بهَا أَصْحَاب رَسُول الله الْفضل هِيَ السَّبق إِلَى الْإِيمَان وَالْهجْرَة والنصرة لرَسُول الله والقربى مِنْهُ والقناعة وبذل النَّفس لَهُ وَالْعلم بِالْكتاب والتنزيل وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله والورع والزهد وَالْقَضَاء والحلم وَالْفِقْه وَالْعلم وكل ذَلِك فلعلي مِنْهُ النَّصِيب الْأَكْبَر والحظ الأوفر إِلَى مَا انْفَرد بِهِ من قَوْله أَنْت أخي وَهُوَ لَا ضد لَهُ وَلَا ند وَقَوله أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى وَقَوله من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَقَوله فِي حَدِيث الطَّائِر اللَّهُمَّ أَدخل إِلَيّ أحب خلقك إِلَيْك يَأْكُل معي من هَذَا الطَّائِر فَدخل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَهَذَا وَغَيره من فضائله وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْخِصَال مِمَّا تفرق فِي غَيره قلت قد صَرَّحُوا بِأَن الْإِجْمَاع حجَّة على كل أحد وَإِن لم يعرف مُسْتَنده لِأَن الله عصم هَذِه الْأمة من أَن تَجْتَمِع على ضَلَالَة وَيدل على ذَلِك بل يُصَرح بِهِ قولهُ تَعَالَى {وَمَن يشاقِقِ الرَسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَين لَهُ الهُدَى وَيَتبع غيرَ سَبِيلِ المُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وسَاءَت مَصِيراً} النِّسَاء 115 على أَنا نقُول كَثْرَة وُرُود الْآيَات وَالْأَحَادِيث لَا يسْتَلْزم أفضليةَ من وَردت فِي حَقه على من ورد دونهَا فِي حَقه إِذْ قد تكون الْآيَة الْوَاحِدَة والْحَدِيث الْوَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 يدلان على مجامعِ فضائلَ ومزايا مناقبَ لَا تدل عَلَيْهَا آيَات كَثِيرَة وَأَحَادِيث كَذَلِك فَلَا شَاهد لكم فِي قَول الإِمَام أَحْمد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَحَدِيث مَا فَضلكُمْ أَبُو بكر بِصَلَاة وَلَا وَلَا إِنَّمَا فَضلكُمْ بِشَيْء وقر فِي صَدره وأمثال هَذَا الحَدِيث يرد تنميقاتِ المَسْعُودِيّ وتصنيفاته وَالْحق أَن فِي كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة خلافًا فالذى عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنه حجَّة قَطْعِيَّة مُطلقًا فَيقدم على الْآحَاد كلهَا وَلَا يُعَارضهُ دليلٌ أصلا وَيكفر أَو يبدعُ ويضلِّل مخالفُه وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ والآمدي إِنَّه ظَنِّي مُطلقًا وَالْحق فِي ذَلِك التَّفْصِيل فَمَا اتّفق عَلَيْهِ المعتبرون حجَّة قَطْعِيَّة وَمَا اخْتلفُوا فِيهِ كالإجماع السكوتي وَالْإِجْمَاع الَّذِي ندر مخالفه فَهُوَ ظَنِّي وَقد علمت بِمَا قَرّرته لَك أَن لهَذَا الْإِجْمَاع مُخَالفا نَادرا وهم الْجَمَاعَة المذكورون سلمَان وَمن بعده فَهُوَ وَإِن لم يعْتد بِهِ فِي الْإِجْمَاع لكنه يورثه انحطاطاً عَن الْإِجْمَاع الَّذِي لَا مُخَالف لَهُ فَالْأول ظَنِّي وَهَذَا قَطْعِيّ وَكَانَ الْأَشْعَرِيّ من الْأَكْثَرين الْقَائِلين بِأَنَّهُ قَطْعِيّ مُطلقًا كَمَا تقدم ذَلِك عَنهُ وَمِمَّا يُؤَيّد أَنه ظَنِّي أَن المجمعينَ أنفسهم لم يقطعوا بالأفضلية الْمَذْكُورَة وَإِنَّمَا ظنوها فَقَط كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من عباراتهم وإشاراتهم وَسبب ذَلِك أَن الْمَسْأَلَة اجتهادية وَقد وَردت فِي أبي بكر وَعلي نُصُوص ظَاهِرَة فِي تَفْضِيل كل وَهِي لَا تفِيد الْقطع لِأَن غالبها فِي المحلين آحادْ والآحاد ظنية الدّلَالَة فَكيف تفِيد الْقطع وَلَيْسَ الاختصاصُ بكثرةِ أَسبَاب الثَّوَاب مُوجبا الزيادةَ المستلزمةَ للأفضلية قطعا بل ظنا لِأَنَّهُ تفضُّلٌ من الله تَعَالَى وثبوتُ الْإِمَامَة لأبي بكر وحقيتها وَإِن كَانَ قَطْعِيا للْإِجْمَاع عَلَيْهَا لَا يُفِيد الْقطع بأفضليته على عَليّ بل غَايَته الظَّن كَيفَ وَلَا قَاطع على بطلَان إِمَامَة المفضولِ مَعَ وجود الْفَاضِل بل صِحَّتهَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لكننا وجدنَا السّلف فضلوهما على من عداهما وَحسن ظننا بهم قاضٍ بِأَنَّهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 لَو لم يطلعوا على دَلِيل فِي ذَلِك لما أطبقوا عَلَيْهِ فلزمنا اتباعهم فِيهِ ظنا وتفويض مَا هُوَ الْحق فِيهِ يَقِينا إِلَى الله تَعَالَى بل وجدنَا أَنه ورد عَن على نَفسه أَن أَبَا بكر أفضل الْأمة قَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ وَقد تَوَاتر عَنهُ ذَلِك فِي خِلَافَته وكرس مَمْلَكَته وَبَين الجم الْغَفِير ثمَّ بسط الْأَسَانِيد الصَّحِيحَة فِي ذَلِك قَالَ وَرَوَاهُ عَن عليّ نَيف وَثَمَانُونَ نفسا وعَددَ مِنْهُم جمَاعَة ثمَّ قَالَ فقبح الله الرافضة مَا أجهلهم وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَا أجد أحدا فضلني على أبي بكر وَعمر إِلَّا حددته حدَّ المفتري وَصَحَّ عَن مَالك عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه الباقر أَن عليا وقف على عمر بن الْخطاب وَهُوَ مسجى بعد مَوته فَقَالَ مَا أقلت الغبراء وَلَا أظلت الخضراء أحدا أحب إِلَيّ أَن ألْقى الله بصحيفتِه مِنْ هَذَا المسجى ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْك يَا عمر ودعا لَهُ وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَبَا جُحَيْفَة كَانَ يرى أَن عليا أفضل الْأمة فَسمع أَقْوَامًا يخالفونه فَحزن حزنا شَدِيدا فَقَالَ لَهُ عَليّ بعد أَن أَخذه بِيَدِهِ مَا أحزنك يَا أَبَا جُحَيْفَة فَذكر لَهُ الْخَبَر فَقَالَ لَهُ إِلَّا أخْبرك بِخَير الْأمة خَيرهَا أَبُو بكر وَعمر قَالَ أَبُو جُحَيْفَة فأعطيتُ الله عهدا أَلا أكتم هَذَا الحديثَ بعد أَن شافهني بِهِ عَليّ مَا بقيت وَقَول الشِّيعَة والرافضة إِنَّمَا ذكر ذَلِك عَلِيٌّ تِقَيَّة كذبٌ وافتراء على الله إِذْ كَيفَ يَتَوهم ذَلِك مَنْ لَهُ أدنى عقل أَو فهم مَعَ ذكره لَهُ فِي زمن خِلَافَته على مِنْبَر الْكُوفَة وَهُوَ لم يدخلهَا إِلَّا بعد فَرَاغه من حَرْب أهل الْبَصْرَة وَذَلِكَ أقوى مَا كَانَ أمرا وأنفذ أحكاماً وَذَلِكَ بعد مُدَّة مديدة من موت أبي بكر وَعمر فَكيف يتعقل وُقُوع مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 هَذِه التقية المشئومة عَلَيْهِم الَّتِي أفسدوا بهَا غَالب عقائد أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ لإظهارهم لَهُم كمالَ الْمحبَّة والتعظيم فمالوا إِلَى تقليدهم حَتَّى قَالَ بَعضهم من أعز الْأَشْيَاء فِي الدُّنْيَا شرِيف سني فَلَقَد عظمت مُصِيبَة أهل الْبَيْت بهؤلاء الفَسَدَة الأراذل وَمَا أحسن مَا أبطل بِهِ الباقر هَذِه التقية المشئومة لما سُئِلَ عَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ إِنِّي أتولاهما فَقيل لَهُ إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَن ذَلِك مِنْك تقية فَقَالَ إِنَّمَا نَخَاف الْأَحْيَاء لَا نَخَاف الْأَمْوَات فعل الله بِهِشَام بن عبد الْملك كَذَا وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فَانْظُر مَا أبين هَذَا الِاحْتِجَاج وأوضحه فقد صرح لَهُ بِبُطْلَان تِلْكَ التقية المشئومة عَلَيْهِم وَاسْتدلَّ لَهُم على ذَلِك بِأَن اتقاء الشَّيْخَيْنِ بعد مَوْتهمَا لَا وَجه لَهُ إِذْ لَا سطوةَ لَهما حِينَئِذٍ ثمَّ بَين لَهُم بدعائه على هِشَام بن عبد الْملك الَّذِي هُوَ وَالِي زَمَنه وشوكتُه قَائِمَة أَنه إِذْ لم يتقه مَعَ أَنه يُخاًف ويُخشَى لسطوته وَملكه وقوته وقهره فَكيف مَعَ ذَلِك يَتَّقِي الأمواتَ الَّذين لَا شَوْكَة لَهُم وَلَا سطوة وَإِذا كَانَ هَذَا حالُ الباقر فَمَا ظَنك بِحَال عَليّ الَّذِي هُوَ أعظم إقداماً وشجاعة وشدةَ بَأْس وَكَثْرَة عَدَدٍ وعُدَدٍ وَأَنه لَا يخَاف فِي الله لومة لائم مَعَ ذَلِك فقد صَحَّ بل تَوَاتر عَنهُ مَا مر من مدح الشَّيْخَيْنِ وَالثنَاء عَلَيْهِمَا وأنهما أفضل الْأمة وَمر أَيْضا الأثرُ الصحيحُ عَن مَالك عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه الباقر أَن عليا وقف على عمر وَهُوَ مسجى بِثَوْبِهِ فَقَالَ مَا تقدم فَمَا أحْوج عليا أَن يَقُول ذَلِك تقية وَمَا أحْوج الباقر أَن يرويهِ لِابْنِهِ الصَّادِق تقية وَمَا أحْوج الصَّادِق أَن يرويهِ لمَالِك تقية فَكيف يَسَعُ العاقلَ أَن يتْرك مثلَ هَذَا الْإِسْنَاد الصَّحِيح ويحمله على التقية المنقوضِ أساسُها المنكوث أمراسُها وَمَا أحسن مَا سلكه بعض الشِّيعَة المنصفين كَعبد الرَّزَّاق فَإِنَّهُ قَالَ أفضل الشَّيْخَيْنِ بتفضيل عَليّ إيَّاهُمَا على نَفسه وَإِلَّا لما فضلتهما عَلَيْهِ كفى بِي زوراً أَن أحبه ثمَّ أخالفه وَمِمَّا يكذبهم فِي دَعْوَى التقية المشئومة عَلَيْهِم مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب قَالَ لعَلي بِأَعْلَى صَوته لما بَايع النَّاس أَبَا بكر غَلَبَكُمْ على هَذَا الْأَمر أذلّ بَيت فِي قُرَيْش يَعْنِي قَبيلَة أبي بكر وَهِي تيم فَإِنَّهَا أَضْعَف قَبيلَة فِي قُرَيْش وَإِنَّمَا عزت بِكَوْن أبي بكر وَطَلْحَة مِنْهَا أما وَالله لأَمْلَأَنهَا عَلَيْهِ خيلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 ورَجِلاً إِن شِئْت فَقَالَ لَهُ عَليّ لَا يَا عَدو الْإِسْلَام وَأَهله فَمَا ضرّ ذَلِك الإسلامَ وأهلَهُ إِذا تقرر هَذَا فَالْوَاجِب على كل مُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله عُمُوما وعَلى أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ خُصُوصا اتِّبَاع سلفهم فِي ذَلِك والإعراض عَمَّا يرشد إِلَيْهِ الروافض من قَبِيح الْجَهْل والعناد وَالْخَطَأ الَّذِي يكون لَهُم أوخمُ زَاد يَوْم الْمعَاد فالحذرَ الحذرَ مِمَّا يُلقونه من أَن مَنِ اعْتقد تَفْضِيل أبي بكر على عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ كَافِرًا لِأَن مُرَادهم بذلك أَن يقرروا عِنْد من يلقون إِلَيْهِ تكفيرَ الْأمة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ومَن بعدهمْ من أَئِمَّة الدّين وعلماء الشَّرِيعَة وعوامهم وَأَنه لَا مؤمنَ غَيرهم وَهَذَا وَالْعِيَاذ بِاللَّه يُؤَدِّي إِلَى هدم قَوَاعِد الشَّرِيعَة من أَصْلهَا وإلغاء الْعَمَل بكتب السّنة وَبِمَا جَاءَ عَن النَّبِي وَعَن أهل بَيته وصحابته إِذْ الرَّاوِي لجَمِيع آثاره وأخباره بأسرها بل والناقلُ لِلْقُرْآنِ فِي كل عصر من عصر النَّبِي وهلم جرا الصحابةُ والتابعون وعلماء الدّين إِذْ لَيْسَ لنحوِ الرافضي رِوَايَة وَلَا دراية يدورن بهَا فروع الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا غَايَة أَمرهم أَن يَقع فِي خلال بعض الْأَسَانِيد من هُوَ رَافِضِي وَالْكَلَام فِي قبُوله مَعْرُوف عِنْد أَئِمَّة الْأَثر ونقاد الحَدِيث فَإِذا قَدَحُوا فيهم قَدَحُوا فِي الْكتاب وَالسّنة وأبطلوا الشَّرِيعَة رَأْسا وَصَارَ الْأَمر كَمَا فِي الْجَاهِلِيَّة الجهلاء فلعنة الله وأليمُ عقابِه وعظيمُ نقمته عَلَى من يفتري على الله وعَلى نبيه بِمَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال مِلَّته وَهدم شَرِيعَته وَكَيف يسع الْعَاقِل أَن يعْتَقد كفرَ السوَاد الْأَعْظَم من أمة مُحَمَّد من غير مُوجب للتكفير مَعَ إقرارهم بِالشَّهَادَتَيْنِ وقبولهم لشريعة نَبِيّهم وهب أَن عليا أفضلُ من أبي بكر فِي نفس الْأَمر أَلَيْسَ الْقَائِلُونَ بأفضلية أبي بكر معذورين لأَنهم إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك لأدلة صرحت بِهِ وهم مجتهدون والمجتهد إِذا أَخطَأ فَلهُ أجر فَكيف يُقَال حِينَئِذٍ بالتكفير وَهُوَ لَا يكون إِلَّا بإنكار مجمعٍ عَلَيْهِ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ عناداً كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة وَأما مَا يحْتَاج إِلَى نظر واستدلال فَلَا كفر بإنكاره وَانْظُر إِلَى إنصافنا معشر أهل السّنة فإننا لم نكفر الْقَائِلين بأفضلية عَليّ عَلَى أبي بكر وَإِن كَانَ ذَلِك عندنَا خلافَ مَا أجمعنا عَلَيْهِ فِي كل عصر منا إِلَى النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 بل أَقَمْنَا لَهُم الْعذر الْمَانِع من التَّكْفِير ومَن كفرهم فلأمور أخر من قبائحهم انضمت إِلَى ذَلِك فالحذر الحذر من اعْتِقَاد كفر من قلبه مَمْلُوء بِالْإِيمَان بِغَيْر مقتضٍ تقليداً للجهال الضلال الغلاة الغواة وتأملْ مَا صَحَّ وَثَبت عَن عَليّ وَأهل بَيته من تصريحهم بتفضيل الشَّيْخَيْنِ عَلَى عَليّ خلافًا لهَؤُلَاء الطَّائِفَة الحمقاء وَإِن حمل عَليّ التقية الْبَاطِلَة المشئومة عَلَيْهِم فَلَا أقل من أَن يكون عذرا لأهل السنهَ فِي اتباعهم لعليّ وَأهل بَيته فِيمَا نقل عَنْهُم فَإِنَّهُم لم يكشفوا عَن قلب عَليّ حَتَّى يعلمُوا أَن ذَلِك مِنْهُ تقية بل قَرَائِن أحوالِه وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من الشجَاعَة والإقدام وَأَنه لَا يهاب أحدا وَلَا يخْشَى فِي الله لومة لائم إِذْ قد استفاض عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ لَا يُبَالِي بأحدٍ حَتَّى قيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا نفر النَّاس عَن عَليّ إِلَّا أَنه كَانَ لَا يُبَالِي بِأحد فَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنَّه كَانَ زاهداً والزاهد لَا يُبَالِي بالدنيا وَأَهْلهَا وَكَانَ عَالما والعالمُ لَا يُبَالِي بِأحد شجاعاً والشجاع لَا يُبَالِي بِأحد وشريفاً والشريف لَا يُبَالِي بِأحد أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَهِي أَدِلَّة قَاطِعَة بِعَدَمِ التقية فَلَا أقل أَن يجْعَلُوا ذَلِك مِنْهُ شُبْهَة لأهل السّنة مَانِعَة من اعْتِقَادهم كفرَهم سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم قلت هَاهُنَا وَاقعَة عَجِيبَة وَآيَة باهرة وكائنة غَرِيبَة وكرامة ظَاهِرَة ذكرهَا الشَّيْخ الْأُسْتَاذ الإِمَام الْعَارِف قدوة الْمُحَقِّقين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى مِصْبَاح الظلام فِي المستغيث بِسَيِّد الْأَنَام فِي الْيَقَظَة والمنام قَالَ أخبرنَا الشَّيْخَانِ الإمامان الْحَافِظ زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ إِذْنا ورشيد الدّين أَبُو الْحُسَيْن يحيى بن عَليّ الْقرشِي سَمَاعا قَالَا أَنبأَنَا القَاضِي الْفَقِيه المكين جمال الدّين أَبُو طَالب أَحْمد ابْن القَاضِي المكين أبي الْفضل عبد الله بن أبي عَليّ الْحُسَيْن بن حَدِيد الْكِنَانِي سَمَاعا أَنبأَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم السلَفِي أَنبأَنَا الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار بانتحالي عَلَيْهِ أَنبأَنَا عبد الْعَزِيز أَنبأَنَا أَبُو بكر الْمُفِيد حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْأَعْلَى الأجيادي حَدثنِي صَالح بن عبد الله الْقرشِي حَدثنِي عبيد الله بن سُلَيْمَان عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ كنت أخرج إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 الْجَبانَة وأصلي على الْجَنَائِز إِلَى أَن أيأس من مَجِيء الْجَنَائِز فَأدْخل فَخرجت ذاتَ يَوْم فلقيتُ رجلَيْنِ قد تواثبا وَعَلَيْهِمَا ثِيَاب صوف وَقد أدْمى أَحدهمَا صَاحبه فَدخلت لأفرق بَينهمَا وَقلت أرى ثبابكما ثيابَ الأخيار وفعالكما فعال الأشرار فَقَالَ لي الَّذِي أدْمى صَاحبه دَعْنِي مَا تَدْرِي مَا يَقُول قلت مَا يَقُول قَالَ يَقُول خير النَّاس بعد رَسُول الله عَليّ بن أبي طَالب وَإِن أَبَا بكر وَعمر كفرا بعد إسلامهما فارتدا عَن الْإِسْلَام وقاتلا الْمُسلمين ويكذبُ الْقدر وَيرى رأىَ الْخَوَارِج ويبتدع فِي الدّين فَقلت لَهُ هَكَذَا تَقول قَالَ نعم فَقلت لصَاحبه دَعه فَإِن لَك وَله رَباً بالمرصاد فَقَالَ لَا أَدَعهُ أَو يحكم الله بني وَبَينه فَقلت بِمَاذَا وَقد مَاتَ النَّبِي وَانْقطع الْوَحْي فَنظر إِلَى أتون بحذائه وَقد أوقده صَاحبه وَيُرِيد أَن يطبق عَلَيْهِ فَقَالَ لي ندخل جَمِيعًا إِلَى هَذَا الأتون فَمن كَانَ منا على حق نجا وَمن كَانَ على بَاطِل احْتَرَقَ فَقلت للْآخر أتفعل ذَلِك قَالَ نعم فَتَقَدما إِلَى صَاحب الأتون متلببين وَقَالا لَا تطبق الْبَاب فَإنَّا نُرِيد أَن ندخله فمنعهما فَقَالَا لَا بُد لنا أَن ندخله فَقَالَ مَا شأنكما وَمَا الَّذِي حملكما على هَذَا فحدثاه بالقصة فناشدهما الله أَلا يفعلا فأبيا فَقَالَ السّني للبدعي أتتقدم أَو أتقدم فَقَالَ لَهُ البدعي بل تقدم أَنْت فَتقدم السّني فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَن ديني واعتقادي أَن خير النَّاس بعد رَسُولك أَبُو بكر الصّديق الَّذِي نصر رَسُولك وواساه بِنَفسِهِ وَمَاله حَيْثُ كَانَ أول من أسلم ووازره على أمره وآمن بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ حَيْثُ لَيْسَ أحد غَيره {ثَانِي اثنينِ إِذ هُما فِي الغارِ} التَّوْبَة 40 فَذكر من فضائله ثمَّ عمر بن الْخطاب الَّذِي أعززت بِهِ الْإِسْلَام وَفرقت بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان زوج ابْنَتي رَسُولك الَّذِي جهز جَيش الْعسرَة وَقَامَ بِأَمْر النَّبِي فِي نوائبه وَذكر فضائله ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب ابْن عَم رَسُولك وَزوج ابْنَته فَاطِمَة الزهراء أعز الْخلق وَأَبُو ولديه الْحسن وَالْحُسَيْن وَكَاشف الكروب عَن وَجه رَسُولك وَذكر فضائله وَإِنِّي أُؤْمِن بِالْقدرِ خَيره وشره وَبِمَا آمن بِهِ رَسُولك وَمَا نهى عَنهُ وَلَا أرى رَأْي الْخَوَارِج وَأُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ والنشور وَأَنَّك الْحق الْمُبين لَيْسَ كمثلك شَيْء وَإنَّك تبْعَث من فِي الْقُبُور وأتبع وَلَا أبتدع ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا ديني واعتقادي فَإِن كنتُ على الْحق فبرد عليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 هَذِه النَّار كَمَا بردتها إِلَى إِبْرَاهِيم واصرف عني حرهَا ولهبها وأذاها بحولك وقوتك فَإِنِّي إِنَّمَا أفعل هَذَا غيرةَ لدينك وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُولك وَأُؤْمِنُ بِاللَّه ثمَّ دخل الأتون وَتقدم البدعي فَحَمدَ الله مثل حَمده ثمَّ قَالَ الَّذِي أدين بِهِ أَن خير النَّاس بعد رَسُول الله عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ ذكر من فضائله مثل مَا ذكر السّني وَلَا أعرف لأحد غَيره حَقًا لِأَن أَبَا بكر كفر بعد إِسْلَامه وَقَاتل الْمُسلمين وارتد عَن الدّين وَكَذَلِكَ عمر ثمَّ ذكر مَا يذهب إِلَيْهِ من الْبِدْعَة ويكذب بِهِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا ديني واعتقادي وَقَالَ كَمَا قَالَ صَاحبه وَدخل فأطبق صَاحب الأتون عَلَيْهِمَا وَانْصَرف على أَنَّهُمَا محترقان قد جنيا على أَنفسهمَا وبقيتُ وحدي لَا أُرِيد الانصرافَ حَتَّى يتَبَيَّن لي أَمرهمَا فَلم أزل أنتقل من فَيْء إِلَى فَيْء وعيني إِلَى الأتون حَتَّى زَالَت الشَّمْس فَسقط الطابق وَخَرَجَ عَليّ السّني وجبينه يعرق فَقُمْت إِلَيْهِ وَقبلت وَجهه وَقلت لَهُ كَيفَ كنت فَقَالَ بِخَير أدخلت إِلَى مجْلِس مفروش بأنواع الْفرش وَفِيه أَنْوَاع الرياحين والخدم فنومت على الْفراش إِلَى السَّاعَة ثمَّ جَاءَنِي جاءِ فَقَالَ قُم فقد حَان لَك أَن تخرج من هَاهُنَا وَقت الصَّلَاة قُم فصل فَخرجت قَالَ فَسَأَلته عَن غَرِيمه فَقَالَ مَا أعلم حَاله ووجهنا خلف صَاحب الأتون فجَاء وَمَعَهُ حَدِيدَة فَلم يزل يَطْلُبهُ بهَا حَتَّى وَقعت فِي مَوضِع من بدنه فجره وَأخرجه وَقد صَار حممة إِلَّا جَبهته فَإِنَّهَا بلونها الْأَصْلِيّ عَلَيْهَا سطران مكتوبان يقرؤهما الصَّادِر والوارد هَذَا عبد طَغى وبغى وَكفر بِأبي بكر وَعمر آيس من رَحْمَة الله فأغلق النَّاس دكاكينهم ثَلَاثَة أَيَّام لم يفتحوها يتناوبونه فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ويسمعون من السّني حَدِيثه وَتَابَ من كَانَ يشْتم أَبَا بكر وَعمر هُنَالك وَكَانُوا نَحْو أَرْبَعَة آلَاف نفس انْتهى اللَّهُمَّ ارْض عَنْهُم وعنا بهم وَلَا تجْعَل لأحد مِنْهُم فِي عنقنا ظلامة بجودك وكرمك تَنْبِيه حكى الْخطابِيّ عَن بعض مشايخه أَنه كَانَ يَقُول أَبُو بكر خير من عَليّ وَعلي أفضل من أبي بكر فَقَالَ بعض الْعلمَاء إِن هَذَا تهافت من القَوْل لِأَنَّهُ لَا معنى للخيرية إِلَّا الْأَفْضَلِيَّة فَإِن أُرِيد أَن خيرته أبي بكر من وَجه وأفضلية عَليّ من وَجه لم يكن ذَلِك من مَحل الْخلاف وَلم يكن الْأَمر فِي ذَلِك خَاصّا بِأبي بكر وَعلي بل أَبُو بكر وَأَبُو عُبَيْدَة مثلا يُقَال فيهمَا ذَلِك فَإِن الْأَمَانَة الَّتِي فِي أبي عُبَيْدَة خصّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 رَسُول الله بهَا بقوله أَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة وَلم يخص أَبَا بكر بِمِثْلِهَا فَيكون أَبُو عُبَيْدَة خيرا من أبي بكر فِيهَا فَحسب وَمن جِهَتهَا فَقَط لما تقرر فِي الْأُصُول أَن الْمَفْضُول قد تُوجد فِيهِ مزايا لَا تُوجد فِي الْفَاضِل فَلَا يكون وجودهَا مقتضياً لتفضيله على الْفَاضِل عَلَيْهِ بل وَلَا مساواته فَإِن أَرَادَ شيخ الْخطابِيّ أَن أَبَا بكر أفضل مُطلقًا إِلَّا أَن عليا وجدت فِيهِ مزايا لم تُوجد فِي أبي بكر مثل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقضاكم عَليّ فَكَلَامه صَحِيح وَإِلَّا فَكَلَامه فِي غَايَة التهافت والسقوط خلافًا لمن انتصر لَهُ وَوَجهه بِمَا لَا يجدي بل لَا يفهم وَقد سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام الإِمَام أَبُو زرْعَة الْعِرَاقِيّ عَمَّن اعتقدِ فِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة على التَّرْتِيب الْمَعْلُوم وَلكنه أحب أحدهم أَكثر هَل يَأْثَم أم لَا فَأجَاب بِأَن الْمحبَّة قد تكون لأمر ديني وَقد تكون لأمر دُنْيَوِيّ فالمحبة الدِّينِيَّة لَازِمَة للأفضلية فَمن كَانَ أفضل كَانَت محبتنا الدِّينِيَّة لَهُ أَكثر فَمَتَى اعتقدنا فِي وَاحِد مِنْهُم أَنه أفضل ثمَّ أحببنا غَيره من جِهَة الدّين أَكثر كَانَ ذَلِك تناقضاً نعم إِن أحببنا غير الْأَفْضَل أَكثر من محبَّة الْأَفْضَل لأمر دُنْيَوِيّ كقرابة أَو إِحْسَان أَو نَحْوهمَا فَلَا تنَاقض فِي ذَلِك وَلَا امْتنَاع فَلَا إِثْم فَمن اعْترف بِأَن أفضل هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ لكنه أحب عليا أَكثر من أبي بكر مثلا فَإِن كَانَ يَدعِي محبها أَنَّهَا الْمحبَّة الدِّينِيَّة فَلَا معنى لذَلِك إِذْ الْمحبَّة الدِّينِيَّة اعتقادها لَازم لاعتقاد الْأَفْضَلِيَّة كَمَا تقدم فَهَذَا الْمُحب لعَلي أَكثر محبَّة دينية على دَعْوَاهُ مَعَ اعْتِقَاده أَفضَلِيَّة أبي بكر عَلَيْهِ لم يعْتَقد أَفضَلِيَّة أبي بكر حَقِيقَة وَإِنَّمَا هُوَ معترف بهَا بِلِسَانِهِ فَقَط وَأما بِالْقَلْبِ فَلَا إِذْ هُوَ مفضل لعَلي بِقَلْبِه لُزُوما لكَونه أحبه محبَّة دينية زَائِدَة على محبَّة أبي بكر وَهَذَا لَا يجوز أما إِذا كَانَت محبَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 الْمُحب أَكثر محبَّة دنيوية لكَونه من ذُرِّيَّة على أَو لإحسان الْإِحْسَان من عَليّ أَو من بنيه إِلَيْهِ أَو لغير ذَلِك من الْمعَانِي فَلَا امْتنَاع فِي ذَلِك انْتهى قلت لَا يظْهر صِحَة دَعْوَى التلازم فعلى مدعيها بَيَان الْمُلَازمَة ليعتمد فيعتقد ودونه خرط القتاد وَأما قَوْله وَهَذَا لَا يجوز أَقُول فِيهِ هَذَا لَا يجوز إِذْ قد صرح عُلَمَاؤُنَا بِأَن من اعْترف لِلشَّيْخَيْنِ بحقهما وفضلهما ثمَّ أحب عليا أَكثر لاتصال نسبه بِهِ وقربه مِنْهُ الْقرب الَّذِي لَا يشابه وكشف الكروب عَن وَجهه فِي المضايق وَنَحْوهمَا كَانَ ذَلِك الْحبّ قربَة إِلَى الله مثاباً صَاحبه مأجوراً لَا آثِما مأزوراً وَلَو لم يكن لَهُ بعلي نِسْبَة اتِّصَال وَلَا إِحْسَان وَلَا نَحْوهمَا مِمَّا جعله مسوغاً لجَوَاز ذَلِك هَذَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فالعجب من هَذَا الْمُجيب فِيمَا أجَاب وأعجب مِنْهُ إِقْرَار الْعَلامَة ابْن حجر عَلَيْهِ فى الْكتاب فِي تَارِيخ ابْن الْجَوْزِيّ الْمُسَمّى بالمنتظم فِي أَخْبَار الْأُمَم وَالْعرب والعجم قصيدة الإِمَام الْعَلامَة يحيى بن سَلامَة بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل الحصنكي نِسْبَة إِلَى حصن كيفا أَحْبَبْت إِيرَاد شَيْء مِنْهَا قَالَ // (من الرجز) // (تقاسموُا يومَ الوداعِ كَبِدِي ... فَليْسَ لي مُنْذُ تَوَلَّوْا كَبِدُ) (على الجفونِ رَحَلُوا وَفِي الحشاءِ ... قَيَّلوا وماءَ عَيْني وَرَدُوا) (وأدمُعي مسفوحةٌ وَكبِدِي ... مقروحةٌ وغلَّتي مَا تبردُ) (وصَبْوَتِي دائمةٌ ومُقْلَتي ... داميَةٌ ونَوْمُهَا مشرَّدُ) (تيمني منهُمْ غزالٌ أغيدُ ... يَا حَبَّذَا ذاكَ الغزَالُ الأغيَدُ) (حُسَامُهُ مجرَّدٌ وصرحُهُ ... ممرَّدٌ وخدُّهُ مورَّدُ) (وصُدْغُهُ فوقَ احمرارِ خَدِّهِ ... مبلبلٌ مُعَقْربٌ مجعَّدُ) (كَأَنَّمَا نكْهتُهُ وريقُهُ ... مسك وخمر الثنايا بَرَدُ) (يقعدُهُ عِنْد القيامِ ردفُهُ ... وَفِي الحشا مِنْهُ المقيمُ المقعدُ) (لَهُ قوامٌ كقضيبِ بانةٍ ... يهتزُّ قصدا لَيْسَ فيهِ أَودُ) قَالَ وَهِي طَوِيلَة جدا ثمَّ خرج من التغزل إِلَى مدح أهل الْبَيْت وَذكر الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر رَحِمهم الله تَعَالَى فَقَالَ (يَا سائِلي عَنْ حُبِّ أهل البيتِ هَلْ ... أقرّ إِيمَانًا بِهِ أم أجْحَدُ) (هيهاتَ ممزوجٌ بلحْمي ودَمِي ... حُبُّهُمُ وهْوَ الهدَى والرِّشَدُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 (حيدَرَةٌ والحَسَنانِ بعدَهُ ... ثمَّ عليٌّ وابْنُهُ محمَّدُ) (وجعفَرُ الصادقُ وابْنُ جعفرٍ ... موسَى ويتلوُه عليُّ السَّيدُ) (أَعنِي الرِّضَا ثمَّ ابنُهُ محمَّدٌ ... ثمَّ عليٌّ وابنُهُ المسَددُ) (والحسنُ الثَّانِي ويتلُو تلوهُ ... محمَّدُ بن الحسَنِ المنتقدُ) (فإنهُمْ أئمتي وسَادَتِى ... وإنْ لحاني معشَر وقيَّدُوا) (أئِمَّةٌ أكرِم بهم أَئِمَّة ... أسماؤُهُمْ مسرودَةٌ تَطَّرِدُ) (هم حُجَجُ اللهِ على عبادِهِ ... وهُمْ إِلَيْهِ منهجٌ ومقصدُ) (قومٌ لَهُم فضْلٌ ومجدٌ باذخٌ ... يعرفُهُ المشركُ والموحِّدُ) (قومٌ لَهُم فِي كلِّ أرضٍ مشهدٌ ... لَا بَلْ لَهُم فِي كلِّ قَلْبٍ مشهَدُ) (قومٌ مِنى والمشعرانِ لَهُمُ ... والمروتَانِ لَهُم والمسجِدُ) (قومٌ لَهُم مكَّةُ والأبطَحُ ... والْخيفُ وجَمْعٌ والبقيعُ الغرقَدُ) ثمَّ ذكر مقتل الْحُسَيْن إِلَى أَن قَالَ (ولستُ أهواكُمْ ببغْضِ غَيركم ... إنِّى إِذن أشْقى بكُمْ لَا أسعَدُ) (فَلَا يظنُّ رافضيٌّ أنني ... وافَقْتُهُ أَو خارجيٌّ مفسدُ) (محمدٌ والخلفاءُ بعدَهُ ... أفضَلُ خَلقِ اللهِ فِيمَا أَجدُ) (هُمْ أسَّسُوا قَوَاعِد الدّين لنا ... وهُمْ بَنَوا أركانَهُ وشَيَّدوا) (ومَنْ يخُنْ أحمَدَ فِي أصحابِهِ ... فخَصْمُهُ يومَ المعادِ أحمَدُ) (هَذَا اعتقادي فالزمُوهُ تفلحُوا ... هَذَا طريقي فاسلُكُوهُ تَهْتَدُوا) (والشافِعِيُّ مذهبي مذهَبُهُ ... لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ مؤيَّدُ) (إِنِّي بإذْنِ الله ناجٍ سابقٌ ... إِذا أتَى الظالمُ والمفَنّدُ) (نسب أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) هُوَ أَبُو بكر الصّديق ابْن أبي قُحافة عُثْمَان بن عَمْرو بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان الْقرشِي التَّيْمِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 يلتقي مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مرّة وَبَينه وَبَين مرّة كَمَا بَينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَين مرّة سِتَّة آبَاء فَهَذِهِ مُوَافقَة اتّفقت بَينهمَا فِي النّسَب كَمَا اتّفقت فِي الْعُمر على أصح الْأَقْوَال أمه أم الْخَيْر لفظا وَمعنى سلمى بنت صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم بنت عَم أَبِيه هَكَذَا ذكره جمهوره أهل النّسَب وَمن شَذَّ فَقَالَ بنت صَخْر بن عَامر بن عمر بن كَعْب فَجَعلهَا ابنةَ عَمه فَلَيْسَ بِصَحِيح أسلم أَبوهُ أَبُو قُحَافَة عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب يَوْم الْفَتْح وَبَايع رَسُول الله وعاش مُدَّة حَيَاته وَمُدَّة خلَافَة وَلَده وَمَات فِي خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَت لما وقف رَسُول الله بِذِي طوى حَال دُخُوله مَكَّة عَام الْفَتْح قَالَ أَبُو قُحَافَة لابنةِ لَهُ من أَصْغَر وَلَده أَي بنية أظهري بِي على أبي قبيس قَالَت وَالْحَال أَنه قد كف بَصَره قَالَت فَأَشْرَفت بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ أَي بُنية مَاذَا تَرين قَالَت أرى سواداً مجتمعاً قَالَ تِلْكَ الْخَيل قَالَت وَأرى رجلا يسْعَى بَين يَدي السوَاد مُقبلا ومدبراً قَالَ أَي بنية ذَاك الْوَازِع الَّذِي يؤم الْخَيل ويتقدم إِلَيْهَا ثمَّ قَالَت قد وَالله انْتَشَر بالوادي فَقَالَ وَالله لقد دفعت الْخَيل فأسرعي بِي إِلَى بَيْتِي فانحطت بِهِ وَتَلَقَّتْهُ الْخَيل قبل أَن يصل إِلَى بَيته وَفِي عنق الْجَارِيَة طوق من فضَّة فتلقاها رجل فاقتلعه من عُنُقهَا قَالَت فَلَمَّا دخل رَسُول الله مَكَّة وَدخل وَالْمَسْجِد أَتَاهُ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِأَبِيهِ يَقُودهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله قَالَ هلا تركت الشيخَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 فِي بَيته حَتَّى أكون أَنا آتيه فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله هُوَ أَحَق أَن يَأْتِي إِلَيْك من أَن تَأتي إِلَيْهِ قَالَ فأجلسه رَسُول الله بَين يَدَيْهِ ثمَّ مسح صَدره ثمَّ قَالَ لَهُ أسلم فَأسلم وَكَانَ رَأسه كالثغامة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام غيروا هَذَا عَن شعره ثمَّ قَامَ أَبُو بكر فَأخذ بيد أُخْته فَقَالَ أنْشد الله والإسلامَ طوق أُخْتِي فَقَالَ يَا أُخْتِي احتسبي طوقك فوَاللَّه إِن الْأَمَانَة اليومَ فِي النَّاس لقَلِيل // (أخرجه أَحْمد وَأَبُو حَاتِم وَابْن إِسْحَاق) // وفى رِوَايَة بعد قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هلا تركت الشَّيْخ حَتَّى أكون أَنا آتيه فَقَالَ أَبُو بكر أردْت رَسُول الله أَن يأجره الله عز وَجل فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لأَنا كنت أَشد فَرحا بِإِسْلَام أبي طَالب مني بِإِسْلَام أبي ألتمس بذلك قُرَّة عَيْنك قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صدقت وَقَوله الْوَازِع هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم الصَّفّ فَيُصْلِحهُ وَيقدم وَيُؤَخر فِي الْجَيْش وَمِنْه قَول الْحسن لَا بُد للنَّاس من وازع أَي سُلْطَان يكف بَعضهم عَن بعض والثغامة وَاحِدَة الثغام نبت أَبيض يشبه الشيب بِهِ وَأسْلمت أمه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أم الْخَيْر سلمى بنت صَخْر قَدِيما فى دَار الأرقم بن أبي الرقم وبايعت النَّبِي ذكره الْحَافِظ الدِّمَشْقِي وَصَاحب الصفوة ولد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعد مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسنتَيْنِ وَأشهر بِمَكَّة وَكَانَ منشأه بِمَكَّة لَا يخرج مِنْهَا إِلَّا لتِجَارَة وَكَانَ ذَا مَال جزيل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 قومه وثروة تَامَّة وإحسان وتفضل فيهم وَكَانَ من رُؤَسَاء قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وَأهل مشورتهم ومحبباً فيهم وَلما جَاءَ الْإِسْلَام أكره على مَا سواهُ وَلم يفعل وَدخل فِي الْإِسْلَام أكمل دُخُول وَكَانَ من أعف النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لقد ترك هُوَ وَعُثْمَان شرب الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر بِسَنَد صَحِيح (صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) كَانَ نحيفا أَبيض حسن الْقَامَة خَفِيف العارضين أجنأ لَا يسْتَمْسك إزَاره فِي حقْوَيْهِ معروق الْوَجْه غائر الْعَينَيْنِ ناتئ الْجَبْهَة عاري الأشاجع رَوَاهُ ابْن سعد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَقَوله أجنأ بِالْجِيم والهمز أَي منحنياً يُقَال مِنْهُ جنأ يجنو بِالْقصرِ جنوءاً وَمِنْه يُسمى الترس مجنأً لانحنائه وَيُقَال أحنا بِالْحَاء غير مَهْمُوز بِمَعْنَاهُ والأشاجع جمع أَشْجَع بِوَزْن إِصْبَع هِيَ أصُول الْأَصَابِع الَّتِي تتصل بأصول ظَاهر الْكَفّ كَانَ رَضِي الله عَنهُ يلقب بِالصديقِ فِي الْجَاهِلِيَّة لما عرف مِنْهُ الصدْق قَالَ ابْن إِسْحَاق عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَأول مَا اشْتهر بِهِ صَبِيحَة لَيْلَة الْإِسْرَاء وروى الْحَاكِم قَالَ حَمَّاد عَنهُ عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ قُلْنَا لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أخبرنَا عَن أبي بكر قَالَ ذَاك امْرُؤ سَمَّاهُ الله الصّديق على لِسَان جِبْرِيل وعَلى لِسَان مُحَمَّد خَليفَة رَسُول الله على الصَّلَاة رضيه لديننا فنرضاه لدنيانا وسمى بعتيق لِأَن أَبَا قُحَافَة كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد عتيقاً ومعتقاً ومعيتقاً وروى عَن ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر عَن مُوسَى بن طَلْحَة قلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 لأبى طَلْحَة لم سمي أَبُو بكر عتيقاً قَالَ كَانَت أمّه لَا يعِيش لَهَا ولد فَلَمَّا وَلدته اسْتقْبلت بِهِ الْبَيْت الشريف ثمَّ قَالَت اللَّهُمَّ إِن هَذَا عَتيق الْبَيْت فهبه لَهُ وروى ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت اسْم أبي بكر الَّذِي سَمَّاهُ أَهله بِهِ عبد الله وَلَكِن غلب عَلَيْهِ اسْم عَتيق وَفِي لفظ وَلَكِن النَّبِي سَمَّاهُ عتيقاً وَاخْتلف فِي أَي وَقت لقب عتيقاً فروى أَبُو يعلى فِي مُسْنده وَابْن سعد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت وَالله إِنِّي لفي بَيْتِي ذَات يَوْم وَرَسُول الله فِي الفناء والستر بيني وَبَينه إِذْ أقبل أَبُو بكر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من سره أَن ينظر إِلَى عَتيق من النَّار فَلْينْظر إِلَى أبي بكر وَإِن اسْمه الَّذِي سَمَّاهُ أَهله لعبد الله فغلب عَلَيْهِ اسْم عَتيق وروى التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَنْهَا أَن أَبَا بكر دخل على رَسُول الله فَقَالَ لَهُ أَنْت عَتيق الله من النَّار فَيَوْمئِذٍ سمي عتيقاً وروى الطَّبَرِيّ وَالْبَزَّار بِسَنَد جيد عَن عبد الله بن الزبير قَالَ كَانَ اسْم أبي بكر عبد الله فَقَالَ لَهُ رَسُول الله أَنْت عَتيق الله من النَّار قَالَ فِي الرياض النضرة وَلَا تضَاد بَين هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا إِذْ يَصح أَن يكون أحد الْأَبَوَيْنِ لقبه بذلك ثمَّ تَابعه الآخر عَلَيْهِ أَو لِمَعْنى آخر ثمَّ استعملته قُرَيْش وأقرته عَلَيْهِ ثمَّ أقرّ عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة من قَوْلهَا فَمن يَوْمئِذٍ سمي عتيقاً فَمَعْنَاه وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 فَمن ذَلِك الْيَوْم اشْتهر بِهِ حَتَّى لَا يعرف لَهُ اسْم سواهُ (الْآيَات فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) الْآيَة الأولى قَوْله تَعَالَى {وَسَيُجَنَبُها الأتقَى الَذِي يُؤتى مالَه يَتَزكى} اللَّيْل 17، 18 إِلَى آخر السُّورَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَجمعُوا أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر فَفِيهَا التَّصْرِيح بِأَنَّهُ أتقى من سَائِر الْأمة والأتقى هُوَ الأكرم عِنْد الله بِدَلِيل {إِنَّ أكرَمَكم عِندَ اللهِ أتقاكُم} الحجرات 13 والأكرم عِنْد الله هُوَ الْأَفْضَل وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ أَن أَبَا بكر أعتق سَبْعَة كلهم يعذب فِي الله فَأنْزل الله قَوْله {وَسَيُجَنَبُهاً الأتقى} اللَّيْل 17 الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى {واليلِ إِذا يغشَى والنَهارِ إِذا تجلى وَما خَلقَ الذّكر والأُنثَى إِنَّ سَعيَكم لَشَتى} اللَّيْل 1، 4 أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَن أَبَا بكر اشْترى بِلَالًا من أُميَّة بن خلف وأبى بن خلف بِبُرْدَةٍ وَعشرَة أَوَاقٍ فَأعْتقهُ لله تَعَالَى فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة إِشَارَة إِلَى أَن سعي أبي بكر وَأُميَّة وَأبي مفترق فرقاناً عَظِيما فشتان بَينهمَا الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى {ثانيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تحزن إِن اللهَ مَعنا} إِلَى قَوْله {لم تَروها} التَّوْبَة 40 أجمع الْمُسلمُونَ على أَن المُرَاد بالصاحب هُنَا أَبُو بكر وَمن ثمَّ من أنكر صحبته كفر إِجْمَاعًا وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَن الضَّمِير فِي {فأنزَلَ الله سكينَة عَلَيْهِ} التَّوْبَة 40 لأبى بكر أَي وَلَا يُنَافِيهِ {وأيده بجُنود} التَّوْبَة 40 إرجاعاً للضمير فِي كل بِمَا يَلِيق بِهِ وجلالة ابْن مَسْعُود قاضية بِأَنَّهُ لَوْلَا علم فِي ذَلِك نصا لما حمل الْآيَة عَلَيْهِ مَعَ مُخَالفَة ظَاهرهَا لَهُ الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {والذيِ جَاءَ بِالصدِقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هم المُتَّقُونَ} الزمر 33 أخرج الْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 تَفْسِيرهَا الذى جَاءَ بِالْحَقِّ هُوَ مُحَمَّد وَصدق بِهِ هُوَ أَبُو بكر قَالَ ابْن عَسَاكِر هَكَذَا الرِّوَايَة بِالْحَقِّ ولعلها قِرَاءَة لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} الرَّحْمَن 46 أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى {وَشاوِرهُم فِي الأمرِ} آل عمرَان 159 أخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَيُؤَيِّدهُ الْخَبَر الْآتِي فِي الْأَحَادِيث إِن الله أَمرنِي أَن أستشير أَبَا بكر وَعمر الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {فإنَّ الله هُوَ مَولاه وَجِبرِيلُ وَصالِحُ المُؤمنِينَ} التَّحْرِيم 4 أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهَا نزلت فيهمَا الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى {وَوَصَينا الْإِنْسَان بِوَالِدَيهِ إِحسَاناً حَمَلَتهُ أُمُهُ كرها} إِلَى قَوْله {يوُعَدونَ} الْأَحْقَاف 15، 16 أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن ذَلِك جَمِيعه نزل فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن تَأمل ذَلِك وجد فِيهِ من عَظِيم المنقبة لَهُ والْمنَّة عَلَيْهِ مَا لم يُوجد لأحد من الصَّحَابَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى {وَلا يأتَلِ أُولوُا الفَضلِ مِنكُم والسَّعَةِ أَن يُؤتوا أُولِي القُربىَ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَالله غَفور رَحِيم} النُّور 22 نزلت فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا فِي البُخَارِيّ وَغَيره لما حلف لَا ينْفق على مسطح بن أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب بن هَاشم لكَونه كَانَ من جملَة من رمى عَائِشَة بالإفك الَّذِي تولى سُبْحَانَهُ براءتها مِنْهُ بِالْآيَاتِ الْعشْر الَّتِي أنزلهَا سُبْحَانَهُ فِي شَأْنهَا أول سُورَة النُّور وَلما نزلت قَالَ أَبُو بكر بلَى وَالله يَا رَبنَا إِنَّا لنحب أَن تغْفر لنا وَأعَاد لمسطح مَا كَانَ يُنْفِقهُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي حَدِيث الْإِفْك الطَّوِيل فَلَمَّا أنزل الله هَذَا فِي براءتي قَالَ أَبُو بكر الصّديق وَكَانَ ينْفق على مسطح بن أَثَاثَة لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقره وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا بعد الَّذِي قَالَ لعَائِشَة مَا قَالَ فَأنْزل الله قَوْله {وَلا يأتَلِ أُولوُا الفَضلِ} النُّور 22 وَذكر الْآيَة السَّابِقَة ثمَّ قَالَت قَالَ أَبُو بكر بلَى وَالله إِنِّي لأحب أَن يغْفر الله لي فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ بنفقها عَلَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا أَنْزعهَا أبدا تَنْبِيه علم من حَدِيث الْإِفْك الْمشَار إِلَيْهِ أَن من نسب عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا إِلَى الزِّنَا كَانَ كَافِرًا وَهُوَ مَا قد صرح بِهِ أَئِمَّتنَا وَغَيرهم لِأَن فِي ذَلِك تَكْذِيب النُّصُوص القرآنية ومكذبها كَافِر بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَبِه يُعلم الْقطع بِكفْر كثيرين من غلاة الروافض لأَنهم ينسبونها إِلَى ذَلِك قَاتلهم الله أَنى يؤفكون الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكم وَمَلائكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُلُماَتِ إِلَى النُّور} الْآيَة الْأَحْزَاب 43 أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد لما نزلت {إِن الله وَملائكته} الْأَحْزَاب 56 قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا أنزل الله عَلَيْك خير إِلَّا أشركنا فِيهِ فَنزلت {هُوَ الَّذِي يِصلي عَليكم} الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 الْآيَة الْحَادِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الذِينَ قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} الْأَحْقَاف 13 عَن ابْن عَبَّاس نزلت فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ذكره الإِمَام الواحدي الْمُفَسّر الْمَشْهُور الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {أفمَن يُلقَى فِي النارِ خير أم من يَأْتِي آمِناً يومَ القِيامَةِ} فصلت 40 عَن ابْن عَبَّاس هَذَا أبوجهل وَهَذَا أَبُو بكر حَكَاهُ الإِمَام الثعالبي الْآيَة الثَّالِثَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {حَتى إِذا بَلَغَ أشده وَبلغَ أربَعِينَ سنة} إِلَى {وَإِنِّي مِنَ الْمُسلمين} الْأَحْقَاف 15 عَن ابْن عَبَّاس نزلت فِي أبي بكر فَاسْتَجَاب الله لَهُ فَأسلم وَالِده وَأَوْلَاده كلهم رَوَاهُ عقيل بن خَالِد الأربلي الْآيَة الرَّابِعَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {لَا يستوَي مِنكم مَن أنفَقَ مِن قَبل الفَتحِ وَقاتل} الْحَدِيد 10 قَالَ الْكَلْبِيّ نزلت فِي أبي بكر ذكره الواحدي الْآيَة الْخَامِسَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {لَا تَجدُ قوما يؤمَنوُنَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ} المجادلة 22 عَن ابْن جريج أَن أَبَا قُحَافَة سبّ النَّبِي فَصَكَّهُ أَبُو بكر صَكَّة شَدِيدَة فَسقط مِنْهَا ثمَّ ذكر للنَّبِي قَالَ أَو فعلته قَالَ نعم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَا تعد إِلَيْهِ فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لَو كَانَ السَّيْف قَرِيبا مني لقتلته فَنزلت هَذِه الْآيَة أخرجه الواحدي وَالْإِمَام أَبُو الْفرج الْآيَة السَّادِسَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {إِلَّا تنصُرُوه فَقَد نَصَرَهُ اللهُ} الْآيَة التَّوْبَة 40 أخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ عَاتب الله الْمُسلمين كلهم فِي رَسُول الله إِلَّا أَبَا بكر وَحده فَإِنَّهُ خرج من المعاتبة ثمَّ قَرَأَ {إِلَّا تنصُرُوهُ فَقَد نَصرهُ الله} الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 (الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) مِنْهَا صَافِيَة الدّلَالَة على خِلَافَته وهى أَرْبَعَة عشر حَدِيثا الحَدِيث الأول أخرج الشَّيْخَانِ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ أَتَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي فَأمرهَا أَن ترجع إِلَيْهِ فَقَالَت أَرَأَيْت إِن جِئْت وَلم أجدك كَأَنَّهَا تَقول الْمَوْت قَالَ إِن لم تجديني فَأتى أَبَا بكر وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي تسأله شَيْئا فَقَالَ لَهَا تعودين فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن عدت فَلم أجدك تعرض بِالْمَوْتِ فَقَالَ إِن جئتني وَلم تجديني فَأتي أَبَا بكر فَإِنَّهُ الْخَلِيفَة بعدِي الحَدِيث الثَّانِي أخرج أَبُو الْقَاسِم البغوى بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول يكون خَلْفي اثْنَا عشر خَليفَة أَبُو بكر لَا يلبث إِلَّا قَلِيلا قَالَ الْأَئِمَّة هَذَا صدر حَدِيث مجمع على صِحَّته وَارِد من طرق عدَّة أخرجه الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا فَمن تِلْكَ الطّرق لَا يزَال هَذَا الْأَمر عَزِيزًا ينْصرُونَ على من ناوأهم عَلَيْهِ إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش رَوَاهُ عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل // (بِسَنَد صَحِيح) // وَمِنْهَا لَا يزَال هَذَا الْأَمر صَالحا وَمِنْهَا لَا يزَال مَاضِيا مَا وليهم اثْنَا عشر رجلا وَمِنْهَا لَا يزَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 أَمر أمتِي قَائِما حَتَّى يمْضِي اثْنَا عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش زَاد أَبُو دَاوُد فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى منزله أَتَتْهُ قُرَيْش فَقَالُوا ثمَّ يكون مَاذَا قَالَ ثمَّ يكون الْهَرج وَعَن ابْن مَسْعُود // (بِسَنَد حسن) // أَنه سُئِلَ كم يملك هَذِه الْأمة من خَليفَة فَقَالَ سَأَلنَا عَنْهَا رَسُول الله فَقَالَ اثْنَا عشر كعدة نقباء بني إِسْرَائِيل قَالَ القَاضِي عِيَاض لَعَلَّ المُرَاد بالاثني عشر فِي هَذِه الْأَحَادِيث أَنهم يكونُونَ فِي مُدَّة عزة الْخلَافَة وَقُوَّة الْإِسْلَام واستقامة أُمُوره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وَقد وجد هَذَا فِيمَن اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس إِلَى أَن اضْطربَ أَمر بني أُميَّة وَوَقعت بَينهم الْفِتَن زمن الْوَلِيد بن يزِيد فاتصلت تِلْكَ الْفِتَن إِلَى أَن قَامَت الدولة العباسية فاستأصلوا أَمرهم قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي فتح الْبَارِي فِي شرح البُخَارِيّ كَلَام القَاضِي عِيَاض هَذَا أحسن مَا قيل فِي هَذَا الحَدِيث فرجحه لتأيده بقوله فِي بعض طرقه الصَّحِيحَة كلهم يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس وَالْمرَاد باجتماعهم انقيادهم لبيعته وَالَّذِي اجْتَمعُوا عَلَيْهِ الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة ثمَّ على عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى أَن وَقع أَمر الْحكمَيْنِ فِي صفّين وَتسَمى مُعَاوِيَة يَوْمئِذٍ بالخلافة ثمَّ اجْتَمعُوا على مُعَاوِيَة عِنْد صلح الْحسن ونزوله عَن الْخلَافَة ثمَّ على ابْنه يزِيد وَلم يَنْتَظِم للحسين رَضِي الله عَنهُ أَمر بل قتل ثمَّ لما مَاتَ يزِيد اجْتَمعُوا على عبد الْملك بن مَرْوَان بعد قتل عبد الله بن الزبير ثمَّ على أَوْلَاده الْأَرْبَعَة الْوَلِيد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بَين سُلَيْمَان وَيزِيد عمر بن عبد الْعَزِيز فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة بعد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الْأَرْبَعَة فجملتهم أحد عشر وَالثَّانِي عشر هُوَ الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ لما مَاتَ عَمه هِشَام فولى نَحْو أَربع سِنِين ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وانتشرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 الْفِتَن وتغيرت الْأَحْوَال من يَوْمئِذٍ وَلم يتَّفق أَن تَجْتَمِع النَّاس على خَليفَة بعد ذَلِك لوُقُوع الْفِتَن بَين من بَقِي من بني أُميَّة ولخروج الْمغرب عَن العباسيين باستيلاء عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هِشَام بن عبد الْملك الملقب بالداخل عَلَيْهِ وانفرط الْأَمر إِلَى أَن لم يبْق من الْخلَافَة إِلَّا الِاسْم بعد أَن كَانَ يخْطب لعبد الْملك فِي جَمِيع أقطار الأَرْض شرقاً وغرباً يَمِينا وَشمَالًا مِمَّا غلب عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا يتَوَلَّى أحد فِي بَلْدَة إِمَارَة فِي شَيْء إِلَّا بِأَمْر الْخَلِيفَة وَقيل اثْنَا عشر خَليفَة فِي مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى الْقِيَامَة يعْملُونَ بِالْحَقِّ وَإِن لم يتوالوا وَيُؤَيِّدهُ قَول أبي الْجلد كلهم يعْمل بِالْهَدْي وَدين الْحق مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت مُحَمَّد فَعَلَيهِ المُرَاد بالهرج الْفِتَن الْكِبَار كالدجال وَمَا بعده وَقيل المُرَاد بالاثني عشر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَالْحسن وَمُعَاوِيَة وَابْن الزبير وَعمر بن عبد الْعَزِيز فِي الأمويين قيل وَيحْتَمل أَن يضم إِلَيْهِم الْمُهْتَدي العباسي لِأَنَّهُ فِي العباسيين كعمر بن عبد الْعَزِيز فِي الأمويين وَالظَّاهِر العباسي أَيْضا لما أوتيه فِي الْعدْل وَيبقى الِاثْنَان المنتظران أَحدهمَا الْمهْدي من آل بَيت مُحَمَّد قلت لَعَلَّ هَذَا القَوْل الثَّانِي أقرب إِلَى المُرَاد من كَلَام سيد الْعباد الحَدِيث الثَّالِث أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن مَسْعُود وروى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 صَحِيحه عَن حُذَيْفَة إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قدر بقائي فِيكُم فاقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وتمسكوا بِهَدي عمار وَمَا حَدثكُمْ بِهِ ابْن مَسْعُود فصدقوه وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَالرُّويَانِيّ عَن حُذَيْفَة وَابْن عدي عَن أنس اقتدوا باللذين من بعدِي من أَصْحَاب أبي بكر وَعمر وَاقْتَدوا بِهَدي عمار وتمسكوا بِعَهْد ابْن مَسْعُود الحَدِيث الرَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ خطب رَسُول الله النَّاس فَقَالَ إِن الله تعلى خير عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ ذَلِك العَبْد مَا عِنْد الله فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ بل نفديك بأبائنا وَأُمَّهَاتنَا فعجبنا لبكائه أَن أخبر رَسُول الله بذلك فَكَانَ رَسُول الله هُوَ الْمخبر عَنهُ وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا فَقَالَ رَسُول الله إِن من أَمن النَّاس على فِي صحبته وَمَاله أَبَا بكر وَلَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام ومودته لَا يبْقين بَاب إِلَّا سُد إِلَّا بَاب أبي بكر وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ وَمُسلم لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد خوخة إِلَّا خوخة أبي بكر قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر الهيتمي فِي هَذِه الْأَحَادِيث إِشَارَة إِلَى خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه لِأَن الْخَلِيفَة يحْتَاج إِلَى الْقرب من الْمَسْجِد لشدَّة احْتِيَاج النَّاس إِلَى ملازمته لَهُ للصَّلَاة وَغَيرهَا الحَدِيث الْخَامِس أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي بَنو المصطلق إِلَى رَسُول الله أَن سَله إِلَى من ندفع صَدَقَاتنَا بعْدك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 فَأَتَيْته فَسَأَلته فَقَالَ إِلَى أبي بكر قَالَ ابْن حجر وَمن لَازم دفع الصَّدقَات إِلَيْهِ كَونه هُوَ الْخَلِيفَة إِذْ هُوَ مُتَوَلِّي قبض الصَّدقَات الحَدِيث السَّادِس أخرج مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ ادعِي لي أَبَاك وأخاك حَتَّى أكتب كتابا فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن أَو يَقُول قَائِل أَنا أولى ويأبى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر أخرجه أَحْمد وَغَيره من طرق عَنْهَا وَفِي بَعْضهَا قَالَ لي رَسُول الله فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ ادعِي لي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لَا يخْتَلف عَلَيْهِ أحد ثمَّ قَالَ دعيه مَعاذ الله أَن يخْتَلف الْمُؤْمِنُونَ فِي أبي بكر وَفِي رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف عَلَيْك يَا أَبَا بكر الحَدِيث السَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ مرض النَّبِي فَاشْتَدَّ مَرضه فَقَالَ مُروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ قَالَت عَائِشَة يَا رَسُول الله إِنَّه رجل رَقِيق إِذا قَامَ مقامك لم يسْتَطع أَن يصلى بِالنَّاسِ فَقَالَ مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَعَادَت فَقَالَ مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِب يُوسُف فَأَتَاهُ الرَّسُول فصلى بِالنَّاسِ فِي حَيَاة رَسُول الله وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا لما راجعته فَلم يرجع لَهَا قَالَت لحفصة قولي لَهُ يَأْمر عمر فَقَالَت لَهُ فَأبى حَتَّى غضب فَقَالَ (وَكانَ الْإِنْسَان أكثرَ شَيءٍ جَدَلا} الْكَهْف 54 أنتن أَو إنكن لأنتن صَوَاحِب يُوسُف يظهرن خلاف مَا يخفين قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر رَحمَه الله تَعَالَى وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث // (متواتر) // فَإِنَّهُ ورد فِي حَدِيث عَائِشَة وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعبد الله بن زَمعَة وأبى سعيد الْخُدْرِيّ وعَلى بن أبي طَالب وَحَفْصَة وَفِي بعض طرقه عَن عَائِشَة قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 راجعت رَسُول الله فِي ذَلِك يَوْمًا حَملَنِي على كَثْرَة مُرَاجعَته أَنه لم يَقع فِي قلبِي أَن يجب النَّاس بعده رجلا قَامَ مقَامه أبدا وَكنت أرى أَنه لن يقوم مقَامه أحد إِلَّا تشاءم النَّاس بِهِ فَأَرَدْت أَن يعدل بذلك رَسُول الله عَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِي حَدِيث ابْن زَمعَة أَن رَسُول الله أَمرهم بِالصَّلَاةِ وَكَانَ أَبُو بكر غَائِبا فَتقدم عمر فصلى فَقَالَ رَسُول الله لَا لَا يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه قَالَ لَهُ اخْرُج وَقل لأبي بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخرج فَلم يجد على الْبَاب إِلَّا عمر فِي جمَاعَة لَيْسَ فيهم أَبُو بكر فَقَالَ يَا عمر صل بِالنَّاسِ فَلَمَّا كبر وَكَانَ صيتًا سمع رَسُول الله صَوته قَالَ يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر قَالَ الْعلمَاء فِي هَذَا أوضح دلَالَة على أَن الصّديق أفضل الصَّحَابَة على الْإِطْلَاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم قَالَ الْأَشْعَرِيّ قد علم بِالضَّرُورَةِ أَن رَسُول الله أَمر الصّديق أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ مَعَ حُضُور الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمَعَ قَوْله يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 فَدلَّ على أَنه أقرؤهم أَي أعلمهم بالقران انْتهى وَقد اسْتدلَّ الصَّحَابَة أنفسهم بِهِ على أَنه أَحَق بالخلافة مِنْهُم مِنْهُم عمر وَقد مر كَلَامه فِي الْمُبَايعَة وَمِنْهُم عَليّ فقد أخرج ابْن عَسَاكِر عَنهُ قَالَ لقد أَمر رَسُول الله أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَإِنِّي لشاهد وَمَا أَنا بغائب وَمَا بِي مرض فرضينا لدنيانا من رضيه النَّبِي لديننا قَالَ الْعلمَاء وَكَانَ مَعْرُوفا بأهلية الْإِمَامَة فِي زمَان النَّبِي وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا عَن سهل بن سعد قَالَ كَانَ قتال بَين بني عَمْرو بن عَوْف فَبلغ النَّبِي فَأَتَاهُم بعد الظّهْر ليصلح بَينهم قلت بَنو عَمْرو بن عَوْف هم أهل قبَاء من الْأَنْصَار فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِبلَال يَا بِلَال إِن حضرت الصَّلَاة وَلم آتِ فَمر أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَلَمَّا حضرت صَلَاة الْعَصْر أَقَامَ بِلَال الصَّلَاة ثمَّ أَمر أَبَا بكر فصلى وَوجه مَا تقرر أَن الْأَمر بتقدمته للصَّلَاة كَمَا ذكر فِيهِ الْإِشَارَة أَو التَّصْرِيح بأحقيته للخلافة إِذْ الْقَصْد الذاتي من نصب الإِمَام إِقَامَة شَعَائِر الدّين على الْوَجْه الْمَأْمُور بِهِ من أَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات وإحياء السّنَن وإماتة الْبدع وَأما الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وتدبيرها كإستيفاء الْأَمْوَال من وجوهها وإيصالها لمستحقيها وَدفع الظُّلم وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ مَقْصُودا بِالذَّاتِ بل ليتفرغ النَّاس لأمور دينهم إِذْ لَا يتم تفرغهم لَهُ إِلَّا إِذا انتظمت أُمُور مَعَايشهمْ بِنَحْوِ الْأَمْن على الْأَنْفس وَالْأَمْوَال ووصول كل ذِي حق إِلَى حَقه فَلذَلِك رَضِي لأمر الدّين وَهِي الْإِمَامَة الْعُظْمَى أَبَا بكر الصّديق بتقديمه للْإِمَامَة فِي الصَّلَاة كَمَا ذكر وَمن ثمَّ اجْتَمعُوا على ذَلِك كَمَا مر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 وَأخرج ابْن عدي عَن أبي بكر بن عَيَّاش قَالَ قَالَ لي الرشيد يَا أَبَا بكر كَيفَ اخْتَار النَّاس أَبَا بكر الصّديق قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سكت الله وَسكت رَسُوله وَسكت الْمُؤْمِنُونَ قَالَ الرشيد وَالله مَا زدتني إِلَّا عماء قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مرض النَّبِي ثَمَانِيَة أَيَّام فَدخل عَلَيْهِ بِلَال فَقَالَ يَا رَسُول الله من يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ مروا أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فصلى أَبُو بكر بِالنَّاسِ ثَمَانِيَة أَيَّام وَالْوَحي ينزل على النَّبِي فَسكت رَسُول الله لسكوت الله عز وَجل وَسكت الْمُؤْمِنُونَ لسكوت رَسُول الله فأعجبه وَقَالَ بَارك الله فِيك الحَدِيث الثَّامِن أخرج ابْن حبَان عَن سفينة لما بنى رَسُول الله الْمَسْجِد وضع فِي أسّ الْبناء حجرا وَقَالَ لأبي بكر ضع حجرك إِلَى جنب حجري ثمَّ قَالَ لعمر ضع حجرك إِلَى جنب حجر أبي بكر ثمَّ قَالَ لعُثْمَان ضع حجرك إِلَى جنب حجر عمر ثمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء بعدِي قَالَ أَبُو زرْعَة // (إِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ) // وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَغَيرهمَا الحَدِيث التَّاسِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن النَّبِي قَالَ رَأَيْت كَأَنِّي أنزع بِدَلْو بَكرة بِسُكُون الْكَاف على قليب فجَاء أَبُو بكر فَنزع ذَنوباً ممتلئة مَاء أَو قريبَة من ممتلئة أَو ذنوبين نزعاً ضَعِيفا وَالله يغْفر لَهُ ثمَّ جَاءَ عمر فاستقى فاستحالت غرباً أَي دلوا عَظِيما فَلم أر عبقرياً يفري فَريَهُ أَي رجلا قَوِيا شَدِيدا يعْمل عمله حَتَّى روى النَّاس وضربوا بِعَطَن والعطن مناخ الْإِبِل إِذا رويت قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا الْمَنَام مِثَال لما جرى للخليفتين من ظُهُور آثارهما الصَّالِحَة وانتفاع الْمُسلمين بهما وكل ذَلِك مَأْخُوذ من النَّبِي لِأَنَّهُ صَاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 الْأَمر فَقَامَ بذلك أكمل قيام وَقرر قَوَاعِد الدّين ثمَّ خَلفه أَبُو بكر فقاتل أهل الرِّدَّة وَقطع دابرهم ثمَّ خَلفه عمر فَامْتنعَ الْإِسْلَام فِي زَمَنه وَكَثُرت الفتوحات فَشبه أَمر الْمُسلمين بقليب فِيهِ المَاء الَّذِي فِيهِ حياتهم وصلاحهم وَشبه أَمِيرهمْ بالمستقى لَهُم مِنْهَا وَلَيْسَ فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيغْفر الله لَهُ نقص وَلَا إِشَارَة إِلَى أَنه وَقع مِنْهُ ذَنْب وَإِنَّمَا هِيَ كلمة كَانَت الْعَرَب تَقُولهَا عِنْد الاعتناء بِالْأَمر الحَدِيث الْعَاشِر أخرج أَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات وَابْن عَسَاكِر عَن حَفْصَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله إِذا أَنْت اعتللت قدمتَ أَبَا بكر قَالَ لست أَنا أقدمه وَلَكِن الله قدمه الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج أَحْمد عَن سفينة وَأخرجه أَيْضا صَاحب السّنَن وَصَححهُ ابْن حبَان وَغَيره قَالَ سَمِعت النَّبِي يَقُول الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ عَاما ثمَّ تكون ملكا عَضُوضًا قَالَ الْعلمَاء لم يكن فِي الثَّلَاثِينَ بعده إِلَّا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَأَيَّام الْحسن وَوجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه حكم بحقية الْخلَافَة عَنهُ فِي أَمر الدّين هَذِه الْمدَّة دون مَا بعْدهَا وَحِينَئِذٍ فَيكون هَذَا دَلِيلا وَاضحا فِي حقية خلَافَة كل من الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَقيل لسَعِيد بن جمْهَان أَن بني أُميَّة يَزْعمُونَ أَن الْخلَافَة فيهم فَقَالَ كذب بَنو الزَّرْقَاء بل هم مُلُوك من شَرّ الْمُلُوك فَإِن قلت يُنَافِي هَذَا خبر الاثْنَي عشر خَليفَة السَّابِق قلت لَا يُنَافِيهِ لِأَن هَذَا للكمال فَيكون المُرَاد بِهَذَا الْخلَافَة الْكَامِلَة ثَلَاثُونَ سنة وَهِي منحصرة فِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَالْحسن لِأَن مدَّته هِيَ المكملة للثلاثين وَالْمرَاد فِيمَا تقدم مُطلق الْخلَافَة الَّتِي فِيهَا كَمَال وَغَيرهَا لما مر أَن من جُمْلَتهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 نَحْو يزِيد بن مُعَاوِيَة على القَوْل الثَّانِي السَّابِق فَلَيْسَ الْخُلَفَاء المذكورون على هَذَا القَوْل حاوين من الْكَمَال مَا حواه الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة هُنَا الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج الدَّارَقُطْنِيّ والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله سَأَلت الله أَن يقدمك ثَلَاثًا فَأبى إِلَّا تَقْدِيم أبي بكر الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا أزالُ أَرَانِي أَطَأ فِي غُدْرَان النَّاس قَالَ لتكونن من النَّاس بسبيل قَالَ وَرَأَيْت فِي صَدْرِي كالرقمتين قَالَ سنتَيْن الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج الْبَزَّار // (بِسَنَد حسن) // عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَمِين هَذِه الْأمة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن أول دينكُمْ بَدَأَ نبوة وَرَحْمَة ثمَّ يكون خلَافَة وَرَحْمَة ثمَّ يكون ملكا وَجَبْرِيَّة وَجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه أثبت لخلافة أبي بكر أَنَّهَا خلَافَة إِذْ هِيَ الَّتِي وليت مُدَّة النُّبُوَّة وَالرَّحْمَة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم حقيتها وَيلْزم من حقيتها حقية خلَافَة بَقِيَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن الزبير قَالَ أَرْسلنِي عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ أسأله عَن أَشْيَاء فَجِئْته فَقلت لَهُ اشفني فِيمَا اخْتلف فِيهِ النَّاس هَل كَانَ رَسُول الله اسْتخْلف أَبَا بكر فَقَالَ أَو فِي هَذَا شكّ أَي وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لقد اسْتَخْلَفَهُ وَلَهو كَانَ أعلم بِهِ وَأتقى لَهُ وَأَشد لَهُ مَخَافَة من أَن يثبت عَلَيْهَا لَو لم يَأْمُرهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي اسْتدلَّ بهَا على حقية خِلَافَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الحَدِيث الْخَامِس عشر روى الديلمي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَقلت يَا جِبْرِيل من يُهَاجر معي قَالَ أَبُو بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وَهُوَ يَلِي أَمر أمتك من بعْدك الحَدِيث السَّادِس عشر روى تَمام عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أَمرك أَن تستشير أَبَا بكر الحَدِيث السَّابِع عشر روى الإِمَام أَحْمد بِرِجَال الصَّحِيح عَن أبي البخْترِي قَالَ قَالَ عمر لأبي عُبَيْدَة أمسك يدك حَتَّى أُبَايِعك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول أَنْت أَمِين هَذِه الْأمة فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَا كنت لأتقدم بَين يَدي رجل أمره رَسُول الله أَن يؤمنا فأمنا حَتَّى مَاتَ الحَدِيث الثَّامِن عشر روى ابْن سعد عَن موهب مولى أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ قلت لجبريل لَيْلَة أسرى بِي إِن قومِي لَا يصدقونني فَقَالَ يصدقك أَبُو بكر وَهُوَ الصّديق الحَدِيث التَّاسِع عشر روى الديلمي عَن أم هانىء رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله إِن الله بَعَثَنِي إلَيكم فقلتم كذبت فَقَالَ أَبُو بكر صدقت وواساني بِنَفسِهِ وَمَاله فَهَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي الحَدِيث الْعشْرُونَ روى الْخَطِيب والديلمي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ دعوا لي صَاحِبي فَإِنِّي بعثت إِلَى النَّاس كَافَّة فَلم يبْق أحد إِلَّا قَالَ كذبت إِلَّا أَبُو بكر الصّديق فَإِنَّهُ قَالَ صدقت صدقت الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله قَالَ مَا كلمت فِي الْإِسْلَام أحدا إِلَّا أَبى عَليّ وراجعني فِي الْكَلَام إِلَّا ابْن أبي قُحَافَة الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ روى عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 والديلمي عَن ابْن عَبَّاس وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن كَعْب بن مَالك وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر وَالْإِمَام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن الزبير وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس والشيرازي فِي الألقاب عَن سعد وَمُسلم عَن ابْن مَسْعُود وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي وَاقد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَن رَسُول الله قَالَ أَبُو بكر صَاحِبي ومؤنسي فِي الْغَار فاعرفوا لَهُ قدره وَفِي لفظ مَا من أحد أَمن عَليّ فِي بَدْء صحبته وَذَات يَده من أبي بكر زَوجنِي ابْنَته وَخرج معي إِلَى دَار الْهِجْرَة وَفِي لفظ مَا لأحد علينا يَد إِلَّا وَقد كافأناه عَلَيْهَا مَا خلا أَبَا بكر فَإِن لَهُ عندنَا يدا يُكَافِئهُ الله تَعَالَى بهَا يَوْم الْقِيَامَة الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ روى الشَّيْخَانِ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَالتِّرْمِذِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 وَقَالَ حسن // (صَحِيح غَرِيب) // وَابْن مَاجَه عَن أنس أَن رَسُول الله قَالَ أحب النَّاس إِلَيّ عَائِشَة وَمن الرِّجَال أَبوهَا الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ روى أَبُو دَاوُد وَأَبُو نعيم وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَأخذ بيَدي فَأرَانِي بَاب الْجنَّة الَّذِي تدخل مِنْهُ أمتِي قَالَ أَبُو بكر وددت أَنِّي كنت مَعَك حَتَّى أنظر إِلَيْهِ قَالَ أما إِنَّك يَا أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ روى ابْن عَسَاكِر عَن أبي الْمِقْدَاد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله رأى رجلا يمشي أَمَام أبي بكر فَقَالَ أتمشي أَمَام من هُوَ خير مِنْك إِن أَبَا بكر خير من طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة أَن رَسُول الله قَالَ أتمشي أَمَام من هُوَ خير مِنْك ألم تعلم أَن الشَّمْس لم تشرق على أحد أَو تغرب خير من أبي بكر إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ روى الديلمي عَن عرْفجَة بن صَرِيح أَن رَسُول الله قَالَ أَنا سيف الْإِسْلَام وَأَبُو بكر سيف الرِّدَّة الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل أَبَا بكر معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ روى الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق بِسَنَدِهِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله قَالَ إِن النَّاس كلهم يحاسبون إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 أَبَا بكر الحَدِيث الثَّلَاثُونَ روى الديلمي عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ تَأتي الْمَلَائِكَة بِأبي بكر مَعَ النَّبِيين وَالصديقين تزفه إِلَى الْجنَّة زفاً الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ روى الإِمَام أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا نَفَعَنِي مَال قطّ إِلَّا مَال أبي بكر الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ روى عَبْدَانِ الْمروزِي وَابْن قَانِع عَن بهزاد قَالَ قَالَ رَسُول الله ياأيها النَّاس احْفَظُونِي فِي أبي بكر فَإِنَّهُ لم يَسُؤْنِي مُنْذُ صحبني الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ روى ابْن مردوية وَأَبُو نعيم والخطيب وَابْن عَسَاكِر أَن رَسُول الله قَالَ للْعَبَّاس يَا عَم رَسُول الله إِن الله جعل أَبَا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فَاسْعَوْا لَهُ تُفْلِحُوا وَأَطيعُوا ترشدوا الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ روى ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس وَالْحَاكِم عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا أَبَا بكر إِن الله أَعْطَاك الرضْوَان الْأَكْبَر قَالَ أَبُو بكر وَمَا رضوانه الأكبَرُ قَالَ إِن الله سيتجلى لِلْخلقِ عَامَّة ويتجلى لَك خَاصَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله عرج بِي إِلَى السَّمَاء فَمَا مَرَرْت بسماء إِلَّا وجدت فِيهَا اسْمِي مَكْتُوبًا مُحَمَّد رَسُول الله وَأَبُو بكر الصّديق خَلْفي أخرجه ابْن عَرَفَة الْعَبْدي والثقفي والأصفهاني الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج صَاحب الصفوة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول مَا أظلت الخضراء وَلَا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي بكر من سره أَن ينظر إِلَى مثل عِيسَى فِي الزّهْد فَلْينْظر إِلَيْهِ الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج الملا فِي سيرته وَأَبُو نعيم فِي فضائله عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ هَبَط جِبْرِيل إِلَى النَّبِي فَوقف مَلِيًّا يناجيه فَمر أَبُو بكر الصدْق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَا مُحَمَّد هَذَا ابْن أبي قُحَافَة فَقَالَ يَا جِبْرِيل أوتعرفونه فِي السَّمَاء فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَهو فِي السَّمَاء أشهر مِنْهُ فِي الأَرْض وَإِن اسْمه فِي السَّمَاء الْحَلِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ اخْرُج ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ أَبُو بكر وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يزوران قبر النَّبِي بعد وَفَاته بِسِتَّة أَيَّام فَقَالَ عَليّ لأبي بكر تقدم يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر مَا كنت لأتقدم رجلا سَمِعت رَسُول الله يَقُول فِيهِ عَليّ مني بمنزلتي من رَبِّي فَقَالَ عَليّ مَا كنت لأتقدم رجلا سَمِعت النَّبِي يَقُول فِيهِ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد كَذبَنِي غير أبي بكر وَمَا مِنْكُم من أحد يصبح إِلَّا على بَابه ظلمَة إِلَّا بَاب أبي بكر فَقَالَ أَبُو بكر سمعتَ النَّبِي يَقُوله قَالَ نعم فَأخذ أَبُو بكر بيد عَليّ فدخلا جَمِيعًا الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْمهرِي فِي مشيخته عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله الْيَوْم الرِّهَان وَغدا السباق والغاية الْجنَّة والهالك فِي النَّار حل النَّار وَأَنا الأول وَأَبُو بكر الْمُصَلِّي وَعمر الثَّالِث وَالنَّاس بعدُ على السّنَن الأول فَالْأول الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الْحَرْبِيّ السكرِي من حَدِيث أبي بن كَعْب أَنه قَالَ إِن أحدث عهدي بنبيكم قبل وَفَاته بِخمْس لَيَال دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ يقلب يَدَيْهِ وَيَقُول إِنَّه لم يكن من نَبِي إِلَّا وَقد اتخذ من أمته خَلِيلًا وَإِن خليلي من أمتِي أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة أَلا وَإِن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا قَالَ فِي الرياض النضرة وَالْأَحَادِيث النافية للخلة أصح وَأثبت فَإِنَّهُ قد ورد وأوردته فِيمَا تقدم حَدِيث لَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا الحَدِيث وَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي أورته الان الْمُثبت للخلة فَيكون الله تَعَالَى قد أذن لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عِنْد تبريه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 من خلة غير الله تبَارك وَتَعَالَى مَعَ تشوقه لخلة أبي بكر لَوْلَا خلة الله فِي اتِّخَاذ أبي بكر خَلِيلًا مُرَاعَاة لجنوحه إِلَيْهَا وتعظيماً لشأن أبي بكر وَلَا يكون ذَلِك انصرافاً عَن خلة الله عز وَجل بل الخلتان ثابتتان كَمَا تضمنه الحَدِيث إِحْدَاهمَا لتشريف الْمُصْطَفى وَالْأُخْرَى لتشريف أبي بكر الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ السلَفِي عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ رَسُول الله أَبُو بكر أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رحم الله أَبَا بكر وجزاه عَن رَسُول الله خيرا الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ ابْن عبيد وَصَاحب الصفوة عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كنت عِنْد النَّبِي وَعِنْده أَبُو بكر عَلَيْهِ عباءة قد خلها فِي صَدره بخلال فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ جِبْرِيل يَا مُحَمَّد مَا لي أرى أَبَا بكر عَلَيْهِ عباءة قد خلها فِي صَدره بخلال قَالَ يَا جِبْرِيل أنْفق مَاله عَليّ قبل الْفَتْح قَالَ فَإِن الله يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك قل لَهُ أراضٍ عني أَنْت فِي فقرك هَذَا أم ساخط فَقَالَ أَبُو بكر أَسخط على رَبِّي أَنا عَن رَبِّي رَاض أَنا عَن رَبِّي رَاض أَنا عَن رَبِّي رَاض الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَغوِيّ فِي المصابيح عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِي رِوَايَة عَن أبي أُمَامَة أرْحم هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر خرجه فِي الْفَضَائِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ الْخَطِيب أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي فَقَالَ يطلع عَلَيْكُم رجل لم يخلق الله بعدِي أحدا خيرا مِنْهُ وَلَا أفضل وَله شَفَاعَة مثل شَفَاعَة النَّبِيين فَمَا برحنا حَتَّى طلع أَبُو بكر فَقَالَ النَّبِي وَقَبله وَالْتَزَمَهُ الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله خير أَصْحَابِي أَبُو بكر الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ أخرج صَاحب الْفَضَائِل عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا عِنْد بَاب النَّبِي نقُول فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار نتذاكر الْفَضَائِل فارتفعت أصواتنا فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام علينا وَقَالَ فيمَ أَنْتُم قُلْنَا نتذاكر الْفَضَائِل قَالَ لَا تقدمُوا على أبي بكر أحدا فَإِنَّهُ أفضلكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَبُو نعيم الْبَصْرِيّ والغيلاني عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ بَلغنِي أَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا نظرت إِلَى النَّبِي فَقَالَت يَا سيد الْعَرَب فَقَالَ أَنا سيد ولد آدم وَأَبُوك سيد كهول الْعَرَب ووعلي سيد شباب الْعَرَب الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ أخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ قَالَ رَسُول الله رَأَيْت كَأَنِّي فِي غنم سود فِيهَا غنم بيض فَلم أستبن السود من كَثْرَة الْبيض فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق يَا رَسُول الله هَذِه الْعَرَب ولدتَ فِيهَا ثمَّ تدخل الْعَجم فَلَا تستبين الْعَرَب من كثرتهم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَذَلِك عبرها الْملك بسحره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج تَمام فِي فَوَائده وَأَبُو سعيد النقاش عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت النَّبِي يَقُول أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَأْمُرك أَن تستشير بِأبي بكر الحَدِيث الْخَمْسُونَ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله لَا يزَال يسمر عِنْد أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اللَّيْلَة فِي الْأَمر من أَمر الْمُسلمين وَإنَّهُ سمر عِنْده ذَات لَيْلَة وَأَنا مَعَه فَخرج رَسُول الله وَخَرجْنَا مَعَه فَإِذا بِرَجُل قَائِم يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ فَقَامَ رَسُول الله يستمع قِرَاءَته فَمَا كدنا نعرفه فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من سره أَن يقْرَأ الْقُرْآن رطبا كَمَا أنزل فليقرأه على قِرَاءَة ابْن أم عبد الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن الله كره من السَّمَاء أَن يخطأ أَبُو بكر فِي الأَرْض الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِي أَنا أول من تَنْشَق عَن الأَرْض ثمَّ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ آتى البقيع فيحشرون معي ثمَّ أنْتَظر أهل مَكَّة حَتَّى يحْشرُوا بَين الْحَرَمَيْنِ الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ أخرج الملا فِي سيرته عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 رَسُول الله أول من يرد على الْحَوْض يَوْم الْقِيَامَة أَبُو بكر الصّديق الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو الغطريف عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ لكل نَبِي رَفِيق ورفيقي أَبُو بكر وَعَن الزبير بِلَفْظ اللَّهُمَّ إِنَّك جعلت أَبَا بكر رفيقي فِي الْغَار فاجعله رفيقي فِي الْجنَّة الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ أخرج الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ والملا بِمَعْنَاهُ عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نصب لإِبْرَاهِيم مِنْبَر أَمَام الْعَرْش وَنصب لي مِنْبَر أَمَام الْعَرْش وَنصب لأبي بكر كرْسِي فيجلس عَلَيْهِ ثمَّ يُنَادي مُنَاد يَا لَك من صديق بَين خَلِيل وحبِيب الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو الْحسن العتيقي وَصَاحب الديباج وَصَاحب الْفَضَائِل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله قلت لجبريل حِين أسرى بى إِلَى السَّمَاء يَا جِبْرِيل هَل على أمتِي حِسَاب قَالَ كل أمتك عَلَيْهَا حِسَاب مَا خلا أَبَا بكر فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل لَهُ يَا أَبَا بكر أَدخل فَيَقُول مَا أَدخل حَتَّى يدْخل معي كل من أحبنى فِي الدُّنْيَا الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي مَكْتُوبًا حول الْعَرْش فِي فرندة خضراء بقلم من نور لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله أَبُو بكر الصّديق قلت الفرندة بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء الْمُهْملَة ثوب مَعْرُوف مُعرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي حِين رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة من عمْرَة الْجِعِرَّانَة بعث أَبَا بكر أَمِيرا على الْحَج فحج بِالنَّاسِ وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بكر فِي تِلْكَ الْحجَّة فِي مؤذنين بَعثهمْ يَوْم النَّحْر يُؤذنُونَ بمنى أَلا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان الحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ عَن عبد الله بن عمر اللَّيْثِيّ أَن النَّبِي أَمر أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصُّبْح وَأَن أَبَا بكر كبر فَوجدَ النَّبِي بعض الخفة فَقَامَ فَفرج الصُّفُوف قَالَ فَكَانَ أَبُو بكر لَا يلْتَفت فَلَمَّا سمع الْحسن من وَرَائه عرف أَنه لَا يتَقَدَّم إِلَى ذَلِك الْمقَام إِلَّا رَسُول الله فخنس وَرَاءه فِي الصَّفّ فَرده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَكَانَهُ وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فَدفع فِي ظَهره وَقَالَ صل بِالنَّاسِ وَجلسَ رَسُول الله إِلَى جنب أبي بكر فصلى قَاعِدا عَن يَمِين أبي بكر وَقَوله خنس أَي انقبض وَتَأَخر الحَدِيث السِّتُّونَ أخرج الإِمَام أَحْمد وَمُسلم فِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله من أصبح مِنْكُم الْيَوْم صَائِما قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن تبع مِنْكُم جَنَازَة قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن أطْعم الْيَوْم مِسْكينا قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن عَاد مِنْكُم الْيَوْم مَرِيضا قَالَ أَبُو بكر أَنا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا اجْتمعت فِي امرىء إِلَّا دخل الْجنَّة وفى رِوَايَة أَن رَسُول الله صلى الصُّبْح فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ أَيّكُم الْيَوْم أصبح صَائِما فَقَالَ عمر أما أَنا يَا رَسُول الله بت لَا أحدث نَفسِي بِالصَّوْمِ فَأَصْبَحت مُفطرا فَقَالَ أَبُو بكر أَنا يَا رَسُول الله بت اللَّيْلَة أحدث نَفسِي بِالصَّوْمِ فَأَصْبَحت صَائِما قَالَ فَأَيكُمْ الْيَوْم عَاد مَرِيضا فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله إِنَّا صلينَا السَّاعَة وَلم نَبْرَح فَكيف نعود الْمَرِيض فَقَالَ أَبُو بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 أَنا يَا رَسُول الله أخبروني أَن أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وجع فَجعلت طريقي عَلَيْهِ فَسَأَلت عَنهُ ثمَّ أتيت الْمَسْجِد فَقَالَ رَسُول الله فَأَيكُمْ الْيَوْم تصدق بِصَدقَة فَقَالَ عمر مثل مَا قَالَ أَولا فَقَالَ أَبُو بكر أَنا يَا رَسُول الله لما جِئْت من عِنْد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف دخلت الْمَسْجِد وَإِذا بسائل يسْأَل وَابْن لعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر مَعَه كسرة خبز فأخذتها مَعَه فناولتها السَّائِل فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأبى بكر أبشر بِالْجنَّةِ أبشر بِالْجنَّةِ مرَّتَيْنِ الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ أخرج ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة عَن صلَة بن زفر قَالَ كَانَ أَبُو بكر إِذا ذكر عِنْد عَليّ قَالَ السباق وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا استبقنا إِلَى خير قطّ إِلَّا سبقنَا إِلَيْهِ أَبُو بكر الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتُّونَ أخرج الشَّيْخَانِ وَالْإِمَام أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم عَن رَسُول الله أَنه قَالَ من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي إِلَى الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعى من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعى من بَاب يُسمى الريان فَقَالَ أَبُو بكر بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله هَل يدعى أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم قلت فسر بعض الْعلمَاء قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زَوْجَيْنِ فَقَالَ قريبان أَو عَبْدَانِ وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ شَيْئَانِ متغايران دِرْهَم ودينار دِرْهَم وثوب وخف ولجام وَقَالَ الْعَلامَة الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد بذلك الْعَمَل من صَلَاتَيْنِ أَو صِيَام يَوْمَيْنِ وَالْأَصْل فِي الزَّوْج الصِّنْف وَالنَّوْع من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 كل شَيْء وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَزْوَاجًا مِن نَباتٍ شَتى} طه 53 أَي أصنافاً وكل شَيْئَيْنِ مثلين كَانَا أَو غير مثلين فهما زوجان وكل وَاحِد مِنْهُمَا زوج وَالْمرَاد وَأنْفق نَوْعَيْنِ من مَاله فِي سَبِيل الله الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ أخرج الإِمَام أَحْمد عَن أنس أَن النَّبِي قَالَ إِن طير الْجنَّة كأمثال البخت ترى من شجر الْجنَّة قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِن هَذِه لطير ناعمة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أكلهَا أنعم مِنْهَا قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات وَإِنِّي لأرجو أَن تكون مِمَّن يَأْكُل مِنْهَا الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن فِي الْجنَّة حوراً خَلقهنَّ الله من الْورْد يُقَال لَهُنَّ الورديات لَا يتَزَوَّج بِهن إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد وَإِن لأبي بكر مِنْهُنَّ أَرْبَعمِائَة الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتُّونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله يدْخل رجل الْجنَّة فَلَا يبْقى أهل دَار وَلَا أهل غرفَة إِلَّا قَالُوا مرْحَبًا إِلَيْنَا إِلَيْنَا قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا توى على هَذَا الرجل فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ أجل وَأَنت هُوَ يَا أَبَا بكر خرجه أَبُو حَاتِم هَكَذَا بِالتَّاءِ معدّى ب عَليّ والتوى بِالْقصرِ الْهَلَاك الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتُّونَ عَن عبد خير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله الْخَيْر ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ خصْلَة إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا جعل فِيهِ وَاحِدَة مِنْهُنَّ فأُدْخل بهَا الْجنَّة قَالَ فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله هَل فِي شَيْء مِنْهُنَّ قَالَ نعم جمع من كل خرجه فِي الْفَضَائِل وَأخرجه ابْن البهلول من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار وَقَالَ // (حَدِيث حسن) // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتُّونَ أخرج الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي قَالَ لأبي بكر يَوْم بدر وَقد أَرَادَ أَن يتَقَدَّم فِي أول الْجند فَمَنعه وَقَالَ أما تعلم أَنَّك عِنْدِي بِمَنْزِلَة سَمْعِي وبصري الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ أخرج الملا فِي سيرته عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت رَسُول الله إِذا أقبل أَبُو بكر صافحه النَّبِي وعانقه وَقبل فَاه فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أتقبل فا أبي بكر فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن منزلَة أبي بكر عِنْدِي كمنزلتي من رَبِّي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتُّونَ أخرج الخلعي والملا وَصَاحب فضائله عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول لأبي بكر يَا أَبَا بكر إِن الله قد أَعْطَانِي ثَوَاب من آمن بِهِ مُنْذُ خلق الله آدم إِلَى أَن بَعَثَنِي وَإِن الله أَعْطَاك ثَوَاب من آمن مُنْذُ بَعَثَنِي إِلَى أَن تقوم السَّاعَة قلت تَأمل مَا يدل عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث الْعَظِيم من الْمحبَّة والتكريم وَالْفضل العميم الحَدِيث السبعون أخرج الْحَافِظ السلَفِي فِي مشيخته عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله حب أبي بكر وَاجِب على أمتِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ خرج رَسُول الله فَقَالَ يَا عمر إِنِّي أشتاق إِلَى إخْوَانِي فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله أفلسنا إخوانك قَالَ لَا أَنْتُم أَصْحَابِي وَلَكِن إخْوَانِي قوم آمنُوا بِي وَلم يروني قَالَ فَدخل أَبُو بكر على بَقِيَّة ذَلِك فَقَالَ لَهُ عمر يَا أَبَا بكر إِن رَسُول الله قَالَ إِنِّي أشتاق إِلَى إخْوَانِي فَقلت لَهُ أَلسنا إخوانك قَالَ لَا أَنْتُم أَصْحَابِي وَلَكِن إخْوَانِي قوم آمنُوا بِي وَلم يروني فَقَالَ رَسُول الله يَا أَبَا بكر أَلا تحب قوما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 بَلغهُمْ أَنَّك تحبني فأحبوك بحبك إيَّايَ فأحببهم أحبهم الله أخرجه ابْن فَيْرُوز الحَدِيث الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ خرج ابْن السمان عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ التقى أَبُو بكر الصّديق وَعلي بن أبي طَالب فَتَبَسَّمَ أَبُو بكر فِي وَجه عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ عَليّ مَالك تتبسم فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله يَقُول لَا يجوز أحد الصِّرَاط إِلَّا من كتب لَهُ عَليّ بن أبي طَالب الْجَوَاز فَضَحِك عَليّ وَقَالَ أَلا أُبَشِّرك يَا أَبَا بكر قَالَ رَسُول الله لَا يكْتب عَليّ الْجَوَاز إِلَّا لمن أحب أَبَا بكر الحَدِيث الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ عَن أنس أَن يَهُودِيّا أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ وَالَّذِي بعث مُوسَى كليما إِنِّي لَأحبك فَلم يرفع أَبُو بكر إِلَيْهِ رَأسه تهاونا باليهودى قَالَ فهبط جِبْرِيل على النَّبِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد الْعلي الْأَعْلَى يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك قل لِلْيَهُودِيِّ الَّذِي قَالَ لأبى بكر إِنِّي أحبك إِن الله عز وَجل قد حاد عَنهُ فِي النَّار خلتين لَا تُوضَع الأنكال فِي قَدَمَيْهِ وَلَا الغل فِي عُنُقه بحبه لأبي بكر قَالَ فَبعث النَّبِي فَأحْضرهُ وَأخْبرهُ الْخَبَر فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك مُحَمَّد رَسُول الله حَقًا والذى بَعثك بِالنُّبُوَّةِ لَا ازددت لأبي بكر إِلَّا حبا فَقَالَ رَسُول الله هَنِيئًا هَنِيئًا الحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ أخرج ابْن بَشرَان وَصَاحب الْفَضَائِل عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله قَالَ يُنَادي مُنَاد أَيْن السَّابِقُونَ الْأَولونَ فَيُقَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 من فَيَقُول أَيْن أَبُو بكر الصّديق فيتجلى الله لأبي بكر الصّديق خَاصَّة وَلِلنَّاسِ عَامَّة الحَدِيث الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ أخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر كُنَّا نقُول وَرَسُول الله حَيّ أفضل أمته بعده أَبُو بكر ثمَّ عمر فَيبلغ ذَلِك النَّبِي فَلَا يُنكره وَفِي البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قلت لأبي يَعْنِي عليا رَضِي الله عَنهُ أَي النَّاس خير بعد رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر قلت ثمَّ مَنْ قَالَ عمر وخشيت أَن يَقُول عُثْمَان قلت ثمَّ أَنْت قَالَ مَا أَنا إِلَّا رجل من الْمُسلمين قَالَ ذَلِك فِي تمكنه وَقُوَّة ولَايَته على مِنْبَر الْكُوفَة وَأَبُو بكر وَعمر قد مَاتَا فَأَي تقية تكون إِذْ ذَاك وَأي طعم يبْقى لَهَا وَأي نتيجة فِيهَا وَأي عقل لمدعيها الحَدِيث السَّادِس وَالسَّبْعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أسعد بن زُرَارَة أَن رَسُول الله قَالَ إِن روح الْقُدس جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن خير أمتك بعْدك أَبُو بكر الحَدِيث السَّابِع وَالسَّبْعُونَ أخرج ابْن مهْدي وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله أَبُو بكر خير النَّاس إِلَّا أَن يكون نَبِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ أخرج الديلمي عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله قَالَ أَبُو بكر مني وَأَنا مِنْهُ وَأَبُو بكر أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الحَدِيث التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ أخرج الديلمي عَن سَمُرَة أَن رَسُول الله قَالَ أُمرت أَن أولي الرُّؤْيَا أَبَا بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 الحَدِيث الثَّمَانُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي قَالَ لأبي بكر أَنْت عَتيق من النَّار الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ لأبي بكر أَنْت صَاحِبي على الْحَوْض وصاحبي فِي الْغَار الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ أخرج أَبُو يعلى فِي مُسْنده وَأَبُو سعيد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت إِنِّي لفي بَيْتِي ذَات يَوْم وَرَسُول الله وَأَصْحَابه فِي الفِناء والستر بيني وَبينهمْ إِذْ أقبل أَبُو بكر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من سره أَن ينظر إِلَى عَتيق من النَّار فَلْينْظر إِلَى أبي بكر وَإِن اسْمه الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهله عبد الله فغلب عَلَيْهِ اسْم عَتيق الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ أخرج الْحَاكِم بِسَنَد جيد أَن عَائِشَة قَالَت جَاءَ الْمُشْركُونَ إِلَى أبي بكر فَقَالُوا هَل لَك إِلَى صَاحبك يزْعم أَنه أسرى بِهِ اللَّيْلَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ أَبُو بكر أَو قَالَ ذَلِك قَالُوا نعم فَقَالَ لقد صدق قَالُوا فَأَنت تصدقه يَا أَبَا بكر فَقَالَ إِنِّي لَأُصَدِّقهُ بأبعد من ذَلِك أصدقه بِخَبَر السَّمَاء فِي غدْوَة أَو رَوْحَة الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ أَن رَسُول الله قَالَ رَأَيْت إِنِّي وضعت فِي كفة فعدلتها ثمَّ وضع أَبُو بكر فِي كفة وَأمتِي فِي كفة فعدلها وَلِلْحَدِيثِ بَقِيَّة اقتصرت مِنْهَا على مَحل الشَّاهِد الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه والضياء عَن سعيد بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ عشرَة فِي الْجنَّة أَبُو بكر فِي الْجنَّة الحَدِيث وَله تَتِمَّة ستأتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 الحَدِيث السَّادِس وَالثَّمَانُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ رحم الله أَبَا بكر زَوجنِي ابْنَته وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة وَأعْتق بِلَالًا من مَاله وَمَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر وَقَوله وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة يُنَافِيهِ حَدِيث البُخَارِيّ أَنه لم يَأْخُذ الرَّاحِلَة الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا من أبي بكر إِلَّا بِالثّمن إِلَّا أَن يجمع بِأَنَّهُ أَخذهَا مِنْهُ أَولا بِالثّمن ثمَّ أَبْرَأ أَبُو بكر ذمَّته من الثّمن انْتهى قلت تَعْلِيل أَئِمَّة الحَدِيث امْتِنَاعه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْأَخْذ إِلَّا بِالثّمن يقْصد أَن تكون الْهِجْرَة تَامَّة خَالِصَة لله تَعَالَى من سَائِر وجوهها لَا مشركية لمخلوق فِيهَا وَلَا منَّة يُنَافِي هَذَا الْجمع إِذْ بِالْإِبْرَاءِ تتَحَقَّق الشّركَة وَالله تَعَالَى أعلم الحَدِيث السَّابِع وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْمِقْدَاد قَالَ استب عقيل بن أبي طَالب وَأَبُو بكر وَكَانَ أَبُو بكر نساباً غير أَنه تحرج من قرَابَة عقيل من النَّبِي فَأَعْرض عَنهُ وشكاه إِلَى النَّبِي فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّاس فَقَالَ أَلا تدعوا لي صَاحِبي مَا شَأْنكُمْ وشأنه فوَاللَّه مَا مِنْكُم رجل إِلَّا على بَاب قلبه ظلمَة إِلَّا بَاب أبي بكر فَإِن على بَابه النُّور وَلَقَد قُلْتُمْ كذبت وَقَالَ أَبُو بكر صدقت وأمسكتم الْأَمْوَال وجاد لي بِمَالِه وخذلتموني وواساني واتبعني الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ أخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله من جر ثَوْبه خُيَلاء لم ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِن أحد شقي ثوبي يسترخي إِلَّا أَن أتعاهد ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 وَالسَّلَام إِنَّك لست تصنع ذَلِك خُيَلَاء الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير لما نزلت {وَلَو أَنا كتبا عَلَيهم أنِ اقتُلُوا أنفُسَكُم} النِّسَاء 66 قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله لَو أَمرتنِي أَن أقتل نَفسِي لفَعَلت فَقَالَ صدقت الحَدِيث التِّسْعُونَ أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ قُرِئت عِنْد النَّبِي {يَا أيتها النفسُ المُطمَئِنَةُ} الْفجْر 27 فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِن هَذَا لحسن فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أما إِن الْملك سيقولها لَك عِنْد الْمَوْت الحَدِيث الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن شاهين فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس مَوْصُولا قَالَ دخل رَسُول الله غديراً فَقَالَ ليسبح كل رجل إِلَى صَاحبه فسبح كل رجل مِنْهُم إِلَى صَاحبه حَتَّى بَقِي رَسُول الله وَأَبُو بكر فسبح رَسُول الله إِلَى أبي بكر حَتَّى اعتنقه الحَدِيث الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مجمع الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه قَالَ إِن كَانَت حَلقَة رَسُول الله لتشبك حَتَّى تصير كالأسوار وَإِن مجْلِس أبي بكر مِنْهَا لفارغ لَا يطْمع فِيهِ أحد من النَّاس فَإِذا جَاءَ أَبُو بكر جلس ذَلِك الْمجْلس عَن يَمِينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَقْبل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِوَجْهِهِ وَألقى إِلَيْهِ حَدِيثه وَسمع النَّاس قلت تأملها فيا لَهَا منقبة حلت من يفاع الْمجد أَعلَى مرقبة الحَدِيث الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله حب أبي بكر وشكره وَاجِب على كل أمتِي وَأخرج مثله من حَدِيث سهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 ابْن سعد الحَدِيث الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر أَنه قيل لأبي بكر فِي مجمع هَل شربت الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ أعوذ بِاللَّه فَقيل لَهُ وَلم قَالَ كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي فَإِن من شرب الْخمر كَانَ مضيعاً عرضه ومروءته فَبلغ ذَلِك رَسُول الله فَقَالَ صدق أَبُو بكر صدق أَبُو بكر الحَدِيث الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ أخرج الْحَاكِم فِي الكنى وَابْن عدي فِي الْكَامِل والخطيب فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ أَبُو بكر وَعمر خير الْأَوَّلين والآخرين وَخير أهل السَّمَوَات وَخير أهل الْأَرْضين إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ الحَدِيث السَّادِس وَالتِّسْعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا حَبل الله الْمَمْدُود من تمسك بِهِ فقد تمسك بالعروة الوثقى الَّتِي لَا انفصام لَهَا الحَدِيث السَّابِع وَالتِّسْعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد أَن النَّبِي قَالَ مَا من نَبِي إِلَّا وَله وزيران من أهل السَّمَاء ووزيران من أهل الأَرْض فَأَما وزيراي من أهل السَّمَاء فجبريل وَمِيكَائِيل وَأما وزيراي من أهل الأَرْض فَأَبُو بكر وَعمر الحَدِيث الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ أخرج أَحْمد والشيخان وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول بَيْنَمَا رَاع فِي غنمه عدا عَلَيْهِ الذِّئْب فَأخذ مِنْهُ شَاة فَطَلَبه الرَّاعِي فَالْتَفت إِلَيْهِ الذِّئْب فَقَالَ استنقذها مني فَمن لَهَا يَوْم السَّبع يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 لَا راعي لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاس سُبْحَانَ الله ذِئْب يتَكَلَّم فَقَالَ النَّبِي فَإِنِّي أُؤْمِن بذلك وَأَبُو بكر الحَدِيث التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد وَالطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ إِن أهل الدَّرَجَات الْعلَا ليراهم من هُوَ أَسْفَل مِنْهُم كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي أفق السَّمَاء وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم الحَدِيث الْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله قَالَ إِن أهل عليين ليشرف واحدهم على الْجنَّة فيضيء وَجهه لأهل الْجنَّة كَمَا يضيء الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأنعما الحَدِيث الْحَادِي وَالْمِائَة أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن حنْطَب أَن رَسُول الله رأى أَبَا بكر وَعمر فَقَالَ هَذَانِ السّمع وَالْبَصَر الحَدِيث الثَّانِي وَالْمِائَة أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس والخطيب عَن جَابر وَأَبُو يعلي أَن رَسُول الله قَالَ أَبُو بكر وَعمر مني بِمَنْزِلَة السّمع وَالْبَصَر من الرَّأْس الحَدِيث الثَّالِث وَالْمِائَة أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن لكل نَبِي خَاصَّة من أصحابة وَإِن خاصتي من أَصْحَابِي أَبُو بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 وَعمر الحَدِيث الرَّابِع وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله قَالَ لكل نَبِي وزيران ووزيراي وصاحباي أَبُو بكر وَعمر الحَدِيث الْخَامِس وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ وَالزُّبَيْر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي قَالَ خير أمتِي بعدِي أَبُو بكر وَعمر الحَدِيث السَّادِس وَالْمِائَة أخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه أَن رَسُول الله قَالَ سيد كهول أهل الْجنَّة أَبُو بكر وَعمر وَإِن أَبَا بكر فِي الْجنَّة مثل الثريا فِي السَّمَاء الحَدِيث السَّابِع وَالْمِائَة أخرج ابْن النجار عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا قدمت أَبَا بكر وَعمر وَلَكِن الله قدمهما الحَدِيث الثَّامِن وَالْمِائَة أخرج ابْن قَانِع عَن الْحجَّاج التَّيْمِيّ أَن رَسُول الله قَالَ من رَأَيْتُمُوهُ يذكر أَبَا بكر وَعمر بِسوء فَإِنَّمَا يزِيل الْإِسْلَام الحَدِيث التَّاسِع وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي قَالَ الْقَائِم بعدِي فِي الْجنَّة وَالَّذِي يقوم بعده فِي الْجنَّة وَالثَّالِث وَالرَّابِع فِي الْجنَّة الحَدِيث الْعَاشِر وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس أَن رَسُول الله قَالَ أَرْبَعَة لَا يجْتَمع حبهم فِي قلب مُنَافِق وَلَا يُحِبهُمْ إِلَّا مُؤمن أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 الحَدِيث الْحَادِي عشر وَالْمِائَة أخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ نعم الرجل أَبُو بكر نعم الرجل عمر وَعدد أشخاصاً سِتَّة الحَدِيث الثَّانِي عشر وَمِائَة أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله كَانَ يخرج على أَصْحَابه من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وهم جُلُوس فيهم أَبُو بكر وَعمر فَلَا يرفع إِلَيْهِ أحد مِنْهُم بَصَره إِلَّا أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا كَانَا ينْظرَانِ إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْهِمَا ويتبسمان إِلَيْهِ ويتبسم إِلَيْهِمَا الحَدِيث الثَّالِث عشر وَمِائَة أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله خرج ذَات يَوْم فَدخل الْمَسْجِد وَأَبُو بكر وَعمر أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله وَهُوَ آخذ بأيديهما وَقَالَ هَكَذَا نبعث يَوْم الْقِيَامَة الحَدِيث الرَّابِع عشر وَمِائَة أخرج الْبَزَّار عَن أبي أروى الدوسي قَالَ كنت عِنْد النَّبِي فَأقبل أَبُو بكر وَعمر فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أيدني بكما الحَدِيث الْخَامِس عشر وَمِائَة أخرج عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد عَن أنس مَرْفُوعا أَن رَسُول الله قَالَ إِنِّي أَرْجُو لأمتي فِي حبهم لأبى بكر وَعمر مَا أَرْجُو لَهُم فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 الحَدِيث السَّادِس عشر وَمِائَة أخرجه أَبُو يعلى عَن عمار بن يَاسر قَالَ قَالَ رَسُول الله أَتَانِي جِبْرِيل آنِفا فَقلت يَا جِبْرِيل حَدثنِي بفضائل عمر فَقَالَ لَو حدثتك بفضائل عمر مُدَّة مَا لبث نوح فِي قومه مَا نفدت فضائله وَإنَّهُ لحسنة من حَسَنَات أبي بكر الحَدِيث السَّابِع عشر وَمِائَة أخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم أَن رَسُول الله قَالَ لأبي بكر وَعمر لَو اجتمعتما فِي مشورة مَا خالفتكما الحَدِيث الثَّامِن عشر وَمِائَة أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل قَالَ لما قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من حجَّة الْوَدَاع صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن أَبَا بكر لم يَسُؤْنِي قطّ فاعرفوا لَهُ ذَلِك أَيهَا النَّاس إِنِّي رَاض عَن أبي بكر الحَدِيث التَّاسِع عشر وَمِائَة أخرج ابْن سعد عَن بسطَام بن مُسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله لأبي بكر وَعمر لَا يتأمر عَلَيْكُمَا أحد بعدِي الحَدِيث الْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر مَرْفُوعا حب أبي بكر وَعمر إِيمَان وبغضهما كفر الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر أَيْضا أَن رَسُول الله قَالَ حب أبي بكر وَعمر من السّنة الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج مُحَمَّد بن يحيى فِي الزهريات عَن أبي ذَر قَالَ هجرت يَوْمًا من الْأَيَّام فَإِذا النَّبِي قد خرج من بَيته فَسَأَلت عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 الْخَادِم فَأَخْبرنِي أَنه بِبَيْت عَائِشَة فَأَتَيْته وَهُوَ جَالس لَيْسَ عِنْده أحد من النَّاس وَكَانَ حِينَئِذٍ أرى أَنه فِي وَحي فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام ثمَّ قَالَ مَا جَاءَ بك قلت الله وَرَسُوله فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست إِلَى جنبه لَا أسأله عَن شَيْء إِلَّا ذكره لي فَمَكثَ غير كثير فجَاء أَبُو بكر يمشى مسرعاً فَسلم فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالَ مَا جَاءَ بك قَالَ الله وَرَسُوله فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى ربوة مُقَابل النَّبِي أَن اجْلِسْ فَجَلَسَ ثمَّ جَاءَ عمر ثمَّ جَاءَ عُثْمَان فَجَلَسَا إِلَى جَانب أبي بكر ثمَّ قبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سبع أَو تسع حَصَيَات فسبحن حَتَّى سمع لَهُنَّ حنين كحنين النَّحْل فِي كف رَسُول الله ثمَّ ناولهن أَبَا بكر وجاوزني فسبحن فِي كف أبي بكر ثمَّ أخذهنَ مِنْهُ فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن ثمَّ ناولهن عمر فسبحن فِي كَفه ثمَّ أخذهن فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن ثمَّ ناولهن عُثْمَان فسبحن فِي كَفه ثمَّ أخذهن فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر تَأمل سر إِعْطَاء النَّبِي إياهن لأبي بكر من يَده قبل وضعهن فِي الأَرْض بِخِلَافِهِ فِي عمر وَعُثْمَان فَعلم أَن ذَلِك لمزيد قرب أبي بكر حَتَّى صير يَده لَيست أَجْنَبِيَّة من يَد النَّبِي فَلم يفصل بَينهمَا بِزَوَال حبات تِلْكَ الحصيات بِخِلَافِهِ فِي عمر وَعُثْمَان الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ وَالْمِائَة أخرج الملا فِي سيرته أَنه قَالَ إِن الله افْترض عَلَيْكُم حب أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي كَمَا افْترض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج فَمن أنكر فَضلهمْ فَلَا تقبل مِنْهُ الصَّلَاة وَلَا الزَّكَاة وَلَا الصَّوْم وَلَا الْحَج الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج الشَّيْخَانِ وَأحمد وَغَيرهم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه خرج إِلَى الْمَسْجِد فَسَأَلَ عَن النَّبِي فَقَالُوا وَجه هَاهُنَا فَخرجت فِي أَثَره حَتَّى دخل بِئْر أريس فَجَلَست عِنْد الْبَاب وبابها من جريد حَتَّى قضى رَسُول الله حَاجته فَتَوَضَّأ فَقُمْت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس على بِئْر أريس وتوسط قفها فَجَلَست عِنْد الْبَاب فَقلت لأكونن بوابا للنَّبِي الْيَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 فجَاء أَبُو بكر فدق الْبَاب فَقلت من هَذَا قَالَ أَبُو بكر فَقلت على رسلك ثمَّ ذهبت إِلَى رَسُول الله فَقلت هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وَهَكَذَا حِين جَاءَ عمر وَهَكَذَا حِين جَاءَ عُثْمَان وَزَاد بعد بشره الْجنَّة قَوْله إِلَى بلوى تصيبه الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج الْحَافِظ عمر بن مُحَمَّد بن خضر الملا فِي سيرته أَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ روى بِسَنَدِهِ أَنه قَالَ كنت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي أنواراً على يَمِين الْعَرْش قبل أَن يخلق الله آدم بِأَلف عَام فَلَمَّا خلق أسكنا ظَهره وَلم نزل ننتقل فِي الأصلاب الطاهرة حَتَّى نقلني الله إِلَى صلب عبد الله وَنقل أَبَا بكر إِلَى صلب أبي قُحَافَة وَنقل عمر إِلَى صلب الْخطاب وَنقل عُثْمَان إِلَى صلب عَفَّان وَنقل عليا إِلَى صلب أبي طَالب ثمَّ اخْتَارَهُمْ لي أصحاباً فَجعل أَبَا بكر صديقا وَعمر فاروقاً وَعُثْمَان ذَا النورين وعلياً وَصِيّا فَمن سبّ أَصْحَابِي فقد سبني وَمن سبني فقد سبّ الله وَمن سبّ الله أكبه فِي النَّار على مَنْخرَيْهِ الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي الرياض النضرة أَنه قَالَ أخبرنى جِبْرِيل أَن الله تَعَالَى لما خلق آدم وَأدْخل الرّوح فِي جسده أَمرنِي أَن آخذ تفاحة من الْجنَّة فأعصرها فِي حلقه فعصرتها فِي فِيهِ فخلق الله من النقطة الأولى أَنْت يَا مُحَمَّد وَمن الثَّانِيَة أَبَا بكر وَمن الثَّالِثَة عمر وَمن الرَّابِعَة عُثْمَان وَمن الْخَامِسَة عليا فَقَالَ آدم يَا رب من هَؤُلَاءِ الَّذين أكرمتهم فَقَالَ تَعَالَى هَؤُلَاءِ خَمْسَة أَشْيَاخ من ذريتك وهم أكْرم عِنْدِي من جَمِيع خلقي قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر أَي أَنْت أكْرم الْأَنْبِيَاء وَالرسل وهم أكْرم أَتبَاع الرُّسُل فَلَمَّا عصى آدم ربه قَالَ يَا رب بِحرْمَة أُولَئِكَ الْأَشْيَاخ الْخَمْسَة الَّذين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 فضلتهم إِلَّا تبت عَليّ فَتَابَ عَلَيْهِ الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ لما اشْتَكَى أَبُو طَالب شكواه الَّتِي مَاتَ فِيهَا قَالَت لَهُ قُرَيْش أرسل إِلَى ابْن أَخِيك يُرْسل إِلَيْك من الْجنَّة الَّتِي ذكرهَا مَا يكون لَك شِفَاء فجَاء رَسُوله إِلَى رَسُول الله وَأَبُو بكر جَالس مَعَه فَقَالَ إِن عمك يَقُول لَك إِنِّي ضَعِيف سقيم فَأرْسل إِلَيّ من جنتك مَا يكون شِفَاء فَقَالَ أَبُو بكر إِن الله حرمهَا على الْكَافرين فَرجع الرَّسُول فَأخْبرهُم بمقالة أبي بكر فحملوا عَلَيْهِ بِأَنْفسِهِم ثمَّ أَرْسلُوهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي مثل مَا قَالَ أَبُو بكر إِن الله حرمهَا على الْكَافرين الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج فِي الْفَضَائِل وَقَالَ حسن صَحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي قَالَ لحسان لَا تعجل وأتِ أَبَا بكر فَإِنَّهُ أعلم قُرَيْش بأنسابها حَتَّى يمحض لَك نسبي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن ابْن عمر لما كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا أَبُو بكر الصّديق أقبل ربكُم على جنَّة عدن فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أدْخلك إِلَّا من أحب هَذَا الْمَوْلُود أخرجه الديلمي قَالَ فِي بَحر الْأَنْسَاب وَنَقله فِي الرياض عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ حَدثنِي عَليّ بن أبي طَالب من فِيهِ قَالَ لما أَمر الله تبَارك وَتَعَالَى رَسُوله أَن يعرض نَفسه على قبائل الْعَرَب يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام خرج وَأَنا مَعَه وَأَبُو بكر فدفعنا إِلَى مجْلِس من مجَالِس الْعَرَب فَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ مقدما فِي كل خير وَكَانَ رجلا نسابة فَتقدم وَقَالَ مِمَّن الْقَوْم فَقَالُوا من ربيعَة فَقَالَ أَي ربيعَة أَنْتُم من هامتها أم لهزمتها فَقَالُوا بل من الهامة الْعُظْمَى فَقَالَ أَبُو بكر وَأي هامتها الْعُظْمَى قَالُوا من ذهل الْأَكْبَر فَقَالَ أفيكم عَوْف الَّذِي يُقَال فِيهِ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 حر بوادي عَوْف قَالُوا لَا قَالَ أفيكم جساس بن مرّة حامي الذمار ومانع الْجَار قَالُوا لَا قَالَ أفيكم بسطَام بن قيس أَبُو اللِّوَاء ومنتهى الْأَحْيَاء قَالُوا لَا قَالَ أفيكم الحوفزان قَاتل الْمُلُوك وسالبها أَنْفسهَا قَالُوا لَا قَالَ أفيكم المزدلف صَاحب العيافة والندوة قَالُوا لَا قَالَ أفمنكم أخوال الْمُلُوك من كِنْدَة قَالُوا لَا قَالَ أفمنكم أَصْهَار الْمُلُوك من لخم قَالُوا لَا قَالَ أَبُو بكر فلستم ذهل الْأَكْبَر أَنْتُم ذهل الْأَصْغَر فَقَالَ إِلَيْهِ غُلَام من بني شَيبَان حِين بقل وَجهه يُقَال لَهُ دَغْفَل فَقَالَ // (من الرجز) // (إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْأَلَهْ ... وَالعِبْءَ لاَ تَعْرِفُهُ أَوْ تَحْمِلُهْ) يَا هَذَا إِنَّك قد سألتنا فأخبرناك وَلم نكتمك شَيْئا من أمرنَا فَمن الرجل فَقَالَ أَبُو بكر من قُرَيْش فَقَالَ الْفَتى بخ بخ أهل الشّرف والرياسة فَمن أَي القرشيين أَنْت قَالَ من ولد تيم بن مرّة قَالَ الْفَتى أمكنت وَالله من سَوَاء الثغرة أمنكم قصي الَّذِي جمع الْقَبَائِل من فهر وَكَانَ يدعى فِي قُرَيْش مجمعا قَالَ لَا قَالَ أفمنكم هَاشم الَّذِي هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ وَأهل مَكَّة مسنتون عجاف قَالَ لَا قَالَ أفمنكم شيبَة الْحَمد عبد الْمطلب مطعم طير السَّمَاء الَّذِي كَانَ وَجهه كَالْقَمَرِ فِي اللَّيْلَة الداجية قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل السِّقَايَة أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الْإِفَاضَة بِالنَّاسِ أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الحجابة أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الندوة أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الرفادة أَنْت قَالَ لَا فاجتذب أَبُو بكر زِمَام نَاقَته رَاجعا إِلَى رَسُول الله فَقَالَ الْغُلَام // (من الرجز) // (صَادَفَ درُُّ السَّيْلِ درًّا يَدْفَهُهْ ... يَهِيضُهُ طَوْراً وطَوْرًا يَصْدَعُهْ) أما وَالله لَو ثَبت لأخبرتك من أَي قُرَيْش أَنْت قَالَ فَتَبَسَّمَ رَسُول الله قَالَ عَليّ فَقلت يَا أَبَا بكر لقد وَقعت من الْأَعرَابِي على باقعة أجل يَا أَبَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 حسن مَا من طامة إِلَّا وفوقها طامة وَالْبَلَاء مُوكل بالْمَنْطق قَالَ ثمَّ دفعنَا إِلَى مجْلِس آخر عَلَيْهِ السكينَة وَالْوَقار فَتقدم أَبُو بكر وَسلم وَقَالَ مِمَّن الْقَوْم قَالُوا من شَيبَان بن ثَعْلَبَة فَالْتَفت أَبُو بكر إِلَى رَسُول الله وَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي هَؤُلَاءِ غرر النَّاس وَفِيهِمْ مفروق بن عَمْرو وهانىء بن قبيصَة والمثنى من حَارِثَة والنعمان بن شريك وَكَانَ مفروق أدنى الْقَوْم مَجْلِسا فَقَالَ أَبُو بكر كَيفَ المنعة فِيكُم فَقَالَ مفروق علينا الْجهد وَلكُل قوم جهد قَالَ أَبُو بكر فَكيف الْحَرْب بَيْنكُم وَبَين عَدوكُمْ فَقَالَ إِنَّا لأشد مَا نَكُون غَضبا حِين نلقى وَأَشد مَا نَكُون لِقَاء حِين نغضب وَإِنَّا لنؤثر الْجِيَاد على الْأَوْلَاد وَالسِّلَاح على اللقَاح والنصر من عِنْد الله يديلنا مرّة ويديل علينا آخرى ثمَّ الْتفت إِلَى رَسُول الله فَقَالَ لَعَلَّك أَخُو قُرَيْش قَالَ أَبُو بكر لقد بَلغَكُمْ أَنه رَسُول الله أَلا هُوَ ذَا فَقَالَ مفروق بلغنَا أَنه يذكر ذَلِك فإلام تدعونا يَا أَخا قُرَيْش فَتقدم رَسُول الله وَجلسَ فَقَامَ أَبُو بكر يظله بِثَوْبِهِ فَقَالَ رَسُول الله أدعوكم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَالِي أَن تعزروني وتنصروني فَإِن قُريْشًا قد ظَاهَرت على أَمر الله وكذبت رَسُوله واستغنت بِالْبَاطِلِ عَن الْحق وَالله هُوَ الْغَنِيّ الحميد فَقَالَ مفروق بن عَمْرو وإلام تدعونا يَا أَخا قُرَيْش فوَاللَّه مَا سَمِعت كلَاما أحسن من هَذَا فَتلا رَسُول الله {قُل تَعالوا أتلُ مَا حَرَمَ رَبكُم عَليكُم} إِلَى قَوْله {فَتَفَرَقَ بِكم عَن سبيلِه ذَلِكم وَصاكُم بِهِ لَعَلَكم تَتَقونَ} الْأَنْعَام 151 - 153 فَقَالَ مفروق وإلام تدعونا يَا أَخا قُرَيْش قَالَ فَتلا رَسُول الله {إِنَ الله يأمُرُ بِالعَدِل والإحسَانِ} النَّحْل 9 الْآيَة قَالَ مفروق دَعَوْت وَالله يَا أَخا قُرَيْش إِلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَعْمَال وَلَقَد أفك قوم كَذبُوك وظاهروا عَلَيْك وَكَأَنَّهُ أحب أَن يشركهُ فِي الْكَلَام هانىء بن قبيصَة فَقَالَ وَهَذَا هانىء بن قبيصَة شَيخنَا وَصَاحب ديننَا فَقَالَ هانىء قد سَمِعت مَقَالَتك يَا أَخا قُرَيْش وَإِنِّي أرى أَن تركنَا ديننَا واتباعك على دينك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 لمجلس جلسنا إِلَيْك لَيْسَ لَهُ أول وَلَا آخر زلَّة فِي الرَّأْي وَقلة نظر فِي الْعَاقِبَة وَإِنَّمَا تكون الزلة مَعَ العجلة وَمن وَرَائِنَا قوم نكره أَن نعقد عَلَيْهِم عقدا وَلَكِن ترجع وَنَرْجِع وَتنظر وَنَنْظُر وَكَأَنَّهُ أحب أَن يُشْرك الْمثنى بن حَارِثَة فَقَالَ وَهَذَا الْمثنى بن حَارِثَة شَيخنَا وَصَاحب حربنا فَقَالَ الْمثنى بن حَارِثَة قد سَمِعت مَقَالَتك يَا أَخا قُرَيْش وَالْجَوَاب فِيهَا جَوَاب هانىء بن قبيصَة فِي تركنَا ديننَا ومتابعتك على دينك وَإِنَّا نزلنَا بَين صريين الْيَمَامَة والسماوة فَقَالَ رَسُول الله مَا هَذَانِ الصريان فَقَالَ أَنهَار كسْرَى ومياه الْعَرَب فَأَما مَا كَانَ من أَنهَار كسْرَى فذنب صَاحبه غير مغْفُور وعذره غير مَقْبُول وَإِنَّا إِنَّمَا نزلنَا على عهد أَخذه علينا أَلا نُحدث حَدثا وَلَا نؤوي مُحدثا وَإِنِّي أرى هَذَا الْأَمر الَّذِي تدعونا إِلَيْهِ يَا أَخا قُرَيْش مِمَّا تكرههُ الْمُلُوك فَإِن أَحْبَبْت أَن نؤويك مِمَّا يَلِي مياه الْعَرَب فعلنَا فَقَالَ رَسُول الله مَا أسأتم فِي الرَّد إِذْ أفصحتم بِالصّدقِ وَإِن دين الله لم ينصره إِلَّا من حاطه من جَمِيع جوانبه أَرَأَيْتُم إِن لم تلبثوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يورثكم الله أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ ويفرشكم نِسَاءَهُمْ أتسبحون الله وتقدسونه قَالَ النُّعْمَان بن شريك اللَّهُمَّ فلك ذَلِك فَتلا رَسُول الله {يَا أيّها النَّبِي إِنّاً أرسَلناكَ شاهِداً وَمُبَشراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى الله بِإِذنِهِ وَسِراجاً مُّنِيراً} الْأَحْزَاب 45، 46 ثمَّ نَهَضَ رَسُول الله قَابِضا على يَد أبي بكر وَهُوَ يَقُول أَيَّة أَخْلَاق فِي الْجَاهِلِيَّة مَا أشرفها بهَا يدْفع الله بَأْس بَعضهم عَن بعض وَبهَا يتحاجزون فِيمَا بَينهم قَالَ فدفعنا إِلَى مجْلِس الْأَوْس والخزرج فَمَا نهضنا حَتَّى بَايعُوا رَسُول الله قَالَ فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله وَقد سُر بِمَا كَانَ من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم هَذَا مَا ظَفرت بِهِ من الْأَحَادِيث الْخَاصَّة بِهِ وَأما مَا ورد مُشْتَركا بَينه وَبَين عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فشيء كثير لم أورد مِنْهُ إِلَّا شَيْئا وَمَا ورد فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ من الصَّحَابَة وَالسَّلَف الصَّالح من الْآثَار والمناقب من زهده وتقواه وورعه وهداه وحياطته للدّين وَالْقِيَام بِأَمْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 الْمُسلمين ومصالحهم والشفقة على الْأمة والنصح لَهَا واقتفاء مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله بِحَضْرَة النَّبِي وسماعه لتِلْك وَفِي غير حصنه لم أورد مِنْهُ شَيْئا أصلا وَإِلَّا لاستوعب الْكتاب أجمع وَلما اشتهرت وَفَاة النَّبِي بالنواحي ارْتَدَّت طوائف من الْعَرَب عَن الْإِسْلَام وَمنعُوا الزَّكَاة فَخرج أَبُو بكر فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ لَهُ عمر ألف النَّاس وارفق بهم فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أجبار فِي الْجَاهِلِيَّة وخوار فِي الْإِسْلَام إِنَّه قد انْقَطع الْوَحْي وَتمّ الدّين أينقص وَأَنا حَيّ ثمَّ خرج لقتالهم حَتَّى بلغ نقعاء بحذاء نجد وهربت الْأَعْرَاب بذراريهم فَكلم النَّاس أَبَا بكر وَقَالُوا ارْجع إِلَى الْمَدِينَة وَأمر على الْجَيْش رجلا فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ وَبعث خَالِدا وَأمره أَن يُقَاتل النَّاس على خمس من ترك وَاحِدَة مِنْهُنَّ قَاتله كَمَا يُقَاتل من ترك الْخمس جَمِيعًا على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَالْحج إِلَى الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَأمر على الْأَنْصَار خَاصَّة ثَابت بن قيس بن شماس وَأمر خَالِدا أَن يصمد لقِتَال طليحة الْأَسدي فَسَار وعدة من مَعَه أَلفَانِ وَسَبْعمائة إِلَى ثَلَاثَة آلَاف وَوجه عكاشة ابْن مُحصن الْأَسدي وثابت بن أقرم الْأنْصَارِيّ إِلَى طليحة فَانْتَهَيَا إِلَى قطن فصادفا بِهِ ابْنا لطليحة مُتَوَجها إِلَى أَبِيه بثقله فقتلاه وأخذا مَاله فساق وَرَاءَهُمْ طليحة بعد أَن علم بِمَا فعلاه هُوَ وَأَخُوهُ سَلمَة فقتلا عكاشة وثابتاً فَسَار خَالِد فقاتل طليحة فَهَزَمَهُ الله تَعَالَى وَكَانَ طليحة بطلاً شَدِيد الْبَأْس فِي الْقِتَال وَقَالَ طليحة فِي قَتله عكاشة وثابت بن أقرم // (من الطَّوِيل) // (فَمَا ظَنُّكُم بِالقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لم يُسْلِمُوا بِرِجَالِ) (أقمْتُ لَهُمُ صَدْرَ الحِمَالَةِ إِنَّهَا ... مُعَوَّدةٌ قَتْلَ الكُمَاةِ نَزَالِ) (فَيوْمًا تَرَاها فِي الجلاَلِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذاتِ جِلاَلِ) (فَإِنْ يَكُ أَوْلاَدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا فَرغًا بِقَتْلِ حبَالِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 (عَشِيَّةَ غَادَرْتُ بنَ أَقْومَ ثَاوِيًا ... وَعُكَّاشَةَ الغَنْمِيَّ عِنْدَ مجَالِي) وَكَانَ من شَأْن طليحة أَنه تنبأ على عهد رَسُول الله وَكَانَ يَقُول إِن ذَا النُّون يَأْتِيهِ فَقَالَ لقد ذكر ملكا عَظِيما فَلَمَّا كَانَ زمن أبي بكر فِيمَن ارْتَدَّ فَبعث أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَيْهِ فَلَمَّا انْتهى إِلَى عسكره ووجده قد ضربت لَهُ قبَّة من أَدَم وَأَصْحَابه حوله فَقَالَ خَالِد ليخرج إِلَيّ طليحة فَقَالُوا لَا تصغر نَبينَا هُوَ طَلْحَة فَخرج إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ خَالِد إِن من عهد خليفتنا أَن يَدْعُوك إِلَى أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ يَا خَالِد أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَلَمَّا سمع خَالِد ذَلِك انْصَرف عَنهُ وعسكر بِالْقربِ مِنْهُ على ميل فَقَالَ عُيَيْنَة بن حصن لطليحة لَا أَبَا لَك هَل أَنْت مرينا بعض نبوتك قَالَ نعم وَكَانَ قد بعث عيُونا لَهُ حِين سَار خَالِد من الْمَدِينَة مُقبلا إِلَيْهِم فعرفوا خبر خَالِد فَقَالَ لَئِن بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين أَتَوْكُم من الْقَوْم بِعَين فهيئوا لَهُ فارسين فبعثوهما فَخَرَجَا يركضان فلقيا عينا لخَالِد مُقبلا إِلَيْهِم فَقَالَا مَا خبر خَالِد وَقَالا مَا وَرَاك قَالَ هَذَا خَالِد بن الْوَلِيد فِي الْمُسلمين قد أقبل فَزَادَهُم فتْنَة وَقَالَ ألم أقل لكم فَلَمَّا كَانَ السحر نَهَضَ خَالِد إِلَى طليحة فِيمَن مَعَه من أَصْحَاب رَسُول الله فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ تزمل طليحة فِي كسَاء لَهُ زاعماً انْتِظَار الْوَحْي فَلَمَّا طَال ذَلِك على أَصْحَابه وألح عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ بِالسَّيْفِ قَالَ لَهُ عُيَيْنَة بن حصن هَل أَتَاك بعد فَقَالَ من تَحت الكساء لَا وَالله مَا جَاءَ بعدُ فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَة تَبًّا لَك آخر الدَّهْر ثمَّ جذبه جذبة جلس مِنْهَا وَقَالَ قبح الله هَذِه من نبوة فَجَلَسَ طليحة ثمَّ قَالَ لَهُ عُيَيْنَة مَا قيل لَك قَالَ قيل لي إِن لَك مرجى كمرجاه وأمراً لَا تنساه فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَة أَظن قد علم الله تَعَالَى أَن سَيكون لَك أَمر لَا ننساه هَذَا كَذَّاب مَا بورك لنا وَلَا لَهُ فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 نطلب ثمَّ هرب عُيَيْنَة وَأَخُوهُ فأدركوه وأسروه وأفلت أَخُوهُ وهرب طليحة مُنْهَزِمًا وأسلمه شَيْطَانه حَتَّى قدم الشَّام فَأَقَامَ عِنْد بني حنيفَة الغسانيين حَتَّى فتح الله تَعَالَى أجنادين وَتُوفِّي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَذَا فِي المحاسن والمساوي ثمَّ أسلم طليحة وَحسن إِسْلَامه قَالَ ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة قَالَ لما سَار خَالِد وَكَانَ سَيْفا من سيوف الله وَرَسُوله فأسرع الْمسير حَتَّى نزل ببزاخة وَجمع لَهُ هُنَاكَ الْعَدو بَنو أَسد وغَطَفَان فَاقْتَتلُوا حَتَّى قتل من الْعَدو خلقا كثيرا وَأسر مِنْهُم أسَارِي فَأمر خَالِد بالحضر أَن تبنى ثمَّ أوقد فِيهَا النيرَان وَألقى الأساري فِيهَا وَقتل فِي ذَلِك الْوَجْه مَالك بن نُوَيْرَة التميمى قَالَ ابْن إِسْحَاق أَتَى خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ لمَالِك بن نُوَيْرَة فِي رَهْط من قومه بنى حَنْظَلَة فَضرب أَعْنَاقهم وَسَار فِي أَرض بني تَمِيم فَلَمَّا غشوا قوما مِنْهَا أخذُوا السِّلَاح وَقَالُوا نَحن مُسلمُونَ فَقيل لَهُم ضَعُوا السِّلَاح فوضعوه ثمَّ صلى الْمُسلمُونَ فصلوا فروى سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ قدم أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ على أبي بكر فَأخْبرهُ بقتل مَالك بن نُوَيْرَة وَأَصْحَابه فجزع لذَلِك ثمَّ ودى مَالِكًا ورد السَّبي وَالْمَال وَهُوَ مَالك بن نُوَيْرَة بن شَدَّاد اليربوعى التَّمِيمِي فَارس ذِي الْخمار وَذُو الْخمار فرسه كَانَ فَارِسًا شجاعاً مُطَاعًا فِي قومه وَفِيه خُيلاء كَانَ يُقَال لَهُ الجفول لِكَثْرَة سَفَره وَكَانَ من فرسَان الْعَرَب وشجعانهم وَذَوي الرَّأْي والردافة فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَت لبني يَرْبُوع أَيَّام آل الْمُنْذر وَمعنى الردف أَن يجلس مجْلِس الْملك إِذا غَابَ وَعَن يَمِينه إِذا جلس فَإِذا شرب الْملك شرب الردف بعده وللردف إتاوة تُؤْخَذ مَعَ إتاوة الْملك وَفِي ذَلِك يَقُول راجزهم (وَمَنْ يُنَافِرْ آلَ يَرْبوعٍ يَجِدْ ... ألمَجْلِسَ الأَيْمَنَ وَالرِّدَف النَّجدْ) قدم على النَّبِي فولاه صَدَقَة قومه بني يَرْبُوع ثمَّ ارْتَدَّ فَلَمَّا نازله خَالِد بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ أَنا آتِي بِالصَّلَاةِ دون الزَّكَاة فَقَالَ لَهُ أعلمت أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة مَعًا لَا تقبل وَاحِدَة دون الْأُخْرَى فَقَالَ قد كَانَ صَاحبك يَقُول ذَلِك قَالَ خَالِد وَمَا ترَاهُ لَك صاحباً وَلَقَد هَمَمْت أَن أضْرب عُنُقك ثمَّ تجَاوز طَويلا فصمم خَالِد على قَتله فَكَلمهُ أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ وَابْن عمر فكره كَلَامهمَا وَقَالَ لِضِرَار بن الْأَزْوَر اضْرِب عُنُقه فَجَاءَت امْرَأَته ليلى بنت سِنَان كاشفة وَجههَا فَأَلْقَت نَفسهَا عَلَيْهِ فَالْتَفت مَالك إِلَى زَوجته وَقَالَ أَنْت الَّتِي قتلتيني وَكَانَت فِي غَايَة الْجمال قَالَ خَالِد بل الله قَتلك برجوعك عَن الْإِسْلَام فَقَالَ أَنا على الْإِسْلَام قَالَ اضْرِب عُنُقه فَضرب عُنُقه وَجعل رَأسه إِحْدَى أثافي الْقدر وطبخ فِيهَا طَعَام فَقَالَت امْرَأَة من قومه حِين رَأَتْهُ اصرفوا وَجه مَالك عَن النَّار فوَاللَّه لقد كَانَ حَدِيد الطّرف فِي الغارات غضيض الطّرف عَن الجارات لَا يشْبع لَيْلَة يُضَاف وَلَا ينَام لَيْلَة يخَاف ثمَّ تزوج خَالِد بِالْمَرْأَةِ فَقَالَ أَبُو زُهَيْر السَّعْدِيّ من أَبْيَات // (من الطَّوِيل) // (قَضَى خَالدٌ بَغْيًا عَلَيْهِ لعِرْسِهِ ... وَكَانَ لَهُ فِيهَا هَوًى قَبْلَ ذَلِكَ) وَيذكر أَن أَخا مَالك بن نُوَيْرَة متمم بن نُوَيْرَة قدم الْمَدِينَة فَأَنْشد أَبَا بكر مندبة ندب بهَا أَخَاهُ وَنَاشَدَهُ فِي دم أَخِيه مِنْهَا قَوْله مُخَاطبا لِضِرَار بن الْأَزْوَر // (من الْكَامِل) // (نِعْمَ القَتِيلُ إِذَا الرِّيَاحُ تَنَوَّحَتْ ... خَلْفَ البُيُوتِ قَتَلْتَ يَابْنَ الأَزْوَرِ) ثمَّ توجه إِلَى أبي بكر فَقَالَ // (من الْكَامِل) // (وَدَعَوْتَهُ بِالله ثُمَّ عَدَرْتَهُ ... لَو هُوْ دَعَاكَ بِذِمَّة لَمْ يَغْدِرِ) فَقَالَ أَبُو بكر وَالله مَا دَعوته وَلَا غدرته فَقَالَ أَخُوهُ متمم بَقِيَّة أبياته الْمَشْهُورَة وانحط على فرسه وَكَانَ أَعور فَمَا زَالَ يبكي حَتَّى دَمَعَتْ عينه العوراء فَقَامَ إِلَيْهِ عمر بن الْخطاب فَقَالَ وددت لَو رثيت أخي زيدا بِمثل مَا رثيت بِهِ أَخَاك فَقَالَ متمم وَالله لَو علمت أَن أخي صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ أَخُوك لم أرثه وَلم أَحْزَن عَلَيْهِ يعْنى الْجنَّة قلت وَهَذَا الْجَواب من متمم يُؤَيّد صِحَة الرِّوَايَة بارتداده وَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْمًا حَدثنَا عَن أَخِيك فَقَالَ أسرت مرّة فِي حَيّ عَظِيم من أَحيَاء الْعَرَب فَأقبل أخي مَالك فَمَا هُوَ إِلَّا أَن طلع على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 الْحَاضِرَة فَمَا كَانَ أحد قَاعِدا إِلَّا قَامَ وَلَا بقيت امْرَأَة إِلَّا تطلعت من خلال الْبيُوت فَمَا نزل عَن جمله حَتَّى تلقَوه بِي فِي رمتي قلت الرمة بِضَم الرَّاء وَشد الْمِيم الخطام من الليف أطلقت هَهُنَا على الْحَبل الَّذِي ربط بِهِ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِن هَذَا لَهو الشّرف وَمن شعر مَالك قَوْله // (من الْكَامِل) // (ولقَدْ عَلِمْتُ وَلَا مَحَالةَ أَنَّنِي ... لِلْحَادِثَاتِ فَهَل تَرَيْنِي أَجْزَعُ) (أفْنَيْنَ عاداً ثمَّ آلَ مُحَرِّقٍ ... فَتَرَكْنَهُمْ بَدَداً ومَا قَدْ جمعُوا) (وعَددتُ أيَّامِي إِلَى عِرْق الثِّرَى ... وَدَعَوتُهُمْ فعلمتُ أَنْ لَمْ يسمَعُوا) (ذَهبُوا فَلَمْ أدركْهُمُ ودَهَتْهُمُ ... غَوْلُ اللَّيالِي والطَّريقُ المَهْيَعُ) وَمِنْه قَوْله // (من الطَّوِيل) // (وقَالُوا لي اسْتَأْسِر فَإِنَّكَ آمِنٌ ... فَقُلتُ إنِ اسْتَأْسَرتُ إِنِّي لخائِنُ) (عَلامَ تَرَكْتُ المشْرفيَّ مضَاجِعي ... ومطرداً فِيهِ المنَايَا كَوامِنُ) (فإنْ تَقْتلوني بَعْدَ ذَاك فَإِنني ... أَمُوتُ بمقْدَارٍ وَتبْقَى الضَّغَائِنُ) ثمَّ كَلمه فِي السَّبي وَالْمَال فَرد إِلَيْهِ أَبُو بكر السَّبي وَالْمَال وَله مندبة أُخْرَى يَقُول فِيهَا // (من الطَّوِيل) // (وَكُنَّا كَنَدْمَاني جُذيْمَةَ حقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حتَّى قيل لَنْ يَتَصَدَّعَا) (فَلَمَّا تَفَرَّقنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا) (ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) كَانَ لَهُ سِتَّة ثَلَاثَة بَنِينَ وَثَلَاث بَنَات أما البنون فعبد الله أكبر أَوْلَاده الذُّكُور أمه قتيلة بِالتَّصْغِيرِ وَقيل بِالتَّكْبِيرِ من بني عَامر بن لؤَي شهد فتح مَكَّة وحنيناً والطائف مَعَ النَّبِي مُسلما وجرح بِالطَّائِف وَبَقِي إِلَى خلَافَة أَبِيه وَمَات فِيهَا رَمَاه فِي وقعته بِسَهْم أَبُو محجن الثَّقَفِيّ فبرىء مِنْهُ ثمَّ انْتقض عَلَيْهِ الْجرْح فَمَاتَ بِهِ وَترك سَبْعَة دَنَانِير فاستكثرها أَبوهُ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلم يعقب وَالثَّانِي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر يكنى أَبَا عبد الله أسلم فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَكتب للنَّبِي وَكَانَ من الشجعان لَهُ مَوَاقِف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مَشْهُورَة وأبلى فِي فتوح الشَّام بلَاء حسنا وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 الْمُشْركين ثمَّ من الله تَعَالَى عَلَيْهِ بِمَا من على أمه أم رُومَان بنت الْحَارِث من بني فراس بن غنم بن كنَانَة أسلمت وَهَاجَرت مَاتَ فَجْأَة سنة ثَلَاث وَخمسين بعد وَفَاة مُعَاوِيَة قبل أَن تتمّ الْبيعَة ليزِيد بِحَبل قرب مَكَّة فأدخلته أُخْته شقيقته عَائِشَة الْحرم ودفنته وأعتقت عَنهُ وَكَانَ شهد الْجمل مَعهَا وَله عقب مروياته ثَمَانِيَة أَحَادِيث وَمُحَمّد بن أبي بكر ويكنى أَبَا الْقَاسِم كَانَ من نساك قُرَيْش أمه أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية وَكَانَت من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَكَانَت تَحت جَعْفَر بن أبي طَالب وَهَاجَرت مَعَه إِلَى الْحَبَشَة وَلما اسْتشْهد جَعْفَر بمؤته من أَرض الشَّام تزَوجهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ مُحَمَّدًا بذى الحليفة لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة عشر من الْهِجْرَة وَلما توفّي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنها تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب وَنَشَأ مُحَمَّد بن أبي بكر هَذَا فِي حجر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ على رَاحِلَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجمل وَشهد مَعَه صفّين وولاه عُثْمَان فِي أَيَّامه مصر وَكتب لَهُ الْعَهْد ثمَّ اتّفق مَقْتَله يَعْنِي عُثْمَان قبل وُصُوله يَعْنِي مُحَمَّدًا إِلَيْهَا وولاه عَليّ كرم الله وَجهه مصر بعد رُجُوعه من صفّين فَوَقع بَينه وَبَين عَمْرو بن الْعَاصِ حَرْب فَهزمَ مُحَمَّد بن أبي بكر وَقتل وَأكْثر المؤرخين على أَنه أحرق فِي جَوف حمَار ميت يُقَال كَانَ ذَلِك قبل قَتله وَقيل بعد الْقَتْل وَأما الْبَنَات فعائشة أم الْمُؤمنِينَ شَقِيقَة عبد الرَّحْمَن وَقد تقدم ذكرهَا فِي زَوْجَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَسْمَاء بنت أبي بكر شَقِيقَة عبد الله وَهِي أكبر بَنَاته وَهِي ذَات النطاقين وَتقدم ذكر سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك عِنْد ذكر الْهِجْرَة تزَوجهَا الزبير بِمَكَّة وَولدت لَهُ عدَّة أَوْلَاد الْمُنْذر وَعُرْوَة أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة وَالْمُهَاجِر وَعبد الله وَخَدِيجَة وَأم الْخَيْر وَعَائِشَة ثمَّ طَلقهَا فَكَانَت مَعَ وَلَدهَا عبد الله حَتَّى قتل وَعَاشَتْ بعده خَمْسَة أَيَّام وَكَانَت من المُعَمرين بلغ عمرها مائَة سنة وعميت وَكَانَ مَوتهَا بِمَكَّة وَسَيَأْتِي لَهَا مزِيد ذكر عِنْد خلَافَة ابْنهَا عبد الله بن الزبير وَأم كُلْثُوم وَهِي أَصْغَر بَنَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهِي الَّتِي تَركهَا أَبُو بكر فِي بطن بنت خَارِجَة كَانَ أَبُو بكر قد نزل عَلَيْهِ وَتزَوج ابْنَته وَتُوفِّي عَنْهَا وتكرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 حُبْلَى فَولدت بعده أم كُلْثُوم فاحتالت لَهُ حَتَّى أمسك عَنْهَا فَتَزَوجهَا طَلْحَة بن عبيد الله ذكر هَذَا ابْن قُتَيْبَة وَغَيره وَابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الصفوة (ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) قَالَ فِي الرياض قَالَ أهل السّير توفّي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَذكره فِي الصفوة الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ وَقَالَ فِي الْخَمِيس قَالَ ابْن إِسْحَاق توفّي يَوْم الْجُمُعَة لتسْع بَقينَ من الشَّهْر الْمَذْكُور وَذكر أَبُو عَمْرو وَالْأول أصح لما رَوَت عَائِشَة قَالَت لما ثقل أَبُو بكر قَالَ أَي يَوْم هَذَا قُلْنَا يَوْم الِاثْنَيْنِ قَالَ وَأي يَوْم قبض رَسُول الله قَالَ يَوْم الِاثْنَيْنِ قَالَ فَإِنِّي أَرْجُو فِيمَا بيني وَبَين اللَّيْل فَإِن مت فِي لَيْلَتي فَلَا تنتظروا بِي الْغَد فَإِن أحب الْأَيَّام والليالي إِلَيّ أقربها من رَسُول الله خرجه الإِمَام أَحْمد بِسَنَدِهِ كَذَا فِي الرياض قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ ثوب فِيهِ ردغ من زغفران أَو مِشق بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَهِي الْمغرَة قَالَ فَإِذا أَنا مت فَاغْسِلُوا لي ثوبي هَذَا وضموا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جديدين وكفنوني فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَالُوا أَلا نَجْعَلهَا كلهَا جدداً قَالَ إِنَّمَا هِيَ للمهلة وَهِي بِضَم الْمِيم وَقَالَ بَعضهم بِكَسْرِهَا الصديد والقيح وَحكى بعض الْعِرَاقِيّين فِيهَا الْفَتْح وَلما مَاتَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ غسلته زَوجته أَسمَاء بنت عُمَيْس بِوَصِيَّة مِنْهُ وصب عَلَيْهَا المَاء ابْنه عبد الرَّحْمَن وَلما كفن حمل على السرير الَّذِي كَانَ ينَام عَلَيْهِ رَسُول الله وَهُوَ سَرِير عَائِشَة من خشب الساج منسوج بالليف وَبيع فِي مِيرَاث عَائِشَة فَاشْتَرَاهُ رجل من موَالِي مُعَاوِيَة بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم فَجعله للنَّاس يحملون عَلَيْهِ موتاهم بِالْمَدِينَةِ وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب فِي مَسْجِد رَسُول الله تجاه الْمِنْبَر وَكبر أَرْبعا وَدفن إِلَى جنب قبر النَّبِي وألصق لحده بلحده وَنزل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 قَبره عمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَدفن لَيْلًا وَكَانَ آخر مَا تكلم بِهِ رَضِي الله عَنهُ رب توفني مُسلما وألحقني بالصالحين وروى اللَّيْث بن سعد عَن علوان عَن صَالح بن كيسَان عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف عَن أَبِيه قَالَ دخلت على أبي بكر أعوده فِي مَرضه فَسلمت عَلَيْهِ وَسَأَلته كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ بِحَمْد الله بارئاً أما إِنِّي على مَا ترى وجع وجعلتم لي شغلاً مَعَ وجعي جعلت لكم عهدا بعدِي واخترت لكم أحبكم لنَفْسي فكلكم وَرِمَ لذَلِك أَنفه رَجَاء أَن يكون الْأَمر لَهُ ثمَّ قَالَ أما إِنِّي لَا آسي على شَيْء إِلَّا على ثَلَاث فعلتهن وَثَلَاث لم أفعلهن وَثَلَاث وددت أَنِّي سَأَلت رَسُول الله عَنْهُن وددت إِنِّي لم أكن كشفت بَيت فَاطِمَة وَتركته وَإِن أغلق على الحزب وددت أَنِّي يَوْم سَقِيفَة بني سَاعِدَة قذفت الْأَمر فِي عنق عمر وَأبي عُبَيْدَة ووددت أَنِّي لما كنت وجهت خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أهل الرِّدَّة أَقمت بِذِي الْقِصَّة فَإِن ظفر الْمُسلمُونَ وَإِلَّا كنت لَهُم مدَدا وردءاً ووددت إِنِّي يَوْم أتيت بالأشعث أَسِيرًا ضربت عُنُقه فَإِنَّهُ يخيل إِلَى أَنه لَا يكون شَرّ إِلَّا طَار إِلَيْهِ وودت أَنِّي يَوْم أتيت بالعجاج الْأَسْلَمِيّ لم أكن حرقته وقبلته وأطلقته ووددت أَنِّي حَيْثُ وجهت خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الشَّام وجهت عمر إِلَى الْعرَاق فَأَكُون قد بسطت يَمِيني وشمالي فِي سَبِيل الله ووددت أَنِّي سَأَلت رَسُول الله فِيمَن هَذَا الْأَمر وَلَا ننازعه أَهله وَأَنِّي سَأَلته هَل للْأَنْصَار فِي هَذَا الْأَمر شَيْء وَأَنِّي سَأَلته عَن الْعمة وَبنت الْأَخ فَإِن فِي نَفسِي مِنْهُمَا حَاجَة رَوَاهُ هَكَذَا أَو أطول من هَذَا ابْن وهب عَن اللَّيْث بن سعد إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وروى الْقَاسِم عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر حِين حَضَره الْمَوْت قَالَ إِنِّي لَا أعلم عِنْد آل أبي بكر غير هَذِه اللقحة وَغير هَذَا الْغُلَام الصيقل وَكَانَ يعْمل سيوف الْمُسلمين ويخدمنا فَإِذا مت فادفعيهما إِلَى عمر قَالَ فَلَمَّا دفعتهما قَالَ عمر رحم الله أَبَا بكر لقد أتعب من بعده حكى ابْن عمر قَالَ كَانَ سَبَب موت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كمداً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 على موت النَّبِي مَا زَالَ يذيبه حَتَّى مَاتَ والكمد الْحزن المكتوم وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَ أول مَرضه أَنه اغْتسل يَوْم الِاثْنَيْنِ لسبع خلون من جُمَادَى الْأُخْرَى وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا فَحم خَمْسَة عشر يَوْمًا لَا يخرج إِلَى الصَّلَاة وَكَانَ يَأْمر عمر بن الْخطاب يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَدخل عَلَيْهِ النَّاس يعودونه وَكَانَت عَائِشَة لما ثقل تتمثل بقول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (أعادِلُ مَا يُعْنِي الحذَارُ عَنِ الفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَومًا وضَاقَ بَها الصَّدْرُ) فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر لَا تقولي هَذَا وَلَكِن قولي {وَجاءت سكرةُ المَوتِ بِالحَقَّ ذَلِكَ مَا كنتَ مِنهُ تحيدُ} ق 19 ثمَّ إِنَّهَا تمثلت بقول أبي طَالب // (من الطَّوِيل) // (وأبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوجْهِهِ ... ثمَالِ اليتَامَى عِصْمَةٍ لِلأََرَامِل) فَقَالَ لَهَا ذَاك رَسُول الله وَقَالَ النَّاس لَهُ لما دخلُوا عَلَيْهِ يعودونه أَلا نَدْعُو لَك طَبِيبا ينظر إِلَيْك فَقَالَ قد نظر إِلَيّ فَقَالُوا مَا قَالَ لَك قَالَ قَالَ لي إِنِّي فعال لما أُرِيد قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة أسلم وَهُوَ ابْن سبع وَثَلَاثِينَ وعاش فِي الْإِسْلَام سِتا وَعشْرين سنة وَمُدَّة خِلَافَته سنتَانِ وَثَلَاثَة أشهر واثنتا عشرَة لَيْلَة من متوفي رَسُول الله وَأوصى أَن يدْفن إِلَى جَانب رَسُول الله كَمَا تقدم ذكر ذَلِك قَالَ جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فَانْطَلَقْنَا ودفعنا الْبَاب وَقُلْنَا هَذَا أَبُو بكر فَفتح الْبَاب وَلم ندر من فَتحه لنا وَلَيْسَ فِي الْبَيْت أحد وَقَالَ ادخُلُوا فادفنوه وَلَا نرى شخصا قَالَ فِي شَوَاهِد النُّبُوَّة سمعُوا صَوتا يَقُول ادفنوا الحبيب إِلَى حَبِيبه وَلما توفّي أَبُو بكر كَانَ أَبوهُ حَيا بِمَكَّة وعاش بعده سِتَّة أشهر وأياماً مروياته فِي كتب الحَدِيث مِائَتَان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَجعل الْجنَّة منقلبه ومثواه ونفعنا بِهِ آمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 (خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ) أخرج الْوَاقِدِيّ من طرق أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لما ثقل دَعَا عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر بن الْخطاب فَقَالَ مَا تَسْأَلنِي عَن أَمر إِلَّا وَأَنت أعلم بِهِ مني فَقَالَ أَبُو بكر وإنْ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف هُوَ وَالله أفضل من رَأْيك فِيهِ ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر بن الْخطاب فَقَالَ أَنْت أخبرنَا بِهِ فَقَالَ وَإِن فَقَالَ اللَّهُمَّ علمي بِهِ أَن سَرِيرَته خير من عَلَانِيَته وَأَنه لَيْسَ فِينَا مثله وشاور مَعَهُمَا سعيد بن زيد وَأسيد بن الْحضير وَغَيرهمَا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ أسيد اللَّهُمَّ أعلمهُ الْخيرَة بعْدك يرضى للرضا ويسخط للسخط الَّذِي يسره خير من الَّذِي يعلن وَلنْ يَلِي هَذَا الْأَمر أحد أقوى عَلَيْهِ مِنْهُ ثمَّ دخل عَلَيْهِ بعض الصَّحَابَة فَقَالَ قَائِل مِنْهُم مَا أَنْت قَائِل لِرَبِّك إِذا سَأَلَك عَن تَوْلِيَة عمر علينا فقد ترى غلظته فَقَالَ أَبُو بكر أجلسوني فأجلس فَقَالَ أبالله تخوفني خَابَ من يَزَوَد من أَمركُم بظُلْم أَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتخْلفت عَلَيْهِم خير أهلك أبلغ عني من وَرَاءَك مَا قلت ثمَّ دَعَا عُثْمَان فَقَالَ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا عهد أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة فِي آخر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا وَعند أول عَهده بِالآخِرَة دَاخِلا فِيهَا حَيْثُ يُؤمن الْكَافِر ويوقن الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب إِنِّي قد اسْتخْلفت عَلَيْكُم بعدِي عمر بن الْخطاب فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَإِنِّي لم آل الله وَرَسُوله وَدينه وَنَفْسِي وَإِيَّاكُم إِلَّا خيرا فَإِن عدل فَذَلِك ظَنِّي فِيهِ وَعلمِي بِهِ وَإِن بدل فَلِكُل امرىء مَا اكْتسب وَالْخَيْر أردْت وَلَا أعلم الْغَيْب وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله ثمَّ أَمر بِالْكتاب فختمه ثمَّ أَمر عُثْمَان فَخرج بِالْكتاب مَخْتُومًا فَبَايع النَّاس لمن فِيهِ وَرَضوا بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 وَرَأَيْت فِي الْجمع الْغَرِيب مَا نَصه بعد قَوْله فَبَايع النَّاس لمن فِيهِ حَتَّى مر الْكتاب بعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ بَايعنَا لمن فِيهِ وَإِن كَانَ عمر بِزِيَادَة الْوَاو قبل إِن وَفِي رِوَايَة أُخْرَى بِحَذْف الْوَاو قلت يُؤَيّد رِوَايَة عدم الْوَاو مَا ذكره فِي الرياض النضرة وَعبارَته روى أَن أَبَا بكر لما ثقل أشرف على النَّاس من كوه فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد عهِدت عهدا أفترضون بِهِ قَالَ النَّاس رَضِينَا يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ عَليّ لَا نرضى إِلَّا أَن يكون عمر قَالَ فَإِنَّهُ عمر انْتهى ثمَّ دَعَا عمر رَضِي الله عَنهُ خَالِيا فَأَوْصَاهُ بِمَا أوصاه بِهِ ثمَّ خرج من عِنْده فَرفع أَبُو بكر يَده فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أرد بذلك إِلَّا صَلَاحهمْ وَخفت عَلَيْهِم الْفِتْنَة فَعمِلت فيهم بِمَا أَنْت بِهِ أعلم وَاجْتَهَدت لَهُم رَأْيِي فوليت عَلَيْهِم خَيرهمْ وَأَقْوَاهُمْ وأحرصهم على مَا أرشدهم فقد حضرني من أَمرك مَا حضر فأخلفني فيهم فهم عِبَادك وَنَوَاصِيهمْ بِيَدِك أصلح ولايتهم واجعله من خلفائك الرَّاشِدين وَأصْلح لَهُ رَعيته وَفِي الصفوة أول مَا تكلم بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حِين صعد الْمِنْبَر أَن قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيد فليني وَإِنِّي ضَعِيف فقوني وَإِنِّي بخيل فسخني وَعَن الْحسن أول خطْبَة خطبهَا حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي ابْتليت بكم وابتليتم بِي فَمَا كَانَ بحضرتنا باشرنا وَمهما غَابَ عَنَّا وليناه أهل الْقُوَّة وَالْأَمَانَة فَمن يحسن نزده حسنى وَمن يسىء نعاقبه ثمَّ قَالَ بَلغنِي أَن النَّاس قد هابوا شدتي وخافوا غلطتي وَقَالُوا قد كَانَ عمر يشدد علينا وَرَسُول الله بَين أظهرنَا فَكيف الْآن وَقد صَارَت الْأُمُور إِلَيْهِ ولعمري من قَالَ ذَلِك فقد صدق كنت مَعَ رَسُول الله فَكنت عَبده وخادمه حَتَّى قَبضه الله وَهُوَ رَاض عني وَللَّه الْحَمد وَأَنا أسعد النَّاس بذلك ثمَّ ولي أَبُو بكر فَكنت خادمه وعونه أخلط شدتي بلينه فَأَكُون سَيْفا مسلولاً حَتَّى يغمدني فَمَا زلت مَعَه كَذَلِك حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى وَهُوَ عني رَاض وَللَّه الْحَمد وَأَنا أسعد النَّاس بذلك ثمَّ إِنِّي وليت الْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 أُمُوركُم اعلموا أَن تِلْكَ الشدَّة قد تضاعفت وَلكنهَا إِنَّمَا تكون على أهل الظُّلم والتعدي على الْمُسلمين وَأما أهل السَّلامَة فِي الدّين وَالْقَصْد فَإِنَّمَا اللين لَهُم من بَعضهم لبَعض وَلست أدع أحدا يَظْلمه أحد أَو يتَعَدَّى عَلَيْهِ حَتَّى أَضَع خَدّه بِالْأَرْضِ وأضع قدمي على الخد الآخر حَتَّى يذعن للحق وَلكم عَليّ أَيهَا النَّاس أَلا أخبأ عَنْكُم شَيْئا من خراجكم وَإِذا وَقع عِنْدِي أَلا يخرج إِلَّا بِحقِّهِ وَلكم عَليّ أَلا ألقيكم فِي المهالك وَإِذا غبتم فِي الْبعُوث فَأَنا أَبُو الْعِيَال حَتَّى ترجعوا أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم قَالَ سعيد بن الْمسيب ولي عمر فَزَاد فِي الشدَّة فِي موَاضعهَا واللين فِي موَاضعه وَكَانَ أَبَا للعيال حَتَّى أَنه يمشي إِلَى المغيبات وَيَقُول ألكن حَاجَة حَتَّى أشتريها لَكِن فَإِنِّي أكره أَن تخدعن فِي البيع وَالشِّرَاء فيرسلن مَعَه بجواريهن وَمن كَانَ لَيْسَ لَهَا شَيْء اشْترى لَهَا من عِنْده وَهُوَ أول من قَالَ أَطَالَ الله بَقَاءَك قَالَهَا لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد قَالَ مر عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ على الْمَسَاجِد فِي رَمَضَان وفيهَا الْقَنَادِيل فَقَالَ نور الله على عمر فِي قَبره كَمَا نور علينا مَسَاجِدنَا وأوليات عمر مُفْردَة بالتأليف وَذكر هَذَا الْعَلامَة جلال الدّين السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم روى أَن أَبَا طَلْحَة خرج فِي لَيْلَة مُقْمِرَة فَرَأى عمر رَضِي الله عَنهُ قد دخل بَيْتا ثمَّ خرج مِنْهُ فَلَمَّا أصبح أَبُو طَلْحَة ذهب إِلَى ذَلِك الْبَيْت فَإِذا فِيهِ عَجُوز عمياء مقعدة فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَة مَا بَال هَذَا الرجل يَأْتِيك فَقَالَت إِنَّه يتعاهدني مُنْذُ كَذَا وَكَذَا بِمَا يصلحني وَيخرج عني الْأَذَى والقذى وَلما رَجَعَ رَضِي الله عَنهُ من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة انْفَرد عَن النَّاس ليتعرف أَخْبَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 رَعيته فَمر بِعَجُوزٍ لَهَا خباء فقصدها فَقَالَت يَا هَذَا مَا فعل عمر قَالَ قد أقبل من الشَّام سالما فَقَالَت لَا جزاه الله عني خيرا قَالَ لَهَا وَلم قَالَت لِأَنَّهُ مَا فَاتَنِي من عطائه مُنْذُ ولي أَمر الْمُسلمين دِينَار وَلَا دِرْهَم فَقَالَ وَمَا يدْرِي عمر بحالك وَأَنت فِي هَذَا الْموضع فَقَالَت سُبْحَانَ الله مَا ظَنَنْت أَن أحدا يَلِي على النَّاس وَلَا يدْرِي مَا بَين مشرقها وَمَغْرِبهَا فَبكى عمر فَقَالَ واعمراه بك أتدافعه مِنْك حَتَّى الْعَجَائِز ثمَّ قَالَ لَهَا يَا أمة الله بكم تبيعيني ظلامتك من عمر فَإِنِّي أرحمه من النَّار فَقَالَت لَا تهزأ بِي يَرْحَمك الله فَقَالَ عمر لست بهزاء فَلم يزل بهَا حَتَّى اشْترى ظلامتها بِخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَا السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَوضعت الْعَجُوز يَدهَا على رَأسهَا وَقَالَت واسوأتاه شتمت أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي وَجهه فَقَالَ لَا عَلَيْك يَرْحَمك الله ثمَّ طلب وَفَاء فَلم يجده فَقطع قِطْعَة من مرقعته وَكتب فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا اشْترى عمر ظلامتها مُنْذُ ولي إِلَى يَوْم كَذَا بِخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا فَمَا تدعيه عِنْد وُقُوفه فِي الْمَحْشَر بَين يَدي الله تَعَالَى فَهُوَ مِنْهُ بَرِيء شهد على ذَلِك من فُلَانَة عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود قَالَ أَبُو طَلْحَة ثمَّ دفع الْكتاب إِلَيّ وَقَالَ إِذا مت فاجعله فِي كفني ألْقى بِهِ رَبِّي عز وَجل وأخباره فِي مثل هَذَا كَثِيرَة جدا وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا مِنْهَا لما جر إِلَيْهِ ذكره بالشدة واللين والرفق والشفقة على الْمُسلمين (ذكر نسبه رَضِي الله عَنهُ) هُوَ عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابْن عدى بن كَعْب بن لؤَي يلتقي مَعَ رَسُول الله فِي كَعْب بن لؤَي أمه حنتمة بنت هَاشم بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَقَالَ طَائِفَة بنت هِشَام بن الْمُغيرَة وَمن قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ وَلَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ أُخْت أبي جهل بن هِشَام والْحَارث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 ابْن هِشَام وَإِنَّمَا هِيَ بنت هَاشم وهَاشِم وَهِشَام أَخَوان (ذكر إِسْلَامه) قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ إِسْلَام عمر بعد خُرُوج من خرج من أَصْحَاب رَسُول الله إِلَى الْحَبَشَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت أتعرض رَسُول الله فَوَجَدته سبقني إِلَى الْمَسْجِد فَقُمْت خَلفه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الحاقة فَجعلت أعجب من تأليف الْقُرْآن فَقلت هَذَا وَالله شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش فَقَرَأَ {إِنَّهُ لَقَولُ رَسُول كرَيم وَما هُوَ بِقولِ شاعِر قَلِيلأً مَا تؤمنوُنَ} الحاقة 40، 41 قَالَ فَقلت كَاهِن فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ يقْرَأ {وَلا بِقَولِ كاهِن قَلِيلاً مَا تذَكَرونَ تَنْزِيل من رب الْعَالمين وَلَو تَقول عَلَينا بَعضَ الأقاوِيلِ} إِلَى {حَاجِزين} الحاقة 42، 47 قَالَ فَوَقع الْإِسْلَام من قلبِي كل موقع خرجه أَحْمد وَفِي طَرِيق آخر عَن أنس بن مَالك قَالَ خرج مُتَقَلِّدًا السَّيْف فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ أَيْن تعمد يَا عمر قَالَ أُرِيد أَن أقتل مُحَمَّدًا قَالَ وَكَيف تأمن من بني هَاشم وَمن بني زهرَة وَقد قتلت مُحَمَّدًا فَقَالَ لَهُ عمر مَا أَرَاك إِلَّا قد صَبَأت وَتركت دينك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ فَقَالَ الرجل لَا تلمني وَلم أختك وخَتنك إِن كنت تلوم فَإِنَّهُمَا قد صبآ فَمشى عمر حَتَّى أتاهما وَعِنْدَهُمَا رجل من الْمُهَاجِرين يُقَال لَهُ خباب بن الْأَرَت فَلَمَّا سمع خباب حس عمر توارى فِي الْبَيْت فَدخل عَلَيْهِمَا وَكَانُوا يقرءُون سُورَة طه فَسَكَتُوا فَقَالَ مَا هَذِه الهمهمة الَّتِي سَمعتهَا عنْدكُمْ فَقَالَ مَا عدا حَدِيثا تحدثناه بَيْننَا قَالَ فلعلكما قد صبأتما فَقَالَ لَهُ خَتنه أَرَأَيْت يَا عمر إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك فَوَثَبَ عمر على ختنه فوطئه وطأً شَدِيدا فَجَاءَتْهُ أُخْته فَدَفَعته عَنهُ فنفحها نفحة بِيَدِهِ فدمى وَجههَا فَقَالَت غَضَبي ويلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 يَا عمر أَرَأَيْت أَن الْحق فِي غير دينك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَلَمَّا تبين عمر قَالَ أعطوني هَذَا الْكتاب الَّذِي عنْدكُمْ فَأَقْرَأهُ وَكَانَ عمر يقْرَأ الْكتب فَقَالَت لَهُ أُخْته إِنَّك رِجْس وَلَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْ فاغتسل أَو تَوَضَّأ فَقَامَ فَتَوَضَّأ ثمَّ أَخذ الْكتاب فَقَرَأَ طه إِلَى قَوْله {إِنني أَنا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أناَ فاعبدني وأقم الصَّلَاة لِذِكرِي} طه 14 فَقَالَ عمر دلوني على مُحَمَّد فَلَمَّا سمع الْخَبَّاب قَول عمر خرج من الْبَيْت فَقَالَ أبشر يَا عمر فإنى أَرْجُو أَن تكون دَعْوَة رَسُول الله لَك لَيْلَة الْخَمِيس اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بِأحد العمرين عمر بن الْخطاب أَو عَمْرو بن هِشَام ثمَّ قَالَ إِن رَسُول الله فِي الدَّار الَّتِي فِي أصل الصَّفَا فَانْطَلق عمر حَتَّى أَتَى الدَّار قَالَ وعَلى الْبَاب حَمْزَة وَطَلْحَة وناس من أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالُوا عمر فَلَمَّا رأى حَمْزَة وَجل الْقَوْم من عمر قَالَ حَمْزَة نعم هَذَا عمر وَإِن يرد الله بِهِ خيرا يسلم وَإِن يرد غير ذَلِك يكن قَتله علينا هيناً قَالَ وَالنَّبِيّ دَاخل يُوحى إِلَيْهِ فَخرج رَسُول الله حَتَّى أَتَى عمر فَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه وحمائل سَيْفه فَقَالَ مَا أَنْت بمنته عني يَا عمر حَتَّى ينزل الله بك من الخزي والنكال مَا لم ينزل بالوليد بن الْمُغيرَة اللَّهُمَّ اهد عمر بن الْخطاب اللَّهُمَّ أعز الدّين بعمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر أشهد أَنَّك رَسُول الله فَأسلم عمر فَكبر النَّبِي وَأهل الْبَيْت تَكْبِيرَة سَمِعت من أَعلَى مَكَّة فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله علام نخفي ديننَا وَنحن على الْحق قَالَ يَا عمر إِنَّا قَلِيل قَالَ عمر وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا يبْقى مجلسْ جَلَست فِيهِ بالْكفْر إِلَّا جَلَست فِيهِ بِالْإِيمَان ثمَّ خرج وَطَاف بِالْبَيْتِ ثمَّ مر بِقُرَيْش وهم ينظرونه فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل ابْن هِشَام وَهُوَ عَم والدته حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي زعم فلَان أَنَّك صبوت فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَوَثَبَ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 الْمُشْركُونَ ووثب عمر على عتبَة بن ربيعَة فبرك عَلَيْهِ وَجعل يضْربهُ وَأدْخل إصبعيه فِي عَيْنَيْهِ فَجعل عتبَة يَصِيح فَتنحّى النَّاس عَنهُ فَقَامَ عمر فَجعل لَا يدنو مِنْهُ أحد إِلَّا أَخذ شرِيف من دنا مِنْهُ حَتَّى أحجم النَّاس عَنهُ وَاتبع الْمجَالِس الَّتِي كَانَ يجلس فِيهَا بالْكفْر فأظهر الْإِسْلَام فِيهَا ثمَّ انْصَرف إِلَى النبى وَهُوَ ظَاهر عَلَيْهِم فَقَالَ مَا يحبسك بِأبي أَنْت وَأمي فوَاللَّه مَا بَقِي مجْلِس جَلَست فِيهِ بالْكفْر إِلَّا أظهرت فِيهِ الْإِسْلَام غير هائب وَلَا خَائِف فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صفّين من أَصْحَابه عمر بن الْخطاب فِي يمينهما وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب فِي يسارهما حَتَّى طَاف بِالْبَيْتِ وَصلى الظّهْر مُعْلنا ثمَّ انْصَرف إِلَى دَار الأرقم هُوَ وَمن مَعَه أخرجه أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فِي الْأَرْبَعين الطوَال وَعَن ابْن مَسْعُود مَا زلنا أعزة مُنْذُ أسلم عمر أخرجه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم وَعنهُ أَيْضا قَالَ كَانَ إِسْلَام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمارته رَحْمَة وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا نستطيع أَن نصلي بِالْبَيْتِ حَتَّى أسلم عمر فَلَمَّا أسلم عمر قَاتلهم حَتَّى تركونا وَصلى عِنْد الْكَعْبَة وصلينا مَعَه أخرجه الْحَافِظ السلَفِي وَخرج الخلعي طرفا من هَذِه الْقِصَّة وَقَالَ فَقَالَ عمر لَا نعْبد الله سرا بعد الْيَوْم فَأنْزل الله {يَا أيَها النبيُ حَسبُكَ الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} الْأَنْفَال 64 وَكَانَ ذَلِك أول مَا نزل من الْقُرْآن فِي تَسْمِيَة الصَّحَابَة مُؤمنين وَكَانَ عمر عِنْد ذَلِك ينصب راية للحرب بِمَكَّة ويحاربهم على الْحق فَيَقُول لأهل مَكَّة وَالله لَو بلغت عدتنا ثَلَاثمِائَة رجل لتركتموها لنا أَو لتركناها لكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 وَعَن صُهَيْب قَالَ لما أسلم عمر جلسنا حول الْبَيْت حلقا حلقا وانتصفنا مِمَّن غلظ علينا وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا سمينا مُؤمنين حَتَّى أسلم عمر خرجه فِي الْفَضَائِل وَعَن ابْن مَسْعُود لما أسلم عمر أظهر الْإِسْلَام ودعا إِلَى الله عَلَانيَة وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أسلم عمر قَالَ الْمُشْركُونَ انتصف الْقَوْم مِنا وَهُوَ أول من مصر الْأَمْصَار كالكوفة وَالْبَصْرَة وحقق كَلمته فِي إعلاء كلمة الله فَفتح الفتوحات الْعَظِيمَة فِي الْمَوَاضِع العديدة فتح مصر وَالشَّام ثمَّ الرّوم ثمَّ الْقَادِسِيَّة ثمَّ انْتهى الْفَتْح إِلَى حمص وحلوان والرقة والرُها وحرّان وَرَأس الْعين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وَمَا يَليهَا من السواحل وَبَيت الْمُقَدّس وبيسان واليرموك والأهواز وقيسارية وتستر ونهاوند والري وَمَا يَليهَا وأصفهان وبلاد فَارس وَغَيرهَا وَمَعَ هَذَا كُله بقى على حَاله كَمَا كَانَ قبل الْولَايَة فِي لِبَاسه وزيه وأفعاله وتواضعه يسير مُنْفَردا فِي سَفَره وحضره من غير حرس وَلَا حجاب لم تغيره الْأُمُور وَلم يستطل على مُسلم بِلِسَانِهِ وَلَا يحابي أحدا فِي الْحق وَكَانَ لَا يطْمع الشريف فِي حيفه وَلَا يشفق الضَّعِيف من عدله وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَينزل نَفسه من مَال الله منزلَة رجل من أوساط الْمُسلمين وَجعل فَرْضه كفرض رجل من الْمُهَاجِرين وَكَانَ يَقُول أَنا ومالكم كولي الْيَتِيم إِن اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ أَرَادَ أَنه يَأْكُل مَا تقوم بِهِ بنيته لَا يتعداه قَالَ مُجَاهِد تَذَاكر النَّاس فِي مجْلِس ابْن عَبَّاس فَأخذُوا فِي فضل أبي بكر ثمَّ فِي فضل عمر فَلَمَّا سمع ابْن عَبَّاس ذكر عمر بَكَى بكاء شَدِيدا حَتَّى أُغمي عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يرحم الله عمر قَرَأَ الْقُرْآن وَعمل بِمَا فِيهِ فَأَقَامَ حُدُود الله كَمَا أَمر لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم لقد رَأَيْت عمر أَقَامَ الْحَد على وَلَده فَقتله قلت قصَّة إِقَامَة الْحَد على وَلَده ذكرهَا فِي رياض النضرة وَبَعضهَا عَن عَمْرو ابْن الْعَاصِ قَالَ بَيْنَمَا أَنا بمنزلي بِمصْر إِذْ قيل هَذَا عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو ابْن الْخطاب وَأَبُو سرعَة يستأذنان عَلَيْك فَقلت يدخلَانِ فدخلا وهما متنكران فَقَالَا أقِم علينا الْحَد فَإنَّا أصبْنَا البارحة شرابًا وسكرنا قَالَ فزبرتهما وطردتهما فَقَالَ لي عبد الرَّحْمَن إِن لم تفعل خبرت وَالِدي عمر إِذا قدمت عَلَيْهِ قَالَ عَمْرو فَقلت إِنِّي إِن لم أقِم عَلَيْهِمَا الْحَد غضب عَليّ عمر وعزلني قَالَ فأخرجتهما إِلَى صحن الدَّار فضربتهما الْحَد وأدخلت عبد الرَّحْمَن نَاحيَة إِلَى بَيت من الدَّار فحلق رَأسه وَكَانُوا يحلقون مَعَ الْحُدُود وَالله مَا كتبت لعمر بِحرف مِمَّا كَانَ حَتَّى إِذا كَانَ كِتَابه جَاءَنِي فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله عمر إِلَى عَمْرو الْعَاصِ عجبت لَك وجوابك عَلي وخلافك عهدي فَمَا أَرَانِي إِلَّا عاذلك تضرب عبد الرَّحْمَن فِي بَيْتك وَقد عرفت إِن هَذَا ليخالفني إِنَّمَا عبد الرَّحْمَن رجل من رعيتك تصنع بِهِ مَا تصنع بِغَيْرِهِ من الْمُسلمين وَلَكِن قلتَ هُوَ ولد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد عرفت إِنِّي لَا هوادة لأحد من النَّاس عِنْدِي فِي حق فَإِذا جَاءَك كتابي فَابْعَثْ بِهِ فِي عباءة على قتب حَتَّى يعرف سوء مَا صنع وَالسَّلَام فَبعثت بِهِ كَمَا قَالَ أَبوهُ وكتبت إِلَى عمر أعْتَذر إِلَيْهِ بِأَنِّي ضَربته فِي صحن دَاري فبالله الَّذِي لَا يحلف بأعظم مِنْهُ إِنِّي لأقيم الْحُدُود فِي صحن دَاري على الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَبعثت بِالْكتاب مَعَ عبد الله بن عمر فَقدم عبد الرَّحْمَن على أَبِيه عمر فَدخل وَعَلِيهِ عباءة لَا يَسْتَطِيع الْمَشْي من سوء مركبه فَقَالَ لَهُ عمر يَا عبد الرَّحْمَن فعلت وَفعلت فَكَلمهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أقيم عَلَيْهِ الْحَد فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَأمر بِإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ فَجعل عبد الرَّحْمَن يَقُول إِنِّي مَرِيض وَأَنت قاتلي فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد ثَانِيًا وحبسه فَمَرض وَمَات انْتهى قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَأَبُو عمر وَصَاحب الصفوة كَانَ عمر بن الْخطاب من الْمُهَاجِرين السَّابِقين مِمَّن صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَشهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة وبيعة الرضْوَان وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله وَهَاجَر عَلَانيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ عَليّ مَا علمت أَن أحدا من الْمُهَاجِرين هَاجر إِلَّا متخفيا إِلَّا عمر بن الْخطاب فَإِنَّهُ لما هم بِالْهِجْرَةِ تقلد سَيْفه وتنكب قوسه وانتضى فِي يَده سَهْما واحتضن عنزته وَمضى قبل الْكَعْبَة وَالْمَلَأ من قُرَيْش بفنائها فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا مُتَمَكنًا ثمَّ أَتَى الْمقَام فصلى مُتَمَكنًا ثمَّ وقف على حلقهم وَاحِدَة وَاحِدَة فَقَالَ لَهُم شَاهَت الْوُجُوه لَا يرغم الله إِلَّا هَذِه المعاطس من أَرَادَ أَن تثكله أمه أَو يؤتم وَلَده أَو يرمل زَوجته فليلقني وَرَاء هَذَا الْوَادي ثمَّ مضى خرجه ابْن السمان فى الْمُوَافقَة وَتوفى رَسُول الله وَهُوَ عَنهُ رَاض وبشره بِالْجنَّةِ وَأخْبرهُ أَن الله جعل الْحق على لِسَانه وَقَلبه وَأَن رِضَاهُ وغضبه عدل وَأَن الشَّيْطَان يفر مِنْهُ وَأَن الله أعز بِهِ الْإِسْلَام واستَبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَامِهِ وَسَماهُ عبقرياً ومحدثاً وسراج أهل الْجنَّة وَدعَاهُ صَاحب رَحا وافرة الْعَرَب يعِيش حميدا وَيَمُوت شَهِيدا وَإنَّهُ رجل لَا يحب الْبَاطِل وَلَو كَانَ بعده نَبِي لَكَانَ عمر وكل هَذَا وَغَيره يَأْتِي فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة مَعَ الْآيَات فِي شَأْنه قَالَ صَاحب الصفوة وَهُوَ أول من عس بِنَفسِهِ فِي عمله وَحمل الدرة وأدب بهَا وَكَانَت أهيب من سيف الْحجَّاج وَكَانَت تخافه مُلُوك الرّوم وَفَارِس وَغَيرهمَا وَكَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا كَانَ فِي سفر نَادَى النَّاس فِي الْمنزل عِنْد الرحيل ارحلوا أَيهَا النَّاس فَيَقُول الْقَائِل يأيها النَّاس هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد ناداكم تقدمُوا فاستقوا وارحلوا ثمَّ يُنَادي الثَّانِيَة الرحيل فَيَقُول النَّاس اركبوا فقد نَادَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الثَّانِيَة فاذا استقلوا قَامَ فَرَحل بعيره وَعَلِيهِ غِرَارَتَانِ إِحْدَاهمَا فِيهَا سويق وَالْأُخْرَى فِيهَا تمر وَبَين يَدَيْهِ قربَة وَخَلفه جفنهَ فَكلما نزل جعل فِي الْجَفْنَة من السويق وصب عَلَيْهِ من المَاء وسط شنارة قَالَ والشنارة مثل النطع الصَّغِير من جَاءَهُ لحَاجَة أَو يستقضى قَالَ لَهُ كل من هَذَا السويق وَالتَّمْر ثمَّ يرحل فَيَأْتِي الْمَكَان الَّذِي رَحل النَّاس مِنْهُ فَإِن وجد مَتَاعا سَاقِطا أَخذه وَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وجد أحدا فِيهِ عرج أَو عرض لدابته أَو بعيره يكارى لَهُ ويسوق بِهِ فَيتبع آثَار النَّاس فَإِذا أصبح النَّاس من الْغَد لم يفقد أحد مَتَاعا لَهُ سقط مِنْهُ إِلَّا قَالَ حَتَّى يَأْتِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَيطلع عمر وَإِن جمله مثل المشجب مِمَّا عَلَيْهِ من الْمَتَاع للنَّاس فَيَأْتِي الرجل وَيَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إداوتي فَيَقُول هَل يغْفل الرجل الْحَلِيم عَن إداوته الَّتِي يشرب فِيهَا وَيتَوَضَّأ للصَّلَاة مِنْهَا أَو كل سَاعَة أبْصر أَو كل اللَّيْل أكلأ عَيْني من النّوم ثمَّ يدْفع إِلَيْهِ إداوته وَيَقُول الآخر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قوسي وَيَقُول آخر رشائي أَو مَا وَقع مِنْهُم فيصفونه فيدفعه إِلَيْهِم وَلما بلغ الشَّام تلقوهُ ببرذون وَثيَاب فكلموه أَن يركب البرذون ليراه الْعَدو فَيكون ذَلِك أرهب بلباس الْبيَاض ويطرح الفرو الَّذِي عَلَيْهِ أَبى فألحوا عَلَيْهِ فَركب البرذون بفروته وثيابه فهملج بِهِ البرذون وخطام نَاقَته بعد فِي يَده فَنزل وَركب رَاحِلَته وَقَالَ لقد غرني هَذَا حَتَّى خفت أَن أنكر نَفسِي ذكر هَذَا كُله أَبُو حذيفهَ إِسْحَاق بن بشر فِي فتوح الشَّام قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ لما بعث عمر بن الْخطاب سعد بن أبي وَقاص لِحَرْب الْقَادِسِيَّة كتب إِلَيْهِ وَهُوَ بالقادسية أَن وَجه نَضْلَة الْأنْصَارِيّ إِلَى حلوان الْعرَاق فيغزو أَهلهَا فَبعث سعد بن أبي وَقاص نَضْلَة الْأنْصَارِيّ فِي ثَلَاثمِائَة فَارس فَسَارُوا حَتَّى أَتَوا حلوان فَأَغَارُوا على أَهلهَا وَأَصَابُوا غنيمَة وسببا وأثقلوا بذلك حَتَّى أرهقتهم صَلَاة الْعَصْر وكادت الشَّمْس أَن تغرب فألجأ نَضْلَة السَّبي وَالْغنيمَة إِلَى سفح جبل وَقَامَ فَأذن فَقَالَ الله أكبر الله أكبر فَأَجَابَهُ مُجيب من الْجَبَل كبرتَ كَبِيرا يَا نَضْلَة ثمَّ قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ كلمة الْإِخْلَاص يَا نَضْلَة ثمَّ قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ هُوَ الَّذِي بشرنا بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم وعَلى رَأس أمته تقوم الْقِيَامَة ثمَّ قَالَ حَيّ على الصَّلَاة فَقَالَ طُوبَى لمن سعى إِلَيْهَا وواظب عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ حَيّ على الْفَلاح فَقَالَ قد أَفْلح من أجَاب دَاعِي الله ثمَّ قَالَ الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ أخلصت الْإِخْلَاص كُله يَا نَضْلَة حرم الله تَعَالَى بهَا جسدك على النَّار فَلَمَّا فرغ نَضْلَة من أَذَانه قَامَ فَقَالَ من أَنْت يَرْحَمك الله أملك أم طائف من الْجِنّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 أم من عباد الله قد سمعنَا صَوْتك فأرنا صُورَتك وشخصك فَإِن الْوَفْد وَفد رَسُول الله ووفد عمر بن الْخطاب فانفلق الْجَبَل عَن هَامة كالرحى أَبيض الرَّأْس واللحية عَلَيْهِ طمران من صوف فَقَالَ أَنا زريب بن برتمك وَصِيّ العَبْد الصَّالح عِيسَى بن مَرْيَم أسكنني هَذَا الْجَبَل ودعا لي بطول الْبَقَاء إِلَى حِين نُزُوله من السَّمَاء قَالَ فَسَأَلَ نَضْلَة والخلق الَّذين مَعَه عَن النَّبِي فَقَالُوا قد قبض فَسَأَلَ عَن أبي بكر فَقَالُوا قد قبض ثمَّ سَأَلَهُمْ عَن عمر فَقَالُوا حَيّ وَنحن جَيْشه فَقَالَ أقرئوه مني السَّلَام وَقُولُوا لَهُ يَا عمر سدد وقارب فقد وُفيَّ الْأَمر وَأَخْبرُوهُ بِهَذِهِ الْخِصَال الَّتِي أخْبركُم بهَا يَا عمر إِذا ظَهرت هَذِه الْخِصَال فِي أمة مُحَمَّد فالهرب الْهَرَب إِذا اسْتغنى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء وانتسبوا إِلَى غير مناسبهم وانتموا إِلَى غير مواليهم وَلم يرحم كَبِيرهمْ صَغِيرهمْ وَلم يوقر صَغِيرهمْ كَبِيرهمْ وَترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَلم يُؤمر بِهِ وَترك النَّهْي عَن الْمُنكر فَلم ينْه عَنهُ وَيعلم عالمهم الْعلم ليجلب بِهِ الدُّنْيَا وَيَأْتِي الْمَطَر فيضاً وَالْولد غيظاً وطولوا المنارات وفضضوا الْمَصَاحِف وزخرفوا الْمَسَاجِد وأظهروا الرشا وشيدوا الْبَنَّا وَاتبعُوا الْهوى وَبَاعُوا الدّين بالدنيا وَقطعت الْأَرْحَام وبيعت الْأَحْكَام وأكلوا الرِّبَا وَصَارَ الْغنى عزا والفقر ذُلاً وَخرج الرجل من بَيته فَقَامَ إِلَيْهِ من هُوَ خير مِنْهُ وَسلم عَلَيْهِ وَركبت الْفروج السُّرُوج قَالَ ثمَّ غَابَ عَنْهُم فَلم يروه فَكتب بذلك نَضْلَة إِلَى سعد وَكتب بِهِ سعد إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَكتب عمر إِلَى سعد أَن سر أَنْت بِنَفْسِك وَمن مَعَك من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار حَتَّى تنزلوا ذَلِك الْجَبَل فَإِن لَقيته فأقرئه مني السَّلَام فَخرج سعد فِي أَرْبَعَة آلَاف من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ حَتَّى نزلُوا ذَلِك الْجَبَل وَمكث سعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُنَادي بِالصَّلَاةِ فَلم يجد جَوَابا وَلم يسمع خطابا فَكتب بذلك إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ (صفته رَضِي الله عَنهُ) عَن زر بن حُبَيْش رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ أَبيض أبهق يشبه لون الجص بَيَاضًا لَا يكون لَهُ دم ظَاهر وَكَانَ طوَالًا أصلع أَبْلَج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 شَدِيد حمرَة الْعَينَيْنِ كث اللِّحْيَة خَفِيف عارضيها سلتا كثير الشّعْر فِي أَطْرَافه صهبة أعْسر أيسر يَعْنِي يعْمل بكلتا يَدَيْهِ أروح كَأَنَّهُ رَاكب وَالنَّاس مشَاة قَالَ الْجَوْهَرِي الأروح هُوَ الَّذِي يتباعد صُدُور قَدَمَيْهِ ويتدانى عقباه وَكَانَ لَا يُغير شَيْبه فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا تغيره فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول من شَاب شيبَة فِي الْإِسْلَام كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة وَمَا لنا نغيره (الْآيَات النَّازِلَة بِمَا أَشَارَ بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا مُتعَدِّدَة) فَمِنْهَا اتِّخَاذ مقَام إِبْرَاهِيم مصلى عَن طَلْحَة بن مصرف قَالَ قَالَ عمر يَا رَسُول الله أَلَيْسَ هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم قَالَ بلَى قِال عمر فَلَو اتخذته مصلى فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى {وَاتَّخذُوا مِن مَقامِ إِبرَاهيمَ مُصَلى} الْبَقَرَة 125 وَمِنْهَا مشورته فِي أسَارِي بدر عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر قَالَ رَسُول الله مَا تَقولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله بَنو الْعم وَالْعشيرَة والإخوان أرى أَن نَأْخُذ مِنْهُم الْفِدَاء فَيكون لنا قُوَّة على الْمُشْركين وَعَسَى الله أَن يهْدِيهم إِلَى الْإِسْلَام فيكونون لنا عضداً قَالَ فَمَا ترى يَا بن الْخطاب قلت يَا رَسُول الله مَا أرى الَّذِي يرَاهُ أَبُو بكر وَلَكِن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكفْر وصناديده فَقَدمهُمْ لنا نضرب أَعْنَاقهم قَالَ فهوى رَسُول الله مَا قَالَ أَبُو بكر وَلم يَهو مَا قلته وَقَالَ مثلك يَا أَبَا بكر كَمثل عِيسَى إِذْ قَالَ {إِن تعُذِّبهم فإنَهُم عِبادُك وَإِن تَغفِر لَهُم فإنَكَ أنتَ العَزيِزُ الْحَكِيم} الْمَائِدَة 118 وَمثلك يَا عمر كَمثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 نوح إِذْ قَالَ {وَقالَ نوُح رَب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين دَياراً إِنَّكَ إِن تَذَرهُم} الْآيَة نوح 26، 27 ثمَّ أَخذ رَسُول الله مِنْهُم الْفِدَاء فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت على رَسُول الله فَإِذا هُوَ وَأَبُو بكر قاعدان يَبْكِيَانِ قلت يَا نَبِي الله أَخْبرنِي من أَي شَيْء تبْكي أَنْت وَصَاحِبك فَإِن وجدت بكاء وَإِلَّا تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ لقد عرض عَليّ عذابكم أدنى من هَذِه الشَّجَرَة لشَجَرَة قريبَة مِنْهُ فَأنْزل الله {مَا كَانَ لِنبَيٍ أَن يَكوُنَ لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُنيا واللهُ يُرِيدُ الآخِرَة واللهُ عَزيزُ حَكِيم لَولا كِتاب مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمسَّكم فِيما أخَذْتم عَذابٌ عَظِيمٌ} الْأَنْفَال 67، 68 أخرج هَذَا الحَدِيث مُسلم فِي صَحِيحه وَعند البُخَارِيّ مَعْنَاهُ بِزِيَادَة قَوْله إِنَّه قتل من الْمُشْركين سبعين وَأسر سبعين وَبِزِيَادَة وَلَكِن أَن تمكن عليا من عقيل فَيضْرب عُنُقه وَحَمْزَة من فلَان أَخِيه فَيضْرب عُنُقه وَفُلَانًا من فلَان حَتَّى يعلم الله أَن لَيْسَ فِي قُلُوبنَا هوادة للْمُشْرِكين ثمَّ ذكر معنى مَا بعده وَزَاد فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد من الْعَام الْقَابِل عوقبوا بِمَا صَنَعُوا يَوْم بدر من أَخذهم الْفِدَاء فَقتل مِنْهُم سَبْعُونَ وفر أَصْحَاب رَسُول الله وَكسرت رباعيته وشج وَجهه وهشمت الْبَيْضَة على رَأسه وسال الدَّم على وَجهه وَأنزل الله عز وَجل {أوَ لمَا أَصابتكمُ مصِيبَة قد أصبْتُم مِثلَيها قُلْتُمْ أنىَّ هَذا قُل هوَ مِنْ عِندِ أنفُسِكُم إنَ اللهَ عَلىَ كلِ شَيْء قدير} آل عمرَان 165 وروى أَنه قَالَ لعمر لقد كَاد يصيبا بخلافك شَرّ يَا ابْن الْخطاب وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 رِوَايَة لَو نزل بِنَا عَذَاب رَبِّي وَفِي رِوَايَة لَو عذبنا فِي هَذَا الْأَمر يَعْنِي عذَابا ظَاهرا فَلَا يُنَافِي مَا وَقع لَهُم يَوْم أحد لما نجا مِنْهُ غير عمر خرجها القلعي وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {عَسَى ربه إِن طَلَقَكنّ أَن يُبدِله أَزْوَاجًا خَيراً مِنكنُ} التَّحْرِيم 5 وَذَلِكَ أَنه لما بلغه رَضِي الله عَنهُ شَيْء فِي معاتبة أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ للنَّبِي فَقَالَ لَهُنَّ لتكففن عَن رَسُول الله أَو ليبدلنه أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن فَقَالَت لَهُ إِحْدَاهُنَّ يَا عمر أما فِي رَسُول الله مَا يعظ نِسَاءَهُ حَتَّى تعظهن أَنْت فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة الْمَذْكُورَة {عَسَى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا} الْآيَة أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم وَمِنْهَا أَنه لما أَمر نسَاء رَسُول الله أَن يحتجبن قَالَت لَهُ زَيْنَب وَإنَّك علينا يَا بن الْخطاب وَالْوَحي ينزل فِي بُيُوتنَا فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حجِاب} الْآيَة الْأَحْزَاب 53 أخرجه أَحْمد وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت كنت آكل مَعَ النَّبِي حَيْسًا فِي قَعْب فَمر عمر رَضِي الله عَنهُ فَدَعَاهُ فَأكل مَعنا فأصابت أُصْبُعِي أُصْبُعه فَقَالَ حس وَهَذِه كلمة يَقُولهَا الْإِنْسَان من الْعَرَب إِذا أَصَابَهُ مَا مَضه أَو أحرقه كالجمرة والضربة وَنَحْوهمَا كَذَا فِي الصِّحَاح أوهٍ لَو أطَاع فيكُن مَا رَأَتْكُنَّ عين فَنزلت آيَة الْحجاب وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى (فَإِن الله هُوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وَصاَلِحُ المُؤْمنِينَ وَالْمَلَائِكَة بَعدَ ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 ظَهِير} التَّحْرِيم 4 عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر حَدثهُ قَالَ لما اعتزل رَسُول الله نِسَاءَهُ وَكَانَ لَهُ وجد عَلَيْهِنَّ فاعتزلهن فِي مشربَة من خزانته قَالَ عمر فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس ينكثون بالحصى وَيَقُولُونَ طلق رَسُول الله نِسَاءَهُ فَقلت لأعلمهن هَذَا الْيَوْم وَذَلِكَ قبل الْأَمر بالحجاب فَدخلت على عَائِشَة بنت أبي بكر فَقلت يَا بنة أبي بكر بلغ من أَمرك أَن تؤذي رَسُول الله قَالَت مَا لي وَمَالك يَا بن الْخطاب عَلَيْك بِنَفْسِك فَأتيت حَفْصَة بنت عمر فَقلت يَا حَفْصَة لَو علمت أَن رَسُول الله لَا يحبك وَلَوْلَا أَنا لطلقك قَالَ فَبَكَتْ أَشد بكاء قَالَ فَقلت لَهَا أَيْن رَسُول الله قَالَت هُوَ فِي خزانته قَالَ فَذَهَبت فَإِذا أَنا برباح غُلَام رَسُول الله قَاعِدا على أُسْكُفَّة الغرفة مدلياً رجلَيْهِ على نقير يَعْنِي جذعاً منقوراً فَقلت يَا رَبَاح اسْتَأْذن على رَسُول الله فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة ثمَّ نظر إِلَيّ وَسكت قَالَ فَرفعت صوتي فَقلت اسْتَأْذن يَا رَبَاح على رَسُول الله فَإِنِّي أَظن أَن رَسُول الله يظنّ بِي رُبمَا جِئْت من أجل حَفْصَة وَالله لَئِن أَمرنِي أَن أضْرب عُنُقهَا الْآن لضَرَبْت عُنُقهَا قَالَ فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة وَنظر إِلَيّ ثمَّ قَالَ هَكَذَا يَعْنِي أَشَارَ بِيَدِهِ أَن أَدخل فَدخلت فَإِذا هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُضْطَجع على حَصِير وَعَلِيهِ إزَاره فَجَلَسَ وَإِذا الْحَصِير قد أثر فِي جسده وقلبت عَيْني فِي الخزانة فَإِذا لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الدُّنْيَا غير قبضتين من شعير وقبضة من قرص نَحْو صَاعَيْنِ وَإِذا أفِيق مُعَلّق أَو أفيقان قَالَ فابتدرت عَيْنَايَ فَقَالَ رَسُول الله مَا يبكيك فَقلت يَا رَسُول الله مَا لي لَا أبْكِي وَأَنت صفوة الله وَرَسُوله وَخيرته من خلقه وَهَذِه الْأَعَاجِم كسْرَى وَقَيْصَر فِي الثِّمَار والأنهار وَأَنت هَكَذَا فَقَالَ يَا بن الْخطاب أما ترْضى أَن تكون لنا الْآخِرَة وَلَهُم الدُّنْيَا فَقلت بلَى يَا رَسُول الله فَأَحْمَد الله فَمَا تَكَلَّمت فِي شَيْء إِلَّا أنزل الله تَصْدِيق قولي من السَّمَاء قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله إِن كنت طلقت نِسَاءَك أَو تظاهرن عَلَيْك فَإِن الله عز وَجل وَجِبْرِيل مَعَك وَأَنا وَأَبُو بكر وَصَالح الْمُؤمنِينَ فَأنْزل الله عز وَجل {وَإِن تَظاهَرا عَلَيهِ فإنَّ الله هُوَ مَولاه وَجِبرِيلُ وَصالِحُ المُؤمنِينَ} الْآيَة التَّحْرِيم 4 قَالَ فَمَا أخْبرت بذلك نَبِي الله وَأَنا أعرف الْغَضَب فِي وَجهه حَتَّى رَأَيْت وَجهه يَتَهَلَّل وكشر فَرَأَيْت ثغره وَكَانَ أحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 النَّاس ثغرا فَقَالَ إِنِّي لم أطلقهن فَقلت يَا نَبِي الله فَإِنَّهُم قد أشاعوا أَنَّك طلقت نِسَاءَك أفأخبرهم أَنَّك لم تطلق قَالَ إِن شِئْت فَقُمْت على بَاب الْمَسْجِد فَقلت أَلا إِن رَسُول الله لم يُطلق نِسَاءَهُ فَأنْزل الله فِي الَّذِي كَانَ من شأني وشأنهم {وَإِذا جاءهُم أَمر من االأمن أَو الخوفِ أذاعُوا بهِ وَلَو رَدوُه إِلَى الرَسُولِ وَإلى أُولي الأمرِ منِهم لعَلِمَهُ الذَينَ يستَنبِطونه مِنهُم} النِّسَاء 83 قَالَ عمر فَأَنا الَّذِي استنبطه مِنْهُم خرجه أَبُو حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم أَيْضا قَالَ لَهُ عمر لَو اتَّخذت يَا رَسُول الله فراشا أوبر من هَذَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا عمر مَا لي وللدنيا أَو مَا للدنيا وَمَا لي إِنَّمَا مثلي وَمثل الدُّنْيَا كراكب سَائِر فِي يَوْم صَائِف فاستظل تَحت شَجَرَة ثمَّ رَاح وَتركهَا خرجها الثَّقَفِيّ فِي الْأَرْبَعين وَمِنْهَا مَنعه رَضِي الله عَنهُ للنَّبِي من الصَّلَاة على الْمُنَافِقين عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما مَاتَ عبد الله بن أبي ابْن سلول جَاءَ إِلَيْهِ عبد الله بن عبد الله وَكَانَ قد أسلم إِلَى النَّبِي فَقَالَ إِن أبي قد مَاتَ وَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه يُكَفِّنهُ فِيهِ وَأَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَامَ النَّبِي ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَامَ عمر فَأخذ بِثَوْبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ لَا تصل عَلَيْهِ وَقد قَالَ يَوْم كَذَا وَكَذَا وَشرع يعدد عَلَيْهِ قَوْله فَتَبَسَّمَ وَقَالَ أخر عني يَا عمر فَقَالَ لَهُ عمر ألم ينهك الله أَن تستغفر لَهُم فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ قَالَ إِنَّمَا خُيرت يَعْنِي قَوْله {أستَغفِر لَهُم أَو لَا تستَغْفِر لهُم إِن تستَغفِر لَهم سَبعِينَ مَرة} التَّوْبَة 80 فاخترت وَلَو علمت إِنِّي إِذا زِدْت على السّبْعين يغْفر لَهُم لزدت عَلَيْهَا فصلى رَسُول الله ثمَّ انْصَرف فَلم يمْكث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أنزل الله الْآيَتَيْنِ فِي سُورَة بَرَاءَة {وَلَا تصلِّ عَلَى أحد منهُم ماتَ أبدا وَلا تقُم على قَبرِه} إِلَى {وَهُم فاَسِقُونَ} التَّوْبَة 84 قَالَ عمر فعجبت من جرأتي على رَسُول الله وَقَالَ لما نزلت (استَغفِر لَهم أَو لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 تستَغْفِر لهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مرّة فَلَن يَغفِرَ الله لَهم} التَّوْبَة 80 قَالَ فلأزيدن على السّبْعين وَاحِدًا فِي الاسْتِغْفَار فَقَالَ لَهُ عمر وَالله لَا يغْفر لَهُم سَوَاء استغفرت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم وَمِنْهَا مُوَافَقَته فِي قَوْله {فَتَبارَكَ اللهُ أحسنُ الْخَالقِينَ} الْمُؤْمِنُونَ 14 عَن أنس بن مَالك لما نزل قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا الإنسانَ مِن سُلالة مِّن طِينِ} إِلَى قَوْله {ثُمَ أنشأًنَاهُ خلقا آخَرَ} الْمُؤْمِنُونَ 12 - 14 فَقَالَ عمر فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ فَنزلت {فَتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالقِينَ} الْمُؤْمِنُونَ 14 أخرجه الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول وَفِي رِوَايَة فَقَالَ قبل نُزُولهَا أتزيد فِي الْقُرْآن يَا عمر فَنزل جِبْرِيل بِمَا قَالَ عمر {فَتَبارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} وَمِنْهَا مُوَافَقَته لقَوْله تَعَالَى {سُبحانك هَذَا بهتان عَظِيم} النُّور 16 وَذَلِكَ أَنه اسْتَشَارَ عمر فِي قصَّة الْإِفْك فِي أَمر عَائِشَة حِين قيل فِيهَا من الْإِفْك مَا قيل فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله من زوجكها قَالَ الله تَعَالَى فَقَالَ عمر أفتظن أَن رَبك دلّس عَلَيْك فِيهَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم فَأنْزل الله على وفْق مَا قَالَ عمر {سُبحَانك هَذَا بهتان عظِيم} وَمِنْهَا مُوَافقَة معنوية وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن عمر انْطلق إِلَى الْيَهُود فَقَالَ إِنِّي أَسأَلكُم بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى هَل تَجِدُونَ وصف مُحَمَّد فِي كتابكُمْ قَالُوا نعم قَالَ فَمَا يمنعكم من اتِّبَاعه قَالُوا إِن الله لم يبْعَث رَسُولا إِلَّا كَانَ لَهُ من الْمَلَائِكَة كَفِيل وَإِن جِبْرِيل هُوَ الَّذِي يكفل مُحَمَّدًا وَهُوَ الَّذِي يَأْتِيهِ وَهُوَ عدونا من الْمَلَائِكَة وَمِيكَائِيل سلمنَا فَلَو كَانَ هُوَ الَّذِي يَأْتِيهِ اتبعناه قَالَ عمر فَإِنِّي أشهد أَنه مَا كَانَ مِيكَائِيل ليعادي سلم جِبْرِيل وَبِأَن جِبْرِيل مَا كَانَ يسالم عَدو مِيكَائِيل قَالَ فَمر رَسُول الله فَقَالُوا هَذَا صَاحبك يَا بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 الْخطاب فَقَامَ إِلَيْهِ وَقد أنزل الله عَلَيْهِ {قُل مَن كانَ عَدُوّاً لجِبرِيلَ فَإِنَّهُ نَزله عَلى قَلبِكَ} إِلَى قَوْله {عَدُو للكافِرِينَ} الْبَقَرَة 97، 98 فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا جِئْت إِلَّا لأخبرك بقول الْيَهُود فَإِذا اللَّطِيف الْخَبِير قد سبقني بِالْوَحْي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَذِه الْآيَة وَقَالَ لَهُ قد وَافَقَك رَبك يَا عمر وَمِنْهَا تَحْرِيم الْخمر وَالْميسر وَذَلِكَ أَن عمر كَانَ حَرِيصًا على تَحْرِيمهَا وَكَانَ يَقُول اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر فَإِنَّهُ يذهب المَال وَالْعقل فَنزل قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَنِ الخمرِ وَاَلمَيسِر قُل فِيهِمَا إِثمِ كَبِير} الْبَقَرَة 219 الْآيَة فَدَعَا رَسُول الله عمر فَتلا بهَا عَلَيْهِ فَلم ير فِيهَا بَيَانا فَقَالَ اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافياً فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أيُها الذِينَ آمَنُوا إنَما الخمرُ والميسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجسٌ من عَمَلِ الشَيطانِ فاجَتنبُوه} إِلَى قَوْله {فَهَل أنتمُ منَتهُونَ} الْمَائِدَة 90، 91 فَدَعَاهُ رَسُول الله فَتَلَاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ عمر عِنْد ذَلِك انتهينا يَا رَبنَا انتهينا وَمِنْهَا آيَة الاسْتِئْذَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله أرسل غُلَاما من الْأَنْصَار إِلَى عمر بن الْخطاب وَقت الظّهْر فَدخل على عمر فوافاه على حَالَة كره عمر رُؤْيَته عَلَيْهَا فَقَالَ يَا رَسُول الله وددت لَو أَن الله أمرنَا ونهانا فِي حَال الاسْتِئْذَان فَنزلت {يَا أيُّها الذَين آمَنُوا ليسَتئذنكم الذينَ مَلَكَت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الحكم مِنكم} النُّور 58 خرجه أَبُو الْفرج وخرجه صَاحب الْفَضَائِل وَزَاد بعد قَوْله فَدخل عَلَيْهِ وَكَانَ نَائِما وَقد انْكَشَفَ بعض جسده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {ثُلة منَ الأولينَ وَقَلِيل مِنَ الآخِريِنَ} الْوَاقِعَة 13، 14 بَكَى عمر وَقَالَ يَا رَسُول الله وَقَلِيل من الآخِرين آمنا بِاللَّه وصدقنا برَسُول وَمن ينجو منا قَلِيل فَأنْزل الله {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} الْوَاقِعَة 39، 40 فَدَعَا رَسُول الله عمر وَقَالَ لقد أنزل الله كَمَا قلت {ثُلة مِنَ الأوَلينَ وَثُلَه مِنَ الآخِرينَ} وَمِنْهَا مُوَافَقَته فِي التَّوْرَاة عَن طَارق بن شهَاب قَالَ دخل يَهُودِيّ إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى {وَسارِعُوا إِلىَ مَغْفِرَة من ربكُم وَجنَةٍ عَرضها السمَاواتُ والأرضُ} آل عمرَان 133 فَأَيْنَ النَّار فَقَالَ للصحابة أَجِيبُوهُ فَلم يكن عِنْدهم فِيهَا شَيْء فَقَالَ لَهُ عمر أَرَأَيْت النَّهَار إِذا جَاءَ مَلأ السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ بلَى قَالَ فَأَيْنَ اللَّيْل قَالَ حَيْثُ شَاءَ الله قَالَ عمر فَالنَّار حَيْثُ شَاءَ الله عز وَجل قَالَ الْيَهُودِيّ وَالَّذِي نَفسك بِيَدِهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّهَا لفي كتاب لله الْمنزل على مُوسَى كَمَا قلت وَمِنْهَا الْإِشَارَة فِي الْخُرُوج إِلَى بدر وَذَلِكَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتَشَارَ أَصْحَابه فِي الْخُرُوج إِلَى غَزْوَة بدر فَأَشَارَ عمر رَضِي الله عَنهُ بِالْخرُوجِ فَنزل قَوْله تَعَالَى {كَما أخرَجَكَ رَبكَ مِن بَيتك باَلحق وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلمُؤمنِينَ لَكارِهُونَ} الْأَنْفَال 5 وَكَانَ عمر من المحبين لِلْخُرُوجِ وَهُوَ المشير بِهِ وَمِنْهَا قصَّته فِي الصّيام لما جَامع زَوجته بعد الانتباه فِي اللَّيْل وَكَانَ ذَلِك محرما فِي أول الْإِسْلَام فَنزل قَوْله تَعَالَى {أحل لُكم ليلَةَ الصِيامِ الرفَثُ إِلَى نسائكن} الْبَقَرَة 187 أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ( {فَلا وَرَبك لَا يؤمِنوُنَ حَتى يُحَكِموُكَ} النِّسَاء 65 أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْأسود قَالَ اخْتصم رجلَانِ إِلَى النَّبِي فَقضى بَينهمَا فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ ردنا إِلَى عمر بن الْخطاب فَأتيَا إِلَيْهِ فَقَالَ الرجل قضى لي رَسُول الله على هَذَا فَقَالَ ردنا إِلَى عمر فَقَالَ لَهُ عمر أَكَذَلِك كَانَ قَالَ نعم فَقَالَ عمر مَكَانكُمَا حَتَّى أخرج إلَيْكُمَا فَدخل ثمَّ خرج مُشْتَمِلًا على السَّيْف فَضرب بِهِ عنق الَّذِي قَالَ ردنا إِلَى عمر فَقتله وَأدبر الآخر فَأتى النَّبِي فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه قتل عمر وَالله صَاحِبي فَقَالَ رَسُول الله مَا كنت أَظن أَن يجترىء عمر على قتل مُؤمن فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى {فَلا وَرَبك لَا يؤمِنونَ حَتَى يُحَكَموُكَ فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت وَيسُلِموُا تسلِيماً} النِّسَاء 65 فأهدر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دم الرجل لإخبار الله بِكُفْرِهِ وبرىء عمر رَضِي الله عَنهُ من قَتله وأثيب عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا أخرجه عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله أَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ ويل لملك الأَرْض من ملك السَّمَاء فَقَالَ عمر إِلَّا من حاسب نَفسه فَقَالَ كَعْب وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا محبرة فِي التَّوْرَاة كَمَا قلت فَخر عمر سَاجِدا لله سُبْحَانَهُ وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن عمر ليقول القَوْل فَينزل الْقرَان بتصديقه وَعنهُ أَيْضا كُنَّا نقُول إِن فِي الْقُرْآن لكلاماً من كَلَام عمر ورأياً من رَأْيه رَضِي الله عَنهُ وأرضاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 (الْأَحَادِيث فِي شَأْن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ) الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي قَالَ اللَّهُمَّ أعز الدّين بِأحب الرجلَيْن إِلَيْك بعمر بن الْخطاب أَبُو بِعَمْرو بن هِشَام يَعْنِي أَبَا جهل فَكَانَ عمر أحبهما إِلَيْهِ أخرجه الإِمَام أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ الحَدِيث الثَّانِي مَا أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب وروى مثله ابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَغَيرهمَا الحَدِيث الثَّالِث أخرج أَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ والحلقي وَالْبَغوِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما أسلم عمر أَتَى جِبْرِيل النَّبِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد لقد استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر قَالَ ابْن عَبَّاس وَكَيف لَا يكون ذَلِك وَلم يصعد للْمُسلمين صَلَاة ظَاهِرَة وَلَا نسك مَعْرُوف إِلَّا بعد إِسْلَامه حِين قَالَ وَالله لَا نعْبد الله سرا بعد هَذَا الْيَوْم الحَدِيث الرَّابِع عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر بن الْخطاب أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 الحَدِيث الْخَامِس مَا أخرجه البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله قد يكون فِي الْأُمَم محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي أحد فَهُوَ عمر ابْن الْخطاب وَتَفْسِير محدَّثون ملهمون أَي يُلْهمُون الصَّوَاب الحَدِيث السَّادِس عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ دخل عمر بن الْخطاب على رَسُول الله وَعِنْده نسْوَة من قُرَيْش يسألنه ويستكثرنه رافعات أصواتهن فَلَمَّا اسْتَأْذن عمر انقمعن وسكتن وابتدرن للحجاب فَدخل وَرَسُول الله يضْحك فَقَالَ عمر أضْحك الله سنك يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله عجبت من هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كن عِنْدِي لما سمعن صَوْتك ابتدرن الْحجاب فَقَالَ عمر يَا عدوات أَنْفسهنَّ أتهابنني وَلَا تهابن رَسُول الله فَقُلْنَ أَنْت أفظ وَأَغْلظ من رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله يَا بن الْخطاب إِن الشَّيْطَان مَا لقيك سالكاً فجاً إِلَّا سلك فجاً غير فجك أخرجه الشَّيْخَانِ وَأحمد وَالنَّسَائِيّ قلت أفعل هُنَا لَيْسَ على وَصفه من الزِّيَادَة بل هُوَ مُسْتَعْمل لأَفْعَل الْفِعْل كَمَا فِي {وبعولتهم أَحَق بردهن} الْبَقَرَة 228 النَّاقِص واراشح أحد لَا نَبِي الله الحَدِيث السَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي فِي الْجنَّة فَإِذا امْرَأَة تتوضأ إِلَى جَانب قصر قلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لعمر بن الْخطاب فَذكرت غيرتك فوليت مُدبرا فَبكى عمر وَقَالَ أمنك أغار يَا رَسُول الله الحَدِيث الثَّامِن أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله قَالَ بَيْنَمَا أَنا نَائِم شربت لَبَنًا حَتَّى إِنِّي أنظر إِلَى الرّيّ يجرى فِي أظفاري ثمَّ ناولته عمر قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ الْعلم الحَدِيث التَّاسِع أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 سَمِعت رَسُول الله يَقُول بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْت النَّاس عرضوا على وَعَلَيْهِم قُمص فَمِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا يبلغ الرّكْبَة وَمِنْهَا مَا يبلغ أَنْصَاف السَّاقَيْن وَعرض عَليّ عمر وَعَلِيهِ قَمِيص يجره قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ الدّين وَفِي رِوَايَة للحكيم التِّرْمِذِيّ بِالدّينِ إِن الْقَمِيص يستر الْعَوْرَة فِي الدُّنْيَا وَالدّين يَسْتُرهَا فِي الْآخِرَة ويحجبها عَن كل مَكْرُوه وَالْأَصْل فِيهِ {وَلباسُ التَّقْوَى ذَلِك خير} الْأَعْرَاف 26 وَاتفقَ المعبرون على ذَلِك أَعنِي تَعْبِير الْقَمِيص بِالدّينِ وَإِن ذَلِك يدل على بَقَاء آثَار صَاحبه من بعده قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ إِنَّمَا أول الْقَمِيص بِالدّينِ لِأَنَّهُ يستر عَورَة الْجَهْل كَمَا أَن الْقَمِيص يستر عَورَة الْبدن وَأما غير عمر فَمَا يبلغ ثديه هُوَ مَا يستر قلبه عَن الْكفْر وَإِن عصى وَمَا يبلغ أَسْفَل مِنْهُ وفرجه باد هُوَ من لم يستر رجله عَن الْمَشْي للمعصية وَالَّذِي يستر رجله هُوَ الَّذِي احتجب بالتقوى من جَمِيع الْوُجُوه وَالَّذِي يجر قَمِيصه زَاد على ذَلِك بِالْعَمَلِ الصَّالح الْخَالِص وَقَالَ الْعَارِف ابْن أبي حَمْزَة المُرَاد بِالنَّاسِ فِي الحَدِيث مؤمنو هَذِه الْأمة وَالْمرَاد بِالدّينِ امْتِثَال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي وَكَانَ لعمر فِي ذَلِك الْمقَام العالي وَيُؤْخَذ من الحَدِيث أَن كل مَا يرى فِي الْقَمِيص من حسن أَو غَيره عبر بدين لابسه ونقصه إِمَّا بِنَقص الْإِيمَان أَو الْعَمَل وَفِي الحَدِيث أَن أهل الدّين يتفاضلون فِي الدّين بالقلة وَالْكَثْرَة وبالقوة والضعف وَهَذَا من أَمْثِلَة مَا يحمد فِي الْمَنَام ويذم فِي الْيَقَظَة شرعا أَعنِي جر الْقَمِيص لما ورد من الْوَعيد فِي جَرّه خُيَلَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 الحَدِيث الْعَاشِر أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر وَأَبُو دَاوُد والحاكَم عَن أبي ذَر وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن بِلَال وَمُعَاوِيَة أَن رَسُول الله قَالَ إِن الله جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله قَالَ إِنِّي أنظر إِلَى شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس قد فروا من عمر وَأخرج ابْن عدي عَنْهَا رَأَيْت شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ فروا من عمر الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله أول من يصافحه الْحق عمر وَأول من يَأْخُذ كِتَابه بِيَمِينِهِ عمر لَهُ شُعَاع كشعاع الشَّمْس فَيدْخل الْجنَّة عمر والمصافحة هُنَا كِنَايَة عَن مزِيد الإنعام والاتصال وَهُوَ أَن أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة فَيجمع بِحمْل الأولية على التَّشْبِيه أَي أول من يدخلهَا بعد أبي بكر الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة والصعب بن جثامة أَن رَسُول الله قَالَ عمر سراج أهل الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج الْبَزَّار عَن قدامَة بن مَظْعُون عَن عَمه عُثْمَان بن مَظْعُون قَالَ قَالَ رَسُول الله هَذَا غلق العتبة وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عمر لَا يزَال بَيْنكُم وَبَين الْفِتْنَة بَاب شَدِيد الغلق مَا عَاشَ هَذَا بَين أظْهركُم الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِي فَقَالَ أقرىء عمر السَّلَام وَأخْبرهُ أَن غَضَبه عز وَرضَاهُ حكم وَفِي رِوَايَة أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ اقرىء عمر السَّلَام وَقل لَهُ إِن رِضَاهُ حكم وَإِن غَضَبه عز الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج ابْن عَسَاكِر وَابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا فِي السَّمَاء ملك إِلَّا وَهُوَ يوقر عمر وَلَا فِي الأَرْض شَيْطَان إِلَّا وَهُوَ يفرق من عمر الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة إِن الله باهى بِأَهْل عَرَفَة عَامَّة وباهى بعمر خَاصَّة الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ والديلمي عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله الْحق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ يَدُور مَعَه حَيْثُ دَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سديسة قَالَت قَالَ رَسُول الله إِن الشَّيْطَان لم يلق عمر مُنْذُ أسلم إِلَّا خر لوجهه الحَدِيث الْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله قَالَ لي جِبْرِيل ليبكين الْإِسْلَام على موت عمر رَضِي الله عَنهُ الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله من أبْغض عمر فقد أبغضني وَمن أحب عمر فقد أَحبَّنِي وَإِن الله باهى بِالنَّاسِ عَشِيَّة عَرَفَة عَامَّة وباهى بعمر خَاصَّة وَإنَّهُ لم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا كَانَ فِي أمته محدَث وَإِن يكن فِي أمتِي مِنْهُم أحد فَهُوَ عمر قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ مُحدث قَالَ تَتَكَلَّم الْمَلَائِكَة على لِسَانه الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج أَبُو دَاوُد عَن عمر أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ لَا تَنسَنا يَا أخي من دعائك وَفِي رِوَايَة قَالَ لَهُ يَا أخي أشركنا فِي صَالح دعائك وَلَا تَنسَنا الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخرج النجار عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله قَالَ الصدْق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أنس والشيخان عَن جَابر وَأحمد عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب أَن رَسُول الله قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 دخلت الْجنَّة فَإِذا أَنا بقصر من ذهب فَقلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لرجل من قُرَيْش فَظَنَنْت إِنِّي أَنا هُوَ فَقلت وَمن هُوَ قَالُوا عمر بن الْخطاب فلولا مَا علمت من غيرتك لدخلته الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدى أَن رَسُول الله قَالَ عمر معي وَأَنا مَعَ عمر وَالْحق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي قَالَ مَا طلعت الشَّمْس على خير من عمر قلت المُرَاد بعد أبي بكر جمعا بَينه وَبَين مَا ورد من مثله فِي حق أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج ابْن سعد عَن أَيُّوب بن مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن الله جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه وَعمر الْفَارُوق فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عصمَة بن مَالك أَن رَسُول الله قَالَ كَذَا وَيحك إِذا مَاتَ عمر فَإِن اسْتَطَعْت أَن تَمُوت فمت الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج فِي المصابيح عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله قَالَ أَشد أمتِي فِي أَمر الله عمر الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن الْحسن الفردوسي قَالَ لَقِي عمر أَبَا ذَر فَأخذ بِيَدِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 فعصرها فَقَالَ أَبُو ذَر دع يَدي يَا قفل الْفِتْنَة وَعرف عمر أَن لكلمته أصلا فَقَالَ يَا أَبَا ذَر مَا قفل الْفِتْنَة فَقَالَ أَبُو ذَر جئتَ يَوْمًا وَنحن عِنْد النَّبِي فكرهتَ أَن تَتَخَطَّى رِقَاب النَّاس فَجَلَست فِي أدبارهم فَقَالَ لَا تصيبكم فتْنَة مَا دَامَ هَذَا مَعكُمْ خرجه المخلص الذَّهَبِيّ والرازي والملا فِي سيرته وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيح من حَدِيث حُذَيْفَة وَلَفظه قَالَ كُنَّا عِنْد عمر فَقَالَ أَيّكُم يحفظ حَدِيث رَسُول الله فِي الْفِتْنَة قَالَ حُذَيْفَة قلت أَنا فَقَالَ هَات فَقلت سَمِعت من رَسُول الله يَقُول فتْنَة الرجل فِي أَهله وَمَاله وَنَفسه وَولده وجاره يكفرهَا الصّيام وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَقَالَ عمر لَيْسَ هَذَا أُرِيد أُرِيد الَّتِي تموج كموج الْبَحْر قَالَ قلت مَالك وَلها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن بَيْنك ويبنها بَابا مغلقاً فَقَالَ يكسر الْبَاب أَو يفتح قَالَ لَا بل يكسر قَالَ ذَلِك أَحْرَى أَلا يغلق قَالَ قُلْنَا لِحُذَيْفَة هَل كَانَ عمر يعلم من الْبَاب قَالَ نعم كَمَا يعلم أَن دون غَد اللَّيْلَة فَإِنِّي حدثته حَدِيثا لَيْسَ بالأغاليط قَالَ فهبنا أَن نسْأَل حُذَيْفَة من الْبَاب فَقُلْنَا لمسروق سَله فَسَأَلَهُ فَقَالَ عمر أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الله بن سَلام أَنه مر بِعَبْد الله بن عمر وَهُوَ نَائِم فحركه بِرجلِهِ وَقَالَ من قَالَ أَنا عبد الله بن عمر فَقَالَ قُم يَا بن قفل جَهَنَّم فَقَامَ عبد الله وَقد تغير وَجهه حَتَّى أَتَى وَالِده عمر فَقَالَ لَهُ مَا سَمعه من عبد الله بن سَلام فَقَالَ عمر الويل لعمر إِن كَانَ بعد عبَادَة أَرْبَعِينَ سنة ومصاهرة النَّبِي وقضاياه فِي الْمُسلمين بالاقتصاد أَن يكون مصيره إِلَى جَهَنَّم قَالَ فَقَامَ عمر وتقنع بطيلسانه وَألقى الدرة على عَاتِقه فَاسْتَقْبلهُ عبد الله بن سَلام فَقَالَ لَهُ عمر بَلغنِي عَنْك أَنَّك قلت لِابْني يَا بن قفل جَهَنَّم قَالَ ابْن سَلام نعم قَالَ فَكيف قلت إِنِّي فِي جَهَنَّم حَتَّى أكون قفل جَهَنَّم قَالَ معَاذ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تكون فِي جَهَنَّم وَلَكِنَّك قفل جَهَنَّم قَالَ كَيفَ قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن آبَائِهِ عَن مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 السَّلَام عَن جِبْرِيل أَنه قَالَ يكون فِي أمة مُحَمَّد رجل يُقَال لَهُ عمر بن الْخطاب أحسن النَّاس دينا وَأَحْسَنهمْ يَقِينا مَا دَامَ فيهم فالدين عَال وَالْيَقِين فَاش فَاسْتَمْسك بالعروة الوثقى من الدّين فجهنم مقفلة فَإِذا مَاتَ عمر فرق الدّين وافترق النَّاس على فرق عَن أهواء وَفتحت أقفال جَهَنَّم فَيدْخل فِيهَا الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَحشر النَّاس جَاءَ عمر بن الْخطاب حَتَّى يقف فِي الْموقف فيأتيه شَيْء أشبه شَيْء بِهِ فَيَقُول لَهُ جَزَاك الله خيرا فَيَقُول لَهُ من أَنْت فَيَقُول أَنا الْإِسْلَام جَزَاك الله عني يَا عمر خيرا ثمَّ يُنَادى مُنَاد أَلا لَا يدفعن لأحد كتاب حَتَّى يدْفع لعمر بن الْخطاب ثمَّ يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ وَيُؤمر بِهِ إِلَى الْجنَّة قَالَ فَبكى عمر وَأعْتق جَمِيع مَا يملكهُ وهم إِذْ ذَاك تِسْعَة عشر الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا نظر رَسُول الله إِلَى عمر ذَات يَوْم وَتَبَسم ثمَّ قَالَ أَتَدْرِي يَا بن الْخطاب لم تبسمت إِلَيْك قَالَ الله وَرَسُوله أعلم قَالَ إِن الله عز وَجل نظر إِلَيْك بالشفقة وَالرَّحْمَة لَيْلَة عَرَفَة وجعلك مِفْتَاح الْإِسْلَام الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي قَالَ عمر بن الْخطاب أول من يسلم عَلَيْهِ الْحق يَوْم الْقِيَامَة وكل أحد مَشْغُول بِأخذ الْكتاب وقراءته أخرجه فِي الْفَضَائِل الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله عمر بن الْخطاب من أهل الْجنَّة أخرجه أَبُو حَاتِم الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ عَن زيد بن أبي أوفى أَن رَسُول الله قَالَ لعمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 ابْن الْخطاب أَنْت معي فِي الْجنَّة ثَالِث ثَلَاثَة الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي قَالَ يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة أَيْن الْفَارُوق فَيُؤتى فَيَقُول مرْحَبًا بك يَا أَبَا حَفْص هَذَا كتابك إِن شِئْت فاقرأه وَإِن شِئْت فَلَا فقد غفرت لَك وَيَقُول الْإِسْلَام يَا رب هَذَا عمر أعزني فِي دَار الدُّنْيَا فأعزه فِي عرصات الْقِيَامَة فَعِنْدَ ذَلِك يحمل على نَاقَة من نور وَقد كسى حلتين لَو نشرت إِحْدَاهُنَّ لغطت الْخَلَائق ثمَّ يسير بَين يَدَيْهِ سَبْعُونَ ألف لِوَاء ثمَّ يُنَادي مُنَاد يأهل الْموقف هَذَا عمر فَاعْرِفُوهُ خرجه الفضائلي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن أنس أَن رَسُول الله قَالَ من أحب عمر عمر الله قلبه بِالْإِيمَان أخرجه الفضائلي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ أصَاب النَّاس قحط فِي زمن عمر فجَاء رجل إِلَى قبر النَّبِي فَقَالَ يَا رَسُول الله استسق لأمتك فَإِنَّهُم قد هَلَكُوا قَالَ فَأَتَاهُ رَسُول الله فِي الْمَنَام فَقَالَ ائْتِ عمر ومره أَن يَسْتَسْقِي للنَّاس فَإِنَّهُم يسقون وَقل لَهُ عَلَيْك الْكيس الْكيس فَأتى الرجل عمر فَأخْبرهُ فَبكى عمر وَقَالَ يَا رب مَا آلو إِلَّا مَا عجزت عَنهُ خرجه الْبَغَوِيّ فِي الْفَضَائِل وَأَبُو عَمْرو الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ عَن عَليّ بَين أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله اتَّقوا غضب عمر فَإِن الله يغْضب لغضبه خرجه الملا فِي سيرته وَصَاحب النزهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 وَفِي رِوَايَة لَا تغضبوا عمر فَإِن الله يغْضب إِذا غضب الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رأى النَّبِي ثوبا أَبيض على عمر فَقَالَ أجديد قَمِيصك أم غسيل فَقَالَ عمر بل جَدِيد فَقَالَ البس جَدِيدا وعش حميدا ومت شَهِيدا قَالَ عبد الرَّزَّاق وَافقه الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد ويعطيك الله قُرَّة الْعين فِي الدُّنْيَا والاخرة أخرجه أَبُو حَاتِم وَعَن عمر وَقد قَرَأَ يَوْمًا على الْمِنْبَر {جنَّات عدت يدخُلونها} الرَّعْد 23 هَل تَدْرُونَ مَا جنَّات عدن قصر فِي الْجنَّة لَهُ خَمْسَة آلَاف بَاب على كل بَاب عشرُون ألفا من الْحور الْعين لَا يدْخلهُ إِلَّا نَبِي وهنيئاً لصَاحب هَذَا الْقَبْر وَأَشَارَ إِلَى قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو صديق وَأَشَارَ إِلَى قبر أبي بكر الصّديق أَو شَهِيد وأنى لعمر الشَّهَادَة وَهُوَ بِجَزِيرَة الْعَرَب ثمَّ قَالَ إِن الَّذِي أخرجني عَن حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة يعْنى أمه قَادر أَن يَسُوقهَا إِلَى قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فساقها الله إِلَيْهِ على يَد شَرّ خلقه مَجُوسِيّ عبد مَمْلُوك للْمُغِيرَة بن شُعْبَة كَمَا سَيَأْتِي ذكر هَذَا بالأثر عِنْد ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله قَالَ كَيفَ بك يَا بن الْخطاب إِذا جَاءَك مُنكر وَنَكِير وهما ملكان فظان غليظان أسودان أزرقان ألوانهما كالليل الدامس أصواتهما كالرعد القاصف عيونهما كالشهب الثواقب أسنانهما كالرماح يسحبان شعورهما على الأَرْض بيد كل مِنْهُمَا مطرقة لَو اجْتمع الثَّقَلَان لم يقدروا على حملهَا يسألانك عَن رَبك وَعَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 نبيك فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ أيأتياني وَأَنا ثَابت كَمَا أَنا قَالَ نعم قَالَ عمر فسأكفيهما وَفِي رِوَايَة بفيهما الْحجر فَقَالَ رَسُول الله وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا لقد أَخْبرنِي جِبْرِيل أَنَّهُمَا يأتيانك ويسألانك فَتَقول أَنْت الله ربى فَمن رَبكُمَا وَمُحَمّد نَبِي فَمن نبيكما وَالْإِسْلَام ديني فَمَا دينكما فَيَقُولَانِ واعجباه مَا نَدْرِي نَحن أرسلنَا إِلَيْك أم أَنْت أرْسلت إِلَيْنَا خرجه عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه التَّبْصِرَة الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ روى الْحَاكِم فِي تَارِيخه عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله قَالَ رضَا الله رضَا عمر ورضا عمر رضَا الله تبَارك وَتَعَالَى الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ عَن أبي هُرَيْرَة لَو لم أبْعث فِيكُم لبعث عمر إِن الله عز وَجل أيد عمر بملكين يوفقانه ويسددانه فَإِذا أَخطَأ صرفاه حَتَّى يكون صَوَابا أخرجه الديلمي فِي مُسْند الفردوس أَقُول هَذَا مَا ظَفرت بِهِ من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي شَأْنه خَاصَّة وَمَا ورد مُشْتَركا بَينه وَبَين أبي بكر أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فَهِيَ كثير لم أورد مِنْهُ شَيْئا وَكَذَلِكَ مَا ورد فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ من الصَّحَابَة وَالسَّلَف الصَّالح من المناقب والكرامات والصلابة فِي الدّين والزهد وَالْخَوْف من الله وَغير ذَلِك من أَوْصَافه الجميلة ومزاياه الجليلة فَهِيَ كثير مَبْسُوط مسطر لم أورد مِنْهُ شَيْئا طلبا للاختصار واعتماداً على مَا ذكره المؤلفون فِي محاله (ذكر وَفَاته شَهِيدا رَضِي الله عَنهُ) قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ سعيد بن الْمسيب إِن عمر لما نفر من مني أَنَاخَ بِالْأَبْطح ثمَّ كوم كومة من بطحاء ثمَّ اسْتلْقى وَرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ كَبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إِلَيْك غير مضيع وَلَا مفرط ثمَّ رَجَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 إِلَى الْمَدِينَة فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحجَّة حَتَّى طعن وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لما كَانَ آخر حجَّة حَجهَا عمر بأمهات الْمُؤمنِينَ مَرَرْت بالمحصب فَسمِعت رجلا على رَاحِلَة رفع عقيرته فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (أبعد قَتِيلٍ بِالْمَدِينَةِ أَظْلَمَتْ ... لَهُ الأرضُ تهتزُّ العِضَاهُ بأسوقِ) (جزى الله خيرا من إمامٍ وباركتْ ... يَدُ الله فِي ذَاك الأدِيمِ الممزَّقِ) (فَمن يَسْعَ أَو يركبْ جناحي نعامةٍ ... ليدركَ مَا قدمتَ بالْأَمْس يُسْبَقِ) (قَضيْتَ أموراً ثمَّ غادرتَ بَعْدهَا ... بَوَائِقَ فِي أكمَامِهَا لم تُفَتَّقِ) (ومَا كنْت أخْشَى أنْ تكونَ وفاتُهُ ... بكفِّي سَبَنْتَى أهرتِ الشِّدقِ أزْرقِ) قَالَت فَلم ندر ذَا الركب من هُوَ وَكُنَّا نتحدث أَنه من الْجِنّ فَرجع عمر من تِلْكَ الْحجَّة وَطعن فِي ذِي الْحجَّة وَقَوْلها لما كَانَ آخر حجَّة وَذَلِكَ لِأَن سيدنَا عمر رَضِي الله عَنهُ حج عشر سِنِين مُتَوَالِيَات بِأَزْوَاج النَّبِي آخِرهنَّ سنة ثَلَاث وَعشْرين من الْهِجْرَة حج بِهن فِي الهوادج عَلَيْهِنَّ الستور ووصى عَلَيْهِنَّ ابْنه عبد الرَّحْمَن فَكَانَ ينزلهن فِي الشّعب لَا منفذ لَهُ صونا لَهُنَّ وَينزل هُوَ عِنْد بَابه وَرُوِيَ عَن سيدنَا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه لما وصل إِلَى الْمَدِينَة قَالَ اللَّهُمَّ ارزقني شَهَادَة فِي سَبِيلك وَاجعَل موتِي فِي بلد رَسُولك كَذَا فِي البُخَارِيّ وَقَالَ معدان بن أبي طَلْحَة الْيَعْمرِي خطب عمر بعد رُجُوعه إِلَى الْمَدِينَة يَوْم جُمُعَة فَذكر نَبِي الله وَأَبا بكر ثمَّ قَالَ رَأَيْت كَأَن ديكاً نقرني نقرة أَو نقرتين وَإِنِّي لَا أرَاهُ إِلَّا لحضور أَجلي وَإِن قوما يأمرونني أَن أستخلف وَإِن الله لم يكن لِيُضيع دينه وَلَا خِلَافَته فَإِن عجل بى أَمْرِي فالخلافة شُورَى بَين هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 رَسُول الله وَهُوَ عَنْهُم رَاض عُثْمَان وَعلي وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَسعد وَقَالَ الزُّهْرِيّ كَانَ عمر لَا يَأْذَن لسبي قد احْتَلَمَ فِي دُخُول الْمَدِينَة حَتَّى كتب إِلَيْهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَهُوَ عَامله على الْكُوفَة يذكر لَهُ أَن عِنْده غُلَاما عِنْده صنائع ويستأذنه أَن يدْخل الْمَدِينَة وَيَقُول إِن عِنْده أعمالاً كَثِيرَة يحسنها فِيهَا مَنَافِع للنَّاس إِنَّه حداد نقاش حجار فَأذن لَهُ أَن يُرْسل بِهِ وَضرب عَلَيْهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة مائَة دِرْهَم فِي الشَّهْر فجَاء إِلَى عمر فَشَكا كَثْرَة الْخراج عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عمر مَا خراجك بِكَثِير وَأَنت تحسن هَذِه الصَّنَائِع فَانْصَرف ساخطاً يتذمر وَيَقُول وسع عدل عمر الْعَالمين غَيْرِي فَمَكثَ عمر ليالٍ ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ ألم أخبر أَنَّك لَو تشَاء لصنعت رحى تطحن بِالرِّيحِ فَالْتَفت إِلَى عمر عَابِسا وَقَالَ لأصنعن لَك رحى يتحدث النَّاس بهَا فَلَمَّا ولى قَالَ عمر لأَصْحَابه توعدني العَبْد آنِفا ثمَّ اشْتَمَل العَبْد واسْمه فَيْرُوز وكنيته أَبُو لؤلؤة على خنجر ذِي رَأْسَيْنِ فَقَبضهُ فِي وَسطه فكمن لَهُ فِي زَاوِيَة من زَوَايَا الْمَسْجِد فِي الْغَلَس وَكَانَ عمر يَقُول للنَّاس حَال الْقيام للصَّلَاة أقِيمُوا صفوفكم قبل أَن يكبر فجَاء هَذَا الْغُلَام الْمَجُوسِيّ فَيْرُوز أَبُو لؤلؤة وَقَامَ حذاءه فِي الصَّفّ فَلَمَّا كبر عمر للصَّلَاة ضربه بَين كَتفيهِ وَفِي خاصرته فَسقط قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون إِنِّي لقائم فِي الصَّلَاة وَمَا بيني وَبَين عمر إِلَّا ابْن عَبَّاس فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كبر بعد أَن ضرب فَسَمعته رَضِي الله عَنهُ يَقُول قتلني الْكَلْب وطار العلج لَا يمر على أحد يَمِينا وَلَا شمالاً إِلَّا طعنه حَتَّى طعن ثَلَاثَة عشر رجلا مَاتَ مِنْهُم سَبْعَة أَو تِسْعَة فَطرح رجل عَلَيْهِ برنساً وضمه فَلَمَّا علم عَدو الله أَنه مَأْخُوذ نحر نَفسه ثمَّ قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل ميتتي على يَد أحد يَدعِي الْإِسْلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 قَالَ ابْن خلكان ذكر أَنه لما طعن عمر اخْتَار من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم السِّتَّة النَّفر الَّذين تقدم ذكرهم وَكَانَ سعد غَائِبا فَأرْسل إِلَيْهِ فَجعل أمره إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَمَا سأذكره وَجعل ابْنه عبد الله بن عمر مُشِيرا وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء وَأمر الْمسور بن مخرمَة وَفِي رِوَايَة أَمر أَبَا طَلْحَة الْأنْصَارِيّ أَن يكون فِي خمسين رجلا يكونُونَ مَعَ هَؤُلَاءِ النَّفر أهل الشورى قَالَ فَإِنَّهُم فِيمَا أَحسب يَجْتَمعُونَ فِي بَيت فَقُمْ أَنْت فِي أَصْحَابك على بَابه فَلَا تتْرك أحدا يدْخل عَلَيْهِم ثمَّ إِن اتَّفقُوا على وَاحِد إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَإِلَّا فاضربوا أَعْنَاق الْكل فَلَا خير للْمُسلمين فيهم وَلَو افْتَرَقُوا فرْقَتَيْن فالفرقة الَّتِي فِيهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأوصى أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ صُهَيْب بن سِنَان الرُّومِي فِي تِلْكَ الثَّلَاثَة الْأَيَّام عَن أبي الْحُوَيْرِث قَالَ لما مَاتَ عمر وَوضع ليصلى عَلَيْهِ أقبل عَليّ وَعُثْمَان أَيهمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهما عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِن هَذَا لَهو الْحِرْص على الْإِمَارَة لقد علمتما مَا هَذَا إلَيْكُمَا وَقد أوصى بِهِ إِلَى غيركما يَا صُهَيْب تقدم فصل عَلَيْهِ قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ سَالم بن عبد الله بن عمر دخل أَصْحَاب الشورى مَا عدا سَعْدا فَإِنَّهُ كَانَ غَائِبا على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَنظر إِلَيْهِم ثمَّ قَالَ إِنِّي نظرت لكم فِي أَمر النَّاس فَلم أجد عِنْد أحد شقاقاً إِلَّا أَن يكون فِيكُم ثمَّ قَالَ مُخَاطبا عُثْمَان وعلياً وَابْن عَوْف إِن قومكم لن يدَعوا أَن يؤمروا أحدكُم أَيهَا الثَّلَاثَة فَإِن كنتَ على شَيْء من أَمر النَّاس يَا عُثْمَان فَلَا تحملن بني أبي معيط على رِقَاب النَّاس وَإِن كنت يَا بن عَوْف على شَيْء من أَمر النَّاس فَلَا تحملن بني زهرَة على رِقَاب النَّاس وان كنت يَا بن أبي طَالب على شَيْء من أَمر النَّاس فَلَا تحملن بني هَاشم على رِقَاب النَّاس قومُوا فتشاوروا وَأمرُوا أحدكُم فَقَامُوا يتشاورون قَالَ ابْن عمر فدعانى عُثْمَان ليدخلني فِي هَذَا الْأَمر فَقلت لَهُ لم يدخلنى أَمِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 الْمُؤمنِينَ مَعكُمْ وَقلت وَكَيف تؤمرنى وأمير الْمُؤمنِينَ حَيّ فَكَأَنَّمَا أيقظتهم فَقَالَ عمر أمهلوا فَإِذا حدث بِي حَادث فَأمروا قَالَ الذَّهَبِيّ فَلَمَّا دفن اجْتمع هَؤُلَاءِ الرَّهْط أهل الشورى فَقَالَ عبد الرَّحْمَن لعُثْمَان خلْوَة إِن لم أُبَايِعك فبمن تُشِير عَليّ فَقَالَ أُشير عَلَيْك بعلي وَقَالَ لعَلي إِن لم أُبَايِعك فبمن تُشِير عَليّ فَقَالَ بعثمان ثمَّ قَالَ لطلْحَة أما أَنا وَأَنت فَلَا نريدها فبمن تُشِير عَليّ فَقَالَ أُشير بعثمان ثمَّ إِن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ اجعلوا أَمركُم إِلَى ثَلَاثَة فَقَالَ الزبير قد جعلت أَمْرِي إِلَى عَليّ وَقد كَانَ سعد جعل أمره إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقَالَ طَلْحَة قد جعلت أَمْرِي إِلَى عُثْمَان فَخَلا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعلي وَعُثْمَان فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أَنا لَا أريدها فأيكما يبرأ من هَذَا الْأَمر لصَاحبه فَيَجْعَلهُ لله وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام لينظرن أفضلهم وليحرصن على صَلَاح الْأمة فَسكت الشَّيْخَانِ عَليّ وَعُثْمَان فَقَالَ عبد الرَّحْمَن اجعلاه إِلَيّ وَالله عَليّ لَا آلوكم عَن أفضلكم قَالَا نعم فَخَلا بعلي وَقَالَ لَهُ لَك من الْقدَم فِي الْإِسْلَام والقرابة مَا قد علمت الله عَلَيْك وَعَهده لَئِن أَمرتك لتعدلن وَلَئِن أمرتُ عَلَيْك لتسمعن وتطيعن قَالَ عَليّ نعم ثمَّ خلا بعثمان فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك فَقَالَ نعم فَلَمَّا أَخذ ميثاقهما نُودي فِي النَّاس الصَّلَاة جَامِعَة فَخرج عبد الرَّحْمَن عَلَيْهِ عِمَامَة النَّبِي الَّتِي عممه إِيَّاهَا مُتَقَلِّدًا سَيْفه وَصعد الْمِنْبَر فَوقف طَويلا يَدْعُو سرا ثمَّ قَالَ يأيها النَّاس إِنِّي قد سألتكم سرا وجهراً ثَنَا ووحدانا على أمانتكم فَلم أَجِدكُم تعدلون عَن أحد هذَيْن الرجلَيْن عَليّ وَعُثْمَان قُم إِلَيّ يَا عَليّ فَقَامَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ ووقف جنب الْمِنْبَر فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ تبايعني على كتاب الله وَسنة رَسُوله وَفعل أبي بكر فَقَالَ عَليّ اللَّهُمَّ لَا وَلَكِن على جهدي من ذَلِك وطاقتي ثمَّ قَالَ عبد الرَّحْمَن يَا عُثْمَان قُم فَقَامَ فَأخذ بِيَدِهِ فِي موقف عَليّ وَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لعَلي فَقَالَ عُثْمَان اللَّهُمَّ نعم فَرفع عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَأسه إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 سقف الْمَسْجِد وَيَده فِي يَد عُثْمَان ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ إِنِّي جعلت مَا فِي رقبتي فِي رَقَبَة عُثْمَان قَالَ فازدحم النَّاس على عُثْمَان يبايعونه حَتَّى غشوه عِنْد الْمِنْبَر فَأقْعدَ على الدرجَة الثَّانِيَة من الْمِنْبَر وَعبد الرَّحْمَن قَاعد فى مقْعد النبى من الْمِنْبَر فَوْقه قَالَ وتلكأ عَليّ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن {فَمَن نكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلى نَفسِه} الْفَتْح 10 فَرجع عَليّ وشق النَّاس حَتَّى وصل إِلَى عُثْمَان وَبَايَعَهُ وَهُوَ يَقُول خدعة وَأي خدعة وَبَقِي عمر رَضِي الله عَنهُ بعد طعنه ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ طعنه يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع لَيَال بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين من الْهِجْرَة قَالَ الْعَلامَة الشَّامي فِي سيرته أرسل عمر رَضِي الله عَنهُ وهوجريح ابْنه عبد الله إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ لَهُ قل لَهَا يقْرَأ عمر عَلَيْك السَّلَام وَلَا تقل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي الْيَوْم لست أَمِيرهمْ وَقل يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ فجَاء إِلَيْهَا عبد الله بن عمر فَسلم وَاسْتَأْذَنَ فَدخل فَوَجَدَهَا تبْكي فَقَالَ لَهَا فَأَذنت وَقَالَت كنت أردته تَعْنِي مَكَان الْقَبْر لنَفْسي ولأوثرنه الْيَوْم على نَفسِي فَلَمَّا أقبل عبد الله من عِنْدهَا قيل لعمر هَذَا عبد الله قَالَ ارفعوني فأسنده رجل فَقَالَ لعبد الله مَا لديك فَقَالَ عبد الله الَّذِي تحب أَذِنت عَائِشَة قَالَ الْحَمد لله مَا كَانَ شَيْء أهم إِلَيّ من ذَلِك فَإِذا أَنا قبضت فاحملوني ثمَّ سلم وَقل يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب فَإِن أَذِنت لي فأدخلوني وَإِن ردَّتْ فردوني إِلَى مَقَابِر الْمُسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وأوصاهم أَن يقصدوا فِي كَفنه وَلَا يتغالوا وغسله ابْنه عبد الله وَحمل على سَرِير رَسُول الله وَصلى عَلَيْهِ صُهَيْب فى مَسْجده وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَدفن يَوْم الْأَحَد هِلَال الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة عَليّ الصَّحِيح فَنزل فِي قَبره ابْنه عبد الله وَعُثْمَان بن عَفَّان وَسَعِيد بن زيد كَانَت مُدَّة خِلَافَته عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَخمْس لَيَال قَالَ الذَّهَبِيّ لما توفّي عمر أظلمت الأَرْض فَجعل الصَّبِي يَقُول يَا أُمَّاهُ أَقَامَت الْقِيَامَة فَتَقول لَا يَا بني وَلَكِن قتل عمر (ذكر أَوْلَاده رَضِي الله عَنهُ) كَانَ لَهُ ثَلَاثَة عشر تِسْعَة ذُكُور وَأَرْبع إناث الأول عبد الله وَكَانَ يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن أسلم مَعَ أَبِيه صَغِيرا بِمَكَّة وَصَاحب مَعَ أَبِيه وَأمه وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَشهد الْمشَاهد كلهَا بعد أحد قَالَ الدارقطنى استصغره النبى يَوْم أحد وَشهد الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة فَشهد الْمشَاهد كلهَا كَانَ عَالما مُجْتَهدا عابداً لُزُوما للسّنة فَارًّا من الْبِدْعَة ناصحاً للْأمة رؤى فِي الْكَعْبَة سَاجِدا يَقُول فِي سُجُوده يَا رب مَا يَمْنعنِي من مزاحمة قُرَيْش على هَذِه الدُّنْيَا إِلَّا خوفك أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله فَقَالَ إِن عبد الله رجل صَالح قَالَ نَافِع أعتق ألف نسمَة أَو زَاد عَاشَ إِلَى زمَان عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ أَبُو الْيَقظَان زَعَمُوا أَن الْحجَّاج دس لَهُ رجلا قد سم زج رمحه فزحمه فِي الطَّرِيق وطعنه فِي ظهر قدمه فَدخل عَلَيْهِ الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن من أَصَابَك قَالَ أَنْت أصبتني قَالَ وَلم تَقول هَذَا يَرْحَمك الله قَالَ حملت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 السِّلَاح فِي بلد لم يكن يحمل السِّلَاح فِيهِ فَمَاتَ فَصلي عَلَيْهِ عِنْد الرَّدْم وَدفن فِي حَائِط أم خرمان قلت هَذَا الْحَائِط لَا يعرف الْيَوْم بِمَكَّة وَلَا حولهَا وَإِنَّمَا بِالْأَبْطح مَوضِع يُقَال لَهُ الخرمانية فَلَعَلَّهُ نسب إِلَى أم خرمان وَقَالَ غير أبي الْيَقظَان دفن بفخ وَهُوَ مَوضِع مَشْهُور وَهُوَ ابْن أَربع وَثَمَانِينَ سنة وَله عقب مِنْهُم عبد الرَّحْمَن وَسَالم وَكَانَ عبد الله هَذَا من الصّلاح وَالدّين وَالْعقل عَن أَحْوَال الدُّنْيَا على الْجَانِب الْأَعْظَم فَمن ذَلِك مَا نَقله الْعَلامَة الصَّفَدِي فِي تَذكرته فَقَالَ هجت عَاتِكَة بنت عبد الرَّحْمَن زَوجهَا ابْن أبي عَتيق بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ // (من الْكَامِل) // (ذَهّبَ الإلهُ بِمَا تعيشُ بِهِ ... وَقَمَرْتَ لبد أيمَا قَمَرِ) (أنفقتَ مَالَكَ غير مُحْتَشِمٍ ... فِي كُلِّ زانِيَةٍ وَفِي الخَمْرِ) وَكَانَ ابْن أبي عَتيق هَذَا صَاحب دعابة وفكاهة فَأخذ الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين فِي رقْعَة وَخرج فَإِذا هُوَ بِعَبْد الله بن عمر الْمشَار إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن اقْرَأ هَذِه وأشر عَليّ بِرَأْيِك فَلَمَّا قَرَأَهَا قَالَ لَهُ مَا ترى فِيمَن هجاني بِهَذَا قَالَ لَهُ ابْن عمر أرى أَن تَعْفُو عَنهُ وتصفح فَقَالَ ابْن عَتيق وَالله لَئِن لقِيت قَائِلهَا لأ. . كنه فأربد لون عبد الله بن عمر وأخذته رعدة واختلاط فَقَالَ لِابْنِ لأبى عَتيق مَا هَذَا غضب الله عَلَيْك فَقَالَ لَهُ هُوَ مَا قلت لَك وَالله لأفعلنها وافترقا فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام لقِيه عبد الله بن عمر فَأَعْرض عَنهُ موليا فَقَالَ ابْن أَبى عَتيق علمت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنِّي لقِيت قَائِل ذَلِك الشّعْر ف. . كته فَصعِقَ ابْن عمر وليط بِهِ فَلَمَّا رأى ابْن أبي عَتيق مَا ناله دنا مِنْهُ وسارَّه فِي أُذُنه وَقَالَ وَالله إِن الشّعْر لامرأتي وَهِي الَّتِي فعلتُ بهَا فَقَامَ ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا وَقبل بَين عَيْنَيْهِ انْتهى مَا ذكره الصَّفَدِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 قلت رَأَيْت فِي كتاب أَنْسَاب قُرَيْش للزبير بن بكار ابْن أبي عَتيق هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُم وَقَرِيب من هَذِه مَا وَقع لوَلَده سَالم بن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ مَا رَأَيْته بِخَط الْعَلامَة نجم الدّين بن عمر بن فَهد الْقرشِي مَا نَصه أخبرنَا أَبُو البركات عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي وَذكر سنداً انْتهى فِيهِ إِلَى الزبير بن بكار قَاضِي مَكَّة قَالَ حَدثنِي عمي عَن أشعب الطماع قَالَ كَانَ عبد الله بن عَمْرو ابْن عُثْمَان بن عَفَّان شفعني وبسخني ويدعوني فأحدثه وألهيه فَمَرض ولهوت عَنهُ فِي بعض جرياتي أَيَّامًا ثمَّ جِئْت منزلي فَقَالَت لي زَوْجَتي بنت رُومَان وَيحك أَيْن كنت عبد الله بن عَمْرو كَانَ ينفعك مرض فَهُوَ يقلق بِالنَّهَارِ ويسهر بِاللَّيْلِ أرسل إِلَيْك تلهيه وتعلله فَلم يجدك قلت إِنَّا لله ثمَّ فَكرت سَاعَة ثمَّ قلت هَات لي قَارُورَة دهن خلوفية ومنديل الْحمام فَفعلت وَخرجت أُرِيد الْحمام فمررت بسالم بن عبد الله بن عمر فَقَالَ لي يَا أشعب هَل لَك فِي هريس أهديتْ إِلَيّ قلت نعم جعلني الله فدَاك فَدَعَا بهَا فَأتى بصحفة كَبِيرَة فَأكلت حَتَّى شبعت فَجعلت أتكاره عَلَيْهَا فَقَالَ وَيحك يَا أشعب لَا تقتل نَفسك فَإِن مَا فضل عَنْك نبعث بِهِ إِلَى بَيْتك قلت وَتفعل قَالَ مَا أردْت إِلَّا ذَاك فكففت يَدي فَبعث بهَا إِلَى بَيْتِي وَخرجت فَدخلت الْحمام فاطليت ثمَّ صببت عَليّ دهن الخلوفية ثمَّ سكبت عَليّ مَاء وَخرجت وَعلي صفرَة الدّهن وَقد صَار لوني أصفر كَأَنَّهُ الزَّعْفَرَان قَالَ فَلبِست أطماري وعصبت رَأْسِي وَأخذت معي وصبة ثمَّ خرجت أَمْشِي مُتكئا عَلَيْهَا حَتَّى جِئْت بَاب عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان فَلَمَّا رأني حَاجِبه قَالَ وَيحك يَا أشعب ظَلَمْنَاك وغضضنا مِنْك وَأَنت قد بلغتَ مَا أرى من الْعلَّة قَالَ قلت أدخلني على سَيِّدي أخبرهُ فَأَدْخلنِي عَلَيْهِ فَإِذا عِنْده سَالم بن عبد الله بن عمر أَتَى إِلَيْهِ يعودهُ وَعبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان الْمَذْكُور ابْن أُخْت سَالم بن عبد الله الْمَذْكُور فَقَالَ لي عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان وَيحك يَا أشعب ظَلَمْنَاك وغضضنا عَلَيْك وَقد بلغتَ من الْعلَّة مَا أرى قَالَ فتضاعفت ثمَّ قلت أَي سَيِّدي كنت عِنْد بعض من أغشاه فأصابنى قئ وبطن فَمَا حملت إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 منزلي إِلَّا جَنَازَة فبلغني عَنْك فَخرجت أدب إِلَيْك قَالَ أشعب فَنظر إِلَيّ سَالم ثمَّ قَالَ لي أشعب قلت أشعب قَالَ ألم تكن عِنْدِي آنِفا قلت وَمن أَيْن أكون عنْدك جعلني الله فدَاك وَأَنا أَمُوت فَجعل سَالم يمسح عَيْنَيْهِ ثمَّ يَقُول ألم تَأْكُل الهريس آنِفا عِنْدِي فَأَقُول هَل بِي آكل جعلني الله فدَاك مَعَ الْعلَّة قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه يَا أشعب إِنِّي لأرى الشَّيْطَان يتَمَثَّل على صُورَتك وَمَا أرى مجالستك تحل قَالَ أشعب وفطن بِي عبد الله بن عَمْرو فَقَالَ لى يَا أشعب أتخدع خَالِي اصدقني خبرك قَالَ قلت بالأمان قَالَ بالأمان فَحَدَّثته حَدِيثي فَضَحِك ضحكاً شَدِيدا طَويلا انْتهى والْحَدِيث شجون يجر الْفَنّ مِنْهُ إِلَى فنون والثانى من أَوْلَاده الذُّكُور رَضِي الله عَنهُ عبد الرَّحْمَن الْأَكْبَر شقيقه أمهما زَيْنَب بنت مَظْعُون أُخْت عُثْمَان بن مَظْعُون الجُمَحِي وَالثَّالِث زيد الْأَكْبَر أمه أم كُلْثُوم بنت عَليّ بن أبي طَالب من فَاطِمَة بنت رَسُول الله رمي بِحجر فَمَاتَ وَقد تقدم ذكره عِنْد ذكر أمه أم كُلْثُوم هَذِه رَضِي الله عَنْهَا وَالرَّابِع عَاصِم أمه أم كُلْثُوم جميلَة بنت عَاصِم بن ثَابت بن أبي الْأَفْلَح حمى الدبر وَهِي الَّتِي كَانَ اسْمهَا عاصية فسماها عمر جميلَة فَذَهَبت إِلَى النبى ليغير لَهَا اسْمهَا فسماها كَمَا سَمَّاهَا عمر جميلَة وَقد تقدم ذكر ذَلِك وَالْخَامِس زيد الْأَصْغَر وَالسَّادِس عبيد الله أمهما مليكَة بنت جَرْوَل الْخُزَاعِيَّة كَانَ عبيد الله شَدِيد الْبَطْش وَلما قتل عمر قتلَ الهرمزان وَقتل جفينة وَهُوَ رجل نصرانى وَقتل ابتة صَغِيرَة لأبى لؤلؤة فَأخذ عُثْمَان عبيد الله ليقتص مِنْهُ فَاعْتَذر بِأَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أخبرهُ أَنه رأى أَبَا لؤلؤة والهرمزان وجفينة وَهُوَ الرجل النَّصْرَانِي من أهل الْحيرَة يدْخلُونَ يتشاورون وَبينهمْ خنجر لَهُ رأسان مقبضه فِي وَسطه فَقتل عمر صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة فاستدعى عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَسَأَلَهُ فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى السكين فَإِن كَانَت ذاتَ طرفين فَمَا أرى الْقَوْم إِلَّا قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 اجْتَمعُوا على قَتله فنظروا إِلَيْهَا فوجدوها كَمَا وصف عبد الرَّحْمَن فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ بالْأَمْس وَيقتل ابْنه الْيَوْم وَالله هَذَا لَا يكون أبدا فَترك عُثْمَان قَتله ثمَّ لحق عبيدُ الله بِمُعَاوِيَة حِين أفضت الْخلَافَة إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه خشيَة أَن يُقَيِّدهُ على بالهرمزان وَصَاحبه والبنتِ وَلما كَانَ يومُ صفّين خرج مَعَ مُعَاوِيَة فَقتل يَوْمئِذٍ وَالسَّابِع عبد الرَّحْمَن الْأَوْسَط أمه أم ولد اسْمهَا لهية وَهُوَ المكنى بأبى شحمة الْمَحْدُود فِي الْخمر الميتِ بِهِ جزم بذلك الدَّارَقُطْنِيّ وَالثَّامِن عبد الرَّحْمَن الْأَصْغَر أمه أم ولد وَالتَّاسِع عِيَاض بن عمر أمه عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهِي أُخْت سعد بن زيد أحد الْعشْرَة زوج أُخْت عمر فَاطِمَة بنت الْخطاب وهى الَّتِي قتل عَنْهَا رَضِي الله عَنهُ فَتَزَوجهَا بعده الزبيرُ بن الْعَوام وَأما الْبَنَات الْأَرْبَع فحفصة زوج النَّبِي وَقد تقدم ذكرهَا فِي بَاب أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهِي شَقِيقَة عبد الله وَعبد الرَّحْمَن الْأَكْبَر وَالثَّانيَِة رقية بنت أم كُلْثُوم وهى شَقِيقَة زيد الْأَكْبَر وَالثَّالِثَة فَاطِمَة أمهَا أم حَكِيم بنت الْحَارِث بن هِشَام وَالرَّابِعَة زَيْنَب أمهَا أم ولد اسْمهَا فكيهة ذكر ذَلِك كُله ابْن قُتَيْبَة وَصَاحب الصفوة وَهَهُنَا حِكَايَة ظريفة وَقعت لسيدنا عمر مَعَ عَمْرو بن معدي كرب الزبيدِيّ أَحْبَبْت إيرادها وهى مَا ذكره المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه مروج الذَّهَب وَمِنْه نقلت قَالَ بعث عمر بن الْخطاب إِلَى عَمْرو بن معدي كرب أَن أرسلْ إليَّ سيفَك الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 تحضر بِهِ الحروب الْمُسَمّى بالصمصامة فَأرْسل إِلَيْهِ بِهِ فِي قرَاب خَلقٍ بالٍ فَأَخذه عمر ثمَّ ضربَ بِهِ فِي الضريبة فَلم يَحكِ فَرَمَاهُ من يَده ثمَّ بعث إِلَى عَمْرو يستدعيه فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ عمر إِن هَذَا سَيْفك ضربت بِهِ فَلم يحك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك أرْسلت تطلب السَّيْف فَأرْسلت إِلَيْك بِالسَّيْفِ وَلم أرسل إِلَيْك بالزند الَّذِي تضرب بِهِ فعلاه عمر بالدرّة فَقَالَ عَمْرو الْحمى أضرعتني بِهِ ثمَّ قَالَ لَهُ عمر أَخْبرنِي عَن السِّلَاح قَالَ مَا تُرِيدُ مِنْهُ فَقَالَ عمر مَا تَقول فِي الرمْح فَقَالَ أَخُوك وَرُبمَا خانك فانقصف قَالَ فَمَا تَقول فِي السِّهَام قَالَ رسل المنايا فَمِنْهَا طائش وَمِنْهَا مُصِيب قَالَ فَمَا تَقول فِي الدروع قَالَ لَا ترد أَََجَلًا قد حضر وَإِنَّهَا لحصن حُصَيْن قَالَ فَمَا تَقول فِي الترس قَالَ نِعْمَ الجُنة وَعَلِيهِ تَدور الدَّوَائِر قَالَ فَمَا تَقول فِي السَّيْف قَالَ عده تبكيك أمك قَالَ صف لي الْحَرْب فَقَالَ الْحَرْب مرّة المذاق إِذا كشفت عَن سَاق من صَبر فِيهَا عرف وَمن تهور فِيهَا تلف ثمَّ أنْشد // (من الْكَامِل) // (ألْحَرْبُ أَوَّلَ مَا تَكُونُ فتيَّةٌ ... تَسْعَى بِزِينَتها لِكُلِّ جَهُولِ) (حَتَّى إِذَا حَمِيَتْ وشَبَّ ضِرَامُهَا ... عَادَتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ خَلِيلِ) (شَمْطَاءَ جَرَّتْ شَعْرَهَا وَتَنَكَّرَتْ ... مَكْرُوهَةٌ لِلَّثْمِ وَالتَّقْبِيلِ) ثمَّ قَالَ إِنِّي سَائِلك يَا عَمْرو هَل انصرفت عَن فَارس قطّ فَقَالَ عَمْرو لأحدثنك حَدِيثا لم أحدث بِهِ أحدا غَيْرك خرجت فِي خيل بني زبيد أُرِيد بني كنَانَة فأتينا قوما سراة فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ كَيفَ علمت أَنهم سراة قَالَ رَأَيْت مرابط خيل وقدروا تكفأ وقباباً حمراً جَدِيدَة وَنِعما كَثِيرَة وَشاء قَالَ عَمْرو فَأَهْوَيْت إِلَى أعظمها قبَّة بعد مَا حوينا السَّبي وَكَانَ بَيْتا منتبذاً من الْبيُوت فَنَظَرت إِلَيْهِ واذا بِامْرَأَة بادية الْجمال على فرش لَهَا قَالَ فَلَمَّا نظرت إِلَيّ والى الْخَيل استعبرت فَقلت مَا يبكيك قَالَت وَالله مَا أبْكِي على نَفسِي وَلَكِن أبْكِي حسداً لبنات عمي سلمن وابتلى أنَاس دونهن فَقلت أَنا فِي ظَنِّي وَالله إِنَّهَا لصادقة فَقلت لَهَا وَأَيْنَ هِيَ قَالَت فِي هَذَا الْوَادي وَرَاءَك فَقلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 لِأَصْحَابِي لَا تحدثُوا شَيْئا حَتَّى آتيكم ثمَّ همزت فرسي حَتَّى عَلَوْت كثيبا فَإِذا غُلَام أصهب الشّعْر أهدب أقنى يخصف نعلا لَهُ وسيفه بَين يَدَيْهِ وفرسه عِنْده فَلَمَّا نظر إِلَيّ نبذ النَّعْل من يَده ثمَّ أَخذ سلاحه وأشرف على الْكَثِيب فَلَمَّا نظر إِلَى الْخَيل مُحِيطَة ببيته أقبل نحوي ثمَّ حمل عَليّ يَقُول // (من الرجز) // (أَقُولُ لمَّا مَنَحَتْنِي فَاهَا ... ) (وَأَلْبَسَتْنِي بُكْرَةً رِدَاهَا ... ) (إِذَنْ سَأَجْوي الْيَوْمَ مَنْ جَوَاهَا ... ) (فَلَيْتَ شِعْري اليَوْمَ مَا دَهَاهَا ... ) (أَلخيْلُ تَبغِيهَا عَلَى خَوَاهَا ... ) (حَتَّى إذَا خَلاَ بِهَا خَوَاهَا ... ) قَالَ عَمْرو فَقدمت عَلَيْهِ وَأَنا أَقُول // (من الرجز) // (عَمْرو عَلَى طُولِ الوِجَا دَهاها ... ) (بِالخيْلِ يَبْغِيهَا عَلَى خَوَاهَا ... ) (حَتَّى إِذَا خَلاَ بِهَا خَوَاهَا ... ) وحملت عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ أروع من نهر فرَاغ عني ثمَّ حمل عَليّ فضربني بِسَيْفِهِ ضَرْبَة صرعني بهَا فَلَمَّا أَفَقْت من صرعتي حملت عَلَيْهِ فرَاغ عني ثمَّ حمل عَليّ فصرعني وَاسْتَاقَ مَا فِي أَيْدِينَا من الْغَنِيمَة ثمَّ أفقتُ واستويت على فرسي فَلَمَّا رَآنِي أقبل وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) // (أَنَا ابْنُ عَبْدِ اللهِ مَحْمُودُ الشِّيَمْ ... ) (وَخَيْرُ مَنْ يَمْشي بِسَاقٍ وَقَدَمْ ... ) (عَدّوُّهُ يَفْدِيهِ مِنْ كُلِّ السِّقَمْ ... ) قَالَ عَمْرو فَحملت عَلَيْهِ وَأَنا أَقُول // (من الرجز) // (أَنَا ابْنُ ذِي التَقْلِيدِ فِي الشَّهْرِ الأَصَمْ ... ) (أَنَا ابْنُ ذِي الإكْلِيل قتَّال البُهَمْ ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 (مَنْ يَلْقَنِي يَرْدَى كَمَا أَرْدَتْ إِرَمْ ... ) (أُنْزِلُهُ لَحْمًا عَلَى ظَهْرٍ وَضَمْ ... ) فرَاغ وَالله عني ثمَّ ضَرَبَنِي ثمَّ صرخَ صرخة فَرَأَيْت الْمَوْت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ دونه شَيْء وَخِفته خوفًا لم أخف أحدا قطّ قبله مثله فَقلت لَهُ من أَنْت فوَاللَّه مَا اجترأ عَليّ أحد قطّ إِلَّا عَامر بن الطُّفَيْل لإعجابه بِنَفسِهِ وعمرُو بن كُلْثُوم لسنه وتجربته قَالَ بل من أَنْت أَخْبرنِي وَإِلَّا قتلتك قَالَ عَمْرو فَقلت أَنا عَمْرو بن معدي كرب فَقَالَ وَأَنا ربيعَة بن مكدم ثمَّ قلت اختر مني إِحْدَى ثَلَاث إِن شِئْت اجتلدنا بِالسَّيْفِ حَتَّى يَمُوت أعجزنا وَإِن شِئْت اصطرعنا وَإِن شِئْت السّلم فَإنَّك حدث وبقومك إِلَيْك حَاجَة فَقَالَ بل هَذِه الثَّلَاث إِلَيْك قَالَ عَمْرو فاخترت السّلم فَقَالَ لي ألق سَيْفك وَانْزِلْ عَن فرسك قَالَ عَمْرو فَقلت يَا بن أخي قد جرحتني جرحين وَلَا يزَال بِي فوَاللَّه مَا كف حَتَّى نزلت عَن فرسي فَأخذ بعناية ثمَّ أَخذ بيَدي فِي يَده فانصرفنا إِلَى الْحَيّ وَأَنا أجر رجْلي حَتَّى طلعنا على الْخَيل فَلَمَّا رأوني همزوا خيولهم إِلَى نحوي وَأَرَادُوا ربيعَة فناديتهم إِلَيْكُم عَنهُ فَمضى وَالله كَأَنَّهُ لَيْث حَتَّى شقهم ثمَّ أقبل إِلَيّ وَقَالَ كَأَن أَصْحَابك يُرِيدُونَ غير الَّذِي أردْت فصمتَ وَالله الْقَوْم لم يتَكَلَّم أحد وأعظموا مَا رَأَوْا فَقلت يَا ربيعَة بن مكدم لَا يُرِيدُونَ إِلَّا خيرا وَإِنَّمَا سميته ليعرفه الْقَوْم ومضينا مَعَه حَتَّى نزل فَقَامَتْ إِلَيْهِ صاحبته وهى ضاحكة فمسحت وَجهه ثمَّ أقبل بِإِبِل فنحرت وَضرب علينا القباب فَأَقَمْنَا عِنْده يَوْمَيْنِ وانصرفنا قَالَ عَمْرو ثمَّ غزوت بعد زمَان فِي صَنَادِيد قومِي بني كنَانَة فأخذنا عِيَالهمْ وَمِنْهُم امْرَأَة ربيعَة بن مكدم وَكَانَ غَائِبا فَبَلغهُ ذَلِك فَأقبل فِي الطّلب على فرس عري وَمَعَهُ رمح بِلَا سِنَان فَلَمَّا لحق بِنَا قَالَ لي يَا عَمْرو خل عَن الظعينة وَمَا مَعَك فَلم ألتفت إِلَيْهِ ثمَّ أَعَادَهَا فَلم ألتفت إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا عَمْرو إِمَّا تقف لي أَو أَقف لَك فوقفت وَقلت قد أنصف القارة من راماها فقف لي يَا ابْن أخي فَوقف فَحملت عَلَيْهِ وَأَنا أَقُول // (من الرجز) // (أَنَا ابنُ ثوْرٍ ثمَّ فَتَّاق الدَّلَقْ ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 (لستُ بمأمونٍ وَلَا فِي حَرَقْ ... ) (وأًستُرُ القومَ إِذا احمرَّ الحَدَقْ ... ) (إِذا الرجالُ عَضَّهُمْ فَوق التَّرَقْ ... ) (وَجَدتني بِالسَّيْفِ فَتَّاَق الحلقْ ... ) حَتَّى إِذا ظن أَن قد خالطه السنان إِذا هُوَ نقب لفرسه وَمر السنان على ظهر الْفرس ثمَّ وقفت لَهُ فَحمل عَليّ وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) // (أَنَا الكِنَانِيُّ الغُلامُ لاَ برحْ ... كم من هِزَبْرٍ رَامَني قَدِ انْشَرَحْ ... ) فقرع رَأْسِي بِالرُّمْحِ ثمَّ قَالَ إِلَيْك يَا عَمْرو فلولا إِنِّي أكره قَتلك لقتلتك فَقلت لَا ينْصَرف إِلَّا أَحَدنَا فَحملت عَلَيْهِ حَتَّى إِذا ظن أَن قد خالطه السنان إِذا هُوَ حزَام لفرسه ثمَّ إِنَّه حمل عَليّ فقرع رَأْسِي بِالرُّمْحِ ثَانِيَة وَقَالَ خُذْهَا إِلَيْك ثَانِيَة وَإِنَّمَا الْعَفو مَرَّتَانِ فصاحت بِهِ امْرَأَته السنان لَهُ دَرك فَأخْرج سِنَانًا من بَين إزَاره كَأَنَّهُ شعار نَار فَرَكبهُ على رمحه فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ وَذكرت طعنته بِغَيْر سِنَان قلت لَهُ خُذ الظعينة فَقَالَ دعها وانج بِنَفْسِك فَقَالَت بَنو زيبد تتركها لغلام فَقلت وَالله لقد رَأَيْت الْمَوْت الْأَحْمَر فِي سنانه وَسمعت صريره فِي تركيبه فانصرفنا وَرجع بِالظَّعِينَةِ وَالْغنيمَة وَمثلهَا مَا رَأَيْته فِي كتاب المحاسن والمساوى قَالَ وَفَدَ على أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب أَعْرَابِي يستحمله فَقَالَ لَهُ خُذ بَعِيرًا من إبل الصَّدَقَة فَنظر إِلَى بعير مِنْهَا استحسنه وَاخْتَارَهُ فَتعلق بِذَنبِهِ ونازعه الْبَعِير نَفسه ونقر فاقتلع ذَنبه فِي يَده فَقَالَ لَهُ عمر يَا أَخا الْعَرَب هَل رَأَيْت أَشد مِنْك قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خرجت بِامْرَأَة من أَهلِي أُرِيد بهَا زَوجهَا فَنزلت منزلا أَهله خلوف فأنخت بهَا إِلَى جَانب ودنوت من الْحَوْض فَإِذا رجل قد أقبل مَعَه ذود لَهُ فصرف ذوده إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 الْحَوْض وَأَقْبل نَحْو الْمَرْأَة لَا أَدْرِي مَا يُرِيد فَلَمَّا قرب مِنْهَا ساورها فنادتني فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَيْهِ إِذا هُوَ قد خالطها فَجئْت لأدفعه فَأخذ رَأْسِي وَوَضعه بَين ذراعه وجنبه فَمَا اسْتَطَعْت أَن أتحرك حَتَّى قضى مَا أَرَادَ ثمَّ قَامَ عَنْهَا فأطلقني بعد ثمَّ احتلب من ذوده فروى ثمَّ ذهب فاضطجع وَقَالَت الْمَرْأَة نعم الْفَحْل هَذَا لَو كَانَت لنا مِنْهُ سخلة فأمهلته حَتَّى امْتَلَأَ نوماً قُم قُمْت إِلَيْهِ فَضربت سَاقه بِالسَّيْفِ فَقطعت فَوَثَبَ فهربت وَعَلِيهِ الدَّم فَرَمَانِي بساقه فأصابت بَعِيري فَقتلته فَقَالَ عمر فَمَا فعلت الْمَرْأَة فَقَالَ الرجل الْأَعرَابِي هَذَا حَدِيث الرجل فكرر عَلَيْهِ عمر السُّؤَال مرَارًا فِي كلهَا يَقُول هَذَا حَدِيث الرجل (خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ذى النورين رَضِي الله عَنهُ) هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي العبشمي يجْتَمع مَعَ رَسُول الله فِي جده عبد منَاف فَهُوَ أقربهم إِلَى رَسُول الله بعد عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أمه أروَى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف أسلمت رَضِي الله عَنْهَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن مخلد وَأمّهَا الْبَيْضَاء أم حَكِيم بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عُثْمَان ويكنى أَبَا عَمْرو وَأَبا عبد الله وَالْأولَى أشهر قيل إِنَّه ولدت لَهُ رقية ولدا أسماه عبد الله فاكتنى بِهِ فَمَاتَ وَولد لَهُ عَمْرو فاكتنى بِهِ إِلَى أَن مَاتَ ويدعى بِذِي النورين لِأَنَّهُ تزوج بِابْنَتي رَسُول الله رقية وَأم كُلْثُوم وَلم يعلم أحد تزوج بإبنتي نَبِي غَيره وَقيل إِنَّه إِذا دخل الْجنَّة زفت لَهُ برقيتين وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ يجمع الْقُرْآن فِي الْوتر فالقران نور وَقيام اللَّيْل نور وَقيل غير ذَلِك وَهُوَ من السَّابِقين الْأَوَّلين وَصلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر الهجرتين وَهُوَ أول من هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فَارًّا بِدِينِهِ وَمَعَهُ زَوجته رقية رَضِي الله عَنْهُمَا وعد من الْبَدْرِيِّينَ وَمن أهل بيعَة الرضْوَان وَلم يحضرهما وَكَانَ سَبَب غيبته عَن بدر أَن زَوجته رقية بنت رَسُول الله مَرضت فَأذن لَهُ رَسُول الله فِي الْجُلُوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 ليمرضها وَقَالَ لَهُ لَك أجر رجل شهد بَدْرًا وَضرب لَهُ بسهمه من غنيمتها وَأما غيبته عَن بيعَة الرضْوَان فَبَعثه رَسُول الله من الْحُدَيْبِيَة إِلَى مَكَّة عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لما أرسل رَسُول الله عُثْمَان إِلَى أهل مَكَّة دَعَا رَسُول الله أَصْحَابه إِلَى الْبيعَة وَقَالَ إِن عُثْمَان فِي حَاجَة لله وَرَسُوله فَضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى وَقَالَ هَذِه عَن عُثْمَان فَكَانَت يَد رَسُول الله لَهُ خيرا من أَيْديهم لأَنْفُسِهِمْ خرجه التِّرْمِذِيّ وَإِنَّمَا أرْسلهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعزته فيهم وَلَو كَانَ أحد أعز بِبَطن مَكَّة من عُثْمَان لبعثه لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْش محبَّة وَعزة لَا توصفان حَتَّى ضربوا بذلك الْمثل فَقَالُوا أحبك الرَّحْمَن حب قُرَيْش عُثْمَان وَتُوفِّي رَسُول الله وَهُوَ عَنهُ راضٍ وبشره بِالْجنَّةِ ودعا لَهُ بالخصوص غير مرّة فأثرى وَكثر مَاله وَكَانَت لَهُ شَفَقَة وَرَحْمَة ورأفة على الْمُسلمين فَلَمَّا ولي زَادَت رَحمته وتواضعه ورأفته برعيته وَكَانَ يطعم طَعَام الْإِمَارَة وَيَأْكُل الْخلّ وَالزَّيْت وجهزة جَيش الْعسرَة بتسعمائة وَخمسين بَعِيرًا بأحلاسها وأقتابها وَأتم الْألف بِخَمْسِينَ فرسا وَقَالَ قَتَادَة حمل على ألف بعير وَسبعين فرسا وَاشْترى بِئْر رومة بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا وسبَّلها وَله من أَفعَال الْخَيْر وأنواع الْبر مَا يطول ذكره ولد بِمَكَّة قلت لم أظفر بِتَعْيِين مَوضِع وِلَادَته فِي كَلَام أحد مِمَّن يتَعَمَّد كَلَامه افْتتح فِي أَيَّامه الْإسْكَنْدَريَّة وسابور وافريقية وقبرص وسواحل الرّوم واصطخر الْآخِرَة وَفَارِس الأولى وخوزستان وطبرستان وكرمان وسجستان وساحل الْأُرْدُن ومرو والأساورة (ذكر إِسْلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) قَالَ فِي الرياض النضرة فِي مَنَاقِب الْعشْر عَن عَمْرو بن عُثْمَان رَضِي الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 عَنْهُمَا قَالَ كَانَ إِسْلَام عُثْمَان أبي فِيمَا حَدثنَا عَن نَفسه قَالَ كنت رجلا مشتهراً بِالنسَاء وَإِنِّي ذَات لَيْلَة بِفنَاء الْكَعْبَة قَاعد فِي رَهْط من قُرَيْش إِذْ أَتَيْنَا فَقيل لنا إِن مُحَمَّدًا أنكح عتبَة بن أبي لَهب رقية وَكَانَت رقية ذَات جمال رائع قَالَ عُثْمَان فدخلتني الْحَسْرَة لم لَا أكون أَنا سبقت إِلَى ذَلِك فَلم ألبث أَن انصرفت إِلَى منزلي فَأَصَبْت خَالَة لي قَاعِدَة وهى سعدى بنت كريز وَكَانَت قد ظرفت وتكهنت عِنْد قَومهَا فَلَمَّا رأتني قَالَت // (من الرجز) // (أَبْشِرْ وحُيِّيتَ ثَلاثًا تَتْرَى ... أتَاكَ خيرٌ ووُقِيتَ شرَّا) (أُنْكِحْتَ وَالله حَصَانًا زَهْرَا ... وأنتَ بَكْرٌ ولَقِيتَ بِكْرَا) (وافيتهَا بنتَ عَظِيمٍ قَدْرَا ... لله أمْرٌ قَدَ أشاد ذِكْرَا) قَالَ عُثْمَان فعجبت من قَوْلهَا فَقلت يَا خَالَة مَا تَقُولِينَ فَقَالَت يَا عُثْمَان // (من الرجز) // (لَكَ الجَمَالُ ولَكَ اللِّسَانُ ... هَذَا نَبيٌّ مَعَه البُرْهانُ) (أَرْسَلَهُ محبُّه الدَّيَّانُ ... فَاتْبَعْهُ لَا يعبأْ لَكَ الأوثَانُ) قَالَ قلت يَا خَالَة إِنَّك لتذكرين شَيْئا مَا وَقع ذكره فِي بلدنا فأبينيه لي قَالَت مُحَمَّد بن عبد الله رَسُول الله من عِنْد الله جَاءَ بتنزيل الله يَدْعُو إِلَى الله ثمَّ قَالَت مصباحه مِصْبَاح وَدينه فلاح وَأمره نجاح وقرنه نطاح دَانَتْ لَهُ البطاح مَا ينفع الصياح لَو وَقع الذباح وسلت الصفاح ومدت الرماح قَالَ ثمَّ انصرفت وَوَقع كَلَامهَا فِي قلبِي فَجعلت أفكر فِيهِ وَكَانَ لي مجْلِس عِنْد أبي بكر فَأَتَيْته فَأَصَبْته فِي مجْلِس لَيْسَ عِنْده أحد فَجَلَست إِلَيْهِ فرآني منكسراً فَسَأَلَنِي عَن أَمْرِي وَكَانَ رجلا شايباً فَأَخْبَرته بِمَا سَمِعت من خَالَتِي فَقَالَ يَا عُثْمَان وَيحك إِنَّك رجل حَازِم لَا يخفى عَلَيْك الْحق من الْبَاطِل مَا هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي يَعْبُدهَا قَومنَا أليست من حِجَارَة لَا تضر وَلَا تَنْفَع صم لَا تبصر وَلَا تسمع قلت بلَى وَالله إِنَّهَا كَذَلِك فَقَالَ وَالله صدقتك خالتك هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله قد بَعثه الله برسالته إِلَى خلقه فَهَل لَك أَن تَأتيه فَتسمع مِنْهُ قلت بلَى فوَاللَّه مَا كَانَ بأسرع من أَن مر رَسُول الله وَمَعَهُ عَليّ بن أبي طَالب يحمل ثوبا فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر قَامَ فسارَّه فِي أُذُنه بِشَيْء فجَاء رَسُول الله فَقعدَ ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ يَا عُثْمَان أجب الله إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 جنته فَإِنِّي رَسُول الله إِلَيْك وَالِي خلقه قَالَ فوَاللَّه مَا تمالكتُ حِين سَمِعت قَوْله أَن أسلمت وَشهِدت أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ لم ألبث أَن أَتزوّج رقية بنت رَسُول الله وَفِي إِسْلَام عُثْمَان تَقول خَالَته سعدى الْمَذْكُورَة // (من الطَّوِيل) // (هَدَى اللهُ عثماناً بِقَولي إِلَى الهُدَى ... وأرشَدَهُ واللهُ يَهْدِي إِلَى الحقِّ) (فَتَابَع بالرَّأْي السَّدِيدِ مُحَمَّدًا ... وَكَانَ بِرَأْي لَا يحيدُ عَن الصِّدْقِ) (وأنكَحَهُ المبعوثُ بالحقِّ بِنتُه ... فَكَانَ كَبَدْرٍ مَازَجَ الشَّمْسَ فِي الأُفْقِ) (فِدًى لَكَ يَا بْنَ الهاشِمِيِّيين مُهْجتي ... فأَنْتَ أمينُ اللهِ أُرْسِلْتَ للخَلْقِ) وَأسْلمت أُخْت عُثْمَان آمِنَة بنت عَفَّان وَأسلم إخْوَته لأمه الْوَلِيد وخَالِد وَعمارَة أَسْلمُوا يَوْم الْفَتْح خرجه الفضائلي (صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) كَانَ رَضِي الله عَنهُ رجلا مربوعاً لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل حسن الْوَجْه بوجنته نكات جدري أقنى الْأنف من أجمل النَّاس رَقِيق الْبشرَة خَفِيف الْجِسْم عَظِيم اللِّحْيَة طويلها أسمر اللَّوْن كثير الشّعْر ذُو جمة أَسْفَل من أُذُنَيْهِ ضخم الكراديس بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أصلع وبكثرة شعر رَأسه ولحيته كَانَ أعداءه يسمونه نعثلاً كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله بصحفة فِيهَا لحم إِلَى عُثْمَان فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس مَعَ رقية مَا رَأَيْت زوجا أحسن مِنْهُمَا فَجعلت مرّة أنظر إِلَى عُثْمَان وَمرَّة أنظر إِلَى رقية فَلَمَّا رجعت إِلَى رَسُول الله قَالَ دخلت عَلَيْهِمَا قلت نعم قَالَ هَل رَأَيْت زوجا أحسن مِنْهُمَا قلت لَا خرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه والحافظ الدِّمَشْقِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وفى سيرة الشَّامي لما بُويِعَ عُثْمَان رقى الْمِنْبَر بعد الْعَصْر أَو قبل الزَّوَال يومئذٍ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على رَسُوله ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّكُم فِي بَقِيَّة آجالكم فبادروا آجالكم بِخَير مَا تقدرون عَلَيْهِ وَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور واعتبروا بِمن مضى من الْقُرُون وانقضى ثمَّ جدوا وَلَا تغفلوا أَيْن أَبنَاء الدُّنْيَا وإخوانها أَيْن الَّذين شيدوها وعمروها وتمتعوا بهَا طَويلا ألم تلفظهم ارموا بالدنيا خير رمي واطلبوا الْآخِرَة حَيْثُ رغب الله عز وَجل فِيهَا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ضرب لكم مثلا فَقَالَ {واضرِب لَهُم مثل الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَمَاءِ} إِلَى {مُقتَدرِاً} الْكَهْف 45 فَاتَّقُوا الله إِن تقوى الله غنم وَإِن أَكيس النَّاس من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت إِن الله أَعْطَاكُم الدُّنْيَا لتطلبوا بهَا الْآخِرَة وَلم يعطكموها لتركنوا إِلَيْهَا إِن الدُّنْيَا تفنى وَالْآخِرَة تبقى فَلَا تشتغلوا بالفانية عَن الْبَاقِيَة فَإِن الدُّنْيَا مُنْقَطِعَة والمصير إِلَى الله تَعَالَى وَاتَّقوا الله فَإِن تقواهُ جنَّة من سَأَلَهُ ووسيلة عِنْده {واذْكُرُوا نعمَتَ اللهِ عليكُم إِذْ كُنتم أَعدَاء} آل عمرَان 103 الْآيَة ثمَّ نزل أخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ ولي عُثْمَان اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَلم ينقم النَّاس عَلَيْهِ شَيْئا مُدَّة سِتّ سِنِين بل كَانَ أحب إِلَى قُرَيْش من عمر لِأَن عمر كَانَ شَدِيدا عَلَيْهِم فَلَمَّا ولي عُثْمَان لَان لَهُم ووصلهم ثمَّ توانى فِي أُمُورهم وَاسْتعْمل أَقَاربه وَأهل بَيته فِي السِّت السنين الْأَوَاخِر وَأَعْطَاهُمْ المَال متأولاً فِي ذَلِك الصِّلَة الَّتِي أَمر الله بهَا وَقَالَ إِن أَبَا بكر وَعمر تركا من ذَلِك مَا هُوَ لَهما وَإِنِّي أَخَذته فقسمته فِي أقربائي فَكَانَ ذَلِك مِمَّا نقم عَلَيْهِ وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قلت لسَعِيد بن الْمسيب هَل أَنْت مخبري كَيفَ كَانَ قتل عُثْمَان مَا كَانَ شَأْن النَّاس وشأنه وَلم خذله أَصْحَاب مُحَمَّد فَقَالَ ابْن الْمسيب قتل عُثْمَان مَظْلُوما وَمن قَتله كَانَ ظَالِما وَمن خذله كَانَ مَعْذُورًا قلت كَيفَ قَالَ لِأَنَّهُ لما ولي كره ولَايَته نفر من الصَّحَابَة لِأَنَّهُ كَانَ يحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 قومه وَكَانَ كثيرا مَا يولي بنى أُميَّة مِمَّن لم يكن لَهُ صُحْبَة وَكَانَ من أمرائه مَا يُنكره الصَّحَابَة فَكَانَ يستعتب فيهم فَلَا يعزلهم فَلَمَّا كَانَ فِي السِّت الْأَوَاخِر اسْتَأْثر ببني عَمه فولاهم دون غَيرهم وَأمرهمْ بتقوى الله وَلما كَانَت سنة خمس وَثَلَاثِينَ خرج المصريون وَغَيرهم على عُثْمَان قَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد لما نزل أهل مصر الْجحْفَة وَأتوا يعاتبون عُثْمَان فِي هَذِه الْأَشْيَاء صعد عُثْمَان الْمِنْبَر فَقَالَ أَيّكُم يذهب إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم فيسألهم مَا نقموا منا وَمَا يُرِيدُونَ وَكَانَ الْقَوْم الَّذين من مصر نَحْو أَرْبَعمِائَة فَقَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ نَحن نَذْهَب فَلَمَّا وصلا إِلَيْهِم ردوهما أقبح رد فَقَامَ عَليّ فَقَالَ أَنا أذهب إِلَيْهِم فَذهب فَقَالَ مَا الَّذِي نقمتم على عُثْمَان فَذكرُوا الْأُمُور السِّتَّة عشرَة الْمَذْكُورَة فأجابهم عَن الأول بِأَن دَعوَاهُم إسرافه فِي بَيت المَال فَإِنَّمَا كَانَ من مَال نَفسه وَأما عَن الثَّانِي وَهُوَ الْحمى فَأجَاب بِأَنِّي إِنَّمَا حميته لإبل الصَّدَقَة كَمَا حمى رَسُول الله لذَلِك فَقَالُوا إِنَّك زِدْت فَقَالَ إِنَّمَا زِدْت لإبل الصَّدَقَة لما زَادَت وَلم أحم بإبلي وَلَا لغنمي وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا ينقم على الإِمَام وَأما الثَّالِث وَهُوَ حمى سوق الْمَدِينَة فَأجَاب بِأَنَّهُ افتراء عَلَيْهِ وَلَا أصل لَهُ وَأما الرَّابِع وَهُوَ حمى الْبَحْر فَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا لما كَانَ متسعاً فِي المَال منبسطاً فِي التِّجَارَات حمى سَفِينِهِ أَن يُحمل فِيهَا مَتَاع غير مَتَاعه وَأما الْخَامِس وَهُوَ ضربي لِابْنِ مَسْعُود فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ للأدب حِين امْتنع من إِتْيَانه بالمصحف ليجتمع النَّاس على مصحف وَاحِد فَكَانَ لي ذَلِك فأحرقت مصحفه وَكَانَ من أكبر الْمصَالح فَإِنَّهُ لَو بَقِي فِي أَيدي النَّاس أدّى ذَلِك إِلَى فتْنَة كَبِيرَة فِي الدّين لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الشذوذ ولحذفه المعوذتين مَعَ شهرتهما وَأما هجري لَهُ فَلم تزل هَذِه سيمة الْخُلَفَاء قبلي قلت وهجره إِيَّاه لَيْسَ بأعظم من هجر عَليّ أَخَاهُ عقيلاً وَأَبا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ حِين فارقاه بعد انْصِرَافه من صفّين وَذهب إِلَى مُعَاوِيَة وَلم يُوجب ذَلِك طَعنا عَلَيْهِ وَلَا عَيْبا فِيهِ وَقد روى عَن أَعْرَابِي من هَمدَان دخل الْمَسْجِد فَرَأى ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَأَبا مُوسَى يطعنون على عُثْمَان فَقَالَ أنْشدكُمْ الله لَو أَن عُثْمَان ردكم إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 أَعمالكُم وعطاياكم أَكُنْتُم ترْضونَ قَالُوا اللَّهُمَّ نعم فَقَالَ الهمذاني اتَّقوا الله يَا أَصْحَاب مُحَمَّد وَلَا تطغوا على أئمتكم وَلما كَانَ تلقيه بِهِ مِمَّا يكره فَإِن منصب الْخلَافَة لَا يحْتَمل ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا بأعظم من ضَربِ عُمَرَ سَعدَ بن أبي وَقاص بِالدرةِ على رَأسه حِين لم يقم لَهُ وَقَالَ لَهُ إِنَّك لم تهب الْخلَافَة فأردتُ أَن تعرف أَن الْخلَافَة لم تهبك وَلم يُغير ذَلِك سَعْدا وَلَا رَآهُ عَيْبا وَكَذَلِكَ ضرب أبي بن كَعْب حِين رَآهُ يمشي وَخَلفه قوم وَقَالَ إِن هَذِه مذلة للتابع وفتنة للمتبوع وَأما السَّادِس وَهُوَ قصَّة عبَادَة فَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَة وَكذب مختلق وَأما السَّابِع وَهُوَ قَوْلهم إِن عبد الرَّحْمَن نَدم على تَوليته فكذب صَرِيح وَلَو كَانَ كَذَلِك لصرح بخلعه إِذْ لَا مَانع لَهُ فَإِن أَعْيَان الصَّحَابَة على زعمهم منكرون ناقمون أحداثه وَالنَّاس تبع لَهُم فَلَا مَانع من خلعه فَكيف يَصح مَا وصفوا بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي حق الآخر وَإِنَّمَا الَّذِي صَحَّ فِي قصَّته أَن عُثْمَان استوصى مِنْهُ فَإِن عبد الرَّحْمَن كَانَ يبسط عَلَيْهِ من القَوْل لَا يُبَالِي مَا يَقُول ويروى أَن عُثْمَان قَالَ لَهُ إِنِّي أَخَاف يَا بن عَوْف أَن يبسط من دمي وَأما الثَّامِن وَهُوَ ضرب عمار فقد حلف أَنه لم يكن ذَلِك عَن أمره وَذَلِكَ أَن عماراً جَاءَ هُوَ وَسعد إِلَى الْمَسْجِد وأرسلا إِلَيّ أَن ائتنا فَإنَّا نُرِيد أَن نذاكرك أَشْيَاء فعلتها فَأرْسلت إِلَيْهِمَا إِنِّي عَنْكُم الْيَوْم مَشْغُول فانصرفا وموعدكما يَوْم كَذَا وَكَذَا فَانْصَرف سعد وَأبي عمار أَن ينْصَرف فَأَعَدْت إِلَيْهِ الرَّسُول فَأبى فتناوله رَسُولي بِغَيْر أَمْرِي وَالله مَا أَمرته وَلَا رضيت بضربه وَهَذِه يَدي لعمَّار فليقتض مني إِن شَاءَ وَأما التَّاسِع وَهُوَ انتهاك حُرْمَة كَعْب ابْن عَبدة الفِهري قَالَ فقد استرضيته إِذْ كتبت إِلَيْهِ فَلَمَّا دخل عَليّ قلت يَا كَعْب كتبت إِلَيْك كتابا غليظاً وَلَقَد كتبت إِلَى بعض الَّذِي هتكت مشورتك وَلَكِنَّك خدشتني وأغضبتني حَتَّى نلْت مِنْك مَا نلْت ونزعت قَمِيصِي ودعوت بِسَوْط ودفعته إِلَيْهِ وَقلت قُم فاقتص مني مَا ضربتك فَقَالَ كَعْب أما إِذْ فعلت فَأَنا أَدَعهُ لله لَا أكون أول من اقْتصّ من الْأَئِمَّة ثمَّ صَار بعد من خواصِّي وَأما الْعَاشِر وَهُوَ تركي إِقَامَة الْحَد على عبيد الله بن عمر فَمَا ذَاك إِلَّا بخوفي ثوران فتْنَة عَظِيمَة من قبله لِأَنَّهُ كَانَ بَنو تَمِيم وَبَنُو عدي مانعين من قَتله ودافعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 920 عَنهُ وَكَانَ بَنو سهم أَيْضا مانعين من ذَلِك حَتَّى قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ بالْأَمْس فَيقْتل ابْنه الْيَوْم لَا يكون وإلله هَذَا أبدا وَمَال فِي بني سهم فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك اغتنمت تسكين الْفِتْنَة وَقلت أمره إِلَيّ وسأرضي أهل الهرمزان مِنْهُ وَأما الْحَادِي عشر وَهُوَ انفرادي بأقوال شَاذَّة فَلم يزل أَصْحَاب رَسُول الله على نَحْو ذَلِك ينْفَرد الْوَاحِد مِنْهُم بِمَا يَقُول وَيُخَالِفهُ الْبَاقُونَ وَهَذَا عَليّ بن أبي طَالب فِي مَسْأَلَة بيع أم الْوَلَد على مثل ذَلِك وَفِي الْفَرَائِض عدَّة مسَائِل على هَذَا النَّحْو لكثير من الصَّحَابَة فَلم أنفرد بِهَذَا الْمَعْنى وَأما الثَّانِي عشر فَهُوَ هتكي حُرْمَة الأشتر فَهَل أثار الْفِتْنَة فِي هَذِه الْقِصَّة إِلَّا فعل الأشتر بِالْكُوفَةِ من هتك حرمتي وتسليط الْعَامَّة على ضرب عَامِلِي بِلَا اعتذار عَن الْأَمر بنفيه بل ذَلِك أقل مَا يسْتَوْجب ثمَّ لم يَنْفَعهُ ذَلِك حَتَّى سَار من الشَّام إِلَى الْكُوفَة وأضرم نَار الْفِتْنَة وَأما الثَّالِث عشر وَهُوَ إتمامي الصَّلَاة بمنى فعذري فِي ذَلِك ظَاهر لِأَن مِمَّن لَا يُوجب الْقصر فِي السّفر وَأَنا أبيحه فِيهِ وَأَيْضًا هِيَ مَسْأَلَة اجتهادية فَقولِي لَا يُوجب تكفيراً وَلَا فسقاً وَأما الرَّابِع عشر وَهُوَ نفيي لأبي ذَر فلتجاسره عَليّ وتجبيهي بالْكلَام الخشن ومفسدة عَليّ وإثارة الْفِتْنَة وتأدية ذَلِك التجاسر لإذهاب هيبتي وتقليل حرمتي فَفعلت مَا فعلت صِيَانة لمنصب الشَّرِيعَة وإصابة لحُرْمَة الدّين قلت كَانَ عذر أبي ذَر فِيمَا كَانَ يَدْعُو عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبَاه من التجرد عَن الدُّنْيَا والزهد فِيهَا مُخَالفَة عُثْمَان إِلَى أُمُور مُبَاحَة من اقتنائه الْأَمْوَال وَجمعه الغلمان الَّذين يستعان بهم على الحروب وكل مِنْهُمَا على هدى من الله تَعَالَى وَأما الْخَامِس عشر وَهُوَ ردي الحكم فقد اسْتَأْذَنت النَّبِي فِي رده إِلَى الْمَدِينَة فوعدني بذلك فَلَمَّا ولي أَبُو بكر سَأَلته فِي ذَلِك فَقَالَ كَيفَ أرده إِلَيْهَا وَقد نَفَاهُ رَسُول الله فَقلت لَهُ بوعد رَسُول الله إيَّايَ بذلك فَقَالَ أَبُو بكر لم أسمعهُ يَقُول لَك ذَلِك وَلم يكن لي أَنا بَيِّنَة على ذَلِك ثمَّ لما ولي عمر سَأَلته ذَلِك فَأبى وَلم يردده بقول الْوَاحِد فَلَمَّا وليت قضيت بعلمي وَكَانَ قد تَابَ وَأصْلح عَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 كَانَ طرد لأَجله مِمَّا تقدم ذكره وإغاثة التائب مِمَّا يحمد وَأما السَّادِس عشر وَهُوَ عزل ابْن مَسْعُود وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَنَحْوهمَا فَأَما عَمْرو ابْن الْعَاصِ فَإِنَّمَا عزلته لِأَن أهل مصر أَكْثرُوا شكايته وَأما ابْن مَسْعُود فَلَمَّا بَلغنِي عَنهُ وَلم تزل الْأَئِمَّة على مثل ذَلِك وَلم يكن قصدي من منع عطائه حرمانه ألبتهَ وَإِنَّمَا التَّأْخِير إِلَى غَايَة اقْتضى نَظَرِي التَّأْخِير إِلَيْهَا فَكَانَ لما قضى الله وصلت بِهِ ورثته وَلَعَلَّه كَانَ أَنْفَع لَهُم فأزال عَنْهُم وعثتهم وَأرْسل إِلَى ابْن أبي سرح يتهدده وَرَجَعُوا إِلَى أوطانهم قلت وَأحسن مَا يُقَال فِي الْجَواب عَن جَمِيع مَا ذكر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أخبر عَن وُقُوع فتْنَة عُثْمَان وَأَنه على الْحق فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة كَمَا سَيَأْتِي وَفِي رِوَايَة على الْهَوَاء أخرجهَا أَحْمد وَأخْبر أَنه يقتل ظلما كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر الْآتِي أَيْضا وَأمر باتباعه عِنْد ثوران الْفِتْنَة كَمَا فِي حَدِيث مرّة بن كَعْب كَمَا يَأْتِي فَمن شهد لَهُ عَلَيْهِ الصلاهَ وَالسَّلَام أَنه على الْحق وَأَنه يقتل ظلما وَأمر باتباعه كَيفَ يتَطَرَّق الْوَهم إِلَى أَنه على الْبَاطِل ثمَّ قد ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أخبرهُ أَن الله يقمصه بقميص وَأَن الْمُنَافِقين يريدونه على خلعه فَأمره أَلا يخلعه وَأمره بِالصبرِ فامتثل أمره وصبر على مَا ابتلى بِهِ وَهَذَا من أدل دَلِيل على أَنه كَانَ على الْحق فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال فَمن خَالفه يكون على الْبَاطِل فَكيف وَقد وصف النَّبِي الَّذين أَرَادوا خلعه بالنفاق فَعلم بِالضَّرُورَةِ أَن كل مَا رُوِيَ عَنهُ مِمَّا يُوجب الطعْن عَلَيْهِ أَمر بَين مفتري عَلَيْهِ مختلق وَبَين مَجْهُول وعَلى تَقْدِير صِحَّته يحمل على أحسن الْحَالَات فَيكون مَعَه على الْحق تَصْدِيقًا لخَبر النُّبُوَّة الْمَقْطُوع بصدقه وَلما بلغ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَول عُثْمَان فِيهِ مَا قَالَ أرسل إِلَى عُثْمَان يَقُول مَا تخلفت عَن بدر وَلَا فَرَرْت يَوْم أحد وَلَا خَالَفت سنة عمر فَأرْسل إِلَيْهِ عُثْمَان تخلفت عَن بدر لِأَن بنت رَسُول الله شغلتني بمرضها أما يَوْم أحد فقد عَفا الله عني وَأما سنة عمر فوَاللَّه مَا استطعتها أَنا وَلَا أَنْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 ثمَّ لما كَانَ شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة خَرجُوا كالحجاج حَتَّى نزلُوا بِقرب الْمَدِينَة فَخرج أهل مصر فِي سَبْعمِائة وأمراؤهم عبد الرَّحْمَن بن عديس البلوي وكنانة ابْن بشر اللَّيْثِيّ وسودان بن حمْرَان السكونِي وقتيرة السكونِي والغافقي بن حَرْب العكي وَمَعَهُمْ ابْن السَّوْدَاء وَخرج أهل الْكُوفَة فِي مِائَتَيْنِ فيهم زيد بن صوحان الْعَبْدي وَالْأَشْتَر النَّخعِيّ وَزِيَاد بن النَّضر المسمعي وَزِيَاد بن النَّضر الْحَارِثِيّ وَعبد الله بن الْأَصَم وَهُوَ مقدمهم وَخرج أهل الْبَصْرَة فِي نَحْو مائَة وَخمسين فيهم حُكيم بن جبلة وذَريح بن عباد الْعَبْدي وَبشر بن شُرَيْح الْقَيْسِي وَعَلَيْهِم حرقوص بن زُهَيْر السَّعْدِيّ فَأَما أهل مصر فَكَانُوا يشتهون عليا وَأما أهل الْبَصْرَة فَكَانُوا يشتهون الزبير وَأما أهل الْكُوفَة فَكَانُوا يشتهون طَلْحَة فَخَرجُوا وَلَا تشك كل فرقة أَن أمرهَا يتم دون الْأُخْرَى حَتَّى كَانُوا من الْمَدِينَة على ثَلَاث فَقدم نَاس من أهل الْبَصْرَة فنزلوا ذَا خشب وتقدَم نَاس من أهل الْكُوفَة فنزلوا الأعوص وَجَاء زِيَاد بن النَّضر وَعبد الله بن الْأَصَم ليكشفا خبر الْمَدِينَة فدخلا فلقيا أَزوَاج النَّبِي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعلياً فَقَالَ إِنَّمَا نَؤُم هَذَا الْبَيْت ونستعفي من بعض عمالنا واستأذنوهم للنَّاس فكلهم أَبى وَنهى فَرَجَعَا فَاجْتمع من أهل مصر نفر فَأتوا عليا وَمن أهل الْبَصْرَة نفر فَأتوا الزبير وَمن أهل الْكُوفَة نفر فَأتوا طَلْحَة وَقَالَ كل فريق مِنْهُم إِن بَايعنَا صاحبا وَإِلَّا كدناهم وفرقنا جَمَاعَتهمْ ثمَّ كررنا حَتَّى نبغتهم فَأتى المصريون عليا وَهُوَ فِي عَسْكَر عِنْد أَحْجَار الزَّيْت وَقد سرح ابْنه الْحسن إِلَى عُثْمَان واجتمعوا عَلَيْهِ فَسلم المصريون على عَليّ وعرضوا لَهُ فصاح بهم وطردهم وَقَالَ لقد علم الصالحون أَنكُمْ ملعونون فَارْجِعُوا لَا صحبكم الله تَعَالَى فانصرفوا وَفعل طَلْحَة وَالزُّبَيْر نَحْو ذَلِك وأزال عُثْمَان شكواهم وعزل عَنْهُم ابْن أبي سرح وَكتب لمُحَمد على مصر بعد أَن اختاروه فَذهب القَوم وأظهروا أَنهم رَاجِعُون إِلَى بِلَادهمْ فَذهب أهل الْمَدِينَة إِلَى مَنَازِلهمْ فَلَمَّا بلغ الْقَوْم إِلَى عساكرهم كروا بهم وفجأوا أهل الْمَدِينَة فَدَخَلُوهَا وضجوا بِالتَّكْبِيرِ ونزلوا فِي مَوَاضِع عساكرهم وَأَحَاطُوا بعثمان وَقَالُوا من كف يَده فَهُوَ آمن وَلزِمَ النَّاس بُيُوتهم فَأتى عَليّ رَضِي الله عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 وَقَالَ مَا ردكم بعد ذهابكم قَالُوا وجدنَا مَعَ بريد كتابا بقتلنا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ والبصريون نَحن نمْنَع إِخْوَاننَا المصريين وننصرهم فَعلم النَّاس أَن ذَلِك مكر مِنْهُم وَكتب عُثْمَان إِلَى أهل الْأَمْصَار يستمد بهم فَسَارُوا إِلَيْهِ على الصعب والذلول فَبعث مُعَاوِيَة إِلَيْهِ حبيب بن مسلمة الفِهري وَبعث إِلَيْهِ ابْن أبي سرح مُعَاوِيَة بن خديج وَسَار إِلَيْهِ من الْكُوفَة الْقَعْقَاع بن عَمْرو فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة صلى عُثْمَان بِالنَّاسِ وخطب فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ اتَّقوا الله فوَاللَّه إِن أهل الْمَدِينَة ليعلمون أَنكُمْ ملعونون على لِسَان مُحَمَّد فامحوا الْخَطَأ بِالصَّوَابِ فَإِن الله لَا يمحو السيء إِلَّا بالْحسنِ فَقَامَ مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ أَنا أشهد بذلك فأقعده حَكِيم بن جبلة فَقَامَ زيد بن ثَابت فَقَامَ إِلَيْهِ من نَاحيَة أُخْرَى مُحَمَّد بن أبي قتيرة فأقعده وَتكلم فأفظع وثار الْقَوْم بأجمعهم فحصبوا النَّاس حَتَّى أخرجوهم من الْمَسْجِد وحصبوا عُثْمَان حَتَّى صرع نَحْو الْمِنْبَر فَغشيَ عَلَيْهِ فَاحْتمل وَأدْخل الدَّار وَكَانَ المصريون لَا يطمعون فِي أحد من أهل الْمَدِينَة أَن ينصرهم إِلَّا ثَلَاثَة فَإِنَّهُم كَانُوا يراسلونهم مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَمُحَمّد بن جَعْفَر وعمار بن يَاسر قَالَ وأستقبل أُنَاسًا مِنْهُم زيد بن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة وَسعد بن مَالك وَالْحسن بن عَليّ فنهضوا لنصرة عُثْمَان فَبعث إِلَيْهِم عُثْمَان يحلف عَلَيْهِم أَن ينصرفوا فانصرفوا وَأَقْبل عَليّ حَتَّى دخل على عُثْمَان هُوَ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر يعودونه من صرعته ثمَّ رجعُوا إِلَى مَنَازِلهمْ قَالَ الْوَاقِدِيّ وَقَوْلهمْ وجدنَا بريداً مَعَه كتاب بقتلنا هُوَ أَنهم لما كَانُوا بالبويب وَفِي رِوَايَة ب ذِي خشب رَأَوْا جملا عَلَيْهِ ميسم الصَّدَقَة فَأَخَذُوهُ فَإِذا عَلَيْهِ غُلَام أسود لعُثْمَان ففتشوا مَتَاعه بعد أَن سَأَلُوهُ فَتَارَة يَقُول أَنا عبد لمروان وَتارَة لفُلَان فَلَمَّا فتشوه وجدوا قَصَبَة من رصاص فِيهَا كتاب فِي جَوف الْإِدَاوَة فِي المَاء ففتحوه فَإِذا هُوَ إِلَى عبد الله بن أبي سرح أَن افْعَل بفلان كَذَا واقتل فلَانا واقطع رجل فلَان وَيَده وَعدد جمَاعَة من الْقَوْم واثبت فِي عَمَلك حَتَّى يَأْتِيك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 أَمْرِي وعَلى الْكتاب ختم بِخَاتم عُثْمَان قَالَ الْوَاقِدِيّ فَحَدثني عبد الله بن الْحَارِث عَن أَبِيه لما رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة أَتَوا عليا فَقَالُوا لَهُ ألم تَرَ إِلَى عَدو الله فَقُمْ مَعنا قَالَ وَالله مَا أقوم مَعكُمْ قَالُوا فَلم كتبت إِلَيْنَا قَالَ وَالله مَا كتبت إِلَيْكُم فَنظر بَعضهم إِلَى بعض وَخرج عَليّ من الْمَدِينَة فَانْطَلقُوا إِلَى عُثْمَان فَقَالُوا كتبت فِينَا بِكَذَا فَقَالَ إِنَّمَا هما اثْنَتَانِ تقيمون رجلَيْنِ من الْمُسلمين يَعْنِي شَاهِدين أَو يَمِيني بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا كتبت وَلَا علمت قَالُوا كَيفَ يخرج غلامك بعيرك بِكِتَاب عَلَيْهِ خاتمك وَلَا تعلم بِهِ وَزَعَمُوا أَنه خطّ مَرْوَان وسألوه أَن يَدْفَعهُ إِلَيْهِم فَأبى وَعَلمُوا أَنه لم يحلف كَاذِبًا ولزموا بُيُوتهم فَقَالَ عُثْمَان قد يكْتب الْكتاب على لِسَان الرجل وينقش الْخَاتم على الْخَاتم فَقَالُوا قد أحل الله دمك وَنقض الْعَهْد والميثاق وحصروه فِي الدَّار وروى بشر بن شغَاف عَن عبد الله بن سَلام قَالَ بَيْنَمَا عُثْمَان يخْطب إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رجل فنال مِنْهُ فوذأته فاتذأ فَقَالَ رجل لَا يمنعك مَكَان ابْن سَلام أَن تسب نعثلاً فَإِنَّهُ من شيعته فَقلت لَهُ لقد قلت عَظِيما فِي الْخَلِيفَة من بعد نوح أَقُول وذأته زجرته وقمعته وَقَالُوا لعُثْمَان نعثلاً تَشْبِيها لَهُ بِرَجُل مصري اسْمه نعثل كَانَ طَوِيل اللِّحْيَة والنعثل فِي اللُّغَة ذكر الضباع وَكَانَ عمر بشبه بِنوح فِي الشدَّة وَلما أخذت من يَد عُثْمَان الْعَصَا وَهُوَ قَائِم يخْطب وَكَانَ الْآخِذ لَهَا جَهْجَاه بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وَكسرهَا بركبته وَقعت الآكلة فِي ركبته وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى ثمَّ إِنَّهُم أحاطوا بِالدَّار وحصروه قَالَ الزبير بن بكار حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ لما كثر الطعْن على عُثْمَان تنحى عَليّ إِلَى مَاله بِالبَقِيعِ فَكتب عُثْمَان أما بعد فقد بلغ الحزام الطُّبيين وَجَاوَزَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 السَّيْل الزبى وَبلغ الْأَمر فَوق قدره وطمع فِي الْأَمر من لَا يدْفع عَن نَفسه // (من الطَّوِيل) // (فَإَنْ كُنْتَ مأْكُولاً فَكُنْ خَيْرَ آكِلٍ ... وَإِلاَّ فَأَدْرِكْني وَلَمَّا أُمزَّقِ) وَعَن أبان بن عُثْمَان لما ألحوا على عُثْمَان بِالرَّمْي خرجت حَتَّى أتيت عليا فَقلت يَا عَم أهلكتنا الْحِجَارَة فَقَامَ معي فَلم يزل يَرْمِي حَتَّى فتر كتفه ثمَّ قَالَ يَا بن أخي اجْمَعْ حشمك ثمَّ يكون هَذَا شَأْنك وَعَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ أَنه قَالَ أرسل عُثْمَان إِلَى سعد فَأَتَاهُ فَكَلمهُ فَقَالَ لَهُ سعد أرسل إِلَى عَليّ فَإِن أَتَاك وَرَضي صلح الْأَمر قَالَ فَأَنت رَسُولي إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَامَ مَعَه عَليّ فمرا بِمَالك الأشتر فَقَالَ الأشتر لأَصْحَابه أَيْن يُرِيد هَذَا قَالُوا يُرِيد عُثْمَان فَقَالَ وَالله لَئِن دخل عَليّ عُثْمَان لتقتلن عَن آخركم فَقَامَ إِلَيْهِ فِي أَصْحَابه حَتَّى اختلجه عَن سعد وَأَجْلسهُ فِي أَصْحَابه وَأرْسل إِلَى أهل مصر إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ قَتله فَأَسْرعُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَعَن أبي حَبِيبَة لما اشْتَدَّ الْحصار على عُثْمَان قَالُوا لَهُ يَعْنِي الَّذين عِنْده فِي الدَّار فَكَانُوا قَرِيبا من سِتّمائَة فيهم مَرْوَان بن الحكم ائْذَنْ لنا فِي الْقِتَال قَالَ أعزم على من كَانَت لي عَلَيْهِ طَاعَة أَن لَا يُقَاتل أَيّمَا عبد من عَبِيدِي أغمد سَيْفه فَهُوَ حر وَعَن دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بعث عُثْمَان الْمسور بن مخرمَة إِلَى مُعَاوِيَة أَنه مَحْصُور ويأمره أَن يُجهز لَهُ جَيْشًا سَرِيعا فَلَمَّا قدم على مُعَاوِيَة ركب مُعَاوِيَة لوقته هُوَ وَسَالم بن عقبَة وَمُعَاوِيَة بن خديج فَسَارُوا من دمشق إِلَى عُثْمَان عشرا فَدخل نصف اللَّيْل على عُثْمَان وَقبل رَأسه وَقَالَ لَهُ عُثْمَان أَيْن الْجَيْش قَالَ مَا جِئْت إِلَّا ثَالِث ثَلَاثَة فَقَالَ عُثْمَان لَا وصل الله رَحِمك وَلَا أعز بعيرك وَلَا جَزَاك خيرا فوَاللَّه لَا أقتل إِلَّا فِيك وَلَا ينقم على إِلَّا من أَجلك فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي لَو بعثت إِلَيْك جَيْشًا فَسَمِعُوا عاجلوك بِالْقَتْلِ وَلَكِن معي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 نَجَائِب فَاخْرُج معي فَمَا شعر بِي أحد فوَاللَّه مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاث حَتَّى ترى معالم الشَّام فَقَالَ بئْسَمَا أَشرت بِهِ وَإِنِّي لن أحسمه فأسرع مُعَاوِيَة رَاجعا وَورد الْمسور يُرِيد الْمَدِينَة وَلَقي مُعَاوِيَة ذِي الْمَرْوَة فَقدم على عُثْمَان وَهُوَ رام لمعاوية غير عاذر لَهُ فَلَمَّا كَانَ فِي آخر حصره بعث الْمسور ثَانِيًا إِلَى مُعَاوِيَة يستنجده فَقَالَ مُعَاوِيَة إِن عُثْمَان أحسن فَأحْسن الله بِهِ ثمَّ غير فَغير الله بِهِ فَشدد الْمسور عَلَيْهِ فَقَالَ مُعَاوِيَة تركْتُم عُثْمَان حَتَّى إِذا كَانَت نَفسه فِي حنجرته قُلْتُمْ اذْهَبْ فادفع عَنهُ الْمَوْت وَلَيْسَ ذَاك بيَدي ثمَّ أنزلهُ فِي مشربَة على رَأسه فَمَا دخل عَلَيْهِ دَاخل حَتَّى قتل عُثْمَان وَلما أنكر عُثْمَان وَحلف بعد أَن أحضروا الْكتاب ونصوه بِمحضر من الصَّحَابَة فيهم طَلْحَة وَعلي وَالزُّبَيْر وَسعد لم يبْق أحد إِلَّا حنق على عُثْمَان وَزَاد ذَلِك غَضبا وحنقاً أعوان أَي ذَر بِمَا فعله بِأبي ذَر وقبيلة هُذَيْل بِمَا فعله فِي ابْن مَسْعُود وَبني مَخْزُوم بِمَا فعله بِعَمَّار بن يَاسر قلت قد تقدم ذكر مَا فعله مَعَ أبي ذَر وَابْن مَسْعُود وعمار وَأرْسل عَليّ بالحسنين وَأرْسل الزبير بِابْنِهِ عبد الله وَطَلْحَة بِابْنِهِ وَأَبْنَاء غَيرهم وَأمرُوهُمْ وهم شاكوا السِّلَاح أَن يحرسوا عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دخلُوا على عُثْمَان قَالَ لَهُم أعزم عَلَيْكُم إِلَّا مَا رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بُيُوتكُمْ فَقَالَ ابْن الزبير نَحن نعزم على أَنْفُسنَا أَلا نَبْرَح قَالَ الْأَوْزَاعِيّ حَدَّثَنى مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مَرْوَان أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة دخل على عُثْمَان فَقَالَ إِنَّك إِمَام الْعَامَّة وَقد نزل بك مَا ترى وَإِنِّي أعرض عَلَيْك خِصَالًا إِمَّا أَن تخرج فَنُقَاتِلهُمْ فَإِن مَعَك عددا وَقُوَّة وَإِمَّا أَن تخرق لَك بَابا آخر فتقعد على ركائبك فتلحق ب مَكَّة فَإِنَّهُم لن يستحلوا دمك وَأَنت بهَا وَإِمَّا أَن تلْحق بِالشَّام فَفِيهَا مُعَاوِيَة فَقَالَ عُثْمَان أما أَن ألحق بِالشَّام فَلَنْ أُفَارِق دَار هجرتي وَأما أَن أقَاتل فَلَنْ أكون أول من خلف رَسُول الله بسفك الدِّمَاء وَأما أَن أخرج إِلَى مَكَّة فَإِنِّي سَمِعت من رَسُول الله يَقُول يلْحد رجل من قُرَيْش بِمَكَّة يكون عَلَيْهِ نصف عَذَاب الْعَالم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وروى نَافِع عَن ابْن عمر أصبح عُثْمَان يحدث النَّاس أَنه رأى النَّبِي فِي الْمَنَام يَقُول لَهُ أفطر عندنَا فَأصْبح صَائِما وَقتل يَوْمه وَقَالَ ثُمَامَة بن حزن الْقشيرِي يَوْم الدَّار وأشرف عَلَيْهِم عُثْمَان فَقَالَ ائْتُونِي بصاحبيكم اللَّذين ألباكم فدعيا لَهُ كَأَنَّهُمَا جملان أَو حماران فَقَالَ أنْشدكُمْ الله هَل تعلمُونَ أَن رَسُول الله قدم الْمَدِينَة وَلَيْسَ فِيهَا مَاء عذب غير بِئْر رومة فَقَالَ من يَشْتَرِيهَا فَيكون دلوه كدلاء الْمُسلمين وَله فِي الْجنَّة خير مِنْهَا فاشتريتها وَأَنْتُم الْيَوْم تَمْنَعُونِي أَن أشْرب مِنْهَا حَتَّى أشْرب من المَاء المالح قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ أنْشدكُمْ الله وَالْإِسْلَام هَل تعلمُونَ أَن الْمَسْجِد ضَاقَ بأَهْله فَقَالَ رَسُول الله من يَشْتَرِي بقْعَة بِخَير لَهُ مِنْهَا فِي الْجنَّة فاشتريتها وزدتها فِي الْمَسْجِد وَأَنْتُم تَمْنَعُونِي الْيَوْم أَن أُصَلِّي فِيهِ قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ أنْشدكُمْ الله هَل تعلمُونَ أَن رَسُول الله كَانَ على ثبير بِمَكَّة فَتحَرك وَعَلِيهِ أَبُو بكر وَعمر وَأَنا فَقَالَ اسكن ثبير فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي وصديق وشهيدان قَالُوا اللَّهُمَّ نعم فَقَالَ الله أكبر شهدُوا وَرب الْكَعْبَة أَنِّي شَهِيد ثمَّ قَالَ وَلَكِن طَال عَلَيْكُم أَمْرِي واستعجلتم وأردتم خلع سربال سربلنيه الله وَإِنِّي لَا أخلعه حَتَّى أَمُوت أَو أقتل ثمَّ أشرف عَلَيْهِم ذَات يَوْم قَالَ ابْن عمر فَقَالَ عَلامَ تقتلونني فَإِن رَسُول الله قَالَ لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر بعد إِسْلَام أَو زنا بعد إِحْصَان أَو رجل قتل نفسا فوَاللَّه مَا زَنَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام وَلَا قتلت نفسا وَلَا كفرت قَالَ الْحسن حَدثنِي وثاب قَالَ بَعَثَنِي عُثْمَان فدعوت لَهُ الأشتر فَقَالَ مَا يُرِيد النَّاس قَالَ ثَلَاثًا يخيرونك بَين الْخلْع وَبَين أَن يقْتَصّ مِنْك فَإِن أَبيت فَإِنَّهُم قاتلوك فَقَالَ مَا كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله وبدني مَا يقوم بقصاص ثمَّ حاصره أُولَئِكَ الْقَوْم حَتَّى منعُوهُ المَاء فَأَشْرَف عَلَيْهِم يَوْمًا فَقَالَ أفيكم عَليّ قَالُوا لَا قَالَ أفيكم سعد قَالُوا لَا فَسكت ثمَّ قَالَ أَلا أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 يسقينا مَاء فَبلغ ذَلِك عليا فَبعث إِلَيْهِ بِثَلَاث قرب فجرح بِسَبَبِهَا جمَاعَة من موَالِي بني هَاشم حَتَّى وصلت إِلَيْهِ وَبلغ عليا أَن عُثْمَان يُرَاد قَتله فَقَالَ إِنَّمَا أردنَا مِنْهُ مَرْوَان فَأَما عُثْمَان فَإنَّا لَا نَدع أحدا يصل إِلَيْهِ وَرمى النَّاس عُثْمَان بِالسِّهَامِ حَتَّى خضب بالدماء على بَابه فَأصَاب مَرْوَان سهم وخضب مُحَمَّد بن طَلْحَة وشج قنبر مولى عَليّ فخشي مُحَمَّد بن أبي بكر أَن يغْضب بَنو هَاشم لشأن الْحسن فَلَا يتم لَهُم مَا أرادوه فاتفق هُوَ وصاحباه وتسوروا من دَار حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ وَلَا يعلم أحد لأَنهم كَانُوا فَوق الْبيُوت وَلم يكن مَعَ عُثْمَان إِلَّا امْرَأَته فَدخل مُحَمَّد فَأخذ بلحيته ثمَّ قَالَ بهَا حَتَّى سمع وَقع أَضْرَاسه وَقَالَ يَا نعثل قد أخزاك الله فَقَالَ لست بنعثل وَلَكِنِّي عبد الله وأمير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا أغْنى عَنْك مُعَاوِيَة مَا أغْنى عَنْك عبد الله بن عَامر مَا أغْنى عَنْك فلَان وَفُلَان فَقَالَ لَهُ عُثْمَان أرسل لحيتي فوَاللَّه لَو يراك أَبوك لساءه مَكَانك مني فَقَالَ إِن مَا يُرَاد بك أَشد من ذَلِك وَطعن جنبه بمشقص وَقيل إِنَّه أطلق لحيته وتراخت يَده فَرجع وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك إِنِّي بَرِيء من دم عُثْمَان وَكَذَلِكَ قالته امرأتة نائلة وَقَالَت لكنه هُوَ الَّذِي أدخلهما يَعْنِي الرجلَيْن كنَانَة بن بشر وسودان بن حمْرَان وَرفع كنَانَة مشاقص فوجأ بهَا فِي أذن عُثْمَان فمضت حَتَّى دخلت حلقه ثمَّ علاهُ بِالسَّيْفِ وَضرب جَبينه بعمود حَدِيد وضربه سودان بن حمْرَان الْمرَادِي فَقتله ووثب عَلَيْهِ عَمْرو بن الْحمق وَبِه رَمق فطعنه تسع طعنات وَقَالَ ثَلَاث لله وست لما فِي نَفسِي عَلَيْهِ وَعَن رَيطة مولاة أسَامَه قَالَت جَاءَ رجل من خلف عُثْمَان بسعفة فَضرب بهَا جَبهته فَرَأَيْت الدَّم يسيل وَهُوَ يمسحه وَيَقُول اللَّهُمَّ لَا يطْلب بدمي غَيْرك وَجَاء آخر فَضَربهُ بِالسَّيْفِ على صَدره فأفقصه وتعاوروه بِأَسْيَافِهِمْ فرأيتهم ينتهبون بَيته وَقَالَ الشّعبِيّ جَاءَ رجل من تُجيب من المصريين وَالنَّاس حول عُثْمَان فأسبل سَيْفه ثمَّ قَالَ أفرجوا ففرجوا لَهُ فَوضع ذُبَاب سَيْفه فِي بطن عُثْمَان فَأَمْسَكت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 زَوجته نائلة بنت الفرافصة السَّيْف لتمنع عَنهُ فجز السَّيْف أصابعها وَقيل الَّذِي قَتله رجل يُقَال لَهُ حمَار ووجدوه وَعِنْده زَوجته نائلة وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف صَائِما وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ قتل عِنْد صَلَاة الْعَصْر وَشد عبد لعُثْمَان على كنَانَة بن بشر فَقتله فَشد سودان بن حمْرَان على العَبْد فَقتله وَقَالَ أَبُو نَضرة عَن أبي سعيد ضربوه فَجرى الدَّم فِي الْمُصحف على قَوْله {فَسَيَكفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَمِيع العَلِيم} الْبَقَرَة 137 قَالَ فَإِنَّهَا فِي الْمُصحف مَا حكت فَإِن أَبَا خريت ذكر أَنه ذهب هُوَ وَسُهيْل المري فأخرجوا إِلَيْهِمَا الْمُصحف فَإِذا قطر الدَّم على الْآيَة الْمَذْكُورَة وَعَن الزُّهْرِيّ قلت لسَعِيد بن الْمسيب هَل أَنْت مخبري كَيفَ كَانَ قتل عُثْمَان قَالَ قتل مَظْلُوما وَمن خذله كَانَ مَعْذُورًا وَمن قَتله كَانَ ظَالِما إِنَّه لما اسْتخْلف كره ذَلِك نَاس من الصَّحَابَة الَّذِي يحب قومه ويوليهم وَكَانَ يكون مِنْهُم مَا يكره الصَّحَابَة فيستعتب فيهم فَلَا يعزلهم فَلَمَّا كَانَ فِي السِّت السنين الْأَوَاخِر اسْتَأْثر ببني عَمه فولاهم وَمَا اشْترك مَعَهم فولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر فَمَكثَ عَلَيْهَا فجَاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون مِنْهُ وَقد كَانَ قبل ذَلِك مِنْهُ هَنَات إِلَى ابْن مَسْعُود وَأبي ذَر وعمار فحنق عَلَيْهِ قَومهمْ قلت قد ذكرت فِيمَا تقدم أَسبَاب ذَلِك انْتهى وَجَاء المصريون يَشكونَ ابْن أبي سرح فَكتب إِلَيْهِ يتهدده فَأبى أَن يقبل وَضرب بعض من أَتَاهُ مِمَّن شكا فَقتله فَخرج من أهل مصر سِتّمائَة رجل وَقيل سَبْعمِائة فنزلوا الْمَسْجِد وَشَكوا إِلَى الصَّحَابَة صنع ابْن أبي سرح بهم فَقَامَ طَلْحَة فَكلم عُثْمَان بِكَلَام شَدِيد وَأرْسلت إِلَيْهِ عَائِشَة تَقول أنصفهم عَن عاملك وَدخل عَلَيْهِ عَليّ وَكَانَ مُتَكَلم الْقَوْم فَقَالَ إِنَّمَا يَسْأَلُونَك رجلا مَكَان رجل وَقد ادعوا فتكه دَمًا فاعزله واقض بَينهم فَقَالَ اخْتَارُوا رجلا أوليه عَلَيْكُم فأشاروا عَلَيْهِ بِمُحَمد بن أبي بكر فَكتب عَهده وَخرج مَعَه عدد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ينظرُونَ فِيمَا بَين أهل مصر وَبَين ابْن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 سرح فَلَمَّا كَانَ مُحَمَّد وَمن مَعَه على مسيرَة ثَلَاث من الْمَدِينَة وَقيل بعد أَن وصلوا إِلَى عقبَة أَيْلَة إِذا هم بِغُلَام أسود على بعير مسرعاً فَسَأَلُوهُ فَقَالَ وجهني أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى عَامل مصر فَقَالُوا هَذَا عَامل مصر يَعْنِي مُحَمَّد بن أبي بكر ففتشوه فَإِذا إداوة تقلقل فشقوها فَإِذا فِيهَا كتاب عُثْمَان إِلَى ابْن أبي سرح فَجمع مُحَمَّد من عِنْده من الصَّحَابَة ففكوا الْكتاب بِمحضر مِنْهُم فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ مَا كَانَ فِيمَا تقدم ذكره انْتهى ثمَّ لما قَتَلُوهُ هربوا من حَيْثُ دخلُوا ثمَّ صرخت الْمَرْأَة فَلم يسمع صراخها لما فِي الدَّار من الجلبة فَصَعدت إِلَى النَّاس وَأَخْبَرتهمْ فَدخل الْحسن وَالْحُسَيْن وَابْن الزبير وَغَيرهم فوجدوه مذبوحاً وَبلغ عليا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر الْخَبَر فَجَاءُوا وَقد ذهبت عُقُولهمْ ودخلوا عَلَيْهِ فرأوه مذبوحاً فَقَالَ عَليّ كَيفَ قتل وَأَنْتُم على الْبَاب وَلَطم الْحسن وَضرب صدر الْحُسَيْن وَشتم ابْن الزبير وَابْن طَلْحَة فَقَالُوا لم يُؤْت من جهتنا بل تسور عَلَيْهِ من الدَّار وَخرج عَليّ غضباناً إِلَى منزله فجَاء النَّاس يهرعون إِلَيْهِ ليبايعوه فَقَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيْكُم إِنَّمَا ذَاك إِلَى أهل بدر فَمن رضوه فَهُوَ خَليفَة فَلم يبْق أحد من الْبَدْرِيِّينَ إِلَّا أَتَى عليا ثمَّ خرج إِلَى المسحد فَصَعدَ الْمِنْبَر فَكَانَ أول من صعد إِلَيْهِ طَلْحَة فَبَايعهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَانَت شلاء لِأَنَّهُ وقى بهَا رَسُول الله من سهم يَوْم أحد فشلت فَكَانَت كالفأل السوء لخلافة عَليّ فَإِنَّهُ لم يتهن فِيهَا بل من حَرْب إِلَى حَرْب إِلَى أَن قتل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا سَيذكرُ جَمِيع ذَلِك فِيمَا يَأْتِي قَرِيبا ثمَّ بَايعه الزبير وَسعد وَالصَّحَابَة جَمِيعًا ثمَّ نزل فَدَعَا النَّاس وَطلب مَرْوَان فهرب مِنْهُ هُوَ وأقاربه قَالَ الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه دوَل الْإِسْلَام كَانَ قَاتلُوا عُثْمَان يدا وَاحِدَة فِي الشَّرّ وَكَانَ حثالة من النَّاس قد ضووا إِلَيْهِم وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي الَّذين خذلوه كَرهُوا الْفِتْنَة فظنوا أَن الْأَمر لَا يبلغ قَتله فَلَمَّا قتل ندموا على مَا صَنَعُوا فِي أمره ولعمري لَو قَامُوا أَو قَامَ بَعضهم فَحَثَا فِي وُجُوه أُولَئِكَ التُّرَاب لانصرفوا خَاسِئِينَ لَكِن الْفِتَن لَهَا أَسبَاب نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا وَمن أَسبَابهَا وَعَن الشّعبِيّ قَالَ مَا سَمِعت فِي مراثي عُثْمَان أحسن من قَول كَعْب بن مَالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 // (من الطَّوِيل) // (فَكَفَّ يَدَيْهِ ثمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ ... وأَيْقَنَ أَنَّ اللهَ ليسَ بِغَافِلِ) (وقالَ لأَهْلِ الدَّار لاَ تَقْتلوهُمُ ... عَفَا الله عَن كل امرىءٍ لم يُقَاتلِ) (فَكَيْفَ رأيتَ اللهَ صَبَّ عليهمُ الْعَدَاوَةَ ... والبَغْضَاءَ بَعْد التَّوَاصُلِ) وَقَالَ حسان يرثيه // (من الْخَفِيف) // (خَذَلَتْهُ الأَنْصَارُ إِذْ حَضَر المَوْتُ ... وَعَابَتْ وُلاتهُ الأَنْصَارُ) (مَن عذيري مِنَ الزُّبَيْرِ وَمن طَلْحَةَ ... هَاجَا أمرا لَهُ مِقْدَارُ) (فَوَلِيُّهْ محمدٌ بْنُ أبي بَكْرٍ ... عيَانًا وخَلفهُ عَمَّارُ) وَقَالَ أَيْضا // (من الْبَسِيط) // (مَنْ سَرَّهُ الموتُ صِرْفًا لاَ مِزَاجَ لهُ ... فَلْيَاْتِ مَأْسَدةً فِي دارِ عثمانَا) (ضَحَّوْا بأشمَط عُنْوانُ السجودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنَا) (صَبْرًا فِدًى لَكُمُ أُمِّي وَمَا وَلَدتْ ... قَدْ ينفعُ الصبرُ فِي المَكْروهِ أَحْيَانًا) (لَتَسْمَعُنَّ وَشِيكًا فِي دِيارِكُمُ ... الله أَكَبر يَا ثَارَاتِ عثمانَا) ورثته زَوجته بنت الفرافصة الَّتِي كفها قطعت بِالسَّيْفِ // (من الطَّوِيل) // (أَلاَ إِنَّ خيرَ النَّاسِ بَعْدَ ثلاثةٍ ... قَتيِلُ التُّجِيبيِّ الَّذي جَاء مِنْ مِصْرِ) (فَمَا لِيَ لاَ أَبْكْي وَتَبْكِي قَرَابَتِي ... وَقَدْ غَيَّبُوا عَنَّا فَضُولَ أَبي عَمْرِو) وَقَالَ الْوَلِيد بن عقبَة // (من الطَّوِيل) // (بَنِى هَاشِمٍ إِنا وَمَا كَانَ بيننَا ... كَصَدْعِ الصَّفَا مَا يرمض الدَّهْر شَائِبُهْ) (بني هاشمٍ كيْفَ المودَّةُ بَيْنَنَا ... وسيفُ ابنِ أَرْوَى عِندكم وَخَزائِنُهْ) (بني هَاشم رُدُّوا سِلاَحَ ابْن اُخْتكُمْ ... وَلاَ تَنْهَبُوه لَا تَحِلُّ نَهَائِبُهْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 (غَدَرْتُمْ بِهِ كَيْمَا تَكُونُوا مَكَانه ... كَمَا غَدَرَتْ يَوْمًا بكِسْرَى مَرازِبُهْ) فَأَجَابَهُ عتبَة بن أبي لَهب رَضِي الله عَنهُ // (من الطَّوِيل) // (فَإِن تسألونا سيفَكُمْ إنَّ سيفَكُمْ ... أُضِيعَ وَأَلْقَاه لَدَى الرَّوْعِ صاحِبُهْ) (سَلُوا أهلَ مصرٍ عَن سلاَحِ ابْن أُختِنا ... فَهُمْ سَلَبُوهُ سَيْفَهُ وخَزَائِبُهْ) (وكَانَ وليَّ الأمرِ بَعْدَ محمدٍ ... عليناَ وَفِي كُلِّ المواطن صَاحِبُهْ) (عليٌّ إِلى أَنْ أَظْهَرَ الله دِينَهُ ... وَأَنْتَ مَعَ الأَشْقَين فيمَنْ يحاربُهْ) (وَأَنت امرؤٌ من أهل صنوانَ نازحٌ ... فَمَا لَكَ فِينَا من حَمِيم تُعَاتِبُهْ) (وَقَدْ أنزلَ الرَّحْمَنُ أَنَّكَ فاسِقٌ ... فَمَا لَك فِي الإِسلام سَهْمٌ تُطَالِبُهْ) قَالَ ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ بَلغنِي أَن الركب الَّذين سَارُوا إِلَى عُثْمَان عامتهم جُنّوا وَالْعِيَاذ بِاللَّه وروى عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه قَالَ قَالَ مَرْوَان مَا كَانَ فِي الْقَوْم أدفَع عَن صاحبنا من صَاحبكُم يَعْنِي عليا عَن عُثْمَان قَالَ فَقلت مَا بالكم تسبونه على المنابر قَالَ لَا يَسْتَقِيم الْأَمر إِلَّا بذلك رَوَاهُ ابْن خَيْثَمَة بِإِسْنَاد قوي عَن عمر وَكَانَ لعُثْمَان عِنْد خازنه يَوْم قتل ثَلَاثُونَ ألف ألف دِرْهَم وَخَمْسُونَ وَمِائَة وَألف دِينَار وَقَالَ اللَّيْث بن أبي سليم عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس سمع عليا يَقُول وَالله مَا قتلت عُثْمَان وَلَا أمرت وَلَكِن غلبت يَقُول ذَلِك ثَلَاثًا وَجَاء نَحوه عَن عَليّ من طرق وَجَاء عَنهُ أَنه لعن قتلة عُثْمَان وَقَالَ قَتَادَة ولي عُثْمَان ثنتى عشرَة سنة غير اثْنَي عشر يَوْمًا وَقَالَ السّديّ قتل يَوْم الْجُمُعَة لثمان خلون من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ بعد الْعَصْر وَدفن ب البقيع بَين العشائين لَيْلَة السبت وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 وَهُوَ الصَّحِيح وَقيل سِتّ وَثَمَانِينَ وَاخْتلف فِي مُدَّة الْحصار فَقيل أَكثر من عشْرين يَوْمًا وَعَن عبد لله بن فروخ شهدته دفن فِي ثِيَابه بدمائه وَلم يغسل رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي زيادات الْمسند وخرجته نائلة وهى تصرخ وَمَعَهَا سراج فَقَالَ لَهَا جُبَير بن مطعم أطفِئي السراج لَا يُفطن لنا ثمَّ انْتَهوا إِلَى البقيع فصلى عَلَيْهِ جُبَير بن مطعم وَخَلفه أَبُو جهم بن حُذَيْفَة ونيار بن مكرم وزوجتاه نائلة وَأم الْبَنِينَ وهما دلياه فِي حفرته على الرِّجَال الَّذين نزلُوا فِي قَبره ولحدوا لَهُ وغيبوا قَبره وَتَفَرَّقُوا وَالْمَكَان الَّذِي دفن فِيهِ يُقَال لَهُ حش كَوْكَب أَي بُسْتَان رجل يُسمى كوكباً خَارج البقيع أَو فِي طرفه الْأَقْصَى وروى أَن نائلة بنت الفرافصة كَانَت مليحة الثغر جدا فَكسرت ثناياها بِحجر وَقَالَت وَالله لَا يجتليكن أحد بعد عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ حسان بن ثَابت // (من الْبَسِيط) // (يَا لَلرِّجَالِ لأَمرٍ هَاجَ لِي حُزْنًا ... لَقَدْ عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى الدِّمَن) (إِنِّي رَأَيْتُ وَلِيَّ اللهِ مُضْطَهَدًا ... عُثْمَانَ يَهْوي إِلَى الأَجْدَاثِ فِي كَفَنِ) // (وَمن المتقارب) // (لَعَمْرُ أَبِيكَ فَلاَ تَكْذِبَنْ ... لَقَدْ ذَهَبَ الخَيْرُ إِلاَّ قَلِيلاً) (لَقَدْ سَفِهَ النَّاسُ فِي دِينهِمْ ... وَخَلَّى ابْنُ عَفَّانَ شَرًّا طَوِيلاَ) قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمُنْتَخب قَالَ شُعْبَة أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول قتل الله عُثْمَان وَأَنا مَعَه قَالَ أَبُو حَمْزَة فَذَكرته لِابْنِ عَبَّاس فَقَالَ صدق عَليّ يَقُول الله قتل عُثْمَان ويقتلني مَعَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 وَقد روى شُعْبَة عَن حبيب بن الزبير عَن عبد الرَّحْمَن بن الشرود أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِنِّي لأرجو أَن أكون أَنا وَعُثْمَان مِمَّن قَالَ الله تَعَالَى فيهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا علىَ سُرُر متقابليِنَ} الْحجر 43 وَقَالَ عبد الله بن شَوْذَب حَدثنِي زَهْدَم الحرمي قَالَ كنت فِي سمر عِنْد ابْن عَبَّاس فَقَالَ لأحدثنكم حَدِيثا إِنَّه لما كَانَ من أَمر هَذَا الرجل يَعْنِي عُثْمَان مَا كَانَ قلت لعَلي اعتزل هَذَا الْأَمر فوَاللَّه لَو كنت فِي جُحر لأتاك النَّاس حَتَّى يبايعوك وأيم الله ليتأمرن عَلَيْهِ مُعَاوِيَة ذَلِك بِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً} الْإِسْرَاء 33 الْآيَة كَمَا قَالَ فِي الرياض وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله أَن الحكم بن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ لما قتل عُثْمَان ألقِي على المزبلة قَالَ سهم بن حُبَيْش وَكَانَ مِمَّن شهد مقتل عُثْمَان فَلَمَّا أمسينا قلت لَئِن تركْتُم صَاحبكُم حَتَّى يصبحَ مثلُوا بِهِ فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل أَتَاهُ اثْنَا عشر رجلا مِنْهُم حويطب بن عبد الْعُزَّى وَحَكِيم بن حزَام وَجبير بن مطعم وَعبد الله بن الزبير وجدي مَرْوَان بن الحكم فاحتملوه فَلَمَّا سَارُوا بِهِ إِلَى الْمقْبرَة ليدفنوه فَإِذا هم بِقوم من بني مَازِن فَقَالُوا وَالله لَئِن دفنتموه هُنَا لنخبرن النَّاس غَدا فاحتملوه وَكَانَ على الْبَاب وَإِن رَأسه يَقُول طق طق حَتَّى صَارُوا بِهِ إِلَى حش كَوْكَب فاحتفروا لَهُ فَلَمَّا أَخْرجُوهُ ليدفنوه صرخت ابْنَته عَائِشَة وَكَانَ مِصْبَاح فِي حق فَقَالَ لَهَا ابْن الزبير لَئِن لم تسكتي لَأَضرِبَن الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك فَسَكَتَتْ فدفنوه خرجه القلعي قَالَ وَلما حملناه وسرنا غشينا سَواد من خلفنا فهبناهم حَتَّى كدنا نفر مِنْهُم فَإِذا مُنَاد لَا روع عَلَيْكُم اثبتوا فَإنَّا جِئْنَا نشهده مَعكُمْ وَكَانَ ابْن خُنَيْس يَقُول هم الْمَلَائِكَة أخرجه ابْن الضَّحَّاك وَعَن هَارُون بن يحيى أَن عُثْمَان جعل يَقُول حِين ضرب والدماء تسيل على لحيته لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين اللَّهُمَّ إِنِّي أستعينك وأستعيذك على جَمِيع أموري وَأَسْأَلك الصَّبْر على بليتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 (الْآيَات فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ) مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {الذينَ يُنفِقُونَ أموَالهُم فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَ لَا يتبِعُونَ مَا أنفَقُوا مَناً وَلا أَذَى} الْبَقَرَة 262 الْآيَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنَّهَا نزلت فِي عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {إنَ الذَّين سبَقَت لَهُم منا الْحسنى} الْأَنْبِيَاء 101 الْآيَة عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ سَمِعت عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول {إنَ الذَينَ سبَقَت لَهُم مِنا الْحسنى} الْأَنْبِيَاء 101 عُثْمَان خرجه الحاكمي وَمِنْهَا عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {هَل يستَوِي هُوَ وَمَن يَأمُر بالعَدل وَهُوَ عَلى صِرَاط مُّستَقِيم} النَّحْل 76 هُوَ عُثْمَان خرجه البُخَارِيّ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أمَن هُو قَانِت آنَاء اليلِ ساجِداً وَقائماً يحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجوا رَحمَةَ رَبه} الزمر 9 عَن ابْن عمر قَالَ إِنَّهَا نزلت فِي عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خرجه الواحدي فِي الْفَضَائِل (الْأَحَادِيث فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) الحَدِيث الأول عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَخرج مَعَه بابنة رَسُول الله رقية فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ خبرهما جعل يتوكف الْأَخْبَار فَقدمت امْرَأَة من قُرَيْش من الْحَبَشَة فَسَأَلَهَا رَسُول الله عَنْهُمَا فَقَالَت أَنا رأيتهما فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على أَي حَال رأيتهما قَالَت رأيتهما وَقد حملهَا على حمَار وَهُوَ يَسُوق بهَا فَقَالَ النَّبِي صحبهما الله إِن كَانَ عُثْمَان أول من هَاجر إِلَى الله عز وَجل أخرجه خَيْثَمَة بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 سُلَيْمَان والملا فِي سيرته الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن الله أوحى إِلَيّ أَن أزوج كَرِيمَتي عُثْمَان بن عَفَّان خرجه الطَّبَرَانِيّ وَفِي رِوَايَة بِنْتي يَعْنِي رقية وَأم كُلْثُوم الحَدِيث الثَّالِث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لَقِي الني عُثْمَان بن عَفَّان عِنْد بَاب الْمَسْجِد فَقَالَ يَا عُثْمَان هَذَا جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن الله قد أَمرنِي أَن أزَوجك أم كُلْثُوم بِمثل صدَاق رقية وعَلى مثل صحبتهَا أخرجه ابْن ماجة الْقزْوِينِي وَأَبُو سعيد النقاش وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن عِنْدِي مائَة تَمُوت وَاحِدَة بعد وَاحِدَة زَوجتك أُخْرَى حَتَّى لَا يبْقى من الْمِائَة شَيْء الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ دخلت على رقية بنت رَسُول الله امْرَأَة عُثْمَان وَفِي يَدهَا مشط فَقَالَت خرج من عِنْدِي رَسُول الله آنِفا رجلت رَأسه فَقَالَ كَيفَ تجدين أَبَا عبد الله قلت خير الرِّجَال قَالَ أكرميه فَإِنَّهُ من أشبه أَصْحَابِي بِهِ خلقا الحَدِيث الْخَامِس أخرج الملا عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن عُثْمَان بن عَفَّان أشبهُ النَّاس بِي خلقا وخلقاً وديناً وسمتاً وَهُوَ ذُو النورين زَوجته ابْنَتي وَهُوَ معي فِي الْجنَّة كهاتين وحرك السبابَة وَالْوُسْطَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله عُثْمَان أحيى أمتِي وأكرها الحَدِيث السَّابِع عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله مُضْطَجعا فِي بَيته كاشفاً عَن فَخِذَيهِ أَو عَن سَاقيه فَاسْتَأْذن أَبُو بكر فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال فحدثه ثمَّ اسْتَأْذن عمر فآذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَالة فحدثه ثمَّ اسْتَأْذن عُثْمَان فَجَلَسَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسوى ثِيَابه فَدخل فَتحدث فَلَمَّا خَرجُوا قلت يَا رَسُول الله دخل أَبُو بكر فَلم تهش لَهُ وَلم تبال بِهِ ثمَّ دخل عمر فَلم تهش لَهُ وَلم تبال بِهِ ثمَّ دخل عُثْمَان فَجَلَست وسويت ثِيَابك فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلا أستحي من رجل تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة أخرجه أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم الحَدِيث الثَّامِن عَنْهَا أَيْضا قَالَت قَالَ رَسُول الله فِي مَرضه وددت لَو أَن عِنْدِي بعض أَصْحَابِي قَالَت فَقلت يَا رَسُول الله أَلا نَدْعُو لَك أَبَا بكر فَسكت قَالَت فَقُلْنَا عمر فَسكت قَالَت فَقُلْنَا عُثْمَان قَالَ نعم فَأَرْسَلنَا إِلَى عُثْمَان خرجه التِّرْمِذِيّ الحَدِيث التَّاسِع عَن عبد الرَّحْمَن بن خباب قَالَ شهِدت رَسُول الله وَهُوَ يحث على جَيش الْعسرَة فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ يَا رَسُول الله عَليّ مائَة بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله ثمَّ حض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْجَيْش فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ يَا رَسُول الله مِائَتَا بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله ثمَّ حض على الْجَيْش فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ ثَلَاثمِائَة بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله فَأَنا رَأَيْت رَسُول الله عِنْد الْمِنْبَر وَهُوَ يَقُول مَا على عُثْمَان مَا فعل بعدهن مَا على عُثْمَان مَا فعل بعدهن خرجه التِّرْمِذِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 وَقَالَ أَبُو عمر جهز عُثْمَان جَيش الْعسرَة بتسعمائة وَخمسين بَعِيرًا وَأتم الْألف بِخَمْسِينَ فرسا وَفِي رِوَايَة عَن قَتَادَة حمل على ألف بعير وَسبعين فرسا الحَدِيث الْعَاشِر عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ عُثْمَان بِعشْرَة آلَاف دِينَار فِي كمه حِين جهز جَيش الْعسرَة فصبها فِي حجره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فرأيته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يقلبها فِي حجره وَيَقُول مَا ضرّ عُثْمَان مَا فعل بعد الْيَوْم خرجه التِّرْمِذِيّ وَأحمد الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن بشر بن بشير السّلمِيّ عَن أَبِيه قَالَ لما قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة استنكروا المَاء وَكَانَ لرجل من بنى غفار بِئْر يُقَال لَهَا رومة يَبِيع الْقرب مِنْهَا بِمد فَقَالَ لَهُ رَسُول الله تبيعها ببئر فِي الْجنَّة فَقَالَ يَا رَسُول الله لَيْسَ لي وَلَا لِعِيَالِي بِئْر غَيرهَا وَلَا أَسْتَطِيع ذَلِك قَالَ فَبلغ ذَلِك عُثْمَان فاشتراها مِنْهُ بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ أَتَى النَّبِي فَقَالَ اجْعَل لي مثل الَّذِي جعلت لَهُ عينا فِي الْجنَّة فَإِنِّي قد اشْتَرَيْتهَا وجعلتها للْمُسلمين الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ انْطَلَقت حَاجا فمررت بِالْمَدِينَةِ فَبَيْنَمَا نَحن بمنزلنا إِذا جَاءَنَا جاءٍ فَقَالَ النَّاس مجتمعون فِي الْمَسْجِد فَانْطَلَقت أَنا وصاحبي فَإِذا النَّاس مجتمعون على نفر فِي الْمَسْجِد قَالَ الْأَحْنَف فتخللتهم حَتَّى قُمْت عَلَيْهِم وَإِذا عَليّ بن أبي طَالب وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد فَلم يكن أسْرع مِمَّا جَاءَ عُثْمَان عَلَيْهِ ملاءة صفراء قد قنع بهَا رَأسه فَقَالَ أههنا عَليّ قَالُوا نعم قَالَ أههنا الزبير قَالُوا نعم قَالَ أههنا طَلْحَة قَالُوا نعم قَالَ أههنا سعد قَالُوا نعم قَالَ أنْشدكُمْ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أتعلمون أَن رَسُول الله قَالَ من يبْتَاع مربد بني فلَان غفر الله لَهُ فابتعته بِعشْرين ألفا فَأتيت النَّبِي فَقلت قد ابتعته فَقَالَ اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدنَا وأجره لَك فَقَالُوا اللَّهُمَّ نعم ثمَّ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 أنْشدكُمْ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أتعلمون أَن رَسُول الله قَالَ من يبْتَاع بِئْر رومة غفر الله لَهُ فابتعتها بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا فَقَالَ اجْعَلْهَا سِقَايَة الْمُسلمين وأجرها لَك فَقَالُوا اللَّهُمَّ نعم ثمَّ قَالَ أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أتعلمون أَن رَسُول الله نظر فِي وُجُوه الْقَوْم فَقَالَ من يُجهز هَؤُلَاءِ غفر الله لَهُ يَعْنِي جَيش الْعسرَة فجهزتهم حَتَّى لم يفقدوا عقَالًا وَلَا خطاماً قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو حَاتِم وَأحمد الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج أَحْمد أَن رَسُول الله كَانَ على حراء وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فَتحَرك الْحَبل حَتَّى سَقَطت حجارته بالحضيض فركضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِرجلِهِ وَقَالَ اسكن حراء فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي وصديق وشهيدان وَمثله فِي التِّرْمِذِيّ إِلَّا أَنه ذكر ثبيراً مَكَان حراء الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ لما أَمر رَسُول الله ببيعة الرضْوَان كَانَ عُثْمَان بَعثه رَسُول الله إِلَى أهل مَكَّة فَبَايع النَّاس بيعَة الرضْوَان فَقَالَ النَّبِي إِن عُثْمَان فِي حَاجَة الله وَفِي حَاجَة رَسُوله فَضرب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى وَقَالَ هَذِه عَن عُثْمَان فَكَانَت يَد رَسُول الله لعُثْمَان خيرا من أَيْديهم لأَنْفُسِهِمْ وَنسبَة الْحَاجة إِلَى الله تَعَالَى على طَرِيق الِاسْتِعَارَة والتمثيل الْمَعْرُوف فِي علم الْبَيَان الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله قومُوا بِنَا نعود عُثْمَان قُلْنَا عليل يَا رَسُول الله قَالَ نعم فَقَامَ واتبعناه حَتَّى أَتَى منزل عُثْمَان فَاسْتَأْذن فَأذن لَهُ فَدخل ودخلنا فَوَجَدنَا عُثْمَان مكبوباً على وَجهه فَقَالَ لَهُ مَالك يَا عُثْمَان لَا ترفع رَأسك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أستحي يَعْنِي من الله تَعَالَى قَالَ وَلم ذَاك قَالَ إِنِّي أَخَاف أَن يكون عَليّ غَضْبَان فَقَالَ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلَسْت صَاحب بِئْر رومة ومجهز جَيش الْعسرَة وَالزَّائِد فِي مَسْجِدي وباذل المَال فِي رضَا الله ورضائي وَمن تَسْتَحي مِنْهُ مَلَائِكَة السَّمَاء هَذَا جِبْرِيل يُخْبِرنِي عَن الله عز وَجل أَنَّك نور أهل السَّمَاء ومصباح أهل الأَرْض وَأهل الْجنَّة خرج المُلاَّ عَن عُثْمَان بن موهب قَالَ جَاءَ رجل من أهل مصر وَحج الْبَيْت فَرَأى قوما فَقَالَ من هَؤُلَاءِ قَالُوا هَؤُلَاءِ قُرَيْش قَالَ فَمن الشَّيْخ فيهم قَالُوا عبد الله بن عمر فَقَالَ الرجل يَا بن عمر إِنِّي سَائِلك فَحَدثني هَل تعلم أَن عُثْمَان فر يَوْم أحد قَالَ نعم قَالَ تعلم أَنه تغيب عَن بدر قَالَ نعم قَالَ هَل تعلم أَنه تغيب عَن بيعَة الرضْوَان فَلم يشهدها قَالَ نعم قَالَ الرجل الله أكبر وَقَامَ فَقيل لِابْنِ عمر إِن هَذَا يَقُول إِنَّك وَقعت فِي عُثْمَان قَالَ أَو قد فعل ذَلِك قَالُوا إِنَّه يَقُول ذَلِك قَالَ فَردُّوهُ فَردُّوهُ فَقَالَ أعقلت مَا قلت لَك قَالَ الرجل نعم سَأَلتك أشهد عُثْمَان بيعَة الرضْوَان فَقلت لَا وَسَأَلْتُك أشهد بَدْرًا فَقلت لَا وَسَأَلْتُك أَكَانَ مِمَّن استزله الشَّيْطَان فَقلت نعم فَقَالَ ابْن عمر أبين لَك أما فراره يَوْم أحد فَأشْهد أَن الله تَعَالَى عَفا عَنهُ وَغفر لَهُ قلت يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى {إنَ الذِينَ تَوَلَوا مِنكم يَومَ التقى الْجَمْعَانِ} إِلَى قَوْله {وَقد عَفا اللَهُ عَنهُم} آل عمرَان 155 وَأما تغيبه عَن بدر فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ ابْنة رَسُول الله رقية وَكَانَت مَرِيضَة فَتخلف ليمرضها بأَمْره وَقَالَ لَهُ إِن لَك أجر رجل مِمَّن شهد بَدْرًا وسهمه وَأما تغيبه عَن بيعَة الرضْوَان فَلَو كَانَ أحد أعز بِمَكَّة مِنْهُ لبعثه مَكَانَهُ فَكَانَت بيعَة الرضْوَان بعد مَا ذهب عُثْمَان إِلَى مَكَّة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد أَن وضع إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى هَذِه يَمِيني عني وشمالي عَن عُثْمَان قَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ كَانَت بيعَة الرضْوَان فِي وَضرب عني بِشمَالِهِ على يَمِينه وشمال رَسُول الله خير من يَمِيني قلت وَقَول عُثْمَان كَانَت بيعَة الرضْوَان فِي أَي بيميني وَذَلِكَ أَنه قد ورد أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 سَببهَا أَنه أشيع أَن عُثْمَان قتل بِمَكَّة قَتله الْمُشْركُونَ فَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي أَن دعاهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الْمُبَايعَة فَمَعْنَى الظَّرْفِيَّة هُنَا السَّبَبِيَّة مثل دخلت النَّار امْرَأَة فِي هرة (وَزَيدَ والظَّرْفِيَّةَ اسْتَبِنْ ببا ... وَفى وَقَدْ يبينَانِ السَّبَبَا) فَدخل فِي جوَار أبان بن سعد بن الْعَاصِ ابْن عَمه وَحمله على السرج وَأَرْدَفَ خَلفه فَلَمَّا قدم بِهِ إِلَى مَكَّة قَالَ لَهُ طف يَا بن عَم فَقَالَ عُثْمَان يَا بن عَم إِن لنا صاحبنا لَا نبتدع أمرا حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يعمله فنتبع أَثَره الحَدِيث السَّادِس عشر عَن إِيَاس عَن أَبِيه أَن النَّبِي لما بَايع لعُثْمَان بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى قَالَ النَّاس هَنِيئًا لأبي عبد الله الطّواف بِالْبَيْتِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَو مكث عُثْمَان كَذَا وَكَذَا مَا طَاف حَتَّى أَطُوف أخرجه ابْن الضَّحَّاك قلت قد أَشَارَ إِلَى ذَلِك البوصيري صَاحب الهمزية بقوله // (من الْخَفِيف) // (وَأَبَى أَنْ يَطُوفَ بالبيْتِ إِذْ لَمْ ... يَدْنُ مِنْهُ إِلَى النَّبيِّ فِنَاءُ) (فَجزتهُ عَنْهَا ببيعةِ رضْوَانَ ... يَدٌ مِنْ نبيِّهِ بَيْضَاءُ) (أَدَبٌ عِنْدَهُ تَضَاعَفتِ الأعْمَالُ ... بالتَّركِ حَبَّذَا الأُدَبَاءُ) الحَدِيث السَّابِع عشر عَن فَاطِمَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن أمهَا أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة وأرسلها عمرها فَقَالَت إِن أحد بنيك يُقْرِئك السَّلَام ويسألك عَن عُثْمَان فَإِن النَّاس قد شتموه فَقَالَت عَائِشَة لعن الله من لَعنه وَالله لقد كَانَ قَاعِدا عِنْد نَبِي الله وَإِن رَسُول الله مُسْند ظَهره إِلَيّ وَإِن جِبْرِيل ليوحي إِلَيْهِ الْقُرْآن وَإِنِّي لأمسح الْعرق عَن جبين رَسُول الله وَإنَّهُ يَقُول لَهُ اكْتُبْ يَا عثيم فَمَا كَانَ الله لينزل تِلْكَ الْمنزلَة إِلَّا كَرِيمًا على الله وَرَسُوله أخرجه أَحْمد وَالْحَاكِم الحَدِيث الثَّامِن عشر روى ابْن عَسَاكِر وَأَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله قَالَ اللَّهُمَّ ارْض عَن عُثْمَان ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَة رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ وَفِي لفظ غفر الله لَك يَا عُثْمَان مَا قدمت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا كَانَ مِنْك وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله قَالَ إِنَّا وَالله لنشبه عُثْمَان بأبينا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الحَدِيث الْعشْرُونَ روى ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله قَالَ وَالله ليشفعن عُثْمَان فِي سبعين ألفا من أمتِي قد استوجبوا النَّار حَتَّى يدخلهم الله الْجنَّة الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ عُثْمَان وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رَضِي الله عَنهُ الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ: ((عُثْمَان فِي الْجنَّة)) الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين أخرج التِّرْمِذِيّ عَن طَلْحَة وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ لكل نَبِي رَفِيق فِي الْجنَّة ورفيقي فِيهَا عُثْمَان بن عَفَّان الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 مرّة بن كَعْب قَالَ سَمِعت رَسُول الله يذكر فتْنَة فقرَّ بهَا فَمر رجل مقنع فِي ثوب فَقَالَ هَذَا يَوْمئِذٍ على الْهدى فَقُمْت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان فَأَقْبَلت إِلَيْهِ بوجهي فَقلت هَذَا قَالَ نعم الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت رَسُول الله فِي الْمَنَام مُتَعَلقا بالعرش ثمَّ رَأَيْت أَبَا بكر آخِذا بحقوى رَسُول الله ثمَّ رَأَيْت عمر آخِذا بحقوي أبي بكر ثمَّ رَأَيْت عُثْمَان آخِذا بحقوي عمر ثمَّ رَأَيْت الدَّم منصباً من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَحدث الْحسن بِهَذَا الحَدِيث وَعِنْده نَاس من الشِّيعَة فَقَالُوا مَا رَأَيْت عليا قَالَ مَا كَانَ أحد أحب إِلَيّ أَن أرَاهُ آخِذا بحقوى النَّبِي من عَليّ وَلَكِن إِنَّمَا هى رُؤْيا فَقَالَ لَهُم أَبُو مَسْعُود عقبَة ابْن عَمْرو إِنَّكُم لتجدون على الْحسن فِي رُؤْيا رَآهَا لقد كنت مَعَ رَسُول الله فِي غزَاة وَأصَاب الْمُسلمين جهد حَتَّى عرفت الكآبة فِي وُجُوه الْمُسلمين والفرح فِي وُجُوه الْمُنَافِقين فَلَمَّا رأى ذَلِك رَسُول الله قَالَ وَالله لَا تغيبن حَتَّى يأتيكم الله برزق فَعلم عُثْمَان أَن الله وَرَسُوله تصدقاً فَوجه رَاحِلَته فَإِذا هُوَ بأَرْبعَة عشر رَاحِلَة فاشتراها وَمَا عَلَيْهَا من الطَّعَام فَوجه مِنْهَا سبعا إِلَى رَسُول الله وَوجه سبعا إِلَى أَهله فَلَمَّا رأى الْمُسلمُونَ العير قد جَاءَت عرف الْفَرح فِي وُجُوههم والكآبة فِي وُجُوه الْمُنَافِقين فَقَالَ رَسُول الله مَا هَذَا فَقَالُوا أرسل بِهِ عُثْمَان هَدِيَّة إِلَيْك قَالَ أَبُو مَسْعُود فرأيته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو لعُثْمَان بِدُعَاء مَا سمعته يَدْعُو لأحد قبله وَلَا بعده مثله اللَّهُمَّ أعْط لعُثْمَان وَافْعل لعُثْمَان رَافعا يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ خرجه الْقزْوِينِي الحاكمي الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ رمقت رَسُول الله من أول اللَّيْل إِلَى أَن طلع الْفجْر يَدْعُو لعُثْمَان اللَّهُمَّ إِنِّي رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ فَمَا زَالَ رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو حَتَّى طلع الْفجْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مكث آل مُحَمَّد أَرْبَعَة أَيَّام مَا يطْعمُون شَيْئا حَتَّى تضاغوا صبياننا فَدخل رَسُول الله فَقَالَ يَا عَائِشَة هَل أصبْتُم شَيْئا بعدِي فَقلت من أَيْن إِن لم يأتنا الله عز وَجل بِهِ على يَديك فَتَوَضَّأ وَخرج مستخفياً يُصَلِّي هَهُنَا مرّة وَهَهُنَا مرّة قَالَت فَأتى عُثْمَان من آخر النَّهَار فَاسْتَأْذن فهممت أَن أحجبه ثمَّ قلت هُوَ رجل من مكاثير الصَّحَابَة لَعَلَّ الله عز وَجل إِنَّمَا سَاقه إِلَيْنَا ليجري على يَدَيْهِ خيرا فَأَذنت لَهُ فَقَالَ يَا أُمَّاهُ أَيْن رَسُول الله فَقلت يَا بني مَا طعم آل مُحَمَّد مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام شَيْئا دخل عَليّ رَسُول الله متغيرا ضامر الْبَطن فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ لي وَمَا رددت عَلَيْهِ قَالَت فَبكى عُثْمَان وَقَالَ مقتاً للدنيا ثمَّ قَالَ يَا أم الْمُؤمنِينَ مَا كنت بحقيق أَن ينزل بك بعض الْأَمر ثمَّ لَا تذكرينه لي ولعَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف ولثابت بن قيس ثمَّ خرج فَبعث إِلَيْنَا بأحمال من دَقِيق وأحمال من حِنْطَة وأحمال من التَّمْر وبملوح وثلاثمائة دِرْهَم فِي صرة ثمَّ قَالَ يبطىء هَذَا عَلَيْكُم ثمَّ بعث بِخبْز وشواء كثير فَقَالَ كلوا أَنْتُم واصنعوا لرَسُول الله حَتَّى يَجِيء ثمَّ أقسم على أَن لَا يكون مثل هَذَا إِلَّا أعلمته بِهِ قَالَت وَدخل رَسُول الله فَقَالَ يَا عَائِشَة هَل أصبْتُم بعدِي شَيْئا قلت يَا رَسُول الله قد علمت أَنَّك إِنَّمَا خرجت تَدْعُو إِلَى الله عز وَجل وَقد علمت أَن الله لَا يرد سؤالك فَقَالَ مَا أصبْتُم قلت كَذَا وَكَذَا حمل بعير دَقِيقًا وَكَذَا وَكَذَا حمل بعير حِنْطَة وَكَذَا وَكَذَا حمل بعير تَمرا وثلاثمائة دِرْهَم فِي صرة وخبزاً وشواء كثيرا قَالَ مِمَّن قلت عُثْمَان بن عَفَّان قلت قد بَكَى وَذكر الدُّنْيَا بالمقت وَأقسم عَليّ أَن لَا يكون مثل هَذَا إِلَّا كَلمته فَلم يجلس رَسُول الله حَتَّى خرج إِلَى الْمَسْجِد فَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ قد رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ وكررها ثَلَاثًا ودعا لَهُ كثيرا أخرجة الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فِي الْأَرْبَعين الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ عَن جَابر قَالَ أَتَى رَسُول الله بِجنَازَة رجل ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَلم يصل عَلَيْهِ فَقيل يَا رَسُول الله مَا رَأَيْنَاك تركت الصَّلَاة على أحد قبل هَذَا قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يبغض عُثْمَان فَأَبْغضهُ الله عز وَجل خرجه التِّرْمِذِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول يَوْم يَمُوت عُثْمَان تصلي عَلَيْهِ مَلَائِكَة السَّمَاء قلت يَا رَسُول الله عُثْمَان خَاصَّة أَو النَّاس عَامَّة قَالَ عُثْمَان خَاصَّة خرجه الْحَافِظ الدِّمَشْقِي الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج الْحَافِظ ابْن بَشرَان عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله من أول من يُحَاسب يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَبُو بكر قلت ثمَّ من قَالَ عمر قلت ثمَّ من قَالَ أَنْت يَا عَليّ قلت يَا رَسُول الله أَيْن عُثْمَان قَالَ إِنِّي سَأَلت عُثْمَان حَاجَة سرا فقضاها سرا فَسَأَلت الله أَن لَا يُحَاسب عُثْمَان إِلَّا سرا عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ كَانَ لعُثْمَان شَيْئَانِ ليسَا لأبى بكر وَلَا لعمر صَبر نَفسه حَتَّى قتل ظلما وَجمعه النَّاس على مصحف عَن أنس بن مَالك أَن حُذَيْفَة قدم على عُثْمَان وَكَانَ يتمارى أهل الشَّام فِي فتح أرمينية وأذربيجان مَعَ أهل الْعرَاق فأفزع حُذَيْفَة اخْتلَافهمْ فِي الْقِرَاءَة فَقَالَ حُذَيْفَة لعُثْمَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أدرِك هَذِه الْأمة قبل أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْكتاب اخْتِلَاف الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَأرْسل إِلَى حَفْصَة أَن أرسلي بالصحف ننسخها فِي الْمُصحف ثمَّ نردها إِلَيْك فَأرْسلت بهَا إِلَيْهِ فَأمر زيد بن ثَابت وَعبد الله بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الله بن الْحَارِث بن هِشَام فنسخوها فِي الْمَصَاحِف وَقَالَ عُثْمَان للرهط القرشيين إِذا اختلفتم أَنْتُم وَزيد بن ثَابت فِي شَيْء من الْقُرْآن فاكتبوه بِلِسَان قُرَيْش فَإِنَّمَا أنزل بلسانهم فَفَعَلُوا وَأرْسل إِلَى كل أفق مُصحفا وَأمر بِمَا سوى ذَلِك من الْقُرْآن على كل صحيفَة أَو مصحف أَن يحرق خرجه البُخَارِيّ الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله لما أسرى بِي دخلت جنَّات عدن فناولني جِبْرِيل تفاحة فانفلقت عَن حوراء عيناء مرضية كَأَن مقادم عينيها أَجْنِحَة النسور فَقلت لمن أَنْت فَقَالَت للخليفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 الْمَقْتُول ظلما عُثْمَان بن عَفَّان خرجه خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان والحاكمي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ عَن مرّة بن كَعْب النمري قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة إِذْ قَالَ كَيفَ تَصْنَعُونَ فِي فتْنَة تثور فِي أقطار الأَرْض كَأَنَّهَا صياصي الْبَقر قَالُوا فنصنع مَاذَا يَا رَسُول الله قَالَ عَلَيْكُم بِهَذَا وَأَصْحَابه فاتبعوا هَذَا وَأَصْحَابه قَالَ فأسرعت حَتَّى عقلت الرجل فَقلت هَذَا يَا نَبِي الله قَالَ هَذَا فَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان خرجه أَبُو حَاتِم وَأحمد وَقَالَ فِيهِ فأسرعت حَتَّى غبت فلحقت بِالرجلِ فَقلت هَذَا يَا نَبِي الله ثمَّ ذكر مَا بَقِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي حَبِيبَة قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة وَعُثْمَان مَحْصُور يسْتَأْذن فِي الْكَلَام فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِنَّهَا تكون فتْنَة وَاخْتِلَاف قُلْنَا يَا رَسُول الله فَمَاذَا تَأْمُرنَا قَالَ عَلَيْكُم بالأمير وَأَصْحَابه وَأَشَارَ إِلَى عُثْمَان ابْن عَفَّان خرجه الْقزْوِينِي الحاكمي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن زيد بن أبي أوفى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَا عُثْمَان وَقَالَ ادن يَا أَبَا عَمْرو فَلم يزل يدنو مِنْهُ حَتَّى ألصق رُكْبَتَيْهِ بركبتيه ثمَّ نظر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى السَّمَاء وَقَالَ سُبْحَانَ الله ثَلَاث مَرَّات ثمَّ نظر إِلَى عُثْمَان وَكَانَت أزراره محلولة فزرها بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ اجْمَعْ عِطْفَى ردائك على نحرك قَالَ إِن لَك لشأناً فِي أهل السَّمَاء أَبَا عَمْرو وَترد عَليّ الْحَوْض وأوداجك تشخب دَمًا فَأَقُول لَك من فعل بك هَذَا فَتَقول فلَان وَفُلَان وَذَلِكَ كَلَام جِبْرِيل خرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي وَأَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج الصُّوفِي عَن عبد الله بن عمر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لعُثْمَان يَا عُثْمَان إِن كساك الله قَمِيصًا وأرادك المُنَافِقُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 على خلعه فَلَا تخلعه فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن خلعته لَا ترى الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سمِّ الْخياط الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله يشفع عُثْمَان يَوْم الْقِيَامَة فِي مثل ربيعَة وَمُضر خرجه الحاكمي الْقزْوِينِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بعثمان وأوداجه تشخب دَمًا اللَّوْن لون الدَّم والرائحة رَائِحَة الْمسك يكسى حلتين من نور فينصب لَهُ مِنْبَر على الصِّرَاط فَيجوز الْمُؤْمِنُونَ بِنور وَجهه وَلَيْسَ لمبغضه مِنْهُ نصيب خرجه المُلاَّ فِي سيرته الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله وضع يَده على كتف عُثْمَان فَقَالَ كَيفَ أَنْتُم إِذا قتلتم إمامكم وتجالدتم بأسيافكم وَورث دهاءكم شِرَاركُمْ فويل لأمتي إِذا فَعَلُوهُ خرجه الحاكمي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي سهلة قَالَ قَالَ عُثْمَان يَوْم الدَّار إِن رَسُول الله عهد إِلَى عهدا وَإِنِّي صابر عَلَيْهِ أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح خرجه أَحْمد فَزَاد قَالَ قيس فَكَانُوا يرونه ذَلِك الْيَوْم الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ أتيت عُثْمَان وَهُوَ مَحْصُور أسلم عَلَيْهِ فَقَالَ مرْحَبًا بأخي مرْحَبًا بأخي أَفلا أحَدثك مَا رَأَيْت اللَّيْلَة فِي الْمَنَام قلت نعم قَالَ رَأَيْت رَسُول الله فَقَالَ حصروك فَقلت نعم فَقَالَ عطشوك فَقلت نعم فأدلى دلوا من مَاء فَشَرِبت حَتَّى رويت فَإِنِّي لأجد بردا بَين كَتِفي وَبَين قدمي فَقَالَ إِن شِئْت نصرت عَلَيْهِم وَإِن شِئْت أفطرت عندنَا قَالَ ابْن سَلام فَأصْبح صَائِما وَقتل من يَوْمه رَضِي الله عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن أبي ذَر عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ لعُثْمَان كَيفَ أَنْت يَا عُثْمَان إِذا جئتني وأوداجك تشخب دَمًا فَأَقُول من فعل هَذَا بك فَتَقول بَين خاذل وآمر إِذْ نَادَى مُنَاد من تَحت الْعَرْش إِن الله تَعَالَى قد حكم عُثْمَان فِي الْقَاتِل والخاذل أخرجه الديلمي فِي مُسْند الفردوس قلت هَذَا مَا ظَفرت بِهِ مِمَّا ورد فِي شَأْنه خَاصَّة وَأما مَا ورد فِي شَأْنه مَعَ الِاثْنَيْنِ أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فَلم أورد مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَا ورد فِي نَعته ومناقبه من الْأَحْوَال الجميلة والمناقب الجليلة وَصلَاته وصيامه وإعتاقه الألوف رجَالًا وَنسَاء وختمه الْقُرْآن فِي رَكْعَة وَاحِدَة وَغير ذَلِك فَلم أورد مِنْهُ شَيْئا وَكَذَا مَا قيل فِيهِ من الثَّنَاء من الصَّحَابَة وَالسَّلَف فَلم أورد مِنْهُ شَيْئا لكثرته وشهرته فِي مَوْضِعه من الْكتب المفردة لذَلِك (ذكر أَوْلَاده رَضِي الله عَنهُ) كَانَ لَهُ من الْوَلَد سِتَّة عشر تِسْعَة ذُكُور وَسبع إناث أما الذُّكُور فعبد الله الْأَكْبَر أمه فَاخِتَة بنت غَزوَان وَبِه كَانَ يكنى وَعبد الله الْأَصْغَر أمه رقية بنت رَسُول الله هلك صَغِيرا وَقيل بلغ سِتّ سِنِين فنقره ديك فِي عينه فَكَانَ سَبَب مَوته وَعَمْرو وَكَانَ أسنهم وَبِه كَانَ يكنى بعد عبد الله الْأَكْبَر وَهُوَ يَعْنِي عمرا أَكْثَرهم عقبا وَتُوفِّي بمنى وخَالِد وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ الْمُصحف الَّذِي قطر عَلَيْهِ دم عُثْمَان حِين قتل وَأَبَان شهد الْجمل مَعَ عَائِشَة وعقبه كثير وَعَمْرو لَهُ عقب أَيْضا أمّهم بنت جُنْدُب بن الأزد وَسَعِيد والوليد أمهما فَاطِمَة بنت الْوَلِيد وَعبد الْملك أمه أم الْبَنِينَ بنت عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وَأما الْإِنَاث فمريم أُخْت عَمْرو لأمه وَأم سعيد أُخْت سعيد لأمه وَعَائِشَة فَأم أبان وَأم عَمْرو وأمهن رَملَة بنت شيبَة بن ربيعَة وَمَرْيَم أمهَا نائلة بنت الفرافصة وَأم الْبَنِينَ وَأمّهَا أم ولد وفى دوَل الْإِسْلَام كَانَت مُدَّة خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَأحد عشر يَوْمًا أَو أَرْبَعَة عشر يَوْمًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 وَقَالَ فِي الرياض قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَّا اثْنَي عشر يَوْمًا وَقيل وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَقيل ثَمَانِينَ سنة وَقيل سِتّ وَثَمَانِينَ سنة قَالَ قَتَادَة وَقيل ثَمَان وَثَمَانِينَ وَقيل ابْن تسعين قَالَ الْوَاقِدِيّ لَا خلاف عندنَا فِي القَوْل الأول أَنه الْأَصَح رَضِي الله عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 (خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ) هُوَ عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم أقربهم إِلَى رَسُول الله نسبا يجْتَمع مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي عبد الْمطلب الْجد الْأَدْنَى وينسب إِلَى هَاشم فَيُقَال الْقرشِي الْهَاشِمِي ابْن عَم رَسُول الله لِأَبَوَيْهِ وَأَخُوهُ بالمؤاخاة وصهره على ابْنَته وَأَبُو السبطين وَأول هاشمى ولد بَين الهاشمين وَأول خَليفَة من بني هَاشم وَأحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ وَأحد السِّتَّة أَصْحَاب الشورى وَأحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَأحد الْعلمَاء الربانيين والشجعان الْمَشْهُورين والزهاد الْمَذْكُورين والسابقين إِلَى الْإِسْلَام لم يسْجد لصنم قطّ وَبَات لَيْلَة الْهِجْرَة على فرَاشه يَقِيه بِنَفسِهِ وَخَلفه بِمَكَّة ليرد الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده وَكَانَ يحمل راية رَسُول الله الْعُظْمَى فِي الْقِتَال فيتقدم بهَا فِي نحر الْعَدو وَشهد مَعَه الْمشَاهد كلهَا وأبلى فِيهَا بلَاء حسنا وَبَايَعَهُ على الْمَوْت وَكَانَ أَشْجَع النَّاس مَا بارز أحدا قطّ إِلَّا قَتله وَكَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ مَال لم يتْرك مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يقسمهُ وَكَانَ يكنس بَيت المَال ليصلى فِيهِ وَلَا يخص بالولايات إِلَّا أهل الديانَات وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا لم يغز بِنَفسِهِ لم يُعْط سلاحه إِلَّا عليا وَشهد لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالشَّهَادَةِ فِي تَحْرِيك حِراء روى أَن مُعَاوِيَة قَالَ لِضِرَار يَا ضرار صف لي عليا قَالَ أعفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مُعَاوِيَة لتصفنه قَالَ ضرار أما إِذْ لَا بُد من وَصفه كَانَ وَالله بعيد المدى شَدِيد القوى يَقُول فصلا وَيحكم عدلا وتتفجر ينابيع الْعلم من جوانبه وتنطق الْحِكْمَة من نواحيه يستوحش من الدُّنْيَا وزهرتها ويأنس إِلَى اللَّيْل ووحشته كَانَ غزير الدمعة طَوِيل الفكرة يُعجبهُ من اللبَاس مَا قصر وَمن الطَّعَام مَا خشن كَانَ فِينَا كأحدنا يجيبنا إِذا سألناه وينبئنا إِذا استنبأناه وَنحن وَالله مَعَ تقريبه إيانا وقربه منا لَا نكاد نكلمه هَيْبَة لَهُ يعظم أهل الدّين وَيقرب الْمَسَاكِين لَا يطْمع الْقوي فِي باطله وَلَا ييأس الضَّعِيف من عدله وَأشْهد لقد رَأَيْته فِي بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 مرافقه وَقد أرْخى اللَّيْل سدوله وَغَارَتْ نجومه قَابِضا على لحيته يتململ تململ السَّلِيم ويبكي بكاء الحزين وَيَقُول يَا دنيا غري غَيْرِي إِلَيّ تعرضت أم إِلَيّ تشوقت يَا صفراء اصفري وَيَا بَيْضَاء بيضي هَيْهَات قد طَلقتك ثَلَاثًا لَا رَجْعَة لي فِيك فعمرك قصير وخطرك حقير آه آه من قلَّة الزَّاد وَبعد السّفر ووحشة الطَّرِيق قَالَ فَبكى مُعَاوِيَة وَقَالَ رحم الله أَبَا حسن كَانَ وَالله كَذَلِك فَكيف حزنكم عَلَيْهِ يَا ضرار قَالَ حزن من ذبح وَاحِدهَا فِي حجرها أخرج الدولابي وَأَبُو عَمْرو قَالَ ابْن عَبَّاس أعْطى عَليّ تِسْعَة أعشار الْعلم وَوَاللَّه لقد شاركهم فِي الْعشْر الْبَاقِي وَإِذا ثَبت لنا الشَّيْء عَن عَليّ لم نعدل عَنهُ إِلَى غَيره روى ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بعجة بن عبد الله الْجُهَنِىّ قَالَ تزوج رجل امْرَأَة فَولدت لَهُ غُلَاما لسِتَّة أشهر فاتهمها فَأمر عُثْمَان برجمها فَبلغ ذَلِك عليا رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مَا تصنع قَالَ عُثْمَان ولدت غُلَاما لسِتَّة أشهر وَهل يكون ذَلِك فَقَالَ لَهُ عَليّ أما سَمِعت الله يَقُول {وَحَملهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهراً} الْأَحْقَاف 15 وَقَالَ {حَوْلَيْنِ كامِلَين لِمَن أرادَ أَن يُتِمَ الرضاعَةَ} الْبَقَرَة 233 فَلم نجده بَقِي إِلَّا سِتَّة أشهر فَقَالَ عُثْمَان وَالله مَا فطنت لهَذَا عَليّ بِالْمَرْأَةِ فَوَجَدَهَا قد فرغ مِنْهَا وَكَانَ من قَوْلهَا لأختها يَا أخية لَا تحزني فوَاللَّه مَا كشفت ثوبي لأحد قطّ غَيره وَقَالَ فشب الْغُلَام بعد فاعترف بِهِ الرجل وَكَانَ أشبه النَّاس بِهِ قَالَ فَرَأَيْت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا عياذاً بِاللَّه قَالَ سعيد بن الْمسيب لم يكن أحد يَقُول سلوني غير عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أول من أسلم وَأول من صلى وَأَجْمعُوا أَنه صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر وَلم يزل اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عليا وَكَانَ يكنى أَبَا حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 وَسَماهُ رَسُول الله صديقا وَكَانَ يكنى أَبَا قثم وَأَبا تُرَاب كناه النبى بهما وَكَانَت أحب الكنى إِلَيْهِ وَمَا أحسن قَول بَعضهم // (من الوافر) // (إِذَا مَا رَمِدَتْ عَيْنى فَكُحلى ... تُرَابٌ مَسَّ نَعْلَ أَبى تُرَابِ) (هُوَ البَكَّاءُ فِى المِحرابِ لَيْلاً ... هُوَ الضَّحَّاكُ فِى يَوْمِ الضِّرَابِ) أمه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف قَالَ أَبُو عَمْرو هِيَ أول هاشمية ولدت هاشمياً أسلمت ودفنت بِالْمَدِينَةِ وشهدها رَسُول الله وَتَوَلَّى دَفنهَا وأشعرها قَمِيصه وأضجعها فِي قبرها وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط بِرِجَال الصَّحِيح عَن أنس بن مَالك قَالَ مَاتَت فَاطِمَة بنت أَسد أم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَدَخَل عَلَيْهَا رَسُول الله فَجَلَسَ عِنْد رَأسهَا فَقَالَ رَحِمك الله يَا أُمِّي كنت أُمِّي بعد أُمِّي تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نَفسك طيبا وتطعميني تريدين بذلك وَجه الله وَالدَّار الْآخِرَة ثمَّ أَمر أَن تغسل ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلم بلغ المَاء الَّذِي فِيهِ الكافور سكبه رَسُول الله بِيَدِهِ ثمَّ خلع رَسُول الله قَمِيصه فألبسها إِيَّاه وكفنها بِبرد فَوْقه ثمَّ دَعَا أُسَامَة بن زيد وَأَبا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَعمر بن الْخطاب وَغُلَامًا أسود يحفرون قبرها فَلَمَّا بلغُوا اللَّحْد حفر رَسُول الله فَأخْرج ترابه ثمَّ لما فرغ اضْطجع فِيهِ ثمَّ قَالَ الله الَّذِي يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت اغْفِر لأمي فَاطِمَة بنت أَسد ولقنها حجتها ووسع عَلَيْهَا مدخلها بِحَق نبيك والأنبياء الَّذين من قبلي فَإنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ وَكبر عَلَيْهَا أَرْبعا وأدخلها اللَّحْد هُوَ وَالْعَبَّاس وَأَبُو بكر الصّديق قَالَ ابْن عَبَّاس فَلَمَّا سوى عَلَيْهَا التُّرَاب قيل يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك صنعت شَيْئا لم نرك صَنعته لأحد فَقَالَ إِنِّي ألبستها قَمِيصِي لتلبس من ثِيَاب الْجنَّة واضطجعت فِي قبرها لأخفف عَنْهَا من ضغطة الْقَبْر إِنَّهَا كَانَت أحسن خلق الله إِلَيّ صنعا بعد أبي طَالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 ولد رَضِي الله عَنهُ وَأَبوهُ غَائِب فَسَمتْهُ أمه حيدرة وَهُوَ اسْم الْأسد فَلَمَّا قدم أَبوهُ كره هَذَا الِاسْم وَسَماهُ عليا صفته رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَوق الربعة من الرِّجَال أدعج الْعَينَيْنِ عظيمهما حسن الْوَجْه كَأَنَّهُ قمر لَيْلَة الْبَدْر ضخم الْبَطن عَظِيم المشاش ضخم الذراعين عَظِيم اللِّحْيَة قد مَلَأت صَدره إِن عاينته من قريب قلت أسمر أصلع شَدِيد الصلع عَن أبي سعيد الرسمي قَالَ كُنَّا نبيع الثِّيَاب على عواتقنا فِي السُّوق فَإِذا رَأينَا عليا قد أقبل قُلْنَا بُزُرك شكم فَيَقُول عَليّ مَا تَقولُونَ قُلْنَا نقُول عَظِيم الْبَطن قَالَ أجل أَعْلَاهُ علم وأسفله طَعَام وَكَانَ عَظِيم الْمَنْكِبَيْنِ لمنكبيه مشاش كمشاش السَّبع الضاري لَا يبين عضده من ساعده قد أدمج إدماجاً شثن الْكَفَّيْنِ عَظِيم الكراديس أصلع لَيْسَ فِي رَأسه شعر إِلَّا من خَلفه وَعَن أبي لبيد قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب يتَوَضَّأ فحسر الْعِمَامَة عَن رَأسه فَرَأَيْت رَأسه مثل راحتي عَلَيْهِ مثل خطّ الْأَصَابِع من الشّعْر وَعَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب وَرَأسه ولحيته قطنة بَيْضَاء وَكَانَ إِذا مَشى تكفأ وَإِذا أمسك بِذِرَاع رجل أمسك بِنَفسِهِ فَلم يسْتَطع أَن يتنفس وَهُوَ قريب إِلَى السّمن شَدِيد الساعد وَالْيَد وَإِذا مَشى إِلَى الْحَرْب هرول ثَبت الْجنان مَا صارع قطّ أحد إِلَّا صرعه مَا اعتلى ضريبة إِلَّا قد وَلَا اعْترض إِلَّا قطّ شُجَاع مَنْصُور على من لاقاه رَضِي الله عَنهُ عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَنه بلغه أَن عَليّ بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر أسلما وهما ابْنا ثَمَان سِنِين وَقَالَ ابْن إِسْحَاق أسلم وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَعَن الْحسن أسلم عَليّ وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وَقيل أَربع عشرَة وَهُوَ يخْتَلف إِلَى الْكتاب لَهُ ذؤابة حَكَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 الجندري عَن عَاصِم بن عمر قَالَ لَقِي عمر بن الْخطاب عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن نشدتك بِاللَّه هَل كَانَ رَسُول الله ولاك الْأَمر قَالَ إِن قلت لَك فَمَاذَا تصنع أَنْت وَصَاحِبك فَقَالَ أما صَاحِبي فقد مضى وَأما أَنا فوَاللَّه لأخلعنها من عنقِي فِي عُنُقك فَقَالَ عَليّ جدع الله أنف من أبعدك من هَذَا وَلَكِن رَسُول الله جعلني عَلماً فَإِذا أَنا مت فَمن خالفني ضل أخرجه السمان فِي الْمُوَافقَة عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ أَتَى رجل وَعُثْمَان مَحْصُور فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ مقتول السَّاعَة قَالَ فَقَامَ عَليّ قَالَ مُحَمَّد فَأخذت بوسطه تخوفاً فَقَالَ حل لَا أم لَك قَالَ فَأتى على الدَّار وَقد قتل الرجل فَأتى دَاره فَدَخلَهَا وأغلق بَابه فَأَتَاهُ النَّاس فَضربُوا على الْبَاب ودخلوا فَقَالُوا إِن هَذَا الرجل قد قتل وَلَا بُد للنَّاس من خَليفَة وَإنَّهُ لم نَرَ أحدا أَحَق بهَا مِنْك فردد فَأَبَوا قَالَ فَإِذا أَبَيْتُم عَليّ فَإِن بيعتي لَا تكون سرا وَلَكِن ائْتُوا الْمَسْجِد فَمن شَاءَ أَن يبايعني بايعني فَخرج إِلَى الْمَسْجِد فَبَايعهُ النَّاس وَعَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ قتل عُثْمَان وَعلي فِي الْمَسْجِد فَمَال النَّاس إِلَى طَلْحَة قَالَ فَانْصَرف عَليّ يُرِيد منزله فَلَقِيَهُ رجل من قُرَيْش عِنْد مَوضِع الْجَنَائِز فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى رجل قتل ابْن عَمه وسلب ملكه قَالَ فولى عَليّ رَاجعا لرقي الْمِنْبَر فَقيل ذَاك عَليّ على الْمِنْبَر فَمَال النَّاس إِلَيْهِ فَبَايعُوهُ وَتركُوا طَلْحَة أخرجه فِي المناقب وَغَيره وَلَا تضَاد بَين هَذَا وَمَا قبله بل يحمل على أَن طَائِفَة من النَّاس أَرَادوا بيعَة طَلْحَة وَالْجُمْهُور أَتَوا عليا فِي دَاره وسألوه فأجابهم على مَا تقدم تَقْرِيره فَخرج بعد انصرافهم عَنهُ فِي بعض شئونه فَلَمَّا سمع كَلَام ذَلِك الرجل خشِي الْخلف بَين النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فِي وقته ذَلِك وبادر إِلَى الْبيعَة لهَذَا الْمَعْنى لَا لحب المملكة وخشية فَوَاتهَا فَإِنَّهُ الزَّاهِد فِيمَا سوى الله وَلَا قيمَة لسَمَاع كَلَام ذَلِك الرجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 قَالَ ابْن إِسْحَاق إِن عُثْمَان لم اقْتُل بُويِعَ عَليّ بن أبي طَالب بيعَة الْعَامَّة فى مَسْجِد رَسُول الله وَبَايع أهل الْبَصْرَة وَبَايع لَهُ أهل الْيمن وبالمدينة طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وتخلف عَن بيعَته نفر فَسئلَ عَنْهُم فَقَالَ أُولَئِكَ قوم قعدوا عَن الْحق وَلم يقومُوا مَعَ الْبَاطِل بُويِعَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْم السبت تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام من سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة قَالَ الْعَلامَة الْحَافِظ الذهبى وروى عَن أبي حَارِثَة وَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَا لما أَتَى مُعَاوِيَة الْخَبَر أرسل إِلَى حبيب بن مسلمة الفِهري فَقَالَ أشر عَليّ بِرَجُل ينفذ بأَمْري وَلَا يقصر قَالَ مَا أعرف لذَلِك غَيْرِي قَالَ أَنْت لَهَا وَجعل على مقدمته يزِيد بن شجعة الْحِمْيَرِي فِي ألف وَقَالَ إِن قدمت يَا حبيب وَقد قتل فَلَا تدعن أحدا أَشَارَ إِلَيْهِ وَلَا أعَان عَلَيْهِ إِلَّا قتلته وَإِن أَتَاك الْخَبَر قبل أَن تصل فأقم حَتَّى أنظر وَبعث يزِيد بن شجعة فِي ألف على البغال يقودون الْخَيل مَعَهم الْإِبِل عَلَيْهِم الروايا فأغذ السّير فَأَتَاهُ خبر قَتله بِقرب خَيْبَر ثمَّ أَتَاهُ النُّعْمَان بن بشير مَعَه الْقَمِيص الَّذِي قَتَلُوهُ فِيهِ بالدماء وأصابع نائلة امْرَأَة عُثْمَان قد قطعهَا السَّيْف حِين أَرَادَت الدفاع عَنهُ والخصلة الشّعْر من لحية عُثْمَان أرْسلت ذَلِك أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان ابْن حَرْب زَوجته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَرَجَعُوا فلفه مُعَاوِيَة فِي الْقَمِيص على مِنْبَر دمشق والأصابع معلقَة فِيهِ فآلى رجال من أهل الشَّام لَا يأْتونَ النِّسَاء وَلَا يمسِون الْغسْل إِلَّا من حلم وَلَا ينامون على فرَاش حَتَّى يقتلُوا قتلة عُثْمَان أَو تفنى أَرْوَاحهم وبكوه سنة فَلَمَّا كَانَت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ كَانَت فتْنَة الْجمل قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى مروج الذَّهَب ومعادن الْجَوْهَر قَالَ ابْن عَبَّاس قدمت من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة بعد قتل عُثْمَان بِخَمْسَة أَيَّام فَجئْت لأدخل على عَليّ فَقيل لي عِنْده الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَجَلَست بِالْبَابِ سَاعَة فَخرج الْمُغيرَة عَليّ وَقَالَ مَتى قدمت قلت السَّاعَة فَدخلت عَلَى عَليّ فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ لي أَيْن لقِيت الزبير وَطَلْحَة قلت بالمراصف وَكَانَا قد استأذنا عليّاً فِي الْعمرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 فَقَالَ لَهما لعلكما تريدان الْبَصْرَة أَو الشَّام فأقسما أَنَّهُمَا لَا يقصدان غير مَكَّة للْعُمْرَة وَكَانَت عَائِشَة بهَا قد خرجت من قبل حَاجَة ثمَّ قَالَ عَليّ وَمن مَعَهُمَا قلت أَبُو مَسْعُود بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي فِي فتية من قُرَيْش فَقَالَ عَليّ أما إِنَّهُم لن يدعوا أَن يخرجُوا يَقُولُونَ نطلب بِدَم عُثْمَان وَالله يعلم إِنَّهُم قتلة عُثْمَان فَقلت لَهُ أَخْبرنِي عَن شَأْن الْمُغيرَة ودخوله عَلَيْك فَقَالَ جَاءَنِي بعد مقتل عُثْمَان بيومين فَقَالَ إِنَّنِي نَاصح لَك وَإِنِّي أُشير عَلَيْك بإبقاء عُمَّال عُثْمَان فأكتب إِلَيْهِم بإبقائهم على أَعْمَالهم فَإِذا بايعوك وَاطْمَأَنَّ أَمرك عزلت من كرهت وأبقيت من أَحْبَبْت فَقلت وَالله لَا أداهن فِي ديني وَلَا أعطي الرِّيَاء فِي أَمْرِي قَالَ فَإِن كنت قد أَبيت فانزع من شِئْت وَأثبت مُعَاوِيَة فَإِن لَهُ جرْأَة وَهُوَ فِي أهل الشَّام مسموع مِنْهُ وَلَك حجَّة فِي إبقائه فقد كَانَ عمر ولاه الشَّام كلهَا وَعُثْمَان بعده فَقلت وَالله لَا أسْتَعْمل مُعَاوِيَة يَوْمَيْنِ فَخرج من عِنْدِي على إِشَارَته ثمَّ عَاد إِلَيّ بعد يَوْم فَقَالَ إِنِّي أَشرت عَلَيْك بِمَا علمت فَنَظَرت فِي الْأَمر فَإِذا أَنْت مُصِيب لَا يَنْبَغِي أَن تَأْخُذ أَمرك بخدعة وَلَا يكون لَك فِيهِ دُلْسَة قَالَ ابْن عَبَّاس فَقلت لعَلي أما أول مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْك فقد نصحك وَأما الآخر فقد غشك وَإِنِّي أُشير عَلَيْك بتثبيت مُعَاوِيَة فَإِن بَايع لَك فلك على أَن أنقله من منزله فَقَالَ عَليّ وَالله لَا أعطي مُعَاوِيَة إِلَّا السَّيْف حَتَّى يدْخل فِي الْحق وتمثل بقول الْقَائِل // (من الطَّوِيل) // (فَمَا مِيْتَةٌ إنْ مِتهَا غَيْرَ عَاجِزٍ ... بِعَارٍ إِذَا مَا غَالَتِ النَّفْسُ غَوْلَهَا) فَقلت وَهُوَ وَالله لَا يعطيك إِلَّا السَّيْف حَتَّى يغلب بباطله حَقك قَالَ عَليّ وَكَيف ذَاك قلت إِنَّك تطاع الْيَوْم وتعصى غَدا وَإنَّهُ يطاع وَلَا يعْصى فَلَمَّا انْتَشَر عَليّ على أَصْحَابه وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذْ ذَاك بِالْبَصْرَةِ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لله در ابْن عَبَّاس كَأَنَّهُ ينظر إِلَى الْغَيْب من ستر رَقِيق وَفِي رِوَايَة فَقلت لَهُ بعد تمثله بِالْبَيْتِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت رجل شُجَاع أما سَمِعت قَوْله الْحَرْب خدعة قَالَ بلَى فَقلت أما وَالله لَئِن أطعتنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 لأصدرن لَهُم بعد ورد ولأتركنهم ينظرُونَ فِي أدبار الْأُمُور كَمَا لَا يَدْرُونَ مَا كَانَ وَجههَا فِي غير نقض وَلَا إِثْم فَقَالَ لي يَا بن عَبَّاس لست من هناتك وَلَا هَنَات مُعَاوِيَة فِي شَيْء تُشِير عَليّ بِرَأْي فِيهِ فَإِذا عصيتك فأطعني فَقلت فَأَنا أفعل وأيسر مَالك عِنْدِي الطَّاعَة فَقَالَ سر إِلَى الشَّام فقد وليتكها قلت مَا هَذَا بِرَأْي يضْرب عنقِي بعثمان وَأدنى مَا هُوَ صانع أَن يخلصني قَالَ عَليّ ولمَ قلت لقرابتي مِنْك فَإِن كل من حمل عَلَيْك حمل عَليّ وَلَكِن اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَة فَمِنْهُ وعِدهُ فَأبى عَليّ وَقَالَ وَالله لَا كَانَ هَذَا أبدا ثمَّ تَلا {وَما كنُتُ مُتخَذَ المُضِلِينَ عضداً} الْكَهْف 51 وروى الْوَاقِدِيّ عَن رِجَاله قَالَ كَانَ يعلى بن منية التَّمِيمِي عَامل عُثْمَان على الْيمن فَوَافى الْمَوْسِم عَام قتل عُثْمَان فجَاء إِلَى عَائِشَة وَهِي بِمَكَّة لِلْحَجِّ فَقَالَ قد قتل خليفتك الَّذِي كنت تحرصين عَلَيْهِ فَقَالَت بَرِئت إِلَى الله من قَاتله وَعَن الْوَلِيد بن عبد الله قَالَ قَالَ يعلى بن منية أَيهَا النَّاس من خرج يطْلب بِدَم عُثْمَان فعلي جهازه وَكَانَ مَعَهم بِمَكَّة عبد الله بن عَامر بن كريز عَامل عُثْمَان على الْبَصْرَة فهرب مِنْهَا لما أَخذ الْبيعَة بهَا لعَلي على النَّاس جَارِيَة بن قدامَة السَّعْدِيّ وَأعْطى يعلى بن مُنَبّه عَائِشَة أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم وَقَالَ هَذِه من عين مالى أقوى بهَا من طلب بِدَم عُثْمَان فَبلغ عليا قَوْله فَقَالَ من أَيْن لَهُ سرق الْيمن ثمَّ جَاءَ وَأَعْطَاهَا كُرَاعًا وسلاحاً والجمل الَّذِي عَلَيْهِ هودجها واسْمه عَسْكَر فَلَمَّا انكشفوا يَوْم الْجمل هرب يعلى الْمَذْكُور قَالَ الذَّهَبِيّ لما قتل عُثْمَان سقط فِي أَيدي أَصْحَاب النبى فَبَايعُوا عليا رَضِي الله عَنهُ ثمَّ إِن طَلْحَة وَالزُّبَيْر ومروان وَعَائِشَة وَمن تَابعهمْ من بني أُميَّة رَأَوْا أَنهم لَا يخلصهم مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ من توانيهم فِي نصْرَة عُثْمَان إِلَّا أَن يقومُوا فِي الطّلب بدمه وَالْأَخْذ بثأره مِمَّن قَتله فَسَار طَلْحَة وَالزُّبَيْر من الْمَدِينَة واستأذنا عليا فِي الْعمرَة فَقَالَ لَهما مَا تقدم فأقسما أَنَّهُمَا يُريدَان مَكَّة للْعُمْرَة وَكَانَت عَائِشَة بِمَكَّة حَاجَة فَاجْتمعُوا وَمَعَهُمْ يعلى بن منية عَامل الْيمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 وَعبد الله بن عَامر عَامل الْبَصْرَة فأرادوا الشَّام فصدهم عبد الله بن عَامر وَقَالَ إِن مُعَاوِيَة لَا ينقاد إِلَيْكُم وَلَا يعطيكم من نَفسه الظنة لَكِن هَذِه الْبَصْرَة لي بهَا صنائع وعدة فجهزهم بِأَلف ألف دِرْهَم وَسَار الْقَوْم نَحْوهَا فِي نَحْو سِتّمائَة رَاكب فَانْتَهوا بِاللَّيْلِ إِلَى مَاء لبني كلاب يعرف بالحوأب فعوت كلابه على الركب فَسَأَلت عَائِشَة عَن اسْم هَذَا المَاء فَقيل لَهَا الحوأب فَذكرت قَوْله لنسائه وَعَائِشَة مَعَهُنَّ أيتكن صَاحِبَة الْجمل الْأَدَب أَو الأديب تنبحها كلاب الحوأب تنجو بعد مَا كَادَت فاسترجعت وَقَالَت ردوني إِلَى حرم رَسُول الله لَا حَاجَة لي فِي الْمسير هَذَا فَقَالَ لَهَا الزبير تالله مَا هَذَا بالحوأب وَأَشَارَ إِلَى جبل هُنَاكَ وَلَقَد غلط من أخْبرك فَأتوا إِلَى الْبَصْرَة فَخرج إِلَيْهِم عُثْمَان بن حنيف الْأنْصَارِيّ عَامل على عَلَيْهَا فمانعهم وَجرى بَينهم قتال ثمَّ اصْطَلحُوا على ترك الْحَرْب إِلَى قدوم عَليّ فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيَالِي أَسرُّوا عُثْمَان ونتفوا لحيته وَقتلُوا سبعين رجلا فهم أول من قتل فِي الْإِسْلَام ظلما وتشاح الزبير وَطَلْحَة فِي الصَّلَاة بِالنَّاسِ ثمَّ اتَّفقُوا لهَذَا يَوْم وَللْآخر يَوْم وَسَار عَليّ رَضِي الله عَنهُ من الْمَدِينَة بعد أَرْبَعَة أشهر مَعَه أَرْبَعَة آلَاف حَتَّى انْتهى إِلَى الربذَة وَفَاته طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَكَانَ أَرَادَهُم فَانْصَرف حِين فاتوه إِلَى الْعرَاق وَأرْسل ابْنه الْحسن وعمار بن يَاسر إِلَى الْكُوفَة يستنفران لَهُ النَّاس وَكتب من الربذَة إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَكَانَ ولاه على الْكُوفَة فَقَالَ أَبُو مُوسَى إِنَّمَا هِيَ فتْنَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 فثبط النَّاس فَبلغ ذَلِك عليا فولى على الْكُوفَة بدله قرظة بن كَعْب الْأنْصَارِيّ وَكتب إِلَى أبي مُوسَى اعتزل عَملنَا يَا بن الحائك مذموماً مَدْحُورًا فَمَا هَذَا أول يَوْمنَا مِنْك وَخرج مَعَ الْحسن وعمار نَحْو سَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتُّونَ رجلا فيهم الأشتر النَّخعِيّ وَقَالَ عمار لأهل الْكُوفَة أما وَالله إِنِّي لأعْلم أَنَّهَا يَعْنِي عَائِشَة زَوْجَة نَبِيكُم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَكِن الله ابتلاكم بهَا لينْظر أتبغونه أم إِيَّاهَا فَخرج الْقَوْم مَعَ الْحسن وعمار حَتَّى قدمُوا على عَليّ بِذِي قار اسْم مَكَان فَسَار فِي نَحْو عشرَة آلَاف حَتَّى أَتَى الْبَصْرَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَانَ على خيل عَليّ يَوْم الْجمل عمار بن يَاسر وعَلى الرجل مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وعَلى الميمنة عَليّ بن الْهَيْثَم السدُوسِي وَيُقَال عبد الله بن جَعْفَر وعَلى الميسرة الْحُسَيْن بن عَليّ وعَلى الْمُقدمَة عبد الله بن عَبَّاس وَدفع اللِّوَاء إِلَى ابْنه مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَكَانَ على خيل طَلْحَة وَالزُّبَيْر طليحة وعَلى الرجل عبد الله بن الزبير وعَلى الميمنة عبد الله بن عَامر بن كريز وعَلى الميسرة مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ اللِّوَاء مَعَ عبد الله بن حَكِيم بن حزَام المَخْزُومِي وَقَالَ الْمطلب بن زِيَاد عَن السّديّ شهد مَعَ عَليّ يَوْم الْجمل مائَة وَثَلَاثُونَ بَدْرِيًّا وَسَبْعمائة من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قلت وَرَأَيْت نقلا عَن الشّعبِيّ أَنه بَالغ فَقَالَ لم يشْهد الْجمل من الصَّحَابَة إِلَّا عَليّ وعمار وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَهُوَ مُخَالف لما نَقله الثِّقَات غَيره وَذكر عَن الْمُنْذر ابْن أبي الْجَارُود فِيمَا حدث بِهِ الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي عَن ابْن عَائِشَة عَن معن ابْن عِيسَى أَنه لما قدم على الْبَصْرَة دخل مِمَّا يَلِي الطف قَالَ ابْن الْجَارُود فَخرجت أنظر إِلَيْهِ فورد فِي موكب عَظِيم وَله ألف فَارس يقدمهم فَارس على فرس أَشهب عَلَيْهِ قلنسوة وَثيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا مَعَه راية وَإِذا تيجان الْقَوْم الْأَغْلَب عَلَيْهَا الْبيَاض مدججين فِي الْحَدِيد وَالسِّلَاح فَقلت من هَذَا فَقيل لى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 هَذَا أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ خَالِد بن زيد وَقيل ابْن زيد صَاحب رَسُول الله الَّذِي نزل عَلَيْهِ مقدمه الْمَدِينَة وَأقَام فِي بَيته إِلَى أَن عمر الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وبيوت نِسَائِهِ وَهَؤُلَاء الْأَنْصَار مَعَه ثمَّ تلاه فَارس آخر عَلَيْهِ عِمَامَة صفراء وَثيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا متنكباً قوساً مَعَه راية على أشقر فِي نَحْو ألف فَارس فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا حُذَيْفَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس كميت معتماً بعمامة صفراء من تحتهَا قلنسوة بَيْضَاء وَعَلِيهِ قبَاء أَبيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا متنكباً قوساً فِي نَحْو ألف فَارس من النَّاس وَمَعَهُ راية فَقلت من هَذَا فَقيل أَبُو قَتَادَة بن ربعي الْأنْصَارِيّ ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس أدهم عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة سَوْدَاء قد مد لَهَا بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه شَدِيد الأدمة عَلَيْهِ سكينَة ووقار رَافعا صَوته بالقران مَعَه راية فِي ألف فَارس من النَّاس مختلفي الألوان والتيجان من شُيُوخ وكهول وشيب وشباب عَلَيْهِم السكينَة وَالْوَقار كَأَنَّمَا أوقفوا ليَوْم الْحساب وَأثر السُّجُود فِي جباههم فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا عمار بن يَاسر المَخْزُومِي فِي عدَّة من الصَّحَابَة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ ثمَّ تلاه فَارس على فرس أشقر وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا تخط رِجْلَاهُ فِي الأَرْض طولا فِي ألف من النَّاس الْغَالِب على تيجانهم الصُّفْرَة وَالْبَيَاض مَعَه راية صفراء فَقلت من هَذَا فَقيل هَذَا قيس بن سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي فِي عدَّة من الْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ وَغَيرهم من قحطان ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس أشكل مَا رَأينَا أحسن مِنْهُ عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة سَوْدَاء أسدلها بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَبِيَدِهِ لِوَاء فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا عبيد الله بن الْعَبَّاس أَخُو عبد الله ثمَّ تلاه موكب آخر فِيهِ فَارس أشبه النَّاس بالأولين قبله فَقلت من هَذَا قيل هَذَا قثم بن الْعَبَّاس ثمَّ أَقبلت الرَّايَات والمواكب يَتْلُو بَعْضهَا بَعْضًا واشتبكت الرماح ثمَّ ورد موكب فِيهِ خلق من النَّاس عَلَيْهِم السِّلَاح وَالْحَدِيد مختلفي الرَّايَات فِي أَوله راية عَظِيمَة فِي أَوله فَارس كَأَنَّهُ قد كسر وجبر نظره إِلَى الأَرْض أَكثر من نظره إِلَى فَوق حوله أُمَم كَأَنَّمَا على رُءُوسهم الطير عَن يَمِينه شَاب حسن الْوَجْه وَبَين يَدَيْهِ شَاب مثلهمَا قلت من هَؤُلَاءِ فَقيل لي هَذَا عَليّ بن أبي طَالب وَأما من عَن يَمِينه فالحسن وَعَن شِمَاله الْحُسَيْن وَهَذَا مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة بَين يَدَيْهِ مَعَه الرَّايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 الْعُظْمَى وَهَذَا الَّذِي خَلفه عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَهَؤُلَاء أَوْلَاد عقيل وَغَيرهم من فتيَان بني هَاشم وَهَؤُلَاء الْمَشَايِخ من أهل بدر الَّذين شهدوها مَعَ النَّبِي من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَسَار عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَتَّى نزل بالموضع الْمَعْرُوف بالزاوية فصلى أَربع رَكْعَات وعفر خديه فِي التُّرَاب وَقد خلط ذَلِك بدموعه ثمَّ رفع يَدَيْهِ يَدْعُو ثمَّ بعث رجلا من أَصْحَابه يُقَال لَهُ مُسلم مَعَه مصحف يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَرَمَوْهُ بِسَهْم فَقَتَلُوهُ فَحمل إِلَى عَليّ فَقَالَت أم مُسلم // (من الرجز) // (يَا رَبِّ إنَّ مُسْلِماً أَتَاهُمْ ... يَتْلُو كِتَابَ اللهِ لاَ يَخْشَاهُمْ) (فَخَضَّبُوا مِنْ دَمِهِ لِحَاهُمْ ... وَأُمُّهُ قَائِمَةٌ تَرَاهُمْ) ثمَّ إِن عليا رَضِي الله عَنهُ راسل الْقَوْم وناشدهم فَأَبُو إِلَّا الْقِتَال فَكَانَت وقْعَة الْجمل قَالَ الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه اصطف الْفَرِيقَانِ وَلَيْسَ لطلْحَة وَلَا لعَلي رَأْسِي الْفَرِيقَيْنِ قصد فِي الْقِتَال بل ليتكلما فِي اجْتِمَاع الْكَلِمَة فترامى أوباش الطَّائِفَتَيْنِ وشبت نَار الْحَرْب وثارت النُّفُوس وَبَقِي طَلْحَة يَقُول أَيهَا النَّاس أنصِتوا والفتنة تغلى فَقَالَ أُفٍّ فرَاش النَّار وذباب طمع وَقَالَ اللَّهُمَّ خُذ لعُثْمَان مني الْيَوْم حَتَّى ترْضى إِنَّا داهنا فِي أَمر عُثْمَان كُنَّا بالْأَمْس يدا على من سوانا وأصبحنا الْيَوْم جبلين من حَدِيد يزحف أَحَدنَا إِلَى صَاحبه وَقد كَانَ مني فِي أَمر عُثْمَان مَا لَا أرى كَفَّارَته إِلَّا بسفك دمي وَعَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما كَانَ عَليّ بالربذة مُتَوَجها إِلَى الْبَصْرَة لِلْقِتَالِ قَامَ إِلَيْهِ ابْنه الْحسن فَبكى بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ ائْذَنْ لي فأتكلم قَالَ تكلم ودع عَنْك أَن تحن حنين الْأمة فَقَالَ لقد كنت أشرتُ عَلَيْك بالْمقَام وَأَنا أُشير بِهِ عَلَيْك الْآن إِن للْعَرَب جَوْلَة وَلَو رجعت إِلَيْهَا عوازب أحلامها لضربوا إِلَيْك آباط الْإِبِل حَتَّى يستخرجوك وَلَو كنت فِي مثل جُحر الضَّب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 فَقَالَ عَليّ أَترَانِي لَا أَبَا لَكَ كنتُ منتظراً كَمَا ينْتَظر الضبع اللدم وَعَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عَم لَهُ أَنه لما كَانَ يَوْم الْجمل نَادَى عَليّ فِي النَّاس لَا تراموا أحد بِسَهْم وكلوا الْقَوْم فَإِن هَذَا مقَام من فلج فِيهِ فلج يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ إِن الْقَوْم نادوا بأجمعهم يَا ثَارَاتِ عُثْمَان قَالَ وَابْن الْحَنَفِيَّة أمامنا برتوة مَعَه اللِّوَاء فَمد عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ كب قتلة عُثْمَان لوجوههم ثمَّ إِن الزبير قَالَ لأساورة مَعَه ارموهم وَلَا تبلغوا فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن ينشب الْقِتَال فَلَمَّا نظر أَصْحَاب عَليّ إِلَى النشاب لم ينتظروا أَن يَقع إِلَى الأَرْض وحملوا عَلَيْهِم فهزموهم وَخرج عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِنَفسِهِ حاسراً على بغلة رَسُول الله فَنَادَى يَا زبير اخْرُج إِلَيّ فَخرج شاكي السِّلَاح حَتَّى الْتَقت أَعْنَاق دَوَابِّهِمَا فَقيل ذَلِك لعَائِشَة فَقَالَت واخفرتك يَا أَسمَاء فَقيل لَهَا الزبير شاكي السِّلَاح وَعلي حاسر فاطمأنت قَلِيلا فَقَالَ لَهُ عَليّ وَيحك يَا زبير مَا الَّذِي أخرجك قَالَ دم عُثْمَان فَقَالَ عَليّ قتل الله أولانا بِدَم عُثْمَان ثمَّ قَالَ لَهُ أَتَذكر يَا زبير يَوْم لقِيت رَسُول الله وضحكتُ إِلَيْهِ وَأَنت مَعَه فَقلت مَا يدع ابْن أبي طَالب زهوه فَقَالَ لَك لَيْسَ بِهِ زهو أَتُحِبُّهُ يَا زبير فَقلت وَالله إِنِّي لَأحبهُ فَقَالَ لَك إِنَّك ستقاتله وَأَنت لَهُ ظَالِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 فَقَالَ الزبير أسْتَغْفر الله لَو ذكرتها مَا خرجت فَكيف أرجع الْآن وَقد الْتَقت حلقتا البطان هَذَا وَالله الْعَار الَّذِي لَا يغسل أبدا فَقَالَ عَليّ يَا زبير ارْجع بالعار قبل أَن يُجْمَعَ الْعَار وَالنَّار فَرجع الزبير وَهُوَ يَقُول // (من الْبَسِيط) // (إِخْتَرتُ عَاراً عَلَى نَارٍ تُؤَجِّجْه ... أَنَّى يَقُومُ بِهَا خَلْقٌ مِنَ الطِّينِ) (نَادَى عَليٌّ بِأَمْر لَسْتُ أَجْهَلُهُ ... عَارٌ لَعَمْرُكَ فِي الدُّنْيا وَفى الدِّينِ) (فَقُلْتُ حَسْبُكَ مِنْ عَذْلٍ أَبَا حَسَنٍ ... فَبَعْضُ هَذَا الَّذِى قَدْ قُلْتَ يَكْفِينى) فَقَالَ لَهُ ابْنه عبد الله بن الزبير إِلَى أَيْن تذْهب فَقَالَ أذكرني عَليّ أمرا كنت نَسِيته قَالَ لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لَكِن فَرَرْت من سيوف بني هَاشم فَإِنَّهَا حداد يحملهَا فتية أنجاد فَقَالَ رَاوِيه قَالَ لَهُ جبنا جبنا فَقَالَ لَا وَالله وَلكنه أذكرني أمرا أنسانيه الدَّهْر فاخترت الْعَار على النَّار أباِلجبن تعيرني لَا أَبَا لَك ثمَّ قلع سِنَان رمحه وَسَار فِي ميمنة عَليّ فَقَالَ عَليّ أفرجوا لَهُ فقد هاجوه ثمَّ رَجَعَ فَشد فِي الميسرة ثمَّ رَجَعَ فَشد فِي الْقلب ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لِابْنِهِ أيفعل هَذَا جبان ثمَّ مضى منصرفاً بوادي السبَاع والأحنف بن قيس التَّمِيمِي منحاز فِي قومه من بني تَمِيم فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ هَذَا الزبير مار فَقَالَ مَا أصنع بالزبير وَقد جمع بَين جيشين عظيمين يقتل بَعضهم بَعْضًا وَهَا هُوَ صَار إِلَى منزله سالما فَلحقه عَمْرو بن جرموز بوادي السبَاع وَقد نزل الزبير للصَّلَاة فَأَتَاهُ من خَلفه فطعنه وَهُوَ فِي الصَّلَاة ثمَّ استسقى الزبير لَبَنًا فشربه فَخرج من جرحه فَمَاتَ رَحمَه الله فاحتز رَأسه وأتى بِهِ وسيفه إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عَليّ يَا أَعْرَابِي تبوأ مَقْعَدك من النَّار سَمِعت رَسُول الله يَقُول قَاتل ابْن صَفِيَّة فِي النَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 وَقَالَ عَليّ طالما جلا الكروب عَن وَجه رَسُول الله وَلَكِن حُلُول الْحِين وَمِقْدَار السوء وَقَالَ قَاتله لما قَالَ لَهُ عَليّ مَا قَالَ // (من المتقارب) // (أَتَيْتُ عَلِيَّا بِرَأْسِ الزُّبَيْرِ ... وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو بِهِ الزُّلفَهْ) (فَبَشَّرَ بِالنَّارِ قَبْلَ العِيَانِ ... وَلَيْسَتْ بِشَارَة ذِى التُّحفَه) (لَسيَّانِ عِنْدِىَ قَتْلُ الزُّبَيْرِ ... وَضَرْطَةُ عيْرٍ بِذِى الْجُحفَهْ) وَقَالَ حسان بن ثَابت يرثيه // (من الطَّوِيل) // (أَقَامَ عَلَى هَدْىِ النَّبِيِّ وَهَدْيِهِ ... حَوَارِيُّهُ وَالقوْلُ بِالْفِعْلِ يَكْمُلُ) (أَقَامَ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَريقِهِ ... يُوَالِى وَلِىَّ الحَقِّ وَالْحَقُّ أَعْدَلُ) (هُوَ الفَارِسُ المَشْهُورُ وَالْبَطَلُ الَّذِى ... يَصُولُ إِذا مَا كَانَ يَوْمٌ محَجَّلُ) (إِذَا كَشَّفْتْ عَن سَاقِهَا الحَرْبُ حَثَّهَا ... بِأَبْيَضَ سَبَّاقٍ إِلى الموتِ يَرْفُلُ) (فَمَا مِثْلُه فيهِمْ وَلاَ كَانَ قَبْلَهُ ... وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ مَا دَامَ يَذْبُلُ) (ثَنَاؤُكَ خَيْرٌ مِنْ فِعَالِ مَعَاشِرٍ ... وَفِعْلُكَ يَابْنَ الهَاشميةِ أَفْضَلُ) (فَكَمْ كرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ ... عَنِ المُصْطَفَى وَاللهُ يُعْطِى فَيُجْزِلُ) وَفِيه يَقُول بعض بني آل الزبير // (من الْكَامِل) // (جَدِّى ابْنُ عمَّة أحمدٍ وَوَزِيرُهُ ... عِنْدَ البَلاءِ وَفَارِسُ الشُّعَرَاءِ) (وَغَدَاةَ بَدْرٍ كَانَ أوَّلَ فَارِسٍ ... شَهِدَ الوَغَى فِي اللأَّمةِ الصَّفْرَاءِ) (نَزَلَتْ بِسيمَاهُ المَلائِكُ نُصْرَةً ... بِالحَوْضِ يَوْم تأَلُّبِ الأَعْداءِ) وَقَالَ جرير يرثيه // (من الْكَامِل) // (إنَّ الرزيَّةَ مَنْ تَضَمَّنَ قَبْرَهُ ... وَادِى السباعِ لِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 (لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزبيرِ تَواضَعَتْ ... سُورُ المَدِينَةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ) وَقَالَت زَوجته عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أُخْت سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة الْكِرَام رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم // (من الْكَامِل) // (غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسٍ مُهْجَةٍ ... يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَذِّرِ) (يَا عَمْرو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدتهُ ... لاَ طَائِشاً رَعِشَ البَنَانِ وَأَبْتَرِ) ونادى عَليّ رَضِي الله عَنهُ بعد رُجُوع الزبير طَلْحَة فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا الَّذِي أخرجك قَالَ الطّلب بِدَم عُثْمَان قَالَ عَليّ قتل الله أولانا بِدَم عُثْمَان أما سمعته يَقُول اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَأَنت أول من بايعني ثمَّ نكثت وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَمَن نكث فَإِنَّمَا يَنكث علَىَ نَفسِه} الْفَتْح 10 فَقَالَ طَلْحَة أسْتَغْفر الله ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ مَرْوَان رَجَعَ الزبير وَيرجع طَلْحَة وَالله لَا أطلب ثَأْرِي بعد الْيَوْم فَرمى مَرْوَان طَلْحَة بِسَهْم شكّ سَاقه بِجنب فرسه فَمَا زَالَ ينشج حَتَّى مَاتَ وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ هَذَا مِمَّن أعَان على قتل عُثْمَان والتفت إِلَى أبان بن عُثْمَان وَقَالَ لَهُ قد كَفَيْنَاك بعض قتلة أَبِيك ثمَّ اقْتَتَلُوا فَقطعت على خطام الْجمل سَبْعُونَ يدا مختمة كُلما أَخذ رجل بخطامه قطعت يَده وَكلهمْ من بني ضبة وهم يرتجزون بقَوْلهمْ (نَحْنُ بَنُو ضَبَّةَ أَصْحَابُ الجَمَلْ ... لاَ نَرْهَبُ المَوْتَ إِذَا المَوْتُ نَزَلْ) (رَدُّوا عَلَيْنا شَيْخنا ثمَّ بجلْ ... عُثْمَان رُدُّوهُ بِأَطْرَافِ الأَسَلْ) قَالَ الْعَلامَة إِبْرَاهِيم البيهقى فى كِتَابه المحاسن والمساوى لما سَارَتْ عَائِشَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 أَقبلت فِي هودج من حَدِيد وهى تنظر من ينظر قد صير لَهَا فِيهِ فَقَالَت لرجل من ضبة وَهُوَ آخذ بِخِطَام جملها أَيْن ترى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لَهَا هُوَ ذَاك رَافعا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء فَنَظَرت عَائِشَة إِلَيْهِ ثمَّ قَالَت مَا أشبهه بأَخيه فَقَالَ الضَّبِّيّ وَمن أَخُوهُ قَالَت رَسُول الله فنبذ خطام جملها من يَده وَمَال إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يَوْم الْجمل يَا أم الْمُؤمنِينَ هَل عهد إِلَيْك رَسُول الله هَذَا الْمسير قَالَت اللَّهُمَّ لَا فَقَالَ هَل وجدتيه فِي كتاب الله تَعَالَى قَالَت مَا نَقْرَأ إِلَّا مَا تقرءون قَالَ فَهَل رَأَيْت رَسُول الله اسْتَعَانَ بِشَيْء من نِسَائِهِ إِذا كَانَ فِي قلَّة وَالْمُشْرِكُونَ فِي كَثْرَة قَالَت اللَّهُمَّ لَا قَالَ الْأَحْنَف فَإِذن مَا هُوَ ذنبنا وَحمل أَصْحَاب الْجمل على ميمنة على وميسرته فكشفوها فَأتى عليا بعض ولد عقيل وَهُوَ يخْفق نعاساً فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هَذَا النعاس فَقَالَ لَهُ عَليّ اسْكُتْ يَا بن أخي إِن لعمك يَوْمًا لَا يعدوه وَالله مَا يُبَالِي عمك أوقع على الْمَوْت أَو الْمَوْت وَقع عَلَيْهِ ثمَّ بعث إِلَى وَلَده مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَكَانَ صَاحب رايته كَمَا تقدم ذكره وَقَالَ لَهُ احْمِلْ على الْقَوْم فَأَبْطَأَ مُحَمَّد بالحملة وَكَانَ بإزائه قوم من الرُّمَاة ينْتَظر نفاد سِهَامهمْ فَأَتَاهُ عَلِي فَقَالَ هلاَّ حملت على الْقَوْم فَقَالَ مَا أجد مُتَقَدما إِلَّا على سِنَان وَإِنِّي أنْتَظر نفاد سِهَامهمْ فَقَالَ لَهُ عَليّ احْمِلْ بَين الأسنة فَإِن للْمَوْت عَلَيْك جنَّة فَحمل مُحَمَّد فَشك بِالرِّمَاحِ والنبل فَأَتَاهُ عَليّ فَضَربهُ بقائم سَيْفه وَقَالَ لَهُ أذرعك عرق سوء أمك وَأخذ الرَّايَة من يَده وَحمل وَحمل النَّاس مَعَه فَمَا كَانَ الْقَوْم إِلَّا كرماد اشْتَدَّ بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف وَرمى الهودج بالنشاب حَتَّى صَار كَأَنَّهُ قنفد وصرخ صارخ اعقروا الْجمل فعقره رجل اخْتلف فِي اسْمه وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 الهودج ملبساً بالدروع وداخله أم الْمُؤمنِينَ وَهِي تشجع النَّاس الَّذين حول الْجمل فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِنَّهَا نَدِمت وَنَدم عَليّ عَلَى مَا وَقع ثمَّ أَتَى عَليّ كرم الله وَجهه إِلَى الهودج فَضرب أَعْلَاهُ بقضيب فِي يَده فَقَالَ أَبِهَذَا أَمرك رَسُول الله يَا حميراء وَالله مَا أنصفك الَّذين أخرجوك إِذْ أبرزوك وصانوا حلائلهم فسُمِعَ صَوت من الهودج ملكت فَأَسْجِحْ وَلما سقط الْجمل بعد الْوَقْعَة أَتَى مُحَمَّد بن أبي بكر فحط هودجها عَن الْجمل فَأدْخل يَده فَقَالَت مَن قَالَ أقرب النَّاس إِلَيْك قرَابَة وأبغضهم إِلَيْك مُحَمَّد بن أبي بكر يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل أَصَابَك شَيْء فَقَالَت مَا أصابني إِلَّا سهم لم يضر فِي شَيْئا والتقى الأشتر مَالك بن الْحَارِث النخعى من فرسَان على هُوَ وَعبد الله بن الزبير من فرسَان الْجمل فاعتركا وسقطا عَن فرسيهما وَطَالَ اعتراكهما فعلاه الأشتر وَلم يجد سَبِيلا إِلَى قَتله وَالنَّاس يجولون وَعبد الله بن الزبير يُنَادي وَيَقُول // (من مجزوء الْخَفِيف) // (أُقْتُلُونِى وَمَالِكاً ... وَاقْتُلُوا مَالِكَا مَعِى) فَلَا يسمعهُ أحد لشدَّة الصياح وَوَقع الْحَدِيد على الْحَدِيد وَلَا يراهما رَاء لظلمة النَّقْع وترادف العجاج وكلم خُزَيْمَة بن ثَابت عليا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ينكس الْيَوْم بِرَأْس مُحَمَّد واردد إِلَيْهِ الرَّايَة فَدَعَا بِهِ ورد إِلَيْهِ الرَّايَة ثمَّ قَالَ لَهُ // (من الرجز) // (إِطْعَنْ بِهَا طَعْنَ أَبِيكَ تُحْمَدِ ... ) (لاَ خيْر فِى الْحَرْبِ إِذَا لَمْ تُوقَدِ ... ) (بِالمَشْرَفِيِّ وَالْقَنَا المُسَدَّدِ ... ) ثمَّ استسقى عَليّ فَأتى بِعَسَل وَمَاء فحسا حسوة فَقَالَ هَذَا الطائفى وهوغريب بِهَذَا الْبَلَد فَقَالَ لَهُ عبد الله بن جَعْفَر أما يشغلك مَا نَحن فِيهِ عَن علم هَذَا فَقَالَ وَالله يَا بني مَا مَلأ صدر عمك شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 ثمَّ جهز عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَائِشَة وَبعث مَعهَا أخاها عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَثَلَاثِينَ رجلا وَعشْرين امْرَأَة من ذَوَات الدّين والشرف من نسَاء عبد الْقَيْس وهمدان وألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وَقَالَ لَا تعلمن عَائِشَة أنكن نسْوَة فَكُن هن اللَّاتِي يلين جملها وَخدمتهَا وَبعث على ابْن عَبَّاس إِلَى عَائِشَة يأمرها بِالْخرُوجِ إِلَى الْمَدِينَة مَعَ من هيأهم لِلْخُرُوجِ بهَا فَدخل عَلَيْهَا ابْن عَبَّاس بِغَيْر إِذْنهَا وَأخذ وسَادَة فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَقَالَت يَا بن عَبَّاس أَخْطَأت السّنة دخلت بِغَيْر إذننا وَجَلَست على رحلنا بِغَيْر أمرنَا فَقَالَ لَهَا لَو كنت فِي الْبَيْت الَّذِي خَلفك فِيهِ مَا دَخَلنَا إِلَّا بإذنك وَلَا جلسنا إِلَّا بِأَمْرك إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمُرك بِسُرْعَة الأوبة وَالتَّأَهُّب للرُّجُوع للمدينة ثمَّ خرج ابْن عَبَّاس من عِنْدهَا ثمَّ أَتَاهَا عَليّ فِي الْيَوْم الثَّانِي وَمَعَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن وَبَاقِي أَوْلَاده وَأَوْلَاد إخْوَته وَنسَاء من بنى هَاشم وَغَيرهم من شيعته من هَمدَان فَلَمَّا بصرن بِهِ النِّسَاء صحن فِي وَجهه يَا قَاتل الْأَحِبَّة فَقَالَ لَو كنت قَاتل الْأَحِبَّة لقتلت من فِي الْبَيْت وَأَشَارَ إِلَى بَيت من الْبيُوت كَانَ قد اختفى فِيهِ مَرْوَان بن الحكم وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن عَامر وَغَيرهم فَضرب من كَانَ مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِأَيْدِيهِم إِلَى قَوَائِم سيوفهم لما علمُوا أَن فِي الْبَيْت نَاسا حذرا من الاغتيال فَقَالَت لَهُ عَائِشَة بعد كَلَام طَوِيل كَانَ بَينهمَا إِنِّي أُرِيد أَن أكون مَعَك فأسير إِلَى قتال عَدوك عِنْد مسيرك فَقَالَ ارجعي إِلَى الْبَيْت الَّذِي تَركك فِيهِ رَسُول الله فَسَأَلته تَأْمِين ابْن أُخْتهَا عبد الله بن الزبير لِأَنَّهُ ابْن أَسمَاء بنت أبي بكر أُخْت عَائِشَة وَتكلم الْحسن وَالْحُسَيْن فِي مَرْوَان فَأَمنهُ وَأمن الْوَلِيد بن عقبَة وَولده عُثْمَان وَغَيرهم من بني أُميَّة وَأمن النَّاس جَمِيعًا وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من دخل دَاره فَهُوَ آمن وَمن ألْقى سلاحه فَهُوَ آمن ثمَّ ارتحلت عَائِشَة فَلَمَّا وصلت الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَت كنت بِخَير فِي مسيري وَقد أعْطى ابْن أبي طَالب فَأكْثر وَلكنه بعث معي رجَالًا أنكرتهم فعرفها النسْوَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 حالهن حِينَئِذٍ فَقَالَت مَا ازددت وَالله يَا ابْن أبي طَالب إِلَّا كرماً وددت إِنِّي لم أخرج هَذَا الْمخْرج وَأَنِّي أصابني كَيْت وَكَيْت من أُمُور شاقة ذكرتها وَإِنِّي قيل لي تخرجين فتصلحين بَين الْمُسلمين فَكَانَ مَا كَانَ ثمَّ ولى على الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس وَسَار إِلَى الْكُوفَة ثمَّ بعث إِلَى الْأَشْعَث بن قيس فَعَزله عَن أذربيجان وأرمينية وَكَانَ عَاملا لعُثْمَان عَلَيْهَا وَصرف جَرِيرًا عَن هَمدَان وَكَانَ عَاملا لعُثْمَان عَلَيْهَا وَكَانَ فِي نفس الْأَشْعَث عَلَيْهِ من ذَلِك شَيْء فَكَانَ مِنْهُ الْميل إِلَى خديعة عَمْرو بن الْعَاصِ قد أَرَادَ بِهِ تحكيم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَمَا سيأتى روى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ بَين الْعَبَّاس وعَلى بن أبي طَالب مباعدة فَلَقِيت عليا فَقلت لَهُ إِن كَانَ لَك فِي النّظر إِلَى عمك حَاجَة فَإِنَّهُ وجع وَمَا أَرَاك تَلقاهُ فَوَجَمَ لَهَا على وَأَقْبل على يَده وَرجله يقبلهَا وَيَقُول يَا عَم ارْض عني رَضِي الله عَنْك قَالَ قد رضيت عَنْك ثمَّ قَالَ يَا بن أخي كنت قد أَشرت عَلَيْك بأَشْيَاء فَلم تقبل مني فَرَأَيْت فِي عَاقبَتهَا مَا كرهت وَهَا أَنا الْآن أُشير عَلَيْك بِرَأْي آخر فَإِن قَبلته وَإِلَّا نالك مَا نالك فَقَالَ عَليّ وَمَا الَّذِي أَشرت بِهِ عَليّ يَا عَم قَالَ أَشرت عَلَيْك لما مرض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن تسأله فَإِن كَانَ الْأَمر فِينَا أعطاناه وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أوصى بِنَا فقلتَ إِنْ منعناها لم يعطناها أحد فمضت تِلْكَ فَلَمَّا قُبِضَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَتَانَا أَبُو سُفْيَان بن حَرْب تِلْكَ السَّاعَة فدعوناك إِلَى أَن نُبَايِعك فقلتُ ابْسُطْ يدك لنبايعك فَإنَّا إِن بايعناك لم يخْتَلف عَلَيْك منافي وَإِن بَايَعَك بَنو عبد منَاف لم تخْتَلف عَلَيْك قُرَيْش وَإِن بَايَعْتُك قُرَيْش لم يخْتَلف عَلَيْك أحد من الْعَرَب فقلتَ فِي جهاز النَّبِي شغل وَلَيْسَ على ثوب فَلم نَلْبَث أَن سمعنَا التَّكْبِير من سَقِيفَة بني سَاعِدَة فقلتَ مَا هَذَا يَا عَم قلت هَذَا مَا دعوناك إِلَيْهِ فأبيت فَقلت سُبْحَانَ الله وَيكون هَذَا قلت وَهل يرد مثل هَذَا ثمَّ أَشرت عَلَيْك حِين طعن عمر أَلا تدخل نَفسك فِي الشورى فَإنَّك إِن اعتزلتهم قدموك وَإِن ساويتهم تقدموك فَدخلت مَعَهم فَكَانَ مَا رَأَيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وَهَا أَنا أَقُول لَك أرى هَذَا الرجل يعْنى عُثْمَان بن عَفَّان يَأْخُذ فِي أُمُور وَكَأَنِّي بالعرب وَقد سَارَتْ إِلَيْهِ حَتَّى ينْحَر كَمَا تنحر الْجَزُور وَالله لَئِن كَانَ ذَلِك وَأَنت بِالْمَدِينَةِ ليرمينك النَّاس بدمه وَلَئِن فعلوا لَا تنَال من هَذَا الْأَمر شَيْئا إِلَّا بعد شَرّ لَا خير مَعَه انْتهى قَالَ ابْن عَبَّاس فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ أبي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَعَن عبد الله بن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ كَانَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة لي صديقا فَدَخَلْنَا على عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَعِنْده جمَاعَة يتذاكرون السّلف ففضل قوم أَبَا بكر وَقوم عمر وَقوم عليا رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ إِيَاس إِن عليا يرى أَنه كَانَ أَحَق النَّاس بِالْأَمر فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بكر وَرَأى أَنهم قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وَأَن ذَلِك قد أصلح الْعَامَّة اشْترى صَلَاح الْعَامَّة بِنَقْض رَأْي الْخَاصَّة يَعْنِي بني هَاشم ثمَّ لما ولي عمر فعل مثل ذَلِك بِهِ وبعثمان فَلَمَّا قتل عُثْمَان وَاخْتلف النَّاس وفسدت الْخَاصَّة والعامة وجد أعواناً فَقَامَ بِالْحَقِّ ودعا إِلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه كَذَا فِي المحاسن للبيهقي قَالَ المَسْعُودِيّ وَكَانَت وقْعَة الْجمل يَوْمًا وَاحِدًا وَقتل من أهل الْبَصْرَة وَغَيرهم ثَلَاثَة عشر ألفا وَمن أَصْحَاب على سَبْعَة آلَاف وَقيل خَمْسَة آلَاف وَقَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ قتل بَينهمَا ثَلَاثُونَ ألفا وَكَانَت يَوْم الْخَمِيس لعشرِ خلون من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ الْمَذْكُورَة قتل فِيهَا الْمَشَاهِير طَلْحَة بن عبيد الله الْقرشِي التَّيْمِيّ أحد الْعشْرَة المبشرة وَهُوَ أول قَتِيل يَوْم الْجمل بعد مُسلم الْجُهَنِيّ الَّذِي أمره على أَن يَدْعُو الْقَوْم بالمصحف إِلَى مَا فِيهِ فَرمي بِسَهْم فَقتل وَقد ذكرنَا أَن مَرْوَان من جَيش طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَأَنه الْقَاتِل لَهُ بِسَهْم رَمَاه بِهِ وَقَالَ مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ رأى عَليّ رَضِي الله عَنهُ طَلْحَة ملقى قَتِيلا فَنزل فَمسح التُّرَاب عَن وَجهه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 ولحيته وَهُوَ يترحم عَلَيْهِ وَيَقُول لَيْتَني مت قبل هَذَا الْيَوْم بِعشْرين سنة ثمَّ قَالَ عَزِيز عَليّ أَبَا مُحَمَّد أَن أَرَاك مجدلاً فِي الْأَدْوِيَة ثمَّ قَالَ إِلَى الله أَشْكُو عُجَري وبُجري وَقَالَ الْأَصْمَعِي مَعْنَاهُ سرائري وأحزاني وَلها معانٍ أخر مَذْكُورَة فِي اللُّغَة وَقَالَ اللَّيْث عَن طَلْحَة بن مصرف فدفنا طَلْحَة على شاطىء الكلاء بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَهُوَ مرسى المراكب فَرَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام يَقُول لَهُ أَلا ترى نجوني من هَذَا المَاء قد غرقت ثَلَاث مَرَّات يَقُولهَا فنبشوه فَإِذا هُوَ أَخْضَر كَأَنَّهُ السلق فنزحوا عَنهُ المَاء فاستخرجوه فَإِذا مَا يَلِي الأَرْض من لحيته وَوَجهه قد أَكلته الأَرْض فاشتروا لَهُ دَارا من دور أبي بكرَة بِعشْرَة آلَاف فدفنوه بهَا ومِمن قتل فِيهَا مُحَمَّد بن طَلْحَة وَكَانَ زاهداً عابداً صَالحا دينا قواماً ذكر ابْن سعد أَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبيد الله تقدم فَأخذ بِخِطَام الْجمل فَحمل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ لَهُ أذكرك حَامِيم فطعنه فَقتله ثمَّ قَالَ // (من الطَّوِيل) (وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآياتِ رَبِّهِ ... قَلِيلِ الأّذَى فِيمَا تَرَى العَين مُسْلِم) (هَتَكْتَ لَهُ بالرَّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ ... فَخَرَّ صَرِيعاً لليدّيْنِ وَلِلْفَمِ) (يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ والرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلاَّ تَلاَ حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ) (عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعاً ... عَلِيًّا وَمَنْ لاَ يَتْبَعِ الْحَقِّ يَنْدَمِ) فَسَار على ليلته فِي الْقَتْلَى مَعَه النيرَان فَمر بِمُحَمد بن طَلْحَة هَذَا قَتِيلا فَقَالَ لِابْنِهِ الْحسن يَا حسن مُحَمَّد السَّجَّاد وَرب الْكَعْبَة ثمَّ قَالَ أَبوهُ صرعه هَذَا المصرع وَلَوْلَا بره بِأَبِيهِ مَا خرج فَقَالَ لَهُ الْحسن مَا كَانَ أَغْنَاك عَن هَذَا يَا أَبَت فَقَالَ مَا لي وَلَك يَا حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 وَمِمَّنْ قتل حُكيم بن جبلة العبدى كَانَ متدينا عابدا وشريفا مُطَاعًا بطلاً وَهُوَ أحد من سَار إِلَى الْفِتْنَة وألب على عُثْمَان وَهُوَ من جمَاعَة عَليّ وَلم يزل يُقَاتل حَتَّى قطعت رجله فَأَخذهَا وَضرب بهَا الَّذِي قطعهَا فَقتله ثمَّ أَخذ يُقَاتل وَهُوَ يَقُول // (من منهوك الرجز) // (يَا سَاقُ لَنْ تُرَاعِي ... إِنَّ مَعَي ذِرَاعِي) (أَحْمِي بِهِ كُرَاعِي ... ) حَتَّى نزفه الدَّم فاتكأ على الْمَقْتُول الَّذِي قطع رجله فَمر بِهِ رجل فَقَالَ من قطع رجلك فَقَالَ وِسَادَتِي هَذِه ثمَّ أَتَاهُ سحيم الْحدانِي فَقتله وَذكر الْمَدَائِنِي أَنه رأى رجلا مصلم الْأُذُنَيْنِ فَسَأَلَهُ عَن قصَّته فَذكر أَنه خرج يَوْم الْجمل ينظر الْقَتْلَى فَنظر إِلَى رجل مِنْهُم يخْفق رَأسه وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (لَقَدْ أَوْرَدتْنَا أُمُّنَا حَوْمةَ الرَّدَى ... فَلَمْ نَنْصَرِفْ إِلاَّ وَنَحْنُ رِوَاءُ) (أَطَعْنَا بَنِي تَيْمٍ لِشِقْوَةِ جَدِّنَا ... وَمَا تَيْمُ إِلاَّ أَعْبُدٌ وَإِمَاءُ) فَقلت سُبْحَانَ الله تَقول هَذَا عِنْد الْمَوْت قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ يَا بن اللخناء أتأمرني بالجزع عِنْد الْمَوْت فوليت عَنهُ مُتَعَجِّبا فَقَالَ ادن مني لقني الشَّهَادَة فصرتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا قربت مِنْهُ استدناني ثمَّ الْتَقم أُذُنِي فَذهب بهَا فَجعلت ألعنه وأدعو عَلَيْهِ فَقَالَ إِذا صرت إِلَى أمك فَقَالَت لَك من فعل هَذَا بك فَقل عُمَيْر بن الأهلب الضَّبِّيّ مخدوع الْمَرْأَة الَّتِي أَرَادَت أَن تكون أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ كَانَت فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وقْعَة صفّين اسْم مَكَان كَانَت بِهِ الْوَقْعَة وَذَلِكَ أَن سيدنَا عليا كرم الله وَجهه ورضى الله عَنهُ وَجَه جرير بن عبد الله وَهُوَ الْمَقُول فِيهِ // (من الرجز) // (لَوْلاَ جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَهْ ... نِعْمَ الفَتَى وَبِئْسَتِ الْقَبِيلَهْ) إِلَى مُعَاوِيَة وَقد كَانَ الأشتر النَّخعِيّ حذر عليا من إرْسَاله جَرِيرًا وخوفه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 ذَلِك فَقَالَ جرير ابعثني فَإِنَّهُ لم يزل بِي مستنصحاً وداداً فآتيه فأسأله أَن يسلم إِلَيْك هَذَا الْأَمر وأدعو الشَّام إِلَى طَاعَتك فَقَالَ الأشتر لسيدنا عَليّ لَا تبعثه فوَاللَّه لأَظُن هَوَاهُ هواهم وَنِيَّته نيتهم فَقَالَ عَليّ دَعه حَتَّى نَنْظُر مَا يَأْتِي إِلَيْنَا بِهِ فَبعث بِهِ وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُعلمهُ بمبايعة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار واجتماعهم عَلَيْهِ ونكث الزبير وَطَلْحَة وَمَا أوقع الله بهما وَأمره بِالدُّخُولِ فِي طَاعَته وأعلمه أَنه من الطُّلَقَاء الَّذين لَا تحل لَهُم الْخلَافَة فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ جرير دافعه وَسَأَلَهُ الْإِقَامَة أَيَّامًا وَقد كَانَ كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ فَقدم إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مصر طعمة فَأَشَارَ عَمْرو بِالْبَعْثِ إِلَى وُجُوه الشَّام وَأَن يلْزم عليا دم عُثْمَان ومقاتلته فَقدم جرير على عَليّ فَأخْبرهُ خبرهم واجتماع أهل الشَّام مَعَ مُعَاوِيَة على قِتَاله وَأَنَّهُمْ يَبْكُونَ على عُثْمَان وَيَقُولُونَ إِن عليا قَتله وَإِنَّهُم لَا بُد لَهُم من قِتَاله حَتَّى ينفوه وَمن مَعَه أَو يعينهم فَقَالَ الأشتر لعَلي قد كنت أَخْبَرتك بعداوته وغشه يعْنى جَرِيرًا وَلَو أرسلتني لَكُنْت خيرا من هَذَا الَّذِي أرْخى جنَاحه وَأقَام حَتَّى لم يدع بَابا يَرْجُو مُعَاوِيَة فَتحه إِلَّا فَتحه وَلَا بَابا يخلفه إِلَّا غلقه فَقَالَ لَهُ جرير لَو كنت ثمَّ لقتلوك لقد ذكرُوا أَنَّك من قتلة عُثْمَان فَقَالَ لَو رَأَيْتهمْ وَالله يَا جرير لم يعيني جوابهم وَلَا ثقل عَليّ خطابهم ولحملت مُعَاوِيَة على خطة أعجلته فِيهَا من الْفِكر وَلَو أَطَاعَنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فحَبَسك وأشباهك فِي مجْلِس فَلَا تخرجُونَ مِنْهُ حَتَّى تستقيم هَذِه الْأُمُور فَخرج جرير إِلَى الرحبة من شاطىء الْفُرَات وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُعلمهُ بِمَا نزل بِهِ وَأَنه أحب مجاورته فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يَأْمُرهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَبعث مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة يَقُول لَهُ قد ظهر من رَأْي ابْن أبي طَالب وَمَا كَانَ تقدم من توعده لَك فِي طَلْحَة وَالزُّبَيْر فَمَا الَّذِي بَقِي من رَأْيه فِينَا وَذكر يحيى بن عبيد قَالَ قَالَ أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ وَجَمَاعَة لمعاوية أَأَنْت تنَازع عليا أم أَنْت مثله فَقَالَ لَا وَالله إِنِّي لأعْلم أَن عليا أفضل مني وأحق بِالْأَمر وَلَكِن ألستم تعلمُونَ أَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما وَأَنا ابْن عَمه وَإِنَّمَا أطالب بدمه فَأتوا عليا فَقولُوا لَهُ فليدفع إِلَيّ قتلة عُثْمَان وَأسلم لَهُ فَأتوا عليا فكلموه بذلك فَلم يدفعهم إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 وَحدث يحيى الْجعْفِيّ أَن مُعَاوِيَة قَالَ لجرير بن عبد الله البَجلِيّ الْمَذْكُور اكْتُبْ إِلَى عَليّ أَن يَجْعَل لي الشَّام وَأَنا أُبَايِعهُ وَقَالَ وَبعث الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى مُعَاوِيَة يَقُول // (من الطَّوِيل) // (مُعَاوِيَ إنَّ الشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ ... بِشَامِكَ لاَ تُدْخِلْ عَلَيْنَا الأَفَاعِيَا) (وَحَامِ عَلَيْهَا بِالْقَنَابِلِ وَالْقَنَا ... وَلاَ تَكُ مَحْبُوسَ الذِّرَاعَيْنِ دَانِيَا) (فَإِنَّ عَلِيًّا نَاظرٌ مَا لِجَيْشِهِ ... فَأَهْدِ لَهُ حَرْبًا تُشِيبُ النَّوَاصِيَا) وَعَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ لما ظهر أَمر مُعَاوِيَة دَعَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ رجلا وَأمره أَن يسير إِلَى دمشق فيعقل رَاحِلَته على بَاب الْمَسْجِد وَيدخل بنية السّفر فَفعل الرجل فَسَأَلُوهُ من أَيْن جِئْت قَالَ من الْعرَاق قَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ تركت عليا قد حشد إِلَيْكُم ونهد فِي أهل الْعرَاق فَلَمَّا بلغ الْخَبَر مُعَاوِيَة نُودي الصَّلَاة جَامِعَة وامتلأ الْمَسْجِد فَصَعدَ مُعَاوِيَة الْمِنْبَر فَتشهد ثمَّ قَالَ إِن عليا قد نهد إِلَيْكُم فِي أهل الْعرَاق فَمَا الرأى فَضرب النَّاس بأذقانهم إِلَى صُدُورهمْ وَلم يرفع أحد طرفه إِلَيْهِ فَقَامَ ذُو الكلاع الْحِمْيَرِي فَقَالَ عَلَيْك امْرأي يَعْنِي الرَّأْي وعلينا امفِعالُ يَعْنِي الفعال فَنزل مُعَاوِيَة وَنُودِيَ فِي النَّاس اخْرُجُوا إِلَى عسكركم وَمن تخلف بعد ثَلَاث أخل بِنَفسِهِ فَخرج رَسُول عَليّ حَتَّى وافاه فَأخْبرهُ بذلك فَأمر عَليّ فَنَادَى الصَّلَاة جَامِعَة فَاجْتمع النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن رَسُولي الَّذِي أَرْسلتهُ إِلَى الشَّام قد قدم عَليّ وَأَخْبرنِي أَن مُعَاوِيَة قد نهد إِلَيْكُم فِي أهل الشَّام فَمَا الرَّأْي فَقَالَ أهل الْمَسْجِد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الرَّأْي كَذَا الرَّأْي كَذَا فَلم يفهم عَليّ كَلَامهم من كَثْرَة من تكلم وَكَثْرَة اللَّغط فَنزل وَهُوَ يَقُول إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بهَا ابْن أكالة الأكباد يَعْنِي مُعَاوِيَة فَسَار عَليّ وَكَانَ مسيره من الْكُوفَة إِلَى صفّين لخمس خلون من شَوَّال سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ واستخلف على الْكُوفَة أَبَا مَسْعُود عقبَة بن عمر الْأنْصَارِيّ واجتاز عَليّ الْمَدَائِن ثمَّ الأنبار ثمَّ سَار حَتَّى نزل الرقة وَسَار مُعَاوِيَة من الشَّام فَسبق عليا إِلَى صفّين فَالْتَقوا بصفين فَكَانَت وقْعَة صفّين لسبع بَقينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 من الْمحرم من سنة سبع وَثَلَاثِينَ وشبت الْحَرْب بَينهم أول صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على ميمنة عَليّ الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ وعَلى الميسرة عبيد الله بن الْعَبَّاس وعَلى الرجالة عبد الله بن بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فَقتل يَوْمئِذٍ وَمن أُمَرَاء عَليّ الْأَحْنَف بن قيس التَّمِيمِي وعمار بن يَاسر وعدي بن حَاتِم الطَّائِي وَالْأَشْتَر مَالك بن الْحَارِث النَّخعِيّ وَعَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ وشبث ابْن ربعي الريَاحي وَسَعِيد بن قيس الْهَمدَانِي فَكَانَ رَئِيس هَمدَان وَالْمُهَاجِر بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي وَغَيرهم فَكَانَ عَليّ فِي خمسين ألفا وَقيل تسعين ألفا وَقيل مائَة ألف وَكَانَ على ميمنة مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ وعَلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفِهري وعَلى الْخَيل عبيد الله بن عمر بن الْخطاب وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي وَمن أمرائه أَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ وَزفر بن الْحَارِث وَذُو الكلاع الْحِمْيَرِي ومسلمة بن مخلد وَبسر بن أَرْطَاة العامري وحابس بن سد الطَّائِي وَيزِيد بن أبي هُبَيْرَة السكونِي وَغَيرهم وَكَانَ مُعَاوِيَة فِي سبعين ألفا وَقيل فِي مائَة ألف وَعشْرين ألفا فَاقْتَتلُوا أَيَّامًا وَوَقع الْقِتَال وَعلي على بغلة رَسُول الله وَهُوَ يَقُول رَضِي الله عَنهُ // (من الرجز) // (مِنْ أَيِّ يَوْمَيَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرّ ... أَيومَ لَمْ يُقَدَّرَ امْ يَوْمَ قُدِرْ) وَحمل وحملوا مَعَه فَلم يبْق لأهل الشَّام صف إِلَّا انْتقض وعَلى لَا يمر بِفَارِس إِلَّا قده وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) // (أَضْرِبُهُمْ وَلاَ أَرَى مُعَاوِيَهْ ... ) (الأَمْرَهَ الْعَيْنِ الْعَظِيمَ الْحَاوِيَهْ ... ) (تَهْوِي بِهِ فِي النَّارِ أُمٌّ هَاوِيَهْ ... ) وَقيل إِن الشّعْر لبديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ اقْتَتَلُوا أَيَّامًا حَتَّى قتل خلق كثير قتل من أهل الشَّام خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَمن أهل الْعرَاق خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا واقتتلوا قتالاً لم تقتَتِل هَذِه الْأمة مثله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 قطّ وَغلب أهل الْعرَاق على قَتْلَى حِمص وَغلب أهل الشَّام على قَتْلَى أهل الْعَالِيَة وَفِي كتاب المحاسن والمساوىء كتب أَمِير الْمُؤمنِينَ يَوْم صفّين إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان مَا لَك تقتل النَّاس بَيْننَا ابرز إِلَيّ فَإِن قتلتني استرحت مني وَإِن قتلتك استرحت مِنْك فَقَالَ لَهُ عَمْرو أنصفك الرجل فابرز إِلَيْهِ قَالَ كلا يَا عَمْرو أردْت أَن أبرز إِلَيْهِ فَيَقْتُلنِي وتثب على الْخلَافَة بعدِي قد علمت قُرَيْش أَن ابْن أبي طَالب أَشدّهَا وأسدها ثمَّ أنشأ يَقُول // (من الْكَامِل) // (يَا عَمْرُو قَدْ أَسْرَرْتَ تُهْمَةَ غَادِرٍ ... بِرِضَاكَ لِي تَحْتَ العَجَاجِ بِرَازِي) (مَا لِلْمُلُوكِ وَلِلْبِرازِ وَإِنّمَا ... حَتْفُ المُبَارِزِ خَطْفَةٌ مِنْ بَازِي) (إِنَّ الَّذِي سَوَّلْتَ نَفْسَكَ طَالِبًا ... قَتْلِي جَزَاكَ بِمَا نَوَيْتَ الْجَازِي) (فَلَقَدْ كَشَفْتَ قِنَاعَهَا مَذْمُومةً ... وَلَقَدْ لَبِسْتَ لَهَا ثِيَابَ الحَازي) فَأَجَابَهُ عَمْرو بقوله // (من الوافر) // (مُعاوِيَ إِنَّنِي لَمْ أَجْنِ ذَنْبًا ... وَمَا أَنَا بِالَّذِي يُدْعَى بِحَازِي) (فَمَا ذَنْبِي بِأَنْ نَادَى عَلِيٌّ ... وَكَبْشُ الْقَوْمِ يُدْعَى لِلْبِرَازِ) (فَلَوْ بَارَزْتَهُ لَلَقِيتَ قِرْنًا ... حَدِيدَ النَّابِ سَهْمًا ذَا اعْتِزَازِ) (أَجَبْنَا فِي العَشِيرَةِ يَا بن هِنْدٍ ... وَعِنْدَ البَاهِ كَالتَّيْسِ الحِجَازِي) ثمَّ إِن مُعَاوِيَة أقسم على عَمْرو بمبارزة عَليّ فبرز فَلَمَّا التقيا سل عَليّ سَيْفه فكشف عَمْرو ثَوْبه عَن عَوْرَته وَقَالَ مكره أَخَاك لَا بَطل فحول عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَجهه عَنهُ وَقَالَ قبحت قَالَ السُّهيْلي جَاءَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ إِن عمار بن يَاسر قد قتل قَالَ مُعَاوِيَة فَمَاذَا قَالَ عَمْرو سَمِعت رَسُول الله يَقُول لعمَّار تقتلك الفئة الباغية فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو رخصت فِي بولك أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتله الَّذِي أخرجه فَبلغ قَوْله عليا فَقَالَ إِذا مَا قتل حَمْزَة إِلَّا النَّبِي لِأَنَّهُ الَّذِي أخرجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 وَاخْتَلَطَ النَّاس بِالنَّاسِ وَبَطل النبل وقصفت الرماح وأجنهم اللَّيْل وتنادوا بالشعار وتكادم الْقَوْم فَكَانَ يعتنق الفارسان فيقعان فِي الأَرْض جَمِيعًا عَن فرسيهما قلت التكادم التعاضض من الكدم وَهُوَ العض وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَهِي لَيْلَة الهرير كَانَ جملَة من قَتله عَليّ فِي يَوْمهَا وليلتها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَعشْرين رجلا أَكْثَرهم فِي الْيَوْم وَكَانَ إِذا قَاتل رجلا لم يكن يضْرب إِلَّا قتل وانكشفت الشَّمْس وتقطعت الألوية والرايات وَلم يعرفوا مَوَاقِيت الصَّلَاة فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو هَات مخبآتك وأدركنا مِمَّا نَحن فِيهِ وَلَك مصر طعمة فَقَالَ نَاد فِي الْعَسْكَر بِرَفْع الْمَصَاحِف فَنُوديَ فَوجدَ فِي الْعَسْكَر أَكثر من خَمْسمِائَة مصحف فَأمر برفعها على الرماح وَأَن ينادوا بَيْننَا وَبَيْنكُم كتاب الله وَفِي ذَلِك يَقُول النَّجَاشِيّ بن الْحَارِث // (من الطَّوِيل) // (فَأَصْبَحَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ رَفَعُوا القَنَا ... عَلَيْهَا كِتَابُ اللهِ خَيْرُ قرَانِ) (وَنَادَوْا عَلِيًّا يَابن عَمِّ مُحُمَّدٍ ... أَمَا تَتَّقِي أَنْ يَهْلِكَ الثُّقَلاَنِ) فَلَمَّا رأى أهل الْعرَاق ذَلِك قَالُوا نجيب إِلَى كتاب الله وَأحب الْقَوْم الْمُوَادَعَة وَقَالَ لعَلي كثير من أَصْحَابه قد أَعْطَاك مُعَاوِيَة الْحق دعَاك إِلَى كتاب الله فاقبل مِنْهُ وَكَانَ أَشد الْقَوْم فِي ذَلِك الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ فَقَالَ عَليّ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لم ينزل بِي من أَمركُم مَا أحب حِين قدحتكم الْحَرْب وَقد وَالله أخذت مِنْكُم وَتركت وَإِنِّي كنت بالْأَمْس الْأَمِير فَأَصْبَحت الْيَوْم مَأْمُورا وَقد أَحْبَبْتُم الْبَقَاء قَالَ الْأَعْمَش حَدثنِي من رأى عليا يَوْم صفّين يصفق بيدَيْهِ ويعض على إبهامه وَيَقُول يَا عجبا أعصى ويطاع مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ الأشتر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن مُعَاوِيَة لَا خلف لَهُ من رِجَاله وَلَك بِحَمْد الله الْخلف وَلَو كَانَ لَهُ مثل رجالك لما كَانَ لَهُ مثل صبرك وَلَا نصرك فاقرع الْحَدِيد بالحديد واستعن بِاللَّه فَقَالَ الْأَشْعَث يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّا لَك الْيَوْم على مَا كُنَّا بالْأَمْس وَلَيْسَ نَدْرِي كَيفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 يكون غَدا وَقد وَالله فل الْحَدِيد وكلت البصائر وَتكلم بِكَلَام كثير وَلَكِن إِن شِئْت أتيتُ مُعَاوِيَة فَسَأَلته مَا يُرِيد قَالَ عَليّ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة نرْجِع نَحن وَأَنْتُم إِلَى مَا أَمر الله فِي كِتَابه تبعثون رجلا مِنْكُم ترْضونَ بِهِ وتختارونه ونبعث رجلا منا ونأخذ عَلَيْهِمَا الْعَهْد والميثاق أَن يعملا بِكِتَاب الله فصوب الْأَشْعَث قَوْله وَذهب إِلَى عَليّ فَقَالَ أَكثر الْقَوْم رَضِينَا وَسَمعنَا وأطعنا فَاخْتَارَ أهل الشَّام عَمْرو بن الْعَاصِ وَقَالَ الْأَشْعَث وَمن ارْتَدَّ بعد ذَلِك إِلَى رأى الْخَوَارِج رَضِينَا نَحن بِأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ عَليّ عصيتموني أَولا فَلَا تعصوني الْآن إِنِّي لَا أرتاح إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ الْأَشْعَث لَا نرضى إِلَّا أَبَا مُوسَى قَالَ عَليّ وَيحكم وَلَيْسَ هُوَ بِثِقَة فعل كَذَا وَكَذَا وَقد فارقني وخذل النَّاس عني ثمَّ هرب شهرا حَتَّى أمنته وَلَكِن هَذَا عبد الله بن عَبَّاس فَقَالَ الْأَشْعَث وَأَصْحَابه وَالله لَا يحكم فِينَا مضريان قَالَ عَليّ فالأشتر فَقَالُوا وَهل أشعل مَا نَحن فِيهِ إِلَّا الأشتر فَقَالَ عَليّ فَاصْنَعُوا مَا أردتم وافعلوا مَا بدا لكم فبعثوا إِلَى أبي مُوسَى وأفهموه بالقضية وَقيل لأبي مُوسَى قد اصْطلحَ النَّاس فَقَالَ الْحَمد لله قيل وَقد جعلوك حكما فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فافترقوا بعد أَن صيروا الْأَجَل إِلَى شهر رَمَضَان من الْعَام الْقَابِل على اجْتِمَاع الْحكمَيْنِ فِي مَوضِع عدل بَين الْكُوفَة وَالشَّام يُسمى دومة الجندل وَكَانَ الْوَقْت الَّذِي كتبت فِيهِ الصَّحِيفَة بِالرِّضَا بالحكمين لأيام بَقينَ من صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَقَرَأَ الْأَشْعَث الصَّحِيفَة على النَّاس ماراً بهَا فَرحا وسروراً فَقَالَ عُرْوَة بن أدية أتحكمون يَا أشعب فِي دين الله وَأمره وَنَهْيه الرِّجَال لَا حكم إِلَّا لله وَهُوَ أول من قَالَهَا ونبذ سَيْفه على الْأَشْعَث فهمز فرسه عَن الضَّرْبَة فأصابت عجز الْفرس وَنَجَا الْأَشْعَث وَفِي فعل عُرْوَة بالأشعث يَقُول رجل من تَمِيم // (من الْخَفِيف) // (عْروُ يَا عروَ كُل فِتْنَة قَوْمٍ ... سَلَفَتْ إِنَّمَا تَكُونُ فُتَيْنَه) (ثَمَّ تَنْمُو وَيَعْظُمُ الَخطْبُ فِيهَا ... فَاحْذَرَنْ غِبَّ مَا صَنَعْتَ عريَّهْ) (أَعَلَى الأَشْعَثِ المعصبِ بِالتّاجِ ... حَمَلْتَ السِّلاَح يَابْنَ أديَّهْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 (فانْظُرِ اليَوْمَ مَا يَقُولُ عليٌّ ... واتَّبِعْهُ فَذَاكَ خَيْرُ البَرِيهْ) عَن صعصعة بن صوحان قَالَ خرج يَوْم صفّين رجل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ كريز بن الصَّباح الْحِمْيَرِي فَوقف بَين الصفين وَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل من أَصْحَاب عَليّ فَقتله فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ آخر من أَصْحَاب عَليّ فَقتله وألقاه على الأول فَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ الثَّالِث فَقتله وألقاه على الْأَوَّلين وَقَالَ من يبارز فأحجم النَّاس عَنهُ وَأحب من كَانَ فِي الصَّفّ الأول أَن يكون فِي الآخر فَخرج إِلَيْهِ عَليّ على بغلة رَسُول الله الْبَيْضَاء فشق الصُّفُوف فَلَمَّا انْفَصل مِنْهَا نزل عَنِ البغلة وسعى إِلَيْهِ فَقتله وَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل آخر فَقتله وألقاه على الأول ثمَّ قَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل فَقتله وألقاه على الْأَوَّلين ثمَّ قَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ آخر فَقتله وألقاه على الثَّلَاثَة ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الله عز وَجل يَقُول {الشهرُ الحرامُ بِالشهرِ الْحَرَام والحُرماتُ قِصاص} الْبَقَرَة 194 وَلَو لم تبتدئوا هَذَا مَا ابتدأناه ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ عَن ابْن عَبَّاس وَقد سَأَلَهُ رجل أَكَانَ عَليّ يُبَاشر الْقِتَال يَوْم صفّين فَقَالَ ابْن عَبَّاس وَالله مَا رَأَيْت رجلا أطرح لنَفسِهِ فِي متْلف من عَليّ وَلَقَد كنت أرَاهُ يخرج حاسر الرَّأْس بِيَدِهِ السَّيْف إِلَى الرجل الدارع فيقتله أخرجهَا الواحدي ذكر أَبُو مخنف لوط بن يحيي عَن ابْن الْأَغَر التَّمِيمِي قَالَ بَينا أَنا وَاقِف بصفين إِذْ مر الْعَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن الْمطلب مكمل فِي سلاحه وَعَيناهُ تبرقان من تَحت المغفر كَأَنَّهُمَا شعلتا نَار أَو عينا أَرقم وَبِيَدِهِ صفيحة يَمَانِية يقلبها والمنايا تلوح فِي شفرتيها وَهُوَ على فرس صَعب فَبَيْنَمَا هُوَ يَبْعَثهُ ويلين من عريكته إِذْ هتف بِهِ هَاتِف من صف مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ عزاز بن أَرقم لزهل الشَّامي يَا عَبَّاس هَلُمَّ إِلَى النُّزُول قَالَ فَنزل الْعَبَّاس إِلَى الشَّامي وَهُوَ يَقُول // (من الْبَسِيط) // (الله يَعْلَمُ أنَّا لاَ نُحِبُّكُمُ ... وَلا نَلُومُكُم إِذْ لَمْ تُحِبُّونَا) ثمَّ زحف كل مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه وكف الْفَرِيقَانِ عَنْهُمَا ينظرُونَ مَا يكون من الرجلَيْن فتكافحا بسيفهما نهارهما لَا يصل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه لكَمَال لأمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 إِلَى أَن لحظ الْعَبَّاس فتقاً فِي درع الشَّامي فَأَهوى إِلَيْهِ بِيَدِهِ وهتكه إِلَى ثندوته ثمَّ عَاد لمجاولته وَقد انفرج لَهُ بعض الدرْع فَضَربهُ الْعَبَّاس ضَرْبَة انتظم بهَا جوائح صَدره فحول وَجهه وَكبر النَّاس تَكْبِيرَة ارتجت الأَرْض من تَحْتهم بهَا فَإِذا قَائِل يَقُول {قاتِلُوهُم يعُذِبهُمُ الله بأيدِيكم} التَّوْبَة 14 الْآيَة قَالَ ابْن الْأَغَر فَالْتَفت فَإِذا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لي يَا بن الْأَغَر من المبارز لعدونا قلت ابْن أخيكم هَذَا الْعَبَّاس بن ربيعَة فَقَالَ عَليّ للْعَبَّاس ألم أَنْهَك وَعبد الله بن عَبَّاس أَن تحلا بمركز كَمَا لَو تناشر آخِرنَا قَالَ الْعَبَّاس إِن ذَلِك كَمَا قلت قَالَ عَليّ فَمَا عدا مِمَّا بدا قَالَ الْعَبَّاس أفأدعى إِلَى البرَاز باسمي فَلَا أُجِيب فَقَالَ عَليّ طَاعَتك إمامك أولى من إِجَابَة عَدوك وتغيظ واستطار ثمَّ تطامن وَسكت وَرفع يَدَيْهِ مبتهلاً وَقَالَ اللَّهُمَّ اشكر للْعَبَّاس واغفر ذَنبه وتأسف مُعَاوِيَة على عزاز بن أَرقم ثمَّ قَالَ أَلا رجل شري نَفسه يطْلب بِدَم عزاز فَانْتدبَ لَهُ رجلَانِ من لخم من أهل الْبَأْس من صَنَادِيدهمْ قَالَ فاذهبا فأيكما قتل الْعَبَّاس فَلهُ مائَة أُوقِيَّة من التبر وَمثلهَا من اللجين وبعددها من برود الْيمن فَأتيَاهُ فدعواه للبراز وصاحا بَين الصفين يَا عَبَّاس اخْرُج إِلَى الدَّاعِي فَقَالَ الْعَبَّاس إِن لي سيداً أُرِيد أوامره فَأتى عليا وَهُوَ فِي جنَاح الميمنة يَخُوض النَّاس فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ عَليّ وَالله لود مُعَاوِيَة أَنه مَا بَقِي من بني هَاشم نافخ ضرمة إِلَّا طعن فِي بَطْنه إطفاءً لنُور الله ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ ثمَّ قَالَ يَا عَبَّاس ناقلني سِلَاحك بسلاحي فناقله عَليّ ووثب على فرس الْعَبَّاس وَقصد اللخميين فَلم يشكا أَنه الْعَبَّاس فَقَالَا لَهُ أذن لَك صَاحبك فحرج أَن يَقُول نعم فَقَالَ {أُذِنَ لِلَذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنهُم ظُلِمُوا} الْحَج 39 الْآيَة وَكَانَ الْعَبَّاس أشبه النَّاس فِي جِسْمه وركوبه بعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فبرز لَهُ أَحدهمَا فكأنهما أَخطَأ رَأسه ثمَّ برز الآخر فألحقه بِالْأولِ ثمَّ أقبل يَقُول {الشهرُ الحرامُ بِالشهرِ الْحَرَام} الْبَقَرَة 194 الْآيَة ثمَّ قَالَ يَا عَبَّاس خُذ سِلَاحك وهات سلاحي فَإِن عَاد لَك أحد فعد لي ونمى الْخَبَر إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ قبح الله اللجاج وَمَا ركبته قطّ إِلَّا خذلت فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ المخذول وَالله اللخميان فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة اسْكُتْ أَيهَا الرجل فَلَيْسَ هَذَا من شَأْنك قَالَ عَمْرو فَإِن لم يكن الله رحم اللخميين وَلَا أرَاهُ يفعل قَالَ مُعَاوِيَة ذَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 وَالله أضيق لحجتك وأخسر لصفقتك قَالَ عَمْرو قد علمت ذَلِك وَلَوْلَا مصر وولايتها لركبت المسحاة عَنْهَا فَإِنِّي أعلن أَن ابْن أبي طَالب على الْحق وَأَنا على هَذِه فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مصر وَالله أعمتك وَلَوْلَا مصر لألفيت بَصيرًا وَكَانَ مَعَ عَليّ من الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَلفَانِ وَثَمَانمِائَة قتل مِنْهُم خَمْسَة وَعِشْرُونَ صحابياً وَلما تفَرقُوا عَليّ إِلَى الْكُوفَة وَمُعَاوِيَة إِلَى الشَّام كثر اخْتِلَاف الْكَلِمَة بَين أَصْحَاب عَليّ وتفاوت الرَّأْي وَعدم انتظام الْأُمُور وتبرأ الْأَخ من أَخِيه وتضارب الْقَوْم بنعال السيوف وَقيل بالنعال وتسابوا وَلَام كل الآخرَ وَلما وصل عَليّ الْكُوفَة انحاز عَنهُ سِتَّة آلَاف وَقيل اثْنَا عشر ألفا من الْقَوْم وَغَيرهم فنزلوا حَرَوراء قَرْيَة من قرى الْكُوفَة وَجعلُوا شبيب بن ربعي التَّمِيمِي عَلَيْهِم فَخرج إِلَيْهِم عَليّ وأدخلهم جَمِيعًا الْكُوفَة فَجعلُوا ينادون عليا وَهُوَ على الْمِنْبَر جزعت من البلية ورضيت بالقضية وَقبلت الدنية لَا حكم إِلَّا لله فَقَالَ عَليّ حكم الله انتظم فِيكُم فَيَقُولُونَ {وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الذَينَ مِن قَبلِكَ لئين أشركَت ليحبطن عمُلُكَ} الزمر 65 الْآيَة فَيَقُول عَليّ رَضِي الله عَنهُ {إنَ وَعدَ الله حق وَلَا يستخفنك الَّذين لَا يُؤمنُونَ} الرّوم 60 انْتهى بِحَمْد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) (مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج) قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ عِكْرِمَة بن عمار حَدثنِي أَبُو زميل قَالَ حَدثنِي ابْن عَبَّاس قَالَ لما اجْتمعت الْخَوَارِج قلت لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أبرد بِالصَّلَاةِ لعَلي آتى الْقَوْم قَالَ فَإِنِّي أَخَافهُم عَلَيْك قلت كلا فَقَالَ أَنْت وَذَاكَ فَلبس حلتين من أحسن الْحلَل وَكَانَ جهيراً جميلا قَالَ فَأتيت الْقَوْم فَلَمَّا رأواني قَالُوا مرْحَبًا بِابْن عَبَّاس فَمَا هَذِه الْحلَّة قلت وَمَا تنكرون من ذَلِك لقد رَأَيْت على رَسُول الله حلَّة من أحسن الْحلَل قَالَ ثمَّ تَلَوت عَلَيْهِم {قل مَن حرم يؤمنونَ اللهِ الَّتِي أخرج لِعبَاده} الْأَعْرَاف 32 الْآيَة قَالُوا فَمَا جَاءَ بك قلت جِئتُكُمْ من عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن عِنْد أَصْحَاب رَسُول الله وصهره فَأقبل بَعضهم على بعض وَقَالُوا لَا تُكَلِّمُوهُ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {بَل هُم قَوم خَصِمونَ} الزخرف 58 وَقَالَ بَعضهم وَمَا يمنعنا من كَلَام ابْن عَم رَسُول الله يَدْعُونَا إِلَى كتاب الله فَقَالُوا ننقم عَلَيْهِ خلالا ثَلَاثًا أَحدهَا أَنه حكم الرِّجَال فِي دين الله وَمَا للرِّجَال وَحكم الله الثَّانِيَة أَنه قَاتل وَلم يسب وَلم يغنم فَإِن كَانَ قد حل قِتَالهمْ فقد حل سَبْيهمْ وَإِلَّا فَلَا الثَّالِثَة أَنه محا نَفسه من إمرة الْمُؤمنِينَ فَإِن لم يكن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهُوَ أَمِير الْمُشْركين قَالَ ابْن عَبَّاس هَل غير هَذَا فَقَالُوا حَسبنَا هَذَا فَقَالَ لَهُم أَرَأَيْتُم إِن خرجت لكم من كتاب الله وَسنة رَسُوله أراجعون أَنْتُم قَالُوا وَمَا يمنعنا قَالَ أما قَوْلكُم إِنَّه حكم الرِّجَال فِي أَمر الله تَعَالَى فَإِنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه {يحكُمُ بِهِ ذوَا عَدل مِنكُم} الْمَائِدَة 95 وَذَلِكَ فِي ثمن صيد أرنب وَنَحْوه قِيمَته ربع دِرْهَم فوض الله تَعَالَى فِي الحكم إِلَى الرِّجَال وَلَو شَاءَ أَن يحكم لحكم وَقَالَ {وَإِن خِفتم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَاَبعَثُوا حَكَمَاً مِن أهلِه وَحَكَمَاً مِّن أهلِهَا} الْآيَة النِّسَاء 35 أخرجت من هَذِه قَالُوا نعم قلت وَأما قَوْلكُم قَاتل وَلم يسب فَإِنَّهُ قَاتل أمكُم لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وأزواجه أمَهاتهم} الْأَحْزَاب 6 فَإِن زعمتم أَنَّهَا لَيست بأمكم فقد كَفرْتُمْ وَإِن زعمتم أَنَّهَا أمكُم فَمَا حل سباؤها فَأنْتم بَين ضلالتين أخرجت من هَذِه قَالُوا نعم قلت وَأما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 قَوْلكُم إِنَّه محا سمه من إمرة الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أنبئكم عَن ذَلِك أما تعلمُونَ أَن رَسُول الله يَوْم الْحُدَيْبِيَة جرى الْكتاب بَينه وَبَين سُهَيْل بن عَمْرو كتاب الصُّلْح والهدنة فَقَالَ يَا عَليّ اكْتُبْ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ سُهَيْل لَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك الدُّخُول وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ اسْمك وَاسم أَبِيك فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي رَسُولك ثمَّ أَخذ الصَّحِيفَة فمحاها بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ يَا عَليّ اكْتُبْ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله إِلَخ فوَاللَّه مَا أخرجه ذَلِك عَن النُّبُوَّة أخرجت من هَذِه قَالُوا نعم قَالَ فَرجع ثلثهم وَانْصَرف ثلثاهم وَقتل سَائِرهمْ على الضَّلَالَة يَوْم النهروان كَمَا يَأْتِي قَرِيبا ذكره قَالَ عَوْف حَدثنَا أَبُو نَضرة عَن أبي سعيد تفترق أمتِي فرْقَتَيْن تمرق بَينهمَا مارقة تقتلهم أولى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ وَهَكَذَا رَوَاهُ قَتَادَة وَسليمَان التَّيْمِيّ عَن أبي نَضرة قاْل المَسْعُودِيّ فَاجْتمع الثُّلُث الْبَاقِي من الْخَوَارِج فِي أَرْبَعَة آلَاف قلت ظهر أَن المَسْعُودِيّ رجح رِوَايَة أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر ألفا فَكَانَ الثُّلُث أَرْبَعَة آلَاف وَبَايَعُوا عبد الله بن وهب الرَّاسِبِي وَلَحِقُوا بِالْمَدَائِنِ وَقتلُوا عَامل عَليّ عَلَيْهَا عبد الله بن خباب ذبحوه ذبحا وبقروا بَطْنه وبطن امْرَأَته وَكَانَت حَامِلا وَقتلُوا غَيرهَا من النِّسَاء وَكَانَ عَليّ قد انْفَصل عَن الْكُوفَة فِي خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا ثمَّ سَارُوا إِلَى النهروان وأتى إِلَى عَليّ من قبل عَامله على الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس ثَلَاثَة آلَاف فيهم الْأَحْنَف بن قيس وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فَنزل عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى الأنبار والتأمت عَلَيْهِ العساكر فَسَار حَتَّى أَتَى إِلَى النهروان فَبعث إِلَيْهِم عَليّ بِالْحَارِثِ بن مرّة الْعَبْدي رَسُولا يَدعُوهُم إِلَى الرُّجُوع فَقَتَلُوهُ وبعثوا إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن تبتَ من حكومتك وَشهِدت على نَفسك بالْكفْر بايعناك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 وَإِن أَبيت فاعتزلنا حَتَّى نَخْتَار لأنفسنا إِمَامًا فَإنَّا مِنْك بُرَآء فَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه سِيرُوا إِلَى الْقَوْم فَإِنَّكُم تجدونهم قد عسكروا بالرملة فوَاللَّه لَا يفلت مِنْهُم عشرَة وَلَا يقتل مِنْكُم عشرَة فَأَشْرَف عَلَيْهِم وَقد عسكروا بالرملة على حسب مَا قَالَه لأَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ أَتَى عَلَيْهِم فَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا سَبْعَة وَلم يقتل من أَصْحَاب على إِلَّا تِسْعَة فَقَالَ الله أكبر لقد صدق رَسُول الله فقد أَخْبرنِي بذلك ثمَّ أَمر ينظر المخدج من بَين الْقَتْلَى وَهُوَ ذُو الثدية لحم مُجْتَمع على مَنْكِبه كثدي الْمَرْأَة عَلَيْهِ شَعرَات سود إِذا مدت اللحمة امتدت حَتَّى تحاذي بطن يَده ثمَّ تتْرك فتعود إِلَى مَنْكِبه فَلَمَّا وجدوه بَين الْقَتْلَى ثني عَليّ رَضِي الله عَنهُ رجله وَنزل فَخر سَاجِدا وَمر بهم وهم صرعى فَقَالَ لقد صرعكم من غركم قَالُوا وَمن غرهم قَالَ الشَّيْطَان (التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل) لما كَانَ رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وصل من قبل عَليّ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي أَرْبَعمِائَة أَمِيرهمْ شُرَيْح بن هَانِئ وَوصل من قبل مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ فِي أَرْبَعمِائَة كَذَلِك أَمِيرهمْ شُرَحْبِيل بن السمط فَلَمَّا تدانى الْقَوْم من الْموضع الَّذِي كَانَ الِاجْتِمَاع فِيهِ قَالَ ابْن عَبَّاس لأبي مُوسَى إِن عليا لم يرض بك حكما لفضل عنْدك والمقدمون عَلَيْك كَثِيرُونَ وَإِنَّمَا النَّاس أَبَوا غَيْرك وَإِنِّي أَظن لشر يُرَاد بهم وَقد ضم داهية الْعَرَب مَعَك فمهما نسيت فَلَا تنس أَن عليا بَايعه الَّذين بَايعُوا أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَلَيْسَت فِيهِ خصْلَة تباعده عَن الْخلَافَة وَلَيْسَ فِي مُعَاوِيَة خصْلَة تقربه من الْخلَافَة وَكَانَ مُعَاوِيَة قد وصّى عمرا فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله إِن أهل الْعرَاق قد أكْرهُوا عليا على أبي مُوسَى وَإِن أهل الشَّام راضون بك وَقد ضم إِلَيْك رجل طَوِيل اللِّسَان قصير الرَّأْي فأجد الحز وطبق الْمفصل وَلَا تلقه بِرَأْيِك كُله فَلَمَّا اجْتمعَا قَالَ عَمْرو لأبي مُوسَى تكلم وَلَا تقل إِلَّا خيرا فَقَالَ أَبُو مُوسَى بل تكلم أَنْت فَقَالَ عَمْرو مَا كنت لأَفْعَل وَلَا أقدم نَفسِي عَلَيْك وَلَك حُقُوق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 كلهَا وَاجِبَة السنك وصحبتك رَسُول الله وَأَنت حقيق فَتكلم أَبُو مُوسَى فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر الْحَدث الَّذِي حل بِالْإِسْلَامِ ثمَّ قَالَ يَا عَمْرو هَلُمَّ إِلَى أَمر يجمع الله بِهِ الألفة ويلم الشعث وَذَات الْبَين فجزاه عَمْرو خيرا ثمَّ قَالَ عَمْرو إِن للْكَلَام أولاًَ وآخراً وَمَتى تنازعنا الْكَلَام خطباً لم يبلغ آخِره حَتَّى ينسى أَوله فَاجْعَلْ مَا كَانَ من كَلَام يتصادق عَلَيْهِ فِي كتاب يصير إِلَيْهِ أمرنَا قَالَ أَبُو مُوسَى فَاكْتُبْ فَدَعَا عَمْرو بِصَحِيفَة وَغُلَام لَهُ كَاتب فَتقدم إِلَيْهِ أَن يبْدَأ بِهِ أَولا دون أبي مُوسَى لما أَرَادَ من الْمَكْر ثمَّ قَالَ لَهُ بِحَضْرَة الْجَمَاعَة اكْتُبْ فَإنَّك شَاهد علينا وَلَا تكْتب شَيْئا يَأْمُرك بِهِ أَحَدنَا حَتَّى تستأمر فِيهِ الآخر فَإِذا أَمرك فَاكْتُبْ وَإِذا نهاك عَنهُ فانته حَتَّى يجْتَمع رَأينَا اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا تقاضى عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان فَكتب وَبَدَأَ بِعَمْرو فَقَالَ لَهُ عَمْرو لَا أم لَك تقدمني قبله كَأَنَّك جَاهِل حَقه فَبَدَأَ باسم أبي مُوسَى عبد الله بن قيس وَكتب تقاضيَا على أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى الْآيَة ثمَّ قَالَ عَمْرو نشْهد أَن أَبَا بكر خَليفَة رَسُول الله عمل بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله حَتَّى قَبضه الله إِلَيْهِ وَقد أدّى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ قَالَ أَبُو مُوسَى اكْتُبْ ثمَّ ذكر فِي عمر مَا ذكر فِي أبي بكر ثمَّ قَالَ اكْتُبْ وَإِن عُثْمَان ولي هَذَا الْأَمر باجتماع الْمُسلمين وشورى من أَصْحَاب رَسُول الله وَرَضي عَنْهُم وَإنَّهُ كَانَ مُؤمنا فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَيْسَ هَذَا مِمَّا قعدنا لَهُ فَقَالَ عَمْرو وَالله لَا بُد أَن يكون مُؤمنا أَو كَافِرًا فَقَالَ أَبُو مُوسَى مُؤمنا فَقَالَ عَمْرو فمره يكْتب فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ فَكتب فَقَالَ عَمْرو ظَالِما قتل أَو مَظْلُوما فَقَالَ أَبُو مُوسَى بل قتل مَظْلُوما قَالَ عَمْرو أَو لَيْسَ قد جعل الله لوَلِيّ الْمَظْلُوم سُلْطَانا يطْلب بدمه قَالَ أَبُو مُوسَى بلَى قَالَ عَمْرو فعلى ذَلِك قَاتله يقتل أَيْنَمَا وجد قَالَ أَبُو مُوسَى نعم قَالَ عَمْرو فَهَل تعلم لعُثْمَان وليا أقرب من مُعَاوِيَة قَالَ لَا قَالَ عَمْرو أفليس لمعاوية أَن يطْلب قَاتله حَيْثُ وجد حَتَّى يقْتله أَو يعجزه قَالَ أَبُو مُوسَى بلَى قَالَ عَمْرو قل لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ فَأمره أَبُو مُوسَى فَكتب فَقَالَ عَمْرو فَإنَّا نُقِيم الْحجَّة الْبَيِّنَة أَن عليا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 قتل عُثْمَان قَالَ أَبُو مُوسَى هَذَا أَمر قد حدث فِي الْإِسْلَام وَإِنَّمَا اجْتَمَعنَا لغيره فَهَلُمَّ إِلَى أَمر يصلح الله بِهِ أَمر أمة مُحَمَّد فَقَالَ عَمْرو وَمَا هُوَ قَالَ أَبُو مُوسَى قد علمت أَن أهل الْعرَاق لَا يحبونَ مُعَاوِيَة وَأهل الشَّام لَا يحبونَ عليا فَهَلُمَّ نخلَعهما ويستخلف عبد الله ابْن عمر وَكَانَ زوج بنته فَقَالَ عَمْرو وَيفْعل ذَلِك عبد الله قَالَ أَبُو مُوسَى نعم إِذا حمله النَّاس عَلَيْهِ فعزم عَمْرو إِلَى كل مَا مَال إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى فصوبه فَقَالَ عَمْرو هَل لَك فِي سعد وَعدد جمَاعَة فَأبى أَبُو مُوسَى إِلَّا عبد الله بن عمر فَجعل عَمْرو الصَّحِيفَة بعد أَن ختماها تَحت قدمه وَقَالَ أَرَأَيْت إِن رَضِي أهل الْعرَاق بِعَبْد الله بن عمر وأباه أهل الشَّام أنقاتلهم قَالَ لَا فَإِن رَضِي أهل الشَّام بِهِ وأباه أهل الْعرَاق أنقاتل أهل الْعرَاق قَالَ لَا قَالَ عَمْرو وَأما إِذا رَأَيْت الصّلاح فِي هَذَا الْأَمر وَالْخَيْر للْمُسلمين فَقُمْ واخطب النَّاس واخلع صاحبينا جَمِيعًا وَتكلم باسم هَذَا الرجل الَّذِي يسْتَخْلف فَقَالَ أَبُو مُوسَى بل أَنْت قُم فاخطب فَأَنت أَحَق بذلك فَقَالَ عَمْرو مَا أحب أَن أتقدمك وَمَا قولي وقولك للنَّاس إِلَّا قَول وَاحِد فَقُمْ راشداً فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على نبيه ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّا نَظرنَا فِي أمرنَا فَرَأَيْنَا أقرب مَا يحضرنا فِي الْأَمْن وَالصَّلَاح وَلم الشعث وحقن الدِّمَاء وَجمع الألفة خلعنا عليا وَمُعَاوِيَة وَقد خلعت عليا كَمَا خلعت عمامتي هَذِه ثمَّ أَهْوى إِلَى عمَامَته فحولها عَن رَأسه واستخلفنا رجلاَ صحب رَسُول الله بِنَفسِهِ وَصَحب أَبوهُ النَّبِي فبرز فِي سابقته وَهُوَ عبد الله بن عمر فأطراه فَرغب النَّاس فِيهِ ثمَّ نزل فَقَامَ عَمْرو فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على نبيه ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن أَبَا مُوسَى قد خلع عليا وَأخرجه من الْأَمر الَّذِي يطْلب وَهُوَ أعلم بِهِ أَلا وَإِنِّي قد خلعت عليا مَعَه وَأثبت مُعَاوِيَة عَليّ وَعَلَيْكُم وَإِن أَبَا مُوسَى قد كتب فِي الصَّحِيفَة أَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما شَهِيدا وَأَن لوَلِيِّه سُلْطَانا يطْلب بدمه وَله طاعتنا وبيعتنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 على الطّلب بِدَم عُثْمَان فَقَالَ أَبُو مُوسَى كذب عَمْرو لم اسْتخْلف مُعَاوِيَة وَلَكنَّا خلعناه وعلياً فَقَالَ عَمْرو بل كذب أَبُو مُوسَى قد خلع عليا وَلم يخلع مُعَاوِيَة قلت وَرَأَيْت وَجها آخر فِي كَيْفيَّة ذَلِك ذكره المطرزي شَارِح المقامات فِي شرحها فَقَالَ إِن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ لأبي مُوسَى بعد أَن أظهر لَهُ عَمْرو الْمُوَافقَة على تَوْلِيَة عبد الله بن عمر وَصوب رَأْيه فِي ذَلِك قُم فاخلع عليا ثمَّ انْزِلْ فَإِذا نزلت قُمْت أَنا فخلعت صَاحِبي مُعَاوِيَة وأقمت عبد الله بن عمر كَمَا أَشرت فَإِن تَكُ وثبة من الشِّيعَة قوبلت بهَا دُونك فَلَمَّا قَامَ عَمْرو بعد أبي مُوسَى فعل مَا فعل ثمَّ نزل قَائِلا إِن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَن قُتِلَ مَظلُومُاً فَقد جَعلنا لِوليهِ سُلطانَاً فَلا يسرِف فِي القَتل إنهُ كاَنَ مَنصُوراً} الْإِسْرَاء 33 وَوجدت فِي مروج الذَّهَب وَجها آَخر فِي ذَلِك هُوَ أَنَّهُمَا لما اتفقَا على خلع عَليّ ومعاويةّ اتفقَا على أَن يجعلا الْأَمر شُورَى بعد ذَلِك يخْتَار النَّاس لَهُم رجلا صَالحا يصلح فَفعل عَمْرو مَا فعل وَفِي رِوَايَة أَن أَبَا مُوسَى قَالَ لَهُ حِينَئِذٍ لعنك الله غدرت وفجرت إِنَّمَا مثلك كَمثل الْكَلْب ثمَّ ركله فَأَلْقَاهُ لجنبه على الأَرْض وارتحل أَبُو مُوسَى وَلحق بِمَكَّة حَيَاء وَلم يعد إِلَى الْكُوفَة وَقد كَانَ بهَا أَهله وَولده وآلى أَلا ينظر إِلَى وَجه عَليّ أبدا مَا بَقِي وَمضى عَمْرو وَسعد بن أبي وَقاص إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ المَسْعُودِيّ قَالَ ابْن عَبَّاس يُخَاطب أَبَا مُوسَى من // (الوافر) //) (أَبَا موسَى بُليتَ وكُنْت شَيخا ... قريبَ الْعَفو مخزونَ اللسانِ) (وَمَا عَمْرو صفاتكَ يَا بْنَ قيسٍ ... فيا للِه مِنْ شيخٍ يماني) ) فأمسيت العشيةَ ذَا اعتذارٍ ... ضعيفَ الرأْيِ منكوب الْجنان) (فغضَّ الكفَّ من ندمٍ وماذا ... يَرُدُّ عليكَ عضُّكَ للبنانِ) وَفِي مثل هَذَا الْمَعْنى يَقُول خُزَيْمَة بن مَالك الْأَسدي من // (الْبَسِيط) // (لَو كَانَ للقومِ رأيٌ يُعْصَمُونَ بِهِ ... عِنْدَ الخطوبِ رمُوْكُمْ بِابْن عباسِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 (لكنْ رموكمْ بِوغَدٍ مِنْ ذَوي يمَنِ ... لم يدر مَا ضرْبُ أخْمَاسٍ بأَسْداسِ) وَلما انْصَرف الْفَرِيقَانِ من حَيْثُ كَانَا إِلَى حَيْثُ جَاءَ دخل عَمْرو بن الْعَاصِ سترا لَهُ وَلم يَأْتِ مُعَاوِيَة فَأرْسل مُعَاوِيَة يَدعُوهُ فَقَالَ عَمْرو إِنَّمَا كنت آتِيك إِذْ كَانَت لي إِلَيْك حَاجَة فَأَما إِذا كَانَت الْحَاجة إِلَيْنَا فَأَنت أَحَق أَن تَأْتِينَا فَعلم مُعَاوِيَة مَا قد دفع إِلَيْهِ فخمر الرَّأْي وأعمل الْحِيلَة فَأمر بِطَعَام كثير يصنع ثمَّ دَعَا الْخَاصَّة ومواليه فَقَالَ لَهُم إِنِّي سأغدوا إِلَى هَذَا فَإِذا دَعَوْت بِالطَّعَامِ قدمُوا موَالِيه وَأَهله فليجلسوا قبلكُمْ فَإِذا شبع الرجل مِنْهُم فَقَامَ فليجلس رجل مِنْكُم مَكَانَهُ فَإِذا خَرجُوا وَلم يبْق فِي الْبَيْت غَيْركُمْ فأغلقوا الْبَاب واحذروا أَن يدْخل مِنْهُم أحد إِلَّا أَن آمركُم وغدَا عَلَيْهِ مُعَاوِيَة وَعَمْرو جَالس على فرشه فَلم يقم لَهُ عَنهُ وَلَا دَعَاهُ إِلَيْهِ فجَاء مُعَاوِيَة فَجَلَسَ على الأَرْض واتكأ على نَاحيَة الْفراش وَذَلِكَ أَن عمرا كَانَ عِنْد نَفسه أَنه ملك الْأَمر وَإِلَيْهِ التصريف حَيْثُ يَشَاء بندب الْخلَافَة من يرى فَخرج بَينهمَا كَلَام كثير فَكَانَ فِيمَا قَالَه عَمْرو لمعاوية هَذَا لكتاب وَأَشَارَ إِلَى صَحِيفَته التحاكم بَينه وَبَين أبي مُوسَى السَّابِق ذكرهَا عَلَيْهِ خَاتمِي وخاتمه قد أقرّ بِأَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما وَأخرج عليا من هَذَا الْأَمر وَعرض عَليّ رجَالًا هم لهَذَا الْأَمر أهل وَبِهَذَا الْأَمر إِلَيّ اسْتخْلف عَلَيْهِ من شِئْت فقد أَعْطَانِي أهل الشَّام عَهدهم ومواثيقهم على الرِّضَا بِمن أختاره فجَاء مُعَاوِيَة وضاحكه وداعبه يحوله عَمَّا كَانَ فِيهِ ثمَّ قَالَ يَا أَبَا عبد الله هَل من غداء فَقَالَ عَمْرو أما شَيْء يسع مَا ترى فَلَا وَالله فَقَالَ مُعَاوِيَة هَلُمَّ غدائي فجيء بِالطَّعَامِ الْمعد فَوضع فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَبَا عبد الله ادْع مواليك وَأهْلك فَدَعَاهُمْ فَقَالَ عَمْرو فَادع أَصْحَابك ومواليك قَالَ نعم يَأْكُل أَصْحَابك أَولا ثمَّ يجلس هَؤُلَاءِ بعد فَجعلُوا كلما قَامَ رجل من أَصْحَاب عَمْرو جلس مَوْضِعه رجل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة حَتَّى لم يبْق من أَصْحَاب عَمْرو وَاحِد فَقَامَ الَّذِي وَكله بِالْبَابِ فأغلقه فَقَالَ لَهُ عَمْرو فعلتها فَقَالَ نعم وَالله بيني وَبَيْنك أَمْرَانِ أَيهمَا شِئْت فعلت قَالَ مَا هما قَالَ الْبيعَة أَو قَتلك لَيْسَ وَالله غَيرهمَا قَالَ عَمْرو فَأذن لغلامي وردان أَسْتَشِيرهُ وَأنْظر رَأْيه قَالَ مُعَاوِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 لَا ترَاهُ وَالله وَلَا يراك إِلَّا قَتِيلا أَو على مَا قلت لَك قَالَ عَمْرو فأوف إِذن بطعمة مصر قَالَ هِيَ لَك مَا عِشْت فاستوثق كل مِنْهُمَا من صَاحبه وأحضر مُعَاوِيَة الْخَواص من أهل الشَّام وَمنع أَن يدْخل مَعَهم من حَاشِيَة عَمْرو أحد قَالَ لَهُم عَمْرو قد رَأَيْت أَن أبايع مُعَاوِيَة فَلم لم أر أحدا أقوى على هَذَا الْأَمر مِنْهُ فَبَايعهُ أهل الشَّام وَانْصَرف مُعَاوِيَة إِلَى منزله خَليفَة قَالَ الْعَلامَة الْبَيْهَقِيّ من كتاب المحاسن عَن عَمْرو بن الْأَصَم قَالَ حَدثنَا رجل من بني هَاشم فَقَالَ أصلح الله الْأَمِير أَلا أحَدثك بفضائل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب قَالَ نعم قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حضرت مجْلِس مُحَمَّد ابْن عَائِشَة بِالْبَصْرَةِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رجل من وسط الْحلقَة فَقَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن من أفضل أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعد الْعشْرَة مَا عدا عليا فَقلت فَأَيْنَ عَليّ فَقَالَ مَا هَذَا تَسْأَلنِي عَن أَصْحَاب رَسُول الله أَو عَن نَفسه قَالَ بل عَن أَصْحَابه فَقَالَ إِن الله تَعَالَى يَقُول {فَقُل تعَالَوا نَدع أَبْنَائِنَا وأبنائكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ} آل عمرَان 61 فَكيف يكون أَصْحَابه مثل نَفسه وَعَن عَطاء كَانَ لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ موقف من رَسُول الله يَوْم الْجُمُعَة إِذا خرج أَخذ بِيَدِهِ فَلَا يخطو خطْوَة إِلَّا قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا عَليّ ابْتغى مرضاتك فارض عَنهُ حَتَّى يصعد الْمِنْبَر وروى أَبُو عُثْمَان قَاضِي الرّيّ عَن الْأَعْمَش عَن سعيد بن جُبَير قَالَ كَانَ عبد الله بن عَبَّاس يحدث على شَفير زَمْزَم وَنحن عِنْده فَلَمَّا قضى حَدِيثه قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا بن عَبَّاس إِنِّي رجل من أهل الشَّام رَأَيْتهمْ يتبرءون من عَليّ ويلعنونه فَقَالَ ابْن عَبَّاس لعنهم الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأعد لَهُم عذَابا مهيناً ألبعد قرَابَته من رَسُول الله أَو أَنه لم يكن أول ذكران الْعَالمين إِيمَانًا بِاللَّه وَرَسُوله وَأول من صلى وَركع وَعمل بأعمال الْبر قَالَ الشَّامي إِنَّهُم وَالله مَا يُنكرُونَ من قرَابَته وسابقته غير أَنهم يَزْعمُونَ أَنه قتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 النَّاس فَقَالَ ابْن عَبَّاس ثكلتهم أمهاتهم إِن عليا أعرف بِاللَّه وَرَسُوله وبحكمهما مِنْهُم فَلم يقتل إِلَّا من اسْتحق الْقَتْل فَقَالَ يَا بن عَبَّاس إِن قومِي جمعُوا لي نَفَقَة وَأَنا رسولهم إِلَيْك وأمينهم لَا يسعك أَن تردني بِغَيْر حَاجَتي فَإِن الْقَوْم هالكون فِي حَقه فَفرج عونهم فرج الله عَنْك فَقَالَ ابْن عَبَّاس يَا أَخا الشَّام إِن مثل عَليّ بن أبي طَالب فِي هَذِه الْأمة فِي عمله وفضله كَمثل العَبْد الصَّالح الَّذِي لقِيه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين انْتهى إِلَى سَاحل الْبَحْر فَقَالَ {هَل أَتبعك على أَن تُعلِمَنِ مِمَا علمتَ رُشداً} الْكَهْف 66 قَالَ الْعَالم {إنَك لَن تستَطِيعَ معي صبرا وَكَيف تصبِر} الْكَهْف 67 68 الْآيَة فَلَمَّا خرق السَّفِينَة لم يصبر مُوسَى وَترك مَا ضمن لَهُ من ترك السُّؤَال فِي خرق السَّفِينَة وَقتل الْغُلَام وَإِقَامَة الْجِدَار وَكَانَ الْعَالم أعلم بِمَا يَأْتِي من مُوسَى وَكبر على مُوسَى الْحق واعظم إِذْ لم يكن يعرفهُ وَهُوَ نَبِي مُرْسل فَكيف أَنْت يَا أَخا أهل الشَّام وَأَصْحَابك إِن عليا لم يقتل إِلَّا من كَانَ يسْتَحق الْقَتْل وَإِنِّي أخْبرك أَن رَسُول الله كَانَ عِنْد أم سَلمَة زَوجته إِذْ أقبل عَليّ يُرِيد الدُّخُول فَنقرَ نقراً خَفِيفا فَعرف النَّبِي نقره فَقَالَ يَا أم سَلمَة قومِي فافتحي الْبَاب فَقَالَت يَا رَسُول الله من ذَا الَّذِي يبلغ خطره أَن أستقبله بمحاسني فَقَالَ يَا أم سَلمَة إِن طَاعَتي طَاعَة الله عز وَجل قومِي فافتحي فَإِن بِالْبَابِ رجلا لَيْسَ بالخرق وَلَا بالنزق وَلَا بالعجل فِي أمره يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يَا أم سَلمَة إِن تفتحي الْبَاب لَهُ فَلَنْ يدْخل حَتَّى يخفي عَلَيْهِ الْوَطْء فَلم يدْخل حَتَّى غَابَتْ عَنهُ وخفي عَلَيْهِ الْوَطْء فَلَمَّا لم يحس لَهَا حَرَكَة دفع الْبَاب وَدخل فَسلم على النَّبِي فَرد عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ يَا أم سَلمَة هَل تعرفين هَذَا قَالَت نعم هَذَا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ رَسُول الله نعم هَذَا عَليّ سيط لَحْمه بلحمي وَدَمه بدمي وَهُوَ مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي يَا أم سَلمَة هَذَا عَليّ سيد الْمُؤمنِينَ وأمير الْمُسلمين وَمَوْضِع سري وَعلمِي وبابي الَّذِي الرَّأْي إِلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيّ على أهل بَيْتِي والأخيار من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 أمتِي وَهُوَ أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ معي فِي السناء الْأَعْلَى اشهدي يَا أم سَلمَة أَن عليا يُقَاتل النَّاكِثِينَ والقاسطين والمارقين قَالَ ابْن عَبَّاس وقتلهم لله رضَا وللأمة صَلَاح وَلأَهل الضَّلَالَة سخط فَقَالَ الشَّامي يَا بن عَبَّاس من الناكثون قَالَ الَّذين بَايعُوا عليا بِالْمَدِينَةِ ثمَّ نكثوا فَقَاتلهُمْ بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ أَصْحَاب الْجمل وَأما القاسطون مُعَاوِيَة وَأَصْحَابه والمارقون أهل النهران وَمن مَعَهم فَقَالَ الشَّامي يَا بن عَبَّاس مَلَأت صَدْرِي نورا وَحِكْمَة وفرجت عني فرج الله تَعَالَى عَنْك أشهد أَن عليا مولَايَ وَمولى كل مُؤمن ومؤمنة وَكتب مُعَاوِيَة إِلَى عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أما بعد فَلَو علمنَا أَن الْحَرْب تبلغ منا ومنك مَا بلغت لم نحثها بَعْضًا على بعض وَإِنَّا وَإِن كُنَّا قد غلبنا على عقولنا بَقِي لنا مِنْهَا مَا نروم بِهِ مَا مضى ونصلح مَا بَقِي وَقد كنت سَأَلتك الشَّام على أَنه لَا يلْزَمنِي لَك طَاعَة وَأَنا أَدْعُوك الْيَوْم إِلَى مَا دعوتك إِلَيْهِ أمس فَإنَّك لَا ترجو من الْبَقَاء إِلَّا مَا أَرْجُو وَلَا تخَاف من الْقَتْل إِلَّا مَا أَخَاف وَقد وَالله بردت الأحقاد وَذَهَبت الأدغال وَنحن بَنو عبد منَاف وَلَيْسَ لبعضها على بعض فضل يستذل بِهِ العَبْد ويسترق بِهِ حر وَالسَّلَام فَكتب إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب من عَليّ بن أبي طَالب إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أما بعد فقد جَاءَنِي كتابك تذكر فِيهِ أَنَّك لَو علمت أَن الْحَرْب تبلغ منا ومنك مَا بلغت لم نحثها بَعْضًا على بعض فَإنَّا وَإِيَّاك نلتمس مِنْهَا غَايَة لم ندركها بعد وَأما طَلَبك مني الشَّام فَلم أكن لأعطيك الْيَوْم مَا منعتك أمس وَأما استواؤنا فِي الْخَوْف والرجاء فلست أمضي على الشَّك مني على الْيَقِين وَلَيْسَ أهل الشَّام على الدُّنْيَا بأحرص من أهل الْعرَاق على الْآخِرَة وَأما قَوْلك إِنَّا بَنو عبد منَاف فَلَيْسَ أُميَّة كهاشم وَلَا حَرْب كَعبد الْمطلب وَلَا أَبُو سُفْيَان كَأبي طَالب وَلَا الطليق كالمهاجر وَلَا الْمُبْطل كالمحق وَفِي أَبينَا فضل النُّبُوَّة الَّتِي قتلنَا بهَا الْعَزِيز وبعنا بهَا الْحر وَالسَّلَام ثمَّ كتب مُعَاوِيَة إِلَى قيس بن سعد بن عبَادَة عَامل عَليّ على مصر وَأما بعد فَإنَّك يَهُودِيّ ابْن يَهُودِيّ وَإِن ظفر أحب الْفَرِيقَيْنِ إِلَيْك عزلك واستبدل بك وَإِن ظفر أبغضهما إِلَيْك نكل بك وقتلك وَكَانَ أَبوك أوتر قوسه وَرمى غَرَضه فَأكْثر الحز وَأَخْطَأ الْمفصل قلت هَذَا من مُعَاوِيَة يُشِير بِهِ إِلَى منع أَبِيه سعد بن عبَادَة عَن بيعَة أبي بكر ثمَّ عَن بيعَة عمر وطمعه أَن يكون هُوَ الْخَلِيفَة وَجمع قومه الْخَزْرَج فِي ذَلِك حَتَّى اجْتَمعُوا إِلَى سَقِيفَة بني سَاعِدَة كَمَا تقدم ذكر ذَلِك عِنْد ذكر خلَافَة أبي بكر الصّديق فخذله قومه وأدركه يَوْمه فَمَاتَ فِي حوران ضريراً فَكتب إِلَيْهِ قيس أما أَنْت فوثني ابْن وَثني دخلت فِي الْإِسْلَام كرها وَخرجت مِنْهُ طَوْعًا لم يتَقَدَّم إيمانك وَلم يحدث نفاقك وَكَانَ أبي أوتر قوسه وَرمى غَرَضه فشعب بِهِ من لم يبلغ عقبه وَلَا تَنْشَق غباره وَنحن أنصار الدّين الَّذِي مِنْهُ خرجت وأعداء الدّين الَّذِي فِيهِ دخلت وَلما صرف عَليّ رَضِي الله عَنهُ قيس بن سعد عَن مصر وَولي مَكَانَهُ مُحَمَّد بن أبي بكر كتب مُحَمَّد إِلَى مُعَاوِيَة من مُحَمَّد بن أبي بكر إِلَى الغاوي مُعَاوِيَة بن صَخْر أما بعد فَإِن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بِلَا عَبث مِنْهُ وَلَا ضعف فِي قُوَّة وَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى خلقهمْ وَلكنه خلقهمْ عبيدا وَجعل مِنْهُم غوياً ورشيداً وشقياً وسعيداً اخْتَار على علم وَاصْطفى وانتخب مِنْهُم مُحَمَّد فانتخبه بِعِلْمِهِ واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه وَبَعثه رسولاَ ودليلا فَكَانَ أول من أجَاب وأناب وأذعن وَصدق وَأسلم وَأَخُوهُ وَابْن عَمه عَليّ بن أبي طَالب صدقه بِالْغَيْبِ المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه بِنَفسِهِ كل هول وَحَارب حربه وَسَالم سلمه فَلم يبرح مبتذلاَ لنَفسِهِ سَاعَات اللَّيْل بالخوف والخشوع والخضوع حَتَّى برز شارقاً لَا نَظِير لَهُ مِمَّن اتبعهُ وَلَا مقارب لَهُ فِي فعله وَقد رَأَيْتُك تنَال مِنْهُ وَأَنت أَنْت وَهُوَ هُوَ أصدق النَّاس نِيَّة وأفضلهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 ذُرِّيَّة وَخير النَّاس زَوْجَة وَأفضل النَّاس ابْن عَم أَخُوهُ الساري بِنَفسِهِ يَوْم مُؤْتَة قلت يُرِيد بِهِ جَعْفَر الطيار رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَمه سيد الشُّهَدَاء يَوْم أحد وَأَبوهُ الذاب عَن رَسُول الله وَعَن حوزته وَأَنت اللعين ابْن اللعين لم تزل أَنْت وَأَبُوك تبغيان لرَسُول الله الغوائل وتجتهدان فِي إطفاء نور الله وتجمعان على ذَلِك الجموع وتبذلان فِيهِ الْأَمْوَال وتؤلبان عَلَيْهِ الْقَبَائِل على ذَلِك مَاتَ أَبوك وَعَلِيهِ خَليفَة والشهيد عَلَيْك من تدني ولجأ إِلَيْك من بَقِيَّة الْأَحْزَاب ورؤساء النِّفَاق وَالشَّاهِد لعَلي أنصاره الَّذين ذكرهم بفضله وَأثْنى عَلَيْهِم من الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فهم مَعَه كتائب وعصائب يرَوْنَ الْحق فِي أَتْبَاعه والشقاء فِي الْخلَافَة فَكيف بك لَك الويل تعدل نَفسك بعلي وَهُوَ وَارِث رَسُول الله ووليه وَأَبُو وَلَده وَأولى النَّاس بِهِ اتبَاعا وأقربهم بِهِ عهدَاً يُخبرهُ بسره ويطلعه على أمره وَأَنت عدوه فتمتع فِي دُنياك مَا اسْتَطَعْت بباطنك وليمددك ابْن العَاصِي فِي غوايتك فَإِن أَجلك قد انْقَضى وكبرك قد دهى ثمَّ تبين لَك لمن تكون الْعَافِيَة الْعليا وَاعْلَم أَنَّك إِنَّمَا تكايد رَبك الَّذِي أمنت كَيده ويئست من روحه فَهُوَ لَك بالمرصاد وَأَنت مِنْهُ فِي غرَّة وَالسلام على من اتبع الْهدى فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة من مُعَاوِيَة بن أبي صَخْر إِلَى الزاري على أَبِيه مُحَمَّد بن أبي بكر أما بعد فقد أَتَانِي كتابك تذكر فِيهِ مَا الله أَهله فِي عَظمته وقدرة سُلْطَانه وَمَا اصْطفى بِهِ رَسُول الله مَعَ كَلَام كثير فِيهِ لَك تَضْعِيف ولأبيك فِيهِ تعسيف وَذكرت فضل عَليّ بن أبي طَالب وَقدم سوابقه وقرابته من رَسُول الله ومواساته إِيَّاه فِي كل هول وَخَوف فَكَانَ احتجاجك عَليّ وعيبك لي فضل غَيْرك لَا بِفَضْلِك فَأَحْمَد رَبًّا صرف هَذَا الْفضل عَنْك وَجعله فِي غَيْرك فقد كُنَّا وَأَبُوك مَعًا نَعْرِف فضل عَليّ وَحقه لَازم لنا مبرز علينا فَلَمَّا اخْتَار الله لنَبيه مَا عِنْده وَأتم لَهُ مَا وعده وَأظْهر دَعوته وأفلج حجَّته وَقَبضه إِلَيْهِ كَانَ أَبوك وفاروقه أول من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 انتزع حَقه وَخَالفهُ عَن أمره على ذَلِك اتفقَا واتسقا ثمَّ إنَّهُمَا دَعْوَاهُ إِلَى بيعتهما فَأَبْطَأَ عَنْهُمَا وتلكأ عَلَيْهِمَا فهما بِهِ الهموم وأرادا بِهِ الْعَظِيم ثمَّ إِنَّه بَايع لَهما وَسلم إِلَيْهِمَا فأقاما لَا يشركانه فِي أَمرهمَا وَلَا يطلعانه على سرهما حَتَّى قبضهما الله تَعَالَى ثمَّ قَامَ ثالثهما عُثْمَان فهدى هديهما وَسَار سيرتهما فعبته أَنْت وَصَاحِبك حَتَّى طمع فِيهِ الأقاصي من أهل الْمعاصِي فطلبتما لَهُ الغوائل وأظهرتما عداوتكما حَتَّى بلغتما فِيهِ مناكما فَخذ حذرك يَا بن أبي بكر وَقس شبرك بفترك فَإنَّك تقصر أَن توازي أَو تَسَاوِي من يزن حلمه الْجبَال وَلَا تلين على قسر قناته وَلَوْلَا فعل أَبِيك من قبل مَا خَالَفنَا ابْن أبي طَالب ولسلمنا إِلَيْهِ وَلَكنَّا رَأينَا أَبَاك فعل بِهِ ذَلِك من قبلنَا فأخذنا بِمثلِهِ فعب أَبَاك بِمَا بدا لَك أَو دع وَالسَّلَام على من أناب كَذَا ذكره المَسْعُودِيّ وَهُوَ من كبار الْجَمَاعَة كَذَا أورد هَذِه الْمُكَاتبَة وَمد بهَا بَاعه فقبح الله من كَانَ اختراعه ثمَّ وَجه مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مصر فِي أَرْبَعَة آلَاف مَعَه مُعَاوِيَة بن خديج وَأَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ وَفَاء لعَمْرو بِمَا وعده وَكَانَ عَلَيْهَا مُحَمَّد بن أبي بكر والياً من جِهَة عَليّ فاقتتلا فظفر عَمْرو بِمُحَمد وَوضع فِي جيفة حمَار وأحرق فِيهَا قيل وضع حَيا وَقيل بعد قَتله فَبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فسر وَبلغ عليا فَحزن أَشد حزن على مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ ولى على الأشتر مَالك بن الْحَارِث النَّخعِيّ وَبَعثه إِلَيْهَا فِي جَيش مَكَان مُحَمَّد بن أبي بكر فَمَاتَ بِالطَّرِيقِ وَيُقَال إِن مُعَاوِيَة دس إِلَى دهقان أَن يسمه فسمه فِي شربة عسل فَمَا اسْتَقر فِي جَوْفه حَتَّى هلك فَأتى من كَانَ مَعَه على الدهْقَان وَمن كَانَ مَعَه وَإنَّهُ لما بلغ مُعَاوِيَة الْخَبَر قَالَ لله جنود مِنْهَا الْعَسَل ذكر وَفَاته قَالَ ابْن خلكان سَببهَا أَنه اجْتمع من بَقِي من الْخَوَارِج فتذكروا أَصْحَاب النهروان وترحموا عَلَيْهِم وَقَالُوا مَا نصْنَع بِالْبَقَاءِ بعدهمْ وَقَالَ غَيره سَببهَا أَنه لما طَال النزاع بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة تعاقدوا على قتل عَليّ وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَانْتدبَ لذَلِك ثَلَاثَة نفر عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي والبرك بن عبد الله التَّمِيمِي وَعَمْرو بن بكر التَّمِيمِي أَيْضا فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن ملجم أَنا لكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 بعلي وَقَالَ البرك أَنا لكم بِمُعَاوِيَة وَقَالَ عَمْرو أَنا لكم بِعَمْرو بن الْعَاصِ واتعدوا أَن يكون الْقَتْل لَيْلَة السَّابِع عشر من رَمَضَان وَكَانَ اجْتِمَاعهم لهَذَا التعاقد بِمَكَّة فَسَار عبد الرَّحْمَن إِلَى عَليّ بِالْكُوفَةِ وَسَار البرك بن عبد الله إِلَى مُعَاوِيَة بِالشَّام وَسَار عَمْرو بن بكر إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر فَلَمَّا دخل ابْن ملجم الْكُوفَة عَازِمًا على ذَلِك وَكَانَ قد اشْترى سَيْفا بِأَلف دِينَار وسقاه السم حَتَّى نفضه وَكَانَ فِي خلال ذَلِك يَأْتِي عليا فيستحمله فيحمله وينشد عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا رَآهُ من // (الوافر) // (أُريدُ حَيَاتهُ ويُريدُ قَتْلِي ... عذَيري من خَلِيلي من مُرادِ) ثمَّ يَقُول هَذَا وَالله قاتلي قيل فَمَا يمنعك مِنْهُ قَالَ إِنَّه لم يقتلني بعد وَقيل لَهُ إِن ابْن ملجم يسم سَيْفه وَقَالَ إِنَّه سيقتلك قتلة تَتَحَدَّث بهَا الْعَرَب فَبعث إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ تسم سَيْفك قَالَ لعدوي وعدوك فخلي عَنهُ وَقَالَ مَا قتلني بعد وَعَن عبد الله بن مُطِيع قَالَ خَطَبنَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة لتخضبن هَذِه من هَذِه فَقَالَ النَّاس أعلمناه لَنَتِرَنهُ ولَنَترن عشيرته قَالَ أنْشدكُمْ بِاللَّه أَن يقتل بِي غير قاتلي وَقعت عين ابْن ملجم على قطام امْرَأَة رائعة جميلَة كَانَت ترى رَأْي الْخَوَارِج كَانَ على قتل أَبَاهَا وأخاها بالنهروان فَخَطَبَهَا ابْن ملجم فَقَالَت لَهُ آلَيْت أَلا أَتزوّج إِلَّا على مهر لَا أُرِيد سواهُ ثَلَاثَة آلَاف وَعبد وقينة وَقتل عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ ابْن ملجم وَالله لقد قصدت قتل عَليّ بن أبي طَالب وَمَا أقدمني هَذَا الْمصير غَيره وَلَكِن لما رَأَيْتُك آثرت تزويجك قَالَت لَيْسَ إِلَّا بِالَّذِي قلت لَك قَالَ لَهَا يغنيني أَو يُغْنِيك قتل عَليّ وَأَنا أعلم أَنِّي إِذا قتلته لم أفلت قَالَت إِن قتلته ونجوت فَهُوَ الَّذِي أردْت ويهنيك الْعَيْش مني وَإِن قتلت فَمَا عِنْد الله خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَقَالَ لَهَا لَك مَا اشْترطت فَقَالَت سألتمس من يشد ظهرك فَبعثت إِلَيْهِ بِابْن عَم لَهَا يدعى وردان بن مخالد فأجابها وَلَقي ابْن ملجم شبيب بن بَحر الْأَشْجَعِيّ فَقَالَ يَا شبيب هَل لَك فِي شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تساعدني على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 قتل عَليّ بن أبي طَالب قَالَ ثكلتك أمك لقد جِئْت شَيْئا إمراً كَيفَ تقدمُ على ذَلِك قَالَ إِنَّه رجل لَا حرس لَهُ وَيخرج إِلَى الْمَسْجِد منفردَاً دون من يَحْرُسهُ ننتظره حِين يخرج إِلَى الْمَسْجِد فنكمن لَهُ فِي الْمَسْجِد فَإِذا خرج إِلَى الصَّلَاة قَتَلْنَاهُ فَإِن نجونا نجونا وَإِن قتلنَا سعدنا بِالذكر فِي الدُّنْيَا وَالْجنَّة فِي الآخرةَ فَقَالَ لَهُ وَيلك إِن عليا ذُو سَابِقَة فِي الْإِسْلَام مَعَ النَّبِي وَالله مَا ينشرح قلبِي لقَتله قَالَ وَيلك إِنَّه حكم الرِّجَال فِي دين الله وَقتل إِخْوَاننَا الصَّالِحين فنقتله بِبَعْض من قتل فَلَا تَشكن فِي دينك فَأَجَابَهُ وأْقبلا حَتَّى دخلا على قطام وَهِي معتكفة فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم فِي قبَّة ضربتها لنَفسهَا فدعَتْ لَهُم وَأخذُوا أسيافهم وجلسوا أَمَام السدة الَّتِي يخرج مِنْهَا عَليّ وَكَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي شهر رَمَضَان الَّذِي قتل فِيهِ يفْطر لَيْلَة عِنْد الْحسن وَلَيْلَة عِنْد الْحُسَيْن وَلَيْلَة عِنْد عبد الله بن جَعْفَر وَلَا يزِيد على ثَلَاث لقم وَيَقُول أحب أَن ألْقى الله وَأَنا خميص وَلما كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِي صبيحتها أَكثر الْخُرُوج وَالنَّظَر إِلَى السَّمَاء وَجعل يَقُول وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت وَإِنَّهَا اللَّيْلَة الَّتِي وعدت فَلَمَّا خرج إِلَى صحن الدَّار قَاصِدا الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد إِذا أوز يَصِحن فِي وَجهه فطردوهن فَقَالَ دعوهن فَإِنَّهُنَّ نوائح فَخرج إِلَى الصَّلَاة من بَاب السدة فبدره شبيب فَضَربهُ فأخطأه وضربه ابْن ملجم على مَوضِع الصلع من رَأسه وَقَالَ الحكم لله يَا عَليّ لَا لَك وَلَا لأصحابك فَقَالَ عَليّ فزت وَرب الْكَعْبَة لَا يفوتكم الْكَلْب فَشد النَّاس عَلَيْهِ من كل جَانب فَحمل ابْن ملجم عَلَيْهِم بِسَيْفِهِ فاخرجوا لَهُ وتلقاه الْمُغيرَة بن نَوْفَل بقطيفة فَرمى بِهِ عَلَيْهِ ثمَّ احتمله فَرمى بِهِ الأَرْض وَجلسَ على صَدره ثمَّ أوثقوه وَأما شبيب فهرب خَارِجا من بَاب كِنْدَة وَلما أَخذ عبد الرَّحْمَن قَالَ عَليّ احْبِسُوهُ فَإِن مت فَاقْتُلُوهُ وَلَا تمثلوا بِهِ وَإِن لم أمت فَالْأَمْر إِلَيّ فِي الْعَفو وَالْقصاص أخرجه أَبُو عمر وَكَذَا فِي الرياض قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ بَقِي عَليّ يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم السبت وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد وَقيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 توفّي من يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ الفتك بِهِ لَيْلَة سبع عشرَة فِي رَمَضَان كوقعة بدر وَقيل صبيح لَيْلَة ثَالِث عشرَة وَقيل لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت وَقيل بقيت وَقيل لثمان عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ ذكر هَذَا كُله ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَفِي ذَلِك يَقُول الفرزدق من // (الطَّوِيل) // (فَلم أر مهْرًا سَاقه ذُو سماحةٍ ... كمهْرِ قطام بَين عربٍ وأَعْجُمِ) (ثلاثةُ آلافٍ وعَبْدٌ وقنينةٌ ... وضرْبُ عليِّ بالحسامِ المصمم) (فَلَا مهْرٌ اغْلى مِنْ عليِّ وَإِن علا ... وَلَا فَتْكٌ الأَّ دونَ فتكِ ابنِ ملجمِ) وغسله الْحسن وَالْحُسَيْن وَعبد الله بن حعفر وَمُحَمّد ابْن الْحَنَفِيَّة يصب المَاء وروى هَارُون بن سعد أَنه كَانَ عِنْد عَليّ مسك أوصى أَن يحنط بِهِ وَقَالَ إِنَّه من حنوط رَسُول الله أخرجه الْبَغَوِيّ وَصلى عَلَيْهِ الْحسن وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَقيل سبعا وَقيل تسعا وَقيل إِن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أوصى أَن يخفى قَبره لعلمه أَن الْأَمر يصير إِلَى بني أُميَّة فَلم يَأْمَن أَن يمثلوا بقبره وَقد اخْتلف فِي قَبره فَقيل فِي زَاوِيَة الْجَامِع بِالْكُوفَةِ وَقيل بالرحبة من الْكُوفَة وَقيل بقصر الْإِمَارَة مِنْهَا وَقيل بنجف الْحيرَة فِي المشهد الَّذِي يزار بِهِ الْيَوْم وَأَصَح مَا قيل إِنَّه مدفون بقصر الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ قَالَ الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه قَالَ شريك نَقله ابنُهُ الْحسن يُرِيد بِهِ الْمَدِينَة فَكَانَ فِي مَسِيرهمْ مَا أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عبد الْعَزِيز قَالَ لما قتل عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه حملوه ليدفنوه عِنْد رَسُول الله فَبَيْنَمَا هم فِي مَسِيرهمْ لَيْلًا إِذْ ند الْجمل الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَلم يدروا أَيْن ذهب وَلم يقدروا عَلَيْهِ فَلذَلِك يَقُول أهل الْعرَاق هُوَ فِي السَّحَاب وَقيل إِن الْبَعِير الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَقع فِي بِلَاد طَيئ فَأَخَذُوهُ ودفنوه انْتهى مَا قَالَه السُّيُوطِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَقَالَ الْعَلامَة الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان الْكُبْرَى التَّحْقِيق أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يعرف قَبره على الْحَقِيقَة قلت ذكر ابْن خالكان أَن الرشيد خرج يَوْمًا إِلَى الصَّيْد فَانْتهى بِهِ إِلَى مَوضِع قبر على الْمَشْهُور الْآن بالمشهد فَأرْسل فهودا على الصَّيْد فتبعت الصَّيْد إِلَى مَكَان الْقَبْر ووقفت الفهود عِنْده وَلم تتقدم إِلَى الصَّيْد فَعجب هَارُون الرشيد من ذَلِك فجَاء رجل من أهل الْحيرَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَرَأَيْت إِن دللتك على قبر ابْن عمك عَليّ بن أبي طَالب أَلِي عنْدك ملزمة قَالَ نعم قَالَ هَذَا قَبره فَقَالَ لَهُ الرشيد من أَيْن عَلمته قَالَ كنت أجيء مَعَ أبي فيزوره وَأَخْبرنِي أبي أَنه كَانَ يَجِيء مَعَ جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ فيزوره وَأَن جعفرا كَانَ يَجِيء مَعَ أَبِيه مُحَمَّد الباقر فيزورهُ وَكَانَ الباقر يَجِيء مَعَ أَبِيه زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن فيزوره وَكَانَ الْحُسَيْن أعلمهم بمَكَان الْقَبْر فَأمر الرشيد بِأَن يحْجر على الْموضع وَكَانَ أول النَّاس وضع فِيهِ ثمَّ تزايدت الْأَبْنِيَة فِيهِ فِي أَيَّام مُلُوك السامانِية وَأَيَّام بني حمدَان وتفاقمت بِزِيَادَة فِي أَيَّام مُلُوك الديلم بني بويه قَالَ وعضد الدولة مِنْهُم هُوَ الَّذِي أظهره ظهوراً عَظِيما وَعمر المشهد عمَارَة حَسَنَة وَأوصى أَن يُدفن هُنَاكَ فَدفن قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ سُئِلَ عَليّ وَهُوَ على مِنْبَر الْكُوفَة عَن قَوْله تَعَالَى {رِجال صدقُوا أُولَئكَ مَا عَاهَدُوا لله عَلَيْهِ فَمِنهُم مَن قضى نَحبَهُ ومِنهُم مَن ينْتَظر} الْأَحْزَاب 23 فَقَالَ للهم اغْفِر هَذِه الْآيَة نزلت فِي وَفِي عمي حَمْزَة وَفِي ابْن عمي عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَأَما عُبَيْدَة فَقضى نحبه شَهِيدا يَوْم بدر وَأما حَمْزَة فَقضى نحبه شَهِيدا يَوْم أحد وَأما أَنا فأنتظر أشقاها يخضب هَذِه من هَذَا وَأَشَارَ إِلَى لحيته وَرَأسه عهد عَهده إِلَيّ حَبِيبِي أَبُو الْقَاسِم وَلما أُصِيب دَعَا الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ لَهما أوصيكم بتقوى الله وَلَا تبغيا الدُّنْيَا وَإِن بغتكما وَلَا تبكيا على شَيْء زوى مِنْهَا عنكما وقولا الْحق وارحما الْيَتِيم وَأَعْيُنًا الضَّعِيف واصنعا للآخرة وكونا للظالمين خصمَاً وللمظلوم أنصاراً وأعطوا لله وَلَا تأخذكم فِي الله لومة لائم ثمَّ نظر إِلَى وَلَده مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ لَهُ هَل حفظت مَا أوصيت بِهِ أخويك قَالَ نعم فَقَالَ لَهُ أوصيك بِمثلِهِ ثمَّ قَالَ أوصيك بتوقير أخويك لعظم حَقّهمَا عَلَيْك وَلَا تُؤثر أمرا دونهمَا ثمَّ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 لَهما سيفكما وَابْن أبيكما أوصيكما بِهِ فَإِنَّهُ أخوكما وَقد علمتما أَن أَبَاكُمَا يُحِبهُ ثمَّ لم ينْطق إِلَّا بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى أَن قبض كرم الله وَجهه وَعَن هشيم مولى الْفضل لما مَاتَ عَليّ قَامَ الْحُسَيْن وَمُحَمّد ابْن الحنيقة إِلَى ابْن ملجم فقطعاه عضوا عضوَاً وسملا عَيْنَيْهِ بمسمار حَدِيد حمى وَلم يتأوه فَلَمَّا جودل قطع لِسَانه فصاح فَقيل لَهُ فَقَالَ وَالله مَا صياحي جزع من الْمَوْت لَكِن خشيت أَن تمر بِي سَاعَة من الدُّنْيَا لَا أذكر الله فِيهَا وَلما أَرَادوا فعل ذَلِك نهاهما الْحسن عملا بِوَصِيَّة وَالِده فَلم يمتثلا لشدَّة حزنهما ثمَّ جعل فِي قوصرة وأوقد النَّار وأحرقت جيفته أم الْهَيْثَم بنت الْأسود النخعية وَقيل بل أَمر الْحسن بِضَرْب عُنُقه فَضربت وَمن أغرب مَا سمعته قَول عمرَان بن حطَّان بن ظبْيَان السدُوسِي الْبَصْرِيّ أحد رُءُوس الْخَوَارِج يمدح ابْن ملجم قَاتل الإِمَام عَليّ كرم الله واجهه وسود وجهيهما // (من الْبَسِيط) // (يَا ضرْبَةً مِنْ تقىٍّ مَا أرادَ بهَا ... إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العرشِ رِْضوَانَا) (إنِّي لأَذْكُوُهُ يَوْمًا فأحسبُهُ ... أوفى البريةِ عِنْد الله ميزانَا) (أكْرم بقومٍ بطونُ الطيرِ قبرهُمُ ... لم يخلطُوا دينَهُمْ بغياً وعدوانَا) قَالَ الذَّهَبِيّ لما بلغ شعره هَذَا عبد الْملك بن مَرْوَان أَدْرَكته الحمية فَنَذر دَمه فَوضع عَلَيْهِ الْعُيُون فَلم تحمله أَرض وَكَانَ سنّ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خمسَاً وَسِتِّينَ سنة ذكر ذَلِك أَبُو بكر أَحْمد بن الدارع فِي كتاب مواليد أهل الْبَيْت وَلم يذكرهُ غَيره وَقيل سبع وَخَمْسُونَ وقيِل ثَمَان وَخَمْسُونَ وَقيل ثَلَاث وَسِتُّونَ وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ صحب النَّبِي بِمَكَّة ثَلَاث عشر سنة وَعمر إِذْ ذَاك اثْنَتَا عشر سنة ثمَّ هَاجر فَكَانَ مَعَه بِالْمَدِينَةِ عشر سِنِين ثمَّ عَاشَ من بعده ثَلَاثِينَ سنة وَمِمَّا رثي بِهِ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَول أَبُو الْأسود الدؤَلِي // (من الوافر) // (أَلا يَا عيْنُ ويحكِ أَسْعدينَا ... أَلا تَبْكِين امِيرَ المؤمنينا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 (تبْكي أم كُلْثُوم عليهِ ... بعبرتها وقدْ رأَتَ اليَقينَا) (أَلا قُلْ للخوارِجِ حيثُ كَانُوا ... فَلَا قَرَّتْ عيونُ الحاسدينا) (أَفِي شَهْرِ الصيامِ فَجَعْتُمُونا ... بخيرِ الناسِ طُرًّا أجمعينَا) (قتلُمْ خَيْر منْ ركبَ المطايا ... وذَلَّلها ومنْ ركِبَ السفينَا) (ومنْ لبِسَ النعالَ ومنْ حذاها ... ومَنْ قَرَأَ المثانِي والمبينَا) (وكُلّ مناقبِ الخيراتِ ... وَحب رسولِ ربِّ العالمينا) (لقد علمتْ قريشٌ حيْثُ كانَتْ ... بأنَّكَ خيرهُهُمْ حسباً ودِينا) (إِذا استقبلْتَ وجَهَ أبي حُسَيْنٍ ... رَأَيْت البدْرَ فوقَ الناظِرِينا) (وكنَّا قبل مقلتِهِ بخيْرٍ ... نرى مَوْلَى رسولِ الله فِينَا) (يُقيم الحقَّ لَا يرتابُ فِيهِ ... ويعدلُ فِي العدا والأقربينا) (وَلَيْسَ بكاتِم علمَاً لديْهِ ... وَلم يخلقْ من المتسخِّرِينا) (كأنَّ الناسَ إِذْ فقدوا عليا ... نعامٌ حارَ فِي بَلَدٍ سبينَا) (فَلَا تشمتْ مُعَاوِيَة بْنَ حربٍ ... فَإِن بقيةَ الخلفاءِ فِينَا) وَقَالَ أَبُو بكر بن حَمَّاد يرثي عليا كرم الله وَجهه وَيرد على عَدو الله عمرَان بن حطَّان قَوْله فِي عدوا الله ابْن مُلجم // (من الْبَسِيط) // (قلْ لابنِ ملجمَ والأقدارُ غالبةُ ... هدمْتَ ويْلكَ للإسلامِ أركانا) (قتلتَ أفضَلَ مَنْ يمشي على قَدمٍ ... وأولَ الناسِ إسلاماً وإيمانا) (وأعلَمَ الناسِ بالإسْلامِ ثُمَّ بِمَا ... سَنَّ الرسولُ لنا شرعا وتبيَانَا) (صِهْرَ النبيِّ ومولاه وناصِرَهُ ... أضحَتْ مناقبه نورا وبرهانا) (وَكَانَ مِنْهُ عَلَى رغْمِ الحسودِ لَهُ ... مكانَ هارونَ من مُوسى بن عِمْرَانا) (وكَانَ فِي الحربِ سَيْفا مَاضِيا ذَكَرًا ... ليثاً إِذَا لقِيَ الأقرانُ أقرانا) (ذكَرْتُ قاتلَهُ والدمْعُ منحدرٌ ... فقلْتُ سبحانَ ربِّ الناسِ سبحانَا) (إنَّي لأحسبُهُ مَا كانَ من بَشَرٍ ... يخْشَى المعادَ ولكنْ كَانَ شيْطانا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 (أشقَى مُرَاد إِذا عدَّت قبائلها ... وأخْسَر الناسِ عِنْد الله ميزنا) (كعاقِرِ الناقةِ الأُولي التِي جلَبَت ... على ثمودٍ بأرضِ الحجرِ خُسْرَانا) (قد كانَ يخبرُهُمْ أنْ سوفَ يخضبها ... قبْلَ المنيةِ أزمانَا فأزمانا) (فَلَا عَفا اللُه عَنهُ مَا تحملَهُ ... وَلَا سَقَى قَبْرَ عمرانَ بْنِ حِطَّانا) (لقولهِ فِي شقي ظلّ مجتَرماً ... وَقَالَ مَا قَالَه ظلْمًا وعُدْوانا) (يَا ضربَة مِن تقِيِّ مَا أرادَ بهَا ... إِلَّا ليبلُغَ مِنْ ذِي العرشِ رِضْوانا) (بل ضربةٌ مِنْ غويِّ أورثتْهُ لظى ... فسوْف يلقى بِها الرحمنَ غضْبَانا) (كَأَنَّهُ لم يردْ قصدا بضربتِهِ ... إِلَّا لِيَصْلَى عذَاب الخُلْدِ نيرانا) وَقَالَ الصفي الْحلِيّ يمدح عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه // (من الْخَفِيف) // (جُمِعَتْ فِي صفائِكَ الأضدادُ ... فَلهَذَا عَرَّتْ لَك الأندادُ) (زاهِدٌ حاكمٌ علمٌ شجاعٌ ... ناسكٌ فاتكٌ فقيرٌ جوادُ) (هِمَمٌ مَا جُمِعْن فِي بشَرٍ قطْطُ ... وَلَا حازَ مثلَهُنَّ العبادُ) (خلقٌ يخجل النسيمَ مِن اللطْفِ ... وبأسٌ يذوبُ مِنْهُ الجمادُ) (فلِهذا تعمّّقَتْ فيكَ أقوامٌ ... بأقوالِهِمْ فزانُوا وزادُوا) (وغلتْ فِي صفاتِ فضلِك يَاسِينٌ ... وحماميمٌ هَل أَتَى ثمَّ صادُ) (ظهرتْ مِنْك للورَى مكرماتُ ... فأقرَّتْ بفضلِكَ الحسادُ) (إِن يكذب بهَا عداكَ فقَدْ كَذْذبَ ... مِنْ قبلُ قوْمُ لوطٍ وعادُ) (أنتَ سرُّ النبيِّ والصنو وَابْن الْعمِّ ... والطهْرُ والأخُ المستجادُ) (لَو رأَى مثلَكَ النبيُّ لآخاهُ ... وإلاَّ لأخطأَ الإنتقادُ) (وبكُمْ بَاهل النبيَّ وَلم يُلْف ... لكُمْ خامسٌ سواهُ يُرَادُ) (كنتَ نفسَاً لَهُ وعِرْسُكَ وابناكَ ... لديْهِ النساءُ والأولادُ) (جلَّ معناك أَن يحيطَ بِهِ الشِّعْرُ ... ويحْصِي صفاتِك التَّعْدادُ) (إِنَّمَا اللُه عنكُمُ أذهبَ الرجْسَ ... فردََّتْ بغيظها الحسادُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 (ذاكَ مَدْحُ الإلهِ فيكُمْ فإِنْ فُهْتُ ... بَمْدحٍ فذاكَ قولٌ معادُ) وَقَالَ خُزَيْمَة بن ثَابت ذُو الشَّهَادَتَيْنِ من قصيدة فِيهِ من // (الطَّوِيل) // (رأَوْا نعْمَة لِله ليسَتْ عليهمُ ... عليكَ وفضلا بارعاً لَا تنازعُهْ) (فعَضُّوا من الغيظِ الطويلِ أكفَّهُمْ ... عليكَ ومَنْ لم يرْضَ فَالله خادعُهْ) (مِن الدينِ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا لَكَ المنَى ... وفَوْقَ المنَى أخلاقُهُ وطبائعُهْ) (الْآيَات فِي شَأْن عَليّ كرم الله وَجهه) مِنْهَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اَلذينَ يُنفِقون أموالَهُم بِاَلليلِ وَالنهارِ سرا وَعَلانية} الْبَقَرَة 274 قَالَ نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب كَانَت مَعَه أَرْبَعَة دَرَاهِم فأنفق بِاللَّيْلِ درهما وَفِي النَّهَار درهمَاً ودرهماً فِي السِّرّ ودرهما فِي الْعَلَانِيَة فَقَالَ لَهُ مَا حملك على هَذَا قَالَ أستوجب على الله مَا وَعَدَني فَقَالَ إِن لَك ذَلِك وتابع ابْن عَبَّاس مُجَاهِد وبن الْمسيب وَمُقَاتِل وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن كاَنَ مُؤمناً كمن كاَن فَاسِقَاً لَا يستَون} السَّجْدَة 18 نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب والوليد بن عتبَة أخرجه الْحَافِظ السلَفِي وَعَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن عتبَة قَالَ لعَلي أَنا أحد مِنْك سِنَانًا وأبسط مِنْك لِسَانا وَأَمْلَأُ كَتِيبَة فَقَالَ لَهُ عَليّ اسْكُتْ إِنَّمَا أَنْت فَاسق تَقول الْكَذِب فَأنْزل الله الْآيَة تَصْدِيقًا لعَلي قَالَ قَتَادَة لَا وَالله مَا اسْتَويَا عِنْد الله لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة ثمَّ أخبر عَن الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ {أَمَا اَلذِينَ آمنَوُا} السَّجْدَة 19 أخرجه الْوَاقِدِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أفمنَ وَعدناه وَعداً حسنُاً فهَوَ لاقيهِ} الْقَصَص 61 الْآيَة قَالَ مُجَاهِد نزلت فِي عَليّ وَحَمْزَة وَأبي جهل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إنَ اَلذَينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصالِحاتِ سيَجعَلُ لهمُ الرَّحْمَن وُداً} مَرْيَم 96 قَالَ ابْن الحنيفة لَا يبْقى مُؤمن إِلَّا وَفِي قلبه ود لعَلي وَأهل بَيته أخرجه الْحَافِظ السلَفِي وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {هذانِ خصمَانِ اختَصَمُوا فِي رَبّهِم} الْحَج 19 إِلَى قَوْله {وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد} الْحَج 24 وَعَن أبي ذَر كَانَ يقسم لنزلت هَذِه الْآيَة فِي عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب حِين بارزوا عتبَة بن ربيعَة وأخاه شيبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة يَوْم بدر أخرجه مُسلم وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَفَمنَ شرح اللَهُ صَدرَه لِلإسلام} الزمر 22 الْآيَة نزلت فِي عَليّ وَحَمْزَة وَأبي لَهب وَأَوْلَاده فعلي وَحَمْزَة شرح الله صدرهما لِلْإِسْلَامِ وَأَبُو لَهب وَأَوْلَاده قست قُلُوبهم ذكره أَبُو الْفرج وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَذِينَ آمنَوُا إِذا نَاجَيْتُم اَلرَسُولَ فَقَدِّمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} المجادلة 12 قَالَ لي رَسُول الله مَا ترى أدينار قلت لَا يطيقُونَهُ قَالَ فكم قلت شعيرَة قَالَ إِنَّك لَزَهِيد فَنزلت {ءأشفقتم أَن تقدمُوا} المجادلة 13 فَبِي خفف الله عَن هَذِه الْأمة أخرجه أَبُو حَاتِم وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {ويطعِمُونَ اَلطعَامَ عَلىَ حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيرا} الْإِنْسَان 8 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 قَالَ ابْن عَبَّاس آجر على نَفسه فسقى نجيلاً بِشَيْء من شعير لَيْلَة حَتَّى أصبح فَلَمَّا أصبح قبض الشّعير فطحن مِنْهُ فَجعل مِنْهُ شَيْئا ليأكلوه يُقَال لَهُ الحريرة دَقِيق بلادهن فَلَمَّا تمّ نضاجه أَتَى مِسْكين يسْأَل فَقَالَ أطعموه إِيَّاه ثمَّ صَنَعُوا الثُّلُث الثَّانِي فَلَمَّا تمّ نضاجه أَتَى يَتِيم فَسَأَلَ فَقَالَ أطعموه إِيَّاه ثمَّ صَنَعُوا الثُّلُث الْبَاقِي فَلَمَّا تمّ نضاجه أَتَى أَسِير من الْمُشْركين فَسَأَلَ فَقَالَ أطعموه إِيَّاه فأطعموه إِيَّاه وطووا يومهم فَنزلت وَهَذَا قَول الْحسن وَقَتَادَة أَن الْأَسير كَانَ من الْمُشْركين قَالَ أهل الْعلم وَهَذَا يدل على أَن الثَّوَاب مرجو فيهم وَإِن كَانُوا من غير أهل الْملَّة وَهَذَا إِذا كَانَ مَا أَعْطوهُ من غير الزَّكَاة وَالْكَفَّارَة كَمَا هُنَا قلت يحْتَمل أَن يكون الْجَار وَالْمَجْرُور مُطلقًا بِالْفِعْلِ على فعل مضف ليَكُون الْمَعْنى أَتَى من ديار الْمُشْركين أَسِير الصَّادِق بِكَوْنِهِ مُؤمنا بل هَذَا الِاحْتِمَال أولى من اعْتِبَاره صفة للأسير الْمُؤَدِّي إِلَى تعْيين كَونه من الْمُشْركين المحوج إِلَى التَّوْجِيه بقوله قَالَ أهل الْعلم وَهَذَا يدل ... إِلَى آخِره وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَيْسَ فِي كتاب الله عز وَجل {يَا أَيُهَا اَلذَين آمَنُوا} الْبَقَرَة 104 إِلَّا وعَلى أَولهَا وَآخِرهَا وَلَقَد عَاتب الله أَصْحَاب مُحَمَّد فِي الْقُرْآن وَمَا ذكر عليا إِلَّا بِخَير أخرجه أَحْمد فِي المناقب (الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي الحسنين كرم الله تَعَالَى وَجهه) الحَدِيث الأول عَن أبي ليلى عَن النَّبِي أَنه قَالَ الصديقون ثَلَاث حبيب النجار مُؤمن آل يس الَّذِي قَالَ {يَا قوم اَتبِعُون أَهدكُم سَبِيلَ اَلرشَادِ} غَافِر 38 وحرمل مُؤمن آل فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ {أَتَقتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبيِّ اللهُ} غَافِر 28 وَعلي بن أبي طَالب وَهُوَ أفضلهم أخرجه أَحْمد فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 المناقب الحَدِيث الثَّانِي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله لعَلي بن أبي طَالب سَلام عَلَيْك أَبَا الريحانتين فَعَن قَلِيل يذهب ركناك وَالله خليفتي عَلَيْك فَلَمَّا قبض قَالَ هَذَا حد الرُّكْنَيْنِ الَّذِي قَالَ فَلَمَّا مَاتَت فَاطِمَة قَالَ هَذَا الرُّكْن الآخر أخرجه أَحْمد فِي المناقب أَيْضا الحَدِيث الثَّالِث عَن سهل بن سعد أَن رجلا جَاءَهُ فَقَالَ هَذَا فلَان لأمير من أُمَرَاء الْمَدِينَة يَدْعُوك تسُب عليا على الْمِنْبَر قَالَ أَقُول مَاذَا قَالَ تَقول لَهُ أَبَا تُرَاب قَالَ فَضَحِك سهل وَقَالَ وَالله مَا سَمَّاهُ أَبَا تُرَاب إِلَّا رَسُول الله مَا كَانَ اسْم أحب إِلَيْهِ مِنْهُ دخل عَليّ على فَاطِمَة ثمَّ خرج فجَاء فَقَالَ أَيْن ابْن عمك فَقَالَت كَانَ بيني وَبَينه شَيْء فغاضبني وَخرج وَلم يَقِل عِنْدِي وَهَا هُوَ مُضْطَجع فِي الْمَسْجِد فَخرج فَوجدَ رِدَاءَهُ قد سقط عَن ظَهره فَجعل رَسُول الله يمسح التُّرَاب عَن ظَهره وَيَقُول اجْلِسْ أَبَا تُرَاب أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم الحَدِيث الرَّابِع عَن معَاذَة العدوية سَمِعت عليا على مِنْبَر الْبَصْرَة يَقُول أَنا عبد الله وأخو رَسُوله وَأَنا الصّديق الْأَكْبَر الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي ذَر قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول لعَلي أَنْت الصّديق الْأَكْبَر وَأَنت الْفَارُوق الَّذِي يفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل يعسوب الْمُؤمنِينَ وَفِي رِوَايَة الدّين خرجهما الحاكمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 الحَدِيث السَّادِس عَن عمر بن الْخطاب قَالَ كنت أَنا وَأَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو بكر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة إِذْ ضرب رَسُول الله منْكب عَليّ فَقَالَ عَليّ أَنْت أول الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا وَأول الْمُسلمين إسلاماً وَأَنت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى خرجه ابْن السمان الحَدِيث السَّابِع عَن زيد بن أَرقم قَالَ كَانَ أول من أسلم عَليّ بن أبي طَالب خرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَفِي رِوَايَة بعث رَسُول الله يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَصلى مَعَه عَليّ يَوْم الثُّلَاثَاء وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس عَليّ أول من أسلم بعد خَدِيجَة قَالَ أَبُو عمرَو وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا مطْعن لأحد فِي رُوَاته قلت هُوَ يُعَارض مَا تقدم عَن ابْن عَبَّاس فِي أبي بكر وَالصَّحِيح أَنا أَبَا بكر أول من أظهر إِسْلَامه فَلَا تعَارض الحَدِيث الثَّامِن عَن معَاذَة العدوية قَالَت سَمِعت عليا على مِنْبَر الْبَصْرَة يَقُول أَنا الصّديق الْأَكْبَر آمَنت قبل أَن يُؤمن أَبُو بكر وَأسْلمت قبل أَن يسلم أَبُو بكر أخرجه ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف الحَدِيث التَّاسِع عَن سلمَان أَنه قَالَ أول هَذِه الْأمة وروداً عَليّ نبيها أَولهَا إسلاماً عَليّ بن أبي طَالب وَقد روى مرفوعَاً إِلَى النَّبِي وَلَفظه أول هَذِه الْأمة وروداً على الْحَوْض الحَدِيث وَفِي رِوَايَة أولكم ورودَاً على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 الْحَوْض أولكم إسلاماً عَليّ بن أبي طَالب خرجه ابْن القلعي وَعَن عفيف ابْن الْأَشْعَث عَن قيس الْكِنْدِيّ قَالَ كنت امْرَءًا تاجرَاً قدمت لِلْحَجِّ فَأتيت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أبتاع مِنْهُ بعض تجارتي قَالَ فوَاللَّه إِنِّي عِنْده بمنى إِذْ خرج علينا رجل من خباء قريب مِنْهُ فَنظر إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا رَآهَا قَامَ يُصَلِّي ثمَّ خرجت امْرَأَة من ذَلِك الخباء فَقَامَتْ خَلفه ثمَّ خرج غُلَام حِين راهق الْحلم فَقَامَ مَعَه يُصَلِّي قَالَ عفيف فَقلت للْعَبَّاس من هَذَا قَالَ هَذَا مُحَمَّد ابْن أخي فَقلت من هَذِه الْمَرْأَة قَالَ هَذِه امْرَأَته خَدِيجَة بنت خويلد قلت فَمن هَذَا الْغُلَام قَالَ هَذَا ابْن عَمه عَليّ بن أبي طَالب قلت فَمَا الَّذِي يصنع قَالَ يُصَلِّي وَهُوَ يزْعم أَنه نَبِي وَلم يتبعهُ أحد على أمره إِلَّا امْرَأَته وَابْن عَمه هَذَا الْفَتى وَهُوَ يزْعم نه سيفتح كنوز كسْرَى وَقَيْصَر قَالَ فَكَانَ عفيف يَقُول لَو كَانَ الله رَزَقَنِي الْإِسْلَام يَوْمئِذٍ فَأَكُون ثَانِيًا مَعَ عَليّ بن أبي طَالب وَقد أسلم فِيمَا بعد وَحسن إِسْلَامه وَعَن عَليّ نَفسه قَالَ صليت قبل أَن يُصَلِّي النَّاس بِسبع سِنِين وَفِي رِوَايَة عَنهُ أيضَاً عبدت الله قبل أَن يعبده أحد من هَذِه الْأمة خمس سِنِين خرجه أَبُو عمر وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنا أول من يجثو للخصومة بَين يَدي الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة وَفينَا نزلت {هذانِ خَصْمَانِ اَختَصَمُوا فِي رَبّهِم} الْحَج 19 فِي مبارزتنا يَوْم بدر أَنا وَحَمْزَة وَعبيدَة مَعَ شيبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة خرجه البُخَارِيّ عَنهُ الحَدِيث الْعَاشِر عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ إِنَّك أول من يقرع بَاب الْجنَّة فيدخلها بِغَيْر حِسَاب بعدِي خرجه الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 الرضي فِي مُسْنده الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عِنْده طير أهْدى إِلَيْهِ وَكَانَ مِمَّا يُعجبهُ أكله فَقَالَ اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأحب خلقك إِلَيْك يَأْكُل معي هَذَا الطير فجَاء عَليّ فَأكل مَعَه خرجه التِّرْمِذِيّ وَالْبَغوِيّ فِي المصابيح وخرجه الْجَزرِي وَزَاد بعد قَوْله فجَاء عَليّ فَقَالَ اسْتَأْذن على رَسُول الله فَقلت مَا عَلَيْهِ إِذن ثمَّ جَاءَ فرددته ثمَّ دخل الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فَقَالَ لعَلي مَا حَبسك عني أَو مَا أبطأك عني يَا عَليّ قَالَ جِئْت فردني أنس وَكَانَ أنس خَادِم رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله يَا أنس مَا حملك على مَا صنعت قلت رَجَوْت أَن يكون رجلا من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا أنس أَو فِي الْأَنْصَار خير من عَليّ أَو فضل من عَليّ خرجه البُخَارِيّ الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن معَاذَة الغفارية قَالَت كَانَ لي أنس بِالنَّبِيِّ أخرجُ مَعَه فِي الْأَسْفَار وأقوم على المرضى وأداوي الْجَرْحى فَدخلت على رَسُول الله فِي بَيت عَائِشَة وَعلي خَارج من عِنْده فَسَمعته يَقُول يَا عَائِشَة إِن هَذَا أحب الرِّجَال إِلَيّ وَأكْرمهمْ عَليّ فاعرفي لَهُ حَقه وأكرمي مثواه خرجه الخجندي الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن الْبَراء قَالَ قَالَ رَسُول الله عَليّ مني بِمَنْزِلَة رَأْسِي من جَسَدِي خرجه الملا الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن سعد بن أبي وَقاص أَن النَّبِي قَالَ لعَلي أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ لما نزل رَسُول الله بالجرف طعن نَاس من الْمُنَافِقين فِي أَمر عَليّ وَقَالُوا إِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ استثقالاَ فَخرج عَليّ فَحمل سلاحه حَتَّى أَتَى النَّبِي بالجرف فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا تخلفت عَنْك فِي غزَاة قطّ قبل هَذِه وَقد زعم المُنَافِقُونَ أَنَّك خلفتني استثقالا فَقَالَ كذبُوا وَلَكِن خلفتك لما ورائي فَارْجِع فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي أَفلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت سَمِعت رَسُول الله يَقُول للهم إِنِّي أَقُول كَمَا قَالَ أخي مُوسَى اجْعَل لي وزيراً من أَهلِي أخي عليا {أشدد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي} إِلَى {بَصيرًا} أخرجه الإِمَام أَحْمد الحَدِيث السَّادِس عشر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله لعَلي يَوْم غَزْوَة تَبُوك أما ترْضى أَن يكون لَك من الْأجر مثل مَا لي وَلَك من الْمغنم مثل مَا لي أخرجه الخلعي الحَدِيث السَّابِع عشر عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب قَالَ قَالَ رَسُول الله لوفد ثَقِيف حِين جَاءُوهُ لتسلمن أَو لَأَبْعَثَن عَلَيْكُم رجلا مني أَو قَالَ مثل نَفسِي فليضربن أَعْنَاقكُم وليسبين ذَرَارِيكُمْ وليأخذن أَمْوَالكُم قَالَ عمر فوَاللَّه مَا تمنيت الْإِمَارَة إِلَّا يَوْمئِذٍ فَجعلت أنصب صَدْرِي رَجَاء أَن يَقُول هُوَ هَذَا قَالَ فَالْتَفت إِلَى عَليّ وَأخذ بِيَدِهِ وَقَالَ هُوَ هَذَا هُوَ هَذَا أخرجه عب الرَّزَّاق فِي جَامعه وَأَبُو عمر الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا من نَبِي إِلَّا وَله نَظِير من أمته وَعلي نظيري أخرجه الخلعي الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة قَالَ جَاءَ أَبُو بكر وَعلي يزوران قبر النَّبِي بعد وَفَاته بسبعة أَيَّام فَقَالَ عَليّ تقدم يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر مَا كنت لأتقدم رجلا سَمِعت رَسُول الله يَقُول فِيهِ عَليّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 مني بمنزلتي من رَبِّي الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن سلمَان قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول كنت أَنا وَعلي نورا بَين يَدي لله تَعَالَى قبل أَن يخلق آدم بأَرْبعَة عشر ألف عَام فَلَمَّا خلق الله آدم قسم ذَلِك النُّور جزءين فجزء أَنا وجزء عَليّ أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ عَن حبشِي بن جُنَادَة قَالَ كنت جَالِسا عِنْد أبي بكر فَقَالَ من كَانَت لَهُ عدَّة عِنْد رَسُول الله فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا خَليفَة رَسُول الله وَعَدَني بِثَلَاث حثيات من تمر ثمَّ قَامَ قَالَ أرْسلُوا إِلَى عَليّ فَأتى فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن إِن هَذَا يزْعم أَن رَسُول الله وعده بِثَلَاث حثيات من تمر فاحثها لَهُ قَالَ فحثاها بِمرَّة لَا تزيد وَاحِدَة على الْأُخْرَى فَقَالَ أَبُو يكر صدق رَسُول الله قَالَ لي لَيْلَة الْهِجْرَة وَنحن خارجون من لغَار نُرِيد الْمَدِينَة يَا أَبَا بكر كفي وكف عَليّ فِي الْعدَد سَوَاء أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ عَن أبي أَيُّوب قَالَ قَالَ رَسُول الله لقد صلت الْمَلَائِكَة عليَ وعَلى عَليّ لأَنا كُنَّا نصلي لَيْسَ مَعنا مصل غَيرنَا خرجه أَبُو الْحسن الخلعي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله لما أسرِي بِي مَرَرْت على ملك جَالس على سَرِير من نور وَإِحْدَى رجلَيْهِ فِي الْمشرق وَالْأُخْرَى فِي الْمغرب وَبَين يَدَيْهِ لوح ينظر فِيهِ وَالدُّنْيَا كلهَا بَين عَيْنَيْهِ والخلق بَين يَدَيْهِ وركبتيه وَيَده تبلغ الْمشرق وَالْمغْرب فَقلت يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ هَذَا عزرائيل تقدم فَسلم عَلَيْهِ فتقدمت فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام يَا أَحْمد مَا فعل ابْن عمك عَليّ فَقلت وَهل تعرف ابْن عمي عليا فَقَالَ وَكَيف لَا أعرفهُ وَقد وكلني الله بِقَبض أَرْوَاح الْخَلَائق مَا خلا روحك وروح ابْن عمك عَليّ بن أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 طَالب فَإِن الله يتوفاه كَمَا شئته خرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن عَمْرو بن شَاس لأسلمي وَكَانَ من أهل بيعَة الرضْوَان قَالَ خرجت مَعَ عَليّ إِلَى الْيمن فجفاني فِي سَفَرِي حَتَّى وجدت فِي نَفسِي عَلَيْهِ فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة أظهرت شكايته فِي الْمَسْجِد حَتَّى بلغ ذَلِك النَّبِي فِي نَاس من أَصْحَابه فَلَمَّا رَآنِي حدد النّظر إِلَيّ حَتَّى إِذا جَلَست قَالَ وَالله يَا عَمْرو وَالله لقد آذيتني قلت أعوذ بِاللَّه أَن أؤذيك يَا رَسُول الله فَقَالَ بلَى من آذَى عليا فقد آذَانِي خرجه أَحْمد وَفِي رِوَايَة أَي عَمْرو من أحب عليا فقد أَحبَّنِي وَمن أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن آذَى عليا فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عَن أم سَلمَة قَالَت أشهد أَنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول من أحب عليا فقد أَحبَّنِي وَمن أَحبَّنِي فقد أحب الله وَمن أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن أبغضني فقد أبْغض الله خرجه المخلص والحاكمي الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لَهُ أَنْت سيد فِي الدُّنْيَا سيد فِي الْآخِرَة من أحبك فقد أَحبَّنِي وحبيبك حَبِيبِي وحبيبي حَبِيبك وعدوك عدوي وعدوي عَدوك وَالْوَيْل لمن أبغضك أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه مر بعد مَا كف بَصَره بِمَجْلِس من مجَالِس قُرَيْش وهم يسبون عليا فَقَالَ لقائده مَا سَمِعت من هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ قَالَ يسبون عليا فَقَالَ لقائده ردني إِلَيْهِم فَرده فَقَالَ أَيّكُم الساب الله قَالُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 سُبْحَانَ الله من يسب الله فقد أشرك فَقَالَ أَيّكُم الساب لرَسُول الله قَالُوا سُبْحَانَ الله من يسب رَسُول الله فقد كفر فَقَالَ أَيّكُم السابُّ لعَلي قَالُوا أما هَذَا فقد كَانَ قَالَ فَأَنا أشهد بِاللَّه لقد سَمِعت رَسُول الله يَقُول من سبّ عليا فقد سبني وَمن سبني فقد سبّ الله وَمن سبّ الله عز وَجل أكبه فِي النَّار على منخره ثمَّ ولَى عَنْهُم فَقَالَ لقائده مَا سمعتهم يَقُولُونَ قَالَ مَا قَالُوا شَيْئا قَالَ فَكيف رَأَيْت وُجُوههم حِين قلت مَا قلت فَقَالَ من // (الْكَامِل) // (نظرُوا إليكَ بأعْينِ محمرَةٍ ... نَظَرَ التيوسِ إِلَى شفارِ الجازرِ) قَالَ ابْن عَبَّاس زِدْنِي فدَاك أبي فَقَالَ (خزرُ الحواجِبِ ناكسُو أذقانِهِمْ ... نَظرَ الذليلِ إِلَى العزيزِ القَاهرِ) قَالَ ابْن عَبَّاس زِدْنِي فدَاك أبي قَالَ مَا عِنْدِي غَيرهمَا قَالَ ابْن عَبَّاس لَكِن عِنْدِي فَقَالَ (أحياؤُهُمْ خزيٌ على أمواتِهِمْ ... والميتُونَ مسبَّةٌ للغابِرِ) الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ عَن أبي ذَر الْغِفَارِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله لعَلي من أطاعك فقد أطَاع الله من عصاك فقد عَصَانِي أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه وَفِي رِوَايَة من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله وَمن أطاعك فقد أَطَاعَنِي وَمن عَصَانِي فقد عصى الله وَمن عصاك فقد عَصَانِي خرجه الخجندي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد فِي المناقب عَن أبي ذَر أيضَاً قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول يَا عَليّ من فارقني فقد فَارق الله وَمن فارقك فقد فارقني الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا آخى النَّبِي بَين أَصْحَابه فجَاء عَليّ تَدْمَع عَيناهُ قَالَ يَا رَسُول الله آخيت بَين أَصْحَابك وَلم تؤاخ بيني وَبَين أحد فَقَالَ لَهُ رَسُول الله أَنْت أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفِي رِوَايَة أَلا ترْضى أَن أكون أَخَاك قَالَ بلَى يَا رَسُول الله رضيت قَالَ فَأَنت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أخرجه الخلعي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول أَنا عبد الله وأخو رَسُول الله لَا يَقُولهَا غَيْرِي إِلَّا كذب خرجه أَبُو عمر الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ عَنهُ أَيْضا قَالَ طلبني رَسُول الله فوجدني فِي حَائِط نائمَاً فضربني بِرجلِهِ وَقَالَ قُم وَالله لأرضينك أَنْت أخي وَأَبُو وَلَدي تقَاتل على سنتي من مَاتَ على عهدي فَهُوَ فِي كنز الْجنَّة وَمن مَاتَ على غير عهدي فقد قضى نحبه وَمن مَاتَ محبك بعد موتك ختم الله لَهُ بالأمن والأمان مَا طلعت الشَّمْس أَو غربت خرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ جمع رَسُول الله بني عبد الْمطلب مِنْهُم من يَأْكُل الْجَذعَة وَيشْرب الْفرق فَصنعَ لَهُم مدا من طَعَام فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وبقى الطَّعَام كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لم يمس ثمَّ دَعَا بغمر فَشَرِبُوا حَتَّى رووا وَبَقِي الشَّرَاب كَأَنَّهُ لم يمس فَقَالَ يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي بعثت إليكُمْ خَاصَّة وَإِلَى النَّاس عَامَّة وَقد رَأَيْتُمْ من هَذِه الْآيَة مَا رَأَيْتُمْ فَأَيكُمْ يبايعني على أَن يكون أخي وصاحبي فَلم يقم إِلَيْهِ أحد قَالَ عَليّ فَقُمْت وَكنت أَصْغَر الْقَوْم فَقَالَ اجْلِسْ ثمَّ قَالَ ذَلِك مَرَّات كل ذَلِك أقوم إِلَيْهِ فَيَقُول اجْلِسْ حَتَّى كَانَ فِي الثَّالِثَة ضربت يَده على يَدي خرجه أَحْمد فِي المناقب وَفِي رِوَايَة لما نزل قَوْله تَعَالَى {وَأَنذر عَشِيَرتَكَ اَلأَقرَبين} الشُّعَرَاء 214 دَعَا رَسُول الله رجَالًا من أَهله فأطعمهم حَتَّى شَبِعُوا فَقَالَ من يضمن عني ديني ومواعيدي وَيكون معي فِي الْجنَّة فَقَالَ عَليّ أَنا فَقَالَ تقضي ديني ومواعيدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 أخرجه أَحْمد فِي المناقب قلت الْفرق مكيال يسع ثَلَاثَة آصَع الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله عَليّ بَاب الْجنَّة مَكْتُوب لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله عَليّ أَخُو رَسُول الله وَفِي رِوَايَة مَكْتُوب على بَاب الْجنَّة مُحَمَّد رَسُول الله عَليّ أَخُو رَسُول الله قبل أَن تخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بألفي سنة خرجهما أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ كنت أَنا وَالْعَبَّاس جالسين عِنْد نَبِي الله إِذْ دخل عَليّ بن أبي طَالب فَسلم فَرد عَلَيْهِ رَسُول الله السَّلَام وَقَامَ إِلَيْهِ وعانقه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَأَجْلسهُ عَن يَمِينه فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله أَتُحِبُّ هَذَا فَقَالَ يَا عَم وَالله للُّه أَشد حبُّاً لَهُ مني إِن الله جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي من صلبه وَجعل ذريتي من صلب هَذَا أخرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي فِي سفر فنزلنا بغدير خم فَنُوديَ فِينَا الصَّلَاة جَامِعَة وكسح لرَسُول الله تَحت شَجَرَة فصلى الظّهْر وَأخذ بيد عَليّ وَقَالَ ألستم تعلمُونَ أَنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى فَقَالَ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ من وَالَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 وَعَاد من عَادَاهُ وانصر من نَصره واخذل من خذله وأدر الْحق مَعَه حَيْثُ دَار زَاد أَحْمد فِي المناقب وَأحب من أحبه وَأبْغض من أبغضه وَرَوَاهُ أَكثر من ثَمَانِيَة عشر صحابياً وَلَقي عمر بن الْخطاب عَليّ بن أبي طَالب بعد ذَلِك فَقَالَ لَهُ هنيئَاً لَك يَا بن أبي طَالب أَصبَحت وأمسيت مولى كل مُؤمن ومؤمنة وَعَن سَالم قيل لعمر إِنَّك تصنع بعلي شَيْئا مَا نرَاك تَصنعهُ بِأحد من أَصْحَاب رَسُول الله قَالَ إِنَّه مولَايَ وَعَن عمر وَقد جَاءَهُ أَعْرَابِيَّانِ يختصمان فَقَالَ لعَلي اقْضِ بَينهمَا يَا أَبَا الْحسن فَقضى عَليّ بَينهمَا فَقَالَ أَحدهمَا هَذَا يقْضِي بَيْننَا فَوَثَبَ إِلَيْهِ عمر وَأخذ بتلبيبه وَقَالَ وَيحك أَتَدْرِي من هَذَا هَذَا مولَايَ وَمولى كل مُؤمن وَمن لم يكن مَوْلَاهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِن وَعنهُ وَقد نازعه رجل فِي مَسْأَلَة فَقَالَ لَهُ بيني وَبَيْنك هَذَا الْجَالِس وَأَشَارَ إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ الرجل هَذَا الأبطن فَنَهَضَ عمر عَن مَجْلِسه وَأخذ بتلبيبه وَرَفعه من الأَرْض ثمَّ ضرب بِهِ الأَرْض فَقَالَ أَتَدْرِي من صغرت مولَايَ وَمولى كل مُؤمن أَو مُسلم خرجهن ابْن السمان قلت غَدِير خم مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة بِالْجُحْفَةِ أَو هُوَ قريب مِنْهَا على يَمِين الذَّاهِب إِلَى الْمَدِينَة الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ بعث رَسُول الله سَرِيَّة وَاسْتعْمل عَلَيْهَا عليا قَالَ فَمضى على السّريَّة فَأصَاب جَارِيَة فأنكروا عَلَيْهِ وتعاقد أَرْبَعَة من أَصْحَاب النَّبِي وَقَالُوا إِذا لَقينَا رَسُول الله أخبرناه بِمَا صنع قَالَ عمرَان بن حُصَيْن وَكَانَ الْمُسلمُونَ إِذا قدمُوا من سفر بدءوا برَسُول الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 وسلموا عَلَيْهِ ثمَّ انصرفوا إِلَى رحالهم فَلَمَّا قدمت السّريَّة سلمُوا على رَسُول الله فَقَامَ أحد الْأَرْبَعَة فَقَالَ يَا رَسُول الله ألم تَرَ أَن عليا صنع كَذَا وَكَذَا فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مثل مقَالَته فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ قَامَ الثَّالِث فَقَالَ مثل مقَالَته فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ قَامَ الرَّابِع فَقَالَ مثل مَا قَالُوا فَأقبل إِلَيْهِ رَسُول الله وَالْغَضَب يعرف فِي وَجهه فَقَالَ مَاذَا تُرِيدُونَ من عَليّ ثَلَاث مِرَارٍ إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي خرجه التِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم وَأحمد الحَدِيث الثَّامِن والثلاتون عَن بُرَيْدَة بن الخصيب قَالَ بعث رَسُول الله سَرِيَّة وأمَّر عَلَيْهَا رجلا وَأَنا فِيهَا فأصبنا سبيا فَكتب الرجل إِلَى رَسُول الله ابْعَثْ لنا من يخمسه فَبعث عليا وَفِي السَّبي وصيفة هِيَ أفضل السَّبي قَالَ فَخمس وَقسم قَالَ فَخرج وَرَأسه يقطر فَقُلْنَا يَا أَبَا الْحسن مَا هَذَا قَالَ ألم تروا إِلَى الوصيفة الَّتِي كَانَت فِي السَّبي فَإِنِّي قسمت وخمست فَصَارَت فِي الْخمس ثمَّ صَارَت فِي آل بَيت النَّبِي ثمَّ صَارَت من آل عَليّ وَوَقعت بهَا فَكتب الرجل إِلَى النَّبِي بذلك فَقلت للرجل ابعثني مصدقَاً فَبَعَثَنِي قَالَ بُرَيْدَة فَجعلت أَقرَأ الْكتاب وَأَقُول صدق فَأمْسك النَّبِي يَدي وَالْكتاب وَقَالَ لي تبغض عليا قلت نعم قَالَ فَلَا تبْغضهُ وَإِن كنت تحبه فازدد لَهُ حبا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لنصيب آل عَليّ فِي الْخمس أفضل من وصيفة قَالَ بُرَيْدَة فَمَا كَانَ من النَّاس أحد بعد قَول رَسُول الله أحب إِلَيّ من عَليّ وَفِي رِوَايَة لَا تقع فِي عَليّ فَإِنَّهُ مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي خرجهما الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ عَن بُرَيْدَة أَيْضا من كنت وليه فعلي وليه أخرجه أَبُو حَاتِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن بُرَيْدَة أيضَاً قَالَ قَالَ رَسُول الله إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخرين يَوْم الْقِيَامَة وَنصب الصِّرَاط على جسر جَهَنَّم مَا جازها أحد حَتَّى كَانَت مَعَه بَرَاءَة بِولَايَة عَليّ بن أبي طَالب خرجه الحاكمي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ أَنا رَأَيْت رَسُول الله أَخذ بيد عَليّ وَقَالَ هَذَا وليي وَأَنا وليه واليت من وَالَاهُ وعاديت من عَادَاهُ أخرجه الحاكمي وَعَن أبي صَالح قَالَ لما حضرت ابْن عَبَّاس الْوَفَاة قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّب إِلَيْك بِولَايَة عَليّ بن أبي طَالب خرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن عمار بن يَاسر وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَا قَالَ رَسُول الله حق عَلي على الْمُسلمين حق الْوَالِد على الْوَلَد خرجه الحاكمي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ عَن أبي رَافع مولى رَسُول الله قَالَ لما قتل عَليّ بن أبي طَالب أَصْحَاب اللِّوَاء يَوْم أحد قَالَ جِبْرِيل يَا رَسُول الله إِن هَذِه لهي الْمُوَاسَاة فَقَالَ لَهُ النَّبِي إِن هَذَا مني وَأَنا مِنْهُ فَقَالَ جِبْرِيل وَأَنا مِنْكُمَا يَا رَسُول الله خرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد فِي المناقب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَت لَيْلَة يَوْم بدر قَالَ رَسُول الله من يسْقِي لنا من المَاء فأحجم الْقَوْم فَقَامَ عَليّ فاحتضن قربَة ثمَّ أَتَى بِئْرا بعيدَة القعر مظْلمَة فانحدر فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 فَأوحى الله عز وَجل إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل تأهبوا لنصرة مُحَمَّد وَحزبه فسقطوا من السَّمَاء لَهُم لغط يذعر من يسمعهُ فَلَمَّا صَارُوا بالبئر سلمُوا عَلَيْهِ من عِنْد آخِرهم الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ عَن أبي الْحَمْرَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله لَيْلَة أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء نظرت إِلَى سَاق الْعَرْش الْأَيْمن فَرَأَيْت كتابا فهمته مُحَمَّد رَسُول الله أيدته بعلي ونصرته بِهِ خرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي فَإِذا طَائِر فِي فِيهِ لوزة خضراء فألقاها فِي حجر النَّبِي فَأَخذهَا النَّبِي فقبلها ثمَّ كسرهَا فَإِذا فِي جوفها ورقة خضراء مَكْتُوب فِيهَا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله نصرته بعلي خرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ عَن جَابر أَنهم يَوْم رجعُوا من الْجِعِرَّانَة إِلَى الْمَدِينَة بعث رَسُول الله أَبَا بكر على الْحَج فأقبلنا مَعَه حَتَّى إِذا كَانَ بالعرج ثوب بالصبح فَلَمَّا كَانَ اسْتِوَاء الْمَنْكِبَيْنِ سمع الرغوة خلف ظَهره فَوقف عَن التَّكْبِير فَقَالَ هَذِه رغوة نَاقَة رَسُول الله فَلَعَلَّ أَن يكون رَسُول الله نصلي مَعَه فَإِذا عَليّ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أَمِير أم رَسُول فَقَالَ لَا بل رَسُول أَرْسلنِي بِبَرَاءَة أقرؤها على النَّاس فِي مَوَاقِف الْحَج قَالَ جَابر فقدمنا مَكَّة فَلَمَّا كَانَ قبل التَّرويَة بِيَوْم قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فعلمهم مناسكهم حَتَّى إِذا فرغ قَامَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا ثمَّ لما كَانَ يَوْم النَّحْر خطب النَّاس أَبُو بكر فَحَدثهُمْ عَن إفاضتهم وَعَن نحرهم وَعَن مناسكهم فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر الأول قَامَ أَبُو بكر يخْطب النَّاس فَحَدثهُمْ كَيفَ يرْمونَ وَكَيف ينفرون فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا خرجها أَبُو حَاتِم وَفِي رِوَايَة عَن عَليّ قَالَ لما نزلت عشر آيَات من بَرَاءَة دَعَا النَّبِي أَبَا بكر فَبَعثه بهَا لِيَقْرَأهَا على أهل مَكَّة ثمَّ دَعَاني فَقَالَ لي أدْرك أَبَا بكر فَحَيْثُمَا لَقيته فَخذ الْكتاب مِنْهُ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى أهل مَكَّة فاقرأه عَلَيْهِم فلحقته بِالْجُحْفَةِ فَأخذت الْكتاب مِنْهُ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بكر بعد الْحَج أَتَى رَسُول الله وَقَالَ يَا رَسُول الله نزل فيّ شيءٌ قَالَ لَا وَلَكِن جِبْرِيل جَاءَنِي وَقَالَ لَا يُؤَدِّي عَنْك إِلَّا أَنْت أَو رجل مِنْك الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ عَن السيدة فَاطِمَة بنت رَسُول الله قَالَت خرج علينا رَسُول الله فِي عَشِيَّة عَرَفَة فَقَالَ إِن الله تَعَالَى قد باهى بكم وَغفر لكم عَامَّة وبعلي خَاصَّة وَإِنِّي رَسُول الله غير محاب بِقَرَابَتِي خرجه أَحْمد الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله ادعوا إِلَى سيد الْعَرَب يَعْنِي عليا قَالَت عَائِشَة أَلَسْت بِسَيِّد الْعَرَب فَقَالَ أَنا سيد ولد آدم وَعلي سيد الْعَرَب فَلَمَّا جَاءَ أرسل إِلَى الْأَنْصَار فَأتوهُ فَقَالَ لَهُم يَا معشر الْأَنْصَار أَلا أدلكم على مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي أبدا قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ هَذَا عَليّ فَأَحبُّوهُ بحبي وأكرموه بكرامتي إِن جِبْرِيل أَخْبرنِي بِالَّذِي قلت لكم عَن الله عز وَجل خرجه الفضائلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 الحَدِيث الْخَمْسُونَ عَن عبد الله بن أسعد بن زُرَارَة قَالَ قَالَ رَسُول الله لَيْلَة أسرِي بِي انْتَهَيْت إِلَى رَبِّي عز وَجل فَأوحى إليّ أَو أَمرنِي شكّ الرَّاوِي فِي عَليّ أَنه سيد الْمُسلمين وَولي الْمُتَّقِينَ وقائد الغر المحجلين الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله لعَلي بن أبي طَالب أَنْت سيد فِي الدُّنْيَا سيد فِي الْآخِرَة خرجه أَبُو عمر وَأَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله لكل نَبِي وَصِيّ ووارث وَإِن عليا وَصِيّ ووارثي خرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ عَن أنس قَالَ قُلْنَا لسلمان سل النَّبِي مَنْ وَصِيّه فَقَالَ سلمَان يَا رَسُول الله من وصيك فَقَالَ يَا سلمَان من كَانَ وَصِيّ مُوسَى قَالَ يُوشَع قَالَ فَإِن وصيي ووارثي وصهري يقْضِي ديني ينجز موعدي عَليّ بن أبي طَالب خرجه أَحْمد فِي المناقب زَاد غَيره أَن عليا قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله وَمَا أرث مِنْك قَالَ مَا ورث الْأَنْبِيَاء من قبلي قَالَ وَمَا ورث الْأَنْبِيَاء من قبلك قَالَ كتاب رَبهم وَسنة نَبِيّهم الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ عَن الْحُسَيْن بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أوصى النَّبِي عليا أَن يغسلهُ فَقَالَ عَليّ أخْشَى أَلاَ أُطِيق ذَلِك قَالَ إِنَّك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 ستعان عَليّ قَالَ فَقَالَ عَليّ فوَاللَّه مَا أردْت أَن أقلب عَن رَسُول الله عضوا إِلَّا قلب لي خرجه ابْن الْحَضْرَمِيّ الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله إنْ ولد لَك غُلَام فسمه باسمي وكنه بكنيتي وَهَذَا رخصَة لَك دون النَّاس الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ كَانَ رَأس رَسُول الله فِي حجر عَليّ وَهُوَ يوحي إِلَيْهِ فَلَمَّا سرى عَنهُ قَالَ يَا عَليّ صليت الْعَصْر قل لَا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْت تعلم أَنه كَانَ فِي حَاجَتك وَفِي حَاجَة رَسُولك فَردهَا عَلَيْهِ الشَّمْس ردهَا عَلَيْهِ وَصلى وَغَابَتْ الشَّمْس خرجه الدولابي وَفِي رِوَايَة عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس بِلَفْظ فَأَقْبَلت الشَّمْس لَهَا خوار حَتَّى ارْتَفَعت قدر مَا كَانَت فِي وَقت الْعَصْر فصلى ثمَّ رجعت فغربت وَفِي رِوَايَة عَنْهَا أَيْضا فَرَجَعت الشَّمْس حَتَّى بلغت نصف الْمَسْجِد قَالَ فِي الرياض قَالَ عُلَمَاء الحَدِيث هُوَ حَدِيث مَوْضُوع وَلم ترد الشَّمْس لأحد وَإِنَّمَا حبست ليوشع بن نون الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ عَن أنس بن مَالك فِي قصَّة زواج عَليّ بفاطمة وَقد تقدم ذَلِك دعاؤه لعَلي وَفَاطِمَة حَتَّى أَتَى بِالْمَاءِ فنضح عَلَيْهِمَا وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم أخرجه أَبُو حَاتِم الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ عَن ابْن عَبَّاس لما زوج رَسُول الله فَاطِمَة لعَلي قَالَت يَا رَسُول الله زوجتني بِرَجُل فَقير لَا شَيْء لَهُ فَقَالَ أما ترْضينَ يَا فَاطِمَة أَن الله اخْتَار من أهل الأَرْض رجلَيْنِ فَجعل أَحدهمَا أَبَاك وَالْآخر بعلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 أخرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ عَن ابْن عَبَّاس أيضَاً قَالَ كنت عِنْد النَّبِي فغشيه الْوَحْي فَلَمَّا أَفَاق قَالَ أَتَدْرِي مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ فَانْطَلق فَادع لي أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعلياً وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعدة من الْأَنْصَار فَقَالَ إِن الله تَعَالَى قد أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة بنت خَدِيجَة من عَليّ بن أبي طَالب فَاشْهَدُوا أَنِّي قد زَوجته على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رَضِي عَليّ بن أبي طَالب بذلك ثمَّ دَعَا بطبق من بسر فَوَضعه بَين أَيْدِينَا ثمَّ قَالَ انتهبوا فانتهبنا فينما نَحن ننتهب إِذْ أقبل عَليّ بن أبي طَالب فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ رَسُول الله يَا عَليّ إِن الله أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة وَقد زوجتكها على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال إِن رضيت قَالَ قد رضيت يَا رَسُول الله قَالَ ثمَّ قَامَ عَليّ فَخر سَاجِدا شكرا لله تَعَالَى قَالَ النَّبِي جعل الله مِنْكُمَا الْكثير الطّيب وَبَارك الله فيكما قَالَ أنس فوَاللَّه لقد أخرج مِنْهُمَا الْكثير الطّيب أخرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث السِّتُّونَ عَن أنس قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله فِي الْمَسْجِد إِذْ قَالَ لعَلي هَذَا جِبْرِيل يُخْبِرنِي أَن الله عز وَجل زَوجك فَاطِمَة وَأشْهد على تَزْوِيجهَا أَرْبَعِينَ ألف ملك وَأوحى إِلَى شَجَرَة طُوبَى أَن انثري عَلَيْهِم الدّرّ والياقوت فنثرته عَلَيْهِم فابتدرت الْحور الْعين يلقطن فِي أطباق الدّرّ والياقوت فهم يتهادونه بَينهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة خرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي جلل الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة وعلياً كسَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وخاصتي أذهب عَنْهُم الرجس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وطهرهم تَطْهِيرا أخرج التِّرْمِذِيّ الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتُّونَ عَن زيد بن أَرقم أَن رَسُول الله قَالَ لعَلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن أَنا حَرْب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم أخرجه التِّرْمِذِيّ وَفِي رِوَايَة عَن أبي بكر الصّديق قَالَ رَأَيْت رَسُول الله ختم ختمة وَهُوَ متكئ على فرش عَرَبِيَّة وَفِي الْخَيْمَة عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ معشر الْمُسلمين أَنا سلم لمن سَالم أهل الْخَيْمَة حَرْب لمن حاربهم وليُ من والاهم لَا يُحِبهُمْ إِلَّا سعيد الْجد طيب المولد وَلَا يبغضهم إِلَّا شقي الْجد رَدِيء الْولادَة الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ عَن عَائِشَة رَضِي لله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله لما حَضرته الْوَفَاة ادعوا لي حَبِيبِي فدعوا لَهُ أَبَا بكر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ وضع رَأسه ثمَّ قَالَ ادعوا لي حَبِيبِي فدعوا لَهُ عمر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ وضع رَأسه ثمَّ قَالَ ادعوا لي حَبِيبِي فدعوا لَهُ عليا فَلَمَّا رَآهُ أدخلهُ مَعَه فِي الثَّوْب الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَلم يزل يحضنه حَتَّى قبض وَيَده عَلَيْهِ أخرجه الرَّازِيّ قلت قد تقدم فِي ذكر وَفَاته أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ يَوْم وَفَاته كَانَ غَائِبا بالسنح لما رَآهُ أصبح مفيقاً يَوْم الِاثْنَيْنِ فَأذن لَهُ فَلم يعد إِلَّا وَقد توفّي فَلْينْظر إِلَى وَجه التَّوْفِيق بَين ذَاك وَبَين قَوْله هُنَا فدعوا لَهُ أَبَا بكر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ وضع رَأسه وَلَو لم تقيد هَذِه الْوَاقِعَة بقوله لما حَضرته الْوَفَاة لَكَانَ وَجه التَّوْفِيق مُمكنا يحمل وُقُوعهَا على مَا قبل عزم أبي بكر إِلَى السنح فَلْيتَأَمَّل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله قَالَ يَوْم خَيْبَر لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحبُّ الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يفتح الله على يَدَيْهِ قَالَ فَبَاتَ النَّاس يدوكون أَي يَخُوضُونَ ويموجون ليلتهم أَيهمْ يعطاها فَلَمَّا أصبح النَّاس غدوا على رَسُول الله كلهم يرجوا أَن يعطاها فَقَالَ أَيْن عَليّ بن أبي طَالب قَالُوا يشتكي عَيْنَيْهِ قَالَ فأَرسلوا إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ بَصق فِي كَفه وَمسح بهَا عَيْنَيْهِ ودعا لَهُ فبرأ لوقته حَتَّى كَأَن لم يكن بِهِ وجع فَأعْطَاهُ الرَّايَة فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الله أقاتلهم حَتَّى يَقُولُوا مثلنَا قَالَ انفذ على رسلك أَي امْضِ على تؤدتك كَمَا تَقول على هينتك حَتَّى تنزل بِسَاحَتِهِمْ ثمَّ ادعهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخْبرهمْ بِمَا يجب عَلَيْهِم من حق الله تَعَالَى فِيهِ فوَاللَّه لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من أَن يكون لَك حمر النعم أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتُّونَ عَن محدوج بن زيد الْهُذلِيّ أَن النَّبِي قَالَ لعَلي أما علمت يَا عَليّ أَنه أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة بِي فأقوم عَن يَمِين الْعَرْش فِي ظله فأكسى حلَّة خضراء من حلل الْجنَّة ثمَّ يدعى بالأنبياء بَعضهم على أثر بعض فَيقومُونَ سماطين عَن يَمِين الْعَرْش ويكسون حللا من الْجنَّة أَلا إِنِّي أخْبرك يَا عَليّ أَن أمتِي أول الْأُمَم يحاسبون يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ أبشر فَأول مَا يدعى بك لقرابتك مني فَيدْفَع إِلَيْك لِوَائِي لِوَاء الْحَمد وَهُوَ أول لِوَاء تسير بِهِ بَين السماطين آدم وَجَمِيع خلق الله يَسْتَظِلُّونَ بِظِل لِوَائِي يَوْم الْقِيَامَة وَطوله مسيرَة ألف سنة سنانه ياقوتة حَمْرَاء قَبضته فضَّة بَيْضَاء زجه درة خضراء وَله ثَلَاث ذوائب من نور ذؤابة فِي الْمشرق وذؤبة فِي الْمغرب وَالثَّالِثَة فِي وسط الدُّنْيَا مَكْتُوب عَلَيْهِ ثَلَاثَة أسطر الأول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الثَّانِي الْحَمد لله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 رب الْعَالمين الثَّالِث لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله طول كل سطر مسيرَة ألف سنة وَعرضه مسيرَة ألف سنة فتسير باللواء وَالْحسن عَن يَمِينك وَالْحُسَيْن عَن يسارك حَتَّى تقف بيني وَبَين إِبْرَاهِيم فِي ظلّ الْعَرْش ثمَّ تُكْسَى حلَّة من الْجنَّة ثمَّ يُنَادي مُنَادِي تَحت الْعَرْش نعم الْأَب أَبوك إِبْرَاهِيم وَنعم الْأَخ أَخُوك عَليّ أبشر يَا عَليّ إِنَّك تُكْسَى إِذا كُسِيت وتدعى إِذا دعيت وتحيا إِذا حييت أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَأخرج الملا فِي سيرته زِيَادَة قيل يَا رَسُول الله وَكَيف يَسْتَطِيع على أَن يحمل لِوَاء الْحَمد فَقَالَ رَسُول الله وَكَيف لَا يَسْتَطِيع ذَلِك وَقد أعْطى خِصَالًا شَتَّى صبرا كصبري وحسنَاً كحسن يُوسُف وَقُوَّة كقوة جِبْرِيل الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتُّونَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ عَليّ حَامِل راية النَّبِي يَوْم بدر والمشاهد كلهَا وَلما كسرت يَد عَليّ رَضِي الله عنة يَوْم أحد فَسقط اللِّوَاء من يَده قَالَ رَسُول الله ضعوه فِي يَده الْيُسْرَى فَإِنَّهُ صَاحب لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتُّونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِن فِيكُم من يُقَاتل على تَأْوِيل الْقُرْآن كَمَا قَاتَلت على تَنْزِيله قَالَ أَبُو بكر أَنا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ لَا قَالَ عمر أَنا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ لَا وَلَكِن خاصف النَّعْل وَكَانَ أعْطى نَعله عليُّاً يخصفها وَمثل هَذَا مَا رَوَاهُ عَليّ نَفسه من قَوْله فِيهِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة يَا معشر قُرَيْش لتَنْتَهُنَّ أَو ليبغين الله عَلَيْكُم من يضْرب رِقَابكُمْ بِالسَّيْفِ على الدّين قد امتحن الله قلبه على الْإِيمَان قَالُوا من هُوَ يَا رَسُول الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 الله قَالَ هُوَ خاصف النَّعْل ثمَّ الْتفت عَليّ إِلَى من عِنْده وَقَالَ إِن رَسُول الله قَالَ من كذب عَليّ متعمدَاً فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي أَمر بسد أَبْوَاب الْمَسْجِد إِلَّا بَاب عَليّ خرجه لترمذي وَفِي رِوَايَة فَتكلم فِي ذَلِك نَاس فَقَامَ رَسُول الله فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي أمرت بسد هَذِه الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب عَليّ فَقَالَ فِيهِ قائلكم وَإِنِّي وَالله مَا سددت شَيْئا وَلَا فَتحته وَلَكِنِّي أمرت بِشَيْء فاتبعته أخرجه أَحْمد الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتُّونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ لَا يحل لأحد يُجنب فِي هَذَا الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيْرك أخرجه التِّرْمِذِيّ الحَدِيث السبعون عَن أنس بن مَالك قَالَ كنت عِنْد النَّبِي فَرَأى عليّاً مُقبلا فَقَالَ يَا أنس قلت لبيْك قَالَ هَذَا الْمقبل حجتي على أمتِي يَوْم الْقِيَامَة أخرجه النقاش الحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله أَنا دَار الْحِكْمَة وَعلي بَابهَا وَفِي أُخْرَى أَنا مَدِينَة الْعلم فَمن أَرَادَ الْعلم فليأته من بَابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 الحَدِيث الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ عَن معقل بن يسَار قَالَ وضأت رَسُول الله فَقَالَ هَل لَك فِي فَاطِمَة نعودها فَقلت نعم فَقَامَ يتَوَكَّأ عليَ حَتَّى دَخَلنَا على فَاطِمَة فَقُلْنَا كَيفَ تجدينك قلت اشد حزني واشتدتْ فَاقَتِي وَطَالَ سقمي فَقَالَ أَو مَا ترضَيْنَ أَن زَوجْتُك أقدمهم سلما وَأَكْثَرهم علمَاً وأعظمهم حلماً أخرجه أَحْمد وَزَاد القلعي زَوجتك سيداً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الحَدِيث الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ عَن أنس عَن النَّبِي أَنه قَالَ أقضى أمتِي عَليّ أخرجه فِي المصابيح وَقَالَ سعيد بن الْمسيب لم يكن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله يَقُول سلوني غير عَليّ بن أبي طَالب وَعَن أبي الطُّفَيْل قَالَ شهِدت عليا يَقُول سلوني وَالله لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أَخْبَرتكُم بِهِ وسلوني عَن كتاب الله فوَاللَّه مَا مِنْ آيَة إِلَّا وَأَنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم فِي سهل أم فِي جبل أخرجه أَبُو عمر الحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله لعَلي تختصم النَّاس بِسبع وَلَا يحاجك أحد من قُرَيْش أَنْت أَوَّلهمْ إِيمَانًا بِاللَّه وأوفاهم بِعَهْد الله وأقومهم بِأَمْر الله وأقسمهم بِالسَّوِيَّةِ وأعدلهم فِي الرّعية وأبصرهم بالقضية وأعظمهم عِنْد الله مزية أخرجه الحاكمي الحَدِيث الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله إِلَى الْيمن قَاضِيا فَقلت يَا رَسُول الله بعثتني إِلَى قوم ذَوي أَسْنَان وَأَنا شَاب لَا أعلم الْقَضَاء فَوضع يَده على صَدْرِي فَقَالَ إِن الله يهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك يَا عَليّ إِذا جلس إِلَيْك الخصمان فَلَا تقض بَينهمَا حَتَّى تسمع من الآخر كَمَا تسمع من الأول فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك تبين لَك الْقَضَاء فِيمَا اخْتلفَا قَالَ عَليّ فَمَا أشكل عَليّ قَضَاء بعد ذَلِك خرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ والحاكمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 الحَدِيث السَّادِس وَالسَّبْعُونَ عَن جَابر دَعَا النَّبِي عليا يَوْم الطَّائِف فانتجاه فَقَالَ النَّاس لقد طَال نَجوَاهُ مَعَ ابْن عَمه فَقَالَ مَا انتجيته وَلَكِن الله انتجاه الحَدِيث السَّابِع وَالسَّبْعُونَ عَن عَليّ كرم الله وَجهه قَالَ انْطَلَقت أَنا وَالنَّبِيّ حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَة فَقَالَ لي رَسُول الله اجْلِسْ واصعد على منكبك فَذَهَبت لأربض بِهِ فَرَأى مني ضعفَاً فَنزل وَجلسَ إليَ نَبِي الله وَقَالَ لي اصْعَدْ على مَنْكِبي فَصَعدت على مَنْكِبه قَالَ فَنَهَضَ فخُيل لي أَن لَو شِئْت لَنِلْت أفق السَّمَاء حَتَّى صعدت إِلَى الْبَيْت وَعَلِيهِ تِمْثَال صفر أَو نُحَاس فَجعلت أزاوله عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَمن بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه حَتَّى اسْتَمْكَنت مِنْهُ فَقَالَ لي رَسُول الله اقْذِفْهُ فقذفته فتكسر كَمَا تتكسر الْقَوَارِير ثمَّ نزلت فَانْطَلَقت أَنا وَرَسُول الله نَسْتَبِق حَتَّى تَوَارَيْنَا بِالْبُيُوتِ خشيَة أَن يَرَانَا أحد من النَّاس وَذَلِكَ صَنَمهمْ الْأَكْبَر الحَدِيث الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ روى أَبُو سعيد فِي شرف النُّبُوَّة أَن رَسُول الله قَالَ لعَلي أُوتيت ثَلَاثًا لم يُؤْتَهُنَّ أحد وَلَا أَنا أُوتيت صهرَاً مثلي وَلم أوت أَنا مثلي وأوتيتَ زَوْجَة صديقَة مثل ابْنَتي وَلم أوت أَنا مثلهَا زَوْجَة وَأُوتِيت الْحسن وَالْحُسَيْن من صلبك وَلم أوت من صلبي مثلهمَا وَلَكِنَّكُمْ مني وَأَنا مِنْكُم وَأخرج مَعْنَاهُ الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا فِي مُسْنده بِزِيَادَة وَلَفظه يَا عَليّ أَعْطَيْت ثَلَاثًا لم يجتمعن لغيرك مصاهرتي وزوجتك وولديك وَالرَّابِعَة لولاك مَا عرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 الْمُؤْمِنُونَ الحَدِيث التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله أَعْطَيْت فِي عَليّ خمْسا هِيَ أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أما وَاحِدَة فَهِيَ تكأتى عَلَيْهِ بَين يَدي الله عز وَجل حَتَّى يفرغ من الْحساب وَأما الثَّانِيَة فلواء الْحَمد بِيَدِهِ آدم وَمن وَلَده من تَحْتَهُ الثَّالِثَة فواقف على عقر حَوْضِي يسقى من عرف من أمتِي وَأما الرَّابِعَة فساتر عوراتي ومسلمي إِلَى ربى عز وَجل وَأما الْخَامِسَة فلست أخْشَى عَلَيْهِ أَن يرجع زَانيا بعد إِحْصَان وَلَا كافرَاً بعد إِيمَان أخرجه أَحْمد فِي المناقب قلت التكأة بِضَم التَّاء وبالهمز مَا يتكأ عَلَيْهِ وعقر الْحَوْض بِضَم الْعين وَإِسْكَان الْقَاف آخر الْحَوْض الحَدِيث الثَّمَانُونَ عَن عبد الله بن أبي أوفى أَن النَّبِي قَالَ لعَلي أَنْت معي فِي قصري فِي الْجنَّة مَعَ فَاطِمَة بِنْتي وَأَنت أخي ورفيقي ثمَّ تَلا {إخْوَانًا عَلىَ سُرُر مُتقابلين} الْحجر 47 أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ عَن ابْن عمر عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول لعَلي يَا عَليّ يدك فِي يَدي تدخل معي يَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ أَدخل أخرجه الْحَافِظ الدِّمَشْقِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله الْجنَّة تشتاق إِلَى ثَلَاثَة عَليّ وعمار وسلمان الْفَارِسِي أخرجه ابْن السّري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 لحَدِيث الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ عَنهُ أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله نَحن بني عبد الْمطلب سَادَات أهل الْجنَّة أَنا وَحَمْزَة وَعلي وجعفر وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَالْمهْدِي أخرجه ابْن الْبري الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ دخل رَسُول الله وَأَنا فِي الْمَنَام فَاسْتَسْقَى الْحسن وَالْحُسَيْن قَالَ فَقَامَ رَسُول الله إِلَى شَاة لنا بكر فحلبها فدرَت فجَاء الْحُسَيْن فنحاه النَّبِي فَقَالَت فَاطِمَة لكأنه أحبهما إِلَيْك قَالَ لَا وَلكنه يَعْنِي الْحسن استسقى قبله ثمَّ قَالَ إِنِّي وَإِيَّاك وهذين وَهَذَا الراقد فِي مَكَان وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة أخرجه أَحْمد فِي الْمسند الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ عَن عبد الله بن عمر قَالَ بَينا أَنا عِنْد رَسُول الله وَجمع الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَّا من كَانَ فِي سَرِيَّة أقبل عَليّ يمشي وَهُوَ متغضب فَقَالَ من أغضب هَذَا فقد أَغْضَبَنِي فَلَمَّا جلس قَالَ لَهُ رَسُول الله مَا لَك يَا عَليّ قَالَ أذاني بتولك قَالَ أما ترْضى أَن تكون معي فِي الْجنَّة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَذُرِّيَّاتنَا خلف ظُهُورنَا وَأَزْوَاجنَا خلف ذرياتنا وأشياعنا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَأَبُو سعيد فِي شرف النُّبُوَّة الحَدِيث السَّادِس وَالثَّمَانُونَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ إِن لَك كنزاً فِي الْجنَّة وَإنَّك ذُو قرنيها فَلَا تتبع النظرة النظرة فَإِنَّمَا لَك الأولى وَلَيْسَت لَك الْآخِرَة أخرجه الْهَرَوِيّ فِي غَرِيبه وَقَوله قرنيها أَي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 طرفيها الحَدِيث السَّابِع وَالثَّمَانُونَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه قَالَ كنت أَمْشِي مَعَ النَّبِي فِي بعض طرق الْمَدِينَة فمررنا على حديقة فَقلت يَا رَسُول الله مَا أحْسنهَا قَالَ لَك فِي الْجنَّة أحسن مِنْهَا أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَفِي رِوَايَة فَلَمَّا خلا الطَّرِيق اعتنقني وأجهش باكياً فَقلت يَا رَسُول الله مَا يبكيك قَالَ ضغائن فِي صُدُور أَقوام لَا يبدونها لَك إِلَّا من بعدِي فَقلت فِي سَلامَة من ديني قَالَ فِي سَلامَة من دينك الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ إِن لَك فِي الْجنَّة مَا لَو قسم على أهل الأَرْض لوسعهم الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله عَليّ يزهر بِأَهْل الْجنَّة كَمَا يزهر كَوْكَب الصُّبْح بِأَهْل الدُّنْيَا أخرجه أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي ويزهر يضيء يُقَال زهرت النارُ زهرَاً أَضَاءَت الحَدِيث التِّسْعُونَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء أَخذ جِبْرِيل بيَدي وأقعدني على درنوك من درانيك الْجنَّة وناولني سفرجلة فَكنت أقلبها إِذْ انفلقت وَخرجت مِنْهَا حوراء لم أر أحسن مِنْهَا فَقَالَت السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد قلت وَعَلَيْك السَّلَام قَالَت أَنا الراضية المرضية خلقني الْجَبَّار من ثَلَاثَة أَصْنَاف أعلاي من عنبر ووسطي من كافور وأسفلي من مسك عجنني بِمَاء الْحَيَوَان ثمَّ قَالَ كوني فَكنت خلقني لأخيك وَابْن عمك عَليّ بن أبي طَالب خرجه الإِمَام عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم فِي مُسْنده الحَدِيث الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَإِن قصري فِي الْجنَّة وَقصر إِبْرَاهِيم متقابلان وَقصر عَليّ بن أبي طَالب بَين قصري وَقصر إِبْرَاهِيم فيا لَهُ من حبيب بَين خليلين الحَدِيث الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ عَن سلمَان قَالَ قَالَ رَسُول الله إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ضرب لي قبَّة حَمْرَاء على يَمِين الْعَرْش وَضرب لإِبْرَاهِيم قبَّة خضراء عَن يسَار الْعَرْش وَضرب فِيمَا بَينهمَا لعَلي بن أبي طَالب قبَّة من لُؤْلُؤ بَيْضَاء فَمَا ظنكم بحبيب بَين خليلين أخرجه الحاكمي الحَدِيث الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ مَعَك يَوْم الْقِيَامَة عَصا من عصي الْجنَّة تذود بهَا الْمُنَافِقين عَن الْحَوْض أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَفِي رِوَايَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ لأذودن بيَدي هَاتين القصيرتين عَن حَوْض رَسُول الله رايات الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا تذاد غرائب الْإِبِل عَن حياضها أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله لعَلي لَك يَوْم الْقِيَامَة نَاقَة من نُوق الْجنَّة تركبها وركبتيك مَعَ ركبتي وفخذك مَعَ فَخذي حَتَّى تدخل الْجنَّة أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ قلت لعَلي بن أبي طَالب أَخْبرنِي بِأَفْضَل منزلتك من رَسُول الله قَالَ نعم بَينا أَنا عِنْده وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ يَا عَليّ مَا سَأَلت الله عز وَجل من الْخَيْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 إِلَّا سَأَلت لَك مثله وَمَا استعذت بِاللَّه من الشَّرّ إِلَّا استعذت لَك مثله أخرجه الْمحَامِلِي الحَدِيث السَّادِس وَالتِّسْعُونَ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا اكْتسب مكتسب مثل فضل عَليّ يهدي إِلَى الْهدى وَيرد عَن الردى أخرجه الطَّبَرَانِيّ الحَدِيث السَّابِع وَالتِّسْعُونَ عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن الله أَمرنِي بحب أَرْبَعَة وَأَخْبرنِي أَنه يُحِبهُمْ قيل يَا رَسُول الله فسمهم لنا قَالَ عَليّ مِنْهُم يَقُول ذَلِك ثَلَاثًا أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ الحَدِيث الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ عَن ابْن عَبَّاس أَن عليا دخل على النَّبِي فَقَامَ إِلَيْهِ وعانقه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ فَقَالَ الْعَبَّاس أَتُحِبُّ هَذَا يَا رَسُول الله فَقَالَ يَا عَم وَالله للُّه أَشد حبُّاً لَهُ مني أخرجه أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ عَن إِبْرَاهِيم بن عبيد بن رِفَاعَة الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أَقبلت من بدر ففقدنا رَسُول الله فَنَادَى الرفاق بَعضهم بَعْضًا أفيكم رَسُول لله فوقفوا حَتَّى جَاءَ رَسُول الله وَمَعَهُ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالُوا يَا رَسُول الله فقدناك فَقَالَ إِن أَبَا الْحسن وجد مغصَاً فِي بَطْنه فتخلفت عِنْده أخرجه أَبُو عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 الحَدِيث الْمِائَة عَن أم عَطِيَّة قلت بعث رَسُول الله جيشَاً فيهم عَليّ بن أبي طَالب قَالَت فَسمِعت رَسُول الله وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ يَقُول اللَّهُمَّ لَا تمتني حَتَّى تريني عليا أخرجه التِّرْمِذِيّ الحَدِيث الْحَادِي وَالْمِائَة عَن عَليّ قَالَ كنت شاكيَاً فَمر بِي رَسُول الله وَأَنا قَول للهم إِن كَانَ أَجلي قد حضر فأرحني وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا فارفع عني وَإِن كَانَ بلَاء فصبرني فَقَالَ رَسُول الله كَيفَ قلت فَأَعَدْت عَلَيْهِ فضربني وَقَالَ اللَّهُمَّ عافه أَو اشفه شُعْبَة الشاك قَالَ فَمَا اشتكيت وجعي ذَاك بعد أخرجه أَبُو حَاتِم الحَدِيث الثَّانِي وَالْمِائَة عَن أنس أَن النَّبِي بعث عليُّاً ثمَّ بعث رجلا خَلفه وَقَالَ ادْعُه وَلَا تَدعه من وَرَائه أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ الحَدِيث الثَّالِث وَالْمِائَة عَن عَليّ قَالَ أهْدى لرَسُول الله حلَّة سيراء مسيرَة بحرير إِمَّا سداؤها وَإِمَّا لحمتها فبعثها النَّبِي إِلَيّ فَقلت يَا رَسُول الله مَا صنع بهَا فَقَالَ لَا أرضي لَك شَيْئا وأكرهه لنَفْسي فشققت مِنْهَا أَرْبَعَة أخمرة خماراً لفاطمة بنت أَسد أم عَليّ وخماراً لفاطمة بنت مُحَمَّد وخمارَاً لفاطمة بنت حَمْزَة وَذكر فَاطِمَة أُخْرَى أرجه الضَّحَّاك الحَدِيث الرَّابِع وَالْمِائَة عَن عبد الْأَعْلَى بن عدي البهراني أَن رَسُول الله دَعَا عليا يَوْم غَدِير خم فعممه وأرخى عذبة الْعِمَامَة من خَلفه الحَدِيث الْخَامِس وَالْمِائَة عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله من أحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 هذَيْن وأباهما وأمهما كَانَ معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ الحَدِيث السَّادِس وَالْمِائَة عَنهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة لعهد النَّبِي لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق أخرجه مُسلم وَأَبُو حَاتِم الحَدِيث السَّابِع وَالْمِائَة عَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله يَقُول لَا يحب عليا مُنَافِق وَلَا يبغضه مُؤمن أخرجه التِّرْمِذِيّ وَعَن جَابر بن عبد الله مَا كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقين إِلَّا ببغضهم عليا الحَدِيث الثَّامِن وَالْمِائَة عَن زيد بن أَرقم قَالَ قَالَ رَسُول الله من أحب أَن يسْتَمْسك بالقضيب الْأَحْمَر الَّذِي غرسه الله فِي جنَّة عدن كُله فليستمسك بحب عَليّ أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث التَّاسِع وَالْمِائَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله حب عَليّ يَأْكُل الذُّنُوب كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب أخرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث الْعَاشِر وَالْمِائَة عَن أنس قَالَ دَفع عَليّ بن أبي طَالب إِلَى بِلَال درهما ليَشْتَرِي بطيخاً قَالَ فَاشْترى بِهِ فَأخذ بطيخة فقورها فَوَجَدَهَا مرّة فَقَالَ يَا بِلَال رد هَذَا على صَاحبه وائتني بالدرهم إِن رَسُول الله قَالَ إِن الله عز وَجل أَخذ حبك على الشّجر والبشر والمدر فَمَا أجَاب إِلَى حبك عذب وطاب وَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 لم يجب خبث وَمر وَإِنِّي أَظن هَذَا مِمَّا لم يجب أخرجه الملا وَفِي هَذَا دلَالَة على أَن الْعَيْب الْحَادِث إِذا كَانَ مِمَّا لَا يطلع على الْعَيْب الْقَدِيم إِلَّا بِهِ لَا يمْنَع الرَّد الحَدِيث الْحَادِي عشر وَمِائَة عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله قَالَت قَالَ رَسُول الله إِن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا فِي حَيَاته وَبعد مماته أخرجه أَحْمد الحَدِيث الثَّانِي عشر وَمِائَة عَن عمار بن يَاسر قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول يَا عَليّ طُوبَى لمن أحبك وصدقك وويل لمن أبغضك وَكذب فِيك أخرجه ابْن عَرَفَة الحَدِيث الثَّالِث عشر وَمِائَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُول الله فِيك مثل من عِيسَى أبغضه الْيَهُود حَتَّى بهتُوا أمه وأحبته النَّصَارَى حَتَّى أنزلته بالمنزلة الَّتِي لَيْسَ بهَا ثمَّ قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يهْلك فِي رجال مُحب مفرط يقرظني بِمَا لَيْسَ فِي ومُبغض مفترٍ يحملهُ شنآني على أَن يبهتني أخرجه أَحْمد فِي الْمسند وَمعنى بهتُوا كذبُوا عَلَيْهِ والبهت الْكَذِب وَقَول الزُّور الحَدِيث الرَّابِع عشر وَمِائَة عَن أبي الجمراء قَالَ قَالَ رَسُول الله من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى آدم فِي علمه وَإِلَى نوح فِي فهمه وَإِلَى إِبْرَاهِيم فِي حكمه وَإِلَى زَكَرِيَّا بن يحيى فِي زهده وَإِلَى مُوسَى بن عمرَان فِي بطشه فَلْينْظر إِلَى عَليّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 بن أبي طَالب أخرجه الحاكمي والقزويني الحَدِيث الْخَامِس عشر وَمِائَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت رَأَيْت أَبَا بكر يكثر النّظر إِلَى وَجه عَليّ فَقلت يَا أَبَت رَأَيْتُك تكْثر النّظر إِلَى وَجه عَليّ فَقَالَ يَا بنية سَمِعت رَسُول الله يَقُول النّظر إِلَى وَجه عَليّ عبَادَة أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة الحَدِيث السَّادِس عشر وَمِائَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا مَرَرْت بسماء إِلَّا وَأَهْلهَا يشتاقون إِلَى عَليّ بن أبي طَالب وَمَا فِي الْجنَّة شَيْء إِلَّا وَهُوَ مشتاق إِلَى عَليّ بن أبي طَالب أخرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث السَّابِع عشر وَمِائَة عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَن رَسُول الله صف الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار صفّين ثمَّ أَخذ بيد عَليّ وَالْعَبَّاس من بَين الصفين وَضحك فَقَالَ لَهُ رجل من أَي شَيْء ضحِكت فدَاك أبي وَأمي قَالَ هَبَط عَليّ جِبْرِيل بِأَن الله باهى بالمهاجرين وَالْأَنْصَار أهل السَّمَوَات الْعلَا وباهى بك يَا عَليّ وَبِك يَا عَبَّاس حَملَة الْعَرْش أخرجه أَبُو الْقَاسِم فِي الْفَضَائِل الحَدِيث الثَّامِن عشر وَمِائَة عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله أَدْعُو عليَّاً فَأتيت بَيته فناديته فَلم يجبني فعدت فَأخْبرت رَسُول الله فَقَالَ لي عد إِلَيْهِ ادْعُه فَإِنَّهُ فِي الْبَيْت قَالَ أَبُو ذَر فعدت أناديه فَسمِعت صَوت رحى تطحن فشارفت فَإِذا الرَّحَى تطحن وَلَيْسَ مَعهَا أحد فناديته فَخرج إليَ منشرحاً فَقلت إِن رَسُول الله يَدْعُوك فجَاء ثمَّ لم أزل أنظر إِلَى رَسُول الله وَينظر إِلَيّ فَقَالَ يَا أَبَا ذَر مَا شَأْنك فَقلت يَا رَسُول الله عجبت من الْعجب رَأَيْت رحى تطحن وَلَيْسَ مَعهَا أحد يديرها فَقَالَ يَا أَبَا ذَر إِن لله مَلَائِكَة يسيحون فِي الأَرْض قد وكلوا بمعونة آل مُحَمَّد أخرجه الملا فِي سيرته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 الحَدِيث التَّاسِع عشر وَمِائَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ اشْتَكَى النَّاس عليا يومَاً فَقَامَ رَسُول الله فِينَا خَطِيبًا فَسَمعته يَقُول أَيهَا النَّاس لَا تَشكوا عليا فوَاللَّه إِنَّه لأخشى فِي ذَات الله عز وَجل أَو فِي سَبِيل الله أخرجه أَحْمد الحَدِيث الْعشْرُونَ وَمِائَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أشهد على رَسُول الله لسمعته وَهُوَ يَقُول لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع وضعت فِي كفة وَوضع إِيمَان عَليّ فِي كفة لرجح إِيمَان عَليّ أخرجه ابْن السمان والحافظ السلَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ كَيفَ أَنْت إِذا زهد النَّاس فِي الْآخِرَة وَرَغبُوا فِي الدُّنْيَا وأكلوا التراث أكلا لما وأحبوا المَال حبُّاً جمُّا وَاتَّخذُوا دين الله دخلا وَمَال الله دولا قلت أتركهم وَمَا اخْتَارُوا وأختار الله وَرَسُوله وَالدَّار وَالْآخِرَة وأصبر على مصيبات الدُّنْيَا وبلواها حَتَّى ألحق بك إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ صدقت اللَّهُمَّ افْعَل بِهِ ذَلِك أخرجه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَيْضا قَالَ جعت بِالْمَدِينَةِ جوعا شَدِيدا فَخرجت أطلب الْعَمَل فِي عوالي الْمَدِينَة فَإِذا أَنا بِامْرَأَة قد جمعت مدراً فظننتها تُرِيدُ بَلَهُ فعاطيتها كل دلو بتمرة فمددت سِتَّة عشر دلواً حَتَّى مجلت يَدي ثمَّ أتيتها فَقلت بكلتا يَدي هَكَذَا بَين يَديهَا فعدت لي سِتّ عشرَة تَمْرَة فَأتيت النَّبِي فَأَخْبَرته فَأكل معي مِنْهَا وَقَالَ لي خيرَاً ودعا لي أخرجه أَحْمد وَصَاحب الصفوة والفضائلي قَوْله مجلت يَدي أَي نفطت من الْعَمَل وَقَوله فعاطيتها من المعاطاة وَهِي وَهِي المناولة كَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَخذ بيد صَاحبه على ذَلِك إِذا عاقده عَلَيْهِ وَإِن لم يُوجد أَخذ يَد حسا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن سهل بن سعد أَن عَليّ بن أبي طَالب دخل على فَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن يَبْكِيَانِ فَقَالَ مَا يبكيهما قَالَت الْجُوع فَخرج عَليّ فَوجدَ دِينَارا فِي السُّوق فجَاء إِلَى فَاطِمَة فَأَخْبرهَا فَقَالَت اذْهَبْ إِلَى فلَان الْيَهُودِيّ فَخذ لنا بِهِ دَقِيقًا فجَاء إِلَى الْيَهُودِيّ فَاشْترى بِهِ دقيقَاً فَقَالَ أَنْت ختن هَذَا الَّذِي يزْعم أَنه رَسُول الله قَالَ نعم قَالَ فَخذ دينارك وَلَك الدَّقِيق فَخرج عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَتَّى جَاءَ فَاطِمَة فَأَخْبرهَا فَقَالَت اذْهَبْ إِلَى فلَان الجزار فَخذ لنا بدرهم لَحْمًا فَذهب عَليّ فرهن الدِّينَار على لحم بدرهم فجَاء بِهِ فعجنت الدَّقِيق وخبزته وَأرْسلت إِلَى أَبِيهَا فَجَاءَهُمْ فَقَالَ يَا رَسُول الله أذكر لَك فَإِن رَأَيْته حَلَالا أكلنَا فَذكرت لَهُ من شَأْنه قَالَ كلوا بِسم الله فَبَيْنَمَا هم مكانهم إِذا غُلَام ينشد الله وَالْإِسْلَام الدِّينَار فَأمر رَسُول الله فدعى لَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ سقط مني فِي السُّوق فَقَالَ رَسُول الله يَا عَليّ اذْهَبْ إِلَى الجزار فَقل لَهُ إِن رَسُول الله يَقُول أرسل إِلَيّ بالدينار ودرهمك عَليّ فَأرْسل بِهِ فَدفع الدِّينَار إِلَى الْغُلَام أخرجه أَبُو دَاوُد الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله أَن رَسُول الله أَتَاهَا يَوْمًا فَقَالَ أَيْن ابناي يَعْنِي حسنا وحسينَاً قَالَت أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي بيتنا مَا يذوقه ذائق فَقَالَ لي عَليّ أذهب بهما فَإِنِّي أَتَخَوَّف أَن يبكيا عَلَيْك وَلَيْسَ عنْدك شَيْء فَذهب بهما إِلَى فلَان الْيَهُودِيّ فَخرج إِلَيْهِ رَسُول الله فوجدهما يلعبان فِي مشربَة وَبَين أَيْدِيهِمَا فضل من تمر فَقَالَ يَا عَليّ أَلا تنْقَلب بِابْني قبل أَن يشْتَد عَلَيْهِمَا الْحر قَالَت فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الله أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي بيتنا شَيْء فَلَو جَلَست حَتَّى أجمع لفاطمة تمرات فَجَلَسَ رَسُول الله وَعلي ينْزع لِلْيَهُودِيِّ كل دلو بتمرة حَتَّى اجْتمع لَهُ شَيْء من تمر فَجعله فِي حجزته ثمَّ أقبل النَّبِي يحمل أَحدهمَا وَعلي يحمل الآخر أخرجه الدولابي فِي الذُّرِّيَّة الطاهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج الإِمَام أَحْمد عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله لما تزوج فَاطِمَة بعث مَعهَا بخميلة ووسادة من أَدَم حشوها لِيف ورحيين وسقاء وجرتين فَقلت لفاطمة ذَات يَوْم وَالله لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقد جَاءَ الله أَبَاك بسبي فاذهبي فاستخدميه فَقَالَت وَأَنا وَالله لقد طحنت حَتَّى مجلت يداي فَأَتَت النَّبِي فَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا بنية قَالَ جِئْت لأسلم عَلَيْك واستحيت أَن تسأله وَرجعت فَقلت مَا صنعت قَالَت استحييت أَن أسأله فأتيناه مَعًا فَقلت يَا رَسُول الله لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقَالَت فَاطِمَة وَقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي وَقد جَاءَ الله بسبي وسعة فَأخذ منا قَالَ لَا وَالله لَا أعطيكما وأدع أهل الصّفة تطوي بطونهم لَا أجد مَا أنْفق عَلَيْهِم وَلَكِن أبيعه وَأنْفق عَلَيْهِم أثمانهم فرجعنا فَأَتَانَا رَسُول الله وَقد دَخَلنَا قطيفة لنا إِذا غطينا رءوسنا انكشفت أقدامنا وَإِذا غطينا أقدامنا انكشفت رءوسنا فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ ثرنا فَقَالَ مَكَانكُمَا ثمَّ قَالَ أَلا أخبركما بِخَير مِمَّا سألتماني قُلْنَا بلَى قَالَ كَلِمَات علمنيهن جِبْرِيل فَقَالَ تسبحان الله دبر كل صَلَاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وَإِذا أويتما إِلَى فراشكما سبحاً ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ واحمدا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وكبرا ثلاثَاً وَثَلَاثِينَ قَالَ عَليّ فَمَا تركتهن مُنْذُ علمنيهن رَسُول الله فَقيل لَهُ وَلَا لَيْلَة صفّين قَالَ وَلَا لَيْلَة صفّين قَوْله سنوت استقيت والسانية الناضحة الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ بعث رَسُول الله خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الْيمن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَكنت فِيمَن سَار مَعَه فَأَقَامَ عَلَيْهِم سِتَّة أشهر لَا يجيبونه إِلَى شَيْء فَبعث النَّبِي عَليّ بن أبي طَالب وَأمره أَن يُرْسل خَالِدا وَمن مَعَه إِلَّا من أَرَادَ الْبَقَاء مَعَ عَليّ فيتركه قَالَ الْبَراء وَكنت مَعَ من عقب مَعَ عَليّ فَلَمَّا انتهينا إِلَى أَوَائِل الْيمن وَبلغ الْقَوْم الْخَبَر فَجمعُوا لَهُ وَصلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 عَليّ بِنَا الْفجْر فَلَمَّا فرغ صف بِنَا وَاحِدًا ثمَّ تقدم بَين أَيْدِينَا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِم كتاب رَسُول الله فَأسْلمت هَمدَان كلهَا فِي يَوْم وَاحِد وَكتب بذلك إِلَى رَسُول الله فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابه خرَ سَاجِدا وَقَالَ السَّلَام على هَمدَان السَّلَام على هَمدَان أخرجه أَبُو عَمْرو الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن عبيد السَّلمَانِي قَالَ ذكر على الْخَوَارِج فَقَالَ فيهم رجل مُخْدج الْيَد لَوْلَا أَن تبطروا لأخبرتكم بِمَا وعد الله تَعَالَى على لِسَان نبيه مُحَمَّد لمن قَتلهمْ قَالَ فَقلت لعَلي أسمعته من رَسُول الله قَالَ إِي وَرب الْكَعْبَة إِي وَرب الْكَعْبَة أخرجه مُسلم الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله أَتَى منزل أم سَلمَة فجَاء عَليّ فَقَالَ رَسُول الله هَذَا قَاتل القاسطين والناكثين والمارقين بعدِي أخرجه الْحَاكِم القاسطون الجائرون من القَسْطِ بِفَتْح الْقَاف والقصود وَهُوَ الْجور والقِسط بِكَسْر الْقَاف الْعدْل الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله إِذا غضب لم يجترئ أحد أَن يكلمهُ إِلَّا عَليّ رَضِي الله عَنهُ الحَدِيث الثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الديلمي عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي قَالَ خير أخوتي عَليّ خير أعمامي حَمْزَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أم سلمه قَالَت سَمِعت رَسُول الله يَقُول عَليّ مَعَ الْقُرْآن وَالْقُرْآن مَعَ عَليّ لَا يفترقان حَتَّى يردا على الْحَوْض الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج أَبُو يعلى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت رَأَيْت النَّبِي الْتزم عليا وَقَبله وَهُوَ يَقُول بِأبي الوحيد الشَّهِيد بِأبي الوحيد الشَّهِيد الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الْحَاكِم عَن جَابر أَن النَّبِي قَالَ عَليّ إِمَام البررة وَقَاتل الفجرة مَنْصُور من نَصره مخذول من خذله الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي قَالَ عَليّ بَاب حطة من دخل مِنْهُ كَانَ مُؤمنا وَمن خرج مِنْهُ كَانَ كافرَاً الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة عَن عَليّ الرضي ابْن الإِمَام مُوسَى الكاظم أَن رَسُول الله قَالَ لعَلي أَنْت قسيم الْجنَّة والنارفيوم الْقِيَامَة تَقول النَّار هَذَا لي وَهَذَا لَك وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن عليا قَالَ للستة الَّذين جعل الْأَمر شُورَى بَينهم كلَاما طَويلا من جملَته أنْشدكُمْ الله هَل فِيكُم أحد قَالَ لَهُ رَسُول الله أَنْت قسيم النَّار يَوْم الْقِيَامَة غَيْرِي قَالُوا اللَّهُمَّ لَا الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج ابْن أبي شيبَة أَنه قَالَ فِي مرض مَوته أَيهَا النَّاس يُوشك أَن أَقبض قبضا سَرِيعا فَينْطَلق بِي وَقد قَدمت إِلَيْكُم القَوْل معذرة إِلَيْكُم أَلا إِنِّي مخلف فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله عز وَجل وعترتي أهل بَيْتِي ثمَّ أَخذ بيد عَليّ فَرَفعهَا فَقَالَ هَذَا عَليّ مَعَ الْقُرْآن وَالْقُرْآن مَعَ عَليّ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 يفترقان حَتَّى يردا على الْحَوْض فاسألهما مَا خلفت فيهمَا الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة روى سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتعَيِها أُذُن وَاعيَة} الحاقة 12 قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أدنيك وَلَا أقصيك وَأَن أعلمك وَأَن تعي وَحقّ لَك أَن تعي سَأَلت رَبِّي أَن يَجْعَلهَا أذنيك قَالَ مَكْحُول وَكَانَ عَليّ يَقُول مَا سَمِعت من رَسُول الله شَيْئا فَنسيته الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة روى الديلمي عَن أنس أَن رَسُول الله قَالَ أعلم النَّاس بعدِي عَليّ بن أبي طَالب الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة روى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أبي رَافع عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله بعث عليا مبعثَا فَلَمَّا قدم قَالَ الله وَرَسُوله وَجِبْرِيل عَنْك راضون الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ وَمِائَة روى الْخَطِيب والديلمي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قلت قَالَ رَسُول الله ذكر عَليّ عبَادَة الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة روى الديلمي عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله عَليّ مني ومبين لأمتي مَا أرْسلت بِهِ من بعدِي حبه إِيمَان وبغضه نفاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة روى أَبُو نعيم فِي الْحِيلَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ مرْحَبًا بِسَيِّد الْمُسلمين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة روى الديلمي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله لعَلي من أحبك فبحبي أحبك فَإِن العَبْد لَا ينَال ولايتي إِلَّا بحبك الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة روى أَبُو نعيم فِي الْحِيلَة عَن عمار بن يَاسر قَالَ قَالَ رَسُول الله يَا عَليّ إِن الله زينك بزينة لم تزين الْعباد بزينة أحب إِلَى الله مِنْهَا هِيَ زِينَة الْأَبْرَار عِنْد الله الزّهْد فِي الدُّنْيَا فجعلك لَا ترزأ من الدُّنْيَا شَيْئا وَلَا ترزأ الدُّنْيَا مِنْك شَيْئا ووهب لَك حب الْمَسَاكِين فَجعلت ترْضى بهم أتباعَاً ويرضون بك إِمَامًا الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة روى الْخَطِيب والرافعي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ سَأَلت الله فِيك يَا عَليّ أَرْبعا فَمَنَعَنِي وَاحِدَة وَأَعْطَانِي ثلاثَاً سَأَلت الله أَن يجمع عَلَيْك أمتِي فَأبى عَلَيَ وَأَعْطَانِي مِنْك أَن أول من تَنْشَق الأَرْض عَنهُ أَنا وَأَنت وَمَعِي لِوَاء الْحَمد وَأَنت تحمله بَين يَدي تسبق الْأَوَّلين والآخرين وَأَعْطَانِي أَنَّك ولي الْمُؤمنِينَ بعدِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة روى ابْن عَسَاكِر عَن عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ يَا عَليّ ستقتلك الفئة الباغية وَأَنت على الْحق فَمن لم ينصرك يَوْمئِذٍ فَلَيْسَ مني الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن قَالَ نَادَى ملك من السَّمَاء يُقَال لَهُ رضوَان لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 عَليّ خرجه الْحسن بن عَرَفَة الْعَبْدي قلت ذُو الفقار هُوَ سيف رَسُول الله غنمه يَوْم بدر وَكَانَ سيف نبيه بن الْحجَّاج فَأعْطَاهُ النَّبِي عليا كرم الله وَجهه قَالَ أَبُو الْعَبَّاس سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ حفر صغَار الْفَقْرَة الحفرة الصَّغِيرَة الَّتِي تكون فِيهِ والمفقر من السيوف الَّذِي فِيهِ خروز والعامة تسميه المعَير وَفِي ذكرى أَن عدَّة الْفقر فِي سَيْفه الْمَذْكُور كرم الله وَجهه سِتّ عشرَة فقرة الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ كَانَ أبي يسمر مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ عَليّ يلبس ثِيَاب الصَّيف فِي الشتَاء وَثيَاب الشتَاء فِي الصَّيف فَقيل لَهُ لَو سَأَلته فَسَأَلَهُ فَقَالَ عَليّ إِن رَسُول الله بعث إليَ يَوْم خَيْبَر وَأَنا أرمد الْعين فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي أرمد الْعين فتفل فِي عَيْني وَقَالَ اللَّهُمَّ أذهب عَنهُ الْحر وَالْبرد فَلَمَّا وجدت حرا وَلَا بردَاً مُنْذُ يَوْمئِذٍ وَقَالَ لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يكون الْفَتْح على يَده فتشوف لَهَا أَصْحَاب رَسُول الله فَأَعْطَانِيهَا أخرجه الإِمَام أَحْمد وَعَن جَابر بن عبد الله أَن عَليّ بن أبي طَالب حمل الْبَاب يَوْم خَيْبَر حَتَّى صعد الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ ففتحوها وَبعد ذَلِك لم يحملهُ أَرْبَعُونَ رجلا وَفِي طَرِيق ضَعِيف ثمَّ اجْتمع عَلَيْهِ سَبْعُونَ رجلا فَكَانَ جهدهمْ أَن أعادوا الْبَاب أخرجهَا الْحَاكِم الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الفضائلي بِإِسْنَاد يرفعهُ إِلَى أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ رَوَاهُ أَن النَّبِي قَالَ هَبَط عَليّ جِبْرِيل يَوْم حنين فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن رَبك تبَارك وَتَعَالَى يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول ادْفَعْ هَذِه الأترجة إِلَى ابْن عمك ووصيك عَليّ بن أبي طَالب قَالَ فدفعتها إِلَيْهِ فوضعها فِي كَفه فانفلقت نِصْفَيْنِ فَخرج مِنْهَا رق أَبيض مَكْتُوب فِيهِ بِالنورِ تَحِيَّة من الطَّالِب الْغَالِب إِلَى عَليّ بن أبي طَالب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 الحَدِيث الْخَمْسُونَ وَمِائَة أخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن سُلَيْمَان عَنهُ كنت أَنا وَعلي نورا بَين يَدي الله مطبقاً يسبح الله ذَلِك النُّور ويقدسه قبل أَن يخلق آدم بأَرْبعَة عشر ألف عَام فَلَمَّا خلق الله آدم ركب ذَلِك النُّور فِي صلبه فَلم يزل فِي شَيْء وَاحِد حَتَّى افترقنا فِي صلب عبد الْمطلب فجزء أَنا وجزء عَليّ الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن أم سَلمَة لَو لم يخلق عليٌ ملا كَانَ لفاطمة كفؤ أخرجه فِي مُسْند الفردوس الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن عَليّ نَفسه لَو أَن عبدا عبد الله مثل مَا قَامَ نوح فِي قومه وَكَانَ لَهُ مثل أحد ذَهَبا فأنفقه فِي سَبِيل الله ومدَ فِي عمره حَتَّى يحجّ ألف عَام على قَدَمَيْهِ ثمَّ قتل بَين الصَّفَا والمروة مَظْلُوما ثمَّ لم يوالك يَا عَليّ لم يشم رَائِحَة الْجنَّة وَلم يدخلهَا أخرجه الديلمي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن ابْن عَبَّاس لَو اجْتمع النَّاس على حب عَليّ بن أبي طَالب لما خلق الله النَّار أخرجه الديلمي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن حُذَيْفَة مثل عَليّ بن أبي طَالب فِي النَّاس مثل {قُل هُوَ اَللَّهُ أَحَد} فِي الْقُرْآن أخرجه الديلمي أَيْضا انْتهى قلت هَذَا مَا ظَفرت بِهِ مِمَّا ورد فِي شَأْنه خَاصَّة وَأما مَا ورد فِي شَأْنه مَعَ الْوَاحِد أَو مَعَ الِاثْنَيْنِ أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فَلم أوردهُ مِنْهُ شَيْئا أصلا وَكَذَلِكَ مَا ورد من الثَّنَاء عَلَيْهِ من الصَّحَابَة والأكابر وَالسَّلَف الصَّالح وَمَا أثر من كراماته ومكاشفاته وزهده وورعه وسماحته وحماسته وفصاحته وعبادته ومناقبه الحميدة وشمائله الفريدة فَلم أورد من ذَلِك شَيْئا إِذْ لَو رمت اسْتِيعَاب بعض ذَلِك لخُرُوج الْكتاب بذلك عَن وَضعه الْمَقْصُود بِالذَّاتِ فاعتمدت على مَا أثْبته الْأَئِمَّة الْأَثْبَات وأودع بطُون الْكتب المصنفات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 (ذكر أقضيته رَضِي الله عَنهُ) عَن زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أَتَى عمر بن الْخطاب بِامْرَأَة حَامِل قد اعْترفت بِالْفُجُورِ فَأمر برجمها فتلقاها عَليّ فَقَالَ مَا بَال هَذِه قَالُوا أَمر عمر برجمها فَردهَا عَليّ وَقَالَ لعمر هَذِه سلطانك عَلَيْهَا فَمَا سلطانك على مَا فِي بَطنهَا فَقَالَ عمر كل أحد أفقه مِنْك يَا عمر فَضمهَا حَتَّى وضعت غُلَاما ثمَّ ذهب بهَا إِلَيْهِ فرجمها وَعَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ أَتَى عمر بِامْرَأَة أجهدها الْعَطش فمرت براع فاستسقته فَأبى أَن يسقيها حَتَّى تمكنه من نَفسهَا فَفعلت فَشَاور النَّاس فِي رَجمهَا فَقَالَ عَليّ هَذِه مضطرة إِلَى ذَلِك فَخَل سَبِيلهَا فَفعل وَعَن أبي ظبْيَان قَالَ شهِدت عمر أَتَى بِامْرَأَة قد زنت فَأمر برجمها فانتزعها عَليّ من بَين أَيْديهم فردهم فَرَجَعُوا إِلَى عمر فَقَالُوا ردنا عَليّ قَالَ عمر مَا فعل هَذَا عَليّ إِلَّا لشَيْء فَأرْسل إِلَيْهِ فجَاء فَقَالَ مَا لَك رددت هَذِه قَالَ أَنا سَمِعت النَّبِي يَقُول رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الصَّغِير حَتَّى يَحْتَلِم وَعَن الْمُبْتَلى حَتَّى يعقل قَالَ بلَى قَالَ فَهَذِهِ مبتلاة بني فلَان فلَعله أَتَاهَا وغر بهَا قَالَ عمر لَا أَدْرِي قَالَ عَليّ وَأَنا لَا أَدْرِي فَترك رَجمهَا وَعَن مَسْرُوق أَن عمر أَتَى بِامْرَأَة قد نكحت فِي عدتهَا فَفرق بَينهمَا وَجعل مهرهَا فِي بَيت المَال وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا فَبلغ ذَلِك عليا فَقَالَ إِن كَانَ جَاهِلا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَيفرق بَينهمَا فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فَهُوَ خَاطب من الْخطاب فَخَطب عمر وَقَالَ ردوا الجهالات إِلَى السّنة فَرجع إِلَى قَول عَليّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 رَضِي الله عَنْهُمَا خرج جَمِيع ذَلِك ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة وَأخرج حَدِيث أبي ظبْيَان الإِمَام أَحْمد وَعَن ابْن سِيرِين أَن عمر سَأَلَ النَّاس كم يتَزَوَّج الْمَمْلُوك فَلم يجب أحد فَقَالَ لعَلي إياك أَعنِي يَا صَاحب الْمعَافِرِي رِدَاء كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ اثْنَتَيْنِ وَعَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ كَانَ عمر حَاجا فَجَاءَهُ رجل قد لطمت عينه فَقَالَ من لطم عَيْنك قَالَ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لقد وَقعت عَلَيْك عين الله وَلم يسْأَل مَا جرى مِنْهُ وَلم لطمه فجَاء عَليّ وَالرجل عِنْد عمر فَقَالَ عَليّ هَذَا الرجل يطوف وَهُوَ ينظر إِلَى الحُرم فِي الطّواف فَقَالَ عمر أَحْسَنت يَا أَبَا الْحسن ثمَّ أقبل على الرجل فَقَالَ وَقعت عَلَيْك عين من عُيُون الله عز وَجل فَلَا حق لَك وَعَن حَنش بن الْمُعْتَمِر أَن رجلَيْنِ أَتَيَا امْرَأَة من قُرَيْش واستودعاها مائَة دِينَار وَقَالا لَا تدفعيها إِلَى وَاحِد منا دون صَاحبه حَتَّى نَجْتَمِع فلبثا حولا ثمَّ جَاءَ أَحدهمَا إِلَيْهَا وَقَالَ إِن صَاحِبي قد مَاتَ فادفعي إليَ الدَّنَانِير فَأَبت فثقل عَلَيْهَا بِأَهْلِهَا فَلم يزَالُوا بهَا حَتَّى دفعتها إِلَيْهِ ثمَّ لبث حولاَ آخر فجَاء الآخر وَقَالَ ادفعي إِلَيّ الدَّنَانِير فَقَالَت إِن صَاحبك جَاءَنِي فَزعم أَنَّك قد مت فدفعتها إِلَيْهِ فاختصما إِلَى عمر فَأَرَادَ أَن يقْضِي عَلَيْهَا وروى أَنه قَالَ لَهَا مَا أَرَاك إِلَّا ضامنة فَقَالَت أنْشدك الله أَن تقضي بَيْننَا أَو ادفعنا إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فدفعهما عمر إِلَى عَليّ وَعرف أَنَّهُمَا قد مكرا بهَا فَقَالَ أَلَيْسَ قلتما لَا تدفعيها إِلَى رجل منا دون الآخر قَالَ بلَى قَالَ فَإِن مَالك عندنَا اذْهَبْ فجيء بصاحبك حَتَّى ندفعها إلَيْكُمَا وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ سمع عمر يَقُول لعَلي وَقد سَأَلَهُ عَن شَيْء فَأَجَابَهُ أعوذ بِاللَّه أَن أعيش فِي قوم لست فيهم يَا أَبَا الْحسن وَعَن يحيى بن عقيل قَالَ كَانَ عمر يَقُول لعَلي إِذا سَأَلَهُ فَفرج عَنهُ لَا أبقاني الله بعْدك يَا عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان بن منقذ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ هاشمية وأنصارية فَطلق الْأَنْصَارِيَّة ثمَّ مَاتَ على رَأس الْحول فَقَالَت لم تنقض عدتي فَارْتَفعُوا إِلَى عُثْمَان فَقَالَ هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 لَيْسَ لي بِهِ علم فَارْتَفعُوا إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ تحلفين عِنْد مِنْبَر رَسُول الله أَن لم تحيضي ثَلَاث حيضات وَلَك الْمِيرَاث فَحَلَفت فاشتركت فِي الْمِيرَاث أخْرجه ابْن حَرْب الطَّائِي وَعَن زر بن حُبَيْش قَالَ جلس اثْنَان يتغديان مَعَ أَحدهمَا خَمْسَة أرغفة وَمَعَ الآخر ثَلَاثَة أرغفة وَجلسَ إِلَيْهِمَا ثَالِث وَاسْتَأْذَنَ فِي أَن يَأْكُل من طعامهما فأذنا لَهُ فَأَكَلُوا على السوَاء ثمَّ ألْقى إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَقَالَ هَذَا عوض عَمَّا أكلت من طعامكما فتنازعا فِي قسمهَا فَقَالَ صَاحب الْخَمْسَة لي خَمْسَة وَلَك ثَلَاثَة وَقَالَ صَاحب الثَّلَاثَة بل نقسمها على السوَاء فَتَرَافَعَا على عَليّ كرم الله وَجهه فَقَالَ لصَاحب الثَّلَاثَة أقبل من صَاحبك مَا عرض عَلَيْك قل فَقَالَ مَا أُرِيد إِلَّا الْحق فَقَالَ عَليّ لَك الْحق دِرْهَم وَاحِد وَله سَبْعَة قَالَ وَكَيف ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لِأَن الثَّمَانِية أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ثلثَاً لصَاحب الْخَمْسَة خَمْسَة عشر وَلَك تِسْعَة وَقد استويت فِي الْأكل وأكلت ثَمَانِيَة وَبَقِي لَك وَاحِد وَأكل صَاحبك ثَمَانِيَة وَبَقِي لَهُ سَبْعَة وَأكل الثَّالِث ثَمَانِيَة سَبْعَة لصاحبك وَوَاحِد لَك فَقَالَ رضيت الْآن خرجه الخلعي وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله بَعثه إِلَى الْيمن فَوجدَ أَرْبَعَة قد وَقَعُوا فِي حُفْرَة حفرت ليصطادوا فِيهَا الْأسد سقط أَولا رجل فَتعلق بآَخر وَتعلق الآخر بآخر حَتَّى تساقط الْأَرْبَعَة فجرحهم الْأسد فماتوا من جراحته وتنازع أولياؤهم حَتَّى كَادُوا يقتتلون فَقَالَ عَليّ أَنا أَقْْضِي بَيْنكُم فَإِن رَضِيتُمْ فَهُوَ الْقَضَاء وَإِلَّا حجزت بَعْضكُم عَن بعض حَتَّى تَأْتُوا رَسُول الله ليقضي بَيْنكُم اجْمَعُوا من قبائل الَّذين حفروا الْبِئْر ربع الدِّيَة وثلثها وَنِصْفهَا ودية كَامِلَة فللأول ربع الدِّيَة لِأَنَّهُ أهلك من فَوْقه وَالَّذِي يَلِيهِ ثلثهَا لِأَنَّهُ أهلك من فَوْقه وللثالث النّصْف لِأَنَّهُ أهلك من فَوْقه وللرابع دِيَة كَامِلَة فَأَبَوا أَن يرْضوا فَأتوا رَسُول الله فَلَقوهُ عِنْد مقَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 إِبْرَاهِيم فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ أَنا أَقْْضِي بَيْنكُم واحتبي بِبُرْدَةٍ فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِن عليا قضى بَيْننَا فَلَمَّا قصوا عَلَيْهِ مَا قَضَاهُ أجَازه أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَعَن الْحَارِث عَن عَليّ أَنه جَاءَهُ رجل بِامْرَأَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دلست على هَذِه وَهِي مَجْنُونَة قَالَ فَصَعدَ على بَصَره فِيهَا وَصَوَّبَهُ وَكَانَت امْرَأَة جميلَة فَقَالَ مَا يَقُول هَذَا قَالَت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا بِي جُنُون وَلَكِنِّي إِذا كَانَ ذَلِك الْوَقْت غلبتني غشية فَقَالَ عَليّ خُذْهَا وَيحك وَأحسن إِلَيْهَا فَمَا أَنْت لَهَا بِأَهْل أخرجه أَبُو طَاهِر السلَفِي قلت هَذِه الربوح من النِّسَاء فسل عَنْهَا وَتَأمل قَول الإِمَام لزَوجهَا مَا أَنْت لَهَا بِأَهْل رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه وَعَن زيد بن أَرقم قَالَ أَتَى على بِالْيمن بِثَلَاثَة نفر وَقَعُوا على جَارِيَة فِي طهر وَاحِد فَولدت ولدا فَادعوهُ فَقَالَ لأَحَدهم تطيب بِهِ نفسا لهَذَا قَالَ لَا وَقَالَ للْآخر تطيب بِهِ نفسا لهَذَا قَالَ لَا قَالَ أَرَاكُم شُرَكَاء متشاكسين إِنِّي مقرع بَيْنكُم فَمن أَصَابَته الْقرعَة غرمته ثُلثي الْقيمَة وألزمته الْوَلَد فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ مَا أجد فِيهَا إِلَّا مَا قَالَ عَليّ وَقد رُوِيَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ على مِنْبَر الْكُوفَة فَسَأَلَهُ سَائل عَن رجل هلك وخلَف أبوين وبنتين وَزَوْجَة وَهَذِه الْمَسْأَلَة من أَرْبَعَة وَعشْرين وتعول بِثمنِهَا وَتسَمى المنبرية لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ على الْمِنْبَر يخْطب وَكَانَت خطبَته على حرف الْعين فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي يحكم بِالْحَقِّ قطعا وَيجْزِي كل نفس بِمَا تسْعَى وَإِلَيْهِ المآب والرجعى فَسئلَ عَن هَذِه فَقَالَ بديهة على فقر الْخطْبَة صَار ثمن الْمَرْأَة تسعا ثمَّ اسْتمرّ على أسلوب خطبَته رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وَعَن جميل بن عبد الله بن زيد قَالَ ذكر عِنْد النَّبِي قَضَاء قضى بِهِ على فأعجب النَّبِي وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا الْحِكْمَة أهل الْبَيْت أخرجهُمَا أَحْمد فِي المناقب وَعَن ابْن إِسْحَاق إِن عُثْمَان لما قتل بُويِعَ عَليّ بن أبي طَالب بيعَة الْعَامَّة فِي مَسْجِد رَسُول الله وَبَايع لَهُ أهل الْبَصْرَة وَبَايع لَهُ بِالْمَدِينَةِ طَلْحَة وَالزُّبَيْر قَالَ أَبُو عَمْرو وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وتخلف عَن بيعَته نفر فَلم يكرههم وَسُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ أُولَئِكَ قوم قعدوا عَن الْحق وَلم يقومُوا مَعَ الْبَاطِل كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وتخلف عَنهُ مُعَاوِيَة وَمن مَعَه بِالشَّام وَكَانَ مِنْهُم فِي صفّين مَا كَانَ ثمَّ خرج عَلَيْهِ الْخَوَارِج فكفروه وكل من مَعَه إِذْ رَضِي بالتحكيم فِي دين الله بَينه وَبَين أهل الشَّام فَقَالُوا حكمت الرِّجَال فِي دين الله وَالله تَعَالَى يَقُول {إِنِ اَلحُكمُ إِلَّا للَه} يُوسُف 40 فَقَالَ عَليّ كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل ثمَّ اجْتَمعُوا وشقوا عَصا الْمُسلمين ونصبوا راية الْخلاف وسفكوا الدِّمَاء وَقَطعُوا السَّبِيل فَخرج إِلَيْهِم بِمن مَعَه فرام رجعتهم فَأَبَوا إِلَّا الْقِتَال فَقَاتلهُمْ ب النهروان فَقَتلهُمْ واستأصل جمهورهم وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل ثمَّ تشاوروا وتواعد مِنْهُم أُولَئِكَ الثَّلَاثَة النَّفر عبد الرَّحْمَن بن ملجم والبرك بن عبد الله التَّمِيمِي وَعَمْرو بن بكر التَّمِيمِي أَيْضا على قتل أُولَئِكَ الثَّلَاثَة عَليّ وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَأَما البرك فَإِنَّهُ ضرب مُعَاوِيَة فَأصَاب أوراكه وَكَانَ عَظِيم الْأَوْرَاك فَقطع مِنْهُ عرق النِّكَاح فَلم يُولد لَهُ بعد ذَلِك فَلَمَّا أَخذ قَالَ الْأمان والبشارة فقد قتل عَليّ فِي هَذِه اللَّيْلَة فاستبقاه مُعَاوِيَة حَتَّى جَاءَ الْخَبَر بذلك فَقطع يَده وَرجله وَأطْلقهُ فَرَحل إِلَى الْبَصْرَة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى بلغ زياداً أَنه تزوج وَولد لَهُ فَقَالَ أيولد لَهُ وأمير الْمُؤمنِينَ لَا يُولد لَهُ فَقتله قَالُوا وَأمر مُعَاوِيَة باتخاذ الْمَقْصُورَة من ذَلِك الْوَقْت يَعْنِي وَقت أَن ضرب وَأما عَمْرو بن بكر فَإِنَّهُ رصد عَمْرو بن الْعَاصِ فاشتكى عَمْرو بَطْنه ذَلِك الْيَوْم فَلم يخرج للصَّلَاة فاستناب رجلا من النَّاس من بني سهم يُقَال لَهُ خَارِجَة فَضَربهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 عَمْرو بن بكر فَقتله فَأخذ فَلَمَّا دخل بِهِ على عَمْرو بن الْعَاصِ ورآهم يخاطبونه بالإمارة قَالَ أَو مَا قتلت عمرا قيل لَا وَإِنَّمَا قتلت خَارِجَة فَقَالَ أردْت عمرا وَالله أَرَادَ خَارِجَة فَقتله عَمْرو بن الْعَاصِ فَسلم مُعَاوِيَة وَعَمْرو وفاز عَليّ بِالشَّهَادَةِ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه من // (الْبَسِيط) // (فليتَهَا إذْ فدتْ عمرا بخارجةٍ ... فدَتْ عليا بمَنْ شاءَتْ من البَشَرِ) وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ قدمت دمشق وَأَنا أُرِيد الْعرَاق فَأتيت عبد الْملك لأسلم عَلَيْهِ فَوَجَدته فِي قبَّة على فرَاش يفوت الْقَائِم وَتَحْته سماطان فَسلمت عَلَيْهِ ثمَّ جَلَست فَقَالَ لي يَا بن شهَاب أتعلم مَا كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس صباح مقتل عَليّ فَقلت لَا فَقَالَ هَلُمَّ فَقُمْت من وَرَاء النَّاس حَتَّى أتيت خلف الْقبَّة وحول إِلَيّ وَجهه وأحنى عَليّ فَقلت مَا كَانَ فَقَالَ لم يرفع حجر من بَيت الْمُقَدّس إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم فَقَالَ لم يبْق أحد يعرف هَذَا غَيْرِي وَغَيْرك فَلَا يسمعوا مِنْك فَمَا حدثت بِهِ حَتَّى مَاتُوا أخرجه ابْن الضَّحَّاك فِي الْآحَاد والمثاني ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه كَانَ لَهُ من الْوَلَد أَرْبَعَة عشر ذكرا وثمان عشرَة أُنْثَى الْحسن وَالْحُسَيْن وَسَيَأْتِي ذكرهمَا هَذَا عِنْد خِلَافَته وَهَذَا عِنْد دَعوته ومحسن مَاتَ صَغِيرا أمّهم فَاطِمَة بنت رَسُول الله وَمُحَمّد الْأَكْبَر أمه خَوْلَة بنت إِيَاس بن جَعْفَر الْحَنَفِيَّة ذكره الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ وَأُخْته لأمه عوابة بنت أبي مكمل الغفارية وَقيل بل كَانَت أمه من سبى الْيَمَامَة فَصَارَت إِلَى عَليّ وَإِنَّمَا كَانَت أمه لبني حنفية سندية سَوْدَاء وَلم تكن من أنفسهم أعطَاهُ إِيَّاهَا أَبُو بكر من سبي بني حنفية أخرجه ابْن السمان وَعبد الله قَتله الْمُخْتَار وَأَبُو بكر قتل بالطف مَعَ الْحُسَيْن أمهما ليلى بنت مَسْعُود بن خَالِد النَّهْشَلِي وَهِي الَّتِي تزَوجهَا عبد الله بن جَعْفَر خلف عَلَيْهَا بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 عَمه على جمع بَين زَوْجَة عَليّ وَابْنَته فَولدت لَهُ صَالحا وَأم أَبِيهَا وَأم مُحَمَّد بني عبد الله ابْن جَعْفَر فهم أخوة أبي بكر وَعبد الله ابْني عَليّ لِأُمِّهِمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَالْعَبَّاس الْأَكْبَر وَعُثْمَان وجعفر وَعبد الله قتلوا مَعَ الْحُسَيْن أَيْضا أمّهم أم الْبَنِينَ بنت حرَام بن خَالِد الوحيدية الْكلابِيَّة وَمُحَمّد الْأَصْغَر أمه أم ولد قتل مَعَ الْحُسَيْن وَيحيى وَعون أمهما أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية فهما أخوا بني جَعْفَر ابْن أبي طَالب وأخوا مُحَمَّد بت أبي بكر لأمهم لِأَن عليا تزوج أَسمَاء هَذِه بعد أبي بكر الصّديق وَقد أَتَت من أبي بكر بِمُحَمد وَأَبُو بكر تزَوجهَا بعد قتل جَعْفَر بن أبي طَالب فِي غَزْوَة مُؤْتَة بعد أَن ولدت مِنْهُ عدَّة أَوْلَاد وَعمر الْأَكْبَر أمه أم حبيب الصَّهْبَاء التغلبية سبية سباها خَالِد بن الْوَلِيد فِي الرِّدَّة فاشتراها عَليّ كرم الله وَجهه وَمُحَمّد الْأَوْسَط أمه أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ من زَيْنَب بنت النَّبِي ذكر الْإِنَاث أم كُلْثُوم الصُّغْرَى وَزَيْنَب الصُّغْرَى شقيقتا الْحسن وَالْحُسَيْن ورقية شَقِيقَة عمر الْأَكْبَر من أم حبيب الْمَذْكُورَة وَأم الْحسن ورملة الْكُبْرَى أمهما أم سعد بنت عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأم هَانِئ ومَيْمُونَة ورملة الصُّغْرَى وَزَيْنَب الصُّغْرَى وَفَاطِمَة وأمامة وَخَدِيجَة وَأم الْكِرَام وَأم سَلمَة وَأم جَعْفَر وجمانه ونقية ونفيسة لأمهات أَوْلَاد شَتَّى ذكرهم ابْن قُتَيْبَة وَصَاحب الصفوة فجملتهم اثْنَان وَثَلَاثُونَ ولدا وعدهم الْحَافِظ مُحَمَّد بن يُوسُف الشَّامي فِي سيرته سَبْعَة وَثَلَاثِينَ عشْرين ذكرا وَسبع عشرَة أُنْثَى الْحسن وَالْحُسَيْن ومحسن وَمُحَمّد الْأَكْبَر وَعمر الْأَكْبَر وَالْعَبَّاس الْأَكْبَر كلهم أعقبوا وَمُحَمّد الْأَصْغَر قتل بِالطَّائِف وَالْعَبَّاس الْأَصْغَر وَعمر الْأَصْغَر وَقتل بالطف وَعُثْمَان طِفْل وجعفر قتل بالطف وجعفر مَاتَ طفْلا وَعبد الله الْأَكْبَر قتل بالطف وَعبد الله مَاتَ طفْلا وَأَبُو عَليّ يُقَال قتل بالطف وَعبد الرَّحْمَن وَحَمْزَة ورجاء وَأَبُو بكر عَتيق يُقَال قتل بالطف وَعون درج وَيحيى مَاتَ طفْلا وَبنَاته زَيْنَب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 الْكُبْرَى وَزَيْنَب الصُّغْرَى وَأم كُلْثُوم الصُّغْرَى ورقية الْكُبْرَى ورقية وَفَاطِمَة الصُّغْرَى وفاخِتة وَأمة الله وجمانة ورملة وَأم سَلمَة وَأم الْحُسَيْن وَأم الْكِرَام وَهِي نفيسة ومَيْمُونَة وَخَدِيجَة وأمامة فالجميع سَبْعَة وَثَلَاثُونَ الْعقب مِنْهُ فِي الْحسن وَالْحُسَيْن وَمُحَمّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَعمر وَالْعَبَّاس هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة وَتزَوج بَنَات عَليّ بَنو عقيل وَبَنُو الْعَبَّاس مَا خلا أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة كَانَت تَحت عمر بن الْخطاب فَولدت لَهُ زيدا ورقية ابْني عمر بن الْخطاب ثمَّ مَاتَ عَنْهَا عمر فَتَزَوجهَا بعدهُ عبد الله بن جَعْفَر فَمَاتَ عَنْهَا ثمَّ تزَوجهَا بعده أَخُوهُ مُحَمَّد بن جَعْفَر فجَاء مِنْهَا ببنت ثمَّ مَاتَ عَنْهَا مُحَمَّد فَتَزَوجهَا عون بن جَعْفَر أخوهما فَمَاتَتْ عِنْده وَأم الْحسن تزَوجهَا جَعْفَر بن هُبَيْرَة المَخْزُومِي وَفَاطِمَة تزَوجهَا سعيد بن الْأسود من بني الْحَارِث بن فهر كَانَت خِلَافَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَيَوْما وَاحِدًا وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بِالْمَدِينَةِ بعد أَن ولي الْخلَافَة أَرْبَعَة أشهر ثمَّ صَار إِلَى الْعرَاق وَقتل بِالْكُوفَةِ وَلِلنَّاسِ خلاف فِي مُدَّة عمره قد تقدم وَكَذَلِكَ فِي قدر خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ وكرم الله وَجهه (ذكر شَيْء مِمَّا أثر من حكمه وكلماته وأشعاره) كَانَ رَضِي الله عَنهُ أفْصح النَّاس وأعلمهم بِاللَّه وأشدهم حبا وتعظيماً لخدمة لَا إِلَه إِلَّا الله وَقيل لَهُ أَلا تحرس نَفسك قَالَ حارس كل إِنْسَان أَجله وَإِن الْأَجَل جنَّة حَصِينَة وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ كونُوا بِقبُول الْعَمَل أَشد اهتماماً مِنْكُم بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُ لن يقبل عمل مَعَ التَّقْوَى وَكَيف يقبل عمل متقبل وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه لَيْسَ الْخَيْر أَن يكثر مَالك وولدك وَلَكِن الْخَيْر أَن يكثر علمك وحلمك وَتَكون مَشْغُولًا بِعبَادة رَبك فَإِن أَحْسَنت حمدت الله تَعَالَى وَإِن أَسَأْت استغفرت الله وَلَا خير فِي الدُّنْيَا إِلَّا لأحد رجلَيْنِ رجلا أذْنب ذَنبا فَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 يتدارك ذَلِك بتوبة وَرجل يُسَارع فِي الْخيرَات وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ احْفَظُوا عني خمْسا فَلَو ركبتم الْإِبِل فِي طلبهن لَا تبلغوهن لَا يَرْجُو عبد إِلَّا ربه وَلَا يخَاف إِلَّا ذَنبه وَلَا يستحي جَاهِل أَن يسْأَل عَالما بِعلم وَلَا يستحي عَالم إِذا سُئِلَ عَمَّا لَا يعلم أَن يَقُول لَا أعلم الله أعلم وَالصَّبْر من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد وَلَا إِيمَان لمن لَا صَبر لَهُ وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم اتِّبَاع الْهوى وَطول الأمل أما اتِّبَاع الْهوى فبعيد عَن الْحق وَأما طول الأمل فينسي الْآخِرَة أَلا وَإِن الدُّنْيَا قد ترحلت مُدبرَة وَإِن الْآخِرَة قد ترحلت مقبلة وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا بنُون فكونوا من أَبنَاء الْآخِرَة وَلَا تَكُونُوا من أَبنَاء الدُّنْيَا فَإِن الْيَوْم عمل وَلَا حِسَاب وَغدا حِسَاب وَلَا عمل أَلا إِن الْفَقِيه كل الْفَقِيه الَّذِي لَا يُقَنطُ النَّاس من رَحْمَة الله وَلَا يؤمنهم من عَذَاب الله وَلَا يرخص لَهُم فِي معاصي الله وَلَا يدع الْقُرْآن رَغْبَة عَنهُ إِلَى غَيره وَلَا خير فِي عبَادَة لَا علم فِيهَا وَلَا خير فِي عمل لَا فهم فِيهِ وَلَا خير فِي قِرَاءَة لَا تدبر فِيهَا وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كونُوا ينابيع الْعلم مصابيح اللَّيْل خلق الثِّيَاب جدد الْقُلُوب تُعرفون فِي ملكوت السَّمَاء وتذكرون فِي الأَرْض وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم وَالله لَو حننتم حنين الواله الثكلان وجأرتم جؤار مبتلى الرهبان وخرجتم من الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد فِي التمَاس الْقرب إِلَى الله عز وَجل وابتغاء رضوانه وارتفاع دَرَجَة عِنْده أَو غفران سَيِّئَة كَانَ ذَلِك قَلِيلا فِيمَا تطلبون جزيل ثَوَابه وَالْخَوْف من عَذَابه وَالله لَو سَالَتْ عيونكم رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثمَّ عُمرتم عمر الدُّنْيَا مجدين فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَلم تبقوا شَيْئا من جهدكم لما دَخَلْتُم الْجنَّة بأعمالكم وَلَكِن برحمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعلنَا الله وَإِيَّاكُم من التَّابِعين والعابدين وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لكُمَيل بن زِيَاد الْقُلُوب أوعية فَخَيرهَا أوعاها احفظ مَا أَقُول لَك النَّاس ثَلَاثَة فعالم رباني ومتعلم على سَبِيل نجاة وهمج رعاع أَتبَاع كل ناعق مَعَ كل ريح يميلون لم يستنيروا بِنور الْعلم وَلم يلجئوا إِلَى ركن وثيق الْعلم خير لَك من المَال الْعلم يحرسك وَأَنت تحرس المَال الْعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 يزكو على الْعَمَل وَالْمَال تنقصه النَّفَقَة الْعلم حَاكم وَالْمَال مَحْكُوم عَلَيْهِ محبَّة الْعَالم دين يدان بهَا الْعلم يكْسب الْعَالم الطَّاعَة فِي حَيَاته وَجَمِيل الأحدوثة بعد مَوته وَمَنْفَعَة المَال تَزُول بزواله مَاتَ خزان الْأَمْوَال وهم أَحيَاء وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر أعيانهم مفقودة وأمثالهم فِي الْقُلُوب مَوْجُودَة إِن هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى صَدره علما جماً لَو أصبت لَهُ حَملَة بلَى أُصِيب لفتى غير مَأْمُون عَلَيْهِ يسْتَعْمل آلَة الدُّنْيَا للدّين فيستظهر بحجج الله تَعَالَى على كِتَابه وبنعمه على عباده وينقاد لأهل الْبَاطِل لَا بَصِيرَة لَهُ فِي أحنائه ينقدح الشَّك فِي قلبه بِأول عَارض من شُبْهَة منهوماً للذات سَلس القياد للشهوات أَو مغرى بِجمع الْأَمْوَال والادخار أقرب شبها بِهِمُ الْأَنْعَام السَّائِمَة كَذَاك يَمُوت الْعلم بِمَوْت حامله وَالله يَأْبَى أَن تَخْلُو الأَرْض من قَائِم لله عز وَجل بحجته لِئَلَّا تبطل حجج الله وبيناته أُولَئِكَ هم الأقلون عددا الْأَعْظَم عِنْد الله قدرا بهم يدْفع الله عز وَجل عَن حججه حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى نظرائهم ويزرعها فِي قُلُوب أشياعهم هجم بهم الْعلم على حَقِيقَة الْأَمر فاستلانوا مَا استوعر مِنْهُ الْمُشْركُونَ وأنسوا بِمَا استوحش مِنْهُ الجاهلون صحبوا لدُنْيَا بأبدان أرواحها معلقَة بِالْمحل الْأَعْلَى أُولَئِكَ خلفاء الله فِي بِلَاده ودعاته إِلَى دينه هاه هاه شوقاً إِلَى رُؤْيَتهمْ اسْتغْفر الله انْصَرف إِذا شِئْت وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي لله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ مَا انتفعت بِكَلَام بعد النَّبِي إِلَّا بِشَيْء كتبه إِلَيّ عَليّ بن أبي طَالب فَإِنَّهُ كتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما بعد يَا أخي فَإنَّك تسر بِمَا يصل إِلَيْك مِمَّا لم يكن يفوتك ويسوؤك مَا لم تُدْرِكهُ فَمَا نلْت يَا أخي من الدُّنْيَا فَلَا تكن بِهِ فَرحا وَمَا فاتك فَلَا تكن بِهِ حَزينًا وَليكن عَمَلك لما بعد الْمَوْت وَالسَّلَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 وَمن كَلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَو انْكَشَفَ الغطاء مَا ازددت يَقِينا وَقَالَ الزّهْد فِي كَلِمَتَيْنِ من الْقُرْآن {لِكيلا تأسوا عَلىَ مَا فَاتَكُم وَلا تَفرحوا بِمَا آتَاكُم} الْحَدِيد 23 وَمن كَلَامه فِي الْمُنَاجَاة كفاني غنى أَن تكون لي رَبًّا وكفاني فخراً أَن أكون لَك عبدا وَأَنت لي كَمَا أحب فوفقني لما تحب وَمن كَلَامه فِي الْعلم الْمَرْء مخبوء تَحت طي لِسَانه لَا تَحت طيلسانه فتكلموا تعرفوا مَا ضَاعَ امْرُؤ عرف قدره وَمن كَلَامه فِي الْأَدَب أنعم على من شِئْت تكن أميره واستغن عَمَّن شِئْت تكن نَظِيره وَاحْتج إِلَى من شِئْت تكن أسيره وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ من وسع عَلَيْهِ فِي دُنْيَاهُ فَلم يعلم أَنه مُكِرَ بِهِ فَهُوَ مخدوع فِي عقله وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ الدُّنْيَا جيفة فَمن أَرَادَ شَيْئا مِنْهَا فليصبر على مُخَالطَة الْكلاب وَله كَلِمَات كَثِيرَة مَشْهُورَة قد أفردت بالتصنيف وَالْجمع وَقد قَرَأت مِنْهَا نُسْخَة فِي نَحْو الثَّلَاثَة كراريس رَضِي الله عَنهُ وَفِي سيرة الشَّامي أَتَى رَضِي الله عَنهُ بالفالوذج فَوضع بَين يَدَيْهِ فَقَالَ إِنَّك طيب الرَّائِحَة حسن اللَّوْن طيب الطّعْم وَلَكِن أكره أَن أَعُود نَفسِي مَا لم تَعْتَد وَكَانَ بالخورنق وَهُوَ يرعد بردا تَحت قطيفة فَقيل لَهُ إِن الله قد جعل لَك وَلأَهل بَيْتك فِي هَذَا المَال حظاً فَقَالَ وَالله مَا أرزؤكم من مالكم شَيْئا إِنَّهَا لقطيفتي الَّتِي خرجت بهَا من الْمَدِينَة وَمِمَّا يرْوى من شعره رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله من // (الوافر) // (حقيقٌ بالتواضُعِ مَنْ يموتُ ... وَيَكْفِي المرءَ مِنْ دنياهُ قوتُ) (فَمَا للمرءِ يصبحُ ذَا هُمُوم ... وحرصٍ لَيْسَ تدركُهُ النعوتُ) (صنيعُ مليكِنَا حَسَنٌ جميلُ ... وَمَا أرزاقُهُ عَنَّا تَفُوتُ) وَقَالَ جَوَابا لمعاوية عَن كتاب مِنْهُ يفتخر فِيهِ من // (الوافر) // (محمدٌ النبيُّ أخِي وصِهْري ... وحمزَةُ سيِّدُ الشهداءِ عمِّي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 (وجعفَر الَّذِي يُمْسِي ويُضْحِي ... يطيرُ مَعَ الملائكَةِ ابْنُ أُمِّي) (وبنتُ محمَّدٍ سَكَنِي وعِرْسي ... توسَّط لَحْمهَا بدمِي ولَحْمِي) (وسبطا أحْمَدٍ وَالِدَايَ مِنْهَا ... فَمن فِككُمْ لَهُ قسْمٌ كقسْمِي) (سبقْتُكُمُ إِلَى الإسلامِ طُرًّا ... صَغِيرا مَا بلغْتُ أوانَ حِلْمِي) (وأوجَبَ لي الولاءَ مَعًا عليْكُمْ ... رَسُول الله يَوْمَ غديرِ خمِّ) كتبهَا إِلَى مُعَاوِيَة حِين أرسل إِلَيْهِ مُعَاوِيَة كتابا يَقُول فِيهِ يَا أَبَا الْحسن إِن لي فَضَائِل كَثِيرَة كَانَ أبي سيد أَو قَائِد قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وصرت ملكا فِي الْإِسْلَام وَأَنا صهر رَسُول الله وخال الْمُؤمنِينَ وَكَاتب الْوَحْي فَقَالَ عَليّ أَبَا الفاضائل يفخر عليَ ابْن أكالة الأكباد فكتبها وأرسلها إِلَيْهِ قَالَ أَبُو عَمْرو الزَّاهِد سَمِعت ثعلباً يَقُول اجْتمعت رُوَاة الشّعْر من الْكُوفِيّين والبصريين فَلم يزِيدُوا على عشرَة أَبْيَات صَحِيحَة لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ وَأَجْمعُوا أَن مَا كَانَ زَائِدا على الْعشْرَة فَهُوَ منحول وَمن الصَّحِيح قَوْله فِي السندرة من // (الرجز) // (أَنا الَّذِي سَمَّتْنِ أمِّي حيدرَهْ ... ) (كليثِ غاباتِ كريهِ المنظرَهْ ... ) (أفيهِمُ بالكيلِ كيْل السندرَهْ ... ) (أضربُهُمْ ضربا يبينُ الفقَرَهْ ... ) (وأترُكُ القِرْن بقاعٍ مقفرَهْ ... ) (أقتُلُ منهُمْ سبعَةً وعشرَهْ ... ) (كلُّهُمُ أهْلُ فسوقٍ فَجَرَهْ ... ) وَقَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو الْبَلْخِي أنشدنا أَبُو مُحَمَّد بن مُحَمَّد القَاضِي عَن أَبِيه عَن جده لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه قَوْله من // (الوافر) // (أتَم الناسِ أعرفُهُمْ بقصهْ ... وأقمعُهُمْ لشهوتِهِ وحرصه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 (فدانِ على السلامةِ مَنْ تُدَانِي ... ومَنْ لَا تَرْضَ صحبتَهُ فأقْصِهْ) (وَلَا تستَغْلِ عَافِيَة بشَيْءٍ ... وَلَا تستَرْخِصَنَّ أَذَى كرخصِهْ) (وخَلِّ الفحْصَ مَا استغنيتَ عَنهُ ... فكَمْ مستجلبٍ عطباً بفحصِهْ) وَمِمَّا ينْسب إِلَيْهِ كرم الله وَجهه من // (الطَّوِيل) // (أَلا هَلْ إِلَى طُولِ الحياةِ سبيلُ ... وأنَّي وَهَذَا الموتُ ليْسَ يحولُ) (وإِنِي وإنْ أصبَحْتُ بالموتِ موقناً ... فلي أَملٌ دونَ اليقينِ طويلُ) (وللدهْرِ ألوانٌ تروحُ وتَغْتَدِي ... وإنَّ نفوساً بينهُنَّ تسيلُ) (أرى عللَ الدنْيَا عليَّ كَثِيرَة ... وصاحبُهَا حَتَّى المماتِ عليلُ) (إِذا انقطَعَتْ عنِّي مِنَ العيشِ مُدَّتي ... فإنَّ بكاءَ الباكياتِ قليلُ) (وإنَّ افتقادِي فاطماً بعد أحمدٍ ... دليلٌ على ألاَّ يدومَ خليلُ) (وَلم أرَ إنْسَانا يرى عبيَ نفسِهِ ... وإنْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ جَمِيلُ) (ومَنْ ذَا الَّذِي يَنْجٌ وَمن الناسِ سالما ... وللناسِ قَالٌ بالظنونِ وقيلُ) (أَجَلَّكَ قومٌ حِينَ صرْتَ إِلَى الغنَى ... وكُلُّ عنيِّ فِي العيونِ جليلُ) (ولَيْسَ الغنَى إِلَّا غنى زَينَ الفتَى ... عشيَّة يُقْرِي أَو غداةَ يُنِيلُ) (وَلم فتقرْ يَوْمًا وإنْ كَانَ معدمًا ... سخيٌّ وَلم يستَعْنَ قَطُّ بخيلُ) وَمِنْه قَوْله كرم الله وَجهه يمدحه من // (الطَّوِيل) // (أقِيكَ بنَفْسِي أَيهَا المصطفَى الَّذِي ... هَدَانا بِهِ الرحمنُ مِنْ غُمَّةِ الجهلِ) (وتَفْدِيكَ حوبائي وَمَا قَدْرُ مهجتي ... ومَنْ أنتمِي مِنْهُ إِلَى الفَرْعِ والأصْلِ) (ومنْ كَانَ لي مذ كُنْتُ طفْلا ويافعًا ... وأنعشَِي بالعلِّ مِنْهُ وبالنَّهْلِ) (ومَنْ جدهُ جَدِّي ومَنْ عَمه أبي ... وَمن أهْلُهُ أمِّي وَمن بِنْتُه أهْلِي) (ومَنْ حينَ آخَى بَين مَنْ كَانَ حَاضرا ... دَعَاني وآخانِى وبَيَّن مِنْ فضلي) (لكَ الفضْلُ إِنِّي مَا حييتُ لشاكرٌ ... لإحسانِ مَا أوليتَ يَا خاتَمَ الرسْلِ) قلت وَمن الصَّحِيح مَا أوردهُ الْمجد الفيروزابادي صَاحب الْقَامُوس فِيهِ نقلا عَن الملا فِي قَوْله من // (الْبَسِيط) // (تلْكُمْ قريشٌ تمناني لتقْتُلنِي ... فَلَا وربَّكَ مَا برُّوا وَلَا ظَفِرُوا) (فإنْ هلكْتُ فرهْنٌ مهجَتِي لَهُمُ ... بذاتِ ودقينِ لَا يبقِى وَلَا تذرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَنقل عَنهُ أَنه لم يَصح عَن عَليّ غَيرهمَا وَهُوَ محجوج بِنَقْل الثِّقَات غَيره غَيرهمَا وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر عَن نبيط الْأَشْجَعِيّ قَالَ قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ (إِذا اشتملَتْ على اليأسِ القلوبُ ... وضاقَ بِمَا بِهِ الصدْرُ الرحيبُ) (وأوطنَتِ المكارِهُ واطمأنَّتْ ... وأَرْسَتْ فِي أماكِنِهَا الخطُوبُ) (ولمْ يرَ لانكشافِ الضُّرِّ وجْهٌ ... وَلَا أغنَى بحيلتِهِ الأريبُ) (أتاكَ على قنوطٍ منْكَ غَوثٌ ... يجئُ بِهِ القريبُ المستجيبُ) (وكُلُّ الحادثاتِ إِذا تناهَتْ ... فموصولٌ بهَا الفرَجُ القريبُ) وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الشّعبِيّ قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لرجل كره صُحْبَة رجل // (من الهزج) // (لَا تصحَب أَخا الجهْلِ ... وإيَّاكَ وإيَّاهُ) (فكَمْ مِنْ جاهلٍ أردَى ... حَلِيمًا حينَ آخاهُ) (يقاسُ المرءُ بالمرْءِ ... إِذا مَا هُوَ ماشَاهُ) (وللشيْءِ على الشيءِ ... مقاييسٌ وأشباهُ) (وللقلْبِ على القَلْبِ ... دليلٌ حِينَ يلقَاهُ) وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الْمبرد قَالَ كَانَ مَكْتُوبًا على سيف عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ // (من الْبَسِيط) // (للنَّاس حرصٌ على الدُّنْيَا بتدبيرِ ... وصَفْوُهَا لكَ ممزوجٌ بتكديرِ) (لم يُرْزَقُوهَا بفعْلٍ عِنْدَمَا قسمتْ ... لكنَّهُمْ رُزِقُوهَا بالمقاديرِ) (كمْ مِنْ أديبٍ لبيبٍ لَا تساعدُهُ ... وأحمقٍ نَالَ دنياهُ بتقصيرِ) (لَو كَانَ عنْ قوةٍ أَو عَنْ مغالبةٍ ... طارَ البزاةُ بأزراقِ العصافيرِ) روى عَن حَمْزَة بن حبيب الزيات قَالَ كَانَ عَليّ بن أبي طَالب يَقُول // (من المتقارب) // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 (لَا تُفْشَ سرَّكَ إِلَّا إليكَ ... فإنَّ لكلِّ نصِيح نصيحاً) (فإنِّي رأيتُ غواةَ الرجالِ ... لَا يَدعُون أديمَاً صحيحَا) وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن عبد الْبر عَن الْحَارِث الْأَعْوَر قَالَ سُئِلَ عَليّ بن أبي طَالب عَن مَسْأَلَة فَدخل مبادراً ثمَّ خرج فِي حذاء ورداء وَهُوَ يبتسم فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك كنت إِذا سُئِلت عَن الْمَسْأَلَة تكون فِيهَا كالمسلة المحماة قَالَ إِنِّي كنت حاقناً وَلَا رَأْي لحاقن ثمَّ أنشأ يَقُول من // (المتقارب) // (إذَا المشكلاتُ تصدَّيْن لي ... كشفْتُ حقائقهَا بالنظرْ) (وإنْ برِقَتْ فِي مخيلِ الصَّوابِ ... عمياءُ لَا يجتليها البَصَرْ) (مقنعة بغيوبِ الأمورِ ... وضعْتُ عَلَيْهَا صحيحَ الفِكَرْ) (لِسَانا كشقيشقةِ الأريحيىْ ... أَو كالحسامِ اليمانِي الذَّكَرْ) (وَقَلْبًا إِذا استَنْطقَتْهُ العيونُ ... أربَى عَلَيْهَا تراهُ درَرْ) (ولستُ بإمعةٍ فِي الرجالِ ... أسألُ هَذَا وَذَا مَا الخبَرْ) (ولكنني مِدْرَهُ الأصغريْنِ ... أبينُ مِنْ صَاحِبي مَا غمرْ) وَقَالَ ابْن النجار أَخْبرنِي يُوسُف بن الْمُبَارك بن كَامِل قَالَ أَنْشدني أَبُو الْفَتْح مُفْلِح بن أَحْمد الرُّومِي قَالَ أنشدنا أَبُو الْحُسَيْن بن أبي الْقَاسِم التنوخي عَن أَبِيه عَن أجداده إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من // (المتقارب) // (أصمُّ عَن الكلمِ المحفظاتِ ... وأحلُمُ والحِلْمُ بِي أشبَهُ) (وَإِنِّي لأترُكُ جَهْمَ الكلامِ ... لكيلا أجابَ بِمَا أكْرَهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 (إِذا مَا احترزْتُ سِفَاه السفيهِ ... عليَّ فإنيَ لَا أسفهُ) (فكمْ من فَتًى يعجبُ الناظرينَ ... لَهُ ألسنٌ وَله أوجُهُ) (ينامُ إِذا حَضرَ المكْرُماتِ ... وعنْد الدناءة يسْتنْبِهُ) وَأما خطبه ومواعظه ووصاياه فَإِنَّهَا لَا تحصى وَأَدْنَاهَا لَا يستقصي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وكرم وَجهه وَمن وَالَاهُ آمين (خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا) قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه دوَل الْإِسْلَام قَالَ جرير بن حَازِم بَايع أهل الْكُوفَة الْحسن بن عَليّ بعد أَبِيه وأحبوه أَكثر من أَبِيه ثمَّ سَار حَتَّى نزل بِالْمَدَائِنِ وَبعث قيس بن سعد بن عبَادَة على المقّدمة فِي اثْنَي عشر ألفا فَبَيْنَمَا الْحسن بِالْمَدَائِنِ إِذْ نَادَى منادٍ أَلا إِن قيسا قد قتل فاختبط النَّاس وانتهبت الغوغاء سرادق الْحسن حَتَّى نازعوه بساطه تَحْتَهُ وطعنه رجل من الْخَوَارِج بخنجر مَسْمُوم فِي فَخذه فَوَثَبَ النَّاس على الرجل فَقَتَلُوهُ لَا رَحمَه الله وَنزل الْحسن الْقصر الْأَبْيَض بِالْمَدَائِنِ وَكَاتب مُعَاوِيَة فِي الصُّلْح وَقَالَ نَحْو هَذَا ابْن إِسْحَاق وَالشعْبِيّ وروى أَنه لما خلع نَفسه قَامَ فيهم فَقَالَ مَا ثنانا عَن أهل الشَّام شكّ وَلَا نَدم لَكِن كُنْتُم فِي مسيرتكم إِلَى صفّين ودينكم أَمَام دنياكم وأصبحتم الْيَوْم ودنياكم أَمَام دينكُمْ وتوجع الْحسن من تِلْكَ الطعنة ثمَّ عوفي وَللَّه الْحَمد ثمَّ سَار الْحسن يُرِيد الشَّام وَأَقْبل مُعَاوِيَة وَكَانَ اجْتِمَاعهمَا بمسكن وَهِي أَرض السوَاد من نَاحيَة الأنبار قّال ابْن عُيَيْنَة حَدثنَا أَبُو مُوسَى قَالَ سَمِعت الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول اسْتقْبل الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بكتائب أَمْثَال الْجبَال فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله إِنِّي لأرى كتائب لَا تولى أَو تقتل أقرانها فَقَالَ مُعَاوِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَكَانَ خير الرجلَيْن أَرَأَيْت إِن قتل هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ من لي بذراريهم من لي بأمورهم من لي بنسائهم قَالَ فَبعث عبد الرَّحْمَن بن مسيرَة فَصَالح الْحسن مُعَاوِيَة وَسلم الْأَمر لَهُ وَبَايَعَهُ بالخلافة على شُرُوط اشترطها ووثائق وَحمل إِلَيْهِ مُعَاوِيَة مَالا يُقَال خَمْسمِائَة ألف قلت لم أجد تعْيين هَذِه الْخَمْسمِائَةِ ألف هِيَ دَنَانِير أم دَرَاهِم فِيمَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من التواريخ وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين قَالَ أَبُو عبد الله الْهَمدَانِي مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو العريف قَالَ لما ورد الْحسن إِلَى الْكُوفَة بعد مبايعة مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ رجل من هَمدَان يُقَال لَهُ أَبُو عَامر السَّلَام عَلَيْك يَا مذل الْمُسلمين فَقَالَ لست بمذل الْمُسلمين وَلَكِنِّي كرهت أَن أقتلكم على الْملك ثمَّ قَالَ لَهُ آخر يَا عَار الْمُسلمين فَقَالَ الْعَار خير من النَّار ثمَّ إِن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَجَعَ مَعَ آل بَيته من الْكُوفَة وَنزل الْمَدِينَة وَسمي هَذَا الْعَام الْمَذْكُور وَهُوَ عَام إِحْدَى وَأَرْبَعين عَام الْجَمَاعَة لِاجْتِمَاع الْأمة على خَليفَة وَاحِد هُوَ مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن رَضِي الله عَنهُ لَهُ بهَا ثمَّ دخل مُعَاوِيَة الْكُوفَة وَخرج عَلَيْهِ عبد الله بن أبي الحوساء بالنخلة فسير فَقتله وَخرج عَلَيْهِ بِالْبَصْرَةِ خوارج فَقتل فريقاً وَأمن فريقاً وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك عِنْد ذكر خِلَافَته إِن شَاءَ الله تَعَالَى (مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) هُوَ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف الْقرشِي الْهَاشِمِي أَبُو مُحَمَّد سبط النَّبِي وشبيهه يكنى أَبَا مُحَمَّد أمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله سيدة نسَاء الْعَالمين وَهُوَ سيد شباب أهل الْجنَّة وَرَيْحَانَة النَّبِي ويلقب بالتقي وَالسَّيِّد ولد منتصف رَمَضَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة قَالَ أَبُو عمر هَذَا أصح مَا قيل وَقيل فِي شعْبَان وَقيل سنة أَربع وَقيل سنة خمس قَالَ فِي الْإِصَابَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 وَالْأول أثبت سَمَّاهُ النَّبِي الْحسن وعق عَنهُ يَوْم سَابِع وِلَادَته وَحلق شعر رَأسه وَتصدق بزنة شعره فضَّة وَهُوَ خَامِس أهل الكساء وَقَالَ أَبُو أَحْمد العسكري سَمَّاهُ النَّبِي الْحسن وكناه أَبَا مُحَمَّد وَلم يكن يعرف هَذَا الِاسْم فِي الْجَاهِلِيَّة وروى عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن الْفضل قَالَ إِن الله تَعَالَى حجب اسْم الْحسن وَالْحُسَيْن حَتَّى سمي بهما النَّبِي ابنيه الْحسن وَالْحُسَيْن قَالَ فَقلت لَهُ وَالَّذِي بِالْيمن قَالَ ذَاك حسن بِسُكُون السِّين وحَسِين بِفَتْح الْحَاء وَكسر السِّين وَلَا يعرف قبلهمَا إِلَّا اسْم رَملَة فِي بِلَاد ضبة قَالَ ابْن غنمة من // (الوافر) // (لِأُمِّ الأرضِ ويلٌ مَا أجنَّتْ ... غداةَ أَضَرِّ بالحَسَنِ السَّبِيلُ) وَعِنْدهَا قتل بسطَام بن قيس الشَّيْبَانِيّ قَالَ عَليّ لما ولد الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رَسُول الله أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حسن فَلَمَّا ولد الْحُسَيْن قَالَ أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حُسَيْن فَلَمَّا ولد الثَّالِث قَالَ أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حُسَيْن ثمَّ قَالَ سميتهم بأسماء ولد هَارُون شبر وشيبر ومشبر وفضائله كَثِيرَة مَشْهُورَة ولي الْخلَافَة بعد أَبِيه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لِعشر لَيَال بَقينَ من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة سِتَّة أشهر وَبَايَعَهُ أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفَاً ثمَّ نزل عَنْهَا لمعاوية فِي النّصْف من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة وَقيل لخمس بَقينَ من ربيع الأول وَقيل فِي ربيع الآخر قَالَ ابْن الْأَثِير قَول من قَالَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين أصح مَا قيل فِيهِ وَأما من قَالَ فِي نُزُوله سنة أَرْبَعِينَ فقد وهم وَكَانَ نُزُوله مصداق قَول جده إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 الْمُسلمين وَأي شرف أعظم من شرف من سَمَّاهُ النَّبِي سيداً وروى أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ والدولابي عَن قَابُوس بن الْمخَارِق قَالَ إِن أم الْفضل قَالَت لرَسُول الله رَأَيْت كَأَن عضوا من أعضائك فِي بَيْتِي فَقَالَ رَسُول الله خيرا رَأَيْت تَلد فَاطِمَة غُلَاما فترضعينه بِلَبن ابْنك قثم فَولدت حسنَاً فأرضعته بِلَبن قثم قَالَت فَجئْت بِهِ يَوْمًا إِلَى النَّبِي فَوَضَعته فِي حجره فَضرب كتفه فَقَالَ النَّبِي لم أرضعت ابْني يَرْحَمك الله وروى الإِمَام أَحْمد والشيخان وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أُسَامَة بن زيد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَيْضا وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله قَالَ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يُحِبهُ وروى الشَّيْخَانِ وَابْن حبَان عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا على عاتق رَسُول الله وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وروى البُخَارِيّ عَن أُسَامَة بن زيد أَن رَسُول الله كَانَ يَأْخُذ الْحسن وَالْحُسَيْن وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أحبهما فأحبهما وروى التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُول الله حَامِلا لِلْحسنِ على عَاتِقه فَقَالَ رجل نعم الْمركب ركبت فَقَالَ نعم الرَّاكِب هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وروى الإِمَام أَحْمد فِي المناقب عَن أبي زهر بن الأرقم رجل من الأزد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول لِلْحسنِ بن عَليّ من أَحبَّنِي فليحبه فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وَلَوْلَا عَزِيمَة رَسُول الله مَا حدثتكم وروى الطَّيَالِسِيّ وَالْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ من أَحبَّنِي فليحب هَذَا يَعْنِي الْحسن وروى ابْن حبَان عَن أُسَامَة ابْن زيد قَالَ كَانَ رَسُول الله يقعدني على فَخذه وَيقْعد الْحسن على فَخذه الْآخِرَة وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أرحمهما فارحمهما وروى الدولابي عَن مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن مولى بني هَاشم ن النَّبِي رأى الْحسن مُقبلا فَقَالَ اللَّهُمَّ سلمه وَسلم مِنْهُ وروى أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قل لَا زلت أحب هَذَا الرجل يَعْنِي حسنا بَعْدَمَا رَأَيْت رَسُول الله يصنع بِهِ مَا يصنع رَأَيْت الْحسن فِي حجر رَسُول الله وَهُوَ يدْخل لِسَانه فِي فَمه أَو لِسَان الْحسن فِي فَمه ثمَّ قَالَ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يجبهُ وروى الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه رأى الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي بعض طرق الْمَدِينَة فَقَالَ اكشف عَن بَطْنك فدَاك أبي حَتَّى أقبل حَيْثُ كَانَ رَسُول الله يقبل فكشف لَهُ عَن بَطْنه فَقبل سرته وروى ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو بكر الشَّافِعِي عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت الْحسن بن عَليّ يَأْتِي رَسُول الله وَهُوَ ساجد قيركبه على ظَهره فَمَا ينزله حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي ينزل وَيَأْتِي وَهُوَ رَاكِع فيفرج لَهُ بَين رجلَيْهِ حَتَّى يخرج من الْجَانِب الآخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 وروى أَبُو سعيد الْأَعرَابِي عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ الْحسن إِلَى النَّبِي وَهُوَ ساجد فَركب على ظَهره فَأَخذه النَّبِي بِيَدِهِ فأقامه على ظَهره ثمَّ ركع ثمَّ أرْسلهُ فَذهب وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْيَقِين عَن مُحَمَّد بن معشر الْيَرْبُوعي قَالَ قَالَ عَليّ لِلْحسنِ ابْنه رَضِي الله عَنْهُمَا كم بَين الْإِيمَان وَالْيَقِين قَالَ أَربع أَصَابِع قَالَ بَين قَالَ الْيَقِين مَا رَأَتْهُ عَيْنك وَالْإِيمَان مَا سمعته أُذُنك وصدقت بِهِ قَالَ عَليّ أشهد أَنَّك مِمَّن أَنْت مِنْهُ ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض وروى الدولابي عَن زيد بن الْحسن رَضِي لله عَنْهُمَا قَالَ خطب الْحسن رَضِي الله عَنهُ النَّاس حِين قتل أَبوهُ رَضِي الله عَنهُ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لقد قبض فِي هَذِه اللَّيْلَة رجل لم يسْبقهُ الْأَولونَ وَلم يشركهُ الْآخرُونَ وَكَانَ رَسُول الله يُعْطِيهِ الرَّايَة فَيُقَاتل جِبْرِيل عَن يَمِينه وميكائْيل عَن يسَاره فَمَا يرجع حَتَّى يفتح الله عز وَجل عَلَيْهِ مَا ترك ظهر الأَرْض صفراء وَلَا بَيْضَاء إِلَّا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضلت من عطائه أَرَادَ أَن يبْتَاع بهَا خَادِمًا لأَهله ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس مَنْ عرفني فقد عرفني وَمن لم يعرفنِي فَأَنا الْحسن بن عَليّ وَأَنا ابْن الْوَصِيّ وَأَنا ابْن البشير وَأَنا ابْن الْمُنْذر وَأَنا ابْن الدَّاعِي إِلَى الله بِإِذْنِهِ والسراج الْمُنِير وَأَنا من أهل الْبَيْت الَّذين افْترض الله محبتهم على كل مُسلم فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى لنَبيه {قُل لَا أَسأَلكُم عليهِ أجرا إِلَّا المَودةَ فِي اَلقُربى وَمَن يَقتَرِف حسنَةَ نزد لَه فِيهَا حُسناً} الشورى 23 فاقتراف الْحَسَنَة مودتنا أهل الْبَيْت قَالَ صَاحب السِّيرَة الشامية بَايعه أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا وَقَالَ صَالح ابْن الإِمَام أَحْمد سَمِعت أبي يَقُول بَايع الْحسن تسعون ألفا بِتَقْدِيم التَّاء فَترك الْخلَافَة وَصَالح مُعَاوِيَة لما سَار إِلَيْهِ من الشَّام وَسَار إِلَى مُعَاوِيَة فَلَمَّا تقاربا أرسل إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 مُعَاوِيَة يبْذل لَهُ تَسْلِيم الْأَمر على أَن تكون الْخلَافَة لَهُ بعده وعَلى أَلا يطْلب أحدا من أهل الْمَدِينَة والحجاز بِشَيْء مِمَّا كَانَ فِي أَيَّام بني أُميَّة وَغير ذَلِك وَظَهَرت المعجزة النَّبَوِيَّة فِي قَوْله إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين وَلم يسفك فِي أَيَّامه محجمة دم وَهِي نَحْو سَبْعَة أشهر وَكَانَ صلحهما لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقيل فِي النّصْف من جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة على الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي ذَلِك فَإِن مُدَّة الْخلَافَة الَّتِي ذكرهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انْتَهَت بخلافته وَلم يبْق إِلَّا الْملك وَقد صان الله تَعَالَى أهل الْبَيْت مِنْهُ قَالَ أَبُو بشر الدولابي أَقَامَ الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْكُوفَةِ إِلَى ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقتل عبد الرَّحْمَن بن ملجم لَعنه الله تَعَالَى وَيُقَال إِنَّه ضربه بِالسَّيْفِ فاتقاه بِيَدِهِ فندرت وَقَتله ثمَّ سَار إِلَى مُعَاوِيَة فَالْتَقَيَا ب مسكن من أَرض الْكُوفَة كَمَا تقدم نقل ذَلِك عَن الذَّهَبِيّ واصطلحا وَسلم إِلَيْهِ الْأَمر وَبَايع لَهُ لخمس بَقينَ من ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأخذ مِنْهُ خَمْسمِائَة ألف كَمَا تقدم ذَلِك عَن الذَّهَبِيّ وروى الْحَافِظ أَبُو نعيم وَغَيره عَن الشّعبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ أما بعد فَإِن أَكيس الْكيس التقي وأحمق الْحمق الْفُجُور وَإِن هَذَا الْأَمر الَّذِي اخْتلفت عَلَيْهِ أَنا وَمُعَاوِيَة إِنَّمَا هُوَ حق لامرئ فَإِن كَانَ لَهُ فَهُوَ أَحَق بِحقِّهِ وَإِن كَانَ لي فقد تركته لَهُ إِرَادَة صَلَاح الْأمة وحقن دِمَائِهِمْ {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} الْأَنْبِيَاء 111 ثمَّ نزل قلت رَأَيْت فِي المَسْعُودِيّ أَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَشَارَ على مُعَاوِيَة أَن يَأْمر الْحسن فيخطب فكره مُعَاوِيَة ذَلِك فألزمه عَمْرو وَقَالَ أُرِيد أَن يَبْدُو عيه فِي النَّاس فَإِنَّهُ يتَكَلَّم فِي أُمُور لَا يدْرِي مَا هِيَ فَأمر مُعَاوِيَة الْحسن فَقَامَ وَتشهد فِي بديهته ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 قَالَ يَا أهل الْكُوفَة لَو لم تذهل نَفسِي إِلَّا لثلاث لذهلت مقتلكم أبي ونهبكم رحلي وطعنكم فَخذي وَإِنِّي قد بَايَعت مُعَاوِيَة فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَمن مناقبه وجوده وزهه فِي الدُّنْيَا قَوْله إِنِّي لأَسْتَحي من الله عز وَجل أَن أَلْقَاهُ وَلم أمش إِلَى بَيته فَمشى عشْرين حجَّة من لمدينة على رجلَيْهِ وَإِن الجنائب لتقاد بَين يَدَيْهِ وَخرج من مَاله مرَّتَيْنِ وقاسم الله ثَلَاث مَرَّات حَتَّى إِنَّه كَانَ يُعْطي نعلا ويمسك نعلا وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين رُبمَا كَانَ يُجِيز الْوَاحِد بِمِائَة ألف وَاشْترى حَائِطا من قوم من الْأَنْصَار بأربعمائة ألف وَإنَّهُ بلغه أَنهم احتاجوا إِلَى مَا فِي أَيدي النَّاس فَرده إِلَيْهِم وَلم يقل لسائل قطّ لَا وَلَا يأنس بِهِ أحد فيدعه يحْتَاج إِلَى غَيره وَرَأى غُلَاما أسود يَأْكُل من رغيف لقْمَة وَيطْعم كلبَاً هُنَالك لقْمَة فَقَالَ مَا يحملك على هَذَا فَقَالَ الْغُلَام إِنِّي أستحي أَن آكل وَلَا أطْعمهُ فَقَالَ الْحسن لَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك فَذهب إِلَى سَيّده فَاشْتَرَاهُ وَاشْترى الْحَائِط الَّذِي هُوَ فِيهِ وَأعْتقهُ وَملكه الَحائط فَقَالَ الْغُلَام يَا مولَايَ قد وهبت الْحَائِط للَّذي وهبتني إِلَيْهِ وَكَانَ الْحسن سيداً حَلِيمًا زاهدَاً عاقلاَ فَاضلا فصيحَاً ذَا سكينَة ووقار جواداً يكره الْفِتَن وَسَفك الدِّمَاء دَعَاهُ ورعه وزهده إِلَى ترك الْخلَافَة وَقَالَ خشيت أَن يجئَ يَوْم الْقِيَامَة سَبْعُونَ ألفَاً أَو أَكثر تنضح أوداجهم دَمًا وَكَانَ من أحسن النَّاس وجهَاً وَأكْرمهمْ وأجودهم وأطيبهم كلَاما وَأَكْثَرهم حَيَاء وَكَانَ أَكثر دهره صَائِما وَكَانَ فعله يسْبق قَوْله فِي المكارم والجود وَكَانَ كثير الأفضال على إخوانه لَا يغْفل عَن أحد مِنْهُم وَلَا يحوجه إِلَى أَن يسْأَله بل يتَقَدَّم بالعطاء قبل السُّؤَال وَقَالَ لأَصْحَابه إِنِّي أخْبركُم عَن أخٍ كَانَ من أعظم النَّاس فِي عَيْني وَكَانَ الَّذِي عظمه فِي عَيْني صغر الدُّنْيَا فِي عينه كَانَ خَارِجا عَن سُلْطَان بطشه فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يجد وَلَا يكثر إِذا وجد انْتهى وَمَا سمع من الْحسن كلمة فحش قطّ وَأعظم مَا سمع مِنْهُ أَنه كَانَ بَينه وَبَين شخص خُصُومَة فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ عندنَا إِلَّا مَا رغم أَنفه قلت هَذَا الشَّخْص الْمُبْهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 هُوَ مَرْوَان بن الحكم الْأمَوِي وَقيل لَهُ إِن أَبَا ذَر يَقُول الْفقر أحب إليّ من الْغنى والسقم أحب إِلَيّ من الصِّحَّة فَقَالَ رحم الله أَبَا ذَر أما أَنا فَأَقُول من اتكل على حسن اخْتِيَار الله عز وَجل لم يتمن غير الْحَالة الَّتِي اخْتَارَهَا لله عز وَجل وَهَذَا حد الْوُقُوف على الرِّضَا بِمَا يصرف بِهِ الْقَضَاء وَمن كَلَامه رَضِي الله عَنهُ كم فِي الدُّنْيَا بيدنك وَفِي الْآخِرَة بقلبك وَكَانَ يَقُول لِبَنِيهِ وَبني أَخِيه تعلمُوا الْعلم فَمن لم يسْتَطع مِنْكُم أَن يحفظه أَو قَالَ يرويهِ فليكتبه وليضعه فِي بَيته وَرَأى سيدنَا أَبُو بكر الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ يلْعَب مَعَ الصّبيان فَحَمله أَبُو بكر على عَاتِقه وَقَالَ بِأبي شَبيه بِالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيها بعلي وَعلي رَضِي الله عَنهُ يبتسم وَقد كَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ يجله ويعظمه ويحترمه ويكرمه وَكَذَلِكَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَقد جَاءَ الْحسن وَالْحُسَيْن يَوْم الدَّار وَعُثْمَان مَحْصُور ومعهما السِّلَاح ليقاتلا عَن عُثْمَان فخشي عُثْمَان عَلَيْهِمَا وَأقسم عَلَيْهِمَا ليرجعان إِلَى منازلهما تطييباً لقلب عَليّ وخوفاً عَلَيْهِمَا وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه أرسلهما وَأَمرهمَا بذلك وَكَانَ عَليّ يكرم الْحسن إِكْرَاما زَائِدا ويعظمه ويبجله وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَأْخُذ الركاب لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن إِذا ركبا وَيرى هَذَا مِنَ النعم وَكَانَ إِذا طافا بِالْبَيْتِ يكَاد النَّاس يحطمونهما مِما يزدحمون عَلَيْهِمَا للسلام عَلَيْهِمَا رَضِي الله عَنْهُمَا وأرضاهما وَكَانَ عبد الله بن الزبير يَقُول وَالله مَا قَامَت النِّسَاء عَن مثل الْحسن قَالَ البهيقي فِي كِتَابه المحاسن والمساوى أَتَى الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَقد سبقه ابْن عَبَّاس فَأمر مُعَاوِيَة بإنزالهما فِي مَحل فأنزلا فَبَيْنَمَا مُعَاوِيَة مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ ومروان بن الحكم وَزِيَاد بن أَبِيه يتذاكرون قديمهم وحديثهم ومجدهم إِذْ قَالَ مُعَاوِيَة أَكثرْتُم الْفَخر فَلَو حر الْحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس لقصرا من أعينكُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 فَقَالَ زِيَاد وَكَيف ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يقومان لمروان فِي غرب مَنْطِقه وَلَا لنا فِي بواذخنا فَابْعَثْ إِلَيْهِمَا حَتَّى تسمع كَلَامهمَا فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو مَا تَقول قَالَ هَذَا إِلَيْك فَابْعَثْ إِلَيْهِمَا فِي غَد فَبعث مُعَاوِيَة ابْنه يزِيد إِلَيْهِمَا فَأتيَاهُ فدخلا عَلَيْهِ وَبَدَأَ مُعَاوِيَة فَقَالَ إِنِّي أجلكما وَأَرْفَع قدركما عَن المسامرة بِاللَّيْلِ وَلَا سِيمَا أَنْت يَا أَبَا مُحَمَّد فَإنَّك ابْن رَسُول الله وَسيد شباب أهل الْجنَّة فتشكرا لَهُ فَلَمَّا اسْتَويَا فِي مجلسهما وَعلم عَمْرو أَن الجرة ستقع بِهِ قَالَ وَالله لَا بُد أَن أَقُول فَإِن قهرت فسبيلي ذَاك وَإِن قهرت أكون قد ابتَدأت فَقَالَ يَا حسن إِنَّا تفاوضنا فَقُلْنَا إِن رجال بني أُميَّة أَصْبِر عِنْد اللِّقَاء وأمضى فِي الوغى وأوفى عهدا وَأكْرم خيما وَأَمْنَع ذمارَاً لما وَرَاء ظُهُورهَا من بني عبد الْمطلب ثمَّ تكلم مَرْوَان فَقَالَ وَكَيف لَا نَكُون كَذَلِك وَقد قارعناكم فغلبناكم وحاربناكم فملكناكم فَإِن شِئْنَا عَفَوْنَا وَإِن شِئْنَا بطشنا ثمَّ تكلم زِيَاد فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَهُم أَن ينكروا الْفضل لأَهله ويجحدوا الْخَيْر فِي مظانه نَحن الحملة فِي الحروب وَلنَا الْفضل على سَائِر النَّاس قديمَاً وحديثاً فَتكلم الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَيْسَ من الْعَجز أَن يصمت الرجل عِنْد إِيرَاد الْحجَّة وَلَكِن من الْإِفْك أَن ينْطق بالخنا ويصور الْبَاطِل بِصُورَة الْحق يَا عَمْرو افتخاراً بِالْكَذِبِ وجرأة على الْإِفْك وَمَا زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرّة وَأمْسك أُخْرَى فتأبى إِلَّا انهماكاً فِي الضَّلَالَة أَتَذكر مصابيح الدجى وأعلام الْهدى وفرسان الطراد وحتوف الأقران وَأَبْنَاء الطعان وربيع الضيفان ومعدن النُّبُوَّة ومهبط الْعلم وزعمتم أَنكُمْ أحمى لما وَرَاء ظهوركم وَقد تبين ذَلِك يَوْم بدر حِين نكصت الْأَبْطَال وتساورت الأقران واقتحمت الليوث واعتركت الْمنية وَقَامَت رحاها على قطبها وافترت عَن نابها وطار شرار الْحَرْب فَقَتَلْنَا رجالكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وَمن النَّبِي على دراريكم فكنتم لعمري فِي هَذَا الْيَوْم غير مانعين لما وَرَاء ظهوركم ثمَّ قَالَ وَمَا أَنْت يَا مَرْوَان فَمَا أَنْت والإكثار فِي قُرَيْش وَأَنت طليق وَأَبُوك طريد تنْقَلب من خزية إِلَى سوءة وَلَقَد جئ بك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا رَأَيْت الضرغام قد دميت براثنه واشتبكت أنيابه كَمَا قَالَ // (من الْكَامِل) // (ليثٌ إِذا سَمِعَ الليوثُ زئيرَه ... بَصْبَصْنَ ثمَّ قذفْنَ بالأبعارِ) فَلَمَّا من عَلَيْك بِالْعَفو وأرخى خناقك بعد مَا ضَاقَ عَلَيْك وغصصت بريقك لَا تقعد منا مقْعد أهل الشُّكْر وَلَكِن تساوينا وتحاربنا وَنحن مِمَّن لَا يدركنا عَار وَلَا تلحقنا خزاية ثمَّ الْتفت إِلَى زِيَاد فَقَالَ وَمَا أَنْت يَا زِيَاد وقريشاً مَا أعرف لَك فِيهَا أديماً صَحِيحا وَلَا فرعا ثابتَاً وَلَا قَدِيما بائتَاً وَلَا منصباً كريمَاً كَانَت أمك بغيا تداولها رجالات قُرَيْش وفجر الْعَرَب فَلَمَّا ولدت لم يعرف لَك الْعَرَب والداً فادعاك هَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة بعد ممات أَبِيه مَا لَك افتخار تكفيك سميَّة وَيَكْفِيك رَسُول الله وَأبي عَليّ بن أبي طَالب سيد الْمُؤمنِينَ الَّذِي لم يرْتَد على عَقِبَيْهِ وَحَمْزَة سيد الشُّهَدَاء وجعفر الطيار وَأَنا وَأخي سيدا شباب أهل الْجنَّة ثمَّ الْتفت إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ يَا بن عَم إِنَّمَا هِيَ بغاث الطير انقض عَلَيْهَا أجدل فَأَرَادَ ابْن عَبَّاس أَن يتَكَلَّم فأقسم عَلَيْهِ مُعَاوِيَة أَن يكف فَكف ثمَّ خرجا فَقَالَ مُعَاوِيَة أَجَاد عَمْرو الْكَلَام لَوْلَا أَن حجَّته دحضت وَقد تكلم مَرْوَان لَوْلَا أَنه يكفر ثمَّ الْتفت إِلَى زِيَاد فَقَالَ مَا دعَاك إِلَى محاورتهما مَا كنت إِلَّا كالحجل فِي كف الْعقَاب فَقَالَ عَمْرو لمعاوية أَلا رميت من وَرَائِنَا فَقَالَ مُعَاوِيَة إِذا أشرككم فِي الْجَهْل أفاخر رجلا رَسُول الله جده وَهُوَ سيد من مضى وَمن بَقِي وَأمه فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين ثمَّ قَالَ لعَمْرو وَالله لَئِن سمع بِهِ أهل الشَّام لهى السوأة السوءاء فَقَالَ عَمْرو لقد أبقى عَلَيْك وَلكنه طحن مَرْوَان وزياداً طحن الرَّحَى يثفالها وَوَطئهَا وَطْء البازل القراد بمنسمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 فَقَالَ زِيَاد قد وَالله فعل وَلَكِن مُعَاوِيَة يَأْبَى إِلَّا الإغراء بَيْننَا وَبينهمْ لَا جرم وَالله لَا شهِدت مَجْلِسا يكونَانِ فِيهِ إِلَّا كنت مَعَهُمَا عَليّ من فاخرهما فَخَلا ابْن عَبَّاس بالْحسنِ فَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ أفديك يَا بن عَم وَالله مَا زَالَ بحرك يزْجر وَأَنت تصور حَتَّى شفيتني من أَوْلَاد البغايا ثمَّ إِن الْحسن رَضِي الله عَنهُ غَابَ أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ حَتَّى دخل على مُعَاوِيَة وَعِنْده عبد الله بن الزبير فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَبَا مُحَمَّد إِنِّي أَظُنك تعباً نصبَاً فأت الْمنزل فأرح نَفسك فَقَامَ الْحسن فَلَمَّا خرج قَالَ مُعَاوِيَة لعبد الله بن الزبير لَو افتخرت على الْحسن فَإنَّك ابْن حوارِي رَسُول الله وَابْن عمته ولأبيك فِي الْإِسْلَام نصيب وافر فَقَالَ ابْن الزبير أَنا لَهُ فَرجع وَهُوَ يطْلب ليلته الْحجَج فَلَمَّا أصبح دخل على مُعَاوِيَة وَجَاء الْحسن رَضِي الله عَنهُ فحياه مُعَاوِيَة وَسَأَلَهُ عَن مبيته فَقَالَ خير مبيت وَأكْرم مستفاض فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ مَجْلِسه قَالَ ابْن الزبير لَوْلَا أَنَّك خوار فِي الْحَرْب غير مِقْدَام مَا سلمت الْأَمر لهَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة وَكنت لَا تحْتَاج إِلَى اختراق الْآفَاق وَقطع المفاوز تطلب معروفه وَتقوم بِبَابِهِ وَكنت حريُّاً أَلا تفعل ذَلِك وَأَنت ابْن عَليّ ونائبه ونجدته فَمَا أَدْرِي مَا الَّذِي حملك على ذَلِك ضعف رَأْي أم وهدة مخبر فَمَا أَظن لَك مخرجا من هَاتين الخليتين أما وَالله لَو استجمع لي مَا استجمع لَك لعَلِمت أَنِّي ابْن الزبير وَأَنِّي لَا أنكس عَن الْأَبْطَال وَكَيف لَا أكون كَذَلِك وجدتي صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَأبي الزبير جواري رَسُول الله وَأَشد النَّاس بَأْسا وَأكْرمهمْ حسبَاً فِي الْجَاهِلِيَّة وألوطهم برَسُول الله فَالْتَفت إِلَيْهِ الْحسن وَقَالَ أما وَالله لَوْلَا أَن بني أُميَّة تنسبني إِلَى الْعَجز عَن الْمقَال لكففت عَنْك تهازيَاً وَلَكِن سأبين ذَلِك لتعلم أَنِّي لست بالعي وَلَا الكليل اللِّسَان إيَّايَ تعير وَعلي تفتخر وَلم يكن لجدك بَيت فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا مكرمَة فَزَوجهُ جدي صَفِيَّة فتفاخر على جَمِيع الْعَرَب بهَا وَشرف بمكانتها فَكيف تفاخر من هُوَ من القلادة واسطتها وَمن الْأَشْرَاف سادتها نَحن أكْرم أهل الأَرْض لنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 الشّرف الثاقب وَالْكَرم الْغَالِب ثمَّ تزْعم أَنِّي سلمت الْأَمر فَكيف يكون وَيحك كَذَلِك وَأَنا ابْن أَشْجَع الْعَرَب وَقد ولدتني فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين لم أفعل وَيحك ذَلِك جببنا وَلَا ضعفا وَلكنه بايعني مثلك وَهُوَ يطلبني بترة ويداجيني الْمَوَدَّة فَلم أَثِق بنصرته لأنكم أهل بَيت غدر وَكَيف لَا يكون كَمَا أَقُول وَقد بَايع أَبوك أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ نكث بيعَته ونكص على عقيبة واختدع حشية من حشايا رَسُول الله ليضل بهَا النَّاس فَلَمَّا خلف إِلَى الأعنة قتل بمضيعة لَا نَاصِر لَهُ وأتى بك أيسرا وَقد وَطئتك الكماة بأظلافها وَالْخَيْل بسنابكها واعتلاك الأشتر فغصصت بريقك وأقيعت على عقبيك كَالْكَلْبِ إِذا احتوشته الليوث فَنحْن وَيحك نور الْبِلَاد وملاكها وبنا يفتخر الْأَئِمَّة وإلينا تلقى مقاليد الأزمة أتصول وَأَنت بمختدع الشَّاء ثمَّ أَنْت تفتخر على بني الْأَنْبِيَاء لم تزل الْأَقَاوِيل منا مَقْبُولَة وَعَلَيْك وعَلى أَبِيك مَرْدُودَة دخل النَّاس فِي دين جدي طائعين وكارهين ثمَّ بَايعُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسَارُوا إِلَى أَبِيك وَطَلْحَة حِين نَكثا الْبيعَة وخدعا عرس رَسُول الله فَقتل أَبوك وَطَلْحَة وأتى بك أسيرَاً فبصبصت بذنبك وَنَاشَدْته الرَّحِم أَلا يقتلك فَعَفَا عَنْك فَأَنت عتاقة أبي وَأَنا سيدك وَسيد أَبِيك فذق وبال أَمرك فَقَالَ ابْن الزبير اعذرنا يَا أَبَا مُحَمَّد فَإِنَّمَا حَملَنِي على محاورتك هَذَا وَأحب الإغراء بَيْننَا فَهَلا إِذْ جهلتُ أَمْسَكت عني فَإِنَّكُم أهل بيتَ سجيتكم الْحلم وَالْعَفو فَقَالَ الْحسن يَا مُعَاوِيَة انْظُر هَل أكيع عِنْد محاورة أحد وَيحك أَتَدْرِي من أَي شَجَرَة أَنا وَإِلَى من أَنْتَهِي انته قبل أَن أسمك بميسم تَتَحَدَّث بِهِ الركْبَان فِي الْآفَاق والبلدان فَقَالَ ابْن الزبير هُوَ لذَلِك أهل فَقَالَ مُعَاوِيَة فَلَا أَرَاك تفتخر على أحد بعْدهَا وَاسْتَأْذَنَ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا على مُعَاوِيَة فَأذن لَهُ وَعِنْده عبد الله بن جَعْفَر وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَلَمَّا أقبل قَالَ عَمْرو قد جَاءَكُم الأقدُّ العييُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 الَّذِي كَأَن بَين لحييْهِ عبلة فَقَالَ عبد الله بن جَعْفَر مَه فوَاللَّه لقد رمت صَخْرَة ململمة تنحط عَنْهَا السُّيُول وتقصر دونهَا الوعول وَلَا تبلغها السِّهَام فإياك وَالْحسن إياك فَإنَّك لَا تزَال راتعاً فِي لحم رجل من قُرَيْش وَلَقَد رميت فَمَا برح سهمك وقدحت فَمَا أورى زندك فَسمع الْحسن الْكَلَام فَلَمَّا أَخذ النَّاس مجَالِسهمْ قَالَ الْحسن يَا مُعَاوِيَة لَا يزَال عنْدك عبدا راتعاً فِي لُحُوم النَّاس أما وَالله لَئِن شِئْت لَيَكُونن بَيْننَا مَا تتفاقم فِيهِ الْأُمُور وتحرج مِنْهُ الصُّدُور ثمَّ أنشأ يَقُول من // (الوافر) // (أتأْمُرُ يَا معاويَ عَبْدَ سهمٍ ... بشتْمِي والملا مِنَّا شهودُ) (إِذا أخذَتْ مجالسَهَا قريشٌ ... فقدْ عامَتْ قريشٌ مَا تريدُ) (قَصَرتْ إليَّ تَشْتِمني سفاهاً ... لضغْنٍ مَا يزولُ وَمَا يبيدُ) (فَمَا لَكَ مِنْ أبٍ كَأبي تسامي ... بِهِ مَنْ قد تسامي أَو تكيدُ) (وَلَا جَدُّ كجدِّي يَابْنَ هندٍ ... رسولُ الله إِن ذكِر الجدودُ) (وَلَا أمِّ كأمي مِنْ قريشٍ ... إِذا مَا حُصِّلَ الحسبُ التليدُ) (فَمَا مِثْلِي تهكّم يابنَ هنْدٍ ... وَلَا مثلي تُجَارِيهِ العبيدُ) (فمهلا لَا تَهِجْ مني أمورَاً ... يشيبُ لَهَا مُعَاوِيَة الوليدُ) وَذكروا أَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ لمعاوية ذَات يَوْم ابْعَثْ إِلَى الْحسن بن عَليّ فمره أَن يخْطب فَلَعَلَّهُ أَن يحصر فَيكون ذَلِك مِمَّا يعير بِهِ فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فأصعده الْمِنْبَر وَقد جمع لَهُ النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس من عرفني فَأَنا الَّذِي يعرف وَمن لم يعرفنني فَأَنا الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب ابْن عَم النَّبِي أَنا ابْن البشير النذير السراج الْمُنِير أَنا ابْن من بعث رَحْمَة للْعَالمين وسخطاً على الْكَافرين أَنا ابْن من بعث إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس أَنا ابْن المستجاب الدعْوَة أَنا ابْن الشَّفِيع المطاع أَنا ابْن أول من ينفض رَأسه من التُّرَاب أَنا ابْن أول من يقرع بَاب الْجنَّة أَنا ابْن من قَاتَلت مَعَ الْمَلَائِكَة نصر بِالرُّعْبِ من مسيرَة شهر فافتن فِي هَذَا الْكَلَام وَلم يزل حَتَّى أظلمت الدُّنْيَا غلى مُعَاوِيَة فَقَالَ يَا حسن قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 كنت ترجو أَن تكون خَليفَة وَلست هُنَاكَ فَقَالَ الْحسن إِنَّمَا الْخَلِيفَة من سَار بسيرة نَبِي الله وَعمل بِطَاعَة الله تَعَالَى وَلَيْسَ الْخَلِيفَة من دَان بالجور وعطل السّنَن وَاتخذ الدُّنْيَا أَبَا وَأما وَلَكِن ذَاك ملك أصَاب ملكا تمتّع بِهِ قَلِيلا وَكَانَ قد انْقَطع عَنهُ فتعجل لذته وَبقيت عَلَيْهِ تَبعته فَكَانَ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} الْأَنْبِيَاء 111 ثمَّ انْصَرف فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو وَالله مَا أردْت إِلَّا هتكي مَا كَانَ أهل الشَّام يرَوْنَ أَن أحدا مثيلي حَتَّى سمعُوا من الْحسن مَا سمعُوا وَقدم عَلَيْهِ مرّة أُخْرَى فَوجدَ عِنْده عَمْرو بن الْعَاصِ ومروان بن الحكم والمغيرة بن شُعْبَة وصناديد قومه ووجوه أهل الْيمن وَأهل الشَّام فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ مُعَاوِيَة وثب وَأَقْعَدَهُ على سَرِيره وَأَقْبل عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ يُرِيد السرُور بمقدمه فَلَمَّا نظر مَرْوَان إِلَى ذَلِك حسده وَكَانَ مُعَاوِيَة قد قَالَ لَهُم لَا تحاوروا هذَيْن الرجلَيْن يَعْنِي الْحسن وَابْن عَبَّاس فَلَقَد قلداكم الْعَار وفضحاكم عِنْد أهل الشَّام فَقَالَ مَرْوَان يَا حسن لَوْلَا صلَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا قد بني لَهُ آباؤه الْكِرَام من الْمحل والْعَلَاء مَا أقعدك هَذَا المقعد ولقتلك وَأَنت لَهُ مستوجب بقودك الجماهير فَلَمَّا أحسست بِنَا وَعلمت أَن لَا طَاقَة لَك بفرسان أهل الشَّام وصناديد بني أُميَّة أذعنت بِالطَّاعَةِ واحتجزت بالبيعة وَبعثت تطلب الْأمان أما وَالله لَوْلَا ذَاك لأريق دمك وَعلمت أَنا نعطي السيوف حَقّهَا عِنْد الوغى فاحمد الله تَعَالَى إِذا ابتلاك بِمُعَاوِيَة فَعَفَا عَنْك ثمَّ صنع بك مَا ترى فَنظر إِلَيْهِ الْحسن فَقَالَ وَيحك يَا مَرْوَان لقد تقلدت مقاليد الْعَار فِي الحروب عِنْد مشاهدتها والمحاولة عِنْد مخالطتها نَحن هبلتك الهوابل لنا الْحجَج البوالغ وَلنَا إِن شكرتم عَلَيْكُم النعم السوابغ ندعوكم إِلَى النجَاة وتدعوننا إِلَى النَّار فشتان مَا بَين المنزلتين تَفْخَر ببني أُميَّة وتزعم أَنهم صُبر فِي الحروب أَسد عِنْد اللِّقَاء ثكلتك أمك أُولَئِكَ البهاليل السَّادة والحماة القادة بَنو عبد الْمطلب أما وَالله لقد رَأَيْتهمْ وَجَمِيع من فِي هَذَا الْبَيْت مَا هالتهم الْأَهْوَال وَلم يحيدوا عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 الْأَبْطَال كالليوث الضارية الباسلة الْخفية فَعندهَا وليت هَارِبا وَأخذت أَسِيرًا فقلدت قَوْمك الْعَار لِأَنَّك فِي الحروب خوار أيراق دمي زعمت أَفلا أرقت دم من وثب على عُثْمَان فِي الدَّار فذبحه كَمَا يذبح الْجمل وَأَنت تغثو ثُغَاء النعجة وتناديْ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور كالأمة اللكعاء أَلا دافعت عَنهُ بيد أَو ناضلت عَنهُ بِسَهْم لقد ارتعدت فرائضك وَغشيَ بَصرك فاستغثت بِي كَمَا يستغيث العَبْد بربه فأنجيتك من الْقَتْل ومنعتك مِنْهُ ثمَّ تحث مُعَاوِيَة على قَتْلِي وَلَو رام ذَلِك مَعَك لذبح كَمَا ذبح ابْن عَفَّان أَنْت مَعَه أقصر يدا وأضيق باعاً وأجبن قلباً أَن تجسرا على ذَلِك ثمَّ تزْعم أَنِّي ابْتليت بحلم مُعَاوِيَة أما وَالله لَهو أعْرَف بِشَأْنِهِ وأشكر لما وليناه هَذَا الْأَمر فَمَتَى بدا لَهُ فَلَا يغضى جفْنه القذى الَّذِي مَعَك فوَاللَّه مَعَك فوَاللَّه لألحقن بِأَهْل الشَّام بِجَيْش يضيق عَنهُ فضاؤها ويستأصل فرسانها ثمَّ لَا ينفعك عِنْد ذَلِك الْهَرَب والروغان وَلَا ترد عَنْك الطّلب يذرعك فِي الْكَلَام فَنحْن من لَا نجهل آباؤن القدماء الأكابر وفروعنا السَّادة الأخيار وانطق إِن كنت صَادِقا فَقَالَ عَمْرو ينْطق بالخنا وتنطق بِالصّدقِ ثمَّ أنشأ يَقُول من // (من الْبَسِيط) //) قد يَضْطر "ُ العيرُ والمكواةُ تأخذُهُ ... ويضرطُ العيرُ والمكواةُ فِي النارِ) ذُقْ وبال أَمرك يَا مَرْوَان وَأَقْبل عَلَيْهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ قد نهيتك عَن هَذَا الرجل فَأَنت تأبى إِلَّا انهماكاً فِيمَا لَا يَعْنِيك أَربع على نَفسك فَلَيْسَ أَبوك كأبيه وَلَا أَنْت مثله أَنْت ابْن الطريد الشريد وَهُوَ ابْن رَسُول الله الْكَرِيم فَقَالَ ارْمِ من دون قبضتك وقم بِحجَّة عشيريك ثمَّ قَالَ مَرْوَان لعَمْرو طعنك أَبوهُ فوقيت نَفسك بخصيتك فَلذَلِك تحذره وَقَامَ مغضباً فَقَالَ مُعَاوِيَة لَا تحاور البحور فتغمرك وَلَا الْجبَال فتبهرك واسترح من الِاعْتِذَار وَلَقي عَمْرو بن الْعَاصِ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الطّواف فَقَالَ لَهُ يَا حسن أزعمت أَن الدبن لَا يقوم إِلَّا بك وبأبيك فقد رَأَيْت الله عز وَجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 أَقَامَهُ بِمُعَاوِيَة فَجعله رأسَاً بعد ميله وَبَينا بعد خفائه أفرضي الله قتل عُثْمَان أم من الْحق أَن تَدور بِالْبَيْتِ كَمَا يَدُور الْحمار بالطحين عَلَيْك ثِيَاب كغرفئ الْبيض وَأَنت قَاتل عُثْمَان وَالله إِن لألم للشعت وأسهل للوعث أَن يوردك مُعَاوِيَة حِيَاض أَبِيك فَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ إِن لأهل النَّار عَلَامَات يعْرفُونَ بهَا وَهِي الْإِلْحَاد لأولياء الله تَعَالَى والمولاة لأعداء الله تَعَالَى الله إِنَّك لتعلم أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يرتب فِي الْأَمر وَلم يشك فِي الله طرفَة عين وَايْم الله لتنتهين يَا بن أم عَمْرو أَو لأقرعن جبينك بِكَلَام تبقى سمته عَلَيْك مَا حييت فإياك والإنزال عَليّ فَإِنِّي مَنْ قد عرفت لست بضعيف الغمرة وَلَا بهش المشاشة وَلَا بمرئ المأكلة وَإِنِّي من قُرَيْش فِي وسط القلادة يُعرف حسبي وَلَا أَدعِي لغير أبي وَقد تحكمت فِيك قُرَيْش فغلب عَلَيْك ألأمهم نسبا وعظمهم لعنة فإياك عني فَإنَّك رِجْس وَإِنَّمَا نَحن هَل بَيت الطَّهَارَة أذهب الله عَنَّا الرجس وَطَهِّرْنَا تَطْهِيرا وَقيل وَاجْتمعَ مرّة أُخْرَى بالْحسنِ فَقَالَ الْحسن قد علمت قُرَيْش بأسرها أَنِّي مِنْهَا فِي عز أرومتها لم أطلع على ضعف وَلم أعكس على خسف أعرف بشبهي وأدع لأبي فَقَالَ عَمْرو قد علمت قُرَيْش أَنَّك من أقلهَا عقلاَ وأكثرها جهلاَ وَإِن فِيك خِصَالًا لَو لم يكن مِنْهَا إِلَّا وَاحِدَة لشملك خزيها كَمَا شَمل الْبيَاض الحلك وَالله لتنبهين عَمَّا أَرَاك تصنع أَو لألبسن لَك حافة كَجلْد العائط أرميك من خللها بِأخذ من وَقع الأثافي أغرك مِنْهَا أديمك عَرك السلقة مَا لَك طالما ركبت صَعب المنحدر وَنزلت غي عراص الوعر التماساً للفرقة وارتصاداً للفتنة وَلنْ يزيدك الله تَعَالَى فِيهَا إِلَّا ضياعة فَقَالَ الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أما وَالله لَو كنت تسمو بحسبك وتعمل بِرَأْيِك مَا سلكت فج قصد وَلَا حللت رابية مجد وليم الله لَو أطعني مُعَاوِيَة فجعلك بِمَنْزِلَة الْعَدو الْكَاشِح فَإنَّك طالما طويت على هَذَا كشحك وأخفيته فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 صدرك وطمح بك الرجا إِلَى الْغَايَة القصوى الَّتِي لَا يورق فِيهَا غصنك وَلَا يخضر بهَا مرعاك أما وَالله ليوشكن يَا ابْن الْعَاصِ أَن تقع بَين لحيي ضرغام من قُرَيْش فري مُمْتَنع فروس ذِي لبد يضغطك ضغط الرَّحَى للحب لَا ينجيك مِنْهُ الروغان إِذا الْتفت حلقتا البطان انْتهى وَذكر هَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى المحسن والمساوئ وَكَانَ لرجل على أبي عَتيق مَال فتقاضاه فَقَالَ أَبُو عَتيق ائْتِنِي العشية فِي مجْلِس كَذَا فسلني عَن بَيت قُرَيْش فَأَتَاهُ الْغَرِيم فِي ذَلِك الْمجْلس وَفِيه وُجُوه قُرَيْش وَالْحسن بن عَليّ فَقَالَ الغلايم يَا أَبَا عَتيق إِنَّا تلاحينا فِي بَيت قُرَيْش ورضينا بك حكما فَقَالَ آل حَرْب فَقَالَ الْغَرِيم ثمَّ من فَقَالَ آل أبي الْعَاصِ فشق ذَلِك على الْحسن فَقَالَ الْغَرِيم فَأَيْنَ بَنو عبد الْمطلب فَقَالَ لم أكن أَظن أَن تَسْأَلنِي عَن غير بَيت الْآدَمِيّين فَأَما إِذْ صرت تَسْأَلنِي عَن بَيت الْمَلَائِكَة وَعَن رَسُول رب الْعَالمين وَسيد كل شَهِيد والطيار مَعَ الْمَلَائِكَة فَمن يسامي هَؤُلَاءِ فخراً إِلَّا وَهُوَ مُنْقَطع دونهم فانجلي عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ ثمَّ قَالَ لأبي عَتيق إِنِّي لأحسب أَن لَك حَاجَة قَالَ نعم يَا بن رَسُول الله لهَذَا عَليّ كَذَا وَكَذَا فاحتملها عَنهُ وَوَصله بِمِثْلِهَا وَذكروا أَن رجلَيْنِ أَحدهمَا من بني هَاشم وَالْآخر من بني أُميَّة قَالَ هَذَا قومِي أسمح وَقَالَ هَذَا قومِي أسمح قل فاسأل أَنْت عشرَة من قَوْمك وأسأل أَنا عشرَة من قومِي فَانْطَلق صَاحب بني أمبة فَسَأَلَ عشرَة فَأعْطَاهُ كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة آلَاف دِرْهَم وأتى صَاحب بني هَاشم إِلَى الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَأمر لَهُ بِمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم ثمَّ أَتَى الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ هَل بدأت بِأحد قبلي قَالَ بدأت بأخيك الْحسن فَقَالَ مَا أَسْتَطِيع أَن أَزِيد على سَيِّدي فَأعْطَاهُ مائَة وَخمسين ألف دِرْهَم فجَاء صَاحب بني أُميَّة يحمل مائَة ألف من عشرَة أنفس وَجَاء صَاحب بني هَاشم يحمل ثَلَاثمِائَة ألف من نفسين فَغَضب صَاحب بني أُميَّة فَردهَا عَلَيْهِم فقبلوها وَجَاء صَاحب بني هَاشم فَردهَا عَلَيْهِمَا فأبيا أَن يقبلاها وَقَالا مَا كُنَّا نبالي أَخَذتهَا أم ألقيتها فِي الطَّرِيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الباقر جَاءَ رجل إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فاستعان بِهِ فِي حَاجَة فَوَجَدَهُ معتكفاً فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَذهب إِلَى أضيه الْحسن فاستعان بِهِ فَقضى حَاجته وَكن معتكفاً وَقَالَ لَقَضَاءُ حَاجَة أخٍ لي فِي الله عز وَجل أحب إليَ من اعْتِكَاف شهر وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ كثير التَّزْوِيج فَكَانَ لَا تُفَارِقهُ أَربع حرائر وَكَانَ مطلاقاً مُصدقا وَكَانَ أَبوهُ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه يَقُول يَا أهل الْكُوفَة لَا تزوجوه فَإِنَّهُ مطلاق فَيَقُولُونَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو خطب إِلَيْنَا كل يَوْم زوجناه منا ابْتِغَاء فِي صهر رَسُول الله وَرَأى الْحسن فِي مَنَامه كَأَن مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ {قُل هُوَ اَللَهُ أَحَد} الْإِخْلَاص 1 فَبلغ ذَلِك سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِن كَانَ رأى هَذِه الرُّؤْيَا فَقل مَا بَقِي من أَجله فَلم يلبث الْحسن بن عَليّ بعد ذَلِك إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ وَقد أوصى أَخَاهُ الْحُسَيْن أَلا يطْلب الْخلَافَة ورغبه فِي الزّهْد فِي الدُّنْيَا والعزوف عَنْهَا إِلَى غير ذَلِك من وَصَايَا كَثِيرَة قَالَ فِي آخرهَا أَبى الله أَن يَجْعَل فِينَا أهل الْبَيْت مَعَ النُّبُوَّة الْخلَافَة وَالْملك وَالدُّنْيَا فإياك وسفهاء أهل الْكُوفَة أَن يستخفوك فيخرجوك فتندم حَيْثُ لَا ينفعك النَّدَم ثمَّ رفع طرفه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحتسب نَفسِي عنْدك فَإِنِّي لم أصب بِمِثْلِهَا فَارْحَمْ صرعتي وآنس فِي الْقَبْر وَحْدَتي وَأَقل عثرتي يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي المروج عَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ دخل أبي الْحُسَيْن على عمي الْحسن حدثان مَا سقى السم فَقَامَ عمي الْحسن لقَضَاء الْحَاجة ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لقد سقيت السم عدَّة مَرَّات فَمَا سقيت مثل هَذِه وَلَقَد لفظت طَائِفَة من كَبِدِي فرأيتني أنكثه بِعُود فِي يَدي فَقَالَ لَهُ أبي يَا أخي من سقاك قَالَ لَهُ وَمَا تُرِيدُ من ذَلِك فَإِن كَانَ الَّذِي أَظن فَالله حسيبه وَإِن كَانَ غَيره فَمَا أحب أَن يُؤْخَذ بِي بريءٌ فَلم يلبث أَن توفّي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذكر بِأَن امْرَأَته جعدة بنت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ قد بعث إِلَيْهَا يزِيد إِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 احتلت فِي قتل الْحسن وجهت إِلَيْك مائَة ألف دِرْهَم وتزوجتك فَكَانَ هَذَا الَّذِي بعثها على سَمِّه فَلَمَّا مَاتَ وفى لَهَا بِالْمَالِ وَأرْسل إِلَيْهَا إِنَّا لم نرضك لِلْحسنِ فَكيف نرضاك لأنفسنا وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك وَقَالَ الشَّاعِر النَّجَاشِيّ وَكَانَ من شيعَة عَليّ فِي شعر طَوِيل يرثيه بِهِ مِنْهُ قَوْله من // (السَّرِيع) // (حَعْدَة ابكِيهِ وَلَا تَسْأَمي ... جعد بكاء الْمعول الثاكلِ) (لم تسلبي السَّتْر على مثُلِهِ ... فِي الأرضِ مِنْ حافٍ وَمن ناعلِ) وَقَالَ آخر من // (المتقارب) // (تعَزّ فكَمْ لكَ من سالفٍ ... يفرخُ عَنْك عليلَ الحزَنْ) (بموتِ النبيِّ وقتْلِ الوصيِّ ... وقَتْلِ الحُسَيْنِ وسمِّ الحَسَنْ) وَكَانَت وَفَاته لخمس خلون من ربيع الأول سنة خمسين وَقيل اثْنَتَيْنِ وَخمسين من الْهِجْرَة وَدفن بِالبَقِيعِ فِي قبَّة عَمه الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَلما دفن وقف مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة أَخُوهُ على قَبره فَقَالَ لَئِن عزت حياتك فقد هزت وفاتك ولنعم الرّوح روح تضمنها كفنك ولنعم الْكَفَن كفن تضمنه بدنك وَكَيف لَا يكون هَذَا وَأَنت عضيد الْهدى وعتيد التوى وَخلف أهل التقى وخامس أهل لكسا غذتك بالتقوى أكف الْحق وأرضعتك ثدي الْإِيمَان وربيت فِي حجر الْإِسْلَام فطب حَيا وَمَيتًا وَإِن كَانَت أَنْفُسنَا غير سخية بِفِرَاقِك رَحِمك الله أَبَا مُحَمَّد ثمَّ تمثل بقول الْقَائِل من // (الطَّوِيل) // (أأدهُنُ رَأْسِي أم تطيبُ مجالسي ... وخدّكَ معفورٌ وأنتَ سليبُ) (سأبكيكَ مَا ناحَ الحمامُ بأيكةٍ ... وَمَا اخضَرَّ فِي أرضِ الحجازِ قضيبُ) (غريبٌ وأكنافُ الحجازِ تحوطُهُ ... ِألا كُلُّ مَا تحتَ الترابِ غريبُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 كَانَ رَضِي الله عَنهُ قد أوصى إِلَى أَخِيه الْحُسَيْن أَن يدفنه مَعَ جده رَسُول الله إِن وجد إِلَى ذَلِك سبيلاَ فَإِن منعت فادفني بِالبَقِيعِ فَلَمَّا مَاتَ لبس الْحُسَيْن ومواليه السِّلَاح وَخَرجُوا بِهِ ليدفنوه فَخرج مَرْوَان بن الحكم فِي موَالِي بني أُميَّة وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَامل الْمَدِينَة لمعاوية ليمنعه فَخرج أَبُو هُرَيْرَة فَرده الْحُسَيْن وَأقسم عَلَيْهِ فَذهب بالْحسنِ فَدفن بِالبَقِيعِ فِي قبر قبَّة الْعَبَّاس وَدفن فِي هَذَا الْقَبْر أَيْضا عَليّ زين العابدين وَابْنه مُحَمَّد الباقر وَابْنه جَعْفَر الصَّادِق فهم أَرْبَعَة فِي قبر وَاحِد أكْرم بِهِ قبرَاً وَفِي ذكرى أَنه دفن فِيهِ أيضَاً رَأس الْحُسَيْن أَتَى بِهِ من دمشق فَدفن وَالله أعلم وَمَشى مَرْوَان فِي جَنَازَة الْحسن وَبكى فَقيل لَهُ أَتَبْكِي عَلَيْهِ وَقد كنت تفعل بِهِ مَا تفعل فَقَالَ كنت أفعل ذَلِك مَعَ من هُوَ أعظم من هَذَا وَأَشَارَ إِلَى جبل أحد (صفته رَضِي الله عَنهُ) كَانَ أَبيض اللَّوْن مشرباً بالحمرة أدعج الْعَينَيْنِ سهل الْخَدين دَقِيق المسربة ذَا وقرة كَأَن عُنُقه إبريق فضَّة عَظِيم الكراديس بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ ربعَة من أحسن النَّاس وَجها كَانَ أشبه النَّاس برَسُول الله من تَحت الصَّدْر إِلَى الرَّأْس عمره سبع وَأَرْبَعُونَ سنة وَقيل ثَمَان وَأَرْبَعُونَ كَانَ مِنْهَا مَعَ جده رَسُول الله سبع سِنِين وَمَعَ أَبِيه عَليّ بعد وَفَاة رَسُول الله ثَلَاثِينَ سنة وعاش بعد وَفَاة أَبِيه عَليّ كرم الله وَجهه إِلَى حِين وَفَاته رَضِي الله عَنهُ عشر سِنِين مُدَّة خِلَافَته مِنْهَا سِتَّة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام أَوْلَاده تِسْعَة عشر ولدَاً تِسْعَة ذُكُور الْحسن وَزيد وحسين الْأَثْرَم وَعبد الله وَأَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن وَالقَاسِم وَطَلْحَة وَعمر قَالَه البلاذري وَذكر الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي ذخائر العقبى نقلا عَن الدولابي أَنهم خَمْسَة الْحسن وَزيد وَعبيد الله وَعمر وَإِبْرَاهِيم وَعَن أبي بكر بن الدارع أَنهم أحد عشر ذكرَاً وَبنت عبد الله الْقَاسِم وَالْحسن وَزيد وَعمر وَعبيد الله وَعبد الرَّحْمَن وَأحمد وَإِسْمَاعِيل وَالْحُسَيْن وَعقيل وَالْأُنْثَى أم الْحسن وعَلى كل الرِّوَايَات الْعقب مِنْهُ فِي رجلَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 فَقَط هما زيد وَالْحسن الْمثنى وَكَانَ قد أعقب أَيْضا من الْحُسَيْن الْأَثْرَم وَعمر لَكِن انقرض عقبهما فَلم يبْق لِلْحسنِ السبط إِلَّا من هذَيْن الشخصين الْحسن الْمثنى وَزيد ابْني الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 (لمقصد الرَّابِع وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الدولة الأموية) لَا يخفى أَنه كَانَ لنَبِيّ عبد منَاف فِي قُرَيْش مَحل من الْعدَد والشرف لَا يناهضهم فِيهِ أحد من بطُون قُرَيْش وَكَانَ فخذاهم بَنو أُميَّة وَبَنُو هَاشم حَيا جَمِيعًا يباهون بِعَبْد منَاف وينتمون إِلَيْهِ وَجَمِيع قُرَيْش تعرف ذَلِك وتسلم لَهما الرياسة عَلَيْهِمَا إِلَّا أَن بني أُميَّة كَانُوا أَكثر عددَاً من بني هَاشم وأوفر رجَالًا والعزة إِنَّمَا هِيَ بِالْكَثْرَةِ قَالَ الشَّاعِر من // (السَّرِيع) // (وَلَسْتَ بِالأًكْثَرِ مِنْهُمْ حَصَى ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ) وَكَانَ لَهُم قبل الْإِسْلَام شرف مَعْرُوف انْتهى إِلَى حَرْب بن أُميَّة وَكَانَ رئيسهم يَوْم حَرْب الْفجار الأول وَالثَّانِي وَقد تقدم ذكره فِي سيرته وَقد روى أَن قُريْشًا تواقعوا ذَات يَوْم وَحرب مُسْند ظَهره إِلَى الْكَعْبَة فتبادر إِلَيْهِ غلمة مِنْهُم ينادون يَا عَم أدْرك قَوْمك فَقَامَ يجر إزَاره حَتَّى أشرف عَلَيْهِم من بعض الروابي ولوح بِطرف ثَوْبه إِلَيْهِم أَن تَعَالَوْا فتبادرت الطائفتان إِلَيْهِ بعد أَن كَانَ حَمِيَ وطيسهم وَكَانَ إِذا مر مَعَ أَشْرَاف قُرَيْش فوصلوا إِلَى ثنية أَو حلق ربع لم يتقدمه أحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام ودهش النَّاس لما وَقع من أَمر النُّبُوَّة وَالْوَحي وتنزل الْمَلَائِكَة وَمَا وَقع من خوارق الْأُمُور نسي النَّاس أَمر العصبية مسلمهم وكافِرهم أما الْمُسلمُونَ فنهاهم الْإِسْلَام عَن أُمُور الْجَاهِلِيَّة كَمَا فِي الحَدِيث الشريف إِن الله أذهب عَنْكُم حمية الْجَاهِلِيَّة وَفَخْرهَا لأَنا وَأَنْتُم بَنو آدم مآدم من تُرَاب وَأما الْمُشْركُونَ فشغلهم ذَلِك الْأَمر الْعَظِيم عَم أَمر العصائب وذهلوا عَنهُ حينا من الدَّهْر وَلذَلِك افترق أَمر بني أُميَّة وَبني هَاشم بِالْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك الِافْتِرَاق بحصار بني هَاشم فِي الشّعب لَا غير وَلم يَقع كَبِير فتْنَة لأجل نِسْيَان العصبيات والذهول عَنْهَا بِالْإِسْلَامِ حَتَّى كَانَت الْهِجْرَة وَشرع الْجِهَاد وَلم تبْق إِلَّا العصبية الطبيعية الَّتِي لَا تفارق وَهِي نفرة الرجل على أَخِيه وجاره فِي الْقَتْل والعدوان عَلَيْهِ فَهَذِهِ لَا يذهبها شَيْء وَلَا هِيَ محظورة بل هِيَ مَطْلُوبَة ونافعة فِي الْجِهَاد وَالدُّعَاء إِلَى الدّين كَذَا فِي تَارِيخ ابْن خلدون قلت قَوْله وَلم تبْق إِلَّا العصبية الطبيعية إِلَى آخِره صَحِيح لَا شكّ فِيهِ مصداقه قَول صَفْوَان بن أُميَّة عِنْدَمَا انْكَشَفَ الْمُسلمُونَ يَوْم حنين إِذْ قَالَ وَهُوَ إِذْ ذَاك مُشْرك فِي الْمدَّة الَّتِي جعلهَا رَسُول الله لَهُ مهلة ليسلم بعْدهَا حِين استمهله تِلْكَ فِي الْإِسْلَام وَفِي حفطي أَنه طلب مُدَّة شهر فَأعْطَاهُ رَسُول الله مهلة شَهْرَيْن فَخرج مَعَه إِلَى حنين لِأَخِيهِ لما سَمعه يَقُول أَلا بَطل السحر لَا يرد اربها إِلَّا الْبَحْر بِفِيكَ الكثكث لِأَن يربنِي رجل من قُرَيْش خير لي من أَن يربنِي رجل من هوزان رئيسهم مَالك بن عَوْف فَلَا باعث لَهُ على قَوْله ذَاك إِلَّا العصبية الطبيعية لِقَوْمِهِ قُرَيْش على هوزان ثمَّ إِن شرف بني عبد منَاف لم يزل فِي بني أُميَّة وَبني هَاشم فَلَمَّا هلك أَبُو طَالب وَهَاجَر بنوه مَعَ رَسُول الله وَحَمْزَة كَذَلِك ثمَّ بعده الْعَبَّاس وَالْكثير من بني عبد الْمطلب وَسَائِر بني هَاشم خلا الجو حِينَئِذٍ من مَكَان بني هَاشم بِمَكَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 واستغلظت رياسة بني أُميَّة فِي قُرَيْش ثمَّ استحلمت مشيخة قُرَيْش من سَائِر الْبُطُون يَوْم بدر وَهلك فِيهَا عُظَمَاء من بني عبد شمس عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة وَعتبَة بن أبي معيط وَغَيرهم فاستقل أَبُو سُفْيَان بن حَرْب بشرف بني أُميَّة والتقدم فِي قُرَيْش وَكَانَ رئيسهم يَوْم أحد وَقَائِدهمْ يَوْم الْأَحْزَاب وَهِي وقْعَة الخَنْدَق وَلما كَانَ الْفَتْح قَالَ الْعَبَّاس وَكَانَ صديقا لأبي سُفْيَان للنَّبِي يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ ذكرا غَدا وَكَانَ ذَلِك لَيْلَة دُخُول مَكَّة فَقَالَ النَّبِي من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن ثمَّ مَن على قُرَيْش بعد أَن ملكهم يَوْمئِذٍ وَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الطُلَقَاءُ ثمَّ أسلمت مشيخة قُرَيْش بعد ذَلِك وَشَكتْ مشيخة قُرَيْش إِلَى أبي بكر مَا وجدوا فِي أنفسهم من التَّخَلُّف عَن رُتْبَة الْمُهَاجِرين لأولين وَمَا بَلغهُمْ من كَلَام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي تَركه شوراهم فَاعْتَذر إِلَيْهِم أَبُو بكر وَقَالَ أدركوا إخْوَانكُمْ بِالْجِهَادِ وأنفذهم لِحَرْب أهل الرِّدَّة فَأحْسنُوا الْغناء فِي الْإِسْلَام وقَوَّموا الْأَعْرَاب عَن الجنف والميل ثمَّ لما ولي عمر رمى بهم الرومَ وَفَارِس وأوعبت قُرَيْش فِي النفير إِلَى الشَّام وَكَانَ معظمهم هُنَالك وَاسْتعْمل يزِيد بن أبي سُفْيَان على الشَّام وَطَالَ أمد ولَايَته إِلَى أَن هلك فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة فولي عمر مَكَانَهُ أَخَاهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فأقره عُثْمَان بعد عمر فاتصلت رياستهم على قُرَيْش فِي الْإِسْلَام برياستهم قبيل الْفَتْح الَّتِي لم تحل صبغتها وَلَا نسي عهدها أَيَّام شغل بني هَاشم بِأَمْر النُّبُوَّة وتبدد الدُّنْيَا من أَيْديهم بِمَا اعتاضوا عَنْهَا من مُبَاشرَة الْوَحْي وَشرف الْقرب من الله تَعَالَى بِرَسُولِهِ وَمَا زَالَ النَّاس يعْرفُونَ ذَلِك لبني أُميَّة وَانْظُر مقَالَة حَنْظَلَة بن زِيَاد الْكَاتِب لمُحَمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 ابْن أبي بكر إِن هَذَا الْأَمر إِن صَار إِلَى التغالب غلبك بَنو عبد منَاف وَلما هلك عُثْمَان وَاخْتلف النَّاس على عَليّ كَانَت عَسَاكِر عَليّ أَكثر عددَاً لمَكَان الْخلَافَة وَالْفضل إِلَّا أَنَّهَا من سَائِر القَبائل من ربيعَة ويمن وهمدان وخزاعة وَغَيرهم وحموع مُعَاوِيَة إِنَّمَا هِيَ جند الشَّام من قُرَيْش شَوْكَة مُضر وبأسهم نزلُوا بثغور الشَّام مُنْذُ الْفَتْح وَكَانَت عصبته أَشد وأمضَى شَوْكَة ثمَّ كسر من جَنَاحِ عَليّ كرم الله وَجهه مَا كَانَ من أَمر الْخَوَارِج وشغل بهم إِلَى أَن هلك وَاجْتمعَ النَّاس على الْحسن من بعده فحقن الدِّمَاء وَسكن النائرة وَدفع الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة وخلع نَفسه واتفقت الْجَمَاعَة على بيعَة مُعَاوِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 (خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان) قَالَ العلاَّمة ابْن خلدون الْحَضْرَمِيّ فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بالعِبَر وديوان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي أَخْبَار الْعَرَب والعجم والبربر كَانَ اتِّفَاق الْجَمَاعَة منتصف سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسمى ذَلِك الْعَام عَام الْجَمَاعَة عِنْدَمَا نسيث النَّاس النُّبُوَّة والخوارق وَرَجَعُوا إِلَى أَمر العصبية والتغالب وَتعين بَنو أُميَّة للغلب على مُضر وَسَائِر الْعَرَب وَمُعَاوِيَة يَوْمئِذٍ كَبِيرهمْ فَلم تتعده الْخلَافَة وَلَا ساهمه فِيهَا غَيره واستوت قدمه واستفحل شَأْنه واستحكمت فِي مُضر رياسته وتوثق عَهده وَأقَام فِي سُلْطَانه وخلافته عشْرين سنة ينْفق من بضَاعَة السياسة الَّتِي لم يكن أحد من قومه أوفر مِنْهُ فِيهَا يدامل أهل الترشيح من ولد فَاطِمَة وَبني هَاشم وَآل الزبير وأمثالهم ويصانع رُءُوس الْعَرَب وقرون مُضر بالإغضاء وَالِاحْتِمَال وَالصَّبْر على الْأَذَى وَالْمَكْرُوه وَكَانَت غَايَته فِي الْحلم لَا تدْرك وَعَصَاهُ لَا تقرع ومرقاته فِيهِ تزل عَنْهَا الأقدم مِنْهَا مَا روى أَنه مازح عدي بن حَاتِم يومَاً يؤنبه بِصُحْبَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ لَهُ عدي وَالله إِن الْقُلُوب الَّتِي أبغضناك بهَا لفي صدورنا وَإِن السيوف الَّتِي قَاتَلْنَاك بهَا لعلى عواتقنا وَلَئِن أدنيت إِلَيْنَا شبْرًا من الشَّرّ لندنين إِلَيْك من الشَّرّ باعا وَإِن حزم الْحُلْقُوم وحشرجة الحيزوم لأهونُ علينا من أَن نسْمع المساءة فِي عَليّ كرم الله تَعَالَى وَجهه السَّيْف يَا مُعَاوِيَة يبْعَث السَّيْف فَقَالَ مُعَاوِيَة هَذِه كَلِمَات حق فاكتبوها وَأَقْبل على عدي بالمقالة مُحدثا أمه هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة بن أُميَّة بن عبد شمس أسلمت يَوْم فتح مَكَّة وبايعت النَّبِي وَهُوَ على الصَّفَا وَعمر رَضِي الله عَنهُ دونه فَجَاءَتْهُ فِي نسْوَة من قُرَيْش يبايعن على الْإِسْلَام وَعمر رَضِي الله عَنهُ يكلمهن عَن رَسُول الله فَلَمَّا أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا قَالَت هِنْد قد علمنَا أَنه لَو كَانَ مَعَ الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 غَيره لأغنَى عَنَّا فَلَمَّا قَالَ وَلَا يَسْرِقن قَالَت لكنْ يَا رَسُول الله أَبُو سُفْيَان رجل مُمْسك وَرُبمَا أخذتُ من مَاله بِغَيْر علمه مَا يصلح وَلَده فَقَالَ لَهَا رَسُول الله خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ ثمَّ قَالَ أئنك لأَنْت هِنْد قَالَت نعم يَا رَسُول الله اعْفُ عني فَقَالَ عَفا الله عَنْك وَفِي رِوَايَة بعد قَوْلهَا نعم يَا رَسُول الله أَنه قَالَ لَهَا أأنتِ هِنْد أكالة الكبود فَقَالَت أَنَبِي حقود وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضرا فَلَمَّا قَالَ رَسُول الله وَلَا يَزْنِين قَالَت أتزني الْحرَّة يَا رَسُول الله فَلَمَّا قَالَ لَهَا وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ قَالَت وَالله رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا حَتَّى قَتلتهمْ أَنْت وَأَصْحَابك ببدر كبارًا قَالَ فَضَحِك عمر من قَوْلهَا حَتَّى مَال فَلَمَّا قَالَ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف قَالَت بِأبي أَنْت وَأمي مَا أكرمك وَأحسن مَا دَعَوْت إِلَيْهِ وَالله مَا قُمْت مقَامي هَذَا وَأَنا أضمر أَن أخالفك فِي شَيْء وروى عَن حميد بن وهب قَالَ كَانَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة قبل أبي سُفْيَان عِنْد الْفَاكِه بن الْمُغيرَة وَكَانَ من فتيَان قُرَيْش وَكَانَ لَهُ بَيت للضيافة تغشاه النَّاس من غير إِذن فَخَلا الْبَيْت ذَات يَوْم فَقَامَ الْفَاكِه وَهِنْد فِيهِ وَخرج لبَعض حاجاته وَأَقْبل رجل مِمَّن كَانَ يغشى ذَلِك الْبَيْت فولجه فَلَمَّا رأى الْمَرْأَة ولى هاربَاً فَأَبْصَرَهُ الْفَاكِه فَانْتهى إِلَيْهَا فَوَجَدَهَا رَاقِدَة فضربها بِرجلِهِ وَقَالَ من هَذَا الَّذِي كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 عنْدك قَالَت مَا رَأَيْت أحدا وَلَا انْتَبَهت حَتَّى أنبهتني فَقَالَ لَهَا الحقي بأهلك وَتكلم فِيهَا النَّاس فَخَلا بهَا أَبوهَا عتبَة بن ربيعَة فَقَالَ لَهَا يَا بنية إِن النَّاس قد أَكْثرُوا فِيك فأنبئيني بذلك فَإِن يكن الرجل صادقَاً دسست إِلَيْهِ من يقْتله فتنقطع عَنَّا القالة وَإِن يكن كَاذِبًا حاكمته إِلَى بعض كهان الْيمن قَالَ فَحَلَفت لَهُ بِمَا كَانُوا يحلفُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة أَنه كاذبٌ فَقَالَ عتبَة للفاكه إِنَّك قد رميت ابْنَتي بأمرٍ عظيمٍ فحاكمني إِلَى بعض كهان الْيمن فَخرج الْفَاكِه فِي جمَاعَة من بني مَخْزُوم وَخرج عتبَة فِي جمَاعَة من بني عبد منَاف وَمَعَهُمْ هِنْد ونسوة مَعهَا تأنسُ بِهن فَلَمَّا أشرفوا على بِلَاد الكاهن تنكر حَال هِنْد وَتغَير وَجههَا فَقَالَ لَهَا عتبَة يَا بنية إِنِّي قد رأيتُ مَا بكِ من تغير الْحَال وَمَا ذَاك إِلَّا لمكروه عنْدك فَقَالَت لَا وَالله يَا أبتاه مَا ذَاك لمكروه وَلَكِنِّي أعرفُ أَنكُمْ ستأتون بَشَراً يُخطئ ويصيب فَلَا آمنهُ أَن يَسِمَنِي بِسِيمَاءَ تكون عليَ سُبة فِي الْعَرَب آخر الدَّهْر فَقَالَ لَهَا أَبوهَا إِنِّي سَوف أستخبره لَك قبل أَن ينظر فِي أَمرك فصفر لفرسه حَتَّى أدلى ثمَّ أَدخل فِي إحليله حَبَّة من الْحِنْطَة وأَوْكَأَ عَلَيْهَا بسير وصبحوا الكاهن فَنحر لَهُم وَأكْرمهمْ فَلَمَّا تغدوا قَالَ لَهُ عتبَة إِنَّا جئْنَاك لأمرِ وَقد خبأت لَك خبيئة أختبرك بهَا فَانْظُر مَا هُوَ قَالَ الكاهن بُرة فِي كمرة قَالَ عتبَة أُرِيد أبين مِن هَذَا قَالَ حَبَّة بر فِي إحليل مهر فَقَالَ عتبَة صدقت انْظُر فِي أَمر هَؤُلَاءِ النسْوَة فَجعل يدنو من إحداهنَ ويضربُ كتفها وَيَقُول انهضي حَتَّى دنا من هِنْد فضرَبَ كتفها وَقَالَ انهضي غَيْرَ وسخاء وَلَا زَانِيَة وستلدينَ ملكا يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة فَنظر إِلَيْهَا فاكه فَأخذ بِيَدِهَا فنترتْ يَدهَا من يَده وَقَالَت إِلَيْك عني فواللِّه لأحرصن أَن يكون من غَيْرك فتزوَجها أَبُو سُفْيَان فَجَاءَت مِنْهُ بِمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ أهل الْعلم وولدته فِي خيف مِني فَهُوَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي العبشمي يلتقي مَعَ رَسُول الله فِي جده عبد منَاف بن قصي وَلما اسْتَقل مُعَاوِيَة بالخلافة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَنْهَا وَسمي ذَلِك الْعَام وَهُوَ عَامُ إِحْدَى وَأَرْبَعين عَام الجَمَاعة كَمَا تقدم ذَلِك بعث عماله على الْأَمْصَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 فَبعث على الْكُوفَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَيُقَال إِن مُعَاوِيَة كَانَ ولي على الْكُوفَة أَولا عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فتاه الْمُغيرَة بن شُعْبَة متنصحاً وَقَالَ عَمْرو بِمصْر وَابْنه بِالْكُوفَةِ فَأَنت بَين نابي الْأسد فعزل مُعَاوِيَة حينئذِ عبد الله بن عَمْرو عَن الْكُوفَة وولاها الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَبلغ ذَلِك عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ لمعاوية إِن الْمُغيرَة يحتاز المَال فَلَا تَقدِرُ على رده مِنْهُ فَاسْتعْمل من يخافك فقصر مُعَاوِيَة ولَايَة الْمُغيرَة على الصَّلَاة وَولي على الْخراج غَيره ثمَّ ولي على الْبَصْرَة بُسر بن أَرْطَاة العامري وَكَانَ قد تغلب عَلَيْهَا حمْرَان بن أبان عِنْد صلح الْحسن مَعَ مُعَاوِيَة فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بُسراً فَخَطب النَّاس وَتعرض لعَلي ثمَّ قَالَ أنْشد الله رجلاَ يعلم أَنِّي صَادِق أَو كَاذِب إِلَّا صدقني أَو كَذبَنِي فَقَالَ لَهُ أَبُو بكرَة وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور اسْمه نُفَيع بن الْحَارِث بن كلدة الثَّقَفِيّ قلت لقب بِأبي بكرَة لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ ثَقِيف فِي حصن الطَّائِف حَال حِصَار النَّبِي أهل الطَّائِف فَنَادَى من أَتَى إِلَيْنَا فَلهُ الْأمان وَهُوَ حر فَتَدَلَّى نفيع بن الْحَارِث هَذَا من أَعلَى الْحصن ببكرة وَنزل إِلَيْهِ وَأسلم فلقب لذَلِك بِأبي بكرَة اللَّهُمَّ لَا نعلمك إِلَّا كَاذِبًا فَأمر بِهِ يسجن فَقَامَ أَبُو لؤلؤة الضَّبِّيّ فَدفع عَنهُ وَكن على فَارس من أَعمال الْبَصْرَة زِيَاد ابْن أَبِيه عَاملا لعَلي فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يَطْلُبهُ بِالْمَالِ فَقَالَ زِيَاد صرفْتُ بعضه فِي وَجهه واستودعتُ بعضه للْحَاجة إِلَيْهِ وحملت مَا فضل إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَحمَه لله ورضِيَ عَنهُ فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بالقدوم لينْظر فِي ذَلِك فَامْتنعَ فَلَمَّا ولي بسر جمع عِنْده أَوْلَاد زِيَاد الأكابر عبد الرَّحْمَن وَعبيد الله وعباداً وَكتب إِلَيْهِ لتقدمن أَو لأقتلن بنيك فَامْتنعَ زِيَاد واعتزم على قَتلهمْ فَأَتَاهُ أَبُو بكر وَكَانَ أَخا زِيَاد لأمه وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك فَقَالَ لبسر أخذتهم بِلَا ذَنْب وَصلح الْحسن مَعَ مُعَاوِيَة علَى أَصْحَاب عَليّ حَيْثُ كَانُوا فأمهله بسر إِلَى أَن يَأْتِي كتاب مُعَاوِيَة ثمَّ قدم أَبُو بكر على مُعَاوِيَة وَقَالَ إِن النَّاس لم يبايعوا علَى قتل الْأَطْفَال وَإِن بُسراً يُرِيد قتل بني زِيَاد فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى بسر بتخليتهم وَجَاء إِلَى السجْن بعد المعياد وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا سَاعَة وهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 موثقون للْقَتْل فأدركهم وأطلقهم بُسر ثمَّ عزل مُعَاوِيَة بسرا وَولي عَلَيْهَا عبد لله بن عَامر بن كريز بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف ثمَّ ولى معاويةُ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين على الْمَدِينَة مَرْوَان بن الحكم وعَلى مَكَّة خَالِد بن الْعَاصِ بن هِشَام ثمَّ عزل مروانَ عَن الْمَدِينَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَولى مَكَانَهُ عَلَيْهَا سعيد بن لعاص ثمَّ عَزله سنة ربع وَخمسين فَرد إِلَيْهَا مَرْوَان بن الحكم ولمل امْتنع زِيَاد ابْن أَبِيه بِفَارِس بعد مقتل عَليّ كَمَا قدَمناه وَكَانَ عبد الرَّحْمَن ابْن أَخِيه لأمه أبي بكرَة يَلِي أَمْوَاله بِالْبَصْرَةِ رفع إِلَى مُعَاوِيَة ن زياداً استودع أَمْوَاله عبد الرَّحْمَن فَبعث مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغيرَة بِالْكُوفَةِ أَن ينظر فِي ذَلِك فَحَضَرَ عبد الرَّحْمَن وَقَالَ إِن يَكن أَبوك أَسَاءَ إِلَيّ فقد أحسن عمك وَأحسن الْعذر عَنهُ عِنْد مُعَاوِيَة ثمَّ قدم الْمُغيرَة على مُعَاوِيَة فَذكر مُعَاوِيَة لَهُ مَا عِنْده من الوجل باعتصام زِيَاد بِفَارِس وَقَالَ داهية الْعَرَب مَعَه أَمْوَال فَارس يُدِير الْحِيَل فَلَا آمن أَن يُبَايع لرجل من أهل الْبَيْت وَيُعِيد الْحَرْب جَذَعَة فاستأذنه الْمُغيرَة أَن يَأْتِيهِ ويتلطف لَهُ ثمَّ أَتَاهُ وَقَالا مُعَاوِيَة بَعَثَنِي إِلَيْك وَقد بَايعه الْحسن وَلم يكن هُنَاكَ غَيره فَخذ لنَفسك قبل أَن يَسْتَغْنِي مُعَاوِيَة عَنْك قَالَ لَهُ زِيَاد أَشِر عَلَيَ والمستشار مؤتمن فَقَالَ الْمُغيرَة أرى أَن تشخص إِلَيْهِ وَتصل حبلك بحبله وَترجع عَنهُ فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بأمانه وَخرج زِيَاد من فَارس نَحْو مُعَاوِيَة فاعترضه عبد الله بن حَازِم السّلمِيّ فِي جمَاعَة وَقد بَعثه عبد الله بن عَامر ليَأْتِيه بِهِ فَلَمَّا رأى عبد الله بن حَازِم كتاب الْأمان تَركه فَلَمَّا قد زِيَاد على مُعَاوِيَة سَأَلَهُ عَن أَمْوَال فَارس فَأخْبرهُ بِمَا أنْفق وَمَا حمله إِلَى عَليّ وَمَا بَقِي عِنْده مودعاً للْمُسلمين فَصدقهُ مُعَاوِيَة وَقَبضه مِنْهُ وَيُقَال إِنَّه قَالَ لَهُ أَخَاف أَن تكون مَكَرتَ بِي فصالحني فَصَالحه على ألفَيْ درهمِ بعث بهَا إِلَيْهِ واستأذنه فِي نزُول الْكُوفَة فَأذن لَهُ وَكَانَ الْمُغيرَة يُكرمهُ ويعظمه وَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة أَن يُلزم زياداً وَحجر بن عدي وَسليمَان بن صرد وشبيب ابْن ربعي وَابْن الْكواء وَابْن الْحمق وَهَؤُلَاء أَصْحَاب عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَة فَكَانُوا يحضُرُونَ الصَّلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَفِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين أَو الَّتِي قبلهَا كَانَ استلحاق مُعَاوِيَة زيادَاً قَالَ الْعَلامَة ابْن خلدون كَانَت سُمَية أم زِيَاد مولاة لِلْحَارِثِ بن كلدة الثَّقَفِيّ الطَّبِيب وَولدت مِنْهُ أَبَا بكرَة نفيع بن الْحَارِث ثمَّ زَوجهَا بمولى لَهُ فأتتْ مِنْهُ بِابْن سَمَّاهُ نَافِعًا ثمَّ إِن أَبَا سُفْيَان قد ذهب إِلَى الطَّائِف فِي بعض حاجاته فَأصَاب سميَّة هَذِه بِبَعْض أَنكِحَةِ الْجَاهِلِيَّة وولدَت زياداً هَذَا ونسبته إِلَى أبي سُفْيَان وأقرَ لَهَا بِهِ إِلَّا أَنه كَانَ يخفيه قلت هَذَا مَا ذكره ابْن خلدون ورأيتُ المَسْعُودِيّ فِي مروجه قَالَ مَا نَصه ذهب أَبُو سُفْيَان إِلَى الطَّائِف لتِجَارَة فَنزل على أبي مَرْيَم السَّلُولي خَمار بِالطَّائِف فَقَالَ لما طَالَتْ إِقَامَته إِن ابْنة عتبَة لَا أتمكنُ مَعهَا بِامْرَأَة وَقد طَالَتْ عزوبتي فأبغني بغياً فَقَالَ أَبُو مَرْيَم لَا أعلم الْآن إِلَّا سميَّة أمة الْحَارِث بن كلدة قَالَ فأتني بِهِ فَأَتَاهُ بهَا ثمَّ أَخذ أَبُو سُفْيَان بكُم درعها فَأدْخلهَا قي حجرَة من الدَّار ثمَّ خرج وجبينه يرشحُ عرقاً وَنَفسه يتتابع قَالَ أَبُو مَرْيَم فَقلت لَهُ كَيفَ رَأَيْتهَا فَقَالَ لَا بَأْس بهَا لَوْلَا استرخاء فِي ثدييها وذفر فِي إبطيها قَالَ ابْن خلدون وَلما شَب زِيَاد سمت بِهِ النجابة واستكتبه أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ لما كَانَ على الْبَصْرَة واستكفاه عمر رَضِي لله عَنهُ فِي أَمر فَحسن غَنَاؤه فِيهِ وَحضر زِيَاد عِنْده يُعلمهُ بِمَا صنع فأبلغ مَا شَاءَ فِي الْكَلَام فَقَالَ عَمْرو ابْن الْعَاصِ وَكَانَ حَاضرا لِلَهِ هَذَا الغلامُ لَو كَانَ أَبوهُ من قُرَيْش سَاق العَرَبَ بعصاه فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وَعلي رَضِي الله عَنهُ يسمع واللِّه إِنِّي لأعرف أَبَاهُ ومَنْ وَضعه فِي رحم أمه فَقل لَهُ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اسكُتْ فَلَو سمع عمر هَذَا مِنْك كَانَ إِلَيْك سَرِيعا ثمَّ اسْتعْمل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ زيدا على فَارس فضبطها فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يتهدده ويعرض لَهُ بِوِلَادَة أبي سُفْيَان إِيَّاه فَقَامَ زِيَاد فِي النَّاس خَطِيبًا فَقَالَ عجبا لمعاوية يخوفني وبيني وَبَينه ابْن عَم الرَّسُول فِي لمهاجرين وَالْأَنْصَار وَكتب إِلَيْهِ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنِّي قد وليتك وَأَنا أَرَاك أَهلا وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 كَانَ من أبي سُفْيَان فلتة من أماني الْبَاطِل وَكذب النَّفس لَا توجبُ مِيرَاثا وَلَا نسبا وَمُعَاوِيَة يَأْتِي الْإِنْسَان من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله فاحذر ثمَّ احذر وَالسَّلَام وَلما قتل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَصَالح زِيَاد مُعَاوِيَة وَضَعَ زِيَاد مصقلة بن هُبَيْرَة الشَّيْبَانِيّ علَى مُعَاوِيَة ليعرض لَهُ بِنسَب أبي سُفْيَان فَفعل وَرَأى مُعَاوِيَة أَن يستميله باستلحاقه فالتمس الشَّهَادَة بذلك مِمَّن عَلِمَ لُحُوق نسبه بِأبي سُفْيَان فَشهد لَهُ رجل من أهل الْبَصْرَة وألحقه وَكَانَ أَكثر شيعَة عَلي يُنكرُونَ ذَلِك وينقمون على مُعَاوِيَة حَتَّى أَخُوهُ لأمه أَبُو بكرَة وَكتب زِيَاد إِلَى عَائِشَة رَضِي الله تهعالى عَنْهَا فِي بعض الأحيان من زِيَاد ابْن أبي سُفْيَان يَسْتَدْعِي جوابها بِهَذَا النّسَب ليَكُون جوابها لَهُ حجَّة فَكتبت إِلَيْهِ من عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ إِلَى ابْنهَا زِيَاد وَكَانَ عبد الله بن عَامر يبغض زياداً فَقَالَ يَوْمًا لبَعض أَصْحَابه ابْن سميَّة يقبح آثاري ويعترض مُعَاوِيَة فَأمر مُعَاوِيَة حَاجِبه عَمَّا لي لقد هَمَمْت أَن آتِي بقسامة من قُرَيْش أَن أَبَا سُفْيَان طرير سميَّة فوصل الْخَبَر إِلَى زِيَاد فَأخْبر بِهِ مُعَاوِيَة فَأمر مُعَاوِيَة حَاجِبه أَن يرد عبد الله بن عَامر من أقْصَى الْأَبْوَاب فَرد فَشَكا ذَلِك إِلَى ابْنه يزِيد فَركب مَعَه وَأدْخلهُ على مُعَاوِيَة فَلَمَّا رَآهُ قَامَ من مَجْلِسه وَدخل إِلَى بَيته فَقَالَ يزِيد نقعد فِي انْتِظَاره فَلم يَزَالَا حَتَّى خرج وَغدا ابْن عَامر يتَعَذَّر فِيمَا كَانَ مِنْهُ من القَوْل فِي زِيَاد فَقَالَ مُعَاوِيَة إِنِّي لَا أكتثر بِزِيَاد من قلَّة وَلَا أتعزَّز بِهِ من ذلة وَلَكِن عرفت حَقًا للَه فَوَضَعته مَوْضِعه وَخرج ابْن عَامر يترضى زياداً وَرَضي مُعَاوِيَة لَهُ وَفِي استلحاق مُعَاوِيَة زياداً يَقُول يزِيد بن مفرغ الْحِمْيَرِي // (من الوافر) // (أَلا أَبْلِغْ مُعَاويَةَ بْنَ حرْبٍ ... مُغَلْغَلَةً مِنَ الرَّجُلِ اليَمانِي) (أَتَغْضبُ أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ عَفٌّ ... وَتَرضَى أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ زَانِي) (فَأَشْهدُ أَنَّ رَحْمَك مِنْ زِيَادٍ ... كَرَحْمِ الفِيلِ مِنْ وَلَدِ الأَتَانِ) وَفِي زِيَاد وأخويه لأمه نُفَيع وَنَافِع يَقُول حَارِث بن صريم الْحَارِثِيّ // (من المنسرح) // (إِنَّ زِيادَا وَنافِعًا وَأَبَا ... بَكْرَةَ عِنْدِي مِنْ أَعْجَبِ العَجَبِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 (إِنَّ رجَالًا ثَلاَثَةً خُلِقُوا ... مِنْ رَحْمِ أُنْثَى مُخَالِفي النَّسَبِ) (ذَا قُرشيٌّ فِيمَا يَقُولُ وَذَا ... مَوْلًى وَهَذَا بِالزَّعْمِ مِنْ عَرَبِ) وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين عذل مُعَاوِيَة الْحَارِث بن عبد الله الْأَزْدِيّ عَن الْبَصْرَة وَولى عَلَيْهَا زيادا وَجمع لَهُ فِي خُرَاسَان وسجستان ثمَّ جمع لَهُ السَّنَد والبحرين وعمان وَفِي الْبَصْرَة خطب خطبَته البتراء وَإِنَّمَا سميت بتراء لِأَنَّهُ لم يفتتحها بِالْحَمْد وَالثنَاء وَفِي سنة سبع وَأَرْبَعين كَانَ الطَّاعُون بِالْكُوفَةِ وَعَلَيْهَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فهرب مِنْهَا ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فَمَاتَ فَضمهَا إِلَى زِيَاد مَعَ الْبَصْرَة فَهُوَ أول من جمع لَهُ ولَايَة العراقين الْبَصْرَة بِالْكُوفَةِ وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين قبض مُعَاوِيَة فدك من مراون بن الحكم وَكَانَ وَهبهَا لَهُ عُثْمَان رَضِي لله عَنهُ وَفِي سنة خمسين حج مُعَاوِيَة وَأمر بِحمْل الْمِنْبَر من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام فكسفت الشَّمْس ورئيت الْكَوَاكِب فجزع لذَلِك وأعظمه ورده إِلَى مَوْضِعه وَزَاد فِيهِ سِتّ مراقٍ وَبعث جَيْشًا كثيفَاً إِلَى بِلَاد الرّوم مَعَ سُفْيَان بن عَوْف وَندب يزِيد ابْنه إِلَى الْخُرُوج مَعَهم فتثاقل فَتَركه ثمَّ بلغ النَّاس أَن الْغُزَاة أَصَابَهُم جوع وَمرض فَأَنْشد يزِيد // (من الْبَسِيط) // (أَهْوِنْ عَلَى بِمَا لاقَتْ جموعُهُمُ ... يَوْم الطوانةِ مِنْ حُمَّى ومِنْ شُومِ) (إِذَا اتَّكأتُ عَلَى الأنماطِ مُرْتَفِقًا ... بِدَيْرِ مرَّانَ عِنْدِي أُمُّ كُلْثُومِ) قلت أم كُلْثُوم زَوجته بنت عبد الله بن عَامر بن كريز الْمُتَقَدّم ذكر قَوْله فِي زِيَاد لقد هَمَمْت أَن آتِي بقسامة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 فَلَمَّا بلغ قَوْله هَذَا أَبَاهُ مُعَاوِيَة حلف ليلحقنهُ بهم فَسَار يزِيد فِي جمع كثير جمعه لَهُ مُعَاوِيَة فيهم ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ فأوغلوا فِي بِلَاد الرّوم وبلغوا الْقُسْطَنْطِينِيَّة وقاتلوا الرّوم عَلَيْهَا فاستشهد أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ ودفنوه قَرِيبا من سورها وَرجع يزِيد والعساكر إِلَى الشَّام وَكَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَيَّام إمارته على الْكُوفَة كثير مَا يتَعَرَّض لَعِلي فِي مجالسه وخُطَبِهِ ويترحم على عُثْمَان وَيَدْعُو لَهُ وَكَانَ حجر بن عَدِي بن حَاتِم الطَّائِي إِذا سَمعه يَقُول إيَّاكُمْ قد أضلّ الله وَلعن ثمَّ يَقُول أشهد أنَّ مَن تذمون أَحَقُّ بالفَضلِ وَمَن تُزكونَ أولَى بالذم فيعذله الْمُغيرَة وَيَقُول يَا حجر اتَّقِ غضب السُّلْطَان وسَطوته فَإِنَّهَا تهْلك أمثالك لَا يزِيدهُ على ذَلِك وَلما كن آخر إمارته قَالَ فِي بعض أَيَّامه مثل مَا كَانَ يَقُول فصاح بِهِ حجر مُر لنا بأرزاقنا فقد حبستها عَنَّا وأصبحتَ مولعَاً بذم خير النَّاس وَصَحَّ النَّاس بِهِ من جَوَانِب الْمَسْجِد صدق حجر فمُر لنا بأرزاقنا فَالَّذِي أَنْت فِيهِ لَا يُجدي علينا نفعا فَدخل الْمُغيرَة إِلَى بَيته وعذله قومه فِي جرْأَة حجر عَلَيْهِ بوهن سُلْطَانه ويسخط عَلَيْهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ الْمُغيرَة لَا أحب أَن أسعى يقتل أحد من أهل الْمصر وَسَيَأْتِي بعدِي من يصنع مَعَه مثل ذَلِك فيقتله ثمَّ توفّي الْمُغيرَة وَولى زِيَاد كَمَا تقدم فَلَمَّا قدم خطب النَّاس وترحَم على عُثْمَان وَلعن قَاتله فَقَالَ حجر مَا كَانَ يَقُول فَسكت عَنهُ زِيَاد وَرجع إِلَى الْبَصْرَة واستخلف على الْكُوفَة عَمْرو بن حُرَيْث وبلغه أَن حجرا تَجْتَمِع عَلَيْهِ شيعَة عَليّ ويعلنون بلعن مُعَاوِيَة والبراءة مِنْهُ وَأَنَّهُمْ حصبوا عَمْرو بِمَ حُرَيْث فشخص زِيَاد إِلَى الْكُوفَة حَتَّى دَخلهَا ثمَّ خطب النَّاس وحُجرٌ جَالس يسمع فتهدده وَقَالَ لست بِشَيْء إِن لم أمنع الْكُوفَة من حجر وأدعه نكالا لمن بعده ثمَّ بعث إِلَيْهِ فَامْتنعَ من الْإِجَابَة فَبعث صَاحب الشرطة شَدَّاد بن هَيْثَم الْهِلَالِي إِلَيْهِ فِي جمَاعَة فسبهم أَصْحَاب حجر فَجمع زِيَاد أهل الْكُوفَة وهددهم فتبرءوا فَقَالَ ليَدع كل رجل مِنْكُم عشيريه الَّذين عِنْد حُجر فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا لم يبْق مَعَه إِلَّا قومه قَالَ زِيَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 لصَاحب الشرطة انْطلق إِلَيْهِ فائتني بِهِ طَوْعًا أَو كرها فَلَمَّا جَاءَ يَدعُوهُ امْتنع من الْإِجَابَة وَحمل عَلَيْهِم وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو القمطرة الْكِنْدِيّ بِأَن يلْحق بكندة فيمنعوه هَذَا وَزِيَاد على الْمِنْبَر ينْتَظر ثمَّ غشيهم أَصْحَاب زِيَاد وَضرب عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ فَسقط وَدخل فِي دور الأزد فاختفي وَخرج حجر من أَبْوَاب كِنْدَة فَركب وَمَعَهُ أَبُو القميطرة إِلَى دور قومه وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس وَلم يَأْته من كِنْدَة إِلَّا قَلِيل ثمَّ أرسل زِيَاد وَهُوَ على الْمِنْبَر إِلَى مُدْلِج وهمدان ليأتوه بِحجر فَلَمَّا علم أَنهم فصدوه تسرب من دَاره إِلَى لنخع وَنزل على أخي لأشتر وبلغه أَن الشرطة تسْأَل عَنهُ فِي النخع فَأتى الأزد واختفى عِنْد ربيعَة بن ناجد وأعياهم طلبه فَدَعَا زِيَاد مُحَمَّد بن الْأَشْعَث وَقَالَ لَئِن لم تأتني بِهِ لأقطعنك إرباً إرباً فاستمهله ثَلَاثَة أَيَّام فأمهله حَتَّى بعث حجر بن عدي إِلَى مُحَمَّد بن الْأَشْعَث أَن يَأْخُذ لَهُ أَمَانًا من زِيَاد حَتَّى يبْعَث بِهِ إِلَى مُعَاوِيَة فجَاء مُحَمَّد بن الْأَشْعَث وَمَعَهُ جرير بن عبد الله وَحجر بن زيد وَعبد لله بن الْحَارِث أَخُو الأشتر فاستأمنوا لَهُ زياداً فأجابهم ثمَّ أحضروا حجرا فحبسه ثمَّ طلب أصاحبه فَخرج عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ من أَصْحَاب حجر شيعَة عَليّ إِلَى لموصل وَمَعَهُ رِفَاعَة بن شَدَّاد فاختفى فِي جبل هُنَالك فَرفع خبرهما إِلَى عَامل لموصل وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ ابْن أُخْت مُعَاوِيَة وَيعرف بِابْن أم لحكم فَسَار إِلَيْهِمَا فهرب رِفَاعَة وَقبض على عَمْرو وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة بذلك فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى زِيَاد إِن عَمْرو بن الْحمق طعن عُثْمَان تسع طعنت وَقَالَ حِين طعنه سِتّ لله تَعَالَى وَثَلَاث لما فِي نَفْسِي فاطعنه يَا زِيَاد كَذَلِك تسع طعنات فطعن فَمَاتَ فِي الأولى وَالثَّانيَِة فكملتْ عَلَيْهِ مَيتا ثمَّ جَد زِيَاد فِي طلب أَصْحَاب حجر فَأتى بقبيصة بن ضبيعة الْعَبْسِي بِأَمَان فحبسه وَجَاء قيس بن عباد الشَّيْبَانِيّ بِرَجُل من قومه من أَصْحَاب حجر فَأحْضرهُ زِيَاد وَسَأَلَهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب فَأثْنى عَلَيْهِ فَضَربهُ وحبسه وعاش قيس بن عباد حَتَّى قَاتل مَعَ ابْن لأشعث ثمَّ دخل بَيته فِي الْكُوفَة وسعى بِهِ إِلَى الْحجَّاج فَقتله ثمَّ أرسل زِيَاد إِلَى عبد الله بن خَليفَة لطائي من أَصْحَاب حجر فتوارى عَنهُ وَجَاء الشَّرْط فَأَخَذُوهُ وَنَادَتْ أُخْته النوار بقَوْمه فخلصوه فَأخذ زِيَاد عدي بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 حَاتِم وَهُوَ فِي الْمَسْجِد وَقَالَ ائْتِنِي بِعَبْد الله بن خَليفَة الطَّائِي وَخَبره فَقَالَ لَهُ آتِيك بِابْن عمي تقتله وَالله لَو كَانَ تَحت قدمي مَا رفعتها عَنهُ فحبسوه فنكر النَّاس عَلَيْهِ ذَلِك وكلموه وَقَالُوا تفعل هَذَا بِصَاحِب رَسُول الله وكبير طَيئ فَقَالَ زِيَاد أخرجه علَى أَن يخرج ابْن عَمه عني فَأَطْلقهُ وَأمر عدي عبد الله أَن يلْحق بجبلي طَيئ فَلم يزل هُنَاكَ حَتَّى مَاتَ وأتى زِيَاد بكريم بن عفيف الْخَثْعَمِي من أَصْحَاب حجر وَغَيره وَلما جمع مِنْهُم اثنَي عشر فِي السجْن دَعَا رُؤَسَاء الأرباع وهم يَوْمئِذٍ عَمْرو بن حُرَيْث على ربع أهل لمدينة وخَالِد بن عُرْوَة على ربع تَمِيم وهمدان وَقيس بن لوليد على ربع ربيعَة وَكِنْدَة وَأَبُو بردة بن أبي مُوسَى على ربع مذبح وَأسد فَشَهِدُوا كلهم أَن حجرا جمع الجموع وَأظْهر شتم مُعَاوِيَة ودعا إِلَى حربه وَزعم أَن الْإِمَارَة لَا تصلح إِلَّا فِي الطالبيين ووثب بِالْمِصْرِ وَأخرج الْعَامِل وَأظْهر عذرَ أبي تُرَاب والترحُمَ عَلَيْهِ أَقُول نعم رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورِضَاهُ والبراءة من عدوه وَمن أهل حربه وَإِن لنفر الَّذين مَعَه وهم رُءُوس أَصْحَابه على مثل رَأْيه ثمَّ استنكر زِيَاد من الشُّهُود فَشهد إِسْحَاق ومُوسَى ابْنا طَلْحَة وَالْمُنْذر بن الزبير وَعمارَة بن عقبَة بن أبي معيط وَعمر بن سعيد بن أبي وَقاص وَغَيرهم وَكتب فِي الشُّهُود شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي وَشُرَيْح بن هَانِئ ثمَّ استدعى زيادُ وَائِل بنَ حُجر الْحَضْرَمِيّ وَكثير بن شهَاب وَدفع إِلَيْهِمَا حُجْراً وَأَصْحَابه وهم الأرقم بن عبد الله الْكِنْدِيّ وَشريك بن شَدَّاد الْحَضْرَمِيّ وَصَيْفِي ابْن فُضَيْل الشَّيْبَانِيّ وقبيضة بن ضبيعة الْعَبْسِي وكريم بن عفيف الْخَثْعَمِي وَعَاصِم بن عَوْف البَجلِيّ وورقاء بن سمي البَجلِيّ وكرام بن حَيَّان الْعَنزي وَعبد الرَّحْمَن بن حسان الْعَنزي أَيْضا ومحرز بن شهَاب التَّمِيمِي وَعبد الله بن حوية السَّعْدِيّ ثمَّ أتبع هَؤُلَاءِ الاثْنَي عشر بِعتبَة بن الْأَخْنَس بن سعد بن بكر وَسعد ابْن عمرَان الْهَمدَانِي وَأَمرهمَا أَن يَسِيرا بهم إِلَى مُعَاوِيَة ثمَّ لحقهما شُرَيْح بن هَانِئ وَأرْسل كتابَاً إِلَى مُعَاوِيَة دَفعه إِلَى وَائِل بن حجر الْحَضْرَمِيّ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى مرج عذراء قرب دمشق تقدم وَائِل وَكثير إِلَى مُعَاوِيَة وَقَرَأَ كتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 شُرَيْح بن هَانِئ وَفِيه بَلغنِي أَن زياداً كتب شهادتي وَإِنِّي أشهد على حُجر أَنه مِمَّن يُقيم الصَّلَاة وَيُؤْتى لزكاة ويديم الْحَج وَالْعمْرَة وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن لمنكر حرامُ الدَّم وَالْمَال فَإِن شِئْت فاقتله أَو فَدَعْهُ فَقَالَ مُعَاوِيَة مَا رأى هَذَا إلاَ أخرج نَفسه من شهادتكم يَعْنِي شُرَيْح ين هَانِئ وَحبس الْقَوْم بمرج عذراء حَتَّى لحقهم عنبه بن الْأَخْنَس وَسعد بن عمرن للَّذين ألحقهما بهم زِيَاد وَجَاء عَامر بن الْأسود الْعجلِيّ إِلَى مُعَاوِيَة فَأخْبرهُ بوصولها فاستوهب يزِيد بن أَسد البَجلِيّ عَاصِمًا وورقاء ابْني عَمه وَقد كتب جرير يزكيهما وَيشْهد ببراءتهما فطلقهما مُعَاوِيَة وشفع وائْل بن حُجر فِي الأرقم وَأَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ فِي ابْن الْأَخْنَس وحبِيب بن سَلمَة فِي خويه فتركهم وَسَأَلَهُ ملك بن هُبَيْرَة فِي السكونِي فردهُ فَغَضب وَجلسَ فِي بَيته وَبعث مُعَاوِيَة هدبة بن فياض الْقُضَاعِي وَالْحصين بن عبد الْكلابِي وَأَبا شرِيف الْبَدِيِّ إِلَى حجر وَأَصْحَابه ليقتلوا مِنْهُم من أَمر بقتْله فأتوهم وعرضوا عَلَيْهِم الْبَرَاءَة من عَلِي فَأَبَوا وصَلوا عَامَّة ليلتهم ثمَّ قدمُوا من الْغَد للْقَتْل فَتَوَضَّأ حجر وَصلى وَقَالا وَالله لَوْلَا أَن يَظُنُّوا بِي لجزع من الْمَوْت لاستكثرت مِنْهَا اللَّهُمَّ إِنَّا نستعديك على أمتنَا أهل الْكُوفَة يشْهدُونَ علينا وَأهل لشام يقتلوننا ثمَّ مَشَى إِلَيْهِ هدبة بن فياض بِالسَّيْفِ فارتعد فَقَالُوا لَهُ كَيفَ وَأَنت تزْعم أَنَّك لَا تجزع من الْمَوْت فابرأ من صَاحبك وَنحن نَدعك فَقل وَمنا لي لَا أجزع وَأَنا بَين الْقَبْر والكفن وَالسيف وَإِن جزعت من الْقَتْل لَا أَقُول مَا يسْخط الرب فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا خْمسة مَعَه شريك بن شَدَّاد وَصَيْفِي بن فُضَيْل وَقبيصَة بن ضيبعة ومحرز ابْن شهَاب وكرام بن حِين وصلوا عَلَيْهِم ودفنوهم وجئ بِعَبْد الرَّحْمَن بن حَيَّان الْعَنزي وكريم الْخَثْعَمِي إِلَى مُعَاوِيَة فوعظه الْخَثْعَمِي وَطَلَبه مُعَاوِيَة الْبَراء من عَليّ فَسكت واستوهبه سَمُرَة بن عبد الله الْخَثْعَمِي فوهبه لَهُ عَلَى أَلا يدْخل الْكُوفَة فَنزل الْموصل ثمَّ سَأَلَ مُعَاوِيَة عبد الرَّحْمَن بن حسان عَن عَليّ فَأثْنى خيرا ثمَّ عَن عُثْمَان فَقَالَ أول من فتح بَاب الظُّلم وأغلق بَاب الْحق فَرده إِلَى زِيَاد ليَقْتُلهُ شَر قِتلة فدفنه زِيَاد حَيا فَهُوَ سَابِع الْقَوْم وَأما مَالك بن هُبَيْرَة السكونِي فَلَمَّا لم يشفعه مُعَاوِيَة فِي حُجر جمع قومه وَسَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 ليخلصه وَأَصْحَابه فلقي القتلة وسألهم وَقَالُوا تَابَ الْقَوْم وَسَار إلَى عذراء فتيقن قَتلهمْ فَأرْسل فِي أثر القتلة فَلم بدركوهم وَأخْبر مُعَاوِيَة فِيمَا فعل مَالك فَقَالَ تِلْكَ حرارة يجدهَا فِي نَفسه وَكَأَنِّي بِمَا قد طُفِئَت ثمَّ بعث إِلَيْهِ بِمِائَة ألف وَقَالَ خفت أَن يُعِيد الْقَوْم حَربًا فَتكون على الْمُسلمين أعظم من قتل حجر فطابتْ نفس مَالك وَلما بلغ عَائِشَة خبر حجر وَأَصْحَابه أرْسلت عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث إلَى مُعَاوِيَة تشفع فجَاء وَقد قتلوا فَقَالَ لمعاوية أَيْن غَابَ عَنْك حلم أبي سُفْيَان قَالَ حِين غَابَ عني مثلك من حلماء قومِي وحملني ابْن سميَّة فاحتملت وأسفت عَائِشَة على قتل حُجر وَكَانَت تُثنِي عَلَيْهِ قلت وَحجر هَذَا هُوَ حجر بن عدي بن حَاتِم الطَّائِي الْمَشْهُور بِالْكَرمِ وَأَبُو عدي صَحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ وَقيل إِن لحُجر ابنِهِ هَذَا صُحبَة وَلم يَصح وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين مَاتَ زِيَاد ابْن أَبِيه فِي رَمَضَان فِي بطاعون أَصَابَهُ فِي يَمِينه خرجت بهَا قرحَة يُقَال إِنَّهَا يَدعُوهُ عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَذَلِكَ أَن زيادَاً كتب إِلَى مُعَاوِيَة إِنِّي ضبطت الْعرَاق بشمالي ويميني فارغة فاشغلها بالحجاز فَكتب لَهُ عهدا بذلك وَجمع لَهُ الْحجاز مَعَ بالعراقين وَخَافَ أهل الْحجاز من ذَلِك قَالَ الْعَلامَة المسعُودِي لما سمع بولايته أهل الْمَدِينَة اجْتمع الْكَبِير وَالصَّغِير بِمَسْجِد رَسُول الله وقدَموا ابْن عمر فَاسْتقْبل الْقبْلَة ودعا مَعَهم وَكَانَ من دُعَائِهِ أَن قَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنَا يَمِين زِيَاد وضَجوا إِلَى الله تَعَالَى ولاذوا بِقَبْر النَّبِي ثَلَاثَة أَيَّام لِعلمِهِم بظلمه وجوره وفسقه وَلما خرجن بكفه تِلْكَ البثرة حكها ثمَّ مدت واسودت فَصَارَت آكِلَة سَوْدَاء فاستدعى شريحاً القَاضِي واستشاره فِي قطع يَده فَقَالَ لَهُ لَك رزق مقسوم وَأجل مَعْلُوم وَإِنِّي أكره إِن كَانَت لَك مُدَّة أَن تعيش أَجْذم وَإِن حم أَجلك أكره أَن تلقى رَبك مَقْطُوع الْيَد فَإِذا سَأَلَك لم قطعتها قلت بغضاً لَك وفراراً من قضائك فَقَالَ لَا أَبيت والطاعون فِي لحافِ واحدٍ واعتزم عَلَى قطعهَا فَلَمَّا نظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 إِلَى النَّار والمكاوي جزع وَتَركه وَقيل تَركه لإشارة شُرَيْح القَاضِي وعذل النَّاس شريحاً فِي تِلْكَ الْإِشَارَة فَقَالَ لَهُم وددت لَو أَن الله قطع يَده يومَا وَرجله يَوْمًا وَسَائِر جسده يومَاً يَوْمًا وَلَكِن المستشار مؤتمن وَكَانَ زِيَاد قد جمع النَّاس بِبَاب قصره يعرضهم على لعن عَليّ بن أبي طَالب لعن الله اللاعنَ والعارضَ فَمن أَبى عرضه على السَّيْف وَذكر عبد الرَّحْمَن بن السَّائِب قَالَ حضرتُ فصرت إِلَى الرحبة وَمَعِي جمَاعَة من الْأَنْصَار فَنمت فَرَأَيْت فِي مَنَامِي وَأَنا جَالس فِي جمَاعَة رأيتُ شخصا طَويلا قد أقبل فَقلت من هَذَا قَالَ أَنا النقاد ذُو الرَّقَبَة بعثت إِلَى صَاحب هَذَا الْقصر فانتهيت فَزعًا فَمَا كَانَ إِلَّا مِقْدَار سَاعَة حَتَّى خرج خَارج من الْقصر فَقَالَ انصرفوا فالأمير عَنْكُم مَشْغُول وَإِذا بِهِ قد أَصَابَهُ مَا ذكرنَا من الْبلَاء فِي كَفه وَفِي ذَلِك يَقُول عبد لله بن السَّائِب من أَبْيَات // (من الْبَسِيط) // (مَا كَانَ منتهياً عَمَّا أَرَادَ بِنَا ... حتَّى أُتِيحَ لَهُ النَّقَّادُ ذُو الرَّقَبَهْ) ) فَأَسْقَطَ الشِّقَّ مِنْهُ ضَرْبَةٌ ثَبَتَتْ ... لَمَّا تَنَاوَلَ ظُلْمًا صَاحِبَ الرَّحبهْ) قلت صَاحب الرحبة يُرِيد بِهِ عَليّ بن أبي طَالب لِأَنَّهُ دفن فِي رحبة مَسْجِد الْكُوفَة على أحد الْأَقْوَال فِي مَوضِع قَبره وَقد ذكرت الِاخْتِلَاف فِيهِ فِيمَا تقدم فَهَلَك وَهُوَ ابْن خمس وَخمسين وَدفن بالثومة من أَرض الْكُوفَة لَا رَحمَه الله قَالَ يومَاً لجلسائه من أنعَم النَّاس عَيْشًا قَالُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَيْهَات فَأَيْنَ مَا يَلْقَى من لرعية قَالُوا فَأَنت أَيهَا الْأَمِير قَالَ فَأَيْنَ مَا يَرِدُ علينا من الثغور وَالْخَرَاج بل أنعمهم عَيْشًا من لَهُ سداد من عَيْشٍ وحَظ من دِينٍ وَامْرَأَة حسناءُ رضيها ورضيته لَا يعرفنا وَلَا نعرفه وَلما توفّي زِيَاد قدم ابْنه عبيد الله على مُعَاوِيَة وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة من اسْتعْمل أَبوك على المصرين فَأخْبرهُ فَقَالَ مُعَاوِيَة لَو اسْتعْملت أَبوك لاستعملتك فَقَالَ لَهُ عبيد الله أنْشدك الله أَن يَقُول لي أحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 بعْدك لَو استعملك أَبوك لَا اسْتَعْمَلْتُك فولاه خرسان من الْبَصْرَة سنة خمس وَخمسين ووصاه فَكَانَ من وَصيته اتَّقِ الله وَلَا تؤثرن على تقواه شَيْئا فَإِن فِي تقواه عوضا وَقِ عرضك من أَن تذله وَإِذا أَعْطَيْت عهدا فأوف بِهِ وَلَا تتبعن كثيرا بِقَلِيل وَلَا يخْرجن مِنْك أَمر حَتَّى تبرمه فَإِذا خرج فَلَا يردن عَلَيْك وَإِذا لقِيت عَدوك فَكبر أكبر من مَعَك وقاسمهم على كتب الله وَلَا تطُمعنَّ أحدا فِي غير حَقه وَلَا تؤيسن أحدا من حق هُوَ لَهُ ثمَّ ودَعه وَسَار وَذَلِكَ فِي أول سنة أَربع وَخمسين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة والتحية ذكر أَن مُعَاوِيَة تنَازع إِلَيْهِ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله رَضِي الله عَنهُ فِي أَرض فَقَالَ عَمْرو لأسامة كَأَنَّك تنكرني فَقَالَ لَهُ أُسَامَة مَا يسرني نسبك بولائي فَقَامَ مَرْوَان بن الحكم فَجَلَسَ إِلَى جَانب عَمْرو بن عُثْمَان فَقَامَ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فَجَلَسَ إِلَى جنب أُسَامَة فَقَامَ سعيد بن الْعَاصِ فَجَلَسَ إِلَى جنب مَرْوَان فَقَامَ الْحُسَيْن بن عَليّ فَجَلَسَ إِلَى جنب الْحسن فَقَامَ عبد الله بن عَامر بن كريز بن ربيعَة بن عبد شمس فَجَلَسَ إِلَى جنب سعيد بن الْعَاصِ فَقَامَ عبد لله بن جَعْفَر بن أبي طَالب فَجَلَسَ إِلَى جنب الْحُسَيْن فَقَامَ عبد الرَّحْمَن بن الحكم فَجَلَسَ إِلَى جنب عبد الله بن عَامر فَقَامَ عبد الله ابْن الْعَبَّاس فَجَلَسَ إِلَى جنب عبد لله بن جَعْفَر فَلَمَّا رأى ذَلِك مُعَاوِيَة قَالَ لَا تعجلوا أَن كنت شَاهدا إِذْ أقطعها رَسُول الله أُسَامَة بن زيد فَقَامَ الهاشميون فَخَرجُوا ظَاهِرين وَأَقْبل عَلَيْهِ الأمويون وَقَالُوا هلا كنت أصلحت بَيْننَا قَالَ دَعونِي فو الله مَا ذكرت عيونهم تَحت المغافر بصفين إِلَّا لبس على عَقْلِي وَإِن الْحَرْب أَولهَا نجوى واواسطها شكوى وَآخِرهَا بلوى ثمَّ تمثل بِأَبْيَات عَمْرو بن معدي كرب // (من الْكَامِل) // (أَلْحَربُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّة ... ... ... ... ... ... .) وَقد تقدم ذكرهَا فِي آخر خلَافَة عمر رَضِي لله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَالَ مَا فِي لقلوب يشب الحروب وَالْأَمر الْكَبِير يَبْعَثهُ الْأَمر الصَّغِير وَمِمَّا ذكره المَسْعُودِيّ قَوْله ضحك مُعَاوِيَة ذَات يَوْم ضحكاً ذهب بِهِ كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 مَذْهَب فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لم تضحك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أضْحك الله سنك فَقَالَ مُعَاوِيَة أضْحك من تغور ذهنك يَوْم بارزت عليا وإبدائك سوءتك أمل وَالله يَا عَمْرو لقد واقعت لمنايا وَرَأَيْت الْمَوْت عيَانًا وَلَو شَاءَ لقتلك وَلَكِن أبي ابنُ أبي طَالب فِي أَمرك إِلَّا تكرماً فَقَالَ عَمْرو أما وَالله إِنِّي لعَن يَمِينك حِين دعَاك للبرازِ فاحولت عَيْنَاك وبدا سحرك وبدا مِنْك مَا أكره ذكره فَمن نَفسك فاضحك أَو فدع دخل عبد الله بن عَبَّاس على مُعَاوِيَة وَعِنْده وُجُوه قُرَيْش فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة إِنِّي سَائِلك عَن مسَائِل قَالَ ابْن عَبَّاس سل عَمَّا بدا لَك قَالَ فَمَا تَقول فِي أبي بكر قَالَ رحم الله أَبَا بكر كَانَ وَالله للْفُقَرَاء رحِيما وللقرآن تالياً وَعَن الْمُنكر ناهياً وبربه عَارِفًا وَمن الله خَائفًا وَعَن الشبهاتِ زاجرَاً وبالعروف آمراً وبالليل مُصَليا وبالنهار صَائِما ففاق أَصْحَابه ورعاه وكفافَاً وسادهم زهداً وعفافاً فَغَضب الله على مَن تنقصه أَو طعن فِيهِ قَالَ مَا تَقول فِي عمر قَالَ رحم الله عمر أَبَا حَفْص كَانَ وَالله كَهْف الْإِسْلَام ومأوى الْأَيْتَام ومثنى الْإِحْسَان وَمحل الْإِيمَان وكهف الضُّعَفَاء وَمَعْقِل الصفاء قَامَ بِحَق الله صَابِرًا محتسباً حَتَّى أوضح الدّين وَفتح الْبِلَاد وأمنَ الْعباد فأعقب الله من يبغضه اللَّعْنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ فَمَا تَقول فِي عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ رحم الله عُثْمَان كَانَ وَالله أكرمَ الخَفَرَة وَأفضل البررة هجاداً بالأسحار كثير الدُّمُوع عِنْد ذكر النَّار نهاضاً إِلَى كل مكرمَة سباقا إِلَى كل فنجيه حَيِياً وفياً صَاحب جَيش الْعسرَة وختَنَ رسولِ الله فأعقب الله من طعن عَلَيْهِ لعنة اللاعنين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ فَمَا تَقول فِي عَلِي بن أبي طَالب قَالَ رحم الله عليا كَانَ وَالله علم الْهدى وكهف التقى وَبدر الحجى وبحر الندى وطود النهى وكهف الورى دَاعيا إِلَى الْحجَّة الْعُظْمَى مستمسكاً بالعروة الوثقى خير من آمن وَاتَّقَى وَأفضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 من تقمص وارتدى وَأحب من انتعل وسعى وأفصح من تنصت وقرا وأكبر من شهد النَّحْوِيّ سرى الْأَنْبِيَاء وَالنَّبِيّ المصطفَى صَاحب الْقبْلَتَيْنِ فَهَل يوازيه أحد وَأَبُو السبطين فَهَل يُقَارِبه بشر زَوجته خير النسوان فَهُوَ بفرقه فَاضل وَهُوَ للأسود قتال وَفِي الحروب يختال لم تَرَ عَيْني مثله فعلى من تَنَقصَهُ لعنة الله والعباد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ مُعَاوِيَة يَا بن عَبَّاس قد أكثرت فِي ابْن عمك فَمَا تَقول فِي أَبِيك الْعَبَّاس فَقَالَ رحم الله أَبَا الْفضل كَانَ صنو نَبِي لله وقرة عين صفي الله سيد الْأَعْمَام وَله أَخْلَاق آبَائِهِ الأمجاد وأحلام أجداده الأجواد تَبَاعَدت الْأَسْبَاب عِنْد فَضله صَاحب الْبَيْت والسقاية والمشاعِرِ والتلاوة وَلم لَا يكون كَذَلِك وَهُوَ يشابه أكْرم من دَب وهَب عبد الْمطلب فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا بن عَبَّاس أشهد أَنَّك بنيه أهل بَيْتك قَالَ ابْن عَبَّاس وَلم لَا أكون كَذَلِك وَقد قَالَ لي رَسُول الله اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ أتيت مُعَاوِيَة وَقد قعد على سَرِيره وَجمع أَصْحَابه ووفود الْعَرَب عِنْده فدخلْتُ وسلمت وَقَعَدت فَقَالَ مُعَاوِيَة من النَّاس يَابْنَ عَبَّاس فَقلت نَحن قَالَ فَإِذا غبتم قلت فَلَا أحد قَالَ ترى أَنِّي قعدت هَذَا المقعد بكم قلت نعم فبمن قعدت قَالَ بِمن كَانَ مثل حَرْب بني أُميَّة قلت من أكفأ عَلَيْهِ إنائه قَالَ وَأَجَارَهُ بردائه قَالَ فَغَضب وَقَالَ وارِ شخصك عني شهرا فقد أمرتُ لَك بصلتك وأضعفتها لَك فَلَمَّا خرجت قلت لخاصته أَلا تَسْأَلُونِي مَا الَّذِي أغضب مُعَاوِيَة قَالُوا بلَى فَقل بِفَضْلِك قَالَ إِن أَبَاهُ حَربًا لم يلتق أحد من رُؤَسَاء قُرَيْش فِي عقبَة وَلَا مضيق مَعَ قوم إِلَّا لم يتَقَدَّم على الْحَرْب أحدا حَتَّى يجوزه أَولا فَالتقى حَرْب مَعَ رجل من بني تَمِيم فِي عقبَة فتقدمه التَّمِيمِي فَقَالَ حَرْب أَنا حَرْب بن أُميَّة فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ التَّمِيمِي وَجَاز قبله فَقَالَ حَرْب موعدك مَكَّة فبقى التَّمِيمِي دهراً ثمَّ أَرَادَ دُخُول مَكَّة فَقَالَ من يجيرني مِنْ حَرْب بن أُميَّة فَقَالُوا عبد الْمطلب فَقَالَ التَّمِيمِي عبد الْمطلب أجل قدرا من أَن يجير عَليّ حَرْب فَأتى لَيْلًا دَار الزبير بن عبد الْمطلب فدق عَلَيْهِ الْبَاب فَقَالَ الزبير لِأَخِيهِ الغيداق قد جَاءَنَا رجل إِمَّا طالبُ حَاجَة وَإِمَّا طالبُ قِرى وَإِمَّا مستجير وَقد أعطيناه مَا أَرَادَ فَخرج إِلَيْهِ الزبير فَقَالَ منشدَاً // (من الْكَامِل) // (لاقَيْتُ حَرْبًا فِي الثَّنِيَّةِ مُقْبِلاُ ... والصُّبْحُ أبلَجُ ضَوْءَهُ للسَّارِي) (فَدَعا بصَوْتٍ واكْتَنَى لِيَرُوعَنِي ... وَدَعَا بِدَعْوَتِهِ يُرِيدُ فَجَارِي) (فتركْتُهُ كالكَلْبِ يَنْبَحُ وَحْدَهُ ... وأتيْتُ أَهْلَ معالِم وفَخَارِ) (ليثاً هِزَبْرًا يُسْتَجَارُ بقُربِهِ ... رَحْبَ المَبَاءَةِ مُكْرِمًا للجاَرِ) (ولَقَدْ حَلَفْتُ بمكَّةٍ وبِزمزمٍ ... والبيتِ ذِي الأحجَارِ والأسترِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 (إِنَّ الزبيرَ لَمَانِعِي مِنْ خَوْفِهِ ... مَا كَبَّر الحُجَّاجُ فِي الأَمْصَارِ) فَقَالَ الزبير تقدم فَإنَّا لَا نتقدَم من نجيره فَتقدم التَّمِيمِي فَدخل الْمَسْجِد التَّمِيمِي فَرَآهُ حَرْب فَقَامَ إِلَيْهِ فَلَطَمَهُ فَحمل عَلَيْهِ الزبير بِالسَّيْفِ فَعدا حَتَّى دخل دَار عبد الْمطلب فَقَالَ أجرني من الزبير فأكفأَ عَلَيْهِ جفنةّ كَانَ أَبوهُ هَاشم يطعم فِيهَا النَّاس فبقى تحتهَا سَاعَة ثمَّ قَالَ لَهُ اخْرُج فَقَالَ كَيفَ أخرج وَسَبْعَة من ولدك قد احتبوا بسيوفهم على الْبَاب فَألْقى عَلَيْهِ عبد الْمطلب رداءَ كَانَ كَساهُ إِيَّاه سيفُ ذُو يزن لما قَدِمَ عَلَيْهِ لَهُ طرتان خضراوان فَخرج عَلَيْهِم بِهِ فَعَلمُوا أَنه قد أجاره فَتَفَرَّقُوا عَنهُ وَحضر مرّة مجْلِس مُعَاوِيَة هُوَ وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَأقبل عبد الله بن جَعْفَر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ ابْن الْعَاصِ قَالَ قد جَاءَكُم رجل كثير الخلوات بالتمني والمطربات بالتغني يحب القيان كثير مزاحه شَدِيد طماحه صروف عَن السنان ظَاهر الطيش لين الْعَيْش أخاذ بِالسَّيْفِ منفاق بالسرف فَقَالَ ابْن عَبَّاس كذبت وَالله أنتَ وَلَيْسَ كَمَا ذكرت وَلكنه لله ذُكُور ولنعمائه شكور وَعَن الْخَنَا زجور جواد كريم سيد حَلِيم ماجد لهيم إِن ابْتَدَأَ أصَاب وَإِن شئل أجَاب غير حصر وَلَا هياب وَلَا فحاش عياب حل من قُرَيْش فِي كريم النّصاب كالهزبر الضرغام الجريء الْمِقْدَام فِي الْحسب القمقام لَيْسَ يدعى لدعي وَلَا يدنى لدني كمن اخْتصم فِيهِ من قُرَيْش شِرَارهَا فغلب عَلَيْهِ جزارها فَأصْبح ألأمها حسباً وَأَدْنَاهَا منصباً ينوء مِنْهَا بالذليل ويأوي مِنْهَا إِلَى الْقَلِيل مذبذب بَين الْحَيَّيْنِ كالساقط ين الفراشين لَا الْمُضْطَر إِلَيْهِم عرفوه وَلَا الظاعن عَنْهُم فقدوه فليت شعري بِأَيّ قدم تتعرض للرِّجَال وَبِأَيِّ حسب تبارز عِنْد النضال أبنفسك فَأَنت الوغد الزنيم أم بِمن تنتمي إِلَيْهِ فَأهل السَّفه والطيش والدناءة فِي قُرَيْش لَا بشرف فِي الْجَاهِلِيَّة شهروا وَلَا بقديم فِي الْإِسْلَام ذكرُوا غير أَنَّك تَتَكَلَّم بِغَيْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 لسَانك وتنطق بالزور بِغَيْر أركانك وَالله لَكَانَ أبين للفضل وَأظْهر للعدل أَن ينزلك مُعَاوِيَة منزلَة العَبْد الْحقيق فَإِنَّهُ طالما أسلس دلوك وطمح بك رجاؤك إِلَى الْغَايَة القصوى فَقَالَ عبد الله بن جَعْفَر لِابْنِ عَبَّاس أَقْسَمت عَلَيْك لَمَا أَمسَكت فَإنَّك عني ناضلت ولي فاوضت فَقَالَ ابْن عَبَّاس دَعْنِي وَالْعَبْد فَإِنَّهُ قد كَانَ يهدر خَالِيا إِذْ لَا يجد رامياً قد أتيح لَهُ ضيغم شرس للأقران مفترس وللأرواح مختلس فَقَالَ ابْن الْعَاصِ لمعاوية دَعْنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنتصف مِنْهُ فوَاللَّه مَا ترك شَيْئا فَقَالَ ابْن عَبَّاس دَعه فَلَا يبْقى المبقى إِلَّا على نَفسه فوَاللَّه إِن قلبِي لشديد وَإِن جوابي لعتيد وَبِاللَّهِ الثِّقَة كَمَا قَالَ نَابِغَة بني ديبان // (من الوافر) // (وَقَبْلَكَ مَا قَذَعْتُ وقَاذَعُونيِ ... فَمَا نزر الكَلاَمُ وَمَا شَجَانِي) ) يَصُدُّ الشّاَعِرُ العَرَّافُ عَنِّي ... صُدُودَ الْبَكْرِ عَنْ قَدَمٍ هجَانِ) وَلما بلغ غانمة بنت غَانِم القرشية سبّ مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ بني هَاشم قَالَت لأهل مَكَّة أَيهَا النَّاس إِن قُريْشًا سادَت فجادت وملكَت فملكَتْ وفضلت ففضلت واصطفيت فاصطفت لَيْسَ فِيهَا كدر عيب وَلَا أفن ريب وَلَا حسروا طاغين وَلَا جادوا نادمين وَلَا المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين إِن بني هَاشم أطول النَّاس باعاً وأمجد النَّاس أصلا وأوسع النَّاس حلماً وَأكْثر النَّاس عَطاء منا عبد منَاف الَّذِي يَقُول فِيهِ الشَّاعِر // (من الْكَامِل) // (كَانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فتفلَّقَتْ ... فَالمُحُّ خَالِصُهَا لِعَبْدِ منافِ) وَولده هَاشم الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيد لِقَوْمِهِ وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الْكَامِل) // (عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لقَوْمِهِ ... ورجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ) ثمَّ منا عبد الْمطلب الَّذِي سُقِينَا بِهِ الْغَيْث وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الْكَامِل) // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 (وَنحن سنى الْمحل قَامَ شفيعنا ... بِمَكة يَدْعُو والمياه تغور) وَابْنه أَبُو طَالب عَظِيم قُرَيْش وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الْكَامِل) // (أُنْبِئْتُهُ مَلكًا فَقَامَ بحَاجَتِي ... وَترى العُلَيِّجَ خَاسِئًا مَذْمُوم) وَمنا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أردفه رَسُول الله وَأَعْطَاهُ مَاله وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (رَديفُ رَسُولِ الله لم أَرَ مثلَهُ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى القيَامَةِ يُوجَدُ) وَمنا حَمْزَة سيد الشُّهَدَاء وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الوافر) // (أَبَا يَعْلَي لَكَ الأرْكَانُ هدَّتْ ... وأَنْتَ الماجدُ البَرُّ الوَصُولُ) وَمنا جَعْفَر ذُو الجناحَين أحسن النَّاس حسباً وأتمهم كمالاَ لَيْسَ بغدار وَلَا ختال بدله الله تَعَالَى بِكُل يَد جنَاحا يطير بهما فِي الْجنَّة وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (فَهاتُوا محاكي جَعْفَرٍ وَعَليَّنَا ... أَلَسْنَا أَعَزَّ النَّاسِ عِنْدَ الحقائِقِ) وَمنا أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَفرس بني هَاشم وَأكْرم من احتفى وانتعل بعد رَسُول الله وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (وَهَذَا عَليٌّ سَيِّدُ النَّاسِ فَاتَّقُوا ... عَليُّا بِإِسْلاَمٍ تَقَدَّمَ مِنْ قَبْلُ) وَمنا الْحسن بن عَليّ سبط رَسُول الله وَسيد شباب أهل الْجنَّة وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الوافر) // (وَمَنْ يَكُ جَدُّهُ حَقاً نَبِيًّا ... فَإِنَّ لَهُ الفَضِيلَةَ فِي الأَنَامِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وَمنا الْحُسَيْن بن عَليّ حمله جِبْرِيل على عَاتِقه وَكفى بذلك فخرَاً وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (نَفَى عَنْهُ عَيْبَ الآدَمِيَّينَ رَبُّهُ ... وَمَن جَدُّهُ جَدُّ الحُسَيْنِ المُطَهَّرُ) ثمَّ قَالَت يَا معشر قُرَيْش الْآدَمِيّين وَالله مَا مُعَاوِيَة بأمير الْمُؤمنِينَ وَلَا هُوَ كَمَا يزْعم هُوَ وَالله شأني رَسُول الله وَإِنِّي آتِيَة مُعَاوِيَة وقائلة لَهُ مَا يعرق مِنْهُ جَبينه وَيكون مِنْهُ أنينه فَكتب عَامل مُعَاوِيَة إِلَيْهِ بذلك فَلَمَّا بلغ مُعَاوِيَة أَن غانمة قربت مِنْهُ أَمر بدار ضِيَافَة فنظفت وَألقى فِيهَا فرش فَلَمَّا دنت من الْمَدِينَة اسْتَقْبلهَا يزِيد فِي حشمه ومماليكه فَلَمَّا دخلت الْمَدِينَة نزلت دَار أَخِيهَا عَمْرو بن غَانِم فَقَالَ لَهَا يزِيد إِن أَبَا عبد الرَّحْمَن يَأْمُرك أَن تصيري إِلَى ضيافته وَكَانَت لَا تعرف يزِيد فَقَالَت من أَنْت كلأك الله قَالَ يزِيد بن مُعَاوِيَة قَالَت فَلَا رعاك الله يَا نَاقص لست بزائد فتمعَّر لون يزِيد فَأتى أَبَاهُ فَأخْبرهُ فَقَالَ هِيَ أسن قُرَيْش وأعظمهم حَالا قَالَ يزِيد كم تعدُّ لَهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ كَانَت تعد على عهد رَسُول الله أَرْبَعمِائَة عَام وَهِي بَقِيَّة الْكِرَام فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَتَاهَا مُعَاوِيَة فَسلم عَلَيْهَا فَقَالَت على أَمِير الْمُؤمنِينَ السَّلَام وعَلى الْكَافرين الهوان ثمَّ قَالَت مَنْ مِنْكُم ابْن الْعَاصِ قَالَ عَمْرو هانذا فَقَالَت لَهُ رَأَيْتُك تسب قُريْشًا وَبني هَاشم وَأَنت أهل السب وفيك السب وَإِلَيْك يعود السبُّ يَا عَمْرو إِنِّي وَالله لعارفة بعيوبك وعيوب أمك وَإِنِّي أذكر لَك ذَلِك عيبَاً عَيْبا وُلدْتَ من أمة سَوْدَاء مَجْنُونَة حمقاء تبول من قيام وتعولها اللئام إِذا لَا مَسهَا الْفَحْل كَانَت نطفتها أنفذ من نطفته ركبهَا فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعُونَ رجلا وَمَا أَنْت فقد رَأَيْتُك غاويَاً غير رَاشد ومفسداً غير مصلح وَلَقَد رَأَيْت فَحل زَوجتك على فراشك فَمَا غرت وَلَا أنْكرت وَأما أَنْت يَا مُعَاوِيَة فَم كنت فِي خير وَلَا ربيب فِي نعْمَة فَمَا لَك وَبني هَاشم أنساء أُميَّة كنسائهم أم أعْطى أُميَّة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مَا أعْطى هَاشم فكفي فخراً برَسُول الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 فَقَالَ مُعَاوِيَة أيتها الْكَبِيرَة أَنا كَاف عَن هَاشم قَالَت فَإِنِّي أكتب عَلَيْك عهدا فقد كَانَ النَّبِي دَعَا ربه أَن يستجيب لي خمس دَعَوْت فأجعل تِلْكَ الدَّعْوَات كُله فِيك فخاف مُعَاوِيَة وَحلف لَهَا أَلا يسب بني هَاشم أبدَاً فَهَذَا آخر مَا كَانَ من أمرهَا مَعَه قيل قَالَ رجل من قُرَيْش مَا أَظن مُعَاوِيَة أغضبهُ شَيْء قطّ فَقَالَ بَعضهم إِن ذكرت أمه غضب فَقَالَ مَالك ابْن أَسمَاء الْقرشِي أَنا أغضبهُ إِن جعلتم لي جُعْلا فَفَعَلُوا فَأَتَاهُ فِي الْمَوْسِم فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن عَيْنَيْك لتشبهان عينَي أمك قَالَ نعم كَانَتَا عينين طالما أعجبتا أَبَا سُفْيَان ثمَّ دَعَا مُعَاوِيَة مَوْلَاهُ شقران فَقَالَ لَهُ أعدد لأسماء دِيَة ابْنهَا فَإِنِّي قد قتلته وَهُوَ لَا يدْرِي فَرجع وَأخذ الْجعل فَقيل لَهُ إِن أتيت عَمْرو بن الزبير فَقلت لَهُ مثل مَا قلت لمعاوية أعطيناك كَذَا وَكَذَا فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِك فَأمر بضربه حَتَّى مَاتَ فَبلغ مُعَاوِيَة مَوته فَقل أَنا وَالله قتلته وَبعث إِلَى أمه بِتِلْكَ الدِّيَة الَّتِي أعدهَا وَأَنْشَأَ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (أَلاَ قُلْ لأَسْمَاءِ المُنى أُم مَالِكٍ ... فَإِني لَعَمْرُ الله أَهْلَكْتُ مَالِكَا) وَقيل لِشَرِيك القَاضِي إِن مُعَاوِيَة كَانَ حَلِيمًا فَقَالَ كلا وَالله لَو كَانَ حَلِيم لما سفه الْحق وَقَاتل عَلِياً عَلَيْهِ السَّلَام وَلما مَاتَ سعيد بن الْعَاصِ وَفد ابْنه عَمْرو على مُعَاوِيَة فاستنطقه فَقَالَ إِن أول كل مركب صَعب وَإِن مَعَ أمس غَدا فَقل لَهُ مُعَاوِيَة من أوصى بك أَبوك فَقَالَ إِنَّه أوصى إليَ وَلم يُوصِ بِي فَقَالَ مُعَاوِيَة إِن ابْن سميَّة هَذَا لأشدق فُسمي عَمْرو الْأَشْدَق من ذَلِك الْيَوْم وَدخل ملك بن هُبَيْرَة السَّلُولي على مُعَاوِيَة وَكَانَ شَيخا كبيرَاً فأجلسه فحرك رجله فَمدَّهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة لَيْت لنا جَارِيَة لَهَا مثل ساقيك فَقَالَ مُتَّصِلا وبمثل عجيزتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَخَجِلَ مُعَاوِيَة وَقَالَ وَاحِدَة بِوَاحِدَة وَدخل عَلَيْهِ شريك بن الْأَعْوَر فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أَنْت شريك وَمَا لله من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 شريك وَابْن الْأَعْوَر وَالصَّحِيح خير من الْأَعْوَر وَإنَّك لدميم والوسيم خير من الدميم فَبِمَ سَودَكَ قَوْمك فَقَالَ لَهُ شريك إِنَّك لمعاوية وَمَا مُعَاوِيَة إِلَّا كلبة عوت فاستعويت فسميت مُعَاوِيَة وَإنَّك ابْن حَرْب وَالسّلم خير من الْحَرْب وَإنَّك ابْن صَخْر والسهل خير من الصخر وَإنَّك ابْن أُميَّة وَمَا أُميَّة إِلَّا أمة صغرت فَبِمَ صرت أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا خرجت عني فَخرج وَهُوَ يَقُول // (من الوافر) // (أَيَشْتُمُنِي مُعَاوِيَةُ بنُ حَربِ ... وَسَيفي صَارِم ومَعِي لسانِي) (وَحَولِي مِنْ ذَوِي يَمَنٍ لُيُوث ... ضراغمة تَهَشُ إِلَى الطعانِ) وَقَالَ أربيت على عَليّ فِي أَربع خِصَال كَانَ رجلا سره علنه ومنت كتوماً لأمري وَكَانَ لَا يسْعَى حَتَّى يفجأه لأمر وَكنت أبادر ذَلِك وَكَانَ فِي أَخبث جند وأشدهم ختلا وَكنت فِي أطوع جند وَكنت أحب مِنْهُ إِلَى قُرَيْش فَثَابَ إِلَيّ مَا شِئْت من جائح وتفرق عَنهُ وَدخل يَوْمًا على امْرَأَته مَيْسُونُ بنت بَحْدَل أم يزِيد وَمَعَهُ خَصي فاستترت مِنْهُ فَقَالَ لم ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة امْرَأَة فَقَالَت كَأَنَّك ترى أَن مُثلَتَكَ بِهِ تحلل مَا حرم الله عَلَيْهِ مِني وروى أَن عدي بن حَاتِم دخل على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة يَا عدي أَيْن الطرفات يَعْنِي بنيه طارفاً وطريفاً وطرفةَ قَالَ قتلوا يَوْم صفّين بَين يدَي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ مُعَاوِيَة مَا أنصفك ابْن أبي طَالب إِذْ قدم بَيْنك وَأخر بنيه فَقَالَ عدي بل مَا أنصفت أَنا عليا إِذْ قُتِلَ وبقيتُ قيل قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لمعاوية يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مابقي من شبابك وتلذذك قل وَالله مَا بقى شَيْء يُصِيبهُ النَّاس من الدُّنْيَا إِلَّا وَقد أصبته أما النِّسَاء فَلَا أرب لي فِيهِنَّ وَلَا لَهُنَّ وَأما الطّيب فقد شممته حَتَّى مَا أُبَالِي بِهِ وَأما الطَّعَام فقد طعمت الحلو والحامض حَتَّى لَا أجد فرق مَا بَينهمَا وَأما الثِّيَاب فقد لبست من لينها وجيدها حَتَّى مَا أُبَالِي مَا ألبس فَمَا شَيْء ألذ عِنْدِي من شربة مَاء بَارِد فِي يَوْم صَائِف ونظري إِلَى بني وَبني بني يدرجون حَولي فَأَنت يَا عَمْرو مَا بَقِي من لذتك قَالَ أَرض أغرسها وآَكل من ثَمَرَتهَا وأنتفع بغلتها ثمَّ الْتفت مُعَاوِيَة إِلَى وردان مولى عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ يَا وردان مَا بَقِي من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 لذتك قَالَ صنائع كَرِيمَة أعقدها فِي عنَاق الرِّجَال لَا يكافئوني عَلَيْهَا تكون لأعقابي من بعدِي فَقَالَ مُعَاوِيَة تَباً لهَذَا الْمجْلس يغلبنا عَلَيْهِ هَذَا العَبْد وعَلى هَذَا الذّكر قَالَ قُتَيْبَة بن مُسلم لوكيع بن الْأسود مَا السرُور قَالَ لِوَاء منشور وجلوس على السرير وَالسَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَمِير وَقيل لحصين بن الْمُنْذر مَا السرُور قَالَ مرأة حسناء فِي دَار قوراء وَفرس بالفناء وَقيل لبَعْضهِم أَي الْأُمُور أمتع قَالَ الْأَمَانِي فَلَيْسَ سرُور النَّفس بالجدة إِنَّمَا سرورها بالأمل والمنى وَأنْشد // (من الْبَسِيط) // (إِذَا تَمَنَّيْتُ بِتُّ اللَّيْلَ مُغْتَبِطًا ... إِنَّ المُنَى رأْسُ أَمْوَالِ المَفَالِيسِ) (لَوْلاَ المُنَى متُّ مِن هَمِّ ومِنْ جَزَعٍ ... إِذا تذكَّرْتُ مَا فِي داخلِ الكِيسِ) وَقيل لعبد الله بن الْأَهْتَم مَا السرُور قَالَ رفع الْأَوْلِيَاء وَحط الْأَعْدَاء وَقَالَ بَعضهم السرُور توقيع نَافِذ وَأمر جَائِز وَقيل لطرفة بن لعبد مَا السرُور فَقَالَ مطعم شهي ومركب وطي وملبس دفي وَقيل للأعشى مَا السرُور فَقَالَ صهباء صَافِيَة تمزجها غانية بِصَوْت غادية وَقيل لِمَعْنٍ مَا السرُور فَقَالَ مجْلِس يقل هذره وعود يصفو وتره وعقول تفهم مَا أَقُول وَقيل لمظلوم مَا السرُور فَقَالَ كِفَايَة ووطن وسلامة وَسكن وَقيل لبَعض الْعَرَب مَا السرُور فَقَالَ ينون أغبظ بهم عداتي وَلَا تقرع مَعَهم صفاتي وَقيل لفتاة مَا السرُور فَقَالَت زوج يمْلَأ قلبِي جلالاَ وعيني جمالا وفنائي جِمالا وَقيل لطفيلي مَا السرُور فَقَالَ ندامى تسكن صُدُورهمْ وتغلي قدورهم وَلَا تغلق دُورهمْ وَقيل لقانص مَا السرُور فَقَالَ قسي مأطورة وشرعة مشرورة ونبال مطرورة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وَقَالَ الشَّاعِر // (من الْخَفِيف) // (أطْيَبُ الأطيباتَ قتْلُ الأَعادِي ... واخْتيَالٌ عَلى مُتُونِ الجَيادِ) (وَأَيادٍ تَحْبُو بِهنَّ كَرِيمًا ... إِنَّ عندَ الكَريمِ تزكُو الأَيَادِي) ) ورسولٌ يَأْتِي بِوَعْدِ حبِيبٍ ... وَحَبِيبٌ يَأُتِي بِلاَ مِيعَادِ) وَقل الآخر // (من الْخَفِيف) // (أَطْيبُ الطْيبَاتَِأمْرٌ ونهْىٌ ... لَا يُرَدَّانِ فِي الأمورِ الجِسَامِ) (وامتطاءُ الخُيُولِ فِي كَنَفِ الأَمنِ ... بِغَيْرَ الإِقدامِ والإِحجامِ) (وَسماع الصَّهِيلِ فِي لجبِ المَوكبِ ... تحتَ اللِّوَاءِ والأعلامِ) وَقَالَ الآخر // (من الْخَفِيف) // (أَطيبُ الأطيباتِ طيبُ الزمانِ ... وندامَى المُنعَّمَاتِ الغَوانِي) (واحتساءُ العُقارِ فِي غُرَّةِ الصُّبْحِ ... على شَدْوِ مَاهِرَاتِ القِيَانِ) (وأَمَانٌ مِن الهُمُومِ وَمَالٌ ... لَيْسَ يُفْنِيهِ نَائِبُ الحَدَثَانِ) وَلَقَد خرج بِنَا الاستطراد إِلَى غير المرد فنعود فَنَقُول وَقدم زِيَاد ابْن أَبِيه على مُعَاوِيَة فَلَمَّا طَال بِهِ الْمجْلس حَدثهُ بِحَدِيث فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة كذبت فَقَالَ زِيَاد مهلاَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فوَاللَّه مَا حللت للْكَلَام حبوة إِلَّا على بيعَة الصدْق وَلم أكذب وحياة الْكَذِب عِنْدِي موت الْمُرُوءَة فاستحياه مُعَاوِيَة وَقَالَ يغْفر الله لَك يَا أخي فَكَأَنِّي أرى بك حَرْب بن أُميَّة فِي جميل شميه وكرم أخلاقه وَحكى عَن مُعَاوِيَة أَنه قعد للنَّاس فِي يَوْم عيد وَوضعت الموائد وَبدر الدَّرَاهِم للجوائز والصلات فجَاء رجل فَقعدَ على كيس دَنَانِير وَالنَّاس يَأْكُلُون فصاح بِهِ الخدم تنحَ فَلَيْسَ لَك هَذَا بِموضع فَقَالَ مُعَاوِيَة دعوا الرجُلَ يجلس حَيْثُ أحبَّ فَأخذ الْكيس وَقَامَ فَلم يَجْسُر أحد أَن يدنو مِنْهُ فَقَالَ الخدم إِنَّه قد نقص من المَال كيس فَقَالَ مُعَاوِيَة أَنا صَاحبه وَهُوَ مَحْسُوب لكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 ويحكي عَن مُعَاوِيَة بَيْنَمَا هُوَ يسير وشرحبيل بن لسمراء يسايره إِذْ راثَتْ فرس شُرَحْبِيل فساءه ذَلِك فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَبَا يزِيد إِنَّه يُقَال إِن الهامة إِذا عظمتْ دلتْ على وفور الدِّمَاغ وَصِحَّة الْعقل قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا هامتي فَإِنَّهَا عَظِيمَة وعقلي ضَعِيف نَاقص فَتَبَسَّمَ مُعَاوِيَة وَقَالَ كَيفَ ذَاك لله أَنْت قَالَ لإعلافي دَابَّتي مكوكين من شعير فَتَبَسَّمَ مُعَاوِيَة أَيْضا وَحمله على فرس من مراكبه قَالَ صَاحب كتاب المحاسن والمساوئ قيل لمعوية من رَأَيْت شَرّ النَّاس فَقَالَ عَلْقَمَة بن وَائِل الْحَضْرَمِيّ قدم على رَسُول الله فَأمرنِي ن أَنطلق بِهِ إِلَى رجل من الْأَنْصَار أنزلهُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقت مَعَه وَهُوَ على نَاقَته وَأَنا مشي فِي سَاعَة شَدِيدَة الْحر وَلَيْسَ برجلي حذاء فَقلت احملني يَا عَم من هَذَا الْحر فَإِنَّهُ لَيْسَ على حذاء قَالَ لست من أرْدف الْمُلُوك قلت أَنا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ قد سَمِعت رَسُول الله يَقُول ذَلِك فَقلت ألق إِلَيّ نعليك قَالَ لَا تقلهما قدمك وَلَكِن امش فِي ظلّ نَاقَتي وَكَفاك بذلك شرفاً وَإِن الظل لَك كثير قَالَ مُعَاوِيَة فَمَا مرَ بِي مثل ذَلِك الْيَوْم ثمَّ أدْرك سلطاني فَلم أؤاخذه بذلك بل أجلسته على سَرِيرِي هَذَا وقضيت حَوَائِجه انْتهى كَانَ صعصعة بن صوحان وَأَخُوهُ زيد وَقيل يزِيد بن صوحان وَكِلَاهُمَا شيعَة عَليّ من الفصحاء البلغاء دخل صعصعة على مُعَاوِيَة فَسَأَلَهُ مَا السؤدد فِيكُم قَالَ إطْعَام الطَّعَام ولين الْكَلَام وبذل النوال وكف النَّفس عَن السُّؤَال والتودد للصَّغِير وَالْكَبِير وَأَن يكون النَّاس عنْدك شرعا ثمَّ قَالَ مَا الْمُرُوءَة والسيادة قَالَ أَخَوان اجْتمعَا فَإِن لقيا قهرا وَإِن كَانَ بَينهمَا قَلِيل وصاحبهما جليل محتاجان إِلَى صِيَانة ونزاهة ودماثة وفراهة قَالَ فَهَل تحفظ فِي ذَلِك شَيْئا قَالَ نعم أما سَمِعت قَول مرّة بنِ ذهل الشَّيْبَانِيّ حَيْثُ يَقُول // (من الْكَامِل) // (إنَّ السِّادة والمُرُوءَةَ عُلِّقَا ... حَيْثُ السِّمَاكُ من السماءِ الأعزلُ) (وَإذَل تَقابلَ يجريانِ لغايةٍ ... عَثر الهَجِيْنُ وأَسْلَمَتْهُ الأَرْجُلُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 (ونجَا الصريحُ مَعَ الغِياثِ مُعوَّدًا ... قربَ الجيادِ ولمْ يجِئْهُ الأَفْكلُ) قَالَ مُعَاوِيَة لَو أَن رجلا ضرب آَباط الْإِبِل شرقاً وغرباً لفائدة هَذِه الأبيات مَا عفته ثمَّ قَالَ لَهُ فَمن الْحَلِيم قَالَ من ملك غَضَبه فَلم يَجْعَل وَأوحى إِلَيْهِ بِحَق أَو بَاطِل فَلم يقبل ذَلِك الْحَلِيم يَا مُعَاوِيَة ثمَّ قَالَ لَهُ فَمن الْفَارِس فِيكُم الشجاع حد لي فِيهِ حَداً أسمعهُ مِنْك فَإنَّك تضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا يَابْنَ صوحان قَالَ الْفَارِس من قصر أَجله فِي نَفسه وضغم عَن أمله بضرسه وَكَانَت الْحَرْب عَلَيْهِ يَوْمه أَهْون من أمسه ذَلِك الْفَارِس إِذا أوقدت الْحَرْب وَاشْتَدَّ بالأنفس الكرب وتداعوا للنزال وتسارعوا لِلْقِتَالِ وتخالسوا المهَج واقتحموا بِالسُّيُوفِ اللجج قَالَ مُعَاوِيَة زِدْنِي قَالَ نعم الْفَارِس كثير الحذر يردد النّظر يلْتَفت بِقَلْبِه وَلَا يُدِير خَرَزَات صلبه قَالَ أَحْسَنت يَا بن صوحان فَهَل فِي مثل هَذِه الصّفة من شعر قَالَ نعم لزهير بن جناب الْكَلْبِيّ قَوْله // (من الْخَفِيف) // (فارسٌ يَكْلأُ الصَّحَابَة مِنْهُ ... بِحُسَامٍ يمرُّ مَرَّ الحرِيقِ) (لاَ تَرَاهُ يَوْمَ الوَغَى فِي مَجَالٍ ... يُغْفِلُ الضَّرْبَ لاَ وَلاَ فِي المَضِيقِ) (مَنْ يَرَاهُ يَخَلْهُ فِي الحربِ يَومًا ... أَنه تَائِهٌ مُضِلُّ الطَّرِيقِ) وَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أَحْسَنت كل الحسُن يَا بن صوحان وَمن حسن سياسات مُعَاوِيَة أَن رجلا من أهل الْكُوفَة قدم دمشق على بعير لَهُ بعد منصرفهم من صفّين فَتعلق بِهِ رجل من أهل دمشق وَقَالَ هَذِه نَاقَتي أخذت مني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 بصفين فَرفع أَمرهمَا إِلَى مُعَاوِيَة فَأَقَامَ الدِّمَشْقِي خمسين رجلا يشْهدُونَ أَنَّهَا نَاقَته فَقضى مُعَاوِيَة على الْكُوفِي وَأمره بِتَسْلِيم النَّاقة فَقَالَ الْكُوفِي أصلحك الله إِنَّمَا هُوَ جمل وَلَيْسَ بِنَاقَة فَقَالَ مُعَاوِيَة هَذَا حكم مضى ودس إِلَى الْكُوفِي من أحضرهُ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن ثمن بعيره فَدفع إِلَيْهِ ضعف ثمنه وبره وَأحسن إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أبلغ عليا أَنِّي أقاتله بِمِائَة ألف مَا فيهم من يفرق بَين النَّاقة والجمل وَلَقَد بلغ من طاعتهم لَهُ أَنه صلى بهم عِنْد مسيره إِلَى صفّين الْجُمُعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وأعاروه رُءُوسهم عِنْد الْقِتَال وجملوه بهَا هَكَذَا ذكره المَسْعُودِيّ فِي مروجه ثمَّ انْتهى بهم الْحَال إِلَى أَن جعلُوا لَعنَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم الله وَجهه سُنَة ينشأ عَلَيْهَا صَغِيرهمْ وَيهْلك عَلَيْهَا كَبِيرهمْ أَقُول انْظُر إِلَى هَذَا النَّقْل من المَسْعُودِيّ هَل يخرج إِلَّا من قلب مبغض وَيدخل إِلَّا فِي أذن مبغض سبما صلَاته بهم الْجُمُعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء أَي معنى فِيهِ لَهُ هَب أَن مَا عداهُ على تَقْدِير صِحَّته لَهُ غَرَض فِيهِ وَأما نِسْبَة الصَّلَاة فَلَيْسَ الْقَصْد بهَا إِلَّا نسبته إِلَى الاستخفاف بِالدّينِ والتلاعب بعماده الَّتِي هِيَ أعظَمُ رُكْنه المكين وَقد علمت أ، المَسْعُودِيّ هُوَ من هُوَ وَإِذا كَانَ اعْتِقَادهم فِي الشَّيْخَيْنِ وحاشاهما ارتدادهما وهما من هما فَمَا ظَنك بسواهما وَذكر بعض الإخباريين أَنه قَالَ لرجل من هَل الشَّام من زعمائهم وَهل الرَّأْي مِنْهُم من أَبُو تُرَاب هَذَا الَّذِي يلعنه الإِمَام على الْمِنْبَر فَقَالَ الشَّامي أرَاهُ إِمَّا لِصُّاً من لصوص الْقَيْن أَو من قطاع الطَّرِيق وَحكى الجاحظ أَنه قَالَ لرجل من أهل الشَّام وَهُوَ يُرِيد الْحَج وَقد ذكر لَهُ الْبَيْت الشريف يَا أخي إِذا أَتَيْته فَمن يكلمني مِنْهُ وَقَالَ أَيْضا إِنَّه أخبرهُ صديق لَهُ أَنه قَالَ لَهُ رجل وَقد سَمعه يُصَلِّي على مُحَمَّد مَا تَقول فِي مُحَمَّد هَذَا أربنا هُوَ وَذكر ثُمَامَة بن أَشْرَس قَالَ كنت ماراً بِالسوقِ بِبَغْدَاد فَإِذا رجل يَبِيع كحلا ويصفه أَنه ينجح لكل دَاء فِي الْعين فَنَظَرت إِلَى عَيْنَيْهِ فَإِذا وَاحِدَة برشاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَالْأُخْرَى موكوسة فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أَو هَاهُنَا اشتكيت عَيْني يَا أبله إِنَّمَا اشتكيتها بِمصْر فَقَالَ أَصْحَابه صدق صدق قَالَ المَسْعُودِيّ وَذكر لي بعض إخْوَانِي من أهل الْعلم قَالَ كُنَّا نقعد فنتذاكر أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعلياً وَمُعَاوِيَة وَنَذْكُر مَا يذكرهُ أهل الْعلم وَكَانَ قوم من النَّاس مِنْهُم ينظرُونَ إِلَيْنَا فَقَالَ لي بَعضهم وَكَانَ أظرفهم وأعقلهم وأكبرهم لحية كم تطنبون فِي عَليّ وَمُعَاوِيَة وَفُلَان وَفُلَان فَقلت لَهُ وَمَا تَقول أَنْت فِي ذَلِك فَقَالَ من تُرِيدُ قلت عَليّ مَا تَقول فِيهِ قَالَ أَلَيْسَ هُوَ أَبَا فَاطِمَة قلت وَمن كَانَت فَاطِمَة قَالَ امْرَأَة النَّبِي بنت عَائِشَة أُخْت مُعَاوِيَة قلت فَمَا كَانَ من قصَّة عَليّ قَالَ قتل فِي غزَاة حنين مَعَ النَّبِي وَفِي الطيوريات عَن سُلَيْمَان المَخْزُومِي قَالَ أذن مُعَاوِيَة للنَّاس إِذْنا عَاما فَلَمَّا أحتفل بِالْمَجْلِسِ قَالَ أنشدوني ثَلَاثَة أَبْيَات لرجل من الْعَرَب كل بَيت مِنْهَا قَائِم بِمَعْنَاهُ فَسَكَتُوا ثمَّ طلع عبد الله بن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ مُعَاوِيَة أَنْشدني ثَلَاثَة أَبْيَات لرجل من الْعَرَب كل بَيت قَائِم بِمَعْنَاهُ قَالَ بثلاثمائة ألف قَالَ أَو تَسَاوِي قَالَ أَنْت بِالْخِيَارِ فَأَنت واف كَاف قَالَ هَات فأنشده للأفوه الأودي // (من الوافر) // (بَلَوْتُ الناسَ قرنا بعد قرْنٍ ... فلمْ أَرَ غَيْرَ ختالٍ وقَالِي) فَقَالَ مُعَاوِيَة صدقت هيه فَقَالَ // (من الوافر) // (وَذُقْتُ مَرَارَة الأَشْيَاءِ طُرًّا ... فَمَا طعْمٌ أَمَرّ مِن السُّؤالِ) قَالَ صدقت هيه فَقَالَ // (من الوافر) // (وَلمْ أَرَ فِي الخُطُوبِ أَشَدَّ وَقعا ... وَأَصْعبَ مِن مُعَادَاةِ الرِّجَالِ) قَالَ مُعَاوِيَة صدقت ثمَّ أَمر لَهُ بثلاثمائة ألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 قَالَ الْعَلامَة الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الحيون الْكُبْرَى لما تزوَج مُعَاوِيَة مَيْسُونُ بنت بَحْدَل الْكَلْبِيَّة أم يزِيد بن مُعَاوِيَة واتصلت بِهِ وَكَانَت ذَات جمال باهر وَحسن غامر وأعجب بهَا مُعَاوِيَة وهيأ لَهَا قصرَاً مشرفاً على الغوطة وزينه بأنواع الزخارف وَوضع فِيهِ من الْأَوَانِي الْفضة وَالذَّهَب مَا يضاهيه وَنقل إِلَيْهِ من الديباج الرُّومِي الملون والفرش مَا هُوَ لَائِق بِهِ ثمَّ أسكنها مَعَ وصائف لَهَا كأمثال الْحور الْعين فَلبِست يَوْمًا أَفْخَر ثِيَابهَا وتطيبتْ وتزينَتْ بِمَا أعدَ لَهَا من الْحلِيّ والجواهر الَّتِي لَا يُوجد مثلهَا ثمَّ جَلَست فِي روشنها وحولها الوصائف ونظرَتْ إِلَى الغوطة وأشجارها وأنهارها وتجاوب الطير فِي أوكارها واشتمَّتِ الأزهارَ والرياحينَ والنُوَّارَ فتذكرت نجداً وحنَّتْ إِلَى أترابها وأناسها وَذكرت مسْقط رَأسهَا فَبَكَتْ وتنهدت فَقَالَ لَهَا بعض حظاياها مَا يبكيك وَأَنت فِي ملك يضاهي ملك بلقيس فتنفست الصعداء ثمَّ أنشدت // (من والوافر) // (لبَيْتٌ تَخْفُقُ الأَرْوَاحُ فِيهِ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قصرٍ مُنِيفِ) (وَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عَيْني ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لبسِ الشُّفوفِ) (وأَكل كسيرةٍ فِي ظلِّ بَيْتِي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أكلِ الرَّغيفِ) (وأصواتُ الرياحِ بكلِّ فَجٍّ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نقرِ الدُّفوفِ) (وكلْبٌ ينبحُ الطُّرَّاقَ دوني ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِطٍّ أَلُوفِ) (وَبَكْرُ يتبعُ الأظعَانَ صَعْبٌ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَعْلٍ زفُوفِ) (وخرق مِنْ بني عَمي نحِيفٌ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِلْجٍ عَنُوفِ) فَلَمَّا دخل معاوبة عَرفته الحظية بِمَا قَالَت وَقيل إِنَّه سَمعهَا وَهِي تنشد ذَلِك فَقَالَ مَا رضيتْ بنت بَحْدَل حَتَّى جَعَلتني علجاً عنوفاً هِيَ طَالِق ثَلَاثًا مروها فلتأخذ جَمِيع مَا فِي الْقصر فَهُوَ لَهَا ثمَّ سيره إِلَى أَهلهَا بِنَجْد وَكَانَت إِذْ ذَاك حاملاَ بِيَزِيد فولدته بالبادية وأرصعته سنتَيْن وليتها لم تَلد وَلم ترْضع ثمَّ أَخذه مُعَاوِيَة مِنْهَا بعد ذَلِك وَذكر الْعَلامَة أَبُو الْقَاسِم الحريري فِي درة الغوص أَن عبيد بن شرية الجرهمي عَاشَ ثَلَاثمِائَة سنة وَأدْركَ الْإِسْلَام فَأسلم وَدخل على مُعَاوِيَة بِالشَّام وَهُوَ خَليفَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة حَدثنِي بِأَعْجَب مَا رَأَيْت فَقَالَ مَرَرْت بِقوم يدفنون مَيتا لَهُم فَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 انْتَهَيْت إِلَيْهِ اغرورقت عَيناهُ بالدموع فتمثلت بقول الشَّاعِر من // (الْبَسِيط) // (ياَ قَلْبُ إنكَ من أسماءَ مغرورُ ... فاذْكُرْ ولنْ يَنْفَعَنْكَ اليَوْمَ تذكيرُ) (قَدْ بُحْتَ بالحُبِّ مَا تُخْفِيهِ مِنْ أَحَدٍ ... حَتَّى جَرَتْ لَكَ أطْلاَقٌ مَحَاضِيرُ) (فَلَسْتَ تَدْرِي وَمَا تَدْرِي أَعَاجِلُهَا ... أدنَى لِرُشْدِكَ ذَا أَمْ فِيهِ تَأْخِيرُ) (فَاسْتَقْدِرِ الله خَيْرًا ورأضَيَنَّ بِهِ ... فَبَيْنَمَا العُسْرُ إذْ دَارَتْ مياسيرُ) (وبينما المرءُ فِي الأحْيَاءِ مغتبطٌ ... إذْ قَدْ هَوَى الرَّمْسَ تَغْفُوهُ الأعَاصِيرُ) (يَبْكِي الغَرِيبُ عَلَيْهِ لَيْسَ يَعْرِفُهُ ... وَذُو قَرَابَتِهِ فِي الحَيِّ مَسْرُورُ) فَقَالَ لي شخص أتعرفُ مَن يَقُول هَذِه الأبيات قلت لَا وَالله إِلَّا أَنِّي أرويها مُنْذُ زمَان فَقَالَ وَالَّذِي يُحلَفُ بِهِ إِن قَائِلهَا هُوَ صاحبنا الَّذِي دفناه السَّاعَة وَأَنت الغريبُ الَّذِي يبكي عَلَيْهِ وَلَيْسَ يعرفهُ وَهَذَا الَّذِي خرج من قَبره أَمَسُّ النَّاس بِهِ رحما وَهُوَ أسرهُم بِمَوْتِهِ كَمَا وصف فتعجب مُعَاوِيَة من هَذَا الِاتِّفَاق الْغَرِيب وَوَصله بِمَال عَظِيم وَذكر أَن أَبَا الْأسود الديلِي من شيعَة عَليّ دخل على مُعَاوِيَة خَالِيا فتحادثا طَويلا فحبق أَبُو الْأسود فَقَالَ لمعاوية إِنَّهَا فلتة فاكتمها عَليّ فَقَالَ مُعَاوِيَة أفعل ذَلِك فَلَمَّا خرج من عِنْده دخل على مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ فَأخْبرهُ عَن ضرطة أبي الْأسود ثمَّ خرج عَمْرو فلقي أَبَا الْأسود بِالسوقِ فَقَالَ لَهُ مَا فعلت ضرطتك يَا أَبَا الْأسود فَقَالَ أَبُو الْأسود كل ذِي جَوف ضروط ثمَّ غَدا على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ إِن امْرأ لم يُؤمن على ضرطة حقيق ألاَ يُؤمن على إمرة الْمُؤمنِينَ قَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ فِي دوَل الْإِسْلَام عِنْد ذكر عبيد الله بن زِيَاد الْمَعْرُوف أَبوهُ بِزِيَاد ابْن أَبِيه عِنْد النَّاس وَعند بني أُميَّة بِزِيَاد بن أبي سُفْيَان روى عَن مُعَاوِيَة أَنه كتب إِلَى زِيَاد أوفد عَليّ ابْنك عبيد الله فَفعل فَمَا سَأَلَهُ مُعَاوِيَة عَن شَيْء إِلَّا أنفذه فِيهِ حَتَّى سَأَلَهُ عَن الشّعْر فَلم يعرف مِنْهُ شَيْئا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مَا مَنعك من رِوَايَة الشّعْر قَالَ كرهت أَن أجمع كَلَام الله وَكَلَام الشَّيْطَان فِي صَدْرِي فَقَالَ اغرب وَالله لقَد وضعتُ رِجَلي فِي الركاب يَوْم صفّين مرَارًا مَا يَمْنعنِي من الْعَزِيمَة أبياتَ ابْن الإطنابة حَيْثُ يَقُول من // (الوافر) // (أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى حَيَائِي ... وأَخْذِي الحمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبيحِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 (وَإعْطَائِي على الإعدامِ مَالِي ... وإِقْدَامِي عَلَى البَطَلِ المُشِيحِ) (وَقَوْلِي كُلَّما جَشأَتْ وطَاشَتْ ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحي) وَكتب إِلَى أَبِيه فَرَوَاهُ الشّعْر فَمَا سقط عَلَيْهِ مِنْهُ بعدُ شَيْء قلت وَإِنَّمَا ذكرتها هَهُنَا لتعلقها بِمُعَاوِيَة إِذْ الْكَلَام فِيهِ هُنَا قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا على الْمِنْبَر أَيهَا النَّاس إِن الله فضل قُريْشًا بِثَلَاث فَقَالَ لنَبيه {وَأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} الشُّعَرَاء 214 وَنحن عشريته الأقربون وَقَالَ {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} الزخرف 44 وَنحن قومه وَقَالَ {لإيلافِ قُرَيشٍ} قُرَيْش 1 وَنحن قُرَيْش فَقَالَ لَهُ رجل من الْأَنْصَار على رسلك يَا مُعَاوِيَة فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {وكذبَ بِه قَومُكَ وَهُو اَلحق} الْأَنْعَام 66 وَأَنْتُم قومه وَقَالَ {وَلمَا ضرِبَ ابنُ مَريَمَ مَثَلا إِذَا قَومك مِنهُ يصدُّون} الزخرف 57 وَأَنْتُم قومه وَقَالَ {وَقَالَ اَلرسول يَا رب إِن قومِي اتَّخذُوا هَذَا القرءان مَهْجُورًا} الْفرْقَان 30 وَأَنْتُم قومه ثَلَاث بِثَلَاث وَلَو زدتنا لزدناك قَالَ سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت دخل رَهْط من الْأَنْصَار على مُعَاوِيَة فقّال لَهُم يَا معشر الْأَنْصَار قُرَيْش خير لكم مِنْكُم لَهُم فَإِن يكن ذَلِك لقتلَى أُحُد فقد نلتم يَوْم بدر وَإِن تكن للأثرة فوَاللَّه مَا جعلتم إِلَى صلتكم سَبِيلا خذلتم عُثْمَان يَوْم الدَّار وقتلتم أنصاره يَوْم الْجمل وصليتم بِالْأَمر يَوْم صفّين فَقَالَ رجل مِنْهُم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما قَوْلك عَن قَتْلَى أحد فَإِن قتيلنا شَهِيد وحينا فائز وَأما قَوْلك الأثرة فَإِن رَسُول الله أمرنَا بِالصبرِ عَلَيْهَا وَأما قَوْلك إِنَّا خذلنا عُثْمَان يَوْم الدَّار فإِنِ الْأَمر فِي عُثْمَان إِلَّا جَفَلَى وَأما قَوْلك إِنَّا قتلنَا أنصاره يَوْم الْجمل فَذَاك مَا لَا نعتذر مِنْهُ وَأما قَوْلك إِنَّا صلينَا الْأَمر يَوْم صفّين فَإنَّا كُنَّا مَعَ رجل لم نأله خيرا فَإِن لمتنا فَرب ملوم لَا ذَنْب لَهُ مَا مددت لنا شبْرًا من عذر إِلَّا مددنا لَك باعاً من خير وَإنَّك جدير بِأَن تستصفي قُلُوبنَا من كدرها بفَضلِ حلمك فَقَالَ أفعلُ وكرامة ثمَّ أَدْنَاهُم وأجزل حباءهم كَذَا فِي المحاسن للبيهقي وَعَن مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ قَالَ دخلت بكارة الْهِلَالِيَّة على مُعَاوِيَة وَكَانَت قد كَبرت وَغشيَ على بصرها وضعفت قوتها فَسلمت وَجَلَست فَرد عَلَيْهَا مُعَاوِيَة السَّلَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 وَقل لَهَا كَيفَ أَنْت يَا خَالَة قَالَت بِخَير يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ غَيرَكِ الدهْرُ قَالَت هُوَ كَذَا من عَاشَ كبر وَمن مَاتَ قبر فَقَالَ عَمْرو بن لعاص هِيَ القائلة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من // (الْكَامِل) // (يَا زَيْدُ دُونَكَ فَاحْتَفِرْ فِي أرْضِنَا ... سَيْفًا حُسَامًا فِي التُّرابِ دَفِينَا) (قَدْ كُنْتُ أخبوه لِيَوْمِ مُلمَّةٍ ... وَاليَوْم أَبْرَزَهُ الزَّمَانُ مَصُُونا) فَقَالَ مَرْوَان هِيَ وَالله القائلة أَيْضا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من // (الْكَامِل) // (أَتُرَى ابْنَ هِنْدٍ للخِلاَفةِ مَالِكًا ... هَيْهَاتَ ذَاكَ وَإِنْ أراهُ بَعِيدُ) (منَّتْكَ نَفْسُكَ فِي الخَلاَءِ ضَلاَلَةً ... أَقْوَال عَمْرٍ ووَالشَّقيُّ سَعِيدُ) وَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ هِيَ وَالله القائلة أيضَاً من // (الْكَامِل) // (قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَمُوتَ ولاَ أَرَى ... فَوْقَ المَنابِرِ مِنْ أُمَيَّةَ خاطِبا) (أَلله أَخَّرَ مُدَّتِي فَتَطَاوَلَتْ ... حَتَّى رأَيْتُ مِنَ الزَّمَانِ عَجَائِبَا) فَقَالَت يَا مُعَاوِيَة إِن هَؤُلَاءِ جمَاعَة حَسَنَة وَأَنا وَالله القائلة هَذَا جَمِيعه وَمَا خَفِي عَنْك أَكثر فَضَحِك مُعَاوِيَة وَقَالَ لَهَا لَيْسَ يمنعنا ذَلِك من أَدَاء حَقك وَقَضَاء حوائجك فَمَا كَانَ لَك من حَاجَة فأبديها قلت أما فِي الْمجْلس فَلَا وانصرفت فَأرْسل خلفهَا واسترضاها وَأَعْطَاهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم وَعَن سهل التَّيْمِيّ قَالَ حج مُعَاوِيَة فَسَأَلَ عَن امْرَأَة من بني كنَانَة يقل لَهَا دارمة الحجازية الكنانية فأخبروه بسلامتها فَأمر بإحضارها فَلَمَّا حضرت وَكَانَت سَوْدَاء فَقَالَ لَهَا كَيفَ أَنْت يابنة حام قَالَت لست بابنة حام إِنَّمَا أَنا امْرَأَة من بني كنَانَة قَالَ أَتَدْرِينَ لم أرْسلت إِلَيْك قَالَت لَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله قَالَ أردْت ن أَسأَلك لم أَحْبَبْت عليا وأبغضتني وواليتِه وعاديتِني قَالَت أَحْبَبْت عليا لعدله فِي الرّعية وقسمته بِالسَّوِيَّةِ وأبغضتك لِقِتَالِك من هُوَ أولى بالخلافة مِنْك وطلبك مَا لَيْسَ بِحَق لَك وواليت عليا لما عقد لَهُ رَسُول الله من الْولَايَة ولحبه الْمَسَاكِين وإعظامه لأهل الدّين وعاديتك بسفك الدِّمَاء وجورك فِي الْقَضَاء وحكمك بالهوى فَقَالَ لَهَا مُعَاوِيَة ورأيتِ عليا قَالَت نعم قَالَ كَيفَ رأيتِه قَالَت رَأَيْته مَا فتنه الملكُ الَّذِي فتنك وَلم تشغله النِّعْمَة الَّتِي شغلتك قَالَ فَهَل سَمِعت من كَلَامه شَيْئا قَالَت نعم كَانَ كَلَامه يجلو الْقُلُوب من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 الْعَمى كَمَا يجلو الْقَيْن الصدى قَالَ فَهَل لَك من حَاجَة قَالَت نعم أَعْطِنِي مائَة نَاقَة حَمْرَاء فِيهَا فحولها ورعاها قَالَ فَم تصنعين بهَا قَالَت أغذي بلبنها الصغار وأستحي وأكتسب بهَا المكارم وَأصْلح بهَا بَين العشائر قَالَ فَإِذا دفعتها لَك أكون عنْدك فِي منزلَة عَليّ قَالَت لَا وَالله فَقَالَ مُعَاوِيَة // (من الطَّوِيل) //) إِذَا لمْ أَجُدْ بِالحِلْمِ مِنِّي عليْكُمُ ... فَمَنْ ذَا الَّذِي بَعْدِي يُؤَمَّلُ لِلْحِلْمِ) ) خُذِيَها هَنِيئًا واذْكُرِي فِعْلَ ماجدٍ ... جَزَاكِ عَلَى حرْبِ العداوةِ بِالسِّلْمِ) ثمَّ قَالَ لَهَا وَالله لَو كَانَ عَليّ حَيا مَا أَعْطَاك مِنْهَا نَاقَة قَالَت لَا وَالله وَلَا وَبرَة لأَنها من مَال الْمُسلمين واستأذنت أم الْبَراء بنت صَفْوَان على مُعَاوِيَة فَأذن لَهَا فدخلتْ وسلمت وَكَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَة دروع تسحب خلفهَا ثمَّ جَلَست فَقَالَ لَهَا كَيفَ أَنْت يابنة صَفْوَان قَالَت كسلت بعد نشاط وضعفت بعد قُوَّة فَقَالَ شتَان بَين لسَانك الْيَوْم وَبَين قَوْلك // (من الْكَامِل) // (يَا زَيْدُ دُونَكَ صَارِمًا ذَا رَوْنَقٍ ... عَضْبِ المحزة لَيْسَ بالخَوَّارِ) (أسرجْ جَوادَكَ مُسْرعًا ومُشَمِّرًا ... للحَرْبِ غَيْر معوّدٍ لِفِرَارِ) (أَجِبِ الإِمامَ وَذبَّ تَحْتَ لوائِهِ ... وَالْقَ العَدْوَّ بِصَارِمٍ بتَّارِ) (يَا اليتني أَصْبحْتُ غَيْرَ قعيدةٍ ... فَأذبَّ عَنْهُ عَسَاكِرَ الفُجَّارِ) قَالَت قد كَانَ ذَلِك وَلَكِن عَفا الله عَمَّا سلف وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ قَالَ هَيْهَات أما وَالله لَو عَاد لعدتِ وَلكنه اخترم قَالَت أجل وَالله إِنِّي على بَيِّنَة من رَبِّي وَهدى من أَمْرِي فَقَالَ بعض جُلَسَائِهِ وَهِي القائلة ترثي عليا // (من الْكَامِل) // (ياَ لَلرِّجَالِ لهوْلِ عُظْمِ مُصِيبَةٍ ... حلَّتْ فَلَيْسَ مُصَابها بالحَائِلِ) (ألشَّمْسُ كاسفَةٌ لِفَقْدِ إِمَامِنَا خَيْرِ الخلائِقِ والإمَامِ العَادِلِ) (صِهْرَ النبيِّ لقَدْ نَفَذْتَ فؤَادنا ... وَالحَقُّ أَصْبَحَ خَاضِعًا للبَاطِلِ) فَقَالَ لَهَا مُعَاوِيَة قَاتلك الله مَا أبقيت لنا من قَول ثمَّ خرجت فَبعث لَهَا مُعَاوِيَة بجائزة سنية وأخباره بِمثل ذَلِك كَثِيرَة شهيرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 قيل ذكر أَنه جلس يَوْمًا فِي مجْلِس كَانَ لَهُ بِدِمَشْق وَكَانَ ذَلِك الْمجْلس مفتح الجوانب يدْخل مِنْهُ النسيم من سَائِر جهاته فَبَيْنَمَا هُوَ جَالس ينظر وَكَانَ يَوْمًا شَدِيد الْحر لَا نسيم فِيهِ وَكَانَ وسط النَّهَار إِذْ نظر إِلَى رجل يمشي نَحوه وَهُوَ يتلظى من حر الرمضاء ويحجل فِي مشيته رَاجِلا حافياً فَتَأَمّله وَقَالَ لجلسائه هَل خلق الله رجلا أَشْقَى مِمَّن يحْتَاج إِلَى الْحَرَكَة فِي مثل هَذِه السَّاعَة فَقَالَ بَعضهم لَعَلَّه يقْصد أَمِير الْمُؤمنِينَ فأوصى حَاجِبه إِن طلبني هَذَا الْأَعرَابِي فَلَا تَمنعهُ من الدُّخُول عَليّ فَكَانَ كَذَلِك فَأدْخلهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مِمَّن الرجل فَقَالَ من تَمِيم قَالَ مَا الَّذِي جَاءَ بك فِي هَذَا الْوَقْت قَالَ جِئْت شكيا وَبِك مستجيراً قَالَ مِمَّن قَالَ من مروانَ بنِ الحكمِ بِمَا ملك وَأنْشد من // (الطَّوِيل) // (مُعَاوِيَ يَا ذَا الحِلْمِ والجودِ والفَضْلِ ... وَيَا ذَا النَّدي والعِلْمِ وَالرُّشْدِ والنُّبْلِ) (أَتيتُكَ لمَّا ضَاقَ فِي الأرْضِ مَذْهَبِي ... فَيَا غَوْثُ لاَ تَقْطَعْ رَجَائِي مِنَ العَدْلِ) (وَجُدْ لِي بِإِنْصَافٍ مِنَ الجَائِرِ الَّذِي ... بَلاَنِي بِشَيءِ كانَ أَيْسَرُهُ قَتْلِي) (سَبَانِيَ سُعْدَى وانبَرى لخُصُومَتِي ... وَجَارَ وَلم يَعْدِلْ وَغَاصَبَنِي أَهْلِي) (وَهَمَّ بقتلى غيْرَ أَنَّ منِيَّتِي ... تَنَاءَتْ وَلم أسْتَكْمِلِ الرِّزْقَ مِنَْأجْلِي) فَلَمَّا سمع مُعَاوِيَة إنشاده وَالنَّار تتوقد من فِيهِ قَالَ مهلا يَا أَخا الْعَرَب اذكر قصتك وأبِن عَن أَمرك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَت لي زَوْجَة وَكنت لَهَا محباً وَبهَا كلفَاً وَكَانَت لي صرمة من إبل نستعين بهَا على قيام حَالي فأصابتنا سنة سنتَاءُ حطمَة شَدِيدَة أذهبتِ الْخُف والحافر فَبَقيت لَا أملك شَيْئا فَلَمَّا ذهب مَا بيَدي بقيت مهاناً ثقيلا على النَّاس فَلَمَّا علم أَبوهَا مَا بِي من سوء الْحَال أَخذهَا مني وحجرني وطردني وَأَغْلظ عَليّ فَأتيت إِلَى عاملك مَرْوَان راجيَاً لنصرته فَلَمَّا أحضر أَبَاهَا سَأَلَهُ عَن حَالي فَقَالَ مَا أعرفهُ قبل الْيَوْم فَقلت أصلح الله أَمِير إِن رَأَى أَن يحضرها ويسألها عَن قَول أَبِيهَا فَلْيفْعَل فَبعث خلفهَا فأحضرها فَلَمَّا حضرت بَين يَدَيْهِ وقعَتْ مِنْهُ موقع الْإِعْجَاب فَصَارَ لي خصما وَعلي منكرَاً وَأظْهر لي الْغَضَب وَبعث بِي إِلَى السجْن فَبَقيت كأنني خَرَرْت من السَّمَاء واستهوت بِي الرّيح فِي مَكَان سحيق ثمَّ قَالَ لأَبِيهَا هَل لَك أَن تزَوجهَا مني على ألف دِينَار وَعشرَة آلَاف دِرْهَم لَك وَأَنا ضمن لَك خلاصها من هَذَا الْأَعرَابِي فَرغب أَبوهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 فِي المَال وأجابه إِلَى ذَلِك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بعث إِلَيّ وأحضرني وَنظر إِلَيّ كالأسد الغضبان وَقَالَ يَا أَعْرَابِي طلق سعدى فَقلت لَا فَسلط عَليّ جمَاعَة من غلمانه فأخذوني يعذبوني أنوع الْعَذَاب فَلم أجد بُداً من طَلاقهَا فأعادني إِلَى السجْن فَمَكثت فِيهِ إِلَى ن انْقَضتْ عدتهَا فَتَزَوجهَا وَدخل بهَا وأطلقني وَقد أَتَيْتُك مستجيراً إِلَيْك ملتجئاً وَأنْشد // (من المجتث) // (فِي القَلْبِ مِنِّيَ نَارُ ... وَالنَّارُ فِيها اسْتِعَارُ) (وَالجسْمُ مِنِّى سَقِيمٌ ... فِيهِ الطَّبِيبُ يَحَارُ) (وَفِي فؤادِيَ جَمْرٌ ... والْجَمرُ فِيهِ شَرارُ) (والعيْن تنهلُّ دمعاً ... فَدَمْعُهَا مِدْرَارُ) (وَلَيْسَ إِلاَّ بِربِّي ... ثُمَّ الأَمِيرِ انْتِصَارُ) ثمَّ اضْطربَ واصطكت لحياه وَصَارَ مغشيا عَلَيْهِ وَأخذ يتلوى كالحية المقتولة فَلم سمع كَلَامه مُعَاوِيَة وإنشاده قَالَ تعدى وظلم بن الحكم فِي حُدُود الدّين واجترأ على حرم الْمُسلمين ثمَّ قَالَ وَالله يَا أَعْرَابِي لقد أتيتني بِحَدِيث لم أسمع بِمثلِهِ ثمَّ دَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس وَكتب إِلَى مَرْوَان بن الحكم قد بَلغنِي أَنَّك ظلمت واعتديت وَيَنْبَغِي لمن كَانَ والياً أَن يكف بَصَره عَن شهواته ثمَّ كتب إِلَيْهِ بعد كَلَام فَقَالَ // (من الْبَسِيط) // (وَلِيتَ ويْحَك أمرا لَسْت تُدْرِكُهُ ... فَاسْتَغْفِرِ اللَّه مِنْ فِعْلِ امريٍء زَاني) (وَقَدْ أَتَانَا الفَتَى الْمِسْكِينُ مُنْتَحِبًا ... يَشْكُو إِلَيْنَا بِبَثٍّ ثُمَّ أَحْزَانِ) (أُعْطِي الإِلَهَ يَمِينًا لَا أُكَفِّرُهَا ... نعَمْ وأَبْرأُ من دينيِ وَدَيَّانِي) (إِن أَنْتَ خالَفْتنِي فِيمَا كَتَبْتُ بِهِ ... لأَجْعَلَنَّكَ لَحْمًا بَيْن عقْبَانِ) (طَلِّقْ سُعَاد وعَجِّلْهَا مُجَهَّزَةً ... مَعَ الكُمَيْتِ ومَعْ نَصْرِ بن ذبيانِ) ثمَّ طوى الْكتاب وطبعه بِخَاتمِهِ واستدعى بالكميت وَنصر بن ذبيان وَكَانَ يستنهضهما للمهمات لأمانتهما فأخذا الْكتاب وقدما الْمَدِينَة وأسلما الْكتاب إِلَى مَرْوَان فَجعل يقْرَأ ويرتعد ويبكي وَأخْبر سعدى وَطَلقهَا وجهزها وصحبها الرّجلَانِ وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة فصلا يَقُول فِيهِ // (من الْبَسِيط) // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 (لَا تعجَلنَّ أميرَ المؤمنينَ فقَدْ ... أوْفى بنذْرِكَ فِي رفْقٍ وإِحسانِ) (وَمَا أَتَيْتُ حَرَامًا حينَ أعجبني ... فكَيْفَ أُدْعَى بإِسْمِ الخائِنِ الزانيِ) (أُُعْذُرْ فإنَّكَ لَو أبصَرْتَها لَجَرتْ ... مِنْكَ الأمانِي على تِمْثَالِ إنسانِ) (وسَوْفَ تَأْتِيكَ شَمْسٌ لَيْسَ يَعْدِلُهَا ... عِنْد الحقيقةِ مِنْ إِنْسٍ وَلاَ جَانِ) وَختم الْكتاب وَدفعه إِلَى الرسولين وَسلم إِلَيْهِمَا الْجَارِيَة فوصلوا إِلَى مُعَاوِيَة فَقَرَأَ الْكتاب ثمَّ قَالَ لقد أحسن فِي الطَّاعَة ثمَّ أَمر بإحضار الْجَارِيَة فَلَمَّا رَآهَا رأى صُورَة لم ير مثلهَا فخاطبها فَوَجَدَهَا فصيحة اللِّسَان عذبة الْمنطق فَقَالَ عَلَي بالأعرابي فَأتى بِهِ وَهُوَ على غَايَة من سوء الْحَال فَقَالَ يَا أَعْرَابِي هَل لَك عَنْهَا من سلو وأعيضك عَنهُ ثَلَاث جوَار نهد أَبْكَارًا مَعَ كل جَارِيَة ألف دِينَار وَأقسم لَك من بَيت لمَال فِي كل سنة مَا يَكْفِيك فَقل الْأَعرَابِي استجرت بعدلك من مَرْوَان فبمن أستجير من جورك ثمَّ أنْشد من // (الْبَسِيط) // (لاَ تجْعَلنِّي جَزَاكَ اللَّه مِنْ ملِكٍ ... كَالمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَا إِلَى النَّارِ) (أُرْدُدْ سُعَادَ عَلَى حرَّانَ مُكْتَئِبٍ ... يُمْسي ويُصْبح فِي هَمٍّ وَتَذْكَارِ) (أَطْلِقْ وثَاقي ولاَ تَبْخَلْ عَلَيَّ بهَا ... فإِنْ فَعلْتَ فإِني غيْرُ كَفَّارِ) وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَعْطَيْتنِي مَا حوته الْخلَافَة مَا أَخَذته دون سعاد وَأَنْشَأَ يَقُول من // (الطَّوِيل) // (أَبَي القلبُ إِلاَّ حُبَّ سُعْدَى وبُغِّضَتْ ... إِلَيَّ نساءٌ مَا لَهُنَّ ذُنُوبُ) فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَعْرَابِي إِنَّك مقرّ أَنَّك طَلقتهَا ومروان طَلقهَا وَنحن نخيرها فَإِن اخْتَارَتْ سواك زوجناها قَالَ افْعَل فَقَالَ مُعَاوِيَة مَا تَقُولِينَ أَيّمَا أحبُّ إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي عِزهِ وشرفه وسلطانه أَو مَرْوَان بن الحكم فِي عسفه وجوره أَو هَذَا الْأَعرَابِي فِي جوعه وَفَقره فأنشدت من // (الْبَسِيط) // (هَذَا وَإِنْ كَانَ فِي جُوعٍ وإِضْرارِ ... أَعَزُّ عِنْدِيَ مِنْ قَوْمِي ومِنْ جارِي) (وَصَاحِبِ التَّاجِ أَو مرْوَانَ عامِلِهِ ... وَكُلِّ ذِي دِرْهَمٍ عِنْدِي وَدِينارِ) ثمَّ قالتَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَنا بخاذلته لحادثة الزَّمَان وَلَا لغدرة الْأَيَّام فَإِن لي مَعَه صُحْبَة قديمَة لَا تُنْسَى ومحبة لَا تبلَى فَأَنا أَحَق من صَبر مَعَه فِي الضراء كَمَا تنعمت مَعَه فِي السَّرَّاء فَعجب مُعَاوِيَة من عقلهَا ومروءتها وموافاتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وَأمر لَهَا بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وردهَا إِلَى الْأَعرَابِي بِعقد صَحِيح انْتَهَت قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات افتخر الْحسن بن عَليّ فِي مجْلِس مُعَاوِيَة فَقَالَ أَنا ابْن مَاء السَّمَاء وعروق الثرى وَابْن من سَاد أهل الدُّنْيَا بالحسب الثاقب والشرف الْفَائِق والقدم السَّابِق أَن ابْن من لرضاه رَضِي الرَّحْمَن ثمَّ رد وَجهه للخصم فَقَالَ هَل لَك أَب كَأبي أَو قديم كقديمي فَإِن تَقُلْ لَا تُغْلَبْ وَإِن تقل نعم تكذب فَقَالَ الْخصم لَا تَصْدِيقًا لِقَوْلِك فَقَالَ سيدنَا الْحسن من // (الْكَامِل) // (أَلْحَقُّ أَبْلَجُ لاَ تَزِيغُ سَبِيلُهُ ... والحقُّ تَعْرِفُهُ أَولُو الأَلْبَابِ) وَقَالَ مُعَاوِيَة يومَاً وَعِنْده أَشْرَاف النَّاس من قُرَيْش وَغَيرهم أخبروني بأكرم لناس أَبَا وَأما وَعَما وعمَّة وخالاَ وَخَالَة وجدا وجدةَ فَقَامَ مَالك بن العجلان وَأَوْمَأَ إِلَى الْحسن فَقَالَ هَا هُوَ ذَا ابْن عَليّ بن أبي طَالب وَأمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله وَعَمه جَعْفَر الطيار وَعَمَّته أم هَانِئ بنت أبي طَالب وخاله لقاسم ابْن رَسُول الله وجده رَسُول الله وجدته خَدِيجَة بنت خويلد فَسكت الْقَوْم ونهض الْحسن فَقَامَ رجل من بني سهم فأنبَ ابْن العجلان على مقَالَته فَقَالَ ابْن العجلان مَا قلتُ إِلَّا حقُّاً وَمَا أحد من النَّاس يطْلب مرضات مَخْلُوق بِمَعْصِيَة الْخَالِق إِلَّا لم يُعْطه الله أمْنِيته فِي دُنْيَاهُ وَلم يخْتم لَهُ إِلَّا بالشقاء فِي أخراه بَنو هَاشم أرواكم عوداً وأوراكم زنداً كَذَلِك يَا مُعَاوِيَة فَقَالَ اللَّهُمَّ نعم (عهد مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة) ذكر ابْن الْجَوْزِيّ بِسَنَدِهِ قَالَ قَدِمَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة على مُعَاوِيَة فَشَكا إِلَيْهِ الضعْف واستعفاه فأعفاه وَأَرَادَ أَن يولي سعيد بن الْعَاصِ وَقَالَ أصحب الْمُغيرَة للْمُغِيرَة إِن مُعَاوِيَة قلاك فَقَالَ لَهُم رويدا ونهض إِلَى يزِيد وَعرض لَهُ الْبيعَة وَقَالَ ذهب أَعْيَان الصَّحَابَة وكبراء قُرَيْش وذَوُو أسنانهم وَإِنَّمَا بَقِي أبناؤهم وَأَنت مني أفضلهم وَأَحْسَنهمْ رَأيا وسياسة وَمَا أَدْرِي مَا أيمنع أَمِير الْمُؤمنِينَ من العَقْدِ لَك فأَدْلَى ذَلِك يزِيد إِلَى أَبِيه فاستدعاه وفاوضه فِي ذَلِك فَقَالَ قد رَأَيْت مَا كَانَ من الِاخْتِلَاف وَسَفك الدِّمَاء بعد عُثْمَان وَفِي يزِيد ابْنك خلف فاعقد لَهُ يكون كهفاً للنَّاس بعْدك فَلَا يكون فتْنَة وَلَا سفك للدماء وَأَنا أكفيك لكوفة وَيَكْفِيك زِيَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 الْبَصْرَة فَرد مُعَاوِيَة الْمُغيرَة إِلَى الْكُوفَة وَأمره أَن يعْمل فِي بيعَة يزِيد فَقدم الْكُوفَة وَذكر من يرجع إِلَيْهِ من شيعَة بني أُميَّة فَأَجَابُوا وأوفد مِنْهُم جمَاعَة مَعَ ابْنه مُوسَى ابْن الْمُغيرَة فدعوا مُعَاوِيَة إِلَى بيعَة يزِيد فَقَالَ وَقد رضيتموه قَالُوا نعم نَحن وَمن وَرَاءَنَا فَقَالَ نَنْظُر مَا قدمتم لَهُ وَيَقْضِي الله أمره والأناة خير من العجلة ثمَّ كتب إِلَى زِيَاد يستشيره فنكر زِيَاد ذَلِك وَأعظم أَن يُكَاتب فِيهِ واستدعى عبد الله بن كَعْب النميري وَكَانَت لَهُ صحابة وَله بِهِ ثِقَة وَقَالَ لَهُ دعوتك لأمر اتهمت عَلَيْهِ بطُون الصحُفِ إِن مُعَاوِيَة كتب إِلَى أَن أجمع النَّاس على بيعَة يزِيد وَهُوَ يتخوف نفرة النَّاس ويرجو مطابقتهم ويستشيرني وعلاقة أَمر الْإِسْلَام وضمانه عَظِيم وَيزِيد صَاحب رسلة وتهاون فِيمَا أولع بِهِ من الصَّيْد فالق مُعَاوِيَة مُؤديا عني وَأخْبرهُ عَن فعلات يزِيد وَقل لَهُ رويدك بِالْأَمر فقمن أَن يتم لَك مَا تُرِيدُ وَلَا تعجل فَقَالَ لَهُ عبيد الله بن كَعْب لَا تفْسد على مُعَاوِيَة رَأْيه وَلَا تمقت إِلَيْهِ ابْنه وَأَنا ألْقى يزِيد فِي سر من مُعَاوِيَة فَأخْبرهُ عَنْك بِكِتَاب مُعَاوِيَة إِلَيْك يستشيرك فِي بيعَته وَأَنَّك تتخوف خلاف النَّاس لما ينقمون عَلَيْك وَأَنَّك ترى لَهُ ترك مَا ينقمون عَلَيْهِ لتستحكم الْحجَّة على النَّاس ويسهل الْأَمر وَفِي ذَلِك نصح يزِيد ورضا مُعَاوِيَة والسلامة عَن دَرك الْأمة فَقَالَ لَهُ زِيَاد لقد رميت الْأَمر بحجره اشخص علَى بركَة الله وَكتب زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة يَأْمُرهُ بالتؤدة وَألا يعجل فَقبل ذَلِك مُعَاوِيَة وَبلغ عبيد الله بن كَعْب وَصِيَّة زِيَاد إِلَى يزِيد فَكف عَن كثير مِمَّا كَانَ يصنع فَلَمَّا مَاتَ زِيَاد اعتزم مُعَاوِيَة على الْعَهْد ليزِيد وَقَرَأَ كِتَابه على النَّاس باستخلافه يزِيد إِن حدث بِهِ حدث المَوت فيزيد ولي عَهده فاستوثق لَهُ النَّاس على الْبيعَة ليزِيد غير خَمْسَة نفر الْحُسَيْن بن عَليّ وَابْن عمر وَابْن الزبير وَابْن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فحج مُعَاوِيَة سنة إِحْدَى وَخمسين فَلَمَّا قدم مَكَّة بعث عَن الْحُسَيْن وَقَالَ يَا بن أخي قد استوثق النَّاس لهَذَا الْأَمر غير خَمْسَة نفر أَنْت تقودهم فَمَا إربك إِلَى هَذَا الْخلاف قَالَ الْحُسَيْن أرسل إِلَيْهِم فَإِن بَايعُوا فَأَنا مِنْهُم وَلَا تعجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 عَليّ فعاهده مُعَاوِيَة على الكتمان ثمَّ بعث عَن ابْن الزبير فَأَجَابَهُ بِمثل مَا أجَاب الْحُسَيْن وَطَلَبه الْعَهْد فَأبى وَخرج ثمَّ بعث عَن ابْن عمر فَأَجَابَهُ بِمثل كَلَامهمَا وألان لَهُ القَوْل بعض اللين بِأَن قَالَ أَخَاف أَن أدع الْأمة كالضأن لَا راعي لَهَا فَقَالَ لَهُ ابْن عمر أُبَايِعك على أَنِّي أَدخل بعْدك فِيمَا تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْأمة فوَاللَّه لَو اجْتَمعُوا بعْدك على عبد حبشِي لدخلتُ مَعَهم وَخرج فأغلق بَابه وَلم يَأْذَن لأحد ثمَّ بعث مُعَاوِيَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق فَقَالَ لَهُ بأية يَد أَو رجل تُقدِمُ على معصيتي فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أَرْجُو أَن يكون ذَلِك خيرا لي فَقَالَ مُعَاوِيَة وَالله لقد هممتُ أَن أَقْتلك قَالَ عبد الرَّحْمَن لَو فعلت لأخذك الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلم يذكر ابْن عَبَّاس وَقد ذكر فِي كَيْفيَّة هَذَا الحَدِيث طَرِيق غير هَذَا ذكره الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه دوَل الْإِسْلَام أَحْبَبْت إِيرَاده لاشْتِمَاله على زِيَادَة علم وَنَصه روى النُّعْمَان بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ عَن ذكْوَان مولى عَائِشَة قَالَ لما أجمع مُعَاوِيَة على أَن يُبَايع لِابْنِهِ يزِيد حج فَقدم مَكَّة فِي نَحْو من ألف رجل فَلَمَّا دنا من الْمَدِينَة خرج ابْن عمر وَابْن الزبير وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَلَمَّا قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر ابْنه يزِيد فَقَالَ من أَحَق بِهَذَا الْأَمر مِنْهُ ثمَّ ارتحل فَقدم مَكَّة فَقضى طَوَافه وَدخل منزله فَبعث إِلَى ابْن عمر فَتشهد وَقَالَ أما بعد يَا بن عمر إِنَّك كنت تُحَدِّثنِي أَنَّك لَا تحب تبيت لَيْلَة سَوْدَاء لَيْسَ عَلَيْك فِيهَا أَمِير وَأَنا أحذرك أَن تشق عَصا الْمُسلمين أَو تسْعَى فِي فَسَاد ذَات بَينهم فَقَامَ ابْن عمر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإنَّك كَانَت قبلك خلفاء لَهُم أَبنَاء لَيْسَ ابْنك بِخَير من أبنائهم فَلم يرَوا فِي أبنائهم مَا رَأَيْت فِي ابْنك وَلَكنهُمْ اخْتَارُوا للْمُسلمين حَيْثُ علمُوا الْخِيَار وَإنَّك تحذرني أَن أشق عَصا الْمُسلمين وَلم أكن لأَفْعَل إِنَّمَا أَنا رجل من الْمُسلمين فَإِذا اجْتَمعُوا على أَمر فَإِنَّمَا أَنا رجل مِنْهُم فَقَالَ مُعَاوِيَة يَرْحَمك الله فَخرج ابْن عمر ثمَّ أرسل إِلَى ابْن أبي بكر فَتشهد ثمَّ أَخذ فِي الْكَلَام فَقطع عبد الرَّحْمَن عَلَيْهِ كَلَامه فَقَالَ إِنَّك وَالله لَوَدِدْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 أَنا وكلناك فِي أَمر ابْنك إِلَى الله وَإِنَّا وَالله لَا نَفْعل وَالله لتردن هَذَا الْأَمر شُورَى فِي الْمُسلمين أَو لنردنها عَلَيْهِ جَذَعَة ثمَّ وثب وَمضى فَقَالَ مُعَاوِيَة اللَّهُمَّ اكفنيه بِمَا شِئْت ثمَّ قَالَ على رسلكَ أَيهَا الرجلُ لَا تشرفن على أهل الشَّام فَإِنِّي أَخَاف أَن يسبقوني بِنَفْسِك حَتَّى أخبر الْعَشِيرَة أَنَّك قد بَايَعت ثمَّ كن علَى مَا بدا لَك من أَمرك ثمَّ أرسل إِلَى ابْن الزبير فَقَالَ يَا بن الزبير إِنَّمَا أَنْت ثَعْلَب رواغ كلما خرج من جُحر دخل آخر وَإنَّك عَمَدت إِلَى هذَيْن الرجلَيْن فنفخت فِي مناخيرهما وحملتهما على غر رأيهما فَقَالَ ابْن الزبير إِن كنت قد مللت الْإِمَارَة فَاعْتَزلهَا وهلم ابْنك فلنبايعه أَرَأَيْت إِذا بَايعنَا ابْنك مَعَك لأيكما نسْمع ونطيع لَا نجمع الْبيعَة لَكمَا أبدا ثمَّ رَاح وَصعد مُعَاوِيَة الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِنَّا وجدنَا أَحَادِيث النَّاس ذَات عوار زَعَمُوا أَن ابْن عمر وَابْن أبي بكر وَابْن الزبير لم يبايعوا يزيدَ وَقد سمعُوا وأطاعوا وَبَايَعُوا فَقَالَ أهل الشَّام وَالله لَا نرضى حَتَّى يبايعوا على رُءُوس الأشهاد وَإِلَّا ضربنا أَعْنَاقهم فَقَالَا مُعَاوِيَة سُبْحَانَ الله مَا أسْرع النَّاس إِلَى قُرَيْش بِالشَّرِّ لَا أسمع هَذِه الْمقَالة من أحد مِنْكُم بعد الْيَوْم ثمَّ نزل فَقَالَ النَّاس بَايع ابْن عمر وَابْن الزبير وَابْن أبي بكر وهم يَقُولُونَ لَا وَالله مَا بَايعنَا فَيَقُول النَّاس بلَى وارتحل مُعَاوِيَة فلحق بِالشَّام وَقَالَ جوَيْرِية بن أَسمَاء سمعتُ أشياخَ المدينةِ يحدثُونَ أَن مُعَاوِيَة لما رَحل عَن مر دَاخِلا مَكَّة قَالَ لصَاحب حرسه لَا تدع أحدا يسير معي إِلَّا من حَملته أَنا فَخرج يسير وَحده حَتَّى إِذا كَانَ وسط الْأَرَاك لقِيه الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ فَوقف وَقَالَ مرْحَبًا وَأهلا بِابْن ابْنة رَسُول الله وَسيد شباب الْمُسلمين دَابَّة لأبي عبد الله يركبهَا فَأتى ببرذون فتحول عَلَيْهِ ثمَّ طلع عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَقَالَ مُعَاوِيَة مرْحَبًا وَأهلا بشيخ قُرَيْش وسيدها وَابْن صديق الْأمة دَابَّة لأبي مُحَمَّد فَأتى ببرذون فَركب ثمَّ طلع ابْن عمر فَقَالَ مرْحَبًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وَأهلا بِصَاحِب رَسُول الله وَابْن الْفَارُوق فَدَعَا لَهُ بِدَابَّة فركبها ثمَّ طلع ابْن الزبير فَقَالَ مرْحَبًا بِابْن حوارِي رَسُول الله وَابْن عمَّة رَسُول الله ثمَّ دَعَا بِدَابَّة فركبها ثمَّ أقبل مُعَاوِيَة يسير بَينهم لَا يسايره غَيرهم حَتَّى دخل مَكَّة ثمَّ كَانُوا أول دَاخل عَلَيْهِ وَآخر خَارج وَلَيْسَ لَهُم صباح إِلَّا وَلَهُم حباء وكرامة وَلَا تعرَّض لَهُم بِذكر شَيْء حَتَّى قضى نُسكه وترحلت أثقاله وَقرب مسيره فَأقبل بعض الْقَوْم على بعض فَقَالَ أَيهَا الْقَوْم لَا تخدعوا إِنَّه وَالله مَا صنع بكم مَا صنع لِحُبِّكُمْ وَلَا لكرامتكم وَلَا صنعه إِلَّا لما يُرِيد فأعدوا لَهُ جَوَابا فَأَقْبَلُوا على الْحُسَيْن فَقَالُوا أَنْت يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ وَفِيكُمْ شيخ قُرَيْش وسيدها هُوَ أَحَق بالْكلَام فَقَالُوا لعبد الرَّحْمَن يَا أَبَا مُحَمَّد قَالَ لست هُنَاكَ وَفِيكُمْ صَاحب رَسُول الله وَسيد الْمُسلمين فَقَالُوا لِابْنِ عمر أَنْت قَالَ لست بصاحبكم وَلَكِن ولوا الْكَلَام ابْن الزبير قَالَ نعم إِن أعطيتموني عهودكم أَلا تخالفوني كفيتكم الرجل قَالُوا ذَاك لَك قَالَ فَأذن لَهُم مُعَاوِيَة فَدَخَلُوا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ قد علمْتُم مسيري فِيكُم وصلتي لأرحامكم وصفحي عَنْكُم وَيزِيد أخوكم وَابْن عمكم وَأحسن النَّاس فِيكُم رَأيا وَإِنَّمَا أردْت أَن تقدموه باسم الْخلَافَة وتكونون أَنْتُم الَّذين تنزعون وتؤمرون وتقسمون فَسَكَتُوا فَقَالَ أَلا تُجِيبُونِي فَسَكَتُوا فَأقبل على ابْن الزبير فَقَالَ هَات يَا ابْن الزبير فَإنَّك لعمري صاحبُ خطْبَة الْقَوْم قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نخيرك ثَلَاث خِصَال أَيهَا مَا أخذت فَهُوَ لَك قَالَ لله أَبوك اعرضهُن قَالَ إِن شِئْت اصْنَع مَا صنع رَسُول الله وَإِن شِئْت اصْنَع مَا صنع أَبُو بكر وَإِن شِئْت اصْنَع مَا صنع عمر قَالَ مُعَاوِيَة مَا صَنَعُوا قَالَ ابْن الزبير قبض رَسُول الله وَلم يعْهَد عَهده وَلم يسْتَخْلف أحدا فارتضى الْمُسلمُونَ أَبَا بكر فَقَالَ مُعَاوِيَة إِنَّه لَيْسَ فِيكُم الْيَوْم مثل أبي بكر فَإِن أَبَا بكر رجل تقطع دونه الْأَعْنَاق وَإِنِّي لست آمن عَلَيْكُم الِاخْتِلَاف قَالَ ابْن الزبير صدقت وَالله مَا تحب أَن تدعنا فَاصْنَعْ مَا صنع أَبُو بكر قَالَ مُعَاوِيَة لله أَبوك مَا صنع أَبُو بكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 قَالَ عهد إِلَى رجل من قاصية قُرَيْش لَيْسَ من رهطه فاستخلفه فَإِن شِئْت أَن تنظر أَي الرجل من قُرَيْش لَيْسَ من بني عبد شمس فترضى بِهِ قَالَ مُعَاوِيَة فالثالثة مَا هِيَ قَالَ تصنع مَا صنع عمر قَالَ وَمَا صنع قَالَ جعل الْأَمر شُورَى فِي سِتَّة لَيْسَ فيهم أحد من وَلَده وَلَا من بني أَبِيه وَلَا من رهطه قَالَ مُعَاوِيَة فَهَل عنْدك غير هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَأنْتم قَالُوا وَنحن أَيْضا فَقَالَ أما إِنِّي قد أَحْبَبْت أَن أتقدم إِلَيْكُم أَنه قد أعذر من أنذر وَأَنه كَانَ يقوم الْقَائِم مِنْكُم إِلَيّ فيكذبني على رُءُوس النَّاس فأحتمل ذَلِك لَهُ وَإِنِّي قَائِم بنقالة إِن صدقت فِي صدقي وَإِن كذبت فلي كذبي وَإِنِّي أقسم بِاللَّه لَئِن رد على إِنْسَان مِنْكُم كلمة فِي مقَامي هَذَا لَا ترجع إِلَيْهِ كَلمته حَتَّى يسْبق إِلى رَأسه فَلَا يَرعَيَن رجل إِلَّا على نَفسه ثمَّ دَعَا صَاحب حرسه فَقَالَ أقِم على رَأس كل رجل من هَؤُلَاءِ رجلَيْنِ فَإِن ذهب رجل يرد على كلمة فِي مقَامي هَذَا فليضرب عُنُقه ثمَّ خرج وَخَرجُوا مَعَه حَتَّى رقي الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن هَؤُلَاءِ الرَّهْط سادة الْمُسلمين وخيارهم لَا يُستبد بِأَمْر دونهم وَلَا يقْضى أَمر إِلَّا عَن مشورتهم وَإِنَّهُم قد رَضوا وَبَايَعُوا ليزِيد ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ من بعده فَبَايعُوا باسم الله قَالَ فَضربُوا على يَده بالمبايعة ثمَّ جلس على رواحله وَانْصَرف النَّاس (وَفَاة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان) ذكر غير وَاحِد أَنه لما ثقل فِي الضعْف وتحدث النَّاس أَنه الْمَوْت قَالَ لأَهله احشوا عَيْني إثمداً وأوسعوا رَأْسِي دهناً فَفَعَلُوا وبرقوا وَجهه بالدهن ثمَّ مهدوا لَهُ مَجْلِسا وأسندوه فَأذن للنَّاس فَدَخَلُوا وسلموا عَلَيْهِ قيَاما فَلَمَّا خَرجُوا من عِنْده أنْشد قَائِلا من // (الْكَامِل) // (وَتَجَلُّدِي للِشَّامِيِينَ أُرِيهِمُ ... أَنَّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لاَ أَتَضَعْضَعُ) فَسَمعهُ رجل من العلويين فَأَجَابَهُ يَقُول من // (الْكَامِل) // (وَإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لاَ تَنْفَعُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وَكَانَ قد خطب النَّاس قبل مَوته فَقَالَ إِنِّي كزرع مستحصد وَقد طَالَتْ إمارتي عَلَيْكُم حَتَّى مللتكم ومللتموني وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي وَلنْ يأتيكم بعدِي إِلَّا من أَنا خير مِنْهُ كَمَا كَانَ من قبلي خيرَاً منى وَقد قيل من أحب لِقَاء الله أَحب الله لقاءه اللَّهُمَّ إِنِّي قد أحببتُ لقاءك فأحبب لقائي وَبَارك لي فِيهِ فَلم يمض قَلِيل حَتَّى ابْتَدَأَ بِهِ مَرضه فَدَعَا ابْنه يزِيد وَقَالَ يَا بني إِنِّي قد كفيتك الرحلة ووطأت لَك الْأُمُور وأخضعت لَك رِقَاب الْعَرَب وجمعت لَك مَا لم يجمع أحد وَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك أَن ينازعك هَذَا الْأَمر الَّذِي استتب لَك إِلَّا أَرْبَعَة نفر من قُرَيْش الْحُسَيْن بن عَليّ وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن الزبير وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَأَما ابْن عمر فَرجل قد وقذته الْعِبَادَة وَإِذا لم يبْق غَيره بَايَعَك وَأما الْحُسَيْن فَإِن أهل الْعرَاق لن يَدعُوهُ حَتَّى يخرجوه فَإِن خرج عَلَيْك فظفرت بِهِ فاصفح عَنهُ فَإِن لَهُ رحما ماسة وَحقا عَظِيما وَأما ابْن أبي بكر فَإِن رَأْي أَصْحَابه صَنَعُوا شَيْئا صنع مثله وَلَيْسَ لَهُ همة إِلَّا فِي النِّسَاء وَأما الَّذِي يجثم لَك جثوم الْأسد ويراوغك روغان الثَّعْلَب فَإِذا أمكنته فرْصَة وثب فَذَاك ابْن الزبير فَإِن هُوَ فعلهَا بك وَقد فزت عَلَيْهِ فَقَطعه إرباً إرباً هَذَا حَدِيث الطَّبَرِيّ عَن هِشَام وَله عَن هِشَام من طَرِيق آخر قَالَ لما حضرت مُعَاوِيَة الْوَفَاة سنة سِتِّينَ كَانَ يزِيد غَائِبا بِبَيْت الْمُقَدّس فَدَعَا بِالضحاكِ بن قيس الفِهري وَكَانَ صَاحب شرطته وَمُسلم بن عقبَة المري فَقَالَ أبلغا يزِيد وصيتي انْظُر أهل الْحجاز فَإِنَّهُم أصلك وَأكْرم من قدم عَلَيْك مِنْهُم وتعاهد من غَابَ وَانْظُر أهل الْعرَاق فَإِن سألوك أَن تعزل عَنْهُم كل يَوْم عَاملا فافعل فَإِن عزل عَامل أخف من أَن يشهر عَلَيْك مائَة ألف سيف وَانْظُر أهل الشَّام فليكونوا بطاتنك وعيبتك وَإِن رَابَك شَيْء من عَدوك فانتصر بهم فَإِذا أصبْتُم فاردد أهل الشَّام إِلَى بِلَادهمْ فَإِنَّهُم إِن أَقَامُوا بِغَيْر بِلَادهمْ تَغَيَّرت أَخْلَاقهم وَلست أَخَاف عَلَيْك من قُرَيْش إِلَّا ثَلَاثَة وَلم يذكر فِي هَذَا الطَّرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فنقص ذكره من الْأَرْبَعَة السَّابِق ذكرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 وَقَالَ فِي ابْن عمر قد وقذه الدّين فَلَيْسَ بملتمس شَيْئا قبلك وَقَالَ فِي الْحُسَيْن وَلَو أَنِّي صَاحبه عَفَوْت عَنهُ وَأَنا أَرْجُو أَن يكفيكه الله بِمن قتل أَبَاهُ وخذل أَخَاهُ وَقَالَ فِي ابْن الزبير إِذا شخص إِلَيْك فالبد لَهُ إِلَّا يلْتَمس مِنْك صلحا فاقبل واحقن دِمَاء قَوْمك مَا اسْتَطَعْت وَكَانَت وَفَاة مُعَاوِيَة منتصف رَجَب سنة سِتِّينَ وَقيل جُمَادَى الْآخِرَة لتسْع عشرَة سنة وَأشهر من ولَايَته وَكَانَ على خَاتمه عبد الله بن حُصَيْن الْحِمْيَرِي وَهُوَ أول من اتخذ ديوَان الْخَاتم وَكَانَ سَببه أَنه أَمر لعَمْرو بن الزبير بِمِائَة ألف دِرْهَم وَكتب بذلك كتابا إِلَى زِيَاد بالعراق ففض عَمْرو الْكتاب وصير الْمِائَة مِائَتَيْنِ فَلَمَّا رفع زِيَاد حسابه أنكر مُعَاوِيَة وَأخذ عمرَاً بردهَا وحبسه فأدَّاهَا عَنهُ أَخُوهُ عبد الله بن الزبير فأحدث عِنْد ذَلِك ديوَان الْخَاتم (صفة مُعَاوِيَة) كَانَ رجلا أَبيض جميلا إِذا ضحك انقلبت شفته الْعليا وَكَانَ يخضب بالصفرة قَالَ أَبُو عبد رب الدِّمَشْقِي رَأَيْت مُعَاوِيَة يصفر لحيته كَأَنَّهَا الذَّهَب وَعَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن قارظ قَالَ سَمِعت مُعَاوِيَة على مِنْبَر الْمَدِينَة يَقُول أَيْن فقهاؤكم يَا أهل الْمَدِينَة سَمِعت رَسُول الله ينْهَى عَن هَذِه الْقِصَّة ثمَّ وَضعهَا على رَأسه أَو خَدّه فَلم أر على عروس وَلَا على غَيرهَا أبهَى مِنْهَا على مُعَاوِيَة ( ذكر مناقبه ) ذكر الْمفضل الْغلابِي أَن زيد بن ثَابت كَانَ كَاتب وَحي رَسُول الله وَكَانَ مُعَاوِيَة كَاتبه فِيمَا بَينه وَبَين الْعَرَب كَذَا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 وَقد صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كنت أَلعَب فدعاني رَسُول الله وَقَالَ ادْع لي مُعَاوِيَة وَكَانَ يكْتب الْوَحْي وَقَالَ مُعَاوِيَة بن صَالح عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة سَمِعت رَسُول الله وَهُوَ يَدْعُونَا إِلَى السّحُور هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاء الْمُبَارك ثمَّ سمعته يَقُول اللَّهُمَّ علم مُعَاوِيَة الْكتاب والحساب وقه الْعَذَاب رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وروى عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عميرَة الْمُزنِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي أَن النَّبِي قَالَ لمعاوية اللَّهُمَّ علمه الْكتاب والحساب وقه الْعَذَاب وروى عبد الرَّحْمَن بن أبي عميرَة أَيْضا يَقُول سَمِعت رَسُول الله يَقُول لمعاوية اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هاديَاً مهدياً واهده واهد بِهِ رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم وَأَبُو مسْهر عَن سعيد نَحوه وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الذهلي عَن أبي مسْهر وروى نعيم بن حَمَّاد بِسَنَدِهِ عَن يُونُس بن ميسرَة عَن عبد اللَه بن بسر أَن رَسُول الله اسْتَأْذن أَبَا بكر وَعمر فِي أَمر فَقَالَ أشيرا عَلَي فَقَالَا الله وَرَسُوله أعلم فَقَالَ ادْعُوَا مُعَاوِيَة وأحضراه أمركما فَإِنَّهُ قوي أَمِين وروى عَن وَحشِي بن حَرْب بن وَحشِي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أردفَ رَسُول الله مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان خَلفه فَقَالَ مَا يليني مِنْك قَالَ بَطْني قَالَ اللَّهُمَّ املأه علما وَقَالَ خَليفَة جمع عمر لمعاوية الشَّام كُله ثمَّ أقره عُثْمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وَقَالَ مُسلم بن جُنْدُب عَن أسلم مولى عمر قَالَ قدم علينا مُعَاوِيَة وَهُوَ أَبَضُّ النَّاس وأجملهم فحج مَعَ عمر وَكَانَ عمر ينظر إِلَيْهِ فيعجب لَهُ ثمَّ يضع إصبعه على مَتنه ويرفعها عَن مثل الشرَاك وَيَقُول بخ بخ نَحن إِذن خير النَّاس أَن جمع لنا خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سأحدثك إِنَّا بِأَرْض الحمامات والريف فَقَالَ لَهُ عمر سأحدثك مَا بك إلطافك نَفسك بأطيب الطَّعَام وتضحيك حَتَّى تضرب الشَّمْس منكبيك وذوو الْحَاجَات وَرَاء الْبَاب قَالَ أسلم فَلَمَّا جِئْنَا ذَا طوى أخرج مُعَاوِيَة حلَّة فلبسها فَوجدَ عمر مِنْهَا رَائِحَة طيبَة فَقَالَ عمر يعمد أحدكُم يخرج حَاجا تَفِلا حَتَّى إِذا جَاءَ أعظم بلدان الله أخرج ثوبيه كَأَنَّهُمَا كَانَا فِي الطّيب فيلبسهما فَقَالَ مُعَاوِيَة إِنَّمَا لبستهما لأَدخُلَ فيهمَا على عشيرتي وَالله لقد بَلغنِي أذاك هَهُنَا وبالشام الله يعلم أَنِّي لقد عرفت الْحيَاء فِيهِ وَنزع مُعَاوِيَة الثَّوْبَيْنِ وَلبس ثوبيه اللَّذين أحرم فيهمَا وَقَالَ أَبُو الْحسن الْمَدَائِنِي كَانَ عمر إِذا نظر إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ هَذَا كسْرَى الْعَرَب وَقَالَ مُجَاهِد عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ قَالَ لَا تكْرهُوا إمرة مُعَاوِيَة فَإِنَّكُم لَو فقدتموه رَأَيْتُمْ الرُّءُوس تندر عَن كواهلها وروى عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه قَالَت قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة فَأرْسل إِلَى عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن أرسلي إِلي بأنجانية رَسُول الله وشعره فَأرْسلت بذلك معي أحملهُ فَأخذ الأنبجانية فلبسها وَغسل الشّعْر بِمَاء فَشرب مِنْهُ وأفاض على جلده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 وروى أَبُو بكر الْهُذلِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ لما قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة عَام الْجَمَاعَة يَعْنِي عَام أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة تَلَقَّتْهُ رجال قُرَيْش فَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أعز نصرك وَأَعْلَى أَمرك فَمَا رد عَلَيْهِم جَوَابا حَتَّى دخل الْمَدِينَة فعلا الْمِنْبَر ثمَّ حمد الله وَقَالَ أما بعد فَإِنِّي وَالله مَا وليت أَمركُم إِلَّا وَأَنا أعلم أَنكُمْ لَا تسرون بولايتي وَلَا تحبونها وَإِنِّي لعالم بِمَا فِي نفوسكم وَلَكِنِّي خالستكم بسيفي هَذَا مخالسة وَلَقَد رمت على عمل ابْن أبي قُحَافَة فَلم أَجدهَا تقوم بذلك وأردتها على عمل عمر فَكَانَت عَنهُ أَشد نفوراً وحاولتها على مثل سنياتِ عُثْمَان فَأَبت عَليّ وَأَيْنَ مثل هَؤُلَاءِ هَيْهَات أَن يدْرك أحد فَضلهمْ من بعدهمْ غير أَنِّي سلكت بهَا طَرِيقا لي فِيهِ مَنْفَعَة وَلكم فِيهِ مثل ذَلِك وَلكُل فِيهِ مؤاكلة حَسَنَة ومشاربة جميلَة وَمَا استقامت السِّيرَة وَحسنت الطَّاعَة فَإِن لم تجدوني خَيركُمْ فَأَنا خير لكم وَالله لَا أحمل السَّيْف على من لَا سيف مَعَه وَمهما تقدم مِمَّا قد علمتموه فقد جعلته دبر أُذُنِي وَإِن لم تجدوني أقوم بحقكم كُله فارضوا مني بِبَعْضِه فَإِنَّهَا لقائبة قوبها وَإِن السَّيْل إِذا جَاءَ تترى وَإِن قل أغْنى وَإِيَّاكُم والفتنة فَلَا تهموا بهَا فَإِنَّهَا تفْسد الْمَعيشَة وتكدر النِّعْمَة وتورث الاستئصال وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم وَنزل قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي دوَل الْإِسْلَام قَالَ جندل بن والق وَغَيره حَدثنَا مُحَمَّد ابْن بشر حَدثنَا مجَالد عَن أبي الوداك عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله إِذا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَة على منبري فَاقْتُلُوهُ مجَالد ضَعِيف وَقد رَوَاهُ النَّاس عَن عَليّ بن زيد بن جدعَان وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد فَذكره وروى عَن أبي بكر بن دَاوُد قَالَ هُوَ مُعَاوِيَة بن تابوه رَأس الْمُنَافِقين حلف أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 يتغوَط فَوق الْمِنْبَر الشريف وَقَالَ بسر بن سعيد عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ مَا رأيتُ أحدا بعد عُثْمَان أقضَى بِحَق من صَاحب هَذَا الْبَاب يَعْنِي مُعَاوِيَة وَعَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم عَن ثَابت مولى أبي سُفْيَان أَنه سمع مُعَاوِيَة يخطُبُ وَيَقُول إِنِّي لست بِخَيْرِكُمْ وَإِن فِيكُم من هُوَ خير مني عبد الله بن عمر وَعبد الله ابْن عَمْرو وَغَيرهمَا من الأفاضل وَلَكِنِّي حسبت أَن أكونَ أَنْكَاكم فِي عَدوكُمْ وأنفعكم ولَايَة وَأَحْسَنُكُمْ خلقا قَالَ همام بن مُنَبّه سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول مَا رأيتُ رجلا كَانَ أخلق للْملك من مُعَاوِيَة كَانَ النَّاس يردون مِنْهُ على أرجاء وادِ رحب لم يكن بالضيق الْحصْر العصعص المتعصب يَعْنِي ابْن الزبير وَقَالَ أَبُو أَيُّوب عَن أبي قلَابَة إِن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ لن يملك هَذِه الْأمة أحد مل ملك مُعَاوِيَة قلت صدق كَعْب فِيمَا قَالَه فَإِن مُعَاوِيَة بَقِي خَليفَة عشْرين سنة لَا ينازعه أحد الْأَمر فِي الأَرْض جَمِيعًا بِخِلَاف عبد الْملك بن مَرْوَان وَأبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَهَارُون الرشيد وَغَيرهم فَإِنَّهُم كَانَ لَهُم مُخَالف وَخرج عَن حكمهم بعضْ الممالك وروى ضمام بن إِسْمَاعِيل قَالَ سَمِعت أَبَا قبيل حييّ بن هَانِئ يخبر عَن مُعَاوِيَة وَصعد الْمِنْبَر يَوْم جُمُعَة فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن المَال مالنا والفيء فيئنا من شِئْنَا أعطينا وَمن شِئْنَا منعنَا فَلم يجبهُ أحد فَلَمَّا كَانَت الْجُمُعَة الْأُخْرَى قَالَ مثل ذَلِك فَلم يجبهُ أحد فَلَمَّا كَانَت الْجُمُعَة الثَّالِثَة قَالَ مثل ذَلِك فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ كلا إِنَّمَا المَال مالنا والفيء فيئنا من حَال بَيْننَا وَبَينه حكمناه إِلَى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 بأسيافنا فَنزل مُعَاوِيَة وَأرْسل إِلَى الرجل فَأدْخل عَلَيْهِ فَقَالَ الْقَوْم هلك فَفتح مُعَاوِيَة الْأَبْوَاب وَدخل النَّاس فوجدوا الرجل مَعَه على السرير فَقَالَ مُعَاوِيَة إِن هَذَا أحياني أَحْيَاهُ الله سَمِعت رَسُول الله يَقُول سَيكون أَئِمَّة من بعدِي يَقُولُونَ فَلَا يرد عَلَيْهِم قَوْلهم يتقاحمون فِي النَّار تَقَاحم القردة وَإِنِّي تَكَلَّمت فَلم يرد عَليّ أحد فَخَشِيت أَن أكون مِنْهُم ثمَّ تَكَلَّمت الْجُمُعَة الثَّانِيَة فَلم يرد على أحد فَقلت فِي نَفسِي إِنِّي من الْقَوْم ثمَّ تَكَلَّمت هَذِه الْجُمُعَة الثَّالِثَة فَقَامَ هَذَا فَرد عليَ فأحياني أَحْيَاهُ الله فرجوت أَن يخرجني الله مِنْهُم فَأعْطَاهُ وَأَجَازَهُ وروى عَن خَالِد بن معدان قَالَ وَفد الْمِقْدَام بن معدي كرب وَعمر بن الْأسود وَرجل من بني أَسد لَهُ صُحْبَة على مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَة للمقدام توفّي الْحسن فَاسْتَرْجع فَقَالَ مُعَاوِيَة أتراها مُصِيبَة قَالَ الْمِقْدَام وَلم لَا وَقد وَضعه رَسُول الله فِي حجره وَقَالَ هَذَا مني وحسين من عَليّ ثمَّ قَالَ مُعَاوِيَة للأسدي مَا تَقول أَنْت قَالَ جَمْرَة أطفئَت فَقَالَ الْمِقْدَام أنْشدك الله هَل سَمِعت رَسُول الله ينْهَى عَن لبس الذَّهَب وَالْحَرِير وَعَن جُلُود السبَاع وَالرُّكُوب عَلَيْهَا قَالَ نعم قَالَ فوَاللَّه لقد رَأَيْت هَذَا كُله فِي بَيْتك يَا مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَة عرفت أَنِّي لَا أنجو مِنْك وَكَانَ يضْرب الْمثل بحلم مُعَاوِيَة وَقد أفرد ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو بكر بن أبي عَاصِم تصنيفاً مُسْتقِلّا فِي حلم مُعَاوِيَة فَقَالَ إِن رجلا شارط آخر على أَن يضْرب مُعَاوِيَة كَفاً فَلَمَّا فعله الْتفت إِلَيْهِ مُعَاوِيَة وَقَالَ اذْهَبْ إِلَى صَاحبك وَخذ شرطك وَلَا تعد لمثلهَا ثمَّ إِن هَذَا الرجل شارط آخر على مثلهَا فِي يزِيد فَلَمَّا فعله أَمر بِقطع يَدَيْهِ فَقَالَ الرجل إِن كَانَ لَا بُد فَوَاحِدَة فَقَالَ يزِيد وَاحِدَة للضرب وَالْأُخْرَى للشّرط فَقَالَ لَهُ الرجل غَرني حلم مُعَاوِيَة يَا يزِيد فَقَالَ يزِيد تِلْكَ أمة قد خلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وَعَن قبيصَة بن جَابر قَالَ صَحِبت مُعَاوِيَة فَمَا رأيتُ رجلا أثقل حلماً وَلَا أَبْطَأَ جهلا وَلَا أبعد أَنَاة مِنْهُ وَقَالَ جرير عَن مُغيرَة قَالَ أرسل الْحسن بن عَليّ وَعبد الله بن جَعْفَر إِلَى مُعَاوِيَة يسألانه فَبعث إِلَيْهِمَا بِمِائَة ألف دِينَار فَبلغ ذَلِك عليا فَقَالَ لَهما أَلا تستحيان من رجل نطعن فِيهِ غدْوَة وَعَشِيَّة تسألانه المَال قَالَا لِأَنَّك حرمتنا وجاد لنا وَقَالَ مَالك كَانَ معاويةُ ينتف الشيب كَذَا وَكَذَا سنة وَكَانَ يخرج إِلَى الصَّلَاة وَرِدَاؤُهُ يحمل وَرَاءه فَإِذا دخل للصَّلَاة جعل عَلَيْهِ وَذَلِكَ من الْكبر وَذكر غَيره أَن مُعَاوِيَة أَصَابَته اللقوة قبل أَن يَمُوت وَكَانَ اطلع فِي بِئْر عَادِية فِي الْأَبْوَاء لما حج فأصابته اللقوة يَعْنِي بَطل نصفه وَعَن الشّعبِيّ قَالَ أول من خطب النَّاس قَاعِدا معاويةُ وَذَلِكَ حِين كَثُرَ شحمه وَعظم بَطْنه وَعَن ابْن سِيرِين أصَاب مُعَاوِيَة لقُوَّة فَاتخذ لحفاً خفافاً تلقى عَلَيْهِ فَلَا يلبث أَن يتَأَذَّى بهَا فَإِذا أخذت عَنهُ يسْأَل أَن ترد عَلَيْهِ فَقَالَ قبحك الله من دَار مكثت فِيك عشْرين سنة أميرَاً وَعشْرين سنة خَليفَة ثمَّ صرت إِلَى مَا أرى وروى عبد الْأَعْلَى بن مَيْمُون بن مهْرَان عَن أَبِيه أَن مُعَاوِيَة قَالَ فِي مَرضه كنت أوضئ رَسُول الله يَوْمًا فَنزع قَمِيصه وكسانيه فَرَفَعته وخبأت قلامة أَظْفَاره فِي قَارُورَة فَإِذا مت فَجعلُوا الْقَمِيص على جلدي واسحقوا تِلْكَ القلامة واجعلوها فِي عَيْني فَعَسَى الله أَن يرحمني ببركتها وَقَالَ أَبُو عمر بن الْعَلَاء لما حضرت مُعَاوِيَة الْوَفَاة أنْشد من // (الطَّوِيل) // (هُوَ المَوْتَ لاَ يُنْجَى مِنَ المَوْتِ وَالّذِي ... تُجَاوِزُ بَعْدَ المَوْتِ أَدْهى وَأَفْظَعُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 اللَّهُمَّ أقل العثرة واعف عَن الزلة وَتجَاوز بِحِلْمِك عَن جهل من لم يرج غَيْرك فَمَا وَرَاءَك مَذْهَب قَالَ أَبُو مسْهر صلى عَلَيْهِ الضَّحَّاك بت قيس الفِهري وَدفن بِدِمَشْق بَين بَاب الْجَابِيَة وَالْبَاب الصَّغِير قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ وقبره يزار إِلَى الْآن عَلَيْهِ بَيت مَبْنِيّ يفتح كل اثْنَيْنِ وخميس وَله من الْعُمر ثَمَانُون وَقيل تسعون وَكَانَ أَمِيرا وَخَلِيفَة أربعينَ سنةَ مِنْهَا أَربع سِنِين فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ (بيعَة يزِيد بن مُعَاوِيَة) قد مضَى أَن مُعَاوِيَة جعل ابْنه ولي عَهده وأكره النَّاس على ذَلِك فَلَمَّا توفّي لم يدْخل فِي طَاعَة يزِيد بن الْحُسَيْن بن عَليّ وَلَا عبد الله بن الزبير وَلَا من يشايعهما قَالَ أَبُو مسْهر حَدثنَا خَالِد بن يزِيد حَدثنِي سعيد بن حُرَيْث قَالَ لما كَانَت الْغَدَاة الَّتِي توفّي لَيْلَتهَا مُعَاوِيَة فزع النَّاس إِلَى الْمَسْجِد وَلم يكن قبله خَليفَة بِالشَّام غَيره فَكنت فِيمَن أَتَى الْمَسْجِد فَلَمَّا الاتفع النَّهَار وهم يَبْكُونَ فِي الخظراء وَابْنه يزِيد غَائِب وَبعث إِلَيْهِ الْبَرِيد وَهُوَ ولي عهد وَكَانَ بجوارين وَكَانَ نَائِبه على دمشق الضَّحَّاك بن قيس الفِهري فَدفن مُعَاوِيَة فَلَمَّا كَانَ بعد أُسْبُوع بلغنَا أَن ابْن الزبير خرج بِالْمَدِينَةِ وَحَارب وَكَانَ مُعَاوِيَة قد غشي عَلَيْهِ مرّة فَركب بِمَوْتِهِ الركْبَان فَلَمَّا بلغ ذَلِك ابْن الزبير خرج فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة صلى بِنَا الضَّحَّاك ثمَّ قَالَ تعلمُونَ أَن خليفتكم يزِيد قدم وَنحن غَدا متلقوه فَلَمَّا صلى الصُّبْح ركب فَرَكبْنَا مَعَه فَسَار فِي ثنية الْعقَاب فَإِذا بأثقال يزِيد ثمَّ سرنا قَلِيلا فَإِذا بِيَزِيد فِي ركب مَعَه أَخْوَاله من بني كلب وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 عَليّ بخْتِي لَهُ رَحل وريطة مثنية فِي عُنُقه لَيْسَ عَلَيْهِ سيف وَلَا عِمَامَة وَقد كَانَ ضخماً سميناً قد كثر شعره وشعث فَأقبل النَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ ويعزونه وَهُوَ ترى فِيهِ الكآبة والحزن وخفض الصَّوْت وَالنَّاس يعيبون ذَلِك مِنْهُ وَيَقُولُونَ هَذَا الْأَعرَابِي الْأُمِّي ولي أَمر النَّاس وَالله سَائل عَنهُ قسار فَقُلْنَا يدْخل من بَاب توما فَلم يدْخل وَمضى إِلَى بَاب شَرْقي فَلم يدْخل مِنْهُ وَأَجَازَهُ ثمَّ أجَاز بَاب كيسَان إِلَى بَاب الصَّغِير فَلَمَّا وافاه أَنَاخَ وَنزل وَمَشى الضَّحَّاك بَين يَدَيْهِ إِلَى قبر مُعَاوِيَة فصففنا خَلفه وَكبر أَرْبعا فَلَمَّا خرج من الْمَقَابِر أَتَى ببغلة فركبها إِلَى الخضراء ثمَّ نُودي الصَّلَاة جمَاعَة لصَلَاة الظّهْر فاغتسل وَلبس ثيابًا نفيسةَ ثمَّ جلس على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر موت أَبِيه وَقَالَ إِنَّه كَانَ يغزيكم الْبَحْر وَالْبر وَلست حاولا أحدا الْمُسلمين فِي الْبَحْر وَإنَّهُ كَانَ يشتيكم بِأَرْض الرّوم وَلست مشتياً أحدا بهَا وَإنَّهُ كَانَ يخرج لكم الْعَطاء ثَلَاثَة وَأَنا أجمعه لكم كُله قَالَ فافترقوا وَمَا يفضلون عَلَيْهِ أحدَاً وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم عَن عَطِيَّة بن قيس قَالَ خطب مُعَاوِيَة فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت إِنَّمَا عهِدت ليزِيد لما رَأَيْت من فَضله فَبَلغهُ مَا أملت وأعنه وَأَن كنت إِنَّمَا حَملَنِي على ذَلِك حب الْوَالِد لوَلَده وَأَنه لَيْسَ بِأَهْل فاقبضه قبل أَن يبلغ ذَلِك قَالَ حميد بن عبد الرَّحْمَن دَخَلنَا على بشير وَكَانَ صحابياً فَقُلْنَا اسْتخْلف يزِيد فَقَالَ يَقُولُونَ أَن يزِيد لَيْسَ بِخَير أمة مُحَمَّد وَأَنا أَقُول ذَلِك وَلَكِن لِأَن يجمع الله أمة مُحَمَّد أحب إِلَيّ من أَن يتفرق كَذَا فِي الذَّهَبِيّ بُويِعَ يزِيد بعد موت أَبِيه وعَلى الْمَدِينَة الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وعَلى مَكَّة عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الشهير بالأشدق وعَلى الْبَصْرَة عبيد الله بن زِيَاد وعَلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 الْكُوفَة النُّعْمَان بن بشير وَلم يكن هم يزِيد إِلَّا بيعَة النَّفر الَّذِي أَبَوا على مُعَاوِيَة بيعَته فَكتب يزِيد إِلَى الْوَلِيد بن عتبَة بِمَوْت مُعَاوِيَة وَأَن يَأْخُذ حُسَيْنًا بن عمر وَابْن الزبير بالبيعة من غير رخصَة فَلَمَّا أَتَى الْوَلِيد نعى مُعَاوِيَة استدعى مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ منقطعَاً عَنهُ بِمَا كَانَ يبلغهُ عَنهُ فَلَمَّا قَرَأَ مَرْوَان الْكتاب بنعي مُعَاوِيَة اسْترْجع وترحَم فَاسْتَشَارَهُ الْوَلِيد فِي أَمر أُولَئِكَ النَّفر فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يحضرهم لوقته فَإِن بَايعُوا وَإِلَّا قَتلهمْ قبل أَن يعلمُوا بِمَوْت مُعَاوِيَة فيثب كل رجل مِنْهُم فِي نَاحيَة إِلَّا ابْن عمر فَإِنَّهُ لَا يحبُ الْقِتَال وَلَا يحب الْولَايَة إِلَّا أَن يرفع إِلَيْهِ الْأَمر فَبعث الْوَلِيد لوقته عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان وَهُوَ غُلَام حدث فجَاء إِلَى الْحُسَيْن وَابْن الزبير فِي الْمَسْجِد فِي سَاعَة لم يَكُنِ الْوَلِيد يجلس فِيهَا للنَّاس وَقَالَ أجيباً الْأَمِير فَقَالَا انْصَرف الْآن نأتيه ثمَّ حدسا فِيمَا بعث إِلَيْهِمَا فَلم يَعْدُوَا مَا وَقع وَجمع الْحُسَيْن فتيانه وَأهل بَيته وَسَار إِلَيْهِ وأجلسهم بِالْبَابِ وَقَالَ إِن دعوتكم أَو سَمِعْتُمْ صوتي عَالِيا فادخلوا بأجمعكم ثمَّ دخل فَسلم ومروان عِنْده فشكرهما الْوَلِيد على الصِّلَة بعد القطيعة ودعا لَهما بصلاح ذَات الْبَين فَأَقْرَأهُ الْوَلِيد الْكتاب بنعي مُعَاوِيَة وَدعَاهُ إِلَى الْبيعَة فَاسْتَرْجع وترحم قَالَ مثلي لَا يُبَايع سِرُّاً وَلَا يَكْتَفِي بهَا مني فَإِذا ظَهرت للنَّاس ودعوتهم كَانَ أمرنَا وَاحِدًا وَكنت أول مُجيب فَقَالَ الْوَلِيد وَكَانَ يحب المسالمة انْصَرف يَا أَبَا عبد الله وَقَالَ مَرْوَان للوليد لَا تقدر مِنْهُ على مثلهَا أبدا حَتَّى تكْثر القتلَى بَيْنك وَبَينه ألزمهُ الْبيعَة وَإِلَّا اضْرِب عُنُقه فَوَثَبَ الْحُسَيْن وَقَالَ أَنْت تقتلني أَو هُوَ كذبت وَالله فَانْصَرف إِلَى منزله يتهادَى بَين موَالِيه وَهُوَ يَقُول // (من الْخَفِيف) // (لاَ ذَعَرْتُ السَّوَامَ فِي فَلَقِ الصُّبْحِ ... مُغِيرًا وَلاَ ذَعَرْتُ يَزِيدَا) (يَوْمَ أعْطى مَخَافَةَ القَتْلِ ضَيْمًا ... وَالمَنَايَا صدَدْنَيِي أَنْ أَحِيدَا) وَأخذ مَرْوَان فِي عذل الْوَلِيد فَقَالَ يَا مَرْوَان وَالله مَا أحب أَن لي مَا طلعَت عَلَيْهِ الشَّمْس من مَال الدُّنْيَا وملكها وَأَنِّي قتلت الْحُسَيْن أَن قَالَ لَا أبايع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وَأما ابْن الزبير فَإِنَّهُ اختفى فِي دَاره وَجمع أَصْحَابه وألح الْوَلِيد فِي طلبه وَبعث موَالِيه فَشَتَمُوهُ وتهددوه وَأَقَامُوا بِبَابِهِ فِي طلبه فَبعث ابْن الزبير أَخَاهُ جعفراً يلاطف الْوَلِيد ويشكو مَا أَصَابَهُ من الذعر ويعده بالحضور من الْغَدَاة وَأَن يصرف رسله من بَابه فَبعث إِلَيْهِم وَانْصَرفُوا وَخرج ابْن الزبير من ليلته مَعَ أَخِيه جَعْفَر وَحدهمَا وأخذا طَرِيق الْفَرْع إِلَى مَكَّة فسرح الْوَلِيد الرِّجَال فِي طلبه فَلم يدركوه وَرَجَعُوا وتشاغل بذلك عَن الْحُسَيْن سائِرَ يَوْمه ثمَّ أرسل إِلَى الْحُسَيْن يَدعُوهُ فَقَالَ الْحُسَيْن أَصْبحُوا وَتَروْنَ ونَرَى وَسَار فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة ببنيه وَبني أَخِيه إِلَّا مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَكَانَ قد نصحه وَقَالَ تَنَح عَن يزِيد وَعَن الْأَمْصَار مَا اسْتَطَعْت وَابعث دعاتك إِلَى النَّاس فَإِن أجابوك فاحمد الله وَإِن اجْتَمعُوا على غَيْرك فَلم ينقص بذلك دينك وَلَا عقلك وَلم تذْهب بِهِ مروءتك وَلَا فضلك وَأَنا أَخَاف أَن تأني مصرَاً أَو قوما فيختلفون عَلَيْك فَتكون لأوّل الأسنة فَإِذا خير الْأمة نفسا وَأَبا أضيعها دمنا وأذلها أصلا قَالَ لَهُ الْحُسَيْن فَإِنِّي ذَاهِب قَالَ لَهُ انْزِلْ مَكَّة فَإِن اطمأنت بك الدَّار فبسبيل ذَلِك وَإِن نأت بك لحقت بالرمال وشعاب الْجبَال وَمن بلد إِلَى بلد حَتَّى تنظر مصير أَمر النَّاس وتعرف الرَّأْي فَقَالَ يَا أخي نصحتَ وأشفقتَ فلحق بِمَكَّة وَبعث الْوَلِيد إِلَى ابْن عمر ليبايع فَقَالَ إِذا بَايع النَّاس وَقيل إِن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس كَانَا بِمَكَّة ورجعا إِلَى الْمَدِينَة فلقيا الْحُسَيْن وَابْن الزبير فأخبراهما بِمَوْت مُعَاوِيَة وبيعة يزِيد فَقَالَ ابْن عمر لَا نفرق جمَاعَة الْمُسلمين وقَدِمَ هُوَ وَابْن عَبَّاس الْمَدِينَة وَبَايِعًا عِنْد بيعَة النَّاس وَلنَا دخل ابْن الزبير مَكَّة وَعَلَيْهَا عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الشهير بالأشدق كَمَا تقدم ذكره قَالَ أَنا عَائِد بِالْبَيْتِ وَلم يكن يُصَلِّي وَلَا يفِيض مَعَهم وَيقف هُوَ وَأَصْحَابه نَاحيَة وَلما بلغ يزِيد صَنِيع الْوَلِيد بن عتبَة بِأَمْر أُولَئِكَ النَّفر وتوانيه فِي أَمرهم عَزله عَن الْمَدِينَة وولاها عَمْرو بن سعيد فَقَدمهَا فِي رَمَضَان وَاسْتعْمل على شرطته عَمْرو ابْن الزبير بِالْمَدِينَةِ لما كَانَ بَينه وَبَين أَخِيه عبد الله بن الزبير من الْبغضَاء قَالَ الْعَلامَة ابْن خلدون وَولى يزِيد بن مُعَاوِيَة عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْمَدِينَة وَمَكَّة والموسم والطائف فَقدم إِلَى الْمَدِينَة سنة سِتِّينَ فِي رَمَضَان قبيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 الْعَتَمَة فصلى الْعَتَمَة بِالنَّاسِ وَقَرَأَ {لَم يَكنُ} الْبَيِّنَة 1 و {إذَا زُلزِلتَ الأَرضُ} الزلزلة 1 فَلَمَّا أصبح خرج على النَّاس وَعَلِيهِ قَمِيص أَحْمَر وعمامة حَمْرَاء فَصَعدَ الْمِنْبَر فَرَمَاهُ النَّاس بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ يَا أهل الْمَدِينَة مَا لكم ترموننا بأبصاركم كأنكم تُرِيدُونَ تقروننا سُيُوفكُمْ أنسيتم مَا فَعلْتُمْ أما لَو انتقم مِنْكُم فِي الأولى مَا عدتم إِلَى الثَّانِيَة أغركم إِذْ قتلتم عُثْمَان فوجدتم صَابِرًا حَلِيمًا وإمامَاً مواتياً فَذهب غَضَبه وَذَهَبت أذاته فاغنموا أَنفسكُم فقد وَلِيكُم إِمَام بالشباب المقتبل الْبعيد الأمل وَقد اعتدل جِسْمه وَاشْتَدَّ عظمه وَرمى الدَّهْر ببصربه واستقبله بأسره فَهُوَ إِن عض نهش وَإِن وطئ فرش لَا يقلقله الْحَصَى وَلَا تقرع لَهُ الْعَصَا فرعف وَهُوَ يتَكَلَّم على الْمِنْبَر فَألْقى رجل إِلَيْهِ عِمَامَة فَمسح بهَا فَقَالَ رجل من خثعم دم على الْمِنْبَر من عِمَامَة فتْنَة عَمت وَعلا ذكرهَا وَرب الْكَعْبَة ثمَّ خرج عَمْرو بن سعيد إِلَى مَكَّة فَقَدمهَا قبل التَّرويَة بِيَوْم وَخرج الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقبل لعَمْرو خرج الْحُسَيْن فَقَالَ اركبوا كُل بعير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فِي طلبه قَالَ وَكَانَ النَّاس يتعجبون من قَوْله فطلبوه فَلم يدركوه فَكَانَت الْفِتْنَة الْمَشْهُورَة انْتهى ذكر ذَلِك فِي ذكر العيافة والزجر والطيرة وأحضر نَفرا من شيعَة ابْن الزبير بِالْمَدِينَةِ فضربهم من الْأَرْبَعين إِلَى الْخمسين إِلَى السِّتين مِنْهُم الْمُنْذر بن الزبير وَابْنه مُحَمَّد وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد يَغُوث وَعُثْمَان بن عبد الله بن حكم بن حزَام وَمُحَمّد بن عمار بن يَاسر وَغَيرهم ثمَّ جهز الْبعُوث إِلَى مَكَّة سَبْعمِائة وَنَحْوهَا وَقَالَ لعَمْرو بن الزبير من نبعث إِلَى أَخِيك فَقَالَ لَا تَجِد رجلا أبلى لَهُ مني فَجهز مَعَه سَبْعمِائة مقَاتل وعذل مَرْوَان بن الحكم عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ فِي غَزْوَة مَكَّة وَقَالَ لَهُ اتَّقِ الله وَلَا تحل حرمه فَقَالَ وَالله لنغزرنه فِي جَوف الْكَعْبَة وَجَاء أَبُو شُرَيْح الْخُزَاعِيّ إِلَى عَمْرو بن سعيد فَقَالَ لَهُ سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِنَّمَا أذن لي بِالْقِتَالِ فِيهَا سَاعَة من النَّهَار ثمَّ عَادَتْ كحرمتها بالْأَمْس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن سعيد نَحن أعلم بحرمتها مِنْك أَيهَا الشَّيْخ وَيُقَال إِن الْجَيْش كَانَ عدته ألفَى مقَاتل وعَلى مقدمته أنيس بن عُمَيْر الْأَسْلَمِيّ فَلَمَّا قاربوا مَكَّة نزل أنيس بِذِي طوى وَنزل عَمْرو بِالْأَبْطح وَبعث إِلَى أَخِيه عبد الله أَن بر يَمِين يزِيد فَإِنَّهُ حلف أَلا يقبل بيعَته إِلَّا أَن يُؤْتى بِهِ فِي جَامِعَة فَلَا تضرب النَّاس بَعضهم بِبَعْض فَإنَّك فِي بلد حرَام فَأرْسل عبد الله بن الزبير من اجْتمع مَعَه من أهل مَكَّة مَعَ عبد الله بن صَفْوَان بن أُميَّة فهزموا أنيسا بِذِي طوى وَقتل أنيس فِي الْهَزِيمَة وتخلف عَن عَمْرو بن الزبير أَصْحَابه فَدخل دَار ابْن عَلْقَمَة وَأَجَارَهُ وَقَالَ لِأَخِيهِ عبد الله بن الزبير قد أجرته فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ وَأَجَازَ جواره وَقيل إِنَّه لم يجز جواره وضربه بِكُل من ضربه عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ بِالْمَدِينَةِ من جماعته وحسبه بسجن عَارِم وَمَات تَحت السِّيَاط (توجه الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء) لما خرج الْحُسَيْن من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة لقِيه عبد الله بن مُطِيع وَسَأَلَهُ أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ مَكَّة وأستخير الله فِيمَا بعد فنصحه أَلا يقرب الْكُوفَة وَذكره قَتلهمْ أَبَاهُ وخذلانهم أَخَاهُ وَأَن يُقيم بِمَكَّة لَا يُفَارق الْحرم حَتَّى يتداعى إِلَيْهِ النَّاس وَرجع عَنهُ وَنزل الْحُسَيْن بِمَكَّة فَأَقَامَ النَّاس يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ وَابْن الزبير فِي جَانب الْكَعْبَة يُصَلِّي وَيَطوف عَامَّة النَّهَار وَيَأْتِي الْحُسَيْن فِيمَن يَأْتِيهِ وَعلم أَن أهل الْحجاز لَا يلتفتون إِلَيْهِ مَعَ الْحُسَيْن وَلما بلغ أهل الْكُوفَة بيعَة يزِيد ولحاق الْحُسَيْن بِمَكَّة اجْتمعت أهالي الْكُوفَة والشيعة فِي منزل سُلَيْمَان بن صُرَدَ الْخُزَاعِيّ وَكَتَبُوا إِلَيْهِ إِنَّا حبسنا أَنْفُسنَا على بيعتك وَنحن نموت دُونك وإننا لم نُبَايِع للنعمان بن بشير أَمِير الْكُوفَة وَلَا نَجْتَمِع مَعَه فِي جُمُعَة وَلَا عيد وَلَو جئتنا أخرجناه وبعثوا بِالْكتاب مَعَ عبد الله بن سميع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 الْهَمدَانِي ثمَّ كتبو إِلَيْهِ ثَانِيَة بعد لَيْلَتَيْنِ نَحْو مائَة وَخمسين صحيفَة ثمَّ ثَالِثَة يستحثونه للحاق بهم فأجابهم الْحُسَيْن فهمت مَا قصصتم وَقد بعثت إِلَيْكُم أخي وَابْن عمي وثقتي من أهل بَيْتِي مُسلم بن عقيل يكْتب إِلَيّ بأمركم ورأيكم فَإِن اجْتمع ملؤكم على مثل مَا قدمت بِهِ رسلكُمْ أقدم عَلَيْكُم قَرِيبا ولعمري مَا الإِمَام إِلَّا الْعَامِل بِالْكتاب الْقَائِم بِالْقِسْطِ الدَّائِن بدين الْحق فَسَار مُسلم وَدخل الْمَدِينَة وَصلى فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وودع أَهله واستأجر دَلِيلين من قيس فضَلا الطَّرِيق وعطش الْقَوْم فَمَاتَ الدليلان بعد أَن أَشَارَ إِلَيْهِم بِموضع المَاء وانتهوا إِلَيْهِ وَشَرِبُوا ونجوا فتطير مُسلم بذلك وَكتب إِلَى الْحُسَيْن يستعفيه فَكتب إِلَيْهِ الْحُسَيْن إِنِّي خشيت ألاَ يكون حملك على ذَلِك إِلَّا الْجُبْن فَامْضِ لوجهك وَالسَّلَام فَسَار مُسلم وَدخل الْكُوفَة أول ذِي الْحجَّة من سنة سِتِّينَ اخْتلفت إِلَيْهِ الشِّيعَة وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب الْحُسَيْن فبكوا ووعدوه بالنصر وَعلم النُّعْمَان بن بشير أَمِير الْكُوفَة بمَكَان مُسلم وَكَانَ حَلِيمًا ينجح إِلَى المسالمة وَكَانَ على الْكُوفَة حِين مَاتَ مُعَاوِيَة فَلَمَّا بلغه خبر وَمُسلم وَالْحُسَيْن قَالَ لِابْنِ بنت رَسُول الله أحب إِلَيْنَا من ابْن بنت بَحدَل فَخَطب وحذر النَّاس الْفِتْنَة وَقَالَ لَا أقَاتل من لَا يقاتِلُنِي وَلَا آخذ بالظنة والتهمة وَلَكِن أَن نكثتم ببيعتكم وخالفتم إمامكم فوَاللَّه لأضربنكم بسيفي مَا دَامَ قائمه فِي يَدي وَلَو لم يكن لي نَاصِر وَقَالَ لَهُ بعض حلفاء بني أُميَّة لَا يصلح مَا ترى إِلَى الغشم وَهَذَا الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ مَعَ عَدوك رَأْي الْمُسْتَضْعَفِينَ فَقَالَ أكون من الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي طَاعَة الله أحب إِلَيّ من أَن أكون من الأَعزينَ فِي مَعْصِيّة الله ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر فَكتب عمار بن الْوَلِيد وَعمر بن سعد بن أبي وَقاص إِلَى يزِيد بالْخبر بِضعْف النُّعْمَان وَبِقَوْلِهِ لِابْنِ بنت رَسُول الله ... إِلَخ فَابْعَثْ إِلَى الْكُوفَة رجلا قَوِيا ينفذ أَمرك وَيعْمل عَمَلك فِي عَدوك فَأَشَارَ إِلَى يزِيد سرجون الرُّومِي كَاتب أَبِيه بعبيد الله بن زِيَاد وَكَانَ منحرفاً عَنهُ فَقَالَ لَهُ إِن أَبَاك مُعَاوِيَة ولاه قبل مَوته فَكتب يزِيد لَهُ بعهده إِلَى الْكُوفَة مُضَافا على الْبَصْرَة وَبعث لَهُ مَعَ مُسلم بن عَمْرو الْبَاهِلِيّ وَالِد قُتَيْبَة بن مُسلم وَأمره بِطَلَب مُسلم بن عقيل وَقَتله أَو نَفْيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 وَكَانَ الْحُسَيْن قد كتب إِلَى أَشْرَاف الْبَصْرَة الْأَحْنَف بن قيس وَالْمُنْذر بن الْحَارِث ومالكِ بن مسمع الْبكْرِيّ ومسعود بن عَمْرو وَقيس بن الْهَيْثَم وود وَعَمْرو بن عبيد الله بن معمر يَدعُوهُم إِلَى الْكتاب وَالسّنة وإماتة الْبِدْعَة وخشي الْمُنْذر أَن يكون دسيساً من عبيد الله بن زِيَاد فَأَتَاهُ بالرسول وَالْكتاب من بَين أَصْحَابه فَقتل الرَّسُول ثمَّ خطب النَّاس وَأخْبرهمْ بولايته الْكُوفَة واستخلافه أَخَاهُ عُثْمَان بن زِيَاد على الْبَصْرَة وتهددهم على الْخلاف بِالْقَتْلِ وَأخذ الْأَدْنَى بالأقصى والقريب بقريبه ثمَّ أَغَذ عبيد الله السّير يسابق الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَة قَالَ الْعَلامَة ابْن خلدون فِي خَمْسمِائَة فَتَخَلَّفُوا عَنهُ شَيْئا فَشَيْئًا وقا الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي اثْنَي عشر رجلاَ حَتَّى دخل الْكُوفَة وَحده وَمر بالمجالس فظنوه الْحُسَيْن فَحَيوا ورحبوا وَهُوَ يسمع وساءه ذَلِك ثمَّ انْتهى إِلَى الْقصر فِي هجيج النَّاس يتبعونه فأغلق النُّعْمَان الْبَاب دونه يَظُنّهُ الْحُسَيْن وَقَالَ مَا أَنا بِمُسلم أمانتي إِلَيْك وَلَا أقاتلك فَدَنَا مِنْهُ عبيد الله وَقَالَ افْتَحْ لَا فتحت فَعرف صَوته وَفتح لَهُ وتفرق النَّاس ثمَّ خطب لولايته ووعد بِالْإِحْسَانِ للمحسن والشدة على الْمُرِيب والعاصي وحذر من الْمُخَالفَة ثمَّ أَخذ العُرَفَاء بِأَن يكتبوا لَهُ الغرباء والحرورية وَأهل الريب وَيضمن كل وَاحِد مَا فِي عرافته وَمن وجد فِي عرافته أحد لم يعرفهُ صلبه على بَاب دَاره ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر وَسمع مُسلم بن عقيل بذلك فَأتى منزل هَانِئ بن عُرْوَة وَكَانَ الْحُسَيْن أمره بالنزول عَلَيْهِ فَاسْتَجَارَ بِهِ فآواه على كره لمكانه خشيَة الْعَاقِبَة وأقامت الشِّيعَة تخْتَلف إِلَيْهِ فِي دَار هَانِئ ودعا ابْن زِيَاد مولى لَهُ وَأَعْطَاهُ مالاَ ودسه عَلَيْهِم ليَأْتِيه بعلمهم فَأَتَاهُ مُسلم بن عَوْسَجَة الْأَسدي وَهُوَ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ وَكَانَ من كبار دعاتهم فَقَالَ لَهُ أَنا من أهل الشَّام وَأَرَدْت لِقَاء هَذَا الرجل الَّذِي يُبَايع للحسين فاقبض هَذَا المَال وأدخلني عَلَيْهِ أُبَايِعهُ وَإِلَّا فَخذ أَنْت بيعتي قبل لِقَائِه فَأخذ بيعَته وَبَقِي يخْتَلف إِلَيْهِ وَمرض هَانِئ بن عُرْوَة فَأَتَاهُ عبيد الله بن زِيَاد يعودهُ وَحمل أَصْحَاب هَانِئ على الفتك بِابْن زِيَاد فَقَالَ مَا أحب ذَلِك فِي بَيْتِي ثمَّ مرض شريك بن الْأَعْوَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 أَو تمارض فَقيل لِابْنِ زِيَاد إِن شَرِيكا شَاك يقئ الدَّم وَكَانَ قد شرب الْمغرَة فَجعل يقيئها فجَاء ابْن زِيَاد يعودهُ وَكَانَ قد نزل على هَانِئ وَكَانَ شَدِيد التَّشَيُّع شهر صفّين مَعَ عَليّ فَقَالَ لمُسلم بن عقيل إِذا قلت اسقوني فَاخْرُج وَقَتله ثمَّ اقصد الْقصر فَلَا حَائِل دونه وَإِن بَرِئت من وجعي كفيتك أَمر الْبَصْرَة فَلَمَّا جَاءَ عبيد الله بن زِيَاد إِلَى منزل هَانِئ جبن مُسلم عَن قَتله وَبَقِي شريك ينبهه لذَلِك وَيَقُول اسقوني اسقوني فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ وَيحكم اسقوني وَلَو كلنت فِيهِ نَفسِي فَلَا يُجيب حَتَّى خرج ابْن زِيَاد وَلم يصنع مُسلم شَيْئا وَكَانَ من أَشْجَع النَّاس وَلَكِن أَخَذته كبوة فَاعْتَذر عَن قَتله بِأَن هانئاً يكره ذَلِك فِي بَيته وَبِأَن عليا حدث عَن النَّبِي أَن الْإِيمَان قيد الفتك ثمَّ قضى شريك بعد ثَلَاث وَصلى عَلَيْهِ عبيد الله بن زِيَاد ثمَّ علم بعد ذَلِك بِشَأْنِهِ فَحلف لَا يحضر جَنَازَة عراقي ثمَّ إِن الْمولى الَّذِي دسه ابْن زِيَاد بِالْمَالِ اخْتلف إِلَيْهِ مُسلم بن عَوْسَجَة بعد موت شريك فَأدْخلهُ على مُسلم بن عقيل فَأخذ بيعَته وَقبض مَاله وَأقَام يخْتَلف إِلَيْهِم ويخبر ابْن زِيَاد بأحوالهم حَتَّى تبين جلبة الْأَمر وَكَانَ هَانِئ انْقَطع عَن عبيد الله بن زِيَاد بِعُذْر الْمَرَض فَدَعَا بن زِيَاد مُحَمَّد ابْن الْأَشْعَث وَأَسْمَاء بنت خَارِجَة وَعَمْرو ابْن الْحجَّاج والزبيدي وعذل هانئاً فِي انْقِطَاعه عَنهُ وَأَنه بلغ بُرْؤُهُ من الْمَرَض وَقَالَ القوه فَمُرُوهُ أَلا يَنْقَطِع عني فَلَقِيَهُ الْقَوْم ولاموه فِي ذَلِك ثمَّ حلفوا عَلَيْهِ واستركبوه مَعَهم ودخلوا بِهِ على ابْن زِيَاد وَكَانَ مكرمَاً لَهُ فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد يَا هَانِئ مَا هَذِه الْأُمُور الَّتِي تربض فِي دَارك للْمُسلمين وأمير الْمُؤمنِينَ وَأخْبرهُ بشأن مُسلم بن عقيل فَأنكرهُ فَدَعَا ابْن زِيَاد الْمولى الَّذِي دَسَه عَلَيْهِم وَرَآهُ هَانِئ فَسقط فِي يَده ثمَّ قَالَ وَالله مَا دَعَوْت الرجلَ وَلَا علمت بِشَيْء من أمره وَصدقه الْخَبَر فِي مَجِيئه إِلَى دَاره واستجارته بِهِ واستحيائه من رده وَقد كَانَ من أمره مَا بلغك وَأَنا الْآن أُعْطِيك عهدا ورهينة حَتَّى أخرجه من دَاري وأعود إِلَيْك فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد وَالله لَا تُفَارِقنِي حَتَّى تَأتِينِي بِهِ فَقَالَ آتِيك بضيفي تقتله وَالله لَا فعلت ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ مُسلم بن عَمْرو الْبَاهِلِيّ وَلم يكن هُنَالك أعز مِنْهُ فَاسْتَأْذن ابْن زِيَاد ودخلا نَاحيَة ونصحه أَن يَأْتِي بِهِ فَإِنَّهُ ابْن عمهم وَلَيْسوا قاتليه وَلَا ضاربيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَلَيْسَ عَلَيْك فِي ذَلِك منقصة وَإِنَّمَا إِلَى السُّلْطَان فَأبى ولج وسَمعه ابْن زِيَاد فاستدناه لَئِن لم تأتني بِهِ لَأَضرِبَن عنقَك قَالَ هَانِئ إِذن وَالله تكْثر البارقة وَيُقَال إِن هَانِئ لما رأى الرجل الَّذِي كَانَ عينا قَالَ أَيهَا الْأَمِير أَنْت آمن وَأهْلك فسِرْ حَيْثُ شِئْت فَأَشَارَ ابْن زِيَاد إِلَى مهْرَان مَوْلَاهُ وَهُوَ قَائِم على رَأسه فَأخذ بضفيرتي هَانِئ وَأخذ ابْن زِيَاد الْقَضِيب من يَد مهْرَان وَلم يزل يضْرب وَجه هَانِئ حَتَّى كسر أَنفه ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته ثمَّ أغلق عَلَيْهِ فِي بَيت وَجَاء أَسمَاء بن خَارِجَة مُنْكرا لذَلِك لِأَن هانئاً جَاءَ فِي جواره وَأمر بِهِ ابْن زِيَاد يطرد عَنهُ وَحبس وَأظْهر مُحَمَّد بن الْأَشْعَث الرِّضَا وَجلسَ وَبلغ عَمْرو بن حجاج أَن هانئاً قتل فَأقبل فِي مذْحج وَأَحَاطُوا بقصر ابْن زِيَاد وَأمر ابْن زِيَاد القَاضِي شريحاً أَن يعلمهُمْ بحياة هَانِئ بعد أَن أدخلهُ عَلَيْهِ فَرَآهُ حَياً فَأخْبرهُم فانصرفوا وَجَاء الْخَبَر إِلَى مُسلم بن عقيل وَكَانَ قد بَايعه ثَمَانِيَة عشر ألفا وَحَوله فِي الدَّار أَرْبَعَة آَلاف فَنَادَى فيهم وَركب نَحْو قصر عبيد الله بن زِيَاد وأحاط بِهِ وامتلأ الْمَسْجِد والسوق من النَّاس إِلَى السَّمَاء وضاق بعبيد الله بن زِيَاد أمره وَلَيْسَ مَعَه فِي الْقصر إِلَّا نَحْو خمسين رجلا من أهل بَيته ومواليه وتسلل إِلَيْهِ الْأَشْرَاف وَأمر كثير بن الْحَارِث أَن يخرج فِيمَن أطاعه من مذْحج فيخذل عَنهُ النَّاس وَأمر ابْن الْأَشْعَث أَن يخرج فِيمَن أطاعه من كِنْدَة وحضرموت وَيرْفَع راية أَمَان لمن حماه من النَّاس وَبعث بِمثل ذَلِك الْقَعْقَاع بن شور الذهلي وشبيب بن ربعي التَّمِيمِي ومجاز بن أبي أبجر الْعجلِيّ وشمر بن ذِي الجوشن الضبابِي وَترك وُجُوه النَّاس عِنْده استئناساً بهم وَخرج أُولَئِكَ النَّفر على النَّاس فافترقوا عَن مُسلم بن عقيل إِلَى أَن بَقِي فِي الْمَسْجِد فِي ثَلَاثِينَ فَخرج واختفى عِنْد عَجُوز من ذَوي ابْن الْأَشْعَث وتعرف إِلَيْهَا فأخنفته وَخرج ابْن زِيَاد إِلَى الْمَسْجِد قبل الْعَتَمَة ونادى فِي النَّاس فَامْتَلَأَ الْمَسْجِد وأحضر الْحصين بن تَمِيم وَكَانَ على الشَّرْط أَن يفتش الدّور وَشعر ابْن الْعَجُوز بِمُسلم بن عقيل عِنْد أمه فَأتى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْأَشْعَث فَأخْبرهُ وَأخْبر أَبَاهُ فَأخْبر ابْن زِيَاد فَقَالَ ائْتِنِي بِهِ السَّاعَة وَبعث مَعَه عمر بن عبيد الله السّلمِيّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 سبعين من قيس فَلَمَّا أَتَوا الدَّار وَسمع مُسلم بن عقيل الأصوت خرج بِسَيْفِهِ وَمَا زَالَ يحمل عَلَيْهِم وَقطعت شفته الْعليا وَسَقَطت ثنيتاه وألقوا عَلَيْهِ النَّار والقصب وَهُوَ يُقَاتل حَتَّى أثخن وَعجز عَن الْقِتَال فَأَمنهُ ابْن الْأَشْعَث وَحمله على بغل وانزعوا سَيْفه فَقَالَ هَذَا أول الْغدر وبكَى فعذله عَمْرو بن عبيد الله السّلمِيّ فَقَالَ إِنَّمَا أبْكِي على الْحُسَيْن وَآله قلت خَيبَ الله أهل الْعرَاق الخونة الْفجار وأحلَهم الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار ثمَّ قَالَ مُسلم لِابْنِ الْأَشْعَث عساك أَن تبْعَث تخبر الْحُسَيْن بحالي ليرْجع بِأَهْل بَيته وَلَا يغتر بِأَهْل الْكُوفَة فَفعل ذَلِك ابْن الْأَشْعَث ولقيه الرَّسُول بزبالة وَقد جَاءَهُ كتاب مُسلم فِي بِالْأولِ يُخبرهُ بِمن بَايعه ويستحثه على السّير فَقَالَ الْحُسَيْن حِين قَرَأَ كتاب الْأَشْعَث كُل مَا قدر كَائِن وَعند الله نحتسب أَنْفُسنَا وَفَسَاد أمتنَا ثمَّ أَدخل مُحَمَّد بن، الْأَشْعَث مُسلم بن عقيل على ابْن زِيَاد وَأخْبرهُ بِمَا أعطَاهُ من الْأمان فَقَالَ مَا بعثناك لتؤمنه واستسقى مُسلم وَهُوَ بَاب الْقصر فجَاء عمَارَة بن عقبَة بِمَاء بَارِد فَلم يطق الشّرْب لما كَانَ يسيل من دم فِيهِ فَتَركه وَدخل على ابْن زِيَاد فَقَالَ لَهُ لتقتلن فَقَالَ دَعْنِي لأوصي فَالْتَفت إِلَى عمر بن سعيد بن أبي وَقاص مناجاه بِأَن يقي عَنهُ دينه ويواري جثته وَيبْعَث إِلَى الْحُسَيْن يردهُ ثمَّ حاوره وأساء بعضهما على بعض ثمَّ أصعد فَوق الْقصر وَضربت عُنُقه وَتَوَلَّى ذَلِك بكير بن عمرَان لضربة أَصَابَهُ مُسلم بهَا فِي الجولة عِنْد الدَّار وَكَانَ ابْن الْأَشْعَث قد تشفع فِي هَانِئ بن عُرْوَة فوعد باستبقائه فَلَمَّا قتل مُسلم أخرج إِلَى السُّوق فَضربت عُنُقه وَبعث ابْن زِيَاد بالرأسين إِلَى يزِيد فَكتب إِلَيْهِ يزِيد يشكره ويأمره بالاحتراس وَوضع المراصد فَإِن الْحُسَيْن قد سَار إِلَيْك ثمَّ طلب ابْن زِيَاد الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَعبيد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل وَكَانَا جَاءَا مَعَ مُسلم بن عقيل فحبسهما وَلما أَرَادَ الْحُسَيْن الْمسير إِلَى الْكُوفَة بِكِتَاب مُسلم السَّابِق وَأهل العلااق جَاءَهُ عَمْرو بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالَ لَهُ بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ الْعرَاق فَأَنا مُشفق عَلَيْك تَأتي بلد فِيهِ الْعمَّال والأمراء وبيوتُ الْأَمْوَال وَالنَّاس عبيد الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَلَا آمن عَلَيْك فجزاه الْحُسَيْن خيرَاً وَقَالَ لَا بدَّ لي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 من ذَلِك وَأَتَاهُ ابْن عَبَّاس بِمثل ذَلِك فعصاهما ثمَّ ألم عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْخرُوجِ إِلَى الْيمن فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن يَا بن عمي لَا أنقض عزمي قَالَ فَإذْ قد عَصَيْتنِي فَلَا تسر بنسائك وَلَا صبيانك فَإِنِّي أَخَاف أَن تقتل وهم ينظرُونَ كَمَا قتل عُثْمَان وَلَقَد أَقرَرت عين ابْن الزبير بخروجك من الْحجاز ثمَّ الْتفت إِلَى ابْن الزبير فَإِذا هُوَ فِي جمَاعَة من قُرَيْش قد استعلاهم بالْكلَام فجَاء حَتَّى ضرب بِيَدِهِ بَين عضديه فَقَالَ أَصبَحت وَالله كَمَا قَالَ فأنشده // (من الرجز) // (يَا لَكِ مِنْ قُنْيُبرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ الجَوُّ فبِيضِي وَاصْفِرِي) (وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي ... قَدْ رُفِعَ الفَخُّ فَمَاذَا تَنْظُرِي) خلا الْحجاز من الْحُسَيْن بن عَليّ وَأَقْبَلت تهدر فِي جوانبها فغب ابْن الزبير وَقَالَ وَالله إِنَّك لترى أَنَّك أَحَق بِهَذَا الْأَمر من غَيْرك فَقَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّمَا يرى ذَلِك من كَانَ فِي حَال مثلك وَأَنا من ذَلِك على يَقِين فَقَالَ ابْن الزبير وَبِأَيِّ شَيْء تحقق عنْدك أَنَّك أَولَى بِهَذَا الْأَمر مني فَقَالَ ابْن عَبَّاس أَنا أَحَق بِمن تدلي بِحقِّهِ وَبِأَيِّ شَيْء تحقق عنْدك أَنَّك أَحَق بِهَذَا الْأَمر من سَائِر الْعَرَب إِلَّا بِنَا فَقَالَ ابْن الزبير تحقق عِنْدِي أَنِّي أَحَق بهَا مِنْكُم لشرفي عَلَيْكُم قَدِيما وحديثاً فَقَالَ ابْن عَبَّاس أَنْت أشرف أم من شرفت بِهِ فَقَالَ ابْن الزبير إِن من شرفت بِهِ زادني شرفاً إِلَى شرف قديم كَانَ لي قَالَ أَفَمَن الزِّيَادَة أم مِنْك قَالَ بل مِنْك فَتَبَسَّمَ ابْن عَبَّاس فَقَالَ ابْن الزبير يَا بن عَبَّاس دَعْنِي من لسَانك هَذَا الَّذِي تقلبه كَيفَ شِئْت وَالله لَا تحبوننا يَا بني هَاشم أبدا قَالَ ابْن عَبَّاس صدقت نَحن أهل بَيت مَعَ الله عز وجلَّ لَا نحب من أبغضه الله تَعَالَى فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَك أَن تصفح عَن كلمة وَاحِدَة فَقَالَ إِنَّمَا أصفح عَمَّن أقرّ وَأما عَمَّن هر فَلَا وَالْفضل لأهل الْفضل قَالَ ابْن الزبير فَأَيْنَ الْفضل قَالَ عندنَا أهل الْبَيْت لَا نَصرِفُهُ عَن أَهله وَلَا نضعه فِي غير أَهله فنندم قَالَ ابْن الزبير فبظلم فلست من أَهله قَالَ بلَى إِن نبذت الْحَسَد ولزمت الْحُدُود وانقضى حَدِيثهمْ وَقَامَ الْقَوْم فَتَفَرَّقُوا وَكَانَ خُرُوج الْحُسَيْن من مَكَّة يَوْم التَّرويَة من سنة سِتِّينَ وَسَار مَعَ أَصْحَابه فلقي بِالتَّنْعِيمِ عيرًا مقبلة من الْيمن عَلَيْهَا الورس وَالْحلَل بعث بهَا بجير بن رُومَان عَامل الْيمن إِلَى يزِيد فَأَخذهَا الْحُسَيْن وَأعْطى أَصْحَابه كراهم ثمَّ سَار فَرَأى الفرزدق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 بالصفاح فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن النَّاس خَلفك فَقَالَ الْقُلُوب مَعَك أَو قُلُوبهم مَعَك وَسُيُوفهمْ عَلَيْك مَعَ بني أُميَّة وَالْقَضَاء ينزل من السَّمَاء فَقَالَ الْحُسَيْن صدقت لله الْأَمر يفعل مَا يَشَاء كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن ثمَّ لحقه كتاب عبد الله بن جَعْفَر مَعَ ابنيه عون وَمُحَمّد يسْأَله بِاللَّه فِي الِانْصِرَاف وَالرُّجُوع لَا يهْلك نَفسه وَأهل بَيته وَإِنِّي فِي إِثْر كتابي ثمَّ جَاءَهُ كتاب عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ عَامل يزِيد على مَكَّة مَعَ أَخِيه يحيى بن سعيد بالأمان وَالتَّرْغِيب فَلم يفعل وَاعْتذر بِأَنَّهُ رأى رَسُول الله فِي الْمَنَام يَأْمُرهُ بِأَمْر وَهُوَ مَاض لَهُ وَلما بلغ ابْن زِيَاد مسير الْحُسَيْن من مَكة بعث الْحصين بن تَمِيم التَّمِيمِي صَاحب شرطته فَنزل الْقَادِسِيَّة ثمَّ نظم الْخَيل مَا بَينه وَبَين خفان وَمَا بَينه وَبَين القطقطانة إِلَى جبل لعلع وَلَقي هُنَالك قيس بن مسْهر الْأَسدي بِكِتَاب الْحُسَيْن من الحاجر إِلَى أهل الْكُوفَة يعرفهُمْ بقدومه فَبعث بِهِ الْحصين إِلَى ابْن زِيَاد فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ اصْعَدْ الْقصر فسب الْحُسَيْن فَصَعدَ وَأدّى رِسَالَة أهل الْكُوفَة وَأَنه فَارقه بالحاجر وَلعن ابْن زِيَاد وأباه واستغفر لعَلي وبنيه فَأمر ابْن زِيَاد فَرمى بِهِ من الْقصر فتقطع وانْتهى الْحُسَيْن فِي مسيره إِلَى عبد اللَه بن مُطِيع فعذله فِيمَا جَاءَ لَهُ وَنَاشَدَهُ الله وَحُرْمَة الْإِسْلَام وَالْعرب وَبَنَات الرَّسُول لَا تَأتي الْكُوفَة فتقتلك بَنو أُميَّة فَأبى وَسَار ولقيه خبر قتل مُسلم بن عقيل بالثعلبية فَنَاشَدَهُ الله أَصْحَابه فِي الرُّجُوع فَقَالَ بَنو عقيل لَا وَالله حَتَّى ندرك ثَأْرنَا فَقل الْحُسَيْن لَا خير فِي الْعَيْش بعد هَؤُلَاءِ ثمَّ سَار فَكَانَ لَا يمر بِمَاء إِلَّا اتبعهُ من عَلَيْهِ حَتَّى انْتهى إِلَى زبالة فَلَقِيَهُ مقتل قيس بن مسْهر الْأَسدي الَّذِي أَلْقَاهُ ابْن زِيَاد من أَعلَى الْقصر فَأعْلم النَّاس الَّذين مَعَه بذلك وَقَالَ قد خذلتنا شِيعَتِنَا فَمن أحب فلينصرف وقصده أَن يوطنهم على مَا يقدمُونَ فافترقوا عَنهُ وَلم يبْق مَعَه إِلَّا أَصْحَابه الَّذين خَرجُوا مَعَه من مَكَّة فَسَار إِلَى سرف ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى منتصف النَّهَار فَلَقِيَهُمْ الْحر بن يزِيد التَّمِيمِي وَلما رَآهُ قَالَ لَهُ بعض النَّاس مَعَه مل بِنَا إِلَى ذِي جشم تَجْعَلهُ عَن يسارك ونستقبل الْقَوْم من وَجه وَاحِد فَفعل وسبقهم إِلَى الْجَبَل فَنزل وَجَاء الْحر فِي ألف فَارس أرْسلهُ الْحصين بن تَمِيم من الْقَادِسِيَّة يسْتَقْبل الْحُسَيْن فَقَالَ الْحُسَيْن إِنِّي لم آتِ إِلَّا بكتبكم ورسلكم فَإِن تعطوني مَا أطمئن إِلَيْهِ من الْعَهْد أقدم مِصرَكُم وَإِلَّا أرجع من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 حَيْثُ جِئْت ثمَّ حضرت الصَّلَاة فصلى الْحُسَيْن وَصلى الْحر وَأَصْحَابه بِصَلَاتِهِ ثمَّ اسْتَقْبَلَهُمْ وأنمى عَلَيْهِم شَأْن الْكتب وذم الْوُلَاة فَقَالَ الْحر وَالله مَا نَدْرِي لسنا من هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا أمرنَا إِذا لقيناك ألاَ نُفَارِقك حَتَّى نقدمك الْكُوفَة على ابْن زِيَاد فَقَالَ الْحُسَيْن الْمَوْت أدنى من ذَلِك ثمَّ أَمر أَصْحَابه فَرَكبُوا لينصرفوا فَمَنعهُمْ الْحر وَطَالَ بَينهمَا الْكَلَام وَقَالَ الْحر لم أومر بقتالك وَإِنَّمَا أمرت أَلا أُفَارِقك حَتَّى أقدمك الْكُوفَة فَخذ طَرِيقا غير طريقها وأكتبُ أَنا إِلَى ابْن زِيَاد واكتب أَنْت إِلَيْهِ وَإِلَى يزِيد فَعَسَى أَن يَأْتِي من الْأُمُور مَا يدْفع عني أَن أُبتلى بِشَيْء من أَمرك فتياسر عَن طَرِيق العذيب والقادسية وَسَار الْحر مَعَه وَهُوَ يعظه ويذكره حُقُوق أهل الْبَيْت وَوُجُوب طاعتهم ويقدح لَهُ فِي ولاته وأمرائه بِمَا كَانَ مَعَهم ويذكُرُ لَهُ كتب أهل الْكُوفَة ورسلهم وَالْحر يعظه وَيَقُول لَهُ اتَّقِ الله فِي نَفسك فلئن قَاتَلت لتقتلن فَيَقُول بِالْمَوْتِ تخوفني وَيضْرب الْأَمْثَال وينشد فِي الشجَاعَة فَلَمَّا رَآهُ لحر كَذَلِك عدل يسير عَنهُ نَاحيَة حَتَّى انْتَهوا إِلَى عذيب الهجانات سمي بهجان ابْن النُّعْمَان كَانَت ترعى فِيهِ فَإِذا هُوَ بأَرْبعَة فرسَان دليلهم الطرماح بن عدي الطَّائِي وأجمح الْحر حسهم فردهم فَقَالَ الْحُسَيْن هم بِمَنْزِلَة أَصْحَابِي وَإِلَّا ناجزتك ثمَّ أخبرهُ بِخَبَر الْكُوفَة وَقتل قيس بن مسْهر فَبكى وَقَرَأَ {فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَه وَمنهُم مَن يَنتَظِر} الْأَحْزَاب 23 ثمَّ دَعَا لَهُم وَقَالَ لَهُ الطرماح مَا أرى مَعَك كثير أحد وَلَو لم يقاتلك إِلَّا هَؤُلَاءِ الَّذين مَعَ الْحر لكانوا أَكثر من كفْئِكَ فَكيف بِمن سَار إِلَيْك من الْكُوفَة فَلم تَرَ عَيْنَايَ جمعا أَكثر مِنْهُم فأنشدك الله ألاَ تتقدم إِلَيْهِم شبْرًا وَإِن أردْت فسر معي انْزِلْ جبلنا أجأ فقد امتنعنا بِهِ وَالله من مُلُوك غَسَّان وحمير والنعمان وَمن الْأَبْيَض والأحمر وتجتمع إِلَيْك طَيئ فِي عشْرين ألفَاً لَا يُوصل إِلَيْك وَفِيهِمْ عين تطرف فجزاه خيرا وَقَالَ قد عاهدنا هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين مَعنا فَلَا بُد من الْوَفَاء لَهُم فودعه الطرماح وَانْصَرف فَسَار الْحُسَيْن ومَرَ بقصر بني مقَاتل فَرَأى فسطاطاً لِعبيد الله بن الْحر الْجعْفِيّ فاستدعاه فَقَالَ وَالله مَا خرجت من الْكُوفَة إِلَّا فرارَاً من الْحُسَيْن فَركب الحسينُ وجاءه وَدعَاهُ إِلَى النُّصْرَة أَو أَن يكون مِمَّن يكف فَأَجَابَهُ إِلَى هَذِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 ثمَّ ركبُوا من الْغَد وَأَرَادَ أَن يُفَارق الْحر فَمَنعه وَإِذا بِكِتَاب من ابْن زِيَاد إِلَى الْحر يَأْمُرهُ أَن يجعجع بالحسين حَتَّى يَجِيء كِتَابه وَرَسُوله وَلَا ينزله إِلَّا بالعراء فِي غير حصن وَلَا مَاء وَقد أمرت الرَّسُول أَن يلزمك حَتَّى يأتيني بإنفاذك أَمْرِي فَقَرَأَ الْحر الْكتاب وَأعلم الْحُسَيْن وَأَصْحَابه بِمَا فِيهِ فَقَالُوا دَعْنَا ننزل فِي الغاضرية فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع وَهَذَا الرجل قد بعث عينا عَليّ فَقَالَ زُهَيْر بن الْقَيْن وَكَانَ صَحبه من مَكَّة تعال نحاجز هَؤُلَاءِ فهم أَهْون علينا مِمَّن يأتينا بعدهمْ فَقَالَ مَا كنت لأبدأهم بِالْقِتَالِ وَذَلِكَ لليلتين من الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ فَلَمَّا كَانَ الْغَد قدم عمر بن سعد بن أبي وَقاص من الْكُوفَة فِي أَرْبَعَة آلَاف وَكَانَ ابْن زِيَاد جهزه إِلَى حَرْب الديلم وَكتب لَهُ عَهده على الرّيّ فَلَمَّا كَانَ أَمر الْحُسَيْن دَعَاهُ أَن يقدم حربه ثمَّ يرجع إِلَى عمله فاستعفاه فَقَالَ نعم على أَن ترد ولَايَة الرّيّ فَقَالَ أمهلني وَاسْتَشَارَ أَصْحَابه فكلهم نَهَاهُ غير ابْن أُخْته حَمْزَة ابْن الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَقَالَ لَهُ تَفْتَدِي من دم الْحُسَيْن بسُلْطَان الأَرْض لَو كَانَ لَك ثمَّ غذا على ابْن زِيَاد واستعفاه ثَانِيَة فَقَالَ لَهُ مثل الأول قَالَ فَإِنِّي سَائِر وَأَقْبل فِي الجيوش حَتَّى نزل بالحسين وَبعث إِلَيْهِ يسْأَله مَا جَاءَ بِهِ فَقَالَ كُتُبُ أهل الْكُوفَة فَأَما إِذْ كرهوني فَأَنا أنصرف عَنْهُم فَكتب بذلك إِلَى ابْن زِيَاد فَكتب إِلَيْهِ أَن يعرض على الْحُسَيْن الْبيعَة أَو يمنعهُ وَمن مَعَه من المَاء فَأرْسل عَمْرو بن الْحجَّاج إِلَى الشَّرِيعَة ومنعوهم المَاء وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْعَطش فَرَكبُوا إِلَى المَاء وقاتلوا عَلَيْهِ وملئوا قربهم ثمَّ بعث الْحُسَيْن إِلَى عمر فِي اللِّقَاء فَلَقِيَهُ لَيْلًا وتحادثا طَويلا وافترقا وَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ الْحُسَيْن دَعونِي أرجع إِلَى الْمَكَان الَّذِي جِئْت مِنْهُ أَو أذهب فِي الأَرْض العريضة حَتَّى يَسْتَقِيم أَمر النَّاس وَكتب عمر بذلك إِلَى عبيد الله بن زِيَاد يبشره بِأَن الله أطفأ النائرة وَجمع الْكَلِمَة فَقبل ابْن زِيَاد ذَلِك وَقَامَ إِلَيْهِ شمر بن ذِي الجوشن مُنْكرا لذَلِك وَقَالَ تقبل ذَلِك مِنْهُ وَقد نزل بأرضك وَلَئِن رَحل وَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 تضع يدك فِي يَده لَيَكُونن أعز وَتَكون أعجز وَلَكِن لينزل على حكمك وَقد بَلغنِي أَن الْحُسَيْن وَعمر باتا يتحادثان عَامَّة ليلتهما بَين العسكرين فَقَالَ ابْن زِيَاد نِعمَ مَا رَأَيْت اخْرُج إِلَيْهِ أَنْت بِهَذَا الْكتاب ليعرض على الْحُسَيْن وَأَصْحَابه النُّزُول على حكمي وَيبْعَث بهم سلما وَإِن امْتَنعُوا فليقاتلهم وَإِن أَبى عمر من ذَلِك فَأَنت الْأَمِير وَابعث إِلَيّ بِرَأْسِهِ وَكتب إِلَى عمر بذلك وعنفه على المطاولة والشفاعة وَأَن يفعل مَا أمره بِهِ وَإِلَّا فليعتزل الْعَسْكَر ويخلي بَين شمر وَبَينه وَكتب مَعَه أَمَانًا لبني عَليّ بن أبي طَالب من أم الْبَنِينَ بنت حذام وهم الْعَبَّاس وَعبيد الله وجعفر وَعُثْمَان سَأَلَهُ الْأمان لَهُم عبد الله ابْن خالهم أبي الْمحل بن حرَام وَكَانَ حَاضرا عِنْد ابْن زِيَاد فَردُّوا أَمَانه وقلوا لَا حَاجَة لنا فِيهِ وَلما أَتَى شمر إِلَى عمر قَالَ لَهُ يَا شمر أَظُنك أَنْت تثنيه عَمَّا كتبت بِهِ إِلَيْهِ وأفسدت علينا أموراً أَرْجُو أَن تصلح وَالْحُسَيْن وَالله لَا يستسلم أبدا ونهض إِلَيْهِ عَشِيَّة تاسوعاء فَركب الْعَبَّاس أَخُو الْحُسَيْن فِي عشْرين فَارِسًا وتلقاهم فأخبروه بِمَا جَاءَ بِهِ من أَمر ابْن زِيَاد فجَاء بِهِ إِلَى الْحُسَيْن فَقَالَ ارْجع إِلَيْهِم ووخرهم إِلَى الْغَدَاة لنستكثر من الصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار فَوَعَدَهُمْ الْحُسَيْن إِلَى الْغَدَاة فإمَّا رَضِينَا وَإِلَّا رددناه فَشَاور عمر أَصْحَابه فَأَشَارَ بَعضهم بإمهاله وَهُوَ عَمْرو بن الْحجَّاج الزبيدِيّ فَقَالَ وَالله لَو كَانَ من الديلم لوَجَبَ إمهاله وَأَشَارَ قيس بن الْأَشْعَث بالمناجزة وَقَالَ ليصبحنك بِالْقِتَالِ فَرجع عمر وَجمع الْحُسَيْن أَصْحَابه واستشارهم وجزاهم خيرَاً وَأذن لَهُم فِي الانطلاق وَقَالَ هَذَا اللَّيْل قد غشيكم فاتخذوه جملا وافترقوا فِي الْبِلَاد وَالْقَوْم إِذا أصابوني لَهُوا عَن غَيْرِي فَأَبَوا فَقَالَ يَا بني عقيل حسبكم من الْقَتْل بِمُسلم واذهبوا فقد أَذِنت لكم قَالُوا مَا تَقول النَّاس وَالله لَا نَفْعل ولنقاتلن مَعَك حَتَّى نرد موردك وَقَامَ إِلَيْهِ بعض أَصْحَابه من غير عشيرته فَقَالَ كَيفَ نتخلى عَنْك وَلم نغدر إِلَى الله فِي حَقك وَالله لَا أُفَارِقك حَتَّى أكسر رُمْحِي وسيفي وأقذفهم بِالْحِجَارَةِ دُونك حَتَّى أَمُوت وَتكلم أَصْحَابه بِمثل ذَلِك فجزاهم خيرَاً وسمعن أخواته بذلك فطفقن يعولن ويلطمن حَتَّى غشي على بَعضهنَّ فجَاء إلَيْهِنَّ وعزاهن برَسُول الله وَمن سلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 من قومه وعاهَدنَ أَلا يكثرن الصُّرَاخ عَلَيْهِ وَلَا يشققن الْجُيُوب وَلَا يخمشن الْوُجُوه وَلَا يدعين بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور ثمَّ أَمر أَن تدخل أطناب الْبيُوت بَعْضهَا فِي بعض ليستقبلوا الْعَدو من أمامهم ثمَّ قَامُوا يصلونَ وَيدعونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ حَتَّى أصبح وَذَلِكَ يَوْم عَاشُورَاء وَركب عمر بن سعد فِي التعبئة وعبأ الْحُسَيْن أَصْحَابه اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَارِسًا وَأَرْبَعين رَاجِلا وَأعْطى رايته أَخَاهُ الْعَبَّاس وَضرب للحسين فسطاط أَمَام أخبيته فَدخل فِيهِ وَاسْتعْمل النورة ثمَّ أميت لَهُ الْمسك فِي جَفْنَة وأطلى بِهِ ثمَّ ركب وَوضع الْمُصحف أَمَامه وَقَاتل أَصْحَابه بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَدْعُو ثمَّ تقدم على رَاحِلَته ونادى النَّاس وَوعظ وَذكر بحقوقه وَقَالَ إِن كذبتموني فعندكم من يُخْبِركُمْ سلوا جَابر بن عبد الله وَأَبا سعيد وأنساً وسُهَيل بن سعد وَزيد ابْن أَرقم يُخْبِرُوكُمْ بِمَا سمعُوا من رَسُول الله فِي حَقنا أهل الْبَيْت أما فِي هَذَا حاجز يحجزكم عَن دمي تطلبوني بمالٍ أَو دمٍ أَو قصاصٍ فَلم يُجِيبُوهُ فَنَادَى يَا شبيب بن ربعي يَا حجار بن أبجر يَا قيس بن الْأَشْعَث يَا زيد بن لحارث ألم تكْتبُوا إِلي بالقدوم قَالُوا لَا قَالَ بلَى قد فَعلْتُمْ فدعوني أنصرف إِلَى مأمني من الأَرْض فَقَالَ لَهُ قيس أَفلا تنزل على حكم ابْن زِيَاد وَهُوَ ابْن عمك قَالَ لَا وَالله لَا أعطي يَدي إِعْطَاء الذَّلِيل وَلَا أقرّ إِقْرَار العَبْد عباد لله إِنِّي عذت بربي وربكم أَن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبرِ لَا يُؤمن بِيَوْم الْحساب ثمَّ أَنَاخَ رَاحِلَته وَنزل عَنْهَا وَخرج زُهَيْر بن الْقَيْن وَهُوَ شاكي السِّلَاح وَكَانَ صحب الْحُسَيْن من مَكَّة فَوقف بَين الْعَسْكَر وَوعظ أهل الْكُوفَة ونصحهم ودعاهم إِلَى نصْرَة ابْن رَسُول الله وخذلان ابْن زِيَاد وأفحش فِي ذمّ عبيد الله وَأَبِيهِ وَقَالَ يقتلانكم ويقطعانكم ويسملانكم ويقتلان أماثلكم اذْكروا حجر بن عدي وهانئ بن عُرْوَة فَشَتَمُوهُ وأثنوا على ابْن زِيَاد وَقَالُوا لَا نَبْرَح حَتَّى نقتلكم أَو نأسركم فَقَالَ لَهُم أعيذكم بِاللَّه أَن تقتلُوا ابْن فَاطِمَة خلوا بَينه وَبَين ابْن مُعَاوِيَة فَإِن يزِيد يُرْضِي مِنْكُم بِدُونِ هَذَا ثمَّ رَمَاه شمر وَشَتمه فتشاتما سَاعَة ثمَّ رده الْحُسَيْن فَرجع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وَلما زحف عمر بن سعد نَحْو الْحُسَيْن قَالَ لَهُ الْحر بن يزِيد الَّذِي كَانَ جَاءَ ليلازم الْحُسَيْن أمقاتل أَنْت هَذَا الرجل قل نعم قَالَ وَلَا تقبلون مِنْهُ وَاحِدَة من الْخِصَال الَّتِي عرض عَلَيْكُم فَقَالَ عمر لَو كَانَ الْأَمر إِلَيّ لفعلتُ وَلَكِن أميرنا أَبى ذَلِك ثمَّ أقبل يدنو نَحْو الْحُسَيْن حَتَّى استراب بِهِ أَصْحَابه وَلحق بِهِ وَقَالَ يَا بن رَسُول الله أَنا صَاحبك الْحر الَّذِي حبستك عَن الرُّجُوع وسايرتك فِي الطَّرِيق وجعجعت بك فِي هَذَا الْمَكَان وَوَاللَّه لَو ظَنَنْت أَنهم لَا يقبلُونَ مِنْك وَاحِدَة مِمَّا عرضت عَلَيْهِم أَو يبلغون بك هَذِه الْمنزلَة مَا فعلت الَّذِي فعلت وَقد جئْتُك تائبَاً أَمُوت دُونك أفتراها لي تَوْبَة قَالَ نعم يَتُوب الله عَلَيْك وَيغْفر لَك ثمَّ انعطف إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ أَلا تقبلون من الْحُسَيْن وَاحِدَة مِمَّا عرض عَلَيْكُم فيعافيكم الله من حربه وقتاله فَقَالَ لَهُ عمر قد حرصت على ذَلِك وَمَا وجدت إِلَيْهِ سبيلاَ ثمَّ نَادَى أهل الْكُوفَة ووبخهم على أَن دَعوه وأسلموه ثمَّ منعُوهُ من التَّوَجُّه فِي بِلَاد الله العريضة حَتَّى يَأْمَن ويأمن أهل بَيته فَأصْبح كالأسير لَا يملك لنَفسِهِ نفعا وَلَا ضراً ومنعوه وَأَصْحَابه مَاء الْفُرَات يشربه الْيَهُودِيّ والنصرانيُ والمجوسيُ وتمرغ فِيهِ كلاب السوَاد وخنازيرهم وَهُوَ وَأَهله صرعى من الْعَطش بئْسَمَا خَلفْتُمْ مُحَمَّدًا فِي ذُريَّته ودعا عَلَيْهِم فَرَمَوْهُ بِالنَّبلِ فَرجع ثمَّ تقدم عمر بن سعد برايته وَرمى بِسَهْم وَقَالَ اشْهَدُوا أَنا أول رامٍ وتبارز النَّاس وَقتل فِي البرَاز يسَار مولى زِيَاد وَسَالم مولى عبيد الله بن زِيَاد قَتلهمَا عبد الله بن عُمَيْر الْكَلْبِيّ وَكَانَ قد لحق بالحسين من الْكُوفَة وَمَعَهُ امْرَأَته ثمَّ حمل عَمْرو بن الْحجَّاج على الْحُسَيْن وَأَصْحَابه فجثوا على الركب وأشرعوا نَحوه الرماح فَلم يقدموا وذهبوا ليرجعوا فأصابوهم بِالنَّبلِ فصرعوا مِنْهُم رجَالًا وَخرج يزِيد بن حُصَيْن من أَصْحَاب الْحُسَيْن يبارز يزِيد بن معقل فبارزه فَقتله آخر دونه وَخرج عَمْرو بن قرظة الْأنْصَارِيّ فقاتل وَقتل وَقَاتل الْحر بن يزِيد مَعَ الْحُسَيْن قتالاَ شَدِيدا وَقتل من أَصْحَاب عَمْرو وَصَاح عَمْرو بن الْحجَّاج بِالنَّاسِ يُقَاتلُون فرسَان الْمصر مستميتين وهم قَلِيلُونَ وَقل مَا يبقون وَلَو رميتموهم بِالْحِجَارَةِ لقتلتموهم وَوَافَقَهُ عمر فَمنع النَّاس من المبارزة ثمَّ حمل عَمْرو بن الْحجَّاج على جَانب الْحُسَيْن واقتتلوا سَاعَة وَقتل مُسلم بن عوسج الْأَسدي وَانْصَرف عَمْرو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 وَمُسلم صريع فجَاء إِلَيْهِ الْحُسَيْن ودعا لَهُ ودنا مِنْهُ حبيب بن مظَاهر واستوصاه وَقَالَ أوصِي إِلَيْك بِهَذَا أَن تَمُوت دونه وَأَشَارَ إِلَى الْحُسَيْن فَقَالَ أفعل ثمَّ قضى مُسلم وصاحَتْ جَارِيَته وسمعها شمر بن ربعي وَقد سمع أَصْحَابه يَقُولُونَ قتلنَا مُسلم بن عَوْسَجَة فنكر قَتله وتسخط وَقَالَ أتفرحون لمثل مُسلم وَعدد مواقفه ثمَّ حمل فِي المسيرة فثبتوا ثمَّ حملُوا على الْحُسَيْن وَأَصْحَابه من كل جَانب وهم يكْرهُونَ وَلَا يحملون على جَانب من خيل الْكُوفَة إِلَّا كشفوا وَبعث عُرْوَة بن قيس وَهُوَ على خيل الْكُوفَة إِلَى عمر بن سعد أَن ابْعَثْ إِلَيْنَا الرِّجَال وَالرُّمَاة فَقَالَ لشبيب بن ربعي تقدم فَقَالَ مثلي لَا يبْعَث فِي الرُّمَاة وَكَانَ يكره ذَلِك الْقِتَال كُله فَقَالَ للحصين بن تَمِيم تقدم فرشقوا الْحُسَيْن وَأَصْحَابه بِالنَّبلِ فعقروا خيولهم وأرجلوهم وَقَاتل الْحر بن يزِيد أَشد قتال إِلَى أَن انتصف النَّهَار وَلَا يقدرُونَ يأتونهم إِلَّا من وَجه وَاحِد لِاجْتِمَاع مضاربهم فَبعث عَمْرو من يقوض تِلْكَ الْأَبْنِيَة وَكَانَ أَصْحَاب الْحُسَيْن يتخللون الْأَبْنِيَة فيقتلون الرجل يعرض أَو ينهب فَأمر عمر بن سعد فأضرمت نَار ومنعت الْعَدو من الْجَوَاز من جَانبهَا وَبلغ شمر فسطاط الْحُسَيْن ليحرقه بالنَّار فصاح بِهِ الْحُسَيْن وَالنِّسَاء وَجَاء شبيب بن ربعي فزجره عَن ذَلِك فَرجع وَاتبعهُ زُهَيْر بن الْقَيْن فِي عشيرة فكشفهم عَن الْبيُوت وَقتلُوا من أَصْحَاب شمر أَبَا عوزة الضبابِي وَعطف عَلَيْهِم فَأصَاب مِنْهُم ثمَّ حضر وَقت الصَّلَاة وَذكر أَبُو ثُمَامَة الْأنْصَارِيّ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ الْحُسَيْن الْإِمْهَال لنصلي وَوَقع الْكَلَام فِي ذَلِك بَين الْحصين بن زيد من أهل الْكُوفَة وحبِيب ابْن مظَاهر من أَصْحَاب الْحُسَيْن وَقتل الحبيب رجل من بني تَمِيم وَقَتله الْحصين وَلما قتل حبيب هد ذَلِك من الْحُسَيْن ثمَّ حمل الْحر بن يزِيد فقاتل حَتَّى قتل ثمَّ صلى الْحُسَيْن الظّهْر صَلَاة الْخَوْف ثمَّ اشْتَدَّ الْقِتَال بعد الصَّلَاة وخلصوا إِلَى الْحُسَيْن فاستقدم الْحَنَفِيّ أَمَامه واستهدف لَهُم فَرَمَوْهُ حَتَّى سقط وَقَاتل زُهَيْر بن الْقَيْن حَتَّى قتل وَأسر يافع بن هِلَال الْجملِي بعد أَن قتل اثْنَي عشر مِنْهُم وَقَتله شمر فتنافر أَصْحَاب الْحُسَيْن أَن يقتلُوا بَين يَدَيهِ فَقتل مِنْهُم جمَاعَة ثمَّ رموا بِالْحِجَارَةِ من كل جَانب واستأذنه الضَّحَّاك بن عبد الله فِي الِانْصِرَاف والنجاة فَأذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 لَهُ وَانْصَرف ثمَّ خلص الْقَوْم إِلَى أهل الْبَيْت فَقتل عَليّ الْأَكْبَر بن الْحُسَيْن بعد أَن حمل عَلَيْهِم مرَارًا فطعنه مرّة بن منفذ فصرع فجَاء الْحُسَيْن فَحَمله حَتَّى وَضعه بَين يَدَي فسطاطه ثمَّ رمى عبد الله بن مُسلم بن عقيل بِسَهْم فَقتل ثمَّ حمل آَخر على عون ابْن عبد الله بن جَعْفَر فَقتل ثمَّ على عبد الرَّحْمَن بن عقل فَقتل ثمَّ على جَعْفَر بن عقيل فَقتل ثمَّ على الْقَاسِم بن الْحُسَيْن فَقتل وجالوا عِنْده جَوْلَة وطئته فِيهَا الْخَيل ثمَّ انجلت الغبرة وَالْحُسَيْن قَائِم على فرسه وَهُوَ يفحص برجَليهِ ثمَّ احتمله فَأَلْقَاهُ مَعَ ابْنه عَليّ وقتلى أهل بَيته وَمكث الْحُسَيْن طَويلا من النَّهَار وَالنَّاس يتحاشَونَ قَتله ثمَّ جَاءَ مَالك بن النسير من كِنْدَة فربه على رَأسه بِالسَّيْفِ فأدماه ودعا الْحُسَيْن بِابْنِهِ عبد الله وَهُوَ محتير فأجلسه فِي حجره فَرمى بِسَهْم ذبحه ثمَّ رمى أَبُو بكر بن الْحُسَيْن بِسَهْم فَقتل ثمَّ تقدم الْعَبَّاس بن عَليّ وأخوته من أمه فَقتلُوا جَمِيعًا وَاشْتَدَّ عَطش الْحُسَيْن فجَاء ليشْرب من الْفُرَات فَرمى حُصَيْن بن تَمِيم بِسَهْم فِي فَمه فَجعل يتلَقَّى الدَّم وَيَدْعُو ثمَّ أقبل شمر بن ذِي الجوشن فِي عشرَة من رجالته فحالوا بَين الْحُسَيْن وَبَين أَهله فَقَالَ امنعوا أَهلِي ورحلي من طَعَامكُمْ فَقَالَ ذَلِك لَك ثمَّ حمل عَلَيْهِم وحملوا عَلَيْهِ وَأَحَاطُوا بِهِ من يَمِينه وشماله وَخرجت زَيْنَب تنادي فَلَقِيت عمر بن سعد فَقَالَت يَا عمر يقتل أَبُو عبد الله وَأَنت تنظر فَبكى وزوى عَنْهَا وَجهه ثمَّ نَادَى شمر مَاذَا تنتظرون بِالرجلِ فحملوا عَلَيْهِ وَضرب زرْعَة بن شريك التَّمِيمِي كتفه الْأَسير وعَلى عَاتِقه فأوهنه ثمَّ طعنه سِنَان بن قيس النَّخعِيّ بِالرُّمْحِ وَقَالَ لخولى بن يزِيد الأصبحي جز رَأسه فأرعد فَنزل إِلَيْهِ سِنَان فَأخذ رَأسه وَدفعه إِلَى خولى وسلب مَا كَانَ عَلَيْهِ فَأخذ سراويله بَحر بن كَعْب وقطيقته قيس بن الْأَشْعَث وَكَانَت من خَز وسيفه رجل من درام وانتهب النَّاس ثقله ومتاعه وأبله وسلبوا نِسَائِهِ ونتهوا إِلَى عَليّ بن الْحُسَيْن وَهُوَ مَرِيض وَأَرَادَ الشمر قَتله فَمَنعه حميد بن مُسلم وَجَاء عمر بن سعيد وَقَالَ لَا يدخلن بَيت النُّبُوَّة أحد وَلَا يعرض لهَذَا الْغُلَام الْمَرِيض وليرد عَلَيْهِم مَتَاعهمْ وَلم ينج من الْقَوْم إِلَّا اثْنَان ونادى عمر بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 سعد فِي أَصْحَابه من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه وَكَانَ ابْن زِيَاد أمره بذلك فَانْتدبَ عشرَة فداسوه حَتَّى ضروا ظَهره وصدره وَكَانَ بِهِ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ طعنة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ ضَرْبَة وَقتل من أَصْحَابه اثْنَان وَسَبْعُونَ رجلا ودفنهم أهل الغاضرة من بني أَسد وَقتلُوا من أَصْحَاب عمر بن سعيد مائَة وَثَمَانِينَ رجلا فصلى عَلَيْهِم ودفنهم وَبعث بِرَأْس الْحُسَيْن ورءوس أَصْحَابه إِلَى ابْن زِيَاد مَعَ شمر وَقيس بن الْأَشْعَث عَمْرو بن الْحجَّاج وَعُرْوَة بن قيس وأحضرها بَين يَدَيْهِ وَجعل ينكت بِقَضِيبِهِ بَين ثنيتي الْحُسَيْن فَقَالَ لَهُ زيد بن الأرقم ارْفَعْ قضيبك عَنْهَا فَلَقَد رَأَيْت شفتي رَسُول الله على هَاتين الشفتين يقبلهما ثمَّ بَكَى فزجره ابْن زِيَاد فَخرج مغضبَاً ثمَّ ارتحل عمر بن سعد إِلَى الْكُوفَة بعد مقتلهم بيومين وَمَعَهُ نِسَائِهِم وصبيانهم وبناتهم وَعلي بن الْحُسَيْن مَرِيض ومروا بالحسين وَأَصْحَابه صرعى فأعولوا ولطموا وَلما أدخلُوا على ابْن زِيَاد قَالَ عبيد الله من هَذِه يُشِير إِلَى زَيْنَب فَقيل لَهُ هَذِه زَيْنَب بنت فَاطِمَة فكلمها وأجابته وأبلغَت فأغضبته حَتَّى قَالَ لَهُ هَذِه شجاعة وَلَقَد كَانَ أَبوك شجاعاً فَقَالَت ماللمرأة والشجاعة ثمَّ قَالَ لعَلي بن الْحُسَيْن مَا اسْمك فَأخْبرهُ فَقَالَ ألم يقتل الله عليا فَقَالَ {وَمَا كَانَ لِنَفسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بإذنِ اَلله} آل عمرَان 145 فَقَالَ أَنْت وَالله مِنْهُم ثمَّ قَالَ انْظُرُوا هَل أنبت فَقيل لَهُ نعم فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَقَالَ وَمن يُوكل بِهَذِهِ النسْوَة وتعلقت بِهِ زَيْنَب وَقَالَت يَا بن زِيَاد حَسبك أما رويت من دمائنا ثمَّ اعتنقته وَقَالَت إِن قتلته فاقتلني مَعَه وَقَالَ عَليّ يَا بن زِيَاد إِن كَانَ بَيْنك وبينهن قرَابَة فَابْعَثْ مَعَهُنَّ من يصحبهن يصحبة الْإِسْلَام ثمَّ خطب النَّاس وَتعرض للحسين وَشَتمه بعض شيعته وَأمر بقتْله وصلبه ثمَّ أَمر بِرَأْس الْحُسَيْن فطيف بِهِ فِي الْكُوفَة ثمَّ بعث بِهِ وبرءوس أَصْحَابه إِلَى يزِيد مَعَ عَمْرو بن ذِي الجوشن وَيُقَال مَعَ زفر بن قيس وَبعث مَعَهم بِالنسَاء وَالصبيان محمولاتٍ على الأقتاب والغل فِي عنق عَليّ بن الْحُسَيْن ورقبته فَدخل على يزِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 زفر بن قيس فَقَالَ مَا وَرَاءَك قل أبشر بِفَتْح لله وبنصره ورد علينا الْحُسَيْن فِي ثَمَانِيَة عشر من أهل بَيته وَسِتِّينَ من شيعته وسرنا إِلَيْهِم وسألناهم أَن ينزلُوا على حكم الْأَمِير عبيد الله أوالقتال فَاخْتَارُوا الْقِتَال فغدونا عَلَيْهِم مَعَ شروق الشَّمْس فأحطنا بهم من كل نَاحيَة حَتَّى أخذت السيوف مأخذها من هام الْقَوْم وَجعلُوا يهربون إِلَى غير وزر ويلوذون بالآكام والحفر كَمَا لَاذَ الْحمام من صقر فَمَا كَانَ إِلَّا جزر جزور أَو نومَة قَائِل حَتَّى أَتَيْنَا على آخِرهم فهاتيك أجسامهم مُجَرّدَة وثيابهم مرملة وخدودهم معفرة تصهرهم الشَّمْس وتعفر عَلَيْهِم الرّيح زوارهم العقبان والرخم قَالَ فَدَمَعَتْ عينا يزِيد وَقَالَ كنت أرْضى من طَاعَتك بِدُونِ قتل الْحُسَيْن لعن الله ابْن سُمَيةَ أما وَالله لَو أَنِّي صَاحبه لعفوتُ عَنهُ فرحم الله الْحُسَيْن أَقُول بل لعن ابْن مَيْسُونُ قبل ابْن سميَّة وَبعده إِلَى يَوْم يبعثون وَيُقَال إِن آل الْحُسَيْن لما وصلوا إِلَى الْكُوفَة حَبسهم ابْن زِيَاد وَبعث إِلَى يزِيد بالْخبر فَأمره بإرسالهم إِلَيْهِ فبعثهم مَعَ نخفر بن ثَعْلَبَة وشمر ومعهما الثّقل وَالرَّأْس وأنهما لما وضعا الرَّأْس بَين يَدَيْهِ وحدثاه سَمِعت حَدِيثهمَا هِنْد بنت عبد الله بن عَامر وَكَانَت تَحت يزِيد فتسفعت بثوبها وَخرجت فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأس الْحُسَيْن بن فَاطِمَة بنت رَسُول الله قَالَ نعم فأعولي عَلَيْهِ عجل عَلَيْهِ ابْن زِيَاد فَقتله قَتله الله ثمَّ دخل عَلَيْهِ النَّاس وَالرَّأْس بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن هَذَا وإيانا كَمَا قَالَ الْحصين بن الْحمام من // (الطَّوِيل) // (أَبَي قَوْمُنا أَنْ يُنْصِفُونَا فَأَنْصَفَتْ ... قَوَاضِبُ فِي أَيْمَانِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا) (تُفلِّقْنَ هَاماً مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةِ ... علينا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا) وَيُقَال إِنَّه اسْتشْهد بِبَعْض أَبْيَات قصيدة عبد الله بن الزبعري الَّتِي قَالَهَا فِي يَوْم أحد الَّتِي مطْلعهَا قَوْله من // (الرمل) // (يَا غُرَابَ البَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ ... إِنَّماَ تنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ) وَمِنْهَا قَوْله (لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جزَعَ الخَزْرَجِ مِنَ وَقْعِ الأَسَلْ) وَإنَّهُ نكت فِي ثغر الْحُسَيْن بِقَضِيبِهِ كَمَا فعل ابْن زِيَاد فَقَالَ لَهُ أَبُو بزْرَة الْأَسْلَمِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 مَا قَالَ زيد بن أَرقم لِابْنِ زِيَاد ثمَّ قَالَ يزِيد يَا حُسَيْن وَالله لَو أْني صَاحبك مَا قتلتك ثمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ من أَيْن أَتَى الْحُسَيْن قَالَ أبي خير من أَبِيه وَأمي فَاطِمَة خير من أمه وجدي رَسُول الله خير من جده وَأَنا خير مِنْهُ فَأَما أمه وجده فَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يعْتَقد غير هَذَا وَأما أبي وَأَبوهُ فقد تحاجا عِنْد الله وَمَا علم النَّاس أَيهمَا حكم لَهُ وَلكنه أَتَى من قبل الْفِقْه وَلم يقْرَأ {قل اللَّهُمَّ ملك اَلمُلكَ تُؤتيِ اَلملك مَن تشَاءُ} آل عمرَان 26 ثمَّ أَدخل نسَاء الْحُسَيْن عَلَيْهِ وَالرَّأْس بَين يَدَيْهِ فَجعلت فَاطِمَة وسكينا بِنْتا الْحُسَيْن تتطاولان تنظران إِلَى الرَّأْس وَيزِيد يَتَطَاوَل يستر عَنْهُمَا الرَّأْس فَلَمَّا أبصرنه صحنَ فصاح نسَاء يزِيد وَبَنَات مُعَاوِيَة فَقَالَت فَاطِمَة أبنات رَسُول الله سَبَايَا يزِيد فَقَالَ يَا بنة أخي كنت لهَذَا أكره قَالَت وَالله مَا ترك لنا من خوص قَالَ أما إِنِّي سأوصل إلَيْكُنَّ مَا هُوَ أعظم مِمَّا أَخذ مِنْكُن ثمَّ أخرجن ودخلن دور يزِيد فَلم تبْق امْرَأَة فِي بيتهن إِلَّا أتتهن وأقمْنَ المأتم وَسَأَلَ عَمَّا أَخذ منهنَّ فأضعفه لَهُنَّ وَكَانَت سكينَة تَقول مَا رَأَيْت عدوا خير من يزِيد بن مُعَاوِيَة ثمَّ أَدخل عَليّ بن الْحُسَيْن مغلولاً فَقَالَ يَا يزِيد لَو رَآنِي رَسُول الله مغلولاً لفكني قَالَ صدقت وَأمر بفكه عَنهُ فَقَالَ لَو رآنا رَسُول الله على بعد لقربنا فَأمر بِهِ فَقرب مِنْهُ وَقَالَ لَهُ يَا عَليّ أَبوك الَّذِي قطع رحمي وَجَهل حَقي ونازعني سلطْاني فَصنعَ الله بِهِ مَا رَأَيْته فَقَالَ عَليّ {مَا أَصَابَ مِن مُصِيبة فِي اَلأرضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُم إِلا فِي كتاب} الْآيَة الْحَدِيد 22 وَقَالَ يزِيد {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبةِ فَبِمَا كسبَت أيدِيكم} الشورى 30 ثمَّ سكت عَنهُ وَأمر بإنزاله وإنزال نِسَائِهِ فِي دَار جده ثمَّ لم يزل يذم من ابْن زِيَاد فعله فِي الْحُسَيْن وَيَقُول لعن الله ابْن مرْجَانَة سَأَلَهُ أَن يضع يَده فِي يَدي أَو يلْحق بثغر حَتَّى يتوفاه الله فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك وَقَتله وبغَّضني إِلَى الْمُسلمين وَزرع الْعَدَاوَة لي عِنْد الْبر والفاجر مَالِي وَلابْن مرْجَانَة لَعنه الله وَغَضب عَلَيْهِ ثمَّ أَمر النُّعْمَان بن بشير أَن يجهزهم بِمَا يصلحهم وَبعث مَعَهم إِلَى الْمَدِينَة رجلا من أهل الشَّام فِي خيل تسير مَعَهم ودعا عليا ليودعه وَقَالَ لَهُ لعن الله ابْن مرْجَانَة وَالله لَو أَنِّي صَاحب أَبِيك مَا سَأَلَني خصْلَة أبدا إِلَّا أَعْطيته إِيَّاهَا ولدفعت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 عَنهُ الحيف بِمَا اسْتَطَعْت وَلَو بِهَلَاك وَلَدي وَلَكِن قضى الله مَا رَأَيْت فكاتبني بأية حَاجَة تكون لَك وَأوصى بهم ذَلِك الرَّسُول فَخرج بهم فَكَانَ يسايرهم لَيْلًا من ورائهم بِحَيْثُ لَا يفوتون نظره عَن حوائجهم حَتَّى دخلُوا الْمَدِينَة فَقَالَت فَاطِمَة لأختها زَيْنَب لقد أحسن إِلَيْنَا هَذَا الرجل فَهَل لَك أَن نصله بِشَيْء فَقَالَت مَا مَعنا إِلَّا حلينا فأخرجتا سِوَارَيْنِ ودملجين لَهما فبعثتا بذلك إِلَيْهِ واعتذرتا فَرد الْجَمِيع وَقَالَ لَو كَانَ الَّذِي صَنعته للدنيا لَكَانَ فِي هَذَا مَا يرضيني وَإِنَّمَا صَنعته لله ولقرابتكم من رَسُول الله وَكَانَ ابْن زِيَاد بعث إِلَى الْمَدِينَة بِخَبَر الْحُسَيْن وَبهَا عَمْرو بن سعيد فَأعْلم النَّاس وَبكى نسَاء بني هَاشم فَلَمَّا سمع عَمْرو أصواتهن قَالَ ناعية بناعية عُثْمَان وَفِي الذَّهَبِيّ قَالَ يزِيد اليزدي حَدثنِي من شافه الْحُسَيْن بن عَليّ قَالَ رَأَيْت أبنية مَضْرُوبَة فِي الفلاة للحسين فَأَتَيْته فَإِذا شيخ يقْرَأ الْقُرْآن والدموعُ تسيل على خديه فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي يَا بن رَسُول الله مَا أنزلك هَذِه الْبِلَاد والفلاة الَّتِي لَيْسَ بهَا أحد فَقَالَ هَذِه كتب أهل الْكُوفَة إِلَيّ لأخرج وَلَا أُرَاهُم إِلَّا قاتلي فَإِذا فعلوا ذَلِك لم يدعوا لله حُرْمَة إِلَّا انتهكوها فيسلط الله عَلَيْهِم من يذلهم حَتَّى يَكُونُوا أذلّ من قرم الْأمة يَعْنِي مقنعتها وروى الزبير بن بَكار عَن مُحَمَّد بن حسن قَالَ لما نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن أَنهم قَاتلُوهُ قَامَ فِي أَصْحَابه فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ قد نزل بِنَا مَا ترَوْنَ وَإِن الدُّنْيَا قد تَغَيَّرت وتنكرت حَتَّى لم يبْق مِنْهَا إِلَّا صبَابَة كَصُبَابَةِ الْإِنَاء وَإِلَّا خسيس عَيْش كالمرعى الوبيل أَلا ترَوْنَ الْحق لَا يعْمل بِهِ وَالْبَاطِل لَا ينهَى عَنهُ ليرغب الْمُؤمن فِي لِقَاء الله وَإِنِّي لَا أرى الْمَوْت إِلَّا سَعَادَة والحياة مَعَ الظَّالِمين إِلَّا ندماً وَقَالَ خَالِد الْحذاء عَن الْجريرِي إِن الْحُسَيْن لما أرهقه السِّلَاح قَالَ أَلا تقبلون مني مَا كَانَ رَسُول اله يقبله من الْمُشْركين قيل وَمَا كَانَ يقبل مِنْهُم قَالَ كَانَ إِذا جنح أحد مِنْهُم للسلم قَبِلَ مِنْهُ قَالُوا لَا قَالَ فدعوني أرجع قَالُوا لَا قَالَ فدعوني آتِي أَمِير الْمُؤمنِينَ يزِيد فأضع يَدي فِي يَده فَقَالَ لَهُ رجل أبشر بالنَّار فَقَالَ الْحُسَيْن بل إِن شَاءَ الله برحمة رَبِّي وشفاعة نبيي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 فقاتل فَلَمَّا استحرَ الْقَتْل بأَهْله فَإِنَّهُم لَا يزالون يقتلُون وَاحِدًا بعد واحدِ صَاح الْحُسَيْن أما ذَاب يذبكم عَن حَرِيم رَسُول الله فَحِينَئِذٍ خرج الْحر بن يزِيد بن ثَابت الْحَارِث الريَاحي فقاتل مَعَه حَتَّى قتل وَحمل الْحُسَيْن بمفرده وَقتل كثيرا من شجعانهم وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (أَنَا ابْنُ عَلِيِّ الخيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... كفَانِي هَذَا مفْخرًا حِينَ أَفْخَرُ) (وَجَدِّي رَسُولُ الله أَكْرَمُ مَنْ مشَى ... ونحنُ سِرَاجُ الله فِي النَّاسِ يُزْهِرُ) (وفاطمَةٌ أُمِّي سُلالَةُ أَحْمَدٍ ... وَعَمِّيَ يُدْعَى ذَا الجناحَيْنِ جَعْفَرُ) (وفِينَا كِتابُ الله أُنْزلَ صادِقًا ... وَفينَا الهُدى والوَحْيُ والخَيْرُ يُذْكَرُ) وَفِي رِوَايَة قيل إِنَّه لما جِيءَ بِرَأْسِهِ فِي طست وضع بَين يَدي ابْن زِيَاد فنكته بِقَضِيبِهِ وَقَالَ من قَتله فَقَامَ رجل قيل هُوَ الشمر بن ذِي الجوشن وَقيل سِنَان ابْن أنس النَّخعِيّ وَكَانَ قد طعن الْحُسَيْن فِي ترقوته ثمَّ انتزع الرمْح فطعنه أُخْرَى فِي ثواني صَدره فَخر رَضِي الله عَنهُ صَرِيعًا فَقَالَ لخولى بن يزِيد حز رَأسه فأرعدت يَده فَنزل سِنَان فَخر رَأسه لَا رَحِمهم الله وَلَا رَضِي عَنْهُم كَمَا تقدَم ذكر ذَلِك فَقَالَ أَنا وَأنْشد // (من الزّجر) // (أَوْقِرْ رِكَابي فِضَّةً وذهبا ... ) (إِنِّي قَتَلْتُ المِلِكَ المُحَجَّبَا ... ) (قَتَلْتُ خَيْرَ الناسِ أُمًّ وأَبَا ... ) (ومَنْ يُصَلِّي القبلتيْنِ فِي الصِّبَا ... ) (وخَيْرَهُمْ إذْ يُنْسَبُونَ نَسَبَا ... ) وَذكر كَيْفيَّة قَتلهمْ بقوله غدونا عَلَيْهِم إِلَى آخر مَا تقدم ذكره قَالَ فاسود وَجهه فِي بِالْحَال فَغَضب ابْن زِيَاد من قَوْله وَقَالَ لَهُ إِذا علمت ذَلِك فَلم قَتله وَالله لَا نلْت مني خيرا ولألحقنك بِهِ ثمَّ ضرب عُنُقه وَقتل مَعَ الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ من أخوته وبنيه وَبني أَخِيه الْحسن وَمن أَوْلَاد جَعْفَر وَعقيل تِسْعَة عشرا نَفرا وَقيل أحد وَعِشْرُونَ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ مَا كَانَ على وَجه الأَرْض يَوْمئِذٍ لَهُم شَبيه رَضِي الله عَنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 وروى أَبُو معشر نجيح عَن بعض مشيخته أَن الْحُسَيْن قَالَ حِين نزلُوا كربلاء مَا اسمُ هَذِه الأَرْض قَالُوا كربلاء قَالَ كرب وبلاء وروى شريك عَن مُغيرَة قَالَ قَالَت مرْجَانَة لابنها عبيد الله يَا خَبِيث قَتلتَ ابْن رَسُول الله لَا ترى الْجنَّة أبدا قَالَ الْمَدَائِنِي عَن عَليّ بن مدرك عَن جده قَالَ احْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء بعد قتل الْحُسَيْن سِتَّة أشهر يرى فِيهَا كَالدَّمِ فَحدثت بذلك شريحاً فَقَالَ لي مَا أَنْت من الْأسود قلت هُوَ جدي أَبُو أُمِّي فَقَالَ أما وَالله إِن كَانَ لصدقاً قلت وَمَا أشجَى قَول أبي الْعَلَاء أَحْمد بن سُلَيْمَان الشهير بالعري فَإِنَّهُ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ من قصيدة // (من الْخَفِيف) // (وَعَلَى الأُفْقِ مِنْ دِمَاءِ الشَّهِيديْنِ ... علِيِّ وَنَجْلِهِ شَاهِدَانِ) (فَهُمَا فِي أَوَاخِرِ اللَّيْلِ فَجَرانِ ... وَفِي أًوليَاتِهِ شَفَقَانِ) (ثَبَتَا فِي قمِيصِهِ لِيَجِسء ... الْحشْرَ مُسْتَعْدِيًا إِلى الرَّحْمَنِ) وَكَذَا روى مثل ذَلِك سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد عَن ابْن سِيرِين قَالَ لرجل تعلم هَذِه الْحمرَة فِي الْأُفق مِم هِيَ قَالَ لَا قَالَ من يَوْم قتل الْحُسَيْن وَقَالَ جرير بن عبد الحميد عَن يزِيد بن زِيَاد قَالَ قتل الْحُسَيْن ولي أَربع عَشرَةَ سنة فَلَمَّا قتل صَار الورس الَّذِي فِي عَسْكَرهمْ رَمَادا وَكَانَ فِي قافلة من الْيمن تُرِيدُ الْعرَاق فوافتهم حِين قَتله واحمرت آفَاق السَّمَاء ونحروا نَاقَة فِي عَسْكَرهمْ وَكَانُوا يرَوْنَ فِي لَحمهَا نَارا وَقَالَ حَمَّاد بن زيد حَدثنِي جميل بن مرّة قَالَ أَصَابُوا إبِلا فِي عَسْكَر الْحُسَيْن يَوْم قتل فنحروها وطبخوها فَصَارَت مثل العلقم وَقَالَ قُرَّة بن خَالِد حَدثنَا أَبُو رَجَاء العطاردي قَالَ كَانَ لنا جَار من بلهُجَيْم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 فَقدم الْكُوفَة فَقَالَ مَا ترَوْنَ هَذَا الْفَاعِل ابْن الْفَاعِل قَتله الله يَعْنِي الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أَبُو رَجَاء فَرَمَاهُ الله بكوكبين من السَّمَاء فطمسا عينه وَأَنا رَأَيْته وَقَالَ معمر بن رَاشد أول مَا عرف الزُّهْرِيّ تكلم فِي مجْلِس عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ تعلم مَا فعلت حجار بَيت المقددس يَوْم قتل الحسيِن فَقَالَ الزُّهْرِيّ إِنَّه لم يقَلب حجر فِيهِ إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم عبيط قَالَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدَّثتنِي أم سَالم خَالَتِي قَالَت لما قتل الْحُسَيْن مُطِرْنَا مطر طالدم على الْبيُوت والجدر وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عمار ابْن أبي عمار عَن ابْن عَبَّاس رَأَيْت رَسُول الله فِي الْمَنَام نصف النَّهَار أَشْعَث أغبر وَبِيَدِهِ قَارُورَة فِيهَا دم فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا هَذَا قَالَ هَذَا دَم الْحُسَيْن وأصحابِهِ وَلم أزل مُنْذُ الْيَوْم ألتقطه فأحصي ذَلِك الْيَوْم فوجدوه قتل يَوْمئِذٍ وَقَالَ حَمَّاد عَن عمار سَمِعت أم سَلمَة تَقول سمعتُ الْجِنّ تبْكي على الْحُسَيْن وتنوح عَلَيْهِ وَعَن أبي جناب الْكَلْبِيّ قَالَ أتيتُ كربلاء فَقلت لرجل من أَشْرَاف الْعَرَب فِيهَا بَلغنِي أَنكُمْ تَسْمَعُونَ نوح الْجِنّ فَقَالَ لي مَا تلقى أحدا إِلَّا أخْبرك أَنه سمع ذَلِك فَقلت لَهُ فأخبيرني مَا سَمِعت أَنْت قَالَ سمعتهم يَقُولُونَ // (من مجزوء الْكَامِل) // (مَسَحَ الرَّسُولُ جَبِينَهُ ... فَلَهُ بَريقٌ فِي الخُدُودِ) (أَبَواهُ مِنْ عُلْيَا قُرَيْشٍ ... جَدُّهُ خَيْرُ الجُدُودِ) وَلما دخل الرَّأْس على يزِيد وَوضع بَين يَدَيْهِ أنْشد الْبَيْتَيْنِ الْمُتَقَدّم ذكرهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 // (منِ الطَّوِيل) // (أَبَى قومُنَا أَن ينصفُونَا ... ... ... ... ... ... ... .) قَالَ عبد الرَّحْمَن بن الحكم أَخُو مَرْوَان بن الحكم // (من الطَّوِيل) // (لهَامٌ بجَنْبِ الطَّفِّ أَوْفَى قَرَابَةً ... مِنِ ابْن زِيَاد العَبْدِ ذِي النَّسبِ الوغلُ) (سُمَيَّة أمسَى نَسْلُهَا عددَ الحَصَى ... وبِنْتُ رسُولِ الله ليْسَ لَهَا نَسْلُ) فَضرب يزِيد صَدره وَقَالَ اسْكُتْ قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ رُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة أَن يُونُس بن حبيب حَدثهُ قَالَ لما قتل الْحُسَيْن وَبَنُو أَبِيه وَبعث ابْن زِيَاد برءوسهم إِلَى يزِيد سر بِقَتْلِهِم أَولا ثمَّ نَدم ثَانِيًا فَكَانَ يَقُول وَمَا عَليّ لَو احتملت الْأَذَى وأنزلت الْحُسَيْن مني وحكمته فِيمَا يُرِيد وَإِن كَانَ فِي ذَلِك وَهن فِي سلطاني حفظا لرَسُول الله ورعاية لحقه وقرابته لعن الله ابْن مرْجَانَة يُرِيد عبيد الله بن زِيَاد فَإِنَّهُ أخرجه واضظره وَقد كَانَ سَأَلَهُ أَن يخلي سَبيله وَيرجع من حَيْثُ أقبل أَو يأْتيني فَيَضَع يَده فِي يَدي أَو يلْحق بثغر من الثغور فَأبى ذَلِك ورده عَلَيْهِ فأبغضني بقتْله الْمُسلمُونَ قَالَ المَسْعُودِيّ كَانَ قتل مُسلم بن عقيل فِي الْيَوْم الَّذِي خرج فِيهِ الْحُسَيْن من مَكَّة يَوْم التَّرويَة كَمَا تقدم ذكره قَالَ لما قتل الْحُسَيْن وَحمل رَأسه إِلَى ابْن زِيَاد خرجت بنت عقيل فِي نسَاء قومه حواسر حائرات لما ورد عَلَيْهِم من قتل السادات وَهِي تَقول شعرًا // (من الْبَسِيط) // (مَاذَا تقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ ... مَاذَا فعلتُمْ وأنتُمْ آخِرُ الأُممِ) (بعترتي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفَتَقَدي ... نِصْفٌ أُسارَى ونصْفٌ ضُرِّجُوا بدَم) (مَا كَانَ هَذَا جَزَائي إذْ نَصَحْتُ لَكُمْ ... أَن تخْلُفونِي بسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمي) وَقَالَ الْمَدَائِنِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بن دِينَار حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه قَالَ لما قتل الْحُسَيْن ودخلنا الْكُوفَة لَقينَا رجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 فَدَخَلْنَا منزله فألحفنا فَنمت فَلم أستيقظ إِلَّا بحس الْخَيل فِي الْأَزِقَّة فحملنا إِلَى يزِيد فَدَمَعَتْ عينا حِين رآنا وأعطينا مَا شِئْنَا وَقَالَ إِنَّه سَيكون فِي قَوْمك أَمر فَلَا تدخل مَعَهم فِي شَيْء فَلَمَّا كَانَ من أهل الْمَدِينَة مَا كَانَ كتب مَعَ مُسلم بن عقبَة المُري كتابا فِيهِ أماني فَلَمَّا فرغ مُسلم من الْحرَّة بعث إِلَيّ فَجِئْته وَقد أيقنتُ بالموتِ فَكتبت وصيتي فَرمى إِلَيّ الْكتاب فَإِذا فِيهِ اسْتَوْصِ بعلي ابْن الْحُسَيْن خيرا فَإِن دخل مَعَهم فِي أَمرهم فأمنهُ واعفُ عَنهُ وَإِن لم يكن مَعَهم فقد أصَاب وَأحسن وَقَالَ رزق الله بن عبد الْوَهَّاب الجبائي فِي الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ شعرًا // (من الْكَامِل) // (رَأْسُ ابنِ بنتِ محمدٍ ووصيِّهِ ... للمسلمينَ عَلَى قَنَاةٍ يُرْفَعُ) (والمُسْلِمُونَ بمنظرٍ وبمسْمَع ... لَا جازعٌ فيهمْ وَلَا مُسْتَرْجِعُ) (أيقظْتَ أجفانًا وكنْت أنمتهَا ... وأنمْتَ علينا لم تَكُنْ لَك تَهْجَعُ) (مَا رَوْضةٌ إلاَّ تمَنَّتْ أَنَّهَا ... لَكَ تربةٌ ولحظِّ قبركَ موضعُ) وَقَالَ أَحْمد بن عِيسَى الْهَاشِمِي معتذراً عَن الْكحل يَوْم عَاشُورَاء // (من مخلع الْبَسِيط) // (لَمْ أَكْتَحِلْ فِي صَبَاحِ يَوْمٍ ... أُهْرِقَ فيهِ دَم الحُسَيْنِ) (إلاَّ لحُزْنٍ وَذَاكَ أنِّي ... سَوَّدتُّ حَتَّى بيَاضَ عَيْنِي) وَقَالَ بَعضهم فِي مثل مَعْنَاهُ شعرًا // (من مخلع الْبَسِيط) // (وَلاَئِم لاَمَ فِي اكْتِحَالِي ... يَوْم أراقُوا دَمَ الحُسَيْنِ) (قُلْتُ دَعُونِي أَحَق عُضْوٍ ... فِيهِ بلُبْسِ السَّوادِ عيْنِي) وَمِمَّا قَالَ أَبُو حسن الجراز فِي ذَلِك شعرًا // (من الْكَامِل) // (وَيَعُودُ عَاشُورَاءُ يُذْكِرُنِي ... رُزْءَ الحُسَيْنِ فلَيْتَ لمْ يَعْدِ) (يَلَيْتَ عَيْنًا فِيهِ قد كُحِلَتْ ... بِمَرَاوِدٍ لَمْ تَخْلُ مِنْ رَمَدِ) (يوْمٌ سبيلي حينَ أذكُرُهُ ... ألاَّ يدورَ الصَّبْرُ قي خَلَدِي) (ويداً بِهِ لشماتةٍ خُضِبَتْ ... مقطوعةٌ مِنْ زَنْدِهَا بِيَدِي) (أما وقَدْ قُتِلَ الحُسَيْنُ بِهِ ... فَأَبُو الحُسيْنِ لأحقُّ بالكَمَدِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 (مَنَاقِب الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) هُوَ الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب وَرَيْحَانَة النَّبِي ولد بِالْمَدِينَةِ لخمس خلون من شعْبَان سنة أَربع من الْهِجْرَة على الصَّحِيح وَقيل سِتّ وَقيل سبع قَالَ فِي الْإِصَابَة وَهَذَا القَوْل الآخر لَيْسَ بِشَيْء وَكَانَت والدته البتول علقت بِهِ بعد أَن ولدت أَخَاهُ الْحسن بِخَمْسِينَ يَوْمًا وَقيل بطهر وَاحِد ألقابه الرشيد وَالطّيب والرضي وَالسَّيِّد والزكي وَالْمبَارك والبسيط وَالتَّابِع لمرضاة الله كَانَ الْحُسَيْن أشبه الْخلق بِالنَّبِيِّ من سرته إِلَى كَعبه وروى أَبُو عمر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَبْصرت عَيْنَايَ وَسمعت أذناي رَسُول الله وَهُوَ يَقُول لَهُ تَرَق عينَ بقه فرقى الْغُلَام حَتَّى وضع قَدَمَيْهِ على صدر رَسُول الله ثمَّ قَالَ لَهُ رَسُول الله افْتَحْ فَاك ثمَّ قلبه ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ روى خثيمَةَ بن سُلَيْمَان بن حيدرة وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الهيثمي رِجَاله كلهم ثِقَات عَن أبي هُرَيْرَة ري الله عَنهُ قَالَ أَخذ رَسُول الله بيَدي فَانْطَلَقْنَا إِلَى سوق قينقاع فَلَمَّا رَجَعَ دخل الْمَسْجِد فَجَلَسَ فَقَالَ أَيْن لُكَع فجَاء الْحُسَيْن يمشي حَتَّى سقط فِي حجره فَجعل أَصَابِعه فِي لحية رَسُول الله فَفتح رَسُول الله فَمه وَأدْخل فَاه فِي فِيهِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يُحِبهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَمَا رَأَيْته قطّ إِلَّا فاضت عَيْني دموعاً وروى أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن يعلي العامري أَنه خرج مَعَ رَسُول الله إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 طَعَام دعِي إِلَيْهِ فَإِذا حُسَيْن مَعَ غلْمَان يَلْعَبُونَ فِي طَرِيقه فاستهوى رَسُول الله أم الْقَوْم ثمَّ بسط يَده فَطَفِقَ الصَّبِي يفر هَهُنَا مرّة وَهَهُنَا مرّة وَجعل رَسُول الله يضاحكه ثمَّ أَخذه رَسُول الله فَجعل إِحْدَى يَدَيْهِ تَحت ذقنه وَالْأُخْرَى تَحت قَفاهُ ثمَّ أَقَامَ رَأسه فَوضع فَاه على فِيهِ وَقَالَ حُسَيْن مني وَأَنا من حُسَيْن رحم الله من أحب حُسَيْنًا حُسَيْن سبط من الأسباط وروى ابْن أبي عَاصِم عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لما قتل الْحُسَيْن وَجِيء بِرَأْسِهِ إِلَى ابْن زِيَاد فَجعل ينكت بقضيب على ثناياه وَكَانَ حسن الثغر فَقلت فِي نَفسِي لأسوءنك لقد رَأَيْت رَسُول الله يقبل مَوضِع قضيبك من ثنيته وروى عَن أبي ظبْيَان قَالَ وَالله إِن كَانَ رَسُول الله يفرج رجلَيْهِ يَعْنِي الْحُسَيْن وَيقبل زبيبته وروى ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله يدلع لِسَانه للحسين فَيرى الصَّبِي حمرَة لِسَانه فيهش إِلَيْهِ فَقَالَ عُيَيْنَة بن حصن بن بدر الْفَزارِيّ أَرَاك تصنع هَذَا بِهَذَا فوَاللَّه ليَكُون لي الْوَلَد قد خرج وَجهه وَمَا قبلته فَقَالَ رَسُول الله من لَا يرحم لَا يرحم رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة وَعِنْده فَإِذا رأى الصَّبِي حمرَة لِسَانه هش إِلَيْهِ وروى أَبُو الْحسن بن الضَّحَّاك عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله يمص لعاب الْحُسَيْن كَمَا يمص الرجل التمرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وروى ابْن حبَان وَابْن سعد وَأَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ من سره أَن ينظر إِلَى رجل من أهل الْجنَّة وَفِي لفظ إِلَى سيد شباب الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول ذَلِك وروى أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ خلونا عِنْد رَسُول الله إِذْ أقبل الْحُسَيْن فَجعل ينزو على ظهر رَسُول الله وعَلى بَطْنه فَبَال فقمنا إِلَيْهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعوه ثمَّ دَعَا رَسُول الله بِمَاء فَصَبَّهُ على ثَوْبه وروى سعيد بن مَنْصُور وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن يعلى بن مرّة العامري رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله حُسَيْن مني وَأَنا من حُسَيْن أحب الله من أحب حُسَيْنًا حُسَيْن سبط من الأسباط وروى الإِمَام أَحْمد عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله الحسنُ وَالْحُسَيْن سِبطانِ من الأسبَاطِ وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله من أحَب هَذَا يَعْنِي الْحُسَيْن فقد أَحبَّنِي وروى الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله اللَّهُمَّ إِني أحبه فَأَحبهُ يَعْنِي الْحُسَيْن وروى أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ بِسَنَدِهِ قَالَ خرج رَسُول الله من بَيت عَائِشَة فَمر على بَاب فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَسمع حُسَيْنًا يبكي فَقَالَ رَسُول الله أما تعلمين أَن بكاءه يُؤْذِينِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وروى الطبراين فِي الْكَبِير وَابْن سعد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله قَالَ أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن ابْني الْحُسَيْن يقتل بِأَرْض الطف وَجَاءَنِي بِهَذِهِ التربة وَأَخْبرنِي أَن فِيهَا مضجعه وروى الإِمَام أَحْمد عَن ثَابت عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ اسْتَأْذن ملك الْمَطَر أَن يَأْتِي النَّبِي فَإِذن لَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام لأم سَلمَة احفظي علينا الْبَاب لَا يدْخل أحد فجَاء الْحُسَيْن فَوَثَبَ حَتَّى دخل فَجعل يصعد على منْكب رَسُول الله فَقَالَ لَهُ ملك الْمَطَر أَتُحِبُّهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نعم قَالَ إِن أمتك تقتله وَإِن شِئْت أريتك الْمَكَان الَّذِي يقتل فِيهِ قَالَ فَضرب بِيَدِهِ فَأرَاهُ تُرَابا أَحْمَر فَأخذت أم سَلمَة ذَلِك التُّرَاب فصرته فِي طرف ثوبها قَالَ فَكُنَّا نسْمع بقتْله بكربلاء وَرَوَاهُ البهيقي من حَدِيث وَهِي بن ربيعَة بن زِيَاد قَالَ أَخْبَرتنِي أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله اضطجَعَ ذَات يَوْم فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ حائر ثمَّ اضْطجع فرقد ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ حائر دون مَا رأيتُ مِنْهُ فِي الْمرة الأولى ثمَّ اضْطجع وَفِي يَده تربة حَمْرَاء وَهُوَ يقلبها فَقلت مَا هَذِه التربة يَا رَسُول الله قَالَ أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن ابْني هَذَا يقتل بِأَرْض الْعرَاق قَالَ فَقلت يَا جِبْرِيل أَرِنِي تربة الأَرْض فَقَالَ هَذِه تربَتهَا وروى الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الْحُسَيْن جَالِسا فِي حجره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل أَتُحِبُّهُ فَقَالَ كَيفَ لَا وَهُوَ ثَمَرَة فُؤَادِي فَقَالَ إِن أمتك ستقتله أَلا أريك مَوضِع قَبره فَقبض قَبْضَة وَإِذا تربة حَمْرَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وروى الإِمَام أَحْمد عَن عبد الله بن بجى عَن أَبِيه أَنه سَار مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه فَلَمَّا حازَى شط الْفُرَات قَالَ صبرا أَبَا عبد الله قلت وَمَا ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ دخلت على النَّبِي وَعَيناهُ تفيضان بالدمع فَقلت مِم ذَلِك يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْك فَقَالَ قَامَ من عِنْدِي جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام وَأَخْبرنِي أَن ابْني الْحُسَيْن يقتل بشط الْفُرَات وَقَالَ هَل لَك أَن أنعمك من تربته فَقلت نعم فَقبض من تُرَاب فَأَعْطَانِيهَا فَلم أملك عَيْني أَن فاضتا وروى الإِمَام أَحْمد عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله لَا تدع أحدَاً يدْخل فجَاء الْحُسَيْن فمنعته فَبكى فخليته فَدخل حَتَّى قعد فِي حجره فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن أمتك ستقتله فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تقتله وهم مُؤمنُونَ قَالَ نعم وَأرَاهُ من تربته وَفِي رِوَايَة قَالَ رَسُول الله يَا جبريلُ أَفلا أراجع رَبِّي عز وَجل قَالَ لَا إِنَّه أَمر قد قضى وفُرغَ مِنْهُ وروى الإِمَام أَحْمد عَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله قَالَ لقد دَخَلَ جِبْرِيل عَليّ الْبَيْت وَلم يدْخل عَليّ قبلهَا فَقَالَ ابْنك هَذَا الْحُسَيْن مقتول وَإِن شِئْت أريتك التربة الَّتِي يقتل بهَا فَأخْرج تربة حَمْرَاء وروى الْبَغَوِيّ عَن أنس بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِن ابْني هَذَا يقتل بِأَرْض يُقَال لَهَا كربلاء فَمن شهد ذَلِك فلينصره قَالَ فَخرج أنس بن الْحَارِث إِلَى كربلاء فَقتل مَعَ الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وروى الملا عَن أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت ناولني رَسُول الله كفا من تُرَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 أَحْمَر وَقَالَ إِن هَذَا من تربة الأَرْض الَّتِي يقتل بهَا ابْني يَعْنِي الْحُسَيْن فَمَتَى صَار دَمًا فاعلمي أَنه قتل قَالَت أم سَلمَة فَوَضَعته فِي قَارُورَة وَكنت أَقُول إِن يَوْمًا يتَحَوَّل فِيهِ دمَاً ليَوْم عَظِيم وَفِي رِوَايَة فَأَصَبْته يَوْم قتل الْحُسَيْن وَقد صَار دمَاً قَالَت أم سَلمَة فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة قتل الْحُسَيْن سَمِعت قائلاَ يَقُول // (من الْخَفِيف) // (أَيُهَا اٌ لقَاتِلُونَ جَهْلاً حُسَيْنًا ... أبْشِرُوا بِالعَذَابِ وَالتَّنْكِيلِ) قَالَت فَبَكَيْت وَفتحت القارورة فغذا الحصيات قد خرجت دمَاً وَأخرج ابْن سعد قَالَ مر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بكربلاء عِنْد مسيره إِلَى صفّين وحاذى نِينَوَى اسْم قَرْيَة على الْفُرَات فَوقف وَسَأَلَ عَن اسْم هَذِه الأَرْض فَقيل لَهُ كربلاء فَبكى حَتَّى بلت دُمُوعه الأَرْض ثمَّ قَالَ هَاهُنَا مناخ رِكَابهمْ هَاهُنَا مهراق دِمَائِهِمْ فتية من آل مُحَمَّد يقتلُون بِهَذِهِ الْعَرَصَة تبْكي عَلَيْهِم السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلما سير بِرَأْسِهِ إِلَى يزِيد فنزلوا أول مرحلة فَجعلُوا يشربون وَالرَّأْس بَين أَيْديهم فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ خرجَت عَلَيْهِم من الْحَائِط يَد مَعهَا قلم من حَدِيد فَكتب سطراً بِدَم وَهُوَ // (من الوافر) // (أَتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْنّا ... شَفاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ االْحِسَابِ) فَهَرَبُوا وَتركُوا الرَّأْس أخرجه مَنْصُور بن عمار وَذكر غير وَاحِد أَن هَذَا الْبَيْت وجد بِحجر فِي دير رَاهِب فِي كَنِيسَة بِأَرْض الرّوم وَلَا يدْرِي من كتبه فَسَأَلُوهُ فَقَالَ هَذَا مَكْتُوب قبل مبعث نَبِيكُم بثلاثمائة سنة وَقد تقدم ذكر حمرَة السَّمَاء قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وحكمته أَن غضبنا يُؤثر حمرَة الْوَجْه وَالْحق تنزه عَن الجسمية فأظهر تأثر غَضَبه على من قتل الْحُسَيْن بحمرة الْأُفق إِظْهَار لِعظَم الْجِنَايَة قَالَ وَإِذا كَانَ أَنِين الْعَبَّاس وَهُوَ مأسور ببدر منع رَسُول الله النّوم فَكيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 بِابْنِهِ الْحُسَيْن وَلما أسلم وَحشِي قاتلُ حَمْزَة قَالَ لَهُ غيب وَجهك عني فَإِنِّي لَا أحب أَن أرى من قتل الْأَحِبَّة وَالْإِسْلَام يجب مَا قبله فَكيف بِقَلْبِه أَن يرى من ذبح الْحُسَيْن وَأمر بقتْله وَحمل أَهله على أقتاب الْجمال سافرات الْوُجُوه ناشرات الشُّعُور وَأخرج أَبُو الشَّيْخ أَن جمعَاً يذكرُونَ أَنه مَا من أحد أعَان على قتل الْحُسَيْن إِلَّا أَصَابَهُ بلَاء قبل أَن يَمُوت وَنقل شبط ابْن الْجَوْزِيّ عَن السّديّ أَنه أَضَافَهُ رجل بكربلاء فتذاكروا هَذَا الْمَعْنى أَي أَنه مَا من أحد أعَان على قتل الْحُسَيْن أَو شركهم فِي دَمه بِوَجْه إِلَّا مَاتَ أقبح ميتَة فكذب المضيف بذلك وَقَالَ إِنَّه مِمَّن حضر وَلم يصبهُ شَيْء فَقَامَ ليصلح السراج فَأَخَذته النَّار فَذهب لطفئها بريقه فالتهب فَمه فَجعل يُنَادي النارَ النارَ وانغمس فِي الْفُرَات وَمَعَ ذَلِك دبت النَّار فِي جسده فَأَحْرَقتهُ قَالَ السّديّ وَأَنا واللِّه رَأَيْته كالحممة وَحكى سبطه عَن الْوَاقِدِيّ أَن شَيخا حضر قَتله فَقَط فَعميَ فَسئلَ عَن سَببه فَقَالَ إِنَّه رأى النَّبِي حاسراً عَن ذراعه وَبِيَدِهِ السَّيْف وَبَين يَدَيْهِ نطع وَرَأى عشرَة من قاتلي الْحُسَيْن مذبوحين بَين يَدَيْهِ ثمَّ لَعنه وسبه بتكثير سوادهم ثمَّ أكحله بمرود من دم الْحُسَيْن فَأصْبح أعمى وَأخرج أيضَاً أَن شخصا مِنْهُم علق فِي لبب فرسه رَأس الْعَبَّاس بن عَليّ فَرُئِيَ بعد أَيَّام وَوَجهه أَشد سوادَاً من القار فَقيل إِنَّك كنت أَنْضَرُ الْعَرَب وَجها فَقَالَ مَا مرت عَليّ لَيْلَة مذ حملت ذَلِك الرَّأْس إِلَّا وَاثْنَانِ يأخذان بضبعي ثمَّ ينهضان إِلَى نَار تؤجج فيدفعاني فِيهَا وَأَنا أنكص فتسفعني كَمَا ترى ثمَّ مَاتَ على أقبح حَالَة وَذكر الْبَارِزِيّ عَن الْمَنْصُور أَنه رأى رجلا بِالشَّام وَجهه وَجه خِنْزِير فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّه كَانَ يلعن عليا كل يَوْم ألف مرّة وَفِي كل جُمُعَة ربعَة آلَاف مرّة وَأَوْلَاده مَعَه فَرَأَيْت النَّبِي وَذكر منامَاً طَويلا من جملَته أَن الْحسن شكاه إِلَيْهِ فلعنه ثمَّ بَصق فِي وَجهه فَصَارَ وَجهه وَجه خِنْزِير وَصَارَ آيَة للنَّاس وروى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر أَنه سَأَلَهُ رجل عَن دم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 البعوض أطاهر أم لَا فَقَالَ لَهُ مِمَّن أَنْت قَالَ من أهل الْعرَاق فَقَالَ ابْن عمر انْظُرُوا إِلَى هَذَا يسألني عَن دم البعوض وَقد قتلوا ابْن النَّبِي قَالَ الْعَلامَة سبط ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه مرْآة الزَّمَان وَغَيره الْمَشْهُور أَن يزِيد لما وصل إِلَيْهِ الرَّأْس الشريف جمع أهل الشَّام وَجعل ينكت الرَّأْس بالقضيب الخيرزان وتمثل بِتِلْكَ الأبيات وَقيل بل ترحم على الْحُسَيْن وتنكر لِابْنِ زِيَاد لكنه قَالَ الْمَشْهُور الأول وَجمع بِأَنَّهُ أظهر الثَّانِي وأخفى الأول بِقَرِينَة أَنه بَالغ فِي رفْعَة ابْن زِيَاد حَتَّى أدخلهُ على نِسَائِهِ وبقرينة قَوْله الْبَيْتَيْنِ السَّابِق ذكرهمَا فِيهِ ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ الْعجب إِلَّا من ضرب يزِيد ثنايا الْحُسَيْن بالقضيب وَحمل آل النَّبِي سَبَايَا على أقتاب الْجمال مُوثقِينَ فِي الحبال وَالنِّسَاء مكشفات الْوُجُوه والرءوس وَذكر أَشْيَاء من قْبيح فعله قَالَ وَيُقَال إِنَّه بعث بِالرَّأْسِ مَعَهم إِلَى الْمَدِينَة حِين ردهم إِلَيْهَا وَقيل بل كَانَ الرَّأْس فِي خزانته لِأَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك رأى النَّبِي فِي الْمَنَام يلاطفه ويبشره فَسَأَلَ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن تَعْبِير ذَلِك فَقَالَ لَهُ لَعَلَّك صنعت إِلَى آله مَعْرُوفا قَالَ سُلَيْمَان نعم وجدت رَأس الْحُسَيْن فِي خزانَة يزِيد فكسوته خَمْسَة أَثوَاب وصليتُ عَلَيْهِ فِي جمَاعَة من أَصْحَابِي وقبرته فَقَالَ لَهُ الْحسن الْبَصْرِيّ إِن ذَلِك سَبَب رضَا النَّبِي عَلَيْك فَأمر سُلَيْمَان لِلْحسنِ بجائزة حَسَنَة قلت رَأَيْت فِي الذَّهَبِيّ مَا نَصه قَالَ عبد الصَّمد بن سعيد القَاضِي حَدثنَا سُلَيْمَان بن عبد الحميد البهراني سَمِعت أَبَا أُميَّة الكلَاعِي سَمِعت أَبَا كريب قَالَ كنتُ فِي الْقَوْم الَّذين توثبوا على الْوَلِيد بن يزِيد وَكنت فِيمَن نهب خزانتهم بِدِمَشْق فَأخذت سفطاً وَقلت فِيهِ غنائي فركبت فرسي وَجَعَلته بَين يَدي وَخرجت من بَاب توما ففتحته فَإِذا بحريرة قيها قرطاس مَكْتُوب عَلَيْهِ هَذَا رَأس الْحُسَيْن بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 عَليّ فحفرت لَهُ بسيفي ودفنته فَالله أعلم أياً كَانَ ذَلِك فَلَمَّا فعل يزِيد مَا مر كَانَ عِنْده إِذْ ذَاك رَسُول قَيْصر فَقَالَ متعجبَاً إِن عندنَا فِي بعض الخزائن فِي دير حافر حمَار عِيسَى فَنحْن نحج إِلَيْهِ كل عَام فِي الأقطار وننذر النذور ونعظمه كَمَا تعظمون كعبتكم وَأَنْتُم تَفْعَلُونَ هَذَا بِابْن بنت نَبِيكُم فَأشْهد أَنكُمْ على بَاطِل وَقَالَ آخر كَانَ مَعَه بيني وَبَين دَاوُد سَبْعُونَ أَبَا وَإِن الْيَهُود تعظمني وتحترمني وَأَنْتُم تَفْعَلُونَ مَا تَفْعَلُونَ فِي ابْن نَبِيكُم قَالَ وَكَانَت الحرس على الرَّأْس الشريف كلما نزلُوا منزلا رَفَعُوهُ على رمح وحرسوه فرى هـ رَاهِب فِي دير فَسَأَلَ عَنهُ فعرفوه بِهِ فَقَالَ بئس الْقَوْم أَنْتُم لَو كَانَ للمسيح ولد لأسكناه فِي أحداقنا بئس الْقَوْم أَنْتُم لَو كَانَ للمسيح ولد لأسكناه فِي أحداقنا بئس الْقَوْم أَنْتُم هَل لكُم فِي عشرَة آلَاف دِينَار ويبيت الرَّأْس عِنْدِي هَذِه اللَّيْلَة فَقَالُوا نعم فَأَخذه وغسله وطَيبه وَوَضعه على فَخذه وَقعد يبكي إِلَى الصُّبْح لِأَنَّهُ رأى نورا ساطعاً من الرَّأْس إِلَى السَّمَاء ثمَّ خرج عَن الدَّيْر وَمَا فِيهِ وَصَارَ يخْدم أهل الْبَيْت فهنيئَاً لَهُ ثمَّ هَنِيئًا وَكَانَ مَعَ أُولَئِكَ الحرس دَنَانِير أخذوها من عَسْكَر الْحُسَيْن ففتحوا أكياسها ليقتسموها فرأوها خزفاً وعَلى أحد وَجْهي كل مِنْهَا {وَلا تحَسَبن اَللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعمَلُ اَلظالمُونَ} إِبْرَاهِيم 42 وعَلى الآخر {وَسَيَعلَمُ الَّذين ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلبِوُنَ} الشُّعَرَاء 227 قَالَ أهل السّير لما سيق حَرِيم الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَة كالأسارَى بَكَى أهل الْكُوفَة فَجعل زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن يَقُول إِن هَؤُلَاءِ يَبْكُونَ من أجلنا فَمن ذَا الَّذِي قتلنَا وَأخرج الْحَاكِم من طرق مُتعَدِّدَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ قَالَ جِبْرِيل قَالَ رَسُول الله تبَارك وَتَعَالَى إِنِّي قتلتُ بدمِ يحيى بن زَكَرِيَّا سيعين ألفا وَإِنِّي قَاتل بِدَم الْحُسَيْن بن عَليّ سبعين ألفا وَسبعين ألفا وَقتل هَذِه الْعدة بِسَبَبِهِ لَا يسْتَلْزم أَنَّهَا بِقدر عدَّة القاتلين لَهُ فَإِنَّهَا قتنة أفضت إِلَى تعصبات ومقاتلات تفي بذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 (ولَايَة الْوَلِيد بن عتبَة على الْحجاز وعزل عَمْرو بن سعيد) وَلما قتل الْحُسَيْن وَبلغ خَبره إِلَى مَكَّة قان ابْن الزبير فِي النَّاس فخطبهم وَعظم قتل الْحُسَيْن وَعَابَ من تولاه وَأمر بِهِ وترحم عَلَيْهِ وَلعن قَاتله وَتعرض ليزِيد بِسَمَاع الْغناء والحداء وَشرب الْخمر وكلاب الصَّيْد وَقد كَانَ بُويِعَ سرا وَأظْهر أَنه عَائِذ بِالْبَيْتِ لَهُ أَصْحَابه أظهر بيعتك فَلم يبْق بعد الْحُسَيْن من ينازعك فَقل لَا تعجلوا وَبلغ يزِيد الْخَبَر بأَمْره فَحلف ليؤتين بِهِ إِلَيْهِ فِي جَامِعَة فَصنعَ جَامِعَة من فضَّة وَبعث بهَا إِلَيْهِ لتبر يَمِينه فَامْتنعَ من رسله وَرجع يزِيد فأغراه بَنو أُميَّة بِعَمْرو بن سعيد الْعَامِل بالحجاز وَقَالُوا لَو أَرَادَ لبعث بِهِ إِلَيْك فَعَزله وَولى مَكَانَهُ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان فَسَار إِلَى الْحجاز وَلحق عَمْرو بِيَزِيد وَبَين لَهُ مكايدة ابْن الزبير فعذره وَأقَام الْوَلِيد يحاول غِرة ابْن الزبير فيجده مستحذراً ممتنعَاً ثمَّ كتب ابْن الزبير إِلَى يزِيد يعيبُ الْوَلِيد بِأَنَّهُ أخرق لَا يتَّجه لرشد وَلَا يرعوي لعظة فَابْعَثْ رجلا سهل الْخلق أَرْجُو أَن يسهل بِهِ من الْأُمُور مَا استوعر وَيجمع بِهِ مَا افترق فعزل الْوَلِيد وَولي عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان (خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد ووقعة الْحرَّة وحصار مَكَّة) لما ولي عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان على أهل لحجاز سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ بعث إِلَى يزِيد وَفْدًا من أهل الْمَدِينَة فيهم عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل وَعبد الله بن عَمْرو بن أبي حَفْص بن الْمُغيرَة وَالْمُنْذر بن الزبير وَرِجَال من أَشْرَاف أهل الْمَدِينَة فأكرمهم يزِيد وَأَجَازَهُمْ بِمِائَة ألف دِرْهَم لكل وَاحِد مِنْهُم واستأذنه الْمُنْذر فِي الْقدوم على ابْن زِيَاد فِي الْعرَاق فَأذن لَهُ وَرجع الْوَفْد إِلَى الْمَدِينَة فَقَامُوا بمعايب يزِيد فَقَالُوا يشرب الْخمر وَيضْرب بالطنابير ويلعب بالكلاب ويسمر عِنْده الخراب واللصوص فنكر النَّاس شَأْنه وَبَايَعُوا عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل على خلعه وَبلغ الْخَبَر يزِيد فَبعث إِلَى ابْن زِيَاد بِحَبْس الْمُنْذر وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 صديقا لَهُ ولأبيه فكره ذَلِك وَأذن لَهُ فِي الِانْصِرَاف إِلَى بَلَده فَقدم الْمَدِينَة وَعَابَ يزِيد أعظم من الْأَوَّلين وحرض النَّاس عَلَيْهِ فَبعث يزِيد النُّعْمَان بن بشير إِلَى الْمَدِينَة لردهم عَمَّا كَانُوا فِيهِ من الانتقاص وأتاهم وخوفهم الْفِتْنَة وَقَالَ لَا طَاقَة لكم بِأَهْل الشَّام وَقَالَ لَهُ عبد الله بن مُطِيع يَا نعْمَان تفرق جماعتنا وتفسد مَا أصلح الله من أمرنَا فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان وَالله لكَأَنِّي بك لَو نزلَتْ بك الجموع ودارت الْحَرْب ركبت بغلتك إِلَى مَكَّة وَتركت هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين يَعْنِي الْأَنْصَار يقتلُون فِي مساكنهم ومساجدهم وعَلى أَبْوَاب دُورهمْ فَعَصَاهُ النَّاس وَانْصَرف إِلَى يزِيد فَلَمَّا كَانَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَقد بَايعُوا لعبد الله بن الغسيل على خلع يزِيد وأخرجوا عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان عَامل يزِيد عَلَيْهِم فَاجْتمع لَهُ بَنو أُميَّة ومواليهم فِي ألف رجل وامتنعوا بدار مَرْوَان بن الحكم وَكَتَبُوا إِلَى يزِيد يستحثونه فَأمر عَمْرو بن سعيد أَن يسير إِلَيْهِم فِي النَّاس فَأبى وَقَالَ كنت قد ضبطت الْبِلَاد والآن تهراق الدِّمَاء بالصعيد فَبعث إِلَى عبيد الله بن زِيَاد بِالْمَسِيرِ إِلَى الْمَدِينَة وحصار ابْن الزبير بِمَكَّة فأعظم غَزْو الْكَعْبَة مَعَ مَا كَانَ مِنْهُ من قتل الْحُسَيْن فَأبى وَاعْتذر فَبعث إِلَى مُسلم بن عقبَة المري وَأخْبرهُ بِخَير بني أُميَّة قَالَ مَا يكونُونَ ألف رجل قَالَ الرَّسُول بلَى قَالَ فَمَا اسْتَطَاعُوا الْقِتَال سَاعَة من نَهَار هَؤُلَاءِ أذلاء دعوهم حَتَّى يجهدوا فِي أنفسهم فِي جِهَاد عدوهم فَقَالَ يزِيد وَيحك لَا خير فِي الْعَيْش بعدهمْ فَاخْرُج بِالنَّاسِ وَيُقَال إِن مُعَاوِيَة أوصى يزِيد إِن حدث بك حدث من أهل الْمَدِينَة فَارْمِهِمْ بِمُسلم بن عقبَة فتجهز مُسلم ونادى بالعطاء ومعونة مائَة دِينَار فَاجْتمع لَهُ اثْنَا عشر ألفا فَسَار بهم إِلَى الْحجاز وَقَالَ لَهُ ادْع الْقَوْم ثَلَاثًا قبل الْقِتَال وَإِذا ظَهرت فأبحها ثَلَاثًا بِمَا فِيهَا من مَال وَرثهُ وَطَعَام وَسلَاح فَهُوَ للجند واكفف عَنْهُم بعد الثَّلَاث وَإِن حدث بك حدث فاستخلف الْحصين بن نمير السكونِي واستوص بعلي بن الْحُسَيْن خيرَاً فقد أَتَانِي كِتَابه وَلم يدْخل مَعَ النَّاس وَقد كَانَ مَرْوَان بن الحكم لما أصَاب بني أُميَّة مَا أَصَابَهُم رَغبَ إِلَى عَليّ بن الْحُسَيْن أَن يكون حَرَمُهُ مَعَ حَرَمِهِ فَأَجَابَهُ وَخرج بحرمه وَحرم مَرْوَان وَمِنْهُم عَائِشَة بنت عُثْمَان إِلَى يَنْبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وَقيل بل بَعثهمْ من ابْنه عبد الله إِلَى الطَّائِف ثمَّ سَار مُسلم بالجيش وَبلغ أهل الْمَدِينَة خَبره فَاشْتَدَّ حصارهم لبني أُميَّة بدار مَرْوَان حَتَّى أنزلوهم على أَن يخرجوهم إِلَى الشَّام وَلَا يظاهروا عَلَيْهِم وَلَا يدلوا على عواراتهم وَبعث أهل الْمَدِينَة إِلَى الْمَوَارِد بَينهم وَبَين الشَّام فَألْقوا فِيهَا القطران فَأرْسل الله السَّمَاء بالمطر وَاسْتغْنى الْعَسْكَر عَن الْمَوَارِد وَلَقي بني أُميَّة مُسلم بن عقبَة بوادي الْقرى فَسَأَلَ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان واستشاره فَقَالَ أخذُوا علينا الْعَهْد أَلا ندل على عَورَة فَقَالَ لَوْلَا أَنَّك ابْن عُثْمَان لضَرَبْت عُنُقك وَلَا أقيل فِيهَا قرشياً بعْدك ثمَّ استدعى مَرْوَان بعد فَقَالَ مَرْوَان لِابْنِهِ عبد الْملك ادخل قبلي إِلَيْهِ يجتزئ بك فَدخل فَقَالَ مُسلم هَات مَا عنْدك قَالَ أرى أَن تسير إِلَى أدنَى نخيلها فَإِذا أَصبَحت تركت الْمَدِينَة ذَات الْيَسَار ومضيت حَتَّى تأتيهم من قبل الْحرَّة مشرقاً ثمَّ تسْتَقْبل الْقَوْم فَإِذا أشرقت الشَّمْس كَانَت فِي ظهوركم ووجوههم وترون من أشعة سِلَاحهمْ مَا لَا يرَوْنَ ويتأذون بشعاع الشَّمْس وَلَا تتأذون ثمَّ قَاتلهم فَقَالَ لَهُ مُسلم لله أَبوك أَي امْرِئ وَلَدَكَ ثمَّ دخل مَرْوَان وَقَالَ إِذا لقِيت عبد الْملك فقد لقيتني قَالَ مَا حملت من رجال قُرَيْش ثمَّ ارتحل وَعمل بِرَأْي عبد الْملك وأتاهم من قبل الْمشرق ثمَّ دعاهم وَقَالَ أَنْتُم أصل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَنا أكره إِرَاقَة دمائكم وَإِنِّي أؤجلكم ثَلَاثًا فَإِن راجعتم الْحق قبلت وسرت إِلَى مَكَّة وَإِن أَبَيْتُم كنت قد أعذرت وَلما مَضَت الثَّلَاث قَالَ مَا تَصْنَعُونَ يَا أهل الْمَدِينَة قَالُوا نحارب فلاطفهم فِي الطَّاعَة لينصرف إِلَى مَكَّة فَقَالُوا لَا نَدعك تَأتي بَيت الله وتلحد فِيهِ وتستحل حرمته وَكَانُوا قد خندقوا على أنفسهم وَكَانَ عبد الله بن مُطِيع فِي قُرَيْش على ربع وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر بن عَوْف على ربع وَمَعْقِل بن صنان الْأَشْجَعِيّ فِي الْمُهَاجِرين على ربع وأمير جَمَاعَتهمْ عبد الله بن الغسيل على الْأَنْصَار فِي أعظم تِلْكَ الأرباع قَالَ الذَّهَبِيّ كتب عبد الله بن جَعْفَر إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ عِنْد يزِيد بِالشَّام أَلا يعرضُوا لجيشه فورد مُسلم بن عقبَة فمنعوه ونصبوا لَهُ الْحَرْب ونالوا من يزِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 فأوقع فيهم وأباحهم ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ الْوَاقِدِيّ أَنبأَنَا ابْن أبي ذِئْب عَن صَالح بن أبي حسان أَنبأَنَا إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم المَخْزُومِي قَالَ لما وثب أهل الْحرَّة وأخرجوا بني أُميَّة عَن الْمَدِينَة واجتمعوا على عبد الله بن حَنْظَلَة وَبَايَعُوهُ على الْمَوْت قَالَ يَا قوم اتَّقوا الله فوَاللَّه مَا خرجنَا على يزِيد حَتَّى خفنا أَن نُرمَى بِالْحِجَارَةِ من السَّمَاء قَالَ وَكَانَ ابْن حَنْظَلَة يبيتُ تِلْكَ اللَّيَالِي فِي الْمَسْجِد وَمَا يزِيد على أَن يفْطر على شربة من سويق ويصوم الدَّهْر وَقَالَ الذَّهَبِيّ دخل عبد الله بن مُطِيع ليَالِي الْحرَّة على ابْن عمر فَقَالَ لَهُ ابْن عمر سَمِعت رَسُول الله يَقُول من نزع يَداً من طَاعَة لم يكن لَهُ حجَّة يَوْم الْقِيَامَة وَمن مَاتَ مفارقاً للْجَمَاعَة فَإِنَّهُ يَمُوت ميتَة جَاهِلِيَّة وَقَالَ الْمَدَائِنِي توجه مُسلم بن عقبَة إِلَى الْمَدِينَة فِي اثْنَي عشر ألف رجل وَيُقَال اثْنَي عشر ألف فَارس وَخَمْسَة عشر ألف راجل قَالَ السُّهيْلي فِي روضه وقْعَة الْحرَّة كَانَ سَببهَا أَن أهل الْمَدِينَة خلعوا يزِيد بن مُعَاوِيَة وأخرجوا بني أُميَّة وَأمرُوا عَلَيْهِم عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل الَّذِي غسلت أَبَاهُ الْمَلَائِكَة يَوْم أُحد وَلم يُوَافق أهلَ الْمَدِينَة على هَذَا الْخلْع أَحَدٌ من أكَابِر أَصْحَاب رَسُول الله وصمد مُسلم فِي العساكر فانكشف أهل الْمَدِينَة من كل جَانب ثمَّ حمل ابْن الغسيل فانكشف العساكر وانتهت إِلَى مُسلم فَنَهَضَ فِي وُجُوههم بِالرِّجَالِ وَاشْتَدَّ الْقِتَال ثمَّ جَاءَ الْفضل بن عَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب لِابْنِ الغسيل فقاتل مَعَه ثمَّ انتقى الشجعان يُرِيد قتل مُسلم فَحمل على أهل الشَّام فانفرجوا وجثت الرَجال أَمَامه على الركب ومضَى نَحْو راية مُسلم فَقتل صَاحبهَا يظنّ أَنه مُسلم بن عقبَة فَأخذ مُسلم رايته وَسَار وشدت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 الرِّجَال أَمَامه فصرع الْفضل بن عَبَّاس وَقتل مَعَه زيد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَتَقَدَّمت خيل مُسلم إِلَى ابْن الغسيل وَمَعَهُ أَخُوهُ لأمه مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس ابْن شماس وَعبد الله بن زيد بن عَاصِم وَمُحَمّد بن عَمْرو بن حزم وأبلى مُحَمَّد ابْن سعد بن أبي وَقاص ثمَّ انهزم النَّاس وأباح مُسلم الْمَدِينَة ثلاثَاً للْقَتْل والنهب وأفزع ذَلِك الصَّحَابَة الَّذين بهَا وَخرج أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ ليأوي إِلَى كَهْف فِي الْجَبَل فاعترضه رجل من الْعَسْكَر لقَتله فَعرفهُ بِنَفسِهِ فَتَركه قَالَ السُّهيْلي لما أرجف أهل الْمَدِينَة بِيَزِيد دَعَا عبد الله بن عمر ببنيه ومواليه فَقَالَ لَهُم إِنَّا قد بَايعنَا هَذَا الرجل على بيعَة الله وَرَسُوله وَإنَّهُ وَالله لَا يبلغنِي عَن أحد مِنْكُم أَنه خلع يدَاً من طَاعَة إِلَّا كَانَت الفيصلَ بيني وَبَينه ثمَّ لزم بَيته وَلزِمَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ بَيته فَدخل عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي أبيحت الْمَدِينَة فِيهَا فَقيل لَهُ من أَنْت أَيهَا الشَّيْخ فَقَالَ أَنا أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ صَاحب رَسُول الله فَقَالُوا قد سمعنَا خبرك ولنعم مَا فعلت حِين كَفَفْت يدك ولزمت بَيْتك وَلَكِن هَات المَال فَقَالَ أَخذه الَّذين دخلُوا قبلكُمْ عَليّ وَمَا عِنْدِي شَيْء فَقَالُوا كذبت ثمَّ قَالُوا أضجعوه فأضجعوه فَجعل كل وَاحِد يَأْخُذ من لحيته خصْلَة وَأخذُوا مَا وجدوا حَتَّى صوف الْفرش وَحَتَّى أخذُوا زَوْجَيْنِ من حمام كَانَ صبيانه يَلْعَبُونَ بهما وَأما جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فَخرج فِي ذَلِك الْيَوْم يطوف فِي أَزِقَّة الْمَدِينَة وَهُوَ أعمى والبيوت تنتهب وَهُوَ يعثر فِي الْقَتْلَى وَيَقُول تعس من أَخَاف رَسُول الله فَقَالَ لَهُ قَائِل وَمن أَخَاف رَسُول الله فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول من أَخَاف الْمَدِينَة فقد أَخَاف مَا بَين جَنْبي فحملوا عَلَيْهِ ليقتلوه فَأَخذه مِنْهُم مَرْوَان بن الحكم وَأدْخلهُ بَيته وَقتل فِي ذَلِك الْيَوْم من وُجُوه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ألف وَسَبْعمائة رجل وَقيل من أخلاط النَّاس عشرَة آلَاف سوى النِّسَاء وَالصبيان ونهبوا وأفسدوا وَاسْتَحَلُّوا الْحرم وعطلت الصَّلَوَات فِي مَسْجده وَلم يبْق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 فِي الْمَسْجِد إِلَّا سعيد بن الْمسيب جعل نَفسه ولهاناً خبلا فَتَرَكُوهُ وَكَانَ يَقُول كنت أسمع عِنْد مَوَاقِيت الصَّلَاة همهمة من الْحُجْرَة المطهرة وافتض فِيهَا ألف عذراء وَإِن مفتضَّها فعل ذَلِك أَمَام الْوَجْه الشريف وَالْتمس مَا يمسح بِهِ الدَّم فَلم يجد فَفتح مصحا قَرِيبا مِنْهُ ثمَّ أَخذ من أوراقه ورقة فتمسح بهَا نَعُوذ بِاللَّه مَا هَذَا إِلَّا صَرِيح الْكفْر وأنتنه وَمن ذَلِك أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار دخل عَلَيْهَا رجل من أهل الشَّام وَهِي ترْضع وَلَدهَا وَقد أَخذ مَا كَانَ عِنْدهَا قَالَ لَهَا هَاتِي الذَّهَب وَإِلَّا قتلتك وَقتلت ابْنك فَقَالَت وَيحك إِن قتلته فأبوه أَبُو كَبْشَة صَاحب رَسُول الله وَأَنا من النسْوَة اللَّاتِي بايعن رَسُول الله وَمَا خُنْت الله فِي شَيْء بَايَعت رَسُوله عَلَيْهِ فَأخذ الصَّبِي من حجرها وثديها فِي فِيهِ وَضرب بِهِ الْحَائِط حَتَّى انتثر دماغه فِي الأَرْض وَالْمَرْأَة تَقول لَو كَانَ عِنْدِي شَيْء أفديك بِهِ يَا ابْني لفديتك قَالَ فَمَا خرج من الْبَيْت حَتَّى اسودَ نصف وَجهه وَصَارَ مثلَة فِي النَّاس قَالَ الْمُؤلف وأحسب هَذِه الْمَرْأَة جدة لهَذَا الصَّبِي لَا أُماً لَهُ إِذْ يبعد فِي الْعَادة أَن تبَايع رَسُول الله امْرَأَة وَتَكون يَوْم الْحرَّة فِي سنّ من يُرْضِعُ والحرة الَّتِي يعرف بهَا هَذَا الْيَوْم يُقَال لَهَا حرَّة زهرَة بقرية كَانَت لبني زهرَة قوم من الْيَهُود فَقيل للقرية زهرَة وَكَانَت عامرة فِي الزَّمن الأول يُقَال كَانَ فِيهَا ثَلَاثمِائَة صائغ ذكره الزبير بن بكار فِي فَضَائِل الْمَدِينَة وَيُقَال إِن مُسلما لما حَارب أهل الْمَدِينَة ووقف ابْن الغسيل وَالنَّاس لقتاله خالفهم بَنو حَارِثَة من الْأَنْصَار وأدخلوا أهل الشَّام من ناحيتهم فَانْهَزَمَ النَّاس وَكَانَ من هلك فِي الخَنْدَق أَكثر مِمَّن قتل ثمَّ دَعَا مُسلم النَّاس إِلَى بيعَة يزِيد على أَنهم خَوَل لَهُ يحكم فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وأهليهم بِمَا شَاءَ وَمن امْتنع قَتله وَجِيء بعد يَوْم بِيَزِيد بن عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود وَمُحَمّد بن أبي الجهم بن حُذَيْفَة فَقَالَا لَا نُبَايِع إِلَّا على الْكتاب وَالسّنة فَقَتَلَهُمَا وَأنكر عَلَيْهِ مَرْوَان قتل فريق على أَمَان فطعنه بالقضيب فِي خاصرته وَقَالَ وَالله لَو قلتهَا أَنْت لقتلتك ثمَّ جِيءَ بمعقل بن سِنَان فَقَالَ لَهُ وَالله لأَقْتُلَنك فَنَاشَدَهُ الله وَالرحم فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 أما أَنْت لقيتني بطبرية لَيْلَة انْصَرف وفدكم من عِنْد يزِيد فأثنيت عَلَيْهِ شرا وَقلت نرْجِع الْمَدِينَة فنخاع هَذَا الْفَاسِق ابْن الْفَاسِق ونبايع لرجل من أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَإِنِّي آلَيْت لَا أَلْقَاك بِحَيْثُ أقدر على قَتلك إِلَّا قتلتك ثمَّ أَمر بِهِ فَقتل وَجِيء بِيَزِيد بن وهب فَقَالَ أبايع على سنة عمر فَقتله وشفع فِيهِ مَرْوَان لصهر بَينهمَا فَلم يشفعه ثمَّ جَاءَ عَليّ بن الْحُسَيْن بَين مَرْوَان وَعبد الْملك وَجلسَ بَينهمَا فَقَالَ تجيئني بَين هذَيْن لتأمن عِنْدِي وَالله لَو كَانَ الْأَمر إِلَيْهِمَا لقتلتك وَإِنَّمَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَوْصَانِي بك وَأَخْبرنِي أَنَّك كاتبته ثمَّ أجلسه مَعَه على السرير فَقَالَ لَعَلَّ أهلك فزعوا فَقَالَ نعم فَرده إِلَى بَيته على دَابَّته وَلم يلْزمه الْبيعَة كَمَا ألزم أهل الْمَدِينَة ثمَّ أحضر عبد الله بن عَبَّاس لِلْبيعَةِ وَكَانَت أمه كندية فَقَالَ الْحصين بن النمير لَا تبَايع ابْن أُخْتنَا إِلَّا مثل مَا بَايع عَليّ بن الْحُسَيْن فَتَركه ثمَّ جَاءَ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان وَلم يكن خرج مَعَ بني أُميَّة فَقَالَ هَذَا الْخَبيث ابْن الطّيب وَأمر بِهِ فنتفت لحيته وَكَانَ مِمَّن قتل فِي الْحرَّة زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ وَعبيد الله بن عبد الله بن موهب ووهب بن عبد الله بن زَمعَة وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عاظب وَالزُّبَيْر ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الله بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَكَانَ لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وأتى خبر الْوَاقِعَة لِابْنِ الزبير مَعَ الْمسور بن مخرمَة فاستعد هُوَ وَأَصْحَابه وَعرفُوا أَن مُسلم بن عقبَة نَازل ثمَّ اسْتخْلف مُسلم على الْمَدِينَة روح بن زنباع الجذامي وَقيل عَمْرو بن مُحرز الْأَشْجَعِيّ وشخص إِلَى مَكَّة لقِتَال ابْن الزير فَمَاتَ بالمشلل وَقيل بثنية هرشي وَأوصى الْحصين بن نمير فَقَالَ يَا برذعة الْحمار لَو كَانَ هَذَا الْأَمر إليَ مَا وليتك هَذَا الْجند لَكِن أَمِير الْمُؤمنِينَ ولاك فأسرع السّير وَعجل المناخرة وَلَا تمكن قُريْشًا من أُذُنك ثمَّ مَاتَ وَسَار الْحصين بِالنَّاسِ وَقدم مَكَّة لأَرْبَع بَقينَ من الْمحرم وَقد بَايع أَهلهَا وَأهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 الْحجاز لعبد الله بن الزبير واجتمعوا عَلَيْهِ وَلحق بِهِ أهل الْمَدِينَة وَقدم عَلَيْهِ نجدة ابْن عَامر الْحَنَفِيّ فِي الْخَوَارِج لمنع الْبَيْت وَخرج ابْن الزبير للقاء أهل الشَّام وعثرت البغلة بِعَبْد الله فَنزل وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْمسور بن مخرمَة وَمصْعَب بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَجَمَاعَة من أَصْحَابه فَقتلُوا جَمِيعًا وصابرهم ابْن الزبير إِلَى اللَّيْل ثمَّ انصرفوا وَأَقَامُوا يقاتلونه شهرا وَبَعض شهر وَاحْتَرَقَ الْبَيْت يُقَال قَذَفُوهُ بالنَّار فِي المجانيق وَيُقَال كَانَ أَصْحَاب ابْن الزبير يوقدون حول الْكَعْبَة فعلقت شرارة مِنْهَا بِثَوْب الْكَعْبَة وَاحْتَرَقَ خشب الْبَيْت وَالْأول أصح لِأَن البُخَارِيّ ذكر فِي صَحِيحه أَن ابْن الزبير لما احترقت الْكَعْبَة تَركهَا ليراها النَّاس محترقة فتحزبهم على أهل الشَّام ثمَّ لم يزل الْعَسْكَر محاصرين لِابْنِ الزبير حَتَّى جَاءَهُم نعي يزِيد لأوّل ربيع الثَّانِي (وَفَاة يزِيد وبيعة مُعَاوِيَة ابْنه وَملكه) ثمَّ مَاتَ يزِيد منصف ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ قَالَ الْعَلامَة الْحَافِظ الذَّهَبِيّ روى زحر بن حُصَيْن عَن جده حميد بن منْهب قَالَ زرت الْحسن بن أبي الْحسن يَعْنِي الْبَصْرِيّ فخلوت بِهِ فَقلت يَا أَبَا سعيد مَا ترى مَا النَّاس فِيهِ فَقَالَ لي أفسد أَمر النَّاس اثْنَان عَمْرو بن الْعَاصِ يَوْم أَشَارَ على مُعَاوِيَة بِرَفْع الْمَصَاحِف فَحملت وَقَالَ أَيْن الْقُرَّاء فَحكم الْخَوَارِج فَلَا يزَال هَذَا التَّحْكِيم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالْآخِرَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَإِنَّهُ كَانَ عَامل مُعَاوِيَة على الْكُوفَة فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة إِذا قَرَأت كتابي فَأقبل معزولا فَأَبْطَأَ عَنهُ فَلَمَّا ورد عَلَيْهِ قَالَ مَا أَبْطَأَ بك قَالَ أَمر كنت أُوَطئُه وأهَيئُهُ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ الْبيعَة ليزِيد من بعْدك قَالَ أَو فعلت قَالَ نعم قَالَ ارْجع إِلَى عَمَلك فَلَمَّا خرج الْمُغيرَة قَالَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 أَصْحَابه مَا وَرَاءَك قَالَ وضعت رجل مُعَاوِيَة فِي غرز غي لَا يزَال فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الْحسن فَمن أجل ذَلِك بَايع هَؤُلَاءِ لأبنائهم وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ شُورَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ مُحَمَّد بن مَرْوَان السعيدي أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْخُزَاعِيّ عَن أَبِيه عَن جده عَن مُحَمَّد بن الحكم عَن أبي عوَانَة قَالَ كَانَ مُعَاوِيَة يُعْطي عبد الله بن جَعْفَر كل عَام ألف ألف دِينَار فَلَمَّا وَفد على يزِيد أعطَاهُ ألفي ألف فَقَالَ عبد الله ليزِيد بِأبي أَنْت وَأمي فَأمر لَهُ بِأَلف ألف أُخْرَى فَقَالَ لَهُ عبد الله وَالله لَا أجمعهما لأحد بعْدك حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار بنْدَار حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا عَوْف الْأَعرَابِي حَدثنَا مهَاجر أَبُو مخلد حَدثنِي أَبُو الْعَالِيَة حَدثنِي أَبُو مُسلم قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء سَمِعت النَّبِي يَقُول أول من يُبدل سنتي رجل من بني أُميَّة يُقَال لَهُ يزِيد أْخرجه الرَّوْيَانِيّ فِي مُسْنده عَن بنْدَار وَفِي رِوَايَة عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن مَكْحُول عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله لَا يزَال أَمر أمتِي قائْماً بِالْقِسْطِ حَتَّى يكون أول من يثلمه رجل من بني أُميَّة يُقَال لَهُ يزِيد وَقَالَ ابْن مُطِيع إِن يزِيد يشرب الْخمر وَيتْرك الصَّلَاة وَيَتَعَدَّى حكم الْكتاب قَالَ رجل مَا رَأَيْت مِنْهُ مَا تذكرُونَ وَقد أَقمت عِنْده فرأيته مواظباً للصَّلَاة متحرياً للخير يسْأَل عَن الْفِقْه قَالَ كَانَ ذَلِك مِنْهُ تصنعَاً لَك ورياء وَقَالَ الزبري بن بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش أَنْشدني عمي ليزِيد قَوْله // (من المديد) // (آبَ هَذَا الهَمُّ فَاكْتَنَعَا ... وَأَمَرَّ النَّوْم فَامْتَنَعَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 (رَاعيا للنجْمِ أرقبُهُ ... فَإذا مَا كوْكَبٌ طَلَعَا) (حام حتَّى إنَّنِي لَأَرَى ... أَنه بالغَوْر قد وَقَعَا) (وَلها بالماطِرُون إِذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَا) (خرقةٌ حتَّ إِذا ربعَتْ ... نزلَتْ من جِلَّقٍ بِيَعَا) (فِي قبابٍ وَسْطَ دسكرةٍ ... حَوْلَهَا الزيتونُ قد ينَعَا) قلت هَذِه الأبيات من قصيدة لَهُ فِي نَصْرَانِيَّة تعشقها وافتتن بهَا لنعه الله وَإِيَّاهَا وأساء عقباه وعقباها وَمن شعره فِي الْخمر // (من الطَّوِيل) // (أقولُ لصَحْبٍ ضَمَّتِ الكَأْسُ شَمْلَهُمْ ... وَدَاعِي صَبَابَاتِ الهَوَى يَتَرَنَّمُ) (خُذُوا بنَصِيبٍ مِنْ نَعِيمٍ ولَذَّةٍ ... فكُلٌّ وَإِنْ طَالَ المدَى يَتَصَرَّمُ) وَمن شعره أَيْضا فِيهَا // (من الطَّوِيل) // (وَدَاعٍ دَعانِي والثُّرَيَّا كأَنَّهَا ... قلائصُ قد أعنقْنَ خَلْفَ فَنِيقِ) (وَقَالَ اغتنِمْ من دَهْرنا غَفَلاَتِهِ ... فَعَقْدُ ذِمَامِ الدَّهْرِ غَيْرُ وَثِيقِ) (وناولنِي كَأْسًا كَأَنَّ بنانَهُ ... مخضَّبةٌ مِنْ لَوْنِهَا بِخَلُوقِ) (إِذا مَا طغَى فِيهَا الحَياءُ حسبتَهَا ... كَوَاكبَ دُرِّ فِي سمَاءِ عَقِيقِ) (تَدُبُّ دَبِيبَ النَّمْل فِي كُلِّ مفْصلٍ ... وتَكْسُو وجُوهَ الشَّرْبَ ثَوبَ شقِيقِ) (وإنِّيَ مِنْ لَذَّاتِ دَهْرِي لقانعٌ ... بحلْوِ حَدِيثٍ أَوْ بِمُرِّ عتيقِ) (هَما مَا هُمَا لَمْ يَبْقَ شيءٌ سِوَاهُمَا ... حَدِيثُ صَدِيقٍ أَوْ عَتِيقُ رَحِيقِ) وَمِمَّا ينْسب إِلَيْهِ يُخَاطب أَبَاهُ مُعَاوِيَة عِنْد نَهْيه إِيَّاه عَن شرب الْخمر قَوْله // (من الطَّوِيل) // (أَمِنْ شَرْبَةٍ من ماءِ كرْمٍ شَرِبْتُهَا ... غبْتَ عليَّ الآنَ طابَ لي السُّكْرُ) (سأشرَبُ فاغضَبْ لَا رَضِيت كِلَاهُمَا ... حبيبٌ إِلَى قَلْبِي عُقُوقُكَ والخَمْرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 توفّي كَمَا تقدم فِي ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَله تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَت خِلَافَته ثَلَاث سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَدفن بحوارين من أَرض دمشق بمقبرة بَاب الصَّقْر وَفِيه يَقُول الْقَائِل // (من الرجز) // (بأَيُّهَا القَبْرُ بِحَوَّارِينَا ... ضَمَمْتَ شَرَّ الناسِ أَجْمَعِينا) ورثاه شَاعِرهمْ الأخطل بقوله // (من الطَّوِيل) // (لَعَمْريَ قَدْ دَلَّى إِلَيّ اللَّحْدِ خَالدٌ ... جنَازَةَ لاَ نِكْسِ الفُؤَادِ وَلَا غمرِ) (مُقِيمٌ بحوَّارِينَ لَيْسَ يَرِيمهَا ... سَقَتْكَ الغَوَادِي مِنْ ثَرِيِّ وَمن قَبْرِ) قَالَ فِي الإشاعة لأشراط السَّاعَة فِي الْبَاب الأول وَهُوَ فِي الإمارات الْبَعِيدَة الَّتِي ظَهرت وَانْقَضَت وَهِي كثير إِلَى أَن قَالَ وَمِنْهَا ملك بني أُميَّة يزِيد وَمن بعده الْمُشْتَمل على الفتَن الْعِظَام كَقطع اللَّيْل المظلم وَعَن عمرَان بن الْحصين رَضِي الله عَنهُ قَالَ أبْغض النَّاس إِلَى رَسُول الله بَنو أُميَّة وَثَقِيف وَبَنُو حنيفَة وَعَن أبي ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا بلغت بَنو الْعَاصِ أَرْبَعِينَ رجلا اتَّخذُوا عباد الله خولا وَمَال الله دولا وَكتاب الله دخلاَ وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لكل أمة آفَة وَآفَة هَذِه الْأمة بَنو أُميَّة وَعَن عَمْرو بن مرّة الْجُهَنِيّ قَالَ اسْتَأْذن الحكم بن أبي الْعَاصِ على رَسُول الله فَعرف صَوته فَقَالَ ائذنوا لَهُ حَيَّة ولد حَيَّة لعنة الله عَلَيْهِ وعَلى كل من يخرج من صلبه إِلَّا الْمُؤمن مِنْهُم وَقَلِيل مَا هم قلت وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء إِشَارَة إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز وَمُعَاوِيَة بن يزِيد وَيزِيد النَّاقِص والصالحِ مِنْهُم وَعَن ابْن عمر هجرت الرواح إِلَى النَّبِي فجَاء أَبُو الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ ادن فَلم يزل يُدْنِيه حَتَّى الْتَقم أُذُنه فَبَيْنَمَا هُوَ يسارُّهُ إِذْ رفع رَأسه كالفزع فَإِذا قارع يقرع بِسَيْفِهِ الْبَاب فَقَالَ لعَلي اذْهَبْ فَقده كَمَا تقاد الشَّاة إِلَى حالبها فَإِذا عَليّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 كرم الله وَجهه يدْخل الحكم بن أبي الْعَاصِ آَخذَاً بأذنه وَلها زنمة حَتَّى أوقفهُ بَين يَدَيْهِ فلعنه نَبِي الله ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ أجلسه نَاحيَة حَتَّى رَاح إِلَيْهِ قوم من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ثمَّ دَعَاهُ فلعنه ثمَّ قَالَ إِن هَذَا سيخالف كتاب الله وَسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السَّمَاء فَقَالَ نَاس من الْقَوْم هُوَ أقل وأذل من ذَلِك فَقَالَ بلَى وبعضكم يَوْمئِذٍ شيعته ثمَّ إِنَّه نَفَاهُ إِلَى الطَّائِف وَلم يردهُ أَبُو بكر وَلَا عمر ورده عُثْمَان حِين ولي الْخلَافَة وَكَانَ رده أحد الْأُمُور الَّتِي نقمت عَلَيْهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت وَقد ذكرت ذَلِك وَجَوَابه فِيمَا تقدم فِي تَرْجَمَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَمن الْفِتَن الَّتِي وَقعت فِي زمن يزِيد قتل الْحُسَيْن ووقعة الْحرَّة وخراب الْمَدِينَة بعد الْحرَّة وَرمي الْكَعْبَة بالمنجنيق وَمِنْهَا فِي زمن بني مَرْوَان قتل ابْن الزبير وَهدم الْكَعْبَة بعد رميها بالمنجنيق أَيْضا وتولية الْحجَّاج وَأَنه قتل مائَة وَأَرْبَعَة وَعشْرين ألف نفس حَرَامًا صبرَاً سوى مَا قَتله فِي المحاربات وَوجد فِي حَبسه ثَمَانُون ألفا مِنْهُم ثَلَاثُونَ ألف امْرَأَة وَكَانَ حَبسه مبلطَاً لَا سقف لَهُ ليتأذوا بِالْحرِّ وَالْبرد وَكَانَ حَبسه من حَبسه ظلما صرفا وَهوى نفس حَتَّى إِنَّه وجد فِيهِ من حبس لبولة بالها فِي جنب سور وَاسِط الْبَلَد الَّتِي اختطَّها الْحجَّاج وَمِنْهَا قتل زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن وصلبه وإحراقه بالنَّار وَقتل وَلَده يحيى فِي زمانْهم وشربهم الْخمر وصلاتهم بِالنَّاسِ سكارى وَتَقْدِيم الْجَوَارِي فِي الْمِحْرَاب للصَّلَاة بِالنَّاسِ وَغير ذَلِك من أَنْوَاع القبائح بل نقل الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه للخلفاء أَن الْوَلِيد بن يزِيد عزم على الْحَج لأجل أَن يشرب الْخمر فَوق الْكَعْبَة فَقتل قبل أَن يبلغ مُرَاده وَعَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف ألم يكن فِيمَا تَقْرَءُونَهُ قَاتلُوا فِي الله آخِره مرّة كَمَا قاتلتم أول مرّة قَالَ مَتى ذَاك قَالَ إِذا كَانَت بَنو أُميَّة الْأُمَرَاء وَبَنُو مَخْزُوم الوزراء رَوَاهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فَكَانَت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 دولتهم لمفاسد كَثْرَة ومظالم لَا تعد وَلَا تحصى إِلَى أَن قَالَ وَأما بَنو يزِيد وَبَنُو الحكم فهم ملعونون على لِسَان النَّبِي وَلذَا قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل حِين سَأَلَهُ ابْنه عَن لعن يزِيد فَقَالَ الإِمَام إِن الله تَعَالَى يَقُول {فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَليتم أَن تفسِدُوا فِي اَلأرض وَتُقَطعُوا أَرحَامَكُم أُولَئكَ اَلَذِينَ لعنَهُمُ اللَهُ} الْآيَة مُحَمَّد 22 23 وَأي فَسَاد وَقَطِيعَة أَشد مِمَّا فعله يزِيد يَا بني وَفِي تَارِيخ أبي مخرمَة الْمُسَمّى قلادة النَّحْر عَن الشَّيْخ نصر بن مجلي وَكَانَ من الثِّقَات الْعباد الصَّالِحين قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب فِي الْمَنَام فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تفتحون مَكَّة وتقولون من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن ثمَّ يتم عَليّ ولدك الْحُسَيْن مَا تمّ فَقَالَ لي أما سَمِعت أَبْيَات ابْن صَيْفِي فِي هَذَا قلت لَا قَالَ اسمعها مِنْهُ ثمَّ انْتَبَهت فبادرت إِلَى دَار ابْن الصيفي فَذكرت لَهُ الرُّؤْيَا فشهق وَبكى وَحلف بِاللَّه إِنَّهَا لم تخرج من فِيهِ وَلَا من خطه إِلَى أحد وَمَا نظمها إِلَّا فِي ليلته ثمَّ أَنْشدني من // (الطَّوِيل) // (مَلَكْنَا وكَانَ العفْوُ منا سجيَّةً ... فَلَمَّا ملكْتُمْ سَالَ بالدَّمِ أيطَحُ) (وَحَلَّلْتُمُ قَتْلَ الأسَارَى وطَالَمَا ... غدَوْنَا مِنَ الأَسْرَى نَمُنُّ ونَصْفَحُ) (وَحَسْبُكُمُ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَنَا ... فكُلُّ إِنَاءٍ بالَّذِي فِيهِ يَنْضَحُ) قلت اسْم ابْن الصيفي سعيد بن مُحَمَّد أَبُو الفوارس التَّمِيمِي شَاعِر مَشْهُور وَهُوَ الملقب بحيص بيص توفّي سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة فِي الْقرن السَّادِس قَالَ الْعَلامَة الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان سُئِلَ الإِمَام أَبُو الْحسن عماد الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الملقب بالكيا الهراسي من رُؤُوس معيدي إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن يزِيد بن مُعَاوِيَة هَل هُوَ من الصَّحَابَة وَهل يجوز لَعنه أم لَا فَأجَاب إِنَّه لم يكن من الصَّحَابَة لِأَنَّهُ ولد فِي زمن عُثْمَان وَأما جَوَاز لَعنه فَفِيهِ لكل وَاحِد من الإِمَام أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد قَولَانِ تَصْرِيح وتلويحٌ وَلنَا قَول وَاحِد التَّصْرِيح دون التَّلْوِيح وَكَيف لَا يكون ذَلِك وَهُوَ المتصيد بالفهد واللاعب بالنرد والمدمن على الْخمر وَكتب فصلا طويلاَ أضربنا عَن ذكره ثمَّ قَالَ وَلَو مددت ببياض لأطلقت الْعَنَان وَبسطت الْكَلَام فِي مخازي هَذَا الرجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 هَذَا وَأما الْغَزالِيّ فقد أفتى فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِخِلَاف مَا أفتى بِهِ الكيّا وَبسط الْكَلَام فِي ذَلِك قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن مصطفى كاتي فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بغية الخاطر ونزهة النَّاظر كَانَ ليزِيد بن مُعَاوِيَة قرد سَمَّاهُ أَبَا قيس كَانَ يركبه فَوق حمَار بسرج فِي المواكب وَله زِيّ كزي راكبي الْخَيل من الْعِمَامَة وَالْكِسْوَة ويجلسه فِي مجَالِس أنسه وَكَانَ لهَذَا القرد من الفطنة وَإِدْرَاك الْأُمُور مَا لَا يدْرك فأركب مرّة على حمَار وحشيّ ففرت بِهِ فَأَنْشد يزِيد يَقُول من // (الطَّوِيل) // (تَمَسَّكْ أَبَا قيْسٍ بفَضَلِ عِنَانِهِ ... فلَيْسَ عَليْهِ إنْ هَلَكْتَ ضَمَانُ) وبويع بعده ابْنه مُعَاوِيَة فَمَكثَ ثَلَاثَة أشهر ثمَّ خطب النَّاس وَقَالَ إِنِّي ضَعِيف عَن أَمركُم وَطلبت لكم مثل عمر بن الْخطاب حِين اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بكر فَلم أَجِدهُ فطلبت سِتَّة مثل أهل الشورى فَلم أجدهم فَأنْتم أولى بأمركم اخْتَارُوا لَهُ وَدخل منزله فَمَاتَ يُقَال مسموماً وَصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وَهلك ليومه بالطاعون وَقيل إِن مُعَاوِيَة بن يزِيد أوصى الضَّحَّاك بن قيس أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ حَتَّى تجمع النَّاس على إِمَام قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ إِن مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة لما خلع نَفسه صعد الْمِنْبَر فَجَلَسَ طَويلا ثمَّ حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ بأبلغ مَا يكون من الْحَمد وَالثنَاء ثمَّ ذكر النَّبِي لأحسن مَا يذكر بِهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس مَا أَنا بالراغب فِي الائتمار عَلَيْكُم لعَظيم مَا أكرهه مِنْكُم وَإِنِّي أعلم أَنكُمْ تكرهونا أَيْضا لأَنا بلينا بكم وبليتم بِنَا إِلَّا أَن جدي مُعَاوِيَة نَازع هَذَا الْأَمر من كَانَ أولى بِهِ مِنْهُ وَمن غَيره لِقَرَابَتِهِ من رَسُول الله وعظيم فَضله وسابقيته أعظم الْمُهَاجِرين قدرَاً وأشجعهم قلبَاً وَأَكْثَرهم علما وأولهم إِيمَانًا وأشرفهم منزلَة وأقدمهم صُحْبَة ابْن عَم رَسُول الله وصهره وَأَخُوهُ زوجه ابْنَته رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَجعله لَهَا بعلا بِاخْتِيَارِهِ لَهَا وَجعلهَا لَهُ زَوْجَة باختيارها لَهُ أَبُو سبيطه سيدَيْ شباب أهل الْجنَّة وَأفضل هَذِه الْأمة تربية الرَّسُول وابنا فَاطِمَة البتول رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حَتَّى انتظمت لجدي مُعَاوِيَة الْأُمُور فَلَمَّا جَاءَهُ الْقدر المحتوم واخترمته أَيدي الْمنون بَقِي مرتهناً بِعَمَلِهِ فريداً فِي قَبره وَوجد مَا قدمت يَدَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 فَرَأى مَا ارْتَكَبهُ واعتداه ثمَّ انْتَقَلت الْخلَافَة فِي أبي يزِيد فتقلد أَمركُم لهوى كَانَ أَبوهُ هويه فِيهِ وَلَقَد كَانَ أبي يزِيد بِسوء فعله وإسرافه على نَفسه غَيْرَ خليق بالخلافة على أمة مُحَمَّد فَركب هَوَاهُ وَاسْتحْسن خطاه وأقدم على مَا قدم من جرأته على الله تَعَالَى وبغيه على من اسْتحلَّ حرمته من أَوْلَاد رَسُول الله فقلتْ مدَّته وَانْقطع أَثَره وضاجع عمله وَصَارَ حَلِيف حفرته رهين خطيئته وَبقيت أوزاره وتبعاته فَهَل عُوقِبَ بإساءته وجوزى بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ ظَنِّي ثمَّ اختنقته الْعبْرَة فَبكى طويِلاَ وَعلا نحيبه وَحمد الله ثمَّ قَالَ وصرت أَنا ثَالِث الْقَوْم والساخطُ عليَ أَكثر من الراضي وَمَا كنت لأتحمل آثامكم وَلَا يراني الله جلت قدرته مُتَقَلِّدًا أوزاركم وألقاه بتبعاتكم فشأنكم وأمركم فَخُذُوهُ وَمن رَضِيتُمْ بِهِ عَلَيْكُم فولوه فَلَقَد خلعت بيعتي من أَعْنَاقكُم وَالسَّلَام فَقَالَ لَهُ مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ تَحت الْمِنْبَر أسنة عمْرَة يَا أَبَا ليلى فَقَالَ اغدُ عني أعن ديني تخدعوني فوَاللَّه مَا ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرع مرارتها ائْتِنِي بِرِجَال مثل رجال عمر على أَنه كَانَ حِين جعلهَا شُورَى وصرفها عَمَّن لَا يشك فِي عَدَالَته ظلوماً وَالله لَئِن كَانَت الْخلَافَة مغنمَاً لقد نَالَ أبي مَعهَا مغرماً ومأثمَاً وَلَئِن كَانَت شرا فحسبه مِنْهَا مَا أَصَابَهُ ثمَّ نزل فَدخل عَلَيْهِ أَقَاربه وَأمه فوجدوه يبكي فَقَالَت لَهُ أمه ليتك كنت حَيْضَة وَلم أسمع بخبرك فَقَالَ وددت وَالله ذَلِك ثمَّ قَالَ ويلي إِن لم يرحمني رَبِّي ثمَّ إِن بني أُميَّة قَالُوا لمؤدبه القصوص أَنْت عَلمته هَذَا ولقنته إِيَّاه وصددته عَن الْخلَافَة وزينت لَهُ حب عَليّ وَأَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَحَمَلته على مَا وَسَمَنَا بِهِ من الظُّلم وَحسنت لَهُ الْبدع حَتَّى نطق بِمَا نطق وَقَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَالله مَا فعلته وَلكنه مجبول ومطبوع على حب عَليّ وَأَوْلَاده رَضِي الله عَنْهُم فَلم يقبلُوا مِنْهُ ذَلِك وأخذوه ودفنوه حَيا حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله وَتُوفِّي معاويةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعد خلعه نَفسه بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الْمُسَمّى مُعَاوِيَة الْأَصْغَر وَقيل بعد الْخلْع بتسعين لَيْلَة وَكَانَ عمره ثلاثَاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وَعشْرين سنة وَقيل إِحْدَى وَعشْرين وَقيل ثَمَان عشرَة وَيُقَال إِنَّه لما احْتضرَ قيل لَهُ أَلا تسْتَخْلف فَأبى وَقَالَ مَا أصبت من حلاوتها فلمَ أتحمل مرارتها وَلم يعقب رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورضوانه (إِظْهَار ابْن الزبير لِلْبيعَةِ) وَلما هلك يزِيد بلغ الْخَبَر إِلَى عبد الله بن الزبير بِمَكَّة قبل أَن يعلم الْحصين بن نمير وَمن مَعَه وَكَانَ حصارهم قد اشْتَدَّ فناداهم ابْن الزبير وَأهل مَكَّة علام تقاتلون وَقد هلك صَاحبكُم فَلم يصدقوه فَلَمَّا بلغ الْخَبَر الْحصين بعث إِلَى ابْن الزبير وواعده الأبطح لَيْلًا فَالْتَقَيَا فَقَالَ لَهُ الْحصين هَلُمَّ نُبَايِعك فأنتَ أَحَق وَهَذَا الْجند الَّذِي معي هم وُجُوه أهل الشَّام وفرسانُهُم واخرج مَعنا فَلَا يخْتَلف عَلَيْك اثْنَان على أَن تؤمن النَّاس وتهدر لَهُم مَا أَصَابُوا من الدِّمَاء فَأبى من إهدارها وَكَانَ الْحصين يكلمهُ سرا وَهُوَ يجْهر وَيَقُول وَالله لَا أفعل فَقَالَ الْحصين قَبحَ الله من يَعُدكَ بعْدهَا داهية ثمَّ ارتحل إِلَى الْمَدِينَة وراجع ابْن الزبير رَأْيه فَأرْسل إِلَيْهِ لَا أَسِير إِلَى الشَّام وَلَكِن بَايعُوا لي هُنَاكَ وَأَنا مؤمنكم فَقَالَ الْحصين لَا يتم إِلَّا بحضورك فهناك بَنو أُميَّة يطْلبُونَ الْأَمر ومَر الْحصين بِالْمَدِينَةِ فَكَانُوا يتخوفون عسكره وهم حذرون مِنْهُم لى أَن بعدوا ثمَّ وصلوا دمشق (انْتِقَاض أَمر ابْن زِيَاد ورجوعه إِلَى الشَّام) لم جَاءَ الْخَبَر إِلَى ابْن زِيَاد بِالْبَصْرَةِ بمهلك يزِيد بن مُعَاوِيَة ثمَّ مُعَاوِيَة ابْنه وَاخْتِلَاف النَّاس بِالشَّام جمع النَّاس فَخَطب ونعى يزِيد وثلبه فَنَهَاهُ الْأَحْنَف ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 تلطف لأهل الْبَصْرَة وَقرر وسائله إِلَيْهِم بالمهاجرة والمولد وَحسن الآَثار فِي الجباية والعسكر وَإِصْلَاح السابلة وكف الْأَذَى وأعلمهم باخْتلَاف النَّاس بِالشَّام بعد يزِيد وَقَالَ أَنْتُم أعز النَّاس وأغناهم عَن النَّاس وأوسعهم بلاداً فَاخْتَارُوا من تولون وَأَنا أول رَاض بِهِ فَقَالَ أهل الْبَصْرَة هَلُمَّ فلنبايعك فَأبى ثمَّ ألحوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَأجَاب وَبَايَعُوهُ ثمَّ انصرفوا وتناجوا ومسحوا أَيْديهم بالحيطان وَقَالُوا يظنّ ابْن مرْجَانَة أَن ننقاد لَهُ فِي الْجَمَاعَة والفرقة وَلما بَايعُوهُ أرسل إِلَى أهل الْكُوفَة يعلمهُمْ ببيعة أهل الْبَصْرَة ويدعوهم إِلَيْهَا وَكَانَ خَلِيفَته على الْكُوفَة عَمْرو بن حُرَيْث فَجمع النَّاس وَذكر لَهُم رَسُوله ذَلِك فَقَامَ يزِيد بن الْحَارِث بن رُوَيْم الشَّيْبَانِيّ فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أراحنا من ابْن سميَّة لَا نُبَايِعهُ وحَصَبَهُ ثمَّ تبعه النَّاس وحصبوه وَرجع بالْخبر إِلَى ابْن زِيَاد فَبَدَا لأهل الْبَصْرَة فِي بيعَته وَضعف سُلْطَانه وَأقَام لَا تنفذ أوامره ويحال بَين وَبَين أعوانه وَبَين الْخُصُوم إِذا سحبوهم ثمَّ جَاءَ إِلَى الْبَصْرَة سَلمَة بن ذُؤَيْب التَّمِيمِي الْحَضْرَمِيّ فنصب لِوَاء فِي السُّوق ودعا لِابْنِ الزبير فَبَايعهُ نَاس وَآتى الْخَبَر ابْن زِيَاد فَجمع النَّاس فَقَالَ بَلغنِي أَنكُمْ مسحتم أَيْدِيكُم بالحيطان وقلتم مَا قُلْتُمْ وَأَنا الْآن ترد أوامري ويحال بَين أعواني وَبَين طلبي هَذَا سَلمَة بن ذُؤَيْب يدعوكم إِلَى الْخلاف فَيُجِيبهُ مِنْكُم مجيبون فَقَالَ الْأَحْنَف وَالله نَحن نَأْتِيك بسلمة فَخَرجُوا ليأتوا بِهِ فَإِذا جمعه قَد كثف والخرق قد اتَّسع فبعدوا عَن ابْن زِيَاد وَلم يراجعوا إِلَيْهِ فَدَعَا مقاتلة السُّلْطَان لِيُقَاتِلُوا مَعَه فَقَالُوا إِن أذن قوادنا فِي ذَلِك وَقَالَ أخوته وَأَصْحَابه لَيْسَ لنا خَليفَة نُقَاتِل عَنهُ وَإِن كَانَت علينا هلكنا وَهَلَكت أَمْوَالنَا فَعِنْدَ ذَلِك أرسل إِلَى الْحَارِث ابْن قيس من بني جَهْضَم ابْن خُزَيْمَة بن مَالك بن فهم من الأزد وَقَالَ إِن أبي أَوْصَانِي بك إِن أصابني الدَّهْر بِشَيْء فعدد عَلَيْهِ قلَّة الْمُكَافَأَة مِنْهُ وَمن أَبِيه وَأقَام عِنْده إِلَى اللَّيْل ثمَّ أردفه خَلفه وَخرج بِهِ وَفرق ابْن زِيَاد على موَالِيه الْكثير مِمَّا كَانَ فِي بَيت المَال وَهُوَ تِسْعَة عشر ألف ألف مرَّتَيْنِ وسير بِهِ الْحَارِث وَالنَّاس يتحارسون خوفًا من الحرورية ويمر بِالنَّاسِ فيسألونه فَيَقُول أَنا الْحَارِث بن قيس إِلَى أَن أنزلهُ بداره فِي الجهاضم فَأثْنى عَلَيْهِ ابْن زِيَاد وَقَالَ اذْهَبْ بِنَا إِلَى مَسْعُود بن عَمْرو فقد علمت شرفه فِي الأزد وطاعتهم لَهُ فَأَكُون فِي دَاره وَإِلَّا فرق عَلَيْك أَمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 قَوْمك فجَاء إِلَى مَسْعُود فتطير من ابْن زِيَاد وَمَا زَالَ الْحَارِث يلاطفه حَتَّى سكن وَقَالَ لَهُ أفتخرجه من بَيْتك بعد مَا دخله فَجعله فِي بَيت أَخِيه عبد الغافر بن عَمْرو ثمَّ ركب هُوَ والْحَارث وَجَمَاعَة من قومه وطافوا فِي الأزد وَقَالُوا لَهُم ابْن زِيَاد فُقِدَ وَلَا نَأْمَن أَن يتهمونا بِهِ فَأَصْبحُوا بِالسِّلَاحِ وَقيل إِن الْحَارِث لم يلق مَسْعُود بن عَمْرو وَإِنَّمَا جَاءَ بعبيد الله وَمَعَهُ مائَة ألف وأتى بهَا امْرَأَة مَسْعُود فَطلب مِنْهَا الْجوَار لِابْنِ زِيَاد بِأَن تلبسه ثِيَاب مَسْعُود فَلَمَّا جَاءَ مَسْعُود تلطفوا بِهِ حَتَّى رَضِي وَأصْبح النَّاس فِي الْبَصْرَة بِغَيْر أَمِير ثمَّ رفعوا رَأْيهمْ إِلَى قيس بن الْهَيْثَم السّلمِيّ وَكَانَ أموياً وَإِلَى النُّعْمَان بن سُفْيَان الرَّاسِبِي وَكَانَ هاشمياً يؤمران عَلَيْهِم من يختارانه فَقدم النُّعْمَان عَلَيْهِم عبد الله بن الْحَارِث ابْن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب ويلقب ببهُ فرضيه النَّاس وَبَايَعُوهُ وأنزلوه بدار الْإِمَارَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ ثمَّ أنْفق ابْن زِيَاد أَمْوَالًا فِي جمع ربيعَة والأزد وَاتَّفَقُوا على أَن يرد ابْن زِيَاد إِلَى إمارته وركبوا لذَلِك وَرَئِيسهمْ مَسْعُود بن عَمْرو وَرَئِيس ربيعَة مَالك بن مسمع وَتركُوا ابْن زِيَاد فِي حيهم وَبعث موَالِيه مَعَهم وَجَاء مَسْعُود فَدخل الْمَسْجِد وَصعد الْمِنْبَر وَأخْبر الْأَمِير عبد الله بن الْحَارِث بذلك وَقيل لَهُ اركب فِي بني تَمِيم وَأصْلح بَين النَّاس فَأبى وَجَاء بَنو تَمِيم إِلَى الْأَحْنَف ليركبوه فتعلل وَلم يركب ثمَّ أركب عباد بن حُصَيْن فِي بني عَمْرو بني تَمِيم وَعِيسَى بن طلق بن سعيد بن زيد مَنَاة ومسعود يخْطب فاستنزلوه وقتلوه ثمَّ قتلوا مَالك بن مسمع بَيته وهرب عبيد الله بن زِيَاد فلحق بِالشَّام وَلزِمَ عبد الله بن الْحَارِث بَيته وَكتب أهل الْبَصْرَة إِلَى ابْن الزبير فَكتب إِلَى أنس بن مَالك يُصَلِّي بِالنَّاسِ حَتَّى بعث عمر بن عبيد الله بن معمر بعد ثَلَاثَة أشهر فحبس عبد الله بن الْحَارِث فَأَقَامَ عَمْرو فِي ولايتها شهرَاً ثمَّ جَاءَهُ الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي من قبل ابْن الزبير ويلقب القباع وَفِي أَيَّامه سَار نَافِع بن الْأَزْرَق من الْبَصْرَة إِلَى الأهواز وَأما الْكُوفَة فَلَمَّا طرد يزِيد بن الْحَارِث بن رُوَيْم رَسُول ابْن زِيَاد اجْتمع أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 الْكُوفَة على عمر بن سعد بن أبي وَقاص ثمَّ عزلوه واجتمعوا على عَامر بن مَسْعُود ابْن أُميَّة بن خلف بن حذافة الجُمَحِي وَكَتَبُوا بذلك إِلَى ابْن الزبير فأقره وَأقَام عَاملا على الْكُوفَة وبلغه انْتِقَاض أهل الرّيّ فَبعث مُحَمَّد بن عُمَيْر بن عُطَارِد التَّمِيمِي فَهَزَمَهُ أهل الرّيّ فَبعث إِلَيْهِم عتاب بن وَرْقَاء التَّمِيمِي فَهَزَمَهُمْ وَقتل أَمِيرهمْ الصرحان ثمَّ قدم الْكُوفَة من قبل ابْن الزبير عبد الله بن زيد الخطمي على الصَّلَاة وَإِبْرَاهِيم بن طَلْحَة على الْخراج وَاسْتعْمل مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بن قيس على الْموصل فَاجْتمع لِابْنِ الزبير أهل الْبَصْرَة وَأهل الْكُوفَة ومَنْ بالقبلة من الْعَرَب وَأهل الجزيرة وَأهل الشَّام إِلَّا أهل الْأُرْدُن (بيعَة مَرْوَان ووقعة مرج راهط) وَلما بُويِعَ ابْن الزبير بِمَكَّة بِعته الظَّاهِرَة ولي على مصر عبد الرَّحْمَن بن جحدر الفِهري وعَلى الْمَدِينَة عبيد الله بن الزبير وَأخرج بني أُميَّة فَلَحقُوا بِالشَّام وَفِيهِمْ مَرْوَان بن الحكم وَأقَام هُنَاكَ فَمر بِهِ الْحصين بن نمير مرجعه من مَكَّة بعد موت يزِيد فَأخْبرهُ بِمَا دَار بَينه وَبَين ابْن الزبير وحرض بني أُميَّة على طلب الْأَمر وَكَانَ رَأْي مَرْوَان أَن يسير إِلَى ابْن الزبير فيبايع لَهُ بالخلافة فَقدم ابْن زِيَاد مْن الْعرَاق حِين انتقضوا عَلَيْهِ وأخرجوه فسفه رَأْي مَرْوَان فِي ذَلِك وحثه على طلب الْأَمر لنَفسِهِ فَقَامَ لذَلِك وَسَار إِلَى دمشق وَالضَّحَّاك بن قيس يَوْمئِذٍ قد بَايعه أَهلهَا على الصَّلَاة بهم حَتَّى يجْتَمع النَّاس على إِمَام وَهُوَ مَعَ ابْن الزبير وَهُوَ يَدْعُو لَهُ فِي السِّرّ وَزفر بن الْحَارِث الْكلابِي بِقِنْسِرينَ على مثل رَأْيه والنعمان بن بشير بحمص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 كَذَلِك وَكَانَ بفلسطين حسان بن مَالك بن بَحْدَل الْكَلْبِيّ عَامل مُعَاوِيَة وَابْنه وهواه فِي بني أُميَّة فَسَار إِلَى الْأُرْدُن واستخلف على فلسطين رَوح بن زنباع فَأخْرجهُ نائل ابْن قيس وَبَايع لِابْنِ الزبير وَبَايع أهل الْأُرْدُن حسان بن مَالك على أَن يجنبهم بيعَة خَالِد وَعبد الله ابْني يزدْ لصغرهما وَكتب حسان إِلَى الضَّحَّاك يعظم حق بني أُميَّة ويذم ابْن الزبير بالفتنة وخلع الْأَئِمَّة وَكتب مَعَ الرَّسُول نُسْخَة كِتَابه وَقَالَ إِن لم يقْرَأ الضَّحَّاك على النَّاس وَإِلَّا فاقرأ أَنْت هَذَا عَلَيْهِم فَلَمَّا دفع الْكتاب إِلَى الضَّحَّاك حَبسه وَصعد الْمِنْبَر فَلم يقرأه فَقَرَأَ الرَّسُول نسخته على النَّاس فاضطربوا بَين مُصدق لحسان ومكذب وتشاتموا ثمَّ سكتوا وَقضى الضَّحَّاك صَلَاة الْجُمُعَة وَدخل الْقصر ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد وَاخْتلف قبائل قيس وكلب قيس تَدْعُو لِابْنِ الزبير ونصرة الضَّحَّاك وكلب تَدْعُو إِلَى بني أُميَّة وهم أخوال عبد الله وخَالِد ابْني يزِيد فَاقْتَتلُوا ثمَّ افْتَرَقُوا من يومهم وَبعث الضَّحَّاك إِلَى بني أُميَّة يعْتَذر إِلَيْهِم ويواعدهم الِاجْتِمَاع بِحسان بن بَحْدَل بالجابية وَكَتَبُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا بذلك وَسَارُوا نَحْو الْجَابِيَة ثمَّ ثناه ثَوْر بن معن السّلمِيّ عَن رَأْيه فِي ذَلِك خشيَة أَن يمِيل حسان إِلَى ابْن أختهم خَالِد بن يزِيد وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ لِابْنِ الزبير فَخرج الضَّحَّاك وَنزل بمَرج راهط وَاجْتمعَ بَنو أُميَّة وَحسان بالجابية وَأقَام يُصَلِّي بهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا وهم يتشورون وَأَشَارَ مَالك بن هُبَيْرَة السكونِي على الْحصين بن نمير ببيعة خَالِد لِأَن أَبَاهُ يزِيد ابْن أختهم فَأبى حُصَيْن وَقَالَ تَأْتِينَا الْعَرَب بشيخ ونأتيها بصبي فَقَالَ مَالك وَالله لَئِن ولي مَرْوَان لتكونُن عَبِيدَاً لَهُ ولقومه فَإِنَّهُ أَبُو عشرَة وأخو عشرَة وَعم عشرَة ثمَّ قَامَ رَوح بن زنباع فَخَطب النَّاس وَذكر فضل ابْن عمر وسابقيته وَأَشَارَ إِلَى ضعفه ثمَّ ذكر ابْن الزبير وَأثْنى عَلَيْهِ بِأَبِيهِ وَأمه ثمَّ ذكر دُخُوله فِي الْفِتْنَة وَسَفك الدِّمَاء وشق الْعَصَا وخلع الْأَئِمَّة وَمثل هَذَا لَا يكون إمامَاً فَعَلَيْكُم بِمَرْوَان بن الحكم فَلَا يكون صدع إِلَّا شعبه وَلَا تعدلوا عَن الْكَبِير إِلَى الصَّغِير ثمَّ اجْتمع رَأْيهمْ على الْبيعَة لمروان ثمَّ لخَالِد بن يزِيد ثمَّ لعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ على أَن إمرة دمشق لعَمْرو وإمرة حمص لخَالِد وَقَالَ حسان لخَالِد إِن النَّاس أَبوك لصغرك وَمَا أُرِيد لَا أهل بتك لَكِن فعلته نظرَاً لكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 ثمَّ بَايعُوا مَرْوَان أول ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَار النَّاس من الْجَابِيَة إِلَى الضَّحَّاك وَقد بعث النُّعْمَان بن بشير بحمص فأمده بشرحبيل بن ذِي الكلاع وأمده زفر بن الْحَارِث بِأَهْل قنسرين وَقَاتل ابْن قيس بِأَهْل فلسطين فَاجْتمع على مَرْوَان كلب وغسان والسكاسك والسكون وَجعل على ميمنته عَمْرو بن سعيد وعَلى ميسرته عبيد الله بن زِيَاد وثار على الضَّحَّاك بِدِمَشْق يزِيد بن أبي النمس الغساني وَكَانَ مختفيَاً بهَا فَأخْرج عَنْهَا عَامله وَبَايع لمروان وأمده بالأموال وَالرِّجَال وَالسِّلَاح واقتتل مَرْوَان وَالضَّحَّاك بمرج راهط عشْرين لَيْلَة وَانْهَزَمَ الضَّحَّاك وَقَتله دحْيَة بن عبد الله الْكَلْبِيّ وَقتل مَعَه فِي المعركة ثَمَانُون من أَشْرَاف أهل الشَّام واستحكمت قيس بِالْقَتْلِ وَكَانَت الْوَقْعَة آخر سنة أَربع وَسِتِّينَ وَقيل فِي الْمحرم من سنة خمس وَآتى مَرْوَان بِرَأْس الضَّحَّاك فساءه وَبلغ خبر الْهَزِيمَة إِلَى النُّعْمَان بن بشير بحمص مَعَ الفَل فَخرج هَارِبا بأَهْله وبنيه فَخرج فِي طلبه عَمْرو بن الخلي الكلَاعِي فَقتله وَجَاء بِرَأْسِهِ وهرب زفر بن الْحَارِث من قنسرين فلحق بقرقيساء وَعَلَيْهَا عِيَاض الجرشِي كَانَ يزِيد ولاه فخدعه وغلبه عَلَيْهَا وتحصن بهَا وَاجْتمعت إِلَيْهِ قيس وهرب نائل بن قيس الجذامي عَن فلسطين وَلحق بِابْن الزبير بِمَكَّة وَاسْتعْمل مَرْوَان بعده على فلسطين رَوح بن زنباع واستوسق الشَّام لمروان وَتزَوج أم خَالِد بن يزِيد وَقيل إِن عبيد الله بن زِيَاد جَاءَ لبني أُميَّة بتدمر ومروان مجمع على الْمسير لِابْنِ الزبير فثناه عَن ذَلِك وَأخذ لَهُ الْبيعَة على بني أُميَّة وَأهل تدمر وَسَارُوا إِلَى الضَّحَّاك وهزموه فبمَا ملك مَرْوَان الشَّام سَار إِلَى مصر وَعَلَيْهَا عبد الرَّحْمَن بن جحدر الفِهري يَدْعُو لِابْنِ الزبير فَخرج للقائه وَبعث مَرْوَان عَمْرو بن سعيد فَخَالف عبد الرَّحْمَن إِلَى مصر فَرجع وانتقض أمره وَبَايع النَّاس مَرْوَان وَملك مصر وَرجع إِلَى دمشق فَبَلغهُ أَن مُصعب بن الزبير أقبل فِي الجيوش فَبعث إِلَيْهِ عَمْرو بن سعيد وَحَال بَينه وَبَين الشَّام وَانْهَزَمَ مُصعب وَرجع مَرْوَان إِلَى دمشق فاستقر بهَا وَبعث عبيد الله بن زِيَاد إِلَى الجزيرة وَإِذا فرغ مِنْهَا سَار إِلَى الْعرَاق وَبعث حُبَيْش بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 دلجة القَيني إِلَى الْمَدِينَة وَعَلَيْهَا جَابر بن الْأسود بن عَوْف لعبد الله بن الزبير فهرب مِنْهُ جَابر وَبعث الْحَارِث بن أبي ربيعَة جيشَاً من الْبَصْرَة للقاء حُبَيْش فَسَار إِلَيْهِم وَبعث عبد الله بن الزبير عَبَّاس بن سهل بن سعد أَمِير على الْمَدِينَة ويسير فِي طلب حُبَيْش حَتَّى يوافي عَسْكَر الْبَصْرَة فيلحقهم بالربوة وَقتل حُبَيْش واعتصم من عسكره بِالْمَدِينَةِ خَمْسمِائَة فَارس فَقَتلهُمْ عَبَّاس وَكَانَ من حيش الْحجَّاج وَأَبوهُ يُوسُف بن الحكم على جمل وَاحِد وَكَانَ عَمْرو بن سعيد لما رَجَعَ من قتال مُصعب بفلسطين أنهَى عَنهُ إِلَى مَرْوَان أَنه يَقُول الْأَمر إِلَيّ من بعده فَشَكا ذَلِك إِلَى حسان ابْن بَحْدَل فَقَامَ فِي النَّاس وَقَالَ بلغنَا أَن رجالاَ يتمنونَ أماني قومُوا فَبَايعُوا لعبد الْملك بن الْعَزِيز فَبَايعُوا من عِنْد آخِرهم وَولى ابْن الزيبر أَخَاهُ عبيد الله على الْمَدِينَة ثمَّ عَزله وَولى مصعباً (مُفَارقَة الْخَوَارِج لِابْنِ الزبير) كَانَ الْخَوَارِج عِنْد استبداد ابْن زِيَاد عَلَيْهِم بِالْكُوفَةِ ومسير العساكر من الشَّام إِلَى ابْن الزبير قَالَ لَهُم نَافِع بن الْأَزْرَق مِنْهُم سِيرُوا بِنَا إِلَى ابْن الزبير نجاهد مَعَه إِن كَانَ على رَأينَا وَإِلَّا ندافع عَن الْبَيْت فَجَاءُوا إِلَيْهِ وقاتلوا مَعَه أهل الشَّام ثمَّ أَرَادوا اختبار رَأْيه فيهم فَسَأَلُوهُ وَقَالَ ائْتُونِي من الْغَدَاة وَجمع أَصْحَابه بِالسِّلَاحِ فَلَمَّا جَاءُوا من الْغَد وَنظر إِلَيْهِم فَقَالَ لَهُم ابْن الْأَزْرَق إِن الرجل مزمع خلافكم ثمَّ قَالَ عُبَيْدَة بن هِلَال من الْخَوَارِج إِن الله بعث مُحَمَّد يَدْعُو إِلَى الدّين فَأَجَابَهُ الْمُسلمُونَ وَعمل فيهم بِكِتَاب الله حَتَّى قَبضه الله واستخلف أَبُو بكر وَعمر فعملا بِالْكتاب وَالسّنة ثمَّ اسْتخْلف عُثْمَان فحمى الْحمى وآثر القربَى وَرفع الدرةَ وَوضع السَّوْط ومزق الْكتاب وَضرب منكري الْجور وآوى طريد الرَّسُول وَضرب السباقين بِالْفَضْلِ وحرمهم وَأخذ من الله الَّذِي أَفَاء عَلَيْهِم فَقَسمهُ فِي فساق قُرَيْش ومُجان الْعَرَب فسارت إِلَيْهِ طَائِفَة فَقَتَلُوهُ فَنحْن أولياؤهم وَمن ابْن عَفَّان وأوليائه بريئون فَمَا تَقول أَنْت فَقَالَ ابْن الزبير أما الَّذِي ذكرْتُمْ بِهِ النَّبِي فَهُوَ فَوْقه وَأما مَا ذكرْتُمْ بِهِ أَبُو بكر وَعمر فقد وُفقتم وأصبتم وَأما الَّذِي ذكرْتُمْ بِهِ عُثْمَان فَلَا أعلم أَن أحدا من خلق الله الْيَوْم أعلم بعثمان وَأمره مِني نقموا عَلَيْهِ واستعتبوه فَلم يدع شَيْئا إِلَّا أعتبهم ثمَّ جَاءُوهُ بِكِتَاب لَهُ يَأْمر بِقَتْلِهِم ويزعمون أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 كتبه فَقَالَ مَا كتبته وَإِن لم تكن بَيِّنَة حَلَفت لكم فوَاللَّه مَا جَاءُوا بِبَيِّنَة وَلَا استحلفوه ووثبوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأما مَا عبتموه بِهِ فَلَيْسَ كَذَلِك وَأَنا أشهدكم وَمن حضر أَنِّي وليُ عُثْمَان بن عَفَّان وعدوُّ أعدائه قَالُوا فبرئ الله مِنْك وَتَفَرَّقُوا فَأقبل نَافِع بن الْأَزْرَق وَعبد الله بن صفار وَعبد الله بن إباض وحَنْظَلَة بن نهيش وَبَنُو الماحوز عبيد الله وَالزُّبَيْر وَكلهمْ من تَمِيم حَتَّى أَتَوا الْبَصْرَة وَانْطَلق أَبُو طالوت من بكر بن وَائِل وَأَبُو فديك من قيس بن ثَعْلَبَة وعطية بن الْأسود من يشْكر فَوَثَبُوا مَعَ أبي طالوت ثمَّ تَرَكُوهُ واجتمعوا على نجدة ابْن عَامر الْحَنَفِيّ وَكَانَ من خبرهم مَا يذكر عِنْد ذكر الْخَوَارِج (خُرُوج سُلَيْمَان بن صُرَدَ فِي التوابين من الشِّيعَة) لما قتل الْحُسَيْن وَرجع أَبُو زِيَاد إِلَى الْكُوفَة تلاوم الشِّيعَة على مَا أضاعوه من أَمر الْحُسَيْن وَأَنَّهُمْ وَدعوهُ وَلم ينصروه فَنَدِمُوا وَقَالُوا لَا كَفَّارَة لذَلِك إِلَّا قتل قاتليه أَو الْمَوْت دون ذَلِك كَمَا قَالَ الله لبني إِسْرَائِيل {فَتُوبُوا إِلىَ بَارِئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم} الْبَقَرَة 54 واجتمعوا على إِلَى خَمْسَة نفر من رءسهم سُلَيْمَان بن صُرَد الْخُزَاعِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة وَالْمُسَيب بن نجية الْفَزارِيّ وَعبد الله بن سعد بن نفَيْل الْأَزْدِيّ وَعبد الله بن وَال التَّيْمِيّ مِمَّن تيم بكر وَرِفَاعَة بن شَدَّاد الْجبلي وَكَانُوا من خِيَار أَصْحَاب عَليّ واجتمعوا فِي منزل سُلَيْمَان بن صرد وتفاوضوا فِي تِلْكَ الندامة واعترفوا بذنبهم وَاتَّفَقُوا على الْبيعَة لِسُلَيْمَان بن صرد وطاعته وأخرجوا من أَمْوَالهم النَّفَقَة على ذِي النَّخْلَة من أشياعهم وجعوا قبض ذَلِك وَنَفَقَته لعبد الله ابْن وَال وَكتب سُلَيْمَان إِلَى سعد بن حُذَيْفَة وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ بِمَا اعتزموا عَلَيْهِ فَقَرَأَ الْكتاب سعد على من هُنَاكَ من الشِّيعَة وَأَجَابُوا بالموافقة وَالْخُرُوج عِنْد الْأَجَل الَّذِي ضرب لَهُم وَكَانُوا يدعونَ إِلَى ذَلِك فِي السِّرّ مُنْذُ مقتل الْحُسَيْن وَالنَّاس يجيبونهم نَفرا بعد نفر وَلما هلك يزِيد دَعَا بَعضهم إِلَى الْوُثُوب على عَمْرو بن حُرَيْث خَليفَة ابْن زِيَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 على الْكُوفَة ثمَّ رَأَوْا أَن الْأَمر لَا يستتب لَهُم بذلك لِأَن قتل الْحُسَيْن هم جمَاعَة الْكُوفَة فأقصروا عَن ذَلِك ووثب الدعاة فِي النواحي واستجاب لَهُم النَّاس ثمَّ أخرج أهل الْكُوفَة عَمْرو بن حُرَيْث وَبَايَعُوا لِابْنِ الزير وَقدم عبد الله بن يزِيد وَقدم عبد الله بن يزِيد الخطمي أَمِير على الْكُوفَة من قبله فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمَعَهُ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة على الْخُرُوج وَالْمُخْتَار بن أبي عبيد الثَّقَفِيّ وَبلغ عبد الله بن يزِيد الخطمي خبر سُلَيْمَان وَأَصْحَابه التوابين وأشير عَلَيْهِ بحبسهم وخُوف عَاقِبَة أَمرهم فَقَالَ نَحن تاركوهم مَا تركونا وهم يطْلبُونَ قتلة الْحُسَيْن ولسنا مِنْهُم ثمَّ خطب بِمثل ذَلِك وَقَالَ وَالله مَا قتلنَا حُسَيْنًا وَلَقَد أصبْنَا بمقتله وَهَؤُلَاء الْقَوْم الَّذين إِلَيْنَا رفع أَمرهم آمنون فيسيرون إِلَى قاتلي الْحُسَيْن وَهُوَ ابْن زِيَاد فهما هُوَ على جسر مَنبج وَهُوَ سَائِر إِلَيْكُم فسيروا إِلَيْهِ وَأَنا ظهر لكم عَلَيْهِ وَلَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا فَقَامَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة فَقَالَ يأيها النَّاس لَا تغرنكم مقَالَة هَذَا المداهن وَالله من خرج علينا لنقتلنه وَمن علمنَا بِخُرُوجِهِ لنأخذن الْقَرِيب بالقريب والولى بالوالى والعريف بعرافته حَتَّى يسقم فَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْن نجية وَعبد الله بن وَال وأساءوا إِلَيْهِ ثمَّ تشاتموا وَأنزل الْأَمِير عَن الْمِنْبَر وَخرج أَصْحَابِي سُلَيْمَان ويشترون السِّلَاح ويتجهزون وَالْمُخْتَار يسفهُ رَأْيهمْ فِي ذَلِك وَيرى أَنه أبْصر مِنْهُم وَكَانَ سَبَب قدوم الْمُخْتَار الْكُوفَة أَن الشِّيعَة كَانَت تسب الْمُخْتَار بِمَا كَانَ مِنْهُ من أَمر الْحُسَيْن وإشارته على عَمه بِالْمَدَائِنِ أَن يقبض عَلَيْهِ لمعاوية وَلما جَاءَ مُسلم بن عقيل إِلَى الْكُوفَة نزل دَاره وَبَايَعَهُ ودعا ثمَّ جَاءَ يَوْم خُرُوجه من قريته بِظَاهِر الْمَدِينَة الْكُوفَة ففاته أَمر ابْن عقيل وَوَقع فِي يَد ابْن حُرَيْث فَأَمنهُ ثمَّ رفع عمَارَة بن الْوَلِيد أمره إِلَى عبيد الله فَاعْتَذر بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْن حُرَيْث وَشهد لَهُ فَضرب عبيد الله وَجهه بقضيب شتر عينه وحبسه حَتَّى قتل الْحُسَيْن فَبعث إِلَى عبد الله بن عمر أَن يشفع فِيهِ إِلَى ابْن زِيَاد وَكَانَ زوج أُخْته صَفِيَّة بنت أبي عبيد فشفعه على أَلا يُقيم بِالْكُوفَةِ فَخرج إِلَى الْحجاز وَسَأَلَ فِي طَرِيقه عَن ابْن الزبير فَقيل إِنَّه عَائِذ بِالْبَيْتِ ومبايع سرا وَلَو كثر جمعه لظهر فَقَالَ هَذِه فتْنَة واعتزم الْمُخْتَار على الطّلب بِدَم الْحُسَيْن من يَوْمئِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وَقد إِلَى ابْن الزبير وَأخْبرهُ خبر الْعرَاق وَدعَاهُ إِلَى الْبيعَة فكتم أمره عَنهُ ففارقه وَغَابَ بِالطَّائِف سنة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة وَلم يَأْتِ ابنَ الزبير وَكَانَ قد ظهر أمره فَدس عَلَيْهِ ابْن الزبير عَبَّاس بن سُهَيْل بن سعد فَلَقِيَهُ وعذله عَن تَأَخره عَن ابْن الزبير فَقَالَ كتم عني وَأَرِنِي الِاسْتِغْنَاء فاستغنيت عَنهُ فَحَمله على لِقَائِه مَعَه وَحضر عَن ابْن الزبير لَيْلًا وَقَالَ أُبَايِعك على أَلا تقضي أمرا دوني وأكون أول دَاخل وتوليني أفضل عَمَلك فَقَالَ ابْن الزبير أُبَايِعك على كتاب الله وَسنة رَسُوله فَقل لَا فَبَايعهُ ابْن الزبير على مَا أحب وَشهد مَعَه قتال الْحصين نمير وأبلى فِيهِ فَلَمَّا هلك يزِيد وأطاع أهل الْعرَاق ابْن الزبير فَإِذا هُوَ لَا يَسْتَعْمِلهُ وبلغه الْخَبَر عَن الشِّيعَة بِالْكُوفَةِ فَفَارَقَ ابْن الزبير إِلَيْهِم وَقدم الْكُوفَة وَنزل فِي دَاره وَاخْتلف إِلَيْهِ الشِّيعَة وجاءه رُءُوس النَّاس من كِنْدَة وَبني هِنْد وَأَخْبرُوهُ بِخَبَر سُلَيْمَان بن صرد وَأَصْحَابه وَأَنَّهُمْ على الْمسير فَقَالَ إِن ابْن الزبير بَعَثَنِي إِلَيْكُم وَأَمرَنِي بِقِتَال الْمُلْحِدِينَ والطلب بِدَم أهل الْبَيْت وَالدَّفْع عَن الضُّعَفَاء فَبَايعُوهُ وَبعث إِلَى الشِّيعَة الَّذين عِنْد سُلَيْمَان بن صرد بِمثل ذَلِك ودعاهم إِلَى طَاعَته واستمالهم عَن سُلَيْمَان فَمَال إِلَيْهِ طَائِفَة مِنْهُم وَخرج سُلَيْمَان نَحْو الجزيرة لشأنه وَجَاء النَّاس إِلَى الْأَمِير عبد الله يزِيد الخطمي وَصَاحبه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة مِنْهُم شبيب بن ربعي وَيزِيد بن الْحَارِث بن رُوَيْم فَقَالُوا لَهما إِن الْمُخْتَار يُرِيد أَن يثب عَلَيْكُم وَهُوَ أَشد من سُلَيْمَان وَجَاءُوا بِهِ فَقَالَ عبد الله مَا كنت لأخذ أحد على الظنة وَتَوَلَّى إِبْرَاهِيم أمره وحبسه وَقيل إِنَّمَا جَاءَ الْمُخْتَار إِلَى الْكُوفَة بِأَمْر ابْن الزبير وَإنَّهُ قَالَ لَهُ ابعثني أستخرج لَك جنداً من شيعَة على تقَاتل بهم أهل الشَّام فَبَعثه حَتَّى إِذا اجْتمع إِلَيْهِ النَّاس وثب على ابْن مُطِيع عَامل ابْن الزبير بِالْكُوفَةِ وَكتب إِلَيْهِ إِن ابْن مُطِيع داهن وراسل عبد الْملك فأخرجهُ وَأما سُلَيْمَان بن صُرَدَ فَخرج فِي ربيع سنة خمس وَسِتِّينَ وَنزل النخيلة ثمَّ اسْتقْبل عدد النَّاس وَأرْسل من نَادَى فِي الْكُوفَة بثأر الْحُسَيْن فجَاء بعض وتثاقل بعض وَالْمُخْتَار يثبطهم وَأقَام بالنخيلة ثلاثَاً ثمَّ سَار فِي أَرْبَعَة آلَاف ونادى فيهم من أَرَادَ الدُّنْيَا ومتاعها فِي الْفَيْء وَالْغنيمَة فَليرْجع وَلَيْسَ مَعنا إِلَّا سوفنا وَزَاد النقلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 فوافقوه ثمَّ أَشَارَ بَعضهم بِالرُّجُوعِ إِلَى الْكُوفَة ومناجزة قتلة الْحُسَيْن فأكثرهم هُنَالك فَقَالَ سُلَيْمَان إِنَّمَا قَتله الَّذِي عَبأَ الْجنُود إِلَيْهِ وَمنعه الْأمان حَتَّى يستسلم وَهُوَ ابْن زِيَاد وَمن بعده أَهْون مِنْهُ ولحقه أَمِير الْكُوفَة عبد الله بن يزِيد وبراهيم بن مُحَمَّد فعذلاه فِي الْمسير وأشارا عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ حَتَّى نتجهز جَمِيعًا لهَذَا الْعَدو فنلقاه بِجمع كثيف وَقد كَانَ بَلغهُمْ إقبال عبيد الله بن زِيَاد من الشَّام فِي الْجنُود فَلم يوافقهما سُلَيْمَان وَلَا أَصْحَابه وَسَارُوا لوجههم وتخلف عَنْهُم كثير من أَصْحَابهم وَفِي ذَلِك يَقُول عبد الله بن الْأَحْمَر يحرض من // (الطَّوِيل) // (صَحَوْتُ وَقد يَصْحُو الصّبَا والغَوَانِيا ... وقُلْتُ لِأَصْحابِي أَجِيبُوا المُنَادِيَا) (وقُولُوا لَهُ إذْ قامَ يَدْعُو إِلَى الهُدَى ... وقَبْلَ الدُّعا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ دَاعِيَا) (أَلا فَانْعَ خيْرَ النَّاس جَدًّا ووالداً ... حُسَيْنَا إِذَا مَا كُنْتَ للدِّينِ نَاعِيَا) (لِيَبْكِ حسينَاً مجتدٍ ذُو خَصَاصةٍ ... عديمٌ وأَيْتَامٌ تشكِّى المواليا) (وأضحَى حُسَين للرماحِ دَرِيئَةً ... وغودر ذَا دَرْسَيْنِ بالطَّفِّ ثَاوِيَا) (فيا ليْتَنِي إِذْ ذاكَ كُنْتُ شهدتُهُ ... فضارَبْتُ عَنهُ الشَّامِتِينَ الأعَادِيَا) (سَقَى الله أَرضًا ضمَّتِ المجْدَ والثَّنَا ... بِغرْبِيَّةِ الطَّفِّ الغَمَامَ الغوادِيا) (فيَا أُمَّة تَاهَتْ وضَلَّتْ سَفاهَةً ... أَنِيبُوا فَأَرُْضوا الوَاحِدَ المُتَعَالِيَا) ثمَّ سَارُوا يقدمهم من ذكر وَعبد الله بن الْأَحْمَر يَقُول من // (الرجز) // (خَرَجْنَ يلمعْنَ بِنَا أرْسَالاَ ... عوابساً تَحْمِلُنا أبْطَالا) (نُرِيدُ أَنْ نَلْقَى بِهَا القتالَ ... ألقاسِطِينَ الغُدَّرَ الضُّلاَّلاَ) (وَقد رَفَضَنَا الوُلْدَ والأَمْوَالاَ ... والخَفِراتِ البِيضَ والحِجَالاَ) (نُرضِي بِهِ ذَا النِّعَمِ المِفْضَالا ... ) ثمَّ انْتَهوا إِلَى قبر الْحُسَيْن فصاحوا وبَكوا وجددوا التَّوْبَة من خذلانه وَأَقَامُوا عِنْده يومَاً وَلَيْلَة فَزَادَهُم ذَلِك حنقاً وبلغهم كتاب عبد الله بن يزِيد يثنيهم عَن الْمسير فَأَبَوا واستماتوا ثمَّ انْتَهوا إِلَى قرقيسيا على تعبئة وَبهَا زفر بن الْحَارِث الْكلابِي متحصناً من مَرْوَان وَقَومه وَدخل إِلَيْهِ الْمسيب بن نجبة يَطْلُبهُ فِي السُّوق لأَصْحَابه فَأمر ابْنه الْهُذيْل فَأخْرج لَهُم سوقاً وَبعث إِلَيْهِم بعلف ودقيق وجزائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 واستغنوا بهَا عَن السُّوق إِلَّا فِي غير الطَّعَام وَأعْطِي الْمسيب ألف دِرْهَم وفرساً فَأخذ الْفرس ورد المَال ثمَّ خرج زفر من الْغَدَاة يودعهم وَأخْبرهمْ بِمن سَار من الجيوش إِلَيْهِم وَأَنَّهُمْ عدد كثير وَأَن أمراءهم الْحصين بن نمير وشرحبيل الْكلابِي وأدهم بن مُحرز وَحَملَة بن عبيد الله الْخَثْعَمِي وَعبيد الله بن زِيَاد فأقيموا مَعنا ونلقاهم جَمِيعًا فأبة سُلَيْمَان وَأَصْحَابه من ذَلِك فَأَشَارَ عَلَيْهِم بِوَجْه الرَّأْي فِي السّير وَالْحَرب وودعهم فَسَارُوا مجدينَ إِلَى عين الوردة فأقموا بهَا خمْسا وأراحوا حَتَّى إِذا كَانَت عَسَاكِر الشَّام على يَوْم وَلَيْلَة عَنْهُم فخطبهم سُلَيْمَان بن صرد وحرضهم وَقَالَ إِن قتلت فأمير النَّاس المسيبُ بن نجبة فَإِن قتل فعبد الله بن سعد بن نفَيْل فَإِن قتل فعبد الله بن وَال فَإِن قتل فرفاعة بن شَدَّاد ثمَّ سرح الْمسيب فِي أَرْبَعمِائَة فَارس يَشن عَلَيْهِم الْغَارة فَإِن رأى مَا أحب وَإِلَّا رَجَعَ فَسَار يَوْمه وَلَيْلَته وَجَاء أَصْحَابه بأعرابي فَسَأَلُوهُ عَن الْعَسْكَر فَقَالَ أدنى عَسْكَر مِنْكُم شُرَحْبِيل بن ذِي الكلاع على ميل وَقد اخْتلف هُوَ وحصين بن نمير فِي الْإِمَارَة وهما ينتظران أَمر ابْن زِيَاد فأغذوا إِلَيْهِم السّير وأشرفوا عَلَيْهِم وهم غارُونَ وحملوا فَانْهَزَمَ الْعَسْكَر وغنم أَصْحَاب الْمسيب مَا فِيهِ وَرَجَعُوا إِلَى أَصْحَابهم موقرين وسرح ابْن زِيَاد الْحصين بن نمير مسرعاً حَتَّى نزل فِي اثْنَي عشر ألفا ثمَّ تراجعوا على التعبئة وَلما دنا بَعضهم من بعض دعاهم أهل الشَّام إِلَى الْجَمَاعَة إِلَى مَرْوَان ودعاهم أَصْحَاب سُلَيْمَان إِلَى إِسْلَام عبيد الله بن زِيَاد إِلَيْهِم وَأَنَّهُمْ يخرجُون أَصْحَاب ابْن الزبير من الْعرَاق وَيرد الْأَمر إِلَى أهل الْبَتّ ثمَّ اقْتَتَلُوا وَكَانَ الظُّهُور لِسُلَيْمَان وَأَصْحَابه على الْحصين وأمده ابْن زِيَاد بِثمَانِيَة آلَاف فَاقْتَتلُوا من الْغَد على السوَاء وتحاجزوا عِنْد الْمسَاء وَلما أصبح أهل الشَّام أَتَاهُم أدهم بن مُحرز الباهل فِي عشرَة آلَاف مدَدا فقاتلوهم يَوْم الْجُمُعَة إِلَى ارْتِفَاع الضُّحَى وَلما رأى سُلَيْمَان كثرتهم وَمَا لَقِي أَصْحَابه مِنْهُم كسر جفن سَيْفه واستمات وَاتبعهُ نَاس مِنْهُم فَقتلُوا من أهل الشَّام مقتلة عَظِيمَة ثمَّ قتل سُلَيْمَان وَبعده الْمسيب بن نجبة بعد أَن حمل مرَارًا فَأخذ الرَّايَة عبد الله بن سعد بن نفَيْل وَقَاتل فَجَاءَهُ وَهُوَ فِي الْقِتَال الْخَبَر من عبد الله بن سعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 ابْن حُذَيْفَة بمدد أهل الْمَدَائِن ثمَّ فِي سبعين وَمِائَة ومدد أهل الْبَصْرَة مَعَ الْمثنى بن مخرمَة فِي ثَلَاثمِائَة فَقَالَ لَو كَانَ ذَلِك وَنحن أَحيَاء ثمَّ قتل عبد الله بن سعد وَنَادَوْا عبد الله بن وَال فَإِذا هُوَ قد اصطلى الْحَرْب فَحمل رِفَاعَة بن شَدَّاد حَتَّى كشف عَن أهل الشَّام وجابَه فَأخذ الرَّايَة وَقَاتل واستماتوا وَتَوَلَّى قِتَالهمْ عِنْد الْمسَاء أدهم بن مخرمَة فَقتل عبد الله بن وَال وَهُوَ مقبل وَأَرَادَ رِفَاعَة بن شَدَّاد الِانْصِرَاف بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه لَا تفعل حَتَّى يغشانا اللَّيْل فنسير فِي دلجته على مهل فَلَمَّا أَمْسوا رَجَعَ أهل الشَّام إِلَى معسكرهم وَأَصْحَاب رِفَاعَة إِلَى معسكرهم وَقد قتل عامتهم وفشت الْجراحَة فيهم وَفِي خيلهم فَسَار بِالنَّاسِ ليلته وَأصْبح الْحصين فَلم يرهم وانتهوا إِلَى قرقيسيا وأضافهم زفر ثَلَاثًا وزودهم إِلَى الْكُوفَة وَبلغ سعد بن حُذَيْفَة بن الْيَمَان من أهل الْمَدَائِن إِلَى هيت فَلَقِيَهُ خبرهم فَرجع ولفيه الْمثنى بن مخرمَة الْعَبْدي فِي أهل الْبَصْرَة بصدد وِأقاموا حَتَّى جَاءَ رِفَاعَة وَأَصْحَابه فاستقبلوه وَبكوا وافترقوا إِلَى بِلَادهمْ وَدخل رِفَاعَة الْكُوفَة وَبعث إِلَيْهِ الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَهُوَ مَحْبُوس يَدعُوهُ إِلَى طَاعَته فِي الطّلب بدماء أهل الْبَيْت وَجِهَاد الْمُلْحِدِينَ وَأَن سُلَيْمَان لم يكن صَاحبكُم الَّذِي تنتصرون بِهِ وَبلغ الْخَبَر عبد الْملك بن مَرْوَان بن الحكم فَخَطب النَّاس وأعلمهم بِمَوْت سُلَيْمَان بن صرد وَأَصْحَابه ولأعشى هَمدَان قصيدة طَوِيلَة يرثي بهَا أهل عين الوردة من التوَابين سُلَيْمَان بن صرد الْخُزَاعِيّ وَأَصْحَابه ويصف مَا فَعَلُوهُ فَقَالَ من // (الطَّوِيل) // (توجَّهَ مِنْ دُونِ الثَّويَّةِ سائراً ... إِلَى ابْنِ زِيادٍ فِي الجموعِ الكَتَائِبِ) (فَساروا وَهُمْ مِنْ بَين مُلْتَمِسِ التُّقَى ... وآخَرَ مِمَّا حُمَّ بالأمْسِ تَائبِ) (فَلاقَوْا بعيْنِ الوَرْدِ جَيْشًا مشاكلاً ... عَلَيْهِم بِبعض قَاطِعَات قَواصِبِ) (فَجَاءَهُمُ جَمْع مِن النَّاسِ بَعْدَهُ ... جُمُوعٌ كمَوْجِ البَحْرِ مِنْ كُلِّ جانبِ) (فَمَا بَرِحُوا حَتَى أُبِيدَتْ جُمُوعُهُمْ ... ولَمْ يَنْجُ مِنَهُمْ ثَم غَيْرُ عَصَائبِ) (وغودِر أَهْلُ الصَّبْرِ صَرْعى فأصْبَحْوا ... تُعَاوِرُهُمْ ريِحُ الصَّبَا والجَنَائِبِ) (وأضحَى الخُزَاعِيُّ الرَّئيسُ مُجَدَّلاً ... كأنْ لمْ يُقَاتِلْ مَرَّةً ويُحَاربِ) ) ورأسُ بني أزدٍ وفارسُ قومِهِ ... جَمِيعًا مَعَ التيميِّ عاري المَناكِبِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 (وعَمْرُو بنُ عَمْرو وابْنُ بِشْرٍ وخالدٌ ... وبَكْرٌ وزيدٌ والحُسَين بن غالبِ) (أَبَوْا غَيْرَ ضَرْبٍ يُفْلِقُ الهَامَ حَدُّهُ ... وطعْنٍ بأَطْراف الأَسِنَّةِ لاَزبِ) (فيا خيْرَ جَيْشٍ للعراقِ وأَهْلِهِ ... سُقِيتُمْ روايا كُل أسحَمَ ساكبِ) (فَلاَ يَبْعَدَنْ فُرْسَانُنَا وحُمَاتُنَا ... إِذَا البِيضُ أبدَتْ عَنْ خدامِ الكَواعِبِ) (فَإِن تُقْتَلُوا فالقَتْلُ أكرَمُ مِيتَةٍ ... وَكُلُّ فَتى يَوْمًا لإحْدَى الشَّواعِبِ) (وَمَا قُتِلُوا حَتَّى أَصَابُوا عِصَابَة ... بَحَزِّ نُحُورٍ كالتُّيُوسِ الضَوَاربِ) وَفِي كتاب الأذكياء لِلْحَافِظِ أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ قَالَ كَانَ حويطب بن عبد الْعُزَّى قد بلغ مائَة وَعشْرين سنة سِتِّينَ مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَام فَلَمَّا ولي مَرْوَان بن الحكم دخل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَرْوَان مَا سنك يَا عَم فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ مَرْوَان تَأَخّر إسلامك أَيهَا الشَّيْخ حَتَّى سَبَقَك الْأَحْدَاث فَقَالَ حويطب وَالله لقد نهضت إِلَى الْإِسْلَام غير مرّة كل ذَلِك يعوقني أَبوك عَنهُ وينهاني وَيَقُول لَا تَدع دين آبَائِك لدين مُحَمَّد فأسكت مَرْوَان وَنَدم على سُؤَاله إِيَّاه ثمَّ قَالَ لَهُ حويطب أما أخْبرك عُثْمَان بن عَفَّان مَا كَانَ لَقِي من أَبِيك حِين أسلم فازداد مَرْوَان غماً إِلَى غمه وَحكى عَن البخْترِي بن عبيد أَنه قَالَ كنت عِنْد مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان جَالِسا وَكَانَ حسان من جُلَسَائِهِ وَلَيْسَ بِحسان بن ثَابت الصَّحَابِيّ فَأقبل رجل على نَاقَة حَمْرَاء وَعَلِيهِ برنس ثمَّ نزل عَنْهَا وَمَشى حَتَّى دنا من مُعَاوِيَة وَهُوَ جَالس فَسلم عَلَيْهِ فضم لَهُ مُعَاوِيَة رجلَيْهِ فَجَلَسَ الرجل على الطفنسة ثمَّ أقبل عَلَيْهِ مُعَاوِيَة بِالْحَدِيثِ فَلَمَّا قَامَ انْكَشَفَ الْبُرْنُس فَرَأَيْت عَلَيْهِ قَمِيص كتَّان وَرَأَيْت أثر مسح زقاق الزَّيْت على قَمِيصه فَقَالَ حسان لمعاوية من هَذَا الَّذِي شغلك حَدِيثه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَذَا رجل يَرْجُو الْخلَافَة من بعدِي فَقَالَ لَهُ حسان لَيْسَ هَذَا الزيات بِأَهْل لذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مُعَاوِيَة مهلا يَا حسان هَذَا مَرْوَان بن الحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 (خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان بعد وَفَاة أَبِيه مَرْوَان) كَانَ أَبوهُ مَرْوَان عِنْد ولَايَته تزوج أم خَالِد بن يزِيد وَهِي بنت هَاشم بن عتبَة فَوَقع بَين خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَبَين بعض ولد مَرْوَان كَلَام فَقَالَ لخَالِد اسْكُتْ فلست وَالله تُعَدّ لَا فِي العير وَلَا فِي النفير فَقَالَ لَهُ خَالِد وَهل كَانَ فِي العير غير جدي وَفِي النفير غير جدي وَلَكِن لَو قلت حبيلات وغنيمات والطائف ورحم الله عُثْمَان قُلْنَا صدقت انْتهى قلت فِي قَول خَالِد جدي فِي العير جدي فِي النفير يُشِير إِلَى أَن جده لِأَبِيهِ أَبَا سُفْيَان هُوَ الَّذِي كَانَ فِي العير وجده لأمه هُوَ الَّذِي كَانَ فِي النفير وَهُوَ عتبَة بن ربيعَة بن أُميَّة بن عبد شمس لِأَن أم جده مُعَاوِيَة هِيَ بنت عتبَة وَأما قَوْله حبيلات فَهِيَ جمع حبلة وَهِي أصل الكرمِ وَقَوله غنيمات والطائف ورحم الله عُثْمَان يَعْنِي يعيره بِكَوْن جده الحكم وَالِد مَرْوَان نَفَاهُ النَّبِي إِلَى الطَّائِف فَأَقَامَ ثمَّة عِنْده حبيلات وغنيمات وَاسْتمرّ إِلَى أثْنَاء خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَرده إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ رده من جملَة الْأُمُور المنقومة على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَأَرَادَ مَرْوَان أَن يقصر بِخَالِد لما كَانَ حسان بن بَحْدَل يمِيل إِلَيْهِ فَدخل خَالِد يَوْمًا على مَرْوَان يمشي بَين السماطين فَقَالَ مَرْوَان نه لأحمق وَقَالَ تَنَح يَا بن رطبَة الاستِ يسْقطهُ من عين أهل الشَّام فَتوجه إِلَى أمه فَقَالَت اكتم خبرك وَأَنا أكفيك فَلَا تصر تسمعها مِنْهُ وَدخل عَلَيْهَا مَرْوَان فَقَالَ هَل قَالَ لَك خَالِد شَيْئا قَالَت هُوَ أَشد لَك تَعْظِيمًا من هَذَا ثمَّ قَالَ عِنْدهَا يَوْمًا فغطته بالوسادة وتحاملت هِيَ وجواريها عَلَيْهِ فَقتلته وَأَرَادَ عبد الْملك أَن يثأر مِنْهَا فَقيل لَهُ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 يسمع أَن امْرَأَة قتلت أَبَاك وِلَادَته سنة ثِنْتَيْنِ من الْهِجْرَة بُويِعَ فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَكَانَت الشَّوْكَة وَالْغَلَبَة لِابْنِ الزبيير مدَّته خَمْسَة عشر شهرا وَقيل عشرَة أشهر وَفَاته فِي رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ عمره ثَلَاث وَسِتُّونَ وَقيل أَربع وَسِتُّونَ وَقد كَانَ بَايع لوَلَده عبد الْملك ثمَّ بعده لوَلَده الآخر عبد الْعَزِيز وَالِد عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (وثوب الْمُخْتَار بِالْكُوفَةِ وأخباره) لما قتل سُلَيْمَان بن صرد وَقدم الشِّيعَة إِلَى الْكُوفَة وَكَانَ الْمُخْتَار مَحْبُوسًا كَمَا مر كتب إِلَيْهِم من السجْن يعدهم ويمنيهم ويعرفهم أَن الَّذِي بَعثه ابْن الْحَنَفِيَّة لطلب الثأر فَقَرَأَ كِتَابه رِفَاعَة بن شَدَّاد والمثنى بن مخرمَة الْعَبْدي وَسعد بن حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَيزِيد بن أنس وَأحمد بن شميط البَجلِيّ وَعبد الله بن شَدَّاد البَجلِيّ وبعثوا إِلَيْهِ عبيد الله بن كَامِل مِنْهُم إِنَّا بِحَيْثُ نسرك وَإِن شِئْت أَن نَأْتِيك ونخرجك من الْحَبْس فعلنَا فسر بذلك وأمهلهم ثمَّ شفع فِيهِ ابْن عمر إِلَى عبد الله بن يزِيد وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة فَأطلق واستحلفاه أَلا يخرج عَلَيْهِم وَنزل بداره وَاخْتلفت إِلَيْهِ الشِّيعَة وَبَايَعُوهُ وَقَوي أمره ثمَّ عزل ابْن الزبير إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة وَعبد الله بن يزِيد وَاسْتعْمل على الْكُوفَة عبد الله ابْن مُطِيع فَقَدمهَا فِي رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وخطب النَّاس بِأَن ابْن الزبير أمره أَلا يقسم فيئهم فِي غَيرهم وَأَن يسير فيهم بسيرة عمر وَعُثْمَان ثمَّ توعدهم على الْخلاف فَقَالُوا أما فيئنا فَلَا يكون غير ذَلِك وَأما السِّيرَة فسيرة عَليّ الَّتِي سَار بهَا فِي بِلَادنَا وَلَا حَاجَة لنا فِي سيرة عُثْمَان وَلَا عمر فَقَالَ ابْن مُطِيع نسير بِكُل سيرة ترضونها ثمَّ بلغه أَن الْمُخْتَار يَدْعُو لأهل الْبَيْت وبمن اجْتمع لَهُ وأشاروا عَلَيْهِ بحبسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 فَبعث إِلَه فَاعْتَذر بِالْمرضِ وارتاب أَصْحَاب الْمُخْتَار فِيمَا بَلغهُمْ عَن ابْن الْحَنَفِيَّة فَسَارُوا إِلَيْهِ بِمَكَّة يسألونه واستأذنوه فِي اتِّبَاعه فَقَالَ وددت أَن الله انتصَرَ لنا من عدونا بِمن يَشَاء مِنْ خلقه فَرَجَعُوا وأخبروا بذلك الْمُخْتَار وَقَالُوا لَهُ قد أمرنَا بنصرك فَجمع الشِّيعَة وَأخْبرهمْ بِمَا قدم بِهِ أَصْحَابهم من عِنْد ابْن الْحَنَفِيَّة وَأَنه أخْبرهُم رَسُوله وأمركم باتباعي وطاعتي فِيمَا دعوتكم إِلَيْهِ من قتال المحلين والطلب بدماء أهل الْبَيْت وَشهد الوافدون بذلك فاجتمعت الشِّيعَة وَمن جُمْلَتهمْ الشّعب وَأَبُو شُرَحْبِيل وَأَشَارَ عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه بِدُعَاء إِبْرَاهِيم بن الأشتر لقوى أَمرهم بِهِ فَمضى إِلَيْهِ الشّعبِيّ فِي جمَاعَة مِنْهُم وَذكر تقدم أَبِيه فِي ولَايَة عَليّ وَدعَاهُ إِلَى الطّلب بِدَم الْحُسَيْن وَأَصْحَابه فَقَالَ عل أَن تولوني فَقَالُوا قد جَاءَ الْمُخْتَار بتولية ابْن الْحَنَفِيَّة وَقد أمرنَا بِطَاعَتِهِ فَسكت إِبْرَاهِيم ثمَّ جَاءَ الْمُخْتَار بِكِتَاب ابْن الْحَنَفِيَّة إِلَى إِبْرَاهِيم يسْأَله النُّصْرَة ويعده بِالْولَايَةِ الْعَامَّة وَفِيه من مُحَمَّد الْمهْدي إِلَى إِبْرَاهِيم بن مَالك الأشتر وَدفعه إِلَيْهِ الشّعبِيّ وقرأه وَقَالَ مازال ابْن الْحَنَفِيَّة يكاتبني فَلَا زيد على اسْمه وَاسم أَبِيه فَشهد جمَاعَة مِنْهُم أَنه كِتَابه وَسكت الشّعبِيّ وَسَأَلَهُ إِبْرَاهِيم بعد انصرافهم فَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يشْهدُونَ سادة الْقُرَّاء ومشيخة الْمصر وفرسان الْعَرَب فَكتب أَسْمَاءَهُم عِنْده ثمَّ حمل عشيرته على إِجَابَة الْمُخْتَار وَصَارَ يخْتَلف إِلَيْهِ وتواعدوا لِلْخُرُوجِ منتصف ربيع الأول سنة سِتّ وَسِتِّينَ ونما خبر إِلَى ابْن مُطِيع فَبعث إِلَى رُءُوس النَّاس فِي كل نَاحيَة من الْكُوفَة يوقظهم لذَلِك وَألا يؤتوا من قبلهم فَاسْتَعدوا فَركب إِيَاس بن مضَارب فِي الشَّرْط وأحاط بِالسوقِ وَالْقصر ثمَّ ركب إِبْرَاهِيم بن الأشتر يُرِيد الْمُخْتَار قبل الْموعد بليلتين وَهُوَ مظهر للسلاح وَلَقي إِيَاس بن مضَارب فارتاب بِهِ وأراده على الْإِتْيَان لِابْنِ مُطِيع فَأبى وطعنه فَقتله وافترق أَصْحَاب إِيَاس وَجَاءُوا إِلَى ابْن مُطِيع وَولى مَكَانَهُ ابْن رَاشد على الشرطة وَمضى إِبْرَاهِيم إِلَى الْمُخْتَار وَأخْبرهُ بالْخبر وبعثوا فِي الشِّيعَة وتنادوا بثأر الْحُسَيْن ومضَى إِبْرَاهِيم إِلَى النخع فاستركبهم وَسَار بهم فِي الْمَدِينَة لَيْلًا وَهُوَ يتَجَنَّب الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الْأُمَرَاء ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 لقِيه بَعضهم فَهَزَمَهُمْ ثمَّ آخَرين كَذَلِك ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُخْتَار فَوجدَ شبيبَ بنَ رَبعي وحجار بن أبجر الْعجلِيّ يقاتلانه فهومهما وَجَاء شَبَّبَ إِلَى ابْن مُطِيع فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِجمع النَّاس والنهوض إِلَى الْقَوْم فقد قوي أَمرهم فَركب وَاجْتمعَ النَّاس وتوافي إِلَى الْمُخْتَار نَحْو أَرْبَعَة آلَاف من الشِّيعَة وَبعث ابْن مُطِيع شبيب بن ربعي فِي ثَلَاثَة آلَاف وَرَاشِد بن إِيَاس فِي أَرْبَعَة آلَاف فسرح إِلَيْهِم الْمُخْتَار إِبْرَهِيمُ بن الأشتر لراشد فِي سِتّمائَة فَارس وسِتمِائَة راجل ونعيم بن هُبَيْرَة لشيب فِي ثَلَاثمِائَة فَارس وسِتمِائَة راجل واقتتلوا من بعد صَلَاة الصُّبْح وَقتل نعيم فوهن الْمُخْتَار لقَتله وَظهر شبيب وَأَصْحَابه عَلَيْهِم وَقَاتل إِبْرَاهِيم ابْن الأشتر رَاشد بن إِيَاس فَقتله وَانْهَزَمَ أَصْحَابه فركبهم الْقَتْل وَبعث ابْن مُطِيع جَيْشًا كثيفاً فَهَزَمَهُمْ إِبْرَاهِيم ثمَّ حمل على شبيب فَهَزَمَهُ وزحف الْمُخْتَار فَمَنعه الرُّمَاة من دُخُول الْكُوفَة وَرجع المنهزمون إِلَى ابْن مُطِيع فدهش فشجعه عَمْرو ابْن الْحجَّاج الزبيدِيّ وَقَالَ لَهُ اخْرُج واندب النَّاس فَفعل وَقَامَ فِي النَّاس ووبخهم على هزيمتهم وندبهم ثمَّ بعث عَمْرو بن الْحجَّاج فِي أَلفَيْنِ وشمر بن ذِي الجوشن فِي أَلفَيْنِ وَنَوْفَل بن مساحق فِي خَمْسَة آلَاف ووقف هُوَ بكناسة واستخلف على الْقصر شبيب بن ربعي فَحمل ابْن الأشتر على ابْن مساحق فَهَزَمَهُ وأسره ثمَّ مَن عَلَيْهِ وَدخل ابْن مُطِيع الْقصر وحاصره إِبْرَاهِيم الأشتر ثَلَاثًا وَمَعَهُ يزِيد بن أنس وَأحمد بن شميط وَلما اشْتَدَّ الْحصار على ابْن مُطِيع أَشَارَ عَلَيْهِ شبيب بن ربعي بِأَن يستأمنَ الْمُخْتَار وَيلْحق بِابْن الزبير وَله مَا بعده فَخرج عَلَيْهِم مسَاء وَنزل دَار أبي مُوسَى وَاسْتَأْمَنَ الْقَوْم للمختار فَدخل الْقصر وَغدا على النَّاس فِي الْمَسْجِد فخطبهم ودعا إِلَى بَيْعه ابْن الْحَنَفِيَّة فَبَايعهُ أَشْرَاف الْكُوفَة على الْكتاب وَالسّنة والطلب بِدَم الْحُسَيْن وَوَعدهمْ بِحسن السِّيرَة وبلغه أَن ابْن مُطِيع فِي دَار أبي مُوسَى فَبعث إِلَيْهِ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَقَالَ تجهز بِهَذِهِ وَكَانَ ابْن مُطِيع قد فرق بيُوت الْأَمْوَال على النَّاس وَسَار ابْن مُطِيع إِلَى وَجهه وَملك الْمُخْتَار الْكُوفَة وَجعل على شريطة عبد الله بن كَامِل وعَلى حرسه كيسَان أَبَا عمْرَة وَجعل الْأَشْرَاف جلساءه وَعقد لعبد الله بن الْحَارِث بن الأشتر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 على أرمينية ولمحمد بن عُمَيْر بن عُطَارِد على أذربيجان ولعَبْد الرَّحْمَن بن سعيد ابْن قيس على الْموصل وَإِسْحَاق بن مَسْعُود على الْمَدَائِن ولسعد بن حُذَيْفَة بن الْيَمَان على حلوان وَأمر بِقِتَال الأكراد وَإِصْلَاح السابلة وَولي شريحاً على الْقَضَاء ثمَّ طعنت فِيهِ الشِّيعَة بِأَنَّهُ شهد على حجر بن عدي وَلم يبلغ عَن هَانِئ بن عُرْوَة رسَالَته إِلَى قومه وَأَن عليا عَزله وَأَنه عثماني وَسمع ذَلِك هُوَ فتمارض فَجعل مَكَانَهُ عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود ثمَّ مرض فولي مَكَانَهُ عبد الله بن مَالك الطَّائِي (مسير ابْن زِيَاد إِلَى الْمُخْتَار وَخلاف أهل الْكُوفَة عَلَيْهِ وغلبه إيَّاهُم) كَانَ مَرْوَان بن الحكم لما استوثق لَهُ أهل الشَّام بعث جيشين أحددهما إِلَى الحجار مَعَ حنيش بن دلجة القيني وَقد مر شَأْنه ومقتله وَالْآخر إِلَى الْكُوفَة مَعَ عبيد الله بن زِيَاد وَكَانَ من أمره وَأمر التوابين من الشِّيعَة مَا تقدَم وَأقَام محاصراً لزفَر بن الْحَارِث بقرقيسيا وَهُوَ مَعَ قومه قيس على طَاعَة ابْن الزبير فاشتغل بهم عَن الْعرَاق سنة أَو نَحْوهَا ثمَّ توفّي مَرْوَان وَولي بعده عبد الْملك فأقره على ولَايَته وَأمره بالجد وأيس من أَمر زفر وَقيس فَنَهَضَ إِلَى الْموصل فَخرج عَنْهَا عبد الرَّحْمَن بن سعد عَامل الْمُخْتَار إِلَى تكريت وَكتب إِلَى الْمُخْتَار بالْخبر فَبعث يزِيد بن أنس الْأَسدي فِي ثَلَاثَة اَلاف إِلَى الْموصل فَسَارُوا إِلَيْهَا على الْمَدَائِن وسرح ابْن زِيَاد للقائه ربيعَة بن الْمُخْتَار الغنوي فِي ثَلَاثَة آلَاف والتقيا بِبَابِل وعبأ يزِيد أَصْحَابه وَهُوَ رَاكب على حِمَاره وحرضهم وَقَالَ إِن مت فأميركم وَرْقَاء بن عَازِب الْأَسدي وَإِن هلك فعبد الله بن ضَمرَة العذري وَإِن هلك فسعد الْحَنَفِيّ ثمَّ اقْتَتَلُوا يَوْم عَرَفَة وَانْهَزَمَ أهل الشَّام وَقتل ربيعَة وَسَار الْعَسْكَر غير بعيد فَلَقِيَهُمْ عبد الله بن حَملَة الْخَثْعَمِي قد سرحه ابْن زِيَاد فِي ثَلَاثَة آلَاف فَرد المنهزمين وَأعَاد الْقِتَال يَوْم الْأَضْحَى فَانْهَزَمَ أهل الشَّام وأثخنت فيهم أهل الْكُوفَة الْقَتْل والنهب وأسروا مِنْهُم ثَلَاثمِائَة فَقَتَلُوهُمْ وَهلك يزِيد بن أنس من آخر يَوْمه وَقَامَ بأمرهم وَرْقَاء بن عَازِب خَليفَة وهاب لِقَاء ابْن زِيَاد بعد يزِيد وَقَالَ نرْجِع لمَوْت أميرنا قبل أَن يظْهر علينا أهل الشَّام بذلك وَصرف النَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 وَتقدم الْخَبَر إِلَى الْكُوفَة فَأَرْجَفَ النَّاس بالمختار وَأشيع أَن يزِيد قتل وساء الْمُخْتَار رُجُوع الْعَسْكَر فسرح إِبْرَاهِيم بن الأشتر فِي سَبْعَة آلَاف وَضم إِلَيْهِ حنيش يزِيد ثمَّ تناجز ابْن زِيَاد فَسَارُوا لذَلِك ثمَّ اجْتمع أَشْرَاف الْكُوفَة عِنْد شبيب بن ربعي وَكَانَ شيخهم جاهلي إسلامي وَشَكوا من سيرة الْمُخْتَار وإيثاره الموَالِي عَلَيْهِم دَعوه إِلَى الْوُثُوب بِهِ فَقَالَ حَتَّى أَلْقَاهُ وأعذر إِلَيْهِ ثمَّ ذهب إِلَيْهِ وَذكر لَهُ جَمِيع مَا ذَكرُوهُ فوعده الرُّجُوع إِلَى رضاهم لَهُ وَذكر شَأْن الموَالِي وشوكتهم فِي الفئ فَقَالَ إِن أعطيتموني عهدكم عِلّة قتال بني أُميَّة وَابْن الزبير تَركهم فَقَالَ اخْرُج إِلَيْهِم بذلك وَخرج فَلم يرجع وَاجْتمعَ رَأْيهمْ على قِتَاله وهم شبيب بن ربعي وَمُحَمّد بن الْأَشْعَث وَعبد الرَّحْمَن بن سعد بن قيس وشمر بن ذِي الجوشن وَكَعب بن أبي كَعْب الْخَثْعَمِي وَعبد الرَّحْمَن بن مخنف الْأَزْدِيّ وَكَانَ ابْن مخنف أَشَارَ عَلَيْهِم بِأَن يمهلوا لقدوم أهل الشَّام ومجيء أهل الْبَصْرَة فيكفونهم أمره قبل أَن يُقَاتِلكُمْ بمواليكم وشجعانكم وَهُوَ عَلَيْكُم أَشد فَأَبَوا رَأْيه وَقَالُوا لَا تفْسد جماعتنا ثمَّ خَرجُوا وشهروا السِّلَاح وَقَالُوا للمختار اعْتَزَلنَا فَإِن ابْن الْحَنَفِيَّة لم يَبْعَثك قَالَ فتعالوا نبعث إِلَيْهِ الرُّسُل مني ومنكم وَأخذ يعللهم بِمثل هَذِه المراحعات وكف أَصْحَابه عَن قِتَالهمْ ينظرُونَ وُصُول إِبْرَاهِيم بن الأشتر وَقد بعث إِلَيْهِ بِالرُّجُوعِ فجَاء وَالْقَوْم مجتمعون وَرِفَاعَة بن شَدَّاد البَجلِيّ يُصَلِّي بهم فَلَمَّا وصل إِبْرَاهِيم عبأ الْمُخْتَار أَصْحَابه وسرح بَين يَدَيْهِ أَحْمد بن شميط البَجلِيّ وَعبد الله بن كَامِل الشاكري فَانْهَزَمَ أصحابهما وصبرا وأمدهما الْمُخْتَار بِالرِّجَالِ والفرسان فوجَاً بعد فَوْج وَصَارَ ابْن الأشتر إِلَى مُضر وَفِيهِمْ شبيب بن ربعي وَقَاتلهمْ فَهَزَمَهُمْ وَاشْتَدَّ ابْن كَامِل على أهل الْيمن فَرجع رِفَاعَة بن شَدَّاد أمامهم إِلَى الْمُخْتَار فقاتل مَعَه حَتَّى قتل وَقتل من أهل الْيمن عبد الله بن سعيد بن قيس والفرات أهل الْيمن هزيمنة قبيحة وَأسر من الوادعيين خَمْسمِائَة أَسِير فَقتل الْمُخْتَار كل من شهد قتل الْحُسَيْن مِنْهُم وَكَانُوا نصفهم وَأطلق البَاقِينَ ونادى الْمُخْتَار بالأمان إِلَّا من شرك فِي دِمَاء أهل الْبَيْت وفر عَمْرو بن الْحجَّاج الزبيدِيّ وَكَانَ أَشد من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 حضر قتل الْحُسَيْن فَلم يُوقف لَهُ على خبر وَقيل أدْركهُ أَصْحَاب الْمُخْتَار فَأخذُوا رَأسه وَبعث فِي طلب شمر بن ذِي الجوشن فَقتل طَالبه وانْتهى إِلَى قَرْيَة الكلتانية فارتاح يظنّ أَنه نجا وَإِذا فِي قَرْيَة أُخْرَى بإزائه أَبُو عمْرَة صَاحب الْمُخْتَار بَعثه مصلحاً بَينه وَبَين أهل الْبَصْرَة فنما إِلَيْهِ خَبره فَبعث إِلَيْهِ وَألقى شلوه للكلاب وانجلت الْوَقْعَة عَن سَبْعمِائة وَثَمَانِينَ قَتِيلا أَكْثَرهم من الْيمن وَكَانَت آخر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخرج أَشْرَاف النَّاس إِلَى الْبَصْرَة وتتبع الْمُخْتَار قتلة الْحُسَيْن وَدلّ عَلَيْهِم عبيد الله بن أَسد الْجُهَنِيّ وَمَالك بن الأشتر الْكِنْدِيّ وَحمل بن مَالك الْمحَاربي بالقادسية فأحضرهم وقتلهم ثمَّ أحضر زِيَاد بِمَ مَالك الضبعِي وَعمْرَان بن خَالِد الغنوي وَعبد الرَّحْمَن بن أبي خشكارة البَجلِيّ وَعبد الله بن قيس الْخَولَانِيّ وَكَانُوا نهبوا من الورس الَّذِي كَانَ مَعَ الْحُسَيْن فَقَتلهُمْ وأحضر عبد الله وَعبد الرَّحْمَن ابْني طَلْحَة وَعبد الله بن وهب الْهَمدَانِي ابْن عَمْرو الْأَعْشَى فَقَتلهُمْ وأحضر عُثْمَان بن خَالِد الْجُهَنِيّ وَابْن أَسمَاء بشر بن شميط الْقَابِسِيّ وَكَانَا مشتركين فِي قتل عبد الرَّحْمَن بن عقيل وَفِي سلبه فَقَتَلَهُمَا وحرقهما بالنَّار وَبحث عَن حَولي بن يزِيد الأصبحي صَاحب رَأس الْحُسَيْن فجيء بِرَأْسِهِ وَحرق بالنَّار ثمَّ قتل عمر بن سعد بن أبي وَقاص بعد أَن كَانَ أَخذ لَهُ الْأمان من عبد الله بن جعدة بن هُبَيْرَة فَبعث أَبَا عمْرَة فَجَاءَهُ بِرَأْسِهِ وَابْنه حَفْص عِنْده فَقَالَ تعرف هَذَا قَالَ نعم وَلَا خير فِي الْعَيْش بعده فَقتله وَعَن الْهَيْثَم بن حسن بن عمَارَة قَالَ قدم شيخ من خُزَاعَة أَيَّام الْمُخْتَار فَنزل على عبد الله بن أبي أَبْزي الْخُزَاعِيّ فَلَمَّا رأى مَا تصنع شيعَة الْمُخْتَار بِهِ من الإجلال والإعظام جعل يَقُول يَا عباد الله أبالمختار يصنع هَذَا وَالله لقد رَأَيْته يَبِيع الْإِمَاء بالحجار فَبلغ ذَلِك الْمُخْتَار فَدَعَا بِهِ وَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي بَلغنِي عَنْك قَالَ الْبَاطِل فَأمر بِضَرْب عُنُقه فَقَالَ لَا وَالله لَا تقدر على ذَلِك قَالَ وَلم قَالَ أما إِنِّي أنظر إِلَيْك وَقد فتحتَ مَدِينَة دمشق حجرا حجرا وَقتلت الْمُقَاتلَة وسبيت الذُّرِّيَّة ثمَّ تصلبني على شَجَرَة على نهر وَالله إِنِّي لأعرف الشَّجَرَة السَّاعَة وَأعرف شاطئ ذَلِك النَّهر قَالَ فَالْتَفت الْمُخْتَار إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم أما إِن الرجل قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 عرف السحر فحبس حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل بعث إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَخا خُزَاعَة أَو مزاح عِنْد الْقَتْل فَقَالَ أنْشدك الله أَن تقتل ضيَاعًا قَالَ وَمَا تطلب هَهُنَا قَالَ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم أَقْْضِي بهَا ديني قَالَ ادفعوها لَهُ وَإِيَّاك أَن تصبح بِالْكُوفَةِ فقبضها وَخرج ليلته وَعنهُ قَالَ كَانَ سراقَة الْبَارِقي من ظرفاء أهل الْمَدِينَة فَأسرهُ رجل من أَصْحَاب الْمُخْتَار فآتى بِهِ الْمُخْتَار وَقَالَ أسرت هَذَا فَقَالَ سراقَة كذب وَالله مَا أسرني إِنَّمَا أسرني رجل عَلَيْهِ ثِيَاب بيض على فرس أبلق فَقَالَ الْمُخْتَار أما إِن الرجل قد عاين الْمَلَائِكَة خلوا سَبيله فَلَمَّا أفلت أنشأ يَقُول // (من الوافر) // (أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا إسْحاقَ عَنِّي ... بأَنَّ البُلْقَ دُهْم مُصْمتَات) (أرى عَيْنَيَّ مَا لمْ تَرْأَياهُ ... كِلاَنَا مولَعٌ بِالتُّرَّهَاتِ) (كَفَرْتُ بِدِينِكُمْ وجعلتُ نَذْرًا ... عَلَيِّ قِتَالكُمْ حَتى المَمَات) وَيُقَال إِن الَّذِي بعث الْمُخْتَار على قتلة الْحُسَيْن أَن يزِيد بن شرَاحِيل الْأنْصَارِيّ قدم على مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ لَهُ ابْن الْحَنَفِيَّة يزْعم الْمُخْتَار أَنه لنا شيعَة وقتلة الْحُسَيْن عِنْده على الكراسي يحدثونه فَلَمَّا سمع الْمُخْتَار ذَلِك تتبعهم بِالْقَتْلِ وَبعث بِرَأْس عمر وَابْنه إِلَى ابْن الْحَنَفِيَّة وَكتب إِلَيْهِ أَنه قتل من قدر عَلَيْهِ وَهُوَ فِي طلب البَاقِينَ ثمَّ أحضر حَكِيم بن طفيل الطَّائِي وَكَانَ رمى الْحُسَيْن وَأصَاب سلب الْعَبَّاس ابْنه وَجَاء عدي بن حَاتِم ليشفع فِيهِ فَقتله ابْن كَامِل والشيعة قبل أَن يصل حذرا من قبُول الْمُخْتَار شَفَاعَته وَبحث عَن مرّة بن منقذ بن عبد الْقَيْس قَاتل عَليّ بن الْحُسَيْن فدافع عَن نَفسه وَنَجَا لى مُصعب بن الزبير وَقد شلت يَده بضربة وَبحث عَن زيد بن رقاد الْجَنبي قَاتل عبد الله بن مُسلم بن عقيل رَمَاه بسهمين وَقد وضع كَفه على جَبهته يَتَّقِي النبل فَأثْبت كَفه فِي جَبهته وَقَتله بِالْأُخْرَى فَخرج بِالسَّيْفِ يدافع فَقَالَ لَهُم ابْن الْكَامِل ارموه بِالْحِجَارَةِ فَرَمَوْهُ حَتَّى سقط وأحرقوه حَيا وَطلب سِنَان بن أنس الَّذِي كَانَ يَدعِي قتل الْحُسَيْن فلحق بِالْبَصْرَةِ وَطلب عَمْرو بن صبيح الصدائي فَقتله طعنَاً بِالرِّمَاحِ وَأرْسل فِي طلب مُحَمَّد بن الْأَشْعَث وَهُوَ بقريته عِنْد الْقَادِسِيَّة فهرب إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 مُصعب وَهدم الْمُخْتَار دَاره وَطلب آخَرين كَذَلِك من المتهمين بِأَمْر الْحُسَيْن فَلَحقُوا بمصعب وَهدم دُورهمْ (شَأْن الْمُخْتَار مَعَ ابْن الزبير) كَانَ على الْبَصْرَة الْحَارِث بن أبي ربيعَة وَهُوَ القباع عاملاَ لِابْنِ الزبير وعَلى شرطته عباد بن حُسَيْن وعَلى الْمُقَاتلَة قيس بن الْهَيْثَم وَجَاء الْمثنى بن مخرمَة الْعَبْدي وَكَانَ مِمَّن شهد مَعَ سُلَيْمَان بن صرد وَرجع فَبَايع لمختار وَبَعثه إِلَى الْبَصْرَة يَدْعُو لَهُ فَجَاءَهُ كثير من النَّاس وعسكر لِحَرْب القباع فسرح إِلَيْهِ عباد بن الْحُسَيْن وَقيس بن الْهَيْثَم فِي العساكر فَانْهَزَمَ الْمثنى إِلَى قومه عبد الْقَيْس وَأرْسل القباع عسكراً يأْتونَ فَجَاءَهُ زِيَاد بن عَمْرو الْعَتكِي فَقَالَ لَهُ لتردن خيلك عَن إِخْوَاننَا أَو لنقاتلنهم فَأرْسل الْأَحْنَف بن قيس وَأصْلح الْأَمر على أَن يخرج الْمثنى عَنْهُم فَسَار إِلَى الْكُوفَة وَقد كَانَ الْمُخْتَار لما خرج الْمُطِيع من الْبَصْرَة كتب إِلَى ابْن الزبير يخادعه ليتَم أمره فِي الدُّعَاء لأهل الْبَيْت وَطَلَبه الْمُخْتَار بِالْوَفَاءِ لما وعده من الْولَايَة فَأَرَادَ ابْن الزبير أَن يتَبَيَّن الصَّحِيح من أمره فولى عَمْرو بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام على الْكُوفَة وأعلمه بِطَاعَة الْمُخْتَار وَبَعثه إِلَيْهَا وَجَاء الْخَبَر إِلَى الْمُخْتَار فَبعث زَائِدَة بن قدامَة فِي خَمْسمِائَة فَارس وَأَعْطَاهُ سَبْعمِائة دِرْهَم وَقَالَ ادفعها إِلَى عَمْرو فَهِيَ ضعف مَا أنْفق وَأمر بالانصراف بعد أَن تمكن خيلك فَإِن أَبى فَأَرِهِ الْخَيل وَكَانَ كَذَلِك وَلما رأى عَمْرو الْخَيل أَخذ المَال وَسَار نَحْو الْبَصْرَة وَاجْتمعَ هُوَ وَابْن مُطِيع فِي إِمَارَة القباع وثوب الْمثنى بن مخرمَة وَقيل إِن الْمُخْتَار كتب إِلَى الزبير إِنِّي اتَّخذت الْكُوفَة دَارا فَإِن سوغتني ذَلِك وأعطيتني مائَة ألف دِرْهَم سرت إِلَى الشَّام وكفيتك مَرْوَان فَمَنعه من ذَلِك وَأقَام الْمُخْتَار يصانعه ويوادعه ليتفرغ لأهل الشَّام ثمَّ بعث عبد الْملك بن مَرْوَان عبد الْملك بن الْحَارِث بن الحكم بن أبي الْعَاصِ إِلَى وَادي الْقرى فَكتب الْمُخْتَار إِلَى ابْن الزبير يعرض عَلَيْهِ المدد فَأَجَابَهُ أَن يعجل بإنفاذ الْجَيْش إِلَى جند عبد الْملك بوادي الْقرى فسرح شُرَحْبِيل بن ورس الْهَمدَانِي فِي ثَلَاثَة آلَاف أَكْثَرهم من الْمولى وَأمره أَن يَأْتِي الْمَدِينَة ويكاتبه ذَلِك واتهمه ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 الزبير فَبعث من مَكَّة عَبَّاس بن سهل بن سعد فِي أَلفَيْنِ وَأمره أَن يستنفر الْعَرَب وَإِن رأى من جَيش الْمُخْتَار خيلا فناجزهم وأهلكهم فَلَقِيَهُمْ عَبَّاس بالرقيم وهم على تعبئة وَقَالَ سِيرُوا بِنَا إِلَى الْعَدو الَّذِي بوادي الْقرى فَقَالَ ابْن ورس إِنَّمَا أَمرنِي الْمُخْتَار أَن آتِي الْمَدِينَة فَفطن عَبَّاس لما يُرِيد وأنزلهم وجاءهم بالعلوفة والزاد وتخير ألفا من أَصْحَابه وَحمل عَلَيْهِم فَقتل ابْن ورس وَسبعين مَعَه من شجعان قومه وَأمن البَاقِينَ فَرَجَعُوا إِلَى الْكُوفَة وَمَات أَكْثَرهم فِي الطَّرِيق وَكتب الْمُخْتَار إِلَى ابْن الْحَنَفِيَّة يشكو ابْن الزبير ويوهمه أَنه بعث الْجَيْش فِي طَاعَته فَفعل ابْن الزبير مَا فعل ويستأذنه فِي بعث الجيوش إِلَى الْمَدِينَة وَيبْعَث ابْن الْحَنَفِيَّة عَلَيْهِم رجلا من قبله فَيعلم النَّاس أَنِّي فِي طَاعَتك فَكتب إِلَيْهِ ابْن الْحَنَفِيَّة قد عرفت قصدك ووفاءك بحقي وَأحب الْأُمُور إِلَى الطَّاعَة فأطع الله وتجنب دِمَاء الْمُسلمين فَلَو أردتُ الْقِتَال لوجدت النَّاس إِلَيّ سرَاعًا والأعوان كثيرا لَكِن اعتزلهم واصبر حَتَّى يحكم الله وَهُوَ خير الْحَاكِمين ثمَّ دَعَا ابْن الزبير مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَمن مَعَه من الشِّيعَة وَأهل بَيته إِلَى الْبيعَة فَامْتنعَ وَبعث إِلَيْهِ ابْن الزبير وَأَغْلظ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم فاستكانوا وصبروا فتركهم وَذكر المَسْعُودِيّ عَن عَمْرو بن شيبَة عَن مساور بن السَّائِب أَن ابْن الزبير خطب أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يُصَلِّي على النَّبِي وَقَالَ مَا يَمْنعنِي أَن أُصَلِّي إِلَّا شمخ رجال بآنافها وَدخل عبد الله بن عَبَّاس على ابْن الزبير فَقَالَ لَهُ ابْن الزبير أَنْت الَّذِي تؤنبني وتبخلني قَالَ ابْن عَبَّاس نعم سَمِعت رَسُول الله يَقُول لَيْسَ الْمُسلم الَّذِي يشبعُ ويَجُوعُ جَاره قَالَ ابْن الزبير إِنِّي أكتُمُ بغضَكم أهلَ هَذَا الْبَيْت مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة وَجرى بَينهمَا خطب طَوِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 وخطب ابْن الزبير فَقَالَ مَا بَال أَقوام يفتون بِالْمُتْعَةِ ويتنقصون حوارِي رَسُول الله وَأم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة مَا بالهم أعمى الله بصائرهم كَمَا أعمى أَبْصَارهم يعرض بِابْن عَبَّاس فَقَالَ ابْن عَبَّاس لقائده اهدني إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أما قَوْلك فِي الْمُتْعَة فسل أمك تخبرك فَإِن أول مجمر سَطَعَ للمتعة لمجمر سَطَعَ بَين أمك وَأَبِيك قلت يُرِيد مُتْعَة الْحَج لَا مُتْعَة النِّكَاح فَإِن الزبير تزوج أَسمَاء بنت أبي بكر فِي الْإِسْلَام من أَبِيهَا مُعْلنا فَكيف تكونُ مُتْعَة نِكَاح حمى الله الزبير عَن ذَلِك وَحمى الله ابْن عَبَّاس عَن إِرَادَة مَا هُنَالك انْتهى وَأما قَوْلك أم الْمُؤمنِينَ فبنا سميت أم الْمُؤمنِينَ وَضرب عَلَيْهَا الْحجاب وَأما قَوْلك حوارِي رَسُول الله فَلَقَد لَقيته فِي الزَّحْف يَعْنِي حَرْب يَوْم الْجمل وَأَنا مَعَ إِمَام هدى فَإِن يكن على مَا أَقُول فقد كفر بقتاله وَإِن يكن على مَا تَقول فقد كفر بهربه ثمَّ انْصَرف ابْن عَبَّاس يَقُودهُ غُلَامه قلت هَذَا الْكَلَام عدم صِحَة مَعْنَاهُ دَلِيل على عدم صِحَة نسبية لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أما أَولا فَإِن الزبير لم يهرب من عَليّ يَوْم الْجمل وَإِنَّمَا لما ذكره عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بقول رَسُول الله إِنَّك ستقاتله وَأَنت لَهُ ظَالِم تذكَّر وَرجع واستغفر كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فِي وقْعَة الْجمل وَأما ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْقِتَال وَلَا الْهَرَب كفر إِن فرض وُقُوع ذَلِك إِذْ غَايَة مَا فِيهِ أنْ يكونْ خُرُوجًا عَن الإِمَام الْعَادِل لشُبْهَة قامَت عِنْد الْخَارِج وَهُوَ لَيْسَ بِكفْر بل مَعْصِيّة وفسوق وَتَأمل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للزبير وَأَنت لَهُ ظَالِم وَلم يقل وَأَنت كَافِر وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعمَّار تقتلك الفئة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 الباغية وَقَوله فِي الْحسن مَعَ مُعَاوِيَة وَقَومه وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين فسماهم مُسلمين مَعَ أَنهم خارجون عَن الْحسن ظَالِمُونَ لَهُ بقتالهم فَتَأمل ذَلِك لَكِن الرَّاوِي لهَذِهِ الْقِصَّة المَسْعُودِيّ وَهُوَ من هُوَ وَمَا هَذَا بِأَعْجَب مِمَّا رَوَاهُ من قَوْله أَكتُمُ بغضكم أهل هَذَا الْبَيْت مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة وروى أَن ابْن الزبير خطب فَقَالَ فِي أثْنَاء خطبَته عذرت بني الفواطم أَن يتكلموا فَمَا بَال ابْن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة يَابْنَ أم رُومَان وَمَالِي لَا أَتكَلّم أليست فَاطِمَة بنت مُحَمَّد حَلِيلَة أبي وَأم أخوتي أليست فَاطِمَة بنت أَسد جَدتي أَو لَيست فَاطِمَة بنت عَمْرو بن عَائِذ جدة أبي أما وَالله لَوْلَا خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد مَا تركت فِي بني أَسد عظما إِلَّا هشمته وَإِن نالتني مِنْهُم المعايب صبرت وَلما استولى الْمُخْتَار على الْكُوفَة وأظهرت الشِّيعَة دَعْوَة ابْن الحنيفة خَافَ ابْن الزبير أَن يتداعى النَّاس إِلَى الرِّضَا بِهِ فاعتزم عَلَيْهِم فِي الْبيعَة وتوعدهم بالقَتْل وحبسهم بزمزم وَضرب لَهُم أَََجَلًا وَكتب ابْن الحنيفة إِلَى الْمُخْتَار بذلك فَأخْبر الشِّيعَة وندبهم وَبعث أُمَرَاء مِنْهُم فِي نَحْو ثَمَانمِائَة عَلَيْهِم عبد الله الحذلي وَبعث لِابْنِ الْحَنَفِيَّة أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم وَسَارُوا إِلَى مَكَّة فَدَخَلُوا الْمَسْجِد الْحَرَام وبأيديهم الْخشب كَرَاهَة إشهار السَّيْف فِي الْحرم وَطَفِقُوا ينادون بثأر الْحُسَيْن حَتَّى انْتَهوا إِلَى زَمْزَم وأخرجوا ابْن الْحَنَفِيَّة وَقد كَانَ بَقِي من أَجله يَوْمَانِ واستأذنوه فِي قتال ابْن الزبير فَقَالَ لَا أستحل الْقِتَال فِي الْحرم ثمَّ جَاءَ بَاقِي الْجند وخافهم ابْن الزبير وَخرج ابْن الْحَنَفِيَّة إِلَى شعب عَليّ وَاجْتمعَ لَهُ أَرْبَعَة آلَاف رجل فقسم بَينهم المَال وَامْتنع وَلما قتل الْمُخْتَار واستوثق أَمر ابْن الزبير بعث إِلَيْهِ بالبيعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 فخافه على نَفسه وَكتب لعبد الْملك فَأذن لَهُ أَن يقدم الشَّام حَتَّى يَسْتَقِيم أَمر النَّاس ووعده بِالْإِحْسَانِ فَخرج ابْن الْحَنَفِيَّة وَأَصْحَابه إِلَى الشَّام وَلما وصل مَدين لقِيه خبر مهلك عَمْرو بن سعيد فندم وَأقَام بأيلة وَظهر للنَّاس فَضله وعبادته وزهده وَكتب لَهُ عبد الْملك أَن يبايعه فَرجع إِلَى مَكَّة وَنزل شعب أبي طَالب فَأخْرجهُ ابْن الزبير إِلَى الطَّائِف وعذل ابْن عَبَّاس ابْن الزبير على شَأْنه ثمَّ خرج عَنهُ وَلحق بِالطَّائِف وَمَات هُنَاكَ فصلى عَلَيْهِ ابْن الْحَنَفِيَّة وعاش حَتَّى أدْرك حِصَار الْحجَّاج لِابْنِ الزبير وَلما قتل ابْن الزبير بَايع مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة لعبد الْملك وَكتب عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج بتعظيم حَقه وبَسطِ أمله ثمَّ قدم الشَّام وَطلب من عبد الْملك أَن يرفع عَنهُ ففْعل وَقيل إِن ابْن الزبير بعث إِلَى ابْن عَبَّاس وَابْن الْحَنَفِيَّة فِي الْبيعَة فَقَالَا حَتَّى يجْتَمع النَّاس على إِمَام فَإِن هَذِه فتْنَة فحبس ابْن الْحَنَفِيَّة فِي زَمْزَم وضيق على ابْن عَبَّاس فِي منزله فَأَرَادَ إحراقهما فَأرْسل الْمُخْتَار جَيْشه كَمَا تقدَّم وَنَفس عَنْهُمَا فَلَمَّا قتل الْمُخْتَار قوي ابْن الزبير عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا إِلَى الطَّائِف (مقتل ابْن زِيَاد) وَلما فرغ الْمُخْتَار من قتال أهل الْكُوفَة آخر سنة سِتّ وَسِتِّينَ بعث إِلَى إِبْرَاهِيم ابْن الأشتر لقِتَال ابْن زِيَاد وَبعث مَعَه بالكرسي الَّذِي يستنصر بِهِ وَهُوَ كرْسِي قد غشاه بِالذَّهَب وَقَالَ للشيعة هَذَا فِيكُم مثل التابوت فِي بني إِسْرَائِيل فَكثر السبئية وأحضر قتال ابْن زِيَاد فَكَانَ لَهُ الظُّهُور فازدادت الشِّيعَة فتْنَة وَيُقَال إِنَّه كرْسِي عَليّ بن أبي طَالب وَإِن الْمُخْتَار أَخذه من ولد جعدة بن هُبَيْرَة وَكَانَت أمه أم هَانِئ بنت أبي طَالب فَهُوَ ابْن أُخْت عَليّ ثمَّ أسْرع إِبْرَاهِيم بن الأشتر السّير وأوغل فِي أَرض الْموصل وَكَانَ ابْن زِيَاد قد ملكهَا كَمَا مر فَلَمَّا دخل إِبْرَاهِيم أَرض الْموصل عبأ أَصْحَابه وَلما بلغ نهر الخابور بعث على مقدمته الطُّفَيْل بن لَقِيط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 النَّخعِيّ وَنزل ابْن زِيَاد قَرِيبا من النَّهر وَكَانَت قيس مضطغنة على بني مَرْوَان من وقْعَة المرج وجند عبد الْملك يَوْمئِذٍ كُلَيْب فلقي عُمَيْر بن الْحباب السّلمِيّ إِبْرَاهِيم بن الأشتر ووعده أَن ينهزم بالمسيرة وَأَشَارَ عَلَيْهِ بالمناجزة وَرَأى عِنْد ابْن الأشتر ميلًا إِلَى المطاولة فثناه عَن ذَلِك وَقَالَ إِنَّهُم ملئوا مِنْكُم رعْبًا وَإِن طاولتهم اجترءوا عَلَيْكُم قَالَ وَبِذَلِك أَوْصَانِي صَاحِبي ثمَّ عبأ أَصْحَابه فِي السحر الأول يمشي ويحرض النَّاس حَتَّى أشرف على الْقَوْم وَجَاء عبد الله بن زُهَيْر السكونِي بِأَنَّهُم خَرجُوا على دهش وفشل وَابْن الأشتر يحرض أَصْحَابه وَيذكرهُمْ فَقَالَ ابْن زِيَاد وَأَبِيهِ ثمَّ التقى الْجَمْعَانِ وَحمل الْحصين بن نمير من ميمنة أهل الشَّام على ميسرَة إِبْرَاهِيم فَقتل عَليّ بن مَالك الْخَثْعَمِي ثمَّ أَخذ الرَّايَة قُرَّة بن عَليّ فَقتل وانهزمت المسيرة كَمَا كَانُوا وحملت ميمنة إِبْرَاهِيم على ميسرَة ابْن زِيَاد وهم يرجون أَن ينهزم عُمَيْر بن الْحباب كَمَا وعدهم فمنعته الأنفة عَن ذَلِك وَقَاتل قتالا شَدِيدا وَقصد ابْن الأشتر قلب الْعَسْكَر وسواده الْأَعْظَم فَاقْتَتلُوا أَشد قتال حَتَّى كَانَت أصوات الضَّرْب بالحديد كأصوات القَصارين وَإِبْرَاهِيم يَقُول لصَاحب الرَّايَة انغمس برايتك فيهم ثمَّ حملُوا حَملَة رجل وَاحِد فَانْهَزَمَ أَصْحَاب ابْن زِيَاد وَقَالَ ابْن الأشتر إِنِّي قتلت رجلا تَحت راية مُنْفَرِدَة شممت مِنْهُ رَائِحَة الْمسك وضربته بسيفي فقصمته نِصْفَيْنِ فالتمسوه فَإِذا هُوَ ابْن زِيَاد فَأخذ رَأسه وأحرقت جثته وَحمل شريك بن جدير التغلبي على الْحصين من غير سلَاح فاعتنقه وَجَاء بِهِ أَصْحَابه فَقتلُوا الْحصين وَيُقَال إِن الَّذِي قتل ابْن زِيَاد هُوَ ابْن جدير هَذَا وَقتل شُرَحْبِيل بن ذِي الكلاع وَادّعى قَتله سُفْيَان بن يزِيد الْأَزْدِيّ وورقاء بن عَازِب الْأَسدي وَعبيد الله بن زُهَيْر السّلمِيّ وَاتبع أَصْحَاب ابْن الأشتر المنهزمين فغرق فِي الْبَحْر أَكثر مِمَّن قتل وغنموا جَمِيع مَا فِي الْعَسْكَر وطير ابْن الأشتر الْبشَارَة إِلَى الْمُخْتَار فَأَتَتْهُ بِالْمَدَائِنِ وأنفذ ابْن الأشتر عماله إِلَى الْبِلَاد فَبعث أَخَاهُ عبد الرَّحْمَن إِلَى نَصِيبين وغلي على سنجار ودارة وَمَا والاهما من أَرض الجزيرة وَولى زفر ابْن الْحَارِث قرقيسيا وحاتم بن النُّعْمَان الْبَاهِلِيّ حَران والرهَا وسميساط وَعُمَيْر بن الْحباب السّلمِيّ كفر توثا وطور عَبْدَيْنِ وَأقَام بالموصل وأنفذ رُءُوس عبيد الله وقواده إِلَى الْمُخْتَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 (مسيرَة مُصعب إِلى الْمُخْتَار وَقَتله إِيَّاه) كَانَ ابْن الزبير فِي أول سنة سبع وَسِتِّينَ أَو آخر سنة سِتّ عز الْحَارِث بن أبي ربيعَة وَهُوَ القباع وَولى مَكَانَهُ أَخَاهُ مصعباً فَقدم الْبَصْرَة وَصعد الْمِنْبَر وَجَاء الْحَارِث فأجلسه مُصعب تَحْتَهُ بِدَرَجَة ثمَّ خطب وَقَرَأَ الآَيات من أول الْقَصَص وَنزل وَلحق بِهِ أَشْرَاف الْكُوفَة حِين هربوا من الْمُخْتَار وَدخل عَلَيْهِ شبيب بن ربعي وَهُوَ يُنَادي واغوثاه ثمَّ قدم مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بعده واستحثوه على الْمسير وَبعث عَن الْمُهلب بن أبي صفرَة وَهُوَ عَامله على فَارس ليحضر مَعَه قتال الْمُخْتَار فَأَبْطَأَ واعتل فَأرْسل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بكتابه فَقَالَ الْمُهلب مَا وجد مُصعب بريداً غَيْرك فَقَالَ مَا أَنا ببريد وَلَكِن غلبنا عبيدنا على آبَائِنَا وحرمنا فَأقبل مَعَه الْمُهلب بالجموع وَالْأَمْوَال وعسكر مُصعب عِنْد الجسر وَأرْسل عبد الرَّحْمَن بن مخنف إِلَى الْكُوفَة سِراً ليثبط النَّاس عَن الْمُخْتَار وَيَدْعُو النَّاس إِلَى ابْن الزبير وَسَار على التعبئة وَبعث فِي مقدمته عباد بن الْحصين الحبطي التَّمِيمِي وعَلى ميمنته عمر بن عبيد الله بن معمر وَسَار ميسرته الْمُهلب وَبلغ الْخَبَر الْمُخْتَار فَقَامَ فِي أَصْحَابه وندبهم إِلَى الْخُرُوج مَعَ ابْن شميط وعسكر بحمام أعين وَبعث برءوس الأرباع الَّذين كَانُوا مَعَ ابْن الأشتر مَعَ ابْن شميط فَسَار وعَلى مقدمته ابْن كَامِل الشاكري وانْتهى إِلَى الْمدَار فَعَسْكَرَ قَرِيبا من مُصعب ثمَّ حمل عباد صَاحب مُقَدّمَة مُصعب على ابْن شميط وَأَصْحَابه فثبتوا وَحمل الْمُهلب على الميسرة على ابْن كَامِل فَثَبت ثمَّ كَر الْمُهلب وَحمل حَملَة مُنكرَة وصبر ابْن كَامِل قَلِيلا وانهزموا وَحمل النَّاس جَمِيعًا على ابْن شميط فَانْهَزَمَ وَقتل واستحر الْقَتْل فِي خيل من أهل الْكُوفَة فَلم يدركوا منهزمَاً إِلَّا قَتَلُوهُ وَلما فرغ مُصعب مِنْهُم أقبل فَقطع الْفُرَات وَسَار إِلَى الْكُوفَة وَلما بلغ الْمُخْتَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 خبر الْهَزِيمَة وَمن قتل من أَصْحَابه وَأَن مصعباً أقبل إِلَيْهِ فِي الْبر وَالْبَحْر سَار إِلَى مجمع الْأَنْهَار نهر الجزيرة والسلحين والقادسية ونهر يُوسُف فَكسر الْفُرَات فَذهب مَاؤُهُ فِي الْأَنْهَار وَبقيت السفن سفن أهل الْبَصْرَة فِي الطين فَخَرجُوا إِلَى الْكسر وأزالوا وقصدوا الْكُوفَة وَسَار الْمُخْتَار فَنزل حروراء بعد أَن حصن الْقصر وَأدْخل عدَّة الْحصار وَأَقْبل مُصعب وعَلى ميمنته الْمُهلب وعَلى ميسرته سعيد بن منقذ الْهَمدَانِي وعَلى الْخَيل عَمْرو بن عبد الله النَّهْدِيّ وَنزل مُحَمَّد بن الْأَشْعَث فِيمَن هرب من أهل الْكُوفَة بَين العسكرين وَلما التقى الْجَمْعَانِ اقْتَتَلُوا سَاعَة وَحمل عبد الله بن جعدة بن هُبَيْرَة المَخْزُومِي على من بازائه فحطم أَصْحَاب الْمُخْتَار حطمة مُنكرَة وكشفوهم وَحمل مَالك بن عَمْرو النَّهْدِيّ فِي الرجالة عِنْد الْمسَاء على ابْن الْأَشْعَث حَملَة مُنكرَة فَقتل ابْن الْأَشْعَث وَعَامة أَصْحَابه وَقتل عبيد الله بن عَليّ بن أبي طَالب وَقَاتل الْمُخْتَار ثمَّ افترق النَّاس عَنهُ وَدخل الْقصر وَسَار مُصعب من الْغَد فَنزل السبخة وَقطع عَنْهُم الْميرَة وَكَانَ النَّاس يأتونهم بِالْقَلِيلِ من الطَّعَام وَالشرَاب خُفْيَة فَفطن مُصعب لذَلِك فَمَنعه وأصابهم الْعَطش فَكَانُوا يصبون الْعَسَل فِي الآَبار وَيَشْرَبُونَ ثمَّ إِن الْمُخْتَار أَشَارَ على أَصْحَابه بالاستماتة فتحنط وتطيب وَخرج فِي عشْرين رجلا مِنْهُم السَّائِب بن مَالك الْأَشْعَرِيّ فعذله فَقَالَ وَيحك يَا أَحمَق وثب ابْن الزبير بالحجاز وَابْن نجدة بِالْيَمَامَةِ ومروان بِالشَّام فَكنت كأحدهم إِلَّا أَنِّي طلبت بثأر أهل الْبَيْت إِذْ نَامَتْ عَنهُ الْعَرَب فقاتل على حَسبك إِن لم تكن لَك نِيَّة ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل على يَد رجلَيْنِ من بني حنفية أَخَوَيْنِ طرفَة وطراف ابْني عبد الله بن دجَاجَة وَكَانَ عبد الله بن جعدة بن هُبَيْرَة لما رأى عزم الْمُخْتَار على الاستماتة تدلى من الْقصر واختفى عِنْد بعض إخوانه ثمَّ بعث الَّذين بقوا بِالْقصرِ إِلَى مُصعب ونزلوا على حكمه فَقَتلهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُهلب باستبقائهم فَاعْترضَ أَشْرَاف الْكُوفَة وَرجع إِلَى رَأْيهمْ ثمَّ أَمر بكف الْمُخْتَار بن أبي عبيد فَقطعت وسمرت إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 جَانب الْمَسْجِد فَلم يَنْزِعهَا من هُنَالك لَا الحَجاج وَقتل زَوجته خَوْلَة بنت النُّعْمَان ابْن بشر زعمت أَن الْمُخْتَار رجل كَانَ يَقُول رَبِّي الله وَكَانَ يَصُوم نَهَاره وَيقوم ليله وَأَنه بذل دَمه لله وَلِرَسُولِهِ فِي طلب قتلة الْحُسَيْن وَأهل بَيته فَاسْتَأْذن أَخَاهُ عبد الله وقتلها كَذَا فِي تَارِيخ ابْن خلدون قَالَ المَسْعُودِيّ آتى مُصعب بحريم الْمُخْتَار فدعاهن إِلَى الْبَرَاءَة مِنْهُ فقبلنَ إِلَّا حرمتان إِحْدَاهمَا فَاطِمَة بنت سَمُرَة بن جُنْدُب الفزازي وَالْأُخْرَى خَوْلَة بنت النُّعْمَان بن بشير الْأنْصَارِيّ فَكتب مُصعب بخبرهما إِلَى أَخِيه عبد الله بن الزبير فَكتب إِلَيْهِ إِن رجعتا عَمَّا هما عَلَيْهِ وبرئتا وَإِلَّا فاقتلهما فَلَمَّا طلب الْبَرَاءَة مِنْهُمَا قَالَتَا كَيفَ نبرأ من رجل يَقُول رَبِّي الله كَانَ صَائِم النَّهَار وقائم اللَّيْل قد بذل دَمه لله وَرَسُوله فِي طلب قتلة ابْن بنت نبيه وَأَهله وشيعته فأمكنه الله مِنْهُم حَتَّى شفى النُّفُوس وأبرد الأكباد فعرضهما مُصعب على السَّيْف فأجابت الفزازية وتبرأت مِنْهُ ولعنته وَقَالَت لَو دعوتموني إِلَى الْكفْر مَعَ السف لكفرت وَأما ابْنة النُّعْمَان الْأَنْصَارِيَّة فَأَبت وَقَالَت شَهَادَة أرزقها فأتركها كلا إِنَّهَا موتَة ثمَّ الْجنَّة وأقدم على رَسُول الله وَأهل بَيته اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي متبعة نبيك وَابْن عَمه وَأهل بَيته ثمَّ قدمت فَقلت فَفِي ذَلِك يَقُول عمر بن أبي ربيعَة من // (الْخَفِيف) // (إِنَّ مِنْ أَعْجَبِ الأَعَاجِيبِ عِنْدِي ... قَتْلَ حَسْنَاءَ غَادَةٍ عُطْبُولِ) (قتَلُوها ظُلمًا عَلَى غيْرِ جُرْمٍ ... إنَّ لِلَّهٍ درها مِنْ قَتِيكِ) (كُتِبَ القَتْلُ والقِتَالُ علَيْنَا ... وَعَلَى الغَانِيَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ) ثمَّ كتب مُصعب إِلَى إِبْرَاهِيم بن الأشتر يَدعُوهُ إِلَى طَاعَته ويعده بِالْولَايَةِ على أَعِنَّة الْخَيل وَمَا غلب عَلَيْهِ من أَرض الْعَرَب وَكتب إِلَيْهِ عبد الْملك بولاة الْعرَاق وَاخْتلف إِلَيْهِ أَصْحَابه وجنح إِلَى مُصعب خشيَة مِمَّا أصَاب من ابْن زِيَاد وأشراف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 الشَّام فَكتب إِلَى مُصعب بالإجابة وَسَار إِلَيْهِ فَبعث على عمله بالموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان الْمُهلب بن أبي صفرَة وَقيل إِن الْمُخْتَار إِنَّمَا أظهر الْخلاف لِابْنِ الزبير عِنْد قدوم مُصعب الْبَصْرَة وَإنَّهُ بعث على مقدمته أَحْمد بن شميط وَبعث مُصعب عبادَاً الحبطي وَمَعَهُ عبيد الله بن عَليّ بن أبي طَالب وتوافوا لَيْلًا فناجزهم الْمُخْتَار من ليلته وانكشف أَصْحَاب مُصعب إِلَى عَسْكَرهمْ وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَقتل من أَصْحَاب مُصعب جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد ابْن الْأَشْعَث فَلَمَّا أصبح الْمُخْتَار وجد أَصْحَابه قد توغلوا فِي أَصْحَاب مُصعب وَلَيْسَ عِنْده أحد فَانْصَرف وَدخل قصر الْكُوفَة وفقده أَصْحَابه فَلَحقُوا بِهِ وَدخل الْقصر مَعَه ثَمَانِيَة آلَاف مِنْهُم وَأَقْبل مُصعب فَحَاصَرَهُمْ أَرْبَعَة أشهر يقاتلهم بِالسَّيْفِ كل يَوْم حَتَّى قتل وَطلب الَّذين فِي الْقصر الْأمان من مُصعب ونزلوا على حكمه فَقَتلهُمْ جَمِيعًا وَكَانُوا سِتَّة آلَاف رجل وَلما ملك مُصعب الْكُوفَة بعث عبد الله بن الزبير ابْنه حَمْزَة على الْبَصْرَة مَكَان مُصعب فأساء السِّيرَة وَقصر بالأشراف ففزعوا إِلَى مَالك بن مسمع فَخرج إِلَى الجسر وَبعث إِلَى حَمْزَة الْحق بأبيك وَكتب الْأَحْنَف إِلَى أَبِيه أَن يعزله عَنْهُم وَيُعِيد لَهُم مصعباً فَفعل وَخرج بالأموال فَعرض لَهُ مَالك بن مسمع وَقَالَ لَا نَدعك تخرج بأعطياتنا فضمن لَهُ عمر بن عبيد الله الْعَطاء فَكف عَنهُ وَقيل إِن عبد الله بن الزبير إِنَّمَا رد مصعباً إِلَى الْبَصْرَة عِنْد وفادته عَلَيْهِ بعد سنة من قتل الْمُخْتَار وَلما رد إِلَى الْبَصْرَة اسْتعْمل عمر بن عبيد الله بن معمر على فَارس وولاه حَرْب الْأزَارِقَة وَكَانَ الْمُهلب على حربهم أَيَّام مُصعب وَحَمْزَة فَلَمَّا أَرَادَ أَن يولي الْمُهلب الْموصل والجزيرة وأرمينية ليَكُون بَيِّنَة وَبَين عبد الْملك فاستقدمه واستخلف على عمله ابْنه الْمُغيرَة فَلَمَّا قدم الْبَصْرَة عَزله مُصعب عَن حَرْب الْخَوَارِج وبلاد فَارس وَاسْتعْمل عَلَيْهَا عمر بن عبيد الله بن معمر فَكَانَ لَهُ فِي حروبهم مَا نذكرهُ فِي أَخْبَار الْخَوَارِج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 (خلاف عَمْرو بن سعد الْأَشْدَق ومقتله) كَانَ عبد الْملك بعد رُجُوعه من قنسرين أَقَامَ بِدِمَشْق زَمَانا ثمَّ سَار لقِتَال زفر بن الْحَارِث الْكلاب بقرقسيا واستخلف على دمشق عبد الرَّحْمَن بن أم الحكم الثَّقَفِيّ ابْن أُخْته وَسَار مَعَه عَمْرو بن سعيد فَلَمَّا بلغ بطْنَان انْتقض عَمْرو وَأسرى لَيْلًا إِلَى دمشق وهرب ابْن أم الحكم عَنْهَا فَدَخلَهَا وَهدم دَاره وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس فخطبهم وَوَعدهمْ وَجَاء عبد الْملك على أَثَره فحاصره بِدِمَشْق وَوَقع بَينهمَا الْقِتَال أَيَّامًا ثمَّ اصطلحا وكتبا بَينهمَا كتابا وأمنه عبد الْملك فَخرج إِلَيْهِ عَمْرو وَدخل عبد الْملك دمشق فَأَقَامَ أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ بعث إِلَى عَمْرو ليَأْتِيه فَقَالَ لَهُ عبد الْملك بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَهُوَ صهره وَكَانَ عِنْده لَا تأته فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْك مِنْهُ قَالَ وَالله لَو كنت نَائِما مَا أيقظني ووعد الرَّسُول بالرواح إِلَيْهِ ثمَّ آتى بالْعَشي وَلبس درعه تَحت القباء ومضَى فِي مائَة من موَالِيه وَقد جمع عبد الْملك عِنْده بني مَرْوَان وَحسان بن بَحْدَل الْكَلْبِيّ وَقبيصَة بن ذُؤَيْب الخزاعيي وَأذن لعَمْرو فَدخل وَلم يزل أَصْحَابه يَجْلِسُونَ عِنْد كل بَاب حَتَّى بلغ غَايَة الدَّار وَمَا مَعَه إِلَّا غُلَام وَنظر إِلَى عبد الْملك وَالْجَمَاعَة حوله فأحس بِالشَّرِّ فَقَالَ للغلام انْطلق إِلَى أخي يحيى وَقل لَهُ يأتيني فَلم يفهم عَنهُ وَأعَاد عَلَيْهِ فَيُجِيبهُ الْغُلَام لبيْك وَهُوَ لَا يفهم فَقَالَ لَهُ اغرب عني ثمَّ أذن عبد الْملك لحسان وَقبيصَة فلقيا عمرا وَدخل فأجلسه مَعَه على السرير وحادثه زَمنا ثمَّ أَمر بِنَزْع السَّيْف فَأنْكر ذَلِك عَمْرو وَقَالَ إِنَّا لله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ عبد الْملك أتطمع أَن تجْلِس معي متقلدَاً سَيْفك فَأخذ عَنهُ السَّيْف فَقَالَ لَهُ عبد الْملك يَا أَبَا أُميَّة إِنَّك حِين خلعتني حلفتُ بِيَمِين إِن أَنا رَأَيْتُك بِحَيْثُ أقدر عَلَيْك أَن أجعلك فِي جَامِعَة فَقَالَ بَنو مَرْوَان ثمَّ تطلقه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ نعم وَمَا عَسَيْت أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 أصنع بِأبي أُميَّة فَقَالَ بَنو مَرْوَان أبر قسم أَمِير الْمُؤمنِينَ يَا أَبَا أُميَّة فَقَالَ عَمْرو قد أبر الله قسمك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأخْرج من تَحت فرَاشه جَامِعَة وَأمر غُلَاما فَجَمعه فِيهَا وَسَأَلَهُ أَن يُخرجهُ على رُءُوس النَّاس فَقَالَ أمكراً عِنْد الْمَوْت ثمَّ جذبه جذبة أصَاب فَمه السرير فَكسر ثنيته ثمَّ سَأَلَهُ الْإِبْقَاء فَقَالَ عبد الْملك وَالله لَو علمتُ أَنَّك تبقى إِن أبقيت عَلَيْك وَتصْلح قُرَيْش لأبقيتك وَلَكِن لَا يجْتَمع رجلَانِ مثلنَا فِي بلد فشتمه عَمْرو وَخرج عبد الْملك إِلَى الصَّلَاة وَأمر أَخَاهُ عبد الْعَزِيز بقتْله فَلَمَّا قَامَ إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ ذكره الرَّحِم فَأمْسك عَنهُ وَجلسَ وَرجع عبد الْملك من الصَّلَاة وغلقت الْأَبْوَاب فَمَا غلظ على عبد العزز ثمَّ تنَاول عمرَاً فذبحه بِيَدِهِ وَقيل أَمر غُلَامه ابْن الزعيزعة فَقتله وفقد النَّاس عمرا مَعَ عبد الْملك حِين خرج إِلَى الصَّلَاة فَأقبل أَخُوهُ يحيى فِي أَصْحَابه عبيده وَكَانُوا ألفا وَمَعَهُ حميد بن حُرَيْث وَزُهَيْر بن الْأَبْرَد فهتفوا باسمه ثمَّ كسروا بَاب الْمَقْصُورَة وضربوا النَّاس بِالسُّيُوفِ وجرحوا الْوَلِيد بن عبد الْملك واقتتلوا سَاعَة ثمَّ خرج عبد الرَّحْمَن بن أم الحكم الثَّقَفِيّ بِالرَّأْسِ فَأَلْقَاهُ إِلَى النَّاس وَألقى إِلَيْهِم عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بدر الْأَمْوَال فانتهبوها وافترقوا ثمَّ خرج عبد الْملك إِلَى النَّاس وَسَأَلَ عَن الْوَلِيد فَأخْبر بجراحته وأتى بيحى بن سعيد وأخيه عَنْبَسَة فحبسهما وَحبس بني عَمْرو بن سعيد ثمَّ أخرجهم جَمِيعًا وألحقهم بمصعب حَتَّى حَضَرُوا عِنْده بعد قتل مُصعب فَأَمنَهُمْ ووصلهم وَكَانَ بَنو عَمْرو أَرْبَعَة أُميَّة وَسَعِيد وَإِسْمَاعِيل وَمُحَمّد وَلما حَضَرُوا عِنْده قَالَ أَنْتُم أهل بَيت ترَوْنَ لكُم على جَمِيع قومكم فضلا لن يَجعله الله لكم وَالَّذِي كَانَ بيني وَبَين أبيكم لم يكن حَدِيثا وَإِنَّمَا كَانَ قَدِيما فِي أنفس أوليائكم على أوليائي فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ سعيد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تعد علينا أمرَاً كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام قد هدم ذَلِك ووعد جنَّة وحذر نَارا وَأما عَمْرو فَهُوَ ابْن عمك وَقد وصل إِلَى الله وَأَنت أعلم بِمَا صنعت وَإِن أَخَذتَنَا بِهِ فبطن الأَرْض خير لنا من ظهرهَا فَرَق لَهُم عبد الْملك وَقَالَ أبوكم خيرني بَين أَن يقتلني أَو أَقتلهُ فاخترتُ قَتله على قَتْلِي وَأما أَنْتُم فَمَا أَرغبني فِيكُم وأوصلني لقرابتكم وَأحسن جائزتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وَقيل إِن عمرا إِنَّمَا كَانَ خَلعُهُ وَقَتله حِين سَار عبد الْملك لقِتَال مُصعب طلبه أَن يَجْعَل لَهُ الْعَهْد بعده كَمَا فعل أَبوهُ فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك فَرجع إِلَى دمشق وَقيل كَانَ عبد الْملك اسْتَخْلَفَهُ على دمشق فعصى وَامْتنع بهَا وَكَانَ قَتله سنة تسع وَسِتِّينَ (مسير عبد الْملك إِلَى الْعرَاق ومقتل مُصعب) وَلما صفا الشَّام لعبد الْملك اعتزم على الْعرَاق وأتته الْكتب من أَشْرَافهم يَدعُونَهُ فاستمهله أَصْحَابه فَأبى وَسَار نَحْو الْعرَاق وَبلغ مصعبَاً مسيره فَأرْسل إِلَى الْمُهلب بن أبي صفرَة وَهُوَ بِفَارِس فِي قتال الْخَوَارِج يستشيره وَقد كَانَ عزل عمر ابْن عبيد الله بن معمر عَن فَارس وَحرب الْخَوَارِج وَولى الْمُهلب مَكَانَهُ وَذَلِكَ حِين اسْتخْلف هُوَ على الْبَصْرَة وَجَاء خَالِد بن عبيد الله بن خَالِد بن أَسد إِلَى الْبَصْرَة مختفياً دَاعِيَة لعبد الْملك عِنْد مَالك بن مسمع فِي بكر بن وَائِل والأزد وأمده عبد الْملك بعيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان وحاربهم عمر بن عبيد الله بن معمر ثمَّ صَالحهمْ على أَن يخرجُوا خَالِدا فأخرجوه وَجَاء مُصعب وَقد طمع أَن يدْرك خَالِدا فَوَجَدَهُ قد خرج فسخط على ابْن معمر وسَب أَصْحَابه وضربهم وَهدم دُورهمْ وخلعهم وَهدم دَار مَالك بن مسمع واستباحها وعزل ابْن معمر عَن فَارس وَولى الْمُهلب وَخرج إِلَى الْكُوفَة فَلم يزل بهَا حَتَّى سَار للقاء عبد الْملك قلت هَكَذَا ذكره فِي العبر وَرَأَيْت فِي المروج مَا نَصه كَانَ مُصعب حِين صفا لَهُ الْعرَاق بعد قتل الْمُخْتَار وَأَصْحَابه خرج حَتَّى انْتهى إِلَى الْموضع الْمَعْرُوف بباجميرا مِمَّا يَلِي الجزيرة يُرِيد الشَّام لِحَرْب عبد الْملك بن مَرْوَان فَبَلغهُ مسير خَالِد بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد من مَكَّة إِلَى الْبَصْرَة فِي عدَّة من موَالِيه وَولده نَاكِثًا لبيعة أَخِيه عبد الله بن الزبير وداعية لعبد الْملك فحاربه مُصعب فَكَسرهُ فَخرج هَارِبا ببنيه حَتَّى لحق بِعَبْد الْملك وَهُوَ كَمَا ترى مخالفٌ لقَوْل صَاحب كتاب العبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 وَجَاء مُصعب وطمع أَن يدْرك خَالِدا فَوَجَدَهُ قد خرج فسخط على ابْن معمر وسَب أَصْحَابه إِلَى آخِره قَالَ الذَّهَبِيّ يرْوى فِي بعض الْآثَار أَن مصعباً لما سَار عَن الْكُوفَة عشرَة أَيَّام يُرِيد قتال عبد الْملك بن مَرْوَان كتب إِلَى زَوجته سكينَة ابْنة الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ من // (الطَّوِيل) // (وَكَانَ عَزِيزًا أَن أَبِيت وبَيْنَنَا ... سِفارٌ فَقَدْ أصبحْتُ منكِ على عَشْرِ) (وأَنْكَاهُمَا للعيْنِ واللَّهِ فاعْلَمِي ... إِذْ ازددتُّ مِثْلَيْهَا فصرْتُ على شَهْرِ) (وأَبْكي لعَيْنِي مِنْهُمَا اليَوْمَ أنني ... أَخَافُ بألاَّ نَلْتَقِي آخِرَ الدَّهْرِ) فَلَمَّا جاءها الْخَبَر بِمَوْتِهِ قَالَت من // (الطَّوِيل) // (فَإِنْ تقتلوه تقتُلُوا الماجِدَ الَّذِي ... يرى الموْتَ إِلَّا بالسيُوفِ حَراما) (وقبلك مَا خَاضَ الحُسَين منِيَّةً ... إِلَى السيْفِ حَتَّى أوردُوهُ حِمَامَ) وَكَانَ مَعَه الْأَحْنَف فَتوفي بِالْكُوفَةِ وَلما بعث عَن الْمُهلب يسير مَعَه إِلَى أهل الْبَصْرَة أَن يكون الْمُهلب على قتال الْخَوَارِج فَرده قَالَ لَهُ الْمُهلب إِن أهل الْعرَاق قد كاتبوا عبد الْملك وكاتبهم فَلَا نتعدى ثمَّ بعث مُصعب عَن إِبْرَاهِيم بن الأشتر وَكَانَ على الْموصل والجزيرة فَجعله على مقدمته وَسَار حَتَّى عَسْكَر فِي مسكن وَسَار عبد الْملك وعَلى مقدمته أَخُوهُ مُحَمَّد بن مَرْوَان وخَالِد بن عبد الله ابْن خَالِد بن أسيد فنزلوا قرقيسيا وحصروا زفر بن الْحَارِث الْكلابِي ثمَّ صَالحه وَبعث زفر مَعَه الْهُذيْل ابْنه فِي عَسْكَر وَسَار عَنهُ فَنزل بمسكن قَرِيبا من عَسْكَر مُصعب وفر الْهُذيْل من زفر وَلحق مُصعب وَكتب عبد الْملك إِلَى أهل الْعرَاق وَكَتَبُوا إِلَيْهِ وَكلهمْ يشرط أَصْبَهَان وَآتى ابْن الأشتر بكتابه مختومَاً إِلَى مُصعب فقرأه فَإِذا هُوَ يَدْعُو إِلَى نَفسه وَيجْعَل لَهُ ولَايَة الْعرَاق فَأخْبرهُ مُصعب بِمَا فِيهِ وَقَالَ مثل هَذَا لَا يرغب عَنهُ فَقَالَ إِبْرَاهِيم مَا كنت لأتقلد الْغدر والخيانة وَلَقَد كتب عبد الْملك إِلَى أَصْحَابك كلهم مثل هَذَا فأطعني واقتلهم أَو احبسهم فِي أَبيض كسري فَأبى عَلَيْهِ مُصعب وأضمر أهل الْعرَاق الْغدر بمصعب وعذلهم قيس بن الْهَيْثَم ولامهم فِي طَاعَة أهل الشَّام فأعرضوا عَنهُ وَلما تدانى العسكران بعث عبد الْملك إِلَى مُصعب يَقُول تعال نجْعَل الْأَمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 شُورَى فَقَالَ مُصعب لَيْسَ بَيْننَا إِلَّا السَّيْف فَقدم عبد الْملك أَخَاهُ محمدَاً وَقدم مُصعب إِبْرَاهِيم بن الأشتر وأمده بالجيش فأزال محمدَاً عَن موقفه فأمده عبد الْملك بِعَبْد الله بن يزِيد فَاشْتَدَّ الْقِتَال وَقتل من أَصْحَاب مُصعب مُسلم بن عَمْرو الْبَاهِلِيّ وَالِد قُتَيْبَة وأمد مُصعب إِبْرَاهِيم بعتاب بن وَرْقَاء فسَاء ذَلِك إِبْرَاهِيم ونكره وَقَالَ قد أوصيته لَا يمدني بعتاب وَأَمْثَاله وَكَانَ قد بَايع لعبد الْملك فجر الْهَزِيمَة على إِبْرَاهِيم فَقتل وَحمل رَأسه إِلَى عبد الْملك وَتقدم أهل الشَّام فقاتل مُصعب ودعا رُءُوس الْعرَاق إِلَى الْقِتَال فاعتذروا وتثاقلوا فَدَنَا مُحَمَّد ابْن مَرْوَان من مُصعب وناداه بالأمان وَأَشْعرهُ بغدر أهل الْعرَاق فَأَعْرض عَنهُ فَنَادَى ابْنه عِيسَى بن مُصعب فَأذن لَهُ أَبوهُ فِي لِقَائِه وبذل لَهُ الْأمان وَأخْبرهُ أَبَاهُ قَالَ أظنهم يَفُونَ لَك بذلك فَإِن أَحْبَبْت فافعل قَالَ لَا تَتَحَدَّث نسَاء قُرَيْش أَنِّي رغبت بنفسي عَنْك قَالَ فَاذْهَبْ إِلَى عمك بِمَكَّة فَأخْبرهُ بصنع أهل الْعرَاق وَدعنِي فَإِنِّي مقتول فَقَالَ لَا أخبر قُريْشًا عَنْك أبدا وَلَكِن الْحق أَنْت بِالْبَصْرَةِ فَإِنَّهُم على الطَّاعَة أَو بأمير الْمُؤمنِينَ بِمَكَّة فَقَالَ لَا تَتَحَدَّث قُرَيْش عَن أنني فررتُ ثمَّ قَالَ لعيسى تقدم يَا بني أحتسبك فَتقدم فِي نَاس وَقتل وَقتلُوا ولج عَلَيْهِ عبد الْملك فِي قبُول أمانِهِ فَأبى وَدخل سرادقه فتحنط وَرمى السرادق فَخرج فقاتل وَدعَاهُ عبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان إِلَى البرَاز فشتمه وَحمل عَلَيْهِ فَضَربهُ فخرجه وخذل أهل الْعرَاق مصعباً حَتَّى بَقِي فِي سَبْعَة أنفس فأثخنته الْجراحَة فَرجع إِلَيْهِ عبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان فَقتله وَجَاء بِرَأْسِهِ إِلَى عبد الْملك فَأمر لَهُ بِأَلف دِينَار فَلم يَأْخُذهَا وَقَالَ إِنَّمَا قتلته بثأر أخي وَكَانَ قطع الطَّرِيق فَقتله صَاحب شرطة مُصعب وَقيل إِن الَّذِي قَتله زَائِدَة بن قدامَة الثَّقَفِيّ من أَصْحَاب الْمُخْتَار وَأخذ عبيد الله رَأسه وَأمر عبد الْملك بِهِ وبابنه عِيسَى فدفنا بدير الجاثليق عِنْد نهر دجيل وَكَانَ ذَلِك سنة إِحْدَى وَسبعين قَالَ الذَّهَبِيّ لما بذل لمصعب الْأمان وَقد بَقِي ي سَبْعَة نفر أَبى وبارز فعرقبت فرسه وَبَقِي رَاجِلا فَأقبل عبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان وَكَانَ قد أثخن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 جراحاً فاختلفا ضربتين سبقه مُصعب بالضربة الأولى إِلَى رَأسه لم تُؤثر ضَربته إِلَّا جرحا وضربه ابْن ظبْيَان فَقتله وَأخذ رَأسه إِلَى عبد الْملك فَسجدَ وَقبض عبيد الله بن ظبْيَان على قَائِم سَيْفه واجتذبه حَتَّى آتى على أَكْثَره سَله ليضْرب بِهِ عبد الْملك حَال سُجُوده ثمَّ تذمم واسترجع فَكَانَ يَقُول بعد ذَلِك ذهب الفتك بَين النَّاس إِذْ هَمَمْت فَلم أفعل فَأَكُون قد قتلت عبد الْملك ومصعباً ملكَي الْعَرَب فِي سَاعَة وَاحِدَة وَكَانَ قَتله يَوْم الثُّلَاثَاء لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة وَدفن هُوَ وَابْنه بدير الجاثليق كَمَا تقدم آنِفا وتمثل عبد الْملك عِنْد مَجِيء رَأس مُصعب بقوله من // (الطَّوِيل) // (نُعَاطِي الملوكَ الحقَّ مَا قَسَطُوا لنا ... ولَيْسَ علينا قَتْلُهُمْ بِمُحَرَّمِ) وَلما رَجَعَ عبد الْملك إِلَى الْكُوفَة وَدخل قصر الْإِمَارَة وضع الرَّأْس بَين يَدَيْهِ حدث الْمنْقري قَالَ حَدثنِي سُوَيْد بن سعيد قَالَ حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي مُسلم بن الْحَنَفِيّ كنت مَعَ عبد الْملك بن مَرْوَان حِين جِيءَ إِلَيْهِ بِرَأْس مُصعب بن الزبير فَرَأى عبد الْملك فِي اضطرابَاً فَسَأَلَنِي فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دخلت هَذَا الْقصر يَعْنِي قصر الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ فَرَأَيْت رَأس الْحُسَيْن بَين يَديْ عبيد الله بن زِيَاد فِي هَذَا الْموضع ثمَّ دَخلته فرأيتُ رأسَ ابْن زِيَاد بَين يَدي الْمُخْتَار بن أَي عُبَيْدِ الثَّقَفِيّ ثمَّ دَخَلْتُهُ فَرَأَيْت رأسَ الْمُخْتَار بَين يَدي مُصعب بن الزبير وَهَذَا مصعبْ بَين يَديك فَوَثَبَ عبد الْملك متطيراً وَقَالَ لَا أَرَاك الله الْخَامِس وَأمر بهدم الْقصر حجرا حجرَاً ثمَّ دَعَا عبد الْملك جند الْعرَاق إِلَى الْبيعَة فَبَايعُوهُ وَسَار إِلَى الْكُوفَة فَأَقَامَ بالنخيلة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وخطب النَّاس فوعده المحسن وتوعده الْمُسِيء وَطلب يحيى ابْن سعيد بن جَعْفَر وَكَانُوا أَخْوَاله فأحضروه وأمنه ثمَّ ولى أَخَاهُ بشر بن مَرْوَان على الْكُوفَة وَمُحَمّد بن نمير على همذان وَيزِيد بن وَرْقَاء بن رُوَيْم على الرّيّ وَلم يَفِ لَهُم بأصفهان كَمَا اشترطوا عَلَيْهِ وَكَانَ عبد الله بن يزِيد بن أَسد وَالِد خَالِد العشري وَيحيى بن مُصدق الْهَمدَانِي قد لحجأ إِلَى عَليّ بن عبيد الله بن عَبَّاس ولجأ هُذَيْل بن زفر بن الْحَارِث وَعَمْرو بن يزِيد الْحكمِي إِلَى خَالِد بن يزِيد فَأَمنَهُمْ عبد الْملك وصنع عَمْرو بن حُرَيْث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 لعبد الْملك طَعَاما فَأحْضرهُ بالخورنق وَأذن للنَّاس عَامَّة فَدَخَلُوا وَجَاء عمر بن حُرَيْث فأجلسه مَعَه على سَرِيره وَطعم النَّاس ثمَّ طَاف مَعَ عَمْرو بن حُرَيْث على الْقصر يسْأَله عَن مساكنه ومعالمه وَلما بلغ عبد الله بن خازم مسير مُصعب لقِتَال عبد الْملك قَالَ أمعه عمر بن معمر قيل لَا هُوَ على فَارس قَالَ فالمهلب وَقيل فِي قتال الْخَوَارِج قَالَ فَعبَّاد بن الْحصين قيل على الْبَصْرَة قَالَ وَأَنا بخرسان من // (الطَّوِيل) // (خُذِينِي فَأَجْرِينِي حِصَار وَأَبْشِرِي ... بِلَحْمِ امرئٍ لم يَشْهَدِ اليَوْمَ نَاصِرهْ) ثمَّ بعث عبد الْملك بِرَأْس مُصعب إِلَى الْكُوفَة ثمَّ إِلَى الشَّام فنصب بِدِمَشْق وَأَرَادُوا التطواف بِهِ فمنعت من ذَلِك زَوْجَة عبد الْملك عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة فغسلته ودفنته وانْتهى قتل مُصعب إِلَى الْمُهلب وَهُوَ يحارب الْأزَارِقَة فَبَايع النَّاس لعبد الْملك بن مَرْوَان وَلما جِيءَ بِخَبَر مُصعب لعبد الله بن الزبير خطب النَّاس فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي لَهُ الْخلق وَالْأَمر يُؤْتِي الْملك من يَشَاء وَينْزع الْملك مِمَّن يَشَاء ويعز من يَشَاء ويذل من يَشَاء أَلا وَإنَّهُ لم يذل الله من كَانَ الْحق مَعَه وَإِن كَانَ النَّاس عَلَيْهِ وَقد أَتَانَا من الْعرَاق خبر أحزننا فَإِن لفراق الْحَمِيم لوعة يجدهَا حميمه عِنْد الْمُصِيبَة ثمَّ عبد من عباد الله وَعون من أعواني أَلا وَإِن أهل الْعرَاق أهل الْغدر والنفاق أسلموه وباعوه بأقلٌ الثّمن فَإِن يقتل ثمَّة فوَاللَّه مَا نموت على مضاجعنا كَمَا يَمُوت بَنو أبي الْعَاصِ فوَاللَّه مَا قتل رجل مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام وَلَا نموت إِلَّا قعصاً بِالرِّمَاحِ وَتَحْت ظلال السيوف أَلا إِنَّمَا الدُّنْيَا عَارِية من الْملك الْأَعْلَى الَّذِي لَا يَزُول سُلْطَانه وَلَا يبيد فَإِن تقبل فَلَا آخذها أَخذ الأشر البطر وَإِن تدبر لم أبك عَلَيْهَا بكاء الضَّرع المهين أَقُولُ قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم وَلما بلغ خبر مُصعب الْبَصْرَة تنَازع فِي ولايتها حمْرَان بن أبان وَعبد الله بن أبي بكر واستعان حمْرَان بِعَبْد الله بن الْأَهْتَم فغلب عَلَيْهَا وَكَانَت لَهُ منزلَة عِنْد بني أُميَّة فَلَمَّا تمهد الْأَمر بالعراق لعبد الْملك بن مُصعب ولي على الْبَصْرَة خَالِد بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 عبد الله بن أسيد فاستخلف عَلَيْهِ عبد الله بن أبي بكر فَقدم على حمْرَان وعزله حَتَّى جَاءَهُ خَالِد ثمَّ عزل خالدَاً سنة ثَلَاث وَسبعين وَولى مَكَانَهُ على الْبَصْرَة أَخَاهُ بشرا وَجمع لَهُ المصرين وَسَار بشر إِلَى الْبَصْرَة واستخلف على الْكُوفَة عَمْرو بن حُرَيْث وَولى عبد الْملك على الجزيرة وأرمينية بعد قتل مُصعب أَخَاهُ مُحَمَّد بن مَرْوَان سنة ثَلَاث وستيِن فغزا الرّوم ومزقهم بعد أَن كَانَ هادن ملك الرّوم أَيَّام الْفِتْنَة على ألف دِينَار يَدْفَعهَا إِلَيْهِ كل يَوْم (أَمر زفر بن الْحَارِث بقرقيسيا) قد ذكرنَا فِي وقْعَة راهط مسير زفر إِلَى قرقيسيا واجتماع قيس عَلَيْهِ وَأقَام بهَا يَدْعُو لِابْنِ الزبير وَلما ولي عبد الْملك كتب إِلَى أبان بن عقبَة بن أبي معيط وَهُوَ على حمص يالمسير لى زفر فَسَار وعَلى مقدمته عبد الله بن رميث الطَّائِي فعاجله عبد الله بِالْحَرْبِ وَقتل من أَصْحَابه نَحْو ثَلَاثمِائَة ثمَّ أقبل أبان فواقع زفر وَقتل ابْنه وَكِيع بن زفر وأوهنه ثمَّ سَار إِلَيْهِ عبد الْملك إِلَى قرقيسيا قبل مسيره إِلَى مُصعب فحصره وَنصب عَلَيْهِ المجانيق وَقَالَت كلب لعبد الْملك لَا تخلط مَعنا القيسية فنهم يتهزمون إِذا الْتَقَيْنَا مَعَ زفر فَفعل وَاشْتَدَّ حصارهم وَكَانَ زفر يقاتلهم فِي كل غَدَاة وَأمره ابْن الْهُذيْل أَن يحمل حَتَّى يضْرب فسطاط عبد الْملك فَفعل وَقطع بعض أطنابه ثمَّ بعث عبد الْملك أَخَاهُ مُحَمَّدًا بالأمان لزفَر وَابْنه الْهُذيْل على أَنفسهمَا ومَن مَعَهُمَا وَأَن لَهُم مَا أَحبُّوا فَأجَاب الْهُذيْل وداخل أَبَاهُ فِي ذَلِك وَقَالَ عبد الْملك لنا خير من ابْن الزبير فَأجَاب على أَن لَهُ الْخِيَار وَأَن ينزل حَيْثُ شَاءَ وَلَا يعين على ابْن الزبير وبينما الرُّسُل تخْتَلف بَينهم إِذْ قيل لعبد الْملك قد هدم من الْمَدِينَة أَرْبَعَة أبرجة فَترك الصُّلْح وزحف إِلَيْهِم فكشفوا أَصْحَابه إِلَى عَسْكَرهمْ وَرجع إِلَى الصُّلْح وَاسْتقر بَينهم على الْأمان وَوضع الْأَمْوَال أَلا يُبَايع لعبد الْملك حَتَّى يَمُوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 ابْن الزبير لِلْبيعَةِ الَّتِي لَهُ فِي عُنُقه وَأَن يدْفع إِلَيْهِ مَال نَفسه فِي أَصْحَابه وَتَأَخر زفر عَن لِقَاء عبد الْملك خوفَاً من فعلته بِعَمْرو بن سعيد فَأرْسل إِلَيْهِ بقضيب النَّبِي فجَاء إِلَيْهِ وَأَجْلسهُ عبد الْملك مَعَه على سَرِيره وَزوج ابْنه مسلمة الربَاب بنت زفر وَسَار عبد الْملك إِلَى قتال مُصعب فَبعث زفر بن الْهُذيْل مَعَه فِي عَسْكَر فَلَمَّا قَارب مصعباً هرب إِلَيْهِ وَقَاتل مَعَ ابْن الأشتر حَتَّى إِذا قتلوا اختفى الهذْيل فِي الْكُوفَة حَتَّى آمنهُ عبد الْملك كَمَا مر ( مقتل عبد الله بن الزبير ) كَانَ عبد الْملك لما بُويِعَ بِالشَّام بعث إِلَى الْمَدِينَة عُرْوَة بن أنيف فِي سِتَّة آلَاف من أهل الشَّام وَأمره أَن يعسكر بالعرصة وَلَا يدْخل الْمَدِينَة وعامل ابْن الزبير يَوْمئِذٍ على الْمَدِينَة الْحَارِث بن حَاطِب بن الْحَارِث بن معمر الجُمَحِي فهرب الْحَارِث وَأقَام ابْن أنيف شهرَاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ وَيرجع إِلَى مُعَسْكَره ثمَّ رَجَعَ ابْن أنيف إِلَى الشَّام فَرجع الْحَارِث إِلَى الْمَدِينَة وَبعث ابْن الزبير سُلَيْمَان ابْن خَالِد الدَّوْرَقِي على خَيْبَر وفدك وَبعث عبد الْملك إِلَى الْحجاز عبد الْملك بن الْحَارِث بن الحكم فِي أَرْبَعَة آلَاف فَنزل وَادي الْقرى وَبعث سَرِيَّة إِلَى سُلَيْمَان بِخَيْبَر وهرب فأدركوه فَقَتَلُوهُ وَمن مَعَه وَأَقَامُوا بِخَيْبَر وَعَلَيْهِم أَبُو القمقام ونكر عبد الْملك ذَلِك واغتم لَهُ وَقَالَ قتلوا رجلا صَالحا بِغَيْر ذَنْب ثمَّ عزل ابْن الزبير الْحَارِث بن حَاطِب عَن الْمَدِينَة وَولى مَكَانَهُ جَابر بن الْأسود بن عَوْف الزُّهْرِيّ فَبعث جَابر إِلَى خَيْبَر أَبَا بكر بن أبي قيس ي سِتّمائَة فَانْهَزَمَ ابْن المقمقام وَأَصْحَابه أمامهم وَقتلُوا صبرا ثمَّ بعث عبد الْملك طَارق بن عَمْرو مولى عُثْمَان وَأمره أَن ينزل بَين أَيْلَة ووادي الْقرى وَيمْنَع عُمَّال ابْن الزبير من الانتشار ويسد خللا إِن ظهر لَهُ بالحجاز فَبعث طَارق خيلا إِلَى أبي بكر بِخَيْبَر واقتتلوا فأصيب أَبُو بكر فِي مِائَتَيْنِ من أَصْحَابه وَكتب ابْن الزبير إِلَى القباع وَهُوَ عَامله على الْبَصْرَة يستمده ألفَي فَارس إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 الْمَدِينَة فبعثهم القباع وَأمر ابْن الزبير جَابر بن الْأسود أَن يسيرهم إِلَى قتال طَارق فَفعل ولقيهم طَارق فَهَزَمَهُمْ وَقتل مقدمهم وَقتل من أَصْحَابه خلقَاً وأجهز على جريحهم وَلم يستبق أسيرهم وَرجع لى وَادي الْقرى ثمَّ عزل ابْن الزبير جَابِرا عَن الْمَدِينَة وَاسْتعْمل طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف وَهُوَ طَلْحَة الندي وَذَلِكَ سنة سبعين فَلم يزل على الْمَدِينَة حَتَّى أخرجه طَارق وَلما قتل عبد الْملك مصعبَاً وَدخل الْكُوفَة بعث مِنْهَا الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ فِي ثَلَاثَة آلَاف من أهل الشَّام لقِتَال ابْن الزبير وَكتب مَعَه الْأمان لِابْنِ الزبير وَمن مَعَه إِن أطاعوا فَسَار فِي جُمَادَى سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين فَلم يعرض للمدينة وَنزل الطَّائِف وَكَانَ يبْعَث الْخَيل إِلَى عَرَفَة وتلقاهم هُنَاكَ خيل ابْن الزبير فينهزمون دَائِما وَترجع خيل الْحجَّاج بالظفر ثمَّ كتب الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك يُخبرهُ بِضعْف ابْن الزبير وتفرُق أَصْحَابه ويستأذنه فِي دُخُوله الْحرم لحصار ابْن الزبير ويستمده فَكتب عبد الْملك إِلَى طَارق باللحاق بالحجاج فَقدم الْمَدِينَة فِي ذِي الْقعدَة سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين وَأخرج عَنْهَا طَلْحَة الندى عَامل ابْن الزبير وَولى مَكَانَهُ رجلا من أهل الشَّام وَسَار إِلَى الْحجَّاج بِمَكَّة فِي خَمْسَة آلَاف وَلما قدم الْحجَّاج مَكَّة أحرَم بِحجَّة وَنزل بِئْر مَيْمُون وَحج بِالنَّاسِ وَلم يطف وَلَا سعى وَحصر ابْن الزبير عَن عَرَفَة فَنحر بدنه بِمَكَّة وَلم يمْنَع الْحجَّاج من الطّواف وَالسَّعْي ثمَّ نصب الْحجَّاج المنجنيق على أبي قبيس وَرمى بِهِ الْكَعْبَة وَكَانَ ابْن عمر قد حج تِلْكَ السّنة فَبعث بالحجاج بالكف عَن المنجنيق لأجل الطائفين فَفعل ونادى مُنَادِي الْحجَّاج عقيب الْإِفَاضَة انصرفوا إِلَى بِلَادكُمْ فَإنَّا نعود بِالْحِجَارَةِ على ابْن الزبير وَرمى المنجنيق على الْكَعْبَة وألحتِ الصَّوَاعِق عَلَيْهِم فِي يَوْمَيْنِ وَقتلت من أهل الشَّام رجَالًا فذرعوا فَقَالَ لَهُم الْحجَّاج لَا تنكوا فَهَذِهِ صواعق تهَامَة وَإِن الْفَتْح قد حضر فأبشروا ثمَّ أَصَابَت الصَّوَاعِق من أَصْحَاب ابْن الزبير فسرى عَن أهل الشَّام وَكَانَت الْحِجَارَة تقع بَين يَدي ابْن الزبير وَهُوَ يُصَلِّي فَلَا ينْصَرف وَلم يزل الْقِتَال بَينهم وغلت الأسعار وَأصَاب النَّاس مجاعَة شَدِيدَة حَتَّى ذبح ابْن الزبير فرسه وَقسم لَحْمه فِي أَصْحَابه وبيعت الدَّجَاجَة بِعشْرَة دَرَاهِم والمُد من الذّرة بِعشْرين وبيوت ابْن الزبير مَمْلُوءَة قمحَاً وشعيراً وذرة وَتَمْرًا وَلَا ينْفق مِنْهُ إِلَّا مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 يمسك الرمق يُقَوي بِهِ نفوس أَصْحَابه ثمَّ أجهدهم الْحصار وَبعث الْحجَّاج إِلَى أَصْحَاب ابْن الزبير بالأمان فَخرج إِلَيْهِ مِنْهُم نَحْو عشرَة آلَاف وافترق النَّاس عَنهُ وَكَانَ مِمَّن فَارقه ابناه حَمْزَة وخبيب وَأقَام ابْنه الزبير حَتَّى قتل مَعَه وحرض الْحجَّاج النَّاس وَقَالَ قد ترَوْنَ قلَّة أَصْحَاب ابْن الزبير وَمَا هم فِيهِ من الْجهد والضيق فتقدموا وملئوا مَا بَين الْحجُون إِلَى الْأَبْوَاب فَدخل ابْن الزبير على أمه أَسمَاء وَقَالَ يَا أمه قد خذلني النَّاس حَتَّى وَلَدي وَالْقَوْم يعطونني مَا أردتُ من الدُّنْيَا فَمَا رَأْيك فَقَالَت لَهُ أَنْت أعلم بِنَفْسِك إِن كنت على حق وَتَدْعُو إِلَيْهِ فَامْضِ لَهُ فقد قتل عَلَيْهِ أَصْحَابك وَلَا تمكِّن من رقبتك تلعب بهَا غلْمَان بني أُميَّة وَإِن كنت إِنَّمَا أردْت الدُّنْيَا فبئس العَبْد أنتَ أهلكْتَ نَفسك وَمن قتل مَعَك وَإِن قلت كنت على حق فَلَمَّا وَهن أَصْحَابِي ضعفتُ فَلَيْسَ هَذَا بِفعل الْأَحْرَار وَلَا أهل الدّين فَقَالَ يَا أمه أَخَاف أَن يمثلوا بِي ويصلبوني فَقَالَت يَا بني الشَّاة لَا تألم بالسلخ فَامْضِ على بصيرتك واستعز بِاللَّه فَقبل رَأسهَا وَقَالَ هَذَا رَأْيِي الَّذِي خرجتُ بِهِ دَاعيا إِلَى يومي هَذَا وَمَا ركنت إِلَى الدُّنْيَا وَمَا أخرجني إِلَّا الْغَضَب لله وَأَن تستحلَّ حرماته لَكِن أَحْبَبْت أَن أعلم رَأْيك قد زدتني بَصِيرَة وَإِنِّي يَا أمه فِي يومي هَذَا مقتول فَلَا يشْتَد حزنك وسلمي الْأَمر لله فَإِن ابْنك لم يتَعَمَّد إتْيَان مُنكر وَلَا عملا بِفَاحِشَة وَلم يخن وَلم يغدر وَلم يظلم وَلم يقر على الظُّلم وَلم يكن عِنْدِي آثر من رضَا الله تَعَالَى اللَّهُمَّ لَا أَقُول هَذَا تَزْكِيَة لنَفْسي لَكِن تَعْزِيَة لأمي حَتَّى تسلو عني فَقَالَت إِنِّي لأرجو أَن يكون عزائي فِيك جميلا إِن تقدمتنِي أحتسبك وَإِن ظفرتَ سررت بظفرك ثمَّ قَالَت اخْرُج حَتَّى أنظر إلامَ يصير أَمرك فَقَالَ جَزَاك الله خيرا فالا تَدعِي الدُّعَاء فدعَتْ لَهُ فودعها وودعته وَلما عانقته للوداع وَقعت يَدهَا على الدرْع فَقَالَت مَا هَذَا صنيعُ مَنْ يُرِيد مَا تُرِيدُ قَالَ مَا لبسته إِلَّا لأشد مِنْك فَقَالَت إِنَّه لَا يشد مني فنزعها وَقَالَت لَهُ البس ثِيَابك مشمرة ثمَّ خرج فَحمل على أهل الشَّام حَملَة مُنكرَة فَقتل مِنْهُم ثمَّ انْكَشَفَ هُوَ وَأَصْحَابه وَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعضهم بالفرار فَقَالَ بئس الشَّيْخ أَنا فِي الْإِسْلَام إِن أوقعت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 قومَاً قتلوا ثمَّ فَرَرْت على مثل مصَارِعهمْ وامتلأت أَبْوَاب الْمَسْجِد بِأَهْل الشَّام وَالْحجاج وطارق بِنَاحِيَة الأبطح إِلَى الْمَرْوَة وَابْن الزبير يحمل على هَؤُلَاءِ وينادي أَبَا صَفْوَان لعبد الله بن صَفْوَان ابْن أُميَّة بن خلف فَيُجِيبهُ من جَانب المعرك وَلما رأى الْحجَّاج إحجامَ الناسِ عَن ابْن الزبير غضب وترجل وصمد إِلَى صَاحب الرَّايَة بَين يَدَيْهِ فَتقدم ابْن الزبير إِلَيْهِم عَنهُ وكشفه وَرجع فصلى رَكْعَتَيْنِ عِنْد الْمقَام وحملوا على صَاحب الرَّايَة فَقَتَلُوهُ عِنْد بَاب بني شيبَة وَأخذُوا الرَّايَة ثمَّ قَاتلهم وَابْن مُطِيع مَعَه حَتَّى قتل وَيُقَال أَصَابَته جِرَاحَة فَمَاتَ مِنْهَا بعد أَيَّام وَيُقَال إِنَّه قَالَ لأَصْحَابه يَوْم قتل يَا آَل الزبير لَو طبتم لي نفسا عَن أَنفسكُم كُنَّا أهل الْبَيْت فِي الْعَرَب اصطلمنا فِي الله فَلَا يرعكم وَقع السيوف فَإِن ألم الدَّوَاء فِي الْجراح أَشد من وقعها صونوا سُيُوفكُمْ عَمَّا تصونون وُجُوهكُم وغضوا أبصاركم عَن البارقة وليشغل كل امْرِئ قرنه وَلَا تسألوا عني وَمن كَانَ عني سَائِلًا فَإِنِّي فِي الرعيل الأول ثمَّ حمل حَتَّى بلغ الحَجُون فأصابته جِرَاحَة فِي وَجهه فأرعش لَهَا ودمى وَجهه ثمَّ قَاتل قتالا شديدَاً وَقتل فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَحمل رَأسه إِلَى الْحجَّاج فَسجدَ وكبَّر أهل الشَّام وَسَار الْحجَّاج وطارق حَتَّى وَقفا عَلَيْهِ وَبعث الْحجَّاج بِرَأْسِهِ وَرَأس عبد الله بن صَفْوَان وَرَأس عمَارَة بن عَمْرو بن حزم إِلَى عبد الْملك وصلب جثته منكسة على ثنية الْحجُون اليمني وَبعثت إِلَيْهِ أَسمَاء فِي دَفنه فَأبى وَكتب إِلَيْهِ عبد المملك يلومه على ذَلِك فخلى بَينهَا وَبَينه وَلما قتل عبد الله ركب أَخُوهُ عُرْوَة وَسبق رسل الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك فَرَحَّبَ بِهِ وَأَجْلسهُ على سَرِيره وَجرى ذكر عبد الله فَقَالَ عُرْوَة إِنَّه كَانَ فَقَالَ عبد الْملك وَمَا فعل قَالَ قتل فَخر سَاجِدا ثمَّ أخبرهُ عُرْوَة أَن الْحجَّاج صلبه واستوهَبَ جثته لأمه فَقَالَ نعم وَكتب إِلَى الْحجَّاج يُنكر عَلَيْهِ صلبه فَبعث بجثته إِلَى أمه وَصلى عَلَيْهِ عُرْوَة وَدَفنه وَمَاتَتْ أمه بعده بِخَمْسَة أَيَّام وَلما فرغ الْحجَّاج من ابْن الزبير دخل إِلَى مَكَّة فَبَايعهُ أَهلهَا لعبد الْملك أَمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 بكنس الْمَسْجِد من الْحِجَارَة وَالدَّم وَسَار إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت فِي عمله فَأَقَامَ بهَا شَهْرَيْن وَأرْسل إِلَى الْحسن بن الْحسن فَقَالَ هَات سيف رَسُول الله وَدِرْعه فَقَالَ لَا أفعل قَالَ فجَاء الْحجَّاج بِالسَّوْطِ والعصا وَالسيف وَقَالَ وَالله لأضربنك بهَا حَتَّى تبرد أَو فأتني بهما فَقَالَ النَّاس يَا أَبَا مُحَمَّد لَا تتعرض لهَذَا الْجَبَّار فجَاء الْحسن بِسيف رَسُول الله وَدِرْعه فوضعهما بَين يَدَيْهِ فَأرْسل الْحجَّاج إِلَى رجل من آل أبي رَافع فَقَالَ لَهُ هَل تعرف سيف رَسُول الله قَالَ نعم فخلطه بأسياف ثمَّ قَالَ لَهُ أخرجه فَأخْرجهُ ثمَّ جَاءَ بالدرع فَنظر إِلَيْهَا فَقَالَ هُنَاكَ عَلامَة كَانَت على الْفضل ابْن عَبَّاس يَوْم اليرموك فطعن بِحَرْبَة فخرقت الدرْع فرفعوها فوجدوا الدرْع كَمَا قَالَ فَقَالَ الْحجَّاج لِلْحسنِ أَنا وَالله لَو لم تجئني بِهِ وَجئْت بِغَيْرِهِ لضَرَبْت بِهِ رَأسك وأساء إِلَى أَهلهَا وَقَالَ أَنْتُم قتلة عُثْمَان وَختم أَيدي جمَاعَة من الصَّحَابَة بالرصاص اسْتِخْفَافًا بهم كَمَا يفعل بِأَهْل الذِّمَّة مِنْهُم جَابر بن عبد الله وَأنس بن مَالك وَسَهل بن سعد ونقلت عَنهُ فِي ذمّ الْمَدِينَة أَقْوَال قبيحة أمره فِيهَا إِلَى الله تَعَالَى وَقيل إِن ولَايَة الْحجَّاج وَمَا فعل فِيهَا كَانَت سنة أَربع وَسبعين وَإِن عبد الْملك عزل عَنْهَا طَارِقًا وَاسْتَعْملهُ ثمَّ هدم الْحجَّاج بِنَاء الْكَعْبَة الَّذِي بناه ابْن الزبير وَأخرج الْحجر مِنْهُ وَأَعَادَهُ إِلَى الْبناء الَّذِي أقره عَلَيْهِ النَّبِي وَهُوَ بِنَاء قِرْش وَلم يصدق ابْن الزبير فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عَن عَائِشَة فَلَمَّا صَحَّ ذَلِك عِنْد عبد الْملك قَالَ وددت أَنِّي تركته وَمَا عمل (ولَايَة الْمُهلب حَرْب الْأزَارِقَة) وَلما عزل عبد الْملك خَالِد بن عبد الله عَن الْبَصْرَة وَاسْتعْمل مَكَانَهُ أَخَاهُ بشر بن مَرْوَان وَجمع لَهُ المصرين أمره أَن يبْعَث الْمُهلب إِلَى حَرْب الْأزَارِقَة فِيمَن ينتخبه من أهل الْبَصْرَة ويتركه ورأيه فِي الْحَرْب وَأَن يبْعَث من أهل الْكُوفَة رجلا شريفاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 مَعْرُوفا بالبأس والنجدة والتجربة فِي جَيش كثيف إِلَى الْمُهلب فيتتبعوا الْخَوَارِج حَتَّى يهلكوهم فَأرْسل الْمُهلب جديع بن سعيد بن قبيصَة ينتخب النَّاس من الدِّيوَان وشق على بشر أَن إمرة الْمُهلب جَاءَت من عبد الْملك فقصر بِهِ ودعا عبد الرَّحْمَن بن مخنف فَأعلمهُ بِمَنْزِلَتِهِ عِنْده وَقَالَ إِنِّي أوليك جَيش الْكُوفَة لِحَرْب الْأزَارِقَة وكُن عِنْد حسن ظَنِّي بك ثمَّ أَخذ يغريه بالمهلَب وَألا يقبل رَأْيه وَلَا مشورته فأظهر لَهُ الْوِفَاق وَسَار إِلَى الْمُهلب فنزلوا رام هُرْمُز وَلَقي بهَا الْخَوَارِج فَخَنْدَق عَلَيْهِ على ميل من الْمُهلب حَيْثُ يتَرَاءَى العسكران ثمَّ أَتَاهُم نعي بشر بن مَرْوَان لعشر لَيَال من مقدمهم وَأَنه اسْتخْلف على الْبَصْرَة خَالِد بن عبيد الله ابْن خَالِد وافترق نَاس من أهل المصرين إِلَى بلدهم ونزلوا أهواز وَكتب إِلَيْهِم خَالِد بن عبيد الله يتهددهم ويحذرهم عُقُوبَة عبد الْملك إِن لم يرجِعوا إِلَى الْمُهلب فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ ومضوا إِلَى الْكُوفَة وَاسْتَأْذَنُوا عَمْرو بن حُرَيْث فِي الدُّخُول فَلم يَأْذَن لَهُم دخلُوا وأضربوا عَن إِذْنه (ولَايَة الْحجَّاج على الْعرَاق) وَقيل فِي سَبَب ولَايَته إِنَّه وَفد على عبد الْملك وَمَعَهُ إِبْرَاهِيم بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ وَكَانَ من رجال قُرَيْش علما وَعَملا وزاهدا ودينَاً وَكَانَ الْحجَّاج مسخراً لَهُ لَا يتْرك من إجلاله شَيْئا فَلَمَّا قدما على عبد الْملك أذن للحجاج بِالدُّخُولِ فَلَمَّا دخل سلم وَلم يبْدَأ بِشَيْء إِلَّا أَن قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قدمت عَلَيْك بِرَجُل من أهل الْحجاز لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي كَمَال الْمُرُوءَة والديانة وَحسن الْمَذْهَب وَالطَّاعَة مَعَ الْقَرَابَة وَوُجُوب الْحق فَقَالَ عبد الْملك وَمن هُوَ قَالَ إِبْرَاهِيم ابْن طَلْحَة التَّيْمِيّ فَلْيفْعَل أَمِير الْمُؤمنِينَ بِهِ مَا يفعل بأمثاله فَقَالَ عبد الْملك أذكرتنا حَقًا واجبَاً ورحمَاً قريبَة ثمَّ أذن لَهُ فَلَمَّا دخل قربه وَأَدْنَاهُ وَقَالَ لَهُ إِن أَبَا مُحَمَّد ذكرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 مَا لم نَزَل نعرفك بِهِ من الْفضل وَحسن الْمَذْهَب فَلَا تدعن حَاجَة إِلَّا ذكرتها فَقَالَ إِبْرَاهِيم إِن أولى الْأُمُور أَن تفتتح بِهِ الْحَوَائِج مَا كَانَ فِيهِ لله رضَا وَلحق رَسُوله أَدَاء ولجماعة الْمُسلمين نصيحة قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ لَا يُمكن القَوْل إِلَّا وَأَنا خالٍ فأخلني قَالَ أَو دون أبي مُحَمَّد قَالَ نعم فَأَشَارَ عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج فَخرج فَقَالَ إِبْرَاهِيم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك عهِدت إِلَى الْحجَّاج مَعَ تغطرسه وتعجرفه وَبعده عَن الْحق وركونه إِلَى الْبَاطِل فوليته الْحَرَمَيْنِ وَبِهِمَا من أَوْلَاد الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من قد علمت يسومهم الْخَسْف ويقودهم بالعنف ويطؤهم بطغام أهل الشَّام ورعاع لَا روية لَهُم فِي إِقَامَة حق وَلَا فِي إِزَالَة بَاطِل ثمَّ تظن أَن ذَلِك ينجك من عَذَاب الله فَكيف بك إِذا جاثاك مُحَمَّد لللخصومة ة بَين يَدي الله تَعَالَى وَأما وَالله إِنَّك لن تنجو هُنَالك إِلَّا بِحجَّة تضمنُ لَك النجَاة فَاتق لنَفسك أَو دع وَكَانَ عبد الْملك متكئَاً فَاسْتَوَى وَقَالَ كذبتَ ومِنتَ فِيمَا جئتَ بِهِ وَلَقَد ظَن بك الحجاجُ ظنا لم يجده فِيك فَأَنت المائن الْحَاسِد قَالَ فَقَامَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ لَا يبصر شَيْئا فَلَمَّا جَاوز السّتْر لحقه لَاحق وَقَالَ للحاجب امْنَعْ هَذَا من الْخُرُوج وائذن للحجاج فَدخل فَلبث مَلِيًّا قَالَ إِبْرَاهِيم وَلَا أَشك أَنَّهُمَا فِي أَمْرِي ثمَّ خرج الْإِذْن لي فَدخلت فَلَمَّا كشف السّتْر إِذْ أَنا بالحجاج خَارج فاعتنقني وَقبل بَين عَيْني وَقَالَ إِذا جزى الله المتواخيين لفضل تواصلهما فجزاك الله عني أفضل الْجَزَاء وَالله لَئِن بقيت لأرفعن ناظريك ولأتبعن الرِّجَال غُبَار قَدَمَيْك قَالَ قَالَ إِبْرَاهِيم فَقلت فِي نَفسِي إِنَّه ليسخر مني فَلَمَّا وصلت إِلَى عبد الْملك أدنى مجلسي كَمَا فعل أولاَ ثمَّ قَالَ يَا بن طَلْحَة هَل أعلمت الْحجَّاج بِمَا جرى أَو شاركَكَ أحد فِي نصيحتك قلت لَا وَالله لَا أعلم أحدا أظهر يَداً من الْحجَّاج وَلَو كنت محابياً أحدَاً بديني لَكَانَ هُوَ وَلَكِنِّي آثرت الله وَرَسُوله وَالْمُسْلِمين فَقَالَ عبد الْملك قد علمت صدق مَقَالَتك وَلَو آثرتَ الدُّنْيَا لَكَانَ لَك فِي الْحجَّاج أَمَلٌ وَقد عزلتُهُ عَن الْحَرَمَيْنِ لما كرهتَ من ولَايَته عَلَيْهِمَا وأخبرته أَنَّك أَنْت الَّذِي استنزلتني لَهُ عَنْهُمَا استصغاراً للولاية ووليته الْعرَاق لما هُنَالك من الْأُمُور الَّتِي لَا يدحضها إِلَّا مثله وَإِنَّمَا قلت ذَلِك ليؤدي مَا يلْزمه من ذِمَامك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 فَاخْرُج مَعَه فَإنَّك غير ذام صحبته مَعَ يدك عِنْده قَالَ إِبْرَاهِيم فَخرجت مَعَ الْحجَّاج فأكرمني أَضْعَاف إكرامه الأول وَاسْتدلَّ النَّاس بذلك على مَكَارِم عبد الْملك وأخلاقه واعترافه بِالْحَقِّ وتيقظه فِي الْأُمُور ودهائه ثمَّ ولى عبد الْملك الْحجَّاج بن يُوسُف على الْكُوفَة وَالْبَصْرَة سنة خمس وَسبعين وَأرْسل إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ يَأْمُرهُ بالمسيرة إِلَى الْعرَاق فَسَار على النجب فِي اثْنَي عشر رَاكِبًا حَتَّى قدم الْكُوفَة فِي شهر رَمَضَان وَقد كَانَ بشر بعث الْمُهلب إِلَى الْخَوَارِج فَدخل الْمَسْجِد وَصعد الْمِنْبَر وَقَالَ عَليّ بِالنَّاسِ وظنوه من بعض الْخَوَارِج فَهموا بِهِ حَتَّى تنَاول عُمَيْر بن ضابئ البرجمي الْحَصْبَاء وَأَرَادَ أَن يحصبه فَلَمَّا تكلم جعلت الْحَصْبَاء تسْقط من يَده وَهُوَ لَا يشْعر بهَا ثمَّ حضر النَّاس وخطب خطْبَة عَظِيمَة أحسنُ من أوردهَا الْمبرد فِي الْكَامِل تهدد فِيهَا أهل الْكُوفَة وتوعدهم على التَّخَلُّف عَن الْمُهلب ثمَّ نزل قلت هَذَا مَا أوردهُ الْمبرد فِي كَامِله فَقَالَ وَفِي سنة خمس وَسبعين حج بِالنَّاسِ عبد الْملك بن مَرْوَان وخطب على مِنْبَر رَسُول الله وسير على إمرة الْعرَاق الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ فَسَار من الْمَدِينَة إِلَى الْكُوفَة فِي اثْنَي عشر رَاكِبًا بعد أَن وهب البشير بهَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار قَالَ الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنِي عبيد الله بن يزِيد بن أبي مُسلم الثَّقَفِيّ عَن أَبِيه قَالَ كَانَ الْحجَّاج عَاملا لعبد الْملك على مَكَّة فَكتب إِلَيْهِ بِولَايَة الْعرَاق قَالَ فَخرجت مَعَه فِي نفر قليلين على النجائب فَلَمَّا كُنَّا بِمَاء قريب من الْكُوفَة نزل فاختضب وتهيأَ وَذَلِكَ يَوْم جُمُعَة ثمَّ رَاح معتماً قد ألْقى عذبة الْعِمَامَة بَين كَتفيهِ متقلدَاً سَيْفه متنكباً قوسه حَتَّى نزل عِنْد دَار الْإِمَامَة عِنْد مَسْجِد الْكُوفَة وَقد أذن الْمُؤَذّن بِالْأَذَانِ الأول فَخرج عَلَيْهِم وهم لَا يعلمُونَ فجمَع بهم ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَسكت وَقد اشرأبوا إِلَيْهِ وجثوا على الركب وتناولوا الْحَصْبَاء ليحصبوه بهَا وَقد كَانُوا حصبوا عَاملا قبله فَخرج عَلَيْهِم فَسكت سكتة أبهتتهم وأحبوا أَن يسمعوا كَلَامه فَكَانَ بَدْء كَلَامه أَن قَالَ يَا أهل الْعرَاق يَا أهل الشقاق يَا أهل النِّفَاق وَالله إِن كَانَ أَمركُم ليهمني قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 أَن آتِي إِلَيْكُم وَلَقَد كنت أَدْعُو الله أَن يبتليكم بِي فَأجَاب دَعْوَتِي أَلا إِنِّي قد أسريت البارحة فَسقط مني سَوْطِي فاتخذت هَذَا مَكَانَهُ وَأَشَارَ إِلَى سَيْفه فوَاللَّه لأجرنه فِيكُم جر الْمَرْأَة ذيلها وَلَأَفْعَلَن وأفعلن قَالَ يزِيد فرأيتُ الْحَصْبَاء تتساقَطُ من أَيْديهم وَقَالَ قومُوا إِلَى بيعتكم فَقَامَتْ الْقَبَائِل قَبيلَة قَبيلَة تبَايع فَيَقُول من فَتَقول بَنو فلَان حَتَّى جَاءَت قَبيلَة فَقَالَ من قَالُوا النخع قَالَ مِنْكُم كَميل بن زِيَاد قَالُوا نعم قَالَ فَمَا فعل قَالُوا أَيهَا الْأَمِير شيخ كَبِير قَالَ لَا بيعَة لكم عِنْدِي وَلَا تقربون حَتَّى تَأْتُونِي بِهِ قَالَ فَأتوهُ بِهِ منعوشاً فِي سَرِيره حَتَّى وضعوه إِلَى جَانب الْمِنْبَر فَقَالَ الْحجَّاج لم يبْق مِمَّن دخل على عُثْمَان الدَّار غير هَذَا فَدَعَا بنطع وَضربت عُنُقه وَقَالَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ حَدثنِي من شهد الْحجَّاج حِين قدم الْعرَاق فَبَدَأَ بِالْكُوفَةِ فَنُوديَ الصَّلَاة جَامِعَة فَأقبل النَّاس إِلَى الْمَسْجِد وَالْحجاج مُتَقَلِّدًا قوساً عَرَبِيَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة خَز حَمْرَاء متلثمَاً فَقعدَ وَعرض الْقوس بَين يَدَيْهِ ثمَّ لم يتَكَلَّم حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِد قَالَ مُحَمَّد بن عُمَيْر فَسكت حَتَّى ظَنَنْت أَنه إِنَّمَا يمنعهُ العِي وَأخذت فِي يَدي كَفاً من حَصْبَاء أردْت أَن أضْرب بهَا وَجهه فَقَامَ فَوضع النقاب وتقلد قوسه وَقَالَ من // (الوافر) // (أَنَا ابْنُ جَلاَ وَطَلَّاُعُ التنايا ... مَتَى أَضَعِ العمامَةَ تَعْرِفُوني) إِنِّي لأرى رُءُوسًا قد أينعَتْ وحان قطافها كَأَنِّي أنظر إِلَى الدما بَين العمائم واللحى من // (الرجز) // (لَيْسَ بعشك فادرجي ... ) (قَدْ شَمَّرَتْ عَن سَاقهَا فَشَمِّرِي ... ) (هَذَا أَوَانُ الحَرْبِ فاشتدِّى زِيَمْ ... قد لَفَّهَا الليلُ بسَوَّاق حُطَمْ) (لَيْسَ برَاعِي إِبِل وَلَا غَنَمْ ... وَلَا بجَزَّارٍ على ظَهْر وَضَمْ) (قَدْ لَفَّهَا الليلُ بعَصْلَبِئِّ ... مهاجِر لَيْسَ بأعرابيِّ) إِنِّي وَالله مَا أغمز غمز التِّين وَلَا يقعقع لي بالشنان وَقد فُررت عَن ذكاء وفتشت عَن تجربة وحذيت من الغابة وَإِنَّكُمْ يَا أهل الْعرَاق طالما أوضعتم فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 الضَّلَالَة وسلكتم سبل الغواية أما وَالله لألحينكم لحى الْعود ولأعصبنكم عصب السلمة ولأقرعنكم قرع الْمَرْوَة ولأضربنكم ضرب غرائب الْإِبِل يَا عبيد الْعَصَا أَنا الْغُلَام الثَّقَفِيّ لَا أعد إِلَّا وفيت وَلَا أَحْلف إِلَّا فريت إِنَّمَا مثلكُمْ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَضرب الله مثل قَرية كَانتَ آمِنَةَ مطمئنة يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَداً مِن كل مَكَان فكفَرَت بأَنعُمِ اللَهِ فَأَذاقَهَا اَللَهُ لِباسَ اَلجُوعَ وَاَلخَوفِ بِمَا كَانوا يَصنَعُونَ} النَّحْل 112 شَاهَت الْوُجُوه فَإِنَّكُم أشباه ذَلِك فاستوثقوا واستقيموا أقسم بِاللَّه لتدعن الإرجاف ولتقبلن على الْإِنْصَاف ولتنزعنَّ عَن القيل والقال وَكَانَ وَكَانَ والهبر وَمَا الهبر أَو لأهبرنكم بِالسَّيْفِ يدع النِّسَاء أيامَى والولدانَ يتامَى أَلا إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ نثل كِنَانَته بَين يَدَيْهِ فعجم عيدانها فوجدني أمرهَا عوداً وأصلبها مكسرَاً فوجهني إِلَيْكُم فاستقيموا وَلَا يميلن مِنْكُم مائل وَاعْلَمُوا أَنِّي إِذا قلت قولا وفيت بِهِ من كَانَ مِنْكُم من بعث الْمُهلب فليلحق بِهِ فَإِنِّي لَا أجد أحدا بعد ثَالِثَة إِلَّا ضربت عُنُقه وإياي وَهَذِه الزرافات فَإِنِّي لَا أجد أحدا يسير فِي زرافة إِلَّا سفكت دَمه واستحللت مَاله ثمَّ نزل هَذَا مَا رَوَاهُ الْمبرد وَزَاد الذَّهَبِيّ بِإِسْنَاد عَن الثَّوْريّ قُم يَا غلامُ فاقرأ عَلَيْهِم كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ ففقرأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى من فِي الْكُوفَة سَلام عَلَيْكُم فَسَكَتُوا فَقَالَ الْحجَّاج اكفف يَا غُلَام ثمَّ أقبل عَلَيْهِم فَقَالَ يسلم عَلَيْكُم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا تردون عَلَيْهِ شَيْئا هَذَا أدب ابْن نهية أما وَالله لأؤدبنكم غير هَذَا الْأَدَب أَو لتستقيمن اقْرَأ يَا غُلَام فَقَرَأَ قَوْله السَّلَام عَلَيْكُم فَلم يبْق فِي الْمَسْجِد أحد إِلَّا قَالَ وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ أفضل السَّلَام قلت العصلبيُ الشَّديد من الرِّجَال والسواق الحطم العنيف فِي سوقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 الْوَضم كل مَا وقى بِهِ اللَّحْم من الأَرْض عجمت الْعود ذَا عضضته بنابك لتعرف أَصْلَب هُوَ أم رخو الزرافات الْجَمَاعَات وَحضر النَّاس عِنْده للعطاء واللحاق بالمهلب فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَيْر بن ضابئ وَقَالَ أَنا شيخ كَبِير عليل وَابْني هَذَا أَشد مني فَقَالَ هَذَا خير لنا مِنْك ثمَّ قَالَ وَمن أَنْت قَالَ عُمَيْر بن ضابئ قَالَ الَّذِي دخل على عُثْمَان فِي دَاره وداس على ظَهره فَكسر ضلعين من أضلاعه قيل نعم فَقَالَ يَا عَدو الله أَفلا بعثت إِلَى عُثْمَان بَدَلا قَالَ إِنَّه حبس أبي وَكَانَ شَيخا كَبِيرا فَقَالَ إِنِّي لأحسب فِي قَتلك صَلَاح المصرين وَأمر بِهِ فَقتل وانتهب مَاله وَقيل إِن عتبَة بن سعيد بن الْعَاصِ هُوَ الَّذِي أغرى بِهِ الْحجَّاج حِين دخل عَلَيْهِ ثمَّ أَمر الْحجَّاج مناديه فَنَادَى أَلا إِن ضابئاً تخلف بعد ثَالِثَة من النداء فَأمر بقتْله ودمة الله بريئة مِمَّن بَات اللَّيْلَة عَن جند الْمُهلب فَتسَارع النَّاس إِلَى الْمُهلب وَهُوَ برامهرمز وجاءه العرفاء فَأخذُوا كتبه بموافاة الْعَسْكَر وَقد كَانَ من أَخذ الْحَصْبَاء بِيَدِهِ يُرِيد أَن يحصب بهَا الْحجَّاج تساقط من يَده خوفًا ورعباً فثبتت مهابته فِي قُلُوبهم وتحكم حِينَئِذٍ فِي رقابهم وَكَانَ الْقَاسِم بن سَلام يَقُول قَاتل الله أهل الْعرَاق أَيْن قبائلهم وعشائرهم وَأهل الأنفة وَأَيْنَ تجبرهم قتلوا عليا وطعنوا الْحسن وقاتلوا الْمُخْتَار وعجزوا عَن قتل هَذَا الملعون الدميم الصُّورَة وَقد جَاءَهُم فِي اثْنَي عشر رَاكِبًا وهم فِي مائَة ألف وَلَكِن ظهر بِهِ تَصْدِيق قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِم الْغُلَام الثَّقَفِيّ ثمَّ بعث الْحجَّاج إِلَى الْبَصْرَة الحكم بن أَيُّوب الثَّقَفِيّ وَأمره أَن يشْتَد على خَالِد ابْن عبد الله وبلغه الْخَبَر فقسم فِي أهل الْبَصْرَة ألف ألف وَخرج عَنْهَا وَيُقَال إِن الْحجَّاج أول من عاقب على التَّخَلُّف عَن الْبعُوث بِالْقَتْلِ قَالَ الشّعبِيّ كَانَ الرجل إِذا أخل بِوَجْهِهِ الَّذِي يكْتب إِلَيْهِ زمن عمر وَعُثْمَان وَعلي تنْزع عمَامَته ويقام بَين النَّاس فَلَمَّا ولى مُصعب أضَاف إِلَيْهِ حلق الرُّءُوس واللحي فَلَمَّا ولي بشر أضَاف إِلَيْهِ تَعْلِيق الرجل بمسمارين فِي يَده فِي حَائِط فيخرق المسمار يَده وَرُبمَا مَاتَ فَلَمَّا جَاءَ الْحجَّاج ترك ذَلِك كُله وَجعل عُقُوبَة من يخل بمكانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 من الثغر أَو الْبَعْث الْقَتْل ثمَّ ولى الْحجَّاج على السَّنَد سعيد بن أسلم بن زرْعَة خرج عَلَيْهِ مُعَاوِيَة بن الْحَارِث العلافي وَأَخُوهُ فغلباه على الْبِلَاد وقتلاه فَأرْسل الْحجَّاج مجاعَة بن سعيد التَّمِيمِي مَكَانَهُ فغلب على الثغر وغزا وَفتح فتوحات وَمَات بمكران لسنة من ولَايَته (وثوب أهل الْبَصْرَة عل الْحجَّاج) ثمَّ خرج الْحجَّاج من الْكُوفَة واستخلف عَلَيْهَا عُرْوَة بن الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَسَار إِلَى الْبَصْرَة وقدمها وخطب كَمَا خطب بِالْكُوفَةِ وتوعد على الْقعُود عَن الْمُهلب كَمَا توعَد فَأَتَاهُ شريك بن عمر الْيَشْكُرِي وَكَانَ بِهِ فتق فَاعْتَذر بِهِ وَبِأَن بشر بن مَرْوَان قبل عذره بذلك وأحضر عطاءه يرد إِلَى بَيت المَال فَضرب الْحجَّاج عُنُقه وتتابع النَّاس متوجهين إِلَى الْمُهلب ثمَّ سَار حَتَّى كَانَ بَينه وَبَين الْمُهلب ثَمَانِيَة عشر فرسخَاً فَقَامَ ليَشُد ظَهره وَقَالَ يَا أهل المصرين هَذَا وَالله مَكَانكُمْ حَتَّى يهْلك الله الْخَوَارِج ثمَّ قطع لَهُم الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا مُصعب فِي الأعطية وَكَانَت مائَة مائَة وَقَالَ لسنا نجيزها فَقَالَ عبد الله بن الْجَارُود إِنَّمَا هِيَ زِيَادَة عبد الْملك وَقد أجازها أَخُوهُ بشر بأَمْره فانتهزه الْحجَّاج قَالَ لَهُ إِنِّي لَك نَاصح وَإنَّهُ قَول من ورائي فَمَكثَ الْحجَّاج أشهراً لَا يذكر الزِّيَادَة ثمَّ أعَاد القَوْل فِيهَا فَرد عَلَيْهِ ابْن الْجَارُود مثل الرَّد الأول فَقَالَ لَهُ مصقلة بن كرب الْعَبْدي سمعا وَطَاعَة للأمير فِيمَا أحببنا وكرهنا فَلَيْسَ لنا أَن نرد عَلَيْهِ فانتهره ابْن الْجَارُود وَشَتمه وَآتى الْوُجُوه إِلَى عبد الله بن الْجَارُود فصوبوا رَأْيه وَقَالَ لَهُ الْهُذيْل بن عمرَان البرجمي وَعبد الله ابْن حَكِيم بن زِيَاد الْمُجَاشِعِي وَغَيرهمَا إِن هَذَا الرجل مجمع على نقض هَذِه الزِّيَادَة فتعال نُبَايِعك على إِخْرَاجه من الْعرَاق ونكتب إِلَى عبد الْملك أَن يولي علينا غَيره وَإِلَّا خلعناه وَهُوَ يخافنا مَا دَامَت الْخَوَارِج فَبَايعُوهُ سرَّاً وتعاهدوا وَبلغ الْحجَّاج أَمرهم فاحتاط وحذر ثمَّ خَرجُوا فِي ربيع سنة سِتّ وَسبعين وَركب عبد الله بن الْجَارُود فِي عبد الْقَيْس على راياتهم وَلم بق مَعَ الْحجَّاج إِلَّا خاصته وَأهل بَيته وَبعث الْحجَّاج يستدعيه فأفحش ف القَوْل لرَسُوله وَصرح بخلع الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ الرَّسُول تهْلك قَوْمك وعشيرتك وأبلغه تهديد الْحجَّاج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 إِيَّاه فَأمر بِهِ فَضرب وَأخرج وَقَالَ لَوْلَا أَنَّك رَسُول لقتلتك ثمَّ زحف ابْن الْجَارُود فِي النَّاس حَتَّى غشي فسطاطه فنهب مَا فِيهِ من الْمَتَاع وَالظّهْر وَأخذُوا زَوْجَاته وَانْصَرفُوا عَنهُ وَكَانَ رَأْيهمْ أَن يخرجوه وَلَا يقتلوه وَقَالَ الغضبان بن القبعثري الشَّيْبَانِيّ لِابْنِ الْجَارُود لَا ترجع عَنهُ وحرضه على معاجلته فَقَالَ إِلَى الْغَدَاة وَكَانَ مَعَ الْحجَّاج عُثْمَان بن قطن وَزِيَاد بن عَمْرو العتكى صَاحب الشرطة بِالْبَصْرَةِ فاستشارهما فَأَشَارَ زِيَاد بِأَن يستأمن الْقَوْم وَيلْحق بأمير الْمُؤمنِينَ وَأَشَارَ عُثْمَان بالثبات وَلَو كَانَ دونه الْمَوْت وَلَا تخرج إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْعرَاق بعد أَن رقاك إِلَى مَا رقاك وَفعلت مَا فعلت بِابْن الزبير فَقبل الْحجَّاج رأى عُثْمَان وحقد على زِيَاد فِي إِشَارَته وجاءه عَامر بن مسمع يَقُول قد أخذت لَك الْأمان من النَّاس فَجعل الْحجَّاج يغالطه رَافعا صَوته عَلَيْهِ ليسمع النَّاس وَيَقُول وَالله لَا أؤمنهم حَتَّى يأتوني بالهذيل بن عمرَان وَعبد الله بن حَكِيم ثمَّ أرسل إِلَى عبيد بن كَعْب النميري أَن ائْتِنِي فامنعني فَقَالَ إِن أتيتني منعتك فَأبى وَبعث إِلَى مُحَمَّد بن عُمَيْر بن عُطَارِد وَعبد الله بن حَكِيم بِمثل ذَلِك فَأَجَابُوهُ بِمثلِهِ ثمَّ إِن عباد بن الْحصين الحبطي مَر بِابْن الْجَارُود والهذيل وَعبد الله بن حَكِيم يتناجون فَطلب الدُّخُول مَعَهم فأَبوا فَغَضب وَسَار إِلَى الْحجَّاج وجاءه قُتَيْبَة بن مُسلم فِي بني أعصر للحمية القسية ثمَّ جَاءَهُ سُبْرَة بن عَليّ الْكلاب وَسَعِيد بن أسلم الْكلابِي وجعفر بن عبد الرَّحْمَن بن مخنف الْأَزْدِيّ فثابت إِلَيْهِ نَفسه وَعلم أَنه قد امْتنع وَأرْسل إِلَيْهِ مسمع بن مَالك بن مسمع إِن شِئْت أَتَيْتُك وَإِن شِئْت أَقمت وثبطت عَنْك فَأَجَابَهُ أَن أقِم فَلَمَّا أصبح إِذا حوله سِتَّة آلَاف وَقَالَ ابْن الْجَارُود لِعبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان مَا الرَّأْي قَالَ تركته أمس وَلم يبْق إِلَّا الصَّبْر ثمَّ تزاحفوا وعبأ ابْن الْجَارُود وَأَصْحَابه على ميمنته الْهُذيْل وعَلى ميسرته ابْن ظبْيَان وتعبأَ الْحجَّاج على ميمنته قُتَيْبَة بن مُسلم وأو عباد بن الْحصين وعَلى مسرته سعيد بن أسلم وَحمل الْجَارُود حَتَّى أجَاز أَصْحَاب الْحجَّاج وَعطف الْحجَّاج عَلَيْهِ فَعَاد ابْن الْجَارُود بِظهْر ثمَّ أَصَابَهُ سهم غرب فَوَقع مَيتا ونادى مُنَادِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 الْحجَّاج بأمانِ النَّاس إِلَّا الْهُذيْل وَابْن حَكِيم وَأمر أَلا تتبع المنهزمون وَلحق ابْن ظبْيَان بعمان فَمَاتَ هُنَالك وَبعث الْحجَّاج بِرَأْس الْجَارُود ورءوس ثمانة عشر من أَصْحَابه إِلَى الْمُهلب ونصبت ليراها الْخَوَارِج فيتأسوا من الْخلاف وَحبس الْحجَّاج عبيد بن كَعْب وَمُحَمّد بن عُمَيْر لامتناعهما من الْإِتْيَان إِلَيْهِ وَحبس ابْن القبعثري لتحريضه عَلَيْهِ فَأَطْلقهُ عبد الْملك وَكَانَ فِيمَن قتل مَعَ ابْن الْجَارُود عبد الله بن أنس بن مَالك فَقَالَ الْحجَّاج لَا أرى إنْسَانا يعين عَليّ وَدخل الْبَصْرَة فَأخذ مَاله وجاءه أنس فأساء عَلَيْهِ وأفحش فِي شَتمه فَكتب أنس إِلَى عبد الْملك يشكوه فَكتب عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج يشتمه ويغلظ عَلَيْهِ فِي التهديد على مَا فعل بأنس وَأَن يَجِيء إِلَى منزله ويتنصل وَإِلَّا ويتمعَّر وجبينه يرشح عرقاً ثمَّ جَاءَ إِلَى أنس بن مَالك وَاعْتذر إِلَيْهِ وَفِي غُضُون هَذِه الْوَاقِعَة خرج الزنج بفرات الْبَصْرَة وَقد كَانُوا خَرجُوا قبل ذَلِك فِي أَيَّام مُصعب وَلم يَكُونُوا بالكثير وأفسدوا الثِّمَار والزروع ثمَّ جمع لَهُم خَالِد ابْن عبد الله وافترقوا قبل أَن ينَال مِنْهُم وَقتل بَعضهم وصلبهم فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْوَقْعَة قدمُوا عَلَيْهِم رجلاَ مِنْهُم اسْمه رَبَاح ويلقب شير زنجي أَي أَسد الزنج وأفسدوا فَلَمَّا فرغ الْحجَّاج من ابْن الْجَارُود أَمر زِيَاد بن عَمْرو صَاحب الشرطة أَن يبْعَث إِلَيْهِم من يقاتلهم فَبعث إِلَيْهِم ابْنه حفصَاً فِي جَيش فَقَتَلُوهُ وَانْهَزَمَ أَصْحَابه فَبعث جيشَاً فَهزمَ الزنج وأبادهم (مقتل ابْن مخنف وَحرب الْخَوَارِج) كَانَ الْمُهلب وَعبد الرَّحْمَن بن مخنف واقفَينِ للخوارج برامهرمز فَلَمَّا أمدهم الْحجَّاج بالعساكر من الْكُوفَة وَالْبَصْرَة تَأَخّر الْخَوَارِج من رامهرمز إِلَى كازرون واتبعهم الْعَسْكَر حَتَّى نزلُوا بهم وَخَنْدَق الْمُهلب على نَفسه وَقَالَ ابْن مخنف وَأَصْحَابه خندقنا سوفنا فبيتهم الْخَوَارِج وَأَصَابُوا الْغرَّة فِي ابْن مخنف فقاتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 وَأَصْحَابه حَتَّى قتلوا هَكَذَا حَدِيث أهل الْبَصْرَة وَأما أهل الْكُوفَة فَذكرُوا أَنهم لما نهضوا إِلَى الْخَوَارِج اشْتَدَّ الْقِتَال بَينهم وَمَال الْخَوَارِج على الْمُهلب واضطروه لى مُعَسْكَره وأمده عبد الرَّحْمَن بِالْخَيْلِ وَالرِّجَال وَلما رأى الْخَوَارِج مدده تركُوا من شغل الْمُهلب وقصدوا عبد الرَّحْمَن فقاتلوه وانكشف عَنهُ النَّاس وصبر فِي سبعين من قومه فَقَاتلُوا إليآخر اللَّيْل وَقتلُوا عَن آخِرهم وَبعث الْحجَّاج على عَسْكَر ابْن مخنف من أهل الْكُوفَة عتاب بن وَرْقَاء وَأمره أَن يسمع للمهلب فثقل ذَلِك عَلَيْهِ فَلم تحسن بَينهمَا الْعشْرَة وَكَانَ رترادان فِي الْكَلَام وَرُبمَا أغْلظ لَهُ الْمُهلب وَأرْسل عتاب إِلَى الْحجَّاج يسْأَله الْعود وَكَانَ خرق الْخَوَارِج وشبيب وَقد اتَّسع عَلَيْهِ فصادف مِنْهُ ذَلِك موقعَاً واستقدمه وَأمره أَن يتْرك الْعَسْكَر مَعَ الْمُهلب فولى عَلَيْهِم الْمُهلب ابْنه حبيباً وَأقَام يقاتلهم بنيسابور نَحوا من سنة وتحركت الْخَوَارِج على الْحجَّاج من سنة سِتّ وَسبعين إِلَى سنة ثَمَان وشغل بِحَرْبِهِمْ وَأول من خرج مِنْهُم صَالح بن مسرح من بني تَمِيم بعث إِلَيْهِ العساكر فَقتل فَوَلوا عَلَيْهِم شبيبا وَبعث وَأتبعهُ كثير من بني شَيبَان إِلَيْهِم الحجاجُ العساكر مَعَ الْحَارِث بن عميرَة ثمَّ مَعَ سُفْيَان الْخَثْعَمِي ثمَّ الْحِرْز بن سعيد فهزموهم وَأَقْبل شبيب إِلَى الْكُوفَة فجار بِهِ الْحجَّاج وَامْتنع عَلَيْهِ ثمَّ سرح عَلَيْهِ العساكر وَبعث فِي أَثَرهم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث فهزموهم ثمَّ بعث عتاب بن وَرْقَاء وَقتل مِنْهُم جمَاعَة كَمَا نذْكر ذَلِك كُله ي أخبارهم وف سنة سِتّ وَسبعين خرج صَالح بن مسرح التَّمِيمِي وَكَانَ صَالحا ناسكاً مخبتاً وَكَانَ بدارا والموصل وَله أَصْحَاب يُقْرِئهُمْ ويفقههم ويقص عَلَيْهِم وَلكنه يحط على الخليفتين عُثْمَان وَعلي كدأب الْخَوَارِج ويتبرأ مِنْهُمَا وَيَقُول تيسروا رحمكم الله لجهاد هَذِه الْأَحْزَاب المتحزبة وللخروج من دَار الفناء إِلَى دَار الْبَقَاء وَلَا تجزعوا من الْقَتْل فِي الله فَإِن الْقَتْل أيسر من الْمَوْت وَالْمَوْت نَازل بكم لم يلبث أَن أَتَاهُ كتاب شبيب بن يزِيد من الْكُوفَة فِيهِ أما بعد فَإنَّك شيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 الْمُسلمين وَلنْ نعدل بك أحدا وَقد دعوتني فاستجبت لَك وَإِن أردْت تَأْخِير ذَلِك أعلمني فَإِن الْآجَال غادية ورائحة وَلَا آمن أَن تختر مني الْمنية وَلم أجاهد الظَّالِمين فيا لَهُ غبناً وَيَا لَهُ فضلا متروكاً جعلنَا الله وَإِيَّاك مِمَّن يُرِيد بِعَمَلِهِ الله ورضوانه فَرد عَلَيْهِ صَالح الْجَواب يحضه على الْمَجِيء فَجمع شبيب قومه وَقدم على صَالح وَهُوَ بدارا فتصمدوا مائَة وَعشرَة أنفس ثمَّ وَثبُوا على خيل لمُحَمد بن مَرْوَان فَأَخَذُوهَا وقويت شوكتهم وأخافوا الْمُسلمين فندب مُحَمَّد إِلَى قِتَالهمْ عدي بن عدي بن عميرَة الْكِنْدِيّ فَقَاتلهُمْ فَهزمَ عدي فندب لقتالهم خَالِد بن جُزْء السّلمِيّ والْحَارث العامري واقتتلوا أَشد الْقِتَال وانجاب صَالح إِلَى الْعرَاق فَوجه الْحجَّاج عسكراً عَلَيْهِم سُورَة بن الْحر فَاقْتَتلُوا ثمَّ مَاتَ صَالح مثخنَاً بِهِ الْجراح فِي جُمَادَى الآخرى من السّنة الْمَذْكُورَة وعهد إِلَى شبيب بن يزِيد فَالتقى شبيب هُوَ وَسورَة فَانْهَزَمَ سُورَة بعد قتال شَدِيد ثمَّ سَار شبيب فلقي سعيد بن عَمْرو الْكِنْدِيّ فَاقْتَتلُوا ثمَّ انْصَرف شبيب فهجم الْكُوفَة وَقتل بهَا أَبَا سليم مولى عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان وَالِد اللَّيْث بن سليم وَغَيره من الْمَشَاهِير ثمَّ خرج عَنْهَا فَوجه الْحجَّاج لحربه زَائِدَة بن قدامَة الثَّقَفِيّ ابْن عَم الْمُخْتَار فِي جَيش كثير فَالْتَقوا أَسْفَل الْفُرَات فَهَزَمَهُمْ شبيب وَقتل زَائِدَة فَوجه الْحجَّاج لحربه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث فَلم يقاتلهم وَكَانَ مَعَ شبيب امْرَأَته غزالة وَكَانَت مَعْرُوفَة بالشجاعة وَدخلت مَسْجِد الْكُوفَة تِلْكَ الْمَرْأَة وقرأت وردهَا فِي الْمَسْجِد وَكَانَت نذرت أَن تصعد الْمِنْبَر فصعدته ثمَّ حَار الْحجَّاج فِي أمره مَعَ شبيب فَوجه لقتاله عُثْمَان بن قطن الْحَارِثِيّ فَالْتَقوا فِي آخر الْعَام الْمَذْكُور فَقتل عُثْمَان وَانْهَزَمَ جمعه بعد أَن قتل مِنْهُم سِتّمائَة نفر واستفحل أَمر شبيب بن يزِيد فَنزل الْمَدَائِن فندب الْحجَّاج لقتاله أهل الْكُوفَة كلهم وَعَلَيْهِم زهرَة بن حوية السَّعْدِيّ شيخ كَبِير قد بَاشر الحروب وَبعث إِلَى زهرَة عِبد الْملك من الشَّام سُفْيَان بن الْأَبْرَد وحبيباً الْحكمِي مدَدا بِسِتَّة آلَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 وَاجْتمعَ جَمِيع الْجَيْش خمسين ألفا وَعرض شَبَّبَ بن يزِيد جُنُوده بِالْمَدَائِنِ فَكَانُوا ألف رجل فَقَالَ يَا قوم إِن الله كَانَ ينصركم وَأَنْتُم مائَة أَو مِائَتَان فَأنْتم الْيَوْم مئون ثمَّ ركب فَأخذُوا يتخلفون عَنهُ ويتأخرون فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ لم يثبت مَعَه إِلَّا سِتّمائَة فَحمل شبيب فِي مِائَتَيْنِ على مسيرَة النَّاس فَانْهَزَمُوا وَاشْتَدَّ الْقِتَال وعتاب بن وَرْقَاء جَالس هُوَ وزهرة بن حوية على طنفسة فِي الْقلب فَقَالَ عتاب هَذَا يَوْم كثر فِيهِ الْعدَد وَقل فِيهِ الْغناء يَعْنِي النَّفْع والهفي على خَمْسمِائَة من رجال تَمِيم وتفرق عَن عتاب عَامَّة الْجَيْش وَحمل عَلَيْهِ شبيب فقاتل عتاب سَاعَة وَقتل ووطئت الْخَيل زهرَة بن حوية فَهَلَك فتوجع لَهُ شبيب لما رَآهُ صريعَاً فَقَالَ لَهُ رجل من قومه وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك لتتوجع لرجل من الْكَافرين قَالَ إِنَّك لست أعرف بصلاتهم مني إِنِّي أعرف من قديم أَمرهم مَالا تَعرفُ لَو ثبتوا عَلَيْهِ كَانُوا إِخْوَاننَا ثمَّ قَالَ شبيب لأَصْحَابه ارْفَعُوا عَنْهُم السَّيْف ودعا النَّاس إِلَى طَاعَته وبيعته فَبَايعُوهُ ثمَّ هربوا لَيْلًا وَهَذَا كُله قبل أَن يقدم جَيش الشَّام الَّذِي بَعثه عبد الْملك فَتوجه شبيب نَحْو الْكُوفَة وَقد دَخلهَا عَسْكَر الشَّام فشدوا ظهر الْحجَّاج وانتعش بهم وَاسْتغْنى عَن عَسْكَر الْكُوفَة وَقَالَ يَا أهل الْكُوفَة لَا أعز الله من أَرَادَ بكم الْعِزّ الحقوا بِالْحيرَةِ مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَا تقاتلوا مَعنا وحنق علهيم وهذْا مِمَّا يزيدهم فِيهِ بغضاً ثمَّ إِنَّه وَجه الْحَارِث بن مُعَاوِيَة الثَّقَفِيّ فِي ألف فَارس مَعَ الْكَشْف فالتمس شبيب غفلتهم فَالْتَقوا فَحمل شبيب على الْحَارِث فَقتله وَانْهَزَمَ من مَعَه ثمَّ جَاءَ شبيب فنازل الْكُوفَة وَحفظ النَّاس السكَك وَبنى شبيب مَسْجِدا بِطرف السبخة فَخرج إِلَيْهِ أَبُو الْورْد مولى الْحجَّاج فِي عدَّة غلْمَان فقاتل حَتَّى قتل ثمَّ خرج طهْمَان مولى الْحجَّاج أَيْضا فِي طَائِفَة فَقتله شبيب ثمَّ إِن الْحجَّاج خرج من قصر الْكُوفَة فَركب بغلا وَخرج فِي جَيش الشَّام فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ نزل الْحجَّاج وَقعد على كرْسِي ثمَّ نَادَى يَا أهل الشَّام أَنْتُم أهل السّمع وَالطَّاعَة وَالصَّبْر وَالْيَقِين لَا يغلبن بَاطِل هَؤُلَاءِ حقكم غضبوا الْأَبْصَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وجثوا على الركب وأشرعوا إِلَيْهِم الأسنة وَكَانَ شبيب فِي الستمائة فَجعل مِائَتَيْنِ مَعَه كردوساً وَمِائَتَيْنِ مَعَ سُوَيْد بن سليم وَمِائَتَيْنِ مَعَ الْمُحَلّل بن وَائِل فَحمل سُوَيْد عَلَيْهِم حَتَّى إِذا غشي أَطْرَاف الأسنة وَثبُوا فِي وُجُوههم يطعنونهم قدما قدما فانصرفوا فَأمر الْحجَّاج بتقدم كرسيه وَصَاح بِأَصْحَابِهِ فَحمل عَلَيْهِم شبيب فثبتوا وَطَالَ الْقِتَال فَلَمَّا رأى شبيب صبرهم نَادَى يَا سُوَيْد احْمِلْ على أهل هَذِه السِّكَّة لَعَلَّك تزيل أَهلهَا عَنْهَا فتأتي الْحجَّاج من وَرَائه وَنحن من أَمَامه فَحمل سُوَيْد بن سليم على أهل السِّكَّة فَرمى من فَوق الْبيُوت فَرد قَالَ أَبُو مخنف فَحَدثني فَرْوَة بن لَقِيط الْخَارِجِي من قوم شبيب قَالَ فَقَالَ لنا شبيب يَوْمئِذٍ يَا أهل الْإِسْلَام إِنَّمَا شرينا الله وَمن شرى الله لم يكثر عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ شدَّة كشداتكم فِي مواطنكم الْمَعْرُوفَة وَحمل على الْحجَّاج فَوَثَبَ أَصْحَاب الْحجَّاج طعنَاً وَضَربا فَنزل شبيب وَقَومه فَصَعدَ الْحجَّاج على مَسْجِد شبيب فِي نَحْو عشْرين رجلا وَقَالَ إِذا دنوا فارشقوهم بالنبال فَاقْتَتلُوا عَامَّة النَّهَار أَشد قتال فِي الدُّنْيَا حَتَّى أقرّ كل فريق لآخر ثمَّ إِن خَالِد بن عتاب بن وَرْقَاء قَالَ للحجاج ائْذَنْ لي فِي قِتَالهمْ فَإِنِّي موتور لِأَنَّهُ قتل أَبوهُ عتاب بن وَرْقَاء وَمِمَّنْ لَا يتهم فِي نصيحته فَأذن لَهُ فَخرج فِي عِصَابَة وَدَار من ورائهم فَقتل مصاداً أَخا شبيب وغزالة امْرَأَة شبيب وأضرم النيرَان فِي عسكره فَوَثَبَ شبيب وَأَصْحَابه على خيولهم فَقَالَ الْحجَّاج احملوا عَلَيْهِم فقد ارتعبوا فشدوا عَلَيْهِم فهزموهم وَتَأَخر شبيب عَن خَاصَّة قومه فَذكر من كَانَ مَعَ شبيب أَنه كَانَ يَنْعس ويخفق بِرَأْسِهِ وَخَلفه الطّلب قَالَ فَقلت يَا أَمر الْمُؤمنِينَ الْتفت فَانْظُر من خَلفك فَالْتَفت غير مكترث ثمَّ أكب يخْفق ثمَّ قلت إِنَّهُم دنوا فَالْتَفت ثمَّ أقبل يخْفق وَبعث الْحجَّاج إِلَى خيله ان دَعوه فِي حرقة النَّار فَتَرَكُوهُ وَرَجَعُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وَمر أَصْحَاب شبيب بعامل الْحجَّاج على بلد بِالسَّوَادِ فَقَتَلُوهُ ثمَّ أَتَوا بِالْمَالِ فِي على دَابَّة فشتمهم شبيب على مجيئهم بِالْمَالِ وَقَالَ لقد اشتغلتم بالدنيا ثمَّ رمى بِالْمَالِ فِي الْفُرَات ثمَّ سَار بهم إِلَى الأهواز وَبهَا مُحَمَّد بن مُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله فَخرج لقتاله وَسَأَلَهُ مُحَمَّد المبارزة فبارزه شبيب فَقتله ومضَى إِلَى كرمان فَأَقَامَ شَهْرَيْن وَرجع إِلَى الأهواز فندب لَهُ الْحجَّاج مقدمي جش الشَّام سُفْيَان بن الْأَبْرَد الْكَلْبِيّ وحبِيب بن عبد الرَّحْمَن الْحكمِي فَالْتَقوا على جسر دجيل فَاقْتَتلُوا حَتَّى حجز بَينهم اللَّيْل ثمَّ ذهب شبيب فَلَمَّا صَار على جسر دجيل قطع الجسر فَوَقع شبيب وغرق وَقيل قفز بِهِ فرسه فَأَلْقَاهُ فِي المَاء وَعَلِيهِ الدرْع فَقَالَ لَهُ رجل أغرقاً يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم وألقاه دجيل إِلَى ساحله مَيتا وَآتى بِهِ الْحجَّاج قَالَ أَبُو مخنف فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ إِنَّه شقّ بَطْنه فَأخْرج قلبه وَكَانَ مجتمعا صلبا كَأَنَّهُ صَخْر وَأَنه كَانَ يضْرب بِهِ الأَرْض فيثب قامة الْإِنْسَان قلت لله أَبُو هَذَا البطل القرم الَّذِي بارز الأقران فكسرهم وشتت شملهم وقهرهم يظقر فِي سِتّمائَة على خمسين ألفا وَهُوَ شبيب بن يزِيد بن نعيم بن قيس بن عَمْرو بن الصَّلْت الشَّيْبَانِيّ خرج بالموصل كَمَا تقدم فَبعث إِلَيْهِ الْحجَّاج خَمْسَة قواد قَتلهمْ وَاحِدًا بعد وَاحِد ثمَّ سَار إِلَى الْكُوفَة وحاصر الْحجَّاج بهَا وقاتله وَكَانَت امْرَأَته غزالة من الشجَاعَة والفروسية قربيا مِنْهُ هرب الْحجَّاج مِنْهَا فِي بعض حروبه فَعَيَّرَهُ بعض النَّاس // (من الْكَامِل) // (أَسَدٌ عَلَى وَفي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ ... فَتْخَاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ) (هَلاَّ بَرَزْتَ إلَي غَزَالَة فِي الوَغَى ... بَلْ كَانَ قلبُكَ فِي جَنَاحَيْ طَائِرِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وَكَانَت أمه تسمى جهيزة تشهد الحروب كَذَلِك قَالَ بَعضهم رَأَيْت شبيبَاً وَقد دخل الْمَسْجِد وَعَلِيهِ جُبَّة طيالسة عَلَيْهَا نقط من أثر الْمَطَر وَهُوَ طَوِيل أشمط جعد آدم اللَّوْن فبقى فِي الْمَسْجِد يرتج ولد سنة سِتّ وَعِشْرُونَ من الْهِجْرَة وغرق بدجيل سنة سبع وَسبعين وَلما حمل إِلَى عبد الْملك عتْبَان الحروري من أَصْحَاب شبيب قَالَ لَهُ عبد الْملك أَلَسْت الْقَائِل // (من الطَّوِيل) // (فإنْ كَانَ مِنْكُمْ كَانَ مَرْوَانُ وابنُهُ ... وعَمْرٌ ر ومنْكُمْ هاشمٌ وحبيبُ) (فمنا حُصَيْن والبطين وقَعْنَبٌ ... وَمنا أَمِير المؤمنينَ شَبِيبُ) فَقَالَ عتْبَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا قلت وَمنا أميرَ الْمُؤمنِينَ وَنصب على النداء فَاسْتحْسن قَوْله وَأطْلقهُ وجهيزة أم شبيب هِيَ الني يضْرب بهَا الْمثل فِي الْحمق لِأَنَّهَا لما حملت قَالَت فِي بَطْني شَيْء ينفر فَقيل أَحمَق من جهيزة وروى عَنْهَا مَا يدل على عدم الْحمق فَإِن عَمْرو بن شبيب قَالَ حَدثنِي خَلاد بن يزِيد الأرقط قَالَ كَانَ شبيب نعى إِلَى أمه فقيال لَهَا إِنَّه قد قتل فَلَا تقبل فَلَمَّا قيل لَهَا إِنَّه قد غرق قبلت ذَلِك وَقَالَت إِنِّي رأيتُ حِين وَلدته أَنه خرج مني شهَاب نَار فَعلمت أَنه لَا يطفئه إِلَّا المَاء كَذَا فِي دوَل الْإِسْلَام لِلْحَافِظِ الذَّهَبِيّ وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ بني الْحجَّاج مَدِينَة وَاسِط الْمَدِينَة الْمَعْرُوفَة وَذَلِكَ أَن الْحجَّاج كَانَ ينزل أهل الشَّام " ذَا ورد الْكُوفَة على أهل الْكُوفَة فَضرب الْبَعْث عَن أهل الْكُوفَة إِلَى خرسان وعسكروا قَرِيبا من الْكُوفَة حَتَّى يستتموا فَرجع مِنْهُم ذَات لَيْلَة فَتى حَدِيث عهد بعرس بابنة عَمه فطرق بَيته فدق الْبَاب فَلم يفتح لَهُ إِلَّا بعد هنيهة وَإِذا سَكرَان من أهل الشَّام يسْتَأْذن وَشَكتْ عَلَيْهِ ابْنة عَمه مراوونه إِيَّاهَا فَقَالَ لَهَا ائذني لَهُ فَأَذنت لَهُ فجَاء فَقتله الْفَتى الْكُوفِي وَخرج إِلَى الْعَسْكَر وَقَالَ ابعثي إِلَى الشاميين وادفعي إِلَيْهِم صَاحبهمْ فَفعلت فأحضرها عِنْد الْحجَّاج فَأَخْبَرته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 فَقَالَ صدقت وَقَالَت للشاميين لَا قَود لَهُ وَلَا عَقل فَإِنَّهُ قَتِيل الله إِلَى النَّار ثمَّ نَادَى منادٍ لَا ينزل أحد على أحد وَبعث الرواد فارتادوا لَهُ مَكَان وَاسِط وَوجد هُنَاكَ رَاهِبًا ينظف بقْعَة من النَّجَاسَات فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ نجد فِي كتبنَا أَنه يبْنى هَهُنَا مَسْجِدا لِلْعِبَادَةِ فاختط الْحجَّاج مَدِينَة وَاسِط هُنَاكَ وَبني الْمَسْجِد فِي تِلْكَ الْبقْعَة وَفِي تَارِيخ ابْن خلكان أَن ابْن الزبير لما ولي الْخلَافَة بِمَكَّة ولى أَخَاهُ عبيد الله ابْن الزبير الْمَدِينَة وَلم يزل يُقيم للنَّاس الْحَج من سنة أَربع وَسِتِّينَ إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين فَلَمَّا ولي عبد الْملك منع أهل الشَّام من الْحَج من أجل ابْن الزبير لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ النَّاس بالبيعة إِذا حجُّوا فَضَجَّ النَّاس لما منعُوا من الْحَج فَبنى عبد الْملك قبَّة على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس ومساجد الْأَمْصَار وَقيل إِن أول من سنّ التَّعْرِيف بِالْبَصْرَةِ عبد الله بن عَبَّاس رض الله عَنْهُمَا لما كَانَ عَاملا عَلَيْهَا لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وبمصر عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان أَخُو عبد الْملك وببيت الْمُقَدّس عبد الْملك بن مَرْوَان وَلما قتل عبد الْملك مُصعب بن الزبير وَأَرَادَ الرُّجُوع جَاءَ إِلَيْهِ الْحجَّاج فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنِّي أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فولني قِتَاله فَبَعثه فِي الْجَيْش الْمُتَقَدّم ذكره فحصره أَكثر من خمسين يَوْمًا وَقيل خَمْسَة أشهر وَفعل مَا فعل وَأرْسل بِرَأْسِهِ إِلَى عبد الْملك فَأرْسل عبد الْملك بِالرَّأْسِ إِلَى عبد الله بن حَازِم السّلمِيّ وَهُوَ عَامل ابْن الزبيرعلى خرسان وَمَا والاها وَكَانَ عبد الله بن حَازِم هَذَا من الْأَبْطَال والفرسان والمعدودين والمشهورين وَلَقَد سَمِعت عبارَة فِي وَصفه بالشجاعة لم أسمع نظريها فِي غَيره فَمَا أحقها أَن تكون فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب فَإِنَّهَا غَايَة فِي الْمَدْح مَا خلفهَا غَايَة وَهِي قَول بعض الْعَرَب فِيهِ مَا ستحيا شُجَاع قد ان يفر من عبد الله حَازِم السّلمِيّ فتأملها بالذوق تجدها تجذب المحامد بالطوق الشَّيْء بالشَّيْء يذكر قَالَ فِي العقد فرسَان الْحُرُوف فِي الْجَاهِلِيَّة ربيعَة بن مكدم من بني فَارس بن غنم بن مَالك بن كنَانَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 قلت هُوَ صَاحب الْوَاقِعَة مَعَ عَمْرو بن معدي كرب الَّتِي تقدم ذكرهَا كَانَ يعقر على قَبره فِي الْجَاهِلِيَّة وَلم يعقر على قبر أحد قبله وَبَنُو فَارس من الَّذين قَالَ فيهم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يمدحهم ويذم أهل الْكُوفَة يَا معشر الْكُوفَة من فَازَ بيكم فَازَ بِالسَّهْمِ الأخيب أبدلكم الله بِي من هُوَ شَرّ لكم وأبدلني بكم من هُوَ خير مِنْكُم وددت وَالله أَن لي بجمعكم وَأَنْتُم مائَة ألف ثَلَاثمِائَة من بني فراس بن غنم بن مَالك بن كنَانَة وعنترة بن شَدَّاد الْعَبْسِي وَعتبَة بن الْحَارِث بن شهَاب وَأَبُو بداء عَامر بن مَالك ملاعب الأسنة وَزيد الْخَيل وبسطام بن قيس والأحيمر السَّعْدِيّ وعامر ابْن الطُّفَيْل وَعَمْرو بن عبد ود العامري وَعَمْرو بن معدي كرب الزبيدِيّ وَأما فِي الْإِسْلَام فعلي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَرِجَال من الْأَنْصَار مِنْهُم أَبُو دجانهة الْأنْصَارِيّ وَعَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح وَقيس بن سعد بن عبَادَة وَعبادَة بن الْحصين وَالْأَشْتَر بن مَالك النَّخعِيّ وَعبد الله بن الزبير ومسلمة ابْن عبد الْملك بن مَرْوَان وَعُمَيْر بن الْحباب وقطري بن الفجاءه والحريش ين هِلَال السَّعْدِيّ وشبيب الحروري الْخَارِجِي وَعبد الله بن حَازِم السّلمِيّ الْمَذْكُور وَكَانَ عبد الله بن حَازِم هَذَا عَاملا لِابْنِ الزبير على خرسان وَمَا والاها كَمَا تقدم ذكره فَلَمَّا أرسل إِلَيْهِ عبد الْملك بن مَرْوَان بِرَأْس ابْن الزبير أرْسلهُ مَعَ رجل من بني عَامر بن صعصعة يَدعُوهُ إِلَى طَاعَته وَأَن تكون لَهُ خُرَاسَان طعمة سبع سِنِين لَا يسْأَل عَن شَيْء مِنْهَا قَالَ ابْن حَازِم للرسول لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل وَفِي رِوَايَة لَوْلَا خشيَة الْفِتْنَة من بني عَامر وَبني سليم لضَرَبْت عُنُقك ولكنْ كُل كِتَابَ صَاحبك فَأَكله ثمَّ أَمر بِالرَّأْسِ فَغسله وَقَبله وَدَفنه وَقيل إِنَّه بَعثه إِلَى آل الزبير بِالْمَدِينَةِ فدفنوه مَعَ جثته حَيْثُ دفنت وَعبد الْملك أول من سمي بِعَبْد الْملك فِي الْإِسْلَام كَانَ مشدود الْأَسْنَان بِالذَّهَب حازماً يقظاً لَا يكلُ أمره إِلَى سواهُ شَدِيد الْبُخْل يلقب رشح الْحجر لبخله ويلقب أَيْضا بِأبي الذُّبَاب لبخر كَانَ فِي فِيهِ كَذَا قيل مقدما على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 سفك الدِّمَاء أوصى ابْنه الْوَلِيد لما ثقل مَرضه فَقَالَ يَا وليد لَا ألفينك إِذا وَضَعتنِي فِي حفرتي تعصر عَيْنَيْك كالأمة الوكعاء بل شمر وائتزر والبس جِلد النمر وادع النَّاس إِلَى الْبيعَة فَمن قَالَ بِرَأْسِهِ كَذَا أَي لأَفْعَل باليسف كَذَا أَي اضْرِب عُنُقه وَمن سكت مَاتَ بدائه وَكَانَ عبد الْملك يلقب قبل ذَلِك بحمامة الْمَسْجِد لقبه بِهِ عبد الله بن عمر وجاءته الْخلَافَة وَهُوَ يقْرَأ ي الْمُصحف فطبقه وَقَالَ سَلام عَلَيْك هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك وَقيل لِابْنِ عمر رأيتَ لَو تفانوا أَصْحَاب رَسُول الله فَمن نسْأَل بعدهمْ قَالَ سلوا هَذَا الْفَتى يَعْنِي عبد الْملك بن مَرْوَان عَن يُونُس بن ميسرَة عَن عبد الْملك أَنه قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ رَسُول الله مَا من امْرِئ لَا يَغْزُو فِي سَبِيل الله أَو يُجهز غازياً أَو يخلفه بِخَير إِلَّا أَصَابَهُ الله بقارعة قبل الْمَوْت وَقَالَ النَّضر بن مُحَمَّد وَذكر سنداً إِلَى سحيم مولى أَي هُرَيْرَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن عبد الْملك بن مَرْوَان دخل عَلَيْهِم وَهُوَ غُلَام شَاب فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة هَذَا يملك الْعَرَب وَقَالَ جرير بن حَازِم عَن نَافِع لقد رَأَيْت الْمَدِينَة وَمَا بهَا شَاب أَشد تشميراً وَلَا أنسك وَلَا أَقرَأ لكتاب الله من عبد الْملك بن مَرْوَان وَعَن ابْن عمر قَالَ ولد النَّاس أَبنَاء وَولد مَرْوَان أَبَا قَالَ مَالك سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول أول من صلى فِي الْمَسْجِد مَا بَين الظّهْر إِلَى الْعَصْر عبد الْملك بن مَرْوَان وفتيان كَانُوا مَعَه إِذا صلى الإِمَام الظّهْر قَامُوا فصلوا إِلَى الْعَصْر فَقيل لسَعِيد بن الْمسيب لَو قمنا فصلينا كَمَا يُصَلِّي هَؤُلَاءِ فَقَالَ سعيد بن الْمسيب لَيست الْعِبَادَة بِكَثْرَة الصَّلَاة وَالصَّوْم إِنَّمَا الْعِبَادَة التفكير فِي أَمر الله والورع عَن محارم الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وروى إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ مَا جالست أحدا إِلَّا وجدت لي الْفضل عَلَيْهِ إِلَّا عبد الْملك بن مَرْوَان فَإِنِّي مَا ذاكرته حَدِيثا إِلَّا زادني فِيهِ وَلَا شعرًا إِلَّا زادني فِيهِ وَقَالَ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن يحيى الغساني حَدثنَا أبي عَن أَبِيه قَالَ لما نزل مُسلم بن عقبَة المري الْمَدِينَة دخلت الْمَسْجِد النَّبَوِيّ فَجَلَست إِلَى جنب عبد الْملك فَقَالَ لي أَمن هَذَا الْجَيْش أَنْت قلت نعم قَالَ ثكلتك أمك أَتَدْرِي إِلَى من تسير إِلَى أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام قلت مُرَاده بِالْمَدِينَةِ فقد صَحَّ أَن عبد الله بن الزبير أول مَوْلُود ولد بهَا قيل بقباء وَقيل بِالْمَدِينَةِ نَفسهَا ففرح الْمُسلمُونَ فَرحا شَدِيدا لِأَن الْيَهُود تفوهوا بِأَنا سحرنَا محمدَاً وَأَصْحَابه فَلَا يُولد لَهُم فَكَانَ أول مكذب لَهُم رَضِي الله عَنهُ انْتهى وَإِلَى ابْن حَوَاري رَسُول الله وَإِلَى ابْن ذَات النطاقين وَإِلَى من حنكه رَسُول الله أما وَالله إِن جِئْته نهارَاً وجدته صائمَاً وَإِن جِئْته لَيْلًا لتجدنه قائمَاً فَلَو أَن أهل الأَرْض أطبقوا على قَتله لأكبهم الله جميعَاً فِي النَّار فَلَمَّا صَارَت الْخلَافَة إِلَى عبد الْملك وجهنا مَعَ الْحجَّاج حَتَّى قَتَلْنَاهُ قَالَ الْأَصْمَعِي حَدثنَا عباد بن مُسلم بن زِيَاد عَن أَبِيه قَالَ ركب عبد الْملك ابْن مَرْوَان بكرا فَأَنْشَأَ قائده يَقُول // (من الرجز) // (يَأَيُّهَا البكْرُ الَّذِي أَرَاكَا ... ) ) غَلَبْتَ أهلَ الأرضِ فِي مَمْشَاكا ... ) (وَيْحَكَ هَلْ تعلَمُ مَنْ عَلاَكَا ... ) (خليفَةُ اللَّهِ الَّذِي امْتَطَاكَا ... ) (لَمْ يَحْبُ بَكْرًا مِثْلَ مَا حَبَاكَا ... ) فَلَمَّا سَمعه عبد الْملك قَالَ إيهاً يَا هَناه قد أمرت لَك بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَمِمَّا نقلته من العقد لِابْنِ عبد ربه الْقُرْطُبِيّ قَالَ مدح جرير الْحجَّاج بِأَبْيَات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 مِنْهَا قَوْله // (من الوافر) // (دَعَ الحَجَّاجُ مِثْلَ دعاءِ نُوحٍ ... فأسمَعَ ذَا المعارجِ فَاسْتَجَابَا) فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج إِن الطَّاقَة تَعجِزُ عَن مكافأتك وَلَكِنِّي موفدك على أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك بن مَرْوَان فسر بكتابي هَذَا إِلَيْهِ فَسَار إِلَى عبد الْملك فأنشده القصيدة الَّتِي مطْلعهَا // (من الوافر) // (أَتَصْحُو أَمْ فؤادُكَ غَيْرُ صَاح ... ) فَقَالَ عبد الْملك بل فُؤَادك يَا ابْن الفاعلة حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله فِيهَا // (من الوافر) // (تَعَزَّتْ أمُّ حَزْرَةَ ثُمَّ قالَتْ ... رأيتُ الوارِدِينَ ذَوِي امتِيَاحِ) (ثِقِي باللَّهِ ليْسَ لَهُ شريكٌ ... ومِنْ عندِ الخليفةِ بالنجاحِ) (سأشكُرُ إِن رَدَدتَ إلَيَّ ريشِي ... وأثبتَّ القَوَادِمَ مِنْ جَنَاحي) (أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا ... وأندى العَالَمينَ بُطُونَ راحِ) فَلَمَّا قَالَ هَذَا الْبَيْت اسْتَوَى عبد الْملك جَالِسا وَكَانَ متكئَاً ثمَّ قَالَ من مَدْحنَا فبمثل هَذَا فليمدح ثمَّ قَالَ يَا جرير أَتَرَى أم جزرة ترْوِيهَا مائَة نَاقَة من نعم كلب فَقَالَ إِذا لم تَرَوْهَا فَلَا أرواها الله وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الْإِبِل أباق وَنحن مَشَايِخ وَلَيْسَ بأحدنا فضل عَن رَاحِلَته فَلَو أمرت بالرعاة لَهَا فَأمر لَهُ بِثمَانِيَة أعبد قَالَ وَكَانَت بَين يَدي عبد الْملك صحاف من فضَّة يقرعها بقضيب فِي يَده فَقَالَ جرير والمحلب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَشَارَ لى صَحْفَة فنبذها إِلَيْهِ بالقضيب وَقَالَ خُذْهَا فَفِي ذَلِك يَقُول // (من الْبَسِيط) // (أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوها ثمانيَةٌ ... مَا فِي عطائِهمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ) وروى هِشَام بن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ دخل أَعْرَابِي إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان فمدحه وَأحسن وَعِنْده جرير والفرزدق والأخطل فَقَالَ لَهُ عبد الْملك أتعرف أهجَى بَيت فِي الْإِسْلَام قَالَ نعم قَول جرير // (من الوافر) // (فَغُضَّ الطَّرْفَ إنكَ من نُمَيْرٍ ... فَلَا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلَا كلاَبا) قَالَ أصبتَ فَهَل تعرف أرق بَيت قيل فِي الْإِسْلَام قَالَ نعم قَول جرير أَيْضا // (من الْبَسِيط) // (إِنَّ العُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا حور ... قتاْنَنَا ثمَّ لم يُحْيِينَ قَتْلنَنا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 (يَصْرعْنَ ذَا اللب حَتَّى لَا حراكَ بِهِ ... وهُنَّ أضعَفُ خَلْقِ الله أركانا) قَالَ عبد الْملك أَحْسَنت ثمَّ قَالَ فَهَل تعرفُ أمدح بَيت قيل فِي الْإِسْلَام قَالَ نعم قَوْله فِيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ // (من الوافر) // (أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا ... وأَنْدَى العالَمينَ بُطُونَ رَاحِ) قَالَ أَحْسَنت فَهَل تعرف جريرَاً قَالَ لَا وَالله وَإِنِّي إِلَى رُؤْيَته لمشتاق فَقَالَ هَذَا جرير وَهَذَا الفرزدق وَهَذَا الأخطل فَأَنْشَأَ الْأَعرَابِي يَقُول // (من المتقارب) // (فَحَيَّا الإلهُ أَبَا حَزْرَةٍ ... وَأَرْغَمَ أنفَكَ يَا أَخْطَلُ) (وَجَدُّ الفرزدقِ أَتْعِسْ بِهِ ... وَدَقَّ خياشيمَكَ الجَنْدَلُ) فَأَنْشَأَ الفرزدق يَقُول // (من الْبَسِيط) // (بَلْ أَرْغَمَ اللَّهُ أنفًا أنتَ حامِلُهُ ... يَا ذَا الخَنَا ومقَالِ الزُّور والخَطَلِ) (مَا أَنْتَ بالحَكَمِ التُّرْضَى حكومتُهُ ... وَلَا الأَصِيلِ وَلاَ ذِي الرأْيِ والجَدَلِ) فَغَضب جرير وَأَنْشَأَ يَقُول // (من الْبَسِيط) // (أَتَشْتُمَانِ سفَاهًا خَيْرَكُمْ حَسَبًا ... فَفِيكُمَا وإلهي الزُّورَ والخَطَلُ) (شَتَمْتُماهُ عَلَى رَفْعِي وَوَضْعِكُما ... لَا زِلْتُمَا فِي سِفَالٍ أَيهَا الرَّجُلُ) ثمَّ نَهَضَ فَقيل يَدي عبد الْملك وَقَالَ يَا مولاَيَ جائزتي لجرير فَقَالَ عبد الْملك وَله مني مثلهَا انْتهى وَحكى الْهَيْثَم بن عدي أَن عبد الْملك بن مَرْوَان بَعَثَ إِلَى عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَإِلَى جميل بن معمر العذري صَاحب بثينة وَإِلَى كثير عزة وَهُوَ كثير ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود الْخُزَاعِيّ الْمدنِي وأوقر نَاقَة ذهبَاً وَفِضة ثمَّ قَالَ لينشد كل وَاحِد مِنْكُم ثَلَاثَة أَبْيَات فَأَيكُمْ كَانَ أغزل شعرَاً فَلهُ النَّاقة وَمَا عَلَيْهَا فَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة // (من الطَّوِيل) // (فَيَا ليْتَ أَنِّي حِينَ تَدْنُو منيَّتِي ... شَمَمْتُ الَّذِي مل بَين عينيكِ والفَمِ) (وَلَيْتَ طهوري كَانَ رِيقكِ بَعْدَهُ ... ولَيْتَ حَنُوطِي مِنْ مُشَاشِكِ والدَّمِ) (وَلَيْتَ سُلَيْمَى فِي المنامِ ضَجِيعتِي ... لَدَى الجَنَّةِ الخضراءِ أَو فِي جَهَنَّمِ) وَقَالَ جميل // (من الطَّوِيل) // (حَلَفتُ يمنًا يَا بثينَةُ صَادِقا ... فإنْ كُنْتُ فِيهَا كَاذِبًا فَعَمِيتُ) (حلفتُ لَهَا بالبُدْنِ تدمى نحورُهَا ... لقد شَقِيَت نَفْسِي بكُمْ وعنِيتُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 (وَلَو أنَّ رَاقي المَوْتِ يَرْقي جنازتي ... بمَنْطِقِهَا فِي الناطِقِينَ حَيِيتُ) وَقَالَ كثير عزة // (من الْكَامِل) // (بِأَبِي وأُمِّي أَنْتَ مِنْ معشوقةٍ ... ظَفِرَ العدوُّ بهَا فَغيَّرَ حالَهَا) (ومشَى إليَّ بعَيْبِ عزَّةَ نسوةٌ ... حعل المليكُ خدودَهُنَّ نِعَالَهَا) (وَلَو انَّ عزَّةَ حاكَمَتْ شَمْسَ الضحَى ... فِي الحُسْنِ عِنْد موفَّقٍ لَقَضَى لَهَا) فَقَالَ عبد الْملك خُذ النَّاقة يَا صَاحب جَهَنَّم وَكَانَ يُقَال من أَرَادَ رِقَّة الْغَزل فَعَلَيهِ بِشعر عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَمن شعره مَا رَوَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي // (من الْكَامِل) // (لَبِثُوا ثَلاَث مني بمَنْزِلِ قلعةٍ ... وَهُمُ عِلى عرضٍ لَعمْرُكَ مَا هُمُ) (الْعَتِيق متجاوزينَ بغَيْرِ دارِ إقامةٍ ... لَو قد أجَدَّ رحيلهم لم يَقْدَمُوا) (ولهن بالبيْتِ العتقِ لبانَةٌ ... والبيتُ يعرفُهُنَّ لَو يتكلَّمُ) (لَو كَانَ حَيَّا قبلهنَّ ظعائناً ... حَيَّا الحطيمُ وجوهَهُنَّ وزَمْزَمُ) (لكنَّهُ مِمَّا يطيفُ برُكْنِهِ ... منهنَّ صماء الصَّدَى مُسْتَعْجمُ) (وكأنهنَّ وَقد صدرْنَ عشيَّةً ... بيضٌ بأكنافِ الخيامِ منظَّمُ) وَفِي كتاب أَنْسَاب قُرَيْش للزبير بن بكار لعمر بن أبي ربيعَة قَوْله // (من الطَّوِيل) // (نَظَرْتُ إِلَيْهَا بالمحصَّبِ من مِنًى ... ولي نَظَرٌ لَوْلَا التحرُّمُ عازمُ) (فقلْتُ أشمسٌ أَو مصابيحُ بيعَةٍ ... بَدَتْ لكَ تَحت السُّجْفِ أَمْ أنْتَ حَالِمُ) (بعيد مَهْوى القُرْطِ أما لنوفَلٍ ... أَبُوهَا وإمَّا عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ) ) فَلم أستطِعْهَا غيْرَ أَنْ قَد بَدَا لَنا ... عشيَّةَ راحَتْ وَجْهُهَا والمَعَاصِمُ) وَقَالَ الزبير بن بكار أنْشد ابْن أبي عَتيق سعيدَ بن الْمسيب قَول عمر بن أبي ربيعَة // (من الْخَفِيف) // (أَيهَا الراكبُ المجدُّ ابتِدَارَا ... قد قَضَى مِنْ تِهَامَةَ الأوطارا) (إِن يكُنْ قلبُكَ الغدَاة جلِيدًا ... ففؤادي بالحُبِّ أمْسَى مُعَارا) (لَيْت ذَا الدَّهْرَ كَانَ حَتْمًا علينا ... كُلَّ يومَين حِجَّةً واعتِمَارا) فَقَالَ سعيد بن الْمسيب لقد كلف ابْن أبي ربيعَة الْمُسلمين شططاً وروى الْأَصْمَعِي عَن صَالح بن أسلم قَالَ قَالَ عمر بن أبي ربيعَة إِنِّي قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 أنشدت من الشّعْر مَا بلغك وَبلغ غَيْرك وَلَكِن وَرب هَذِه البِنِية يُشِير إِلَى الْكَعْبَة مَا حللت إزَارِي على فرج حرَام قطّ حضر مجْلِس عبد الْملك يَوْمًا قوم من وُجُوه الْعَرَب فَقَالَ لَهُم عبد الْملك أَي المناديل أفضل فَقَالَ بَعضهم مناديل مصر كَأَنَّهَا غِرقِئُ الْبيض وَقَالَ بعض مناديل الْيمن كَأَنَّهَا أنوار الرّبيع فَقَالَ عبد الْملك مَا صَنَعْتُم شَيْئا أفضلهَا مَا قَالَه عَبدة بن الطَّبِيب حَيْثُ يَقُول // (من الْبَسِيط) // (لَمَّا نزلْنَا ضربْنَا ظِلَّ أخبيةٍ ... وفَارَ بالغَلْيِ للقَوْمِ المراجيلُ) (ورد وأشْقَر لَا يُؤْنيه طابخُهُ ... مَا قارَبَ النضْجَ مِنْهَا فَهُوَ مأكولُ) (ثمَّ انثنينا عَلَى عُوجٍ مسوَّمةٍ ... أعرافُهُنَّ لأيدينا منَاديِلُ) ثمَّ قَالَ وَمَا أطربني لقَوْل طفيل الْخَيل // (من الْبَسِيط) // (إِنِّي وإنْ قَلَّ مَالِي لَا يُفَارِقُنِي ... مِثلُ النعامةِ فِي أوصالهَا طُولُ) (تقريبُهَا المَرطَى والجَوْزُ معتدلٌ ... كَأَنَّهُ سبدٌ بالماءِ مغسُولُ) (أَو ساهم الوجهِ لم تقطَعْ أباجلُهُ ... يُصَانُ وَهْوَ بيومِ الروعِ مبذولُ) قلت وَفِي حفظي لِابْنِ المعتز فِي مثل هَذَا الْمَعْنى من وصف الْفرس مَا يعجب سَمَاعه وَيحسن فِي الطروس إيداعه قَوْله // (من الْكَامِل) // (وَلَقَد وَطِئْتُ الغيثَ يَحْملُنِي ... طِرْفٌ كلونِ الصبحِ حينَ وقدْ) (يمشِي ويعرضُ فِي العِنَانِ كَمَا ... صَدَفَ المعشَّقُ بالدَّلاَلِ وصَدّ) (طارَتْ بِهِ رجلٌ موقعةٌ ... رجَّامةٌ لحَصَى الطرقِ وَيَدْ ... (وَكَأَنَّهُ مَوْجٌ يسيلُ إِذا ... أطلقتَهُ وَإِذا حبست جَمَدْ) وَقَول زيد الْخَيل // (من الرمل) // (يَا بني الصيداء رُدُّوا فَرَسي ... إنماُيصنَعُ هَذَا بالذَّلِيلِ) (لَا تذيلوه فَإِنِّي لم أكُن ... يَا بني الصَّيْدَا لِمُهْرِي بالمُذِيلِ) (عَوِّدُوهُ كَالَّذِي عَوَّدْتُهُ ... دلج الْليلِ وَإِيطَاء القَتِيلِ) قيل وفدت عزة على عبد الْملك بن مَرْوَان فَلَمَّا دخلت سلَمَت فَرد عَلَيْهَا السَّلَام ورحب بهَا وَقَالَ مَا أقدمك يَا عزة قَالَت شدَّة الزَّمَان وَكَثْرَة الألوان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 واحتباس الْقطر قَالَ هَل تروين لكثير // (من الطَّوِيل) // (وَقَدْ زعَمتْ أنِّي تغيَّرْتُ بَعْدَمَا ... ومَنْ ذَا الَّذِي يَا عَزُّ لَا يتغَّيرُ) قَالَت أَروِي لَهُ هَذَا وَلَكِنِّي أَروِي قَوْله فِي قصيدة لَهُ // (من الطَّوِيل) // (كأَنِّي أُنَادِي صَخْرَةً حِينَ أَعْرَضَتْ ... مِنَ الصُّمِّ لَو تمشِي بهَا العُصْمُ زَلَّتِ) قَالَ ماكنت لتصرين لى حَاجته أَو تهبين نَفسك لي فأزوجك مِنْهُ قَالَت الْأَمر إِلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كنت لأزهد فِي هَذَا الشّرف الْبَاقِي لي مَا دَامَت الدُّنْيَا أَن يكون أَمِير الْمُؤمنِينَ وليي فَعظم بذلك قدرهَا عِنْده وَأمر لَهَا بِمَال وَكتب إِلَى كثير وَهُوَ بِالْكُوفَةِ أَن اركب الْبَرِيد وَعجل فَإِنِّي مزوجك عزة وَأَتَاهُ الْكتاب وَهُوَ مضني من الشوق إِلَيْهَا فَرَحل وَأَقْبل نَحْوهَا فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق إِذا هُوَ بغراب على شَجَرَة بانة ينتف ريشه ويطايره وَكَانَ كثير شَدِيد الطيرَة فَلَمَّا رَآهُ تَطَير وهَم بالانصراف ثمَّ غَلبه شوقه فَمضى وَهُوَ مكروب لما رأى حَتَّى آتى مَاء لبني نهد فَإِذا هُوَ بِرَجُل يسْقِي إبِله فَنزل كثير عَن رَاحِلَته واستظل بشجرة هُنَاكَ فَأَبْصَرَهُ النَّهْدِيّ وَأَتَاهُ وَسَأَلَهُ عَن اسْمه وَنسبه فانتسب فرحبَ بِهِ فَأخْبرهُ كثير عَمَّا رأى فِي طَرِيقه فَقَالَ أما الْغُرَاب فغربة وَأما البانة فَبين وَأما نتف ريشه ففرقة فتطير من ذَلِك ومشَى حَتَّى دنا من دمشق فَإِذا بِجنَازَة فاستعبر وَقَالَ أسأَل الله خير مَا هُوَ كَائِن فَسَأَلَ عَن الْمَيِّت فَإِذا هِيَ عزة فَخر مغشياً عَلَيْهِ فعُرِفَ وصب عَلَيْهِ المَاء فَكَانَ مجهوده أَن بلغ الْقَبْر فَلَمَّا دفنت انكب على الْقَبْر وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (سِرَاجُ الدُّجَى صفْرُ الحَشَا مُنْتَهى المنى ... كَشَمْسِ الضحَى نَوَّامة حينَ أُصْبحُ) (إِذا مامشتْ بَين البيوتِ تخزَّلت ... ومالَتْ كَمَا مَال النزيفُ المرنَّحُ) (تعاَّقتُ عزا وهىَ رَود شبابها ... علاقَة حُبَّ كَاد بالقَلْبِ يرجحُ) (أقولُ ونِضْوِى واقفٌ عِنْد رَمْسِها ... عليكِ سلامُ اللهِ والعَيْن تسفَحُ) (فَهَلا فَدَاكِ الموتُ مَنْ أنتِ دونه ... ومَنْ هُوَ أسوا منكِ دلاَّ وأقبحُ) (على أمَّ بكرٍ رحمةٌ وتحيَّةٌ ... لَهَا مِنْك والنائي يودُّ ينصحُ) (منعمة لَو يدرج النمْلُ بَينهَا ... وَبَين حواشِي بردهَا كَادَ يجرحُ) (وَمَا نظَرَتْ عَيْني إِلَى ذِي بشاشةٍ ... من الناسِ إِلَّا أنْتِ فِي العينِ أملحُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 ثمَّ بَكَى حَتَّى غشي عَلَيْهِ فأفاق وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (مَا أَعْيفَ النَّهْدِيَّ لَا دَرَّ دَرُّهُ ... وأزجَرَهُ للطَّيْرِ لَا طَارَ طاءرُهْ) (رأيتُ غراباً واقِعًا فَوْقَ بانَةٍ ... يُنَتّفُ أعلَى ريشِهِ ويطايرُهْ) (فَقَالَ غرابٌ ذَا اغترابٌ من النوَى ... وبانَة بَيْن مِنْ حَبِيبٍ تُعَاشِرُهْ) ثمَّ لم ير ضَاحِكا بعْدهَا حَتَّى أدْركهُ الْمَوْت انْتهى وَقيل كَانَ جوثة الضمرِي صديقا لعبد الْملك بن مَرْوَان ثمَّ خرج عَلَيْهِ مَعَ ابْن الزبير فَلَمَّا استأمن النَّاس قَالَ عبد الْملك لجوثة أكنتُ مُسْتَحقّا مِنْك أَن تعين ابْن الزبير على مَا بيني وَبَيْنك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تعجلن عَليّ حَتَّى تسمعَ عُذْري قَالَ هاته قَالَ هَل رَأَيْتنِي قطّ فِي حَرْب أَو سباق أَو نضال إِلَّا والفئة الَّتِي أَنا مَعهَا مغلوبة ومهزومة بِسوء بخْتِي وشؤمي وَإِنِّي خرجت مَعَ ابْن الزبير ليقل على رسمي فَضَحِك مِنْهُ عبد الْملك وَعَفا عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ وَقَالَ عبد الْملك كلكُمْ يرشح نَفسه لهَذَا الْأَمر يَعْنِي الْخلَافَة وَلَا يصلح لَهُ مِنْكُم إِلَّا من كَانَ لَهُ سيف مسلول وَمَال مبذول وَعدل تطمئِن إِلَيْهِ الْقُلُوب والعقول وَقَالَ لِابْنِهِ الْوَلِيد يَا بني اعْلَم أَنه لَيْسَ بَين السُّلْطَان وَبَين أَن يملك الرّعية أَو تملكه الرّعية إِلَّا حزم أَو توان واصطبح فِي يَوْم شَدِيد الْبرد فَدَعَا بِزَوْج سمور وعمامة خَز فلبسهما وَأمر بكَوَانِينِ النارِ فأضرم فِيهَا الفحم بَين يَدَيْهِ ثمَّ دَعَا بمُضَحِكٍ لَهُ يُدعَى أَبَا الزعيريرة فَقَالَ لَهُ عبد الْملك اخْرُج إِلَى الشتَاء فَقل لَهُ أرعد وأبرق كَيفَ شِئْت قد استعددنا لَك فَخرج إِلَى صحن الدَّار ثمَّ عَاد فَقَالَ قد أديتُ رسالتَكَ إِلَيْهِ فَقَالَ أمَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ وَلَكِن وَالله لَأَضرِبَن ضبب أبي الزعيريرة ضربا يدْخلهُ فِي حِر أمه فَضَحِك مِنْهُ وَوَصله وخلع عَلَيْهِ من ثِيَابه وَكَانَ يَقُول خلَّتَانِ لَا تدعوهما إِن قدرتم تعلم الْعَرَبيَّة ولباس الثِّيَاب الفاخرة فَإِنَّهُمَا الزِّينَة والمروءة الظَّاهِرَة وَعَن عوَانَة قَالَ جرى بَين عُرْوَة بن الزبير وَبَين عبد الْملك بن مَرْوَان كَلَام أغْلظ لَهُ عُرْوَة فِيهِ وَكَانَ الْحجَّاج حَاضرا فَقَالَ لَهُ يَا ابْن العمياء أَتكَلّم أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمثل هَذَا فَقَالَ لَهُ عُرْوَة وَمَا أَنْت وَذَاكَ يَا ابْن المتمنية فَضَحِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 عبد الْملك وَقَالَ للحجاج قد كنت غَنِيا عَن هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ عُرْوَة أَن أم الْحجَّاج وَهِي الفارعة بنت همام قَالَت // (من الْبَسِيط) // (هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمرٍ فَأَشْرَبَها ... أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بنِ حَجَّاجِ) وَكَانَ نصر بن الْحجَّاج هَذَا من أجمل أهل الْمَدِينَة قلت ذكرُوا أَن عمر بن الْخطاب خشِي من وُقُوع الْفِتْنَة بِهِ فنفاه من الْمَدِينَة بعد أَن حلق لمة كَانَت لَهُ فَفِيهِ يَقُول الشَّاعِر // (من الْخَفِيف) // (حَلَقُوا رَأْسَهُ لِيَزْدَادَ قُبْحا ... غِيرَةٌ مِنْهُمُ عَلَيْهِ وشُحَّا) (كَانَ صُبْحًا عَلَيْهِ لَيْلٌ بهيمٌ ... فَمَحَوْا لَيْلَهُ وأَبْقَوْهُ صُبْحَا) وَعَن الْمَدَائِنِي جرى بَين عبد الْملك وَعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ مُنَازعَة فَأَغْلَظ لَهُ عَمْرو فَقَالَ لَهُ خَالِد بن يزِيد يَا عَمْرو أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يكلم بِمثل هَذَا فَقَالَ لَهُ عَمْرو اسْكُتْ فوَاللَّه لقد سلبوك ملكَكَ ونكَحُوا أمك فَمَا هَذَا النصح الموشح بغش أَنْت كَمَا قَالَ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (كَمُرْضِعَةٍ أولادَ أُخْرَى وضيعَتْ ... بنيها فَلَم ترقع بذلك مَرْقَعَا) وَقدم الْحجَّاج على عبد الْملك بن مَرْوَان فَمر بِخَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَعِنْده رجل من أهل الشَّام فَقَالَ الشَّامي لخَالِد من هَذَا يُشِير إِلَى الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ خَالِد كَالْمُسْتَهْزِئِ هَذَا عَمْرو بن الْعَاصِ فَعدل إِلَيْهِ الْحجَّاج وَقَالَ إِنِّي وَالله مَا أَنا بِعَمْرو بن الْعَاصِ وَلَا ولدت عمرا وَلَا ولدني وَلَكِنِّي ابْن الغطاريف من ثَقِيف والعقائل من قُرَيْش وَلَقَد ضربت بسيفي هَذَا أكثَرَ من مائَة ألف كلهم يشْهد أَنَّك وأباك وَجدك من أهل النَّار ثمَّ لم أجد لذَلِك جَزَاء وَلَا شكرا وَانْصَرف عَنهُ وَهُوَ يَقُول عَمْرو بن الْعَاصِ عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ عبد الْملك إِذا دخل عَلَيْهِ رجل من أفق من الْآفَاق قَالَ لَهُ أعفني من أَربع وَقل بعْدهَا مَا شِئْت لَا تكذبني فَإِن المكذوب لَا رَأْي لَهُ وَلَا تجبني عَمَّا لم أَسأَلك فَإِن فِيمَا أَسأَلك غنية عَنهُ وَلَا تطرني فَإِنِّي أعلم بنفسي مِنْك وَلَا تحملنِي على الرّعية فَإِنِّي إِلَى الرِّفْق بهم أحْوج ذكر ابْن خلكان أَن عبد الْملك بن مَرْوَان لما عزم على الْخُرُوج لمحاربة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 مُصعب بن الزبير ناشدته زَوجته عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة أَلا يخرج بِنَفسِهِ وَأَن يَسْتَنِيب غَيره وألحت عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَة فَلَمَّا لم يسمع مِنْهَا بَكت وَبكى من حولهَا من جواريها وحشمها فَقَالَ عبد الْملك قَاتل الله كثيراًَ كَأَنَّهُ رأى موقفنا هَذَا حِين قَالَ // (من الطَّوِيل) // (إِذا مَا أرَادَ الغزْوَ لم يَثْنِ هَمَّهُ ... حَصَانٌ عَلَيْهَا نَظْمُ دُرِّ يَزينُهَا) (نهتْهُ فلمَّا لم تَرَ النَّهيَ عاقَهُ ... بكَتْ فبكَى مِمَّا شَجَّاهَا قَطِينُهَا) ثمَّ عزم عليهل أَن تقصر وَخرج وروى جرير بن عبد الحميد لعبد الْملك // (من الطَّوِيل) // (لَعَمْري لقد عُمِّرْتُ فِي الدهْرِ بُرْهَةً ... ودلنَتْ لِيَ الدُّنيا بِوَقْعِ البَوَاترِ) (فَأضحَى الَّذِي قد كَانَ ممَّا يَسُرُّنِي ... كلمحٍ مَضَى فِي المزمناتِ الغوابرِ) (فيا لَيْتَني لَمْ أَغْنَ فِي الْملك ساعةَ ... وَلم أَلْهُ فِي لذاتِ عيشٍ نواضِرِ) (وكنتُ كذي طِمْرَيْنِ عاشَ ببُلْغَةٍ ... من الدَّهْرِ حتَّى زارَ ضَنْكَ المَقَابرِ) وَعَن يحيى الغساني قَالَ كَانَ عبد الْملك كثيرا مَا يجلس إِلَى أم الدَّرْدَاء فِي مُؤخر الْمَسْجِد بِدِمَشْق فَقَالَت لَهُ مرّة بَلغنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَّك شربت الطلا بعد النّسك وَالْعِبَادَة فَقَالَ إِي وَالله والدماء وَقَالَ عَليّ بن مُحَمَّد لما أيقَنَ عبد الْملك بِالْمَوْتِ دَعَا مَوْلَاهُ أَبَا علاقَة فَقَالَ وَالله لَوَدِدْت أَنِّي كنت مُنْذُ ولدت يومي هَذَا جمالاَ وَلم يكن لَهُ من الْبَنَات إِلَّا وَاحِدَة وَهِي فَاطِمَة وَكَانَ قد أَعْطَاهَا قرطي مَارِيَة والدرة الْيَتِيمَة وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أخلف شَيْئا أهم إِلَيّ مِنْهَا فاحفظها فَتَزَوجهَا عمر بن عبد الْعَزِيز ثمَّ أوصى بنيه بتقوى الله ونهاهم عَن الْفرْقَة وَالِاخْتِلَاف وَقَالَ انْظُرُوا مسلمة وأصدروا عَن رَأْيه يَعْنِي أَخَاهُم فَإِنَّهُ مجنكم الَّذِي تجتنون بِهِ ونابكم الَّذِي عَنهُ تفترون وَكُونُوا بني أم بررة وَكُونُوا فِي الْحَرْب أَحْرَار واحلولوا فِي مرَارَة ولينوا فِي شدَّة وَكُونُوا كَمَا قَالَ ابْن عبد الْأَعْلَى الشَّيْبَانِيّ // (من الْكَامِل) // (إنَّ القِدَاحَ إِذا اجتمعْنَ فَرَامَهَا ... بالكَسْرِ ذُو حَنَقٍ وبطْشٍ أَيِّدِ) (عَزَّتْ فَلم تُكْسَرْ وإنْ هِيَ بُدِّدَتْ ... فالكَسْرُ والتوْهِينُ للمتبدِّدِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 يَا وَلَدي اتَّقِ الله فِيمَا أخلفك فِيهِ واحفظ وصيتي وَخذ بأَمْري وَانْظُر أخي مُعَاوِيَة فَإِنَّهُ ابْن أُمِّي وَقد ابتلى فِي عقله بِمَا علمتَ ولولاك لآثرته بالخلافة فصل رَحمَه واحفظني فِيهِ وَانْظُر أخي مُحَمَّد بن مَرْوَان فأقره على الجزيرة وَلَا تعزله وَانْظُر أَخَاك عبد الله فَلَا تؤاخذه وأقرره على عمله بِمصْر وَانْظُر الْحجَّاج فَأكْرمه فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي وطأ لكم المنابر وَهُوَ سَيْفك يَا وليد ويدك على من ناوأك فَلَا تسمعن فِيهِ قَول أحد وَأَنت إِلَيْهِ أحْوج مِنْهُ إِلَيْك ثمَّ تمثل // (من الوافر) // (فَهَلْ مِنْ خالدٍ إمَّا هَلَكْنا ... وهَلْ بالمَوْتِ يَا للناسِ عارُ) وِلَادَته فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَعشْرين من الْهِجْرَة وجلوسه فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ مدَّته إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وشهران وَفَاته يَوْم الْخَمِيس نصف شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ عمره إِحْدَى وَسِتُّونَ سنة خلف سَبْعَة عشر ذكرا وَأُنْثَى وَاحِدَة ولي الْخلَافَة مِنْهُم أَرْبَعَة الْوَلِيد وَسليمَان وَهِشَام وَيزِيد وَكَانَ مِنْهُم ولد اسْمه مُعَاوِيَة مَشْهُورا بالعِي والبلادة طَار يَوْمًا باز من يَده فَقَالَ أغلقوا أَبْوَاب الْمَدِينَة حَتَّى لَا يخرج الْبَازِي ووقف يَوْمًا على بَاب طحان فَنظر إِلَى حمَار لَهُ يَدُور بالرحى وَفِي عُنُقه جلجل فَقَالَ للطحان لم جعلت هَذَا الجلجل فِي عنق هَذَا الْحمار فَقَالَ الطَّحَّان رُبمَا أدركتني سآمة أَو نمت فَإِذا لم أسمع الجلجل علمت أَنه وَاقِف فَصحت عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْت إِن وقف الْحمار وحرك رَأسه بالجلجل فَقَالَ الطَّحَّان من لي بِحِمَار يكون عقله مثل عقل ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ أَبوهُ عبد الْملك منع أَن يمشي أحد بِاللَّيْلِ بعد الْعشَاء الْأَخِيرَة فَخرج ذَات لَيْلَة مَعَ الشَّرْط يَدُور فِي الطّرق فوجدوا رجلاَ فَلَمَّا رَآهُمْ الرجل قعد على رَوْث فرس فَقَالُوا لَهُ لم خرجتَ قَالَ خرجت لأقضي الْحَاجة فتلوه من يَده فَإِذا تَحْتَهُ رَوْث فرس فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ لَا عَلَيْكُم أَلا تبحثوا عَن ذَلِك يخرى كل إِنْسَان مَا أَرَادَ فَقَالَ مُعَاوِيَة ابْن عبد الْملك صدق وَالله فأطلقوه بعد أَن استغبروا ضحكاً وَكَانَ عبد الْملك يروم خلع أَخِيه عبد الْعَزِيز من ولَايَة الْعَهْد الَّذِي كَانَ عَهده أَبوهُ مَرْوَان لعبد الْملك بن مَرْوَان ثمَّ من بعده لِأَخِيهِ عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان والبيعة لِابْنِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 الْوَلِيد وَكَانَ قبيصَة ينهاه عَن ذَلِك وَيَقُول لَعَلَّ الْمَوْت يَأْتِيهِ وتدفع الْعَار عَن نَفسك وجاءه رَوح بن زنباع لَيْلَة وَكَانَ عِنْده عَظِيما ففاوضه فِي ذَلِك فَقَالَ لَو فعلته مَا انتطح فِيهِ عنزان فَقَالَ نصبح إِن شَاءَ الله وَأقَام روح عِنْده وَدخل عَلَيْهِمَا قبيصَة بن ذُؤَيْب من جنح اللَّيْل وهما نائمان وَكَانَ لَا يحتجب عَنهُ وَإِلَيْهِ الْخَاتم وَالسِّكَّة فَأخْبرهُ بِمَوْت عبد الْعَزِيز أَخِيه فَقَالَ عبد الْملك لروح كفانا الله مَا نُرِيد ثمَّ ضم مصر إِلَى ابْنه عبد الله بن عبد الْملك وَيُقَال إِن الْحجَّاج كتب إِلَى عبد الْملك يزين لَهُ الْبيعَة للوليد فَكتب عبد الْملك إِلَى عبد الْعَزِيز إِنِّي رَأَيْت أَن يصير الْأَمر إِلَى ابْن أَخِيك فَكتب لَهُ عبد الْعَزِيز إِنِّي أرى فِي ابْني أبي بكر مَا ترى فِي الْوَلِيد فَكتب عبد الْملك إِلَى عبد الْعَزِيز أَن يحمل خراج مصر فَكتب إلية إِنِّي وَإِيَّاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أَشْرَفنَا على عمر أهل بيتنا وَلَا ندرى أَيّنَا يَأْتِيهِ الْمَوْت فَلَا تفْسد على بَقِيَّة عمري فَرَق لَهُ عبد الْملك وَتَركه وَلما جَاءَ الْخَبَر بِمَوْتِهِ وَذَلِكَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ أَمر النَّاس بالبيعة لِوَلَدَيْهِ الْوَلِيد ابْن عبد الْملك وَسليمَان بن عبد الْملك وَكتب بالبيعة لَهما إِلَى الْبلدَانِ وَكَانَ على الْمَدِينَة هِشَام بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي فَدَعَا النَّاس إِلَى الْبيعَة فَأَجَابُوا إِلَّا سعيد بن الْمسيب فَضَربهُ ضربا مبرحاً وَطَاف بِهِ فِي الْأَسْوَاق وَكتب عبد الْملك إِلَى هِشَام يلومه وَيَقُول إِن سعيد لَيْسَ عِنْده شقَاق وَلَا خلاف وَقد كَانَ ابْن الْمسيب امْتنع من بيعَة ابْن الزبير فَضَربهُ جَابر بن الْأسود عَامل الْمَدِينَة لِابْنِ الزبير سِتِّينَ سَوْطًا وَكتب ابْن الزبير يلوم جَابِرا (خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك) قَالَ الثعالبي قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان ولدت فِي شهر رَمَضَان وفطمت فِيهِ وَبَلغت الْحلم فِيهِ وَوليت الْخلَافَة فِيهِ وختمت الْقُرْآن فِيهِ وأظن موتِي فِيهِ فَلَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 دخل شَوَّال أَمن الْوَفَاة فَتوفي فِي شَوَّال فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ كَمَا تقدم ذكره وَلما دفن قَالَ الْوَلِيد إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَالله الْمُسْتَعَان على مُصِيبَتنَا بأمير الْمُؤمنِينَ وَالْحَمْد لله على مَا أنعم بِهِ علينا من الْخلَافَة فَكَانَ أول من عزى نَفسه وهنأها ثمَّ قَامَ عبد الله بن همام السَّلُولي فَقَالَ // (من الرجز) // (أَللهُ أعْطَاك الَّتِي لَا فَوْقَهَا ... وَقَدْ أَرَادَ المُلْحِدُونَ عَوْقَهَا) (عَنْكَ ويَأْبَى الله إِلَّا سَوْقَهَا ... إلَيْكَ حَتَّى قَلَّدُوكَ طوقَهَا) وَبَايَعَهُ ثمَّ بَايعه النَّاس بعده ثمَّ صعد الْوَلِيد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس لَا مقدم لما أخر الله وَلَا مُؤخر لما قدمه الله وَقد كَانَ من قَضَاء الله وسابق علمه مَا كتب على أنبيائه وَحَملَة عَرْشه الْمَوْت وَقد صَار أبي إِلَى منَازِل الْأَبْرَار وَولي هَذِه الْأمة بِالَّذِي يحِق الله عَلَيْهِ من الشدَّة على المذنب واللين لأهل الْحق وَالْفضل وَإِقَامَة مَا أَقَامَ الله من منَازِل الْإِسْلَام وأعلامه من حج الْبَيْت وغزو الثغور وَشن الْغَارة على أَعدَاء الله فَلم يكن عَاجِزا وَلَا مفرطاً أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالطَّاعَةِ وَلُزُوم الْجَمَاعَة فَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْفَرد أَيهَا النَّاس من أبدى لنا نَفسه ضربنا الَّذِي فِيهِ عَيناهُ وَمن سكت مَاتَ بدائه ثمَّ نزل (عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على يَد عَامله على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز) كَانَ الْوَلِيد عزل هِشَام بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي عَن الْمَدِينَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَولى عَلَيْهَا ابْن عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَقَدمهَا وَنزل دَار مَرْوَان ودعا عشرَة من فُقَهَاء الْمَدِينَة فيهم الْفُقَهَاء السَّبْعَة المعروفون فجعلهم أهل مشورته لَا يقطع أمرا دونهم فَأَمرهمْ أَن يبلغُوا الْحَاجَات والظلامات إِلَيْهِ فشكروه وجزوه خيرَاً ودعا لَهُ النَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 ثمَّ كتب إِلَيْهِ الْوَلِيد سنة ثَمَانِينَ أَن يدْخل حجر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فِي الْمَسْجِد وَأَن يَشْتَرِي مَا فِي نواحي الْمَسْجِد من الدّور حَتَّى يَجعله مِائَتي ذِرَاع فِي مثلهَا وَيقدم الْقبْلَة وَمن أبي أَن يعطيك ملكه فقومه قيمَة عدل وادفع إِلَيْهِ الثّمن واهدم عَلَيْهِ الْملك وَلَك فِي عمر وَعُثْمَان أُسْوَة فِي ذَلِك فَأعْطَاهُ أهل الْأَمْلَاك مَا أحب مِنْهَا بأثمانها وَبعث الْوَلِيد إِلَى ملك الرّوم إِنِّي أُرِيد بِنَاء الْمَسْجِد النَّبَوِيّ فَبعث إِلَيْهِ ملك الرّوم بِمِائَة ألف مِثْقَال من الذَّهَب وَمِائَة من الفعلة وَأَرْبَعين حملا من الفسيفساء فَبعث بذلك كُله إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز واستكثر مَعَهم من فعلة الشَّام وَشرع فِي عِمَارَته فعمره عمر بن عبد الْعَزِيز وَلم يُغير شَيْئا من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنه حَتَّى إِنَّه يَأْتِي الْجذع الْقَائِم فيقلعه ثمَّ يضع مَوْضِعه أساس الأسطوانة وَيرْفَع الْبناء عَلَيْهَا فَلِذَا ترى بعض الأساطين متسعاً مَا بَينهَا وَبَعضهَا متضايقاً لِأَنَّهَا كَانَت كَذَلِك فِي بِنَاء عمر بن الْخطاب الَّذِي هُوَ على بنائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ورزق الْفُقَهَاء والفقراء والضعفاء وَحرم عَلَيْهِم سُؤال النَّاس وَفرض لَهُم مَا يكفيهم وَضبط الْأُمُور أتم ضبط ثمَّ ولى سنة تسع وَثَمَانِينَ على مَكَّة خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي قَالَ العبشمي عَن أَبِيه كَانَ الْوَلِيد دميماً سَائل الْأنف طويلاَ أسمر بِهِ أثر جدري أفطس وبمقدم لحيته شمط لَيْسَ فِي رَأسه ولحيته غَيره إِذا مَشى يتبختر فِي مشيته كَانَ أَبَوَاهُ يترفانه فشب بِلَا أدب وَلَا علم وروى يحيى الغساني أَن روح بن زنباغ قَالَ دخلت يَوْمًا على عبد الْملك وَهُوَ مهموم فَقَالَ لي فَكرت فِيمَن أوليه أَمر الْعَرَب فَلم أَجِدهُ فَقلت أَيْن أَنْت عَن الْوَلِيد قَالَ إِنَّه لَا يحسن النَّحْو قَالَ فَقَالَ لي عبد الْملك رُح إِلَى العشية فَإِنِّي سأظهر كآبة فسلني قَالَ فرحت إِلَيْهِ والوليد عِنْده فَقلت لَهُ لَا يسوءك الله مَا هَذِه الكآبة قَالَ فَكرت فِيمَن أوليه أَمر الْعَرَب فَلم أَجِدهُ فَقلت أَيْن أَنْت عَن رَيْحَانَة قُرَيْش وسيدها الْوَلِيد فَقَالَ لي يَا أَبَا زنباع إِنَّه لَا يَلِي الْعَرَب إِلَّا من تكلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 بكلامهم قَالَ فَسَمعَهَا الْوَلِيد فَقَامَ من سَاعَته وَجمع أَصْحَاب النَّحْو وَجلسَ مَعَهم فِي بَيت وطبق عَلَيْهِ سِتَّة أشهر ثمَّ خرج وَهُوَ أَجْهَل مِمَّا كَانَ فَقَالَ عبد الْملك أما إِنَّه قد أعذر كَذَا قَالَه الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي الدول وروى سعيد بن عَامر الضبعِي عَن كثير أبي الْفضل الطفَاوِي قَالَ شهِدت الْوَلِيد بن عبد الْملك صلى الْجُمُعَة وَالشَّمْس على الشّرف ثمَّ صلى الْعَصْر وَبَنُو أُميَّة معروفون بِتَأْخِير الصَّلَوَات عَن أول أَوْقَاتهَا قَالَ فِي مسامرة الْأَخْبَار قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي حَدثنَا أَبُو عِكْرِمَة الضَّبِّيّ أَن الْوَلِيد بن عبد الْملك قَرَأَ على الْمِنْبَر {يَا ليتَهَا كانتِ القَاضِيَةَ} الحاقة 27 وَضم التَّاء وَتَحْت الْمِنْبَر عمر بن عبد الْعَزِيز وَسليمَان بن عبد الْملك أَخُوهُ فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وددتها وَالله عَلَيْك وَعَن أبي الزِّنَاد قَالَ كَانَ الْوَلِيد لحانا كَأَنِّي اسْمَعْهُ على مِنْبَر النَّبِي يَقُول يَا أهل الدينة وَكَانَ الْوَلِيد جباراً ظالمَاً لكنه أَقَامَ الْجِهَاد فِي أَيَّامه وَفتحت فِي خِلَافَته فتوحات عَظِيمَة وَكَانَ يختن الْأَيْتَام ويرتب لَهُم المؤدبين ويرتب للزمنَى من يخدمهم وللأضراء من يقودهم من رَقِيق بَيت مَال وَعمر مَسْجده عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام ووسَعه وَكَانَ يبر حَملَة الْقُرْآن وَيَقْضِي دُيُونهم وَبنى الْجَامِع الْأمَوِي فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن مصطفى الشهير بكاتي فِي تَارِيخه بغية الخاطر إِن الْوَلِيد بنى بِدِمَشْق الْجَامِع الْمَشْهُور بِجَامِع بني أُميَّة وَشرع فِي بنائِهِ أَوَاخِر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَحين شرع احضر العملة من كل جِهَة وعدتهم اثْنَا عشر ألف رجل وَأنْفق فِي عِمَارَته أَرْبَعمِائَة صندوق فِي كل صندوق من الذَّهَب الْعين ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف دِينَار ذَهَبا أَحْمَر وامتد بِنَاؤُه عشر سِنِين وَفِيه عَمُود من المرمر يمِيل إِلَى الْحمرَة اشْتَرَاهُ بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 قَالَ فِي خريدة الْعَجَائِب وَفِي محرابه عمودان صغيران من المرمر الْأَخْضَر حصله من عرش بلقيس الملكة ابْنة الهدهاد زَوْجَة سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَجعل فِي الْمَسْجِد طاقات على عدد أَيَّام السّنة تدخل الشَّمْس فِي كل يَوْم من طاق من تِلْكَ الطاقات وَكَانَت فِيهِ سِتّمائَة سلسلة من ذهب للقناديل وَمَا زَالَت إِلَى أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز بعد سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَجَعلهَا فِي بَيت المَال وَاتخذ عوضهَا صفراً وحديداً قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ ضَمرَة عَن عَليّ بن أبي عبلة سمع عبد الله بن عبد الْملك ابْن مَرْوَان قَالَ قَالَ لي الْوَلِيد كَيفَ أَنْت وَالْقُرْآن قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أختمه فِي كل جُمُعَة قلت فَأَنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَكَيف مَعَ الِاشْتِغَال قلت على ذَلِك قَالَ فِي كل ثَلَاث قَالَ عَليّ فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم بن أبي عبلة فَقَالَ كَانَ يخْتم فِي رَمَضَان سبع عشرَة ختمة وَقَالَ ضَمرَة سَمِعت إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة يَقُول رحم الله الْوَلِيد وَأَيْنَ مثل الْوَلِيد فتح الْهِنْد والسند والأندلس وَغَيرهَا وَبنى مَسْجِد النَّبِي ووسعه وَبني مَسْجِد دمشق وَكَانَ يعطيني قصاع الْفضة أقسمها على قَرَأَ بَيت الْمُقَدّس غَرِيبَة قَالَ عَمْرو بن عبد الْوَاحِد الدِّمَشْقِي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن أَبِيه قَالَ خرج الْوَلِيد بن عبد الْملك من الْبَاب الْأَصْغَر فَوجدَ رجلا عِنْد الْحَائِط عِنْد المئذنة الشرقية يَأْكُل وَحده فجَاء حَتَّى وقف على رَأسه فَإِذا هُوَ يَأْكُل خبزَاً وتراباً فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد مَا شَأْنك انْفَرَدت عَن النَّاس قَالَ أَحْبَبْت الْوحدَة قَالَ فَمَا حملك على أكل التُّرَاب أما فِي بَيت مَال الْمُسلمين مَا يجْرِي عَلَيْك قَالَ بلَى وَلَكِن رَأَيْت القنوع قَالَ فَرجع الْوَلِيد إِلَى مَجْلِسه ثمَّ أحضرهُ فَقَالَ إِن لَك لخبرا لختبرني بِهِ وَإِلَّا ضربت عُنُقك قَالَ نعم كنت جمالا وَمَعِي ثَلَاثَة أجمال موقرة طَعَاما حَتَّى أتيت مرج الصفر فَقَعَدت فِي خربة أبول فَرَأَيْت الْبَوْل ينصب فِي شقّ فَأَتْبَعته حَتَّى كشفته فَإِذا غطاء على حفير فَنزلت فَإِذا مَال صبيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 فأنخت رواحلي وحللت أعكامي ثمَّ أوقرتها ذَهَبا وغطيت الْمَوْضُوع فَلَمَّا سرت عَنهُ غير يسير وجدت معي مخلاة فِيهَا طَعَام فَقلت أَنا أترك الكسرة ففرغتها وَرجعت لأملأها فخفي على الْموضع وأتعبني الطّلب فَرَجَعت إِلَى الْجمال فَلم أَجدهَا وَلم أجد الطَّعَام الَّذِي أخرجته من المخلاة فآليت على نَفسِي أَلا آكل شَيْئا إِلَّا الْخبز بِالتُّرَابِ فَقَالَ الْوَلِيد كم لَك من الْوَلَد فَذكر عيالا قَالَ يجْرِي عَلَيْك من بَيت المَال وَلَا تسْتَعْمل فِي شَيْء فَإِن هَذَا هُوَ المحروم قَالَ ابْن جَابر فَذكر لنا أَن الْجمال جَاءَت إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين فأناحت عِنْده فَأَخذهَا أَمِين الْوَلِيد فطرحها فِي بَيت المَال رُوَاته ثِقَات قَالَه الْكِنَانِي وَعَن نمير بن عبد الله الصَّنْعَانِيّ عَن أَبِيه قَالَ قَالَ الْوَلِيد لَوْلَا أَن الله ذكر آل لوط فِي الْقُرْآن مَا ظَنَنْت أَن أحدَاً يفعل هَذَا وَعَن يزِيد بن الْمُهلب قَالَ لما ولاني سُلَيْمَان بن عبد الْملك خرسان روعني عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ لي يَا يزِيد اتَّقِ الله فَإِنِّي حِين وضعت الْوَلِيد فِي قَبره إِذا هُوَ يرْكض فِي أَكْفَانه يَعْنِي يضْرب الأرضْ برجليه دخل جرير على الْوَلِيد بن عبد الْملك وَعِنْده عدي بن الرّقاع العاملي فَقَالَ الْوَلِيد لجرير أتعرف هَذَا قَالَ لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قل هَذَا عدي بن الرّقاع فَقَالَ جرير شَرّ الثِّيَاب الرقاِع فممنْ هُوَ قَالَ من عاملة قَالَ جرير الَّذين يَقُول الله تَعَالَى فيهم {عاملة ناضبة تَصلى نَاراً حَاميَةَ} الغاشية 3، 4 ثمَّ قَالَ // (من الطَّوِيل) // (يُقَصَّرُ باعُ العامِلِي عَن العُلا ... ولكنَّ أَيْرَ العامِلِيِّ طويلُ) فَقَالَ لَهُ عدي // (من الطَّوِيل) // (أأمُّكَ كَانَتْ خَبِّرَتْكَ بِطُولِهِ ... أَمَ انْتَ امْرُؤٌ لَمْ تَدْرِ كَيْفَ تَقُولُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 فَقل لَا بل أَنا امْرُؤ لم أدر كَيفَ أَقُول فَوَثَبَ عدي إِلَى رجل الْوَلِيد يقبلهَا وَيَقُول أجرني مِنْهُ فَقَالَ الْوَلِيد لجرير لَئِن ذكرته فِي شعرك لأسرجنك وألجمنك حَتَّى يركبك فتعيرك بذلك الشُّعَرَاء قَالَ الْمَدَائِنِي آتى الْوَلِيد بن عبد الْملك بِرَجُل من بني عبس قد ذهبت عينه فَسَأَلَهُ عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ فِي بني عبس أَكثر مني مَالا وَولدا فآتى السَّيْل فاجترف مَالِي وَوَلَدي وَبَقِي لي ولد صَغِير وبعير فَحملت الصَّبِي وند الْبَعِير فَوضعت الصَّبِي وتبعته فنخفى بِرجلِهِ ففقأ عَيْني فَرَجَعت إِلَى ابْني فَإِذا الذِّئْب يلغ من دَمه فَقَالَ الْوَلِيد اذهبو بِهِ إِلَى عُرْوَة بن الزبير ليعلم أَن فِي الدُّنْيَا من هُوَ أعظم مُصِيبَة مِنْهُ انْتهى قلت ومصيبة عُرْوَة بن الزبير فِي رجله وَولده شهيرة (وَفَاة الْحجَّاج) هُوَ الْحجَّاج بن يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ أَمِير الْعرَاق أَبُو مُحَمَّد ولد سنة أَرْبَعِينَ أَو إِحْدَى وَأَرْبَعين وَكَانَ فصيحا بليغا مفوها فَاسِقًا ظلوما غشوما سافكا للدماء روى أَنه لم يرضع الثدي حَتَّى قَالَ بعض الْكُهَّان اذبحوا لَهُ ثَلَاث جدي وألعقوه بعض دَمهَا وغسلوه بِالدَّمِ فَفَعَلُوا فَلذَلِك أَتَى يحب سفك الدِّمَاء وَولد بِغَيْر مخرج فَغُورَ لَهُ مخرج بالحديد قَالَ أَبُو عَمْرو مَا رَأَيْت أحدا أفْصح من الْحجَّاج وَالْحسن بن عَليّ وَالْحسن أفْصحهما وَسَتَأْتِي عدَّة مَا قلته صبرا وَمن كَانَ فِي سجنه وَقيل فِي سَبَب ولَايَة الْحجَّاج مَا ذكر بعض المؤرخين أَن الْحجَّاج لم يزل فِي كنف أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ رجلا نبيلا جليلَ الْقدر إِلَى أَن اتَّصل بِروح بن زنباع من أُمَرَاء عبد الْملك ثمَّ بِهِ وَلم يزل يترقى إِلَى أَن ولي الْعرَاق والمشرق وطار ذكره وَعظم سُلْطَانه وَأول مَا علم من شهامته وجوره أَن أَبَاهُ خرج من مصر يُرِيد عبد الْملك وَمَعَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 ابْنه الْحجَّاج فَأقبل سليم بن عَمْرو القَاضِي وَكَانَ من أروع النَّاس وأتقاهم فَقَامَ إِلَيْهِ أَبوهُ يُوسُف فَسلم عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَلَك حَاجَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ نعم أَن تسأله يعزلني عَن الْقَضَاء فَقَالَ يُوسُف لَوَدِدْت أَن قُضَاة الْمُسلمين كلهم مثلك فَكيف أسأله ذَلِك ثمَّ انْصَرف فَقَالَ الْحجَّاج لِأَبِيهِ من هَذَا الَّذِي قُمْت إِلَيْهِ فَقَالَ هَذَا سليم بن عَمْرو قَاضِي مصر وقاصهم فَقَالَ يغْفر الله لَك يَا أَبَت أَنْت ابْن عقيل تقوم " لى رجل فِي كِنْدَة فَقَالَ وَالله إِنِّي لأرَى النَّاس مَا يرحمون إِلَّا بِهَذَا وأشباهه فَقَالَ وَالله مَا يفْسد على أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا هَذِه وأشباهه يَقْعُدُونَ وتقعد أليهم أَحْدَاث فَيذكرُونَ سيرة أبي بكر وَعمر فَيخْرجُونَ على أَمِير الْمُؤمنِينَ فوَاللَّه لَو أضيف إلَي هَذَا الْأَمر لسألت أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَجْعَل لي السَّبِيل فأقتل هَذَا وأشباهه فَقَالَ لَهُ اتَّقِ الله يَا بني وَالله إِنِّي لأَظُن أَن الله خلقك شقيُّاً وَأول مَا أعجب بِهِ عبد الْملك مِنْهُ أَنه كَانَ قد اتَّصل بِروح بن زنباع وَصَارَ من جملَة شرطته وَكَانَ روح بن زنباع بِمَنْزِلَة نَائِب عبد الْملك توجه إِلَى الجزيرة لقِتَال زفر بن الْحَارِث عِنْدَمَا عصى عَلَيْهِ بقرقيسيا فَأمر رواح بن زنباع جمَاعَة من أَصْحَاب شرطته يحثون الْمُتَأَخِّرين عَن الْعَسْكَر فِي كل منزل وَكَانَ الْحجَّاج من جُمْلَتهمْ فَمر يَوْمًا بعد رحيل الْعَسْكَر بِجَمَاعَة من خواصِّ روح فِي خيمة يَأْكُلُون فَأَمرهمْ بالرحيل فسخروا مِنْهُ أَولا لمحلهم وثانية لمحل سيدهم وَقَالُوا لَهُ انْزِلْ كُلْ واسكُتْ فَضرب بِسَيْفِهِ أطناب الْخَيْمَة فَسَقَطت عَلَيْهِم وَأطلق فِيهَا نَارا فأحرقت أثاثهم فقبضوا عَلَيْهِ وأتو بِهِ روح بن زنباع وَسمع عبد الْملك الْخَبَر وَطَلَبه وَقَالَ من فعل هَذَا بغلمان روح فَقَالَ أَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أمرتنا بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا وليتنا فَفَعَلْنَا مَا أمرت بِهَذِهِ الفعلة يرتدعُ من بَقِي من الْعَسْكَر وَمَا على أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يعوضهم مَا احْتَرَقَ وَقد قَامَت الْحُرْمَة وَتمّ المُرَاد فأعجب عبد الْملك ذَلِك وَقَالَ إِن شرطيكم لجلد ثمَّ أقره على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلما طَال الْحصار والقتال بَينه وَبَين زفر بن الْحَارِث أرسل عبد الْملك رَجَاء بن حَيْوَة وَجَمَاعَة مِنْهُم الْحجَّاج إِلَى زفر يَدعُوهُ إِلَى الصُّلْح فَأتوا بِالْكتاب وَقد حضرت الصَّلَاة فَقَامَ رَجَاء فصلى مَعَ زفر وصَلى الْحجَّاج وَحده فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ لَا أُصَلِّي مَعَ مُنَافِق خَارج عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ وبارز عَن طَاعَته فَسمع ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 عبد الْملك فزاده عجبا بالحجاج وَرفع قدره وولاه تبادله وَهِي أول مَا وَلِي فَخرج إِلَيْهَا فَلَمَّا قرب سَأَلَ عَنْهَا فَقيل لَهُ إِنَّهَا وَرَاء هَذِه الأكمة فَقَالَ أُفٍّ لبلد تسترها الأكمة وَرجع فَقيل فِي الْمثل أَهْون على الْحجَّاج من تبَالَة ثمَّ وصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ وَزعم بعض الروَاة أَن أول أَمر الْحجَّاج أَنه كَانَ معلما للصبيان وَكَانَ يُسمى كليباً وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من المتقارب) // (أَيَنْسَى كُلَيْبٌ زَمَانَ الهُزَالِ ... وتَعْلِيمَهُ سُورَةَ الكَوْثَرِ) (رَغِيفٌ لَهُ فَلَكٌ مَا يُرَى ... وَآخرُ كَالقَمَرِ الأَزْهَرِ) يُشِير إِلَى النَّاس أَن خبز المعلمين يخْتَلف فِي الصفر وَالْكبر بِحَسب اخْتِلَاف بيُوت الصّبيان ثمَّ صَار دباغَاً ويستدل على ذَلِك بحكايته مَعَ كَعْب الأشقري وَذَلِكَ أَن الْمُهلب بن أبي صفرَة لما أَطَالَ قتال الْأزَارِقَة وَكَانَ الْحجَّاج أرْسلهُ لذَلِك كتب إِلَيْهِ يستبطئه فِي تَأْخِير مناجزتهم فَقَالَ الْمُهلب لرَسُوله قل لَهُ إِن الشَّاهِد يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِب فَقَالَ كَعْب الْأَشْقَر وَكَانَ من جند الْمُهلب // (من الْكَامِل) // (إنَّ ابْنَ يوسُفَ غَرَّهُ مِنَ غَزْوِكُم ... خَفْضُ المقامِ بجَانبِ الأمْصَارِ) (لَو عَايَنَ الصَّفيَّن حِين تَلاَقَيَا ... ضَاقَتْ عَلَيْهِ برُحْبِهَا الأَقْطَارُ) (وَرَأى معاوَدَةَ الدّباغ غنيمَةً ... أيامَ كَانَ مُحَالِفَ الإِقْتَارِ) فبلغت أبياته الْحجَّاج فَكتب إِلَى الْمُهلب بإشخاصه فأشخصه الْمُهلب إِلَى عبد الْملك وَكتب إِلَيْهِ يستوهبه مِنْهُ فَقدم كَعْب برسالة الْمُهلب إِلَى عبد الْملك فاستنشده فأعجبه مَا سمع وَكتب إِلَى الْحجَّاج يقسم عَلَيْهِ أَن يعْفُو عَن كَعْب فَلَمَّا دخل كَعْب على الْحجَّاج قَالَ إيه يَا كَعْب وَرَأى معاودة الدّباغ غنيمَة فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير لَوَدِدْت فِي بعض مَا شاهدته فِي تِلْكَ الحروب وَمَا يردهُ الْمُهلب من خطرها أَن أنجُوَ مِنْهَا وأكون حجاماً أَو حائكاً فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج أولى لَك لَوْلَا قسم أَمِير الْمُؤمنِينَ لما نفعك مَا أسمع فالحَق بصاحبك وروى ابْن الْكلابِي عَن عوَانَة بن الحكم قَالَ سمع الْحجَّاج تكبيرَاً فِي السُّوق وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلَمَّا انصرَفَ صعد الْمِنْبَر فَقَالَ يَا أهل الْعرَاق يَا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الْأَخْلَاق قد سَمِعت تَكْبِيرا لَيْسَ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يُرَاد بِهِ الله فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 التَّرْغِيب وَلكنه الَّذِي يُرَاد بِهِ التَّرْهِيب إِنَّهَا عجاجة تحتهَا قَصف أَي بني اللكيعة وَعبيد الْعَصَا وَأَوْلَاده الْإِمَاء أَلاَ يربأ الرجل مِنْكُم على ظلعه وَيحسن حمل رَأسه وحقن دَمه فيبصر مَوضِع قدمه وَالله مَا أرى الْأُمُور تنْتَقل بِي وبكم حَتَّى أوقع بكم وقْعَة تكون نكالا لما قبلهَا وتأديبا لما بَعْدَمَا وَقَالَ سيار أَبُو الحكم سمعتُ الْحجَّاج على الْمِنْبَر يَقُول أَيهَا الرجل وكلُكم ذَلِك الرجل رجل خطم نَفسه فزمها فقادها بخطامها إِلَى الطَّاعَة الله تَعَالَى وعنجها بزمامها عَن معاصي الله قَالَ مَالك بن دِينَار سَمِعت الْحجَّاج يخط فَيَقُول امْرُؤ زود نَفسه قبل أَن يكون الْحساب إِلَى غَيره امْرُؤ نظر إِلَى مِيزَانه امْرُؤ عقل عَن الله أمره امْرُؤ أَفَاق واستفاق وَأبْغض الْمعاصِي والنفاق وَكَانَ إِلَى مَا عِنْد الله بالأشواق فَمَا زَالَ يَقُول ذَلِك حَتَّى أبكاني وروى أَنه خطب فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ لَهُ مَا أصفق وَجهك وَأَقل حياءك تفعل مَا تفعل ثمَّ تَقول هَذَا فَأَخَذُوهُ فَلَمَّا نزل دَعَا بِهِ فَقَالَ لَهُ لقد أجترأت فَقَالَ يَا الْحجَّاج أَنْت تجتريء على الله فَلَا تنكره فِي نَفسك وأجترئ أَنا عَلَيْك فتنكره عَليّ فخلى سَبيله وَقَالَ شريك عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ الْحجَّاج يومَاً من كَانَ لَهُ بلَاء فَليقمْ فلنعطه على بلائه فَقَامَ رجل فَقَالَ أَعْطِنِي على بلائي قَالَ وَمَا بلائك قَالَ قتلت الْحُسَيْن قَالَ وَكَيف قتلته قَالَ دسرته بِالرُّمْحِ دسرا وهبرته البسيف هبرَاً وَمَا أشركت معي فِي قَتله أحدا قَالَ أما إِنَّك وإياه لن تجتمعا فِي مَوضِع وَاحِد وَقَالَ لَهُ اخْرُج وروى صَالح بن مُوسَى الطلحي عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة أَنهم ذكرُوا الْحُسَيْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 رَضِي الله عَنهُ عِنْد الْحجَّاج فَقَالَ لم يكن من ذُرِّيَّة النَّبِي فَقَالَ لَهُ يحيى بن يعمر كذبت أَيهَا الْأَمِير فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج لتَأْتِيني على مَا قلت بِبَيِّنَة من كتاب الله تَعَالَى أَو لأَقْتُلَنك فَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى {وَمِن ذُرِيَّتِهِ دَاودَ وَسُلَيماَنَ وَأَيوُبَ وَيوُسُفَ وَمُوسَى وهاَرُونَ وكذَلِكَ نَجزي اَلمُحسِنِينَ وَزكرِيَا وَيحيىَ وَعِيسَى} الْأَنْعَام 84 85 ثمَّ قَالَ أخبرنَا الله أَن عِيسَى من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم أمه فَقَالَ الْحجَّاج صدقت فَمَا حملك على تكذيبي فِي مجلسي قَالَ أَخذ الله على الْأَنْبِيَاء ليبيننه للنَّاس وَلَا يكتمونه قَالَ فنفاه الْحجَّاج إِلَى خُرَاسَان قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش سَمِعت الْحجَّاج وَذكر هَذِه الْآيَة {فَاتقوُا اللَّهَ مَا ستطعتم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا} التغابن 16 قَالَ هَذِه لعبد الله أَمِين الله وخليفته لَيْسَ فِيهَا مثنوية وَالله لَو أمرتُ رجلا أَن يخرج من بَاب هَذَا الْمَسْجِد فَأَخذه من غَيره لحل لي دَمه وَمَاله وَالله لَو أخذت ربيعَة بمضر لَكَانَ لي حَلَالا يَا عجبا من عبد هُذَيْل يزْعم أَنه يقْرَأ قُرْآنًا من عِنْد الله وَمَا هُوَ إِلَّا رجز من رجز الْأَعْرَاب وَالله لَو أدْركْت عبد هُذَيْل لضَرَبْت عُنُقه رَوَاهَا وَاصل بن عبد الْأَعْلَى شيخ مُسلم عَن أبي بكر فَقَالَ قَاتل الله الْحجَّاج مَا أجرأه على الله كَيفَ يَقُول هَذَا فِي العَبْد الصَّالح الصَّحَابِيّ الْجَلِيل عبد الله بن مَسْعُود قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش ذكرت قَوْله هَذَا للأعمش فَقَالَ قد سمعته مِنْهُ وَرَوَاهَا مُحَمَّد بن يزِيد عَن أبي بكر فَزَاد قَوْله وَلَا أجد أحدا يقْرَأ على قِرَاءَته إِلَّا ضربت عُنُقه ولأحنكها من الْمُصحف وَلَو بضلع خِنْزِير قَالَ حَمْزَة بن شَوْذَب رُبمَا دخل الْحجَّاج على دَابَّته حَتَّى يقف على حَلقَة الْحسن الْبَصْرِيّ فيستمع إِلَى كَلَامه فَإِذا أَرَادَ الِانْصِرَاف يَقُول يَا حسن لَا تمل النَّاس فَيَقُول لَهُ الْحسن أصلح الله الْأَمِير إِنَّه لم يبْق إِلَّا من لَا جاجة لَهُ قَالَ الْأَصْمَعِي قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان للحجاج إِنَّه لَيْسَ أحد إِلَّا وَهُوَ يعرف عَيبه فَعِب نَفسك فَقَالَ الْحجَّاج أعفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأبى عَلَيْهِ فَقَالَ أَنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 لجوج حقود حسودٌ فَقَالَ عبد الْملك مَا فِي الشَّيْطَان أقبحُ مِمَّا ذكرت وَقَالَ يزِيد بن هَارُون أَنبأَنَا الْعَوام بن حَوْشَب حَدثنَا حبيب بن أبي ثَابت قَالَ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لرجل لَا مت حَتَّى تدْرك فَتى ثَقِيف قيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا فَتى ثَقِيف قَالَ ليقالن لَهُ يَوْم الْقِيَامَة اكْفِنَا زَاوِيَة من زَوَايَا جَهنمَ رجل يملك عشْرين سنة لَا يدع مَعْصِيّة لله إِلَّا ارتكبها وَقَالَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا مَالك بن دِينَار عَن الْحسن أَن عليا كَانَ على الْمِنْبَر فِي الْعرَاق فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي ائتمنتهم فأخذوني ونصحتهم فغشوني اللَّهُمَّ فَسلط عَلَيْهِم غُلَام ثَقِيف يحكم فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ بِحكم الْجَاهِلِيَّة وَقد كوشف الإِمَام عَليّ كرم الله وَجهه بِمَا سيقع من الْحجَّاج فَقَالَ مَا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ قَالَ أَبُو عَاصِم النَّبِيل حَدثنِي جليس هِشَام بن أبي عبد الله قَالَ قَالَ عَمْرو بن عبد الْعَزِيز لعنبسة بن سعيد أخبرنى بِبَعْض مَا رَأَيْت من عجائب الْحجَّاج قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْده لَيْلَة فَأتى بِرَجُل وَكَانَ قد نهى عَن الْمَشْي بِاللَّيْلِ بعد الْعشَاء الأخبره فَقَالَ مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة وَقد قلت لَا أجد فِيهَا أحدا إِلَّا فعلت بِهِ قَالَ أما وَالله لَا أكذب الْأَمِير أُغمي على أُمِّي مُنْذُ ثَلَاث وَكنت عِنْدهَا فَلَمَّا أفاقت السَّاعَة قَالَت يَا بني أعزم عَلَيْك إِلَّا رجعت إِلَى أهلك فَإِنَّهُم مغمومون بتخلفك عَنْهُم فَخرجت فأخذني الطَّائِف فَقَالَ الْحجَّاج ننهاكم وتعصوننا يَا غُلَام اضْرِب عُنُقه ثمَّ أَتَى بِرَجُل آخر فَقَالَ مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ وَالله لَا أكذبك لزمني غَرِيم لما كَانَت السَّاعَة أغلق الْبَاب وَتَرَكَنِي على بَابه فجائني الطَّائِف فأخذني فَقَالَ اضربوا عُنُقه ثمَّ أَتَى بآخر فَقَالَ مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ كنت مَعَ شَرب أشْرب فعربدوا فَخفت على نَفسِي فخرجْتُ ففكَر الْحجَّاج سَاعَة ثمَّ قَالَ رجل أحب المسالمة يَا عَنْبَسَة مَا أرَاهُ إِلَّا صَادِقا فأخلوا سَبيله فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لعنبسة فَمَا قلت للحجاج شَيْء فِي ذَلِك قَالَ عَنْبَسَة لَا فَقَالَ عمر لآذنه لَا تَأذن لعنبسة إِلَّا أَن يكون فِي حَاجَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وَقَالَ بسطَام بن مُسلم عَن قَتَادَة قَالَ قيل لسَعِيد بن حبير خرجت على الْحجَّاج قَالَ إِنِّي وَالله مَا خرجت عَلَيْهِ حَتَّى كفر قَالَ هِشَام بن حسان أحصوا مَا قتل الْحجَّاج صبرا فَبلغ مائَة وَأَرْبَعَة وَعشْرين ألفا وَقَالَ عبَادَة بن كثير أطلق سُلَيْمَان عبد الْملك فِي عذاة وَاحِدَة أحدا وَثَمَانِينَ ألف أَسِير وَعرضت السجون بعد موت الْحجَّاج فَوجدَ فِيهَا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا مِنْهَا ثَلَاثُونَ ألفا من النِّسَاء لم يجب على أحد مِنْهُم قطع وَلَا صلب وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز لَو تخابثت الْأُمَم وَجِئْنَا بالحجاج لغلبناهم مَا كَانَ يصلح لدُنْيَا وَلَا لآخرة قَالَ الْعَبَّاس الْأَزْرَق عَن السّري بن يحيى قَالَ مَر الحَجاج فِي يَوْم جُمُعَة فَسمع استغاثة فَقَالَ مَا هَذَا قيل أهل السجون يَقُولُونَ قتلنَا الْحر فَقَالَ قُولُوا لَهُم {قَالَ اَخسئوُا فِيهَا وَلا تُكلِمُونِ} الْمُؤْمِنُونَ 108 قَالَ فَمَا عَاشَ بعد ذَلِك إِلَّا أقل من جُمُعَة وَبنى واسطاً فِي سنتَيْن قَالَه الْأَصْمَعِي وَشرع فِيهَا سنة سِتّ وَثَمَانِينَ قَالَ فِي المحاسن وَهُوَ أول من ابتنى مَدِينَة فِي الْإِسْلَام وَهِي وَاسِط وَأول من قعد على سَرِير فِي الْحَرْب وَأول من اتخذ بالمحامل فَقَالَ فِيهِ حميد الأرقط // (من الرجز) // (أَخْزَى الإِلَهُ عَاجِلاً وآجِلاَ ... ) (أَوَّل عَبْدٍ عَمِلَ المَحَامِلاَ ... ) (عبْدَ ثقيفٍ ذَاكَ أَزلاً آزِلاَ ... ) قَالَ مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا الصَّلْت بن دِينَار قَالَ مرض الْحجَّاج فأرحف بِهِ أهل الْكُوفَة فَلَمَّا عوفي صعد الْمِنْبَر وَهُوَ ينثني على أعواده فَقَالَ يَا أهل الشقاق والنفاق والمراق نفخ الشَّيْطَان فِي مناخركم فقلتم ماتَ الْحجَّاج فَمه وَالله مَا أَرْجُو الْخَيْر إِلَّا بعد المَوت وَمَا رَضِي الله الخلود لأحد من خلقه إِلَّا لأهونهم عَلَيْهِ إِبْلِيس وَقد قَالَ العَبْد الصَّالح سُلَيْمَان (رَب اَغفِر لِي وَهَبْ لِي مُلكاً لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} ص 35 فَكَانَ ذَلِك ثمَّ اضمحل فَكَأَن لم يكن يأيها الرجل وكلكم ذَلِك الرجل كَأَنِّي بِكُل حَيّ ميت وَبِكُل رطب يَابِس وكل امْرِئ فِي ثِيَاب طهُور إِلَى بَيت حفرته فحد لَهُ فِي الأَرْض خَمْسَة أَذْرع طولاَ فِي ذراعين عرضا فَأكلت الدُّود لَحْمه ومصت من صديده وَدَمه قَالَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يبغضُ الْحجَّاج فَنَفْس عَلَيْهِ بِكَلِمَة قَالَهَا عِنْد الْمَوْت اللَّهُمَّ اغْفِر لي فَإِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنَّك لَا تفعل وَقَالَ الْأَصْمَعِي أَنشَدَ الْحجَّاج لما احْتضرَ من // (الْبَسِيط) // (يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْداءُ وَاجْتَهَدُوا ... بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكنِي النارِ) (أيحلفُونَ علَى عمياءَ وَيْحَهُمُ ... مَا عِلْمُهُمْ بعظيمِ العَفْوِ غَفَّارِ) فَأخْبر الْحسن بذلك فَقَالَ إِن نجا فبهما وروى أَن الْحسن حِين أخبر بِمَوْت الْحجَّاج سجد شكرا لله وَقَالَ ابْن سِيرِين إِنِّي لأرجو للحجاج مَا أَرْجُو لأهل لَا إِلَه إِلَّا الله فَبلغ قَوْله الْحسن يَعْنِي الْبَصْرِيّ فَقَالَ أما وَالله ليخلقن الله رَجَاءَهُ فِيهِ قَالَ ابْن شَوْذَب عَن أَشْعَث الْحدانِي قَالَ رَأَيْت الْحجَّاج فِي مَنَامِي بِحَال سَيِّئَة فَقلت لَهُ مَا صنع الله بك قَالَ مَا قتلت أحدا قتلة إِلَّا قتلني بهَا قتلة مَا عدا سعيد بن جُبَير فَإِنِّي قتلت بِهِ سبعين قتلة قلت ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ أَمر بِي إِلَى النَّار قلت ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ أَرْجُو مَا يَرْجُو أهل لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ ابْن خلكان مَاتَ بواسط وعَفي قَبره وأجرى عَلَيْهِ المَاء قَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ وَعِنْدِي مُجَلد فِي أَخْبَار الْحجَّاج فِيهِ عجائب لَكِن لَا أعرفُ صِحَّتهَا توفّي سنة خمس وَتِسْعين قبل موت الْوَلِيد بِسنة وَلما حضْرته الْوَفَاة اسْتخْلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 على الصَّلَاة ابْنه عبد الله وعَلى عرب الْكُوفَة وَالْبَصْرَة يزِيد بن أبي كَبْشَة وعَلى خراجهما يزِيد بن أبي مُسلم وَكتب إِلَى قُتَيْبَة بن مُسلم الْبَاهِلِيّ وَكَانَ قد ولاه على خُرَاسَان قد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ بلاءك وجِدك وجهادك أَعدَاء الْمُسلمين وأمير الْمُؤمنِينَ رافعك وصانع بك الَّذِي تحب فأتمَّ مغازيك وانتظر ثَوَاب رَبك وَلَا تغيب عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ كتبك حَتَّى كَأَنِّي أنظر إِلَى بلادك والثغر الَّذِي أَنْت فِيهِ قيل أُصِيب الْحجَّاج بمصيبة وَعِنْده رَسُول عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ الْحجَّاج لَيْت أَنِّي قد وجدت إنْسَانا يُخَفف عني مَا أَنا فِيهِ فَقَالَ لَهُ الرجل الرَّسُول أَقُول أَيهَا الْأَمِير قَالَ لَهُ قل فَقَالَ كل إِنْسَان يُفَارِقهُ صَاحبه بِمَوْت أَو بصلب أَو يَقع من فَوق الْبَيْت أَو يَقع عَلَيْهِ الْبَيْت أَو يغشى عَلَيْهِ أَو يكون شَيْء لَا نعرفه فَضَحِك الْحجَّاج وَقَالَ مصيبتي فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ أعظم حَيْثُ وَجه مثلك رَسُولا وَكَانَ الْحجَّاج مهيباً جدا لجرأته وإقدامه على سفك الدِّمَاء واشتداد عضده بِمن أَقَامَهُ أَمِيرا فَكَانَ يهابه عماله والخاصة والعامة فَمن ذَلِك مَا ذكره فِي المروج كتب عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَيْهِ أَنْت عِنْدِي كسالم وَالسَّلَام فَلم يفهم الْحجَّاج مُرَاد عبد الْملك بذلك فَكتب إِلَيْهِ قُتَيْبَة بن مُسلم عَامله على خُرَاسَان وَبعث كتاب عبد الْملك مَعَ الرَّسُول إِلَيْهِ فَلَمَّا ورد الرَّسُول عَلَيْهِ نَاوَلَهُ الْكتاب فَفَزعَ واضطرب قُتَيْبَة فضرط فَخَجِلَ واستحيا فَقَرَأَ الْكتاب ثمَّ أَرَادَ أَن يَقُول للرسول اقعد فَقَالَ اضرط فَقَالَ الرَّسُول قد فعلت فاستحيا قُتَيْبَة حَيَاء أكثَرَ وَقَالَ لَهُ مَا أردْت أَقُول لَك إِلَّا اقعد فغلطت فَقَالَ الرَّسُول قد غَلطت أَنا وَأَنت قَالَ قُتَيْبَة وَلَا سَوَاء أغلط من فمي وتغلط من استك ثمَّ قَالَ قُتَيْبَة أعلم الْأَمِير أَن سالما كَانَ عبدا لرجل وَكَانَ عِنْده أثيراً عَزِيزًا وَكَانَ يسْعَى بِهِ إِلَيْهِ كثيرا فَقَالَ من // (الطَّوِيل) // (يُدِيرُونَنِي عَنْ سَالِم وأُدِيرُهُمْ ... وَجِلْدَةُ بَين العينِ والأنْفِ سَالِمُ) فَلَمَّا آتى الْحجَّاج بالرسالة سُرَ بذلك وَكتب لَهُ بِهِ عهدَاً على خُرَاسَان بالتأييد قلت وَرَأَيْت فِي تَارِيخ الصَّفَدِي مَا نَصه قَالَ نَافِع مولى ابْن عمر كَانَ ابْن عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 يلقى سالما ابْنه فيقبله وَيَقُول سيخ يقبل شَيخا وَقَالَ خَالِد بن أبي بكر بَلغنِي أَن عبد الله بن عمر كَانَ يلام فِي حب ابْنه سَالم فَيَقُول من // (الطَّوِيل) // (يلُومُونَنِي فِي سَالِم وَأَلُومُهُمْ ... وَجِلْدَةُ بَين العَينِ والأنفِ سَالِمُ) وَرَوَاهُ بَعضهم يديرونني وأديرهم قَالَ الصَّفَدِي اشْتهر هَذَا الْبَيْت كثيرا وروسل بِهِ وَكتب بِهِ عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج انْتهى قلت تَفْسِير قُتَيْبَة ذَلِك بِأَن سالمَاً كَانَ عبدا رجل وَكَانَ عِنْده إِلَى آخِره لَا يُوَافق مَا ذكره الصَّفَدِي أَن الْبَيْت لعبد الله بن عمر فِي ابْنه سَالم بن عبد الله بن عمر وَالأَصَح التَّفْسِير الثَّانِي لرِوَايَة نَافِع لَهُ عَن عبد الله بن عمر إِلَّا أَن يكون عبد الله متمثلا بِهِ لَا ناظمه فَيمكن مَا قَالَه قُتَيْبَة وصَحَّف الْجَوْهَرِي بل حرَف فِي صحاحِه فَقَالَ يُقَال للجلدة الَّتِي بَين الْعين وَالْأنف سَالم وَأورد الْبَيْت قَالَ الصَّفَدِي وَأَنا شَدِيد التَّعَجُّب من صَاحب الصِّحَاح كَونه مَا فهم الْمَعْنى من الْبَيْت وَأَن الْكَلَام جارٍ على التَّشْبِيه وَأَن سالما عِنْد أَبِيه بِمَنْزِلَة هَذِه الْجلْدَة من الْمَكَان الْمَذْكُور لعزته قَالَ الْخَطِيب التبريزي تبع الْجَوْهَرِي خَاله إِبْرَاهِيم الفارابي صَاحب ديوَان الْأَدَب فِي غلط هَذَا الْموضع انْتهى وَلم يُغير الْوَلِيد بعد موت الْحجَّاج أحدا من عماله بل أبقاهم حَتَّى كَانَ سُلَيْمَان ابْن عبد الْملك فعزلهم جَمِيعًا وَاسْتعْمل غَيرهم قَالَ ابْن حمدون فِي تَذكرته ذكر أَن وضاح الْيمن كَانَ من أحسن النَّاس شكلا وأجملهم وجهَاً وَكَانَ يتبرقع فِي المواسم من الْعين فحجت أم الْبَنِينَ زَوْجَة الواليد ابْن عبد الْملك فرأت هَذَا فهويته واستقدمته بمدح فَقدم ومدح الْوَلِيد بقصيدة فَأَجَازَهُ وَكَانَت أم الْبَنِينَ تَأتي بِهِ لإبى قصرهَا وتجلس مَعَه وَإِذا خَافت خبأته فِي صندوق فأُهدِيَ إِلَى الْوَلِيد جَوْهَر فاستدعى بخادم وأرسله بِهِ إِلَى أم الْبَنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 فَأَتَاهَا فَجْأَة ووضاح عِنْدهَا فرآها الْخَادِم وَهِي تواريه فِي الصندوق فَطلب مِنْهَا من الْجَوْهَر حجرا فانتهرته وأبت فآتى الْوَلِيد وَأخْبرهُ بِمَا رأى وَعلم لَهُ الصندوق فكذبه ونهره وضَرَبَ عُنُقه فِي الْحَال وَقَامَ مسرعاً إِلَى أم الْبَنِينَ وَهِي فِي مقصورتها تمتشطُ فَجَلَسَ على الصندوق الَّذِي أخبرهُ بِهِ الْخَادِم وَقَالَ لَهَا مَا أحب هَذَا الْبَيْت إِلَيْك دون الْبيُوت قَالَت لِأَنَّهُ يضم حوائجي جَمِيعًا فَقَالَ أُرِيد أَن تهبي لي صندوقاً من هَذِه الصناديق قَالَت دُونك الْجَمِيع فَقَالَ مَا أُرِيد إِلَّا واحدَاً قَالَت ارسم الَّذِي تقصده فَقَالَ هَذَا الَّذِي جَلَست عَلَيْهِ قَالَت خُذ غَيره فَإِن لي فِي حوائج أحتاجها قَالَ مَا أُرِيد غَيره قَالَت خُذْهُ فَأمر الْخَادِم بِحمْلِهِ إِلَى مَجْلِسه وحفر بِئْرا عَظِيمَة وأعمق فِيهَا حَتَّى وصل المَاء ودنا من الصندوق فَقَالَ يَا صندوق إِنَّه بلغنَا عَنْك خبر إِن كَانَ حَقًا قد كُفيناك ودفناك وَانْقطع خبرك وَإِن كَانَ بَاطِلا فَإِنَّمَا دفنا الْخشب وأهون بِهِ ثمَّ قذف بِهِ فِي الْبِئْر وهال التُّرَاب عَلَيْهِ وَردت الْبسط على حَالهَا وَلم ير الْوَلِيد وَلَا أم الْبَنِينَ فِي أحد مِنْهُمَا أثرَاً وَلَا تغيَّرَتْ مَوَدَّة أَحدهمَا للْآخر حَتَّى فرق الْمَوْت بَينهمَا وَلم ير وضاح بعْدهَا أبدا قلت فَمن أَيْن اتَّصل نبأ هَذَا الْخَبَر وَالْحَالة هَذِه وَقد اخْتلف الْعُقَلَاء فِي فعل الْوَلِيد هَذَا هَل يعد بِهِ من أهل الْمُرُوءَة وَالْحيَاء وَالْكَرم فبه يمدح أم من أهل الدناءة والوقاحة والعار الَّذِي ذمّ بِهِ فبه يقْدَح ذهب إِلَى كل مِنْهَا عقلاء لكَني أرجح كَونه ثَانِيًا لَا أَولا إِذْ الشهم لَا يبْقى على صفحة عرضه الْغُبَار وَلَا يرضى بلباس الْعَيْب وَلَو كَانَ فَوْقه ألف دثار وَمن شعر وضاح فِي جَارِيَة قد شَببَ بهَا قَوْله من // (السَّرِيع) // (قَالتْ أَلاَ لَا تَلِجنْ دَارَنَا ... إِنَّ أَبَانَا رَجُلٌ غَائِرُ) (قلْتُ فَإِنِّي طالبٌ غِرَّةً ... وإنَّ سَيفي صارِمٌ باترُ) (قالتْ فَإنَّ البابَ ذُو منعةٍ ... قلتُ فَإِنِّي واثبٌ كاسرُ) (قالتْ فإنَّ النَّاسَ مِنْ دونِنا ... قلتُ فَإِنِّي كاتمٌ ماهرُ) (قَالَت فإنَّ القصْرَ مِنْ دُوننَا ... قلْتُ فَإِنِّي فرقه طائرُ) (قالتْ فإِنَّ البَحْرَ من دُوننَا ... قلْتُ فَإِنِّي سابحٌ ماهرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 (قَالَت فَحَوْلي إخوةٌ سَبْعَةٌ ... قلتُ فَإِنِّي لَهُمُ حاذرُ) (قَالَت فليْثٌ رابضٌ دُوننَا ... قلتُ فَإِنِّي أَسَدٌ ظافرُ) (قَالَت فِإنَّ الله مِنْ فَوْقنَا ... قلتُ فرَبِّي راحمٌ غافرُ) (قَالَ لقد أَعْيَيْتَنَا حجةَ ... فائْتِ إِذا مَا هَجَعَ السامِرُ) (واسقُطْ علينا كسُقُوطِ النَّدَى ... لَيْلَةَ لَا نَاهٍ وَلَا آمِرُ) وَقَالَ أَبُو عمر الضَّرِير توفّي الْوَلِيد نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين بدير مران وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال فَدفن بِبَاب الصَّغِير وَكَانَ عمره إِحْدَى وَخمسين سنة وَمُدَّة خِلَافَته تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَصلى عَلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز وَخلف أَرْبَعَة عشر ولدا (خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك) قَالَ ابْن خلدون أَرَادَ الْوَلِيد أَن يمْنَع أَخَاهُ سُلَيْمَان ويبايع لوَلَده عبد الْعَزِيز بن الْوَلِيد فَأبى سُلَيْمَان فَكتب إِلَى عماله ودعا النَّاس إِلَى ذَلِك فَلم يجبهُ إِلَّا الْحجَّاج وقتيبة بن مُسلم وَبَعض خواصه وأستقدم سُلَيْمَان ثمَّ اسْتَبْطَأَهُ فأجمع المسر إِلَيْهِ ليخلعه فَمَاتَ دون ذَلِك وَلما مَاتَ بُويِعَ سُلَيْمَان من يَوْمه وَهُوَ بالرملة فعزل عُمَّال الْحجَّاج جَمِيعهم وَأمر يزِيد بن الْمُهلب بنكبة آل عقيل قوم الْحجَّاج وَبني أَبِيه وَبسط الْعَذَاب عَلَيْهِم فولى يزِيد بن الْمُهلب أَخَاهُ عبد الْملك بن الْمُهلب على ذَلِك فَفعله ثمَّ عزل قُتَيْبَة وَقَتله وَآتى إِلَيْهِ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ لموافقتهما الْوَلِيد على خلعه بُويِعَ بالخلافة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين بعد الْوَلِيد بالعهد الْمَذْكُور من أَبِيهِمَا كَانَ من خِيَار بنيي أُميَّة فصيحَاً مفوهاً مؤثراً للعدل محباً للغزو وجهز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 الجيوش مَعَ أَخِيه مسلمة بن عبد الْملك لحصار الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَقَالَ امْرَأَة رَأَيْته أَبيض عَظِيم الْوَجْه مقرون الحاجبين يضْرب شعره مَنْكِبَيْه مَا رَأَيْت أجمل مِنْهُ وَقَالَ الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنِي غير وَاحِد أَن الْبيعَة أَتَت لِسُلَيْمَان وَهُوَ بمشارف البلقاء فَأنى إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس وأتته الْوُفُود فَلم يرَوا وفادة كَانَت أهنأ من الْوِفَادَة إِلَيْهِ كَانَ يجلس فِي قبَّة فِي صحن الْمَسْجِد مِمَّا يَلِي الصَّخْرَة وَيجْلس النَّاس على الكراسي وَيقسم الْأَمْوَال وَيَقْضِي الأشغال وَقَالَ سعيد بن عبد الْعَزِيز ولي سُلَيْمَان وَهُوَ إِلَى الشَّبَاب والتَرَفه مَا هُوَ فَقَالَ لعمر بن عبد الْعَزِيز يَا أَبَا حَفْص إِنَّا ولينا مَا قد ترى وَلم يكن لنا بتدبيره عِلْم فَمَا رَأَيْت من مصلحَة الْعَامَّة فَمُر بِهِ فَكَانَ من ذَلِك عزل عُمَّال الحَجاج وَإِخْرَاج من فِي سِجْنِ الْعرَاق وَمن ذَلِك كِتَابه إِن الصَّلَاة قد أميتت فأحيوها وردوها إِلَى أول وَقتهَا مَعَ أُمُور حَسَنَة كَانَ يسمع من عمر فِيهَا وَعَن الشّعبِيّ لما حج سُلَيْمَان بن عبد الْملك سنة سبع وَتِسْعين فَرَأى النَّاس بِالْمَوْسِمِ قَالَ لعمر بن عبد الْعَزِيز أما ترى هَذَا الْخلق الَّذِي لَا يُحصِي عَددهمْ إِلَّا الله تبَارك وَتَعَالَى وَلَا يسع رزقهم غَيره قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَؤُلَاءِ الْيَوْم رعيتك وَغدا هم خصماؤك فَبكى سُلَيْمَان بكاء شَدِيدا ثمَّ قَالَ بِاللَّه أستعين وَعَن ابْن سِيرِين قَالَ رحم الله سُلَيْمَان بن عبد الْملك افْتتح خِلَافَته بِخَير وختمها بِخَير افتتحها بإحياء الصَّلَوَات لمواقيتها واختتمها باستخلاف عمر بن عبد الْعَزِيز وَفِي الذَّهَبِيّ قيل كَانَ من الْأكلَة الْمَذْكُورين فَذكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الْغلابِي وَلَيْسَ بِثِقَة قَالَ حَدثنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن القرش عَن أَبِيه عَن هِشَام بن سُلَيْمَان قَالَ أكل سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَرْبَعِينَ دجَاجَة تشوى لَهُ على النَّار على صفة الكباب وَأكل أَرْبعا وَثَمَانِينَ كلوة بشحومها وَثَمَانِينَ جردقة وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الحميد الرَّازِيّ عَن ابْن الْمُبَارك إِن سُلَيْمَان لما حج آتى الطَّائِف فَأكل سبعين رمانة وخروفاً وَسِتِّينَ دجَاجَة وأتى بموكب زبيب طائفي فَأَكله أجمع وَعَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ كَانَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك أكولا وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن يحيى بن يحيى ثَنَا أبي عَن أَبِيه قَالَ جلس سُلَيْمَان بن عبد الْملك فِي بَيت أَخْضَر على وطاء أَخْضَر عَلَيْهِ ثِيَاب خضر ثمَّ نظر فِي الْمرْآة فأعجبه شبابه وجماله فَقَالَ كَانَ مُحَمَّد نَبينَا وَكَانَ أَبُو بكر صديقا وَكَانَ عمر فاروقَاً وَكَانَ عُثْمَان حيياً وَكَانَ مُعَاوِيَة حَلِيمًا وَكَانَ يزِيد صبوراً وَكَانَ عبد الْملك سائساً وَكَانَ الوليدُ جَباراً وَأَنا الْملك الشَّاب فَمَا دَار عَلَيْهِ الشَّهْر حَتَّى مَاتَ وروى مُحَمَّد بن سعيد الدِّرَامِي عَن أَبِيه قَالَ كَانَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك ينظر فِي الْمرْآة من فرقه إِلَى قدمه وَيَقُول أَنا الْملك الشَّاب فَلَمَّا نزل بمرج دابق حُم وفشت الحُمَى فِي عسكره فَنَادَى بعض خدمَة فَجَاءَت بطست فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنك قَالَت محمومة قَالَ فَأَيْنَ فُلَانَة قَالَت محمومة فَمَا ذكر أحدا إِلَّا قَالَت مَحْمُوم فَالْتَفت إِلَى خَاله الْوَلِيد بن الْقَعْقَاع الْعَبْسِي وَقَالَ من // (الْكَامِل) // (قرِّبْ وَضُوءَكَ يَا ولِيدُ فَإنَّما ... هَذِي الحَيَاةُ تَعِلَّةٌ وَمَتَاَع) ُ فَقَالَ الْوَلِيد من // (الْكَامِل) // (فاعمَلْ لنَفْسِكَ فِي حيَاتِكَ صَالحا ... فالدَّهْرُ فِيهِ فُرْقَةٌ وجمَاعُ) وَمَات فِي مَرضه ذَاك قَالَ الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان لما اسْتَقل بالخلافة اتخذ ابْن عَمه عمر بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 عبد الْعَزِيز وزيراً ومشيراً ثمَّ إِنَّه أَرَادَ أَن يسْتَكْتب يزِيد بن أبي مُسلم وَزِير الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ عمر سَأَلتك بِاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تحيي ذكرى الْحجَّاج باستكتابك يزِيد فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان يَا عمر إِنِّي لم أجد عِنْده خِيَانَة فِي دِرْهَم وَلَا دِينَار فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن إِبْلِيس أعف مِنْهُ فِي الدِّرْهَم وَالدَّنَانِير قد أغوى الْخلق فَأَضْرب سُلَيْمَان عَمَّا عزم عَلَيْهِ وَفِي الْكَامِل لأبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد الملقب بالمبرد النَّحْوِيّ الْمَشْهُور أَنه دخل على سُلَيْمَان بن عبد الْملك يزِيد بن أبي مُسلم وَزِير الْحجَّاج وَكَانَ يزِيد قبيحاً دميما فَقَالَ لَهُ سلمَان قبح الله رجلا أجرَك رسنه وشركك فِي أَمَانَته يعرض بالحجاج فَقَالَ يزِيد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تقل هَذَا قَالَ سُلَيْمَان وَلم قَالَ لِأَنَّك رَأَيْتنِي وَالْأَمر عني مُدْبِر وَلَو رَأَيْتنِي والأمرُ عليَّ مقبل لاستحسنت مني مَا استقبحت ولاستعظمت مَا استصغرت فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان وَيحك وَقد اسْتَقر الْحجَّاج فِي قَعْر جَهَنَّم بَعْدُ أم لَا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تقل ذَلِك فِي الْحجَّاج قَالَ وَلم قَالَ لِأَن الْحجَّاج وطأ لكم المنابر وذلَل لكم الْجَبَابِرَة وَإنَّهُ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة عَن يَمِين أَبِيك عبد الْملك ويسار أَخِيك الْوَلِيد فَحَيْثُ مَا كَانَا كَانَ ولى سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَخَاهُ مسلمة بن عبد الْملك وَكَانَ يلقب بالجرادة الصَّفْرَاء أرمينية وأذربيجان غير مرّة وإمرة الْعِرَاقِيّين وسيره فِي مائَة وَعشْرين ألفا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة كَمَا تقدَّم وروى مسلمة عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ مَذْكُور فِي سنَن أبي دَاوُد سُلَيْمَان ابْن الْأَشْعَث السجسْتانِي من الْفَوَائِد عَن مسلمة أَنه لما حصر عمورية حصل لَهُ صداع فَلم يركب فِي الْحَرْب فَقَالَ أهل عمورية للْمُسلمين مَا لأميركم لم يركب الْيَوْم فَقَالُوا عرض لَهُ صداع فأخرجوا لَهُ برنساً وَقَالُوا ألبسوه لَهُ يزل عَنهُ مَا يجد فلبسه مسلمة فشفي لوقته ففتشوه فَلم يَجدوا فِيهِ شَيْئا ثمَّ فتقوا أزراره فَإِذا فِيهَا بطاقة مَكْتُوب فِيهَا هَذِه الْآيَات آيَات التَّخْفِيف {الآنَ خَففَ اَللَّهُ عَنكمُ} الْآيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 الْأَنْفَال 66 {ذلِكَ تَخْفِيف مِن رّبكمُ} الْآيَة الْبَقَرَة 178 {حم عسق} الشورى 1، 2 {وَإِذا سأَلك عِبادي عَني} الْآيَة الْبَقَرَة 186 {أَلَم تَرَ إِلىَ رَبك كَيف مَدَ اَلظِلَّ} الْآيَة الْفرْقَان 45 {وَلَه مَا سكَنَ فِي الليلِ وَالنهار} الْآيَة الْأَنْعَام 13 فَقَالَ الْمُسلمُونَ من أَيْن لكم هَذَا وَإِنَّمَا أنزل على نَبينَا مُحَمَّد قَالُوا وَجَدْنَاهُ منقورَاً فِي حجر فِي كَنِيسَة قبل أَن يبْعَث نَبِيكُم بسبعمائة عَام وَمِمَّا يحْكى من محَاسِن سُلَيْمَان أَنه دخل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنْشدك الله وَالْأَذَان فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان أما أنْشدك الله فقد عَرفْنَاهُ فَمَا الْأَذَان فَقَالَ الرجل قَوْله تَعَالَى {فأذنَ مُؤَذِن بَينَهُم أَن لعنَةُ اَللَهِ عَلَى اَلظالمين} الْأَعْرَاف 44 فَقَالَ لَهُ مَا ظلامتك قَالَ ضيعتي فُلَانَة غلبني عَلَيْهَا عاملك فلَان فَنزل سُلَيْمَان عَن سَرِيره وَرفع الْبسَاط وَوضع خَدّه فِي الأَرْض وَقَالَ وَالله لَا رفعته حَتَّى يكْتب لَهُ برد ضيعته فَكتب الْكتاب وَهُوَ وَاضع خَدّه بِالْأَرْضِ رَحمَه الله وَعَفا عَنهُ وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَنه قَالَ لطلْحَة بن مصرف مَا تَقول فِي أبي بكر قَالَ مَا أدْرك دهره وَلَا أردك دهري وَلَقَد قَالَ النَّاس فِيهِ فَأحْسنُوا وَهُوَ إِن شَاءَ الله كَذَلِك فَقَالَ مَا تَقول فِي عمر فَقَالَ مثل ذَلِك قَالَ مَا تَقول فِي عُثْمَان قَالَ مَا أدْركْت دهره وَلَا أدْرك دهري وَلَقَد قَالَ فِيهِ النَّاس فَأحْسنُوا وَقَالَ فِيهِ نَاس وأساءوا وَعند الله علمه قَالَ مَا تَقول فِي عَليّ فَقَالَ مثل ذَلِك قَالَ سُب عليا فَقَالَ طَلْحَة لَا أسبه قَالَ وَالله لتسبنه أَو لَأَضرِبَن عُنُقك قَالَ وَالله لَا أسبه فَأمر بِضَرْب عُنُقه فَقَامَ إِلَيْهِ رجل بِيَدِهِ سيف فهزه فَقَالَ طَلْحَة وَيلك يَا سُلَيْمَان أما ترضي بِمَا رَضِي بِهِ من هُوَ خير مِنْك فِيمَن هُوَ شَرّ من عَليّ قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ فَإِن الله عز وَجل رَضِي من عِيسَى وَهُوَ خير مِنْك إِذْ قَالَ فِي بني إِسْرَائِيل وهم شَرّ من عل {إِن تُعَذّبهُم فإنَهُم عِبَادُك} الْآيَة الْمَائِدَة 118 فسكن غَضَبه وخلى سَبيله فَخرج طَلْحَة يختال فِي مشيته وَدخل سَالم بن عبد الله بن عمر على سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَعَلِيهِ ثِيَاب غَلِيظَة خشنة رثَّة فأقعده سُلَيْمَان مَعَه على السرير وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز حَاضرا فَقَالَ لَهُ رجل يَا عمر مَا اسْتَطَاعَ خَالك يَعْنِي سَالم بن عبد الله أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 يلبس ثيابًا فاخرة يدْخل بهَا على أَمِير الْمُؤمنِينَ وعَلى الْمُتَكَلّم ثِيَاب فاخرة فَقَالَ لَهُ عمر مَا رأيتُ ثِيَابه وَضعته وَلَا رأيتُ ثيابَكَ هَذِه رفعتك إِلَى مَكَانَهُ فَسكت الرجل وَلم يحر جَوَابا ويروى أَنه لما حم خرج لصَلَاة الْجُمُعَة فَوجدَ حظية لَهُ فِي حصن الدَّار فَأَنْشَدته من // (الْخَفِيف) // (أَنْتَ نِعْمَ المَتَاعُ لَو كُنْتَ يبقَى ... غَيْرَ أَن لَا بَقَاءَ للإنسانِ) (لَيْسَ فيِمَا بَدَا لنا مِنْكَ عَيْبٌ ... عابَهُ النَّاسُ غَيْرَ أنكَ فَانِي) فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة دخل دَاره ودعا بِتِلْكَ الحظية فَقَالَ لَهَا مَا قلت لي فِي صحن الدَّار فَقَالَت وَالله مَا قلت لَك شَيْئا وَمَا رَأَيْتُك وَأَنِّي لي بِالْخرُوجِ إِلَى صحن الدَّار فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون نعيت إِلَيّ نَفسِي فَمَا دارت عَلَيْهِ جُمُعَة أخرَى إِلَّا وَهُوَ فِي قَبره توُفِي رَحمَه الله فِي صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَقيل تسع بمرج دابق وَله تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَت خِلَافَته سنتَيْن وَثَمَانِية أشهر وَصلى عَلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز (خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وأرضاه) قَالَ الْوَلِيد بن مُسلم بن عبد الرَّحْمَن بن حسان الْكِنَانِي لما مرض سُلَيْمَان بمرج دابق قَالَ لرجاء بن حَيوَةَ كَاتبه ووزيره من لهَذَا الْأَمر بعدِي أستخلف ابْني فَقَالَ لَهُ رَجَاء ابْنك غَائِب فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَلَا تَدْرِي حَيَاته أَو مَوته فَقَالَ أستخلف ابْني دَاوُد الآخر فَقَالَ إِنَّه صَغِير قَالَ فَمن ترى قَالَ اسْتخْلف عمر ابْن عبد الْعَزِيز قَالَ أَتَخَوَّف أخوتي لَا يرضون قَالَ رَجَاء فول عمر ثمَّ بعده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 أَخَاك يزِيد بن عبد الْملك وتكتب كتابَاً وتختم عَلَيْهِ وَتَدْعُوهُمْ إِلَى الْبيعَة لمن فِيهِ مَخْتُومًا فَقَالَ سُلَيْمَان لقد رأيتُ مَا رأيتَ ائْتِنِي بقرطاس فَكتب فِيهِ الْعَهْد على مَا ذكر وَدفعه إِلَى رَجَاء وَقَالَ اخْرُج إِلَى النَّاس فليبايعوا لمن فِي هَذَا الْكتاب قَالُوا وَمن فِيهِ قَالَ هُوَ مختوم لَا تخبرون بِمن فِيهِ حَتَّى يَمُوت قَالُوا لَا نُبَايِع وَرجع رَجَاء إِلَيْهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ انْطلق إِلَى صَاحب الشرطة والحرس فاجمع النَّاس وَأمرهمْ بالبيعة فَمن أَبى فَاضْرب عُنُقه فَفعل فَبَايعُوا لمن فِيهِ قَالَ رَجَاء بن حَيْوَة فَبَيْنَمَا أَنا رَاجع إِذْ سَمِعت جلبة موكب فَإِذا هِشَام بن عبد الْملك فَقَالَ لي يَا رَجَاء قد علمت موقعك منا وَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ صنع شَيْئا مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَأَنا أَتَخَوَّف أَن يكون قد أزالها عني فَإِن يكن قد عدلها عني فَأَعْلمنِي مَا دَامَ الْأَمر نفس حَتَّى أنظر قَالَ رَجَاء فَقلت لَهُ سُبْحَانَ الله يستكتمني أَمِير الْمُؤمنِينَ أمرا فأطلعك عَلَيْهِ لَا يكون هَذَا أبدا قَالَ فأدارني وألاحني فأبيت عَلَيْهِ فَانْصَرف فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير إِذْ سَمِعت جلبة خَلْفي فَإِذا عمر ابْن عبد الْعَزِيز فَقَالَ لي يَا رَجَاء إِنَّه وَقع فِي نَفسِي أَمر كَبِير من هَذَا الرجل أَتَخَوَّف أَن يكون قد جعلهَا إليَّ وَلست أقوم لَهُ بِهَذَا الشَّأْن فَأَعْلمنِي مَا دَامَ فِي الْأَمر نفس لعَلي أتخلَص مِنْهُ مادام حَيا فَقلت سُبْحَانَ الله يستكتمني أَمِير الْمُؤمنِينَ أمرا فأطلعك عَلَيْهِ لَا يكون هَذَا أبدا قَالَ فأدارني وألاحني فأبيت عَلَيْهِ فَانْصَرف فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير إِذْ سَمِعت جلبة خَلْفي فَإِذا عمر ابْن عبد الْعَزِيز فَقَالَ لي يَا رَجَاء إِنَّه وَقع فِي نَفسِي أَمر كَبِير من هَذَا الرجل أَتَخَوَّف أَن يكون قد جعلهَا إليَّ وَلست أقوم لَهُ بِهَذَا الشَّأْن فَأَعْلمنِي مَا دَامَ فِي الْأَمر نفس لعَلي أتخلَص مِنْهُ مَا دَامَ حَيا فَقلت سُبْحَانَ الله يستكتمني أَمِير الْمُؤمنِينَ أمرا وأطلعك عَلَيْهِ قَالَ وَثقل سُلَيْمَان فَلَمَّا مَاتَ أجلسته مَجْلِسه وأسندته وهيأته وَخرجت إِلَى النَّاس فَقَالُوا كَيفَ أصبح أَمِير الْمُؤمنِينَ قلت سَاكِنا وَأحب أَن تسلموا عَلَيْهِ وتبايعوا بَين يَدَيْهِ على مَا فِي الْكتاب فَدَخَلُوا وَأَنا قَائِم عِنْده فَلَمَّا دنوا قلت إِنَّه يَأْمُركُمْ بِالْوُقُوفِ ثمَّ أخذت الْكتاب من عِنْده وَتَقَدَّمت إِلَيْهِم وَقلت إِنَّه يَأْمُركُمْ أَن تبايعوا لمن فِي هَذَا الْكتاب فَبَايعُوا وبسطوا أَيْديهم فَلَمَّا بايعتهم وفرغت قلت آجركم الله فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالُوا فَمن ففتحت الْكتاب فَإِذا فِيهِ الْعَهْد لعمر بن عبد الْعَزِيز فتغيرَتْ وُجُوه بني عبد الْملك وَقَالَ هِشَام لَا نُبَايِعهُ أبدا فَقَالَ لَهُ رَجَاء وَالله نضرب عُنُقك فَقَامَ آسفاً يجر رجلَيْهِ فَلَمَّا سمعُوا وَبعده يزِيد بن عبد الْملك كَأَنَّهُمْ تراجعوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 فَقَالُوا أَيْن عمر فطلبوه فَإِذا هُوَ فِي الْمَسْجِد فَأتوهُ فَسَلمُوا عَلَيْهِ بالخلافة فعقر بِهِ وَلم يسْتَطع النهوض حَتَّى أخذُوا بضبعيه فدنوا بِهِ إِلَى الْمِنْبَر وأصعدوه فَجَلَسَ طَويلا لَا يتكلَّم فَقَالَ رَجَاء أَلا تقومون إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فتبايعوه فَنَهَضَ الْقَوْم إِلَيْهِ فَبَايعُوهُ رجلاَ رجلا ومَدَ يَده إِلَيْهِم ثمَّ صعد إِلَيْهِ هِشَام بن عبد الْملك فَلَمَّا مد يَده إِلَيْهِ قَالَ هِشَام إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أسفَاً لما فَاتَهُ وأخطأه فَقَالَ لَهُ عمر إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لما وَقع فِيهِ من ولَايَة أَمر الْأمة ثمَّ قَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي لست بفارضِ وَلَكِنِّي منفذ وَلست بِمُبْتَدعٍ وَلَكِنِّي مُتبع وَإِن من حَوْلكُمْ من الْأَمْصَار والبلدان والمدن إِن هم أطاعوا كَمَا أطعتم فَأَنا واليكم وَإِن أَبَوا فلست لَهُم بوال ثمَّ نزل فَأَتَاهُ صَاحب المراكب فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا مركب الْخلَافَة قَالَ لَا حَاجَة لي بِهِ ائْتُونِي بدابتي فَأتوهُ بدابته فَانْطَلق إِلَى منزله ثمَّ دَعَا بِدَوَاةٍ فَكتب بِيَدِهِ إِلَى الْأَمْصَار قَالَ رَجَاء كنت أَظن أَنه يَضْعُفُ فَلَمَّا رَأَيْت صنعه فِي الْكتاب علمت أَنه سيقوى وَقَالَ عمر بن مهَاجر صلى عمر بن عبد الْعَزِيز الْمغرب ثمَّ صلى على جَنَازَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَلما بلغ عبد الْعَزِيز بن الْوَلِيد وَكَانَ غائبَاً موت سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَلم يعلم ببيعةَ عمر عقد لِوَاء ودعا لنَفسِهِ وَجَاء إِلَى دمشق ثمَّ بلغه عهد سُلَيْمَان إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فجَاء إِلَيْهِ وَاعْتذر وَقَالَ أَنا فعلت مَا فعلت لما بَلغنِي أَن سُلَيْمَان لم يعْهَد إِلَى أحد فَخَشِيت على الْأَمْوَال أَن تنتهب فَقَالَ لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز لَو قُمْت بِالْأَمر لقعدتُ فِي بَيْتِي وَلم أنازعك فَقَالَ لَهُ عبد الْعَزِيز وَالله لَا أجيبُ لهَذَا الْأَمر فَأول مَا بَدَأَ بِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز لما استقرتِ الْبيعَة لَهُ أَنه رد مَا كَانَ لفاطمة بنت عبد الْملك بن مَرْوَان زَوجته من المَال والحلي والجواهر إِلَى بَيت المَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 وَقَالَ لَا أجتمع أَنا وَأَنت وَهُوَ فِي بَيت وَاحِد فَردته جَمِيعًا وَلما ولي أَخُوهَا يزِيد من بعده رده عَلَيْهَا فَأَبت وَقَالَت مَا كنت لأطيعه حَيا وأعصيه مَيتا ففرقه يزِيد على أَهله وَكتب إِلَى مسلمة بن عبد الْملك وَهُوَ بِأَرْض الرّوم يَأْمُرهُ بالقفول بِالْمُسْلِمين وَهُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس ابْن عبد منَاف بن قصي أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو حَفْص الْقرشِي الْأمَوِي قَالَ الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي هُوَ خَامِس الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه ولد بِالْمَدِينَةِ وَقيل بحلوان من أَعمال مصر سنة سِتِّينَ عَام وَفَاة مُعَاوِيَة أَو بعْدهَا بِسنة أمه أم عَاصِم بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب روى عَن أَبِيه وَأنس وَعبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَغَيرهم صفته كَانَ رَضِي الله عَنهُ أبيضَ اللَّوْن رَقِيق الْوَجْه جميلا نحيف الْجِسْم حسن اللِّحْيَة غائر الْعَينَيْنِ بجبهته أثر حافر دَابَّة وَلذَلِك سمي أشج بني أُميَّة قد وخطه الشيب قَالَ ثروان مَوْلَاهُ دخل عمر إِلَى إصطبل أَبِيه وَهُوَ غُلَام فَضَربهُ فرس فَشَجَّهُ فَجعل أَبوهُ يمسح عَنهُ الدَّم وَيَقُول إِن كنت أشج بني أُميَّة إِنَّك لسَعِيد رَوَاهُ ضَمرَة عَن ثروان وَعَن ضمام بن إِسْمَاعِيل عَن أبي قبيل أَن عمر بن عبد الْعَزِيز بَكَى وَهُوَ غُلَام فَقَالَت أمه مَا يبكيك قَالَ ذكرت الْمَوْت وَكَانَ قد جمع الْقُرْآن وَهُوَ غُلَام صَغِير فَبَكَتْ أمه وَعَن سعيد بن عفير عَن يَعْقُوب عَن أَبِيه أَن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان أَمِير مصر بَعَثَ ابْنه عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْمَدِينَة يتأدب بهَا وَكتب إِلَى صَالح بن كيسَان أَن يتعاهده وَكَانَ يخْتَلف إِلَى عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة يسمع مِنْهُ الْعلم فَبَلغهُ أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 عمر يتنقص عليا فَقَالَ لَهُ مَتى بلغك أَن الله سَخِطَ على أهل بدر بعد أَن رَضيَ عَنْهُم ففهم وَقَالَ معذرة إِلَى الله وَإِلَيْك لَا أَعُود وَقَالَ غَيره لما مَاتَ عبد الْعَزِيز طلب عبد الْملك بن مَرْوَان عمر إِلَى دمشق فزوجته ابْنَته فَاطِمَة بنت عبد الْملك وَكَانَ الَّذين يعيبون عمر من حساده لَا يعيبونه إِلَّا بالإفراط فِي التنعم والاختيالِ فِي المشية هَذَا قبل الإمرة قَالَ أَبُو زرْعَة عبد الْأَحَد بن اللَّيْث القيناني سَمِعت مَالِكًا يَقُول أَتَى فتيَان إِلَى عمر بن عبد العزز فَقَالُوا إِن أَبَانَا تُوفيَ وَترك لنا مالاَ نَحْو عمنَا حميد الأمجي فَأحْضرهُ عمر وَقَالَ لَهُ أَنْت الْقَائِل من // (المتقارب) // (حُميْدُ الَّذِي أمج دَاره ... أَخُو الخَمْرِ ذِي الشيْبَةِ الأَصْلَع) (أَتَاهُ المَشِيبُ علَى شربهَا ... وكَانَ كَريماً فَلَمْ يَنْزعِ) قَالَ نعم قَالَ مَا أَرَانِي إِلَّا حادكَ إِذْ أَقرَرت بشربها وَأَنَّك لم تنْزع عَنْهَا قَالَ أَيْن يذهب بك ألم تسمع الله يَقُول {وَاَلشُعَراء يَتبِعُهُم الغَاوونَ أَلمَ تَرَ أَنهُم فِي كُلِّ وَاد} الْآيَة الشُّعَرَاء 224 قَالَ عمر أَولَى لَك يَا حميد مَا أَرَاك إِلَّا قد تفلت وَيحك يَا حميد كَانَ أَبوك رجلاَ صَالحا وَأَنت رجل سوء قَالَ أصلحك الله وأينا يشبه أَبَاهُ أما كَانَ أَبوك رجل سوء وَأَنت رجل صَالح قَالَ إِن هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَن أباهم تُوُفيَ وَترك مَالا عنْدك قَالَ صدقُوا وأحضره بِخَتْم أَبِيهِم ثمَّ قَالَ إِن أباهم مَاتَ سنة كَذَا وَكَذَا وَكنت أنْفق عَلَيْهِم من مَالِي وَهَذَا مَالهم فَقَالَ عمر مَا أحد أَحَق أَن يكون عِنْده مِنْك فَامْتنعَ وَقَالَ زيد بن أسلم قَالَ أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا صليت وَرَاء إِمَام بعد رَسُول الله أشبه صَلَاة برَسُول الله من هَذَا الْفَتى يَعْنِي عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ عمر أَمِيرا على الْمَدِينَة قَالَ زيد بن أسلم كَانَ يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود ويخفف الْقيام وَالْقعُود وَقَالَ عمر بن قيس الْملَائي سُئِلَ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ هُوَ نجيبة بني أُميَّة وَلكُل قوم نجيبة وَإنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة أمة وَاحِدَة وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ كَانَ الْعلمَاء مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز تلامذة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي تَارِيخه بِسَنَد رَفعه إِلَى جوَيْرِية عَن نَافِع بلغنَا أَن عمر بن الْخطاب قَالَ إِن مِن وَلَدي رجلا بِوَجْهِهِ شجة يَلِي فَيمْلَأ الأَرْض عدلا قَالَ هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَعَن السّري بن يحيى عَن ريَاح بن عُبَيْدَة قَالَ خرج عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الصَّلَاة وَشَيخ متوكئ على يَده فَقلت فِي نَفسِي إِن هَذَا الشَّيْخ لجافٍ فَلَمَّا صلى لحقته فَقلت أصلح الله الْأَمِير من الشَّيْخ الَّذِي كَانَ متكئَاً على يدك قَالَ يَا ريَاح رَأَيْته قلت نعم قَالَ مَا أحسبك إِلَّا رجلا صَالحا ذَاك أخي الْخضر أَتَانِي فَأَعْلمنِي أَنِّي سألي أَمر هَذِه الْأمة وَأَنِّي سأعدل فِيهَا رُوَاته ثِقَات قَالَ جرير عَن مُغيرَة جع عمر بن عبد الْعَزِيز بني مَرْوَان حِين اسْتخْلف فَقَالَ إِن رَسُول الله كَانَ لَهُ فدك ينْفق مِنْهَا وَيعود مِنْهَا على صَغِير بني هَاشم ويزوج مِنْهَا أيمهم وَإِن فَاطِمَة سَأَلته أَن يَجْعَلهَا لَهَا فَأبى وَكَانَت كَذَلِك حَيَاة أبي بكر ثمَّ عمر ثمَّ اقتطعها مَرْوَان ثمَّ صَارَت إِلَيّ فَرَأَيْت أمرا مَنعه رَسُول الله لَيْسَ لي بحَق وَإِنِّي أشهدكم أَنِّي قد رَددتهَا على مَا كَانَت عَلَيْهِ أَيَّام رَسُول الله وَفِي كتاب المحاسن والمساوي للعلامة إِبْرَاهِيم البهيقي مَا نَصه وَحدث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ أَتَى الْوَلِيد بن عبد الْملك بِرَجُل من الْخَوَارِج وَعِنْده عمر بن عبد الْعَزِيز وخَالِد بن الريان فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد مَا تَقول فِي أبي بكر فَقَالَ صَاحب رَسُول الله وَثَانِي اثْنَيْنِ رجمه الله تَعَالَى وَغفر لَهُ قَالَ فَمَا تَقول فِي عمر بن الْخطاب قَالَ هُوَ الْفَارُوق رَحمَه الله تَعَالَى وَغفر لَهُ قَالَ فَمَا تَقول فِي عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ كَانَ سُنَيات من خِلَافَته ملازماً للعدل قَالَ فَمَا تَقول فِي مَرْوَان بن الحكم قَالَ لعن الله ذَاك قَالَ فَمَا تَقول فِي عبد الْملك قَالَ ذَاك ابْن ذَاك لعن الله ذَاك فَقَالَ فَمَا تَقول فِي قَالَ ابْن ذَيْنك وَأَنت شَرّ الثَّلَاثَة فَقَالَ الْوَلِيد يَا عمر مَا تَقول فِيمَا تسمع قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أحد أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 بِهَذَا مِنْك فألح عَلَيْهِ وَالله لتقولن فَقَالَ أما إِذْ أَبيت إِلَّا أَن أَقُول فسب أَبَاهُ كَمَا سَبَّ أَبَاك {وَأن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى} الْبَقَرَة 237 فَقَالَ لَيْسَ إِلَّا هَذَا فَقَالَ لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا أَن تداخلك جبرية فَأَما فِي الْحق فَلَيْسَ إِلَّا هَذَا فَالْتَفت إِلَى خَالِد بن الريان وَهُوَ قَائِم على رَأسه ثمَّ قَامَ وَهُوَ غَضْبَان فَقَالَ خَالِد وَالله يَا عمر لقد نظر إِلَيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ نظرةَ كنت أَظن أَنه يَأْمُرنِي بِضَرْب عُنُقك قَالَ لَو أَمرك أَكنت تفعل فَقَالَ إِي وَالله قَالَ أما إِنَّه كَانَ يكون شرا لَكمَا وخيرَاً لي ثمَّ سكت عمر عَنهُ وَبَقِي ذَلِك فِي قلبه وَلما قَامَ الْوَلِيد من مَجْلِسه دخل على زَوجته أم الْبَنِينَ بنت عبد الْعَزِيز أُخْت عمر فَقَالَ لَهَا أَخُوك الحروريُّ وَالله لأقتلنه فَمَكثَ عمر أَيَّامًا فِي منزله لَا يحضُرُ الْبَاب وَلَا يلْتَمس المعذرة فَأَتَاهُ رَسُول الْوَلِيد وَقت القائلة فَدَعَاهُ فَلَمَّا دخل بَاب الْقصر عدل بِهِ إِلَى بَيت فَأدْخل فِيهِ وطين عَلَيْهِ الْبَاب فَرجع صَاحب دَابَّته إِلَى أَهله فَأخْبرهُم فَأخْبرُوا أُخْته فبحثت عَن خَبره فعلمته فَدخلت على الْوَلِيد وَنَاشَدْته الرَّحِم وَقبلت يَده فَقَالَ قد وهبته لَك إِن أَدْرَكته حَياً قَالَ ففتحوا عَنهُ الْبَاب فوجدوه قد انثنى عُنُقه فَحَمَلُوهُ إِلَى منزله وعالجوه فَلَمَّا توفّي الْوَلِيد وَكَانَ سُلَيْمَان بعده فَهَلَك وَتَوَلَّى عمر الْخلَافَة جَاءَ خَالِد بن الريان فِي الْيَوْم الَّذِي اسْتخْلف فِيهِ عمر متقلدَاً سَيْفه يُرِيد الْوُقُوف على رَأسه فَقَالَ عمر يَا خَالِد انْطلق بسيفك هَذَا فضعه فِي بَيْتك واقعد فِيهِ لَا حَاجَة لنا فِيك أَنْت رجل إِذا أُمِرْتَ بِشَيْء فعلته لَا تنظر لدينك فَلَمَّا ولي خَالِد ذَاهِبًا نظر عمر إِلَى قَفاهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ يَا رب إِنِّي قد وَضعته لَك فَلَا ترفعه أبدا فَمَا لبث إِلَّا جُمُعَة حَتَّى ضربه الفالج فَقتله انْتهى قَالَ عبد الله بن صَالح حَدثنِي اللَّيْث قَالَ لما ولي عمر بَدَأَ بلحمته وَأهل بَيته وَأخذ مَا بِأَيْدِيهِم وسمى أَمْوَالهم مظالم فَفَزِعت بَنو أُميَّة إِلَى عمته فَاطِمَة بنت مَرْوَان فَأَتَتْهُ لَيْلًا فأنزلها عَن دابتها فَلَمَّا أخذت مجلسها قَالَ يَا عمَّة أَنْت أولى بالْكلَام فتكلَمي قَالَت تكلم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ إِن الله بعث نبيه رَحْمَة للْأمة ثمَّ اخْتَار لَهُ مَا عِنْده فَقَبضهُ الله وَترك لَهُم نَهرا شربهم سَوَاء ثمَّ قَامَ أَبُو بكر فَترك النَّهر على حَاله ثمَّ ولي عمر فَعمل عمل صَاحبه وَلم يزل النَّهر يشق مِنْهُ يزِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 ومروان وَعبد الْملك والوليد وَسليمَان حَتَّى أفضَى الْأَمر إِلَيّ وَقد يبس النَّهر الْأَعْظَم وَلنْ يرْوى أَصْحَاب النَّهر الْأَعْظَم حَتَّى يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَت حَسبك قد أردْت كلامك ومذاكرتك فَأَما إِذا كَانَت مَقَالَتك هَذِه فلست بذاكرة لَك شَيْئا فَرَجَعت إِلَيْهِم فأبلغتهم كَلَامه وَعَن مُحَمَّد الْمروزِي قَالَ أخْبرت أَن عمر بن عبد الْعَزِيز لما ولي الْخلَافَة جَاءَ صَاحب الشرطة ليسير بَين يَده بالحربة جَريا على عَادَة الْخُلَفَاء قبله فَقَالَ لَهُ عمر تنحَّ عني مَالِي وَلَك إِنَّمَا أَنا رجل من الْمُسلمين ثمَّ سَار مختلطاً بِالنَّاسِ حَتَّى دخل الْمَسْجِد فَصَعدَ الْمِنْبَر وَاجْتمعَ النَّاس إِلَيْهِ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر النَّبِي ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي ابْتليت بِهَذَا الْأَمر من غير رأيٍ مني فِيهِ وَلَا طلبٍ وَلَا مشورةِ وَإِنِّي قد حللت مَا فِي أَعْنَاقكُم من بيعتي فَاخْتَارُوا لأنفسكم غَيْرِي فصاح الْمُسلمُونَ صَيْحَة وَاحِدَة قد اخترناك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ورضينا بك أميرنا بِالْيمن وَالْبركَة فَلَمَّا سكتوا حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على النَّبِي ثمَّ قَالَ أوصيكم بتقوى الله فَإِن تقواه خلف من كل شَيْء وَلَيْسَ من تقوى الله خلف وتعجلوا لآخرتكم فَإِن من عجل لآَخرته كَفاهُ الله أَمر دُنْيَاهُ وآخرته وَأَصْلحُوا سرائركم يصلح الله علانيتكم وَأَكْثرُوا ذكر الْمَوْت وأحسنوا لَهُ الاستعداد قبل أَن ينزل فَإِنَّهُ هَادِم اللَّذَّات وَإِنِّي وَالله لَا أعطي أحد بَاطِلا وَلَا أمنع أحدا حَقًا ثمَّ رفع صَوته فَقَالَ أَيهَا النَّاس من أطَاع اللِّه وَجَبت طَاعَته وَمن عصى الله فَلَا طَاعَة لَهُ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت الله فَإِن عصيته فَلَا طَاعَة لي عَلَيْكُم ثمَّ نزل وَدخل دَار الْخلَافَة فَأمر بالستور فهتكت وبالبسط فَرفعت وَأمر بِبيع ذَلِك وَإِدْخَال أثمانها فِي بَيت مَال الْمُسلمين ثمَّ ذهب يتبوأ مقيلا فَأَتَاهُ ابْنه عبد الْملك فَقَالَ لَهُ مَا تُرِيدُ أَن تصنع يَا أَبَت فَقَالَ أَي بني أقيل فَقَالَ أتقيل وَلَا ترد الْمَظَالِم إِلَى أَهلهَا قَالَ أَي بني إِنِّي سهرت البارحة ف أَمر عمك سُلَيْمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 فَإِذا صليت الظّهْر رددت الْمَظَالِم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من أَيْن لَك أَن تعيش إِلَى الظّهْر فَقَالَ ادن مني فَدَنَا مِنْهُ فَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أخرج من ظَهْري من يُعِيننِي على ديني فَخرج وَلم يقل فَأمر منادياً أَن يُنَادي أَلا من كَانَت لَهُ مظْلمَة فليرفعها فَتقدم إِلَيْهِ ذمِّي من أهل حمص فَقَالَ أَسأَلك كتاب الله قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ إِن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد اغتصبني أرضي وَالْعَبَّاس جَالس فَقَالَ عمر مَا تَقول يَا عَبَّاس قَالَ إِن الْوَلِيد أقطعني إِيَّاهَا هَذَا كِتَابه فَقَالَ عمر مَا تَقول يَا ذمِّي قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَسأَلك كتاب الله فَقَالَ عمر كتاب الله أَحَق أَن يتبع من كتاب الْوَلِيد ارْدُدْ عَلَيْهِ أرضه يَا عَبَّاس فَردهَا عَلَيْهِ ثمَّ جعل لَا يدع شَيْئا مِمَّا كَانَ فِي يَد أهل بَيته من الْمَظَالِم إِلَّا رَدَها مظْلمَة مظْلمَة فَلَمَّا بلغ الْخَوَارِج سيرة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمَا رد من الْمَظَالِم اجْتَمعُوا وَقَالُوا مَا يَنْبَغِي لنا أَن نُقَاتِل هَذَا الرجل وَلما بلغ عمر بن الْوَلِيد رد الضَّيْعَة على الذِّمِّيّ كتب إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز كتابا فِيهِ إِنَّك قد أزريت على من كَانَ قبلك من الْخُلَفَاء وعبت عَلَيْهِم فعلهم وسرت بِغَيْر سيرتهم بغضاً لَهُم وشيناً لمن بعدهمْ من أَوْلَادهم قطعت مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل إِذْ عَمَدت إِلَى أَمْوَال قُرَيْش ومواريثهم وأدخلتها بَيت المَال جوراً وعدواناً وَلنْ تتْرك على هَذَا الْحَال وَالسَّلَام فَلَمَّا قَرَأَ عمر بن عبد الْعَزِيز كتاب عمر بن الْوَلِيد كتب إِلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عمر بن الْوَلِيد السَّلَام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين أما بعد فقد بَلغنِي كتابك أما أول شَأْنك يَا ابْن الْوَلِيد فأمك بنانة أمة السّكُون كَانَت تَطوف فِي سوق حمص وَتدْخل فِي حوانيتها ثمَّ الله أعلم بهَا ثمَّ اشْتَرَاهَا ذبيان من بَيت مَال الْمُسلمين فأهداها لأَبِيك فَحملت بك فبئس الْمَوْلُود أَنْت ثمَّ نشأت فَكنت جباراً عنيداً تزْعم أَنِّي من الظَّالِمين إِذْ حرمتك وَأهل بَيْتك مَال الله الَّذِي فِيهِ حق الْقَرَابَة وَالْمَسَاكِين والأرامل وَإِن أَظْلَمَ مني وأترك لعهد الله مَن استعملك صَبيا سَفِيها على جند الْمُسلمين تحكم فيهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 بِرَأْيِك وَلم يكن لَهُ فِي ذَلِك نِيَّة إِلَّا حب الْوَالِد لوَلَده فويل لأَبِيك مَا أَكثر خصماءه يَوْم الْقِيَامَة وَإِن أظلم مني وأترك لعهد الله من اسْتعْمل الْحجَّاج يسفك الدِّمَاء وَيَأْخُذ المَال الْحَرَام وَإِن أظلم مني وأترك لعهد الله من اسْتعْمل أعرابيُّاً جَافيا على مصر وَأذن لَهُ فِي المعازف وآلات اللَّهْو وَالشرب وَإِن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لغالية البربرية فِي خُمْس الْعَرَب نَصِيبا فرويدا يَابْنَ بنانة فَلَو الْتَقت حلقتا البطان ورد الفئ إِلَى أَهله لتفرغتُ لَك وَلأَهل بَيْتك فوضعتهم فِي المحجبة الْبَيْضَاء فطالما تركْتُم الْحق وأخذتم فِي الْبَاطِل وَمن وَرَاء ذَلِك مَا أَرْجُو أَن أكون رائيه من بيع رقبتك وَقسم ثمنك بَين الْيَتَامَى والأرامل فَإِن لكل فِيك حَقًا وَالسَّلَام على من اتبع الْهدى وَلَا ينَال سلامُ الله الْقَوْم الظَّالِمين وَفِي الذَّهَبِيّ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى سَالم بن عبد الله بن عمر يكْتب إِلَيْهِ بسيرة عمر بن الْخطاب فِي الصَّدقَات فَكتب إِلَيْهِ بِالَّذِي سَأَلَ وَكتب إِلَيْهِ إِنَّك إِن عملت بِمثل عمل عمر فِي زَمَانه وَرِجَاله فِي مثل زَمَانك ورجالك كنت عِنْد الله خيرا من عمر وَعَن مَيْمُون بن مهْرَان سَمِعت عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول لَو أَقمت فِيكُم خمسين عامَاً مَا استكملت الْعدْل فِيكُم إِنِّي لأريد الْأَمر فَأَخَاف أَلا تحمله قُلُوبكُمْ فَأخْرج مِنْهُ طَمَعا من طمع الدُّنْيَا فَإِن أنْكرت قُلُوبكُمْ هَذَا سكنت إِلَى هَذَا وَعَن سعيد بن عَامر حَدثنَا جوَيْرِية قَالَ دَخَلنَا على فَاطِمَة بنت عَليّ بن أبي طَالب فأثنت على عمر بن عبد الْعَزِيز خيرا وَقَالَت لَو كَانَ بَقِي لنا مَا احتجنا بَعْدُ إِلَى أحد وَعَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ حَدَّثتنِي فَاطِمَة امْرَأَة عمر بن عبد الْعَزِيز أَنَّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ جَالس فِي مُصَلَّاهُ تسيلُ دُمُوعه على لحيته فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَشَيْء حدث قَالَ يَا فَاطِمَة إِنِّي تقلدت من أَمر أمة مُحَمَّد أسودها وأحمرها فتفكرت فِي الْفَقِير الجائع وَالْمَرِيض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب الْأَسير وَالشَّيْخ الْكَبِير وَذي الْعِيَال الْكثير وَالْمَال الْقَلِيل وأشباههم فِي أقطار الأَرْض وَسَائِر الْبِلَاد فَعلمت أَن رَبِّي سائلي عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة فَخَشِيت أَلا تثبت لي حجَّة فَبَكَيْت وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ جالسَاً فِي بَيته وَعِنْده أَشْرَاف بني أُميَّة فَقَالَ تحبون أَن أولي كل رجل مِنْكُم جنداً فَقَالَ رجل مِنْهُم لم تعرض علينا مَا لَا تَفْعَلهُ فَقَالَ ترَوْنَ بساطي هَذَا إِنِّي لأعْلم أَنه سيصير إِلَى بلَاء وفناء وَإِنِّي أكره أَن تدنسوه بأرجلكم فَكيف أوليكم ديني وأوليكم أَعْرَاض الْمُسلمين وأسارهم هَيْهَات فَقَالُوا أما لنا قرَابَة أما لنا حق قَالَ مَا أَنْتُم وأقصى رجل من الْمُسلمين فِي هَذَا الْأَمر عِنْدِي إِلَّا سَوَاء إِلَّا رجل من الْمُسلمين حَبسه عني طول شقته حَدثنَا مُعَاوِيَة بن صَالح الْحِمصِي حَدثنِي سعيد بن سُوَيْد أَن عمر بن عبد الْعَزِيز صلى بهم الْجُمُعَة ثمَّ جلس وَعَلِيهِ قَمِيص مرقوم الجيب من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه فَقَالَ لَهُ رجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله قد أَعْطَاك فَلَو لبست فَنَكس رَأسه مَلِيًّا ثمَّ رَفعه فَقَالَ أفضل الْقَصْد عِنْد الْجدّة وَأفضل الْعَفو عِنْد الْمقدرَة وَحدث إِبْرَاهِيم بن هِشَام عَن أَبِيه عَن جده عَن مسلمة بن عبد الْملك قَالَ دخلت على عمر بن عبد الْعَزِيز فَإِذا عَلَيْهِ قَمِيص وسخ فَقلت لزوجته وَهِي أُخْتِي فَاطِمَة بنت عبد الْملك اغسلوا قَمِيص أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَت نَفْعل ثمَّ عدت فَإِذا بالقميص على حَاله فَقلت لَهَا فَقَالَت وَالله مَا لَهُ قَمِيص غَيره رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 وَعَن إسماعل بن عَاشَ عَن عمر بن مهَاجر كَانَت نَفَقَة عمر بن عبد الْعَزِيز يَوْم دِرْهَمَيْنِ وَعَن عون بن الْمُعْتَمِر قَالَ دخل عمر بن عبد الْعَزِيز على زَوجته ذاتَ يومٍ فَقَالَ عنْدك دِرْهَم نشتري بِهِ عنبا قَالَت لَا أَنْت أَمر الْمُؤمنِينَ لَا تقدر على دِرْهَم قَالَ هَذَا أَهْون عَليّ من معالجة الأغلال فِي جَهَنَّم قَالَ يحيى بن معِين كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يلبس الفروة الكبل وَكَانَ سراج بَيته على ثَلَاث قصبات فوقهن طين وَكَانَ يسرج عَلَيْهِ الشمعة مَا كَانَ فِي حوائج الْمُسلمين فَإِذا فرغ من حوائجهم أطفأها ثمَّ أَسْرج عَلَيْهِ سراجه وَعَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ قَالَ لي رَجَاء بن حَيْوَة مَا أكمل مُرُوءَة أَبِيك عمر سمرت عِنْده لَيْلَة فعشى السراج فَقَالَ لي أما ترى السراج قد عشى قلت بلَى قَالَ وَإِلَى جَانِبه وصيف رَاقِد قلت أَلا أنبهه قَالَ لَا قلت أَفلا أقوم قَالَ لَيْسَ من مُرُوءَة الرجل استخدامه ضَيفه فَقَامَ إِلَى بطة الزَّيْت وَأصْلح السراج ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ قُمْت وَأَنا عمر بن عبد الْعَزِيز وَرجعت وَأَنا عمر بن عبد الْعَزِيز وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَت لي فَاطِمَة زَوْجَة عمر كَانَ عمر إِذا صلى الْعشَاء قعد فِي مَسْجده ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَلم يزل يبكي حَتَّى تغلبه عَيناهُ ثمَّ ينتبه فَلَا يزَال يَدْعُو ربه رَافعا يَدَيْهِ يبكي حَتَّى تغلبة عَيناهُ يفعل ذَلِك ليله أجمع وَعَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ قَالَ لي عمر حَدثنِي فحدثه حَدِيثا فَبكى مِنْهُ بكاء شَدِيدا فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو علمتُ لحدثتك حديثَاً أَلين مِنْهُ قَالَ يَا مَيْمُون إِنَّا نَأْكُل هَذِه الشَّجَرَة العدس وَهِي مَا علمت مرقه للقلب مغزرة للدمعة مذلة للجسد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 قلت صدق رَضِي الله عَنهُ فَإِن من خَواص العدس مَا ذكره وَالسَّبَب الْخَفي فِي ذَلِك الْبكاء إِنَّمَا هُوَ رقة فِي قلبه من خوف الله تَعَالَى وخشيته لكنه وجد سَبِيلا إِلَى إِسْنَاده إِلَى العدس لما قيل إِن فِيهِ خاصية ذَلِك كَأَنَّهُ قصد الْبعد عَن مظان الرِّيَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ مُجَاهِد قَالَ لي عمر بن عبد الْعَزِيز مَا تَقول النَّاس فِي قلت يَقُولُونَ مسحور قَالَ مَا أَنا بمسحور وَالله وَلَكِنِّي بخوف رَبِّي مسحور قَالَ وَكَانَت بَنو أُميَّة قد تبرمَتْ بعمر لكَونه شدَد عَلَيْهِم وانتزع كثيرا مِمَّا فِي أَيْديهم مِمَّا غصبوه وَكَانَ قد أهمل التَّحَرُّز فدسوا لَهُ غُلَاما سقَاهُ السمَّ ثمَّ دَعَا الْغُلَام وَقَالَ وَيحك مَا حملك على أَن تسقيني السم قَالَ ألف دِينَار أُعْطيتها وعَلى أَن أعتق قَالَ عمر هَاتِهَا فألقاها فِي بَيت مَال الْمُسلمين وَقَالَ اذْهَبْ حَيْثُ لَا يراك أحد وروى أَنه وَقع غلاء عَظِيم فِي زَمَنه فَقدم عَلَيْهِ وَفد من الْعَرَب فَاخْتَارُوا رجلا مِنْهُم لخطابه فَتقدم إِلَيْهِ وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّا قد وفدنا إِلَيْك من ضَرُورَة عَظِيمَة وحقنا فِي بَيت المَال وَمَاله لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون لله أَو لعباد الله أَو لَك فَإِن كَانَ لله فَإِن الله غَنِي عَنهُ وَإِن كَانَ لعباد الله فأَتهم إِيَّاه وَإِن كَانَ لَك فَتصدق علينا إِن الله يحب المتصدقين فاغرورقت عينا عمر بالدموع وَقَالَ هُوَ كَمَا ذكرت وَأمر بحوائجهم فَقضيت فهم الْأَعرَابِي بالانصراف فَقَالَ لَهُ عمر أَيهَا الرجل كَمَا أوصلت حوائج عباد الله إليَ فأوصل حَاجَتي وارفع فَاقَتِي إِلَى الله عز وَجل فَقَالَ الْأَعرَابِي اللَّهُمَّ اصْنَع بعمر بن عبد الْعَزِيز كصنعه فِي عِبَادك فَمَا استتم كَلَامه حَتَّى ارْتَفع غيم عَظِيم وهطلت السَّمَاء فجَاء فِي الْمَطَر بردة فَوَقَعت على حجر فَانْكَسَرت فَخرج مِنْهُ كاغد مَكْتُوب فِيهِ هَذِه بَرَاءَة من الله الْعَزِيز الْجَبَّار لعمر بن عبد الْعَزِيز من النَّار وَقَالَ رَجَاء بن حَيْوَة كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز من أعظم النَّاس وألينهم وأعلمهم وأجملهم فِي مشيته ولبسه وَلما اسْتخْلف قومَت ثِيَابه وعمامته وقميصه وقباؤه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 وخُفاه وَرِدَاؤُهُ فَإِذا هن يعدلنَ اثنَي عشر درهما وَعَن زَوجته فَاطِمَة أَنَّهَا قَالَت مَا اغْتسل وَالله عمر من جَنَابَة مُنْذُ ولي هَذَا الْأَمر كَانَ نَهَاره فِي أشغال الْمُسلمين ورد الْمَظَالِم وليله فِي عبَادَة ربه قَالَ الْحَافِظ كَانَ لعمر بن عبد الْعَزِيز رأفة بالخلق عَامَّة وبأولاد النَّبِي خَاصَّة من ذَلِك قصَّة زيد بن الْحسن السبط رَضِي الله عَنْهُمَا وَذَلِكَ أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب فِي حَقه حِين كَانَ والياً على الْمَدِينَة الشَّرِيفَة من قبل الْوَلِيد إِلَى الْوَلِيد أما بعد فَإِن زيد بن الْحسن شرِيف بني هَاشم فأدوا إِلَيْهِ صدقَات رَسُول الله وأعنه يَا هَذَا على مَا استعانك عَلَيْهِ فَأمر لَهُ بذلك قَالَ عبد الله بن وهب حَدثنِي يَعْقُوب قَالَ بَلغنِي أَن الْوَلِيد كتب إِلَى زيد بن الْحسن يسْأَله أَن يُبَايع لِابْنِهِ ويخلع سُلَيْمَان بن عبد الْملك من ولَايَة الْعَهْد الَّذِي عَهده لَهُ أَبوهُ عبد الْملك إِلَى الْوَلِيد فَفرق زيد وَأجَاب الْوَلِيد فَلَمَّا اسْتخْلف سُلَيْمَان وَجدَ كتاب زيد بذلك إِلَى الْوَلِيد فَكتب إِلَى أبي بكر بن حزم أميره ادْع زيدا فاقرأ عَلَيْهِ كِتَابه فَإِن عرفه فَاكْتُبْ إِلَيّ وَإِن أنكرهُ فحلفه قَالَ فخاف الله واعترف بذلك وَأَشَارَ عَلَيْهِ الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله بن عمر فَكتب بذلك ابْن حزم إِلَى سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَكَانَ جَوَاب سُلَيْمَان أَن اضربه مائَة سَوط وَدِرْعه عباءة ومشه حافيَاً قَالَ فحبس عمر بن عبد الْعَزِيز الرَّسُول فِي عَسْكَر سُلَيْمَان وَقَالَ حَتَّى أكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا كتب بِهِ وَمرض سُلَيْمَان فَمَاتَ فَحرق عمر بن عبد الْعَزِيز الْكتاب جزاه الله تَعَالَى فِي فعله أفضل الْجَزَاء وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَو كنت فِي قتلة الْحُسَيْن وَأمرت أَن أَدخل الْجنَّة مَا فعلتُ حَيَاء أَن تقع عَليّ عين رَسُول الله وأتى الْوَلِيد بن عبد الْملك بِرَجُل من الْخَوَارِج فَقَالَ مَا تَقول فِي الْحجَّاج قَالَ مَا عساي أَن أَقُول فِي الْحجَّاج وَهل الْحجَّاج إِلَّا خَطِيئَة من خطاياك وَأَبِيك وشَرَر من نارك وناره فلعنة الله عَلَيْك وعَلى الْحجَّاج مَعَك وَأَقْبل يشتمهما فَالْتَفت الْوَلِيد إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ مَا تَقول فِي هَذَا قَالَ عمر مَا أَقُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 فِي هَذَا هَذَا رجل يشتمكم فإمَّا أَن تشتموه كَمَا يشتمكم أَو تعفون فَغَضب الْوَلِيد وَقَالَ مَا أَظُنك إِلَّا خارجياً فَغَضب عمر وَقَالَ مَا أَظُنك إِلَّا مجنونَاً وَقَامَ وَخرج مغضباً ولحقه خَالِد بن الريان فَقَالَ لَهُ مَا حملك على مَا أجبْت بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله لقد ضربْتُ يَدي على قَائِم سَيفي أنتظره مَتى يَأْمُرنِي بِضَرْب عُنُقك فَقَالَ لَهُ عمر وكنتَ فاعلاَ لَو أَمرك قَالَ نعم فَلَمَّا اسْتخْلف عمر بن عبد الْعَزِيز جَاءَ خَالِد بن الريان فَقَامَ على رَأسه كَمَا كَانَ يقوم على رَأس من كَانَ قبله من الْخُلَفَاء وَكَانَ رجل من الْكتاب يضر وينفع بقلمه فجَاء حَتَّى جلس مَجْلِسه الَّذِي يجلس فِيهِ بَين يَدي الْخَلِيفَة فَنظر عمر إِلَى خَالِد بن الريان فَقَالَ لَهُ يَا خَالِد ضع سَيْفك فَإنَّك تطيعنا فِي كل مَا أمرناك بِهِ وضع أَنْت يَا هَذَا قلمك فقد كنت تضر وَتَنْفَع وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قد وضعتهما فَلَا ترفعهما قَالَ فوَاللَّه مَا زَالا وضيعين بشر حَتَّى مَاتَا قلت قد تقدّمت هَذِه الرِّوَايَة على نوع مُخَالفَة لما هُنَا وروى أَنه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صعد الْمِنْبَر ذَات يَوْم بِمَكَّة فَقَالَ أَيهَا النَّاس من كَانَت لَهُ ظلامة فليتقدم فتقَدم عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ كرم الله وَجهه فَقَالَ إِن لي ظلامة عنْدك فَقَالَ وَمَا ظلامتك فَقَالَ مقامك هَذَا الَّذِي أَنْت فِيهِ فَقَالَ إِنِّي لأعْلم ذَلِك وَلَكِن لَو علمت أَن النَّاس يتركونه لَك وَالله لتركته وروى عَن الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر قَالَ كَانَ العَبْد الصَّالح أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْعَزِيز يهدي إِلَيْنَا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فِي زقاق الْعَسَل خوفًا من أهل بَيته قَالَ الْكَلْبِيّ لما أفضت الْخلَافَة إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز وقدمت عَلَيْهِ الشُّعَرَاء كَمَا كَانَت تقدم على الْخُلَفَاء فأقاموا بِبَابِهِ أيامَاً لم يُؤذن لَهُم فِي الدُّخُول حَتَّى قدم عدي بن أَرْطَاة وَكَانَت لَهُ مِنْهُ مكانة فتعرض لَهُ جرير وَسَأَلَهُ أَن يسْتَأْذن لَهُم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الشُّعَرَاء ببابك لَهُم أَيَّام لَا يُؤذن لَهُم وأقوالهم نَافِذَة وسهامهم مَسْمُومَة فَقَالَ عمر يَا عدي مَالِي وللشعراء فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن النَّبِي مُدِحَ وأعطَى وَفِيه أُسْوَة لكل مُسلم فَقَالَ وَمن مدحه قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ فَكَسَاهُ حلَّة وَقَالَ يَا بِلَال اقْطَعْ لِسَانه عني قَالَ أتروي قَوْله قَالَ نعم قَالَ عمر قل فَأَنْشد من // (الطَّوِيل) // (رَأَيْتُكَ يَا خَيْرَ البريةِ كلِّهَا ... بخيرِ كتابٍ جئْتَ بالحَقِّ مُعْلِمَا) (وقَرَّرْتَ بالإسلامِ أمرا مدمَّسًا ... وأطفَأْتَ بالبرهانِ جمراً مُضَرَّمَا) (فَمَنْ مُبْلِغٌ عني الرسُولَ محمَّدًا ... فكُلُّ امرئٍ يُجْزَى بِمَا قد تَكَلَّما) (أَقمت سبِيلَ الحَقِّ بعد اعوجاجِهِ ... وَكَانَ قَدِيما وَجْهُهُ قد تَجَهَّمَا) (تعالَى عُلوًّا فَوق عَرْشِ إلهنا ... وَكَانَ جَلاَلُ الله أعْلَى وأعظَمَا) قَالَ عمر فَمن بِالْبَابِ من الشُّعَرَاء قَالَ عدي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن أبي ربيعَة الْقرشِي المَخْزُومِي فَقَالَ لَا قرَبه الله وَلَا حَيَّاهُ أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل من // (الطَّوِيل) //) أَلاَ لَيْتَ أَنِّي حينَ تدنُو منيتِي ... شمَمْتُ الَّذِي مَا بَين عينيكِ والفَمِ) (وباتَتْ سُلَيْمَى فِي المنامِ ضجيعَتِي ... هُنَالِكَ أَو فِي جَنَّةٍ أَو جَهَنَّمِ) فليته عَدو الله تمناها فِي الدُّنْيَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْعَمَل الصَّالح وَالله لَا يدْخل عَليّ فَمن بِالْبَابِ غَيره فَقَالَ كثير عزة قَالَ أَو لَيْسَ هُوَ الْقَائِل من // (الْكَامِل) // (رُهْبَانُ مَدْيَنَ وَالَّذين عَهِدتُّهُمْ ... يَبْكُونَ من حَرِّ العذابِ قُعُودا) (لَو يسمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ كلامَهَا ... خَرُّوا لعزَّةَ رُكَّعًا وسُجُودا) عَد عَن ذكره من بِالْبَابِ غَيره قَالَ الْأَحْوَص الْأنْصَارِيّ قَالَ أبعده الله وأسحقه أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل وَقد أفسد على رجل جَارِيَته حَتَّى أَبَقَتْ من سَيِّدهَا من // (المنسرح) // (أللَّهُ بَيْنِي وَبَين سَيِّدِهَا ... يَفِرُّ مِنِّي بِهَا وَأَتْبَعُهُ) لَا يدْخل عَليّ من بِالْبَابِ غَيره قَالَ الفرزدق همام بن غَالب التَّمِيمِي قَالَ أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل يفتخر بالزنى من // (الطَّوِيل) // (هُمَا دَلَّيَانِي مِنْ ثمانينَ قَامَةً ... كَمَا انْقَضَّ بازٍ أَقْتَمُ الريشِ كاسِرُهْ) (فَلَمَّا استَوَتْ رِجلاَيَ فِي الأرْضِ قَالَتَا ... أَحَيٌّ يُرَجَّى أم قتيلٌ نُحَاذِرُه) لَا يدْخل عَليّ من بِالْبَابِ غَيره قَالَ عدي الأخطل التغلبي قَالَ هُوَ الْكَافِر وَالْقَائِل من // (الوافر) // (وَلَسْتُ بصائمٍ رمَضَانَ عمري ... ولَسْتُ بآكِل لَحْمَ الْأَضَاحِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 (ولستُ بزَاجِرٍ جَمَلاً بكوراً ... إلَى بطحاءِ مكَّةَ للنجاحِ) (ولَسْتُ بِقائِم كَالْعَيْرِ يَدْعُوِ ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ حَيَّ علَى الفَلاحٍ) (ولكنِّي سأشْرَبُهَا شمولاَ ... وأسجُدُ عِنْد مبتلجِ الصباحِ) وَالله لَا وطئ لي بساطا من الْبَاب غَيره قَالَ عدي جرير بن عَطِيَّة الخطفي قَالَ هُوَ الْقَائِل من // (الْكَامِل) //) لَوْلَا مراقبةُ العيونِ أَرَيْنَناَ ... حِدَقَ المَهَا وَسَوالِفَ الآرامِ) (طرَقَتْكَ صائدَةُ القلوبِ ولَيْسَ ذَا ... وَقْتُ الزِّيَارَة فارْجِعِي بسَلامِ) فَإِن كَانَ وَلَا بُد فائذن لجرير فَخرج عدي فَأذن لَهُ فَدخل وَهُوَ يَقُول من // (الْكَامِل) // (وَسِعَ الخلائِقَ عَدْلُهُ ووقارُهُ ... حتَّى ارعَوَى وأقامَ ميْلَ المائِلِ) (إِنِّي لَأَرْجُو مِنْكَ خَيْرًا عَاجلا ... فالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بحُبِّ العاجِلِ) فَلَمَّا حضر بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ اتَّقِ الله وَلَا تقل إِلَّا حَقًا فَقَالَ من // (الْبَسِيط) // (كَمْ بِالْيَمَامَةِ مِنْ شعثاءَ أرملةٍ ... ومِنْ ضعبفٍ سقيمِ الصوتِ والنَّظَرِ) (مِمَّنْ يَعُدُّكَ تَكْفِي فَقْدَ والدِهِ ... كالفَرْخِ فِي العُشِّ لم يدرُجْ وَلم يَطِرِ) (إِنَّا لنَرْجُو إِذا مَا الغيْثُ أخلَفَنَا ... مِنَ الخليفةِ مَا نَرْجُو من المَطَرِ) (نَالَ الخلافَةَ إذْ كانَتْ لَهُ قَدَرُا ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ موسَى على قَدَرِ) (هذي الأرامِلُ قد قَضَّيْتَ حَاجَتهَا ... فَمَنْ لحاجةِ هَذَا الأَرْمَلِ الذَّكَرِ) وَهِي طَوِيلَة فَقَالَ وَالله يَا جرير مَا ملك عمر سوى مائَة دِرْهَم يَا غُلَام ادفعها لَهُ وَدفع لَهُ حلي سَيْفه فَخرج جرير إِلَى الشُّعَرَاء فَقَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ مَا يسوءكم رجل يُعْطي الْفُقَرَاء وَيمْنَع الشُّعَرَاء وَأَنا عَنهُ رَاض وَأَنْشَأَ يَقُول من // (الطَّوِيل) // (رَأَيْتُ رُقَى الشيْطَانِ لَا تستفزُّهُ ... وَقد كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الجِن رَاقيا) وَفِي الطبقاتِ لِابْنِ سعد عَن عمر بن قيس لما ولى عمر بن عبد الْعَزِيز الْخلَافَة سمع صَوت لَا نَدْرِي قَائِله يَقُول من // (الطَّوِيل) // (مِنَ الآنَ قَدْ طَابَتْ وَقَرَّ قرارُاهَا ... عَلَى عُمَرَ المَهْدِيَّ قَامَ عَمُودُهَا) وَكَانَ عمر عفيفاً زاهداً ناسكاً عابداً مُؤمنا ورعاً تقياً صادقَاً وَهُوَ أول من اتخذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 دَار المضيف من الْخُلَفَاء وَأول من فرض لأبناء السَّبِيل وأزال مَا كَانَ بَنو أُميَّة تذكر بِهِ عليا على المنابر وَكتب إِلَى الْآفَاق بِتَرْكِهِ وَجعل مَكَان ذَلِك {إِنَّ اَللَهَ يأمُرُ بِالعَدلِ وَاَلإحساَنِ} الْآيَة النَّحْل 90 فامتدحه الشُّعَرَاء بذلك من // (الطَّوِيل) // (ولِيتَ فَلَمْ تَشْتُمْ عليا وَلم تُخِفْ ... بَريًّا وَلم تتبعْ سجيَّةَ مُجْرِمِ) (وقُلْتَ فَصَدَّقْتَ الَّذِي قُلْتَ بِالَّذِي ... فعَلْتَ وأضحَى رَاضِيا كُلُّ مسلِمِ) (فَمَا بَين شرقِ الأرضِ والغَرْبِ كلِّها ... منادٍ يُنَادي مِنْ فصيحٍ وأعجمٍ) (يقولُ أَمِير المؤمنينَ ظَلَمْتَنِي ... بِأَخْذِكَ ديناري وَلَا أَخْذِ درهمِي) (فَأَرْبِحْ بهَا مِنْ صفقةٍ لمبايعٍ ... وأكْرِمْ بهَا مِنْ بَيْعَةٍ ثمَّ ألأَكْرِمِ) وَكتب إِلَى عماله أَلا يُقيد مسجون بِقَيْد فَإِنَّهُ يمْنَع من الصَّلَاة وَكتب أَيْضا إِلَى عماله إِذا دعتكم قدرتكم إِلَى ظلم النَّاس فاذكروا قدرَة الله عَلَيْكُم ونفاد مَا تأتون إِلَيْهِم وَبَقَاء مَا يَأْتِي إِلَيْكُم من الْعَذَاب بِسَبَبِهِمْ ومزاياه كَثِيرَة وَمن أرادها فَعَلَيهِ بالحلية وَغَيرهَا مِمَّا أفرد لذَلِك وَكَانَ مَرضه بدير سمْعَان بحمص وَلما احْتضرَ قَالَ إلهي أَنا الَّذِي أَمرتنِي فقصرت ونهيتني فعصيت وَلَكِن لَا إِلَه إِلَّا الله فَتوفي من لخمس مضين من شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَمِائَة وَهُوَ ابْن تسع وَثَلَاثِينَ سنة وَأشهر وَقيل أَرْبَعِينَ مدَّته سنتَانِ وَخَمْسَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يومَاً رَحمَه الله وَرَضي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَمِمَّا رثي بِهِ رَحمَه الله قَول الشريف الرضي الموسوي نقيب الْأَشْرَاف بِبَغْدَاد أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى ين جَعْفَر بن مُحَمَّد بِمن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنهم قَوْله فِيهِ وَقد جرى ذكر عمر بن عبد الْعَزِيز وَمَا تفرد بِهِ عَن أهل بَيته من الصّلاح وَالْعدْل وَجَمِيل السِّيرَة وَمَا كَانَ مِنْهُ من قطع سبّ عَليّ على المنابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه إِذْ عمر بن عبد الْعَزِيز توفّي بعد تَمام الْمِائَة الأولى بِسنة والشريف الرضي توفّي أَوَاخِر الْقرن الرَّابِع أَو أول الْخَامِس فَلم يدْرك وَفَاته وَإِنَّمَا قَالَ هَذِه القصيدة لما جرى ذكره بِمَا ذكر فَقَالَ من // (الْخَفِيف) //) يَا بْنَ عَبْدِ العزيزِ لَوْ بَكتِ العَيْنُ ... فَتًى مِنْ أُمَيَّةٍ لبَكَيْتُكْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 (غَيْرَ أنِّي أَقُولُ إِنَّكَ قد طِبْتَ ... وَإِنْ لم يَطِبْ وَلم يَزْكُ بَيْتُكْ) (أَنْتَ نَزَّهْتَنَا عَنِ السَّبِّ والقَذْفِ ... فَلَو أَمْكَنَ الجَزَا لَجَزيْتُكْ) (وَلَوَ انِّي رَأَيْتُ قَبْرَكَ لاسْتَحْيَيْتُ ... مِنْ أَن أُرَى وَمَا حَييْتُك) (وَقَلِيلٌ أَنْ لَو بَذَلْتُ دِمَاءَ البُدْنِ ... صِرْفًا على الثَّرَى وسَقَيْتُكْ) (دَيْرُ سمعانَ لَا أَغَبَّكَ غادٍ ... خَيْرُ ميتٍ من آل مرْوان ميْتُكْ) (أَنْتَ بألذُّكْرِ بَين عَيْنِي وقلبي ... إنْ تَدَانَيْتُ مِنْكَ يَوْمًا أَتَيْتُكْ) (وإذَا حركَ الحَشَا خَاطِرٌ مِنْكَ ... تَوَهَّمْتُ أَنَّنِي قَدْ رَأَيْتُكْ) (قَرُبَ العَدْلُ مِنْكَ لَمَّا نَأَي الجَوْرُ ... بِهِمْ فاجْتَوَيْتَهُمْ وَاجْتَبَيْتُكْ) (وَلَوَ انِّي مَلَكْتُ دفعا لما نَابَكَ ... مِنْ طَارِقِ الرَّدَى لَفَدَيْتُكْ) رَحمَه الله تَعَالَى (خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك) ابْن مَرْوَان بن الحكم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو خَالِد الْأمَوِي ولي الْخلَافَة بعد عمر بن عبد الْعَزِيز بِعَهْد من أَخِيه سُلَيْمَان مَعْقُود فِي تَوْلِيَة عمر بن عبد الْعَزِيز كَمَا ذَكرْنَاهُ وَأمه عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة ولد سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَكَانَ جسيماً أَبيض مدوَر الْوَجْه أفقم لم يشب وَقيل لعمر بن عبد الْعَزِيز حِين احْتضرَ اكْتُبْ ليزِيد فأوصه بالأمة فَقَالَ بِمَاذَا أوصيه إِنَّه من بني عبد الْملك ثمَّ كتب أما بعد فَاتق الله يَا يزِيد وَإِيَّاك أَن تدركك الصرعة بعد الْغَفْلَة حِين لَا تُقَال العثرة وَلَا تقدر على الرّجْعَة إِنَّك تتْرك مَا تتْرك لمن لَا يحمدك وَتصير إِلَى من لَا يعذرك وَالسَّلَام وَلما ولي يزِيد عمل بسيرة عمر بن عبد الْعَزِيز أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَدخل عَلَيْهِ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 الَّذين أضلهم الله على علم أَربَعُونَ نَفرا من الشُّيُوخ من أهل دمشق وحلفوا لَهُ بِاللَّه مَا على الْملك من سُؤال وَلَا عَذَاب فِي لَذات نَفسه لِأَنَّهُ مشتغل بِأُمُور النَّاس نَعُوذ بِاللَّه مِمَّا سيلقى الظَّالِمُونَ من شَدِيد الْعَذَاب الْأَلِيم وخدعوه بذلك فانخدع لَهُم وَكَانَ كَلَامهم موفقا لهواه فانهمك فِي اللَّذَّات وَاللَّهْو والطرب وَلم يراقب الله وَلم يخشه وَرُوِيَ أَن شهَاب عبد الله بن مُسلم الزُّهْرِيّ دخل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يزِيد هَهُنَا حَدِيث حَدثنَا بِهِ أهل الشَّام فَقَالَ وَمَا هُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ حدثوا أَن الله تَعَالَى إِذا استرعى عبدا عباده كتب لَهُ الْحَسَنَات وَلم يكْتب عَلَيْهِ السَّيِّئَات فَقَالَ ابْن شهَاب كذبُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَبِي خَليفَة أقرب عِنْد الله أم خَليفَة غير نَبِي فَقَالَ بل نَبِي خَليفَة أقرب قَالَ أحدثُكَ بِمَا لَا تشكُّ فِيهِ قَالَ الله تَعَالَى {يَا دَاودُ إِنا جَعلناك خليفَة فِي اَلأَرضِ فاحكمُ بَين اَلناسِ} الْآيَة ص 26 يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا فِي حق خَليفَة نَبِي فَمَا ظَنك بخليفة غير نَبِي يحْكى عَن مؤدب يزِيد هَذَا أَنه قَالَ لَهُ فِي صغره وَقت تعلمه وَقد لحن لم لحنت فَقَالَ الْجواد قد يعثر فَقَالَ لَهُ الْمُؤَدب إِي وَالله وَيضْرب حَتَّى يَسْتَقِيم فَقَالَ يزِيد وَرُبمَا يرمح سائسه فيكسر أَنفه وَفِي تَارِيخ ابْن عَسَاكِر ذكر أَن يزِيد بن عبد الْملك كَانَ قد اشْترى فِي أَيَّام أَخِيه سُلَيْمَان بن عبد الْملك جَارِيَة من عُثْمَان بن سهل بن حنيف الْأنْصَارِيّ بأَرْبعَة آلَاف دِينَار وَكَانَ اسْمهَا حَبابة بتَشْديد الْبَاء الأولى وأحبها حبا شَدِيدا فَبلغ أَخَاهُ سُلَيْمَان ذَلِك فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن أحجر على يزِيد فَبلغ ذَلِك يزِيد فَبَاعَهَا خوفَاً من أَخِيه سُلَيْمَان فَلَمَّا أفضت الْخلَافَة إِلَيْهِ بعد سُلَيْمَان قَالَت لَهُ زَوجته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل بَقِي فِي نَفسك من الدُّنْيَا شَيْء قَالَ نعم قَالَت مَا هُوَ قَالَ حَبابة فاشترتها لَهُ وَهُوَ لَا يعلم وزينَتهَا وأجلستها من وَرَاء السّتْر ثمَّ قَالَت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل بَقِي فِي نَفسك فِي الدُّنْيَا شَيْء قَالَ لَهَا أَو مَا أعلمتك أَنَّهَا حبابة فَرفعت السّتْر وَقَالَت هَا أَنْت وحبابة وَتركته إِيَّاهَا فحظيت عِنْده وغلبت على عقله وَلم ينْتَفع بِهِ فِي الْخلَافَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 وَأَنه قَالَ يَوْمًا بعض النَّاس يَقُولُونَ إِنَّه لن يصفو لأحد من الْمُلُوك يَوْم كَامِل من الدَّهْر وَإِنِّي أُرِيد أَن أكذبهم فِي ذَلِك وَأَقْبل على لذاته واختلَى مَعَ حبابة وَأمر أَن يحجب عَن سَمعه وبصره كل خبر يُكرَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَال فِي صفو عَيْش وَزِيَادَة فَرح وسرور إِذْ تناولت حَبابة حَبة رمان وَهِي تضحك فغَصتْ بهَا فَمَاتَتْ فاختل عقل يزِيد وتكدر عيشه وَذهب سروره وَوجد عَلَيْهَا وجدا شَدِيدا وَتركهَا أيامَاً لم يدفنها بل يقبلهَا ويرتشفها حَتَّى أنتنت وجافت فَأمر بدفنها ثمَّ نبشها من قبرها فَلم يَعش بعْدهَا إِلَّا خَمْسَة عشر يَوْمًا وَكَانَ مَرضه بالسل وَمِمَّا قَالَ فِيهَا من // (الطَّوِيل) // (فَإِنْ تَسْلُ عنكِ النَّفْسُ أَوْ تَدَعِ الهَوَى ... فباليَأْسِ تَسْلُو عَنْكِ لَا بالتَّجَلُّدِ) (وَكُلُّ خليلٍ زَارَنِي فَهْوَ قَائِلٌ ... مِنَ اجلِكِ هَذَا هامَة اليَوْمِ أَوْ غَدِ) قَالَ أَبُو مسْهر مَاتَ يزِيد بأربد بِمَرَض السل وَقَالَ غَيره مَاتَ لخمس بَقينَ من شعْبَان سنة خمس وَمِائَة وَكَانَت خِلَافَته أَربع سِنِين وشهراً عمره خمس وَأَرْبَعُونَ وَقيل تسع وَعِشْرُونَ (خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك) كَانَ ذَا دهاء وحزم وَفِيه حلم وتدبير لأحوال المملكة وَنظر لأحوال الرّعية وَقلة شَرَهٍ وَكَانَ مجتنبَاً لسفك الدِّمَاء لكنه قتل الإِمَام زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وكفي بقتْله سفكَاً للدماء قَامَ بتدبير المملكة أتم قيام وَكَانَ يجمع الْأَمْوَال ويوصف بالبخل والحرص يُقَال إِنَّه جمع من الْأَمْوَال مَا لم يجمعه خَليفَة قبله فَلَمَّا مَاتَ احتاط الْوَلِيد بن يزِيد على مَا تَركه وَأمر الْخزَّان فغلقوا الخزائن وَمَا كَفنه إِلَّا مَمْلُوك من مماليكه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وَكَانَ هِشَام أَحول الْعين حُكِيَ أَنه خرج يَوْمًا فلقي رجلا أَعور فَأمر بضربه وحسبه فَقَالَ لَهُ الْأَعْوَر مَا ذَنبي فَقَالَ هِشَام تشاءمتُ بك فَقَالَ الْأَعْوَر شُؤْم الْأَعْوَر على نَفسه وشؤم الْأَحول على غَيره أَلا ترى أَنِّي استقبلتك فَلم يصبك مني شَيْء وَأَنت استقبلتني فنالني مِنْك السوء فَخَجِلَ هِشَام وَوَصله وَقيل عرض هِشَام الْجند بحمص فَمر بِهِ رجل من أهل حمص وَهُوَ على فرس نفور فَقَالَ هِشَام مَا حملك على أَن تركب فرسا نفروا فَقَالَ الْحِمصِي لَا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ بنفور وَلكنه أبْصر حولتك فَظن أَنَّك عزون البيطار فنفر فَقَالَ هِشَام تَنَح عَلَيْك وعَلى فرسك لعنة الله وَكَانَ عزون البيطار رجلا أَحول حكى الزبير بن بكار قَالَ هِشَام لأبي النَّجْم الْفضل بن قدامَة الْعجلِيّ صف لي إبِلا قَالَ أَبُو النَّجْم فَذهب بِي الروي إِلَى أَن قلت // (من الرجز) // (وَصَارَتِ الشَّمْسُ كَعَينِ الأَحْوَلِ ... ) فَغَضب هِشَام فَقَالَ أخرجُوا هَذَا ثمَّ بعد مُدَّة أدخلت عَلَيْهِ فَقَالَ هَل لَك أهل قلت نعم وابنتان قَالَ زوجتهما قلت إِحْدَاهمَا قَالَ فَمَا أوصيتها قلت // (من الرجز) // (أَوصَيْتُ مِنْ بَرَّةَ قَلْبًا حُرَّا ... بِالكَلْبِ خَيْرًا والحمَاةِ شَرَّا) (لاَ تَسْامِي خَنْقًا لَهَا وَجرَّا ... وَالحَيَّ عمِّيهِمْ بِشَرِّ طُرَّا) (وإنْ حَبَوْكِ ذَهَبًا وَدُرَّا ... حَتَّى يَرَوْا حُلْوَ الحياةِ مُرَّا) فَضَحِك هِشَام واستلقى وَقَالَ مَا هَذِه وَصِيَّة يَعْقُوب بنيه قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا أمنا مثل يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فَمَا زدتها قلت // (من الرجز) // (سُبِّي الحماةَ وَابْهَتِي عَلَيْهَا ... وإنْ نَأَتْ فَأزلفِي إِلَيْهَا) (واقرعِي بِالوُدِّ مِرْفَقَيْهَا ... مظَاهر الْيَد بِهِ عَلَيْهَا) قَالَ فَمَا فعلت أُخْتهَا قلت درجت بَين أَبْيَات الْحَيّ فنفعتنا قَالَ فَمَا قلتَ فِيهَا قَالَ قلت // (من السَّرِيع أَو الرجز) // (كَأَنَّ ظَلاَّمَة أَخْتَ شَيْبَانْ ... يتيمَةٌ ووَالِدَاهَا حَيَّانْ) (أَلرَّأْسُ قَمْلٌ كُلُّهُ وصُؤْبَانْ ... وَلَيْسَ فِي الرِّجْلَينِ إِلَّا خَيْطانْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 (فَهْيَ الَّتِي يَذْعَرُ مِنْهَا الشَّيْطَانْ ... ) فوصلني هِشَام بِدَنَانِير وَقَالَ اجْعَلْهَا فِي رجْلي ظلامة وَهَذَا أَبُو النَّجْم هُوَ الْقَائِل من // (الرجز) // (أَنََا أبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي ... ) وَمن العقد لِابْنِ عبد ربه كَانَ الْكُمَيْت الشَّاعِر الْمَشْهُور مادِح أهل الْبَيْت يمدح بني هَاشم ويعرضُ ببني أُميَّة فَطَلَبه هِشَام بن عبد الْملك فهرب عَنهُ فَكَانَ مطرداً عشْرين سنة لَا يستقرُ لَهُ قَرَار خوفًا من هِشَام وَكَانَ مسلمة بن عبد الْملك أَخُو هِشَام لَهُ حَاجَة على هِشَام يَقْضِيهَا لَهُ كل سنة وَلَا يردهُ فِيهَا كائنة مَا كَانَت فَخرج مسلمة إِلَى بعض حروبه ثمَّ أَتَى فَأَتَاهُ النَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ وَأَتَاهُ من جُمْلَتهمْ الْكُمَيْت بن زيد فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَيهَا الْأَمِير أما بعد من // (مجزوء الْكَامِل) // ( ... ... ... ... ... قِفْ بِالديَارِ وُقُوفَ زَائِرْ) حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله (يَا مُسْلِمُ يَا بْن الوَليِد ... لميِّت إنْ شِئْتَ نَاشِرْ) (عَلقَتْ حبالِي مِنْ حِبَالِكَ ... ذِمَّةَ الرَّجُلِ المُجَاوِرْ) (فالآنَ صرْتُ إلَى أمَيْيَةَ ... وَالأُمُورُ لَهَا مصَايِرْ) (وَالآن كُنْت بِهِ الْمُصِيب ... لمهتدٍ بالأَمْسِ حَائِرْ) فَقَالَ مسلمة سُبْحَانَ الله من هَذَا الهندكي الجلحاب الَّذِي أقبل من أخريات النَّاس فَبَدَأَ بِالسَّلَامِ ثمَّ أما بعد ثمَّ الشّعْر قيل لَهُ الْكُمَيْت فأعجب بِهِ وبفصاحته فَذكر لَهُ الْكُمَيْت بعد أَن تَم إنشاده رعبه من هِشَام وَطول تشرده فضمن لَهُ مسلمة أَمَانه وَتوجه حَتَّى أدخلهُ على هِشَام وَهُوَ لَا يعرفهُ فَقَالَ الْكُمَيْت السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحَمد لله فَقَالَ هِشَام نعم الْحَمد لله يَا هَذَا فَقَالَ الْكُمَيْت مبتدئ الْحَمد ومبتدعه وَاسْتمرّ فِي خطْبَة طَوِيلَة بديعة فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 قَوْله تهت فِي حيرة وحرت فِي سكرة ادلأَم بِي خَطَرُهَا وأهاب بِي داعيها فَأَجَابَنِي غاويها فاقطوطيت إِلَى الضَّلَالَة وتسكعت فِي الظلمَة والجهالة جائراً عَن الْحق قَائِلا بِغَيْر الصدْق فَهَذَا مقَام العائذ ومنطق التائب اللائذ ومصير الْهِدَايَة بعد الْعمي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كم من عاثر أقَلتُم عثرته ومجترم عفوتم عَن جرمه إِلَى آخر مَا قَالَ فَقَالَ هِشَام وَيحك من سَن لَك الغواية وأهاب بك فِي الغيابة فَقَالَ الْكُمَيْت الَّذِي أخرج أبي من الْجنَّة فَنَسِي وَلم يجد لَهُ عزماً وَهُوَ مترصد لِبَنِيهِ فَعَفَا عَنهُ هِشَام وَفِي ربيع الْأَبْرَار تنْسب إِلَى الفرزدق مكرمَة يُرجَى لَهُ بهَا الْجنَّة هِيَ أَنه لما حج هِشَام بن عبد الْملك فِي أَيَّام أَبِيه مدحه الفرزدق فَلَمَّا طَاف بِالْبَيْتِ جهد أَن يصل إِلَى الْحجر الْأسود ليستلمه فَلم يقدر على ذَلِك لِكَثْرَة الزحام فنصب لَهُ كرْسِي وَجلسَ عَلَيْهِ ينظر إِلَى النَّاس وَمَعَهُ جمَاعَة من أَعْيَان أهل الشَّام فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَكَانَ من أجمل النَّاس وَجها وأطيبهم أرجاً وَبَين عَيْنَيْهِ سَجْدَة فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْحجر تنحى عَنهُ النَّاس هَيْبَة وإجلالاً حَتَّى اسْتَلم الْحجر فغاظ ذَلِك هشاماً فَقَالَ لَهُ رجل من أهل الشَّام من هَذَا الَّذِي هابه النَّاس هَذِه الهيبة فَقَالَ هِشَام لَا أعرفهُ مَخَافَة أَن يرغَبَ فِيهِ أهل الشَّام وَكَانَ الفرزدق حَاضرا فَقَالَ أَنا أعرفهُ فَقَالَ الشَّامي من هُوَ يَا أَبَا فراس قَالَ // (من الْبَسِيط) // (هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ ... هَذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهرُ العَلَمُ) (هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البطحَاءُ وَطْأَتَهُ ... والبيتُ يَعْرِفُهُ والرُّكْنُ والحَرَمُ) (إِذا رَأَتْهُ قريشٌ قَالَ قائلُهَا ... إِلَى مكارِمِ هَذَا ينْتَهِي الكَرَمُ) (يَنْمِي إِلَى ذِرْوةِ العزِّ الَّتِي قَصُرَتْ ... عَنْ نيْلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ) (يكادُ يُمْسِكُهُ عرفانَ راحتَهِ ... رُكْنُ الحَطِيمِ إِذا مَا جَاءَ يسْتَلِمُ) (فِي كَفِّهِ خَيْزُرَانٌ ريحُهُ عبقٌ ... مِنْ كَفِّ أرْوَعَ فِي عِرْنينه شمَمُ) (يُغَضِي حَيَاء ويُغْضَي مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حينَ يَبْتَسِمُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 (ٍ ينشَقُّ نُورُ الهُدَى مِنْ نُورِ غُرَّتِهِ ... كالشَّمْسِ تنجَابُ عَنْ إشراقها الظُّلَمُ) (مُنْشقةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ ... طَابَتْ عَنَاصِرُهُوالْخيمُ والشِّيَمُ) (هَذَا ابْن فاطمةٍ إنْ كُنْتَ تَجهَلُهُ ... بجَدِّهِ أنبياءُ اللَّهِ قد خُتِمُوا) (أللَّهُ شَرَّفَهُ قِدْمًا وعَظَّمَهُ ... جَرى بِذَاكَ لَهُ فِي لَوْحِهِ القَلَمُ) (ولَيْسَ قولُكَ مَنْ هَذَا بضائِرِهِ ... ألعُرْبُ تعرفُ مَنْ أنكَرْتَ والعَجَمُ) (كِلْتَا يَديْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا ... يسْتَوكِفَانِ وَلَا يَعْرُوهُما العَدَمُ (سَهْلُ الخليفةِ لَا تُخْشَى بوادِرُهُ ... يَرِينُهُ اثنانِ حُسْنُ الخُلْقِ والشِّيَمُ) (حَمَّالُ أثقالِ أَقوام إِذا فدحوا ... حلْوُ الشمائِلِ تَحْلُو عِنْده النِّعَمُ) (مَا قَالَ لَا قَطُّ إلاَّ فِي تَشَهُّدِهِ ... لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كانَتْ لاؤهُ نَعَمُ) (عَمَّ البريَّةَ بالإِحسانِ فانقَشَعَتْ ... عَنْهَا الغَيَابَةُ والإِملاقُ والعَدَمُ) (مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وبغضُهُمُ ... كُفْرٌ وقُرْبُهُمُ مَنْجًى ومُعْتَصَمُ) (إنْ عُدَّ أهلُ التُّقَى كَانُوا أَئِمتَهُمْ ... أَو قِيلَ مَنْ خَيْرُ أهلِ الأرضِ قِيلَ هُمُ) (لَا يستطيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غايتِهم ... وَلَا يُدَانيهِمُ قَوْمٌ وإنْ كَرمُوا) (هم الغُيُوثُ إِذا مَا أزمةٌ أَزمَتْ ... والأُسْدُ أُسدُ الشَّرَى إِيَّاكَ تختذمُ) (لَا ينْقصُ العُسْرُ بَسْطًا من أكُفِّهِمُ ... سِيَّان ذَلِك إِن أثْرَوا وإنْ عدمُوا) (مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ ... فِي كُلِّ بَدْءٍ ومختوم بِهِ الحكمُ) (أَيُّ الخلائِقِ ليسَتْ فِي رِقَابِهِمُ ... لِأوليَّةِ هَذَا أَو لَهُ نعمُ) (مَنْ يَعْرِفِ اللَّه يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذَا ... فَالدَّينُ مَنْ بَيْتَ هَذَا نَالَهُ الأمَمُ) فَغَضب هِشَام وَقَالَ للفرزدق أَو رَافِضِي أَنْت يَا فرزدق فَقَالَ إِن كَانَ حب آل الْبَيْت رفضاً فَنعم فحرمه هِشَام جائزته فَتحمل عَلَيْهِ الفرزدق بِأَهْل بَيته فَأبى أَن يُعْطِيهِ شَيْئا فَقَالَ لَهُ عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب كم كنتَ تؤمل أَن يعطيك هِشَام فَقَالَ الفرزدق ألف دِينَار فِي كل سنة قَالَ فكم تؤمل أَن تعيش قَالَ أَرْبَعِينَ سنة قَالَ يَا غُلَام عَليّ بالوكيل فَدَعَاهُ فَقَالَ أعْط الفرزدق أَرْبَعِينَ ألف دِينَار فقبضها مِنْهُ ثمَّ أَمر هِشَام بِحَبْس الفرزدق فحبس فأنفذ إِلَيْهِ على زين العابدين اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَقَالَ هَذَا عَاجل برنا وَلَك الْمَزِيد فَردهَا الفرزدق وَقَالَ مدحته لله لَا للعطاء فَأرْسل إِلَيْهِ زين العابدين وَقَالَ لَهُ إِنَّا أهل بَيت إِذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 وهبنا شَيْئا لَا نستعيده وَالله تَعَالَى عَالم بنيتك ومُثيبك عَلَيْهَا فَشكر الله لَك سعيك فَلَمَّا بلغته الرسَالَة قبلهَا وَكَانَ حبس هِشَام للفرزدق بعسفان بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَفِي ذَلِك يَقُول الفرزدق من // (الطَّوِيل) // (أَتَحْبِسُنِي بَين المَدِينَةِ وَالَّتِي ... إِلَيْهَا رقابُ النَّاسِ يَهْوى مُنِيبُهَا) (يٌ قَلِّبُ رَأْسًا لم يكُنْ رَأْسَ سيِّدٍ ... وَعَيْنَا لَهُ حَوْلاَءَ بَادٍ عُيُوبُهَا) قَالَ مُصعب الزبيرِي زَعَمُوا أَن عبد الْملك رأى فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ بَال فِي محرابه أَربع مَرَّات فدسَ إِلَى سعيد بن الْمسيب من يسْأَله تَعْبِير ذَلِك فَقَالَ يملك من صُلْبِ هَذَا الرَّائِي أَرْبَعَة وَكَانُوا كَذَلِك الْوَلِيد بن عبد الْملك يزِيد بن عبد الْملك سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَهِشَام بن عبد الْملك وَهُوَ آخِرهم توفّي ثَانِي عشر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة وعمره أَربع وَخَمْسُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام خِلَافَته تسع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة عشرَة يَوْمًا قَالَ الصَّفَدِي فِي تَذكرته من أَوْلَاد هِشَام سعيد بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان كَانَ منهمكاً فِي لذات الدُّنْيَا مغرى بحب النِّسَاء وَفِيه يَقُول الْقَائِل مُخَاطبا أَبَاهُ هشاماً من // (الْبَسِيط) // (أَبْلِغْ هِشَامًا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَقَدْ ... أَغظْتَنا بأميرٍ غَيْرِ عِنِّينِ) (طَوْرًا يشارِكُ هَذَا فِي حلِيلَتِهِ ... وتارَةً لَا يُرَاعِي حُرْمَةَ الدِّينِ) قَالَ فحبسه أَبوهُ هِشَام فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ وَكَانَ هَذَا السّلمِيّ فِي حبس هِشَام إِن سعيداً كَانَ فِي بَيت علَى حِدَة وَكنت أسمع من بَيته صَوت الْعود فَخرجت يَوْمًا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد أَخذ جَفْنَة فنقبها وعلق فِيهَا أوتاراً فَقلت وَيحك على هَذِه الْحَال تفعل هَذَا فَقَالَ لَا أَبَا لَك لَوْلَا هَذَا متْنا غماً وَهُوَ الْقَائِل من // (الرجز) // (أَرْسَلْتُ كَلْبِي طَالبا مَا يأكُلُهْ ... مَنِ الَّذِي يَرُدُّهُ أَو يجْهَلُهْ) وَبلغ أَبَاهُ هشاماً مَا صنعه فَأمر بِإِخْرَاجِهِ وَقَالَ لَهُ لعنك الله أفسقاً كفسق الْعَوام هلا فسقاً كفسق الْمُلُوك فَقَالَ لَهُ ابْنه وَهل للملوك فِسْق يمتازون بِهِ قَالَ نعم قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أَن تحيي هَذَا وَتقتل هَذَا وَتقتل هَذَا وَتَأْخُذ مَال هَذَا فتعطيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 هَذَا وَمن شعر سعيد هَذَا قَوْله من // (الرمل) // (آلُ مَرْوانَ أَرَاهُمْ فِي عَمًى ... غضب العَيْش عليهِمْ وَالفَرَحْ) (كُلُّهم يَسْعَى لما يُتْعِبُهُ ... وَأَنا أسْعَى لأُنْسٍ وَقَدَحْ) وَفِي درة الغواص قَالَ حَمَّاد الرِّوَايَة كَانَ انقطاعي إِلَى يزِيد بن عبد الْملك فِي خِلَافَته وَكَانَ أَخُوهُ هِشَام يحسدني لذَلِك فَلَمَّا مَاتَ يزِيد وَولي هِشَام خفته وَمَكَثت فِي بَيْتِي سنة لَا أخرج إِلَّا إِلَى من أَثِق بِهِ من إخْوَانِي سرا فَلَمَّا لم أسمع أحدا يذكرنِي فِي السّنة أمنت فخرجتُ يَوْمًا أُصَلِّي الْجُمُعَة فِي مَسْجِد الرصافة فَإِذا بشرطيين واقفين عَليّ وَقَالا يَا حَمَّاد أجب الْأَمِير يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ وَكَانَ والياً على الْعرَاق لهشام بن عبد الْملك فاستسلمت فِي أَيْدِيهِمَا ثمَّ صرت إِلَى يُوسُف بن عمر وَهُوَ فِي الإيوان الْأَحْمَر فَسلمت فَرد عَليّ السَّلَام وَرمى إِلَى كتلابا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله هِشَام بن عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ أَمَا بعد إِذا قَرَأت كتابي هَذَا فَابْعَثْ إِلَى حَمَّاد الرِّوَايَة من يَأْتِيك بِهِ من غير ترويع وَلَا تتعتع وادفع لَهُ خَمْسمِائَة دينارٍ وجملاً مهرياً يسير عَلَيْهِ اثْنَتَيْ هشرة لَيْلَة إِلَى دمشق فَأخذت الدَّنَانِير وَنظرت فَإِذا جمل مرحول فركبت وَوضعت رجْلي فِي الغرز وسرت حَتَّى وافيت دمشق فِي اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة فنزلْتُ على بَاب هِشَام فاستأذنت فَأذن لي فَدخلت إِلَيْهِ فِي دارٍ قوراءَ مفروشة بالرخام وَبَين كل رخامتين قضيب ذهب وَهِشَام جَالس على طنفسة حَمْرَاء وَعَلِيهِ ثِيَاب حمر من الْخَزّ وَقد تضمخ بالمسك والعنبر فَسلمت فَرد على السَّلَام واستدناني فدنوْتُ حَتَّى قبلت رجله فَإِذا جاريتان لم أر مثلهمَا قطّ فِي أذن كل مِنْهُمَا حلقتان فيهمَا لؤلؤتان تتقدان فَقَالَ كَيفَ أَنْت يَا حَمَّاد فَقلت بِخَير يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أَتَدْرِي لم بعثت إِلَيْك قلت لَا قَالَ بعثت إِلَيْك بِسَبَب بَيت خطر ببالي وَلَا اعرف لمن قلت وَمَا هُوَ قَالَ من // (الْخَفِيف) //) وَدَعَوْا بِالصَّبُوحِ يَوْمًا فجاءَتْ ... قَيْنَةٌ فِي يَمِينِهَا إِبْرِيقُ) فَقلت يَقُوله عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ من قصيدة فَقَالَ أنشدنيها فَأَنْشَدته من // (الْخَفِيف) // (بَكَرَ العاذلُونَ فِي وَضَحِ الصُّبْحِ ... يقولُونَ لي أَلاَ تَسْتَفيِقُ) (وَيَلُومُونَ فِيك يابنةَ عَبْدِ اللهِ ... والقَلْبُ عندكُمْ موثُوقُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 (لسْتُ أَدْرِي إذْ أَكْثَرُوة العَذلَ فِيهَا ... أعَدُوٌّ يلومُنِي أمْ صَدِيقُ) قَالَ حَمَّاد فَأَنْشَدته حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى قَوْله من // (الْخَفِيف) // (ودعَوْا بالصَّبُوحِ يَوْمًا فجاءَتْ ... قَيْنَةٌ فِي يَمِينِها إبْرِيقُ) (قَدَّمَتْهُ على عقارٍ كَعيْنِ الدْدِيك ... ِ صَفَّي سلافَها الرَّاووقُ) (مُرَّةٌ قبْلَ مزْجِها فَإِذا مَا ... مُرِجَتْ لَذَّ طَعْمها مَنْ يَذُوقُ) (وطفا فَوْقَهَا فقاقيعُ كَالياقُوتِ ... حُمْرٌ يرِينُهَا التصفيقُ) (ثمَّ كَانَ المزاجُ ماءَ سَحابِ ... لَا صَرٍ ي آجِنٌ وَلَا مطرُوقُ) فطرب هِشَام وَقَالَ أَحْسَنت يَا حَمَّاد وَالله ثمَّ قَالَ يَا حَمَّاد سل حَاجَتك فَقلت إِحْدَى هَاتين الجاريتين ثمَّ ذهبت فَلم أَعقل حِين أَصبَحت إِلَّا والجاريتان عِنْد رَأْسِي وَإِذا عشرَة من الخدم مَعَ كل وَاحِد بدرة فِيهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ أحدهم إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول خُذ هَذَا فَانْتَفع بِهِ فِي سفرك فَأخذت ذَلِك والجاريتين وعدت إِلَى أَهلِي (خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد) لما توفّي هِشَام بالرصافة ولي بعده الْوَلِيد ابْن أَخِيه يزِيد وَكَانَ متلاعباً وَله مجون وشراب وندمان وَأَرَادَ هِشَام خلعه فَلم يُمكنهُ وَكَانَ يضْرب من يُؤْخَذ فِي صحبته فَخرج الْوَلِيد فِي خاصته ومواليه وَخلف كَاتبه عِيَاض بن مُسلم ليكاتبه بالأحوال فَضَربهُ هِشَام وحبسه وَلم يزل الْوَلِيد مُقيما فِي الْبَريَّة حَتَّى مَاتَ هِشَام وجاءه مولى أبي مُحَمَّد السفياني على الْبَرِيد بِكِتَاب سَالم بن عبد الرَّحْمَن صَاحب ديوَان الرسائل بالْخبر فَسَأَلَ عَن كَاتبه عِيَاض فَقَالَ إِنَّه لم يزل مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ هِشَام فَأرْسل إِلَى الْخزَّان أَن يحتفظوا بِمَا فِي أَيْديهم حَتَّى منعُوا هشاماً من كفن ثمَّ خرج عِيَاض بعد موت هِشَام من الْحَبْس وَكتب أَبْوَاب الخزائن ثمَّ كتب الْوَلِيد من وقته إِلَى عَمه الْعَبَّاس بن عبد الْملك أَن يَأْتِي الرصافة فَيُحْصي مَا فِيهَا من أَمْوَال هِشَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 وَولده وَمَاله وحشمه إِلَّا مسلمة بن هِشَام فَإِنَّهُ كَانَ يُرَاجع أَبَاهُ هشاماً بالرفق بالوليد فَانْتهى لما أمره بِهِ الْوَلِيد ثمَّ اسْتعْمل الْوَلِيد الْعمَّال وَكتب إِلَى الْآفَاق بِأخذ الْبيعَة فَجَاءَتْهُ بيعتهم وَكتب مَرْوَان بيعَته وَاسْتَأْذَنَ فِي الْقدوم ثمَّ عهد الْوَلِيد من سنته لابْنَيْهِ الحكم وَعُثْمَان بعده وجعلهما ولي عَهده وَكتب بذلك إِلَى الْعرَاق وخرسان قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ أَبوهُ يزِيد بن عبد الْملك حِين احْتضرَ عهد بِالْأَمر إِلَى هِشَام ابْن عبد الْملك وأخيه بِأَن يكون الْعَهْد من بعده لوَلَده الْوَلِيد بن يزِيد فَلَمَّا مَاتَ هِشَام بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم موت عَمه هِشَام وَهُوَ إِذْ ذَاك بالبرية فَارًّا من عَمه هِشَام لِأَنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين عَمه هِشَام مُنَافَسَة لأجل استخفافه بِالدّينِ وشربه الْخمر واشتهاره بِالْفِسْقِ والفجور فهم هِشَام بقتْله ففر وَصَارَ لَا يُقيم بِأَرْض خوفًا من هِشَام فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَة الَّتِي قدم عَلَيْهِ الْبَرِيد فِي صبحها بالخلافة قلق تِلْكَ اللَّيْلَة قلقاً شَدِيدا فَقَالَ لبَعض أَصْحَابه وَيحك قد أَخَذَنِي اللَّيْلَة قلق فاركَبْ بِنَا حَتَّى ننبسط فَسَار مِقْدَار ميلين وهما يتحادثان فِي أَمر هِشَام وَمَا يكْتب إِلَيْهِ من التهديد والوعيد ثمَّ نظرا فرأيا فِي الْبعد رهجاً وصوتاً فَقَالَا اللَّهُمَّ أعطنا خَيرهمْ فَلَمَّا قدم الْبَرِيد وأثبتوا الْوَلِيد معرفَة ترجلوا وَجَاءُوا فَسَلمُوا عَلَيْهِ بالخلافة فبهت ثمَّ قَالَ وَيحكم أمات هِشَام قَالُوا نعم ثمَّ أَعْطوهُ الْكتب فقرأها وَسَار مِنْ فوره إِلَى دمشق فَأَقَامَ على اشتهاره بالمنكرات وتظاهر بالْكفْر والزندقة قَالَ ابْن عَسَاكِر وَغَيره انهمك الْوَلِيد فِي شرب الْخمر ولذاته ورفَض الْآخِرَة وَرَاء ظَهره وَأَقْبل على القصف وَاللَّهْو والتلذذ مَعَ الندماء والمغنين وَكَانَ يضْرب بِالْعودِ ويوقع بالطبل وَيَمْشي بالدف وَكَانَ قد انتهك محارم الله حَتَّى قيل لَهُ الْفَاسِق وَعرف بذلك وَمَعَ هَذَا كَانَ أكمل بني أُميَّة أدباً وفصاحَة وظرفاً وأعرفهم باللغة والنحو والْحَدِيث وَكَانَ جوادَاً مفضالاً وَلم يكن فِي بني أُميَّة أَكثر مِنْهُ إدماناً للشراب وَالسَّمَاع وَلَا أَشد مجوناً وتهتكاً مِنْهُ واستخفافَاً بِالدّينِ وَأمر الْأمة يُقَال إِنَّه وَاقع جَارِيَة وَهُوَ سَكرَان وجاءه المؤذنون يؤذنونه بِالصَّلَاةِ فَحلف ألاَ يُصَلِّي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 بِالنَّاسِ إِلَّا هِيَ فَلبِست ثِيَابه وصلت بِالْمُسْلِمين وَهِي جنب سكرَى وَقيل إِنَّه صنع بركَة فملأها خمرًا وَكَانَ إِذا طرب ألْقى نَفسه فِيهَا وَيشْرب مِنْهَا حَتَّى يظْهر النَّقْص فِي أطرافها وَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب أدب الدّين وَالدُّنْيَا عَنهُ أَنه تفاءل ذَات يَوْم فِي الْمُصحف فَخرج لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَاَسْتَفتحوُا وخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنيد} إِبْرَاهِيم 15 فَأمر بالمصحف فنصب ورماه بِالسِّهَامِ حَتَّى مزقه وَهُوَ يَقُول // (من الوافر) // (أتَوعِدُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ... فَها أنَا ذَاكَ جبارٌ عنِيدُ) (إِذا مَا جِئْتَ ربَّكَ يَوْم حشْرٍ ... فقُلْ يَا ربِّ مَرَّقَّنِي الوَلِيدُ) وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث يكون فِي هَذِه الْأمة رجل يُقَال لَهُ الْوَلِيد هُوَ شَرّ من فِرْعَوْن فتأوله الْعلمَاء بالوليد بن يزِيد هَذَا فخلعه أهل دمشق لما ذكر وَقَتله يزِيد ابْن عَمه الْوَلِيد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَكَانَت خِلَافَته سنة وَاحِدَة قَالَ الْعَلامَة ابْن خلدون وَلَقَد ساءت الْمقَالة فِيهِ كثيرا وَكثير من النَّاس نفروا عَنهُ ذَلِك وَقَالُوا إِنَّهَا شناعات الْأَعْدَاء ألصقوها بِهِ قَالَ الْمَدَائِنِي دخل ابْنه المعمر بن يزِيد على الرشيد هَارُون فسألة مِمَّن أَنْت فَقَالَ من قريشٍ فَقَالَ الرشيد من أَيهَا فَسكت ووجم فَقَالَ لَهُ الرشيد قل وَأَنت آمن وَلَو أَنَّك مَرْوَان فَقَالَ أَنا المعمر بن يزِيد فَقَالَ رحم الله عمك وَلعن يزِيد النَّاقِص فَإِنَّهُ قتل خَليفَة هُوَ مجمع عَلَيْهِ ارْفَعْ حوائجك فَرَفعهَا إِلَيْهِ وقضاها وَقَالَ شبيب بن شيبَة كُنَّا جُلُوسًا عِنْد الْمهْدي وَذكر الْوَلِيد فَقَالَ الْمهْدي كَانَ زنديقا فَقَامَ ابْن علائة الْفَقِيه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله تَعَالَى أعدل من أَن يولي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 خلَافَة النُّبُوَّة وَأمر الْأمة زنديقاً إِنَّه أَخْبرنِي عَنهُ من كَانَ يشهده فِي ملاعبه وشربه بمروءة فِي طَهَارَته وَصلَاته فَكَانَ إِذا حضرت الصَّلَاة يطْرَح الثِّيَاب الَّتِي عَلَيْهِ المطيبة المصبغة ثمَّ يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء ويؤتي بِثِيَاب بيض نظيفة فيلبسها وَيُصلي فِيهَا فَإِذا فرغ عَاد إِلَى تِلْكَ الثِّيَاب فلبسها واشتغل بشربه ولهوه أَتَرَى هَذَا من فعال من لَا يُؤمن بِاللَّه فَقَالَ لَهُ الْمهْدي بَارك الله فِيك يَا بن علاثة وَإِنَّمَا كَانَ الرجل محسداً فِي خلاله ومزاحماً بكبار عشيرته وَأهل بَيته من عمومته مَعَ لَهو كَانَ يصاحبه أوجَدَ لَهُم السَّبِيل على نَفسه فَكَانَ من خلاله قرض الشّعْر الوثيق ونظم الْكَلَام البليغ قَالَ يَوْمًا لهشام يغريه فِي مسلمة إِن عَقبي من بَقِي لخوف من مضى وَقد أمكن بعد مسلمة الصَّيْد لمن رمى واختل الثغر فهوى وعَلى أثر من سلف يمْضِي من خلف فتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى فَأَعْرض هِشَام وَسكت الْقَوْم وَأما حِكَايَة مَقْتَله فَإِنَّهُ لما تعرض لَهُ بَنو عَمه ونالوا من عرضه أَخذ فِي مكافأتهم فَضرب سُلَيْمَان ابْن عَمه هِشَام مائَة سَوط وحلقه وغربه إِلَى معَان من أَرض الشَّام فحبسه إِلَى آخر دولته وَحبس أَخَاهُ يزِيد بن هِشَام وَفرق بَين روح بن الْوَلِيد وَبَين امْرَأَته وَحبس عدَّة من ولد الْوَلِيد وطعنوا عَلَيْهِ فِي تَوْلِيَة ابنيه الحكم وَعُثْمَان الْعَهْد مَعَ صغرهما وَكَانَ أَشد النَّاس عَلَيْهِ يزِيد بن الْوَلِيد لِأَنَّهُ يتنسك فَكَانَ النَّاس إِلَى قَوْله أميل فَخرج عَلَيْهِ يزِيد بن الْوَلِيد الْمَذْكُور الملقب بالناقص وتغلب على دمشق (خلَافَة يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان) لما خلع أهل دمشق الْوَلِيد بن يزِيد بن الْوَلِيد الْمَذْكُور ثمَّ جهز يزِيد الْجَيْش إِلَى الْوَلِيد بمكانه من الْبَادِيَة فَإِنَّهُ كَانَ غَائِبا بهَا فَجهز إِلَيْهِ الْجَيْش مَعَ عبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج بن عبد الْملك وَمَعَ مَنْصُور بن جُمْهُور وَقد كَانَ الْوَلِيد حِين بلغه الْخَبَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 بعث عبد الله بن يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى دمشق فَأَقَامَ بطريقه قَلِيلا ثمَّ بَايع ليزِيد وَأَشَارَ على الْوَلِيد وَأَصْحَابه أَن يلْحق بحمص فيتحصن بهَا قَالَ لَهُ ذَلِك يزِيد بن خَالِد بن يزِيد وَخَالفهُ عبد الله بن عَنْبَسَة وَقَالَ مَا يَنْبَغِي للخليفة أَن يدع عسكره وَحرمه قبل أَن يُقَاتل فَسَار إِلَى قصر النُّعْمَان بن بشير وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ من ولد الضَّحَّاك وَغَيرهم وجاءه كتاب الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بِأَنَّهُ قادم وَلما وصل عبد الْعَزِيز وَمَنْصُور اللَّذَان أرسلهما يزِيد صُحْبَة الْجَيْش بعث إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابه زِيَاد بن الْحصين الْكَلْبِيّ يدعوانهم إِلَى الْكتاب وَالسّنة فَقتله أَصْحَاب الْوَلِيد فقَاتلوهم حِينَئِذٍ وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَينهم وَبعث عبد الْعَزِيز بن مَنْصُور بن جُمْهُور لاعتراض الْعَبَّاس بن الْوَلِيد فِي أَن يَأْتِي الْوَلِيد فجَاء بِهِ مَنْصُور كرها إِلَى عبد الْعَزِيز وألزمه الْبيعَة لِأَخِيهِ يزِيد ونصبوا راية باسمه فتفرقْ النَّاس عَن الْوَلِيد واجتمعوا على الْعَبَّاس وَعبد الْعَزِيز وَأرْسل الْوَلِيد إِلَى عبد الْعَزِيز بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وَولَايَة حمص مَا بَقِي على أَن ينْصَرف فَأبى ثمَّ قَاتل الْوَلِيد قتالاً شَدِيدا حَتَّى سمع النداء بقتْله وسبه من جَوَانِب الحومة فَدخل الْقصر وأغلق الْبَاب وطَلَبَ الْكَلَام من أَعلَى الْقصر فكالمه يزِيد بن عَنْبَسَة السكْسكِي فَذكره بحقوقة وفعاله فيهم وزيادته فِي أَرْزَاقهم فَقَالَ ابْن عَنْبَسَة مَا ننقم عَلَيْك فِي أَنْفُسنَا وَإِنَّمَا ننقم عَلَيْك فِي انتهاكك مَا حرم الله تَعَالَى وَشرب الْخمر وَنِكَاح أُمَّهَات أَوْلَاد أَبِيك واستخفافك بِأَمْر الله تَعَالَى فَقَالَ حَسبك يَا أَخا السكاسك لقد أكثرت وأغرقْتَ فِيمَا أحل الله سَعَة عَمَّا ذكرتَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّار فَجَلَسَ وَأخذ الْمُصحف يقْرَأ وَقَالَ يَوْم كَيَوْم عُثْمَان فتسوروا عَلَيْهِ وَأخذ يزِيد بن عنبسهّ بِيَدِهِ يَقِيه لَا يُرِيد قَتله وَإِذا بمنصور بن جُمْهُور فِي جمَاعَة مَعَه ضربوه واحتزوا رَأسه وَسَارُوا بِهِ إِلَى يزِيد فَأمر بنصبه فتلطف لَهُ يزِيد بن فَرْوَة فِي الْمَنْع من ذَلِك وقَال هَذَا ابْن عمك وَخَلِيفَة وَإِنَّمَا تنصب رُءُوس الْخَوَارِج وَلَا اَمن أَن يغْضب لَهُ أهل بَيته فَلم يجبهُ يزِيد إِلَى ذَلِك وأطافه بِدِمَشْق على رمح وَبَعثه إِلَى أَخِيه سُلَيْمَان بن يزِيد وَكَانَ مَعَهم عَلَيْهِ وَكَانَ قَتله فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَلما قتل خطب يزِيد بِالنَّاسِ فذمه وثلبه وَأَنه قَتله لأجل ذَلِك ثمَّ وعدهم بِحسن النّظر والاقتصار عَن النَّفَقَة فِي غير حاجاتهم وسد الثغور وَالْعدْل فِي الْعَطاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 والأرزاق وَرفع الْمَظَالِم وَإِلَّا فلكم مَا شِئْتُم من الْخلْع وَكَانَ يُسمى النَّاقِص لِأَنَّهُ نقص الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا الْوَلِيد فِي أعطيات الْجند وَهِي عشرَة عشرَة وردهَا كَمَا كَانَت أْيام هِشَام وَقيل لنُقْصَان كَانَ فِي أَصَابِع رجلَيْهِ وَأول من سَمَّاهُ بذلك مَرْوَان ابْن مُحَمَّد وَلما قتل الْوَلِيد كَانَ مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم على أرمينية وَكَانَ على الجزيرة عَبدة بن رَبَاح الغساني وَكَانَ الْوَلِيد قد بعث بالصائفة أَخَاهُ فَبعث مَعَه مَرْوَان بن عبد الْملك فَلَمَّا انصرفوا من الصائفة لَقِيَهُمْ بحران خبر مقتل الْوَلِيد فَسَار عَبدة عَن الجزيرة إِلَى الشَّام فَوَثَبَ عبد الْملك بالجزيرة وحران فضبطهما وَكتب إِلَى أَبِيه مَرْوَان بأرمينية يستحثه طَالبا بِدَم الْوَلِيد بعد أَن أرسل إِلَى الثغور من يضبطها وَكَانَ مَعَه ثَابت بن نعيم الجذامي من أهل فلسطين وَكَانَ صَاحب فتْنَة وَكَانَ هِشَام قد حَبسه على إِفْسَاد الْجند بإفريقية عِنْد مقتل كُلْثُوم بن عِيَاض وَتشفع فِيهِ مَرْوَان فَأَطْلقهُ وَاتخذ عِنْده يدا فَلَمَّا سَار من أرمينية دخل ثَابت بن نعيم إِلَى أهل الشَّام فِي الْعود إِلَى الشَّام من وَجه الْفُرَات وَاجْتمعَ لَهُ الْكثير من جند مَرْوَان وناهضه الْقِتَال ثمَّ غلبهم وانقادوا لَهُ وَحبس ثَابت بن نعيم وَأَوْلَاده ثمَّ أطلقهُم من حران إِلَى الشَّام وَجمع نيفاً وَعشْرين ألفا من الجزيرة يسير بهم إِلَى يزِيد وَكتب إِلَيْهِ بِشَرْط مَا كَانَ عبد الْملك ولي أَبَاهُ مُحَمَّدًا من الجزيرة وأرمينية والموصل وأذربيجان فَأعْطَاهُ يزِيد ولَايَة ذَلِك وَبَايع لَهُ مَرْوَان وَانْصَرف وَأقَام يزِيد فِي الْخلَافَة والأمور مضطربة عَلَيْهِ وَكَانَ مظْهرا للنسك وَقِرَاءَة الْقُرْآن وأخلاق عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ ذَا دين وورع قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ولي يزِيد بن الْوَلِيد وَكَانَ قدرياً فَدَعَا النَّاس إِلَى الْقدر وَحَملهمْ عَلَيْهِ وَبَايع لِأَخِيهِ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بالعهد وَمن بعده لعبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج بن عبد الْملك حمله على ذَلِك أَصْحَابه الْقَدَرِيَّة لمَرض أَصَابَهُ ثمَّ توفّي يزِيد آخر سنة 126 سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَكَانَت خِلَافَته خَمْسَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا وعمره تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَقيل أَرْبَعُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 (خلَافَة إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان) بُويِعَ لَهُ بعد موت يزِيد وَكَانَ إِبْرَاهِيم قَلِيل الْعقل قَلِيل التَّدْبِير فَانْتقضَ النَّاس عَلَيْهِ وَلم يتم لَهُ أَمر وَكَانَ يسلم عَلَيْهِ تَارَة بالخلافة وَتارَة بالإمارة وَقَالَ فِيهِ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (نُبَليعُ إبراهيمَ فِي كُلِّ جمعةٍ ... أَلا إنَّ أَمْرًا أَنْتَ وَالِيهِ ضَائِعُ) وَأقَام على ذَلِك نَحوا من ثَلَاثَة أشهر وَلم يبايعه مَرْوَان بن مُحَمَّد وَقَامَ عَلَيْهِ وخلعه ثمَّ بعد خلعه بِثَلَاثَة أَيَّام قَتله وَقيل صلبه وَكَانَ يلقب صلبان وَهُوَ اسْم مَجْنُون بِدِمَشْق وَقَالَ ابْن خلكان لم يقْتله بل عَاشَ إِلَى أَن هلك سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة (خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم) لما مَاتَ يزِيد بن الْوَلِيد وَجلسَ فِي مَكَانَهُ إِبْرَاهِيم أَخُوهُ لم يبايعه مَرْوَان وتعلل بأَشْيَاء ونهض للخلافة وبويع فِي خَامِس عشر شهر صفر سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَكَانَ قبل ذَلِك والياً على أرمينية كَمَا تقدم ذكره وَصَارَ سُلْطَانه فِي الشَّام ومصر فَقَط وَكَانَ زَمَانه زمَان حَرْب وَفتن وَاخْتِلَاف فاضطربت أُمُوره فَسَار إِلَى دمشق فَلَمَّا انْتهى إِلَى قنسرين وَكَانَ عَلَيْهَا بشر بن الْوَلِيد عَاملا لِأَخِيهِ يزِيد وَمَعَهُ أخوهما مسرور فدعاهما مَرْوَان إِلَى بيعَته وَمَال إِلَيْهِ يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة وَخرج بشر للقاء مَرْوَان فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ مَال ابْن هُبَيْرَة وَقيس إِلَى مَرْوَان وَأَسْلمُوا بشرا وسروراً فَأَخذهُمَا مَرْوَان وحبسهما وَسَار بِأَهْل قنسرين وَمن مَعَه إِلَى حمص وَكَانُوا قد امْتَنعُوا من بيعَة إِبْرَاهِيم فَوجه إِلَيْهِم عبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج بن عبد الْملك فِي جند أهل دمشق وَكَانَ يحاصرهم فَلَمَّا دخل مَرْوَان رَحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 عبد الْعَزِيز عَنْهُم وَبَايَعُوا مَرْوَان وَخرج للقائه سُلَيْمَان بن هِشَام فِي مائَة وَعشْرين ألفا ومروان فِي ثَمَانِينَ ألفا فَدَعَاهُمْ إِلَى الصُّلْح وَترك الطّلب بِدَم الْوَلِيد على أَن يطلقوا ابنيه الحَكَم وَعُثْمَان وليي عَهده فَأَبَوا وقاتلوه وسرب عسكرا وجاءوهم من خَلفهم فَانْهَزَمُوا وأثخن فيهم أهل حمص فَقتلُوا مِنْهُم نَحوا من خَمْسَة عشر ألفا وأسروا مثلهَا وَرفع مَرْوَان الْقَتْل وَأخذ عَلَيْهِم الْبيعَة للْحكم وَعُثْمَان ابْني الْوَلِيد وَكَانَ مِمَّن شهد مقتل الْوَلِيد وهرب يزِيد بن خَالِد الْقَسرِي إِلَى دمشق فَاجْتمع مَعَ إِبْرَاهِيم وَعبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج وَتَشَاوَرُوا فِي قتل الحكم وَعُثْمَان خشيَة أَن يطلقهما مَرْوَان فيثأران كل مِنْهُمَا وولوا ذَلِك يزِيد بن خَالِد فَبعث مَوْلَاهُ أَبَا الْأسد فَقَتَلَهُمَا وَأخرج يُوسُف بن عمر فَقتله واعتصم أَبُو مُحَمَّد السفياني بِبَيْت فِي الْحَبْس فَلم يطيقوا فَتحه وأعجلتهم خيل مَرْوَان وأنهب سُلَيْمَان بن هِشَام بَيت المَال وَخرج من الْمَدِينَة وَعمر مولى الْوَلِيد بن يزِيد إِلَى دَار عبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج فَقَتَلُوهُ ونبشوا قبر يزِيد بن الْوَلِيد وصلبوه على بَاب الْجَابِيَة وَجَاء مَرْوَان فَدخل دمشق وأُنبِئ بِابْن الْوَلِيد ويوسف بن عمر مقتولين فَدَفْنُهُمَا وأتى بِأبي مُحَمَّد السفياني فِي قيوده فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وَقَالَ إِن وليي الْعَهْد جعلاها لَك ثمَّ بَايعه وَسمع النَّاس فَبَايعُوهُ وَكَانَ أَوَّلهمْ بيعَة مُعَاوِيَة بن يزِيد بن حُصَيْن بن نمير وَأهل حمص ثمَّ رَجَعَ مَرْوَان وَاسْتَأْمَنَ لَهُ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد وَسليمَان بن هِشَام وقدما عَلَيْهِ وَكَانَ قدوم سُلَيْمَان بِمن مَعَه وَمن أخوته وَأهل بَيته ومواليه فَبَايعُوا لمروان فِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة فِي رَمَضَان مِنْهَا (قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة لبني الْعَبَّاس بخراسان) ظهر بهَا فِي مَدِينَة مرو فدانت لَهُ الْبِلَاد وَهزمَ الْأَحْزَاب المروانية وَكَانَ أَبُو مُسلم دَاعيا لإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الإِمَام بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أخي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 السفاح عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَ إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور بالقرية الْمَعْرُوفَة بالكرار والحميمة والكتب من أبي مُسلم تصل ليه بِمَا اتّفق من الفتوحات وَكَانَ قلبه نصر بن سيار عَاملا على خرسان لمروان فحاصره مُسلم حَتَّى خرج متخفيَاً فَكتب نصر إِلَى مَرْوَان يستنجده بِهَذِهِ الأبيات يَقُول // (من الوافر) // (أَرى خَلَلَ الرمادِ وميضَ نَارٍ ... وَيوشِكُ أَنْ يكُونَ لَهَا ضِرَامُ) (فإِنَّ النارَ بالعيدان تُذْكى ... وإنَّ الحَربَ أوَّلها كَلاَمُ) (فَإنْ لم تُطفِئوها تُخْرِجُوهَا ... مُسَجَّرَةً يشيبُ لَهَا الغُلاَمُ) (أقولُ من التعجُّبِ ليْت شعري ... أأيقاظٌ أُمَيَّةُ أَم نِيَامُ) (فَإنْ يكُ قَومنَا أضحَوْا نياماً ... فقلْ قُومُوا فَقَدْ حَانَ القيامُ) (تعَزي عَنْ رجالِكِ ثُمَّ قوليِ ... عَلَى الإسلامِ والعَرَبِ السلامُ) فَوَجَدَهُ الرَّسُول مَشْغُولًا بِحَرب الضَحاك بن قيس فَكتب إِلَيْهِ الْجَواب الشَّاهِد يرى مَا لَا يرى الْغَائِب فاحسم الثؤلول قَلْبك فقَال نصر لأَصْحَابه أما إِن صَاحبكُم قد أعلمكُم أَن لَا نصر عِنْده وصادف وُصُول كتاب نصر إِلَى مَرْوَان عثور مَرْوَان على كتاب إِبْرَاهِيم الإِمَام ابْن مُحَمَّد لأبي مُسلم يوبخه حَيْثُ لم ينتهز الفرصة من نصر إِذْ أمكنته وَلَا يطاوله فِي المحاصرة ويأمره أَلا يدع بخراسان متكلماً بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَمَّا قَرَأَ مَرْوَان الْكتاب بعث إِلَى الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة بن عبد الْملك وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَامله على دمشق يَأْمُرهُ أَن يكْتب إِلَى عَامل البلقاء أَن يسير إِلَى الحميمة للقبض على إِبْرَاهِيم الإِمَام فَقَبضهُ عَامل البلقاء وشده وثاقَاً وَكَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ فِي مَسْجِد الحميمة وَأرْسل بِهِ إِلَى الْوَلِيد وَأرْسل بِهِ إِلَى الْوَلِيد أرسل بِهِ الْوَلِيد إِلَى مَرْوَان فحسبه بحران ثمَّ قَتله وَكَانَ إِبْرَاهِيم قد عهد بِالْوَصِيَّةِ إِلَى أَخِيه عبد الله بن مُحَمَّد الملقب بالسفاح ابْن الحارثية أرسل إِلَيْهِ بالجامعة وَأمره أَن يسير على مَا ذكر فِيهَا فَإِن الْأَمر صائر إِلَيْهِ وَإِن بني الْعَبَّاس موطدة لَا محَالة فَلَمَّا اشْتهر قتل إِبْرَاهِيم الإِمَام بَايع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 أَبُو مُسلم وَغَيره من الدعاة أَبَا الْعَبَّاس عبد الله السفاح ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن عَبَّاس فَبَثَّ دَعوته فِي سَائِر الْأَمْصَار وَأظْهر لبس السوَاد وسير أَبَا عون عبد الْملك بن يزِيد الْأَزْدِيّ إِلَى شهر زور فَقتل عُثْمَان بن سُفْيَان وَأقَام بِنَاحِيَة الْموصل وَسَار مَرْوَان بن مُحَمَّد إِلَيْهِ من حران فِي مائَة وَعشْرين ألف قارح وَنزل بالزاب اسْم نهر قرب الْموصل وَبعث السفاح سَلمَة بن مُحَمَّد فِي أَلفَيْنِ وَعبد الله الطَّائِي فِي ألف وَخَمْسمِائة وَعبد الحميد بن ربعي الطَّائِي فِي أَلفَيْنِ وَوَرس بن نَضْلَة فِي خَمْسمِائَة كل ذَلِك إمداد لأبي عون ثمَّ ندب أهل بَيته إِلَى السّير إِلَى أبي عون فَأرْسل عبد الله بن عَليّ بن عبد الله ابْن عَبَّاس فَسَار وَقدم إِلَى أبي عون فتحول لَهُ عَن سرادقه بِمَا فِيهِ ثمَّ أَمر عَنْبَسَة ابْن مُوسَى فِي خَمْسَة آلَاف فَعبر النَّهر من الزاب فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَقَاتل عَسَاكِر مَرْوَان إِلَى الْمسَاء فَرجع فعقد مَرْوَان الجسر من الْغَد وَقدم ابْنه عبد الله فَعبر فَبعث عبد الله بن عَليّ عَم السفاح الْمَذْكُور الْمخَارِق ابْن غفار فِي أَرْبَعَة آلَاف نَحْو عبد الله بن مَرْوَان فسرح ابْن مَرْوَان الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة ابْن مَرْوَان بن الحكم فَانْهَزَمَ أَصْحَاب الْمخَارِق وَأسر هُوَ وَجِيء بِهِ إِلَى مَرْوَان مَعَ رُءُوس الْقَتْلَى فَقَالَ لَهُ أَنْت الْمخَارِق قَالَ لَا قَالَ فتعرفه فِي هَذِه الرُّءُوس قَالَ نعم هُوَ ذَا فخلى سَبيله وَقيل بل أنكر أَن يكون فِي الرُّءُوس فخلى سَبيله ثمَّ عاجلهم عبد الله بن عَليّ بِالْحَرْبِ وعَلى ميمنته أَبُو عون وعَلى مسيرَة مَرْوَان الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة فَأرْسل إِلَيْهِ مَرْوَان فِي الْمُوَادَعَة فَأبى وَحمل الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة وَهُوَ صهر مَرْوَان على ابْنَته فقاتل أَبَا عون حَتَّى انهزم إِلَى عبد الله بن عَليّ فَأمر النَّاس عبد الله بن عَليّ فترجلوا وَمَشى قدماً يُنَادي يالثارات إِبْرَاهِيم وبالشعار يَا مُحَمَّد يَا مَنْصُور وَأمر مَرْوَان الْقَبَائِل أَن يحملوا فتخاذلوا وَاعْتَذَرُوا حَتَّى صَاحب شرطته ثمَّ ظهر لَهُ الْخلَل فأباح الْأَمْوَال للنَّاس على أَن يقاتلوا فَأخذُوا من غير قتال فَبعث ابْنه عبد الله يصدهم عَن ذَلِك فَتَنَادَوْا بالفرار فَانْهَزَمُوا فَقتل مِنْهُم خلق كثير وَقطع مَرْوَان الجسر فغرق مِنْهُم أَكثر مِمَّن قتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 قَالَ الكاتي فِي تَارِيخه قيل كَانَ سَبَب هزيمته أَنه نزل عَن فرسه فِي الْحَرْب ليزيل حقنه فهرب الْفرس إِلَى وسط الْعَسْكَر فتوهموا أَنه قتل فَقيل ذهبت الدولة بالبولة وَكَانَت الْهَزِيمَة يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَمضى مَرْوَان فِي هزيمته وَنظر إِلَى أَصْحَابه مَعَ كَثْرَة عَددهم وَقُوَّة عُددهم ولِمَا قد ظَهَرَ فيهم من الفشل وَمَا حل بهم من الْجزع والوجل فَقَالَ إِذا انْقَضتْ الْمدَّة لم تَنْفَع الْعدة فَأَقَامَ عبد الله بن عَليّ فِي عسكره سَبْعَة أَيَّام واجتاز عَسْكَر مَرْوَان بِمَا فِيهِ وَكتب بِالْفَتْح إِلَى ابْن أَخِيه عبد الله السفاح وَسَار مَرْوَان مُنْهَزِمًا إِلَى مَدِينَة الْموصل وَعَلَيْهَا هِشَام بن عَمْرو التغلبي وَبشر بن خُزَيْمَة الْأَسدي فقطعا الجسر ومنعاه العبور إِلَيْهِم وَقيل لَهُم هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فتجاهلوا وَقَالُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يفرُّ ثمَّ أسمعوه الشتم والقبائح فَسَار إِلَى حران وَبهَا أبان ابْن أَخِيه يزِيد بن مُحَمَّد فَأَقَامَ بهَا نَحوا من عشْرين لَيْلَة وَسَار عبد الله بن عَليّ الْمَذْكُور على أَثَره إِلَى الْموصل فملكها وعزل هشاماً التغلبيَ وَولى مَكَانَهُ مُحَمَّد بن صول ثمَّ سَار فِي أَتبَاع مَرْوَان إِلَى حران فَخرج مِنْهَا مَرْوَان وَترك عَلَيْهَا أبان ابْن أَخِيه وَسَار إِلَى حمص وَجَاء عبد الله إِلَى حران فَلَقِيَهُ أبان مُفردا فأَمنه وَملك الجزيرة وَلما بلغ مَرْوَان حمص أَقَامَ بهَا ثَلَاثًا وارتحل فَاتبعهُ أَهلهَا لينبهوه فَقَاتلهُمْ وَهَزَمَهُمْ وأثخن فيهم وَسَار إِلَى دمشق وَعَلَيْهَا الْوَلِيد ابْن عَمه فَأَوْصَاهُ بِقِتَال عُرْوَة وَسَار إِلَى فلسطين فَنزل نهر أبي فطرس وَقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي فَأرْسل مَرْوَان إِلَيْهِ عبد الله بن يزِيد بن روح بن زنباع الجذامي فأجاره ثمَّ سَار عبد الله بن عَليّ فِي أَثَره من حران بعد أم هدم الدَّار الني حبس فِيهَا مَرْوَان أَخَاهُ إِبْرَاهِيم الإِمَام وَقدم عَلَيْهِ أَخُوهُ عبد الصَّمد بن على بَعثه السفاح مدَدا فِي أَرْبَعَة آلَاف فَسَار إِلَى قنسرين فأطاعوه ثمَّ إِلَى حمص كَذَلِك ثمَّ إِلَى بعلبك ثمَّ لما نزل مزة دمشق من قرى الفوطة قدم عَلَيْهِ أَخُوهُ صَالح بن عَليّ بَعثه السفاح مدَدا فِي ثَمَانِيَة آلَاف وَأقَام عبد الله بن عَليّ خمس عشرَة لَيْلَة وارتحل يُرِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 فلسطين فأجفل مَرْوَان إِلَى النّيل ثمَّ إِلَى الصَّعِيد وَنزل صَالح بن عَليّ الْفسْطَاط يَعْنِي مصر فتقدمت عساكره فَلَقوا خيلا لمروان فهزموهم وأسروا مِنْهُم ودلوهم على مَكَانَهُ بيوصر ذكر الْعَلامَة الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان أَن مَرْوَان لما أَن وصل إِلَى أَبُو صير وَهِي قَرْيَة عِنْد الفيوم قَالَ مَا اسْم هَذِه الْقرْيَة قيل لَهُ أَبُو صير فَقَالَ وَإِلَى الله الْمصير ثمَّ دخل كَنِيسَة فَبَلغهُ أَن خَادِمًا نم عَلَيْهِ فَأمر بِهِ فَقطع رَأسه وسل لِسَانه وَألقى على الأَرْض فَجَاءَت هرة فأكلته ثمَّ سَار إِلَيْهِ أَبُو عون وعامر بن إِسْمَاعِيل الْمذْحِجِي فأدركوه ببوصير ثمَّ هجم على الْكَنِيسَة الَّتِي كَانَ نازلا بهَا عَامر بن إِسْمَاعِيل الْمذْحِجِي فَخرج مَرْوَان من بَاب الْكَنِيسَة وَفِي يَده السَّيْف وَقد أحاطت بِهِ الْجنُود وصفت حوله الْخُيُول فتمثل بِبَيْت العجاج بن حَكِيم السّلمِيّ من // (الْكَامِل) // (مُتَقَلِّدِينَ صَفَائِحًا هِنْدِيّةً ... تَتْرُكْنَ منْ ضَرَبُوا كأَنْ لَمْ يُولَدِ) ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل فَأمر عَامر برَأْسه فَقطع فِي ذَلِك الْمَكَان وسل لِسَانه وَألقى على الأَرْض فَجَاءَت تِلْكَ الْهِرَّة بِعَينهَا فخطفته وأكلته فَقَالَ عَامر لَو لم يكن فِي الدُّنْيَا عجب إِلَّا هَذَا لَكَانَ كَافِيا لِسَان مَرْوَان فِي فَمِ هرةٍ وَفِي ذَلِك يَقُول شَاعِرهمْ من // (الْبَسِيط) // (قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ مِصْرًا عَنْوَةً لكُمُ ... وأهْلَكَ الظَّالِمَ الجَبَّارَ إِذْ ظَلَماَ) (فَلاَكَ مِقْوَلَهُ هِرُّ يُجَرْجِرُهُ ... وَكَانَ عَامِرُ مِنْ ذِي الظُّلْمِ منْتَقِمَا) وَبعث عون بِالرَّأْسِ إِلَى صَالح بن عَليّ فَبعث بِهِ صَالح إِلَى السفاح وَوجد عَامر بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور نسَاء مَرْوَان وَبنَاته فِي كَنِيسَة بوصير وَقد وكل بِهن خَادِمًا يقتلهن بعده فَبعث بِهن إِلَى صَالح وَلما دخلن عَلَيْهِ سألنه فِي الْإِبْقَاء عَلَيْهِنَّ على قتلاهم عِنْد بني أُميَّة ثمَّ عَفا عَنْهُن وحملهن إِلَى حران يبكينَ وَدخل عَامر بعد قتل مَرْوَان الكنسية فَجَلَسَ على فرش مَرْوَان وَكَانَ مَرْوَان يتعشَّى فَلَمَّا سمع الوجبة وثب عَن عشائه فَخرج فَقتل فَجَلَسَ عَامر على ذَلِك الطَّعَام وَجعل يَأْكُل مِنْهُ ودعا بابنة لمروان وَكَانَت أسن بَنَاته فَقَالَت يَا عَامر إِن دهراً أنزل مَرْوَان عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 فرشه وأقعدك عَلَيْهِ حَتَّى تعشيت بعشائه واستصحبت بمصباحه ونادمت ابْنَته لقد أبلغ فِي موعظتك وأجمل فِي إيقاظك فاستحيا عَامر وصرفها قَالَ ابْن زنبل فِي تَارِيخه قتل مَعَ مَرْوَان ابْنه عبيد الله وهرب ابْنه الآخر عبد الله حَتَّى انتهَى إِلَى ملك النّوبَة فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا وصل إِلَيْهِ ملك الْبِلَاد وَمَا رَضِي بِالْجُلُوسِ فَوق الْفرش بل جلس فَوق التُّرَاب فَقَالَ للترجمان قل للْملك لم فعلت ذَلِك فَقَالَ لَهُ إِنِّي ملك وَحقّ على كل ملك أَن يكون متواضعاً لِعَظَمَة الله تَعَالَى ثمَّ أقبل ينْكث فِي الأْرض بإصبعه ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ لَهُ كَيفَ سُلبتم نعْمَة الْملك وَأَنْتُم أقرب النَّاس إِلَى نَبِيكُم فَقَالَ جَاءَ من هُوَ أقربُ منا إِلَيْهِ وقتلنا وطردنا وجئتُ أَنا مستجيراً إِلَيْك ثمَّ قَالَ كَيفَ كُنْتُم تشربون الْخمر وَهِي مُحرمَة عَلَيْكُم فِي كتابكُمْ فَقَالَ فعله عبيدنا وأتباعنا من الْعَجم وَغَيرهم لما دخلُوا فِي ملكنا من غير علمنَا ثمَّ قَالَ فَلم كُنْتُم تَرْكَبُونَ على دوابكم بِآلَة الذهَبِ والفضةِ والديباج وَهُوَ محرم عَلَيْكُم فَقَالَ لَهُ مثل الأول ثمَّ قَالَ فَلم كُنْتُم إِذا خَرجْتُمْ لصيد طَائِر لَا خَطَرَ لَهُ هجمتم فِي أهل الْقرى وكلفتموهم الضِّيَافَة وَمَا لَا قدرَة لَهُم عَلَيْهِ وأفسدتم مَزَارِعهمْ بدوابكم وَالْفساد محرم فِي دينكُمْ فَتعذر بِمثل الأول وَقَالَ كرهنا مخالفتهم لِأَن مماليكنا تمكنوا فِي الْبِلَاد فهز رَأسه وَقَالَ لَا وَالله وَلَكِنَّكُمْ استحللتم مَا حرم عَلَيْكُم وارتكبتم مَا نهاكم عَنهُ وأحببتم الْفساد وَالظُّلم وكرهتم الْعدْل فسلبكم الله تَعَالَى العِز وألبسكم الذل والنقمة إِذا نزلت عَمت والبلية إِذا حلت شملت وَإِن الله فِيكُم نقمة لن تبلغ غايتها فَاخْرُج من بلدي وَإِلَّا قتلتك وَمن مَعَك قَالَ فَخرج من بِلَاده ملوماً مَدْحُورًا قَالَ ابْن خلدون بَقِي عبد الله بن مَرْوَان الْمَذْكُور إِلَى أَيَّام الْمهْدي العباسي فَأَخذه عَامل فلسطين وسجنه إِلَى أَن مَاتَ فِي السجْن وَكَانَ مَرْوَان بطلا شجاعَاً مهيباً كَانُوا يعدونه فِي مُقَابلَة ألف مقَاتل أَبيض اللَّوْن ربعَة أشهل الْعين ضخماً كث اللِّحْيَة كَانَ حاكمَاً سائساً لقب بالجعدي قَالَ الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه نِسْبَة إِلَى مؤدبه الْجَعْد بن دِرْهَم لتمسكه بمذهبه كَانَ يَقُول بِخلق الْقُرْآن ويتزندق أَمر هِشَام بن عبد الْملك خَالِدا الْقَسرِي بقتْله لذَلِك فَقتله ويلقب مَرْوَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 بالحمار أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يجِف لَهُ لبد فِي محاربة الخارجين عَلَيْهِ كَانَ يصل السّري بالسري ويصبر على مكاره الْحَرْب وَيُقَال فِي الْمثل فلَان أَصْبِر من حمَار أَو لِأَن الْعَرَب تُسَمى كل مائَة سنة حمارا فَلَمَّا قَارب ملك بني أُميَّة فِي زَمَنه مائَة سنة لقبوه بالحمار قَالَ مَرْوَان وَا لهفتاه على دولة مَا نصرت وكف مَا ظَفرت ونعمة مَا شكرت فَقَالَ لَهُ خادمه وَكَانَ من أَوْلَاد عُظَمَاء النَّصَارَى من أهمل الصَّغِير حَتَّى يكبر والقليل حَتَّى يكثر والخفي حَتَّى يظْهر أَصَابَهُ مثل هَذَا مُدَّة خِلَافَته خمس سِنِين وَعشرَة أشهر وعمره خَمْسُونَ سنة وَقيل سبع وَخَمْسُونَ وَقيل ثَمَان وَقيل سِتُّونَ وَفِي روض الْأَخْبَار ذهبنت الدولة من بني أُميَّة فِي عهد ثَلَاثَة من الرِّجَال مَرْوَان ابْن مُحَمَّد وَصَاحب عسكره يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة وَكَانَ خَطِيبًا شجاعاً يضْرب بشجاعته الْمثل ووزيره وكاتبه عبد الحميد وَكَانَ يُقَال بدئت الْكِتَابَة بِعَبْد الحميد وختمت بِابْن العميد قَالَ المطرزي فِي شَرحه على المقامات الحريرية كَانَ لمروان عبد الحميد كَاتبا والبعلبكي مُؤذنًا وسلامة الْحَادِي حاديَاً فأحضروا إِلَى السفاح بعد قتل مَرْوَان فَقَالَ سَلامَة الْحَادِي استبقني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أحسن الحداء قَالَ وَمَا بلغ من حدائك قَالَ تعمد إِلَى إبل ظمئت ثَلَاثًا ثمَّ توردها فَإِذا بدأت تشرب رفعت صوتي بالحداء فَترفع رءوسها وَتَدَع الشّرْب ثمَّ لَا تشرب حَتَّى أسكت فَأمر بِإِبِل ظماء فَقرب مِنْهَا المَاء ثمَّ حدا فَرفعت رءوسها فَلم تزل رَافِعَة حَتَّى سكت من حدائه فاستبقاه وَأَجَازَهُ ثمَّ قَالَ البعلبكي إِنِّي مُؤذن مُنْقَطع النظير قَالَ وَمَا بلغ من أذانك فَقَالَ تَأمر جَارِيَة فَتقدم لَك طستاً وَتَأْخُذ إبريقاً بِيَدِهَا وأشرع فِي الْأَذَان فتدهش وَيذْهب عقلهَا حتّى تلقَي الإبريق من يَدهَا وَهِي لَا تعلم فَأمر بذلك فَوَجَدَهُ صَحِيحا فاستبقاه وَأَجَازَهُ وَقَالَ عبد الحميد استبقني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي فريد الدَّهْر غي الْكِتَابَة والبلاغة فَقَالَ مَا اْعرفني بك فَأَنت الَّذِي فعلت بِنَا الأفاعيل وعملت بِنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 الدَّوَاهِي فَقطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَضرب عُنُقه وَدخل سديف يَوْمًا على السفاح وَعِنْده سُلَيْمَان بن هِشَام وَقُدَامَة فَقَالَ من // (الْخَفِيف) // (لاَ يَغُرّنْكَ مَا تَرَى مِنْ رجالٍ ... إنَّ تَحْتَ الضلوعِ دَاء دَوِيَّا) (فَضَعِ السيْفَ وارْفَعِ السَّوْطَ حتَّى ... لَا تَرَى فَوْقَ ظَهْرِها أُمَوِيَّا) فَأمر السفاح بِسُلَيْمَان فَقتل وَدخل شبْل بن عبد الله مولى بني هَاشم على السفاح وَعِنْده ثَمَانُون أَو تسعون نفسَاً من بني أُميَّة قد أَمنهم فهم على الكراسي فَأَنْشد من // (الْخَفِيف) // (أَصْبَحَ المُلْكُ ثابتَ الآساسِ ... بالبهاليلِ مِن بَني العَبَاسِ) (طَلَبُوا وتْرَ هاشمٍ فَشَفَوْهَا ... بعدَ مَيْلٍ مِنَ الزمَانِ وَبَاسِ) (لَا تُقِيلَنَّ عبد الشمْسٍ عثارٍ ا ... واقْطَعَنْ كلَّ رقْلَةٍ وغِرَاسِ) (أقْصِهِمْ أَيهَا الخليفَةُ واقْطَعْ ... عنكَ بالسَّيْفِ شَأْفَةَ الأَرْجَاسِ) (ذلُّهَا أَظْهَرَ التودُّدَ مِنْهَا ... وبهَا مِنْكُمُ كَحَرِّ المواسِي) ) (ولَقَدْ سَاءَنِي وسَاءَ سَوَائي ... قُرْبُهَا مِنْ مَنَابِرٍ وكراسِي) (أَنْزِلُوهَا بحَيثُ أَنْزَلَهَا اللهُ ... بدَارِ الهَوَانِ والإتْعَاسِ) (واذكُرُوا مَصْرَعَ الحُسَيْنِ وَزَيْدٍ ... وقَتِيلاً بجَانِبِ المِهْرَاسِ) (والقتيلَ الَّذِي بحرَّانَ أضْحَى ... ثَاوِيًا بَيْنَ غُرْبَةٍ وَتَنَاسِي) فَقَالَ السفاح أَنْتُم بَين يَدي على الْكُرْسِيّ وَدِمَاء أسلافي تقطر من أسيافكم فَأمر بهم فشدخوا بعمد الْحَدِيد وَبسط فَوْقهم الأنطاع فَأكل عَلَيْهَا الطَّعَام وأنينهم يسمع وَإِن الطَّعَام فِي صحون الْمَائِدَة ليختلج لاختلاجهم وَقَالَ وَالله مَا أكلت طَعَاما ألذ من طَعَامي هَذَا يَوْم بِيَوْم الْحُسَيْن وَلَا سَوَاء وَكَانَ كَبِير مِنْهُم جَالِسا إِلَى جَانب السفاح فَقَالَ لَهُ السفاح كَأَن هَذَا لم تطبْ بِهِ نَفسك فَقَالَ نعم وَالله قَالَ أفتحب اللحاق بهم قَالَ نعم وَإِنِّي إِلَى ذَلِك لمشتاق فَلَا خير فِي الْعَيْش بعدهمْ فَأمر بِهِ فسحب وشدخ كَمَا شدخوا وَقيل إِن الْقَائِل للشعر الثَّانِي هُوَ سديف صَاحب الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين لَا شبْل بن عبد الله ثمَّ تتبعوا بني أُميَّة بِالْقَتْلِ فَقتل سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس عَم السفاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 بِالْبَصْرَةِ جمَاعَة مِنْهُم ورموا بأشلائهم فِي الطَّرِيق فَأَكَلتهَا الْكلاب ونبش عبد الله ابْن عَليّ عَم السفاح أَيْضا قُبُور الْخُلَفَاء مِنْهُم فَلم يَجدوا فِي الْقُبُور إِلَّا شبه الرماد وخيطاً فِي قبر مُعَاوِيَة وجمجمة فِي قبر عبد الْملك وَرُبمَا وجدوا فِيهَا بعض الْأَعْضَاء إِلَّا هِشَام بن عبد الْملك فَإِنَّهُ وجد كَمَا هُوَ لم يبل فَضَربهُ بالسياط ثمَّ صلبه وَحَرقه وذراه فِي الرّيح قَالَ ابْن خلدون كَذَا قيل وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك واستقصوا فِي تتبعهم قتلا وَلم يفلت إِلَّا الرضعاء أَو مَنْ هرب إِلَى الأندلس مثل عبد الرَّحْمَن الملقب بالداخل لِأَنَّهُ أول من دخل إِلَى بِلَاد الْمغرب وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَغَيره مِمَّن تبعه من قرَابَته وَفِي ربيع الْأَبْرَار للزمخشري انقرضت دولة بني أُميَّة وَكَانُوا أَرْبَعَة عشر نَفرا مُعَاوِيَة يزِيد بن مُعَاوِيَة وَمُعَاوِيَة بن يزِيد الَّذِي يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة الْأَصْغَر رَضِي الله عَنهُ مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة عبد الْملك بن مَرْوَان الْوَلِيد بن عبد الْملك سُلَيْمَان بن عبد الْملك عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة رَضِي الله عَنهُ وأرضاه يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْفَاسِق ممزق الْمُصحف بِالسِّهَامِ ومقدم الْجَارِيَة تؤم النَّاس فِي صَلَاة الصُّبْح جنبَاً سكرى يزِيد ابْن الْوَلِيد بن عبد الْملك إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد أخي يزِيد الْمَذْكُور قبله يَلِيهِ مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم المنبوز بالحِمَارِ وَفِي أَكثر التواريخ ذكرُوا أَن مُدَّة ملكهم ألف شهر لِأَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا حِين تكلمُوا عَلَيْهِ فِي تَسْلِيم الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ {ليلةُ اَلقَدرِ خَير مِنْ ألفِ شهر} الْقدر 3 وَذَلِكَ ثَلَاث وَثَمَانُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر فَقَوْل الْحسن رَضِي الله عَنهُ كَانَ تَقْرِيبًا لَا تحديداً وَيُمكن أَن يكون تحديداً على بعض الْحساب نظرَاً إِلَى تمكنهم وانهزامهم وقتلهم من تدَاخل السنين والشهور وَهِي يسيرَة فَأَما على ظَاهر الْحساب أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بُويِعَ بعد وَفَاة عَليّ بن أبي طَالب فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة فِي سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وبويع عبد الله السفاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 العباسي فِي ثَالِث عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَإِن أخرجنَا من هَذِه الْمدَّة مُدَّة ابْن الزبير تكون مُدَّة ملكهم إِلَى أَن مَاتَ مَرْوَان ثلاثَاً وَثَمَانِينَ سنة وشهرين وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا لِأَن مُدَّة ابْن الزبير تسع سِنِين وَأشهر بُويِعَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَقيل ثَلَاث وَسبعين سنة وَإِن حسبتها من الْيَوْم الَّذِي صَالح فِيهِ الْحسن مُعَاوِيَة تكون بعد إِخْرَاج مُدَّة ابْن الزبير ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سنة وشهراً وَاحِدًا وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَالله أعلم وَفِي سراج الْمُلُوك سُئِلَ بعض الْعلمَاء مَا الَّذِي أذهب ملك بني أُميَّة فَقَالَ تحاسد الْأَكفاء وَانْقِطَاع الْأَخْبَار وَذَلِكَ أَن يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة وَزِير مَرْوَان كَانَ يحب أَن يضَعَ نصر بن سيار أَمِير خُرَاسَان لمروان فَكَانَ لَا يمده بِالرِّجَالِ وَلَا يرفع إِلَى مَرْوَان مَا يرد من الْأَخْبَار وَسُئِلَ بعض بني أُميَّة عَن سَبَب زَوَال ملكهم فَقَالَ اسْتِعْمَال الصغار من الرِّجَال على الْكَبِير من الْأَعْمَال وَتَقْدِيم الأرذال والأنذال على أهل الدّين والكمال وَذَوي النجدة من الرِّجَال فآل أمرنَا إِلَى مَا آل وَقَالَ بَعضهم وَقد سُئِلَ عَن مثل ذَلِك فَقَالَ نوم الغدوات وَشرب العشيات والاجتراء بإعلان الْفُجُور وَترك النهيِ عَن الْمُنْكَرَات وَلَا شَيْء أضيع للْملك وَأهْلك للرعية من شدَّة الْحجاب وَعدم الْقبُول لقَوْل الْعُقَلَاء لأَنهم قَالُوا من تمّ سروره قصرت شهوره والحزم أَسد الآراء والغفلة أضرّ الْأَعْدَاء وَمن قعد عَن حِيلَة تَدْبِير الْملك أقامته شَدَائِد الْفِتَن وَمن نَام عَن عدوه نبهته المكائد والمحن وَمن أَعْجَبته آراؤه غلبته أعداؤه وَمن استضعف عدوه اغْترَّ وَمن اغْترَّ ظفر بِهِ عدوه وَمن طَالَتْ عداوته زَالَت سلطته وَمن كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلكه وفناؤه وَرَأس الْحِكْمَة التودد إِلَى النَّاس قلت صدق فِيمَا بِهِ نطق فسبحان من لَا يَزُول ملكه وَلَا يتَحَوَّل سُلْطَانه وَرَأَيْت فِي تَارِيخ الْعَلامَة مَحْمُود بن عَليّ بن أَحْمد البهوتي الْمُسَمّى بتاريخ الخلائف مَا نَصه قد كَانَ لبني أُميَّة ألقاب تلقبوا بهَا فمعاوية بن أبي سُفْيَان يلقب بالتام لدين الله وَيزِيد يلقب بالمنتصر على أهل الزيغ وَمُعَاوِيَة بن يزِيد يلقب بالراجع إِلَى الله ومروان بن الحكم يلقب بالمؤتمن بِاللَّه وَعبد الْملك بن مَرْوَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 بالموفق لأمر الله والوليد بن عبد الْملك بالمنتقِم لله وَسليمَان بن عبد الْملك بالداعِي إِلَى الله وَعمر بن عبد الْعَزِيز بالمعصومِ باللهِ وَيزِيد بن عبد الْملك بالقادر بصُنْع الله وَهِشَام بن عبد الْملك بالمنصور بِاللَّه والوليد بن يزِيد بالمكتفي بِاللَّه وَيزِيد بن الْوَلِيد بالشاكر لأنعم الله وَإِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بالمعتز بِاللَّه ومروان بن مُحَمَّد بالقائم بِحَق الله وَعبد الله بن الزبير بالعائذ بِبَيْت الله فسبحان مغيِّر الدول ومفني الْأُمَم لَا رب غَيره سُبْحَانَهُ فَلَيْسَ العباسية أَبَا عذرتها فَليعلم ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 (الْبَاب الثَّانِي) (فِي الدولة العباسية) اعْلَم أَن أَمر الْإِسْلَام لم يزل جَمِيعًا ودولته وَاحِدَة أَيَّام الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَبني أُميَّة من بعدهمْ لِاجْتِمَاع عصبية الْعَرَب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 ثمَّ ظهر من بعد ذَلِك أَمر الشِّيعَة وهم الدعاة لأهل الْبَيْت فَغلبَتْ دعاة بني الْعَبَّاس على الْإِمَامَة واستقلوا بخلافة الْملَّة وَلحق فل بني أُميَّة بالأندلس فَقَامَ بأمرهم فِيهَا عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل ابْن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك وَمن تبعه من مواليهم وَمن الْعَرَب فَلم يدخلُوا فِي دَعْوَة بني الْعَبَّاس وانقسمت لذَلِك دَعْوَة بني الْعَبَّاس وانقسمت بذلك دولة الْإِسْلَام بدولتين لافتراق عصبية الْعَرَب ثمَّ ظهر دعاة أهل الْبَيْت بالمغرب وَالْعراق من العلوية ونازعوا خلفاء بني الْعَبَّاس واستولوا على القاصية من النواحي كالأدارسة بالمغرب الْأَقْصَى والعبيديين بالقيروان ومصر والقرامطة بِالْبَحْرَيْنِ والداعي بطبرستان والديلم والأطروش فِيهَا وَمن بعده وانقسمت دولة الْإِسْلَام بذلك دولا مُتَفَرِّقَة (ذكر الشِّيعَة ومبادئ دولهم وَكَيف انساقت إِلَى العباسية من بعدهمْ إِلَى آخر دولهم) كَانَ مبدأ هَذِه الدولة أَعنِي دولة الشِّيعَة أَن أهل الْبَيْت لما توفّي رَسُول الله كَانُوا يرَوْنَ أَنهم أَحَق بِالْأَمر وَأَن الْخلَافَة لَهُم دون من سواهُم من قُرَيْش وَفِي الصَّحِيح أَن الْعَبَّاس قَالَ لعَلي فِي وجع رَسُول الله الَّذِي توفّي فِيهِ اذهَبْ بِنَا إِلَيْهِ نَسْأَلهُ فِي هَذَا الْأَمر فَإِن كَانَ فِينَا علمناه وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أوصى بِنَا فَقَالَ عَليّ إِن سألناه فمنعناها لَا يعطيناها النَّاس وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا عَن رَسُول الله قَالَ فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِك عِنْده وَتَنَازَعُوا وَلم يتم الْكتاب وَفِي رِوَايَة قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 قومُوا عني وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول إِن الرزية كل الرزية مَا حَال بَين رَسُول الله وَبَين ذَلِك الْكتاب لاختلافهم ولغطهم حَتَّى قد ذهب كثير من الشِّيعَة إِلَى أَن النَّبِي أوصى فِي مَرضه ذَلِك لعَلي وَلم يَصح ذَلِك من وَجه يعول عَلَيْهِ وكما نقلوه عَن أهل الْآثَار أَن عمر قَالَ يَوْمًا لِابْنِ عَبَّاس إِن قومكم يَعْنِي قُريْشًا مَا أَرَادوا أَن يجمعوا لكم بَين النُّبُوَّة والخلافة فتتبجحوا عَلَيْهِم وَأَن ابْن عَبَّاس أنكر ذَلِك وَطلب من عمر إِذْنه فِي الْكَلَام فَتكلم بِمَا غضب لَهُ عمر وَظهر من محاورتهما أَنهم كَانُوا يعلمُونَ أَن فِي نفوس أهل الْبَيْت شَيْئا من أَمر الْخلَافَة والعدول عَنْهُم بهَا مِمَّا الله تَعَالَى أعلم بِصِحَّتِهِ وَعدمهَا (قصَّة الشورى) أَن جمَاعَة من الصَّحَابَة كَانُوا يتشيعون لعَلي ويرون اسْتِحْقَاقه على غَيره فَلَمَّا عدل بهَا إِلَى سواهُ أنفوا من ذَلِك وأسفوا لَهُ مثل الزبير وَسعد وعمار بن يَاسر والمقداد بن الْأسود وَغَيرهم إِلَّا أَن الْقَوْم لرسوخ قدمهم فِي الدّين وحرصهم على الألفة بَين الْمُسلمين لم يزِيدُوا فِي ذَلِك على النَّجْوَى بالتأفف والأسف ثمَّ لما فَشَا النكير على عُثْمَان والطعن فِي الْآفَاق كَانَ عبد الله بن سبأ وَيعرف بِابْن السَّوْدَاء من أَشد النَّاس خوضَاً فِي التَّشَيُّع لعَلي بِمَا لَا يرضاه من الطعْن على عُثْمَان وعَلى جمَاعَة فِي الْعُدُول إِلَيْهِ عَن عَليّ وَأَنه ولي بِغَيْر حق فَأخْرجهُ عبد الله بن عَامر عَامل عُثْمَان على الْبَصْرَة مِنْهَا إِلَى مصر فَاجْتمع إِلَيْهِ جمَاعَة من أَمْثَاله جنحوا إِلَى الغلو فِي ذَلِك وافتجار الْمذَاهب الْفَاسِدَة فِيهِ مثل خَالِد بن ملجم وسودان بن حمْرَان وكنانة بن بشر وَغَيرهم ثمَّ كَانَت بيعَة عَليّ ووقعة الْجمل وصفين وانحراف الْخَوَارِج عَلَيْهِ بِمَا أَنْكَرُوا من التَّحْكِيم فِي الدّين وتمحضت شيعته للاستماتة مَعَه فِي حَرْب مُعَاوِيَة ثمَّ لما قتل عَليّ وبويع ابْنه الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَخرج عَن الْأَمر لمعاوية سخط ذَلِك شيعَة عَليّ مِنْهُ وَأَقَامُوا يتناجون فِي السِّرّ اسْتِحْقَاق أهل الْبَيْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 والميل إِلَيْهِم وسخطوا من الْحسن مَا كَانَ مِنْهُ من النُّزُول لمعاوية وَكَتَبُوا إِلَى الْحُسَيْن بِالدُّعَاءِ لَهُ فَامْتنعَ وواعدهم إِلَى هَلَاك مُعَاوِيَة فَسَارُوا إِلَى مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَبَايَعُوهُ فِي السِّرّ على طلب الْخلَافَة مَتى مَا أمكنه وَولى على كل بلد رجلا وَأَقَامُوا على ذَلِك وَمُعَاوِيَة يكف سياسته من غربهم ويقلع الدَّاء إِذا تعين لَهُ مِنْهُم كَمَا فعل بِحجر بن عدي وَأَصْحَابه وَقد تقدم ذكر قَتلهمْ عِنْد ذكر خِلَافَته ويروض من شماس أهل الْبَيْت ويسامحهم فِي دَعْوَى تقدمهم واستحقاقهم وَلَا يهيج أحدا مِنْهُم بالتثريب عَلَيْهِ فِي ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ وَولي يزِيد فَكَانَ من خُرُوج الْحُسَيْن وَقَتله مَا هُوَ مَعْرُوف وَكَانَت من أشنع الوقائع فِي الْإِسْلَام عظمت بهَا الشحناء وتوغل الشِّيعَة فِي شَأْنهمْ وَعظم النكير والطعن على من تولى ذَلِك وأَمَرَ بِهِ أَو قعد عَنهُ ثمَّ تَلَاوَمُوا على مَا أضاعوا من أَمر الْحُسَيْن وَأَنَّهُمْ لم ينصروه فَنَدِمُوا وَرَأَوا أَن لَا كَفَّارَة لذَلِك إِلَّا الاستماتة دون ثَأْره وَسموا أنفسم التوابين وَخَرجُوا لذَلِك يقدمهم سُلَيْمَان بن صُرَد الْخُزَاعِيّ وَجَمَاعَة مَعَه من خِيَار أَصْحَاب عَليّ كرم الله وَجهه وَكَانَ ابْن زِيَاد قد انْتقض عَلَيْهِ الْعرَاق فلحق بِالشَّام وَنزل منبج قَاصِدا الْعرَاق فزحفوا إِلَيْهِ وقاتلوه حَتَّى قتل سُلَيْمَان وَكثير من أَصْحَابه كَمَا ذكرنَا فِيمَا تقدم وَذَلِكَ سنة خمس وَسِتِّينَ ثمَّ خرج الْمُخْتَار بن أبي عبيد ودعا لمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة كَمَا قَدمته وَفَشَا التعصب لأهل الْبَيْت فِي الْخَاصَّة والعامة بِمَا خرج بهم عَن حُدُود الْحق وَاخْتلفت مَذَاهِب الشِّيعَة فِيمَن هُوَ أحقُّ بِالْأَمر من أهل الْبَيْت وبايعَتْ كل طَائِفَة لصَاحِبهَا سرا ورسخ الْملك لبني أُميَّة فطوى هَؤُلَاءِ الشِّيعَة قُلُوبهم على عقائدهم فِيهَا وتستروا بهَا مَعَ تعدُد فرقهم وَكَثْرَة اخْتلَافهمْ وَسَار زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَقَرَأَ على وَاصل بن عَطاء إِمَام الْمُعْتَزلَة فِي وقته وَكَانَ وَاصل يتَرَدَّد فِي إِصَابَة عَليّ فِي حَرْب الْجمل وصفين فلقن ذَلِك عَنهُ وَكَانَ أَخُوهُ مُحَمَّد الباقر يعذله فِي الْأَخْذ عَمَّن يرى تخطئة جده وَكَانَ زيد أَيْضا مَعَ قَوْله بأفضلية عَليّ على الصَّحَابَة يرى أَن بيعَة الشَّيْخَيْنِ صَحِيحَة وَأَن إِمَامَة الْمَفْضُول جَائِزَة خلاف مَا عَلَيْهِ الشِّيعَة وَيرى أَنَّهُمَا لم يظلما عليا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 ثمَّ دَعَتْهُ الْحَال إِلَى الْخُرُوج بِالْكُوفَةِ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة وَاجْتمعَ لَهُ عَامَّة الشِّيعَة وَرجع عَنهُ بَعضهم لما سَمِعُوهُ يثني على الشَّيْخَيْنِ وأنهما لم يظلما عليا وَقَالُوا لَهُ لم يظلمك هَؤُلَاءِ فَرَفَضُوا دَعوته وَقَالُوا نَحن نرفضك إذنْ فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة فسموا الرافضة من أجل ذَلِك ثمَّ قَاتل يُوسُف بن عمر فَقتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى هِشَام بن عبد الْملك وصلب شلوه بالكناسة وَلحق ابْنه يحيى بخراسان فَأَقَامَ بهَا ثمَّ دَعَتْهُ شيعته إِلَى الْخُرُوج فَخرج هُنَاكَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة فسرح إِلَيْهِ نصر بن سيار العساكر فَقَتَلُوهُ وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى الْوَلِيد وصلب شلوه بالجوزجان وانقرض شَأْن الزيدية هُنَالك وَأقَام الشِّيعَة على شَأْنهمْ وانتظارِ أمرِهم والدعاة لَهُم فِي النواحي على الْإِجْمَال للرضا من أهل الْبَيْت وَلَا يصرحون بِمن يدعونَ لَهُ حذرا عَلَيْهِ من أهل الدولة وَكَانَت شيعَة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَكثر شيعَة أهل الْبَيْت وَكَانُوا يرَوْنَ أَن الْأَمر بعد مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة لِابْنِهِ أبي هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد وَكَانَ يَعْنِي أَبَا هَاشم عبد الله ابْن مُحَمَّد كثيرَاً مَا يفد على سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَمر فِي بعض أَسْفَاره بِمُحَمد ابْن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بمنزله بالحميمة من أَعمال البلقاء فَنزل عَلَيْهِ وأدركه الْمَرَض عِنْده فَمَاتَ وَأوصى لَهُ بِالْأَمر وَقد كَانَ أعلم شيعته بالعراق وخرسان أَن الْأَمر صائر إِلَى ولد مُحَمَّد بن عَليّ هَذَا وَهُوَ وَالِد إِبْرَاهِيم والسفاح فَلَمَّا مَاتَ أَبُو هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قصدت الشِّيعَة مُحَمَّد بن عَليّ وَبَايَعُوهُ سرا وَبعث الدعاة مِنْهُم إِلَى الْآفَاق على رَأس مائَة من الْهِجْرَة أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز وأجابه عَامَّة أهل خرسان وَبعث عَلَيْهِم النُّقَبَاء وتداول أَمرهم هُنَالك فَتوفي مُحَمَّد سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَة وعهد لِابْنِهِ إِبْرَاهِيم وَأوصى الدعاة بذلك وَكَانُوا يسمونه الإِمَام ثمَّ بعث أَبَا مُسلم الخرساني إِلَى أهل دَعوته بخرسان لقوم فيهم بأَمْره وَكتب إِلَيْهِم بولايته وَذَلِكَ فِي دولة مَرْوَان بن مُحَمَّد المنبوز بالحمار فعثر مَرْوَان على كتاب من إِبْرَاهِيم الإِمَام إِلَى أبي مُسلم الخرساني فَأمر عَامله على دمشق أَن يَأْمر عَامل البلقاء بِالْقَبْضِ على إِبْرَاهِيم الإِمَام فَقبض عَلَيْهِ وأوثقه شدُّاً وَأرْسل بِهِ إِلَى مَرْوَان بن مُحَمَّد فحبسه بحران ثمَّ قَتله كَمَا قدمنَا ذكر ذَلِك قَرِيبا وَملك أَبُو مُسلم خُرَاسَان وزحف إِلَى الْعرَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 فملكها وغلبوا بني أُميَّة على أَمرهم وانقرضت دولتهم فَقَامَتْ دولة بني الْعَبَّاس وَهَذِه الدولة من دوَل الشِّيعَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وفرقتها مِنْهُم يعْرفُونَ بالكيسانية وهم الْقَائِلُونَ بإمامة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة بعد عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ بعده ابْنه هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد ثمَّ بعده مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بوصيته كَمَا ذَكرْنَاهُ إِلَى ابْنه إِبْرَاهِيم الإِمَام ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس ثمَّ من بعده إِلَى أَخِيه أبي الْعَبَّاس عبد الله السفاح وَهُوَ عبد الله بن الحارثية هَكَذَا مساقها عِنْد هَؤُلَاءِ الكيسانية قلت قَالَ المَسْعُودِيّ هَذِه نِسْبَة إِلَى كيسَان وَهُوَ الْمُخْتَار بن أبي عبيد الثَّقَفِيّ فَإِن اسْمه كيسَان وَإِنَّمَا نسبوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أول من دَعَا لمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ ابْن خلدون ويسمون أبضا الخرمانية نِسْبَة إِلَى أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي لِأَنَّهُ كَانَ يلقب خرمان ولبني الْعَبَّاس أَيْضا شيعَة يسمون الرواندية من أهل خُرَاسَان يَزْعمُونَ أَن أَحَق النَّاس بِالْإِمَامَةِ بعد النَّبِي عَمه الْعَبَّاس لِأَنَّهُ وَارثه وعاصبه لقَوْله تَعَالَى {وَأولوُا اَلأَرحَامِ بَعضهُمْ أَولىَ بِبَعْض فِي كِتاب الله} الْأَنْفَال 75 وَالنَّاس منعُوهُ من حَقه فِي ذَلِك وظلموه إِلَى أَن رده الله إِلَى وَلَده ويذهبون إِلَى البراءه من الشَّيْخَيْنِ وَعُثْمَان ويجيزون بيعَة عَليّ لِأَن الْعَبَّاس قَالَ لَهُ يَا ابْن أخي هَل أُبَايِعك فَلَا يخْتَلف عَلَيْك اثْنَان وَلقَوْل دَاوُد بن عَليّ على مِنْبَر الكزفة يَوْم بُويِعَ السفاح يَا أهل الْكُوفَة إِنَّه لم يقم فِيكُم إِمَام بعد رَسُول الله إِلَّا عَليّ بن أبي طَالب وَهَذَا الْقَائِم فِيكُم يَعْنِي السفاح قَالَ فِي الإشاعة لأشراط السَّاعَة فِي أماراتها الْبَعِيدَة وَمِنْهَا دولة بني الْعَبَّاس عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِذا أَقبلت رايات ولد الْعَبَّاس من عقبات خُرَاسَان جَاءُوا بنعي الْإِسْلَام فَمن سَار تَحت لوائهم لم تنله شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِيلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَوْصُولا مَالِي ولبني الْعَبَّاس شيعوا أمتِي أَي صيروهم شيعَاً وفرقاً وسفكوا دماءها ولبسوا ثِيَاب السوَاد ألبسهم الله ثِيَاب النَّار رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذممهم كَثِيرَة فَلَا نطول بذكرها فَمن الْفِتَن الْوَاقِعَة فِي زمانهم قتال أهل الْمَدِينَة وَقتل مُحَمَّد النَّفس الزكية ابْن عبد الله الْمَحْض ابْن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط وَقتل أَخِيه إِبْرَاهِيم بن عبد الله وَحبس أَبِيهِمَا عبد لله الْمَحْض حَتَّى مَاتَ فِي السجْن وَقتل جمَاعَة كَثِيرَة من العلويين وَحبس الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق فِي زمن الْمَنْصُور وَمَوْت الإِمَام مُوسَى الكاظم فِي الْحَبْس بالسم فِي زمن الرشيد هَارُون وَإِدْخَال الفلسفة فِي الْإِسْلَام ونصرة أهل الاعتزال وتكليف الْعلمَاء على القَوْل بِخلق الْقُرْآن وقتلُ كثير مِنْهُم بِسَبَب ذَلِك فِي زمن الْمَأْمُون وضربُ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَمَنه وزمنِ أَخِيه المعتصم وَابْنه الواثق وَلم تتفق فِي زمانهم الْكَلِمَة وَلم تصف لَهُم الْخلَافَة وَأَكْثَرهم أدعياء وَمِنْهُم ظلمَة فسقة وَأحسن من فيهم المتَوَكل لِأَنَّهُ أول من رَجَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 عَن الاعتزال وَنصر السّنة لكنه كَانَ فِي التعصب على جَانب عَظِيم بِحَيْثُ إِنَّه هَدَمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 قبر الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجعله مزرعة وَمنع النَّاس من زيارته وَقد قَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي ذَلِك من // (الْكَامِل) // (تاللَّهِ إِنْ كانَتْ أميةُ قد أَتَتْ ... قَتْلَ ابْنِ بِنْتِ نَبيهَا مَظْلُومَا) (فَلَقَدْ أَتَاهُ بَنُو أَبِيهِ بمثْلِهِ ... هَذَا لَعَمْرُكَ قَبْرُهُ مَهْدُومَا) (أَسِفُوا على ألاَّ يَكُونُوا شَارَكُوا ... فِي قَتْلِهِ فَتَتَبَّعُوهُ رميِمَا) وَقَالَ آخر من // (الْكَامِل) // (تاللَّهِ مَا فَعَلَتْ عُلُوجُ أميَّةٍ ... مِعْشَارَ مَا فَعَلَتْ بنُو العَبَّاسِ) نعم كَانَ الْمُهْتَدي مِنْهُم زاهداً ناسكاً يتأسى بعمر بن عبد الْعَزِيز فِي هَدْيه لكنه قتل بعد سنة وَلم تطل أَيَّامه (خلَافَة أبي الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد السفاح) قد قدمت كَيفَ كَانَ أصل هَذِه الدعْوَة وظهورها بخراسان على يَد أبي مُسلم عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي ثمَّ اسْتِيلَاء شيعتهم على خُرَاسَان وَالْعراق ثمَّ قتل مَرْوَان ابْن مُحَمَّد ببوصير بُويِعَ للسفاح هَذَا بالخلافة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَفِي المسامرة بُويِعَ فِي الْكُوفَة يَوْم الْخَمِيس وَمن غَد يَوْم الْجُمُعَة لعشرين خلت من ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة بُويِعَ بيعَة الْعَامَّة وَهُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم ابْن عبد منَاف بن قصي السفاح الْمَشْهُور بِابْن الحارثية كَانَ أَصْغَر من أَخِيه الْمَنْصُور أبي جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد كَانَ كَرِيمًا جواداً وَفِي كتاب قلادة النَّحْر لأبي مخرمَة مَا حصل فِي زَمَانه بَينه وَبَين الطالبين من الْأَشْرَاف شَيْء وَلَا قَامَ عَلَيْهِ أحد مِنْهُم بل قربهم وَأحسن إِلَيْهِم وَكَانَت الْمحبَّة صَافِيَة بَينهم وَقَامَ بِأَمْر الدولة العباسية أَبُو مُسلم الخرساني وتأطدت لَهُ الْأَعْمَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 من الشرق إِلَى الغرب وَحصل عِنْده برد النَّبِي وَأما الْقَضِيب والمخصرة فَإِن مَرْوَان بن مُحَمَّد لما تَيَقّن بِالْقَتْلِ دفنهما حسداً فَدلَّ عَلَيْهِمَا غُلَام فأخرجهما عَامر ابْن إِسْمَاعِيل الْمذْحِجِي الدَّاخِل على مَرْوَان الْكَنِيسَة وَأرْسل بهما إِلَى السفاح وَاسم أمه ريطة بنت عبيد الله من ذُرِّيَّة حَارِث بن مَالك بن ربيعَة وَلذَلِك يُقَال السفاح ابْن الحارثية وَكَانَ بَنو أُميَّة يمْنَعُونَ بني هَاشم من نِكَاح الحارثيات لأَنهم كَانُوا يرَوْنَ أَن زَوَال ملكهم على يَد ابْن حارثية فَلَمَّا ولي الْخلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز أَتَاهُ مُحَمَّد بن عَليّ وَالِد السفاح فَقَالَ أُرِيد أَتزوّج ابْنة خَالِي من بني الْحَارِث فتأذن لي فَقَالَ لَهُ عمر تزوج من شِئْت فَتزَوج ريطة الْمَذْكُورَة فأولدها السفاح فانتقلت الحلافة إِلَيْهِ يفعل الله مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد لَا راد لقضائه وَلَا مَانع لحكمه وَلما اسْتَقر السفاح فِي الْخلَافَة خرج عَلَيْهِ بعض أشياع بني أُميَّة وقوادهم وَكَانَ أول من نقض عَلَيْهِ حبيب بن مرّة المري من قواد مَرْوَان كَانَ بحوران والبلقاء خَافَ على نَفسه وَقَومه فَخلع وبيض وَمَعْنَاهُ لبس الْبيَاض وَنصب الرَّايَات الْبيض مُخَالفَة لشعار العباسية فِي ذَلِك وَتَابعه قيس وَمن يليهم والسفاح يَوْمئِذٍ بِالْحيرَةِ فزحف إِلَيْهِ عبد الله بن عَليّ عَم السفاح وبينما هُوَ فِي محاربته بلغه الْخَبَر بِأَن الْورْد مجزأَة بن الْكَوْثَر بن زفر بن الْحَارِث الْكلابِي نقض بِقِنِّسْرِينَ وَكَانَ من قواد مَرْوَان فَلَمَّا انهزم مَرْوَان وَقدم عَليّ عبد الله بن عَليّ بَايعه وَدخل فِي دَعْوَة العباسيين وَكَانَ ولد مسلمة بن عبد الْملك مجاورين لَهُ ببالس فَبعث بهم وبنسائهم الْقَائِد الَّذِي جَاءَهُ من قبل عبد الله بن عَليّ وَشَكوا ذَلِك إِلَى أبي الْورْد فَقتل الْقَائِد وخلع مَعَه أهل قنسرين وكاتبوا أهل حمص فِي الْخلاف وَقدمُوا عَلَيْهِم أَبَا مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَقَالُوا هُوَ السفياني الَّذِي يذكر وَلما بلغ ذَلِك عبد الله بن عَليّ وادع حبيب بن مرّة وَسَار إِلَى أبي الْورْد بِقِنِّسْرِينَ وَمر بِدِمَشْق فخلف بهَا أَبَا غَانِم عبد الحميد بن ربعي الطَّائِي فِي أَرْبَعَة آلَاف فَارس مَعَ حرمه وأثقاله وَسَار إِلَى حمص فَبَلغهُ أَن أهل دمشق خلعوا وبيضوا وَأَقَامُوا فيهم عُثْمَان بن عبد الْأَعْلَى الْأَزْدِيّ وَأَنَّهُمْ هزموا أَبَا غَانِم وَعَسْكَره وَقتلُوا مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وانتهبوا مَا خَلفه عبد الله بن عَليّ عِنْدهم فَأَعْرض عَن ذَلِك وَسَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 للقاء السفياني وَأبي الْورْد وَقدم أَخَاهُ عبد الصَّمد فِي عشرَة آلَاف فانكشف وَرجع إِلَى أَخِيه عبد الله بن عَليّ مُنْهَزِمًا فزحف عبد الله فِي جمَاعَة القواد ولقيهم بمرج الآخرم وهم فِي أَرْبَعِينَ ألفا فَانْهَزَمُوا وَثَبت أَبُو الْورْد فِي خَمْسمِائَة من قومه فَقتلُوا جَمِيعًا وهرب أَبُو مُحَمَّد إِلَى تدمر وراجع أهل قنسرين طَاعَة العباسية وَرجع عبد الله بن عَليّ إِلَى قتال أهل دمشق وَمن مَعَهم فهرب عُثْمَان بن عبد الْأَعْلَى وَدخل أهل دمشق فِي الدعْوَة وَبَايَعُوا لعبد الله بن عَليّ وَلم يزل أَبُو مُحَمَّد السفياني بِأَرْض الْحجاز متغيباً إِلَى أَيَّام الْمَنْصُور فَقتله زِيَاد بن عبد الْحَارِثِيّ عَامل الْحجاز يَوْمئِذٍ للمنصور وَبعث رَأسه إِلَى الْمَنْصُور مَعَ ابْنَيْنِ لَهُ أسيرين فأطلقهما الْمَنْصُور ثمَّ خلع أهل الجزيرة وبيضوا وَكَانَ السفاح بعث إِلَيْهَا ثَلَاثَة آلَاف من جنده مَعَ مُوسَى بن كَعْب من قواده وأزالهم بحران وَكَانَ إِسْحَاق بن مُسلم الْعقيلِيّ عَامل مَرْوَان على أرمينية فَلَمَّا بلغته هزيمَة مَرْوَان سَار عَنْهَا وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أهل الجزيرة وحاصروا مُوسَى بن كَعْب بحران شَهْرَيْن فَبعث السفاح أَخَاهُ أَبَا جَعْفَر إِلَيْهِم وَكَانَ محاصراً لِابْنِ هُبَيْرَة بواسط فَسَار لقِتَال إِسْحَاق بن مُسلم وَهُوَ بقرقيسيا والرقة وَقد خلعوا وبيضوا وَسَار نَحْو حران فأجفل إِسْحَاق بن مُسلم عَنْهَا وَدخل الرهَا وَبعث أَخَاهُ بكار بن مُسلم إِلَى قبائل ربيعَة بنواحي ماردين وَرَئِيسهمْ يَوْمئِذٍ بريكة من الحرورية فصمد أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور فَهَزَمَهُمْ وَقتل بريكة فِي المعركة وَانْصَرف بكار إِلَى أَخِيه إِسْحَاق فخلفه إِسْحَاق بالرها وَسَار إِلَى سميساط وَجَاء عبد الله بن عَليّ فحاصره ثمَّ جَاءَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور فحاصروه سَبْعَة أشهر وَهُوَ يَقُول لَا أَخْلَع الْبيعَة من عنقِي حَتَّى أتيقن مَوتَ صَاحبهَا يَعْنِي مَرْوَان بن مُحَمَّد فَلَمَّا تَيَقّن مَوته طلب الْأمان فَاسْتَأْذنُوا السفاح فَأَمرهمْ بتأمينه وَخرج إِسْحَاق بن مُسلم إِلَى أبي جَعْفَر فَكَانَ من آثر أَصْحَابه وخواصه قلت لله أَبُو إِسْحَاق بن مُسلم هَذَا مَا أوقفهُ عِنْد عقده وأوفاه بميثاقه وَعَهده واستقام أهل الجزيرة وَالشَّام وَولى السفاح أَخَاهُ أَبَا جَعْفَر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى جَاءَتْهُ الْخلَافَة بعد وَفَاة أَخِيه السفاح وَلَقَد صدق من قَالَ من // (الْكَامِل) // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 (لاَ يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرفيعُ مِنَ الأذَى ... حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ) ذكر ابْن الْأَثِير أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور لما أمره أَخُوهُ السفاح بحصار ابْن هُبَيْرَة أحد الناقضين عَلَيْهِ حاصره بواسط وَكَانَ ابْن هُبَيْرَة خَنْدَق على نَفسه فَقَالَ أَبُو جَعْفَر إِن ابْن هُبَيْرَة يخندق على نَفسه كالنساء فَبلغ ذَلِك ابْن هُبَيْرَة فَأرْسل إِلَى أبي جَعْفَر يَقُول أَنْت الَّذِي تَقول كَذَا وَكَذَا فابرز إِلَيّ لترى فَأرْسل إِلَيْهِ الْمَنْصُور لم أجد لي وَلَك مثل فِي ذَلِك إِلَّا كالأسدِ لَقِي خنزيراً فَقَالَ لَهُ الْخِنْزِير بارزني فَقَالَ لَهُ الْأسد مَا أَنْت لي بكفء فَإِن بارزتك ونالني مِنْك سوء كَانَ عارا عَليّ وَإِن قَتلك قتلت خِنْزِير فَلم أحصل على حمد وَلَا فِي قَتْلِي إياك فَخر فَقَالَ لَهُ الْخِنْزِير إِن لم تبارزني لأُعرفن السبَاع أَنَّك جبنت عني فَقَالَ لَهُ الْأسد احْتِمَال عَار كَذبك أيسر من تلطخ براثني بدمك قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي دوَل الْإِسْلَام لما صلى السفاح بِالنَّاسِ أول جُمُعَة خطب فَقَالَ فِي خطبَته الْحَمد لله الَّذِي اصْطفى الْإِسْلَام لنَفسِهِ فكرمه وشرفه وعظمه وَاخْتَارَهُ لنا وأيده بِنَا وَجَعَلنَا أَهله وكهفه وحصنه والقوام بِهِ والذابين عَنهُ ثمَّ ذكر قرابتهم فِي آيَات الْقُرْآن إِلَى أَن قَالَ فَلَمَّا قبض الله نبيه قَامَ بِالْأَمر أَصْحَابه إِلَى أَن وثب بَنو حَرْب ومروان فجاروا واستأثروا فأملى الله لَهُم حينا حَتَّى آسفوه فانتقم مِنْهُم بِأَيْدِينَا ورد علينا حَقنا ليمن بِنَا على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض وَختم بِنَا كَمَا افْتتح بِنَا وَمَا توفيقنا أهل الْبَيْت إِلَّا بِاللَّه يَا أهل الْكُوفَة أَنْتُم مَحل محبتنا ومنزل مودتنا لم تفتروا عَن ذَلِك وَلم يثنيكم عَنهُ تحامل أهل الْجور فَأنْتم أسعد النَّاس بِنَا وَأكْرمهمْ علينا وَلَقَد زِدْت فِي عطياتكم مائَة مائَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 فَاسْتَعدوا فَأَنا السفاح الْمُبِيح والثائر المبير وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة اسْتَأْذن أَبُو مُسلم الخرساني السفاح فِي الْقدوم عَلَيْهِ للحجِّ وَكَانَ مُنْذُ ولي خُرَاسَان لم يفارقها فَأذن لَهُ فِي الْقدوم بِخَمْسِمِائَة من الْجند فَكتب إِلَيْهِ أَبُو مُسلم إِنِّي قد وترت النَّاس وَلَا آمن على نَفسِي فَأذن لَهُ فِي ألف وَقَالَ إِن طَرِيق مَكَّة لَا يحْتَمل الْعَسْكَر فَسَار فِي ثَمَانِيَة آلَاف فرقهم مَا بَين نيسابور والري وَخلف موَالِيه وخزائنهُ بِالريِّ وَقدم فِي ألف وَخرج القواد بِأَمْر السفاح لتلقيه وَدخل على السفاح فَأكْرمه وأعظمه وَاسْتَأْذَنَ فِي الْحَج فَأذن لَهُ وَقَالَ لَوْلَا أَن أَبَا جَعْفَر يُرِيد الحجَ لاستعملتك على الْمَوْسِم وأنزله بِقُرْبِهِ وَكَانَ قد كتب إِلَى أبي جَعْفَر إِن أَبَا مُسلم استأذنني فِي الْحَج فأذنتُ لَهُ وَهُوَ يُرِيد ولَايَة الْمَوْسِم فاسألني أَنْت فِي الْحَج فَلَا يطْمع أَن يتقدمك فَقدم أَبُو جَعْفَر إِلَى الأنبار وَكَانَ بَين أبي جَعْفَر وَأبي مُسلم من حِين بعث السفاح أَبَا جَعْفَر إِلَى خُرَاسَان ليَأْخُذ عَلَيْهِ الْبيعَة لَهُ وَلأبي جَعْفَر من بعده وَتَوَلَّى أَبُو مُسلم على خُرَاسَان شَيْء فاستخف أَبُو مُسلم إِذْ ذَاك بِأبي جَعْفَر فَلَمَّا قدم أَبُو جَعْفَر الآَن أغرى السفاح بقتل أبي مُسلم فَأذن لَهُ فِي قَتله ثمَّ نَدم فكفه عَن ذَلِك وَسَار أَبُو جَعْفَر إِلَى الْحَج وَمَعَهُ أَبُو مُسلم وَفِي كتاب الأذكياء لأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ حِكَايَة طريفة عَن خَالِد بن صَفْوَان التَّمِيمِي أَنه دخل على أبي الْعَبَّاس السفاح وَلَيْسَ عِنْده أحد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي وَالله مَا زلت مذ قلدك الله تَعَالَى خِلَافَته أطلب أَن أصير إِلَى مثل هَذِه الْخلْوَة فَإِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْمر بإمساك الْبَاب حَتَّى أفرغ فعل فَأمر السفاح الْحَاجِب بذلك فَقَالَ ابْن صَفْوَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي فَكرت فِي أَمرك وأجلت فكري فِيك فَلم أر أحدا لَهُ قدرَة واتساع فِي الِاسْتِمْتَاع بِالنسَاء مثلك وَلَا أضيق فِيهِنَّ عَيْشًا إِنَّك ملكت نَفسك امْرَأَة من نسَاء الْعَالمين فقصرت نَفسك عَلَيْهَا فَإِن مَرضت مَرضت وَإِن غَابَتْ غبت وَحرمت نَفسك التَّلَذُّذ باستطراف الْجَوَارِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 وَمَعْرِفَة أخلاقهن والتلذذ بِمَا يَشْتَهِي مِنْهُنَّ فَإِن مِنْهُنَّ الطَّوِيلَة الَّتِي تشْتَهي لجسمها والبيضاء الَّتِي تحب لروعتها والسمراء اللعساء والصفراء الذهبية ومولدات الْمَدِينَة والطائف واليمامة ذَوَات الألسن العذبة وَالْجَوَاب الْحَاضِر وَبَنَات الْمُلُوك وَمَا يَشْتَهِي من نضارتهن ولطافتهن وتخلل خَالِد لِسَانه فأطنب فِي صِفَات ضروب الْجَوَارِي وشوقه إلَيْهِنَّ فَلَمَّا فرغ من كَلَامه قَالَ السفاح وَيلك مَلَأت مسامعي مَا أشغل خاطري مَا سلك فِيهَا أحسن من هَذَا فأعدْ على كلامك فقد وَقع مني موقعا فَأَعَادَ خَالِد بِأَحْسَن مِمَّا ابتدأه فَقَالَ لَهُ السفاح انْصَرف فَانْصَرف وَبَقِي السفاح مفكراً فَدخلت عَلَيْهِ أم سَلمَة وَزَوجته وَكَانَ قد حلف ألاَ يتَّخذ مَعهَا سَرِيَّة ووفى فَقَالَت إِنِّي أنْكرت مِنْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهَل حدث شَيْء أَو أَتَاك خبر ارتعت لَهُ قَالَ لَا فَلم تزل بِهِ حَتَّى أخْبرهَا بمقالة خَالِد فَخرجت إِلَى مواليها وأمرتهم بِضَرْب خَالِد قَالَ خَالِد فَخرجت من الدَّار مَسْرُورا بِمَا ألقيت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم أَشك فِي الصِّلَة فَبَيْنَمَا أَنا وَاقِف إِذْ أَقبلُوا يسْأَلُون عني فحققت الْجَائِزَة فَقلت لَهُم هَا أَنا فَاسْتَبق أحدهم بخشبة فغمزت برذوني فلحقني وَضرب عجز البرذون وركضت فيهم واستخفيت فِي منزلي أَيَّامًا وَوَقع فِي قلبِي أَنِّي أتيت من أم سَلمَة فَبينا أَنا ذَات يَوْم جَالس فِي الْمنزل لم أشعر إِلَّا بقومٍ قد هجموا عَليّ فَقَالُوا أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسبق فِي قلبِي أَنه الْمَوْت فَقلت إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لم أر دم شيخ أضيع من دمي وَركبت إِلَى دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَصَبْته جَالِسا ولحظت فِي الْمجْلس بَيْتا عَلَيْهِ ستور رقاق وَسمعت حسا من خلف السّتْر فأجلسني ثمَّ قَالَ ويجك يَا خَالِد وصفت لي صفة فأعدها عَليّ فَقلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلمتك أَن الْعَرَب إِنَّمَا اشْتقت اسْمَ الضرتين من الضَّرَر وَأَن أحدا لم يكن عِنْده من النِّسَاء أَكثر من وَاحِدَة إِلَّا كَانَ فِي ضُر وتنغيص فَقَالَ السفاح لم يكن هَذَا من كلامك أَولا قلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأعلمتك أَن الثَّلَاث من النِّسَاء يدخلنَ على الرجل الْبُؤْس ويشيبن الرَّأْس فَقَالَ السفاح برئتُ من رَسُول الله إِن كنت سَمِعت هَذَا مِنْك أَو مر فِي حَدِيثك لي قلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأخبرتك أَن الْأَرْبَع من النِّسَاء شَر مَجْمُوع لصَاحبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 يشبنه ويهرمنه قَالَ اسفاح لَا وَالله مَا سَمِعت هَذَا مِنْك أَولا قلت بلَى وَالله فَقَالَ السفاح أتكذبني قلت فتقتلني نعم وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أبكار الْإِمَاء رجال إِلَّا أَنه لَيْسَ لَهُنَّ خصي قَالَ خَالِد فَسمِعت ضحكاً من خلف السّتْر ثمَّ قلت وَالله وأخبرتك أَن عنْدك رَيْحَانَة قِرْش وَأَنت تطمح بِعَيْنَيْك إِلَى النِّسَاء والجواري فَقيل لي من وَرَاء السّتْر صدقتَ وَالله يَا عماه بِهَذَا حدثته وَلكنه غير حَدِيثك ونطق بِمَا فِي خاطره عَن لسَانك فَقَالَ السفاح مَالك قَاتلك الله قَالَ خَالِد فانسللت وَخرجت فَبعثت لي أم سَلمَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وبرذون وتخت ثِيَاب وَقَالَت الزم مَا سمعناه مِنْك ويروى أَنه سهر ذَات لَيْلَة وَعِنْده أنَاس من مُضر وَفِيهِمْ خَالِد بن صَفْوَان بن أهتم التَّمِيمِي الْمَذْكُور وناس من الْيمن فيهم إِبْرَاهِيم بن مخرمَة الْكِنْدِيّ فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس هاتوا فافعلوا ليلتنا بمحادثتكم فَبَدَأَ إِبْرَاهِيم بن مخرمَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أخوالك هم النَّاس وهم الْعَرَب الأول الَّذين كَانَت لَهُم الدُّنْيَا وَكَانَت لَهُم الْيَد الْعليا مَا زَالُوا ملوكاً وأربابا تداولوا الرياسة كَابِرًا عَن كَابر وَآخر عَن أول يلبس آخِرهم سرابيل أَوَّلهمْ يعْرفُونَ الْحَمد ومآثر الْحَمد مِنْهُم النعمانان والحمادان والقابوسان وَمِنْهُم غسيل الْمَلَائِكَة ومَنِ اهتز لمَوْته الْعَرْش وَمِنْهُم مُكَلم الذِّئْب وَمن كَانَ يَأْخُذ كل سفينة غصبَاً وَيجْرِي فِي كل نائية نهبَاً وَمِنْهُم أَصْحَاب التيجان وكماة الفرسان لَيْسَ من نبل وَإِن عظم خطره وَعرف أَثَره من فرس رائع أَو سيف قَاطع أَو مجن واق أَو درع حَصِينَة أَو درة مكنونةَ إِلَّا وهم أَرْبَابهَا وأصحابها إِن حل صيف قروه وَإِن سَأَلَهُمْ سَائل أَعْطوهُ لَا يبلغهم مُكَاثِر وَلَا يطاولهم مطاول وَلَا مفاخر فَمن مثلهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْبَيْت يمَان وَالْحجر يمَان والركن يمَان وَالسيف يمَان فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مَا أرى مُضر تَقول بِقَوْلِك هَذَا وَمَا أَظن خَالِدا يرضى بِمَا ذكرت فَقَالَ خَالِد إِن أذن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأمنت الموجدة تَكَلَّمت فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس تكلم وَلَا ترهب أحدا فَقَالَ خَالِد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خَابَ الْمُتَكَلّم وَأَخْطَأ المقتحم إِذْ قَالَ بِغَيْر علم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 ونطق بِغَيْر صَوَاب أَو يفخر على مُضر وَمِنْهُم النَّبِي وَالْخُلَفَاء من أهل بَيته وَهل أهل الْيمن إِلَّا دابغ جلد أَو قَائِد قرد أَو حائك برد دلّ عَلَيْهِم هدهد وغرقهم جرذ وملكتهم أم ولد وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا لَهُم أَلْسِنَة فصيحة وَلَا سنة صَحِيحَة وَلَا حجَّة تدل على كتاب وَلَا يعْرفُونَ بهَا صَوَاب وَإِنَّهُم لبإحدى الخصلتين إِن جازوا قصدُوا مَا أكلُوا وَإِن حادوا عَن حكمنَا قتلوا ثمَّ الْتفت إِلَى الْكِنْدِيّ فَقَالَ أتفخر بالفرس الراِئع وَالسيف الْقَاطِع والترس الواقي والدرع الحصينة وَأَشْبَاه ذَلِك أَفلا تَفْخَر بأكرم الْأَنَام وَخَيرهمْ مُحَمَّد فالمن من الله عز وَجل عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم من أَتْبَاعه وأشياعه فمنا نَبِي الله الْمُصْطَفى وَخَلِيفَة الله المرتضى وَلنَا السؤدد والعلا وَفينَا الْعلم والحجا وَلنَا الشّرف الْمُقدم والركن الْأَعْظَم وَالْبَيْت المكرم والجناب الْأَخْضَر وَالْعدَد الْأَكْثَر والعز الْأَكْبَر وَلنَا الْبَيْت الْمَعْمُور والمشعر الْمَشْهُور والسقف الْمَرْفُوع وزمزم وبطحاؤها وجبالها وصحراؤها وحياضها وغياضها وأحجارها وأعلامها ومنابرها وسقايتها وحجابها وسدنة بَيتهَا فَهَل يعدلنا عَادل أَو يبلغ فخرنا قَائِل وَمنا أعظم النَّاس عبد الله بن عَبَّاس أعلم الْبشر الطّيبَة أخباره الْحَسَنَة آثاره وَمنا الْوَصِيّ وَذُو النورين وَمنا الصّديق والفاروق وَمنا أَسد الله وَأسد رَسُوله سيد الشُّهَدَاء حَمْزَة وَمنا ذُو الجناحين جَعْفَر الطيار وَمنا الكماة والفرسان وَمنا الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء وَمنا عرف الدّين وَمن عندنَا أَتَاكُم الْيَقِين فَمن زاحمنا وزحمناه وَمن عَادَانَا اصطلمناه وَمن فاخرنا فخرناه وَمن بدل سنتنا قَتَلْنَاهُ ثمَّ الْتفت إِلَى الْكِنْدِيّ فَقَالَ كَيفَ علمك بلغات قَوْمك قَالَ إِنِّي بهَا عَالم فَقَالَ مَا الجمحة فِي لغتكم قَالَ الْعين قَالَ فَمَا المبزم قَالَ السن قَالَ فَمَا الشناتر قَالَ الْأَصَابِع قَالَ فَمَا الصنبارة قَالَ الْأذن قَالَ فَمَا الْقُلُوب قَالَ الذِّئْب قَالَ فَمَا الزب قَالَ اللِّحْيَة قَالَ أفتقرأ كتاب الله تَعَالَى قَالَ نعم قَالَ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {إنَّا أَنزَلْنَاهُ قرءانا عَرَبيا} يُوسُف 2 وَقَالَ {بلِسَانٍ عَرَبي مُبين} الشُّعَرَاء 195 وَقَالَ جلّ ذكره {وَمَا أَرسَلنَا مِن رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قوَمِه} إِبْرَاهِيم 4 فَقَالَ عز وَجل {السن بِالسِّنِّ وَالْعين بِالْعينِ} الْمَائِدَة 45 وَلم يقل الجحمة بالجحمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 وَقَالَ {يجعَلوُنَ أَصاَبِعهُم فِي آذَانهم} الْبَقَرَة 19 وَلم يقل شناترهم فِي صنابرهم وَقَالَ {وَالسِّنَّ بِاَلسِّن} الْمَائِدَة 45 وَلم يقل المبزم بالمبزم وَقَالَ {فَأكَلَهُ الذِّئْب} وسف 17 وَلم يقل أكله الْقُلُوب وَقَالَ {لَا تَأخذْ بِلِحيتَي} طه 94 وَلم يقل بزبي وَإِنِّي سَائِلك يَا ابْن مخرجة عَن ثَلَاث خِصَال فن أَقرَرت بهَا قهرت وَإِن جحدتها كفرت قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ أتعلم أَن فِينَا نَبِي الله الْمُصْطَفى قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ أفتعلم أَن فِينَا كتاب الله الْمنزل قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ أفتعلم أَن فِينَا خَليفَة الله المرتضى قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ فَأَي شَيْء يعدل هَذِه الْخِصَال قَالَ أَبُو الْعَبَّاس اكفف عَنهُ فوَاللَّه مَا رَأَيْت غَلَبَة قطّ أنكَرَ مِنْهَا وَالله مَا فرغت من كلامك يَا أَخا مُضر حَتَّى توهمتُ أَنه سيعرَجُ بسريري إِلَى السَّمَاء ثمَّ أَمر لخَالِد بِمِائَة ألف دِرْهَم وَفِي ابْن خلكان أَن السفاح نظر يَوْمًا إِلَى الْمرْآة وَكَانَ من أجمل النَّاس وجهَاً فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُول كَمَا قَالَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَلَكِنِّي أَقُول اللَّهُمَّ عمرني طَويلا فِي طَاعَتك ممتعَاً بالعافية فَمَا استتم كَلَامه حَتَّى سمع غُلَاما يَقُول لآخر الْأَجَل بيني وَبَيْنك شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام فتطير من كَلَامه وَقَالَ حسبي الله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَبِه استعنت فَمَا مَضَت الْمدَّة الْمَذْكُورَة حَتَّى أَخَذته الْحمى وَمرض فَمَاتَ بعد شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام بالجدري بالأنبار مدينته الَّتِي بناها وسماها الهاشمية وَهُوَ ابْن إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة وَقيل ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَحَد لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَمُدَّة خِلَافَته أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وولادته سنة خمس وَمِائَة وَكَانَ أَبيض مليحَاً جميلا حسن اللِّحْيَة والهيئة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 (خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور) هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَخُو السفاح عبد الله الْمُتَقَدّم قبله كَانَ السفاح ولاَه الْحَج سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمَات السفاح فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة مِنْهَا فَأَتَاهُ الْخَبَر وَهُوَ عَائِد من الْحَج وأتته الْخلَافَة بمكانٍ يعرف بالصافية فَقَالَ صفا أمرنَا وَكَانَ السفاح قد عهد قبل مَوته بالخلافة لِأَخِيهِ أبي جَعْفَر وَمن بعده لعيسى ابْن أخيهما مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَجعل الْعَهْد فِي ثوب وختمه بخواتيم أهل الْبَيْت وَدفعه إِلَى عِيسَى وَلما توفّي السفاح وَكَانَ أَبُو جَعْفَر بِمَكَّة حَاجا أَخذ لَهُ الْبيعَة على النَّاس عِيسَى بن مُوسَى وَكتب إِلَيْهِ بالْخبر فجزع واستدعى أَبَا مُسلم وَكَانَ قد حج مَعَه كَمَا تقدَم ذكره فَأَقْرَأهُ الْكتاب فَبكى أَبُو مُسلم واسترجَعَ وسكَّن أَبَا جَعْفَر عَن الْجزع وَبَايع لَهُ أَبُو مُسلم وَالنَّاس وأقبلا حَتَّى اقدما الْكُوفَة وَيُقَال إِن أَبَا مُسلم كَانَ فِي رُجُوعه من مَكَّة مُتَقَدما على أبي جَعْفَر وَأَن الْخَبَر أَتَاهُ قبله فَكتب إِلَيْهِ يعزيه ويهنيه بالخلافة وَبعد يَوْم كتب لَهُ ببيعته فَلَمَّا قدم أَبُو جَعْفَر الْكُوفَة سَار مِنْهَا إِلَى الأنبار فَسلم إِلَيْهِ عِيسَى بن مُوسَى بيُوت الْأَمْوَال والدواوين واستقام أَمر أبي جَعْفَر الْمَنْصُور قَالَ ابْن خلدون تولى أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْخلَافَة فِي أول سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَكَانَ أول مَا فعل أَن قتل أَبَا مُسلم الْخُرَاسَانِي صَاحب دعوتهم وممهد دولتهم وَذَلِكَ لما كَانَ أَبُو مُسلم يستخف بِأبي جَعْفَر من حِين بَعثه السفاح إِلَى خُرَاسَان ليَأْخُذ الْبيعَة لَهُ وَلأبي جَعْفَر من بعده كَمَا ذكرت آنفَاً ولأمور أخر حدثت عَن أبي مُسلم مِنْهَا أَنه لما حج مَعَه كَانَ يُؤثر نَفسه على الْمَنْصُور ويتقدم بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوُفُود وَإِصْلَاح الطَّرِيق والمياه وَكَانَ الذّكر لَهُ وَلما صَدرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 عَن الْمَوْسِم تقدم ولقيه الْخَبَر بوفاةَ السفاح قبل الْمَنْصُور فَبعث إِلَى أبي جَعْفَر يعزيه وَلم يهنئه بالخلافة وَلَا رَجَعَ إِلَيْهِ وَلَا انتظره فَغَضب أَبُو جَعْفَر وَكتب إِلَيْهِ وَأَغْلظ فِي العتاب فَكتب إِلَيْهِ يهنئه بالخلافة وَتقدم إِلَى الأنبار قبل أبي جَعْفَر ودعا عِيسَى بن مُوسَى أَن يُبَايع لَهُ فَأبى عِيسَى لِأَن عَهده إِنَّمَا هُوَ بعد موت الْمَنْصُور فَأَرَادَ أَبُو مُسلم رفع الْخلَافَة عَن أبي جَعْفَر إِلَى عِيسَى فَامْتنعَ عَسى وَقدم أَبُو جَعْفَر وَقد كَانَ عَم الْمَنْصُور عبد اللِّه بن عَليّ الَّذِي كَانَ تولى قتال مَرْوَان ابْن مُحَمَّد خلع طَاعَة الْمَنْصُور وَبَايع لنَفسِهِ وَقَالَ إِن السفاح حِين أَرَادَ أَن يبْعَث الْجنُود إِلَى مَرْوَان بن مُحَمَّد تكاسل عَنهُ بَنو أَبِيه فَقَالَ لَهُم من انتدب مِنْكُم فَهُوَ ولي عهدي فَلم ينتدب غَيْرِي وسرت إِلَى مَرْوَان بن مُحَمَّد وَشهد لَهُ أَبُو حَاتِم الطَّائِي وخفاف المروروذي وَغَيرهمَا من القواد وَبَايَعُوهُ وَكَانَ قد ظفر من أَمْوَال بني أُميَّة بِمَا لَا يحصَى من ذخائر وَبِمَا لَا يستقصى فسرح أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور أَبَا مُسلم الْخُرَاسَانِي إِلَى قتال عَمه عبد الله بن عَليّ الْمَذْكُور فَهَزَمَهُ وَجمع الْغَنَائِم من عسكره فَبعث أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور مَوْلَاهُ أَبَا الخصيب لجمعها فَغَضب أَبُو مُسلم وَقَالَ أَنا أَمِين على الدُّعَاء فَكيف أخون الْأَمْوَال وهم بقتل أبي الخصيب ثمَّ خلى عَنهُ وخَشِيَ الْمَنْصُور أَن يمْضِي أَبُو مُسلم إِلَى خُرَاسَان فَكتب لَهُ بِولَايَة الشَّام فازداد نفاراً وَخرج من الجزيرة يُرِيد خُرَاسَان وَسَار أَبُو جَعْفَر إِلَى الْمَدَائِن وَكتب إِلَى أبي مُسلم يستقدمه فَأَجَابَهُ بالامتناع والتمسك بِالطَّاعَةِ عَن بُعدٍ والتهديد بِالْخلْعِ إِن طلب سوى ذَلِك فَبَقيَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور حائراً بعد أَن هَم بقتْله بَين الاستبداد بِرَأْيهِ فِي أَمر أبي مُسلم وَبَين الاستشارة فِيهِ فَقَالَ يَوْمًا لسلم بن قُتَيْبَة مَا ترى فِي أبي مُسلم فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا فَقَالَ الْمَنْصُور حَسبك يَابْنَ قُتَيْبَة لقد أودعتها أذنا وَاعِيَة ثمَّ كتب الْمَنْصُور إِلَى أبي مُسلم يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الشَّرْط وَأَنه لَا يحسن مَعَه طَاعَة وَبعث إِلَى عِيسَى بن مُوسَى برسالة يؤانسه وَقيل بل كتب إِلَيْهِ أَبُو مُسلم يعرض لَهُ بِالْخلْعِ وَأَنه تَابَ إِلَى الله مِمَّا جناه من الْقيام بدعوتهم وَأخذ أَبُو مُسلم طَرِيق حلوان وَأمر الْمَنْصُور ابْن عَمه عِيسَى بن مُوسَى فِي مشيخة بني هَاشم بِكِتَاب إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 أبي مُسلم يحرضونَهُ على التَّمَسُّك بِالطَّاعَةِ ويحذرونه عَاقِبَة الْبَغي ويأمروته بِالرُّجُوعِ وَبعث الْكتاب مَعَ مَوْلَاهُ حميد المروروذي وَأمره بملاينته والخشوع لَهُ بالْقَوْل حَتَّى ييأس مِنْهُ فَإِذا يئس من مُوَافَقَته يُخبرهُ بقسم أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا وكلت أَمرك إِلَى غَيْرِي وَلَو خضت الْبَحْر لخضته وَرَاءَك وَلَو اقتحمت النَّار لاقتحمتها حَتَّى أَقْتلك أَو أَمُوت فأوصل حميد الْكتب وتلطف لَهُ فِي القَوْل مُؤمنا واحتجَ عَلَيْهِ بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي التحريض على طاعتهم فَاسْتَشَارَ أَبُو مُسلم مَالك بن الْهَيْثَم فَأبى لَهُ من الإصغاء إِلَى القَوْل وَقَالَ وَالله لَئِن أَتَيْته ليقتلنك ثمَّ بعث أَبُو مُسلم إِلَى ميزك صَاحب الرّيّ يستشيره فَأبى لَهُ من ذَلِك وَأَشَارَ عَلَيْهِ بنزول الرّيّ وخراسان من وَرَائه ليَكُون أمكن لسلطانه فَأجَاب أَبُو مُسلم حميدَاً رَسُول أبي جَعْفَر بالامتناع فَلَمَّا يئس حميد مِنْهُ أبلغه مقَالَة الْمَنْصُور فَوَجَمَ طَويلا ورعب من ذَلِك القَوْل وأكبره وَكَانَ الْمَنْصُور قد كتب إِلَى عَامل أبي مُسلم بخراسان يرغبه فِي الانحراف عَنهُ بِولَايَة خُرَاسَان فَأجَاب سرا وَكتب إِلَى أَبُو مُسلم بخراسان يحذرهُ الْخلاف وَالْمَعْصِيَة فزاده على ذَلِك رعْبًا وَقَالَ لحميد قبل انْصِرَافه قد كنت عزمت على الْمُضِيّ إِلَى خُرَاسَان ثمَّ رَأَيْت أَن أوجه أَبَا إِسْحَاق إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ يأتيني بِرَأْيهِ فَإِنِّي أَثِق بِهِ فَبعث بِهِ إِلَى الْمَنْصُور فَلَمَّا قدم أَبُو إِسْحَاق تَلقاهُ بَنو هَاشم وَأهل الدولة بِكُل مَا يحب وداخله الْمَنْصُور فِي صرف أبي مُسلم عَن وجهة خُرَاسَان ووعده بولايتها فَرجع أَبُو إِسْحَاق إِلَى أبي مُسلم وَأَشَارَ عَلَيْهِ بلقاء الْمَنْصُور فاعتزم على ذَلِك واستخلف مَالك بن الْهَيْثَم بعسكره بحلوان وَقدم الْمَدَائِن على الْمَنْصُور فِي ثَلَاثَة آلَاف وخشي أَبُو أَيُّوب وَزِير الْمَنْصُور أَن يحدث مِنْهُ عِنْد قدومه فتك فَدَعَا بعض إخوانه وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يَأْتِي أَبَا مُسلم ويتوسل بِهِ إِلَى الْمَنْصُور فِي ولَايَة كسكر يُصِيب فِيهَا مَالا عَظِيما وَأَن يُشْرك أَخَاهُ فِي ذَلِك وَيجْعَل ذَلِك أَبُو مُسلم فِي حَوَائِجه وَأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عازم على أَن يوليه مَا وَرَاء بَابه وَينْزع نَفسه وَاسْتَأْذَنَ لَهُ المنصورَ فِي لِقَاء أبي مُسلم فَأذن لَهُ فلقي ذَلِك الْبَعْض أَبَا مُسلم وتوسل إِلَيْهِ وَأخْبرهُ الْخَبَر فطابت نَفسه وَذهب عَنهُ الْحزن واستبشر بتولية الْمَنْصُور إِيَّاه مَا وَرَاء بَابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 وَلما قرب أَبُو مُسلم أَمر الْوَزير أَبُو أَيُّوب النَّاس بتلقيه ثمَّ دخل على الْمَنْصُور فَقبل يَده ثمَّ انْصَرف ليريح ليلته ودعا الْمَنْصُور من الْغَد حَاجِبه عُثْمَان بن نهيك وَأَرْبَعَة من الحرس مِنْهُم شبيب بن واج وَأَبُو حنيفَة حَرْب بن قيس وأجلسهم خلف الرواق وَأمرهمْ بقتل أبي مُسلم إِذا صفق بيدَيْهِ واستدعى أَبَا مُسلم فَلَمَّا دخل سَأَلَهُ عَن سيفين أصابهما لِعَمِّهِ عبد الله بن عَليّ وَكَانَ أَبُو مُسلم مُتَقَلِّدًا أَحدهمَا فَقَالَ أَبُو مُسلم هَذَا أَحدهمَا فَقَالَ الْمَنْصُور أرنيه فانتضاه أَبُو مُسلم وناوله إِيَّاه فَأخذ يقلبه بِيَدِهِ ويهزه ثمَّ وَضعه تَحت فرَاشه وَأَقْبل يعاتبه فَقَالَ كتبتَ إِلَى السفاح تنهاه عَن الْموَات كَأَنَّك تعلمه فَقَالَ أَبُو مُسلم ظَنَنْت أَنه لَا يحل ثمَّ اقتديتُ بِكِتَاب السفاحِ وعلمتُ أَنكُمْ مَعْدن الْعلم قَالَ فتقدمك عني بطرِيق مَكَّة فَقَالَ كرهت مزاحمتك على المَاء قَالَ فامتناعُكَ عَن الرُّجُوع إِلَيّ حِين بلغك موت السفاح وامتناعك عَن الْإِقَامَة حَتَّى ألحقك قلت قد تقدَم أَن أَبَا مُسلم حَال عودهما من الْحَج كَانَ مُتَقَدما على الْمَنْصُور فَبَلغهُ خبر موت السفاح قبله وَلم يرجع إِلَى الْمَنْصُور للتعزية والتهنئة لَهُ بالخلافة وَلم يقمْ فِي مَكَانَهُ إِلَى أَن يصل إِلَيْهِ الْمَنْصُور بل استمرَّ سائراً حَتَّى دخل الْكُوفَة قبله فَلذَلِك يؤنبه بذلك فَقَالَ أَبُو مُسلم طلبت الرِّفْق بِالنَّاسِ والمبادرة إِلَى الْكُوفَة قَالَ فجارية عمي عبد الله أردتَ أَن تتخذها لنَفسك قَالَ لَا وَإِنَّمَا وكلْتُ بهَا من يحفظها قَالَ فمراغمتك وسيرك إِلَى خُرَاسَان قَالَ خفت مِنْك فَقلت آتِي خُرَاسَان وأكتُبُ بعذري فَأذْهب مَا فِي نَفسك مني قَالَ فَالْمَال الَّذِي جمعته بحران قَالَ أنفقته على الْجند تَقْوِيَة لكم قَالَ أَلَسْت الْكَاتِب إليَّ تبدأُ بِنَفْسِك وتخطب آمِنَة بنت عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وتزعم أَنَّك من ذُرِّيَّة سليط بن عبد الله بن عَبَّاس لقد ارتقيت لَا أُمَ لَك مرتقى صعبَاً ثمَّ قَالَ لَهُ وَمَا الَّذِي دعَاك إِلَى قتل سُلَيْمَان بن كثير مَعَ أَثَره فِي دَعوتنَا وَهُوَ أحد نقبائنا من قبل أَن ندخلك فِي هَذَا الْأَمر قَالَ أَرَادَ الْخلَافَة فَقتلته ثمَّ قَالَ أَبُو مُسلم كَيفَ يُقَال لي هَذَا بعد بلائي وَمَا كَانَ مني قَالَ يَا ابْن الخبيثة لَو كَانَت أَمَة مَكَانك لأغْنَتْ إِنَّمَا ذَاك بدولتنا وريحنا فأكب أَبُو مُسلم قبل يَدي الْمَنْصُور وَيعْتَذر فازداد الْمَنْصُور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 غَضبا فَقَالَ أَبُو مُسلم دع هَذَا فقد أَصبَحت لَا أَخَاف إِلَّا الله وَحده فشتمه الْمَنْصُور وصفَّق بِيَدِهِ فَخرج الحرس وضربه عُثْمَان بن نهيك فَقطع علابيه قَالَ أَبُو مُسلم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ استبقني لعدوك فَقَالَ لَا أبقاني الله إِذن وَأي عَدو أعدى مِنْك وَأَخذه الحرس بسيوفهم حَتَّى قَتَلُوهُ وَذَلِكَ لخمس بَقينَ من شعْبَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَخرج الْوَزير أَبُو الجهم فصرف النَّاس والجند وَقَالَ الْأَمِير قَائِل عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ فانصرفوا وَأمر لَهُم بالجوائز وأعطَى أَبَا إِسْحَاق مائَة ألف وَدخل عِيسَى بن مُوسَى على الْمَنْصُور بعد قَتله فَسَأَلَهُ عَنهُ وَأخذ فِي الثَّنَاء على طَاعَته وبلائه وَذكر رَأْي الإِمَام إِبْرَاهِيم فِيهِ فَقَالَ الْمَنْصُور وَالله لَا أعلم على وَجه الأَرْض عدوا أعدى لكم مِنْهُ هُوَ ذَا فِي الْبسَاط فَاسْتَرْجع عِيسَى فَأنْكر عَلَيْهِ الْمَنْصُور وَقَالَ وَهل كَانَ لكم ملك مَعَه ثمَّ دخل على الْمَنْصُور جَعْفَر بن حَنْظَلَة فَاسْتَشَارَ فِي قتل أبي مُسلم فَأَشَارَ بقتْله فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور وفقك الله ثمَّ نظر إِلَيْهِ قَتِيلا فَقَالَ عُدَ خلافتك من هَذَا الْيَوْم ثمَّ دَعَا أَبَا إِسْحَاق وعذله على مُتَابعَة أبي مُسلم وَقَالَ تكلم بِمَا أردْت وَأخرجه قَتِيلا فَسجدَ أَبُو إِسْحَاق ثمَّ رفع رَأسه يَقُول الْحَمد لله الَّذِي آمنني بك وَالله مَا جِئْته قَطُّ إِلَّا وتكفنْتُ وتحنطْتُ وَرفع ثِيَابه وَأرَاهُ كَفنه وحنوطه فرحمه الْمَنْصُور وَقَالَ اسْتقْبل طَاعَتك وَاحْمَدْ الله الَّذِي أراحك وَكتب الْمَنْصُور بعد قتل أبي مُسلم إِلَى نصر بن الْهَيْثَم الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ أَبُو مُسلم على خُرَاسَان حَال سيره إِلَى الْمَنْصُور كتابَاً على لِسَان أبي مُسلم يَأْمُرهُ بِحمْل أثقاله وَقد كَانَ أَبُو مُسلم أوصاه إِن جَاءَك كتابي بخاتمي تَاما فَاعْلَم أَنِّي لم أكتبه فَلَمَّا رَآهُ نصر بن الْهَيْثَم كَذَلِك فطنَ وَانْحَدَرَ إِلَى همذان يُرِيد خُرَاسَان فَكتب لَهُ الْمَنْصُور بوالية شهرزور وَكتب إِلَى زُهَيْر بن التركي بهمذان بِحَبْس نصر فَمر نصر بهمذان وخادعه زُهَيْر وَدعَاهُ إِلَى طَعَامه وحبسه وَجَاء كتاب الْعَهْد بشهرزور لنصر فَأَطْلقهُ زُهَيْر ثمَّ جَاءَهُ بعد ذَلِك كتاب فَقَالَ جَاءَنِي كتاب عَهده فخليت سَبيله ثمَّ قدم نصر على الْمَنْصُور فعذله فِي استشارته على أبي مُسلم بالامتناع من السّير إِلَيْهِ فَقَالَ نصر نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اصطنعني فنصحتُ لَهُ وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 اصطنعني أَمِير الْمُؤمنِينَ نصحت وشكرت فَاسْتَعْملهُ الْمَنْصُور على الْموصل ثمَّ أقبل الْمَنْصُور على من حضر وَأَبُو مُسلم طريح بَين يَدَيْهِ وأنشده من // (السَّرِيع) // (زَعَمْتَ أَنَّ الدَّيْنَ لاَ يُقَتَضَى ... فَاسْتَوْفِ بالكَيْلِ أَبَا مُجْرِمِ) (إِشْرَبْ بِكَأْسٍ كُنْتَ تَسْقِي بِهَا ... أَمَرَّ فِي الحَلْقِ مِنَ العَلْقَمِ) وَكَانَ يُقَال لَهُ أَبُو مُجرم وَفِيه يَقُول أَبُو دلامة من // (الطَّوِيل) // (أَبَا مُجْرِمٍ مَا غَيَّرَ الله نعمَةً ... على عَبْدِهِ حَتَّى يغيِّرَهَا العَبْدُ) (أَفِي دَوْلَةِ المنْصُورِ حاوَلْتَ غدرةَ ... أَلا إِن أهْلَ الغَدْرِ آباؤُكَ الكُرْدُ) (أَبَا مجرِمٍ خَوَّفْتَنِي القَتْلَ فانْتَحَى ... عليكَ بِمَا خوفْتنِي الأَسَدُ الوَرْدُ) وَلما قَتله الْمَنْصُور خطب النَّاس فَذكر أَن أَبَا مُسلم أحسن أَولا وأساء آخرا ثمَّ قَالَ فِي آخر خطبَته وَمَا أحسن قَول النَّابِغَة الذبياني للنعمان بن الْمُنْذر من // (الْبَسِيط) // (فَمَنْ أَطَاعَكَ فَانْفَعْهُ بِطَاعَتِهِ ... كَمَا أَطَاعَكَ وَادْلُلْهُ عَلى الرَّشَدِ) (وَمَنْ عَصَاكَ فعاقبْهُ معاقبَةً ... تَنْهَى الظَّلُومَ وَلَا تقَعُدْ على ضَمَدِ) الضمد بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَالْمِيم الحقد وَفِي ابْن خلكان وَغَيره كَانَ أَبُو مُسلم قد سمع الحَدِيث وروى عَنهُ وَأَنه خطب يَوْمًا فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ مَا هَذَا السوَاد الَّذِي أرى عَلَيْك فَقَالَ أَبُو مُسلم حَدثنِي أَبُو الزبير عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن النَّبِي دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وعَلى رَأسه عِمَامَة سَوْدَاء وَهَذِه ثِيَاب الهيبة وَثيَاب الدولة يَا غُلَام اضْرِب عُنُقه قلت حَدِيث جَابر هَذَا فِي صَحِيح مُسلم وَمن ثمَّ كَانَ شعار بني الْعَبَّاس فِي الْخطْبَة السَّوْدَاء وَكَانَ أَبُو مُسلم فصيحَاً عَالما بالأمور شجاعاً فاتكاً وَلم يُرَ قطّ مازحاً وَلَا يظْهر عَلَيْهِ سرُور وَلَا غضب وَلَا يَأْتِي النِّسَاء إِلَّا مرّة وَاحِدَة فِي السّنة وَكَانَ يَقُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 النِّكَاح جنونٌ وَيَكْفِي الْعَاقِل أَن يجن فِي السّنة إِلَّا مرّة وَاحِدَة وأحصى من قَتله أَبُو مُسلم صبرَاً وَفِي حروبه فَكَانُوا سِتّمائَة ألف ونيفاً وَفِي المحاسن قَالَ قَالَ ابْن الْمعَافي لأبي مُسلم أَيهَا الْأَمِير لقد قُمْت بأمرِ لَا يقصر بك ثَوَابه عَن الْجنَّة فِي إِقَامَة دولة بني الْعَبَّاس فَقَالَ خوفي من النَّار وَالله أولى من طمعي فِي الْجنَّة إِنِّي أطفأت من بني أُميَّة جَمْرَة وألهبت من بني الْعَبَّاس نيراناً فَإِن أفرح بالإطفاء فواحسرتا من الإلهاب وَحدث أَبُو نميلَة عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت أَبَا مُسلم بِعَرَفَات يَقُول فِي الْموقف باكياً اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوب إِلَيْك مِمَّا أَظن أَنَّك لن تغفره لي فَقلت أَيهَا الْأَمِير أيعظم على الله تَعَالَى غفران ذَنْب فَقَالَ إِنِّي نسجت ثوبَاً من الظُّلم لَا يبْلى مَا دَامَت الدولة لبني الْعَبَّاس فكم صارخٍ وصارخةٍ تلعنني عِنْد تفاقم هَذَا الْأَمر فَكيف يغْفر الله تَعَالَى لمن هَذَا الْخلق خصماؤه انْتهى وَاخْتلف فِي نسبته فَقيل من الْعَرَب وَقيل من الْعَجم وَقيل من بني أُميَّة وَقيل من الأكراد وَقيل لَهُ مَا كَانَ سَبَب خُرُوج الدولة عَن بني أُميَّة فَقَالَ لأَنهم أبعدوا أصدقاءهم ثِقَة بهم وأدنوا أعداءهم تألفاً لَهُم فَلم يصر الْعَدو صديقا بالتأليف وَصَارَ الصّديق عدوا بالإبعاد وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة دخل عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْأمَوِي الْمُسَمّى بالداخل لِأَنَّهُ أول من دخل الْمغرب فَدخل الأندلس وَاسْتولى عَلَيْهَا وامتدت أَيَّامه وَبقيت الأندلس فِي يَد أَوْلَاده إِلَى بعد الأربعمائة وَكَانَ عبد الرَّحْمَن هَذَا من أهل الْعلم وَالْعدْل وَكَانَت سيرته حميدة فِي الدّين وَكَانَ يُجَاهد الْكفَّار على إعلاء كلمة الدّين فَقيل للْإِمَام مَالك بن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن بالمغرب ملكا قَائِما بالشرائع يلبس الصُّوف وَيَأْكُل الشّعير ويجاهد أَعدَاء الدّين من الْمُشْركين المجاورين لَهُ فَقَالَ مَا أحْوج بَلْدَتنَا إِلَى وَاحِد مثله تتزين بِهِ فوصلت كلمة مَالك إِلَيْهِ بالأندلس فَجمع النَّاس فِي مَمْلَكَته ونادى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 أَلا يدان إِلَّا بِمذهب مَالك فَمن ثمَّ كَانَ أهل الْمغرب على مَذْهَب الإِمَام مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ سمع الْمَنْصُور بذلك فحصلت مِنْهُ إساءة إِلَى الإِمَام مَالك بِسَبَب ذَلِك القَوْل وَأمه بربرية وَكَذَلِكَ أم الْمَنْصُور فَكَانُوا يَقُولُونَ ملك الدُّنْيَا ابْنا بربريتين الْمَنْصُور وَعبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة هَذَا وَفِي سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة حج الْمَنْصُور فَنزل فِي دَار الندوة وَكَانَ يخرج فيطوفُ سحرًا بِالْبَيْتِ فَخرج ذَات لَيْلَة فَبَيْنَمَا هُوَ يطوف إِذْ سمع قَائِلا يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ظُهُور الْبَغي وَالْفساد فِي الأَرْض وَمَا يحول بَين الْحق وَأَهله من الطمع فهرول الْمَنْصُور حَتَّى مَلأ مسامعه ثمَّ رَجَعَ إِلَى دَار الندوة وَقَالَ لصَاحب الشرطة إِن بِالْبَيْتِ رجلا يطوف صفته كَذَا فائتني بِهِ فَخرج فَوجدَ رجلا عِنْد الرُّكْن الْيَمَانِيّ فَقَالَ أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ الْمَنْصُور مَا الَّذِي سَمِعتك آنِفا تشكوه إِلَى الله تَعَالَى من ظُهُور الْبَغي وَالْفساد إِلَى آخِره فوَاللَّه لقد حشوتَ مسامعي مَا أَمْرَضَنِي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الَّذِي دخله الطمع وَحَال بَين الْحق وَأَهله أنتَ فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور وَيحك كَيفَ يدخلني طمع والصفراء والبيضاء ببابي وَملك الأَرْض فِي قبضتي فَقَالَ الرجل سُبْحَانَ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهل دخل أحدا من الطمع مَا دَخلك إِن الله تَعَالَى استرعاك أُمُور الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ فأهملت أُمُورهم واهتممت بِجمع أَمْوَالهم واتخذت بَيْنك وَبينهمْ حجابَاً من الجص والآَجُر وحجبة تمنعهم الْبَلَاغ وَأمرت أَلا يدْخل عَلَيْك إِلَّا فلَان وَفُلَان ثمَّ استخلصتهم لنَفسك وآثرتهم على رعيتك وَلم تَأمر بإيصال الْمَظْلُوم وَلَا الجائع وَلَا العاري وَلَا أحد إِلَّا وَله فِي هَذَا المَال حَق فَلَمَّا رآك هَؤُلَاءِ الَّذين استخلصتهم لنَفسك وآثرتهم على رعيتك تجمَعُ الأموالَ وَلَا تقسمها قَالُوا هَذَا قد خَان الله وَرَسُوله فمالنا لَا نخونه فَاجْتمعُوا على أَلا يصل إِلَيْك من أَمْوَال النَّاس إِلَّا مَا أَرَادوا فصاروا شركاءك فِي سلطانك وَأَنت غافل عَنْهُم وَإِذا جَاءَ الْمَظْلُوم إِلَى بابك وَجدك قد أوقفت ببابك رجل ينظر فِي الْمَظَالِم فَإِن كَانَ الظَّالِم من بطانتك علل الْمَظْلُوم وسوف بِهِ من وَقت إِلَى وَقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 فَإِذا اجْتهد وَظَهَرت أنتَ فَصَرَخَ بَين يَديك ضرب ضربَاً مبرحاً ليَكُون نكالا لغيره وَأَنت ترى ذَلِك فَلَا تنكره وَلَقَد كَانَت الْخُلَفَاء من قبلك إِذا انْتَهَت إِلَيْهِم الظلامة أزيلَتْ فِي الْحَال وَلَقَد كنت أسافر إِلَى الصين فقدمتُ مرّة إِلَيْهِ فَوجدت الْملك الَّذِي بِهِ فَقَدَ سَمْعَهُ فَبكى فَقَالَ وزراؤه مَا يبكيك فَقَالَ مَا بَكَيْت لمصيبة نزلت بِي إِنَّمَا أبْكِي لمظلوم يصْرخ بِالْبَابِ فَلَا أسمعهُ ثمَّ قَالَ إِن ذهب سَمْعِي فَلم يذهب بَصرِي نادوا فِي النَّاس لَا يلبس أحد أَحْمَر إِلَّا مَظْلُوما وَكَانَ يركب الْفِيل وَيذْهب فِي الْبَلَد لعلَه يجد لابس ثوب أَحْمَر فينصفه فَهَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رجل مُشْرك بِاللَّه غلبت رأفته على شح نَفسه بالمشركين فَكيف بك وَأَنت مُؤمن بِاللَّه وَابْن عَم رَسُول الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا يجمع المَال لإحدى ثَلَاث إِن قلتَ إِنَّمَا أجمع المَال للْوَلَد فقد أَرَاك الله عِبْرَة فِي الطِّفْل إِذْ يسْقط من بطن أمه وَلَيْسَ لَهُ على وَجه الأَرْض من مَال وَمَا من مَال إِلَّا ودونه يَد شحيحة تحويه فَلم يزل لطف الله تَعَالَى بذلك الطِّفْل حَتَّى تعظم رَغْبَة النَّاس فِيهِ وحوى مَا حوته تِلْكَ الْيَد الشحيحة وَلست بِالَّذِي تُعْطِي وَإِنَّمَا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المعطِي وَإِن قلت إِنَّمَا أجمعه لمصيبة تنزل بِي فقد أَرَاك الله تَعَالَى عِبْرَة فِي الْمُلُوك والقرون الَّذين خلو من قبلك مَا أغْنى عَنْهُم مَا أعدُّوا من الْأَمْوَال والذخائر والكُرَاع حِين أَرَادَ الله تَعَالَى مَا أَرَادَ وَإِن قلت إِنَّمَا أجمعه لغاية هِيَ أحسن من الْغَايَة الَّتِي أَنْت فِيهَا فوَاللَّه مَا فَوق غايتك إِلَّا منزلَة لَا تدْرك إِلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالح فَبكى الْمَنْصُور بكاء شديدَاً ثمَّ قَالَ كَيفَ أعمل والعلماءُ قد فرَتْ مني والصالحون لم يدخلُوا عَليّ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ افْتَحْ الْبَاب وانتصر للمظلوم من الظَّالِم وَخذ المَال مِمَّا حل واقسمه بِالْحَقِّ وَالْعدْل وَأَنا ضَامِن من هرب مِنْك أَن يعود إِلَيْك ثمَّ خرج الرجل فَقَامَ الْمَنْصُور للصَّلَاة فَلَمَّا صلى طلب الرجل فَلم يجده فَذهب إِلَيْهِ الشرطي فَوَجَدَهُ عِنْد الرُّكْن الْيَمَانِيّ فَقَالَ أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الرجل لَيْسَ إِلَى ذَلِك سَبِيل قَالَ الشرطي إذنْ يضْرب عنقِي قَالَ لَا وَلَا إِلَى ضرب عُنُقك سَبِيل ثمَّ أخرج وَرقا مكتوبَاً فَقَالَ خُذْهُ مَعَك فَإِن فِيهِ دُعَاء الْفرج وَذكر لَهُ فضلا عَظِيما فَأَخذه الشرطي وأتى إِلَى الْمَنْصُور فَلَمَّا رَآهُ قَالَ وَيحك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 أتحسن السحر قَالَ لَا وَالله ثمَّ قصّ عَلَيْهِ الْقِصَّة فَأمر الْمَنْصُور بنقله وَأمر للشرطي بِأَلف دِينَار وَهُوَ هَذَا اللَّهُمَّ كَمَا لطفت فِي عظمتك وقدرتك دون اللطفاء وعلوت بعظمتك على العظماء وعلمتَ مَا تَحت أَرْضك كعلمك بِمَا فَوق عرشك فَكَانَت وساوس الصُّدُور عنْدك كالعلانية وَعَلَانِيَة القَوْل كالسر فِي علمك فانقاد كل شَيْء لعظمتك وخضع كل ذِي سُلْطَان لسلطانك وَصَارَ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كُله بِيَدِك اجْعَل لي من كل هم وغم أصبحتُ أَو أمسيتُ فِيهِ فرجَاً ومخرجاً اللَّهُمَّ إِن عفوك عَن ذُنُوبِي وتجاوزك عَن خطيئتي وسترك على قَبِيح عَمَلي أطمعني أَن أَسأَلك مَا لَا أستوجبه مِنْك بهما قصرت فِيهِ فصرت أَدْعُوك آمنَاً وَأَسْأَلك مستأنساً فَإنَّك المحسن وَأَنا الْمُسِيء إِلَى نَفسِي فِيمَا بيني وَبَيْنك تتودد إليَ بنعمتك وأتبغض إِلَيْك بِالْمَعَاصِي وَلَكِن الثِّقَة بك حَملتنِي على الجرأة عَلَيْك فَعُدِ اللَّهُمَّ بِفَضْلِك وإحسانك عَليّ إِنَّك أَنْت الرءوف الرَّحِيم وَكَانَ هَذَا الرجل هُوَ الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا الدُّعَاء مَشْهُور بِأَنَّهُ دُعَاء الْخضر وَهُوَ عَظِيم الْفَوَائِد جم العوائد وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة بني مَدِينَة بَغْدَاد سَببهَا ثورة الرواندية عَلَيْهِ بالهاشمية وَلِأَنَّهُ كَانَ يكره أهل الْكُوفَة وَلَا يَأْمَن على نَفسه مِنْهُم فتجافى عَن جوارهم وَسَار إِلَى مَكَان بَغْدَاد الْيَوْم وَجمع من كَانَ هُنَاكَ من البطارقة وسألهم عَن أَحْوَالهم ومواضعهم فِي الْحر وَالْبرد والمطر والوحل والهوام واستشارهم فأشاروا عَلَيْهِ بمكانها وَقَالُوا تجيئك الْميرَة فِي السفن من الشَّام والرقة ومصر وَالْمغْرب إِلَى الصراة وَمن الصين والهند وَالْبَصْرَة وواسط وديار بكر وَالروم والموصل فِي دجلة وَمن أرمينية وَمَا اتَّصل بهَا من تامراً تتصلُ بالزاب يَعْنِي نهر الْموصل وَأَنت بَين أَنهَار كالخنادق لَا تعبر إِلَّا على القناطر والجسور وَإِذا قطعتها لم يكن لعدوك مطمع فِي أَرْضك وَأَنت متوسط بَين الْبَصْرَة والكوفة وواسط والموصل قريب من الْبر وَالْبَحْر والجبل فشرع الْمَنْصُور فِي عمارتها وَكتب إِلَى الشَّام والكوفة وواسط وَالْبَصْرَة فِي الصناع والفعلة وَاخْتَارَ من ذَوي الْفضل وَالْعَدَالَة والعفة وَالْأَمَانَة والمعرفة بالهندسة فأحضرهم لذَلِك وَأمر بخطها بالرماد فشكلَت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 أَبْوَابهَا وفصلاتها وطاقاتها ونواحيها وَجعل على الرماد حب الْقطن فأضرم نَارا ثمَّ نظر إلِيِها وَهِي تشتعل فَعرف رسمها وَأمر أَن تحفر الأسوس على ذَلِك الرَّسْم ووكل بهَا أَرْبَعَة من القواد يتَوَلَّى كل وَاحِد مِنْهُم نَاحيَة ووكل الإِمَام الْأَعْظَم أَبَا حنيفَة بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ بِعَد الآجُر وَاللَّبن وَقد كَانَ أَرَادَهُ على الْقَضَاء والمظالم فَأبى فَحلف أَلا يقْلع عَنهُ حَتَّى يعْمل لَهُ عملا فَكَانَ هَذَا وأْمر الْمَنْصُور أَن يكون عرض أساس السُّور من أَسْفَله خمسين ذراعَاً وَمن أَعْلَاهُ عشْرين ذِرَاعا وَوضع بِيَدِهِ أول لبنة وَقَالَ بِسم الله وَالْحَمْد لله وَالْأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين ثمَّ قَالَ ابْنُوا على بركَة الله وَاسْتَشَارَ خَالِدا الْبَرْمَكِي فِي نقض الْمَدَائِن وإيوان كسْرَى فَإِنَّهُ بِالْمَدَائِنِ فَقَالَ لَا أرى لَك لِأَنَّهُ من آثَار الْإِسْلَام وفتوح الْعَرَب وَفِيه مصلى عَليّ بن أبي طَالب فاتهمه الْمَنْصُور بعصبية الْعَجم لِأَن خَالِدا أَصله من الْعَجم وَأمر بِنَقْض الْقصر الْأَبْيَض فَإِذا الَّذِي ينْفق عَلَيْهِ أَكثر من الثّمن الْجَدِيد فأقصر الْمَنْصُور عَنهُ فَقَالَ لَهُ خَالِد أما الْآن فَلَا أرى إقصارك عَنهُ لِئَلَّا يُقَال عجزوا عَن هدم مَا بناه غَيرهم وَالْهدم أيسَرُ من الْبناء فَأَعْرض عَنهُ وَنقل الْأَبْوَاب إِلَى بَغْدَاد من وَاسِط وَمن الشَّام وَمن الْكُوفَة وَجعل الْمَدِينَة مُدَوَّرَة وَجعل قصره وَسطهَا ليَكُون النَّاس مِنْهُ على حد سَوَاء وَجعل الْمَسْجِد الْجَامِع إِلَى جنب الْقصر وَجعل لَهَا سورين والداخل أَعلَى من الْخَارِج وَكَانَ زنة اللَّبن الَّذِي يَبْنِي بِهِ كل لبنة مائَة رَطْل وَسَبْعَة عشر رطلا وطولها ذِرَاع فِي ذِرَاع وَكَانَ مِقْدَار النَّفَقَة عَلَيْهَا بالجامع وَالْقصر والسورين والفنادق والأبواب والأسواق أَرْبَعَة آلَاف ألف وَثَمَانمِائَة ألف وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين توطأت الممالك كلهَا للمنصور وجلت هيبته فِي النُّفُوس ودانت لَهُ الْأَمْصَار وَلم يبْق خَارِجا عَنهُ سوى جَزِيرَة الأندلس فَإِنَّهُ غلب عَلَيْهَا عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام كَمَا قدمت ذكره وَفِي سنة تسع وَأَرْبَعين فرغ من بِنَاء بَغْدَاد وَفِي سنة خمسين بني الرصافة وشيدها وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين ألزم الْمَنْصُور رَعيته لبس القلانس الطوَال وَكَانُوا يعملونها بالقصب وَالْوَرق ويلبسونها فَقَالَ أَبُو دلامة فِي ذَلِك من // (الطَّوِيل) // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 (وَكُنَّا نرجِّي من إمامٍ زِيَادَة ... فَزَاد الإمَامُ المصطَفَى فِي القَلَانِسِ) (تَرَاهَا على هَامِ الرجالِ كَأَنَّهَا ... زُنَارُ يَهُودٍ جُلِّلَتْ بِالبَرَانِسِ) وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور مهيباً سفاكَاً ذَا دهاءِ وحزمِ وتدبيرِ لأمور الرّعية وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الصمت وعَلى ظَاهر أَحْوَاله الصّلاح أمه يُقَال لَهَا سَلامَة بربرية يُقَال إِنَّهَا قَالَت لما حملت بِهِ رأيتُ كَأَن أسداً خرج مني فأقعى وزأر وَضرب بذيله الأَرْض فَأَقْبَلت إِلَيْهِ الْأسود من كل نَاحيَة فَكلما انْتهى أَسد مِنْهَا إِلَيْهِ سجد كَانَت وِلَادَته سنة خمس وَتِسْعين وَهِي السّنة الَّتِي توفّي فِيهَا الْحجَّاج بن يُوسُف يحْكى أَنه رتب أوقاته لأموره كَانَ بعد أَن يُصَلِّي الصُّبْح إِلَى وَقت صَلَاة الظّهْر يدبر أَحْوَال الْبِلَاد وَيرْفَع الْمَظَالِم عَن الْعباد وَيَقْضِي حوائج النَّاس وَمن الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر يدبر أَحْوَال نَفسه وَمن الْعَصْر إِلَى الْمغرب يتَقَيَّد بِأُمُور خواصِّ أهل بَيته وَبعد الْمغرب إِلَى الْعشَاء يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ وَبعد الْعشَاء إِلَى مُضِيّ الثُّلُث الأول من اللَّيْل يجْتَمع إِلَيْهِ ندماؤه ويتحدَثون بالسير وَالْأَخْبَار والأشعار المتضمنة للْحكم والشجاعة فَإِذا تفَرقُوا من عِنْده رقد الثُّلُث الْأَوْسَط فَإِذا دخل الثُّلُث الْأَخير قَامَ وَتَوَضَّأ وتهجد وَقَرَأَ الْقُرْآن إِلَى الصُّبْح وَفِي ربيع الْأَبْرَار سَأَلَ الْمَنْصُور بعض بطانة هِشَام بن عبد الْملك الْأمَوِي عَن تَدْبِير هِشَام فِي حروبه فَقَالَ ذَلِك الْبَعْض فعل كَذَا رَحمَه الله وصنع كَذَا رَحمَه الله فَقَالَ الْمَنْصُور لعنك الله وإياه تطَأ بساطي وتترحَم على عدوي أَخْرجُوهُ عني فَقَامَ الرجل وَهُوَ يَقُول وَالله لنعمة عَدوك قلادة فِي عنقِي لَا يَنْزِعهَا إِلَّا غاسلي فَقَالَ الْمَنْصُور ردُّوهُ عَليّ فَرُدَ فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور يَا شيخ أشهد أَنَّك نتيجة حر وَثَمَرَة شرِيف ودعا لَهُ بِمَال فَقَالَ الرجل لَوْلَا افتراض طَاعَتك مَا قبلت بعده لأحد نعْمَة فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور كفيت قَوْمك فخراً كن أول دَاخل عَليّ وَآخر خَارج عني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 وَدخل بعض الهاشميين عَلَيْهِ فَجعل يحدثه وَيكثر من ذكر أَبِيه والترحم عَلَيْهِ فَيَقُول كَانَ أبي رَحمَه الله وَفعل أبي رَحمَه الله فَقَالَ لَهُ الرّبيع حَاجِب الْمَنْصُور كم تترحَم على أَبِيك بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ الْهَاشِمِي أَنْت مَعْذُور فَإنَّك لَا تعرف حلاوة الْآبَاء فَخَجِلَ مِنْهُ أَشد الخجل وَذَلِكَ أَن الرّبيع كَانَ لقيطاً لَا يعرف لَهُ أَب وَكَانَ الْمَنْصُور مَعَ هَذِه الصِّفَات الحميدة يُوصف بالبخل الشَّديد وَلذَا لقب بالدوانيقي ذكر ابْن خلدون أَنه حاسب القواد الَّذين جعلهم على بِنَاء بَغْدَاد عِنْد الْفَرَاغ مِنْهَا فألزم كُلاًَ بِمَا بَقِي عِنْده حَتَّى إِنَّه أَخذ من خَالِد بن الصَّلْت مِنْهُم خَمْسَة عشرَة درهما بعد أَن حَبسه عَلَيْهَا وَمِمَّا يحْكى عَنهُ من الشُّح أَنه قَالَ للمسيب بن زُهَيْر أحضرني بِنَاء حاذقاً السَّاعَة فَأحْضرهُ فَأدْخلهُ إِلَى بعض محاله وَقَالَ ابْن لي بازائه طاقاً يكون شَبِيها بِالْبَيْتِ فَلم يزل يُؤْتِي بالحصى والآجر حَتَّى بناه وجوده فَنظر إِلَيْهِ الْمَنْصُور وَاسْتَحْسنهُ وَقَالَ للمسيب أعْطه أجره فَقَالَ أعْطِيه خَمْسَة دَرَاهِم فاستكثرها وَقَالَ لَا أرضي بذلك فَلم يزل حَتَّى نَقصه درهما ففرح بذلك وابتهج كَأَنَّهُ أصَاب مَالا وَحكي أَيْضا أَنه لدغ فَدَعَا مولى لَهُ يُقَال لَهُ أسلم رقاء فَأمره أَن يرقيه فرقاه فبرئ فَأمر لَهُ برغيف فَأخذ الرَّغِيف فثقبه وصيره فِي عُنُقه وَجعل يَقُول رقيت مولَايَ فبرئ فَأمر لي بِهَذَا الرَّغِيف فَبلغ الْمَنْصُور ذَلِك فَقَالَ لَهُ لم أبرك أَن تشنع عَليّ فَقَالَ لم أشنع إِنَّمَا أخْبرت بِمَا أمرتَ فَأمر أَن يصفع ثَلَاث أَيَّام كل يَوْم ثَلَاث صفعات قلت وَعِنْدِي وَالله فِي صِحَة هَذَا القَوْل عشرُون شكا وَالله أعلم بالحقائق وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ بعث إِلَيّ الْمَنْصُور فَقَالَ لم تبطئ عَنْهَا قلت وَمَا تُرِيدُ منا فَقَالَ لآخذ عَنْكُم وأقتبس مِنْكُم فَقلت لَهُ مهلا فَإِن عُرْوَة بن رُوَيْم أَخْبرنِي أَن نَبِي الله قَالَ من جَاءَتْهُ موعظة من ربه فقبلها شكر الله لَهُ ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 وَمن جَاءَتْهُ فَلم يقبلهَا كَانَت حجَّة عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة مهلا فَإِن مثلك لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام إِنَّمَا جعلت الْأَنْبِيَاء رُعَاة لعلمهم بالرعية يجبرون الكسير ويسمنون الهزيل ويؤوون الضَّالة فَكيف من يسفك دم الْمُسلمين وَيَأْخُذ أَمْوَالهم أُعِيذك بِاللَّه أَن تَقول إِن قرابتك من رَسُول الله تدعوك إِلَى الْجنَّة إِن رَسُول الله كَانَت فِي يَده جَرِيدَة يستاك بهَا فَضرب بهَا قورة أَعْرَابِي فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله تبَارك وَتَعَالَى لم يَبْعَثك مؤيسَاً مقنطاً تكسر قُرُون أمتك ألق الجريدة من يدك فَدَعَا الْأَعرَابِي إِلَى الْقصاص من نَفسه فَكيف بِمن يسفك دِمَاء الْمُسلمين إِن الله عز وَجل أوحى إِلَى من هُوَ خير مِنْك دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام {يَا داودُ إِنا جَعلناك خليفَة فِي اَلأَرضِ فاحكمُ بَين اَلناسِ باِلحقِ وَلا تَتبِعِ الهَوَى} الْآيَة ص 26 وأوحي إِلَيْهِ يَا دَاوُد إِذا أَتَاك الخصمان فَلَا يكون لأَحَدهمَا على صَاحبه الْفضل فأمحوك من ديوَان نبوتي اعْلَم أَن ثوبَاً من ثِيَاب أهل النَّار لَو علق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لمات أهل الأَرْض من نَتن رِيحه فَكيف بِمن يتقمصه وَلَو أَن حَلقَة من سلاسل جَهَنَّم وضعت على جبال الدُّنْيَا لذابت كَمَا يذوب الرصاص حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الأَرْض السَّابِعَة فَكيف بِمن تقلدها فبكي حَتَّى خضبت دُمُوعه لحيته وَوجه (الْعَهْد للمهدي وخلع عِيسَى بن مُوسَى) كَانَ السفاح قد عهد إِلَى عِيسَى ابْن أَخِيه مُوسَى أَن يكون خَليفَة بعد أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وولاه على الْكُوفَة فَلم يزل عَلَيْهَا فَلَمَّا كبر الْمهْدي بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور أَرَادَ الْمَنْصُور أَبوهُ أَن يقدمهُ فِي الْعَهْد على عِيسَى وَكَانَ يُكرمهُ فيجلسه عَن يَمِينه وَالْمهْدِي عَن يسَاره فَكَلمهُ فِي التَّأَخُّر عَن الْمهْدي فِي الْعَهْد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ بالأيمان الَّتِي عَليّ وعَلى الْمُسلمين وَأبي من ذَلِك وَلم يرض بتقدم الْمهْدي عَلَيْهِ فَتغير لَهُ الْمَنْصُور وباعده بعض الشَّيْء وَصَارَ يَأْذَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 للمهدي قبله ولعميه عِيسَى بن عَليّ وَعبد الصَّمد ثمَّ يدْخل عِيسَى بن مُوسَى فيجلس تَحت الْمهْدي وَاسْتمرّ الْمَنْصُور على التنكُر لعيسى وعزله عَن الْكُوفَة ثمَّ رَاجع عِيسَى رَأْيه وخلع نَفسه فَبَايع الْمَنْصُور للمهدي بالعهد وَجعل عِيسَى من بعده وَيُقَال أَنه أعطَاهُ أحد عشر ألف دِرْهَم وَأشْهد جمَاعَة عَلَيْهِ بِالْخلْعِ قَالَ فِي بغية الخاطر للعلامة مُحَمَّد بن مصطفى الشهير بكاتي ذكر أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور قَالَ لعَمْرو بن عبيد عظني قَالَ بِمَا رأيتُ أَو بِمَا سمعتُ فَقَالَ بل بِنَا رأيتَ فَقَالَ توفّي عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله وَخلف أحد عشر ابْنا وَبَلغت قيمَة تركته سَبْعَة عشر دِينَارا فَكفن بِخَمْسَة دَنَانِير وَاشْترى لَهُ مَوضِع قَبره بدينارين وَأصَاب كل وَاحِد من أَوْلَاده ثَمَانِيَة عشر قيراطاً وَمَات هِشَام بن عبد الْملك وَخلف أحد عشر ابْنا فَحصل كل وَاحِد من ورثته مِمَّا خَلفه عشرَة آلَاف دِينَار فَرَأَيْت رجلا من أَوْلَاد عمر بن عبد الْعَزِيز قد حمل على مائَة فرس فِي سَبِيل الله وَرَأَيْت رجلا من أَوْلَاد هِشَام يسْأَل النَّاس وَفِي سنة ثَمَان وَخمسين توفّي الْمَنْصُور محرما بِالْحَجِّ وَكَانَت وَفَاته ببئر مَيْمُون السَّادِس من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وبئر مَيْمُون على ثَلَاثَة أَمْيَال من مَكَّة وَدفن قبل بِئْر الْحجُون وَبَين بِئْر مَيْمُون وحفر لَهُ مائَة قبر وَدفن فِي أَحدهَا خوفًا أَن تنبشه الْأَعْدَاء قَالَ ابْن خلدون دفن بمقبرة المعلاة بعد أَن صلى عَلَيْهِ عِيسَى بن مُوسَى وَقيل إِبْرَاهِيم بن يحيى وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وعمره اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة وَأحد عشر شهرا وَسِتَّة أَيَّام وَقيل أَربع وَسِتُّونَ صفته قَالَ ابْن الْأَثِير فِي كَامِله كَانَ طَويلا أسمر خَفِيف اللِّحْيَة رَحْبَ الصَّدْر كَأَن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان صَارِمًا مهيبَاً ذَا جرْأَة وسطوة وحزم وعزم ورأي وشجاعة وَكَمَال عقل ودهاء وَعلم وحلم وَفقه وخبرة فِي الْأُمُور تقبله النُّفُوس وتهابه الرِّجَال كَانَ يخلط الْملك بزِي النّسك وَكَانَ بَخِيلًا بِالْمَالِ إِلَّا عِنْد النوائب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 قلت ورأيتُ فِي الذَّهَبِيّ أَنه كَانَ أغرى بسفيان وَالثَّوْري فَأمر قَتله حَال فَرَاغه من الْمَنَاسِك وَأعد خَشَبَة مَعَ الخشابين ليصلبه عَلَيْهَا فجَاء الْخَبَر إِلَى سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فضطجع بِالْحجرِ وَرَأسه فِي حجر الفضيل بن عِيَاض وَرجلَاهُ فِي حجر سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَقيل لَهُ إِن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور قَارب مَكَّة فَانْجُ بِنَفْسِك واختفِ فَقَامَ إِلَى أَثوَاب الْبَيْت الشريف ودعا طَويلا ثمَّ قَالَ بَرِئت من رب هَذِه الْبَيِّنَة إِن دَخلهَا أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَّا مَيتا فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك وَلما سَار الْمَنْصُور إِلَى الْحَج أوصى وَلَده الْمهْدي عِنْد وداعه فَقَالَ لَهُ لم أدع شَيْئا إِلَّا تقدّمت إِلَيْك فِيهِ وسأوصيك بخصال وَمَا أَظُنك تفعل وَاحِدَة مِنْهَا وَكَانَ لَهُ سفط فِيهِ دفاتر عمله وَعَلِيهِ قفل لَا يَفْتَحهُ أحد غَيره فَقَالَ للمهدي انْظُر لهَذَا السفط فاحتفظ بِهِ فَإِن فِيهِ علم آبَائِك مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَإِن حزبك أَمر فَانْظُر فِي الدفتر الْكَبِير فَإِن أصبت فِيهِ مَا تُرِيدُ وَإِلَّا فَفِي الثَّانِي وَالثَّالِث حَتَّى بلغ سَبْعَة فَإِن ثقل عَلَيْك فالكراسة الصَّغِيرَة فَإنَّك وَاجِد مَا تُرِيدُ فِيهَا وَمَا أَظُنك تفعل وَانْظُر هَذِه الْمَدِينَة وَإِيَّاك أَن تستبدل بهَا غَيرهَا وَقد جمعت لَك فِيهَا من الْأَمْوَال مَا لَو انْكَسَرَ عَلَيْك الْخراج عشر سِنِين كَفاك لأرزاق الْجند والنفقات والذرية ومصالح الْبَيْت فاحتفظ بهَا فَإنَّك لَا تزَال عَزِيزًا مَا دَامَ بَيت مَالك عَامِرًا وَلَا أَظُنك تفعل وأوصيك بِأَهْل بَيْتك أَن تظهر كرامتهم وتحسن إِلَيْهِم وتقدمهم وتوطئ النَّاس أَعْقَابهم وتوليهم المنابر فَإِن عزك عزهم وَذكرهمْ لَك وَمَا أَظُنك تفعل وَانْظُر مواليك فَأحْسن إِلَيْهِم وقربهم واستكثر مِنْهُم فَإِنَّهُم مادتك لشدتَك إِن تنزل بك يومَاً وَمَا أَظُنك تفعل وأوصيك بِأَهْل خرسان خيرَاً فَإِنَّهُم أنصارك وشيعتك الَّذين بذلوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فِي دولتك وَلَا تخرج محبتك من قُلُوبهم أحسن إِلَيْهِم وَتجَاوز عَن مسيئهم واخلف من مَاتَ فِي وَلَده وَأَهله بِخَير وَمَا أَظُنك تفعل وَإِيَّاك أَن تبني مَدِينَة الشرقية فَإنَّك لَا تتمّ بناءها وأظنك ستفعل وَقيل قَالَ إِنِّي قد ولدت فِي ذِي الْحجَّة وَوليت فِي ذِي الْحجَّة وَقد هجس فِي نَفسِي أَنِّي أَمُوت فِي ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة فَاتق الله فِيمَا أَعهد إِلَيْك من أُمُور الْمُسلمين بعدِي يَجْعَل لَك فِيمَا جزبك فرجَاً ومخرجاً ويرزقك السَّلامَة وَحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 الْعَاقِبَة من حَيْثُ لَا تحتسب يَا بني احفظ مُحَمَّدًا فِي أمته يحفظك الله ويحفظ عَلَيْك أمورك وَإِيَّاك وَالدَّم الْحَرَام فَإِنَّهُ حوب عِنْد الله عَظِيم وعار فِي الدُّنْيَا لَازم مُقيم والزم الْحُدُود فَإِن فِيهَا صلاحك العاجل والآجل وَلَا تَعْتَد فِيهَا فتبور فَإِن الله تَعَالَى لَو علم شَيْئا أصلح مِنْهَا لدينِهِ وأزجر عَن مَعَاصيه لأمر فِي كِتَابه وَاعْلَم أَن من شدَّة غضب الله لسلطانه أَمَرَ بِتَضْعِيف الْعَذَاب وَالْعِقَاب على من سعى فِي الأَرْض فَسَادًا مَعَ مَا ذخر لَهُ من الْعَذَاب الْأَلِيم فَقَالَ {إِنَمَا جزؤا الذَّينَ يُحَارِبونَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيسَعونَ فِي اَلأرَضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلوا} الْآيَة الْمَائِدَة 33 فالسلطان يَا بني حَبل الله المتين وعروته الوثقى وَدينه القويم فاحفظه وحصنه وذب عَنهُ وأوقع بالملحدين فِيهِ والمارقين مِنْهُ واقتل الخارجين عَنهُ وَلَا تجَاوز مَا أَمرك الله بِهِ فِي مُحكم الْقُرْآن واحكم بِالْعَدْلِ وَلَا تشطط فَإِن ذَلِك أقطع للشغب وأحسم لِلْعَدو وأنجع فِي الدَّوَاء واعف عَن الغي فَلَيْسَ بك إِلَيْهِ حَاجَة مَعَ مَا أخلفه لَك وافتتح بصلَة الرَّحِم وبر القَرابة وَإِيَّاك والتبذير لأموال الرّعية واشحن الثغور بالمصالح واضيط الْأَطْرَاف وَأمن السبل وسكِّن الْعَامَّة وَأدْخل الْمرَافِق عَلَيْهِم وادفع المكاره عَنْهُم وَأعد الْأَمْوَال واخزنها وَإِيَّاك والتبذير فَإِن النوائب غير مَأْمُونَة وَهِي من شيم الزَّمَان وَأعد الكراع والجُنْدَ مَا اسْتَطَعْت وَإِيَّاك وَتَأْخِير عمل الْيَوْم إِلَى غَد فتتداول الْأُمُور ويضيع حدسك فِي إحكام الْأُمُور النازلات لأوقاتها وَأعد رجلا بِاللَّيْلِ لمعْرِفَة مَا يكون بِالنَّهَارِ ورجلا بِالنَّهَارِ لمعْرِفَة مَا يكون فِي اللَّيْل وباشر الْأُمُور وَلَا تضجر وَلَا تكسل وَاسْتعْمل حسن الظَّن بِاللَّه وأسئ الظَّن بعمالك وكتابك وخُذ نَفسك بالتيقظ وتفقد من يبيت على بابك وسَهلْ إذنك للنَّاس وَانْظُر فِي أَمر النزاع إِلَيْك ووكل بهم عينا غير نَائِمَة ونفساً غير لاهية وَلَا تنم فَإِن أَبَاك لم ينم مُنْذُ ولي الخلافةَ وَلَا دخل عَلَيْهِ الغمض إِلَّا وَقَلبه متيقظ هَذِه وصيتي إِلَيْك وَالله خليفتي عَلَيْك ثمَّ ودعه وَسَار إِلَى الْكُوفَة فَأحْرم مِنْهَا قارنَاً وسَاق الْهدى وَأَشْعرهُ وقلَّده لأيام خلت من ذِي الْقعدَة وَلما سَار منَازِل عرض لَهُ وَجَعه الَّذِي مَاتَ مِنْهُ وَهُوَ الْبَطن وَلما قرب من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 مَكَّة رأى على جِدَار خرب سطرين هما // (من الطَّوِيل) // (أَبَا جَعْفَرٍ حانَتْ وفاتُكَ وانْقَضَتْ ... سِنُوكَ وَأَمْر اللهِ لَا بُدَّ واقعُ) (أَبَا جعفرٍ هَل كاهِنٌ أَو منجِّمٌ ... لَك اليَوْمَ من رَيْبِ المنيةِ دافعُ) فَلَمَّا قَرَأَهَا تَيَقّن انْقِضَاء أَجله ثمَّ اشْتَدَّ بِهِ وَجَعه فَجعل يَقُول للربيع وَكَانَ عديله بَادر بِي إِلَى حرم رَبِّي هاربَاً من ذُنُوبِي فَلَمَّا وصل إِلَى بِئْر مَيْمُون مَاتَ سحرًا لَيْلَة السَّادِس من ذِي الْحجَّة كَمَا تقدَم ذكره وَلم يحضرهُ إِلَّا خدمه وَالربيع مَوْلَاهُ فَكَتَمُوا الْأَمر ثمَّ غَدا أهل بَيته على عَادَتهم فَدَعَا الأكابر وَذَوي الْأَسْنَان ثمَّ عامتهم فبايعهم الرّبيع للمهدي ثمَّ بَايع القواد وَعَامة النَّاس وَسَار الْعَبَّاس بن مُحَمَّد وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان إِلَى مَكَّة فبايعا النَّاس للمهدي بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَذكر عَليّ بن مُحَمَّد النَّوْفَلِي عَن أَبِيه وَهُوَ من أهل الْبَصْرَة كَانَ يخْتَلف إِلَى الْمَنْصُور قَالَ جِئْت من مَكَّة صَبِيحَة مَوته إِلَى الْعَسْكَر فَإِذا مُوسَى بن الْمهْدي عِنْد عَمُود السرادق وَالقَاسِم بن الْمَنْصُور فِي نَاحيَة فَعلمت أَنه قد مَاتَ ثمَّ أقبل الْحسن ابْن زيد الْعلوِي وَالنَّاس حَتَّى ملئوا السرادق وَسَمعنَا هَمس الْبكاء ثمَّ خرج أَبُو العنبر الْخَادِم مشقوق الأقبية وعَلى رَأسه التُّرَاب وَهُوَ يستغيث وَقَامَ الْقَاسِم فشق ثِيَابه ثمَّ خرج الرّبيع فِي يَده قرطاس فقرأه على النَّاس وَفِيه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله الْمَنْصُور أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى من خلف من بني هَاشم وشيعته من أهل خُرَاسَان وَعَامة الْمُسلمين ثمَّ بَكَى وَبكى النَّاس ثمَّ قَالَ الْبكاء أمامكم فأنصتوا رحمكم الله ثمَّ قَرَأَ أما بعد فَإِنِّي كتبت كتابي هَذَا وَأَنا فِي آخر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا أَقرَأ عَلَيْكُم السَّلَام وأسأل الله ألاَ يَفْتِنكُم بعدِي وَلَا يلْبِسكُمْ شيعًا يُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض ثمَّ أَخذ فِي وصيتهم بالمهدي وبعثهم على الْوَفَاء بعهده ثمَّ تنَاول الْحسن بن زيد وَقَالَ قُم نُبَايِع مُوسَى بن الْمهْدي لِأَبِيهِ فَقَامَ فَبَايعهُ ثمَّ بَايع النَّاس الأول فَالْأول ثمَّ دخل بَنو هَاشم على الْمَنْصُور وَهُوَ فِي أَكْفَانه مَكْشُوف الرَّأْس لمَكَان الْإِحْرَام فَحَمَلُوهُ من مَكَانَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ على ثَلَاثَة أَمْيَال من مَكَّة فدفنوه وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 عِيسَى بن مُوسَى لما بَايع النَّاس أَبى من الْبيعَة لِأَنَّهُ كَانَ ولي الْعَهْد بعد أبي جَعْفَر وَإِنَّمَا أَخّرهُ أَبُو جَعْفَر وَقدم ابْنه الْمهْدي عَلَيْهِ وَجعل لَهُ الْعَهْد بعد الْمهْدي فَقَالَ لَهُ عَليّ بن عِيسَى بن ماهان وَالله لتبايعن أَو لَأَضرِبَن عُنُقك فَبَايع ثمَّ بعث مُوسَى ابْن الْمهْدي وَالربيع بالْخبر والبردة والقضيب وَخَاتم الْخلَافَة إِلَى الْمهْدي وَخَرجُوا من مَكَّة (خلَافَة الْمهْدي) مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس الْقرشِي الْهَاشِمِي لما وصل الْخَبَر إِلَى الْمهْدي منتصف ذِي الْحجَّة من سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة اجْتمع أهل بَغْدَاد فَبَايعُوهُ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه أول من هَنأ المهدَي بالخلافة وَعَزاهُ بِأَبِيهِ المنصورِ أَبُو دلامة فَقَالَ // (من الْكَامِل) // (عَيْنَايَ واحدَةٌ تُرَى مسرورة ... بأميرِهَا جَذْلَى وأخرَى تَذْرِفُ) (تَبْكِي وتضحَكُ تَارَةً ويَسُوءُهَا ... مَا أنكَرَتْ ويَسُرُّهَا مَا تَعْرِفُ) (فيسُوءُهَا مَوْتُ الخليفةِ مُحْرِمًا ... ويَسُرُّهَا أنْ قَامَ هذَا الأرأفُ) (مَا إنْ رَأَيْتُ كَمَا رأيتُ وَلَا أَرَى ... شَعْرا أسرِّحُهُ وآخَر أَنْتِفُ) (هَلَكَ الخليفةُ يَالَدِينِ محّمدٍ ... وأتاكُمُ مِنْ بعده مَنْ يَخْلُفُ) (أَهْدَى لهَذَا اللَّهُ فَضَلَ خلافةٍ ... ولذاكَ جَنَّاتِ النعيمِ تزخرفُ) وَذكر الصولي أَن امرأةَ اعترضت الْمهْدي فَقَالَت يَا عصبَة رَسُول الله انْظُر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 فِي حَالي فَقَالَ الْمهْدي مَا سَمعتهَا من أحد قطّ اقضوا حَاجَتهَا وأعطوها عشرَة آلَاف دِرْهَم وَكَانَ أول مَا فعله أَن أطلق من كَانَ فِي حبس أَبِيه الْمَنْصُور إِلَّا من كَانَ حَبسه فِي دم أَو مَال أَو مِمَّن سعى بِالْفَسَادِ وَكَانَ حَلِيمًا جواداً فصيحاً سلك مَعَ النَّاس سيرِة مرضية فَأَحبهُ النَّاس وَإِن كَانَ منهمكاً فِي اللَّهْو فقد أراح النَّاس من تَعب الظُّلم والجور والاعتساف لما أضَاف إِلَى ذَلِك من الْحلم والجود والإنصاف حَتَّى أطمأن بِهِ الْعباد والبلاد وَكَانَت أَيَّامه كالأعياد وِلَادَته سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَفِي سنة سِتِّينَ حج الْمهْدي واستخلف على بَغْدَاد ابْنه الْهَادِي واستصحب ابْنه هَارُون وَجَمَاعَة من أهل بَيته وَلما وصل إِلَى مَكَّة اهتم بكسوة الْكَعْبَة فكساها بأفخر الْكسْوَة بعد أَن أَتَاهُ بَنو شيبَة فَقَالُوا قد تكاثرت الكساوي على الْكَعْبَة وَنحن نخشَى من ثقلهَا على الْكَعْبَة فَأمر بِنَزْع جَمِيع مَا كَانَ عَلَيْهَا وَكَانَت فِيهَا كسْوَة هِشَام بن عبد الْملك من الديباج الثخينِ وَقسم مَالا عَظِيما هُنَاكَ فِي مصارف الْخَيْر فَكَانَ مِنْهُ مَا جَاءَ من الْعرَاق ألف ألف دِرْهَم وَوصل إِلَيْهِ من مصر ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَمن الْيمن مائَة ألف دِينَار فَفرق ذَلِك كُله وَفرق مائَة ألف ثوب وَخمسين ألف ثوب ووسع الْمَسْجِد الْحَرَام وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رأى الْكَعْبَة لَيست فِي وسط الْمَسْجِد لضيق جَانِبه من جِهَة الْيمن فَأمر الصناع والمهندسين بتوسيعه من تِلْكَ الْجِهَة وَاشْترى دوراً هُنَالك وهدمها فَنَهَاهُ المهندسون وَقَالُوا يدْخل السَّيْل إِن فعلتَ ذَلِك إِلَى الْمَسْجِد لضيق مجْرَاه حِينَئِذٍ فَقَالَ لَا بدَ من ذَلِك وَإِن دخل السَّيْل وَلَو أنفقت فِي ذَلِك جَمِيع بيُوت المَال وَصعد المهندسون على ظهر الْكَعْبَة ونصبتَ الرماح بَعْضهَا إِلَى بعض ومدَتْ من أَعلَى الْكَعْبَة إِلَى الْجِهَات الْأَرْبَع حَتَّى كَانَت مستوية متوسطة فِي الْمَسْجِد نِسْبَة الْجِهَات الْأَرْبَع إِلَيْهَا على السوَاء فجزاه الله خيرَاً وشكر سعيِه قَالَ الفاكهي كَانَ بعد جِدَار الْمَسْجِد من الْجَانِب الجنوبي عَن الْكَعْبَة تِسْعَة وَأَرْبَعين ذِرَاعا لَا غير ولبيان مثل هَذِه الْأُمُور كتب مُفْردَة وَلما رَجَعَ أَمر بِبِنَاء الْقُصُور بطريقّ مَكَّة أوسع من قُصُور أَبِيه الْمَنْصُور من الْقَادِسِيَّة إِلَى زبالة وَأمر باتخاذ المصانع فِي كل منهل وبتحديد الأميال وحفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 الْآبَار وَذَلِكَ على يَد يقطيِن بن مُوسَى وَأمر بِالزِّيَادَةِ فِي مَسْجِد الْبَصْرَة وتقصير المنابر إِلَى مِقْدَار مِنْبَر النَّبِي وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ ظهر عَطاء الْمقنع شيخ لعين خرساني كَانَ يعرف السحر والسيميا فَربط النَّاس بالخوارق والمغيبات وَادّعى الربوبية وَكَانَ يَقُول بالتناسخ أَي أَن الله تَعَالَى تحول إِلَى صُورَة آدم وَلذَلِك أَمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لَهُ ثمَّ تحول إِلَى صُورَة نوح ثن إِلَى صُورَة إِبْرَاهِيم وَغَيرهم من الْأَنْبِيَاء والحكماء والفلاسفة وَيقْرَأ {فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك} الانفطار 8 ثمَّ إِنَّه تحول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى صُورَة أبي مُسلم الخرساني صَاحب الدعْوَة العباسية ثمَّ مِنْ بعدِ أبي مُسلم إِلَى صُورَة نَفسه فعبده خلائق من الجهلة وَكَانَ مشوهاً أصور أَعور الْعين قصيرَاً فَكَانَ لَا يكْشف وَجهه بل اتخذ لَهُ وَجها من الذَّهَب وَلذَلِك قيل لَهُ المقنَّع وَمِمَّا أضلّ النَّاس بِهِ من المخاريق أَنه أظهر لَهُم قمراً يرونه فِي السَّمَاء من مسيرَة شَهْرَيْن مَعَ قمر السَّمَاء وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن سناء الْملك من قصيدة أخرج فِيهَا ذكره مخرج الْغَزل فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (إِلَيْك فَمَا بَدْرُ المُقَنَّعِ طَالِعًا ... بأَسْحَرَ مِنْ أَلْحَاظِ بَدْرِ المُقَنَّعِ) وَلأبي الْعَلَاء المعري // (من الطَّوِيل) // (أَفِقْ أَيهَا البَدْرُ المُعَمِّمُ رَأسَهُ ... ضَلاَلٌ وَغيٌّ مِثْل بَدْرِ المُقَنَّعِ) وَلما استفحل شرُ عَطاء لَعنه الله جهز الْمهْدي عسكرَاً لحربه فقصدوه وحصروه فِي قلعته ببلسام من أَعمال بُخَارى فَلَمَّا عرف أَنه مَأْخُوذ جمع نِسَاءَهُ فسقاهنَّ السم فهلكنَ ثمَّ تنَاول هُوَ السم فَمَاتَ وَهُوَ يتّحسَاه فِي نَار جَهَنَّم خَالِدا ثمَّ أخذت القلعة وَقتل رُءُوس أَتْبَاعه لَعنه الله وَبعث بِرَأْسِهِ ورءوسهم إِلَى الْمهْدي فوصلَت إِلَيْهِ بحلب وَهُوَ ذَاهِب لغزو الرّوم وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة خلع الْمهْدي ابْن عَمه عِيسَى بن مُوسَى عَن ولَايَة الْعَهْد إِلَى ابْنه مُوسَى الْهَادِي ابْن الْمهْدي وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ أَخذ الْبيعَة الآخر هَارُون بعد ابْنه الْهَادِي ولقبه بالرشيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 فَالْحَاصِل أَن الْمهْدي مُحَمَّدًا عهد إِلَى ولديه الْهَادِي وَهَارُون الرشيد على أَن يكون الْهَادِي بعده قبل الرشيد ثمَّ فِي سنة تسع وَسِتِّينَ اعتزم على خلع ابْنه الْهَادِي والبيعة للرشيد وتقديمه على الْهَادِي وَكَانَ الْهَادِي بجرجان فَبعث إِلَيْهِ بذلك واستقدمه فَضرب الْهَادِي الرَّسُول وَامْتنع فَسَار إِلَيْهِ الْمهْدي فَلَمَّا بلغ ماسبذان توفّي هُنَالك يُقَال مسمومَاً من بعض جواريه يُقَال سمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فِي كمثرى فغلظ الْمهْدي فَأَخذهَا فَأكلهَا فَمَا جسرت أَن تَقول لَهُ إِنَّهَا مَسْمُومَة وَيُقَال سَبَب مَوته أَنه طرد صيدا فَدخل وَرَاءه إِلَى خربة فدق بَاب الخربة ظَهره فَأدْخل قربوس السرج فِي صَدره وَكَانَ مَوته فِي الْمحرم من السّنة الْمَذْكُورَة سنة تسع وَسِتِّينَ وَلم يُوجد لَهُ نعش يحمل عَلَيْهِ فَحمل على بَاب وَدفن تَحت شَجَرَة جوز وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته عشْرين سنة وشهراً وَله من الْعُمر ثَلَاث وَأَرْبَعُونَ سنة وَكَانَ جواداً ممدحاً سخياً إِلَى الرّعية حسن الْخلق والخلق يُقَال إِن أَبَاهُ خلف فِي الخزائن مائَة ألف ألف دِينَار وَسِتِّينَ ألف ألف دِرْهَم ففرقها الْمهْدي وَقد قيل مَا جَاءَ فِي بني الْعَبَّاس أكْرم من الْمهْدي وَلَا أبخل من أَبِيه الْمَنْصُور دخل على الْمهْدي شريك القَاضِي فَقَالَ لَهُ الْمهْدي يَا شريك مَا تَقول فِي عَليّ بن أبي طَالب قَالَ مَا قَالَ فِيهِ جدك الْعَبَّاس وَعبد الله ابْنه فَقَالَ مَا قَالَا فِيهِ قَالَ أما الْعَبَّاس فَمَاتَ وَعلي عَنهُ أفضلُ الصَّحَابَة وَقد كَانَ يرى كثيرا من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين يسألونه عَمَّا ينزل بهم من النَّوَازِل وَمَا احْتَاجَ هُوَ إِلَى أحد مِنْهُم حَتَّى لحق إِلَى كَرَامَة الله تَعَالَى وَأما عبد الله ابْنه فَكَانَ يضْرب بَين يَدَيْهِ بسيفَين وَكَانَ فِي حروبه رَأْسا متبعَاً وَسَيِّدًا مُطَاعًا فَلَو كَانَت إِمَامَة عَليّ جوراً لَكَانَ أول من قعد عَنهُ جدك عبد الله لعلمه بدين الله وفقهه فِي أَحْكَام الله فَأَطْرَقَ الْمهْدي رَأسه سَاعَة ثمَّ عزلَ شريكَاً عَن الْقَضَاء بعد أَيَّام قَليلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 وَدخل عَلَيْهِ ابْن الخَياط وامتدحه فَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم فَسَأَلَهُ أَن يقبل يَده فقبلها ثمَّ خرج فَمَا انْتهى إِلَى الْبَاب حَتَّى فرقها جَمِيعًا فعوتب على ذَلِك فَقَالَ من // (الطَّوِيل) // (لَمَسْتُ بكَفِّي كَفَّهُ أَبْتَغِي الغِنَى ... وَلَمْ أَدْرِ اَنَّ الجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي) (فَلاَ أَنَا مِنْهُ مَا أَفَاد ذَوُو الغِنَى ... أَفَدتُّ وَأَعْدَانِي فَأَتْلَفْتُ مَا عِنْدِي) فَبلغ الْمهْدي ذَلِك فَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وَقَالَ سَلم الخاسرُ يرثي الْمهْدي من // (الوافر) // (وَباَكيةٍ على المَهْدِيِّ عَبْرَى ... كَأَنَّ بهَا وَمَا جُنَّتْ جُنُونا) (وَقد خَمَشَتْ محاسِنَهَا وأبْدَتُ ... غدائِرَهَا وأظْهَرَتِ القُرُونَا) (لَئِنْ بلَى الخليفةُ بعد عِزِّ ... لقدْ أَبْقَى مساعِيَ مَا بَلينَا) (سَلاَمُ اللَّهِ غُدْوَةَ كلِّ يومٍ ... على المهديِّ حيثُ ثَوى رَهينَا) (تركْنَا الدِّينَ والدُّنْيَا جَمِيعًا ... بحَيثُ ثَوَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَا) وَفِي كتاب الأذكياء لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَن أَبَا دلامة دخل على الْمهْدي فأنشده قصيدة فَقَالَ لَهُ الْمهْدي سلني حَاجَتك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تهب لي كلب صيد فَغَضب وَقَالَ أتسأل كلب صيد وَأَنا أَقُول لَك مَا أَقُول فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحَاجة لي أم لَك فَقَالَ لَهُ بل لَك قَالَ فَإِنِّي سَأَلتك إِيَّاه فَأمر لَهُ بكلب صيد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هبني خرجت إِلَى الصَّيْد فأعدوا على رجْلي فَأمر لَهُ بدابَّةٍ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمن يقومُ عَلَيْهَا فَأمر لَهُ بِغُلَام فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هبني صدت صيدا فَمن يطبخه فَأمر لَهُ بِجَارِيَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَؤُلَاءِ أَيْن يبيتُونَ فَأمر لَهُ بدار فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد صَار فِي عنقِي عِيَال فَمن أَيْن لي مَا يقوت هَؤُلَاءِ قَالَ قد أقطعتك ألف جريب عَامر وَعَن عبد الله بن هَارُون قَالَ حَدثنِي عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن الْمُغيرَة قَالَ دخل الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي وَأَبُو السَّائِب العثماني وَابْن أُخْت الْأَحْوَص على الْمهْدي وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ أنشدوني فأنشده الْمُغيرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 من // (الطَّوِيل) // (وللنَّاسِ بَدْرٌ فِي السماءِ تَرَوْنَهُ ... وأًنْتَ لنا بدْرٌ على الأرضِ مُقْمِرُ) (فَبِاللَّهِ يَا بَدْرَ السماءِ وصِنْوَهُ ... تُرَاكَ تُكَافي عُشْرَ مَا لَك مُضْمرُ) (وَمَا البَدْرُ إِلا دُونَ وَجْهِكَ فِي الدُّجَى ... يغيبُ فَتَبْدُو حِينَ غَابَ فَتُقْمِرُ) (وَمَا نَظَرَتْ عَيْني إلَى البَدْرِ مَاشِيا ... وأنْتَ فتمشِى فِي الثيَابِ فَتسْحَرُ) ثمَّ أنْشدهُ ابْن أُخْت الْأَحْوَص فَقَالَ من // (الْبَسِيط) // (قَالَتْ كلابة مَنْ هَذَا فقلْتُ لَهَا ... هَذَا الَّذِي أَنْتِ مِنْ أعدائِهِ زَعَمُوا) (إنِّي امرؤٌ لَج بِي حُبٌّ فأحْرَضَنِي ... حَتَّى بَلِيتُ وحتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ) ثمَّ أنْشدهُ المَخْزُومِي من // (الطَّوِيل) // (رَمَى القلْبُ مِن قلبِي السوَادَ فأوْجَعَا ... وَصَاحَ فصيحٌ بالرَّحيلِ فَأسْمَعَا) (وغَرَّدَ حادِي البَينِ وانشقَّتِ العَصَا ... فأصْبَحْتُ مَسْلُوبَ الفُؤَادِ مُفَجَّعَا) (كفَى حَزَنًا مِنْ حادِثِ الدَّهرِ أنني ... أَرَى البَينَ لَا أَسْطِيعُ للبَينِ مَدْفَعَا) (وَقد كُنْتُ قَبْلَ اليومِ بالبَيْنِ جَاهِلاً ... فيا لَكَ بَينا مَا أَمَرَّ وأَوْجَعَا) ثمَّ أنْشدهُ أَبُو السَّائِب يَقُول من // (الطَّوِيل) // (أَصِيخَا لداعي حُبِّ ليلَي فَيَمِّمَا ... صُدُورَ المطايا نَحْوَهَا فتَسَمَّعَا) (خليليَّ إنْ ليلَي أقامَتْ فَإِنَّنِي ... مُقِيمٌ وإنْ بانَتْ فِينَا بِنَا مَعَا) (وإنْ أثبتتْ لَيْلَى بربْعِ يحوزها ... أعيذُكُمَا باللَّه أَنْ تَتَزَعْزَعَا) ثمَّ أَمر لَهُم بصلات جسيمة وَحدث إِدْرِيس بن سُلَيْمَان بن يحيى بن يزِيد بن أبي حَفْصَة كَانَ سَبَب اتِّصَال مَرْوَان بخلفاء بني الْعَبَّاس وَكَانَ وَالله أعلم من شعراء بني أُميَّة أَن جَارِيَة يَمَانِية أهديت إِلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور فَأَنْشَدته شعرًا لمروان يمدح فِيهِ السّري بن عبد الله يذكر فِيهِ وراثة الْعَبَّاس فَسَأَلَهُ الْمَنْصُور عَن الشّعْر فَقَالَت هُوَ لمروان فوافاه بالربذة حَاجا وبالمنصور الْعلَّة الَّتِي مَاتَ بهَا فلقي مَرْوَان الرّبيع حَاجِب الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ كن قريبَاً حَتَّى يَدْعُو بك فَلم تزل الْعلَّة بالمنصور تشتدُ حَتَّى مَاتَ قبل أَن يصل إِلَيْهِ مَرْوَان فَقَالَ لَهُ الرّبيع الْحَقْ بالمهدي وَلَا تتخلف عَنهُ فانصرفَ مَرْوَان إِلَى الْيَمَامَة فَجَعلهَا طَرِيقا وَعَلَيْهَا بشر بن الْمُنْذر والياً فأوفده بشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 على الْمهْدي فِيمَن أوفد فَقدم مَرْوَان على الْمهْدي وَقد مدحه بِأَرْبَع قصائد مطلع الأولى من // (الطَّوِيل) // (صَحَا بَعْدَ جُهْدٍ فاستَرَاحَتْ عواذلُهْ ... وأَقْصَرْنَ عَنهُ حِينَ أَقْصَرَ بَاطِلُهُ) وَالثَّانيَِة من // (الْكَامِل) // (طَافَ الخَيَالُ فَحَيِّهِ بسَلاَمِ ... أَنَّى أَلَمَّ ولَيْسَ حِين مَنَامِ) وفيهَا يَقُول (أَنَّي يكُونُ ولَيْسَ ذاكَ بكَائِنٍ ... لِبَنِي البَنَاتِ وِرَاثَةُ الأعْمَامِ) وَالثَّالِثَة من // (الْكَامِل) // (إعْصِ الهَوَى وَتَعَزَّ عَنْ سُعْدَاكَا ... فَلِمِثْل حِلْمِكَ عَنْ هَوَاكَ نهاكا) وَالرَّابِعَة من // (الطَّوِيل) // (بَرى العَين شَوْقٌ حَالَ دُونَ التجلُّدِ ... ففاضَتْ بأَسْرَابٍ مِنَ الدَّمْعِ حُشَّدِ) قَالَ إِدْرِيس فَأعْطى الْمهْدي مَرْوَان إجَازَة سبعين ألف دِرْهَم فَقَالَ مَرْوَان يمدحه فِي قصيدة ويذكرها من // (الطَّوِيل) // (بِسَبْعِينَ ألفا رَاشَنِي مِنْ حِبائِهِ ... وَمَا نَالَهَا فِي الناسِ مِنْ شَاعِرٍ قلبِي) رحم الله أهل الْكَرم وَحدث أَحْمد بن أبي بكر الْبَاهِلِيّ قَالَ حَدثنِي حَاجِب الْمهْدي قَالَ قَالَ لي الْمهْدي يَوْمًا نصف النَّهَار اخْرُج فَانْظُر من فِي الْبَاب فَخرجت فَإِذا شيخ وَاقِف فَقلت لَك حَاجَة فَقَالَ لَا أخبر بحاجتي أحد غير أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأخْبرت الْمهْدي بِخَبَرِهِ وَبِقَوْلِهِ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ ومُرْهُ بِالتَّخْفِيفِ فَخرجت وَقلت لَهُ ادخل وخففْ فَدخل وَسلم بالخلافة ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّا قد أمرنَا التَّخْفِيف من // (الطَّوِيل) // (فإنْ شئْتَ خَفَّفْنَا فكنَّا كَرِيشَةٍ ... متَى تَلْقَهَا الأنفاسُ فِي الجَوِّ تَذْهَبِ) (وإنْ شئْتَ ثَقَّلْنَا فكُنَّا كصخرةٍ ... مَتى تًلْقِهَا فِي حوْمَةِ البَحْرِ تَرْسُبِ) (وإنْ شئْتَ سلَّمنا فكُنَّا كراكبٍ ... مَتى يَقْضِ حَقًّا من سلامِكَ يَغْرُبِ) فَضَحِك الْمهْدي وَقَالَ بل تكرم وتقضى حَاجَتك فَقضى حَاجته ووَصله بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 كَانَ معن بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ من أُمَرَاء الْمَنْصُور أبي الْمهْدي ثمَّ أبقاه المهديُ والياً على أذربيجان على مَا كَانَ من وَالِده الْمَنْصُور وَهُوَ أحد الأجواد الْمَشْهُورين والشجعان الْمَذْكُورين قَدِمَ عَلَيْهِ قوم من أهل الْكُوفَة مستميحين فَنظر إِلَيْهِم فِي هَيْئَة رثَّة فَأَنْشَأَ يَقُول من // (الطَّوِيل) // (إِذا نَوْبَةٌ نَابَتْ صديقَكَ فاغَتَنِمْ ... مَرَمَّتَهَا فالدَّهْرُ بالناسِ قُلَّبُ) (فأَحْسَنُ ثوبَيْكَ الَّذِي أنْتَ لابسٌ ... وأَمْهَرُ مُهْرَيْكَ الَّذِي هُوَ يُرْكَبُ) وَقَالَ يَا غُلَام أعطهم لكل وَاحِد أَرْبَعَة آلَاف فَقَالَ أحدهم يَا سَيِّدي دَنَانِير أَو دَرَاهِم فَقَالَ معن وَالله لَا تكونُ همتك أرفع من همتي يَا غُلَام صفرها لَهُم وَأَتَاهُ أَعْرَابِي وَمَعَهُ مَوْلُود فَقَالَ من // (الْبَسِيط) // (سَمَّيْتُ طِفْلِيَ مَعْنًا ثمَّ قلْتُ لَهُ ... هَذَا سَمِىُّ فَتًى فِي الناسِ محمودِ) (أمسَتْ يمينُكَ مِنْ جُودٍ مُصَوَّرَةً ... لَا بَلْ يمينُكَ مِنْهَا صُورَةُ الجُودِ) فَأمر لَهُ بثلاثمائة دِينَار روى أَن الْمهْدي خرج يَوْمًا يتصيد فَلَقِيَهُ الْحُسَيْن بن مطير الْأَسدي فأنشده من // (الْبَسِيط) // (أضحَتْ يمينُكَ مِنْ جُودٍ مصوَّرَةً ... لَا بَلْ يمينُكَ مِنْهَا صُورَةُ الجودِ) (مِنْ حُسْنِ وجهِكَ تُضْحِي الأرضُ مشرقَةً ... ومِنْ بنانِكَ يَجْرِي الماءُ فِي العُودِ) فَقَالَ لَهُ الْمهْدي كذبتَ يَا فاسقُ وَهل تركتَ فِي شعرك موضعا لأحد مَعَ قَوْلك فِي معن بن زَائِدَة من // (الطَّوِيل) // (أَلمَّا بِمَعْنٍ ثُمَّ قولا لِقَبْرِهِ ... سَقَتْكَ الغَوَادِي مَرْبَعًا ثُمَّ مرْبَعَا) (فَيَا قَبْرَ مَعًنٍ كَيْفَ وارَيْت جُودَهُ ... وقَدْ كَانَ مِنْهُ البَرُّ والبَحْرُ مُتْرَعَا) (ولكنْ حَوَيْتَ الجُوَدَ والجُودُ ميِّتٌ ... وَلَو كَانَ حَيا ضِقْتَ حَتَّى تَصَدَّعَا) (وَلما مَضَى مَعْنٌ مَضَى الجُودُ والنَّدَى ... وأَصْبَحَ عِرنينُ المَكَارِمِ أَجْدَعَا) فَأَطْرَقَ الْحُسَيْن ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهل مَعْن إِلَّا حَسَنَة من حَسَنَاتك فَرضِي عَنهُ وَأمر لَهُ بِأَلف دِينَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 (خلَافَة الْهَادِي) مُوسَى بن الْمهْدي مُحَمَّد بن الْمَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم كَانَ شجاعاً كَرِيمًا وَكَانَ فِي صغره لَا يزَال فاتحاً فَمه خلقةَ فَوكل أَبوهُ غُلَاما ينبهه على إطباق فَمه كلما رَآهُ فاتحه فَيَقُول لَهُ مُوسَى أَطبقْ فَكَانَ يُقَال لَهُ لذَلِك فِي صغره مُوسَى أطبق كَانَت وِلَادَته سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقَالَ سلم الخاسر جَامعا بَين التهنئة للهادي بالخلافة والعزاء بِأَبِيهِ الْمهْدي مُحَمَّد فَقَالَ من // (الطَّوِيل) // (لَقَدْ قَامَ مُوسَى بِالخِلاَفَةِ والهُدَى ... وَمَاتَ أميرُ الْمُؤمنِينَ مُحَمَّدُ) (فَمَاتَ الَّذِي عَمَّ البريَّة فَقَدُهُ ... وقَامَ الَّذِي يَكْفِيكَ مَنْ تتفقَّدُ) وَقَالَ مَرْوَان بن أبي حَفْصَة من // (الطَّوِيل) // (لَقَدْ أَصْبَحَتْ تختالُ فِي كُلِّ بلدةٍ ... بقَبْرِ أميرِ المؤمنينَ المَقَابِرُ) (وَلَو لم تُسَكَّنْ بِابْنِهِ بَعْدَ موتِهِ ... لَمَا بَرحَتْ تَبْكِي عَلَيْهِ المنابرُ) (وَلَو لم يَقُمْ موسَى عليهَا لَرجَّعَتْ ... حَنِينًا كَمَا حَنَّ الصفايا العَشَائِرُ) بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَبِيه وَكَانَ الْهَادِي مُقيما بجرجان يحارب أهل طبرستان وَكَانَ الرشيد لما توفّي الْمهْدي والعسكر مَعَه بماسبذان نَادَى فِي النَّاس بالعطاء تسكيناً لَهُم وَقسم فيهم فَلَمَّا استوفوها تنادوا بِالرُّجُوعِ إِلَى بَغْدَاد وتسابقوا إِلَيْهَا واستيقنوا موت الْمهْدي فَأتوا بَاب الرّبيع وأحرقوه وطالبوه بالأرزاق وفتقوا السجون وَقدم الرشيد بَغْدَاد فِي أَثَرهم فَبعث الخيزران إِلَى الرّبيع وَيحيى فَامْتنعَ يحيى خوفًا من غيرَة الْهَادِي وَأمر الرّبيع بِسنتَيْنِ للجند فسكنوا وَكتب الْهَادِي إِلَى الرّبيع يتهدده فَاسْتَشَارَ يحيى فِي أمره وَكَانَ يَثِق بوده فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يبْعَث ابْنه الْفضل يعْتَذر عَنهُ ويصحبه الْهَدَايَا واللطف فَفعل فَرضِي الْهَادِي عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 فَأخذت الْبيعَة بِبَغْدَاد للهادي وَكتب الرشيد بذلك إِلَى الْآفَاق وَبعث نصر إِلَى الْهَادِي بجرجان فَركب الْبَرِيد إِلَى بَغْدَاد قَالَ الصولي وَلَا يعرف خَليفَة رَكِبَ خيل الْبَرِيد إِلَّا الْهَادِي من جرجان إِلَى بَغْدَاد فَقَدمهَا فِي عشْرين يَوْمًا واستوزر الرّبيع وَهلك لمُدَّة قَليلَة من وزارته وَاشْتَدَّ الْهَادِي فِي طلب الزَّنَادِقَة وقتلهم وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ كَانَ ظُهُور حُسَيْن الْمَقْتُول بفخ وَهُوَ الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وقصته مَعْرُوفَة وَكَانَ للهادي بغض بالرشيد بِمَا كَانَ الْمهْدي أَبوهُمَا يؤثره عَلَيْهِ أخيراً وَكَانَ رأى أَنه دفع إِلَيْهِمَا قضيبين فأورق قضيب الْهَادِي من أَعْلَاهُ وأورق قضيب الرشيد كُله وَتَأَول ذَلِك بقصر مُدَّة الْهَادِي وَطول مُدَّة الرشيد وحسنها فَلَمَّا ولي الْهَادِي أجمع على خلع أَخِيه الرشيد والبيعة لِابْنِهِ جَعْفَر بن الْهَادِي مَكَانَهُ وفاوض فِي ذَلِك قُوَاده فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك يزِيد بن مزِيد وَعلي بن عِيسَى وَعبد الله بن مَالك وَوضع الشِّيعَة على الرشيد ينتقصونه وَيَقُولُونَ لَا نرضى بِهِ وَنهى الْهَادِي أَن يسَار بَين يَدَيْهِ بالحربة فاجتنبه النَّاس وَكَانَ يحيى بن خَالِد يتَوَلَّى أُمُوره فاتهمه الْهَادِي بمداخلته وَبعث إِلَيْهِ وتهدده فَحَضَرَ عِنْده مستميتاً وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن حملت النَّاس على نكث الْأَيْمَان فِيهِ هَانَتْ عَلَيْهِم فِيمَن توليه وَإِن بَايَعت لجَعْفَر بعده كَانَ ذَلِك أوثق لِلْبيعَةِ فَصدقهُ وكف عَنهُ وَعَاد أُولَئِكَ الَّذين خلعوه من القواد والشيعة فأغروه بِيَحْيَى وَأَنه الَّذِي منع الرشيد من خلع نَفسه فحبسه الْهَادِي فَطلب الْحُضُور للنصيحة فَأحْضرهُ من الْحَبْس فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتظن النَّاس يسلمُونَ الْخلَافَة لابنك جَعْفَر وَهُوَ صبي ويرضون بِهِ لصلاتهم وحجهم وغزوهم وتأمن أَن يسمو إِلَيْهَا عِنْد ذَلِك أهل بَيْتك فَتخرج من ولد أَبِيك وَالله لَو لم يعقده لَهُ المهديُ لَكَانَ يَنْبَغِي أَن تعقده أَنْت لَهُ حذرا من ذَلِك إِنِّي أرى أَن تقر الْعَهْد لأخيك فَإِذا بلغ ابْنك أَتَيْتُك بأخيك فَخلع نَفسه وَبَايع لَهُ فَقبل الْهَادِي قَوْله وَأطْلقهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 وَلم يقنع القواد ذَلِك لأَنهم كَانُوا حذرين من الرشيد فَأرْسل إِلَى الرشيد وضيق عَلَيْهِ واستأذنه فِي الصَّيْد ومضَى إِلَى قصر مقَاتل فنكره الْهَادِي وَأظْهر جفاءه وَبسط الموَالِي فِيهِ ألسنتهم ثمَّ خرج الْهَادِي إِلَى حَدِيثَة الْموصل فَاشْتَدَّ مَرضه هُنَالك واستقدم الْعمَّال شرقاً وغرباً وَلما ثقل تآمر الْقَوْم الَّذين بَايعُوا جعفراً فِي قتل يحيى بن خَالِد ثمَّ أَمْسكُوا خوفًا من الْهَادِي ثمَّ توفّي الْهَادِي فِي شهر ربيع سنة سبعين وَمِائَة وَقيل إِنَّمَا توفّي بعد أَن عَاد من حَدِيثَة الْموصل وَيُقَال إِن أمه الخيزران دست بعض الْجَوَارِي عَلَيْهِ فقتلنه لِأَنَّهَا كَانَت أول خِلَافَته تستبد عَلَيْهِ بالأموال فعكف النَّاس على بَابهَا وَاخْتلف المواكب إِلَيْهَا فَوجدَ الْهَادِي من ذَلِك فكلمته يَوْمًا فِي حَاجَة فَلم يجبها فَقَالَت قد ضمنتها لعبد الله بن مَالك فَغَضب الْهَادِي وَشَتمه وَحلف لَا قضيتها فَقَامَتْ وَهِي مغضبة فَقَالَ مَكَانك وَالله وَإِلَّا انتفيت من قَرَابَتي من رَسُول الله لَئِن بَلغنِي أَن أحدا من قُوادي وخاصَتي وقف ببابك لَأَضرِبَن عُنُقه ولأقبضن مَاله مَا للمواكب تَغْدُو وَتَروح عَلَيْك أما لَك مغزلك يشغلك أَو مصحف يذكرك أَو بَيت يصونك إياك إياك لَا تفتحي بابك لمُسلم وَلَا ذمِّي فَانْصَرَفت وَهِي لَا تعقل ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه أَيّكُم يحب أَن يتحدث الرِّجَال بِخَبَر أمه فَيُقَال فعلت أم فلَان وصنعت فَقَالُوا لَا نحب ذَلِك قَالَ فَمَا بالكم تأتون أُمِّي فتتحدَثون مَعهَا وَيُقَال إِنَّه لما جَد فِي خلع الرشيد خَافت عَلَيْهِ مِنْهُ فَلَمَّا ثقل فِي مَرضه دست بعض الْجَوَارِي فَجَلَسَ على وَجهه فَمَاتَ وَحكى فِي بغية الخاطر أَن الْهَادِي كَانَ يَدُور يَوْمًا فِي بستانه وَمَعَهُ خواصه وَهُوَ رَاكب على حمَار وَلَيْسَ مَعَه سلَاح فَدخل عَلَيْهِ حَاجِبه فَأخْبرهُ أَن رجلا من الْخَوَارِج جِيءَ بِهِ أَسِيرًا وَكَانَ الْهَادِي حريصَاً على الظفر بِهِ فَأمر بإدخاله فَأدْخل بَين رجلَيْنِ قد أمسكا بيدَيْهِ فَلَمَّا رأى الخارجيُ وَجه الْهَادِي جذب يَدَيْهِ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 الرجلَيْن وَاخْتَرَطَ سيف أَحدهمَا ووثب نَحْو الْهَادِي فَلَمَّا رأى ذَلِك من حول الْهَادِي فروا جَمِيعًا وَبَقِي الْهَادِي وَحده وَثَبت على حِمَاره بركابه وعزم حَتَّى إِذا قرب الخارجيُ مِنْهُ وَكَاد أَن يعلوه بِالسَّيْفِ قَالَ الْهَادِي اضْرِب عُنُقه يَا غُلَام فَالْتَفت الْخَارِجِي حِين سمع ذَلِك وهمَا مِنْهُ فَوَثَبَ الْهَادِي عَن حِمَاره وانتزع السَّيْف من يَده فذبحه بِهِ ذبحا ثمَّ عَاد على ظهر حِمَاره من فوره وتراجع إِلَيْهِ حَاشِيَته وَقد ملئوا رعْبًا وجبناً فَمَا خاطبهم فِي ذَلِك بِكَلِمَة وَاحِدَة وَلم يكن بعد ذَلِك يُفَارِقهُ السَّيْف وَلَا يركب إِلَّا الْخَيل وَفِي مروج الذَّهَب أَنه رفع إِلَى الْهَادِي أَن رجلا من بِلَاد المنصورة من أَرض السَّنَد من أَشْرَافهم ربى غلامَاً سنديُّاً أَو هندياً وَأَن الْغُلَام هوى مولاته فَرَاوَدَهَا عَن نَفسهَا فأجابته فَدخل مَوْلَاهُ فَوَجَدَهَا مَعَه فَجَب ذكر الْغُلَام وخصاه ثمَّ عالجه إِلَى أَن برِئ فَأَقَامَ مُدَّة وَكَانَ لمَوْلَاهُ ابْنَانِ فَصَعدَ بهما الْغُلَام السندي إِلَى أَعلَى سور الدَّار فَرَأى سَيّده ابنيه مَعَ الْغُلَام فَقَالَ يَا غُلَام عرضتَ ابنيَ للهلاك فَقَالَ الْغُلَام دع عَنْك هَذَا فوَاللَّه لَئِن لم تَجُب نَفسك بحضرتي الآَن لأرمين بهما فَقَالَ الله الله فِي وَفِي ابنيَ فَقَالَ الْغُلَام دع عَنْك هَذَا فوَاللَّه مَا هِيَ إِلَّا نَفسِي وَإِنِّي لأسمح بهَا من شربة مَاء فأهوي ليرمِيَ بهما فأسرع مَوْلَاهُ فَأخذ المدية فَجَب نَفسه فَلَمَّا رأى الْغُلَام أَنه قد فعل رمى بالصبيين فتقطعا ثمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي فعلتُ بفعلك فِي وَقتل هذَيْن الْوَلَدَيْنِ زِيَادَة فَأمر الْهَادِي بِالْكتاب إِلَى صَاحب السَّنَد بقتل الْغُلَام السندي وتعذيبه بأنواع الْعَذَاب وَأمر بِإِخْرَاج كل سندي من مَمْلَكَته فَرَخُصُوا فِي أَيَّامه حَتَّى كَانُوا يتداولون فِي ذَلِك الزَّمَان بأبخس ثمن وَقد قيل فِي مثل هَذَا الْمَعْنى من // (الْبَسِيط) // (لاَ تأمنَنَّ فتَى أسكَنْتَ مهجَتهُ ... غَيْظًا وتَحْسِبُ أَن الغَيْظَ قد ذَهَبَا) (لاَ تقطَعَنْ ذَنَبَ الأفعَى وتُرْسِلُهَا ... إنْ كُنْت شَهْمًا فَأتبعْ رأْسَهَا الذَّنَبَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وَفِي العقد لِابْنِ عبد ربه ذكر عَن عبد الله بن الضَّحَّاك عَن الْهَيْثَم بن عدي قَالَ إِن سيف ابْن معدي كرب الزبيدِيّ البطل الْمَشْهُور الْمُسَمّى بالصمصامة دخل فِي يَد الْمهْدي فَأعْطَاهُ لوَلَده الْهَادِي فَأخْرج ذَلِك السَّيْف الْهَادِي يَوْمًا فِي مَجْلِسه وَوَضعه بَين يَدَيْهِ ودعا بمكتل دَنَانِير وَقَالَ لحاجبه ائْذَنْ للشعراء فَلَمَّا دخلُوا أَمرهم أَن يَقُولُوا فِي السَّيْف فبدأهم ابْن يَامِين الْبَصْرِيّ فَقَالَ من // (الْخَفِيف) // (حَازَ صمصامَةَ الزبيديٌ مِنْ دُونِ ... جمِيعِ الأَنامِ مُوسَى الأَمِينُ) (سيْفَ عَمْرٍ ووكَانَ فِيمَا سَمِعْنَا ... خَيْرَ مَا أُغْمِدَتْ عَلَيْهِ الجُفُونُ) (أَخْضَرُ المَتْنِ بَين خَدَّيْهِ نُورٌ ... مِنْ فِرِنْدٍ تَمِيدُ فِيهِ العُيُونُ) (أَوْقدَتْ فَوْقه الصواعِقُ نَارا ... ثمَّ ساطَتْ بِهِ الذُّعاف المنُونُ) (فَإِذا ماسلَلْتَهُ بَهَرَ الشمْسَ ... ضِيَاء فَلم تكُنْ تَسْتبِينُ) (وكاَّنَّ الفِرِنْدَ والرونَقَ الجَارِيَ ... فِي صَفْحَتيِهِ مَاءٌ مَعِينُ) (وكأَنَّ المنُونَ نِيطَتْ إلَيْهِ ... فَهْوَ فِي كُلِّ جانِبَيْهِ منونُ) (مَا يُبَالِي مَنِ انتضَاهُ لِحَرْبٍ ... أَشِمَالٌ سَطَتْ يبه أَمْ يَمِينُ) فَقَالَ الْهَادِي دُونك السَّيْف والمكَتل فخذْهُمَا فَفرق ابْن يَامِين المكتل وَالدَّنَانِير على الشُّعَرَاء وَقَالَ فِي السَّيْف عوضْ ثمَّ انْصَرف فَبعث إِلَيْهِ الْهَادِي فَاشْترى مِنْهُ السَّيْف بِخَمْسِينَ ألف دِينَار هَكَذَا هَكَذَا قلت وتعجبني أَبْيَات أَرْبَعَة لِابْنِ الرُّومِي فِي وصف السَّيْف حَيْثُ يَقُول من // (الْخَفِيف) // (خَيْرُ مَا اسْتَعْصَمتْ بِهِ الكَفُّ غضْبٌ ... ذَكَرٌ جسُّهُ أَنِيثُ المُهُزِّ) (مَا تَأَمَّلْتَهُ بعَيْنَيْكَ إِلاَّ ... أرعدتْ صَفْحَتَاهُ من غَيْر هَزِّ) (مِثْلُهُ أَفْزَعَ الشجَاعَ إِلى الدِّرْعِ ... فَغَالَى بِهِ عَلَى كُلِّ بَزِّ) (مَا يُبَالي أَصممت شَفْرتَاهُ ... فِي مَحزِّ أم جَازَتَا عَنْ مجَزِّ) قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ وَعَن مُصعب الزبيرِي عَن أَبِيه قَالَ دخل مَرْوَان بن أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 حَفْصَة الشَّاعِر على الْهَادِي بن الْمهْدي فأنشده قصيدة من // (الطَّوِيل) // (تَشَابَهَ يَوْمَا بَأْسِهِ وَنوَالِهِ ... فَمَا أَحَد يَدْرِي لِأيِّهِمَا الفَضْلُ) (أَيوْمُ عَطَاهُ الجمَّ أَمْ يَوْمُ بَأْسِهِ ... ... ... ... ... ) فَلَمَّا فرغ من إنشادها قَالَ لَهُ أَيّمَا أحب إِلَيْك ثَلَاثُونَ ألفا مُعجلَة أم مائَة ألف تدون فِي الدَّوَاوِين فَقَالَ مَرْوَان تعجل الثَّلَاثُونَ ألفا وتدون الْمِائَة ألف فَتلك من الْهَادِي قَلِيل قَالَ الْهَادِي بل يعجلاَنِ لَك جَمِيعًا احملوا إِلَيْهِ مائَة وَثَلَاثِينَ ألفا قَالَ نفطويه قيل إِن الْهَادِي قَالَ لإِبْرَاهِيم الْموصِلِي إِن أطربتني فاحتكم فغناه من // (الهزج) // (سُلَيْمَى أَزْمَعَتْ بَيْنَا ... فَأَيْنَ لِقَاؤُهَا أَيْنا) فِي أَبْيَات يسيرَة فَأعْطَاهُ سَبْعمِائة ألف دِرْهَم قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ الْهَادِي يتَنَاوَل الْمُسكر ويلعب ويركب حمارا فارهاً يَعْنِي قبل تِلْكَ الْوَاقِعَة الَّتِي ذكرتها قريبَاً وَكَانَ فصيحاً قَادِرًا على الْكَلَام أديبا تعلوه هبة وَله سطوة وشهامة وَكَانَ طَويلا جسيماً أبيضَ شفته الْعليا تقلص فَلَا يزَال مَفْتُوح الْفَم فَوكل بِهِ أَبوهُ خَادِمًا كلما رَآهُ مفتوحَ الْفَم قَالَ لَهُ مُوسَى أطبق فيفيق على نَفسه ويطبق شَفَتَيْه كَمَا تقدم ذكر ذَلِك مَاتَ فِي ربيع الآخر سنة سبعين وَمِائَة وسِنهُ ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَمُدَّة خِلَافَته سنة وشهران وَقيل فِي سَبَب مَوته غير مَا تقدم وَهُوَ أَنه دفع نديمَاً لَهُ من جرف على أصُول قصب قد قطع فَتعلق النديم بِهِ فَوَقع فَدخلت قَصَبَة فِي مخرجه فَكَانَت سَبَب مَوته فماتا جَمِيعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 (خلَافَة هَارُون الرشيد) ابْن الْمهْدي بن الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَكَانَ فصيحاً بليغاً يحجُ عَاما ويغزو عَاما وَرُبمَا جمع بَينهمَا فِي عَام وَاحِد وَيُصلي كل يَوْم مائَة رَكْعَة لَا يتركُهَا إِلَّا لعِلَّة وَيتَصَدَّق كل يَوْم بِأَلف دِرْهَم وَيُحب الْعلمَاء وَيظْهر حرمات الْإِسْلَام ويتفقد الصلحاء وَمَعَ ذَلِك كَانَ منهمكَاً فِي اللَّهْو وَله فِي ذَلِك نَوَادِر وحكايات لَا تحصر بِحَدّ وَلَا تحصى بعد بُويِعَ لَيْلَة الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة مَاتَ أَخُوهُ الْهَادِي سنة سبعين وَمِائَة وَولد لَهُ الْمَأْمُون فِيهَا وَكَانَت لَيْلَة عَجِيبَة فِيهَا وَفَاة خَليفَة وَولَايَة خَليفَة وولادة خَليفَة وَلما بُويِعَ الرشيد استوزر يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي فَقَالَ إِبْرَاهِيم الْموصِلِي من // (الطَّوِيل) // (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الشمْسَ كانَتْ مريضَةً ... فلمَّا أتَى هارُونُ أَشْرقَ نُورُهَا) (تَلَبَّستِ الدُّنْيا جمَالاً بِمُلْكِهِ ... فهَارًونُ والِيهَا وَيَحْيَى وَزِيرُهَا) فَأعْطَاهُ هَارُون مائَة ألف وَأَعْطَاهُ يحيى خمسين ألفَاً وَكَانَ يحيى يصدر عَن رَأْي الخيرزان أم الرشيد ولداود بن رزين الوَاسِطِيّ قَوْله فِيهِ من // (الطَّوِيل) // (بِهَارُونَ لَجَّ النُّورُ فِي كُلِّ بلدةٍ ... وقامَ بِهِ فِي عدْلِ سِيرَتِهِ النَّهْجُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 (إِمامٌ بِذَاتِ الله أَصْبَحَ شُغْلُهُ ... فأَكْثَرُ مَا يُغْنَى بِهِ الغَزْوُ والحجُّ) (تَضِيقُ عيونُ الخَلْقِ عَن نُورِ وَجْهِهِ ... إِذا مَا بَدَا لِلنَّاسِ مَنْظَرُهُ البلْجُ) (تَفَسَّحَتِ الآمالُ فِي جُودِ كَفِّهِ ... وَأعْطى الَّذِي يرْجُوهُ فَوْقَ الَّذِي يَرْجُو) وَفِي سنة خمس وَسبعين وَمِائَة كَانَ خُرُوجُ يحيى بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى فِي الديلم وَهُوَ أَخُو الْمهْدي مُحَمَّد الملقب بِالنَّفسِ الزكية واشتدت شوكته وَكثر جمعه وَأَتَاهُ النَّاس من الْأَمْصَار فندب إِلَيْهِ الرشيد الْفضل بن يحيى فِي خمسين ألفا وولاه جرجان وطبرستان والري وَمَا يَليهَا وَحمل مَعَه الْأَمْوَال فَسَار وَنزل بالطالقان وَكَاتب يحيى وحذره وَبسط أمله وَكتب إِلَى صَاحب الديلم فِي تسهيل أَمر يحيى على أَن يُعْطِيهِ ألف ألف دِرْهَم فَأجَاب يحيى على الْأمان بِخَط الرشيد وَشَهَادَة الْفُقَهَاء والقضاة وَجلة بني هَاشم ومشايخهم وَعين عبد الصَّمد بن عَليّ أَن يكون مِنْهُم فَكتب لَهُ الرشيد بِكُل مَا أحب وأفاضَ عَلَيْهِ الْعَطاء وعظُمَت منزلَة الْفضل عِنْده ثمَّ إِن الرشيد حبس يحيى إِلَى أَن هلك فِي محبسه وَفِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ حج الرشيد فَسَار من الأنبار وَمَعَهُ أَوْلَاده الثَّلَاثَة مُحَمَّد الْأمين وَعبد الله الْمَأْمُون وَالقَاسِم الملقب بالمؤتمن وَكَانَ قد ولى الْأمين الْعَهْد وولاه الْعرَاق وَالشَّام إِلَى آخر الْمغرب وَولى الْمَأْمُون الْعَهْد بعده وَسلم إِلَيْهِ من هَمدَان إِلَى آخر الْمشرق وَبَايع لِابْنِهِ الْقَاسِم بعد موت الْمَأْمُون ولقبه المؤتمن وَجعل خلعه وإثباته لِلْمَأْمُونِ وَضم إِلَيْهِ الجزيرة والثغور والعواصم ومَرَ بِالْمَدِينَةِ فَأعْطى فِيهَا ثَلَاث أعطية عَطاء مِنْهُ وَعَطَاء من الْأمين وَعَطَاء من الْمَأْمُون فَبلغ ألف ألف دِينَار وَخَمْسمِائة ألف دِينَار ثمَّ سَار إِلَى مَكَّة فَأعْطى مثلهَا وأحضر الْفُقَهَاء والقضاة والقواد وَكتب كتابا أشهد فِيهِ على الْأمين بِالْوَفَاءِ لِلْمَأْمُونِ وَآخر على الْمَأْمُون بِالْوَفَاءِ للأمين وعلق الْكِتَابَيْنِ فِي الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وجدَّد عَلَيْهِمَا العهود بذلك قَالَ إِبْرَاهِيم الحَجبي لما أردْت تَعْلِيق كتاب الْعَهْد بِالْكَعْبَةِ سقط مني المعلاق فَكَانَ فألا بِسُرْعَة نقضه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 وَلما صير الرشيد وَلَده الْأمين ولي عَهده بعده قَالَ سلم الخاسر قصيدة فِي ذَلِك يَقُول فِيهَا من // (الْكَامِل) // (قُلْ للمنازلِ بالكَثِيبِ الأَغْفَرِ ... سُقِّيتِ غادِيةَ السماءِ المُمْطِرِ) (قَدْ بايَعَ الثَّقَلاَنِ مَهْدِِي الهُدَى ... لمحمدِ ابنِ زُبَيْدَةَ ابْنةِ جَعْفَرِ) (قَدْ وَفَّقَ اللَّهُ الخليفَة إذْ بَنَى ... بَيْتَ الخلافةِ لِلْهِجَانِ الأَزْهرِ) (فَهُوَ الخليفَةُ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ ... شَهِدَا عَلَيْهِ بِمَنْظَرٍ وبِمَخْبَرِ) فحشت زبيدة فَاه جَوَاهِر قيل باعة بِعشْرين ألف دِينَار قلت وَمن شعر سلم قَوْله من // (مخلع الْبَسِيط) // (بَانَ شبابِي فَمَا يَحُورُ ... وطَالَ مِنْ لَيْلِيَ القَثصيرُ) (أَهْدى لِيَ الشَّوْقَ وَهْوَ حُلْوٌ ... أَغَنُّ فِي طَرْفِهِ فُتُورُ) (وَقَائِلٍ حِينَ شَبَّ وَجْدِي ... وَاشْتَعَلَ المُضْمرُ السَّتِيرُ) (لَوْ شِئْتُ أَسْلاَكَ عَنْ هَوَاهُ ... قَلْبٌ لِأَشْجَانِه ذَكُورُ) (فَقُلْتُ لَا تَعْجَلَنْ بِِلَوْمِي ... فَإِنَّمَا يُنْبِئُ الخَبِيرُ) (عَذَّبَني والهَوَى صَغِيرُ ... فَكَيْفَ بِي والهَوَى كَبِيرُ) (مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ مَات غَمًّا ... وَفَازَ باِللَّذَّةِ الجَسُورُ) وَسلم هَذَا اسْمه سلم بن عَمْرو الْبَصْرِيّ أحد الشُّعَرَاء الْمُحْسِنِينَ وَهُوَ غُلَام بشار بن برد مدح الْمهْدي والرشيد والبرامكة وَكَانَ عاكفاً على الْمعاصِي ثمَّ تزهد وتنسك مُدَّة مديدة ثمَّ مرق وَعَاد إِلَى اللَّهْو وَبَاعَ مصحفه وَاشْترى بِثمنِهِ ديوَان شعر فلقب لذَلِك الخاسر وَمن غَرِيب مَا اتّفق لهارون الرشيد أَن أَخَاهُ مُوسَى الْهَادِي لما ولي الْخلَافَة قبله سَأَلَ عَن خَاتم عَظِيم الْقدر كَانَ لِأَبِيهِ الْمهْدي فَبَلغهُ أَن الرشيد أَخذه فَطَلَبه مِنْهُ فَامْتنعَ فألحَ عَلَيْهِ فِيهِ فشق على الرشيد أَخذه فَطَلَبه وَمر على جسر بَغْدَاد فَرَمَاهُ فِي دجلة فَلَمَّا مَاتَ الْهَادِي وَولي الرشيد الْخلَافَة أَتَى إِلَى ذَلِك الْمَكَان بِعَيْنِه وَمَعَهُ خَاتم رصاص فَرَمَاهُ فِيهِ وَأمر الغطاسين أَن يلتمسوه فَفَعَلُوا فَاسْتَخْرَجُوا الْخَاتم الأول فعد ذَلِك من سَعَادَة الرشيد وَفِي سنة سبع وَثَمَانِينَ كَانَت نكبة الرشيد بالبرامكة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 اعْلَم أَن البرامكة يُقَال أصلهم من جيل من الْعَجم كَانُوا مجوسَاً وأولهم فِي التَّقَرُّب إِلَى الْخُلَفَاء خَالِد بن برمك وَكَانَ من كبار الشيعةَ وَله قدم راسخ فِي الدولة وَكَانَ يَلِي الولايات الْعِظَام ولاه الْمَنْصُور على الْموصل وأذربيجان وَولى ابْنه يحيى على أرمينية ووكله الْمهْدي بكفالة الرشيد فَأحْسن تَرْبِيَته وَدفع عَنهُ أَخَاهُ لما أَرَادَهُ على الْخلْع وتولية ابْنه الْعَهْد وحبسه الْهَادِي لذَلِك فَلَمَّا ولي الرشيد استوزر يحيى وفوض لَهُ أُمُور ملكه وَكَانَ أَولا يصدر عَن رَأْي الخيرزان أم الرشيد ثمَّ استبد بِالرَّأْيِ فِي الدولة وَكَانَ بَيتهمْ معمورا بِالرِّجَالِ من العمومية والقرابة وَكَانَ بنوه جَعْفَر وَالْفضل وَمُحَمّد قد ساهموا أباهم فِي حمل الدولة واستولوا على حظّ من تقريب السُّلْطَان واستخلاصه وَكَانَ الْفضل أَخا للرشيد من الرَّضَاع أرضعت أمه الرشيد وأرضعته الخيرزان وَكَانَ يُخَاطب يحيى يَا أَبَت واستوزر الْفضل وجعفرَاً وَولي جَعْفَر على مصر وخراسان وَبعث الْفضل لاستنزال يحيى بن عبد الله الْعلوِي من الديلم وَدفع وَلَده الْمَأْمُون لما ولاه الْعَهْد إِلَى كَفَالَة جَعْفَر بن يحيى فحسنت آثَارهم فِي ذَلِك كُله ثمَّ عظم سلطانهم واستيلاؤهم على الدولةَ وَكَثُرت السّعَايَة فيهم وَعظم حقد الرشيد على جَعْفَر مِنْهُم فَلَمَّا كثرت فيهم السّعَايَة بِسَبَب استيلائهم على الْخَلِيفَة فَمن دونه تحيل أعداؤهم من البطانة فِيمَا دسوه للمغنين من الشّعْر احتيالا على إسماعه للخليفة ولتحريك حفائظه عَلَيْهِم وَمن ذَلِك بيتان هما من // (الرمل) // (لَيْتَ هِنْدًا أنجزتْنَا مَا تعِدْ ... وشَفَتْ أَنْفُسَنَا ممَّا نَجِدْ) (واستَبَدَّتْ مَرَّةً وَاحِدَة ... إِنَّمَا العَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدّ) فَلَمَّا سَمعهَا الرشيد قَالَ إِي وَالله عَاجز فبعثوا بذلك كامن غيرته وسلَطوا عَلَيْهِ انتقامه نَعُوذ بِاللَّه من غَلَبَة الرِّجَال وَسُوء الْحَال ذكر هَذَا ابْن عبد ربه الْقُرْطُبِيّ فِي العقد فتنكر لَهُم الرشيد وَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا يحيى بن خَالِد بِغَيْر إِذن فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ وخاطب طبيبه جِبْرِيل بن بختيشوع منصرفاً بِهِ عَن مواجهته وَكَانَ حَاضرا فَقَالَ يحيى أما هِيَ عادتي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِذ قد نكرت مني فسأكون فِي الطَّبَقَة الَّتِي تجعلني فِيهَا فاستحيى هَارُون وَقَالَ مَا أردْت مَا تكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وَكَانَ الغلمان يقومُونَ بِبَاب الرشيد يَعْنِي إِذا دخل يحيى فَتقدم لَهُم مسرور الْخَادِم بِالنَّهْي عَن ذَلِك فصاروا يعرضون عَنهُ إِذا أقبل وَأَقَامُوا على ذَلِك زمانَاً فَلَمَّا حج الرشيد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَرجع من حجه وَنزل الأنبار أرسل مَسْرُورا الْخَادِم فِي جمَاعَة من الْجند لَيْلًا فأحضروا جعفرَاً بِبَاب الْفسْطَاط وَأعلم الرشيد فَقَالَ ائْتِنِي بِرَأْسِهِ فَطَفِقَ جَعْفَر يتذلل وَيسْأل مَسْرُورا الْمُرَاجَعَة فِي أمره فَدخل إِلَى الرشيد يكلمهُ فِيهِ فَحَذفهُ الرشيد بِعَصا كَانَت فِي يَده وتهدده فَخرج وَأَتَاهُ بِرَأْسِهِ وَحبس يحيى وَابْنه الْفضل من ليلته وَبعث من احتاط على منَازِل يحيى وَولده وَجمع موجودهم وَكتب فِي ليلته إِلَى سَائِر النواحي بِقَبض أَمْوَالهم ورقيقهم وَبعث من الْغَد بشلو جَعْفَر وَأمر بِأَن يقسم بقطعتين وينصبا على الجسر وأعفى مُحَمَّد بن خَالِد من النكبة وَلم يضيق على يحيى وَابْنه الْفضل قَالَ فِي المروج وَاخْتلف فِي سَبَب إِيقَاعه بهم فَأَما الظَّاهِر فاحتجار الْأَمْوَال فَإِنَّهُم كَانُوا لَيْسَ للرشيد مَعَهم أمرٌ حَتَّى كَانَ يحْتَاج لليسير من المَال فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَقيل إِن سَبَب ذَلِك أَن الرشيد لما وَجه يَقْطِين بن مُوسَى إِلَى إفريقية لإصلاحها وَكَانَ يَقْطِين من كبار الشِّيعَة وَمِمَّنْ كَانَ مَعَ إِبْرَاهِيم الإِمَام فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اكشف لي عَن جسدك أقبله لأَكُون قبلت بضعَة من رَسُول الله ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنِي مولَايَ إِبْرَاهِيم الإِمَام أَن الْخَامِس من الْخُلَفَاء بني الْعَبَّاس تعذر بِهِ كُتابه فَإِن لم يقتلهُمْ قَتَلُوهُ فَقَالَ لَهُ الرشيد الله حَدثَك الإِمَام بِهَذَا قَالَ نعم فَكَانَ ذَلِك السَّبَب فِي قَتلهمْ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَامِس من خلفاء بني الْعَبَّاس وَقيل إِن سَبَب قتل جَعْفَر أَنه رفع إِلَى الرشيد رقْعَة لم يدر رافعها وفيهَا من // (السَّرِيع) // (قُلْ لأمِينِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ... ومَنْ ألَيْهِ الحَلُّ والعَقْدُ) (هَذَا ابْنُ يَحْيَى قد غَدَا مَالِكًا ... مِثْلَكَ مل بَيْنَكُمَا حَدُّ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 (أَمْرُك مرْدُودٌ إلَى أَمْرِهِ ... وأَمْرُهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ) (وقَدْ بَنى الدَّارَ الَّتِي مَا بَنَى ... مِثَالَهَا الفُرْسُ وَلَا الْهِنْدُ) (أَلدُّرُّ واليَاقُوتُ حَصْبَاؤها ... وتُرْبُهَا العَنْبَرُ والنِّدُّ) (ونَحْنُ نخشَى أَنه وَارِثٌ ... مُلْكَكَ إِنْ غَيَّبَكَ اللَّحْدُ) (ولَنْ يُبَاهِي العَبْدُ أربابَهُ ... إلاَّ إِذا مَا بَطرَ العَبْدُ) فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا الرشيد أوقع بِهِ وقيِل سَببه أَن الرشيد لما استنزل يحيى بن عبد الله الْعلوِي عَن جَعْفَر وَكَانَ يخافه على الْخلَافَة وَكَانَ جَعْفَر يرى سرُور الرشيد بِمَوْت من يَمُوت فِي حَبسه من هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن يحيى بن عبد الله قد مَاتَ فَسُر سرورَاً وَأخْبر أَبَاهُ يحيى بذلك فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون إِن تَرَكْنَاهُ تلفنا وَإِن قَتَلْنَاهُ فَالنَّار لنا ثمَّ خيل لَهُ أَن كتب إِلَى عَليّ بن مُوسَى بن هامان وَالِي خُرَاسَان وَكَانَ متزوجاً بنت يحيى فَعرفهُ مَا جرى وفزع إِلَيْهِ فِي أَن يكون يحيى عِنْده مكرمَاً إِلَى أَن يقْضِي الله قَضَاءَهُ وَكَانَ الْكتاب بِخَط يحيى وَلم يكن يحيى يعلم مَا بَين عَليّ بن عِيسَى وَبَين ولديه الْفضل وجعفر من الْعَدَاوَة فَلَمَّا وصل الْكتاب إِلَى عَليّ بن عِيسَى بن هامان وصل يحيى بن عبد الله قَالَ هَذَا من حيل الْفضل وجعفر عَليّ فَأجَاب يحيى بِأَنَّهُ يفعل مَا أَرَادَ وأنفذ الْكتاب إِلَى الرشيد فَأعلمهُ أَن يحيى بن عبد الله عِنْده فَكتب إِلَيْهِ الرشيد يحسن فعله ويعلمه فَسَاد أَمر البرامكة لَدَيْهِ وَأمره ببعث يحيى بن عبد الله إِلَيْهِ من غير أَن يعلم أحدا فَلَمَّا وصل يحيى إِلَى الرشيد أوقع بالبرامكة بعد مُدَّة من ذَلِك الْوَقْت وَقيل أَرَادَت البرامكة الزندقة وإفساد الْملك فَقَتلهُمْ وَقيل سَبَب ذَلِك أَن الرشيد كَانَ لَا يصبر عَن جَعْفَر وَلَا عَن أُخْته عباسة وَمَتى غَابَ أَحدهمَا عَنهُ لَا يتم سروره فَقَالَ لجَعْفَر أزَوّجكَهَا ليحل لَك النّظر إِلَيْهَا وَلَا تمسها وَكَانَا يحْضرَانِ مَجْلِسه وَرُبمَا فراقهما فيمتلئان من الشَّرَاب وهما شابان فجامعها جَعْفَر فَحملت مِنْهُ وَفِي كمامة الزهر أَن العباسة عشقت جعفراً فراودته فَأبى خوفًا على نَفسه وَرَأَتْ أَن النِّسَاء إِلَى الخديعة أقرب فَبعثت إِلَى أم جَعْفَر عتابة وَكَانَت عتابة ترسل إِلَى ابْنهَا فِي كل جُمُعَة بِكراً وَكَانَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَأْخُذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 شَيْئا من النَّبِيذ فَقَالَت العباسة أرسليني لجَعْفَر كجارية من اللواتي ترسلينها إِلَيْهِ فَأَبت فَقَالَت لَهَا إِن لم تفعلي أخْبرت الرشيد أَنَّك كَلَّمتنِي فِي كَيْت كَيْت وَإِن اشتملتُ على ولد زَاد فِي شرف ابْنك وَمَا عَسى أَن يفعل أخي بعد اشتمالي على ولد فطمعت عتابة فِي ذَلِك ووعدت وَلَدهَا بِجَارِيَة من هيئتها كَذَا وَكَذَا فطالبها جَعْفَر بهَا فمطلته أَيَّامًا ثمَّ قَالَت للعباسة تَهيئي فِي هَذِه اللَّيْلَة فَفعلت وأدخلتها على جَعْفَر وَكَانَ لَا يعرفهَا لِأَنَّهُ كَانَ يجلس مَعهَا هُوَ والرشيد فَلَا يَجْسُر أَن يرفع طرفه إِلَيْهَا خوفًا فَلَمَّا قضى مِنْهَا وطره قَالَت لَهُ كَيفَ رَأَيْت خديعة بَنَات الْمُلُوك فَقَالَ وَبنت أَي ملك أَنْت قَالَت أَنا مولاتك العباسة فطارَ السكر من رَأسه وَقَالَ لأمه بعتيني وَالله رخيصاً فَكَانَ هذَاَ هَو السَّبَب وَيُقَال إِن علية بنت الْمهْدي قَالَت للرشيد مَا رَأَيْت لَك يَا سَيِّدي يَوْم سرُور مُنْذُ قتلت جعفراً فلأي شَيْء قتلته فَقَالَ لَهَا يَا حيائي لَو علمت أَن قَمِيصِي يعلم السَّبَب لأحرقته وَفِي ربيع الْأَبْرَار لم أر أبر من الْفضل بِأَبِيهِ يحيى بلغ من بره أَنه لما كَانَا محبوسين وَكَانَ يحيى لَا يتَوَضَّأ إِلَّا بِمَاء مسخن فَمنع السجان الْوقُود فِي لَيْلَة بَارِدَة فَلَمَّا أَخذ يحيى مضجعه قَامَ الْفضل إِلَى قمقم فأدناه إِلَى الْمِصْبَاح فَلم يزل قَائِما وَهُوَ فِي يَده حَتَّى أصبح فَتَوَضَّأ بِهِ أَبوهُ يحيى فشعر السجان بذلك فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة غيب السجان الْمِصْبَاح فَبَاتَ الْفضل متأبطَاً القمقم يدفئه لِأَبِيهِ ليله أجمع وَمَات يحيى بالسجن فِي الرقة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة بعد قتل جَعْفَر بِثَلَاث سِنِين وَبَقِي الْفضل بعده فِي السجْن ثمَّ مَاتَ وَكَانَت دولتهم مُنْذُ اسْتخْلف هَارُون إِلَى أَن قتل جَعْفَر سبع عشرَة سنة وَسَبْعَة أشهر وَخَمْسَة عشر يَوْمًا وَقد رثتهم الشُّعَرَاء وَأَكْثرُوا وَمن ذَلِك قَول عَليّ بن معَاذ من // (السَّرِيع) // (يَأَيُّهَا المُغْتَرُّ بِالدَّهْرِ ... وَالدَّهْرُ ذُو صَرْفٍ وّذُو غَدْرِ) (إِنْ كُنْتَ ذَا جَهْلٍ بِتَصْرِيِفِهِ ... فَانظُر إلَى المَصْلُوبِ بِالجسْرِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 (فَبَيْنَمَا جَعْفَرُ فِي مُلْكِهِ ... عشيَّةَ الجمعَةِ بالغمْرِ) (إذْ عَثَرَ الدهْرُ بِهِ عثْرَةً ... يَا وَيْلَتِي مِنْ عَثْرَةِ الدَّهْرِ) وَقَالَ سلم الخاسر من // (الطَّوِيل) // (هَوَتْ أنجُمُ الجَدْوَى وشَلَّتْ يَد النَّدَى ... وغَاضَتْ بِحَارُ الجُودِ بَعْدَ البَرَامِكِ) (هوتْ أنجُمٌ كانَتْ لآل ابْن بَرْمَكٍ ... بهَا يَعْرِف الجرِي قَوِيمَ المَسَالِكِ) وَقَالَ مَنْصُور النميري من // (مخلع الْبَسِيط) // (أُنْدُبْ بنِي بَرْمَكِ لدُنْيَا ... تَبْكِي علَيْهِمْ بكُلِّ نَادِي) (كانتْ بهمْ بُرْهَةً عَرُوسًا ... فأضحَتِ الآنَ فِي حِدَادِ) وَقَالَ دعبل الْخُزَاعِيّ من // (الطَّوِيل) // (ألم تَرَ صَرْفَ الدّهْرِ فِي آلِ بَرْمَكٍ ... وآلِ نهيكٍ والقُرُونِ الَّتي خَلُّوْا) (لقد غَرَسُوا غَرْسَ النخيلِ تكرُّمًا ... فَمَا حصدُوا إِلَّا كَمَا تحصدُ البقْلُ) وَقَالَ أَبُو عذرة الْأَعرَابِي من // (الْخَفِيف) // (مَا رَعَى الدَّهْرُ آلَ بَرْمَكَ لَمَّا ... أَنْ رَمَى ملكَهُمْ بأمْرٍ بديعِ) (إنَّ دهراً لم يَرْعَ حَقًا ليحيى ... غَيْرُ راعٍ حَقُّا لآلِ الرَّبِيعِ) قلت آل الرّبيع هُوَ حَاجِب هَارُون الرشيد كَأَنَّهُ يهددهم بِهَذَا القَوْل ويخوفهم ولبعضهم من من // (المديد) // (ياَ بَنِي بَرْمَكَ وَاهًا لَكُمْ ... ولِأَيَّامِكُمُ المُقْبِلَهْ) (كَانَتِ الدُّنْيَا عرُوسًا بِكُمْ ... وَهِيَ اليَوْمَ عَجُوزٌ أَرْمَلَهْ) وَفِي ابْن خلكان عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْهَاشِمِي قَالَ دخلت على والدتي فِي يَوْم عيد النَّحْر فَوجدت عِنْدهَا امْرَأَة عجوزاً فِي ثِيَاب رثَّة فَقَالَت لي والدتي أتعرف من هَذِه قلت لَا قَالَت هَذِه عتابة أم جَعْفَر الْبَرْمَكِي فَأَقْبَلت عَلَيْهَا بوجهي وأكرمتها وتحدثنا زَمَانا ثمَّ قلت يَا أمه مَا أعجب مَا رَأَيْت قَالَت يَا بني لقد أَتَى على هَذَا الْعِيد وعَلى رَأْسِي أَرْبَعمِائَة وصيفة وَإِنِّي أعد أَن ابْني عَاق لي وَلَقَد أَتَى على الْعِيد الْيَوْم وَمَا مناي إِلَّا جلد شَاتين أفرش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 أَحدهمَا وألتحف بِالْآخرِ قَالَ فَدفعت لَهَا خَمْسمِائَة دِينَار فَكَادَتْ تَمُوت فَرحا وَهَهُنَا مُكَاتبَة من يحيى بن خَالِد حَال كَونه فِي السجْن إِلَى الْخَلِيفَة هَارُون نثر ونظم أَحْبَبْت ختم قصتهم بهَا هِيَ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِمَام الْمُسلمين وَخلف المهديين وَخَلِيفَة رب الْعَالمين من عَبْدٍ أسلمته ذنُوبه وأوبقته عيوبه وخذله شقيقه ورفضه صديقه وَنزل بِهِ الزَّمَان وناح عَلَيْهِ الْحدثَان فَسَار إِلَى الضّيق بعد السعَة وعالج الْبُؤْس بعد الدعة وافترش السخط بعد الرضى واكتحل السهر وافتقد الهجوع فساعته شهر وَلَيْلَته دهر قد عاين الْمَوْت وشارف الْفَوْت جزعاً يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَحجَّة الله على فقدك لما أُصِيب بِهِ من بُعدك لَا لمصيبتى بِالْحَال وَالْمَال فَإِن ذَلِك كَانَ بك وَلَك عَارِية فِي يَدي مِنْك وَلَا بُد أَن تسترد العواري فَإِن كَانَت المحنة فِي جَعْفَر فبجرمه أَخَذته وبجريرته عاقبته وَمَا أَخَاف عَلَيْك زلَّة فِي أمره وَلَا مُجَاوزَة بِهِ فَوق مَا يسْتَحقّهُ فاذكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خدمتي وَارْحَمْ ضعْفي وسني ووهن قوتي وهب لي رضى عني فَمن مثلي الزلل ومنك الْإِقَالَة وَلست أعْتَذر وَلَكِنِّي أقرّ وَقد رَجَوْت أَن يظْهر مِنْك الرضى من وضوح عُذري وَصدق قولي وَظَاهر طَاعَتي ومليح حجتي مَا يَكْتَفِي بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَيرى الجلية فِيهِ ويبلغ المُرَاد مِنْهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ كتب تحتهَا شعرًا يَقُول من // (مجزوء الْكَامِل) // (قُلْ لشلْخَلِيفةِ ذِي الصنَائِعِ ... والعطايا الفَاشِيَهْ) (وابنِ الخلائفِ مِنْ قريْشٍ ... والملوكِ الهَادِيَهْ) (رأسِ الْمُلُوك وخَيْرِ منْ ... ساسَ الأمورَ الماضيِهْ) (إنَّ البرامكَةَ الَّذين ... رُمُوا لَدَيْكَ بداهِيَهْ) (عَمَّتْهُمُ لَكَ سخطةٌ ... لم تُبْقِ مِنْهُمْ باقِيَهْ) (فَكأنَّهُمْ مِمَّا بِهِمْ ... أَعْجَازُ نَخْلٍ خاويَه) (صُفْرُ الوجوهِ عَلَيْهِمُ ... خِلَعُ المذَّلةِ بادَيهْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 (مستضعفُونَ مُطَرَّدُونَ ... بكُلِّ أرضٍ قاصِيَهْ) (من دون مَا يَلْقَوْنَ مِنْ ... عَتْبٍ يشِيبُ النّاَصيَهْ) (أضحَوْا وجُلُّ مناهُمُ ... منْكَ الرضَا والعافِيهْ) (بَعْدَ الوزارةِ والإمارةِِ ... والأمورِ العاليَهْ) (أُنْظُرْ إِلَى الشيخِ الْكَبِير ... فنَفْسُهُ لَك راجيَهْ) (أوَ مَا سَمِعْتَ مَقَالَتي ... يَا ذَا الفروعِِ الزاكيَهْ) (مَا زلْتُ أَرْجُو راحَةً ... فاليومَ حَانَ رجائيَهْ) (اَلْيَوْمَ قد سَلَبَ الزمانُ ... كَرَامَتِي وبَهَائِيَهْ) (ألقَى الزمَانُ جِرَانيَهْ ... مستثبتَاً بفنائيَهْ) (ورمَى سواءَ مَقاتِلِي ... فَأصَاب حِينَ رمانيَهْ) (يَا مَنْ يَوَدُّ لِيَ الرَّدَي ... يكفيكَ ويَحْكَ مَا بِيَهْ) (يكفيكَ أنِّي مستباحٌ ... مَعْشَرِي ونِسَائِيَهْ) (يَكْفِيك مَا أَبْصَرْتَ مِنْ ... ذلي وذُلِّ مكانيَهْ) (إِن كَانَ لَا يَكْفِيكَ إلْلاَ ... أَنْ أَذُوقَ حِمَامِيهْ) (فلقدْ رَأَيْتُ المَوْتَ مِنْ ... قبل المماتِ عَلاَنِيَهْ) (وفُجِعْتُ أَعْظَمَ فجْعَةٍ ... وفَنيْتُ قبْلَ فَنَائِيَهْ) (أُنْظُرْ بعينِكَ هَلْ تَرَى ... إلاَّ قُصُورًا خاليَهْ) (وذخائرَاً موروثَةً ... قُسِّمْنَ قبْلَ مَمَاتِيَهْ) (ومصارعاً وفجائعاً ... ومصائبَاً متواليهْ) (أَخَلِيفَة اللَّهِ الرِّضَا ... لَا تُشْمِتَنْ أعدائَهْ) (واذكُرْ مُقَاسَاتِي الأمُوْرَ ... وخِدْمَتِي وعنَائِيهْ) (إِرْحَمْ جُعِلْكُ لَك الفدا ... كِبَرِي وشِدَّةَ حَالِيَهْ) (واحْمِ أخاكَ الفَضْلَ ... والْباقِينَ مِنْ أولادِيَهْ) (أخليفةَ الرحمنِ إنْنَكَ ... لَو رَأَيْتَ بَنَاتِيَهْ) (وبُكاءَ فاطمةَ الكبيرةِ ... والمَدَامِعَ جاريهْ) (ومقالَهَا بتوجُّعٍ ... يَا شِقْوَتِي وبلاَئِيَهْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 ) مَا لي وَقد غَضِبَ الإمامُ ... عَلى جَمِيع رِجَلِيَهْ) (يَا نظرةَ المَلِكِ الرِّضَا ... عودي إلَيْنَا ثَانِيَهْ) فَلَمَّا رأى الرشيد هَذِه الأبيات وَقع تحتهَا قَوْله من // (مجزوء الْكَامِل) // (أَجْرَى القَضَاءُ عَلَيْكُمُ ... مَا جِئْتُمُوهُ عَلَانِيَهْ) (مِنْ تَرْكِ نُصْحِ إمامِكُمْ ... عِنْد الأُمُورِ البَادِيَهْ) (يَا آلَ بَرْمَكَ إنَّمَا ... كُنْتُمْ ملوكاً عادِيَهْ) ) فكَفَرْتُمُ وعَصَيْتُمُ ... وجحدتُّمُ نَعْمَائِيَةْ) (هَذِي عُقُوبَةُ مَنْ عَصَى ... معبودَهُ وعَصَانِيَهْ) {وضرَبَ اَللَهُ مَثَلا قَرية كَانتَ آمِنَة مُطمَئنَةَ} الْآيَة النَّحْل 112 سَأَلَ الرشيد مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر فَقَالَ لَهُ لم زعمتم أَنكُمْ أقرب إِلَى رَسُول الله منا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن رَسُول الله أنشر فَخَطَبَ إِلَيْك هَل كنت تجيبه فَقَالَ سُبْحَانَ الله وَكنت أَفْخَر بذلك على الْعَرَب والعجم فَقَالَ مُوسَى لكنه لَا يخْطب إليَ وَلَا أزَوجهُ لِأَنَّهُ ولَدَنَا وَلم يَلِدْكُمْ وَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا فعثر بهدب الْبسَاط فَوَقع فَضَحِك الرشيد فَالْتَفت إِلَيْهِ مُوسَى فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه ضعف صَوْم لَا ضعف سكر وَكَانَ الرشيد قد حمل مُوسَى مَعَه سنة أَن حَجَ حمله مَعَه من الْمَدِينَة إِلَى بَغْدَاد وحبسه غير مضيق عَلَيْهِ إِلَى أَن توفّي قَالَ الذَّهَبِيّ بلغنَا أَنه بعث إِلَى الرشيد رِسَالَة يَقُول إِنَّه لن يَنْقَضِي عني يَوْم من الْبلَاء إِلَّا انْقَضى عَنْك مَعَه يَوْمًا من الرخَاء ثمَّ نقضي جَمِيعًا إِلَى يَوْم لَيْسَ لَهُ انْقِضَاء يخسر فِيهِ المبطلون قَالَ عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ لما رأى الرشيد قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله يَا ابْن عَم يفتخر بذلك فَتقدم مُوسَى بن جَعْفَر فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَت فتغيَّر وَجه الرشيد وَقَالَ هَذَا الْفَخر حَقًا قَالَ وَلَعَلَّ الرشيد مَا حمله إِلَى بَغْدَاد وحبسه إِلَّا لقَوْله السَّلَام عَلَيْك يَا أبتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 فَإِن الْخُلَفَاء لَا يحْتَملُونَ مثل هَذَا حكى الإِمَام مُحَمَّد بن ظفر قَالَ كَانَ الرشيد مَعَ ظلمه وعظيم مُلْكه وجبروته يَعْتَرِيه خَوفُ الله فَمن ذَلِك أَن خارجياً خرج عَلَيْهِ فَقتل أبطاله وانتهب أَمْوَاله مرَارًا ثمَّ إِنَّه جهز إِلَيْهِ جَيْشًا كثيفاً فقاتلوه فغلبوه بعد جهد وَأتوا بِهِ الرشيد فَجَلَسَ مجلسَاً عَاما وَأمر بإدخاله عَلَيْهِ فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ يَا هَذَا مَا تُرِيدُ أَن أصنَعَ بك قَالَ مَا تريدُ أَن يَصْنَعَ الله بك إِذا وقفتَ بَين يَدَيْهِ فَعَفَا عَنهُ وَأمر بِإِطْلَاقِهِ فَلَمَّا خرج قَالَ بعض جلسائْه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رجلٌ قَتَلَ أبطالك وانتهب أموالك تطلقه بِكَلِمَة وَاحِدَة هَذَا مِمَّا يُجَرئُ عَلَيْك أهلَ الشَّرّ فَقَالَ الرشيد ردُّوهُ فَعلم الرجل أَنه قد تكلم فِيهِ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تطعهم فَلَو أطَاع الله النَّاس فِيك مَا ولاك طرفَة عين قَالَ صدقت ثمَّ أَمر لَهُ بصلَة وَفِي كتاب روض الْأَخْبَار أَن الرشيد خرج إِلَى الصَّيْد فَانْفَرد عَن عسكره وَالْفضل بن الرّبيع خَلفه فَإِذا شيخ رَاكب على حمَار فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ رطب الْعين فغمز الْفضل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْفضل أَيْن تُرِيدُ يَا شيخ قَالَ حَائِطا لي فَقَالَ هَل أدلك على شَيْء تداوي عَيْنَيْك فتذهب هَذِه الرُّطُوبَة فَقَالَ الشَّيْخ مَا أحوجني إِلَى ذَلِك فَقَالَ لَهُ الْفضل خُذ عيدَان الْهَوَاء وغبار المَاء وورق الكمأة فصيره فِي قشر جوزة واكتحل بِهِ فَإِنَّهُ يذهب رُطُوبَة عَيْنَيْك فاتكأ الشَّيْخ على حلْس حِمَاره وضرط ضرطة طَوِيلَة ثمَّ قَالَ هَذِه أُجْرَة وصفك فَإِن نفعنا الْكحل زدناك فَضَحِك الرشيد حَتَّى كَاد أَن يسْقط من على ظهر فرسه قَالَ النَّضر بن شُمَيْل إِمَام اللُّغَة حَدثنِي الْفراء عَن الْكسَائي قَالَ دَعَاني الرشيد وَلَيْسَ عِنْده إِلَّا حَاشِيَته وابناه الْمَأْمُون والأمين فَقَالَ يَا عَليّ مَا زلت ساهراً مفكراً فِي مَعَاني أَبْيَات قد خفيت عَليّ قلت إِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن ينشدنيها فَأَنْشد من // (الرجز) // (قد قُلْتُ قولا للغُرَابِ إذْ حَجَلْ ... ) (عَلَيْكَ بالقُودِ المسانيفِ الأُوَلْ ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 (تَغَدَّ مَا شِئْتَ عَلَى غَيْرِ عَجَلْ ... ) قلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن العير إِذا فصلَت من خَيْبَر وَعَلَيْهَا التَّمْر يَقع الْغُرَاب على آخر العير فطرده السَّائِق يَقُول يَا هَذَا تقدم إِلَى أَوَائِل العير فَكل على غير عجل والقود جمع أَقُود وَهُوَ الطَّوِيل الْعُنُق وَالْأُنْثَى قوداء والمسانيف الْمُتَقَدّمَة ثمَّ أَنْشدني من // (الطَّوِيل) // (لَعَمْرِي لَئِن عشرتْ مِنْ خشْيَةِ الردَى ... نُهَاقَ الحميرِ إِنَّنيِ لَجَهُولُ) فَقلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ الرجل من الْعَرَب إِذا وصل إلَى خَيْبَر أكب على أَرْبَعَة وَعشر تعشير الْحمار وَهُوَ أَن ينهق عشر نهقات مُتَتَابِعَات يفعل ذَلِك فَيدْفَع عَن نَفسه حمى خَيْبَر ثمَّ أَنْشدني قَول الآخر من // (الْبَسِيط) // (أجاعلٌ أَنْتَ بَيْقُورًا مُضَرَّمَةً ... ذريعَةً لَكَ بَين اللهِ والمَطَرِ) قلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَت الْعَرَب إِذا أَبْطَأَ الْمَطَر شدت الْعشْر والسلع وهما ضَرْبَان من النبت فِي أَذْنَاب الْبَقر وألهبوا فِيهَا النَّار وشردوا بالبقر تفاؤلا بالبرق والمطر ثمَّ أَنْشدني من // (الطَّوِيل) // (لعمركَ مَا لامَ الفَتَى مِثْل نَفْسِهِ ... إِذا كانَتِ الأحياءُ تَعْرَى ثيابُهَا) (وآذَنَ بالتصْفِيقِ مَنْ سَاءَ طنُّهُ ... فَلم يَدْرِ مِنْ أيِّ اليدَيْنِ جوابُهَا) فَقلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ الرجل مِنْهُم إِذا ضَل فِي الْمَفَازَة قلب ثِيَابه وَصَاح كَأَنَّهُ يُومِئ إِلَى إِنْسَان ويشتد شدَّة ويصفق بيدَيْهِ فيهتدي الطَّرِيق ثمَّ أَنْشدني من // (مجزوء الْكَامِل) // (قَوْدَاء تَمْلِكُ رَحْلَهَا ... مِثْلَ اليَتِيمِ مِنَ الأَرَانِبْ) فَقلت نعم يَقُول هَذِه نَاقَة مثل الْيَتِيم من الآكام واليتيم الْوَاحِد من كل شَيْء والأرانب الآكام ثمَّ أَنْشدني لآخر من // (الطَّوِيل) // (إِلى اللهِ أشكُو هَجْمَةً هجريَّةً ... تعاورها أَمْر السِّنِين الغَوَابِرِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 (فعادَتْ روايا تَحْمِلُ الطَّينَ بَعْدَ مَا ... تَكُونُ قِرًى للمُعْتَفِينَ المَفَاقِرِ) قلت نعم هَذَا رجل فِي بستانه نخيل أَتَى عَلَيْهَا الدَّهْر فجفت فقطعها وصيرها أجذاعاً وسقف بهَا الْبيُوت فَقَالَ هَذِه الأجذاع كَانَت تحمل الرطب فنأكل ونطعم الأضياف فجفت فقطعتها وسقفت بهَا فَهِيَ الْآن تحمل الطين وَالتُّرَاب وَغير ذَلِك ثمَّ أَنْشدني من // (الطَّوِيل) // (وَسِرْبٍ مِلاَحٍ قد رأيتُ وجوهَهُمْ ... إِنَاثٌ دَوَانِيهِ ذُكُورٌ أواخِرُهْ) قلت نعم يَعْنِي الأضراس ثمَّ أَنْشدني قَول الآخر من // (الطَّوِيل) // (فَإنِّي إِذن كَالثَّوْرِ يُضْرَبُ جَنْبُهُ ... إِذَا لَمْ يَعَفْ يَوْمًا وَعَافَتْ صَوَاحِبُهْ) قلت نعم كَانَت الْعَرَب إِذا وَردت الْبَقر المَاء فَشَرِبت الثيران وأبت الْبَقر ضربت الثيران فَتَشرب الْبَقر وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر الآخر من // (الْبَسِيط) // (إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ ... كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عافَتِ البَقَرُ) ثمَّ أَنْشدني قَول الآخر من // (الطَّوِيل) // (وَمُنْحَدِرٍ مِنْ رَأْسِ بَرْقَاءَ حَطَّهُ ... مَخَافَةَ بينٍ أَوْ حَبِيب مُزَايِلِ) قلت نعم يَعْنِي الدُّمُوع والبرقاء الْعين لِأَن فِيهَا بياضَاً وسواداً حطه أساله قَالَ فَوَثَبَ الرشيد فجذبني إِلَى صَدره وَقَالَ لله در أهل الْأَدَب ثمَّ دَعَا بِجَارِيَة فَقَالَ احملي إِلَى منزل الْكسَائي خمس بدر على أَعْنَاق خَمْسَة أعبد يلزمون خدمته ثمَّ قَالَ لي استنشدها يَعْنِي ابنيه فأنشدني مُحَمَّد الْأمين فَقَالَ من // (الطَّوِيل) // (وَإِنِّي لَعَفُّ الفَقْر مُشْتَرَكُ الغِنَى ... وَتَارِكُ شَكْلٍ لاَ يُوَافِقُهُ شَكْلِي) (وَشَكْلِيَ شكْلٌ لَا يَقُومُ لِمِثْلِهِ ... مِنَ الناسِ إِلاَّ كُلُّ ذيِ ثِقَةٍ مِثْلِي) (ولي نيقةٌ فِي المَجْدِ والبَذْلِ لم يَكُنْ ... تَأَنَّقَهَا فِيمَا مَضَى أَحَدٌ قَبْلِي) (وأجعلُ مَالِي دُونَ عِرْضِيَ جُنَّةً ... لِنَفْسِي وأَسْتَغْنِي بِمَا كَانَ مِنَ فَضْلِ) وأنشدني عبد الله الْمَأْمُون من // (الْكَامِل) // (بَكَرَتْ تلومُكَ مطْلَعَ الفَجْرِ ... ولقَدْ تلومُ بَغْير مَا تَدْرِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 (مَا إنْ مَلَكْت مُصِيبَةً نَزَلَتْ ... إذْ لَا تحكِّمُ طائعَاً أمْرِي) ) مَلِكُ المُلوكِ عَلَىَّ مُقْتَدِرٌ ... يُعْطى إِذا مَا شَاءَ مِنْ يُسْرِ) (فَلَرُبَّ مغتبطٍ تمدُّ لَهُ ... ومفَجَّعٍ بنوائِبِ الدهْرِ) (ومكاشِحٍ لي قد مَدَدتُّ لَهُ ... نَحْرًا بِلَا ضرْعٍ وَلَا غمْرِ) (حَتَّى يَقُولَ لنفْسِهِ لَهَفٌ ... فِي أَيِّ مذهَبِ غايةٍ أَجْرِي) (ويَرَى قنَاتِي حِينَ يَغْمِزُهَا ... غمْزَ الثِّقَافِ بطيئَة الكَسْرِ) فَقَالَ الرشيد يَا عَليّ كَيفَ تراهما فَقلت من // (الطَّوِيل) // (أَرَى قَمَرَيْ أُفْقٍ وَفَرْعَي بشامَةٍ ... يَزِينُهُمَا عِرقٌ كريمٌ ومَحْتِدُ) (يَسُدَّانِ آفاقَ السماءِ بشيمةٍ ... يؤيِّدُهَا حَزْمٌ وعَضْبٌ مُهْنَّدُ) (سليليْ أمِيرِ المؤمنينَ وحَائِزَيْ ... موارِيثِ مَا أبْقَى النَّبِيُّ محمَّدُ) ثمَّ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فرع زكا أَصله وطاب مغرسه وتمكَنت عروقه وعذبت مشاربه غذاهما ملك أغر نَافِذ الْأَمر وَاسع الْعلم عَظِيم الْحلم فأسأل الله أَن يزِيد بهما الْإِسْلَام تأييدَاً وَعزا ويمتع أَمِير الْمُؤمنِينَ بهما ويمتعهما بدوام سُلْطَانه وَقدرته مَا دجا ليل وأضاء نَهَار ثمَّ انْقَضى الْمجْلس وَخرجت جذلا مَسْرُورا وَفِي كتاب الأذكياء ذكر أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن جَعْفَر الْبَلْخِي أَن الرشيد جمع بَين الْكسَائي وَأبي مُحَمَّد اليزيدي يتناظران فِي مَجْلِسه فَسَأَلَهُمَا الْكرْمَانِي عَن قَول الشَّاعِر من // (مجزوء الرمل) // (مَا رَأَيْنَا خَرِبًا يَنْقر ... عَنهُ البَيْضَ صَقْرُ) (لاَ يَكُونُ العَيْرُ مُهْرًا ... لَا يكون المُهْرُ مُهْرُ) فَقَالَ الْكسَائي يجب أَن يكون الْمهْر مَنْصُوبًا على أَنه خبر كَانَ فَفِي الْبَيْت على هَذَا إقواء فَقَالَ اليزيدي الشّعْر صَوَاب لِأَن الْكَلَام قد تمّ عِنْد قَوْله لَا يكون الثَّانِيَة ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ الْمهْر مهر ثمَّ ضرب بقلنسوته على الأَرْض وَقَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ يحيى أتكتني بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الرشيد وَالله إِن خَطَأَ الْكسَائي مَعَ حسن أدبه لأحب إِلَيّ من صوابك مَعَ سوء أدبك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن حلاوة الظفر أذهبت عَن التحفظ فَأمر بِإِخْرَاجِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَاجْتمعَ الْكسَائي وَمُحَمّد بن الْحسن الشباني صَاحب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ الْكسَائي من تبحر فِي علم النَّحْو اهْتَدَى إِلَى سَائِر الْعُلُوم فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد مَا تَقول فِيمَن سَهَا فِي سُجُود السَّهْو هَل يسْجد مرّة أُخْرَى قَالَ لَا قَالَ لم ذَا قَالَ لِأَن النُّحَاة يَقُولُونَ المصغر لَا يصغر قَالَ مُحَمَّد فَمَا تَقول فِي تَعْلِيق الْعتْق بِالْملكِ قَالَ لَا يَصح قَالَ لم قَالَ لِأَن السَّيْل لَا يسْبق الْمَطَر وَتعلم الْكسَائي النَّحْو على كبر سنه وَسَببه أَنه مَشى يَوْمًا حَتَّى أعيا فَجَلَسَ وَقَالَ عييت فَقيل لَهُ لحنت قَالَ كَيفَ قيل إِن كنت أردْت التَّعَب فَقل أعييت وَإِن كنت أردْت انْقِطَاع الْحِيلَة فَقل عييت بِغَيْر همز فَأَنف من قَوْلهم لحنت واشتغل بالنحو حَتَّى مهر وَصَارَ إِمَام وقته وَكَانَ يُؤَدب الْأمين والمأمون وَصَارَت لَهُ الْيَد الْعُظْمَى والوجاهة التَّامَّة عِنْد الرشيد وولديه وَتُوفِّي مُحَمَّد بن الْحسن وَالْكسَائِيّ فِي يَوْم وَاحِد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة ودفنا فِي مَكَان وَاحِد فَقَالَ الرشيد هَهُنَا دفن الْعلم وَالْأَدب وقصة الْكسَائي مَعَ سِيبَوَيْهٍ فِي مَسْأَلَة فَإِذا هُوَ هِيَ أَو إِيَّاهَا شهيرة لَا نطول بذكرها وَقَالَ الْمبرد حَدثنِي مُحَمَّد بن عباد الْحَنَفِيّ قَالَ أَخْبرنِي الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف بِبَغْدَاد قَالَ لم أدر ذَات يَوْم إِلَّا والمسودة قد أحاطت بِي فَمضى بِي إِلَى دَار الْخلَافَة هَارُون الرشيد فصرت إِلَى خَالِد بن يحيى فَقَالَ وَيحك يَا عَبَّاس إِنَّمَا اخْتَرْتُك من ظرفاء الشُّعَرَاء لقرب مأخذك وَحسن تَأْتِيك وَإِن الَّذِي ندبتك لَهُ من شَأْنك وَقد عرفت خطرات الْخُلَفَاء وَإِنِّي أخْبرك أَن ماردة هِيَ الْغَالِبَة على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد جرى بَينهمَا عتب وَهِي بِعِزة دَالَّة المعشوق تأبى أَن تعتذر وَهُوَ بِعِزةِ الْخلَافَة وَشرف الْملك يَأْبَى وَقد رمت الْأَمر من قبلهَا فأعياني وَهُوَ أَحْرَى أَن تستقيده الصبابة فَقل شعرًا تسهل بِهِ هَذَا السَّبِيل فَلَمَّا قضى كَلَامه دَعَاهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَصَارَ إِلَيْهِ وَأعْطيت وَرقا ودواة فاعتراني الدمع وَنَفر عني كل شَيْء ثمَّ انْفَتح لي شَيْء من الْأَشْيَاء وَالرسل من الْخَلِيفَة مَا تغبني فجاءتني أَرْبَعَة أَبْيَات رضيتها وَقعت صَحِيحَة الْمَعْنى سهلة الْأَلْفَاظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 ملائمة لما طلب مني فَقلت لأحد الرُّسُل أبلغ الْوَزير أَنِّي قد قلت أَرْبَعَة أَبْيَات فَإِن كَانَ فَفِيهَا مقنع وَفِي مُدَّة ذهَاب الرَّسُول ومجيئه حضرني بيتان من غير ذَلِك الروى فَكتبت الْأَرْبَعَة فِي صدر الرقعة وعقبتهما بالبيتين وَذَلِكَ قولي من // (الْكَامِل) //) ألْعَاشِقَانِ كلاَهُمَا متغضِّبُ ... وَكِلَاهُمَا متوحِّدٌ متجنِّبُ) (صَدَّتْ مُغَاِضبةً وصَدَّ مُغَاضِبًا ... وكلاهُما ممَّا يُعَالِجُ مُتْعبُ) (رَاجِعْ أَحِبَّتَكَ الَّذينَ هَجَرْتَهُمْ ... إنَّ المتيَّمَ قَلَّما يتجنَّبُ) (إِن التجنُّبَ إنْ تطاوَلَ منْكُمَا ... دبَّ السُّلُوُّ لَهُ فَعَزَّ المَطْلَبُ) ثمَّ البيتان وهما من // (السَّرِيع) // (لاَ بُدَّ للعاشِقِ من وَقْفَةٍ ... تكُونُ بَين الوَصْلِ والصَّرْمِ) (حَتَّى إِذا الهَمُّ تمادَى بِهِ ... راجَعَ مَنْ يَهْوَى عَلَى رَغْمِ) قَالَ ثمَّ وجهت بالرقعة فَدَفعهَا إِلَى الرشيد فَقَالَ وَالله مَا رَأَيْت شعرًا أشبه بِمَا نَحن فِيهِ من هَذَا وَالله لكَأَنِّي قصدت بِهِ فَقَالَ يحيى فَأَنت وَالله الْمَقْصُود يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا يَقُول الْعَبَّاس بن الأحْنف فِي هَذِه الْقِصَّة فَلَمَّا قَرَأَ الْبَيْتَيْنِ وأفضى إِلَى قَوْله رَاجع من يهوى على رغم استغرق ضحكاً ثمَّ قَالَ إِنِّي وَالله أرَاجعهَا على رَغم يَا غُلَام نَعْلي فَنَهَضَ وأذهله الجذل وَالسُّرُور عَن أَن يَأْمر لي بِشَيْء فدعاني يحيى وَقَالَ إِن شعرك قد وَقع بغاية الْمُوَافقَة ثمَّ جَاءَ إِنْسَان فسارهُ بِشَيْء فَنَهَضَ ونهضت لنهوضه فَقَالَ يَا عَبَّاس أمسيت أنبل النَّاس أَتَدْرِي مَا سَارَّنِي بِهِ هَذَا الرَّسُول قلت لَا قَالَ ذكر أَن ماردة تلقت أَمِير الْمُؤمنِينَ لما علمت بمجيئه فَقَالَت لَهُ كَيفَ كَانَ هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَعْطَاهَا الشّعْر وَقَالَ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِي قَالَت من يَقُوله فَقَالَ الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف قَالَت فبكم كوفئ فَقَالَ الْخَلِيفَة مَا فَقلت شَيْئا قَالَت إِذن وَالله لَا أَجْلِس حَتَّى يكافأ وأمير الْمُؤمنِينَ قَائِم لقيامها وَأَنا قَائِم لقيامهما وهما يتناظران فِي صِلَتِكَ هَذَا كُله لَك قلت مَا لي من هَذَا إِلَّا الْقبْلَة فَضَحِك وَقَالَ هَذَا أحسن من شعرك فَأمر لي الْخَلِيفَة بمالِ وأمرتْ هِيَ لي بِمَال دونه وَأمر لي الْوَزير بِمَال دون مَا أمرت بِهِ وحملت المَال على بغلة انْتهى وروى عَن الْمبرد قَالَ حَدثنِي من أَثِق بِهِ أَن مُسلم بن الْوَلِيد الْأنْصَارِيّ الْمُسَمّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 بصريعِ الغواني كَانَ يمدحُ من دون الْخَلِيفَة وَكَانَ يَقُول إِن نَفسِي تذوب حسرات من أَن يحوي جوائز الْخُلَفَاء من لَا يقاربني فِي الْأَدَب وَلَا يوازيني وَلَا يصلح أَن يكون شعره خَادِمًا لشعري فَخرج ذَات يَوْم فلقي يزِيد بن مَنْصُور الْحِمْيَرِي بِبَاب الرشيد فَسلم عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَن يقربهُ من الْخَلِيفَة فوعده ذَلِك فَدخل الْحِمْيَرِي فَأصَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ لقس النَّفس قد اشْتَمَل عَلَيْهِ الْفِكر فِي سرعَة تقضي الْأُمُور وَأَنه لَا يتشبث بِشَيْء لَا كَانَ كالظل الْحَائِل والسراب الخادع فَقَالَ لَهُ جَعْفَر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هَذَا الَّذِي أَنْت فِيهِ عَارض لَك وَكَانَت الْحُكَمَاء تَقول الْهم مفْسدَة للنَّفس مضلة للفهم مشدهة للقلب وَقَالَت أَيْضا بالسرور يطيب الْعَيْش وَمَعَ الْهم يتَمَنَّى الْمَوْت قَالَ وَكَأن الرشيد نشط واندفع عَنهُ مَا اعتراه من ذَلِك الْفِكر فَتقدم الْحِمْيَرِي وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خلفت بِالْبَابِ اَنفاً رجلا من أخوالك الْأَنْصَار متقدمَاً فِي شعره وأدبه وظرفه أَنْشدني قصيدة يذكر فِيهَا أنسه ولهوه ومحادثة إخوانه وَيذكر مجَالِس اتّفقت بأبلغ قَول وَأحسن وصف يبْعَث وَالله على الصبابة والفرح ويباعد من الْهم والترح وَكَأَنَّهُ وفْق بيمن أَمِير الْمُؤمنِينَ وسعادة جده لِأَن يكون زَائِدا فِي سرُور أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فاستفزه السرُور والقلق إِلَى دُخُوله عَلَيْهِ واستماع قصيدته فَجعل الْخَلِيفَة يُتَابع الرُّسُل إِلَيْهِ فَدخل مُسلم فَسلم بالخلافة ثمَّ أمْهل حَتَّى سكن ثمَّ أذن لَهُ فِي الْجُلُوس والانبساط واستدعى مِنْهُ الشّعْر فانبرى ينشد من // (الطَّوِيل) // (أَدِيرَا عَلَىَّ الكَأْسَ لاَ تَشْرَبَا قبلي ... وَلاَ تطْلُبَا مِنْ عِنْدِ قَاتِلَتِي ذَخْلِي) (فَمَا جرَعِي أَنَّي أموتُ صَبَابَةً ... ولكنْ على مَنْ لَا يَحِلُّ لَهَا قَتْلِي) (أحبُّ الَّتِي صَدّتْ وقالتْ لِتِرْبِهَا ... دَعِيه الثريا مِنْهُ أقْرَبُ مِنْ وَصْلِي) (بَلَى رُبمَا وَكَّلْتُ عَيْني بنظرةٍ ... إِلَيْهَا تزيدُ القَلْبَ خَبْلاً على خَبْلِ) (كَتَمْتُ تباريحَ الصبَابَةِ عَاذِلِي ... فَلم يَدْرِ مَا بِي واستَرَحْتُ مِنَ العّذْلِ) (ومانحَةٍ شرَّابَها المَلْك قَهْوَةً ... يهوديةَ الأَصْهارِ مُسْلِمَةَ البَعْلِ) (رَبِيبَةَ شَمْسٍ لم تُهَجَّنْ عُروقُهَا ... بِنَارٍ وَلم يُجْمَعْ لَهَا سعفُ النَّخْلِ) (بعثنَا لَهَا مِنا خَطِيبًا لِبُضْعِهَا ... فجَاء بهَا يَمْشِي العِرَضْنَةَ فِي مَهْلِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 (قَدِ استودعَتْ دَنًّا لَهَا فَهْوَ قائِمٌ ... بهَا شفقاً بَين الكرومِ على رِجْلِ) (فوافَي بهَا عَذْرَاءَ خلّ أَخُو تَدًى ... جَزِيلُ العطايا غَيْرُ نِكْسٍ وَلَا وَغْلِ) (مُعَتَّقَةً لَا تَشْتَكِي دَمَ عاصِرٍ ... حروريَّةً فِي جَوْفِهَا دَمُها يَغْلِي) (أغارَتْ على كَفِّ المُدِيرِ بلونِهَا ... فصَارَتْ لَهُ مِنْهَا أَنَامِلُ كالذّبْلِ) (أماتَتْ نفوساً من حياةٍ قريبةٍ ... وماتَتْ فَلم تُطْلَبْ بِوتْر وَلَا تبْلِ) (شَقَقْنَا لَهَا فِي الدَّنِّ عينا فأسْبَلَتْ ... كَمَا أخلًتْ عَين الخَرِيدَةِ بِالكُحْلِ) (كأنَّ فنيقاً بازلاً شقَّ نَحْرهُ ... إِذا أسفَرَتْ مِنْهَا الشعاعُ على البُزْلِ) (ودارَتْ علينا الكَأسُ مِنْ كَفِّ ظَبْيَةٍ ... مبتَّلةٍ حَوْرَاء كَالرَّشَأ الطَّفْلِ) (كأنَّ ظباء عُكَّفًا فِي رياضها ... أباريقُها أَو حِينَ قَعْقَعَةِ النَّبْلِ) (وحنَّ لنا عودُ فَبَاحَ بِسِرِّنَا ... كأنَّ عَلَيْهِ سَاقَ جاريةٍ عُطْلِ) (تضاحكُهُ طَوْرًا وتبكيه تَارَة ... خَدلَّجةٌ هيْفَاءُ ذَاتُ شَوًى عَبْلِ) (إِذا مَا عَلَتْ منا ذُؤَابَةَ مَاجِد ... تَمَشَّتْ بِهِ مَشْيَ المُقَيَّدِ فِي الوَحْلِ) (فَلَا نَحن مِتْنَا مَوْتَةَ الدَّهْرِ بَغْتَة ... وَلَا هِيَ عادَتْ بعد عَلًّ وَلَا نَهْلِ) (سأنقادُ لِلَّذَّاتِ مُتَّبِعَ الهَوَى ... لِأُمْضِيَ هَمًّا أَو أَصَبْت فَتًى مِثليِ) (هَلِ العيشُ إلاَّ أَنْ تَرُوحَ مَعَ الصّبَا ... وَتَغْدُو صَرِيع الكَأْسِ والأَعْينِ النُّجْلِ) قَالَ فَجعل الرشيدُ يتطاوَلُ لَهَا ويستحسنُ جَمِيع مَا حَكَاهُ وَأمر لَهُ بِمَال جزيل وَأَن يتَّخذ لَهُ مجْلِس يتَحَوَّل إِلَيْهِ وَجعل الرشيد وَأَصْحَابه يتناشدون قصيدته هَذِه وَسَماهُ يَوْمئِذٍ بآخر بَيت فِي القصيدة صَرِيعَ الغواني فالرشيد هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بِهَذَا الِاسْم فَلَزِمَهُ انْتهى كَذَا فِي المحاسن لإِبْرَاهِيم البهيقي وَأدْخل الْفضل بن يحيى أَبَا نواس إِلَى عِنْد الرشيد فَقَالَ لَهُ الرشيد أَنْت الْقَائِل من // (مجزوء الرمل) // (عتقَتْ فِي الدَّنِّ حَتَّى ... هِيَ فِي رِقَّةِ دِينِي. .) أحسبك زنديقاً قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد قلت مَا يشْهد لي بِخِلَاف ذَلِك قَالَ وَمَا هُوَ فَقَالَ من // (السَّرِيع) // (أَيَّةُ نَارٍ قَدَحَ القَادِحُ ... وَأَيُّ جِدِّ بَلَغَ المازحُ) (للَّهِ دَرُّ الشَّيْبِ مِنْ واعظٍ ... ونَاصِحٍ لَو قُبِلَ الناصِحُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 (فاغْدُ فَمَا فِي الحَقِّ أُغْلُوطَةٌ ... وَرُحْ لِمَا أَنْتَ لَهُ رَائحُ) (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَذَاكَ الَّذِي ... سِيقَ إِليْهِ المَتْجَرُ الرَّابحُ) (لَا يَجْتَلِي الحَوْرَاءَ مِنْ خِدْرِهَا ... إِلاَّ امْرُؤٌ مِيزَانُهُ رَاجِحُ) (فاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى نِسْوَةٍ ... مُهُورُهُنَّ العَمَل الصَّالِحُ) فَقَالَ الرشيد لَا أعتبر بِهَذَا الْكَلَام يَا غُلام اضْرِب عُنُقه فَقَالَ أَبُو نواس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتقتلني شَهْوَة لقتلي قَالَ بل استحقاقاً قَالَ فَإِن الله تَعَالَى يُحَاسب ثمَّ يعْفُو أَو يُعَاقب فبماذا استحققتُ عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَتْل قَالَ بِقَوْلِك من // (الطَّوِيل) // (أَلاَ فَاسْقِنِي خَمْرًا وقُلْ لِي هِيَ الخَمْرُ ... ولاَ تَسْقِنِي سِرًّا إِذا أَمْكَنَ الجَهْرُ) قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهَل علمت أَنه سقاني أَو شربت قَالَ أظُن قَالَ أفتقتلني على الظَّن وَبَعض الظَّن إِثْم قَالَ وَقد قلت أَيْضا مَا تسْتَحقّ بِهِ الْقَتْل غير هَذَا قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ قَوْلك فِي التعطيل من // (الْكَامِل) // (مَا جاءَنا أَحًدٌ يُخَبِّرُ أَنَّهُ ... فِي جَنَّةٍ مَنْ مَاتَ أَو فِي نَارِ) قَالَ أفجاء أحد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَا قَالَ أفتقتلني على الصدْق قَالَ أولست الْقَائِل من // (الْبَسِيط) // (يَا أَحْمَدُ المُرْتَجَى فِي كُلِّ نائيةٍ ... قُمْ سَيِّدِي نَعْصِ جَبَّارَ السَّمَواتِ) قَالَ أَبُو نواس أفقام أَحْمد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَصَارَ القَوْل فعلا قَالَ أعلم قَالَ أفتقتلني على مَا لَا تعلم قَالَ فدع هَذَا كُله قد اعترفْتَ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من شعرك بِمَا يُوجب عَلَيْك الْقَتْل قَالَ قد علم الله تَعَالَى هَذَا من قبل علم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأخْبر عني أَنِّي أَقُول مَا لَا أفعل يُشِير إِلَى الْآيَة فِي الشُّعَرَاء {وَأَنَهُم يَقولوُنَ مَا لَا يَفعَلوُن} الشُّعَرَاء 226 فَقَالَ الْفضل يَا سَيِّدي إِنَّه ليؤمن بِالْبَعْثِ وَإنَّهُ يحملهُ المجون على ذِكْرِ مَا لم يَعْتَقِدهُ ثمَّ إِن أَبَا نواس أنْشد الْخَلِيفَة يَقُول مدحاً من // (الطَّوِيل) // (لَقَدْ طَالَ فِي رَسْمِ الديارِ بُكَائِي ... وقَدْ طَال تَرْدَادِي بهَا وَعَنَائِي) (كأنِّي مريعٌ فِي الديارِ طريدَة ... أَرَاهَا أمامِي مَرَّةً وَوَرَائِي) (فَلمَّا بدا لِي اليَأْسُ عَدَّيْتُ نَاقَتِي ... عَنِ الدارِ اسْتَوْلي عَلَىَّ عَزَائِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 (إلَى بَيْتِ حَانٍ لاَ تَهِرُّ كِلاَبُهُ ... عَلَىَّ وَلَا ينكرْنَ طُولَ ثَوَائي) (فَمَا رمتُهُ حَتَّى أتَى دُونَ مَا حَوَتْ ... يَمِيني وحَتَّى رَبْطَتى وحِذَائي) (وكأسٍ كمصباحِ السماءِ شَرِبْتُهَا ... عَلَى قُبْلَةٍ أَو مَوْعِدٍ بِلِقَاءِ) (أَتَتْ دونهَا الأَيامُ حتَّى كَأَنَّهَا ... تَسَاقَطُ نورَاً مِنْ فُتُوِقِ سَمَاءِ) (تَرَى ضَوْءَهَا من ظاهرِ البَيْتِ ساطعاً ... عَلَيْك وَلَوْ غَطَّيْتَهُ بِغِطَاءِ) (تَبارَكَ مَنْ سَاسَ الأمورَ بِقُدْرَةٍ ... وفَضَّلَ هَارُونًا على الخُلَفَاءِ) (نَراكَ بِخَيْرٍ مَا انْطَوينَا عَلَى التقَى ... وَمَا سَاسَ دُنْيَانَا أَبُو الأُمَنَاءِ) (إِمامٌ يخافُ الله حَتَّى كَأَنَّهُ ... يؤمِّلُ رُؤيَاهُ صَبَاحَ مَسَاءِ) (أَشَمّ طِوَال الساعِدَيْنِ كَأَنَّمَا ... يُنَاطُ نِجَادًا سَيْفُهُ بِلِواءِ) قَالَ فَخلع عَلَيْهِ الرشيد وَوَصله بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَالْفضل بِمِثْلِهَا فَنظر إِلَى جَارِيَة تخْتَلف كَأَنَّهَا لُؤْلُؤ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا ميت فِي لَيْلَتي هَذِه فَإِذا مت فَمر أَن أُدفَنَ فِي بطن هَذِه الْجَارِيَة فَقَالَ لَهُ الرشيد خُذْهَا لَا بارَكَ الله لَك فِيهَا فَقَالَ أَبُو نواس فَانْصَرَفت بِمثل الشَّمْس حسنا وَفِي منزلي غُلَام لي مثل الْقَمَر فلقيني مُحَمَّد بن بشير الشَّاعِر فَقَالَ أَتَيْتُك مهنئاً بِمَا حباك أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقلت هِيَ نعْمَة تتبعها نقمة قَالَ وَلم ذَاك قلت عِنْدِي غُلَام مثل الْقَمَر وَهَذِه الشَّمْس إِن جمعتهما أتخوفُ مَا تعلم وَإِن أفردت الْجَارِيَة لم آمَن عَلَيْهَا وغلامِي لَا بُد مِنْهُ قَالَ اجْعَلْهَا عِنْد بعض إخوانك إِلَى وَقت حَاجَتك قلت فَلَعَلَّ الحارسَ هُوَ المحروس مِنْهُ قَالَ فصَيرهَا عِنْد عَجُوز تثقُ بهَا قلت لعَلي أسترعِي الذِّئْب قَالَ ثمَّ افترقنا فَالتقى معي بعد ثَلَاث فَقلت لَهُ يَا مُحَمَّد بن بشير مَا على وَجه الأَرْض شَرّ مِنْك شاورتك فِي أَمر فَلم تفتح عَليّ فِيهِ شَيْئا فَلَمَّا فارقتك ازدحَمَ عليَ الرَّأْي الْمُصِيب فَقَالَ لي صنعت مَاذَا قلت زوجتُ الشمسَ بالقَمَرِ فحصلتهما لأَقضِي بهما وطرى فَقَالَ كَانَ الشَّيْء عَلَيْك حَلَالا فَجَعَلته حَرَامًا فَقَالَ أَبُو نواس يَا أَحمَق مَا شاورتك فِي الْحَلَال وَالْحرَام إِنَّمَا قلت لَك كَيفَ الرَّأْي فِي تحصيلهما عِنْدِي ثمَّ أنشأ يَقُول من // (السَّرِيع) // (زَوَّجْتُ هَذَاكَ بِهَذى لِكَيْ ... أَنْكِحَ ثِنْتَينِ فَثِنْتَينِ) (أَنْكِحُ هّذَا مرَّة ثُمَّ ذَا ... أَدِيرُ رُمْحًا بَين صَفَّيْنَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 (مَتَّعْتُ نَفْسِي بِهِمَا لذَّةً ... يَا مَنْ رَأَى مَطْلعَ شَمْسيْنِ) وَذكر أَن هَارُون الرشيد لما قدم الْمَدِينَة المنورة لزيارة النَّبِي وَذَلِكَ فِي بعض حجاته وَجه يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي إِلَى الإِمَام مَالك بن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ احْمِلْ إليَ كتابك الَّذِي صنعت يَعْنِي الْمُوَطَّأ أسمعهُ عَلَيْك فَقَالَ مَالك ليحيى أَقرِئْهُ السَّلَام وَقل لَهُ الْعلم يزار وَلَا يزور وَيُؤْتى وَلَا يَأْتِي فَرجع إِلَى هَارُون الرشيد وَأخْبرهُ ثمَّ قَالَ يحيى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يبلغ أهل الْعرَاق أَنَّك وجهت إِلَى مَالك بِأَمْر فخالفك اعزم عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيك فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ بِمَالك قد دخل وَلَيْسَ مَعَه الْكتاب جَاءَ مُسلما على الْخَلِيفَة فَسلم وَجلسَ فَقَالَ لَهُ هَارُون يبلغ أهل الْعرَاق أَنِّي سَأَلتك أمرَاً من الْأُمُور سهلا فأبيت عَليّ فَقَالَ مَالك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله قد جعلك فِي هَذَا الْموضع فَلَا تكنْ أول من ضيع الْعلم فيضيعك الله تَعَالَى وَلَقَد رَأَيْت من لَيْسَ هُوَ فِي حَسبك ونسبك يعز هَذَا الْعلم ويجله فَأَنت أَحْرَى أَن تجله وَلم يزل يعظه ويعدد عَلَيْهِ حَتَّى بَكَى ثمَّ قَالَ مَالك أَخْبرنِي الزُّهْرِيّ عَن خَارِجَة عَن زيد بن ثَابت قَالَ كنت أكتب الْوَحْي عِنْد رَسُول الله {لَا يستَوِي اَلقَاعدُونَ مِنَ المُؤمنِينَ غيرُ أُولِي اَلضررِ وَالمجُاهدونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموالهم وَأنفُسِهِم} النِّسَاء 95 وَابْن أم مَكْتُوم عِنْد النَّبِي فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنا رجل ضَرِير فَهَل لي رخصَة يَعْنِي فِي ترك الْجِهَاد فَقَالَ لَا أَدْرِي قَالَ زيد وقلمي رطب مَا جف حَتَّى غشي النَّبِي الْوَحْي ثمَّ سرى عَنهُ فَقَالَ اكْتُبْ يَا زيد {غيرُ أُولِي اَلضررِ} النِّسَاء 95 قَالَ فحرف وَاحِد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بعثَ فِيهِ الْملك جِبْرِيل من مسيرَة خمسين ألف عَام حَتَّى نزل على النَّبِي أَفلا يَنْبَغِي لي أَن أعزه وأجله قَالَ بلَى ثمَّ إِن هَارُون أَتَى إِلَى منزل الإِمَام مَالك فَسمع مِنْهُ الْكتاب ووفقه الله للصَّوَاب وَقد قيل الدّين لسيوف الْأُمَرَاء وألسن الْعلمَاء وَاجْتمعَ القَاضِي أَبُو يُوسُف بِالْإِمَامِ مَالك عِنْد الرشيد فَقَالَ لَهُ القَاضِي أَبُو يُوسُف مَا تَقول فِيمَن سَهَا بِزِيَادَة فِي الصَّلَاة فَقَالَ الإِمَام مَالك يسْجد للسَّهْو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 بعد السَّلَام فَقَالَ فَإِن سَهَا بهما فَقَالَ يسْجد قبل السَّلَام فَقَالَ أَبُو يُوسُف متلفتا إِلَى الرشيد الشَّيْخ تَارَة يُخطئ وَتارَة لَا يُصِيب فَظن الإِمَام مَالك أَنه يَقُول تَارَة يُخطئ وَتارَة يُصِيب فَقَالَ على هَذَا أدركنا مَشَايِخنَا من السّلف الصَّالح ثمَّ نبه الإِمَام مَالك لقَوْله أبي يُوسُف وَمرَاده فَقَالَ مَا ظَنَنْت أَن أهل الْعلم يَتَكَلَّمُونَ بِمثل هَذَا قلت رحم الله الإِمَام مَالِكًا وَرَضي عَنهُ فَمَا أغفله عَن مظان السوء وَمَا أسلم فطرته وأخلص نِيَّته وأصدق طويته حَيْثُ لم يخْطر بِبَالِهِ ذَلِك وَلَا خطر بِبَالِهِ أَن يخْطر ببال أهل الْعلم وَقد طلب الرشيد من الإِمَام مَالك أَن يكْتب مذْهبه لقصد أَن يجمع الْأمة على مذْهبه فَقَط فَقَالَ الإِمَام لَا تفعل هَذَا فَإِن الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة كَثِيرَة وَقد نقلهَا الْعلمَاء فِي سَائِر الْبلدَانِ وانتشرت فَلَا تحجر وَاسِعًا ودع الْأمة على مذاهبها رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْأَصْمَعِي وَقَالَ لي الرشيد يَا أصمعي مَا أغفلك عَنَّا وأجفاك لنا قلت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا ألاقتني بِلَاد بعْدك حَتَّى أَتَيْتُك فَسكت فَلَمَّا انْصَرف النَّاس قَالَ اجْلِسْ فَجَلَست فَلَمَّا لم يبْق سوى الغلمان قَالَ مَا معنى مَا ألاقتني فَقلت قَالَ الشَّاعِر من // (الْكَامِل) // (كَفَّاكَ كفُّ مَا تُلِيقُ بِدِرْهَمٍ ... جُودًا وأُخْرَى تُعْطِ بالسَّيْفِ الدّمَا) فَقَالَ أحسنْتَ هَكَذَا فكُن وقرنا فِي الملا وَعلمنَا فِي الخلا وَأمر لي بِخَمْسَة آلَاف دِينَار رَوَاهَا أَبُو حَاتِم عَنهُ وَفِي مروج الذَّهَب رأى الرشيد أَن يُوصل مَا بَين بَحر الرّوم ويحر القلزم مِمَّا يَلِي الفرما فَقَالَ لَهُ يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي لَو فعلت ذَلِك كَانَت الرّوم تختطف النَّاس من الْمَسْجِد الْحَرَام وَتدْخل مراكبهم إِلَى الْحجاز فَترك ذَلِك قَالَ الجاحظ اجْتمع للرشيد مَا لم يجْتَمع لغيره وزراؤه البرامكة وقاضيه أَبُو يُوسُف وشاعره مَرْوَان بن أبي حَفْصَة ونديمه الْعَبَّاس بن مُحَمَّد عَم أَبِيه وحاجبه الْفضل بن الرّبيع أنبه الناسَ وأعظمهم ومغنيه أَبُو إِسْحَاق الْموصِلِي وَزَوجته زبيدة بنت جَعْفَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 وَحكى أَنه خلف من الأثاث وَالْعين وَالْوَرق والجواهر وَالدَّوَاب مَا قِيمَته ألف ألف وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار وَمن النَّقْد مائَة ألف ألف دِينَار وَله أَخْبَار فِي اللَّهْو وَاللَّذَّات المحظورة وَالنِّسَاء فَالله يسامحه قَالَ صَاحب جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ لما أنْشد مَنْصُور النميري هَارُون الرشيد قصيدته تقرباً للرشيد يغض فِيهَا من الطالبيين مِنْهَا قَوْله من // (الوافر) // (يُسَمُّونَ النَّبِيَّ أَبًا ويَأْبَى ... مِنَ الْأَحْزَاب سَطْرٌ فِي السُّطُورِ) يُرِيد بذلك الْآيَة الْكَرِيمَة {مَا كاَنَ مُحَمَّد أَبَا أحد مِّن رّجَالِكُم} الْآيَة الْأَحْزَاب 40 رأى فِي ليلته النَّبِي وَهُوَ يهوى عَلَيْهِ بقضيب من نَار وَيَقُول أَنْت الَّذِي تَنْفِي ذريتي مني فانتبه مَرْعُوبًا وَمَال إِلَى التشيعِ وَقَالَ فِي ذَلِك مَا أوجب أَن أَمر الرشيد لما وقف عَلَيْهِ بقتْله فنحاه الله ووجدوه قد مَاتَ وَهَذِه الْوَاقِعَة ذكرهَا أَبُو الْفرج الأصفاني فِي كتاب الأغاني قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم أرَاهُ كَانَ لَا يشرب النَّبِيذ الْمُخْتَلف فِيهِ إِلَّا الْخمر الْمُتَّفق على تَحْرِيمهَا ثمَّ جاهر بهَا جهاراً كَبِيرا قَالَ السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة توجه الرشيد نَحْو خُرَاسَان فَذكر مُحَمَّد بن الصَّباح أَن أَبَاهُ شيع الرشيد إِلَى النهروان فَجعل يحادثه فِي الطَّرِيق إِلَى أَن قَالَ يَا صباح لَا أحسبك تراني بعْدهَا قلت بل يردك الله سالما ثمَّ قَالَ وَلَا أحسبك تَدْرِي مَا أجد فقَلت لَا وَالله فَقَالَ تعال أريك وانحرف عَن الطَّرِيق فَأَوْمأ إِلَى الْخَواص فتنحوا ثمَّ قَالَ أَمَانَة الله يَا صباح أَن تكْتم عَليّ وكشف عَن بَطْنه فَإِذا عِصَابَة حَرِير حوالي بَطْنه فَقَالَ هَذِه عِلّة أكتمها عَن النَّاس كلهم وَلكُل وَاحِد من وَلَدي على رَقِيب فمسرور رَقِيب الْمَأْمُون وَجِبْرِيل ابْن يختيشوع رَقِيب الْأمين وَفُلَان رَقِيب المؤتمن مَا مِنْهُم أحد إِلَّا وَهُوَ يحصي أنفاسي ويعدُ أيامي ويستطيل دهري فَإِن أردْت أَن تعرف ذَلِك فالساعة أَدْعُو ببرذون فيجيئون بِهِ أعجَفَ ليزِيد فِي علتي ثمَّ دَعَا ببرذون فَجَاءُوا بِهِ كَمَا وصف فَنظر إِلَيّ ثمَّ رَكبه وودعني وَسَار إِلَى جرجان ثمَّ رَحل مِنْهَا فِي صفر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَهُوَ عليل إِلَى طوس فَلم يزل بهَا إِلَى أَن مَاتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 قَالَ الذَّهَبِيّ إِن الرشيد رأى مناماً أَنه يَمُوت بطوس فانتبه وَبكى وَقَالَ احفروا لي قبرَاً فحفر لَهُ ثمَّ حمل فِي قُبَّته على جمل وسيق بِهِ حَتَّى نظر إِلَى الْقَبْر فَقَالَ يَا ابْن آدم تصير إِلَى هَذَا وَأمر قوما فنزلوا فختموا فِيهِ ختمة وَهُوَ فِي محفته على شَفير الْقَبْر فَلَمَّا مَاتَ دفن بِهِ وَكَانَت خِلَافَته ثلاثَاً وَعشْرين سنة وشهرين وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَقيل أَرْبعا وَعشْرين وَقيل خمسَاً وَعشْرين سنة وعمره أَربع وَأَرْبَعُونَ سنة وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام (خلَافَة مُحَمَّد الْأمين) ابْن هَارُون الرشيد بن مُحَمَّد الْمهْدي بن عبد الله الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بَايع لَهُ أَبوهُ الرشيد بِولَايَة الْعَهْد فِي سنة خمس وَسبعين ولقبه بالأمين وَله يومئذٍ خمس سِنِين لحرص أمه زبيدة على ذَلِك قَالَ الذَّهَبِيّ فَكَانَ هَذَا أول وَهن جرى فِي دولة الْإِسْلَام من حَيْثُ الْإِمَامَة ثمَّ لِابْنِهِ الآخر من بعد الْأمين عبد الله ولقبه الْمَأْمُون وولاه ممالك خُرَاسَان بأسرها ثمَّ بَايع ابْنه الآخر الْقَاسِم ولقبه المؤتمن وولاه الجزيرة والثغور وَهُوَ صبي فَلَمَّا قسم الدُّنْيَا بَين هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة قَالَ بعض الْعُقَلَاء قد ألْقى بَينهم بأسهم وغائلة ذَلِك تضرُ بالرعية ثمَّ إِنَّه علق نُسْخَة الْبيعَة بِالْكَعْبَةِ الشَّرِيفَة وَفِي ذَلِك يَقُول إِبْرَاهِيم الْموصِلِي من // (مجزوء الْكَامِل) // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 ) خيرُ الأمورِ مغبَّةً ... وأحمقُّ أمرٍ بالتمامْ) (أمرٌ قضى أحكامَهُ الرْرَحمنُ ... فِي البَيْتِ الحَرَامْ) وَقَالَ عبد الْملك بن صَالح من // (الْبَسِيط) // (حُبُّ الخليفةِ حبٌّ لَا يدينُ لَهُ ... عاصِي الإلهِ وشانٍ يَلْقَِحُ الفتنا) (أللَّهُ قَلَّدَ هاروناً سياستَهُ ... لمَّا اصْطَفَاهْ فأحيا الفرضَ والسُّنَنَا) (وقلَّدَ الأَمْرَ هَارُون لِرَأْفَتِهِ ... بِنَا أَمينا ومأموناً ومؤتمنا) قَالَ بَعضهم وَقد زوى الرشيد الْخلَافَة عَن وَلَده المعتصم لكَونه أُمِّيا فساقها الله إِلَيْهِ وَجعل الْخُلَفَاء بعده كلهم من ذُريَّته وَلم يَجْعَل من نسل غَيره من أَوْلَاد الرشيد خَليفَة بُويِعَ الْأمين بالخلافة يَوْم توفّي الرشيد بطوس والأمين بِبَغْدَاد فورد عَلَيْهِ بهَا خَاتم الْخلَافَة والبردة والقضيب فَلَمَّا تمكن من الْخلَافَة خلع أَخَاهُ الْمَأْمُون وَجعل الْعَهْد لوَلَده مُوسَى وَهُوَ فِي المهد وَسَماهُ النَّاطِق بِالْحَقِّ وَقطع ذكر الْمَأْمُون والمؤتمن وَجعل وَلَده مُوسَى فِي حجر عَليّ بن عِيسَى فَأرْسل إِلَى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة من جَاءَهُ بِكِتَاب الْعَهْد الَّذِي علقه فِيهَا الرشيد للأمين والمأمون فمزقه وَكَانَ ذَلِك بِرَأْي الْفضل بن الرّبيع وَبكر بن الْمُعْتَمِر فَقَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي ذَلِك من // (المتقارب) // (أضاعَ الخلافةَ غِشُّ الضَّميرِ ... وفسقُ الوزيرِ وجهلُ المُشِيرِ) (ففضْلٌ وزيرٌ وبَكْرٌ مُشيرٌ ... يريدانِ مَا فِيهِ حَتْفُ الأميرِ) (لواطُ الخليفةِ أعجوبَةٌ ... وأعجبُ مِنْهُ حلاق الوزيرِ) (فَهَذَا يدوسُ وَهَذَا يُداسُ ... وَهَذَا لعمري خلافُ الأمورِ) (فَلَو يستعفَّانِ هَذَا بذاكَ ... لكانا بعُرْضَةِ أمرٍ يسيرِ) (وأعجبُ مِنْ ذَا وَذَا أَنَّنَا ... نُبَايعُ للطفْلِ فِينَا الصغيرِ) (ومَنْ ليسَ يُحْسِنُ غَسْلَ استِهِ ... وَلم يخلُ من بولِهِ حجْرُ ظِيرِ) وَكَانَ أول من أجَاب الْأمين إِلَى خلع الْمَأْمُون وزيره عَليّ بن عِيسَى بن ماهان فجهزه الْأمين لِحَرْب الْمَأْمُون فِي مائَة ألف مقَاتل فَلَمَّا قرب من الرّيّ قابله طَاهِر بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 الْحُسَيْن بن قبل الْمَأْمُون فِي أَرْبَعَة آلَاف أَو خَمْسَة آلَاف وَحمل عَلَيْهِ على حِين غَفلَة فَكَانَت بَينهمَا وقْعَة فِي ذَلِك الْموضع كَانَت الدائرة على عَليّ بن ماهان وَأَصْحَابه وانجلت عَن قتل عَليّ بن عِيسَى فحز رَأسه وظفر طَاهِر بِجَمِيعِ خزائنه وَأرْسل على الْفَوْر إِلَى ذِي الرياستين الفض 1 ل بن سهل وَزِير الْمَأْمُون بِكِتَاب يَقُول فِيهِ أَطَالَ الله بَقَاءَك وكتبت أعداوءك كتبت كتابي هَذَا إِلَيْك وَرَأس عَليّ بن ماهان بَين يَدي وخاتمه فِي إصبعي فَسمع الْمَأْمُون بذلك وَسلم عَلَيْهِ بالخلافة فِي ذَلِك الْوَقْت وَلما قتل عَليّ بن عِيسَى بعث الْأمين عبد الرَّحْمَن بن الْأَنْبَارِي فِي عشْرين ألف فَارس إِلَى همذان وولاه عَلَيْهَا وعَلى كل مَا يَفْتَحهُ من بِلَاد خرسان فَسَار إِلَى همذان وحصنها وجاءه طَاهِر فبرز إِلَيْهِ ولقيه وهزمه طَاهِر إِلَى الْبَلَد ثمَّ خرج عبد الرَّحْمَن ثَانِيَة فَانْهَزَمَ إِلَى الْمَدِينَة وحاصره طَاهِر حَتَّى ضجر مِنْهُ أهل الْمَدِينَة وَطلب الْأمان من طَاهِر فَأَمنهُ وَأقَام فِي أَمَانه ثمَّ أصَاب عبد الرَّحْمَن غرَّة من طَاهِر فَركب وهجم عَلَيْهِ فِي عسكره فقاتله طَاهِر أَشد الْقِتَال حَتَّى انهزم أَصْحَاب عبد الرَّحْمَن وَقتل وَلم يزل طَاهِر يهْزم الجيوش وَيقتل قواد الْأمين وَاحِدًا بعد وَاحِد وَهُوَ سَائِر إِلَى بَغْدَاد يُرِيد الْأمين وفر قائدا من قواد الْأمين الْكِبَار هما خُزَيْمَة بن خازم وَمُحَمّد بن عَليّ بن عِيسَى بن ماهان إِلَى طَاهِر بن الْحُسَيْن فوثبا على جسر دجلة فِي ثامن الْمحرم فقطعاه وركزا أعلامهما وخلعا الْأمين ودعيا لِلْمَأْمُونِ فَأصْبح طَاهِر ابْن الْحُسَيْن وألح على أَصْحَاب مُحَمَّد الْأمين وَدخل طَاهِر قسرَاً بِالسَّيْفِ ونادى مناديه من لزم بَيته فَهُوَ آمن ثمَّ أحَاط بِمَدِينَة الْمَنْصُور وبقصر زبيدة وَقصر الْخلد فَثَبت على قتال طَاهِر حَاتِم بن الصَّقْر والهرش والأفارقة فنصب طَاهِر المجانيق خلف السُّور وعَلى القصرين وَرَمَاهُمْ فَخرج مُحَمَّد وَأمه وَأَهله من الْقصر إِلَى مَدِينَة الْمَنْصُور وتفرق عَامَّة جنده وعلمائه وَقل عَلَيْهِم الْقُوت وَالْمَاء وفنيت خزائنهما على كثرتها قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ ذكر عَن مُحَمَّد بن رَاشد أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي أَنه كَانَ مَعَ مُحَمَّد بِمَدِينَة الْمَنْصُور فِي قصر بَاب الذَّهَب فَخرج لَيْلَة من الْقصر من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 الضّيق والضنك فَصَارَ إِلَى قصر الْقَرار فطلبني فَأتيت فَقَالَ مَا ترى طيب هَذِه اللَّيْلَة وَحسن الْقَمَر وضوءه فِي المَاء فَهَل لَك فِي الشَّرَاب قلت شَأْنك فَدَعَا برطل من نَبِيذ فشربه ثمَّ سقيت مثله فابتدأت أغنيه من غير أَن يسألني لعلمي بِسوء خلقه فغنيت فَقَالَ مَا تَقول فِيمَن يضْرب عَلَيْك فَقلت مَا أحوجني إِلَى ذَلِك فَدَعَا بِجَارِيَة وَكَانَ اسْمهَا ضعف فتطيرتُ من اسْمهَا ثمَّ غنت الْجَارِيَة بِشعر النَّابِغَة الْجَعْدِي // (من الطَّوِيل) // (كلبيبٌ لعمرِي كَانَ أكثَرَ ناصراً ... وأيْسر ذَنبا مِنْك ضُرِّجَ بالدَّمِ) فتطير الْأمين من ذَلِك وَقَالَ لَهَا غَنِي غير هَذَا فغنت // (من الْبَسِيط) // (أبكِي فراقَهُمُ عَيْني فأرَّقها ... إنَّ التفرُّقَ للأحبابِ بَكَّاءُ) (مَا زَالَ يَعْدُو عليهِمْ رَيْبُ دهرِهِمُ ... حَتَّى تفَانَوا ورَيْبُ الدَّهرِ عَدَّاءُ) (فاليومَ أبكيهمُ جَهْدِي وأندبُهُمْ ... حَتَّى أءوب وَمَا فِي مُقْلَتي ماءُ) فَقَالَ لعنك الله أما تعرفين غير هَذَا فَقَالَت ظَنَنْت أَنَّك تحبه ثمَّ غنت // (من المنسرح) // (أما وربِّ السكونِ والحرك ... ِ إنَّ المنايا كثيرةُ الشَّرَك) (مَا اختلَفَ الليلُ والنهارَ وَلَا ... دارَتْ نجومُ السماءِ فِي الفلَكِ) (إِلَّا لنقلِ السلطانِ من ملكٍ ... قد زالَ سلطانُهُ إِلَى مَلِكِ) (ومُلْكُ ذِي العرشِ دائمٌ أبدا ... لَيْسَ بفانٍ وَلَا بمُشْتَرَكِ) فَقَالَ لَهَا قومِي لعنك الله فَقَامَتْ فَعَثَرَتْ فِي قدح بلور لَهُ قيمَة فَكَسرته فَقَالَ وَيحك يَا إِبْرَاهِيم أما ترى وَالله مَا أَظن أَمْرِي إِلَّا قد قرب فَقلت بلَى يُطِيل الله عمرك ويعز ملكك فَسمِعت صَوتا من دجلة {قُضي اَلأمرُ الَّذِي فِيهِ تستفتيان} يُوسُف 41 فَوَثَبَ مُحَمَّد مُغَتَماً وَرجع إِلَى مَوْضِعه بِالْمَدِينَةِ فَقتل بعد لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ وَذكر المَسْعُودِيّ أَن إِبْرَاهِيم الْمهْدي قَالَ اسْتَأْذَنت على الْأمين وَهُوَ فِي شدَّة الْحصار فَإِذا هُوَ وَاضع رجله بالشباك وَكَانَ فِي الْقصر بركَة عَظِيمَة يدْخل من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 دجلة إِلَيْهَا المَاء من ذَلِك الشباك الْحَدِيد فَسلمت وَهُوَ مقبل على المَاء والخدم والغلمان قد انتشروا فِي تفتيش المَاء وَهُوَ كالواله فَقَالَ لي لَا تؤذني يَا عَم فَإِن مقرطتى قد ذهب فِي الْبركَة إِلَى دجلة وَإِن كوثر اسْم خَادِم لَهُ خصي قد صَاد مقرطتين وَلم أصد أَنا شَيْئا بعد والمقرطة سَمَكَة كَانَ قُرْطهَا بحلقتي ذهب فيهمَا جوهرتان عظيمتان قَالَ إِبْرَاهِيم فَخرجت وَأَنا آيس من فلاحه وَقلت لَو ارتدع فِي وَقت لَكَانَ هَذَا الْوَقْت وَكَانَ مَعَ طَاهِر هرثمة بن أعين وَعظم الْأَمر وَاشْتَدَّ الْحصار وَالْبَلَاء حَتَّى خربَتْ بذلك منَازِل بَغْدَاد ووثب العيارون على أَمْوَال النَّاس فانتهبوها وَأقَام الْحصار مُدَّة سنة وَمِمَّا عمل فِي بَغْدَاد من المراثي قَول الْقَائِل // (من الوافر) // (بكيْتُ دَمًا على بغدادَ لما ... فقدتُّ نضارَةَ العيشِ الأنيقِ) (أصابَتْها من الحسادِ عَين ... فأفنَتْ أَهلهَا بالمنجنيقِ) وتضايق الْأَمر على الْأمين وَكتب طَاهِر إِلَى وُجُوه أهل بَغْدَاد سرا يعدهم إِن أعانوه ويتوعدهم إِن لم يدخلُوا فِي طَاعَته فَأَجَابُوا طَاهِرا وفارقوا الْأمين وصرحوا بخلعه وَمنع طَاهِر الْأمين وَمن مَعَه من كل شَيْء حَتَّى كَاد هُوَ وَأَصْحَابه أَن يموتوا جوعَاً وعطشاً فَلَمَّا عاين الْأمين ذَلِك كَاتب هرثمة بن أعين وَطلب مِنْهُ أَن يُؤمنهُ حَتَّى يَأْتِيهِ فَأَجَابَهُ هرثمة إِلَى ذَلِك وَبلغ ذَلِك طَاهِرا فشق عَلَيْهِ كَرَاهَة أَن ينْسب الظفر لهرثمة دونه فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس لخمس بَقينَ من الْمحرم من سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة خرج الْأمين إِلَى هرثمة فِي حراقة فَركب الْأمين وَمن مَعَه وَكَانَ طَاهِر قد أكمن للأمين فَلَمَّا صَار الْأمين فِي الحرَاقة رَمَوْهُ بالنشاب وَالْحِجَارَة فَانْكَفَأت الحراقة وغرق مُحَمَّد وهرثمة فسبح مُحَمَّد حَتَّى صَار إِلَى بُسْتَان مُوسَى فَعرفهُ مُحَمَّد بن حميد الطاهري فصاح بِأَصْحَابِهِ فنزلوا ليأخذوه فبادر مُحَمَّد المَاء فَأخذ بِرجلِهِ وَحمله على برذون وَخَلفه بن يمسِكهُ كالأسير قَالَ أَحْمد بن سَلام كنت مَعَ الْأمين فِي الحراقة فَأخذت وحبست فَبعد هدوء من اللَّيْل إِذا أَنا بحركة الْخَيل وَهُوَ يَقُولُونَ بشر زبيدة فَأدْخل عليَ رجل عُرْيَان عَلَيْهِ سَرَاوِيل وعمامة ملثم بهَا وعَلى كتفه خرقَة خلقَة فصيروه معي ووكلوا بِنَا فَلَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 حسر الْعِمَامَة عَن وَجهه فَإِذا هُوَ مُحَمَّد فاستعبرت واسترجعت فِي نَفسِي فَقَالَ لي من أَنْت قلت مَوْلَاك أَحْمد بن سَلام قَالَ أعرفك كنت تَأتِينِي بالرقة قلت نعم قَالَ كنت تَأتِينِي وتتلطفني كثيرَا لست مولَايَ بل أَنْت أخي ادن مني فَإِنِّي أجد وَحْشَة شَدِيدَة قَالَ أَحْمد فضممته إليَ ثمَّ قَالَ يَا أَحْمد مَا فعل أخي قلت حَيّ قَالَ قبح الله صَاحب الْبَرِيد مَا أكذبه كَانَ يَقُول لي قد مَاتَ قلت قبح الله وزراءك قَالَ لَا تقل فَمَا لَهُم ذَنْب وَلست أول من طلب أمرا فَلم يقدر عَلَيْهِ قَالَ أَترَاهُم يقتلونني أَو يفون لي بأمانهم قلت بل يفون لَك يَا سَيِّدي وَجعل يمسك الْخِرْقَة بعضديه فنزعت منْطقَة عَليّ وَقلت ألقها وَخذ هَذِه فَقَالَ وَيحك دَعْنِي فَهَذَا من الله لي فِي هَذَا الْموضع خير كثير فَلَمَّا انتصف اللَّيْل دخل الدَّار قوم من الْعَجم بِالسُّيُوفِ فَقَامَ وَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهبت وَالله نَفسِي فِي سَبِيل الله أما من حِيلَة أما من مغيث فأحجموا عَن التَّقَدُّم وَجعل بَعضهم يَقُول لبَعض تقدم فَقُمْت وصرت وَرَاء حصر ملففة وَأخذ مُحَمَّد بِيَدِهِ وسَادَة وَقَالَ وَيحكم أَنا ابْن عَم رَسُول الله أَنا ابْن هَارُون أَنا أَخُو الْمَأْمُون الله الله فِي دمي فَوَثَبَ عَلَيْهِ خُمَاروَيه غُلَام لقريش الدنداني فَضَربهُ بِالسَّيْفِ على مقدم رَأسه فَضَربهُ مُحَمَّد بالوسادة واتكأ عَلَيْهِ فَأخذ السَّيْف من يَده فصاح خمارويه قتلني قتلني فتكاثروا عَلَيْهِ فذبحوه من قَفاهُ وذهبوا بِرَأْسِهِ إِلَى طَاهِر فنصب رَأسه على حَائِط بُسْتَان وَأَقْبل طَاهِر يَقُول هَذَا رَأس المخلوع مُحَمَّد الْأمين ثمَّ بعث بِهِ مَعَ الْبردَة والقضيب والمصلى وَهُوَ من سعف مبطن مَعَ ابْن عَمه مُحَمَّد بن مُصعب إِلَى الْمَأْمُون فَلَمَّا وصل الرَّأْس إِلَيْهِ سجد شكرا لله تَعَالَى على الظفر وَأمر لمُحَمد ابْن مُصعب بِأَلف ألف دِرْهَم وَجَرت جثته بِحَبل وَلما بلغ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي عَم الْأمين مَا وَقع للأمين بَكَى طَويلا وَأنْشد من // (السَّرِيع) // (عُوجَا لمعغنى طللٍ داثرِ ... بالخُلْد ذَات الصَّخْر والآجرِ) (والمرمر الْمسنون يطلى بِهِ ... وَالْبَاب بَاب الذَّهَبِ الناضرِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 (وأبلغَا عِّي مقَالا إِلَى الْمَوْلى ... عَن المأمورِ والآمِرِ) (قولا لَهُ يَا ابْنَ وليِّ الهدَى ... طَهِّرْ بلادَ اللَّهِ منْ طاهِرِ) (لم يكفِهِ أَن حَزَّ أَوْداجَهُ ... ذبح الضَّحَايا بِمُدَى الجازِرِ) (حَنى أَتَى يَسْحَبُ أوصالَهُ ... فِي شَطنٍ يعنَى بِهِ السابشرِي) (قد برد الموتُ على عيْنِهِ ... فطرفه منكسرُ المناظِرِ) وَلما بلغ هَذَا الشّعْر الْمَأْمُون اشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِك وَنَدم وحزن وحوقل ولخزيمة بن الْحسن على لِسَان زبيدة قصيدة يَقُول فِيهَا من // (الطَّوِيل) // (أتَى طاهرٌ لَا طَهَّرَ اللَّهُ طَاهِرا ... فَمَا طاهِرٌ فِيمَا أتَى بُمطَهَّرِ) (فأخرجَنِي مكشوفَةَ الوَجْهِ حاسًرا ... فَأنْهبَ أَمْوَالِي واحْرقَ أَدْوُرِي) (يَعزُّ عَلَى هاَرُونَ مَا قدْ لَقِيْتُهُ ... وَمَا مَرَّ بِي من ناقِصِ الخلقِ أعورِ) (تذكَّرْ أميرَ المؤمنينَ قَرَابتِي ... فديتُكَ من ذِي حُرْمَةٍ مُتَذَكِّرِ) وَكَانَ الْأمين من أحسن الشَّبَاب صُورَة أَبيض طَويلا جميلا ذَا قُوَّة مفرطة وبطش وشجاعة مَعْرُوفَة وفصاحة وأدب وَفضل وبلاغة لَكِن كَانَ سيء التَّدْبِير ضَعِيف الرَّأْي لَا يصلح للإمارة قَالَ ابْن جُبَير لما ملك مُحَمَّد الْأمين ابْتَاعَ الخصيان وغالى بهم وصيرهم لخلوته ورفض النِّسَاء والجواري وَوجه إِلَى الْبلدَانِ فِي طلب الملهين وأجرى لَهُم الأرزاق واقتنى الوحوش وَالسِّبَاع والطيور واحتجت عَن أهل بَيته وَعَن أمرائه واستخف بهم ومحق بيُوت الْأَمْوَال وضيع الْجَوَاهِر والنفائس وَبني عدَّة قُصُور فِي عدَّة أَمَاكِن وَعمل خمس حرَاقات على صفة أَسد وفيل وعقاب وحية وَفرس وَأنْفق فِي عَملهَا أَمْوَالًا فَقَالَ أَبُو نواس من // (الْخَفِيف) // (سخَّرَ اللَّهُ للأمينِ مطايا ... لم تُسَخَّرْ لصاحبِ المحرابِ) (فَإِذا مَا ركابُهُ سارَ برا ... سارَ فِي المَاء رَاكِبًا ليثَ غابِ) (أسداً باسطاً ذرَاعْيهِ يَهْوي ... أهرت الشِّدْقِ كَالحَ الأنيابِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 وَهَكَذَا حَتَّى وصفهَا جَمِيعًا وَمن شجاعته وَقُوَّة بطشه مَا نَقله المَسْعُودِيّ فَقَالَ حكى أَنه اصطبح يَوْمًا فَأتى بِسبع هائل على جمل فِي قفص فَوضع بِبَاب الْقصر فَقَالَ افتحوا القفص وخلوه فَقيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه سبع هائل أسود كالثور كثير الشّعْر فَقَالَ خلوا عَنهُ فَفَعَلُوا فَخرج فزأر وَضرب بِذَنبِهِ الأَرْض فتهارب النَّاس وأغلقت الْأَبْوَاب وبقى الْأمين وَحده غير مكترث فَأَتَاهُ الْأسد وقصده فَرفع يَده فَجَذَبَهُ الْأمين وَقبض على ذَنبه وغمزه وهزه ورماه إِلَى خلف فَوَقع السَّبع على صَخْرَة فَخر مَيتا وَجلسَ الْأمين وَكَأَنَّهُ لم يعْمل شَيْئا وَإِذا أَصَابِعه قد تخلعت فشقوا بطن الْأسد فَإِذا مرارته قد انشقت على كبده قَالَ الذَّهَبِيّ كتب الْأمين إِلَى طَاهِر بن الْحُسَيْن رقْعَة فِيهَا يَا طَاهِر مَا قَامَ لنا مُنْذُ قمنا قَائِم بحقنا فَكَانَ جَزَاؤُهُ عندنَا إِلَّا السَّيْف فَانْظُر لنَفسك أَو دع قَالَ فَلم يزل طَاهِر يتَبَيَّن موقع الرقعة مِنْهُ قلت وَكَانَ طَاهِر قد انتدب لحربه من جِهَة أَخِيه الْمَأْمُون فَكتب لَهُ هَذِه الرقعة وَهِي غَايَة فِي التحذير وَلم يل الْخلَافَة هاشمي ابْن هاشمية إِلَّا عَليّ بن أبي طَالب وَمُحَمّد الْأمين هَذَا فَإِن أم الأول فَاطِمَة بنت أَسد هاشمية وَكَذَا أم الثَّانِي زبيدة بنت جَعْفَر بن الْمَنْصُور قَالَ الصولي حَدثنَا أَبُو العيناء عَن مُحَمَّد بن عَمْرو الرُّومِي قَالَ خرج كوثر خَادِم الْأمين ليرى الْحَرْب فأصابته رجمة فِي وَجهه فَجَلَسَ يبكي وَجعل الْأمين يمسح الدَّم عَن وَجهه ثمَّ قَالَ من // (مجزوء الرمل) // (ضَرَبُوا قرَّةَ عَيْني ... ومِن اجْلِي ضَرَبُوهُ) (أخَذَ اللَّهُ لقلبي ... مِنْ أناسٍ أحرقُوهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 قَالَ ثمَّ أحضر عبد الله بن أَيُّوب التَّمِيمِي الشَّاعِر فَقَالَ لَهُ قل عَلَيْهِمَا فَقَالَ من // (مجزوء الرمل) // (مَا لمَنْ أهَوى شبِيه ... فبِهِ الدُّنْيَا تَتِيهُ ... (وَصْلُهُ حلوُ ولكنْ ... هجْرُهُ مُرٌّ كريهُ) (مَنْ رأى الناسُ لَهُ فضلا ... عَلَيْهِم حَسَدُوهُ) (مثل مَا قَدْ حَسَدَ ... القائمَ بالمُلْكِ أَخُوهُ) فَقَالَ الْأمين وَالله بحياتي أَحْسَنت يَا عباسي أنظر فَإِن فَإِن جَاءَ على ظهر فأقروه لَهُ وَإِن جَاءَ فِي زورق فأوقره لَهُ فأوقر لَهُ ثَلَاثَة بغال دَرَاهِم هِيَ الَّتِي جَاءَ عَلَيْهَا وَمِمَّا قيل فِي هجو الْأمين أَقَامَهُ مقَام الرثاء فَقَالَ من // (الرمل) // (لِمَ نبْكِيك لماذا للطَّرَبْ ... يَا أَبَا موسَى وتزويج اللّعبْ) (ولتَرْكِ الخَمْسِ فِي أوقاتِهَا ... حرصاً منكَ على ماءِ العِنَبْ) (وشنيف أَنا لَا أَبْكِي لَهُ ... وعَلى كوثَرَ لَا أخشَى العَطبْ) (لم تَكُنْ تصلحُ للمُلكِ ولَمْ ... تعطك الطاعَةَ بالملْكِ العربْ) (لِم نبكيكَ لما عَرَّضْتَنَا ... للمجانيقِ وطَوْرًا للسَّلَبْ) وَذكر عَن الْكسَائي أَنه قَالَ لما ولاني الرشيد تَأْدِيب ابنيه الْأمين والمأمون كنت أشدد عَلَيْهِمَا فِي الْأَدَب وآخذهما أخذا شَدِيدا خصوصَاً الْأمين فأتتني ذَات يَوْم خَالِصَة أمة زبيدة فَقَالَت إِن السيدة تقرئك السَّلَام وَتقول لَك حَاجَتي أَن ترفق بِابْني مُحَمَّد فَقلت قولي لَهَا إِن مُحَمَّدًا مرشح للخلافة بعد أَبِيه وَلَا يجوز التَّقْصِير فِي حَقه قَالَت خَالِصَة إِن لرقة السيدة سببَاً أَنا أخْبرك بِهِ إِنَّهَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي وَلدته فِيهَا أريت فِي منامها كَأَن أَربع نسْوَة أقبلن عَلَيْهِ فاكتنفنه من جهاته الْأَرْبَع فَقَالَت الَّتِي بَين يَدَيْهِ ملك قَلِيل الْعُمر ضيق الصَّدْر عَظِيم الْكبر واهي الْأَمر شَدِيد الْغدر وَقَالَت الَّتِي فِي خَلفه قصاف مبذر متلاف قَلِيل الْإِنْصَاف كثير الْإِسْرَاف وَقَالَت الَّتِي عَن يَمِينه ملك عَظِيم الحطم قَلِيل اللَّحْم كثير الْإِثْم قطوع الرَّحِم وَقَالَت الَّتِي عَن شِمَاله ملك غدار كثير العثار سريع الدمار ثمَّ بَكت خَالِصَة وَقَالَت يَا كسائي هَل ينفع الحذر مَعَ الْقدر قلت لَا وَالله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وَذكر الْأَصْمَعِي أَنه دخل على الرشيد قَالَ وَكنت قد غبت عَنهُ بِالْبَصْرَةِ حولا فَسلمت عَلَيْهِ بالخلافة فَأَشَارَ إِلَيّ بِالْجُلُوسِ فَجَلَست حَتَّى خف النَّاس ثمَّ قَالَ يَا أصمعي أَلا تحب أَن ترى مُحَمَّدًا وَعبد الله ابْني قلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي لأحب ذَلِك وَقد أوردت الْقَصْد إِلَيْهِمَا لأسلم عَلَيْهِمَا ثمَّ قَالَ الرشيد عَليّ بِمُحَمد وَعبد الله فَانْطَلق الرَّسُول فَأَقْبَلَا كَأَنَّهُمَا قمراً أفق قد قاربا خطاهما ورميا ببصرهما الأَرْض حَتَّى وَقفا على أَبِيهِمَا فسلما عَلَيْهِ بالخلافة فَأَوْمأ لَهما فَجَلَسَ مُحَمَّد عَن يَمِينه وَعبد الله عَن شِمَاله ثمَّ أَمرنِي بمطارحتهما الْأَدَب فَكنت لَا ألْقى عَلَيْهِمَا شَيْئا من فنون الْأَدَب إِلَّا أجابا فِيهِ وأصابا فَقَالَ كَيفَ ترى أدبهما قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رَأَيْت مثلهمَا فِي ذكائهما وجودة فهمهما وذهنهما فَأطَال الله بقاءهما ورزق الْأمة رأفتهما فَضَمَّهُمَا إِلَى صَدره وسبقته عبرته فَبكى حَتَّى تحدرت دُمُوعه على لحيته ثمَّ أذن لَهما فِي الْقيام فنهضا حَتَّى إِذا خرجا قَالَ يَا أصمعي كَيفَ بهما إِذا ظهر تعاديهما وبدا تباغضهما وَوَقع بأسهما بَينهمَا حَتَّى تسفك الدِّمَاء وَيَوَد كثير من الْأَحْيَاء أَن لَو كَانَ فِي الْأَمْوَات قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا شَيْء قضى بِهِ المنجمون عَن مولدهما أَو شَيْء أثرته الْعلمَاء فِي أَمرهمَا قَالَ بل شَيْء أثرته الْعلمَاء عَن الأوصياء قَالَ الصولي وَكَانَ الرشيد يسمع مَا يجْرِي بَينهمَا جَمِيعه من مُوسَى بن جَعْفَر الصَّادِق وَلذَلِك قَالَ مَا قَالَ قَالَ فِي قلادة النَّحْر إِن الْمَأْمُون مر يَوْمًا على زبيدة أم الْأمين فرآها تحرّك شفتيها بِشَيْء لَا يعرفهُ فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّاهُ أتدعين عَليّ أَن قتلت ابْنك وسلبته فَمَا كَانَ الْبَاغِي إِلَّا ابْنك وَإِن لكل باغِ مصرعاً قَالَت لَا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَمَا الَّذِي قلت قَالَت يعفيني أَمِير الْمُؤمنِينَ فألح عَلَيْهَا قَالَ وَلَا بُد أَن تقوليه قَالَ قلت قبح الله اللجاج والملاحَة قَالَ وَكَيف ذَلِك قَالَت إِنِّي لألعب يَوْمًا مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الرشيد الشطرنج على الحكم وَالرِّضَا فغلبني فَأمرنِي أَن أتجرد من أثوابي وأطوف الْقصر عُرْيَانَة فاستعفيته فَلم يعفني فتجردت من ثِيَابِي وطفت الْقصر عَارِية ثمَّ عاودني اللّعب فغلبته فَأَمَرته أَن يذهب إِلَى المطبخ فيطأ أقبح جَارِيَة وأشوهها خلقَة فاستعفاني فَلم أعفه فبذل لي خراج مصر وَالْعراق فأبيت وَقلت وَالله لتفعلن ذَلِك فَأبى فألححت عَلَيْهِ وَأخذت بِهِ وَجئْت بِهِ إِلَى المطبخ فَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 أر جَارِيَة أقبح وَلَا أقذر وَلَا أنتن ريحًا وَلَا أشوه خلقَة من أمك مراجل فَأَمَرته أَن يَطَأهَا فَوَطِئَهَا فعلقت مِنْهُ بك فَكنت سَببا لقتل وَلَدي وسلبه ملكه فولي الْمَأْمُون وَهُوَ يَقُول لعن الله الملاحة أَقُول نعم لعن الله الملاحة إِذْ إلحاحه على زبيدة كَانَ سَبَب سَماع هَذَا الْكَلَام المؤلم قَالَ الثعالبي فِي المعارف كَانُوا يَقُولُونَ لَو نشرت زبيدة ضفائرها مَا تعلّقت إِلَّا بخليفة أَو ولي عهد فَإِن الْمَنْصُور جدها والسفاح أَخُو جدها وَالْمهْدِي عَمها والرشيد زَوجهَا والأمين ابْنهَا والمأمون والمعتصم ابْنا زَوجهَا وَأما وُلَاة الْعَهْد فكثير ونظيرتها فِي ذَلِك من بني أُميَّة عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَبوهَا يزِيد بن مُعَاوِيَة وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان جدها وَمُعَاوِيَة بن يزِيد أَخُوهَا ومروان بن الحكم حموها وَعبد الْملك بن مَرْوَان زَوجهَا وَيزِيد بن عبد الْملك ابْنهَا والوليد بن يزِيد ابْن ابْنهَا والوليد بن وَهِشَام وَسليمَان بَنو زَوجهَا عبد الْملك وَيزِيد وَإِبْرَاهِيم ابْنا الْوَلِيد ابْن زَوجهَا كَانَت مُدَّة خِلَافَته أَربع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَقيل ثَمَانِيَة أشهر وَقتل لخمس بَقينَ من الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وعمره سبع وَعِشْرُونَ سنة وَقيل وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَقيل سِتّ وعششرون سنة وَخَمْسَة أشهر وَقيل ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَسِتَّة أشهر رَحمَه الله تَعَالَى وغفا عَنهُ وَعَن الْمُسلمين آمين (خلَافَة الْمَأْمُون) عبد الله بن هَارُون الرشيد بن الْمهْدي مُحَمَّد بن الْمَنْصُور بن عبد الله أَبُو الْعَبَّاس الْهَاشِمِي ولد سنة سبعين وَمِائَة عِنْدَمَا اسْتخْلف أَبوهُ الرشيد وَقَرَأَ الْعلم فِي صغره وَسمع ابْن هشيم وَعباد بن الْعَوام ويوسف بن عَطِيَّة وَأَبا مُعَاوِيَة الضَّرِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 وطبقتهم وبرع فِي الفقة والعربية وَأَيَّام النَّاس وَلما كبر عُني بالفلسفة وعلوم الْأَوَائِل وَمهر فِيهَا فجره ذَلِك إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَكَانَ من أتم رجال بني الْعَبَّاس حزماً وعزماً وحلماً وعلماً ورأيَاً ودهاءَ وهيبة وشجاعة وسؤدداً وسماحَة وَله محَاسِن وسيرة طَوِيلَة وبرع فِي معرفَة التَّارِيخ وفنون الْأَدَب وَكَانَ يضْرب الْمثل بحلمه وامتحن الْعلمَاء فِي زَمَانه وَكَانَ يجبرهم على القَوْل بِخلق الْقُرْآن قَالَ فِي المسامرة بَايع الْمَأْمُون على الرِّضَا فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ وَجعله ولي عَهده من بعده وَلبس الخضرة ونوه بِذكرِهِ فَغَضب بَنو الْعَبَّاس بالعراق لهذين الْأَمريْنِ وخلعوه وَبَايَعُوا عَمه إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي ولقبوه الْمُبَارك فحاربه الْحسن بن سهل فَهَزَمَهُ إِبْرَاهِيم وألحقه بواسط وَأقَام إِبْرَاهِيم بِالْمَدَائِنِ ثمَّ سير الْمَأْمُون إِلَيْهِ جَيْشًا آخر فهزموه فاختفى وَانْقطع خَبره إِلَى أَن ظهر فِي وسط خلَافَة الْمَأْمُون فَعَفَا عَنهُ وَله سيره مبسوطة مَذْكُورَة وَمَات على الرِّضَا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ فَرجع الْمَأْمُون سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ إِلَى لبس السوَاد كعادته وَعَادَة آبَائِهِ قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا وَكَانَ الْمَأْمُون أبي ربعَة حسن الْوَجْه تعلوه صفرَة قد وَخَطَهُ الشيب أعين طَوِيل اللِّحْيَة دقيقها ضيق الجبين على خَدّه خَال وَقَالَ الجاحظ أَبيض فِيهِ صفرَة وَكَانَ ساقاه دون جسده صفراوين كَأَنَّمَا طليا بالزعفران أمه أم ولد اسْمهَا مراجل مَاتَت أَيَّام نفَاسهَا بِهِ وَكَانَ فصيحاً مفوهاً وَكَانَ يَقُول مُعَاوِيَة بِعَمْرو وَعبد الْملك بحجاجه وَأَنا بنفسي وَقد رويت هَذِه الْكَلِمَة عَن الْمَنْصُور وَكَانَ نقش خَاتم الْمَأْمُون عبد الله بن عبيد الله وروى أَنه ختم فِي بعض الرمضانات ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ختمة وَقَالَ الْحُسَيْن بن فهم الْحَافِظ حَدثنَا يحيى بن أَكْثَم قَالَ قَالَ لي الْمَأْمُون أُرِيد أَن أحدث قَالَ وَمن أولى بِهَذَا من أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ضَعُوا لي منبراً ثمَّ صعد فَأول حدث حَدثنَا عَن هشيم عَن أبي هشيم عَن أبي الجهم عَن الزُّهْرِيّ عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة فَرفع الحَدِيث قَالَ امْرُؤ الْقَيْس صَاحب لِوَاء الشّعْر إِلَى النَّار ثمَّ حدث بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ حديثَاً ثمَّ نزل فَقَالَ لي كَيفَ رَأَيْت يَا يحيى مَجْلِسنَا قلت أجل مجْلِس يفقه الْخَاصَّة والعامة فَقَالَ مَا رَأَيْت لكم حلاوة إِنَّمَا الْمجْلس لأْصحاب الخلقان والمحابر وَقَالَ السراج حَدثنَا سهل بن عَسَاكِر قَالَ تقدم رجل غَرِيب بِيَدِهِ محبرة إِلَى الْمَأْمُون فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب حَدِيث مُنْقَطع بِهِ قَالَ مَا تحفظ فِي بَاب كَذَا فَلم يذكر الرجل فِيهِ شَيْئا قَالَ فمازال الْمَأْمُون يَقُول حَدثنَا هشيم وَحدثنَا يحيى وَحدثنَا حجاج فَذكر الْبَاب ثمَّ سَأَلَهُ عَن بَاب آخر فَلم يذكر فِيهِ شَيْئا فَقَالَ الْمَأْمُون حَدثنَا فلَان وَحدثنَا فلَان إِلَى أَن قَالَ لأَصْحَابه يطْلب أحدهم الحَدِيث ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يَقُول أَنا من أَصْحَاب الحَدِيث أَعْطوهُ ثَلَاث دَرَاهِم وَمَعَ هَذَا فَكَانَ الْمَأْمُون مُسْرِفًا فِي الْكَرم جواداً ممدحاً جَاءَ عَنهُ أَنه فرق فِي سَاعَة وَاحِدَة سِتَّة وَعشْرين ألف ألف دِرْهَم وَجَاء أَنه مدحه أَعْرَابِي مرّة فَأَجَازَهُ بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأما ذكاؤه وَعلمه فروى مُحَمَّد بن عون عَن أبي عُيَيْنَة أَن الْمَأْمُون جلس فَجَاءَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَاتَ أخي وَخلف سِتّمائَة دِينَار فأعطوني دِينَارا وَاحِدًا وَقَالُوا هَذَا نصيبك فَحسب الْمَأْمُون وَقَالَ أَيْضا هَذَا نصيبك هَذَا أَخُوك خلف أَربع بَنَات قَالَت نعم قَالَ لَهُنَّ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَخلف وَالِدَة لَهَا مائَة دِينَار وَخلف زَوْجَة فلهَا خَمْسَة وَسَبْعُونَ دِينَارا بِاللَّه أَلَك اثْنَا عشر أَخا قَالَت نعم قَالَ لكل وَاحِد دِينَارَانِ وَلَك دِينَار وَاحِد وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي قَالَ لي الْمَأْمُون أَخْبرنِي عَن قَول هِنْد بنت عتبَة من // (الرجز) // (نحنُ بناتُ طارقْ ... نمشِي على النمارِقْ) وَمن طَارق هَذَا قَالَ فَنَظَرت فِي نَسَبهَا فَلم أَجِدهُ فَقلت مَا أعرفهُ فَقَالَ الْمَأْمُون إِنَّمَا أَرَادَت النَّجْم انتسبت إِلَيْهِ بحسنها ثمَّ رمى إِلَيّ بعنبرة فِي يَده فبعتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَقَالَ أَبُو معشر المنجم كَانَ الْمَأْمُون أماراً بِالْعَدْلِ مَحْمُود السِّيرَة مَيْمُون النقيبة فَقِيه النَّفس يعد من كبار الْعلمَاء وَعَن الرشيد وَالِده قَالَ إِنِّي لأعرف فِي عبد الله حزم الْمَنْصُور ونسك الْمهْدي وَعزة الْهَادِي وَلَو أَشَاء لأنسبه إِلَى الرَّابِع يَعْنِي نَفسه لنسبته وَقد قدمت مُحَمَّدًا عَلَيْهِ وَإِنِّي لأعْلم أَنه ينقاد إِلَى هَوَاهُ مبذر لما حوته يَده يُشَارِكهُ فِي رَأْيه الْإِمَاء وَالنِّسَاء وَلَوْلَا أم جَعْفَر يَعْنِي زبيدة وميل بني هَاشم إِلَيْهِ لقدمت عبد الله عَلَيْهِ وَعَن الْمَأْمُون قَالَ لَو عرف النَّاس حبي للعفو لتقربوا إِلَيّ بالجرائم وأخاف أَلا أوجر فِيهِ يَعْنِي لكَونه طبعَاً لَهُ وَعَن يحيى بن أَكْثَم قَالَ كَانَ الْمَأْمُون يحلم حَتَّى يغيظنا وَذكر أَن ملاحاً مر بِهِ الْمَأْمُون فَقَالَ الملاح أتظنون أَن هَذَا نَبل فِي عَيْني وَقد قتل أَخَاهُ الْأمين لَا وَالله فَسَمعَهَا الْمَأْمُون فَتَبَسَّمَ وَقَالَ مَا الْحِيلَة حَتَّى أنبل فِي عَيْني هَذَا السَّيِّد الْجَلِيل وَعنهُ قَالَ كَانَ الْمَأْمُون يجلس للمناظرة فِي الْفِقْه يَوْم الثُّلَاثَاء فجَاء رجل عَلَيْهِ ثِيَاب قد شمرها وَنَعله فِي يَده فَوقف على طرف الْبسَاط وَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم فَرد الْمَأْمُون السَّلَام فَقَالَ أتأذن لي فِي الدنو قَالَ ادن وَتكلم فَقَالَ أَخْبرنِي عَن الْمجْلس الَّذِي أَنْت فِيهِ جلسته باجتماع الْأمة أم بالمغالبة والقهر قَالَ الْمَأْمُون لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا بل كَانَ يتَوَلَّى أُمُور النَّاس من عقد لي ولأخي فَلَمَّا صَار الْأَمر إِلَيّ علمت أَنِّي مُحْتَاج إِلَى اجْتِمَاع كلمة الْمُسلمين فِي الشرق والغرب على الرِّضَا بِي فَرَأَيْت أَنِّي مَتى تخليت عَن الْأَمر اضْطربَ حَبل الْإِسْلَام وَتَنَازَعُوا ومرج عَهدهم وَبَطل الْجِهَاد وَالْحج وانقطعت السبل فَقُمْت حياطة للْمُسلمين إِلَى أَن يجمعوا على رجل يرضون بِهِ فَأسلم إِلَيْهِ الْأَمر فَمَتَى اتَّفقُوا على رجل خرجت لَهُ من الْأَمر فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَذهب فَوجه الْمَأْمُون من يكْشف خَبره فَرجع فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مضى إِلَى مَسْجِد فِيهِ خَمْسَة عشر رجلاَ فِي مثل هَيئته فَقَالُوا لَهُ أتيت الرجل قَالَ نعم وَأخْبرهمْ بِمَا جرى فَقَالُوا مَا نرى بِمَا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 بأسَاً وافترقوا فَقَالَ الْمَأْمُون كفينا مُؤنَة هَؤُلَاءِ بأيسر الْخطب وأتى بِرَجُل من الْخَوَارِج فَقَالَ لَهُ مَا حملك على الْخُرُوج وَالْخلاف قَالَ {وَمَن لم يحكمُ بِمَا أَنزَلَ اَللهّ فَأُولَئكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} الْمَائِدَة 44 فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون أَلَك علم بِأَنَّهَا منزَّلة قَالَ نعم قَالَ مَا دليلك قَالَ إِجْمَاع الْأمة قَالَ فَكَمَا رضيت بإجماعهم فِي التَّنْزِيل فارض بإجماعهم فِي التَّأْوِيل قَالَ صدقت السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعَن إِسْحَاق الْموصِلِي قَالَ كَانَ الْمَأْمُون قد سخط على الْحُسَيْن بن الضَّحَّاك الملقب بالخليع الشَّاعِر لكَونه هجاه عِنْدَمَا قتل الْأمين قَالَ إِسْحَاق فَبَيْنَمَا أَنا ذَات يَوْم عِنْد الْمَأْمُون إِذْ دخل الْحَاجِب برقعة فَاسْتَأْذن فِي إنشادها فَأذن لَهُ فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (أَجِزْنِي فإنِّي قد ظَمِئْتُ إِلَى الوِرْدِ ... متَى تنجزِ الوعدَ المؤكِّد بالعَهْدِ) (أعيذُكَ من خُلْفِ الملوكِ فقد ترَى ... تقطُّعَ أنفاسي عَلْيكَ من الوَجْدِ) (أيبخَلُ فردُ الحُسْنِ عنِّي بنائِلٍ ... قَلِيلٍ وقَدْ أفردتُّهُ بهوًى فَرْدِ) إِلَى أَن قَالَ (رأى اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ خَيْرَ عبادِهِ ... فملَّكه واللَّهُ أعلمُ بالعَبْدِ) (أَلاَ إِنَّمَا المأمونُ للناسِ عصمةٌ ... مُمَيِّزَةٌ بَين الضلاَلةِ والراشدِ) فَقَالَ لَهُ أَحْسَنت قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أحسن قَائِلهَا قَالَ وَمن هُوَ قَالَ عَبدك الْحُسَيْن بن الضَّحَّاك فَقَالَ لَا حَيَّاهُ الله وَلَا بياه أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل // (من الطَّوِيل) // (فَلَا تَمَّتِ الأشياءُ بعد محمَّدِ ... وَلَا زالَ شمْلُ الملكِ فِيهَا مبدَّدَا) (وَلَا فَرِحَ المأمونُ بالمُلْكِ بعدَهُ ... وَلَا زالَ فِي الدُّنْيَا طريدَاً مشرَّدا) هَذِه بِتِلْكَ فَلَا شَيْء لَهُ عندنَا قَالَ الْحَاجِب فَأَيْنَ عَادَة عَفْو أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أما هَذِه فَنعم ائذنوا لَهُ فَدخل فَقَالَ هَل عرفت يَوْم قتلِ أخي هاشمية هتكت قَالَ لَا قَالَ فَمَا معنى قَوْلك // (من الطَّوِيل) // (وَمِمَّا شَجى قَلْبي وكَفْكَفَ عَبْرَتِي ... محارمُ مِنْ آلِ الرسولِ استُحِلَّتِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 (ومهتوكة بالاجلْدِ عَنْهَا سجوفها ... كعاب كقرنِ الشمسِ حِين تبدَّتِ) (فَلَا باتَ ليلُ الشامتِين بغبطةٍ ... وَلَا بلَغَتْ آمالها مَا تمنَّتِ) فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لوعة غلبتني وروعة فاجأتني ونعمة سلبتها بعد أَن غمرتني فَإِن عَاقَبت فبحقك وَإِن عَفَوْت فبفضلك فَدَمَعَتْ عينا الْمَأْمُون وَأمر لَهُ بجائزة حكى الصولي أَنه كَانَ يحب اللّعب بالشطرنج واقترح فِيهِ شَيْئا وَكَانَ ينْهَى أَن يَقُول الشَّخْص تعال نلعب وَيَقُول بل نتناقل وَلم يكن بِهِ حاذقَاً وَكَانَ يَقُول أَنا أدبر الدُّنْيَا وأتسع لَهَا وأضيق عَن تَدْبِير شبرين وَله فِيهِ // (من الْبَسِيط) // (أرضٌ مُرَبَّعَةٌ حمراءُ مِنْ أَدم ... مَا بَين إلفَيْنِ معروفَيْنِ بالكَرَمِ) (تذاكرا الحَرْب فاخْتالاَ لَهَا حِيَلاً ... مِنْ غيرِ أَنْ يأْثَما فِيهَا بِسَفْكِ دَمِ) (هَذَا يُغٍ يرُ على هَذَا وَذَاك عَلى ... هَذَا يُغِيرُ وَعين الحَزْمِ لَمْ تَنَمِ) (فانْظُرْ إِلَى فِطَنٍ جَالَتْ بِمَعْرِفَةٍ ... فِي عسْكرَيْنِ بِلَا طَبْلٍ وَلَا عَلَمِ) وَنظر الْمَأْمُون إِلَى عَمه إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي وَكَانَ يلقب بالتنين لسمنه فَقَالَ لَهُ مَا أَظُنك عشقت قد ثمَّ أنْشد // (من السَّرِيع) // (وَجْهُ الَّذِي يَعْشَقُ مَعْروفُ ... لأَنَّهُ أَصْفرُ مَنْحُوفُ) (ليْسَ كَمنْ يَأْتِيكَ ذَا جُثَّةٍ ... كَأَنَّهُ لِلذَّبْحِ مَعْلُوفُ) وَعَن الْمَأْمُون قَالَ مَا أعياني قطّ جَوَاب إِلَّا جَوَاب ثَلَاثَة صرت إِلَى أم ذِي الرياستين الْفضل بن سهل أعزيها فِيهِ فَقلت لَا تأسى عَلَيْهِ فَإِنِّي عوضه لَك قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ لَا أَحْزَن على ولد أكسبني مثلك وأتيت بمتنبئ فَقلت لَهُ من أَنْت قَالَ أَنا مُوسَى بن عمرَان قلت وَيحك مُوسَى لَهُ آيَات فائتني بهَا حَتَّى أومن بك قَالَ إِنَّمَا أتيت بِهَذِهِ المعجزات لفرعون إِذْ قَالَ أَنا ربكُم الْأَعْلَى فَإِن قلت ذَلِك أَتَيْتُك بِالْآيَاتِ قَالَ وأتى أهل الْكُوفَة يَشكونَ عاملهم فَقَالَ خطيبهم هُوَ شَرّ عَامل أما فِي أول سنة فَإنَّا بعنا الأثاث وَفِي الثَّانِيَة بعنا الْعقار وَفِي الثَّالِثَة نزحنا عَن بِلَادنَا وأتيناك نستغيث فَقلت كذبت بل هُوَ رجل قد حمدت مذْهبه ورضيت دينه فاخترته معرفَة بكم وَقد تقدم سخطكم على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 الْعمَّال غر مرّة قَالَ صدقت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وكذبت أَنا فقد خصصتنا بِهِ هَذِه الْمدَّة دون بَاقِي الْبِلَاد فَاسْتَعْملهُ على بلد آخر يشملهم من عدله وإحسانه مثل الَّذِي شملنا فَقلت قُم فِي غير حفظ الله قد عزلته عَنْكُم وَكَانَ قدوم الْمَأْمُون من خُرَاسَان إِلَى بَغْدَاد فِي صفر سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ دَخلهَا فِي رَابِع صفر فِي أبهة عَظِيمَة وتجمل زَائِد فَكَلمهُ العباسيون وَغَيرهم فِي الْعود إِلَى لِبَاس السوَاد وَترك الخضرة فتوقف ثمَّ أجَاب إِلَى ذَلِك لما قَالَ لَهُ بعض أهل بَيته إِنَّك على أثر أَوْلَاد عَليّ بن أبي طَالب وَالْأَمر فِيك أقدر مِنْك على برهم وَالْأَمر فيهم قَالَ إِنَّمَا فعلت مَا فعلت لِأَن أَبَا بكر لما ولي لم يول أحد من بني هَاشم شَيْئا ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان كَذَلِك ثمَّ لما ولي عَليّ ولي عبد الله بن عَبَّاس الْبَصْرَة وَعبيد الله الْيمن ومعبداً مَكَّة وَقثم الْبَحْرين وَمَا ترك أحدا مِنْهُم إِلَّا ولاه شَيْئا وَكَانَت هَذِه فِي أعناقنا حَتَّى كافأته فِي وَلَده بِمَا فعلت وَفِي سنة عشرَة بعد الْمِائَتَيْنِ تزوج الْمَأْمُون بوران بنت الْحسن بن سهل وَقَامَ بخلع للقواد وكلفهم مُدَّة سَبْعَة عشر يومَاً وَكتب رِقَاعًا فِيهَا أَسمَاء بضياع لَهُ ونثرها على القواد والعباسيين فَمن وَقعت فِي يَده رقْعَة باسم ضَيْعَة تسلمها ونثر صينية ملأى جَوَاهِر بَين يَدي الْمَأْمُون عِنْدَمَا زفت إِلَيْهِ وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ أَمر الْمَأْمُون بِأَن يُنَادي بَرِئت الذِّمَّة مِمَّن ذكر مُعَاوِيَة بِخَير وَأَن أفضل الْخلق بعد رَسُول الله عَليّ بن أبي طَالب وَفِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة أظهر القَوْل بِخلق الْقُرْآن ثمَّ فِي سنة ثَمَان عشرَة امتحن الْعلمَاء بالْقَوْل بِخلق الْقُرْآن فَكتب إِلَى نَائِبه بالعراق إِسْحَاق بن الْخُزَاعِيّ ابْن عَم طَاهِر بن الْحُسَيْن بذلك ليلزم الْعلمَاء ويحاجهم فِي ذَلِك قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ قَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة النَّحْوِيّ فِي تَارِيخه حكى أَبُو سُلَيْمَان بن دَاوُد بن عَليّ عَن يحيى بن أَكْثَم قَالَ كنت عِنْد الْمَأْمُون وَعِنْده جمَاعَة من قواد خُرَاسَان وَقد دَعَا إِلَى خلق الْقُرْآن حينئذِ فَقَالَ لأولئك القواد مَا تَقولُونَ فِي الْقُرْآن قَالُوا كَانَ شُيُوخنَا يَقُولُونَ مَا كَانَ فِيهِ ذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 الْحمير وَالْجمال وَالْبَقر فَهُوَ مَخْلُوق وَمَا كَانَ فِيهِ من سوى ذَلِك فَهُوَ غير مَخْلُوق فَأَما إِذا قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ غير ذَلِك فَنحْن نقُول كُله مَخْلُوق فَقلت لِلْمَأْمُونِ أتفرح بموافقة هَؤُلَاءِ وَمن كَلَام الْمَأْمُون النَّاس ثَلَاثَة فَمنهمْ مثل الْغذَاء لَا بُد مِنْهُ على كل حَال وَمِنْهُم كالدواء يحْتَاج إِلَيْهِ فِي حَال الْمَرَض وَمِنْهُم كالدواء مَكْرُوه على كل حَال وَكَانَ يَقُول لَا نزهة ألذ من النّظر فِي عقول الرِّجَال وَكَانَ يَقُول غَلَبَة الْحجَّة أحب إِلَى من غَلَبَة الْقُدْرَة لِأَن غَلَبَة الْحجَّة لَا تَزُول وَغَلَبَة الْقُدْرَة تَزُول بزوالها وَكَانَ يَقُول الْملك يغْتَفر كل شَيْء إِلَّا ثَلَاثًا الْقدح فِي الْملك وإفشاء السِّرّ والتعرض للحرم وَكَانَ الْمَأْمُون مَعْرُوفا بالتشيع روى عَنهُ أَبُو دَاوُد المصاحفي قَالَ سَمِعت النَّضر ابْن شُمَيْل يَقُول دخلت على الْمَأْمُون فَقَالَ لي إِنِّي قلت الْيَوْم شعرًا فاسمعه فَقلت هاته قَالَ // (من المنسرح) // (أصْبَحَ دِينِي الَّذِي أَدِينُ بِهِ ... وَلَسْتُ مِنهُ الغدَاةَ مُعْتَذِرَا) (حُبّ علِيِّ بعْدَ النبيِّ وَلاَ ... أَشْتُمُ صِدِّيقَهُ وَلاَ عُمَرَا ... ) وإِبنُ عفانَ فِي الجِنانِ مَعَ الْأَبْرَارِ ... ذاكَ القَتِيلُ مُصْطَبِرَا) (وعائِشُ الْلأُمُّ لَسْتُ أشْتُمُهَا ... منْ يَفْتَرِيهَا فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَا) وَمن شعره // (من المتقارب) // (لِسَانِي كَتُومٌ لِأَسْرَارِكُمْ ... وَدمْعِي نمُومٌ لِسِرِّي مُذِبعُ) (فَلَوْلاَ دُمُوعي كتمتُ الهَوَى ... وَلَوْلاَ الهَوَى لَمْ تَكُنْ لِي دُمُوعُ) وَفِي ابْن خلكان دخل النَّضر بن شُمَيْل على الْمَأْمُون لَيْلَة فتفاوضا الحَدِيث فروى الْمَأْمُون عَن هشيم بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَوْله إِذا تزوج الرجل الْمَرْأَة لدينها وجمالها كَانَ فِيهِ سداد من عوز بِفَتْح السِّين فَقَالَ النَّضر يَا أميرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 الْمُؤمنِينَ صدق هشيم حَدثنَا فلَان ابْن فلَان إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَذكر الحَدِيث فَقَالَ فِيهِ سداد من عوز وَكسر السِّين وَكَانَ الْمَأْمُون مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا وَقَالَ كَيفَ قَلت سِداد بِكَسْر السِّين قلت لِأَن السداد بِالْفَتْح هَهُنَا لحن فَقَالَ أتلحنني قلت إِنَّمَا لحن هشيم فَتَبِعَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا الْفرق بَينهم قلت السداد بِالْفَتْح الْقَصْد فِي الدّين والسبيل وبالكسر الْبلْغَة وَكَانَ مَا سددت بِهِ شَيْئا فَهُوَ سداد فَقَالَ الْمَأْمُون أَو تعرف الْعَرَب ذَلِك قلت نعم هَذَا العرجي يَقُول // (من الوافر) // (أَضَاعُونِي وَأَبيَّ فَتًى أَضَاعُوا ... لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ) فَاسْتَوَى جَالِسا وَقَالَ قبح الله من لَا أدب لَهُ ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ أَخْبرنِي بأخلب بَيت قالته الْعَرَب قلت قَول ابْن بيض فِي الحكم بن مَرْوَان // (من المنسرح) // (تَقُولُ لِي وِالعُيُونُ هَاجِعَةٌ ... أَقِمْ عَلَيْنَا يَوْمًا فلَمْ أُقِمِ) (مَتَى يقُلْ صَاحِبُ السُّرَادِقِ هَا ... ذَا إِبْنُ بيض بالبَابِ يَبْتسِمِ) (قَدْ كنت أسلمتُ فِيكَ مُقْتَبلاً ... فَهَاتِ أدخُلْ وأَعْطِنِي سلَمِي) فَقَالَ لقد أحسن وأجاد فَأَخْبرنِي بأنصف بَيت قالته الْعَرَب قلت قَول عرُوبَة // (من الْكَامِل) // (إِني وَإِن كَانَ ابْن عمِّيَ وَاغِرًا ... لمُدَاهِن من خلفيهِ وَوَرَائِهِ) (ومعده نَصْرِي وَإِن كَانَ امْرأٌ ... مُتَبَاعدًا من أَرْضِهِ وَسَمائِهِ) (فَأَكُون وَالي سِرِّهِ وأَصُونُه ... حَتَّى يحينَ علىَّ وَقْتُ أَدَائِهِ) (وَإِذَا الحَوَادِثُ أَحْجَنَتْ بِسَوَامِهِ ... قَرَّبْتُ جلتَهَا إِلَى حِرْبائِهِ) (وَإِذَا دَعَا باسمي لِيَرْكبَ مَرْكبًا ... صعباً ركِبْتُ لهُ على سيسَائِهِ) (وَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا ناضراً ... لَمْ يلْقَنِي مُتَمنيا لِردَائِهِ) قَالَ لقد أحسن وأجاد فَأَخْبرنِي عَن أغرب بَيت قالته الْعَرَب قلت قَول راعي الْإِبِل // (من المنسرح) // (أَطْلُبُ مَا يطْلُبُ الْكريم مِنْ الرِّزْقِ ... لِنَفْسِي وَأُجْمِلُ الطَّلَبَا) (وَأَطْلُبُ الدُّرَّةَ الصفاءَ وَلاَ ... أَطْلُبُ فِي غَير خلفهَا جَلَبَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 (إِنِّي رأيتُ الفَتَى الكريمَ إِذَا ... رَغَّبتهُ فِي صَنِيعةٍ رَغِبَا) (والنذْلَ لَا يطْلب العَلاَء ولاَ ... يعطيكَ شَيْئًا إِلَّا إِذا رَهِبَا) (مثلُ الحِمارِ المُوَاقِعِ السُّوءِ لاَ ... يُحْسِنُ مشْيًا إِلا إِذا ضُرِبَا) فَقَالَ وَالله لقد أحسن وأجاد ودعا بالدواة فَمَا أَدْرِي مَا يكْتب ثمَّ قَالَ يَا نضر كَيفَ تَقول فعل الْأَمر من الإتراب فَقلت أَقُول أترب القرطاس والقرطاس متروب قَالَ فَكيف تَقول من الطين قلت أَقُول طن الْكتاب وَالْكتاب مطين قَالَ هَذِه أحسن من الأولى ثمَّ دفَع مَا كتب إِلَى خَادِم وَجهه معي إِلَى الْحسن بن سهل فَلَمَّا قَرَأَ الْفضل الرقعة قَالَ يَا نضر قد أَمر لَك بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم فَمَا كَانَ السَّبَب فَأَخْبَرته فَأمر لي بِثَلَاثَة ألف دِرْهَم أُخْرَى فَأخذت ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم بِحرف واحدٍ اسْتُفِيدَ مني وَقد نَادَى الْمَأْمُون بِإِبَاحَة الْمُتْعَة فَلم يَجْسُر أحد يُنكر عَلَيْهِ فروى لَهُ يحيى بن أَكْثَم حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن ابْني الْحَنَفِيَّة عَن أَبِيهِمَا مُحَمَّد بن عَليّ ري الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن مُتْعَة النِّسَاء يَوْم خَيْبَر فَلَمَّا صَحَّ لَهُ الحَدِيث رَجَعَ إِلَى الْحق ونادى بإيطالها وَأما مسألأة خلق الْقُرْآن فصمم عَلَيْهَا وَلم يرجع عَنْهَا فِي سنة ثَمَان عشرَة وامتحن الْعلمَاء بهَا فعوجل وَلم يُمْهل توجه فِي هَذِه السّنة غازياً إِلَى أَرض الرّوم فَلَمَّا وصل إِلَى البذندون مرض وَاشْتَدَّ بِهِ المر فأوصى بالخلافة إِلَى أَخِيه المعتصم بن الرشيد وَأما المؤتمن الْمَعْقُود لَهُ الْعَهْد بعده فقد كَانَ خلعه قبل حِين وَجعل الرضي مَكَانَهُ فِيمَا تقدم سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ فَلَمَّا ورد نزل على عين البذندون فَأَقَامَ هُنَاكَ واعتل قَالَ المَسْعُودِيّ أعجبه برد مَاء الْعين وصفاؤها وَطيب الْموضع وَكَثْرَة الخضرة وَقد طرح لَهُ دِرْهَم فِي الْعين فقرأه فِيهَا لفرط صفائها وَلم يقدر أحد أَن يسبح فِيهَا لشدَّة بردهَا فَرَأى سَمَكَة نَحْو الذِّرَاع كَأَنَّهَا الْفضة فَجعل لمن يُخرجهَا سيفَاً فَنزل فرَاش فاصطادها وطلع فاضطربت وفرت إِلَى المَاء فنضح صدر الْمَأْمُون ونحره وابتل ثَوْبه ثمَّ نزل الْفراش ثَانِيَة فَأَخذهَا فَقَالَ الْمَأْمُون يقلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 السَّاعَة ثمَّ أَخَذته رعدة وتغطى باللحف وَهُوَ يرتعد ويصيح فأوقدت حوله نَار ثمَّ أَتَى بالسمكة فَمَا ذاقها لشغله بِحَالهِ ثمَّ أَفَاق من غمرته فَسَأَلَ عَن تَفْسِير اسْم الْمَكَان بالعربي فَقيل لَهُ مد رجليك فتطير بِهِ وَسَأَلَ عَن تَفْسِير الْبقْعَة قيل الرقة وَكَانَ فِيمَا علم من مولده أَنه يَمُوت بالرقة فَكَانَ يتَجَنَّب نزُول الرقة فَلَمَّا سمع هَذَا من الرّوم عرف وأيس وَقَالَ يَا من لَا يَزُول ملكه ارْحَمْ من زَالَ ملكه وأجلس المعتصم عِنْده من يلقنه الشَّهَادَة فَرفع الرجل بهَا صَوته فَقَالَ لَهُ ابْن ماسويه لَا تصح فوَاللَّه مَا يفرق الْآن بَين ربه وَبَين ماني فَفتح الْمَأْمُون عَيْنَيْهِ وَبِهِمَا من عظم الورم والحمرة أَمر شَدِيد وَأَقْبل يحاول بيدَيْهِ الْبَطْش بِابْن ماسويه ورام مخاطبته فعجز فرمز بطرفه نَحْو السَّمَاء وَقد امْتَلَأت عَيناهُ دموعاً وَقَالَ فِي الْحَال يَا من لَا يَمُوت ارْحَمْ من يَمُوت ثمَّ قضى فِي يَوْم الْخَمِيس لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ فنقله ابْنه الْعَبَّاس وَأَخُوهُ المعتصم إِلَى طرسوس فَدفن هُنَاكَ وَلما ورد خبر وَفَاته بَغْدَاد قَالَ أَبُو سعيد المَخْزُومِي // (من الْخَفِيف) // (هَلْ رَأيْتَ النُّجُومَ أَغْنتْ عَنِ الْمأْمُونِ ... يَوْمًا أَوْ ملكه المأسوس) (خَلَّفُوهُ بِعَرْصَتَيْ طَرَسُوس ... مِثْلَ مَا خلَّفُوا أَبَاهُ بِطُوسِ) حدث مُحَمَّد بن أَيُّوب أَمِير الْبَصْرَة لِلْمَأْمُونِ قَالَ كَانَ بِالْبَصْرَةِ رجل من بني تَمِيم شَاعِر أديب كنت آنس بِهِ فَأَرَدْت نَفعه فَقلت خليفتنا الْمَأْمُون أَجود من السَّحَاب الحافل وَالرِّيح العاصف وَإِنِّي موفدك عَلَيْهِ فَدَعَا لي فأعطيته نجيبَاً وَنَفَقَة ثمَّ عمل أرجوزة لَطِيفَة ذَكرنِي فِيهَا فاستحسنتها وَخرج إِلَى الشَّام والمأمون ب سلغوس ثمَّ أَخْبرنِي بعد ذَلِك فَقَالَ بَينا أَنا فِي غَدَاة قُرَّة على نجيبي وَأَنا أُرِيد الْعَسْكَر إِذا أَنا بكهل على بغل فاره مَا يقر قراره وَلَا تدْرك خطاه فتلقاني مُوَاجهَة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك بِكَلَام جَهورِي وَقَالَ قف إِن شِئْت فوقفت فتضوعت مِنْهُ رَائِحَة الْمسك فَقَالَ مِمَّن أَنْت فَقلت رجل من مُضر فَقَالَ وَنحن من مُضر قَالَ ثمَّ مِمَّن قلت من تَمِيم من بني سعد فَقَالَ هيه مَا أقدمك قلت قصدت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 هَذَا الْخَلِيفَة الَّذِي مَا سَمِعت بِمثلِهِ أندى رَاحَة وَلَا أوسع ساحة وَلَا أطول باعاً وَلَا أمد يفاعَاً وَقد قصدته بِشعر يلذ على أَفْوَاه الروَاة ويحلو فِي آذان المستمعين قَالَ فأنشدنيه فمضيت وَقلت يَا رَكِيك أخْبرك بِشعر قلته فِي الْخَلِيفَة ومديح حبرته فِيهِ فَقَالَ وَمَا تَأمل مِنْهُ قلت إِن كَانَ على مَا ذكر لي فألف دِينَار قَالَ فَأَنا أُعْطِيك ألف دِينَار إِن رَأَيْت الشّعْر جيدَاً وَمَتى تصل إِلَيْهِ وَبَيْنك وَبَينه عشرُون ألف رامح ونابل فَقلت لَهُ أَمَعَك مَال قَالَ بغلي هَذَا خير من ألف دِينَار أنزل لَك عَن ظَهره فَقلت مَا يُسَاوِي هَذَا الْبَغْل هَذَا النجيب فَقَالَ دع عَنْك هَذَا وَلَك الله أَن أُعْطِيك ألف دِينَار فَأَنْشَدته الأرجوزة وَقلت // (من الرجز) // (مَأمُونُ يَا ذَا المِنَنِ الشَّرِيفَهْ ... وَصَاحِبَ المَرْتَبَةِ المُنِيفَهْ) (وَقَائِدَ الْكَتِيبََةِ الْكَثِيفَهْ ... هَلْ لَكَ فِي أُرْجُوزَةٍ ظَرِيفَهْ) (أظْرَفَ مِنْ فِقهِ أبِي حَنِيفَهْ ... لاَ وَالَّذِي أَنْتَ لَهُ خَلِيفَهْ) (مَا ظَلَمَتْ فِي أَرْضِنَا عَفِيفَهْ ... أَميرنَا مُؤْنَتُهُ خَفِيفَهْ) (ومَا اجْتَنَي شَيْئًا سِوَى الوَظِيفَهْ ... فَالذَّئْبُ وَالنَّعْجَةُ فِبي سَقِيفَهْ) (وَاللِّصُّ وَالتَّاجِرُ فٍ ي قَطِيفَهْ ... ) قَالَ فوَاللَّه مَا أتممتها حَتَّى غشينا زهاء عشرَة آلَاف فَارس قد سدوا الْأُفق يَقُولُونَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فأخذني شبه جُنُون فَنظر إِلَيّ وَقَالَ لَا بَأْس عَلَيْك قلت أمعذري أَنْت قَالَ نعم ثمَّ الْتفت إِلَى خَادِم وَقَالَ أعْطِيه مَا مَعَك فَأخْرج كيساً فِيهِ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار ذَهَبا وَقَالَ هاك سَلام عَلَيْك وَمضى وَرجعت إِلَى بلدي مَسْرُورا فِي المسامرة لِابْنِ عَرَبِيّ أشرف الْمَأْمُون من قصره فَرَأى رجلا قَائِما وَبِيَدِهِ فَحْمَة وَهُوَ يكْتب بهَا على حَائِط قصره فَأمر الْمَأْمُون بعض خدمه أَن يذهب إِلَيْهِ فَينْظر مَا كتب ويأتيه بِهِ فبادر الْخَادِم إِلَى الرجل مسرعاً وَقبض عَلَيْهِ وَتَأمل الْكتاب وَإِذا هُوَ // (من الْبَسِيط) // (يَا قَصْرُ جُمِّعَ فيكَ الشُّؤْم واللُّومُ ... متَى تُعَشِّشُ فِي أَرْجَائِكَ البُومُ) (يَوْمَ تُعَشِّشُ فيكَ البُومُ مِنْ فرَحِي ... أَكُونُ أَّولَ منْ يرْعَاك مَرْغُومُ) ثمَّ إِن الْخَادِم قَالَ للرجل أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ سَأَلتك بِاللَّه لَا تذْهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 بِي إِلَيْهِ فَقَالَ الْخَادِم لَا بُد من ذَلِك فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ أعلمهُ الْخَادِم بِمَا كتبه فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون وَيلك مَا حملك على هَذَا قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه لن يخفي عَلَيْك مَا حواه قصرك من خَزَائِن الْأَمْوَال والحلي وَالْحلَل وَالطَّعَام وَالشرَاب والقرش والأواني والأمتعة والجواري والخدم وَغير ذَلِك مِمَّا يقصر عَنهُ وصفي ويعجز عَنهُ فهمي وَإِنِّي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قّد مَرَرْت عَلَيْهِ الْآن وَأَنا فِي غَايَة الْجُوع والفاقة فوقفت مفكرَاً فِي أَمْرِي وَقلت فِي نَفسِي هَذَا الْقصر عَامر عَال وَأَنا جَائِع وَلَا فَائِدَة لي فِيهِ وَلَو كَانَ خرابَاً وَأَنا مَرَرْت بِهِ لم أعدم مِنْهُ رخامة أَو خَشَبَة أَو مسمارَاً أبيعه وأتقوت بِثمنِهِ أَوَ مَا علم أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا قَالَ الشَّاعِر فَقَالَ الْمَأْمُون وَمَا قَالَ الشَّاعِر فَقَالَ قَالَ // (من الطَّوِيل) // (إِذَا لم يَكُنْ للمَرْءِ فِي دولِة اٌ مْرِئٍ ... نصيبٌ وَلاَ حَظٌّ تَمَنَّى زَوَالَها) (وَمَا ذَاكَ مِنْ بُغْضٍ لَهَا غَيْرَ أَنَّهُ ... يُرَجِّى سِوَاها فَهْوَ يهوى زَوَالَهَا) فَقَالَ الْمَأْمُون يَا غُلَام أعْطه ألف دِينَار ثمَّ قَالَ هِيَ لَك كل سنة مَا دَامَ قَصرنَا عامرَاً بأَهْله وَفِي مثل هَذَا الْمَعْنى قَالَ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) // (إِذَا لاكنتَ فِي أَمْرٍ فَكُنْ فِيهِ مُحْسِنًا ... فَعَمَّا قَليلٍ أَنْتَ مَاضٍ وَتَارِكُهْ) (وَكَمْ دَحَتِ ألأَيَّامُ أربابَ دَوْلَةٍ ... وَقَدْ ملكُوا أضعافَ مَا أَنْتَ مَالِكُهْ) كَانَت مُدَّة خِلَافَته عشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَسَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا وعمره ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَمن شعر الْمَأْمُون فِي آل الْبَيْت قَوْله // (من الوافر) // (وَكَمْ غَاو يَعَضُّ عَلَىَّ غَيْظًا ... إذَ أَدْنَيْتُ أَبْنَاءَ الوصِيِّ) (يحاولُ أنَّ نورَ الله يُطْفَى ... وَنُورُ اللَّهِ فِي حِصْنٍ أَبيِّ) (فقلتُ أَلَيسَ قدْ أَوتيتَ عِلْمًا ... وَبانَ لَكَ الرشيدُ مِن الْغَوِيِّ) (وَعُرِّفْتَ احْتِجَاجي بالمَثانِي ... وبِالمَعْقُولِ وَالْأَثرِ القَوِيِّ) (بِأَيَّةِ خلَّةٍ وبِأَيَّ مَعْنًى ... تُفَضِّلُ مُلْحِدينَ عَلَى عَلِيِّ) (عليٌّ أَعْظَمُ الثَّقَلينِ حَقًّا ... وأفضَلُهم سِوَى حَقِّ النبيِّ) رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 (خلَافَة المعتصم) أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو إِسْحَاق مُحَمَّد بن هَارُون الرشيد ولد سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وَأمه أم ولد اسْمهَا ماردة بُويِعَ بعد الْمَأْمُون بِعَهْد مِنْهُ إِلَيْهِ فِي رَابِع عشر رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَبيض أصهب اللِّحْيَة طويلها ربع الْقَامَة مشرب اللَّوْن ذَا شجاعة وهمة عالية وَقُوَّة مفرطة قَالَ نفطويه حدثت أَنه أَدخل زند رجل بَين إصبعيه فَكَسرهُ وَكَانَ يحمل ألف رَطْل فَيَمْشِي بهَا خطوَات ويفحص الدِّينَار فَيَمْحُو سكَته بِوَاحِدَة وَكَانَ أُمِّيا لَا يحسن الْكِتَابَة روى الصولي قَالَ كَانَ للمعتصم غُلَام فِي الْكتاب يتَعَلَّم مَعَه فَمَاتَ ذَلِك الْغُلَام فَقَالَ لَهُ الرشيد أَبوهُ مَاتَ غلامك قَالَ نعم يَا سَيِّدي واستراح من الْكتاب فَقَالَ الرشيد لَهُ وَإِن الْكتاب ليبلغ مِنْك هَذَا دَعوه وَلَا تعلموه وَكَانَ يقْرَأ وَيكْتب قِرَاءَة وَكِتَابَة ضَعِيفَة قَالَ الْعَلامَة البهوتي ذكر أَبُو الْفضل الرياشي كتب ملك الرّوم لَعنه الله إِلَى المعتصم يتهدده فَأمر بجوابه فَلَمَّا قرئَ عَلَيْهِ الْجَواب لم يرضه وَقَالَ لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما بعد فقد قَرَأت كتابك وفهمت خطابك وَالْجَوَاب مَا ترى لَا مَا تسمع وَسَيعْلَمُ الْكَافِر لمن عُقبى الدَّار قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب غزا المعتصم بِلَاد الرّوم سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 فأكنى فِي الْعَدو نكاية عَظِيمَة وَنصب على عمورية المجانيق وفتحا وَقتل ثَلَاثِينَ ألف وسبى مثلهَا وَكَانَ فِي سبيه سِتُّونَ بطريقاً ثمَّ أحرقها وَهِي من أَجَل فتح وَقع فِي الْإِسْلَام وَسبب ذَلِك على مَا ذكره أهل التواريخ أَن رجلا وقف على المعتصم حَال شربه وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كنت بعمورية وَجَارِيَة من أحسن النِّسَاء أسيرة قد لطمها على وَجههَا علج فَقَالَت وامعتصماه فَقَالَ لَهَا العلج عساه أَن يَأْتِيك على خيل بلق فَلَمَّا سمع المعتصم كَلَامه أَمر بالختم على الكأس وَقَالَ وَقَرَابَتِي من رَسُول الله لَا شربته حَتَّى أغزوه فأنتقذها ثمَّ استجاش وَسَار إِلَيْهِ على الْخَيل البلق كَمَا قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ وَلما تجهز المعتصم لفتح عمورية حكم المنجون أَن ذَلِك الْوَقْت طالع نحس وَأَنه يكسر فَكَانَ من ظفره وَنَصره مَا لم يخف فَقَالَ فِي ذَلِك أَبُو تَمام الطَّائِي حبيب بن أَوْس قصيدته البديعة البائية وَهِي من // (الْبَسِيط) // (أَلسَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْباءً مِنَ الكُتُبِ ... فِي حَدِّه الحَدُّ بَين الجِدِّ واللعِبِ) (بِيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِفِ فِي ... مُتُونِهِنَّ جَلاَءُ الشَّكِّ والرِّيَبِ) (والعْلِمُ فِي شُهُبِِ الأَرْماحِ لاَمِعةً ... بَين الخَمِيسَينِ لاَ فِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ) (أَيْنَ ألرِّوَايَةُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا ... صَاغُوهُ مِنْ زُخْرُفٍ فِيهَا وَمِنْ كذِبِ) (تخَرُّصًا وَأَحَادِيثًا مُلَفَّقَةً ... لِيْسَتْ بِنَبع إِذَا عُدَّتْ وَلا غَرَبِ) (عَجَائِبًا زَعَمُوا الْأَيَّامَ مُجْفِلَةً ... عَنْهُنَّ فِي صَفَر الْأَصْفَارِ أَوْ رَجَبِ) ) وَخَوَّفُوا النَّاسَ مِنْ دَهْيَاءَ مظْلِمَةٍ ... إِذَا بدا الكَوْكَبُ الغَرْبِيُّ ذُو الذَّنَبِ) (وَصَيَّروا الأَبْرُجَ العلْيَا مُرتبةً ... مَا كَانَ مُنْقَلِبًا أَوْ غيرَ مُنْقَلِبِ) (يَقْضُونَ بالْأَمْرِ عَنْهَا وَهْي غاَفِلَةٌ ... مَا دَارَ فِي فَلَكٍ مِنْهَا وفِي قُطُبِ) (لوْ بَيَّنَتْ قَطُّ أمْرًا قَبْلَ مَوْقِعِهِ ... لَمْ تُخْفِ مَا حَلَّ بالأَوْثَانِ وَالصُّلُبِ) (فَتْح الفُتُوح تَعَالَى أَنْ يُحِيطَ بِهِ ... نَظْمٌ مِنَ الشِّعْرِ أَوْ نثْرٌ مِِنَ الخُطَبِ) (فَتْحٌ تَفَتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لِهُ ... وَتَبْرُزُ الأَرْضُ فِي أَثْوابِهَا القُشُبِ) (يَا يَوْمَ وَقْعَةِ عَمُّورِيَّةَ انْصَرفَتْ ... مِنْكَ المُنَى حُفَّلاً مَعْسُولَةَ الَحلب) (أَبْقَيْتَ جَدَّ بَنى الإِسَلاَمِ فِي صَعَدٍ ... والمُشْرِكِينَ وَدَارَ الحَرْبِ فِي صَبَبِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 (أُمٌّ لَهُمْ لوْ رَجَوْا أَن تُفْتدَى جَعَلُوا ... فِدًى لَهَا كلَّ أمِِّ بَرَّةٍ وَأَبِ) (وَبرْزَةُ الوَجْهِ قَدْ أَعْيتْ رِِيَاضَتُها ... كِسْرَى وَصَدَّتْ صُدودًا عَن أبي كَرِبِ) (بِكْرٌ فَمَا افْتَرَعَتْهَا كَفُّ حَادِثَةٍ ... وَلاَ ترقَّتْ إِليها هِمَّةُ النُّوبِ) (مِنْ عَهْد إِسكندرٍ أَوْ قبلَ ذلكَ قَدْ ... شَابَتْ نَوَاصِي اللَّيَاليِ وَهْيَ لَمْ تَشِبِ) (حَتّى إِذَا مَخَّضَ الله السِّنين لَها ... مَخْضَ الحَلِيبَةِ كَانتْ زُبْدَة الحِقَبِ) (أَتتْهُمُ الكُرْبَةُ السَّوْدَاءُ سَادِرَةً ... مِنها وَكانَ اسْمُهَا فَرَّاجَةَ الكُرَبِ) (جَرَى لَهَا الفَأْلُ نحْسًا يوْمَ أَنْقرَةِ ... إِذْ غُودِرَتْ وَحْشَةَ السَّاحَاتِ وَالرحَبِ) (لمَّا رَأَتْ أُخَها بالأَمْسِ قَدْ خَرِبَتْ ... كَانَ الخَرَابُ لهَا أَعْدَى مِنَ الجرَبِ) (كَمْ بينَ حِيطانِها مِنْ فارِسٍ بَطَل ... قَانِي الذَّوائِبِ مِنْ آنِي دَم سَرِبِ) (بسُنَّةِ السَّيفِ والخَطِّىِّ مِنْ دَمِهِ ... لاَ سُنَّةِ الدِّينِ والإِسْلاَمِ مُخْتَضِبِ) (لَقَدْ تركْتَ أَميرَ المؤْمِنِينَ بِهَا ... لِلنَّارِ يَوْمًا ذَلِيلَ الصَّخْرِ والخشَبِ) (غادرْتَ فيهمن بهِيمَ اللَّيْلِ وَهْو ضُحًى ... بِثُلَّةِ وَسْطَها صُبْحٌ مِن اللهَبِ) (حتَّى كأنَّ جَلابِيبَ الدُّجَى رَغِبَتْ ... عَنْ لونِهَا وَكأَنَّ الشَّمْسَ لم تَغِبِ) (ضوءٌ مِنَ النَّارِ والظَّلْمَاءُ عَاكِفَةٌ ... وظُلمَةٌ مِنْ دُخَانٍ فِي ضُحًى شَحِبِ) (فالشَّمْسُ طالعةٌ مِنْ ذَا وَقَدْ أَفَلتْ ... وَالّشَمْسُ وَاجِبَةٌ فِي ذَا وَلَمْ تَجِبِ) (تَكَشَّفَ الدَّهْر تَصْرِيح الغَمام لَهَا ... عَنْ يَوْمِ هيجاءَ مِنْهَا طَاهٍ ر جلبِ) (لم تَطْلُع الشَّمْسُ مِنْهُ يَوْمَ ذَاك عَلَى ... بانٍ بأَهْلٍ ولَمْ تَغْرُبْ عَلَى عَزَبِ) (مَا رَبْعُ ميَّةَ مَعْمُورًا يُطيِفُ بِهِ ... غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبًى مِنْ ربْعِهَا الخَرِبِ) (وَمَا الخُدُودُ وَإِن أُدْمِينَ من خجَلٍ ... أَشْهَى إلَى نَاظِِرِي مِنَ خَدِّها التَّرِبِ) (سَمَاجَةً غَنِيَتْ منْهَا العُيونُ بِهَا ... عَنْ كُلِّ حُسْنٍ بَدَا أَوْ مَنْظَرٍ عجَبِ) (وَحُسْنُ منقلبٍ تَبْدُو عَوَاقِبُهُ ... جَاءَتْ بَشَاشَتُهُ عَنْ سُوءِ مُنْقَلَبِ) (تَدْبِيرُ مُعْتصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِم ... للِهِ مُرْتَقِبٍ فِي اللَّهِ مُرْتَغِبِ) (ومُطعمِ النَّصْلِ لم تَكْهَمْ أَسِنَّتُهُ ... يَوْمًا وَلَا حُجِبَتْ عَن رُوح مُحتْجِبِ) (لم يَرْمِ قومَاً وَلَم يَنْهَدْ إلِى بَلَدٍ ... إِلاَّ تَقَدَّمَهُ جَيْشٌ مِنَ الرُّعُبِ) (لَوْ لَمْ يَقُدْ جَحْفَلاً يَوْمَ الوَغَى لَغدَا ... مِنْ نفسِهِ وَحْدَهَا فِي جَحْفَلٍ لجبِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 (رَمى بِكَ اللَّهُ بُرْجَيْهَا فهَدَّمَهَا ... وَلو رَمَى بِكَ غيْرُ اللَّهِ لمْ يُصِبِ) (مِنْ بَعْدِ مَا أَشَّبوهَا واثقِينَ بِها ... واللَّهُ مِفْتَاحُ بَاب المَعْقلِ الأَشِبِ) (وَقَالَ ذُو أَمْرِهم لاَ مَرْتَعٌ صّدَدٌ ... لِلسَّارِحِينَ ولَيْسَ الوِرْدُ عنْ كثَبِ) (أَمَنِيًا سَلَبتْهُمْ نُجْحَ هَاجِسِهَا ... ظُبَي السُّيوفِ وَأطْرَافُ القَنَا السُّلُبِ) (إِِنَّ ألحمامَينِ مِنْ بِيضٍ ومِنْ سُمُرٍ ... دَلْوَا الحَيَاتينِ مِنْ مَاءٍ وَمِنْ عُشُبِ) (لَبَّيْتَ صَوْتًا زِبطْرِيًّا هرَقْت لَهُ ... كَأْسَ الكرَا ورُضَابَ الخُرَّدِ العُرُبِ) (عَدَاكَ حَرُّ الثُّغُورِ المُستُضَامَةِ عَنْ ... بَرْدِ الثُّغُورِ وَعَنْ سَلْسَالِهَا الحَصِبِ) (أَجبْتَهُ مُعْلِنًا بالسَّيْفَ مُنْصَلِتًا ... وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لم تُجِبِ) (حَتَّى تَرَكْتَ عَمُودَ الشِّرْك مُنْعَفِرًا ... ولَمْ تُعَرِّجْ عَلَى الأَوْتَادِ والطُّنُبِ) (لَّما رَأَى الحَرْبَ رَأْى العَينِ نُوفَلِسٌ ... والحَرْبُ مُشْتَقَّةُ الْمَعْنى مِِنَ الحرَبِ) (غَدَا يُصَرِّفُ بالأمْوالِ خِزْيَتَهَا ... فَعَزَّهُ البَحْرُ ذُو التَّيَّارِ والعَببِ) (هَيْهَاتَ زُعْزِعَتِ الأَرْضُ الوَقُورُ بِهِ ... عَنْ غَزْوِ مُحْتَسِبٍ لَا غَزْوِ مُكْتَسِبِ) (لَمْ يُنْفِقِ الذَّهَبَ المُرْبِى بِكَثْرَتِهِ ... عَلَى الحصَى وَبِهِ فَقْرٌ إلَى الذَّهَبِ) (إِنَّ الأُسُودَ أُسود الغَابِ هِمَّتُها ... يَوْمَ الكرِيهةِ فِي المسْلُوبِ لاَ السَّلبِ) (ولَّى وقدْ ألْجَمَ الخَطِّيُّ مَنْطِقَهُ ... بِسَكْتَةٍ تحتهَا الأَحْشَاءُ فِي صَخبِ) (أَحْذَى قَرَابينَهُ صرْفَ الرَّدى وَمَضَى ... يَحُثُّ أَنْجَى مَطَايَاهُ مِنَ الهربِ) (مُوَكَّلاَ بِيَفَاع الأرْضِ يُشْرِفُهُ ... مِنْ خِفَّةِ الخَوْفِ لاَ من خِفَّة الطَّرَبِ) (إِن يعْدُ من حرِّهَا عَدْوَ الظَّلِيمِ فَقَدْ ... أَوْسَعْت جَاحِمَهاَ مِنْ كَثْرَةِ الحَطَبِ) (تِسْعُون أَلفًا كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ ... جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التِّينِ وَالعِنَبِ) (يَا رُبَّ حَوْبَاءَ لمَّا اجْتُثَّ دَابِرُهُمْ ... طَابتْ وَلَوُضمِّخَتْ بِالمِسْكِ لَمْ تطِبِ) (وَمُغْضَبٍ رَجَعَتْ بيضُ السُّيوفِِ بِهِ ... حَيَّ الرِّضَا عَنْ رَدَاهُمْ مَيِِّتَ الغَضَبِ) (وَالحَرْبُ قَائِمةٌ فِي مَأْزِقٍ لَجِبٍ ... تَجْثُو الرِّجَالُ بِهِ صُغْرًا عَلَى الرُّكَبِ) (كَمْ نِيلَ تَحْتَ سَنَاهَا مِنْ سَنَا قَمَرٍ ... وَتَحْتَ عَارِضِهَا مِنَ عارِضٍ شَنِبِ) (كم كَانَ فِي قَطْعِ أسْبَابِ الرِّقَابِ بِها ... إِلَى المُخَدَّرةِ العَذْرَاء مِنْ سبَبِ) (كم أَحْرَزَتْ قُضُبَ الهنْدِيِّ مُصْلَتَةً ... تَهْتَزُّ من قُضُبٍ تَهْتَزُّ فِي كُثُبِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 (بِيضٌ إِذَا انْتُضِيَتْ منْ حُجْبِهَا رَجَعَتْ ... أَحَقَّ بِالبِيضِ أَبْدَانًا مِنَ الحُجُبِ) (خليفةُ اللَّهُ جَازَى اللَّه سَعْيَكَ عَنْ ... جُرْثُومَةِ الدِّينِ وَالْإِسْلاَمِ والحَسَبِ) (بَصُرْتَ بِالرَّاحَةِ الكُبْرَى فَلمْ تَرَهَا ... تُنَالُ إِلاَّ عَلَى جِسْرٍ مِنَ التَّعَبِ) (أِنْ كَانَ بَيْنَ صُرُوفِ الدَّهْرِ مِنْ رَحِمٍ ... مَوْصُولَةٍ وَذِمَامٍ غَيْرِ مُنْقَضِبِ) (فَبَيْنَ أَيَّامِكَ اللاَّئيِ نُصِرْتَ بهَا ... وَبَيْنَ أَيَّام بَدْرٍ أَقْرَبُ النَّسَبِ) (أَبْقَتْ بَنِي الْأَصْفر المُصْفَرِّ كَاسْمهِمُ ... صُفْرَ الوُجُوهِ وَجَلَّتْ أوْجُهَ العَرَبِ) وَكَانَ يُقَال لَهُ الْمُثمن فَإِنَّهُ ثامن الْخُلَفَاء من بني الْعَبَّاس وَملك ثَمَان سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَفتح ثَمَان فتوحات وَخلف من الذَّهَب ثَمَانِيَة آلَاف ألف دِينَار وَمن الدَّرَاهِم ثَمَانِيَة عشر ألف ألف وَمن الْخَيل ثَمَانِينَ ألفا وَثَمَانِية آلَاف مَمْلُوك وَثَمَانِية آلَاف جَارِيَة وَبنى ثَمَانِيَة قُصُور وَكَانَ عدد غلمانه التّرْك ثَمَانِيَة عشر ألفا وَولد فِي شعْبَان وَهُوَ ثامن شهور السّنة وَخلف ثَمَانِيَة ذُكُور وثمان إناث وَتُوفِّي وعمره ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة وَعَن أَحْمد بن بِي دؤاد قل كَانَ المعتصم يخرج ساعده إليّ فَيَقُول يَا أَبَا عبد الله عض ساعدي بأكبر قوتك فَأَقُول لَا تطيب نَفسِي فَيَقُول إِنَّه لَا يضرني فأروم ذَلِك فَإِذا هُوَ لَا تعْمل فِيهِ الأسنة فضلا عَن الْأَسْنَان وَانْصَرف يَوْمًا من دَار الْمَأْمُون إِلَى دَاره وَكَانَ شَارِع لميدان منتظماً بالخيام فِيهَا الْجند فَإِذا امْرَأَة تبْكي وَتقول ابْني ابْني وَإِذا بعض الْجند أَخذ ابْنهَا فَدَعَاهُ المعتصم وَأمره برد ابْنهَا عَلَيْهَا فَأبى فاستدناه فَدَنَا مِنْهُ فَقبض الْجند عَلَيْهِ بِيَدِهِ فَسمِعت أصوات عِظَامه ثمَّ أطلقهُ فَسقط مَيتا وَأمر بِإِخْرَاج الصَّبِي إِلَى أمه وَنقل أَنه حَال محاصرته لعمورية أصبح ذَلِك الْيَوْم برد عَظِيم وثلج فَلم يقدر أحد أَن يخرج يَده وَلَا أَن يمسك قوسه فأوتر المعتصم فِي ذَلِك الْيَوْم فَوق أَرْبَعَة آلَاف قَوس أخبر إِبْرَاهِيم بن عبد السَّلَام عَن الْحُسَيْن بن الضَّحَّاك قَالَ دخلت أَنا وَمُحَمّد بن عَمْرو الرُّومِي دَار المعتصم فَخرج علينا كالحا فَدخل إيتاخ مَمْلُوك فَقَالَ الملهون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 على الْبَاب مُخَارق وعلويه وَفُلَان وَفُلَان فَقَالَ اغرب عَلَيْك وَعَلَيْهِم لعنة الله قَالَ فتبسمت إِلَى مُحَمَّد وَتَبَسم إِلَيّ فَقَالَ المعتصم مِم تبسمت فَقلت خطر ببالي شَيْء قَالَ هاته فَأَنْشَدته من // (مجزوء الْخَفِيف) // (إِنْفِ عنْ قَلْبِكَ الحَزَنْ ... بِدُنُوِّ مِنَ السَّكَنْ) (وَتَمَتَّعْ بِكَرِّ طَرْفِكَ ... فِي وَجْهِهِ الحَسَنْ) فَدَعَا لي بِأَلف دِينَار ولمحمد بِأَلف فَقلت الشّعْر لي فَمَا معنى ألف مُحَمَّد قَالَ لِأَنَّهُ جَاءَ مَعَك وَأمر المهلين بِالدُّخُولِ فَدَخَلُوا فَمَا زَالَ يَوْمه ذَاك ينشد ذَلِك الشّعْر ويردده انْتهى قَالَ أَبُو العيناء أَنْشدني المعتصم عقب ذكر جرى لبغداد من // (المتقارب) // (سَقاَنِي بَِعَيْنَيْهِ كَأْسَ الهوَى ... فَظَلْتُ وَبِي مِنْهُ مِتْلَ اللِّمَمْ) (بِعَيْنَىْ مَهَاةٍ شَقِيقِيَّةٍ ... وَأَشْنَبَ عَذْبٍ وَفَرْعٍ أَجَمّ) قَالَ أَبُو العيناء فتوهمت أَنه يَعْنِي سر من رأى ويكنى عَنْهَا بذلك فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مَرْوَان فِي جدك من // (الرجز) //) قُرَيْش الْأَبْلَجُ ذُو البَهَاءِ ... ) (غَيْثُ العُفَاةِ غُرَرُ الأَنْوَاءِ ... ) (هُمُ زِمامُ الدَّوْلَةِ الزَّهْرَاءِ ... ) قَالَ قل يَا أَبَا عبد الله فِي مدح بني هَاشم لَك أَو لغيرك فقد أصبت مقَالا فأنشدت لمروان بن أبي حَفْصَة من // (المتقارب) // (إِلَى ملِكٍ مِثْلِ بَدْرِ الدُّجَى ... عَطِيمِ الفِنَاءِ رَفِيعِ الدِّعَمْ) (قَرِيعِ نِزَارٍ غدَاةَ الْفَخَارِ ... وَلوْ شِئْت قُلْتَ جَمِيع الْأَمَمْ) (لَهُ كَفُّ جُودٍ تُقِيدُ الغِنَي ... وَكفٌّ تُبِيدُ بِسَيْفِ النِّقَمْ) فَقَالَ زِدْنِي فَأَنْشَدته // (من الرجز) // (يَا قُطُبَ الرَّحْرَاحَةِ الملْحاءِ ... ) (ومنْزلَ البَدْرِ مِن السَّماءِ ... ) (وَالْمُجْتَدَى فِي السَّنَةِ الْعَجْفَاءِ ... ) فَقَالَ حَسبك ثمَّ الْتفت إِلَى جَارِيَة بَين يَدَيْهِ فَقَالَ عشر بدر ووصيفة وَفرس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 ومملوك وَخَمْسُونَ ثوبا من السَّاعَة فجيء بِهَذَا كُله فَأَخَذته وانصرفت فَقَالَ النَّاس يَا أَبَا العيناء مَا هَذَا قلت مَال الله على يَد عبد الله لله الْحَمد ولأمير الْمُؤمنِينَ الشُّكْر مَا دَامَت السَّمَاء وَمَا حملت مثقلة إِلَى السَّمَاء وَعَن ابْن أبي دؤاد قَالَ أرسل المعتصم إِلَى مَمْلُوك لَهُ تركي مقدم العساكر كَانَ يتَعَلَّق على الْآدَاب فَطلب مِنْهُ كلب صيد فَوجه بِهِ إِلَيْهِ ثمَّ رده المعتصم بعد رُجُوعه من الصَّيْد وَهُوَ يعرج فَكتب أشناس إِلَى المعتصم بقوله (الْكَلْب أخذت جيد ... مكسور رجل جبت) (رد جيد كَمَا كنت كلب أخذت ... ) فَكتب إِلَيْهِ المعتصم من جنس شعر (الْكَلْب كَانَ يعرج يَوْم الَّذِي بعثت ... لَو كَانَ جا مجبر) (جبر رجل كلب أَنْت ... ) فَللَّه مَا أحلم المعتصم وألطف طبعه قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ كَانَ المعتصم من أهيب الْخُلَفَاء وأعظمهم لَوْلَا مَا شان سؤدده بامتحان الْعلمَاء بِخلق الْقُرْآن فنسأل الله السَّلامَة وَهُوَ أول من أَدخل الأتراك الدِّيوَان وَقَالَ عَليّ بن المنجم استتمت عدَّة غلْمَان المعتصم الأتراك بضعَة عشر ألفَاً وعلق لَهُ خَمْسُونَ ألف مخلاة وَذَلِكَ لِلْعَدو بالنواحي وَكَانَ يتشبه بملوك الْأَعَاجِم سمتا ومشية هجاه دعبل الخزعي بقوله // (من الطَّوِيل) // (مُلُوكُ بَنِي العَبَّاسِ فِي الكُتْبِ سبْعَةٌ ... وَلَمْ تَأْتِنَا فِي ثامِنٍ لهُمُ الكُتْبُ) (كَذَلِكَ أَهْلُ الكَهْفَ فِي الكهفِ سَبْعَةٌ ... غَدَاةَ ثَوَوْا فِيهِ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُ) (وَإِنّي لَأُعْلِي كَلْبَهُمْ عَنْكَ رَغْبَةً ... لِأَنَّكَ ذُو ذَنْبٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 ) لَقَدْ ضَاعَ أأمْرُ الناسِ حِينَ يسوسُهُمْ ... وَصبفٌ وَأَشْناسٌ وَقَدْ عظُمَ الخطْبُ) ) وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تُرَى مِنْ مَغِيبِها ... مَطالِعُ شَمْسِ قَدْ يَغَصُّ بِهَاالشَّرْبُ) ) وَهَمُّك تُرْكِيُّ عَلَيْهِ مَهَابَةٌ ... فَأَنْتَ لَهُ أُمُّ وَأَنْتَ لَهُ أَبُّ) فتطلبه المعتصم فخاف وهرب حَتَّى قدم مصر ثمَّ خرج إِلَى الْمغرب أخرج الصولي عَن الْفضل اليزيدي قَالَ وَجه المعتصم إِلَى الشُّعَرَاء بِبَابِهِ من كَانَ مِنْكُم يحسن أَن يَقُول فِينَا قَالَ مَنْصُور النميري فِي الرشيد // (من الْبَسِيط) //) إنَّ المَكارِمَ وَالمعْرُوفَ أَوْدِيةٌ ... أَحَلَّكَ الله مِنْها حيْثُ تَجْتَمِعُ) ) مَنْ لمْ يَكُنْ بِأَمِيرِ اللَّهِ مُعْتَصِمًا ... فَليْسَ بِالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَنْتَفِعُ) ) إِن أخْلِفَ القَطْرُ لَمْ تُخْلَفْ فَوَاضِلُهُ ... أَوْ ضَاقَ أَمْرٌ ذَكَرْنَاهُ فيَتَّسِعُ) فَقَالَ أَبُو وهب فِينَا من يَقُول خيرا مِنْهُ فِيك // (من الْبَسِيط) //) ثَلاَثَةٌ تُشْرِقُ الدُّنْيَا ببَهْجَتِهَا ... شَمْسُ الُّحى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَمَرُ) ) يَحْكِى أَفَاعِيلَهُ فِي كُلَّ نَائِبَةٍ ... أَللَّيْثُ والغَيْثُ وَالصّمْصَامَةُ الذَّكَرُ) فأسنى جائزته وروى الصولي عَن أَحْمد بن الخصيب قَالَ قَالَ لي المعتصم إِن بني أُميَّة ملكوا وَمَا لأحد منا ملك وملكنا نَحن وَلَهُم بالأندلس هَذَا الْأمَوِي فَقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لمحاربته وَشرع فِي ذَلِك فاشتدت علته وَمَات وي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بنى المعتصم سر من رأى لِكَثْرَة عسكره وضيق بَغْدَاد عَلَيْهِ وانتقل إِلَيْهَا وسكنها بعسكره وَسميت الْعَسْكَر وَفِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ احْتجم المعتصم فَحم فَمَاتَ قَالَ عَليّ بن الْجَعْد لما احْتضرَ جعل يَقُول أؤخذ من بَين هَذَا الْخلق ذهبت الْحِيلَة فَلَيْسَ حلية حَتَّى صمت وَمن كَلَامه إِذا اشتعلت الْأَلْبَاب بالآداب والعقول بالتعليم انْتَبَهت النُّفُوس على مَحْمُود أمرهَا وأبرز التحريك حقائقها وَكَانَ يَقُول عَاقل مرَّتَيْنِ أَحمَق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 وَتُوفِّي يَوْم الْخَمِيس لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من ربيع الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وعمره ثَمَان وأرِبعون سنة وَثَمَانِية أَيَّام وَمن أحسن مَا سمع مِنْهُ قَوْله إِن صَحَّ عَنهُ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي أخافك من قِبَلي وَلَا أخافك من قبلك وأرجوك من قبلك وَلَا أرجوك من قبلي رَحمَه الله تَعَالَى وَلما مَاتَ المعتصم رثاه وزيره مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات جَامعا بَين لعزاء والهناء فَقَالَ // (من المنسرح) // (قَدْ قُلْتُ إِذَ غَيَّبُوكَ واصْطَفَقَتْ ... عَلَيْكَ أَيْدٍ بِالتُّرْبِ وَالطِّينِ) (إِذْهَبْ فَنِعْمَ الحْفِيظُ كُنْتَ عَلَى الدُّنْيَا وَنِعْمَ الظَّهِرُ للِدِّينِ) (مَا يَجْبُرُ اللَّهُ أَمَّةً فَقَدَتْ ... مِثْلَكَ إِلاَّ بِمِثْلِ هَارُونِ) (خلَافَة الواثق بِاللَّه) هَارُون بن أبي إِسْحَاق مُحَمَّد المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور بُويِعَ بالخلافة ب سر من رأى بِمَوْت أَبِيه المعتصم فاستقر الْأَمر لَهُ بِبَغْدَاد وَغَيرهَا ولد لعشرِ بَقينَ من الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة وَفِي المسامرة بُويِعَ فِي تَاسِع ربيع الأول يَوْم الْخَمِيس لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ أمه أم ولد اسْمهَا قَرَاطِيس كَانَ أَبيض حسن الخيم فِي عينه الْيُمْنَى نُكْتَة بَيَاض وَلم ولي قتل أَحْمد بن نصر الْخُزَاعِيّ على القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَنصب رَأسه الشرق فدار إِلَى الْقبْلَة فَأقْعدَ رجلا مَعَه رمح أَو قَصَبَة وَأمره أَن يرد الرَّأْس كلما دَار إِلَى الْقبْلَة إِلَى الشرق ورؤى فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي ورحمني إِلَّا أَنِّي كنت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 مهموما رَأَيْت النَّبِي مرَّتَيْنِ معرضًا عني بِوَجْهِهِ فغمني ذَلِك ثمَّ رَأَيْته مرّة ثْالثه فَقلت يَا رَسُول اللِّه ألستُ على الْحق فَلم تعرض عني قَالَ بلَى وَلَكِنِّي أَعرَضت عَنْك حَيَاء إِذْ قَتلك رجل من أهل بَيْتِي وروى البغداي أَن طَاهِر بن خلف قَالَ سَمِعت مُحَمَّدًا الملقب بالمهتدي بن الواثق يَقُول كنت عِنْد أبي الواثق إِذْ أَتَى بِرَجُل مَحْصُور مُقَيّد فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَا سلم الله عَلَيْك فَقَالَ بئْسَمَا أدبك بِهِ من أدبك قَالَ تَعَالَى {وَإذَا حُيّيتمُ بِتَحِيَّة فَحَيّوا بأحسَنَ منهَا أَو رُدُّوهَا} النِّسَاء 86 وَالله مَا حييتني بِأَحْسَن مِنْهَا وَلَا رَددتهَا فَقَالَ لَهُ أبي وَعَلَيْك السَّلَام فَقَالَ ابْن أبي دؤاد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الرجل مُتَكَلم فَقَالَ كَلمه وسله فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا مَحْبُوس مُقَيّد أُصَلِّي فِي الْحَبْس بِتَيَمُّم منعت المَاء فَمر بقيودي تحل وَمر لي بِمَاء أتطهر بِهِ فأصلي ثمَّ سل فَأمر لَهُ بِمَاء فَتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ قَالَ لِابْنِ أبي دؤاد سَله فَقَالَ الشَّيْخ الْمَسْأَلَة لي فمره أَن يجيبني فَقَالَ سل فَأقبل الشَّيْخ على ابْن أبي دؤاد فَقَالَ أَخْبرنِي عَن هَذَا الْأَمر الَّذِي تَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ أَشَيْء دَعَا إِلَيْهِ رَسُول الله قَالَ لَا قَالَ فشيء دَعَا إِلَيْهِ أَبُو بكر بعده قَالَ لَا قَالَ فشيء دَعَا إِلَيْهِ عمر بن الْخطاب قَالَ لَا قَالَ فشيء دَعَا إِلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ لَا قَالَ الشَّيْخ فشيء دَعَا إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب قَالَ لَا قَالَ الشَّيْخ فشيء لم يدع إِلَيْهِ رَسُول الله وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر وَلَا عُثْمَان وَلَا عَليّ تَدْعُو إِلَيْهِ أَنْت أَيهَا الْإِنْسَان لَيْسَ يَخْلُو أَن تَقول علموه أَو جهلوه فَإِن قلت علموه وسكتوا عَنهُ وسعنا وَإِيَّاك من السُّكُوت مَا وسع الْقَوْم وَإِن قلت جهلوه وعلمته أَنْت فيا لكع ابْن لكع يجهل النَّبِي وَالْخُلَفَاء الراشدون شَيْئا وتعلمه أَنْت وَأَصْحَابك قَالَ الْمُهْتَدي بن الواثق فَرَأَيْت أبي وثب قَائِما وَدخل الْخلْوَة وَجعل ثَوْبه فِي فِيهِ يضْحك ثمَّ جعل يَقُول صدق لَيْسَ يَخْلُو من أَن يَقُول علموه أَو جهلوه فَإِن قَالَ علموه وسكتوا وسعنا مَا وسع الْقَوْم جزما قَالَ الْمُهْتَدي ثمَّ دَعَا أبي عماراً الْحَاجِب وَأمره أَن يُعْطي الشَّيْخ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَيَأْذَن لَهُ فِي الرُّجُوع إِلَى وَطنه وَأَهله وَسقط من عينه ابْن أبي دؤاد وَلم يمْتَحن بعد ذَلِك أحدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 وَالشَّيْخ الْمَذْكُور هُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ شيخ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي حليته قَالَ الْمُهْتَدي مَا قطع أبي يَعْنِي الواثق إِلَّا شَيخٌ جِيءَ بِهِ من المصنعة فَمَكثَ فِي الْحَبْس مُدَّة ثمَّ ذكر الْقِصَّة بِقرب مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَأخرج الصولي قَالَ غنى فِي مجْلِس الواثق بِشعر الأخطل // (من الْبَسِيط) // (وَشَادِنٍ فَرِحٍ بِالْكَأْسِ نَادَمنَي ... لاَ بِالحُصورِ ولاَ فِيهَا بِسوَّارِ) فَقيل سوار وسآر فَوجه إِلَى ابْن الْأَعرَابِي فسَأله عَن ذَلِك فَقَالَ سوار وثاب يَقُول وَلَا يثب على ندمائه وسآر يفضل فِي الكأس سؤراً وَقد رويا جميعَاً فَأمر الواثق لَهُ بِعشْرين ألف دِرْهَم وَفِي الذهبيي قيل رأى الواثق مناماً كَأَنَّهُ سَأَلَ الله الْجنَّة وَأَن قَائِلا يَقُول لَا يهْلك على الله إِلَّا مَن قلبه مَرتٌ فَأصْبح فَسَأَلَ الجلساء عَن ذَلِك فَلم يعرفوا مَعْنَاهُ فَوجه إِلَى أبي محلم فَسَأَلَهُ عَن الرُّؤْيَا والمرت فَقَالَ أَبُو محلم المَرت القفر الَّذِي لَا ينْبت شَيْئا فَالْمَعْنى لَا يهْلك على لله إِلَّا من قلبه خَال من الْإِيمَان خلو المرت من النَّبَات فَقَالَ لَهُ الواثق أُرِيد شَاهدا على هَذَا فَقَالَ قَالَ شَاعِر بني أَسد // (من الْبَسِيط) // (وَمَرْتٍ مَرَورَاتٍ يَحَارُ بِهَا الْقَطَا ... وَيُصْبحُ ذُو عِلْمٍ بِهَا وَهْوَ جَاهِلُ) فَأمر لَهُ الواثق بِمِائَة ألف دِينَار وَفِي ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة أبي عُثْمَان بكر الْمَازِني الْبَصْرِيّ النَّحْوِيّ شيخ الْمبرد رَوَاهَا عَن شَيْخه أبي عُثْمَان أَن رجلا من أهل الذِّمَّة قَصده لقرأ عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ ويزن لَهُ مائَة دِينَار فَامْتنعَ أَبُو عُثْمَان من ذَلِك فَقَالَ لَهُ الْمبرد تِلْمِيذه جعلت لَك الْفِدَاء أترد الْمَنْفَعَة مَعَ فاقتك فَقَالَ إِن هَذَا الْكتاب يشْتَمل على أَكثر من ثَلَاثمِائَة آيَة من كتاب الله تَعَالَى وَلست أرى أَن أمكن مِنْهُ ذِمِّيا غيرَة على كتاب الله وحمية لَهُ قَالَ فاتفق أَن جَارِيَة غنت بِحَضْرَة الواثق بقول العرجي // (من الْكَامِل) //) أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابِكُمْ رَجُلاً ... أَهْدَى السَّلاَمَ تَحِيَّةً ظُلْمُ) فَاخْتلف من بِحَضْرَتِهِ فِي إِعْرَاب رجل مِنْهُم من نَصبه على أَنه اسْم إِن وَمِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 من رَفعه على أَنه خَبَرهَا وَالْجَارِيَة مصرة على لِأَن شيخها أَبَا عُثْمَان الْمَازِني لقنها إِيَّاه بِالنّصب فَأمر الواثق بإشخاصه قَالَ أَبُو عُثْمَان فَلَمَّا مثلتُ بَين يَدَيْهِ قَالَ لي مِمَّن الرجل قلت من مَازِن قَالَ أَي الموازن أمازن تَمِيم أم مَازِن قيس أم مَازِن ربيعَة قلت من مَازِن ربيعَة فكلمني بِكَلَام قومِي فَقَالَ لي بَاسمُكَ لأَنهم يبدلون الْبَاء من الْمِيم وَالْمِيم مِنْهَا فَكرِهت أَن أواجهه بالمكر فَقلت بكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَفطن لما قصدته وأعجب بِهِ ثمَّ قَالَ مَا تَقول فِي الْبَيْت وأنشده أترفعه أم تنصبه قلت بل الْوَجْه النصب يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ قَالَ وَلم قلت لِأَن مصاب مصدر ميمي بِمَعْنى الْإِصَابَة ورجلا مَنْصُوب بِهِ وَالْمعْنَى إِن إصابتكم رجلا أهْدى السَّلَام تَحِيَّة ظلم فظلم هُوَ الْخَبَر ل إِن وَلَا يتم الْكَلَام إِلَّا بِهِ فَاسْتَحْسَنَهُ الواثق وأعجب بِهِ ثمَّ قَالَ هَل لَك من ولد قلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بنية قَالَ مَا قَالَت لَك عِنْد مسيرك قَالَ قلت أنشدت وَهِي تبْكي قَول الْأَعْشَى // (من المتقارب) // (أَيَا أَبَتَا لاَ ترِمْ عندَنَا فَإِنَّا بِخَيْرٍ إِذَا لمْ ترِمْ) (أُرَانا إِذا أَضْمَرَتْكَ البِلاَدُ ... نُجْفَى وَتُقْطعُ مِنَّا الرَّحِمْ) قَالَ الواثق فَمَا قلت لَهَا قلت قَول جرير من // (الوافر) // (ثِقِي بِاللَّهِ ليْسَ لَهُ شرِيكٌ ... وَمِنْ عِنْدِ الخلِيفَةِ بِالنَّجَاحِ) فَقَالَ عَليّ النجاح إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ أَمر لي بِأَلف دِينَار ولحف وهدايا كَثِيرَة ووهب لي الْجَارِيَة جملَة أُخْرَى وردني مكْرها قَالَ الْمبرد فَلَمَّا عَاد جِئْت لأهنئه بالقدوم فَقَالَ لي كَيفَ رَأَيْت يَا أَبَا الْعَبَّاس تركنَا لله مائَة فعوضنا ألفا فَقلت من ترك شَيْئا لله عوضه الله خيرا مِنْهُ كَانَ الواثق مؤثراً لِكَثْرَة الْجِمَاع فَقَالَ لطبيب اصْنَع لي دَوَاء للباءة فَقَالَ الطَّبِيب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تهدم بدنك بِالْجِمَاعِ وَاتَّقِ الله فِي نَفسك فَقَالَ لَا بُد من ذَلِك فَأمر الطَّبِيب أَن يُؤْخَذ لحم سبع فيغلى عَلَيْهِ سبع غليات على جمر وتتناول مِنْهُ إِذا شربت وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَلَا تتجاوز هَذَا الْقدر فَأمر بِذبح سبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 فبذبح وطبخ لَحْمه وَصَارَ يتنقل بِهِ على شرابه فَلم يكن إِلَّا قَلِيل حَتَّى استسقى فأجمع الْأَطِبَّاء على أَن لَا دَوَاء لَهُ إِلَّا أَن ينزل بَطْنه ثمَّ يتْرك فِي التَّنور قد سجر بحطب الزَّيْتُون حَتَّى يصير جمراً ثمَّ يجلس فِيهِ فَفعل بِهِ ذَلِك وَمنع المَاء ثَلَاث سَاعَات فَجعل يستغيث وَيطْلب المَاء فَلَا يسقونه فَصَارَ فِي جسده نفاطات مثل الْبِطِّيخ ثمَّ أَخْرجُوهُ فَجعل بقول ردوني لى التَّنور وَإِلَّا مت فَردُّوهُ فسكن صياحه ثمَّ انفجرت تِلْكَ النفاطات وقطر مِنْهَا مَاء فَأخْرج من التَّنور وَقد اسود جَسَد فَمَاتَ بعد سَاعَة وَلما احْتضرَ جعل يَقُول (أَلْمَوْتُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ تَشْترِكُ ... لاَ سُوقَةٌ مِنْهُمُ يَبْقَى وَلاَ ملِكُ) (مَا ضَرَّ أَهْلَ قَلِيلٍ فِي تفَاقُرِهِمْ ... وَلَيْسَ يُغْنِي عنِ الْأَمْلاَكِ مَا ملَكُوا) ثمَّ أَمر بالبسط فطويت وألصق خُذْهُ فِي الأَرْض وَجعل يَقُول يَا من لَا يَزُول ملكه ارْحَمْ من زَالَ ملكه قَالَ الذَّهَبِيّ روى عَن أَحْمد بن مُحَمَّد الواثقي أَمِير الْبَصْرَة عَن أَبِيه قَالَ كنت أَدخل فِي مرض الواثق عَلَيْهِ إِذْ لحقته غشية فَمَا شككنا أَنه مَاتَ فَقَالَ بَعْضنَا لبَعض تقدمُوا فَمَا جسر أحد فتقدمت أَنا فَلَمَّا صرت عِنْد رَأسه وَأَرَدْت أَن أَضَع يَدي على أَنفه لحقته إفاقة فَفتح عَيْنَيْهِ فكدت أَمُوت فَزعًا أَن يراني قد مشيت إِلَى غير رتبتي فَرَجَعت إِلَى خلف فتعلقت قبيعة سَيفي بالعتبة فَعَثَرَتْ على سَيفي فاندلق فكاد أَن يدْخل فِي لحمي فَسلمت وَخرجت واستدعيت بِسيف وَجئْت فوقفت سَاعَة فَتلفت الواثق تلفاً لم يشك فِيهِ فشددت لحييْهِ وغمضته وسجيته وَجَاء الفراشون فَأخذُوا مَا تَحْتَهُ ليردوه إِلَى الخزائن لِأَنَّهُ مكتتب عَلَيْهِم وَترك وَحده فِي الْبَيْت فَقَالَ لي أَحْمد بن أبي دؤاد القَاضِي إِنَّا نُرِيد أَن نتشاغل بِأَمْر الْبَيْت وَأحب أَن تحفظ إِلَى أَن يدْفن فَأَنت من أخصهم بِهِ فِي حياتيه فَرددت بَاب الْمجْلس وَجَلَست عِنْد الْبَاب فأحسست بعد سَاعَة بحركة فِي الْمجْلس أفزعتني فَدخلت فَإِذا بجرذون قد جَاءَ فاستل عينه فَقلت لَا إِلَه إِلَّا الله هَذِه الْعين الَّتِي فتحهَا من سَاعَة فاندلق سَيفي هَيْبَة لَهَا كَذَا فِي الذَّهَبِيّ والجرذون أكبر من اليربوع قَالَ يحيى بن أَكْثَم مَا أحسن أحد إِلَى آل أبي طَالب مَا أحسن إِلَيْهِم الواثق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 مَا مَاتَ وَمِنْهُم فَقير وَكَانَ عَالما شاعرَاً حاذقَاً أَكثر بني الْعَبَّاس رِوَايَة للشعر بليغَاً كَانَ يُقَاس بِعَبْد الله بن المعتز قَالَ حمدون بن إِسْمَاعِيل كَانَ الواثق يحب خَادِمًا لَهُ أهْدى إِلَيْهِ من مصر فأغضبه الواثق ثمَّ إِنَّه سَمعه يَقُول لبَعض الخدم عَن الواثق وَالله إِنَّه ليروم أَن ُأكَلِّمهُ من يَوْمَيْنِ فَلم أفعل فَقَالَ الواثق من // (الْبَسِيط) // (يَا ذَا الَّذِي بِعَذَابِي ظلَّ مُفْتَخِرَا ... مَا أَنْتَ إِلاَّ مَلِيكٌ جارَ إِذْ قَدَرَا) (لَوْلاَ الْهَوَى لتَجَارَيْنَا عَلَى قَدرٍ ... وَإِنْ أُفِق مِنْهُ يوْمًا مَا فَسَوْفَ تَرَى) وَمن شعر الواثق قَوْله // (من السَّرِيع) // (حَيَّاكَ بِالنَّرْجِسِ وَالْوَرْدِ ... مُعْتَدِل الْقَامَةِ وَالْقَدِّ) (فَأَلْهَبَتْ عَيْناهُ نَارَ الجوَى ... وَزَادَ فِي اللَّوْعَةِ وَالْوَجْدِ) (أَمَّلْتُ بِالمُلْكِ وِصَالاً لَهُ ... فصَارَ مُلْكِي سَبَبَ الْبُعْدِ) (مَوْلًى ويشْكُو الظُّلْم مِنْ عبْدَهَ ... فأَنْصِفُوا الموْلَى مِن الْعبْدِ) قَالَ الصولي أَجمعُوا على أَن لَيْسَ لأحد من الْخُلَفَاء مثل هَذِه الأبيات فِي اللَّطِيف والرقة مَاتَ ب سر من رأى يَوْم الْأَرْبَعَاء لست بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت خِلَافَته خمس سِنِين وَسِتَّة أشهر وعمره سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة وَأحد عشر شهرا وَأَرْبَعَة أَيَّام (خلَافَة المتَوَكل) جَعْفَر أَبُو الْفضل بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور بُويِعَ فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ بعد الواثق وَكَانَ أسمر اللَّوْن مليح الْعَينَيْنِ نحيف الْجِسْم خَفِيف العارضين إِلَى الْقصر أقرب أمه أم ولد تركية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 اسْمهَا شُجَاع اسْتخْلف فأظهر السّنة وَتكلم بهَا فِي مَجْلِسه وَكتب إِلَى الْآفَاق بِرَفْع المحنة بالْقَوْل بِخلق الْقُرْآن وَأظْهر السّنة وَنصر أَهلهَا وَقدم إِلَى دمشق فِي صفر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَعْجَبهُ فعزم على الْمقَام بهَا وَنقل دواوين الْملك إِلَيْهَا وَأمر بِالْبِنَاءِ بهَا وَبنى قصراً كَبِيرا ب داريه من جِهَة المزة ثمَّ رَجَعَ إِلَى سر من رأى دَار ملكه قيل إِن سَبَب ميله إِلَى دمشق أَن إِسْرَائِيل بن زَكَرِيَّا الطَّبِيب نعت لَهُ دمشق وَأَنَّهَا مُوَافقَة لمزاجه ومذهبة عَنهُ الْعِلَل الَّتِي تعرض لَهُ فِي الصَّيف بالعراق كَانَ المتَوَكل شجاعاً كَرِيمًا مَا أعْطى خَليفَة شَاعِرًا مَا أعطَاهُ المتَوَكل وَمن أَفعاله الشنيعة أَنه هدم قبر الْحُسَيْن بن عَليّ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَهدم جَمِيع مَا حوله من الدّور وَجعل مَكَانهَا مزارع وَمنع من زيارته فتألم النَّاس لذَلِك وَكتب أهل بَغْدَاد شَتمه على الْحِيطَان والمساجد وهجاه بِعْ الشُّعَرَاء بقوله من // (الْكَامِل) // (تاللَّهِ أِنْ كَانَتْ أُميَّةُ قَدْ أَتَتْ ... قَتْل ابنِ بِنْتِ نبِيها مَظْلُومَا) (فَلَقَدْ أَتَاهُ بَنُو أَبِيهِ بِمِثِلْهِ ... هَذَا لَعَمرِي قَبْرُهُ مَهْدُومَا) (أَسِفُوا عَلَى أَلاَّ يَكُونُوا شَارَكُوا ... فِي قَتْلِهِ فَتَتَبَّعُوهُ رَمِيمَا) وَهَذَا الْفِعْل السيء محا جَمِيع محاسنه وَصَارَ مَا عذب من إحسانه مغلبا بأجاجه وآسنه وعدت هَذِه الزلة أقبح فبيحة وَهَذِه الْخلَّة الشنيعة أفضح من كل فضيحة وَذكر ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة المتَوَكل عَن المتَوَكل نَفسه قَالَ ركبت إِلَى دَار الواثق أخي فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ لأعوده فَجَلَست فِي الدهليز لأنتظر الْإِذْن فَبَيْنَمَا أَنا جَالس إِذْ سَمِعت النِّيَاحَة عَلَيْهِ وَإِذا إيتاخ وَمُحَمّد بن عبد الْملك الزيات يأتمران فِي أَمْرِي فَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك نقْتل فِي التَّنور وَقَالَ إيتاخ بل ندعه فِي المَاء الْبَارِد حَتَّى يَمُوت وَلَا يرى عَلَيْهِ أثر الْقَتْل فينما هما على ذَلِك إِذْ جَاءَ أَحْمد بن أبي دؤاد القَاضِي دخل وحدثهما كلَاما لَا أفهمهُ لما داخلني من الْخَوْف وشغل الْقلب فِي إِعْمَال حِيلَة فِي الْهَرَب فينما أَنا كَذَلِك وَإِذا بالغلمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 يتغادون وَيَقُولُونَ انهض يَا مَوْلَانَا فَلم أَشك أَنِّي دَاخل لأبايع لولد الواثق ثمَّ ينفذ فِي مَا قررا فَلَمَّا دخلت بايعوني فَسَأَلت عَن الْحَال فأعلمت أَن ابْن أبي دؤاد كَانَ سَبَب ذَلِك ثمَّ إِن المتَوَكل قتل إيتاخ بِالْمَاءِ الْبَارِد وَابْن الزيات بالتنور على مَا أَشَارَ إِلَيّ فِي حَقه وَهَذَا من أعجب الِاتِّفَاق فَإِن ابْن الزيات هُوَ الَّذِي صنع التَّنور وَكَانَ يعذب بِهِ النَّاس فَعَذَّبَهُ الله بِهِ جَزَاء وفَاقا وَهُوَ من حَدِيد دَاخله مسامير وَكَانَ يسجر عَلَيْهِ بحطب الزَّيْتُون حَتَّى يصير كالجمر ثمَّ يدْخل فِيهِ الْإِنْسَان نسْأَل الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَكَانَ ابْن الزيات إِذا اسْتَغَاثَ بِهِ أحد من الرّعية فَقَالَ ارْحَمْنِي يَقُول الرَّحْمَة خور فِي الْقلب فَلَمَّا ألْقى هُوَ فِي التَّنور قَالَ للمتوكل ارْحَمْنِي فَقَالَ لَهُ الرَّحْمَة خور فِي الْقلب أَو فِي الطبيعة وَكَانَ قد حَبسه قبل أَن يدْخلهُ التَّنور أَيَّامًا فَكتب إِلَيْهِ فِي الْحَبْس بقوله من // (الْبَسِيط) // (هِيَ اليَّبِيلُ فمِنْ يَوْمٍ إِلى يوْمِ ... كَأَنَّهُ مَا تُرِيكَ العَيْن فِي النَّومِ) (لاَ تَعْجَلَنَّ رُوَيْدًا إِنّهَا دُوَلٌ ... دُنْيا تَنقَّلُ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قوْمِ) وَوَقعت فِي أَيَّامه عجائب مِنْهَا أَن النُّجُوم ماجت فِي السَّمَاء وتناثرت كَأَنَّهَا الْجَرَاد فرميت قَرْيَة السويداء بِنَاحِيَة مُضر أَحْجَار من السَّمَاء وُزن حجر مِنْهَا فَكَانَ عشرَة أَرْطَال ومار جبل بِالْيمن عَليّ مزارع ومرن إِلَى جبل آخر بَينهمَا نَحْو أَرْبَعَة أَيَّام وَوَقع طَائِر أَبيض دون الرخمة فصاح يَا معشر النَّاس اتَّقوا الله أَرْبَعِينَ مرّة وَجَاء من الْغَد فَفعل كَذَلِك فَكَتَبُوا خبر ذَلِك على الْبَرِيد إِلَى بَغْدَاد وَكَتَبُوا فِيهِ شَهَادَة خَمْسمِائَة رجل سمعُوا ذَلِك بآذانهم وَكَانَ هَذَا فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وحصلت زلازل وَغَارَتْ عُيُون مَكَّة فَأرْسل المتَوَكل مائَة ألف دِينَار ذَهَبا لإجراء عين عَرَفَات فصرفت فِيهَا إِلَى أَن جرت كَذَا ذكره السُّيُوطِيّ قَالَ الْعَلامَة النَّجْم عمر بن فَهد فِي تَارِيخه إتحاف الورى بأخبار أم الْقرى فِي حوادث سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ غارت غين مشاش وَهِي عين مَكَّة فَبلغ ثمن الْقرْبَة درهمَاً فَبعث المتَوَكل مَالا ثَانِيًا فأنفق عَلَيْهَا حَتَّى جرت قَالَ ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 الْأَثِير فِي تَارِيخه الْمُسَمّى ب الْكَامِل هَذِه الْعين من عمل زبيدة بنت جَعْفَر زَوْجَة الرشيد وَهِي عين بازان قَالَ الْعَلامَة القطبي عين مشاش هِيَ عين مَكَّة مَوْجُودَة الْآن وَهِي من جملَة الْعُيُون الَّتِي تصب فِي عين حنين وَهِي تقوى وتضعف أَحْيَانًا لقلَّة الأمطار وَكَثْرَتهَا ومحلها مَعْرُوف وَلما كثر التّرْك بِبَغْدَاد ودخلوا فِي الْملك واستولوا على المملكة وَصَارَ بيدهم الْحل وَالْعقد وَالْولَايَة والعزل إِلَى أَن حملم الطغيان على الفتك بالخليفة المتَوَكل لما أَرَادَ أَن يصادر مَمْلُوك أَبِيه وصيفَاً التركي لِكَثْرَة أَمْوَاله وخزائنه فتعصب لَهُ باغر التركي وانحرف الأتراك عَن المتَوَكل فَدخل باغر وَمَعَهُ عشرَة أتراك وَهُوَ فِي مجْلِس أنسه وَعِنْده وزيره الْفَتْح بن خاقَان بعد مُضِيّ هزيع من اللَّيْل فصاح الْفَتْح وَيْلكُمْ هَذَا سيدكم وَابْن سيدكم وهرب من كَانَ حوله من الغلمان والندمان على وُجُوههم فَبَقيَ الْفَتْح وَحده والمتوكل غَائِب سَكرَان فَضَربهُ باغر بِالسَّيْفِ على عَاتِقه فَقده إِلَى حقوه فَطرح الْفَتْح نَفسه عَلَيْهِ فضربهما باغر ضَرْبَة ثَانِيَة فماتا جَمِيعًا فلفهما مَعًا فِي بِسَاط وَمضى هُوَ وَمن مَعَه وَلم ينتطح فِي ذَلِك عنزان وَقيل إِن سَبَب ذَلِك أَن ابْنه الْمُنْتَصر بَاطِن عَلَيْهِ الأتراك حَتَّى قَتَلُوهُ وَذَلِكَ أَنه كَانَ بَايع بالعهد للمنتصر ثمَّ أَرَادَ أَن يعزله ويولي المعتز ابْنه لمحبته لأمه فَسَأَلَ المتَوَكل المتنصر أَن ينزل عَن الْعَهْد فَأبى فَكَانَ يحضرهُ مجْلِس الْعَامَّة ويحط من مَنْزِلَته ويتهدده ويشتمه وَقيل كَانَ هَذَا وَهَذَا سَببا لذَلِك قَالَ المَسْعُودِيّ وَلم يَصح عَن المتَوَكل النصب حَدثنَا الْمبرد قَالَ قَالَ المتَوَكل لأبي الْحسن على الْهَادِي بن مُحَمَّد الْجواد بن عَلِي الرضي بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق مَا يَقُول ولد أَبِيك فِي الْعَبَّاس قَالَ مَا يَقُولُونَ فِي رجل فرض الله طَاعَة نبيه على خلقه وَفرض طَاعَته على نبيه فأعجب بجوابه المتَوَكل إعجاباً قلت لَا يخفي على الفطن هَذِه التورية من هَذَا السَّيِّد الْجَلِيل وصدقها وسعى إِلَى المتَوَكل بِأبي الْحسن الْمَذْكُور بِأَن فِي منزل سِلَاحا وكتابا من الشِّيعَة وَأَنه يُرِيد التَوثّب على الْخلَافَة فَبعث إِلَيْهِ المتَوَكل جمَاعَة فَهَجَمُوا على منزله فوجدوه على الأَرْض مُسْتَقْبل الْقبْلَة يقْرَأ الْقُرْآن فَحَمَلُوهُ على حَال إِلَى المتَوَكل والمتوكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 يشرب الْخمر فأعظمه وَأَجْلسهُ وَقَالَ اشرب فَقَالَ وَالله مَا خامر لحمي وَدمِي قطّ فأعفني فأعفاه ثمَّ قَالَ أَنْشدني فَأَنْشد // (من الْبَسِيط) // (بَاتُوا عَلى قُللِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ ... غُلْبُ الرِّجَالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمُ القُلَلُ) (واسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزِّ عَنْ مَعَاقِلِهِمْ ... وَأُودِعُوا حُفْرَةً يَا بِئْسَمَا نزلُوا) (نَادَاهُمُ صَارخٌ مِنْ بَعْدِ مَا قُبِرُوا ... أيْنَ الْأَسِرََّةُ وَالتِّيجَانُ وَالحلل) (فَأَفْصَحَ القَبْرُ عَنْهُمْ حِينَ سَاءَلَهُ ... تِلْكَ الوُجُوهُ عَلَيْهَا لدُّودُ يقْتَتِلُ) (قَدْ طَالَمَا أَكَلُوا دَهْرًا وَما شَرِبُوا ... فَأَصْبَحُوا بَعْدَ ذَاكَ الْأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا) فَبكى جَعْفَر والحاضرون وَقَالَ يَا أَبَا الْحسن لقد لينت منا قلوباً قاسية أعليك دين قَالَ نعم أَرْبَعَة آلَاف فَأمر لَهُ بهَا ورده مكرماً وَمِمَّا يحْكى من كرمه أَنه دخل عَلَيْهِ ابْن الجهم وَقيل النميري فأنشده قصيدة يَقُول فِيهَا من // (مجزوء الْكَامِل) // (وَإِذَا مَرَرْت بِبِئْرِ عُرْوَةَ ... فَاسْقِني مِنْ مَائِهَا) وَكَانَ بيد المتَوَكل درتان عظيمتان يقلبهن فدحا إِلَيْهِ بدرة مِنْهُمَا فَقَالَ استقص بهَا فِي وَالله خير من مائَة ألف دِينَار قَالَ لَا وَالله وَلَكِنِّي فَكرت فِي أَبْيَات أعملها آخذ بهَا الْأُخْرَى فَقَالَ قل فَقَالَ // (من مخلع الْبَسِيط) // (بِسُرَّ منْ رَا إِمَامُ عَدْلٍ ... تَغْرَقُ مِنْ كفِّهِ البِحَارُ) (يُرْجَى ويُخْشَى بِكُلِّ خَطْبٍ ... كأَنَّهُ جَنَّةٌ وَنَارُ) (أَلْمُلْكُ فِيهِ وفِي بَنِيهِ ... مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) (يَدَاهُ فِي الجُودِ ضَرَّتانِ ... علَتْهِ كِلْتَاهُما تَغارُ) (لمْ تَأْتِ مِنْهُ اليَمِيَنُ شَيْئًا ... إِلاَّ أَتتْ مِثْلَهُ الْيَسَارُ) قَالَ فدحا إِلَيْهِ بِالدرةِ الْأُخْرَى قلت رحم الله الْكِرَام المجيزين على دردي النظام بَدْرِي النظام وَأَجَازَ مَرْوَان بن أبي الْجنُوب على قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا // (من الطَّوِيل) // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 (فَأَمْسِكْ نَدَى كَفََّيْكَ عَنِّي وَلاَ تَزِدْ ... فَقَدْ خِفْتُ أَنْ أَطْغَى وَأَنْ أَتَجَبَّرَا) فَقَالَ لَا أمسك حَتَّى يغرقك جودي فَأمر لَهُ بِمِائَة وَعشْرين ألف دِينَار وخمسمائةَ ثوب ديباج قَالَ عَليّ بن مُحَمَّد النديم دخلت على المتَوَكل العباسي وَعِنْده الرضي فَقَالَ يَا عَليّ من أشعر النَّاس قلت البحتري قَالَ وَمن بعده قلت مَرْوَان بن أبي حَفْصَة فَالْتَفت إِلَى الرضي وَقَالَ من أشعر النَّاس فِي زَمَاننَا قَالَ عَليّ بن مُحَمَّد الْعلوِي قَالَ وَمَا تحفظ من شعره قَالَ قَوْله // (من الطَّوِيل) // (لَقَدْ فَاخَرَتْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عِصَابَةٌ ... بِمَطِّ خُدُودٍ وَامْتدادِ الْأَصَابِعِ) (فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الفَخارَ قَضَى لَنَا ... عَليْهِمْ بِمَا نَهْوى نِدَاءُ الصَّوَامِع) قَالَ المتَوَكل وَمَا معنى نِدَاء الصوامع فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ المتَوَكل وَأَبِيك إِنَّه لأشعر النَّاس ثمَّ أنْشدهُ قَوْله أَيْضا // (من المتقارب) // (عَصَيْتُ الهَوَى وَهَجَرْتُ النِّسَاءَ ... وَكُنْتُ دَوَاءً فأَصْبَحْتُ دَاءَ) (وَمَا أَنْسَ لاَ أَنْسَ حَتَّى المَمَاتِ ... تَرِيبَ الظِّبَاءِ تُجِيبُ الظِّبَاءَ) (دَعِينَي وَصَبْرِي عَلى النَّائِباتِ ... فَبِالصَّبْرِ نِلْتُ الثَّرى وَالثّوَاءَ) (فَإِنْ يَكُ دَهْرِي لَوَى رَأْسَهُ ... فَقَدْ لَقِيَ الدَّهْرُ مِنَّي الْتِوَاءَ) (ليَاليَ أَرْوِي صُدُورَ الْقَنَا ... وَأَرْوِي بِهِنَّ الصُّدُورَ الظِّمَاءَ) (وَنَحْن إِذَا كَانَ شُرْبُ المُدَامِ ... شَرِبْنَا عَلى الصَّافِنَاتِ الدِّمَاءَ) (بِلَغْنَا السَّماءَ بِأَنْسَابِنَا ... وَلَوْلاَ السَّمَاءُ لَجُزْنَا السَّماءَ) (فَحَسْبُكَ مِنْ سُؤْدَدٍ أَنَّنَا ... بِحُسْنِ البَلاَءِ كَشَفْنَا الْغِطَاءَ) (يَطِيبُ الثَّنَاءُ لآِبَائِنَا ... وَذِكْرُ عَلِبِّ يَزِينُ الثَّنَاءَ) (إِذَا ذُكِرَ النَّاسُ كَانُوا مُلُوكًا ... وَكَانُوا عَبِيدًا وَكَانُوا الْإمَاءَ) (هَجَانِي رِجَالٌ ولَمْ أَهْجُهُمْ ... أَبَى الله لِي أَنْ أقُولَ الْهِجَاءَ) فوصله لهَذِهِ الرِّوَايَة بِمَال عَظِيم وَفِي سنه أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ قتل المتَوَكل يَعْقُوب بن السّكيت الإِمَام فِي الْعَرَبيَّة وَذَلِكَ أَنه حضر يَوْمًا مجْلِس المتَوَكل وَكَانَ يُؤَدب أَوْلَاد فجَاء مِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 المعتز والمؤيد فَقَالَ المتَوَكل يَا يَعْقُوب أَيّمَا أحب إِلَيْك ابناي هَذَانِ أم الْحسن وَالْحُسَيْن ابْنا عَليّ رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ يَعْقُوب وَالله إِن قنبر خَادِم عَليّ خير مِنْك وَمن ابنيك فَقَالَ المتَوَكل للأتراك سلوا لِسَانه من قَفاهُ فَفَعَلُوا ذَلِك فَمَاتَ ثمَّ أرسل المتَوَكل لأولاده دِيَة أَبِيهِم عشرَة آلَاف دِرْهَم كَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان وَذكر ابْن خلكان كَانَ المتَوَكل يبغض عليا فَذكر يَوْمًا عَليّ عِنْده فغض مِنْهُ فتمعر وَجه ابْنه الْمُنْتَصر لذَلِك فشتمه أَبوهُ المتَوَكل وَأنْشد مواجهاً لَهُ // (من المجتث) // (غَضْبَ الفَتَى لابْن عمِّهْ ... رَأْسُ الفتَى فِي حِرِ امِّهْ) فحقد عَلَيْهِ وأغرى على قَتله مَعَ مَا كَانَ مِمَّا تقدم من عَدو لَهُ بالعهد عَنهُ إِلَى أَخِيه المعتز قلت هَذَا يُؤَيّد القَوْل الثَّانِي أَن المتَوَكل ناصبي خلاف مَا قَالَه المَسْعُودِيّ وَذكر أَن عَليّ بن الجهم كَانَ بدوياً جَافيا قدم على المتَوَكل أول قدمة فأنشده قصيدة يمدحه بهَا يَقُول فِيهَا // (الْخَفِيف) // (أَنْتَ كَالْكَلْبِ فِي حِفَاظِكَ لِلوُددِّ ... وَكَالتَّيْسِ فِي قِرَاعِ الخْطُوبِ) (أنْتَ كَالدَّلْو لاَ عَدِمْتُكَ دَلْوًا ... مِن كِبَارِ الدِّلا كَثِير الذّنُوبِ) فَعرف المتَوَكل قوته ورقة قصد وخشونة لَفظه وَعرف أَنه مَا رأى سوى مَا شبه لملازمته الْبَادِيَة وَعدم مخالطته فَأمر لَهُ بدار حَسَنَة على شاطئ دجلة وفيهَا بُسْتَان يتخلله النسيم والجسر قريب مِنْهُ وَأمر لَهُ بجائزة سنية فلطف طبعه عَن أول أمره وَأنْشد الْأَشْعَار البليغة الرقيقة بعد ذَلِك وَحكى أَن عبَادَة المخنث دخل يَوْمًا إِلَى دَار المتَوَكل فَرَأى رطبَة مطروحة فأكب ليأخذها فرأه ابْن المتَوَكل صَغِير فَأَشَارَ بإصبعه إِلَى استه وَقَالَ يَا عَم من فتح لَك هَذِه الكوة فَقَالَ لَهُ عبَادَة الَّذِي فتح لأمك ثِنْتَيْنِ فَسَمعهُ المتَوَكل فَأمر بِضَرْب عُنُقه فهرب وَلم يدر إِلَى أَيْن يتَوَجَّه فَأخذ يهرب فِي الصَّحَارِي وَمَعَهُ طبله ونايه فَلَمَّا أمعن فِي الصَّحرَاء خَافَ أَن يُدْرِكهُ الطّلب فَرَأى غاراً مَفْتُوحًا فَدخل وسد بَاب بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا صَار إِلَى أقصاه وجد فِي أسداً عَظِيما رابضَاً فَفَزعَ مِنْهُ وهم الْأسد أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 يثب عَلَيْهِ فَمَا وَسعه إِلَّا أَن ضرب الطبل فَلَمَّا سَمعه الْأسد فزع من صَوته وهرب يُرِيد الْخُرُوج فَوجدَ بَاب الْغَار مسدوداً فَرَبَضَ هُنَاكَ خَائفًا من صَوت الطبل فَجعل عبَادَة تَارَة يضْرب بالطبل وَتارَة يزمر بالناي خوفًا من الْأسد وَوَافَقَ ذَلِك قدوم الفتَح بن خاقَان من نزهة كَانَ خرج إِلَيْهَا فَلَمَّا سمع صَوت الطبل والناي فِي الصَّحرَاء أنكرهُ ثمَّ تبعه حَتَّى وقف على بَاب الْغَار وَأمر أَن يفتح فَلَمَّا فتحوه خرج الْأسد هَارِبا على وَجهه فَخرج عبَادَة وَهُوَ يبكي ويصرخ وَيَقُول هَذَا دَفعه إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلمهُ ضرب الطبل والغناء بالناي وشردته عَليّ فَقَالَ لَهُ الْفَتْح أَنا أرضي أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَك عَليّ ألف دِينَار فَقَالَ أَخَاف وَالله أَن يضْرب عنقِي فَقَالَ الْفَتْح أَنا أستوهبه دمك فَقَالَ إِن فعلت فقد رضيت ثمَّ أَخذه مَعَه وأتى بِهِ المتَوَكل فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لي إِلَيْك حَاجَة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ هَب لي دم عبَادَة فَأَنا الَّذِي أذنبت وَلَيْسَ هُوَ فَقَالَ مَا كَانَت نيتي إِلَّا أَن أضْرب عُنُقه وَقد وهبته لَك فَقبل الْفَتْح يَده وَقَالَ أَنا الَّذِي أطلقت الْأسد وَمَا لَهُ ذَنْب فَلَمَّا سمع المتَوَكل ذكر الْأسد سَأَلَ عَن أصل الْقِصَّة فَقَالَ لَهُ الْفَتْح بِمَا رأى قَالَ وَرَغمَ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطَاهُ ذَلِك الْأسد ليعلمه الطبل والغناء فَضَحِك المتَوَكل حَتَّى فحص بِرجلِهِ الأَرْض وَقَالَ خدعك وَالله يَا فتح إِن الأَصْل كَيْت وأنجر الْفَتْح لعبادة الْألف الَّتِي وعده بهَا بوعده السَّابِق انْتهى كَذَا فِي بَقِيَّة الخاطر لمُحَمد بن مصطفى الشهير بالكاتي قَالَ البحتري اجْتَمَعنَا فِي مجْلِس المتَوَكل فنعت لَهُ سيف هندي فَبعث إِلَى الْيمن فَاشْترى لَهُ بِعشْرَة آلَاف فَأتى بِهِ فأعجبه ثمَّ قَالَ لِلْفَتْحِ أبغني غُلَاما أدفَع إِلَيْهِ هَذَا السَّيْف لَا يفارقني بِهِ فَأقبل باغر التركي فَقَالَ الْفَتْح هَذَا مَوْصُوف بالشجاعة والبسالة فَدفع المتَوَكل إِلَيْهِ السَّيْف وَزَاد فِي رزقه فواللِّه مَا انتضى ذَلِك السَّيْف إِلَّا لَيْلَة ضربه باغر بِالْقصرِ الْجَعْفَرِي وَكَانَ المتَوَكل مُسْتَغْرقا بِجَارِيَتِهِ الَّتِي اسْمهَا قبيحة وَهِي أم وَلَده المعتز لَا يصبر عَنْهَا سَاعَة فوقفت لَهُ يَوْمًا وَقد كتبت على خديها بالغالية جَعْفَر فتأملها ثمَّ أنشأ يَقُول // (من الطَّوِيل) // (وَكَاتِبةٍ بِالمِسْكِ فِي الْخَدِّ جَعْفرًا ... بِنَفْسِي مَخَطَّ المِسْكِ مِنْ حَيْثُ أثَّرَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 (لَئِنْ أَوْدَعَتْ سَطْرًا مِنَ المِسْكِ خَدَّهَا ... لَقَدْ أَوْدَعَتْ قلْبِي مِنَ الحُبِّ أَسْطُرَا) وَكَانَت لَيْلَة المتَوَكل يضْرب بهَا الْمثل فِي السرُور الَّذِي يعقبه ترح يُقَال مَاتَ بليلة المتَوَكل كَانَ قَتله لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لليلتين مضتا من شهر شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ أول مقتول بمعرة وَلَده الْمُنْتَصر بعد قتل الْأمين بِمُبَاشَرَة طَاهِر بن الْحُسَيْن كَانَت مُدَّة خِلَافَته أَربع عشرَة سنة وتّسعة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَكَانَ عمرهُ أَرْبَعِينَ سنة وشهراً وَقيل إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة (خلَافَة الْمُنْتَصر بِاللَّه) مُحَمَّد بن المتَوَكل جَعْفَر بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور أخي السفاح بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بُويِعَ بالخلافة فِي اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِيهَا أَبوهُ وَمن الْغَد الْبيعَة الْعَامَّة وَلما ولي خلع أَخَوَيْهِ المعتز والمؤيد من ولَايَة الْعَهْد الَّتِي عقدهَا لَهما أَبوهُ المتَوَكل وَأظْهر الْعدْل والإنصاف فِي الرّعية فمالت ليه النُّفُوس والقلوب مَعَ هيبتهم لَهُ وَكَانَ محببَاً إِلَى العلويين وصُولا لَهُم باراً بهم أَزَال مِمَّن آل أبي طَالب مَا كَانُوا فِيهِ من الْخَوْف والمحنة بمنعهم من زِيَارَة قبر الْحُسَيْن ورد فدك عَلَيْهِم فَقَالَ يزِيد المهلبي فِي ذَلِك يمدحه // (من الْكَامِل) // (وَلقَدْ بَرَرْتَ الطَّالِبِيَّةَ بعْدَ مَا ... ذَمُّوا زَمَانًا بَعْدَهَا وَزَمَانَا) (وَردَدتَّ أُلْفةَ هَاشِمٍ فَرَأَيْتهُمْ ... بَعْدَ الْعَدَاوَةِ بََيْنَهُمْ إِخْوَانا) وَكَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا من كَلَامه لَذَّة الْعَفو أعذب من لَذَّة التشفي وأقبح أَفعَال المقتدر الانتقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ ذكر نجيج بن عَليّ المنجم أَن الْمُنْتَصر جلس للهو وَأمر بفرش بِسَاط من ذخائر الخزينة تداولته الْمُلُوك ففرش فَرَأى فِيهِ صُورَة رَأس عَلَيْهِ تَاج وَعَلِيهِ كِتَابَة بِالْفَارِسِيَّةِ فَطلب من يقْرَأ تِلْكَ الْكِتَابَة فأحضر رجل من الْأَعَاجِم فقرأها وَعَبس عِنْد ذَلِك فَسَأَلَهُ الْمُنْتَصر عَنْهَا فَقَالَ لَا معنى لَهَا فألح عَلَيْهِ فَقَالَ هِيَ أَنا الْملك شيرويه بن كسْرَى بن هُرْمُز قتلت قتلت أبي فَلم أمتع بِالْملكِ بعده إِلَّا سِتَّة أشهر فَتغير وَجه الْمُنْتَصر وَقَامَ من ذَلِك الْمجْلس وَترك اللَّهْو الَّذِي أَرَادَهُ وَبَات مغتماً وتوعك ثمَّ رأى فِي لَيْلَة وعكه أَبَاهُ فانتبه فَزعًا يبكي فَقَالَت لَهُ أمه مَا يبكيك فَقَالَ أفسدت ديني ودنياي رَأَيْت أبي السَّاعَة يَقُول لي قتلتني يَا مُحَمَّد لأجل الْخلَافَة وَالله لَا تتمتع بهَا إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل ثمَّ مصيرك إِلَى النَّار فاستمر موهوماً من هَذَا الْمَنَام فَمَا عَاشَ بعد ذَلِك إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل وَكَانَ على حذر من الأتراك يسبهم ويلعنهم وَيَقُول هَؤُلَاءِ قتلة الْخُلَفَاء فَلم يأمنوه فأرادوا قَتله فَمَا أمكنهم الْإِقْدَام عَلَيْهِ لشدَّة محاذرته مِنْهُم فدسوا إِلَى طبيبه ابْن طيفور ثَلَاثِينَ ألف دِينَار عِنْد توعكه ليسمه فقصده بمبضع مَسْمُوم فأحس بذلك وَأَرَادَ قتل الطَّبِيب فَقَالَ لَهُ إِنَّك تصبح طَبِيبا وَتقدم على قَتْلِي فأمهلني إِلَى الصُّبْح فأمهله فَأصْبح مَيتا وَكَانَت وَفَاته لأَرْبَع خلون من بيع الأول سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وعمره سِتّ وَعِشْرُونَ سنة وَقيل خمس وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَة أَيَّام وَمُدَّة خِلَافَته سِتَّة أشهر (خلَافَة المستعين بِاللَّه) أَحْمد بن المعتصم بن هَارُون كَانَ فَاضلا دينا أخبارياً مطلعاً على التواريخ متجملا فِي ملبسه وَهُوَ أول من أحدث الأكمام العراض فَجعل عرض الْكمّ ثَلَاثَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 أشبار وَهُوَ عَم الْمُنْتَصر قبله أَخُو المتَوَكل أَبِيه وَإِنَّمَا قَدمته الأتراك وَعدلُوا عَن أَوْلَاد المتَوَكل لأَنهم كَانُوا قتلوا المتَوَكل فخافوا أَن يَلِي الْخلَافَة أحد من أَوْلَاده فَيَأْخُذ بثأر أَبِيه فَاخْتَارُوا من أَوْلَاد المعتصم أَحْمد هَذَا ولقبوه بالمستعين بِاللَّه أمه أم ولد تسمى مُخَارق وَمَا كَانَ لَهُ من الْخلَافَة إِلَّا الِاسْم وَكَانَ المماليك الأتراك مستولين على الْملك وَكَانَ الْأَمر جَمِيعه لكبيري الأتراك وصيف وبغا التركيين حَتَّى قيل فِي ذَلِك // (من الرجز) // (خَلِيفَةٌ فِي قَفَصٍ ... بيْنَ وَصِيفٍ وبغَا) (يَقُولُ مَا قَالاَ لَهُ ... كَمَا تقُولُ البَبَّغا) والببغا هِيَ الطير الْمُسَمّى بِالدرةِ وَاسْتمرّ كَذَلِك وَهُوَ مترصد لَهما إِلَى أَن ظفر بوصيف فَقتله وهرب باغر الَّذِي كَانَ سَطَا فِي المتَوَكل وَقَتله فَتَنَكَّرت لَهُ الأتراك فَخرج عَنْهُم من سر من رأى إِلَى بَغْدَاد فأرسلوا إِلَيْهِ يَعْتَذِرُونَ ويسألونه العودة إِلَى سر من رأى فَامْتنعَ مِنْهُم فَلَمَّا أَبى قصد الأتراك خلعه فَأتوا إِلَى الْحَبْس فأخرجوا مُحَمَّدًا أَبَا عبد الله بن المتَوَكل ولقبوه المعتز بِاللَّه وَبَايَعُوهُ وعمره تِسْعَة عشر عَاما وَلم يل الْخلَافَة أَصْغَر مِنْهُ وجيشوا على المستعين بِاللَّه جَيْشًا إِلَى أَن خلع نَفسه وَأشْهد الْقُضَاة والعدول على نَفسه بذلك وانحدروا بِهِ إِلَى وَاسِط وحبسوه تِسْعَة أشهر ثمَّ دسوا إِلَيْهِ سعيداً الْحَاجِب فذبحه فِي الْحَبْس فِي ثَالِث شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَجَاء بِرَأْسِهِ إِلَى المعتز وَهُوَ يلْعَب الشطرنج فَقيل لَهُ هَذَا رَأس المخلوع فَقَالَ دَعوه هُنَاكَ حَتَّى أفرغ من اللّعب ثمَّ أَمر بدفنه وعمره إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وخلافته إِلَى زمَان خلعه سنتَانِ وَثَمَانِية أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 (خلَافَة المعتز بِاللَّه) مُحَمَّد بن المتَوَكل جَعْفَر بن المعتصم بن الرشيد هَارُون بن الْمهْدي مُحَمَّد بن الْمَنْصُور عبد الله كَانَ بديع الْحسن جدا مليح الصُّورَة لَيْسَ فِي الْخلق أجمل مِنْهُ حسنا كَانَ مستضعفَاً مَعَ الأتراك وَكَانَ صَالح بن وصيف مستولياً عَلَيْهِ وَهُوَ خَائِف مِنْهُ فَاجْتمع الْجند عَلَيْهِ وطلبوا مِنْهُ أَرْزَاقهم ووعدوه أَنه إِذا أنْفق عَلَيْهِم أَرْزَاقهم ركبُوا مَعَه على صَالح بن وصيف فيقتلوه ويصفو الْملك لَهُ وَلم يكن فِي خزائنه مَال يصرفة عَلَيْهِم فَطلب من أمه وَكَانَت تركية اسْمهَا قبيحة لفرط جمَالهَا بَين النِّسَاء فَأَبت أَن تعطيه وشحت عَلَيْهِ بِالْمَالِ وسخت بِوَلَدِهَا وَكَانَ مَعهَا مَال عَظِيم فاتفق الأتراك على خلعه وَركب عَلَيْهِ صَالح بن وصيف وَمُحَمّد بن بغا وهجموا عَلَيْهِ وجروا بِرجلِهِ وأوقفوه فِي الشَّمْس فَصَارَ يرفع رجلا وَيَضَع رجلا وعذبوه وهم يلطمونه وَيَقُولُونَ اخْلَعْهَا وَيَتَّقِي بيدَيْهِ ويأبى ثمَّ أجابهم وخلع نَفسه فأدخلوه الْحمام ومنعوه المَاء إِلَى أَن مَاتَ عطشاً وَقيل أَتَوْهُ بِمَاء مالح فشربه وَسقط مَيتا ثمَّ أَخْرجُوهُ وَأشْهدُوا عَلَيْهِ أَنه لَا أثر بِهِ وصادر صَالح بن وصيف قبيحة أم المعتز وعذبها حَتَّى أَخذ مِنْهَا ألف ألف دِينَار ذَهَبا وَنصف أردب لُؤْلُؤ وَمثله زمرد وَسدس أردب ياقوت أَحْمَر ثمَّ أخرجت إِلَى مَكَّة وأقامت بهَا إِلَى أَن مَاتَت وَأَقل النَّاس الترحم عَلَيْهَا حَيْثُ إِن هَذَا المَال عِنْدهَا وشحت بِهِ عَن وَلَدهَا عِنْد احْتِيَاجه فَكَانَ عَلَيْهِ مَا كَانَ توفّي فِي ثَالِث شعْبَان سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ مُدَّة خِلَافَته سنتَانِ وَأحد عشر شهرا وعمره اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة وَسَبْعَة أشهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 (خلَافَة الْمُهْتَدي بِاللَّه) أَبُو إِسْحَاق بن الواثق هَارُون بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور الْخَلِيفَة الصَّالح ولد فِي خلَافَة جده سنة بضع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وبويع بالخلافة لليلة بقيت من رَجَب سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَمَا قبل بيعَة أحد حَتَّى أَتَى إِلَيْهِ بالممعتز قبل قَتله فَلَمَّا رَآهُ قَامَ لَهُ وَسلم على المعتز بالخلافة وَجلسَ بَين يَدَيْهِ فجيء بالشهود وَالْقَاضِي ابْن أبي الشَّوَارِب فَشَهِدُوا على المعتز أَنه عَاجز عَن الْخلَافَة واعترف بذلك وَمد يَده وَبَايع الْمُهْتَدي فارتفع حِينَئِذٍ الْمُهْتَدي إِلَى صدر الدِّيوَان وَقَالَ لَا يجْتَمع سيفان فِي غمد وتمثل بقول أبي ذُؤَيْب من // (الطَّوِيل) // (تُرِيدِن كيْمَا تجمعيني وخَالِدًا ... وهلْ يُجْمَعُ السَّيْفَانِ وَيْحَكِ فِي غِمْدِ) وَكَانَ الْمُهْتَدي بِاللَّه أسمر رَقِيقا مليح الْوَجْه ورعاً متعبدَاً عادلا قَوِيا فِي أَمر الله تَعَالَى بطلا شجاعاً لكنه لم يجد ناصراً وَلَا معينا على الْحق وَالْخَيْر قَالَ أَبُو بكر بن الْخَطِيب قَالَ أَبُو مُوسَى العباسي لم يزل صَائِما مُنْذُ ولي إِلَى أَن قتل قَالَ الْعَبَّاس بن هَاشم بن الْقَاسِم كنت بِحَضْرَة الْمُهْتَدي عَشِيَّة فِي رَمَضَان فَوَثَبت لأنصرف فَقَالَ لي اجْلِسْ فَجَلَست وَتقدم فصلى بِنَا ثمَّ دَعَا بِالطَّعَامِ فَإِذا طبق عَلَيْهِ خبز وآنية فِيهَا ملح وخل وزيت فدعاني إِلَى الْأكل فَقَالَ كل وَاسْتَوْفِ فَلَيْسَ هَهُنَا من الطَّعَام غير مَا ترى فعجبت ثمَّ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أَسْبغ الله نعْمَته عَلَيْك فَقَالَ إِن الْأَمر على مَا وصفت وَلَكِنِّي فَكرت فِي أَنه كَانَ فِي بني أُميَّة عمر بن عبد الْعَزِيز فَكَانَ من التقلل والتقشف على مَا بلغك فغرت على بني هَاشم فَأخذت نَفسِي بِمَا رَأَيْت وَقَالَ ابْن عَرَفَة النَّحْوِيّ حَدثنِي بعض الهاشميين قَالَ كَانَ للمهتدي سفط فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 جُبَّة صوف وَكسَاء وَكَانَ يلْبسهُ بِاللَّيْلِ وَيُصلي فِيهِ وَكَانَ قد اطرَح الملاهي وَحرم الْغناء وحسم عَن الظُّلم وَكَانَ يشرف على الدَّوَاوِين بِنَفسِهِ وَيجْلس الْكتاب بَين يَدَيْهِ فتبرم بِهِ بابك التركي وانحصر وَكَانَ ظلوماً غشوماً فَأمر الْمُهْتَدي بقتْله فَلَمَّا قتل هَاجَتْ الأتراك وَوَقع الْحَرْب بَينهم وَبَين المغاربة فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ أَرْبَعَة آلَاف وَخرج الْمُهْتَدي والمصحف فِي عُنُقه وَهُوَ يَدْعُو النَّاس إِلَى نصرته والمغاربة مَعَه وَبَعض الْعَامَّة فَحمل عَلَيْهِم طنبغا أَخُو بابك فَهَزَمَهُمْ وَمضى الْمُهْتَدي مُنْهَزِمًا وَالسيف فِي يَده وَقد جرح جرحين حَتَّى دخل دَار مُحَمَّد بن أبي دَاوُد فتجمعت الأتراك وهجموا عَلَيْهِ وأخذوه أسيرَاً وَحمل على دَابَّة وَأَرْدَفَ خَلفه سائس بِيَدِهِ خنجر وَأدْخل إِلَى دَار بَعضهم وَجعلُوا يصفعونه وَيَقُولُونَ اخْلَعْهَا فَأبى عَلَيْهِم فَسلم إِلَى رجل مِنْهُم فوطئ مذاكيره حَتَّى قَتله وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سنة وَاحِدَة إلاخمسة عشر يَوْمًا عمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر (خلَافَة الْمُعْتَمد على الله أبي جَعْفَر أَحْمد بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور لما قتل متغلبة الأتراك الْخَلِيفَة الْمُهْتَدي صبرا عَمدُوا إِلَى الْحَبْس وأخرجوا ابْن عَمه أَبَا جَعْفَر أَحْمد بن المتَوَكل ولقبوه بالمعتمد على الله وَبَايَعُوهُ سنة سِتّ وَخمسين أمه أم ولد اسْمهَا فينان وَكَانَ لَهُ انهماك على اللَّذَّات وَاللَّهْو فَقدم أَخَاهُ طَلْحَة بن المتَوَكل ولقبه بالموفق بِاللَّه وَجعله ولي عَهده ولاه الْمشرق والحجاز واليمن وَفَارِس وطبرستان وسجستان والسند وَكَانَ لَهُ ولد صَغِير اسْمه جَعْفَر ولاه الْمغرب وَالشَّام والجزيرة ولقبه الْمُفَوض إِلَى الله وَعقد لَهما لواءين أَبيض وأسود وَعقد لَهما الْبيعَة وَشرط على أَخِيه الْمُوفق بِاللَّه أَنه إِن حدث بِهِ الْمَوْت وَولده صَغِير كَانَ الْمُوفق ولي عَهده وَإِن كَانَ حِينَئِذٍ وَلَده كَبِيرا كَانَ هُوَ ولي عَهده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَكتب بذلك معاقدة كتب كل مِنْهُمَا خطة عَلَيْهِ وَكتب الْقُضَاة والعدول خطوطهم عَلَيْهَا وأرسلها إِلَى مَكَّة فعلقت فِي الْكَعْبَة وَمَا أَفَادَ مَعَ هَذَا حذر من قدر كَانَ الْمُوفق عَاقِلا مُدبرا شجاعاً مشتغلا بِأُمُور المملكة ملتفتاً لأمور الرّعية وَكَانَ أَخُوهُ الْمُعْتَمد مكباً على لهوه ولذاته مهملا أَحْوَال الرّعية غير متلفت إِلَيْهَا فكرهه النَّاس وأحبوا أَخَاهُ طَلْحَة الْمُوفق وَظَهَرت فِيهِ نجابات كَثِيرَة وَكَانَ ميمونَاً مظفرا فِي الحروب وَظهر أَيَّام المعتضد طَائِفَة من الزنج وتغلبوا على الْمُسلمين وَكَانَ لَهُم رَئِيس اسْم يهبول يدعى أَنه أرْسلهُ الله إِلَى الْخلق وَادّعى علم المغيبات وَقتل فِي الْمُسلمين ذكر الصولي أَنه قتل ألف ألف وَخَمْسمِائة ألف مُسلم وَكَانَ يستأسر نسَاء الْمُسلمين ويبيعهن فِي الْأَسْوَاق بأبخس ثمن وينادي على الشَّرِيفَة العلوية بِدِرْهَمَيْنِ وَكَانَ عِنْد الزنْجِي الْوَاحِد مِنْهُم عشر شرائف يطؤهن ويمتهنهن فِي الخدم الشاقة وَكَانَ ذَلِك من أعظم المصائب فِي الْإِسْلَام وتملك هَذَا الْكَافِر مدناً كَثِيرَة للْمُسلمين واستأصل أَهلهَا وَجعل دَار مَمْلَكَته وَاسِط ورامهرمز وَمَا والاهما فَانْتدبَ لقتاله الْمُوفق بِاللَّه وَجمع الجموع والعساكر مِمَّن حنكته الحروب ووسمته قوارع الخطوب فاتخذهم جنَانًا ويداً وَرَضي بهم ساعداً وعضداً فركض بهم إِلَى الْأَعْدَاء اللئام الْكَفَرَة الطغام فالتقت الفئتان على ضريبة الْحَرْب وتساقيا كئوس الطعْن وَالضَّرْب فجفلت السودَان من لامع الصارم الْأَبْيَض وفروا كَمَا يفر اللَّيْل الْأسود من النَّهَار المبيض وَقتل أَمِيرهمْ يهبول وَنصر الله مِلَّة الْإِسْلَام ومحا بنوره ذَلِك الظلام واستردت الْمَدَائِن الَّتِي أَخذهَا وَغَيرهَا من الْبِلَاد وَاطْمَأَنَّ الْمُسلمُونَ وكافة الْعباد ولقبوه بالناصر لدين الله وَصَارَ لَهُ حينئذٍ لقبان الْمُوفق بِاللَّه والناصر لدين الله وَدخل إِلَى بَغْدَاد فِي عَظمَة وعلو شَأْن وَرَأس ذَلِك الْكَافِر ورءوس أَصْحَابه على رماح ودعا لَهُ الْمُسلمُونَ وقصدته الشُّعَرَاء بالمدائح وأحبه النَّاس وَبعد صيته واستفحل أمره وَاسْتمرّ أَخُوهُ الْمُعْتَمد على حَاله منهمكاً فِي اللَّهْو وَاللَّذَّات وَله اسْم الْخلَافَة وَجَمِيع الْأُمُور يتلقاها الْمُوفق بِاللَّه النَّاصِر لدين الله فحسده أَخُوهُ الْمُعْتَمد لذهابه بِالذكر والصيت وَأَرَادَ هضمه لاستيلائه على المملكة ورضا النَّاس عَنهُ فَلم يدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 كَيفَ يصنع فِي ذَلِك فاستعان على هضم جَانب أَخِيه بِصَاحِب مصر يومئذٍ أَحْمد بن طولون وَكَانَ ملكا شجاعاً فاتكاً صَاحب جيوش وجنود كثير الْأَمْوَال والخزائن مُسْتقِلّا بمملكة مصر يَأْخُذ خراجها فكاتبه الْمُعْتَمد وَأمره أَن يُقَاتل أَخَاهُ ليخف أمره ويهون بذلك فجرت بَينهمَا حروب اشْتغل بهَا الْمُوفق عَن أَخِيه الْمُعْتَمد وَصَارَ يواليه تَارَة ويداريه ويباعده تَارَة ويدانيه وَمضى على ذَلِك زمَان والموفق بعد مرهن وَكَانَ للموفق ابْن نجيب اسْمه أَحْمد جعله الْمُوفق ولي عده واستعان بِهِ فِي حروبه وَظَهَرت لَهُ نجابة وَقُوَّة فخشي الْمُوفق على نَفسه وعَلى أحيه الْمُعْتَمد لما رأى من شجاعته وبسالته فأودعه بطن الْحَبْس ووكل بِهِ من يَثِق بِهِ فِي أمره وَاسْتمرّ مَحْبُوسًا إِلَى أَن اشْتَدَّ حَال الْمُوفق فِي الْمَرَض فبادر غلمانه إِلَى الْحَبْس وأخرجوا وَلَده أَحْمد مِنْهُ فَلَمَّا رَآهُ الْمُوفق قَالَ يَا وَلَدي لهَذَا الْيَوْم خبأتك وَكَانَ ذَلِك قبل مَوته بِثَلَاثَة وفوض إِلَيْهِ وأوصاه بِعَمِّهِ الْمُعْتَمد خيرا ثمَّ مَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام وشمت الْمُعْتَمد بِمَوْت أَخِيه وَظن أَنه استراح وَصفا لَهُ دهره والدهر مَا صفا لأحد من الْبشر وَإِن صروفه تَأتي بالعبر والغير فَمَا حَال عَلَيْهِ الْحول حَتَّى سلب ذَلِك الطول والحول وَلم يكن لَهُ بعد خذلانه النَّاصِر من قُوَّة وَلَا نَاصِر وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَجَب سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَأحد عشر شهرا وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَسِتَّة أشهر (خلَافَة المعتضد) أَحْمد بن الْمُوفق بِاللَّه طلحه بن المتَوَكل بن المعتصم بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد وَفَاة عَمه الْمُعْتَمد فِي تَارِيخ وَفَاته الْمَذْكُور آنِفا أمه أم ولد اسْمهَا صَوَاب كَانَ قَلِيل الرَّحْمَة مهيبا ظَاهر الجبروت وافر الْعقل شجاعَاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 مظفراً دَانَتْ لَهُ الْأُمُور فسالمه كل مُخَالف ومعاند شَدِيد السطوة حسن السياسة يقدم على الْأسد وَحده إِذا غضب على أحد أَلْقَاهُ فِي حُفْرَة وطم عَلَيْهِ التُّرَاب وَله تَصَرُّفَات شَتَّى فِي قتل من غضب عَلَيْهِ أسقط المكوس وَرفع الْمَظَالِم عَن الرّعية وَأظْهر عز الْملك بعد مَا ذل ووهت وجدد ملك بني الْعَبَّاس وَفِي ذَلِك يَقُول عبد الله بن المعتز من // (السَّرِيع) // (أَمَا تَرَى مُلْك بَنِي هَاشِم ... عَادَ عَزِيزًا بَعْدَ مَا ذُلِّلا) (يَا طالِبَ المُلْكِ فَكُنْ مِثْلهُ ... تسْتَوجِبِ المُلْك وَإِلاَّ فَلاَ) وَفِيه يَقُول أَبُو الْعَبَّاس عَليّ بن الرُّومِي من // (الطَّوِيل) // (هَنِئًا بَنِي الْعَبَّاسِ إِنَّ إِمَامَكُمْ ... إِمامُ الْهدَى وَالْبَأْسِ والجودِ أَحْمَدُ) (كَما بِأَبي العَبَّاسِ أسِّسَ مُلْكُكُمْ ... كَذَا بِأَبي العَبَّاسِ أيْضًا يُجَدَّدُ) (إِمَامٌ يظَلُّ الْأَمْسُ يَشْكُو فِرَاقَهُ ... تأسُّفَ مَلْهُوفٍ وَيَشْتَاقُهُ الْغَدُ) وَكَانَ مَعَ سطوته وبأسه يتوخى الْعدْل ويبرز الْمَرْأَة فِي صُورَة الجبروت والعسف وَهُوَ فِي ذَلِك محق فِي الْبَاطِن فَمن ذَلِك مَا روى عَن عبد الله بن حمدون قَالَ خرج المعتضد للصَّيْد يَوْمًا وَأَنا مَعَه فَمر بمقثاة فعاث بعض جنود فِيهَا فصاح صَاحبهَا واستغاث بالمعتضد فَأحْضرهُ وَسَأَلَهُ عَن سَبَب صياحه فَقَالَ ثَلَاثَة من غلمانك نزلُوا المقتاه فأخربوها فَأمر عبيده بإحضارهم فَضرب أَعْنَاقهم وَمضى وَهُوَ يحادثني فَقَالَ لي اصدقني مَا الَّذِي تنكره النَّاس من أحوالي فَقلت لَهُ سفكك للدماء فَقَالَ مَا سفكت دمَاً حَرَامًا قطّ فَقلت بِأَيّ ذَنْب قتلت أَحْمد ابْن الطّيب فَقَالَ دَعَاني إِلَى الْإِلْحَاد فَقتلته لما ظهر لي إلحاده لنصرة الدّين فَقلت فالثلاثة الَّذين نزلُوا المقثاة الْآن فَقَالَ وَالله مَا قَتلتهمْ وَإِنَّمَا ثَلَاثَة من قطاع الطّرق وأوهمت النَّاس أَنهم هم ثمَّ أحضر صَاحب الشرطة فَأمره بإحضار الثَّلَاثَة الَّذين نزلُوا المقثاة فأحضرهم وشاهدتهم ثمَّ أَمر بإعادتهم إِلَى الْحَبْس وَهَكَذَا يَنْبَغِي تَدْبِير السياسة وَإِظْهَار النصفة وتخويف الْجند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 وإراعابهم وَمِمَّا وَقع فِي أَيَّام المعتضد من عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام زِيَارَة دَار الندوة وَهِي الزِّيَارَة الَّتِي فِي شَامي الْمَسْجِد وَهِي أول الزيادتين وَالْأُخْرَى الَّتِي فِي الْجَانِب الغربي سَيَأْتِي أَن الْآمِر بهَا المقتدر وَبَينهمَا قريب من عشْرين وَلَيْسَت الزِّيَادَة هِيَ عين دَار الندوة بل محلهَا فِي تِلْكَ الْأَمَاكِن لَا على التَّعْيِين من خلف مقَام الْحَنَفِيّ إِلَى آخر الزِّيَادَة قلت مَا سبق بَيَانه أَن قصياً أول من بنى مَكَّة ثمَّ بنت قُرَيْش بيوتها وَأَن الْبيُوت كَانَت محدقة بِالْكَعْبَةِ وَلها أَبْوَاب شارعة إِلَى المطاف وَبَين كل دارين طَرِيق إِلَى المطاف وَهُوَ هَذِه الْبقْعَة المرخمة يَقْتَضِي أَن دَار الندوة هِيَ مَحل مقَام الْحَنَفِيّ الْآن بِلَا شُبْهَة فَتَأمل ذَلِك وَمن شعر المعتضد قَالَه حِين مرض من // (الطَّوِيل) // (تَمتَّعْ مِن الدُّنْيأ فإِنَّكَ لَا تبْقى ... وَخُذْ صفْوهَا مَهْمَا صفتْ وَدَع الرَّنْقَا) (وَلاَ تَأْمَنَنَّ الدَّهْرَ إِنِّي أَمِنْتُهُ ... فلمْ يُبْقِ لِي حَالاً ولَمْ يَرْعَ لِي حَقَّا) (قَتلْتُ صَنَادِيدَ الرِّجالِ وَلمْ أَدعْ ... عدُوًّا وَلَمْ أُمْهِلْ عَلَى حَسَدٍ خَلْقَا) (وَأَخْلَيْتُ دارَ المُلْكِ عنْ كُلِّ نَازِلٍ ... وَفَرَّقْتُهُمْ غَربًا وَمَزَّقْتُهُمْ شرْقَا) (وَلَمَّا بلَغْتُ النَّجْمَ عِزًّا وَرِفْعَةً ... ودَانتْ رِقابُ الخَلْقِ أجْمع لِي رِقَّا) (رَمَانِي الرَّدى سهْمًا فأَخْمَدَ جَمْرَتِي ... فَهأنذا فِي حُفْرَتِي عاجِلاً مُلْقى) (وَأَفْسَدتُّ دُنْيَايَ وَدِينِي سَفَاهَة ... فمنْ ذَا الَّذِي مِنِّى بِمَصْرَعِهِ أشْقَى) (فَيا ليْتَ شِعْرِي بَعْدَ موْتِيَ مَا أَرَى ... لِرحْمَةِ رَبِّي أَمْ إِلَى نارِهِ أُلْقى) ثمَّ عهد إِلَى ابْنه عَليّ ولقبه المكتفي بِاللَّه وَأخذ لَهُ الْبيعَة قبل مَوته بِثَلَاثَة أَيَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 حكى المَسْعُودِيّ أَن المعتضد كَانَ مفرطاً فِي الْجِمَاع فاعتل من إفراطه وطالت علته وَغشيَ عَلَيْهِ فَشك من حوله فِي مَوته وَكَانَ لَا يَجْسُر أحد عَلَيْهِ لشدَّة هيبته فَتقدم إِلَيْهِ الطَّبِيب ليخبره بجس النبض فَفتح عَيْنَيْهِ وفطن لذَلِك فرفس الطَّبِيب بِرجلِهِ رفسة رَمَاه أذرعا فَمَاتَ الطَّبِيب ثمَّ مَاتَ المعتضد من سَاعَته وَكَانَ أسمر اللَّوْن مهيباً جدا معتدل الشكل توفّي لسبع بَقينَ من ربيع الأول سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَثَمَانِينَ وَكَانَ مدَّته تسع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام وعمره سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة وَشهر (خلَافَة المكتفي بِاللَّه) عَليّ بن المعتضد بن الْمُوفق بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور لما توفّي المعتضد كَانَ ابْنه المكتفي غَائِبا بالرقة فَنَهَضَ بأعباء الْبيعَة لَهُ الْوَزير أَبُو الْحُسَيْن الْقَاسِم بن عبيد الله وَكتب إِلَيْهِ فوصل وَكَانَ يَوْم دُخُوله يَوْمًا مشهوداً زينت لَهُ بَغْدَاد وَنزل دَار الْخلَافَة وخلع على الْوَزير سبع خلع ومدحه الشُّعَرَاء وأنعم عَلَيْهِم بالجوائز السّنيَّة كَانَ مولده فِي غرَّة ربيع الأول سنة مِائَتَيْنِ وَأَرْبع وَسِتِّينَ وَأمه أم ولد تركية اسْمهَا غنجك وَكَانَ مليح الصُّورَة يضْرب بحسنه الْمثل قَالَ ابْن المعتز من // (الْكَامِل) // (مَيَّزْتُ بَيْنَ جَمَالِهَا وَفِعَالِهَا ... فَإِذا المَلاَحةُ بِالْجِنَايَةِ لاَ تَفِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وَاللَّهِ لاَ كَلَّمْتُهَا ولَو انَّها ... كالشَّمْسِ أوْ كَالْبَدْرِ أَوْ كَالْمُكْتَفِي) كَانَ وسيماً جميلا بديع الْحسن وردى اللَّوْن معتدل الطول أسود الشّعْر قَالَ الصَّفَدِي فِي شرح اللامية وَمن أَيْن للمكتفي صفة الْحسن وَالَّذِي دلّت عَلَيْهِ التواريخ أَنه كَانَ أسمر أعين قَصِيرا وَلَيْسَت هَذِه من صِفَات الْحسن قلت الْمُثبت مقدم على النَّافِي سِيمَا وَأكْثر التواريخ فِيهَا وَصفه بالْحسنِ كَمَا هُنَا وَكَانَ إِلَى حب عَليّ بن أبي طَالب امتدحه شَاعِر بقصيدة يذكر فِيهَا فضل أَوْلَاد الْعَبَّاس على أَوْلَاد عَليّ فَقطع المكتفي عَلَيْهِ إنشاده وَقَالَ كَأَنَّهُمْ لَيْسُوا ابْني عَم وَإِن لم يَكُونُوا خلفاء مَا أحب أَن يُخَاطب أهلنا بِشَيْء من ذَلِك وَلم يسمع القصيدة وَلَا أجَازه عَلَيْهَا وَذكر عبد الْغفار فِي تَارِيخ نيسابور عَن أبي الْمَدِينِيّ وَكَانَ معلما للمكتفي قبل أَن يَلِي الْخلَافَة فَلَمَّا أفضت إِلَيْهِ كتب إِلَيْهِ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ من // (الْخَفِيف) // (عِنْدَ أَهْلِ التُّقى وَأَهْلِ المُرُوَّةْ ... حقُّ الاُسْتَاذِ فَوْقَ حَقِّ الْأَبُوَّةْ) (وَأَحَقُّ الْأَنَام أَنْ يحْفظُوا ذاكَ ... وَيرْعوْهُ أهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّهْ) وَمن أعظم الْحَوَادِث فِي أَيَّام المكتفي ظُهُور القرامطة الْمُلْحِدِينَ بل الْكَفَرَة أَعدَاء الدّين فَأول من خرج مِنْهُم يحيى بن بهرويه القرمطي وَكَانَت دَار ملكهم هجر وهم طَائِفَة إباحية يدعونَ أَن الإِمَام الْحق بعد النَّبِي مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ويسندون إِلَيْهِ أقاويل بَاطِلَة لَا أصل لَهَا فَجهز عَلَيْهِ المكتفي جيوشاً فَقتله فَقَامَ بعده أَخُوهُ الْحُسَيْن وَظهر شَأْنه وَظهر ابْن عَمه عِيسَى ابْن مهرويه ويلقب بالمدثر وَزعم أَنه المُرَاد بالسورة الشَّرِيفَة يَا أَيهَا المدثر ولقب غلامَاً مظلماً بالمطوَق بِالنورِ وَزعم أَنه الْمهْدي ودعا لنَفسِهِ على المنابر وأفسد بِالشَّام وعاث فحارب المكتفي الثَّلَاثَة وقتلهم وطيف برءوسهم فِي الْبِلَاد فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَلم يطلّ زمَان المكتفي توفّي لَيْلَة الْأَحَد لِاثْنَتَيْ عشرَة خلت من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَمُدَّة خِلَافَته سِتّ سِنِين وَسَبْعَة أشهر وعمره إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 (خلَافَة المقتدر بِاللَّه) أَبُو الْفضل جَعْفَر بن المعتضد بن الْمُوفق بِاللَّه بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد ابْن الْمهْدي بن الْمَنْصُور بُويِعَ لَهُ بالخلافة بِبَغْدَاد يَوْم مَاتَ أَخُوهُ المكتفي وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة وَأَرْبَعين يَوْمًا وَلم يل الْخلَافَة قبله وَلَا بعده أَصْغَر مِنْهُ وَضعف دست الْخلَافَة فِي أَيَّامه ذكر صَاحب النَّوَادِر وَغَيره أَن صافي مولى المعتضد قَالَ مشيت يَوْمًا بَين يَدي المعتضد وَهُوَ يُرِيد دَار الْحَرِيم فَلَمَّا بلغ بَاب دَار المقتدر وقف وَتسمع وتطلع من خلل الْبَاب فَإِذا هُوَ بالمقتدر وَله إِذْ ذَاك خمس سِنِين وَبَين يَدَيْهِ طبق فضَّة فِيهِ عنقود عِنَب فِي وَقت فِيهِ الْعِنَب عَزِيز جدا وَالصَّبِيّ يَأْكُل مِنْهُ وَاحِدَة بعد وَاحِدَة ثمَّ يطعم الْجَمَاعَة عنبه عنبة على الدّور حَتَّى فنى العنقود والمعتضد يتمزق غيظاً ثمَّ رَجَعَ وَلم يدْخل الدَّار فرأيته مهموماً فَقلت مَا سَبَب هَذَا يَا سَيِّدي فَقَالَ يَا صافي لَوْلَا الْعَار وَالنَّار لقتلت هَذَا الْغُلَام الْيَوْم فَإِن فِي قَتله صلاحاً للْأمة فَقلت يَا سَيِّدي مَا شَأْنه وَأي شَيْء غمك أُعِيذك بِاللَّه من هَذَا فَقَالَ وَيحك أَنا بَصِير بِمَا أَقُول أَنا رجل قد سست الْأُمُور وأصلحت الدُّنْيَا بعد فَسَاد شَدِيد وَلَا بُد من موتِي وَأَنا أعلم أَن النَّاس بعدِي لَا يختارون أحدا على وَلَدي إِنَّهُم سيجلسون ابْني عليا يَعْنِي المكتفي وَمَا أَظن عمره يطول لِلْعِلَّةِ الَّتِي بِهِ يَعْنِي الْخَنَازِير الَّتِي فِي حلقه فيتلف عَن قريب وَلَا يرى النَّاس إخْرَاجهَا عَن وَلَدي وَلَا يَجدونَ بعد أمثل من جَعْفَر يَعْنِي المقتدر وَهُوَ صبي وَله من الطَّبْع والسخاء مَا قد رَأَيْته من أَنه أطْعم الوصائف مثل مَا أكل وساوى بَينه وَبينهمْ فِي شَيْء عَزِيز فِي الْعَالم وَالشح على مثله فِي طبائع الصّبيان غَالب فيحتوي على النِّسَاء لقرب عَهده بِهن فَيقسم مَا جمعته من الْأَمْوَال كَمَا قسم الْعِنَب ويبذر خراج الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 فتضيع الثغور وتعظم الْأُمُور وتحدث الْحَوَادِث والأسباب الَّتِي فِيهَا زَوَال الْملك عَن بني الْعَبَّاس فَقلت يَا مولَايَ يتخلق بأخلاقك وَلَا يكون هَذَا الَّذِي ظَنَنْت فَقَالَ وَيحك احفظ عني مَا أَقُول فَإِنَّهُ كَمَا قلت وَمكث يَوْمه مهموماً وضربه الدَّهْر ضَرْبَة وَمَات المعتضد وَولى المكتفي وَلم يطلّ عمره وَولي المقتدر فَكَانَ مَا ذكره المعتضد فوَاللَّه لقد وقفت على رَأس المقتدر وَهُوَ فِي مجْلِس لهوه فَدَعَا بالأموال فأخرجت إِلَيْهِ وَوضعت الْبَدْر بَين يَدَيْهِ فَجعل يفرقها على الْجَوَارِي وَالنِّسَاء ويلعب بهَا ويمحقها ويهبها وَأعْطى القهرمانة سبْحَة جَوْهَر لم ير مثلهَا وَأخرج على النِّسَاء جَمِيع جَوَاهِر الْخلَافَة وأتلف أَمْوَالًا كَثِيرَة مِنْهَا من النَّقْد ثَمَانمِائَة ألف ألف دِينَار فَذكرت قَول مولَايَ المعتضد ثمَّ إِن الْجند وَثبُوا على وزيره فَقَتَلُوهُ وَاتَّفَقُوا على خلع المقتدر وعقدوا لأبي الْعَبَّاس عبد الله بن المعتز بن المتَوَكل فوليها (خلَافَة عبد الله بن المعتز بن المتَوَكل) لما أقاموه فِي الْخلَافَة لقبوه الْغَالِب بِاللَّه وَقيل المرتضى بِاللَّه بعد أَن شَرط عَلَيْهِم أَلا يكون فِي ذَلِك حَرْب وَلَا سفك دم فَلَمَّا بُويِعَ اسْتمرّ يَوْمًا وَلَيْلَة فَأرْسل إِلَى المقتدر يَأْمُرهُ بإخلاء دَار الْخلَافَة وَأَن يذهب إِلَى دَار مُحَمَّد بن طَاهِر لينْظر فِي أمره فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُول إِلَى المقتدر وبلغه الرسَالَة قَالَ لَيْسَ عِنْدِي جَوَاب إِلَّا السَّيْف وَلبس السِّلَاح وَركب وَمَعَهُ جمَاعَة قَليلَة من خدمه وهم مستسلمون للْقَتْل فِي غَايَة الْخَوْف والوجل وهجوا على عبد الله بن المعتز فأهاله ذَلِك وَألقى الله فِي قلبه الرعب فَانْهَزَمَ هُوَ ووزيره وقاضيه وكل من هُوَ فِي ديوانه ظنا أَن خلف هَؤُلَاءِ أعواناً وأنصارَاً وَقبض المقتدر على ابْن المعتز وحبسه ثمَّ أخرجه من الْحَبْس مَيتا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 قَالَ ابْن خلكان لما أَدخل ابْن المعتز على المقتدر أَمر بِهِ فَطرح على الثَّلج عُريَانا وحشى سراويله ثلجاً فَلم يزل كَذَلِك والمقتدر يشرب إِلَى أَن مَاتَ فِي ربيع الآخر سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَعبد الله بن المعتز لقصر زَمَانه لَا يَنْبَغِي عده من الْخُلَفَاء وَلَكِن قد ذَكرْنَاهُ كَمَا ذكره بعض المؤرخين لفضله وأدبه وَهُوَ أشعر بني الْعَبَّاس بل أشعر بني هَاشم على الْإِطْلَاق وأغزرهم فضلاَ وأدبَاً ودخولا وَمَعْرِفَة بِعلم الموسيقا وَصَاحب التشبيهات المبتكرة الغريبة المخترعة المرقصة الَّتِي لَا يشق لَهُ فِيهَا غُبَار وَكَانَ يَقُول إِذا قلت كَأَن وَلم أجد تَشْبِيها فَقطع الله لساني قلت مِمَّا أحفظ لعبد الله ابْن المعتز من ذَلِك قَوْله فِي تَشْبِيه الْهلَال والثريا حَيْثُ يَقُول من // (المنسرح) // (قَدِ انْقَضَتْ دَوْلةُ الصِّيَامِ وَقدْ ... بَشَّرَ سُقْمُ الهِلاَلِ بِالْعِيدِ) (يَتْلُو الثُّريَّا كَفاغِرٍ شَرِهٍ ... يَفْتَحُ فَاهُ لِأَكْلِ عُنْقُودِ) وَقَوله فِي تَشْبِيه اللَّيْل والهلال والنجوم من // (المنسرح) // (كَأَنَّمَا اللَّيْلُ وَالهِلاَلُ وقَدْ ... لاَحَتْ نُجُومُ السَّماءِ مُنْقَضَّهْ) (وَأْمٌ مِنَ الزَّنْجِ حوْلهُ ذَهَبٌ ... تبْدُرُ مِنْهُ بنَادِقُ الفِضَّهْ) وَقَوله من // (الرجز) // (إِذَا الْهِلالُ فارَقَتْهُ ليْلَتُه ... ) (لِكُلِّ مَنْ يَرْمُقُهُ وَيَنْعَتُهْ ... ) (كَأَنَّهُ أَسْرُ شَابَتْ لِحْيَتُهْ ... ) وَهُوَ صَاحب القصيدة البائية اليتي يفخر فِيهَا على بني هَاشم ويدعى أَوْلَوِيَّة الْخلَافَة ببني الْعَبَّاس وَهُوَ فِي ذَلِك ظَالِم وَهِي قَوْله من // (المتقارب) // (أَلاَ مَنْ لِعَيْنٍ وتَسْكَابِهَا ... تُشَكِّي القَذا وبُكاهَا بِها) (ترَامتْ بِنَا حَادِثاتُ الزَّمَانِ تَرَامِى ... القِسِيِّ بِنشَّابِهَا) (وَيَا رُبَّ ألْسِنةٍ كَالسُّيوفِ ... تُقَطِّعُ أَرْقابَ أَصْحَابِها) (وَكم دُهِيَ المرءُ مِن نفسِهِ ... فمزَّقهُ حَدُّ أَنيابِهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 (فرصه وَإِنْ أمكنَتْ فِي العدوِ ... فَلاَ تُبدِ همَّكَ إلاّ بِهَا) ) فإنْ لم تَلِجْ بابَها مُسْرِعًا ... أتاكَ عدوُّكَ مِنْ بَابِها) (وهلْ نافِعٌ نَدَمٌ بعدَهَا ... وتأميلُ أُخْرَى وأَنَّي بِهَا) (وَمَا يُنْتَقَصْ من شبابِ الرجالِ ... يُزَدْ فِي نُهَاها وَأَلْبابِهَا) (نهيتُ بنِي رَحِمِي نَاصِحًا ... نَصيحَةَ بَرِّ بأنسَابِهَا) (وَقد رَكِبُوا بغيهم وارْتقَوْا ... مَعَارِجَ تَهْوِي بركَّابِهَا) (فَرَامُوا فَرَائِسَ أُسْد الشَّرى ... وَقد نَشِبَتْ بينَ أَنيابِهَا) (دَعُوا الأُسْد تفرسُ ثمَّ اشْبَعُوا ... بِمَا تفضلُ الأسْدُ فِي غابِهَا) وَمِنْهَا (قتلنَا أميةَ فِي دارِها ... ونحنُ أحقُّ بأسلابِهَا) (وَلما أَبَى اللَّهُ أَن تملِكُوا ... نهضْنَا إِلَيْهَا وقٌ مْنَا بِها) (وَنحن ورثنا ثيابَ النَّبِيِّ ... فَلِمْ تَجذِبونَ بأَهْدَابِهَا) (لَكُمْ رَحِمٌ يَا بني بِنْتِهِ ... ولكنْ بنُو العمِّ أولَى بِهَا) (فَمهْلاً بني عَمِّمنَا إنَّها ... عطيَّةُ ربِّ حَبَانا بِهَا) (وَكَانَت تَزَلزلُ فِي العالَمِينَ ... فَشُدَّتْ لَدَيْنا بأَطْنابِهَا) فَرد عَلَيْهِ شَاعِر زَمَانه وفصيح أَوَانه عبد الْعَزِيز بن سَرَايَا الْحلِيّ وأجاد فَقَالَ من // (المتقارب) // (أَلاَ قُلْ لِشرِّ عبيدِ الإِلهِ ... وَطَاغي قريسٍ وَكَذَّابِهَا) (أَأَنْتَ تُفَاخِرُ آلَ النبيِّ ... وَتَجْحَدُهَا فَضْلَ أَنْسَابِهَا) (بِكُمْ بَاهَلَ المُصْطَفى أَمْ بِهِمْ ... وَرَدَّ العُدَاةَ بِأَوْصَابِهَا) (أَعَنْكُم نَفَى الرِّجْسَ أَمْ عَنْهُمُ ... لِطُهْرِ النُّفُوسِ وَأَلْبَابِهَا) (أَمِ الشُّرْبُ واللهْوُ مِنْ دَأْبِكُمْ ... وَفَرْطُ العِبَادَةِ مِنْ دأبِهَا) (وقلتم ورِثْنَا ثِياب النَّبِيِّ ... فَلِمْ تَجْذِبُونَ بأهْدَابِهَا) (وعندكَ لاَ تُورَثُ الأنبياءُ ... فكَيْفَ حظِيتُمْ بأَثْوَابِهَا) (فكذبْتَ نَفْسَك فِي الحالَتَيْنِ ... وَلم تعلمِ الشَّهْدَ مِنْ صَابِها) (أَجَدُّكَ يرْضَى بِمَا قلتَهُ ... وَمَا كَانَ يوْمًا بمُرْتَابِهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 (وَكَانَ ب صِفِّينَ من حِزْبِهِمْ ... لحربِ الطُّغَاةِ وأحْزَابِهَا) (وَقد شَمَّرَ المَوْتُ عَن سَاقِهِ ... وكَشَّرَتِ الحَرْبُ عَن نَابِهَا) (فأقبلَ يَدْعُو إِلَى حَيْدرٍ ... بِإْعَرابها وبإرْهَابِهَا) (وآثرَ أَنْ ترتضيه الأَنامُ ... مِنَ الحَكَمَينِ لإسْهَابِهَا) (ليُعْطِى الخِلافَةَ أَهْلاً لَها ... فَلم يرتضوه لأَنجابِهَا) (وَصَلَّى معَ الناسِ طولَ الحياةِ ... وحَيْدَرُ فِي صدرِ مِحْرابِهَا) (فَهَلاَّ تَقَمَّصَها جَدُّكُمْ ... إِذَا كانَ ذَلِك أَحْرَى بِهَا) (وإِذْ جعَل الأمرَ شُورَى لَهُم ... فَهلْ كَانَ من بَعْضِ أَرْبَابِهَا) (أَخَامِسَهُمْ كَانَ أَمْ سَادِسًا ... وَقَدْ جُليَتْ بَيْن خطَّابِها) (وقولُكَ أَنْتُم بنُو بنتِهِ ... وَلَكِنْ بَنُو العَمِّ أَولَى بِهَا) (بَنُو البِنْتِ أَيْضا بَنُو عمّهِ ... وذَلِكَ أَدْنَى لِأَنْسَابِهَا) (فدَعْ فِي الخلاَفَةِ فصْلَ الخِطَابِ ... فليسَتْ ذَلُولاً لِرُكَّابِهَا) (وَمَا أَنْت والفَحْصَ عَنْ شَأْنِهَا ... وَمَا قمَّصُوكَ بِأَثْوَابِهَا) (وَمَا ساوَرَتْكَ سِوَى سَاعَةٍ ... فَمَا كُنْتَ أَهْلاً لأَلْقَابِهَا) (وَكَيْفَ يخُصُّوكَ يوْمًا بِهًا ... ولمْ تَتَأَدَّبْ بِآدابِهَا) (وقُلْت بأنَّكُمُ القَاتِلُون ... أسودَ أُمَيَّةَ فِي غابِهَا) (كَذبْتَ وَأَسْرَفْت فِيمَا ادَّعَيْتَ ... وَلَمْ تَفْدِ نفَسكَ عنْ عَابِهَا) (فَكَمْ حَاوَلَتْهَا سَرَاةٌ لَكُمْ ... فَردَّتْ عَلَى نَكْصِ أَعْقَابِِهَا) (وَلَوْلَا سُيُوف أبي مُسْلِمٍ ... لَعَزَّتْ عَلَى جَهْدِ طلاَّبِهَا) ) وَذَلِكَ عَبْدُ لَهُمْ لاَ لَكُمْ ... رَعَى فيكمُ قُرْبَ أَنْسَابِهَا) (وَكنتُمْ أَسََارَى بِبطْنِ الحُبُوسِ ... وقَد شَفَّكُمْ لَثْمُ أَعْقَابِهَا) (فَأَخْرَجَكُمْ وَحبَاكُمْ بِها ... وَقَمَّصَكُمْ فَضْلَ جِلْبَابِهَا ... (فجازَيْتُمُوه بِشرِّ الجَزَاءِ ... لطغْوَى النُّفُوسِ وَإِعْجَابِهَا) (فدَعْ ذِكْرَ قَوْم رَضُوا بالكَفافِ ... وجاءُوا القَنَاعَةَ مِنْ بابِهَا) (هُمُ الزَّاهِدُونَ هُمُ العابِدُون ... هُمُ العامِلُون بآدابهَا) (هُمُ القََائِمُونَ هُمُ الرَّاكِعُون ... هُمُ السَّاجِدُونَ بِمحْرَابِها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 (هُمُ قُطْبُ مِلَّةِ دِينِ الإِلَهِ ... ودَوْرُ الرُّحِِيِّ بِأَقْطَابِهَا) (عَلَيْكَ بِلَهْوِكَ بالْغَانِيَاتِ ... وَخَلً الامَعَالِي لِأَرْبَابِهَا) (وَوَصْفِ العِذَارِ وَذَاتِ الخِمَارِ ... وَنعْتِ العُقارِ بِأَلْقَابِهَا) (وَشِعْرِكَ فِي مَدْحِ تَرْكِ الصَّلاَةِ ... وَسَعْىِ السُّقَاةِ بِأَكْوَابِهَا) (فَذَلِكَ شَأْنُكَ لاَ شَأْنُهُمْ ... وَجَرْىُ الجِيَادِ بِأَحْسَابِهَا) وَاسْتمرّ المقتدر فِي الْخلَافَة إِلَى أَن خرج عَلَيْهِ مؤنس الْخَادِم مقدم جَيْشه وَذَلِكَ سنة سبع عشرَة وثلاثمائة لأمر بلغه عَنهُ وَهُوَ أَنه قد عزم على اغتياله فَبلغ المقتدر مَا نقل إِلَى مؤنس فَحلف المقتدر على بطلَان ذَلِك معتذرَاً إِلَى مؤنس فأسرها مؤنس وَلم يقبل حلفه وَلَا عذره وَركب والجيش مَعَه وَجَاءُوا دَار الْخلَافَة فهرب خَواص المقتدر وَأشْهد المقتدر على نَفسه بِالْخلْعِ وأحضر مؤنس أَبَا مَنْصُور مُحَمَّد بن المعتضد وَبَايَعَهُ ولقب بالقاهر بِاللَّه وفوضت الوزارة إِلَى الْوَزير أبي عَليّ ابْن مقلة الْكَاتِب الْمَشْهُور وَاسْتقر القاهر وَكتب الْوَزير إِلَى سَائِر الْبِلَاد وَعمل يَوْم الِاثْنَيْنِ الدِّيوَان فجَاء الْعَسْكَر يطْلبُونَ مِنْهُ رسم الْبيعَة فارتفعت الْأَصْوَات فَمَنعهُمْ الْحَاجِب من الدُّخُول إِلَى الْخَلِيفَة القاهر فَقتلُوا الْحَاجِب ومالوا إِلَى دَار مؤنس الْخَادِم وأخرجوا المقتدر من الْحَبْس وَحَمَلُوهُ على أَعْنَاقهم إِلَى دَار الْخلَافَة فَجَلَسَ على سريرها وأتوه بأَخيه القاهر وَهُوَ مقهور يبكي وَيَقُول الله الله يَا أخي فِي روحي فاستدناه المقتدر وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ يَا أخي لَا ذَنْب لَك الذَّنب لمؤنس وَأَنت مُضْطَر مغلوب على أَمرك وَالله لَا ينالك مني مَكْرُوه فطب نفسا وقر عينا وبذل المقتدر الْأَمْوَال للجند واسترضاه وَثبتت لَهُ الْخلَافَة بعد الْعَزْل مرَّتَيْنِ الأول بالمعتز وَالثَّانيَِة بالقاهر وَهَذِه التَّوْلِيَة ثَالِث مرّة وَالثَّالِثَة ثَابِتَة وَمن محَاسِن المقتدر أَنه زَاد فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بَاب إِبْرَاهِيم فِي الْجَانِب الغربي مِنْهُ وَلَيْسَ المُرَاد بإبراهيم الْمُضَاف إِلَيْهِ هَذَا الْبَاب سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر النَّبِيين أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّمَا هُوَ إِبْرَاهِيم كَانَ خياطاً يجلِسُ عِنْد الْبَاب وَعمر دهراً فَعرف الْبَاب بِهِ وأضيف إِلَيْهِ كَذَا فِي أَعْلَام القطبي وقدمت على المقتدر رسل ملك الرّوم بِهَدَايَا لطلب الْهُدْنَة فَعمل المقتدر موكباً عَظِيما لإرهاب الْعَدو فَأَقَامَ مائَة وَسِتِّينَ ألف مقَاتل بِالسِّلَاحِ الْكَامِل سماطين وَأقَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 بعدهمْ الخدم وهم سَبْعَة آلَاف خَادِم ثمَّ الْحجاب وهم سَبْعمِائة حَاجِب وعلق فِي دَار الْخلَافَة ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ ألف ستر ديباج وَكَانَت الْفرش الفاخرة الَّتِي بسطت فِي الأَرْض اثْنَيْنِ وَعشْرين ألف بِسَاط وَفِي الحضرة مائَة سبع بسلاسل الذَّهَب وَالْفِضَّة وأبرز شَجَرَة صيغت من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَغْصَانهَا تتمايل بحركات مصنوعة وعَلى الأغصان طيور ذهب وَفِضة تنفخ فِيهَا الرّيح فَيسمع لكل طير تغريد وصفير خَاص وَهَذَا بعد وَهن الْخلَافَة وضعفها فَكيف كَانَ زينتها فِي أَيَّام دولتهم فِي كَمَال وصفهَا فسبحان من لَا يزَال ملكه وَلَا يَزُول وَفِي هَذِه السّنة وَهِي سنة سبع عشرَة وثلاثمائة لم تشعر الْحجَّاج يَوْم التَّرويَة بِمَكَّة إِلَّا وَقد وافاهم عَدو الله أَبُو طَاهِر القرمطي فِي عَسْكَر جرار فَدَخَلُوا بخيلهم وسلاحهم الْمَسْجِد الْحَرَام وَوَضَعُوا السَّيْف فِي الطائفين والمصلين والمحرمين إِلَى أَن قتلوا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي مَكَّة وشعابها أَزِيد من ثَلَاثِينَ ألف إِنْسَان وركض أَبُو طَاهِر بِسَيْفِهِ مسلولا بِيَدِهِ وَهُوَ سَكرَان فصفر لفرسه عِنْد الْبَيْت فَبَال وراث وَالْحجاج يطوفون وَالسُّيُوف تأخذهم وَقتل فِي المطاف خَاصَّة ألف محرم وطمت بِئْر زَمْزَم بالقتلى وَمَا بِمَكَّة من الْحفر والآبار ملئت بهم وطلع أَبُو طَاهِر إِلَى بَاب الْكَعْبَة فقلعه وَهُوَ يَقُول من // (الرمل) // (أَنَا بِاللَّهِ وَباللَّهِ أَنَا ... يَخْلُقُ الْخَلْقَ وَأُفْنِيهِمْ أَنَا) وأطلع رجلا لقلع الْمِيزَاب فَأَتَاهُ سهم من جبل أبي قبيس فَقتله وأطلع آخر لقلعه فَسقط إِلَى أَسْفَل فانفضخ دماغه فَقَالَ دَعوه حَتَّى يَأْتِي من يَأْخُذهُ وَقتل أَمِير مَكَّة مُحَمَّد بن محَارب وخلقاً من الْعلمَاء والصلحاء واستدعى جَعْفَر بن أبي علاج فَأمره بقلع الْحجر الْأسود فقلعه بعد الْعَصْر يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة من تِلْكَ السّنة وَأقَام بِمَكَّة أحد عشر يَوْمًا وَقيل سِتَّة أَيَّام ثمَّ انْصَرف إِلَى بَلَده هجر وَحمل مَعَه الْحجر الْأسود يُرِيد أَن يحول الْحَج إِلَى بَلَده الَّذِي سَمَّاهُ دَار الْهِجْرَة وَأَرَادَ أَخذ مقَام الْخَلِيل فغيبه بَنو شيبَة فِي بعض شعاب مَكَّة وَلما وصل إِلَى بَلَده علق الْحجر الْأسود فِي الأسطوانة السَّابِعَة مِمَّا يَلِي صحن الْمَسْجِد وَبَقِي الْحجر الْأسود عِنْدهم وبذل لَهُ الْمُطِيع العباسي خمسين ألفا فَلم يردوه إِلَى أَن أيسوا من تَحْويل الْحَج إِلَى بلدهم هجر فَردُّوهُ إِلَى مَحَله من أنفسهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 بعد اثْنَيْنِ وَعشْرين عَاما وَأَرْبَعَة أَيَّام أَتَى بِهِ سمندر بن الْحسن القرمطي إِلَى مَكَّة يَوْم النَّحْر سنة 339 تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَوَضعه وَقَالَ أخذناه بِأَمْر ورددناه بِأَمْر وللقرمطي وعترته سير مُطَوَّلَة وابتلى أَبُو طَاهِر بأكلة فَصَارَ لَحْمه يَتَنَاثَر بالدود فَمَاتَ أشنع موتَة وَفِي التواريخ صور أُخْرَى لهَذِهِ الْقِصَّة متناقضة وَهَذَا ملخص أصح مَا روى فِيهَا فاعتمدنا عَلَيْهِ بِاخْتِصَار ثمَّ وَقع بَين مؤنس والمقتدر حَرْب خرج فِيهِ المقتدر فتوغل فِي المعركة فَضَربهُ بربري من خَلفه فَسقط إِلَى الأَرْض فَقَالَ لضاربه وَيحك أَنا الْخَلِيفَة فَقَالَ أَنْت الْمَطْلُوب وذبحه بِالسَّيْفِ وَرفع رَأسه على الرمْح وسلب مَا على بدنه وَبَقِي مَكْشُوف الْعَوْرَة حَتَّى سُتر بحشيش ثمَّ حفر لَهُ مَكَانَهُ فَدفن وعفي أَثَره وَكَانَت وَفَاته لثمان بَقينَ من شَوَّال سنة عشْرين وثلاثمائة وَمُدَّة خِلَافَته أَولا وَثَانِيا وثالثاً خمس وَعِشْرُونَ سنة إِلَّا أَيَّامًا وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَشهر وَنصف (خلَافَة القاهر بِاللَّه) أَخِيه مُحَمَّد بن المعتضد بن الْمُوفق بِاللَّه بن المتَوَكل بن المعتصم بُويِعَ لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال سنة عشْرين وثلاثمائة وَلما ولي قبض على أَخِيه المكتفي وَأمر بِهِ فأقيم فِي بَيت وسد عَلَيْهِ بالآجر والجص حَتَّى مَاتَ غماً وَقبض على أم المقتدر فطالبها بِمَال لم تقدر عَلَيْهِ فتهددها وضربها بِيَدِهِ وعذبها وعلقها منكوسة حَتَّى كَانَ يجْرِي بولها على وَجههَا وَهِي تَقول أَلَسْت ابْني فِي كتاب الله ألم أخلصك من ابْني المقتدر لما جِيءَ بك إِلَيْهِ تبْكي وَأَنت الْآن تعاقبني هَذِه الْعقُوبَة ثمَّ إِنَّهَا مَاتَت بعدُ عقب ذَلِك ثمَّ إِن الْجند شغبوا عَلَيْهِ وهجموا على دَاره من سَائِر الْأَبْوَاب فهرب إِلَى سطح حمام استتر فِيهِ فَأتوا إِلَيْهِ وقبضوا عَلَيْهِ وخلعوه وحبسوه وسملوا عَيْنَيْهِ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 ابْن البطريق لِأَن القاهر قد ارْتكب أموراً قبيحة لم يسمع بهَا فِي الْإِسْلَام وَكَانَ أهوج طائشاً سفاكَاً للدماء مدمناً للشُّرْب كَانَت لَهُ حَرْبَة يَأْخُذهَا بِيَدِهِ فَلَا يَضَعهَا حَتَّى يقتل بهَا إنْسَانا ولوا الْحَاجِب سَلامَة لأهْلك النَّاس وَحكى أَن رجلا قَالَ صليت فِي جَامع الْمَنْصُور بِبَغْدَاد فَإِذا أَنا بِإِنْسَان عَلَيْهِ جُبَّة عتابية قد ذهب وَجههَا وَبقيت بطانتها وقطنها وَهُوَ يَقُول أَيهَا النَّاس تصدقوا عَليّ بالْأَمْس كنت أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَنا الْيَوْم من فُقَرَاء الْمُسلمين فَسَأَلت عَنهُ فَقيل لي إِنَّه القاهر بِاللَّه كَانَت مُدَّة خِلَافَته سِتّ سِنِين وَسَبْعَة أشهر ووفاته تَأَخَّرت إِلَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وعمره اثْنَان وَخَمْسُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر (خلَافَة الراضي بِاللَّه) أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن المقتدر بن المعتضد بن الْمُوفق بن المتَوَكل بن المعتصم بُويِعَ بالخلافة يَوْم خلع عَمه القاهر سنة سِتّ وَعشْرين وثلاثمائة واستوزر أَبَا عَليّ بن مقلة وَأطلق كل من كَانَ فِي حبس القاهر ثمَّ قبض على ابْن مقلة وَسبب ذَلِك أَن مُحَمَّد بن رائق كَانَ بواسط متغلباً عَلَيْهَا إِلَّا أَن الضَّرُورَة ألجأته إِلَى ذَلِك لاضطراب الْأُمُور عَلَيْهِ ولضعف من يَلِي الوزارة عَن الْقيام بهَا فأحضر الراضي الْقُضَاة وأعلمهم بِأَن ابْن مقلة راسله فِي مُحَمَّد بن رائق فأفتوا بِقطع يَده الْيُمْنَى وَبعد أَيَّام قطع لِسَانه ثمَّ مَاتَ فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة ودعا الراضي بِاللَّه مُحَمَّد بن رائق فَقدم إِلَى بَغْدَاد فَجعله الراضي أَمِير الْأُمَرَاء وفوض إِلَيْهِ تَدْبِير المملكة وَمن ذَلِك الْيَوْم بَطل أَمر الوزارة بِبَغْدَاد وَلم يبْق إِلَّا اسْمهَا وَالْحكم لِلْأُمَرَاءِ والملوك المتغلبين فَكَانَ قدومه لخمس بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 ثمَّ دخلت سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة وَالدُّنْيَا فِي أَيدي المتغلبين وكل من حصل فِي يَده بلد ملكه ومانع عَلَيْهِ فالبصرة وواسط والأهواز فِي يَد عبد الله اليزيدي وأخوته وَفَارِس فِي يَد عماد الدولة بن بويه الديلمي والموصل وديار ربيعَة وَمُضر فِي أَيدي بني حمدَان الْحسن بن حمدَان وناصر الدولة وَسيف الدولة ومصر وَالشَّام فِي يَد أبي بكر مُحَمَّد بن طغج الإخشيدي وَالْمغْرب وإفريقية فِي يَد الْمهْدي الفاطمي والأندلس فِي يَد بني أُميَّة أَوْلَاد عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام ابْن عبد الْملك الْأمَوِي وخراسان وَمَا والاها فِي يَد نصر بن أَحْمد الساماني واليمامة وهجر والبحرين فِي يَد أَوْلَاد أبي طَاهِر القرمطي وَلم يبْق فِي يَد الراضي وَابْن رائق سوى بَغْدَاد وَمَا ولاها وتعطلت دواوين المملكة وَنقص قدر الْخلَافَة وَضعف ملكهَا فَتوفي الراضي بِاللَّه خَامِس ربيع الأول سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة بعلة الاسْتِسْقَاء والسحج وَكَانَ أكبر أَسبَاب علته كَثْرَة الْجِمَاع وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته ثَلَاث سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَهُوَ آخر خَليفَة لَهُ شعر مدون وَآخر خَليفَة انْفَرد بتدبر الجيوش وَالْأَمْوَال وَآخر خَليفَة خطب يَوْم الْجُمُعَة وجالس الندمان وَكَانَت جوائزه وأموره على تَرْتِيب الْمُتَقَدِّمين وَمن شعره قَوْله من // (مجزوء الْخَفِيف) // (كُلُّ صَفْوٍ إِلى كَدَرْ ... كُلُّ أَمْنٍ إِلَى حذَرْ) (وَمصِيرُ الشَّبابِ لِلْمَوْتِ ... فِيهِ أوِ الْكدَرْ) (درَّ دَرُّ المَشِيبِ مِنْ ... وَاعِظٍ يُنْذِرُ البَشرْ) (أَيُّهَا الْآمِلُ الَّذِي ... تاهَ فِي لُجَّةِ القَدَرْ) (أَيْنَ مَنْ كانَ قَبْلَنَا ... ذهَبَ الْعَيْنُ وَالأَثَرْ) (رَبَّ فَاغفِرْ لِيَ الْخَطِيئَةَ ... يَا خَيْرَ منْ غفَرْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 (خلَافَة المتقي لله) أَخُوهُ إِبْرَاهِيم بن المقتدر بن المعتضد بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم موت أَخِيه الراضي فصلى رَكْعَتَيْنِ وَركب السرير وَكَانَ ذَا دين وورع وزهد وَلِهَذَا لقبوه المتقي وَلم يكن لَهُ من الْخلَافَة إِلَّا الِاسْم وَالتَّصَرُّف لتوزون ثمَّ إِنَّه زَاد استيلاؤه فَخلع المتقي وَسلمهُ لِابْنِ عَمه المستكفي فَأخْرجهُ إِلَى جَزِيرَة بِقرب السَّنَد وأكلحه بعد أَن أشهد المتقي على نَفسه بِالْخلْعِ سنة 333 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَكَانَت خِلَافَته ثَلَاث سِنِين وَأحد عشر شهرَاً وَلما توفّي قَالَ القاهر وَكَانَ يعِيش من // (السَّرِيع) // (صِرْتُ وَإِبْرَاهِيم شَيْخَيْ عَمًى ... لاَ بُدَّ لِلشَّيْخَينِ مِنْ مَصْدَرِ) (مَا دَامَ توزون لَهُ إِمْرَةٌ ... مُطَاعَةٌ فَالْمَيْلُ فِي المَجْمَرِ) وَلم يحل الْحول على توزون حَتَّى مَاتَ وَكَانَ عُمر المتقي اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة وَسِتَّة أشهر واثني عشر يَوْمًا (خلَافَة المستكفي بِاللَّه) أبي الْقَاسِم عبد الله المستكفي عَليّ بن المعتضد بُويِعَ بالخلافة بعد ابْن عَمه وَفِي أَيَّامه قدم معز الدولة أَحْمد بن بويه الديلمي إِلَى بَغْدَاد فَخلع عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ أَمر المملكة وتدبيرها وَأمر أَن يخْطب لَهُ على المنابر ولقبه بمعز الدولة ولقب أَخَاهُ أَبَا الْحسن عَليّ بعماد الدولة ولقب أخاهما أَبَا الْفَتْح بِرُكْن الدولة وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 قدومه سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ثمَّ وَقعت الْفِتْنَة بَينه وَبَين معز الدولة وَقبض عَلَيْهِ وسمل عَيْنَيْهِ وَسبب ذَلِك أَن معز الدولة بلغه أَن المستكفي قد دبر على هَلَاكه فَدخل وَقبل الأَرْض ثمَّ قبل يَده وَطرح لَهُ كرسيُّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثمَّ تقدم إِلَيْهِ رجلَانِ من الديلم ومدا أَيْدِيهِمَا إِلَى المستكفي فَظن أَنَّهُمَا يُريدَان تَقْبِيل يَده فَمدَّهَا إِلَيْهِمَا فجذباه من أَعلَى السرير وَجعلا عمَامَته فِي عُنُقه ثمَّ سحب لى دَار معز الدولة فاعتقله ثمَّ خلعه وسمل عَيْنَيْهِ فَصَارَ ثَالِثا للأولين قبله وانتهبت دَار الْخلَافَة حَتَّى لم يبْق فِيهَا شَيْء وَكَانَ خلعه فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَمُدَّة خِلَافَته سنة وَاحِدَة وَأَرْبَعَة أشهر ويومان وعمره سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة وشهران وَكَانَت وَفَاته فِي بَيت معز الدولة فِي ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة (خلَافَة الطيع بِاللَّه) الْفضل بن المقتدر بن المعتضد ضعفت فِي زَمَنه الْخلَافَة وَكَاد ينمحي رسمها وَلَا يذكر اسْمهَا وَغلب على الْأَمر معز الدولة والمطيع لَا نهى لَهُ وَلَا أَمر وَلَا خلَافَة تذكر وَعين لَهُ معز الدولة فِي كل يَوْم مائَة دِينَار فَهَذَا كَانَ حَظه من الْخلَافَة وانقطعت الْخطْبَة لبني الْعَبَّاس فِي مصر وَالشَّام والحجاز وَغلب على الْمُطِيع مرض الفالج واشتدت زمانته فَجعل ابْنه ولي عَهده مَعَ ضعف حَاله وَتُوفِّي فِي أَيَّامه معز الدولة سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة فَقَامَ وَلَده عز الدولة بختيار مقَام وَالِده وقلده الْمُطِيع مَوضِع أَبِيه وخلع عَلَيْهِ فاستقل بالأمور كأبيه وَفِي سنة ثَمَان وَخمسين توفّي كافور الإخشيدي صَاحب مصر وفيهَا قدم جَوْهَر الْقَائِد الرُّومِي غُلَام الْمعز لدين الله الفاطمي صَاحب إفريقية إِلَى مصر وَأقَام بهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 الدعْوَة لسَيِّده الْمعز الفاطمي وَبَايَعَهُ النَّاس على ذَلِك وانقطعت الْخطْبَة بِمصْر عَن بني الْعَبَّاس وَشرع فِي بِنَاء الْقَاهِرَة والقصرين ثمَّ دخل الْمعز بِنَفسِهِ مصر لثمان بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة كَمَا سنذكر ذَلِك عِنْد فتح مصر فِي الْبَاب الثَّالِث الْمَعْقُود للدولة الفاطمية إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلما تغلب سبكتكين التركي وَهُوَ غُلَام معز الدولة وقويت شوكته ونفذت كَلمته وانضاف إِلَى ذَلِك مَا لحق الْمُطِيع من الفالج وَالْمَرَض خلع نَفسه طَائِعا من الْخلَافَة وَسلمهَا لوَلَده الطائع عبد الْكَرِيم وَقيل أَبُو بكر ولقبه الطائع لله وَذَلِكَ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة ثمَّ توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَكَانَت خِلَافَته تسعا وَعشْرين سنة وَسِتَّة أشهر وَأحد عشر يَوْمًا وعمره تسع وَخَمْسُونَ سنة وَسَبْعَة أشهر وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا (خلَافَة الطائع لله) عبد الْكَرِيم بن الْمُطِيع الْفضل بن المقتدر بن المعتضد بُويِعَ لَهُ بالخلافة وَالْأَمر مغلوب عَلَيْهِ وَمَا لَهُ إِلَّا الِاسْم لم يل الْخلَافَة من بني الْعَبَّاس أكبر سنا مِنْهُ كَانَ عمره حِين اسْتخْلف سبعا وَأَرْبَعين سنة وَلم يتقلد الْخلَافَة مِنْهُم من أَبوهُ حَيّ غَيره وَغير أبي بكر الصّديق فِي الْخُلَفَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنهم وَلما ولي خلع على بكتكين التركي فولاه مَا وَرَاء بَابه وَفِي أَيَّامه استولى عضد الدولة على بَغْدَاد وملكها فَخلع عَلَيْهِ الطائع وَتوجه بتاج جَوْهَر وطوقة وسوَره وَعقد لَهُ لواءين بِيَدِهِ أَحدهمَا مفضض وَالْآخر مَذْهَب على رسم وُلَاة العهود وَلم يعْهَد هَذَا اللِّوَاء الثَّانِي لغيره وَأمر بِضَرْب الدبادب على بابة صبحاً ومغرباً وعشاء وَأَنه يخْطب لَهُ على مَنَابِر الحضرة وَذَلِكَ بعد محاربة عضد الدولة لِابْنِ عَمه عز الدولة ابْن معز الدولة وظفره بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 وَلما مَاتَ عضد الدولة قَامَ وَلَده بهاء الدولة بن عضد الدولة بتدبير المملكة بعد وَالِده فَخلع عَلَيْهِ الطائع وقلده مَا كَانَ قلد أَبَاهُ ثمَّ إِن بهاء الدولة أمسك الطائع واعتقله ونهبت دَار الْخلَافَة ثمَّ أشهد على الطائع بخلع نَفسه من الْخلَافَة وتسليمها إِلَى أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن إِسْحَاق بن المقتدر وَكَانَ الْخلْع وَالْإِشْهَاد فِي شهر شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَأقَام مخلوعاً إِلَى أَن توفّي فِي لَيْلَة عيد الْفطر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سبع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وَتِسْعَة أَيَّام وَكَانَ عمره ثَلَاثًا وَخمسين سنة (خلَافَة الْقَادِر بِاللَّه) هُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الْأَمِير إِسْحَاق بن المقتدر بن جَعْفَر بن المعتضد كَانَ رجلا صَالحا عَالما كثير التَّهَجُّد وَالصَّدقَات وصنف كتابَاً فِي فضل الصَّحَابَة وذم الروافض وَكَانَ يقْرَأ فِي الْمَسَاجِد والجوامع بُويِعَ بالخلافة لَيْلَة خلع الطائع نَفسه وَكَانَ غَائِبا فَقدم فِي عَاشر رَمَضَان وَجلسَ من الْغَد جلوسَاً عَاما وهنئ وَأنْشد الشّعْر بَين يَدَيْهِ وَمن ذَلِك قَول الشريف الرضي من قصيدة من // (الْكَامِل) // (شَرَفُ الْخِلاَفَةِ يَا بَنِي الْعَبَّاسِ ... ألْيَوْمَ جَدَّدَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ) (ذَا الطَّوْدُ أَبْقَاهُ الزَّمَانُ ذَخِيرَةً ... مِنْ ذَلِكَ الجَبَلِ العَظِيمِ الرَّاسِي) يَحْكِي أَن فِي زَمَانه جِيءَ إِلَيْهِ بِرَجُل قامته ذِرَاع وَاحِد ولحيته شبران وأذناه فِي غَايَة الطول وَالْعرض المفرط دور الْوَاحِدَة أَرْبَعَة أَذْرع فطافوا بِهِ بَغْدَاد وَكَانَ من يَأْجُوج وَمَأْجُوج رمت بِهِ الرّيح من فَوق السد فأحضر الْقَادِر لَهُ أجناسَاً من التّرْك فَلم يفهموا كَلَامه وَاسْتمرّ الْقَادِر إِلَى أَن توفّي حادي عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 وَأَرْبَعمِائَة وَمُدَّة خِلَافَته إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وعمره سِتّ وَثَمَانُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر ويومان قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ كَانَ فِي عصر الْقَادِر رَأس الأشعرية الإِمَام الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني قلت هَذَا الإِمَام هُوَ جد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى جَامع هَذَا الْكتاب وَقد ذكره ابْن قُتَيْبَة وَغَيره بالسيادة وَشرف النِّسْبَة المحمدية الحسينية وَالْبَعْض الآخر لم يذكرهُ بسيادة وَشرف من المؤرخين لنسبه فَيحْتَمل صِحَة النِّسْبَة وَيكون من إِطْلَاق من أطلق اعْتِمَادًا على تَقْيِيد من قيد على أَن لي اتِّصَالًا لَا ريب فِيهِ بنسبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جِهَة الْأُم فأرجو بهما أَو بِهِ الْفَوْز الآخروي بِرِضا الله تَعَالَى على أَنِّي بِحَمْد الله متشرف بانتظامي فِي سلك وارثي علمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فرعا عَن أصل آصل سلسلة علم مَا فصلها بِحَمْد الله جَاهِل عُلَمَاء محققين فضلاء مدرسين وَإِن عريت عزائمي عَن ذَاك ومنيت أسبابي عَمَّا هُنَاكَ فَفِي ولائي لأهل يته ومحبتي وَحسن اعتقادي وخدمتي مَا يُقَوي قوى أمراس أملي وأطمع بِهِ أَن يمحي خطأ خطط خطلي وَرَأس المعتزله القَاضِي عبد الْجَبَّار وَرَأس الرافضة ابْن الْمعلم وَرَأس الكرامية مُحَمَّد بن الهيصم وَرَأس الْقُرَّاء أَبُو الْحسن الحمامي وَرَأس الْمُحدثين الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد وَرَأس الصُّوفِيَّة أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ صَاحب كتاب مَنَاقِب الْأَبْرَار ومحاسن الأخيار وَرَأس الشُّعَرَاء أَبُو عَمْرو بن دراج وَرَأس الْكتاب المجودين ابْن البواب وَرَأس الْمُلُوك السُّلْطَان مَحْمُود بن سُبكتكين انْتهى وَزَاد السُّيُوطِيّ فَقَالَ وَرَأس الزَّنَادِقَة الْحَاكِم بِأَمْر الله العبيدي وَرَأس اللغويين إِسْمَاعِيل الْجَوْهَرِي وَرَأس النُّحَاة عُثْمَان بن جني وَرَأس البلغاء البديع الهمذاني وَرَأس الخطباء ابْن نباتة صَاحب الْخطب الْمَشْهُورَة وَرَأس الْمُفَسّرين أَبُو الْقَاسِم ابْن حبيب النَّيْسَابُورِي وَرَأس الْخُلَفَاء الْقَادِر بِاللَّه فَإِنَّهُ من أعلامهم تفقه وصنف ومدته فِي الْخلَافَة من أطول المدد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 (خلَافَة الْقَائِم بِأَمْر الله) عبد الله بن الْقَادِر بِاللَّه أَحْمد ابْن الْأَمِير إِسْحَاق بن المقتدر بن المعتضد كَانَ خَيراً دينا فَاضلا صَالحا مَغْلُوبًا على أمره مُدَّة زَمَانه أمه أرمنية اسْمهَا قطر الندى أدْركْت خِلَافَته بُويِعَ بالخلافة يَوْم مَاتَ أَبوهُ الْقَادِر بِاللَّه وَكَانَت بيعَته بِحَضْرَة الْقُضَاة والأمراء والكبراء فَكَانَ أول من بايعة الشريف الرضي الموسوي وَأنْشد من // (المتقارب) // (فَإِمَّا مَضَى جَبَلٌ وَانْقَضَى ... فمِنْكَ لَنَا جَبَلٌ قَدْ رَسَا) (وَإِمَّا فُجِعْنَا بِبَدْرِ التِّمامِ ... فَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ شَمْسُ الضُّحَى) ) لَنَا حَزَنٌ مِنْ خِلاَلِ السُّرُورِ ... فَكَمْ ضَحِكٌ مِنْ خِلاَلِ البُكَا) (فَيا صَارِمًا أَغْمَدَتْهُ يَدٌ ... لنَا بَعْدَك الصَّارِمُ المُنْتَضَى) (وَلَمَّا حَضَرْنَاكَ عَقْدَ البَيَانِ ... عَرَفْنَا بِهَدْيِكَ طُرْقَ الهُدَى) (فقَابَلْتَنَا بِوَقَارِ المِشَيبِ ... كمَالاً وَسِنُّكَ سِنُّ الفَتَى) واستوزر أَبَا طَالب مُحَمَّد بن أَيُّوب واستقصى ابْن مَاكُولَا الإِمَام الْمَشْهُور فِي أَيَّامه وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة كَانَ انْقِرَاض الدولة الديلمية دولة بني بويه وَكَانَت مدَّتهَا مائَة وسبعَاً وَعشْرين سنة وابتدأت دولة السلاطين السلجوقية قَالَ الذَّهَبِيّ وَآل سلجوق هم مُلُوك الرّوم وَقد امتدت أيامهم وَبَقِي مِنْهُم بَقِيَّة إِلَى زمن الْملك الظَّاهِر وَفِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فِي خلَافَة الْقَائِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 الْمَذْكُور كَانَ حريق جَامع دمشق الَّذِي كَانَ عمره الْوَلِيد بن عبد الْملك وكلفه وَقد تقدم ذكره عِنْد ذكر خلَافَة الْوَلِيد وَكَانَ حريقه فِي هَذِه السّنة وَسبب الْحَرِيق أَن غلْمَان الفاطميين والعباسيين اخْتَصَمُوا فِيمَا بَينهم فألقيت نَارا بدار الْملك وَهِي الخضراء بِجَانِب الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة فاحترقت وتعدى حريقها حَتَّى وصل إِلَى الْجَامِع فَسَقَطت سقوفه وتناثرت فصوصه المذهبة الني على جدرانه وتغيرت معالمه ومحاسنه وتبدلت بهجته بضدها وَقد كَانَت سقوفة مذهبَة مبطنة كلهَا والجملونات من فَوْقهَا وجدرانه بالفصوص المذهبة والملونة مُصَور فِيهَا جَمِيع بِلَاد الدُّنْيَا الْكَعْبَة وَمَكَّة فَوق الْمِحْرَاب والبلاد كلهَا شرقيها وغربيها كل فِي مَكَانَهُ اللَّائِق بِهِ وَفِيه كل شَجَرَة مثمرة وَغير مثمرة كل مُصَور فِي بلدانه وأوطانه والستور مرخاة على أبوابه النافذة إِلَى الصحن وعَلى أصل الْحِيطَان إِلَى مِقْدَار الثُّلُث مِنْهَا وَبَاقِي الجدران بالفصوص المذهبة والملونة وأرضه كلهَا بالفصوص الرخام الملون وَلم يكن فِي الدُّنْيَا بِنَاء أحسن مِنْهُ لَا قُصُور الْمُلُوك وَلَا غَيرهَا من دور الْخُلَفَاء وَغَيرهم ثمَّ لما وَقع هَذَا تبدل الْحَال الْكَامِل بضده وَصَارَت أرضه طيناً فِي الشتَاء غباراً فِي الصَّيف وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى تبلط فِي زمن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بعد الستمائة وَكَانَ جَمِيع مَا سقط من الرخام وَغَيره مستودعاً فِي الْمشَاهد الْأَرْبَعَة شرقيه وغربيه حَتَّى فرغها من ذَلِك القَاضِي كَمَال الدّين الشهرزوري فِي زمن الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود بن زنكي حِين ولاه نظر الْأَوْقَاف كلهَا وَلم تزل الْمُلُوك تجدّد فِي محاسنة إِلَى زَمَاننَا هَذَا فتماثل حَاله فِي زمن الْأَمِير شكر بن عبد الله الناصري نَائِب الشَّام وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَأما الخضراء وَهِي دَار الْملك والإمارة فبادت وَصَارَت كوماً تُرَابا بَعْدَمَا كَانَت فِي غَايَة الإحكام والإتقان وَحسن الْبناء وَطيب الفناء فَهِيَ إِلَى يَوْمنَا هَذَا لَا يسكنهَا لرذالة مَكَانهَا إِلَّا سفلَةُ النَّاس وأسقاطهم بعد مَا كَانَت دَار الْملك والإمارة مُنْذُ أسسها مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْأمَوِي كَذَا فِي تَارِيخ ابْن السُّبْكِيّ وَكَانَ الْقَائِم بِأَمْر الله أَبيض مليح الْوَجْه مشربَاً بحمرة ورعاً زاهداً عابداً مرِيدا لقَضَاء حوائج الْمُسلمين موقرَاً لأهل الْعلم مُعْتَقدًا فِي الْفُقَرَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 وَالصَّالِحِينَ وَلم يقم أحد فِي الْخلَافَة إِقَامَته كَانَت مدَّته أربعَاً وَأَرْبَعين سنة وَثَمَانِية أشهر وَقيل خمسَاً وَأَرْبَعين سنة وَكَانَت وَفَاته سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة لعشرة أَيَّام مَضَت من شعْبَان قَالَ ابْن السُّبْكِيّ افتصد الْقَائِم بِأَمْر الله يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن وَالْعِشْرين من رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة من ماشرا كَانَ يعتاده قلت ماشرا اسْم لعِلَّة نَعُوذ بِاللَّه من جَمِيع الْعِلَل ثمَّ نَام فانفجر فصاده فَاسْتَيْقَظَ وَقد سَقَطت كل قوته وَحصل الْيَأْس مِنْهُ فَدَعَا حفيده وَولي عَهده من بعده عُمْدَة الدّين أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد ابْنه وأحضر إِلَيْهِ الْفُقَهَاء والنقباء وَأشْهد عَلَيْهِ ثَانِيًا بِولَايَة الْعَهْد لَهُ من بعده فَشَهِدُوا ثمَّ توفّي وَكَانَ عمره أربعَاً وَسبعين سنة وَثَمَانِية أشر وَثَمَانِية أَيَّام ومدته أَرْبعا وَأَرْبَعين سنة وَمُدَّة أَبِيه قبله إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة فمجموعهما خمس وَثَمَانُونَ سنة وَأشهر وَذَلِكَ مقارب لمُدَّة دولة بني أُميَّة كلهَا (خلَافَة الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله) هُوَ الْقَاسِم عُمْدَة الدّين عبد الله بن ذخيرة الدّين مُحَمَّد ابْن الْخَلِيفَة الْقَائِم عبد الله ابْن الْقَادِر أَحْمد بن الأْمير إِسْحَاق بن المقتدر بن المعتضد بن الْمُوفق طَلْحَة بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم وَفَاة جده الْقَائِم بِأَمْر الله وَذَلِكَ أَنه لما افتصد استدعى ابْن ابْنه هَذَا عبد الله ولقبه الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فَلَمَّا مَاتَ جده الْقَائِم بِأَمْر الله الْمَذْكُور بُويِعَ بالخلافة يَوْم وَفَاته بِحَضْرَة الإِمَام الْوَلِيّ الشهير أبي إِسْحَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي صَاحب كتاب التَّنْبِيه والمهذب وَغَيرهمَا أحد أَرْكَان أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة ثمَّ إِن الْمُقْتَدِي جهز الإِمَام الْمَذْكُور إِلَى نسابور إِلَى جلال الدولة ملك شاه السلجوقي سفيراً لَهُ فِي خطْبَة ابْنَته فنجز الشّغل وناظر إِمَام الْحَرَمَيْنِ هُنَاكَ ثمَّ ودعه إِمَام الْحَرَمَيْنِ حَال خُرُوجه وَأخذ بركاب بغلته حَتَّى ركب وَكَانَ الْمُقْتَدِي قد بَايع بالعهد لوَلَده المستظهر بعده ثمَّ لما ولدت ابْنة ملك شاه من الْخَلِيفَة الْمُقْتَدِي ولدا أقبل ملك شاه يُرِيد بَغْدَاد وَأرْسل إِلَى الْمُقْتَدِي يلْزمه أَن يعْزل وَلَده المستظهر عَن ولَايَة عَهده وَيجْعَل ولي عَهده ابْن ابْنَته جَعْفَر مَكَانَهُ وَأَن يخرج من بَغْدَاد وَيَتْرُكهَا وَيذْهب إِلَى أَي بلد شَاءَ فَأرْسل الْمُقْتَدِي يتلطف بِهِ فِي ذَلِك فَأبى إِلَّا شدَّة وغلظة يُرِيد بذلك إِظْهَار التحكم والحيف على الْخَلِيفَة وَطلب الْخَلِيفَة الْإِمْهَال شهرا فَأبى وَقَالَ وَلَا سَاعَة فَأرْسل إِلَى وزيره فاستمهله لَهُ عشرَة أَيَّام فأمهله فَصَارَ الْخَلِيفَة يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَيَضَع خَدّه على التُّرَاب ويناجي حَضْرَة رب الأرباب يَدْعُو على ملك شاه فَاسْتَجَاب الله دعاءه فَهَلَك ملك شاه قبل مُضِيّ الْعشْرَة الْأَيَّام وَكَفاهُ الله تَعَالَى شَره وَمَا رَبك بظلام للعبيد وعدت هَذِه كَرَامَة للخليفة الْمُقْتَدِي وَهَذِه عُقبى كل ظَالِم ومعتدي ذكر أَن الْمُقْتَدِي قدم إِلَيْهِ طَعَام فَتَنَاول مِنْهُ ثمَّ غسل يَدَيْهِ وَهُوَ على أكمل حَال فِي جِسْمه وَنَفسه وَبَين يَدَيْهِ قهرمانته شمس النَّهَار فَقَالَ مَا هَذِه الْأَشْخَاص الَّذين دخلُوا على بِغَيْر إِذن فالتفتت فَلم تَرَ أحدا فَنَظَرت إِلَيْهِ فَوَجَدته قد تغير وَجهه وَاسْتَرْخَتْ يَدَاهُ وانحلت قواه وَسقط إِلَى الأَرْض فَإِذا هُوَ قد مَاتَ فَأَمْسَكت عَن الْبكاء واستدعت الْخَادِم فاستدعى الْوَزير أَبَا مَنْصُور فَبَكَيَا وأحضرا أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمُقْتَدِي وَكَانَ أَبوهُ الْمُقْتَدِي قد عهد إِلَيْهِ بالخلافة بعده فعزياه وهنأه وأخفى مَوته ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى توطأت الْبيعَة لِابْنِهِ أَحْمد ولقب بالمستظهر بِاللَّه كَانَت وَفَاة الْمُقْتَدِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمُدَّة خِلَافَته تسع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر إِلَّا يَوْمَيْنِ وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَثَمَانِية شهور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 (خلَافَة المستظهر بِاللَّه) أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المتقدي بن مُحَمَّد الْقَائِم عبد الله بن الْقَادِر أَحْمد ابْن الْأَمِير إِسْحَاق بن المقتدر بن المعتضد بن الوفق طَلْحَة بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد بُويِعَ بعد موت وَالِده المتقدي وَأول من بَايعه الْوَزير أَبُو مَنْصُور بن جهير كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَحضر من الْعلمَاء الإِمَام الْغَزالِيّ والشاشي وَابْن عقيل وَبَايَعُوهُ يَوْمئِذٍ وَكَانَ كريم الْأَخْلَاق حَافِظًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم فصيحا بليغا شَاعِرًا منطقيا من شعره // (من الْبَسِيط) // (أَذَابَ حَر الْجَوَى فِي الْقَلْبِ مَا جَمُدَا ... يَوْمًا مَدَدْنَ عَلَى رَسْمِ الوَدَاعِ يَدَا) (قَدْ أَخْلَفَ الوَعْدَ قَدْ شُغِفْتُ بِهِ ... مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ وَفَى دَهَرًا بِمَا وَعَدا) (إِنْ كُنْتُ أَنْقُضُ عَهْدَ الحُبِّ فِي خَلَديِ ... مِنْ بَعْدِ هَذَا فَلاَ عَايَنْتُهُ أَبَدَا) حكى أَنه اجْتمع فِي زَمَانه فِي برج الْحُوت سِتَّة أنجم من السَّبْعَة السيارة مَا عدا زحل فَحكم المنجمون أَنه سَيظْهر طوفان كطوفان نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام فتألم من ذَلِك المستظهر بِاللَّه وأحضر من المنجمين ابْن الفيلسوف وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ فِي زمن نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام اجْتمع فِي برج الْحُوت السَّبْعَة الأنجم بأكملها والآَن اجْتمع سِتَّة وَلَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله لَكِن الَّذِي تدل عَلَيْهِ الدَّلَائِل وَلَيْسَ بقطعي أَنه سيجتمع المَاء من الْعَالم من طرقٍ شَتَّى فِي مَكَان وَاحِد فيغرقون فِي ذَلِك الْمحل فخافوا على بَغْدَاد لِاجْتِمَاع الْعَالم فِيهَا وَهِي فِي جنب شط النَّهر فوصل الْخَبَر أَن الْحجَّاج حِين نزلُوا فِي وَادي المناقب هجم عَلَيْهِم سيل جحاف فَغَرقُوا أَجْمَعِينَ فِي ذَلِك السَّيْل فتعجب من قرب التَّحْقِيق من قَوْله وَالْأَمر بيد الله تَعَالَى وسبحانه {عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على غيبه أحد إِلا مَنِ اَرتضى مِن رَّسُولٍ} الْجِنّ 26 27 الْآيَة توفى المستظهر لَيْلَة الْخَمِيس للأربع وَعشْرين لَيْلَة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتى عشرَة وَخَمْسمِائة وَمُدَّة خِلَافَته خمس وَعشْرين سنة وَعشرَة أَيَّام وعمره إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة وَأحد عشر شهرَاً وَأَرْبَعَة أَيَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 (خلَافَة المسترشد بِاللَّه) الْفضل بن المستظهر أَحْمد بن الْمُقْتَدِي عبد الله بن مُحَمَّد الذَّخِيرَة بن الْقَائِم بن عبد لله بن الْقَادِر بن أَحْمد ابْن الْأَمِير إِسْحَاق بن المقتدر بن المعتضد بُويِعَ يَوْم وَفَاة وَالِده المستظهر وَكَانَ شجاعاً دينا مشتغلاَ بِالْعبَادَة لم يل الْخلَافَة بعد المعتضد أشهم مِنْهُ أمه أم ولد اسْمهَا لبَابَة كَانَ شَدِيد الهيبة ذَا رَأْي ويقظة وهمة عالية ضبط الْأُمُور وَأَحْيَا مجد بني الْعَبَّاس وجاهد غير مرّة يحْكى أَن فِي زَمَانه سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة قبر الْخَلِيل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب على نَبينَا وَعَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وشوهدت أجسامهم الْمُبَارَكَة كَأَنَّمَا دفنُوا تِلْكَ السَّاعَة وَوجد عِنْدهم فِي الْموضع قناديل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغير ذَلِك ذكر ذَلِك فِي كتاب قلادة النَّحْر الْفَقِيه بالمخرمة كَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَمُدَّة خِلَافَته سبع عشر سنة وَسَبْعَة أشهر وَمن شعره قَوْله // (من الطَّوِيل) // (أَنَا الأَشْقَرُ المَوْعُودُ بِي فِي الملاَحِمِ ... وَمَنْ يَمْلِكُ الدُّنْيَا بِغَيْرِ مُزَاحِمِ) فَكَانَ هَذَا التخيل من خيلاته الْفَاسِدَة فَإِنَّهُ مَا يملك من الدُّنْيَا وَلَا فنَاء دَاره خرج عَلَيْهِ الْملك مَسْعُود بن مُحَمَّد بن ملك شاه السلجوقي فَلم يُقَاتل مَعَه أحد فقاتل وَحده إِلَى أَن حمل أَسِيرًا فحبس وَذكر أهل التواريخ أَنه لما حبس رَأْي فِي مَنَامه كَأَن على يَده حمامة مطوقة وَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ خلاصك فِي هَذَا وَأَشَارَ إِلَى الْحَمَامَة فَلَمَّا أصبح حكى ذَلِك لِابْنِ سكينَة الإِمَام فَقَالَ لَهُ مَا أولته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أولته بقول أبي تَمام // (من الْكَامِل) // (هُنَّ الحَمَامُ فَإِنْ كَسَرْت عِيَافَةً ... مِنْ حائِهِنَّ فإِنَّهُنَّ حِمَامُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 وَلَا أرى أحلامي إِلَّا فِي حِمامي فَقتل بعد أَيَّام قَائِل وَقيل فِي كفيه قَتله غير ذَلِك فَقتل فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وعمره ثَلَاث أَرْبَعُونَ سنة وَأحد عشر شهرا (خلَافَة الراشد بِاللَّه) مَنْصُور بن المسترشد بن المستظهر بن الْمُقْتَدِي بُويِعَ لَهُ يَوْم وَفَاة أبيعه بِعَهْد مِنْهُ فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ وَقع بَينه وَبَين السُّلْطَان مَسْعُود بن مُحَمَّد قَاتل وَالِده فاستخدم الراشد أجنادا كثير وتهيأ للقائه فكاتب السُّلْطَان مَسْعُود أتابك زنكي وأرتغش كَبِير جند الراشد فَأَشَارَ إِلَيْهِ بالتوقف عَن الْمسير إِلَى الْملك مَسْعُود وَأَقْبل الْملك مَسْعُود بجيوشه فَدخل بَغْدَاد فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فنهب دور الْجند وَمنع من نهب الْبَلَد واستمال الرّعية وأحضر الْقُضَاة وَالشُّهُود فقدحوا فِي الراشد بِأَنَّهُ صدرت مِنْهُ سيرة قبيحة من سفك الدِّمَاء وارتكاب الْمُنْكَرَات وَفعل مَا لَا يجوز فعله وشهدوا عَلَيْهِ بذلك فَحكم قَاضِي الْقُضَاة بخلعه فخلعوه فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ الراشد قد هرب هُوَ وأتابك زنكي إِلَى الْموصل فَطَلَبه السُّلْطَان مَسْعُود فهرب إِلَى فَارس ثمَّ دخل أَصْبَهَان وحاصرها فتمرض هُنَاكَ فَوَثَبَ عَلَيْهِ جمَاعَة من الفداوية فَقَتَلُوهُ وَكَانَت مدَّته إِلَى أَن خلع سنة إِلَّا أَيَّامًا وعمره إِحْدَى وَعشْرين سنة وَقيل ثَلَاثُونَ سنة كَانَ شَابًّا أَبيض تَامّ الشكل شَدِيد الْبَطْش شُجَاع النَّفس كَرِيمًا جوادَاً فصيحاً قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب كَانَ للراشد الْحسن اليوسفي وَالْكَرم الْحَاتِمِي رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 (خلَافَة أبي عبد الله المقتفي) مُحَمَّد بن المستظهر بن الْمُقْتَدِي وَهُوَ عَم الراشد قابله بُويِعَ لَهُ يَوْم خلع ابْن أَخِيه الراشد ولقب بالمقتفي وَسبب تلقيبه بِهَذَا أَنه رأى النَّبِي قبل الْخلَافَة بأشهر فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول لَهُ إِنَّه سيصل إِلَيْك هَذَا الْأَمر فاقتف بِي فَقَامَ بتدبير المملكة وَكَانَ بِيَدِهِ أَزِمَةُ الْأُمُور لَا يجْرِي فِي خِلَافَته أَمر وَإِن صغر إِلَّا بتوقيعه وَكتب بِيَدِهِ فِي أَيَّام خِلَافَته ثَلَاث ربعات وَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة مشكور الدولة يرجع إِلَى فضل وَدين وعقل ورأي وسياسة جدد معالم الْإِمَامَة ومهد رسوم الْخلَافَة وامتدت أَيَّامه وَلم ير مَعَ سماحته ولين جَانِبه ورأفته بعد المعتصم خَليفَة مثله فِي شهامته وصرامته مَعَ مَا خص بِهِ من زهده وروعه وعبادته وَلم تزل جيوشه منصورةَ حَيْثُ يممت قَالَ الْعَلامَة بن الْجَوْزِيّ من أَيَّام المقتفي هَذَا عَادَتْ بَغْدَاد وَالْعراق إِلَى يَد الْخُلَفَاء وَلم يبْقى لَهُم مُنَازع وَقبل ذَلِك من دولة المقتدر إِلَى وقته كَانَ الحكم للمتغلبين من الْمُلُوك وَلَيْسَ للخليفة مَعَهم إِلَّا الِاسْم فَقَط وَمن سلاطين دولته سنجر صَاحب خرسان وَنور الدّين مَحْمُود بن زنكي صَاحب الشَّام الْمَعْرُوف بِنور الدّين الشَّهِيد وَفِي سنة أحد وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فِي خِلَافَته قَالَ ابْن الْأَثِير ظهر بِدِمَشْق الشَّام سَحَاب أسود فَاشْتَدَّ الظلام حَتَّى لَا يرى أحد أحدا ثمَّ نقشع وَظهر بعده سَحَاب أَحْمَر فتلونت السَّمَاء بلون النَّار ثمَّ بعد ذَلِك ظَهرت ربح عَظِيمَة عاصف تقلع الْأَشْجَار الْعَظِيمَة من أُصُولهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 وَفِي سنة خمس أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة من خِلَافَته أمْطرت السَّمَاء دَمًا أَحْمَر لَا يُنكر مِنْهُ شيءوكان ذَلِك الإمطار فِي بِلَاد نيسابور وَفِي قلادة النَّحْر فِي حوادث سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة من خلَافَة الْمَذْكُور كَانَت قصَّة أهل قَرْيَة المعلف وَهِي قَرْيَة بَين الكُدر والمهجم من أَعمال تهَامَة الْيمن وَفِي كِفَايَة المستبصر هما قَرْيَتَانِ اسْم أحمدهما معلف ولأخرى سحلة أرسل الله عَلَيْهِمَا سَحَابَة سَوْدَاء فِيهَا رجف وبرق وشعل نَار تلهب وريح فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك زَالَت عُقُولهمْ فألتجأ مِنْهُم قوم إِلَى الْمَسَاجِد فغشيهم الْعَذَاب فاحتملت الرّيح أصل القريتين من تَحت الثرى بمساكنهم بِمن فِيهَا من الرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال وَالدَّوَاب فألتقتهم بمَكَان بعيد نَحْو خَمْسَة أَمْيَال من حَيْثُ احتملتهم فوجدوا حَيْثُ ألقتهم صرعى ولبعضهم أَنِين وهم صم وبكم وعمى فماتوا عَن آخِرهم يومهم نسْأَل الله السَّلَام والعافية لنا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين وَكَانَ المقتفي محباً للْحَدِيث وسماعه معتنياً بِهِ وبالعلم مكرماً لأَهله وَلما دَعَا الإِمَام أَبَا مَنْصُور الجواليقي النَّحْوِيّ ليجعله أَمَام يُصَلِّي بِهِ الصَّلَوَات الْخمس دخل فَمَا زَاد على أَن قَالَ السَّلَام على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَكَانَ الطَّبِيب هبة الله بن صاعد ابْن التلميذ النَّصْرَانِي قَائِما فَقَالَ مَا هَكَذَا يسلم على أَمِير الْمُؤمنِينَ يَا شيخ فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ الجواليقي وَقَالَ للمقتفي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سلامي هُوَ مَا جَاءَت بِهِ السّنة النَّبَوِيَّة وروى لَهُ خبرَاً فِي صُورَة السَّلَام ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو حلف حَالف أَن نَصْرَانِيّا أَو يَهُودِيّا لم يصل إِلَى قلبه نوع من أَنْوَاع الْعلم على الْوَجْه الْمُعْتَبر مَا لَزِمته كَفَّارَة الْحِنْث لِأَن الله تَعَالَى ختم على قُلُوبهم وَلم يفك خَتمه إِلَّا الْإِيمَان فَقَالَ المقتفي صدقت وأحسنت فَكَأَنَّمَا ألقم ابْن التلميذ حجرا مَعَ فَضله وغزارة علمه وأدبه وَتُوفِّي الْخَلِيفَة المقتفي يَوْم الْأَحَد ثَالِث ربيع الأول وَقبل الآخر وَقيل رَجَب سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة مُدَّة خِلَافَته خمس وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر وَنصف وعمره سبع وَسِتُّونَ سنة وَقيل وَشهر وَاحِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 (خلَافَة المستنجد بِاللَّه) أَبُو المظفر يُوسُف ابْن المقتفي لأمر الله مُحَمَّد بن المستظهر أَحْمد بن الْمُقْتَدِي كَانَ أديباً فَاضلا أَهلا للخلافة بُويِعَ لَهُ يَوْم وَفَاة وَالِده أمه أم ولد حبشية اسْمهَا طَاوس حكى أَنه قبل أَن يسْتَخْلف رأى فِي مَنَامه أَن ملكا نزل من السَّمَاء فَكتب فِي كَفه خمس خاءات فَلَمَّا أصبح سَأَلَ الإِمَام مُحَمَّدًا الْغَزالِيّ أَو أَخَاهُ أَحْمد عَن تَعْبِير ذَلِك فَقَالَ وَالله أعلم أَنَّك ستلي الْخلَافَة سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة فَكَانَ كَذَلِك وَليهَا سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة فالخاء الأولى للخلافة وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْعَدْلِ والديانة أبطل المكوس وَقَامَ كل الْقيام على المفسدين روى أَنه سجن رجلا كَانَ يسْعَى بِالْفَسَادِ فِي النَّاس فجَاء إِلَيْهِ رجل وبذل فِيهِ عشرَة آلَاف دِينَار فَقَالَ المستنجد لَهُ أَنا أُعْطِيك عشرَة آلف دِينَار على آخر مثله تَأتِينِي بِهِ فأحبسه وأكفي النَّاس شَره وَله شعر متوسط مِنْهُ قَول فِي الْبُخْل // (من السَّرِيع) // (وبَاخِلٍ أَشْعَلَ فِي بَيْتِه ... تَكرُّ مِنْهُ لَنَا شمْعَهْ) (فَمَا جرَتْ مِنْ عيْنِهَا دَمْعَةٌ ... حَتى جَرَتْ مِنْ عيْنِهِ دَمْعَهْ) وَقَوله // (من الْخَفِيف) // (عيَّرَتْنِي بِالشَّيْبِ وهَوَ وقَارُ ... لَيْتَهَا عَيّرتْ بِما هُوَ عارُ) (إِنْ تَكُنْ شَابتِ الذَّوَائِبُ مِنِّي ... فَالليَالِي تزِينُهَا الْأقْمارُ) وَفِي سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَهِي السّنة الثَّالِثَة من خِلَافَته جرت الكائنة الغريبة وَهِي مَا ذكره الْعَلامَة السَّيِّد نور الدّين عَليّ السمهودي الْمدنِي فِي كِتَابه خُلَاصَة الوفا وَغَيره فَقَالَ إِن الْملك الْعَادِل نور الدّين رأى النَّبِي فِي نَومه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 لَيْلَة ثَلَاث مَرَّات وَهُوَ يُشِير إِلَى رجلَيْنِ أشقرين يَقُول أنجدني من هذَيْن فَأرْسل إِلَى وزيره وتجهزا فِي بَيته ليلتهما على رواحل خَفِيفَة فِي عشْرين نَفرا وَصَحب مَالا كثيرَاً فَقدم الْمَدِينَة فِي سِتَّة عشر يومَاً فزار ثمَّ أَمر بإحضار أهل الْمَدِينَة بعد كتابتهم وَصَارَ يتَأَمَّل فِي كل ذَلِك تِلْكَ الصّفة إِلَى أَن انْقَضتْ النَّاس فَقَالَ هَل بَقِي أحد قَالُوا لم يبْق سوى رجلَيْنِ صالحَين عفيفين مغربيين يكثران الصَّدَقَة فطلبهما فرآهما الرجلَيْن اللَّذين أَشَارَ إِلَيْهِمَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَسَأَلَ عَن منزلهما فَأخْبر أَنَّهُمَا فِي رِبَاط بِقرب الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فَأَمْسَكَهُمَا وَمضى إِلَى منزلهما فَلم ير غير ختمتين وكتباً فِي الرَّقَائِق ومالا كثيرَاً فَأثْنى عَلَيْهِمَا أهل الْمَدِينَة خيرا فبقى متردداً متحيراً فَرفع حَصِيرا فِي الْبَيْت فَرَأى سرداباً محفوراً يَنْتَهِي إِلَى صوب الْحُجْرَة فارتاعت النَّاس لذَلِك فَقَالَ لَهما السُّلْطَان أصدقاني وضربهما ضربا شَدِيدا فاعترفا بِأَنَّهُمَا نصرانيان بعثهما النَّصَارَى فِي زِيّ حجاج المغاربة وأمالوهما بِالْمَالِ الْعَظِيم ليتحيلا فِي الْوُصُول إِلَى الجناب الشريف وَنَقله وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَنزلَا قرب رِبَاطًا وصارا يحفران ليلاَ وَلكُل مِنْهُمَا محفظة جلد وَالَّذِي يجْتَمع من التُّرَاب يخرجانه فِي محفظتيهما إِلَى البقيع إِذا خرجا بعلة الزِّيَارَة فَلَمَّا قرب من الْحُجْرَة أرعدت السَّمَاء وأبرقت وَحصل رجف عَظِيم فَقدم السُّلْطَان صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَمَّا ظهر حَالهمَا بَكَى السُّلْطَان بكاء شَدِيدا وَأمر بِضَرْب رقابهما فقتلا تَحت الشباك الَّذِي يَلِي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة الْمُسَمّى الْآن شباك الْجمال ثمَّ أَمر بإحضار رصاص عَظِيم وحفر خَنْدَقًا عظيمَاً إِلَى المَاء حول الْحُجْرَة الشَّرِيفَة كلهَا وأذاب ذَلِك الرصاص وملأ الخَنْدَق فَصَارَ حول الْحُجْرَة سور من رصاص إِلَى المَاء انْتهى وَفِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ذكر صَاحب الْخَمِيس عَن شمس الدّين صَوَاب الْموصِلِي بواب الْمَسْجِد النَّبَوِيّ والقائم بأَمْره بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ أَن جمَاعَة من الروافض وصلوا من حلب فأهدوا إِلَى أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة من الْأَمْوَال والجواهر مَا لم يخْطر ببال فَشَغلهُ ذَلِك وأنساه دينه والتمسوا مِنْهُ أَن يخرجُوا جَسَد أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا من عِنْد النَّبِي فَلَمَّا غشيه من حب الدُّنْيَا والتشاغل بالأموال عَن الدّين وافقهم على ذَلِك قَالَ صَوَاب الْموصِلِي الْمَذْكُور فطلبني أَمِير الْمَدِينَة وَقَالَ إِن فِي هَذِه اللَّيْلَة يصل إِلَيْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 كَذَا وَكَذَا من الرِّجَال فحين يصلونَ إِلَيْك سلم إِلَيْهِم مِفْتَاح الْحُجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وَلَا تتشاغل عَنْهُم وَإِلَّا أخذت مَا فِيهِ عَيْنَاك قَالَ صَوَاب فَأَخَذَتْنِي رعدة ودهشة وَلَا أَدْرِي إلامَ يَئُول الْأَمر فانتظرت فَلَمَّا كَانَ نصف اللَّيْل أقبل أَرْبَعُونَ رجلا فَدَخَلُوا من بَاب السَّلَام فَسلمت إِلَيْهِم مِفْتَاح الْحُجْرَة المطهرة فَإِذا مَعَهم المقاحف والمكاتل وآلات الْحفر فَعرفت مُرَادهم وَغَابَ حسى من الهيبة النَّبَوِيَّة ثمَّ سجدت لله وَجعلت أبْكِي وأتضرع فَمَا نظرت إِلَّا وَقد انشقت الأَرْض واشتملتهم بِجَمِيعِ مَا مَعَهم من آلَات الْحفر والتأمت لساعتها وَذَلِكَ عِنْد الْمِحْرَاب العثماني فسجدت شكرا لله فَلَمَّا استبطأ الْأَمِير الْخَبَر أرسل لي رَسُولا فَأَخْبَرته بِمَا رَأَيْت فطلبني عَاجلا فوصلت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ مثل الواله فَسَأَلَنِي مشافهة فحققت لَهُ مَا رَأَيْت فَقَالَ إِن خرج مِنْك هَذَا الْأَمر قتلتك فَلم أزل ساكتاً عَن بَث هَذَا الْأَمر مُدَّة حَيَاة ذَلِك الْأَمِير خوفًا مِنْهُ وَتُوفِّي المستنجد يَوْم السبت ثَالِث ريع الآخر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَمُدَّة خِلَافَته اثْنَتَا عشرَة سنة إِلَّا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وعمره سبع وَأَرْبَعُونَ سنة وَقيل تسع وَأَرْبَعُونَ وَشهر وَكَانَ أسمر طَوِيل اللِّحْيَة وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ من الْخُلَفَاء قَالَ فِيهِ بعض الأدباء من // (الْبَسِيط) // (أَصْبَحْتَ لُبَّ بَنِي العَبَّاسِ كُلِّهِمُ ... إِنْ عُدِّدتْ بِحِسَابِ الجُمَّلِ الخُلَفَا) (خلَافَة المستضييء بِنور الله) أبي مُحَمَّد الْحسن بن المستنجد بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم موت أَبِيه المستنجد وخطب لَهُ بالديار المصرية واليمن وَكَانَت الْخطْبَة مُنْقَطِعَة مِنْهُمَا فِي زمن الْمُطِيع العباسي عِنْد اسْتِيلَاء الْمعز الفاطمي على مصر وَكَانَ المستضيء جواداً كريمَاً مؤثرَاً للخير كثير الصَّدقَات سخياً محيياً للسّنة أمنت الْبِلَاد فِي زَمَانه وأبطل مظالم كَثِيرَة واحتجب عَن أَكثر النَّاس فَلم يكن يركب إِلَّا مَعَ مماليكه وَلم يكن يدْخل عَلَيْهِ غير الْأَمِير قيماز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 قَالَ الذَّهَبِيّ وَلم يل الْخلَافَة أحد اسْمه الْحسن بعد الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا غير هَذَا وَوَافَقَهُ فِي الكنية أَيْضا وَمِمَّا نظمه الْعِمَاد الْكَاتِب حِين جَاءَت الْبشَارَة بخلافة المستضيء وَهُوَ بِأَرْض الْموصل قَوْله من // (الْخَفِيف) // (قد أضاءَ الزمانُ بالمُسْتَضِيِّ ... وارثِ البُرْدِ وابْنِ عَمِّ النبِيِّ) (جاءَ بِالحقِّ والشريعةِ والعَدْلِ ... فيا مرْحَبًا بِهَذَا المَجِيِّ) (فهنيئَاً لأهْلِ بغدادَ فازوا ... بعد بؤسَى بكلِّ عيشٍ هنىِّ) وَكَانَ مَرضه بالحمى ابْتَدَأَ بهَا يَوْم عيد الْفطر فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت سلخ شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته ثَمَان سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَثَمَانِية وَعشْرين يَوْمًا وَقيل تسع سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وعمره سبع وَثَلَاثُونَ سنة (خلَافَة النَّاصِر لدين الله) أَحْمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يُوسُف بن المقتفي لأمر الله مُحَمَّد بن المستظهر بن الْمُقْتَدِي كَانَت فِيهِ شهامة وصرامة وإقدام وعقل ودهاء وَكَانَ مستقلاُّ بِأُمُور الْملك بالعراق مُتَمَكنًا طَالَتْ أَيَّامه وَكَانَت لَهُ دسائس وعيون عِنْد كل أحد من الْأُمَرَاء والعظماء والسلاطين والحكام من الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة حَتَّى كَانَ يظنّ أَن لَهُ اطلاعاً على المغيبات بُويِعَ بالخلافة بعد موت وَالِده وعمره ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة فَبسط الْعدْل وَأمر بإراقة الْخُمُور وَكسر الملاهي وَإِزَالَة المكوس والضرائب فعمر الْبِلَاد وَبسط الأرزاق وقصدت النَّاس بَغْدَاد وتبركوا بِهِ وَفِي أَيَّامه ظُهُور صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب واستخلاصه بَيت الْمُقَدّس من الفرنج واستيلاؤه على مصر وَإِزَالَة دولة الفاطميين عَنْهَا فَخَطب بهَا للناصر العباسي كَمَا سنذكر ذَلِك عِنْد ذكرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 وَفِي أَيَّامه مَاتَ السُّلْطَان طغرلبك شاه بن أرسلان بن طغرلبك بن مُحَمَّد بن ملك شاه وَهُوَ آخر مُلُوك الدولة السلجوقية وَكَانَ عدتهمْ نيفاً وَعشْرين ملكا أَوَّلهمْ طغرلبك الَّذِي أعَاد الْخَلِيفَة الْقَائِم إِلَى بَغْدَاد وَمُدَّة دولتهم مائَة وَسِتُّونَ سنة وطالت أَيَّامه فأحيا رسوم الْخلَافَة وامتلأت الْقُلُوب بهيبته وَكَانَ ذَا فكر صائب وَكَانَت أَيَّامه من غرر الزَّمَان وَهُوَ الَّذِي وَقع للشريف قَتَادَة بن إِدْرِيس صَاحب مَكَّة مَعَه تِلْكَ الْوَاقِعَة حِين استدعاه وسأذكرها إِن شَاءَ الله فِي الخاتمة عِنْد ذكر الشريف قَتَادَة وَكَانَ لَهُ إِحْسَان على أهل الْحَرَمَيْنِ وَكَانَت الْكَعْبَة الشَّرِيفَة تُكسَى الديباج الْأَبْيَض زمن الْمَأْمُون إِلَى آخر أَيَّام النَّاصِر هَذَا فكساها الديباج الْأسود وَاسْتمرّ إِلَى زَمَاننَا هَذَا قَالَ فِي قلادة النَّحْر نقلا عَن الْعِمَاد الْكَاتِب فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فِي خلَافَة النَّاصِر العباسي أجمع المنجمون على اجْتِمَاع الْكَوَاكِب السَّبْعَة فِي برج الْمِيزَان وَيدل ذَلِك على خراب الْعَالم وَأَن تهب ريح مثل ريح قوم عَاد وعينوا الِاجْتِمَاع فِي لَيْلَة نصف شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَفرق الْمُلُوك فَحَفَرُوا حفائر ونقلوا إِلَيْهَا المَاء والزاد قَالَ فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي عينوها جلسنا عِنْد السُّلْطَان والشموع تتقد فَلم يَتَحَرَّك اللهب مِنْهَا وَلم تَرَ لَيْلَة مثلهَا فِي ركود رِيحهَا وسكونها وَلَكِن ظهر بعد ذَلِك أَن سُلْطَان التتار خرج فِي تِلْكَ اللَّيْلَة من تِلْكَ السّنة فَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ من الْفساد وعاث فِي أَكثر الْبِلَاد وأفنى خلقا من الْعباد حَتَّى قتل الْخَلِيفَة العباسي المستعصم بِاللَّه بِبَغْدَاد كَمَا سأذكر قصَّته على أتم الْأَحْوَال وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة أمْطرت السَّمَاء يَوْمًا وَلَيْلَة رَمَادا وأظلمت الدُّنْيَا وَعجز النَّاس عَن اطراق الطّرق إِلَى بُيُوتهم من الْأَسْوَاق وَذَلِكَ بِمَدِينَة زبيد بِالْيمن وَوَقعت بردة فِي أَسْفَل وَادي مور من بِلَاد تهَامَة طولهَا مائَة وَسِتُّونَ ذِرَاعا وعرضها عشرَة أَذْرع وسمكها نَحوا من قامتين فَلَمَّا ذَابَتْ سقى بِمَائِهَا أَربع قطع من الأَرْض فِي ذَلِك الْموضع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 وَكَانَ النَّاصِر فِي أَكثر اللَّيْل يشق الدروب والأسواق وَكَانَ النَّاس يتهيئون للقائه وَهُوَ أطول بني الْعَبَّاس خلَافَة كَانَت مدَّته سِتا وَأَرْبَعين سنة وَقيل سبعا وَأَرْبَعين وَكَانَت وَفَاته سلخ شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة أَصَابَهُ فِي آخر عمره الفالج فَبَقيَ مَعَه سنتَيْن وَذَهَبت عينه ثمَّ مَاتَ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وعمره سَبْعُونَ سنة إِلَّا شهرا كَانَ تركي الْوَجْه أقنى الْأنف خَفِيف العارضين أشقر اللِّحْيَة رَقِيق المحاسن رَحمَه الله تَعَالَى (خلَافَة الظَّاهِر بِأَمْر الله) أبي نصر مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن المستضيء بن المستنجد بن المقتفي كَانَ من أهل الْوَرع وَالدّين تَابعا للشَّرْع اتّفق أهل النَّفْل أَنه مَا جَاءَ أحد بعد عمر بن عبد الْعَزِيز مثله فَإِنَّهُ أَحْيَا سنة العمرين وَسَار بسيرتهما فَأَعَادَ الْأَمْوَال الْمَغْصُوبَة والأملاك الْمَأْخُوذَة فِي أَيَّام أَبِيه وَمن قبله إِلَى أَهلهَا وَأظْهر الْعدْل وأزال المكس وَكَانَ الْعمَّال تكيل للديوان يَكِيل زَائِد على مَا يكيلون بِهِ للنَّاس فَأبْطل ذَلِك وَكتب إِلَى وزيره {وَيل للمُطَفِفِينَ} إِلَى قَوْله {لِرَبِ اَلعَاَلمِينَ} المطففين 1 - 6 فَقَالَ لَهُ الْوَزير تفَاوت الْكَيْل ينوف على ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَقَالَ لَهُ أبْطلهُ وَلَو أَنه ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَفرق لَيْلَة عيد النَّحْر على الْفُقَهَاء مائَة ألف دِينَار فلامه وزيره على ذَلِك فَقَالَ اتركني أفعل الْخَيْر فَإِنِّي لَا أَدْرِي كم أعيش وَلم يَمْتَد زَمَانه وَكَانَ فِي أضق عَيْش فَقَالُوا لَهُ إشفاقاً لحاله لم لَا تتوسع فِي المأكل وَالْمشْرَب والرزق فَقَالَ من فنح الْحَانُوت بعد الْعَصْر فحاله مَعْلُوم فِي البيع وَالشِّرَاء توفّي فِي شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَلما توفّي اتّفق خُسُوف الْقَمَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 فِي تِلْكَ السّنة مرَّتَيْنِ فجَاء ابْن الْأَثِير رَسُولا من صَاحب الْموصل برسالة فِي التَّعْزِيَة أَولهَا مَا اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يعتذران وَقد عظم حادثهما وَمَا للشمس وَالْقَمَر لَا ينكسفان وَقد فقد ثالثهما من // (الطَّوِيل) // (فيا وَحْشَةَ الدنْيَا وكانَتْ أنسيةً ... ووحدةَ مَنْ فِيهَا لِمَصْرَع واحدِ) وَهُوَ سيدنَا ومولانا الإِمَام الظَّاهِر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي جعلت ولَايَته رَحْمَة للْعَالمين إِلَى آخر رِسَالَة ذكرهَا السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه وَكَانَت مدَّته عشرَة أشهر وأياماً وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَقيل وَخَمْسُونَ وَسِتَّة أشهر (خلَافَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه) أبي جَعْفَر مَنْصُور بن الظَّاهِر بِأَمْر الله مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن المستضيء الْحسن بن المستنجد يُوسُف بن المقتفي مُحَمَّد بن المستظهر بن الْمُقْتَدِي بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد موت أَبِيه الظَّاهِر فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة فنشر الْعدْل وبذل الْإِنْصَاف وَقرب أهل الْعلم وَالدّين وَبني الْمَسَاجِد والربط والمدارس وَأقَام منار الدّين وقمع المتمردين وَنشر السّنَن وكفَ الْفِتَن وَحمل النَّاس على أقوم سنَن وَحفظ الثغور وافتتح الْحُصُون وَاجْتمعت الْقُلُوب على محبته والألسن على مدحته وَلم يجد أحد من المتعنتة فِيهِ معاباً وَكَانَ جده النَّاصِر يقربهُ ويسميه القَاضِي لهديه وعقله وإنكار مَا يجده من الْمُنكر قَالَ الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ كَانَ الْمُسْتَنْصر رَاغِبًا فِي فعل الْخَيْر مُجْتَهدا على أَعمال الْبر وَله فِي ذَلِك آثَار جميلَة وَهُوَ الَّذِي أنشأ المستنصرية الَّتِي لم يبن مثلهَا فِي مدارس الْإِسْلَام وَلم يُوجد فِي الْمدَارِس أَكثر كسباً مِنْهَا وَلَا أَكثر أوقافاً عَلَيْهَا ورتب فِيهَا الرَّوَاتِب الْحَسَنَة لأهل الْعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 وَقَالَ ابْن وَاصل بناها على دجلة من الْجَانِب الشَّرْقِي وَهِي بأَرْبعَة مدرسين على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَعمل فِيهَا مارستاناً ورتب فِيهَا مطبخاً للفقهاء ومزملة للْمَاء الْبَارِد ورتب لبيوت الْفُقَهَاء الْحصْر والبسط وَالزَّيْت وَالْوَرق والحبر ورتب فِيهَا الْخبز وَاللَّحم والحلوى والفواكه وَكِسْوَة الشتَاء وَكِسْوَة الصَّيف وَجعل فِيهَا ثَلَاثِينَ يَتِيما ووقف على ذَلِك ضيَاعًا وقرى كَثِيرَة سردها الذَّهَبِيّ وَغَيره وَلكُل فَقِيه فِي الشَّهْر دِينَار وَشرع فِي عمارتها سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وأتمها فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَنقل إِلَيْهَا من الْكتب النفيسة وعدة فقهائها مِائَتَان وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ فَقِيها من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَشَيخ حديثٍ وَشَيخ نَحْو وَشَيخ طب وَشَيخ فَرَائض وَكَانَ غلال مَا وقف عَلَيْهِمَا فِي كل عَام نيفاً وَسبعين ألف مثقالِ ذَهَبا وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَمر الْمُسْتَنْصر بِضَرْب الدَّرَاهِم الفضية ليعامل بهَا بَدَلا عَن قراضة الذَّهَب فَجَلَسَ الْوَزير وأحضر الْوُلَاة والتجار والصيارفة وفرشت الأنطاع وأفرغ عَلَيْهَا الدَّرَاهِم وَقَالَ الْوَزير قد رسم مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بمعاملتكم بِهَذِهِ الدَّرَاهِم عوضا عَن قراضة الذَّهَب رفقَاً بكم وإنقاذَاً لكم من التَّعَامُل بالحرام وَمن الصّرْف الرِّبَوِيّ فأعلنوا الدُّعَاء لَهُ ثمَّ أديرت وسعرت كل عشرَة دَرَاهِم بِدِينَار فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْقَاسِم بن أبي الحويل فِي ذَلِك أبياتاً من // (الْخَفِيف) // (لَا عَدِمْنَا جميلَ رأيَكَ فِينَا ... أَنْتَ باعَدتَّنَا عَنِ التَّطفيفِ) (ورسَمْتَ اللُّجَينَ حَتَّى أَلِفْنَاهُ ... وَمَا كَانَ قَبْلُ بالمألوفِ) (لَيْسَ للجَمْعِ كَانَ منْعُكَ للصَّرْفِ ... ولكنْ للعَدْلِ والتعريفِ) قلت تَأمل بَيته الْأَخير فَمَا ألطفه وَمن مناقبه أَن الْوَجِيه القيرواني امتدحه بقصيدة يَقُول فِيهَا من // (الْكَامِل) // (لَو كُنْت فِي يومِ السقيفةِ حَاضرا ... كُنْتَ المقدَّمَ والإمامَ والأَوْرَعَا) فَقَالَ لَهُ قَائِل بِحَضْرَتِهِ أَخْطَأت قد كَانَ حَاضرا الْعَبَّاس جد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم يكن الْمُقدم إِلَّا أَبُو بكر فَأقر ذَلِك الْمُسْتَنْصر وخلع على الْقَائِل ثمَّ أَمر بِنَفْي الْوَجِيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 فَخرج إِلَى مصر كَذَا قَالَه الذَّهَبِيّ قلت الْعَبَّاس رَضِي تَعَالَى عَنهُ لم يحضر السَّقِيفَة فالرد مَرْدُود على أَن قَول الشَّاعِر حَاضر لَا يلْزم مِنْهُ حُضُوره عِنْد السَّقِيفَة حَتَّى يرد مَا قَالَه هَذَا الْقَائِل بل مُرَاده حُضُوره أَي وجوده فِي ذَلِك الزَّمن يَعْنِي زمن اجْتِمَاعهم فِي السَّقِيفَة لَا حُضُور نفس الِاجْتِمَاع فِيهَا وَكَانَت مدارس بَغْدَاد يضْرب بهَا الْمثل فِي ارْتِفَاع الْعِمَاد وإتقان المهاد وَطيب المَاء ولطف الْهَوَاء ورفاهية الطلاب وسعة الطَّعَام وَالشرَاب وَأول مدرسة بنيت فِي الدُّنْيَا مدرسة نظام الْملك فَلَمَّا سمع عُلَمَاء مَا وَرَاء النَّهر هَذَا الْخَبَر اتَّخذُوا ذَلِك الْعَام مأتماً وحزنوا على سُقُوط حُرْمَة الْعلم فَقَالُوا حِين سئلوا عَن ذَلِك إِن للْعلم ملكة شريفة لَا تطلبها إِلَّا النُّفُوس الشَّرِيفَة بجاذب الشّرف الذاتي فَلَمَّا جعلت عَلَيْهِ الأجور تطلبته النُّفُوس الرذلة لتجعله مكسباً وسلمَا لحطام الدُّنْيَا لَا لتَحْصِيل شرف الْعلم بل لتَحْصِيل المناصب الدُّنْيَوِيَّة الأسفلية الفانية فيرذل الْعلم لرذالتهم وَلَا يشرفون بشرفه أَلا ترى إِلَى علم الطِّبّ فَإِنَّهُ مَعَ كَونه شريفاً لما تعاطاه الْيَهُود وَالنَّصَارَى رذل برذالتهم وَلم يشرفوا بشرفه وَهَذَا حَال طلبة الْعلم فِي هَذَا الزَّمَان الْفَاسِد كَذَا فِي الْأَعْلَام قلت قد كَانَ هَذَا قبل وَأما الْيَوْم فَلَا طلب وَلَا مَطْلُوب وَلَا رَغْبَة وَلَا مَرْغُوب نسْأَل الله اللطف وَحسن الخاتمة وَمن جملَة خدام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الْأَمِير شرف الدّين وإقبال الشرابي المستنصري وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقع بِالْيمن مطر عَظِيم عَمه جميعَاً وَكَانَ فِيهِ برد عَظِيم قتل من الدَّوَابّ والوحوش شَيْئا كثيرا وَنزلت فِيهِ بردة كالجبل الصَّغِير لَهَا شناخيب يزِيد كل وَاحِد مِنْهَا على ثَلَاثَة أَذْرع وَقعت فِي مفازة من بِلَاد سنحان وزراحة وَذَلِكَ بمرحلتين بمسير الْجمال عَن صنعاء فَغَاب فِي الأَرْض أَكْثَرهَا وَكَانَت يَدُور حولهَا عشرُون رجلا فَلَا يرى بَعضهم يعضا وبشاذروان الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فِي وسط مصلى جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهِي الحفيرة الْمُسَمَّاة الآَن بالمعجنة حجر من الرخام الْأَزْرَق ومنقور فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمر بعمارة هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 المطاف الشريف وَذكر اسْمه وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وآَله انْتهى وَهَذَا الْحجر بَاقٍ إِلَى يَوْمنَا ثمَّ توفّي الْمُسْتَنْصر لعشر بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَكَانَت خِلَافَته سِتّ عشرَة سنة وَعشرَة أشهر وعمره اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر رَحمَه الله تَعَالَى (خلَافَة المستعصم بِاللَّه) أبي أَحْمد عبد الله بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه مَنْصُور بن الظَّاهِر بِأَمْر الله مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أَحْمد هُوَ آخر الْخُلَفَاء العباسيين بالعراق أمه أم ولد حبشية اسْمهَا هَاجر بُويِعَ لَهُ بالخلافة عِنْد موت أَبِيه الْمُسْتَنْصر كَانَ لينًا هينَاً قَلِيل الرَّأْي بعيد الْفَهم فوض جَمِيع أُمُوره إِلَى وزيره مؤيد الدّين بل مدمر الدّين ابْن العلقمي الرافضي فَكَانَ سَبَب هَلَاكه وَزَوَال ملكه كَمَا سَيَأْتِي ذكره وَكَانَ للمستنصر أَبِيه ابْنَانِ أَحدهمَا يُسمى بالخفاجي كَانَ شَدِيد الرَّأْس شَدِيد الرَّأْي شجاعاً صَعب المراس وَالثَّانِي هَذَا المستعصم وَكَانَ هيناً لينًا ضَعِيف الرَّأْي فاختاره الْأَمِير الشرابي على أَخِيه الخفاجي ليستبد هُوَ بِالْأَمر ويستقل بأحوال الْملك فَإِنَّهُ لَا يخشاه كَمَا يخْشَى من أَخِيه الخفاجي فَلَمَّا توفّي الْمُسْتَنْصر أخْفى الْأَمِير إقبال مَوته نَحوا من عشْرين يومَاً حَتَّى دبر الْولَايَة للمستعصم وبويع لَهُ بالخلافة ففر أَخُوهُ الخفاجي إِلَى العربان وتلاشى أمره وَفِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بنى إقبال الشرابي مدرسة بِمَكَّة على يَمِين الدَّاخِل من بَاب السَّلَام إِلَى الْمَسْجِد ورباطَاً فِيهِ عدَّة خلاوي ووقف بِالْمَدْرَسَةِ كتبا ذهبت شذر مذر إِلَّا قَلِيلا والمدرسة بَاقِيَة إِلَى الْآن وعلوها مجلسان مطلان على بَاب السَّلَام وَبهَا كتب وَقفهَا بعض أهل الْخَيْر مِمَّن أدركناه رَحِمهم الله تَعَالَى كَذَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 الْأَعْلَام للقطب النهروالي نِسْبَة إِلَى نهروالا قَرْيَة من قرى الْهِنْد أَو الْعَجم وَفِي موسم السّنة الْمَذْكُورَة حجت وَالِدَة المستعصم بِاللَّه وَهِي أم ولد حبشية اسْمهَا هَاجر كَمَا تقدم وَكَانَ فِي خدمتها الْأَمِير إقبال الشرابي الدوادار وَمَعَهُ سِتَّة آلَاف خلعة وَتصدق بِنَحْوِ سِتِّينَ ألف دِينَار وعدت جمال ركب أهل بَغْدَاد تِلْكَ السّنة فَكَانَت فَوق مائَة وَعشْرين ألف بعير ثمَّ عَادَتْ إِلَى بَغْدَاد وَفِي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة كَانَ ظُهُور النَّار قَالَ أَبُو شامة فِي كتاب الروضتين جَاءَنَا كتب من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فِيهَا لما كَانَت لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة ظهر بِالْمَدِينَةِ دوِي عَظِيم ثمَّ زَلْزَلَة عَظِيمَة فَكَانَت سَاعَة بعد سَاعَة إِلَى خَامِس الشَّهْر الْمَذْكُور فظهرت نَار عَظِيمَة فِي الْحرَّة الشرقية قريبَاً من قُرَيْظَة نرَاهَا من دُورنَا من دَاخل الْمَدِينَة كَأَنَّهَا عندنَا وسالت أَوديَة مِنْهَا وَادي شظا سيل المَاء وطلعنا نقصدها فَإِذا الْجبَال تسير نَارا وسارت هَكَذَا وَهَكَذَا كَأَنَّهَا الْجبَال وطار مِنْهَا شرر كالقصر وفزع النَّاس إِلَى الْقَبْر الشريف مستغفرين تَائِبين واستمرت هَكَذَا أَكثر من شهر وَقَالَ الذَّهَبِيّ كَانَت تدب دَبِيب النَّمْل وَكَانَت تحرق كل مَا مرت عَلَيْهِ من الْحِجَارَة وَغَيرهَا فَكَانَت الْحِجَارَة تذوب كَمَا يذوب الرصاص وَكَانَت لَا تحرق أَشجَار الْمَدِينَة على مشرفها الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ نسَاء الْمَدِينَة يغزلن على ضوئها ثمَّ انطفأت بعد مُدَّة قريبَة من شهر وَمَعَ ذَلِك مَا كَانَ لَهَا حرارة وَمَا كَانَت تُؤثر فِيمَن وصل إِلَيْهَا ذكر أَن أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أرسل رجلَيْنِ ليتحققا أَمر هَذِه النَّار فَلَمَّا وصلا إِلَى قربهَا وَشَاهدا عدم حَرَارَتهَا تقربا إِلَيْهَا حَتَّى إِن أَحدهمَا أخرج نشاباً فَأدْخلهُ النَّار فذاب نصله وَلم يَحْتَرِق الْعود فَقلب النشاب وَأدْخلهُ النَّار فَاحْتَرَقَ الريش وَلم يَحْتَرِق الْعود لِأَن السِّهَام كَانَت من أَشجَار الْمَدِينَة وَذَلِكَ من معجزاته عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام قَالَ اليافعي فِي تَارِيخه وَهَذِه النَّار هِيَ الَّتِي ذكرهَا رَسُول الله فَقَالَ تظهر فِي آخر الزَّمَان نَار شَرْقي الْمَدِينَة تضيء لَهَا أَعْنَاق الْإِبِل ب بصرى من أَرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 الشَّام قلت الَّذِي ذكره الْحَافِظ الذَّهَبِيّ أَن لفظ الحَدِيث لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تخرج نَار بِأَرْض الْحجاز تضيء لَهَا أَعْنَاق الْإِبِل ب بصرى ثمَّ قَالَ وَأمر هَذِه النَّار متواتر وَهُوَ مصداق مَا أخبر بِهِ الْمُصْطَفى وَقد حكى غير وَاحِد مِمَّن كَانَ ب بصرى أَنه رأى فِي اللَّيْل أَعْنَاق الْإِبِل فِي ضوئها والصادق لَا ينْطق عَن الْهوى ثمَّ كَانَ أَن مؤيد الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك صَار وَزِير المستعصم وَكَانَ رَافِضِيًّا سباباً مستولياً على المستعصم عدوا لَهُ وَلأَهل السّنة يداريهم فِي الظَّاهِر وينافقهم فِي الْبَاطِن وَكَانَ دائراً على طمس آثَار السّنة وإعلاء منار الْبِدْعَة فَصَارَ يُكَاتب هولاكو قَائِد التتار ويطعمه فِي ملك بَغْدَاد ويخبره بأخبارها ويعرفه بِصُورَة أَخذهَا وبضعف الْخَلِيفَة وبانحلال الْعَسْكَر عَنهُ وَصَارَ يحسن للمستعصم توفير الخزائن وَعدم الصّرْف على الْعَسْكَر وَالْإِذْن لَهُم فِي الذّهاب أَيْن شَاءُوا وَيقطع أَرْزَاقهم ويشتت شملهم بِحَيْثُ إِنَّه أذن مرّة لعشرين ألف مقَاتل فَذَهَبُوا ووفر علوفاتهم من الخزانتين وَكَانَ التتار جائلين فِي الأَرْض يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ويخربون الديار ونارهم فِي غَايَة الاشتعال والاستعار والمستعصم وَمن مَعَه فِي غَفلَة عَنْهُم إخفاء ابْن العلقمي عَنهُ سائْر الْأَخْبَار إِلَى أَن وصل هولاكو خَان إِلَى بِلَاد الْعرَاق واستأصل من بهَا قتلاَ وأسراً وَتوجه إِلَى بَغْدَاد وَأرْسل إِلَى الْخَلِيفَة يَطْلُبهُ فَاسْتَيْقَظَ من نوم الْغرُور وَنَدم على غفلته حَيْثُ لَا ينفع النَّدَم وَجمع من قدر عَلَيْهِ وبرز إِلَى قِتَاله وَجمع من أهل بَغْدَاد خاصته وَمن عبيده وخدامه مَا يُقَارب أَرْبَعِينَ ألف مقَاتل لكِنهمْ مرفهون بلين المهاد وساكنون على شط بَغْدَاد فِي ظلّ ثخين وَمَاء معِين وفاكة وشراب واجتماع أحباب مَا كابدوا حربَاً وَلَا ذاقوا طَعنا وَلَا ضربا وعساكر الْمغل ينوفون على مائَة ألف مقَاتل فَوَقع التصاف والتحم الْقِتَال وزحف الْخَمِيس إِلَى الْخَمِيس يَوْم الْخَمِيس عَاشر محرم سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وصبر أهل بَغْدَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 على حر السيوف صَبَرُوا مضطرين على طعم الحتوف وأعطوا الدَّار حَقّهَا واستقبلوا غمام السِّهَام وبلها وودقها واستمروا كَذَلِك من إقبال الْفجْر إِلَى إدبار النَّهَار فعجزوا عَن الاصطبار وانكسروا أَشد انكسار وولوا الأدبار وغرق كثير مِنْهُم فِي دجلة وَقتل أَكْثَرهم شَرّ قتلة وَوضعت التتار فيهم السَّيْف وَالنَّار فَقتلُوا فِي ثَلَاثَة أَيَّام مَا ينوف على ثَلَاثمِائَة ألف وَسبعين ألفا وَسبوا النِّسَاء والأطفال ونهبوا الخزائن وَالْأَمْوَال وَأخذ هولاكو جَمِيع النُّقُود وَأمر بحرق الْبَاقِي وَرمى كتب مدارس بَغْدَاد فِي دجلة وَكَانَت لكثرتها جِسْرًا يَمرونَ عَلَيْهَا ركبانَاً وَمُشَاة وَتغَير لون المَاء بحبرها إِلَى السوَاد فَأَشَارَ الْوَزير على الْخَلِيفَة بمصانعتهم وَقَالَ أَنا فِي تَقْرِير الصُّلْح فَخرج ووثق لنَفسِهِ بَينهم وَرجع إِلَى الْخَلِيفَة وَقَالَ إِن الْملك هولاكو قد رغب فِي أَن يُزَوّج ابْنَته بابنك الْأَمِير أبي بكر ويبقيك فِي منصب الْخلَافَة كَمَا أبقى صَاحب الرّوم فِي سلطنته وَلَا يُؤثر أَن تكون الطَّاعَة لَهُ كَمَا كَانَ أجدادك مَعَ سلاطين الديلم والسلجوقية وينصرف عَنْك بجُنُوده فيجيب مَوْلَانَا إِلَى هَذَا فَإِن فِيهِ حَقنا لدماء من بَقِي من الْمُسلمين وَيُمكن بعد ذَلِك أَن تفعل مَا تُرِيدُ فَالرَّأْي أَن تخرج إِلَيْهِم فَخرج الْخَلِيفَة فِي أَعْيَان دولته فَأنْزل فِي خيمة ثمَّ دخل الْوَزير فاستدعى الْفُقَهَاء والأماثل ليحضروا العقد فَخَروا من بَغْدَاد فَضربت أَعْنَاقهم وَكَذَلِكَ تخرج طَائِفَة بعد طَائِفَة فَتضْرب أَعْنَاقهم حَتَّى قتل جَمِيع من فِيهَا من الْعلمَاء والأمراء والحجاب وَالْكتاب واستبقى هولاكو المستعصم أَيَّامًا إِلَى أَن استصفي أَمْوَاله وخزائنه وذخائره ثمَّ رمى رِقَاب أَوْلَاده وَذَوِيهِ وَأَتْبَاعه وَأمر أَن يوضع الْخَلِيفَة فِي غرارة ويرفس بالأرجل حَتَّى يَمُوت فَفعل بِهِ ذَلِك وَفِي رِوَايَة أَن خُرُوج الْخَلِيفَة المستعصم إِلَيْهِ كَانَ قبل وُقُوع شَيْء من الْقِتَال ثمَّ لما خرج وَفعل بِهِ وَمن مَعَه مَا فعل بذل السَّيْف فِي بَغْدَاد وَاسْتمرّ السَّيْف نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا فبلغت الْقَتْلَى أَكثر من ألف ألف نسمَة وَلم يسلم إِلَّا من اختفى فِي بِئْر أَو قناة وَاسْتشْهدَ الْخَلِيفَة رَحمَه الله يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر صفر من سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وانقطعت بِمَوْتِهِ خلَافَة بني الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب من الْعرَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 وعدتهم سَبْعَة وَثَلَاثُونَ خَليفَة أَوَّلهمْ عبد الله السفاح ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن الْعَبَّاس وَآخرهمْ هَذَا المستعصم بِاللَّه عبد الله بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي جَعْفَر مَنْصُور بن الظَّاهِر بِأَمْر الله مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن المستضيء بِنور الله حسن بن المستنجد بِاللَّه يُوسُف بن المقتفي لأمر الله مُحَمَّد بن المستظهر بِاللَّه أَحْمد بن الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله عبد الله ابْن الْأَمِير مُحَمَّد الذَّخِيرَة بن الْقَائِم بِأَمْر الله عبد الله بن الْقَادِر بِاللَّه أَحْمد ابْن الْأَمِير إِسْحَاق بن المقتدر بن جَعْفَر بن المعتضد بن أَحْمد ابْن الْأَمِير طَلْحَة الْمُوفق بن المتَوَكل على الله جَعْفَر بن المعتصم مُحَمَّد بن الرشيد هَارُون ابْن الْمهْدي مُحَمَّد بن الْمَنْصُور أبي جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سِتّ عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام وعمره خمس وَأَرْبَعُونَ سنة وَقيل سِتّ وَأَرْبَعُونَ وشهران وَهَذِه السّنة الَّتِي قتل فِيهَا المستعصم تسمى سنة المصائب وَبقيت الدُّنْيَا بِلَا خَليفَة ثَلَاث سِنِين وَنصفا ستٍ وَخمسين وستمائْة وَسبع وَخمسين وثمانٍ وَخمسين وتسعِ وَخمسين إِلَى رَجَب مِنْهَا فأقيمت بِمصْر الْخلَافَة وبويع الْمُسْتَنْصر كَمَا سَنذكرُهُ قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ عِنْد ذكر قتل الْخَلِيفَة وَمَا أَظُنهُ دفن وَقتل مَعَه جمَاعَة من أَوْلَاده وأعمامه وَبني عَمه وَكَانَت بلية لم يصب الْإِسْلَام بِمِثْلِهَا وعملت الشُّعَرَاء قصائد فِي مراثي بَغْدَاد وَأَهْلهَا وتمثل بقول سبط بن التعاويذي من // (الْكَامِل) // (بَادَتْ وأهلُوهَا مَعًا فبيوتُهُمْ ... ببقاءِ مَوْلَانَا الوزيرِ خرابُ) وَقَالَ بَعضهم من // (الْكَامِل) // (يَا عصبَةَ الْإِسْلَام نوحِي واندُي ... حزنا علَى مَا تَمَّ للمستعصِمِ) (دَسْتُ الوزارةِ كَانَ قَبْلَ زمانِهِ ... لابْنِ الفراتِ فَصَارَ لابنِ العلقمِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 قلت يُشِير إِلَى ابْن الْفُرَات وَكَانَ وزيراً فِي خلَافَة المقتدر وَكَانَ آخر خطْبَة خطبت بِبَغْدَاد قَالَ الْخَطِيب فِي أَولهَا الْحَمد لله الَّذِي هدم بِالْمَوْتِ مشيد الْأَعْمَار وَحكم بالفناء على أهل هَذِه الدَّار وَالسيف قَائِم بهَا وَمِمَّا قَالَه تَقِيّ الدّين ابْن أبي الْيُسْر فِي بَغْدَاد من // (الْبَسِيط) // (لسائلِ الدمعِ عنْ بغدَادَ إخبارُ ... فَمَا وقوفُكَ والأحبابُ قد سَارُوا) (يَا زائرينَ إِلى الزوراءِ لَا تَفِدُوا ... فَمَا بِذَاكَ الحِمى والدارِ ديَّارُ) (تاجُ الخلافةِ والرَّبْعُ الَّذِي شَرُفَتْ ... بِهِ المَعَالِمُ قد عفَّاهُ إقفارُ) (أضحَى لِعَصْفِ البلا فِي رَبْعِهِ أثرٌ ... وللدموعِ على الآثارِ آثارُ) (يَا نارَ قَلْبيَ من نارٍ لحَرِّ وغًي ... شبَّتْ علهخ ووافي الرَّبْعَ إعصارُ) (علا الصليبُ على أعلَى منابِرِهَا ... وقامَ بالأمْرِ مَنْ يحويه زُنَّارُ) (وَكم حريمٍ سَبَتْهُ التُّركُ غَاصِبةً ... وَكَانَ مِنْ~ دونِ ذَاك السِّتْر أَسْتَارُ) (وَكم بُدُورٍ على البَدْرِيةِ انخسفتْ ... وَلم يعدْ لِبُدُورٍ مِنُهُ إبدارُ) (وَكم ذخائرَ أضحَتْ وَهِي شائعةٌ ... من النِّهابِ وَقد حازَتْهُ كفارُ) (وَكم حدودٍ أقيمَتْ من سيوفهِمُ ... على الرِّقابِ وخطَّت فِيهِ أوزَارُ) (نادَيْتُ والسَّبْيُ مَهْتُولٌ يَجُرُّهُمُ ... إِلَى السِّفاحِ من الأعداءِ دعَّارُ) (إليكَ يَا ربَّنا الشكوَى فأنْتَ ترَى ... مَا حلَّ بالدِّينِ والباغونَ فُجَّارُ) وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق مَا رَوَاهُ بَعضهم قَالَ لما استولت التتار على بَغْدَاد وَقتلُوا الْخَلِيفَة المستعصم كَانَ بِبَغْدَاد رجل من ذَوي الْيَسَار مَعْرُوف فَلَمَّا سمع بِقرب التتار من بَغْدَاد جعل فِي قاع دَاره مخبأ تَحت الأَرْض وَوضع فِيهِ صناديقه وأمتعته وَسَائِر مَا يعز عَلَيْهِ من أَمْوَال وَغَيرهَا ثمَّ جعل على فَم ذَلِك الْموضع هَيْئَة فَم الخرابة وَجعل تسرب مَائِهَا إِلَى مَوضِع آخر ليخفي أَمر ذَلِك الْموضع عَن الناظرين وَقَالَ فِي نَفسه إِذا دخلت التتار بَغْدَاد خرجت إِلَى الصَّحرَاء فَإِذا خَرجُوا عدت إِلَى دَاري وَمَالِي فَلَمَّا فرغ من إحكام ذَلِك وجد فِي ذخائره سِتا من اللآليء الْكِبَار النفيسة كبارَاً جدا فَقَالَ فِي باله فتح هَذِه المطمورة أَمر عَظِيم وفكر فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 حفظ تِلْكَ اللؤلؤات فَلم يجد لَهَا موضعا أحسن من عش عصافير كَانَ بسقف تِلْكَ الدَّار قَرِيبا من المخبأ الْمَذْكُور فاستدعى بسلم فوضعها فِي ذَلِك العش وَجلسَ فِي دهليز تِلْكَ الدَّار وَعَلِيهِ زِيّ الْفُقَرَاء فَلَمَّا دخلت التتار بَغْدَاد خرج إِلَى مَوضِع استتر فِيهِ فَأمْسك بعض عَسَاكِر التتار رجلا من أهل بَغْدَاد وألزموه أَن يُرِيهم دور أهل الْيَسَار من أهل بَغْدَاد ليجد فِيهَا مَا يَأْخُذهُ فَأتى ذَلِك الرجل بذلك الْبَعْض إِلَى هَذِه الدَّار الْمَذْكُورَة فَطَافَا فِيهَا فَلم يجدا شَيْئا فَغَضب التترى فربطه وَقَالَ أتهزأ بِي وَجعل يضْربهُ ويعذبه وَالرجل يحلف لَهُ أَن صَاحب هَذِه الدَّار من مياسير أهل بَغْدَاد وَمَا هزأت بك فَبَيْنَمَا هُوَ يضْربهُ إِذْ زرق عَلَيْهِ عُصْفُور من ذَلِك العش الَّذِي فِيهِ اللؤلؤات فَأصَاب الزرق وَجهه فازداد غيظه فَضرب ذَلِك العش فَوَقع العش وَسَقَطت تِلْكَ اللؤلؤات مِنْهُ فتدحرجت مِنْهُ ثَلَاث فوقعن فِي ثقب تِلْكَ الخربة فَأخذ التتري تِلْكَ الثَّلَاث لؤلؤات وألزم الرجل بخراب تِلْكَ الخرابة لإِخْرَاج اللؤلؤات الْأُخْرَى فَلَمَّا شرع فِي تخريبها وأزال وَجههَا وجد سلالم تَنْتَهِي إِلَى الْموضع الَّذِي فِيهِ الْأَمْوَال والذخائر والصناديق فَأخذ التتري جَمِيع مَا هُنَاكَ وَأطلق الرجل وَأَعْطَاهُ مَا تيَسّر فاعتبروا يَا أولي الْأَلْبَاب (شرح حَال التتار) قَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف الخجندي فِي خبر التتار هُوَ حَدِيث يَأْكُل الْأَحَادِيث وَخبر يطوي الْأَخْبَار وتاريخ ينسي التواريخ ونازلة تصغر كل نازلة وفادحة تطبق الأَرْض وتملؤها مَا بَين الطول وَالْعرض هَذِه الْأمة لغتهم مشوبة بلغَة الْهِنْد لأَنهم فِي جوارهم وَبينهمْ وَبَين بنكث أَرْبَعَة أشهر وَهِي فِي النِّسْبَة إِلَى التّرْك عراض الْوُجُوه واسعو الصُّدُور خفاف الأعجاز صغَار الْأَطْرَاف سمر اللَّوْن سريعو الْحَرَكَة فِي الْجِسْم والرأي تصل إِلَيْهِم أَخْبَار الْأُمَم وَلَا تصل أخبارهم إِلَى الْأُمَم قَلما يقدر جاسوس أَن يتَمَكَّن مِنْهُم لِأَن الْغَرِيب لَا يشْتَبه بهم وَإِذا أَرَادوا جِهَة كتموا أَمرهم ونهضوا دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يعلم بهم أهل بلد حَتَّى يدخلوه وَلَا عَسْكَر حَتَّى يخالطوه فَلهَذَا تفْسد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 على النَّاس وُجُوه الْحِيَل فيهم وتضيق طرق الْحَرْب عَلَيْهِم وَنِسَاؤُهُمْ يقاتلن كرجالهم وَالْغَالِب على سِلَاحهمْ النشاب وأكلهم أَي لحم وجدوه وَلَيْسَ فِي قَتلهمْ اسْتثِْنَاء وَلَا إبْقَاء يقتلُون الرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال وَكَانَ مقصودهم إفناء النَّوْع الإنساني وإبادة العلام لَا قصد الْملك وَالْمَال وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ فِي مرْآة الزَّمَان أَرض التتار بأطراف بِلَاد الصين وهم سكان بوادي مَشْهُورُونَ بِالشَّرِّ والغدر وَسبب ظُهُورهمْ أَن إقليم الصين متسع دوره سِتَّة أشهر وهم سِتّ ممالك وَلَهُم ملك حَاكم على السِّت وَهُوَ القان الْأَكْبَر الْمُقِيم بطغماج وَهُوَ كالخليفة على الْمُسلمين وَكَانَ سُلْطَان أحد الممالك السِّت واسْمه دوس خَان قد تزوج بعمة جنكيز خن ملك التتار فَحَضَرَ زَائِرًا لِعَمَّتِهِ وَقد مَاتَ زَوجهَا وَكَانَ قد حضر مَعَ خنكيز خَان كشلوخان فأعلمتهما أَن الْملك الَّذِي هُوَ دوس خَان لم يخلف ولدَاً وأشارت على ابْن أَخِيهَا أَن يقوم مقَامه فَقَامَ مقَامه وانضم إِلَيْهِ خلق من الْمغل ثمَّ سير التقاديم والهدايا إِلَى القان الْأَكْبَر فأستشاط غَضبا وَأمر بِقطع أَذْنَاب الْخَيل الَّتِي أهديت إِلَيْهِ وطردها وَقتل الرُّسُل لكَون التتار لم يتَقَدَّم لَهُم سَابِقَة سلطنة إِنَّمَا هم بادية الصين فَلَمَّا سمع جنكيزخان وَصَاحبه كشلوخان تحَالفا على التعاضد وأظهرا الْخلاف للقان وَهُوَ الْحَاكِم على السِّت المدن الْمَذْكُورَة وأتتهما أُمَم كَثِيرَة من التتار وَعلم القان قوتهم وشرهم فَأرْسل يؤانسهم ثمَّ أرسل بعد ذَلِك ينذرهم ويتهددهم فَلم يغن ذَلِك فيهم شَيْئا ثمَّ عزم على قصدهم فقصدهم وَوَقع بَينهم ملحمة عَظِيمَة فكسروا القان وملكوا بِلَاده واستفحل شرهم وَاسْتمرّ الْملك بَين جنكيزخان وكشلوخان على الْمُشَاركَة ثمَّ سارا إِلَى بِلَاد قاسون من نواحي الصين فملكاها فَمَاتَ كشلوخان فَقَامَ مقَامه وَلَده فاستصغره جنكيزخان فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَقتله واستقل جنكيزخان ودانت لَهُ التتار وانقادت واعتقدوا فِيهِ الأولوهية وبالغوا فِي طاعتهم ثمَّ كَانَ أول خُرُوجهمْ من بِلَادهمْ سنة سِتّ وسِتمِائَة إِلَى نواحي التّرْك وفرغانة فَأرْسل خوارزم شاه مُحَمَّد بن تكش صَاحب خُرَاسَان الَّذِي أباد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 الْمُلُوك وَأخذ الممالك وعزم على قصد الْخَلِيفَة فَلم يتهيأ لَهُ إِلَى أهل فرغانة والشاش وكاشان وَتلك الْبِلَاد النزهة العامرة بالجلاء والإجفال عَنْهَا إِلَى سَمَرْقَنْد وَغَيرهَا ثمَّ خربها جَمِيعًا خوفًا من التتار أَن يملكوها لعلمه أَنه لَا طَاقَة لَهُ بهم ثمَّ سَارَتْ التتار يتحفظون ويتنقلون إِلَى سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة فَأرْسل فِيهَا جنكيزخان إِلَى السُّلْطَان خوارزم رسلًا وهدايا وَقَالَ الرُّسُل لخوارزم شاه إِن القان الْأَعْظَم جنكيزخان يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك لَيْسَ يخف عَليّ عظم شَأْنك وَمَا بلغت من سلطانك ونفوذ حكمك على الأقاليم وَأَنا أرى مسالمتك من جملَة الْوَاجِبَات وَأَنت عِنْدِي مثل أعز أَوْلَادِي وَغير خَافَ عَلَيْك أَنِّي ملك الصين وَأَنت أخبر النَّاس ببلادي وَأَنَّهَا مغارات العساكر والخيول ومعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة وفيهَا كِفَايَة عَن غَيرهَا فَإِن رَأَيْت أَن تعقد بَيْننَا الْمَوَدَّة فَأمر التُّجَّار بِالسَّفرِ لتعم المصلحتان فَأَجَابَهُ خوارزم شاه إِلَى ملتمسه وسر جنكيزخان بذلك وَاسْتمرّ الْحَال على المهادنة إِلَى أَن وصل من بِلَاده تجار وَكَانَ خَال خوارزم شاه نَائِبا عَنهُ على بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر وَمَعَهُ عشرُون ألف فَارس فشرهت نَفسه إِلَى أَمْوَال التُّجَّار فَكتب إِلَى جنكيزخان يَقُول إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم قد جَاءُوا بزِي التُّجَّار وَمَا قصدهم إِلَّا التَّجَسُّس وَإِن أَذِنت لي فيهم فَأذن لَهُ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَيْهِم فَقبض عَلَيْهِم وَأخذ أَمْوَالهم فوردت رسل جنكيزخان إِلَى خوارزم شاه يَقُول إِنَّك أَعْطَيْت أمانك للتجار فغدرت والغدر قَبِيح وَهُوَ من السُّلْطَان أقبح فَإِن زعمت أَن الَّذِي فعله خَالك بِغَيْر أَمرك فسلمه إِلَيْنَا وَإِلَّا سَوف تشاهد مني مَا تعرفنِي بِهِ فَدخل خوارزم شاه من الرعب لكنه تجلد وَأمر بقتل الرُّسُل فَقتلُوا فيالها من قتلة كم هدرت من دِمَاء لِلْإِسْلَامِ أجرت بِكُل قطر سيلا من الدَّم ثمَّ سَار جنكيزخان إِلَيْهِ فانجفل خوارزم شاه عَن جيحان إِلَى نيسابور إِلَى مرج هَمدَان رعْبًا من التتار فأحدق بِهِ التتار وَقتلُوا كل من مَعَه وَنَجَا هُوَ بِنَفسِهِ فَخَاضَ المَاء إِلَى جَزِيرَة وَلَحِقتهُ عِلّة ذَات الْجنب فَمَاتَ بهَا وحيداً طريدَاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 وَذَلِكَ سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فملكوا جَمِيع مملكة خوارزم شاه ثمَّ بعد ذَلِك عبروا النَّهر بعد أَن أخذُوا بُخَارى وسمرقند وَكَانَ خوارزم شاه قد أباد الْمُلُوك من مدن خُرَاسَان فَلم يجد التتار أحدا فِي وُجُوههم فطوفوا الْبِلَاد قتلا وسبياً وَسَاقُوا إِلَى أَن وصلوا هَمدَان وقزوين قَالَ ابْن الْأَثِير فِي كَامِله حَادِثَة التتار من الْحَوَادِث الْعُظْمَى والمصائب الْكُبْرَى الَّتِي عقمت الدهور عَن مثلهَا عَمت الْخَلَائق وخصت الْمُسلمين فَلَو قَالَ قَائِل إِن الْعَالم مُنْذُ خلقه الله لم يبل بِمِثْلِهَا لَكَانَ صَادِقا فَإِن التواريخ لم تَتَضَمَّن مَا يقاربها وَمن أعظم مَا يذكرُونَ فعل بُختنَصر ببني إِسْرَائِيل بِبَيْت الْمُقَدّس فَمَا بَيت الْمُقَدّس بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خرب هَؤُلَاءِ الملاعين من مدن الْإِسْلَام وَمَا بَنو إِسْرَائِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قتلوا من الْأَنَام فَهَذِهِ الْحَادِثَة الَّتِي استطار شررها وَعم ضررها وسارت فِي الدُّنْيَا سير السَّحَاب استدبرته الرّيح فَإِن قوما خَرجُوا من أَطْرَاف الصين فقصدوا كبار المدن والقرى مثل تركستان وكاشغر وبلاساغون ثمَّ مِنْهَا إِلَى بُخَارى وسمرقند فتملكوا ملكهَا وأبادوا أَهلهَا ثمَّ تعبر طَائِفَة إِلَى خُرَاسَان فتفرع مِنْهَا ملكا وتخريبَاً وقتلا وإبادة ثمَّ إِلَى الرّيّ وهمذان إِلَى حد الْعرَاق ثمَّ يقصدون أذربيجان ونواحيها ويخربونها ويفتحونها كل ذَلِك فِي أقل من سنة أَمر لم يسمع بِمثلِهِ ثمَّ من أذربيجان إِلَى دَرْبند شرْوَان ثمَّ إِلَى بِلَاد اللان فَقتلُوا وأسروا ثمَّ بِلَاد القفجاق وهم من أَكثر التّرْك عددا فَقتلُوا من وقف وهرب الْبَاقُونَ وَاسْتولى التتار عَلَيْهَا وَمَضَت طَائِفَة مِنْهُم إِلَى غزنة وأعمالها وسجستان وكرمان فَفَعَلُوا مثل هَذَا هَذَا مَا لم يطْرق الأسماع مثله فَإِن الْإسْكَنْدَريَّة الَّذِي ملك الدُّنْيَا لم يملكهَا فِي هَذِه السرعة وَإِنَّمَا ملكهَا فِي نَحْو عشْرين سنة وَلم يقتل أحدا وَإِنَّمَا رَضِي بِالطَّاعَةِ وَهَؤُلَاء قد ملكوا أَكثر الْمَعْمُور من الأَرْض وَأحسنه وأعمره وَلم يبْق أحد فِي الْبِلَاد الَّتِي لم يطرقوها إِلَّا وَهُوَ خَائِف يترقب وصولهم إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّهُم كَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْميرَة ومددهم يَأْتِيهم فَإِن مَعَهم الأغنام وَالْبَقر وَالْخَيْل يَأْكُلُون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 لحومها لَا غير وَأما خيل ركوبهم فَإِنَّهَا تحفر الأَرْض بحوافرها وتأكل عروق الشّجر لَا تعرف الشّعير وديانتهم سجودهم للشمس وَالْعِيَاذ بِاللَّه حَال طُلُوعهَا وَلَا يحرمُونَ شَيْئا ويأكلون جَمِيع الدَّوَابّ وَبني آدم وَلَا يعْرفُونَ نكاحَاً بل الْمَرْأَة الْوَاحِدَة يَأْتِيهَا الْجَمَاعَات ويثبون وثوب القردة يقطعون المسافات الطَّوِيلَة فِي أَيَّام قَليلَة ويخوضون الأوحال ويتعلقون بالجبال ويصبرون على الْعَطش والجوع ويهجرون الغمض والهجوع وَلَا يبالون بِالْحرِّ وَالْبرد والسهل والوعر طعامهم كف شعير وشربهم من طرف الْبِئْر يكَاد أحدهم يتقوت بِطرف أذن فرسه يقطعهَا ويأكلها نيئة ويصبر على ذَلِك أَيَّامًا عديدة بل يَكْتَفِي هُوَ وفرسه بحشيش الأَرْض مُدَّة مديدة ثمَّ سَارُوا إِلَى بَغْدَاد وهم ينوفون على مِائَتي ألف فَارس وراجل سالب باسل فَكَانَ مَا كَانَ مِنْهُم على الْخَلِيفَة المستعصم وبغداد وَأَهْلهَا وملكهم هولاكو بعد أَن مَاتَ جنكيزخان ثمَّ وصلوا إِلَى حلب وبذلوا فِيهَا السَّيْف بعد أَن ملكوا مَا بَينهَا وَبَين بَغْدَاد من المدن والقرى ثمَّ أرسل هولاكو إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق كتابا صورته يعلم سُلْطَان نَاصِر طَال بَقَاؤُهُ أَنا لما توجهنا إِلَى الْعرَاق وَخرج إِلَيْنَا جنودهم قتلناهم بِسيف الله ثمَّ خرج إِلَيْنَا رُؤَسَاء الْبَلَد ومقدموها فَكَانَت قصارى كل مِنْهُم سَببا لهلاك نفوس تسْتَحقّ الإذلال وَأما صَاحب الْبَلَد الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ خرج إِلَى خدمتنا وَدخل تَحت عبوديتنا فَسَأَلْنَاهُ عَن أَشْيَاء كذبنَا فِيهَا فَاسْتحقَّ الإعدام وَكَانَ كذبه ظَاهرا {ووجدوا مَا عمِلُوا حَاضرا} الْكَهْف 49 وَأَنت فأجب ملك البسيطة وَلَا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات وَقد بلغنَا أَن شذرة من عَسَاكِر الْعرَاق التجأت إِلَيْك هاربة وَإِلَى خبائك لائذة من // (الْكَامِل) // (أينَ المفَرُّ وَلَا مفَرَّ لهاربٍ ... وَلنَا البسيطانِ الثرَى والمَاءُ) فبساعة وقوفك على كتَابنَا تجْعَل قلاع الشَّام سماءها أرضَاً وطولها عرضا ثمَّ أرسل كتابا ثانيَاً يَقُول فِيهِ حَضْرَة ملك نَاصِر طَال عمره أما بعد فَإنَّا فتحنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 بَغْدَاد واستأصلنا مُلكها ومَلكها وَقد كَانَ ضن بالأموال وَلم ينافس فِي الرِّجَال فَظن أَن ملكه يبْقى على ذَلِك الْحَال وَقد علا ذكره ونما قدره فَخسفَ فِي الْكَمَال بدره من // (المتقارب) // (إِذا تَمَّ شيءٌ بدا نقصُهُ ... ترقَّبْ زوالاَ إِذا قِيلَ تَمّ) وَنحن فِي طلب الازدياد على ممر الآباد فَلَا تكن كَالَّذِين نسوا الله وأبدِ مَا فِي نَفسك إِمَّا إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان أجب دَعْوَة البسيطة تأمن من شَره وتنل من بره واسعَ إِلَيْهِ برجالك وأمرائك وَلَا تعُق رَسُولنَا وَالسَّلَام ثمَّ أرسل إِلَيْهِ كتابا ثَالِثا قَول فِيهِ أما بعد فَنحْن جنود الله بِنَا ينْتَقم مِمَّن عتا وتجبر وطغى وتكبر وبأمر الله مَا ائتمر إِن عوتب تنمر وَإِن رُوجِعَ اسْتمرّ وَنحن قد أهلكنا الْبِلَاد وأبدنا الْعباد وقتلنا النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فيا أَيهَا الْبَاقُونَ أَنْتُم بِمن مضى لاحقون وَيَا أَيهَا الغافلون أَنْتُم إِلَيْهِم تساقون وَنحن جيوش الهلكة لَا جيوش المملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لَا يرام ونزيلنا لَا يضام وعدلنا فِي ملكنا قد اشْتهر وَمن سُيُوفنَا أَيْن المفر وَلَا مفر ذلت لهيبتنا الْأسود وأصبحت فِي قبضتنا الْأُمَرَاء وَالْخُلَفَاء وَنحن إِلَيْكُم صائرون وَلكم الْهَرَب وعلينا الطّلب من // (الطَّوِيل) // (ستعلَمُ ليلَى أيَّ دينٍ تداينَتْ ... وَأي غريمٍ للتقاضيِ غَريمُهَا) دمرنا الْبِلَاد وأيتمنا الْأَوْلَاد وأهلكنا الْعباد وَجَعَلنَا عظيمهم صَغيراً وأميرهم أسرا تحسبون أَنكُمْ ناجون أَو متخلصون وَعَن قَلِيل سَوف تعلمُونَ على مَا تقدمون وَقد أعذر من أنذر فَلَمَّا وصلوا إِلَى دمشق خرج إِلَيْهِم الْملك المظفر الْمُسَمّى قطز من مُلُوك الأتراك من مصر ومقدم عسكره الظَّاهِر بيبرس البندقداري فَالتقى مَعَهم عِنْد عين جالوت وَوَقع المصاف يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر رَمَضَان سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فَهزمَ التتار شَرّ هزيمَة وانتصر الْمُسلمُونَ وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَقتل من التتار مقتلة عَظِيمَة وولوا الأدبار وطمع النَّاس فيهم تخطفونهم وينتهبونهم وَجَاء كتاب الْملك المظفر إِلَى دمشق بِخَبَر النَّصْر فطار الْمُسلمُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 فَرحا وَسَيَأْتِي ذكر الْملك المظفر قطز فِي الْبَاب الْخَامِس الْمَعْقُود للدولة التركية إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ السخاوي ثمَّ لم يزل بقاياهم يخرجُون إِلَى أَن كَانَ اَخرهم تيمور لنك الْأَعْرَج فطرق الديار الشامية وعاث فِيهَا وَحرق دمشق حَتَّى جعلهَا خاوية على عروشها وَدخل الرّوم والهند وَمَا بَين ذَلِك وطالت مدَّته إِلَى أَن مَاتَ وتفرق بنوه فِي الْبِلَاد قلت وَفِي الشَّائِع أَن مُلُوك الْهِنْد فِي زَمَاننَا يرجع نسبهم إِلَى تيمور لنك هَذَا وَالله أعلم بِصِحَّة هَذَا فَإِنِّي لم أره مَنْقُولًا وَاعْلَم أَن السّنة النَّبَوِيَّة قد أشارت إِلَى قتال التّرْك وفتنتهم فقد روى السِّتَّة إِلَّا النَّسَائِيّ حَدِيث لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر وَحَتَّى تقاتلوا التّرْك صغَار الْأَعْين حمر الْوُجُوه ذلف الْأَعْين كَأَن وُجُوههم المجان المطرقة وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الْأَعَاجِم حمر الْوُجُوه فطس الأنوف صغَار الْأَعْين كَأَن وُجُوههم المجان المطرقة نعَالهمْ الشّعْر وَفِي لفظ لَهُ عراض الْوُجُوه فَقَوله نعَالهمْ الشّعْر يحْتَمل أَنه على ظَاهره وَيحْتَمل أَن تكون من جُلُود مشعرة قَالَ الْمَنَاوِيّ فِي تَخْرِيج المصابيح وحمر الْوُجُوه بِي مشربَة بحمرة وذلف بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فِي رِوَايَة الْجُمْهُور قَالَ صَاحب الْمَشَارِق وَهِي الصَّوَاب ويروى بإهمال الدَّال وَهُوَ جمع أدلف كأحمر وحمر مَعْنَاهُ فطس الأنوف كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَي قصارها مَعَ انبطاح وَقَالَ النَّوَوِيّ الذلف غلظ أرنبة الْأنف والمجان جمع مجن بِكَسْر الْمِيم الترس والمطرقة بِضَم الْمِيم وَإِسْكَان الطَّاء وَحكى فتحهَا مَعَ تَشْدِيد الرَّاء وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة وَمَعْنَاهُ أَن وُجُوههم عريضة ووجناتهم ناتئة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 وَقَوله حَتَّى تقاتلوا خوزا وكرمان بطه ابْن الْأَثِير فِي نهايته فَقَالَ بِالْخَاءِ وَالزَّاي المعجمتين جيل مَعْرُوف وهم من بِلَاد الأهواز وكرمان صقع مَعْرُوف قَالَ السَّمْعَانِيّ بَلْدَة مَعْرُوفَة فِي بِلَاد الْعَجم بَين خُرَاسَان وبحر الْهِنْد وَورد اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم فَإِن أول من يسلب أمتِي ملكهَا بَنو قنطوراء الحَدِيث زَاد فِي رِوَايَة فَإِنَّهُم أَصْحَاب بَأْس شَدِيد وَغَنَائِم قَليلَة قلت بَنو قنطوراء بِالْمدِّ وَالْقصر قيل كَانَت جَارِيَة لسيدنا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل فَولدت لَهُ أَوْلَادًا فانتشر مِنْهُم التّرْك حَكَاهُ مُحَمَّد بن الْأَثِير واستبعده لَكِن مَا استبعده جزم بِهِ الْمجد الفيروزأبادي فِي قاموسه وروى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تكون مَدِينَة بَين الْفُرَات ودجلة يكون فِيهَا ملك بني الْعَبَّاس وَهِي الزَّوْرَاء تكون فِيهَا حَرْب مفظعة يسبى فِيهَا النِّسَاء وتذبح فِيهَا الرِّجَال كَمَا تذبح الْغنم ثمَّ قَالَ وَإِسْنَاده شَدِيد الضعْف قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ وَقد وَقعت هَذِه الْحَرْب بعد موت الْخَطِيب بِأَكْثَرَ من مِائَتي سنة وَذَلِكَ يُقَوي الحَدِيث ويصححه قَالَ السخاوي وَمن المرات الَّتِي قَاتل فِيهَا الْمُسلمُونَ التّرْك دولة بني أُميَّة حَتَّى أغزى مُعَاوِيَة الْجَيْش إِلَى الرّوم وأردفهم بِابْنِهِ يزِيد بن مُعَاوِيَة وَمَعَهُ عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ ثمَّ كَانَ بَينهم وَبَين الْمُسلمين مسدوداً بالهدنة الَّتِي عقدهَا يزِيد بَينه وَبينهمْ إِلَى أَن فتح ذَلِك شَيْئا فَشَيْئًا وَكثر السَّبي فيهم حَتَّى كَانَ أَكثر عَسْكَر المعتصم بن الرشيد مِنْهُم ثمَّ غلبت الأتراك على الْملك فَقتلُوا ابْنه المتَوَكل بن المعتصم ثمَّ أَوْلَاده الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن خالط المملكة الديلم ثمَّ كَانَت الْمُلُوك السامانية من التّرْك أَيْضا فملكوا بِلَاد الْعَجم ثمَّ غلب على تِلْكَ الممالك آل سبكتكن غُلَام معز الدولة بن بويه ثمَّ آل سلجوق وامتدت مملكتهم إِلَى الْعرَاق وَالشَّام وَالروم وَكَانَت بقايا أتباعهم بِالشَّام وهم آّل زنكي وَالِد مَحْمُود بن زنكي الملقب نور الدّين الشَّهِيد وَأَتْبَاع آل زنكي هم بَنو أَيُّوب الأكراد فاستكثرت بَنو أَيُّوب الأتراك من المماليك أَيْضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 فغلبوهم بالديار المصرية والشامية والحجازية وَخرج على آل محرق فِي الْمِائَة الْخَامِسَة الغز فخربوا الْبِلَاد وَقتلُوا فِي الْعباد ثمَّ جَاءَت الطامة الْكُبْرَى بعد الستمائة فَكَانَ خُرُوج جنكيزخان وَخَلفه بعده هولاكو واستعرت الدُّنْيَا بهم نارَاً لَا سِيمَا الشرق بأسره حَتَّى لم يبْق بلد مِنْهُ إِلَّا دَخلهَا شرهم ثمَّ كَانَ خراب بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة وسلب ملكه ودمار عماره وَظهر بِهِ بل بِجَمِيعِ ذَلِك مصداق قَوْله أَن أول من يسلب أمتِي ملكهَا بَنو قنطوراء وَقد تقدم ذكر الحَدِيث وَالله سُبْحَانَهُ أعلم وَكَانَ مِمَّن نجا من سيوف التتار من بني الْعَبَّاس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الظَّاهِر عَم المستعصم الْمَقْتُول قيل كَانَ محبوسَاً بِبَغْدَاد فَلَمَّا أخذت التتار بَغْدَاد أطلق فهرب وَصَارَ إِلَى عرب الْعرَاق فَلَمَّا تسلطن الْملك الظَّاهِر بيبرس بعد الْملك المظفر قطز وَفد عَلَيْهِ إِلَى مصر فِي رَجَب سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة وَمَعَهُ عشرَة من بني مهارش عرب الْحلَّة الْبَلدة الْمَعْرُوفَة فَركب السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس للقائه ثمَّ أثبت نسبه على يَد قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز الشَّافِعِي ثمَّ بَايعه بالخلافة السُّلْطَان ثمَّ قَاضِي الْقُضَاة الْمَذْكُور ثمَّ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام ثمَّ الْكِبَار على مَرَاتِبهمْ وَذَلِكَ فِي ثَالِث عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وَضربت السِّكَّة باسمه وخطب لَهُ ولقب بلقب أَخِيه الْمُسْتَنْصر وَفَرح النَّاس وَركب يَوْم الْجُمُعَة وَعلي السوَاد إِلَى جَامع القلعة فَصَعدَ الْمِنْبَر وخطب خطْبَة ذكر فِيهَا شرف بني الْعَبَّاس ودعا للسُّلْطَان وَالْمُسْلِمين ثمَّ صلى بِالنَّاسِ ثمَّ رسم بِعَمَل خلعة للسُّلْطَان وبكتابة تَقْلِيد لَهُ ثمَّ نصبت خيمة بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَركب الخلفة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الْمَذْكُور وَالسُّلْطَان الظَّاهِر الْمَذْكُور مَعَه يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شهر شعْبَان إِلَى الْخَيْمَة وَحضر الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء والأمراء والوزراء فألبس الْخَلِيفَة السُّلْطَان الخلعة بِيَدِهِ وطوقه ونُصِبَ مِنْبَر فَصَعدَ عَلَيْهِ فَخر الدّين بن لُقْمَان فَقَرَأَ التقلد ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 ركب السُّلْطَان بالخلعة وَدخل من بَاب النَّصْر وزينت الْقَاهِرَة وَحمل الْوَزير التَّقْلِيد على رَأسه رَاكِبًا والأمراء مشَاة ورتب السُّلْطَان للخليفة جَيْشًا وأتابكاً واستدارا وشرابياً وخازنداراً وحاجباً وكاتباً وَعين لَهُ خزانَة وَجُمْلَة مماليك وَمِائَة فرس وَثَلَاثِينَ بغلا وَعشر قطارات جمال إِلَى أَمْثَال ذَلِك قَالَ الذَّهَبِيّ وَلم يل الْخلَافَة أحد بعد ابْن أَخِيه إِلَّا هَذَا الْمُسْتَنْصر فَإِنَّهُ وَليهَا بعد ابْن أَخِيه وَهُوَ المستعصم الْمَقْتُول وَإِلَّا المقتفي بن المستظهر فَإِنَّهُ وَليهَا بعد الراشد ابْن أَخِيه المسترشد بن المستظهر ثمَّ عزم الْمُسْتَنْصر إِلَى الْعرَاق يُرِيد تخت بَغْدَاد فَخرج مَعَه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس يشيعه إِلَى أَن دخلُوا دمشق ثمَّ سَار الْخَلِيفَة بِمن مَعَه مُتَوَجها إِلَى بَغْدَاد فَلَمَّا وصل إِلَى السراة ثَالِث محرم سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة قَاتله هُنَاكَ قره بغا نَائِب هولاكو على بَغْدَاد فَقتل الْمُسْتَنْصر وَمن مَعَه وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَلم يقم لَهُ أَمر فَكَانَت ولَايَته سِتَّة أشهر وَالْحَاصِل أَن خلفاء بني الْعَبَّاس البغداديين سَبْعَة وَثَلَاثُونَ خَليفَة أَوَّلهمْ السفاح وَآخرهمْ المستعصم وَمُدَّة ملكهم فِيهَا خَمْسمِائَة وَأَرْبع وَعِشْرُونَ سنة وَيَوْم وَاحِد وَقد ذكرهم الإِمَام مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن يحيى بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ نظماً مبتدئاً بِأبي بكر الصّديق فَقَالَ من // (الطَّوِيل) // (إِذا رمتَ أعداد الخلائفِ عُدَّهُمْ ... كَمَا قُلْته تدعى اللبيبَ المحصِّلاَ) (عتيقٌ وفاروقٌ وعثمانُ بعدَهُ ... عليُّ الرِّضَا مِنْ بَعْدِهِ حَسنٌ تَلا) (معاويةٌ ثمَّ ابنُهُ وحفيدُهُ ... مُعاويَة وابنُ الزُّبيْرِ أَخُو العُلاَ) (ومروانُ يتلوه ابنُهُ ووليدُهُ ... سليمانُ وافَى بَعْدَهُ عُمَرٌ وَلاَ) (يزيدُ هشامٌ والوليدُ يزيدُهُمْ ... سناهُمْ بإبراهيمَ مروانُ قَدْ علا) (وسفَّاحٌ المنصورُ مهديُّ ابنُهُ ... وهادِي رشيدٌ للأمينِ تَكَفَّلا) (وأعقب بالمأمونِ مُعْتَصِم غَدا ... بَوَائقه يسْتتْبع المُتَوَكِّلاَ) (ومنتصرٌ والمستعِينُ وبعدَهُ ... لمعتزِّ المَتْلُوِّ بالمهدي اقْبلاَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 (ومعتمدٌ يَقْفُوه معتضِدٌ وعَنْ ... سنا المكتفي يتلوه مقتدرٌ سلا) (وبالقاهِرِ الراضِي يُفوِّضُ متقٍ ... وثَانِيهِ مُسْتَكْفٍ مُطِيع تفضَّلا) (وطائعُهُمْ للَّهِ باللَّهِ قادرٌ ... وقائمُهُمْ بالمقتدي استَظْهر الْعلَا) (ومسترشدٌ والراشدُ المكتفي بِهِ ... ومستنجدٌ والمستضِي نَاصِرٌ جلا) (فظاهِرُهُمْ مستنصرٌ قد تكمَّلوا ... فَإِن آتٍ تقصيراً فكُنْ متطوِّلا) قلت وَلم يذكر عبد الله بن المعتز فيهم وَقد ذكره بعض المؤرخين وَبَعْضهمْ لم يذكرهُ لكَونه ولي نصف يَوْم أَو نَحوه فَلذَلِك تَركه النَّاظِم ثمَّ صَار الْملك فِي مصر والحل وَالْعقد إِلَى مُلُوك الأتراك ثمَّ الجراكسة ثمَّ العثامنة وَقد كَانُوا يعينون وَاحِدًا من أَوْلَاد الْعَبَّاس للخلافة وَيكون كواحد من الْعَامَّة لَا حل لَهُ وَلَا عقد يُجَاب وَلَا يسمع وَلَا يفكر فِي رَأْي لَهُ فَيتبع فَأول من ورد إِلَيْهِم مصر الْمُسْتَنْصر الَّذِي تقدم ذكر قدومه إِلَيْهَا على الْملك الظَّاهِر بيبرس فجهزه وسيره إِلَى بَغْدَاد فتم عَلَيْهِ مَا تمّ ثمَّ وصل بعده إِلَى مصر من بني الْعَبَّاس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الراشد بن المسترشد ولقب بالحاكم بِأَمْر الله فَأكْرمه الظَّاهِر بيبرس أَيْضا وَأثبت نسبه بِحَضْرَة قُضَاة الشَّرْع وَبَايَعَهُ بالخلافة فَأجرى عَلَيْهِ النَّفَقَة وَسكن بِمصْر وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء وَإِنَّمَا اسْمه الْخَلِيفَة واستخلف أَوْلَاده من بعده على هَذَا النسق لَيْسَ لَهُم إِلَّا اسْم الْخلَافَة يأْتونَ بِهِ إِلَى السُّلْطَان الَّذِي يُرِيد تَوليته فَيَقُول لَهُ وليتك السلطنة هَكَذَا كَانُوا بألقاب الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد وَكَانَت سلاطين الأقاليم يتبركون بهم ويرسلون إِلَيْهِم أَحْيَانًا يطْلبُونَ تَقْلِيد السلطنة فيكتبون إِلَيْهِم تقليدَاً ويعهدون إِلَيْهِم بالسلطنة عهدا وَلَا يخفى أَن هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُم من الْخلَافَة إِلَّا الصُّورَة كَمَا كَانَت الْخُلَفَاء البغداديون الْمَحْجُور عَلَيْهِم من جَانب أمرائهم وَإِنَّمَا لَهُم الِاسْم الْمُجَرّد عَن الْمَعْنى من كل وَجه وعدتهم ثَمَانِيَة عشر خَليفَة أَوَّلهمْ الْمُسْتَنْصر الَّذِي جهزه الْملك الظَّاهِر بيبرس إِلَى بَغْدَاد فَوَقع لَهُ فِي الطَّرِيق مَا وَقع وَإِنَّمَا عدناه مِنْهُم لِأَن ولَايَته بِمصْر وَآخرهمْ مُحَمَّد المتَوَكل على الله ابْن المستمسك بِاللَّه يَعْقُوب وَهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 المستمسك هُوَ آخر من ذكره الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي منظومته فِي الْخُلَفَاء وَاسْتمرّ المستمسك بِاللَّه خَليفَة إِلَى أَن كَبرت سنه وكف نظره وَدخلت أَيَّام الدولة العثمانية وافتتحت الديار المصرية فَأَخذه السُّلْطَان سليم مَعَه إِلَى أسطنبول وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان سليم ثمَّ عَاد إِلَى مصر فَخلع وَولى وَلَده المتَوَكل عَليّ بن المستمسك فِي شعْبَان سنة أَربع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ خَليفَة إِلَى أَن توفّي ثَانِي عشر شعْبَان سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فِي أَيَّام المرحوم دَاوُد باشا صَاحب مصر وباني رِبَاط الداودية ومدرستها الْمَعْرُوفَة بِهِ وبموته انْقَطَعت الْخلَافَة الصورية أَيْضا بِمصْر وَكَانَ المتَوَكل فاضلاَ أديباً لَهُ شعر حسن مِنْهُ قَوْله من // (الْبَسِيط) // (لم بقَ محتسبٌ يُرجَى وَلَا حسنٌ ... وَلَا كريمٌ إِلَيْهِ مُشْتَكَى حَزَنيِ) (وَإِنَّمَا سَادَ قومٌ ذِي غيرُ حَسَبٍ ... مَا كنْتُ أوثرُ أنْ يمتدَّ بِي زَمَنِي) قَالَ الْعَلامَة قطب الدّين اجْتمعت بِهِ رحلتي إِلَى مصر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَأخذت عَنهُ وَهَذِه قصيدة الْعَلامَة السُّيُوطِيّ المتضمنة لذكر الْخُلَفَاء الرَّاشِدين والأمويين والعباسيين والبغداديين والمصريين وَمُدَّة وفياتهم وَهِي غَايَة فِي ضبط أُولَئِكَ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى من // (الْبَسِيط) // (ألحمدُ للَّهِِ حمداً لَا نَفَادَ لَهُ ... وَإِنَّمَا الحمدُ حَقًا رأسُ مَنْ شكَرَا) (ثمَّ الصلاةُ على الهاديِ النبيِّ ومَنْ ... سادَتْ بنسبته الأشرافُ والأُمَرَا) (إنَّ الأمينَ رسُولَ اللَّهِ مبعثُهُ ... لأَربعينَ مضَتْ فِيمَا رَوَوْا عُمُرَا) (وكانَ هجرتُهُ مِنْهَا لطَيْبَةَ مِنْ ... بعد الثلاثةِ أعواماً تلِي عَشَرَا) (وماتَ فِي عامِ إِحْدَى بَعْدَ عشْرتها ... فيا مصيبةَ أَهْلِ الأرضِ حينَ سَرَى) (وقامَ مِنْ بعده الصِّديقُ مُجْتَهدا ... وف ثَلَاثَة عشر بَعْدَهُ قُبِرا) (وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ القرآنَ فِي صحفٍ ... وأولُ النَاسِ سَمَّى المُصْحَفَ الزُّبُرَا) (وقامَ من بعدِهِ الفاروقُ ثُمَّتَ فِي ... عشرينَ بعْدَ ثلاثٍ غَيَّبوا عُمَرا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 (وَهْوَ الَّذِي اتخَذَ الديوانَ وافترَضَ ... الْعَطاءَ قَبلُ وبيتَ المالِ والدُّرَرَا) (وَهْوَ المسمَّى أميرَ المؤمنينَ وَلم ... يُدْعَي بِهِ قَبْلَهُ شخصٌ مِنَ الأُمَرَا) (وَقَامَ عثمانُ حتَّى جاءَ مَقْتَلُهُ ... بعد الثلاثينَ فِي خَمسٍ وَقد حُصِرا) (وبعدُ قامَ عليُّ ثمَّ مقتَلُهُ ... لأربعينَ فمَنْ أوداه قد خَسِرَا) (ثمَّ ابنُهُ السِّبْطُ نصفَ العامِ ثُمَّ أتَى ... بَنو أيَّةَ يَبْغونَ الوغَى زُمَرَا) (فسلَّم الأمرَ فِي أُخْرَى لِرَغْبَتِهِ ... عَن دارِ دُنْيَا بِلَا ضَيْرٍ وَلَا ضَرَرَا) الْخُلَفَاء الأمويون (وَكَانَ أولَ ذِي مُلكٍ معاويةٌ ... فِي النِّصْفِ من عامِ ستنَ الحِمَامُ عَرا) (ثمَّ اليزيدُ ابنُهُ أَخْبِثْ بِهِ ولدا ... فِي أربعٍ بعْدهَا ستُّونَ قد قُبِرَا) (وابنُ الزبيْرِ وَفِي سبعينََ مَقٍ تًلُهُ ... بعد الثلاثِ وكَمْ بالبيتِ قد حُصِرا) (وَفِي ثمانينَ مَعْ ستِّ عَلَيْهِ قضى ... عبدُ المليكِ بِهِ الأمَر الَّذِي استُهرا) (ثمَّ الوليدُ ابنُهُ فِي قَبْلِ مَا رَجَبٍ ... فِي الستِّ من بعدِ تسْعِينَ انقضَى عُمُرا) (وَهْوَ الَّذِي مَنَعَ الناسَ النداءَ لَهُ ... باسْم وكانتْ تُنَادَى باسمِها الأُمَرَا) ) وقامَ بَعْدُ سليمانُ الخِيَارُ وفِي ... تسعٍ وتسعينَ جَاءَ الموتُ فِي صَفَرَا) (وبعدَه عُمَرٌ ذَاك النجيبُ وفِي ... إِحْدَى تلِي مائَة قد أَلْحَدُوا عُمَرَا) (وَهْوَ الَّذِي أَمر الزهْرِيَّ خَوْفَ ذَهَابِ ... الْعلم أنْ يجمَعَ الأَخبارَ والأَثَرا) (ثمَّ اليَزِيدُ فَفِي خَمْسٍ قَضَى وتَلاَ ... هِشَامُ فِي الخَمْسِ والعِشْرينَ قَدْ سطرا) (ثمَّ الوليدُ وَبعد الْعَام مَقْتَله ... من بعد مَا جَاءَ بِالْفِسْقِ الَّذِي شهرا) ) ثمَّ اليزيد وَفِي ذَا الْعَام مَاتَ وَقد ... أَقَامَ سِتّ شهور مثل مَا أثرا) (وبعدَهُ قامَ إبراهيمَ ثمَّ مضَى ... بالخلعِ سبعينَ يَوْمًا مذ أقامَ ثرا) (وَبعده قامَ مروانُ الحمارُ وَفِي ... ثنتينِ بعد ثلاثينَ الدماءُ جَرَى) الْخُلَفَاء العباسيون (وَقَامَ مِنْ بَعْدِهِ السَّفَّاح ثمَّ قَضَى ... بعدَ الثلاثينَ فِي ستِّ وَقد جُدِرَا) (وقامَ مِنْ بعدِهِ المنصورُ ثمَّت فِي ... خمسينَ بعد ثمانٍ مُحْرِمًا قُبِرا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 (ثمَّ ابنُهُ وَهْوَ المهديُّ ماتَ لدَى ... تسعٍ وستينَ مَسْمُومًا كَمَا ذُكِرَا) (ثمَّ ابنُهُ وَهْوَ الهادِي وموتَتُهُ ... فِي عامِ سبعينَ لمَّا هَمَّ أَنْ غَدَرَا) (ثمَّ الرشيدُ وفِي تسعين تاليةٍ ... ثلاثةَ ماتَ فِي الغزوِ الرَّفِيع ذُرَا) (ثمَّ الأمينُ وَفِي تسعينَ تاليةٍ ... ثمانياً جَاءَهُ قتلٌ كَمَا ذُكِرَا) (وقامَ مِنْ بعده المأمونُ ثمَّتَ فِي ... ثمانِ عشرةَ كَانَ الموتُ فاعْتَبِرا) (وقامَ معتصمٌ مِنْ بعدِهِ وقضَى ... فِي عامِ سبعٍ وعشرينَ الَّذِي أُثِرَا) (وَهْوَ الَّذِي أدخَلَ الأَتراكَ مُنْفَردا ... ديوانَهُ واقتناهُمْ جالباً وشرا) (ثمَّ ابنُهُ الواثِقُ المالي الورَى رُعُبًا ... وَفِي ثلاثينَ مَعْ ثِنْتَيْنِ قد غَبَرَا) (وَذُو التوكُّلِ مَا أزكَاهُ من خُلُقٍ ... ومظهرُ السُّنَّةِ الغَرَّاءِ إِذْ نَصَرَا) (فِي عامِ سبعٍ تليهَا أربَعُونَ قَضى ... قتلا حَبَاه ابنُه المدعوُّ منتَصِرَا) (فَلم يَقُمْ بعدَهُ إلاَّ اليسيرَ كَمَا ... قد سَنَّهُ الله فيمَنْ بعضَه غَدَرَا) (والمستعينُ وَفِي عامِ اثنتينِ تَلاَ ... خمسينَ خَلْعٌ وقتلٌ جَاءَهُ زُمَرَا) (وَهْوَ الَّذِي أحدثَ الأكمامَ وَاسِعَة ... وَفِي القلانِسِ عَن طُولٍ أَتَى قِصَرَا) (وقامَ مِنْ بَعْدِه المعتزُّ ثُمَّتَ فِي ... خمسٍ وخمسينَ حَقا قتلُهُ أثرَا) (والمهتدِي الصّالِحُ الميمونُ مَقْتَلُهُ ... مِنْ بعدِ عَامٍ وقفي قبله عمرا) (أقامَ مِنْ بَعْدِهِ بالأَمْرِ مُعْتَمِدٌ ... فِي عامِ تسعٍ وَسبعين الحِمَامُ عَرَا) (وذاكَ أولُ ذِي أمرٍ لَهُ حَجَرُوا ... وأولُ الناسِ موكولا بِهِ قُهِرَا) (وَقَامَ مِنْ بعده بالأمرِ معتضدٌ ... وَفِي ثمانينَ مَعْ تسَع مضتْ قُبَرَا) (ثمَّ ابنُهُ المكتفي بِاللَّه أحمدٌ فِي ... خمسٍ وتسعينَ وافاه الَّذِي قدرَا) (فِي عامِ عشرينَ فِي شوالَ بَعْدَ مُضِي ... ثلاثةٍ قُتِلَ المدعوُّ مُقْتَدِرَا (وبعدَهْ القاهِرُ الجَبَّارُ مخلَعُه ... فِي اثنينِ مِنْ بعد عشْرين وَقد سُمِرَا) (وَقَامَ من بعدهِ الراضي وَمَاتَ لَدَى ... تسعٍ وعشرينَ وانسُبْ عِنْدَهُ أخَرَا) (والمقتَّقي وَمَضَى بالخَلْعِ مُشْتَمِلاً ... من بعد أربعةِ الأعوامِ فِي صَفَرا) (وَقَامَ بالأمرِ مستكفيهِمُ وَقَفَا ... من بعدِ عامٍ لأمر المتقي أَثَرَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 (ثمَّ المطيعُ وفى ستينَ يتبعُهَا ... ثلاثةٌ فى أخيرِ العامِ قد غَبَرَا) (ثمَّ ابنُه الطائعُ المقهورُ مخلَعُهُ ... عامَ الثمانينَ مَعْ إحْدَى كَمَا أُثِرَا) (ثمَّ الإِمَام أَبُو العباسِ قادرُهم ... فِي اثنينِ مِنْ بعد عشرينَ مَضَتْ قُبِرَا) (ثمَّ ابْنُهُ قائِمٌ لله ماتَ لَدَى ... سبعٍ وستينَ مِنْ شعبانَ قدْ سُطِرَا) (والمقتدِي ماتَ فى تسعٍ بأوَّلِهَا ... بَعْدَ الثمانينَ جدَّ الْملك واقتدَرَا) (وَقَامَ مِنْ بَعدِه مستظهرٌ وقَضَى ... فى خامسِ القرنِ فى اثنينِ تلِى عَشرَا) (وَقَامَ مِنْ بعدهِ مسترشدٌ ولَدَى ... تسعٍ وَعشْرين فِيهِ القَتْلُ حَلَّ عُرَا) (ثمَّ ابنُهُ الراشدُ المقهورُ مخْلَعُهُ ... مِنْ بعد عامٍ فَلَا عينٌ وَلَا أَثَرَا) (والمقتفي ماتَ مِنْ بَعْدِ التَمَكُّنِ فِي ... خمسٍ وخمسينَ وانقادَتْ لَهُ النُّصَرا) (وقَامَ مِنْ بعدهِ مستنجدٌ وقَضَى ... من بعدِ ستينَ مَعْ سِتِّ وَقد شعرًا) (والمستظئُ بِأَمْر الله ماتَ لَدَى ... خمسٍ وَسبعين بِالْإِحْسَانِ قد بَهَرا) (وقامن مِنْ بعدهِ بالأمرِ ظاهِرُهُم ... تسعا شهورًا فأقلل مدةَ قِصَرَا) (وَقَامَ مِنْ بعدهِ مستنصرٌ وقَضَى ... لأربعينَ وكَمْ تَرْثِيهِ مِنْ شُعَرَا) (وَقَامَ مِنْ بعدهِ مستعصمٌ ولَدَى ... ستِّ وخمسينَ كَانَ الفتنةُ الكبرَى) (جَاءَ التتارُ فَأَرْدَوْهُ وبلدتَهُ ... فيلعنُ اللَّهُ والمخلوقةُ والتَّتَرَا) (مرتْ ثلاثُ سنتن بعدَهُ وَيلى ... نصفٌ ودَهْرُ الرَّدَى عَنْ قائمٍ شغرَا) الْخُلَفَاء العباسيون المصريون (وقامَ مِن بعد ذَا مستنصرٌ وثَوَى ... فى آخِرِ الْعَام قَتْلاً مِنْهُمُ وسرى) (أَقَامَ ستَّ شهورٍ ثمَّ رَاحَ لَدَى ... مُهَلِّ ستينَ لَم يَبْلُغْ بهَا وَطَرَا) (وَقَامَ مِنْ بعده فِي مصرَ حاكِمُهُمْ ... على وَهًى لَا كَمَنْ مِن قَبْلُ قد غَبَرا) (وَمَات فِي عَام إِحْدَى بَعْد سبعِ مِئِى ... وَقَامَ من بعدُ مستكفيهمُ وجَرَى) (فِي أربعينَ قضى إِذا قَامَ واثِقُهُمْ ... فَفِي اثنينِ قضى خلعا مِنْ الأَمَرَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 (وَقَامَ حاكمُهُمْ مِنْ بعدِه وَقضى ... عَامَ الثلاثِ مَعَ الخَمْسِينَ معتبرَا) (فَقَامَ مِنْ بعدِه بالأمرِ معتضدٌ ... وفى الثلاثةِ والستينَ قَدْ غَبَرَا) (وَذُو التوكُّلِ يتلوهُ أَقَامَ إِلَى ... بعدَ الثمانينَ فى خمسٍ وَقد حُصِرَا) (وبايَعُوا واثقا بِاللَّه ثُمَّتَ فى ... عامِ الثمانِ قَضَى وسَمَّه عُمَرا) (وبايَعُوا بعدَهُ بِاللَّه معتصمًا ... فى عامِ إِحْدَى وتسعينَ أُزِيل وَرَا) (وَذُو التوكُّل رَدُّوهُ أقامَ إِلَى ... ذَا القرنِ عامَ ثمانٍ مِنْهُ قَد قُبِرَا) (أولادُه منهمُ خمسٌ مبجلةٌ ... حازوا الخلافةَ إِذْ كانَتْ لَهُمْ قَدَرَا) (والمستعينُ وآلَ الأمرُ أَن خلعوا ... فِي شهرِ شعْبَان فِي خمسٍ تَلي عَشَرَا) (وَقَامَ مِنْ بعدِه بِالْأَمر معتضدٌ ئ ... لأربعينَ تَلِيهَا الخمسةُ احتُضِرَا) (وَقَامَ بِالْأَمر مستكفيهمُ وقَضَى ... فى عامِ الأَرْبع والخمسينَ مُصْطَبِرَا) (وَقَامَ قائِِمهُمْ من بعدُ ثُمَّتَ فِي ... سبعٍ وخمسينَ بعد الْخلْع قد حُصِرَا) (وَقَامَ مِنْ بعدِه مستنجدٌ دَهرًا ... خَليفَة العَصْرِ رقَّاهُ الْإِلَه ذُرَا) (وبعدَ نظمىَ هَذَا النظمَ فى مُدَدٍ ... قَضَى خليفتُنا المذكورُ مصطَبرا) (فى عَام الأَرْبَعِ من شهرِ المحرَّم مِنْ ... بعدِ الثمانينَ يومَ السبت قَدْ قُبِرا) (وبويع ابنُ أَخِيه بَعْدَهُ ودُعِى ... بِذِي التوكُّلِ كالَجِّد الذى شُهِرَا) (وماتَ عامَ ثلاثٍ بعد تِسْعِمِئى ... سلخ المحرَّم عَنْ عهدٍ لَهُ سطرَا) (لنجله البرِّ يعقوبَ الشريفِ وَقَدْ ... لُقِّبَ مستمسكًا بِاللَّه فِي صَفَرَا) وَهَذَا آخر مَا نظمه الْعَلامَة السيوطى وَقَالَ بَعضهم فَذكر خلع المستمسك هَذَا بعد طول عمره وَكبر سنه وانكفاف نظره وَولَايَة ابْنه مُحَمَّد المتَوَكل على الله بن المستمسك بِاللَّه فَقَالَ (وَكَانَ خلعٌ لَهُ فى عَام أربعةٍ ... من بعد عَشْرَةَ فى شعبانَ قد شُهِرَا) (وَلم يكنْ خَلْعُهُ من أجلِ مَنْقَصَةٍ ... فى دينِه ثمَّ دنياهُ وليسَ جَرَى) (شبيهُ ذاكَ ولكنْ أمرُ خالِقنا ... مُذْ حلَّ فى عينه فأَذْهَبَ البَصَرَا) (وأهلُ حَلِّ وعَقْدِ بايَعُوا بِرِّضا ... لِنَجْلهِ ليْسَ فِيْهِمْ واحدٌ غَدارَ) (بذى التوكُّلِِ حَقًا لقبُوهُ وَقُلْ ... محمدٌ إِسمه لاَ زَال مُنْتَصِرَا) (فِي ساعةِ الْخلْع والمخلوعُ والدُه ... كانْتَ بَنُو عَمِّهِ راضِينَ مَا ذكَرَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 (الْبَاب الثَّالِث) (فِي الدولة العبيدية المسمين بالفاطميين بالمغرب ثمَّ بِمصْر) اعْلَم أَن بني الْعَبَّاس حِين ولوا الْخلَافَة امتدت إيالتهم على جَمِيع ممالك الْإِسْلَام كَمَا كَانَ بَنو أُميَّة من قبلهم ثمَّ لحق بالأندلس من فل بني أُميَّة من ولد هِشَام بن عبد الْملك حفيده عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام وَنَجَا من تِلْكَ الهلكة فَأجَاز الْبَحْر وَدخل الأندلس فملكها من يَد عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الفِهري وخطب للسفاح فِيهَا حولا ثمَّ لحق بِهِ أهل بَيته من الْمشرق فعذلوه فِي ذَلِك فَقطع الدعْوَة عَن السفاح وَبقيت بِلَاد الأندلس مُنْقَطِعَة عَن الدولة الإسلامية من بني الْعَبَّاس ثمَّ كَانَت وقْعَة فخ أَيَّام الْهَادِي أخي الرشيد عَليّ بن الْحسن بن عَليّ سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَقتل داعيتهم يَوْمئِذٍ الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن المثلث بن بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط وَجَمَاعَة من أهل بَيته وَنَجَا آخَرُونَ وخلص مِنْهُم إِدْرِيس بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَقَامَ بدعوته البرابر هُنَالك فاقتطع الْمغرب عَن بني الْعَبَّاس واستحدثوا هُنَالك دولة لأَنْفُسِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 ثمَّ ضعفت الدولة العباسية بعد الاستفحال وتغلب على الْخَلِيفَة بهَا الْأَوْلِيَاء والقرابة والمصطنعون وَصَارَ تَحت حجرهم من حِين قتل الْخَلِيفَة المتَوَكل العباسي وَحدثت الْفِتَن بِبَغْدَاد وَصَارَ العلوية إِلَى النواحي مظهرين لدعوتهم فَدَعَا أَبُو عبد الله الشيعي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ بإفريقية فِي كِتَابه لِعبيد الله الْمهْدي بن مُحَمَّد الحبيب بن جَعْفَر الْمُصدق بن مُحَمَّد المكتوم بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الصَّادِق وَبَايع لَهُ وانتزع إفريقية من بني الْأَغْلَب وَاسْتولى عَلَيْهَا وعَلى الْمغرب الْأَقْصَى ومصر وَالشَّام واقتطعوا سَائِر هَذِه الْأَعْمَال عَن بني الْعَبَّاس واستحدثوا دولة أَقَامَت مِائَتَيْنِ وَسبعين سنة كَمَا يذكر الْآن فِي أخبارهم ثمَّ ظهر بطبرستان من العلوية الْحسن بن زيد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الْحسن بن زيد بن الْحسن السبط وَيعرف بالداعي خرج سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ أَيَّام المستعين وَلحق بالديلم فأسلموا على يَدَيْهِ وَملك طبرستان ونواحيها وَصَارَ لَهُ هُنَاكَ دولة أَخذهَا من يَد أَخِيه سنة إِحْدَى وثلاثمائة الأطروش من بني الْحُسَيْن ثمَّ من بني عَليّ بن عمر دَاعِي الطالقان أَيَّام المعتصم وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي الْبَاب الثَّانِي من الخاتمة عِنْد ذكر من دَعَا من أهل الْبَيْت وَاسم هَذَا الأطروش الْحسن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن مُحَمَّد وَكَانَت لَهُم دولة وانقرضت أَيَّام الْخمسين والثلاثمائة وَاسْتولى عَلَيْهِم الديلم وَصَارَت لَهُم دولة أُخْرَى فَظهر بِالْيمن يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم الرسي وَهُوَ ابْن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا لقب بذلك للكنة كَانَت فِي لِسَانه يعدل عَن لفظ قبا قبا إِلَى طِبًّا طِبًّا ابْن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى وَأظْهر هُنَالك دَعْوَى الزيدية وَملك صعدة وصنعا وَكَانَت لَهُم هُنَالك دولة لم تزل حَتَّى الْآن وَأول من ظهر مِنْهُم يحيى ابْن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ وَسَيَأْتِي ذكرهم فِي الدعاة للمبايعة ثمَّ ظهر أَيَّام الْفِتْنَة من دعاة العلوية صَاحب الزنج ادَعى أَنه أَحْمد بن عِيسَى بن زيد الشَّهِيد وَذَلِكَ سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ أَيَّام الْمُهْتَدي وَطعن فِي نسبه فَادّعى ثَانِيًا أَنه من ولد يحيى بن زيد قَتِيل الجوزجان وَقيل إِنَّه انتسب إِلَى طَاهِر ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ وَالَّذِي ثَبت عِنْد الْمُحَقِّقين أَنه عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن عبد الْقَيْس فَكَانَت لَهُ ولبنيه دولة بنواحي الْبَصْرَة قَامَ بهَا الزنج إِلَى أَن انقرضت على يَد الْمُوفق طَلْحَة الْمُعْتَمد أَيَّام السّبْعين وَمِائَتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 ثمَّ ظهر القرمطي بنواحي الْبَحْرين وعمان سَار إِلَيْهَا من الْكُوفَة سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ أَيَّام المعتضد وانتسب إِلَى بني إِسْمَاعِيل ابْن الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق دَعْوَى كَاذِبَة وَكَانَ من أَصْحَابه الْحسن الجبائي وزكرويه القاشاني فقاما بالدعوة من بعده ودعوَا لِعبيد الله الْمهْدي وغلبوا على الْبَصْرَة والكوفة ثمَّ انْقَطَعُوا عَنْهَا إِلَى الْبَحْرين وعمان وَكَانَت هُنَالك دولة انقرضت آخر الْمِائَة الرَّابِعَة وتغلب عَلَيْهِم الْعَرَب من بني سليم وَبني عقيل وَفِي خلال ذَلِك استبد بَنو سامان بِمَا وَرَاء النَّهر آخر أَعْوَام السِّتين والمائتين وأقامت دولتهم إِلَى آخر الْمِائَة الرَّابِعَة ثمَّ اتَّصَلت دولة أُخْرَى فِي مواليهم بِغَزنَةَ إِلَى منتصف الْمِائَة السَّادِسَة وَكَانَت للأغالبة بالقيروان وإفريقية دولة أُخْرَى استبدوا بهَا على الْخُلَفَاء من لدن أَيَّام الرشيد والمأمون إِلَى أول الْمِائَة الثَّالِثَة ثمَّ أعقبتها دولة أُخْرَى لمواليهم بني طغج موَالِي كافور إِلَى السِّتين والثلاثمائة ثمَّ استولى الْمعز الفاطمي على مصر بعد موت كافور لما افتتحها لَهُ عَبده جَوْهَر الرُّومِي الصّقليّ واختط الْقَاهِرَة وَالْجَامِع الْأَزْهَر والقصرين واستمرت فِي يَد أَوْلَاده إِلَى سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة حَتَّى كَانَ آخِرهم العاضد فاستولى عَلَيْهِ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب الْكرْدِي وَقطع خطْبَة الفاطميين وَأعَاد الْخطْبَة بِمصْر لبني الْعَبَّاس للمستضيء بن المستنجد مِنْهُم بعد أَن قطعت عَنْهُم مِائَتَيْنِ ونيفاً وَثَمَانِينَ سنة مُدَّة اسْتِيلَاء الفاطميين عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي ذكر كل ذَلِك فِي الدولة الأيوبية ثمَّ عَقبهَا دولة أُخْرَى لمواليهم وَهِي الدولة التركمانية الَّذين أَوَّلهمْ الْمعز أيبك التركماني ثمَّ عقبتها دولة أُخْرَى لمواليهم وَهِي الدولة الشركسية ثمَّ عقبتها دولة أُخْرَى وَهِي العثمانية وَسَيَأْتِي ذكر كل دولة فِي بَاب على حِدة على تَرْتِيب مَا ذَكرْنَاهُ وَفِي خلال هَذَا كُله تضايق نطاق الدولة العباسية بِخُرُوج المستبدين بالنواحي عَلَيْهَا وَلم يَمْتَد نطاقها إِلَّا إِلَى نواحي السوَاد والجزيرة فَقَط إِلَّا أَنهم قائمون بِبَغْدَاد على أَمرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 ثمَّ كَانَت للديلم دولة أُخْرَى واستولوا فِيهَا على النواحي وملكوا الْأَعْمَال ثمَّ سَارُوا إِلَى بَغْدَاد وملكوها وصيروا الْخَلِيفَة فِي مملكتهم من لدن المستكفي أَعْوَام الثَّلَاثِينَ والثلاثمائة إِلَى الأربعمائة وَالْخمسين فَكَانَت مدتهم مائَة وَعشْرين سنة وَكَانَت من أعظم الدول ثمَّ أَخذهَا من أَيْديهم الْمُلُوك السلجوقية إِحْدَى شعوب التّرْك فَلم تزل دولتهم من لدن الْقَائِم بِأَمْر الله العباسي سنة الْأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة أَو الْخمسين إِلَى آخر الْمِائَة السَّادِسَة وَكَانَت دولتهم كَذَلِك من أعظم الدول فِي الْعَالم وتشعبت عَنْهَا دوَل لَهُم ولأشياعهم فِي النواحي وَهِي بَاقِيَة لهَذَا الْعَهْد آخذة فِي التلاشي كَمَا سنذكر كلا فِي مَحَله من بَابه الْمَعْقُود لَهُ ( نسب العبيديين بإفريقية ) قد اخْتلف النَّاس فِي صِحَة نسب هَؤُلَاءِ العبيديين القائمين بإفريقية ثمَّ بِمصْر فَأثْبت نسبهم وَصَححهُ جمَاعَة ونفاه جمَاعَة كَثِيرُونَ قَالَ الْعَلامَة ابْن خلكان وَالْجُمْهُور على عدم صِحَة نسبهم وَأَنَّهُمْ كذبة أدعياء لَا حَظّ لَهُم فِي النِّسْبَة المحمدية أصلا فَمِمَّنْ أثبت نسبهم الْعَلامَة ابْن خلدون فِي تَارِيخه فَقَالَ نِسْبَة هَؤُلَاءِ العبيديين إِلَى أول خلفائهم وَهُوَ عبيد الله الْمهْدي بن مُحَمَّد الحبيب ابْن جَعْفَر الْمُصدق بن مُحَمَّد المكتوم بن إِسْمَاعِيل الإِمَام بن جَعْفَر الصَّادِق وَلَا عِبْرَة بِمن أنكر هَذَا النّسَب من أهل القيروان وَغَيرهم وَلَا بالمحضر الَّذِي كتب بِبَغْدَاد أَمَام الْقَادِر بِاللَّه العباسي بالقدح فِي نسبهم وَأشْهد فِيهِ أَعْلَام الْأَئِمَّة مثل الْقَدُورِيّ والصيمري وَأبي الْعَبَّاس الأبيوردي وَأبي حَامِد الأسفراييني وَأبي الْفضل النسوي وَأبي جَعْفَر النَّسَفِيّ وَمن العلويين المرتضى وَابْن البلجاني وَابْن الْأَزْرَق وزعيم الشِّيعَة أبي عبد الله بن النُّعْمَان فَهِيَ شهاده على السماع وَكَانَ ذَلِك الْقدح مُتَّصِلا فِي دولة العباسيين مُنْذُ مِائَتَيْنِ من السنين فاشياً فِي أمصارهم وأعصارهم عِنْد أعدائهم شيعَة بني الْعَبَّاس فَتَلَوَّنَ النَّاس بِمذهب أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 الدولة فجازت شادتهم بذلك وَالشَّهَادَة على السماع فِي مثله جَائِزَة على أَنَّهَا شَهَادَة نفي فَلَا تعَارض شَهَادَة الْمُثبت مَعَ أَن طبيعة الْوُجُود فِي الانقياد إِلَيْهِم وَظُهُور كلمتهم حَتَّى فِي مَكَّة وَالْمَدينَة أدل شَيْء على صِحَة نسبهم وَأما من يَجْعَل نسبهم فِي الْيَهُود والنصرانية كميمون القداح فكفاه إثمَاً وسفسفة وَكَانَ شيعَة هَؤُلَاءِ العبيديين فِي الْمشرق واليمن وإفريقية وَكَانَ أصل ظُهُورهمْ بإفريقية دُخُول الْحلْوانِي وَأبي سُفْيَان من شيعتهم إِلَيْهَا أنفذهما جَعْفَر الصَّادِق وَقَالَ لَهما بالمغرب أَرض بور فاذهبا واحرثاها حَتَّى يَجِيء صَاحب الْبذر فَنزل أَحدهمَا بِبَلَد مرغة وَالْآخر بِبَلَد سَوف جمار وَكِلَاهُمَا من أَرض كتامة ففشت هَذِه الدعْوَة فِي تِلْكَ النواحي وَكَانَ مُحَمَّد الحبيب ينزل سليمَة من أَرض حمص وَكَانَ شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إِذا زاروا قبر الْحُسَيْن فجَاء مُحَمَّد بن الْفضل من عدن لاعة من الْيمن لزيارة مُحَمَّد الحبيب فَبعث مَعَه رستم بن الْحسن بن حَوْشَب من أَصْحَابه لإِقَامَة دَعوته بِالْيمن وَأَن الْمهْدي خَارج فِي هَذَا الْوَقْت فَسَار فأظهر الدعْوَة للمهدي من آل مُحَمَّد بنعوته الْمَعْرُوفَة عِنْدهم وَاسْتولى على أَكثر الْيمن وَسمي بالمنصور وابتنى حصناً بجبل لاعة وَفرق الدعاة فِي الْيمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر وَالْمغْرب وَلما توفّي مُحَمَّد الحبيب عهد إِلَى ابْنه عبيد الله وَقَالَ لَهُ أَنْت الْمهْدي وتهاجر بعدِي هِجْرَة بعيدَة فَتلقى محنَاً شَدِيدَة واتصل خَبره بِسَائِر دعاته فِي إفريقية واليمن وَبعث إِلَيْهِ أَبُو عبد الله الشيعي رجالاَ من كتامة يخبرونه بِمَا فتح الله عَلَيْهِم وَأَنَّهُمْ فِي انْتِظَاره وشاع خَبره واتصل بالخليفة العباسي على المكتفي فَطَلَبه ففر من أَرض الشَّام إِلَى الْعرَاق ثمَّ لحق بِمصْر وَمَعَهُ ابْنه الآخر أَبُو الْقَاسِم غُلَاما حدثَاً وخاصته ومواليهم بعد أَن كَانَ أَرَادَ قصد الْيمن فَبَلغهُ مَا أحدث بهَا عَليّ بن الْفضل وَأَنه أَسَاءَ السِّيرَة فانثنى عَن ذَلِك واعتزم على اللحاق بِأبي عبد الله الشيعي داعيتهم بالمغرب فارتحل هُوَ وَمن مَعَه من مصر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ خَرجُوا من الْإسْكَنْدَريَّة فِي زِيّ التُّجَّار وَجَاء كتاب المكتفي إِلَى عَامل مصر وَهُوَ يَوْمئِذٍ عِيسَى النوشري بخبرهم وَالْقعُود لَهُم بالمرصاد وَكتب إِلَيْهِ بنعته وحليته فسرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 فِي طَلَبهمْ ثمَّ وقف عَلَيْهِم وامتحن أَحْوَالهم فَلم يقف على الْيَقِين فِي شَيْء مِنْهَا فخلى سيلهم وجد الْمهْدي فِي السّير وَكَانَت لَهُ كتب فِي الْمَلَاحِم منقولة من آبَائِهِ سرقت من رَحْلِهِ فِي طَرِيقه فَيُقَال إِن ابْنه أَبَا الْقَاسِم استردها من برقة حِين زحف إِلَى مصر ثمَّ إِن الْمهْدي أغزى ابْنه أَبَا الْقَاسِم وجموع كتامة سنة إِحْدَى وثلاثمائة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ومصر وَبعث أسطوله فِي الْبَحْر فِي مِائَتي مركب وشحنها بالأمداد وَعقد عَلَيْهَا لحباسة بن يُوسُف فسارت العساكر فملكوا برقة والإسكندرية والفيوم فَبعث المقتدر عَسَاكِر من بَغْدَاد مَعَ سُبكتكين ومؤنس الْخَادِم فتواقعوا مَعَهم مرَارًا وأجلوهم عَن مصر فَرَجَعُوا إِلَى الْمغرب ثمَّ أعَاد الْمهْدي حباسة فِي المعسكر فِي الْبَحْر سنة اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فملكها وَسَار يُرِيد مصر فجَاء مؤنس الْخَادِم من بَغْدَاد لمحاربته فتواقعوا مَرَّات وَكَانَ الظُّهُور آخرا لمؤنس وَقتل من أَصْحَاب حباسة حوالي سَبْعَة آلَاف وَانْصَرف إِلَى الْمغرب فَقتله الْمهْدي فانتفض عَلَيْهِ لذَلِك أَخُو حباسة واسْمه عرُوبَة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من كتامة خلق كثير من كتامة والبربر فسرح إِلَيْهِ الْمهْدي مَوْلَاهُ غَالِبا فِي الجيوش فَهَزَمَهُمْ وَقتل عرُوبَة وَبني عَمه فِي أُمَم لَا تحصى ثمَّ اعتزم الْمهْدي على بِنَاء مَدِينَة على سَاحل الْبَحْر يتخذها معصماً لأهل بَيته لما كَانَ يتوقعه على الدولة من الْخَوَارِج ويحكى عَنهُ أَنه قَالَ بنيتها ليعتصم بهَا الفواطم سَاعَة من نَهَار وأراهم موقف صَاحب الْحمار بساحتها فَخرج بِنَفسِهِ يرتاد موضعا لبنائها وَمر بتونس وقرطاجنة حَتَّى وقف على مَكَانهَا جَزِيرَة مُتَّصِلَة بِالْبرِّ كصورة كف اتَّصَلت بزند فاختطها وَهِي المهدية وَجعلهَا وأدار ملكه وأدار عَلَيْهَا سوراً محكماً وَجعل لَهَا أبواباً من الْحَدِيد وزن كل مصراع مائَة قِنْطَار وابتدأ بنائها آخر سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَلما ارْتَفع السُّور رمى من فَوْقه بِسَهْم إِلَى نَاحيَة الْمغرب وَنظر إِلَى منتهاه وَقَالَ إِلَى هَذَا الْموضع يصل صَاحب الْحمار يَعْنِي أَبَا يزِيد وَأَبُو يزِيد هَذَا خارجي خرج عَلَيْهِ نهب باجة وَغَيرهَا وأحرق وَقتل الْأَطْفَال وسبى النِّسَاء وَاجْتمعَ إِلَيْهِ قبائل البربر وَاتخذ الأخبية والبيوت وآلات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 الْحَرْب وَأهْدى إِلَيْهِ رجل حمارا أَشهب وَكَانَ يركبه وَبِه لقب وَكَانَ يلبس جُبَّة صوف قَصِيرَة ضيقَة الكمين وَهُوَ أَبُو يزِيد بن مخلد بن كيداد وَكَانَ جده كيداد من أهل قسطيلية من بلد توزر وَكَانَ يخْتَلف إِلَى بِلَاد السودَان بِالتِّجَارَة وَبهَا ولد وَلَده أَبُو يزِيد الْمَذْكُور ثمَّ أَمر أَن ينحت فِي الْجَبَل دَار لإنشاء السفن تسع مائَة سفين ويخبأ فِي أرْضهَا أهراء الطَّعَام ومصانع اللمياه وَبنى فِيهَا الْقُصُور والدور فكملت سنة سِتّ وثلاثمائة فَلَمَّا فرغ مِنْهَا قَالَ الْيَوْم أمنت على الفواطم ثمَّ جهز ابْنه أَبَا الْقَاسِم بالعساكر إِلَى مصر مرّة ثَانِيَة سنة سبع وثلاثمائة فَملك الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ سَار وَملك الجيزة والأشمونين وَكَثِيرًا من الصَّعِيد وَكتب إِلَى أهل مَكَّة بِطَلَب الطَّاعَة فَلم يُجِيبُوهُ إِلَيْهَا وَبعث المقتدر مؤنساً الْخَادِم فِي العساكر فَكَانَت بَينه وَبَين أبي الْقَاسِم عدَّة وقعات ظهر فِيهَا مؤنس وَأصَاب عَسْكَر أبي الْقَاسِم الْجهد من الغلاء والوباء فَرجع إِلَى إفريقية وَكَانَت مراكبهم قد وصلت من المهدية إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي ثَمَانِينَ أسطولاَ مددَاً لأبي الْقَاسِم ثمَّ توفّي عبيد الله الْمهْدي فِي ربيع سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة وَولي بعده ابْنه أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد وَيُقَال نزار ولقب الْقَائِم بِأَمْر الله فَعظم حزنه على أَبِيه حَتَّى يُقَال إِنَّه لم يركب سَائِر أَيَّامه إِلَّا مرَّتَيْنِ وَكثر الثوار عَلَيْهِ فِي النواحي فسير إِلَيْهِم وَأَخذهم واستباح أَمْوَالهم وديارهم وحاصر الأدارسة مُلُوك الرِّيف وَدخل الْمغرب وحاصر فاس واستنزل عاملها أَحْمد بن بكر ثمَّ بعث عسكراً إِلَى مصر مَعَ خادمه زيران فملكوا الْإسْكَنْدَريَّة فَجَاءَت عَسَاكِر الإخشيد من مصر فأزعجوهم عَنْهَا فَرَجَعُوا إِلَى الْمغرب ثمَّ توفّي الْقَائِم أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عبيد الله الْمهْدي صَاحب إفريقية بعد أَن عهد إِلَى وَلَده إِسْمَاعِيل وَذَلِكَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَقَامَ بعده وَلَده إِسْمَاعِيل وَذَلِكَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَقَامَ بعده وَلَده إِسْمَاعِيل بعهده إِلَيْهِ وتلقب بالمنصور هَذَا مَا ذكره ابْن خلدون ثمَّ اسْتمرّ فِي ذكر تعدادهم وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى آخِرهم العاضد لدين الله وَأما غير مَا ذكره ابْن خلدون فِي شَأْنهمْ فَقَالَ بِهِ جماعات كَثِيرُونَ مِنْهُم الإِمَام الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه دوَل الْإِسْلَام وَنَصه اعْلَم أَن مبدأ أَمرهم ومنشأ خبرهم أَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله القداح لِأَنَّهُ كَانَ يعالج الْعُيُون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 بالقدح فتبصر ابْن مَيْمُون بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قدم إِلَى سليمَة وَكَانَ لَهُ بهَا ودائع وأموال من ودائع جده عبد الله القداح فاتفق أَن جرى بِحَضْرَتِهِ ذكر النِّسَاء فوصفت لَهُ امْرَأَة يَهُودِيّ حداد مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا وَهِي فِي غَايَة الْحسن وَالْجمال وَله مِنْهَا ولد يماثلها فِي الْجمال فَتَزَوجهَا وأحبها وَحسن موضعهَا مِنْهُ وَأحب وَلَدهَا فَعلمه الْعلم وَصَارَت لَهُ نفس عَظِيمَة وهمة كَبِيرَة وَكَانَ الْحُسَيْن يدعيِ أَنه الوصِي وَصَاحب الْأَمر والدعاة بالمغرب واليمن يكاتبونه وَلم يكن لَهُ ولد فعهد إِلَى الْيَهُودِيّ ابْن الْحداد ربيبه وَأَعْطَاهُ الْأَمْوَال وَأمر أَصْحَابه بِطَاعَتِهِ وخدمته وَقَالَ إِنَّه الإِمَام الرضي وزوجه ابْنة عَمه وَهُوَ جدهم عبيد الله فتلقب بالمهدي وَوضع لنَفسِهِ نسبا هُوَ عبيد الله بن الْحسن بن عَلِي بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب فَلَمَّا توفّي الْحُسَيْن قَامَ بعده الْمهْدي هَذَا فَلَمَّا انتشرت دَعوته أرسل إِلَيْهِ داعيه بالمغرب بِمَا فتح الله عَلَيْهِ من الْبِلَاد وَأَنَّهُمْ ينتظرون قدومه إِلَيْهِم فشاع خَبره عِنْد النَّاس أَيَّام المكتفي العباسي عَليّ بن المعتضد فَطَلَبه فهرب هُوَ وَولده نزار الملقب بالقائم وَهُوَ يومئذٍ غُلَام ومعهما خاصتهما ومواليهما فَلَمَّا وصلا إِلَى إفريقية أحضر الْأَمْوَال مِنْهَا واستصحبها مَعَه فوصل إِلَى رقادة فِي الْعشْر الْأَخير من شهر ربيع الأول سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَنزل فِي قصر من قُصُورهَا وَأمر أَن يدعى لَهُ فِي الْخطْبَة فِي جَمِيع تِلْكَ الْبِلَاد وَجلسَ يَوْم الْجُمُعَة للمبايعة وأحضر النَّاس بالعنف ودعاهم لمذهبه فَمن أجَاب أحسن إِلَيْهِ وَمن أَبى حَبسه فاستمر على ذَلِك إِلَى أَن كَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة ثمَّ قَامَ من بعده ابْنه نزار وتلقب بالقائم بِأَمْر الله تَعَالَى وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ثمَّ قَامَ من بعده ابْنه إِسْمَاعِيل وتلقب بالمنصور انْتهى مَا ذكره الْحَافِظ الذَّهَبِيّ قَالَ ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة الْمَنْصُور هَذَا وَذكر أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَرْوذِيّ قَالَ خرجت مَعَ الْمَنْصُور بن الْقَائِم بن الْمهْدي العبيدي صَاحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 إفريقية يَوْم هزم أَبَا يزِيد الْخَارِجِي فسايرته وَبِيَدِهِ رمحان فَسقط أَحدهمَا مرَارًا فمسحته وتفاءلت لَهُ فَأَنْشَدته من // (الطَّوِيل) // (فأَلقَتْ عَصَاها واسْتَقَرَّ بِهَا الَّنوى ... كَمَا قَرَّ عَيْنًا بالإيابِ المُسافِر) فَقَالَ هلا قلت مَا هُوَ خير من هَذَا وأصدق {وَأَوحَينا إِلىَ مُوسَى أَن ألقِ عَصاك فَإِذا هيَ تَلقَفُ مَا يأفكوُنَ فَوَقَعَ الحقَّ وَبطلَ مَا كَانُوا يعَمَلُونَ فَغُلِبوُا هُنَالِكَ وَاَنقَلَبوُا صاغِريِن} الْأَعْرَاف 117 119 فَقلت يَا مَوْلَانَا أَنْت ابْن رَسُول الله قلت مَا عنْدك لما عنْدك من الْعلم وَكَانَ الْمَنْصُور شجاعاً رابط الجأش فصيحاً بليغَاً يرتجل الْخطب ارتجالا وَتُوفِّي بمدينته الَّتِي بناها وسماها المنصورية انْتهى مَا ذكره ابْن خلكان وإفريقية بِكَسْر الْهمزَة وَالْفَاء الساكنة وَالرَّاء الْمَكْسُورَة بعْدهَا مثناة تحتية فقاف مَكْسُورَة فمثناة تحتية مُشَدّدَة إقليم عَظِيم بِبِلَاد الْمغرب افْتتح فِي خلَافَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَامَ من بعده ابْنه معد الملقب بالمعز بن إِسْمَاعِيل الملقب بالمنصور بن نزار الملقب بالقائم بن عبيد الله الملقب بالمهدي هَذَا الْمعز أول من ملك مصر من العبيديين أرسل عَبده جوهراً الرُّومِي الصّقليّ أرْسلهُ من إفريقية بِلَاد الْمغرب لأخذ بِلَاد مصر عِنْد اضْطِرَاب جَيشِهَا بعد موت كافور الإخشيدي فَلم يجتمعوا عَلَيْهِ فَأرْسل بَعضهم إِلَى الْمعز يستنجد بِهِ فَأرْسل مَوْلَاهُ جوهراً هَذَا فِي ربيع الأول سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة فوصل إِلَى الْقَاهِرَة فِي شعْبَان فِي مائَة ألف مقَاتل وَمَعَهُ من الْأَمْوَال ألف وَمِائَتَا صندوق وَقيل خَمْسمِائَة صندوق فانزعج النَّاس وَأَرْسلُوا يطْلبُونَ إِلَيْهِ الْأمان فآمنهم فَلم يرض الْجَيْش بذلك وبرزوا لقتاله فكسرهم وجدد الْأمان لأَهْلهَا ودخلها يَوْم الثُّلَاثَاء لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من شعْبَان فشق مصر وَنزل فِي مَكَان الْقَاهِرَة الْيَوْم وَأسسَ من ليلته القصرين وخطب يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 الْآتِيَة وَقطع الدُّعَاء لبني الْعَبَّاس ودعا لمَوْلَاهُ الْمعز وَذكر الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر وَأذن بحي على خير الْعَمَل وَكَانَ يظْهر الْإِحْسَان إِلَى النَّاس وَيجْلس كل يَوْم سبت مَعَ الْوَزير جَعْفَر بن الْفُرَات واجتهد فِي تَكْمِيل الْقَاهِرَة وَفرغ من جَامعهَا سَرِيعا وَهُوَ الْجَامِع الْأَزْهَر الْمَشْهُور وَأرْسل أميرَاً من أمرائه يُسمى جَعْفَر بن فلاح إِلَى الشَّام فَأَخذهَا لسَيِّده الْمعز ثمَّ قدم مَوْلَاهُ الْمعز فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة وصحبته توابيت آبَائِهِ فَلَمَّا وصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي شعْبَان مِنْهَا تَلقاهُ أَعْيَان مصر فَخَطب النَّاس هُنَاكَ خطْبَة بليغة ارتجالاَ ذكر فِيهَا فَضلهمْ وشرفهم وَقد كذب وَقَالَ إِن الله تَعَالَى قد أغاث الرعايا بهم وبذويهم حكى ذَلِك قَاضِي بِلَاد مصر وَكَانَ جَالِسا إِلَى جَانِبه ثمَّ إِنَّه سَأَلَهُ هَل رَأَيْت خَليفَة أفضل مني فَقَالَ القَاضِي لم أر أحدا من الخلائف سوى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ أحججت فَقَالَ نعم قَالَ وزرت قبر النَّبِي قَالَ نعم قَالَ وقبر أبي بكر وَعمر قَالَ فتحيرتُ مَاذَا أَقُول ثمَّ نظرت فَإِذا ابْنه قَائِم مَعَ كبار الْأُمَرَاء فَقلت شغلني رَسُول الله عَنْهُمَا كَمَا شغلني أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن السَّلَام على ولي الْعَهْد ونهضت إِلَيْهِمَا فَسلمت عَلَيْهِمَا وَرجعت فانفسح الْمجْلس إِلَى غير هَذَا المجال ثمَّ سَار من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى مصر فَدَخلَهَا فِي الْيَوْم الْخَامِس من رَمَضَان من هَذِه السّنة فَنزل بالقصرين ثمَّ كَانَت أول حُكُومَة انْتَهَت إِلَيْهِ أَن امْرَأَة كافور الإخشيدي تقدّمت إِلَيْهِ فَذكرت لَهُ أَنَّهَا كَانَت أودعت رجلا من الْيَهُود الصواغ قبَاء من لُؤْلُؤ منسوج بِالذَّهَب وَأَنه جَحدهَا ذَلِك فَاسْتَحْضرهُ وَقَررهُ فَجحد الْيَهُودِيّ ذَلِك وَأنْكرهُ فَأمر عِنْد ذَلِك الْمعز أَن تحفر دَاره وَأَن يسْتَخْرج مَا فِيهَا فوجدوا القباء قد جعله فِي جرة وَدَفنه فسلمه الْمعز إِلَيْهَا فتقدمت إِلَيْهِ وعرضته عَلَيْهِ فَأبى أَن يقبله مِنْهَا ورده عَلَيْهَا فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ الْحَاضِرُونَ من مُؤمن وَكَافِر وَقد ثَبت فِي الحَدِيث أَن رَسُول الله قَالَ إِن الله ليؤيد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر وَفِي بعض التواريخ أَنه سُئِلَ فِي ذَلِك الْمجْلس عَن نسبه فاستل سَيْفه إِلَى نصفه بيمناه وَقبض قَبْضَة من الذَّهَب بيسراه فَقَالَ هَذَا نسبي وَهَذَا حسبي وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة عملت الروافض الْبِدْعَة الشنعاء يَوْم عَاشُورَاء بِبَغْدَاد من تَعْلِيق المسوح ونثر النتن فِي الْأَسْوَاق وَخُرُوج النِّسَاء سافرات الْوُجُوه والنهود يَنحن على الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَوَقعت فتْنَة عَظِيمَة بَين أهل السّنة وَالرَّوَافِض وكلا الْفَرِيقَيْنِ قَلِيل عقل بعيد من السداد وَذَلِكَ أَن جمَاعَة من أهل السّنة أركبوا امْرَأَة جملا وسموها عَائِشَة وَتسَمى بَعضهم بطلحة وَالزُّبَيْر وَقَاتل مقَاتل أَصْحَاب عَليّ بن أبي طَالب فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير وعاثت العيارون فِي الْبَلَد بِالْفَسَادِ ونهبت الْأَمْوَال وَقتل الرِّجَال ثمَّ أَخذ جمَاعَة مِنْهُم فَقتلُوا وصلبوا فسكنت الْفِتْنَة قَالَ الْعَلامَة ابْن الْأَثِير فِي كَامِله لما اسْتَقر الْمعز الفاطمي فِي الديار المصرية وتأطد ملكه سَار إِلَيْهِ الْحُسَيْن بن أَحْمد القرمطي الأحسائي قَالَ ابْن عَسَاكِر وَبَقِيَّة نسبه ابْن أبي سعيد الْحسن بن بهْرَام وَيُقَال الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن بن يُوسُف بن كودر كار يُقَال أصلهم من الْفرس قَالَ وَيعرف الْحُسَيْن هَذَا بالأعصم وَكَانَ قد تغلب على دمشق سنة سبع وَخمسين وثلاثمائة ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده الأحساء بعد سنة ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي سنة سِتِّينَ وَكسر جَيش جَعْفَر بن فلاح أول من نَاب بِالشَّام عَن الْمعز الفاطمي ذكر لَهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر أشعاراً حَسَنَة رائقة فائقة فَمن ذَلِك مَا كتبه إِلَى جَعْفَر بن فلاح قبل الْحَرْب بَينهمَا وَهُوَ هَذِه الأبيات من // (الْبَسِيط) // (أَلحَرْبُ ساكِنَةٌ والخيلُ صَافِنَهٌ ... والسِّلْمُ مبتَذَلٌ والظّلِ مَمْدُودُ) (فإنْ أنبتُمْ فَمقْبُولٌ إِنَابِتُكُمْ ... وَإِنْ أبيتُمْ فَهَذا الكُورُ مَشْدُودُ) (على ظهورِ المَطَايا أَو يَرِدْنَ بِها ... دِمَشْقَ وَالْبَابُ مَهْدُومٌ ومَرْدُودُ) (إِني امرُؤٌ لَيْسَ من شَأْنِي وَلَا أَرَبِي ... طَبْلٌ يَرِنُّ وَلاَ نَايٌ وَلاَ عُودُ) (ولاَ اعْتِكَافٌ علَى خمرٍ ومجْمَرَةٍ ... وذاتِ دَل لهَا دَلٌّ وتفنيدُ) (وَلَا أَبيتُ بَطِينَ البَطْنِ من شِبَعِ ... وَلِي رفيقٌ خميصُ البَطْنِ مَهْجُودُ) (وَلَا تَسَامَتْ بِيَ الدُّنْيَا إِلَى طَمَعٍ ... يَوْمًا وَلاَ غرَّنِي مِنْهَا المَوَاعيدُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 وَمن شعره أَيْضا قَوْله من // (الْكَامِل) // (يَا سَاكِنَ البَلَدِ المَنِيعِ تَعزُّزًا ... بِقِلاَعِهِ وَحُصُونِهِ وَكُهُوفِهِ) (لاَ عِزَّ إِلاِّ لِلْعَزِيزِ بِنَفْسِهِ ... وَبِخَيْلِهِ وَبِرَجْلِهِ وَسُيُوفِهِ) ثمَّ فِي هَذَا الْعَام وَهُوَ عَام ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة سَار إِلَى مصر فِي جَيش كَبِير من أَصْحَابه والتقى مَعَه أَمِير الْعَرَب بِبِلَاد الشَّام وَهُوَ حسان بن الْجراح الطَّائِي فِي عرب الشَّام بكاملهم فَلَمَّا سمع بِهِ الْمعز الفاطمي سقط فِي يَده لكثرتهم فَكتب إِلَى القرمطي يستميله وَيَقُول لَهُ إِن دَعْوَة آبَائِك إِنَّمَا كَانَت لآبائي قَدِيما فدعوتنا وَاحِدَة وَيذكر فَضله وَفضل آبَائِهِ فَرد لَهُ الْجَواب قَوْله من // (الْكَامِل) // (زَعَمتْ رِجَالُ العُرْبِ أَنِّي هِبْتُهَا ... فَدَمِى إذَنْ مَا بَينْهَا مَطْلُولُ) (يَا مِصْرُ إنْ لَمْ أَسْقِ أَرْضَكِ مِنْ دَمٍ ... يَرْوِى ثَرَاكِ فَلاَ سَقَانِي النِّيلُ) وصل كتابك الَّذِي كثر تَفْصِيله وَقل تَحْصِيله وَنحن سائرون على أَثَره وَالسَّلَام فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى أَطْرَاف مصر عاثوا قتلا ونهباً وَفَسَادًا وحار الْمعز مَاذَا يفعل لِكَثْرَة من مَعَ القرمطي وَضعف جَيْشه عَن مقاومته فَعدل إِلَى المكيدة والخديعة فراسل حسان بن الْجراح أَمِير الْعَرَب ووعده بِمِائَة ألف دِينَار فَأرْسل إِلَيْهِ حسان أَن ابْعَثْ إِلَيّ بِمَا التزمت فِي أكياس وَأَقْبل بِمن مَعَك فَإِذا الْتَقَيْنَا انهزمتُ بِمن معي فَأرْسل إِلَيْهِ الْمعز بِمِائَة ألف فِي أكياس وَلكنهَا زغل أَكْثَرهَا ضرب النّحاس وَألبسهُ ذَهَبا وَجعله فِي أَسْفَل الأكياس وَوضع فِي رُءُوس الأكياس الدَّنَانِير الْخَالِصَة وَلما بعثها إِلَيْهِ ركب فِي أَثَرهَا بجيشه فَالتقى النَّاس فَلَمَّا تواجه الْفَرِيقَانِ ونشبت الْحَرْب بَينهمَا انهزم حسان بن الْجراح بالعرب فضعف جَانب القرمطي وَقَوي عَلَيْهِ الْمعز الفاطمي فَكَسرهُ وانهزمت القرامطة بَين يَدَيْهِ فَرَجَعُوا إِلَى أَذْرُعَات فِي أذلّ حَال وَبعث الْمعز فِي آثَارهم بعض الْأُمَرَاء فِي عشرَة آلَاف فَارس ليحسم مَادَّة القرامطة وَلما أرسل جَوْهَر الْقَائِد الرُّومِي الصّقليّ رَسُولا إِلَى سَيّده الْمعز الفاطمي بإفريقية يبشره بِفَتْح الديار المصرية وَإِقَامَة الدعْوَة وَالْخطْبَة لَهُ بهَا فَرح فرحَاً شَدِيدا وامتدحه الشُّعَرَاء فَكَانَ مِمَّن امتدحه شاعره مُحَمَّد بن هَانِئ الأندلسي بالقصيدة الْمَشْهُورَة وَهِي من // (الطَّوِيل) // (تَقُولُ بَنو العباسِ هَلْ فُتِحَتْ مِصْرُ ... فَقُلْ لبني العباسِ قَدْ قُضِي الأَمْرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 (وَقد جَاوَز الإسكندريةَ جَوْهَرٌ ... تطالِعُهُ البُشْرى ويَقْدُمُهُ النَّصْرُ) (وَقد أَوْفدَتْ مِصْرٌ إليهِ وُفودَهَا ... وَزِيدَ على المعقودِ مِنْ جسرِهَا جِسْرُ) (فَمَا جَاء هَذَا اليومُ إلاَّ وَقَدْ غَدَتْ ... وأيْدِيكُمُ مِنْهَا ومِنْ غَيرِها صِفْرُ) (فَلَا تُكْثِرُوا ذمَّ الزمَانِ الَّذِي خلا ... فذلِك عصْرٌ قد تَقصَّى وّذَا عَصْرُ) (أَفِى الجيشِ كنتُمْ تمْتَرُونَ رُوَيْدكُم ... فَهَذَا القَنَا العرّاصُ والعسْكَرُ المجْرُ) (وَقد أَشْرفتْ خيلُ الإِلهِ طَوَالِعًا ... عَلَى الدِّينِ والدُّنيا كَمَا طَلَعَ الفجْرُ) (وَذَا ابْنُ رسولِ الله يطلُبُ وَتْرَهُ ... وكَانَ حَرٍ ألاَّ يَضِيعَ لَهُ وَتْرُ) (ذَرُوا الوِرْدَ فِي مَاءِ الفُرَاتِ لِخيلِهِ ... فَلَا الضَّحْلُ مِنْهُ تمنَعُونَ وَلَا الغَمْرُ) (أفِى الشمسِ سكٌّ أِنها الشمسُ بعْدَ مَا ... تَجلَّتْ عِيَانّا ليسَ مِنْ دونِها سِتْرُ) (وَما هِيَ إِلَّا آيةٌ بعدَ آيةٍ ... ونذرٌ لكم إِنْ كَانَ تُغِنيكُمُ النٌّ ذْرُ) (وكونُوا حَصِيدًا خامِدِينَ أوِ ارْعَوُوا ... إِلَى ملِكٍ فِي كَفِّه الموتُ والنَّشْرُ) (أَطِيعُوا إِمَامًا للأئمةِ فَاضِلاً ... كمَا كَانَتِ الأَعْمَالُ يَفْضُلُهَا البرُّ) (رِدُوا سَاقياً لَا تُنْزِفُونَ حِيَاضَهُ ... جموعاً كَمَا لَا تُنْزِفُ الأبْحُرَ الذَّرُّ) (فَإِن تَتْبَعُوهُ فَهْوَ مَوْلاكُمُ الَّذِي ... لهُ بِرَسُولِ الله دُونَكُمُ الفَخْرُ) (وإلاَّ فبُعْدًا للبَعِيدِ فَبَيْنَهُ ... وبينَكُمُ مَا لاَ يُقرِّبهُ الدَّهْرُ) (أَفِى ابْنِ أَبى السِّبْطينِ أمْ فِي طليقِكُمْ ... تَنَزَّلتِ الآياتُ والسُّوَرُ الغُرُّ) (بَنِى نتلةٍ مَا أَوْرَثَ الله نتلة ... وَمَا ولدَتْ هَلْ يَسْتَوِي العَبْدُ والحُرُّ) (وَأَنَّى بِهذَا وَهْيَ أعْدَتْ بلُؤْمِها ... أَبَاكُمْ فإيَّاكُمْ ودَعْوى هِيَ الكُفْرُ) (ذَرُوا النَّاسَ رُدُّوهُمْ إِلَى مَنْ يَسُوسُهُمْ ... فمَا لكُمُ فِي الأَمْرِ عُرْفٌ وَلَا نُكْرُ) (أسرتُمْ قُرُومًا بالعراقِ أعِزةَّ ... فَقَدْ فُكَّ من أعناقِهِمْ ذلِك الأَسْرُ) (وَقد بَزَّكُمْ أيَّامَكُمْ عَصَبُ الهُدَى ... وَأَنْصَارُ دِينِ اللهِ والبيضُ والسُّمْرُ) (وَمُقْتَبِلٌ أَيَّامَهُ مُتَهلِّلٌ ... إِلَيْهِ الشَّبابُ الغَضُّ والزَّمَنُ النَّضْرُ) (أَدَارَ كَمَا شَاءَ الوَرَى وتَحَيَّزَتْ ... على السبعةِ الأَفْلاَكِ أُنْمُلُهُ العَشْرُ) (أَتَدْرُونَ مَنْ أزكى البريةِ مَنْصِباً ... وأفضلُهَا إِنْ عُدِّدَ البَدْوُ والحَضْرُ) (تعالَوْا إِلى حكامِ كُلِّ قبيلةٍ ... فَفِى الأَرْضِ أَقْيَالٌ وأندِيَةٌ زُهْرُ) (وَلاَ تَعْدِلُوا بالصِّيدِ مِنْ آلِ هاشمٍ ... وَلَا تَتْرُكوا فِهْراً وَمَا جمعتْ فِهْرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 (فجيئوا بمَنْ ضمَّتْ لُّؤىُّ بنُ غالبٍ ... وجِيئوا بِمن ضمَّتْ كنانَةُ والنّضْرُ) (وَلَا تَذرُوا عُلْيا مَعدِّ وعِزَّهَا ... ليُعْرفَ منكُمْ مَنْ لَهُ الحقُّ والأَمْرُ) (ومِنْ عَجَبِ أَن اللسانََ جَرَى لَهُمْ ... بذكرٍ عَلَى حينَ انْقَضَوْا وانْقَضَى الذِّكْرُ) (فَبَادُوا وعَفَّى الله آثارَ مُلْكِهِمْ ... فَلاَ خَبَرٌ تلقَاهُ عنهُمْ وَلَا خُبْرُ) (أَلاَ تلكمُ الأرْضُ الأَرِيضَةُ أَصْبحَتْ ... وَمَا لِبنِى العباسِ عرضهَا ختر) (فَقَدَ دَالَتِ الدُّنيَا لآلِ محمدٍ ... وقدْ جرَّرَتْ أذيالَهَا الدولةُ البِكْرُ) (وردَّ حقوقَ الطالبيِّينَ مَنْ زكَتْ ... صنائِعُهُ فِي آلِهِ وزَكَا الذُّخْرُ) (مُعِزُّ الهُدَى والدينِ والرَّحِمِ الَّتِي ... بِهِ اتَّصلَتْ أسبَابُهَا ولَهُ الشُّكْرُ) (مَنِ انَتاشَهُمْ فِي كلِّ شرقٍ ومغربٍ ... فبُدِّلَ أَمْناً ذَلِكَ الخَوْفُ والذُّعْرُ) (وكُلُّ إماميِّ يَجيءُ كَأَنَّمَا ... على يَدِهِ الشِّعْرَى وَفي وجْهِهِ البَدْرُ) (وَلما تولَّتْ دولةُ النَّصْبِ عَنْهُمُ ... تولى العَمَى والجَهْلُ واللُّؤمُ والغَدْرُ) (حقوقٌ أتَتْ من دونِهَا أَعصُرٌ خَلَتْ ... فَمَا رَدَّهَا دَهْرٌ عليهِمْ وَلَا عَصْرُ) (فجرَّدَ ذُو التَّاجِ المقاديرَ دونَهَا ... كَمَا جُرِّدَتْ بيضٌ مضارِبُها حُمْرُ) (وأنقذَها مِنْ بُرْثُنِ الدهرِ بعدَمَا ... تواكَلَها الفرْس الْمُنِيب والهَصْرُ) (وأجْرَى على مَا أنزل اللَّهُ قَسْمَهَا ... فَلمْ يَنْخَرِمْ فيهَا قليلٌ وَلَا كُثْرُ) (فدونَكُمُ يَا آلَ بَيْتِ محمَّدٍ ... صَفَتْ بمعزِّ الدِّينِ حَمْأَتُها الكُدْرُ) (فقدْ صارَتِ الدُّنْيَا إليكُمْ مَصِيرَهَا ... وَصَار لَهُ الحمْدُ المُضَاعَفُ والأَجْرُ) (أمامٌ رأيتُ الدينَ مُرْتَبِطًا بِهِ ... فَطَاعَتُه فَوْزٌ وعِصْيَانه خُسْرُ) (أرَى مَدْحَهُ كالمدحِ لله إِنَّه ... قُنُوتٌ وَتَسْبِيحٌ يُحَطُّ بِهِ الوِزْرُ) (هُوَ الوَارِثُ الدُّنْيَا ومَنْ خُلِقَتْ لَهُ ... مِنَ النَّاسِ حَتَّى يلتقي الْقطر والقطْرُ) (وَمَا جَهِلَ المنصورُ فِي المَهْدِ فَضْلَهُ ... وَقد لاحَتِ الأعْلاَمُ والسِّمة البُهْرُ) (رَأَى أَنْ يُسَمَّى مالكَ الأرضِ كلِّها ... فلمَّا رَآهُ قَالَ ذَا الصَّمَدُ الوَتْرُ) (وَمَا ذَاكَ أخذٌ بالفَرَاسَةِ وَحْدَهَا ... وَلا أَنه فِيها إِلَى النُّطْقِ مُضْطَرُّ) (ولكنَّ مَرْجُوّاً مِنَ الأَثَرِ الَّذِي ... تَلَقّاهُ عَنْ حَبْرٍ ضَنِينٍ بِهِ حبْرُ) (وكنزاً مِنَ العِلْمِ الرُّبُوبِيِّ إِنه ... هوَ العِلْمُ حقَّا لَا العِيَافَةُ والزَّجْرُ) (فبشِّرْ بِهِ البيتَ المحرَّمَ عاجِلاً ... إذَا أَوْجَفَ التَّطْوَافُ بالناسِ والنَّفْرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 (وَهَا فَكَأَنْ قَدْ زارَهُ وتجانفَ ... بِهِ عنْ قصورِ المُلْكِ طيبَة والسرُّ) (هلِ البيتُ بَيْتُ الله إلاَّ حَرِيمُه ... وهَلْ لِغريبِ الدارِ عَنْ دارِهِ صَبْرُ) (مَنَازِلُهُ الأُولَى اللَّواتِى يَشُقْنَهُ ... فليْسَ لَهُ عنهنَّ مَعْدًى وَلَا قصْرُ) (وحيثُ تلقَّى جَدُّه القدسَ وانتحتْ ... لَهُ كلماتُ اللَّهِ والسرُّ والجَهْرُ) (فَإِن يَتَمنَّ البيتُ تلكَ فَقَدْ دنَتْ ... مواكِبُها والعُسْرُ مِنْ بعدِه اليُسْرُ) (ألستَ ابنَ بانِيهِ فَلَو جِئْتهُ انجلتْ ... غواشِيهِ وابْيَضَّتْ مناسِكُه الغُبْرُ) (حبيبٌ إلَى بطحاءِ مَكَّة موسِمٌ ... تحيي مَعَدًّا فيهِ مَكَّةُ والحِجْرُ) (هناكَ تضئُ الأرضُ نورَاً وتلتقِى ... دُنُوًّا فَلَا يََسْتَبْعِد السَّفَرَ السَّفْرُ) (وتُدْرَى فروضٌ الحجِّ مِنْ نَاقِلاَتِهِ ... ويمْتَازٌ عِنْد الأمَّةِ الخَيْرُ والشَّرُّ) (وشهدتُّ لَقَدْ أعززْتَ ذَا الدّيِنَ عِزّةً ... خَشِيتُ لَهَا أَن يَسْتَبِدَّ بكَ الكِبْرُ) (وأميضتَ عزماً ليسَ يعْصيكَ بَعْدَهُ ... مِنَ الناسِ إِلَّا جاهِلٌ بك مُغْترُّ) (فَلم يَبْقَ إِلَّا البُرْدُ تترى وقَدْ نأََى ... عليكَ بِهِ أَقْصى مواعيدِه شهْرُ) (وَمَا ضَرَّ مِصرًا حينَ ألقتْ قِيَادَهَا ... إِليك أمُدَّ النيلُ أم غَالَهُ الجَزْرُ) (وَقد حُبِّرتْ فيهَا لَك الخُطَبُ الَّتِي ... بدَائِعُها نَظَمٌ وألفاظُها نثْرُ) (فَلم يُهْترَقْ فيهَا لِذِى ذِمَّةٍ دمٌ ... حَرامٌ وَلم يُحْملْ على مُسْلِم إِصْرُ) (غَدَا جَوْهَرٌ فيهَا غَمَامَةَ رَحْمَةٍ ... يَقِى جَانِبَيْها كُلّ حادثةٍ تعْرُو) (كأَنِّى بِهِ قَدْ سَارَ فِي القومِ سِيرَةً ... سَواء إِذَا مَا حلَّ فِي الأرضِ وَالْقَطْرُ) (وَمن أَيْن تَعْدُوهُ وسيلةُ مِثلِهَا ... وقَدْ قُلِّصتْ فِي الحربِ عَن ساقِه الأُزْرُ) (وثقَّف تثقيفَ الرُّديْنِيِّ قبْلهَا ... وَمَا الطَّرْفُ إِلَّا أَن يُهَذِّبهُ الضُّمْرُ) (وليسَ الَّذِي يَأْتِي بأوَّلِ مَا كفَى ... فشُدَّ بِهِ مُلْكٌ وسُدَّ بِه ثَغْرُ) (فَمَا بمداهُ دُونَ عِزِّ تخلُّفٌ ... وَمَا بِخُطَاه دونَ صَالِحةٍ بَهْرُ) (سننْت لهُمْ فِيهِ من العَدْلِ سُنّةً ... هىَ الآيةُ الْكُبْرَى وبُرْهانها السِّحْرُ) (على مَا خلا من سنةِ الوَحْيِ مَا خَلا ... فَأَذْيَالُهَا تَضْفُو عليهِمْ وتَنْجَرُّ) (وأوصيتَهُ فيهم بِرفْقِكَ مُرْدِفًا ... بجودِكَ معقوداً بِهِ عندَكَ البِرُّ) (وَصَاةً كَمَا أوصى بهِ اللَّه رُسْلَهُ ... ول يْسَ بأُذْنٍ أنتَ مُسْمِعُهَا وَقْرُ) (وثبَّتَّهَا بالكُتْبِ فِى كُلِّ مُدْرَجٍ ... كأَنَّ جميعَ الخيرِ فِي طَيِّه سَطْرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 (يَقُولُ رجالٌ شاهَدُوا يومَ حُكْمِهِ ... بِذا تَعْمُرُ الدُّنْيَا وَلَوْ أنَّها قَفْزُ) (بذَا لَا ضِيَاعٌ حَلَّلُوا حرماتِهَا ... وَأَقْطَاعَها واسْتُصْفِىَ السَّهْلُ والوَعْرٌ) (فحسْبُكُمُ يَا أهلَ مِصْرٍ بعَدْلِهِ ... دَلِيلا على العَدْلِ الَّذِي عَنهُ يَفْتَرُّ) (فذاكَ بيَانٌ واضحٌ عَن خليفةٍ ... كثيرُ سِوَاهُ عِنْد مَعْرُوفه نَزْرُ) (رَضِينا لكُمْ يَا أهل مصرٍ بِدَوْلةٍ ... أطيلَ لَنَا فِي ظلِّها الأمْنُ والوَفْرُ) (لكُمْ أسْوَةٌ فِينَا قَدِيما فلَمْ يكُنْ ... بأحوالِنَا عنكُمْ غِطَاءٌ ولاَ سِتْرُ) (وهَلْ نحنُ إلاَّ مَعْشَرٌ من عُفَاتِهِ ... لَنا الصافِناتُ الجُرْدُ والعَسْكرُ الدّثْرُ) (فكيفَ مَوَالِيهِ الذِينَ كأنَّهُمْ ... سَمَاءٌ على الغافِينَ أَمْطَارُها التِّبْرُ) (لَبِثْنَا بِهِ أيَّامَ دهرٍ كَأَنَّمَا ... بِهَا وَسَنٌ أَوْ مَالَ ميْلاً بهَا السُّكْرُ) (فيا مَلِكًا هَدْيُ المَلاَئِكِ هَدْيُه ... ولكنَّ بحْرَ الأْنبياءِ لَهُ بَحْرُ) (وَيَا رَازِقًا من كفِّهِ نَشَأ الحيَا ... وإلاَّ فَمِن~ أسْرارِهِ يَنْبُعُ البَحْرُ) (أَلاَ إِنَّمَا الأيَّامُ أيامُكَ الَّتِي ... لِىَ الشَّطْرُ من نَعْمَائِها وَلكَ الشَّطْرُ) (لَك الشَّطْرُ مِنْهَا مَالِكَ المجْدِ والعُلاَ ... وَيبْقى لَنا مِنْها الحَلُوبةُ والدَّرُّ) (لقَدْ جدتِّ حَتَّى لَيْسَ لِلمَالِ طَالِبٌ ... وأَعطيْتَ حَتَّى مَا لمُنْفِسة قَدْرُ) (فلَيْسَ لِمَنْ لَا يرتقِى النجمَ هِمَّةٌ ... وليسَ لِمَنْ لاَ يَسْتَفِيدُ الغِنَى عُذْرُ) (وَدِدتُّ لجيلٍ قد تقدَّم عصرهُمْ ... لوِ استأخَرُوا فِي حلْبَةِ العُمْرِ أَو كَرُّوا) (وَلوْ شهِدُوا الأيامَ والعَيْشُ بَعْدَهُمْ ... حَدَائِقُ والآمَالُ مُونِقةُ خُضْرُ) (فَلَوْ سَمِعَ التثويبَ مَنْ كانَ رِمَّةً ... رُفَاتًا وَلَبَّى الحىَّ مَنْ ضَمَّهُ أبقر) (لنادَيُت منْ قَدْ مَاتَ حَى بِدَوْلةٍ ... تُقَامُ بِهَا المَوْتَى وَيُرْتَجَعُ العُمْرُ) انْتَهَت قلت قَوْله بني نتلة يُشِير إِلَى بني الْعَبَّاس لِأَن نتلة أم الْعَبَّاس وَقد أفحش فَرمى بني الْعَبَّاس بالْكفْر وَالرّق والعبودية فَلَا قوةَ إِلَّا بِاللَّه وَكَانَ هَذَا مُحَمَّد بن هَانِئ شاعرَاً محبوباً مقرباً عِنْد الْمعز استصحبه مَعَه من بِلَاد القيروان وَتلك النواحي حِين توجه إِلَى الديار المصرية فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق وُجد مُحَمَّد بن هَانِئ مقتولاَ مجدلاَ على حافة الْبَحْر وَذَلِكَ فِي رَجَب وَقد كَانَ شَاعِرًا مطبقاً قوي النّظم إِلَّا أَنه كفره غير وَاحِد من الْعلمَاء فِي مبالغاته فِي مدائحه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 للمعز خُصُوصا فَمن ذَلِك قَوْله فِيهِ قبحهما الله تَعَالَى من // (الْكَامِل) // (مَاشِئْت لاَ مَا شاءتِ الأَقْدارُ ... فاحْكُمْ فأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ) وَهَذَا خطأ كثير وَكفر كَبِير وَقَالَ أَيْضا قبحه الله وأخزاه وفض فَاه من // (مجزوء الْكَامِل) // (وَلَطَالَمَا زَاحَمْت تَحْتََ ... رِكَابِهِ جِبْرِيلاَ) وَمن ذَلِك قَوْله قَالَ ابْن الْأَثِير وَلم أر ذَلِك فِي ديوانه من // (مخلع الْبَسِيط) // (حَلَّ بِرقَّادَةَ المَسِيحُ ... حلَِّبهَا لآدَمٌ ونُوحُ) (حلَّ بِها الله ذُو المَعَالِي ... فَكُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ رِيحُ) قَالَ ابْن الْأَثِير وَقد شرع بعض المتعصبين لَهُ فِي الِاعْتِذَار عَنهُ قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ فِي تَارِيخه وَهَذَا الْكَلَام إِن صَحَّ عَنهُ فَلَيْسَ عَنهُ اعتذار لَا فِي الدَّار الْآخِرَة وَلَا فِي هَذِه الدَّار قَالَ فِي الأرج المسكي فَصَارَت الْخطْبَة الإسلامية على قسمَيْنِ فَمن بَغْدَاد إِلَى حلب وَسَائِر ممالك الشرق إِلَى أَعمال الْفُرَات يُخطب فِيهَا للمطيع العباسي وَمن حلب إِلَى بِلَاد الْمغرب مَعَ الْحَرَمَيْنِ الشريفين يخْطب فِيهَا للمعز العُبَيدي هَذَا وَتُوفِّي الْمعز فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة ثمَّ قَامَ من بعده ابْنه نزار الملقب بالعزيز ابْن الْمعز الفاطمي العبيدي بُويِعَ بعد موت أَبِيه الْمعز وَقَامَ بتدبيره الْقَائِد جَوْهَر غُلَام وَالِده وَكَانَ يَدعِي التنجيم فَكتب لَهُ من // (مخلع الْبَسِيط) // (بِالظُّلمِ والجَوْرِ قَدْ رَضِينَا ... وََلَيْسََ بالْكُفْرِ والحَمَاقَهْ) (إِنْ كُنْتَ أُعْطِيت عِلْمَ غيْبٍ ... بيِّنْ لَنَا كاتِب البِطاقَهْ) كَانَ الْعَزِيز هَذَا قد استزور رجَلين أَحدهمَا نَصْرَانِيّ اسْمه عِيسَى بن نسطورس وَالْآخر يَهُودِيّ اسْمه مِيشَا فعز بسببهما أهل تينك الملتين فِي ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 الزَّمَان على الْمُسلمين حَتَّى كتبت إِلَيْهِ امْرَأَة قصَّة فِي حَاجَة فَقَالَت فِيهَا بِالَّذِي أعز النَّصَارَى بِعِيسَى بن نسطورس وَالْيَهُود بميشا وأذل الْمُسلمين بك إِلَّا مَا كشفت عَن ظلامتي فَعِنْدَ ذَلِك أَمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا وَأخذ من النَّصْرَانِي ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار كَذَا ذكره ابْن السُّبْكِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ ابْن خلكان أَكثر أهل الْعلم بِالنّسَبِ لَا يصححون نسب الْمهْدي عبيد الله جد خلفاء مصر حَتَّى إِن هَذَا الْعَزِيز فِي أول مَا تولى صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة فَوجدَ هُنَالك ورقة مَكْتُوب فِيهَا هَذِه الأبيات من // (السَّرِيع) // (إِنَّا سمِعْنا نَسباً مُنْكرًا ... يُتْلى عَلَى المِنْبرِ فِي الْجامِع) (إِنْ كُنْتَ فِميمَا تدَّعِى صَادِقًا ... فاذْكُرْ أَباً بعْدَ الأبِ السَّابعِ) (وَإِنْ تُرِدْ تحْقِيقَ مَا قُلْتهُ ... فانْسُبْ لنَا نفْسك كالطَّائِعِ) (أَوْ لاَ دعِ الْأنْسابَ مسْتُورةً ... وادْخُلْ بِنا فِى النَّسبِ الواسِعِ) (فَإنَّ أَنْسَابَ بنِى هاشِمٍ ... يقْصُرُ عنْها طَمَعُ الطَّامِعِ) وَتُوفِّي الْعَزِيز فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فَكَانَت مدَّته إِحْدَى وَعشْرين سنة ثمَّ قَامَ بعده ابْنه مَنْصُور الملقب بالحكم بِأَمْر الله بُويِعَ بعد موت أَبِيه وَهُوَ صَاحب الْجَامِع الَّذِي هُوَ دَاخل بَاب النَّصْر فِي الْقَاهِرَة وَكَانَ أول أمره خيرا وَلما كبر عبد الْكَوَاكِب وَفعل فِي حكوماته مَا يضْحك مِنْهُ الصّبيان من المهملات والقبائح وَاسْتمرّ إِلَى أَن عملت أُخْته على قَتله فَقتل قَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه وفيات الْأَعْيَان فِي تَرْجَمَة الْحَاكِم بِأَمْر الله كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 لَهُ حمَار أَشهب يدعى بقمر يركبه وَكَانَ يحب الِانْفِرَاد وَالرُّكُوب وَحده فَخرج راكبَاً حِمَاره لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر شَوَّال سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة إِلَى ظَاهر مصر وَطَاف ليله كُله وَأصْبح مُتَوَجها إِلَى شَرق حلوان وَمَعَهُ ركابيان فَأَعَادَ أَحدهمَا ثمَّ أعَاد الآخر وَبَقِي النَّاس يخرجُون يَلْتَمِسُونَ رُجُوعه وَمَعَهُمْ دَوَاب الموكب إِلَى يَوْم الْأَحَد سلخ الشَّهْر الْمَذْكُور ثمَّ خرج ثَانِي الْقعدَة جمَاعَة من الموَالِي والأتراك فأمعنوا فِي طلبه وَفِي الدُّخُول فِي الْجَبَل فَرَأَوْا الْحمار الْأَشْهب الَّذِي كَانَ يركب عَلَيْهِ وَهُوَ على قرنة الْجَبَل وَقد ضربت يَدَاهُ بِسيف وَعَلِيهِ سَرْجه ولجامه فتبعوا الْأَثر إِلَى الْبركَة الَّتِي فِي شَرْقي حلوان فَنزل فِيهَا رجل فَوجدَ فِيهَا ثِيَابه وَهِي سبع جبات وَوجدت مزررة لم تحل أزرارها وفيهَا آثَار السكاكين فَحملت إِلَى الْقصر وَلم يشكوا فِي قَتله غير جمَاعَة من الغالين فِي حبهم لَهُ السخيفين عقولا يظنون حَيَاته وَأَنه سَيظْهر ويحلفون بغيبة الْحَاكِم وَكَانَ الْحَاكِم جواداً بِالْمَالِ سفاكاً للدماء وَكَانَت سيرته عجبا يخترع كل يَوْم حكما يحمل النَّاس عَلَيْهِ فَمن ذَلِك أَنه أَمر النَّاس فِي سنة خمس وَتِسْعين وثلاثمائة بكتب سبّ الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فِي حيطان الْمَسَاجِد والقناطر والشوارع وَكتب بِهِ إِلَى سَائِر الْبلدَانِ من الديار المصرية ثمَّ أَمر بِقطع ذَلِك سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمائة وَأمر بِضَرْب من سبّ الصَّحَابَة وتأديبه وَأمر بقتل الْكلاب فَلم ير كلب فِي الْأَسْوَاق والأزقة إِلَّا قتل وَنهى عَن بيع الفقاع والملوخيا وَنهى عَن بيع الزَّبِيب قَليلَة وكثيرة وَجمع جملَة كَثِيرَة مِنْهُ فأنفق على إحراقها مَا يُسَاوِي خَمْسمِائَة دِينَار ثمَّ منع من بيع الْعِنَب أصلاَ وألزم الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَن يتميزوا فِي لباسهم عَن الْمُسلمين فِي الحمامات وخارجها ثمَّ أفرد حمامَاً للْيَهُود وحماماً لِلنَّصَارَى وألزمهم أَلا يركبُوا أَشْيَاء من المراكب المحلاة وَأَن تكون ركبهمْ الْخشب وَلَا يستخدموا أحدا من الْمُسلمين وَلَا يركبُوا حمارا لمكار مُسلم وَلَا سفينة نوتيها مُسلم وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة منع النِّسَاء من الْخُرُوج من الْمنَازل أَو يطلعن من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 الأسطحة والطاقات وَمنع الخفافين من عمل الْخفاف لَهُنَّ وَمن الْخُرُوج إِلَى الحمامات وَقتل خلقا مِنْهُنَّ على مُخَالفَة ذَلِك وَهدم بعض الحمامات عَلَيْهِنَّ وجهز عَجَائِز يطفن فِي الْبيُوت يستعلمن أَحْوَال النِّسَاء من مِنْهُنَّ تعشق أَو تعشق بأسمائهن وَأَسْمَاء من يتَعَرَّض لَهُنَّ وَأكْثر من الدوران بِاللَّيْلِ وغرق من اطلع على فسقه من الرِّجَال وَالنِّسَاء فَضَاقَ النطاق عَلَيْهِنَّ وعَلى الْفُسَّاق وَلم يتَمَكَّن أحد مِنْهُم أَن يصل إِلَى أحد إِلَّا نَادرا حَتَّى إِن امْرَأَة نادت قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية وَهُوَ مَالك بن سعد الفارقي وحلفته بِحَق الحاكمِ لما وقف لَهَا فاستمع كَلَامهَا فَوقف لَهَا فَبَكَتْ بكاء شَدِيدا وَقَالَت إِن لي أَخا لَيْسَ لي غَيره وَهُوَ فِي السِّيَاق وَأَنا أَسأَلك لما وصلتني إِلَى منزله لأنظر إِلَيْهِ قبل أَن يُفَارق الدُّنْيَا فرق لَهَا القَاضِي رقة شَدِيدَة وَأمر رجلَيْنِ مَعَه أَن يَكُونَا مَعهَا حَتَّى يبلغاها إِلَى الْمنزل الَّذِي تريده فأغلقت بَابهَا وأعطت الْمِفْتَاح جارتها وَذَهَبت حَتَّى وصلت مَعَ الرجلَيْن إِلَى منزل فطرقت الْبَاب وَدخلت وَقَالَت لَهما اذْهَبَا راشدين فَإِذا هُوَ منزل رجل تهواه ويهواها فَأَخْبَرته بِمَا احتالت بِهِ على القَاضِي فأعجبه ذَلِك وَجَاء زَوجهَا آخر النَّهَار فَوجدَ بَابه مغلقاً فَسَأَلَ عَن أمرهَا فَذكر لَهُ مَا صنعت فاستغاث على القَاضِي وَذهب إِلَيْهِ وَقَالَ مَا أُرِيد امْرَأَتي إِلَّا مِنْك فَإِنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَخ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا ذهبت إِلَى عشيقها فخاف القَاضِي من معرة هَذَا الْأَمر فَركب إِلَى الْحَاكِم وبكي لَدَيْهِ فَسَأَلَهُ عَن شَأْنه فَأخْبرهُ بِمَا اتّفق من الْأَمر فَأرْسل الْحَاكِم مَعَ الرجلَيْن من يحضر الرجل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا على أَي حَال كَانَا عَلَيْهِ فوجدوهما متعانقين سكرانين فَسَأَلَهُمَا القَاضِي عَن حَالهمَا فأخذا يعتذران بِمَا لَا يجدي فَأمر بتحريق الْمَرْأَة فِي بَارِية وَضرب الرجل بالسياط ضربَاً مبرحاً وازداد احْتِيَاط الْحَاكِم على النِّسَاء حَتَّى مَاتَ ذكر هَذَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم وَأمر بهدم القمامة وَجَمِيع الْكَنَائِس بالديار المصرية ووهب جَمِيع مَا فِيهَا من الْآلَات وَجَمِيع مَا لَهَا من الأحباس لجَماعَة من الْمُسلمين وَأمر أَلا يتَكَلَّم أحد فِي صناعَة النُّجُوم وَأَن يَنْفِي المنجمون من الْبِلَاد وَكَذَلِكَ أَصْحَاب الْغناء ثمَّ أَمر بِبِنَاء مَا كَانَ هَدمه من الْكَنَائِس ورد مَا كَانَ أَخذه من أحباسها انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 حلوان مَدِينَة كَثِيرَة النزه فَوق مصر بِمِقْدَار خَمْسَة أَمْيَال كَانَت مسكن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان وَالِد عمر بن عبد الْعَزِيز وَبهَا ولد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ الْعَلامَة السُّبْكِيّ فِي تَارِيخه عِنْد ذكر الْحَاكِم ولنذكر شَيْئا من صِفَاته القبيحة وَسيرَته الملعونة أَخْزَاهُ الله وَلَا وَقَاه شرا كَانَ قبحه الله كثير التلون فِي أَفعاله وأقواله جَائِزا فِي كَيْفيَّة بُلُوغ مَا يؤمله لِأَنَّهُ كَانَ يروم أَن يَدعِي الألوهية كَمَا ادَّعَاهَا قَارون فِي زمن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام فَكَانَ قد أَمر الرّعية إِذا ذكره الْخَطِيب على الْمِنْبَر أَن تقوم النَّاس على أَقْدَامهم صُفُوفا إعظاماً لذكره واحترامَاً لاسمه فَكَانَ هَذَا يفعل فِي سَائِر ممالكه حَتَّى فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَكَانَ أهل مصر على الْخُصُوص إِذا قَامُوا خروا سجدا حَتَّى إِنَّه يسْجد بسجودهم من فِي الْأَسْوَاق من الرعاع وَغَيرهم وابتنى الْمدَارِس وَجعل فِيهَا الْفُقَهَاء والمشايخ ثمَّ قَتلهمْ وخربها وألزم النَّاس بإغلاق الْأَسْوَاق والدكاكين نَهَارا وَفتحهَا ليلاَ فامتثلوا ذَلِك دهرَاً طَويلا حَتَّى اجتاز مرّة بشيخ يعْمل النجارة فِي أثْنَاء النَّهَار فَوقف عَلَيْهِ وَقَالَ ألم أنهكم عَن هَذَا فَقَالَ يَا سَيِّدي أما كَانَ النَّاس يسهرون لما كَانُوا يتعيشون بِالنَّهَارِ فَهَذَا من جملَة السهر فَتَبَسَّمَ وَتَركه وَأعَاد النَّاس إِلَى أَمرهم الأول وكل هَذَا مِنْهُ تَغْيِير للرسوم واختبار لطاعة الْعَامَّة ليرقى إِلَى مَا هُوَ أهم من ذَلِك لَعنه الله وَقد كَانَ يعْمل الْحِسْبَة بِنَفسِهِ يَدُور فِي الْأَسْوَاق على حِمَاره فَمن وجده قد عثر فِي معيشته أَمر عبدَاً أسود مَعَه يُقَال لَهُ مَسْعُود أَن يفعل بِهِ الْفَاحِشَة العمطى وَهَذَا أَمر مُنكر مَلْعُون لم يسْبق إِلَيْهِ لَعنه الله وَكَانَت الْعَامَّة يبغضونه ويكتبون لَهُ الأوراق الَّتِي فِيهَا الشتيمة البليغة لَهُ ولأسلافه وحريمه فِي صُورَة قصَص فَإِذا قَرَأَهَا ازْدَادَ حنقَاً عَلَيْهِم حَتَّى إِن أهل مصر حملُوا صُورَة امْرَأَة من ورق بخفها وإزارها وَفِي يَدهَا قصَّة فِيهَا من الشتم والقبائح شَيْء كثير فَلَمَّا رَآهَا ظَنّهَا امْرَأَة فَذهب من ناحيتها وَأخذ الْقِصَّة من يَدهَا فقرأها فَرَأى مَا فِيهَا فأغضبه جدا وَأمر بقتل تِلْكَ الْمَرْأَة فَلَمَّا تحققها من ورق ازْدَادَ غيظاً على غيظه ثمَّ لما وصل إِلَى الْقَاهِرَة أَمر العبيد من السودَان أَن يذهبوا إِلَى مصر فيحرقوها وينهبوا مَا فِيهَا من الْأَمْوَال والحريم فَذهب العبيد فامتثلوا مَا أَمرهم بِهِ فَقَاتلهُمْ أهل مصر قتالاَ عَظِيما ثَلَاثَة أَيَّام وَالنَّار تعْمل فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 الدّور وَالْحرم وَفِي كل يَوْم يخرج بِنَفسِهِ لَعنه الله فيقف من بعيد ويبكي وَيَقُول من أَمر هَؤُلَاءِ العبيد بِهَذَا ثمَّ اجْتمع النَّاس فِي الْجَوَامِع فَرفعُوا الْمَصَاحِف وجأروا إِلَى الله تَعَالَى واستغاثوا بِهِ فرق لَهُم التّرْك والمشارقة وانحازوا إِلَيْهِم فَقَاتلُوا مَعَهم عَن حريمهم ودورهم السودَان وتفاقم الْحَال جدا ثمَّ ركب الْحَاكِم ففصل بَين الْفَرِيقَيْنِ وكف العبيد عَنْهُم وَكَانَ يظْهر التنصل من الْقَضِيَّة وَأَن العبيد ارتكبوا ذَلِك من غير علمه وَهُوَ ينفذ إِلَيْهِم السِّلَاح ويحثهم على ذَلِك فِي الْبَاطِن وَمَا انجلى الْحَال حَتَّى احْتَرَقَ من مصر نَحْو ثلثهَا وَنهب قريب من نصفهَا وَسبي حَرِيم خْلق كثير فعل بِهن الْفَوَاحِش والمنكرات حَتَّى إِن مِنْهُنَّ من قتلت نَفسهَا خوفًا من الْعَار والفضيحة وَاشْترى الرِّجَال من سبي لَهُم من النِّسَاء والحريم من أَيدي العبيد انْتهى مَا قَالَه ابْن السُّبْكِيّ وقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه المنتظم فِي ذكر الْأُمَم من الْعَرَب والعجم ثمَّ زَاد ظلم الْحَاكِم وَعَن لَهُ أَن يَدعِي الربوبية فَصَارَ قوم من الْجُهَّال إِذا رَأَوْهُ يَقُولُونَ يَا وَاحِد يَا أحد يَا محيي يَا مميت وَكَانَ قد تعدى شَره النَّاس حَتَّى إِلَى أُخْته يتهمها بالفاحشة ويسمعها أغْلظ الْكَلَام فتبرمت مِنْهُ وعملت على قَتله فراسلت فِيهِ أكبر الْأُمَرَاء وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن دواس فتوافقت هِيَ وَهُوَ على قَتله فواطأها على ذَلِك وجهز من عِنْده عَبْدَيْنِ أسودين فَقَالَ لَهما إِذا كَانَت اللَّيْلَة الْفُلَانِيَّة فكونا بجبل المقطم فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة يكون الْحَاكِم هُنَاكَ فِي اللَّيْل ينظر فِي النُّجُوم وَلَيْسَ مَعَه إِلَّا ركابي وَصبي فاقتلاه واقتلاهما مَعَه وَاتفقَ الْحَال على ذَلِك وتقرر فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة قَالَ الْحَاكِم لَا بُد أَن فِي هَذِه اللَّيْلَة عَليّ قطعا عظيمَاً فَإِن نجوت مِنْهُ عمرت نَحوا من ثَمَانِينَ سنة فَقَالَت لَهُ أمه يَا مولَايَ فَإِذا كَانَ الْأَمر كَمَا تَقول فارحمني وَلَا تتْرك ليلتك هَذِه إِلَى مَوضِع أصلا وَكَانَ من عَادَته أَن يَدُور حول الْقصر كل لَيْلَة فدار ثمَّ عَاد إِلَى الْقصر فَنَامَ إِلَى قريب ثلث اللَّيْل الْأَخير فَاسْتَيْقَظَ وَقَالَ إِن لم أركب اللَّيْلَة فاضت نَفسِي فثار وَركب فرسا وَتَبعهُ صبي وركابي حَتَّى صعد جبل المقطم فَاسْتَقْبلهُ ذَانك العبدان فأنزلاه عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 مركوبه وقطعاً يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وبقرا بَطْنه وَأَتيا بِهِ مولاهما فَحَمله إِلَى أُخْته فدفنته فِي مجْلِس دارها واستدعت الْأُمَرَاء والأكابر والوزير وَقد أطلعته على الْحِيلَة فَبَايَعته لولد الْحَاكِم أبي الْحسن عَليّ ولقب بِالظَّاهِرِ لإعزاز دين الله وَكَانَ بِدِمَشْق فاستدعته وَجعلت تَقول للنَّاس إِن الْحَاكِم قَالَ لي إِنَّه يغيب سَبْعَة أَيَّام ثمَّ يعود فاطمأن النَّاس بذلك وَجعلت ترسل ركابين ويصعدون الْجَبَل ويجيئون فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُ فِي الْموضع الْفُلَانِيّ وَيَقُول الَّذين من بعدهمْ تَرَكْنَاهُ فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا حَتَّى اطْمَأَن النَّاس وَقدم ابْنه فحين وصل ألبسته تَاج جد أَبِيه الْمعز وحلته حلية عَظِيمَة فأجلسته على السرير فَبَايعهُ الْأُمَرَاء والرؤساء وأطلقت لَهُم الْأَمْوَال الجزيلة وخلعت على ابْن دواس خلعة سنية هائلة وعملت عزاء أَخِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أرْسلت إِلَى ابْن دواس طَائِفَة من الْجند ليكونوا بَين يَدَيْهِ بسيوفهم وقوفاً فِي خدمته ثمَّ أَمرتهم فِي بعض الْأَيَّام أَن يَقُولُوا لَهُ أَنْت قَاتل مَوْلَانَا ثمَّ يهتبرونه بسيوفهم فَفَعَلُوا ذَلِك وَقتلت كل من اطلع على سرها فِي قتل أَخِيهَا فعظمت هيبتها وقويت حرمتهَا وَثبتت دولتها فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَت متولية الْأُمُور لدولة ابْن أَخِيهَا وَكَانَ عمر الْحَاكِم حِين قتل سبعَاً وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ قَتله سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَمُدَّة ملكه خمسَاً وَعشْرين سنة لَعنه الله وقبحه وَفِي ربيع الآخر من سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة فِي دولة الْحَاكِم الْمَذْكُور كتبت بِبَغْدَاد محَاضِر تَتَضَمَّن اللَّعْن والقدح فِي نسب الْخُلَفَاء المصريين الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم فاطميون وَلَيْسوا كَذَلِك وَكتب فِي ذَلِك جمَاعَة من الْعلمَاء والقضاة وَالْفُقَهَاء والأشراف والأماثل والمعدلين وَالصَّالِحِينَ شهدُوا جَمِيعًا أَن الناجم وَهُوَ مَنْصُور ابْن نزار الملقب بالحاكم بِأَمْر الشَّيْطَان لَا بِأَمْر الله حكم الله عَلَيْهِ بالبوار والدمار والخزي والنكال والاستئصال ابْن معد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْقَائِم ابْن سعيد لَا أسعد الله فَإِنَّهُ لما صَار إِلَى الْمغرب تسمى بعبيد الله وتلقب بالمهدي وَمن تقدم من سلفه من الأرجاس والأنجاس عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم لعنة الله ولعنة اللاعنين أدعياء خوارج لَا نسب لَهُم فِي ولد عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 يتعلقون مِنْهُ بِسَبَب وَأَنه منزه عَن أباطيلهم وَأَن الَّذِي ادعوهُ بَاطِل وزور وَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ أحدا من أهل بيوتات الطالبيين توقف فِي إِطْلَاق القَوْل فِي هَؤُلَاءِ وَأَنَّهُمْ الْخَوَارِج وَأَنَّهُمْ أدعياء وَقد كَانَ هَذَا الْإِنْكَار لباطلهم شَائِعا فِي الْحَرَمَيْنِ وَفِي أول أَمرهم بالمغرب منتشراً انتشاراً يمْنَع من أَن يُدَلس على أحد كذبهمْ أَو يذهب وَهم إِلَى تصديقهم وَإِن هَذَا الناجم بِمصْر هُوَ وسلفه كفار وفساق فجار ملحدون زنادقة معطلون وللإسلام جاحدون ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون قد عطلوا الْحُدُود وأباحوا الْفروج وَأَحلُّوا الْخُمُور وسفكوا الدِّمَاء وَسبوا الْأَنْبِيَاء ولعنوا السّلف وَادعوا الربوبية وَقد كتب خطه فِي الْمحْضر خلق كثير فَمن العلويين المرتضي والرضي وَابْن الْأَزْرَق الموسوي وَأَبُو طَاهِر بن أبي الطّيب وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن أبي يعلى وَمن الْقُضَاة أَبُو مُحَمَّد القناتي وَأَبُو الْقَاسِم الحمزوي وَأَبُو الْعَبَّاس بن السوري وَمن الْفُقَهَاء الإِمَام أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ وَأَبُو مُحَمَّد بن الكشفلي وَأَبُو الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ وَأَبُو عبد الله الصَّيْمَرِيّ وَأَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ وَأَبُو عَليّ بن حكمان وَمن الشُّهُود أَبُو الْقَاسِم التنوخي فِي كثير وقُرئ بِالْبَصْرَةِ وَكتب فِيهِ خلق كثير هَذِه عبارَة الشَّيْخ أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ قَامَ من بعده وَلَده عَليّ الملقب بِالظَّاهِرِ لإعزاز دين الله وكني بِأبي هَاشم بُويِعَ بعد قتل أَبِيه وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة وَقَامَت عمته بتدبير ملكه أحسن قيام كَمَا تقدم ذكره إِلَى أَن مَاتَت فحذا حذوها وَحسنت أَيَّامه وَسيرَته إِلَى أَن طمع النَّاس فِيهِ لصِغَر سنه وتغلب صَاحب الرملة حسان بن مفرج البدري على أَكثر بِلَاد الشَّام وتضعضعت دولة الظَّاهِر إِلَى أَن توفّي يَوْم الْأَحَد منتصف شعْبَان سنة سبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَله من الْعُمر ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سِتَّة عشر عَاما وَتِسْعَة أشهر ثمَّ قَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه معد المُكَنى أَبَا تَمِيم الملقب بالمستنصر بسين الاستفعال ابْن الظَّاهِر وعمره سبع سِنِين وتكفل بأعباء المملكة بَين يَدَيْهِ الْأَفْضَل أَمِير الجيوش بدر بن عبد الله الجمالي بُويِعَ يَوْم موت أَبِيه وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَسَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا وَبَقِي فِي الْخلَافَة سِتِّينَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَلَا يعلم فِي الْإِسْلَام خَليفَة وَلَا سُلْطَان أَقَامَ فِي الْملك هَذِه الْمدَّة والمستنصر هَذَا هُوَ الَّذِي خطب لَهُ البساسيري على مَنَابِر بَغْدَاد وَهَذَا شَيْء لم يَقع لأحد من آبَائِهِ وَفِي أَيَّامه وَقع الغلاء الْعَظِيم بِمصْر حَتَّى إِن الْكَلْب بيع بِخَمْسَة دَنَانِير ليؤكل والقط بِثَلَاثَة دَنَانِير وضعفت النَّاس من شدَّة الْجُوع حَتَّى إِن الْكَلْب يدْخل إِلَى بَيت الشَّخْص فيأكل وَلَده وَلَيْسَ لَهُ قدرَة على النهوض إِلَى دَفعه وَكَانَ بِمصْر حارة تعرف بحارة الطَّبَق وفيهَا عشرُون دَارا كل دَار تَسَاوِي أَكثر من ألف دِينَار فبيعت كلهَا بطبق خبز كل دَار مِنْهَا برغيف قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم خرجت امْرَأَة وَمَعَهَا قدر ربع من جَوْهَر فَقَالَت من يَأْخُذ مني هَذَا الْجَوْهَر ويعطيني عوضا برا فَلم تجدْ مَنْ يَأْخُذهُ مِنْهَا بذلك فَقَالَتْ إِذَا لم يَنْفَعنِي وَقت الْحَاجة فَلَا حَاجَة لي بِهِ فألقته على الأَرْض وانصرفت فالعجب مَا كَانَ لَهُ من يلقطه وَأخرج الْمُسْتَنْصر جَمِيع الذَّخَائِر فَبَاعَهَا يُقَال إِنَّه بَاعَ فِي هَذَا الغلاء ثَمَانِينَ ألف قِطْعَة من أَنْوَاع الْجَوَاهِر المثمنة وَخَمْسَة وَسبعين ألف قِطْعَة من أَنْوَاع الديباج المنسوج بِالذَّهَب وَعشْرين ألف سيف محلى وَأحد عشر ألف دَار وافتقر الخلبفة حَتَّى لم يبْق لَهُ إِلَّا سجادة تَحْتَهُ وقبقاب فِي رجله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 فَصَارَ إِذا نزل للصَّلَاة يستعير بغلة الدِّيوَان حَتَّى يركبهَا وَمَات مُعظم النَّاس جوعا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فِي ولَايَة الْمُسْتَنْصر كَانَ غلاء شَدِيد وقحط عَظِيم بديار مصر بِحَيْثُ إِنَّهُم أكلُوا الْجِيَف وَالْمَيتَات وَالْكلاب وأفنيت الدَّوَابّ فَلم يبْق لصَاحب مصر فرس بعد الْعدَد الْكثير وَنزل الْوَزير يَوْمًا عَن بغلته فَغَفَلَ عَنْهَا الْغُلَام لضَعْفه من الْجُوع فَأَخذهَا ثَلَاثَة نفر فذبحوها وأكلوها فَأخذُوا وصلبوا فَأَصْبحُوا وعظامهم بادية على مَا صلبوا عَلَيْهِ قد أكل النَّاس لحومهم وَظهر على رجل يقتل الصّبيان وَالنِّسَاء ويدفن رُءُوسهم وأطرافهم وَيبِيع لحومهم فَقتل وفيهَا ضَاقَتْ يَد شرِيف مَكَّة مُحَمَّد بن أبي هَاشم بن فليتة فَأخذ الذَّهَب من أَسْتَار الْكَعْبَة والميزاب وَالْبَاب فَضرب ذَلِك دَرَاهِم ودنانير وَكَذَلِكَ فعل صَاحب الْمَدِينَة بالقناديل الَّتِي فِي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقبلهَا فِي سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة كَانَت فتْنَة البساسيري وَهُوَ أرسلان التركي قبحه الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَنه عزم على أَن يسير إِلَى بَغْدَاد ويأخذها من صَاحبهَا الْخَلِيفَة العباسي الْمُسَمّى بِالْقَاهِرَةِ بن الْقَادِر ويخطب فِيهَا للمستنصر الفاطمي فَركب البساسيري وَمَعَهُ قُرَيْش بن بدران أَمِير الْعَرَب إِلَى الْموصل فَأَخذهَا وأخرب قلعتها فانزعج النَّاس لذَلِك واضطربت بَغْدَاد وأرجف النَّاس بِأَن البساسيري عازم على قصد بَغْدَاد وَأَنه قرب من الأنبار وتفرق الْجَيْش من بَغْدَاد إِلَى نواحي همذان والأهواز وَبقيت بَغْدَاد وَلَيْسَ بهَا أحد من الْمُقَاتلَة فعزم الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله على الرحيل من بَغْدَاد إِلَى غَيرهَا وليته فعل ثمَّ أحب دَاره وَالْمقَام مَعَ أَهله فَلبث فِيهَا اغْتِرَارًا وَلما خلا الْبَلَد من الْمُقَاتلَة قيل للنَّاس من أَرَادَ الْخُرُوج فليذهب إِلَى حَيْثُ شَاءَ فانزعج النَّاس وَبكى الرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال وَعبر كثير من النَّاس إِلَى الْجَانِب الغربي وَبَلغت المعبرة دِينَارا أَو دينارين لعدم الجسر قَالَ وطار فِي تِلْكَ اللَّيْلَة على دَار الْخَلِيفَة نَحْو من عشر بومات مجتمعات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 يصحن صياحاً مزعجاً وَقيل للوزير أبي الْقَاسِم بن الْمسلمَة الملقب برئيس الرؤساء وَزِير الْقَائِم العباسي من الْمصلحَة أَن الْخَلِيفَة يرتحل من بَغْدَاد لعدم الْمُقَاتلَة بهَا فَلم يقبل وشرعوا فِي اسْتِخْدَام طَائِفَة الْعَوام ودُفِعَ إِلَيْهِم سلَاح من دَار المملكة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد الثَّامِن من ذِي الْقعدَة من هَذِه السّنة دخل البساسيري بَغْدَاد وَنشر الرَّايَات الْبيض المصرية وعَلى رَأسه أَعْلَام مَكْتُوب عَلَيْهَا الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَو تَمِيم معد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَتَلقاهُ أهل الكرخ وهم أهل الرَّفْض والإلحاد فتضرعوا إِلَيْهِ وسألوه أَن يجتاز عِنْدهم فَدخل الكرخ وَخرج إِلَى مشرعة الروايا فخيم بهَا وَالنَّاس إِذْ ذَاك فِي ضرّ ومجاعة شَدِيدَة وَنزل قُرَيْش بن بدران فِي نَحْو مِائَتي فَارس على مشرعة بَاب الْبَصْرَة وَكَانَ البساسيري قد جمع العيارين وأطمعهم فِي نهب دَار الْخلَافَة وَنهب أهل الكرخ دور أهل السّنة بِبَاب الْبَصْرَة ونهبت دَار قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي وَهلك اكثر السجلات والكتب الْحكمِيَّة ونهبت دَار المتعلقين بِخِدْمَة الْخَلِيفَة وأعادت الروافض الْأَذَان بحي على خير الْعَمَل وَكَذَلِكَ أذن فِي سَائِر جَوَامِع بَغْدَاد وَضربت لَهُ السِّكَّة على الذَّهَب وَالْفِضَّة وحوصرت دَار الْخلَافَة فحاجز الْوَزير ابْن الْمسلمَة بِمن مَعَه من المستخدمين دونهَا فَلم يفد ذَلِك شَيْئا فَركب الْخَلِيفَة بِالسَّوَادِ والبردة على كَتفيهِ وعَلى رَأسه القواد وَبِيَدِهِ سيف صلت وَحَوله زمرة من الهاشميين والجواري حاسرات وجوههن ناشرات شعورهن مَعَهُنَّ الْمَصَاحِف على رُءُوس الرماح وَبَين يَدَيْهِ الخدم بِالسُّيُوفِ المسللة ثمَّ إِن الْخَلِيفَة أَخذ ذمامَاً من أَمِير الْعَرَب قُرَيْش بن بدران لنَفسِهِ وَأَهله ووزيره ابْن الْمسلمَة فآَمنه على ذَلِك وأنزله فِي خيمة فلامه البساسيري على ذَلِك وَقَالَ لَهُ لقد علمت مَا كَانَ وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ بيني وَبَيْنك من أَنَّك لَا تستبد بِرَأْي دوني وَلَا أَنا دُونك وَمهما ملكنا فبيني وَبَيْنك واستحضر البساسيري ابْن الْمسلمَة ووبخه ولامه لوماً شَدِيدا ثمَّ ضربه ضربا مبرحَاً واعتقله مهاناً عِنْده ونهبت العيارون دَار الْخلَافَة فَلَا يُحْصى مَا أَخذ مِنْهَا من الْجَوَاهِر والنفائْس والديباج والأثاث وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يحد وَلَا يُوصف قلت مَا أَخذه البساسيري لأستاذه الْمُسْتَنْصر من دَار الْخَلِيفَة الْقَائِم العباسي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 أخرجه وَبَاعه بأبخس الْأَثْمَان وَهُوَ مُضْطَر جوعان وَلم يتمتع بِهِ فِي هَذِه الدَّار وَهُوَ محاسب عَلَيْهِ فِي دَار الْقَرار ثمَّ اتّفق رَأْي البساسيري وقريش بن بدران على تسيير الخلفة من بَغْدَاد وتسليمه إِلَى أَمِير حَدِيثَة عانة وَهُوَ مهارش بن مجلى البدري وَهُوَ من بني عَم قُرَيْش بن بدران وَكَانَ رجلا صَالحا قلت حَدِيثَة عانة بليدَة بَين حلب وبغداد مَشْهُورَة مَذْكُورَة إِلَى الآَن النِّسْبَة إِلَى جزئا الأول فَيُقَال فلَان الحديثي انْتهى فَلَمَّا بلغ الْخَلِيفَة ذَلِك دخل على قُرَيْش بن بدران أَلا يُخرجهُ من بَغْدَاد فَلم يفد ذَلِك شَيْئا وسيروه مَعَ أَصْحَابه إِلَى حَدِيثَة عانة فَكَانَ عِنْد مهارش أميرها حولا كَامِلا وَلَيْسَ مَعَه أْحد من أَهله فحكي عَن الْقَائِم أَنه قَالَ لما كنت بحديثة عانة قُمْت لَيْلَة إِلَى الصَّلَاة فَوجدت فِي قلبِي حلاوة الْمُنَاجَاة ثمَّ دَعَوْت الله تَعَالَى فَقلت اللَّهُمَّ أعدني إِلَى وطني واجمع بيني وَبَين أَهلِي وَوَلَدي وَيسر اجتماعنا وَأعد روض الْأنس زاهراً وَربع الْقرب عَامِرًا فقد قل العزاء وبرح الخفاء قَالَ فَسمِعت قَائِلا على شط الْفُرَات يَقُول نعم نعم فَقلت هَذَا رجل يُخَاطب آخر ثمَّ أخذت فِي السُّؤَال والابتهال فَسمِعت ذَلِك الصائح يَقُول إِلَى الْحول إِلَى الْحول فَعلمت أَنه هَاتِف أنطقه الله تَعَالَى بِمَا جرى الْأَمر عَلَيْهِ وَكَانَ الْأَمر كَذَلِك فَإِنَّهُ خرج من دَاره فِي ذِي الْقعدَة من هَذِه السّنة وَرجع إِلَيْهَا فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الْمُقبلَة كَمَا سَنذكرُهُ الْآن وَلما كَانَ يَوْم عيد الْأَضْحَى ألبس البساسيري الخطباء والمؤذنين الْبيَاض وَعَلِيهِ هُوَ وَأَصْحَابه كَذَلِك وعَلى رَأسه الْأَوْلَوِيَّة المستنصرية والقطاريف المصرية وخطب للمستنصر الفاطمي صَاحب مصر وَالرَّوَافِض فِي غَايَة السرُور وانتقم من أَعْيَان أهل بَغْدَاد انتقاماً عَظِيما وغرق خلقا كثيرا وَقتل من الْعلمَاء جمعا وَلما كَانَت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْحجَّة أحضر بَين يَدَيْهِ الْوَزير ابْن الْمسلمَة وَعَلِيهِ جُبَّة صوف وطرطور من لبد أَحْمَر وَفِي رقبته مخنقة من جُلُود فأركب جملا وطيف بِهِ فِي الْبَلَد وَخَلفه من يصفعه بِقِطْعَة جلد وَحين أجَاز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 بالكرخ نثروا عَلَيْهِ خلقان المداسات وبصقوا فِي وَجهه ولعنوه وسبوه فَأوقف بازاء دَار الْخلَافَة وَهُوَ فِي ذَلِك كُله يَتْلُو قَوْله تَعَالَى {قُلِ اَللَهُمَ ماَلِكَ اَلملك} الْآيَة آل عمرَان 26 ثمَّ لما فرغ من الطّواف بِهِ فِي الْبَلَد وأعيد إِلَى الْعَسْكَر ألبس جلد ثَوْر بقرنيه وعلق بكلاب فِي شدقيه وَرفع إِلَى الْخَشَبَة حَيا فَجعل يضطرب إِلَى آخر النَّهَار فَمَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ آخر كَلَامه أَن قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أحياني سعيداً وأماتني شَهِيدا ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وبغداد فِي قَبْضَة البساسيري يخْطب فِيهَا للخليفة الْمُسْتَنْصر الفاطمي والقائم قَاعد ب حَدِيثَة عانة ثمَّ لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر صفر أحضر البساسيري قَاضِي الْقُضَاة أَبَا عبد الله الدَّامغَانِي وَجَمَاعَة من الْوُجُوه والأعيان من العلويين والعباسيين وَأخذ عَلَيْهِم الْبيعَة للمستنصر الفاطمي ثمَّ دخل دَار الْخلَافَة وَهَؤُلَاء المذكورون مَعَه وَأمر بِنَقْض تَاج دَار الْخلَافَة فنقضت بعض الشراريف ثمَّ قيل لَهُ إِن ترك الْفَتْح فِي هَذَا الْأَمر من الْمصلحَة فَتَركه ثمَّ ركب إِلَى زِيَارَة المشهد وَأمر بِأَن تنقل جثة ابْن الْمسلمَة إِلَى مَا يُقَارب الْحرم الظَّاهِرِيّ وَأَن ينصب على دجلة وكتبت أم الْخَلِيفَة وَكَانَت عجوزاً كَبِيرَة قد بلغت التسعين وَهِي مختفية فِي مَكَان إِلَى البساسيري تَشْكُو إِلَيْهِ الْفقر وَالْحَاجة وضيق الْحَال فَأرْسل إِلَيْهَا ونقلها إِلَى الْحَرِيم وأخدمها جاريتين ورتب لَهَا كل يَوْم اثْنَي عشر رطلا من خبز وَأَرْبَعَة أَرْطَال من لحم وَلَا يَفِي هَذَا بقيراط مِمَّا فعله بِوَلَدِهَا وبأهل السّنة وَكَانَ وُقُوع هَذَا الْوَاقِع وَالسُّلْطَان طغرلبك أَبُو طَالب مُحَمَّد بن مِيكَائِيل بن سلجوق غَائِب لقِتَال أَخِيه إِبْرَاهِيم بن مِيكَائِيل فَلَمَّا ظفر بِهِ وأسره وَقَتله وَتمكن فِي أمره وَطَابَتْ نَفسه وَاسْتقر حَاله وَلم يبْق لَهُ بِتِلْكَ الْبِلَاد مُنَازع سمع بِهَذَا الْوَاقِع فَكتب إِلَى قُرَيْش بن بدران أَمِير الْعَرَب يَأْمُرهُ بِأَن يُعَاد الْخَلِيفَة إِلَى دَاره على مَا كَانَ عَلَيْهِ وتوعده على ترك ذَلِك بَأْسا شَدِيدا فَكتب إِلَيْهِ قُرَيْش يتلطف بِهِ ويسأله وَيَقُول أَنا مَعَك على البساسيري بِكُل مَا أقدر عَلَيْهِ حَتَّى يُمكن الله مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 وَلَكِن أخْشَى أَن أشرع فِي أَمر يكون فِيهِ على الْخَلِيفَة مفْسدَة أَو يبدر إِلَيْهِ أحد بأذية وَلَكِن سأعمل فِي أمره بِكُل مَا يمكنني ثمَّ إِنَّه راسل البساسيري وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِعُود الْخَلِيفَة إِلَى دَاره وخوفه من جِهَة الْملك طغرلبك وَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ إِنَّك دَعوتنَا إِلَى طَاعَة الْمُسْتَنْصر صَاحب مصر وبيننا وَبَينه سِتّمائَة فَرسَخ وَلم يأتنا من جِهَة رَسُول وَلَا أحد وَلم يفكر فِي شَيْء مِمَّا أرسلنَا إِلَيْهِ وَهَذَا الْملك من وَرَائِنَا بالمرصاد وَجَاء كتاب من الْملك طغرلبك عنوانه إِلَى الْأَمِير الْأَجَل علم الدّين أبي الْمَعَالِي قُرَيْش ابْن بدران مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ من شاهنشاه ملك الْمشرق وَالْمغْرب طغرلبك أبي طَالب مُحَمَّد بن مِيكَائِيل بن سلجوق وعَلى رَأس الْكتاب الْعَلامَة السُّلْطَانِيَّة بِخَط السُّلْطَان حسبي الله وَكَانَ فِي الْكتاب مَا نَصه والآن فقد سَارَتْ بِنَا الْمَقَادِير إِلَى قتال كل عَدو للدّين وَالْملك وَلم يبْق لنا وعلينا من الْمُهِمَّات إِلَّا خدمَة سيدنَا ومولانا الإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وإطلاع أبهة إِمَامَته على سَرِير عزه فَإِن الَّذِي يلْزمنَا ذَلِك وَلَا فسحة فِي التضجيع فِيهِ سَاعَة من الزَّمَان وَقد أَقبلنَا بجيوش الْمشرق إِلَى هَذَا المهم الْعَظِيم ونريد من الْأَمِير الْجَلِيل السَّعْي النجيح الَّذِي وفْق لَهُ وَتفرد بِهِ وَهُوَ أَن يتمم وفاءه من أَمَانَته وخدمته فِي بَاب سيدنَا ومولانا الإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَن يكون أحد الرجلَيْن إِمَّا أَن يقبل بِهِ إِلَى وكر عزه ويتولى إِقَامَته وموقف خِلَافَته من مَدِينَة السَّلَام وينتدب بَين يَدَيْهِ مُتَوَلِّيًا أمره منفذاً حكمه شاهراً سَيْفه وقلمه وَذَلِكَ المُرَاد وَهُوَ خليفتنا فِي تِلْكَ الْخدمَة الْمَفْرُوضَة ويوليه الْعرَاق بأسرها وتصفي لَهُ مشارع برهَا وبحرها لَا يطَأ حافر من خُيُول الْعَجم شبْرًا من أَرض تِلْكَ المملكة إِلَّا بالتماس لمعاونته ومظاهرته وَإِمَّا أَن يحافظ على شخصه العالي بتحويله من القلعة إِلَى حِين يجاء لخدمته فيتكفل بإعادته وَيكون الْأَمِير الْجَلِيل مُخَيّرا بَين أَن يلتقي بِنَا أَو يُقيم حَيْثُ شَاءَ بتولية الْعرَاق وسنخلفه فِي الْخدمَة وَهُوَ أدام الله تمكنه يتَيَقَّن من ذكرنَا وَيعلم أَن توجهنا إِثْر هَذَا الْكتاب بِهَذَا الْغَرَض الْمَعْلُوم وَلَا غَرَض سواهُ وَمن اتَّصل بِبَغْدَاد من سَائِر الْعَرَب والعجم والأكراد كلُّهم إِخْوَاننَا وَفِي ديننَا وعهدنا وعلينا لَهُم عهد الله وميثاقه مَا داموا موافقين للأمير وَلكُل مُحْتَرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 عَفَوْنَا وأمننا لما بدر مِنْهُ إِلَّا البساسيري فَإِنَّهُ لَا عهد لَهُ وَلَا أَمَان وَهُوَ موكول إِلَى الشَّيْطَان وَقد ارْتكب فِي دين الله عَظِيما وَهُوَ إِن شَاءَ الله مَأْخُوذ حَيْثُ وجد ومعذب على مَا عمل وسعي فِي دِمَاء خلق كثير بِسوء دخيلته وإدارة أَفعاله على فَسَاد عقيدته وَكتب فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَلَمَّا وصل الْكتاب إِلَى قُرَيْش بن بدران استعلم عَن أَخْبَار الْملك طغرلبك من الرُّسُل وَغَيرهم فَإِذا مَعَه جنود عَظِيمَة فخاف من ذَلِك خوفًا شَدِيدا وَبعث إِلَى الْبَريَّة وَأمر بِحَفر أَمَاكِن للْمَاء وتجهيز علوفات كَثِيرَة إِلَى هُنَالك وأنفذ الْكتاب إِلَى البساسيري فانزعج البساسيري لذَلِك وخارت قوته وَضعف أمره وَبعث إِلَى أَهله فنقلهم من بَغْدَاد وأرصد لَهُ إقامات عَظِيمَة بواسط وَجعلهَا دَار مقره وَوَافَقَ على عود الْخَلِيفَة إِلَى بَغْدَاد وَلَكِن اشْترط شُرُوطًا كَثِيرَة ليذْهب خجله وترحل قُرَيْش بن بدران إِلَى أَرض الْموصل وَبعث إِلَى حَدِيثَة عانة يَقُول لأميرها مهارش بن مجلي الَّذِي سلم إِلَيْهِ الْخَلِيفَة الْمصلحَة تَقْتَضِي أَن تحول الْخَلِيفَة إِلَيّ حَتَّى نستأمن لأنفسنا بِسَبَبِهِ فَلَا نسلمه حَتَّى نَأْخُذ لأنفسنا أَمَانًا وَيكون فِي يدك دون يَدي فَامْتنعَ عَلَيْهِ مهارش وَقَالَ قد غدر بِي البساسيري فِي أشياءَ وَعَدَني بهَا فَلم أرها وَلست بمرسله إِلَيْك أبدا وَله فِي عنقِي أَيْمَان كَثِيرَة لَا أغدر بهَا وَكَانَ مهارش رجلا صَالحا ثِقَة أَمينا فَقَالَ للخليفة من الْمصلحَة أَن نسير إِلَى بلد بدر بن مهلهل وَنَنْظُر مَا يكون من أَمر السُّلْطَان فَإِن ظهر دَخَلنَا بَغْدَاد وَإِن كَانَت الْأُخْرَى نَظرنَا لأنفسنا فَإنَّا نخشى من البساسيري أَن يعود فيحصرنا فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة افْعَل مَا فِيهِ الْمصلحَة فسارا فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة إِلَى أَن حصلا بقلعة عكبراء فَتَلَقَّتْهُ رسل الْملك طغرلبك بالهدايا الَّتِي كَانَ أنفذها إِلَيْهِ وَهُوَ متشوق إِلَيْهِ كثيرا وَجَاءَت الْأَخْبَار بِأَن السُّلْطَان طغرلبك دخل بَغْدَاد وَكَانَ يَوْمًا مشهودا غير أَن الْجَيْش نهبوا بَغْدَاد سوى دَار الْخَلِيفَة وصودر خلق كثير وشرعوا فِي عمَارَة دَار الْملك وَأرْسل السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة مراكب كَثِيرَة من أَنْوَاع الْخُيُول وَغَيرهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 وسرادق عَظِيمَة وملابس سنية أرسل ذَلِك مَعَ وزيره عبد الْملك الكندري وَلما انْتَهوا أرْسلُوا بِتِلْكَ الْآلَات قبل أَن يصلوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لمن حوله اضربوا السرادق وليلبس الْخَلِيفَة مَا يَلِيق بِهِ ثمَّ نجيء نَحن فنستأذن عَلَيْهِ فَلَا يَأْذَن لنا إِلَّا بعد سَاعَة طَوِيلَة فَلَمَّا دخل الْوَزير عبد الْملك الكندري وَمن مَعَه قبلوا الأَرْض بعد أَن اسْتَأْذنُوا فَلم يُؤذن لَهُم إِلَّا كَمَا قَالُوا وَأخْبر الْخَلِيفَة بسرور السُّلْطَان بِمَا حصل من الْعود إِلَى بَغْدَاد واشتياقه إِلَيْهِ جدا وَكتب الْوَزير عبد الْملك إِلَى السُّلْطَان وَأخْبرهُ بِمَا جرى وَأحب أَن يَأْخُذ خطّ الْخَلِيفَة فِي أَعلَى الْكتاب فَيكون أقرّ لِعَين السُّلْطَان وَلم يكن عِنْد الْخَلِيفَة دَوَاة فأحضر الْوَزير دواته وَمَعَهَا سيف قَالَ هَذِه حُرْمَة السَّيْف والقلم فأعجب الْخَلِيفَة قَوْله وترحلوا من مَنَازِلهمْ تِلْكَ بعد يَوْمَيْنِ لما وصلوا إِلَى النهروان خرج السُّلْطَان طغرلبك من بَغْدَاد لتلقيه فَلَمَّا انْتهى إِلَى السرادق قبل الأَرْض بَين يَدي الْخَلِيفَة سبع مَرَّات فَأخذ الْخَلِيفَة مخدة فوضعها بَين يَدَيْهِ فَأَخذهَا السُّلْطَان فقبلها ثمَّ جلس عَلَيْهَا وَقدم للخليفة الْحَبل الْيَاقُوت الْأَحْمَر الَّذِي كَانَ لِابْنِ بويه فَوَضعه بَين يَدَيْهِ وَأخرج اثْنَتَيْ عشرَة حَبَّة لُؤْلُؤ كبار وَقَالَ هَذَا لرسلان خاتون وَهِي أُخْته زَوْجَة الْخَلِيفَة وَكَانَت قد خرجت فِي وقْعَة البساسيري وَلَحِقت بأخيها السُّلْطَان طغرلبك تخْدم وتسأل أَن يسبح الْخَلِيفَة بِهَذِهِ المسبحة وَجعل يتَعَذَّر عَن تَأَخره عَن الحضرة فَيَقُول سَببه عصيان أخي إِبْرَاهِيم عَلَي فحاربته وقتلته وَاتفقَ موت أخي الْأَكْبَر فاشتغلت فِي تَرْتِيب أَوْلَاده فِي هَذِه الممالك وَأَنا شَاكر لمهارش بِمَا كَانَ مِنْهُ من خدمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَنا ن شَاءَ الله أمضي إِلَى هَذَا الْكَلْب البساسيري وأعود إِلَى الشَّام وأفعل بِصَاحِب مصر مَا يَنْبَغِي أَن يجازي بِهِ من سوء الْمُقَابلَة بِمَا كَانَ من فعله هَهُنَا فَدَعَا لَهُ الْخَلِيفَة وشكره على ذَلِك كل ذَلِك بتوجيه الْوَزير عبد الْملك الكندري بَين الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان وَأعْطى الْخَلِيفَة السُّلْطَان سَيْفا كَانَ لم يبْق مَعَه من أُمُور الْخلَافَة سواهُ ودخلَ الخليفةُ بَغْدَاد يومَ الخميسِ لخمسِ بَقينَ من ذِي القعدةِ وَكَانَ ذَلِك يومَاً مشهوداً الْجَيْش كُله مَعَهُ والقضاة والأعيان بَين يَديهِ وَالسلطان آخذ بلجام بغلته حَتَّى وصل إِلَى بَاب الْحُجْرَة وَلما وصل الْخَلِيفَة إِلَى دَار مَمْلَكَته ومقر خِلَافَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 اسْتَأْذن السُّلْطَان طغرلبك فِي الْخُرُوج وَرَاء البساسيري فَأذن لَهُ وَكَانَ قد عزم على أَن يمْضِي مَعَه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا أكفيك وَأطلق لمهاوش عشرَة آلَاف دِينَار وَلم يرض وَشرع السُّلْطَان فِي تَرْتِيب الجيوش وَرَاء البساسيري فَأرْسل جَيْشًا من نَاحيَة الْكُوفَة ليمنعوه من الدُّخُول إِلَى الشَّام وَخرج هُوَ فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر ذِي الْحجَّة فِي بَقِيَّة الْجَيْش وَأما البساسيري فَإِنَّهُ مُقيم بواسط فِي جمع غلات وتمور يتهيأ لقِتَال أهل بَغْدَاد وَمن فِيهَا وَعِنْده أَن السُّلْطَان طغرلبك وَمن مَعَه لَيْسُوا بِشَيْء يخَاف مِنْهُم وَذَلِكَ لما يُريدهُ الله من إهلاكه على يَد السُّلْطَان جزاه الله عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خيرا وَلما سَار السُّلْطَان وَقد وصلت إِلَيْهِ السّريَّة الأولى فَلَقوهُ بِأَرْض وَاسِط فَالْتَقوا هُنَاكَ فَانْهَزَمَ أَصْحَاب البساسيري وَنَجَا بِنَفسِهِ على فرسه فَتَبِعَهُ بعض الغلمان فَرمى فرسه بنشابة فألقته إِلَى الأَرْض وَجَاء وضربه على وَجهه وَلم يعرفهُ وَأَخذه وَاحِد من الْجَيْش يُقَال لَهُ كشتكين فحز رَأسه وَحمله إِلَى السُّلْطَان وَأخذت الأتراك من جَيش البساسيري من الْأَمْوَال والذخائر مَا عجزوا عَن حمله وَلما وصل الرَّأْس إِلَى السُّلْطَان أَمر أَن يذهب بِهِ إِلَى بَغْدَاد وَأَن يرفع على قناة وَأَن يُطَاف بِهِ والدباب والبوقات والنفاطون مَعَه فَفعل ذَلِك وَخرج النَّاس وَالنِّسَاء وَالصبيان للفرجة عَلَيْهِ ثمَّ نصب على الطيار تجاه دَار الْخلَافَة وَالله الْحَمد والْمنَّة وَكَانَ مَعَ البساسيري خلق من البغاددة خَرجُوا ظانين أَنه سيعود إِ ليها محبَّة فِيهِ فهلكوا ونهبت أَمْوَالهم كلهَا وَلم ينج من أَصْحَابه إِلَّا الْقَلِيل وَأما الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ لما عَاد إِلَى دَار الْخلَافَة جعل لله عَلَيْهِ أَلا ينَام وطاء وَلَا يَأْتِيهِ أحد بطعامه إِذا كَانَ صَائِما وَلَا يَخْدمه فِي وضوئِهِ وغسله بل يتَوَلَّى ذَلِك كُله بِنَفسِهِ وَعَاهد الله أَلا يُؤْذِي أحدا مِمَّن آذاه وَأَن يصفح عَمَّن ظلمه وَكَانَ يَقُول مَا عَاقَبت من عصى الله فِيك بِأَكْثَرَ من أَن تطيع الله فِيهِ انْتَهَت وقْعَة اليساسيري بكمالها وأحببت إيرادها لِأَنَّهَا من أعظم الوقائع وَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 تخل من فَائِدَة وَيُقَال إِن الْمُسْتَنْصر هَذَا أحسن السِّيرَة وَالْعدْل لما احتفظ بتدبير المملكة وَذكروا أَنه كتب على رقْعَة من // (السَّرِيع // (أصْبحْتُ لاَ أرْجُو وَلاَ أتَّقِي ... إِلا إِلَهِى ولَهُ الْفَضْلُ) (جدِّى نبِيِّى وإِمامِى أبِي ... وقوْلِى التَّوْحِيدُ وَالْعدْل) المَال مَال الله وَالْعَبِيد عبيد الله وَالعطَاء خير من الْمَنْع {وَسَيعلمُ اَلذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبِ يَنقَلِبوُن} الشُّعَرَاء 227 وَفِي أَيَّامه احْتَرَقَ دمشق سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة قلت البساسيري هَذَا اسْمه أرسلان ويلقب أَبَا الْحَارِث وَهُوَ من التّرْك وَكَانَ من مماليك بهاء الدولة ابْن عضد الدولة الديلمي وَكَانَ أَولا مَمْلُوكا لرجل من أهل مَدِينَة بسا بِالْبَاء العجمية بأصبهان فنسب إِلَى ذَلِك الرجل الْمَنْسُوب إِلَى تِلْكَ الْمَدِينَة فَقيل لَهُ البساسيري ثمَّ كَانَ مقدما كَبِيرا عِنْد الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله لَا يقطع أمرا دونه وخطب لَهُ على مَنَابِر الْعرَاق كلهَا ثمَّ طَغى وبغى وتمرد وعتا وَخرج على الْخَلِيفَة بل وعَلى الْمُسلمين ودعا إِلَى خلَافَة الفاطميين ليتم لَهُ مَا رامه من الأمل الْفَاسِد وَكَانَت وَفَاته سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَت وَفَاة الْمُسْتَنْصر يَوْم الْخَمِيس لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ قَامَ من بعده أَحْمد الملقب بالمستعلي المكنى بِأبي الْقَاسِم بُويِعَ بعد موت أَبِيه الْمُسْتَنْصر وسنه نَيف وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ الْقَائِم بتدبير ملكه أَمِير الجيوش الْأَفْضَل شاهنشاه ابْن أَمِير الجيوش بدر الجمالي وَقد كَانَ عهد أَبوهُ إِلَى وَلَده الآخر نزار فخلعه الْأَفْضَل فقاتله نزار فَهَزَمَهُ الْأَفْضَل وَأسر القَاضِي ونزار فَقتل القَاضِي وَحبس نزار حَتَّى مَاتَ وَاسْتقر المستعلي فِي الْخلَافَة وَكَانَ عمره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 إِحْدَى وَعشْرين سنةَ وَفِي أَيَّامه استولت الفرنج على سواحل أهل الشَّام وَبَيت الْمُقَدّس واضمحل أَمر الفاطميين وَلم يبْق لَهُم من الْخلَافَة إِلَّا الِاسْم وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث صفر سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ قَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه مَنْصُور الملقب بالآمر بِأَحْكَام الله ابْن المستعلي ابْن الْمُسْتَنْصر الفاطمي العبيدي أَبُو عَليّ الاخبيث الرافضي بُويِعَ بعد موت أَبِيه وَتَوَلَّى تَدْبِير مَمْلَكَته شاهنشاه فَلَمَّا كبر جازاه بِالْقَتْلِ وَأقَام عوضه فِي الوزارة الْمَأْمُون البطائحي صَاحب جَامع الْأَقْمَر بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَقَتله وصلبه أَيْضا وَاسْتمرّ الْآمِر إِلَى أَن مَاتَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة أَربع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَكَانَت مدَّته سبعا وَعشْرين سنة وَتِسْعَة أشهر وَلم يعقب وَسبب مَوته أَنه مر على الجسر من الرَّوْضَة عِنْد خُرُوجه إِلَى الجزيرة تجاه مصر فَوَثَبَ عَلَيْهِ تِسْعَة فضربوه بالسكاكين حَتَّى إِن أحدهم وثب وَركب خَلفه ثمَّ حمل جريحاً إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ قَامَ من بعده ابْن عَمه عبد الْمجِيد الملقب بِالْحَافِظِ لدين الله بن مُحَمَّد بن الْمُسْتَنْصر المكنى أَبَا الهول بُويِعَ بعد قتل الْآمِر ودام إِلَى أَن مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة واستوزر فِي أَيَّامه أَحْمد بن الْأَفْضَل شاهنشاه بن بدر الجمالي ولقب أَمِير الجيوش كأبيه وجده وَكَانَت الْأُمُور قبل ولَايَة الْحَافِظ اضْطَرَبَتْ لمَوْت الْآمِر عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 غير ولد وَكَانَ الْحَافِظ كثير الْمَرَض بِالرِّيحِ القولنج فَعمل لَهُ الْحَكِيم الْمُسَمّى سرماه طبلاً للقولنج الَّذِي وجد بعد فِي خَزَائِن الفاطميين لما ملك السُّلْطَان صَلَاح الدّين مصر وَكَانَ هَذَا الطبل مركبا من الْمَعَادِن السَّبْعَة فِي أَشْرَافهَا وَكَانَ من خاصية هَذَا الطبل إِذا ضرب بِهِ أحد خرج مِنْهُ تِلْكَ الرّيح الْمَذْكُورَة فَلَمَّا وجد فِي الخزائن ضرب بِهِ بعض الأجناد الأجلاف فَخرج مِنْهُم ريح فَغَضب وَضرب بِهِ الأَرْض فَكَسرهُ فبطلت تِلْكَ الخاصية فندم السُّلْطَان صَلَاح الدّين لذَلِك غَايَة النَّدَم وَفِي أَيَّام الْحَافِظ هَذَا ابتذلت الْخلَافَة حَتَّى لم يبْق لَهُ من الحكم لَا قَلِيل وَلَا كثير وَكَانَت مدَّته تسع عشرَة وَسَبْعَة أشهر ثمَّ قَامَ من بعده ابْنه إِسْمَاعِيل الملقب بالظافر ابْن عبد الْمجِيد بن مُحَمَّد بن الْمُسْتَنْصر الفاطمي العُبيدي صَاحب الْجَامِع الظافري الْمَعْرُوف بِجَامِع الفاطميين دَاخل الْقَاهِرَة بُويِعَ بعد موت أَبِيه وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة وَأشهر وَكَانَ يهودى نصرا ابْن وزيره الْعَبَّاس وينادمه فَينزل الظافر لَهُ خُفْيَة وينام عِنْده فَتكلم النَّاس فِي ذَلِك فَبلغ الْعَبَّاس ذَلِك فوبخ ابْنه بِمَا سمع من كَلَام النَّاس فَلَمَّا نزل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة فِي بعض اللَّيَالِي على عَادَته وَمَعَهُ خَادِم وَاحِد ونام قَامَ نصر إِلَيْهِ فَقتله وَرمى بِهِ فِي بِئْر وَعرف أَبَاهُ الْوَزير بذلك فَلَمَّا أصبح الْوَزير توجه إِلَى بَاب الْقصر كَأَنَّهُ لم يعلم بِمَا وَقع فَطلب الْخَلِيفَة على الْعَادة فَقَالَ لَهُ خَادِم الْقصر ابْنك نصر يعرف أَيْن هُوَ فَقَالَ لَهُ الْوَزير مَا لِابْني علم ثمَّ أحضر الْعَبَّاس أَخَوَيْنِ للظافر وَابْن أَخِيه وقتلهم صبرا بَين يَدَيْهِ ثمَّ أحضر أَعْيَان الدولة وَقَالَ لَهُم إِن الظافر قد ركب البارحة فِي مركب فَانْقَلَبَ بِهِ وغرق وَقَامَ وَدخل إِلَى الْحَرِيم وَأخرج عِيسَى بن الظافر وَبَايَعَهُ ولقبه بالفائز وتفرق النَّاس عَن الْوَزير لما عرفُوا أَمر الظافر وطالبوه بِدَم الْخَلِيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 وَكَانَت مُدَّة الظافر أَربع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام وَأرْسل النِّسَاء يستغثن بطلائع بن رزيك وَكَانَ إِذْ ذَاك بِدِمَشْق مُتَوَلِّي منية ابْن الخصيب فَجمع طلائع عسكره وَقصد عباساً الْوَزير فَبَلغهُ فَجمع عَبَّاس مَا قدر على جمعه من الْجَوَاهِر وَالْأَمْوَال وَخرج نَحْو الشَّام فَخرج عَلَيْهِ الفرنج فِي الطَّرِيق فأسروه وَأخذُوا أَمْوَاله وَتَوَلَّى طلائع وزارة مصر وَأرْسل فبذل للفرنج مَالا عَظِيما وَأخذ عباساً مِنْهُم وَقَتله وصلبه على بَاب الْقصر وتلقب بِالْملكِ الصَّالح وَهُوَ صَاحب جَامع بَاب الزويلة وَكَانَ قتل الظافر سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة ثمَّ قَامَ من بعده ابْنه عِيسَى الملقب بالفائز بن الظافر بن الْحَافِظ بن مُحَمَّد بن الْمُسْتَنْصر بُويِعَ بعد قتل أَبِيه وَهُوَ صبي وَأُصِيب بالرجفة لما أخرجه الْوَزير عَبَّاس من الْحَرِيم على كتفه لِلْبيعَةِ وَهُوَ ابْن سنتَيْن أَو أَربع وَذَلِكَ أَنه لما رأى أَعْمَامه قَتْلَى فزع واضطرب ودام بِهِ ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر رَجَب سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة وَهُوَ ابْن عشر سِنِين تَقْرِيبًا قَالَ فِي الْبِدَايَة وفيهَا يَعْنِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة تولى الفائز بنصر الله أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن إِسْمَاعِيل الظافر ثمَّ كَانَت وَفَاته فِي صفر وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وَمُدَّة ولَايَته من ذَلِك سِتّ سِنِين وشهران وَكَانَ مُدبر دولته أَبُو الغارات ثمَّ قَامَ من بعده عبد الله الملقب بالعاضد لدين الله بن يُوسُف بن الْحَافِظ وَلم يكن أَبوهُ خَليفَة وَكَانَ يَوْمئِذٍ قد ناهز الِاحْتِلَام فَقَامَ بتدبير مَمْلَكَته الْملك الصَّالح طلائع بن رزيك الْوَزير وَأخذ لَهُ الْبيعَة وزوجه بابنته وجهزها بِأَمْر عَظِيم وَقد عمرت بعد زَوجهَا العاضد وَرَأَتْ زَوَال دولة الفاطمين على يَد السُّلْطَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي الْكرْدِي فَإِن العاضد هُوَ اَخرهم وَكَانَ انْتِقَال دولتهم فِي زَمَنه وَكَانَ لما بُويِعَ ابْن إِحْدَى عشرَة سنة قَالَ فِي الأرج المسكي وَكَانَ الْقَائِم بتدبير ملكه وزيره الْملك الصَّالح طلائع ابْن رزيك وزر لَهُ بعد وَالِده ولقب بالعادل فانتزعها مِنْهُ شاور وَهُوَ الَّذِي كَانَ سَببا لخراب الديار المصرية بمباطنته الفرنج لعنهم الله وَزَوَال دولة العبيديين مِنْهَا ثمَّ بعد قتل شاور وزر لَهُ أَسد الدّين شيركُوه بن شاذي الْكرْدِي وَهُوَ عَم السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب لِأَن أَيُّوب وشيركوه أَخَوان أَبوهُمَا شاذي وَأَيوب يلقب نجم الدّين وشيركوه يتلقب أَسد الدّين فَهُوَ عَم السُّلْطَان صَلَاح الدّين فلقب شيركوه بِالْملكِ الْمَنْصُور وَأقَام شَهْرَيْن وأياماً ثمَّ مَاتَ فاستوزر العاضد السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب ولقبه بِالْملكِ النَّاصِر فَقطع الْملك النَّاصِر بعد سِنِين اسْم الْخَلِيفَة العاضد من الْخطْبَة بِمصْر وأعمالها بِأَمْر الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي بن آق سُنقر صَاحب الشَّام الْمَعْرُوف بِنور الدّين الشَّهِيد وَمَات العاضد بعد ذَلِك بأيام فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ يَوْم عَاشُورَاء سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَنَدم السُّلْطَان صَلَاح الدّين على قطعه الْخطْبَة فِي حَيَاته وَتمنى أَن كَانَ الْقطع بعد مَوته فاستولى السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن أَيُّوب على مصر وذخائرها وَاخْتلف فِي سَبَب موت العاضد فَقيل إِنَّه تفكر فِي أُمُوره فرآها فِي إدبار فَأَصَابَهُ ذَرب عَظِيم فَمَاتَ مِنْهُ وَقيل إِنَّه لما خطب لبني الْعَبَّاس بِالْقَاهِرَةِ بلغه ذَلِك فَاغْتَمَّ فَمَاتَ وَقيل إِنَّه لما أَيقَن بِزَوَال ملكه كَانَ فِي يَده خَاتم فصه مَسْمُوم فمصه فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ الذَّهَبِيّ وَكَانَ العاضد مَعَ وزرائه كالمحجور عَلَيْهِ لَا يتَصَرَّف فِي شَيْء مِمَّا يُرِيد وَهُوَ آخر مُلُوك مصر المسمين بالعبيديين الفاطميين وَكَانَت مُدَّة تملكهم مِائَتَيْنِ وثمان سِنِين فَكَانُوا لأربعة عشر مُتَخَلِّفًا لَا مستخلفاً وَقَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بالبداية كَانَ ابْتِدَاؤُهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَكَانَ مزت العاضد فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وأعيدت الْخطْبَة للمستضيء العباسي ابْن المستنجد وَفَرح الْمُسلمُونَ فَرحا شَدِيدا وَكَانَت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 الْخطْبَة قد قطعت عَن بني الْعَبَّاس من ديار مصر من سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة فِي خلَافَة الْمُطِيع العباسي قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد ألفت فِي ذَلِك كتابا سميته النَّصْر على مصر قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ وَاتفقَ أَنه لما دخل الْمعز الفاطمي مصر أرسل إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر يطْلب ألقاباً تكون عِنْده لمن يقوم بعده من أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده فَكتبت لَهُ هَذِه الألقاب الْعَزِيز الْحَاكِم بِأَمْر الله إِلَى العاضد آخِرهم والعضد فِي اللُّغَة الْقطع فَكَانَ مَعَ إِرَادَته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَاطعا لخلافتهم وَبِه انْقِرَاض ملكهم قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ وَاتفقَ أَنه لما اسْتَقر أَمر السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي مصر بِالْخطْبَةِ لبني الْعَبَّاس عَن مرسوم الْملك نور الدّين مَحْمُود بن زنكي لَهُ بذلك لمعاتبة الْخَلِيفَة المستنجد إِيَّاه قبل وَفَاته بذلك وَكَانَ إِذْ ذَاك العاضد مَرِيضا مدنفاً فَكَانَت وَفَاته يَوْم عَاشُورَاء فِي سنة سبع وَسِتِّينَ كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فَحَضَرَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين جنَازَته وَشهد عزاءه وَبكى عَلَيْهِ وتأسف وَظهر مِنْهُ حزن فقد كَانَ مُطيعًا لَهُ فِيمَا يَأْمُرهُ بِهِ وَلما مَاتَ استحوذ الْملك صَلَاح الدّين على الْقصر بِمَا فِيهِ وَأخرج أهل العاضد إِلَى دَار أفردها لَهُم وأجرى عَلَيْهِم النَّفَقَات والأرزاق الهنية والمعيشة المرضية وَكَانَ يتندم على إِقَامَته الْخطْبَة العباسية قبل وَفَاته وهلاً صَبر بهَا إِلَى مَا بعد مماته وَلَكِن كَانَ ذَلِك قدرا مَقْدُورًا وَفِي الْكتاب مسطوراً وَمِمَّا قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب فِي ذَلِك من // (المنسرح) // (تُوُفّيَ العَاضِدُ الدَّعِيُّ فَمَا ... يَفْتَحُ ذُو بِدْعَةٍ بِمِصْرَ فَمَا) (وَعَصْرُ فِرْعَوْنِهَا انْقَضَى وَغَدَا ... يُوسُفُهَا فِي الأُمُورِ مُحْتَكِمَا) (فَانْطَفَأَتْ جَمْرَةُ الفُؤَادِ وَقَدْ ... بَاخَ مِنَ الشَّرِّ كُلُّ مَا اضْطَرَمَا) (وَصَارَ شَمْلُ الصَّلاَحِ مُلْتَئِمًا ... بِهَا وَعَقفْدُ السّدَادِ مُنْتَظِمَا) (لمَّا غَدَا معلما شِعَارُ بَنِي العَبَّاسِ ... حَقَّا وَالبَاطِلُ اكْتًتِمَا) (وَبَاتَ دَاعِي التَّوْحِيدِ مُنْتَصِرًا ... وَمِنْ دُعَاةِ الْإِشْرَاكِ مُنْتَقِمَا) (فَظَلَّ أَهْلُ الضَّلاَلِ فِي ظُلَلٍ ... دَاجِيَةٍ مِنْ عَماَيَةٍ وَعَمَى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 (وَارْتَبَكَ الْجَاهِلُونَ فِي ظُلَم ... لمَّا أَضَاءَتْ مَنَابِرُ الْعُلَمَا) (وَعَادَ بِالْمُسْتَضِئِ مُمْتَهِدّاً ... بِنَاء حَقِّ قَدْ كَانَ مُنْهَدِما) (واعْتَلَتِ الدَّوْلَةُ الَّتِي اضْطُهِدَتْ ... وَانْتَصرَ الدِّينُ بَعْدَ مَا اهتُضِمَا) (وَاهْتَزَّ عِطْفُ الْإِسْلاَمِ مِنْ جَذلٍ ... وَافْتَرَّ ثَغْرُ الْإِيمَانِ مُبْتَسِمَا) (وَاسْتَبْشَرَتْ أَوْجُهُ الْهُدَى فَرَحًا ... فَلْيَقْرَعِ الْكُفْرُ سِنَّهُ نَدَمَا) (عَادَ حَرِيمُ الْأَعْدَاءِ مُنْتَهكَ الْحِمى ... وَفيْءُ الطُّغَاةِ مُقْتسَمَا) (قُصُورُ أَهْلِ القُصُورِ أَخْرَبَهَا ... عامِرُ بَيْتٍ مِنَ الْكَمَالِ سَمَا) (أُزْعِجَ بعْد السُّكُونِ سَاكِنُهَا ... وَمَاتَ ذُلاًّ وَأَنْفُهُ رَغِمَا) قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة وَقد قَالَ حسان الشَّاعِر الْمَدْعُو عرقلة من // (الْخَفِيف) // (أَصْبَحَ المُلْكُ بَعْدَ آلِ عَلِيِّ ... مُشْرِقًا بِالمُلُوكِ مِنْ آلِ شَاذِي) (وَغَدَا الشَّرْقُ يحْسُدُ الغَرْبَ لِلْقَرْمِ ... وَمِصْرٌ تَزْهُو علَى بَغْدَاذِ) (مَا حَوَوْهَا إِلاَّ بِعَزْمٍ وحزْمٍ ... وَصَليِلِ الفُولاَذِ فِي الفُولاذِ) (لاَ كَفِرْعَوْنَ وَالْعَزِيزِ وَمَنْ كَانَ ... بِها كَالْخَصِيبِ وَالْأُسْتَاذِ) وَقَوله آل عَلِي يَعْنِي الفاطميين وَلم يَكُونُوا فاطميين وَإِنَّمَا كَانُوا أدعياء ينتسبون إِلَى يهودى حداد بسليمة ثمَّ ذكر مَا ذَكرْنَاهُ من كَلَام الْأَئِمَّة فيهم وطعنهم فِي نسبهم قَالَ وَقد استقصيت الْكَلَام فِي ذَلِك فِي بعض الأحيان من الكفريات والمصائب العظميات وَقد صنف الْعلمَاء فِي الرَّد عَلَيْهِم كتبا كَثِيرَة من أجل مَا وضع فِيهِ كتاب القَاضِي الْعَلامَة إِمَام الْأَئِمَّة أبي بكر الباقلاني الَّذِي سَمَّاهُ كشف الْأَسْرَار وهتك الأستار وَمن أحسن مَا قَالَه بعض الشُّعَرَاء فِي بني أَيُّوب يمدحهم على مَا فَعَلُوهُ بِمصْر قَوْله من قصيدة من // (الطَّوِيل) // (أَلَسْتُمْ مُزِيلِي دَوْلَةِ الْكُفْرِ من بَني ... عُبَيْدٍ بِمِصْرٍ إِنَّ هَذَا هُوَ الفَضْلُ) (زَنَادِقَةٌ شِيعِيَّةٌ بَاطِنِيَّةٌ ... مَجُوسٌ وَمَا فِي الصَّالحِينَ لَهُمْ أَصْلُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 (يُسِرُّونَ كُفْرًا يُظْهِرونَ تَشَيُّعًا ... لِيَسْتتِرُوا شَيْئًا وَعَمَّهُمُ الْجَهْلُ) وَمِمَّا قيل من الشّعْر بِبَغْدَاد يبشر الْخَلِيفَة المستنجد بِاللَّه العباسي من // (الطَّوِيل) // (لِيَهْنِكَ يَا مَوْلاََيَ فَتْحٌ تَتاَبَعَتْ ... إِلَيْكَ بِهِ خُوصُ الرَّكَائِبِ تُوجَفُ) (أَخَذْت بِهِ مِصْرًا وَقَدْ حَالَ دُونهَا ... مِنَ الشِّرْكِ ناسٌ فِي لَهَا الْحَقِّ تُقْذَفُ) (فَعَادَتْ بِحمْدِ اللهِ بِاسْمِ إِمامِنَا ... تَتِيهُ عَلَى كُل الْبلاَدِ وَتَشْرُفُ) (فَلَا غَرْوَ إِنْ ذَلَّتْ لِيُوسُفَ مِصْرُهُ ... وكانتْ لَهُ عَلْيَاؤُهَا تَتشَوَّفُ) (تَمَلَّكَهَا فِي قَبْضَةِ الْكُفْرِ يُوسُفٌ ... وَخَلَّصَهَا مِنْ عُصْبةِ الفِسْقِ يُوسُفُ) (فَشَابَهَهُ خَلْقًا وخُلْقًا وَعِفَّةً ... وَكُلٌّ عَنِ الرَّحْمَنِ فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُ) (كَشَفْتَ بِها عَنْ آلِ هاشِم سُبَّةً ... وَعَارًا أََبَى إِلاَّ بِسيْفِكَ يُكْشفُ) ذكر الشَّيْخ شهَاب الدّين فِي الروضتين أَن أَبَا الْفَضَائِل الْحُسَيْن بن مُحَمَّد وَزِير ابْن هُبَيْرَة أنشدها للخليفة المستنجد وَالِد المستضيء قبل مَوته عِنْد تَأْوِيل مَنَام رَآهُ بعض النَّاس للخليفة فَأَرَادَ الشَّاعِر بِيُوسُف الثَّانِي الْخَلِيفَة المستنجد لِأَن اسْمه يُوسُف وَكَذَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره أَن هَذِه القصيدة أنشدت للمستنجد فِي حَيَاته وَلَكِن لم يُخطب بِمصْر إِلَّا لوَلَده المستضيء بن المستنجد فَجرى التَّأْوِيل باسم الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب ثمَّ إِن الْخَلِيفَة المستضيء أرسل إِلَى الْملك نور الدّين الشَّهِيد خلعة سنية وَكَذَلِكَ للْملك صَلَاح الدّين إِلَى الديار المصرية فَرفعت على أَعْلَام سود ولواء مَعْقُود ففرقت على الْجَوَامِع بِبِلَاد الشَّام وبلاد مصر فَللَّه الْحَمد على مَا صَحَّ من الْعِزّ والنصر وَكَانَ قد أجمع جمَاعَة من الدولة المصرية الفاطمية الَّذين كَانُوا حكاماً فاتفقوا فِيمَا بَينهم أَن يُعِيدُوا الدولة الفاطمية فَكَتَبُوا إِلَى الفرنج يستدعونهم إِلَيْهِم وعينوا خَليفَة من وَرَثَة الفاطميين ووزراء وأمراء وَذَلِكَ فِي غيبَة السُّلْطَان بِبِلَاد الكرك ثمَّ اتّفق مَجِيئه وَكَانَ من نِيَّة الْملك صَلَاح الدّين أَن يبْعَث أَخَاهُ تورانشَاه شمس الدّين إِلَى الْيمن فشرع عُمارةُ اليمني يذكر لَهُ الْيمن وَمَا فِيهَا من الْمصَالح والدور والمنتزهات والمغلات وَيحسن ل الْمصير إِلَيْهَا ليخف الْجَيْش بِمصْر ويضعف عَن مقاومة الفرنج إِذا قدمُوا لنصرة الفاطميين فَخرج تورنشاه وَلم يخرج مَعَه عمَارَة بل أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ يفِيض فِي هَذَا الحَدِيث وَيدخل الْمُتَكَلِّمين فِيهِ وَكَانَ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 أكَابِر الدعاة إِلَيْهِ والمحرضين عَلَيْهِ هَذَا وَقد أدخلُوا مَعَهم فِي هَذَا الْأَمر بعض من ينتسب إِلَى الْملك النَّاصِر وَذَلِكَ من قلَّة عُقُولهمْ وَكَثْرَة جهلهم فخانهم أحْوج مَا كَانُوا إِلَيْهِ وَهُوَ الشَّيْخ زيد الدّين عَليّ بن نجا الْوَاعِظ فجَاء إِلَى السُّلْطَان وَأخْبرهُ بِمَا تمالأ عَلَيْهِ الْقَوْم وَمَا انْتهى أَمرهم إِلَيْهِ فَأطلق لَهُ السُّلْطَان أَمْوَالًا جزيلة وأفاض عَلَيْهِ خلعا جملَة ثمَّ استدعاهم السُّلْطَان وَاحِدًا وَاحِدًا فقررهم فأقروا لَهُ بذلك فاعتقلهم ثمَّ استفتى الْعلمَاء فِي أَمرهم فأفتوا بِقَتْلِهِم وتبديد شملهم فَعِنْدَ ذَلِك أَمر بهم فَصَلبَتْ رُءُوسهم وأعيانهم دون أتباعهم وغلمانهم وَأمر بِنَقْل من بَقِي من جَيش العنيديين إِلَى أقاصي الْبِلَاد وَقد كَانَ عمَارَة هَذَا معاديَاً للْقَاضِي الْفَاضِل فَلَمَّا حضر بَين يَدي السُّلْطَان قَامَ القَاضِي الْفَاضِل فَاجْتمع بالسلطان ليشفع فِيهِ فَتوهم عمَارَة أَنه تكلم فِيهِ فَقَالَ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان لَا تسمع مِنْهُ فَغَضب القَاضِي الْفَاضِل ونهض وَخرج من الْقصر فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان إِنَّه كَانَ قد شفع فِيك فندم عمَارَة ندماً عَظِيما وَلما ذهب بِهِ ليصلب اجتاز بدار القَاضِي الْفَاضِل فَطَلَبه فتغيب عَنهُ فَأَنْشد عِنْد ذَلِك قَائِلا من // (الرجز) // (إِنَّ الْخَلاصَ هُوَ الْعَجَبْ ... عَبْدُ الرَّحِيمِ قَدِ احْتَجَبْ) قَالَ ابْن أبي طي وَكَانَ الَّذين صلبوا الْفضل بن كَامِل القَاضِي وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم هبة الله ابْن عبد الله بن كَامِل قَاضِي قُضَاة الديار المصرية زمن الفاطميين ويلقب بفخر الْأُمَنَاء وَهُوَ أول من صُلب وَقد كَانَ ينْسب إِلَى فَضِيلَة وأدب وَله شعر رائق مِنْهُ فِي غُلَام رفاء من // (مخلع الْبَسِيط) // (يَا رَافِيًا خَرْقَ كُلِّ ثَوْبٍ ... وَيَا رَشًا حُبُّهُ اعْتِقادِي) (عَسَى بِكَفِّ الوِصَالِ ترْفُو ... مَا مَزَّقَ الهَجْرُ مِنْ فُؤَادِي) وَابْن عبد الْقوي دَاعِي الدعاة وَكَانَ يعلم بدقائق الْقَصْد فَعُوقِبَ ليعلم بهَا فَامْتنعَ من ذَلِك فَمَاتَ واندرست وشريا كَاتب السِّرّ وَعبد الصَّمد أحد أُمَرَاء المصريين ونجاح الحمامي رجل منجم نَصْرَانِيّ كَانَ قد بشرهم بِأَن هَذَا الْأَمر يتم بِعلم النجوَم وَعمارَة اليمني هَذَا وَقد كَانَ شَاعِرًا مطبقاً بليغاً فصيحاً لَا يُلحق فِي هَذَا الشَّأْن وَله ديوَان مَشْهُور ذكره ابْن السُّبْكِيّ فِي طبقاته وَله فِي الفاطميين ووزرائهم وأمرائهم مدائح كَثِيرَة جدا وَأَقل مَا نسب إِلَى الرَّفْض وَقد اتهمَ بَاطِنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 بالْكفْر الْمَحْض وَله مُصَنف فِي الْفَرَائِض وَكتاب الوزراء الفاطميين وَكتاب جمع فِيهِ سيرة نَفسه وَكَانَ أديباً فَاضلا فَقِيها فصيحاً وَذكر الْعِمَاد الْكَاتِب فِي الخريدة أَنه قَالَ فِي قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا من // (الْبَسِيط) // (أَلْعِلْمُ مُذْ كَانَ مُحْتَاجٌ إِلى الْعَلمِ ... وَشَفْرَةُ السَّيْفِ تَسْتغًنِي عَنِ الْقَلَمِ) وَهِي طَوِيلَة قَالَ فِيهَا أَيْضا (قَدْ كَانَ أَوَّلُ هَذَا الدِّينِ مِنْ رَجُلٍ ... سَعَى إِلَى أَنْ دَعَوْهُ سَيِّدَ الْأُمَمِ) قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب فَأفْتى عُلَمَاء مصر بِكُفْرِهِ وَقَتله وحرضوا السُّلْطَان على الْمثلَة بِمثلِهِ قَالَ وَيجوز أَن يكون الشّعْر مَعْمُولا عَلَيْهِ كَذَا قَالَه الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ أَقُول سُبْحَانَ الله كَيفَ هَذَا الْإِفْتَاء بالْكفْر وَالْحَال أَن هَذَا اللَّفْظ لَيْسَ ظاهرَاً فِيمَا يُوجب الْكفْر فضلا عَن أَن يكون نصا إِذْ قَوْله سعى يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ سَعْيه فِي إبلاغ دين الله وَعرضه نَفسه على الْقَبَائِل وَصَبره على مَا لاقاه من أَذَى قُرَيْش وَغَيرهم وجهاده فِي إعلاء كلمة الله وإعلانها وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر ظهوراً بَينا وَالْمَطْلُوب والمتعين الْحمل عَلَيْهِ إِذْ الْإِيمَان والعصمة ثابتان لَهُ قبل ذَلِك بِلَا شكّ فعندي فِي هَذَا التفكير تفكير انْتهى وَمِمَّا أورد لَهُ ابْن السَّاعِي قَوْله يمدح بعض الْمُلُوك من // (الْكَامِل) // (مَلِكٌ إِذَا قَابَلْتُ بِِشْرَ جَبِينِهِ ... فَارَقْتُهُ والبِشْرُ فَوْقَ جبِينَي) (وَإِذَا لَثَمْتُ يَمِينَهُ وخَرَجْتُ مِنْ ... أَبْوَابِهِ لَثَمَ المُلُوكُ يَمِينِي) وَمِمَّا وجد من شعر عمَارَة يرثي العاضد الفاطمي ودولته وأيامه // (من الْكَامِل) // (أَسَفِي عَلَى زَمَنِ الْإِمَامِ الْعَاضِدِ ... أَسَفَ العَقيِم علَى فِرَاقِ الوَاحِدِ) (جَالسْتُ مِنْ وُزَرَائِهِ وَصَحِبْتُ مِنْ ... أُمَرَائِهِ أَهْلَ الثَّنَاءِ الخَالِدِ) (لَهَفِى عَلَى حُجُرَاتِ قَصْرِكَ إِذْ خَلتْ ... يَا ابْنَ النَّبِيِّ مِنِ ازْدِحَامِ الوَافِدِ) (وَعَلى النَّوَازِلِ مِنْ عسَاكِرِكَ الَّتِي ... كَانَتْ كَأَمْوَاجِ الخَِمِّ الرَّاكِدِ) (قُلِّدتَّ مُؤْتَمَنَ الخِلاَفةِ أَمْرَهُمْ ... فَكَبَا وَقَصَّرَ عَنْ صَلاَحِ الْفَاسِدِ) (فَعَسَى اللَّيَالِي أَنْ تَرُدَ عَلَيْكُمُ ... مَا عَوَّدَتْكُمُ مِنْ جَمِيلِ عَوَائِدِ) وِله من قصيدة فِيهِ من // (الْبَسِيط) // (يَا عَذِلِي فِي هَوىَ أَبْنَاءِ فَاطِمَةٍ ... لَكَ المَلاَمَةُ إِنْ قَصَّرْتَ فِي عَذَلِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 (باللَّهِ زُرْ سَاحَةَ الْقَصْرَيْنِ وَابْكِ مَعِي ... علَيْهِمَا لاَ عَلَى صِفِّينَ وَالْجَمَلِ) (وَقُلْ لِأَهْلِهِمَا وَاللَّهِ مَا الْتَحَمَتْ ... فِيكُمْ قُرُوحِي وَلاَ جُرْحِي بِمُنْدَمِلِ) (مَاذَا تُرَى كَانَتِ الْإِفْرنْجُ فَاعِلةً ... فِي نَسْلِ آلِ أَمِيرِ المُؤْمِنينَ عَلي) وَقد أورد الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة فِي الروضتين من أشعار عمَارَة هَذَا ومدائحه فِي الْخُلَفَاء الفاطميين وذويهم شَيْئا كثيرا فَمن ذَلِك قَوْله من // (الْبَسِيط) // (لِي فِي هَوَى الرَّشَإِ الْعُذْرِيِّ أَعْذَارُ ... لَمْ يَبْقَ لِي مُذْ أَقرَّ الدَّمْعُ إِنْكَارُ) (لِي فِي الْقُدُودِ وَفِي لَثْمِ الخُدُودِ وَفِي ... ضَمِّ النهوَدِ لُبَانَاتُ وَأَوْطَارُ) (هَذَا اخْتِيَارِي فَوَافِقْ إِنْ رَضِيتَ بِهِ ... أَوْ لاَ فَدَعْنِي وَمَا أَهْوَى وَأَخْتَارُ) وَمِمَّا أنْشد الشَّيْخ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ فِي عمَارَة حِين صلب قَوْله // (من الطَّوِيل) // (عمَارَةُ فِي الإِسْلاَمِ أَبْدَى خِيَانَةً ... وَبَايَعَ فيهَا بَيْعَةً وَصَلِيبَا) (وَأَمْسَى شَريكَ الشِّرْكِ فِي بُغْضِ أَحْمَدٍ ... فَأَصْبَحَ فِي حُبِّ الصليِبِ صَلِيبَا) ) وَكَانَ خَبِيثَ الْمُلْتَقَى إِنْ عَجَمْتَهُ ... تَجِدْ مِنْهُ عُودًا فِي الثِّقَافِ صَلِيبَا) (سَيَلْقَى غَدًا مَا كَانَ يَسْعَى لأَجْلِهِ ... وَيُسْقَى صَدِيدًا فِي لَظًى وَصلِيبَا) قلت الأول صَلِيب النَّصَارَى وَالثَّانِي بِمَعْنى مصلوب وَالثَّالِث بِمَعْنى الْقوي وَالرَّابِع بِمَعْنى ودك الْعِظَام وَلما صلب الْملك النَّاصِر هَؤُلَاءِ بَين القصرين فِي الْقَاهِرَة وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْم السبت الثَّامِن من شهر رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة كتب إِلَى الْملك نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود بن زنكي يُعلمهُ بذلك وَمَا وَقع بهم من الخزي والنكال فوصل الْكتاب بذلك الْأَمر يَوْم توفّي الْملك نور الدّين الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) (الْبَاب الرَّابِع) (فِي الدولة الأيوبية السُّنِّيّةِ السَّنيّة) هم أَصْحَاب الفتوحات الجليلة الجلية الكاشفون عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين كل كربَة وبلية قَالَ ابْن السُّبْكِيّ رَحمَه الله كَانَ ابْتِدَاء دولتهم وملكهم سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَقَالَ السَّيِّد السَّمرقَنْدِي فِي تحفة الطَّالِب سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة (السَّبَب فِي توردهم الديار المصرية) قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ وَغَيره لما كَانَت سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة قدم شاور بن مجبر أَبُو شُجَاع السَّعْدِيّ الملقب بأمير الجيوش وَهُوَ إِذْ ذَاك وَزِير الديار المصرية بعد آل رزيَّك لما قتل النَّاصِر رزيَّك بن صَالح بن رزيَّك وَقَامَ فِي الوزارة بعده يَعْنِي وزارة العاضد العبيدي واستفحل أمره فِيهَا فَسَار عَلَيْهِ أَمِير يُقَال لَهُ الضرغام بن سوار وَجمع لَهُ جموعاً كَثِيرَة وستظهر عَلَيْهِ وَقتل ولديه واستوزر العاضد بعده ضرغام بن سوار الْمَذْكُور ولقب بالمنصور فَخرج شاور من الديار المصرية هَارِبا من العاضد وضرغام ملتجئاً إِلَى نور الدّين مَحْمُود بن زنكي أَمِير الشَّام من جِهَة السلجوقي فِي الديار المصرية فَأرْسل مَعَه نور الدّين جَيْشًا عَلَيْهِم أَسد الدّين شيركوه بن شاذي عَم السُّلْطَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي فَلَمَّا دخلُوا مصر خرج إِلَيْهِم الْجَيْش الَّذِي بهَا فَاقْتَتلُوا أَشد الْقِتَال فَهَزَمَهُمْ أَسد الدّين وَقتل مِنْهُم خلقا وَقتل ضرغام بن سوار وطيف بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَاد وَاسْتقر شاور فِي الوزارة ثمَّ اصْطلحَ العاضد هُوَ وشاور وَفِي هَذِه السّنة الْمَذْكُورَة كَانَت وَفَاة مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور أبي جَعْفَر الْأَصْفَهَانِي الملقب بالجمال وَزِير صَاحب الْموصل قطب الدّين بن مودود بن زنكي وَهُوَ ابْن أخي مُحَمَّد بن زنكي بن آق سنقر السلجوقي الْمَذْكُور كَانَ هَذَا الْجمال الْأَصْفَهَانِي كثير الْمَعْرُوف وَالصَّدقَات وَله آثَار حَسَنَة ب مَكَّة وَالْمَدينَة من ذَلِك أَنه سَاق عينا إِلَى عَرَفَات وَعمل هُنَالك مصانع وَبنى مَسْجِد عَرَفَات ودرجه وَأحكم أَبْوَاب الْحرم وَبنى مَسْجِد الْخيف وَبنى الْحجر وزخرف الْكَعْبَة وأذهبها وعملها بالرخام وَبنى على الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة سوراً وَبنى جِسْرًا على دجلة عِنْد جَزِيرَة ابْن عمرَ بِالْحجرِ المنحوت وَالْحَدِيد والرصاص وَبنى ربطاً كَثِيرَة وَكَانَ يتَصَدَّق كل يَوْم على بَابه بِمِائَة دِينَار ويفتدي من الأساري كل سنة بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَلَا تزَال صدقاته وافدة إِلَى الْفُقَهَاء والفقراء حَيْثُ كَانُوا وَلما مَاتَ دفن فِي رِبَاط بناه لنَفسِهِ بالموصل وَقد كَانَ بَينه وَبَين أَسد الدّين شيركوه الْمَذْكُور مؤاخاة وعهد أَيهمَا مَاتَ قبل الآخر أَن يحملهُ إِلَى الْمَدِينَة فاستأجر لَهُ أَسد الدّين رجَالًا فنقلوه إِلَيْهَا فَمَا مروا بِهِ فِي بَلْدَة إِلَّا صلى عَلَيْهِ أَهلهَا وترحموا وأثنوا عَلَيْهِ خيرا فَصلي عَلَيْهِ ب الْموصل وتكريت وبغداد والحلة والكوفة وَمَكَّة وطيف بِهِ حول الْكَعْبَة ثمَّ نقل إِلَى الْمَدِينَة المشرفة فَدفن برباط بناه شَرْقي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَابْن السَّاعِي وَلَيْسَ بَينه وَبَين حرم رَسُول الله سوى مِقْدَار خَمْسَة عشر ذِرَاعا قَالَ ابْن السَّاعِي لما صليَ عَلَيْهِ بالحلة صَعِدَ شَاب على نشز فَأَنْشد من الطَّوِيل (سرَى نَعْشُهُ فَوْقَ الرِّقَابِ وطَالَما ... سَرَى جُودُهُ فَوْقَ الرِّكَابِ ونَائِلُهْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 (يَمُرُّ عَلَى الوَادِي فَتُثْنِي رِمَالُهُ ... علَيْهِ وبِالنِّادِي فَتُثْنِي أَرَامِلُهْ) رَجعْنَا إِلَى سيرة شاور والعاضد وَأسد الدّين لما اصْطلحَ شاور مَعَ العاضد استمرا على دَخَن فَلَمَّا كَانَت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة طغت الفرنج بالديار المصرية وتحكموا فِي إيوانها وسكنها أَكثر شجعانهم وَلم يبْق شَيْء من أَن يستحوذوا عَلَيْهَا ويخرجوا مِنْهَا أَهلهَا الْمُسلمين وَذَلِكَ بِسَبَب مَا قَرَّرَهُ لَهُم شاور على مصر كل عَام بِأَلف ألف دِينَار وَأَن تكون لَهُم بهَا شحنة فَلَمَّا سمع الفرنج بذلك طمعوا فِي أَخذهَا بِالْأَصَالَةِ فركبت أمدادهم من كل نَاحيَة وَسَارُوا فَأول مَا أخذُوا مَدِينَة بلبيس فَقتلُوا خلقا وأسروا آخَرين فَأمر الْوَزير شاور بإحراق مصر وَأَن ينْتَقل النَّاس إِلَى الْقَاهِرَة فنهبت الْبَلَد وَبقيت النَّار تعْمل فِي مصر أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا فَعِنْدَ ذَلِك أرسل الْخَلِيفَة العاضد لدين الله إِلَى الْملك نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود بن زنكي يستغيث بِهِ وَبعث إِلَيْهِ بشعور نِسَائِهِ يَقُول لَهُ أدركني واستنقذ نسَائِي من يَد الفرنج وَالْتزم لَهُ بِثلث خراج مصر على أَن يكون أَسد الدّين شيركوه مُقيما عِنْدهم بِمصْر وَلَهُم إقطاعات زَائِدَة على الثُّلُث فشرع نور الدّين فِي تجهيز الجيوش إِلَى الديار المصرية فَلَمَّا استشعر الْوَزير شاور بوصول الْمُسلمين أرسل إِلَى ملك الإفرنج يَقُول قد عرفت محبتي ومودتي ولكِن العاضد والمسلمون لَا يوافقوني على تَسْلِيم الْبَلَد واستدعي نور الدّين الشَّهِيد الْأَمِير أَسد الدّين شيركوه فقدمه على العساكر الَّتِي قد جهزها إِلَى الديار المصرية وأضاف إِلَيْهِ جملَة من الْأُمَرَاء والأعيان وَكَانَ فِي جُمْلَتهمْ ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي وأضاف إِلَيْهِ سِتَّة آلَاف من التركمان فَلَمَّا وصلت الجيوش النورية إِلَى الديار المصرية وجدوا الفرنج قد انشمروا عَن الْقَاهِرَة بالصفقة الخاسرة فَدخل الْأَمِير أَسد الدّين على العاضد وخلع عَلَيْهِ خلعة سنية فلبسها وَعَاد إِلَى مخيمه بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَخرجت وُجُوه النَّاس إِلَى مخيم أَسد الدّين خدمَة لَهُ وَكَانَ مِمَّن خرج إِلَه الْخَلِيفَة العاضد متنكراً فَأسر إِلَيْهِ أموراً مهمة مِنْهَا قتل الْوَزير شاور وَقرر مَعَه ذَلِك وَعظم أَمر الْأَمِير أَسد الدّين بِمصْر وَلم يقدر الْوَزير شاور على منع شَيْء من ذَلِك لِكَثْرَة من مَعَ أَسد الدّين من الْجَيْش وَلَكِن شرع يماطل فِيمَا كَانَ تقرر لَهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 وللملك نور الدّين مِمَّا كَانَ الْتَزمهُ لَهُم وَهُوَ مَعَ ذَلِك يتودد إِلَى الْأَمِير أَسد الدّين ويركب مَعَه وعزم على فعل ضِيَافَة لَهُ فَنهى أَسد الدّين وَأَصْحَابه عَن الْحُضُور عِنْده خوفًا عَلَيْهِ من غائلته وشاوروه فِي قتل شاور فَلم يُمكنهُم الْأَمِير أَسد الدّين من ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام جَاءَ شاور إِلَى منزل أَسد الدّين فَوَجَدَهُ قد ذهب إِلَى زِيَارَة قبر الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِذا ابْن أَخِيه الْملك صَلَاح الدّين يُوسُف هُنَالك فَأمر صَلَاح الدّين بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَلم يُمكنهُ قَتله إِلَّا بعد مُشَاورَة عَمه أَسد الدّين فَانْهَزَمَ أَصْحَاب شاور فأعلموا العاضد لَعَلَّه يبْعَث من ينقذه فَأرْسل العاضد إِلَى الْأَمِير أَسد الدّين يطْلب رَأس شاور فَقتله يُوسُف وَأرْسل بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ ففرح الْمُسلمُونَ بذلك وَأمر أَسد الدّين بِنَهْب دَار شاور فنهبت وَدخل على العاضد فاستوزره وخلع عَلَيْهِ خلعة عَظِيمَة ولقبه الْملك الْمَنْصُور فسكن دَار شاور وَعظم شَأْنه هُنَالك قلت وَهَذَا الْوَزير شاور هُوَ أول من استكتب القَاضِي الْفَاضِل استدعي بِهِ من الْإسْكَنْدَريَّة فحظي عِنْده وانحصرت فِيهِ الْكِتَابَة لما رَأَوْا فَضله وفضيلته وَمِمَّا قَالَه عمَارَة اليمني فِي شاور قَوْله من الْكَامِل (ضَجِرَ الحَدِيدُ مِنَ الحَدِيدِ وشَاورٌ ... فِي نَصْرِ آلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَضْجَرِ) (حَلَفَ الَّزمَانُ ليَأْتِيَنَّ بِمِثْله ... حَنِثَتْ يَمِينُكَ يَا زَمَانُ فَكَفِّرِ) وَلم يزل قَائِما فِي الوزارة إِلَى أَن ثار عَلَيْهِ ضرغام بن سوار كَمَا تقدم ذكره ثمَّ كَانَ قَتله على يَد النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف وَلما اسْتَقر أَسد الدّين بِمصْر كَمَا ذكرنَا أرسل إِلَى الْقصر يطْلب كَاتبا فأرسلوا إِلَيْهِ بِالْقَاضِي الْفَاضِل وَكَانُوا قد أبغضوه أَرْسلُوهُ إِلَيْهِ رَجَاء أَن يُقتل مَعَه إِذا قتل أَسد الدّين شاور فِيمَا كَانُوا يؤملون ثمَّ إِن أَسد الدّين بعث الْعمَّال وأقطع الإقطاعات وَولى للولايات وَفَرح بِنَفسِهِ أَيَّامًا معدودات فأدركه حِمَامُهُ يَوْم السبت ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَكَانَت ولَايَته شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام فَلَمَّا توفّي أَسد الدّين أَشَارَ الْأُمَرَاء الشاميون على العاضد بتولية صَلَاح الدّين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 يُوسُف بن أَيُّوب الوزارة بعد عَمه أَسد الدّين وخلع عَلَيْهِ خلعة سنية ولقبه الْملك النَّاصِر قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة فِي كتاب الروضتين صفة الخلعة الَّتِي لبسهَا صَلَاح الدّين يَوْمئِذٍ هِيَ عِمَامَة بَيْضَاء بِطرف ذهب وثوب ديبقي بطراز الذَّهَب وجبة بطراز ذهب وطيلسان مطرز بِذَهَب وَعقد جَوْهَر بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَسيف محلى بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وحجرة من الْخَيل بِثمَانِيَة آلَاف دِينَار وَعَلَيْهَا طوق ذهب وسرفسار ذهب بجوهر وَفِي رَأسهَا مِائَتَا حَبَّة جَوْهَر وَفِي قَوَائِمهَا أَرْبَعَة عُقُود جَوْهَر وَفِي رَأسهَا قضيب ذهب وَمَعَ الخلعة عدَّة بقج وخيل ومنشور الْولَايَة فِي ثوب أطلس أَبيض وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَأقَام صَلَاح الدّين بالديار المصرية بِصفة نَائِب للْملك نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود ابْن زنكي يخْطب لَهُ على المنابر بالديار المصرية بعد الْخَلِيفَة وَقد قَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي قتل صَلَاح الدّين شاور من الطَّوِيل (هَنِيئًا لِمصْرِ حَوْزُ يوسُفَ مُلْكَهًا ... بأَمْرٍ مِنَ الرحْمَنِ قَدْ كَانَ مَوْقُوتاَ) (وَمَا كَانَ فِيها قَتْلُ يوسُفَ شاوراً ... يماثلُ إلاَّ قَتْلَ داوُدَ جَالُوتاَ) وارتفع قدر صَلَاح الدّين بَين الْعباد بِتِلْكَ الْبِلَاد واضطهد العاضد فِي أَيَّامه غَايَة الاضطهاد وَزَاد فِي إقطاعات الَّذين مَعَه فَأَحبُّوهُ وخدموه واحترموه فاستمر حَتَّى كَانَ أول جُمُعَة من سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَهِي السّنة الَّتِي توقي فِيهَا الْخَلِيفَة العاضد قبل وَفَاته أَمر بِإِقَامَة الخطية لبنى الْعَبَّاس ب مصر وَفِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة ب الْقَاهِرَة وَكَانَ ذَلِك يَوْمًا مشهوداً وَلما انْتهى الْخَبَر بذلك إِلَى الْملك نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود بن زنكي ب الشَّام أرسل إِلَى الْخَلِيفَة يُعلمهُ بذلك مَعَ ابْن عصرون فزينت بَغْدَاد وغلقت الْأَسْوَاق وَفَرح الْمُسلمُونَ فَرحا شَدِيدا وَكَانَت الْخطْبَة عَن بني الْعَبَّاس قد قطعت من سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة فِي خلَافَة الْمُطِيع العباسي حِين تغلب الفاطميون وَهن الْمُسلمُونَ بالعُبَيديين على مصر وملكها مِنْهُم الْمعز الفاطمي باني الْقَاهِرَة والقصرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 إِلَى هَذَا الأوان وَهُوَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَذَلِكَ مِائَتَا سنة وثماني سِنِين كَمَا تقدم ذكر ذَلِك قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد ألفت فِي ذَلِك كتابا سميته النَّصْر على مصر فَهَذَا هُوَ سَبَب اسْتِيلَاء الدولة الأيوبية على مصر وَالشَّام وأعمالهما وَكَانَت وَفَاة نور الدّين الشَّهِيد فِي شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فأولهم الْملك النَّاصِر (السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب) ابْن شاذي الْكرْدِي الروادي وهم خِيَار الأكراد الدويني وَمِنْهُم من يَقُول أَيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان وَزَاد بَعضهم بعد مَرْوَان ابْن يَعْقُوب وَالَّذِي عَلَيْهِ جمهورهم أَنه لَا يعرف بعد شاذي أحد من نسبهم وَأغْرب بَعضهم فَزعم أَنهم من سلالة مَرْوَان بن مُحَمَّد الْجَعْدِي آخر خلفاء بني أُميَّة وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح كَذَا قَالَه ابْن السُّبْكِيّ قلت وَالَّذِي انتسب هَذِه النِّسْبَة ادِّعَاء هُوَ الْملك أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن طغتكين ابْن أَيُّوب بن شاذي وَيعرف بِابْن سيف الْإِسْلَام لِأَن سيف الْإِسْلَام لقب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 ل طغتكين بن أَيُّوب أخي صَلَاح الدّين وَقد ملك إِسْمَاعِيل هَذَا بعد أَبِيه فتعاظم فِي نَفسه وادعي الْخلَافَة وتلقب بِالْإِمَامِ الْهَادِي بِنور الله الْمعز لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وَزعم أَنه أموي ومدحه الشُّعَرَاء وأطروه ولهجوا بذلك وَقَالَ هُوَ فِي نَفسه من الطَّوِيل (وَإنِّي أَنَا الهَادِي الْخَلِيفَةُ والذِي ... أَدُوسُ رِقَابَ الغلبِ بالضُّمَّرِ الجُرْدِ) (وَلَا بُدَّ مِنْ بَغْدَادَ أَطْوِي رُبُوعَهَا ... وأَنْشُرُهَا نَشر السِّمَاسِرِ للبردِ) (وأَنْصِبُ أَعْلاَمِي عَلَى شُرُفَاتِهَا ... وأُحْيِي بِهَا مَا كَانَ أَسَّسَهُ جَدِّي) (ويخطبُ لي فِيهَا على كلِّ منبرٍ ... وأظِهْرُ دِينَ اللَّهِ فِي الغَورِ والنَّجْدِ) وَهَذَا الادعاء لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا أصل لَهُ فيعتمد عَلَيْهِ وَلَا مُسْتَند يسْتَند إِلَيْهِ وَكَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين رَحمَه الله متقشفاً فِي ملبسه ومأكله وملبسه لَا يلبس إِلَّا الْكَتَّان والقطن وَالصُّوف وَلَا يعرف أَنه تخطى مَكْرُوها بعد أَن أنعم الله عَلَيْهِ بِالْملكِ بل كَانَ همه الْأَكْبَر ومقصوده الْأَعْظَم نصْرَة الْإِسْلَام وَكسر الْأَعْدَاء اللئام وَيعْمل فكره فِي ذَلِك ورأيه وَحده وَمَعَ من يَثِق بِرَأْيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا هَذَا مَعَ مَا لَدَيْهِ من الْفَضَائِل والفواضل والفوائد والفرائد فِي اللُّغَة وَالْأَدب وَأَيَّام النَّاس حَتَّى قيل إِنَّه كَانَ يحفظ الحماسة بِتَمَامِهَا وَكَانَ مواظباً على الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا فِي جمَاعَة يُقَال لم تفته الْجَمَاعَة فِي صَلَاة قبل مماته بدهر طَوِيل حَتَّى فِي مرض مَوته وَكَانَ يتجشم الْقيام مَعَ ضعفه وَكَانَ يفهم مَا يُقَال بَين يَدَيْهِ من الْبَحْث والمناظرة ويشارك فِي ذَلِك مُشَاركَة حَسَنَة وَإِن لم يكن بالعبارة المصطلح عَلَيْهَا وَكَانَ يحفظ ويحفظ أَوْلَاده عقيدة جمعهَا لَهُ القطب النَّيْسَابُورِي وَكَانَ يحب سَماع الْقُرْآن الْعَظِيم ويواظب على سَماع الحَدِيث حَتَّى إِنَّه سمع فِي بعض المصافات جُزءاً وَهُوَ بَين الصفين وتبجح بذلك وَقَالَ هَذَا موقف لم يسمع فِيهِ أحد حَدِيثا وَكَانَ رَقِيق الْقلب سريع الدمعة عِنْد سَماع الْقُرْآن والْحَدِيث كثير التَّعْظِيم لشعائر الدّين وَكَانَ من خِيَار الْمُلُوك وأشجعهم وَأكْرمهمْ وَأَحْسَنهمْ فتح الفتوحات الَّتِي لَا تحصى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 من ممالك الْكفْر وَدَمرَ دِيَارهمْ واستلب أعمارهم وسبى نِسَاءَهُمْ وصغارهم وَكَانَ شَيخا كَرِيمًا حَلِيمًا ضحوك الْوَجْه كثير البِشر أحسن الْمُلُوك سيرة وأطهرهم سريرة يشبه بِالْملكِ الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد وَلم يتْرك فِي خزائنه سوى سِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما وَقَالَ غير ابْن السُّبْكِيّ سَبْعَة وَأَرْبَعين درهما وَلم يتْرك عقارا وَلَا مزرعة وَلَا شَيْئا من أَنْوَاع الْأَمْلَاك لِكَثْرَة عطاياه وهباته وصدقاته وخيراته إِلَى أمرائه وفقرائه حَتَّى إِلَى أعدائه وَخلف من الْأَوْلَاد سَبْعَة عشر ذكرا وَابْنَة وَاحِدَة أكبرهم الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ وَكَانَ قد قسم الْبِلَاد فِي حَيَاته بَين أَوْلَاده فالديار المصرية لوَلَده الْعَزِيز عُثْمَان وبلاد دمشق وَمَا حولهَا لوَلَده الْأَفْضَل الْمَذْكُور والديار الحلبية لوَلَده الظَّاهِر غَازِي والكرك والشوبك لِأَخِيهِ الْعَادِل أبي بكر ثمَّ شرعت الْأُمُور تضطرب وتختلف حَتَّى آل الْأَمر واستقرت الممالك وَاجْتمعت المحافل على أخي السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وَصَارَت المملكة فِي أَوْلَاده الأماجد الأفاضل كَمَا ستراهم حِين تعدادهم وَاحِدًا بعد وَاحِد وَكَانَ سَبَب وَفَاته أَن اعترته حمى صفراوية لَيْلَة السبت سادس عشر صفر وتفاقم بِهِ الْحَال لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَدخل عَلَيْهِ القَاضِي الْفَاضِل فِي الصُّبْح وَهُوَ باَخر رَمق فَلَمَّا قَرَأَ الْقَارئ قَوْله تَعَالَى {لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت} التَّوْبَة: 129 تَبَسم وتهلل وَجهه وَسلمهَا إِلَى ربه عز وَجل وَله من الْعُمر سبع وَخَمْسُونَ سنة وَدفن بتربته عِنْد مدرسة أَنْشَأَهَا ب الْموصل وألحده وَلَده نور الدّين عَلِي الْأَفْضَل وَدفن مَعَه سَيْفه الَّذِي كَانَ يحضر بِهِ الْجِهَاد والجلاد وَذَلِكَ بِإِشَارَة القَاضِي الْفَاضِل وَقد عمل فِيهِ الشُّعَرَاء المراثي الْكَثِيرَة فَمن أحْسنهَا قصيدة الْعِمَاد الْكَاتِب وَهِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 مِائَتَان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْتا فَمِنْهَا قَوْله فِي أَولهَا من الْكَامِل (شَمْلُ الهُدَى والمُلكِ وعَمَّ شَتَاتُهُ ... والدَّهْرُ سَاءَ وأَقْلَعَتْ حَسَنَاتُهُ) (أَيْنَ الَّذِي مُذْ لَمْ يَزَلْ مَخْشِيَّةً ... مَرْجُوَّةً ... هَبَّاتُهُ وهباتُهُ) (أَيْنَ الذِي طَاعَاتُنَا كانَتْ لَهُ ... مَبْذُولةً ولِرَبهِ طَاعَاتُهُ) (باللَّهُ أَيْنَ النَّاصِرُ المَلِكُ الذِي ... لِلَّهِ خَالِصَةٌ صَفَتْ نيَّاتُهُ) (أَيْنَ الَّذِي مَا زَالَ سُلْطَاناً لَنَا ... يُرجَى نَدَاهُ وتُتَّقَى سَطَوَاتُهُ) (أَيْنَ الذِي شَرُفَ الزَّمَانُ بفَضْلِهِ ... وسَمَتْ عَلَى الفُضَلاَءِ تَشْرِيفَاتُهُ) (أَيْنَ الذِي عَنَتِ الفِرِنجُ لِبَأْسِهِ ... ذلا ومِنْهَا أَدْرَكَتْ ثَارَاتُهُ) (أَغْلاقُ أَعْنَاقِ العِدَى أسْيَافُهُ ... أطْواقُ أجْيَادِ الوَرَى مِنًّاتُهُ) قلت إِن كَانَت القصيدة كلهَا على هَذِه الوتيرة فَمَا تصلح أَن تكون بعقر دَاره عقيرة رَحمَه الله (ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان) أَبُو الْفَتْح ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب تسلطن بعد مَوته وَكَانَ نَائِبا عَن أَبِيه بِمصْر لما كَانَ أَبوهُ ب دمشق وَتمّ أمره وسنه نَيف وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ أَصْغَر إخْوَته وَكَانَ أكبرهم الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ وَكَانَت إِلَيْهِ ولَايَة الْعَهْد من أَبِيه صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَكَانَ ب دمشق وَأَخُوهُ عُثْمَان ب مصر وَعَمه الْملك الْعَادِل أَبُو بكر ب حلب وَكَانَ أكولاً يَأْكُل الخروف وَحده وَكَانَ فَاضلا متأدباً حَلِيمًا حسن السِّيرَة متديناً قل أَن يُعَاقب على ذَنْب وَمَعَ هَذَا مَا صفا لَهُ الدَّهْر وَلَا هنَّاه بِالْملكِ بعد أَبِيه لبث مُدَّة يسيرَة ثمَّ حصره عَمه الْملك الْعَادِل أَبُو بكر وَأَخُوهُ الْملك الْعَزِيز عُثْمَان صَاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 التَّرْجَمَة هَذِه وَأَخْرَجَاهُ من ملكه إِلَى صَرخَد ثمَّ جهزاه إِلَى سميساط وَفِي ذَلِك كتب إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر العباسي ب بَغْدَاد قَوْله من الْبَسِيط (مَوْلاَيَ إنَّ أبَا بَكرٍ وصَاحِبَهُ ... عُثمان قَدْ غَصَبَا بالسَّيْفِ حَقَّ عَلِي) (وهْوَ الذِي كَانَ قَدْ ولاَّهُ والِدُهُ ... عَلَيْهِمَا فاسْتَقَامَ الأمْرُ حِيَن وَلِي) (فَخَالَفَاهُ وحَلاَّ عقْدَ بَيْعتِهِ ... والأَمْرُ بَيْنَهُمَا والنِّصْفُ فِيهِ جَلِي) (فانظُرْ إِلَى حَظِّ هَذَا الاسْمِ كَيْفَ لَقِى ... مِنَ الأوَاخِرِ مَا لاَقَى مِنَ الأُوَلِ) فأَجابه النَّاصِر العباسي من الْكَامِل (وَافَى كِتَابُكَ يابْنَ يُوسُفَ مُعْلِنًا ... بالوردِ يُخْبِرُ أَنَّ أَصْلَكَ طَاهِرُ) (غَصَبُوا عَلِيًّا حَقَّهُ إذْ لَمْ يَكُنْ ... بَعْدَ النِّبِيِّ لَهُ بِيَثْرِبَ نَاصِرُ) (فاصْبِرْ فإنَّ غَدًا عَلَيْه حِسَابَهُمْ ... وَابْشِرْ فَنَاصِرُكَ الإمامُ النَّاصِرُ) وَكَانَ فيهمَا تشيع وَقَالَ الْعَلامَة الصَّفَدِي فِي تَارِيخه توفّي يَوْم الْجُمُعَة فَجْأَة بعد أَن صلى الْجُمُعَة خَامِس عشر صفر من سنة 622 هـ وَحمل إِلَى حلب وذفن بهَا وَكَانَ صَحِيح العقيدة عِنْده علم وأدب يجب الْعلمَاء وَالْعلم وَله فِي الْجِهَاد مَعَ أَبِيه مشَاهد مَعْرُوفَة وآثار جميلَة ووقف أوقافاً جميلَة ولشعراء عصره فِيهِ أمداح طائلة وقصائد هائلة مثل ابْن الساعاتي وَابْن سناء الْملك وَغَيرهمَا فَمن قَول ابْن سناء الْملك فِيهِ من قصيدة من الْخَفِيف (مَلكٌ إسْمُهُ عَلِيِّ وَلَكِنْ ... كَبْدُهُ فِي حُرُوبه كَبْدُ عَمْرِو) (لَيْسَ يَنْفَكُّ بَيْنَ فَتْحٍ وفَتْكٍ ... حِين يختالُ بَين نصلٍ ونصرِ) (وَجْههُ البَدْرُ فِي الحُرُوبِ فَلاَ تع ... جَبْ إِذا كَانَ يَوْمُهُ يَوْمَ بدرِ) وَله من أُخْرَى من الْبَسِيط (حَسْبِى علىٌّ نَدًى حَسْبِى عَلِىٌّ هُدًى ... حَسْبِى علىٌّ جدى حَسْبِى عَلِىٌّ عُلاَ) (حَمَدتُّ آخرَ أَيَّامِى بِخِدْمَتِهِ ... ولَسْتُ أَحْمَدُ مِنْ أَيِامِىَ الْأَوْلَاد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 (ذِكْرِي بِهِ سَارَ حَالِي عِنْدَهُ عَظُمَتْ ... قَدْرِي بِهِ جَلَّ مِقْدَادِي لَدَيْهِ عَلاَ) ثمَّ قَالَ وَقَالَ كَمَال الدّين بن العديم لم يكن متشيعاً وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا الشّعْر مُوَافقَة للْحَال وتقرباً للْإِمَام النَّاصِر العباسي فَإِنَّهُ كَانَ مَنْسُوبا إِلَى التَّشَيُّع قَالَ الصَّفَدِي وَلما تعصب عَلَيْهِ أَخُوهُ الْعَزِيز عُثْمَان الْمَذْكُور وَعَمه الْعَادِل أَبُو بكر قَالَ من الْكَامِل (ذِي سُنَّةٌ بَيْنَ الأَنَامِ قَدِيمَةٌ ... أبدَا أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ عَلَى عَلىِ) وَكتب بِتِلْكَ الْأَرْبَعَة الأبيات إِلَى النَّاصِر العباسي قلت قد ذكرت الْأَرْبَعَة أَبْيَات وَفِي حفظي لَهُ بيتان يذم بهما حَظه وَهُوَ معنى لم أسمعهُ لغيره ووكر لم يأو إِلَيْهِ غير طيره هما من الْكَامِل (يَا مَنْ يُسَوِّدُ بالخضابِ شُعُورَهُ ... لعَسَاهُ مِنْ أَهْلِ الشَّبِيبَةِ يُجْعَلُ) (هَا فَاخْتَضِبْ بِسَوادِ حَظِّي مَرَّةَ ... ولَكَ الأمانُ بأنَّه لَا يُنْصَلُ) وَإِنَّمَا ذكرت تَرْجَمَة عَلِي الأَفضَلِ فِي تَرْجَمَة أَخِيه عُثْمَان صَاحب التَّرْجَمَة لجَرَيَان ذكره بأكبريته على إخْوَته بني يُوسُف بن أَيُّوب وَاسْتمرّ عُثْمَان فِي الْملك إِلَى أَن خرج إِلَى الفيوم يتصيد فلاح لَهُ ظَبْي فساق خَلفه فكبا بِهِ الْفرس فَوَقع فَدخل قربوس السرج فِي فُؤَاده فَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وَتُوفِّي فِي عشر الْمحرم الْحَرَام سنة خمس أَو سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَمُدَّة ملكه خمس سِنِين وَعشرَة أَيَّام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 (ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد) ابْن عُثْمَان الْعَزِيز بن صَلَاح الدّين تسلطن بعد موت أَبِيه وعمره نَحْو الْعشْرين وَصَارَ مُدبر مَمْلَكَته الْأَمِير قراقوش وَوَقع لَهُ مَعَ عَمه الْملك الْأَفْضَل صَاحب الشَّام أُمُور عَجِيبَة وَكَذَلِكَ مَعَ عَم أَبِيه الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَلم تطل أَيَّامه لتغلب أَعْمَامه عَلَيْهِ إِلَى أَن خلعه عَم أَبِيه الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب (ثمَّ تولى الْملك الْعَادِل) عَم أَبِيه أَبُو بكر سيف الدّين بن أَيُّوب تسلطن بعد خلع ابْن ابْن أَخِيه فِي شَوَّال سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَفِي أَيَّامه انْتَقَلت السلطنة من دَار الوزارة إِلَى قلعة الْجَبَل فِي سنة أَربع وسِتمِائَة وَكَانَ لَهُ سعد عَظِيم فَإِن غَالب مُلُوك بني أَيُّوب من نَسْله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَكَانَ يَأْكُل خروفاً كَامِلا مشوياً كَمَا كَانَ يَأْكُلهُ ابْن أَخِيه الْأَفْضَل الْمُتَقَدّم ذكره وَتُوفِّي ب مالقين بلد بِالشَّام فِي ثامن جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة فصبره وَلَده الْملك الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق وَحمله وَلم يعلم بِمَوْتِهِ أحد إِلَى قلعة دمشق فدفنه بهَا وَهُوَ الملقب بالعادل الْكَبِير وَلما مَاتَ اسْتَقر كل وَاحِد من وَلَده بمملكته الَّتِي كَانَ قسمهَا بَينهم فاستقر الْكَامِل مُحَمَّد فِي سلطنته ب مصر وَاسْتقر الْملك الْمُعظم عِيسَى فِي ممالك الشَّام وَاسْتقر الْأَشْرَف مُوسَى شاه أرمن بديار بكر وممالك الشرق وَبَاقِي أَوْلَاده كل فِي جِهَة أَو فِي خدمَة أَخ من اخوته وَكَانَت مُدَّة ولَايَته على مصر ثَمَانِي عشرَة سنة وَنَحْو ثَمَانِيَة أشهر (ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل مُحَمَّد) ابْن أبي بكر الْملك الْعَادِل اسْتَقل بسلطنة مصر يَوْم الْجُمُعَة سَابِع جُمَادَى الْأُخْرَى من سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة فعمر قبَّة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَبنى الْمدرسَة الكاملية بَين القصرين وَله من الْخيرَات غير ذَلِك وَاسْتمرّ إِلَى أَن توفّي بِدِمَشْق يَوْم الْأَرْبَعَاء وَدفن من غَد يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَمُدَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 ملكه عشرُون سنة وشهران (ثمَّ تولى ابْنه أَبُو بكر الْعَادِل) وَهُوَ الْمُسَمّى بالعادل الصَّغِير ابْن مُحَمَّد الْكَامِل بن أبي بكر الْعَادِل وَهُوَ الْمُسَمّى بالعادل الْكَبِير تسلطن بعد موت وَالِده الْكَامِل ب مصر وَكَانَ الصَّالح نَائِب أَبِيه بِبِلَاد الشرق فَلَمَّا مَاتَ الْكَامِل اتّفق رَأْي الْأُمَرَاء على تَوْلِيَة أبي بكر الْعَادِل هَذَا وَأَن يكون نَائِبه ب دمشق ابْن عَمه الْملك الْجواد يُوسُف وَأَن يكون أَخُوهُ أَيُّوب على حَاله بديار بكر وممالك الشرق فتم ذَلِك وتسلطن الْعَادِل فِيهِ وَله ثَمَان عشرَة سنة ثمَّ بلغ الْخَبَر أَخَاهُ فَتحَرك طَالبا لملك مصر حَتَّى ملكهَا بعد أُمُور وَقعت لَهُ مَعَ أَخِيه وقهره وخلعه عَن الْملك وحبسه ثمَّ قَتله بعد سِنِين فِي السجْن فِي شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَكَانَت مُدَّة الْعَادِل سنة وشهرين وأياماً مَعَ مَا وَقع لَهُ من الأنكاد والحروب والفتن (ثمَّ تولى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل) وَله سير وأوصاف جميلَة حميدة وَهُوَ ممدوح الصفي الْحلِيّ وباني الْمدرسَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 بَين القصرين الْمَعْرُوفَة بالصالحية الَّتِي هِيَ الْآن المحكمة إِلَّا أَنه لم يمْكث فَإِنَّهُ وَقعت لَهُ أَكلَة فِي خَدّه فَمَاتَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ب المنصورة وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وأخفت زَوجته الْمُسَمَّاة شَجَرَة الدّرّ مَوته خوفًا على الْمُسلمين إِلَى أَن حضر ابْنه الْمُعظم توران شاه ودبرت الْملك بَيْنَمَا وصل وَعلمت على المناشير بِخَط يحاكي خطّ الصَّالح وَهُوَ صَاحب قلعة الرَّوْضَة تجاه مصر الْقَدِيمَة على النّيل وَهُوَ الَّذِي استكثر من المماليك الأتراك بديار مصر وَفِي هَذَا الْمَعْنى قَالَ بَعضهم من الْبَسِيط (أَلصَّالِحُ المُرْتَضَى أَيُّوبُ أَكْثَرَ مِنْ ... تُرْكِ بِدَوْلَتِهِ يَا شَرَّ مَجْلُوبِ) (لاَ وَاخَذَ اللهُ أَيُّوباً بِفَعْلَتِهِ ... فالنَّاسُ كُّلُهُمُ فِي ضُرِّ أَيوبِ) (ثمَّ تولى تورنشاه) ابْن الْملك الصَّالح ابْن الْملك الْكَامِل ابْن الْملك الْعَادِل تسلطن بعد موت أَبِيه بِنَحْوِ شَهْرَيْن وَنصف وَقيل بأَرْبعَة أشهر وَهُوَ الْأَصَح لِأَن أَبَاهُ مَاتَ فِي شعْبَان وَقدم تورنشاه أَوَاخِر ذِي الْحجَّة فَفِي أول الْمحرم من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين ولي وَلما ملك واستفحل أمره تغير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 على مماليك أَبِيه بِالْقَتْلِ والفتك وتوعد شَجَرَة الدّرّ جَارِيَة أَبِيه بالمصادرة فَدفعت لَهُ أَشْيَاء وَهُوَ لَا يكف عَنْهَا فَتغير خاطرها عَلَيْهِ وَكَانَت مطاعة فَوَثَبَ عَلَيْهِ المماليك بإشارتها يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر محرم الْحَرَام سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَلم يثبت لَهُم وهرب فطلع إِلَى برج خشب فأطلقوا فِيهِ النَّار والنفط فَنزل إِلَى الخركاه فَرَمَوْهُ بالنشاب فَصَارَ يَصِيح مَا لي حَاجَة بِالْملكِ دَعونِي أتوجه إِلَى الْحصن فَلم يَتْرُكُوهُ وضربوه بِالسُّيُوفِ إِلَى أَن مَاتَ وسلطنوا شَجَرَة الدّرّ زَوْجَة أستاذهم (ثمَّ تولت شَجَرَة الدّرّ) وسلطنوها بِاتِّفَاق من الْأُمَرَاء وحلفوا لَهَا واستحلفوا جَمِيع العساكر المصرية والشامية واستمرت تعلم على المناشير وَيَدعِي لَهَا على المنابر ب مصر وأعمالها ويكنون عَنْهَا بالجهة الصالحية ملكة الْمُسلمين عصمَة الدُّنْيَا وَالدّين أم خَلِيل صَاحِبَة الْملك الصَّالح فَبَقيت على ذَلِك الْحَال نَحْو ثَلَاثَة أشهر ثمَّ بدا لَهَا خلع نَفسهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 (ثمَّ تولى الْملك عز الدّين أيبك التركماني) وَاسْتقر فِي السلطنة وَقد كَانَ هُوَ أتابك العساكر لَهَا رتبه الْأُمَرَاء ثمَّ تزوج الأتابك الْمَذْكُور بهَا وَكَانَت مستولية عَلَيْهِ فَبعد اسْتِقْرَار أيبك الْمَذْكُور فِي السلطنة بِخَمْسَة أَيَّام أجمع رَأْي الْأُمَرَاء جَمِيعهم على تَوْلِيَة مظفر الدّين مُوسَى بن النَّاصِر ابْن الْملك المسعود ابْن الْملك الْكَامِل ابْن الْملك الْعَادِل ولقبوه بِالْملكِ الْأَشْرَف فَلم يسع الْمعز إِلَّا الإذعان لَهُم لعظم شوكتهم (فَتَوَلّى الْملك الْأَشْرَف مُوسَى مظفر الدّين) ابْن الْملك النَّاصِر ابْن الْملك المسعود بن الْكَامِل بن الْعَادِل بُويِعَ عَام ثَمَان وَأَرْبَعين فَقَامَ عَاما وَاحِدًا إِلَى أَن قويت شَوْكَة الْمعز الْمَذْكُور أيبك على الْأُمَرَاء فَخلع الصَّبِي واستقل بالسلطنة وبخلعه انْتَهَت الدولة الأيوبية الكردية وَكَانَت مُدَّة ولايتهم اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر وعدة مُلُوكهمْ تِسْعَة رجال وَامْرَأَة هِيَ شَجَرَة الدّرّ الْمَذْكُورَة وَكَانَت تركية الْجِنْس ثمَّ آل بِهِ الْأَمر أَن قتلته لما بلغَهَا عَنهُ أَنه يُرِيد التَّزَوُّج عَلَيْهَا فَقَتلهَا بعده غلمانه كَمَا سَيَأْتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 (الْبَاب الْخَامِس) (فِي ذكر الدولة التركمانية) كَانَ ابْتِدَاؤُهَا سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة أَوَّلهمْ الْمعز أيبك التركماني الصَّالِحِي النجمي التركي أول مُلُوك الأتراك بالديار المصرية وَقد نظم بَعضهم من مَسّه الرّقّ من مُلُوك الأتراك فِي أَبْيَات موالياً وَهِي (أيبك قطز يعقبو بيبرس ذُو الْإِكْمَال ... بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال) (لاجين بيبرس برقوق شيخ ذُو الأفضال ... ططر برسباي جقمق ذُو الْعلَا أينال) (وخشقدم عَنهُ قل بلباي ذُو الْأَحْوَال ... تمر بغاقيتبيه الْغمر ذُو الإقبال) قَالَ فِي الأرج المسكي وَهَذِه الأبيات مفيدة لِأَن كثيرا من فقهائنا نصوا على عدم صِحَة أوقافهم معللين ذَلِك بِأَنَّهُم أرقاء لبيت المَال وَمَا وَقَفُوهُ من أَمْوَال بَيت المَال ويجعلون ذَلِك وَسِيلَة إِلَى جَوَاز تنَاول من يكون مُقيما ب مصر من أَمْوَال الْحَرَمَيْنِ الْمَوْقُوفَة عَلَيْهِم من مُلُوك الأتراك وَالْإِطْلَاق فِي ذَلِك خطأ فَإِن بَعضهم لم يمسهُ الرّقّ وَهُوَ من عدا المنظومين فِي هَذِه الأبيات فليتنبه لذَلِك وأيبك الْمَذْكُور كَانَ من مماليك الْملك الصَّالح أَيُّوب الأيوبي اشْتَرَاهُ فِي حَيَاة وَالِده الْملك الْكَامِل وَجعله جاشنكير فَلهَذَا تسلطن يَوْم السبت آخر ربيع أول سنة ثَمَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وَأَرْبَعين أَو تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بعد خلع شَجَرَة الدّرّ نَفسهَا وَأجْمع على سلطنته الْأُمَرَاء من غير كره وَركب بشعار السلطنة وحملت الغاشية بَين يَدَيْهِ وَتمّ أمره ثمَّ إِن المماليك الصالحية اتَّفقُوا على وَاحِد من بني أَيُّوب وَهُوَ مُوسَى وسلطنوه واجتمعوا عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَائِم بِهَذَا الْأَمر فَارس الدّين أقطاي الجمداري وبيبرس البندقداري وبلباي الرَّشِيدِيّ وسنقر الرُّومِي فأقاموا مظفر الدّين مُوسَى بن النَّاصِر يُوسُف ابْن الْملك المَسْعُودِيّ بن الْكَامِل بن الْعَادِل ولقبوه الْملك الْأَشْرَف وَكَانَ عِنْد عماته فأحضروه وَكَانَ عمره إِذْ ذَاك نَحْو عشر سِنِين وَلم يعْزل الْمعز عَن السلطنة بل كَانَ أتابك العساكر وخطب لَهما على المنابر مَعًا وَكَانَت هَذِه الْحَرَكَة بعد سلطنته بِخَمْسَة أَيَّام كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَاسْتمرّ شَرِيكا للصَّبِيّ إِلَى أَن مهد أُمُوره وقويت شوكته وَصفا لَهُ الْوَقْت فعزل الصَّبِي واستقل بعد أُمُور حصلت ووقائع إِلَى أَن قتلته زَوجته شَجَرَة الدّرّ لما بلغَهَا أَنه يُرِيد التَّزَوُّج عَلَيْهَا فواطأت على قَتله جمَاعَة من المماليك ثمَّ قَتلتهمْ جَمِيعًا وَكَانَ قَتلهَا لَهُ يَوْم الثُّلَاثَاء عشر ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة (ثمَّ تولى ابْنه الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ) تسلطن وَجلسَ على تخت الْملك وعمره خمس عشرَة سنة ووزر لَهُ وَزِير أَبِيه شرف الفائزي وَقَامَ بتدبير ملكه الْآمِر علم الدّين سنجر الْحلَبِي فَحَدَّثته نَفسه بالوثوب على الْآمِر فَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير فطز المعزي الأيبكي وَوَقع فِي أَيَّامه حروب كَثِيرَة مَعَ المماليك الصالحية ثمَّ قدم فِي أَيَّامه هولاكو ملك التتار إِلَى بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم ثمَّ ملك هولاكو حلب وَالشَّام وَقصد مصر فَلَمَّا بلغ الْأَمِير قطز ذَلِك كَانَ قد استفحل أمره فِي الديار المصرية كَلمُوهُ فِي السلطنة وَالْقِيَام بملاقاة التتار فَجمع الْقُضَاة وأعيان الدولة فأجمع رَأْي الْجَمِيع على خلع الْملك الْمَنْصُور من السلطنة لصِغَر سنه لعدم دَفعه لِلْعَدو المخذول فَخلع وتسلطن قطز وَبَقِي الْملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 الْمَنْصُور معتقلاً إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت مدَّته سنتَيْن وَسَبْعَة أشهر واثنين وَعشْرين يَوْمًا كَانَ كثير اللَّهْو فاستولى عَلَيْهِ أكَابِر الدولة وحبسوه كَمَا تقدم (ثمَّ تولى الْملك المظفر سيف الدّين قطز) بُويِعَ عَام سبع وَخمسين وسِتمِائَة وَهُوَ ب مصر المحروسة وَله ولَايَة الشَّام وحلب وَجَمِيع مَا كَانَ لمخدومه فَلَمَّا وصل الْخَبَر بِأَن التتار وصلوا دمشق مَعَ استمرارهم على قتل الْمُسلمين وتعطيل شَعَائِر الدّين تجهز الْملك المظفر الْمَذْكُور فِي جيوش عَظِيمَة ومقدمها الظَّاهِر بيبرس فَالتقى الْجَمْعَانِ عِنْد عين جالوت يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر رَمَضَان سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وانتصر الْمُسلمُونَ وَهزمَ التتار وَقتلُوا شَرّ قتلة ثمَّ ولوا الأدبار وَالنَّاس يتخطفونهم ثمَّ جَاءَ كتاب الْملك المظفر إِلَى دمشق بالنصر فطار النَّاس فَرحا ثمَّ دخل المظفر إِلَيْهَا مؤيداً منصوراً وأحبه النَّاس غَايَة الْمحبَّة فمهد أمورها وَأصْلح مَا فسد من شَأْنهَا وَهُوَ أول من ملك الْبِلَاد الشامية من مُلُوك التّرْك بديار مصر لِأَن الشَّام جَمِيعه فِي تصرف النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَغَيره من بني أَيُّوب من بعده وَاتبع بيبرس آثَار التتار حَتَّى أخرجهم من حلب وطردهم عَن الْبِلَاد ثمَّ وَقعت الوحشة بَينه وَبَين بيبرس لِأَنَّهُ وعده ولَايَة حلب ثمَّ أخلفه فاتفق أَن الْمظهر قطز لما عَاد إِلَى مصر صَار إِلَى التصيد فَرَأى أرنباً فساق خلف الأرنب وسَاق وَرَاءه جمَاعَة من الْأُمَرَاء قد اتَّفقُوا على قَتله وَكَبِيرهمْ بيبرس البندقداري وَمَعَهُ آبض فَلَمَّا دنوا مِنْهُ وَلم يبْق عِنْد قطز غَيرهم تقدم إِلَيْهِ بيبرس وشفع عِنْده شَفَاعَة فقبلها المظفر فَأَهوى بيبرس على يَده ليقبلها فَقبض عَلَيْهِ وَحمل عَلَيْهِ آبض فَضَربهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 بِالسَّيْفِ ثمَّ حملُوا عَلَيْهِ وقَتلوه وتركوه مَيتا وَسَاقُوا وهم شاهرون سيوفهم إِلَى أَن وصلوا إِلَى الدهليز السلطاني بمنزله فِي الصالحية فَجَلَسَ بيبرس على مرتبَة السلطنة وَتمّ أمره وَكَانَ قتل المظفر يَوْم السبت سادس ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فَكَانَت مدَّته سنة وَاحِدَة إِلَّا يَوْمًا وَقيل إِلَّا عشرَة (ثمَّ تولى الْملك الظَّاهِر بيبرس) البندقداري الصَّالِحِي التركي النجمي ركن الدّين أَبُو الْفتُوح تسلطن بعد قتل الْملك المظفر وَأَصله تركي الْجِنْس أَخذ من بِلَاده وَبيع ب دمشق للعماد الصَّائِغ ثمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ عَلَاء الدّين أيدكين البندقدراي ثمَّ لما صادر الْملك الصَّالح عَلَاء الدّين أيدكين أَخذ بيبرس هَذَا فِي جملَة من أَخذ وَجعله من مماليكه البحرية وَمَا زَالَ يترقى وَالْقدر يسعفه إِلَى أَن صَار أستاذه أيدكين من جملَة أمرائه وَهُوَ الَّذِي استحدث ب مصر الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وَهُوَ صَاحب الفتوحات الْكَثِيرَة والهمم الْعلية والأخلاق الرضية وَمن أثر خيراته إنْشَاء الْمدرسَة الَّتِي بَين القصرين تجاه البيمارستان وَالْجَامِع الَّذِي بالحسينية وَفِي أَيَّامه أُقِيمَت الْخلَافَة العباسية ب مصر بعد قتل المستعصم كَمَا تقدم ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 فَأَقَامَ فِي السلطنة سبع عشرَة سنة وشهرين وَنصفا وَمَات فِي القصرين ب دمشق سنة سِتّ وَسبعين بِتَقْدِيم السِّين وسِتمِائَة (ثمَّ تولى ابْنه الْملك السعيد نَاصِر الدّين) مُحَمَّد بركَة خَان ابْن الْملك الظَّاهِر بيبرس دعِي ب بركَة خَان على اسْم جده لأمه بركَة خَان ملك التتار ابْن دولة خَان الْخَوَارِزْمِيّ تسلطن فِي حَيَاة أَبِيه بيبرس صُورَة فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع صفر سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة إِلَى أَن استبد بِالْأَمر بعد موت أَبِيه وَاسْتمرّ إِلَى أَن خرج عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَكَبِيرهمْ حموه الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الألفي الصَّالِحِي وخلعوه من الْملك وسلطنوا أَخَاهُ سلامش بن الْملك الظَّاهِر وَكَانَت مُدَّة الْملك السعيد من يَوْم موت أَبِيه سنتَيْن وشهرين وَنصفا وَأعْطى الكرك بعد أَن خلع فَتوجه إِلَيْهَا وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة (ثمَّ تولى الْملك سلامش بن بيبرس) الْملك الْعَادِل سيف الدّين تسلطن بعد أَخِيه وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَنصف وَصَارَ أتابكه الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الألفي الصَّالِحِي فَخلع بِهِ فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وَكَانَت مدَّته مائَة يَوْم وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مُجَرّد الِاسْم (ثمَّ تولى الْملك المصنور قلاوون الألفي) الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين تسلطن بعد خلع سلامش وَأَصله من مماليك الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب اشْتَرَاهُ سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وترقى بعد موت أستاذه الصَّالح وَعظم بدولة الظَّاهِر بيبرس إِلَى أَن صَار يخْطب لَهُ مَعَ السُّلْطَان الْعَادِل سلامش الْمَذْكُور وَضربت السِّكَّة على وَجه باسم سلامش وعَلى الْوَجْه الآخر باسم قلاوون وَأمْسك جمَاعَة من الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة وَاسْتعْمل ممالكيه على الْبِلَاد وَأمرهمْ وَله همة عَظِيمَة وَمن مناقبه أَن عدَّة مماليكه بلغت اثْنَي عشر ألفا وَأَن ملك مصر دَامَ من بعده فِي ذُريَّته ونسله ثمَّ فِي يَد مماليكهم إِلَى أَن انْقَضتْ دولة الأتراك وَجَاءَت دولة الأروام وَكَانَ أجل مُلُوك التّرْك وَهُوَ الَّذِي بنى بِمصْر البيمارستان بَين القصرين والقبة الَّتِي دفن فِيهَا وَله فتوحات بساحل الْبَحْر الرُّومِي مِنْهَا طرابلس وبيروت وصيداء وَغير ذَلِك وَكَانَت مُدَّة سلطنته إِحْدَى عشرَة سنة وشهرين وَنصفا وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 (ثمَّ تولى الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل بن قلاوون) تسلطن بعد موت أَبِيه وَاسْتمرّ إِلَى أَن خرج من الْقَاهِرَة فِي أَوَائِل الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وَتوجه إِلَى الْبحيرَة للصَّيْد فَلَمَّا كَانَ بتروجة يَوْم السبت ثَانِي عشر محرم الْحَرَام وَقت الْعَصْر حضر إِلَيْهِ نَائِب السلطنة الْأَمِير بيدار وَمَعَهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَكَانَ الْأَشْرَف قد أمره بكرَة النَّهَار أَن يمْضِي بالدهليز والعساكر إِلَى جِهَة الْقَاهِرَة وَبَقِي الْأَشْرَف وأمير شكار يتصيدان فأحاطوا بِهِ وَلَيْسَ مَعَه إِلَّا شهَاب الدّين بن الْأَشْهَل أَمِير شكار الْمَذْكُور فابتدر الْأَشْرَف بيدار وضربه بِالسَّيْفِ فَقطع يَدَيْهِ ثمَّ ضربه حسام الدّين لاجين على كتفه فَحلهَا فصاح لاجين على بيدار من يُرِيد الْملك تكون هذي ضَربته فَسقط الْأَشْرَف عَن فرسه وَلم يكن مَعَه سيف بل كَانَ فِي وَسطه بند مشدود ثمَّ جَاءَ الْأَمِير بهادر رَأس نوبَة فَأدْخل السَّيْف من أَسْفَله وشق بِهِ إِلَى حلقه وَتَركه طريحاً فِي الْبَريَّة وَاتَّفَقُوا على بيدار وحلفوا لَهُ وَمَشوا تَحت العصائب السُّلْطَانِيَّة يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة ولقبوه بِالْملكِ الأوحد وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة وَأصْبح يسير إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا ارْتَفع النَّهَار إِذا بِجمع عَظِيم قد أقبل فِيهِ الْأَمِير كتبغا المنصوري والأمير حسام الدّين الأستادار وَغَيرهمَا يطْلبُونَ بيدار بِدَم أستاذهم الْأَشْرَف خَلِيل فَالْتَقوا فانكسر بيدار وَقتل وحملت الأشرفية رَأسه على رمح وعادوا إِلَى الْقَاهِرَة وَاتَّفَقُوا على سلطنة أَخِيه مُحَمَّد بن قلاوون فَكَانَت مدَّته ثَلَاث سِنِين وشهرين وَقتل سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة (ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر مُحَمَّد) أَخُو الْأَشْرَف الْمَذْكُور بُويِعَ بعد قتل أَخِيه فِي الْعَام الْمَذْكُور وعمره تسع سِنِين وَهَذِه سلطنته الأولى وَاسْتقر نَائِبه فِي السلطنة الْأَمِير كتبغا المنصوري وَفِي الوزارة علم الدّين سنجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 الشجاعي مُضَافا للأستدارية وتدبير الدولة ثمَّ قبض النَّاصِر على جمَاعَة من الأتراك الَّذين اتَّفقُوا على قتل أَخِيه ثمَّ أمْسكهُ كتبغا الشجاعي لما بلغه أَنه يُرِيد الفتك بِهِ ولقتله بعض أَصْحَاب كتبغا المنصوري صبرا واستبد كتبغا بِأَمْر المملكة لصِغَر سنّ النَّاصِر ثمَّ بدا لَهُ أَن يخلعه ويتسلطن عوضه فاتفق مَعَ أكَابِر الْأُمَرَاء على ذَلِك فوافقوه وخلعوا النَّاصِر فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وسلطنوا (كتبغا) ولقبوه بالعادل وَكَانَت مُدَّة النَّاصِر هَذِه الأولى نَحْو السّنة ثمَّ جهز كتبغا النَّاصِر إِلَى الكرك بعد أَن قَالَ لَهُ لَو علمت أَنهم يُخلون لَك الْملك وَالله لتركته وَلَكنهُمْ لَا يخلونه لَك وَأَنا مملوكك ومملوك والدك أحفظ لَك الْملك وَأَنت الْآن تروح إِلَى الكرك إِلَى أَن تترعرع وتجرب الْأُمُور فتعود إِلَى ملكك بِشَرْط أَنَّك تُعْطِينِي دمشق أكون بهَا مثل صَاحب حماه فوافقه على ذَلِك فَأَقَامَ كتبغا سنتَيْن ثمَّ هرب إِلَى الشَّام سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة (ثمَّ تولى الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين) الَّذِي كَانَ نَائِبا عَن كتبغا فَأَقَامَ سنتَيْن وشهراً وَنصفا وَقتل فِي القلعة سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 (ثمَّ عَاد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون) إِلَى السلطنة ثَانِيًا وَفِيه يَقُول الوداعي من السَّرِيع (أَلمَلِك النَّاصِرُ قَدْ أَقْبَلَتْ ... دَوْلَتُهُ مُشْرِقَةَ الشَّمسِ) (عادَ إِلى كُرْسِيِّهِ مِثْلَ مَا ... عَادَ سُلَيْمَانُ إِلى الكُرْسِي) وَاسْتمرّ إِلَى أَن تجهز لقِتَال التتار فانكسر فَرجع إِلَى مصر ثمَّ تجهز للقائهم أَيْضا فكسرهم وَهَزَمَهُمْ وَنصر الله الْإِسْلَام وَأَهله ثمَّ عَاد إِلَى مصر فتنكر عَلَيْهِ صَاحب سلال وأستاداره بيبرس الجاشنكير ودام ذَلِك التكدر بَينهم إِلَى أَن أظهر فِي رَمَضَان سنة ثَمَان وَسَبْعمائة التوجُّه إِلَى الْحجاز وَخرج من الْقَاهِرَة وَتوجه إِلَى الكرك متبرماً مِنْهُمَا وَأعْرض عَن ملك مصر فروجع فِي ذَلِك فَأبى فَكَانَت مدَّته عشْرين سنة فاتفق الْأُمَرَاء على سلطنة بيبرس الجاشنكير وسلطنوه فتسلطن (بيبرس الجاشنكير) ولقبوه بِالْملكِ المظفر تسلطن عَام ثَمَان وَسَبْعمائة بعد خلع النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وعيب بِهِ فِي الْإِرْسَال إِلَى الكرك وتطلب الْأَمْوَال مِنْهُ حَتَّى إِن النَّاصِر تأدب مَعَه فِي المكاتبات وَكتب لَهُ الْملك المظفر وَهُوَ لم يرجع عَنهُ فَلَمَّا زَاد عَلَيْهِ تحرّك عَلَيْهِ وَكَانَت مماليك أَبِيه النواب بالديار الشامية كلهم مَعَه مَا عدا الأفرم فَإِنَّهُ كَانَ من أعوان الجاشنكير فَأَجَابُوهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فَتوجه إِلَى الجاشنكير الْمَذْكُور فجبن عَن لِقَائِه لتغير مماليكه وجماعته عَلَيْهِ ثمَّ تسحب من قلعة الْجَبَل والعامة من خَلفه تؤذيه وتريد بِهِ شرا حَتَّى شغلهمْ بنثر الذَّهَب عَلَيْهِم وَتوجه هَارِبا إِلَى الصَّعِيد وَاسْتولى النَّاصِر على الْبَلَد ثمَّ احتال على قَبضه وإحضاره فخنفه بالوتر ثمَّ أطلقهُ وسمه ثمَّ خنقه ثَانِيًا هَكَذَا إِلَى أَن مَاتَ فِي شَوَّال سنة تسع وَسَبْعمائة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 فَكَانَت مُدَّة دولته سنة وَفِي ذَلِك يَقُول بَعضهم من الوافر (تَثَنَّى عطْفُ مصر حِينَ وافى ... قدومُ النَّاصر المَلِكِ الخَبِيرِ) (فَذَلَّ الجَشْنَكِير بِلاَ لِقَاءِ ... وأَصْبَحَ وَهْوَ ذٌ وجَأشِ نَكِيرِ) (إِذا لَمْ تئضد الأقدار شَخْصاً ... فأوَّلُ مَا يُرَاعُ مِنَ النِّصِيرِ) وَهُوَ الَّذِي بنى البيبرسية بالدرب الْأَصْفَر وَهَذِه هِيَ الْمرة الثَّالِثَة لعود السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد إِلَى الْملك فدام فِي السلطنة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ عَاما بعد بيبرس الْمَذْكُور وَعظم أمره جدا وَعمر العمائر الهائلة حَتَّى إِنَّه صَار أجل سلاطين مصر من جَمِيع الْوُجُوه وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وتسلطن من وَلَده لصلبه ثَمَانِيَة نفر وَكَانَت مُدَّة ولَايَته فِي المرات الثَّلَاث أَرْبعا وَأَرْبَعين سنة وَخَمْسَة عشر يَوْمًا (تمّ تولى الْأَشْرَف عَليّ كجك بن مُحَمَّد النَّاصِر بن قالوون) تسلطن بعد قتل أَخِيه وَكَانَ قوصون إِذا حضرت الْعَلامَة يَأْخُذ الْقَلَم بِيَدِهِ ويجعله فِي يَد الْأَشْرَف حَتَّى يعلم على المناشير واضطربت الْأَحْوَال وَوَقع التعصب على قوصون فِي الْخَاصَّة والعامة لقبح سيرته مَعَهم فَقَتَلُوهُ ونهبوا دَاره وخلعوا كجك فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بأَخيه أَحْمد ابْن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَحبس كجك بقلعة الْجَبَل إِلَى أَن مَاتَ فِي سلطنة أَخِيه الآخر وَهُوَ الْملك الْكَامِل سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 (ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَحْمد بن قلاوون) تسلطن بعد خلع أَخِيه كجك وَاسْتمرّ إِلَى أَن اخْتَار ترك ملك مصر وَعَاد إِلَى الكرك وَأخذ الْأَمْوَال والذخائر بعد أَن ظلم وتعسف فطلبوه للْملك مرَارًا وَهُوَ مُمْتَنع مُتَعَذر وَترد أجوبته بِخَط كَاتب نَصْرَانِيّ كَانَ مقرباً عِنْده فخلعوه بأَخيه الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن قلاوون وأجلس على تخت الْملك يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر محرم الْحَرَام سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فَكَانَت مدَّته دون الْأَرْبَعَة أشهر فَجهز إِلَيْهِ أَخُوهُ الْملك الصَّالح الجيوش مرّة بعد أُخْرَى وحاصره بالكرك فَلم يقدر النَّاصِر أَحْمد على مقاومة النَّاصِر إِلَى أَن تلاشى أَمر النَّاصِر وَهلك أهل الكرك من الْجُوع وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يمل وَلَا يكل من الْقِتَال والحصار إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَقت الظّهْر ثَانِي عشر صفر سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكتب بذلك إِلَى أَخِيه فَأرْسل الْملك منجك اليوسفي فحز رَأسه وَتوجه بِهِ إِلَيْهِ إِلَى الْقَاهِرَة (ثمَّ تولى الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور ابْن مُحَمَّد قلاوون) تسلطن بعد توجه أَخِيه إِلَى الكرك وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ فِي الْعشْرين من ربيع الأول سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَت مدَّته ثَلَاث سِنِين وشهراً وَثَمَانِية عشر يَوْمًا ورثاه الصَّفَدِي بقوله من الطَّوِيل (مَضَى الصَّالحُ المَرْجو للبأْسِ والنَّدَى ... وَمَنْ لَمْ يَزَلْ يَلْقَى المُنَى بالمَنَائِحِ) (فَيا لَك مِصْر كَيْفَ حَالُكِ بَعْدَهُ ... إِذا نَحْنُ أَثْنَيْنَا عَلَيْكِ بصَالِحِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 (ثمَّ تولى الْملك الْكَامِل شعْبَان بن مُحَمَّد بن قلاوون) تسلطن بعد موت أَخِيه الْملك الصَّالح بِعَهْد مِنْهُ إِلَيْهِ بعد اخْتِلَاف من الْأُمَرَاء فِي إِقَامَته وَإِقَامَة أَخِيه حاجي فاتفقوا عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَمِير نَائِب السلطنة بِشَرْط أَن لَا يلْعَب بالحمام فنقم عَلَيْهِ شعْبَان بعد أَن تسلطن وَأخرجه إِلَى نِيَابَة صفد وَكَانَ جُلُوس الْملك الْكَامِل على سَرِير الْملك يَوْم الْخَمِيس ثَانِي شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فَقَالَ فِيهِ ابْن نباتة الْمصْرِيّ من مخلع الْبَسِيط (شَعْبَانُ سُلْطَانُنَا المُرَجى ... مُبَارَكُ الطَّالِعِ البَدِيعِ) (يَا بَهْجَةَ الدَّهْرِ إذْ تَبَدَّى ... هِلاَلُ شَعْبَانَ فِي رَبِيعِ) وَاسْتمرّ إِلَى أَن خلعه الْأُمَرَاء يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بأَخيه حاجي فَكَانَت مدَّته سنة وَاحِدَة وَسَبْعَة عشر يَوْمًا قَالَ الصَّفَدِي حكى لي سيف الدّين دَاوُد بن أرغون شاه قَالَ مَدَدنا السماط على أَن يَأْكُل الْملك الْكَامِل وجهزنا طَعَام حاجي إِلَيْهِ فِي السجْن فَخرج حاجي وَأكل على السماط وَدخل الْكَامِل السجْن وَأكل الطَّعَام الَّذِي كَانَ لحاجي وَقلت فِي واقعته من السَّرِيع (بيتُ قَلاَوُون مُعَادَاتُهُ ... فِي عاجِلٍ كانَتْ بِلَا آجلِ) (حلَّ عَلَى أمْلاَكِهِ للردى ... دَيْنٌ قَدِ اسْتَوْفَاهُ بالكَامِلِ) وَقتل الْكَامِل يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة (ثمَّ تولى حاجي) وَيُقَال أَمِير الْحَاج ولقب بِالْملكِ المظفر تسلطن بعد خلع أَخِيه الْملك الْكَامِل كَمَا تقدم وَاسْتمرّ إِلَى أَن وَقع بَينه وَبَين الْأُمَرَاء أَشد المنافرة وَتَفَرَّقَتْ عَنهُ قُلُوب النَّاس فَخرج الْأُمَرَاء بِمن مَعَهم إِلَى قبَّة النَّصْر فَركب المظفر وَمن مَعَه إِلَيْهِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 فَتفرق عَنهُ أَصْحَابه فالتقاهم هُوَ بِنَفسِهِ فطعنه أَمِير يلبغا أَمِير مجْلِس فطرحه عَن فرسه وضربه الْأَمِير طَال برقه بالطبر من خَلفه فجرح وَجهه وأصابعه ثمَّ ربطوه وأحضروه إِلَى الْأَمِير أرقطاي النَّائِب ليَقْتُلهُ فَلَمَّا رَآهُ نزل عَن فرسه وَرمى عَلَيْهِ قباءه وَقَالَ أعوذ بِاللَّه هَذَا سُلْطَان ابْن سُلْطَان مَا أَقتلهُ خذوه إِلَى القلعة فأدخلوه إِلَى تربة هُنَاكَ وَقضى الله أمره فِيهِ وَذَلِكَ فِي ثَانِي عشر رَمَضَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَت مدَّته سنة وَثَمَانِية أشهر واثني عشر يَوْمًا وَكَانَ أكبر أَسبَاب عَزله لعبه بالحمام فَقَالَ الصَّفَدِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذَلِك من الْخَفِيف (أيُّهَا العَالِمُ اللَّبِيْبُ تَفَكَّرْ ... فِي المَلِيكِ المُظَفَّرِ الضرْغَامِ) (كَمْ تَمادَى فِي البغْىِ والغيِّ حَتى ... كَانَ لعْبُ الحَمَامِ جِدَّ الحِمَامِ) (تمّ تولى السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون) (من أَوْلَاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون) تسلطن بعد أَخِيه قبله وَكَانَ اسْمه قمارى فَلَمَّا جلس على سَرِير الْملك سَمَّاهُ النَّائِب قمارى فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان يَا عَم مَا اسْمِي إِلَّا حسن مَا أَنا مَمْلُوك فَقَالَ النَّائِب المرسوم مرسومك يَا خوند وَاسْتمرّ فِي الْملك إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة فَوَقَعت بَينه وَبَين الْأَمِير طاز الناصري وَحْشَة فَقَامَ طاز فِي خلعه وسلطنة أَخِيه صَالح فتم لَهُ ذَلِك فَأُخِذَ السُّلْطَان حسن وَحبس بالدور من قلعة الْجَبَل بعد أَن خلع نَفسه وَذَلِكَ فِي أَوَائِل رَجَب من سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة وَكَانَت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 مدَّته ثَلَاث سِنِين وَتِسْعَة أشهر (ثمَّ تولى الْملك الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون) تسلطن بعد أَخِيه حسن وَصَارَ مُدبر مَمْلَكَته الْأَمِير أق طاز وَلَيْسَ للصالح فِيهَا إِلَّا الِاسْم فَقَط إِلَى أَن أخرج طاز الْأَمِير شيخو اللال الْعمريّ الناصري من سجن الْإسْكَنْدَريَّة فَبَقيَ أَمر المملكة إِلَى ثَلَاثَة شيخو أتابك العساكر وَهُوَ أول من سمي بالأمير الْكَبِير وَلبس لَهَا خلعة فَصَارَت الأتابكية وَظِيفَة من يَوْمئِذٍ والأمير طاز أَمِير مجْلِس والأمير صرغتمش رَأس نوبَة النوب ونائب السلطنة إِذْ ذَاك الْأَمِير صلاي وَاسْتمرّ الصَّالح إِلَى أَن خلعه شيخو من السلطنة وَأعَاد حسن فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شَوَّال سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة فَكَانَت مُدَّة الصَّالح ثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر واحتفظ عَلَيْهِ بداره إِلَى أَن توفّي فِي ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَتَوَلَّى أَمر السُّلْطَان حسن وَعظم شَأْنه إِلَى أَن وَقع بَينه وَبَين غُلَامه مَمْلُوك يلبغا الْعمريّ فتحاربا فانكسر حسن إِلَى القلعة فَتَبِعَهُ يلبغا فَهَيَّأَ السُّلْطَان مماليكه لِلْقِتَالِ فَلم يجد لَهُم خيلاً لِأَن الْخَيل كَانَت فِي الرّبيع فَتَزَيا بِغَيْر زيه وهرب فَعرف وَقبض عَلَيْهِ وَلم يعلم مَا وَقع لَهُ وَكَانَت مدَّته هَذِه الثَّانِيَة سِتّ سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَالسُّلْطَان حسن هَذَا هُوَ الَّذِي بنى الْمدرسَة الَّتِي بالرميلة بِمصْر وَهِي من أحسن الْمدَارِس عالية الْبناء وَاسِعَة الفناء ثمَّ عمر لَهَا عمَارَة بأَرْبعَة رُءُوس وَقد وصفهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 المؤرخون وَصفا عجيباً وقصة السُّلْطَان حسن مَعَ الشَّيْخ الْعَلامَة قوام الدّين الْأَتْقَانِيّ حِين قَالَ لَهُ السُّلْطَان مَا الْفرق بَيْنك وَبَين الْحمار فَأجَاب بقوله هَذِه الوسادة وَقد كَانَت بَينهمَا وَفِي أَيَّام السُّلْطَان حسن بنى شيخو جَامعه وخانقاءه وَبنى صرغتمش مدرسة وَقرر الشَّيْخ قوام الدّين فِي تدريسها وَكَانَت مُدَّة تصرف السُّلْطَان حسن أَولا وَثَانِيا عشر سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر ثمَّ قتل بيد مَمْلُوكه يلبغا سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (ثمَّ تولى مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر حاجي) وَيُقَال أَمِير الْحَاج بن مُحَمَّد بن قلاوون وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور بُويِعَ بعد قتل عَمه حسن فِي الْعَام الْمَذْكُور فَأَقَامَ سنتَيْن وَخَمْسَة أشهر ثمَّ خلع فَأَقَامَ بالقلعة مَحْبُوسًا إِلَى أَن مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (ثمَّ تولى الْملك شعْبَان بن حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون) ولقب بِالْملكِ الْأَشْرَف بعد ابْن عَمه قبله إِلَّا أَن الْأُمُور كلهَا بيد يلبغا وشاركه فِي ذَلِك طنبغا الطَّوِيل فَمَا زَالَ يلبغا وطنبغا حَتَّى ظفر بِهِ وَقبض عَلَيْهِ وظلم فاتفق المماليك على قَتله ففز فاشتجاشوا بالسلطان شعْبَان عَلَيْهِ فوافقهم وَنزل إِلَى بولاق وسلطن يلبغا أيزك بن حسن أَخا شعْبَان فَلم يتم لَهُ ذَلِك ثمَّ انهزم يلبغا فَقتل فَأَقَامَ شعْبَان فِي الأتابكية بعده استدمر وخلع عَلَيْهِ فَأَرَادَ استدمر أَن يحذو خذو يلبغا فِي مشاركه السلطنة بعد أَن سكن بالكبش فَلم يُوَافقهُ شعْبَان على شَيْء من ذَلِك فَأَرَادَ استدمر خلع شعْبَان وَركب عَلَيْهِ فانكسر استدمر ومسك وَحبس وَفِي ذَلِك يَقُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 ابْن الْعَطَّار الشَّاعِر من الْبَسِيط (هِلاَلُ شَعْبَانَ جَهْراً لاَحَ فِي صَفَرِ ... بالنَّصْرِ حَتَى أَرَى عِيدًا لشَعْبَانِ) (وأَهْلُ كَبْشٍ كَأَهْلِ الفِيلِ قَدْ أُخِذُوا ... رَجْمًا ومَا انْتَطَحَتْ فِي الكَبْشِ عنزانِ) وَاسْتمرّ شعْبَان عَظِيم الشَّوْكَة إِلَى أَن توجه لِلْحَجِّ سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَأقَام جمَاعَة فِي تَدْبِير المملكة فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ وخلعوه فِي غيبته وسلطنوا وَلَده عليا وَزَعَمُوا أَن شعْبَان بِالْعقبَةِ وصادف قَوْلهم هَذَا أَن الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه خَرجُوا عَلَيْهِ بعقبة أَيْلَة وَانْهَزَمَ مَعَهم وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة واختفى فِي تربة عِنْد قبَّة النَّصْر فَبلغ الْأُمَرَاء الَّذين عصوه فأمسكوا غُلَاما كَانَ مَعَه وضربوه فَأقر فتوجهوا إِلَيْهِ وقتلوه وَقتلُوا من مَعَه من الْأُمَرَاء وَكَانَ قَتله لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة قلت وَمن خيراته بِنَاء مَنَارَة الْحَزْوَرَة كَمَا ذكره القطب وَغَيره والعمود المنقور عَلَيْهِ اسْمه كَانَ قَرِيبا مِنْهَا فَلَمَّا وَقع الْحَرِيق بِالْمَسْجِدِ وَعمر ذَلِك الْجَانِب فرج بن برقوق ثَانِي مُلُوك الشراكسة نقل لَا عَن قصد وَوضع تَحت مَنَارَة بَاب بني سهم الْمَعْرُوف بِبَاب الْعمرَة فيظن الرَّائِي ذَلِك التَّارِيخ فِي العمود أَن الْإِشَارَة فِيهِ إِلَيْهَا لقرب مَكَانَهُ مِنْهَا وانما هُوَ لمنارة الْحَزْوَرَة وَهِي مؤرخة بعام اثْنَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة أحدثت الْعَلامَة الشطفة الخضراء على عمائم الشرفاء ليتميزوا بهَا وَكَانَ ذَلِك بِأَمْر هَذَا السُّلْطَان شعْبَان بن حسن بن النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون الْمَذْكُور فَقَالَ فِي ذَلِك الْعَلامَة أَبُو عبد الله بن جَابر الضَّرِير النَّحْوِيّ صَاحب شرح الألفية الْمَشْهُور بالأعمى والبصير رَحمَه الله تعال من الْكَامِل (جَعَلوا لأَبْنَاءِ النَّبِيِّ عَلاَمَةً ... إنَّ العَلاَمَةَ شَأْنُ مَنْ لَمْ يشْهَر) (نُورُ النُّبُوَّةِ فِي كَرِيم وُجُوهِهِمْ ... يُعْنِي الشًّرِيفَ عَنِ الطِّرَازِ الأَخْضَرِ) وَفِي هَذِه السّنة كَانَ ابْتِدَاء خُرُوج الطاغية تيمورلنك الَّذِي خرب الْبِلَاد وأباد الْعباد فَكَانَ تَارِيخ خُرُوجه عَذَاب وَذَلِكَ سنة 773 وَاسْتمرّ يعثو فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ إِلَى أَن أهلكه الله فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شعْبَان سنة سبع وَثَمَانمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وَسَيَأْتِي ذكره عِنْد ذكر مُلُوك آل عُثْمَان فِي الْبَاب السَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى (ثمَّ تولى بعده وَلَده عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان) (وتلقب بِالْملكِ الْمَنْصُور فِي عَام السَّبع وَالسبْعين والسبعمائة الْمَذْكُور) تسلطن بعد وَالِده وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشر صفر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَت مدَّته خَمْسَة أعوامّ وَخَمْسَة أشهر وَله من الْعُمر ثَلَاثَة عشر يَوْمًا (ثمَّ تولى أَخُوهُ حاجي بن شعْبَان الْأَشْرَف) وتلقب بِالْملكِ الصَّالح بعد مَوته فِي عَام ثَلَاث وَثَمَانِينَ فدام سُلْطَانه عَاما كَامِلا وأشهراً وَكَانَ سنه سِتّ سِنِين وَالْكَلَام لبرقوق ثمَّ خلعه برقوق بعد إِلْزَام لَهُ من الْأُمَرَاء لما وَقع من الْفِتَن وتسلطن برقوق يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ ثمَّ إِن برقوقاً جعل حاجي بن الْأَشْرَف شعْبَان بعد خلعه فِي قلعة الْجَبَل كَمَا هِيَ عَادَة أَوْلَاد السلاطين فاستمر إِلَى سنة خمس وَثَمَانِينَ فثار على برقوق يلبغا الناصري فخلعه وَأعَاد حاجي إِلَى الْملك فتسلطن ثانياًْ وَاسْتمرّ إِلَى أَن حف بِهِ منطاش واستعان بِهِ على حَرْب برقوق بعد أَن أطلق من حبس الكرك فَتوجه حاجي مَعَه لقِتَال برقوق فانتصر عَلَيْهِمَا ومعهما الْخَلِيفَة العباسي فَقتل منطاش وَأمْسك حاجي إِلَى أَن دخل بِهِ إِلَى القلعة بِمصْر وفرش لَهُ الْحَرِير ليمشي عَلَيْهِ فعزل نَفسه ثمَّ جعله بداره بقلعة الْجَبَل مبجلاً إِلَى أَن مَاتَ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شَوَّال سنة أَربع عشرَة وَثَمَانمِائَة فَكَانَت مدَّته الثَّانِيَة هَذِه سَبْعَة أَعْوَام وَنَحْو سِتَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 عشر يَوْمًا ويعزل الصَّالح نَفسه كَمَا ذكر انْقَضتْ الدولة التركية وَأَقْبَلت الدولة الشركسية وَكَانَت مدتهم مائَة وأربعاً وَثَلَاثِينَ سنة وعدة مُلُوكهمْ خَمْسَة وَعشْرين ملكا وَالْملك لله الَّذِي لَا يَزُول ملكه وَلَا يتَحَوَّل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 (الْبَاب السَّادِس) (فِي ذكر الدولة الشركسية بِمصْر وَالشَّام وأعمالهما) اعْلَم أَن الشراكسة جنس من التّرْك فِي جنوب الأَرْض لَهُم مَدَائِن عامرة وَلَهُم جمال ومزارع يزرعون وهم تابعون لسلطان سراي قَاعِدَة ملك خوارزم وملوك هَذِه الطوائف لملك سراي كالرعية يقاتلونهم ويسبون مِنْهُم النِّسَاء وَالْأَوْلَاد ويجلبونهم إِلَى أَطْرَاف الْبِلَاد والأقاليم وَكَانَ الْملك الْمَنْصُور قلاوون الَّذِي هُوَ من مُلُوك الأتراك صَاحب مصر قد استكثر من شِرَاء المماليك الشركسية وَكَذَلِكَ أَوْلَاده وَأَوْلَادهمْ وأدخلوهم فِي الخدم الْخَاصَّة وصاروا سلحدارية وجمدارية وجاشنكيرية وَكَبرُوا عمائهم وسلكوا طرائق أستاذيهم مُلُوك التّرْك وأدخلوا السلطنة وغلبوا عَلَيْهَا واستكثروا من جنسهم وَعمِلُوا قَوَاعِد انتظمت بهَا دولتهم وَولي مِنْهُم وَمن أَوْلَادهم السلطنة بِمصْر اثْنَان وَعِشْرُونَ ملكا وَكَانَ ابْتِدَاء ملكهم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَمُدَّة ملكهم مائَة وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ سنة فأولهم (السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين) (أَبُو سعيد برقوق بن آنص العثماني كَذَا ذكره المقريزي فِي خططه ) قَامَ بدولة الشراكسة جلبه عُثْمَان بن مُسَافر فَلذَلِك يُقَال لَهُ برقوق العثماني فَاشْتَرَاهُ الأتابك يلبغا الْعمريّ وَهُوَ من جملَة الأتراك الَّذين مسهم الرّقّ مماليك بني أَيُّوب وَإِنَّمَا سمى برقوق لجحوظ فِي عَيْنَيْهِ وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن صَار أَمِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 مائَة مقدم ألف وَكَانَ أتابكاً للْملك الصَّالح حاجي بن الْأَشْرَف شعْبَان بن حسن بن النَّاصِر بن مُحَمَّد قلاوون وَهُوَ الرَّابِع وَالْعشْرُونَ من مُلُوك الأتراك مماليك الأيوبية المتغلبين عَلَيْهِم وَكَانَ إِذْ ذَاك سنّ الْملك الصَّالح حاجي لما ولي السلطنة عشرَة أَعْوَام وَلَيْسَ لَهُ من السلطنة إِلَّا الِاسْم فألزم الْأُمَرَاء برقوق بخلع الْملك الصَّالح حاجي وبتوليته السلطنة بدله فَخلع بعد سنة وَنصف كَمَا تقدم وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ برقوق مُتَمَكنًا من المملكة جمع الْأَمْوَال والخزائن وَاشْترى المماليك الشركسية فتمكنت من الْملك وتلاعبت بعده المماليك الشركسية بِملك مصر وصاروا مُلُوكهَا وسلاطنيها بِالْقُوَّةِ والغلب والاستيلاء وَكَانَت تقع بَينهم فتن وجدال وجلاد وَقتل نفوس وَحرب بسوس وَخَوف وبؤس إِلَى أَن يسْتَقرّ الْأَمر لوَاحِد مِنْهُم فيركب فِي شعار السلطنة وَكَانَ من شعار سلاطنيهم عِمَامَة كَبِيرَة ملفوفة مكلفة يجْعَلُونَ فِي مقدمها ويمينها ويسارها شكل سِتَّة قُرُون بارزة من نفس الْعِمَامَة ملفوفة من نفس الشاش يلبسهَا السُّلْطَان فِي موكبه وديوانه وَذَلِكَ عرف لَهُم وَالْعرْف يحسن ويقبح ويلبس قفطاناً يكون على كتفه قِطْعَة طراز مزركش بِالذَّهَب وَمثله على كتفه الْأَيْسَر ويلبسه الْأُمَرَاء أَيْضا فَلَيْسَ مَخْصُوصًا بالسلطان ويخلع بِمثل هَذَا القفطان على من أَرَادَ وَتحمل على رَأس السُّلْطَان قبَّة صَغِيرَة لَطِيفَة كالجسر فِي وَسطهَا صوره طير صَغِير يظلل السُّلْطَان بِتِلْكَ الْقبَّة وَالَّذِي يحملهَا على رَأس السُّلْطَان هُوَ أَمِير كَبِير وظيفته أَن يصير سُلْطَانا بعد ذَلِك وأكابر أمرائه أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا بطبلخانة تضرب على أَبْوَابهم صبحاً وعصرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 كل وَاحِد مِنْهُم أَمِير بَابه مقدم ألف بِمَنْزِلَة البيكلاربيكية عِنْدهم ودونهم أَمِير عشرَة مقدم مائَة بِمَنْزِلَة السنجق كل وَاحِد مِنْهُم عمَامَته بقرنين فَقَط ودونهم الخاصكية يكون لَهُ فرس وخادم وعَلى رَأسه زنط عَلَيْهِ عِمَامَة بعذبة يديرها تَحت حنكه ودونهم وهم المشاة على رُءُوسهم طواقٍ من جوخ أَحْمَر ضيق مدخله وَاسع آخِره لاطئ بِرَأْسِهِ وملبوسُ أكثرِهم اللطةُ الْبَيْضَاء المصقولة يكون على كَتفيهِ طرازان من مخمل وأطلس مزركش وَفِي أوساطهم شدود بيض مصقولة يشدونها ويسدلونها ويسدلون أطرافها إِلَى أَنْصَاف سوقهم وَكَأن خيال السلطنة فِي دماغ كل وَاحِد مِنْهُم من حِين يُجلب إِلَى السُّوق إِلَى أَن يَمُوت حَتَّى إِن وَاحِدًا مِنْهُم جلب وَهُوَ حقير فَاحش الْقرعَة فَاحش العرَج قَالَ للدلال الَّذِي يَبِيعهُ هَل اتّفق تولي الْأَقْرَع الْأَعْرَج سُلْطَانا فِي مصر وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 لَهُم سماحة وحماسة وصداقة لمن صادقوه وَكَانَت أرزاق مصر بِأَيْدِيهِم وَأهل مصر تتلاعب بهم فِيمَا بيدهم من الأرزاق ثمَّ لما تسلطن برقوق اسْتمرّ سُلْطَانا وَأَنْشَأَ الْمدرسَة الَّتِي بِمصْر بَين القصرين كَانَ مشد عمارتها شركس الخليلي فَقيل فِي ذَلِك الْعَمَل من الْبَسِيط (قَدْ أَنْشَأَ الظَّاهِرُ السُّلْطَان مَدْرَسَةً ... فَاقَتْ عَلَى إِرَم فِي سُرْعَةِ العَمَلِ) (يَكْفِي الخَلِيلَ بِأَنْ جَاءَتْ لخدْمَته ... صمُّ الجِبَالِ لَها تَمشي عَلَى عَجَلِ) فَأَقَامَ سُلْطَانا إِلَى أَن اخْتلف عَلَيْهِ الْأُمَرَاء فَخرج عَلَيْهِ تمربغا الأفضلي ويلبغا الْعمريّ فجهَّز عَلَيْهِمَا عَسَاكِر فَكسر وقوى أَمرهمَا وملكا مصر فَإِن برقوقاً عجز عَن النهوض وَقبض عَلَيْهِ فَأخْرج حاجي من دور القلعة وأعيد إِلَى السلطنة وَحبس برقوق بالكرك ثمَّ تسحب من الْحَبْس وَجمع الجيوش وَقَاتل وَغلب على المملكة وأعيد إِلَى السلطنة وَصَارَ يتتبع أعداءه وَمن خرج عَلَيْهِ وَيقدم من وَافقه وحالفه إِلَى أَن اصطفاهم وَمَا صفا لَهُ الزَّمَان وَظن أَنه آمن وَأَيْنَ الْأمان وبرق برق الزيال على برقوق وَشَاهد الِانْفِصَال فعهد بالسلطنة إِلَى وَلَده النَّاصِر فرج وَتُوفِّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى لَيْلَة الْجُمُعَة وَقت التَّسْبِيح منتصف شَوَّال سنة وَاحِد وَثَمَانمِائَة وَفِي ذَلِك يَقُول أَحْمد الْمقري رَحمَه الله تعال من الطَّوِيل (مَضَى الظَّاهِرُ السُّلْطَانُ أَكْرَمُ مَالِكٍ ... إِلَى رَبِّهِ يَرْقَى إِلَى الخُلْدِ فِي الدَّرَجْ) (وقَالُوا سَتَأْتِي شِدَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ... فَأَكْذَبَهُمْ رَبِّي وَمَا جَا سِوى فَرَجْ) وَخلف برقوق من الذَّهَب الْعين ألفي ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وَمن الْخَيل المسومة وَالْبِغَال الفارهة سِتَّة آلَاف وَمن الْجمال خَمْسَة آلَاف وَكَانَ عليق دوابه كل شهر أحد عشر ألف أردب شعير وفول وَكَانَت مُدَّة تصرفه سِتّ عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 (ثمَّ تولى ابْنه الْملك النَّاصِر) أَبُو السعادات فرج بن برقوق عِنْد وَفَاة أَبِيه كَمَا تقدم صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة منتصف شَوَّال سنة ثَمَانمِائَة وَوَاحِدَة وَصَارَ الْأَمِير أيتمش مُدبر مَمْلَكَته والأمير يشبك خازنداره فَوَقَعت بَينهمَا منافرات أدَّت إِلَى مشاجرة ثمَّ إِلَى قتال فانكسر أيتمش فهرب إِلَى نَائِب الشَّام وجيش جيوشاَ على النَّاصِر ويشبك فَخرج النَّاصِر لقتالهم فَهَزَمَهُمْ واضطربت أَحْوَال مصر لاخْتِلَاف الْكَلِمَة ثمَّ وصل تيمورلنك إِلَى بِلَاد الشَّام وَأَخذهَا من سردون الظَّاهِرِيّ فَخرج إِلَيْهِ النَّاصِر فرج فَوَجَدَهُ قد توجه إِلَى بِلَاد الرّوم فَأعْطى الشَّام لتغري بردي وَعَاد إِلَى مصر سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَمن خيرات فرج تعميره الْمَسْجِد الْحَرَام من الْحَرِيق الْوَاقِع بِهِ لَيْلَة السبت لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال سنة ثَمَانمِائَة واثنتين وَسَببه ظُهُور نَار من رِبَاط راشت الملاصق لباب الْحَزْوَرَة من أَبْوَاب الْمَسْجِد فِي الْجَانِب الغربي مِنْهُ وراشت هُوَ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن الْفَارِسِي وقف هَذَا الرِّبَاط على الرِّجَال الصُّوفِيَّة أَصْحَاب المرقعات فِي سنة 529 خَمْسمِائَة وتسع وَعشْرين فوشت النَّار من سراج تَركه فِي الْخلْوَة فَاحْتَرَقَ مَا فِي الْخلْوَة وعلق الْحَرِيق من شباك الْخلْوَة إِلَى سقف الْمَسْجِد فاشتعل سقف الْمَسْجِد وعجزوا عَن إطفائه لارْتِفَاع السّقف فاحترقت الأروقة من ابْتِدَاء الْحَرِيق إِلَى بَاب العجلة فَأرْسل فرج الْأَمِير بيسق سنة ثَمَانمِائَة وَثَلَاث إِلَى مَكَّة وَكَانَ هُوَ أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فعمر الْمَسْجِد الْحَرَام فِي مُدَّة يسيرَة وكملت فِي أَوَاخِر شعْبَان سنة أَربع وَثَمَانمِائَة وَمن جملَة خيراته أَنه لما رأى رِبَاط راشت وَمَا آل إِلَيْهِ بعد الْحَرِيق من الخراب حَتَّى صَار سباطة بذلك الْمحل أَمر بإعادته رِبَاطًا كَمَا كَانَ وَصرف عَلَيْهِ من مَاله إِلَى أَن عَاد أحسن من الأول وَيُسمى هَذَا الرِّبَاط الْآن رِبَاط الْخَاص سَببه أَنه اسْتَأْجرهُ وعمره بعد تهدمه فِي أواسط الْقرن الْعَاشِر وَالْخَاص من طَائِفَة المباشرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 فِي ديوَان السُّلْطَان بِمصْر من خدمَة السُّلْطَان جقمق العلائي وَمن بعده وَكَانَ هَذَا بيسق الْأَمِير من أهل الْخَيْر رَحمَه الله ثمَّ كثرت الْفِتَن بِمصْر من الْأُمَرَاء الظَّاهِرِيَّة على فرج إِلَى أَن ضجر من ذَلِك وهرب من القلعة بعد الْعشَاء لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ سادس ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة فاختفى عِنْد سعد الدّين بن عرب أحد رُءُوس المباشرين فأخفاه عِنْده فَأصْبح الْأُمَرَاء فاقديه فأقاموا فِي السلطنة أَخَاهُ الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز بن برقوق فتلاشت أُمُور المملكة لصِغَر سنه وَاخْتِلَاف الْأُمَرَاء عَلَيْهِ فَظهر النَّاصِر فرج بعد هروبه واختفائه وَركب مَعَه أُمَرَاء من مماليك أَبِيه فَأخذ القلعة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَانمِائَة وثمان وَنفى أَخَوَيْهِ عبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فتوفيا بهَا واتهم فرج بِقَتْلِهِمَا فِي سنة تسع وَثَمَانمِائَة ثمَّ صَار الْملك النَّاصِر يتتبع أعداءه من الْأُمَرَاء فيقتلهم وَاحِدًا بعد وَاحِد فتجمعوا عَلَيْهِ وَخَرجُوا عَن طَاعَته وقاتلوه فَهَزَمَهُمْ وَخَرجُوا إِلَى الشَّام فَتَبِعهُمْ وصاروا يمكرون بِهِ ويهربون عَنهُ ويتعبونه فِي طَلَبهمْ إِلَى أَن مل مِنْهُ الخدم والأتباع فصادفوه فِي طَلَبهمْ بعد التَّعَب والدأب وَهُوَ وَمن مَعَه قد أتعبوا خيولهم فِي طَلَبهمْ من الْعشَاء إِلَى الصَّباح وأشرفوا عَلَيْهِ فَحمل النَّاصِر وَمن مَعَه وهم نفر قَلِيل على أعدائه وهم متوفرون كَثِيرُونَ فَمَنعه أَصْحَابه من هَذِه الحملة وَعَلمُوا أَنهم فِي قلَّة فَلم يطعهم وأطاع غروره وجهله واغتر بشجاعته وَظن أَن لَا يُقَابله أحد فدارت عَلَيْهِ الدَّوَائِر فَمَا كَانَ للناصر من قُوَّة وَلَا نَاصِر فأُخِذَ وَقيد وَحبس بقلعة دمشق إِلَى أَن قتل بأيدي المشاعلية بالسكاكين فِي لَيْلَة السبت منتصف صفر سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَأُلْقِي بعد هَذِه القتلة على سباطة مزبلة وَهُوَ عُرْيَان عَن اللبَاس تمر بِهِ النَّاس تنظر إِلَى ذَلِك الْبدن الممتهن والجسد العاري الممتحن إِلَى أَن عطف الله بعض الْأَنَام بعد عدَّة أَيَّام فَحَمله وغسله وكفنه وواراه فِي مَقْبرَة بَاب الفراديس وَوَقع فِي أَيَّام فرج بن برقوق الْمَذْكُور أَن سُلْطَان كاله من سلاطين الْهِنْد وَهُوَ غياث الدّين أعظم شاه بن إسكندر شاه أرسل إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين صَدَقَة كَبِيرَة مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 خادمه ياقوت الغياثي ليتصدق بهَا على أهل الْحَرَمَيْنِ ويعمر لَهُ بِمَكَّة مدرسة ورباطاً وَيُوقف على ذَلِك جِهَات يصرف ريعها على أَفعَال الْبر كالتدريس وَنَحْوه وَكَانَ ذَلِك بِإِشَارَة وزيره خَان جهان فوصل ياقوت الْمَذْكُور بأوراق سلطانية إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن بن عجلَان شرِيف مَكَّة يَوْمئِذٍ مَعَ هَدَايَا جليلة إِلَيْهِ فقبلها وَأَن يفعل مَا أَمر بِهِ السُّلْطَان غياث الدّين لكنه أَخذ ثلث الصَّدَقَة على معتاده ومعتاد آبَائِهِ ووزع الْبَاقِي على الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء والفقراء فَاشْترى ياقوت الغياثي لعمارة الْمدرسَة والرباط دارين متلاصقتين على بَاب أم هَانِئ هدمهما وبناهما رِبَاطًا ومدرسة وَاشْترى أصيلتين وَأَرْبع وجبات من مَاء الريحاني وَجعلهَا وَقفا على الْمدرسَة وَجعل لَهَا أَرْبَعَة مدرسين وَاشْترى دَارا مُقَابلَة للمدرسة الْمَذْكُورَة بِخَمْسِمِائَة مِثْقَال ذَهَبا ووقفها على مصَالح الرِّبَاط وَأخذ مِنْهُ السَّيِّد حسن بن عجلَان فِي الدَّاريْنِ اللَّتَيْنِ بناهما رِبَاطًا ومدرسة والأصيلتين والأربع وجبات من قَرَار عين الريحاني اثْنَي عشر ألف مِثْقَال ذَهَبا وَأخذ مِنْهُ مبلغا لَا يعلم قدره كَانَ جهزه مَعَه سُلْطَانه لتعمير عين عَرَفَة فَذكر مَوْلَانَا أَنه يصرف ذَلِك على عمارتها فعين الشريف أحد قواده وَهُوَ الشهَاب بركوت المكيني لتفقد عين بازان وإصلاحها وَإِصْلَاح البركتين وكانتا معطلتين فأصلحهما وَكَانَ خَان جهان الْمَذْكُور أرسل مَعَ ياقوت الغيائي الْمَذْكُور خَادِمًا لَهُ يُسمى إقبال أرْسلهُ بِصَدقَة أُخْرَى من عِنْده لأهل الْمَدِينَة وجهز مَعَه مَالا يَبْنِي لَهُ بِهِ مدرسة ورباطاً وهدية لأمير الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ وَهُوَ الْأَمِير جماز الْحُسَيْنِي فَانْكَسَرت السَّفِينَة الَّتِي بهَا الْأَمْوَال بِقرب جدة فَأخذ الشريف حسن ربع مَا خرج من الْبَحْر على عَادَتهم فِي المكسر وَأخذ مَا يتَعَلَّق بالأمير جماز لِأَنَّهُ عصى وَظهر مِنْهُ شنائع فِي الْمَدِينَة من أَخذ مِفْتَاح خزانَة النَّبِي من قَاضِي الْمَدِينَة جبرا بعد إهانته وَهُوَ القَاضِي زين الدّين أَبُو بكر بن الْحُسَيْن المراغي وَضرب شيخ الخدام وَأخذ من خزانَة النَّبِي إِحْدَى عشرَة خوشخانة وصندوقين كبيرين وصندوقاً صَغِيرا كلهَا ممهورة فِيهَا ذهب مودعة لملوك الْعرَاق وَخَمْسَة آلَاف كفن أَرَادَهُ وَأخذ قناديل الذَّهَب من الْحُجْرَة فَمَنعه الله ورجمته الْعَامَّة فهرب من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَأَخذه الله وَنهب الْعَرَب كل مَا مَعَه فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف حسن بن عجلَان إِلَى الْمَدِينَة عسكراً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وصلوا إِلَيْهَا بعد خراب الْبَصْرَة فولى عَلَيْهَا الشريف حسن بن عجلَان غير الْحُسَيْنِي الْمَذْكُور وكل ذَلِك سنة إِحْدَى عشرَة وَثَمَانمِائَة وَلما قتل النَّاصِر فرج مَا أقدم أحد من الشراكسة على التَّلَبُّس بالسلطنة خوفًا من مخاصمة الْعَسْكَر (ثمَّ ولي الْخَلِيفَة العباسي) ولَّوْه بالجبر وَهُوَ المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل العباسي الْمصْرِيّ بعد تمنع شَدِيد وَكَانَ الْقَائِم بتدبير المملكة الْأَمِير شيخ المحمودي فاستمر المستعين بِاللَّه سِتَّة أشهر وأياماً وخلع وَكَانَ استناب الْمُؤَيد شيخ وشاركه فِي الْخطْبَة وَالْأَمر للمؤيد (ثمَّ تولى الْأَمِير شيخ المحمودي) وتلقب بِالْملكِ الْمُؤَيد فِي مستهل شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَ أَصله من مماليك الظَّاهِر برقوق اشْتَرَاهُ من تَاجر يُسمى مَحْمُود اليزدي فَأعْتقهُ فَلذَلِك يُقَال لَهُ المحمودي ثمَّ جعله أَمِير عشرَة ثمَّ صَاحب طبلخانة ثمَّ مقدم ألف ثمَّ ولي نِيَابَة طرابلس فَأسرهُ تيمور لما أسر نواب الْبِلَاد الشامية ثمَّ هرب مِنْهُ إِلَى أَن آل أمره أَن صَار سُلْطَانا فخدم المستعين وَعصى عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 نواب الْبِلَاد الشامية فَتوجه لقتالهم مرَارًا كَثِيرَة وافتتح الشَّام وَغَيرهَا ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَكَانَ يَعْتَرِيه ألم المفاصل فَصَارَ يُحمل على الأكتاف ويركب المحفة وَكَانَ شجاعاً مقداماً مهيباً وَكَانَت أسواق ذَوي الْأَدَب نافقة عِنْده لجودة فهمه وذوقه وَكَانَ يحب الْعلمَاء والفضلاء ويجل قدرهم وَبنى مدرسته الْمَوْجُودَة الْآن فَبَدَأَ فِي عمارتها سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَ سنه عشْرين سنة قلت وَهُوَ الْبَانِي للجامع الْمَشْهُور بِجَامِع المؤيدية وَبِه المنارة الَّتِي توارد عَلَيْهَا شَيخا الْإِسْلَام الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي الشَّافِعِي والعلامة الإِمَام الْهمام مَحْمُود الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ وَذَلِكَ لما أَن ظهر فِي المنارة اختلال بعد بنائها فَقَالَ الْحَافِظ الْمَذْكُور هذَيْن الْبَيْتَيْنِ يعرض فيهمَا بِهِ فِي ستر التورية من الطَّوِيل (لِجَامِعِ مَوْلاَنَا المُؤَيّدِ بَهْجَةٌ ... مَنَارَتُهُ بالحُسْنِ تَزْهُو وبالزَّيْنِ) (تَقُولُ وَقَدْ مَالَتْ عَنِ القَصْدِ أَمْهِلُوا ... فَلَيْسَ عَلَى جِسْمِي أَضَرُّ مِنَ العَيْنِ) فوصل خبر الْبَيْتَيْنِ إِلَى الإِمَام الْعَلامَة مَحْمُود الْعَيْنِيّ فَقَالَ فِي جوابهما معرضًا ستر التورية كَذَلِك من الْبَسِيط (مَنَارةٌ كَعَرُوسِ الحُسْنِ إِذْ جُلِيَتُ ... وَهَدْمُهَا بِقَضَاءِ اللِّهِ والقَدَرِ) (قَالُوا أُصِيبَتْ بِعَيْنِ قُلْتُ ذَا غَلَطٌ ... مَا أَوْجَبَ الهَدْمَ إلاَّ خِسَّةُ الحَجَرِ) قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر والبيتان قد عملهما لَهُ النواجي لَا سامحه الله سامح الله الْجَمِيع وَمن أعجب مَا وَقع لَهُ فِي أَيَّامه أَن جملا لجمال يُقَال لَهُ الفاروني يحمِّله فَوق طاقته فهرب أثْنَاء جُمَادَى الْآخِرَة من تِلْكَ السّنة وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَلم يزل يطوف بِالْبَيْتِ وَالنَّاس حوله يُرِيدُونَ إِمْسَاكه فيعضهم وَلَا يُمكن من نَفسه فَتَرَكُوهُ حَتَّى أتم ثَلَاثَة أسابيع ثمَّ جَاءَ إِلَى الْحجر الْأسود فَقبله ثمَّ توجه إِلَى جِهَة مقَام الْحَنَفِيّ ووقف هُنَاكَ تجاه الْمِيزَاب الشريف فبرك عِنْده وَبكى وَألقى نَفسه على الأَرْض وَمَات فَحَمله النَّاس إِلَى بَين الصَّفَا والمروة ودفنوه هُنَاكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 وَفِي آخر سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة أرسل الْمُؤَيد منبراً حسنا إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ودرجة الْكَعْبَة وَوصل ذَلِك فِي موسم السّنة الْمَذْكُورَة وخطب الْخَطِيب على الْمِنْبَر الْجَدِيد خطْبَة التَّرويَة يَوْم سَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَكَانَت وَفَاة الْمُؤَيد شيخ المحمودي يَوْم الْإِثْنَيْنِ لتسْع خلون من الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثَمَان سِنِين وَخَمْسَة أشهر (ثمَّ تولى بعده وَلَده الْملك المظفر) أَبُو السعادات أَحْمد بن الْمُؤَيد بِعَهْد مِنْهُ وعمره إِذْ ذَاك سنة وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة أَيَّام وَصَارَ مُدبر مَمْلَكَته الْأَمِير ططر أَمِير مجْلِس أتابك العساكر وَخَالف عَلَيْهِ أَمِير الشَّام وَمن مَعَه فتجهز ططر عَلَيْهِم وَمَعَهُ الْملك المظفر أَحْمد طفْلا وَقَاتلهمْ وَقتل كثيرا مِنْهُم إِلَى أَن صفا لَهُ الْوَقْت فَخلع الْملك المظفر أَحْمد (ثمَّ تولى ططر) وتسلطن عوضه يَوْم الْجُمُعَة لليلة بقيت من شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَرجع بالمظفر إِلَى مصر وَاسْتمرّ بالقلعة إِلَى أَن نقل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَتوفي بهَا مطعوناً فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَت مُدَّة سلطنته سَبْعَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا وَنقل إِلَى الْجَامِع المؤيدي دَاخل بَاب زويله رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ ططر من مماليك الظَّاهِر برقوق أعْتقهُ وَقدمه وَلَا زَالَ يترقى إِلَى أَن صَار عِنْد الْمُؤَيد رَأس نوبَة ثمَّ أَمِير مجْلِس ثمَّ تسلطن وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر لقب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 أستاذه ومهد الممالك وَقبض على الْمُخَالفين عَلَيْهِ وَقرب المحالفين لَهُ وَله آثَار جميلَة ومقاصد حَسَنَة جليلة من أعظمها أَنه قرر لصَاحب مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان عشْرين ألف دِينَار تحمل إِلَيْهِ من خزينة مصر كل عَام وَجعل ذَلِك فِي مُقَابلَة ترك المكس على الخضرة والفواكه والحبوب وَغَيرهَا بِمَكَّة وَأمر أَن يكْتب عَهده واعترافه بذلك على سواري الْمَسْجِد من نَاحيَة بَاب السَّلَام وَمن نَاحيَة بَاب الصَّفَا والسواري الْمَكْتُوبَة بِهَذَا الْعَهْد مَوْجُودَة إِلَى الْآن فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ثمَّ توفّي يَوْم الْأَحَد لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَكَانَت مُدَّة ملكه أَرْبَعَة وَتِسْعين يَوْمًا (ثمَّ تولى بعده ابْنه الْملك مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر) وعمره نَحْو الْعشْر سنوات وأتابكه ومدبر مَمْلَكَته الأتابك جَان بيك الصُّوفِي إِلَى أَن تغلب على الأتابك برسباي الدقماقي فَقبض عَلَيْهِ وأرسله إِلَى السجْن الْإسْكَنْدَريَّة فَصَارَ أتابكاً مَكَانَهُ واستبد بِأُمُور الْملك من غير مشارك فَخلع الْملك الصَّالح يَوْم الْأَرْبَعَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَمُدَّة ملكه ثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا وعمره عشرُون سنة وَاسْتمرّ بعد الْخلْع عِنْد والدته بالقلعة إِلَى أَن توفّي بالطاعون (ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي) اشْتَرَاهُ الْأَمِير دقماق الظَّاهِرِيّ نَائِب ملطية وَقدمه إِلَى الظَّاهِر برقوق هَدِيَّة فَأعْتقهُ وقربه ورقاه إِلَى أَن ولاه الْملك الْمُؤَيد مقدم ألف وَاسْتمرّ إِلَى أَن تسلطن بعد قَبضه على مُحَمَّد بن ططر وَمن جملَة مناقبه أَنه أَخذ بِلَاد قبرس وَأسر ملكهَا فِي سنة تسع وَعشْرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 وَثَمَانمِائَة وَهُوَ فِي تخت مَمْلَكَته لم يَتَحَرَّك وَكَانَ عَاقِلا مُدبرا سيوساً محباً لجمع المَال اشْترى من مَاله ثَلَاثَة آلَاف مَمْلُوك شركسي وَفتح آمد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَبنى مدرسته الأشرفية الَّتِي أَنْشَأَهَا بِمصْر على رَأس الوراقين وعلق خوذة ملك آمد الَّتِي أَخذهَا بعد قَتله علقها بدهليز مدرسته بَين الْبَابَيْنِ بسلسلة وَله خبرات كَثِيرَة توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَمُدَّة ولَايَته سِتَّة عشر سنة وَثَمَانِية أشهر وَأَيَّام (ثمَّ تولى بعده وَلَده يَوْم مَوته) (الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن برسباي وعمره أَرْبَعَة عشر عَاما) وَصَارَ مُدبر مَمْلَكَته الأتابك جقمق العلائي وَلَا زَالَ يقوى أمره والأقدار تساعد إِلَى أَن خلع الْعَزِيز بعد أَن تسلطن نَحوا من ثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام لم يكن لَهُ فِيهَا سوى الِاسْم ثمَّ ولي مَكَانَهُ يَوْم الْأَرْبَعَاء لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة ولقب بِالْملكِ الظَّاهِر سيف الدّين وكني بِأبي سعيد جقمق العلائي وَجلسَ على سَرِير المملكة والعلائي نِسْبَة إِلَى مُشْتَرِيه عَلَاء الدّين فنسب إِلَيْهِ فَقيل العلائي ثمَّ انْتقل إِلَى الظَّاهِر برقوق فَقيل الظَّاهِرِيّ وَكَانَ عِنْد الظَّاهِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 برقوق خاصكياً ثمَّ صَار فِي دولة النَّاصِر فرج بن برقوف ساقياً ثمَّ أَمِير عشرَة مقدم مائَة ثمَّ فِي دولة الْمُؤَيد خازنداراً ثمَّ من مقدمي الألوف ثمَّ فِي الدولة الأشرفية حَاجِب الْحجاب ثمَّ أَمِير آخور كَبِير ثمَّ أَمِير سلَاح ثمَّ صَار أتابكاً إِلَى أَن تسلطن فَخرج عَن طَاعَته الْأَمِير قرقماس فقاتله وظفر بِهِ وسجنه فِي الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ قَتله ثمَّ خرج عَن طَاعَته نَائِب حلب تغري برمش ثمَّ أينال الْحكمِي نَائِب الشَّام فَجهز عَلَيْهِمَا العساكر فَقَتَلَهُمَا وَاحِدًا بعد وَاحِد وَبعد قتل هَؤُلَاءِ صفا لَهُ الْوَقْت فَأخذ وَأعْطى وأقدم وسطا وَكَانَ متواضعاً محباً للْفُقَرَاء وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ يمِيل إِلَى تربية الْأَيْتَام وَيحسن إِلَيْهِم عفيفاً عَن الْمُنْكَرَات طَاهِر الْفَم والذيل لَا يعلم من مُلُوك الشراكسة قبله وَلَا بعده أعف مِنْهُ وَكَانَ على قَاعِدَة الأتراك الدَّعْوَى عِنْده لمن يسْبق يذاكر بمسائل فقهية ويتعصب لمَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَملك مصر نَحْو خمس عشرَة سنة وَمن أول مَا عمل فِي ولَايَته أَن أرسل إِلَى شرِيف مَكَّة الشريف بَرَكَات بن حسن ابْن عجلَان بخلَع ومراسيم وَأرْسل إِلَيْهِ سودون المحمدي ليَكُون أَمِيرا على خمسين فَارِسًا من التّرْك مقيمين بِمَكَّة وَفِي سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَردت القصاد من مصر تخبر أَن الْملك الظَّاهِر جقمق زَاد بِهِ الْمَرَض فَخلع نَفسه من السلطنة يَوْم الْخَمِيس لسبع بَقينَ من محرم السّنة الْمَذْكُورَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 (ثمَّ تولى بعده أَبُو السعادات فَخر الدّين عُثْمَان بن حقمق) ولقب بِالْملكِ الْمَنْصُور وَرَضي النَّاس بِهِ واطمأنوا وسنه إِذْ ذَاك دون الْعشْرين وَركب فِي شعار السلطنة وَحمل الأتابك أينال العلاتي أَمِير كَبِير الْقبَّة وَالطير على رَأسه وَقد تقدم أَن من قواعدهم أَن لَا يحملهَا إِلَّا من يَلِي السلطنة بعد الْمُتَوَلِي المحمولة لَهُ وَجلسَ على تخت السلطنة فِي قلعة الْجَبَل وباشر الْأُمُور إِلَى أَن توفّي وَالِده بعد ولَايَته بِاثْنَيْ عشر يَوْمًا فَوَقَعت فتْنَة بَين الْأُمَرَاء فَخلع عُثْمَان بن جقمق فقاتل بعد الْخلْع قتالاً شَدِيدا ثمَّ حبس فتسحب من الْحَبْس فظفر بِهِ وَقبض عَلَيْهِ وَأرْسل إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة فسجن إِلَى سنة أَربع وَسِتِّينَ فَأَطْلقهُ السُّلْطَان خشقدم وَأمر بإكرامه وَهُوَ بالإسكندرية وَكَانَت مدَّته نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا (ثمَّ تولى الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر أينال العلائي) يَوْم خلع عُثْمَان صَبِيحَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان مضين من ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وأينال مَمْلُوك لبرقوق اشْتَرَاهُ ثمَّ أعْتقهُ ابْنه فرج ثمَّ رقاه جقمق إِلَى أَن جعله أتابكاً وَاسْتمرّ إِلَى أَن تسلطن وطالت أَيَّامه نَحْو ثَمَان سِنِين وشهرين وَكَانَ طَويلا خَفِيف اللِّحْيَة بِحَيْثُ اشْتهر بأينال الأجرود وَكَانَ قَلِيل الظُّلم قَلِيل سفك الدِّمَاء متجاوزاً عَن التَّقْصِير وَفِي أَيَّامه ولى الْأَمِير جَان بك مشدا على جدة وَهُوَ الَّذِي التمس مِنْهُ الشريف بَرَكَات أَن يلْتَمس من السُّلْطَان إِقَامَة وَلَده مُحَمَّد بن بَرَكَات مقَامه فِي شرافة مَكَّة كَمَا سَيَأْتِي فِي ذكر بَرَكَات بن حسن بن عجلَان فِي الخاتمة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ الْبَانِي للبستان أَعنِي جَان بك الَّذِي على يسَار الذَّاهِب إِلَى منى الْمَعْرُوف ببستان جَان بك وحفر فِيهِ عدَّة آبار وغرس مَا قدر عَلَيْهِ من الْأَشْجَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 حَتَّى شجر التَّمْر هندي قلت وَهُوَ الْآن مَوْجُود وَفِيه المربعة الَّتِي تحتهَا السَّبِيل الْمُعَطل وَفِي الْبُسْتَان شَيْء من الْأَشْجَار وَقَلِيل من الْخضر وَاسْتمرّ أينال سُلْطَانا إِلَى أَن خلع نَفسه من السلطنة لوَلَده الْملك الْمُؤَيد شهَاب الدّين أبي الْفَتْح أَحْمد بن أينال العلائي (ثمَّ تولى ابْنه أَحْمد الْمَذْكُور ابْن أينال ولقب بِالْملكِ الْمُؤَيد) كَمَا مر آنِفا يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي وَالِده أينال بعد ولَايَته بِيَوْم وَاحِد فاستمر خَمْسَة أشهر وَخَمْسَة أَيَّام ثمَّ خلع فَإِن الطوائف اتَّفقُوا على خلعه من غير مُوجب بالأتابك خشقدم فخلعوه ثمَّ حبسوه بالإسكندرية إِلَى أَن أطلقته تمربغا فِي أَيَّام سلطنته يَوْم الْأَحَد لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة (ثمَّ تولى أتابكه الْملك الْعَادِل سيف الدّين خشقدم الناصري) وَهُوَ رومي اشْتَرَاهُ الْملك الْمُؤَيد وَأعْتقهُ وَصَارَ خاصكياً عِنْده ثمَّ تنقلت بِهِ الدولة إِلَى أَن جعله أينال أتابكاً لوَلَده فخلعه بعد خَمْسَة أشهر وتسلطن مَكَانَهُ وَكَانَ خشقدم محباً للخير وكسا الْكَعْبَة فِي أول ولَايَته على الْعَادة وَكَانَ حسن السِّيرَة إِلَّا أَنه كَانَ فِيهِ شح وطمع ويرضى بإفساد مماليكه فِي أُمُور الْمُسلمين فَلذَلِك تمنى النَّاس زَوَاله حَتَّى الْيَهُود وَالنَّصَارَى ثمَّ مرض وَطَالَ مَرضه وَتُوفِّي يَوْم السبت لعشر خلون من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَمُدَّة ملكه سِتّ سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَأَيَّام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 (ثمَّ تولى بعده فِي ذَلِك الْيَوْم أتابكه بلباي الْمُؤَيد) تلقب بِالْملكِ الظَّاهِر أبي النَّصْر وخلع على الْأَمِير تمريغا الظَّاهِرِيّ الأتابكية عوضا عَن نَفسه وَكَانَ بلباي ضَعِيفا عَن تَدْبِير الْملك وتنفيذ الْأُمُور فخلعه الْأُمَرَاء من السلطنة يَوْم السبت لسبع مضين من جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت مُدَّة سلطنته شَهْرَيْن إِلَّا أَرْبَعَة أَيَّام (ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد تمريغا الظَّاهِرِيّ) وَيُقَال إِنَّه رومي الأَصْل من مماليك الظَّاهِر جقمق أعْتقهُ ورباه صَغِيرا ورقاه إِلَى أَن جعله خاصكياً ثمَّ سلحداراً ثمَّ خازنداراً ثمَّ إِلَى أَن صَار أتابكاً للعساكر ثمَّ تسلطن وَكَانَ لَهُ فضل وتودد إِلَى النَّاس وحذق بِبَعْض الصَّنَائِع بِحَيْثُ كَانَ يعْمل القبي الفائقة بِيَدِهِ وَيعْمل السِّهَام عملا فائقاً وَيَرْمِي بهَا أحسن رمي مَعَ الفروسية التَّامَّة وَمَا زَالَ بِهِ الْأَمر حَتَّى خلعوه ونفوه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته ثَمَانِيَة وَخمسين يَوْمًا ثمَّ إِن السُّلْطَان قايتباي اعتذر إِلَيْهِ من وثوبه عَلَيْهِ وأكرمه وَأحسن مثواه وأرسله إِلَى دمياط على أحسن حَال فَقبل عذره وَلم يَقع لملك من الْإِكْرَام بعد الْخلْع مَا وَقع لَهُ لكَونه جَدِيرًا بذلك (ثمَّ تولى السلطنة أتابك العساكر يَوْمئِذٍ السُّلْطَان الْأَشْرَف قايبتاي) (المحمودي الظَّاهِرِيّ الشركسي) ظهر يَوْم الْإِثْنَيْنِ لست مضين من شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة يَوْم خلع تمربغا وَقيل لَهُ المحمودي لِأَنَّهُ جلبه الخوجا مَحْمُود إِلَى مصر فنسب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 إِلَيْهِ فَاشْتَرَاهُ الْأَشْرَف برسباي وَأعْتقهُ الظَّاهِر جقمق وَإِلَيْهِ انتسب بالظاهري وَكَانَ محباً للخير مُعْتَقدًا فِي الصَّالِحين حكى عَن نَفسه أَنه لما جلبه سَيّده إِلَى مصر للْبيع وَهُوَ إِمَّا مراهق أَو بَالغ كَانَ مَعَه رَفِيقه أحد المماليك والجلب فتحادثا مَعَ الْجمال لَيْلَة من اللَّيَالِي فِي شهر رَمَضَان فَقَالُوا لَعَلَّ هَذِه اللَّيْلَة لَيْلَة الْقدر وَالدُّعَاء فِيهَا مستجاب فَليدع كل وَاحِد منا بِدُعَاء يُحِبهُ قَالَ قايتباي فَقلت أما أَنا فأطلب سلطنة مصر من الله تَعَالَى فَقَالَ رفيقي وَأَنا أطلب أَن أكون أَمِيرا كَبِيرا والتفتنا إِلَى الْجمال فَقُلْنَا لَهُ أَي شَيْء تطلب أَنْت فَقَالَ أَنا أطلب من الله خَاتِمَة الْخَيْر فَصَارَ قايتباي سُلْطَانا وَصَارَ صَاحبه أَمِيرا كَبِيرا فَكُنَّا إِذا اجْتَمَعنَا نقُول فَازَ الْجمال من بَيْننَا وَكَانَ رَحمَه الله ملكا جَلِيلًا وسلطاناً نبيلاً لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْخيرَات والطول الطائل فِي إسداء المبرات بنى فِي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة عدَّة رُبط ومدارس وجوامع عَظِيمَة الْآثَار باهرة الْأَنْوَار وَله بِمصْر وَالشَّام وغزة وَغير ذَلِك آثَار جميلَة وخيرات جزيلة أَكْثَرهَا بَاقٍ إِلَى الْآن وَجَمِيع عمائره يلوح عَلَيْهَا لوائح النورانية والأنس وَفِي أول ولَايَته أرسل إِلَى شرِيف مَكَّة بالمراسيم وَالْخلْع وَهُوَ الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَإِلَى قَاضِي القضاه إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن ظهيرة تقليداً لقَضَاء مَكَّة ومراسيم تَتَضَمَّن الْأَمر بِإِبْطَال جَمِيع المكوسات والمظالم وَأَن ينقر ذَلِك على أسطوانة من أساطين الْحرم الشريف فِي بَاب السَّلَام وَفِي أَوَاخِر سنة أَربع وَسبعين وَثَمَانمِائَة أَو الَّتِي قبلهَا بنى مَسْجِد الْخيف بِنَاء عَظِيما محكماً وَجعل فِي وسط الْمَسْجِد قبَّة عَظِيمَة هِيَ حد مَسْجِد رَسُول الله وبنيت جدرانه المحيطة بِهِ وَبنى أَربع بوائك من جِهَة الْقبْلَة فَصَارَت قبَّة عالية فِيهَا محراب النَّبِي وبلصق الْقبَّة مئذنة غير المئذنة الَّتِي على بَاب الْمَسْجِد وَبنى دَارا بلصق بَاب الْمَسْجِد كَانَت مسكن أَمِير الْحَاج وعَلى بَاب الدَّار سَبِيل على صهريج كَبِير جعل فِي صحن الْمَسْجِد يمتلئ من الْمَطَر وجدد العلمين الموضوعين لحد عَرَفَة والعلمين الموضوعين لحد الْحرم وجدد عين عَرَفَات وابتدأ الْعَمَل فِيهَا من سفح جيل الرَّحْمَة إِلَى وَادي نعْمَان فَوجدَ المَاء بِكَثْرَة فاقتصر على ذَلِك وَلم يصل إِلَى أم الْعين وَكَانَت قد انْقَطَعت مُنْذُ مائَة وَخمسين عَاما فَكَانَ الْحجَّاج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 يقاسون فِي يَوْم عَرَفَة من قلَّة المَاء مَا لَا صَبر عَلَيْهِ ثمَّ أصلح البرك وملأها بِالْمَاءِ ثمَّ أصلح عين خليص وأجراها وَأصْلح بركتها وَبنى قبتها وَكَانَ ذَلِك سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَفِي سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة أَمر السُّلْطَان وَكيله وتاجره الخوجا شمس الدّين مُحَمَّد بن عمر الشهير بِابْن الزَّمن وشاد عمائره الْأَمِير سنقر الجمالي أَن يحصلا لَهُ موضعا مشرفاً على الْحرم الشريف ليبني فِيهِ مدرسة ليدرس فِيهَا على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ورباطاً يسكنهُ الْفُقَرَاء وَيعْمل لَهُ ربوعاً ومسقفات يحصُل مِنْهَا ريع كَبِير يصرف مِنْهُ على المدرسين وعَلى الْقُرَّاء وَأَن تقْرَأ لَهُ ربعَة فِي كل يَوْم يحضرها الْقُضَاة الْأَرْبَعَة والمتصرفون ويقرر لَهُم وظائف وَيعْمل مكتِّباً للأيتام وَغير ذَلِك من جِهَات الْخَيْر فاستبدل لَهُ رِبَاط السِّدْرَة ورباط المراغي وَكَانَا متصلين وَكَانَ إِلَى جَانب رِبَاط المراغي دَار الشَّرِيفَة شمسية من شرائف بني حسن اشْتَرَاهَا وَهدم ذَلِك جَمِيعه وَجعل فِيهِ اثْنَتَيْنِ وَسبعين خلْوَة ومجمعاً كَبِيرا مشرفاً على الْمَسْجِد الْحَرَام وعَلى الْمَسْعَى وصير الْمجمع الْمَذْكُور مدرسة بناها بالرخام الملون والسقف الْمَذْهَب وَقرر فِيهَا أَرْبَعَة مدرسين على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَأَرْبَعين طَالبا وَأرْسل خزانَة كتب وَقفهَا على طلبة الْعلم وَجعل مقرها الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَجعل الْوَاقِف فِي ذَلِك الْمجمع للقضاة الْأَرْبَعَة حضوراً بعد الْعَصْر مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء يقرءُون ثَلَاثِينَ جُزْءا من الْقُرْآن وَجعل لَهَا معلم أَرْبَعِينَ صَبيا من الْأَيْتَام ورتب لكل وَاحِد من الْأَيْتَام وَأهل الخلاوي مَا يكفيهم من الْقَمْح كل سنة وللمدرسين وقراء الربعة وَأهل الخدم مبالغ من الذَّهَب تصرف لَهُم كل سنة وَبنى عدَّة ربوع ودور تغل فِي كل عَام نَحوا من ألفي دِينَار ووقف عَلَيْهِم بِمصْر قرى وضياعاً كَثِيرَة تغل حبوباً كَثِيرَة تحمل كل عَام إِلَى أهالي مَكَّة وَعمل من الْخيرَات الْعَظِيمَة مَا لم يعمله سُلْطَان قبله وَذَلِكَ باقٍ إِلَى الْآن إِلَّا أَن الْأكلَة استولت على تِلْكَ الْأَوْقَاف فضعفت جدا قلت هَذَا فِي زمَان قطب الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَأما الْآن فقد تضاعفت لَا ضعفت إِلَّا أَنَّهَا كَمَا قَالَ رَحمَه الله قد استولت عَلَيْهَا أَكلَة النظار وَقد صَارَت الْمدرسَة سكناً لأمراء الْحَج إِذا وصلوا مَكَّة أَيَّام الْمَوْسِم وَكَانَ الْفَرَاغ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 بِنَاء هَذِه الْمدرسَة والرباط والبيتين أَحدهمَا من نَاحيَة بَاب السَّلَام وَالثَّانِي من نَاحيَة بَاب الحريريين فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة على يَد مُشَيدِ عمائره الْأَمِير سنقر الجمالي وَفِي هَذِه السّنة وَردت أَحْكَام سلطانية من السُّلْطَان قايتباي إِلَى صَاحب مَكَّة الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان رَحمَه الله تَتَضَمَّن أَنه رأى مناماً وَأَن بعض المعبرين عبر لَهُ ذَلِك الْمَنَام بِغسْل الْبَيْت الشريف من دَاخله وخارجه وَغسل المطاف وَأَنه أمره أَن يفعل ذَلِك فَحَضَرَ مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات رَحمَه الله بِنَفسِهِ وقاضي الْقُضَاة إِبْرَاهِيم ابْن ظهيرة وناس من التّرْك المقيمين بِمَكَّة الْأَمِير قاتي باي اليوسفي والأمير سنقر الجمالي والدوادار الْكَبِير جَان بك نَائِب جدة المعمورة وَبَقِيَّة الْقُضَاة والأعيان وفاتح الْكَعْبَة عمر بن أبي رَاجِح الشيبي والشيبيون والخدام وغسلوا الْكَعْبَة الشَّرِيفَة من ظَاهرهَا وباطنها قدر قامة وغسلوا أَرض الْكَعْبَة وَأَرْض المطاف الشريف وطيبوها بالطيب وَالْعود وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَمن أعظم مَا وَقع فِي أَيَّام السُّلْطَان قايتباي من الْأُمُور المهولة حريق الْمَسْجِد النَّبَوِيّ فِي ثلث اللَّيْل الْأَخير من لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشر رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فعمره رَحمَه الله أحسن عمَارَة وَبنى الْمَقْصُورَة وأدار عَلَيْهَا الشبك الْحَدِيد جَمِيعهَا وَكَانَ تَمام ذَلِك فِي عَام ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة كَمَا رَأَيْته مرسوماً بالقلم الْحَدِيد فِي جِهَة الْبَاب من الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَقد ذكر السَّيِّد السمهودي ذَلِك مفصلا وَغَيره وَعمر السُّلْطَان الْمَذْكُور بِالْمَدِينَةِ مثل مَا عمر بِمَكَّة من الْمدرسَة والرباط وأوقف كتبا على طلبة الْعلم الشريف فَأرْسل مصاحف كَثِيرَة وكتباً لخزانة الْمَسْجِد الشريف عوضا عَمَّا احْتَرَقَ وَلم يحجّ من مُلُوك الشراكسة غير السُّلْطَان قايتباي الْمَذْكُور وَذَلِكَ لتمكنه فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 الْملك وَحسن تَدْبيره وَضَبطه للممالك فحج سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فَأَقَامَ الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير نَائِبا عَنهُ بِمصْر وَخرج بعد الْحَاج بِثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ أَمِير الْحَاج الْخَارِج بالمحمل الشريف خشقدم فَخرج السُّلْطَان قَاصِدا لِلْحَجِّ والزيارة ووصلت القصاد إِلَى شرِيف مَكَّة يَوْمئِذٍ جمال الدّين الشريف مُحَمَّد ابْن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان سقى الله رمسه صوب الرَّحْمَة والرضوان فتهيأ هُوَ وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم بن ظهيرة القَاضِي الشَّافِعِي لملاقاة السُّلْطَان فَإِن القصاد أخبروهما أَنهم فارقوه من عقبَة أَيْلَة فَأرْسل الشريف أحد قواده يسْبقهُ إِلَى ملاقاة السُّلْطَان بسماط حلوى فوصل إِلَى الْحَوْرَاء ولاقى السُّلْطَان وَمد لَهُ سماط الْحَلْوَى هُنَالك فوصل عَلَيْهِ وَأظْهر غَايَة اللطف والمجابرة وَأكل وَقسم على أمرائه وَعَسْكَره وَكَانَ سماطاً كَبِيرا جميلاً ويحكى من لطافة السُّلْطَان أَنه تنَاول شَيْئا من الْحَلْوَى وَسَأَلَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مَا اسْم هَذَا عنْدكُمْ فَقَالَ لَهُ الْقَائِد اسْمه كل واشكر فَقَالَ لَهُ سلم على سيدك وَقل لَهُ أكلنَا وشكرنا ثمَّ لما وصل إِلَى يَنْبع عدل إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَأَقَامَ الشريف مُحَمَّد وَمن مَعَه من الْقُضَاة والأعيان ببدر منتظرين قدوم السُّلْطَان فَلَمَّا وصل الْخَبَر بِعُود السُّلْطَان من الْمَدِينَة ركب الشريف مُحَمَّد وَمن مَعَه لملاقاته فَاجْتمعُوا بِهِ فِي مَسْجِد الصَّفْرَاء وتلاقيا على ظُهُور الْخَيل وتصافحا وَمَشى الشريف عَن يَمِينه وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم عَن يسَاره وَبَاقِي من مَعَهُمَا سلمُوا على السُّلْطَان من بُعْد وَمَشوا أَمَامه وَصَارَ السُّلْطَان يلاطفهما ويسألهما عَن أحوالهما ويشكر مساعيهما ويطمن خواطرهما وينصت لَهما إِذا تكلما وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى أَن وصل السُّلْطَان إِلَى وطاقه فَرَجَعَا عَنهُ إِلَى مخيمهما وصاروا يسايرونه فِي الطَّرِيق ويبدي لَهُم وافر الأنبساط وَكَمَال النشاط وألبسهم خلعاً فاخرة مرَارًا عديدة وتقدموا إِلَى وَادي مر ورتبوا لَهُ سماطاً حافلاً وَلما كَانَ صبح يَوْم الْأَحَد مستهل ذِي الْحجَّة وصل السُّلْطَان إِلَى مخيمه بوادي مر وَوجد السماط ممدوداً فَجَلَسَ هُوَ وَمن مَعَه عَلَيْهِ وَأكل وَأطْعم وخلع على الخدام خلعاً مُتعَدِّدَة جميلَة وَوصل بَقِيَّة الْقُضَاة والخطباء والأعيان فَسَلمُوا على السُّلْطَان فانصرفوا أَمَامه وَركب السُّلْطَان هُوَ وَشَيخ الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 ظهيرة وَولده أَبُو السُّعُود وَأَخُوهُ أَبُو البركات وأمام السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن الكركي الْحَنَفِيّ ودخلوا مَكَّة عصراً من أَعْلَاهَا وَشَيخ الْإِسْلَام هُوَ الَّذِي تقدم لتطويف السُّلْطَان وَصَارَ يلقنه الْأَدْعِيَة إِلَى أَن دخل من بَاب السَّلَام الْأَقْصَى وطلع بفرسه مِنْهُ فجفل بِهِ الْفرس فَسَقَطت عمَامَته وَاسْتمرّ مَكْشُوف الرَّأْس إِلَى أَن تقدم المهتار فشالها من الأَرْض ومسحها فناولها السلطانَ فلبسها وَكَانَ ذَلِك تأديباً لَهُ من الله تَعَالَى حَيْثُ كَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يَنْزِعهَا وَيدخل مَكْشُوف الرَّأْس متواضعاً وَلما وصل إِلَى العتبة الداخلية من بَاب السَّلَام الْأَدْنَى ترجل وَقَرَأَ الريس بَين يَدَيْهِ بِصَوْت جَهورِي {لقد صدق الله رَسُوله الرءيا بِاَلحَق} الْفَتْح 27 الْآيَة ثمَّ رفع يَدَيْهِ يَدْعُو للسُّلْطَان وَأمن من حوله من أهل الْأَصْوَات فَقبل الْحجر وَطَاف والريس يَدْعُو لَهُ من أَعلَى قبَّة زَمْزَم وَالنَّاس محيطون بِالطّوافِ يشاهدونه وَيدعونَ لَهُ إِلَى أَن تمّ طَوَافه وَصلى خلف الْمقَام ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا فرغ من سَعْيه عَاد إِلَى الزَّاهِر فَبَاتَ بِهِ فِي مخيمه وَركب فِي الصُّبْح فِي موكبه ولاقاه الشريف وَأَوْلَاده وَالْقَاضِي فَخلع السُّلْطَان على الشريف وَالْقَاضِي وَغَيرهمَا وَمَشوا أَمَامه فِي الموكب الْعَظِيم والأبهة الجليلة وَلم يتَخَلَّف أحد بِمَكَّة حَتَّى النِّسَاء المخدرات وَدخل مَكَّة بِهَذِهِ الصّفة إِلَى أَن وصل مدرسته فترجل لَهُ النَّاس وَسلم عَلَيْهِم وَدخل الْمدرسَة وَمد لَهُ الشريف سماطاً وَاسْتمرّ على ذَلِك تمد لَهُ صبحاً وليلاً الأسمطة الجليلة الجميلة وَمد لَهُ ثَانِي يَوْم القَاضِي إِبْرَاهِيم بن ظهيرة سماطاً بِالْمَدْرَسَةِ وَاسْتمرّ بِالْمَدْرَسَةِ مَا ظهر لأحد إِلَى أَن طلع عَرَفَة وَكَانَت الوقفة بالإثنين فَأَفَاضَ مَعَ النَّاس وَأتم حجه وَقرب أغناماً كَثِيرَة وَكَانَ يُنَاسب أَن ينْحَر شَيْئا من الْإِبِل فَمَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِهِ أحد وَركب مرّة إِلَى درب الْيمن يُشَاهد مَا قدمه لَهُ الشريف مُحَمَّد من الْإِبِل وَالْخَيْل وتشكر من فضل الشريف ثمَّ سَافر ظهر يَوْم السبت لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة بعد أَن طَاف للوداع والريس يَدْعُو لَهُ على قبَّة زَمْزَم وَمَشى الْقَهْقَرِي إِلَى أَن خرج من بَاب الْحَزْوَرَة وَركب مَعَه الشريف وَأَوْلَاده وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم إِلَى الزَّاهِر ثمَّ ودعهم ووادعهم وسافر إِلَى مصر وَعَاد إِلَى مَمْلَكَته وَلم يخْتل شَيْء من ملكه مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 غيبته عَن تخت مصر نَحْو ثَلَاثَة أشهر وَذَلِكَ لإتقانه أَمر الْملك وتدبيره وَضَبطه وَلَقَد كَانَ وَاسِطَة عقد الشراكسة وأقربهم إِلَى قُلُوب الرّعية وأجملهم حَالا وَأَحْسَنهمْ إحسانا وأفضلهم عقل وأكملهم نبْلًا وَأَكْثَرهم فِي جِهَات الْخَيْر إيثاراً وآثاراً وأكبرهم عمائر وأوقافاً وأدواراً وأطولهم طولا وزماناً وأمكنهم ملكا وَقُوَّة وإمكاناً وَكَانَت أَيَّامه كالطراز الْمَذْهَب ودولته تنجلي كالعروس فِي حلل الْجَوْهَر وَالذَّهَب حَتَّى قدم عَلَيْهِ بريد الْأَجَل وَمَا أغْنى مَا جمعه من الْخَيل والخول وَكَانَت انْتِقَاله إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى يَوْم الْأَحَد لثلاث بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة 901 إِحْدَى وَتِسْعمِائَة وَكَانَت مُدَّة تصرفه ثَلَاثِينَ سنة إِلَّا ثَلَاثَة أشهر (ثمَّ تولى الْملك النَّاصِر أَبُو السعادات مُحَمَّد بن السُّلْطَان قايتباي) وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الْجُنُون والسفه وَمَا كَانَ لَهُ الْتِفَات إِلَى الْملك وَلَا تَدْبِير السلطنة بل غلب عَلَيْهِ اللَّهْو واللعب والحركات المستبشعة يحْكى عَنهُ أُمُور قبيحة مِنْهَا أَنه كَانَ إِذا سمع بِامْرَأَة حسناء هجم عَلَيْهَا وَقطع دائر فرجهَا ونظمه فِي خيط أعده لنظم فروج النِّسَاء وَمِنْهَا أَن والدته كَانَت من عقلاء النِّسَاء وأجملهن هيأت لَهُ جَارِيَة جميلَة وجمعتها بِهِ فِي بَيت مزين أعدته لَهما فَدخل بهَا وقفل الْبَاب على نَفسه وَعَلَيْهَا وربطها وَشرع يسلخ جلدهَا عَنْهَا كالجلاد وَهِي بِالْحَيَاةِ وَهِي تصرخ فَلَمَّا سمعُوا صراخها أَرَادوا الهجوم عَلَيْهِ فَمَا أمكنهم لِأَنَّهُ قفل الْبَاب من دَاخل وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى أَن سلخها وحشا جلدهَا بالأثواب السندسية وَخرج يظْهر للنَّاس أستاذيته فِي السلخ وَأَن الجلادين يعجزون عَن كَمَاله فِي صَنعته قُبحَ هُوَ وَضعته وَمِنْهَا أَنه مر فِي موكبه بدكان حلواني وَدَار حوله أمراؤه فأقامه من دكانه وَجلسَ كَأَنَّهُ بِبيع الْحَلَاوَة وَأخذ بِيَدِهِ الْمِيزَان فَصَارَ يزن لَهُم حَتَّى جبرت الْحَلَاوَة وَكَانَ يقلي الْجُبْن المقلي بِنَفسِهِ يَبِيعهُ للجند وَيَأْمُرهُمْ بِشِرَائِهِ مِنْهُ وَيَأْخُذ أكياس الذَّهَب إِلَى طرف النّيل فَيَرْمِي دِينَارا فَيَقُول هَذَا قَالَ بق وَيَرْمِي الآخر فَيَقُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 هَذَا مَا قَالَ بق ثمَّ يحضر الْأُمَرَاء الْكِبَار وَيَأْمُر بذبحهم فِي الدِّيوَان فَصَارَ الشَّخْص مِنْهُم إِذا أضجع للذبح صَوت صَوت الْغنم فيضحك ويطلقه وَكَانَت لَهُ حركات من هَذِه الخرافات مِنْهَا مَا يضْحك وَمِنْهَا مَا يبكي إِلَى أَن سقط من أعين النَّاس والعسكر وسطوا عَلَيْهِ كَمَا سَطَا بالحسام الأبتر وسلخوه من الْملك كَمَا سلخ الضعيفة بالخنجر ومزقوه كل ممزق ولعذاب الْآخِرَة أكبر وسبت قَتله أَنه من غروره خرج متخفيا مُنْفَردا من خدمه وعبيده متباعداً عَن خوله وحشمه فَتوجه يمشي وَحده إِلَى بر الجزيرة فكمن لَهُ عشرَة أنفس من مماليك أَبِيه فِي خيمة على مَمَره فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم خَرجُوا لَهُ من الْخَيْمَة فأمسكوا بلجام فرسه وضربوه بِالسُّيُوفِ إِلَى أَن قطعوه وَجَاءُوا بِهِ مقتولاً إِلَى الْقَاهِرَة ودفنوه فِي تربة أَبِيه سنة 904 أَربع وَتِسْعمِائَة وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثَلَاث سِنِين (ثمَّ تولى بعده خَاله الْملك الظَّاهِر قانصوه) وَهُوَ خَال هَذَا الْمَقْتُول وَكَانَ أُمِّيا لَا يعرف إِلَّا بِلِسَان الشركس قريب الْعَهْد بِبَلَدِهِ لانه جلب للسطان قايتباي من بِلَاده وَهُوَ كَبِير قد وحظه الشيب وَصَارَ يرقبه بِوَاسِطَة أُخْته زَوْجَة قايتباي خوندام النَّاصِر وَلَده وَهِي الَّتِي أقامته مقَام وَلَدهَا النَّاصِر وبذلت لَهُ الْأَمْوَال والخزائن وأرادت إِقَامَته وإصلاحه وَلنْ يُصلِحَ العطارُ مَا أفسَد الدهرُ فَمَا استكملته الإيالة وَمَا أهلوه للسلطنة وَالْولَايَة فخلعوه من الْملك أَوَاخِر سنهَ 905 خمس وَتِسْعمِائَة وَكَانَت مدَّته سنة وَسَبْعَة أشهر (ثمَّ تولى بعده السلطنة أَمِير كَبِير جانبُلاط) وتلقب بِالْملكِ الْأَشْرَف فِي أَوَائِل سنة خمس وَتِسْعمِائَة وَلم يتهن بالسلطنة وَلَا وَافقه أحد عَلَيْهَا وخلع بعد سِتَّة أشهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 (ثمَّ تولى مَكَانَهُ الْملك الْعَادِل طومان باي) وَمَا اسْتكْمل يَوْمًا وَاحِدًا بل هجم عَلَيْهِ الْعَسْكَر وقتلوه فَمَا أقدم أحد على السلطنة وَكَانَت الْأُمَرَاء متوفرة وَبَعْضهمْ يُشِير إِلَى بعض فِي الْجُلُوس على تخت الْملك فاتفقوا على تَوْلِيَة قانصوه الغوري لأَنهم رَأَوْهُ سهل الْإِزَالَة أَي وَقت أَرَادوا إِزَالَته أزالوه لِأَنَّهُ كَانَ أقلهم مَالا وأضعفهم حَالا وأوهنهم قُوَّة وأشاروا أَن يتَقَدَّم فَأبى فألزموه بذلك فَقَالَ أقبل ذَلِك بِشَرْط أَن لَا تقتلوني فَإِذا أردتم خلعي من السلطنة فَأَخْبرُونِي بِمَا تُرِيدُونَ وَأَنا أوافقكم على ذَلِك وأترك لكم الْملك وأمضي حَيْثُ أُرِيد فعاهدوه على ذَلِك فَقبل (ثمَّ تولى قانصوه الغوري السلطنة) ولقبوه الْملك الْأَشْرَف أَبَا النَّصْر قانصوه الغوري وَذَلِكَ فِي سنة 906 سِتّ وَتِسْعمِائَة وَفَرح الْعَسْكَر بولايته لأَنهم سئموا تعدد السلاطين وَسُرْعَة تقضِّي ملكهم بل فَرح الْعَامَّة وأمنوا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فِي الْجُمْلَة وَكَانَ قانصوه الغوري كثير الدهاء ذَا رَأْي وفطنة وتيقظ إِلَّا أَنه كَانَ شَدِيد الطمع كثير الظُّلم وَالْفِسْق بَخِيلًا محباً للعمارة فَمن جملَة عِمَارَته الْجَامِع والتربة وَكَانَ فِي نِيَّته أَن يدْفن بهَا ووقف عَلَيْهَا أوقافاً كَثِيرَة وَمَا قدر لَهُ دَفنه بهَا بل ذهب تَحت سنابك الْخَيل وَمَا عرف شخصه {وَماً تدرِي نفس مَاذاً تَكسِبُ غَدا وَماً تدرِي نَفس بأَيِِّ أَرض تَموُت} لُقْمَان 34 وَله آثَار جميلَة فِي طَرِيق الْحَاج فِي عقبَة أَيْلَة ومآثر بِمَكَّة المشرفة وَغَيرهَا وَكَانَ يتنزل مَعَ الْأُمَرَاء من غير تَشْدِيد عَلَيْهِم وَلَا إِظْهَار عَظمَة وَأمر وَنهى وَذَلِكَ فِي ابْتِدَاء أمره إِلَى أَن تمكن من قوته وبأسه حكى الْعَلامَة قطب الدّين عَن شَيْخه أَحْمد بن عبد الْغفار عَن وَالِده وَكَانَ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 أَرْبَاب الأقلام فِي ديوَان قانصوه قَالَ استشم الغوري مبادئ فتْنَة أَرَادَ الْأُمَرَاء إحداثها وَأَرَادُوا أَن يجعلوها مُقَدّمَة لخلعة من السلطنة فَلَمَّا استشعر ذَلِك مِنْهُم عمل ديواناً وَجمع فِيهِ الْأُمَرَاء والمقدمين وَأمرهمْ بِالْجُلُوسِ وَجلسَ بَينهم كأحدهم وَكَانَت عَادَة الْأُمَرَاء الْوُقُوف بَين يَدي السُّلْطَان وَلَا يَجْلِسُونَ مَعَه إِلَّا فِي السماط فَقَط فَلَمَّا جَلَسُوا وَجلسَ أَنْكَرُوا ذَلِك وَكَانُوا يتعجبون من ذَلِك وكلُّ مصغ إِلَى مَا يَقُول السُّلْطَان فَقَالَ مَا جمعتكم يَا أغوات إِلَّا لأسألكم سؤالا خطر لي وأطلب مِنْكُم جَوَابه على الْوَجْه الَّذِي تَرَوْنَهُ صَوَابا فَقَالُوا نعم فَقَالَ أَسأَلكُم عَن جمَاعَة جَاءُوا إِلَى رجل وأودعوه صرة من الدَّرَاهِم مربوطة مختومة فَقَالَ أَنا أستودع مِنْكُم هَذِه الْوَدِيعَة بِشَرْط أَن تَأْتُونِي وتطلبوا وديعتكم بِلَا نزاع معي وَلَا خُصُومَة فَأَرَادَ وديعتكم إِلَيْكُم فَقَالُوا نعم قبلنَا مِنْكُم هَذَا الشَّرْط وأودعوه ومضوا ثمَّ عَادوا إِلَيْهِ بعد مُدَّة وَقَالُوا نُرِيد الْوَدِيعَة بنزاع شَدِيد ومخاصمة ومضاربة قَوِيَّة فَقَالَ لَهُم هَذِه وديعتكم حَاضِرَة خذوها بِلَا نزاع وَلَا ضراب معي كَمَا شرطت عَلَيْكُم فَقَالُوا لَا بُد من الْمُخَاصمَة والنزاع مَعَك فَأَيهمْ على الْبَاطِل وأيهم على الْحق ففهموا مُرَاده واستعفوا مِنْهُ فَقَالَ لَهُم أَنا مَا جَلَست مَعكُمْ إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنِّي كأحدهم لَا أمتاز عَلَيْكُم بِشَيْء وَهَذِه السلطنة أسلمها لأيكم أرادها وَلَا أنازع عَلَيْهَا فَإِنَّمَا أَنا رجل من الْجند فَقبل كل مِنْهُم يَده وأذعنوا لَهُ بالسلطنة وسألوه استمراره فِيهَا وسكنت الْفِتْنَة بِهَذَا التَّدْبِير وغفلوا عَنهُ مُدَّة وَاشْتَغلُوا عَنهُ بضروريات وطالت مَعَه الْحِيَل إِلَى أَن صَار يَأْخُذ مِنْهُم وَاحِدًا بعد وَاحِد ويتغافل عَنْهُم ثمَّ يحصل حِيلَة أُخْرَى وَعلة أُخْرَى لأَحَدهم فَيَأْخذهُ بهَا ويوقع بَين الِاثْنَيْنِ وَيَأْخُذ هَذَا بِذَاكَ وَذَاكَ بذا ويدس لَهُم الدسائس من الطَّعَام والسم وَنَحْوه حَتَّى أفنى قرانصتهم ودهاتهم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم وَاتخذ مماليك جدداً واستجلب جلباً وَأعد عددا وصاروا يظْلمُونَ النَّاس ويعاملون الْخلق عسفاً وغشماً وَهُوَ يغضي عَنْهُم ويتغافل فأظهروا الْفساد وأهلكوا الْعباد وَأَكْثرُوا العناد وطغوا فِي الْبِلَاد وَصَارَ يصادر النَّاس وَيَأْخُذ أَمْوَالهم بالقهر والبأس وَكَثُرت العوانية فِي أَيَّامه لِكَثْرَة مَا يصغي إِلَيْهِم وصاروا إِذا شاهدوا أحدا توسع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 فِي دُنْيَاهُ وَأظْهر التجمل فِي ملبسه ومثواه وشوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان فَيُرْسل إِلَيْهِ يطْلب الْقَرْض ويصفي أَمْوَاله ويسلمه إِلَى الصوباشي ليَأْخُذ مَاله وَيهْلك أهلة وَعِيَاله وَجمع هَذَا الْبَاب أَمْوَالًا عَظِيمَة وخزائن وَاسِعَة ذهب فِي آخر الْأَمر سدى وَتَفَرَّقَتْ بيد العدى وتمزقت بدداً وَأما الْمِيرَاث فَبَطل فِي أَيَّامه وَصَارَ إِذا مَاتَ أحد يَأْخُذ مَاله جَمِيعه للسلطنة وَيتْرك أَوْلَاده فُقَرَاء إِلَّا إِن اعتني بِهِ اعتناء كَبِيرا جعل لَهُ نزراً يَسِيرا من مَاله أَبِيه وَأخذ لنَفسِهِ بَاقِيه وَكثر ظلمه فِي آخر أَيَّامه فَاسْتَجَاب الله فِيهِ دُعَاء المظلومين وقُطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَحكي عَن شخص من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مجاب الدعْوَة أَنه رأى بِمصْر فِي أَيَّام الغوري جندياً من الشراكسة أَخذ مَتَاعا من دلال وَلم يُرضِه فِي قِيمَته فَتَبِعَهُ الدَّلال يطْلب مِنْهُ حَقه وَهُوَ مُمْتَنع فَقَالَ لَهُ الدَّلال بيني وَبَيْنك شرع الله فَضَربهُ الجندي بالدبوس فشج رَأسه وَقَالَ هَذَا شرع الله فَسقط الدَّلال مغشيّاً عَلَيْهِ وَمضى الجندي بالمتاع وَمَا قدر أحد من الْمُسلمين على مَنعه من فعله قَالَ الشَّخْص فصعب عَليّ هَذَا الْحَال فَرفعت يَدي إِلَى الله تَعَالَى ودعوت الله عز وَجل على الجندي الْمَزْبُور وسلطانه وَحزبه وإخوانه وعَلى الظلمَة من أعوانه فصادف سَاعَة إِجَابَة وَقبُول واقترن السُّؤَال بِحُصُول الْمَسْئُول فَبت تِلْكَ اللَّيْلَة على طَهَارَة وَأَنا أفكر فِي أَمرهم وأحدث نَفسِي كَيفَ يَزُول ملك هَذَا السُّلْطَان الجائر وَقد مَلَأت جُنُوده الأَرْض وأنى للْمُسلمين بسُلْطَان رءوف رَحِيم عَادل كريم فَنمت فَرَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم مَلَائِكَة من السَّمَاء بِأَيْدِيهِم مكانس يكنسون الشراكسة من أَرض مصر ويلقونهم فِي بَحر النّيل فَلم يكن إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب حَتَّى وَقع ذَلِك ثمَّ إِنِّي استيقظت من نومي وَسمعت قَارِئًا يقْرَأ قَوْله تَعَالَى {فانتقمنا مِنْهُم فأغرقنهم فِي أَلِيم بِأَنَّهُم كذبُوا بئايتنا وَكَانُوا عَنْهَا غفلين} الْأَعْرَاف 136 فَعلمت أَن الله سَوف يَأْخُذهُمْ أخذا وبيلا فَمَا مضى على هَذِه الْوَقْعَة قَلِيل من الزَّمَان إِلَّا وبرز الغوري بجُنُوده وأمواله وبنوده وأثقاله وخزائنه وأنصاره وأعوانه من مصر لقِتَال السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان إِلَى حلب فجَاء الْخَبَر بعد قَلِيل بِأَنَّهُ كسر وَقتل أَكثر جُنُوده وفقد هُوَ تخت سنابك الْخَيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 فِي مرج دابق وَكَانَ قَتله بَين الظّهْر وَالْعصر يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر رَجَب سنة 922 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَقيل إِنَّه فقد من الْحَرْب وَأَنه عَاشَ مُدَّة بِبِلَاد الْمغرب وَقيل بل عَاشَ بِمصْر مُدَّة طَوِيلَة قَالَ شَيخنَا وَعلم بِمَا قَدمته من أَن شخصا مَاتَ بِالْقربِ من زمن الْوَقْعَة بِبَعْض مدارس مصر فَوجدَ فِي عُنُقه كيس فِيهِ ختم باسم الغوري فَقيل إِنَّه هُوَ وَكَانَت مُدَّة الغوري خمس عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا وللأشرف قانصوه الغوري مآثر جميلَة وعمائر حَسَنَة جليلة فمما عمره بِمَكَّة المشرفة بَاب إِبْرَاهِيم بِعقد كَبِير جعل علوه قصراً وَجعل فِي جَانِبه مسكنين لطيفين وبيوتاً ممتدة حول بَاب إِبْرَاهِيم ووفق الْجَمِيع على جِهَات خير وَلَا يَصح وقف ذَلِك لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِد وَكَذَلِكَ السكنان لِأَن اكثرهما فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا أمكن الْعلمَاء أَن ينكروا عَلَيْهِ ذَلِك فِي أَيَّام سلطنته لعدم إصغائه إِلَى كَلَام أهل الشَّرْع وَبنى أَيْضا ميضأة خَارج بَاب إِبْرَاهِيم على يَمِين الْخَارِج وَقد أبطلت لِأَن روائحها تصل إِلَى الْمَسْجِد فَيَتَأَذَّى المصلون فأبطلت وأغلق بَابهَا قَرِيبا فِي سنة 980 تِسْعمائَة وَثَمَانِينَ بِأَمْر شرِيف سلطاني قلت هِيَ الْآن مَفْتُوحَة ينْتَفع بهَا الْمُسلمُونَ عامرة وَمن أَثَره التَّرْخِيم الْوَاقِع فِي الْحجر الشريف عمل بأَمْره فِي أَيَّامه واسْمه مَكْتُوب فِيهِ وَفرغ من عِمَارَته سنة 917 سبع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَبنى بركَة بدر وعدة خانات وآبار فِي طَرِيق الْحَاج الْمصْرِيّ وَبنى خَانا فِي عقبَة أَيْلَة والأزلم ومدرسة أَنْشَأَهَا علو سقف الجملون بِالْقَاهِرَةِ وَأَنْشَأَ مجْرى المَاء من مصر العتيقة إِلَى قلعة الْجَبَل وَمن آثاره بِنَاء سور جدة وَكَانَت العربان تهجم فِي أَيَّام الْفِتَن وتنهبها ونهبت مرَارًا أَيَّام الوقائع بَين الشريف بَرَكَات وأخيه هزاع وَبعد هزاع جازان فَأرْسل الغوري أحد أمرائه المقدمين وَهُوَ الْأَمِير حُسَيْن الْكرْدِي وجهز مَعَه عسكراً من التّرْك والمغاربة واللوند فِي خمسين غراباً لدفع ضَرَر الفرنج فِي بَحر الْهِنْد فَلَمَّا وصل إِلَى جدة بنى سورها وَهدم كثيرا من بيوتها وَأخذ حجارتها وَبنى بهَا السُّور فِي شدَّة وبأس واستخدم عَامَّة النَّاس فِي حمل الْحجر واللبِن حَتَّى التُّجَّار المعتبرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 وَسَائِر المنتسبين وضيق على النَّاس بِحَيْثُ يحْكى أَن أحدهم تَأَخّر قَلِيلا عَن الْمَجِيء فَلَمَّا جَاءَ أَمر أَن يبْنى عَلَيْهِ فَبنِي وَاسْتمرّ قَبره جَوف الْبناء إِلَى يَوْم الْجَزَاء إِلَى غير ذَلِك من الظُّلم الشَّديد والجور العتيد وَبنى السُّور جَمِيعه فِي أقل من سنة وَكَانَ ظلوماً غشوماً أكولاً يَسْتَوْفِي الخروف مَعَ عدَّة أرغفة ونفائس لَهُ معدة وَاسْتمرّ حَاكما ب جدة إِلَى أَن تقوى بِالْمَالِ وتأثل وَجمع جُنُودا من كل صنف ثمَّ توجه إِلَى الْهِنْد سنة إِحْدَى وَعشْرين وَتِسْعمِائَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة وَقد انْقَضتْ دولة الشراكسة بِمصْر وملكها السُّلْطَان سليم خَان فورد حكم سلطاني إِلَى شرِيف مَكَّة بَرَكَات بن مُحَمَّد بن حسن بن عجلَان بقتل الْأَمِير حُسَيْن الْكرْدِي الْمَذْكُور وَكَانَ الشريف بَرَكَات هُوَ الْمُسْتَخْرج لذَلِك الحكم لعداوة سَابِقَة بَينه وَبَين حُسَيْن الْمَذْكُور فَأخذ مُقَيّدا إِلَى جدة وربط فِي رجله حجر كَبِير وغرق فِي بَحر جدة فِي مَوضِع يُقَال لَهُ أم السّمك فأكلته الأسماك بعد أَن كَانَ يعد من الْأَمْلَاك وَلما قتل الغوري وانكسرت عساكره هرب بَقِيَّة الشراكسة من السيوف إِلَى مصر وصيروا الدوادار الْكَبِير طومان باي سُلْطَانا فَتَوَلّى وَالسُّلْطَان سليم فِي إثرهم هم فِي الْهَرَب وَهُوَ من ورائهم للطلب فَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان سليم بعد أَن ملك حلب وَالشَّام وَمَا بَينهمَا من الْبِلَاد بقاصد وَكتب مَعَه كتبا يستميل بهَا خاطره ويستجلب بهَا قلبه ويعده بِكُل جميل إِن دخل فِي الطَّاعَة وكف الْقِتَال بَين الْمُسلمين فَلم يلْتَفت لشَيْء من ذَلِك بل قتل القاصد وَعين مَن يهجم فِي الْعَسْكَر والأمراء وسير من المماليك الْخَاصَّة أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة وَجمع من مَشَايِخ العربان مَا كمل بِهِ سَبْعَة آلَاف خيال وَسَارُوا جَمِيعًا إِلَى الْعَريش ثمَّ إِن السُّلْطَان سليم خَان أرسل إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم سِنَان باشا بأَرْبعَة آلَاف خيال ليلحق من قدَّمه من الْعَسْكَر وهم أَلفَانِ عَلَيْهِم الْأَمِير مُحَمَّد بير بن عِيسَى وَقصد بتقدمتهم تمهيد الطَّرِيق فَلَمَّا خشِي عَلَيْهِم أتبعهم بالوزير الْمَذْكُور فأدركهم ب غَزَّة فَلَمَّا بلغ الشراكسة ذَلِك توقفوا عَن الْحَرْب لكِنهمْ سعوا فِي جمع النَّاس من الْقرى والنواحي فأقاموا فِي الْعَريش ثَلَاثَة أَيَّام فَجمع سِنَان باشا من مَعَه من الْأُمَرَاء والأعيان واستشارهم فِي الْمُقَاتلَة أَو الِانْتِظَار حَتَّى يرد السُّلْطَان فَأَجْمعُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 على الْمُقَاتلَة خشيَة من الهجوم فَفِي لَيْلَة السبت سَابِع عشري ذِي الْقعدَة الْحَرَام ركب سِنَان وَخرج من غَزَّة وَأظْهر أَنه رَاجع لجِهَة الرملة فَسَار طول ليلته وَأصْبح بِالْقربِ من خَان يُوسُف وَكَانَ بِالْقربِ مِنْهُ عَسْكَر الشراكسة فَلَمَّا رأى جانبرد الْغَزالِيّ وَكَانَ رَئِيس من تقدم من الشراكسة الْعَسْكَر العثماني هيأ عسكره وَعين الميمنة والميسرة وَكَذَلِكَ سِنَان باشا جعل على ميمنته فرهاد بِمن مَعَه وعَلى ميسرته مُحَمَّد بن عِيسَى فَلَمَّا رأى الْغَزالِيّ ذَلِك عين بعض جمَاعَة من عسكره مَعَ المشاة وَأمرهمْ أَن يقرُّوا على ساقة الْعَسْكَر أَولا فَلَمَّا رأى سِنَان باشا ذَلِك أخرج من عسكره مِقْدَار ألف خيال وماش ترمي البندق وَأمرهمْ أَن يَكُونُوا خلف الْعَسْكَر وَحَوله فَلَمَّا رأى الشراكسة ذَلِك تَرَبَّصُوا وسايروا الْعَسْكَر قَلِيلا قَلِيلا ينتهزون الفرصة فَلَمَّا نزل سِنَان بِمحل الْمنزل هجم الْغَزالِيّ وَكَانَ سِنَان أَمر الينيشرية وغالب الْعَسْكَر أَن لَا يخرجُوا سِلَاحهمْ وَأَن يَكُونُوا حول ثقلهم فَلَمَّا هجم الْغَزالِيّ قابله طَائِفَة الينيشرية برمي البندق ثمَّ ركب سِنَان وتلاحق الْعَسْكَر والتحم الْقِتَال إِلَى وَقت الْغُرُوب فَانْهَزَمَ الْغَزالِيّ وَقتل غَالب الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه وَأرْسلت رُءُوسهم مَعَ من قبض عَلَيْهِ أَيْضا إِلَى السُّلْطَان سليم فسر بذلك وَذهب الْغَزالِيّ إِلَى مصر وَسَار السُّلْطَان سليم حَتَّى نزل ببركة الْحَج وتهيأ مِنْهَا لفتح قلعة مصر وَأخذ الْبِلَاد فاتفقت الشراكسة المقيمون بهَا وَغَيرهم من الْعَرَب على إِعَانَة طومان باي فبلغت عدتهمْ عشْرين ألفا فَجمع طومان باي المدافع الْكَثِيرَة وأخرجها للريدانية وقررها فِي الأَرْض وَأرْسل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَطلب من يضْرب بالمدافع فَاجْتمع عِنْده خلق كثير فَنزل بمخيمه فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك وَكَانَ قد صف عسكره ميمنة وميسرة ترك اسْتِقْبَال طومان باي وسلك طَرِيقا أُخْرَى من خلف جبل المقطم من وَرَاء عَسْكَر الشراكسة واستمرت مدافع الشراكسة مركوزة لمن يَأْتِي من أَمَام الريدانية بِلَا نفع وَلَا دفع وبادرهم برمي المدافع والبنادق واستقبلته خُيُول الْجند وفرسانها والتحم الْحَرْب وحمي الْوَطِيس حَتَّى أظلمت الدُّنْيَا وَلم تزل الشراكسة تهجم مَعَ تِلْكَ الظُّلُمَات على العساكر العثمانية الْمرة بعد الْمرة وتكر وتفر وَالْقَتْل فيهم وهم لَا يصدهم شَيْء حَتَّى قتل مِنْهُم جَانب عَظِيم من أعيانهم وَقتل من العساكر العثمانية أقل من ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 فَانْكَسَرت الشراكسة وَلم يزل عَسْكَر السُّلْطَان خَلفهم إِلَى أَن أدخلوهم بُيُوتهم فنهبت بُيُوتهم وَأَمْوَالهمْ وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سلخ سنة 922 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَفِي صبح يَوْم الْجُمُعَة غرَّة محرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة أَمر السُّلْطَان فِي الْمَسْجِد والجوامع بِالْخطْبَةِ باسمه الشريف وَضرب السِّكَّة كَذَلِك باسمه وَأقَام بالعادلية ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ارتحل وَدخل الْبِلَاد وتعدى إِلَى الجيزة وَنزل بعسكره فِيهَا فَجمع طومان باي من بَقِي من الشراكسة نَحْو سَبْعَة آلَاف وهجم على الْبِلَاد لَيْلًا وَاتفقَ مَعَه بعض الْعَرَب وَتَبعهُ خلق من أهل مصر وَقتلُوا جَمِيع من وجد فِي الْبَلَد من الْعَسْكَر العثماني وَقصد الهجوم لَيْلًا على السُّلْطَان فِي الجيزة وهيأ مراكب الْبَحْر للذهاب فَلَمَّا بلغ ذَلِك السُّلْطَان سليم خَان عين جمَاعَة على المعابر وَأمر العساكر بالتقيد وَعدم الْغَفْلَة فَلم يقدر طومان باي على الهجوم لَيْلًا وَبعث جمَاعَة وَأمرهمْ بالهجوم على مصر وكل من وجدوه من آدَمِيّ أَو بَهِيمَة قَتَلُوهُ أَو مَحل قَابل للحرق أحرقوه وأغاروا على النَّاس والمصريون يقاتلونهم من الْأَمَاكِن الحصينة بِالسِّهَامِ وَالْحِجَارَة وَاسْتمرّ الْحَرْب على هَذَا الأسلواب ثَلَاثَة أَيَّام فوصل السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَسَار على الْبِلَاد وَرمى المدافع على جَمِيع من لاقاه وَاشْتَدَّ الْحَرْب فِي الرميلة وَهلك خلق كثير من الْجِهَتَيْنِ ثمَّ هرب طومان باي إِلَى جَامع الشيخونية وَحَارب هُنَاكَ ضجت الرعايا بِطَلَب الْأمان وَكثر الصياح مِنْهُم فَأَمنَهُمْ السُّلْطَان وَأمر بتتبع الشراكسة خَاصَّة فَلم يجد طومان باي بدّاً من الهروب فَخرج فِي نَحْو عشرَة أنفس هَارِبا لجِهَة الصَّعِيد وَقتل ذَلِك الْيَوْم مَا ينيف على أَرْبَعَة آلَاف نفس حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاء وتكدر بَحر النّيل وتعفن الْهَوَاء لذَلِك فرميت أجسامهم فِي الْبَحْر وجمعت رُءُوسهم أكواماً بعد أكوام فَعَاد السُّلْطَان لمخيمه بالجيزة وَبنى لَهُ كوشكاً عَالِيا يسكنهُ مُدَّة مقَامه بِمصْر هرباً من العفونة وَنقل إِلَيْهِ من قبض عَلَيْهِ من أَعْيَان أُمَرَاء الشراكسة فَأمر بِضَرْب أَعْنَاقهم على ضوء المشاعل وَقتل سِنَان باشا ذَلِك الْيَوْم فأسف عَلَيْهِ السُّلْطَان سليم وَقَالَ أَي فَائِدَة فِي مصر بِلَا يُوسُف لِأَن سِنَان لقبه يُوسُف وَفِي صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم دون ديواناً رتب فِيهِ للعساكر العطايا وَعين أَرْبَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 المناصب فَأرْسل إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَكَانَ قد هرب فِي الْوَقْعَة الأولى من الريدانية إِلَى جِهَة الصالحية فَطلب الْأمان فَلَمَّا علم السُّلْطَان أَنه لم يحضر الْوَقْعَة الَّتِي دَاخل الْبَلَد عَفا عَنهُ وَطَلَبه فجَاء نَائِبا مُسْتَغْفِرًا فأنعم عَلَيْهِ ببلدة سجاع ثمَّ أَقَامَ السُّلْطَان فِي مَحَله إِلَى ثَالِث عشري محرم وارتحل وَصعد إِلَى القلعة ثمَّ إِن طومان باي أرسل بِطَلَب الْأمان وَالْعَفو عَمَّا مضى فَقبل السُّلْطَان مِنْهُ ذَلِك واستمال خاطره وَأرْسل بجوابه وإجابته كيخية عَسْكَر أنادول مصطفى شلبي والقضاة الْأَرْبَعَة قُضَاة مصر وَكتب إِلَيْهِ بالعهد والأمان مَعَهم فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ مَنعه بعض المفسدين من الشراكسة وحرضوه على الْعِصْيَان فَقتل مصطفى شلبي الْمَذْكُور والقضاة الْأَرْبَعَة وَأظْهر عدم الانقياد وَاجْتمعَ عِنْده بَقِيَّة الشراكسة وَطَائِفَة من العربان وَقصد الْعود إِلَى مصر وتعدى على المراكب وَوصل قريب مصر حَتَّى نزل ببركة الْحَبَش فعين السُّلْطَان بعض الْأُمَرَاء والعساكر لحربه فتوجهوا لقتاله وَخرج السُّلْطَان أَيْضا بِنَفسِهِ فَنزل بِالْقربِ من النّيل فارتحل طومان باي من مَحَله وهرب فَتَبِعَهُ الْعَسْكَر منَازِل فَعلم الْأُمَرَاء أَنه لَا رَاحَة لَهُم مَا دَامَ مَوْجُودا فتركوا أثقالهم وَسعوا فِي طلبه فادركوه بَين الْإسْكَنْدَريَّة ورشيد فَحصل حَرْب عَظِيم وَقبض على جمَاعَة مِمَّن مَعَه وهرب هُوَ وَتوجه فِي طلبه بعض الْأُمَرَاء فأدركه فِي بحيرة وأحاط بِهِ وَقتل جَمِيع من مَعَه فَألْقى طومان باي نَفسه فِي الْبَحْر فَلَمَّا أشرف على الْغَرق طلب الْأمان فرموا لَهُ جبلا وَتمسك بِهِ فجروه إِلَى الْبر ومسكوه وقيدوه وَجَاءُوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان وَيُقَال إِنَّه هرب واستجار بشيخ عرب بني جذام عبد الدَّائِم ابْن مقرّ وَأَنه هرب إِلَى خياط السُّلْطَان سليم وَسلم إِلَيْهِ السُّلْطَان طوما باي ذكر هَذَا الْعَلامَة قطب الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فقصد السُّلْطَان الْعَفو عَنهُ لما رَآهُ ثمَّ تذكر جرائمه وَنقض الْعَهْد وَقتل الْقُضَاة الْأَرْبَعَة والكيخية وَعلم أَن الْفِتْنَة لَا تنام مَا دَامَ مَوْجُودا فَأمر بشنقه فشنق على بَاب زويلة فتم أَمر السُّلْطَان سليم خَان على مصر وَقد مهد القوانين وَالْقَوَاعِد وَنصب الْقُضَاة الْأَرْبَعَة على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَولى ملك الْأُمَرَاء الْأَمِير خير بك على مصر المحروسة وَولى جَان بردي الْغَزالِيّ على الشَّام وَكَانَ وعدهما بذلك وهما من خَواص أُمَرَاء الغوري وَكَانَا يكرهانه فِي الْبَاطِن ويكرههما كَذَلِك فَأرْسل لَهما السُّلْطَان الْأمان وعهد لَهما أَن يوليهما مصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 وَالشَّام فوافقاه على ذَلِك فَلَمَّا تلاقى العسكران فرا بالميمنة والميسرة فَبَقيَ الغوري وخواص من مَعَه فِي الْقلب فغار الغوري تَحت سنابك الْخَيل ومحي كَمَا يمحى النَّهَار بِاللَّيْلِ كَمَا تقدم ذكر ذَلِك عِنْد ذكر حَرْب الغوري ومهد السُّلْطَان سليم الْأُمُور على مَا يَنْبَغِي وَسَار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ توجه من مصر إِلَى تخت الْملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَقد تمهدت لَهُ الْبِلَاد وَعم حكمه الْعباد وَدخل أَمر الْحَرَمَيْنِ الشريفين تَحت حكمه وخطب لَهُ فيهمَا بأَمْره ورسمه وَفِي سَائِر هَذِه الأقطار واسْمه وَانْقَضَت دولة الشراكسة عَن آخرهَا وَللَّه الْبَقَاء سُبْحَانَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 (الْبَاب السَّابِع) (فِي ذكر مُلُوك آل عُثْمَان) خلد الله سلطنتهم الْقَائِمَة إِلَى آخر الزَّمَان أصلحُ الدول بعد الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ دولتُهم وَذَلِكَ لانقيادهم للشَّرْع وتمكنهم من رُتْبَة الْعِبَادَة كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج وَالْجهَاد وملازمة الْجَمَاعَة وَاتِّبَاع السّنة وَحسن العقيدة والشفقة على الْأمة وكشف كل كربَة وغمة وَقل أَن يُوجد جَمِيع ذَلِك فِي دولة من الدول السَّابِقَة فأصلهم ومبدأ ظُهُورهمْ وَسبب ملكهم أَن آل سلجوق لما تركُوا وطنهم من فتْنَة جنكز خَان ملك التتار وعزموا إِلَى جَانب بِلَاد الرّوم جَاءَ مَعَهم من طَائِفَة أغوز رجل اسْمَع أرطعزل يتَّصل نسبه بياقث بن نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ بِصُحْبَتِهِ نَحْو ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعين رجلا وَكَانَ شجاعاً ثمَّ تشمر فِي خدمَة السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن طغرل السلجوقي وَكَانَ يُحِبهُ السُّلْطَان عَلَاء الدّين لكَونه شجاعاً وَفتحت على يَدَيْهِ بِلَاد كَثِيرَة من بِلَاد الْكفَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 وَلما كَانَت سنة 697 سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة توفّي الْغَازِي أرطغرل فَكتب السُّلْطَان عَلَاء الدّين لعُثْمَان بن أرطغرل بموافقة السلطنة وَأرْسل إِلَيْهِ خلعة وسيفاً ونقارة وَخَصه بالغزو على الْكفَّار فَسَار عُثْمَان بن أرطغرل فَفتح اينه كولي ويني شهر وكوبري حِصَار وبلجك وَغير ذَلِك ثمَّ لما توفّي السُّلْطَان عَلَاء الدّين سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة اجْتمع أَكثر الْغُزَاة عِنْد عُثْمَان بن أرطغرل فتسلطن عُثْمَان الْغَازِي وَجلسَ على تخت السلطنة فِي السّنة الْمَذْكُورَة واشتغل بِالْجِهَادِ وافتتاح الْبِلَاد وَكَانَ مولده سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة دأب فِي خدمَة وَالِده فِي الْجِهَاد وتمرس بالغزو فِي سَبِيل الله وَاسْتمرّ بعد وَالِده مَعَ الْكفَّار فِي الجلاد فَرَأى السُّلْطَان عَلَاء الدّين السلجوقي جده وجهده فِي الْجِهَاد وَعلم قابليته ونجابته فِي فتح أَطْرَاف الْبِلَاد فَأكْرمه وَأمره وأمده بأنواع الْإِعَانَة والإمداد وَأرْسل الرَّايَة السُّلْطَانِيَّة والطبل وَالزمر إِلَيْهِ وَعمِلُوا نوبَة بَين يَدَيْهِ فَعِنْدَ أول سَمَاعه صَوت الطبل وَالزمر قَامَ على قَدَمَيْهِ تَعْظِيمًا لذَلِك فَصَارَ ذَلِك قانوناً لآل عُثْمَان بَاقِيا مستمراً إِلَى الْآن فَإِنَّهُم يقومُونَ على أَقْدَامهم عِنْد ضرب النّوبَة على أَبْوَابهم وَكَانَ جُلُوس السُّلْطَان عُثْمَان على تخت السلطنة عَام تسع وَتِسْعين بِتَقْدِيم التَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ وسِتمِائَة وافتتح فِيهَا كوبري حِصَار من الْكفَّار وَأمر بِصَلَاة الْجُمُعَة وخطب باسمه فَقِيه حوله من أهل الْعلم اسْمه طورسن ثمَّ افْتتح قلعة قره حِصَار ثمَّ قلعة اينه كولي ثمَّ قلعة يني شهر وافتتح قلعة يار حِصَار وَصَارَت من جملَة مَمْلَكَته فزوج وَلَده أورخان على نيلوفر خَان ابْنه صَاحب يارحصار وَاسْتمرّ فِي الْغُزَاة وَالْجهَاد وَفتح الْبِلَاد وَقتل الْكفَّار أهل العناد إِلَى أَن دَعَاهُ الله إِلَى جنته وأبدله سلطنة خيرا من سلطنته فَأجَاب دَاعِي الْحق لما دَعَاهُ وبادر إِلَى إجَابَته ولبى نداه فَعَاشَ سعيداً وَمَات حميدا إِلَى رَحْمَة الله عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة وَكَانَ للسيف والضيف كثير الْإِطْعَام فاتك الحسام كثير الْبَذْل وَاسع الْعَطاء شجاعاً مقداماً على الْأَعْدَاء مَا خلف نَقْدا وَلَا مَتَاعا إِلَّا درعاً وسيفاً يُقَاتل بهما الْأَعْدَاء الْكفَّار وَبَعض خيل وقطيعاً من الْغنم اتخذها للضيفان وأنسالها بَاقِيَة إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 الْآن ترعى حول بِلَاد بروسا أبقوها تيمناً وتبركاً وَهُوَ أول من أظهر عَظمَة هَذَا الْملك وسلك سَبِيل الْعدْل فِيهِ حَتَّى قيل فِيهِ ثَالِث العمرين وَكَانَ جميل الصُّورَة حَتَّى قيل ثَالِث القمرين وَكَانَ يحب الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل والأيتام فَيجمع أَنْوَاع الطَّعَام وأصناف الْحَلْوَى فيطبخ لَهُم بعد كل ثَلَاثَة أَيَّام سماطاً عَظِيما يَأْكُل مِنْهُ الْخَاص وَالْعَام مِمَّن ذكر وَغَيرهم وَكَانَ الْمَوْجُود لَهُ عِنْد مَوته فرس وَسيف وَدرع وَنَحْو ذَلِك من اللبَاس والفراش كَذَا قَالَه الْعَلامَة مُحَمَّد شلبي وَالِد أَحْمد شلبي النشانجي قَاضِي محكمَة مَكَّة الشَّرِيفَة سَابِقًا وَهُوَ ابْن أرطغرل بن سُلَيْمَان شاه وَكَانَ لجده سُلَيْمَان أَرْبَعَة أَوْلَاد مِنْهُم اثْنَان توجها إِلَى بِلَاد الْعَجم وهما سنقر ودندار وَتوجه إِلَى بِلَاد الرّوم اثْنَان أرطغرل وَكَون وقدما على السُّلْطَان عَلَاء الدّين السلجوقي وَكَانَ سُلْطَان بِلَاد قرمان فأكرمهما وَأذن لَهما فِي الْإِقَامَة وَصَارَ دأبهم الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَى أَن صَار أَمر أرطغرل إِلَى مَا صَار كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَخلف أرطغرل أَوْلَادًا نجباء أقواهم جأشاً السُّلْطَان عُثْمَان فاستمر إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَت مدَّته سِتا وَعشْرين سنة (ثمَّ تولى السُّلْطَان أورخان الْغَازِي ابْن السُّلْطَان عُثْمَان خَان) مولده سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَجلسَ على تخت السلطنة سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَفتح إزنيق وبروسا وَغَيرهمَا وَأرْسل ابْنه سُلَيْمَان باشا إِلَى روم إيلي مَعَ أَرْبَعِينَ نَفرا ففتحوا قلعة ملقرة وأبسالة وبولاير ووزه وَكَانَ السُّلْطَان أورخان فاق وَالِده فِي الْجِهَاد وَفتح الْبِلَاد وبذل الِاجْتِهَاد وَهُوَ الَّذِي افْتتح بروسا فِي حَيَاة وَالِده ثمَّ جعلهَا مقرّ سلطنته واتسعت مَمْلَكَته ونفذت كَلمته وَاجْتمعت مُلُوك النَّصَارَى وَجَمِيع الْكَفَرَة على قتال العساكر السُّلْطَانِيَّة الإسلامية واجتمعوا على أَن يتعدوا من بِلَاد روميلي إِلَى جِهَة أنادول ويقاتلوا السُّلْطَان أورخان وَكَانَ لَهُ ولد نجيب اسْمه سُلَيْمَان بك فَاسْتَأْذن وَالِده فِي قِتَالهمْ فَوَقع حَرْب شَدِيد كَانَ الظفر فِيهِ لِسُلَيْمَان بك وَهُوَ أول من كتب على السِّكَّة من آل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 عُثْمَان فَكتب فِي وجهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَفِي الْوَجْه الآخر اسْمه الشريف وَهُوَ أول من رتب طَبَقَات العساكر وسمى الطَّبَقَات الْمَذْكُورَة بأسمائها الْمَشْهُورَة وَكَانَ أول سلطنته ب بروسا وأعمالها ثمَّ ملك عدَّة من الْبِلَاد الإسلامية وغزا الْكفَّار وَفتح ممالك مُتعَدِّدَة وغنم بلاداً وأموالاً وَبنى الْجَوَامِع ومساجد ومدارس ومطبخاً للمسافرين وللمقيمين فِي غَالب الممالك الَّتِي تَحت سُلْطَانه وَعمر فِي الطرقات والمفاوز ومحال الْخَوْف والمقطعة سبلاً وخانات وقصوراً وجسوراً وأمثال ذَلِك من الْخيرَات العميمة وسلك سَبِيل الْعدْل والجود وَالْفضل وَالْإِحْسَان على نمط وَالِده المرحوم السَّاكِن بأعالي الْجنان وَتُوفِّي السُّلْطَان أورخان حميدا سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد خَان الْغَازِي خدا وندكار) (ابْن السُّلْطَان أورخان) وَجلسَ على سَرِير الْملك والسلطنة سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي بروسا ولي السلطنة وعمره أَربع وَثَلَاثُونَ سنة وافتتح كثيرا من الْبِلَاد مِنْهَا أدرنة سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ أول من اتخذ المماليك وَسَمَّاهُمْ ينيشري يَعْنِي الْعَسْكَر الْجَدِيد وألبسهم اللباد الْأَبْيَض المثني إِلَى خلف وسماهُ بُرْكلة بِالضَّمِّ للموحدة وَسُكُون الرَّاء ثمَّ توجه إِلَى فتح قوصوة فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا التقى الْجَمْعَانِ وانهزمت الْكفَّار ثمَّ اجْتمعت النَّصَارَى على سلطانهم أسبوت فَقَاتلهُمْ السُّلْطَان مُرَاد قتالاً عَظِيما فَقتل سلطانهم فأظهر وَاحِد من مُلُوكهمْ الطَّاعَة وَتقدم ليقبل يَد السُّلْطَان فَلَمَّا قرب أخرج خنجراً فَضرب بِهِ السُّلْطَان مرَادا فاستشهد فَصَارَ من يَوْمئِذٍ لَا يدْخل على السُّلْطَان أحد بسلاح بل يدْخل بَين رجلَيْنِ يكتنفانه وَكَانَت مُدَّة سلطنته إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة وَفِي مورد اللطافة فِيمَن ولي السلطنة والخلافة عَن السُّلْطَان مُرَاد مَا نَصه كَانَ ملكا جَلِيلًا ذَا هَيْبَة وعظمة وَشدَّة بَطش فتح الممالك الْعَظِيمَة كقلعة نكبولي وَنَحْوهَا وحاصر الفرنج برا وبحراً وضيق عَلَيْهِم المسالك فَانْتدبَ لحربه بعض مُلُوكهمْ فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ وتصاف العسكران تحاربا وتعاركا وتضاربا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 فقصد السُّلْطَان ملك الفرنج وَحمل عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى فتقاربا وتعاركا وتضاربا وهما على ظُهُور الْخَيل فسقطا مَعًا على الأَرْض فَانْقَلَبَ عَدو الله على السُّلْطَان وضربه بالخنجر صَادف مَقْتَله فأدركه عسكره وَاحْتَمَلُوهُ إِلَى خيمته وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فعهد بِالْملكِ إِلَى ابْنه يلدرم بايزيد فِي التَّارِيخ الْآتِي ذكره وَمَات بعد ذَلِك سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى (ثمَّ تولى السُّلْطَان يلدرم با يزِيد ابْن السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي) وَلما سمع بوفاة أَبِيه خنق أَخَاهُ يَعْقُوب شلبي واشتغل بالفتوحات فَفتح الأفلاق وقونية وآق سراي ونيكده وقيصرية وسلانيك وَغَيرهَا من الْبِلَاد ثمَّ هرب بعض الْأُمَرَاء من خدمَة السُّلْطَان يلدرم ودخلوا عِنْد تيمورلنك فحركوه وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بِلَاد الرّوم فَالتقى العسكران فِي مَوضِع يُقَال جبوق أواسي فانكسر السُّلْطَان يلدرم لِكَثْرَة من مَعَ تيمور من الْعَسْكَر كالجراد الْمُنْتَشِر فَأخذ السُّلْطَان يلدرم وَحبس ثمَّ توفّي بالحمى المحرقة سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَكَانَ ابْنه الْأَمِير مُحَمَّد أَمِير أماسية فَلَمَّا سمع بِذكر ذَلِك خرج بعسكر أماسية خلف تيمور فَأخذ جثة وَالِده بعد حَرْب شَدِيدَة وَكَانَت مُدَّة سلطنته سِتّ عشرَة سنة وتيمور وَيُقَال تيمورلنك واللنك فِي اللُّغَة الفارسية الْأَعْرَج لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ عرج كَانَ ظُهُوره فِي عَام سَبْعمِائة وَثَلَاث وَسبعين وَكَانَ تَارِيخ ذَلِك لفظ عَذَاب قَالَه الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه وَكَانَ أول أمره رَاعيا للغنم ثمَّ صَار أَمِير آخور لبَعض سلاطين الْعَجم فِي سَمَرْقَنْد وبخارى فتغلب على مخدومه وَلم يزل حَتَّى تفرد بالسلطان وَملك الْبِلَاد طرفا بعد طرف فِي أسْرع زمن على أعجب أسلوب وَذَلِكَ أَنه إِذا قصد محلا ورَّى بِغَيْرِهِ فيهجم على ذَلِك الْمحل وَأَهله غافلون ثمَّ يبْدَأ بقتل جَمِيع من فِيهِ من كل ذِي روح ثمَّ يتَمَلَّك الْبِلَاد وَيَأْخُذ جَمِيع مَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَالسِّلَاح وَالطَّعَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 بِحَيْثُ خربَتْ جَمِيع الممالك الَّتِي دَخلهَا مِمَّا وَرَاء النَّهر فَلَمَّا خرج إِلَى الْبِلَاد الإسلامية كبغداد وَالروم وَالشَّام وحلب كَانَ عَادَته يقتل أَعْيَان الْبِلَاد وأركان دولتها ثمَّ ينصب فِيهَا من يقوم بأمرها من جماعته فهابته أَكثر سلاطين الْإِسْلَام وملوكه وقصدوه بالهدايا والتحف اتقاء شَره ومولانا السُّلْطَان يلدرم صَاحب التَّرْجَمَة لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلم يكترث بِشَأْنِهِ لاشتغاله بالغزوات وَمَا فِيهِ سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فهجم على بِلَاد الرّوم على غرَّة وأسرع فِي السّير إِلَى الْمحل الَّذِي فِيهِ السُّلْطَان الْمشَار إِلَيْهِ قبل أَن يعلم أحد بوصوله فَمَا وسع السُّلْطَان إِلَّا مُقَابلَته لِأَن شهامته أَبَت أَن يعرض عَنهُ وَيتْرك قِتَاله فاتفق بِمُرَاد الله أَن كسر عَسْكَر السُّلْطَان الْمَذْكُور وحبسه إِلَى أَن كَانَت وَفَاته بالحمى كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَفِي عجائب الْمَقْدُور فِي أَخْبَار تيمور للْإِمَام الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي عرف بِابْن عرب شاه رَحمَه الله تَعَالَى وَمعنى يلدرم الْبَرْق فَوجه الْأَخْذ الْمَذْكُور من هَذَا اللقب سرعَة الْحَرَكَة وَقُوَّة الظُّهُور مَعَ النُّور واللمعان رَحمَه الله تَعَالَى قلت أَخْبرنِي بعض فضلاء أهل الْهِنْد أَن ملكهم الْآن وَهُوَ الْمُسَمّى أورنك زيب ابْن شاه جهان يتَّصل نسبه بتيمور هَذَا وَمِنْه إِلَى جنكزخان طاغية التتار وَيُنْكِرُونَ كَونه رَاعيا أَو خَادِمًا لبَعض مُلُوك الْعَجم فتغلب على مخدومه فِي السلطنة وَيدعونَ عراقته فِيهَا وَالله أعلم بالحقائق قلت وَذكر الإِمَام الْمَذْكُور فِي كِتَابه الْمَذْكُور وَاقعَة لتيمور مَعَ الْعَلامَة القَاضِي محب الدّين أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الْحلَبِي قاضيها الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الشّحْنَة أَحْبَبْت ذكر نَصهَا لما كَانَ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول من عَام ثَمَان وَثَمَانمِائَة أَخذ يَعْنِي تيمور قلعه حلب بالأمان والأيمان الَّتِي لَيْسَ مَعهَا ايمان فَاسْتَحْضر علماءها وقضاتها فَحَضَرُوا إِلَيْهِ وَطلب من مَعَه من أهل الْعلم فَقَالَ لكبيرهم عِنْده وَهُوَ الْمولى عبد الْجَبَّار ابْن الْعَلامَة نعْمَان الدّين الْحَنَفِيّ قل لَهُم إِنِّي سائلهم عَن مسَائِل سَأَلت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 عَنْهَا عُلَمَاء سَمَرْقَنْد وبخارى وهراة وخراسان وَسَائِر الْبِلَاد الَّتِي افتتحتها فَلم يفصحوا الْجَواب فَلَا تَكُونُوا مثلهم وَلَا يجاوبني إِلَّا أعلمكُم وأفضلكم وليعرف مَا يتَكَلَّم بِهِ فَإِنِّي خالطت الْعلمَاء ولي بهم اخْتِصَاص وألفة ولي فِي الْعلم طلب قديم قَالَ صَاحب الْكتاب وَكَانَ يبلغنَا عَنهُ أَنه بتعنت الْعلمَاء فِي الأسئلة وَيجْعَل ذَلِك سَببا إِلَى قَتلهمْ أَو تعذيبهم قَالَ القَاضِي ابْن الشّحْنَة فَقَالَ القَاضِي شرف الدّين مُوسَى الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي هَذَا شَيخنَا ومدرس هَذِه الْبِلَاد ومفتيها مُشِيرا إِلَى سلوه وَالله الْمُسْتَعَان قَالَ فَقَالَ لي قاضيه عبد الْجَبَّار سلطاننا يَقُول إِنَّه بالْأَمْس قتل منا ومنكم فَمن الشَّهِيد قتيلنا أم قتيلكم فَوَجَمَ الْجَمِيع وَقُلْنَا فِي أَنْفُسنَا هَذَا الَّذِي كَانَ يبلغنَا عَنهُ من التعنت وَسكت الْقَوْم فَفتح الله عَليّ بِجَوَاب سريع بديع فَقلت هَذَا سُؤال سُئِلَ عَنهُ سيدنَا رَسُول الله قَالَ لي صَاحِبي شرف الدّين الْمَذْكُور بعد أَن انْقَضتْ الْحَادِثَة وَالله الْعَظِيم لما قلت هَذَا السُّؤَال سُئِلَ عَنهُ رَسُول الله وَأَنا مُحدث زماني قلت عالمنا قد اخْتَلَّ عقله فَإِن هَذَا سُؤال لَا يُمكن الْجَواب عَنهُ فِي هَذَا الْمقَام وَوَقع فِي نفس عبد الْجَبَّار قاضيه مثل ذَلِك وَألقى إليّ تيمور سَمعه وبصره وَقَالَ لعبد الْجَبَّار يسخر من كَلَامي كَيفَ سُئِلَ رَسُول الله عَن هَذَا وَكَيف أجَاب فَقلت جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن الرجل يُقَاتل حمية وَيُقَاتل ليُري مَكَانَهُ من الشجَاعَة فأينا الشَّهِيد فِي سَبِيل الله فَقَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمةُ اللهِ هِيَ العُلْياً فَهُوَ الشَهِيدُ فَقَالَ تيمور لنك خوب خوب فانفتح بَاب المؤانسة فَكثر مِنْهُ السُّؤَال وَكثر مني الْجَواب وَكَانَ آخر مَا سَأَلَ أَن قَالَ مَا تَقولُونَ فِي عَليّ وَمُعَاوِيَة وَيزِيد فَأسر إِلَى القَاضِي شرف الدّين أَن اعرف كَيفَ تجاوبه فَإِنَّهُ شيعي فَلم أفرغ من مساع كَلَامه إِلَّا وَقد قَالَ القَاضِي علم الدّين القفصي الْمَالِكِي كلَاما مَعْنَاهُ إِن الْكل مجتهدون فَغَضب لذَلِك غَضبا شَدِيدا وَقَالَ عَلِي عَلَى الْحق وَمُعَاوِيَة ظَالِم وَيزِيد فَاسق وَأَنْتُم حلبيون تبع لأهل دمشق وهم يزِيدُونَ قتلوا الْحُسَيْن قَالَ فَأخذت فِي ملاطفته والاعتذار عَن الْمَالِكِي بِأَنَّهُ أجَاب بِشَيْء وجده فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 كتاب لَا يعرف مَعْنَاهُ فَعَاد إِلَى دون مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْبسط قَالَ وَلما كَانَ آخر شهر ربيع الْمَذْكُور طلبني ورفيقي القَاضِي شرف الدّين وَأعَاد السُّؤَال عَن عَليّ وَمُعَاوِيَة فَقلت لَا شكّ أَن الْحق كَانَ مَعَ عَليّ فِي نوبَته وَلَيْسَ مُعَاوِيَة من الْخُلَفَاء فَإِنَّهُ صَحَّ عَن رَسُول الله أَنه قَالَ الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة وَقد تمت بعلي وَابْنه الْحسن فَقَالَ تيمور لنك قُل عَلِي عَلَى الْحق وَمُعَاوِيَة ظَالِم فَقلت قَالَ صَاحب الْهِدَايَة يجوز تقلد الْقَضَاء من وُلَاة الْجور فَإِن كثيرا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ تقلدوا الْقَضَاء من مُعَاوِيَة وَكَانَ الْحق مَعَ عَليّ فِي نوبَته فأنس لذَلِك انْتهى من الْكتاب الْمَذْكُور مُلَخصا قلت فِي قَوْله فِي نوبَته احْتِرَاز لطيف عَن نِسْبَة التَّعَدِّي إِلَى الصّديق وتالييه كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا معشر أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَمَرَّتْ على تيمور وَلم يفْطن لذَلِك وَفِي رِوَايَة لما استولى على كثير من قلاع النَّصَارَى هرب بعض وزرائه وَحلق لحيته وحواجبه وَصَارَ فِي صُورَة قلندري وَوصل مَعَه جمَاعَة إِلَى تيمور وَشَكوا من السُّلْطَان يلدرم وحسنوا لَهُ الْوُصُول إِلَى بِلَاد الرّوم فوصل إِلَى الْبِلَاد الشامية والحلبية وَقتل من بهَا وَأسر وَنهب وَاسْتمرّ إِلَى أَن وصل أذربيجان وَخرج إِلَيْهِ السُّلْطَان فغدر بِهِ العساكر وذهبوا إِلَى تيمور ووثب هُوَ ومَن بَقِي مَعَه وَقتل وَلَده السُّلْطَان مصطفى وَاسْتمرّ يُقَاتل إِلَى أَن وصل بِسَيْفِهِ إِلَى تيمور فَألْقى عَلَيْهِ بِسَاط فَأمْسك وَتُوفِّي كَمَا تقدم ذكر ذَلِك (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان يلدرم) وَاسْتقر فِي السلطنة سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَت مدَّته تسع سِنِين وافتتح عدَّة من الْحُصُون مِنْهَا بَلْدَة اسكب وآق شهر وَغَيرهمَا وَكَانَ شجاعاً مقداماً مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَله خيرات مُتعَدِّدَة مِنْهَا ب برسا جَامع عَظِيم ومدرسة علمية وتربة سلطانية وَمِنْهَا بِولَايَة مرزفون جدد وَأَنْشَأَ جامعين وحمامين وأوقافاً عديدة كَثِيرَة الْغلَّة وَقفهَا وَشرط أَن تحمل غَلَّتهَا إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 فَهُوَ أول من عمل الصر لأهل الْحَرَمَيْنِ الشريفين من آل عُثْمَان أدام الله دولتهم وصولتهم وَلما تمّ أَجله الْمُسَمّى فِي أم الْكتاب دَعَاهُ ملَك الفناء إِلَى دَار الْبَقَاء المستطاب فَعَاشَ سعيداً وَمضى حميدا وتحول من دَار البلى إِلَى دَار البقا {إِن إلىَ رَبك اَلرُجعى} العلق 8 وَكَانَت وَفَاته بِمَرَض الإسهال فَتكون لَهُ مرتبَة الشَّهَادَة وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّانِي ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد بن يلدرم) وَجلسَ على تخت السلطنة سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَظهر فِي أَيَّامه رجل وَادّعى أَنه ابْن السُّلْطَان يلدرم واسْمه مصطفى الَّذِي فقد فِي فتْنَة تيمور فَظهر تزويره فصلبوه فِي برج قلعة أدرنة وَفتح فِي زَمَنه سمندرة ومورة ثمَّ إِنَّه بِحسن اخْتِيَاره أقعد وَلَده مُحَمَّدًا الْآتِي بعده وَاخْتَارَ التقاعد ببلدة مغنيسا مُدَّة ثمَّ قَامَت عَلَيْهِ طَائِفَة الينيشرية فأرسلوا إِلَى مغيسا وَأتوا بوالده مِنْهَا وأجلسوه ثَانِيًا على سَرِير السلطنة فَلَمَّا توفّي أَجْلِس ابْنه السُّلْطَان مُحَمَّد على تخت السلطنة وعمره ثَمَانِيَة عشر عَاما وعاش تسعا وَخمسين سنة وَكَانَ ملكا عَظِيما مُطَاعًا عين للحرمين الشريفين من خَاصَّة صدقاته ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة ذَهَبا وللشرفاء مثلهَا فِي كل عَام وَكَانَت مُدَّة سلطنته إِحْدَى وَثَلَاثِينَ عَاما قَالَ ابْن تغري بردي فِي تَارِيخه لم يكن فِي زَمَانه شرقاً وَلَا غرباً مثله فِي غَزْو الْكفَّار أهلك الله على يَده الْملك قزال عَظِيم مُلُوك الفرنج فِي عَام ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت وقْعَة عَظِيمَة مَشْهُورَة هلك فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ مَا يزِيد على عشْرين ألفا كَانَت طوائف الْكفَّار اجْتَمعُوا من كل نَاحيَة فِي هَذِه الْوَقْعَة وعزموا على استئصال ثغور الْإِسْلَام خُصُوصا بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ ظهر أَن طَائِفَة الْكفَّار فَوق عدد الْمُسلمين بأضعاف مضاعفة فَلَمَّا وَقع الْحَرْب ظَهرت الْغَلَبَة على الْمُسلمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 فَأرْسل الله تَعَالَى ريحًا عاصفاً بِتُرَاب عَظِيم على جَانب الْكفَّار فأدبروا وَركب الْمُسلمُونَ أكتافهم قتلا وأسراً وغنموا غَنَائِم جزيلة لَا حد لَهَا وَلَا عد من النُّقُود والخيول وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك ومحاسنه كَثِيرَة ومآثره شهيرة (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فاتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة ابْن مُرَاد) مولده عَام خمسن وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة جُلُوسه أَولا بفراغ من وَالِده لَهُ فِي عَام سبع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وتقاعد وَالِده بِولَايَة مغنيسا إِلَى نَيف وَخمسين فَقَامَتْ طَائِفَة الينيشرية وَاجْتمعت على عود السُّلْطَان مُرَاد خَان لصِغَر وَلَده مُحَمَّد الْمَذْكُور فَعَاد السُّلْطَان مُرَاد مُدَّة يسيرَة ثمَّ أَدْرَكته الْوَفَاة وَاسْتقر السُّلْطَان مُحَمَّد الْمَذْكُور فِي الْملك عَام وَفَاة وَالِده الْمُوَافق لسنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ إِن السُّلْطَان مُحَمَّد سلك طَرِيق الْعدْل وَأقَام نظام الْملك وَأظْهر أبهة السلطنة وَذَلِكَ جَمِيعه ببركة وَالِده ونفع مَا جمعه لَهُ من المَال وَالرِّجَال والمدن الواسعة والأمصار النافعة وهابته الْمُلُوك وَدخلت فِي طَاعَته أكَابِر الممالك وأعيانها فَملك تِسْعَة سلاطين أَرْبَعَة من الْمُسلمين وَخَمْسَة من النَّصَارَى أما الْمُسلمُونَ فسلطان ولَايَة قرمن وسلطان كرميا وسلطان النكا وسلطان اسفنديار وفتوحاته مَشْهُورَة وَكَانَ من أعظم سلاطين آل عُثْمَان وَأَقْوَاهُمْ اجْتِهَادًا لَهُ غزوات كَثِيرَة لَا تحصى من أعظمها فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي الْيَوْم الْحَادِي وَالْخمسين من حصارها وَهُوَ الرَّابِع وَالْعشْرُونَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَله كرامات عَجِيبَة واَثار بديعة وَكَانَت مُدَّة سلطنته إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة وَلما افْتتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة صلى فِي أكبر كنائسها وَهِي أيا صوفية صَلَاة الْجُمُعَة وَهِي بَاقِيَة تسامي قباب السَّمَاء وتحاكي فِي الاستحكام متين الأهرام فَمَا وهت وَلَا وهنت كبرا وَلَا هرماً دَامَ سُلْطَانه إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 (ثمَّ تولى السُّلْطَان بايزيد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد) (وَجلسَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وافتتح الفتوحات) وَفِي أَيَّامه فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ أَو خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة ظهر من بِلَاد الْعَجم شاه إِسْمَاعِيل ابْن حيدر الصفوي وَكَانَ لَهُ ظُهُور عَجِيب وفتك فِي الْبِلَاد وَسَفك دِمَاء الْعباد فأظهر مَذْهَب الرَّفْض والإلحاد وَغير اعْتِقَاد أهل الْعَجم إِلَى الانحلال وَالْفساد بعد الصّلاح والسداد وأخرب ممالك الْعَجم وأزال من أَهلهَا حسن الِاعْتِقَاد وَالله تَعَالَى يفعل فِي ملكه مَا أَرَادَ وَتلك الْفِتْنَة بَاقِيَة إِلَى الْآن فِي جَمِيع الْبِلَاد وَظهر من أَتبَاع شاه إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور بِبِلَاد الرّوم شخص ملحد زنديق يُقَال لَهُ سُلْطَان قولي أهلك الْحَرْث والنسل وَعم بِالْفَسَادِ وَالْقَتْل فَأرْسل السُّلْطَان وزيره الْأَعْظَم على باشا بعسكر كثير إِلَى قتال هَذَا الطاغي وأمده بِجَيْش عَظِيم لقطع جاذرة هَذَا الْبَاغِي فاستشهد عَليّ باشا فِي ذَلِك الْقِتَال ووفد بأكفان شَهَادَته على الْكَبِير المتعال وانكسر الشَّيْطَان فولى الْمُفْسد التعيس وَعَسْكَره جنود إِبْلِيس وأسكن الله تِلْكَ الْفِتْنَة بعد مَا أطلقت وَكفى الله شَرّ أُولَئِكَ الأشرار بعد أَن عظمت محنتهم وعمت وَفِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة قَاتله أَخُوهُ السُّلْطَان جم شيد فبرز السُّلْطَان بايزيد لقتاله فَهَزَمَهُ ففر إِلَى مصر ونجح زمن السُّلْطَان قايتباي وَعَاد فَأكْرمه السُّلْطَان قايتباي إِكْرَاما عَظِيما فَذهب إِلَى دوسق وَجمع طَائِفَة من الْغُزَاة وَنَازع أَخَاهُ على الْملك ثانيَاً فقاتله السُّلْطَان بايزيد فانكسر السُّلْطَان جم ثانيَاً وفر إِلَى بِلَاد النَّصَارَى فِي سنة 888 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان بايزيد أحد عبيده فِي صُورَة حلاق فاستخدمه وَأمره أَن يحلق رَأسه فحلق رَأسه بمُوسَى مَسْمُوم وهرب فِي الْحَال وَأثر السم فِي رَأسه وسرى إِلَى بدنه فَمَاتَ سنة خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة وَكَانَ السُّلْطَان بايزيد ملكا جَلِيلًا عَالما عَاملا ترقى فِي مَرَاتِب الْكَمَال الجليلة وتسنم ذرى المفاخر الأثيلة جمع الله لَهُ بَين السلطنة الْعُظْمَى الظَّاهِرِيَّة والإمامة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 الْكُبْرَى الْبَاطِنَة حَتَّى نقل عَنهُ أَنه كَانَ يرى الْقبْلَة المعظمة فِي افْتِتَاح كل صَلَاة وَكَانَت أَيَّامه كَثِيرَة الْخيرَات والفتوحات وَكَانَ يُجهز إِلَى أهل الْحَرَمَيْنِ الشريفين فِي كل عَام أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار ذَهَبا يصرف نصفهَا على فُقَهَاء مَكَّة والاَخر للمدينة وَمِمَّنْ ورد عَلَيْهِ فِي شبابه خطيب مَكَّة الشَّيْخ محيى الدّين عبد الْقَادِر بن عبد الرَّحْمَن الْعِرَاقِيّ وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن العُليف شَاعِر الْبَطْحَاء وفاضلها قتالا مِنْهُ خيرا كثيرا وصنف لَهُ العليف تَارِيخا سَمَّاهُ الدّرّ المنظوم فِي مَنَاقِب السُّلْطَان بايزيد ملك الرّوم وامتدحه بقصيدة رائية طنانة أَولهَا من الطَّوِيل (خُذُوا من ثنائِى موجبَ الحمدِ والشكرِ ... ومِنْ در لفظِى طيب النظمِ والنثْرِ) (فيا رَاكِبًا يسري على ظَهْر ضامر ... إِلَى الرّوم يهدي نَحْوهَا طيبَ النشْرِ) (لَك الْخَيْر إِن وافيت بروص عُجْ بهَا ... رويداً لإسطنبولَ سامية الذكْرِ) (لدي ملك لَا يبلغُ الوضْفُ كنهَهُ ... شرِيف المساعي نَافِذ النهْيِ والأمرِ) (إِلَى بايزيد الخَيْر وَالْملك الَّذِي ... حمى بَيْضَة الإسلامِ بالبيضِ والسمرِ) (وجرد للدّين الحنيفيِّ صَارِمًا ... أباد بِهِ جمع الطَواغيتِ والكُفْرِ) (وجاهدهم فِي الله حقَّ جهادِهِ ... رَجَاء لما يبقَى من الفوزِ والأجرِ) (لَهُ همة تملا الصُّدُور وصولة ... مقسَّمة بَين المخافةِ والذكْرِ) (أطاعَ لَهُ مَا بَيْن رومٍ وفارسٍ ... ودان لَهُ مَا بَين بُصْرى إِلَى مصرِ) (هُوَ البحرُ إِلَّا أَنه دائمُ العطا ... وذلكَ لَا يَخْلُو من المدِّ والجزرِ) (هُوَ البدرُ إِلَّا أَنه كَامِل الضيَا ... وَذَاكَ حليفُ النقْصِ فِي معظمِ الشهرِ) (هُوَ الغيثُ إِلَّا أَن للغيثِ مسكةً ... وَذَا لَا يزالُ الدَّهْر ينهل بالقطرِ) (هُوَ السيفُ إِلَّا أَن للسيفِ نبوة ... وفلاَّ وَذَا ماضي العزيمةِ فِي الأمْرِ) (سليلُ بني عُثْمَان والقادةِ الألَى ... علا مجدهُمْ فوقَ السماكَيْنِ والنسرِ) (ملوكٌ كرامُ الأصلِ طابَتْ فروعُهمْ ... وَهل ينسبُ الدِّينَار إِلَّا إِلَى التبرِ) (محا أثر الكفارِ بالسيفِ فاغتدَتْ ... بِهِ حوزة الإسْلامِ ساميةَ القَدْرِ) (فيا ملكا فاق الْمُلُوك مكارماً ... فكلٌّ إِلَى أدنى مكارمه يجرِي) (لَئِن فقتهُمْ فِي رُتْبَة الملكِ والعلا ... فإنَّ اللَّيَالِي بَعْضهَا ليلةُ القدرِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 (فدتك ملوكُ الأرضِ طراَّ لِأَنَّهَا ... سراجٌ وأنتَ البدرُ فِي غرَّة الشهرِ) (تَعاليْتَ عَنْهُم رفْعَة ومطانهً ... وذاتاً وأوصافاً تجلُّ عَن الحصرِ) (لَك العزةُ القعساءُ والرتبةُ الَّتِي ... قواعدهَا تسمو على أبرجِ النسرِ) (سموتَ علوَّا إِذْ دنوتَ تواضعاً ... وقمتَ بِحَق الله فِي السِّرّ والجهرِ) (غَدَتْ بك أرضُ الرومِ تزهو ملاحةً ... وترفل فِي ثوبِ الجلالةِ والفجرِ) (إِلَيْك ابْن عُثْمَان الَّذِي سَارَ ذكْرُهُ ... مسير ضِيَاء الشمَسِ فِي البَرَّ والبَحْرِ) (يمينكَ تروى عَن يسارٍ ونائلٍ ... ووجهُكَ يرْوى فِي البشاشة عَن بشرِ) (وَإِنِّي لصوَّانٌ لدرِّ قلائدي ... عَن المدحِ إِلَّا فِيك يَا مَالك العصرِ) (فقابل رعاكَ الله شكري بمثلِهِ ... فَإنَّك للمعروف من أعظمِ الذخر) (فَلَا زلتَ محروسَ الجنابِ مؤيداً ... من الله بالتوفيقِ والعزِّ والنصرِ) فَأمر للعليف بعد وصولها إِلَيْهِ وفرحه بهَا بِأَلف دِينَار ذَهَبا جَائِزَة ورتب لَهُ فِي دفتر الصر لكل عَام مائَة دِينَار ذَهَبا فَصَارَت بعده لأولاده رَحِمهم الله تَعَالَى وَكَانَ للسُّلْطَان بايزيد أَوْلَاد وَلم يخلع بِالْملكِ إِلَّا لوَلَده سليم خَان ودام سُلْطَانه اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ عَاما إِلَى أَن مَاتَ سنة 918 تِسْعمائَة وَثَمَانِية عشر (ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم ابْن السُّلْطَان با يزِيد) (كاسر الْعَجم وفاتح بِلَاد الْعَرَب) وَجلسَ فِي سنة ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة وَفِي سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة ركب على إِسْمَاعِيل شاه الْعَجم ابْن الشَّيْخ حيدر ابْن الشَّيْخ جُنَيْد ابْن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم ابْن سُلْطَان خوجه شيخ عَليّ ابْن الشَّيْخ صدر الدّين مُوسَى ابْن الشَّيْخ صفي الدّين إِسْحَاق الأردبيلي وَإِلَيْهِ ينْسب أَوْلَاده فَيُقَال لَهُم الصفويون وَكَانَ الشَّيْخ صفي الدّين صَاحب زَاوِيَة فِي أردبيل وَله سلسلة فِي الْمَشَايِخ أَخذ عَن الشَّيْخ زاهد الكيلاني وتنتهي بوسائط إِلَى الإِمَام حجَّة الْإِسْلَام أَحْمد الْغَزالِيّ فَرجع بالظفر الْمُبين ثمَّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة ركب على السُّلْطَان الغوري وكسره فِي مرج دابق قرب حلب وأباد ملكه وَقد مرت قصَّته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 وَمن وزرائه الأجلة بير باشا وَابْن هرسك أَحْمد وَسنَان باشا وزنبيلي وَغَيرهم مولده فِي أماسية سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ عمره جَمِيعه أَرْبعا وَخمسين سنة وَلم تطل سلطنته لِأَنَّهُ كَانَ سفاكاً وَهَذِه عَادَة الله تَعَالَى فِي السلاطين والأمراء إِذا أَكْثرُوا من الْقَتْل وَكَانَ سُلْطَانا قهاراً ملكا جباراً يُغير زيه فِي لِبَاسه ويتجسس فِي اللَّيْل وَالنَّهَار ويطلع على الْأَخْبَار وَله عدَّة مصاحبين يدورون تَحت القلعة وَفِي الْأَسْوَاق والمحافل والجمعيات وَمهما سَمِعُوهُ ذَكرُوهُ لَهُ فَيعْمل بِمُقْتَضى مَا يسمعهُ وَله معرفَة باللسانين الرُّومِي والفارسي وَشعر رائق ونظم فائق وَرَأَيْت لَهُ بَيْتَيْنِ فِي الكوشك الَّذِي بني لَهُ لما فتح مصر وهما بالعربي بِخَطِّهِ قَوْله من الْبَسِيط (ألمُلْكُ لِلَّهِ مَنْ يَظْفَرْ بِنَيْلِ مُنّى ... يَتْرُكْهُ قَسْرًا ويَضْمَنْ بَعْدَهُ الدَّرَكَا) (لَوْ كَانَ لِي أَوْ لِغَيْري قَدْر أُنْمُلَةٍ ... فَوْقَ التُّرَابِ لَكَانَ الأَمْرُ مُشْتَرَكَا) وتحتها مَا صورته كتبه سليم بذلك الْحَظ والقلم كَذَا ذكره الْعَلامَة قطب الدّين النَّهر والى عَن نَفسه فَهُوَ فَاعل رَأَيْت وسليم هَذَا هُوَ أول من ملك مصر من آل عُثْمَان سلاطين الزَّمَان أدام الله تَعَالَى دولتهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمد على ملكهم فسطاط الإجلال والكرامة فَإِنَّهُم ظلّ الله تَعَالَى الْمَمْدُود على الأَرْض والقائمون بشعائر الْإِسْلَام من السّنة وَالْفَرْض كَانَ عَظِيم الهيبة سعيد الْحَرَكَة كثير المبرات دَائِم الْأَسْفَار مستيقظاً للأمور الجليلة نظره إِلَى معالي الْأُمُور لَو انتظم فِي سلكه كل لَحْظَة أعظم الْأَمْصَار هُوَ عِنْده فِي غَايَة الاحتقار والاستصغار ويكفيه فتح مصر أم الدُّنْيَا طَابَ ثراه فِي الْجنان الْعليا ولد السُّلْطَان سليم سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَتَوَلَّى السلطنة بعد أَبِيه فِي حَيَاته بنزوله لَهُ عَن الْملك لأمر اقْتَضَاهُ الْحَال وَأما سَبَب ركُوبه ومقاتلته لإسماعيل شاه فَإِن إِسْمَاعِيل هَذَا طَغى وبغى وَصَارَ يقتل من ظفر بِهِ قتلا ذريعاً وَلَا يمسك شَيْئا من الخزائن بل يفرقها فِي الْحَال على عساكره إِلَى أَن ملك تبريز وأذربيجان وبغداد وعراق الْعَجم وخراسان وَكَانَ يَدعِي الربوبية وَكَانَ عسكره يَسْجُدُونَ لَهُ وَقتل خلقا لَا يُحصونَ ينيفون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 على ألف ألف أَو يزِيدُونَ بِحَيْثُ لَا يعْهَد فِي الْإِسْلَام وَلَا فِي الْجَاهِلِيَّة مِقْدَار مَا قَتله شاه إِسْمَاعِيل هَذَا وَهُوَ من مُلُوك الْعَجم الموسومين بقزل باش وَكَانَ ركُوبه عَلَيْهِ سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة فحاربهم الْحَرْب الشَّديد وانتصر عَلَيْهِم وَملك غَالب بِلَادهمْ مَعَ مزِيد قوتهم وعزتهم وَكَانَ قبل الْحَرْب كتب إِلَيْهِم كتابا فَلم يعبئوا بِهِ ثمَّ كتب إِلَيْهِم كتابا آخر أغْلظ عَلَيْهِم فِيهِ ووسمهم بالخوف والجبن عَن اللِّقَاء فاستهضهم بِهِ ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَصُورَة الْكتاب الأول ليعلم إِسْمَاعِيل بهادر أصلح الله أحوالة أَن جَمِيع أهل الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام وعلماء الدّين وَالْإِسْلَام المحبين لشريعة سيد الْأَنَام قد أفتوا بكفرك وفسادك وضلالك وعنادك لارتكابك العقائد الْفَاسِدَة والضلالات الكاسدة وَالْأَحْوَال الفظيعة والأقوال القبيحة الشنيعة وَمن اسْتحلَّ مَا حرم الله فَلَا شكّ فِي كفره فَلذَلِك نشرت الْأَعْلَام الإسلامية والرايات الدِّينِيَّة وسرتُ إِلَى بلادك لإمحاء رسمك ووجودك واضمحلال اسْمك وجنودك لَكِن لما كَانَ من سنة الدّين وَطَرِيق الْحق الْمُبين الْإِخْبَار والإعلام بالدعوة إِلَى اتِّبَاع شَرِيعَة الْإِسْلَام قبل الإلجاء بِالسَّيْفِ حِين لَا يُفِيد أَيْن وَلَا كَيفَ أرْسلت إِلَيْك مخبرا بأنك إِن أخلصت التَّوْبَة وصدقت فِي الأوبة وَرجعت عَن تِلْكَ العقائد القبيحة الفظيعة فقد فزت بالمقصد الْأَسْنَى وَلَك الْأمان مَعَ الزِّيَادَة فِي الْحسنى وَإِن لم ترجع فلتعلم أَنِّي قد سرت إِلَيْك بآيَات النَّصْر والتمكين ورايات الظفر الْمُبين عملا بقوله تَعَالَى {قتلوا الَذِين يُلونَكُم من الكفارِ} التَّوْبَة 123 لترمى بِالْعَذَابِ مجاهرة والنكال مباهرة وَالسَّلَام على من اتبع الْهدى فَلم يرتدع لذَلِك فَأرْسل إِلَيْهِ بِكِتَاب ثانٍ بديع اللَّفْظ والمعاني فَلم يرتدع لفرط العتو والطغيان فَسَار إِلَيْهِ السُّلْطَان سليم فتلاقيا فِي شالدران بِقرب تبريز وَأَرَادَ أَن يُقيم بتبريز لأخذ إقليم الْعَجم جَمِيعه فَمَا أمكنه ذَلِك لِكَثْرَة الغلاء والقحط وَسبب ذَلِك أَن القوافل الَّتِي كَانَ أعدهَا السُّلْطَان سليم لِأَن تتبعه بالميرة والعليق تخلفت عَنهُ فِي مَحل الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا وَمَا وُجد فِي تبريز شَيْء من المأكولات والحبوب لِأَن إِسْمَاعِيل شاه حرقها عِنْد انكساره فَاشْتَدَّ الغلاء بِحَيْثُ بِيعَتْ العليقة بِنَحْوِ مِائَتي دِرْهَم والرغيف الْخبز بِمِائَة دِرْهَم فاضطر السُّلْطَان سليم إِلَى الْعود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 عَن تبريز إِلَى بِلَاد الرّوم وَتركهَا خاوية على عروشها ثمَّ تفحص عَن سَبَب انْقِطَاع القوافل وتأخرها عَنهُ وَقت الْحَاجة فَأخْبر أَن سَبَب ذَلِك أَن سطان مصر الغوري قانصوه كَانَ بَينه وَبَين إِسْمَاعِيل شاه محبَّة ومودة ومراسلات بِحَيْثُ كَانَ السُّلْطَان الغوري يتهم بالرفض وعقيدته سَبَب ذَلِك فَلَمَّا ظهر للسطان سليم أَن الغوري هُوَ الَّذِي أَمر بِقطع القوافل عَنْهُم صمم على قتال الغوري أَولا وَبعد استيلائه عَلَيْهِ وعَلى بِلَاده يتَوَجَّه على شاه إِسْمَاعِيل ثَانِيًا فَلَمَّا اسْتَقر ركابه فِي تخت ملكه تهَيَّأ لأخذ مصر وَإِزَالَة دولة الشراكسة عَنْهَا وَتوجه إِلَى ناحيته من جِهَة حلب فَالْتَقَيَا ب مرج دابق كَمَا تقدم ذكر ذَلِك مفصلا كَانَت مدَّته ثَمَان سِنِين وأياماً وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة رَحمَه الله برحمته وَأَسْكَنَهُ بحابيح جنته (ثمَّ تولى السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان) (سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة) ولد سنة تِسْعمائَة تَقْرِيبًا فَتكون سنُّه حِين التَّوْلِيَة سِتا وَعشْرين سنة سلك طَرِيق المعدلة وجادة الْإِنْصَاف وتفقد أَحْوَال الرعايا والعساكر وَرفع الظُّلم والاعتساف وَأعْرض عَن المنهيات وَله خيرات لَا تحصى مَعْرُوفَة فِي الْآفَاق وفتوحات وغزوات رفعت أهل الْإِيمَان وخفضت أَرْبَاب الشقاق والنفاق مِنْهَا انكروس ورودس وبُدِن وبلغراديج وغزوة الْعَجم وألمان وأولونية وبغداد واسطنبول والستوراغون وسكتوار آخر غَزَوَاته وَتُوفِّي فِيهَا سنة 974 أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَمن مشاهير الْعلمَاء فِي أَيَّام دولته الْمُفْتِي على شلبي وَكَمَال باشا زَاده وسعدي شلبي وجوي زَاده ومفتي خواجه شلبي وَأَبُو السُّعُود أَفَنْدِي صَاحب التَّفْسِير وَغَيرهم ووزراؤه بيري باشا وَإِبْرَاهِيم باشا وَإيَاس باشا ولطفي باشا وَسليمَان باشا ورستم باشا وَعلي باشا وَمُحَمّد باشا كلهم كَانُوا أَرْبَاب خيرات ومبرات افْتتح الْبلدَانِ الواسعة بالقهر وَالْحَرب وَأخذ الْكفَّار والملاحدة بالطعن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 وَالضَّرْب وأيد الدّين الحنيفي بمجده وسيفه الباتر وَأقَام الْملَّة الحنيفية وَأَحْيَا مَا لَهَا من مآثر وَنصر مَذْهَب السّنة السّنيَّة وَأظْهر شَعَائِر الْإِسْلَام البهية وردع أهل الْإِلْحَاد فَمَا لَهُم من قُوَّة وَلَا نَاصِر وَكَانَ مُجَدد دين هَذِه الْأمة المحمدية فِي هَذَا الْقرن الْعَاشِر كَمَا ورد لِكُل قَرنٍ مُجَددٌ ظَاهر وَبنى الْمدَارِس الْمَعْرُوفَة بالسليمانية للأربعة الْأَئِمَّة الْمَالِكِي ثمَّ الْحَنَفِيّ ثمَّ الشَّافِعِي ثمَّ الْحَنْبَلِيّ وَقد جعلت مدرسة دَار حَدِيث لعدم متأهل من الْحَنَابِلَة وَبسط بِسَاط الْعدْل فِي سَائِر الممالك وَفتح القلاع والحصون ومهد المسالك وَكَانَت أَيَّام سلطنته باسمة الثغور ودولته الشَّرِيفَة عرة فِي جباه الدهور وَله فتوحات عديدة مِنْهَا وَهُوَ أَولهَا رودس وَغَيرهَا مِمَّا تقدم ذكره وَمِنْهَا الأقطار اليمنية وثغورها الإسلامية وَكَانَت فِي الْقَدِيم لعدة سلاطين وملوك وَهَهُنَا أَحْبَبْت ذكر رسَالَته إِلَى الإِمَام المطهر بن شرف الدّين الحسني الدَّاعِي بقطر الْيمن لحسن تنميقها وَكَثْرَة تحقيقها ومتانة ألفاظها وإيراقها ورصانة إرعادها وإبراقها وَهِي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مثالنا الشريف السلطاني وخطابنا المنيف العالي الخاقاني لَا زَالَ نَافِذا مُطَاعًا بالعون الرباني واليمن الصمداني أرسلناه إِلَى الأميري الكبيري العوني النصيري الهمامي المطهري الشريفي الحسيبي النسيبي فرع الشَّجَرَة الزكية طراز الْعِصَابَة النَّبَوِيَّة العلوية ونسل السلالة الهاشمية السّنيَّة المطهر بن شرف الدّين نخصه بِسَلام أتم وثناء أَعم ونبدي لعلمه الْكَرِيم أَنه لَا يزَال يتَّصل بمسامعنا الشَّرِيفَة إخلاصه لدينا وقيامه بِقَلْبِه وقالبه بمرضاة سلطاننا وانقياده إِلَى جانبنا وبمقتضى ذَلِك حصل شكرنا التَّام وَالثنَاء الْعَام على مناصحته ومكاتبته وَلما برز أمراؤنا الشَّرِيفَة مسابقين مُتَتَابعين مَعَ وزيرنا الْمُعظم سُلَيْمَان باشا إِلَى الْبِلَاد الْهِنْدِيَّة لفتح تِلْكَ الْجِهَات السّنيَّة إحْيَاء لسنة الْجِهَاد وَقطع دابر الْفساد وَأهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 العناد فَاسْتَبْشَرَ بذلك كل مُسلم وَصَارَ فَرحا مَسْرُورا فَوَقع قدر الله وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا فَرجع وزيرنا الْمشَار إِلَيْهِ فَوجدَ طَائِفَة من اللوند قد تملكوا زبيد من المملكة اليمنية وَحصل مِنْهُم غَايَة المشاق بأذى الرّعية وَزَاد ظلمهم على الْعباد والبلاد وَعم ضررهم كل حَاضر وباد فتتبع آثَارهم وَقطع دابرهم واستنقذ الرعايا من أَيْديهم وَصَارَت مملكة زبيد من ممالكنا الشَّرِيفَة وَعَاد إِلَى أعتابنا المنيفة وأبرز من يَدَيْهِ مكتوبكم ومكتوب والدكم يتَضَمَّن الْإِخْلَاص لطاعة سلطاننا وأنهما صَارا من أتباعنا اللائذين بأعتابنا وبموجب ذَلِك حصل عندنَا لكم زِيَادَة الْمحبَّة الصادقة وَحسن الْمَوَدَّة وتحققنا مَا كَانَ يبلغنَا عَنهُ على أَلْسِنَة النَّاس السفار المتمرددين على أعتابنا الشَّرِيفَة من تِلْكَ الديار وبلغنا الْآن عَنْهُمَا خلاف ذَلِك وَتغَير مَا كاتبنا بِهِ فِي السَّابِق مثل غير مُطَابق وَأَنه وَقع بَينهمَا وَبَين أمرائنا وعساكر دولتنا بِتِلْكَ الْبِلَاد خُلف كَبِير ووقائع عَم ضررها الْمَأْمُور والأمير وَهَذَا عين الْخَطَأ الْمَحْض الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ذهَاب الرّوح لمن عقل وَفهم {إِن الله لَا يُغَيّرُ مَا بِقَومٍ حَتَى يُغَيِروا مَا بِأَنفُسِهِم} الرَّعْد 11 فَالْآن ملكنا الشريف السَّامِي قد ملك بعون الله تَعَالَى بِسَاط الأَرْض شرقاً وغرباً وَصَارَت سلطنتنا الْقَاهِرَة كالإبريز الْمُصَفّى بعون النَّبِي الْمُصْطَفى ورقم سجل سعادتنا بآيَات النَّصْر على أهل الْعَصْر وعَلى سَائِر الْمُلُوك بإحياء سنة الْجِهَاد إِلَى يَوْم الْعرض {ذَلِكَ فَضلُ اَللهِ يُؤتيهِ مَن يَشَاء} الْجُمُعَة 4 {وَأَماً مَا ينفع النَّاس فيمكث فى الأَرْض} الرَّعْد 17 وعساكرنا المنصورة أَيْنَمَا انخرطت خرطت وأينما سَقَطت التقطت وحيثما سلكت ملكت وَأَيْنَ حلت فتكت لَا يعجزهم صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا جليل وَلَا حقير وَلَو شِئْنَا لعينا من عساكرنا المنصورة شرذمة قَلِيلُونَ نَحْو مائَة ألف أَو يزِيدُونَ مشَاة وركباناً من الْبر وَالْبَحْر لأمرائنا ولأمرنا ممتثلون ونقوي عَددهمْ بالاستعداد ونشدهم بِالْقُوَّةِ والآلة والزاد وَنَتبع الْعَسْكَر بالعسكر ونملأ الْبر وَالْبَحْر ونلحق الْجَيْش بالجيش من كل أسود وأحمر حَتَّى يتَّصل أول عساكرنا بآخرهم وواردهم بصادرهم وَيكون أَوَّلهمْ فِي الْبِلَاد اليمانية وَآخرهمْ فِي بِلَادنَا المحمية وَلَا نحتاج نعرفكم بقدرة سلطاننا وتشييد أَرْكَان دولتنا وَتَشْديد عزمتنا فَإِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 الْمُلُوك ذَوي التيجان وَأَصْحَاب الْقُوَّة والإمكان لَا يزالون خاضعين لهيبتنا الشَّرِيفَة قهرا عَلَيْهِم مطأطئين رُءُوسهم خشيَة مِمَّا يلْحق بهم عِنْد الْمُخَالفَة وَيصير إِلَيْهِم وَذَلِكَ مَشْهُور وَمَعْلُوم وَظَاهر لَيْسَ بمكتوم لَكِن غلب حلمنا عَلَيْهِ من تَعْجِيل النكاية إِلَيْهِ كَونه من سلالة سيد الْمُرْسلين وَمن أهل بَيت النُّبُوَّة الطاهرين ولازم على ناموس سلطنتنا الشَّرِيفَة أَن ننبه قبل اتساع الْخرق عيه ونعرفه بِمَا يحل بِهِ وَيصير إِلَيْهِ وَكَونه آوى إِلَى الْجبَال يتحصن بهَا عَن الزَّوَال وَيَزْعُم أَن ذَلِك بنجيه فَهَذَا عين الْمحَال وتدبيره تدميره على كل حَال جهل ذَلِك أم علم {لَا عَاصمَ اليوَمَ مِن أَمرِ اَللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ} هود 43 {أَين اَلمفرُ كلا لَا وَزَرَ} الْقِيَامَة 10 11 وَلَا لهارب من سلطنتنا مفر وَقد اقْتَضَت أوامرنا الشَّرِيفَة تعْيين افتخار الْأُمَرَاء الْكِرَام صَاحب الْعِزّ والاحتشام الْمُخْتَص بعناية الْملك والعلام مصطفى باشا دَامَت معدلته ونفذت كَلمته باشا على العساكر المنصورة وصحبته ثَلَاثَة آلَاف من الْجند المؤيدة بِاللَّه مشَاة ورماة حماة إِعَانَة لأمير الْأُمَرَاء الْكِرَام ذَوي الْقدر والاحترام الْمَخْصُوص بمزيد عناية الْملك العلام ازدمر باشا دَامَت معدلته وحرست نعْمَته وعينا من الْبر ألفي فَارس وهيأنا مثلهَا بعددها وعليقتها من الْبَحْر فَعرض على مسامعنا الشريف مصطفى باشا أَن أَن يُؤَخر تجهيز الْجَيْش الْمَذْكُور من الْبَحْر إِلَى حِين يتَوَجَّه إِلَى تِلْكَ الْجِهَات وَينظر فِي الْأَحْوَال وَمَا عَلَيْهِ أهل تِلْكَ الأقطار من الْحَال وَإِذا وَقع من أحد خلاف وَاحْتَاجَ إِلَى الْخُيُول الْمَذْكُورَة فيجهز إِلَيْنَا لطلبهم فتصل إِلَيْهِ على مَا يحب فأخرنا ذَلِك إِلَى حِين يعود الْجَواب بتحقيق الْأَخْبَار عَن الإِمَام وَولده فحال وُصُول مصطفى باشا الْمشَار إِلَيْهِ إِلَى تِلْكَ الديار واستقراره بِتِلْكَ الأقطار وَلَا بُد أَن تحضر إِلَى خدمته ممتثلاً لكلمته وتقابله بقلب منشرح وَصدر منفسح وتمشي تَحت صناجقنا الشَّرِيفَة وَتدْخل تَحت طاعتنا المنيفة وَتَكون مَعَ عساكرنا مُنْضَمًّا لأوامرنا على قلب رجل وَاحِد غير متقاعس وَلَا متقاعد فَإِن مصطفى باشا الْمشَار إِلَيْهِ باشا عساكرنا وَخَلِيفَة أمرنَا وَكَلَامه من كلامنا وَأمره من أمرنَا وَنَهْيه من نهينَا وَمن أطاعه فقد أطاعنا وَمن خَالفه فقد خَالَفنَا ونعوذ بِاللَّه من الْمُخَالفَة وَعدم الانقياد والمؤالفة فليتفكر المطهر فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 نَفسه قبل حُلُول رمسه وليتنبه من رقدته ويصحو من غفلته ويفيق من سكرته فَإِن فعل ذَلِك وانضم إِلَى سلطنتنا الشَّرِيفَة فقد رحم نَفسه وصان مهجته وَيرى من دولتنا العادلة غَايَة الرِّعَايَة وبلوغ الأمنية مَعَ الزِّيَادَة إِلَى حد النِّهَايَة وَأَنه إِذا دخل تَحت طاعتنا وَمَشى على الاسْتقَامَة لدينا وانضم إِلَى عساكرنا فننغم عَلَيْهِ بأمرنا الشريف بِمَا يسْتَحق بِهِ فِي مَمْلَكَته مُسْتقِلّا بِهِ من غير معَارض لَهُ فِي ذَلِك وَلَا مُنَازع لَهُ فِيمَا هُنَالك فَحَيْثُ فعلت فَأَنت من الفائزين لَا تخف وَلَا تحزن إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين وَإِن حصل وَالْعِيَاذ بِاللَّه مُخَالفَة وَاسْتمرّ على العناد والمجانفة وانهمك فِي الضلال والمكابرة والخيال فَيُصْبِح ذَنبه فِي رقبته وَيهْلك نَفسه بِيَدِهِ {وَمَا ظلمنهم وَلَكن كاَنوُا أَنفُسَهُم يَظْلِمُونَ} النَّحْل 118 وَيدخل فِي قَول أصدق الْقَائِلين {يُخرِبوُنَ بيوُتَهُم بِأَيدِيهِم وَأَيدي اَلمُؤمنينَ} الْحَشْر 2 وَيصير بعد الْوُجُود إِلَى الْعَدَم ويندم حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم وَقد حذرنا رأفة بِهِ وتحننا عَلَيْهِ بإصدار هَذَا الْكتاب إِلَيْهِ فَإِن خَالف أتيناه بِجُنُود لَا قبل لَهُ بهَا وأخرجناه مِنْهَا ذليلاً حَقِيرًا لَا ملْجأ لَهُ من سلطنتنا إِلَّا إِلَيْهَا الَّتِي هِيَ لِمن سَالَمَهَا ظلاً ظليلاً وعَلى من خالفها عذَابا وبيلاً وَمثله لَا يدل على الصَّوَاب فليعتمد على ذَلِك وعلامتنا الشَّرِيفَة حجَّة عَلَيْهِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ الإِمَام المطهر الْجَواب وَهُوَ نور الله شمس الْإِسْلَام وأطلعها وفجر عُيُون الشَّرِيعَة وأنبعها ولألأ كواكب الدّين الحنيفي وأسطعها وَأَعْلَى منار الْملَّة الْبَيْضَاء ورفعها وزلزل جموع الظُّلم والعداوة وزعزعها وأرعد قُلُوب الْجَبَابِرَة المردة وأرعيها وَألف بَين قُلُوب الْمُسلمين وَجَمعهَا بدوام دولة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْمُعظم الْعَظِيم ذِي الْملك الباهر القاهر الْعَقِيم الْقَاطِع بسيوف عزمه عنق كل جَبَّار أثيم الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَة والتحية وَالله يُؤْتِي من يَشَاء فَضله العميم شمس الْخلَافَة المضيئة فِي اللَّيْل البهيم ظلّ الله فِي أرضه الْقَائِم بسنته وفرضه القويم حجَّة الله الْوَاضِحَة للحق على التَّعْمِيم أَمِينه على خلقه وخليفته الْقَائِم بِحقِّهِ بِتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم المتسم بحماية آل الرَّسُول وَأَبْنَاء فَاطِمَة البتول سلالة النَّبِي الْكَرِيم الباسط عَلَيْهِم ظلّ عدله فَلَا ينالهم حَر الْجَحِيم فهم راتعون فِي رياض إحسانه وَلها نبت وسيم وكارعون من حِيَاض امتنانه الَّتِي لَا يشوب صفوها الدَّهْر المليم سامي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 الفخار زكي الأَصْل والنجار الفائز بحوز قصبات السَّبق فِي الْحسب الصميم الْكَاف لأكُف من تعاشى عَن الْهِدَايَة وسلك مسالك الغواية وَكَانَ لَهُ فِي العجرفة تصميم الَّذِي لَا تحصى صِفَاته بتعداد وَلَو أَن الشّجر أَقْلَام وَالْبَحْر مداد واسأل بذلك كل خَبِير عليم الخنكار الْكَبِير والخاقان الشهير سُلَيْمَان بن سليم أهدي إِلَى مقَامه نَجَائِب التَّحِيَّة وَالتَّسْلِيم وَرَحمته الطّيبَة وَبَرَكَاته الصيَّبة الموصولة بنعيم دَار النَّعيم وحرس جنابه العالي وَحرمه الْمُحْتَرَم من صروف اللَّيَالِي بِمَا حفظ بِهِ الْآيَات وَالذكر الْحَكِيم فَإِنَّهُ ورد من تلقائه أَطَالَ الله للْمُسلمين فِي بَقَائِهِ مرسوم سطعت أنواره وطلعت بالمسرة شموسه وأقماره وتضاحكت فِي عرصات الْمجد كمائمه وأزهاره وَجَرت فِي جداول الْحَمد أنهاره وتحاسد على مشرفه ليل الزَّمَان ونهاره مرسوم تقر بِهِ الْعُيُون وَتصْلح بِهِ الْأَحْوَال والشئون أنشئ لله نجاره فوجدناه أشفى من الترياق وأبهى من الإثمد فِي دعجٌ الأحداق يتبلج تبلج الْبَرْق ويحلب الْخيرَات تحلب الودق يفوق اللُّؤْلُؤ الثمين منشوراً ويفضح شقائق النُّعْمَان زهوراً وَيجْعَل مَمْدُود الثَّنَاء عَلَيْهِ مَقْصُورا فتعطرت الأندية بنشره وأعلنت الألسن بِحَمْدِهِ وشكره وهب فِي الْبَوَادِي والأمصار نسيم ذكره وَدخلت النَّاس أَفْوَاجًا تَحت نَهْيه وَأمره // (من الْخَفِيف) // (حَبَّذا مُدْرَجًا كَرِيمًا جَليْلاً ... زَانَهُ مُنْشِىءٌ كَرِيمٌ جَلِيلُ) (لَفْظهُ الدُّرُّ فِي السُّمُوطِ وفَخْرًا ... وبِمَعْنَاهُ سَلْسَلٌ سَلْسَبِيلُ) (وإِذَا المُدْرَجَاتُ كَانَتْ مُلُوكًا ... فَهْوَ فِيهَا وبَيْنَها إِكْلِيلُ) (مُدْرَجٌ فِيهِ للبَهاءِ غُدو ... ومَرَاحٌ ومَسْرحٌ ومَقِيلُ) فَللَّه در أنامل صاغته بالبلاغة وضمنته مَا يعجز عَنهُ قدامَة وَابْن المراغة فَلَو رَآهُ الْملك الضليل لطأطأ رَأسه خاضعاً أَو لبيد خر سَاجِدا وراكعاً وعرفنا مَا ذكره سُلْطَان الْأُمَم وَملك رِقَاب الْعَرَب والعجم المتسم بحماية الْحرم من الْإِحَاطَة بطاعتنا ودخولنا تَحت لوائه وأقواله وأفعاله وَالْحَمْد لله الَّذِي وفقنا لطاعته وردنا عَن السلوك فِي مُخَالفَته فَإِن لنا بكم الْحَظ الأوفر مَعَ زِيَادَة الْحسنى والنصيب الأفخر الأهنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وَنَرْجُو نيل الشّرف الْكَامِل الْأَكْمَل ونجح المُنَى والمطالب وبلوغ نِهَايَة الْأَمَانِي والمآرب فَمن اسستمسك بعروتكم الوثقى فَازَ بمطالبه ونال الْغَايَة القصوى من مآربه وَرفع لَهُ الدَّرَجَات السامية الْعلية وَتمّ لَهُ بذلك كل سُؤال وأمنية ويحظى بعيشة هنيَّة راضية مرضية وَهَذِه طَريقَة مَعْرُوفَة وَسنة قديمَة مألوفة لَا تميل عَن الوفا وَلَا تكدر من ذَلِك المشرب مَا صفا كَيفَ وطاعتكم من طَاعَة الْملك الْخَالِق ومعصيتكم تظلم مِنْهَا المغارب والمشارق وَنحن من مودتكم على يَقِين وَنَرْجُو أَن لَا تصفوا أذنا الْكَلَام الْفَاسِقين وَلَا تهملوا رِعَايَة الصَّالِحين الْمُتَّقِينَ وَلَا تقطعوا حق ذُرِّيَّة النَّبِي الْأمين وَأَبْنَاء عَليّ الأنزع البطين كرم الله وَجهه فِي عليين {قل لَا أسئلكم عليهِ أجرا إِلا المَوَدةَ فِي القُربى} الشورى 23 وَذَلِكَ نَص الْكتاب الْمُبين فَأنْتم أولى برعاية من أَمر الله أَن يرْعَى وَمن تقر بِهِ من عِترَةِ النَّبِي أذنا وسمعاً فكم لكم من محامد مشكورة ومفاخر مَشْهُورَة ومعاني جميلَة منثورة نؤمل أَن تشقوا بحسامها نوافج الوشاة وتردوا كيد كل كَذَّاب لَا يراقب الله وَلَا يخشاه وَالَّذِي يَنْقُلهُ إِلَيْكُم أَرْبَاب الزُّور والإفك والفجور من تَحَوَّلْنَا عَن طَاعَة السُّلْطَان الْأَعْظَم ومخالفتنا لما سبق من مودتنا وَتقدم كذب يُعلمهُ الداني والقاصي وَمن التمويه الَّذِي لناقله أَشد الاقتصاص حاشا وكلا أَن نرضى مُخَالفَة أَو نَمِيل عَن الْأَحْوَال السالفة أَو ننكر تِلْكَ المعارف العارفة نَعُوذ بِاللَّه من الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ أَو نَكُون مِمَّن تعدى الْحَد بعد الطّور وتقاعد عَن طاعتكم وَهِي مَحل السَّعْي إِلَيْهَا على الْفَوْر فنكون كمن اشْترى الضَّلَالَة بِالْهدى وتحول عَن السَّلامَة إِلَى مخاوف الردى وَآل الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أعرف النَّاس بِالصَّوَابِ وأعلمهم بمعاني السّنة وَالْكتاب أطِيعُوا الحَدِيث وَمن نسب إِلَيْهِم خلاف ذَلِك فَهُوَ خَبِيث نبيث فثقوا منا بالمحبة الراسخة أطنابها والمودة الشامخة قبابها وَالرِّعَايَة المفتحة أَبْوَابهَا وَالَّذِي أشرتم إِلَيْهِ فِي سامي الْخطاب وبطاقة الْكتاب من بُلُوغ مخالفتنا لعساكركم المنصورة وكتائبكم الواسعة الموفورة لَيْسَ لَهُ صِحَة وَلَا ثبات وَلَا كَانَ لنا إِلَى حربهم تعد وَلَا الْتِفَات بل قصدونا إِلَى تِلْكَ الْجِهَات وجلبوا علينا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 أتراكاً وأرواماً وهتكوا أستاراً كَانَت بَيْننَا وَبينهمْ وذماماً وَلَا راعوا لأوامركم الشَّرِيفَة فِينَا أحكاماً وضيقوا علينا مسالك الْمَعيشَة خلفا وأماماً ورمونا بمدافع لَا يرْمى بهَا إِلَّا الَّذين يعْبدُونَ أوثاناً وأصناماً وَنحن من الَّذين أوجب الله لَهُم احتراماً نُقِيم الشَّرَائِع ونميت الْبَدَائِع وَلم نلق أثاماً وَمن الَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً فدافعنا عَن أَنْفُسنَا وَأَوْلَادنَا بِمَا أمكن من الدفاع وَترك الزِّيَادَة عَنْهَا لَا يُسْتَطَاع وَنحن فِي مهَاجر يسير وَمَكَان يأوي إِلَيْهِ البائس الْفَقِير لَا ينافس من اعْتصمَ بِهِ وَاقْتصر على طَاعَة ربه وَلَو أَن عساكركم المنصورة الألوية الْمسلمَة من صروف الْأَقْضِيَة وجهوا هممهم الْعلية وعزائمهم الصلبة القوية إِلَى الْجِهَات العصية الكفرية إِذا لنالوا من الْخيرَات نيلاً عَظِيما ولسلكوا سَبِيل السَّعَادَة صراطاً مُسْتَقِيمًا وأدركوا من فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خيرا ونعيماً بيد أَن تشاغلوا بحربنا عَن جَمِيع الحروب وفوتوا بذلك كل غَرَض لَهُم ومطلوب وأهملوا جِهَات الْكفَّار حَتَّى سقط الْجنُوب وهبت فِي دَار الْإِسْلَام للشرك جنوب وَحين وصل المرسوم المشرف والمثال الْكَرِيم الْمُعَرّف طبنا بِهِ نفوساً وسلكنا بِهِ محلا من الْأَمْن مأنوساً ودفعنا بِهِ عَن وُجُوه الْحق ظلاماً وعبوساً وضلالاً وبوساً وخمدت نيران الْحَرْب وغلت أَيدي الطعْن وَالضَّرْب فقررنا بِمَا قررتموه كل قلب فَإِن امتثل من حوالينا من الاْمراء الأكابر لما صدر عَنْكُم من الْمَوَارِد والمصادر فَتلك الْمنية الْمَقْصُودَة والضالة المفقودة والدرة الثمينة المنقودة وَالْغنيمَة الْعَظِيمَة الشاملة الممدودة وَإِن خالفوا أوامركم المطاعة وَقَابَلُوا نواهيكم بالإضاعة فحسبهم عذابكم الوبيل وَمَا تعدونه لمن خالفكم من التنكيل وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَكُنَّا نود أَن نرسل إِلَى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة مَا تكن الْقُلُوب والصدور إِلَّا أَن هَؤُلَاءِ الَّذين يلوننا قطعُوا وسدوا من التواصل أوصالاً وقعدوا لرسلنا بكرا وآصالاً وصدوهم عَن الْوُصُول إِلَى أبوابكم الْعَالِيَة عَن جَمِيع الْأَبْوَاب ومنعوهم عَن مناهج الذّهاب والإياب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 فولا مَا كَانَ مِنْهُم من الْمَنْع لما نُرِيد لَكَانَ يصدر إِلَى أبوابكم الْعَالِيَة فِي كل شهر بريد وَحين وصل وكيلكم الْمُعظم الباشا مصطفى إِلَى الْجِهَات اليمنية والديار الَّتِي هِيَ بِسيف قهركم محمية بسط عدله فِي أهل الْيمن وأخمد نيران الْفِتَن والمحن وَأصْلح من الْأُمُور مَا ظهر وَمَا بطن واطلع على الْحَقَائِق فِي الْمَاضِي واللاحق وَمَا نَحن عَلَيْهِ بِحَمْد الله من حسن المساعي والطرائق وكرم الْأُصُول الشَّرِيفَة والمعارق وَقد أرسل إِلَيْنَا قصاد أمجاد محبون أوداد عرفُوا جَمِيع الْأُمُور وَأَحَاطُوا بِالظَّاهِرِ مِنْهَا والمستور وَلَعَلَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُهَيِّئ قدومه إِلَى صنعا وَيحيى بِهِ اللإله دينا وَشرعا وَيقطع بِهِ دابر من خَالف أَمركُم قطعا ولعمري إِنَّه رجل عَظِيم وَذُو خطب جسيم بأرباب الدّين رءوف رَحِيم قد طابت شمائله وراقت أَوْصَافه ومخايله فَهُوَ بِكُل خير يجود وَيحمل من طاعتكم مَا يشق على غَيره ويئود فَالله يَجْعَل سَعْيه مشكوراً ويشرح بِأَعْمَالِهِ من الاسْتقَامَة قلوباً وصدورا وَيدْفَع بِعَين عنايته عَن الْأَنَام وَالْإِسْلَام شروراً ويملأ الْأَنْفس والأفئدة حبوراً إِن شَاءَ الله وسرورا وَبعد السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَمِنْهَا بَغْدَاد وأعمالها والمشاهد الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة العلوية الحسنية والموسوية الكاظمية والعلوية الرضوية وَمِنْهَا بِلَاد الْمغرب وَمَا فِيهِ من الجزائر وَكَانَت فِي الْقَدِيم جَامِعَة لعدة سلاطين بل كَانَت دَار الْخلَافَة الأموية ثمَّ العباسية ثمَّ العمرية الحفصية ثمَّ الشريفية الحسنية ثمَّ للخلافة العبيدية وَمِنْهَا الممالك الْمَعْرُوفَة بروملي وَمَا اتَّصل بهَا من بِلَاد الْكفَّار على اخْتِلَاف أنواعهم وأجناسهم مِمَّا لَا يُحْصى كَثْرَة وَمِنْهَا مَا فتح من الممالك الإسلامية بِنَاحِيَة الْعَجم لما خرج لمقابلة قزل باش طهماسب وَمِنْهَا السّفر الْأَخير وَهِي الْغُزَاة الْعُظْمَى الَّتِي شرفه الله تَعَالَى فِيهَا بِالشَّهَادَةِ فَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 الْملك الَّذِي عَاشَ سعيداً وَمَات شَهِيدا وَهَذِه الفتوحات بعض مَا اشْتهر وَأما مَا هُوَ حقير من جِهَة أَهله أَو من قلَّة محصوله أَو مِمَّا يكون تَابعا لغيره فَذَلِك لَا يُحْصى وَلَا يحصر وَأما الْخيرَات الَّتِي فعلهَا فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين والقدس وَغَيرهَا من الْبِلَاد فَلَا يُمكن حصرها يذكر شئ مِنْهَا على سَبِيل الِاخْتِصَار نتشرف بِذكرِهِ مِنْهَا الصرة الْعَظِيمَة الرومية الْوَاصِلَة كل عَام وقدرها أحد وَثَلَاثُونَ ألفا من الدَّنَانِير الذَّهَب فِي كل عَام على الدَّوَام وَمِنْهَا عمَارَة سور الْمَدِينَة المنورة وَقدر مساحته أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع وَعرض جِدَاره ثَلَاثَة أَذْرع وارتفاعه سَبْعَة عشر ذِرَاعا وجميعه بِالْحجرِ والنورة وأبوابه سِتَّة مصفحة جَمِيعهَا بالحديد قلت الْمَعْرُوف أَن أَبْوَاب سور الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَرْبَعَة بَاب غربي وَبَاب قبلي وَبَاب شَامي وَبَاب شَرْقي يُسمى الأول فِي عرف النَّاس بَاب الْمصْرِيّ وَالثَّانِي الْبَاب الصَّغِير وَالثَّالِث بَاب الشَّامي لنزوله عِنْده ذَهَابًا وإياباً وَالرَّابِع بَاب الْجُمُعَة فَلَعَلَّ المؤرخ عد بَاب القلعة وباباً صَغِيرا فِي أَسْفَل أكبر البروج وأعلاها يُسمى عِنْد أهل الْمَدِينَة بَاب السِّرّ فهما الْخَامِس وَالسَّادِس فَيصح الْعدَد حِينَئِذٍ وَقدر النَّفَقَة عَلَيْهِ من الذَّهَب الْجَدِيد سَبْعُونَ ألف وَمن الْحُبُوب أَرْبَعَة عشر ألف إِرْدَب حِنْطَة وفولاً وَغير ذَلِك وَذَلِكَ غير الْوَاصِل من مصر المحروسة من الْحَدِيد والخشب والرصاص والنحاس وَالْجمال وَالْحمير وَمِنْهَا محراب السَّادة الْحَنَفِيَّة بِقرب الرَّوْضَة النَّبَوِيَّة قلت وَيعرف الْيَوْم بالمحراب السُّلَيْمَانِي منقوش بالرخام الملون وَمِنْهَا تَجْدِيد عدَّة من الْمَسَاجِد النَّبَوِيَّة وَأَنْشَأَ عدَّة من القباب على من عف قَبره من أَعْيَان السلالة المحمدية وَمِنْهَا ترصيص الْقبَّة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وهلال الْقبَّة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ ذهب خَالص صرف وَبَاقِيه مموه وأهلة المنابر ومنبر الْحرم النَّبَوِيّ وَمِنْهَا إنْشَاء الْجِدَار الغربي بِالْحرم النَّبَوِيّ وإنشاء مَنَارَة عَظِيمَة بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وَمِنْهَا عدَّة شماعدين من النّحاس المطلي بِالذَّهَب بالحجرة المطهرة وإنشاء عدَّة من الرَّبْط وترميم بَعْضهَا مِمَّا يقرب عددا إِلَى الْعشْرين وَمِنْهَا شِرَاؤُهُ ديار الْعشْرَة لاتصالها بقبلي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَالْغَرَض الْأَعْظَم من ذَلِك هدمها ليذْهب عين مَا فِيهَا من المراحيض والبلاليع وَمَا فِيهِ رَائِحَة كريهة فهدمت جَمِيعهَا وَبقيت بعد هدمها وتعميرهما نافعة لكل خير تجدّد بهَا قَابِلَة للإلحاق بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَمِنْهَا عمَارَة تكية باسم وَالِدَة السلاطين الْعِظَام يعْمل فِيهَا فِي كل يَوْم للْفُقَرَاء خبز وَطَعَام وَمِنْهَا أَنه لما بلغه احْتِيَاج المطاف الشريف إِلَى أساطين وعرضوا لَهُ أَن أساطين الْمَسْجِد الْحَرَام جَمِيعهَا بالرخام وعرضوا بتعظيم ذَلِك وَكَونهَا من حجر وَاحِد أَمر أَن تجْعَل أعمدة من النّحاس فَجعلت وَقيمتهَا تعدل وَزنهَا فضَّة فِي الْقيَاس وَمِنْهَا مِنْبَر عَظِيم للبيت الْعَتِيق الْكَرِيم كَانَت النَّفَقَة عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ ألف من الدَّنَانِير الذَّهَب الْجَدِيد خَارِجا عَمَّا حمل مَعَه من آلَات الْحَدِيد والفولاذ والرصاص والمؤن العديدة وَوصل إِلَى مَكَّة عَام سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَقَالَ بعض عُلَمَاء مَكَّة فِيهِ تَارِيخا أبياتاً آخرهَا بَيت التَّارِيخ هُوَ // (من مجزوء الْخَفِيف) // (لسُلَيْمَانَ مِنْبَرٌ ... شَاهِدٌ بالدُّعَا لَهُ) وَمِنْهَا تعمير الْمدَارِس الَّتِي هى من الْعَجَائِب برسم المدرسين من الْأَرْبَعَة الْمذَاهب كَمَا تقدم ذكره ومنارة عَظِيمَة من جنسهن جنب أولَاهُنَّ وَمِنْهَا عمَارَة مهبط الْوَحْي والأماكن الشَّرِيفَة وَمِنْهَا إِجْرَاء المَاء من الْفُرَات إِلَى مشْهد الإِمَام الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَمِنْهَا بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى خيرات لَا تحصى وَمِنْهَا عمَارَة قبَّة عَظِيمَة على الصَّخْرَة الرفيعة الدَّرَجَات وَجعل عوض التجصيص أَلْوَاح من فخار إزنيق بأنواع النقوش وَأجل الكتابات وَمِنْهَا للمساجد الثَّلَاثَة المشرفة الْمَذْكُورَة قدر الْكِفَايَة من الْحُبُوب والمرتبات وَالْخبْز وَالطَّعَام والصلة المبرورة وَمِنْهَا بدار الْخلَافَة الْعُظْمَى قسطنطينية الْكُبْرَى إِجْرَاء عين من مسيرَة سِتَّة أَيَّام أنْفق على ذَلِك من الْأَمْوَال مَا لَا يحصره كتب وَلَا ثرثرة أَقْلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 وَمِنْهَا عمَارَة عَظِيمَة سلطانية جَامِعَة لِلْخَيْرَاتِ الدِّينِيَّة والدنيوية بِالشَّام بِالْمحل الْمَعْرُوف بالصالحية وَمَا ذكر هُوَ من بعض خيراته السّنيَّة وَمِنْهَا وَهُوَ أعظمها إِجْرَاء عين عَرَفَات إِلَى مَكَّة وَسبب ذَلِك أَن الْعين الَّتِي كَانَت بِمَكَّة هِيَ عين حنين الَّتِي أجرتهَا زبيدة بنت جَعْفَر بن الْمَنْصُور زَوْجَة الرشيد وَاسْمهَا أمة الْعَزِيز لِأَن جدها الْمَنْصُور كَانَ يرقصها وَهِي طفلة وَيَقُول أَنْت زبيدة فغلب على اسْمهَا وَكَانَت من أهل الْخيرَات فصرفت عَلَيْهَا خَزَائِن أَمْوَال إِلَى أَن جرت وَهِي فِي وَاد قَلِيل الأمطار بَين جبال شَوَاهِق عاليات خاليات من الْمِيَاه والنبات وَشقت لَهُ الْقَنَاة فِي الْجبَال إِلَى أَن سلك المَاء من أَرض الْحل إِلَى الْحرم وَجعلت لَهَا شحاحيذ من كل جبل يكون ذيله مَظَنَّة للْمَاء وَجعلت مِنْهُ قناة مُتَّصِلَة ومنبع هَذِه الْعين جبل شامخ من تِلْكَ الْجبَال يُقَال لَهُ طاد بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَالْألف بعْدهَا دَال مُهْملَة من جبال الثَّنية من طَرِيق الطَّائِف وَكَانَ المَاء يجْرِي إِلَى أَرض حنين تسقى بِهِ مزارع ونخل مَمْلُوكَة للنَّاس فاشترت زبيدة ذَلِك الْمحل وأبطلت تِلْكَ الْمزَارِع وَالنَّخْل فَصَارَت تِلْكَ الشحاحيذ يحصل مِنْهَا المدد لهَذِهِ الْعين وَصَارَ كل شحاذ عينا يساعد عين حنين مِنْهَا عين مشاش وَعين مَيْمُون وَعين الزَّعْفَرَان وَعين البارود وَعين الطان وَعين ثقبة كلهَا تنصب فِي ذيل عين وَيزِيد بَعْضهَا وَينْقص بِحَسب الأمطار إِلَى أَن وصلت عين حنين إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِنَّهَا أمرت بإجراء عين وَادي نعْمَان إِلَى عَرَفَة وَهِي عين منبعها ذيل جيل كرا وَهُوَ جبل مَعْرُوف فَيصب المَاء من ذيله فِي قناة إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ الأوجر من وَادي نعْمَان وَمِنْه إِلَى مَوضِع بَين جبلين شاهقين علو عَرَفَات ثمَّ مِنْهُ يجْرِي فِي الْقَنَاة إِلَى أَرض عَرَفَات ثمَّ أدارت الْقَنَاة إِلَى جبل الرَّحْمَة مَحل الْموقف الشريف وَجعلت المَاء ينصب إِلَى البرك الَّتِي فِي أَرض عَرَفَات فتملأ مَاء يشرب مِنْهُ الْحَاج يَوْم عَرَفَة ثمَّ استمرت فِي عمل الْقَنَاة إِلَى أَن خرجت من عَرَفَات إِلَى مُزْدَلِفَة ثمَّ إِلَى جبل خلف منى فِي قبلتها ثمَّ ينصب المَاء إِلَى بِئْر عَظِيمَة مطوية بالأحجار كَبِيرَة جدا تسمى بِئْر زبيدة إِلَيْهَا انْتهى عمل زبيدة فَوقف وَهِي من الْأَبْنِيَة المهولة رُبمَا يُوهم بناؤها أَنه من عمل الْجِنّ ثمَّ صَارَت عين حنين تَنْقَطِع عَن الْوُصُول إِلَى مَكَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 وَكَذَلِكَ عين عَرَفَات تَنْقَطِع عَن وصولها إِلَى مُنْتَهَاهَا لتهدم قنواتهما وتخريبهما بالسيول وَكَانَت الْخُلَفَاء والسلاطين إِذا بَلغهُمْ ذَلِك أرْسلُوا وعمروها عِنْد انتظام سلطنتهم وَقُوَّة تمكنهم فتجري تَارَة وتنقطع أُخْرَى فعمرها مظفر الدّين صَاحب إربل سنة خمس وسِتمِائَة ثمَّ الْمُسْتَنْصر العباسي سنة سِتّمائَة وتسع وَعشْرين ثمَّ فِي سِتّمائَة وَثَلَاث وَثَلَاثِينَ ثمَّ فِي سنة سِتّمائَة وَأَرْبع وَثَلَاثِينَ وجد ذَلِك مَكْتُوبًا فِي حجر مَبْنِيّ فِي قرب الْموقف الشريف ثمَّ عمر عين حنين الْأَمِير جوبان نَائِب السلطنة بالعراقين سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة فأجراها إِلَى مَكَّة وَتمّ نَفعهَا فَإِنَّهُم كَانُوا فِي جهد عَظِيم لقلَّة المَاء ثمَّ عمرها شرِيف مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان جد سَادَاتنَا الْأَشْرَاف أَشْرَاف مَكَّة وملوكها الْآن أدام الله سعادتهم مدى الزَّمَان فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة فجرت وانفجرت وَكثر الدُّعَاء لَهُ من أهل الْبِلَاد وَالْحجاج والعباد ثمَّ انْقَطَعت وَلَقي النَّاس لذَلِك شدَّة عَظِيمَة إِلَى أَن عمرها الْملك الْمُؤَيد أَبُو النَّصْر شيخ المحمودي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ عمرها وَعمر عين عَرَفَات السُّلْطَان قايتباي أجْرى الأولى إِلَى أَن دخلت مَكَّة وأجرى الثَّانِيَة إِلَى أَن وصلت إِلَى أَرض عَرَفَات وَذَلِكَ بمناشرة الْأَمِير يُوسُف الجمالي وأخيه سنقر الجمالي فِي سنة ثَمَانمِائَة وَسبعين ثمَّ عمر عين حنين آخر مُلُوك الشراكسة قانصوه الغوري إِلَى أَن جرت وملأت برك الْحجَّاج بالمعلاة ثمَّ جرت إِلَى بازان ثمَّ إِلَى بركَة الماجن بِأَسْفَل مَكَّة ثمَّ انْقَطَعت فِي أَوَائِل الدولة العثمانية وَصَارَ أهل مَكَّة يستقون من آبار حول مَكَّة يُقَال لَهَا العسيلات علو مَكَّة وَمن آبار بأسفلها بمَكَان يُقَال لَهُ الزَّاهِر وسُمي الْآن بالجوخي فِي طَرِيق التَّنْعِيم وَكَذَلِكَ انْقَطَعت عين عَرَفَات وتهدمت قنواتها وَكَانَ الْحجَّاج يحملون المَاء إِلَى عَرَفَات من الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة وَصَارَ الْفُقَرَاء من الْحجَّاج وَغَيرهم فِي يَوْم عَرَفَة لَا يطْلبُونَ إِلَّا المَاء لغلو المَاء وعزته جدا قَالَ الْعَلامَة القطب وَإِنِّي أذكر سنة تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ وَأَنا يَوْمئِذٍ مراهق فِي خدمَة وَالِدي أَنِّي اشْتريت قربَة صَغِيرَة جدا يحملهَا الْإِنْسَان بإصبعيه بِدِينَار ذهب والفقراء يصيحون من الْعَطش يطْلبُونَ مَا يبل حُلُوقهمْ فِي ذَلِك الْيَوْم الشَّديد فَلَمَّا كَانَ وَقت الْوُقُوف وَالنَّاس عطاش يلهثون أمْطرت السَّمَاء وسالت السُّيُول من فضل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 الله وَالنَّاس واقفون فصاروا يشربون من السَّيْل من تَحت أَرجُلهم ويسقون دوابهم وَذَلِكَ من رَحْمَة الله ولطفه بعباده فبرزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة السليمانية بإصلاحهما وعُين لذَلِك نَاظر اسْمه مصلح الدّين مصطفى من المجاورين بِمَكَّة فبذل جهده فِي عمارتهما فجرت عين حنين إِلَى مَكَّة وَعين نعْمَان إِلَى عَرَفَات وَذَلِكَ سنة 931 إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ اشْترى النَّاظر الْمَذْكُور عبيدا سُودًا من مَال السلطنة وزوجهم بمثلهم وَجعل لَهُم جرايات وعلوفات برسم خدمَة الْعين وَإِصْلَاح قنواتها فَهِيَ خدمتهم دَائِما وهم باقون إِلَى الْآن طبقَة بعد طبقَة ثمَّ توجه النَّاظر إِلَى الْأَبْوَاب لعرض أُمُور فِي شَأْن الْعين فَأُجِيب إِلَى مَا أَرَادَ وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ ركب من بندر السويس قَاصِدا مَكَّة فغرق فِي بَحر القلزم شَهِيدا وَمَا غرق إِلَّا فِي بَحر رَحْمَة الله تَعَالَى سنة 939 تسع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ انْقَطَعت سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فعرضت أَحْوَال الْعُيُون لي الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة السليمانية فَالْتَفت الخاطر السلطاني وَتوجه الْعَطف العثماني إِلَى تدارك ذَلِك بِأَيّ وَجه يكون وَأمر بالفحص عَن أَحْوَال الْعُيُون فَاجْتمع قَاضِي مَكَّة يَوْمئِذٍ عبد الْبَاقِي بن عَليّ الْغَزِّي والأمير خير الدّين سنجق جدة يَوْمئِذٍ وَغَيرهمَا من الْأَعْيَان وتفحصوا وداروا وكشفوا فأجمع رَأْيهمْ أَن أقوى الْعُيُون عين عَرَفَات وطريقها ظَاهر ودبولها مَبْنِيَّة إِلَى بِئْر زبيدة وَأَن الَّذِي يغلب على الظَّن أَن دبولها من الْبِئْر إِلَى مَكَّة مَبْنِيَّة أَيْضا وَأَنَّهَا مخفية تَحت الأَرْض وَأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَنْهَا والحفر فَإِذا وجدوا من الدبل متهدماً بنوه وَإِذا وجدوا مختلاً أصلحوه فخمنوا أَنهم يَحْتَاجُونَ فِي ذَلِك إِلَى ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ذَهَبا وذرعوه وقاسوه فَكَانَ من الأوجر إِلَى بطن مَكَّة خَمْسَة وَأَرْبَعين ألف ذِرَاع بِذِرَاع الْعَمَل وَهُوَ أَزِيد من الذِّرَاع الشَّرْعِيّ بِنَحْوِ الرّبع وَهَذَا الَّذِي طنوه من وجود دبل تَحت الأَرْض من بِئْر زبيدة إِلَى مَكَّة لم يُوجد فِي كتب التَّارِيخ وَلم يذكرهُ أحد وَإِنَّمَا أداهم إِلَى ذَلِك مُجَرّد الظَّن بِحَسب القرا ئن وعرضوا على المسامع الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة فِي أَوَائِل سنة 960 سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَلَمَّا وصل علم ذَلِك التمست جانم سُلْطَان كَرِيمَة السُّلْطَان سُلَيْمَان أَن يَأْذَن لَهَا فِي عمل هَذَا الْخَيْر حَيْثُ كَانَت صَاحِبَة الْخَيْر أَولا أم جَعْفَر زبيدة العباسية فَنَاسَبَ أَن تكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 هِيَ صَاحِبَة هَذَا الْخَيْر أخيراً فَاخْتَارَتْ بعد ان استطارت لهَذِهِ الْخدمَة إِبْرَاهِيم بن تعزي بردي الدفتردار وأعطته خمسين ألف دِينَار ذَهَبا زِيَادَة على مَا خمنوه فَسَار بحراً فوصل إِلَى جدة يَوْم الْجُمُعَة لثمان بَقينَ من ذِي الْقعدَة من سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَنزل بوطاقه خَارج جدة من الْجِهَة الشامية وَركب من جدة إِلَى سيدنَا ومولانا الشريف مُحَمَّد أبي نمي وَكَانَ نازلاً بوادي مر فقابله بالإجلال والتعظيم وَمد لَهُ سماطاً عَظِيما ولاطفه وواكله وباسطه وجابره فَعرض على حَضرته الشَّرِيفَة الْخط السلطاني وبذل الهمة وَالِاجْتِهَاد فِي إتْمَام هَذَا الْأَمر فَأجَاب الشريف أَبُو نمي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة ثمَّ ركب إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور من عِنْده مُتَوَجها إِلَى مَكَّة فلاقاه عِنْد دُخُوله مَوْلَانَا الشريف حسن بن أبي نمي وقابله بالترحيب وَالْإِكْرَام وَغَايَة الإجلال والاحترام وَاسْتمرّ مَعَه إِلَى أَن فَارقه من بَاب السَّلَام فَدخل فَطَافَ طواف الْقدوم وَكَانَ محرما بِالْحَجِّ وسعى وَعَاد إِلَى مجمع السُّلْطَان قايتباي وَهُوَ الْمحل الَّذِي عين لنزوله وَمد لَهُ من قبل الشريف حسن سماط عَظِيم ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِ مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن الْمَالِكِي ثمَّ كَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ تنظيف الْآبَار الَّتِي يَسْتَسْقِي النَّاس مِنْهَا وَإِخْرَاج ترابها وَزِيَادَة حفرهَا ليكْثر مَاؤُهَا وَحصل للنَّاس بذلك رفق عَظِيم ثمَّ توجه للكشف إِلَى أَعلَى عَرَفَات وَكثر تردده إِلَيْهَا ثمَّ أسْرع فِي الْكَشْف عَن دبول عين عَرَفَة وَضرب أوطاقه فِي الأوجر من وَادي نعْمَان علو عَرَفَات وَشرع فِي حفر فقرها وتنظيف دبولها بهمة عالية جدا وَكَانَت مماليكه القائمون فِي خدمته نَحْو أَرْبَعمِائَة مَمْلُوك فِي غَايَة الْجمال والرشاقة والحذاقة واللباقة وَكتب نَحْو ألف نفس من الْعمَّال والمهندسين والحفارين وجلب من مصر وبلاد الصَّعِيد وَالشَّام وحلب واسطنبول طوائف بعد طوائف من خدام الْعُيُون والآبار والحدادين والحجارين والبنائين وأتى بآلات الْعِمَارَة من مكاتل ومساحي ومجاريف وحديد وبولاد ورصاص ونحاس وَعين لكل طَائِفَة قِطْعَة من الأَرْض تحفرها وتنظف مَا فِيهَا وَاسْتمرّ إِلَى أَن وصل عمله إِلَى بثر زبيدة الَّتِي انْتهى عَملهَا إِلَيْهَا وَلم يجد بعْدهَا دبلاً وَلَا أثر عمل وَلَا بقايا قناة فَضَاقَ ذرعه لذَلِك وَعلم أَن الْخطب كَبِير وَالْعَمَل كثير وَتحقّق أَن الْقدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 الْبَاقِي من هَذَا الْعَمَل إِنَّمَا تركته زبيدة اضطراراً لَا اختبارا وَعدلت إِلَى عمل حنين وَتركت الْعَمَل من بعد الْبِئْر لصلابة الْحجر وصعوبة إِمْكَان قطعه وَطول مَسَافَة مَا يجب قطعه وَأَنه يحْتَاج من بِئْر زبيدة إِلَى دبل منقور تَحت الأَرْض فِي الْحجر الصوان طوله ألفا ذِرَاع بِذِرَاع البنائين حَتَّى يتَّصل بدبل عين حنين وَينصب فِيهِ فيصِلاَ إِلَى مَكَّة وَلَا يُمكن نقر ذَلِك الْحجر تَحت الأَرْض فَإِنَّهُ يحْتَاج فِي النُّزُول إِلَى خمسين ذِرَاع فِي العمق وَصَارَ لَا يُمكن ترك ذَلِك بعد الشُّرُوع فِيهِ حفظا لناموس السلطنة فأوجد الْأَمِير إِبْرَاهِيم حِيلَة هِيَ أَن يحْفر وَجه الأَرْض إِلَى أَن يصل إِلَى الْحجر الصوان ثمَّ يُوقد عَلَيْهِ بالنَّار مِقْدَار مائَة حِمل من الْحَطب الجزل لَيْلَة كَامِلَة فِي مِقْدَار سَبْعَة أَذْرع فِي عرض خَمْسَة أَذْرع من وَجه الأَرْض وَالنَّار لَا تعْمل إِلَّا فِي الْعُلُوّ وَأما السّفل فعملها فِيهِ مِقْدَار قيراطين من أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً من ذِرَاع فيكسر بالحديد إِلَى أَن يصل الْحجر الشَّديد فيوقد عَلَيْهِ الْحَطب الجزل لَيْلَة أُخْرَى إِلَى أَن ينزل فِي ذَلِك الْحجر مِقْدَار خمسين ذِرَاعا فِي العمق فِي عرض خَمْسَة أَذْرع إِلَى أَن يَسْتَوْفِي ألفي ذِرَاع تقطع على هَذَا الحكم وَذَلِكَ يحْتَاج إِلَى عمر نوح وَمَال قَارون وصبر أَيُّوب وَمَا رأى عَن ذَلِك محيصاً فأقدم عَلَيْهِ إِلَى أَن فرغ الْحَطب من جَمِيع جبال مَكَّة وَصَارَ يجلب من الْمسَافَة الْبَعِيدَة وغلا سعره وضاق النَّاس لذَلِك وتعب الْأَمِير وَذَهَبت أَمْوَاله وخدامه ومماليكه وَهُوَ يتجلد إِلَى أَن قطع من الْمسَافَة ألف ذِرَاع وَخَمْسمِائة ذِرَاع وَصَارَ كلما فرغ المصروف أرسل وَطلب فَجَاءَهُ ثمَّ مَاتَ لَهُ ولد طِفْل كَانَ خلَّفه بِمصْر احْتَرَقَ عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ مَاتَ لَهُ ولدان مراهقان ثمَّ مَاتَ أَكثر مماليكه ثمَّ مَاتَ هُوَ غَرِيبا شَهِيدا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَانِي رَجَب سنة 974 أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَت جنَازَته حافلة وأسف النَّاس على فَقده لِكَثْرَة إحسانه وَدفن فِيهَا ولديه قبله ثمَّ أقيم فِي هَذِه الْخدمَة سنجق جدة الْأَمِير قَاسم بك أَقَامَهُ سيدنَا شيخ الْإِسْلَام القَاضِي الْحُسَيْن إِلَى أَن يصل مَن تعينه السلطنة الْعلية وَفِي هَذَا الْعَام الْمَذْكُور انْتَقَلت السلطنة من السُّلْطَان سُلَيْمَان صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى وَلَده الْآتِي بعده مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان فعين لهَذِهِ الْخدمَة دفتردار مصر يَوْمئِذٍ مُحَمَّد بك يكمكجي زَاده وَكَانَ من أعبد السناجق فوصل إِلَى هَذِه الْخدمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 وبذل فِيهَا نَفسه وَمَاله وَقطع مَسَافَة وَمَا بلغ التَّمام بل وافاه الحِمام لَيْلَة الثُّلَاثَاء لأَرْبَع لَيَال بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَدفن بالمعلاة قبالة تربة الْأَمِير إِبْرَاهِيم الدفتردار على يسَار الذَّاهِب إِلَى الأبطح ثمَّ رَجَعَ فِي خدمَة الْعين الْأَمِير قَاسم سنجق جدة الْمَذْكُور آنِفا أرجعه فِيهَا القَاضِي الْحُسَيْن وَعرض ذَلِك إِلَى الْأَبْوَاب فأنهى الْأَمر باستقرار قَاسم بك فِي الْخدمَة أَمينا على مصارفها وَأَن يكون مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن نَاظرا على مَا بَقِي من عمل هَذِه الْعين إِلَى أَن يصل إِلَى عَرَفَات فاستمر قَاسم بك مباشراً لهَذِهِ الْخدمَة إِلَى أَن طرقه الْحِين فَصَارَ ثَالِثا للأميرين السَّابِقين وَصَارَ من شُهَدَاء الْعين وَذَلِكَ لليلة خلت من رَجَب الْحَرَام سنة 979 تسع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَدفن بالمعلاة إِلَى جَانب الْأَمِير مُحَمَّد بك اليكمكجي المتوفي بِمَكَّة ثمَّ توجه مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن توجهاً تَاما إِلَى تَكْمِيل عمل مَا بَقِي من الْعين بِاعْتِبَار مَا بِيَدِهِ من النّظر وَعرض للسلطنة الشَّرِيفَة بوفاة قَاسم بك فبرزت الْأَوَامِر إِلَى حَضرته الشَّرِيفَة فأقدم بهمته الْعَالِيَة أتم إقدام فساعدته السَّعَادَة والإقبال على الْإِتْمَام فكمل عَملهَا فِيهَا دون خَمْسَة أشهر بعد أَن عجزوا عَنهُ فِي قريب من عشرَة أَعْوَام فجرت عين عَرَفَات وَوصل المَاء وَهُوَ يجْرِي فِي تِلْكَ الدبول والقنوات إِلَى أَن دخل مَكَّة لعشر بَقينَ من ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة 979 تسع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْم عيد أكبر عِنْد النَّاس وَعمل فِي ذَلِك الْيَوْم أسمطة بِالْأَبْطح ببستانه الْوَاسِع الأفيح جمع الأكابر والأعيان وَنصب لَهُم السرادقات والصوان وَذبح أَكثر من مائَة من الْغنم وَقدم للنَّاس على قدر طبقاتهم أَنْوَاع الموائد وَالنعَم وخلع على أَكثر من عشرَة أنفس من المعلمين والمهندسين خلعاً فاخرة وَأحسن إِلَى باقيهم بِالْحَسَنَاتِ الوافرة وَمِمَّا رَأَيْته بِخَط جدي الْعَلامَة جمال الدّين بن إِسْمَاعِيل العصامي مَا نصُّه لما أكمل مَوْلَانَا وعزيزنا شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين نَاظر النظار بِبَلَد الله الْأمين مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف القَاضِي الْحُسَيْن بن أَحْمد الْمَالِكِي عمَارَة عين عَرَفَات كتبت إِلَيْهِ قولى // (من مخلع الْبَسِيط) // (أَقضَى القُضَاةِ الحسينُ أَعْنَى ... مكانَ أُمِّ القُرَي بِعَيْنه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 (وجاءَ بالعَيْنِ بَعْدَ يَأْسٍ ... فَشكْرُهُ وَاجِبٌ لِعَيْنِهُ) فَفتح لقبولهما كل بَاب وأعجب بِهِ غَايَة الْإِعْجَاب قلت يُمكن أَن يقْصد فِيهِ التورية فيراد بقوله لعَينه الذَّهَب ويرشحه قَوْله أغْنى إِلَى آخِره وَأَن يُرَاد بهَا المَاء الْجَارِي ويرشحه جَاءَ بِالْعينِ بعد يأس وَعِنْدِي سلبهما من لِبَاس التورية أستر وأذكى لشذى الْمَدْح وأعطر بِأَن يكون المُرَاد بِالْعينِ ذَاته وشخصه ليَكُون وجوب الشُّكْر لذاته فِي كَمَاله لَا لعَارض يَزُول بزواله ثمَّ جهز أَخْبَار هَذِه البشائر إِلَى السُّلْطَان سليم ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَإِلَى سرادقات الْحجاب الرفيع مليكَة الملكات بلقيس الزَّمَان جانم السُّلْطَان أُخْت مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان فأنعمت بالإنعامات الجزيلة والترقيات الْكَثِيرَة الجميلة على سَائِر العمالين والمباشرين والمتعاطين لهَذِهِ الْخدمَة ورقت مدرسة مَوْلَانَا القَاضِي حُسَيْن وَهِي الأولى مِمَّا يَلِي بَاب الزبادة فَصَارَت بِمِائَة عثماني واستمرت هَذِه الْعين من جملَة الْآثَار الْبَاقِيَة على صفحات اللَّيَالِي وَالْأَيَّام والأعمال الصَّالِحَات الْبَاقِيَات على تكْرَار السنين والأعوام وَمَا عِنْده سُبْحَانَهُ من تَضْعِيف الْأجر وَالثَّوَاب خير وَأبقى عِنْد أولي الْأَلْبَاب وَكَانَ جملَة النَّفَقَة خَمْسَة لكوك وَسَبْعَة آلَاف دِينَار ذَهَبا أَحْمَر جَدِيدا وَذَلِكَ غير مَا صرف على إِحْضَار أَرْبَاب الصناعات من الحدادين والحجارين والقطاعين والنجارين وَأهل الصناعات الدقيقة من الْبِلَاد الْبَعِيدَة وَغير مَا صرف على خدامها وخدامهم وَقد كَانَت عمارتها فِي آخر الدولة السُّلْطَانِيَّة السليمانية وَفِي أول الدول السُّلْطَانِيَّة السليمية وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد مصطفى وَهُوَ أكبرهم توهم مِنْهُ وَالِده أمرا فَأمر بخنقه طَائِفَة من البكمان أَوَاخِر شَوَّال سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة قَالَ فِي بغية الخاطر للعلامة الكاتي وَفِي سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة أَمر السُّلْطَان سليم بقتل وَلَده مصطفى وَكَانَ ذَلِك من مكر رستم باشا الْوَزير فجَاء تَارِيخ وَفَاته مكر رستم وَقَالَ وَآخر باللغة الفارسية ظلم بِي حد در آخر شَوَّال ذكره الكاتي فِي تَارِيخه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 قلت يُرِيد أَن لفظ لَا حد لَهُ أَي لَا نِهَايَة أَي لَا مِيم فَيبقى حرفان الظَّاء وَاللَّام وهما بتسعمائة وَثَلَاثِينَ وَآخر شَوَّال اللَّام وَهِي بِثَلَاثِينَ فَيتم الْعدَد تِسْعمائَة وَسِتِّينَ وَهِي سنة وَفَاته وَهُوَ آخر شَوَّال وَهَذَا اتِّفَاق عَجِيب يروق كل أديب وطفل اسْمه مُرَاد كَذَلِك خنقه فألحقه بولده مصطفى وَولده الثَّانِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان مَاتَ على فرَاشه مولدَه سنة ثَمَان وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَولده الآخر با يزِيد بن سُلَيْمَان فَوَقَعت بَينه وَبَين أَخِيه السُّلْطَان سليم محاربات قتل فِيهَا نَحْو خمسين ألفا ثمَّ لما عجز عَن محاربة أَخِيه السُّلْطَان سليم هرب هُوَ وَأَوْلَاده الْأَرْبَعَة وهم أورخان ومحمود خَان وَعبد الله خَان وَعُثْمَان فظفر بهم السُّلْطَان سليم وَأخذ أنفاسهم بالأوتار وَمَا لَهُم من آثَار وَكَانَ لَهُ ان خَامِس طِفْل فِي بروسا فَأمر بخنقه أَيْضا فتبع وَالِده وَإِخْوَته وَمن أَوْلَاد سُلَيْمَان السُّلْطَان جهان كير كَانَ أحدب ظريفاً لطيف الرّوح خَفِيفا كَانَ يُحِبهُ وَالِده وَلم يُفَارِقهُ توفّي بأجله بِمَرَض الخناق سنة 965 خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَمِنْهُم السُّلْطَان شاه زَاده بن سُلَيْمَان توفّي بأجله سنة 967 سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وعدة غَزَوَاته الْكِبَار الْمَشْهُورَة ثَلَاث عشرَة غَزْوَة السَّادِسَة مِنْهَا غَزْوَة الْعرَاق كَانَت أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة 941 إِحْدَى وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَأَنْشَأَ القَاضِي عبد اللَّطِيف بن عبد الله باكثير عِنْد وُرُود خير النُّصْرَة فِي تِلْكَ الْغَزْوَة تَارِيخا وضمه بَيْتَيْنِ هما من المتقارب (ولَمَّا أَحَلَّتْ ظِبَانا لَنَا ... دمَ الشَّاهِ واسْتَحْكَمَتْ سَلْخَهُ) (فَتَحْنَا العِرَاقَ وذَا الَّفْظُ مِنْ ... لَطَافَتِهِ جَاءَ تَاريْخَهُ) وَكَانَ عبد اللَّطِيف الْمَذْكُور سَافر إِلَى الديار الرومية وَاجْتمعَ فِيهَا بالسلطان سُلَيْمَان خَان بِوَاسِطَة قَاضِي الْعَسْكَر قادري أَفَنْدِي فصادف قدومه إِلَى الرّوم توجه مَوْلَانَا السُّلْطَان إِلَى حَرْب الْعَجم ثمَّ ورد خبر النُّصْرَة كَمَا تقدم فَعمل ذَيْنك الْبَيْتَيْنِ وقدمهما إِلَى صَاحبه قَاضِي الْعَسْكَر قادري أَفَنْدِي فَبعد وُرُود السُّلْطَان من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 السّفر أشرفه على التَّارِيخ وَجمعه بقائله عبد اللَّطِيف الْمَذْكُور فنال مِنْهُ مزِيد الْإِكْرَام وأنعم عَلَيْهِ بِقَضَاء مَكَّة المشرفة وَكَانَت سلاطين مصر وَغَيرهم يعقدون وُلَاة منفردين على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَكَانَ غَالِبا لَا يُقيم النواب إِلَّا قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَالْبَاقُونَ يتعاطون الْأَحْكَام وَلَا يُقِيمُونَ نواباً وَاسْتمرّ القَاضِي عبد اللَّطِيف مُتَوَلِّيًا إِلَى أَن عزل بِأول قُضَاة الأورام من الْحَنَفِيَّة وَهُوَ القَاضِي صدر الدّين فورد إِلَى مَكَّة عَام ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَمن حِينَئِذٍ صَار الأفندي الْأَعْظَم يرد من الْجِهَات الرومية ويعقد لَهُ الْولَايَة من هُنَاكَ إِلَّا أَن الْقُضَاة كَانُوا يُقِيمُونَ القَاضِي الشَّافِعِي والمالكي والحنفي والحنبلي بطرِيق النِّيَابَة فَفِي زمن الأفندي ميرزا مخدوم أَقَامَ عَم جدي القَاضِي الْعَلامَة نور الدّين على زَاده ابْن مَوْلَانَا المرحوم إِسْمَاعِيل العصامي قَاضِيا شافعياً وَأقَام القَاضِي نجم الدّين الْمَالِكِي نَائِبا مالكياً وَأَرَادَ إِقَامَة حنبلي فَلم يَتَيَسَّر ذَلِك لعدم وجود حنبلي يقوم بِهَذَا الشَّأْن وَآخر من أَقَامَ ذَلِك بِمَكَّة الأفندي عبد الرَّحِيم الشعراوي عَام تَوليته لَهَا عَام خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّانِي من استقراره فِي الْملك جعل ديواناً وأنعم على الوزراء وَأمرهمْ بترك شعار الْحزن ورقى الْعَسْكَر فِي الجوامك على حسب مَرَاتِبهمْ وانتظم الْحَال وَكَانَ ملكا صَالحا يترجم بِالْولَايَةِ كثير الْخَيْر وَالْإِحْسَان للْقَاضِي والدان وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثماناً وَأَرْبَعين سنة وَهِي عديمة النظير فِيمَن مضى من هَذَا الْبَيْت الْمُنِير وَاسْتقر بهَا إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَسبعين فِي سَابِع عشر صفر وَهُوَ فِي محاصرة الْعَدو فأخفى الْوَزير مَوته وأركان الدولة وَأَرْسلُوا أوراقاً إِلَى كوتاهية لمولانا السُّلْطَان سليم وَبَين المحلين نَحْو ثَلَاثَة أشهر بسير الأثقال فَركب مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم وجد فِي السّير إِلَى بِلَاد اسطنبول ودخلها فِي ثامن ربيع الأول سنة 974 أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَحمل السُّلْطَان سُلَيْمَان إِلَى دَار الْخلَافَة وَدفن فِي الْمحل الَّذِي عمره فِي عِمَارَته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 الْمَذْكُور طَابَ ثراه ورثاه عَالم زَمَانه أَبُو المسعود أَفَنْدِي الْمُفْتِي بقصيدة بليغة وَهِي هَذِه // (من الْبَسِيط) // (أَصَوْتُ صَاعِقَةٍ أَمْ نَفْخَةُ الصُّورِ ... فالأَرضُ قَدْ قُلِبَتْ مِنْ نَقْرِ نَاقُورِ) (أَصَابَ مِنْهَا الوَرَى دَهْيَاءُ دَاهِيَةٌ ... وذَاقَ مِنْهَا البَرَايَا صَعْقَةَ الصُّورِ) (فَهُدِّمتْ بَيْعَةُ الدُّنيا لوَقْعَتِهَا ... وانْهَدَّ مَا كَانَ مِنْ دَورٍ ومِنْ سُورِ) (أَمْسِتْ مَعَالمُهَا بَهْمَاءَ مُقْفِرَةً ... مَا فِي المَنَازِلِ مِنْ دَوَّار دَيُّورِ) (تَهَدَّمَتْ قُلَلُ الأَطْوَادِ وارْتَعَدَتْ ... كَأَنَّهَا قَلْبُ مَرْعُوبٍ ومَذْعُورِ) (واغْبَرَّ نَاصِيَةُ الخَضْرَاءِ وانْكَدَرَتْ ... وَكَادَ تَمْتَلِئُ الغَبْراءُ بِالمُورِ) (فَمِنْ كَئِيبٍ ومَلْهُوفٍ ومِنْ دَنِفٍ ... عَانٍ بِسِلْسِلَةِ الأَحْزَانِ مَأْسُورِ) (فَيَا لَهُ مِنْ حَدِيثٍ مُوْحِشٍ نكرٍ ... يَعَافُهُ السَّمْعُ مَكرُوهٍ ومَنْفُورِ) (تَاهَتْ عُقُولُ الورَى مِنْ هَوْلِ وَحْشَتِهِ ... فَأَصْبَحُوا مِثْلَ مَخْمُورٍ ومَسْحُورِ) (تَقَطَّعَتْ قِطَعًا مِنْه القُلُوبُ فَلاَ ... يَكَادُ يُوجَدُ قَلْبٌ غَيْرُ مَكسُورِ) (أَجْفَانهُمْ سُفُنٌ مَشْحُونَةٌ بِدَمٍ ... تَجْرِىِ بِبَحْرٍ مِنَ العَبراتِ مَسْجَورِ) (أَتَى بِوَجْهِ نَهَارٍ لاَ ضِيَاءَ لَهُ ... كَأَنَّها غُرةٌ شيِبَتْ بدَيْجُورِ) (أَمْ ذَاكَ نَعْىُ سُلَيْمَانَ الزَّمانِ ومَنْ ... مَضَتْ أَوَامِرُهُ فِي كُلٌ مَأْمُورِ) (حَقَّا وَمَنْ مَلأَ الدُنْيَا مَهَابَتُهُ ... وسَخَّرَتْ كُلَّ جبارٍ وقيهورِ) (مَدَارِ سَلْطَنَةِ الدُّنْياَ ومَرْكَزِهَا ... خَلِيفَةِ اللهِ فِي الآفاقِ مَذْكورِ) (مُعْلِي مَعَالِم دِيِنِ اللهِ مُظْهِرهَا ... فِي العَالَمِينَ بِسَعْي مِنْه مَشْكورِ) (وحُسْنِ رَأْىٍ إِلَى الخَيْرَاتِ مُنْصَرِفٍ ... وصِدْقِ عَزْمٍ عَلَى الأَلْطَافِ مَقْصُورِ) (لآيَةِ العَدْلِ والإِحْسَانِ مُمْتَثِلٌ ... بِغَايَةِ القِسْطِ والإلطَافِ مَوْقُورِ) (مُجَاهِدٍ فِي سَبيلِ اللهِ مُجْتَهدٍ ... مُؤَيَّدٍ مِنْ جَنَابِ القُدْسِ مَنْصُورِ) (بلهْذَمِيِّ إِلَى الأعْدَاءِ مُنْعَطِفٍ ... ومشْرَفيِّ عَلَى الكُفَّارِ مَشْهُورِ) (وَرايَةٍ رُفِعَتْ للمَجْدِ خَافِقَةٍ ... تَلْوِي عَلَى عَلَم بالنَّصْرِ مَنشُورِ) (وعَسْكَرٍ مَلأَ الآفَاقَ مُحْتَشِدٍ ... مِنْ كُلِّ قُطْرٍ مِنَ الأَقْطَارِ مَحْشُورِ) (لَهُ وَقَائعُ فِي الأَكْنَافِ شَائِعَةٌ ... أَخْبَارُهَا زُبِرَتْ فِي كُلِّ طَامُورِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 (يَا نَفْسُ مَا لَك فِي الدُّنْيَا مُخَلَّفَةً ... مِنْ بَعْدِ رِحْلَتِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّورِ) (حقٌّ على كل نفسٍ أَن تموتَ أسى ... لَكِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ غَيْرٌ مَقْدُورِ) (فَلِلْمَنَايَا مَقَادِيرٌ مُعَدَّدَهٌ ... تَأْتِي عَلى قَدَرٍ فِي اللَّوحِ مَسْطورِ) (وَلَيْسَ فِي شَأْنِهَا للنَّاسِ مِنْ أَثَرٍ ... ومَدْخَلٍ مَا بِتَقْدِيمٍ وتَأْخِيرِ) (يَا نَفَسُ فاتَّئِدي لاَ تَهْلِكِي أَسفًا ... فَأَنْتِ مَنْظُومَةٌ فِى سِلَّكِ مَقْدورِ) (إذْ لَسْتِ مَأْمُورةً بالمُسْتَحِيلِ وَلاَ ... بِمَا سِوَى بَذْلِ مَجْهُودٍ ومَيْسُورٍ) (ولاَ تَظُنِّيَهُ قَدْ مَاتَ بَلْ هُوَ ذَا ... حَيٌّ بِنَصِّ مِنَ القُرْآنِ مَزْبُورِ) (لَهُ نَعِيمٌ وَأَرْزَاقٌ مُقَدِّرَةٌ ... تَجْرِي عَلَيْه بِوَجْهٍ غَيْرِ مَشْعُورِ) (إنَّ المَنَايَا وإنْ عَمَّت مُحَرَّمَةٌ ... عَلَى شَهِيدٍ جَمِيلِ الحَالِ مَبْرُورِ) (مُرَابطٍ فِي سَبِيلِ اللهِ مُقْتَحِمٍ ... مَعَارِكَ الحَتْفِ بِالرِّضْوَانِ مَأْجُورِ) (مَا مَاتَ بَلْ نَالَ عَيْشًا بَاقِيًا أبدا ... عَنْ عَيْشِ فَانٍ بِكُلِّ الشَّرِّ مَعْمُورِ) (إبْتَاعَ سَلْطَنَةَ العُقْبَى بِسَلْطَنَةِ الدْ ... دُنْيَا فَأَعْظِمْ بِرِبْحٍ غَيْرِ مَحْصُورِ) (بَلْ حَازَ كِلتَيْهِمَا إذْ حَلَّ مَنْزِلةً ... مَنْ لَمْ يُغَايرْهُ فِي أَمْرٍِ ومَأْمُور) (أَمَا تَرَى مُلْكَهُ المَحْمِيَّ آلَ إِلَى ... سِرٍّ سَرِىٍّ لَهُ فِي الدَّهْرِ مَشْهُورِ) (وَلِيِّ سَلْطَنَةِ الآفَاقِ مَالِكِهَا ... بَرًّا وبَحْرًا بعَيْنِ اللُّطْفِ مَنْظُورِ) (ظِلِّ الإِلَهِ مَلاَذِ الخَلْقِ قَاطِبَةً ... ومُلْتَجَا كُلِّ مَشْهُورٍ ومَذْكٌ ورِ) (فَإِنَّهُ عَيْنُهُ فِي كُلِّ مَأْثَرَةٍ ... وَكُلِّ أَمْرٍ عَظِيمِ الشَّأْنِ مَأْثُورِ) (وَلاَ امْتِيَازَ وَلاَ فُرْقَانَ بَيْنَهُمَا ... وَهَلْ يُمَيَّزُ بَيْن الشَّمْسِ والنُّورِ) (سَمَيْدَع مَاجِد زَادَتْ مَهَابَتُهُ ... تَخْتَ الخلافةِ فِي عزِّ وتَيْقُورِ) (جَدَّ الجَدِيدانِ فِي أَيَّامِ دَوْلَتِهِ ... صَارَا كَأَنَّهُمَا مِسْكٌ بِكَافُورِ) (أَضْحَتْ بِقَبْضَتِهِ الدُّنْيَا برُمَّتِهَا ... مَا كَانَ مِنْ مجهلٍ مِنْهَا ومَعْمُورِ) (بَدَا بِطَلْعَتِهِ والنَّاسُ فِي كَربٍ ... وسُوءِ حَالٍ مَنَ الأحْوالِ مَنْكُورِ) (فأَصْبَحَتْ صَفَحَاتُ الأَرْضِ مُشْرِفَةً ... وعَادَ أَكْنَافُهَا نُورًا عَلَى نُورِ) (سُبْحَانَ مَنْ مَلِكٍ حلَّتْ مَفَاخِرُهُ ... بَحْرَ البَيَانِ بِمنْظُومٍ ومَنْثُورِ) (كأَنَّهَا ويَرَاعَ الوَاصِفِينَ لَهَا ... بَحْرٌ خَمِيسٌ إِلَى مِنْقَارِ عُصْفُورِ) (لاَ زَالَ أَحْكَامُهُ بالعَدْلِ جَارِيةٌ ... بَيْنَ البَرِيَّةِ حَتَّى نَفْخَةِ الصورِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 (ثمَّ تولى السُّلْطَان سليم الثَّانِي ابْن سُلَيْمَان خَان) (وَجلسَ على سَرِير السلطنة فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة) بُويِعَ بعد موت وَالِده فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور فَلَمَّا جلس على سَرِير السلطنة سَار على نمط وَالِده فِي الْعدْل والإنصاف ثمَّ بَادر فِي قيام شرائع الدّين فَبنى جَامعا عَظِيما بِأَرْبَع منائر كَامِلَة الإرتفاع ب أدرنة ومدرسة عَظِيمَة للْعلم بِعُمُومِهِ ومدرسة مفخمة برسم الْقرَاءَات وَهُوَ أول من عمر ذَلِك الْمحل الْمَذْكُور وَعمر عمَارَة برسم الطَّعَام للخاص وَالْعَام بِمَدِينَة قونية وَعمر خانات للمسافرين فِيهَا كِفَايَة النازلين بهَا مَعَ دوابهم من الطَّعَام وَالشرَاب وَأَنْشَأَ بَلْدَة كَامِلَة تعرف بقره نكار وَكَانَت خربة جَمِيعهَا فَحصل بهَا غابة النَّفْع للْمُسلمين سِيمَا الْمُسَافِرين لِأَنَّهَا كَانَت معقلاً لقطاع الطَّرِيق الكسجية وَله فتوحات عَظِيمَة من أعظمها الأقطار اليمنية لِأَنَّهَا فِي آخر الدولة السليمانية اخْتَلَّ أمرهَا وهجم أَهلهَا الطاغون على أعظم مدنها وملوكه بل سمعنَا أَنه لم يبْق فِي الحماية العثمانية إِلَّا مَدِينَة زبيد فَقَط فَلَمَّا جلس مَوْلَانَا صَاحب التَّرْجَمَة على سَرِير السلطنة أَمر بالتجهيز إِلَيْهَا فعين لذَلِك وزيره الْأَكْبَر سِنَان باشا فبرز من الديار المصرية أَوَاخِر عشر السّبْعين وَتِسْعمِائَة فِي جَيش كثيف بِالْخَيْلِ المسومة والعساكر الشجعان المعظمة وَطَوَائِف من السناجق السُّلْطَانِيَّة وعدة من المدافع فَوق الْمِائَة فَلَمَّا وصلوا إِلَى مَكَّة البهية عرضوا لَهَا عرضة عَظِيمَة وَأظْهر أبهة الْملك وَالسُّلْطَان قَالَ السَّيِّد مُحَمَّد الْحُسَيْنِي فِي تَارِيخه الْمُسَمّى الرَّوْضَة الأنيقة فِي سُلْطَان الْحجاز على الْحَقِيقَة أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه سمع كَاتب العساكر أَنهم يعلقون كل لَيْلَة أَرْبَعَة وَعشْرين ألف عليقة وَله فتوحات عَظِيمَة مِنْهَا فتح جزائر ساقس وكل جَزِيرَة فِيهَا مدن عَظِيمَة وكنائس وقلاع حَصِينَة وَعَاد على الْمُسلمين من هَذِه الفتوحات غَنَائِم وَأسرى لَا تعد وَلَا تحصى وانتفع بهَا بَيت المَال وَجَمِيع أَرْكَان الدولة وَسَائِر الرعايا انتفاعاً ظَاهرا غزير الْمَحْصُول كثير الْمَنَافِع وَأمن بذلك الصادرون والواردون بحراً وَبرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 وَله خيرات كَثِيرَة بالحرمين الشريفين من الْأَجْزَاء القرآنية والنقود والحبوب الْمرتبَة كل عَام أُسْوَة أسلافه الْكِرَام طَابَ ثراهم بدار السَّلَام وَكَانَ مَوْلَانَا صَاحب التَّرْجَمَة من طَاعَة وَالِده المرحوم المبرور السُّلْطَان سُلَيْمَان بِمحل لَا يُمكن عَنهُ التَّعْبِير بِحَيْثُ يُرَاجِعهُ فِي الْجَلِيل والحقير ويصبر فِي رِضَاهُ على مضض الدَّهْر وضيق الْعَيْش والضنك والقهر وكل مَا يبلغهُ من حَاسِد ونمام عَن وَالِده بالانتقاص والإعراض عَنهُ وَالْإِشَارَة بالسلطنة إِلَى غَيره من إخْوَته بالإعطاء وتمهيد أَحْوَال السلطنة لغيره لَا يمنعهُ ذَلِك من أَنْوَاع الْبر لوالده بالْقَوْل وَالْفِعْل وَلَا يحملهُ على العقوق خُصُوصا عَن والدته فَإِنَّهَا كَانَت تصرح بِعَدَمِ صَلَاحه للْملك وقابلية غَيره للدولة وَهُوَ على غَايَة من الصَّبْر وَتحمل الْجفَاء وَالتَّصْرِيح بالتفويض إِلَى رب السَّمَاء فَكَانَت طَاعَته لوَالِديهِ مُوجبَة لإنعام الله بِالْملكِ عَلَيْهِ فانقرضت إخْوَته وَأَعْقَابهمْ ووالدته فِي حَيَاة وَالِده طَابَ ثراه فَلَمَّا مَاتَ وَالِده كَمَا ذكرنَا شرفه الله بِالْملكِ على حَالَة هينة لم تقع لأحد من أهل هَذَا الْبَيْت أبدا ودام سُلْطَانه إِلَى أَن مَاتَ على سَرِير ملكه وعزه فِي ثامن شهر رَمَضَان الْمُعظم قدره فِي عَام اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فدرج عَتيق رَمَضَان تغمده الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَمن أعظم حَسَنَاته عمَارَة الْعين فقد تقدم أَن ابْتِدَاء الْعِمَارَة فِي أَوَاخِر دولة وَالِده السُّلْطَان سُلَيْمَان وتمامها فِي أول دولته وَقد قدمنَا ذكرهمَا ومعاناتهما وَمَا صرف على ذَلِك وَمن خيراته ابْتِدَاء عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة قبل وَفَاته بِسنتَيْنِ وَإِن كَانَ تَمامهَا إِنَّمَا كَانَ فِي دولة وَلَده الْآتِي بعده مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد بن سليم كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك وَله غزوات شهيرة بِالْإِرْسَال وَهُوَ جَالس مَكَانَهُ فتح فِي أَيَّامه السعيدة جَزِيرَة قبرس بِالسِّين الْمُهْملَة لَا بالصَّاد كَمَا تَقوله الْعَامَّة ومدينة تونس الخضراء وممالك الْيمن بأسرها وَتُوفِّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَمُدَّة سلطنته ثَمَان سِنِين وعمره الشريف ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة وَكَانَ شجاعاً كَرِيمًا مهاباً كثير الْإِحْسَان من قبل أَن يجلس على سَرِير الْملك وَبعده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وَمن غَزَوَاته فتح تونس الغرب وحلتي الْوَادي وَفتح ممالك الْيمن واسترجاعها من أَيدي العصاة الْبُغَاة أهل الْإِلْحَاد وَمِنْهَا فتح جَزِيرَة قبرس بِسيف الْجِهَاد وَهِي جَزِيرَة على الْبَحْر الشَّامي كَثِيرَة الْقطر ومقدارها مسيرَة عشْرين يَوْمًا وَبهَا قرى ومزارع وأشجار ومعادن الزاج القبرسي وَهِي على مر الْأَيَّام رخاؤها شَامِل وَخَيرهَا كَامِل وَبهَا معادن الصفر واللادن الَّذِي يغلب الْعود فِي طيبه وَكَانَ مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ غَزَاهَا وَصَالح أَهلهَا على سَبْعَة آلَاف دِينَار فنقضوا عَلَيْهِ فغزاهم ثَانِيَة فَقتل وسبى شَيْئا كثيرا وَبَين جَزِيرَة قبرس وساحل مصر خَمْسَة أَيَّام وَبَينهَا وَبَين جَزِيرَة رودس يَوْم وَاحِد وَإِنَّمَا سميت جَزِيرَة قبرس بوثن كَانَ هُنَاكَ يُسمى قابرس وَكَانَت أم حرَام بنت ملْحَان الصحابية شهِدت غَزْوَة قبرس فَتُوُفِّيَتْ بهَا وَأهل قبرس يتبركون بقبرها وَيَقُولُونَ هَذَا قبر الْمَرْأَة الصَّالِحَة وَكَانَت سَأَلت رَسُول الله أَن يَدْعُو لَهَا أَن يجلعها الله من الَّذين يركبون ثبج الْبَحْر مجاهدين فِي سَبِيل الله فَفعل وَهُوَ حَدِيث مَعْرُوف وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يَقُول إِنَّا نرى هَؤُلَاءِ يَعْنِي أهل قبرس أهل عهد وَإِن عَهدهم وَقع على شَرط وَأَنه لَا يسع الْمُسلمين نقضه إِلَّا بِأَمْر يعرف بِهِ غدرهم وَرَأى عبد الْملك بن صَالح فِي حدث أحدثوه أَن ذَلِك نقض لعهدهم فَكتب إِلَى عدَّة من الْفُقَهَاء يشاورهم فِي أَمرهم مِنْهُم اللَّيْث بن سعد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ وَمُحَمّد بن الْحسن فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ وَأجَاب كل وَاحِد بِمَا ظهر لَهُ وَقد فتحت أَيْضا فِي دولة الشراكسة فِي دولة الْملك الْأَشْرَف برسباي وَأسر ملكهَا وَذَلِكَ سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ فتحت على يَد السُّلْطَان سليم خَان هَذَا الْمَذْكُور وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثَمَان سِنِين كَمَا تقدم ذكر ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث ابْن السُّلْطَان سليم) (ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان) وَجلسَ بعد وَفَاة وَالِده سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة كَانَ مولده الشريف سنة إِحْدَى وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَبِذَلِك انتظم فِي سلك كَرِيمَة قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كَتَبنا فِي اَلزبور مِن بَعدِ اَلذِكِر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبادى الصلحون} الْأَنْبِيَاء 105 بِحِسَاب الْجمل لِأَن لفظ الذّكر تِسْعمائَة وَأحد وَخَمْسُونَ وَالْقَاعِدَة فِي ذَلِك مقررة فِي محلهَا ثمَّ ظهر من خَالق السَّمَوَات عنايات لَهُ وخصوصيات مِنْهَا أَنه نَشأ فِي ظلّ وَالِده وجده الْمَذْكُورين على مهاد الْعِزّ وَالسُّلْطَان فِي حِجْر الْخلَافَة راضعاً ثدي الْعلم والعرفان لم تعلم لَهُ صبوة مَعَ توفر دواعيها وَلم يتَنَاوَل شَيْئا من الْمُحرمَات بل وَلَا من المكروهات لما فِيهَا حَتَّى قَالَ أعاظم عرفاء الْعَصْر مَوْلَانَا الْمشَار إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي هَذَا الدَّهْر وَمِنْهَا أَنه مُنْذُ ترعرع فِي شبابه صانه الله عَن الْمُحَاربَة والمخاصمة الناشئة عَن حظوظ النَّفس وَحب الرِّئَاسَة وَاسْتعْمل نَفسه فِي الْعلم وَالْعَمَل ثمَّ فِي الاستعداد للخلافة الإسلامية مَعَ كَمَال النزاهة والعفة والنفاسة وَمِنْهَا أَن طَرِيقَته فِي الملبس والمأكل وَالْمشْرَب والمركب طَريقَة الصَّالِحين والزهاد مَا عدا مَا فِيهِ خلل لنظام الْملك أَو ضَرَر للعباد وَكَانَ جُلُوسه على تخت الْخلَافَة الإسلامية فِي ثامن شهر رَمَضَان فِي الْيَوْم الَّذِي توفّي أَبوهُ فِيهِ من عَام اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فَجَلَسَ جُلُوسًا جَامعا لفضل الزَّمَان وَالْمَكَان والافتنان فِي فعل الْخيرَات والمرتبات فِي مباديه مِمَّا فعله أسلافه فِي غاياتهم مِمَّا لَا شكّ فِيهِ ومنحه الله تَعَالَى من كَثْرَة الْخراج والخزائن والعساكر مَا لم يجمعه أحد من أسلافه الأكابر فَإِذا عزم على فتح أعظم الممالك جهز شرذمة من عساكره المنصورة فَفتح كل صَعب المسالك وَمن النِّعْمَة الْعُظْمَى إتْمَام عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَكَانَ ترميمه فِي زمَان جده مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان ثمَّ كَانَ ابْتِدَاء هَدمه وتعميره فِي زمَان وَالِده السُّلْطَان سليم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 سنة تِسْعمائَة وَثَمَانِينَ وَتَمام التَّعْمِير فِي زَمَانه فأرخ ذَلِك جدي الْعَلامَة جمال الدّين العصامي بِشَطْر بَيت هُوَ قَوْله // (من الرجز) // (تاريخُ هَدْمِ المَسْجِدِ ... فِى رَابِعِ العشْرِ بُدِي) وَهُوَ تَارِيخ عَجِيب إِذا مَعْنَاهُ الحسابي يُؤَدِّي إِلَى تعْيين السّنة وَمَعْنَاهُ اللَّفْظِيّ يُؤَدِّي إِلَى تعْيين يَوْم البدأة وَسبب أمره الشريف بتعمير الْمَسْجِد أَن الرواق الشَّرْقِي مِنْهُ مَال إِلَى نَحْو الْكَعْبَة الشَّرِيفَة بِحَيْثُ برزت رُءُوس خشب سقفه الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ مسقفاً سقفين بَينهمَا قدر ذراعين بِذِرَاع الْعَمَل عَن مَحل تركيبهما من جدر الْمَسْجِد وَذَلِكَ الْجدر هُوَ جدر مدرسة ألسلطان قايتباي وجدر مدرسة الْأَفْضَل الَّتِي هِيَ الْآن وقف عباد الله وَقدر مُفَارقَة الْخشب عَن مَوضِع تركيبه أَكثر من ذِرَاع وَمَال وَجه الرواق الشَّرْقِي إِلَى صحن الْمَسْجِد ميلًا ظَاهرا فبادر نظار الْحرم يصلحون ذَلِك الْمحل الَّذِي فَارق بتعديل خشب السّقف بأطول مِنْهُ وأعمدوا الرواق المائل إِلَى صحن الْمَسْجِد بأخشاب كبار حفر لَهَا فِي الْمَسْجِد تمسكه عَن السُّقُوط وَذَلِكَ كُله فِي دولة السُّلْطَان سُلَيْمَان وَاسْتمرّ متماسكاً على هَذَا الأسلوب من أَوَاخِر دولته إِلَى صدر دولة ابْنه مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم ففحش ميل ذَلِك الرواق وَعرض على الْأَبْوَاب فبرزت الْأَوَامِر من السُّلْطَان سليم بالمبادرة إِلَى بِنَاء الْمَسْجِد جَمِيعه على وَجه الإتقان والإحكام وَأَن يَجْعَل عرض السّقف قبباً دَائِرَة بأروقة الْمَسْجِد ليؤمن تآكل الْخشب فعين لذَلِك بكلربكي مصر سَابِقًا فَخر الْأُمَرَاء الْعِظَام أَحْمد بك وأضيف إِلَيْهِ فِي هَذِه الْخدمَة سنجق جدة فوصل الْأَمِير أَحْمد بك فِي آخر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة 979 تسع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَت الْأَوَامِر الشَّرِيفَة وَردت أَن يكون النَّاظر على هَذِه الْعِمَارَة والمتكلم عَلَيْهَا عَن جَانب السلطنة سيدنَا ومولانا القَاضِي الْحُسَيْن الْمَالِكِي ففرح بِهَذِهِ الْخدمَة الْفَرح التَّام وَشد نطاق حزمه على نَاطِق عزمه وَقَامَ وَحصل بَين مَوْلَانَا القَاضِي وَبَين أَحْمد بك الملاءمة والاتفاق وَبِذَلِك يحصل تَمام النجح والارتفاق فاتفق رَأْي النَّاظر والأمين والمعمار على الشُّرُوع فِي الْهدم فشرع فِيهِ رَابِع عشر ربيع الأول من سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ بتاريخ الْجد جمال الدّين العصامي وَكَانَ ابْتِدَاء الْهدم مَكَانا من بَاب السَّلَام من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 تَحت منارته إِلَى بَاب عَليّ وَمِنْه أَيْضا إِلَى بَاب بني سهم الْمَعْرُوف بِبَاب الْعمرَة وَأخذت المعاول تعْمل فِي شرفات الْمَسْجِد وطبطاب سقفه ثمَّ كشفوا عَن أساسه فوجدوه مختلاً وَكَانَ جداراً عَظِيما نازلاً فِي الأَرْض على هَيْئَة بيُوت رقْعَة الشطرنج وَكَانَ على مَوضِع التقاطع على وَجه الأَرْض قَاعِدَة تركب الأسطوانة عَلَيْهَا فشرع فِي وضع الأساس على وَجه الإتقان والإحكام بالنورة المخمرة إِلَى أَن طلع الأساس على وَجه الأَرْض وَكَانَت الأسطوانات المبنية سَابِقًا على نسق وَاحِد فِي جَمِيع الأروقة من الرخام جَمِيعهَا إِلَى أَن وَقع الْحَرِيق فِي الْجَانِب الغربي بالنَّار الناشئة من رِبَاط رَشَّتْ سنة أَربع وَثَمَانمِائَة فِي دولة الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق من الشراكسة فَاحْتَرَقَ مِنْهُ أساطين الرخام وذابت فَأرْسل من أمرائه الْأَمِير بيسق إِلَى مَكَّة فعمر الْجَانِب الَّذِي احْتَرَقَ وأبدل من الأعمدة الرخام الْمُحْتَرِقَة أعمدة من الْحجر الصوان المنحوت وَصَارَت الجوانب الثَّلَاثَة بالأعمدة الرخام مَا عدا هَذَا الْجَانِب الغربي فَهُوَ من الْحجر الصوان المنحوت فَلَمَّا وَقع هَذَا التَّعْمِير أدخلت فِي هَذِه الْعِمَارَة العثمانية دعائم من الْحجر الشميسي الْأَصْفَر غِلَاظ بعد كل ثَلَاث دعائم من الرخام دعامة مِنْهَا لتقوى على تركيب القبب فَوْقهَا وبإدخال الدعائم الشميسي الْأَصْفَر صَارَت الأساطين كلهَا على نِسْبَة وَاحِدَة وَهِي أَن كل ثَلَاث من الرخام رابعتها وَاحِدَة من الشميسي وَذَلِكَ فِي غَالب الأروقة من الجوانب الْأَرْبَع من الْمَسْجِد الشريف كَأَنَّهَا قَائِمَة بغاية الْأَدَب حول بَيت الله المنيف وَهِي أَعلَى من ارْتِفَاع سقفها السَّابِق كَأَنَّهَا تنشد بِلِسَان حَالهَا مفتخرة على أَمْثَالهَا // (من الْكَامِل) // (إنَّ الَّذِي سمَكَ السَّماءَ بنَى لَهَا ... بَيْتا دَعَائِمُهُ أعزُّ وأَطْوَلُ) وَاسْتمرّ الْحَال فِي هَذِه الْعِمَارَة على هَذَا المنوال إِلَى أَن تمّ مِنْهُ الْجَانِب الشَّرْقِي والجانب الشمالي إِلَى بَاب الْعمرَة فَمَا عمر مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم أسْكنهُ الله جنَّات النَّعيم إِلَى أَن تتمّ الْعِمَارَة وَسلم ملكة الشريف السعيد إِلَى نجله السعيد صَاحب التَّرْجَمَة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد ابْن السُّلْطَان سليم خَان فبرز أمره الشريف لأمير الْعِمَارَة الشَّرِيفَة الْمشَار إِلَيْهِ أَحْمد بك الْمَذْكُور وَأَن يبْذل جهده وجده فِي الْإِتْمَام لعمارة الْمَسْجِد الْحَرَام فأعانه الله تَعَالَى على إِتْمَامهَا وأمد كَذَلِك سَائِر خدامها إِلَى أَن تمت عمَارَة الْجَانِبَيْنِ الغربي والجنوبي من الْمَسْجِد الْحَرَام بِجَمِيعِ أبوابه وأعتابه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 ودرجاته من دَاخله وخارجه وَكَانَ ذَلِك فِي أَوَاخِر سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَصَارَ الْمَسْجِد الْحَرَام نزهة المناظر وبغية للخاطر وجلاء للنواظر والخواطر بِحَيْثُ صَار مَا عمره الْخُلَفَاء العباسيون قبل ذَلِك لَا يحسن عِنْده أَن يذكر ويوصف لِأَن هَذَا الْبناء أمكن وأزين وَأَعْلَى وأشرف وَكَانَ جملَة مَا أنْفق على عِمَارَته مائَة ألف وَعشرَة آلَاف دِينَار ذَهَبا غير الْآلَات والرصاص والنحاس والخشب وأهلَّة القبب المعمولة بِمصْر المطلية بِالذَّهَب وجدد خيرات تفرد بهَا مِنْهَا مدرسة وتكية بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة ومدرسة بِمَكَّة وسبيل عَظِيم فِي بنائِهِ وفرشه وعذوبة مَائه وجدد بالروضة جملَة من الدُّرُوس العلمية بِمَعْلُوم قدره كل عَام مائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا ذَهَبا جَدِيدا للمدرس وَمِائَة دِينَار جَدِيد للطلبة لكل وَاحِد عشرَة على الدَّوَام وحدد فِي كل عَام ألف دِينَار ذَهَبا لمِائَة نفر من الْحجَّاج يدعونَ لَهُ بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عِنْد الْبَيْت الْعَتِيق وَفِي عَام سِتّ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة شرع فِي فتح الممالك العجمية الطهماسبية وعساكره المنصورة يتبع بَعْضهَا بَعْضًا من غير انْقِطَاع فملكه الله تَعَالَى أعظم تِلْكَ الْبِقَاع وَأحْصن تِلْكَ القلاع وَفِي سنة 988 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة أَمر بكتب أَسمَاء الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بعد الله وَرَسُوله بِخَط كَبِير عَظِيم نقراً فِي جدر الْمَسْجِد الشَّرْقِي مموهاً بِالذَّهَب الصّرْف على أحسن قَاعِدَة خطّ بديع رائق قل أَن تحاكيه المهرة فِي بطُون المهارق بَين الْبَاب الْمَنْسُوب إِلَى سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه وَالْبَاب الْمَنْسُوب إِلَى عَمه الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلم أظفر على حَقِيقَة السَّبَب لذَلِك إِلَّا مَا يسمع من أَفْوَاه الروَاة وَلم تروه أَخْبَار الثِّقَات وَجُمْلَة عدد الأسطوانات الرخام ثَلَاثمِائَة وَأحد عشر والأسطوانات الشميسي مِائَتَان وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وَعدد القبب مائَة وَاثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ فِيهِ شرقية أَربع وَعِشْرُونَ وَمثلهَا غربية وشامية سِتّ وَثَلَاثُونَ وَمثلهَا جنوبية وَوَاحِدَة فِي رُكْنه من جِهَة مَنَارَة حزورة والطواجن مِائَتَان وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ طاجناً وَعدد شرفاته ألف وثلاثمائة وَثَمَانُونَ شرفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وَجُمْلَة أبوابه تِسْعَة عشر بَابا تفتح على تِسْعَة وَثَلَاثِينَ طاقاً كل ذَلِك مُسَمّى مَعْلُوم مشَاهد وَجعلت فِي عمَارَة الْمَسْجِد الشريف تواريخ عديدة قَالَ القطب النهروالى رَأَيْت لبَعض الْفُضَلَاء تَارِيخا لتَمام عِمَارَته وَذَلِكَ فِي سنة 984 أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فِي بَيت مُفْرد فَأَعْجَبَنِي نظمه لحسن سبكه وَاسْتِيفَاء الْمَعْنى فِيهِ فَذكر بِهِ وَهُوَ هَذَا الْبَيْت // (من الْخَفِيف) // (جَدَّدَ المَسْجِدَ الحَرَامَ مُرَادٌ ... دَامَ سُلْطَانُهُ وطَالَ أَوَانُهْ) قلت هَذَا الْبَيْت هُوَ لجدي الْعَلامَة جمال الدّين العصامي كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ فِي تَذكرته عزاهُ إِلَى نَفسه ولمولانا القَاضِي الْحُسَيْن تَارِيخ منثور هُوَ قَوْله أَطَالَ الله لمن أتمه عمرا وَورد تَارِيخ من الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة مَعَه حكم شرِيف برسمه على طراز بَاب سيدنَا الْعَبَّاس فِي ظَاهر الرواق فرسم هُنَالك وَهُوَ لقَاضِي الْعَسْكَر نثراً قَوْله الْحَمد لله الَّذِي أسس بُنيان الدّين المتين بِنَبِي الرَّحْمَة والرشاد وَخَصه بمزيد الْفضل والكرامة والإسعاد وَهُوَ فِيهِ بعض تَطْوِيل وَفِي آخِره نظم ثَلَاثَة أَبْيَات تَتَضَمَّن التَّارِيخ وَهِي هَذِه // (من الرمل) // (جَدَّدَ السلطانُ مرادُ بنُ سَلِيمِ ... مَسْجِدَ البيتِ العَتِيْقِ المُحْتَرَمْ) (سُرَّ مِنْهُ المُسْلِمُونَ كلُّهُمْ ... دَامَ منصورَ اللواءِ والعَلَمْ) (قَالَ رُوحُ القدسِ فِي تاريخِهِ ... عَمَّرَ سُلْطَانُ مُرَادُ الحَرَمْ) وَفِي سنة الْألف عزل مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد آغاة الينيشرية وَكَانَ ظَالِما فأرخ عَزله شَاعِر نظماً باللغة التركية مَعْنَاهُ لَو قطع السُّلْطَان رَأس الأغا وَرجله لَكَانَ لَهُ تَارِيخا عجيباً رَأس الأغا الْهمزَة من لَفظه وَرجله الْألف الْأَخِيرَة فَيبقى الْغَيْن بِأَلف هِيَ سنة عَزله وَكَانَت وَفَاة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد سنة 1003 ثَلَاث بعد الْألف وسنه الشريف يَوْم ولي ثَلَاثُونَ سنة وَمُدَّة سلطنته عشرُون سنة وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد) (ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان ابْن السُّلْطَان خَان) وَجلسَ سنة ثَلَاث وَألف وغزا بعسكره إِلَى غَزْوَة مجر وَحصل هُنَاكَ قتال ومَنَّ الله عَلَيْهِ بالنصر فَعَاد مؤيداً منصوراً ولي الْملك بعد وَفَاة أَبِيه وَبَدَأَ بترخيم المطاف الشريف والتجهز بِنَفسِهِ إِلَى جِهَاد الفرنج أَعدَاء الدّين وأيده الله بالنصر وَالظفر الْمُبين وَأبْدى فِي مُبَاشَرَته الْحَرْب بِنَفسِهِ مَا أبهر وأنبأ بعلو همته وَقُوَّة سجبته فَإِن ذَلِك لم يتَّفق إِلَّا نَادرا ثمَّ عَاد بالنصر التَّام إِلَى تخت مَمْلَكَته وَفِي تَارِيخ ترخيم المطاف أَبْيَات للْإِمَام عبد الْقَادِر مطْلعهَا // (من الْكَامِل) // (يَا مَنْ يَلُوذُ بكَعْبةِ وحَطِيمِ ... وبِهَا يَطُوفُ بِخَالِصِ التَّعْظِيمِ) وَهِي نَحْو أَرْبَعَة وَعشْرين آخرهَا بَيت التَّارِيخ وَهُوَ (قد دبَّرَ السُّلْطَانُ أيد مُلْكَهُ ... بَدْءَ المَطَافِ جَرَى بِكُلِّ نعْيمِ) توفّي إِلَى رَحْمَة ربه سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف وَكَانَت مُدَّة سلطنته تسع سِنِين وَنصف شهر تغشاه الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان (ثمَّ تولى السُّلْطَان أَحْمد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان مُرَاد) (ابْن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان) وَجلسَ على سَرِير الْملك سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف وَبنى جَامعه الْمَعْرُوف المزخرف بأنواع الزِّينَة وَقتل من كَانَ فِي أَيَّامه من الْبُغَاة والجلالية وَله خيرات عديدة وَكَانَ كثير الْخَيْر وَالْمَعْرُوف بِحَيْثُ إِنَّه جعل لأهل الْحَرَمَيْنِ وَقفا بِمصْر يجمع مغله فِي كل عَام وَيُرْسل إِلَى مَكَّة صُحْبَة الركب الْمصْرِيّ عوضا عَن مَال بندر جدة المعمورة لانقطاعه بِمُوجب عدم وُصُول المراكب الْهِنْدِيَّة فَهُوَ الْمَعْرُوف بالأحمدية وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين بعد الْألف أرسل إِلَى أَعْيَان مَكَّة المشرفة من شريفها وقضاتها وأئمتها وخطبائها كسْوَة عَظِيمَة فَلبس كل من الْمَذْكُورين مَا أرسل بِهِ إِلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 وَكَانَ ذَلِك أول النَّهَار تجاه الْبَيْت الشريف وَأرْسل فِي عَام عشْرين الباشا حسن المعمار لعمارة عين مَكَّة المشرفة فوصل فِي أَوَائِل ذِي الْحجَّة من الْعَام الْمَذْكُور وَعمر الْعين وَأصْلح بعض إصلاحات كَانَت بِالْكَعْبَةِ الشَّرِيفَة جزاه الله خيرا وَمُوجب الْإِصْلَاح حُصُول تشعُب قَلِيل فِي الْجَانِب الشمالي فأصلحه بجزام حَدِيد تَحت الطّراز كالطراز مصفح بِالْفِضَّةِ مَطْلِي بِالذَّهَب وَوصل مَعَه من الديار الرومية بميزاب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ثمَّ رَكبه بمحله بعد أَن قلع الْمِيزَاب الأول وأرسله إِلَى الحضرة الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن وَقع سُقُوط الجدران فِي دولة السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَرفع ذَلِك الْإِزَار الْحَدِيد وسبك فضته متعاطو الْعِمَارَة وَلم يجْعَلُوا عوضه عَلَيْهَا لعدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا بعد عمارتها قلت وَكَانَ تَمام ذَلِك الْإِصْلَاح عَام أحد وَعشْرين بعد الْألف وَفِي مصلى الْجُمُعَة لوح رُخَام مُثبت فِي شاذروان الْبَيْت الشريف منقور فِيهِ ذكر ذَلِك وَفِيه وَقد جَاءَ تَارِيخه من الْقُرْآن الْعَظِيم أسس بُنْيَانه على تقوى من الله وَهُوَ حِسَاب إِحْدَى وَعشْرين وَألف وَهُوَ من عَجِيب الِاتِّفَاق وأيمنه وَكَانَت مُدَّة سلطنته أَربع عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر (ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد أَخُوهُ) وَجلسَ على تخت الْملك سنة سبع وَعشْرين وَألف كَانَ السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد عِنْد مَوته عهد بالسلطنة لَهُ وَذَلِكَ لصِغَر سنّ السُّلْطَان عُثْمَان ابْنه فاستقر فِيهَا بعد موت أَخِيه السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد ثَلَاثَة أشهر ثمَّ دبر كزلار أغاسي الطواشي فِي خلع السُّلْطَان مصطفى وتولية السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد فَخلع مصطفى وَبَقِي فِي السَّرَايَا مخلوعاً إِلَى أَن تولى التَّوْلِيَة الثَّانِيَة كَمَا سَيَأْتِي وَكَانَ خلعه لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث ربيع أول من سنة 1028 ثَمَان وَعشْرين وَألف فَكَانَت مدَّته هَذِه ثَلَاثَة أشهر وَعشرَة أَيَّام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 (ثمَّ تولى السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد خَان بن مُحَمَّد خَان) فَهُوَ ابْن أخي السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد وَجلسَ على تخت الْملك ثَالِث ربيع الأول سنة 1028 ثَمَان وَعشْرين وَألف تولى بعد الْقَبْض على عَمه مصطفى فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَكَانَ عَالما فَاضلا شجاعاً مُطَاعًا شريفاً يَدُور بِالسَّيْفِ والسنان ويحمي بطوقه وطوعه بَيْضَة الْإِسْلَام وَالْإِيمَان ثمَّ شغب الْجند على قزلار أغاسي فنفوه إِلَى مصر بعد أَن أَرَادوا قَتله وَكَانَ مقرب الحضرة السُّلْطَانِيَّة ومدبر الدولة العثمانية ثمَّ قبضوا على السُّلْطَان عُثْمَان وأحضروا عَمه مصطفى وأجلسوه على تخت السلطنة ثَانِيًا وَقتلُوا عُثْمَان وَكَانَت سنه حِين التَّوْلِيَة نَحْو عشر سِنِين وسنه عِنْد الْقَتْل نَحْو تسع عشرَة سنة وَسبب قَتله أَنه عزم على الْحَج سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف وصمم على ذَلِك وَأمر بالخيام وَالْمُضَارب والوطاق أَن يضْرب ظَاهر الْقُسْطَنْطِينِيَّة فأجمع رأى أَرْبَاب دولته وأركان سلطنته على خلعه إِن لم يرجع فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وأشاروا عَلَيْهِ بِالتّرْكِ وَقَالُوا إِنَّك غزوت الفرنج وقتلتهم وسبيتهم وَفِي قُلُوبهم مِنْك أَمر عَظِيم فنخاف بعد عزمك وانفصالك عَن التخت إِلَى الْحجاز مَعَ بعد الْمسَافَة أَن تثب الفرنج على المملكة ويصعب خُرُوجهمْ مِنْهَا مَعَ أَن هَذَا لَيْسَ قانون آبَائِك وأجدادك وخوفوه بذلك فَلم يمْتَنع وصمم على الْعَزْم إِلَى الْحَج وَخرج لذَلِك وسلك أول طرق هَذِه المسالك فَكتب لَهُ الثَّوَاب وَحصل لَهُ أجر الْقَصْد فِي الْحَال والمآب قَالَ تَعَالَى {وَمَن يخرُج مِن بيتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ ورَسُوله} النِّسَاء 100 الْآيَة فَلَمَّا عرفُوا مِنْهُ التصميم قَتَلُوهُ وأعادوا عَمه السُّلْطَان مصطفى كَمَا ذكرنَا كَذَا فِي منهل الظمان لأخبار دولة آل عُثْمَان للشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد عَليّ بن عَلان وَكَانَ قَتله يَوْم الْخَمِيس سَابِع رَجَب الأصب من سنة 1031 وَفِيه يَقُول بعض أدباء الشَّام مؤرخاً // (من الوافر) // (قضَى عُثْمَانُ سُلْطَانُ البَرَايَا ... بأَسْيَافِ العَساكِرِ والجُنُودِ) (وَوَافَتْهُ المَنِيَّةُ فِي السَّرَايا ... مؤرَّخةً كَعُثْمَانَ الِشَّهِيْدِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وَقَالَ آخر مؤرخاً أَيْضا // (من مجزوء الرمل) // (قَدْ قَضَى عُثْمَانُ ظُلْمًا ... حِينَ خَانَتْهُ الجنُودُ) (واللَّيَالِي أَرَّخَتْهُ ... إنَّ عثمانَ شَهِيدُ) سنة 1031 وَمُدَّة تصرفه ثَلَاث سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام (ثمَّ تولى السُّلْطَان مصطفى بن مُحَمَّد خَان) (وَهَذِه هِيَ التَوْليَةُ الثَّانِيَة) وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ يَوْم خَامِس رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ ورد الْخَبَر بوفاة السُّلْطَان عُثْمَان وتولية السُّلْطَان مصطفى عَمه وَكَانَ ذَلِك فِي سَابِع رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة فزينت مَكَّة سَبْعَة أَيَّام ودعي لَهُ على الْمِنْبَر الشريف الْمَكِّيّ يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَصلي على السُّلْطَان عُثْمَان صَلَاة الْغَائِب وقرئت لَهُ ربعَة حضرها الْأَعْيَان وَذَلِكَ بِأَمْر مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وَاسْتمرّ إِلَى أَن خلع فِي منتصف ذِي الْقعدَة الْحَرَام من السّنة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثِينَ بعد الْألف فَكَانَت مُدَّة تصرفه فِي التَّوْلِيَة الثَّانِيَة سنة وَثَلَاثَة أشهر وَنصفا (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي ابْن أَحْمد) (ابْن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم خَان) جلس على سَرِير الْملك منصف ذِي الْقعدَة الْحَرَام عَام اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف جُلُوسًا عَاما وَأخذ السَّيْف فِي يَده وَأخذ ثَأْره من الْأَعْدَاء وهم قتلة أَخِيه عُثْمَان ابْن أَحْمد وَفتح قلعة وان ثمَّ بعد سِنِين توجه بعسكر عَظِيم وَفتح بَغْدَاد وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَجعل جَمِيع من كَانَ فِيهَا من الروافض طعمة سَيْفه وَهُوَ السُّلْطَان الْقَائِم بشعائر الْإِسْلَام المتأيد بعناية الْملك العلام فَارس ميدان المنازلة إِذا حمي الْوَطِيس وَقيل هَل من مبارز ومسقي رُءُوس الأسل من صُدُور يوكد الشَّرّ فِيهَا الضَّمِير البارز ذُو الهمة الَّتِي لَو تعلّقت بالجو لاستنزلت مِنْهُ مَا تعلق بِالثُّرَيَّا والفواضل الَّتِي لَو كفت سحائب المزن لكفت الْقُلُوب ربه والشيم الَّتِي لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 يدانيه فِيهَا أحد والمزايا الَّتِي لَا تحصرها الْعبارَة وَلَا يستقصيها الْعد ولي بعد عَمه السُّلْطَان مصطفى فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم ذكره وَورد الْخَبَر أَوَائِل ذِي الْحجَّة مِنْهَا إِلَى مصر فَخَطب لَهُ بهَا وزينت مَكَّة سَبْعَة أَيَّام وَقَامَ بِالْملكِ على وَجه السداد وَأَعْلَى ذكره على السَّبع الشداد وَكَانَت سنه حِين ولي أَربع عشرَة سنة وَفِي ذَلِك يَقُول فَخر الأدباء بكري الصراف من // (الْكَامِل) // (لمَّا أَرَادَ اللهُ نَفْعَ عِبَادِهِ ... ولَّى مُرَادًا مُلْكَ خيرِ بِلادِهِ) (وأَمَدَّهُِ مِنْ فَضْلِهِ بِعِنَايِةٍ ... جَعَلَتْ عِدَاهُ تَحْتَ نَعْلِ جَوَادِهِ) (وَشَدَا لِسَانُ الحَالِ فِي تَارِيخِهِ ... بُشْرَى لَهُ قَدْ نَالَ كُلَّ مُرادِهِ) سنة 1032 وَلم يزل قَائِما بشعار الْملك مُقيما لشعائر الْإِسْلَام مجهزاً عساكره المنصورة إِلَى افْتِتَاح الْبلدَانِ وَتوجه بِنَفسِهِ الشَّرِيفَة فِي عَام خمس وَأَرْبَعين إِلَى غَزْو الْعَجم فَافْتتحَ كثيرا من بلدانهم وافتتح بَغْدَاد عَام ثَمَان وَأَرْبَعين بعد الْألف ثمَّ رَجَعَ إِلَى تخت مَمْلَكَته اسطنبول وَأبقى على عسكره الْمَنْصُور سرداراً معينا ويحكى أَنه أرسل إِلَى مصر المحروسة درقة نَحْو إِحْدَى عشرَة طبقَة ضربهَا بِعُود فَثَبت فِيهَا وبرز أمره الشريف إِلَى العساكر المصرية بِإِخْرَاج الْعود مِنْهَا وَأَن من أخرجه يُزَاد فِي جامكيته كَذَا وَكَذَا فحاولوا إِخْرَاجه فعجزوا عَن ذَلِك ثمَّ أرسل قوساً وَمَعَهَا همايون شرِيف يُخَاطب بِهِ وَزِير مصر مضمونه أَمر العساكر والأجناد بجر هَذَا الْقوس وَزِيَادَة علوفة من يفعل ذَلِك فحاول الْعَسْكَر جَرّه فَلم يقدروا ثمَّ علقت الدرقة بالديوان الشريف العالي بِمصْر المحروسة وعلق الْقوس بِبَاب زويلة وَقد جعل بعض الأورام تَارِيخا بالتركى لسنة مجيْ الْقوس وَهِي سنة 1033 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَترْجم بِالْعَرَبِيَّةِ بِمَا نَصه يَا سُلْطَان الْوُجُود لساعدك الْقُوَّة وَمِمَّا يدل على سعادته الْعُظْمَى توجه خاطره الشريف إِلَى أهالي الْحَرَمَيْنِ وَأمره الْمُتَوَلِي الْجِهَات خُصُوصا مصر بإجراء حبوبهم وإرسال مغلات أوقافهم فَمَا من همايون يرد مِنْهُ إِلَّا وَفِيه الْحَث على ذَلِك وَمِمَّا يدل على عناية الله بِهِ أَن كَانَت عمَارَة بَيت الله الشريف فِي زَمَنه ابْتِدَاؤُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 وانتهاؤها فِي أَيَّام دولته وَقد أرخ تِلْكَ الْعِمَارَة مَوْلَانَا الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ فِي قصيدة قدمهَا إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد الْمُتَوَلِي عمَارَة الْبَيْت الشريف وَهِي نَحْو الثَّمَانِية عشر بَيْتا مطْلعهَا // (من الْخَفِيف) // (عَادَ بَيْتُ الإِلهِ بَعْدَ انْهِدَامِهْ ... وغَدَا فَائِقًا بِحُسْنِ نِظَامِهْ) إِلَى أَن يَقُول (فِلهَذَا طَيْرُ المَسَرَّةِ أمْسَى ... مُنْشِدًا عِنْدَ بدئه وختامِهْ) (حالمَا أتَمَّهُ بِمُرَادٍ ... شيد بَيْت الْإِلَه تَارِيخ عامِهْ) وَسُجُود الْبَيْت الشريف وعمارته وَمَا يتَعَلَّق بهما مَذْكُور مُفْرد بالتصنيف لَا نطول بِذكرِهِ وسنشير إِلَى طرف من أخباره فِي دولة مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس فَإِنَّهَا مُوَافقَة لدولة السُّلْطَان مُرَاد فِي الزَّمَان الْمَذْكُور سقوطاً وَابْتِدَاء تعمير وَاسْتمرّ مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد إِلَى أَن توفّي سنة 1049 تسع وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَت مُدَّة سلطنته سبع عشرَة سنة (ثمَّ تولى السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن السُّلْطَان أَحْمد) (أَخُو السُّلْطَان مُرَاد الْمَذْكُور قبله) جلس على تخت الْملك سنة وَفَاة أَخِيه السُّلْطَان مُرَاد وَهِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَشرع فِي أَيَّامه فتح جَزِيرَة كريد فَفَتحهَا إِلَّا قلعة وَاحِدَة وَذَلِكَ لمتانتها غَايَة المتانة فاستمر فِي الْملك إِلَى أَن انْفَتَلَ من مدَّته سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثَمَان سِنِين وَثَمَانِية أشهر (ثمَّ تولى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان الْغَازِي الْمُجَاهِد) السُّلْطَان مُحَمَّد خَان ابْن المرحوم السُّلْطَان إِبْرَاهِيم خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان أَحْمد خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم خَان فاتح مصر وَالشَّام ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان بايزيد خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 فاتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْعُظْمَى ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان يلدرم بايزيد ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد خَان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان أورخان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان عُثْمَان خَان الْغَازِي مولده سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَهِي السّنة الَّتِي توفّي فِيهَا عَمه السُّلْطَان مُرَاد ابْن أَحْمد وَجلسَ على تخت السلطنة فِي شهر رَجَب الْمُبَارك من شهور سنة 1058 ثَمَان وَخمسين وَألف وعمره الشريف إِذْ ذَاك تسع سِنِين لَهُ الفتوحات الَّتِي لَا تحصى والمغازي الَّتِي لَا تستقصى أذلّ بغزواته أَعدَاء الدّين واستباح قلاعهم وَجعلهَا دَارا للْمُسلمين لم تزل أَعْلَام نَصره ظَاهِرَة وآيات سعده باهرة فَمن فتوحاته الميمونة الَّتِي لم تزل بالعز والنصر مقرونة مَدِينَة قوش آضه وأيوار وزغره ويانق وورط ويانوا وقمانيصه وقندية الَّتِي هِيَ كريد لِأَنَّهَا جَزِيرَة وقندية فِي طرفها وَكَانَ فتحهَا سنة ثَمَانِينَ أَعنِي قلعة كريد وخذل بذلك كل جَبَّار عنيد وَحصل للْمُسلمين بِهِ المسرة ولأعينهم أعظم قُرَّة وَكَانَ الْفَتْح بهَا مَعَ عقد هدنة إِلَى مُدَّة مائَة عَام وَهَذَا على مُقْتَضى مَذْهَب أبي حنيفَة النُّعْمَان لِأَن عقدهَا موكول إِلَى نظر السُّلْطَان وَأما عِنْد إمامنا الشَّافِعِي فَلَا يجوز عقدهَا فَوق أَرْبَعَة أشهر عِنْد قوتنا وَفَوق عشر سِنِين عِنْد ضعفنا ثمَّ إِنَّهُم نقضوا العقد وَنَكَثُوا الْعَهْد فَعَاد نقضهم عَلَيْهِ وَرجع وباله إِلَيْهِم وَقد أرخ الْفَتْح الْمَذْكُور الشَّيْخ عبد الْبَاقِي بن أَحْمد الشَّامي فِي أَبْيَات يَقُول آخرهَا // (من السَّرِيع) // (وحِينَ كَرْبٌ زَالَ أَرَخْتُهُ ... نَصْرٌ من الله وفَتْحٌ قريبْ) قلت هُوَ تَارِيخ لطيف وَحسن الْإِخْرَاج فِيهِ ألطف يسير إِلَى أَن مَدْلُول لفظ كرب الحسابي وَهُوَ مِائَتَان وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ يسْقط فَيصير الْبَاقِي تَارِيخ تِلْكَ السّنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 وأرخه أَيْضا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخياري الْمدنِي بِأَبْيَات أَولهَا قَوْله // (من السَّرِيع) // (يَا مَعْشَرَ الإسْلامِ قَدْ عَمَّكُمْ ... فَضْلٌ عَظِيمٌ يَقْتَضِي شُكْرَكُمْ) وَآخر قَوْله (إنْ قيلَ مَا تاريخُ عَام أتَى ... ألْفَتْحُ والنَّصْرُ إِلَى شَهْرِكُمْ) (فَقُلْ مُجِيبًا صَحَّ تَارِيخُهُ ... نَصْرٌ مِنَ الله وفَتْحٌ لَكُمْ) هَذِه المدن الْكِبَار وَلَا يُحْصى مَا سواهَا من الصغار وَاسْتمرّ إِلَى أَن ثار عَلَيْهِ الْجند فخلعوه وأدخلوه معتقَلاً وأخرجوا من كَانَ فِيهِ معتقِلاً أَخَاهُ مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم وسلموا عَلَيْهِ بِالْولَايَةِ وَضربت باسمه السِّكَّة وخفق فِي موكبه اللِّوَاء والراية فَهُوَ سُلْطَان زَمَاننَا الْآن أيده الله فِي المكانة والإمكان وَلم يمْكث أَن الْتفت إِلَى قتال أَعدَاء الدّين وتهيأ لغزو الْكَفَرَة الْمُلْحِدِينَ فطلبوا الْهُدْنَة أَربع سِنِين فوافقهم على ذَلِك لما اقْتَضَاهُ نظره فِي مصَالح الْمُسلمين وَكَانَت تَوليته يَوْم خلع أَخِيه وَهُوَ يَوْم السبت ثَانِي محرم الْحَرَام مفتتح سنة تسع وَتِسْعين وَألف جلّ من لَا يَزُول ملكه وَلَا يتبدل لَا إِلَه غَيره الخاتمة نسْأَل الله تَعَالَى حسنها تحتوي على ثَلَاثَة أبوب (فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم) (فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة وَذكر مَكَان دُعَائِهِ إِلَيْهَا وزمانه وَمَا جرى على كل قَائِم مِنْهُم من خَليفَة زَمَانه وتعدادهم من عَليّ بن أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا حَتَّى لَا تَخْلُو الأَرْض من قَائِم من آل مُحَمَّد يَدْعُو إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم إِلَى أَن يظْهر مهديها المنتظر وَهَذَا على غير رأى الإمامية أما على رَأْيهمْ فَلَا يجوزون الْإِمَامَة لغير الاثنى عشر الإِمَام كَمَا سنذكر ذَلِك) 3 - (فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَنَقُول وَبِاللَّهِ العون) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 (الْبَاب الأول) (فِي ذكر نسب الطالبيين وَذكر الْمَشَاهِير من أَعْقَابهم) أما أَنْسَاب الطالبيين فأكثرها رَاجع إِلَى لاحسن وَالْحُسَيْن ابْني عَليّ بن أبي طَالب من فَاطِمَة عَلَيْهِم السَّلَام وهما سبطا الرَّسُول وَإِلَى أخيهما مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَإِن كَانَ لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ غَيرهم من الْوَلَد إِلَّا أَن الَّذين طلبُوا الْحق فِي الْخلَافَة وتعصب لَهُم الشِّيعَة ودعوا لَهُم فِي الْجِهَات إِنَّمَا هم من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة لَا من غَيرهم فَأَما الْحسن فَمن وَلَده الْحسن الْمثنى وَزيد ومنهما الْعقب الْمَشْهُود لَهُ فِي الدَّعْوَى والإمامة أما الْحسن الْمثنى فَكَانَ جَلِيلًا فَاضلا ورعاً أمه خَوْلَة بنت مَنْظُور بن رَيَّان بن سيار بن عَمْرو بن جَابر بن عقيل بن مَازِن وَكَانَت قبل الْحسن السبط تَحت مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ أحد الْعشْرَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم فَقتل عَنْهَا يَوْم الْجمل وَله مِنْهَا أَوْلَاد فَتَزَوجهَا الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فَسمع بذلك أَبوهَا مَنْظُور فَدخل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وركز راية سَوْدَاء عِنْد بَاب مَسْجِد رَسُول الله فَلم يبْق قيسي إِلَّا دخل تحتهَا ثمَّ قَالَ أمثلي يفتات عَلَيْهِ فِي ابْنَته فَقَالُوا لَا فَلَمَّا رأى الْحسن ذَلِك سلم إِلَيْهِ ابْنَته فحملها فِي هودج وَخرج بهَا من الْمَدِينَة فَلَمَّا صَارَت بِالبَقِيعِ قَالَت يَا أَبَت أَيْن تذْهب بِي إِنَّه الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهَا إِن كَانَ لَهُ فِيك حَاجَة فسيلحقنا فَلَمَّا صَارا فِي نخل الْمَدِينَة إِذا بالْحسنِ وَالْحُسَيْن وَعبد الله بن جَعْفَر قد لَحِقُوا بهم فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا فَردهَا إِلَى الْمَدِينَة وَفِي ذَلِك يَقُول جد حفيز الْعَبْسِي // (من الْبَسِيط) // (إنَّ الندَى مِنْ بني ذُبْيَانَ قَدْ عَلِمُوا ... والجودَ فِي آلِ مَنْظورِ بنِ سَيَّارِ) (ألماطرينَ بأَيْدِيهِمْ نَدًى ديماً ... وكلَّ غَيْثٍ مِنَ الوَسْمِيِّ مِدْرَارِ) (تَزُورُ جارَهَمُ وَهنا هديتُهُمْ ... وَمَا نَهَاهُم لَهَا وهْنًا بزوارِ) وَكَانَ الْحسن وَصِيّ أَبِيه وَولي صَدَقَة عَليّ بن أبي طَالب فِي عصره قَالَ فِي كتاب أَنْسَاب قُرَيْش كَانَ الْحجَّاج بن يُوسُف قَالَ لِلْحسنِ وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 يسايره فِي موكبه بِالْمَدِينَةِ وَالْحجاج يَوْمئِذٍ أَمِير الْمَدِينَة أَدخل عمك عمر بن عَليّ مَعَك فِي صَدَقَة عَليّ فَإِنَّهُ عمك وَبَقِيَّة أهلك فَقَالَ لَا أغير شَرط عَليّ وَلَا أَدخل فِيهَا من لم يدْخل قَالَ إِذن أدخلهُ مَعَك فنكص عَنهُ الْحسن حَتَّى غفل عَنهُ الْحجَّاج ثمَّ كَانَ وَجهه إِلَى عبد الْملك حَتَّى قدم عَلَيْهِ فَوقف بِبَابِهِ يطْلب الْإِذْن فَمر بِهِ يحيى بن الحكم فَلَمَّا رَآهُ يحيى عدل إِلَيْهِ فَسلم عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن مقدمه وَخَبره وتحفى بِهِ وَقَالَ لَهُ إِنِّي سأنفعك عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ يَعْنِي عبد الْملك فَدخل الْحسن على عبد الْملك فَرَحَّبَ بِهِ وَأحسن مَسْأَلته وَكَانَ الْحسن قد أسْرع إِلَيْهِ الشيب وَيحيى بن الحكم فِي الْمجْلس فَقَالَ لَهُ يحيى وَمَا يمنعهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شيبته أماني أهل الْعرَاق كل عَام يقدم عَلَيْهِ مِنْهُم ركب يمنونه الْخلَافَة فَأقبل عَلَيْهِ الْحسن بن الْحسن فَقَالَ بئس وَالله الرفد رفدت وَلَيْسَ كَمَا قلت وَلَكنَّا أهل بَيت يسْرع إِلَيْنَا الشيب فَأقبل عَلَيْهِ عبد الْملك فَقَالَ هَلُمَّ مَا قدمت لَهُ فَأخْبرهُ بقول الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ ذَلِك إِلَيْك اكتبوا إِلَيْهِ كتابا لَا يُجَاوِزهُ وَوَصله فَلَمَّا خرج من عِنْده لقِيه يحيى بن الحكم فَعَاتَبَهُ الْحسن على سوء محضره وَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي وَعَدتنِي فَقَالَ لَهُ إيهاً عَنْك فوَاللَّه لَا يزَال يهابك وَلَوْلَا هيبته إياك مَا قضى لَك حَاجَة وَمَا آلوتك رفدَاً وَكَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان غضب عَلَيْهِ فَكتب إِلَى هِشَام بن إِسْمَاعِيل بن هِشَام ابْن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة عَامله على الْمَدِينَة وَكَانَت بنت هِشَام تَحت عبد الْملك بن مَرْوَان وَولدت لَهُ هِشَام بن عبد الْملك أَن أقِم آل عَليّ يشتمون عَليّ بن أبي طَالب وأقم آل الزبير يشتمون الزبير فَقدم كِتَابه على هِشَام فَأبى كل مِنْهُمَا ذَلِك وَكَتَبُوا وصاياهم فركبت أُخْت هِشَام إِلَيْهِ وَكَانَت جزلة عَاقِلَة فَقَالَت يَا هِشَام أتراك الَّذِي تهْلك عشيرته على يَده رَاجع أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا أَنا بفاعل قَالَت فَإِن كَانَ لَا بُد من ذَلِك فَمر آل عَليّ يشتمون الزبير وَآل الزبير يشتمون عليا قَالَ هَذِه أَفعَلهَا فَاسْتَبْشَرَ النَّاس بذلك وَكَانَ أَهْون عَلَيْهِم فَكَانَ أول من أقيم إِلَى جَانب المرمر الْحسن الْمَذْكُور وَكَانَ رجلا رَقِيق الْبشرَة عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ قَمِيص كتَّان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 رَقِيق فَقَالَ لَهُ هِشَام تكلم فسب الزبير فَقَالَ إِن لآل الزبير رحما أبلها بِبلَالِهَا وأربها بربابها يَا قوم مَالِي أدعوكم إِلَى النجَاة وتدعونني إِلَى النَّار فَقَالَ هِشَام لحرسي عِنْده اضربه فَضَربهُ سَوْطًا وَاحِدًا من فَوق قَمِيصه فخلص إِلَى جسده فشرحه حَتَّى سَأَلَ دَمه تَحت قَدَمَيْهِ فِي المرمر فَقَامَ أَبُو هَاشم عبد الله ابْن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ أَنا دونه أكفيك أَيهَا الْأَمِير فنال من آل الزبير فشتمهم وَلم يحضر عَليّ بن الْحُسَيْن كَانَ مَرِيضا أَو تمارض وَلم يحضر عَامر بن عبد الله بن الزبير فهم هِشَام أَن يُرْسل إِلَيْهِ فَقيل لَهُ لَا تفعل أفتقتله فَأمْسك وَحضر من آل الزبير من كَفاهُ وَكَانَ عَامر يَقُول إِن الله لم يرفع شَيْئا فيستطيع النَّاس خفضه انْظُرُوا إِلَى مَا تصنع بَنو أُميَّة يخفضون عليا ويغرون بشتمه وَمَا يزِيدهُ الله بذلك إِلَّا رفْعَة وَكَانَت ثَابت بن عبد الله بن الزبير غَائِبا فَقدم فَقَالَ لهشام بن إِسْمَاعِيل إِنِّي لم أحضر هَذَا الْجمع فاجمع النَّاس حَتَّى آخذ بنصيبي فَقَالَ هِشَام وَمَا تُرِيدُ بذلك ولود من حضر أَنه لم يحضر فَقَالَ لتفعلن أَو لأكتبن إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ بعرضي نَفسِي عَلَيْك فَلم تفعل فَجمع لَهُ النَّاس فَقَامَ فيهم فَقَالَ {لعِنَ الذَينَ كفَرُوا مِن بَني إسرائيلَ} إِلَى {كانوُا يَفعَلوُنَ} الْمَائِدَة 78 79 لعن الله من لعن ولعنته قوارع الْقُرْآن لعن الله الْمَنْدُوب يلعنه الله بَين عَيْنَيْهِ إِلَّا شدَّة لطيم الشَّيْطَان المتناول مَا لَيْسَ لَهُ هُوَ أقصر ذِرَاعا وأضيق باعاً لعن الله الأثعل المترادف الْأَسْنَان المتوثب فِي الْفِتَن توثب الْحمار فِي الْقَيْد مُحَمَّد ابْن أبي حُذَيْفَة الرَّامِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان برءوس الأفانين ثمَّ قَالَ إِن الله رماك وَكذب لَو رَمَاه الله مَا أخطأه لعن الله الْأَعْوَر بن سَمُرَة ابْن شَرّ العضاه وألأمها مرعى وأقصرها فرعا لَعنه الله وَلعن من أَخذ حباه يعرض بِأم هِشَام بن إِسْمَاعِيل وَكَانَ عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة خلف عَلَيْهَا بعد إِسْمَاعِيل بن هِشَام وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن هُوَ الَّذِي عناه ثَابت بن عبد الله بن الزبير فَلَمَّا بلغ ثَابت هَذَا من القَوْل فِي هِشَام أَمر بِهِ إِلَى السجْن وَقَالَ مَا أَرَاك تَشْتُم إِلَّا رحم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 ثَابت إِنَّهُم عصاة مخالفون فَدَعْنِي حَتَّى أشفي أَمِير الْمُؤمنِينَ مِنْهُم فَلم يزل ثَابت فِي السجْن حَتَّى بلغ خَبره عبد الْملك فَكتب أَن أطلقهُ فَإِنَّمَا شتم أهل الْخلاف أَوْلَاده مُحَمَّد وَبِه كَانَ يكنى وَعبد الله وَفِيه الْبَقِيَّة وَحسن وَإِبْرَاهِيم وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم وَلما خطب الْحسن بن الْحسن إِلَى عَمه الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ لَهُ الْحُسَيْن يَابْنَ أخي قد انتظرت هَذَا مِنْك قبل الْيَوْم فَخرج بِهِ حَتَّى أدخلهُ منزله ثمَّ أخرج لَهُ ابْنَتَيْهِ فَاطِمَة وسكينة فَقَالَ اختر فَاخْتَارَ فَاطِمَة فَزَوجهُ إِيَّاهَا فَكَانَ يَقُول إِن امْرَأَة سكينَة مرذولتها لمنقطعة الْحسن وَأَتَتْ مِنْهُ بأولاده الْمَذْكُورين حسن الْمُسَمّى حسن المثلث وَعبد الله وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم مَا عدا مُحَمَّد فَإِن أمه رَملَة بنت سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة فَلَمَّا حضرت الْوَفَاة الْحسن قَالَ لفاطمة إِنَّك امْرَأَة مَرْغُوب فِيك فَكَأَنِّي بِعَبْد الله ابْن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان قد جَاءَ على فرس مرجلاً جمته لابساً حلته يسير فِي جَانب النَّاس يتَعَرَّض لَك فَانْكِحِي من شِئْت سواهُ فَإِنِّي لَا أدع من ورائي هما غَيْرك فَقَالَت آمن من ذَلِك وأثلجته بِالْإِيمَان من الْعتْق وَالصَّدَََقَة لَا نتزوجه وَمَات الْحسن رَضِي الله عَنهُ وَخرج بِهِ فَوَافى عبد الله بن عَمْرو بِالْحَال الَّتِي وصفهَا الْحسن وَكَانَ يُقَال لعبد الله بن عَمْرو الْمطرف من حسنه فَنظر إِلَى فَاطِمَة حاسراً تضرب وَجههَا فَأرْسل إِلَيْهَا إِن لنا فِي وَجهك حَاجَة فارفقي بِهِ فاسترخت يداها وَعرف ذَلِك فِيهَا وخمرت وَجههَا فَلَمَّا جَاءَت رسله تخطبها قَالَت كَيفَ بيميني الَّتِي حَلَفت بهَا فَأرْسل إِلَيْهَا لَك مَكَان كل مَمْلُوك مملوكان وَمَكَان كل شَيْء شَيْئَانِ فعوضها عَن يَمِينهَا فنكحته وَزوجهَا بِهِ ابْنهَا عبد الله بن الْحسن وَولدت لَهُ مُحَمَّدًا الديباج وَالقَاسِم ورقية بني عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان فَكَانَ عبد الله بن الْحسن وَهُوَ أكبر أَوْلَادهَا يَقُول مَا أبغضت بغض عبد الله بن عَمْرو أحدا وَلَا أَحْبَبْت حب ابْنه مُحَمَّد أخي أحدا مَاتَ الْحسن وسنه خمس وَثَلَاثُونَ سنة فِي حَيَاة أَخِيه زيد بن الْحسن السبط وَلم يدع الْإِمَامَة وَلَا ادَّعَاهَا لَهُ أحد والعقب مِنْهُ فِي خَمْسَة أشخاص عبد الله الْمَحْض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 والكامل يلقب بهما وَسَيَأْتِي ذكره عِنْد ذكر قيام وَلَده مُحَمَّد النَّفس الزكية وَمن بَينه الْمُلُوك الأدارسة بالمغرب الْأَقْصَى وهم بَنو إِدْرِيس بن إِدْرِيس الْمَحْض وَمن عقبهم بَنو حمود مُلُوك الأندلس الدائلون بهَا من بني أُميَّة آخر دولتهم وهم بَنو حمود بن مَيْمُون بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الله بن عمر بن إِدْرِيس وَمِنْهُم بَنو سُلَيْمَان بن عبد الله الْمَحْض الْمُلُوك بنواحي تلمسان وَمِنْهُم بَنو مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض كَانَ من عقبه مُلُوك الْيَمَامَة بَنو مُحَمَّد الأخيضر بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض وَمِنْهُم بَنو صَالح بن مُوسَى بن عبد الله الثَّانِي ويلقب بِأبي الْكِرَام بن مُوسَى الجون وهم الَّذين كَانُوا ملوكاً ب غانة من بِلَاد السودَان بالمغرب الْأَقْصَى وعقبهم هُنَالك مَعْرُوف وَمن عقبه أَيْضا الهواشم بَنو أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد الْأَكْبَر بن مُوسَى الثَّانِي ابْن عبد الله أبي الْكِرَام بن مُوسَى الجون كَانُوا أُمَرَاء مَكَّة بِعَهْد العبيديين وَمن عقبه بَنو قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن مُوسَى بن عِيسَى بن سُلَيْمَان بن مُوسَى الجون ملكوا مَكَّة بعد الهواشم على يَد قَتَادَة أَبِيهِم هَذَا فَمنهمْ بَنو أبي نمي بن أبي سعيد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة أُمَرَاء مَكَّة إِلَى عهدنا الْآن وَالثَّانِي من أَوْلَاد الْحسن الْمثنى الْخَمْسَة دَاوُد بن الْحسن الْمثنى وَكَانَ رَضِيع جَعْفَر الصَّادِق وَكَانَ الْمَنْصُور حَبسه فَأَفلَت مِنْهُ بِالدُّعَاءِ الَّذِي علمه جَعْفَر أمه وَيعرف بِدُعَاء أم دَاوُد وَمن عقبه السليمانيون الَّذين كَانُوا بِمَكَّة وهم بَنو سُلَيْمَان بن دَاوُد وغلبهم عَلَيْهَا الهواشم آخرا وهم المسمون بآل أبي الطّيب كَمَا ذكر ذَلِك الفاسي فِي تَارِيخه شِفَاء الغرام فَسَارُوا إِلَى الْيمن فَقَامَتْ الزيدية بدعوتهم وغلبوا على بني طَبَاطَبَا ب صعدة وَالثَّالِث من أَوْلَاد الْحسن الْمثنى الْخَمْسَة حسن المثلث بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب وَمن عقبه قَتِيل فخ حُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 المثلث بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط الفخي الْخَارِج عَليّ الْهَادِي بن الرشيد وَسَيَأْتِي ذكره وَالرَّابِع من أَوْلَاد الْحسن الْمثنى إِبْرَاهِيم الْغمر بن الْحسن الْمثنى وَمن عقبه بَنو طَبَاطَبَا أبي الْأَئِمَّة ب صعدة الَّذين غلبهم عَلَيْهَا بَنو سُلَيْمَان بن دَاوُد بن الْحسن الْمثنى حِين جَاءُوا من مَكَّة ثمَّ غلبهم عَلَيْهَا بَنو الرسي وَرَجَعُوا إِلَى إمامتهم بصعدة وهم فِيهَا إِلَى عهدنا الْآن وَالْخَامِس جَعْفَر بن الْحسن الْمثنى وَكَانَ يكنى أَبَا الْحسن وَكَانَ أكبر إخْوَته سنا وَمن عقبه من بني عَليّ باغرآل حَمْزَة ويعرفون ببني الشجري مِنْهُم السَّيِّد أَبُو السعادات بن الشجري لَهُ أمالي فِي النَّحْو انقرض عقبه وَمن عقبه أَيْضا بَنو الكشيش وَآل أبي زيد لَهُم أعقاب فَهَذِهِ خَمْسَة أَسْبَاط من الْحسن الْمثنى وَأما أَخُوهُ زيد بن الْحسن السبط فكنيته أَبُو الْحُسَيْن عَاشَ تسعين سنة وَقيل خمْسا وَتِسْعين وَقيل مائَة وَكَانَ زيد قد تخلف عَن عَمه الْحُسَيْن بن عَليّ فَلم يخرج إِلَى الْعرَاق مَعَه مَاتَ زيد وَلم يدع الْإِمَامَة وَلَا ادَّعَاهَا لَهُ مُدع من الشِّيعَة والإمامة لأَوْلَاد الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ أعقب سبطاً وَاحِدًا وَهُوَ مَعَ الْخَمْسَة الأول السبط السَّادِس من ولد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ الْحسن بن زيد ويكنى أَبَا مُحَمَّد وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة من قبل أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَعمل لَهُ على غَيرهَا وَكَانَ مُظَاهرا لبني الْعَبَّاس على بني عَمه الْحسن الْمثنى وَهُوَ أول من لبس السوَاد من العلويين وَلَا عقب لزيد إِلَّا من ابْنه الْحسن هَذَا وَكَانَت لزيد بنت اسْمهَا نفيسة أُخْت لِلْحسنِ بن زيد وَهِي الَّتِي يسميها أهل مصر السِّت نفيسة ويعظمونها ويقسمون بهَا وَكَانَت زَوْجَة الْوَلِيد بن عبد الْملك وَكَانَ زيد يفد على الْوَلِيد فيقعده على السرير مَعَه ويكرمه لمَكَان ابْنَته ووهب لَهُ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار دفْعَة وَاحِدَة زعم بعض النَّاس أَن نفيسة الْمَذْكُورَة بنت الْحسن بن زيد بن الْحسن لَا أُخْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 لَهُ وَقد كَانَت تزوجت بِإسْحَاق بن جَعْفَر الصَّادِق وَكَانَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يروي عَنْهَا وَلما مَاتَ أدخلت جنَازَته عَلَيْهَا فصلت عَلَيْهِ وَالله أعلم قَالَ الزبير بن بكار حَدثنِي نَوْفَل بن مَيْمُون قَالَ حَدثنِي أَبُو مَالك مُحَمَّد بن مَالك بن عَليّ بن هرمة أَنه قَالَ يمدح الْحسن بن زيد بن الْحسن السبط ويعرض بِعَبْد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط وبابنيه مُحَمَّد النَّفس الزكية وَإِبْرَاهِيم بن عبد الله الْمَحْض من // (الْبَسِيط) // (إِنِّي امرؤٌ مَنْ رعَى غَيْبي رَعَيْتُ لَهُ ... غَيْبَ الذِّمامِ وَمن أنكرْتُ أنكَرَني) (أَمَّا بَنُو هَاشِم حَوْلِي وَقَدْ رَدَعُوا ... نَبْلي الصِّيَاب الَّتِي جمَّعْتُ فِي قَرنِ) (فَمَا بِيَثْرِبَ منْهُمْ مَنْ أُعَاتبُه ... إِلَّا عَوَائِدُ أرْجُوهُنَّ مِنْ حَسَنِ) (وذَاكَ مَنْ يَأْتِهِ يَعْمِدْ إِلَى رَجُلٍ ... مِنْ كُلِّ صَالحَةٍ أَوْ صَالحٍ قَمِنِ) (لاَ يُسْلِمِ الحمْدَ للُّومِ إنْ شَحطُوا ... بَلْ يَأْخُذ الْحَمد بالغالي من الثَّمَنِ) (مَا زَالَ يَنْمى وزَالَ الله يَرْفعُهُ ... طولا عَلَى بغْضَةِ الأَعْدَاءِ والإِحَنِ) (أَمَات فِي جَوْفِ ذِي الشَّحْنَاِء ظنَّتَه ... وكانَ دَاء لذِي الشَّحْنَاءِ والظننِ) (إِذا بَنُو هَاشِمٍ آلَتْ بأَقْدُحِهَا ... إِلَى المفِيضِ وخَافَتْ دَوْلَةَ الغَبَنِ) (حازتْ يَدَا حسنٍ قِدْحَيْنِ من كرمٍ ... لَمْ يُعْمَلا بِشبَا المبراةِ والسفنِ) (لَا يَسْتَريحُ إِلَى إثمٍ وَلَا كَذِبٍ ... عندَ السُّؤالِ وَلَا يجتنُّ بالجُبَنِ) (مَا قَالَ أَفْعَلُ أمضاهُ لِوِجْهَتِهِ ... وَما أبَى لح مَا يَأْتِي فَلَمْ يَكُنْ) (مَا أَطْلَعْت رَأْسَهَا كَيْمَا تُهَددني ... حَصْباءُ تطرح من نَفسِي على شزنِ) (إلاَّ ذَكَرْتُ ابنَ زَيْدٍ وهْوَ ذُو صلةٍ ... عِنْد السنينَ وعواد على الزمنِ) (فاسلَمْ وَلَا زالَ من عَاداكَ مُحْتملا ... غيظاً وَلَا زالَ معفوراً على الذَّقَنِ) (لم يعتب اللهُ أنفًا فِيك أرغَمَهُ ... حَتَّى تزولَ رواسي الصخْرِ من حضنِ) (إِذا خَلوت بِهِ ناجَيْت ذَا طهرٍ ... يأوي إِلَى عقل صافي العقلِ مؤتمنِ) (طَلْق اليدَيْنِ إِذا أضيافه طرقوا ... يشكُونَ من قُرَّة شكوى ومِنْ وَسَنِ) (بَاتُوا يَعْدُّونَ نَجْمَ اللَّيْلِ بَيْنَهُمُ ... فِي مستجيرِ النواحي زاهق السمنِ) (ثمَّ اغتدَوْا وهُمُ دُسم شواربهم ... وَلم يبيتوا على ضَيْحٍ من اللبنِ) (قد جعل النَّاس حقباً نَحْو منزلِهِ ... شقا كقرنِ أثيثِ الرأسِ مدَّهنِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 (فهم إِلَى نائلٍ مِنْهُ ومنفعةٍ ... يعطونها سكناً تهوى إِلَى سكنِ) (أَوْصَاك زيدٌ بأعْلى الأمْرِ منزلَة ... فَمَا أخذتَ قبيحَ الأمرِ بالحسنِ) (خَلاَّت صدقٍ وأخلاق خُصِصْتَ بهَا ... فَلم يُضَعْن وَلم يُخلْطَن بالدرنِ) (يلقى الأيامِن مَنْ لاقاك سانحة ... وَجه طليق وعُود غَيْر ذِي أُبنِ) (وأنتَ من هاشمٍ حَقًا إِذا نسبوا ... فِي الْمنْكب اللينِ لافي المنكبِ الخشنِ) (بنوكَ خَيْرُ بنيها إِن حفلت بهم ... وأنتَ خيرُهُمُ فِي اليسرِ والَّلزَنِ) (واللهُ أَعْطَاك فضلا من عطيته ... على هَنٍ وهنٍ فِيمَا مضَى وهنِ) قَالَ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْحسن وجاءهم بعد ذَلِك لَا أنعم الله بك عينا يَا فَاسق أَلَسْت الَّذِي تَقول لِلْحسنِ بن زيد (اللَّهُ أعْطَاكَ فَضْلاً مِنْ عَطِيتهِ ... عَلَى هَنٍ وَهَنٍ فِيمَا مضَى وَهَنِ) تُرِيدُ أبي عبد الله الْمَحْض وَأخي مُحَمَّدًا النَّفس الزكية وإياي فَقَالَ ابْن هرمة وَالله مَا أردتكم بذلك قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم فَمن أردْت قَالَ قَارون وَفرْعَوْن وهامان قلت هَذَا التَّوْجِيه عَمَّا الْكَلَام فِيهِ أبعد من زمَان الْمَذْكُورين عَن زمَان نَحن فِيهِ لكنه قد حلف بِاللَّه وَالله عليم بِالنِّيَّاتِ ثمَّ قَالَ ابْن هرمة يعْتَذر إِلَى إِبْرَاهِيم الْغمر من ذَلِك ويمدحه وأباه وأخاه // (من الْبَسِيط) // (يَا ذَا النُّبوَّةِ يَدْعُونِي ليُسْمِعَنِي ... مواعظاً من جَمِيلِ رَأْيِهِ الحَسَنِ) (أَقْبِلْ عَلَيَّ بوَحْهٍ منْكَ أَعْرِفُهُ ... فقد فَهِمْتُ وسُدَّ السَّمْعُ للأُذُنِ) (لَا وَالَّذِي أنتَ مِنْه رَحْمَةٌ نَزَلَتْ ... نَرجُو عَواقِبَهَا فِي غَابِرِ الزَّمَنِ) (لَقَد أَتَيْت بِأَمْرٍ مَا أَبهْتُ لَهُ ... وَلا تَعَمَّدَهُ قَصْدى وَلَا عنني) (إِلَّا مَقَالةَ أقوامٍ ذَوي إحَن ... وَمَا مَقَالُ ذَوِي الشَّحْنَاءِ والإحَن) (لَمْ يُحْسنُوا الظَّنَّ إذْ ظنُّوا لِذِي حَسَبٍ ... وفِيهِمُ الغَدْرُ مَقْرُون إِلَى الظنَنِ) (مَا غيرت وَجهه أم مقصرةٌ ... إِذا القتامُ تغشَّى أوجه الهجنِ) (وكَيْفَ أَمْشِي مَعَ الأَقْوامِ مُعْتَدِلاً ... وَقد رَميتُ صَحِيحَ العودِ بالأُبنِ) (وَكَيف يأْخذُ مثلي فِي تحيزِهِ ... وسط المعاشِرِ مَبْخوسًا من الثَّمَنِ) (وَقد صَحِبْتُ وجَاوَرْتُ الرِّجَالَ فلمْ ... أمْلُلْ إِخَاءً وَلَمْ أَغْدرْ ولَمْ أَخُنِ) (ومَا بَرِحْتُ بِحَمْدِ اللهِ فِي سَنَنٍ ... مِن صَالح العَهْدِ أُمْضيهَا إِلَى سَنَنِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 (يابْنَ الفَوَاطِمِ خَيْر النَّاسِ كلِّهمُ ... بَيْتًا وأولاهُمُ بالفَوْز لَا الغَبَنِ) (إنْ لِنْتَ نَحْوِي فإنَّ الله جَابِرُنا ... وَلَا اخْتِيارَ لنا إنْ أنْتَ لَمْ تَلِنِ) (ومَا لَبِسْتُ عنانِي فِي مساءتكُمْ ... وَلَا خَلَعْتُ لغشِّ نَحْوَكُمْ رَسَني) (وأنتَ مِنْ هَاشِمٍ فِي سِرِّ نَبْعَتها ... وطينةٍ لم تُقَارِفْ هُجْنَةَ الطينِ) (لَوْ رَاهنَتْ هاشمٌ عَنْ خَيْرهَا رَجُلاً ... لَكَانَ ابُوكَ الَّذِي يَخْتَصُّ بالرَّهنِ) (واللهِ لَوْلا أَبُوكَ الخَيْرُ قَدْ نَزَلَتْ ... منِّى قَوَافٍ بأَهْلِ اللُّؤْمِ والوَهَنِ) (تَبْرِي العِظَامَ فَتُبدي عَنْ جَنَاجِنِها ... أَخْذَ الشَّرِيحَةِ بالمبراةِ والسفنِ) (أَنْت الجَوَادُ الَّذِي نَدْعُو فَتلْحقُنَا ... إِذا تَرَاخَى المَدى بالقرح والحصنِ) (فَمَا أُبَالِي إِذا مَا كُنْتَ لي كنفاً ... مَنْ صدَّ أَو بَتَّ مِنْ أقْرانِهِ قَرنِي) (ومَا أُبالي عَدْوَّ اللهِ شَاحَنني ... أَمْ زَاحَمَتْ شعفات الصُّمِّ من حضنِ) (أنتَ المُرَجَّى لأَمْرِ النَّاس إنْ أَزِمَتْ ... جَدَّاءُ صَرمَاءُ لمْ تَصْدُرْ على لبنِ) (يأوونَ مِنكَ إِلَى حِصْنٍ يُلاذُ بِهِ ... تأوِى إِلَيْه الطَّرادى وَاسِع العطنِ) وأعقب الْحسن بن زيد من سَبْعَة رجال ثَلَاثَة مِنْهُم مكثرون أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم وَعلي الشريد وَأَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل وَأَرْبَعَة مقلون أَبُو الْحسن إِسْحَاق وَأَبُو الطَّاهِر زيد وَأَبُو زيد عبد الله وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم أعقب الْقَاسِم بن الْحسن وَهُوَ الْفَرْع الأول من رجلَيْنِ مُحَمَّد البطحاني وَعبد الرَّحْمَن الشجري أما مُحَمَّد البطحاني وَنسبه إِلَى بطحان بِالضَّمِّ مَوضِع بِالْمَدِينَةِ وبالفتح إِلَى الْبَطْحَاء وَكِلَاهُمَا ورد وَكَانَ فَقِيها لَهُ عقب كثير مِنْهُم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد البطحاني أعقب فِي بِلَاد شَتَّى وَفِيهِمْ مجانين وبله وَنقص وسفهاء من وَلَده الْوَزير أَبُو مَنْصُور نَاصِر بن مهْدي كَانَ فَاضلا تولى الوزارة بِبَغْدَاد للخليفة النَّاصِر العباسي فِي عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة وعزل فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَنقل وَعِيَاله إِلَى دَار الْخلَافَة وَأجْرِي عَلَيْهِ النَّفَقَة إِلَى أَن مَاتَ لَيْلَة السبت لثمان خلون من جُمَادَى الأولى سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فِي السّنة الَّتِي توفّي فِيهَا الشريف قَتَادَة النَّابِغَة جد سَادَاتنَا وُلَاة مَكَّة المشرفة وانقرض عقبه قَالَ فِي عُمْدَة الطَّالِب كَانَ فِيهِ تجبر وتكبر فحكي أَنه وجد يَوْمًا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 رقْعَة فأنكرها فَأَخذهَا فَإِذا فِيهَا من // (السَّرِيع) // (لاَ قَاتَلَ الله يَزِيدًا وَلاَ ... مُدَّتْ يَدُ السُّوءِ إلَى نَعْلِهِ) (لأَنَّهُ قَدْ كَانَ ذَا قدرةٍ ... عَلى اجْتِثَاثِ الفَرْع مِنْ أصلِهِ) (لَكِنَّهُ أَبْقَى لَنَا مِثلَكُمْ ... أَحْيَاءَ كَيْ يُعْذَرَ فِي فِعْلِهِ) فاضطرب لذَلِك واجتهد أَن يعلم واضعها قلت هَذَا تجرؤ إِلَى الْغَايَة وَالْعِيَاذ بِاللَّه لَكِن الابْن السوء يكْسب الْآبَاء الْكِرَام السوء وَمِنْهُم الدَّاعِي الصَّغِير بِالريِّ وطبرستان وَهُوَ الْحسن بن الْقَاسِم بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد البطحاني بن الْقَاسِم بن الْحسن بن زيد وَكَانَ بَين هَذَا الدَّاعِي الصَّغِير وَبَين الأطروش حروب وَقتل هَذَا الدَّاعِي سنة تسع عشرَة وثلاثمائة وَمن عقبه أَيْضا الْقَاسِم بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل أحد قواد الْحسن بن زيد وهم غيروا نعم أهل تِلْكَ الْآفَاق وأذهبوا بهجتهم وَكَانُوا سَببا لتورد الديلم دَار الْإِسْلَام بِمَا يستجيشونهم خرج مَعَهم وَمَعَ الْحُسَيْنِي مَا كانُ بن ماهان ملك الديلم وَكَانَ مرداويج وَبَنُو بويه من بعض رِجَاله وَكَانَ لَهُم من عشيرتهم قواد وَرِجَال يسمون بأسماء الديلم من أجل مرباهم بَينهم وَالله يخلق مَا يَشَاء وَأما عبد الرَّحْمَن الشجرىِ فنسبته إِلَى قَرْيَة قريبَة من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة يكنى أَبَا جَعْفَر لَهُ عقب من ثَلَاثَة عَليّ وَمُحَمّد وجعفر وَمِنْهُم بَنو المنقوب وَبَنُو أبي الْغَيْث وَبَنُو أبي نفيشة وَبَنُو شكر وَبَنُو أسود الْفَرْع الثَّانِي على الشريد بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب سمي بذلك لقُوته مَاتَ فِي حبس الْمَنْصُور وأعقب من وَلَده عبد الله ولعَبْد الله هَذَا عقب مِنْهُم السبعية وَهَذِه نِسْبَة إِلَى محلّة بِالْكُوفَةِ الْفَرْع الثَّالِث أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ويلقب جالب الْحِجَارَة بِالْجِيم وَقيل بِالْحَاء لِشِدَّتِهِ وقوته ويلقب بالمهفهف أَيْضا أعقب من مُحَمَّد وَعلي النازوكي أما عَليّ هَذَا فَلهُ عقب مِنْهُم بَنو طرخان وَأما مُحَمَّد فأعقب من وَلَده زيد وَمِنْه مُحَمَّد الدَّاعِي وَأَخُوهُ الْحسن ملكا طبرستان فملكها أَولا الْحسن ولقب بالداعي الْكَبِير وبالداعي الأول سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَلم يعقب وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 جريئاً على سفك الدِّمَاء على مَا حَكَاهُ صَاحب عُمْدَة الطَّالِب الْفَرْع الرَّابِع أَبُو الْحسن إِسْحَاق بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ أَعور ويلقب بالكوكبي وَكَانَ مَعَ الرشيد قيل إِنَّه كَانَ يسْعَى بآل أبي طَالب فَكَانَ عينا للرشيد عَلَيْهِم وسعى بِجَمَاعَة من العلويين فَقتلُوا بِرَأْيهِ وَغَضب الرشيد عَلَيْهِ آخر الْأَمر فحسبه حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْس قَالَ أَبُو عبد الله أولد من هَارُون وَالْحسن وَقيل إِسْحَاق لَيْسَ لَهُ ولد الْفَرْع الْخَامِس أَبُو طَاهِر زيد بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب عقبه من ولد طَاهِر وَمِنْه فِي مُحَمَّد بن طَاهِر الْفَرْع السَّادِس أَبُو زيد عبد الله بن الْحُسَيْن بن زيد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب لَهُ خَمْسَة عَليّ وَالْحسن وَمُحَمّد وَيزِيد وَإِسْحَاق لَهُم أعقاب الْفَرْع السَّابِع أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب أعقب من وَلَده إِبْرَاهِيم بن إِبْرَاهِيم وأعقب إِبْرَاهِيم من الْحسن وَمُحَمّد لَهما عقب قَالَ ابْن خلدون وَمن عقب إِبْرَاهِيم بن الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ أَيَّام الْمُعْتَمد وجاهر بالمنكرات وَالْقَتْل إِلَى أَن تعطلت الْجَمَاعَات وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأما الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُوَ الْقَتِيل بالطف أَيَّام يزِيد أَوْلَاده اثْنَا عشر وَقيل أقل قتل غالبهم ب كربلاء وَلم يعقب مِنْهُم إِلَّا على زين العابدين فَقَط فَجَمِيع بني حُسَيْن ينسبون إِلَيْهِ وَهُوَ الإِمَام بعد أَبِيه الْحُسَيْن ولد بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْخَمِيس خَامِس شعْبَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة فِي حَيَاة جده على ابْن أبي طَالب قبل وَفَاته بِسنتَيْنِ كنيته أَبُو الْحسن وَقيل أَبُو مُحَمَّد وَقيل أَبُو بكر ألقابه زين العابدين والزكي والأمين وَذُو الثفنات وزين العابدين أشهرها صفته أسمر قصير رَقِيق معاصروه مَرْوَان وَعبد الْملك والوليد ابْنه عمره سبع وَخَمْسُونَ سنة أَقَامَ مِنْهَا مَعَ جده عَليّ بن أبي طَالب سنتَيْن وَمَعَ عَمه الْحسن بعد وَفَاة جده عشر سِنِين وَمَعَ أَبِيه بعد وَفَاة عَمه إِحْدَى وَعشْرين سنة وَبَقِي بعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 وَفَاة أَبِيه أَرْبعا وَعشْرين سنة وَهِي مُدَّة إِمَامَته قَالَ السَّيِّد نور الدّين عَليّ السمهودي مؤرخ الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فِي كِتَابه جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ كَانَت أمه سَلامَة بنت يزدجرد آخر مُلُوك الْفرس وَكَانَت لَهُ ثَلَاث بَنَات وسبين فِي زمن عمر بن الْخطاب فحصلت وَاحِدَة مِنْهُنَّ لعبد الله بن عمر بن الْخطاب فأولدها سَالم بن عبد الله بن عمر وحصلت الْأُخْرَى لمُحَمد بن أبي الصّديق فأولدها الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر وحصلت الثَّالِثَة للحسين بن عَليّ فأولدها عليا زين العابدين الْمَذْكُور فهم بَنو خَاله كَانَ زين العابدين مَعَ أَبِيه رَضِي الله عَنْهُمَا ب كربلاء فاستبقي قيل لصِغَر سنه لأَنهم قتلوا كل من أنبت وَكَانَ قد أَمرهم عبيد الله بن زِيَاد بقتْله ثمَّ صرفه الله تَعَالَى عَنهُ وَأَشَارَ بعض الفجرة على يزِيد بقتْله أَيْضا فحماه الله مِنْهُ وَالْحَمْد لله والْمنَّة ثمَّ إِن يزِيد صَار يُكرمهُ ويعظمه وَيجْلس مَعَه وَلَا يَأْكُل إِلَّا وَهُوَ مَعَه ثمَّ بَعثه إِلَى الْمَدِينَة فَكَانَ بهَا مُحْتَرما مُعظما قَالَ ابْن عَسَاكِر ومسجده بِدِمَشْق مَعْرُوف وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ مشْهد على بِجَامِع دمشق قَالَ الإِمَام الزُّهْرِيّ مَا رَأَيْت قرشياً أفضل مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد كَانَ زين العابدين ثِقَة مأمونَاً كثير الحَدِيث عَن رَسُول الله عَالما لم يكن فِي أهل بَيته مثله وَكَانَ إِذا تَوَضَّأ يصفر لَونه فَإِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة أرعد من الْفَزع فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أَتَدْرُونَ بَين يَدي من أقوم وَلمن أُنَاجِي ويروى أَنه احْتَرَقَ الْبَيْت الَّذِي هُوَ فِيهِ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فَلَمَّا انْصَرف قيل لَهُ مَا بالك لم تَنْصَرِف حِين وَقعت النَّار فَقَالَ إِنِّي شغلت عَن هَذِه النَّار بالنَّار الْأُخْرَى وروى أَنه لما حج وَأَرَادَ أَن يُلَبِّي أرعد واصفر وخر مغشياً عَلَيْهِ فَلَمَّا سُئِلَ قَالَ إِنِّي أخْشَى إِذا قلت لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك أَن يَقُول لي لَا لبيْك وَلَا سعديك فشجعوه وَقَالُوا لَا بُد من التَّلْبِيَة فَلَمَّا لبّى غشي عَلَيْهِ حَتَّى سقط من الرَّاحِلَة وَكَانَ يُصَلِّي كل يَوْم وَلَيْلَة ألف رَكْعَة وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ يَقُول صَدَقَة اللَّيْل تُطْفِئ غضب الرب عز وَجل وَكَانَ إِذا خرج من منزله قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتصدق الْيَوْم وَأهب عرضي لمن يغتابني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 وَمَات لرجل ولد مُسْرِف على نَفسه فجزع عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن من وَرَاء ذَلِك لخلالاً ثَلَاثًا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وشفاعة رَسُول الله وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَاخْتلف فِي تَارِيخ وَفَاته وَالْجُمْهُور أَنَّهَا سنة أَربع وَتِسْعين فِي أَولهَا وَأغْرب الْمَدَائِنِي فَقَالَ فِي سنة مائَة وَدفن بِالبَقِيعِ فِي الْقَبْر الَّذِي فِيهِ عَمه الْحسن ابْن عَليّ بقبة الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَدفن فِي هَذَا الْقَبْر ابْنه مُحَمَّد الباقر وَابْنه جَعْفَر الصَّادِق فهم أَرْبَعَة فِي قبر وَاحِد فَأكْرم بِهِ قبراً وَيُقَال إِن رَأس الْحُسَيْن أرسل بِهِ إِلَى الْمَدِينَة فَدفن فِيهِ وَالله أعلم أَوْلَاده خَمْسَة عشر ولدا وَقيل أَكثر وَقيل أقل الْعقب مِنْهُ فِي سِتَّة أَسْبَاط فَقَط وهم مُحَمَّد الباقر وَعبد الله الباهر وَزيد الشَّهِيد وَعمر الْأَشْرَف وَالْحُسَيْن الْأَصْغَر وَعلي الْأَصْغَر السبط الأول الإِمَام بعد أَبِيه هُوَ مُحَمَّد الباقر بن زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَسَيَأْتِي ذكر تَرْجَمته أَيْضا عَن ذكر الأتمة الاثْنَي عشر قَرِيبا أَوْلَاده سِتَّة الْعقب مِنْهُ فِي جَعْفَر السبط الثَّانِي عبد الله الباهر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب لقب بالباهر لجماله قَالُوا مَا حضر مَجْلِسا إِلَّا بهر جماله وَحسنه من حضر توفّي وَهُوَ ابْن سبع وَخمسين سنة يكنى أَبَا مُحَمَّد وعقبه قَلِيل أعقب من ابْنه مُحَمَّد الأرقط وَحده ويكنى مُحَمَّد هَذَا أَبَا عبد الله وَكَانَ مُحدثا وأقطعه السفاح عين خَالِد بن سعيد ويلقب بالأزرق قَالَ الْعمريّ كَانَ مجدراً فلقب بالأرقط قَالَ أَبُو نصر البُخَارِيّ من يطعن فِي الأرقط فَلَا يطعن من حَيْثُ النّسَب وَإِنَّمَا يطعن بِشَيْء آخر جرى بَينه وَبَين جَعْفَر الصَّادِق وَيُقَال إِنَّه بَصق فِي وَجه الصَّادِق فَدَعَا عَلَيْهِ فَصَارَ أرقط الْوَجْه بِهِ نمش كريه المنظر وَأما نسبه فَلَا مطْعن فِيهِ وأعقب الأرقط من إِسْمَاعِيل وَحده وَإِسْمَاعِيل من اثْنَيْنِ مُحَمَّد وَالْحُسَيْن البنفسج أما مُحَمَّد فَلهُ أَحْمد الدح وَإِسْمَاعِيل الناصب وَلَهُمَا أعقاب وَأما الْحُسَيْن فعقبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 فِي عبد الله وَأحمد وَإِسْمَاعِيل الدح لَهُم أعقاب وَمن ولد الأرقط الْحُسَيْن الكوكبي ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الأرقط السبط الثَّالِث زيد الشَّهِيد بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن يكنى أَبَا الْحسن وَسَتَأْتِي تَرْجَمته عِنْد ذكر قِيَامه فِي الْبَاب الثَّانِي الْمَعْقُود لمن دَعَا من الْأَهْل إِلَى الْمُبَايعَة أعقب من ثَلَاثَة الْحُسَيْن ذِي الدمعة قيل لَهُ ذَلِك لِكَثْرَة بكائه وَعِيسَى موتم الأشبال وَهُوَ الَّذِي حَارب الْمَنْصُور أول خِلَافَته وَمُحَمّد وَأما ابْنه يحيى فَلم يعقب وَخرج بعد قتل أَبِيه وَسَيَأْتِي ذكره فِي الدعاة فِي الْبَاب الْمشَار إِلَيْهِ أعقب الْحُسَيْن من ثَلَاثَة يحيى وَالْحُسَيْن وَعلي وأعقب عِيسَى من أَرْبَعَة أَحْمد المختفي وَزيد وَمُحَمّد وَالْحُسَيْن عصارة وأعقب مُحَمَّد من رجل وَاحِد وَهُوَ أَبُو عبد الله جَعْفَر الشَّاعِر وأعقب الشَّاعِر من ثَلَاثَة مُحَمَّد الْخَطِيب وَأحمد مِسْكين والقائم وَلَهُم أعقاب مِنْهُم عَليّ بن مُحَمَّد الْخَطِيب ولعلي الْمَذْكُور قَوْله // (من المتقارب) // (وإنَّا لنُصْبِحُ أَسْيَافَنَا ... إِذَا مَا اصْطَبَحْنَا بَيَوْمٍ سَفوكِ) (مَنَابِرهُنَّ بُطُونُ الأكُفِّ ... وأَغْمَادُهُنَّ رُءوسُ المَلُوك) وَله أَيْضا // (من الوافر) // (لَنَا مِنْ هَاشِمٍ هَضَبَات غُر ... مُطنَّبةٌ بِأَوْتَادِ السَّمَاءِ) (تُطِيفُ بِنَا المَلاَئكُ كُلَّ يَوْمٍ ... ونكفلُ فِي حُجورِ الأَنْبَياءِ) (ويَهْتَزُّ المَقَامُ لَنَا ارتِياحًا ... ويَلْقَانَا صفاه الصفاءِ) وَمن ولد الْحُسَيْن ذِي الدمعة الْحسن بن الْحُسَيْن بن زيد وَقتل مَعَ أبي السَّرَايَا وَيحيى بن الْحُسَيْن الَّذِي كَانَ من عقبه يحيى بن عمر بن يحيى الْقَائِم بِالْكُوفَةِ أَيَّام المستعين وَسَيَأْتِي ذكره فِي الْبَاب الثَّانِي الْمَذْكُور وَعلي بن زيد بن الْحُسَيْن بن زيد قَامَ بِالْكُوفَةِ ثمَّ هرب إِلَى صَاحب الزنج بِالْبَصْرَةِ فَقتله وَأخذ جَارِيَة لَهُ كَانَ سباها من الْبَصْرَة السبط الرَّابِع عمر الْأَشْرَف بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 تَعَالَى عَنْهُم وَهُوَ أَخُو زيد الشَّهِيد لِأَبَوَيْهِ وأسن ويكنى أَبَا عَليّ وَقيل أَبَا جَعْفَر وَكَانَ مُحدثا فَاضلا أعقب من رجل وَاحِد وَهُوَ عَليّ الْأَصْغَر والعقب من عَليّ الْأَصْغَر هَذَا فِي ثَلَاثَة الْقَاسِم وَعمر الشجري وَأَبُو مُحَمَّد الْحسن من ابْنه عَليّ وأعقب عَليّ من ثَلَاثَة رجال أَبُو عَليّ الصُّوفِي وَأَبُو عبد الله الْحُسَيْن الشَّاعِر الْمُحدث وَأَبُو مُحَمَّد الْحسن النَّاصِر الْكَبِير الأطروش إِمَام الزيدية ملك الديلم صَاحب الْمقَالة إِلَيْهِ تنتسب الناصرية من الزيدية ورد الديلم سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ بطبرستان فَلَمَّا غلب رَافع عَلَيْهَا أَخذه فَضَربهُ ألف سَوط فطرش وَأقَام بِأَرْض الديلم يَدعُوهُم إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِلَى الْإِسْلَام أَربع عشرَة سنة وَدخل طبرستان فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وثلاثمائة فملكها ثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر ويلقب بالناصر للحق وَأَسْلمُوا على يَده وَعظم أمره وَتُوفِّي ب آمل عَن سبع وَتِسْعين سنة لَهُ عقب وَعمر الشجري لَهُ عقب السبط الْخَامِس أَبُو عبد الله الْحُسَيْن الْأَصْغَر ابْن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم كَانَ عفيفاً مُحدثا عَالما توفّي سنة تسع وَخمسين وَمِائَة عَن سبع وَخمسين سنة وَدفن بِالبَقِيعِ وعقبه عَالم كثير بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام وَالْمغْرب وبلاد الْعَجم مِنْهُم أُمَرَاء الْمَدِينَة وسادات الْعرَاق وملوك الرّيّ أعقب من خَمْسَة رجال عبيد الله الْأَعْرَج وَعبد الله وَعلي وَأبي مُحَمَّد الْحسن وَسليمَان أما سُلَيْمَان بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر بن عَليّ زين العابدين فأعقب من ابْنه سُلَيْمَان بن سُلَيْمَان وعقبه بالمغرب يُقَال لَهُم الفواطم وَأما أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر فعقبه من ابْنه مُحَمَّد بن الْحسن وَمِنْه من عبد الله ولعَبْد الله مُحَمَّد السليق وَعلي المرعش وعقبهما كثير بِبِلَاد الْعَجم وَأما عَليّ بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر فأعقب من ثَلَاثَة عِيسَى الْكُوفِي وَأحمد جفينة ومُوسَى حمضة لَهُم أعقاب أما عبد الله بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر مَاتَ فِي حَيَاة أَبِيه فعقبه من جَعْفَر صحصح بن عبد الله وَكَانَ لَهُ عشرَة وانقرضوا ابْنَته زَيْنَب بنت عبد الله بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 تزَوجهَا الرشيد وفارقها لَيْلَة دُخُوله بهَا وَذَلِكَ أَنه بعث إِلَيْهَا تِلْكَ اللَّيْلَة خَادِمًا وَمَعَهُ تكة يُرِيد أَن يربطها لِئَلَّا تمْتَنع على الرشيد فَلَمَّا دنا الْخَادِم مِنْهَا ركلته برجلها فَكسرت ضعلين من أضلاعه فخافها الرشيد وَلم يدْخل بهَا وردهَا من غدها إِلَى الْحجاز وأجرى عَلَيْهَا فِي كل سنة أَرْبَعَة آلَاف مِثْقَال وأدرها عَلَيْهَا بعده ابْنه الْمَأْمُون فأعقب جَعْفَر صحصح بن عبد الله بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر من ثَلَاثَة مُحَمَّد العقيقي وَإِسْمَاعِيل المنقذي وَيُقَال لولدهما المنقذيون سموا بذلك لأَنهم سكنوا دَار المنقذ بِالْمَدِينَةِ فنسبوا إِلَيْهَا وَبَنُو مُحَمَّد العقيقيون لَهُم أعقاب وتنسب إِلَيْهِم بَنو مَيْمُون وَآل الْبكْرِيّ وَآل عدنان قَالَ ابْن خلدون وَمن ولد الْحُسَيْن عبد الله العقيقي بن الْحُسَيْن كَانَ من وَلَده الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الله العقيقي فتله الْحسن بن زيد صَاحب طبرستان وَأما عبيد الله الْأَعْرَج بن الْحسن الْأَصْغَر بن عَليّ زين العابدين فيكنى أَبَا عَليّ كَانَ فِي إِحْدَى رجلَيْهِ نقص وَفد على أبي الْعَبَّاس السفاح فأقطعه ضَيْعَة بِالْمَدَائِنِ تغل فِي السّنة ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَكَانَ عبيد الله قد تخلف عَن بيعَة مُحَمَّد النَّفس الزكية لما خرج بِالْمَدِينَةِ فَحلف مُحَمَّد إِن رَآهُ لَيَقْتُلَنهُ فَلَمَّا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ غمض مُحَمَّد إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَخَافَة أَن يَحْنَث توفّي عبيد الله فِي حَيَاة أَبِيه عَن سبع وَثَلَاثِينَ سنة وانقسم عقبه بطوناً وأفخاذاً وعشائر أعقب من أَرْبَعَة رجال جَعْفَر الْحجَّة وَعلي الصَّالح وَمُحَمّد الجوابي وَحَمْزَة مختلس الْوَصِيَّة أما حَمْزَة مختلس الْوَصِيَّة فأعقب من ثَلَاثَة رجال مُحَمَّد وَالْحُسَيْن وَعلي وَكَانَ لَهُ عبيد الله لم يطلّ لَهُ ذيل وأعقب مُحَمَّد من رجلَيْنِ أبي عَليّ ويلقب سنَّور الله لَهُ عقب بِبِلَاد الْعَجم وَالْحُسَيْن الحرون وَكَانَ أحد الْأَبْطَال الْمَشْهُورين مَاتَ فِي حبس الْمهْدي العباسي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وَأما الْحُسَيْن بن حَمْزَة ويكنى أَبَا الشنف لَهُ عقب من ابْنه مُحَمَّد مِنْهُم بَنو مَيْمُون وَبَنُو حَمْزَة وَأما عَليّ فأعقب عَليّ بن عَليّ وَله عقب وَقيل انقرض وَأما مُحَمَّد الجوابي بن عبيد الله الْأَعْرَج بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر وَالْجَوَاب قَرْيَة بِالْمَدِينَةِ إِلَيْهَا نسب لَهُ عقب من وَلَده الْحسن بن مُحَمَّد وَأما عَليّ الصَّالح بن عبيد الله الْأَعْرَج بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر أعقب من رجلَيْنِ عبيد الله الثَّانِي وَإِبْرَاهِيم وَلَهُمَا أعقاب مبسوطة التفاريع فِي محالها وَمن أعقاب عبيد الله الثَّانِي الْأَمِير أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد الأشتر ممدوح أبي الطّيب أَحْمد بن الْحُسَيْن المتنبي بالقصيدة الدالية الَّتِي مطْلعهَا // (من المنسرح) // (أَهْلاً بدارٍ سباك أَغيدها ... ) وَأما جَعْفَر الْحجَّة ابْن عبيد الله الْأَعْرَج بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر بن عَليّ زين العابدين فَكَانَ من أَئِمَّة الزيدية وَكَانَ لَهُ شيعَة يسمون الْحجَّة وَكَانَ الْقَاسِم الرسي بن طَبَاطَبَا يَقُول جَعْفَر بن عبيد الله إِمَام آل مُحَمَّد وَكَانَ فصيحاً وَمن عقبه الملقب بِمُسلم الَّذِي يُرِيد مصر أَيَّام كافور وَهُوَ مُحَمَّد بن عبيد الله بن طَاهِر بن يحيى الْمُحدث بن الْحسن بن جَعْفَر حجَّة الله وَابْنه طَاهِر بن مُسلم وَمن عقب طَاهِر هَذَا أُمَرَاء الْمَدِينَة إِلَى هَذَا الْعَهْد بَنو جماز بن هبة بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة بن هَاشم بن الْقَاسِم بن مهنا ومهنا هُوَ الْحسن بن طَاهِر بن مُسلم قَالَ ابْن خلدون هَكَذَا قَالَ المسبحي مؤرخ العبيديين وَقَالَ الْعُتْبِي مؤرخ دولة بني سبكتكين إِن مهنا هُوَ ابْن دَاوُد بن الْقَاسِم أخي مُسلم وَعم طَاهِر قلت رَأَيْت فِي جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ مَا نَصه جد أهل بَيت بني مهنا أُمَرَاء الْمَدِينَة من الْوُلَاة والمعزولين يحيى الْمُحدث ابْن الْحسن بن جَعْفَر الْحجَّة ابْن عبيد الله الْأَعْرَج بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب لِأَن مهنا الْمَذْكُور هُوَ ابْن دَاوُد بن الْقَاسِم بن عبيد الله بن طَاهِر بن يحيى الْمَذْكُور بل غَالب من بِالْمَدِينَةِ الْيَوْم من أَشْرَاف بني حُسَيْن من نَسْله وَهُوَ مؤيد لما قَالَه الْعُتْبِي لَا كَمَا ترَاهُ كَمَا قَالَ المسبحي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وَزعم ابْن سعيد أَن بني جماز بن شيحة أُمَرَاء الْمَدِينَة من عقب عِيسَى بن زيد الشَّهِيد وَفِيه نظر وَمن ولد عبيد الله الْأَعْرَج حَمْزَة بن الْحسن بن سُلَيْمَان بن سُلَيْمَان بن حُسَيْن ملك هاز فِي أَرض الْمغرب وَملك قطيعاً بلد صنهاجة وَإِلَيْهِ ينْسب سوق حَمْزَة هُنَالك فِيمَا قَالَه ابْن حزم وَولده بهَا كثير وَعم أَبِيه الْحسن بن سُلَيْمَان من قواد الْحسن بن زيد بطبرستان السبط السَّادِس عَليّ الْأَصْغَر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يكنى أَبَا الْحسن أعقب من ابْنه الْحسن الْأَفْطَس مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ حمل وأعقب الْأَفْطَس وأنجب وَأكْثر وعقبه من خَمْسَة رجال عَليّ حروري وَعمر وَالْحُسَيْن وَالْحسن المكفوف وَعبد الله الشَّهِيد قَتِيل البرامكة وَأما الْحُسَيْن بن الْحسن الْأَفْطَس الَّذِي قَامَ بِمَكَّة أَيَّام أبي السَّرَايَا من قبل مُحَمَّد الديباج بن الصَّادِق ثمَّ دَعَا لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْغمر وَأخذ مَال الْكَعْبَة وَفِيه يطعنون لقبح سيرته وَقد تكلم فِيهِ قوم مِنْهُم الشريف أَبُو جَعْفَر بن معية الْحسنى صَاحب الْمَبْسُوط وَأَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن طَبَاطَبَا وأثبته أَكثر الْعلمَاء وَعمل شيخ الشّرف العبيدلي كتابا سَمَّاهُ الِانْتِصَار لبني فَاطِمَة الْأَبْرَار ذكر الْأَفْطَس وَولده بِصِحَّة النّسَب وذم الطاعن عَلَيْهِم قَالَ الْعمريّ وَهُوَ فِي الجرائد والمشجرات مَا دفعهم دَافع وَقَالَ الشَّيْخ تَاج الدّين بن النَّقِيب لما سُئِلَ عَن الْأَفْطَس وَولده قَالَ إِن رَسُول الله وعد أَن يفْتَرق من ذُريَّته عدد أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل وَقد افترق من ولد الْحُسَيْن سِتَّة أَسْبَاط هم أَوْلَاد على زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب فَلَو توجه الطعْن على الْأَفْطَس لم يكن الْعلي بن عَليّ بن الْحُسَيْن عقب وَلَا يكون أَوْلَاد فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا اثْنَي عشر سبطاً قَالَ وَهَذِه حجَّة ظَاهِرَة على صِحَة نسبهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وَقيل إِن الْحُسَيْن بن الْحسن الْأَفْطَس كَانَ حَامِل راية مُحَمَّد النَّفس الزكية وَلم يخرج مَعَه أسمع مِنْهُ وَلَا أبْصر وَكَانَ يُقَال لَهُ رمح أبي طَالب لطَوْلِهِ وطُولِهِ وَلما قتل مُحَمَّد النَّفس الزكية اختفى الْحسن الْأَفْطَس فَلَمَّا دخل الصَّادِق الْعرَاق وَلَقي الْمَنْصُور قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَتُرِيدُ أَن تسدي إِلَى رَسُول الله يدا قَالَ نعم يَا أَبَا عبد الله قَالَ الصَّادِق تَعْفُو عَن الْحسن بن عَليّ بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن فَعَفَا عَنهُ قَالَ أَبُو نصر البُخَارِيّ فهده شَهَادَة قَاطِعَة من الصَّادِق أَنه ابْن رَسُول الله وَعلي وَمُحَمّد ابْنا الْأَفْطَس قَتلهمَا الْمَأْمُون وَأما مُحَمَّد الباقر يكنى أَبَا جَعْفَر الْغَايَة السَّاكِن وَالْهَادِي وأشهرها الباقر لقَوْل النَّبِي لجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ إِنَّك ستعيش حَتَّى ترى رجلا من أَوْلَادِي اسْمه اسْمِي يبقر الْعلم بقرًا فَإِذا لَقيته فأقره مني السَّلَام فَلَقِيَهُ جَابر وأقرأه السَّلَام من رَسُول الله وَمَات جَابر بعد ذَلِك بِقَلِيل ولد بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْخَمِيس ثَالِث صفر سنة سبع وَخمسين من الْهِجْرَة قبل قتل الْحُسَيْن جده بِثَلَاث سِنِين صفته معتدل السمرَة معاصره الْوَلِيد وولداه يزِيد وَإِبْرَاهِيم عمره ثَمَان وَخَمْسُونَ سنة وَقيل سِتُّونَ أَقَامَ مِنْهَا مَعَ جده الْحُسَيْن ثَلَاث سِنِين وَمَعَ ابْنه عَليّ زين العابدين ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة وَقيل خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة وَبَقِي بعد موت أَبِيه سبع عشرَة سنة وَهِي مُدَّة إِمَامَته يُقَال مَاتَ بالسم فِي زمن إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك سنة عشر وَمِائَة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَدفن بِالبَقِيعِ بالقبر الَّذِي فِيهِ أَبوهُ وَعم أَبِيه الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَوْلَاده سِتَّة أَرْبَعَة ذُكُور جَعْفَر الصَّادِق وَعبد الله الأفطح أمهما زُرَيْوَةُ بنت الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَإِبْرَاهِيم وَعلي وبنتان زَيْنَب وَأم سَلمَة والعقب مِنْهُ فِي جَعْفَر الصَّادِق فَقَط فَأَما عبد الله الأفطح فَكَانَت لَهُ شيعَة يدعونَ إِمَامَته مِنْهُم زُرَارَة بن أعين الْكُوفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 ثمَّ قَامَ بِالْمَدِينَةِ وَسَأَلَهُ عَن مسَائِل من الْفِقْه فألفاه جَاهِلا فَرجع عَن القَوْل بإمامته وانقطعت الشِّيعَة الأبطحية وَزعم ابْن حزم أَن بني عبيد مُلُوك مصر ينتسبون إِلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح وَأما الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ الْقَائِم بعد أَبِيه وَهُوَ سادس الْأَئِمَّة فيكنى أَبَا عبد الله وَقيل أَبَا إِسْمَاعِيل وَله ألقاب الْفَاضِل والطاهر وأشهرها الصَّادِق وَكَانَ يُقَال لَهُ عَمُود الشّرف صفته معتدل آدم اللَّوْن معاصره أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور أمه فُرَيْوَةُ بنت الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد كَمَا تقدم ذَلِك وَولد بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثلاث بَقينَ من ربيع الأول سنة ثَمَانِينَ من الْهِجْرَة وَقيل ثَلَاث وَثَمَانِينَ عمره ثَمَان وَسِتُّونَ سنة أَقَامَ مِنْهَا مَعَ جده عَليّ زين العابدين اثْنَتَيْ عشرَة سنة وأياماً وَمَعَ أَبِيه مُحَمَّد الباقر ثَلَاث عشرَة سنة وأياماً وَبَقِي بعد موت أَبِيه أَرْبعا وَثَلَاثِينَ سنة وَهِي مُدَّة إِمَامَته وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ منتصف رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة يُقَال مَاتَ بالسم فِي زمن الْمَنْصُور وَدفن مَعَ أَبِيه وجده وَعم جده الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَعم جد جده الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بِالبَقِيعِ بَقِيَّة الْعَبَّاس فَللَّه دره من قبر مَا أشرفه وأطهره وأكرمه وأنوره أَوْلَاده سَبْعَة وَقيل أَكثر الْعقب مِنْهُ فِي خَمْسَة رجال وهم الإِمَام مُوسَى الكاظم وَإِسْمَاعِيل وَعلي العريضي وَمُحَمّد الْمَأْمُون وَإِسْحَاق وَلَيْسَ لَهُ ابْن اسْمه نَاصِر معقب وَلَا غير معقب بِإِجْمَاع أهل النّسَب وبنواحي أهل خُرَاسَان قوم ينسبون إِلَى نَاصِر بن جَعْفَر وهم أدعياء كذابون لَا محَالة وهم هُنَاكَ يخاطبون بالشرف فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَمن أَوْلَاد جَعْفَر الصَّادِق مُحَمَّد الديباج خرج بِمَكَّة أَيَّام الْمَأْمُون وَبَايع لَهُ أهل الْحجاز بالخلافة وَحمله المعتصم لما حج وَجَاء بِهِ إِلَى الْمَأْمُون فَعَفَا عَنهُ وَمَات سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ بجرجان وَأما إِسْمَاعِيل الإِمَام ومُوسَى الكاظم فعلَيْهِمَا وعَلى بنيهما مدَار اخْتِلَاف الشِّيعَة وَكَانَ الكاظم على زِيّ الْأَعْرَاب مائلاً إِلَى السوَاد وَكَانَ الرشيد يؤثره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 ويتجافى عَن قبُول السّعَايَة فِيهِ ثمَّ حَبسه وَمن عقبه بقيه الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر عِنْد الإمامية من لدن عَليّ بن أبي طَالب فَهُوَ أَوَّلهمْ وَقد تقدم ذكره عِنْد ذكر خِلَافَته ثمَّ ابْنه الْحسن بن عَليّ وَقد تقدم كَذَلِك وَبَيَان تَرْجَمته وتاريخ وَفَاته فِي سنة خمس وَأَرْبَعين ثمَّ أَخُوهُ الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ثمَّ ابْنه على زين العابدين ثمَّ ابْنه مُحَمَّد الباقر ثمَّ ابْنه جَعْفَر الصَّادِق وَقد ذكرت تراجم هَؤُلَاءِ وَمن عقب جَعْفَر الصَّادِق من غير الْأَئِمَّة مُحَمَّد وَعلي ابْنا الْحُسَيْن بن جَعْفَر قاما بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وسفكا الدِّمَاء وانتهبا بالأموال واستلحما آل جَعْفَر بن أبي طَالب وأقامت الْمَدِينَة شهرا لَا تُقَام فِيهَا جُمُعَة وَلَا جمَاعَة وَمن عقب إِسْمَاعِيل الإِمَام ابْن جَعْفَر الصَّادِق العبيديون خلائف القيروان ومصر بَنو عبيد الله الْمهْدي بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الصَّادِق وَقد تقدم ذكرهم وَمَا للنَّاس من الْخلاف فِي نسبهم وَهُوَ مطرح كُله وَهَذَا أصح مَا فِيهِ هَذِه عبارَة ابْن خلدون وَهُوَ مِمَّن يرجح القَوْل بِصِحَّة نسبهم وَأَنه إِلَى إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الصَّادِق كَمَا ترى وَالله أعلم بالحقائق الإِمَام السَّابِع مُوسَى الكاظم يكنى إِسْحَاق وَأَبا إِبْرَاهِيم وَهُوَ مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ألقابه الكاظم والصابر والصالح أشهرها الأول لقب بِهِ لفرط تحمله وتجاوزه عَن الْمُعْتَدِينَ عَلَيْهِ أمه أم ولد اسْمهَا حميدة ولد بالأبواء بَين مَكَّة وَالْمَدينَة يَوْم الْأَحَد لسبع لَيَال خلون من صفر سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وأقدمه الْمهْدي بَغْدَاد ثمَّ رده إِلَى الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَيَّام الرشيد فَلَمَّا قدم الرشيد الْمَدِينَة حمله مَعَه وحبسه بِبَغْدَاد إِلَى أَن توفّي فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَفِي شَوَاهِد النُّبُوَّة مَاتَ فِي حبس الرشيد بِبَغْدَاد يَوْم الْجُمُعَة لخمس خلون من رَجَب سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة فقبره بِبَغْدَاد وَيُقَال إِن يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي سمه فِي رطب بِأَمْر الرشيد وَقيل لف فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 بِسَاط وغم حَتَّى رَحمَه الله من شَهِيد معاصره الْمهْدي وَالْهَادِي والرشيد عمره خمس وَخَمْسُونَ سنة مِنْهَا مقَامه مَعَ أَبِيه عشرُون سنة وَبَقِي بعد وَفَاة أَبِيه خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة وَهِي مُدَّة إِمَامَته وَدفن فِي مَقَابِر قُرَيْش أَوْلَاده سَبْعَة وَثَلَاثُونَ ولدا بَين ذكر وَأُنْثَى الْعقب مِنْهُم فِي أَرْبَعَة عشر رجلا هم الْحسن وَالْحُسَيْن وَعلي الرِّضَا وَإِبْرَاهِيم المرتضى وَزيد النَّار وَعبد الله وَعبيد الله وَالْعَبَّاس وَحَمْزَة وجعفر وَهَارُون وَإِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل وَمُحَمّد العابد وَإِبْرَاهِيم المرتضى بن مُوسَى الكاظم هُوَ الَّذِي ولى مُحَمَّد بن طَبَاطَبَا وَأَبُو السَّرَايَا على الْيمن فَذهب إِلَيْهَا وَلم يزل بهَا أَيَّام الْمَأْمُون يسفك الدِّمَاء حَتَّى لقبه النَّاس بالجزار وَأظْهر الْإِمَامَة عِنْد مَا عهد الْمَأْمُون لِأَخِيهِ عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم ثمَّ اتهمَ الْمَأْمُون بقتْله فجَاء هُوَ وَطلب الْإِمَامَة لنَفسِهِ ثمَّ عقد الْمَأْمُون على حَرْب الفاطميين بِالْيمن لمُحَمد بن زِيَاد بن أبي سُفْيَان لما بَينهم من الْبغضَاء فأوقع بهم مرَارًا وَقتل شيعتهم وَفرق جَمَاعَتهمْ وَمن عقب إِبْرَاهِيم المرتضى هَذَا الشريف الرضى وَأَخُوهُ المرتضى وَاسم كل مِنْهُمَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الكاظم وَزيد النَّار بن مُوسَى الكاظم هُوَ الَّذِي ولاه أَبُو السَّرَايَا أَيْضا على الأهواز فَسَار إِلَى الْبَصْرَة وملكها وأحرق دور العباسيين بهَا فَسُمي زيد النَّار وَمن عقبه زيد الْجنَّة بن مُحَمَّد بن زيد بن الْحُسَيْن بن زيد النَّار من أفاضل أهل الْبَيْت وصلحائهم حمل إِلَى بَغْدَاد فِي محنة الفاطميين أَيَّام المتَوَكل وَدفع إِلَى ابْن أبي دواد يمتحنه فَشهد لَهُ وَأطْلقهُ وَمن عقب مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم من غير الْأَئِمَّة السَّيِّد أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد ابْن مُوسَى بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن حَمْزَة بن مُوسَى الكاظم قَالَ الْعُتْبِي فِي تَارِيخه الْمُسَمّى باليميني لدولة مَحْمُود بن سبكتكين وَابْنه يَمِين الدولة والعتبي صَاحب هَذَا التَّارِيخ نِسْبَة إِلَى عتبَة بن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب ابْن أُميَّة بن عبد شمس فِي تَرْجَمته السَّيِّد الْمَذْكُور أَلْفَاظه منابع الْعُلُوم وأقواله مراتع الْعُقُول ومجاله حدائق الْجد والهزل وجوامع الْكَلم الْفَصْل فَلم تبْق يتيمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 خطاب وَلَا كَرِيمَة صَوَاب وَلَا غَزَّة حِكْمَة وَلَا درة نُكْتَة وَلَا طرفَة حِكَايَة وَلَا فقرة رِوَايَة إِلَّا هِيَ عرضة خاطره وَثَمَرَة هاجسه وَنصب تذكره وَمِثَال تصَوره لَا تصدأ صفيحة حفظه وَلَا تدرس صحيفَة ذكره وَلَا يكسف بدر معارفه وَلَا ينزف بَحر لطائفه هُوَ وَاحِد خُرَاسَان من بَين الْأَشْرَاف العلوية فِي قُوَّة الْحَال وسعة المجال واشتداد بَاعَ الْعِزّ وامتداد شُعَاع الجاه وَالْعلم الغامر وَالْأَدب الباهر وَالشعر الزَّاهِر فَمن شعره قَوْله // (من الْبَسِيط) // (وشَادنٍ وَجْهُهُ بالحُسْنِ مَخْطُوطُ ... وَخَدُّهُ بِمدادِ الخَالِ مَنْقُرطُ) (تَرَاهُ قَدْ جَمَعَ الضدَّيْنِ فِي قَرنٍ ... فالخِضْرُ مُخْتَصَرٌ والرِّدْفُ مَبْسوطُ) وَقد أَكثر الشُّعَرَاء والأدباء فِي مدائحه فَمن ذَلِك قَول أبي الْفَتْح البستي // (من الْخَفِيف) // (أَنا للسيِّدِ الشَّريفِ غُلاَمٌ ... حَيْثُ مَا كَانَ فَلْيُبَلَّغْ سَلاَمي) (وإِذَا كُنْتُ للشَّريفِ غُلاَماً ... فَأَنَا الحُرُّ والزَّمَانُ غُلامِي) وَقد اتّفق فِي مجْلِس السَّيِّد الْمَذْكُور وَكَانَ مجمعا للْعُلَمَاء الْفُضَلَاء والجهابذة النبلاء مناظرة بَين أبي الْفضل الهمذاني الْمَعْرُوف بالبديع وَبَين أبي بكر الْخَوَارِزْمِيّ سَببهَا مُعَارضَة الهمذاني والمجلس غاص والمصدر فِيهِ السَّيِّد أَبُو جَعْفَر الْمَذْكُور وَكَانَ الْخَوَارِزْمِيّ ينْسب البديع الهمذاني إِلَى مَذْهَب الْخَوَارِج والنواصب يُرِيد بذلك الْوَضع من قدره عِنْد السَّيِّد أبي جَعْفَر الْمَذْكُور فَقَالَ البديع هَذِه الأبيات الْخَمْسَة مُخَاطبا بهَا السَّيِّد ومبيناً لَهُ طَهَارَة اعْتِقَاده مِمَّا نسبه إِلَيْهِ الْخَوَارِزْمِيّ من النصب قلت قد خلبت خلبي واستلبت لبي بجنسها وفصلها فَكَانَت هِيَ السَّبَب لذكر التَّرْجَمَة من أَصْلهَا وَهِي // (من مجزوء الْكَامِل) // (أَنا فِي اعتقادي للتَّسنْ ... نُنِ رافضيٌّ فِي ولائِكْ) (فَلَئنْ شُغِلْتُ بهَؤُلاءِ ... فَلَسْتُ أَغْفُلُ عَنْ أولئِك) (يَا عقْدَ مُنْتَظِمِ النُّبُوْوةِ ... بَيْتَ مُخْتَلِفِ الملائِكْ) (يِاَبْنَ الفَوَاطِمِ والعَوَاتِكِ ... والتَّرائِكِ والأرائِكْ) (أَنَا حَائِكٌ إِنْ لَمَ أكُنْ ... عَبْداً لِعَبْدِكَ وابْنُ حائِكْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 وَقَوله يَابْنَ الفواطم يُرِيد بِهن فَاطِمَة بنت عَمْرو المخزومية أم أبي طَالب وَعبد الله وَالزُّبَيْر بني عبد الْمطلب فَإِن هَؤُلَاءِ أشقاء أمّهم فَاطِمَة بنت عَمْرو الْمَذْكُورَة وَالثَّانيَِة فَاطِمَة بنت الْأَصَم أم خَدِيجَة بنت خويلد زوج رَسُول الله وَالثَّالِثَة فَاطِمَة بنت أَسد أم عَليّ بن أبي طَالب وَالرَّابِعَة فَاطِمَة الزهراء بنت رَسُول الله وَقَوله والعواتك يُرِيد بِهن عَاتِكَة بنت هِلَال بن فالح بن ذكْوَان أم عبد منَاف ابْن قصي وعاتكة بنت مرّة بن هِلَال أم هَاشم بن عبد منَاف وعاتكة بنت الأوقص ابْن هِلَال أم وهب أبي آمِنَة أم رَسُول الله وَهَذِه العواتك كُلهنَّ من سليم وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنا ابْن العواتك من سُلَيْم وَقَوله والترائك جمع تريكه وَهِي الخوذة قَالَ الشَّاعِر البحتري // (من الْكَامِل) // (حَصَّ التَّرِيكُ رُءُوسَهُمْ فَرُءُوسُهُمْ ... فِي مِثْلِ لأْلاَءِ التَّريكِ المُذْهَبِ) وَأَرَادَ بالترائك أسلحة الْحَرْب جَمِيعهَا مجَازًا مُرْسلا فَكَأَنَّهُ قَالَ يَابْنَ الفواطم والعواتك وَابْن أسلحة الْحَرْب لملازمتك إِيَّاهَا وملازمة آبَائِك من قُرَيْش وَابْن الأرائك يَعْنِي ابْن الجالسين عَلَيْهَا من الْمُلُوك وَقَوله أَنا حائك إِلَى آخِره هَذِه طَريقَة للشعراء يدعونَ على أنفسهم تَأْكِيدًا وحثاً على فعل مَا يحمد أَو ترك مَا يذم فَمن ذَلِك قَول مَالك الْحَارِثِيّ بن الأشتر النَّخعِيّ من شيعَة عَليّ كرم الله تَعَالَى وَجهه وأمرائه الْمَشْهُورين // (من الْكَامِل) // (بَقيتُ وفرى وانحرفْتُ عَنِ الْعلَا ... وَلَقِيتُ أَضْيافي بِوَجْهِ عَبُوسِ) (إِنْ لَمْ أشُنَّ عَلَى ابْنِ هِندٍ غَاَرةٌ ... لَمْ تَخْلُ يَوماً مِنْ ذَهَابِ نُفُوسِ) والحائك من شَأْنه الرذالة والسقاطة وَقلة الْعقل فَكيف إِذا كَانَ أَبوهُ أَيْضا حائكا فَجعل الْهَمدَانِي كَونه حائكاً وَابْن حائك دُعَاء على نَفسه إِن لم يكن عبدا لعبد السَّيِّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 الْمَذْكُور يُرِيد بذلك تَبْيِين محبته لَهُ وَصدق ولائه وإكذاب مَا رَمَاه الْخَوَارِزْمِيّ بِهِ الإِمَام على الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ ثامن الْأَئِمَّة وَالْإِمَام بعد أَبِيه يكنى أَبَا الْحسن ككنية أَبِيه ألقابه الصابر والمزكى وَالْوَلِيّ وأشهرها الرِّضَا أمه أم ولد اسْمهَا أروى ولد بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْخَامِس عشر من ربيع الأول سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة معاصره الْأمين والمأمون عمره خَمْسَة وَخَمْسُونَ سنة مُدَّة إِمَامَته عشرُون سنة كَانَ أَولهَا فِي بَقِيَّة ملك الرشيد ثمَّ ملك وَلَده مُحَمَّد الْأمين بعده ثَلَاث سِنِين وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ خلع الْأمين وَجلسَ مَكَانَهُ عَمه إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي الْمَعْرُوف بِابْن شكْلَة أَرْبَعَة عشر يَوْمًا ثمَّ أخرج الْأمين ثَانِيَة وبويع لَهُ وَبَقِي سنة وَسَبْعَة أشهر وَقَتله طَاهِر بن الْحُسَيْن ثمَّ ملك بعده الْمَأْمُون بن هَارُون الرشيد عشْرين سنة عهد الْمَأْمُون لَهُ بالخلافة وزوجه ابْنَته أم الْفضل وَدخل عَلَيْهِ دعبل الْخُزَاعِيّ الشَّاعِر بمرو فَقَالَ يَابْنَ رَسُول الله إِنِّي قلت فِيكُم أهل الْبَيْت قصيدة وآليت على نَفسِي لَا أنشدها أحدا قبلك فَقَالَ لَهُ الرِّضَا هَاتِهَا فَأَنْشد // (من الطَّوِيل) // (ذكرتُ مَحلَّ الرَّبْعِ مِنْ عَرَفَاتِ ... فأَجْرَيْتُ دَمْعَ العَيْنِ بالعَبَرَاتِ) (وقَدْ عَزَّنِي صَبْرِي وهاجَتْ صبابتي ... رُسُومُ دِيَارٍ قَفرةٍ ةٍ وَعِرَاتِ) (مَدَارسُ آياتٍ خلَتْ من تلاوةٍ ... وَمَنْزل وَحْىٍ مُقْفِر العَرَصَاتِ) (لآلِ رَسُولِ اللهِ بِالخيفِ مِنَّ مِنّى ... وبَالبَيْتِ والتَّعْرِيفِ والجَمَرَاتِ) (ديار عليِّ والحسينِ وجعفرٍ ... وحمزةَ والسجادِ ذِي الثفناتِ) (دِيَارٌ لعَبْدِ اللهِ والفَضْلِ صِنْوِهِ ... نَجِيِّ رَسُولِ الله فِي الخَلَوَاتِ) (مَنَازلُ كانَتْ للصَّلاَةِ وللتُّقَى ... وللصَّوْمِ والتَّطهيرِ والحَسَنَاتِ) (مَنَازل جِبْرِيلُ الْأمين يَحُلُّهَا ... مِنَ اللهِ بالتَّسْلِيمِ والرَّحَمَاتِ) (مَنَازِلُ وَحْي اللهِ مَعْدِن عِلمِهِ ... سَبِيل رَشادٍ وَاضِح الطُّرُقَاتِ) (فَأًيْنَ الألى شَطَّتْ بِهِمْ غُرْبةُ النَّوَى ... فأَمْسَيْنَ فِي الأقطارِ مُفتَرِقَاتِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 (هُمُ آل مِيراثِ النَّبيِّ إِذا انْتَمَوا ... وهُمْ خيرُ ساداتٍ وخَيرُ حُمَاةِ) (مَطَاعيم فِي الإِعْسَارِ فِي كُلِّ مَشْهَدٍ ... لَقِدْ شَرُفُوا بِالفَضْلِ والبَرَكَاتِ) (أَئمةُ عَدْلٍ يُقْتَدَى بِفعَالِهِم ... وتُؤْمَنُ مِنْهُمْ زَلَّةُ العَثَرَاتِ) (فَيَا رَبِّ زِدْ قَلْبِي هدى وبَصيرَةً ... وزِدْ حُبَّهُم يَا ربِّ فِي حَسَنَاتي) (لَقَدْ أَمنتْ نَفْسِي بِهمْ فِي حَيَاتِها ... وإنِّي لأَرْجُو الأمْنَ بَعْدَ وَفَاتِي) (أَلَمْ تَرَ أنِّى مذْ ثَلاثِينَ حِجَّةً ... أَروحُ وأَغْدُو دائمَ الحَسَرَاتِ) (أَرَى فَيْئَهُم فِي غَيْرِهم مُتَقَسِّماً ... وأَيْدِيَهُمْ مِنْ فَيئهمْ صفرَاتِ) (سَأَبْكِيهمُ مَا ذَرَّ فِي الأُفْقِ شَارقٌ ... ونادَى مُنَادى الخَيْرِ بالصَّلوَاتِ) (ومَا طَلَعتْ شَمْسٌ وَحَانَ غُرُوبُها ... وبِالليلِ أبكيهمْ وبَالغدوَاتِ) (دِيارُ رَسُولِ اللهِ أَصْبحن بَلْقَعاً ... وآلُ زِيادٍ تَسْكُنُ الحُجُرَاتِ) (وآلُ زِيادٍ فِي القُصُورِ مَصُونَةٌ ... وآلُ رَسُولِ اللهِ فِي الفَلَوَاتِ) (فلوْلا الَّذِي أرْجُوه فِي اليَوم أَو غَدٍ ... لَقُطِّع نَفْسِي إِثْرَهُمْ حَسَرَاتِ) (خُرُوجُ إِمَام لَا مَحَالةَ خَارجٌ ... يَقُومُ عَلَى اسْمِ اللهِ بِالبَرِكَاتِ) (يُمَيِّزُ فِينَاً كُلَّ حَقِّ وبَاطِلٍ ... ويَجزِى عَلَى عَلَى النَّعْمَاءِ والنَقَمَاتِ) (فَيَا نَفْسُ طِيبى ثُمَّ يَا نَفْسُ فاصْبِرِي ... فَغَيرُ بَعِيدٍ كلُّ مَا هُوَ آتٍ) قلت دعبل هَذَا محب لأهل الْبَيْت وَمن ذَا الَّذِي لَا يُحِبهُمْ فَمن لَا يُحِبهُمْ لَا يُحِبهُ الله وَلكنه كَانَ مُولَعا بالهجو والحط من أقدار النَّاس هجا الْخُلَفَاء وَغَيرهم هجا الْمَأْمُون بِأَبْيَات مِنْهَا // (من الْكَامِل) // (إنِّي مِنَ القَوْمِ الذِينَ سُيُوفُهُمْ ... قَتَلَتْ أَخَاك وشَرَّفَتْكَ بِمَقْعَدِ) (شَادُوا بحُسْنِ فعَالِهِمْ لَكَ مَنْصِباً ... واستْرْفَعُوكَ مِنَ الحَضِيضِ الأَوْهَدِ) يُشيرُ بذلك إِلَى مَا فعله طَاهِر بن الْحُسَيْن مقدم عَسَاكِر الْمَأْمُون فَإِنَّهُ خزاعي ودعبل هَذَا خزاعي وَلما بلغ هَذَا الْمَأْمُون قَالَ تعس دعبل وَمَتى كنت خاملا فرفعني قومه وَطَالَ عمر دعبل وَكَانَ يَقُول لي خَمْسُونَ سنة أحمل خشبتي على كَتِفي أدور على من يصلبني عَلَيْهَا فَمَا أجد من يفعل ذَلِك كَانَ مولده بَين وَاسِط الْعرَاق وكور الأهواز سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة والدعبل بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة اسْم النَّاقة الشارف وَهُوَ لقبه واسْمه عَليّ بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 رزين بن سُلَيْمَان قَالَه ابْن الْأَثِير وَاسْتشْهدَ الرِّضَا فِي أَيَّام الْمَأْمُون مسموماً بطوس فِي قَرْيَة شاه باز يَوْم الْجُمُعَة لسبع بَقينَ من رَمَضَان سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَدفن إِلَى جنب قبر الرشيد أَوْلَاده خَمْسَة الْعقب مِنْهُ فِي ابْنه الإِمَام مُحَمَّد الْجواد بن عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ التَّاسِع من الْأَئِمَّة ولد بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْجُمُعَة لعشر خلون من رَجَب سنة تسعين وَمِائَة كنتيته أَبُو جَعْفَر ألقابة القانع والمرتضى وأشهرها الْجواد زوجه الْمَأْمُور ابْنَته أم حبيب صفته أَبيض اللَّوْن معتدل الْقَامَة معاصره الْمَأْمُون والمعتصم عمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وَأشهر مَاتَ بِبَغْدَاد يَوْم الثُّلَاثَاء لخمس خلون من ذِي الْحجَّة سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة إِمَامَته سبع عشرَة سنة أوائلها فِي بَقِيَّة ملك الْمَأْمُون واَخرها فِي أول ملك المعتصم قيل مسموماً وَلَكِن لم يَصح وَدفن بمقابر قُرَيْش إِلَى جنب قبر جده مُوسَى الكاظم أَوْلَاده أَرْبَعَة الْعقب مِنْهُ فِي رجلَيْنِ هما الْهَادِي ومُوسَى المبرقع فالإمام عَليّ الْهَادِي بن مُحَمَّد الْجواد بن عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق هُوَ الإِمَام بعد أَبِيه وعاشر الْأَئِمَّة أمه أم ولد اسْمهَا شهامة ويلقب بالتقي وَالْهَادِي أشهرهما الأول ولد بِالْمَدِينَةِ ثَالِث عشر رَجَب سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ مَاتَ ب سر من رأى مسموماً يَوْم الْإِثْنَيْنِ لخمس بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَدفن فِي دَاره ب سر من رأى أَوْلَاده أَرْبَعَة أعقب من ثَلَاثَة أبي جَعْفَر مُحَمَّد وَأبي عبد الله جَعْفَر وَأبي مُحَمَّد الإِمَام الْحسن العسكري بن عَليّ الْهَادِي بن مُحَمَّد الْجواد بن عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم وَهُوَ الإِمَام بعد أَبِيه وحادي عشر الْأَئِمَّة أمه أم ولد اسْمهَا سوسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 كنيته أَبُو مُحَمَّد ألقابه الْخَالِص والسراج وأشهرها العسكري ولد بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ صفته بَين السمرَة وَالْبَيَاض معاصره المعتز والمهتدي وَالْمُعْتَمد عمره ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة وَمُدَّة إِمَامَته سِتّ سِنِين مَاتَ فِي أَوَائِل خلَافَة الْمُعْتَمد مسموماً فِي يَوْم الْجُمُعَة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ب سر من رأى وَدفن عِنْد قبر أَبِيه الْهَادِي خلف وَلَده مُحَمَّدًا أوحده وَهُوَ الإِمَام مُحَمَّد الْمهْدي بن الْحسن العسكري بن عَليّ التقي بن مُحَمَّد الْجواد ابْن على الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ ولد يَوْم الْجُمُعَة منتصف شعْبَان سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سِتّ وَهُوَ الصَّحِيح أمه أم ولد اسْمهَا أصقيل وَقيل سوسن وَقيل نرجس كنيته أَبُو الْقَاسِم ألقابه الْحجَّة وَالْخلف الصَّالح والقائم والمنتظر وَصَاحب الزَّمَان وَالْمهْدِي وَهُوَ أشهرها صفته شَاب مَرْبُوع الْقَامَة حسن الْوَجْه وَالشعر أقنى الْأنف أجلى الْجَبْهَة وَلما توفّي أَبوهُ كَانَ عمره خمس سِنِين وشيعته يَقُولُونَ إِنَّه دخل السرداب سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وعمره سبع عشرَة سنة وهم ينتظرون خُرُوجه فِي آخر الزَّمَان من السرداب وأقاويلهم فِيهِ كَثِيرَة وَالله أعلم أَي ذَلِك يكون قَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد السماني فِي ذكر الأبدال والأقطاب وَقد وصل إِلَى رُتْبَة القطبية مُحَمَّد الْمهْدي بن الْحسن العسكري وَهُوَ إِذا اختفى دخل فِي دَائِرَة الأبدال متدرجاً طبقَة بعد طبقَة إِلَى أَن صَار سيد الأبدال وَكَانَ القطب حِينَئِذٍ عَليّ بن الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ فَلَمَّا حانت منيته صلى عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 الْمهْدي هَذَا وَدَفنه وَجلسَ مَجْلِسه وَبَقِي فِي رُتْبَة القطبية تسع عشرَة سنة وَالله أعلم وَأما مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهُوَ الْفَرْع الثَّالِث من أَوْلَاد عَليّ بن أبي طَالب لصلبه الَّذين ذكرنَا أَنْسَاب الطالبين أَكْثَرهَا رَاجع إِلَى الْحسن وَالْحُسَيْن وَإِلَيْهِ فَهُوَ مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب الْمَشْهُور بِابْن الْحَنَفِيَّة يكنى أَبَا الْقَاسِم روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رخص لأمير الْمُؤمنِينَ فِي تَسْمِيَة ابْنه هَذَا وتكنيته بِأبي الْقَاسِم قَالَ فِي أَنْسَاب قُرَيْش يَقُولُونَ أمه خَوْلَة بنت جَعْفَر بن قيس بن سَلمَة بن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن الدؤل بن حنيفَة بن لجيم وتسميه الشِّيعَة الْمهْدي حَدثنِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن قيس بن سعيد بن عقبَة الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت كثيرا ينشد عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر لنَفسِهِ فِي مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة // (من الوافر) // (أَقَرَّ الله عَيْني إذْ رَعَانِي ... أَمِينُ اللهِ يُلْطِفُ فِي السُّؤالِ) (وأَثْنَى فِي هَوَايَ عَلَيَّ خيرا ... وساءَلَ عَنْ بَنِيَّ وَكيْفَ حَالي) (وكَيْفَ ذَكَرْتُ شَأْنَ أَبِي خبيبٍ ... وَزَلَّةَ نَعْلِهِ عِنْدَ النِّضَالِ) (هُوَ المَهْدِيُّ خَيَّرنَاهُ كَعْبٌ ... أَخُو الأَحْبَاِر فِي الحِقَبِ الخَوَاِليِ) وَكَانَ كثير كيسانيا يَقُول بإمامة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَيَزْعُم أَن الْأَرْوَاح تتناَسخ ويحتج بقول الله عز وَجل {فِي أَيِ صوُرةٍ مَا شَاءَ ركبَكَ} الانفطار 8 وَيَقُول أَلا ترى أَنه يحوله فِي صُورَة بعد صُورَة فَقَالَ لَهُ عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر يَا أَبَا صَخْر مَا يثني عَلَيْك فِي هَوَاك خيرا إِلَّا من كَانَ على مثل رَأْيك وَقيل لَهُ إِنَّك تَقول خبرناه كَعْب ألقيت كَعْب الْأَحْبَار قَالَ لَا قيل فَلم قلت خبرناه كَعْب قَالَ هُوَ بالوهم وَكَانَت شيعَة مُحَمَّد يَزْعمُونَ أَنه لم يمت وَفِي ذَلِك يَقُول كثير أَيْضا // (من الوافر) // (أَلا إنَّ الأئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ ... وُلاَةُ الحَقِّ أَرْبَعَةٌ سَوَاءُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 (عَليٌّ والثَّلاثَهُ مِنْ بَنِيه ... هُمُ الأَسْبَاطُ لَيْسَ بِهِم خَفَاءُ) (فَسِبْطٌ سِبْطُ إيمانٍ وبرِّ ... وسبْطٌ غَيَّبَتْهُ كَرْبِلاَءُ) (وسِبْطٌ لاَ تَرَاه العَيْنُ حَتَّى ... يقودَ الخيلَ يَقْدُمُهَا اللِّواءُ) (تَغَيَّبَ لاَ يُرَى عَنْهُم زَمَانًا ... برَضْوى عِنْدَهُ عَسَلٌ ومَاءُ) وَفِي مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة يَقُول الْحِمْيَرِي // (من الوافر) // (أَلا قُلْ لِلْوصىِّ فَدَتْكَ نَفْسِي ... أَطَلْتَ بذَلكَ الشِّعْبِ المُقَامَا) (أَضَرَّ بِمعشرٍ وَالَوْكَ مِنَّا ... وسَمَّوْك الخليفَةَ والإمَامَا) (وعَادَوْا فِيكَ أهْلَ الأَرْضِ طُرًّا ... مقَامك عَنْهُمُ سِتِّينَ عَامَا) (وَما ذَاقَ ابنُ خَوْلَةَ طَعْمَ مَوْتٍ ... وَلاَ وَارَت لَهُ أَرْضٌ عِظَاما) (لَقَدْ أَمْسَى بمُورِقِ شعب رَضْوَى ... تُراجِعُهُ الملائِكَةُ الكَلامَا) (وإَّن لَهُ بِه لمِقيل صدْقٍ ... وأَنْدِيةً تُحَدِّثُهُ كِرَامَا) (هَدَانَا اللهُ إذْ حِرتُمْ لأمرٍ ... بِهِ وَعَلِيهِ نَلْتَمِسُ التَّمَاما) (تَمامَ مَوَدَّةِ المَهدِيِّ حَتَّى ... تَرَوْا راياتِنَا تَتْرَى نِظَاما) وَقَالَ أَيْضا // (من الْكَامِل) // (يَا شِعْبَ رَضْوَى مَا لِمنْ بِكَ لاَ يُرَى ... وبِنَا إلَيْهِ مَنَ الصبابة أوْلَقُ) (حَتَّى متَى وإلَى متَى وكَم المَدَى ... يابْنَ الوصيِّ وأنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ) قَالَ المَسْعُودِيّ فِي المروج وشيعته تسمى الكيسانية وَقد تنازعوا بعد قَوْلهم بإمامته فَمنهمْ من قطع بِمَوْتِهِ وَمِنْهُم من زعم أَنه لم يمت وَأَنه حَيّ مُقيم بجبل رضوى الْمَعْرُوف بِقرب يَنْبع وَإِنَّمَا سموا الكيسانية لإضافتهم إِلَى الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَكَانَ اسْمه كيسَان ويكنى أَبَا عَمْرو كَانَ يَدعِي أَن عَليّ بن أبي طَالب لقبه بذلك أَوْلَاد مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ مِنْهُم أَرْبَعَة عشر ذكرا وَقَالَ النَّقِيب تَاج الدّين أَوْلَاد مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَلِيل جدا لَيْسَ بالعراق وَلَا بالحجاز مِنْهُم أحد وَإِن كَانَ فبالكوفة وَقَالَ فِي عُمْدَة الطَّالِب بشيراز وأصفهان وقزوين وبمصر والصعيد مِنْهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 جمَاعَة والعقب الْمُتَّصِل الْآن من وَلَده فِي رجلَيْنِ على وجعفر قَتِيل الْحرَّة وَأما عقب ابْنه أبي هَاشم عبد الله الْأَكْبَر إِمَام الشِّيعَة الكيسانية فمنقرض وَهَذَا أَبُو هَاشم هُوَ الَّذِي أسْند وَصيته فِيمَا قَالَه الشِّيعَة إِلَى مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَأَخُوهُ عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَابْنه الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَكلهمْ ادَّعَت الشِّيعَة إمامتهم قَالَ ابْن خلدون وَخرج بِالْيَمِينِ على الْمَأْمُون وَمن ولد عَليّ بن أبي طَالب من غير هَؤُلَاءِ عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب وَمن ولد جَعْفَر بن أبي طَالب عبيد الله بن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب الْقَائِم بِفَارِس وبويع بِالْكُوفَةِ وَأَرَادَ بعض شيعَة العباسية تَحْويل الدعْوَة إِلَيْهِ فَمَنعه أَبُو مُسلم الْخُرَاسَانِي من ذَلِك وَكَانَت لَهُ شيعَة ينتظرونه وَسَاقُوا الْخلَافَة من أبي هَاشم بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة بِالْوَصِيَّةِ وَكَانَ فَاسِقًا وَكَانَ ابْنه مُعَاوِيَة بن عبيد الله نَظِير أَبِيه فِي الشَّرّ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 (الْبَاب الثَّانِي) (فِي ذكر من دَعَا مِنْهُم إِلَى الْمُبَايعَة) وَذكر مَكَان دُعَائِهِ وزمانه وَمَا جرى على كل قَائِم من خَليفَة زَمَانه وتعدادهم من لدن عَليّ بن أبي طَالب إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَهَذَا على رَأْي غير الإمامية من الشيعهَ وهم الزيدية أما على رأى الإمامية فَلَا يجوزون الْإِمَامَة لغير الاثْنَي عشر الإِمَام الَّذين أَوَّلهمْ عَليّ بن أبي طَالب وَآخرهمْ الإِمَام مُحَمَّد الْمهْدي المنتظر وَسَيَأْتِي الدَّلِيل على تَصْحِيح جَوَازهَا لغير الاثْنَي عشر الإِمَام بل تعينه بِحَيْثُ لَا تَخْلُو الأَرْض من قَائِم من آل بَيت مُحَمَّد يهدي إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم قد تقدم ذكر شيعَة أهل الْبَيْت لعَلي بن أبي طَالب وبنيه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمَا كَانَ من شَأْنهمْ بِالْكُوفَةِ ومؤاخذتهم الْحسن فِي تَسْلِيم الْأَمر لمعاوية واضطراب الْأَمر على زِيَاد ابْن أَبِيه بِالْكُوفَةِ من أَجلهم حَتَّى قتل المتولون كبر ذَلِك مِنْهُم حجر ابْن عدي وَأَصْحَابه ثمَّ استدعوا الْحُسَيْن بن عَليّ بعد وَفَاة مُعَاوِيَة فَكَانَ من قَتله ب كربلاء مَا هُوَ مَعْرُوف ثمَّ نَدم الشِّيعَة على قعودهم عَن مناصرته فَخَرجُوا بعد وَفَاة يزِيد وبيعة مَرْوَان وَخُرُوج عبيد الله بن زِيَاد عَن الْكُوفَة وَسموا أنفسهم التوابين وولوا عَلَيْهِم سُلَيْمَان بن صُرَد الْخُزَاعِيّ ولحقتهم جيوش ابْن زِيَاد بأطراف الشَّام فاستجموهم ثمَّ خرج الْمُخْتَار بن أبي عبيد بِالْكُوفَةِ طَالبا بِدَم الْحُسَيْن وداعيا لمُحَمد لن الْحَنَفِيَّة وَتَبعهُ على ذَلِك جموع من الشِّيعَة وَسَمَّاهُمْ شرطة الله وزحف عَلَيْهِ عبيد الله بن زِيَاد فَهَزَمَهُ الْمُخْتَار وَقَتله وَبلغ مُحَمَّد بن الحنفيه من أَحْوَال الْمُخْتَار مَا نقمه عَلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فَصَارَ الْمُخْتَار إِلَى الدُّعَاء لعبد الله بن الزبير ثمَّ استدعي الشِّيعَة من بعد ذَلِك زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم إِلَى الْكُوفَة أَيَّام هِشَام بن عبد الْملك فَقتله صَاحب الْكُوفَة يُوسُف بن عمر وصلبه كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك عِنْد ذكر قِيَامه بالدعوة وَخرج يحيى بن زيد بالجوزجان من خُرَاسَان فَقتل وصلب لذَلِك وطلت دِمَاء أهل الْبَيْت فِي كل نَاحيَة ثمَّ اخْتلفت الشِّيعَة وانقسمت مذاهبهم فِي مصير الْإِمَامَة إِلَى العلوية وذهبوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 طرائق مَعَ اتِّفَاقهم على تَفْضِيل عَليّ كرم الله وَجهه على جَمِيع الصَّحَابَة إِلَى الزيدية الْقَائِلين بإمامة بني فَاطِمَة لفضل عَليّ وبنيه على سَائِر الصَّحَابَة على شُرُوط يشترطونها وإمامة الشَّيْخَيْنِ عِنْدهم صَحِيحَة وَإِن كَانَ على أفضل مِنْهُمَا لأَنهم يجوزون إِمَامَة الْمَفْضُول مَعَ وجود الْأَفْضَل وَهُوَ مَذْهَب زيد وَأَتْبَاعه المسمين بالزيدية وهم جُمْهُور الشِّيعَة وأبعدهم عَن الانحراف والغلو وَإِلَى الرافضة وَسموا رافضة قَالُوا لِأَنَّهُ لما خرج زيد الشَّهِيد بِالْكُوفَةِ وَاخْتلفت عَلَيْهِ فرقة من الشِّيعَة وناظروه فِي أَمر الشَّيْخَيْنِ وَدعوهُ إِلَى الْبَرَاءَة مِنْهُمَا وأنهما ظلما عليا أنكر ذَلِك عَلَيْهِم وَامْتنع عَن الْبَرَاءَة مِنْهُمَا فَقَالُوا لَهُ وَأَنت أَيْضا لم يظلمك أحد وَلَا حق لَك فِي الْأَمر فَنحْن نرفضك فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة فانصرفوا عَنهُ فسموا الرافضة وَأقَام مَعَه أَتْبَاعه الاخرون فسموا زيدية ثمَّ سَاق الرافضة الإمامهّ من عَليّ كرم الله وَجهه إِلَى ابْنه الْحسن ثمَّ إِلَى الْحُسَيْن ثمَّ إِلَى ابْنه زين العايدين ثمَّ إِلَى ابْنه مُحَمَّد الباقر ثمَّ إِلَى ابْنه جَعْفَر الصَّادِق كل هَؤُلَاءِ بِالْوَصِيَّةِ وهم سِتَّة أَئِمَّة لم يُخَالف فيهم أحد من الرافضة الْمَذْكُورين ثمَّ افْتَرَقُوا من هَهُنَا إِلَى فرْقَتَيْن إِلَى الاثْنَي عشرِيَّة واختصوا باسم الإمامية إِلَى هَذَا الْعَهْد ومذهبهم أَن الْإِمَامَة انْتَقَلت من جَعْفَر الصَّادِق إِلَى ابْنه مُوسَى الكاظم وَخرج دعاته بعد موت أَبِيه فَحَمله هَارُون الرشيد مَعَه من الْمَدِينَة وحبسه عِنْد عِيسَى بن جَعْفَر ثمَّ إشخاصه إِلَى بَغْدَاد وحبسه عِنْد ابْن شاهك وَيُقَال إِن يحيى بن خَالِد سمه فِي رطب فَتوفي سنة 183 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَزعم شيعته أَن الإِمَام بعده ابْنه عَليّ الرِّضَا وَكَانَ عَظِيما فِي بني هَاشم وَكَانَت لَهُ مَعَ الْمَأْمُون صُحْبَة وزوجه ابْنَته أم الْفضل وعهد لَهُ بِالْأَمر من بعده وَقد تقدم ذكرنَا لكتاب الْعَهْد فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ عهد الْمَأْمُون لعَلي الرِّضَا بِالْأَمر سنة 201 إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ عِنْد ظُهُور الدعاة للطالبيين فِي كل نَاحيَة وَكَانَ الْمَأْمُون ب خُرَاسَان لم يدْخل الْعرَاق بعد مقتل أَخِيه الْأمين فنكر ذَلِك عَلَيْهِ شيعَة العباسيين وَبَايَعُوا لِعَمِّهِ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي بِبَغْدَاد فارتحل الْمَأْمُون من الْعرَاق وَعلي الرِّضَا مَعَه فَهَلَك عَليّ الرِّضَا فِي طَرِيقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَدفن ب طوس ثمَّ زَعَمُوا أَن الْأَمر بعده لِابْنِهِ مُحَمَّد التقي وَكَانَ لَهُ من الْمَأْمُون مَكَان وأصهر إِلَيْهِ فِي ابْنَته أم حبيب فأنكحه الْمَأْمُون إِيَّاهَا سنة خمس وَمِائَتَيْنِ ثمَّ هلك سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَدفن بمقابر قُرَيْش ثمَّ زَعَمُوا أَن الْأَمر من بعده إِلَى عَليّ ويلقبونه بالهادي وَمَات سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وقبره ب قُم وَزعم ابْن سعيد أَن المعتز سمه ثمَّ إِلَى ابْنه الْحسن العسكري ويلقب بذلك لِأَنَّهُ ولد ب سر من رأى وَكَانَت تسمى الْعَسْكَر وَجلسَ بهَا بعد أَبِيه إِلَى أَن هلك سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَدفن إِلَى جنب أَبِيه بالمشهد وَترك حملا ولد مِنْهُ ابْنه مُحَمَّد فاعتقل وَقيل دخل السرداب بدار أَبِيه قيل مَعَ أمه وَقيل وَأمه تنظر إِلَيْهِ ففقد فَزَعَمت شيعتهم أَنه الإِمَام بعد أَبِيه ولقبوه الْمهْدي وَالْحجّة وَزَعَمُوا أَنه حَيّ لم يمت وهم الْآن ينتظرونه ووقفوا عِنْد هَذَا الِانْتِظَار وَهَذَا هُوَ الثَّانِي عشر من ولد عَليّ وَلذَلِك سموا شيعته الاثْنَي عشرِيَّة وَهَذَا الْمَذْهَب بِالْمَدِينَةِ والكرخ وَالشَّام والحلة وَالْعراق قَالَ الْعَلامَة ابْن خلدون والسرداب بالحلة وهم حَتَّى الْآن على مَا بلغنَا يصلونَ الْمغرب فَإِذا قضوا الصَّلَاة قربوا مركبا إِلَى بَاب السرداب بجهازه وحليته وَنَادَوْا بِأَصْوَات متوسطة أَيهَا الإِمَام اخْرُج إِلَيْنَا فَإِن النَّاس منتظرون والخلق حائرون وَالظُّلم عَام وَالْحق مَفْقُود فَاخْرُج إِلَيْنَا نتعرف الرَّحْمَة من الله فِي آثارك ويكررون ذَلِك إِلَى أَن تبدو النُّجُوم ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى اللَّيْلَة الْقَابِلَة هَكَذَا دأبهم وَرُبمَا يحتجون لِحَيَاتِهِ بِقصَّة الْخضر فسبحان عَالم الْحَقَائِق قلت ذكر غير ابْن خلدون أَن السرداب بِبَغْدَاد لَا بالحلة فَالله أعلم أيا كَانَ ذَلِك لَطِيفَة قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ قَالَ أَصْحَابنَا النصرية بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِن شَيخنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 أَبَا الْفَتْح نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي اجْتمع برئيس من رُؤَسَاء الشِّيعَة فَشَكا إِلَيْهِ فَسَاد الْخلق وَأَن هَذَا الْأَمر لَا يصلح إِلَّا بِخُرُوج الإِمَام المنتظر فَقَالَ لَهُ نصر فَهَل لِخُرُوجِهِ مِيقَات مَعْلُوم أم لَا فَقَالَ الشيعي نعم إِذا فسد الْخلق فَقَالَ لَهُ نصر فَلم تحبسونه عَن الْخلق قد فسد جَمِيعهم إِلَّا أَنْتُم فَلَو فسدتم لخرج فَأَسْرعُوا بِهِ وأطلقوا من سجنه وعجلوا بِالرُّجُوعِ إِلَى مَذْهَبنَا لتفسدوا فَيخرج فبهت الشيعي انْتهى كَذَا فِي العواصم من القواصم وَإِلَى الإسماعليية وهم الَّذين نقلوا الْخلَافَة من جَعْفَر الصَّادِق إِلَى ابْنه إِسْمَاعِيل ثمَّ ساقوها فِي عقبه فَمنهمْ من أنهى بهَا إِلَى عبيد الله الْمهْدي أحد الْخُلَفَاء العبيديين ابْن مُحَمَّد الحبيب بن جَعْفَر الْمُصدق بن مُحَمَّد المكتوم بن إِسْمَاعِيل الإِمَام بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر وهم الْفرْقَة الزاعمون أَن الإِمَام بعد جَعْفَر الصَّادِق ابْنه إِسْمَاعِيل وتوقى قبل أَبِيه وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور طلبه فَشهد لَهُ عَامل الْمَدِينَة أَنه مَاتَ وَفَائِدَة النَّص عِنْدهم على إِسْمَاعِيل وَإِن كَانَ مَاتَ قبل أَبِيه بَقَاء الْإِمَامَة فِي وَلَده كَمَا نَص مُوسَى على هَارُون صلوَات الله وَسَلَامه على نَبينَا وَعَلَيْهِمَا وَمَات قبله وَالنَّص عِنْدهم لَا يرجع وَرَاءه لِأَن البداء على الله محَال وَيَقُولُونَ فِي ابْنه مُحَمَّد إِنَّه السَّابِع التَّام من الْأَئِمَّة الظاهرين وَهُوَ أول الْأَئِمَّة المستورين عِنْدهم الَّذين يستترون ويظهرون الدعاة وعددهم ثَلَاثَة وَلنْ تَخْلُو الأَرْض من إِمَام إِمَّا ظَاهر بِذَاتِهِ أَو مَسْتُور فَلَا بُد من ظُهُور حجَّته ودعاته وَالْأَئِمَّة يَدُور عَددهَا عِنْدهم على سَبْعَة سَبْعَة عدد الْأُسْبُوع وَالسَّمَاوَات وَالْكَوَاكِب وَأول الْأَئِمَّة المستورين عِنْدهم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور وَهُوَ مُحَمَّد المكتوم ثمَّ ابْنه جَعْفَر الْمُصدق ثمَّ ابْنه مُحَمَّد ثمَّ ابْنه عبيد الله الْمهْدي صَاحب الدولة بإفريقية جد الْخُلَفَاء العبيديين بهَا أَولا وب مصر ثَانِيًا الْمُتَقَدّم ذكرهم فِي الْبَاب الثَّالِث من الْمَقْصد الرَّابِع وَمِنْهُم من سَاقهَا إِلَى يحيى بن عبد الله بن مُحَمَّد المكتوم وَهَؤُلَاء طَائِفَة من القرامطة وَهَذَا من كذباتهم وَلَا يعرف لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل ولد اسْمه عبد الله وَمن شيعَة آل الْبَيْت الكيسانية نِسْبَة إِلَى كيسَان وَهُوَ الْمُخْتَار بن أبي عبيد يذهبون إِلَى إِمَامَة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وبنيه من بعد الْحسن الْحُسَيْن وَمن هَؤُلَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 كَانَت شيعَة بني الْعَبَّاس الْقَائِلُونَ بِوَصِيَّة أبي هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة إِلَى مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بِالْإِمَامَةِ وانتشرت هَذِه الْمذَاهب وَهِي مَذْهَب الزيدية وَمذهب الرافضة المنقسمين إِلَى الإمامية الأثنى عشرِيَّة والى الإسماعيلية وَمذهب الكيسانية وهم شيعَة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة الَّذين صَارُوا شيعَة لبني الْعَبَّاس بإيصاء أبي هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة إِلَى جدهم مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَبَّاس الْمَذْكُور وَكَانَ أَكثر الكيسانية بالعراق وخراسان بَين الشِّيعَة وافترق أهل كل مَذْهَب مِنْهَا إِلَى طرائق بِحَسب اخْتلَافهمْ // (من الوافر) // (وكَلٌّ يَدَّعِى وصْلا بِليْلَى ... ) وَاعْلَم أَن سَبَب انتصاب الْأَشْرَاف للْإِمَامَة وادعائهم لَهَا مَعَ مَا يشاهدونه من النكد والشدائد وَالْقَتْل وَالْحَبْس والمكائد بعد قتل عَليّ بن أبي طَالب لما تقلد الْخلَافَة وَالْعقد عليهِ إِجْمَاع أهل بدر وَاخْتِيَار أكَابِر الصَّحَابَة وَبَايَعُوهُ عَلَانيَة نازعه فِي الْخلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وتعلل بعلل كَثِيرَة لبلوغ المنى وكل مِنْهُمَا مُجْتَهد لَكِن مُعَاوِيَة مُجْتَهد مُخطئ قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ فِي قَوَاعِد العقائد وَلم يذهب لتخطئة عَليّ ذُو تَحْصِيل أصلا وَلَا شُبْهَة أَن الْحق مَعَ عَليّ وَأَن مُعَاوِيَة لَيْسَ مِمَّن يعادل أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ فضلا عَن أَن يعادل عليا وَأَيْنَ الحسام من المنجل وَأَيْنَ مُعَاوِيَة من على فَاشْتَبَهَ على الْعَامَّة أَمرهمَا وصاروا فريقين فَوَقَعت الْحَرْب بَينهمَا كَمَا قدره الله تَعَالَى مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن لَا يَقع فِي ملكه إِلَّا مَا أَرَادَ {لَا يُسئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسئَلُون} الْأَنْبِيَاء 23 فَلَمَّا اسْتشْهد عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعد ذَلِك قَامَ الْحسن بن عَليّ بعده وَقد سبق فِي خِلَافَته تَفْصِيل ذَلِك وَذكر صلحه مَعَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَلَمَّا سم وَمَات رَضِي الله عَنهُ قَامَ أَخُوهُ الْحُسَيْن بن عَليّ تالياً {وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدَ جَعلَنا لوَلِيِّه سلطنا} الْإِسْرَاء 33 الْآيَة وَكَانَ قِيَامه زمن يزِيد بن مُعَاوِيَة فَقتل ب كربلاء عطشاناً سير عَلَيْهِ عبيد الله بن زِيَاد سَرِيَّة عَلَيْهَا عمر بن سعد بن أبي وَقاص وَكَانَ من أمره مَا شرح فِيمَا تقدم مِمَّا يجرح الْقُلُوب وَيجْرِي الْغُرُوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 ثمَّ قَامَ من بعده عَليّ زين العابدين ثمَّ قَامَ من بعده زيد بن عَليّ فَقتل وصلب ثمَّ قَامَ وَلَده يحيى بن زيد فَقتل ثمَّ هَلُمَّ جراً فَذهب الزيدية من الشِّيعَة أَن الْقيام افْترض عَلَيْهِم لطلب الْحق وَأَن إِظْهَار الدعْوَة وَالْقِيَام بِأَمْر الإمامه للْأمة وَاجِب عَلَيْهِم وَهَذَا مَكْتُوب فِي تواريخ الزيدية وَأما الشِّيعَة الإمامية الاثنا عشرِيَّة فَلَا يجوزون الْإِمَامَة لغير الاثْنَي عشر الإِمَام الَّذين أَوَّلهمْ عَليّ واخرهم الْمهْدي مُحَمَّد المنتظر صَاحب السرداب وَدَلِيل الزيدية على تَصْحِيح جَوَازهَا لغير الْأَئِمَّة الاثنى عشر أَو تعينه وَهُوَ مَا وعدنا بِهِ سَابِقًا هُوَ مَا أخرج أَبُو إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده والدولابي فِي الذُّرِّيَّة الطاهرة أَن النبى قَالَ إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن أَخَذْتُم بِهِ لن تضلوا كتاب الله طرف بِيَدِهِ وطرف بِأَيْدِيكُمْ وَأهل بَيْتِي وَرَوَاهُ الجعابي فِي الطالبيين وَلَفظه إِن رَسُول الله قَالَ إِنِّي مخلف فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا كتاب الله تَعَالَى طرف بيد الله وطرف بِأَيْدِيكُمْ وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يفترقا حَتَّى يردا عليَّ الْحَوْض وَرَوَاهُ الْبَزَّار وَلَفظه إِنِّي مَقْبُوض وَإِنِّي قد تركت فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله وعترتي أهل بَيْتِي وَإِنَّكُمْ لن تضلوا بعدهمَا وَفِي رِوَايَة وَالله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 سَائِلكُمْ كَيفَ خلفتموني فِي كِتَابه وَأهل بَيْتِي وَأخرج مُحَمَّد بن جَعْفَر الرزاز عَن أم سَلمَة أَلا إِنِّي مخلف فِيكُم كتاب رَبِّي عز وَجل وعترتي أهل بَيْتِي ثمَّ أَخذ بيد عَليّ فَرَفعهَا فَقَالَ هَذَا عَليّ مَعَ الْقُرْآن وَالْقُرْآن مَعَ عَليّ لَا يفترقان حَتَّى يردا على الْحَوْض فاسألهما مَا خلفت فيهمَا وَأخرج أَبُو سعد والملا فِي سيرته حَدِيث اسْتَوْصُوا بِأَهْل بَيْتِي خيرا فَإِنِّي أخاصمكم عَنْهُم غَدا وَمن أكن خَصمه أخصمه وَمن أخصمه دخل النَّار قَالَ فِي جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ وَلما كَانَ كل من الْقُرْآن الْعَظِيم والعترة الطاهرة معدناً للعلوم الدِّينِيَّة والأسرار وَالْحكم النفيسة الشَّرْعِيَّة وكنوز دقائقها واستخراج حقائقها أطلق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِمَا الثقلَيْن ويرشد لذَلِك حثه على الِاقْتِدَاء والتمسك والتعلم من أهل بَيته وَلَا شكّ أَن الَّذين وَقع الْحَث على التَّمَسُّك بهم من أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ والعترة الطاهرة هم الْعلمَاء بِكِتَاب الله إِذا لَا يحث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالتمسك بغيرهم وهم الَّذين لَا يَقع بَينهم وَبَين الْكتاب اقتراب وَلِهَذَا قَالَ لَا تقدموها فَتَهْلكُوا وَلَا تقصرُوا عَنْهَا فَتَهْلكُوا وَقَالَ فِي طَرِيق آخر فِي عترته فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَهْلكُوا وَلَا تعلموهم فهم أعلم مِنْكُم فاختصوا بمزيد الْحَث عَن غَيرهم من الْعلمَاء لما تضمنته الْأَحَادِيث فِي ذَلِك وَلِحَدِيث أَحْمد ذكر عِنْد النبى قَضَاء قضى بِهِ على فأعجب النَّبِي وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا الْحِكْمَة أهل الْبَيْت وكل هَذَا يفهم وجوب من يكون أَهلا للتمسك بِهِ من أهل الْبَيْت والعترة الطاهرة فِي كل زمَان وجدوا فِيهِ إِلَى قيام السَّاعَة حَتَّى يتوجهَ الْحَث الْمَذْكُور على التَّمَسُّك بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 كَمَا أَن الْكتاب الْعَزِيز كَذَلِك وَلِهَذَا كَانُوا أَمَانًا لأهل الأَرْض فَإِذا ذَهَبُوا أهل الأَرْض وَأما احتجاج الشِّيعَة لمنعهم ذَلِك بِالْحَدِيثِ يكون من أهل بَيْتِي اثْنَا عشر خَليفَة أَو كَمَا قَالَ فَلَيْسَ لَهُم فِي ذَلِك حجَّة إِذْ مَفْهُوم الْعدَد غير مُعْتَبر دَلِيلا يبطل معنى الْحَث والتمسك إِذْ لَو لم نقل بِوُجُود ذَلِك التَّمَسُّك بِهِ لم يتعقل الْحَث على التَّمَسُّك بمعدوم وَأخرج أَبُو الْحسن بن المغازلي من طَرِيق مُوسَى بن الْقَاسِم عَن عَليّ بن جَعْفَر سَأَلت الْحسن عَن قَوْله تَعَالَى {كمشكوة فيِهاً مِصبَاح} النُّور 35 قَالَ الْمشكاة فَاطِمَة والشجرة الْمُبَارَكَة إِبْرَاهِيم لَا شرقية وَلَا غربية لَا يَهُودِيَّة وَلَا نَصْرَانِيَّة {يكَاد زيتها يضُئ وَلَو لَم تَمسَسهُ نَار نوُر عَلى نوُرِ} النُّور 35 قَالَ مِنْهَا إِمَام بعد إِمَام يهدي الله لنوره من يَشَاء قَالَ يهدي لولايتنا من يَشَاء وَقَوله مِنْهَا إِمَام بعد إِمَام يَعْنِي أَئِمَّة يقْتَدى بهم فِي الدّين ويتمسك بهم فِيهِ وَيرجع إِلَيْهِم وَهَذَا أوضح دَلِيل على صِحَة إِمَامَة غَيرهم بل تعينها وَهَهُنَا نقل غَرِيب وَهُوَ إِن كَانَ لَا تعلق لَهُ بِمَا نَحن فِيهِ من وَجه فَلهُ تعلق من وَجه آخر إِذْ هُوَ فِي شَأْن العترة الطاهرة الَّذين الْكَلَام فِي شَأْنهمْ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَنَصه روى الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَحمَه الله سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {سَأَلَ سَائل بغذاب وَاقع} المعارج 1 فِيمَن نزلت فَقَالَ للسَّائِل سَأَلتنِي عَن مَسْأَلَة مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد قبلك حَدثنِي أبي عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر عَن آبَائِهِ عَلَيْهِم السَّلَام أَن رسوم الله لما كَانَ بغدير خم فَنَادَى فِي النَّاس فَاجْتمعُوا فَأخذ بيد عَليّ وَقَالَ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ إِلَى آخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 الحَدِيث فشاع ذَلِك وطار فِي الْبِلَاد فَبلغ ذَلِك الْحَارِث بن النُّعْمَان الفِهري فَأتى رَسُول الله على نَاقَة لَهُ فَنزل بِالْأَبْطح عَن نَاقَته وأناخها فَقَالَ يَا مُحَمَّد أمرتنا عَن الله أَن نشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله فقبلناه مِنْك وأمرتنا أَن نصلي خمْسا فقبلناه مِنْك وأمرتنا بِالزَّكَاةِ فَقبلنَا وأمرتنا أَن نَصُوم شهرا فَقبلنَا وأمرتنا بِالْحَجِّ فَقبلنَا ثمَّ لم ترض بِهَذَا حَتَّى ترفع بضبعي ابْن عمك تفضله علينا وَقلت من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَهَذَا شَيْء مِنْك أَو من الله عز وَجل فَقَالَ رَسُول الله وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِن هَذَا من الله عز وَجل فولى الْحَارِث بن النُّعْمَان يُرِيد رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول {اللهُمَ إِن كانَ هَذاً هُوَ اَلحَقَّ من عِندِكَ فَأَمطِر علينا حِجارَةً} الْأَنْفَال 32 الْآيَة فَمَا وصل إِلَى رَاحِلَته حَتَّى رَمَاه الله بِحجر فَسقط على هامته وَخرج من دبره فَقتله فَأنْزل الله عز وَجل {سَأَلَ سَائل بِعَذابٍ وَاقعٍ} المعارج 1 كَذَا فِي جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ فِي فضل الشرفين شرف الْعلم الْجَلِيّ وَشرف النّسَب الْعلي وَهَا أَنا أذكر من قَامَ مِنْهُم من لدن عَليّ بن أبي طَالب إِلَى زَمَاننَا الْيَوْم وَهُوَ عَام سبع وَتِسْعين وَألف فَأَقُول أَوَّلهمْ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَبعده ابناه الْحسن فِي زمن مُعَاوِيَة ثمَّ الْحُسَيْن فِي زمن يزِيد وَقد سبق ذكرهمَا بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ ثمَّ بعد الْحُسَيْن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب قَامَ فِي زمَان عبد الْملك بن مَرْوَان ثمَّ استتر فَلَمَّا ولي الْأَمر الْوَلِيد بن عبد الْملك شدد فِي طلبه فَلم يظفر بِهِ وَكَانَ مستتراً بالحجاز فَدس إِلَيْهِ من سقَاهُ السم فَمَاتَ مسموماً وَحمل إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَدفن بِالبَقِيعِ وَكَانَ قِيَامه سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ ووفاته سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة قلت قد تقدم فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة أَن الْحسن الْمثنى لم يدع الْإِمَامَة وَلم يدعُ إِلَى مبايعة وَلم يَدعهَا لَهُ أحد فعده هَهُنَا فِي الدعاة على غير تِلْكَ الرِّوَايَة ثمَّ قَامَ بالدعوة الإِمَام زيد بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم ظهر زيد بِالْكُوفَةِ خَارِجا على هِشَام بن عبد الْملك داعياُ للْكتاب وَالسّنة وَإِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 جِهَاد الظَّالِمين وَإِعْطَاء المحرومين وَالْعدْل فِي قسْمَة الْفَيْء ورد الْمَظَالِم وَنصر أهل الْبَيْت وَاخْتلف فِي سَبَب خُرُوجه فَقيل إِن يُوسُف بن عمر لما نكب خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي كتب إِلَى هِشَام أَنه شيعَة لأهل الْبَيْت وَأَنه ابْتَاعَ من زيد أَرضًا بِالْمَدِينَةِ بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَأَنه رد الأَرْض علية وَأَنه أودع زيدا وَأَصْحَابه مَالا وَكَانَ زيد قد قدم على خَالِد بالعراق هُوَ وَمُحَمّد بن عمر بن أبي طَالب وَدَاوُد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس فأجازهم وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَة فبحث هِشَام عَنْهُم وسألهم فأقروا بالجائزة وحلفوا على مَا سوى ذَلِك فصرفهم هِشَام وَبعث إِلَى يُوسُف بن عمر فقابلوا خَالِدا وَصدقهمْ وعادوا إِلَى الْمَدِينَة ونزلوا الْقَادِسِيَّة وراسل أهل الْكُوفَة زيدا فَعَاد إِلَيْهِم وَقيل سَبَب ذَلِك أَن زيدا اخْتصم مَعَ ابْن عَمه جَعْفَر بن الْحسن الْمثنى فِي وقف عَليّ ثمَّ مَاتَ جَعْفَر فخاصم أَخُوهُ عبيد الله زيدا وَكَانَا يحْضرَانِ عِنْد عَامل خَالِد فَوَقَعت بَينهمَا فِي مَجْلِسه مشاتمات وَأنكر زيد من خَالِد إطالته للخصومة وَيسمع مثل هَذَا فأغلط لَهُ زيد وَسَار إِلَى هِشَام فحجبه ثمَّ أذن لَهُ بعد حِين فحاوره طَويلا ثمَّ عرض لَهُ بِأَنَّهُ يذكر الْخلَافَة وتنقصه ثمَّ قَالَ اخْرُج قَالَ نعم ثمَّ لَا أكون إِلَّا بِحَيْثُ تكره فَسَار إِلَى الْكُوفَة وَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب ناشدتك الله الْحق بأهلك وَلَا تأت الْكُوفَة وَذكره بفعلهم مَعَ جده وجده فَأخذ يتظلم مِمَّا وَقع بِهِ وَأَقْبل إِلَى الْكُوفَة وَأقَام بهَا مستخفياً يتنقل فِي الْمنَازل وَاخْتلفت إِلَيْهِ الشِّيعَة وَبَايَعَهُ جماعات وناس من وُجُوه أهل الْكُوفَة يذكر لَهُم دَعوته ثمَّ يَقُول أَتُبَايِعُونَ على ذَلِك فَيَقُولُونَ نعم فَيَضَع يَده على أَيْديهم وَيَقُول عَلَيْك عهد الله وميثاقه وذمته وَذمَّة نبيه لتتبعني ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَإِذا قَالَ نعم مسح يَده على يَده ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَبَايعهُ على ذَلِك خَمْسَة عشر ألفا وَأمرهمْ بالاستعداد وشاع أمره فِي النَّاس وَبلغ الْخَبَر إِلَى يُوسُف ابْن عمر فَأخْرجهُ من الْكُوفَة ولحقه الشِّيعَة بالقادسية أَو الثعلبية وعذله دَاوُد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس على الرُّجُوع مَعَهم وَذكره حَال جده الْحُسَيْن فَقَالَت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 الشِّيعَة لزيد هَذَا إِنَّمَا يُرِيد الْأَمر لنَفسِهِ وَلأَهل بَيته فَرجع مَعَهم وَمضى دَاوُد إِلَى الْمَدِينَة وَلما أَتَى زيد الْكُوفَة جَاءَهُ مسلمة بن كهيل فصده عَن ذَلِك وَقَالَ أهل الْكُوفَة لَا يفون لَك وَقد كَانَ مَعَ جدك مِنْهُم أَضْعَاف من مَعَك وَلم يفوا لَهُ وَكَانَ أعز عَلَيْهِم مِنْك على هَؤُلَاءِ فَقَالَ لَهُ زيد قد بايعوني وَوَجَبَت الْبيعَة فِي عنقِي وعنقهم قَالَ فتأذن لي أَن أخرج من هَذِه الْبَلَد فَلَا آمن أَن يحدث حدث وَأَنا لَا آمن نَفسِي فَخرج إِلَى الْيَمَامَة وَكتب عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى إِلَى زيد يعذله ويصده فَلم يصغ إِلَيْهِ وَتزَوج نسَاء بِالْكُوفَةِ وَكَانَ يخلف إلَيْهِنَّ وَالنَّاس يبايعونه ثمَّ أَمر أَصْحَابه يَتَجَهَّزُونَ ونمى الْخَبَر إِلَى يُوسُف بن عمر فَطَلَبه وَخَافَ زيد فتعجل الْخُرُوج وَكَانَ يُوسُف بِالْحيرَةِ وعَلى الْكُوفَة الحكم بن الصَّلْت وعَلى شرطته عمر بن عبد الرَّحْمَن وَلما علم الشِّيعَة أَن يُوسُف يبْحَث عَن زيد جَاءَ إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم فَقَالُوا لَهُ مَا تَقول فِي الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ زيد رحمهمَا الله وَغفر لَهما وَمَا سَمِعت أحدا من أهل بَيْتِي يذكرهما إِلَّا بِخَير وَغَايَة مَا أَقُول إِنَّا كُنَّا أَحَق بسُلْطَان رَسُول الله من النَّاس فدفعونا عَنهُ وَلم يبلغ ذَلِك الْكفْر وَقد عدلا فِي النَّاس وَعَملا بِالْكتاب وَالسّنة قَالُوا فَإِذا كَانَ أُولَئِكَ لم يظلموك وَهَؤُلَاء لم يظلموك فَلم تدعونا إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ إِن هَؤُلَاءِ ظلمُوا الْمُسلمين أَجْمَعِينَ وَإِنَّا ندعوهم إِلَى الْكتاب وَالسّنة وَأَن نحيي السّنَن ونطفىء الْبدع فَإِن أَحْبَبْتُم سعدتم وَإِن أَبَيْتُم فلست عَلَيْكُم بوكيل فَقَالُوا إذَن نرفضك فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة ففارقوه وَنَكَثُوا بيعَته وَقَالُوا سبق الإِمَام الْحق يعنون مُحَمَّدًا الباقر وَإِن جعفراً ابْنه إمامنا بعده فَمن ذَلِك سموا بِهَذَا الِاسْم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 ثمَّ بعث يُوسُف بن عمر إِلَى الحكم بن الصَّلْت عَامل الْكُوفَة أَن يجمع أهل الْكُوفَة فِي الْمَسْجِد فَجمعُوا وطلبوا زيدا فِي دَار مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق بن زيد بن حَارِثَة فَخرج مِنْهَا لَيْلًا وَاجْتمعَ عَلَيْهِ نَاس من الشِّيعَة الَّذين بقوا مَعَه وَلم يفارقوه وهم الْفرْقَة الْمَخْصُوصَة باسم الزيدية وأشعلوا النيرَان وَنَادَوْا يَا مَنْصُور حَتَّى طلع الْفجْر وَأصْبح جَعْفَر بن أبي الْعَبَّاس فلقي اثْنَيْنِ من أَصْحَاب زيد ينادون بشعاره فَقتل وَاحِدًا وأتى بِالْآخرِ إِلَى الحكم بن الصَّلْت فَقتله وغلق أَبْوَاب الْمَسْجِد على النَّاس وَبعث إِلَى يُوسُف بن عمر بالْخبر فَسَار من الْحيرَة وَقدم الريان بن سَلمَة الأراشي فِي أَلفَيْنِ خيالة وثلاثمائة مَاشِيَة وافتقد زيد النَّاس فَقيل لَهُ إِنَّهُم بالجامع محصورون وَلم يجد مَعَه إِلَّا مِائَتَيْنِ وَعشْرين رجلا وَخرج صَاحب شرطته فِي خيل فلقي نصر بن خُزَيْمَة الْعَبْسِي من أَصْحَاب زيد ذَاهِبًا إِلَيْهِ فَحمل عَلَيْهِ نصر وَأَصْحَابه فَقَتَلُوهُ وَحمل زيد على أهل الشَّام فَهَزَمَهُمْ وانْتهى إِلَى دَار أنس بن عَمْرو الْأَزْدِيّ مِمَّن بَايعه فناداه وَلم يجبهُ وَلم يخرج إِلَيْهِ ثمَّ سَار زيد إِلَى الكناسة فَحمل على أهل الشَّام فَهَزَمَهُمْ ثمَّ دخل الْكُوفَة والريان فِي اتِّبَاعه فَلَمَّا رأى زيد خذلان النَّاس قَالَ لنصر بن خُزَيْمَة أفعلتموها حسينية فَقَالَ نصر أما أَنا فوَاللَّه لأموتن مَعَك وَإِن النَّاس بِالْمَسْجِدِ فَامْضِ بِنَا إِلَيْهِم فجَاء زيد إِلَى الْمَسْجِد يُنَادي فِي النَّاس بِالْخرُوجِ إِلَيْهِ فَرَمَاهُ أهل الشَّام بِالْحِجَارَةِ من فَوق الْمَسْجِد وَانْصَرفُوا عِنْد الْمسَاء وَأرْسل يُوسُف بن عمر الْعَبَّاس بن سعد الْمُزنِيّ فِي أهل الشَّام فَجَاءَهُ فِي دَار الرزق وَقد كَانَ آوى إِلَيْهَا عِنْد الْمسَاء فَلَقِيَهُ زيد وعَلى مجنيته نصر بن خُزَيْمَة وَمُعَاوِيَة بن إِسْحَاق بن زيد بن ثَابت فَاقْتَتلُوا فَحمل نصر على أَصْحَاب الْعَبَّاس فَهَزَمَهُمْ زيد وَأَصْحَابه وعبأهم يُوسُف بن عمر من الْعشي ثمَّ سرحهم فكشفهم أَصْحَاب زيد وَلم تثبت خيلهم لخيله وَبعث إِلَيْهِ يُوسُف بن عمر بالناشبة وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَقتل مُعَاوِيَة بن زيد ثمَّ رمي زيد عِنْد الْمسَاء بِسَهْم أثْبته فَرجع أَصْحَابه وَأهل الشَّام يظنون أَنهم تحاجزوا وَلما نزل النصل من جَبهته مَاتَ فدفنوه وأجروا عَلَيْهِ المَاء وَأصْبح الحكم يَوْم الْجُمُعَة يتتبع الْجَرْحى من الدّور ودله بعض الموَالِي على قبر زيد فاستخرجه وَقطع رَأسه وَبعث بِهِ إِلَى يُوسُف بن عمر بِالْحيرَةِ فَبَعثه إِلَى هِشَام فصلبه على بَاب دمشق وَأمر يُوسُف الحكم بن الصَّلْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 أَن يصلب جثة زيد بالكناسة وَنصر بن خُزَيْمَة وَمُعَاوِيَة بن إِسْحَاق ويحرسهم وَاسْتمرّ نَحوا من سنتَيْن أَو أَربع مصلوباً وَيذكر أَن العنكبوت نسجت على عَورَة زيد رضى الله تَعَالَى عَنهُ فَلَمَّا ولي الْوَلِيد أَمر بإحراقهم فأننا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون قلت كَانَ يُوسُف بن عمر هَذَا مُتَوَلِّي العراقين لهشام بن عبد الْملك ومروان وَهُوَ الْآمِر للْحكم بن الصَّلْت أَن يصلب جثة زيد بالكناسة مذموماً فِي عمله مخدوشاً فِي عقله متنطعا فِي حمقه حدث عَنهُ المداثنى قَالَ وزن يُوسُف بن عمر درهما فنقص حَبَّة فَكتب إِلَى صَاحب دَار الضَّرْب بالعراق فَضرب ألف سَوط وخطب فِي مَسْجِد الْكُوفَة فَتكلم إِنْسَان مَجْنُون فَقَالَ يَا أهل الْكُوفَة ألم أنهكم أَن تدخل مجانينكم الْمَسْجِد اضربوا عُنُقه فَضربت وتخلف عَنهُ يَوْمًا كَاتبه فَقَالَ لَهُ مَا حَبسك فَقَالَ اشتكيت ضرسي فَقَالَ تشتكى ضرسك وتعقد عَن الدِّيوَان فَدَعَا بالحجام وَأمره بقلع ضرسين من أَضْرَاسه وَعنهُ أَيْضا قَالَ حَدَّثَنى رَضِيع ليوسف بن عمر من بني عبس قَالَ كنت لَا أحجب عَنهُ وَلَا عَن حريمه فَدَعَا ذَات يَوْم بجوار لَهُ ثَلَاث ودعا بخصي لَهُ أسود يُقَال لَهُ خديج فَقرب إِلَيْهِ وَاحِدَة فَقَالَ لَهَا إِنِّي أُرِيد الشخوص فأخلفك أم أشخصك معي فَقَالَت صُحْبَة الْأَمِير أحب إِلَيّ وَلَكِن أَحسب أَن مقَامي وتخلفي أعفى عَلَيْهِ وأخف فَقَالَ أَحْبَبْت التَّخَلُّف للفجور اضربها يَا خديج فضربها حَتَّى أوجعها ثمَّ أمره بِأَن يَأْتِيهِ بِالْأُخْرَى فَقَالَ لَهَا إِنِّي أُرِيد الشخوص مثل قَوْله للاولى فَقَالَت وَقد رَأَتْ مَا لقِيت صاحبتها الْمُتَقَدّمَة مَا أعدل بِصُحْبَة الْأَمِير شَيْئا بل يخرجني مَعَه فَقَالَ أَحْبَبْت الْجِمَاع مَا تريدين أَن يفوتك اضربها يَا خديج فضربها حَتَّى أوجعها ثمَّ أمره أَن يَأْتِيهِ بالثالثة وَقد رَأَتْ مَا وَقع لأولتيها فَقَالَ لَهَا كَمَا قَالَ لَهما فَقَالَت الْأَمِير أعلم لينْظر أخف الْأَمريْنِ عَلَيْهِ فليفعله فَقَالَ لَهَا اخْتَارِي لنَفسك فَقَالَت مَا عِنْدِي لهَذَا اخْتِيَار فليختر الْأَمِير فَقَالَ هَل فرغت أَنا الْآن من كل عَمَلي وَلم يبْق عَليّ إِلَّا أَن أخْتَار لَك أوجعها يَا خديج ضربا فَقَالَ الرجل فَكَأَنَّمَا هُوَ يضربني فِي الثَّلَاث من شدَّة غيظي عَلَيْهِ وعَلى آمره فَوَلَّتْ الْجَارِيَة وتبعها الْخصي فَلَمَّا بَعدت قَالَت الْخيرَة وَالله فِي فراقك لَا تقر عين أحد بصحبتك فَلم يفهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 يُوسُف كَلَامهَا فَقَالَ مَا تَقول يَا خديج قَالَ قَالَت كَذَا وَكَذَا قَالَ يَابْنَ الخبيثة من أَمرك أَن تُخبرنِي يَا غُلَام خُذ السَّوْط من يَده فَارْجِع بِهِ رَأسه فَمَا زَالَ يضْربهُ حَتَّى اشتفيت مِنْهُ كَذَا فِي المحاسن والمساوى للبيهقي قلت فَانْظُر إِلَى هَؤُلَاءِ المتخلفين وَإِلَى من يولونه تَجِد الوصلة بَينهمَا قريبَة غير غَرِيبَة واستجار يحيى بن زيد بِعَبْد الْملك بن بشر بن مَرْوَان فَأَجَازَهُ حَتَّى سكن الطّلب ثمَّ سَار إِلَى خُرَاسَان فِي نفر من الزيدية فَقَامَ بالدعوة كَمَا سَيذكرُ كَانَ قَتله فِي شهر شعْبَان سنة 121 إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة وَقتل فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين عمره ثَلَاث وَأَرْبَعُونَ سنة ثمَّ قَامَ بالدعوة ابْنه الإِمَام يحيى بن زيد بن عَليّ زين العابدين بن عَليّ بن أبي طَالب وَذَلِكَ فِي أَيَّام الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك بخراسان ثمَّ انْتقل إِلَى بيهق وَأظْهر دَعوته هُنَاكَ فقصدته جنود الْوَلِيد فَقَاتلهُمْ فضعف عَن الْمُقَاتلَة فَتوجه إِلَى جوزجان وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الْجنُود فَقَاتلُوا فَأَصَابَهُ سهم آخر نَهَار الْجُمُعَة من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة فحز رَأسه وَحمل إِلَى الْوَلِيد ابْن يزِيد وصلبت جثته على جذع عِنْد بَاب جوزجان وَبَقِي مصلوباً إِلَى أَن ظهر أَبُو مُسلم الْخُرَاسَانِي صَاحب دَعْوَة العباسيين فأنزله من الْجذع وَصلى عَلَيْهِ وعمره ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة فَهَؤُلَاءِ فِي دولة بني أُميَّة وَأما فِي دولة العباسيين فَكَانَ زمَان عبيد الله السفاح أول من ولي مِنْهُم زمَان صلح وسداد وبرمنه بهم مَا ظهر فِي زَمَانه أحد وَلَا دَعَا دَاع وَكَانُوا شَيْئا وَاحِدًا على مَا تَقْتَضِيه الْقَرَابَة واللحمة فَلَمَّا مَاتَ السفاح وَولي أَخُوهُ الْمَنْصُور عبد الله الدوانيقي قَامَ بالدعوه مُحَمَّد الملقب بِالنَّفسِ الزكية بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب وَسبب ذَلِك أَنه لما صَار أَمر بني أُميَّة إِلَى الِاخْتِلَاف واضطرب أَمر مَرْوَان بن مِحمد اجْتمع أهل الْبَيْت بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَتَشَاوَرُوا فِيمَن يعقدون لَهُ الْخلَافَة فاتفقوا على مُحَمَّد النَّفس الزكية بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 السبط وَبَايَعُوهُ سرا وَسلم لَهُ جَمِيعهم وَيُقَال إِنَّه حضر هَذِه الْبيعَة أَبُو جَعْفَر عبد الله الْمَنْصُور وَبَايع فِيمَن بَايع لَهُ من أهل الْبَيْت وَأَجْمعُوا على ذَلِك لتقدمه فيهم بِمَا علمُوا لَهُ من الْفضل عَلَيْهِم وَلِهَذَا كَانَ مَالك وَأَبُو حنيفَة رحمهمَا الله تَعَالَى يجنحان إِلَيْهِ حِين خرج من الْحجاز ويريان إِمَامَته أصح من إِمَامَة أبي جَعْفَر لانعقاد هَذِه الْبيعَة من قبل وَرُبمَا صَار إِلَيْهِ الْأَمر عِنْد الشِّيعَة بانتقال الْوَصِيَّة إِلَيْهِ من زيد بن عَليّ وَكَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول بفضله ويجنح إِلَى حَقه فتأدت إِلَيْهِمَا المحنة بِسَبَب ذَلِك أَيَّام أبي جَعْفَر الْمَنْصُور حَتَّى ضرب مَالك على الْفتيا فِي طَلَاق الْمُكْره وَحبس أَبُو حنيفَة على الْقَضَاء وَلما حج الْمَنْصُور أَيَّام أَخِيه السفاح سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ تغيب عَنهُ مُحَمَّد هَذَا وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم وَلم يحضرا عِنْده مَعَ بني هِشَام فَسَأَلَ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ زِيَاد بن عبيد الله الْحَارِثِيّ أَنا آتِيك بهما وَكَانَ مَعَه بِمَكَّة فَرده الْمَنْصُور إِلَى الْمَدِينَة وَلما صَارَت الْخلَافَة إِلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور سعى عِنْده ببني حسن وَأَن مُحَمَّد ابْن عبد الله يروم الْخُرُوج وَأَن دعاته ظَهَرُوا بخراسان فَطَفِقَ يسْأَل عَن مُحَمَّد وَيخْتَص بني هَاشم بالسؤال سرا فكلهم يَقُول إِنَّك ظَهرت على طلبه بِهَذَا الْأَمر فخافك وَيحسن الْعذر عَنهُ إِلَّا الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ فَإِنَّهُ قَالَ وَالله مَا آمن وثوبه عَلَيْك فَإِنَّهُ لَا ينَام عَنْك فَكَانَ مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض يَقُول بعد هَذِه اللَّهُمَّ اطلب الْحسن بن زيد بدمائنا ثمَّ إِن الْمَنْصُور حج سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة وألح على عبد الله بن حسن فِي إِحْضَار ابْنه مُحَمَّد فَاسْتَشَارَ عبد الله بن سُلَيْمَان بن عَليّ فِي إِحْضَاره فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان لَو كَانَ عافياً لعفا عَن عَمه فاستمر عبد الله على الكتمان ثمَّ اسْتعْمل الْمَنْصُور على الْمَدِينَة ريَاح بن عُثْمَان المري فِي رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين فَقدم الْمَدِينَة وتهدد عبد الله الْمَحْض فِي إِحْضَار ابنيه مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم فَقَالَ لَهُ عبد الله إِنَّك لأزرق قيس الْمَذْبُوح فِيهَا كَمَا تذبح الشَّاة فاستشعر ذَلِك ووجم فَقَالَ لَهُ حَاجِبه أَبُو البخْترِي إِن هَذَا مَا اطلع على الْغَيْب فَقَالَ لَهُ وَالله مَا قَالَ هَذَا إِلَّا مَا سمع فَكَانَ كَذَلِك كَمَا سَيذكرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 ثمَّ جد ريَاح فِي طلب مُحَمَّد فَأخْبر أَنه فِي شعاب رضوى من عمل يَنْبع وَهُوَ جبل جُهَيْنَة فَبعث عَامله فِي طلبه فَأَفلَت ثمَّ إِن ريَاح حبس بني حسن وقيدهم وهم عبد الله الْمَحْض وَإِخْوَته حسن وَإِبْرَاهِيم وجعفر وَابْنه مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض وَسليمَان وَعبد الله ابْني أَخِيه دَاوُد وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق ابْني إِبْرَاهِيم بن الْحسن وَلم يحضر مَعَهم أَخُوهُ على العابد ثمَّ حضر من الْغَد وَقَالَ جئْتُك لتحبسني مَعَ قومِي فحبسه وَكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور أَن يحبس مَعَهم مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان الْمَعْرُوف بالديباجة وَكَانَ أَخا عبد الله الْمَحْض لأمه أمهما فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن وَكَانَ عَامل مصر قد عثر على عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَحْض بَعثه أَبوهُ مُحَمَّد النَّفس الزكية إِلَى مصر يَدْعُو لَهُ فَأَخذه عاملها وَبعث بِهِ إِلَى الْمَنْصُور ثمَّ إِن الْمَنْصُور حج سنة أَربع وَأَرْبَعين فَلَمَّا قضى حجه وَخرج إِلَى الرَّبذة وَجَاء ريَاح بن عُثْمَان ليودعه أمره بأشخاص بني حسن وَمن مَعَهم إِلَى الْعرَاق فَأخْرجهُمْ فِي الْقُيُود والأغلال وأركبهم فِي محامل بِغَيْر وطاء وجعفر الصَّادِق يعاينهم من وَرَاء ستر ويبكي وَجَاء مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم مَعَ أَبِيهِمَا يسايرانه مستترين بزِي الْأَعْرَاب ويستأذنانه فِي الْخُرُوج فَيَقُول لَا تعجلا حَتَّى يمكنكما وَإِن منعتما أَن تعيشا كريمين فَلَا تمنعا أَن تموتا كريمين وانتهوا بهم إِلَى الزبذة وأحضر العثماني مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان ابْن عَفَّان الْمَعْرُوف بالديباجة عِنْد الْمَنْصُور فَضَربهُ مائَة وَخمسين سَوْطًا بعد ملاحاة جرت بَينهمَا أغضبت الْمَنْصُور وَيُقَال إِن رياحاً أغرى الْمَنْصُور بِهِ وَقَالَ لَهُ إِن أهل الشَّام شيعته وَلَا يتَخَلَّف مِنْهُم عَنهُ أحد ثمَّ كتب أَبُو عون عَامل خُرَاسَان إِلَى الْمَنْصُور إِن أهل خُرَاسَان ينتظرون مُحَمَّد بن عبد الله الْمَحْض وَأَنه جفل مِنْهُم فَأمر الْمَنْصُور بقتل العثماني وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى خُرَاسَان وَبعث مَعَه من يحلف أَنه رَأس مُحَمَّد بن عبد الله الْمَحْض وَأَن أمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله ثمَّ قدم الْمَنْصُور بهم الْكُوفَة وحبسهم بقصر ابْن هُبَيْرَة وَيُقَال إِنَّه قتل مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن حسن بنى عَلَيْهِ أسطوانة وَهُوَ حَيّ فَمَاتَ ثمَّ مَاتَ بعده عبد الله الْمَحْض ثمَّ عَليّ بن حسن وَيُقَال إِن الْمَنْصُور أَمر بهم فَقتلُوا وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا سُلَيْمَان وَعبد الله ابْنا دَاوُد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 وَإِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل ابْنا إِبْرَاهِيم بن حسن وجعفر بن حسن ثمَّ إِن الْمَنْصُور أرجع رياحاً إِلَى الْمَدِينَة وَأمره بإمعان الطّلب لمُحَمد فوصلها وألح فِي طلب مُحَمَّد وَهُوَ مختف ينْتَقل فِي اختفائه من مَكَان إِلَى مَكَان وَقد أرهقه الطّلب حَتَّى تدلى فِي بِئْر وانغمس فِي مَائِهَا وَحَتَّى سقط ابْنه من جبل فتقطع وَدلّ عَلَيْهِ ريَاح بِالْمَدِينَةِ فَركب فِي طلبه فاختفى عَنهُ وَلم يره وَلما اشْتَدَّ الطّلب عَلَيْهِ أجمع على الْخُرُوج وأغراه أَصْحَابه بذلك وَجَاء الْخَبَر إِلَى ريَاح بِأَنَّهُ اللَّيْلَة خَارج وَحضر الْعَبَّاس بن عبد الله بن الْحَارِث بن الْعَبَّاس وَمُحَمّد بن عمرَان بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَاضِي الْمَدِينَة وَغَيرهمَا وَقَالَ لَهُم أَمِير الْمُؤمنِينَ يطْلب مُحَمَّدًا شَرق الأَرْض وغربها وَهُوَ بَين أظْهركُم وَالله لَئِن خرج ليقتلنكم أَجْمَعِينَ فَأمر القَاضِي بإحضار عشيرته بني زهرَة فَجَاءُوا فِي جمع كثير وأجلسهم بِالْبَابِ ثمَّ أحضر نَفرا من العلويين فيهم جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وحسين بن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ وَحسن بن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ ورجالاً من قُرَيْش وبينما هم عِنْده سمعُوا التَّكْبِير وَقيل خرج مُحَمَّد فَقَالَ ابْن مُسلم بن عقبَة لرياح بن عُثْمَان أطعني وَاضْرِبْ أَعْنَاق هَؤُلَاءِ العلويين فَأبى فَأقبل مُحَمَّد النَّفس الزكية فِي مائَة وَخمسين رجلا وقصدوا السجْن وَأخرج مُحَمَّد بن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي وَابْن أَخِيه وَمن كَانَ مَعَهُمَا مَحْبُوسًا بالظلم وأتى دَار الْإِمَارَة وَهُوَ يُنَادي بالكف عَن الْقَتْل فَدَخَلُوا من بَاب الْمَقْصُورَة وقبضوا على ريَاح بن عُثْمَان عَامل الْمَدِينَة وأخيه عَبَّاس وَابْن مُسلم بن عقبَة وحبسهم ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَخَطب النَّاس وَذكر الْمَنْصُور بِمَا نقمه عَلَيْهِ ووعد النَّاس واستنصرهم وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة عُثْمَان بن مُحَمَّد بن خَالِد بن الزبير وَعلي قَضَائهَا عبد الْملك بن عبد الْمطلب بن عبد الله المَخْزُومِي وَلم يتَخَلَّف عَن مُحَمَّد ابْن الْمَحْض من وُجُوه النَّاس إِلَّا نفر قَلِيل مِنْهُم خبيب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير واستفتى أهل الْمَدِينَة مَالِكًا فِي الْخُرُوج مَعَ مُحَمَّد وَقَالُوا فِي أعناقنا بيعَة الْمَنْصُور فَقَالَ الإِمَام مَالك إِنَّمَا بايعتم مكرهين فَتسَارع النَّاس إِلَى مُحَمَّد وَلزِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 مَالك بَيته وَأرْسل مُحَمَّد الْمَذْكُور إِلَى إِسْمَاعِيل عبد الله بن جَعْفَر يَدعُوهُ إِلَى بيعَته وَكَانَ شَيخا كَبِيرا فَقَالَ أَنْت وَالله يَابْنَ أخي مقتول فَكيف أُبَايِعك فَرجع النَّاس عَنهُ قَلِيلا قَلِيلا وأسرع بَنو مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر إِلَى مُحَمَّد فَجَاءَت أختهم حمادة إِلَى عَمها إِسْمَاعِيل وَقَالَت يَا عَم إِن مَقَالَتك ثبطت النَّاس عَن مُحَمَّد وإخوتي مَعَه فأخشى أَن يقتلُوا فطردها فَيُقَال إِنَّهَا غَدَتْ عَلَيْهِ فَقتلته وَلما اسْتَوَى أَمر مُحَمَّد بن الْمَحْض الْمَذْكُور ركب رجل من آل أويس بن أبي سرح اسْمه الْحُسَيْن بن صَخْر وَجَاء إِلَى الْمَنْصُور فِي تسع وَخَبره الْخَبَر فَقَالَ أَنْت رَأَيْته قَالَ نعم وكلمته على مِنْبَر رَسُول الله ثمَّ تتَابع الْخَبَر وأشفق الْمَنْصُور من أمره فَاسْتَشَارَ أهل بَيته ودولته فَبعث إِلَى عَمه عبد الله وَهُوَ مَحْبُوس يستشيره فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يقْصد الْكُوفَة فَإِنَّهُم شيعَة أهل الْبَيْت فَيملك عَلَيْهِم أَمرهم ويحفها بالمسالح حَتَّى يعرف الدَّاخِل وَالْخَارِج ويستدعي سَالم بن قُتَيْبَة من الرّيّ فيحشد مَعَه كَافَّة أهل الشَّام ويبعثه وَأَن يثبت الْعَطاء فِي النَّاس فَخرج الْمَنْصُور إِلَى الْكُوفَة وَتَبعهُ عبد الله بن الرّبيع بن عبيد الله بن عبد المدان وَلما قد الْكُوفَة أرسل إِلَى بديل بن يحيى وَكَانَ السفاح يشاوره فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يشحن الأهواز بالجنود وَأَشَارَ عَلَيْهِ جَعْفَر بن حَنْظَلَة البهراني بِأَن يبْعَث الْجند إِلَى الْبَصْرَة فَلَمَّا ظهر إِبْرَاهِيم أَخُو مُحَمَّد الْمَذْكُور بِتِلْكَ النَّاحِيَة تبين وَجه إشارتهما وَقَالَ الْمَنْصُور لجَعْفَر بن حَنْظَلَة كَيفَ خفت الْبَصْرَة قَالَ لِأَن أهل الْمَدِينَة لَيْسُوا أهل حَرْب حسبهم أنفسهم وَأهل الْكُوفَة تَحت قدمك وَأهل الشَّام أَعدَاء الطالبيين وَلم يبْق إِلَّا أهل الْبَصْرَة ثمَّ إِن الْمَنْصُور كتب إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله الْمَحْض الْمَذْكُور كتاب أَمَان فَأجَاب عَنهُ بِالرَّدِّ والتعريض بِأُمُور فِي الْأَنْسَاب وَالْأَحْوَال فَأَجَابَهُ الْمَنْصُور بِمثل ذَلِك وانتصف كل مِنْهُمَا لنَفسِهِ بِمَا يَنْبَغِي الْإِعْرَاض عَنهُ مَعَ أَنَّهُمَا صَحِيحَانِ مرويان وذكرهما الْمبرد فِي كَامِله فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِمَا فليلتمسهما فِي أماكنهما ذكر جَمِيع هَذَا الْعَلامَة ابْن خلدون فِي كِتَابه الْمُسَمّى كتاب العبر وديوان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي دولة الْعَرَب والعجم والبربر قلت قد أَحْبَبْت ذكرهمَا تجميلأ للجامع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 الْقَاصِر وتكميلاً يكون فِيهِ شِفَاء الخاطر قَالَ لِسَان الْأَدَب وترجمان الْعَرَب أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد الشهير بالمبرد فِي كِتَابه الْمُسَمّى الْكَامِل وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة اشْتَدَّ الطّلب على مُحَمَّد النَّفس الزكية خرج بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَبعث أَخَاهُ إِبْرَاهِيم إِلَى الْبَصْرَة دَاعيا لَهُ فغلب عَلَيْهَا وعَلى الأهواز وَفَارِس وَبعث الْحسن بن مُعَاوِيَة أَو مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة من أَوْلَاد جَعْفَر بن أبي طَالب إِلَى مَكَّة فملكها وَبعث عَاملا إِلَى الْيمن فملكه ودعا لنَفسِهِ وخطب على منبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ يَدعِي بِالنَّفسِ الزكية وتلقب بالمهدي وَحبس ريَاح بن عُثْمَان المري عَامل الْمَدِينَة للمنصور وَبلغ الْخَبَر إِلَى الْمَنْصُور بذلك فَكتب إِلَيْهِ كتابا نَصه بعد الْبَسْمَلَة من عبد الله عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله أما بعد ف {إِنَّماً جزوا الذَّينَ يُحَارِبونَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيسَعونَ فِي اَلأرَضِ فَسَاداً} إِلَى {غَفُورٌ رحِيم} الْمَائِدَة 33: 34 وَلَك ذمَّة الله وَعَهده وميثاقه وَحقّ نبيه مُحَمَّد إِن تبتَ من قبل أَن نقدر عَلَيْك أَن أؤمنك على نَفسك وولدك وإخوتك وَمن بَايَعَك وَجَمِيع شيعتك وَأَن أُعْطِيك ألف ألف دِرْهَم وأنزلك من الْبِلَاد حَيْثُ شِئْت وأقضى لَك مَا شِئْت من الْحَاجَات وَأطلق من فِي سجني من أهل بَيْتك وشيعتك وأنصارك ثمَّ لَا أتتبع أحدا مِنْكُم بمكروه وَإِن شِئْت أَن تتوثق لنَفسك فَوجه إِلَى من يَأْخُذ لَك الْمِيثَاق والعهد والأمان إِن أَحْبَبْت وَالسَّلَام فَأَجَابَهُ مُحَمَّد الْمهْدي بِكِتَاب نَصه بعد الْبَسْمَلَة من عبد الله مُحَمَّد الْمهْدي أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى عبد الله بن مُحَمَّد أما بعد {طسم تِلْكَ ءايت الْكتب المُبِينِ نَتلُوا عَلَيكَ مِن نَّباً مُوسى وَفِرعَونَ بِالْحَقِّ لقوم يُؤمنُونَ إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض} إِلَى {يحذرون} الْقَصَص 1: 6 وَأَنا أعرض عَلَيْك من الْأمان مثل الَّذِي أَعْطَيْتنِي فقد تعلم أَن الْحق حَقنا وأنكم إِنَّمَا أعطيتموه بِنَا ونهضتم فِيهِ بشيعتنا وخطبتموه بفضلنا وَإِن أَبَانَا عليا عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 السَّلَام كَانَ الْوَصِيّ وَالْإِمَام فَكيف ورثتموه دُوننَا وَنحن أَحيَاء وَقد علمْتُم أَنه لَيْسَ أحد من بني هَاشم يمت بِمثل فضلنَا وَلَا يفخر بِمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا وسببنا وَإِنَّا بَنو أم رَسُول الله فَاطِمَة بنت عَمْرو فِي الْجَاهِلِيَّة دونكم وَبَنُو ابْنَته فَاطِمَة فِي الْإِسْلَام من بَيْنكُم فَأَنا أَوسط بني هَاشم نسبا وَخَيرهمْ أما وَأَبا لم تلدني الْعَجم وَلم تعرق بِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَإِن الله عز وَجل لم يزل يخْتَار لنا فولدني من النَّبِيين أفضلهم مُحَمَّد وَمن أَصْحَابه أقدمهم إسلاماً وأوسعهم علما وَأَكْثَرهم جهاداً عَليّ بن أبي طَالب وَمن نِسَائِهِ أفضلهن خَدِيجَة بنت خويلد أول من آمن بِاللَّه وَصلى إِلَى الْقبْلَة وَمن بَنَاته أفضلهن وسيدة نسَاء أهل الْجنَّة وَمن المولودين فِي الْإِسْلَام الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة ثمَّ قد علمت أَن هاشماً ولد عليا مرَّتَيْنِ وَأَن عبد الْمطلب ولد الْحسن مرَّتَيْنِ وَأَن رَسُول الله ولدني مرَّتَيْنِ من قبل جدي الْحسن وَالْحُسَيْن سَيِّدي شباب أهل الْجنَّة فَمَا زَالَ الله يخْتَار لي حَتَّى اخْتَار لي فِي النَّار فولدني أرفع النَّاس دَرَجَة فِي الْجنَّة وأهون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة فَأَنا ابْن خير الْأَخْبَار وَابْن خير الأشرار وَابْن خير أهل الْجنَّة وَابْن خير أهل النَّار وَلَك عهد إِن دخلت فِي بيعتي أَن أؤمنك على نَفسك وولدك وكل مَا أصبته إِلَّا حدا من حُدُود الله تَعَالَى أَو حَقًا لمُسلم أَو معاهد فقد علمت مَا يلزمك فِي ذَلِك فَأَنا أوفى بالعهد مِنْك وَأَنت أَحْرَى بقبلول الْأمان مني إِلَيْك وَأما أمانك الَّذِي عرضت عَليّ فَأَي الْأَمَانَات هُوَ أَمَان ابْن هُبَيْرَة أم أَمَان عمك عبد الله بن عَليّ أم أَمَان أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي وَالسَّلَام فَأَجَابَهُ الْمَنْصُور بقوله بعد الْبَسْمَلَة من عبد الله عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله اْما بعد فقد أَتَانِي كتابك وَبَلغنِي كلامك فَإِذا جلّ فخرك بِالنسَاء لتضل بِهِ الجفاة والغوغاء وَلم يَجْعَل الله النِّسَاء كالعمومة وَلَا الْآبَاء كالعصبة والأولياء وَقد جعل الله الْعم أَبَا وَبَدَأَ بِهِ على الْوَلَد الْأَدْنَى فَقَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ عَن نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَاتَّبَعت مِلَّة ءاباءى إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعقُوب} يُوسُف 38 وَلَقَد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 علمت أَن الله تبَارك وَتَعَالَى بعث مُحَمَّدًا وعمومته أَرْبَعَة فَأَجَابَهُ اثْنَان أَحدهمَا أبي وَكفر اثْنَان أَحدهمَا أَبوك وَأما مَا ذكرت من النِّسَاء وقرابتهن فَلَو أعطين على قدَر الْأَنْسَاب وَحقّ الأحساب لَكَانَ الْخَيْر كُله لآمنة بنت وهب وَلَكِن الله يخْتَار لدينِهِ من يَشَاء من خلقه وَأما مَا ذكرت عَن فَاطِمَة بنت عَمْرو أم أبي طَالب فَإِن الله لم يهد أحدا من وَلَدهَا إِلَى الْإِسْلَام وَلَو فعل لَكَانَ عبد الله بن عبد الْمطلب أَوْلَادهم بِكُل خير فِي الْآخِرَة وَالْأولَى وأسعدهم بِدُخُول الْجنَّة وَلَكِن الله أَبى ذَلِك فَقَالَ {إنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يشاءُ} الْقَصَص 56 وَأما مَا ذكرت من فَاطِمَة بنت أَسد أم عَليّ بن أبي طَالب وَفَاطِمَة أم الْحسن وَالْحُسَيْن وَأَن هاشماً ولد عليا مرَّتَيْنِ وَأَن عبد الْمطلب ولد الْحسن مرَّتَيْنِ فَخير الْأَوَّلين والآخرين رَسُول الله لم يلده هَاشم إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَلم يلده عبد الْمطلب إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَأما مَا ذكرت من أَنَّك ابْن رَسُول الله فَإِن الله قد أَبى ذَلِك لَهُ فَقَالَ {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِجَالِكُمْ وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النبين} الْأَحْزَاب 40 وَلَكِنَّكُمْ بَنو ابْنَته وَإِنَّهَا لقرابة قريبَة غير أَنَّهَا امْرَأَة لَا تحوز الميرات وَلَا يجوز أَن تؤم فَكيف تورث الْإِمَامَة من قبلهَا وَلَقَد طلب بهَا أَبوك من كل وَجه فأخرجها تخاصم ومرّضها سرا ودفنها لَيْلًا وأبى النَّاس إِلَّا تَقْدِيم الشَّيْخَيْنِ وَلَقَد حضر أَبوك وَفَاة رَسُول الله فَأمر بِالصَّلَاةِ غَيره ثمَّ أَخذ النَّاس رجلا رجلا فَلم يَأْخُذُوا أَبَاك فيهم ثمَّ كَانَ فِي أَصْحَاب الشورى فَكل دَفعه عَنْهَا بَايع عبد الرَّحْمَن عُثْمَان وَقبلهَا عُثْمَان وَحَارب أَبَاك طَلْحَة وَالزُّبَيْر ودعا سَعْدا إِلَى بيعَته فأغلق بَابه دونه ثمَّ بَايع مُعَاوِيَة بعده وأفضى أَمر جدك إِلَى أَبِيك الْحسن فسلمه إِلَى مُعَاوِيَة بخرق ودراهم وَأسلم فِي يَدَيْهِ شيعته وَخرج إِلَى الْمَدِينَة وَدفع الْأَمر إِلَى غير أَهله وَأخذ مَالا من غير حلّه فَإِن كَانَ لكم فِيهَا شىء فقد يعتموه وَأما قَوْلك إِن الله أخْتَار لَك فِي الْكفْر فَجعل أَبَاك أَهْون أهل النَّار عذَابا فَلَيْسَ فِي الشَّرّ خِيَار وَلَا من عَذَاب الله هَين وَلَا يَنْبَغِي لمُسلم يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يفتخر بالنَّار وسترد فتعلم {وَسيعلَمُ اَلذينَ ظلَمُوا} الشُّعَرَاء 227 الْآيَة وَأما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 قَوْلك لم تلدني الْعَجم وَلم تعرق فِيك أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَأَنَّك أَوسط بني هَاشم نسبا وَخَيرهمْ أما وَأَبا فقد رَأَيْتُك فخرت على بني هَاشم طراً وقدمت نَفسك على من هُوَ خير مِنْك أولى وَأُخْرَى وأصلاً وفصلاً فخرت على إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله وعَلى والدِ وَلَده فَانْظُر وَيحك أَيْن تكون من الله غَدا وَمَا ولد فِينَا مَوْلُود بعد وَفَاة رَسُول الله أفضل من عَليّ بن الْحُسَيْن وَهُوَ لأم ولد وَلَقَد كَانَ خيرا من جدك حسن بن حسن ثمَّ ابْنه مُحَمَّد بن عَليّ خير من أَبِيك عبد الله وجدته أم ولد ثمَّ ابْنه جَعْفَر الصَّادِق وَهُوَ خير مِنْك وَلَقَد علمت أَن جدك عليا حكم الْحكمَيْنِ وأعطاهما عهد الله وميثاقه على الرِّضَا بِمَا حكما بِهِ فأجمعا على خلعه ثمَّ خرج عمك الْحُسَيْن بن عَليّ فحاربه ابْن مرْجَانَة وَكَانَ النَّاس الَّذين مَعَه عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ ثمَّ أَتَوا بكم على الأقتاب كالسبي المجلوب إِلَى الشَّام ثمَّ خرج مِنْكُم غير وَاحِد فقتلتكم بَنو أُميَّة وحرقوكم بالنَّار وصلبوكم على جُذُوع النّخل حَتَّى خرجنَا عَلَيْهِم فَأَدْرَكنَا بثأركم إِذْ لم تدركوه ورفعنا أقداركم وأورثناكم أَرضهم وديارهم بعد أَن كَانُوا يلعنون أَبَاك فِي أدبار كل صَلَاة مَكْتُوبَة كَمَا تلعن الْكَفَرَة فعفناهم وكفرناهم وَبينا فَضله وأشدنا بِذكرِهِ فاتخذت ذَلِك علينا حجَّة وظننت أَنا بِمَا ذكرنَا من فضل عَليّ أَنا قدمْنَاهُ على حَمْزَة وَالْعَبَّاس وجعفر كل أُولَئِكَ مضوا سَالِمين مُسلما مِنْهُم وابتلي أَبوك بالدماء وَقد علمت أَن مآثرنا فِي الْجَاهِلِيَّة سِقَايَة الْحَاج الْأَعْظَم وَولَايَة زَمْزَم وَكَانَت للْعَبَّاس دون إخْوَته فنازعنا فيهمَا أَبوك إِلَى عمر فَقضى لنا عمر بهما وَتُوفِّي رَسُول الله وَلَيْسَ أحد من عمومته حَيا إِلَّا الْعَبَّاس فَكَانَ وَارثه دون بني عبد الْمطلب وَطلب الْخلَافَة غير وَاحِد من بني هَاشم فَلم ينلها إِلَّا وَلَده فَاجْتمع للْعَبَّاس أَنه أَبُو رَسُول الله خَاتم النَّبِيين وَبَنوهُ القادة الْخُلَفَاء فقد ذهب بِفضل الْقَدِيم والْحَدِيث وَلَوْلَا أَن الْعَبَّاس أخرج إِلَى بدر كرها لمات عماك طَالب وَعقيل جوعا أَو يلحسا جفان عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة فَأذْهب عَنْهُمَا الْعَار والشنار وَلَقَد جَاءَ الْإِسْلَام وَالْعَبَّاس يمون أَبَا طَالب للأزمة الَّتِي أَصَابَتْهُم ثمَّ فدى عقيلاً يَوْم بدر فقدمناكم فِي الْكفْر وفديناكم من الْأسر وورثنا دونكم خَاتم الْأَنْبِيَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وحزناً شرف الْآبَاء وأدركنا من ثأركم إِذْ عجزتم عَنهُ ومنعناكم حَيْثُ لم تمنعوا أَنفسكُم وَالسَّلَام ثمَّ عقد أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور على حربه لعيسى ابْن عَمه مُوسَى بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس فَسَار فِي الْجنُود وَمَعَهُ مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس السفاح وَكثير بن حُصَيْن الْعَبْدي وَحميد بن قخطبة وهزار مرد وَغَيرهم وَهَؤُلَاء المذكورون كل رجل مِنْهُم مَذْكُور فِي مقاتلة ألف مَشْهُور مخبور وَقَالَ لَهُ إِن ظَفرت بِمُحَمد فأغمد سَيْفك وابذل لَهُ الْأمان وَإِن تغيب فَخدَّ أهل الْمَدِينَة بِهِ فَإِنَّهُم يعْرفُونَ مذاهبه وَمن لقيك من آل أبي طَالب فعرفني بِهِ وَمن لم يلقك فاقبض مَاله وَكَانَ جَعْفَر الصَّادِق فِيمَن تغيب فَقبض مَاله وَيُقَال إِن الْمَنْصُور لما قدم الْمَدِينَة بعد ذَلِك طلبه جَعْفَر بِالْمَالِ فَقَالَ الْمَنْصُور قَبضه مهديكم وَلما وصل عِيسَى بن مُوسَى إِلَى زيد كتب إِلَى نفر من أهل الْمَدِينَة يستدعيهم وَاسْتَشَارَ مُحَمَّد الْمهْدي أَصْحَابه فِي الْمقَام بِالْمَدِينَةِ ثمَّ فِي الخَنْدَق عَلَيْهَا فآثر ذَلِك اقْتِدَاء برَسُول الله فحفر الخَنْدَق الَّذِي حفره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للأحزاب وَنزل عِيسَى بن مُوسَى بالأعوص وَكَانَ مُحَمَّد قد منع النَّاس من الْخُرُوج فَخَيرهمْ فَخرج كثير مِنْهُم بأهليهم إِلَى الْجبَال وَبَقِي فِي شرذمة قَليلَة ثمَّ تدارك أمره وَأمر بردهمْ فأعجزوه وَنزل عِيسَى بن مُوسَى على أَرْبَعَة أَمْيَال من الْمَدِينَة وَبعث عسكراً إِلَى طَرِيق مَكَّة يعترضون مُحَمَّدًا أَن ينهزم إِلَى مَكَّة واْرسل إِلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ وَالدُّعَاء إِلَى الْكتاب وَالسّنة ويحذره عَاقِبَة الْبَغي فَقَالَ إِنَّمَا أانا رجل فَرَرْت من الْقَتْل ثمَّ نزل عِيسَى ابْن مُوسَى بالجرف لثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ ثمَّ وقف على سلع ونادى بالأمان لأهل الْمَدِينَة وَأَن يخلوا بَينه وَبَين صَاحبه فَشَتَمُوهُ فَانْصَرف وَعَاد من الْغَد وَقد فرق القواد من سَائِر جِهَات الْمَدِينَة وبرز مَعَ أَصْحَابه ورايته مَعَ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن خَالِد بن الزبير وأبلى مُحَمَّد الْمهْدي يَوْمئِذٍ بلَاء عَظِيما وَقتل بِيَدِهِ سبعين رجلا ثمَّ أَمر عِيسَى بن مُوسَى حميد بن قَحْطَبَةَ فَتقدم فِي مائَة من الرجالة إِلَى حَائِط دون الخَنْدَق فهدمه واجتاز الخَنْدَق وقاتلوا من وَرَائه وصابرهم أَصْحَاب مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 إِلَى الْعَصْر ثمَّ أَمر عِيسَى أَصْحَابه فردموا الخَنْدَق بالحقائب ونصبوا عَلَيْهِ الْأَبْوَاب وَجَازَت الْخَيل فَاقْتَتلُوا وَانْصَرف مُحَمَّد فاغتسل وتحنط ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَهُ عبد الله بن جَعْفَر لَو أتيت الْحسن بن مُعَاوِيَة يَعْنِي عَامله الَّذِي أرْسلهُ إِلَى مَكَّة فَإِن مَعَه جلّ أَصْحَابك وَلَيْسَ لَك بهؤلاء طَاقَة فَقَالَ أترك أهل الْمَدِينَة يقتتلون وَالله لَا أفعل أَو أقتل وَأَنت مني فِي سَعَة فَمشى مَعَه قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ وافترق عَنهُ جلّ أصجابه وَبَقِي فِي ثَلَاثمِائَة أَو نَحْوهَا فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه نَحن فِي عدَّة أهل بدر ثمَّ جمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَمضى فَأحرق الدِّيوَان الَّذِي فِيهِ أَسمَاء من بَايعه وَجَاء إِلَى السجْن فَقتل ريَاح بن عُثْمَان عَامل الْمَدِينَة قبله من قبل الْمَنْصُور وأخاه عباساً وَتقدم مُحَمَّد إِلَى بطن سلع وَمَعَهُ بَنو شُجَاع من الحمس فعرقبوا دوابهم وكسروا جفون سيوفهم واستماتوا وهزموا أَصْحَاب عِيسَى مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَصعد نفر من أَصْحَاب عِيسَى الْجَبَل فانحدروا مِنْهُ إِلَى الْمَدِينَة وَرفع بعض نسْوَة آل الْعَبَّاس خماراً لَهُنَّ أسود على مَنَارَة الْمَسْجِد فَلَمَّا رَاه أَصْحَاب مُحَمَّد وهم يُقَاتلُون هربوا وَفتح بَنو غفار طَرِيقا لأَصْحَاب عِيسَى فَجَاءُوا من وَرَاء أَصْحَاب مُحَمَّد ودعا مُحَمَّد حميد بن قَحْطَبَةَ للبراز فَأبى ونادى ابْن خفير عَن أَصْحَاب مُحَمَّد بالأمان فَلم يصغ إِلَيْهِ وَكَثُرت فِيهِ الْجراحَة ثمَّ قتل وَقَاتل مُحَمَّد عَليّ شلوه يهذ النَّاس عَنهُ هَذَا حَتَّى ضرب فَسقط لركبته فطعنه ابْن قَحْطَبَةَ فِي صَدره ثمَّ أَخذ رَأسه فَأتى بِهِ عِيسَى فَبَعثه إِلَى الْمَنْصُور وَأرْسل مَعَه رُءُوس بني شُجَاع وَكَانَ قَتله منتصف رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَأرْسل عِيسَى الألوية فَنصبت بِالْمَدِينَةِ بالأمان وصلب مُحَمَّد وَأَصْحَابه مَا بَين ثنية الْوَدَاع وَالْمَدينَة واستأذنت أُخْته فِي دَفنه فدفتته بِالبَقِيعِ وقبره مَشْهُور عَلَيْهِ قبَّة يزار بهَا رَحمَه الله تَعَالَى عمره اثْنَان وخسمون سنة وَقيل خمس وأريعون ثمَّ قَامَ أَخُوهُ إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط وَكَانَ قِيَامه بِالْبَصْرَةِ قد أرْسلهُ أَخُوهُ مُحَمَّد النَّفس الزكية إِلَيْهَا فاستولى عَلَيْهَا فَبَلغهُ الْخَبَر بمقتل أَخِيه يَوْم الْعِيد غرَّة شهر شَوَّال سنة خمس وَأَرْبَعين فَخَطب النَّاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 ونعاه إِلَيْهِم وَأنْشد // (من الطَّوِيل) // (سَأَبْكِيكَ بالِبيضِ القَوَاضِبِ والقَنَا ... فَإنَّ بِهَا مَا يُدْرِكُ الطالبُ الوتْرا) (ولَسْتُ كمَنْ يَبْكِي أَخَاهُ بعَبْرَةٍ ... يُعَصِّرها مِنْ جَفْنِ مُقْلَتِهِ عَصْرا) فَبَايعُوهُ بِالْإِمَامَةِ وَاسْتولى على وَاسِط والأهواز وكورها وَمَا والاها من بِلَاد فَارس ونهض لقِتَال الْمَنْصُور وَكَانَ يُلَاحظ آخرته أَكثر من دُنْيَاهُ فَالتقى الْجَمْعَانِ ب باخمر من أَرض الأهواز فَجَاءَهُ سهم غرب وَحمل عَلَيْهِ جند الْمَنْصُور وحزوا رَأسه وأرسلوه إِلَى الْمَنْصُور وَكَانَ قَتله غرَّة ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وعمره ثَمَان وَسِتُّونَ سنة وَقيل وخسمون ثمَّ قَامَ إِبْرَاهِيم الْغمر بن الْحسن الْمثنى أَخُو عبد الله الْمَحْض بعد قتل ابْني أَخِيه مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم فعاجله الْمَنْصُور قبل أَن يستحكم أمره فَأسرهُ وحبسه مَعَ إخْوَته وَأهل بَيته وَمَات فِي الْحَبْس وَكَانَ قِيَامه آخر سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة عمره سبع وَسِتُّونَ سنة ثمَّ قَامَ الْحسن بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط فِي أَيَّام الْمَنْصُور أَيْضا وَكَانَ بِالْبَصْرَةِ مستتراً وَأرْسل دعاته مِنْهَا إِلَى كل نَاحيَة فسعى بِهِ إِلَى الْمَنْصُور قر بن جلال الْأَزْدِيّ فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وَأرْسل رجلا مَعَه يُقَال لَهُ مرعيد النَّصْرَانِي فِي جمَاعَة من الأعوان وَكتب إِلَى عَامله بالبصره بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فِيمَا يُشِير بِهِ مرعيد فَدخل فِي زِيّ أهل الصّلاح مظْهرا للتشيع وَالْعِبَادَة وَمضى قر إِلَى الْحسن وَأخْبرهُ بقدوم رجل صَالح فِي وَصفه ثمَّ عرف قرين بَين مرعيد وَبَين شيعَة الْحسن فَرَأَوْا نُسكه وصلاحه فأنسوا بِهِ وَجعل الشِّيعَة تصف صَلَاح حَاله لِلْحسنِ حَتَّى أحب لقاءه ومرعيد مَعَ ذَلِك يحسن صلَة الْحسن بالأموال وَيُرْسل الْجِيرَان يَسْتَعِين بهم فِي أمره وَوَصفه وَكلما كتب إِلَيْهِ الْحسن كتاباُ قبله وَوَضعه على رَأسه وَعَيْنَيْهِ وَأكل خَاتمه يظْهر أَنه يُرِيد التَّبَرُّك بِهِ إِلَى أَن قَالَت لَهُ الشِّيعَة إِن الْحسن يَشْتَهِي لقاءك فَقَالَ لَهُم أخْشَى من اشتهار أَمْرِي وَلَكِن أَنا فِي حجرَة فَلَو جَاءَنِي مَعَ هَذَا وَأَوْمَأَ إِلَى قرين رَجَوْت أَن يكون الْأَمر مَسْتُورا فأجابته الشِّيعَة إِلَى ذَلِك وَعمد مرعيد فَهَيَّأَ الْقَيْد وَالرِّجَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 فخبأهم فِي مَجْلِسه فَلَمَّا وصل قيدوه وَحمل بساعته إِلَى الْمَنْصُور فَلَمَّا أوصلوه إِلَيْهِ أَمر بحبسه وغيبه ثمَّ آل أمره إِلَى أَن مَاتَ بالسم فِي حَبسه سنة نَيف وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ قَامَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور أَيْضا عبد الله الأشتر ابْن مُحَمَّد النَّفس الزكية بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ ظُهُوره بالسند لِأَنَّهُ هرب بعد قتل أَبِيه إِلَيْهِ وَبَقِي بالسند بِأَرْض كابل يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام لأَنهم كَانُوا مشتركين فَأسلم على يَده خلق كثير وَكَانَ على السَّنَد من جِهَة الْمَنْصُور هِشَام بن عَمْرو التغلبي فَوَقع بَينهمَا قتال كثير قدر خمسين وقْعَة فِي سنة وَاحِدَة وَقتل هُنَاكَ ظلما وَكَانَ قِيَامه سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقتل سنة إِحْدَى وَخمسين وعمره ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة ثمَّ قَامَ الْحسن بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط فِي الْبَصْرَة أَيَّام الْمهْدي بن الْمَنْصُور وتوارى لقلَّة أَصْحَابه إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ قَامَ عِيسَى بن زيد بن على زين العابدين فِي أَيَّام الْمهْدي فَبَايعهُ أهل الْكُوفَة وَأهل الْبَصْرَة والأهواز ووردت عَلَيْهِ بيعَة أهل الْحجاز وَهُوَ متوارٍ وَاشْتَدَّ الطّلب لَهُ من الْمَنْصُور وَأخذ النَّاس على الظنة فاستتر عِيسَى بالأهواز وَأكْثر مقَامه بهَا فِي زمن الْمَنْصُور فَلَمَّا ولي الْأَمر الْمهْدي أظهر نَفسه فَدس إِلَيْهِ الْمهْدي رجلا من أَصْحَابه قيل إِنَّه أعطَاهُ مِقْدَار مِائَتي ألف دِينَار فسمه فِي طَعَامه وَهُوَ بسواد الْكُوفَة مِمَّا يَلِي الْبَصْرَة فَمَاتَ فجر الْيَوْم الثَّالِث وَدفن سرا وَلَا يعرف قَبره وَكَانَ قِيَامه سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة ووفاته سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة عمره سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة ثمَّ قَامَ عَليّ بن الْعَبَّاس بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط فِي أَيَّام الْمهْدي أَيْضا بِبَغْدَاد فيايعه جمَاعَة سرا وهم بالانتقال من بَغْدَاد إِلَى غَيرهَا من الْبِلَاد ققبضه الْمهْدي قبل استحكام أمره وحبسه فَلم يزل فِي حَبسه إِلَى أَن وَفد عَلَيْهِ الْحُسَيْن بن عَليّ الفخي الْآتِي ذكره بعده فَكلم الْمهْدي فِيهِ واستوهبه مِنْهُ فوهبه لَهُ ثمَّ دس لَهُ شربة سم فَلم يزل يعْمل فِيهِ السم حَتَّى قدم الْمَدِينَة فتفسخ لَحْمه وتباينت أعضاؤه بعد دُخُول الْمَدِينَة بِثَلَاثَة أَيَّام وَمَات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 ثمَّ قَامَ الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن المثلث بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط أَيَّام الْهَادِي بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ وجده الْحسن المثلث أَخُو عبد الله الْمَحْض بُويِعَ بِالْمَدِينَةِ وخطب على منبرها وهرب عاملها فَلَمَّا اسْتَقر أمره بِالْمَدِينَةِ وَصَارَ إِلَى مَكَّة كتب الْهَادِي إِلَى مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ وَقد كَانَ قدم حَاجا من الْبَصْرَة فولاه حربه فَقتله بفخ على ثَلَاثَة أَمْيَال من مَكَّة بل دونهَا فتقاتلوا يَوْم التَّرويَة فَقتل الْحُسَيْن فِي أَكثر من مائَة من أَصْحَابه وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْيَسِير كَانُوا بَين الْقَتْلَى إِلَى أَن جن عَلَيْهِم اللَّيْل هربوا وَدفن الْحُسَيْن وَأَصْحَابه هُنَالك وقبره مَشْهُور يزار إِلَى الْآن فِي بِنَاء على يَمِين الدَّاخِل إِلَى مَكَّة من وَادي مر وَحمل رَأسه إِلَى الْهَادِي مُوسَى بن الْمهْدي العباسي فَلم يحمد ذَلِك وَكَانَ الْحُسَيْن هَذَا شجاعاً جواداً كَرِيمًا يحْكى أَن الْمهْدي أعطَاهُ لما قدم عَلَيْهِ ألف دِينَار ففرقها فِي النَّاس بِبَغْدَاد والكوفة وَخرج لَا يملك مَا يلْبسهُ إِلَّا فَرْوَة لَيْسَ تحتهَا قَمِيص رَحمَه الله وَغفر لَهُ وَأعَاد علينا من بركاته روى أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي مقَاتل الطالبيين بِإِسْنَادِهِ إِلَى النَّبِي قَالَ انْتهى رَسُول الله إِلَى فخ فصلى بِأَصْحَابِهِ ثمَّة صَلَاة الْجَنَائِز ثمَّ قَالَ تقتل هَهُنَا رجال من أهل بَيْتِي وعصابة من الْمُسلمين تنزل لَهُم أكفان وحنوط من الْجنَّة تسبق أوراحهم إِلَى الْجنَّة أجسادَهم وَكَانَ عمره حِين قتل إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة ثمَّ قَامَ يحيى بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فِي زمَان الْهَادِي أَيْضا بعد أَن نجا من وقْعَة الفخ فجال فِي الْبلدَانِ وَلم يقر بمَكَان وَآخر الْأَمر اسْتَقر بجبل الديلم وَكَانَ إِذا ذَاك فِي زمَان هَارُون الرشيد فسرح الرشيد لحربه الْفضل بن يحيى الْبَرْمَكِي فَبلغ الْفضل إِلَى الطالقان وتلطف فِي استنزال يحيى بن عبد الله من بِلَاد الديلم على أَن يشْتَرط مَا أحب وَيكْتب لَهُ الرشيد بذلك خطه فتم بَينهمَا ذَلِك وَجَاء بِهِ الْفضل فوفي لَهُ الرشيد بِكُل مَا أحبه وأجرى لَهُ أرزاقاً سنية حَسَنَة ثمَّ توجه يحيى بِإِذْنِهِ إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ استرجعه هَارُون الرشيد من الْمَدِينَة إِلَى بَغْدَاد بسعاية كَانَت فِيهِ من بعض آل الزبير فَيُقَال إِنَّه لما حلف الزبيرِي بِتِلْكَ الْيَمين الَّتِي فِيهَا الْبَرَاءَة من حول الله وقوته والالتجاء إِلَى الْحول وَالْقُوَّة وَمَات الزبيرِي بعد الثَّلَاثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 الْأَيَّام أطلق الرشيد يحيى وَوَصله بِمَال ثمَّ بعد ذَلِك بمديدة أظهر لَهُ ذَلِك أَنه قد صَحَّ عِنْده أَنه يطْلب النَّاس سرّاً إِلَى بيعَته فَكلم الرشيد الْفُقَهَاء فِيمَا أعطَاهُ من الْأمان فَمنهمْ من أثْبته وَمِنْهُم من نقضه ثمَّ آخر الْأَمر أرْسلهُ الى الْحَبْس فَمَاتَ بعد شهر من اعتقاله فِي الْحَبْس وَاخْتلف فِي مَوته فَقيل خنقوه وَقيل بنوا عَلَيْهِ وَقيل سموهُ وَقيل قَتَلُوهُ بِالْجُوعِ وَيُقَال أطلقهُ الْفضل بن يحيى افتئاتاً على الرشيد فَكَانَ ذَلِك سَبَب نكبة البرامكة وَالله أعلم أيا كَانَ ذَلِك قلت ذكر المَسْعُودِيّ أَن هَذِه المباهلة بِهَذِهِ الْيَمين وَقعت مَعَ الزبير نَفسه منسوبة إِلَى مُوسَى الكاظم مَعَه وَالله أعلم من أَيهمَا كَانَت كَانَ قيام يحيى سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة ثمَّ قَامَ من بعده أَخُوهُ إِدْرِيس بن عبد الله الْمَحْض وَذَلِكَ أَنه لما أفلت وَنَجَا من وَاقعَة الْحُسَيْن الفخي لحق بِمصْر إِلَى الغرب وعَلى بريد مصر يَوْمئِذٍ وَاضح مولى صَالح بن الْمَنْصُور وَيعرف بالمسكين وَكَانَ يتشيع فَعلم بشأن إِدْرِيس وَهُوَ جد الأدارسة بالمغرب وَمِنْهُم طَائِفَة بِمَكَّة أَتَوا إِلَيْهَا وَأَتَاهُ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَ بِهِ مستخفياً وَحمله على الْبَرِيد إِلَى الْمغرب وَمَعَهُ رَاشد مَوْلَاهُ فَنزل بوليلي سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين وَبهَا يَوْمئِذٍ إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن عبد الحميد أَمِير أورند من قبائل البربر وَكَبِيرهمْ فأجاره وأكرمه وَأجْمع البربر على الْقيام بدعوته وخلع الطَّاعَة العباسية وكشف القناع فَبَايعُوهُ وَقَامُوا بأَمْره وَكَانَ فيهم مجوس فَقَاتلهُمْ إِلَى أَن أَسْلمُوا وَملك الْمغرب الْأَقْصَى وَملك تلمسان سنة ثَلَاث وَسبعين وَدخلت مُلُوك زنانة أجمع فِي طَاعَته واستفحل ملكه وخافه إِبْرَاهِيم بن الْأَغْلَب صَاحب القيروان وراسل الرشيد يُخبرهُ فَدس إِلَيْهِ الرشيد مولى من موَالِي أَبِيه الْمهْدي اسْمه سُلَيْمَان بن جرير وَيعرف بالشماخ وأنفذه بِكِتَاب إِلَى ابْن الْأَغْلَب فَأَجَازَهُ وَلحق بِإِدْرِيس مظْهرا للنزوع إِلَيْهِ فِيمَن نزع من وحدان الْعَرَب ومتبرئاً من الدولة العباسية فاختصه الإِمَام إِدْرِيس وحلا بِعَيْنِه وَكَانَ قد تأبط سما فِي سنُون فَنَاوَلَهُ إِيَّاه عِنْد شكايته من وجع سنونه فَكَانَ فِيمَا زَعَمُوا حتفه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وَدفن ببوليلى سنة سبع وَسبعين وَمِائَة ثمَّ قَامَ بالدعوة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل الديباج بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب وَأَبوهُ إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا لقب بذلك للكنة كَانَت بِهِ صَغِيرا سَببهَا أَنه طلب يَوْمًا غُلَامه أَن يَأْتِيهِ بقباء فَلم يفهم مُرَاده فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا يُرِيد قبا قبا فلقب بِهِ حَبسه الْمهْدي وَبَقِي فِي الْحَبْس إِلَى زمَان هَارُون وَمَات فِيهِ فَظهر ابْنه مُحَمَّد هَذَا وَسبب ظُهُوره أَنه لما بعث الْمَأْمُون الْحسن بن سهل وزيره إِلَى الْعرَاق وولاه مَا كَانَ افتتحه طَاهِر بن الْحُسَيْن من الْبِلَاد والأعمال تحدث النَّاس أَن الْحسن بن سهل غلب على الْمَأْمُون واستبد عَلَيْهِ وحجبه عَن أهل بَيته وقواده فَغضِبت بَنو هَاشم ووجوه النَّاس وأجهزوا على الْحسن بن سهل وهاجت الْفِتْنَة وَكَانَ أَبُو السَّرَايَا السّري بن مَنْصُور وَيذكر أَنه من بني شَيبَان من ولد هَانِئ بن قبيصَة بن هَانِئ بن مَسْعُود وَقيل من بني تَمِيم كَانَ بالجزيرة وَطلب ففر إِلَى شَرْقي الْفُرَات وَأقَام هُنَالك يخيف السابلة ثمَّ لحق بِيَزِيد بن مزِيد بأرمينية فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا فقوده أَي جعله قائداً وَقَاتل مَعَه الخرمية وَأثر فيهم وَأخذ مِنْهُم غُلَامه الْمُسَمّى أَبَا الشوك وَمَات يزِيد بن مزِيد فَكَانَ أَبُو السَّرَايَا مَعَ وَلَده أَسد كَذَلِك فعزل أَسد فَسَار أَبُو السَّرَايَا إِلَى أَحْمد بن مزِيد وَلما بعث الْأمين أَحْمد بن مزِيد لِحَرْب هرثمة بن أعين أحد قواد الْمَأْمُون بَعثه أَحْمد طَلِيعَة إِلَى عَسْكَر هرثمة فاستماله هرثمة فَمَال إِلَيْهِ فلحق بِهِ وقصده قومه بَنو سيبان من الجزيرة فَاجْتمع إِلَيْهِ مِنْهُم أَكثر من ألفي فَارس واستخرج لَهُم الأرزاق من هرثمة بن أعين فَلَمَّا قتل الْأمين نقص هرثمة من أَرْزَاقهم فَغَضب أَبُو السَّرَايَا وَاسْتَأْذَنَ فِي الْحَج فَأذن لَهُ هرثمة وَأَعْطَاهُ عشْرين ألف دِرْهَم فصرفها فِي أَصْحَابه وَمضى وأوصاهم باتباعه فَاجْتمع لَهُ مِنْهُم نَحْو مِائَتَيْنِ وَسَار بهم أَبُو السَّرَايَا إِلَى عين التَّمْر فَأخذُوا عاملها وقسموا مَاله ولقوا عَاملا آخر بِمَال موقر على ثَلَاثَة أبغال فَاقْتَسمُوهُ فَأرْسل هرثمة خَلفه فَهَزَمَهُمْ وَدخل الْبَريَّة وَلحق بِهِ من تخلف من أَصْحَابه فَكثر أَصْحَابه وَجمعه وَسَار نَحْو دقوقا وَعَلَيْهَا أَبُو ضرغامة الْعجلِيّ فِي سَبْعمِائة فَارس فَخرج وقاتله فَهَزَمَهُ أَبُو السَّرَايَا وَرجع أَبُو ضرغامة إِلَى الْقصر فحاصره أَبُو السَّرَايَا حَتَّى نزل على الْأمان وَأخذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 أَمْوَاله وَسَار إِلَى الأنبار وَعَلَيْهَا إِبْرَاهِيم الشروني مولى الْمَنْصُور عَاملا فَقتله وَأخذ مَا فِيهَا ثمَّ عَاد إِلَيْهَا عِنْد إِدْرَاك الغلال فافتتحها ثمَّ قصد الرقة وَمر بطوق بن مَالك التغلبي واستجاشه على قيس فَأَقَامَ عِنْده أَرْبَعَة أشهر يُقَاتل قيسا بعصبية ربيعَة حَتَّى انقادت قيس إِلَى طوق بن مَالك وَسَار أَبُو السَّرَايَا إِلَى الرقة فلقي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط صَاحب التَّرْجَمَة فَدَعَاهُ إِلَى الْخُرُوج واتعدوا إِلَى الْكُوفَة فدخلاها وَبَايَعَهُ أَهلهَا على بيعَة الرِّضَا من آل مُحَمَّد وَنهب أَبُو السَّرَايَا قصر الْعَبَّاس بن مُوسَى بن عِيسَى وَأخذ مَعَه من الْأَمْوَال والجواهر مَا لَا يُحْصى وَذَلِكَ منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَتِسْعين وَلما ملك الْكُوفَة هرع النَّاس إِلَيْهِ والأعراب من النواحي وَبَايَعُوهُ وَأرْسل أَخَاهُ أَبَا الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم إِلَى مصر وَكَانَ على الْكُوفَة سُلَيْمَان بن مَنْصُور من قبل الْحسن بن سهل فَبعث إِلَيْهِ زُهَيْر بن الْمسيب الضَّبِّيّ فِي عشرَة آلَاف فَخرج إِلَيْهِ ابْن طَبَاطَبَا وَأَبُو السَّرَايَا فهزماه واستباحا عسكره وَأصْبح مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا من الْغَد مَيتا فنصب أَبُو السَّرَايَا مَكَانَهُ غُلَاما من العلويين وَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن فَنَقُول ثمَّ قَامَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الْمَذْكُور واستبد عَلَيْهِ أَبُو السَّرَايَا وَبعث الْحسن بن سهل عيدروس بن مُحَمَّد بن خَالِد المروروذي فِي أَرْبَعَة آلَاف فَلَقِيَهُ أَبُو السَّرَايَا منتصف رَجَب وَقَتله وَلم يفلت من أَصْحَابه أحد كَانُوا بَين قَتِيل وأسير وَضرب أَبُو السَّرَايَا الدَّرَاهِم بِالْكُوفَةِ باسمه وَبعث جبوشا إِلَى الْبَصْرَة وواسط وَولى بِالْبَصْرَةِ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْجَعْفَرِي وعَلى مَكَّة الْحُسَيْن الْأَفْطَس بن الْحُسَيْن بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن وَجعل إِلَيْهِ الْمَوْسِم وعَلى الْيمن مُحَمَّد أَو إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن جَعْفَر الصَّادِق فَسَار أَبُو السَّرَايَا إِلَى الْبَصْرَة وَأخرج ابْن سهل ففر أمامهم فَبعث الْحسن بن سهل إِلَى هرثمة يستدعيه لِحَرْب أبي السَّرَايَا وَقد كَانَ سَار إِلَى خُرَاسَان مغاضباً لَهُ فَرجع بعد امْتنَاع وَسَار إِلَى الْكُوفَة وَبعث الْحسن بن سهل إِلَى الْمَدَائِن وواسط عَليّ بن سعيد فَبلغ الْخَبَر أَبَا السَّرَايَا وَهُوَ بقصر ابْن هُبَيْرَة بِالْكُوفَةِ فَوجه جَيْشًا إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الْمَدَائِن فملكوها فِي رَمَضَان وَتقدم فَنزل نهر صَرْصَر وعسكر هرثمة بإزائه غدْوَة وَسَار عَليّ بن سعيد فِي شَوَّال إِلَى الْمَدَائِن فَحَاصَرَهُمْ بهَا أَصْحَاب أبي السَّرَايَا فَرجع أَبُو السَّرَايَا من نهر صَرْصَر إِلَى قصر ابْن هُبَيْرَة وهرثمة فِي اتِّبَاعه ثمَّ حاصره هرثمة وَقتل جمَاعَة من أَصْحَابه فانحاز إِلَى الْكُوفَة فَوَثَبَ الطالبيون على دور العباسيين وشيعتهم فنهبوها وخربوها وأخرجوهم وَاسْتَخْرَجُوا ودائعهم عِنْد النَّاس وَأقَام هرثمة بنواحي الْكُوفَة يحاصرها واستدعي مَنْصُور بن الْمهْدي وَكَاتب رُؤَسَاء الْكُوفَة وَاشْتَدَّ الْحصار على أبي السَّرَايَا بِالْكُوفَةِ فهرب عَنْهَا فِي ثَمَانمِائَة فَارس وَمَعَهُ صَاحبه الَّذِي نَصبه وَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن صَاحب التَّرْجَمَة ودخلها هرثمة منتصف محرم ابْتِدَاء سنة 200 مِائَتَيْنِ وَأقَام بهَا يَوْمًا وَولى عَلَيْهَا بعض قواده وَقصد أَبُو السَّرَايَا الْقَادِسِيَّة وَسَار مِنْهَا إِلَى السوس وَلَقي بخوزستان مَالا حمل من الأهواز فَقَسمهُ فِي أَصْحَابه وَكَانَ على الأهواز الْحسن بن عَليّ المأموني فَخرج إِلَى أبي السَّرَايَا فَهَزَمَهُ الْحسن وافترق أَصْحَاب أبي السَّرَايَا وَجَاء إِلَى منزله بِرَأْس عين زحلولا وَمَعَهُ صَاحبه الَّذِي نَصبه وَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد صَاحب التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة وَغُلَامه أَبُو الشوك فظفر بهم حَمَّاد الكند غوش وَجَاء بهم إِلَى الْحسن بن سهل فِي النهروان فَقتل أَبَا السَّرَايَا وَبعث إِلَى الْمَأْمُون بِرَأْسِهِ وَبِمُحَمَّدٍ بن مُحَمَّد مَعَ الرَّأْس حَيا فحبسه الْمَأْمُون إِلَى أَن مَاتَ قيل مسموماً كَانَ قِيَامه فِي رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَبعد موت مُحَمَّد بن مُحَمَّد هَذَا اسْتَقل كل وَاحِد من دعاته ودعا كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى نَفسه وَسَار عَليّ بن سعيد الْحَرَشِي إِلَى الْبَصْرَة فملكها من يَد زيد بن مُوسَى بن جَعْفَر الصَّادِق وَكَانَ يُسمى زيد النَّار لِكَثْرَة مَا أحرق من دور العباسيين وشيعتهم فاستأمن إِلَيْهِ زيد فَأَمنهُ عَليّ وَأَخذه وَبعث المعتصم الجيوش العباسية إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن لقِتَال من بهَا من العلويين وَكَانَ إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن جَعْفَر لما ولاه أَبُو السَّرَايَا الْيمن سَار إِلَيْهَا وَبهَا إِسْحَاق بن مُوسَى بن عِيسَى فهرب إِسْحَاق إِلَى مَكَّة وَاسْتولى إِبْرَاهِيم على الْيمن وَكَانَ يُسمى الجزار لِكَثْرَة قَتله ثمَّ بعث رجلا من بني عقيل بن أبي طَالب إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 مَكَّة ليحج بِالنَّاسِ وَقد جَاءَ لذَلِك أَبُو إِسْحَاق فِي جمَاعَة من القواد فيهم حَمْدَوَيْه بن عَليّ بن عِيسَى بن ماهان والياً على الْيمن من قبل الْحسن بن سهل فَحُمَّ الْعقيلِيّ عَن لقائهم وَاعْترض قافلة الْكسْوَة وَالطّيب فَأَخذهَا وَنهب أَمْوَال التُّجَّار وَدخل الحُجاج إِلَى مَكَّة عُرَاة فَبعث الجلودي من القواد فصبحهم وَهَزَمَهُمْ وَأسر مِنْهُم وتنقذ كسْوَة الْكَعْبَة وطيبها وأموال التُّجَّار وَضرب الأسرى كل وَاحِد عشرَة أسواط وأطلقهم وَحج بِالنَّاسِ تِلْكَ السّنة المعتصم العباسي قبل خِلَافَته وَفِي سنة مِائَتَيْنِ وَجه الْمَأْمُون رَجَاء بن أبي الضَّحَّاك ليشخص إِلَيْهِ عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم فوصل إِلَيْهِ عَليّ الرِّضَا فولاه الْعَهْد من بعده ولقبه الرِّضَا وَضرب الدَّرَاهِم باسمه وَكتب لَهُ بالبيعة إِلَى الْآفَاق وزوجه بابنته أم الْفضل وَصُورَة كتاب الْعَهْد قد ذَكرنَاهَا فِيمَا تقدم عِنْد ذكر خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَامَ من بعده مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن جَعْفَر الصَّادِق وَكَانَ دَاعِيَة لمُحَمد ابْن مُحَمَّد الْمَذْكُور قبله فاستحكم أمره بِالْيمن وَكَانَ لَهُ بهَا وقائع ثمَّ انْتقل إِلَى خُرَاسَان فَقتل بهَا بجرجان بالسم ثمَّ قَامَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن الْحسن الْمثنى فخذلته أنصاره فتوارى بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَن مَاتَ بهَا ثمَّ قَامَ إِدْرِيس بن إِدْرِيس بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى فِي بِلَاد الْمغرب بعد أَبِيه واستفحل أمره ثمَّ بَقِي أَوْلَاده إِلَى الْآن أَمرهم قَائِم بالمغرب ثمَّ قَامَ الْقَاسِم الرسي بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط أَيَّام الْمَأْمُون أَيْضا وَكَانَ الْقَاسِم بِمصْر وَبث دعاته فِي الأقطار وحثوه على إِظْهَار دَعوته وَكَانَ مستتراً بِمصْر عشر سِنِين فَاشْتَدَّ طلب عبيد الله بن طَاهِر عَامل الْمَأْمُون على مصر لَهُ فانتقل إِلَى الْحجاز وَلم يزل مختفياً إِلَى أَن مَاتَ الْمَأْمُون وَولى أَخُوهُ المعتصم فَكثر طلب المعتصم لَهُ فَلم يتم أمره فاستأوى جبلا بالحجاز وَهُوَ الْمُسَمّى بالرس وتحصن بِهِ هُوَ وَأَوْلَاده وَسكن بِهِ إِلَى أَن مَاتَ فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ يُقَال لَهُ نجم آل الرَّسُول وَكَانَ قِيَامه سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فِي أَيَّام المتَوَكل بن المعتصم العباسي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 ثمَّ قَامَ صَاحب الطالقان مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن عَليّ بن عمر الْأَشْرَف بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَت الْعَامَّة تسميه الصُّوفِي لاختياره لبس الصُّوف الْأَبْيَض وَكَانَ لَهُ وقعات من آل طَاهِر بن الْحُسَيْن أَيَّام المعتصم وَعظم أمره وَدخل بعْدهَا إِلَى نسأ وَبَقِي فِيهَا مستتراً ثمَّ أَخذ من نسأ فحبس ثمَّ هرب من الْحَبْس فَاخْتَلَفُوا فِي أمره فَقيل رَجَعَ إِلَى الطالقان وَقيل إِلَى وَاسِط فَدس المعتصم لَهُ سما فَمَاتَ بِهِ ثمَّ قَامَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن يحيى بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط قِيَامه أَيَّام الواثق بن المعتصم غلب على هراة السُّفْلى وملكها وَأَوْلَاده بعده إِلَى سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ قَامَ بعده مُحَمَّد بن صَالح بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط ظهر بسويقة قَرْيَة مَعْرُوفَة بِقرب الْمَدِينَة المنورة وَكَانَ أَبُو الساج المتولى للموسم من قبل الْخَلِيفَة المتَوَكل العباسي فِي جند كثيف فخودع مُحَمَّد بن صَالح حَتَّى لزمَه أَبُو الساج فحبس ب سر من رَأى إِلَى أَن مَاتَ فِي السجْن وَفِي زَمَانه انضوى أَكثر الْأَشْرَاف واستتروا وتوقفوا عَن إِظْهَار الدعْوَة ثمَّ قَامَ الْحسن بن زيد بن مُحَمَّد إِسْمَاعِيل بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب غلب على طبرستان ونواحي الديلم وملكها أَرْبَعِينَ سنة وَتُوفِّي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ قَامَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الْحسن بن عمر بن عَليّ زين العابدين ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي أبي طَالب كَانَ قِيَامه بِبِلَاد الْعَجم فِي زمَان المتَوَكل فَأسرهُ المتَوَكل أَيْضا وَقيل إِن من الطالبيين من قَامَ غير هَؤُلَاءِ فِي زمن المتَوَكل وَظهر من ظهر واستتر من استتر وَحبس من حبس وَقتل من قتل فَللَّه الْأَمر سُبْحَانَهُ ثمَّ قَامَ يحيى بن عمر بن يحيى بن الْحُسَيْن بن عَليّ زين العابدين ظهر بِالْكُوفَةِ وأحبه النَّاس حبا شَدِيدا كَانَ قِيَامه فِي خلَافَة المستعين ثمَّ قَامَ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن عَليّ زين العابدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 فَأسرهُ المستعين وحبسه وَمَات فِي الْحَبْس ثمَّ قَامَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الْحسن بن جَعْفَر بن الْحسن بن الْحسن قِيَامه فِي أَيَّام المستعين بأرمينية وَقيل بِالْكُوفَةِ فخودع وَأسر فحبس وَمَات فِي الْحَبْس سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ قَامَ الكوكبي أَحْمد بن عِيسَى بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ زين العابدين قِيَامه بِالْكُوفَةِ فِي خلَافَة الْمهْدي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ قَامَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط قِيَامه فِي خلَافَة الْمُعْتَمد وَكَانَت لَهُ حروب مَعَ ابْن طولون ثمَّ قتل على بَاب أسوان وَحمل رَأسه إِلَى الْمُعْتَمد ثمَّ قَامَ الدَّاعِي مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الْحسن بن زيد بن الْحسن ابْن عَليّ بن أبي طَالب سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المعتضد وَله وقائع قتل فِي إِحْدَاهَا فِي بِلَاد جرجان ثمَّ قَامَ النَّاصِر الأطروش الْحسن بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن عمر الْأَشْرَف بن عَليّ زين العابدين قِيَامه فِي الجيل والديلم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ واستفحل أمره إِلَى أَن مَاتَ فِي خلَافَة المقتدر سنة أَربع وثلاثمائة ثمَّ قَامَ الدَّاعِي الْحسن بن الْقَاسِم بن الْحسن بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم ابْن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب كَانَ قِيَامه بعد النَّاصِر قبله فِي خلَافَة الراضي بِاللَّه العباسي وَكَانَ أَوْلَاد النَّاصِر قد تملكوا بعد النَّاصِر وقاتلوا الدَّاعِي الْمَذْكُور فاستفحل أَمر الدَّاعِي وَملك طبرستان ونيسابور والري ثمَّ توفوا فصفا لَهُ الْأَمر اثْنَتَيْ عشرَة سنة ثمَّ قَامَ وَلَده الْمهْدي مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم بن الْحسن وَكَانَ قِيَامه أَيَّام الْمُطِيع العباسي سنة ثَلَاث وَخمسين وثلاثمائة فَملك الجيل والديلم ثمَّ توفّي سنة سِتِّينَ وثلاثمائة ثمَّ قَامَ الثائر فِي الله جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 عمر الْأَشْرَف بن عَليّ زين العابدين واستفحل أمره إِلَى أَن مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة ثمَّ قَامَ وَلَده أَبُو الْحُسَيْن الْمهْدي بن جَعْفَر الثائر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن فِي خلَافَة الْقَادِر بِاللَّه العباسي وَلم تطل أَيَّامه وَمَات بالجدري ثمَّ قَامَ من بعده أَخُوهُ الْحُسَيْن بن جَعْفَر الثائر فِي أَيَّام الْقَادِر بِاللَّه أَيْضا واستقام أمره إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ قَامَ أَحْمد بن الْحُسَيْن بن هَارُون بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن هَارُون بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب قِيَامه فِي خلَافَة الْقَادِر أَيْضا سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وَكَانَت لَهُ وقائع وَلم يزل على حَالَته فِي الحروب إِلَى أَن ملك طبرستان ثمَّ مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وعمره تسع وَسَبْعُونَ سنة ثمَّ قَامَ من بعده أَخُوهُ النَّاطِق بِالْحَقِّ أَبُو طَالب يحيى بن الْحُسَيْن بن هَارُون بن الْحُسَيْن قِيَامه فِي زمَان الْقَائِم بِأَمْر الله العباسي واستقام لَهُ الْأَمر إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وعمره نَيف وَثَمَانُونَ سنة ثمَّ قَامَ من بعده العقيقي عَليّ بن جَعْفَر بن الْحسن بن عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد بن على بن الْحُسَيْن بن عَليّ زين العابدين قِيَامه فِي خلَافَة الْقَائِم أَيْضا سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ قَامَ مانلديم سنديم أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد الْأَعرَابِي بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن عمر الْأَشْرَف بن عَليّ زين العابدين وَكَانَ على منهاج سلفه كَانَ قِيَامه بأنجاشية سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة ووفاته فِي نَيف وَعشْرين وأريعمائة ثمَّ قَامَ النَّاصِر الْحُسَيْن بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ بن النَّاصِر الأطروش سبق ذكره فِي جِهَات الديلم ثمَّ قَامَ الْمُوفق بِاللَّه الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل بن زيد بن جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الرَّحْمَن ابْن الْقَاسِم بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 ثمَّ قَامَ وَلَده المرشد بِاللَّه يحيى بن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل على منهاج سلفه ثمَّ قَامَ أَبُو طَالب يحيى بن أَحْمد بن الْآمِر أبي الْقَاسِم الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه أَحْمد بن الْحُسَيْن بن هَارُون الْمُتَقَدّم ذكره قِيَامه سنة نَيف وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة فِي خلَافَة المستظهر العباسي بِالْجَبَلِ والديلم وَكَانَ حربه مَعَ الباطنية وَكَانَ بَنو الْعَبَّاس يظهرون الْمحبَّة إِلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَالَّذِي لم يعرف تاريخهم وزمان قيامهم الإِمَام مُحَمَّد بن أبي الْأَعرَابِي بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن عمر الْأَشْرَف بن عَليّ زين العابدين وَالْإِمَام على الْعِرَاقِيّ بن الْحُسَيْن بن عِيسَى بن زيد بن زين العابدين وَالْإِمَام أَحْمد بن عِيسَى بن زيد بن زين العابدين وَالْإِمَام الْهَادِي بن الْمهْدي بن الْحسن بن عبد الله بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَالْإِمَام الراضي بِاللَّه نَاصِر بن الْحُسَيْن بن زيد بن صَالح بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَالْإِمَام زيد بن صَالح بن الْحسن بن زيد بن صَالح بن الْحسن بن زيد بن صَالح ابْن عمر النَّاصِر الْمَذْكُور وَالْإِمَام عَليّ بن محسن بن أَحْمد بن عبيد الله بن الْحسن السلق بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن الْحسن بن جَعْفَر بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَالْإِمَام الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن جَعْفَر بن عبيد الله بن السلق الْمَذْكُور وَأَخُوهُ الإِمَام الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَذْكُور وَالَّذين لم تعرف كَيْفيَّة اتِّصَال أنسابهم الإِمَام أشرف بن زيد من ذُرِّيَّة زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَالْإِمَام السَّيِّد الْأَزْرَقِيّ وَالْإِمَام أَبُو الرها الكيتمي وَهَؤُلَاء جَمِيعًا فِي جِهَات قزوين وطبرستان والجبل والديلم وجرجان والحجاز وَالْعراق وبالمغرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 أما الَّذين ظَهَرُوا بِالْيمن خَاصَّة فأولهم الإِمَام الْهَادِي إِلَى الْحق يحيى بن الْحُسَيْن ابْن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْغمر بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب مولده ب الرس سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ قِيَامه فِي صعدة من بِلَاد الْيمن سنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ فِي تَارِيخ الخزرجي قَامَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَدخل صنعاء فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المعتضد العباسي فاجتمعت هَمدَان وَغَيرهَا من قبائل الْعَرَب فأخرجوه من صنعاء ثمَّ رَجَعَ إِلَى صعدة وَأَخذهَا وَكَانَ فِي زَمَنه قد تغلب عَليّ بن الْفضل القرمطي الْحِمْيَرِي يَنْتَهِي نسبه إِلَى سبأ الْأَصْغَر على الْيمن فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَسَار على الْمَذْكُور بسيرة شنيعة وأعلن بالْكفْر والفجور وقهر الْعَالم وَأمرهمْ بارتكاب كل محرم ومحذور وَكَانَ عنوان كتبه إِذا أرسل إِلَى أحد من الْمُلُوك من باسط الأَرْض وداحيها ومزلزل الْجبَال ومرسيها عَليّ بن الْفضل إِلَى عَبده فلَان وَكَانَ مؤذنه يُؤذن فِي حَضرته وَأشْهد أَن على بن الْفضل رَسُول الله وَمن شعره مَا أنْشد الْخَبيث على مِنْبَر جَامع صنعاء قَوْله // (من المتقارب) // (خُذي الدُّفَّ يَا هَذِهِ واضْرِبِي ... وغَنِّى هَزَاريكِ ثُمَّ اطْربِي) (تَولَّى نَبِيُّ بَنِي هَاشِمٍ ... وَهَذَا نبيُّ بَنِي يَعْرُبِ) (لِكُلِّ نَبِيِّ مَضَى شِرْعَةٌ ... وهَاتَان شرْعَةُ هَذَا النَّبِي) (فَقَدْ حَطَّ عَنَّا فُروضَ الصَّلاةِ ... وَفَرْضَ الصِّيامِ وَلَمْ يُعْقِبِ) (إذَا النَّاسُ صَلَّوْا فَلاَ تَنْهَضِي ... وإِن صَوَّمُوا فَكُلِي واشْرَبِي) (وَلاَ تَطْلُبِي السَّعْىَ عِندَ الصَّفَا ... وَلاَ زَوْرَةَ القَبْرِ فِي يَثْرِبِ) وَهَذَا كَاف فِي بَيَان مزِيد كفره فحاربه الإِمَام الْهَادِي الْمَذْكُور إِلَى أَن مَاتَ ب صعدة مسموماً سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المقتدر بِاللَّه العباسي ثمَّ قَامَ وَلَده المرتضى مُحَمَّد بن الْهَادِي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم فِي بِلَاد صعدة فِي مَكَان أَبِيه زمن المقتدر العباسي أَيْضا فَأَقَامَ سنة وَاحِدَة ثمَّ تنحى عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 الْإِمَامَة فَطلب الْفُقَهَاء الزيدية أَخَاهُ أَحْمد بن الْهَادِي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم طلبوه من الرس ثمَّ توفّي مُحَمَّد سنة عشر وثلاثمائة وعمره اثْنَان وَثَلَاثُونَ سنة ثمَّ قَامَ أَخُوهُ النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن الْهَادِي يحيى بعد أَن دَعَاهُ فُقَهَاء الزيدية من الرس كَمَا ذكر وَكَانَ قِيَامه فِي خلَافَة المقتدر أَيْضا سنة إِحْدَى وثلاثمائة ووفاته فِيهَا ب صعدة سنة خمس عشرَة وثلاثمائة ثمَّ قَامَ وَلَده الْمَنْصُور يحيى بن أَحْمد النَّاصِر بن الْهَادِي يحيى بن الْحسن بن الْقَاسِم وَكَانَ مقره صعدة إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة ثمَّ قَامَ أَخُوهُ الْمُخْتَار الْقَاسِم بن أَحْمد النَّاصِر بن الْهَادِي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم كَانَ قِيَامه فِي صعدة وَقَتله فِي زبيد ثمَّ قَامَ وَلَده الْمُنْتَصر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن أَحْمد النَّاصِر وَأكْثر وقائعه مَعَ هَمدَان وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة بِالْيمن ثمَّ قَامَ الدَّاعِي يُوسُف بن الْمَنْصُور يحيى بن أَحْمد النَّاصِر بن الْهَادِي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم فعانده فُقَهَاء مذْهبه وَأَرْسلُوا الإِمَام الْقَاسِم العياني وتعارضا كَانَ قِيَامه سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة فِي خلَافَة الطائع لله العباسي مدَّته خمس وَثَلَاثُونَ سنة ثمَّ قَامَ الْمَنْصُور العياني بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا وَلما كَانَ فِي بيشة من بِلَاد رفيدة فراسله فُقَهَاء الزيدية فطلع إِلَى صعدة ثمَّ تقدم إِلَى صنعاء فضبطها وتعاقد الإِمَام يُوسُف الدَّاعِي فِي مُدَّة العياني وَكَانَ قيام العياني سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ووفاته سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة وقبره فِي بَلْدَة يُقَال لَهَا العيَّان فِي طَرِيق صعدة من صنعاء ثمَّ قَامَ وَلَده الْحُسَيْن بن الْقَاسِم العياني وَكَانَ لَهُ وقائع مَعَ هَمدَان وَكَانَ قِيَامه سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 وَقتل فِي ريدة من البون سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة وَخلف الْحُسَيْن الْمَذْكُور ابْن أَخِيه وَيُسمى الْفَاضِل وَهُوَ الْقَاسِم بن جَعْفَر بن الْقَاسِم بن عَليّ العياني وَكَانَ بَينه وَبَين الصليحي وقعات وَلم يكن إِمَامًا ثمَّ قَامَ الإِمَام أَبُو هَاشم الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن عبد الله بن الْحُسَيْن ابْن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا وَكَانَ قِيَامه فِي قَرْيَة الناعط فَوق البون وَدخل صنعاء قِيَامه سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بقرية الناعط ثمَّ قَامَ النَّاصِر الديلمي وَهُوَ أَبُو الْفَتْح النَّاصِر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عِيسَى ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله بن عَليّ بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب دَعَا فِي الديلم ثمَّ خرج إِلَى أَرض الْيمن فاستولى على كثير من الْبِلَاد مذْحج وهمدان وخولان وَكَانَ وُصُوله من الديلم فِي سني الثَّلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَت الْحَرْب تَدور بَينه وَبَين الصليحي فَقتله الصليحي بِنَجْد الْحَاج وقبره ب ردمان من بِلَاد عنس قبل سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ قَامَ عَليّ بن زيد بن إِبْرَاهِيم الْمليح بن الْمُنْتَصر بن مُحَمَّد الْمُخْتَار قَاسم بن النَّاصِر بن الْهَادِي يحيى وَتقدم إِلَى شظب لِحَرْب بني الصليحي فَقتل فِي شظب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ قَامَ أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن المطهر بن عَليّ بن النَّاصِر بن الْهَادِي يحيى وَولى صعدة ونجران والجوف وَصَنْعَاء وَقصد زبيد فَرجع بِغَيْر حُصُول مرامه فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة مَاتَ بحيدان من مغارب صعدة وعمره سِتّ وَسِتُّونَ سنة ثمَّ قَامَ الْمَنْصُور بِاللَّه عبد الله بن حَمْزَة بن سُلَيْمَان بن حَمْزَة بن عَليّ بن حَمْزَة بن أبي هَاشم الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا فَملك صعدة وَتقدم إِلَى صنعاء وَكَانَ يقف فِي كوكبان بعد مَا أَخْرجُوهُ من صنعاء ثمَّ خلطوا عَلَيْهِ فَمَاتَ فِيهَا قِيَامه سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ووفاته سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 ثمَّ قَامَ الدَّاعِي يحيى بن المحسن بن مَحْفُوظ بن مُحَمَّد بن يحيى بن يحيى بن النَّاصِر بن الْحسن بن عبد الله بن الْمُنْتَصر مُحَمَّد بن الْمُخْتَار قَاسم بن النَّاصِر أَحْمد ابْن الْهَادِي قَامَ فِي بِلَاد خولان وصعدة وَفِي مَدِينَة صعدة ولد الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْمَنْصُور فحارب الدَّاعِي مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ثمَّ قَامَ الْمهْدي أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن عبد الله بن الْقَاسِم بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا قَامَ فِي حصن ثلا فحاربه وَلَده الْمَنْصُور ثمَّ اتفقَا ثمَّ تعاديا فتحاربا فَقتل الإِمَام وَكَانَ قِيَامه فِي صفر سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَت هَذِه السّنة هِيَ انْتِهَاء دولة بني الْعَبَّاس بالعراق لِأَنَّهَا هِيَ السّنة الَّتِي قتل التتار فِيهَا الْخَلِيفَة المستعصم العباسي كَمَا قدمت ذَلِك مُسْتَوْفِي فِي بابهم ثمَّ قَامَ الْمَنْصُور بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى السَّابِق ذكره فَقَامَ من هِجْرَة قطابر وَملك مغارب صعدة وَكَانَ بَينه وَبَين أَوْلَاد الْمَنْصُور محاربات فَقتل سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة ثمَّ قَامَ الْمهْدي بن إِبْرَاهِيم بن تَاج الدّين أَحْمد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن يحيى قِيَامه سنة سبعين وسِتمِائَة أسره فحبسه الْملك المظفر الغساني فِي سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة وَمَات فِي الْحَبْس سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة ثمَّ قَامَ المتَوَكل المطهر بن يحيى بن المرتضى بن الْقَاسِم بن المطهر بن مُحَمَّد بن المطهر بن عَليّ بن أَحْمد بن الْهَادِي قِيَامه سنة سِتّ وَسبعين وَمَات سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة ثمَّ قَامَ وَلَده الْمهْدي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى بن الْقَاسِم قِيَامه سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة ثمَّ قَامَ السراجي يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن سراج الدّين الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سراج الدّين الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ قَامَ الْمُؤَيد يحيى بن حَمْزَة بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِدْرِيس بن جَعْفَر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قِيَامه سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة مَاتَ سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة عمره ثَمَانُون سنة ثمَّ قَامَ بعده عَليّ بن صَلَاح بن إِبْرَاهِيم بن تَاج الدّين أَحْمد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن يحيى ثمَّ قَامَ بعده الواثق المطهر بن مُحَمَّد بن المطهر بن يحيى ابْن المرتضى بن الْقَاسِم بن المطهر بن مُحَمَّد بن المطهر من أَوْلَاده سَابق الذّكر ثمَّ قَامَ أَحْمد بن عَليّ بن مدافع بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الديلمي سبق ذكر نسبه ثمَّ قَامَ الْمهْدي عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى بن مَنْصُور بن مفضل بن الْحجَّاج ابْن عبد الله بن عَليّ بن يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم الْغمر بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب قِيَامه سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وَفَاته سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة عمره تسع وَسِتُّونَ سنة ثمَّ قَامَ من بعده وَلَده النَّاصِر صَلَاح الدّين بن الْمهْدي بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ قِيَامه سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة وَفَاته سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة ثمَّ قَامَ من بعده الْمهْدي أَحْمد بن يحيى بن المرتضى بن أَحْمد بن المرتضى بن مفضل بن الْحجَّاج قِيَامه سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَفَاته سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ قَامَ من بعده الْهَادِي عَليّ بن الْمُؤَيد بن جِبْرِيل بن الْمُؤَيد بن أَحْمد بن يحيى بن أَحْمد بن يحيى بن يحيى سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَفَاته سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ قَامَ من بعده المطهر بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أبي هَاشم الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 ابْن يحيى بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل ثمَّ قَامَ من بعده صَلَاح بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الْحسن بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن الْمَنْصُور بن أَحْمد بن النَّاصِر بن الْهَادِي ثمَّ قَامَ النَّاصِر بن مُحَمَّد بن النَّاصِر بن أَحْمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن الْقَاسِم بن المطهر بن مُحَمَّد بن المطهر بن عَليّ بن أَحْمد بن الْهَادِي ثمَّ قَامَ الْهَادِي عز الدّين بن الْحسن بن عَليّ بن الْمُؤَيد بن جِبْرِيل بن الْمُؤَيد بن أَحْمد بن يحيى بن أَحْمد بن يحيى بن يحيى بن النَّاصِر بن الْحسن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن النَّاصِر بن أَحْمد بن الْهَادِي يحيى قِيَامه سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَفَاته سنة تسع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة عمره سبع وَسِتُّونَ سنة ثمَّ قَامَ وَلَده مجد الدّين بن الْحسن بن الْحسن بن عز الدّين بن الْحسن بن عَليّ بن الْمُؤَيد قِيَامه سنة تسع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة ثمَّ قَامَ الوشلي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سراج الدّين الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن الْحسن بن زيد ابْن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ كَانَت دَعْوَة الإِمَام شرف الدّين يحيى بن شمس الدّين ابْن الإِمَام الْمهْدي أَحْمد ابْن يحيى بن المرتضى بن أَحْمد بن المرتضى بن الْمفضل بن الْحجَّاج بن عَليّ بن يحيى بن الْقَاسِم بن يُوسُف الدَّاعِي بن يحيى بن أَحْمد بن الْهَادِي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حادي عشر جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَتِسْعمِائَة وَكَانَ أول ظُهُوره بجهات الْمغرب من جِهَات صنعاء وَمَا ساعدته الْقَبَائِل لقُوَّة سُلْطَان الْيمن إِذْ ذَاك عَامر بن عبد الْوَهَّاب فَلَمَّا انْقَضتْ دولته باستيلاء الشراكسة وتملكهم أَرض الْيمن كَانَت بِصَنْعَاء طَائِفَة من الشراكسة فكاتب أهل صنعاء الإِمَام شرف الدّين الْمَذْكُور وتكلفوا لَهُ بِإِدْرَاك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 ذَلِك سنة أَربع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَفِي شَوَّال قصد صنعاء فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا مَال إِلَيْهِ أَهلهَا وَأخرج من كَانَ فِيهَا من الْجند الْمصْرِيّ بالأمان وَدخل صنعاء ودانت لَهُ الْبِلَاد إِلَى أَن كَانَت وَفَاته سنة خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فِي دولة السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان بن سليم خَان ثمَّ قَامَ الْهَادِي أَحْمد بن عز الدّين بن الْحسن بن عز الدّين بن الْحسن بن عَليّ بن الْمُؤَيد قِيَامه سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة ووفاته سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ قَامَ النَّاصِر الْحسن بن عَليّ بن دَاوُد بن الْحسن بن عَليّ بن الْمُؤَيد قِيَامه سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ الْوَزير حسن باشا سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وأرسله إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة ثمَّ قَامَ المتَوَكل عبد الله بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عز الدّين بن الْحسن بن عَليّ بن الْمُؤَيد قِيَامه سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَفَاته سنة سبع عشرَة وَألف ثمَّ قَامَ الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الرشيد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن يحيى بن مُحَمَّد بن يُوسُف الأشل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْأَكْبَر بن الْمَنْصُور بن يحيى بن النَّاصِر بن أَحْمد بن الْهَادِي إِلَى الْحق يحيى ابْن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب نَشأ منشأ ابائه الْأَئِمَّة حَتَّى بذ بِعِلْمِهِ وبهر بجودة فهمه وَصَارَ فِي أَيَّام طلبه يشار إِلَيْهِ مَقْصُورَة خلال الْخلَافَة عَلَيْهِ كَانَت دَعوته فِي صفر الْخَيْر سنة سِتّ وَألف وَله وقائع فِي أَيَّامه مَشْهُورَة ومواطن مَعْرُوفَة مأثورة كَانَ آيَة فِي الْعُلُوم ومعجزة فِي المنظوق وَالْمَفْهُوم لَهُ التصانيف الْمَشْهُورَة وَالنّظم والنثر وَكَانَ محط رحال الأفاضل ومقصد الأكابر من كل قنة وساحل وَلم يزل قَائِما بأعياء الْخلَافَة حَتَّى توفاه الله تَعَالَى فِي شهر ربيع الأول عَام تسع وَعشْرين وَألف ثمَّ قَامَ من بعده وَلَده الإِمَام الْعَظِيم الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَظَهَرت فضائله فِي الْبِلَاد وأذعن لفضله الْحَاضِر والباد وأوتي من الْإِحَاطَة بالعلوم وَصدق الفراسة وتنوير الْقلب وصفاء الخاطر مَا لم يُؤْت غَيره وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الفتوحات من كل وجهة وَقَامَ بنصرته أَخَوَاهُ السيدان الإمامان الْحسن وَالْحُسَيْن وأخوهما شمس الْإِسْلَام أَبُو طَالب ابْن الإِمَام الْمَنْصُور وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف استولى الإِمَام الْمُؤَيد الْمَذْكُور على جَمِيع إقليم الْيمن مَا عدا زبيد والمخا وَذَلِكَ أَن الباشا قانصوه لما توجه إِلَى الْيمن عَام تسع وَثَلَاثِينَ بعد أَن قتل الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَولي مَسْعُود بن إِدْرِيس صَار كلما دخل قَرْيَة ظلم أَهلهَا ونهبهم أرسل إِلَى عابدين باشا وخنقه وَاسْتولى على خزائنه وعساكره وَنهب الْبَلَد وَنهب من يرد إِلَيْهِ من البنادر وَأرْسل أغربة فِي الْبَحْر يَأْخُذُونَ من ظفروا بِهِ واغتصب أَمَاكِن مأثورة وعمرها بزخارف فِي الصُّورَة فآلت أَمْوَاله إِلَى يَد العدى {وَلَا يظلم رَبُّكَ أحدا} الْكَهْف 49 والتقى عسكره مَعَ عَسْكَر الإِمَام الْمُؤَيد مُحَمَّد بن الْقَاسِم صَاحب التَّرْجَمَة وَعَلَيْهِم أَخُوهُ الإِمَام الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وكمنوا لَهُ ثمَّ هجموا عَلَيْهِم وهم غَارونَ فَقتلُوا من عَسْكَر قانصوه أَكْثَرهم وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وتحصن هُوَ وَمن بَقِي بزبيد فتنزل عَلَيْهِ أَخُوهُ الآخر الإِمَام الْحسن بعساكره كَثِيرَة وحاصروا زبيد وَأنْفق قانصوه مَا حازه من الْأَمْوَال على عسكره ثمَّ صَارُوا يهددونه ويعزرونه لضيق أَرْزَاقهم فتعب لذَلِك وَكَاتب الإِمَام الْحسن على أَن يصل إِلَيْهِ آمنا فَأرْسل الْحسن لَهُ بالأمان فَركب هُوَ وخواصه وَأظْهر أَنه يُرِيد زِيَارَة بعض الْأَوْلِيَاء وهرب إِلَى محطة الإِمَام الْحسن فَأكْرمه وجهزه إِلَى مَكَّة فَرجع رَاضِيا من الْغَنِيمَة بالإياب لَا يملك إِلَّا مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب فوصل إِلَيْهَا فِي دولة مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد بن محسن وَمَعَهُ من أَتْبَاعه دون الْعشْرين وَنزل بحوش السُّلْطَان فِي الكوشك المطل على الْبركَة الْمَعْرُوفَة ببركة الشَّامي فَحصل من أَتْبَاعه نوع تَعدٍ إِلَى بعض الرعايا فألزمه مَوْلَانَا الشريف زيد بالرحيل من يَوْمه وأحضر لَهُ الرحلة فَلم تغرب عَلَيْهِ شمس ذَلِك الْيَوْم فِي مَكَّة وَلما تحقق عسكره فراره عَنْهُم بِتِلْكَ الْحِيلَة أَقَامُوا عَلَيْهِم أَمِيرا مِنْهُم يُقَال لَهُ مصطفى فضبط زبيد وَاسْتمرّ محاصراً فَوق سنتَيْن منتظراً المدد يَأْتِيهِ من مصر فَلم يصل إِلَيْهِ شَيْء وَلما سئم طلب الْأمان فَأعْطَاهُ الإِمَام الْأمان وجهزه بِعشْرين ألف قِرْش الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 فَخرج إِلَى مَكَّة سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَمَعَهُ الْمحمل الْيَمَانِيّ السلطاني وَوضع بالقبة المبنية فِي مَحل سِقَايَة الْعَبَّاس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام قلت قد رَأَيْته كثيرا ملقى فِي الْقبَّة الْمَذْكُورَة عَام سبع وَسِتِّينَ وَألف وَهُوَ أكبر من الْمحمل الْمصْرِيّ شكلاً وَمن عامئذ استبدت الْأَئِمَّة الزيدية بالممالك اليمنية وقضت مَا فِي نَفسهَا من الأمنية فهم حَتَّى الْيَوْم ولاتها حزنا وسهلا ورؤساؤها فَتى وكهلا وأخرجوا جَمِيع الأورام مِنْهَا وَكفوا أكف المتغلبين عَنْهَا بعد أَن قتلوهم الْقَتْل الذريع وتركوهم بَين سليب وصريع وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين كَانَت وَفَاة أَخِيه السَّيِّد الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم وَهُوَ وَالِد أَحْمد بن الْحسن وَكَانَ أَخُوهُ الإِمَام مُحَمَّد الْمُؤَيد صَاحب التَّرْجَمَة يقدمهُ على العساكر فِي الحروب كلهَا رَحمَه الله وَاسْتمرّ الإِمَام مُحَمَّد الْمُؤَيد إِلَى أَن حانت وَفَاته وَانْقَضَت أوقاته فِي سَابِع عشري رَجَب الْفَرد سنة أَربع وَخمسين وَألف ثمَّ قَامَ من بعده أَخُوهُ الإِمَام الشهير المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل ابْن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الرشيد بن أَحْمد وَقد تقدم بَقِيَّة نسبه إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فِي تَرْجَمَة وَالِده الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم كَانَت لَهُ الكرامات الظَّاهِرَة والمفاخر السائرة مَعَ الْإِحَاطَة بِجَمِيعِ الْعُلُوم وَأَقْبَلت الفتوحات إِلَيْهِ من كل أَوب وَجَاءَت إِلَيْهِ الْوُفُود من كل أَرض وَصوب أرخ ابْتِدَاء دَعوته السَّيِّد نَاصِر بن عبد الحفيظ بن عبد الله المهلا فَقَالَ // (من الْخَفِيف) // (وتَوَكَّلْ عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ ... عَزَّ تاريخُ دَعْوَةٍ مِنْ كَريمِ) (آيةٌ يُعْرَفُ التَّوَكُّلُ مِنْهَا ... مَعَهُ العِزُّ للإمامِ الكريمِ) وأرخه أَيْضا نثراً فجَاء التَّارِيخ توكلت على الله وَحده أبدا وَفِي سنة سِتّ وَخمسين جهز ابْن أَخِيه أَحْمد بن الْحسن إِلَى حَضرمَوْت فوصل إِلَى الْجوف وَاسْتولى عَلَيْهِ الْخَوْف فَرجع مكسوراً وَفِي سنة ثَمَان وَخمسين استولى بدر بن عبد الله الكثيري على حَضرمَوْت وَقبض على عَمه السُّلْطَان بدر بن عَليّ وَسَببه أَنه ظلم وتعدى الْحُدُود فَأَشَارَ بعض السَّادة على بدر ابْن عبد الله بِالْقَبْضِ على عَمه فهجم عَلَيْهِ لَيْلًا وحبسه هُوَ وَأَوْلَاده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 وَفِي سنة خمس وَسِتِّينَ جهز الإِمَام إِسْمَاعِيل ابْن أَخِيه الإِمَام أَحْمد بن الْحسن على حَضرمَوْت ونواحيها لكَوْنهم لم يخطبوا لَهُ فَالتقى هُوَ والأمير حُسَيْن الرصاص لكَون بَلَده أقرب الْبلدَانِ إِلَى دولة الإِمَام إِسْمَاعِيل وَحصل مِنْهُم قتال فَلَمَّا عجز الإِمَام أَحْمد بن الْحسن أرسل إِلَى قَبيلَة يافع وهم قبائل كَثِيرُونَ بالأموال خُفْيَة وَطلب مِنْهُم أَن يَكُونُوا مَعَه على الرصاص وَوَعدهمْ بأَشْيَاء كَثِيرَة فاغتروا بِكَلَامِهِ وتجهزوا على الرصاص وأتوه على غرَّة وَبَقِي الرصاص بَين الإِمَام أَحْمد وَبَين قبائل يافع فأبلى بلَاء شَدِيدا حَتَّى قتل شَهِيدا وَتَوَلَّى أَخُوهُ وَأرْسل أَحْمد بن الْحسن يرهبه ويرغبه وَالْتزم لَهُ بِجَمِيعِ مَا يَطْلُبهُ فَطلب أَشْيَاء كَثِيرَة فوفي لَهُ الإِمَام أَحْمد بهَا وَملك الْبِلَاد وقبيلة الرصاص مَشْهُورَة بالشجاعة وَالْكَرم والصدق وَلذَلِك كَانُوا مجللين محترمين وَاسْتولى الزيدية على غَالب حَضرمَوْت ثمَّ فِي سنة سبعين استولى على حَضرمَوْت كلهَا وَأمرهمْ أَن يزِيدُوا فِي الْأَذَان حَيّ على خير الْعَمَل وَترك الترضي عَن الشَّيْخَيْنِ وَمنع الدفوف واليراع فِي راتب السقاف وانتهت دولة آل كثير من تِلْكَ الديار وَقد انْتهى صعُود شرف آل كثير بالسلطان عبد الله بن عمر وَفِي الْمثل إِذْ تمّ شَيْء بَدَأَ نَقصه فَإِنَّهُ لما خلع نَفسه لعبادة ربه عَن الْملك الفاني وَصَارَ إِبْرَاهِيم بن أدهم ثَانِي وَتَوَلَّى أَخُوهُ بدر الدّين بن عمر وَفِي آخر دولته ظلم وطغى فهجم عَلَيْهِ ابْن أَخِيه بدر الدّين بن عبد الله وحبسه فدانت لَهُ الْعباد وعمرت بِهِ الْبِلَاد إِلَى أَن ظلم بالعدوان وصادر السَّادة والأعيان ففوقوا إِلَيْهِ سِهَام الدُّعَاء فَقدر الله أَن كتب عَمه الْمَحْبُوس بدر بن عمر وَهُوَ بِالْحَبْسِ إِلَى الإِمَام إِسْمَاعِيل وهون لَهُ أَمر حَضرمَوْت فَكتب الإِمَام إِسْمَاعِيل إِلَى السُّلْطَان بدر بن عبد الله بِإِخْرَاج عَمه بدر بن عمر من الْحَبْس فَأخْرجهُ ثمَّ اتَّصل بِالْإِمَامِ وَطلب مِنْهُ التَّجْهِيز على حَضرمَوْت وتكفل لَهُ بأَشْيَاء وساعده على ذَلِك الشَّيْخ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن العمودي شيخ العموديين وَكَانَ وَالِده على أَكثر وَادي دوعن فكاتبوا مَشَايِخ الْعَرَب وَأَرْسلُوا لَهُم بالأموال وَصَارَ إِلَيْهِ أَحْمد بن الْحسن فَلَمَّا التقى الجيشان انْكَسَرَ جَيش السُّلْطَان بدر وَلم يُقَاتل مَعَه إِلَّا خواصه ثمَّ انهزم منكسراً وَولى مُدبرا إِلَى جبل أَخْوَاله فَطلب الْأمان لنَفسِهِ فَأعْطِيه وَلما لم يطب لِأَحْمَد بن الْحسن الْمقَام بحضرموت أَقَامَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 بهَا بدر بن عمر الكثيري وَرجع إِلَى عَمه الإِمَام إِسْمَاعِيل صَاحب التَّرْجَمَة ثمَّ لم يزل الإِمَام إِسْمَاعِيل قَائِما بأعباء الْإِمَامَة الْكُبْرَى إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى إِلَى رَحمته سنة 87 سبع وَثَمَانِينَ ثمَّ قَامَ بعده ابْن أَخِيه الإِمَام الشهير أَحْمد بن الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم ولقب الْمهْدي لدين الله فَقَامَ بِأَمْر الْخلَافَة أحسن قيام وانتظم بِهِ الْأَمر أتم نظام وَكَانَت حَضرته محط رحال الْعلمَاء الْأَعْلَام وَفِي أثْنَاء دَعوته دَعَا ابْن عَمه مَوْلَانَا علم الْإِسْلَام وَإِمَام عُلَمَاء الْآل الْكِرَام الْقَاسِم ابْن الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه وخطب لَهُ على سابر الشرفين والأهنوم وشهارة وظليمة ولحج وَأكْثر التهائم وَبعد أُمُور كثير يطول شرحها حصل الِاتِّفَاق على إِمَامَة الْمهْدي لدين الله هَذَا وَهُوَ أيده الله من أَعْيَان العترة كرماً وشجاعة وتفقداً للْمَسَاكِين وتعظيماً للْعُلَمَاء ومستقره شهارة المحروسة وَاسْتمرّ إِلَى أَن كَانَت وَفَاته فِي شهر جُمَادَى الْأُخْرَى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف ثمَّ قَامَ من بعده الإِمَام الْعَظِيم الْمُؤَيد بِاللَّه رب الْعَالمين مُحَمَّد الملقب بالغزى ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن الرشيد اتّفق على خِلَافَته رأى عُلَمَاء الْعَصْر وفضلاء الدَّهْر وغمر النَّاس برد ظلّ عدله وَسَار سيرة الْأَئِمَّة الهادين وَأمر بإحياء الْعُلُوم والمدارس مقرباً للْعُلَمَاء متعهداً لأحوال الْفُضَلَاء مُؤديا لحقوق الضُّعَفَاء مُتبعا فِي أمره وَنَهْيه لكتاب الله سُبْحَانَهُ وَسنة رَسُول وَقَامَ من إخْوَته وَبني عَمه بنصرته عُظَمَاء كَالْإِمَامِ الْقَاسِم ابْن الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه وكأخويه الْحسن ابْن الإِمَام المتَوَكل وعَلى ابْن الإِمَام المتَوَكل وَمن بني عَمه السيدان العظيمان جمال الْإِسْلَام مُحَمَّد ابْن الإِمَام أَحْمد الْمهْدي وَشرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن ابْن الإِمَام الْمهْدي أيدهما الله تَعَالَى وَاسْتمرّ على سَرِير الْخلَافَة وَمَا اسْتَطَاعَ أحد خِلَافه إِلَى أَن ورد إِلَيْنَا خبر وَفَاته أواسط سنة 1097 سبع وَتِسْعين وَألف ثمَّ كثر الشجار فِي كل نَاحيَة وطلبها عدَّة أشخاص فِي أَمَاكِن متناحية وَوَقعت حروب وأهوال وفنيت أَمْوَال وأبطال حَتَّى اسْتَقر عَمُود رحاها وأٍ سفر بدر ديجور رجاها عَن جمال وجودهَا الأمجد أَمِير الْمُؤمنِينَ النَّاصِر لدين الله مُحَمَّد بن أَحْمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 فَهُوَ الْآن الْخَلِيفَة بِهَذَا الزَّمن فِي هَذَا الْقطر الشريف أَعنِي قطر الْيمن {إنَّ اَلأَرضَ لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده والعقبة لِلمُتقِين} الْأَعْرَاف 128 // (من مجزوء الرجز) // (سِلْسلَةٌ مِنْ ذَهَبِ ... مَنُوطَةٌ بِالشُّهُبِ) (أكْرِمْ بِهَا سِلْسِلَةً ... بَيْنَ وَصِيِّ ونَبِي) (قَدْ صَانَهَا رَبُّ السَّمَا ... مِنْ شَائِبَاتِ النَّسَبِ) وَصلى الله على من لَا نَبِي بعده خَاتم النَّبِيين وَآله الطيبين الطاهرين وَصَحبه الهداة المهتدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 (الْبَاب الثَّالِث) (من خَاتِمَة الْخَيْر) (فِي ذكر من ولي مَكَّة المشرفة من آل أبي طَالب إِلَى يَوْم تَارِيخه) ( ولمع من أخبارهم ونوادر حوادث أيامهم ) مَكَّة زَادهَا الله شرفاً أشهر من أَن تعرَف أَو أَن يصفها واصف أَلا أَنَّهَا انقرض سكانها من قُرَيْش بعد الْمِائَة الثَّانِيَة بالفتن الْوَاقِعَة بالحجاز من العلوية مرّة بعد أُخْرَى فأقفرت من قُرَيْش وَلم يبْق بهَا أَلا أَتبَاع بني حسن أخلاط من النَّاس ومعظمهم موَالِي سود من الْحَبَشَة والزيلع وَكَانَ أول من وَليهَا بعد الْفَتْح المحمدي عتاب بن أسيد باستخلاف مُحَمَّد بعد الْفَتْح حِين عزمه إِلَى غَزْوَة حنين عَام ثَمَان من الْهِجْرَة وَالْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثمَّ خلفاء بني أُميَّة وعمالهم ثمَّ خلفاء بني الْعَبَّاس وتعداد عمالهم فَردا فَردا مَبْسُوط فِي التورايخ لَا حَاجَة بِنَا إِلَيْهِ وَكَانَ فِي خلال ذَلِك يتغلب بعض الطالبيين والعلويين عَلَيْهَا فَأول من وَليهَا مِنْهُم بالتغلب مُحَمَّد بن الْحسن بن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب عَاملا عَلَيْهَا ومؤمرّاً من جِهَة مُحَمَّد الْمهْدي الملقب بِالنَّفسِ الزكية ابْن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب فَإِنَّهُ لما تغلب على الْمَدِينَة على الْمَدِينَة الشَّرِيفَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة فِي دولة الْمَنْصُور العباسي أَمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 على مَكَّة مُحَمَّد بن الْحسن هَذَا وسيره إِلَيْهَا فَخرج إِلَيْهِ السّري بن عبد الله بن الْحَارِث بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَمِير مَكَّة من جِهَة الْمَنْصُور فتحاربا بأذاخر فَهزمَ السّري وَدخل مُحَمَّد مَكَّة فَأَقَامَ بهَا يَسِيرا فَأَتَاهُ كتاب مُحَمَّد النَّفس الزكية يُخبرهُ بمسير عِيسَى بن مُوسَى لمحاربته ويأمره بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَسَار مُحَمَّد بن الْحسن إِلَيْهِ من مَكَّة هُوَ وَالقَاسِم بن إِسْحَاق فَبَلغهُ وَهُوَ سَائِر بنواحي قديد قتل النَّفس الزكية فهرب هُوَ وَأَصْحَابه وَتَفَرَّقُوا فلحق مُحَمَّد بن الْحسن بإبراهيم بن عبد الله الْمَحْض حَتَّى قتل إِبْرَاهِيم ذكر هَذَا ابْن الْأَثِير وَرجع السّري إِلَى ولَايَة مَكَّة ثمَّ وَليهَا كَذَلِك بالتغلب سنة 169 تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة فِي دولة الْهَادِي بن الرشيد الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن المثلث بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط وَقد تقدم خَبره فِي الْبَاب قبل هَذَا عِنْد ذكر الدعاة ثمَّ وَليهَا كَذَلِك بالتغلب الْحُسَيْن بن الْحسن الْأَفْطَس بن عَليّ الْأَصْغَر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ الْمَعْرُوف بالأفطس وَذَلِكَ فِي خلَافَة الْمَأْمُون سنة 199 تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَسَببه أَن أَبَا السَّرَايَا السّري بن مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ دَاعِيَة ابْن طَبَاطَبَا لما تغلب على الْعرَاق ولي مَكَّة الْحُسَيْن بن الْحسن الْأَفْطَس هَذَا فَسَار إِلَى أَن وصل وَادي سرف الْمَعْرُوف فِي وقتنا الْيَوْم بالنوارية على نصف مرحلة من مَكَّة فتوقف عَن الدُّخُول إِلَى مَكَّة خشيَة من أميرها من جِهَة الْمَأْمُون وَهُوَ دَاوُد بن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس فَلَمَّا بلغ دَاوُد تَوْجِيه أبي السَّرَايَا للحسين الْأَفْطَس فَارق مَكَّة هُوَ وَمن بهَا من شيعَة بني الْعَبَّاس فَلَمَّا بلغ الْحُسَيْن خُرُوج دَاوُد دَخلهَا لَيْلَة عَرَفَة فَطَافَ وسعى ثمَّ مَشى إِلَى عَرَفَة فَوقف لَيْلًا ثمَّ دفع إِلَى الْمزْدَلِفَة فصلى بِالنَّاسِ الصُّبْح ثمَّ دفع إِلَى منى فَلَمَّا انْقَضى الْحَج عَاد إِلَى مَكَّة فَلَمَّا كَانَ مستهل محرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة 200 مِائَتَيْنِ نزع الْحُسَيْن الْمَذْكُور كسْوَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 الْكَعْبَة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا من قبل الْمَأْمُون ثمَّ كساها كسوتين أنفذهما مَعَه أَبُو السَّرَايَا من قَز إِحْدَاهمَا صفراء وَالْأُخْرَى بَيْضَاء ثمَّ عمد الْأَفْطَس إِلَى خزانَة الْكَعْبَة فَأخذ جَمِيع مَا فِيهَا من الْأَمْوَال فَقَسمهَا مَعَ كسْوَة الْكَعْبَة على أَصْحَابه وهرب النَّاس من مَكَّة لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ أَمْوَالهم يزْعم أَنَّهَا ودائع لبني الْعَبَّاس عِنْدهم وَلما هرب النَّاس هدم دُورهمْ فكرهه النَّاس لظلمه وطغى أَصْحَابه وبغوا وقلعوا شبابيك الْبيُوت الْحَدِيد الَّتِي على الْمَسْجِد وباعوها حَتَّى قلعوا شبابيك زَمْزَم وَلم يزل كَذَلِك على ظلمه إِلَى أَن بلغه قتل مرسله أبي السَّرَايَا سنة مِائَتَيْنِ فَلَمَّا علم بذلك وَرَأى النَّاس قد تغيرُوا عَلَيْهِ لما فعله مَعَهم من الْقَبِيح واستباحة الْأَمْوَال جَاءَ هُوَ وَأَصْحَابه إِلَى مُحَمَّد بن جَعْفَر الصَّادِق الملقب بالديباجة لجمال وَجهه وسألوه الْمُبَايعَة لَهُ بالخلافة فكره ذَلِك فاستعان الْأَفْطَس عَلَيْهِ بولده عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الصَّادِق وَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى بَايعُوهُ بالخلافة وَذَلِكَ فِي ربيع الأول سنة مِائَتَيْنِ وجمعوا النَّاس على بيعَة مُحَمَّد طَوْعًا وَكرها وَبَقِي أشهر وَلَيْسَ لَهُ من من الْأَمر شَيْء وَإِنَّمَا ذَلِك للأفطس ولابنه عَليّ بن مُحَمَّد وهما على أقبح سيرة مَعَ النَّاس ووثب الْأَفْطَس على امْرَأَة جميلَة فانتزعها قهرا من زَوجهَا وَعلي بن مُحَمَّد أَخذ ابْن قَاضِي مَكَّة وحجزه عِنْده فَلَمَّا رأى النَّاس ذَلِك اجْتَمعُوا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَقَالُوا لمُحَمد بن جَعْفَر إِن لم تحضر الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ خلعناك فأغلق بَابه خوفًا من الْعَامَّة وكلمهم من الشباك ثمَّ طلب الْأمان ليخرج يخلصهما فَأعْطى فَخرج وخلص الصَّبِي من ابْنه عَليّ وَالْمَرْأَة من الْأَفْطَس كَذَا ذكره الْأَزْرَقِيّ قلت عِنْدِي فِي صِحَة هذَيْن الأخذين نظر خُصُوصا أَخذ ابْن الديباجة ابْن قَاضِي مَكَّة فَالنَّفْس أبته كل الإباء وَالله أعلم فَلم تكن إِلَّا مُدَّة يسرة حَتَّى قدم إِسْحَاق بن مُوسَى العباسي من الْيمن فَارًّا من إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق فَنزل بالمشاش وَاجْتمعَ إِلَيْهِ جمَاعَة من أهل مَكَّة هربوا من العلويين وَاجْتمعَ الطالبيون إِلَى مُحَمَّد بن جَعْفَر الْمَذْكُور وَجمع النَّاس من الْأَعْرَاب وَغَيرهم وحفروا خَنْدَقًا وقابلهم إِسْحَاق ثمَّ كره الْقِتَال فَسَار إِلَى نَحْو الْعرَاق فَلَقِيَهُ جند أنفذهم هرثمة بن أعين قَائِد الْمَأْمُون وَكَانَ فيهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 الجلودي وورقاء بن جميل فَقَالَا لإسحاق ارْجع مَعنا وَنحن نكفيك الْقِتَال فَرجع مَعَهُمَا ولقيهم مُحَمَّد بن جَعْفَر والطالبيون ببئر مَيْمُونَة وَقد انْضَمَّ إِلَى مُحَمَّد غوغاء مَكَّة وَسَوَاد الْبَادِيَة فَلَمَّا التقى الْفَرِيقَانِ قتل جمَاعَة ثمَّ تحاجزوا ثمَّ الْتَقَوْا من الْغَد فَانْهَزَمَ مُحَمَّد والطالبيون وَمن مَعَهم ثمَّ طلب مُحَمَّد الْأمان من الجلودي وَألا أجلة ثَلَاثَة أَيَّام فآمنه وأجله ثمَّ خرج من مَكَّة وَدخل الجلودي مَكَّة بالجيش فِي جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة 200 مِائَتَيْنِ وَتوجه الديباجة إِلَى بِلَاد جُهَيْنَة فَجمع مِنْهَا جَيْشًا وَسَار إِلَى الْمَدِينَة وَقَاتل واليها من جِهَة الْمَأْمُون وَهُوَ هَارُون بن الْمسيب فَانْهَزَمَ الديباجة أَيْضا وفقئت عينه بنشابة وَقتل من عسكره خلق كثير ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة وَطلب الْأمان من الجلودي فآمنه فَدخل مَكَّة فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة فأصعده الجلودي الْمِنْبَر والجلودي فَوْقه بمرقاتين عَلَيْهِ قبَاء أسود فَاعْتَذر مُحَمَّد بِأَنَّهُ إِنَّمَا وَافق على الْمُبَايعَة لِأَنَّهُ بلغه موت الْمَأْمُون ثمَّ قدم على الْمَأْمُون ب مرو وَاعْتذر واستعفى فَقبل عذره وَعَفا عَنهُ وأكرمه فَلم يلبث قَلِيلا حَتَّى مَاتَ فَجْأَة بجرجان فصلى عَلَيْهِ الْمَأْمُون وَنزل فِي لحده وَقَالَ هَذِه رحم قطعت مذ سِنِين وَكَانَ مَوته فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَسبب مَوته على مَا قيل أَنه جَامع وافتصد وَدخل الْحمام فِي يَوْم وَاحِد وَفِي موسم سنة 202 اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَليهَا كَذَلِك بالتغلب إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الكاظم ابْن جَعْفَر جَاءَ إِلَيْهَا من الْيمن وَعَلَيْهَا إِسْحَاق بن مُوسَى بن عِيسَى العباسي فَلَمَّا سمع بوصوله خَنْدَق عَلَيْهَا وَبنى سوراً على الْجبَال دائراً بالبنيان وَكَانَ فِي السّنة الَّتِي قبلهَا سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ وصل إِلَى مَكَّة صنم من ذهب على صُورَة إِنْسَان لملك من مُلُوك الْهِنْد أرسل بِهِ إِلَى الْكَعْبَة وعَلى رَأس الصَّنَم تَاج مكلل بالجوهر والياقوت والزبرجد والصنم جَالس على سَرِير من فضَّة وعَلى السرير أَنْوَاع الْفرش من الْحَرِير والديباج فَوضع السرير عَلَيْهِ الصَّنَم فِي وسط الْمَسْعَى ثَلَاثَة أَيَّام وَمَعَهُ معرِّف لمن كَانَ لَهُ هَذَا الصَّنَم وَأَنه أسلم وَأرْسل بِهِ هَدِيَّة للكعبة فاحمدوا الله تَعَالَى أَن هداه لِلْإِسْلَامِ ثمَّ أخد أَمِير مَكَّة العباسي الْمَذْكُور ذَلِك الصَّنَم من الحجبة قهرا وضربه دَنَانِير وأنفقها على الْعَسْكَر وَحَارب إِبْرَاهِيم بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 مُوسَى فَكسر الْأَمِير وهرب وَدخل إِبْرَاهِيم بن مُوسَى مَكَّة ثمَّ وَليهَا فِي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المستعين بالتغلب أَيْضا إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الأخيصر بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فهرب مِنْهَا عَامل المستعين وَهُوَ جَعْفَر بن الْفضل ابْن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بشاشات قتل إِسْمَاعِيل الْجند الَّذين بِمَكَّة وَجَمَاعَة من أَهلهَا وَنهب منزل جَعْفَر شاشات وَغَيره وَأخذ من النَّاس نَحْو مِائَتي ألف دِينَار وَعمد إِلَى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فَأخذ كسوتها وَمَا جدد فِي خزانتها من الْأَمْوَال وَمَا كَانَ أعد من المَال لإِصْلَاح الْعين وَنهب مَكَّة وأحرق بَعْضهَا ثمَّ خرج مِنْهَا بعد مقَامه بهَا خمسين يَوْمًا فِي شهر ربيع الأول وَقصد الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فتوارى عَنهُ عاملها فظلم أَهلهَا وأخرب دُورهمْ وعطلت الْجَمَاعَة من مَسْجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَكثر من نصف شهر ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فحصر أَهلهَا حَتَّى مَاتُوا جوعا وعطشاً وَبلغ الْخبز ثَلَاث أَوَاقٍ بدرهم وَاللَّحم رَطْل بدرهم والشربة المَاء بِثَلَاثَة دَرَاهِم ولقى أهل مَكَّة مِنْهُ بلَاء شَدِيدا ثمَّ سَار إِلَى جدة فحبس عَن النَّاس الطَّعَام وَأخذ أَمْوَال التُّجَّار وَأَصْحَاب المراكب ووافى الْموقف وَالنَّاس بِعَرَفَات فَقتل من الْحجَّاج نَحوا من ألف وَمِائَة نفس فهرب الْحجَّاج وَلم يقف بِعَرَفَة أحد لَيْلًا وَلَا نَهَارا سوى إِسْمَاعِيل وَعَسْكَره ثمَّ بعد انْفِصَاله من عَرَفَة رَجَعَ إِلَى جدة ثَانِيًا وأفنى أموالها وَفعل أموراً قبيحة لَا حَاجَة بِنَا إِلَى ذكرهَا كَذَا ذكره الْعَلامَة ابْن جَار الله وَقَبله التقى الفاسي فِي تَارِيخه شِفَاء الغرام انْتهى قلت لَا يظنّ ظان أم صُدُور هَذَا الْفِعْل وَشبهه من مثل هَؤُلَاءِ السَّادة لنَقص فِي دينهم واختلال فِي يقينهم حاشا وكلا وَإِنَّمَا ذَاك وَالله أعلم مِمَّا جرَت إِلَيْهِ الحمية والأنفة والشهامة الَّتِي تناسب أقداسهم من اسْتِيلَاء وُلَاة الْجور على مَا هم الأحقون بِهِ فيقصدون بذلك ثلم وجموعهم وتفريق جموعهم مَا أمكن لتعديهم بِأَصْل الدُّخُول فِي الْخلَافَة وَلم ينْعَقد إِذْ ذَاك إِجْمَاع على حُرْمَة الْخُرُوج على أَئِمَّة الْجور فقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 أفتى الإِمَام أَبُو حنيفَة بِجَوَاز الْخُرُوج على أبي جَعْفَر الْمَنْصُور مِنْهُم وَكَذَلِكَ الإِمَام مَالك رحمهمَا الله تَعَالَى وَإِنَّمَا انْعَقَد الْإِجْمَاع على ذَلِك بعد زمنهم بِكَثِير هَذَا مَا ظهر لجامعه الْفَقِير على إِنِّي أعلم أَن هَذَا الْجَواب ينْسب إِلَى الْإِقْنَاع فَلَا يكن مِنْك أَيهَا النَّاقِد لرأس الِاعْتِرَاض إقناع وَلم يزل الْعمَّال عَلَيْهَا من بني الْعَبَّاس وشيعتهم وَالْخطْبَة بهَا لَهُم إِلَى أَن اشتغلوا بالفتن أَيَّام المستعين والمعتز وَمَا بعدهمَا فَحدثت الرِّئَاسَة فِيهَا لبني سُلَيْمَان بن دَاوُد ابْن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط ( ذكر دولة السليمانيين ) (وَمِنْهُم آل أبي الطّيب) قَالَ ابْن خلدون وَكَانَ كَبِيرهمْ آخر الْمِائَة الثَّانِيَة مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَلَيْسَ هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُد بن الْحسن الْمثنى لِأَن ذَاك ذكر ابْن حزم أَنه قَامَ بِالْمَدِينَةِ أَيَّام الْمَأْمُون وَبَين العصرين نَحْو مائَة سنة فيبعد أَن يكون مُحَمَّد بن سُلَيْمَان هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد الْقَائِم بِالْمَدِينَةِ أَلا أَنه من وَلَده كَانَ أول من خطب لنَفسِهِ مِنْهُم بِالْإِمَامَةِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان سنة 301 إِحْدَى وثلاثمائة أَيَّام المقتدر العباسي وخلع طَاعَة العباسية وخطب فِي الْمَوْسِم فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أعَاد الْحق إِلَى نظامه وأبرز زهر الْإِيمَان من أكمامه وكمل دَعْوَة خير الرُّسُل بأسباطه لَا ببني أَعْمَامه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطاهرين وكف عَنْهُم ببركته إساءة الْمُعْتَدِينَ وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه إِلَى يَوْم الدّين ثمَّ انشد // (من المجتث) // (لأَطْلُبَنَّ بِسَيْفِي ... مَا كَاَن لِلحَقِّ دَيْنَا) (وأَسْطُوَنَّ بِقَوْمٍ ... بَغَوا وجَارُوا عَليْنَا) (يُهْدُونَ كُلَّ بَلاَءٍ ... مِنَ العِرَاقِ إِليْنَا) وَكَانَ يلقب بالزيدى نِسْبَة إِلَى نحلته من مَذْهَب الإمامية وبقى ركب الْعرَاق يتَعَاهَد مَكَّة إِلَى أَن اعْتَرَضَهُ أَبُو طَاهِر القرمطي سنة ثنتى عشرَة وَأسر أَبَا الهيجاء حمدَان وَالِد سيف الدولة وَجَمَاعَة مَعَه وَقتل الْحجَّاج وَترك النِّسَاء والأطفال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 بالقفر فهلكوا وَانْقطع الْحَاج من الْعرَاق بِسَبَب القرامطة ثمَّ أنفذ المقتدر سنة سبع عشرَة وثلاثمائة منصوراً الديلمي من موَالِيه فوافاه بِمَكَّة يَوْم التَّرويَة أَبُو طَاهِر القرمطي فنهب الْحَاج وقتلهم حَتَّى فِي الْكَعْبَة وَالْحرَام وطم بِئْر زَمْزَم بالقتلى وَالْحجاج يصيحون كَيفَ تقتل جيران الله ووفاده فَيَقُول لَيْسَ بجار من خَالف أوَامِر الله ونواهيه وَيَتْلُو {إِنَّمَا جزوا اَلذِّينَ يُحَارِبُونَ الله} الْمَائِدَة 33 الْآيَة وَصعد على عتبَة الْكَعْبَة يَقُول // (من الرمل) // (أَنَا باللهِ وباللهِ أَنَا ... يَخْلُقُ الخلقَ وَأُفْنِيهِمْ أَنَا) وَكَانَ يخْطب لِعبيد الله الْمهْدي جد الْخُلَفَاء العبيديين نِسْبَة إِلَى عبيد الله الْمَذْكُور صَاحب إفريقية ثمَّ قلع الْحجر الْأسود وَحمله إِلَى الأحساء وَهِي مُسْتَقر ملكه والأحساء هَذِه بناها أَبُو طَاهِر بعد أَن خرب جده مَدِينَة الْبَحْرين ولنذكرهما وَإِن كَانَ ذكرهمَا اعتراضاً فِي الْبَين أما الْبَحْرين فإقليم وَاسع مَسَافَة شهر على بَحر فَارس بَين الْبَصْرَة وعُمان شرقيها بَحر فَارس وغربيها مُتَّصِل بِالْيَمَامَةِ وشماليها بِالْبَصْرَةِ وجنوبيها عمان كَثِيرَة الْمِيَاه ينبطونها على الْقَامَة والقامتين كَثِيرَة البقل والفواكه مفرطة الْحر منهالة الكثبان يغلب الرمل عَلَيْهِم فِي مساكنهم وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة لعبد الْقَيْس وَبكر بن وَائِل من ربيعَة وملكها الْفرس ثمَّ صَارَت فِي صدر الْإِسْلَام لنى الْجَارُود ثمَّ ملكهَا أَبُو سعيد القرمطي بعد حِصَار ثَلَاث سِنِين واستباحها قتلا وإحراقاً وتخريباً ثمَّ بنى أَبُو طَاهِر القرمطي مَدِينَة الأحساء وتوالت دولة القرامطة فِيهَا وهم أخلاط من الْفرس وَبنى تغلب وَبنى عقيل وَبنى سليم وَكَانَ بناؤها فِي الْمِائَة الثَّالِثَة وَسميت بِهَذَا الِاسْم يعْنى الأحساء لِكَثْرَة أحساء الْمِيَاه فِي الرمال بهَا ومراعى الْإِبِل وَكَانَت للقرامطة بهَا دولة وجالوا فِي الأقطار وَالشَّام وَالْعراق ومصر والحجاز وملكوا الشَّام وعمان ثمَّ انْقَضتْ دولة القرامطة وغلبت على الْبَحْرين وَمَا والاها بَنو عَامر بن عقيل قَالَ ابْن خلدون قَالَ ابْن سعيد وَالْملك الْآن مِنْهُم فِي بنى عُصْفُور ثمَّ رَجَعَ وَقلع بَاب الْبَيْت وَحمله وأطلع رجلا لقلع الْمِيزَاب فَسقط وَمَات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 فَقَالَ اتركوه فَإِنَّهُ محروس حَتَّى يأتى صَاحبه يَعْنِي الْمهْدي المنتظر فَلَمَّا بلغ عبيد الله الْمهْدي مَا فعله كتب إِلَيْهِ مَا نَصه وَالْعجب من كتبك إِلَيْنَا ممتناً علينا بِمَا ارتكبته واجترمته باسمنا من حرم الله وجبرانه بالأماكن الَّتِي لم تزل الْجَاهِلِيَّة تحرم إِرَاقَة الدِّمَاء فِيمَا وإهانة أَهلهَا ثمَّ تعديت ذَلِك فَقلعت الْحجر الَّذِي هُوَ يَمِين الله فِي أرضه يُصَافح بهَا عباده وَحَمَلته إِلَى أَرْضك ورجوت أَن نشكرك فلعنك الله ثمَّ لعنك ثمَّ لعنك السَّلَام على من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده وَفعل فِي يَوْمه مَا عمل فِيهِ حِسَاب غده فانحرفت القرامطة عَن طَاعَة العبيبديين لذَلِك ثمَّ قتل المقتدر على يَد مؤنس سنة عشْرين وثلاثمائة وَولي أَخُوهُ القاهر وَانْقطع الْحَاج من الْعرَاق بعد هَذِه السّنة إِلَى أَن كَاتب أَبُو عَليّ عمر بن يحيى الفاطمى سنة 27 سبع وَعشْرين من الْعرَاق أَبَا طَاهِر القرمطي فَأطلق السبل للْحَاج على مكس أَخذه مِنْهُم وَكَانَ أَبُو طَاهِر يعظمه لدينِهِ ويؤمله فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَأخذ المكس من الْحَاج وَلم يعْهَد مثله فِي الْإِسْلَام وخطب فِي هَذِه السّنة بِمَكَّة للراضي بن المقتدر وَفِي سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة لِأَخِيهِ المتقي من بعده وَلم يصل ركب الْعرَاق فِي هَذِه السّنة من القرامطة ثمَّ ولي المستكفي سنة 333 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة على يَد توزون أَمِير الْأُمَرَاء بِبَغْدَاد فَخرج الْحَاج فِي هَذِه السّنة بمهادنة القرامطة بِعَهْد أبي طَاهِر ثمَّ خطب للمطيع ابْن المقتدر بِمَكَّة بمعز الدولة بن بويه سنة 334 أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة عِنْد مَا استولى معز الدولة على بَغْدَاد وعزل المستكفي واعتقل ثمَّ تعطل الْحَج بِسَبَب القرامطة وردوا الْحجر الْأسود سنة تسع وَثَلَاثِينَ بِأَمْر الْمَنْصُور العبيدي صَاحب إفريقية وخطابه فِي ذَلِك لأميرهم أَحْمد بن أبي سعيد ثمَّ جَاءَ الْحَاج إِلَى مَكَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلاثمائة مَعَ أَمِير الْعرَاق وأمير من مصر فَوَقَعت الْحَرْب بَينهمَا على الْخطْبَة لِابْنِ بويه ملك الْعرَاق وَابْن الإخشيد ملك مصر فَانْهَزَمَ المصريون وخطب لِابْنِ بويه واتصل وُفُود الْحَاج من يَوْمئِذٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 فَلَمَّا كَانَت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة جَاءَ الْحَاج من بَغْدَاد وَمن مصر كَانَ أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعلوِي فمكر بأمير مصر وَقَالَ نتفق على إِفْرَاد الْخَلِيفَة ونترك صَاحِبي وَصَاحِبك فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك ثمَّ جَاءَ الْمِنْبَر مستعداً وَأمر بِالْخطْبَةِ لمعز الدولة بن بويه فَوَجَمَ الآخر وتمت عَلَيْهِ الْحِيلَة وعاقبه أميره كافور وَيُقَال قَتله وَوَقع معز الدولة بن بويه بعد موت أَبِيه والخليفة يَوْمئِذٍ الْمُطِيع وَسَببه أَن سَابُور بن أبي طَاهِر قتل عَمه أَحْمد بن سعيد الْأَمِير القرمطي وَكَانَ مجمعا على اعْتِرَاض ركب الْعرَاق وَقطع الْخطْبَة على ابْن بويه بِمَكَّة فَلَمَّا قتل أَحْمد وَقعت الْفِتْنَة بَين أَوْلَاد أبي طَاهِر وَأَوْلَاد أَحْمد بن أبي سعيد فَأصْلح الْمُطِيع بَينهم وَقدم عَلَيْهِ الْحسن بن أَحْمد وخطب فِي الْمَوْسِم للمطيع وللحسن بعده بالإمارة وَفِي سنة 360 سِتِّينَ وثلاثمائة خلع الْحسن بن أَحْمد القرمطي طَاعَة العبيديين وخطب للمطيع وَبعث الْمُطِيع إِلَيْهِ بالرايات السود ونهض إِلَى دمشق فَقتل عاملها من جِهَة العبيديين جَعْفَر بن فلاح وخطب للمطيع ثمَّ وَقعت الْفِتْنَة بَين بني الْحسن أهل مَكَّة وَبني الْحُسَيْن أهل الْمَدِينَة وزحف أهل الْمَدِينَة مَعَ أَمِير الْمعز لدين الله العبيدي صَاحب مصر ليقيموا لَهُ الْخطْبَة بِمَكَّة فَجَاءَت القرامطة مدَدا لبني حسن بِمَكَّة فَانْهَزَمَ أهل الْمَدِينَة ثمَّ وَقعت الْفِتْنَة بَين بني الْحسن وَبني جَعْفَر وحصلت بَينهم دِمَاء وَبعث الْمعز العبيدي من أصلح بَينهم وَتحمل ديات الْقَتْلَى الفاضلة من مَال الْمعز فمذ ملك مصر بَادر جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ فَملك مَكَّة ودعا للمعز العبيدي فَكتب لَهُ الْمعز بِالْولَايَةِ ثمَّ مَاتَ جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد فوليها بعده ابْنه عِيسَى ابْن جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن على بن أَبى طَالب ودامت ولَايَته إِلَى أَن مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ثمَّ ولي بعد عِيسَى أَخُوهُ أَبُو الْفتُوح الْحسن بن جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد وَكَانَت ولَايَته سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ثمَّ جَاءَت عَسَاكِر عضد الدولة الديلمي ففر الْحسن بن جَعْفَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وَلما مَاتَ الْمعز العبيدي وَولى ابْنه الْعَزِيز بعث إِلَى مَكَّة أَمِيرا علوياً فَخَطب لَهُ بالحرمين وَفِي سنة سبع وَسِتِّينَ بعث الْعَزِيز العبيدي باديس بن زيري الصنهاجي أَمِيرا على الْحَاج وَاسْتولى لَهُ على الْحَرَمَيْنِ وَأقَام لَهُ الْخطْبَة وشغل عضد الدولة فِي الْعرَاق بِقِتَال ابْن عَمه بختيار فَبَطل ركب الْعرَاق ثمَّ عَاد فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا وخطب لعضد الدولة أَحْمد الموسوي وانقطعت بعْدهَا خطْبَة العباسيين من مَكَّة وعادت إِلَى خلفاء مصر إِلَى حِين من الدَّهْر وَعظم شَأْن أبي الْفتُوح واتصلت إمارته فِي مَكَّة وَكتب إِلَيْهِ الْقَادِر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ ورغبه فِي الطَّاعَة ووعده باتصال الْإِمَارَة فِي بنيه فأنفذ أَبُو الْفتُوح الْكتب إِلَى الْعَزِيز العبيدي صَاحب مصر فَأرْسل إِلَيْهِ الْعَزِيز بالأموال وَالْخلْع فَقَسمهَا فِي قومه وكسا الْكَعْبَة بالبياض ثمَّ خاطبه الْقَادِر سنة تسعين وثلاثمائة فِي الْإِذْن لحاج الْعرَاق فَأَجَابَهُ على أَن الْخطْبَة للْحَاكِم صَاحب مصر العبيدي وَبعث الْحَاكِم إِلَى ابْن الْجراح أَمِير طي باعتراضهم وَكَانَ على الْحَاج الشريف الرضي أَمِيرا وَأَخُوهُ المرتضى فلاطفا ابْن الْجراح حَتَّى خلي سَبِيل الْحَاج على أَن لَا يعود قَالَ ابْن خلدون وفيهَا ولي الْمَدِينَة المشرفة وأزال عَنْهَا إمرة بني المهنا الْحُسَيْنِي ثمَّ اعْترض حَاج الْعرَاق سنة أَربع وَتِسْعين وثلاثمائة الْأَصْفَر التغلبي عِنْد ملكه الجزيرة فوعظه قارئان كَانَا فِي الركب ثمَّ اعْتَرَضَهُمْ فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا أَعْرَاب خفاجة ونهبوهم ثمَّ كتب الْحَاكِم سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة إِلَى عماله بِالْبَرَاءَةِ من أبي بكر وَعمر فنكر ذَلِك أَبُو الْفتُوح وامتعض لَهُ وَخرج عَن طَاعَته بِسَبَب ذَلِك كَذَا فِي تَارِيخ الْعَلامَة ابْن خلدون وَرَأَيْت فِي شِفَاء الغرام للعلامة التقي الفاسي مَا نَصه كَانَ سَبَب عصيان أبي الْفتُوح عَن طَاعَة الْحَاكِم العبيدي أَن الْوَزير أَبَا الْقَاسِم ابْن المغربي لما قتل الْحَاكِم أَبَاهُ وأعمامه هرب من الْحَاكِم واستجار بكبير آل الْجراح أَمِير طي فَعِنْدَ ذَلِك حسن لَهُم الْوَزير مبايعة أبي الْفتُوح بالخلافة فمالوا إِلَى ذَلِك فقصد الْوَزير أَبُو الْقَاسِم أَبَا الْفتُوح وَحسن لَهُ طلب الْخلَافَة فَاعْتَذر أَبُو الْفتُوح بقلة ذَات يَده فَحسن لَهُ الْوَزير أَخذ مَا فِي الْكَعْبَة من المَال فَأَخذه مَعَ مَال عَظِيم لبَعض التُّجَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 بجدة وخطب لنَفسِهِ وتلقب بالراشد بِاللَّه وَبَايَعَهُ بالخلافة شُيُوخ الحسينيين وَغَيرهم بالحرمين وَخرج من مَكَّة إِلَى الرملة قَاصِدا آل الْجراح فِي جمَاعَة من بني عَمه وَألف عبد أسود وَمَعَهُ سيف زعم أَنه ذُو الفقار وقضيب زعم أَنه قضيب رَسُول الله فَلَمَّا قرب الرملة تَلَقَّتْهُ الْعَرَب وقبلوا الأَرْض بَين يَدَيْهِ وسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وَنزل الرملة ونادى بِالْعَدْلِ وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فانزعج الْحَاكِم العبيدي وَقطع الْميرَة عَن الْحَرَمَيْنِ وَمَا وَسعه أَلا الخضوع لآل الْجراح لقُوَّة شوكتهم فاستمال حسان بن مفرج مِنْهُم وبذل لَهُ ولإخوته أمولا جزيلة فَتَخَلَّفُوا عَن أبي الْفتُوح فَعرف أَبُو الْفتُوح ذَلِك فَاسْتَجَارَ بمفرج من الْحَاكِم العبيدي فَكتب مفرج إِلَى الْحَاكِم مستشفعاً لأبي الْفتُوح فشفعه فِيهِ ورده إِلَى مَكَانَهُ من إمرة مَكَّة وراجع طَاعَة الْحَاكِم العبيدي وَقد كَانَ الْحَاكِم ولي على إمرة مَكَّة عِنْد عصيان أبي الْفتُوح أَبَا الطّيب فِي الْمدَّة الَّتِي خرج فِيهَا عَن طَاعَته وَأَبُو الطّيب هَذَا هُوَ أَبُو الطّيب بن عبد الرَّحْمَن بن قَاسم بن أبي الفاتك بن دَاوُد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن على ابْن أبي طَالب وَمن أحفاد أحفاده الْأَمِير يحيى ابْن الْأَمِير الْمُؤَيد ابْن الْأَمِير قَاسم بن غَانِم بن حَمْزَة بن وَقاص بن أبي الطّيب بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور وَذكر ابْن حزم أَبَا للطيب هَذَا وسَاق نسبه كَمَا ذكرنَا ثمَّ قَالَ كَانَ لعبد الرَّحْمَن وَالِد أبي الطّيب اثْنَان وَعِشْرُونَ ذكرا فَذكرهمْ وَذكر أَبَا الطّيب مِنْهُم ثمَّ قَالَ سكنوا كلهم أذَنة حاشا نعْمَة وَعبد الْحَكِيم وَعبد الرحميد فَإِنَّهُم سكنوا أمج بِقرب مَكَّة وَلَعَلَّ سكناهم أذَنة للخوف من أبي الْفتُوح بِسَبَب تآمر أبي الطّيب بعده بِمَكَّة حَال خُرُوج أبي الْفتُوح إِلَى آل الْجراح وَلم يحجّ من الْعرَاق فِي هَذِه السّنة أحد قَالَ ابْن السُّبْكِيّ وَلما كَانَ موسم ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة جرت فِيهِ كائنة غربية هِيَ أَن رجلا من المصريين من أَصْحَاب الْحَاكِم العبيدى اتّفق مَعَ جمَاعَة من الْحجَّاج المصريين على أَمر سوء فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ يَوْم النَّفر الأول طَاف هَذَا الرجل بِالْبَيْتِ فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْحجر الْأسود جَاءَ كَأَنَّهُ يُرِيد تقبيله فَضَربهُ بدبوس كَانَ مَعَه ثَلَاث ضربات مُتَوَالِيَات وَقَالَ إِلَى مَتى يعبد هَذَا الْحجر إِلَى مَتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 يقبل وَلَا مُحَمَّد وَلَا عَليّ فيمنعني من ذَلِك فَإِنِّي أهدم الْيَوْم هَذَا الْبَيْت وَجعل يرتعد فاتقاه أَكثر الْحَاضِرين وتأخروا عَنهُ وَذَلِكَ أَنه كَانَ رجلا طَويلا جسيماً أَحْمَر اللَّوْن أشقر الشّعْر وعَلى بَاب الْمَسْجِد جمَاعَة من الفرسان وقُوف ليمنعوه مِمَّن أَرَادَهُ بِسوء فَتقدم إِلَيْهِ رجل من أهل الْيمن مَعَه خنجر فوجأه بِهِ وتكاثر عَلَيْهِ النَّاس فَقَتَلُوهُ وقطعوه قطعا وحرقوه وتتبعوا أَصْحَابه فَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَنهب أهل مَكَّة ركب المصريين وتعدى النهب إِلَى غَيرهم ثمَّ إِنَّه سكن الْحَال غير أَنه سقط من الْحجر ثَلَاث فلق مثل الْأَظْفَار وبدا مَا تحتهَا أسمر يضْرب إِلَى صفرَة محبباً مثل الخشخاش فَأخذ بَنو شيبَة تِلْكَ الفلق فعجنوها بالمسك واللاذن واللَّك وحشوا بهَا تِلْكَ الشقوق الَّتِي بَدَت فَاسْتَمْسك على مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآن وَهُوَ ظَاهر لمن تَأمله وَلما بُويِعَ الْقَائِم العباسي سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة أَمر أَن يُجهز الْحَاج فَلم يقدر لاستيلاء الْعَرَب وانحلال إمرة بني بويه ثمَّ خطب بِمَكَّة سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة للمستنصر بن الظَّاهِر العبيدي وَلما كَانَ سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة تولى أَبُو الْفتُوح الْحسن بن جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان رَئِيس مَكَّة وَبني سُلَيْمَان وَكَانَت مُدَّة إمارته ثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة تمّ ولى بعده ابْنه شكر بن أبي الْفتُوح وَجَرت لَهُ مَعَ أهل الْمَدِينَة خطوب ملك فى أَثْنَائِهَا الْمَدِينَة وَجمع بَين الْحَرَمَيْنِ وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَكَانَت مدَّته ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَلم يعقب وَلَا ولد لَهُ قطّ وَقيل خلف بِنْتا هِيَ الَّتِي تزَوجهَا مُحَمَّد بن جَعْفَر أول أُمَرَاء الهواشم الْآتِي ذكرهم الْآن وَذكر ابْن حزم أَن عقب جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان انقرض وَأَن مَكَّة وَليهَا بعد شكر عبد كَانَ لَهُ لِأَنَّهُ قَالَ وَقد انقرض عقب جَعْفَر الْمَذْكُور لِأَن ابْنه أَبَا الْفتُوح لم يكن لَهُ ولد أَلا شكر وَلم يُولد لَهُ وَصَارَ أَمر مَكَّة إِلَى عبد لَهُ انْتهى كَلَام ابْن حزم قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن جَار الله فِي تَارِيخه الْجَامِع اللَّطِيف ثمَّ ولي بعد شكر بَنو أبي الطّيب الحسنيون وهم من جمَاعَة شكر الَّذين يُقَال لَهُم السليمانيون وَلم يذكر الْعَلامَة الفاسي عدتهمْ وَأما الْعَلامَة ابْن خلدون فَلم يذكر بني أبي الطّيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 أصلا بل ذكر بعد موت شكر اسْتِيلَاء أول أُمَرَاء الهواشم أبي هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد أبي هَاشم بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله أبي الْكَرم بن مُوسَى ابْن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وعَلى موت شكر انقرضت دولة بني سُلَيْمَان بِمَكَّة وَجَاءَت دولة الهواشم ( ذكر دولة الهواشم ) هَؤُلَاءِ الهواشم من ولد أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله أبي الْكَرم بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب كَانَت بَين هَؤُلَاءِ الهواشم وَبني السليمانيين فتن مُتَّصِلَة وَلما مَاتَ شكر ذهبت الرِّئَاسَة من بني سُلَيْمَان لِأَن شكرا آخِرهم وَلم يعقب وَتقدم فيهم طراد بن أَحْمد لم يكن من بَيت الْإِمَارَة وَإِنَّمَا كَانُوا يؤملونه لإقدامه ورأيه وشجاعته وَكَانَ رَئِيس الهواشم يَوْمئِذٍ أَبُو هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَكَانَ قد سَاد فِي الهواشم وَعظم ذكره فَاقْتَتلُوا سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بعد موت شكر فَهزمَ الهواشم بني سُلَيْمَان وطردهم عَن الْحجاز فَسَارُوا إِلَى الْيمن وَكَانَ لَهُم بِهِ ملك فاستقل بإمارة مَكَّة الْأَمِير أَبُو هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن الْمَذْكُور وخطب للمستنصر العبيدي ثمَّ ابْتَدَأَ الْحَاج من الْعرَاق سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بِنَظَر السُّلْطَان ألب أرسلان بن دَاوُد ملك السلجوقية حِين استولى على بَغْدَاد والخلافة طلب مِنْهُ الْقَائِم العباسي ذَلِك فبذل المَال وَأخذ رهائن من الْعَرَب وَحج بِالنَّاسِ أَبُو الْغَنَائِم نور الْهدى الزيني نقيب الطالبيين ثمَّ جاور فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا واستمال الْأَمِير أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر الْمَذْكُور عَن طَاعَة العبيديين فَخَطب لبني الْعَبَّاس سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وانقطعت ميرة مصر عَن مَكَّة فعذله أَهله عَمَّا فعل فَرد الْخطْبَة للعبيديين ثمَّ خاطبه الْقَائِم العباسي وعاتبه وبذل لَهُ الْأَمْوَال فَخَطب لَهُ سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِالْمَوْسِمِ فَقَط وَكتب إِلَى الْمُسْتَنْصر العبيدي معتذرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 ثمَّ بعث الْقَائِم العباسي أَبَا الْغَنَائِم الزيني نقيب الْمَذْكُورين سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أَمِيرا على الركب الْعِرَاقِيّ وَمَعَهُ عَسْكَر ضخم لأمير مَكَّة من عِنْد ألب أرسلان وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار وتوقيع بِعشْرَة آلَاف دِينَار واجتمعوا بِالْمَوْسِمِ وخطب الْأَمِير أَبُو هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر للقائم العباسي فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا أهل بَيته إِلَى الرَّأْي الْمُصِيب وَعوض بنيه لبسة الشَّبَاب بعد لبسة المشيب وأمال قُلُوبنَا إِلَى الطَّاعَة ومتابعة إِمَام الْجَمَاعَة فانحرف الْمُسْتَنْصر بن الظَّاهِر بن الْحَاكِم العبيدي صَاحب مصر الْمَذْكُور عَن الهواشم وَمَال إِلَى السليمانيين وَكتب إِلَى عَليّ بن مُحَمَّد الصليحي صَاحب دعوتهم بِالْيمن أَن يعينهم على استرجاع ملكهم وينهض مَعَهم إِلَى مَكَّة فَنَهَضَ وانْتهى إِلَى المهجم وَكَانَ سعيد بن نجاح الْأَحول موتور بني الصليحي قد جَاءَ من الْهِنْد وَدخل صنعاء فثار بهَا وَاتبع الصليحي وَهُوَ فِي سبعين رجلا والصليحى فِي خَمْسَة آلَاف قبيته بالمهجم وَقَتله كَذَا فِي تَارِيخ الْعَلامَة ابْن خلدون وَرَأَيْت فِي تَارِيخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن جَار الله بعد أَن قَالَ ثمَّ ولي بعد شكر بَنو أبي الطّيب وهم الَّذين يُقَال لَهُم السليمانيون من جمَاعَة شكر وَلم يذكر الفاسي عدتهمْ قَالَ ثمَّ ولي عَليّ بن مُحَمَّد الصليحي صَاحب الْيمن وَذَلِكَ سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فِي شهر الْحجَّة وَأظْهر الْعدْل بهَا وَاسْتعْمل الْجَمِيل مَعَ أَهلهَا وَكثر الْأَمْن وَطَابَتْ قُلُوب النَّاس ورخصت الأسعار فِي أَيَّامه وَكَثُرت لَهُ الْأَدْعِيَة وكسا الْبَيْت ثوبا أَبيض ورد للبيت الْحلِيّ الَّذِي أَخذه بَنو أبي الطّيب لما ملكوا بعد شكر وَأقَام بِمَكَّة إِلَى ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ ولى عَنهُ نَائِبا أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر هَذَا وَسبب ذَلِك أَن الصليحي لما دخل مَكَّة كَانَ الْأَشْرَاف بَنو أبي الطّيب قد أبعدوا عَن مَكَّة وجمعوا عَلَيْهِ ثمَّ راسلوه بِأَن يخرج من مَكَّة وَيُؤمر بهَا من يخْتَار مِنْهُم وَكَانَ قد وَقع فِي عسكره الوباء فَمَاتَ مِنْهُم سَبْعمِائة رجل وَلم يبْق أَلا نفر يسير فَاخْتَارَ أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جفعر هَذَا وَهُوَ أول الهواشم وأقامه نَائِبا عَنهُ وَأمره على مَكَّة واستخدم لَهُ عسكراً وَأَعْطَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 مَالا وسلاحاً وَخمسين فرسا ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن فجَاء الْأَشْرَاف بَنو سُلَيْمَان وَمَعَهُمْ حَمْزَة بن أبي وهاص وحاربوا مُحَمَّد بن جَعْفَر فحاربهم وَلم يكن لَهُ بهم طَاقَة فَخرج هَارِبا من مَكَّة فتبعوه فكر رَاجعا وَضرب وَاحِدًا مِنْهُم ضَرْبَة قطع بهَا درعه وَجَسَده وفرسه وَوصل إِلَى الأَرْض فَرَجَعُوا عَنهُ وَكَانَ تَحْتَهُ فرس يُقَال لَهَا دَنَانِير لَا تكل وَلَا تمل وَقيل إِنَّه كَانَ صهر شكر على ابْنَته ثمَّ عَاد مُحَمَّد بن جَعْفَر إِلَى مَكَّة بعد خُرُوجه مِنْهَا فَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن جَار الله مُخَالف لما ذكره الْعَلامَة ابْن خلدون مُخَالفَة ظَاهِرَة أما أَولا فَفِي تَارِيخه فَإِنَّهُ أَي ابْن جَار الله ذكر أَن إتْيَان الصليحي إِلَى مَكَّة وإقامته أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر نَائِبا عَنهُ كَانَ فِي سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَأَنه دَخلهَا وَأقَام أَبَا هَاشم مُحَمَّد بن جَعْفَر أول أُمَرَاء الهواشم وَالَّذِي ذكره ابْن خلدون إِن الصليحي أمره الْمُسْتَنْصر العبيدي لما مَال عَن الهواشم إِلَى السيلمانيين بِسَبَب عدولهم بِالْخطْبَةِ عَنهُ إِلَى العباسيين أَن ينْهض مَعَ السليمانيين ويعينهم على استرجاع ملكهم وأرخ ذَلِك الْأَمر لَهُ بِسنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَهَذَا تخَالف فِي التَّارِيخ وَأما ثَانِيًا فمخالفته من جِهَة الْمَعْنى إِذْ كَيفَ يُؤمر بِإِعَادَة السليمانيين إِلَى ملكهم وَإِزَالَة الهواشم عَن مَكَّة فيفر السليمانيون عَن مَكَّة ويرسلون لَة أقِم من تختاره منا فيقيم عَلَيْهِم أَبَا هَاشم وَهُوَ من الهواشم المغضوب عَلَيْهِم من جِهَة مرسله الْمُسْتَنْصر العبيدي وَكَيف يفر السليمانيون عَنهُ وَهُوَ آتٍ لنصرتهم وإرجاع دولتهم إِلَيْهِم من يَد الهواشم فَمَا علمت وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا فِي ذَلِك وَالله أعلم وَأَيْضًا لم يذكر ابْن خلدون أَن الصليحي دخل مَكَّة بل إِنَّه لما انْتهى إِلَى المهجم اسْم محمل هجم عَلَيْهِ سعيد بن نجاح الْأَحول فَقتله وَإِذ قد انجر الْكَلَام إِلَى ذكر الصليحي فلنذكر طرفا من خَبره ومبدأ مُنْتَهى أمره قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ الصليحي هُوَ عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الصليحي كَانَ أَبوهُ مُحَمَّد قَاضِيا بِالْيمن وَنَشَأ لَهُ هَذَا الْوَلَد فتوسم فِيهِ بعض من عِنْده علم من الْمَلَاحِم وَقَالَ لَهُ أَنْت تلِي ملك الْيمن فاشتغل على هَذَا وحوى علوماً كَثِيرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 وَحج بِالنَّاسِ دَلِيلا سِنِين مُتعَدِّدَة ثمَّ توَافق مَعَ جمَاعَة من أَوْلَاد رُؤَسَاء الْيمن نَحْو السِّتين وَخَرجُوا إِلَى رَأس جبل منيع بِالْيمن فَحَاصَرَهُمْ الْجند فِي عشْرين ألف مقَاتل فَلم يقدروا عَلَيْهِم ثمَّ استفحل أمره وَبنى بِرَأْس ذَلِك الْجَبَل حصناً منيعاً ثمَّ تدلى فَأخذ الْبِلَاد بَلَدا بَلَدا حَتَّى استحوذ على الْيمن كلهَا وخطب بِنَفسِهِ ودعا للخليفة الْمُسْتَنْصر العبيدي وَاسْتمرّ كَذَلِك نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة فَلَمَّا كَانَت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة كَذَا قَالَه ابْن السُّبْكِيّ وَقَالَ ابْن خلدون سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة خرج فِي طَائِفَة من الْجَيْش يُرِيد الْحَج فَلَمَّا كَانَ بالمهجم اعْتَرَضَهُ سعيد بن نجاح الْأَحْوَال صَاحب التهائم وَكَانَ الصليحي قد وتره فِي أول دولته فاعترضه سعيد هَذَا وَأَخُوهُ حناش فِي سبعين رجلا مَعَ كل رجل مِنْهُم جَرِيدَة فِي رَأسهَا مِسْمَار فَنَذر بهم الصليحي فَأرْسل سَرِيَّة فِي ألفي مقَاتل ليردوهم فَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيق فخلص إِلَيْهِ سعيد وَأَخُوهُ فِي أصحابهما وَهُوَ على غرَّة فوصلوا إِلَيْهِ وقتلوه بِسَيْفِهِ وَقتلُوا جَمِيع أَقَاربه وَكَانُوا نَحْو مائَة وَسِتِّينَ ومالوا على بَقِيَّة الْعَسْكَر فَقتلُوا وأسروا وَرَجَعُوا إِلَى الْيمن فملكوه مَعَ بِلَاد تهَامَة وَهَذَا أَمر لم يتَّفق مثله أَلا نَادرا وَكَانَ مَقْتَله عِنْد قَرْيَة يُقَال لَهَا الرهيم وبئر أم معبد وَلَيْسَت بِأم معبد السعدية قلت وَمن شعر الصليحي بيتان فِي حفظي هما // (من الْكَامِل) // (أَنْكَحْتُ بِيضَ الِهْندِ سُمْر رِقَابِهمْ ... فَرُءُسُهُمْ دُونَ النِّثَارِ نِثَارُ) (وكَذَا العُلاَ لَا يُسْتَبَاح نِكَاحُهَا ... إِلاَّ بِحَيْثُ تُطَلَّقُ الأَعْمَارُ) وَلما رَجَعَ سعيد بن نجاح بِرَأْس الصليحي مَنْصُوبًا فَوق المظلة الَّتِي كَانَت يظلل بهَا فَوْقه إِذا ركب فِي جنده قَالَ فِي ذَلِك أَبُو بكر العثماني // (من الْكَامِل) // (بَكَرَتْ مِظَلَّتُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَرُحْ ... إلاَّ عَلَى الملكِ الأَجَلِّ سَعِيدِهَا) (مَا كَانَ أَقْبَحَ وَجْهَهُ فِي ظِلِّها ... مَا كَانَ أحسَنَ رأْسَهُ فِي عُودِهَا) رَجَعَ وَلما عَاد مُحَمَّد بن جَعْفَر إِلَى مَكَّة بعد خُرُوجه مِنْهَا جمع أنجاداً من الأتراك فزحف بهم إِلَى الْمَدِينَة فَأخْرج مِنْهَا بني الْحُسَيْن وَجمع بَين الْحَرَمَيْنِ ثمَّ مَاتَ الْقَائِم العباسي وَانْقطع مَا كَانَ يصل إِلَيْهِ مِنْهُ فَقطع مُحَمَّد بن جَعْفَر الْخطْبَة للعباسيين ثمَّ جَاءَ الزَّيْنَبِي من قَابل بالأموال فَأَعَادَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 ثمَّ بعث الْمُقْتَدِي سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة منبراً إِلَى مَكَّة استجيد خشبه وَنقش عَلَيْهِ بِالذَّهَب اسْمه وَبعث على الْحَاج ختلغ التركي وَهُوَ أول تركي تَأمر على الْحَج وَكَانَ والياً على الْكُوفَة وقهر الْعَرَب من بني خفاجة فَبَعثه المقتدى أَمِيرا على الْحَاج فَوَقَعت الْفِتْنَة بَين الْعَسْكَر الْعِرَاقِيّ والمصري فَكسر الْمِنْبَر وأحرق ثمَّ عاود الْفِتْنَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَقطعت الْخطْبَة عَن الْمُسْتَنْصر العبيدي وأعيدت للمقتدي العباسي واتصلت إِمَارَة ختلغ على الْحَاج وَبعده خمارتكين إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان ملك شاه ووزيره نظام الْملك فَانْقَطَعت الْخطْبَة للعباسيين وَبَطل الْحَاج من الْعرَاق لاخْتِلَاف مُلُوك السلجوقية وتغلب الْعَرَب وَمَات الْمُقْتَدِي العباسي خَليفَة بَغْدَاد وبويع ابْنه المستظهر وَمَات الْمُسْتَنْصر العبيدي خَليفَة مصر وبويع ابْنه المستعلي وخطب لَهُ بِمَكَّة وَاسْتمرّ هَذَا مُحَمَّد بن جَعْفَر مُتَوَلِّيًا على مَكَّة إِلَى أَن مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ أول من أعَاد الْخطْبَة العباسية بِمَكَّة بعد أَن قطعت نَحْو مائتى سنة بِسَبَب اسْتِيلَاء العبيديين على مصر والحرمين وَذكر ابْن خلدون أَن مُدَّة إمارته على مَكَّة ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة أَلا أَنه خرج مِنْهَا هَارِبا من التركمان الَّذين استولوا عَلَيْهَا سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن الْأَثِير قَالَ الْعَلامَة الفاسي وَهُوَ أول من أعَاد الْخطْبَة العباسية ونال بِسَبَب ذَلِك مَالا عَظِيما من السُّلْطَان ألب أرسلان السلجوقي فَإِنَّهُ خطب لَهُ بعد الْقَائِم العباسي ثمَّ كَانَ يخْطب لِابْنِ ابْنه عبد الله الملقب الْمُقْتَدِي العباسي حينا وحيناً للمستنصر العبيدي صَاحب مصر يقدم فِي ذَلِك من تكون صلته أعظم وَلَعَلَّ ذَلِك بِسَبَب إرْسَال التركمان إِلَيْهِ ثمَّ ولى بعده ابْنه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن أبي هَاشم فَكثر اضطرابه ومهد بَنو زيد أَصْحَاب الْحلَّة طَرِيق الْحَاج من الْعرَاق فاتصل حجهم وَحج سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة نظر الْخَادِم من قبل المسترشد العباسي بركب الْعرَاق وأوصل الْخلْع وَالْأَمْوَال إِلَى مَكَّة وَأمن الِاضْطِرَاب الَّذِي وَقع فِي ولَايَته اسْتِيلَاء أصبهبذ بن سارتكين على مَكَّة فِي أَوَاخِر سنة سبع وَثَمَانِينَ فهرب مِنْهَا قَاسم بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَأقَام أصبهبذ بهَا إِلَى شَوَّال فَجمع قَاسم عسكراً وكبسوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 أصبهبذ فَانْهَزَمَ إِلَى الشَّام وَدخل قَاسم مَكَّة ودامت ولَايَته عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة وَمن شعر قَاسم يصف قومه قَوْله // (من الْكَامِل) // (قَوْمِى إِذَا خَاضُوا العَجَاجَ حَسِبْتَهمْ ... لَيْلاً وخِلْتَ وُجُوهَهُمْ أَقْمَارَا) (لَا يَبْخَلُونَ بِزَادِهم عَنْ جَارِهِمْ ... عَدَلَ الزَّمَانُ عَلَيْهِمُ أَوْ جَارَا) (وإِذَا الصَّرِيخُ دَعَاهُمُ لِمُلِمَّةٍ ... بَذَلُوا النُّفُوسَ وفَارقُوا الأَعْمَارَا) (وإِذَا زِنَادُ الَحْربِ أَذْكَتْ نَارَهَا ... قَدَحُوا بِأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ نَارَا) وَكَانَت مدَّته ثَلَاثِينَ سنة قَالَ ابْن خلدون ثمَّ ولى بعده ابْنه فليتة وَقيل أَبُو فليتة فَافْتتحَ بِالْخطْبَةِ العباسية وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ بِالْعَدْلِ وَوصل نظر الْخَادِم أَمِيرا إِلَى مَكَّة على الْحَاج وَمَعَهُ الْأَمْوَال وَالْخلْع ثمَّ اسْتمرّ فليتة إِلَى أَن مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَكَانَت مدَّته عشر سِنِين ثمَّ ولى بعده ابْنه هَاشم بن فليتة وَاسْتمرّ مُتَوَلِّيًا إِلَى أَن مَاتَ سنة تسع وَأَرْبَعين وَقيل إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ اثْنَان مُدَّة ولَايَته ثمَّ تولى بعده ابْنه قَاسم بن هَاشم بن فليتة وَالْخطْبَة للعباسيين وإمارة حَاج الْعرَاق لنظر الْخَادِم ثمَّ كَانَت فتْنَة المسترشد العباسي مَعَ السُّلْطَان مَسْعُود السلجوقي ومقتل المسترشد وتعطل ركب الْعرَاق ثمَّ حج نظر فِي السّنة بعْدهَا ثمَّ انْقَطع الركب الْعِرَاقِيّ للفتن والغلاء ثمَّ حج سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة نظر الْخَادِم وَمَات فِي طَرِيقه فولى مَكَانَهُ قيماز وَاعْتَرضهُ رعب من الْأَعْرَاب فنهب الركب واتصل حج قيماز ثمَّ صنع المقتفي الْخَلِيفَة العباسي بَابا للبيت مصفحاً أوصله نظر الْخَادِم إِلَى مَكَّة سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة وبويع المستنجد الْخَلِيفَة العباسي فَخَطب لَهُ قَاسم بن هَاشم الْأَمِير الْمَذْكُور كَمَا كَانَ يخْطب لِأَبِيهِ المقتفي ثمَّ قتل قَاسم سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة وبويع المستنجد قتلته الحشيشية يُقَال كَانَ ذَلِك بِإِشَارَة صَاحب مصر هُوَ يَوْمئِذٍ العاضد العبيدي والمتغلب عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 ثمَّ ولى بعده عَمه عِيسَى بن فليتة وَحج الْعرَاق مُتَّصِل وَتُوفِّي المستنجد الْخَلِيفَة العباسي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَبعث المتسضىء بن المستنجد بركب الْعرَاق طاشتكين التركي وَانْقَضَت دولة العبيديين ووليها صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَاسْتولى على مَكَّة واليمن وخطب لَهُ بالحرمين ثمَّ مَاتَ المستضيء العباسي سنة خمس وَسبعين وبويع ابْنه النَّاصِر العباسي وخطب لَهُ بالحرمين ودامت ولَايَة عِيسَى بن فليتة على مَكَّة نصف يَوْم لِأَنَّهُ دخل مَكَّة فِي يَوْم عَاشُورَاء سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَجرى بَينه وَبَين عَسْكَر أَخِيه عِيسَى فتْنَة إِلَى الزَّوَال ثمَّ خرج ثمَّ أصلحا بعد ذَلِك ثمَّ ولى بعده ابْنه دَاوُد بن عِيسَى وَاسْتمرّ إِلَى اللَّيْلَة النّصْف من رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين فعزل وَسبب عَزله أَن أم النَّاصِر الْخَلِيفَة العباسى حجت فِي زَمَنه ثمَّ أنهت إِلَى ابْنهَا النَّاصِر عَن دَاوُد مَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من أَحْوَاله فَعَزله لذَلِك ثمَّ ولى أَخُوهُ مكثر بن عِيسَى وَاسْتمرّ إِلَى موسم هَذِه السّنة ثمَّ عزل وَجرى بَينه وَبَين أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ طاشتكين حَرْب شَدِيد فِي ذَلِك الْمَوْسِم كَانَ الظفر فِيهِ لطاشتكين وَذَلِكَ أَنه وصل الْخَبَر إِلَى مكثر أَن صُحْبَة الْحَاج الْعِرَاقِيّ عسكراً كثيرا وسلاحاً وعدداً وَأَن مَعَهم الْأَمِير قَاسم بن مهنا فَجمع مكثر الشرفاء وَالْعرب وَلم يحجّ من أهل مَكَّة أَلا الْقَلِيل وَلم يوف أَكثر الْحَاج الْمَنَاسِك وَلم يبيتوا بِمُزْدَلِفَة وَلم ينزلُوا بمنى وَلم يرموا وَإِنَّمَا رمى بَعضهم وَهُوَ سَائِر وَنزل الْحَاج يَوْم النَّحْر الأبطح فَخرج إِلَيْهِم نَاس من أهل مَكَّة فحاربوهم فِي بَقِيَّة يَوْم النَّحْر وَالْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث فَاشْتَدَّ الْقِتَال على أهل مَكَّة وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة ثمَّ هاجموا مَكَّة على مكثر فَصَعدَ إِلَى الْحصن الَّذِي بناه بأبى قبيس فَصَعِدُوا وَرَاءه فَتَركه وَسَار عَن مَكَّة فَدَخَلُوهَا وَأمر أَمِير الْحَاج بهدم الْحصن وَنهب غَالب بيُوت مَكَّة وأحرق دوراً كَثِيرَة وَمن عَجِيب مَا جرى أَن إنْسَانا زراقاً ضرب دَارا بقارورة نفط فأحرقها وَكَانَت لأيتام فَاحْتَرَقَ مَا فِيهَا ثمَّ أَخذ قَارُورَة أُخْرَى ليضْرب بهَا مَكَانا اَخر فَأَتَاهُ حجر فَأصَاب القارورة فَكَسرهَا فَاحْتَرَقَ هُوَ بهَا وَبَقِي ثَلَاثَة أَيَّام يعذب بالحريق ثمَّ مَاتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة الْمَذْكُورَة وتسلمت مَكَّة إِلَى الْأَمِير قَاسم بن مهنا الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة وَكَانَ وصل صُحْبَة الْحَاج الْعِرَاقِيّ كَمَا سبق خَبره إِلَى مكثر لِأَنَّهُ سَافر إِلَى الْعرَاق فوليها الْأَمِير قَاسم بن مهنا الْمَذْكُور بعد انهزام مكثر فَأَقَامَ مُتَوَلِّيًا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رأى من نَفسه الْعَجز عَن الْقيام بإمرة مَكَّة فاستعفى فَأَعَادَ الْأَمِير طاشتكين أَمِير الْحَاج الْمَذْكُور دَاوُد بن عِيسَى إِلَى إِمَارَة مَكَّة وَشرط عَلَيْهِ شُرُوطًا فِي ترك المكوس وَالْعدْل بَين الرعايا وَلم تعلم ولَايَة دَاوُد هَذِه إِلَى مَتى استمرت غير أَنه يتداول هُوَ وَأَخُوهُ مكثر إمرة مَكَّة ثمَّ انْفَرد بهَا مكثر عشر سنوات مُتَوَالِيَات آخرهَا سنة 597 سبع بِتَقْدِيم السِّين وَتِسْعين بِتَقْدِيم التَّاء وَخَمْسمِائة غير أَن فِي ولَايَته أَو فِي ولَايَة أَخِيه دَاوُد على الشَّك كَانَ مِمَّن ولي مَكَّة سيف الْإِسْلَام طغتكين بن أَيُّوب أَخُو السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن يُوسُف بن أَيُّوب وَذَلِكَ سنة 581 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة لِأَنَّهُ قدم مَكَّة فِي هَذِه السّنة وَمنع الْأَذَان بحي على خير الْعَمَل وَقتل جمَاعَة من العبيديين المفسدين وَضرب السِّكَّة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير باسم أَخِيه السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن يُوسُف بن أَيُّوب وفر مِنْهُ أَمِير مَكَّة مكثر أَو أَخُوهُ دَاوُد على الشَّك قلت ذكر الْعَلامَة ابْن جُبَير فِي رحلته أَنه رأى سيف الْإِسْلَام طغتكين الْمَذْكُور دَاخِلا إِلَى الْحرم الشريف قَالَ وشاهدته وَعَن يَمِينه مكثر وَعَن يسَاره قَاضِي الشَّرْع الشريف وَرَأَيْت مكثراً لابساً ثوبا أَبيض وعمامة من صوف أَبيض فَطَافَ بِالْبَيْتِ والريس يَدْعُو لَهُ إِذا أقبل من الرُّكْن الْيَمَانِيّ حَتَّى يُجَاوز مصلى جِبْرِيل موليا ثمَّ يسكت ثمَّ يَدْعُو إِذا أقبل من الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهَكَذَا فِي كل شوط فَلَمَّا فرغ من صلَاته فرش لَهُ خلف مقَام الْخَلِيل شقة من كتَّان فصلى عَلَيْهَا سنة الطّواف فاتضح بِمَا ذكره ابْن جُبَير أَن الفار هُوَ دَاوُد لَا مكثر فَانْتفى الشَّك الَّذِي ذكره ابْن جَار فِي تَارِيخه وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة أسقط السُّلْطَان صَلَاح الدّين المكس عَن الْحجَّاج إِلَى مَكَّة فِي الْبَحْر على طَرِيق عيذاب لِأَنَّهُ كَانَ الرَّسْم بِمَكَّة أَن يُؤْخَذ من حجاج الْمغرب على عدد الرُّءُوس مَا ينْسب إِلَى الضرائب والمكوس وَمن دخل مِنْهُم وَلم يفعل بِهِ ذَلِك حبس حَتَّى يفوتهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة وَلَو كَانَ فَقِيرا لَا يملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 شَيْئا فَرَأى السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِسْقَاط ذَلِك وَأَن يعرض عَنهُ أَمِير مَكَّة فقرر مَعَه أَنه يحمل إِلَيْهِ كل عَام ألفي دِينَار وَثَمَانِية آلَاف أردب قَمح إِلَى سَاحل جدة ووقف على ذَلِك أوقافاً وخلدها فانبسطت لذَلِك النُّفُوس وَزَاد السرُور وَزَالَ الْبُؤْس وَصَارَ يُرْسل الإنعام للمجاورين بالحرمين من الْعلمَاء والفقراء ومدحه الْعَلامَة ابْن جُبَير بقصيدة أَولهَا // (من المتقارب) // (رَفَعْتَ مَغَارِمَ مَكْسِ الحِجَازِ ... بإنْعَامِكَ الشَّامِلِ الكَافِلِ) ثمَّ ذكر ابْن جُبَير شَيْئا من أَخْبَار هَذَا المكس فَقَالَ إِنَّه كَانَ يُؤْخَذ من كل إِنْسَان سَبْعَة دَنَانِير مصرية وَنصف فَإِن عجز عَن ذَلِك عُوقِبَ بأنواع الْعَذَاب الْأَلِيم من تَعْلِيقه بالخصيتين وَغير ذَلِك وَكَانَت هَذِه البلية فِي مُدَّة دولة العبيديين المتخلفين بِمصْر جعلوها مَعْلُوما لأمير مَكَّة فأزالها الله تَعَالَى بعد أَن أزالهم على يَد السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَعوض أَمِير مَكَّة مَا تقدم ذكره وَضعف أَمر الهواشم وَكَانَ مكثر هُوَ آخِرهم وَكَانَ أَبُو عَزِيز قَتَادَة يناسبهم من جِهَة النِّسَاء فورث أَمرهم وَملك مَكَّة من أَيْديهم وطردهم عَنْهَا بِالسَّيْفِ وَأما مَا يسمع على الأفواه من أَن الشريف قَتَادَة إِنَّمَا دخل مَكَّة سَابِع عشر رَجَب فِي عمْرَة ابْن الزبير الَّتِي يخرج فِيهَا كل أهل مَكَّة رفيع ووضيع فَلم أطلع على أصل فِي ذَلِك وانقرضت دولتهم والبقاء لله وَحده لَا شريك لَهُ فِي ملكه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (ذكر بني قَتَادَة أُمَرَاء مَكَّة بعد الهواشم إِلَى وقتنا هَذَا) كَانَ من ولد مُوسَى الجون الَّذين مر ذكرهم فِي بني حسن عبد الله أَبُو الْكَرم وَكَانَ لَهُ على مَا نقل نسابتهم ثَلَاثَة من الْوَلَد سُلَيْمَان وَزيد وَأحمد وَمِنْه تشعب وَلَده فَأَما زيد فولده الْيَوْم بالصفراء بنهر الحسنية وَأما أَحْمد فولده بالدهناء وَأما سُلَيْمَان فَكَانَ وَلَده مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن مُوسَى بن عِيسَى بن سُلَيْمَان بن عبد الله أبي الْكَرم وَكَانَ لمطاعن إِدْرِيس وثعلب فالثعلبية شعب بالحجار وَكَانَ لإدريس ابْنَانِ قَتَادَة النَّابِغَة وصرخة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 فَأَما صرخة فولده بينبع يعْرفُونَ بالشكرة وَأما قَتَادَة النَّابِغَة فَكَانَ يكنى أَبَا عَزِيز وَكَانَ من وَلَده عَليّ الْأَكْبَر وشقيقه حسن فَمن ولد حسن إِدْرِيس وَأحمد وَمُحَمّد وجماز وإمارة يَنْبع فِي أَعْقَابهم حَتَّى الْآن فيرجعون إِلَى إِدْرِيس بن حسن بن إِدْرِيس وَأما أَبُو عَزِيز قَتَادَة فَمن وَلَده بَنو أبي نمي أُمَرَاء مَكَّة لهَذَا الْعَهْد وَكَانَ بَنو الْحسن بن الْحسن كلهم متوطنين بنهر العلقمية من وَادي يَنْبع لعهد إِمَارَة الهواشم وَكَانُوا ظواعن بادية وَلما نَشأ فيهم قَتَادَة هَذَا جمع قومه ذَوي مطاعن وأركبهم الْخُيُول واستبد بإمارتهم وَكَانَ بوادي يَنْبع بَنو حراب من ولد عبد الله بن الْحسن بن الْحسن وَكَانَ بهَا بَنو عِيسَى بن سُلَيْمَان بن مُوسَى الجون فحاربهم بَنو مطاعن هَؤُلَاءِ وأميرهم أَبُو عَزِيز قَتَادَة فَأخْرجهُمْ وَملك يَنْبع والصفراء واستكثر من الْجند والمماليك ثمَّ استألف بني مُحَمَّد وَبني إِبْرَاهِيم وَسَار إِلَى مَكَّة فانتزعها من أيدى الهواشم وخطب للناصر العباسي كَذَا فِي تَارِيخ الْعَلامَة ابْن خلدون فوليها الشريف قَتَادَة وَهُوَ أول من وَليهَا من هَذَا الْفَخْذ الشريف قَالَ فِي الْوَسِيلَة وَسبب طمعه فِي ملك مَكَّة مَا بلغه من انهماك ولاتها الهواشم على اللَّهْو وتبسطهم فِي الظُّلم وإعراضهم عَن صونها مِمَّن يريدها بِسوء اغْتِرَارًا مِنْهُم بِمَا هم فِيهِ من الْعِزّ وَالسيف لمن عارضهم فِي مُرَادهم وَإِن كَانَ ظلما فتوحش عَلَيْهِم بذلك خواطر جمَاعَة من قوادهم وَلما عرف قَتَادَة ذَلِك مِنْهُم استمالهم إِلَيْهِ وسألهم المساعدة على مَا يرومه عَن الِاسْتِيلَاء على مَكَّة وَبَعثه على الْمسير إِلَيْهَا أَن بعض النَّاس فزع إِلَيْهِ مستغيثاً بِهِ فِي ظلامة ظلمها فوعده بالنصر وَتوجه إِلَى مَكَّة فِي جمَاعَة من قومه فَمَا شعر أهل مَكَّة أَلا وَهُوَ مَعَهم بهَا وولاتهم على مَا هم فِيهِ من اللَّهْو والانهماك فَلم تكن لَهُم بمقاومته طَاقَة فملكها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 وَقيل إِنَّه لم يَأْتِ إِلَيْهَا بِنَفسِهِ فِي ابْتِدَاء ملكه وَإِنَّمَا أرسل إِلَيْهَا ابْنه حَنْظَلَة فملكها لَهُ وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِتَقْدِيم التَّاء فِي اللفظتين وَخرج مِنْهَا مكثر بن عِيسَى إِلَى وَادي نَخْلَة وَفِي سنة سِتّمائَة مَاتَ مكثر بنخلة وَجَاء ولد مُحَمَّد بن مكثر وَقَاتل حَنْظَلَة بن قَتَادَة عِنْد المتكا وَلم يحصل لمُحَمد ظفر وتمت الْبِلَاد لِقَتَادَة ذكر ذَلِك ابْن مَحْفُوظ وَابْن فَهد فِي إتحاف الورى بأخبار أم الْقرى قَالَ صَاحب عُمْدَة الطَّالِب فِي مَنَاقِب آل أبي طَالب وَهُوَ الْعَلامَة السَّيِّد النسيب والشريف الحسيب أَبُو جَعْفَر شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن مهنا الدَّاودِيّ الموسوي كَانَ قَتَادَة جباراً فتاكاً فِيهِ قسوة وتشدد وحزم وَكَانَ الْخَلِيفَة فِي زَمَانه النَّاصِر العباسي فاستدعى النَّاصِر الشريف قَتَادَة إِلَى بَغْدَاد ووعده ومناه فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَسَار إِلَى أَن وصل إِلَى الْعرَاق ثمَّ إِلَى المشهد الغروي فَخرج أهل بَغْدَاد لتلقيه وَكَانَ مِمَّن خرج فِي غمار النَّاس رجل درويش مَعَه أَسد مسلسل فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ الشريف قَتَادَة تطير وَقَالَ مالى ولبلد تذل فِيهَا الْأسود فَرجع من فوره إِلَى الْحجاز وَكتب إِلَى الْخَلِيفَة العباسي بقوله // (من الطَّوِيل) // (بِلاَدِى وَلَوْ جَارَتْ عليَّ مُرِيفَةٌ ... وَلَوْ أَنَّنِى أَعْرَى بِهَا وأَجُوعُ) (وَلِى كَفُّ ضِرْغَام إِذَا مَا بَسَطْتُهَا ... بِهَا أَشْتَرِى يَوْمَ الوَغَى وأَبِيعُ) (مُعَوّدَة لَثْمَ المُلُوكِ لِطُهْرِهَا ... وَفِى بَطْنِها للمُجْدِبِينَ رَبِيعُ) (أَأَتْرُكُهَا تَحْتَ الرِّهَانِ وأَبْتَغِي ... بِهَا بَدَلاً إِنِّى إِذَنْ لَرَقِيعُ) (ومَا أَنَا إِلاَّ المِسكُ فِي غَيْرِ أَرْضِكُمْ ... أَضُوعُ وَأَمَّا عِنْدَكُمْ فَأَضِيعُ) فَلَمَّا وقف النَّاصِر العباسي على هَذِه الأبيات استشاط غَضبا وامتلأ حنقاً وحرباً وَكتب إِلَى الشريف قَتَادَة كتابا يَقُول فِيهِ أما بعد فَإِذا نزع الشتَاء جلبابه وَلبس الرّبيع أثوابه قاتلناكم بِجُنُود لَا قبل لكم بهَا ولنخرجنكم مِنْهَا أَذِلَّة وَأَنْتُم صاغرون فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب الشريف قَتَادَة ارتاع لذَلِك أَشد ارتياع وَأرْسل إِلَى بني عَمه بني الْحُسَيْن بِالْمَدِينَةِ يستنجدهم ويسألهم المعونة وَصدر الْكتاب بقوله // (من الطَّوِيل) // (بَنِى عَمِّنَا مِنْ آلِ موسَى وَجَعْفَرٍ ... وآلِ حُسَيْنٍ كَيْفَ صَبْرُكُمُ عَنَّا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 (بَنِى عَمِّنَا إِنَّا كَأَفْنَاِن دوْحَةٍ ... فَلاَ تَتْركُونَا يَتَّخِذْنَا الفَنَا فَنَّا) (إِذَا مَا أَخٌ خَلَّى أَخَاهُ لآكِلٍ ... بَدَا بِأَخِيهِ الأَكْل ثُمَّ بِذَا ثَنَّى) فَأَتَتْهُ مِنْهُم رجال النجدة ذَوُو الْعدَد وَالْعدة فَلَمَّا أَقبلت تِلْكَ الكتيبة الناصرية كسرهَا وبدد شملها وقهرها فَلَمَّا بلغ ذَلِك النَّاصِر العباسي والى عَلَيْهِ الإنعامات الْكَامِلَة وأقطعه الإقطاعات الهائلة وَذكر ابْن الْأَثِير فِي سنة إِحْدَى وسِتمِائَة كَانَ الْحَرْب بَين قَتَادَة الشريف أَمِير مَكَّة وَبَين الْأَمِير سَالم بن قَاسم الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا جمع كثير وَفِي ذَلِك يَقُول الشريف قَتَادَة // (من الطَّوِيل) // (مَصَارِعَ آلِ الُمصْطفَى عُدْتِ مثلَ مَا ... بَدَأْتِ وَلَكِنْ صِرْتِ بَيْنَ الأَقَاِربِ) فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا وَكَانَ الْحَرْب بِذِي الحليفة وَقد كَانَ قَتَادَة قصد الْمَدِينَة ليحصرها ويأخذها فحصرها مُدَّة مَعْلُومَة فَلَقِيَهُ سَالم بعد أَن قصد الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَصلى عِنْدهَا ودعا وَسَار إِلَى قتال قَتَادَة فَانْهَزَمَ قَتَادَة وَتَبعهُ سَالم إِلَى مَكَّة وحصرها وَأرْسل إِلَى قَتَادَة يَقُول بعد أَن حصرها الْمدَّة الْمَعْلُومَة حصر بحصر يَا ابْن عَم فَأرْسل قَتَادَة إِلَى من مَعَ سَالم فأفسدهم عَلَيْهِ فمالوا مَعَه فَلَمَّا علم بذلك سَالم رَحل عَنهُ عَائِدًا إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ إِن قَتَادَة خرج لِحَرْب ثَقِيف فَتَحَصَّنُوا فَلم يقدر عَلَيْهِم فآمنهم وَحلف فَحَضَرُوا عِنْده فَقتل مِنْهُم طَائِفَة من أكابرهم واستخلف على بِلَادهمْ نواباً من عِنْده وعضدهم بعبيد لَهُ فَلم يبْق لأهل الطَّائِف مَعَهم كلمة وَلَا حُرْمَة فَعِنْدَ ذَلِك اجْتمع أهل الطَّائِف ودفنوا سيوفهم فِي الرمل وَذَلِكَ فِي الْمجَالِس الَّتِي جرت عَادَتهم بِالْجُلُوسِ فِيهَا مَعَ أَصْحَاب قَتَادَة واستدعوا أَصْحَاب قَتَادَة وأوهموهم أَن ذَلِك بِسَبَب كتاب ورد عَلَيْهِم فَلَمَّا اجْتَمعُوا أخرجُوا سيوفهم وَقتلُوا أَصْحَاب قَتَادَة عَن آخِرهم وَلم يسلم مِنْهُم أَلا وَاحِد وصل إِلَى قَتَادَة وَهُوَ واله الْعقل لما شَاهد من الهول وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَذكر الميورقي أَن فِي هَذِه الْوَاقِعَة فقد كتاب رَسُول الله لأهل الطَّائِف لما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 نهب جَيش قَتَادَة الْبِلَاد وَذكر أَبُو شامة فِي أَخْبَار سنة تسع وسِتمِائَة قَالَ فِيهَا قتل قَتَادَة صَاحب مَكَّة إِمَام الْحَنَفِيَّة وَإِمَام الشَّافِعِيَّة وَنهب اليمنيين وَذكر أَيْضا فِي سنة ثَمَان وسِتمِائَة نهبه الْحَاج الْعِرَاقِيّ وَكَانَ أَمِير الركب عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن ياقوت نِيَابَة عَن أَبِيه وَمَعَهُ ابْن أبي فراس يدبره وَحج من الشَّام الصمصام إِسْمَاعِيل وَكَانَت ربيعَة خاتون أُخْت الْعَادِل بن أَيُّوب فِي الْحَج فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّحْر بعد رمي الْجَمْرَة وثب بعض الإسماعيلية على رجل شرِيف من بني عَم قَتَادَة أشبه النَّاس بِهِ وظنه إِيَّاه فَقتله عِنْد الْجَمْرَة وَيُقَال إِن الَّذِي قَتله كَانَ مَعَ أم جلال الدّين فثار عبيد مَكَّة عِنْد ذَلِك والأشراف وصعدوا على الجبلين بمنى وهللوا وَكَبرُوا وضربوا النَّاس بِالْحِجَارَةِ والمقاليع والنشاب ونهبوا النَّاس يَوْم الْعِيد وَاللَّيْلَة وَالْيَوْم الثَّانِي وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة فَقَالَ ابْن أبي فراس لمُحَمد بن ياقوت ارحل بِنَا إِلَى الزَّاهِر إِلَى منزلَة الشاميين فَلَمَّا حصلت الأثقال على الْجمال حمل قَتَادَة وَالْعَبِيد فَأخذُوا الْجَمِيع أَلا الْقَاتِل وَقَالَ قَتَادَة مَا كَانَ الْمَقْصُود أَلا أَنا وَالله لَا أبقيت من حَاج الْعرَاق أحدا وَكَانَت ربيعَة خاتون بالزاهر وَمَعَهَا ابْن السلاخور سياروج وحاج الشَّام فجَاء مُحَمَّد بن ياقوت أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ فَدخل خيمة ربيعَة خاتون مستجيراً بهَا وَمَعَهُ أم جلال الدّين فَبعث قَتَادَة يَطْلُبهُ فَبعثت خاتون مَعَ ابْن السلاخور إِلَى قَتَادَة تَقول لَهُ مَا ذَنْب الْمُسلمين قد قتلت الْقَاتِل وَجعلت ذَلِك وَسِيلَة إِلَى نهب الْمُسلمين واستحللت الدِّمَاء فِي الشَّهْر الْحَرَام فِي الْحرم وَقد عرفت من أَنا وَالله لَئِن لم تَنْتَهِ لَأَفْعَلَنَّ وأفعلن فجَاء ابْن السلاخور إِلَى قَتَادَة فَأخْبرهُ وخوفه عَاقِبَة مَا يروم وَقَالَ إِن فعلت غير مَا فعلت قصدك الْخَلِيفَة من بَغْدَاد وَنحن من الشَّام فَكف عَنْهُم وَطلب مائَة ألف دِينَار فَجمعُوا لَهُ ثَلَاثِينَ ألفا من أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ وَمن خاتون أم جلال الدّين وَأقَام النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام حول خيمة ربيعَة خاتون بَين جريح وقتيل ومسلوب وجائع وعريان وَيُقَال إِن قَتَادَة أَخذ من الْمَتَاع مَا قِيمَته ألف ألف دِينَار وَأذن للنَّاس فِي الدُّخُول إِلَى مَكَّة فَدخل الأصحاء الأقوياء وطافوا ومعظم النَّاس مَا دخل مَكَّة ورحلوا إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ إِنَّهُم دخلُوا إِلَى بَغْدَاد على غَايَة الْفقر والذل والهوان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 وَفِي سنة تسع وسِتمِائَة وصل من قبل الْخَلِيفَة النَّاصِر العباسي إِلَى قَتَادَة مَعَ الركب الْعِرَاقِيّ مَالٌ وخلعة وَكِسْوَة وَلم يظْهر لَهُ الْخَلِيفَة إنكاراً على مَا تقدم من نهب الْحَاج وَجعل أَمِير الْحَاج يتدرجه ويخدعه بِأَنَّهُ لم يَصح عِنْد الدِّيوَان الْعَزِيز أَلا أَن الشرفاء وأتباعهم نهبوا أَطْرَاف الْحَاج وَلَوْلَا تلافيك لهلكوا وَقَالَ لَهُ يَقُول لَك مَوْلَانَا الْوَزير وَلَيْسَ كَمَال الْخدمَة الإمامية أَلا بتقبيل العتبة وَلَا عز الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَلا بنيل هَذِه الرُّتْبَة فَقَالَ الشريف قَتَادَة سَأَنْظُرُ فِي ذَلِك ثمَّ تسمع الْجَواب وَاجْتمعَ ببني عَمه الْأَشْرَاف وعرفهم أَن ذَلِك اسْتِدْرَاج لَهُم وَله حَتَّى يتَمَكَّن من الْجَمِيع ثمَّ قَالَ لَهُم يَا بني الزهراء عزكم إِلَى آخر الدَّهْر مجاورة هَذِه البنية والاجتماع فِي بطائحها فَلَا يرغبونكم بالأموال وَالْعدة وَالْعدَد وَقد عصمكم الله وعصم أَرْضكُم بانقطاعها وَإِنَّهَا لَا تبلغ أَلا بشق الْأَنْفس ثمَّ عَاد أَبُو عَزِيز قَتَادَة إِلَى أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ وَقَالَ لَهُ اسْمَع الْجَواب ثمَّ أنْشدهُ الأبيات الْمُتَقَدّمَة فَقَالَ لَهُ أَمِير الركب الشريف يَا شرِيف حاشا الله أَن أحمل مثل هَذِه الأبيات مِنْك وَأَنت ابْن بنت رَسُول الله والخليفة ابْن عمك وَأَنا مَمْلُوك تركي لَا أعلم من الْأُمُور الَّتِي فِي الْكتب مَا علمتَ وَلَكِنِّي قد رَأَيْت أَن هَذَا من سرف الْعَرَب الَّذين يسكنون الْبَوَادِي وترغاب قطاع الطَّرِيق وَالله لَا حملت هَذِه الأبيات عَنْك فَأَكُون قد جنيت على بَيت الله وَبني بنت نبيه وَوَاللَّه لَو وصل إِلَيْهِ مَا ذكرت لجعل سَائِر الْوُجُوه إِلَيْك وَلَكِن لي رَأْي أعرضه عَلَيْك فأصغي إِلَيْهِ أَبُو عَزِيز وَعلم أَنه رجل عَاقل قَالَ الرَّأْي أَن ترسل أحد أولادك من لَا تهتم لَهُ إِن جرى عَلَيْهِ مَا تتوقعه ومعاذ الله أَن يجْرِي عَلَيْهِ أَلا مَا تحبه وَترسل مَعَه جمَاعَة من ذَوي الْأَسْنَان والهيئات فيدخلوا مَدِينَة السَّلَام وَفِي أَيْديهم أكفانهم منشورة وَسُيُوفهمْ مسلولة ويقبلون العتبة ويتوسلون بالنبى وبصفح أَمِير الْمُؤمنِينَ وسترى مَا يكون من الْخَيْر لَك وَلِلنَّاسِ قَالَ فشكره قَتَادَة وَوجه صحبته وَلَده رَاجع بن قَتَادَة وأشياخ الشرفاء ودخلوا بَغْدَاد على تِلْكَ الْهَيْئَة الَّتِي ذكرهَا وهم يضجون ويتضرعون ويبكون وَالنَّاس يَبْكُونَ لبكائهم فَاجْتمع الْخلق كَأَنَّهُ الْمَحْشَر ومالوا إِلَى بَاب النّوبَة من أَبْوَاب مَدِينَة الْخَلِيفَة فقبلوا هُنَالك العتبة وَبلغ الْخَيْر النَّاصِر العباسي فَعَفَا عَنْهُم وَعَن مرسلهم وأنزلوهم فِي الديار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 الواسعة وأكرموا الْكَرَامَة الَّتِي ظَهرت واشتهرت وعادوا إِلَى أبي عَزِيز بِمَا أحب فَكَانَ بعد ذَلِك يَقُول لعن الله أول رأى عِنْد الْغَضَب وَلَا عدمنا عَاقِلا ناصحاً يثبتنا عِنْده قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي التكملة كَانَ قَتَادَة الْمَذْكُور مهيباً وقوراً قوي النَّفس شجاعاً مقداماً فَاضلا لَهُ شعر تولى إمرة مَكَّة رَأَيْته بهَا يطوف بِالْبَيْتِ وَيَدْعُو بتضرع وخشوع والريس على زَمْزَم يَدْعُو لَهُ وَهُوَ كالأسد شجاعة والقطب خشوعاً وتضرعاً والبدر كمالاً وبهاء وَكَانَ مولده بوادي يَنْبع وَبِه نَشأ وَكَانَت مَمْلَكَته قد اتسعت من حُدُود الْيمن إِلَى خلف مَدِينَة النبى وَكثر عسكره واستكثر من المماليك وخافته الْعَرَب فِي تِلْكَ الْبِلَاد خوفًا عَظِيما وَسَار فِي مَكَّة سيرة حَسَنَة وأزال عَنْهَا العبيد المفسدين وَحمى الْبِلَاد وَأحسن إِلَى الْحجَّاج وَأكْرمهمْ وَبَقِي كَذَلِك مُدَّة ثمَّ أَسَاءَ السِّيرَة وجدد المكوس وَفعل أفعالاً شنيعة وَنهب الْحجَّاج وَكَانَ يخْطب للناصر أَحْمد العباسي ابْن المستضيء ثمَّ يخْطب لنَفسِهِ بالأمير الْمَنْصُور ودام ملكه نَحْو سبع وَعشْرين سنة وَكَانَ وراثته الْملك عَن مكثر بن عِيسَى الَّذِي وَرثهُ من آبَائِهِ الهواشم وَلم يكن أَبُو عَزِيز من الهواشم أَلا من جِهَة النِّسَاء ثمَّ زَاد ظلم قَتَادَة فِي النَّاس وأذاه للحجاج من الْعِرَاقِيّين وَغَيرهم وَأظْهر التَّعَدِّي حَتَّى ضج النَّاس وفسدت نِيَّته على الْخَلِيفَة النَّاصِر العباسي فارتفعت الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ فَقتله الله على يَد ابْنه حسن بن قَتَادَة وَكَانَ قَتله فِي جُمَادَى الأولى هَكَذَا ذكره أَبُو شامة فِي سنة 617 سبع عشرَة وسِتمِائَة وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ بل فِي جُمَادَى الْأُخْرَى من سنة 618 ثمَّ اسْتَقر بعده فِي ملك مَكَّة ابْنه حسن بن قَتَادَة قيل قَتله خنقاً وَسبب قَتله أَن قَتَادَة جمع جموعاً وَسَار من مَكَّة يُرِيد الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَنزل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 بوادي الْفَرْع وَهُوَ مَرِيض وَبعث أَخَاهُ على الْجَيْش وَمَعَهُ ابْنه حسن هَذَا فَلَمَّا بعد وأبلغ حسن أَن عَمه قَالَ لبَعض الْجند إِن أخي قَتَادَة مَرِيض وَهُوَ ميت لَا محَالة وَطلب مِنْهُم أَن يحلفوا لَهُ ليَكُون هُوَ الْأَمِير بعده فَلَمَّا بلغ الْحسن ذَلِك أرسل إِلَى عَمه من خنقه وَخرج للنَّاس فِي الْحرم وَطلب الْأَشْرَاف ووجوه النَّاس وَقَالَ لَهُم إِن أبي اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَأَنا أحب أَن تُبَايِعُونِي فَبَايعُوهُ وحلفوا لَهُ فأحضر تابوتاً مغطى وَقَالَ هَذَا أبي مَاتَ وَكَانَ قد دَفنه لَيْلًا فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ الْإِمَارَة لحسن وَثبتت قدمه أرسل إِلَى أَخِيه وَكَانَ بينبع وَطَلَبه وَلم يُخبرهُ بِحَال أَبِيه فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ قَتله وَكَانَ لَهُ أَخ اسْمه رَاجِح كَانَت بَينهمَا مباينة أَقَامَ فِي الْأَعْرَاب هَارِبا بِظَاهِر مَكَّة حَتَّى كَانَ من أمره مَعَ آق باش أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ مَا كَانَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا وَلما بلغ قَتَادَة قتل حسن لِعَمِّهِ قَامَت قِيَامَته وَحلف ليقْتلن حسنا فَبلغ ذَلِك حسنا فَدخل على أَبِيه بعد عوده من الْمَدِينَة فَبَالغ قَتَادَة فِي ذمه وتهديده فَوَثَبَ إِلَيْهِ حسن واستعان بِغُلَام وَجَارِيَة كَانَا يخدمان أَبَاهُ فأمسكا يَدَيْهِ فَقتله خنقاً ثمَّ قَتلهمَا ليخفي سَبَب قَتله وَقيل بل قَتله سما فَهَذَا سَبَب قتل حسن أَبَاهُ قَتَادَة وَكَانَت وَفَاته كَمَا تقدم فِي جُمَادَى الْآخِرَة عَام 617 سبع عشرَة وسِتمِائَة أَو ثَمَان عشرَة وَالْأول هُوَ الَّذِي رَأَيْته أَكثر وَكَانَ قَتَادَة يَقُول أَنا أَحَق من النَّاصِر العباسي بالخلافة وَكَانَ فِي زَمَنه فِي الْمَسْجِد يُؤذن بحي على خير الْعَمَل وَمُدَّة عمره نَحْو سبعين سنة وَمُدَّة ولَايَته من سنة 599 تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة إِلَى سنة 617 سبع عشرَة وسِتمِائَة وَلما وصل الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن أَمر بنبش قبر قَتَادَة وإحراقه لما فعل من نهب اليمنيين فوجدوا فِي الْقَبْر تابوتاً لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَعرف النَّاس بذلك أَن حسن قتل أَبَاهُ وَدفن التابوت فِي قبر آخر ليخفي قَبره على النَّاس وَكَانَ لِقَتَادَة من الْوَلَد رَاجِح وَهُوَ الْأَكْبَر الَّذِي فر إِلَى الْأَعْرَاب بِظَاهِر مَكَّة كَمَا تقدم وَحسن وعَلى الْأَكْبَر جد الْأَشْرَاف المعروفين بذوي عَليّ وعَلى الْأَصْغَر جد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 أبي نمي جد الْأَشْرَاف الَّذين كَانُوا وُلَاة خليص وهم الْآن ولاه مَكَّة أَلا ترى أَن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ هَذَا الْأَصْغَر بن قَتَادَة وَلكُل من هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّة وأعقاب وَمِمَّا صنع الشريف قَتَادَة أَن أدَار على مَكَّة سوراً من أَعْلَاهَا ليحفظها عَمَّن يريدها بِسوء ثمَّ وَليهَا الشريف حسن بن قَتَادَة عَام سبع عشرَة وسِتمِائَة وَوَقع فِيهَا قتال بَينه وَبَين آق باش أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ وَهُوَ مَمْلُوك تركي للناصر العباسي عقد لَهُ الْولَايَة على مَكَّة وعَلى كل بلد يدخلهَا وَمعنى آق باش أَبيض الرَّأْس وَسبب الْقِتَال أَنه لما ورد آق باش الْمَذْكُور أَمِيرا تعرض رَاجِح لقطع الطَّرِيق بَين مَكَّة وعرفة فأمسكه الْأَمِير الْمَذْكُور فَأرْسل أَخُوهُ حسن إِلَى الْأَمِير موعداً لَهُ بِمَال جزيل أَن يسلم إِلَيْهِ أَخَاهُ راجحاً فَبلغ ذَلِك راجحاً فَقَالَ للأمير أَنا أُعْطِيك أَضْعَاف مَا وَعدك فأعني على ولَايَة مَكَّة فوعده بذلك فأرادا جَمِيعًا دُخُول مَكَّة فمنعهما حسن وَوَقع الْحَرْب فَصَعدَ آق باش على جبل عَرَفَة بِمَا عِنْده من المنعة فأحدقت بِهِ أَعْرَاب الشريف حسن فَقتل وعلق رَأسه فِي ميزاب الْكَعْبَة وَقيل رفع على رَأس رمح بالمسعى وَأرْسل يعْتَذر إِلَى دَار الْخلَافَة كَذَا فِي عُمْدَة الطَّالِب وَفِي موسم تِسْعَة عشرَة وسِتمِائَة وَليهَا الْملك المسعود يُوسُف من بني أَيُّوب وصل إِلَيْهَا وَكَانَ قد تفرق عَن حسن والأشراف لشحه وَلم يبْق عِنْده أَلا جمَاعَة من عشيرته وَجَاء مَعَ صَاحب الْيمن الْمَذْكُور أَخُو الشريف حسن الشريف رَاجِح بن قَتَادَة فتقاتلا بالمسعى فانكسر حسن وَفَارق مَكَّة فنهبها الْملك المسعود وراجح حَتَّى سلبوا النَّاس أَشْيَاء من على أَجْسَادهم وَولى الْملك المسعود رَاجِح بن قَتَادَة حليا وَنصف المخلاف وَأمر المسعود بنبش قبر قَتَادَة فَلم يَجدوا أَلا التابوت كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَعمل المسعود فِي مَكَّة من الْمُنْكَرَات مَا لم يُرَ مِنْهَا أَنه يطلع على قبَّة زَمْزَم وَيَرْمِي الْحمام بالبندق وَيجْلس عبيده بالمسعى فيضربون أرجل النَّاس بِالسُّيُوفِ يَقُولُونَ إِن السُّلْطَان سَكرَان نَائِم امشوا قَلِيلا قَلِيلا لِئَلَّا توقظوه كَانَت دَاره على الْمَسْعَى تسمى دَار السلطنة وَكَانَت تسمى دَار الْقَوَارِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 قلت عثرت فِي بعض التواريخ أَن محلهَا كَانَ مَحل الْمدرسَة القايتبائية الْآن انْتهى ثمَّ خرج من مَكَّة واستناب عَلَيْهَا نور الدّين عَليّ بن رَسُول الغساني الملقب بِالْملكِ المظفر ورتب مَعَه ثَلَاثمِائَة فَارس وَولى راجحاً حليا وأعمالها ثمَّ وصل حسن بِجَيْش عَظِيم من الينبع إِلَى مَكَّة سنة عشْرين وسِتمِائَة فَخرج إِلَيْهِ أميرها عَليّ بن رَسُول الْمَذْكُور فَكَسرهُ عَليّ بن رَسُول فَتوجه إِلَى الشَّام فَلم ير بهَا وَجها وَلم يفلح بعد قتل وَالِده وَعَمه وَقد دَعَا عَلَيْهِ أَبوهُ قَتَادَة فِي قصَّة اتّفقت لَهُ نقلهَا الزنجاني وَزِير أَبِيه الشريف قَتَادَة هِيَ أَنه كَانَ الشريف قَتَادَة بِالْحرم الشريف مَعَ الْأَشْرَاف فهجم عَلَيْهِ ولد لوَلَده حسن وترامى فِي حجره مستجيراً وَإِذا بوالده حسن يشْتَد فِي إِثره حَتَّى ألْقى يَده فِي شعره وجذب الصَّبِي من حجر جده فاغتاظ الشريف قَتَادَة وَقَالَ الْحسن هَكَذَا ربيتك وَلِهَذَا ادخرتك فَقَالَ حسن ذَاك الْإِخْلَال أوجب هَذَا الإدلال فَقَالَ الشريف قَتَادَة لَيْسَ هَذَا بإدلال وَلكنه إذلال وَانْصَرف حسن بولده فَفعل فِيهِ مَا اقْتَضَاهُ عقله فَالْتَفت الشريف قَتَادَة إِلَى الْأَشْرَاف وَقَالَ لَهُم وَالله لَا أَفْلح هَذَا فَلم يمر بِهِ أَلا زمن يسير حَتَّى قتل أَبَاهُ وذاق عُقُوبَة العقوق والقطيعة ثمَّ توجه إِلَى الْعرَاق فَلم ير بهَا وَجها بل أَرَادوا قَتله بِسَبَب قَتله آق باش الناصري مَمْلُوك الْخَلِيفَة النَّاصِر العباسي فِي الْوَاقِعَة الَّتِي جرت فِي أَيَّامه بِمَكَّة زمن الْحَج فَخرج مِنْهَا خَائفًا وَلم يزل طريداً شَرِيدًا خَائفًا إِلَى أَن وصل بَغْدَاد فأدركه أَجله فِي الْجَانِب الغربي على دكة فَلَمَّا علم بِهِ غُسل وصُلي عَلَيْهِ وَحمل فَدفن فِي مشْهد مُوسَى الكاظم سامحه الله تَعَالَى هَذَا حَاصِل مَا ذكره المؤرخون فِي مصنفاتهم مفرقاً غير مُجْتَمع فِي كتاب وَلَا مُسْتَوْفِي جمعت مَا ذَكرُوهُ وسقته مجتمعاً كل حَدِيث فِي مَحَله وكل فرع إِلَى أَصله وكل نوع إِلَى جنسه وشكله وَهَذَا شاني فِي تَرْجَمَة كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ السَّادة الْأَعْلَام أذكرها كافلة للمرام بعون الْملك العلام على إِنِّي لَا أَخْلو من قَول جَاهِل خامد أَو فَاضل حَاسِد أَو مبغض جَاحد هَل زَاد على الْجمع وَمَا درى أَنه تفطير للفؤاد تقطير للدمع إِذْ تتبع ذَلِك من مظانه المتفرقات وَضم شَمل الْقِصَّة وسبكها فِي ألطف قالب من الْعبارَات يعرف قدره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 من أشرق فِي أفق الْفضل وَمَا غاض بدر تمه وَلَا يجْحَد حَقه أَلا كل عاض بظر أمه على أَن لي فِيهِ فلتوتات كَأَنَّهَا ياقوتات ينظرها بِنور الْعدْل والإنصاف زاكي السريرة ذاتاً وسمى ويتخونها من عَم بَصَره وبصيرته عَمه وعمى لَكِن الْأَعْمَال بمقاصدها وَالله عَالم بِصَحِيح النِّيَّة من فاسدها وَلم تزل مَكَّة فِي ولَايَة الْملك المسعود يُوسُف بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب ونائبه عَلَيْهَا نور الدّين عَليّ بن رَسُول إِلَى سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة فَتوفي الْملك المسعود بعد أَن فلج ويبست يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَرَأى فِي نَفسه العبر نَعُوذ بِاللَّه من سوء قَضَاهُ وفيهَا وصل إِلَى مَكَّة جَيش من صَاحب مصر وعَلى الْجَيْش طغتكين وَمَعَهُ مِائَتَا فَارس ففر مِنْهَا نائبها نور الدّين عَليّ بن رَسُول نَائِب الْملك المسعود وَأنْفق طغتكين على أهل مَكَّة نَفَقَة جَيِّدَة وحلفهم وتوثق مِنْهُم فَلَمَّا كَانَ سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة وصل إِلَى مَكَّة جَيش صَاحب الْيمن عَليّ بن رَسُول الغسانى وصحبته السَّيِّد راحج بن قَتَادَة فنزلوا بِالْأَبْطح وحصروا مَكَّة وَأرْسل الشريف رَاجِح إِلَى أهل مَكَّة يذكرهم إِحْسَان السُّلْطَان نور الدّين أَيَّام نيابته بِمَكَّة عَن الْملك المسعود فَمَال رُؤَسَاء مَكَّة إِلَيْهِ فَلَمَّا أحس بذلك الْأَمِير طغتكين خَافَ على نَفسه فَخرج خَائفًا وَقصد وَادي نَخْلَة فَدخل رَاجِح وَمن مَعَه فوليها الشريف رَاجِح بن قَتَادَة وَكَانَ أَمِير الْجَيْش يُسمى ابْن عَبْدَانِ فَدخل إِلَى مَكَّة وَاسْتولى عَلَيْهَا وخطب للْملك الْمَنْصُور ابْن الْملك المسعود وَتوجه طغتكين إِلَى يَنْبع وَكَانَ بهَا رُتْبَة للكامل صَاحب مصر الأيوبي فَأَقَامَ هُنَاكَ وَعرف الْكَامِل بالْخبر فَجهز جَيْشًا كَبِيرا من مصر وَأمر صَاحب الينبع وَصَاحب الْمَدِينَة أَن يخرجَا مَعَ ذَلِك الْجَيْش إِذا وصل إِلَيْهِمَا ففعلا ووصلوا إِلَى مَكَّة جَمِيعًا فِي رَمَضَان وحاصروا راجحاً وَابْن عَبْدَانِ وقاتلوهما فانكسروا وَاسْتولى على مَكَّة أميرها الأول طغتكين فَقتل من اْهل مَكَّة خلقا كثيرا وأنهبت ثَلَاثَة أَيَّام وَأظْهر حقده عَلَيْهِم وأخافهم خوفًا شَدِيدا وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة جمع الشريف رَاجِح جموعا عَظِيمَة وأمده الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن بعساكر فَقدم مَكَّة وطرد طغتكين وعسكر الْملك الْكَامِل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 صَاحب مصر فَلَمَّا علم بذلك الْكَامِل جهز عسكراً فِي شَوَّال سَبْعمِائة فَارس فَلَمَّا أَن وصل الْحَاج واتضح أَمر الْعَسْكَر خرج الشريف رَاجِح من مَكَّة فَدَخلَهَا الْعَسْكَر الْمصْرِيّ من غير محاربة وطيبوا قُلُوب أَهلهَا وَعدلُوا فيهم وأحسنوا وَحج بِالنَّاسِ أَمِير يُسمى الزَّاهِد وَترك فِي مَكَّة أَمِيرا يُقَال لَهُ ابْن مجلي فِي خمسين فَارِسًا أَقَامَ بِمَكَّة فَعدل وَأحسن السِّيرَة وَفِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ جهز الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن إِلَى السَّيِّد رَاجِح عسكراً جراراً وخزانة عَظِيمَة فَنَهَضَ رَاجِح وَمن مَعَه من الْعَسْكَر ودخلوا مَكَّة وأخرجوا ابْن مجلي وَمن مَعَه فَلَمَّا أَن وصل الْحَاج سمع الشريف راحج أَن الْملك الْكَامِل حَاج على النجب لوعد بَينه وَبَين الْخَلِيفَة العباسي فَخرج رَاجِح من مَكَّة فَتغير عَلَيْهِ خاطر الْملك الْمَنْصُور فَلَمَّا رَجَعَ الْملك الْكَامِل عَاد رَاجِح إِلَى مَكَّة وَكَانَ بهَا غلاء عَظِيم سموهُ غلاء ابْن مجلي وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وصل من صَاحب مصر عَسْكَر ألف فَارس فَخرج الشريف رَاجِح إِلَى الْيمن فجهزه الْملك الْمَنْصُور بخزانة وعسكر أَيْضا وَأرْسل قناديل ذهب وَفِضة لتَعلق فِي جَوف الْكَعْبَة فَلم يقدر رَاجِح وَمن مَعَه لمقاومة الْعَسْكَر الْمصْرِيّ فَلم يدْخل فَلَمَّا سمع بهم الْعَسْكَر الْمصْرِيّ خَرجُوا إِلَيْهِم من مَكَّة فَالْتَقوا بِمحل يُقَال لَهُ الْخلف والخليف فانهزمت الْأَعْرَاب أَصْحَاب رَاجِح وَأسر أَمِير عسكره ابْن عَبْدَانِ فقيد وَأرْسل بِهِ إِلَى مصر وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة خرج السُّلْطَان نور الدّين عَليّ بن رَسُول من الْيمن قَاصِدا مَكَّة فِي ألف فَارس وَأرْسل للجند الَّذين بِمَكَّة أَن كل من جَاءَ إِلَيْهِ يُعْطِيهِ ألف دِينَار وحصاناً وَكِسْوَة فَمَال إِلَيْهِ كثير من الْجند وآثروه على مَوْلَاهُم ووفي لَهُم بِمَا وعدهم وَأرْسل إِلَى الشريف رَاجِح فَتَلقاهُ من أثْنَاء الطَّرِيق فقدمه صُحْبَة ثَلَاثمِائَة فَارس من أهل النجدة من عسكره وَأَعْطَاهُ النقارات والكئوسات وَتقدم إِلَى مَكَّة فَلَمَّا تحققت عَسَاكِر مصر وُصُول السُّلْطَان أحرقوا مَا كَانَ عِنْدهم من الأثقال والأقوات وَخَرجُوا من مَكَّة فَأرْسل الشريف رَاجِح يبشر السُّلْطَان نور الدّين بِمَا وَقع فَأحْرم بِعُمْرَة وَدخل مَكَّة فِي رَجَب وَتصدق على أهل مَكَّة بأموال جزيلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وَفِي ذَلِك الْعَام مَاتَ الْكَامِل صَاحب مصر فخطبوا للْملك الْمَنْصُور ابْن الْملك المسعود صَاحب الْيمن وَفِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أرسل صَاحب مصر الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل إِلَى مَكَّة ألف فَارس عَلَيْهِم الشريف شيحة بن قَاسم الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَلَمَّا سمع بهم رَاجِح وَمن مَعَه من عَسَاكِر الْملك الْمَنْصُور فروا إِلَى الْيمن وأخلوا مَكَّة فَدَخلَهَا شيحة وملكها ونهبها فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن جهز السَّيِّد راجحاً بعسكر مَعَه إِلَى مَكَّة فَلَمَّا أحس بهم الْحُسَيْنِي فر هَارِبا من مَكَّة وأخلاها وَفِي موسم سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة دخل من صَاحب مصر عَسْكَر إِلَى مَكَّة فَلَمَّا بلغ صَاحب الْيمن تجهز وَخرج إِلَى مَكَّة بِجَيْش كثيف فهرب المصريون وأحرقوا دَار السلطنة بِمَكَّة فَدخل السُّلْطَان نور الدّين عَليّ بن رَسُول الغساني وَصَامَ رَمَضَان وَأقَام بهَا وأبطل المكوس والجبايات والمظالم وَكتب ذَلِك فِي رخامة مربعة جعلت قبالة الْحجر الْأسود فِي حَائِط زَمْزَم وَأرْسل يطْلب أَبَا سعيد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة من يَنْبع فَلَمَّا أَتَاهُ أكْرمه وأنعم عَلَيْهِ فاستخدمه على مَكَّة وَاشْترى مِنْهُ قلعة الينبع وَأمر بخرابها لأجل أهل مصر وَأبقى عِنْده مَمْلُوكه ابْن فَيْرُوز والأمير فَخر الدّين بن السِّلَاح فَأَقَامَ ابْن السِّلَاح أَمِيرا سبع سِنِين فولى بعده الْأَمِير ابْن الْمسيب سنة خمس وَأَرْبَعين وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ولي مَكَّة الشريف أَبُو سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة وَذَلِكَ أَن الْملك الْمَنْصُور قبل ذَلِك لما دخل مَكَّة أَقَامَ أَبَا سعد هَذَا بوادي مر ليساعد عسكره الَّذين أَقَامُوا بِمَكَّة فَحسن مَشَايِخ الْعَرَب من زبيد وَغَيرهم لأبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قتاده أَخذ مَكَّة والاستيلاء عَلَيْهَا والفتك بِمن فِيهَا من الْعَسْكَر اليمني وهونوا عَلَيْهِ أَمرهم وَكَانُوا فرْقَتَيْن فرقة تخرج إِلَى أَعلَى المعلاة والفرقة الْأُخْرَى تخرج إِلَى أَسْفَلهَا هَكَذَا كل يَوْم فَحمل أَبُو سعد على إِحْدَى الْفرْقَتَيْنِ فَكَسرهَا فضعفت الْأُخْرَى فَقبض على ابْن الْمسيب وَأخذ خيله وعدده ومماليكه وَاسْتولى على مَكَّة وأحضر الْأَعْيَان من أَهلهَا وَقَالَ مَا لَزِمته أَلا لتحققي خِلَافه وَنِيَّته الْخُرُوج على الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن والذهاب بِهَذَا المَال إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 الْعرَاق وَالْمَال عِنْدِي مَحْفُوظ إِلَى أَن يصل مرسوم السُّلْطَان فأسلمه إِلَيْهِ فوردت الْأَخْبَار بعد أَيَّام يسيرَة بِمَوْت الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن رَسُول فقوي أَمر أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة الْمَذْكُور فَخرج الشريف رَاجِح من مَكَّة لما رأى أَن ابْن أَخِيه أَبَا سعد الْحسن الْمَذْكُور استولى عَلَيْهَا وَسكن الْمحل الْمَعْرُوف بالواديين وَكَانَ الشريف الْحسن هَذَا شجاعاً جلدا كريم الْأَخْلَاق شَدِيد الْحيَاء جمع الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْعلم وَالْعَمَل وَكَانَت أمه حبشية وَوَقع لَهُ مَعهَا أَنه حَارب بعض الْعَرَب فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ جَاءَتْهُ فِي هودجها فَقَالَت لَهُ اعْلَم أَنَّك وقفت فِي موقف إِن ظَفرت أَو قتلت قَالَت النَّاس ظفر ابْن رَسُول الله أَو قتل ابْن رَسُول الله وَإِن هربت قَالُوا هرب ابْن السَّوْدَاء فَانْظُر أى الْأَمريْنِ تحب أَن يُقَال فَقَالَ لَهَا جَزَاك الله خيرا لقد نصحت فأبلغت وَرجع فقاتل حَتَّى ظفر فَقَالَ النَّاس كَمَا قَالَت ودامت ولَايَته على الْحجاز نَحْو أَربع سِنِين وَأشهر إِلَى أَن قَتله ابْن عَمه جماز ابْن حسن بن قَتَادَة لثلاث خلون من شعْبَان سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة وَقيل فِي شهر رَمَضَان وَقيل فِي شَوَّال وَأَبُو سعد هَذَا هُوَ وَالِد عبد الْكَرِيم جد الْأَشْرَاف ذَوي عبد الْكَرِيم ووالد أبي نمي صَاحب مَكَّة الْآتِي ذكره كَانَ الشريف أَبُو سعد هَذَا فَاضل الْأَخْلَاق طيب الأعراق شَدِيد الْحيَاء جمع الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْعلم وَالْعَمَل لَهُ الشّعْر الرَّائِق والنثر الْفَائِق فَمن شعره القصيدة الْمَشْهُورَة // (من المتقارب) // (خُذُوا قَوَدِى مِنْ أسيرِ الكللْ ... ) نَسَبهَا الْعَلامَة الفاسي إِلَيْهِ وَالْمَشْهُور أَنَّهَا لِابْنِ مطروح والشهرة تساعده قَالَ أَلا أَن فِي القصيدة أبياتاً ترجح أَنَّهَا لأبى سعد لِأَن إنشاءها إِنَّمَا يَلِيق بالملوك مِنْهَا قَوْله فِيهَا // (من المتقارب) // (وإنْ قِيلَ إِنِّى غَدّا مَيِّتٌ ... بِأَيْدِى الصَّبَابَةِ ظُلْماً فَهَلْ) (تموتُ نفوسٌ بآجَالِها ... وَنْفِسى تَمُوتُ بِغَيْرِ الأجَلْ) (فَلَيْتَ إِذَا مَا أَتَانِى الحِمَامُ ... يُؤَخِّرُ عَنِّى الألهُ الأجَلْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 (لأنِّى غيُوثٌ إِذَا الغَيْتُ مَلّ ... وَيوْمَ الِكفَاحِ أُرَوِّى الأَسَلْ) فَيحْتَمل وَيحْتَمل وَالله أعلم قلت الِاسْتِدْلَال على أَنَّهَا لأبي سعد بِأَن فِيهَا أبياتاً لَا يَلِيق إنشاؤها أَلا بالملوك اسْتِدْلَال لَا ينْهض إِذْ كل كريم شُجَاع يسوغ لَهُ أَن يتمدح وَيَقُول عَن نَفسه ذَلِك بل صناعَة الشّعْر ومبالغاته تسوغ للشاعر القَوْل وَإِن لم يَتَّصِف بإنالة نائل وَلَا طول طائل ثمَّ وَليهَا جماز بن حسن بن قَتَادَة فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَذَلِكَ أَنه لما كَانَت سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة قدم الشريف جماز هَذَا بعسكر من عِنْد النَّاصِر بن الْعَزِيز بن الظَّاهِر بيبرس ووعده أَن يخْطب لَهُ بِمَكَّة فأمده بعسكر صُحْبَة الركب الشَّامي فَتقدم أَمَام الركب وَدخل مَكَّة فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتولى على مَكَّة وَقتل ابْن عَمه أَبَا سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة وَحج بِالنَّاسِ ثمَّ نقض عهد النَّاصِر وَلم يخْطب لَهُ وخطب للْملك المظفر بن الْمَنْصُور بن المسعود صَاحب الْيمن فَلَمَّا كَانَ آخر يَوْم من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة قدم عَمه رَاجِح بن قَتَادَة ففر مِنْهُ جماز بِلَا قتال إِلَى يَنْبع ثمَّ وَليهَا رَاجِح بن قَتَادَة وَكَانَ بِمَكَّة غلاء عَظِيم وعطش بِيعَتْ شربة المَاء بدرهم وَالشَّاة بِأَرْبَعِينَ درهما وَاسْتمرّ إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة فَلَمَّا كَانَ شهر ربيع الأول مِنْهَا هجم عَلَيْهِ ابْنه غَانِم بن رَاجِح وَأخرجه من مَكَّة بِلَا قتال فوليها غَانِم بن رَاجِح فِي شهر ربيع الأول وَاسْتمرّ إِلَى شهر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ وَليهَا أَبُو نمي بن أبي سعد بن قَتَادَة وَعَمه إِدْرِيس بن حسن بن قَتَادَة وَأخرج غَانِم بن رَاجِح مِنْهَا وَأَبُو نمي هَذَا هُوَ وَالِد أبي سعد الْحسن الْمَذْكُور وَذَلِكَ أَنه فِي شَوَّال آخر السّنة الْمَذْكُورَة أغْنى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة قبل وُصُول الْحَج إِلَى مَكَّة قدم الشريف أَبُو نمي وَعَمه إِدْرِيس وأخذا مَكَّة من غَانِم بن رَاجِح بن قتال شَدِيد قتل فِيهِ من الْأَشْرَاف ثَلَاثَة فَلَمَّا كَانَ أول الْحجَّة وصل من جَانب الْملك المظفر صَاحب الْيمن عَسْكَر عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 أَمِير ابْن برطاش فبرز لَهُ الْأَشْرَاف أَبُو نمي وَإِدْرِيس وَمن مَعَهُمَا إِلَى خَارج مَكَّة وتقاتلوا بالسرحة من قوز المكاسة وَكَانَ مَعَهم الشريف جماز بن شيحة فَقتل بَين الصفين خلق كثير وَانْهَزَمَ الْأَشْرَاف وَدخل مَكَّة عَسْكَر الْملك المظفر وَفِي عَام ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة جمع الشريف أَبُو نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة وَعَمه الشريف حسن بن قَتَادَة جمعا عَظِيما وقصدوا مَكَّة فَدَخَلُوهَا من رُءُوس الْجبَال وتقاتلوا وسط مَكَّة هم وعسكر الْملك المظفر صَاحب الْيمن فَقتلُوا غَالب الْعَسْكَر وأسروا الْأَمِير ابْن برطاش وسفكت الدِّمَاء بِالْحرم الشريف وامتلأت الْبَلَد مِنْهُم رعْبًا بِحَيْثُ لم يصل فِي الْحرم أحد وَوَقع بَينهم فِي أَيَّام الْحَج وَبَين أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ فتْنَة درأها الله تَعَالَى بِالصُّلْحِ فَسلم الْمُسلمُونَ وفدى نَفسه ابْن برطاش الْأَمِير وَرجع من حَيْثُ جَاءَ وَفِي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة استظهر إِدْرِيس على أبي نمي بإمرة مَكَّة ثمَّ اشْتَركَا وَفِي موسم خمس وَخمسين وسِتمِائَة لم يحجّ أحد من أهل الْحجاز وَلم ترفع راية من رايات الْمُلُوك لأحد بِمَكَّة وَفِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة خرج أَبُو نمي إِلَى ثَقِيف وبقى إِدْرِيس بِالْبَلَدِ فهجم عَلَيْهِ أَوْلَاد حسن بن قَتَادَة إخوتة بعد أَن لزموه فوليها أَوْلَاد حسن بن قَتَادَة فِي غيبَة أبي نمي فَلَمَّا جَاءَ أخرجهم مِنْهَا فِي السّنة الْمَذْكُورَة بِغَيْر قتال وَكَانَت مدتهم سِتَّة أَيَّام وَفِي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة حج الْملك المظفر يُوسُف بن الْملك الْمَنْصُور صَاحب الْيمن مَعَه المراكب تسايره فِي الْبَحْر مشحونة بالعلوفات والأطعمة وَأكْثر فِي طَرِيقه من الصَّدقَات وَفعل الْخيرَات والمبرات والشريف أَبُو نمي وَعَمه إِدْرِيس متوليين إمرة مَكَّة فَلَمَّا سمعا بِهِ خرجا خوفًا مِنْهُ فَدَخلَهَا المظفر فِي عَسَاكِر كَثِيرَة محرما خَاشِعًا حاسر الرَّأْس حَتَّى دخل المطاف ثمَّ نزل عسكره بالحجون وَلم يزل بِمَكَّة إِلَى أَن قضى مَا عَلَيْهِ من الْوُقُوف بِعَرَفَة وَبَقِيَّة الْمَنَاسِك وَلم يزل مُدَّة إِقَامَته بِمَكَّة يُصَلِّي الْمغرب على قبَّة زَمْزَم وخدم الْبَيْت وغسله مَعَ الخدام وصب عَلَيْهِ وكنس وكسا الْبَيْت الشريف من دَاخله وَلم يكسه ملك قبله بعد الْخُلَفَاء العباسية وَقَامَ بمصالح الْحرم وَأَهله ثمَّ أَقَامَ بِمَكَّة عشرَة أَيَّام يفرق الصَّدقَات حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وصلت صدقاته إِلَى كل منزل بِمَكَّة ونثر على الْكَعْبَة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَعمل للكعبة بَابا وقفلاً وودع الْبَيْت باكياً وَعَاد إِلَى بِلَاده وَفِي غَالب سلطنته كَانَ يخْطب لَهُ بِمَكَّة وَاسْتمرّ أَبُو نمي وَعَمه إِدْرِيس متوليين إمرة مَكَّة إِلَى سنة سبع وَسِتِّينَ ثمَّ انْفَرد بهَا أَبُو نمي وَأخرج عَمه إِدْرِيس مِنْهَا وخطب لصَاحب مصر الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقداري وَاشْترط عَلَيْهِ السُّلْطَان أَن لَا يمْنَع زَائِرًا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَلَا يعْتَرض تَاجِرًا بظُلْم وَأَن تكون الْخطْبَة وَالدُّعَاء لَهُ وَلأبي نمي وَجعل لَهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم فِي كل سنة فَأجَاب الشريف أَبُو نمي بِقبُول هَذِه الاشتراطات فَلَمَّا ورد إِلَى السُّلْطَان من أبي نمي الْإِجَابَة بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَقبُول مَا اشْتَرَطَهُ كتب السُّلْطَان إِلَيْهِ مرسوماً بإمرة مَكَّة مُنْفَردا فَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ حج السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس على تجريدة خيل وركاب وَكَانَ قدم لَهُ مَعَ الْحَج خيلاً وحملاً ومتاعاً فِي الْمنَازل كلما أصبح فِي منزل ترك الْخَيل الأولى وَأخذ المهيئات لَهُ فارتحل إِلَى أَن وصل مَكَّة ثامن ذِي الْحجَّة آخر النَّهَار وَقد طلع النَّاس عَرَفَة وَلم يبْق فِي مَكَّة غير الشريف أبي نمي وَعَسْكَره فاستنكروا ذَلِك وَقَالُوا مَا يصل فِي هَذَا الْوَقْت أَلا من قصد إِدْرَاك الْحَج قبل فَوَاته أَو غَرِيب مَا قدم قبل ذَلِك لَا يعرف الْعَادة ورأوهم جَمِيعهم على الْخَيل البلق فَقَالُوا لَهُم من أَيْن أَنْتُم من الْعرَاق أَو من الْكُوفَة أَو من الْعَجم أَو من التّرْك فَقَالَ السُّلْطَان قُولُوا لَهُ أَلَيْسَ قد قلت لَا يجيئني أَلا على خيل بلق فقد جئْنَاك على البلق وَنحن محرمون وَهَذَا صَاحب مصر مَعَه أُمَرَاء مصر وَالشَّام وعرفوه كل أَمِير باسمه فَإِن تقتل الْجَمِيع فاقتلهم وَكَانَ الشريف أَبُو نمي قد قَالَ مثل هَذَا القَوْل فِي الْعَام الْمَاضِي فَاسْتَغْفر وَتقدم إِلَى السُّلْطَان وَقَالَ الْعَفو يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان ثمَّ ركب وسعى مَعَ السُّلْطَان وَأشْهد على نَفسه أَن لَا يمكس أحدا من الْحجَّاج القادمين برا وبحراً وَيبْطل الجباية والمظالم إِلَى أَن تقوم السَّاعَة وَكتب عَلَيْهِ الْإِشْهَاد بذلك فَبَطل ذَلِك وَكَانَ فِي صَحَائِف الْملك الظَّاهِر بيبرس وَتصدق السُّلْطَان بِالْحرم وَفرق كساوي على أَهله وعلق كسْوَة الْكَعْبَة بِيَدِهِ وزار من بِمَكَّة من الصَّالِحين وَأحسن إحساناً كثيرا إِلَى الشريف أبي نمي وَكَذَلِكَ لأمير الْمَدِينَة وَكتب لأبي نمي وَإِدْرِيس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 أَن يكون حَالهمَا وَاحِدًا فِي إمرة مَكَّة فعادا شَرِيكَيْنِ ثمَّ انْفَرد إِدْرِيس بهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ قتل أَبُو نمي عَمه إِدْرِيس فِي حَرْب كَانَت بَينهمَا بخليص وَانْفَرَدَ بهَا وَذَلِكَ أَنه لما استظهر عَمه إِدْرِيس عَلَيْهِ وَأخرجه من مَكَّة وَانْفَرَدَ بالإمرة خرج أَبُو نمي هَارِبا من عَمه إِدْرِيس من مَكَّة وَوصل إِلَى يَنْبع واستنجد بصاحبها وحشد وَجمع وَقصد مَكَّة بالجيش فَالتقى هُوَ وَعَمه إِدْرِيس بخليص وتحاربا فطعن أَبُو نمي عَمه فَأَلْقَاهُ من ظهر الْفرس وَنزل واحتز رَأسه واستقل بِالْولَايَةِ مُنْفَردا وَذَلِكَ فِي سنة 669 تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَله وقائع مَشْهُورَة مَعَ مُلُوك مصر وَغَيرهم مِنْهَا فِي سنة 683 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَكَانَت فتْنَة بَينه وَبَين وَاحِد من أَبنَاء أَخِيه لأجل مَا يُؤْخَذ من الْحَاج قيل كَانُوا يَأْخُذُونَ من حج اليمإني فِي كل جمل ثَلَاثِينَ درهما وَمن حَاج مصر على كل جمل خمسين درهما وَمَعَ هَذَا لَا يسلمُونَ من النهب والعسف فَلَمَّا حج الظَّاهِر بيبرس أزاله ثمَّ أعادوه فَأرْسل الْملك المظفر عسكراً ملكوا مَكَّة فَجمع أَبُو نمي عسكراً وَدخل إِلَى مَكَّة وَأخرج عَسْكَر الْيمن وَزَاد على الْحجَّاج فِي الجباية وَوَصله جَيش من مصر فَلَمَّا وصلوا إِلَى قرب مَكَّة قفل أَبُو نمي أَبْوَاب سور مَكَّة ومنعهم من الدُّخُول فَاجْتمع الْحجَّاج فهدموه وأحرقوا بَاب المعلاة ودخلوا مَكَّة هجماً بعد فرار أبي نمي من مَكَّة زمن الْحَج فخشي الْملك من عوده فَترك بهَا ثَلَاثَة آلَاف مَعَ نَائِب من قبله فأقاموا بهَا فاتفق أَن ألفا مِنْهُم خَرجُوا لناحية منى للتنزه فكمن لَهُم الشريف أَبُو نمي فِي خيل وَرجل بِمَسْجِد الْخيف فَلَمَّا عَادوا قَاصِدين إِلَى مَكَّة هجم عَلَيْهِم فقصد أَمِيرهمْ فَقتله ثمَّ قَالَ كل من قتل فَارِسًا فَلهُ فرسه فَعَاد أَكثر رجله خيالة ثمَّ صدقُوا الْمُحَاربَة والمجالدة مَعَه فكسروا الْألف عَن آخِرهم وانتصروا وغنموا خيولهم وسلاحهم وتفكك مِنْهُم أَفْرَاد فَلَحقُوا بالباقين بِمَكَّة وعرفوهم الْحَال وَأَن لَا طَاقَة لكم بِهِ فَهزمَ الْجَمِيع إِلَى مصر فَلَمَّا بلغ ذَلِك ملك مصر جهز جَيْشًا كثيفاً لقِتَال أبي نمي الْمَذْكُور ثمَّ عزم على الْوُصُول إِلَى مَكَّة بِنَفسِهِ فَأَتَاهُ أحد الْعلمَاء الصَّالِحين وَسَأَلَهُ عَن توجهه فَقَالَ إِنَّه لقتل الشريف أبي نمي وَأَهله فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم إِنَّك حسنت الْعبارَة وَلَكِن النَّاس يَقُولُونَ إِنَّك ذَاهِب إِلَى حرم الله تَعَالَى وَقتل أَوْلَاد حَبِيبه رَسُول الله فَوَقع ذَلِك من الْملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 موقعاً وَرجع عَن عزمه ثمَّ راسل الشريف أَبَا نمي بالمراسيل والهدايا وَالْكَلَام اللين حَتَّى زَالَت الوحشة بَينهمَا وَأقرهُ على إمرة مَكَّة وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقع بَين الشريف أبي نمي وَبَين الْحَاج فتْنَة عِنْد الثَّنية أَعنِي الشبيكة وانْتهى الْأَمر إِلَى أَن دخلُوا الْحرم ورؤي فِي الْحرم الشريف أَكثر من عشرَة آلَاف سيف وَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ فَوق أَرْبَعِينَ نفسا وَقتل ولد السَّيِّد أَحْمد بن عَليّ بن قَتَادَة وَأُصِيب بِسَهْم وَأما الْجَرْحى فكثيرون ونهبت أَمْوَال النَّاس وَفِي موسم إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَقعت بِعَرَفَة جفلة عَظِيمَة وَلزِمَ رَاجِح بن إِدْرِيس أَمِير الينبع ثمَّ عزموا بِهِ إِلَى مصر وَسلم الله الْمُسلمين وَكَانَت الوقفة بالثلاثاء وتعبت النَّاس من قلَّة المَاء فبيعت الراوية بأَرْبعَة دَنَانِير ورحل الْحَاج قبل وقته الْمُعْتَاد وَاسْتمرّ إِلَى أَن أخرجه جماز مِنْهَا ثمَّ وَليهَا جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة وغانم بن إِدْرِيس بن حسن بن قَتَادَة أَمِير الينبع الْمُبَارك وَأَخْرَجَا أَبَا نمي الْمَذْكُور مِنْهَا فِي صفر من سنة 690 تسعين وسِتمِائَة ثمَّ عَاد أَبُو نمي بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا وأخرجهما مِنْهَا ثمَّ وَليهَا جماز بن شيحة بمفرده عَام سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة بمعاونة أَمِير يُقَال لَهُ الحكاحكي كَانَ بِمَكَّة من قبل الْملك الْمَنْصُور قلاوون صَاحب مصر وَالشَّام وخطب لجماز بِمَكَّة المشرفة وَضربت السكه باسمه فِيهَا وَبَطل ذَلِك بعد مُدَّة يسيرَة من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ عَاد أَبُو نمي وَتفرد بهَا ودامت ولَايَته عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ عَام إِحْدَى وَسَبْعمائة فَقبل مَوته بيومين ولى ولديه حميضة ورميثة أَمر مَكَّة كَمَا سَيَأْتِي ولنذكر طرفا من محامده فَنَقُول ولى أَبُو نمي مُحَمَّد هَذَا مَكَّة نَحْو خمسين سنة مشاركاً لِأَبِيهِ وَعَمه ومنفرداً أما مشاركته لِأَبِيهِ فَكَانَت أَيَّام صباه وسنه سبع عشرَة سنة وَكَانَ يكنى أَبَا مهْدي ويلقب بِنَجْم الدّين وَسبب مشاركته لِأَبِيهِ أَبى سعد الْحسن ابْن عَليّ بن قَتَادَة أَن راجحاً بن قَتَادَة عَم وَالِده أبي سعد استنجد أَخْوَاله بني حُسَيْن بِالْمَدِينَةِ وَطلب مِنْهُم الْإِعَانَة على إِخْرَاج ابْن أَخِيه أبي سعد الْحسن بن عَليّ الْمَذْكُور وَالِد أبي نمي الْمَذْكُور من مَكَّة وَأَخذهَا مِنْهُ فَسَار مَعَه من الْمَدِينَة سَبْعمِائة فَارس من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 بني حُسَيْن وجماعتهم وَعَلَيْهِم الْأَمِير عِيسَى الملقب بالحرون فَارس بني حُسَيْن فِي زَمَانه وَكَانَ أَبُو نمي فِي الينبع فَلَمَّا بلغه خبر رَاجِح وَخُرُوجه ببني حُسَيْن مَعَه من الْمَدِينَة إِلَى قتال أَبِيه وإخراجه من مَكَّة قصد مَكَّة لنصرة أَبِيه فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا فصادف راجحاً وَعِيسَى وجماعتهم سائرين إِلَى مَكَّة لَيْسَ لَهُم خبر فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ حمل أَبُو نمي عَلَيْهِم فَمَا حملوه لَحْظَة حَتَّى ولوا هاربين إِلَى الْمَدِينَة وانتشرت عِمَامَة عِيسَى الحرون وَذهب يجرها خَلفه فَقَالَ السَّيِّد جَعْفَر الحسينى النسابة وَهُوَ لِسَان بني حسن بالعراق قصيدة يذكر فِيهَا الْوَاقِعَة ويمدح أَبَا نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الْمَذْكُور مِنْهَا // (من الوافر) // (أَلَمْ يَبْلُغْكَ شَأْنُ بَنِى حُسَيْنٍ ... وَفَرّهمُ وَمَا فَعَلَ الحَرُونُ) (فَيَا لله فِعْلُ أبي نُمَيِّ ... وبعضُ البَأْسِ يُشْبِهُهُ الجُنُونُ) (يَصُولُ بِأرْبَعِينَ عَلَى مِئَاتٍ ... وَكَمْ مِنْ كَثْرَةٍ ظَلَّتْ تَهُونُ) وَكَانَ إِذْ ذَاك عمره سبع عشرَة سنة ثمَّ دخل مَكَّة مَسْرُورا منصورَاً فقابله أَبوهُ بالإعزاز وَالْإِكْرَام وأشركه مَعَه فِي الْملك من حِينَئِذٍ ثمَّ شَاركهُ عَمه إِدْرِيس إِلَى آخر مَا تقدم وَكَانَت لَهُ شجاعة مَشْهُورَة وخصال حميدة مَذْكُورَة قَالَ وَلَده حميضة كَانَت لأبي خمس خِصَال الْعِزّ وَالْكَرم والحلم والشجاعة وَالشعر من شعره مدحاً فِي الْمَنْصُور لاجين ملك مصر لما تسلطن بعد كتبغا سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأرْسل بهَا إِلَيْهِ وَهِي // (من الطَّوِيل) // (أَمَا وتعادى المُقْرَبَاتِ الشَّوَازِبِ ... بفُرْسَانها فِي ضِيقِ ضَنْكِ المَقَانِبِ) (وبِالجَحُفَلِ الجَرَّارِ أَفْرَطَ جَمْعُهُ ... كَأَسْرَابِ كُدْرِى أَو سَوَارِ قَوَارِبِ) (وبِالزَّرَدِ الموضونِ ضمَّتْ غُضُونُهُ ... عَلَى كلِّ مَاضِى العَزْمِ حَتْف المحَارِبِ) (وبالبَيْض والبِيضِ الرِّقَاقِ أَليَّة ... لِنَثْر عِدَاتِى حَلْفَة غَيْر كاذبِ) (لقد نُصِرَ الإسلامُ بالمَلِكِ الذِي ... رقَى فِي سَمَاءِ الْمجد أَعْلَى المراتبِ) (حُسَامُ الهدَى والدينِ مَنْصُورٌ الذِي ... تَرَعْرَعَ مِنْ شُمِّ المُلُوكِ أيّ الشنَاخِبِ) (مُلُوك جِهَاتِ الأَرضِ تَعنُو لِقَهرِه ... فَمَرهُوبُهاً مِنْ سَيفِهِ أَي رَاهِبِ) (تَفَرَّدَ بالمْلكِ العَظِيمِ فَلَمْ يَزَلْ ... لَهُ خَاضِعاً صِيدُ الملوكِ الأغالِبِ) (مضَى كتبُغا خَوْفَ الحِمَام وَقد أتَتْ ... إِلَيْهِ أُسُودُ الخَيْلِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 (وأَحْيَيْتَهُ بالعَفْوِ مِنكَ وزِدْتَهُ ... لِبَاسَ أَمَانٍ مِنْ عِقَابِ العَوَاقِبِ) (وأَحَرزْتَ مُلْكَ الأرضِ بالسَّيْفِ عَنْوَةً ... وَعبدتَّ مَنْ فِي شَرْقِها والمغَاربِ) (تَوَلَّيْتَ هَذَا الأَمْرَ فِي خَيْرِ طَالِعٍ ... لأَسْعَدِ نَجْمٍ للسَّعَادةِ ثَاقِبِ) قلت وَالله إِنَّهَا لقصيدة فصيحة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى صَحِيحَة وَمَا أحسن بَيتهَا الثَّانِي وتشبيهه البديع الْمعَانِي وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المشرفة رَابِع شهر صفر سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة بِتَقْدِيم السِّين وَقد أناف على السّبْعين وَوَقعت لَهُ كَرَامَة بعد مَوته ذكرهَا الْعَلامَة تَقِيّ الدّين الفاسي قَالَ لما مَاتَ أَبُو نمي مُحَمَّد بن أبي الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة امْتنع الشَّيْخ عفيف الدّين الدلاصي من الصَّلَاة عَلَيْهِ فَرَأى فِي مَنَامه تِلْكَ اللَّيْلَة السيدة فَاطِمَة ابْنة رَسُول الله وعَلى أَبِيهَا وَعَلَيْهَا وذويها بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهَا فجَاء الشَّيْخ ليسلم عَلَيْهَا فَأَعْرَضت عَنهُ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ إِنَّه تحامل وسألها عَن سَبَب إعراضها عَنهُ فَقَالَت يَمُوت وَلَدي وَلم تصَل عَلَيْهِ فَاعْتَذر مِنْهَا وَتَابَ عَن مثل ذَلِك واعترف بالْخَطَأ وَله من الْوَلَد ثَلَاثُونَ ذكرا واثنتا عشرَة أُنْثَى مِنْهُم زيد الْأَكْبَر وَزيد الْأَصْغَر وَأَبُو الْغَيْث وشميلة وعطيفة ورميثة وَسيف وَأسد ومقبل وحميضة وَعبد الله ثمَّ وَليهَا بعد أبي نمي ولداه حميضة يلقب معز الدّين ورميثة يلقب أَسد الدّين فِي حَيَاته ودعي لَهما على زَمْزَم قبل وَفَاته بيومين فِي السّنة الْمَذْكُورَة سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ شَرِيكَيْنِ فِي الإمرة فَلَمَّا وصل الْحَاج وصل صحبته ثَلَاثُونَ أَمِيرا فجَاء إِلَيْهِم أَبُو الْغَيْث وعطيفة وَشَكوا إِلَيْهِم من حميضة ورميثة أَنَّهُمَا أسراهما وربطاهما واستبد بالإمرة دونهمَا وأنهما أَحَق مِنْهُمَا فَمَال الْأُمَرَاء إِلَيْهِمَا فَلَمَّا انْقَضى الْمَوْسِم أمسك الْأُمَرَاء رميثة وحميضة وأوثقوهما فِي الْحَدِيد وَذهب بهم إِلَى مصر وولوا أَبَا الْغَيْث وأخاه عطيفة فأقاما إِلَى عَام ثَلَاث وَسَبْعمائة ثمَّ عَاد كل من حميضة ورميثة إِلَى إمرة مَكَّة المشرفة عَام أَربع وَسَبْعمائة وأظهرا عدلا وأسقطا بعض المكوس ثمَّ ساءت سيرتهما فَبعث الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن الْملك الْمَنْصُور قلاوون من يقبض عَلَيْهِمَا فانهزما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 ثمَّ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة حج النَّاصِر ففرا مِنْهُ ثمَّ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة وصل عَسْكَر من صَاحب مصر الْمَذْكُور نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وأمدهم صَاحب الْمَدِينَة بِخَمْسِمِائَة فَارس وَوصل مَعَهم أَبُو الْغَيْث فَلَمَّا سمع بهم رميثة وحميضة خرجا إِلَى حلى بن يَعْقُوب ثمَّ وَليهَا أَبُو الْغَيْث بمفرده فعزلهما بأخيهما أبي الْغَيْث مُنْفَردا وجهز مَعَه عسكراً قَوِيا فاستولى على مَكَّة أَيَّام الْمَوْسِم من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ أَقَامَ الْعَسْكَر عِنْد أبي الْغَيْث شَهْرَيْن وَكَانَت مَكَّة مقحطة جدا فتعب الْجند من الغلاء وضجر أَبُو الْغَيْث من النَّفَقَة عَلَيْهِم فَكتب لَهُم خطة بالاستغناء عَنْهُم ففارقوه فَلم يلبث بعدهمْ سوى جُمُعَة حَتَّى قَصده أَخُوهُ حميضة فقاتله فَانْهَزَمَ أَبُو الْغَيْث وَقتل من أَصْحَابه جمَاعَة وفر هُوَ إِلَى أَخْوَاله هُذَيْل بوادي نَخْلَة وَأرْسل حميضة إِلَى الْملك النَّاصِر يستعطفه فَلم يرض عَنهُ وَأرْسل أَبُو الْغَيْث يستنصره فوعده بالنصر ثمَّ التقى الأخوان فِي رَابِع ذِي الْحجَّة عَام أَربع عشرَة وَسَبْعمائة فغلب حميضة أَخَاهُ أَبَا الْغَيْث فَأسرهُ ثمَّ أَمر بعد ذَلِك بعض عبيده بقتْله فَقتله بخيف بني شَدِيد ذبحا بِحَضْرَة النَّاس فهالهم ذَلِك قَالَ فِي عُمْدَة الطَّالِب إِن حميضة قتل أَخَاهُ أَبَا الْغَيْث على فرَاشه وَحمله إِلَى دَاره ثمَّ استدعى إخواته للضيافة فَاجْتمعُوا فَمَا راعهم أَلا أَبُو الْغَيْث مقتولاً فِي جَفْنَة مسلوقاً كَمَا هُوَ وَقد وضع بَين أَيْديهم وعَلى رَأس كل وَاحِد مِنْهُم غلامان أسودان من غلْمَان حميضة مَعَهم السِّلَاح فأذعنوا لَهُ بِالْملكِ قهرا ودامت لَهُ الْولَايَة على مَكَّة حَتَّى فَارقهَا فِي رَمَضَان سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة لما سمع بوصول أَخِيه رميثة ثمَّ وَليهَا رميثة مُنْفَردا مُتَوَلِّيًا إمرة مَكَّة المشرفة فِي عَسْكَر مَعَه من مصر وَذَلِكَ فِي سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة فَلَمَّا سمع حميضة فزع لذَلِك وَقبل وصولهم إِلَى مَكَّة بِسِتَّة أَيَّام أَخذ المَال من النَّقْد والبز وَهُوَ مائَة حمل وأحرق الْبَاقِي فِي الْحصن الَّذِي فِي الجديدة من وَادي مر وَقطع ألفي نَخْلَة وَكَانَ وُصُول الْعَسْكَر صُحْبَة الشريف رميثة إِلَى مَكَّة يَوْم السبت منتصف رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فأقاموا بهَا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا ثمَّ توجهوا جَمِيعًا إِلَى الحليف وَهُوَ حصن بَينه وَبَين مَكَّة سِتَّة أَيَّام كَانَ حميضة بعد فعل مَا فعله التجأ إِلَى صَاحبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 وصاهره لَعَلَّه يحتمى بِهِ فواقع الْعَسْكَر حميضة وَصَاحب الْحصن وَأخذُوا جَمِيع أَمْوَال حميضة وخزانته وَنهب الْحصن وأحرق وَأسر ولد حميضة ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَسلم إِلَى عَمه رميثة ثمَّ رَجَعَ الْجَيْش إِلَى مَكَّة فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة واستمروا إِلَى أَن حضر الْموقف وَرَجَعُوا وَاسْتمرّ رميثة بِمَكَّة وَنَجَا حميضة بِنَفسِهِ فقصده أَخُوهُ الشريف رميثة والعسكر فحاربوه فهرب حميضة ثمَّ احتال عَلَيْهِ النَّاصِر ملك مصر واعتقله ثمَّ احتال فِي الْهَرَب وَذَلِكَ أَنه أَمر بعض غلمانه الْخَاصَّة أَن يهيىء لَهُ فرسا سَابِقًا ليهرب عَلَيْهِ فَلَمَّا تمم لَهُ ذَلِك حضر الْغُلَام إِلَى بَاب السجْن وَالْفرس مَعَه فأوقفه نَاحيَة ثمَّ دخل إِلَى سَيّده ثمَّ لبس السَّيِّد لِبَاس الْغُلَام والغلام لِبَاس السَّيِّد فَلَمَّا خرج على الموكلين لم يشكوا أَنه الْغُلَام فهرب على فرسه وَقصد الْعرَاق واستنصر بِملكه خدابنده بن أرغون بن ابغا بن هولاكو ملك التتار وَطلب مِنْهُ جَيْشًا يَغْزُو بِهِ مَكَّة فَجهز مَعَه جَيْشًا عدتهمْ عشرَة آلَاف فَارس وَأمر عَلَيْهِم السَّيِّد أَبَا طَالب الدلقندي وَأمرهمْ بِطَاعَة حميضة فَسَارُوا إِلَى الْبَصْرَة وَمِنْهَا إِلَى القطيف طَالِبين أَطْرَاف الشَّام وَأرْسل حميضة إِلَى أُمَرَاء الْعَرَب من كل نَاحيَة فَأَجَابُوهُ والتجئوا إِلَى أُمَرَاء طيىء بالبادية فَقدر الله موت السُّلْطَان خدابنده وَكتب الْوَزير رشيد الدّين الطَّبِيب إِلَى عَسْكَر المغول بالْخبر فَلم يدبروا واشتهر الْخَبَر فطمع الْعَرَب فِي عَسْكَر المغول وَنَكَثُوا الْعَهْد وثاروا وأوقدوا نَار الْحَرْب فحارب حميضة بِنَفسِهِ ودافع عَن عَسْكَر المغول دفاعاً شَدِيدا بِحَيْثُ إِن أَبَا طَالب قَالَ مَا زلت أسمع بحملات عَليّ بن أبي طَالب حَتَّى رَأَيْتهَا عيَانًا فِي حميضة بن أبي نمي وتسحب حميضة وَمَعَهُ أَبُو طَالب وَملك شاه وَمَعَهُمْ ثَلَاث وَعِشْرُونَ رَاحِلَة إِلَى أَن قرب إِلَى مَكَّة وَكتب إِلَى أَخِيه رميثة يَسْتَأْذِنهُ فِي دُخُول مَكَّة فَمَنعه أَلا بِإِذن سُلْطَان مصر وَأرْسل إِلَى مصر يسْتَأْذن لَهُ وَإِن حميضة لم يكن مَعَه أَلا فرس وَاحِد فَكتب السُّلْطَان جَوَابا لرميثة إِن حضر حميضة إِلَى الديار المصرية على عزم الْإِقَامَة بهَا قابله السُّلْطَان بالأمان وسامحه من ذنُوبه السالفة وَأما الْحجاز فَلَا يُقيم بِهِ وَكتب إِلَى أبي طَالب الدلقندي وَملك شاه بالأمان وَأرْسل عدَّة أُمَرَاء إِلَى مَكَّة لإحضار حميضة وَلَو حضر من التتار فوصلوا إِلَى مَكَّة وَأَرْسلُوا إِلَى حميضة فِي معاودة الطَّاعَة وَأَن يتَوَجَّه مَعَهم إِلَى الْأَبْوَاب فَاعْتَذر بِالْعدمِ وَطلب مَا يَسْتَعِين بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 فَأَعْطوهُ فَلَمَّا قبض المَال تغيب فعادوا إِلَى الْقَاهِرَة فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة من سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة فَلَمَّا كَانَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة أَو فِي أَوَاخِر السّنة الَّتِي قبلهَا وثب على أَخِيه رميثة وَاسْتولى على مَكَّة فَخرج مِنْهَا أَخُوهُ رميثة إِلَى نَخْلَة فَقطع حميضة الْخطْبَة عَن النَّاصِر وخطب لأبي سعيد بن خدابنده ملك التتار فانزعج النَّاصِر لذَلِك وَأرْسل عسكراً لإحضار حميضة بِسَبَب مَا فعل فى مَكَّة من خطبَته لصَاحب الْعرَاق خدابنده وَأَخذه أَمْوَال التُّجَّار ومحاربته أَخَاهُ رميثة وإخراجه إِيَّاه من مَكَّة وَقد كَانَ فعل ذَلِك كُله فَلَمَّا بلغه فر من مَكَّة فَلَمَّا دَخلهَا عَسْكَر النَّاصِر وَمنعُوا العبيد من حمل السِّلَاح وَنَادَوْا بالأمان وأظهروا الْعدْل فأرسلوا فِي طلب حميضة فَإِن السُّلْطَان ألزمهم بتحصيله وَحمله إِلَى مصر وَألا يعودوا إِلَى الديار المصرية أَلا بحميضة وَأَرْسلُوا إِلَى الْعَسْكَر أَمِيرا يُقَال لَهُ بهادر الإبراهيمي كَانَ من أهل يَنْبع فَلَمَّا وصلوا توجه الإبراهيمي لمحاربة حميضة وتقاربا فَلم يقدم الإبراهيمي على مواجهته وفر حميضة فَاقْتضى رَأْي الْعَسْكَر أَن يلزموا رميثة والإبراهيمي باتهامهما أَنَّهُمَا بَاطِنا على حميضة حَتَّى فر وَكَانَ الْقَبْض عَلَيْهِمَا رَابِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام بعد انْقِضَاء أَيَّام التَّشْرِيق وَأَرْسلُوا بهما تَحت الاحتفاظ إِلَى مصر فَلَمَّا وصلا مصر رسم على الشريف رميثة ثمَّ شفع فِيهِ فَأكْرمه السُّلْطَان ورتب لَهُ كل يَوْم شريحتين ذَهَبا وَكَانَ يطلع إِلَى الدِّيوَان إِلَى يَوْم من الْأَيَّام خرج إِلَى أَطْرَاف مصر وَكَانَ قد هيئت لَهُ النجب فَركب وفر فَلَمَّا علم السُّلْطَان بِهِ أرسل فِي إثره وألزم بعض مَشَايِخ الْعَرَب وَكتب إِلَى شيخ آل حَرْب يَقُول لَهُ هَذَا هرب إِلَى بلادك مُعْتَمدًا عَلَيْك وَلَا أعرفهُ أَلا مِنْك وَإِن لم تأتني بِهِ فَأَنت خصمي فَأَنت الَّذِي أعنته على الْخُرُوج فَركب شيخ آل حَرْب بالهجن السَّبق وَسَار مجداً حَتَّى أدْرك الشريف رميثة تَحت الْعقبَة وَقد اطْمَأَن فَنَامَ فَجَلَسَ عِنْد رَأسه وَقَالَ لَهُ قُم يَا أسود الْوَجْه فَقَالَ لَهُ الشريف رميثة صدقت لَو لم أكن أسود الْوَجْه مانمت حَتَّى أدركتني فَلَزِمَهُ وَدخل بِهِ إِلَى مصر فَوضع فِي السجْن الْكَبِير واحتفظ عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ فِي شهر جُمَادَى الأولى سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة وَتوجه إِلَى مَكَّة وَكَانَ أمرهَا لِأَخِيهِ عطيفة الْآتِي ذكره على الْفَوْر وولوا على مَكَّة الشريف عطيفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 ثمَّ وَليهَا الشريف عطيفة بن أبي نمي من الْملك النَّاصِر وأنفذ مَعَه عسكراً فبلغوها سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة وَعَلَيْهِم أميران وَأَقَامُوا عِنْده ثمَّ توجه الأميران اللَّذَان كَانَا بِمَكَّة الْعَام الماضى وَكتب الشريف عطيفة أَن القواد أَطَاعَته وَأَن الشريف حميضة عزم الْيمن وتفرق عَنهُ العربان وَبَنُو شُعَيْب الَّذين كَانُوا مَعَه جنده ورخصت الْبِلَاد وَأمنت النَّاس على أَمْوَالهم وَدِمَائِهِمْ فَلَمَّا بلغ الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب مصر ذَلِك خرج إِلَى الْحَج تَاسِع ذِي الْقعدَة بعد الْحَاج وَوصل إِلَى مَكَّة بتواضع وانكسار وذل بِحَيْثُ إِن بعض النَّاس حسن لَهُ الطّواف رَاكِبًا كَمَا فعله فَقَالَ وَمن أَنا حَتَّى أتشبه بالنبى وَالله مَا أَطُوف أَلا مَعَ الْحجَّاج فَكَانُوا يدْفَعُونَ عَنهُ النَّاس وَهُوَ يَنْضَم إِلَيْهِم يَقُول لعَلي أقبل برحمة وَاحِد مِنْهُم وَأبْدى من الْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان وَالْخَيْر فِي الْحَرَمَيْنِ مَا لَا يُوصف وَسَأَلَهُ التُّجَّار وَأهل مَكَّة أَن يبْقى عِنْدهم عسكراً لِئَلَّا يرجع إِلَيْهِم حميضة فَفعل وَاتفقَ ذَلِك الْعَام أَن شخصا من أكَابِر خدام الدولة طلع إِلَى الْبَيْت ليباشر فِي الْكسْوَة وَجلسَ على طُنفِ الْبَيْت الشريف فَأنْكر النَّاس جُلُوسه وَعدم أدبه فَأَخذه النعاس فَسقط من أَعلَى الْبَيْت إِلَى المطاف فَكَانَ أعظم عِبْرَة لمن اعْتبر وعزم السُّلْطَان إِلَى مصر فَقدم حميضة من الْيمن بِجَيْش سنة عشْرين وَسَبْعمائة فَأَرَادَ دُخُول مَكَّة فَلم يظفر وانتصر عَلَيْهِ عطيفة وَمن مَعَه من الْعَسْكَر المقيمين بِمَكَّة الَّذين أبقاهم النَّاصِر فَلَمَّا ولى هَارِبا خرج مَعَه ثَلَاثَة من المماليك وَأَقَامُوا عِنْده وَكَانَ بِمَكَّة أَمِير الْعَسْكَر يُسمى بيبرس الْحَاجِب أرسل إِلَى الشريف حميضة يرغبه فى مَكَّة وَالصُّلْح وَالْحلف وَكَانَ الشريف حميضة بِقرب نَخْلَة فَقَالَ لَهُ الشريف حميضة أرسل إِلَى أحد أولادك يكون عِنْدِي رهينة فَأرْسل إِلَيْهِ الْأَمِير بهدية صُحْبَة وَلَده وَجَمَاعَة فَفِي حَال خُرُوجهمْ إِلَيْهِ جَاءَ الْخَبَر بِمَوْت الشريف حميضة وَأَنه وثب عَلَيْهِ بعض مماليكه وَهُوَ نَائِم فَقتله جَاءَ بِهَذَا الْخَبَر رجل من الْأَعْرَاب فَأنْكر الْأَمِير وُقُوع ذَلِك وَظن أَن ذَلِك مكيدة فتوقف عَن إرْسَال وَلَده والهدية فَلَمَّا كَانَ الْمسَاء طرق بَاب المعلاة بِمَكَّة فَفتح فَإِذا مَمْلُوك اسْمه استدمر وَهُوَ على حجرَة حميضة وصل إِلَى مَكَّة فَأرْسل الْأَمِير ولديه نَاصِر الدّين مُحَمَّد وشهاب الدّين أَحْمد إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بِهَذَا الْخَبَر وجهز من توجه لإحضار سلب حميضة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 والمملوكين الباقيين فأحضر السَّلب وَأحد المملوكين وَقيل إِن الثَّالِث مَاتَ فألزم صَاحب نَخْلَة بإحضاره وتوعده إِن تَأَخّر فَأحْضرهُ وَاسْتمرّ الْأَمِير بيبرس إِلَى أَن عَاد الْجَواب بِطَلَبِهِ فَتوجه فِي شعْبَان وَوصل إِلَى مصر أَوَائِل رَمَضَان فشمله الإنعام السلطاني وَكَانَ مَعَ الشريف حميضة هَذِه المهرة عزيزة اسْمهَا جُمُعَة طلبَهَا مِنْهُ السُّلْطَان فِي السَّابِق فَلم يسمح لَهُ بهَا وَلما وصل الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان أَمر بقتل الْمَمْلُوك الْقَاتِل وَهُوَ أحد مماليك ثَلَاثَة للسُّلْطَان هربوا لما كَانَ بِمَكَّة لِلْحَجِّ ووصلوا إِلَى حميضة اسْمه استدمر أخبر أَنه قتل حميضة اغتاله وَهُوَ نَائِم وفر على حجرَة حميضهْ الْمُسَمَّاة جُمُعَة الْمَشْهُورَة ثمَّ جرد سَيْفه وَإِذا بِهِ أثر الدَّم وَكَانَ ذَلِك فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشْرين وَسَبْعمائة وَذكر اليافعي أَن حميضة كَانَ يَقُول لأبي خمس فَضَائِل الشجَاعَة وَالْكَرم والحلم وَالشعر والسعادة فالشجاعة لعطيفة وَالْكَرم لأبي الْغَيْث والحلم لرميثة والسعادة لي حَتَّى لَو قصدت جبلا لدهكته وَمِمَّا قيل فِي حميضة قَول موفق الدّين الحديدى قصيدة هِيَ // (من الْخَفِيف) // (قَدَحَ الوَجْدُ فِي فُؤَادِى زِنَادا ... مَنَعَ الجَفْنَ أنْ يَذُوقَ الرُّقَادَا) (وفُؤَادُ الشَّجِيِّ يَوْمِ الْآل ... سَاقهُ سَائِقُ الظُّعُونِ وَقَادَا) (بَدِّلينى بِالوَصْلِ هَجْراً وبالزوْرَة ... ِ صَدًّا وبالتَّدَانِى بِعَادَا) (يَا مُعِيدَ الحَديثِ عُدْنِيهِ عَنْهُمْ ... مَا أَلَذَّ الَحدِيثَ عَنْهُم مُعَادا) (هاتِ بِاللَّه يَا مُحَدِّثُ حَدِّثْ ... بِجِيَادٍ جَاد الغَمَامُ جِيَادا) (بَلَدًا بِالشَّرِيفِ شَرَّفَهُ الله ... بِقَاعًا شيحَانُهُ وَوِهَادا) (مَلِكٌ مِنْ قَتَاَدة مَلأَ الأَرْضَ ... نِصَالاً مَحْشُودَةً وصِعَادا) (إِن أكُنْ فِي حميضَةٍ زِدتُّ فى الْمَدْحِ ... فَقَدْ زَادَ فِى نَوَالِى وَزَادَا) (رَجُلٌ سَالَمَ المسالِمَ فِي الله ... ِ وفِى اللهِ للمُعَادِينَ عَادَى) (عَادَ أبْدَى أوْلَى فَوَالَى تَعَالَى ... عَزَّ أَعْطَى سَطَا أَفَادَ أَبَادَا) (جَادَ أغْنَى عَلاَ سَمَا جَلَّ جَلَّى ... ظُلَمَ الظُّلْمِ عَدْلُهُ سَارَ سَادَا) (حَسَنُ السَّمْتِ لَيْسَ يَحْسُنُ أَنْ تَسْمَعَ ... إِلاَّ فِي مِثْلِهِ الإنْشَادَا) (إِبْنِ بِنْتِ النَّبيِّ لَمَ يَجْعَلِ اللهُ ... سِوَاكُمْ لأرْضِهِ أَوْتَادَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 (يَا رِكَابَ الآمَالِ ويحَكِ بالنُّجْحِ ... بحصنِ الجَدِيدِ أُمِّى نِجَادا) (يَا جَوَادَ الزَّمَانِ مَا زُرْتَ مَعْنَاهُ ... ابْتُ مِنْ عَنْدِهِ أَقُودُ جَوادَا) (كُلُّ شِعْرٍ أَتَاكُمُ غَيْرُ شِعْرِي ... يَا أَبا زيد لَيْسَ يَسْوَى المِدَادَا) وَقَالَ فِي الْعُمْدَة إِن السُّلْطَان النَّاصِر هُوَ الَّذِي دس عَلَيْهِ من قَتله غيلَة وَالله أعلم بالحقائق ثمَّ إِن السُّلْطَان أطلق الشريف رميثة حِينَئِذٍ من السجْن وَأحسن إِلَيْهِ وأشركه فِي إمرة مَكَّة مَعَ أَخِيه عطيفة وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَت سنة قحط لعدم الأمطار وَعدم الْوَاصِل من الْبَحْر فَتوجه الشريف عطيفة إِلَى مصر وشكا ذَلِك فرسم السُّلْطَان بِحمْل الْحبّ إِلَيْهَا ورتب لصَاحب مَكَّة كل عَام شَيْئا يحمل إِلَيْهِ من بلدين بالصعيد وألزمه أَن يسْقط المكوس الَّتِي تُؤْخَذ من مَكَّة على المأكولات الَّتِي تجلب إِلَيْهَا فَفعل ذَلِك وَفِي موسم سنة 730 ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة اتّفق أَن أهل الْعرَاق جَاءُوا بفيل عَظِيم جعلُوا محملهم عَلَيْهِ فتطير الْعَالم مِنْهُ وَقَالُوا هَذَا عَام الْفِيل ثمَّ دخلُوا بِهِ مَكَّة ووقفوا بِهِ بِعَرَفَة ثمَّ توجهوا بِهِ إِلَى الْمَدِينَة المشرفة فَلَمَّا وصلوا الفريش وَقدمُوا على الْبَيْدَاء أوقفهُ الله فَلم يسْتَطع الْمَشْي فضربوه ضربا مبرحاً فَلم يبرح فَلم يزَالُوا يضربونه حَتَّى مَاتَ هُنَالك وَقدر الله بعد إتْمَام الْحَج بِمَكَّة أَن سَافر أَمِير أول وَتَأَخر أَمِير الْمحمل الْمصْرِيّ الْمُسَمّى أزدمر الخازندار تَأَخّر لصَلَاة الْجُمُعَة فَلَمَّا صعد الْخَطِيب الْمِنْبَر عَبث بعض العبيد بخطف شَيْء من أَمْتعَة الْحجَّاج بِبَاب إِبْرَاهِيم فصرخت النَّاس فارتج الْمَسْجِد فَفَزعَ السَّيِّد مبارك بن عطيفة وفواده بِآلَة الْحَرْب وركبوا الْخَيل وتبعهم الشريف عطيفة فبادر ولد أَمِير الْحَاج لتخميد الْفِتْنَة فأصابته حَرْبَة فَفَزعَ وَالِده أَمِير الْحَاج أزدمر وهم بقتل الضَّارِب فأصابته حَرْبَة أُخْرَى فماتا جَمِيعًا فَاشْتَدَّ الْأَمر وَعظم وهجم بِالْخَيْلِ إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ونهبت الْأَسْوَاق وتعب الشريف عطيفة وتحير فِي أمره وَلم يسْتَطع ردهم وَلَا قهرهم وَكَانَ حَتَّى الْحَاج نَفسه ينهب بعضه بَعْضًا فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك أَمر بقتل الْأَشْرَاف وَقطع الْأَشْجَار من وادى نَخْلَة والأودية وَأجلى نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وجهز عسكراً وَأمرهمْ أَن يقيموا بِمَكَّة وَلَا يرتحلوا حَتَّى يقضوا حَاجته فِي الْمَأْمُور فيهم بذلك وَكَانَ شخص من أهل الْعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 يُسمى قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي واعظاً فَقَامَ وَوعظ السُّلْطَان وَنَهَاهُ أَن يحدث فِي حرم الله أَو أَبنَاء رَسُول الله وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا الرَّأْي أَن ترضيهم وتأخذهم بالطيب فَأرْسل إِلَيْهِم بعض الْأُمَرَاء بِدُونِ مَا كَانَ جهزه ونواه وعزل الشريف عطيفة لأَنهم اتَّهَمُوهُ بقتل الْأَمِير أزدمر الخازندار الْمَذْكُور بعد أَن دَامَ سُلْطَانه عَلَيْهَا إِلَى سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَرَضي عَن الشريف رميثة وَأَعَادَهُ لولاية مَكَّة فوليها رميثة بمفرده وولاه إمرتها مُفردا مُسْتقِلّا إِلَى عَام أَربع وَثَلَاثِينَ وَمضى عطيفة إِلَى مصر بعد عَزله وَوصل مُتَوَلِّيًا لإمرة مَكَّة شَرِيكا لرميثة ثمَّ أخرجه رميثة لَيْلَة رحيل الْحَاج من مَكَّة من هَذِه السّنة ثمَّ اشْتَركَا فِي ذِي الْحجَّة من سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ فِي رَمَضَان من سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ هجم رميثة مَكَّة وَخرج مِنْهَا بعد قتل وزيره الرباع وَبَعض أَصْحَابه وَعَاد إِلَى الجديدة ثمَّ اصطلحا واشتركا فِي الإمرة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وتوجها إِلَى مصر للْملك النَّاصِر مطلوبين فعوق عطيفة فِيهَا وَلزِمَ حَتَّى مَاتَ بهَا فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين بالقبيبات ظَاهر الْقَاهِرَة وَدفن هُنَاكَ وَكَانَ مَوْصُوفا بشجاعة مفرطة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول الْعَلامَة شرف الدّين يحيى الْمَعْرُوف بالقشر المكى قصيدة مِنْهَا // (من الْكَامِل) // (تَجرِى مَقَادِيرُ الْإِلَه بمَا تَشَا ... والدَّهْرُ قَدْ ألْقى إليكَ زِمَامُهُ) (أللهُ أَعْطاكَ الذِى أَمَّلْتَهُ ... فَدَعِ الحَسُودَ تُمِيتُه أَوْهَامُهُ) (مَا للسُّكُوتِ إفَادةٌ عَنْ كلِّ مَنْ ... أَمدَتْ بِه بَيْنَ الوَرَى أَجْرَامُهُ) (هَا قَدْ قَدَرْتَ فَلاَ تَكُنْ مُتَوَانيًا ... فَالأُفْعُوَانُ قَوِيَّةٌ أَسْمَامُهُ) (لاَ تَحْلمَنَّ عَنِ العَدُوِّ تَكَرُّمًا ... كَمْ سَيِّدٍ ضَرَّتْ بِهِ أَحْلاَمُهُ) (لاَ تَحْقرنَّ أَخَا العَدَاوة إِنَّهُ ... كَالجَمْرِ يُوشِكُ أَنْ يَضُرَّ ضِرامُهُ) (أَنْتَ المليكُ ابنُ المليكِ أصَاَلةً ... فَالجُودُ مِنْكُمْ وُفِّرَتْ أَقْسَامُهُ) (أَوَ مَا عَلِمْتَ بأنَّ فِيك فَصاحةٌ ... مَا حَازها قُسٌّ ولاَ أَقْوَامُهُ) (ليثٌ تَخَافُ الأُسْدُ مِنْ سَطَوَاتِهِ ... غيثٌ يَجُودُ عَلَى الأَنَامِ غَمَامُهُ) (مَنْ لَيْسَ مَشْغُولَ البَنَانِ عَن النَّدى ... يَوْماً إِذا شَغَلَ اليَمِينَ حُسَامُهُ) وَعَاد رميثة مُتَوَلِّيًا مُنْفَردا فوصل فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَلم يزل مُنْفَردا بهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 مُسْتقِلّا إِلَى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَمَا سَيَأْتِي وَوَقع فِي ولَايَة الشريف رميثة بن أبي نمي وَاقعَة وَهِي أَنه لثلاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَقعت فتْنَة بِعَرَفَة بَين الْحجَّاج المصريين وَبَين أهل مَكَّة من أهل مَكَّة من قبل الظّهْر إِلَى غرُوب الشَّمْس قتل فِيهَا جمَاعَة وَمن التّرْك سِتَّة عشر نَفرا وَمن أَتبَاع الْأَشْرَاف نَاس قَلِيل وَنَفر النَّاس من عَرَفَة قبل الْغُرُوب وسلكوا طَرِيق الْمظْلمَة وَلم يقعوا بِمُزْدَلِفَة ورحل الْحجَّاج جَمِيعهم يَوْم النَّفر ونزلوا الزَّاهِر وَلم يطوفوا خوفًا على أنفسهم وتعرف هَذِه السّنة عِنْد أهل مَكَّة بِسنة الظلمَة وَأُصِيب فى السّنة السَّيِّد مُحَمَّد بن عقبَة بن إِدْرِيس بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام ثمَّ فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَقع بَين أهل مَكَّة كَذَلِك وأمير الْحَاج حَرْب وَقتل جمَاعَة وَسلم الله الْأَشْرَاف وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَسلم الله الْحَج من النهب ببركة الشريف رميثة غير أَنه كَانَ غلاء عَظِيم بِيعَتْ الويبة الشّعير بدينارين والرطل البقسماط بِثَلَاثَة دَرَاهِم والويبة الدَّقِيق بِخَمْسِينَ درهما والإردب الْقَمْح بِمِائَتي دِرْهَم وَكَانَ الْحَاج الْمصْرِيّ والشامي كَبِيرا جدا وفيهَا أَعنِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة اشْترى الشريف عجلَان بن رميثة وَأَخُوهُ الشريف ثقبة بن رميثة اشتريا مَكَّة من أَبِيهِمَا رميثة بستين ألف دِرْهَم لِأَنَّهُ كبر سنا وَصَارَ أَوْلَاده كل مِنْهُم يحكم فِي الْبِلَاد بِمَا شَاءَ وَاخْتَارَ فَمَا رَضِي بذلك ملك مصر لما بلغه وَأرْسل إِلَى الشريف ثقبة وخدعه وَطَلَبه إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ بِمصْر حَبسه فَعِنْدَ مَا بلغ الشريف عجلَان حبس أَخِيه ثقبة أَخذ جلاب الْيمن جَمِيعًا فَكَانَ ذَلِك بعض أَسبَاب الغلاء وَأعَاد رميثة إِلَى إمرة مَكَّة فَعَاد وَاسْتمرّ إِلَى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فعزل عَنْهَا بِابْنِهِ عجلَان وَكَانَ الْملك الْكَامِل ولاه ذَلِك فِي مصر فوصل مَكَّة مُتَوَلِّيًا ودخلها فِي حَيَاة أَبِيه وَتُوفِّي وَالِده رميثة فِي النّصْف من شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ الشريف رميثة سيداً جَلِيلًا فَاضلا نبيلاً شَاعِرًا كَرِيمًا حازماً حَلِيمًا وَلما تغلب ابْنه أَحْمد على الْحلَّة وأعمالها من الْعرَاق كتب إِلَيْهِ أَبوهُ رميثة قصيدة يذكر فِيهَا شرف مَكَّة وفضائلها ويذم الْعرَاق وَأَهله فَلَمَّا قتل أَحْمد وصل الْخَبَر إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 أَبِيه فَقَالَ قد علمت مُنْذُ تعرض لبلاد المغول أَنه مقتول وَانْقطع الْحَاج عَن مَكَّة خوفًا من أَبِيه رميثة وَكَانَت وَفَاة رميثة يَوْم الْجُمُعَة الثَّامِن من ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَمَا تقدم وطيف بِهِ أسبوعاً كَمَا هِيَ عَادَة أسلافه وَذَلِكَ وَقت صَلَاة الْجُمُعَة والخطيب على الْمِنْبَر فَكف حَتَّى فرغوا من الطّواف بِهِ وَكَانَ ابْنه عجلَان يطوف مَعَ الجنارة ثمَّ جعله فِي مقَام الْخَلِيل على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم وَدفن بالمعلاة عِنْد قبر أم الْمُؤمنِينَ السيدة خَدِيجَة بنت خويلد زوج النبى كَانَت ولَايَته على مَكَّة سبع مَرَّات ومجموعها ثَلَاثُونَ سنة أَو أَكثر مُسْتقِلّا أَربع عشرَة سنة وَنصف سنة أَو أَزِيد وشريكاً لِأَخِيهِ حميضة فِي مرَّتَيْنِ مجموعهما نَحْو عشر سِنِين وشريكاً لِأَخِيهِ عطيفة سِتّ سِنِين أَو أَزِيد وَكَانَ يكنى أَسد الدّين ويلقب أَبَا عَرَادَة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد أَحْمد وَسَنَد وثقبة وعجلان ومغامس رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول موفق الدّين الحديدي من الْكَامِل (باللهِ هاتِ عَنِ اللَّوَى وطُلُولِهِ ... وعَنِ الغَضَا وجَلالِهِ وحُلُولِهِ) (أَطِلِ الحَديثَ فَإِنَّ تَقْصِيرَ الذِي ... يَلْقَى مِنَ التَّبْريحِ فى تَطْويلِهِ) (عَلِّلْ بِذكْرِ العَامِرِيَّةِ قَلْبَهُ ... فَشِفَاءُ عِلَّةِ ذَاكَ فِي تَعْلِيلِهِ) (وإذَا عَليِلُ الرِّيحِ أَهْدَى نَحْوَهُ ... نَشْرًا فَنَشْرُ عَلِيله بِعَليلِهِ) (رَشَأٌ رَنَا فَرَمَى فُؤَادَ مُحبِّهِ ... عَنْ قَوْسِ حَاجِبِه بِسَهْمِ كَحِيلِهِ) (وحَوى القُلُوبَ بِأَسْرِهَا فِى أَسْرِهِ ... وسَبَى البَهَا بِرَسيلِهِ وأسِيلِهِ) (وَبَيَاضِهِ وسَوَادهِ وقَويهِ ... وَضَعِيفِهِ وخَفِيفهِ وثَقِيلِهِ) (وتَفَيَّأَ الظِّلَّ الذِى ضَمِنَتْ لَهُ اْلأيَّامُ ... بَيْنَ مَبِيتِهِ ومَقِيلِهِ) (حَطَّ الرِّحَالَ بِمَكَّةٍ وأَقَامَ فِي ... حَرَمِ الخِلاَفةِ يَعْدَ طُولِ رَحِيلِهِ) (جَلَبَ المديحَ لمنجبِ بنِ مُحَمِّدِ إبْنِ ... نَبِيِّهِ ابْنِ وَصيِّه ابنِ بَتُولِهِ) وَمِنْهَا (واقرأ تحيَّتهُ البطين ومجد إِبْراهيمِهِ ... فِي صلْب إسماعيلِهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 (مَا بَيْنَ شبره وبَينَ شبيرِهِ ... شرفٌ يَطُولُ لِهَاشِمٍ وعَقِيلِهِ) (نَسَبٌ كَمُشْقِّ الشُّمُوسِ ومَفْخَر ... باعُ الكَوَاكِبَ قَاصِرٌ عَنْ طُولِهِ) (أَمَّا الفُرُوعُ فَلَيْس مِثْلَ فُرُوعِهِ ... وكَذَا الأُصُولُ فَلَيْسَ مِثْلَ أُصُولِهِ) (يَابْنَ المُظَلَّلِ بَالغَمَامَةِ والذِي ... قَدْ أُنْزِلَ القُرآنُ فِى تَفْضِيلِهِ) (مَاذا عَسَى مَدْحِى وَقَدْ نَزَلَ الثَّنَا ... فِيكُمْ مِنَ الرَّحْمنِ فِي تَنْزِيلِهِ) (فِى هَلْ أَتَاكَ وَهَلْ أَتَى وَحَدِيدِه ... حَقَّا وغَافِرِهِ وفِى تَنْزِيله) (قَالوا مَدَحْتَ رُمَيْثَةً فَأَجَبتُهُمْ ... لَيْسَ المَديحُ يَنَالُ غَيْرَ مُنِيلِهِ) ... ولكَيْفَ لَا أُثْنِى عَلَى مَنْ عَمَّنِي ... دونَ الوَرَى مِنْ خَيْرِهِ بِجَزِيلِهِ) (بِنُضَارِهِ وِلُجَيْنِهِ وثَوَابِهِ ... وثيابِهِ ورِكَابه وخُيُولِهِ) هَذَا مَا وجدت وَلَا أعلم هَذَا آخرهَا أم لَهَا آخر وَهِي عَظِيمَة الشَّأْن من الْحسن فِي المبنى وَالْمعْنَى بمَكَان وللأديب أبي عَامر مَنْصُور بن عِيسَى بن سحبان الزيدي فِيهِ قصيدة أَولهَا // (من الْكَامِل) // (مَا أَومَضَتْ سَحَرًا بُرُوقُ الأَبرقِ ... إِلاَّ شَرقْتُ بدَمْعِيَ المُتَرقْرقِ) (صنَمٌ شُعِفْتُ بِهِ وغصْنُ شبابه ... غضٌّ وَبَرْدُ شبيبتي لم يخلَقِ) (شقَّتْ عرى كَبِدِى شقائقُ خدِّهِ ... وبكأسِ فِتْنَتِهِ سُقِيتُ وَمَا سُقِي) (مَا فاتَ من عُمْرٍ فِللْغِيدِ الدُّمى ... لَا أَرْشَ فِيهِ وللصَّبَابَةِ مَا بَقِى) وَمن مديحها قَوْله // (من الْكَامِل) // (رَجُلٌ إِذا اشْتَبَهَ الرجالُ عرفْتهُ ... بجلالِ صُورتِهِ وحسنِ المنطقِ) (ومظفَّرُ الحملاتِ يرقصُ مِنْهُ قلبُ ... المغربِ الأَقْصَى وقلبُ المشرقِ) (عَلَمٌ يدلُّ على كَمَالِ صفاتِهِ ... كَرَمُ الفُرُوعِ لَهُ وطيبُ المَعرقِ) (يلقَى بوجهِ البِشْرِ طارقَ بابِهِ ... لَيْلاً ويرزقُ مِنْهُ من لم يرزقِ) (عَزَّتْ بَنو حَسَنٍ بدَوْلته الَّتِي ... عزُّالذليلِ بهَا وأَمْنُ المفرقِ) (هُوَ صُبْح لَيْلَتهَا وبدْرُ ظَلاَمِهَا ... ولسانُ حِكْمَتِها وصدْرُ الفيلقِ) (لَا يتَّقَى مِنْ كُلِّ حَادِثَة بهَا ... وَبِه بِمَكْرُوهِ الحوادثِ نتَّقِي) وَله فِي أَيْضا // (من الْخَفِيف) // الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 (حَفِظَ العَهْدَ بَعدنَا أَمْ أضاعا ... وعَصَى لائتمامه أمْ أطاعا) (ورعَى حرمةَ الجوارِ وراعَى ... أم وهَى بالفراق قلْبى وَرَاعَا) (مَنْ يكُنْ يحمدُ الوَدَاعَ فإِنِّي ... بعد يومِ النَّوَى أذمُّ الوداعا) (جيرتي مَا لنا حَفِظْنَا هواكُمْ ... وَغدا حبُّنا لديْكُمْ مُضَاعا) (إنَّ مَنْ قَدَّر الفراقَ علينا ... قادرٌ أَن يقدِّرَ الإجتماعا) (قلْ لذاتِ القناعِ هَل جئْتُ ذَنبا ... فيكِ حَتَّى أسبلْتِ دوني القناعا) (إنَّ مَنْ أشبَعَ السوارَيْنِ يَدَّيْكِ ... لَمَجْرى الوشاح مِنْكِ أجاعا) وَمِنْهَا // (من الْخَفِيف) // (قل لأَهْلِ الزَّمَانِ إنى وإنْ رِيعَ ... سوَاىَ بكَيْدكُمْ مُرْتاعا) (نحنُ فِي دولةٍ إِذا مّدَّتِ الناسُ ... إلَيْنَا شبْرًا مدَدْنا ذِرَاعا) (طلبتْ بِي أَبَا عَرَادَة عيسٌ ... لَا تملُّ الإرقالَ والإيضاعا) (عرستْ من رميثة بعراصٍ ... لم يزلْ نبْتُ روضها ممْرَاعا) (نزلَتْ سوحَهُ عطاشاً جياعاً ... فَأَقَامَتْ بِهِ رواءً شِباعا) (رَجُلٌ لَا ترَاهُ بالمالِ مفراحًا ... وَلاَ مِنْ مُلمَّة مِجْزَاعا) (وَعَلِيهِ بِكْرُ الخلافةِ ألقَتْ ... إِذْ رَأَتْهُ رداءها والقِنَاعا) (لَيْسَ بالنَّازلِ الوِهَاد مِنَ الأرضِ ... ولكنَّهُ يحلُّ اليفاعا) (موقداً ناره على نَشَزِ الأرضِ ... إِذا النَّاسُ لبسوها القفاعا) (نَمْ هَنِيئًا يَا جَاره مِلْءَ عينْيكَ ... وَلَا تخشَ نَائِبا أَن تراعا) ثمَّ وَليهَا بعده ابْنة عجلَان بن رميثة بن أبي نمي بن مُحَمَّد بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن أبي عَزِيز قَتَادَة يلقب عز الدّين ولي مَكَّة غير مرّة نَحْو ثَلَاثِينَ سنة مُنْفَردا إِلَى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين ثمَّ شَرِيكا لِأَخِيهِ ثقبة إِلَى سنة خمسين وَسَبْعمائة ولولده أَحْمد بن عجلَان وَوَقعت بَينه وَبَين أَبِيه وَإِخْوَته وَولده أَحْمد منازعات اقْتَضَت عزمه إِلَى مصر مرَارًا أَولهَا سنة موت وَالِده رميثة سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة فَوَافَقَ وُصُوله إِلَيها موت ملكهَا الْملك الصَّالح وتولية ابْنه الْكَامِل فولى الْكَامِل الشريف عجلَان مَكَّة مُنْفَردا فوصل إِلَيْهَا وقرىء مرسومه بالتولية ودعى لَهُ بعد الْمغرب بِأَعْلَى زَمْزَم على الْعَادة وَقطع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 الدُّعَاء عَن وَالِده رميثة وَذهب أَخُوهُ ثقبة إِلَى وَادي نَخْلَة وَأعْطى عجلَان أَخَاهُ مغامس أَو مُبَارَكًا الْمَكَان الَّذِي عرف بالواديين وَأظْهر الشريف عجلَان الْعدْل فِي مَكَّة وأبطل المكوس والنهب وَالْقَتْل وَخرج ربع الجبايات فَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وصل ثقبة من مصر وَبِيَدِهِ مرسوم بِنصْف الْبِلَاد وَأَن الشريف عجلَان يكون لَهُ النّصْف الآخر وَفِي سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَأَرْبَعين وصل إِلَى مَكَّة إِلَيْهِ مبارك بن عطيفة من الْيمن وهم أَن يدْخل مَكَّة فَألْقى الله فِي قلبه الرعب فَرجع وَوصل إِلَى سواكن وَمَات بهَا ثمَّ وَقع بَين الشريف عجلَان وأخيه الشريف ثقبة سنة خمسين وَسَبْعمائة فتْنَة وَكَانَ ثقبة بالجديد وعجلان بِمَكَّة فَخرج إِلَيْهِ الشريف عجلَان فَلَمَّا هم بِالْقِتَالِ مَنعه الْأَشْرَاف والقواد وَأَصْلحُوا بَينهمَا وعزم الشريف عجلَان إِلَى خيف بني شَدِيد وَدخل ثقبة مَكَّة ثمَّ عزم عجلَان إِلَى مصر وَهَذِه هِيَ السفرة الثَّانِيَة فَقطع الشريف ثقبة الدُّعَاء لِأَخِيهِ عجلَان فَلَمَّا وصل الشريف عجلَان إِلَى مصر كتب لَهُ مرسوم بإمرة مَكَّة وَأرْسل مَعَه أَمِير وَاشْترى المماليك لنَفسِهِ واستخدم حَملَة عَسْكَر وتجهز وَصَحب مَعَه حمل نشاب وقسى وَوصل إِلَى مَكَّة بِهَذَا الْجمع فعزم الشريف ثقبة وأخواه سَنَد ومغامس إِلَى الْيمن وتلقوا الْجلاب ونجلوها بحلى وَاسْتمرّ الشريف عجلَان فِي ولَايَة مَكَّة فَلَمَّا كَانَ موسم إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة وَقع بمنى قتل وَنهب من أول النَّهَار إِلَى غرُوب الشَّمْس وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان الْملك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن حج فِي عَسْكَر كَبِير ووصلوا مَعَ الْأَشْرَاف السَّيِّد ثقبة وأخويه سَنَد ومغامس فَأوحى الشريف عجلَان إِلَى أُمَرَاء الْحَاج الْمصْرِيّ والشامي أَن الْملك الْمُجَاهِد نِيَّته أَن يُولى ثقبة إِذا عزمتم ويخلع كسوتكم ويكسو الْبَيْت بالكسوة الَّتِي صحبها مَعَه فأرسلوا إِلَيْهِ وعرفوه بِمَا ذكر فَأنْكر ذَلِك فَقَالُوا أعطنا ثقبة يكون رهنا عندنَا حَتَّى نَدعك تدخل فَأرْسل إِلَيْهِم بالشريف ثقبة فأجلوه وعظموه فَلَمَّا وصل وَحج هجموا عَلَيْهِ بمنى وَهُوَ نَائِم وَقد تفرق عَنهُ جماعته فنهبوا محطته وَبَعض الْحَرِيم فنجا بِنَفسِهِ إِلَى أَعلَى الْجَبَل فَلَمَّا رأى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 مَا وَقع صَاح عَلَيْهِم الْأمان إِن كَانَ لكم غَرَض بى أَنا آتيكم وَمَا فعل هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء فسكن الْحَرْب وَنزل إِلَيْهِم فترجلوا لَهُ عَن الْخَيل وأركبوه بغلاً وذهبوا بِهِ فَمَا صفت الْمَسْأَلَة حَتَّى قتل خلق ونهبت النَّاس وألزم الْأُمَرَاء الشريف عجلَان بِحِفْظ الْحَاج غير أَن الْعَرَب وَبَعض العبيد نهبوا النَّاس مَا بَين منى وَمَكَّة وَلما وصل الْحَاج والأمراء وَادي مر فِي موسم أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة واجههم الشريف عجلَان وشكا عَلَيْهِم مَا فعله أَخُوهُ الشريف ثقبة فِي السّنة الَّتِي قبل هَذِه سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَنه أَخذ أَمْوَاله وخيله وعبيده وَقَيده فخلصه الله تَعَالَى فوعدوه بِالْولَايَةِ وطمنوا خاطره فَلَمَّا وصلوا الزَّاهِر خرج إِلَيْهِم الشريف ثقبة على الْمُعْتَاد فتكلموا مَعَه فِي الصُّلْح مَعَ أَخِيه الشريف عجلَان فَامْتنعَ فَلم يزَالُوا يلاطفونه حَتَّى دخل إِلَيْهِم فَقَالَ لَهُم الشريف ثقبة إِن كَانَ هَذَا بِأَمْر السُّلْطَان فَنعم وَإِلَّا لَا أفعل فَقبض بعض الأتراك على سيف ثقبة وَالْبَاقُونَ احتاطوا بِمن مَعَه فأنزلوهم عَن خيولهم وكبلوهم فِي الْحَدِيد هُوَ وأخويه سَنَد ومغامس وَابْن عَمه مُحَمَّد بن عطيفة وفر القواد وَالْعَبِيد ثمَّ أحضروا عجلَان وألبسوه الخلعة ودخلوا بِهِ مَكَّة وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ اثْنَان فَلَمَّا أَتموا الْحَج ذَهَبُوا بالأشراف إِلَى مصر ووضعوهم فِي الْحَبْس ودام عجلَان على ولَايَة مَكَّة مُنْفَردا مُسْتقِلّا إِلَى أَن فك ثقبة والأشراف الَّذين مَعَه وشاركه فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ حَتَّى عزلا بأخيهما سَنَد بن رميثة وَابْن عَمهمَا مُحَمَّد بن عطيفة ثمَّ وَليهَا سَنَد وَمُحَمّد بن عطيفة فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة شَرِيكَيْنِ وَاسْتمرّ إِلَى أَوَائِل سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فَفِيهَا قدم الشريف عجلَان من مصر مُتَوَلِّيًا وأشرك أَخَاهُ ثقبة فَمَاتَ ثقبة واستقل عجلَان كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك آخر السوادة وَأخذ الشريف عجلَان وَولده أَحْمد وَذهب بهما إِلَى مصر فحبسا وجهز الْملك النَّاصِر حسن بن قلاوون عسكراً لتأييد سَنَد وَمُحَمّد بن عطيفة مقدمهم الْأَمِير بكتم المارديني وانصلح لذَلِك حَال مَكَّة حَتَّى انْقَضى الْحَج من سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ثمَّ قَامَت فتْنَة بَين بني حسن والعسكر الَّذِي وصل من مصر وَالشَّام للإقامة بهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 0 - عوض بكتم الْأَمِير وَمن مَعَه كَانَ الظفر فِيهَا للأشراف وَسبب ذَلِك أَنه أشيع بِمَكَّة أَن من نِيَّة الْعَسْكَر المقيمين بِمَكَّة الْقَبْض على شريفها الشريف سَنَد ففرت الْأَشْرَاف لما قاسوه من هَذَا الْأَمر فَإِن الشريف عجلَان وَولده أَحْمد إِلَى الْآن محبوسان بِمصْر فأشيع ذَلِك قبل قدومهم فَلَمَّا وصل الْعَسْكَر إِلَى مَكَّة أَرَادوا أَن ينزلُوا بَيْتا بالصفا للأشراف فطالبهم الشريف صاجب الْبَيْت بِالْأُجْرَةِ فضرت التركى الشريف فَقتله الرِّيف فتراكم الأتراك على الشريف فصاح لرباعته فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ جمَاعَة وَاشْتَدَّ الْأَمر فقصدت الْأَشْرَاف أجياداً فوجدوا خيلاً للترك على بَاب الصَّفَا كَانَ الْأُمَرَاء اعتمروا فهم فِي الطّواف فركبت الْأَشْرَاف تِلْكَ الْخَيل فَبلغ الْأُمَرَاء ذَلِك وهم يطوفون فَقطعُوا الطّواف وقصدوا الْمدرسَة ليحفظوها وقفلوا أَبْوَاب الْمَسْجِد الْحَرَام وتحصنوا بِهِ وَأمرُوا بهدم الظلة الَّتِي على رَأس زقاق أجياد الصَّغِير ليروا من يقدم عَلَيْهِم مِنْهُ وَكَانَ غالبهم بسطح الْمَسْجِد يَرْمِي بالنشاب وسدوا الطَّرِيق بالأخشاب لِئَلَّا يخرج عَلَيْهِم أَحْمد من أجياد الْكَبِير هَذَا خبر التّرْك وَأما بَنو حسن فَإِنَّهُم استدلوا أَيْضا على إصطبل لبَعض الْأُمَرَاء وقصدوا الْأَمِير قندس وَكَانَ نازلاً بأجياد بالزباهية فقاتلوه من خَارج ودخلوا عَلَيْهِ الدَّار فَقتلُوا جماعته وأسروه ونهبوا مَا كَانَ عِنْده جَمِيعه واستجار نساؤه بِبَيْت السَّيِّد مبارك بن رميثة وَجَاء السَّيِّد مغامس من أجياد لِيُقَاتل التّرْك الَّذين فِي الْمَسْجِد فجفلت بِهِ فرسه فَسقط فَقَتَلُوهُ وَبَقِي فِي مصرعه إِلَى الْمغرب وَأَرَادَ مُحَمَّد بن عطيفة أَن يتعصب للترك فتهدده بَنو حسن بِالْقَتْلِ وَكَانَ مُحَمَّد بن عطيفة تَأَخّر عَن نصْرَة الْعَسْكَر فَخرج خَائفًا يترقب فَدخل الشريف ثقبة مَكَّة سادس عشر ذِي الْحجَّة وشارك أَخَاهُ سنداً عوض مُحَمَّد بن عطيفة وَانْقطع عَن مُحَمَّد هَذَا فَأَرَادَ الِاجْتِمَاع بِالتّرْكِ فَلم يمكنوه لما حل بهم من خوف الْأَشْرَاف وَمَا فَعَلُوهُ بهم بِحَيْثُ إِنَّهُم باعوا بَعضهم فِي الحراج يُنَادي عَلَيْهِ الدلالون فِي الْأَسْوَاق ثمَّ ذَهَبُوا فَلم يبْق مِنْهُم أَلا أَمِير وَاحِد وَأَوْلَاده فاقترض مَا تزَود بِهِ وترحل عَن مَكَّة وفر غَالب أهل مَكَّة أَرْبَاب الْأَمْوَال خوفًا من الْأَشْرَاف أَلا أَن الله سلمهم من النهب اكتفوا بِمَا أَخَذُوهُ من أَمْوَال الأتراك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 وَتوجه مُحَمَّد بن عطيفة إِلَى مصر فَلم ير بهَا وَجها وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَمِمَّا قيل فِيهِ من الْمَدْح قَول الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالنشو قصيدة هِيَ // (من الطَّوِيل) // (أترضَى بإِتلاْفِ المحبِّ ظلامةً ... فتأخذه بالعُنْفِ والرفقُ أليقُ) (أعندكَ علْمٌ أَنَّهُ بكَ هائمٌ ... وأَكْبَادُهُ مِنْ لوعةِ الهجرِ تحرقُ) (فأَحْوَالُه تُنْبِى بِمَا فِي ضميرِهِ ... إِذا لم يكُنْ للقَوْلِ مِنْهُ مصدِّقُ) (بلَوْتُ بني الدُّنيا جَمِيعًا بأسرِهِمْ ... وَجَرَّبتُهُمْ إِن التجاربَ تصدقُ) (فَلم أَرَ فِي ذَا العَصْرِ مثلَ محمدٍ ... إِمَامًا بِهِ الدُّنْيَا تضىء وتشرقُ) (جواداً إِذا جَار الزَّمانُ على الورى ... يجودُ بِمَا تَحْوِى يداهُ وينفقُ) (لقد جَلَّ عَن قدر الْمُلُوك الأُلى مَضَوا ... إِلَى الغَايِةِ القصوَى مِنَ الفضلِ يسبقُ) (يجودُ على العَافِى ويبدِى اعتذارَه ... فَأوْرَاقُهُ بالجودِ والبذلِ تورقُ) (لقد عَجَزَ المداحُ فِي بعضِ وصفِهِ ... عَلَيْهِم بأنواعِ المكارمِ يغدقُ) (على أَنه واللهِ واحدُ عصرِهِ ... وَهل مثله من بعدِ ذَا العصرِ يخلقُ) (وَمن لامني فِي مدحه فَهُوَ جاهلٌ ... فَجِيدِىَ بالإحسانِ مِنْهُ مطوَّقُ) (وَإِن كَانَ مدحُ الغَيْرِ عندىَ سُنَّةً ... فمدحي لَهُ فرضٌ عليَّ مُحَقَّقُ) فَلَمَّا بلغ صَاحب مصر فعل الْأَشْرَاف بِالتّرْكِ أرسل بالشريف عجلَان وَولده أَحْمد من سجن الْقَاهِرَة إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة بالبرج قلت ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض سُبْحَانَ الله هَكَذَا وَقع فِي سنة ثَمَان وَسبعين بعد الْألف لما أوقع مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بن عبد الله بن حسن بِالتّرْكِ قَرِيبا من يَنْبع فكسرهم وبدد شملهم وقهرهم وَكَانَ قد أرسل وَلَده المرحوم السَّيِّد أَبَا الْقَاسِم بن حمود وَالسَّيِّد مُحَمَّد ابْن المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث بن حسن إِلَى باشا مصر بهدية وقواد من الْخَيل فاحتفظ بهم أَولا فِي الْمحل الْمَعْرُوف بالسلطان قايتباي ثمَّ فِي بَيت أغاة الأنكشارية فَلَمَّا جَاءَهُم خبر جَمَاعَتهمْ وَما جَرَى عَلَيهِم من أبويهما تحركت حمية الْغَضَب على هذَيْن الشريفين فنقلا إِلَى السجْن الْكَبِير الْمُسَمّى عرق خانة سجن الدَّم فَقدر الله إطلاقهما بعد ذَلِك وَللَّه الْحَمد فَذكرت بِتِلْكَ الْوَاقِعَة هَذِه الْوَاقِعَة أَلا أَن الشريف عجلَان وَولده فكا وأعطيا إمرة مَكَّة وَهَذَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 لم يعطياها وَتلك قسْمَة إلهية انْتهى وَأمر السُّلْطَان بإرسال عَسْكَر إِلَى الْحجاز يتتبعون الْأَشْرَاف وجندهم وعزلهم عَن إمرة مَكَّة وَقَالَ لَا حَاجَة لنا بهم فَلم يسْتَمر بعد هَذِه النِّيَّة أَلا أَيَّامًا حَتَّى ركب عَلَيْهِ عَسْكَر مصر عزلوه وولوا الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد ابْن الْملك المظفر فَأطلق الشريف عجلَان وولاه مَكَّة وأشرك مَعَه أَخَاهُ ثقبة بن رميثة بسؤاله لذَلِك فَلَمَّا أقبل الشريف عجلَان وَوصل إِلَى وَادي مر اجْتمع فِيهِ بثقبة عليلاً مدنفَاً فَمَاتَ ثقبة بقر ذَلِك فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بالجديد وَحمل إِلَى مَكَّة فَدفن بالمعلاة وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْكَرمِ والشجاعة وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول ابْن غَنَائِم من قصيدة // (من المنسرح) // (مَا خفقَتْ فَوْقَ منكِبٍ عذَبهْ ... على فَتى كَابْن مُنْجِدٍ ثقبَهُ) (وَلَا اعتزَى بالفَخَارِ منتسبٌ ... إِلَّا وفَاقَتْ علاهُ منتسبَهْ) (منتخبٌ من سليلِ منتخبٍ ... مُنْتَخَبٌ من سَلِيلِ منتخبَهْ) (كم جَبَرتْ راحتاه منكسراً ... وفَكَّ مِنْ أسْرِ عُسْرَةٍ رَقَبَهْ) فولى الشريف عجلَان وَلَده أَحْمد عوض ثقبة وَجعل لَهُ ربع الْحَاصِل ثمَّ جعل لَهُ ربعا آخر ثمَّ فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ورد الْأَمر من صَاحب مصر على يَد الْأَمِير بهادر والأمير سُفْيَان الطولوني إِلَى شرِيف مَكَّة بِإِسْقَاط المكوس والضرائب وَعوض أَمِير مَكَّة عَن ذَلِك فِي كل سنة مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم وَألف إِرْدَب قمحاً ونقر ذَلِك فِي دعائم بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام جِهَة بَاب الزِّيَادَة وَبَاب العجلة الْمُسَمّى بَاب الباسطية أَو بَاب الصَّفَا وَهِي مَوْجُودَة إِلَى الْآن مؤرخة بِالسنةِ الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلما عزل سَنَد وَمُحَمّد وَولي عجلَان من مصر فوصل إِلَى مَكَّة وأشرك أَخَاهُ ثقبة ثمَّ مَاتَ ثقبة فَأمر وَلَده أَحْمد بالاجتماع بالقواد ليسألهم أَن يسْأَلُوا لَهُ وَالِده أَن يشركهُ مَعَه فِي إمرة مَكَّة وَكَانُوا يخدمون سنداً فَاجْتمع بهم أَحْمد فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَعرف ذَلِك سَنَد فخاف على نَفسه فهرب إِلَى نَخْلَة وَقيل بل أَقَامَ بوادي مر بالجديد واستجار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 بِابْن أَخِيه مُحَمَّد بن عجلَان ثمَّ وَقع بَين بعض غلْمَان سَنَد وَبَين بعض غلْمَان أَحْمد شَيْء أوجب تغير خاطر أَحْمد عَلَيْهِ فَأمره بالانتقال من الْجَدِيد فانتقل إِلَى وَادي نَخْلَة ثمَّ إِلَى الطَّائِف ثمَّ إِلَى الشرق ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ إِلَى يَنْبع فوصله وَهُوَ بهَا أوراق بني حسن يأمرونه بالقدوم إِلَيْهِم ليساعدوه على ولايتها فوصل وَقصد محاربته فَلم يتم لَهُ ذَلِك فَعرض لَهُ مرض مَاتَ بِهِ سنة 763 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بالجديد وَاسْتولى ابْن أَخِيه عنان بن مغامس بن رميثة على خيله وسلاحه وَذهب بِهِ إِلَى الْيمن وَمِمَّا قيل فِي الشريف سَنَد بن رميثة قَول حَمْزَة بن أَبى بكر الشَّاعِر الْمَشْهُور قصيدة هِيَ // (من الطَّوِيل) // (خَلِيليَّ إِمَّا جئتما رَبْعَ ثهمدِ ... فَلَا تَسْأَلاَهُ غَيْرَ عَنْ أم معبدِ) (وَإِن أَنْتُمَا أبصرتما بانة الحِمَى ... ورَسْمَا لذاتِ المبسمِ المتبددِ) (فَأَوَّلُ مَا تستنشدا عَن حلولِهِ ... وتستفهما أَخْبَارَ رَسْمٍ ومعهدِ) (عسَى تخبر الأطلالُ عَمَّن سأَلْتُما ... بِمَا شِئْتُمَا للمستهامِ المسهَّدِ) وَمِنْهَا // (من الطَّوِيل) // (وَفِي سَنَدٍ أسندتُّ مدحاً منضداً ... غَرِيبَ القوافِى كالجمانِ المنضَّدِ) (هُوَ القَيْلُ وَابْن القَيْلِ سُلْطَان مكةٍ ... وَحامِى حماها بالحسامِ المهنَّدِ) (وصفوة آل الْمُصْطفَى طود فَخْرهم ... وبَانِى علاهُمْ فوقَ نَسْرٍ وسرددِ) (بَنَى مَا بنَى قِدمًا أَبوهُ رميثة ... وشاد الَّذِي قَدْ شَادَ من كلِّ سؤددِ) (وشنَّ عتاقَ الْخَيل شُعْثًا ضوامراً ... وأفنَى عَلَيْهَا كلَّ طاغٍ ومعتدِى) (فروَّى صفاحَ البِيضِ من مُهَجِ العدَى ... وسُمْرَ القنا مهما اعتلَى ظهْرَ أجردِ) (وأبيضَ طلق الوَجْهِ يهتزُّ للندَى ... ويُجْدِى إِذا شَحَّ الحيا كل مجتدِى) (كريمٌ حَلِيمٌ ماجدٌ وابنُ ماجدٍ ... ظَرِيفٌ شريفٌ سيدٌ وابنُ سيدِ) (إمامُ الهدَى بَحْرُ الندا مهلكُ العدَى ... وَبَدْرٌ بدا من آلِ بيتِ محمدِ) (أشمُّ طويلُ الباعِ ندبٌ مُهَذَّبٌ ... أغرُّ رحيبُ الصَّدْرِ ضخْمُ المقلَّدِ) (فدوحتُهُ بَين الوَرَى خير دوحةٍ ... ومحتده بَين الوَرَى خيرُ مَحْتِدِ) (إليكَ جَلَبتُ المَدحَ إِذْ أنتَ كفؤُهُ ... وَإِن أَنا أجْلبْهُ لغيرِكَ يكسدِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 (وَمَا مدحكم أَلا عَلَيْنَا فريضَةٌ ... ومدحُ سِوَاكُم سنَّةٌ لم تؤكَّدِ) (ثناؤُكُمُ أَثْنَى بِهِ اللهُ جهرةَ ... وأنزله وَحياً على الطْهرِ أحمدِ) فولى الشريف عجلَان وَلَده أَحْمد عوض ثقبة وَجعل لَهُ ربع الْحَاصِل ثمَّ جعل لَهُ ربعا آخر ثمَّ ترك لَهُ الإمرة على أَن لَا يسْقط اسْمه من الْخطْبَة وَغير ذَلِك فوفى لَهُ أَحْمد بذلك حَتَّى توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ عجلَان فِي سنهَ ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة حَارب أَحْمد بن عِيسَى الحرامي صَاحب حلى بمَكَان يُقَال لَهُ فجرة فَظهر عجلَان على أَحْمد بن عِيسَى الْمَذْكُور وَكَانَ عجلَان رَحمَه الله تَعَالَى شَيخا صَالحا سعيداً اتّفق لَهُ مَا لم يتَّفق لأسلافه من السعودات فَإِنَّهُ أول من ملك بِلَاد حلى من أَهله السَّابِقين وَبنى الْحُصُون بأجياد وَأَرْض حسان والمدارس بِمَكَّة وَملك العبيد والخيول والدروع الْكَثِيرَة وَأَنْشَأَ بِمَكَّة سَبِيلا للْمَاء بالمروة واستمرت خيراته وحسناته ومدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء مِنْهُم الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالنشو وَغَيره وَكَانَ لَهُ جملَة من الْأَوْلَاد مِنْهُم أَحْمد وكبيش وَمُحَمّد وَعلي وَحسن وَتُوفِّي عجلَان لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادى عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة فِي جُمَادَى الأولى كَمَا تقدم آنِفا بِأَرْض الْجَدِيد وَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة وَبلغ من الْعُمر نَحْو سبعين سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا مدح بِهِ الشريف عجلَان قَول الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالنشو قصيدة هِيَ // (من الْكَامِل) // (لَوْلا الغرامُ ووجدُهُ ونحولُهُ ... مَا كُنْتَ ترحمُهُ وأنتَ عذولُهُ) (إِن كنْتَ تنكرُهُ فَسَلْ عَن حالِهِ ... فَالحُبُّ داءٌ لَا يفيقُ عليلُهُ) (يَا مَنْ يَلُومُ على الهَوى أهْلَ الْهوى ... دَعْ لومهُمْ فالصبْرُ ماتَ حميلُهُ) (دعْ عَنْك من لَا خَيْرَ فِيهِ من الورى ... لَا تَمْتَدحْهُ وَفِي الأنامِ بديلُهُ) (وامدحْ مَلِيكَ العَصْرِ وابْنَ مليكِهِ ... مَنْ شَاعَ مَا بَين الملا تفضيلُهُ) (عجلانُ نَجْلُ رُمَيْثَة بنِ محمدٍ ... أمِنَ الَحَوادِثَ والخطوبَ نزيلُهُ) (وَرِثَ الَمَكارِمَ كَابِرًا عَن كابرٍ ... فنوالُهُ للعالمينَ ينيلُهُ) (مِنْ آلِ أَحْمَدَ واحدٌ فِي عصرِهِ ... فَهُوَ الشَّريفُ ابْن الشريفِ سليلُهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 (مَاذَا يقولُ المدْحُ فِيهِ وَمَا عسَى ... إِذْ كَانَ يَخْدمُ جدِّكُمْ جبريلُهُ) (أما الملوكُ فَكُلُّهُمْ مِنْ دونه ... كالبَدْرِ فِي أُفقِ السماءِ حلولُهُ) (سلطانُ مكَّةَ والمشَاعرِ والصفا ... مَنْ لَا يَخَافُ مِنَ الزمانِ نزيلُهُ) (لَو حاوَلَ النجْمَ العَظِيمَ لنالَهُ ... تنبيك عِنْهُ رِمَاحُهُ ونصولُهُ) (سكنَتْ مَحَبَّبُةُ القلوبَ جميعَها ... لما تَقَارنَ سَعْدُهُ وقبولُهُ) ثمَّ وَليهَا أَحْمد بن عجلَان قبل وَفَاة أَبِيه وَذَلِكَ بِسَبَب أَنه لما جعل لَهُ ربع الْمَحْصُول عوض عَمه ثقبة طلب أَحْمد ربعا آخر فَأَجَازَهُ لَهُ وَالِده ثمَّ إِن وَالِده لما رأى إقبال النَّاس على أَحْمد ومحبتهم لَهُ أَرَادَ إغاظته بأَخيه مُحَمَّد بن عجلَان فَأعْطَاهُ خيلاً وَدِرْعًا فَلم ينْهض مُحَمَّد لما أُرِيد مِنْهُ فَبلغ ذَلِك أَحْمد فعاتب أَبَاهُ عجلَان فَاعْتَذر لَهُ وَقَالَ لَهُ أَنا أترك لَك الْبِلَاد كلهَا فَوَقع الِاتِّفَاق على أَن أَحْمد يُعْطي أَبَاهُ عجلَان النَّقْد الَّذِي شَرط لَهُ وَأَن يكون لَهُ أَيْضا فِي كل سنة الْجُزْء الَّذِي قرر لعجلان بديار مصر فِي مُقَابلَة إِسْقَاط المكس عَمَّا يصل إِلَى مَكَّة من المأكولات وَعَن مكس الْحجَّاج من الديار المصرية والشامية الواردين بحراً وَبرا وَهُوَ مائَة ألف دِرْهَم وَسِتُّونَ ألف أردب قَمح وَأَن لَا يقطع اسْم عجلَان من الدُّعَاء فِي الْخطْبَة مُدَّة حَيَاته فالتزم أَحْمد بِجَمِيعِ ذَلِك فألح عجلَان فِي تَحْصِيل النَّقْد الْمَشْرُوط على أَحْمد استعجازاً مِنْهُ لَهُ ليَكُون سَببا لرجوع الْأَمر إِلَيْهِ فيسر الله لِأَحْمَد من أَعَانَهُ على إِحْضَار المَال فَأحْضرهُ فَلم يجد بدا من قبُوله فوفاه بِجَمِيعِ مَا الْتَزمهُ من الوعود وَاسْتمرّ أَحْمد حَتَّى مَاتَ حادي عشر شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَت مدَّته سِتا وَعشْرين سنة قَالَ فِي الدُّرَر الكامنة فِي أَخْبَار الْمِائَة الثَّامِنَة كَانَ أَحْمد بن عجلَان عَظِيم الأبهة وَاسع الْحُرْمَة كثير الرِّئَاسَة ملك جملَة من الْعقار وَالْعَبِيد وَعدل وقمع المفسدين ثمَّ وَليهَا الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد بن عجلَان ثَمَان سِنِين شَرِيكا لِأَبِيهِ وَمِائَة يَوْم مُسْتقِلّا بعده ثمَّ قتل فِي مستهل ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة لما حضر لخدمة الْمحمل الْمصْرِيّ بِظَاهِر مَكَّة سَبَب ذَلِك أَن أَبَاهُ الشريف أَحْمد بن عجلَان كَانَ قد وَقع بَينه وَبَين ابْن عَمه عنان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 ابْن مغامس منافرة فسافر عنان وَمَعَهُ حسن بن ثقبة إِلَى مصر فبالغا فِي شكوى أَحْمد وسألا من السُّلْطَان برقوق أموراً أجابهم إِلَيْهَا لصدور رقة عنان فَأرْسل أَحْمد بن عجلَان بهدية سنبة صُحْبَة كبيش إِلَى السُّلْطَان فَلَمَّا رأى كبيش رواج عنان عِنْد السُّلْطَان مَا أمكنه أَلا أَن يلْتَزم على أَحْمد جَمِيع مَا أَرَادَهُ عنان وَمَا أَمر بِهِ السُّلْطَان خشيَة من حُصُول مكدر على أَحْمد وَعَلِيهِ فوصلوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة فَعرف كبيش أَحْمد بِالْأَمر وَقَالَ لَهُ لابد لَك من الْمُوَافقَة على مَا رسم بِهِ السُّلْطَان لَكمَا أَو لفتك بعنان فَاخْتَارَ الثَّانِي فَاجْتمع عنان وَحسن بِأَحْمَد بعد التوثيق مِنْهُ فَمَا أجَاب لمرادهما ثمَّ فطن عنان لقصد أَحْمد فِيهِ ففر إِلَى الينبع وتلاه حسن بن ثقبة ثمَّ حسن لَهما أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ أَبُو بكر بن سنقر الجمالي الرُّجُوع إِلَى مَكَّة وَحسن لمُحَمد بن عجلَان أَن يرجع مَعَهُمَا إِلَى مَكَّة وَكَانَ قد توجه إِلَى مَكَّة مغاضباً لِأَخِيهِ أَحْمد وَضمن لَهُم الْأَمر الْمَذْكُور أَن أَحْمد يقْضِي حوائجهم إِذا وصلوا إِلَيْهِ وَرَجَعُوا فَلَمَّا اجْتَمعُوا بِأَحْمَد قبض عَلَيْهِم وَضم إِلَيْهِم أَحْمد بن ثقبة وَابْنه عليا بن أَحْمد بن ثقبة وَقيد الْخَمْسَة وسجنهم بالعلقمية من أول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة إِلَى موسمها ثمَّ نقلهم إِلَى أجياد ثمَّ أعادهم بعد الْمَوْسِم إِلَى العلقمية فدبروا حِيلَة لِلْخُرُوجِ مِنْهَا وربطوا سرراً كَانَت عِنْدهم بِثِيَاب مَعَهم وصعدوا غير مُحَمَّد بن عجلَان حَتَّى بلغُوا طَاقَة تشرف على منزل ملاصق لسجنهم فنزلوا مِنْهَا إِلَيْهِ فَفطن لَهُم بعض الساكنين فصاح عَلَيْهِم يظنهم لصوصاً فَسمع الصياح الموكلون بهم وَعرف الْأَشْرَاف تيقظ الموكلين بهم فأحجموا عَن الْخُرُوج أَلا عناناً فَإِنَّهُ أقدم وَلما بلغ إِلَى بَاب الدَّار وثب وثبة انْفَكَّ الْقَيْد بهَا عَن إِحْدَى رجلَيْهِ وَمَا شعر بِهِ أحد حِين خرج فَسَار إِلَى جِهَة سوق اللَّيْل وَمَا كَانَ غير قَلِيل حَتَّى رأى كبيشاً والعسكر يفتشون عَلَيْهِ بضوء مَعَهم فَدَنَا إِلَى مزبلة بسوق اللَّيْل وَأظْهر أَنه يَبُول فأخفاه الله عَن أَعينهم فَلَمَّا رجعُوا سَار إِلَى أَن لقِيه بعض معارفه فَعرفهُ خَبره وَسَأَلَهُ فِي تغيبه فغيبه فِي بَيت بشعب على فِي صهريج فِيهِ وَوضع على فمهم حشيشاً ودابة ليخفي مَوضِع الصهريج وَفِي الصَّباح أَتَى كبيش إِلَى ذَلِك الْبَيْت فَمَا وجده فِيهِ فَقيل لَهُ إِن فِي الْبَيْت صهريجاً فَأَعْرض عَن ذَلِك لما أَرَادَهُ الله من سَلامَة عنان ثمَّ بعث عنان إِلَى أَقَاربه من ذَوي رَاجِح وسألهم الْإِعَانَة بمركوب لَهُ وَلمن يُسَافر مَعَه فَأَجَابُوهُ وأخرجوا لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 ركائب إِلَى المعابدة وحملوا عَلَيْهَا فخاراً ليخفوا أمرهَا على من رَآهَا فَخرج عنان إِلَى المعابدة وَنزل عِنْد امْرَأَة يعرفهَا فألبسته لباسها ونمى الْخَبَر لكبيش فَأتى منزلهَا وسألها فنالت من عنان كثيرا فصدقها كبيش فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ركب مَعَ رجلَيْنِ أَو ثَلَاثَة الرَّوَاحِل الَّتِي أعدت لَهُم فوقفت بعض رِكَابهمْ قبل وَادي مر وَمَا وصل هُوَ إِلَى خليص أَلا وَقد كلت رَاحِلَته فَسَأَلَ بعض أهل خليص عَن رَاحِلَة لبَعض أَصْحَابه بلغه أَنَّهَا بخليص فَأخْبر بوجودها فَأَخذهَا وَيُقَال إِن صَاحبهَا كَانَ إِذا خلص من عَلفهَا يَقُول لَيْث عناناً يخلص فينجو عَلَيْك فَكَانَ مَا تمناه فوصل إِلَى يَنْبع ثمَّ مِنْهَا إِلَى مصر واستجار بملكها برقوق أول مُلُوك الشراكسة بِمصْر فَأرْسل الشريف أَحْمد بن عجلَان يَطْلُبهُ فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان يَقُول وَأما مَا ذكرت من جِهَة عنان فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول {وَإِن أَحَد مِنَ اَلمُشركِينَ اَستَجَارَكَ فَأجِره} التَّوْبَة 6 فَكيف إِذا استجار بِنَا ابْن رَسُول الله وَأمره بِإِطْلَاق الْأَشْرَاف فَامْتنعَ من ذَلِك ثمَّ قدر الله أَن الشريف أَحْمد مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة كَمَا تقدم ذكره وأقيم عوضه فِي إِمَارَة مَكَّة وَلَده مُحَمَّد هَذَا ابْن أَحْمد بن عجلَان كَانَ الْمُدبر لأمر ملكه عَمه كبيش بن عجلَان فَبعد موت أَحْمد بن عجلَان عمد كبيش إِلَى الْأَشْرَاف الْمَذْكُورين وسمل أَعينهم جَمِيعًا فتألم النَّاس لذَلِك غَايَة التألم وَلم يحصل لَهُ بعد ذَلِك رَاحَة وتوهم كبيش أَن ذَلِك يكون حسماً لمادة الشَّرّ ونجاحاً فَكَانَ للشر مفتاحاً فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك تغير خاطره على مُحَمَّد بن أَحْمد وعَلى عَمه كبيش بن عجلَان وَولى إمرة مَكَّة للسَّيِّد عنان بن مغامس وكتم ذَلِك عَن النَّاس وخادع مُحَمَّد بن أَحْمد وَعَمه كبيش بن عجلَان بإرسال الْخلْع والمراسيم وزينت مَكَّة فَلَمَّا تجهز الْحَاج خَرجُوا مَعَهم بالسيد عنان بن مغامس كآحاد النَّاس لَا يلْتَفت إِلَيْهِ إِذا حضر كل ذَلِك لما أضمروه فَلَمَّا وصل الْحَاج إِلَى الزَّاهِر بعثت أم مُحَمَّد الشَّرِيفَة فَاطِمَة بنت ثقبة إِلَى أَمِير الْحَاج شركس الخليلي أَمِير آخور بعد أَن أَهْدَت إِلَيْهِ هَدَايَا تسأله عَن حَال ابْنهَا مُحَمَّد وعنان فَذكر لَهَا أَنه لَا يعلم على ابْنهَا سوءا وَرُبمَا حلف لَهَا على ذَلِك فانشرح لذَلِك خاطرها وَحسنت لابنها الْإِقْدَام عَلَى ملاقاةِ المحملِ الْمصْرِيّ وَما زَالَت بِهِ حَتى وافقها فَخرج فِي عَسكرِهِ إِلى لِقَائِهِ على العادةِ هُوَ وَعَمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 كبيش فَلَمَّا أَرَادَ أَن يقبل الْجمل على مَا كَانَ يَفْعَله الشراكسة مِنَ الجهلِ وثب إِلَيْهِ اثْنَان من الزعر من الْمحمل كل وَاحِد بِيَدِهِ خنجر طعناه فَمَاتَ من حِينه فعوجل بالعقوبة فِي هَذِه الْمدَّة الْيَسِيرَة إِذْ قد تقدم أَن مُدَّة ولَايَته مُسْتقِلّا مائَة يَوْم نسْأَل الله حسن الخاتمة ونعوذ بِهِ من سوء الْقَضَاء وفر عَمه كبيش إِلَى جده فتبعوه فَلم يحصلوه وألبسوا الشريف عنان بن مغامس الخلعة ودخلوا بِهِ مَكَّة فوليها عنان بن مغامس فَلَمَّا وصلوا إِلَى أجياد تلقاهم بعض أَصْحَاب الشريف مُحَمَّد من العبيد والقواد فتقاتلوا مَعَهم فَلم يَلْبَثُوا أَن ولوا هربَاً وَحَج بِالنَّاس الشرِيفُ عنان والناسُ فِي غايةِ الِاضْطِرَاب والخوفِ ثمَّ لما عزم الْحَاج أرسل عنان إِلَى كبيش عسكراً ليخرجَه من جدة ففر مِنْهَا وسامح الشريف عنان الشيبيين فَترك مَا كَانَ تَأْخُذهُ الْأَشْرَاف مِنْهُم بِالْقُوَّةِ وَهُوَ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فِي كل عَام وجانب من الْكسْوَة مَعَ البرقع وثوب مقَام الْخَلِيل وَجرى بَينه وَبَين كبيش فتن وجموع وَلم تصف الْبِلَاد لَهُ بِحَيْثُ إِنَّه عجز عَن إِقَامَة الْجند والأشراف فَأخذ حَاصِل السُّلْطَان وَمَا فِيهِ وَنهب جدة وأموال التُّجَّار والمراكب غير مرّة ثمَّ إِن كبيش الْمَذْكُور عَاد إِلَى جدة وَحده فنهبها وعاث عبيده فِي الطرقات فخشي عنان من كثرتهم وأشرك مَعَه فِي الإمرة ابْني عَمه أَحْمد بن ثقبة وَعقيل بن مبارك ثمَّ أَخَاهُ عَليّ بن مبارك ثمَّ دَعَا لَهُم مَعَه على الْمِنْبَر وزمزم وَظن بذلك أَن يُقَوي أمره وَلم يساعده الْقدر فبلغت أَحْوَاله إِلَى السُّلْطَان برقوق بِمصْر فعزل عنان فِي رَجَب سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ ولى عوضه عَليّ بن عجلَان فوليها عَليّ بن عجلَان فِي السّنة الْمَذْكُورَة بعد عزل عنان حنقاً عَلَيْهِ لما اتّفق فِي ولَايَته من اسْتِيلَاء كبيش وَجَمَاعَة عجلَان وَابْنه أَحْمد وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِمَا وَعجز عنان عَن دفعهم عَن الِاسْتِيلَاء على جدة فوصل النجاب إِلَى عنان ليسلم مَكَّة لعَلي بن عجلَان وجماعته فِي النّصْف الثَّانِي من شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَأقبل عَليّ بن عجلَان فِي جموع مُتَقَدما فَمَنعهُمْ عنان وَأَصْحَابه من دُخُول مَكَّة وَامْتنع هُوَ وجماعته من آل أبي نمي من تَسْلِيم مَكَّة لآل عجلَان فتحارب الْفَرِيقَانِ بِالْقربِ من ثنية أذاخر فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فَقتل كبيش بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 عجلَان وَطَائِفَة من عَسْكَر عَليّ بن عجلَان فتم النصرُ لعنان وَرجع عَليّ وَمن مَعَهم إِلَى محلهم وَهُوَ الْقصر من وَادي مر وَذَلِكَ فِي سلخ شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي شهر رَمَضَان توجه عَليّ إِلَى مصر فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان وولاه إمرة مَكَّة فَأقبل صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ فِي ظلّ من ولاه وَاسْتمرّ عنان بعد خُرُوج عَليّ إِلَى الْقصر وَمن مَعَه مُقيما لم يبرح حَتَّى فَارقهَا هُوَ وَمن مَعَه عِنْد وُصُول الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَيْهَا وصحبته عَليّ بن عجلَان الْمَذْكُور فَخرج عنان وَمن مَعَه وقصدوا الزيمة فَدَخلَهَا على وقرىء توقيعه على مقَام الْحَنَابِلَة وَحج بِالنَّاسِ وعنان مُقيم بالزيمة بوادي نَخْلَة اليمانية وَكَانَ أَصْحَابه سَبَقُوهُ إِلَيْهَا فقصدهم عَليّ بن عجلَان فِي طَائِفَة من التّرْك فوجدوهم محاربين لقافلة بجيلة فَلَمَّا أحسوا بهم هربوا وَقتل أَصْحَاب عَليّ بن عجلَان مِنْهُم مبارك بن عبد الْكَرِيم من الْأَشْرَاف وَابْن شكران من أتباعهم وعادوا إِلَى مَكَّة وَمَعَهُمْ من خيل الْأَشْرَاف خمس وَمن دروعهم ثَلَاثَة عشر درعاً ووصلت قافلة بجيلة إِلَى مَكَّة فَانْتَفع النَّاس بهَا وعادوا إِلَى مَكَّة عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَبعد رحيل الْحَاج نزل عنان وَأَصْحَابه الْوَادي وشاركوا عَليّ بن عجلَان فِي أَمر جدة ثمَّ سَافر عنان فِي أثْنَاء سنة تسعين وَسَبْعمائة واصطلح عَليّ بن عجلَان والأشراف وَاسْتمرّ مُتَوَلِّيًا مُنْفَردا بالإمرة إِلَى أَن شَاركهُ فِيهَا عنان فِي عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة فوصل إِلَى مَكَّة فِي شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة واصطلح مَعَ آل عجلَان وَكَانَ مَعَه القواد وَمَعَ عَليّ الْأَشْرَاف وَكَانَا غير متمكنين فِي الْقيام بمصالح الْبَلَد لمعارضة بني حسن لَهما فِي ذَلِك وَاسْتمرّ عنان شَرِيكا لعَلي بن عجلَان حَتَّى فَارق عنان مَكَّة متخوفاً من آل عجلَان حِين أَرَادوا الفتك بِهِ فِي الْمَسْعَى وَذَلِكَ فِي صفر سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَقطع ذكره من الْخطْبَة ثمَّ دخل مَكَّة ليتجهز مِنْهَا إِلَى مصر بعد أَن أخليت لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام من آل عجلَان وَلم يدْخل مَكَّة أَلا بعد أَن استدعي من السُّلْطَان إِلَى مصر هُوَ وَعلي فَتوجه إِلَى الديار المصرية وتلاه إِلَيْهَا الشريف عَليّ بن عجلَان بِطَلَب من الْملك الظَّاهِر برقوق كَمَا ذكر فَأَقَامَ عنان بِمصْر معزولاً مُطلقًا ثمَّ مسجوناً بقلعة الْجَبَل ثمَّ بالإسكندرية ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى مَاتَ بهَا فِي ربيع الأول سنة خمس وَثَمَانمِائَة قَالَ صَاحب نشأة السلافة وَكَانَ فِي هَذَا التَّارِيخ صَاحب مَكَّة الشريف حسن ابْن عجلَان ثمَّ ذكر سَبَب موت عنان فَقَالَ حصل لعنان مرض خطر يَقْتَضِي إبِْطَال بعض جسده فعولج من ذَلِك بإضجاعه بِمحل فِيهِ آثَار النَّار حَتَّى يخلص ذَلِك إِلَى أَعْضَائِهِ فيقويها بهَا فَفعل بِهِ ذَلِك فَكَانَ أثر النَّار الَّذِي أضجعوه عَلَيْهِ شَدِيدا فأحرقه فَمَاتَ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى وَرَأَيْت فِي تَارِيخ خلفاء الزَّمن وملوكه وَولَايَة السالكين أحسن سنَن للسَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْحُسَيْنِي السَّمرقَنْدِي فِي تَرْجَمَة الشريف عنان بن مغامس هَذَا مَا نَصه وبقيا يَعْنِي الشريف عنان بن مغامس والشريف عَليّ بن عجلَان على ذَلِك مُدَّة بعد أَن جعلت إمرة مَكَّة بَينهمَا نِصْفَيْنِ مَا بَين وفَاق وشقاق وَكَيف يَنْتَظِم أَمر الْأَمْلَاك مَعَ الِاشْتِرَاك إِلَى أَن مَاتَ عنان قَتِيلا فِي شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَسبب قَتله أَن أَعْيَان الْأَشْرَاف والقواد بعد أَن قبض على جمَاعَة مِنْهُم خودع فِي ذَلِك فَأَطْلَقَهُمْ فصاروا يكلفونه مَا لَا تصل إِلَيْهِ قدرته من أَخذ الْأَمْوَال من التُّجَّار والحبوب من أهل الْوَادي والزراع فَكثر بِسَبَب ذَلِك الْهَرج والمرج وَقل الْأمان وشق على أهل مَكَّة الشَّرِيفَة قلَّة الْوَاصِل وَكَثْرَة الْخَوْف وافترقت الْكَلِمَة بَين السَّادة الْأَشْرَاف والقواد وَالْعَبِيد فَاقْتَتلُوا بِسَبَب ذَلِك وَمَات عنان بِتِلْكَ المسالك هَذِه أَلْفَاظه فِي الْكتاب الْمَذْكُور وَالله أعلم بالحقائق وَلما وصل الشريف عَليّ بن عجلَان إِلَى الديار المصرية وَقَبله عنان بن مغامس أَقَامَ عنان معزولاً مطلوقاً ثمَّ مسجوناً إِلَى آخر مَا تقدم وَأما الشريف عَليّ فَأكْرمه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وفوض إِلَيْهِ أَمر مَكَّة المشرفة وَأحسن إِلَيْهِ هُوَ والأمراء ثمَّ سَار إِلَى مَكَّة المشرفة فَدَخلَهَا وَقت الْمَوْسِم من السّنة الَّتِي خرج مِنْهَا فِيهَا سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَفِي آخر يَوْم مِنْهَا قبض على سبعين نَفرا من الأِشراف والقواد فَلم يزل يُخَادع فيهم حَتَّى أطلقهُم فَكَتَمُوا لَهُ ذَلِك وشوشوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة بوادي مر وَهُوَ ابْن ثلاَث وَعشْرين سنة وَحمل إِلَى مَكَّة المشرفة وَدفن بهَا لَيْلًا وَكَانَ أَخُوهُ الشريف حسن قد حاصره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 بالزاهر مُدَّة أَيَّام من هَذِه السّنة ثمَّ توجه إِلَى الديار المصرية بهَا فاعتقل فِي السّنة الْمَذْكُورَة فَلَمَّا وصل الْخَبَر بوفاة أَخِيه عَليّ بن عجلَان أطلقهُ الْملك الظَّاهِر برقوق وفوض إِلَيْهِ أَمر مَكَّة وَجَمِيع الأقطار الحجازية لوفاة أَمِير مَكَّة عَليّ بن عجلَان قتلا وَجَاء الْخَبَر بولايته وَقت الْمَوْسِم وَكَانَ أَخُوهُ مُحَمَّد بن عجلَان وَعبيد أَبِيه وأخيه أَحْمد بن عجلَان قد استولوا على مَكَّة وحفظوها حَتَّى وصل إِلَيْهِم من مصر فِي رَابِع عشر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَمَعَهُ يلبغا الناصري وسنقر وعدة من المماليك الأتراك يزِيدُونَ على الْمِائَة أَو دونهَا وَمن الْخَيل دون الْمِائَة وَلم تتمّ السّنة حَتَّى وَقع بَين الشريف حسن وقتلة أَخِيه على وَاقعَة عَظِيمَة فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ الظفر فِيهَا لَهُ عَلَيْهِم بِحَيْثُ لم يقتل مِمَّن مَعَه سوى مَمْلُوك وَعبد وَقتل من الْأَشْرَاف نَحْو سَبْعَة وَمن أتباعهم نَحْو الثَّلَاثِينَ وَلم يقتل من أَصْحَاب الشريف حسن فِيمَا قيل غير مَمْلُوك وَعبد وَكَانَ مَعَه ألف رجل وَمِائَتَا رجل من التّرْك والمولدين وَالْعَبِيد وَأهل مَكَّة من الْأَعْرَاب وأجار على حلَّة الشريف مَنْصُور من النهب فَسلمت وَكَانَت الْوَقْعَة بمَكَان يُقَال لَهُ الزبارة بوادي مر قريب من أبوعروة فقصد الْأَشْرَاف جِهَة الهدة وَأقَام الشريف حسن بالجديد حَتَّى أَتَى الْمَوْسِم وَعظم بذلك أمره واستفحل بذلك قهره حَتَّى أذلّ كل من عانده وناوأه وساس الْأُمُور بجدة مَعَ التُّجَّار وراعاهم حَتَّى قدموها وَأَقَامُوا بهَا بعد أَن تركوها وَاسْتمرّ فِي زِيَادَة قدر وهيبة فِي الْقُلُوب قَالَ الْعَلامَة الفاسي فضبط الْبِلَاد وحسم مواد الْفساد وَأخذ بثأر أَخِيه يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شَوَّال من سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ مُسْتقِلّا بِالْولَايَةِ إِلَى أَن أشرك مَعَه ابْنه السَّيِّد بَرَكَات فِي نصف الإمرة وَذَلِكَ سنة تسع وَثَمَانمِائَة وَوصل توقيعه بذلك فِي موسم هَذِه السّنة وَهُوَ مؤرخ بشعبان مِنْهَا ثمَّ سعى لِابْنِهِ السَّيِّد شهَاب الدّين أَحْمد فِي نصف الْإِمَارَة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَولى نصف الإمرة شَرِيكا لِأَخِيهِ بَرَكَات وَولى أَبوهُمَا نِيَابَة السلطنة بِجَمِيعِ بِلَاد الْحجاز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 وَذَلِكَ فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقُرِئَ توقيعهم بذلك فِي أَوَائِل النّصْف الثَّانِي من شهر ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَصَارَ يَدعِي لَهُ ولولديه بِمَكَّة وعَلى زَمْزَم وَيَدعِي للشريف حسن بمفرده فِي الْخطْبَة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ وَالِي الْمَدِينَة عجلَان بن نعير بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي عوض أَخِيه نابت بن نعير فَإِنَّهُ كَانَ ولي أمرهَا فِي هَذِه السّنة ثمَّ مَاتَ نابت فِي صفر من هَذِه السّنة قبل وُصُول توقيعه واستمرت الْخطْبَة باسم الشريف حسن بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة إِلَى أَن عزل عَنْهَا عجلَان بِابْن عَمه سُلَيْمَان بن هبة بن جماز بن مَنْصُور فِي موسم اثْنَي عشر وَثَمَانمِائَة وَكَانَ يقدم فِي الدُّعَاء فِي الْخطْبَة على عجلَان وَاسْتمرّ الشريف حسن وولداه إِلَى أَن عزل هُوَ وولداه فِي هَذِه السنهَ وَهِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة عَن إمرة مَكَّة بسعي الحساد وَنقل أهل الْفساد وَلم يظْهر لذَلِك أثر بِمَكَّة فَإِن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج ابْن الْملك الظَّاهِر برقوق أسرَ أَمر عزلهم لقرب الْمَوْسِم خوفًا من الْهَرج والمرج وَولى ابْن عَمه عَليّ بن مبارك بن رميثة فَلَمَّا بلغ السَّادة الْأَشْرَاف عزلهم كتموا ذَلِك عَن الْخَاص وَالْعَام فوصل أَمِير الْحَج بيشو الْمَذْكُور فِي موكب عَظِيم ونظام تَامّ وعساكر عديدة وَهُوَ على غَايَة الوجل من عدم مُقَابلَة الْأَشْرَاف وَنقص حرمتة بذلك وَحفظ أَمْوَال الْحجَّاج وحقن دِمَائِهِمْ وَكَانَ من عناية الله أَن مَوْلَانَا الشريف حسن قَابل المحامل الْكَرِيمَة على الْعَادة الْقَدِيمَة وَلبس الْخلْع السُّلْطَانِيَّة على أكمل حَال وَأطيب بَال ثمَّ قَابل الْأَمِير الْمَذْكُور خَاصَّة وأكرمه إِكْرَاما جزيلاً فانقضى زمن الْحَج على أحسن الْأَحْوَال وسافرت المحامل وَتوجه كل غَرِيب إِلَى بَلَده وَلما لم يبْق أَلا تجهيز الْأَمِير وتوديعه جهز الشريف حسن هَدِيَّة عَظِيمَة إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة صُحْبَة الْأَمِير الْمَذْكُور بعد كَمَال رعايته وعظيم الْعِنَايَة بِهِ فَبعد الْوَدَاع قَالَ لَهُ يعلم الْأَمِير أَنا قد بلغنَا أَن السُّلْطَان عزم على عزلنا تَصْدِيقًا للإنهاء الْبَاطِل الصَّادِر عَن فَسَاد كل مُفسد وَقَول كل قَائِل فَلَمَّا بلغنَا ذَلِك لم نَفْعل فعل أهل الظُّلم والجهالة الَّذين إِذا وصل إِلَيْهِم علم الْعَزْل نهبوا الْبِلَاد وَأَكْثرُوا فِي الأَرْض الْفساد فَأَجَابَهُ الْأَمِير بِأَن هَذِه بِلَادكُمْ خلفا عَن سلف ومولانا السُّلْطَان نَصره الله محب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 لكم وعلامة محبته لكم إخفاء ذَلِك وسوف تعلمُونَ صِحَة قولي بِمَا يأتيكم من جَوَاب مشرفاتكم فَلَمَّا وصل الْأَمِير إِلَى مصر المحروسة وَأخْبر السُّلْطَان بِمَا وَقع وَقدم الْهَدِيَّة والمكاتيب قَابل ذَلِك بِحسن الْقبُول ثمَّ أرسل إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن بِهَدَايَا مفخمة وتوقيعات شريفة مكرمَة فَشَكَرَه فِيهَا شكرا عَاما على مَا فعله ظَاهرا وَمَا صَبر عَلَيْهِ بَاطِنا ثمَّ صَرح باستِمرار ولديه على مَا كَانُوا عَلَيْهِ من ولَايَة مَكَّة والأقطار الحجازية جَمِيعهَا واستمروا كَذَلِك إِلَى سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة فعزلوا بالشريف رميثة بن مُحَمَّد ثمَّ أُعِيد فِي عَام تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة بعد محاربة شَدِيدَة بَينه وَبَين رميثة الْمَذْكُور من قبل الْملك الْمُؤَيد كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا كُله ببركة الصَّبْر والتحمل وَالنَّظَر إِلَى وَجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي حفظ دِمَاء الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ لَا سِيمَا الْحجَّاج وجيران بَيت الله الْحَرَام لَا بَرحت عناية الله شَامِلَة لحماة بَلَده الْأمين آمين وَسبَب العزلِ أَن رجلا يُسمى جَابِرا الجرشِي من أَرْبَاب الْأَمْوَال بجدة لما تَغَيرَ عَلَيْهِ الشريف حسن وصادره وَأخرجه من جدة لأَمرٍ اقْتضى ذَلِك عزم إِلَى مصر وكدر خاطر السُّلْطَان على مَوْلَانَا الشريف حسن ودبرهم فِي هَذَا الْأَمر وَأَن يولوا عَليّ بن مبارك هَذَا وَكَانَ مَحْبُوسًا عِنْدهم بالقلعة سِنِين فولوه وَأَرْسلُوا صحبته الْأَمِير بيسق أَمِيرا على الْحَاج الْمصْرِيّ واستعد لِحَرْب الشريف حسن فَلَمَّا تحقق مَوْلَانَا الشريف حسن هَذَا الْخَبَر استعد هُوَ أَيْضا للحرب وَجمع من الْخَيل وَالرجل مَا لم يجمعه غَيره قيل كَانَ عدَّة الْخَيل سِتّمائَة وَالرجل يزِيدُونَ على خَمْسَة آلَاف وتعب النَّاس لذَلِك وَضَاقَتْ بهم مَكَّة وتعبت الخواطر وكادت الْقُلُوب أَن تبلغ الْحَنَاجِر ثمَّ رَضِي السُّلْطَان الْملك النَّاصِر على الشريف حسن وَأَوْلَاده بعد توجه الْحَاج من الْقَاهِرَة فِي السّنة الْمَذْكُورَة فأعادهم إِلَى ولَايَة مَكَّة فَبعث الْأَمِير بتقليد وخلع صُحْبَة خادمه فَيْرُوز ساقي وَكتب إِلَى أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ بيسق يَأْمُرهُ بالكف عَن محاربتهم وَكَانَ تَارِيخ تَقْلِيد ولايتهم هَذِه فِي هَذِه السنهَ هِيَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة فِي الثَّانِي عشر من ذِي الْقعدَة الْحَرَام ودامت ولايتهم على ذَلِك إِلَى أثْنَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 صفر الْخَيْر سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة كَمَا سَنذكرُهُ وَقبل وُصُول الْحَج بأيام أخمد الله الْفِتْنَة بوصول الْأَمِير فَيْرُوز الطواشي الساقي الْمَذْكُور بِالْخلْعِ والمراسيم يَعْتَذِرُونَ إِلَى الشريف حسن ويطمئنونه أَن الْبِلَاد بِلَاده وسألوا فَضله أَن يَأْذَن للْحَاج فِي دُخُول مَكَّة ويعطيهم الْأمان فَإِنَّهُم لما بَلغهُمْ تهيؤه تَأَخَّرُوا وَلم يقدموا على الدُّخُول فَقَالَ الشريف حسن لَا يدخلُوا أَلا إِذا سلمُوا إِلَيْنَا جَمِيع مَا مَعَهم من السِّلَاح وآلات الْحَرْب وَإِلَّا مَا دخلوها فوافقوه على ذَلِك وَوَافَقَهُمْ على إِعَادَته إِلَيْهِم عِنْد السّفر فَدَخَلُوا مَكَّة رَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَجَاء الْأَمِير إِلَى بَيت الشريف حسن بأجياد وَسلم عَلَيْهِ وَاعْتذر قيل وَلم يحجّ الشريف حسن وَلَا أحد من أهل مَكَّة أَلا نَاس قَلِيل مخفون بِحَيْثُ أَن يَوْم النَّحْر صلوا الْعِيد بِمَكَّة وَلم يُشَاهد ذَلِك قطّ وَأصَاب الحجيج مشقة عِنْد المأزمين وَوَقع قتل وَنهب وَلَو لم يغث الحجيج أهل الْخَيل جمَاعَة الشريف حسن لذهب الْحَاج جَمِيعه وَكَذَلِكَ لَيْلَة النَّحْر بمنى وَكَانَ الْفَاعِل لذَلِك غوغاء الْأَعْرَاب وَفِي موسم خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة قتل من آل جميل جمَاعَة أهل شَرّ وَفَسَاد فَفَزعَ الْحَاج وَركب الشريف حسن بِنَفسِهِ حَتَّى أخمد الْفِتْنَة وَسلم الله الْمُسلمين وَفِي خَامِس ذِي الْحجَّة عَام سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقع بَين القواد وأمير الْحَاج وَالنَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة أَن هجم القواد بخيولهم ملبسة إِلَى مقَام الْحَنَفِيّ يطْلبُونَ الْأَمِير وكَان قد أمسك شخصا مِنْهُم يُسمى جَرَادًا وحبسه فتشفعوا بالشريف حسن إِلَيْهِ فَامْتنعَ من إِطْلَاقه فَعظم الْأَمر وَجرى الْقِتَال وسال الدَّم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَخرج الأتراك فِي إثرهم إِلَى جِهَة سوق بَاب إِبْرَاهِيم فَانْهَزَمَ القواد وَرجع الْأَمِير وَدخل الْمَسْجِد وَأدْخل خيله وَسمر أَبْوَاب الْمَسْجِد جَمِيعهَا مَا عدا أَرْبَعَة أَبْوَاب وباتت خيولهم ملابس والمشاعل تقد فِي الْمَسْجِد وغالب الحجيج بِهِ وَاجْتمعَ القواد فِي أَسْفَل مَكَّة بِمحل يُسمى الطنبداوي وانتهبت الْبيُوت والأسواق وَسلم الله الْحَاج ببركة الشريف حسن وصادف ذَلِك أَن مَكَّة فِي ذَلِك الْعَام مغلية فَأَنْشد إِذْ ذَاك بعض الأدباء وَفِيه تورية حَسَنَة // (من مجزوء الْكَامِل) // الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 (وَقَعَ الغلاءُ بمكَّةٍ ... والناسُ أمْسوا فِي جمادِ) (والخبزُ قَلَّ فَهَاهُمُ ... يتقاتَلُونَ عَلَى جَرَادِ) وَالسَّبَب فِي إِمْسَاكه أَن أَمِير الْحَاج منع النَّاس من حمل السِّلَاح بِمَكَّة فَرَأى جَرَادًا هَذَا وَهُوَ حَامِل سلَاح فأمسكه فَوَقع مَا وَقع قلت عتو هَذَا الجيل قديم غير جَدِيد فَلَعَلَّ الشَّرّ إِن لم ينقص مِنْهُم لَا يزِيد ودامت ولَايَة الشريف حسن مَعَ ولديه بَرَكَات وَأحمد إِلَى شهر صفر من عَام ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة ثمَّ وَليهَا الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي بن أبي سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة تولى عشْرين فِي صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَمَا دخل مَكَّة وَلَا دَعَا لَهُ فِي الْخطْبَة وَلَا على زَمْزَم أَلا فِي الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَت قِرَاءَة توقيعه فِي يَوْم دُخُول مَكَّة وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة مستهل ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة فَدَعَا لَهُ الْخَطِيب ودعا لَهُ على قبَّة زَمْزَم حِين طَوَافه بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَذكر فِي توقيعه الشريف بعد التَّرْجَمَة أَنه تولى نِيَابَة السلطنة عَن عَمه حسن وإمرة مَكَّة عَن ولديه بَرَكَات بن حسن وَأحمد بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما عزل الشريف حسن برميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان فَارقهَا الشريف حسن إِلَى الشقان فجبا الْجلاب هُنَاكَ وَأمر أَهلهَا بِالتَّدْبِيرِ أَو الْمُضِيّ إِلَى يَنْبع ثمَّ وصل إِلَى الْجَدِيد من وَادي مر وَاسْتولى على غلال أَصْحَاب رميثة وَاسْتمرّ بالجديد إِلَى جُمَادَى الْآخِرَة من سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَفِي رَجَب مِنْهَا بعث وَلَده الشريف بَرَكَات ومولاه الْقَائِد زين الدّين شكر لاستعطاف السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد فأنعم عَلَيْهِ بِولَايَة مَكَّة وَكتب لَة بذلك توقيعاً مؤرخاً من عشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وجهز لَهُ خلعة صُحْبَة بعض الخاصكية المؤيدية والنجابة السُّلْطَانِيَّة فَانْتَهوا إِلَيْهِ وَهُوَ فِي نَاحيَة جدة فِي أَوَائِل الْعشْر الْأَوْسَط من شَوَّال فقصدَ مَكةَ مُتَوَلِّيًا مُنْفَردا دون ولديه من قبل الْملك الْمُؤَيد ثمَّ شَاركهُ ابْنه السَّيِّد بَرَكَات بن حسن سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِإِشَارَة من الْملك المظفر ابْن الْملك الْمُؤَيد صَاحب مصر كَمَا سَيَأْتِي فَدخل مَكَّة فِي بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر شَوَّال من سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة وبأثر طَوَافه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 بِالْبَيْتِ قرئَ توقيعه وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الْمَذْكُور فَارق مَكَّة السَّيِّد رميثة بن مُحَمَّد وَمن مَعَه بعد حَرْب شَدِيد كَانَ بَينه وَبَين عَسْكَر عَمه الشريف حسن بالمعلاة يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور استظهر فِيهِ الشريف حسن على من عانده لأَنهم لما أَقبلُوا من الأبطح ودنوا من بَاب المعلاة أزالوا من كَانَ على الْبَاب وقربه من أَصْحَاب رميثة بِالرَّمْي بالنشاب والأحجار وَعمد بَعضهم إِلَى بَاب السُّور فدهنه وأوقد تَحْتَهُ النَّار فَاحْتَرَقَ الْبَاب حَتَّى سقط إِلَى الأَرْض وَقصد بَعضهم طرف السُّور الَّذِي يَلِي الْجَبَل الشَّامي مِمَّا يَلِي الْمقْبرَة فَدخل مِنْهُ جمَاعَة من التّرْك أَصْحَاب الشريف حسن ورقوا موضعا مرتفعاً من الْجَبَل ورموا مِنْهُ بالنشاب والأحجار من كَانَ دَاخل الدَّرْب من أَصْحَاب رميثة فتعبوا لذَلِك كثيرا ونقب بَعضهم فِي السُّور نقباً متسعاً حَتَّى اتَّصل بِالْأَرْضِ فَدخل مِنْهُ جمَاعَة من الفرسان من عَسْكَر الشريف حسن إِلَى مَكَّة ولقيهم جمَاعَة من أَصْحَاب رميثة فقاتلوهم حَتَّى أخرجوهم من السُّور وَقد حصل فِي الْفَرِيقَيْنِ جراحات وَهِي فِي أَصْحَاب رميثة أَكثر وَقصد بعض عَسْكَر الشريف حسن السُّور مِمَّا يَلِي بركَة الصارم فَنقبُوا فِيهِ نقباً متسعاً وَلم يتمكنوا من الدُّخُول مِنْهُ لأجل البرك فَإِنَّهَا مهواة فَنقبُوا موضعا آخر فَوْقه ثمَّ إِن بعض الْأَعْيَان من أَصْحَاب الشريف حسن أَجَارَ من الْقِتَال وَكَانَ الشريف حسن كَارِهًا لِلْقِتَالِ رَحْمَة مِنْهُ لمن مَعَ رميثة من القواد وَالْعمْرَة وَلَو أَرَادَ الدُّخُول إِلَى مَكَّة بِكُل عسكره من الْموضع الَّذِي دخل مِنْهُ بَعضهم لقدر على ذَلِك وَلكنه أمضى الجيرة بترك الْقِتَال وبأثر ذَلِك وصل إِلَيْهَا لما تَعب النَّاس من النهب وَالْقَتْل وَالْخَوْف جمَاعَة من الْعلمَاء والصلحاء من أهل مَكَّة والمجاورين وحملوا الْمَصَاحِف والربعات على رُءُوسهم وسألوا فضل الشريف حسن فِي كف عسكره فأجابهم إِلَى ذَلِك بِشَرْط أَن يخرج من عانده من مَكَّة المشرفة فَمضى الْفُقَهَاء إِلَيْهِم وأخبروهم بذلك فتأخروا عَنهُ إِلَى جَوف مَكَّة وَدخل الشريف حسن وَمن مَعَه السُّور وخيم حول بركتي المعلاة وَأقَام هُنَاكَ حَتَّى أصبح فَدخل مَكَّة بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر شَوَّال كَمَا تقدم ذكر ذَلِك آنِفا وَطلب الشريف رميثة وَأَصْحَابه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 مهلة خَمْسَة أَيَّام فأعطوها ثمَّ خَرجُوا إِلَى نَاحيَة الْيمن ثمَّ فِي عَام أَرْبَعَة وَعشْرين وَثَمَانمِائَة تسلطن الْملك المظفر ابْن الْملك الْمُؤَيد فَأرْسل توقيعاً شريفاً للشريف حسن فقرئ بِظِل زَمْزَم مَوْضُوعه أَنه فوض أَمر مَكَّة إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن الْمَذْكُور وأشرك مَعَه وَلَده بَرَكَات وَأرْسل لَهما خلعة سلطانية من خزانته ثمَّ وصل مرسوم شرِيف قرئَ بِالْحَطِيمِ بِمحضر أَفَنْدِي مَكَّة وَشَيخ حرمهَا والأعيان والصدور مضمونه على لِسَان الْملك المظفر بِأَن وَالِده الْملك الْمُؤَيد انْتقل إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ وَأَنه بُويِعَ بِعَهْد من أَبِيه وموافقة من أهل الْحل وَالْعقد من الْعلمَاء والقضاة والأمراء وَأَنه جلس على سَرِير السلطنة فِي ثَانِي محرم من سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَأَن الْمَطْلُوب من مَوْلَانَا الشريف حسن وَذَوِيهِ السّمع وَالطَّاعَة وتأمين الأقطار الحجازية وَأَنه مبذول لَهُم من جَانب السلطنة الشَّرِيفَة كَمَال الرِّعَايَة وبذل الْجُود وَالعطَاء وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ بعد مُدَّة استمال الشريف حسن ابْن أَخِيه رميثة الْمَذْكُور وأحضره وَصفا لَهُ فَتغير عَلَيْهِ القواد وَقَامُوا بناصر ذَوي ثقبة بن أبي نمي وهم أَوْلَاد أَحْمد بن ثقبة بن رميثة وَأَوْلَاد عَليّ بن مبارك وأعلنوا بالسلطنة لثقبة بن أَحْمد بن ثقبة بن أَحْمد بن ثقبة وميلب بن عَليّ بن مبارك وَجعلُوا لكل مِنْهُمَا نواباً بجدة فَجهز الشريف حسن عَلَيْهِم فَهَرَبُوا وقصدوا مَكَّة واحتربوا هم ونائبه فِيهَا مِفْتَاح الزفتاوي فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا جمَاعَة مَعَه ثمَّ رجعُوا إِلَى الْغَد وَلما كَانَ النّصْف الثَّانِي من شَوَّال سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة قدم من مصر وَلَده الشريف بَرَكَات بن حسن فسر بِهِ وَلما طَاف بِالْكَعْبَةِ دعى لَهُ على زَمْزَم وَصَارَ أَبوهُ الشريف حسن يتفوه لَهُ بِالْولَايَةِ وَيَقُول لبني حسن وَغَيرهم هُوَ سلطانكم وَفِي ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَعشْرين أظهر للنَّاس أَنه تخلى عَن أَمر مَكَّة لِابْنِهِ الشريف بَرَكَات بِحَيْثُ أجلسه على المفرشة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَجلسَ هُوَ على مفرشة عِنْده فَجمع ابْنه حسن عَن طَاعَة أَبِيه لكَونه قدم أَخَاهُ بَرَكَات عَلَيْهِ فَأرْسل لَهُ أَبوهُ الشريف حسن يستعطفه فَلم يمل أَحْمد لذَلِك وَحمله جمَاعَة من المفسدين على نهب جدة فَفعل وَلم يسهل ذَلِك بِأَبِيهِ ثمَّ دخل فِي الطَّاعَة ثمَّ نكث وَمضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 إِلَى يببع ثمَّ عَاد مَعَ الْحَاج ثمَّ رَجَعَ وَفِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة سَأَلَ من الْملك الْمُؤَيد تَفْوِيض مَكَّة لِوَلَدَيْهِ بَرَكَات وَإِبْرَاهِيم وتنصل من إمرتها لضعف بدنه وميله إِلَى التخلي لِلْعِبَادَةِ وَتوجه عقب الْكتاب إِلَى صوب حلى آخر صفر وَفِي ثَانِي عشر ربيع الأول من سنة أَربع وَعشْرين وصل تشريفان لَهُ ولابنه بَرَكَات وعهد يتَضَمَّن ولايتهما لمَكَّة من الْملك المظفر أَحْمد ابْن الْملك الْمُؤَيد كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَأَرَادَ الشريف حسن أَن يُشْرك وَلَده إِبْرَاهِيم مَعَ أَخِيه بَرَكَات فَحصل تنافر بَين الْأَخَوَيْنِ فوصل إِبْرَاهِيم من جَانب الْيمن وَمَعَهُ الْأَشْرَاف وألزموا الْمُؤَذّن بِالدُّعَاءِ لَهُ فَفعل وَلم يسهل ذَلِك بأَخيه بَرَكَات وَصَارَ يخْطب لإِبْرَاهِيم مَعَ أَبِيه حسن وأخيه بَرَكَات وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين أَمر الشريف حسن بِقطع الدُّعَاء لوَلَده إِبْرَاهِيم من الْخطْبَة وَغَيرهَا لِأَنَّهُ أمره بمباينة ذَوي رَاجِح فَلم يفعل وَلم يزل الشريف حسن مستمراً فِي الْولَايَة إِلَى أَن صرف عَنْهَا هُوَ وَولده بَرَكَات سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بالشريف عَليّ بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي وَكَانَ ذَلِك بتفويض السُّلْطَان برسباي ملك مصر المحروسة فوليها الشريف عَليّ بن عنان الْمَذْكُور وجهز مَعَه الْملك برسباي من مصر جَيْشًا كثيفاً وخيلاً وأميراً يكون عِنْده كَمَا هُوَ الْعَادة لِأَنَّهُ عزل حسنا الْمَذْكُور بِمَوْت سُلْطَانه الَّذِي ولاه وَهُوَ الْملك المظفر ابْن الْملك الْمُؤَيد فخشي السُّلْطَان برسباي من مُخَالفَة حسن الْمَذْكُور ومحاربته لعَلي وَكَانَت تَوليته فِي سنة سبع وَعشْرين الْمَذْكُورَة فَدخل مَكَّة بِمن انْضَمَّ إِلَيْهِ من الْأَشْرَاف والقواد المنسوبين لعجلان فَطَافَ والمؤذن يَدْعُو لَهُ على زَمْزَم وَقُرِئَ توقيعه بِالْحَطِيمِ على الْعَادة وَلبس الخلعة ثمَّ خرج رَاكِبًا من بَاب الصَّفَا مختلعاً فَطَافَ فِي شوارع مَكَّة المكرمة ثمَّ نزل إِلَى جدة المعمورة لأخذ مواجبه من الواصلين من الْهِنْد وترفق بهم غَايَة الترفق ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة ونادى بالأمان وَأَن كل من اخْتَار الْخدمَة من الْأَشْرَاف والقواد يَأْتِي إِلَيْنَا وَمن لَا فَلَا يُقيم عندنَا وَله منا شهر زمَان مهلة وَقيل إِنَّه استمال الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان الَّذِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قبل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 للشريف حسن فوصل إِلَيْهِ فَلَزِمَهُ الْأَمِير قرقماس وَوَضعه فِي الْحَدِيد وَذهب بِهِ إِلَى مصر صُحْبَة الْحَاج فَأرْسل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة هُوَ والشريف مقبل صَاحب يَنْبع وَخَرجُوا رَابِع عشر ذِي الْحجَّة إِلَى الشريف حسن وَذَلِكَ أَن الشريف حسن لم يحدث مِنْهُ شَيْء لما عزل بالشريف عَليّ بن عنان بل لما سمع أَنه قرب من مَكَّة واصلاً إِلَيْهَا من مصر مُتَوَلِّيًا صُحْبَة الْحَاج خرج عَنْهَا هُوَ والأشراف الَّذين مَعَه والقواد وَتَنَحَّى بِنَاحِيَة قرب مَكَّة وراسل السُّلْطَان برسباي بالْكلَام اللين وعرفه أَن عَزله كَانَ بِغَيْر سَبَب فَخَرجُوا إِلَيْهِ وَأَرَادُوا أَن يهجموا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مكر بِهِ بعد التُّجَّار واستدناه فقصدوه ليظفروا بِهِ فَلم يروه بحماية الله تَعَالَى وَاسْتمرّ الشريف عَليّ بن عنان إِلَى أَن عزل عَنْهَا غرَّة ذِي الْحجَّة من عَام ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بالشريف حسن فوليها الشريف حسن بِعَهْد من ملك مصر برسباي لِأَنَّهُ راسله بالْكلَام اللين وعرفه عَزله بِغَيْر سَبَب كَمَا تقدم فَرضِي عَلَيْهِ وَأعَاد إِلَى إمرة مَكَّة وَلما بلغ الشريف حسن هَذَا الْخَبَر أرسل وَلَده السَّيِّد بَرَكَات لمواجهة أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فواجهه وَدخل هُوَ وإياه إِلَى الْمَسْجِد وَحلف لَهُ بِاللَّه تَعَالَى أَن السُّلْطَان قد رَضِي على أَبِيك الشريف حسن وَأَنه لَا يَنَالهُ مني وَلَا من السُّلْطَان سوء وَكَانَ الْحلف على الْمُلْتَزم فَعِنْدَ ذَلِك دخل الشريف حسن وواجه الْأَمِير وَأهْدى إِلَيْهِ هَدَايَا وَأَعْطَاهُ مِحَفةً حَج فِيهَا ثمَّ إِنَّه حج بِالنَّاسِ وَأظْهر طَاعَة السُّلْطَان برسباي وأعلن بِالدُّعَاءِ لَهُ فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى السُّلْطَان برسباي طلب حُضُور مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَيْهِ فَتوجه فِي الْمَوْسِم من السّنة الْمَذْكُورَة فَلَمَّا وصل أَمر السُّلْطَان أَن يتلقاه الْأُمَرَاء والأكابر ويمشوا بَين يَدَيْهِ وَلما حضر بَين يَدَيْهِ أنعم عَلَيْهِ بِالْخلْعِ العديدة والإنعامات المزيدة وَالْتزم الشريف حسن أَن يخْدم السُّلْطَان بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأرْسل عَبده شكر إِلَى بندر جدة ليَأْتِيه بهَا وَاسْتمرّ بِمصْر على كَمَال الحشمة ووفور النِّعْمَة فَكتب بعض أدباء مَكَّة إِلَى السُّلْطَان على لِسَان مَكَّة يذكر أَنَّهَا متشوقة إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 الشريف حسن قَوْله // (من الوافر) // (مِنَ البلدِ المُخصَّص بالأمان ... وَكَعْبَتِهِ المشرَّفة المباني) (تقبل كَفَّ سُلْطَانِ البرايا ... أبي النصْرِ الموفَّقِ للمَعانِي) (برسْبَاى الَّذِي ملكَتْ يَدَاهُ ... جَمِيعَ الخَلْقِ مِنْ قاصٍ ودانِى) (وتُنْهِى مَا بهَا من عُظْمِ شوقٍ ... إِلَى سُلْطَانِها بَدْرِ الزمانِ) إِلَى أَن قَالَ // (من الوافر) // (فَرُدَّ إلىَّ سلطاني سَرِيعا ... فإنِّى كَالجوادِ بِلاَ عنانِ) فَسَمعَهَا السُّلْطَان فرسم للشريف حسن بالتوجه إِلَى مَكَّة وجهزه وبرز ثقله خَارج الديار المصرية فَاعْترضَ لَهُ الضعْف فَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَمكث بهَا أَيَّامًا يسيرَة ثمَّ توفّي بهَا سادس عشر جُمَادَى الْأُخْرَى سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن فِي حوش الْملك الْأَشْرَف برسباي الْمَذْكُور بالصحراء وقبره هُنَاكَ مَشْهُور يزار وَله وقائع مَشْهُورَة فى التورايخ مسطورة مَعَ إخْوَته وَبنى عَمه وملوك مصر والقواد وَغَيرهم وَكَانَ ذَا ثروة عَظِيمَة وحشمة وافرة جسيمة وخيرات كَثِيرَة عميمة بنى بِمَكَّة رِبَاطًا للرِّجَال ورباطاً للنِّسَاء وَبنى المارستان وَعمر أوقافه وَزَاد فِيهَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وجدد رِبَاط رامشت عِنْد بَاب الْحَزْوَرَة وَلم يل مَكَّة قبله من يدانيه فى شئ من ذَلِك وَقد مدحه كثير من شعراء مَكَّة المعتبرين مِنْهُم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الفاسى وَالِد تَقِيّ الدّين الفاسي مؤرخ مَكَّة وَمِنْهُم شيخ الْإِسْلَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الْمقري وَكَانَ الْملك النَّاصِر أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الغساني صَاحب الْيمن تشفع إِلَى الشريف حسن بن عجلَان سنة سبع وَثَمَانمِائَة فِي ترك التشويش على مُوسَى صَاحب حلى وحثه على الْمُوَافقَة على ذَلِك القَاضِي شرف الدّين الْمَذْكُور بقصيدته النونية وَهِي قَوْله // (من الْكَامِل) // (أحسنْتَ فِي تدبيرِ مُلْكِكَ يَا حَسَنْ ... وأَجَدتَّ فِي تحليلِ أخلاطِ الفتَنْ) (مَا كنتَ بالنزقِ العَجُولِ إِلَى الأذَى ... عِنْد النِّزَاعِ وَلَا الضغيفِ أَخا الوَهَنْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 (تمسِى ورأيُكَ عَن هواكَ معوَّقٌ ... والغرُّ ملقٍ فِي يَد الأهوا الرَّسَنْ) (داءُ الرياسةِ فِي متابَعَةِ الهوَى ... ودواؤها فِي الدفْعِ بالوجْهِ الحَسَنْ) (وَإِذا الفتَى استَقْصَى لنصرةِ نفسِهِ ... قَلَبَ الصديقُ لحربه ظَهْرَ المجَنٌ) (لَا تُصْغِ إِن شرٌّ دَعَا فالشرُّ إِن ... تنهضْ لَهُ يَنْهَضْ وَإِن تسكُنْ سَكَنْ) (وسديد رأْيٍ لَا يُحَرِّكُ فتْنَة ... سَكَنَتْ وَإِن حَرَّكْنَهُ الفِتَنُ اطمأنّ) (رَدَّ العدوَّ إِلَى الصداقةِ حكمةٌ ... صَفَّتْ من الأكدارِ عيشَ ذَوي الفِطَنْ) (بالسيفِ والإحسانِ تُقْتَنَصُ الْعلَا ... وحصولُهَا بهما جَمِيعًا مرتهَنْ) (لَا خيرَ فى منَنٍ وَلَا سيف بهَا ... ماضٍ وَلَا فِي السيفِ لَيْسَ لَهُ منَنْ) (أما حلى فإنَّ خوفَكَ لم يدَعْ ... أَهلا بهَا للزائرينَ وَلَا وطَنْ) (حلَّيْتهُم مِنْهَا وجسمُكَ وادعٌ ... فِي مكةٍ لم يُحْوِجُوكَ إِلَى ظَعَنْ) (تركُوا لَك الأوطانَ غَيْرَ مدافعٍ ... وتعلَّقوا بذرى الشوامخِ والَقُنَنْ) (حفظوا نفوساً بالفرارِ أطلَّها ... سيفٌ على الأرواحِ ليْسَ بمؤتَمَنْ) (ولحفظها بالفَرِّ أكْبرُ شاهدٍ ... لَك بالعلا فِلمَ التأسُّفُ والحَزَنْ) (فاغمدْ سيوفَكَ رَغْبَة لَا رهبةً ... مَا فِي قتيلٍ فرَّ مَرْعُوبًا سمنْ) (واكرمْ سيوفَكَ من دِمَا طرادتها ... فالحُرُّ يكرمُ سيفَه أَن يمتَهَنْ) (قد كَانَ لَا يرضَى يخطِّط سيفَهُ ... فِي ظهر مَنْ ولَّى أَبوك أَبُو الحَسَنْ) (وَقد اقتدرْتَ وباقتدارِ ذَوي النهَى ... تنفلُّ أحقاد الضغائن والإحَنْ) (موسَى هِزَبرٌ لَا يطاقُ نزالُهُ ... فِي الْحَرْب لكنْ أَيْن موسَى من حَسَنْ) (هذاكَ فِي يَمَنٍ وَمَا سلمَتْ لَهُ ... يَمَنٌ وَذَا فِي الشامِ لم يَدَعِ اليمَنْ) (فانظرْ إِلَى موسَى وَقد لعبَتْ بِهِ ... لما سخطْتَ عَلَيْهِ أحداثُ الزمَنْ) (ذاقَ المرارَ لفَوْتِهِ أوطانَهُ ... فَقِهِ مرارةَ فُرْقة الرُّوحِ البَدَنْ) (لَو شئتَ وَهُوَ عَلَيْك سَهْلٌ هينٌ ... لجمعتَ بَين الجَفْنِ مِنْهُ والوسَنْ) (بعْ مِنْهُ مهْجَتهُ وخُذْ مَا عندَهُ ... ثمنا يكنْ مِنْك المثمِّنُ والثمَنْ) (هذي مساوَمَةُ الفحولِ ومَنْ يبعْ ... مَا بعْتَ لم يعلَقْ بصفقته الغَبَنْ) (جِئْنَا بحُسْنِ الظَّنِّ نَسْأَلك الرضَا ... والعَفْوَ عَنهُ فَلَا تخيِّبْ فِيك ظَنِّ) (فالحرُّ يكرمُ سائليه يَرَى لَهُم ... فضلا كَمَا ابتداءوه بالظنِّ الْحسن) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 (ويهينُ سائله اللَّئِيم لظنِّهِ ... فِي مثله خيرا وَذَلِكَ لَا يُظَنْ) (لَا زِلْتَ للشرفِ المخلَّد بانياً ... شرفاً ومجداً ثَابتا لِبَنى حَسَنْ) وَلما وَقع بَين الشريف حسن بن عجلَان وَبَين الْأَمِير أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الغساني صَاحب جِهَات الْيمن الْحَرْب منع مسير الْجلاب بالحبوب إِلَى أهل الْحرم الشريف فَأَنْشَأَ السَّيِّد المرتضى قصيدة يستشفع عِنْد الْأَمِير أَحْمد فِي إِطْلَاق الْحُبُوب إِلَى أهل مَكَّة فَقبل شَفَاعَته وأطلقها وَهِي هَذِه // (من الْكَامِل) // (عطفا على الحرمَيْن يَا ملكَ اليَمَنْ ... وتجاوزٌ ايا خيرَ أملاكِ الزمَنْ) (وارفُقْ بأهلِ اللهِ فِي أمِّ القُرَى ... إِن لم تكُنْ أنْتَ الرفيقَ فمَنْ ومَنْ) (إِنِّي أشيرُ عليكَ رأْىَ نصيحةٍ ... والمستشارُ من الْبَريَّة مؤتمَنْ) (لَا تسلكَنْ فيهم طريقَةَ قاطِع ... للرحْمِ إنهُمُ هُنَاكَ كمَنْ ومَنْ) (ألْمَنُّ منكَ وأنْتَ مَنٌّ سائلٌ ... للمسلمينَ وأنْتَ فِي المَنَّيْن مَنْ) (أَنْت الَّذِي ورثَ المكارمَ عَن يدٍ ... وَلَك المعالمُ والعلومُ بكلِّ فَنّ) (ولكَ السماحةُ والتقَى من أسعدٍ ... وَلَك الوجاهَةُ والعلا من ذِي يَزَنْ) (فانظُرْ بعينِ حقيقةٍ وسماحةٍ ... تِلْكَ الأَمَاِكنَ والمساكنَ والسكَنْ) (لَا تحملنَّكَ عزةٌ ملكيَّةٌ ... فِي حربها بخلافِ مَنْ فِيهَا سكَنْ) (إِن الَّذِي فَعَلَ الشريفُ وَإِن جنَى ... مثلُ الحصاةِ وأنْتَ فِي عفْو حضنْ) (من ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطُّ وَمن لَهُ الحسنَى ... فقَطُّ وَمن لَهُ الْعقل الحَسَنْ) (حسنٌ مليكٌ فِي الحجازِ معظمٌ ... فِيهَا ولكنْ أَيْن أحمدُ من حَسَنْ) (هَذَا لَهُ يَمَنٌ وَهَذَا مَا لَهُ ... إِلَّا فضَاضَة مَا تفيضُ بِهِ عَدَنْ) (وَلَك المدائنُ والسفائنُ كلُّها ... وَله يلمْلَم والجنوبُ إِلَى قَرَنْ) (أطلقْ لَهُ سُفُنَ البحارِ فَإِنَّهَا ... تجرِى إِلَى البيتِ العتيقِ على سَنَنْ) (بيتٌ لَهُ خَضَعَ الملوكُ جلالةً ... وَبِه تفاضَلَتِ الفرائضُ والسنَنْ) (وأبوكَ أولُ كَسَاه كَمَا أتَى ... فِي مُحْكَمِ التاريخِ فِي مَلإِ اليمنِ) (ولكمْ بِهِ آثارُ فضلٍ ظاهرٍ ... فِيمَا تظاهر من بناه وَمَا بطَنْ) (رسم المظفَّر فِيهِ مكتوبٌ بماءِ ... الْعين أيده المؤيِّدُ بالمنَنْ) (وعلَى منابرِهِ يشاعُ بذكْرِكُمْ ... بِالصَّوْتِ فِي الحرمِ الشريفِ إِذا ازدجَنْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 (أوَ لَيْسَ فِي هَذَا الدُّعَاء لأهلِهِ ... وَلمن أقامَ بِهِ الأمانُ من الفتَنْ) (صُنْ مَكَّة الغراءَ من فِتنٍ ومِنْ ... محن فأنتَ أحقُّ من طفأ الفِتَنْ) (وَمن المحاسِنِ فِي الكلامِ قصيدةُ الْمُقْرى ... الَّتِي جمع البديعَ بهَا وَسَنّ) (قد قَالَ فِي أبياتها وبديعهَا ... لله ذَاك القَوْلُ من قولٍ حَسَنْ) (داءُ الرياسةِ فِي مُتَابعَة الهَوى ... ودواؤه فِي الدفعِ بالوجْهِ الحَسَنْ) (وإذَا الْفَتى استقصَى لنصرةِ نفسِهِ ... قَلَبَ الصديقُ لحربه ظَهْرَ المجِنْ) (لَا تُضغ إِن شرِّ دَعَا فالشرُّ إِن ... تنهضْ لَهُ ينهضْ وَإِن تسكُنْ سَكَنْ) (وسديدُ رأىٍ لَا يحرِّكُ فتنةٌ ... سكَنَتْ وَإِن حركْتَهُ الفتنُ اطمأنّ) (رَدَّ العدوَّ إِلَى الصداقةِ حِكْمَة ... صفَّتْ من الأكدار عَيْشَ ذَوي الفطَنْ) (هذي نصائحُ أبرزتْها فكرةُ الْمقْرى ... تفوقُ الدُّر لَيْسَ لَهَا ثمَنْ) (فاقبل نصائح تتصلْ بل إِنَّهَا ... حِكَمٌ تفوقُ الدرَّ يدْخلهُ الوَهَنْ) (أنتَ المليكُ ابنُ المليكِ وليْسَ مِنْ ... شأنِ الملوكِ الشمِّ إحمالُ الإحَنْ) (وَترى الطبيبَ إِذا تقادم جُرْحُ من ... يدويه لاطَفَهُ وغيَّرَ بالدهنْ) (كلٌّ لَهُ شجنٌ وَمَا لَك فِي الْعلَا ... شجَنٌ سوى الْإِصْلَاح يَالَكَ من شجنْ) (ولأَنْتَ فِي الإسلامِ رأسٌ واحدٌ ... والرأسُ مهما اعْتَلَّ يتبعُهُ البدَنْ) (رفقا بأهْلِ المكَّتَينِ وَرَحْمَة ... بهمُ وعطفاً شَامِلًا لبني حَسَنْ) (وَإِذا أردتَّ لَهُ معاتبةٌ علَى ... مَا فاتَ قَلْتَ الصيفَ ضيَّعْتِ اللبَنْ) (لَا زلتَ فِي الشَّرَفِ المعظَّم خَالِدا ... مَا غرَّدَ القُمْرِيْ الطروبُ على فَنَنْ) وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد جملَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم وَعلي وَإِبْرَاهِيم وبركات ثمَّ وَليهَا الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَذَلِكَ أَنه استدعاه السُّلْطَان برسباي سادس عشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سِتَّة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا قدم إِلَى مصر المحروسة أواسط ذِي الْقعدَة فوض إِلَيْهِ إمرة مَكَّة المشرفة عوضا عَن وَالِده وَقرر أَخَاهُ إِبْرَاهِيم بن حسن نَائِبا عَنهُ ثمَّ ألبسهما خلعتين عظيمتين فوصلا إِلَى مَكَّة المشرفة ودخلها بِالْخلْعِ السُّلْطَانِيَّة وَقُرِئَ توقيع مولأنا الشريف بَرَكَات بِالْحَطِيمِ على طَريقَة أسلافه الْكِرَام لَا زَالَ الْملك فيهم وَفِي عقبهم إِلَى يَوْم الْقيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 قَالَ المقريزي فِي كتاب السلوك فِي أَخْبَار الْمُلُوك لما كَانَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر شهر رَجَب من عَام تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بعث الشريف أَبُو زُهَيْر بَرَكَات ابْن حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة بعثاً فِيهِ يشكو عبيد أَبِيه الشريف حسن بن عجلَان من بطُون حَرْب إِحْدَى قبائل مذْحج ومنازلهم حول عسفان نزلُوا سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقد أخرجهم بَنو لَام من أَعمال الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَكثر عبثهم وَأَخذهم السابلة من الْمَارَّة إِلَى مَكَّة بالميرة وَجعل على هَذَا الْبَعْث أَخَاهُ الشريف عَليّ بن حسن بن عجلَان وَمَعَهُ من بني حسن الشريف ميلب بن عَليّ بن مبارك بن رميثة وَغَيره فِي عدَّة من النَّاس وَسَار مَعَهم الْأَمِير أرنبغا أَمِير الْخمسين المركزين بِمَكَّة من أماكنه السُّلْطَانِيَّة وصحبته مِنْهُم عشرُون مَمْلُوكا فنزلوا عسفان يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقَطعُوا الثَّنية الَّتِي تعرف الْيَوْم بمدرج عَليّ حَتَّى أَتَوا الْقَوْم وَقد أنذروا بهم فتنحوا عَن الأَرْض وَتركُوا بهَا إبِلا مَعَ خَمْسَة رجال فَأول مَا بدءوا أَن قتلوا الْخَمْسَة رجال وَامْرَأَة حَامِلا كَانَت مَعَهم وَمَا فِي بَطنهَا أَيْضا وَاسْتَاقُوا الْإِبِل حَتَّى إِذا كَانُوا نَحْو النّصْف من الثَّنية الْمَذْكُورَة ركب الْقَوْم عَلَيْهِم الجبلين يرمونهم بالحراب وَالْحِجَارَة فَانْهَزَمَ الْأَمِير أرنبغا فِي عدَّة من المماليك وَقد قتل مِنْهُم ثَمَانِيَة وَمن أهل مَكَّة وَغَيرهم نَحْو الْأَرْبَعين وَزِيَادَة وجرح كثير مِمَّن بَقِي وغنم الْقَوْم مِنْهُم اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فرسا وَعشْرين درعاً وَمن السيوف والرماح والأسلحة والأسلاب مَا قيل إِن مبلغه ثمنا خَمْسَة آلَاف دِينَار وَأكْثر فَلَمَّا طلعت شمس يَوْم الْجُمُعَة دخل أرنبغا بِمن بَقِي مَعَه من المماليك مَكَّة وهم يَقُولُونَ قتل جَمِيع من خرج من الْعَسْكَر فَقَامَتْ عِنْد ذَلِك بِمَكَّة صرخة من جَمِيع نَوَاحِيهَا لم نر مثلهَا شناعة وَأَقْبل المنهزمون نَاسا بعد نَاس فِي عدَّة أَيَّام وَحمل الشريف ميلب يَوْم السبت ميتَاً وَمَات بعده بأيام شرِيف آخر من جِرَاحَة شوهت وَجهه كُله من أَعلَى جَبهته إِلَى أَسْفَل ذقنه فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات على ولَايَة مَكَّة إِلَى سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَنزل فِيهَا بأَخيه عَليّ بن حسن كَمَا سَيَأْتِي وَقيل فِي الَّتِي بعْدهَا بِموضع يُقَال لَهُ الحشافة بِالْقربِ من جدة وَأَجَازَ لَهُ فِي سنة خمس جمَاعَة من الْعلمَاء الحافظان الْعِرَاقِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 والهيثمي والبرهان ابْن صديق والمراغي وَعَائِشَة بنت عبد الْهَادِي وَالشَّمْس الفرسيسي فِي آخَرين وَحدث عَنهُ البقاعي وَغَيره كَذَا فِي نظم العقيان فِي أَعْيَان الْأَعْيَان للسيوطي وَنَشَأ شرِيف الهمة حسن الْأَفْعَال جميل الْأَخْلَاق أشركه وَالِده كَمَا قُلْنَاهُ فِي إمرة مَكَّة مرَارًا وَكَانَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي جَمِيع أحوالها وَلما توفّي وَالِده ارتحل إِلَى الْقَاهِرَة بِطَلَب من السُّلْطَان برسباي وَالْتزم بِمَا على وَالِده من المَال وَاسْتقر فِي إمرة مَكَّة بمفرده وَلما وصل إِلَى مَكَّة حسنت سيرته فِي النَّاس وَعم النَّاس خَيره وَلما مَاتَ السُّلْطَان برسباي واستقل الْملك الظَّاهِر جقمق فِي مملكة مصر طلبه إِلَى الْقَاهِرَة فَامْتنعَ من التَّوَجُّه إِلَيْهِ خوفًا مِنْهُ بِسَبَب وَاقعَة وَقعت لَهُ مَعَ الظَّاهِر الْمَذْكُور لما حج وَهُوَ أَمِير فِي عَام سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَعِنْدَ ذَلِك رام السُّلْطَان أَن يولي أَخَاهُ عليا وَكَانَ عَليّ عِنْده بِالْقَاهِرَةِ لِأَنَّهُ وَقع بَينه وَبَين أَخِيه بَرَكَات منافرة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين فعزم إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن ولي سنة خمس وَأَرْبَعين كَمَا سَيذكرُ فَلم يُوَافق على ذَلِك من أَرْكَان الدولة من يعْتَمد عَلَيْهِ فتوقف ثمَّ فعله فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة فولى أَخَاهُ عَليّ بن حسن بن عجلَان إمرة مَكَّة المشرفة مُنْفَردا وجهز مَعَه عسكراً فوصل الْعلم إِلَى الشريف بَرَكَات وَهُوَ بوادي الْآبَار توجه من فوره إِلَى جدة وأخلى مَكَّة المشرفة من نوابه ثمَّ وصل وَزِير الشريف عَليّ بن حسن قبله إِلَى مَكَّة وَهُوَ الْقَائِد مزروع الْعجْلَاني ودعا لأمير مَكَّة من غير تعْيين على منبرها فِي رَجَب من الْعَام الْمَذْكُور ثمَّ وصل الشريف عَليّ فَدخل مَكَّة وَلما نزل الشريف بَرَكَات إِلَى جدة استولى عَلَيْهَا فراسله الشريف عَليّ وَأَخُوهُ الشريف إِبْرَاهِيم وَمن مَعَهُمَا من الْأُمَرَاء وسألوه أَن يخرج من الْبِلَاد فَامْتنعَ أَلا من الْمُحَاربَة فَوَقَعت بَينهمَا الْحَرْب بالجديد بِالْقربِ من جدة فَكَانَت الْغَلَبَة لعَلي وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء والأتراك واستولوا على جدة وَتوجه الشريف بَرَكَات إِلَى جِهَة الْيمن هُوَ وَمن مَعَه وَاسْتمرّ عَليّ فِي إمرة مَكَّة مُدَّة قَليلَة إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ مَعَ أَخِيه إِبْرَاهِيم يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع شَوَّال سنة سِتّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وكبلا فِي الْحَدِيد وَظهر عَزله بأَخيه الشريف أبي الْقَاسِم فوليها الشريف أَبُو الْقَاسِم بن حسن بن عجلَان وَكَانَ بِالْقَاهِرَةِ فَطلب الْأُمَرَاء المقيمون بِمَكَّة وَلَده السَّيِّد زَاهِر بن أبي الْقَاسِم بن حسن بن عجلَان وألبسوه خلعة ليَكُون نَائِبا عَن أَبِيه فَقَامَ بِحِفْظ الْبِلَاد وَلَده السَّيِّد زَاهِر وَذهب بالأخوين عَليّ وَإِبْرَاهِيم إِلَى جدة وأركبا فِي جلبة إِلَى الْقَاهِرَة وتفصيل هَذِه الْوَاقِعَة هُوَ مَا ذكره الجزيري فِي تَارِيخه فَقَالَ لما كَانَت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وصل حكم من السُّلْطَان الظَّاهِر جقمق صَاحب مصر مَعَ الْأَمِير تمراز بِالْقَبْضِ على الشريفين عَليّ بن حسن بن عجلَان وأخيه إِبْرَاهِيم وتجهيزهما إِلَى مصر فَحَضَرَ الْأَمِير تمراز إِلَى مَكَّة فِي مستهل شَوَّال فَأرْسل الْأَمِير بيورلدي إِلَى الشريف عَليّ ابْن الشريف حسن أَن يحضر هُوَ وَأَخُوهُ السَّيِّد إِبْرَاهِيم للبس خلعتيهما فتخيلا من ذَلِك وَكَانَا بوادي الْآبَار ثمَّ اقْتضى رأيهما أَن يُقيم السَّيِّد إِبْرَاهِيم بوادى الْآبَار وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهِم الشريف عَليّ فوصل إِلَى مَكَّة فِي عشَاء ثَالِث شَوَّال وأتاهم فِي صباحها فَسَأَلُوهُ عَن أَخِيه السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَذكر لَهُم عَنهُ عذرا أَقَامَهُ فألبس الْأَمِير تمراز الشريف عَليّ خلعة حَمْرَاء وحياصة وَقُرِئَ مرسوم السُّلْطَان مضمونه إِنَّه بلغنَا أَن الشريف عَليّ متشوش الخاطر فليطب نفسا وليقر عينا فَإنَّا لَا نغير عَلَيْهِ شَيْئا أبدا مَا دَامَ على العهو والمواثيق وَقد بعثنَا لَهُ بخلعة ولأخيه إِبْرَاهِيم كاملية فَرو قاتم فقرت بذلك عين الشريف فلبسها وَطَاف بِالْبَيْتِ فَحسن الأتراك للشريف عَليّ أَن يُرْسل إِلَى أَخِيه إِبْرَاهِيم فيصل للبس خلعته السُّلْطَانِيَّة فاعتمد الشريف عَليّ قَوْلهم وَأرْسل إِلَى أَخِيه ثمَّ اجْتمعَا بهم فِي الْمَسْجِد فألبس الشريف إِبْرَاهِيم خلعته وَكَانَ بعض الْأُمَرَاء الأتراك اعتذر عَن حُضُوره ذَلِك الْيَوْم بِأَنَّهُ شرب مسهلاً فَحسن الْبَاقُونَ من الأتراك للشريفين أَن يعزما إِلَيْهِ من الْمَسْجِد لزيارته وَكَانَ نازلاً بمدرسة الباسطية ففعلا فَبعد أَن وصلا إِلَيْهِ مَعَ جمَاعَة الأتراك أخرج أحد الْأُمَرَاء مَكْتُوبًا من السُّلْطَان وَدفعه لذَلِك الْأَمِير الْمَزْبُور فَأعْطَاهُ لكَاتبه فعّربه ثمَّ قَرَأَهُ فَكَانَ مضمونه الْأَمر بِالْقَبْضِ على الشريف عَليّ وأخيه إِبْرَاهِيم فَقبض عَلَيْهِمَا وتفرق من كَانَ مَعَهُمَا وحصلت الغوغاء فى الْبَلَد ثمَّ استعادوا مِنْهَا مَا ألبسوهما من الْخلْع ثمَّ إِنَّهُم سفروهما إِلَى جدة وأركبوهما الْبَحْر إِلَى مصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 انْتهى مَا قَالَه الجزيري قَالَ السخاوي فِي الذيل كَانَ الشريف عَليّ بن حسن الْمَذْكُور حسن المحاضرة كريمَاً ذَا ذوق وَفهم ونظم حَتَّى قيل إِنَّه أحذق بني حسن وأذوقهم وأفضلهم وَمن نظمه // (من الوافر) // (وَإِن نَالَ العُلاَ قَوْمٌ بقومٍ ... رَقِيتُ عُلوَّهَا فَردا وَحِيدًا) أَقَامَ بِمصْر بعد أَن أَخذ هُوَ وَأَخُوهُ فاستمر إِلَى أَن مَاتَ بدمياط مطعوناً مسجوناً سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة عَن خمسٍ وَأَرْبَعين سنة ثمَّ وصل أَبُو الْقَاسِم إِلَى مَكَّة بوم السبت سَابِع عشر ذِي الْقعدَة من سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة لابساً خلعة الْولَايَة وَقُرِئَ توقيعه بِالْحَطِيمِ وَنُودِيَ لَهُ كَمَا تقدم وَاسْتمرّ الشريف أَبُو الْقَاسِم فِي ولَايَة مَكَّة إِلَى سنة ستع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة فهجم عَلَيْهِ الشريف بَرَكَات ففر الشريف أَبُو الْقَاسِم مِنْهَا وَأقَام الشريف بَرَكَات بهَا فأشيع بِمَكَّة أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة أَن السُّلْطَان أوصى أُمَرَاء الْحَاج بِالْقَبْضِ على الشريف بَرَكَات لاستيلائه على مَكَّة من أَخِيه أبي الْقَاسِم بعد النداء لَهُ وَقِرَاءَة توقيعه عِنْد الْحطيم وَكَانَ قد وصل مَعَ الْحَاج نَحْو عشْرين أَمِيرا لذَلِك فَجمع الشريف بَرَكَات الْخَيل وَالرجل وَأكْثر من الْجمع على الْعَادة وَتقدم وواجه أَمِير الْحَاج واختلع وَلَكِن لم يدْخل لأحد مِنْهُم بَيْتا كَمَا كَانَ يَقع فَلَمَّا كَانَ يَوْم عَرَفَة لما عزم الْأُمَرَاء إِلَى الصَّلَاة بِمَسْجِد نمرة وَقعت جفلة حَال بروزهم وثار غُبَار شَدِيد فَظن النَّاس أَنهم أَغَارُوا على جِهَة الشريف بَرَكَات فاختلط الْحَاج وألبست الْأَشْرَاف والقواد وَكَانَت سَاعَة مهيلة وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَسلم الله الْمُسلمين غير أَن الشريف بَرَكَات لم يقف فِي الْمحل الْمُعْتَاد فِيهِ الْوُقُوف لَهُ بل وقف وَحده وَمن مَعَه مُنْفَردا عَن الْحَاج نَاحيَة ثمَّ نزح بعد النُّزُول إِلَى منى عَن مَكَّة وَعَاد الشريف أَبُو الْقَاسِم إِلَى ولَايَته عَلَيْهَا وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات نازحاً عَن مَكَّة إِلَى سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا كَانَ سَابِع عشر ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَخمسين وصل قَاصد من مصر وَذكر أَن السُّلْطَان قد رَضِي على الشريف وَأعَاد إِلَيْهِ إمرة مَكَّة المشرفة وَسبب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 ذَلِك أَن وَلَده الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات توجه إِلَى مصر بِسَبَب السَّعْي لوَلَده الشريف بَرَكَات فِي إمرة مَكَّة وَدخل الْقَاهِرَة وَحصل لَهُ من الْملك الظَّاهِر جقمق غَايَة الْإِكْرَام وأنعم على وَالِده الشريف بإمرة مَكَّة المكرمة فَهَذا هُوَ السَّبَب فِي رضَا السُّلْطَان عَن أَبِيه ووصول القاصد بِخَبَر تَوليته مَكَّة المشرفة فَلَمَّا وصل القاصد إِلَى مَكَّة بِهَذَا الْخَبَر أَمر الشريف أَبُو الْقَاسِم أَتْبَاعه بِالْخرُوجِ من مَكَّة إِلَى وَادي البيار وَخرج وأخلى مَكَّة وَذهب إِلَى مصر فَمَاتَ فِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَخُوهُ عَليّ وَفِي شهرها بالطاعون الْمَذْكُور أَيْضا وَكَانَ مَوته بِالْقَاهِرَةِ وَصلى عَلَيْهِ السُّلْطَان وَدفن على وَالِده الشريف حسن بن عجلَان بحوش الْأَشْرَف برسباي كَذَا فِي الذيل للسخاوي وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات فِي مَكَّة السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ استدعاه السُّلْطَان سنة إِحْدَى وَخمسين ليقدم عَلَيْهِ إِلَى الْقَاهِرَة فَمَا خَالف وَلم يمْتَنع كَمَا امْتنع أَولا وَقدم عَلَيْهِ إِلَى الْقَاهِرَة مستهل رَمَضَان فِي السّنة الْمَذْكُورَة فَنزل السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه إِلَى الرميلة وَبَالغ فِي إكرامه واحترامه وَخرج من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى مَكَّة عَاشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة مكرماً مرعياً معاملاً بِكُل جميل وَحصل لَهُ من الْإِكْرَام مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ مِمَّا لم يَقع لأحد من أَهله قبله وَأخذ الْعلمَاء عَنهُ بِالْقَاهِرَةِ وازدحموا للْقِرَاءَة عَلَيْهِ لعلو سَنَده وسمعوا من نظمه ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة المشرفة وَكَانَ يَوْم وُصُوله يَوْمًا مشهوداً عَظِيما وَذَلِكَ أَنه لما كَانَت لَيْلَة السبت أواسط شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة دخل الشريف بَرَكَات إِلَى مَكَّة محرما بِالْعُمْرَةِ فَطَافَ وسعى وَخرج إِلَى الزَّاهِر وَبَات بِهِ ثمَّ دخل مَكَّة فِي صبح الْيَوْم الْمَذْكُور لابساً التشريف وَقُرِئَ توقيعه بِالْحَطِيمِ وَطَاف وَنُودِيَ لَهُ بِالدُّعَاءِ على قبَّة زَمْزَم كعادة أسلافه الْكِرَام مُلُوك مَكَّة وَمِمَّا وَقع فِي زَمَانه أَن أَمِير الْيمن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الغساني الْمُتَقَدّم ذكره آنِفا كتب إِلَيْهِ أَن يفرغ لَهُ دور مَكَّة وَأَن يلقاه إِلَى حلى صُحْبَة قصيدة هِيَ قَوْله // (من الرمل) // (مَنْ لصَبِّ هاجه نَشْرُ الصَّبَا ... لم يزدْهُ البَين أَلا طَرَبَا) (وأسيرٍ كلَّما لاحَ لَهُ ... بارقُ الْقبْلَة مِنْ صَبيا صَبَا) (ولِطَرْفٍ أرق إنسانُهُ ... دون مَنْ يَشْتَاقُهُ قد حُجِبَا) (لم يزلْ يشتَاقُ نحلان وَإِن ... قَدُمَ العهدُ ويَهْوَى الطُّنبا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 (مَا جرَى ذكْرُ المغإني فِي رَبًّا ... صبواتِ الشطِّ أَلا انْتَحَبَا) (حَبَّذا صلْبُ القعيسا وطَنِي ... ولويلاتٍ بهَا مَا أَعْذَبَا) (وَربا البيرَيْنِ مِنْ قبليِّه ... وشراب بهما مَا أعْذَبَا) (يَا أخلاَّيَ بصبْيا واللِّوَى ... وأحبَّائى بتَيَّاكَ الرُّبَا) (هَل لنا نَحْوَكُمُ من عودةٍ ... لِنَرَى سدْرَكُمُ والكثبا) (فلَكَمْ خادَعْتُ قَلْبِى جاهداً ... يتسلَّى عَن هَوَاكُمْ فأَبَى) (فاذكروا صَبًّا بِكُمْ ذَا لوعةٍ ... بَان عنْكُمْ كَارِهًا مغتصبا) (وَإِذا عَنَّ لَهُ ذِكْرَاكمُ ... صاحَ واغتصَّ الحسا وانتحبا) (وَإِذا مَا سَجَعَتْ قمريَّةٌ ... صَاح من فَرْطِ الأسى واحَرَبَا) (هَائِم القَلْبِ كئيباً دنفاً ... لم يَرَ السلوانَ عَنْكُمْ مَذْهَبَا) (أَتَرَى الحيَّ الَّذِي كَنَّا وهُمْ ... جيرة بالشَّامِ أيامَ الصِّبَا) (ليتَ شعْرِى بَعدنَا هَل طَنَّبُوا ... بِرُبا نَحْلان بَعْدى طنبا) (أَو تناءَتْ بهمُ عِيسُهُمُ ... أَو سَبتهمْ بَعدنَا أَيدي سَبَا) (عجبا للدَّهْرِ مَاذَا سنَّهُ ... ولأحداثِ اللَّياليِ عَجَبَا) (مَا طلبتُ الدَّهْرَ أَلا صعباً ... وطلبتُ السِّلْمَ إلاَّ حَرَبا) (ولئنْ حلَّ بقلبي نُوَبٌ ... مُصْمِيَاتٌ تستهلُّ النوبا) (وبلانِى مِنْ زماني محنٌ ... بَلَغَ الضدُّ بهَا مَا طلبا) (فلعَمْرِى مَا بلت أَلا صفا ... وانتضَتْ أَلا حساماً خَشَبَا) (غير لَا أنكر مَعْرُوفًا وَلَا ... عَابِس الْوَجْه إِذا الدَّهْرُ كَبَا) (لَا وَلَا منكرث لَو أَنه ... وَهَبَ الحوباءَ فِيمَا وَهَبَا) (وَأجل الناسِ صبرا لَو على ... غارب المكروهِ يَوْمًا ركبَا) (إخوتِى بالشامِ بَلْ يَا سادتِي ... وأعز النَّاس أمَّا وَأَبا) (ومَسَاعِير الوغَى من حسنٍ ... وَبَنُو الحربِ إِذا ضَاقَ القبا) (ألشناخيبُ الذُّرَى من معشرٍ ... ألصَّنَادِيدُ الكرامُ النجبا) (إِن قضيتُمْ من هوانا أَرَيًا ... مَا قضينَا من هواكُمْ أَرَبَا) (أَو تناءَتْ دَارنَا عنْكُمْ وَلم ... يأتنا منْكُمْ على البُعْدِ نبا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 (لَا تناسَوْنا وإنْ طَال المدى ... كَمْ تناءٍ بعد بُعْدِ قربا) (فإِذا ريحٌ جنوبٌ جَنَّبَتْ ... فاسألوها كيْفَ حَال الغُرَبَا) (فلديها من تَنَاهى لَوْعَتي ... وغرامِى مَا يحطُّ الشُّهُبَا) (حَبَّذا لَو أننِى مِنْ دونِكُمْ ... خائضاً سُمْرَ العوالي والظُّبَا) (وجياد الخيلِ ينثرْنَ على ... مَتَنَاتِ الدَّارعِينَ العذبا) (ألحق الأقران شُعْثًا شُزَّبًا ... تتعاطَى بالعواليِ شزبا) (أَيهَا الرَّائِحُ بالشَّامِ على ... قلقِ السَّير كَهَبَّاتِ الصَّبَا) (أَو كَسَهْمٍ طارَ عَن مَحنيهِ ... ذَات زورَيْنِ إِذا مَا ركبا) (قُلْ لمنْ كَانَ لمأذونِ القضا ... ولأحداثِ اللَّيَالِي سَبَبَا) (وَالَّذِي أوقد نيران الغَضَا ... زِدْ على نارك يَاذَا حَطَبَا) (واستلِبْ مَا شئْتَ عمدا فعسَى ... عَن قريبٍ أَن تحطَّ السَّلبَا) (إِن يكنْ سَرَّكَ مَا سا فعَسَى ... كَيْ ترَى من بعدِ هَذَا عَجَبَا) (إِن ظننْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا وَاحِدًا ... فلقدْ حَاولْتَ أمرا كذبا) (رُبَّ صدعٍ كَانَ أعيا شعبه ... أدركَتْهُ رَحْمَةٌ فانشعبا) (وسرورٍ بعد يأسٍ قد أتَى ... وزمانٍ بعد بُؤْسٍ أعشَبَا) (ولكَمْ فتح منَ اللهِ أتَى ... حيثُ لَا يُدْرِكُ ساعٍ هربَا) (فجلا همَّا وأطفا حرقاً ... وشَفَى غِلاًّ وجَلَّى كربا) (وأعادَتْ رَحْمَة البارِى على ... مُؤْيسٍ من حالِهِ مَا ذهَبَا) (إِن خبوني عَنْك فِي مُسْتَوْدَعٍ ... فشهابُ العزْمِ منِّى مَا خَبَا) (أَو سلا جَفْنك لذَّاتُ الكرَى ... فَجُفُونِى والكَرَى مَا اصْطَحَبَا) (رُبَّ ليلٍ بتُّهُ مرتقيًا ... لطلابِ الثَّأْر أَرْعَى الشهبا) (أرقبُ النَّصْرَ سَريعًا طالعاً ... وأراعي الغَفْرَ مهما غربا) (لنهارِ تنقطُ السُّمْر بِهِ ... فِي الوغَى مَا شكلَتْ بيض الظبا) (وجياد الخيلِ فى معركةٍ ... مجلبات يرتكْيْنَ الغيهبا) (فينالُ المُرتَجِى مِنْ ربِّهِ ... فِي أَعَادِيه الَّذِي قد طَلَبَا) (وصلاةُ الله تغشَى دَائِما ... أحْمَدَ المُخْتَارَ مَا هَبَّ الصَّبَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 فَلَمَّا وصل الْمَكْتُوب وَالْقَصِيدَة إِلَى الشريف بَرَكَات بن حسن الْمَذْكُور تصدى لجواب أَحْمد أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور السَّيِّد الأمجد فصيح الفصحاء غفيف الدّين السَّيِّد عبد الله بن قَاسم الذروي فَكتب إِلَيْهِ هَذِه القصيدة على لِسَان الشريف بَرَكَات ابْن حسن بن عجلَان رحم الله الْجَمِيع فَقَالَ // (من الرمل) // (بالقَنَا الخطِّىِّ والبيضِ الظبَا ... وبِخيلٍ تتبارَى سربا) (سابحاتٍ مقرباتِ ضُمَّرٍ ... أعوجيَّاتٍ عِتَاقٍ شُزَّبا) (بُرِّيَتْ آذانُهَا من جودةٍ ... مثلَ أقلامٍ بهَا كَمْ كُتِبَا) (داحسياتٍ إِذا مَا طردَتْ ... فائتا مَا بَان عَنْهَا هَرَبَا) (وَإِذا مَا انحدَرَتْ عَن طاردٍ ... سَبَقَتْ لم يَبْغِ مِنْهَا أربا) (عُوِّدَتْ بِالْحَرْبِ حَتَّى إِنَّهَا ... لم تَزَلْ تَهْوَى الثلاقِى طَرَبَا) (بدروعٍ سابغاتِ زُعفٍ ... شاهدَتْ أيامَ عادِ وسَبَا) (صافيات ذَات نسجٍ محكمٍ ... وقتيرِ مثل أعيانِ الدبا) (وببيضِ روسةٍ لامعةٍ ... نصَّهُ صانعه فانْتَصَبَا) (وبأبطال إِذا مَا استَعَرَتْ ... نارُ حربٍ ولظاها التهبا) (وردوها برماحِ ذُبَّلِ ... وبأسيافٍ تحزُّ العصبا) (نحمى البَيْت وتَحمِى جدة ... وَربا حلى وأكناف قبا) (بسيوفٍ جردَتْ من غمدٍ ... كبروقٍ يخترقْنَ الحُجُبَا) (قُلْ لمن رامَ يناوينا ومَنْ ... رام يأْتِى بيتنا مُغْتَصِبا) (لَا تحجَّ البيْتَ أَلا خاضعاً ... دافعاً عُشْرًا لنا ثُمَّ حُبَا) (وَإِذا مَا حَجَّهُ ذُو عزةٍ ... ترك الأمْرَ وجا مصطحبا) (وَإِذا مَا كَانَ رَأْسا لم يعُدْ ... عندنَا يَا صَاحِ أَلا ذَنَبَا) (سورةُ الفيلِ لنا كافيةٌ ... أُتركِ الجَهْلَ وخَلِّ الكذبا) (لَيْسَ بيتُ اللهِ وادِى زمعٍ ... لَا وَلَا دمت لمَنْ قد طلبا) (إنَّ بيَتَ اللهِ بيْتٌ خصَّهُ ... مِنْهُ بالنصْرِ فَلَنْ ينغلبا) (دونه خَيْلٌ عتاقٌ شزَّبٌ ... عسفَتْ بالدراعِينَ النجبا) (ومليك من بني حيدرةٍ ... طابَ أجداداً وأمَّا وَأَبا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 (بركاتُ المنتقَى من حَسَنٍ ... فارسُ الهيجا إِذا مَا انتدبا) (ألْمُكَنَّى بالنبيِّ الهاشمِي ... جده الكاشفُ عَنَّا الكُرَبَا) (أطولُ الناسِ فخاراً سامياً ... وأجلُّ النَّاس طراً حسبا) (كَمْ جَنَى من عربٍ ذِي عزةٍ ... ولمالِ الضدِّ كم قد نَهَبَا) (ولكَمْ مِنْ ملكٍ عاندَهُ ... فغدا عَن مُلْكِهِ منقلبا) (لَو رَآهُ الموتُ فِي يَوْمِ الوغَى ... تَرَكَ الأمْرَ وحطَّ السَّلبَا) (وَلَو أنَّ الليْثَ وافَى سطوَهُ ... نكس الرأسَ وهَزَّ الذَّنبا) (لَا وَلَا يقرى لَحوحاً ضَيفه ... لَا وَلَا يقطَعُ حَقَّ الأدبا) (وَإِذا مَا البَغْلُ مِنْ قُلِّ حَيًا ... رامَ سَبْقَ الخيلِ جَهْلاً تَعِبَا) فَلَمَّا بلغه هَذَا الْجَواب تخلف عَن الْحَج وَأمر من يترصد الذروى فِي بِلَاده صَبيا فترصدوا لَهُ حَتَّى إِذا نزل السَّاحِل جازان تحيلوا عَلَيْهِ حَتَّى ركب مَعَهم فَسَارُوا بِهِ إِلَى أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور فحسبه وضيق عَلَيْهِ فَأمر الشريف بَرَكَات بفدائه بِمِائَة ألف نَاقَة فَقَالَ أَحْمد الْمَذْكُور وَالله مَا أخرجه من الْحَبْس حَتَّى ينشعب هَذَا الصدع فَأَنْشَأَ قصيدة فِي الْحَبْس فَأرْسل الله تِلْكَ اللَّيْلَة مَطَرا فَأصْبح الْحجر قد انشعب بقدرة الله تَعَالَى فَأَطْلقهُ وَأحسن إِلَيْهِ وأوصله مأمنه انْتهى وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات إِلَى أَن توهن بالمرضِ سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة فَسَأَلَ مشدجدة خاني بك الظَّاهِرِيّ أَن يُرْسل إِلَى الْملك يلْتَمس مِنْهُ للشريف بَرَكَات أَن يولي إمرة مَكَّة لوَلَده السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن لِأَنَّهُ ضعيفُ الْجِسْم ضَعِيف الْحَرَكَة فَأرْسل خاني بك يسْأَل فِي ذَلِك إِلَى الْملك فقدرت وَفَاة الشريف بَرَكَات قبل وُرُود الْخَبَر وَجَاء الْجَواب بعد مَوته بِيَوْم بِولَايَة وَلَده مُحَمَّد بن بَرَكَات وَكَانَت وَفَاة الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان عصر يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر شعْبَان سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة بِأَرْض خَالِد من وَادي مر وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَدخل بِهِ مَكَّة أثْنَاء لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَغسل وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بعد صَلَاة الصُّبْح وَدفن بالمعلاة وَبني عَلَيْهِ قبَّة مَوْجُودَة إِلَى الْآن ورثاه الشهَاب المنصوري بقوله // (من الْكَامِل) // (قَالُوا قضَى بركاتُ قلْتُ يحقُّ لي ... أَن أُتْبِع العبراتِ بالزفراتِ) (يَا ترحَةَ الأحياءِ عِنْد فراقِهِ ... وبقربِهِ يَا فرحَةَ الأمواتِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 (والكعبةُ الغَرَّاءُ قالَتْ قد غَدا ... لُبْسُ السوادِ عَلَيْهِ مِنْ عاداتي) (فانظُرْ إِلَى آثارِهِ فِي مكَّةٍ ... فَرِحَابُهَا لم تَخْلُ من بَرَكَاتِ) وَكَانَ رَحمَه الله مهيباً وقوراً شجاعاً مقداماً غضنفراً كثير الْخيرَات جزيل المبرات مَيْمُون الحركات بنى بِمَكَّة رِبَاطًا للْفُقَرَاء وَهُوَ مَوْجُود وهم بِهِ قاطنون لَهُ النثر الْفَائِق وَالنّظم الرَّائِق فَمن شعره قَوْله // (من الْبَسِيط) // (يَا من بذكرهِمُ قد زادَ وَسْواسى ... وَقد شُغِلْتُ بهمْ عَنْ سائِرِ النَّاسِ) (ومَن تقرَّرَ فِي قلبِي محبتُهُمْ ... وجئتُهُمْ طَائِعا أسْعَى على راسِي) (سألتكمْ شربةً مِنْ مَا مشارِبِكُمْ ... تُغْنِى عَن الراحِ إِذْ مَا لاحَ فِي الكَاسِ) وَاسْتمرّ فِي الْولَايَة إِلَى عَام 859 تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ ملكا شهماً عَارِفًا بالأمور فِيهِ خير كثير وحلم زَائِد مَعَ حسن السياسة والشجاعة المفرطة زَائِد السكينَة وَالْوَقار وَله بِمَكَّة مآثر كَثِيرَة وَقرب نافعة مِنْهَا بِمَكَّة رِبَاط للرِّجَال وَغير ذَلِك مَاتَ بِأَرْض خَالِد من وَادي مر وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَغسل فِي دَاره وطيف بِهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ وَلَده الشريف مُحَمَّد قبَّة وتأسف النَّاس لفقده تغمده الله برحمته وَكَانَت مُدَّة ولَايَته تسع سِنِين من سنة إِحْدَى وَخمسين إِلَى سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد جملَة مِنْهُم الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان ولي مَكَّة بعد وَفَاة أَبِيه وَقد تقدم ذكر التمَاس أَبِيه ذَلِك فِي مرض مَوته وَفِي عصر يَوْم الثُّلَاثَاء فِي يَوْم دفن وَالِده وصل المرسوم بالإجابة إِلَى مَا سَأَلَ فِيهِ وَالِده وصحبة المرسوم خلعة الْولَايَة عوضا عَن أَبِيه فَلَمَّا ورد المرسوم بذلك كَانَ مُحَمَّد غَائِبا بِبِلَاد الْيمن لحفظ بعض أَمْوَال وَالِده فدعي لَهُ على زَمْزَم بعد صَلَاة الْمغرب من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة قرئَ المرسوم مُخَاطبا فِيهِ السَّيِّد بَرَكَات ومضمونه إِنَّه ورد إِلَيْنَا كتاب الْأَمِير خاني بك مشدجدة بالثناء على المخدوم وَقد بلغنَا ضعفة وتوعك جسده وَقلة حركته فَأَقَمْنَا مقَامه فِي إمرة مَكَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات والمرسوم مؤرخ بسادس عشر رَجَب سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا كَانَ رَابِع شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وصل كتاب من السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أَيْضا إِلَى السَّيِّد الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بالعزاء فِي وَالِده الشريف بَرَكَات وتوقيع باستقراره واستمراره فِي إمرة مَكَّة عوضا عَن وَالِده مؤرخ فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة ودام إِلَى سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ استناب وَلَده الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات ثمَّ توفّي هُوَ عَام ثَلَاث وَتِسْعمِائَة كَمَا سيأتى ذكره وَمُدَّة ولَايَته خمس وَأَرْبَعُونَ سنة وَمن فتوحات الشريف مُحَمَّد عَام ثَلَاث وَسبعين أَنه غزا طَائِفَة زبيد ذَوي مَالك ابْن رومي بَين خليص ورابغ وَقتل مِنْهُم سبعين رجلا وَقتل شيخهم رومي وأخاه مَالِكًا وغنم مِنْهُم أَمْوَالًا عَظِيمَة من جُمْلَتهَا ثَلَاثُونَ ألف بعير وَفِي سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة من دولته اتّفق أَن أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ منع الْحَاج الْعِرَاقِيّ من دُخُول مَكَّة وَخرج الأتراك والشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن وغالب الْعَسْكَر مُلْبسُونَ فَلَمَّا احتاطوا بالحاج الْعِرَاقِيّ أمروهم بِالدُّخُولِ إِلَى مَكَّة فَلَمَّا دخلوها أَمْسكُوا الْأَمِير والدوادار وَأخذُوا الْمحمل العراقى وزنجروهما وأركبوهما جملين ودخلوا بهما مَكَّة ثمَّ بعد الْحَج عزموا بهما إِلَى مصر وَمن بعد تِلْكَ السّنة لم يدْخل محمل من الْعرَاق إِلَى مَكَّة إِلَى الْآن وَفِي عَام إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ورد مرسوم السُّلْطَان قايتباي طَابَ ثراه بِأَن عشر الْيَمَانِيّ بَينه وَبَين الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات مُنَاصَفَة وَبِأَن لمولانا الشريف مُحَمَّد كل مَال الْمَوْتَى الَّذين لَا وَارِث لَهُم إِلَى أَن يبلغ ألف دِينَار جَدِيد فَمَا زَاد على ذَلِك كَانَ للسُّلْطَان وَبِأَن أَمْوَال الْيَتَامَى فِي حفظ أَمِير السُّلْطَان بِمَكَّة بعد أَن كَانَت فِي حفظ قَاضِي الشَّرْع الشريف وَوصل محمل من الْعرَاق فَلم يدخلُوا بِهِ إِلَى مَكَّة المشرفة وبذلوا على دُخُوله مَكَّة وطلوعه عَرَفَة مَالا جزيلاً فَلم يوافقهم على ذَلِك مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد الْمَذْكُور وفى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بنيت الْمدرسَة الأشرفية القايتبائية بِمَكَّة المشرفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 وفيهَا غزا الشريف مُحَمَّد على جازان ونهبها وأحرق حصنها وأخرب سورها وَقتل عدَّة مستكثرة من رجالها وغنم شَيْئا كثيرا من أموالها وأٍ سر طَائِفَة عَظِيمَة من نسائها وأطفالها وَكَانَ معظمهم من الْأَشْرَاف وتبلغت العساكر من أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ وَنِسَائِهِمْ بأموال كَثِيرَة وباعدهم فِي سَائِر الْأَطْرَاف قَالَ الْعَلامَة جَار الله بن فَهد الْقرشِي الْمَكِّيّ وَكَانَ ذَلِك فتحا عَظِيما أوجب جلالة مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد ورجحانه على من سلف من هَذَا الْبَيْت الْمُبَارك وخافته الْقَبَائِل وامتلأت من مهابته الصُّدُور وَفِي عَام أَربع وَثَمَانِينَ كَانَ حج مَوْلَانَا السُّلْطَان قايتباي رَحمَه الله وَصَحبه من الديار المصرية أعيانها المشهورون من الْعلمَاء والصلحاء وَأَوْلَاد الرؤساء أهل الْحل وَالْعقد وتجهز بالأوضاع السُّلْطَانِيَّة وَصَحب من الدَّوَابّ وَالْخلْع وَالْأَمْوَال مَا لَا يحصره عد وَلَا يحويه حد وَخرج لاستقباله الشريف مُحَمَّد وَولده الشريف هزاع وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَولده القَاضِي أَبُو السُّعُود وقابلوه فِي بدر فِي افْتِتَاح ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة على أجمل حَال من كَثْرَة العساكر وجمالتهم بِالسِّلَاحِ الْمَذْهَب وَالثيَاب الْحَرِير الفاخرة وَالْخَيْل المسومة والذخائر والركاب الملبسة بأنواع الذَّهَب والحلية النظيفة وَالسُّيُوف المسقطة وَقد تقدم شرح ذَلِك بأبسط من هَذَا عِنْد ذكر تَرْجَمَة السُّلْطَان قايتباي فِي الْبَاب السَّادِس الْمَخْصُوص بولاة الشراكسة فَلَا حَاجَة بِنَا الْآن إِلَى تكريره وَاسْتمرّ الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات على الْولَايَة وحمدت سيرته فِي الْبِلَاد وَاطْمَأَنَّ بِوُجُودِهِ الْعباد وَلم يزل فِي زِيَادَة علو وارتفاع وتوافر نعم وخيرات وساع كل ذَلِك مَعَ فعل الْخَيْر وَالْإِحْسَان والمبرات الَّتِى شَمل بهَا القاضى والدان وتكرار زِيَارَة جده الْمُصْطَفى وَالْإِحْسَان إِلَى المجاورين بالحرمين الشريفين والمحلين المعظمين المنيفين خُصُوصا من يتوسم فِيهِ الْخَيْر وَالصَّلَاح وفَاق فِي ذَلِك من تقدمه من أسلافه الْكِرَام وَوَقع فِي أَيَّامه من الْعدْل والطمأنينة مَا لم يَقع فِيمَا تقدم من الْأَيَّام وفوض إِلَيْهِ نِيَابَة السلطنة بالأقطار الحجازية والاستنابة فِي الْمَدِينَة المنورة والينبع مِمَّن يختاره وَصرح باسمه الشريف على مِنْبَر الْمَدِينَة بعد السُّلْطَان وَقبل صَاحبهَا وَنفذ أمره فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 جَمِيع الأقطار الحجازية من أَعمال الينبع كنبط والحورا وَمَا فَوق ذَلِك من الشَّام إِلَى أَعمال جازان وَمَا والاها من الْيمن والبلاد الشرقية على التَّمام وَمَا حول ذَلِك من بِلَاد الْحجاز وسراتها وبجيلة وأعمالها وَانْفَرَدَ فِي ذَلِك بعلو شَأْن وتحدث بهيبته وسطوته القاصي والداني ولطالما جهز جيوشه وسراياه إِلَى من خَالف عَلَيْهِ وناوأه وظفر بهم كل الظفر واستأصل أَمْوَالهم وملكهم وقهر كقتال أهل الينبع لما لم يوافقوا على الخضوع وَأجلى الْجَمِيع من بِلَادهمْ وكفهم عَن مقاصدهم ومفاسدهم وكأهل جازان لما وَقع مِنْهُم مَا وَقع من الْعِصْيَان فَقَتلهُمْ واستبى وَملك بِلَادهمْ واجتبى وكقتل أهل زبيد وإهانتهم ثمَّ إكرامهم لما دخلُوا فى الطَّاعَة وإعانتهم وكقتل أهل حلى وَالْعَبِيد وتشريدهم كل التشريد وإخراجهم من الْبِلَاد وَالْقَبْض على أَمِيرهمْ الحرامي وَجعله مَعَ أهل الجرائم والعناد إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصِيه قلم كَاتب وَلَا ديوَان حاسب وَلَقَد كَانَ وَالله حَسَنَة من حَسَنَات الزَّمَان ومنة من الله تَعَالَى على القاصي والدان تواضعاً وأدباً وفهماً وعقلاً ومداراة واغتفاراً مَعَ حسن الشكالة ووضاءة الصُّورَة والمواظبة على الطّواف وَالْجَمَاعَة عِنْد وُصُوله إِلَى الْمحل الشريف ومزيد الْوَقار والسكون وَالْعدْل وكف جماعته عَن أَذَى الرّعية ومسايسته للتجار وَعدم الطمع والتطلع لما فِي أَيْديهم ومجاملتهم والذب عَنْهُم وَفعل الْخَيْر الَّذِي يحصل بِهِ الثَّوَاب الْعَظِيم كرباط بِمَكَّة المشرفة مَعَ مَا وَفقه عَلَيْهِ والسبل العديدة بطرِيق الْوَادي وَجدّة وآبار كَثِيرَة يحصل بهَا النَّفْع للمسافرين كَالَّذي بطرِيق الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وبجهة الْيمن وَغير ذَلِك من الْحَسَنَات وَلم تزل دولته قَائِمَة قويمة وأموره منتظمة وأحواله مُسْتَقِيمَة وَهُوَ مبجل مُعظم عِنْد الْمُلُوك لَا يخالفونه فِيمَا يخْتَار فِي جَمِيع الأقطار الحجازية ويراعون خاطره فى جيمع الْأَحْوَال المنسوبة إِلَيْهِ إِلَى أَن اخْتَارَهُ الله تَعَالَى لدار الْبَقَاء وَنَقله إِلَى دَار كرامته فانتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي شهر محرم الْحَرَام سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة بوادي الْآبَار وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال إِلَى مَكَّة المشرفة وَغسل فِي بَيته وَدخل بِهِ الْمَسْجِد وطيف بِهِ أسبوعاً وَصلي عَلَيْهِ عِنْد بَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 الكعبهّ بعد أَن نَادَى لَهُ الريس على زَمْزَم بِصِيغَة الصَّلَاة على الْملك الْعَادِل أبي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَى غير ذَلِك من التراجم وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ وَلَده قبَّة عَظِيمَة مَوْجُودَة إِلَى الْآن وَمن جملَة خيراته سَبِيل بالنوارية وسبيل آخر أوقف على ذَلِك أوقافاً كَثِيرَة وَهِي بوادي مر شهيرة ضاعف الله ثَوَابه وَأحسن فِي العقبى مآبه وَخلف من الْأَوْلَاد سِتَّة عشر ذكرا غير الْإِنَاث مِنْهُم خميصة وجازان وهزاع وبركات وقايتباي وَعلي وراجح ثمَّ وَليهَا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان كَانَت وِلَادَته سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة فِي ربيع الأول بِمَكَّة أمه عمْرَة بنت مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن ثقبة بن رميثة دخل الْقَاهِرَة سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَذَلِكَ بِسَبَب أَنه ورد إِلَى مَكَّة المشرفة فِي السّنة الْمَذْكُورَة مرسوم من سُلْطَان مصر بِطَلَب سُلْطَان مَكَّة المشرفة الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات عوضا عَنهُ فَأرْسل الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات وَلَده الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات عوضا عَنهُ وَمَعَهُ قَاضِي الْقُضَاة إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَولده القَاضِي أَبُو السُّعُود بن ظهيرة وَجَمَاعَة من أَقَاربه فَأكْرم السُّلْطَان وَمن دونه موردهما وأشركه مَعَ أَبِيه مُحَمَّد ابْن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَرجع متزايد الْعِزّ وَوَقع فِي أَيَّام الثمان من سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بَين ترك أَمِير الْحَاج الأول وأمير الْمحمل قتال عِنْد بَاب بازان بالمسعى وشج فيهم جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ والتحم الْقِتَال بِضَرْب السَّيْف والدبوس وَرمي النشاب ثمَّ سكنه الله بمجئ أَمِير الأول ثمَّ أحضروا الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَكتب بذلك محْضر وَفِي سنة تِسْعمائَة اتّفق أَن الْحَاج الْمصْرِيّ خرج عَلَيْهِ الْعَرَب فَأخذُوا غالبه وَكَذَلِكَ الغزاوي خَرجُوا عَلَيْهِ وَلَكِن لم يظفرهم الله بِهِ وَكَذَلِكَ الْحَاج الشَّامي خَرجُوا عَلَيْهِ وأخذوه أجمع وأسروا بعض التُّجَّار وكل ذَلِك فعل بني لَام المفسدين وَلم يسمع بِمثل هَذَا الِاتِّفَاق فِي سنة وَاحِدَة وَلم يزل الشريف بَرَكَات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 يتزايد حَتَّى اسْتَقل بِالْملكِ بعد وَفَاة وَالِده الشريف مُحَمَّد سنة 903 ثَلَاث وَتِسْعمِائَة وَكَانَ السُّلْطَان يَوْمئِذٍ مُحَمَّد بن قايتباي وتزايد فِي الترقي فِي الْعُلُوم والفضائل حَتَّى صَار مرجعاً فِي حل الْأُمُور المشكلات وَدفع الْعَدو كم سَافر للأعداء فَرجع مَسْرُورا وبالظفر محبوراً وَقد تَرْجمهُ الْعَلامَة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن فَهد الْهَاشِمِي فِي مؤلف لَهُ سَمَّاهُ غَايَة المرام بأخبار سُلْطَان الْبَلَد الْحَرَام وسَاق نسبه فِي ديباجته وختمه بِاسْتِيفَاء أخباره وَمَا مدح بِهِ وَمُلَخَّصه أَنه سمع الحَدِيث بِالْقَاهِرَةِ فِي رحلته الأولى فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة على الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد الشناوي ثلاثيات البُخَارِيّ وَحضر مجْلِس بدئه وختمه وَأَجَازَهُ من عدَّة من الْبلدَانِ جملَة من الْمَشَايِخ مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن خَلِيل التابوتي وَأَسْمَاء بنت المهراني وَأم هَانِئ الهوريني ونشوان الحنبلية وَهَاجَر المقدسية وَالْعلم صَالح البُلْقِينِيّ والسعد بن الرزي والشهاب الْحِجَازِي والبرهان البقاعي وقاسم بن الكريك وَابْن قطلوبغا الْأَمِير الأقصرائي وَأَبُو بكر بن صَدَقَة الْمَنَاوِيّ والمعز الْكِنَانِي والتقى الشمني والجلال بن الملقن وَأُخْته صَالِحَة والبهاء الْمصْرِيّ والجلال القمصي والتقى ابْن فَهد ووالده أَبُو بكر وَعمر وَأَخُوهُ عَطِيَّة وَعبد الرَّحِيم الأسيوطي وَإِبْرَاهِيم الزمزمي وَأحمد السوايطي وَالْقَاضِي عبد الْقَادِر الْمَالِكِي وَأَبُو الْفضل الْمرْجَانِي وَأَبُو الْفرج المراغي وَزَيْنَب بنت الشويكي وآسية بنت جَار الله الشَّيْبَانِيّ وَإِبْرَاهِيم ابْن قَاضِي عجلون وَأَبُو ذَر الْحلَبِي وَأحمد بن الصلف وَأَبُو السُّعُود الْعِرَاقِيّ وَأَبُو نَافِع الْأَزْهَرِي والتقى القلقشندي والشموس الْخَمْسَة الأفقهسي والقلواني والزفتاوي والسخاوي وَالشَّيْخ الْفَخر السُّيُوطِيّ والكمال إِمَام الكاملية والمحب بن الشّحْنَة وَيحيى الْمَنَاوِيّ وَخلق كثير وَخرج لَهُ الشَّيْخ الرحلة جَار الله بن عبد الْعَزِيز بن فَهد عَن أَرْبَعِينَ شَيخا من مشايخه أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِي فضل أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ سَمَّاهَا غَايَة الْأَمَانِي والمسرات بعلو سُلْطَان الْحجاز أبي زُهَيْر بَرَكَات وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ عشرَة وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ على الشريف بَرَكَات بَعْضهَا بمنزله دَار السَّعَادَة من أول الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها لَهُ إِلَى آخر الحَدِيث الثَّالِث مَعَ الْكَلَام على الحَدِيث الثَّالِث مَعَ الْكَلَام على الحَدِيث وَأَجَازَ لَهُ رِوَايَتهَا عَنهُ وَكتب لَهُ بِخَطِّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 تَحت طبقَة سماعهَا مَا صورته الْحَمد لله مَا ذكر من الْقِرَاءَة وَالْإِجَازَة صَحِيح فِي تَارِيخه وَكتبه الْفَقِير بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات عَفا الله عَنهُ وَعَن وَالِديهِ وَالْمُسْلِمين أَجْمَعِينَ وَكَانَت الْقِرَاءَة الْمَذْكُورَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة 917 سبع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَحصل للشريف بَرَكَات غِبْطَة عَظِيمَة بتخريج تِلْكَ الْأَحَادِيث وَأكْرم بذلك الشَّيْخ جَار الله الْمَذْكُور إِكْرَاما عَظِيما كَمَا هُوَ شَأْنه من إكرام الْعلمَاء وَأَجَازَ الشريف بَرَكَات جَار الله الْمَذْكُور فِي استدعاء كتبه إِلَيْهِ الشَّيْخ جَار الله مؤرخ بِيَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ربيع الثَّانِي عَام خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة وَكتب لَهُ الشريف بَرَكَات بِالْإِجَازَةِ فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا وَصُورَة مَا كتبه الشريف بَرَكَات الْحَمد لله الَّذِي نظم جَوَاهِر السّنة فِي سلك السَّنَد وَوصل من إِلَى جنابه اسْتندَ وَقطع من أعرض واستبد وخذل من كفر وَجحد أما بعد فقد أجَاز كَاتبه الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى بَرَكَات بن مُحَمَّد صَاحب مَكَّة المشرفة عَفا الله عَنهُ لمن ذكر فِي هَذَا الاستدعاء الْمُبَارك مَا يجوز لي وعنى رِوَايَته بِشَرْطِهِ الْمُعْتَبر عِنْد أهل الْأَثر وأسأله أَلا ينساني من دعواته فِي خلواته وجلواته وَالْحَمْد لله وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى اله وَصَحبه وَسلم وَاسْتقر الشريف بَرَكَات فِي ولَايَة مَكَّة مُنْفَردا بعد وَفَاة أَبِيه وَكَانَت وَفَاة أَبِيه يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة وَقُرِئَ مرسومه بِالْحَطِيمِ بِحَضْرَة كاتم السِّرّ البدري مُحَمَّد بن مزهر لوصوله بِقَصْدِهِ وَقصد أَخِيه هزاع وَأذن لَهُ فِي تَوْلِيَة الْمَدِينَة للسَّيِّد فَارس بن سامان الْحُسَيْنِي زوج أُخْته الشَّرِيفَة حزيمة وَاسْتمرّ على الْولَايَة الْمَذْكُورَة إِلَى أَن خالعه أَخُوهُ هزاع وَأحمد الْمَدْعُو جازان فِي سنة أَربع وَتِسْعمِائَة ثمَّ اصْطَلحُوا ثمَّ كَانَت الْحَرْب بَين هزاع وبركات سجالاً قَالَ الشَّيْخ الْفَاضِل أَبُو الضياء وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد الديبع الشَّيْبَانِيّ فِي كِتَابه بغية المستفيد لما كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخ ذِي الْقعدَة من سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة بِتَقْدِيم التَّاء كَانَت وقْعَة السَّيِّد هزاع بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان مَعَ أَخِيه الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَهِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 أول وقْعَة انْكَسَرَ فِيهَا صَاحب مَكَّة الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهزمَ فِيهَا هزيمَة عَظِيمَة وَاسْتولى الركب المصرى على خزانئه ونسائه وأمواله وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الْملك الْعَادِل طومان باى صَاحب مصر لما تولى بعد الْأَشْرَف جانبلاط طرد رجلا من أُمَرَاء جانبلاط يُقَال لَهُ قانصوه المحمدي فَخرج إِلَى مَكَّة فَلَمَّا دَخلهَا لم يلْتَفت إِلَيْهِ أحد من كبرائها لَا الشريف بَرَكَات وَلَا القَاضِي وَلَا غَيرهمَا خوفًا من السُّلْطَان طومان باي فَلَمَّا فقد طومان باي وَتَوَلَّى الْأَشْرَف قانصوه الغوري لَيْلَة عيد الْفطر من سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة أرسل إِلَى قانصوه المحمدي إِلَى مَكَّة وَجعله نَائِب الشَّام فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ الْكتب بذلك وَهُوَ بِمَكَّة فِي أول ذِي الْقعدَة جَاءَهُ الشريف بَرَكَات وَالْقَاضِي أَبُو السُّعُود للسلام عَلَيْهِ فَلم يَأْذَن لَهما وَكَانَ فِي نَفسه عَلَيْهِمَا شَيْء لعدم التفاتهما إِلَيْهِ سَابِقًا وَكَانَ الشريف هزاع جينئذ بِمَكَّة فعامله قانصوه على أَن يَجْعَل إِلَيْهِ ولَايَة مَكَّة ويخلع أَخَاهُ بَرَكَات مِنْهَا ثمَّ أمره بِالْخرُوجِ إِلَى الينبع وَأرْسل إِلَى أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ أَن يواجه الشريف هزاع وَيُطلق المراسيم السُّلْطَانِيَّة عَلَيْهِ ويلبسه الْخلْع السُّلْطَانِيَّة فَفعل ذَلِك وَلبس الشريف هزاع خلعة أَخِيه بَرَكَات وألبس أَخَاهُ أَحْمد الملقب جازان خلعته الَّتِي كَانَ يلبسهَا مَعَ أَخِيه بَرَكَات وَأَقْبل مَعَ الركب الْمصْرِيّ إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ الْأَشْرَاف بَنو إِبْرَاهِيم فِي نَحْو مائَة فَارس مِنْهُم فَلَمَّا علم بذلك الشريف بَرَكَات خرج إِلَيْهِم من مَكَّة إِلَى وَادي مر والتقى الْجَمْعَانِ هُنَاكَ وتقاتلا فانكسر الشريف هزاع مَرَّات وَقتل من أَصْحَابه نَحْو الثَّلَاثِينَ وَمن الركب الْمصْرِيّ رجل وَمن الْحجَّاج نَحْو الْخَمْسَة وَنهب أَطْرَاف الْقَافِلَة فَلَمَّا رأى ذَلِك الركب الْمصْرِيّ حملُوا مَعَ الشريف هزاع على أَخِيه بَرَكَات حَملَة وَاحِدَة فانكسر جينئذ بَرَكَات وَقتل وَلَده الْمُسَمّى بِأبي الْقَاسِم فِي جمَاعَة من عسكره وَاسْتولى هزاع والركب الْمصْرِيّ على مِحَفَة الشريف بَرَكَات وَمَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَالنِّسَاء والأطفال وهرب الشريف بَرَكَات إِلَى جدة فنهبها ثمَّ إِلَى حِدة فنهب أَكْثَرهَا وَدخل الشريف هزاع إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ فاضطربت أَحْوَال النَّاس وَكثر النهب وَالْخَوْف فِي الطرقات وَرجع حجاج الْبَحْر من الطَّرِيق وَكَانُوا قَرِيبا من جدة وَكَانَ عذر الشريف بَرَكَات إِذا شكا النَّاس إِلَيْهِ مَا يلقون يَقُول اشكوا إِلَى سُلْطَان الْبَلَد واطلبوا مِنْهُ أمانها فقد أمنتها إِذْ كنت سُلْطَانا وَأما الْآن فَأَنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 وَاحِد مِنْكُم فَلَمَّا اسْتَقر هزاع جَاءَتْهُ النَّاس يصطرخون من كل جَانب التُّجَّار وَغَيرهم من النَّاس وَرُبمَا سبوه فَضَاقَ خاطره وَلم يَنْتَظِم أمره فَدخل على عَمه إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات فَشَكا إِلَيْهِ حَاله فَأمره بِالْخرُوجِ فِي صحبته فَخرج إِلَيْهَا والشريف بَرَكَات يَوْمئِذٍ مُقيم بِمَاء يُقَال لَهُ الْعد بَين جدة وحدة ثمَّ أمره بِالْوُقُوفِ بجدة وَتقدم إِلَى بَرَكَات فَقَالَ لَهُ إِن أَخَاك هزاع بجدة فِي ألفي فَارس من التّرْك وَلَا طَاقَة لنا بمقاومتهم فَإِن أَحْبَبْت تعرضت بَيْنكُمَا بهدنة يَأْمَن النَّاس فِيهَا ويحجون إِلَى عَاشر الْمحرم على أَن يعطيك أَخُوك هزاع ثَلَاثَة آلَاف أشرفي قبل يَوْم النَّحْر فَإِن فعل ذَلِك وَإِلَّا فَلَا ذمَّة لَهُ فَرضِي بذلك بَرَكَات ظنا أَن قَول عَمه إِن هزاعاً فِي ألفي فَارس حق فسكن بعض خوف النَّاس وَرجع هزاع إِلَى مَكَّة وَكَانَ الْحَج ضَعِيفا وَلم يحجّ الشريف بَرَكَات فِي هَذَا الْعَام وَسلم هزاع إِلَى أَخِيه بَرَكَات مَا الْتَزمهُ عَمه إِبْرَاهِيم من المَال وَلما عزم الركب الْمصْرِيّ علم هزاع أَنه لَا طَاقَة لَهُ بمقاومة أَخِيه بَرَكَات فَتوجه صُحْبَة الركب الشَّامي فَتَبِعَهُ الشريف بَرَكَات فحماه الركب الشَّامي مِنْهُ فَرجع بَرَكَات إِلَى مَكَّة وَأمنت النَّاس وَخرج هزاع إِلَى يَنْبع وَجمع جموعاً مِنْهَا وَعَاد لِحَرْب بَرَكَات مرّة ثَانِيَة وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد التَّاسِع من جُمَادَى الأولى عَام سبع وَتِسْعمِائَة فَالْتَقوا فِي طرف البرقاء فانكسر فِيهَا بَرَكَات أَيْضا وَهزمَ وَقتل أَخُوهُ أَبُو دعيج فِي سَبْعَة من الْأَشْرَاف من بني أبي نمي وَقتل من الأتراك الَّذين مَعَ بَرَكَات سَبْعَة وَقيل أَرْبَعَة عشر نَفرا وَكَانَ مَعَ هزاع من الْخَيل مِائَتَا فَارس وَمن الرجل ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَمَعَ بَرَكَات خَمْسمِائَة فَارس وَرجل كثير فَلَمَّا انهزم بَرَكَات توجه إِلَى الْيمن فَأَقَامَ بالليث وَوصل هزاع إِلَى ظَاهر جدة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن الشَّهْر الْمَذْكُور ونادى بالأمان وَقرر أحوالها وَجعل مُحَمَّد بن رَاجِح بن شميلة وزيره بهَا وعبداً من قواده حَاكما وَأرْسل أَخَاهُ جازان إِلَى مَكَّة ليقرر أحوالها ثمَّ لحقه إِلَيْهَا فِي عساكره ووصلت إِلَيْهِ المراسيم وَالْخلْع السُّلْطَانِيَّة من الْبَحْر من سُلْطَان مصر على يَد أَمِير يُقَال لَهُ إلْيَاس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر الشَّهْر الْمَذْكُور فَأرْسل لَهُ الشريف هزاع بستين جملا وَثَلَاثِينَ رَاحِلَة وَأمره بالطلوع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 إِلَى مَكَّة فوصل إِلَيْهَا فَلبس الخلعة وقرئت المراسيم وَاسْتمرّ سُلْطَانا إِلَى أَن توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر رَجَب الْفَرد من السّنة الْمَذْكُورَة بوادي الْآبَار فَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء صباحاً وَلما فرغ من دَفنه تولى إمرة مَكَّة أَخُوهُ الشريف جازان بعده بمساعدة القَاضِي أبي السُّعُود بن ظهيرة وإعانته لَهُ بِنَفَقَة وَسلَاح فَلَمَّا علم بذلك بَرَكَات سَار إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا منتصف شعْبَان وفر مِنْهُ جازان وَلما اسْتَقر بهَا بَرَكَات جَاءَتْهُ من مصر خلع ومراسيم بالاعتذار إِلَيْهِ من مباطنة أَمِير الْحَاج لأخويه هزاع وجازان فَلبس الخلعة وَطَاف بهَا وَكَانَ قَاضِي مَكَّة أَبُو السُّعُود بن ظهيرة مباطناً لجازان فَكتب إِلَيْهِ يستحثه ويعده بالإعانة ووعده أَن يقبض لَهُ على بَرَكَات إِذا وصل جازان قرب مَكَّة وَعين لذَلِك الْقَبْض لَيْلَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان فظفر الشريف بَرَكَات بِكِتَاب أَبى السُّعُود فاستدعاه فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وَكَانَ قد أظهر السرُور والفرح بِولَايَة بَرَكَات أوقفهُ على الْكتاب فَأنْكر ذَلِك فَقبض عَلَيْهِ فِي سَابِع رَمَضَان وَأخذ أَمْوَاله وعقاره وعذبه ثمَّ بعث بِهِ وَأَهله إِلَى جَزِيرَة القنفذة وَأمر نَائِبه عَلَيْهَا أَن يركبه سنبوقاً ويغرقه فَفعل ذَلِك بِهِ وغرق يَوْم الْأَحَد الثَّانِي من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَتِسْعمِائَة وَأَوْلَاده وَعِيَاله ينظرُونَ إِلَيْهِ ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات توجه مَعَ الْحَاج إِلَى يَنْبع لكَون أَخِيه جازان نهب الْحَاج الشَّامي عِنْد خليص حَال قدومه إِلَى مَكَّة فحاربه مَعَ أَهلهَا سادس عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة سبع وَتِسْعمِائَة فَكسر بَرَكَات كسرة ثَالِثَة ونهبوا نهباً فَاحِشا وَقتل وَلَده إِبْرَاهِيم مَعَ جمَاعَة من عسكره وَعَاد بَرَكَات إِلَى مَكَّة مَرِيضا ثمَّ مَاتَ بهَا وَلَده السَّيِّد عجلَان ثمَّ جَاءَهُ الْخَبَر أول صفر سنة ثَمَان وَتِسْعمِائَة بمجىء أَخِيه جازان بعسكر عَظِيم وبركات مَرِيض لَا يُمكنهُ الْمُحَاربَة فَتوجه إِلَى جِهَة الْيمن وَأقَام بهَا إِلَى شهر رَجَب حَتَّى شفى وَجمع جموعاً كَثِيرَة وَعَاد لمَكَّة فلقى بهَا أَخَاهُ جازان بالمنحني فقاتله بهَا فانكسر بَرَكَات كسرة رَابِعَة وفر جمَاعَة الْأَشْرَاف آل أبي نمي إِلَى جِهَة جبل حراء لمباطنتهم لجازان فَثَبت هُوَ وَبَعض خواصه للحرب سَاعَة ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 توجه إِلَى الْيمن أَيْضا فَتَبِعَهُ جازان بعسكره فخلفه الشريف بَرَكَات فِي خيل قَليلَة وَعَاد من غير طَرِيقه وَدخل مَكَّة فِي غيبَة جازان يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر شعْبَان ففرح بِهِ أَهلهَا لظلم أَخِيه جازان فِيهَا وبذلوا الهمة فِي مساعدته ونصرته وحفروا خنادق علو مَكَّة وأسفلها وحاربوا أعداءه من خلفهَا وَعَاد إِلَيْهِ جازان فِي صبح الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشري رَمَضَان من أَسْفَل مَكَّة من جِهَة المسفلة وحاربهم مَعَ سكانها مرّة خَامِسَة وَأظْهر لَهُ الأتراك همة عالية حَتَّى هزم جازان وتركهم وَلم يتبع مِنْهُم أحدا وَقتل جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ وجرح آخَرُونَ وَتوجه جازان مُنْهَزِمًا إِلَى جِهَة حِدة وَأقَام هُوَ وَجَمَاعَة ببئر شميس وهم خائفون وجلون والعسكر يتخطفهم كل سَاعَة لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى أرْسلُوا يطْلبُونَ النجدة من أهل يَنْبع فَجَاءَهُمْ عَسْكَر كَبِير ورحلوا مَعَهم لِحَرْب مَكَّة مرّة سادسة فِي صبح يَوْم السبت رَابِع شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَجَاءُوا من شعب أذاخر والخرمانية من أَعْلَاهَا وَكَانَ الشريف بَرَكَات وَاقِفًا مَعَ خواصه خلف الخَنْدَق من بَاب المعلاة فَانْهَزَمَ عسكره من غير قتال وَثَبت هُوَ والأتراك وأذاق عداهُ الْحَرْب والعراك لشجاعته وهمته وقوته ونجدته حَتَّى زحزحهم عَن مَصَافهمْ وَكَانَ تَحْتَهُ فرس يُقَال لَهَا الجرادة وَأَنه أقحمها الخَنْدَق وَهُوَ بمفرده ففر مِنْهُ الْجَيْش باْجمعه وَهُوَ يضْرب بِالسَّيْفِ قذالهم حَتَّى أبعدوا عَنهُ قَاصِدين الينبع فذرع بعد ذَلِك عرض الخَنْدَق فَكَانَ سَبْعَة أَذْرع ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى الْيمن فَدخل الْأَعْدَاء مَكَّة وأهانوا أَهلهَا وآذوهم لمساعدتهم الشريف بَرَكَات وحبهم لَهُ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ وصلت تجريدة من مصر فَخرج الْأَعْدَاء هاربين فَعَاد الشريف بَرَكَات إِلَى مَكَّة ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة من عَام ثَمَان وَتِسْعمِائَة وَتوجه لملاقاة مقدم التجريدة الْمقر الْأَشْرَف قيت الرَّحبِي فواجهوه بِالطَّاعَةِ والكرامة وخلع عَلَيْهِ بالزاهر وَدخل مَعَه مَكَّة بإخوانه وَعَسْكَره وَابْن عَم أَبِيه عنقًا حَتَّى وصلوا إِلَى مدرسة الْأَشْرَف قايتباي بالمسعى فَقبض على الشريف بَرَكَات وَوضع فِي الْحَدِيد مَعَ بعض إخْوَته وَجَمَاعَة وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَحج بهم كَذَلِك ثمَّ ذهب بهم إِلَى مصر وَمر بهم على الينبع وَاتفقَ مَعَ أَهلهَا على تَوْلِيَة جازان على مَكَّة وَدخل قيت الرَّحبِي ببركات وَمن مَعَه مصر على هَذِه الصّفة فَأنْكر النَّاس عَلَيْهِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 ذَلِك وَمَا هان ذَلِك على السُّلْطَان الغوري وتعب من ترك مكهَ فِي أَيدي العصاة وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الطّيب أَحْمد بن الْحُسَيْن العليف الْمَكِّيّ قصيدته الكافية يسلي بهَا الشريف بَرَكَات ويحثه على الصَّبْر وَهِي هَذِه // (من الطَّوِيل) // (عزيزٌ على بيتِ النبوَّةِ والمُلْكِ ... مقامٌ على ذُلِّ المهانةِ والفَتْكِ) (وأعظَمُ مَا يلقَى الكريمُ من الأذَى ... على النفْسِ مَا يلقى من الضيْمِ والضنْكِ) (برَغْم الْعلَا والمجْدِ والسَّيفِ والندَى ... حَصَلْتَ أَبَا عجلانَ فِي قبضةِ التُّركِ) (وعزَّ على العلياءِ حجلكَ أدهم ... وطوقك لَا مِنْ خَالص التبر فِي السبكِ) (وتلكَ لعَمْرُ اللهِ أدهَى مصيبةٍ ... أصمَّ بهَا الحاكي عَن الحادثِ المحْكِي) (عدمتُ الليالى مَا أمَرَّ صورفَهَا ... وأخلَقَهَا باللوْمِ فِي الفعلِ والتَّركِ) (أذُلٌّ وغُلِّ بعد عِزِّ ومنعةٍ ... وأَسْرُ النَّوَى بعد الأسرَّةِ والمُلْكِ) (لحا الله دهراً لَا يدومُ سرورُهُ ... على حَالَة إِلَّا استحالَتْ على وشْكِ) (بنفسي أَبَا عجلانَ والفئةَ الألَى ... بنوا مجدَهُمْ بالسمهريَّةِ والبركِ) (ونالوا المعالِى بالعوالِى فأصبحَتْ ... بهمْ بيضَةُ العلياءِ مرفوعَةَ السَّمْكِ) (ملوكٌ رعينا الجُودَ حَولَ حماهُمُ ... خصيباً وساهمناهُمُ المالَ الشرْكِ) (رحَلْتُم فربعُ الأنسِ مَا زَالَ موحشاً ... خلياً وستْرُ العِزِّ أصبَحَ فِي هتْكِ) (وغادرتُم فِي الكَرْبِ جيرانَ طيبةٍ ... كَذَا جيرةُ البَطْحَاءِ وَالْحرم المكِّي) (وأسلمتُمُ كلَّ القلوبِ إِلَى الأسَى ... فَهَذَا الورَى مَا بينَ باكٍ ومستَبْكِي) (وَلما استقلَّتْ للمسيرِ جمالُكُمْ ... وحادى النَّوى يَشْكى إِلَيْنَا بِمَا يشكِي) (وسرتُمْ وَسَار الجُودُ يَمْشى أمامَكُمْ ... وظلَّتْ بَنو الآمال مِنْ خلفِكُمْ تبكْي) (وإنَّ الجبالَ الشُّمَّ والمجدَ والعُلاَ ... تَسيرُ بهَا بُزْلُ الجمالِ على وشْكِ) (فَلَا اكتحلَتْ بالنومِ عَيْني بَعْدَكُمْ ... وَلَا ابتسمَتْ غُرُّ الثغور عَن الضحْكِ) (وَلَا باتَ ذُو ملكٍ قريراً بملْكِهِ ... وَلَا مهجَة إِلَّا على لاعج مُنْكِي) (فصبراً أَبَا عجلانَ للحادِثِ الَّذِي ... يَثُولُ إِلَى عُقبى السلامَةِ والفَكِّ) (حرامٌ على العلياء تنكحُ خاطباً ... سواك وَإِن كانَتْ تَئُولُ إِلَى فركِ) (أَرَادَ بك الحسادُ كيداً فصادفوا ... جنابكَ لَا يحْكى لكَيْدٍ وَلَا يحكِي) (فجاءُوكَ من أبنا أبيكَ لعَجزهم ... فَلِلهِ أَرْحَام تقطعن عَن شَبكَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 (فهانوا عَلَيْهِم بعد ذَاك فأصبَحُوا ... يسومُونَهُم بالذلِّ والخسفِ والهَتْكِ) (وأنتَ أَبَا عجلانَ ملْءُ عُيُونِهِمْ ... كمالاً وأَهْدَاهم إِلَى الرُّشْدِ والنُّسْكِ) (فليْسَ لَهَا إلاك كُفْءٌ وصاحبٌ ... وَمَا زالَتِ العلياءُ مانعةَ الشركِ) (وَلَا عَنْ رضَا مِنْهُم تركْتَ وَرُبمَا ... يكونُ ظهورُ الفضْلِ للشَّيْء بالتَّرْكِ) (لعَمْركَ مَا ساموك خطَّةَ عاجزٍ ... توهَّمها الْجَانِي سَبِيلا إِلَى المسْكِ) (سوَى أَن رأَوْا فيكَ الكمالَ لدِينهِمْ ... فأدوا بك الطاعاتِ فِي الحَجِّ والنُّسْكِ) (وَمَا استَصْحَبُوا علياكَ إِلَّا ليأمنوا ... مِن الخَوْف فِى الأموالِ والخيلِ والبَرْكِ) (وَلَو شئْتَ حكَّمْتَ المهنَّدَ والقنا ... عليهِمْ ولكنْ سِرْتَ فِي طَاعَة الملْكِ) (لَئِن بَلَغَتْ منكَ اللَّيَالِي جَهَالَة ... فَمَا زالَتِ النكبا تهبُّ على الفُلْكِ) (وإنْ نالتِ الأعداءُ منْكَ بزَعْمها ... فيا طالما كانَتْ بِمَا نِلْتَهُ تَحْكِي) (ورُبَّ ابتسامٍ جاءَ من جانبِ البكا ... ورُبَّ بكاءٍ جَاءَ من جانِب الضحْكِ) (أمَا فِي رَسُولِ اللهِ يُوسُف أسوةٌ ... لمثلِكَ مَحْبُوسًا على الظُّلْمِ والإفكِ) (أَقَامَ جميلَ الصَّبْر فِي السجْنِ بُرْهةً ... فآلَ بِهِ الصَّبْرُ الجميلُ إِلَى المُلْكِ) (فعما قريبٍ يورقُ العودُ بالمنى ... وتعبقُ أرجاءُ الْعلَا منكَ بالمسْكِ) (وَتَأْتِي علىٌ رغم العدوِّ مملَّكًا ... وتظفرُ بالتقليدِ والتاجِ والزمْكِ) (ويرجعُ بَاقِي الْعَيْش حلوٌ اكما مضَى ... وتأوي إِلَى سامِى سَرِيرِكَ والمُلْكِ) ثمَّ إِن الغوري أطلق الشريف بَرَكَات من الغل ورتب لَهُ مَعَ جماعته النَّفَقَات وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ الشريف بَرَكَات وَإِلَى أمرائه ففر إِلَى مَكَّة وَذَلِكَ أَوَاخِر سنة تسع وَتِسْعمِائَة فظفر فِي طَرِيقه بقاصد أعدائه مُتَوَجها إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ السَّيِّد بطاح الْحُسَيْنِي فَقتله وفاز بِمَا مَعَه من المَال والهدية وَفِي مُدَّة غيِبته بِمصْر قتل الأتراك المقيمون بِمَكَّة أَخَاهُ جازان وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ صبح يَوْم الْجُمُعَة التَّاسِع من شهر رَجَب سنة تسع وَتِسْعمِائَة قتل الشريف جازان بن مُحَمَّد فِي المطاف عِنْد بَاب الْكَعْبَة فِي الشوط الثَّالِث من طَوَافه قَتله جمَاعَة من الأتراك بمواطأة من أَخِيه حميضة بن مُحَمَّد وولوا أَخَاهُ حميضة فحج بِالنَّاسِ ذَلِك الْعَام ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات واجه الْحَاج الْمصْرِيّ فِي طَرِيقه من مصر إِلَى مَكَّة هَارِبا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 مصر كَمَا تقدم ورحل وَذَلِكَ بمواطأة الدويدار وَوصل إِلَى مَكَّة سَابِع ذِي الْحجَّة مَعَه جَيش عَظِيم من بني لَام وَأهل الشرق وَسَائِر المفسدين فَمنع النَّاس من الْوُقُوف يَوْم الْخَمِيس حَتَّى صَالحه أُمَرَاء الْحَاج على أَرْبَعَة آلَاف أشرفي يسلمونها ويخلى بَينهم وَبَين الْوُقُوف يَوْم الْجُمُعَة فَفعل ووقف النَّاس بِعَرَفَات ومزدلفة وَمنى وهرب حميضة وَدخل بَرَكَات مَكَّة ثمَّ توجه إِلَى زِيَارَة جده الْمُصْطَفى ثمَّ قصد جِهَة الشرق فَتزَوج بالشريفة غبية بَيت حميدان بن شامان الْحُسَيْنِي فَحملت مِنْهُ بالسيد الْجَلِيل ذى الْمجد الأثيل ذِي الْعِزّ والسعد أبي نمي مُحَمَّد فِي أَوَائِل سنة إِحْدَى عشرَة وَتِسْعمِائَة وولدته لَيْلَة تَاسِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ طالعه سَعْدا أكبر ارْتَفع بولادته كل شَرّ مُنْذُ ظهر وتوالت على وَالِده البشائر وصفت مِنْهُ عَن الأكدار السرائر وَكَانَ وَالِده يمسح على ناصيته وَيَقُول كنت فِي أكدار وكروب مُتَوَالِيَة حَتَّى ظَهرت لي هَذِه الناصية وَلم يزل أَبُو نمي راقياً معارج الْمجد مستخدماً للإقبال والعز والسعد ثمَّ إِن السُّلْطَان الغوري أرسل بتفويض إمرة الْحجاز إِلَى الشريف بَرَكَات فَقدم أَخَاهُ السَّيِّد قايتباي فِي ولَايَة مَكَّة وأشرك مَعَه وَلَده عَليّ بن بَرَكَات وَكَانَ كل مِنْهُمَا يختلع وينفرد عَنْهُمَا الشريف بَرَكَات بِالدُّعَاءِ فِي خطْبَة الْجُمُعَة وَكَانَ بَينه وَبَين أَخِيه قايتباي صداقة عَظِيمَة ودامت إِلَى أَن مَاتَ السَّيِّد قايتباي يَوْم الْأَحَد حادي عشري صفر الْخَيْر عَام 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة بِأَرْض حسان من وَادي مر وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَمَعَهُ أَخُوهُ الشريف بَرَكَات وَصلى عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ وطيف بِهِ أسبوعاً كعادة أسلافه وُلَاة مَكَّة وَدفن بالمعلاة ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات أرسل وَلَده الشريف أَبَا نمي إِلَى الْقَاهِرَة وصحبته السَّيِّد عرار بن عجل وَفِي خدمته القَاضِي صَلَاح الدّين بن ظهيرة الشَّافِعِي وَالْقَاضِي نجم الدّين بن يَعْقُوب الْمَالِكِي وَذَلِكَ فِي سنة 918 ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة وَسن السَّيِّد أبي نمي إِذْ ذَاك ثَمَان سِنِين فأكرمهم السُّلْطَان الغوري وقابلهم بِكُل جميل وَحكى عَن مزِيد حذق الشريف أبي نمي أَن السُّلْطَان الغوري وَضعه فِي حجره وَقَالَ مَا سورتك فَأَجَابَهُ إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا فأعجب الغوري ذَلِك وتفاءل بِهِ وأشركه مَعَ وَالِده الشريف بَرَكَات فِي نصف ولَايَة مَكَّة وَهُوَ بذلك السن فَصَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 يخْطب لَهُ مَعَ أَبِيه على مَنَابِر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ثمَّ حجت خوند أم السُّلْطَان الغوري وَولده النَّاصِر مُحَمَّد وصحبتهما كَاتب السِّرّ مَحْمُود بن إنجا فِي سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة فأكرمهم الشريف بَرَكَات وَقَامَ بهم أحسن قيام وطلبوا مِنْهُ السّفر مَعَهم لمجازاته وإكرامه فوافقهم على ذَلِك وَسَار مَعَهم إِلَى الْقَاهِرَة ودخلها مرّة ثَالِثَة فأنعم عَلَيْهِ الغوري بخلع سنية وإكرامات مرضية لم يسْبق إِلَى مثلهَا وَلم يُشَارِكهُ أحد فِي فَضلهَا وهنأه الشُّعَرَاء بذلك مِنْهُم العليف الْمَشْهُور بالقصيدة الْآتِي ذكرهَا بعد وبقصيدة أُخْرَى مِنْهَا قَوْله // (من الْخَفِيف) // (أَنْتَ ربُّ القضيبِ والبُرْدِ والسيْفِ ... ورَبُّ الكُمَيْتِ والمزراقِ) (لَو رأى المصطفَى أناسٌ عيَانًا ... حَلَفُوا أنكَ ابنُهُ بالطَّلاقِ) (سِرْتَ نَحْو المليكِ مَعْ صاحِبِ السرْرِ ... على مَتْنِ سابحٍ سبَّاقِ) (فَذَكرنَا مَسْرَى النبيِّ وجِبْرِيلَ ... إِلَى الحقِّ فَوق ظهرِ البُراقِ) (فتلاقَى البحران جمعا على المَرْجِ ... فطوبَى لبَحْرك الدفاقِ) (وبلغْتَ الذى بلغْتَ بتدبيرٍ ... من اللهِ فوقَ سبْعٍ طباقٍ) (ثمَّ أَصبَحت فى حماك وَقد تَمْمَتْ ... بِمَا كَانَ من رضَا واتفاقِ) وَمِنْهُم الفاضلة الأديبة ستيتة بنت القَاضِي كَمَال الدّين مَحْمُود بن شيرين القاهرية وَذكرت الإنعامات الَّتِي انْفَرد بهَا الشريف بَرَكَات فِي قصيدة دالية هِيَ قَوْلهَا // (من الطَّوِيل) // (قِفُوا واسمعوا قولا صَحِيحا لَهُ سَنَدْ ... عَن الإشرفِ الغوريِّ مَا عَنهُ يعتمدْ) (وَمَا نالَ مَوْلَانَا الشَّريف من العطا ... ثَمَانِيَة مَا نالَهَا قبله أحَدْ) (فأوَّلها يدعَى لَهُ بمقامِهِ ... كَمَا يُدْعَ للسُّلْطَان هَذَا بِهِ انفردْ) (وأسمعه القيناتِ فى وَسْطِ دارِهِ ... وذلكَ ثانِى مَا ذكرْتُ من العدَدْ) (وثالثُهَا يوضعْ لَهُ بإزائِهِ ... لمرتبة علياءَ فى بِرِّهِ اجتهدْ) (ورابعُها يطعمْهُ بِالْيَدِ مَا يشا ... كوالِدِ مولودٍ إِذا يُعْنَ بالولَدْ) (وخامسها سارا فَلم ير نَعله ... تمهل حَتَّى حَامِل النَّعْل قد وَرَدْ) (وسادسها جازَا جَمِيعًا بداره ... فأنزله بَين العساكِرِ وانْفَرَدْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 (وسابعُهَا فرشُ المصلَّى بيدِّه ... وصلَّوْا جَمِيعًا هَكَذَا غَايَة المَدَدْ) (وثامنها مَا كَانَ يَوْم وداعِهِ ... وَأَكَبَّتْ أعده ووفَّاه مَا وَعَدْ) (وَزَاد ثَلَاثًا رفْعَة لمقامِهِ ... بسنجقه والطبل والجند للبودْ) (وَقد نَالَ هَذَا مِنْهُ بالبرِّ والتُّقَى ... وصِدْقِ مقالٍ وَالْوَفَاء لما وَعَدْ) (وَذَلِكَ فضْلُ الله يؤتيه مَنْ يشا ... ويخسأ عَوَّاء كَذَاك ومَنْ حَسَدْ) وَهَذِه ستيتة بنت شيرين أديبة عَجِيبَة فاضلة كَامِلَة من جملَة تلامذتها الشَّيْخ الْعَلامَة جَار الله بن فَهد الْقرشِي الظهيري وَكَانَ الشريف بَرَكَات بليغاً مصقعاً لَهُ النّظم الرَّائِق والنثر الْفَائِق فَمن نظمه قَوْله فِي الغوري فِي سفرته الثَّانِيَة إِلَى الْقَاهِرَة عَام تسع وَتِسْعمِائَة وَهُوَ قَوْله // (من الطَّوِيل) // (هَلُمُّوا معى نَحْو الصلاحِ وسارعُوا ... إِلَى جامعِ للذكْرِ والحُسِن جامعُ) (تأسَّسَ بنياه على الخَيْرِ والتقَى ... ألسْتَ ترَاهُ بالمحاسِنِ ساطِعُ) (أيا قانصوه اسمَعْ بحقِّكَ قصَّتي ... فإنى لِشَرْحِ الحالِ نَحْوك رافِعُ) (بليتُ بجور مِنْ زمانٍ أمضَّني ... ومالى وَلَا فى الناسِ غَيْرَكَ نافعُ) (وحقِّكَ مَا أفنيتُ مالى ومُهْجَتي ... سوَى لرضا السلطانِ واللهُ سامعُ) (فَإِن يكُ قد أرضاكَ مَا قَدْ لَقيته ... فإنى بِهِ راضٍ بَلَى ثمَّ قانعُ) (ولى أسوةٌ فِي النَّاسِ بالسَّادة الألَى ... لَكَمْ بذلوا أرواحَهُمْ ثمَّ بَايَعُوا) ونظم الغوري موشحاً وَسَأَلَ من الشريف بَرَكَات أَن يُعَارضهُ ومطلع موشح الغوري (يَا غزالاً بلحظِهِ يُنْشِى ... نشأَةَ الأكْوَسِ) فَقَالَ الشريف بَرَكَات (أكتم السِّرَّ وَيْكَ لَا تُفْشِى ... بالرَّشَا الألعسِ) (فَهُوَ يزرى الغصونَ إذْ يمشى ... فِي الرداءِ السندسِي) (مَا على الصبِّ فى الهوَى عَار ... إنْ تمادَى الكَمَدْ) (إِن لى فى الغرامِ أوطار ... واصطبارى نَفَدْ) (واللَّواحى فى لومهم جاروا ... وَأَنا أُبدى الجَلَدْ) (رَبِّ يَا ذَا الجلالِ وَالْعرش ... كُنْ بِهِ مؤنسِي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 (وبوصل الحبيبِ فى الْفرش ... جُدْ وَلَا تَحْبِسِ) (يَا غزالاً بوصله تدْرك ... كلَّ مَا يستطابْ) (غايتى فِي الغرامِ مِنْ أَمرك ... أننى مستَرَابْ) (جُدْ لمن فى هَوَاك لَا يُشْرك ... زينبًا والربابْ) (لم أزلْ فِي وصاله أرشي ... كى يجى مَجْلِسِي) (هَل لهَذَا القتيلِ مِنْ أرش ... يَا مُنَى الأنفسِ) وَكَانَ رَحمَه الله شهماً عِنْد الْوَفَاء وَحفظ العهود وإكرام الشُّعَرَاء والوفود مَعَ الْعِفَّة والصيانة وملازمة الْخَيْر والديانة وَإِظْهَار الْخيرَات ومواصلة المبرات أوقف بعض الْجِهَات على أَنْوَاع الصلات وَبنى رِبَاطًا سفل مَكَّة وَأَسْكَنَهُ الْفُقَرَاء فى حَيَاته وَأقر الله عينه بمشاركة وَلَده أبي نمي لَهُ فِي الْولَايَة كَمَا شَارك هُوَ وَالِده ثمَّ لما قدر الله تَعَالَى زَوَال دولة الغوري وأفضى ملك مصر والحرمين إِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم خَان ملك الرّوم وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَجهه أَبوهُ الشريف بَرَكَات مرّة ثَانِيَة إِلَى مُوَاجهَة السُّلْطَان الْأَعْظَم والخاقان الأكرم السُّلْطَان سليم خَان فوصل إِلَيْهِ إِلَى الْقَاهِرَة بعد حربه للغوري وَدخل مصر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة فقابله الخنكار بالعناية وَالرِّعَايَة وَأقر الشريف بَرَكَات على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْولَايَة وَأبقى أَبَا نمي على مُشَاركَة وَالِده فَعَاد أَبُو نمي قرير الْعين وَاسْتمرّ الشريف بَرَكَات مشاركاً لَهُ وَلَده أَبُو نمي حَتَّى قضى نحبه لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشري ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة بِمَكَّة الشَّرِيفَة على فرَاشه ثمَّ صلي عَلَيْهِ يَوْم الْأَرْبَعَاء بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وطيف بِهِ حول الْكَعْبَة أسبوعاً كعادة أسلافه وُلَاة مَكَّة الْكِرَام وَدفن بالمعلاة وبنيت عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة وَهِي مَوْجُودَة إِلَى الْآن وَكَانَ مُدَّة ولَايَته مشاركاً لِأَبِيهِ مُحَمَّد وَولده أبي نمي وَإِخْوَته نَحْو ثَلَاث وخسمين سنة وَعمر إِحْدَى وَسبعين سنة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد ثقبة وَأَبُو الْقَاسِم وحازم وواصل وَسَنَد وَعلي وَأَبُو نمي مُحَمَّد هَذَا الْمَذْكُور بعده وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة وَالِده بَرَكَات أَنه ولد لَيْلَة تَاسِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة إِحْدَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 عشرَة وَتِسْعمِائَة وَأَن أمه عبِّيَّة بنت حميدان بن شامان الحسينى وَكَانَ يكنى نجم الدّين شَارك أَبَاهُ بَرَكَات فِي ولَايَة مَكَّة كَمَا تقدم وعمره ثَمَان سِنِين ولاه الغوري وَهِي آخر ولَايَة صدرت من الشراكسة سنة ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة ثمَّ أبقاه السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان على مُشَاركَة وَالِده سنة ثَلَاث وَعشْرين لما قدم عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ بعد حربه للغوري واستيلائه على مصر وَهِي أول ولَايَة صدرت من العثامنة ثمَّ اسْتَقل بأعباء السلطنة بعد موت أَبِيه وَكَانَ استقلاله بهَا فِي سنّ عشْرين سنة فوصلت إِلَيْهِ المراسيم السُّلْطَانِيَّة السليمانية فخمدت بولايته الْفِتَن وابتهج بِملكه وَجه الزَّمن وَلم يزل ممتعاً بمكارم الشيم متقلباً فِي صنوف النعم وَقد رزق الذُّرِّيَّة الصَّالِحَة ودانت لَهُ رِقَاب الْأُمَم وَلما كَانَ موسم خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وصل إِلَى مَكَّة الباشا سُلَيْمَان من جِهَاد الفرنج بالديار الْهِنْدِيَّة عَازِمًا إِلَى الديار الرومية فَأرْسل مَعَه الشريف أَبُو نمي وَلَده السَّيِّد أَحْمد بن أبي نمي لمواجهة السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان وَفِي خدمته السَّيِّد عرار بن عجل وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَالْقَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي فوصلوا الْقَاهِرَة ثمَّ توجهوا مِنْهَا إِلَى الديار الرومية فِي الْبر فوصلوا بالسلامة والعز والكرامة وَاجْتمعَ السَّيِّد أَحْمد بالسلطان سُلَيْمَان وَجلسَ على يسَاره فقابله بالإكرام وعامله بالاحترام وأشركه مَعَ وَالِده أبي نمي فِي ولَايَة مَكَّة وَذَلِكَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَأقَام مُدَّة متوعكاً بالروم حَتَّى فَاتَهُ الْحَج فِي ذَلِك الْعَام وَمَات السَّيِّد عرار بالطاعون ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة عَام سبع وَأَرْبَعين قَالَ الشَّيْخ محيى الدّين عبد الْقَادِر مُحَمَّد الشهير بالجزيري فِي كِتَابه دُرَر الْفَوَائِد المنظمة فَعَاد الشريف أَحْمد إِلَى مَكَّة عَام سبع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَهُوَ فِي غَايَة الرّفْعَة وَالْجَلالَة مُتَوَلِّيًا مَا كَانَ وَالِده يَتَوَلَّاهُ وأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان سُلَيْمَان بِعلم مكمل بطبلخانة سلطانية رُومِية على أكمل هَيْئَة فاخرة فمبقتضى ذَلِك صَار الشريف فِي مَنْعَة وَحمى مِمَّن يرد إِلَى الأقطار الحجازية من أُمَرَاء الْحَاج وَغَيرهم من أكَابِر الأورام وَمن أَرَادَ الِاجْتِمَاع بِهِ من أكابرهم يَأْتِي إِلَيْهِ إِلَى بَيته وَمحل عزه مُنْفَردا وَفِي جمَاعَة قَليلَة فيقصده للسلام عَلَيْهِ وَلَا يذهب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 الشريف لأحد مِنْهُم أصلا وَتوجه قَاصِدا مَكَّة فلاقاه وَالِده أَبُو نمي فِي وَادي مر وَجعل لَهُ سماطاً عَظِيما حَضَره الْأَعْيَان ثمَّ قُرِئت مراسيمه بِمَكَّة بالعشر الأول من ربيع الأول سنة سبع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وألبس الخلعة السلطانة وَطَاف بهَا وَصَارَ يَدعِي لَهُ على المنابر وسعت إِلَى أبوابه الشُّعَرَاء والأكابر وَمِمَّنْ مدحه مهنئاً للشريف أَحْمد بِالْولَايَةِ الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الله باكثير بقصيدة راتية هِيَ هَذِه // (من الطَّوِيل) // (وفَتْ صبَّهَا بعد الجفا غادَةٌ عَذْرا ... ومذ لامَهَا قالَتْ لعلَّ لَهَا عُذْرَا) (وزارَتْ ولكنْ بعد طولِ تشوُّقٍ ... إِلَيْهَا وَلَا لَوْمَ عَلَيْهَا وَلَا إزْرَا) (وجاءته والأشواقُ جاذبةٌ لَهَا ... وشاكَتْهُ مَا تَلقاهُ وهْوَ بِهِ أدرَى) (وأطفَتْ ببردِ الوصلِ حرَّ بِعَادِهِ ... فباتَ وَلَا يشكو بعاداً وَلَا حَرَّا) (وأصبَحَ فى أهلِ الغرام منعمًا ... بمَنْ لحظُهَا يبرى وَمِنْه الضنا يبرا) (مهاةُ فلاةٍ غادةٌ عربيَّةٌ ... عقيلةُ حَيِّ كالضَّراغِم بل أضْرَى) (عزيزة قوم مُسْتَحِيل وصالها ... وَلَو بذل العشاق أنفسهم مهْرا) (محجَّبة مَا إنْ تُنَالُ لناظِرٍ ... جعلْنَ لَهَا بيض الظبا والقَنَا خِدْرَا) (ممنعة لَحْظ الحسام رقيبها ... يكلّم من يحلو لَهُ لَفظهَا المُرَّا) (رَدَاحٌ كساهَا الحُسْنُ حُلَّته كَمَا ... بمقلتها هاروتُ قد أَودَعَ السِّحْرا) (مهفهفةٌ كاللَّدنِ أمَّا سوارها ... فمثرٍ وَأما بندُهَا يشتكي الفَقْرَا) (لَهَا اللهُ خودٌ حِين تخطو تخالها ... من التِّيهِ والإعجاب ثاملة سَكْرَى) (إِذا ارتجَّ مِنْهَا الردفُ واهتزَّ قَدُّهَا ... ولاح مُحياها وأسبَلَتِ الشَّعْرا) (رأيتَ كثيباً فَوْقه غُصْن بانةٍ ... عَلَيْهِ هلالٌ والظلامُ لَهُ سِتْرَا) (رَنَتْ جوذرًا ماسَتْ قَضِيبًا تأرَّجَتْ ... عبيراً سطَتْ ليثاً ولكنَّها أجرا) (بَدَت قمرًا طرْقى وقلبي منازلٌ ... لَهَا أغرقَتْ هَذَا وَذَا أجَّجَتْ جمرا) (لَهَا كَفَلٌ كالحقْفِ يقْعد قدها ... إِذا نهضَتْ قد أَتْعَبَ العِطْفَ والخَصْرا) (طويلةُ مجْرى العقْدِ والجيد قد حلا ... بعقْدٍ حكى فِي النّظم مبسمها الدرَّا) (إِذا ابتسمَتْ خلْتَ الشَّتيتَ ووشمها ... لآلٍ بهَا خَفَّتْ زُمُرّدَةً خضرًا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 (عَلَيْهَا جَرَى ظَلْمٌ يعز مذاقُهُ ... فَلم ندر ظَلْمًا ذَلِك العذبُ أم خمرًا) (أدارَتْ على العشَّاقِ خَمْرَ عيونها ... فأضْحَوْا نشاوَى هائمين بهَا سَكْرَى) (فَلَا تعجبوا مِنْ كَسْرِ أجفانها إذَنْ ... فبالشرعِ كاسُ الخمرِ يَسْتَوْجبُ الكَسْرا) (كتمْتُ هَواهَا غير أنَّ محاجري ... بِمَا صنته خَطّ ابْن مقلتها سَطْرَا) (تمنُّ على المضنَى بإرسال طيفها ... إِلَيْهِ ومَنْ ذاق الصبابة لَا يكْرَى) (رعا الله دهراً كنْتُ سلطانَ عشقِهِ ... وكانتْ غصونُ العمْرِ يافعةً خضرًا) (وَلما مضَى عصْرُ الشبيبة وانقضَى ... ومَرَّ وَمَا أحلاه مِنْ زمَنٍ مَرَّا) (ونَبَّهنى مِنْ نومِ جهلي وشيبتي ... صَباحُ مشيبٍ لاحَ فِي مَفْرِقِى فَجْرَا) (دَعَاني هَواهَا للتصَابِى فَلم أُجِبْ ... وقُلْتُ لَهُ أرهقتني فِي الهوَى عُسْرا) (أبعد مشيبي تبْتَغِى مني الصِّبَا ... لقد جئْتَ يَا داعى الهوَى خُطَّةً نَكْرًا) (فَمَالِي وللتَّشبيب بالغِيدِ والظِّبا ... وبالوشمة الخَضْرا وبالوجنة الحَمْرَا) (وقلبيَ قَدْ أطلقته من يَد الهوَى ... وَكَانَ لسلطانِ الغرامِ من الأسْرَى) (وفكْرِىَ عَن صوْغِ المديحِ فطمتُهُ ... سَوى صَوْغِ مدحي فِي ابْن فَاطِمَة الزَّهرا) (أَبى الظفر المنصورِ أحمَدَ مَنْ رَقَى ... سماءَ المعالى وامتطى الأنجُمَ الزهْرا) (وَمن قد علا هامَ الممالكِ مذ نشا ... ودبَّرها مِنْ قبْلِ أَن يبلغ العَشْرَا) (ومَنْ جَرَّ من فَوق النجومِ ذيولَهُ ... فقنعتِ الجوزا وعممت النَّسْرَا) (علا ذروةَ فِي المَجْدِ أكسَبَ فخرُهَا ... بَنِى هاشمٍ عِزَّا كسا جدّهُمْ فخرا) (ومِنْ دوحة السبطَيْنِ أنبع غُصْنه ... وَمن نفْحة الريحانَتَيْنِ ملي عطرا) (بِهِ افتخرَتٍْ آلُ النبيِّ وعظمَتْ ... قريشٌ وسادَتْ قَومهَا مُضَرُ الحمرا) (وَمن حَازَ فِي سنِّ الشبيبة رُتْبَة ... مِنَ العقلِ والتدبيرِ فاقَ بهَا عُمْرَا) (يدبِّرُ أمْرَ الملكِ مِنْهُ بهمَّةٍ ... لَهُ علَتِ السُيُّوق واعتلَتِ الغفرا) (ويعلو سريرَ الملكِ ليثاً موقراً ... مهيباً كَمَا يَعْلُو المُطَهّمةَ الشَّقْرا) (ويحميه رأْيٌ مِنْهُ ضاهى رماحه ... إِذا مَا حَمَتْهُ أَو ضوازمه البَتْرَا) (شهابٌ إِذا مَا رمْتَ رَأيا وإنْ تردْ ... أَخا غارةٍ يروي القنا خلته ذمرا) (شُجَاع ربى بَيْنَ الأسنةِ والظبا ... ومنذُ نشا أرْضى الصَّوارم والسمرا) (إِذا جال فِي الهيجَاءِ والخيلُ تدَّعي ... فإنَّ كماةَ الحربِ تجعلهُ سِتْرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 (هزبرٌ تخافُ الأسْدُ منْ سطواته ... ألستَ ترَاهَا خيفة تسكُنُ القفرا) (جوادٌ لقد أخطا الَّذِي قاسَ جودَهُ ... بسحبٍ وَهَذَا كفُّهُ يمطرُ التبرا) (عطاياه لَا تحصَى بعدِّ وَلَا فَمٍ ... وَلَا قلمٍ بل بَعْضهَا جَلَّ أَن يُدْرَى) (مجمعة فِيهِ مآثرُ مَنْ غَدا ... معاصره والآتِيينَ ومَنْ مَرَّا) (شريفُ السجايا من لؤَيِّ بن غالبٍ ... محاسنه تُتْلَى وإحسانه تَتْرَى) (وَلَا عيبَ فِيهِ غَيْر إفراطِ سؤددٍ ... وبذل نوالٍ يسترقُّ بِهِ الحرا) (أَبى الله إِلَّا أنْ تكونَ لَهُ الْعلَا ... على كُلِّ مَنْ فِي الأرضِ مِنْ خلقه طرا) (من المسجِدِ الميمونِ أحمدُ قد سَرَى ... إِلَى المسجدِ الأقصَى فسبحانَ مَنْ أَسْرَى) (ويمَّم ملكَ الرومِ ممتطياً على ... نَجَائِب عز فِي الغُدُوِّ وَفِي المَسْرَى) (وَسَار لسلطانِ البسيطةِ مَنْ لَهُ ... جميعُ ملوكِ الأرضِ خاضعة قهرا) (مليكٌ لَهُ ملكٌ كملكِ سَمِيِّهِ ... وأكبره عَنْ أَن أفوه بِهِ ذِكْرَا) (تكفَّل للدنيا بأرزاقِ أهْلِهَا ... فكلُّ ابْن أثنى لَا يجوعُ وَلَا يَعْرَى) (ومدَّ على أبنائها مِنْ أمانِهِ ... رواقاً فَلَا يخشونَ بؤساً وَلَا ضُرَّا) (وألبسهم جلبابَ عدلٍ طرازه ... لكم ذمَّتى أنْ لَا مخاف وَلَا ذُعْرَا) (ونوَّلَ كلاًّ مَا يريدُ فَمن يردْ ... غِنًى أَو حَيَاة ذَاك رزقا وَذَا عُمرَا) (خليفةُ عدلٍ بالإمامةِ قائمٌ ... وَإِن جلَّ ذاتاً عَنْهُمَا وَعلا قَدْرًا) (لَهُ البسطةُ العظمَى على الخلقِ كُلّ مَنْ ... تحيطُ بِهِ الخضرا وتحملُهُ الغبرا) (لَهُ الملكُ والكرسىُّ والتاجُ والعلا ... لَهُ الوقْتُ والأملاكُ تعنو لَهُ قَسْرَا) (تخرُّ إِلَى الأذقانِ فِي عَتَبَاتِهِ ... سُجُودًا عَلَيْهَا لَا ثمينَ لَهُ صغرا) (وتلثمُ حَصْبًا بابِهِ بمباسمٍ ... لَهُم شَرُفَتْ عَن كَونهَا تلثم الدُّرَّا) (وتعتدُّهُ فخراً ومقدمُ أحمدٍ ... عَلَيْهِ مَعَ التَّعظيمِ تعتدُّهُ فخْرا) (بِهِ هزَّتِ اسطنبولُ مِعْطَفَ تائِهِ ... وأضحَى بِهِ إيوانها باسماً ثغرا) (وشرّفَ مِنْهَا ملْكها ومليكها ... ودَوْلتها هزَّتْ وشدَّتْ بِهِ أزرا) (وجرَّ بِهِ إقليمها ذَيْلَ معجبٍ ... وفَاق أقاليمَ البسيطةِ إذْ جَرَّا) (ومَعْ عِظَمِ الخنكارِ لما بدا لَهُ ... محيَّاه كادَتْ أَن تخفَّ بِهِ السِّرَّا) (وَلما رأى نورَ النُّبُوةِ ساطعًا ... يُضىءُ لَهُ من صبْحِ غرَّته الزهْرَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 (وَشَاهد مِنْهُ صُورَة نَبَويَّةٌ ... جمالُ سناها يَبْهَرُ العقلَ والفِكْرا) (ملا عينه مِنْهُ وقاراً وَهيْبَةً ... وحَمَّلها منِ نُورِ طلعته وِقْرا) (وشرَّفها مِنْهُ بمرأَى جلالهِ ... وهيبته مرأَى النبيِّ بالاستقرا) (وَقرَّبَهُ مِنْهُ وأدنَى محلهُ ... وأجلسَهُ من تَخْتِ سلطانِهِ الصَّدْرا) (وبالَغَ فِي تَعْظِيمه خَافِضًا لَهُ ... جناحَ اتضاعٍ مَا أشابَ بِهِ كِبْرا) (وَأَدْنَاهُ مِنْهُ ثمَّ حَيَّاهُ مطرقًا ... ووافاه بالبشرَى وأهْدَى لَهُ البشْرا) (وَفيَّأَهُ مِنْ جودِهِ ظلَّ رَوْضَة ... أمانيه مِنْ أكمامها أطلعتْ زهرا) (وأثمَرَ فِيهَا غرس رجواه مُدْنِيًا ... إِلَيْهِ قطوفاً لَا تُكَلِّفُهُ هَصْرا) (وأينع فِيهَا غُصْن آماله كَمَا ... مطامعه مِنْهَا مزاودها شكْرا) (وأفق رجاه عَمه سُحْب فَضله ... وأجرَى لَهُ مِنْهَا بجريته نَهْرَا) (وَألبسهُ تشريفةً عاقداً لَهُ ... ولايةَ مُلْك من زبيدَ إِلَى مِصْرا) (وَأَعْطَاهُ مَا الآمالُ تنفدُ دونَهُ ... وكُلُّ الأمانِى دون غَايَته حَسْرَى) (وأكرَمَ مثواه وأحْسَنَ نزله ... وأدْخَلَهُ من ملكِهِ جنَّة خضرًا) (هُنَا طرفه فِيهَا وأَمْرَى جنانه ... فَلِلهِ مَا أهنا وَللَّهِ مَا أمْرَى) (بِهِ قد تسلَّى عَن حبيبٍ ومنزلٍ ... فَأصْبح لم ينشدْ قِفَا نبك من ذِكْرى) (ولكنهُ عَن ذكْرِ والدِهِ وعنْ ... رعاياه لم يغفُلْ وَلم يستطعْ صَبْرَا) (فحرك مِنْهُ ساكنَ الشَّوقِ باعثٌ ... يحثُّ مطايا عزمه مِنْهُ بالإغْرَا) (فَعَاد إِلَى أوطانِهِ عودَ مُرْهَفٍ ... إِلَى غمدِهِ من بعد أَن جَاوَزَ النَّحْرا) (وَجَاء كَمَا يرضى المَمَالِك والعلا ... وبيض الظِّبا وَالْملك والنَّهْى والأَمْرَا) (وأصبَحَ نجاب السُّرورِ مخلقاً ... وَقد أرَّج الأرجاء مِنْ عِطْره نَشْرَا) (وطَبَّقَتِ الأرضُ التَّهَانى لعودِهِ ... إِلَى ملكٍ يشدو لَهَا هاتِف السرَّا) (فقلَّصه مُذْ بلَّغته دياره ... حرَام على الأكوار تعلو لَهَا الظّهْرَا) (علينا لَهَا لَثْمُ النحورِ وفرشنا ... خدوداً لممشاها لنوفي لَهَا النذرا) (فيابا سُلَيْمَان النَّدَى وَالَّذِي اعْتَلَى ... عَلَى صهوةِ العلياءِ مذ شَرِبَ الدرا) (لِيَهْنِكَ مَا قُلِّدتَّ فاستَخْدِم الظبا ... وسُمْرَ القنا والسعْدَ والعِزَّ والنصرا) (فمثلكَ لم ننظرْ مليكاً مُعظَّمًا ... تُظَلّلُهُ الخضراءُ فِي حلَّةٍ صفرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 (فَلَا زلْتَ سلطانَ الحجازِ وفخرَهُ ... وتاجَ بني الزهرا وغُرَّتها والغرَّا) (فهمْ سبَبُ التقوَى وهم أنجُمُ الهدَى ... وهُمْ شرَفُ الدُّنْيَا وهُمْ سادة الأُخْرَى) (بهم تفرجُ الغما بهم يُكْشَفُ البلا ... بهم تُرْفَعُ اللأوا بهم نَدْفَعُ الضرا) (بهم يأمنُ الناسُ المخاوفَ فِي غدٍ ... إِذا خيف أَن تُعْطى الصَّحائِفُ باليُسْرَى) (وهم أهلُ بيتٍ أذهَبَ الله رجْسَهُمْ ... وَطهَّرهُم من أنْ يُنِيطَ بهم وِزْررا) (وهم نعمةُ البارى على الخَلْق إِذْ غَدَوْا ... نجاةً لَهُم لكنَّ نعْمَته الكُبْرَى) (على خلقه فِي الأرضِ نَجْمُ الْعلَا أَبُو ... نميَّ الَّذِي قد فاق فِي عَدْلِهِ كِسْرَى) (مليكٌ لَهُ نورُ النبوةِ هالةٌ ... مُحَيَّاهُ مِنْهَا قد أضاءَ لنا بَدْرا) (مليكٌ لَهُ نَهْرُ الرسالةِ موردٌ ... فأكْرمْ بمورودٍ وأكْرمْ بِهِ نَهرا) (بِهِ شرَّفَ الله الزَّمانَ وَأَهله ... وحَلَّى بِهِ الدُّنْيَا وزانَ بِهِ الأخْرَى) (وأنطَقَ أفْوَاهَ الثَّنَاءِ بحمدِهِ ... وأجرَى لَهُ من كلِّ ناطقهِ شُكْرا) (وتوج هاماتِ المنابرِ باسمه ... وزان بِهِ الأقْلاَمَ والطرْسَ والحِبْرَا) (وأرسَلَ جبريلَ الأمينَ لجدِّهِ ... خديماً وَفِي أوصافِهِ أنزلَ الذكْرَا) (فَمَاذَا عسَى فِيهِ يقالُ ومدحُهُ ... أَتَانَا بِهِ التَّنْزيلُ فى سُورة تُقْرَا) (ومَنْ كَانَ جبرائيلُ حَامِلَ مَدْحِهِ ... ومادحه الْقُرْآن لَا يرتَضِى الشِّعْرَا) (وَلَو نُظِّمَتْ زهر النجومِ قلائداً ... بجنْبِ علاهُ كانَ فِي حَقِّهِ هجْرَا) (هُوَ ابنُ الألَى مدُّوا سرادقَ مَجْدِهِمْ ... وفخرهم فَوق السِّمَاكَيْنِ والنّسْرَا) (ملوكٌ غطاريفٌ جحاجحُ نُخبةٌ ... ليوثٌ غيوثٌ سَادَةٌ قادةٌ غرَّا) (صناديدُ صِيدٌ أوجبَ الله مدحَهُمْ ... وحسبهم إلاَّ مَوَدَّتَهُم أجْرَا) (وهم أهلُ بيتٍ لَا صلاةَ لكُلِّ مَنْ ... يصلِّى وَلَا يجْرِي لَهُم ضمنهَا ذِكْرَا) (وهم تَاج أَرْكَان الصَّلَاة وَذكرهمْ ... طراز على عطفي تحياته الْأُخْرَى) (غَدا حُبُّهُمْ فرضا وطاعَتُهُمْ هُدَى ... وقُرْبهم مَنْجًى وبغضهم كُفْرَا) (ومدحهم فخراً وَلَا سِيمَا أَبُو ... رُمَيْثَةَ مِنْهُم حُبُّهُ زَادَنِى فخرَا) (هُوَ الملكُ المنصورُ أندى الورَى يدا ... وأغزرُهُمْ حظَّا وأوسعُهمْ صَدْرَا) (وأرجحُهُمْ عقلا وأشرفهم أَبَا ... وأصوبُهُمْ رَأيا وأكثرُهُمْ بِرَّا) (يفوقُ ملوكَ الأرضِ عزَّا وهمَّةً ... وبأسَا وجودا يفضحُ الليْثَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 (يصيِّرُ حد السَّيْف كلاَّ بحلمه ... ويتركُ وردَ الماءِ مِنْ عزمِهِ جمرا) (إِذا مَا دَهَى أمرٌ من الخَطْبِ فادحٌ ... تبيتُ بردِّ الأمْرِ مقلته سَهْرَا) (وَلم يستَتِرْ إِلَّا بضوءِ حسامِهِ ... وَلم يستشِرْ إِلَّا الرُّدَينْيَّةَ السَّمْرَا) (وَإِن رام أمرا فالقضاءُ مُسَاعِدٌ ... لَهُ واللَّيالى لَيْسَ تَعْصِى لَهُ أمرا) (هُوَ البَطل المقْدَامُ فِي يومِ غارةٍ ... يقوم مقَاما يُرْعِدُ العسكَر المجرا) (عواليه فِي نَظْمِ الكلى جَادَ صنعها ... كَمَا فِي الطّلاَ أسيافُهُ جادَتِ النثرا) (إِذا اربدَّ تفترُّ الأَسِنَّةُ والظبا ... وتَجْرِى بُكَا عينِ النضار إِذا افترَّا) (يَدَاهُ لنفعِ الخلقِ مملوءةٌ ندًى ... فيمناه واليسرَى بهَا اليُمْن واليسرا) (ورُبَّ يراعٍ تشخصُ البيضُ هَيْبَة ... لسطوتِهِ والسُّمْرُ تنظُرُه شَزْرَا) (إِذا مَا جرَى فِي الطرْس قُلْ قَدَرٌ جَرَى ... فَإِن شَاءَه خيرا وَإِن شاءه شَرَّا) (مليكٌ إِذا حاولت ضبطَ صفاتِهِ ... فلنْ تستطعْ ضَبطًا لذاك وَلَا حَصْرَا) (فيا با نُمَىّ الْملك وَالْملك الَّذِي ... يجلُّ عَن الألقابِ والمدحِ والإطرا) (لقد صدَحَتْ فِي الكونِ صادحةُ الهنا ... تُغَرِّدُ فِيهِ بالمسَرَّةِ والبشرَى) (بمَقْدَمِ مَنْ أنتجته وادخَرْتَهُ ... وليّاً لعهدِ الملكِ أَعْظِمْ بِهِ ذُخْرا) (بمقدمه ورق البشائِر قد شَدَتْ ... وكلُّ فؤادٍ من بشائرها استرا) (وَقد عَمَّ أقطارَ الحجازِ قدومُهُ ... سُرُورًا كَمَا عَمَّ العراقَيْنِ مَعْ بُصْرَى) (ووافَى وكلُّ شيقٌ لِلقَائه ... كَمَا اشتاقَ حيٌّ عامَ إجدابِهِ القطرا) (وَقد آنسَ البيتَ الشريفَ وَأَهله ... ومكَّة والركْنَ المكرمَ والحِجْرا) (وأضحَى محيّا مكةٍ متهللاً ... سُرُورًا بمرآه وناظرُهُ قَرَّا) (وَكَانَ لَهُ عيداً وَلكنه غَدَا ... لباغِضِهِ نحْرًا وحاسده فِطْرا) (وخلعته الصَّفْرَاء مِنْهَا لَقَدْ رَمَوْا ... سَوَادًا وذكْرَاها ملا سمعَهُمْ وقْرا) (بِهِ قد تحلَّتْ والمراسيمُ شُرِّفَتْ ... وَشرف مُهْديها لَهُ والذى يَقْرَا) (فَدُمْ وليدُمْ والملكُ طوعُ يديكما ... ومدحُكُمَا يستغرقُ الحمدَ والشُّكْرا) (وهاكَ من الدُّرِّ النضيدِ قصيدةً ... تَغَارُ قوافِى الشعْرِ مِنْ رَسْمهَا بالرَّا) (منقَّحةَ المعنَى مُصَحَّحَة الْبَنَّا ... مهذَّبة الأَلْفَاظِ طَيِّبَةَ المقرا) (تضوَّعَ رَيَّاها عليكَ وَلم أكُنْ ... على مِثْلِ كافورٍ أضِيعُ لَهَا نشرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 (لعمرِيَ لَا أرضَى القريضَ بِضَاعةً ... ويَبْخَسنِى لَو أنني قُلْتُهُ دُرَّا) (وَمَا الشعْرُ إِلَّا دونَ قَدْرِى وَبَعض مَا ... لذاتي مِنْ فضلٍ وَلم ينضبطْ حصرا) (وُدونَكَهَا مِسْكُ الصَّلاةِ خِتَامُهَا ... على أحمدَ المحمودِ فِي الفتْحِ والإِسْرَا) هَذَا مَا ذكره الكثيري فِي الْوَسِيلَة وَغَيره وَقد ذكر السَّيِّد مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي ذَلِك مفصلا مَعَ زيادات وَبَعض مخالفات أَحْبَبْت ذكر جَمِيعه تتميماً للفائدة قَالَ تشرف مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن أبي نمي بن بَرَكَات بن حسن بن عجلَان بحماية الْحَرَمَيْنِ الشريفين بعد وَفَاة وَالِده الشريف مُحَمَّد بن بَرَكَات سنة ثَلَاث وَتِسْعمِائَة وَكَانَ سُلْطَان مصر يَوْمئِذٍ مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان قايتباي ثمَّ فِي جُمَادَى من الْعَام الْمَذْكُور تولى الشريف يحيى بن سبيع إمرة الينبع وَوَقعت بِمَكَّة فتْنَة عَظِيمَة بَين الشريف بَرَكَات وأخيه هزاع وارتحل هزاع مَعَ أَخِيه أَحْمد الجازاني فِي خَمْسمِائَة فَارس من ذويهما ونزلوا بالينبع وكاتبوا السُّلْطَان فِي إمرة مَكَّة بِمِائَة ألف دِينَار جَدِيد وافترقت الدولة مَعَ الْأَخَوَيْنِ فرْقَتَيْن لَكِن سعد بَرَكَات غَالب ثمَّ إِن السُّلْطَان برز أمره العالي بِتَعْيِين الْمقر الْكَرِيم البدري مُحَمَّد بن مزهر لإخماد الْفِتْنَة الْمَذْكُورَة وَفِي عَام سِتّ وَتِسْعمِائَة تسلطن الْملك قانصوه الغوري بتخت مصر فَجهز للشريف هزاع بن مُحَمَّد خلعة سنية بإمرة مَكَّة المشرفة صُحْبَة أَمِير الْحَاج فلاقاه من يَنْبع وَلبس التشاريف السُّلْطَانِيَّة وَسبق إِلَى مَكَّة لتمهيد الْبِلَاد وتطمين الْعباد فلاقاه الشريف بَرَكَات خَارج مَكَّة فاقتتلا قتالاً شَدِيدا فانكسر هزاع وَلحق بأمراء الْحَاج فأعانوه وَأَقْبلُوا بجموعهم من العساكر وَالْحجاج على الشريف بَرَكَات فولى عَن محاربتهم إِلَى جدة وَمَا يَليهَا وَنهب بعض عساكره كل مَا مروا بِهِ وَدخل الْحجَّاج مَكَّة وَمَعَهُمْ الشريف هزاع وهم على غَايَة الْخَوْف والوجل من الشريف بَرَكَات وَترك أَكثر النَّاس الْحَج خوفًا على أنفسهم وَأَوْلَادهمْ وأهاليهم ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات جمع عساكره وتوابعهم وَنزل ببدر راجياً من الله مَا حصل لجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من النَّصْر فَعَاد الْحَاج الْمصْرِيّ والشامي بعد قَضَاء الْمَنَاسِك والشريف هزاع مَعَهم حماية لَهُم فَلَمَّا قرب من بدر ولى هَارِبا إِلَى يحيى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 ابْن سبيع بالينبع فَعَاد الشريف بَرَكَات إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا وَاسْتمرّ هزاع بالينبع وَالْحَرب بَينهمَا سِجَال وَفِي عَام سبع وَتِسْعمِائَة مَاتَ الشريف هزاع فَدفن بِمَكَّة وَبعد مَوته عقد مجْلِس فِي الْحطيم صَدره القَاضِي أَبُو السُّعُود بن إِبْرَاهِيم بن ظهيرة وَفِيه الْقُضَاة والحكام والأمراء من الْعَرَب والأورام وَفِيهِمْ الشريف جازان وَمَالك بن رومي شيخ طَائِفَة زبيد وأعيان الشرفاء الْكِرَام وتفاوضوا فِيمَن يَلِيق لإمرة مَكَّة المشرفة وَطَالَ بَينهم الْكَلَام فَقَالَ مَالك بن رومي مَا أَمِير مَكَّة وسلطانها إِلَّا جازان وَمَا كَانَ هزاع إِلَّا بِهِ وبركات مَا لَهُ إِلَّا السَّيْف فَسكت الْحَاضِرُونَ جَمِيعهم طَويلا فَقَالَ القَاضِي أَبُو السُّعُود فَمن يَليهَا الْآن وَتَكون فِي وَجهه فَقَالَ مَالك الشريف جازان وَبَنُو إِبْرَاهِيم مَعَه فِي ذَلِك فَنُوديَ لجازان فِي شوارع مَكَّة بالبلاد ثمَّ كَانَ بَين الشريف بَرَكَات والشريف جازان حروب مُتعَدِّدَة ومواقف متكررة لحق ضررها الْحَاج وَاخْتلفت كلمة العربان وَخَرجُوا على الْحجَّاج ونهبوا أَمْوَالهم وَقتلُوا رِجَالهمْ فِي جَمِيع الطرقات وَسَائِر الْمنَازل وَفِي هَذَا الْعَام وَهُوَ عَام سبع وَتِسْعمِائَة رفعت الشكوى إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بِأَن جازان استولى على مَكَّة وَمَعَهُ الشريف يحيى بن سبيع وَجمع من بني إِبْرَاهِيم وَأَنَّهُمْ صادروا من كَانَ بهَا من التُّجَّار والرؤساء وَأخذُوا من الْمولى شمس الدّين الْعَيْنِيّ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار وَأَن بني إِبْرَاهِيم تحكموا فِي أهل مَكَّة بالبلص وَالْفساد وَأَن يحيى ابْن سبيع هَذَا رَأس الْفِتْنَة وضجت المجاورون وعزم الْجَمِيع على الْهَرَب من مَكَّة فِي أَرْبَعِينَ مركبا أعدوها ببندر جدة فَمَنعهُمْ الشريف جازان وَوَعدهمْ بِرَفْع المكاره عَنْهُم وطمن خواطرهم وَالْتزم لَهُم أَن يُجهز مَعَ كل مُسَافر من الْحجَّاج من يوصله إِلَى مأمنه فَلم يقبلُوا مِنْهُ ذَلِك لِأَن ميلهم إِلَى الشريف بَرَكَات أَكثر وَقُلُوبهمْ محبَّة لَهُ وَذَلِكَ لعدم طمعه فِي أَمْوَالهم وكف الْأَذَى عَنْهُم بِكُل طَرِيق بِحَيْثُ يدْفع من مَاله لأهل الشَّوْكَة من العربان سكان الْبَوَادِي لأجل حماية الْحجَّاج وعطفوا على الشكوى عدَّة مكاتيب لمولانا الشريف بَرَكَات أَن يُقيم بِمَكَّة أَمِيرا لَهَا وَجَمِيع من بهَا من الْعَسْكَر والرعايا عون لَهُ على جازان عناية من الله تَعَالَى بِهِ فوصل إِلَيْهَا فَلَمَّا بلغ ذَلِك الشريف جازان أقبل مُحَاربًا للشريف بَرَكَات فاقتتلا قتالاً شَدِيدا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 مَوَاقِف عديدة وَصدق مَعَ الشريف بَرَكَات من ذكر فِيمَا وعدوه بِهِ من الْإِعَانَة فَكَانَت الكسرة على جازان فهرب إِلَى الْيمن ثمَّ وصلت الْحجَّاج وَلم يكن بِمَكَّة أحد من جمَاعَة جازان غير ولد يحيى بن سبيع فَلبس الخلعة نِيَابَة عَن جازان بولايته السَّابِقَة وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف بِمَكَّة على غَايَة من الْقُوَّة والشوكة فَلم يحدث بِمَكَّة حَادِثا إجلالاً لشعائر الدّين وحقناً لدماء الْمُسلمين فَلَمَّا شَاهد ذَلِك أُمَرَاء الْحَاج ورؤساء الوفاد ألزموا الشريف بَرَكَات بالتوجه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة لتحصل لَهُ كرامات بالإمرة وَغَيرهَا من مراداته السّنيَّة مُكَافَأَة لصنيعه الْمَذْكُور وسعيه المشكور فتوجة وَتوجه مَعَه إخْوَته قايتباي وَأَبُو الْخَيْر وعنقا فقابلهم السُّلْطَان مُقَابلَة عَظِيمَة وألبسهم خلعاً تلِيق بأحسابهم النَّبَوِيَّة الْكَرِيمَة وَاسْتمرّ على غَايَة الاحترام والاحتشام مَعَ الْكِفَايَة التَّامَّة من اللبَاس وَالشرَاب وَالطَّعَام فوردت بمحضرهم إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة كتب من نائبهم بِمَكَّة المحمية بِأَن الشريف جازان لم تسكن مَعَ ولَايَته الْفِتَن وَحصل لأهل مَكَّة من جماعته أَنْوَاع الظُّلم والجور والمحن وَبِأَن الْأَمِير بكباش مَكَّة المشرفة صَار يُؤمن الشريف جازان وَيظْهر لَهُ الشَّفَقَة والمحبة فَصَارَ يتَرَدَّد بِالْحرم الشريف وَيكثر الطّواف فاتفق أَن هجم عَلَيْهِ طَائِفَة من الأتراك المماليك وقتلوه بالمطاف ضربا بالخناجر والسكاكين ثمَّ احتزوا رَأسه وَأَن الباش الْمَذْكُور ألبس أَخَاهُ الشريف حميضة خلعة بإمرة مَكَّة لغيبة الشريف بَرَكَات عَنْهَا وَأَن النَّاس يتمنون الشريف بَرَكَات راضين عَنهُ فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى مصر بذلك توجه الشريف بَرَكَات مَعَ أَخَوَيْهِ الْمَذْكُورين من مصر إِلَى الْحجاز من غير إِذن من السُّلْطَان ثمَّ أرسل مطالعة إِلَى السُّلْطَان يذكر فِيهَا أَنه عبد لمولانا السُّلْطَان وَإِنَّمَا توجه خوفًا من الطَّاعُون فَمنع السُّلْطَان جَمِيع من كَانَ مَعَ بَرَكَات من عِيَال وَأَتْبَاع من التَّوَجُّه إِلَيْهِ ورسم عَلَيْهِم بِمصْر المحروسة فَلَمَّا كَانَ موسم عَام تسع وَتِسْعمِائَة برز أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فِي شَوْكَة عَظِيمَة وعساكر جرارة وَزِيَادَة فِي السِّلَاح والمدافع خوفًا من الشريف بَرَكَات فَلَمَّا بلغ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 الشريف بَرَكَات الْخَبَر أرسل رَسُولا إِلَى أَمِير الْحَاج وصل إِلَيْهِ فِي عُيُون الْقصب مَعَه مكاتيب مضمونها أَن الْحَج يتَوَجَّه مَعَ سَلامَة الله تَعَالَى لَا خوف عَلَيْهِ وَأَنه فِي خدمَة السُّلْطَان بحراسة الْحَاج وتطمين سَائِر الْحجَّاج بِمَكَّة وعرفة حَتَّى يؤدوا الْمَنَاسِك جَمِيعهَا ويعلنوا بِالدُّعَاءِ لمولانا السُّلْطَان ثمَّ يعودون إِلَى أوطانهم وَأَنه باذل نَفسه وَأَوْلَاده وَإِخْوَته ورجالهم ومالهم فَلَمَّا بلغ الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان رَضِي عَن الشريف بَرَكَات رضَا تَاما وجهز إِلَيْهِ عِيَاله وَأَتْبَاعه وَبَلغت الْأَخْبَار أهل مَكَّة فتهيئوا لِلْحَجِّ بعد عزمهم على تَركه وَكَانَت سنة هنيَّة وَأهل مَكَّة فَرِحُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فضلَة بِوُجُود الشريف بَرَكَات بَين أظهرهم على عَادَته الجميلة ثمَّ إِن الشريف حميضة قَابل الْحَاج الْمصْرِيّ مَعَ يحيى بن سبيع بالينبع وَلبس الخلعة بتولية الباش الْمَذْكُور فَبلغ ذَلِك الشريف بَرَكَات فَمَنعه من دُخُول مَكَّة وَكَانَ مَعَه طَائِفَة من بني إِبْرَاهِيم وحلفائهم فأشاروا عَلَيْهِ بِالْخرُوجِ على الْحَاج وقتالهم وَقتل جمَاعَة الشريف بَرَكَات وَأخذ أَمْوَالهم فَفَعَلُوا ذَلِك وحصلت شدَّة عَظِيمَة من النهب وَالْقَتْل ثمَّ أجمع رَأْيهمْ على دُخُول مَكَّة ووقوفه مُنْفَردا بِعَرَفَة وَألا يَقع بَينهمَا حَرْب حَتَّى يَنْقَضِي زمن الْمَوْسِم وَيدْفَع حيمضة إِلَى الشريف بَرَكَات خَمْسَة آلَاف دِينَار ذَهَبا فَلَمَّا وصل بَنو إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَّة تحركت نُفُوسهم الخبيثة وضغائنهم السَّابِقَة فنهبوا بعض دور مَكَّة وعاثوا حَتَّى فِي الْحرم الشريف فبادر الباش وَمن مَعَه لقتالهم وَقتل أَرْبَعَة من أعيانهم وَذهب الشريف حميضة مَعَ يحيى بن سبيع إِلَى الينبع وجمعوا جموعاً على نِيَّة أَخذ الْحَج وَقطع الطَّرِيق فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى السُّلْطَان رسم بِالْقَبْضِ على جَمِيع من بِمصْر من بني إِبْرَاهِيم والصيادلة المتسببين بالشوارع كالصيارف والعطارين وَنَحْوهم والإحاطة بِسَائِر أَمْوَالهم وَقَبضهَا وَأخذ مَا بِأَيْدِيهِم من السِّلَاح خُصُوصا من أَرَادَ اللحوق بِيَحْيَى بن سبيع وَمن مَعَه ثمَّ عين تجهيزة عَظِيمَة من الْأَبْطَال والشجعان وأعيان الفرسان ومقدمهم الْأَمِير خاير بك الأِشقر وَأمرهمْ بِالْقَبْضِ على جَمِيع من خرج من الطَّاعَة وَحمل من يَلِيق حمله وَقتل من يسْتَحق الْقَتْل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى يحيى بن سبيع جهز قَاصِدا مَعَه عشرُون ألف دِينَار بِشَرْط إبِْطَال التجهيزة الْمَذْكُورَة وَأَن كل من بالحجاز طائع فَلَمَّا وصلت زَادَت فِي غضب السُّلْطَان فَجهز زِيَادَة على الْأَوَّلين أُمَرَاء متعددين وَصرح لَهُم أَن يفتكوا بِيَحْيَى بن سبيع وبينى إِبْرَاهِيم وبجميع من يناصرهم وَيكثر سوادهم وَأَن يمهدوا جَمِيع الأقطار الحجازية فَالْتَقوا مَعَ يحيى بن سبيع وَمَالك بن رومي والشريف حميضة وَجَمِيع بني إِبْرَاهِيم وتوابعهم غرَّة شَوَّال بالدهناء بِالْقربِ من يَنْبع وَسبق الْخَبَر إِلَى مَكَّة إِلَى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وَأَن جمَاعَة من بني إِبْرَاهِيم تواعدوا على تبييت العساكر السُّلْطَانِيَّة وَأَن يأتوهم لَيْلًا مُتَفَرّقين إيهاماً للكثرة وَلِأَنَّهُم لَا يعْرفُونَ الْبِلَاد والغريب أعمى فَركب الشريف بَرَكَات من فوره فَوَافَقَ وُصُوله نزُول الْعَسْكَر وَلَيْسَ عِنْد بني إِبْرَاهِيم من وُصُوله خبر فَاجْتمع من بني إِبْرَاهِيم سَبْعُونَ فَارِسًا وقصدوا مَا قصدُوا فَركب الشريف بَرَكَات سَرِيعا وفاجأهم بالدهناء وَقَاتلهمْ من الظّهْر إِلَى اللَّيْل ففر أهل الْخَيل وَوَقع الْقَتْل فِي الرجالة واقتلع مِنْهُم خيولاً وَظهر عَلَيْهِم ظهوراً هاشمياً والعساكر السُّلْطَانِيَّة ينظرُونَ إِلَى موقف مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وشجاعته وَقُوَّة بأسه حَتَّى تحيرت عُقُولهمْ ثمَّ عزموا لقَضَاء حجهم وَأَدَاء مناسكهم وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة وَتِسْعمِائَة كَانَ مولد مَوْلَانَا الشريف أبي نمي بن بَرَكَات كَمَا سَيَأْتِي ذكره وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة وَتِسْعمِائَة حج الشَّيْخ أَجود بن زايد فِي جمع عَظِيم يُقَال إِنَّهُم يزِيدُونَ على ثَلَاثِينَ ألفا وَفِي سنة ثَلَاث عشرَة وَتِسْعمِائَة وصل مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى جبل الروحاء بِالْقربِ من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَقتل مَالك بن رومي الزبيدِيّ الَّذِي كَانَ سَببا فِي نهب مَكَّة المشرفة وَقتل أَوْلَاده الثَّلَاثَة معوض وقادم وداغر وأخاه مشهون بن رومي وَطَائِفَة كَثِيرَة مِنْهُم وَمن أتباعهم من ذَوي روايا وذوى جمَاعَة وَفَرح النَّاس بِقَتْلِهِم وطيف برءوسهم فِي الْبِلَاد وَأرْسل بهَا إِلَى مصر فَنصبت على أَبْوَاب سورها وَكَانَت حجَّة هنيئة وَطَابَتْ الخواطر واطمأنت الْقُلُوب وَفِي سنة خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة توجه السَّيِّد عرار بن عجل بهدية من مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات تشْتَمل على أقمشة نفيسة ورقيق جميل وخدام حسان وَعشْرين ألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 دِينَار ذَهَبا وَعشْرين فرسا مسمية وَمَا يتبع ذَلِك ويناسبه وَثَلَاثَة آلَاف دِينَار للدوادار فقابله السُّلْطَان مُقَابلَة عَظِيمَة وَألبسهُ خلعة لقدومه وخلعة عِنْد تَقْدِيم الْهَدِيَّة وخلعة عِنْد الْوَدَاع وَأرْسل مَعَه هَدِيَّة عَظِيمَة للشريف وخلعاً سنية ثمَّ حلف لَهُ أيماناً مُؤَكدَة أَنِّي رَاض عَن الشريف بَرَكَات رضَا تَاما خُصُوصا لما وصلت إِلَيْنَا رُءُوس زبيد وَمن مَعَهم لِأَن فِي نَفسِي مِنْهُم حرا شَدِيدا بِمُوجب خُرُوجهمْ على الْحجَّاج وقتلهم ونهبهم الْمرة بعد الْمرة وقطعهم الطَّرِيق فِي أَيَّام سلطاني وَكسر ناموسي وَلَو لم يشف خاطري الشريف بَرَكَات من طَائِفَة زبيد بخصوصهم لَخَرَجت إِلَيْهِم بنفسي وَكتب لمولانا الشريف كتبا عَظِيمَة فِيهَا تَعْظِيم تَامّ وخاطبه بِلَفْظ مَوْلَانَا وشريفنا وفوض إِلَيْهِ أَمر الأقطار الحجازية حَتَّى يَنْبع فَلَمَّا وصل السَّيِّد عرار بِمَا مَعَه من الْهَدِيَّة وَالْخلْع وَالشُّكْر التَّام حصل لمولانا الشريف بَرَكَات السرُور التَّام ومدحته الشُّعَرَاء وَمن أعظمهم مَوْلَانَا شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن بن العليف الْمُسَمّى شَاعِر الْبَطْحَاء بقصيدة ذكر فِيهَا ظفره بزبيد وَقَتله شيخهم مَالك بن رومي وَقد أَجَاد فَقَالَ // (من الطَّوِيل) // (ذرى العزِّ مَا قامَتْ عَلَيْهِ الممالكُ ... وَمَا شَيَّدتْهُ المرهفاتُ البَوَاتكُ) (وَمَا أَعتقَتْ فِيهِ الفوارسُ فِي الوغَى ... وَمَا صافَحَتْ فِيهِ الصِّفَاحُ النَّيازكُ) (وقتلُ العدا صبرا كَمَا شاءتِ الظبا ... ونيل المنَى والفائتُ المتداركُ) (وَمَا المجدُ إِلَّا مَا وترت بِهِ العدَى ... فدارَتْ بهم رِيح الْحمام الحَواشكُ) (وعزم يبيد الخَيْلَ والعيس بالسّرَى ... تكلُّ بِهِ أخفافها والسَّنابِكُ) (لعمرُكَ مَا تغني الشَّجَاَعةُ فِي الفتَى ... إِذا الرَّأْيُ فِي تَدْبِيرها لَا يُشَاركُ) (وَلَا يرفعُ الجودُ الجوادَ لفعلِهِ ... إِذا لم يكُنْ والطبعُ للنفسِ مالكُ) (وَمَا لم يكنْ قطعُ الكريمِ كوصلِهِ ... وَألا فَمَا تغنِى السيوفُ البواتكُ) (فدى لأبي عجلانَ مَنْ رام سعيَهُ ... ومِنْ دون مَا رام الحتوفُ النواهكُ) (فتَى تردُ الآمالُ منهلَ جودِهِ ... فتصدرُ عَنهُ وهْوَ جذلانُ ضاحكُ) (إِذا سارَ سارَ الجودُ يحْدُو ركابَهُ ... وَإِن بركَتْ عَنْ سَيرهَا فَهْوَ باركُ) (يذودُ عَن المجدِ الأثيلِ بطاعنٍ ... لَهُ عزماتٌ فِي القلوبِ سوالكُ) (حَمَى حوزةَ العَلياءِ مِنْهُ مهندٌ ... إِذا مَا انتضَى ماضي الغرارينِ باتكُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 (وَفِي التاجِ غيثٌ بالحيا متهلِّلٌ ... وَفِي الدرعِ ليثٌ والتريكة زامكُ) (أباد العدَا فاستَدْرَكَ السَّيْف فَوته ... وَمن قبلهَا فِي الغِمْدِ لَا يتماسكُ) (وذاقَتْ بِهِ سوء النكالِ بِمَا جَنَتْ ... فأضحَتْ ومثواها الكدَى والدكادكُ) (شفا بالقنا حرَّ النفوسِ من العدا ... وزالَتْ بِهِ تِلْكَ الهمومُ السوادكُ) (عزيزٌ عَلَيْهِ أَن ينامَ وَلم تَقُمْ ... بأرضِ العدا بالصافناتِ المعاركُ) (فتَى الحربِ لَا تثنيه خودٌ عَن الوغَى ... رَدَاحٌ وَلَا تصبيه دُعْجٌ ركاركُ) (أبَى غيرَ ظلِّ الرمحِ أَن يدْرك المنَى ... فَلَمَّا انقضَى حنَّتْ إِلَيْهِ الأرائكُ) (وَأقسم لَا يثني عَن الحرْبِ عزمَهُ ... إِلَى أَن ترى فِيهِ الدِّمَاء سوافكُ) (أباحَ حمَى الأعداءِ مِنْهُ بغارةٍ ... كأنَّ الضحَى فِيهَا من النقعِ حالكُ) (يؤلّبُ مِنْ أبنا أَبِيه عِصَابَة ... كِرَام سَرَاة كالجبالِ سوامكُ) (أَقَامُوا صُدورَ الناعجاتِ وجَنْبها ... إِلَيْهَا المَذاَكِى فِي السلاحِ شوائكُ) (كأَنَّ مواطي الصافناتِ أهلَّةٌ ... ووَطْءَ مطاياهم بُدُورٌ فوالكُ) (نماهم إِلَى العلياءِ والمجدِ والندَى ... أبوَّةُ صدقٍ أخلَصَتْها السبائكُ) (مناعيرُ فِي الهيجا مساعيرُ فِي الوغَى ... إِذا نكصَتْ عَنْهَا اللئامُ الضرائكُ) (يذبُّونَ عَن أحسابِهِمْ بسيوفهم ... إِذا ضربَتْ صفحاً لَدَيْهَا الوكاوكُ) (ثَوَوْا فِي ظهورِ اليعملاتِ كَأَنَّمَا ... مجالسُهُمْ كيرانها والمياركُ) (سَرَوْا لاقتناصِ المكرماتِ يذودُهُمْ ... عَن النومِ هَمٌّ بالجوانِحِ سادكُ) (يهزونَ أشطانَ القنا فِي أكفِّهم ... كأنَّ أعاليها بروقٌ نوابكُ) (إِذا سَار فيهم خِلْتَ بَدْرًا وأنجماً ... ثوابت فِي أفلاكها لَا دوالكُ) (ويَقْدُمُهُمْ ماضِى العزيمةِ مقدمٌ ... على الهولِ مَيْمُون اللثام مباركُ) (يشيح بِهِ ظامِى الفصوصِ مطهَّمٌ ... وأورق مَفْتُول الذراعَيْنِ تامكُ) (أَبُو حَسَن السَّامِي بنَفْسٍ ووالدٍ ... وَفِي منهجِ العلياءِ والعزِّ سالكُ) (كريمُ المساعِى صادقُ الْوَعْد مَنْ غَدا ... وليسَ لَهُ فِي المكرماتِ مشاركُ) (وأنتَ أَبَا عجلانَ رائشُ نبلهم ... إِذا دهمَتْ تِلْكَ الخطوبُ النواهكُ) (وكَمْ لَك أعضادٌ شدادٌ على العدا ... وأنْتَ لعلياهم سنامٌ وحاركُ) (إِذا وعد اللهُ الفتَى مِنْهُ نصْرَة ... وعزَّا وسعداً أيدته الملائكُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 (أرادتْ زبيدٌ فِي جنابكَ دولة ... فضلَّتْ بهَا أوهامها والشكائكُ) (غَوَتْ عَن طَرِيق الرشد مِنْهَا سفاهةً ... وجهلاً وغرتها ظنونٌ بواشكُ) (مَتى كانتِ الأوغادُ ترقَى إِلَى الْعلَا ... وتسمو إِلَى عالي الأمورِ الزكازكُ) (وتخطبُ أوشاب الشوايا مراتباً ... وتنهضٌ للحرْبِ الزبون الحواتكُ) (طرقتهمُ وقْتَ الهجيرِ بصكَّةٍ ... عمي لَدَيْهَا فاتك العزمِ فاركُ) (وطفْتَ عَلَيْهِم يَا همامُ بنيَّةٍ ... كَمَا طافَ بالبيتِ المعظَّم ناسكُ) (فغادرتَهُمْ صرعَى بكلِّ تنوفةٍ ... تناوحهم ريحُ الصَّبا والروائكُ) (تَقَاعَسَ مِنْهَا مَالك ومشهون ... وكُلّ لَدَى الهيجاء ألوى مماحكُ) (وقامَ بهَا ميل المقرّضِ واستوَى ... وَمن قبلهَا فِي مَشْيه يتباوكُ) (وطار بهَا خوفًا أَخُوهُ وقلَصَتْ ... خصاه وولَّى وَهُوَ حيرانُ عانكُ) (وزين وبازان بروك وقادمٌ ... وداغر فِي البوغاءِ بئْس المباركُ) (لعمرُكَ لَو لم تطلُب القومَ غالهم ... بسعدِكَ مِنْ دونِ الطلابِ المهالكُ) (وأغناك عَنْ حَثِّ المطيةِ رائدٌ ... من الذُّلِّ فيهم حابل النومِ حابكُ) (لَئِن كنْتَ عَن عمدٍ هدمْتَ عروشَهُمْ ... فَإنَّك بانيها قَدِيما وسامكُ) (توهَّمها الروميُّ نهضةَ عاجزٍ ... وَلم يَدْرِ أَن الليْثَ بالعيرِ فاتكُ) (جرى طرفه ملْء العنانِ إِلَى المدى ... وطرف الردى فِي جَفْنه عَنهُ ساهكُ) (أخذْتَ علية كلَّ نَقب ثنية ... فضاقَتْ عَلَيْهِ بالرحابِ المسالكُ) (وَمَا زالَ يجْرِي فِي هواهُ وغيه ... وأنْتَ لَهُ وسطَ العرينةِ باركُ) (وَهَان على الأيامِ مَا هُوَ فاعلٌ ... وَعز على العلياءِ مَا أنتَ تاركُ) (إِلَى أَن نضَتْ عَنهُ الحياةُ قناعها ... فعاجَلَهُ منْكَ الحمامُ المواشكُ) (فجرعته كأساً أعلَّ بِمِثْلِهَا ... أَبوك أَبَاهُ فارتدَى وَهُوَ هالكُ) (وَلم ينجِهِ منْكِ الفرارُ لحينِهِ ... فأصبَحَ مَمْلُوكا وَمن قيلُ مالكُ) (وَكَيف وأنتَ المُعْلِمُ الفَرْدُ فِي الوغى ... ورمحكَ طعانٌ وسيفكَ باتكُ) (قضى فِيهِ حُكْم المشرفي بعدله ... فبعداً لَهُ عَن منهجِ العدلِ نازكُ) (كَذَا فليكُنْ عزمُ الْكَرِيم وَإِنَّمَا ... على قدرٍ عزماتِ الكرامِ المداركُ) (فِدَاكَ أَبَا عجلانَ كلُّ مملَّكٍ ... فأنتَ سَمَاء والملوكُ حبائكُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 (خذِ المدْحَ مني يَا همامُ فَإِنَّمَا ... بقَدْرِ بِنَاء البيتِ تسمو المدامكُ) (ودَعْ مَا سواى يَا كريمُ فإنني ... أَنا الشاعرُ المحكيُّ والغَيرُ حائكُ) (ودونَكَ يَابْنَ الأكرمَيْنَ تَحِيَّة ... تفوحُ كمسكٍ أحكمته المداوكُ) (وأخرَى حباها الله لطفاً وَرَحْمَة ... تهنِّى عليا بالشفا وتباركُ) (وتهنا بهَا العلياءُ والسيفُ والندَى ... فكلٌّ لما قد كَانَ يشكوه ناهكُ) (وَقد سرَّنى النصْرُ العزيزُ على العدا ... وحُكْمُ القنا والمغنَمُ المتداركُ) (سُرُورًا بِهِ عينُ الزمانِ قريرةٌ ... وثغرُ اللَّيَالِي بالتبسُّم ضاحكُ) (ودُمْ يَا أَبَا عجلانَ ملكا مؤيداً ... تتيه بِهِ الْعليا وتَزْهُو الممالكُ) (وَلَا زلْتَ تَحْيَا فِي سرورٍ وغبطةٍ ... وشانِيكَ يَحْيَا فِي المذلةِ رامكُ) وَفِي سنة سبع عشرَة عَاد الشريف رَاجِح من الْقَاهِرَة قَاصِدا أَخَاهُ الشريف بَرَكَات صُحْبَة السَّيِّد عرار بن عجل ليصالحه بشفاعة من السُّلْطَان وَمن أَخِيه السَّيِّد قايتباي فقابله مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بِالْقبُولِ واصطلحا صلحا شافياً وصارا كَنَفس وَاحِدَة إِلَى أَن مَاتَ كل مِنْهُمَا وَفِي سنة ثَمَان عشرَة توفّي السَّيِّد قايتباي وتعزى فِيهِ أَخُوهُ الشريف بَرَكَات وَتُوفِّي السُّلْطَان بايزيد ملك الرّوم وَتَوَلَّى وَلَده السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان فِي بِلَاده قبل فتح مصر وَفِي هَذَا الْعَام توجه الشريف أَبُو نمي بن بَرَكَات إِلَى مصر المحروسة صُحْبَة القَاضِي عَلَاء الدّين نَاظر الْخَواص السُّلْطَانِيَّة وَمَعَهُ من أَعْيَان مَكَّة شيخ الْإِسْلَام صَلَاح الدّين بن ظهيرة الشَّافِعِي وَشَيخ الْإِسْلَام القَاضِي نجم الدّين بن يَعْقُوب الْمَالِكِي وَولده القَاضِي مُحَمَّد وَالْقَاضِي تَاج الدّين وَجُمْلَة من أَعْيَان السَّادة وَطَائِفَة من أَعْيَان قوادهم بنظام عَظِيم وأبهة وافرة وخيول أصيلة وركائب مسمية مَعَ الملابس الفاخرة وَالسِّلَاح الْمَذْهَب والسروج والأكوار اللائقة بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان قَاصِدا منصب آبَائِهِ الْكِرَام من السُّلْطَان الغوري بتخت مصر فَلَمَّا وصلت أَخْبَار خُرُوجه من مَكَّة برزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة إِلَى رَئِيس الزَّمَان القاضى أَحْمد بن الجيعان أَن يخرج لملاقاتهم على أحسن أسلوب فَخرج إِلَيْهِ بفرس عَظِيم وسرج مغرق وكنبوش مَذْهَب وكاملية مخمل بسمور كل ذَلِك من خَاصَّة السُّلْطَان وخزائنه المحفوظة وَمَعَهُمْ مَا يَلِيق من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 الطَّعَام ثمَّ بعد قَلِيل تلقاهم أَمِير كَبِير وباش العساكر المنصورة خير بك الدوادار وَجمع عَظِيم من الْقُضَاة والمباشرين من كَاتب السِّرّ إِلَى من دونه فَلَمَّا وصلوا الْمحل الْمَعْرُوف بِالْبركَةِ ضرب لَهُم مخيم عَظِيم سلطاني وَبسطت لَهُم فرش من الخزانة العامرة جَدِيدَة ومقاعد مشركسة بِالذَّهَب الصّرْف ونصبت لَهُ وسائد سلطانية ثمَّ نزل الشريف أَبُو نمي فِي أعظم خيمة من الخيم السُّلْطَانِيَّة ثمَّ نزل كل رَئِيس من الَّذين مَعَه فِي خيمة هيئت لَهُ ثمَّ مد لَهُم سماط عَظِيم سلطاني تضرب بِهِ الْأَمْثَال ثمَّ بعد فَرَاغه مِنْهُ مد سماط الطَّارِئ من الحلاوات والعسليات وَمَا يلائم ذَلِك ثمَّ بعد فَرَاغه مد سماط الشرابات والفواكه الْمَوْجُودَة ثمَّ ركب فِي موكب عَظِيم لَا يُحْصى كَثْرَة حَتَّى دخل الْبِلَاد فى أعظم منظر وأبهى أٍ سلوب والخاصة والعامة معلنون بِالدُّعَاءِ لَهُ مظهرون الْفَرح وَالسُّرُور بملاقاته ثمَّ سَار إِلَى الْمدرسَة الأشرفية الغورية فَنزل بهَا ثمَّ مد لَهُ سماط بعد سماط كَمَا شرح وَفِي جَمِيع هَذِه الْمدَّة يُخَاطب مَوْلَانَا أركانُ الدولة ورؤساؤها بالألفاظ الملوكية مَعَ ظُهُور غَايَة الْبشر وَكَمَال الْفَرح وَنِهَايَة السرُور وعظيم الهناء وناهيك بِمَجْلِس جمع أَشْرَاف الزَّمن ورؤساء الْوَقْت وعلماء الْعَصْر وفصحاء الدَّهْر ثمَّ ركب مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي من الْمدرسَة الْمَذْكُورَة فِي موكب عَظِيم إِلَى الدِّيوَان وَكَانَ السُّلْطَان حِين ذَاك جَالِسا بصدر الدِّيوَان فَلَمَّا دخل مَوْلَانَا الشريف من بَاب الحوش أشرف عَلَيْهِ السُّلْطَان وَهُوَ فِي الملابس الْحَسَنَة الحسنية بالدليقين والعمامة على القبع والأنوار النَّبَوِيَّة مشرقة عَلَيْهِ والعناية الصمدانية ناظرة إِلَيْهِ تعجب من هَيئته الباهرة وامتلأت عينه بمهابته وطلعته الطاهرة فَأمر أَن ينصب لَهُ كرْسِي بمفرده فَلَمَّا دخل الدِّيوَان قَامَ لَهُ ألفا وَقبل جَبينه الشريف وَقد زَاده الله شرفاً وَأَرَادَ مَوْلَانَا تَقْبِيل يَد السُّلْطَان فَامْتنعَ السُّلْطَان من ذَلِك أدباً مَعَ الْمقَام النَّبَوِيّ والجناب الْعلوِي فغلب على ذَلِك مَوْلَانَا الشريف فَاحْتَضَنَهُ وَسلم عَلَيْهِ وقربه لجانبه وَأَقْبل عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 بالمحادثة والملايمة ثمَّ أَجْلِس من مَعَه من الْقُضَاة والأشراف وجابرهم بخطابه العذب وأنصفهم فِي الْجُلُوس غَايَة الْإِنْصَاف ثمَّ أقبل على الشريف أبي نمي وَوَضعه فِي حجره وَكَانَ سنه إِذا ذَاك ثَمَان سِنِين وَقَالَ لَهُ مَا اسْمك فَقَالَ مُحَمَّد أَبُو نمي الغوري فَحصل للغوري سرُور عَظِيم بذلك فَقَالَ لَهُ أَنْت أشطر من أَبِيك وَرَأَيْت فِي نشآت السلافة للْإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ أَنه قَالَ لَهُ بعد وَضعه فِي حجره مَا سورتك فَقَالَ إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا وَلم تكن إِذْ ذَاك سورته هِيَ فأعجب السُّلْطَان ذَلِك وتفاءل بِهِ واستبشر قلت كِلَاهُمَا يدل على مزِيد الحذق والذكاء وَلَا عجب إِذا صدر من سلالة الْمُصْطَفى وعندى أَن الأولى وَهِي الَّتِي ذكرهَا السَّمرقَنْدِي أحذق وأذكى لعود الذكاء وأعبق ثمَّ ألبسهُ كاملية سلطانية ثَانِيَة بمسح ذهب بمقلب سمور من خَاص ذخيرته وَقَامَ السُّلْطَان ثَانِيًا لوداعه ثمَّ ركب من القلعة السُّلْطَانِيَّة إِلَى مَحل سكنه ثمَّ رتب لَهُ السماط السلطاني صباحاً وَمَسَاء مَعَ الطَّارِئ وتوابعه مَعَ الافتقادات لَهُ وَلِجَمِيعِ من مَعَه مِمَّا لم يسْبق نَظِيره فِي الدولة السُّلْطَانِيَّة الغورية ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف اسْتَأْذن فى التَّوَجُّه إِلَى الأقطار الحجازية فَكتب لَهُ توقيع شرِيف جليل خُوطِبَ فِيهِ بِأَلْفَاظ التكريم والتبجيل ثمَّ وَجه إِلَيْهِ من الذَّخَائِر السُّلْطَانِيَّة سنجقاً وَأَرْبَعين مَمْلُوكا وخلعاً سنية لوالده الشريف بَرَكَات ومبغا من النَّقْد لَهُ صُورَة برسم من صرف الطَّرِيق وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الدَّقِيق والأرز وَالسمن وَالْعَسَل وَالسكر وَسَائِر زَاد الطَّرِيق وَكَذَلِكَ جَمِيع من فِي صحبته من الْأَعْيَان أنعم عَلَيْهِم بالعامات مُعجلَة ومرتبات على عَادَة أمثالهم وبرز من مصر على صُورَة جميلَة مَعَ إِظْهَار الإنعامات السُّلْطَانِيَّة وَلما وصل الْخَبَر بقدومه زينت الْبِلَاد وانشرحت صُدُور الْعباد وَخرج لملاقاته الْأَعْيَان من مَكَّة فَدَخلَهَا رافلاً فِي نعم الله تَعَالَى الَّتِي تفضل بهَا عَلَيْهِ وعَلى آبَائِهِ وأجداده فَلَا زَالَت فِي أَوْلَاده ثمَّ فِي أحفاده فَطَافَ بِالْبَيْتِ الْحَرَام ودعي لَهُ على زَمْزَم أُسْوَة آبَائِهِ الْكِرَام ثمَّ قرئَ توقيعه الْكَرِيم بِمحضر جيران بَيت الله الْحَرَام ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 خرج إِلَى دَار السَّعَادَة فمدحته الشُّعَرَاء على عَادَة أسلافه بعدة قصائد من أعظمها قصيدة أَحْمد بن الْحُسَيْن العليف أَيْضا يهنئ أَبَاهُ بعوده إِلَى سَرِير ملكه ووصول وَلَده الشريف أبي نمي من الْقَاهِرَة سنة ثَمَان عشرَة الْمَذْكُورَة وَهِي هَذِه // (من الْخَفِيف) // (خدَمَتْكَ الحظوظُ والأقسامُ ... وجرَتْ باختيارِكَ الأحكامُ) (وقضَتْ بِالَّذِي تريدُ الليالِي ... واستقامَتْ لأمرِكَ الأيامُ) (وأطاعَتْكَ المرهفاتُ المواضِي ... والمذاكِى والسمْرُ والأقلامُ) (وكفَاكَ الْمَحْذُور أَي شريفٍ ... وحَماكَ التدبيرُ والإلهامُ) (ووقاكَ الإلهُ مَا أضمَرَ الدَّهْرُ ... وَمَا سوَّلَتْ لَهُ الأوهامُ) (لَا تخفْ مِنْهُ نبوةَ واهتضاماً ... عادةُ اللهِ لَا يضامُ الكرامُ) (خصَّكَ اللهُ بالعنايةِ مِنْهُ ... وكَلاَكَ الوقارُ والإعظامُ) (حسبُكَ اللهُ أَن يطيشَ بك ... الظنُّ وأنْ يستفزَّكَ الإيهامُ) (لَيْسَ للملكِ غَيْر ذاتِكَ كُفْءٌ ... أنتَ للملكِ يَا همامُ نظامُ) (لكَ فِيهِ وَلَا عَلَيْك امتنانٌ ... قدمٌ راسخٌ ومجدٌ قدامُ) (وطدتْهُ سيوفُ آبائكَ الغُرّ ... فدانتْ لَهَا الملوكُ العظامُ) (دون مَا يضمرُ الغبيُّ من الغَدْرِ ... جلادٌ وعْرٌ وموتٌ زؤامُ) (يكبتُ الغيظُ حاسديك جَمِيعًا ... وتزولُ الأحقادُ والأدغامُ) (قد بلاكَ الزمانُ حلواً وَمَرا ... فَإِذا الشّهْدُ فِيهِ داءٌ عقامُ) (ورآاك العدوُّ هضبةَ عزِّ ... دون مرآك شامةٌ وشمامُ) (لَو على الأمْر عارضتْكَ اللَّيَالِي ... قارعَتْهَا الأقدارُ والأحكامُ) (لم يكنْ غَيْرُ مَا تريدُ وَلَو كَانَ ... فإنَّ الْعَزِيز مَنْ لَا يضامُ) (لَا يقيمُ الفتَى على الضَّيْمِ مَا دَامَ ... لَهُ الرمْحُ خَادِمًا والحسامُ) (وَإِذا أنْكَرَ الديارَ كريمٌ ... فالمطايا دليلهُنَّ الخطامُ) (ظِلُّهُ رمحُهُ وعصمتُهُ السَّيْفُ ... ومثواهُ صهوةٌ أَو سنامُ) (لَا يناجِى على العزيمةِ إِلَّا ... نفسَهُ والكريمُ لَا يستضامُ) (يقطع الأمرَ دونَ كلِّ مشيرٍ ... ويناغي الردَى إِذا القومُ خامُوا) (لَيْسَ عزًّا إلاَّ صُدُور العوالي ... والظبا والإسراج والإلجامُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 (هَكَذَا فلتكُنْ كرام المساعي ... وعَلى مِثْلهَا يكونُ المقامُ) (فهنيئا أَبَا زُهَيْر بعودٍ ... لسريرِ بِهِ السرورُ دوامُ) (مَهَّدَتْهُ لَك الخفافُ المواضِي ... وجلاه بعزمِكَ الإقدامُ) (لم تجدّدْ لَك الْولَايَة عهدا ... أنتَ مِنْ قبلهَا مليكٌ همامُ) (لَا أهنيكَ بل أهنِّى بك الملكَ ... فقد حزتَهُ وأنتَ غلامُ) (أنتَ يابا زُهَيْر أعلَى محلا ... فعلام الهناءُ والإعلامُ) (لم تَرثه كَلَالَة لَا وَلَا العهْدُ ... حديثٌ بِهِ وَلَا الإلمامُ) (هَدَأَ الملكُ بعد طويلِ جماحٍ ... مذ تولَّيْتَ واستقامَ النظامُ) (وكساه حلاكَ رونَقَ حسنٍ ... لم تبده الشهورُ والأعوامُ) (لكَ فِي الملكِ سالفٌ وقديمٌ ... سادةٌ قادةٌ ملوكٌ كرامُ) (جمعُوا البأْسَ والنَّدَا فِي أكفِّ ... يُسْتَهَلُّ الردَى بهَا والركامُ) (تستذمُّ الملوكُ مِنْهُم فينجونَ ... وَإِن كَانَ المستذم رمامُ) (دوَّخوا الدَّهْر والممالكَ حَتَّى ... قَعَدُوا منهمُ الْمُلُوك وَقَامُوا) (واستباحُوا حماهُمُ وَأَقَامُوا ... ميلهم بَعْدَ عزِّهم فاستقاموا) (كَسَبُوا العزَّ بالرقاقِ المواضِي ... ورَعُوا الناسَ والملوكُ سوامُ) (قلدتها الْولَايَة الْبيض والسُّمْرُ ... وطَعْنٌ فذٌّ وضربٌ تُؤَامُ) (وكماةٌ تسيرُ فِيهَا المنايا ... طائعات كَأَنَّهَا خُدَّامُ) (من لؤىِّ بن غالبٍ كلُّ فردٍ ... منهمُ فِي اللقاءِ جيشٌ لُهَامُ) (يُوسعُونَ الجموعَ ضربا وطعناً ... وَلَو انَّ الجموعَ سامٌ وحامُ) (يستظلُّونَ بالرماحِ وبالبيضِ ... لَدَى الحربِ والطيورُ حيامُ) (إِن أَصَابُوا فَمَا جَنَوْهُ جُبَارٌ ... أَو أصِيبوا فثارُهُمْ لَا ينامُ) (كُلٌّ الوى يختالُ للموتِ عجبا ... حِين يُدعَى وثغره بَسَّامُ) (برماحٍ تعوجُ فِي الهامِ طوراً ... وعَلى الْفَوْز فِي الصُّدُور تقامُ) (وارِدَات إِذا مرقْنَ لطعنٍ ... قصُرَتْ دون وقعهنَّ السهامُ) (وصفاح إِذا انتضَوْهَا لحربٍ ... كَانَ من بعضِ تابعيها الحِمامُ) (مخلصات إِذا برزْنَ من الغِمْدِ ... كأنَّ الفرندَ فِيهَا ضرامُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 (مرهفات كأنهنَّ لَدَى الضَّرْبِ ... ركوعٌ وسُجَّد وقيامُ) (وعتاق إِذا تداعوا لحَرْبٍ ... عزمَتْ قبل أَن يناطَ اللجامُ) (غاديات إِلَى الوغَى رائحات ... يَسْتَوِي النُّورُ عِنْدهَا والظلامُ) (قد تبرقَعْنَ بالحديدِ ولكنْ ... عاريات لباسهنَّ القَتَامُ) (علَّمتها التجاربُ الكرَّ والفرَّ ... وكيْفَ الإقدامُ والإحجامُ) (لم يزدْنَا البشيرُ عَمَّا علمناه ... وَلَا خامَرَ العقولَ اتهامُ) (عمركَ الله لَو تراخَى قَلِيلا ... بشَّرتنا بسعدكَ الأحلامُ) (أنتَ روحٌ للملكِ والغيرُ جسمٌ ... لَا تقاسُ الأرواحُ والأجسامُ) (ذاتُكَ القطبُ للسيادةِ والآلُ ... نجومٌ وأنتَ بدرٌ تمامُ) (وَإِذا كَانَ فِي المقاييس قربٌ ... كنتَ نورا وَمن سواك كمامُ) (كَيفَ يسمو إِلَى معاليكَ قَوْمٌ ... سهرَتْ مقلتاك فِيهَا ونَامُوا) (أَيْن كَانُوا أَبَا زُهَيْرَ وقَدْ ذُدتَ ... عَن الملكِ والخطوبُ عظامُ) (حِين أدجَى ضياؤها وتوارَى ... صبحها فانجلَى بك الإظلامُ) (كنتَ طَلاَّعَ نَقْبها والثنايا ... يومَ أنْتَ المقدَّمُ المقدامُ) (همةٌ دونهَا الثريا وحَزْمٌ ... واعتزامٌ وسطوةٌ وانتقامُ) (لم أقلْ مَا أقولُ جهلا ولكنْ ... يظْهر الأمرُ إِذْ يزولُ اللثامُ) (منصبٌ جلَّ وقعه منكَ لكنْ ... أنتَ أعْلَى مكانةٌ إِذْ تسامُ) (فاحفظِ الملكَ بالعشائِرِ وَالْمَال ... فأنتَ المجرّبُ الصمصامُ) (وابذلِ الجهدَ يَا أَخا الخزم فِيهِ ... فالفتَى بعد بذلِهِ لَا يلامُ) (لَيْسَ يخفَى عَلَيْك يابا زهيرٍ ... سَبَب النَّقْض فِيهِ والإبرامُ) (وَإِذا الداءُ فِي الخوافِى تعدَّى ... لقدامَى الجناحِ مِنْهُ السقامُ) (وَإِذا كَانَ فِي السيوفِ اضطرابٌ ... قرعَتْ حَدهَا سيوفٌ كهامُ) (أنتَ فِي الناسِ كاسمك الْبر فيهم ... بركاتٌ على الأنامِ جسامُ) (إِن دهراً أتيْتَ فِيهِ لدهْرٌ ... سحرٌ كُله وليلٌ تمامُ) (أنتَ عينُ الوجودِ فِيهِ ولولاك ... تساوَى الإيجادُ والإعدامُ) (قصرَتْ عَن مدى خطاكَ المساعِي ... حيثُ كانَتْ لَك المساعي الكرامُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 (وتباهَتْ بك الممالكُ فخراً ... وتهادَتْ آثارَكَ الأيامُ) (وَتسامَيْتَ فَوق فرعِ السماكَيْنِ ... ومِنْ دون أخْمصَيْكَ النعامُ) (جزْتَ حد الْكَمَال فِي كل وصفٍ ... قصرَتْ عَنهُ فِي الصفاتِ الأنامُ) (كرمٌ فِي شجاعةٍ ووفاء ... وحياءٌ وحرمةٌ وذمامٌ) (وارتفاعٌ إِلَى الْعلَا وسُمُوٌّ ... وحنوٌّ ورحمةٌ وانهضامُ) (وارتياحٌ إِلَى الثنا وسماحٌ ... واحتفالٌ بِشَأْنِهِ واهتمامُ) (وأيادٍ إِذا استهلَّ نداها ... يستمدُّ الْحَيَاة مِنْهَا الغمامُ) (لَا يزيدُ الثَّنَاء فيكَ ولكنْ ... يتحلَّى إِذا ذكرت النظامُ) (عظمَتْ ذاتك الشريفةُ عَنهُ ... ونبَتْ دون وصفِكَ الأفهامُ) (وتعالَيْتَ أَن يحيطَ بك المدحُ ... وَفِيه براعةٌ وانسجامُ) (لم أزلْ ظامئاً إِلَى مدْحِ علياك ... وَبِي دَائِما إِلَيْهِ أُوَامُ) (علَّمتنى هباتك النَّظْم والنَّثْر ... وَكَيف الإنجادُ والإتهامُ) (أتعَبَتْ فكرتى حسانُ سجاياك ... وأعيا على البليغِ الكلامُ) (والهنا فِي أبي نُمَيّ المفدى ... والأمانِى والجمعُ والإلتئامُ) (فرعُ غرسٍ ينمي إِلَى خير أصلٍ ... جَاءَ تال وَفِي السباقِ إمامُ) (وابنُ ملكٍ ومنبرٍ وسريرٍ ... ومدى الغايةِ الَّتِي لَا ترامُ) (سيدٌ أدركَ السيادَةَ طفْلا ... وَبنى المكرماتِ وَهُوَ فطامُ) (خفقَتْ رايةُ السعادةِ والمُلْك لَهُ والبنودُ والأعلامُ) (وَله اهتزَّ منبرٌ وسريرٌ ... وَبِه استبشَرَ الصَّفَا والمقامُ) (لَا عجيبٌ إِنْ نَالَ وهْوَ صغيرٌ ... مَا حواه الآباءُ والأعمامُ) (مَا على الشبل أَن يجوزَ المعالِي ... وأبوهُ الغضنفرُ الضرغامُ) (فهنيئًا لَهُ السِّيَادَة والمجْدُ ... جَمِيعًا والعزُّ والإحترامُ) (بَلَغْتَكَ الآمالُ فِيهِ الَّذِي رُمْتَ ... فَللَّه الحمدُ والإنعامُ) (دمْتَ حَتَّى ترى السيادَةَ والملْكَ ... لأولادِهِ وأنتَ الزمامُ) (خُذ مديحاً أهداه عبدٌ محبٌّ ... مَا لَهُ فِي فتَى سواكَ مرامُ) (وَله بالثنا عليكَ وَبِالشُّكْرِ ... وبالمدحِ والدعاءِ غرامُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 (أَنا فى مدحِكُمْ جريرٌ وفى الحمْدِ ... جميلٌ وَفِي الهنا هَمَّامُ) (رشتُمُ بالنوال والجودِ والفضْلِ ... جناحِى كَمَا تراشُ السهامُ) (قِسْ ثنائي على ثناءِ سوَائِي ... تَدْرِ أَن الكلامَ مِنْهُ كلامُ) (واقسم اللحْظَ بَيْننَا يَا أَخا الجُودِ ... فأنْتَ المهذَّبُ المقدامُ) (لَوْ دُعِينَا إِلَى التناصُفِ فى الحُكْم ... لبذَّ الضَّعِيف منا الملامُ) (وبقَدْرِ البليغِ والبلغ فى القَوْل ... يكُونُ الإعرابُ والإعجامُ) (وَمن الشعرِ للعقولِ جلاءٌ ... وَمن الشعرِ للنُّهَى بِرْسَامُ) (يفعلُ المدحُ فِي الكرامِ كَمَا تفْعل ... فِي عقلِ شاربيها المُدَامُ) (ويفيدُ الكريمَ عزا ومجداً ... ويحطُّ الجوادَ قولٌ سخامُ) (وَخيَار الرجالِ فى الشعْرِ من كَانَ ... لَهُ فِيهِ بسطةٌ واحتكامُ) (فابْقَ للملكِ والممالكِ عزّاً ... وَلَك المدحُ مبدأ وختامُ) (مَا توالَتْ عَلَيْك غُرُّ القوافي ... وتغنَّتْ على الغصونِ حمامُ) (وعَلى المصطفَى وآلِ كرامٍ ... وصحابٍ تحيةٌ وسَلاَمُ) وَفِي عَام عشْرين وَتِسْعمِائَة حج مُحَمَّد ولد السُّلْطَان الغوري مَعَ والدته فِي تجمل عَظِيم جدا وَخَرجُوا من مصر فِي الْجمال المزينة والأكوار المشركسة والمحاير المرصعة بِالذَّهَب ومحفة خوند فِي ثبتها ذهب مرصع بالجواهر فَخرجت لَهَا السَّادة الْأَعْيَان من أَعْيَان مَكَّة المشرفة وأركان الدولة من حِين قاربت الينبع وقابلها الشريف أَبُو نمي نِيَابَة عَن وَالِده من خليص وَمد لَهَا من الأسمطة والحلويات والفواكه أَصْنَاف مُتعَدِّدَة فِي عدَّة منَازِل وقابلها الشريف بَرَكَات من خَارج مَكَّة فَلَمَّا وصلت رَأس الرَّدْم ترجل كل من لقيها حَتَّى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وَأخذ بلجام مركبها إِلَى بَاب السَّلَام ثمَّ حملت محفتها على الْأَعْنَاق إِلَى الْقصر بِبَاب إِبْرَاهِيم فَلَمَّا توسطت الْمَسْجِد وَوَلدهَا بَين يَديهَا قَالَ مقدمها يَا خوند اشكري نعْمَة الله تَعَالَى فَإِن مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات حامي حمى الْحَرَمَيْنِ حَامِل المحفة الشَّرِيفَة إجلالاً وتعظيماً وَقد فرش الديباج تَحت جمال المحفة ثمَّ فرش تَحت الْأَقْدَام بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَهِي تقسم على مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بِأَن يتْرك الْحمل الْمرة بعد الْمرة فَلَمَّا وصلت الْقصر علو بَاب إِبْرَاهِيم أشارت بِأَن يكون ولد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 السُّلْطَان فِي مدرسة ملك التُّجَّار رامشت وأمير الْحَاج الْمصْرِيّ مَعَ أَرْكَان الدولة فِي خدمتها كأقل العبيد ثمَّ أَمر لَهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بسماط عَظِيم أبهر الْعُقُول ثمَّ حمل إِلَيْهَا من الأغنام والعسلان والسمون والفواكه مَا لَا يُحْصى وَلَا يحصر ثمَّ تردد عَلَيْهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي بِعَرَفَة وَمنى وَمَكَّة وضاعف إِلَيْهَا من فضل وَالِده الْهَدَايَا والافتقادات والأقمشة الْعَالِيَة والتحف النفيسة لِأَنَّهُ قريب الْعَهْد بموالاتها لَهُ ثمَّ سَافر مَعهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى مصر المحروسة فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان إقبالاً عَظِيما جدا وشكرت للخوند جميل سَعْيه وجزيل مراعاته فَوَقع ذَلِك عِنْد السُّلْطَان موقعاً عَظِيما سِيمَا حمل المحفة وَمَا فِي مَعْنَاهُ وأنعم عَلَيْهِ بإنعامات جزيلة مِنْهَا خادمان وَعِشْرُونَ مَمْلُوكا وخيول أصيلة وجمال برسم الدّرّ والنسل مِمَّا تقتنيه الْمُلُوك من كبر الجثة وَحسن المنظر وَطيب الأَصْل وغزارة اللَّبن وحلاوته وَيُقَال إِن الْإِبِل الْمَعْرُوفَة بالمصرية من تِلْكَ وجمال للْحَمْل وَعشرَة آلَاف دِينَار حِوَالَة على بندر جدة المعمورة وخلعاً سلطانية نفيسة وَأذن لَهُ فِي الْمسير إِلَى وَطنه فوصل مَكَّة المشرفة فِي شهر رَجَب من الْعَام الْمَذْكُور وزينت الْبِلَاد وصنع الْأَمِير حُسَيْن الْكرْدِي وَهُوَ من أُمَرَاء الغوري بجدة صنع للشريف ضِيَافَة هائلة وقابله هُوَ وأعيان مَكَّة من خَارِجهَا وَكَانَ يَوْم وُصُوله عِنْدهم من أعظم الأعياد وَفِي عَام اثْنَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَقعت الْمُقَاتلَة بَين السُّلْطَان الغوري وَالسُّلْطَان سليم بن بايزيد ملك الرّوم بمرج دابق خَارج حلب المحروسة وَغلب السُّلْطَان سليم الغوري وفقد فِي المعركة ثمَّ إِن السُّلْطَان سليم خَان وصل المحروسة بعد قتلة عَظِيمَة بالريدانية بَين العساكر العثمانية ونائب سَيّده السُّلْطَان الغوري طومان باي وَذَلِكَ فِي شهر ذِي الْحجَّة من الْعَام الْمَذْكُور وَلم يحجّ من مصر ركب ووصلت الْكسْوَة للكعبة الشَّرِيفَة بحراً صُحْبَة مزهر الْخَادِم ثمَّ لما اسْتَقر مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم وتوطد ملكه لمصر وأعمالها وانتظم لَهُ الْملك من دَار الْخلَافَة الإسلامية قسطنطينية إِلَى غَايَة المملكة المصرية أنهى إِلَيْهِ بعض الحساد أَن جَمِيع الْملك وَالسُّلْطَان طرازه الْأَعْظَم ملك الْحَرَمَيْنِ الشريفين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 وأعمالهما وَالدُّعَاء لمولانا على منابرهما فشرع فِي تجهيز جَيش كثيف للحرمين الشريفين وَكَانَ بِمصْر القَاضِي صَلَاح الدّين بن ظهيرة كَانَ السُّلْطَان الغوري صادره بِطَلَب عشرَة آلَاف دِينَار ذَهَبا فعجز عَنْهَا فَحَمله إِلَى مصر بالترسيم فَلَمَّا وَقع مَا شرح من تَبْدِيل الدولة وَبلغ القَاضِي الْمَذْكُور مَا عزم عَلَيْهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم اجْتمع بمولانا بيري باشا الْوَزير الْأَعْظَم وعرفه عَظمَة مَوْلَانَا الشريف ومراعاته للسلطنة الشَّرِيفَة وَحسن سياسته وتدبيره وَأَن يُرسَلَ إِلَيْهِ مَكْتُوب سلطاني بِمَا يَقْتَضِيهِ الرَّأْي السلطاني فاستقر الْحَال على كِتَابَة توقيع سلطاني وَكِتَابَة مراسلات من مَوْلَانَا الْوَزير الْمَذْكُور وَمن مَوْلَانَا القَاضِي صَلَاح الدّين إِلَى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بِأَن يُقَابل التوقيع السلطاني بِالْقبُولِ وَيُرْسل وَلَده إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة السليمية بتهنئتها وتعريفها بِكَمَال الطَّاعَة والانقياد وَنِهَايَة الِامْتِثَال والمحبة والاتحاد فَوَافَقَ الشريف بَرَكَات على جَمِيع مَا ذكر وَأرْسل وَلَده الشريف أَبَا نمي نَائِبا إِلَى مصر المحمية فقابل مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم خَان طَابَ ثراهما وعظمه تَعْظِيمًا مضاعفاً وخوله وحباه وَعَاد سالما غانماً فِي ظلّ وَالِده حامياً حَاكما ودام عزهما إِلَى أَن توفّي وَالِده مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات عَام إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة كَمَا شرح مفصلا وَدفن بِمَكَّة بعد طَوَافه والنداء على زَمْزَم وقبره مَعْلُوم يزار عيه قبَّة وَالدُّعَاء عِنْده مستجاب رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَمِمَّا قَالَه الشهَاب أَحْمد بن الْحُسَيْن // (من الْبَسِيط) // (ألعِزُّ تحتَ ظلالِ البيضِ والأٍ سلِ ... يومَ الطعانِ وَسبق السَّيْف للعذلِ) (والمجدُ مَا شاد ذكرا أَو بَنَى شرفاً ... يبقَى وَمَا شدَّ ركنَ الملكِ والدولِ) (والعزمُ مَا خَضَعَ الأعدا لهيبتِهِ ... ذُلاًّ وَمَا صَيَّرَ الأفكارَ فِي شغلِ) (لَا تحملُ الضيمَ نفَسُ الحُرِّ لَو بلغَتْ ... مِنْهَا اللَّيَالِي بأمْرٍ غيرِ محتملِ) (صمم إِذا سمت أمرا عزَّ مدركُهُ ... فَمَا ينالُ العُلا من كَانَ ذَا كَسَلِ) (وانهضْ سَرِيعا إِلَى الغاياتِ محتقبًا ... فذو الغزيمةِ لَا يمشي على مَهَلِ) (كمْ فرصةٍ عرضَتْ فِي طيها ظَفَرٌ ... فاتَتْ بتدبيرِ رأىٍ غير معتدلِ) (مَا لم تكُنْ برداءِ العزِّ مرتدياً ... فدَعْ طِلاَبَ المعالِى عنكَ واعتَزِلِ) (واغض الجفونَ على ذُلِّ ومسكنةٍ ... واصبرْ على الضيم صبْرَ العوْدِ واحتملِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 (مَا عَزَّ مَنْ باتَ والآمالُ تخدعُهُ ... على اكتسابِ العُلا والمجدِ بالحيلِ) (وَلَا اجتنى العِزَّ إِلَّا فاتكٌ بَطَلٌ ... يَرْوِى القنا مِنْ نجيعِ الْخَيل والقللِ) (لَيْسَ المذلَّةُ من شأنِ الْكَرِيم فدَعْ ... عَنْك الهُوَينَى وسِرْ للعزِّ فِي عَجَلِ) (وارحَلْ عَن الدارِ لَا مستعظماً خطراً ... وَلَا مرِيدا سوى العلياءِ من بدلِ) (وعلِّلِ النفسَ عَن إلفٍ وعنْ سَكَنٍ ... واجعلْ هَوَاك لغيرِ الأعينِ النُّجُلِ) (إنَّ الكريمَ إِذا مَا جَدَّ فِي طلبٍ ... حثَّ المطيَّة فِي وخدٍ وَفِي رَمَلِ) (لَا يَسْأَلَنَّ سوى الهنديِّ عارفة ... إنَّ العزيزَ لغَيْرِ السيفِ لم يَسَلِ) (فالسيفُ أصدقُ مَا تشفى الغليل بِهِ ... وهْوَ الدواءُ من الأدواءِ والعِلَلِ) (فاجعلْ لَهُ الحُكْم فِي أمْر تحاولُهُ ... واقطَعْ على حُكْم مَا يقْضى بِهِ وصِل) (مرأى العُدوِّ على حالٍ يعزُّ بهَا ... دَاء على الحُرِّ لم يبرحْ وَلم يزلِ) (لَا يدركَ الثأرَ إِلَّا كل ذِي حسبٍ ... بالسيفِ مشتملٍ بالرمحِ معتقلِ) (مثلُ الشريفِ أبي عجلانَ مَنْ شرُفَتْ ... قناته بنجيعِ الفارسِ البطلِ) (ألفاطميِّ الَّذِي عزَّتْ مناقبُهُ ... عَن النظائِر والأشباهِ والمثلِ) (مَلْكٌ إِذا رايةٌ للمجْدِ قد رُفِعَتْ ... ينالها وسوَى علياًه لم يَنَلِ) (ذُو عزمةٍ كغرارِ السيفِ ماضيةٍ ... وهمَّةٍ فِي الْعلَا تسمُو على زُحَلِ) (يرى العواقبَ مِنْ مرآةِ فكرتِهِ ... غيباً وَيَقْضِي بحُسْنِ الرَّأْي فِي العملِ) (حامِى الحقيقةِ فِي ورْدٍ وَفِي صَدَرٍ ... ماضِى الغريمةِ مقدامٌ على الجللِ) (مولّى إِذا ثَوَّبَ الداعِى وَقد لقحَتْ ... حَرْبٌ يلبيه لَا مستفهماً بِهَلِ) (يقْضِي على مهج الأعداءِ عَامله ... وسيفه فِي الطلا يرْوى من العَلَلِ) (مِلْء المفاضة مِنْ بأسٍ وَمن كرمٍ ... وَمن حياءِ وحلمٍ غير منتحلِ) (أمضى من الصارمِ الهندىِّ همته ... عزماً وأسْرَى إِلَى الأرواحِ من أجلِ) (تفرَّعَتْ عَن صميمِ المجدِ دوحتُهُ ... من معدنِ الوحْى مثوى خَاتم الرسلِ) (مَوْصُولَة برسولِ اللهِ نبعتُهُ ... أكرِمْ بفرعٍ بِذَاكَ الأَصْل متصلِ) (مُقَابل بَين فرعَيْ دوحةٍ شرفَتْ ... بَين البتولِ وَبَين الطالبيِّ عَليّ) (مُغنِي الرسَالَة والتنزيل معهدُهُ ... أعظمْ بذلكَ من بيتٍ وَمن نُزُلِ) (أعز مَنْ سَبَحَتْ جردُ العتاقِ بِهِ ... وأوجَفَتْ يعملاتُ الأينقِ الذللِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 (فخراً وعزَّا بني الزهراءِ إِن لكُمْ ... فضلا بِهِ مَا لَهُ فِي الناسِ من مثلِ) (يَابْنَ الملوكِ الألَى شادوا ممالَكُهْم ... بسلّةِ السَّيْف والعسالةِ الذبلِ) (يزيدُ مَرُّ الليالى عزَّهم شرفاً ... كالعضْبِ يزدادُ إرهافاً مَعَ الأزلِ) (تسنَّموا غاربَ الأهوالِ وامتزجوا ... مَعَ الخطوبِ امتزاجَ النومِ بالمقلِ) (ألضاربينَ على أكنافِ مُلْكِهِمُ ... سرادقَ العزِّ من بيضٍ وَمن أسلِ) (والسالكينَ إِلَى العلياءِ فِي نَهَجٍ ... أعيَتْ مساعيه أهلَ الأعصرِ الأوَلِ) (سقَاهُمُ الوَحْىُ من صافي مواردِهِ ... ماءَ النبوةِ عدا لَيْسَ بالوَشلِ) (لولاك يَا بَرَكَات الجودِ مَا اعتدلتْ ... للملكِ قائمةٌ آلَتْ إِلَى مَيَلِ) (كم عزمةٍ لَك فِي الأعداءِ صادقةٍ ... أمضَى من الهندوانيات فِي القللِ) (تكفلت لَك أطرافُ الرماحِ بهم ... والمرهفات وكُلٌّ بالوفاءِ مَلِى) (فِي مأزقٍ ضيق صَوت الكماةِ بِهِ ... قرع الصوارم بالخطية الذبلِ) (طرقتَهُ ثابتَ الأركانِ مُبْتَسِمًا ... كالليْثِ يفترُّ عَن أنيابِهِ العُصُلِ) (هتكْتَ فِيهِ حجابَ الدارعين عَلَى ... سُمْرِ القنا غَيْرَ رعْديدٍ وَلَا وَكِلِ) (ورُبَّ ملحمةٍ ماجَتْ بكثرتها ... صافَحتَهَا بِقِرَاعِ البيضِ والأسلِ) (وفيلقٍ مظلمِ الأقتارِ مصطلم ... برق الأسنة يهديه إِلَى السبلِ) (وردتَّهُ وحياضُ الموتِ مُتْرعةٌ ... طَلْقَ المحيَّا بِوَجْه مسفِرٍ جذلِ) (ثمَّ اْنثَنَيْتَ وَقد غادرتَهُ أثرا ... وجئْتَ بالسبْى والأسرَى مَعَ النفلِ) (وحزْتَ بالنصْر مَا ترجوه من أملٍ ... وفزْتَ مِنْهُ بسهمِ الناضلِ الخصلِ) (عزمٌ وحزمٌ وإقدامٌ وعارضةٌ ... فِي جحفلٍ لَجِبٍ أَو مجمعٍ حفلِ) (أوصافُ مجدِكَ فِي بأسٍ وَفِي كرمٍ ... تصرفَتْ بَين طعمِ الصابِ والعسلِ) (كالغيثِ كالليثِ فِي حالَىْ نَدًى ورَدًى ... ترجَى وتخشى لرزقٍ أَو على أجلِ) (تُرْوِى السيوفَ دِمَاء النَّاكِثِينَ كَمَا ... تَقْرِى الضيوفَ سديفَ الكُومِ والإبلِ) (مثل الغضنفر فِي الهيجاءِ يَوْمَ وغًى ... وَفِي السماحةِ مثْل العارضِ الهطلِ) (أدركْتَ بِالصبرِ مَا تَعْيَا الْمُلُوك بِهِ ... ونلْتَ بالحزم مَا يُرْبى على الأملِ) (فِي معشرٍ مَرَقُوا فِي الدينِ وارتكَبُوا ... محارمًا آذَنَتْ بالإثمِ والزللِ) (لما تَوَوْكَ وعَيْن السعدِ كالئة ... صَبرتَ صبرَ كريمٍ غيرِ محتفلِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 (وكُنْتَ كالبدرِ وارَى ضوءَ غُرَّته ... حينا وآبَ مآبَ الشمسِ فِي الحملِ) (مَا زلْتَ تملي لَهُم والمَوْتُ ينظرهم ... شَزْرًا بطرفٍ خفيِّ غير منتقلِ) (ورُعْبُ ذكرك يجْرِي فِي خَوَاطِرِهِمْ ... جَرْىَ السقامِ بجسْم الواهنِ الوَجِل) (ينامُ طرفُكَ والأوهامُ تُسْهرهم ... خوفًا وتهدأَ والأفكارُ فِي جَدَلِ) (حَتَّى إِذا أينَعَتْ للقطفِ أرؤسهُمْ ... وحانَ بالسيفِ مِنْهَا مُنْتَهى الأجلِ) (صَدَمْتهم بخميسٍ لَو صَدَمْتَ بِهِ ... هضابَ رضوَى لعادَتْ مِنْهُ فِي خَلَلِ) (يكادُ يسمع وَقْعَ المرهفاتِ بِهِ ... مَنْ بالخريبة ممتدُّاً إِلَى ثُؤَلِ) (ويستنيرُ بروقاً مِنْ أسنته ... بَنو حرامَ الغواةُ النازلون حلِى) (كم فِي جوانبِهِ للوحشِ معتركٌ ... وفوقَ حافاتِهِ للطيرِ من زجلِ) (دَبَّتْ إِلَيْهِم مناياهم بصدمته ... دبيبَ كاسِ الطلا فِي الشارِبِ الثملِ) (نَامُوا وَمَا نمْتَ عَن وتْرٍ تحاوله ... والقومُ فِي غفلةٍ يرعَوْنَ كالحملِ) (مَا زلْتَ تركُضُ فِي مضمارِ غايتهم ... دليلك النصْرُ فِي حِلِّ ومرتحلِ) (فِي مقنبٍ من عتاق الخيلِ ذِي رهَجٍ ... مدرَّعٍ برداءِ الروعِ مشتملِ) (وفتيةٍ ألفوا حر المصاعِ بِهِ ... كَأَنَّهُمْ تحْتَ ظلِّ السمرِ فِي ظللِ) (مالوا عَلَيْهِم بأطرافِ القنا فكَأَنْ ... وَقت الضحَى من مثار النقعِ كالطَّفَلِ) (حَتَّى بَلَغْتَ الَّذِي حاولْتَ بُغْيَتَهُ ... فيهِمْ وجاوَزْتَ حَدَّ القولِ فِي العملِ) (شفيْتَ نفسا رعاها اللهُ مَا بَرِحَتْ ... عزيزةَ الذاتِ مذ كانَتْ وَلم تَزَلِ) (للهِ دَرُّكَ من طَلاَّبِ واترةٍ ... غَادَرْتَ رَبْعَ العدَى رسماً على طَلَلِ) (تَركتهم جزراً فِي كل موحشةٍ ... للوحشِ وَالطير كالأنعامِ والثللِ) (أذقْتَ آبَاءَهُم ثكْلَ الْبَنِينَ كَمَا ... أَيَّمْتَ منهنَّ ذَات الدلِّ والكحلِ) (ومُذْ سفكْتَ دِمَاء من نجومهمُ ... كففْت بادا الحجا عَن بَيْضَة الكللِ) (لما رأوك على آثَار جرَّتهم ... طاروا مطار القطا الكدري والحَجَلِ) (وَإِنَّمَا ينزعون الْكل من خَوَرٍ ... قَوَائِم الخيلِ والأقدام من وحلِ) (وصارَ كُلُّ زعيمٍ فِي عشيرتِهِ ... يقولُ لَا نَاقَتي فِيهَا وَلَا جَمَلِي) (أَيْن المفرُّ وخيلُ اللهِ طالبةٌ ... والسعْدُ يغتالهم فِي السهْلِ والجبلِ) (كفَى بسيفكَ وعظاً فِي مصارِعِهم ... لكلِّ منهزمٍ مِنْهُم ومنخَزلِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 (مذ عاينوا الذبْحَ فى أحلافِهِمْ نَزَعُوا ... إليكَ مِنْ وهنٍ فيهم ومِنْ وهلِ) (لَا تُعطِهم يَا أَبَا عجلَان عارفَةً ... وَمَا يرومُونَ من وجْه وَمن قبلِ) (وَلَا تُتَابع هجاراً فِي رعايتهم ... لَيْسَ الشجيُّ رَعَاكَ اللهِ مِثلَ خَلِي) (لَا تحرقُ النارُ إِلَّا كَفَّ لامسها ... وَلَا أَخُو كَبِد حَرى كذى بَلَلِ) (واذكُرْ على الْقرب مَا نالوا وَمَا فَعَلُوا ... فِي أهُلِ دارِكَ من فتكٍ وَمن غيلِ) (واعْلَمْ سلمْتَ بِأَن القوْمَ قد حشدوا ... وليْسَ مطلبهم إلاَّكَ من رَجُلِ) (ثَلُّوا عروشَكَ واجتاحوا حِمَاكَ بِهِ ... وجاذَبُوكَ رداءَ العزِّ فِي النزلِ) (فاغضَبْ لنفسِكَ أودَعْ كل مكرمةٍ ... تبقَى وقوضْ خيامَ الْعِزّ وارتحلِ) (واذُكْر أَبَا الْقَاسِم السَّامِي ومصرعَهُ ... كَذَاك مصْرعَ إبراهيمَ حينَ ولِي) (السادَةُ القادةُ الأملاكُ من حَسُنَتْ ... بذاتهم بهْمَةُ الأيامِ والدولِ) (لَا تجعلِ المالَ عَن أَرْوَاحهم بَدَلا ... من اللئامِ فبئْسَ المالُ من بَدَلِ) (لَا تتركِ الحزْمَ عينا ثُمَّ تطلبه ... دينا فتقرعَ سنَّ النادمِ النكلِ) (وَلَا تقيلنَّهُمْ باللهِ عثرتَهُمْ ... واقطَعْ عرى كل ذِي غدرٍ وَذي نغلِ) (وَلَا يَغُرَّنكَ مِنْهُم ودُّ مبتسم ... فالخوفُ يظهرُ وُدَّ الخائنِ الدغلِ) (يطوون أحشاءَهُمُ منكُمْ على ضمدٍ ... ويضحكُونُ لديكُمْ ضحكةَ العَلِل) (فاشدُدْ يديكَ وَلَا ترثي لحالتهِمْ ... فطبعُهُمْ عَن خبيثِ اللؤمِ لم يحلِ) (لَا تأمنَنْ غدرهُمْ فالذئُبُ عَادَته ... إِن ينتهزْ فرصةَ فِي غفلةٍ يَصُلِ) (إِن تبقِ مِنْهُم مَعَ الْإِمْكَان بَاقِيَة ... نُسِبْتَ للوهنِ فِي الأمصارِ والحللِ) (وجرِّد السيفَ لاستئصالِ شأْفَتهِمْ ... فِي كُلِّ شيخٍ وَفِي طفلٍ ومكتهلِ) (لَا تقطعِ الرجلَ من قوم وتتركهم ... والرأْسُ مِنْهُم صحيحٌ غيرُ منجدلِ) (فالحْلمُ زين ولكنْ يَابْنَ حيدرةٍ ... فِي غير موضعِهِ ضرْبٌ من الخَبَلِ) (والصفْحُ عَن مجرمٍ من بعدِ مقدرةٍ ... عجزٌ ولسْتَ بِذِي عجز وَلَا مللِ) (فِيمَ التقاضِى وَمَا بالعهْدِ من قِدَمٍ ... والجرحُ مِنْهُم طريٌّ غيرُ مندمل) (حاشا علاك أَبَا عجلانَ من ملكٍ ... تُعْطِى الدنيةَ أَو تُؤْتى من الختلِ) (يَأْبَى لَك العزُّ أَن تَلقاهُ معتذراً ... أَو ناهجاً فِي طريقِ اللومِ والعذلِ) (وأنتَ من سادةٍ شُمِّ لَهُم أنَفٌ ... عَن أَن يقيموا على ضَيْمٍ وَلَا دخلِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 (بيضُ الوجوهِ غطاريفٌ جحاجحةٌ ... تنكَّبوا عَن طريقِ الجبنِ والبخلِ) (أهْلُ الحمايا وأهْلُ الذبِّ مَا برحوا ... عَن الحريمِ وعِرْض غير مبتذلِ) (جمعْتَ مَا كَانَ فيهم فيكَ مفترقاً ... من المحاسنِ بالتفصيلِ والجملِ) (ودُونَكُمْ قولَ نصحٍ يَا بني حَسَنٍ ... يفيدُ كلَّ ذكيِّ القَلْبِ مشتعلِ) (أنْتُم بَنو الحربِ تدعوكُمْ وتنهضُكُمْ ... أحسابُكُمْ لاقتحامِ الحادثِ الجللِ) (شُدُّوا إِلَى حومةِ الهيجا مآزِركُمْ ... وشَمِّرُوا لطلابِ الثارِ فِي عجلِ) (مَا بالُكُمْ ورياحُ النصرِ مقبلةٌ ... تثاقلونَ وذُلُّ الدهرِ فِي الثقلِ) (إِن لم تديروا رحَى الهيجاء مسرعةً ... فَمَا يفيدُ صهيلُ الخيلِ فِي الشكلِ) (عيشُوا على العزِّ أَو موتُوا على ثقةٍ ... موت الكرامِ وخَلُّوا الدَّار عَن حولِ) (فَمَنْ يبلغُ عني غَيْرَ معتذرٍ ... يحيى بن سبعٍ مقَالا غير ذِي خَطَلِ) (ومالكاً وابْنَ قيمازٍ وشيعَتَهُم ... وَالتَّابِعِينَ من الأوشابِ والسفلِ) (لَا بدَّ أَن يبلغ الموتورُ غايتَهُ ... وَيشْرب الكأْسَ سَاقيهَا على عللِ) (فالصبْرُ يحمدُ والأيامُ كافلةٌ ... عُقبى النجَاحِ ونيل السؤلِ والأملِ) (إِن تجحدون أَبَا عجلانَ فرصَتَهُ ... فيكُمْ وَمَا كَان فِي أيامِهِ الأولِ) (سَلُوا مَوَاضِيهِ عَنْهَا فَهْىَ تخبركُمْ ... فالسيفُ والرمُح أزكَى شاهدٍ وَولي) (كَمْ ناشكم بالقنا فِي عُقْرِ دارِكُمُ ... حَتَّى اعتَصَمتُمْ ببذلِ الخيلِ والخولِ) (وكَمْ سقاكُمْ غداةَ الروعِ من يدِهِ ... بالسيفِ كأْس الردَى عَلاًّ على نَهَلِ) (وَكم أذاقكُمُ حرَّ الجلادِ بِهِ ... فِي مأقطِ الحربِ والأقدامُ لم تزلِ) (لَوْلَا العرانينُ مِنْ أبنا أبِيهِ لَمَا ... جاوزتم الرمل من خوف وَمن فشل) (وَلَا وطئتُمْ على ذُلِّ ومنقصةٍ ... موطئًا مَا لكُمْ فيهنَّ من قِبَلِ) (لَيْسَ القضا بكُمُ يشفي ضمائره ... إنَّ القضاءَ مِنَ الأشباهِ والمثُلِ) (وَإِنَّمَا طَهَّر اللهُ البلادَ بِهِ ... من مِلَّةٍ خرجِتْ عَن أشرفِ المللِ) (وعللتهم أمانيهمِ علَى غَرَرٍ ... واللهُ فِي كُلِّ هَذَا عِلّة العللِ) (سمتم مقَاما رفيعاً فَوْقَ رتبتكُمْ ... وَلَا يقاسُ نهيقُ العيرِ بالصهلِ) (فَلَو رجعتُمْ إِلَيْهِ باذلينَ لَهُ ... طَوْعًا طوى كشحَهُ فِيكُم على مَلَلِ) (وسُقْتُمُ المالَ فِي مرضاتِهِ فعسَى ... يغضى قَلِيلا ومَنْ للعور بالحولِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 (دُمْ ظافراً يَا أَبَا عجلانَ فِي دعةٍ ... قريرَ عينٍ بِمَا أدركْتَ من أمَلِ) (فقدْ أقمْتَ اعوجاجَ الملكِ من أَوَدٍ ... وَصَارَ مُعْتَلًّا من كَانَ ذَا مَيَلِ) (وخُذْ نسيجَ ثناءٍ صافياً حسنا ... يكسوكَ من وَشْيه أبهى من الحللِ) (عروس مَدْحٍ تَهَادى فِي منصَّتها ... تجرُّ بالْحسنِ ذيلَ التيه والغزلِ) (حلَّيتها من سجاياكَ الَّتِي شرُفَتْ ... عقودَ دُرِّ بهَا زانَتْ من العطلِ) (يفوحُ بَين قوافيها لمُنْشِدِهَا ... من طيبِ ذكركَ عرف الْمسك فِي حللِ) (جَلَّتْ صفاتك قدرا أَن يحيطَ بهَا ... حُسنُ الروية أَو إحسانُ مرتجلِ) (واسلَمْ فإنَّكَ زينُ الدينِ ناصرُهُ ... وافخرْ فإنكَ تاجُ الملكِ والدولِ) (ثمَّ الصلاةُ على المختارِ مِنْ مُضَرٍ ... محمدِ المجتبَى من سائِرِ الرسلِ) (ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي) قد سبق ذكر مَوْلَانَا وَمُلَخَّص ذَلِك أَنه تشرف بحماية الْحَرَمَيْنِ الشريفين فِي ظلّ وَالِده فِي عَام ثَمَانِيَة عشر وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ وسعده فِي زِيَادَة إِلَى أَن مَاتَ وَالِده فِي عَام أحد وَثَلَاثِينَ فمدة اشتراكه مَعَ وَالِده أَرْبَعَة عشر عَاما ثمَّ تفرد بِهَذَا المنصب الْمُبَارك مَعَ زِيَادَة السُّعُود وَبسط الْعدْل والجود إِلَى أَن أنعم الله تَعَالَى عَلَيْهِ بولده مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف أَحْمد بن أبي نمى فتقلد هَذَا المنصب بالتماس وَالِده من مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان وَكَانَ ذَلِك سنة سبع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَمُلَخَّص ذَلِك أَنه أرْسلهُ إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة السُّلْطَانِيَّة العثمانية وَمن الِاتِّفَاق أَن مُعظم من كَانَ مَعَ وَالِده الشريف أبي نمي حَال عزمه إِلَى مصر كَانَ مَعَ وَلَده هَذَا أَحْمد إِلَى إِسْلَام بَوْل وصحبته من الْهَدَايَا الْعَظِيمَة اللائقة بالملوك والخيول الأصائل والصقور والشواهين والأقمشة والأطياب فَلَمَّا وصل خبر قدومه عين لَهُ السُّلْطَان سُلَيْمَان من قابله على أحسن أسلوب ثمَّ أنزل فِي بيُوت السلطنة وَأمره أَن يدْخل عَلَيْهِ بالملابس الحسنية وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد جميل الصُّورَة معتدل الْقَامَة حسن اللِّحْيَة والدليقين عَلَيْهِ ناموس الشّرف المحمدي وأبهة الْملك النَّبَوِيّ فَلَمَّا دخل على السُّلْطَان قَامَ لَهُ ألفا وَلم يَقع هَذَا لأحد سواهُ ثمَّ أقبل عَلَيْهِ بالبشر التَّام وخلع عَلَيْهِ خلعاً مُتعَدِّدَة تَعْظِيمًا لشأنه وإظهاراً لرفعته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وعناية بجنابه وَأظْهر أَن وُصُوله إِلَيْهِ من النعم المعدودة الَّتِي تفرد بهَا عَن غَيره وَكَذَلِكَ زَوْجَة مَوْلَانَا السُّلْطَان وَالِدَة السلاطين وواصلة الْمَسَاكِين قدمت لَهُ هَدَايَا عَظِيمَة وَعرفت أَرْكَان الدولة أَنه فِي مقَام أَوْلَادهَا محبَّة وحنواً ثمَّ برزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة لَهُ بِجَمِيعِ المرام وَوصل إِلَى مَكَّة المشرفة على ذَلِك النظام وامتدحه القَاضِي عبد الرَّحْمَن باكثير بالقصيدة الرائية // (من الطَّوِيل) // (وفَتْ صبَّها بعد الجفا غادةٌ عَذْرَا ... ومُذْ لامَها قالَتْ لعلَّ لَهَا عُذْراَ) الْمُتَقَدّم ذكرهَا ودام سُلْطَانه إِلَى أَن مَاتَ فِي حَيَاة وَالِده الشريف أبي نمي فِي شهر رَجَب عَام سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَمِمَّا قيل فِيهِ مدحاً قَول الْوَجِيه عبد الرَّحْمَن الكثيرى الْمَذْكُور // (من الْكَامِل) // (أَلْعِزُّ ثَاوٍ بَين مشتبِكِ القنا ... مَنْ رامه قالَتْ لَهُ السمرُ القنا) (والنصْرُ من مخضرِّ أوراق الظبا ... غصناً بِهِ ثمرُ الوقائعِ يجتنى) (والمجدُ فِي صهواتِ دهمٍ إِن عدَتْ ... عقدَتْ سنابكُهُنَّ نقعاً أدكَنَا) (والفَخْرُ أَن تغشى الكتيبةَ باسماً ... ولَكَ الحمامُ من الأسنةِ قد رنا) (والثابتُ الجأش الَّذِي يَرِدُ الوغَى ... ويَدُ المنونِ تديرُ كاساتِ الفنا) (والحزمُ فتكُكَ بالعداةِ مطاعناً ... ومضارباً ومذففاً ومثخنَا) (والعزمُ أَن تستسهلَ الصعْبَ الَّذِي ... لَو كَانَ لم يمكنْ بعزمِكَ أمكَنَا) (والمكرمَاتُ أجلُّها حُسْنُ الوفا ... وأعزُّهَا الإغضاءُ عمَّنْ قد جَنَى) (والسودَدُ المحضُ اكتسابُ مفاخرٍ ... ترتادُهَا مِنْهَا المحامدُ تبتنَى) (وأكابِرُ العلياءِ مَنْ يولي نَدَى ... يُشْرَى بِهِ المجْدُ الأثيلُ ويقتنَى) (والهمةُ العلياءُ تصييرُ الَّذِي ... عِنْد الورَى جللاً حَقِيرًا هَيِّنا) (والجدُّ أَن تردَ المهالكَ راقيا ... صعْبَ المخاوفِ لن تؤمّلَ مأمنا) (والجودُ هجرُكَ لَا فَلَيْسَ يخطُّها ... مَلَكَاك إِذْ كنْتَ الْجواد المُحْسِنا) (والحمدُ إسداءُ الجميلِ بِلَا أَذَى ... من غير أَن تبغي الجزاءَ وتمننا) (والفضلُ تقليدُ الرقابِ صنائعاً ... لَو لم تَرِقَّ بهَا الورَى لن تُغْبَنَا) (والملكُ لَا يَبْنِي دعائمَ مجدِهِ ... إِلَّا السلاهبُ والقواضبُ والقنا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 (كبنا بني ملك المَلِيك الْمُنْتَقى ... مِنْ معدنِ السبطَيْن شرف مَعْدنا) (سلطانُ مكَّةَ أحمدُ الملكُ الَّذِي ... طَوْعٌ لقدرتِهِ المنايا والمُنَى) (مَلِكُ الحجازِ أَبُو سُلَيْمَان الَّذِي ... فِي مفرق الْعليا تبوَّأ مسكنا) (ملكٌ لَهُ ملكٌ ترَاهُ محوَّطًا ... بالمرهفاتِ وبالرماحِ مُحَصَّنَا) (ملكٌ لَهُ ملكٌ تشامخَ عزُّهُ ... لَا ملكَ إِلَّا صارَ قهرا مذعنا) (ملكٌ لَهُ ملكٌ ذراه على السها ... وأساسُهُ تحْتَ التخومِ تمكّنَا) (ملكٌ بِهِ أُفقُ المعالِى قد أضا ... وانجابَ عَنهُ ظلامُ ظُلْمٍ أدكنا) (ملكٌ تفرَّعَ غصنُهُ من دوحةٍ ... بالمصطفَى شرفَتْ وطابَتْ أغْصُنا) (ملكٌ غذى بلبا الرسَالَة واعتلَى ... عَن كُلِّ مدحٍ بالصرائحِ والكنَى) (ملكٌ لَهُ البيتُ الشريفُ ومكَّةٌ ... وَله المواقفُ والمشاعِرُ من مِنَى) (مَاذَا عسَى فِيهِ يقالُ ومدحُهُ ... قد جَاءَ نَصًّا فِي الكتابِ مبينَا) (ويدُ الرسالةِ أكسبَتْهُ شمائلاً ... نبويَّةً مِنْهَا علاهُ تزيَّنَا) (وعَلى مُحَيَّاهُ أدارَتْ هَالة ... مِنْهَا سنا القمرَيْنِ يكتسبُ السنا) (هُوَ مضغَةُ الطُّهْرِ البتولِ وأصلُهُ ... مِنْ طِينَة مِنْهَا النبيُّ تكوَّنَا) (وبجدِّه شمسُ الشريعةِ أشرقَتْ ... ولسانها بالحَقِّ أصبَحَ مُعْلنا) (هذي الصفاتُ الجاعلاتُ لربِّها ... من فوقِ هاماتِ المعالِى مَوْطنا) (لم تنتجِ الدُّنْيَا لَهُ مثلا وَقد ... زانَ الممالكَ والعلا والأزمنَا) (فاقَ الملوكَ فَمَا بَنو العباسِ أَو ... مَا غيرُهُمْ مِمَّن نأَى أَو من دنا) (لَا مَجْدَ كَانَ لَهُم فرادَى فِي الْعلَا ... إِلَّا تملَّكَهُ وَكَانَ لَهُ قَنَا) (ولئِنْ أَتَوْا فعلَ المكامِ مرَّة ... فَلهُ غدَتْ طبعا وأمسَتْ دَيْدَنَا) (ملأَ القلوبَ مهابةً وملا العيونَ ... جلالة وملا المسامِعَ بالثَّنَا) (وملت معاليه الزَّمَان وعَزَّ عَن ... مدحٍ وحَصْرُ علاهُ أعيا الألسنا) (ربُّ الندَى مردِى العدا مُرْوِى الصَّدَا ... مُولِى الغنَى حُلْوُ الخبا رَحْبُ الفِنَا) (أنشا بديعَ مكارمٍ ومآثرٍ ... فِيهَا تنوَّعَ مجدُهُ وتفنَّنَا) (ولكَمْ مدارسَ فِي الْعلَا درسَتْ وَقد ... عَمَرَتْ بِهِ وَغدا حماها بَيِّنَا) (وَلَقَد ذوى روض المواهِبِ فاغتدى ... بنوالِهِ غَضَّ الثِّمَار لمن جَنَى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 (أغْنى الخلائِقَ مِنْ نداه فَلم تَجِدْ ... فِي دهرِهِ ذَا حاجَةٍ متَمَسْكِنَا) (وَبِه لقد عَمَّ الورَى فنوالُهُ ... كَنْز الفقيرِ وطوقُ جيدِ من اغتنَى) (والرزقُ والأجَلُ المقدَّرُ طوعُهُ ... وبكفه مر المنا وحلاَ الغِنَا) (متكفِّلٌ بالأمْنِ فِي الدُّنْيَا فَمَا ... أحدٌ بهَا أَلا وعاشَ مُؤَمَّنا) (وبرزقِ مَنْ فوقَ البسيطةِ وَالَّذِي ... تحْتَ المحيطةِ قد غَدا متضمِّنَا) (ولَدَيْهِ لَا روضُ السماحِ تخاله ... هشمًا وَلَا نَهْر الندا مُتأَسِّنَا) (والسحْبُ مذ رامَتْ تجارِى كَفَّهُ ... حُمَّتْ بِهِ حسداً وأسقَمَهَا الضَّنَى) (فالغيثُ فِي جَبَهاتِها عَرَقٌ جَرَى ... لما جرَتْ وكبَتْ وأدركَهَا العَنَا) (يحبو النَّوَالَ ويحتبي فكأنَّهُ ... بحرٌ وطودٌ قد أحلَّ وأردنا) (فِي حلمه فاقَ ابْن قَيْسٍ بل لدَى ... إحسانِهِ ذِكْرُ الندى لن يَحْسُنَا) (ماضيه للأعداءِ مسنوناً يرى ... وعطاؤُهُ فِي الْحَال فرضا عينا) (يهبُ الألوفَ وَلم يَهَبهَا عنْدَما ... يلقى عَلَيْهِ لأْمَهُ والجَوشَنا) (ويردُّ جحفلَ مَنْ يحاربه وَلَو ... ضاهَى الحَصَا عَن رَدِّهِ لَنْ يجبنا) (بطلٌ ولكنْ لَا يطاقُ فَفِي الوغَى ... بِشَبَا العزائمِ عَن ظباهُ لَهُ غنى) (ومتَى يصلْ تلقى الكمىَّ مجندلاً ... والذمْر خلقا بالدماءِ مكفَّنا) (يروي الثرَى بدمٍ الفوارسِ فالقنا ... تَجْرِى عَلَيْهِم من دماهُمْ أعينا) (تقفو الجوارحُ جيشَهُ ثِقَة بِمَا ... أَلِفُوهُ فِي نصْرٍ لَهُ متيقَّنَا) (فَيروا بطاناً آيبين نواهلاً ... بِدَمٍ يُطَلُّ فَمَا أذلَّ وأَهْوَنَا) (لم يَدْعُ هَذَا الدهْرَ إِلَّا جاءَهُ ... متعثراً مِنْ خَوفه لن يأمنا) (يخشَى سطاه فَلم تحلَّ خطوبُهُ ... ساحاتِهِ وبصَرْفِهِ لن يطعنا) (لَو خَطَّ طِرْسًا نَحوه لولائِهِ ... بالخادمِ المملوكِ كَانَ مُعَنْوَنا) (فمتَى دعَتْكَ خطوبُهُ فالجأ لَهُ ... وبأسْمِهِ فاعْل النداءَ وأعلِنَا) (يَا أحمدَ بْنَ أبي نُمَىِّ وَالَّذِي ... ألقَى لَهُ الدهْرُ القيادَ وأذعَنَا) (لَو زَاد شىءٌ بعد غايتِهِ دَعَا ... كُلٌّ لملكِك أَن يزيدَ تمكُّنا) (من رام مِثْلَكَ فِي الملوكِ فَذَاك فِي ... شَرْعِ الْمَعَالِي مُشْرِكٌ لن يؤمنا) (فلأنَتْ ربُّ البسطةِ العظمَى على ... كُلِّ الْمُلُوك من الرشيدِ إِلَى هُنَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 (وأمامَ جيشِكَ رائدُ الظَّفرِ اغتدَى ... بالنصْرِ والفتحِ المبينِ مؤذِّنا) (وبشأنِهِ النصْرُ المتينُ قد احتفَى ... بأمرِهِ الفتحُ المبينُ قد اعتنَى) (والدهرُ ساعٍ فِي الَّذِي تهوَى فإنْ ... تَدعُوهُ أَو تَدْعُو أجابَ وأَمَّنا) (وافاكَ تشريفُ المليكِ فكلُّ مَا ... تبغيه ثَمَّ وغيرُهُ لن يُمْكِنا) (فليهنِكَ النصْرُ المفادُ ويهنِكُمْ ... نيلُ المرادِ بِمَا أَقَرَّ الأعينا) (فهواتِفُ السراءِ قد صَدَحَتْ بِهِ ... وترنَّمَتْ وُرْقُ التهانِى بالهنا) (وشدَتْ على أيكِ السرورِ حمائمٌ ... ملأتْ بشائرُهَا النواحي بالغنا) (فَارْقَ الْعلَا ملكا فملكُكَ غابة ... بك يَا هِزَبْر الجحفَلْينِ مُحصنا) (ورياضُهُ قد أصبَحَتْ مخضلةً ... منكُمْ وزهْرُ ثمارها حُلْوُ الجَنَى) (والماضيانِ تكفَّلا بخلودِهِ ... وبحفظه سَعْدُ السُّعُود تضمَّنا) (وإليكَ تبرَ مدائحٍ لَو صاغَهُ ... نطقى لغَيْرِ علاكَ أَصْبَحَ ألْكَنَا) (ولحسنها حَسَّانُ يَغْدُو خاضعاً ... لَو رام نَظْمَ سلوكها لن يُحْسِنَا) (طابَتْ شَذًا لما جعلْتُ ختامها ... مِسْكَ الصلاةِ تبرُّكًا وتَيَمُّنَا) ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف أَبَا نمي رَحمَه الله تَعَالَى التمس من مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان تَفْوِيض الْأَمر إِلَى وَلَده الثَّانِي صَاحب الْمقَام السَّامِي مَوْلَانَا الشريف حسن فتقلد بعد أَن أُجِيب إِلَى مُرَاده حماية الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَجدّة المعمورة وينبع وخيبر وحلى وَجَمِيع مَا شَمله اسْم الأقطار الحجازية وَذَلِكَ من خَيْبَر إِلَى أَطْرَاف حلى وأعمال جازان طولا وَمن أَعمال الينبع الْمُبَارك إِلَى حجاز ثَقِيف وَمَا اتَّصل بِهِ من أَرض نجد عرضا وَكَانَ ذَلِك سنة 961 إِحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فتفرد بذلك بِإِشَارَة وَالِده الشريف أبي نمي لما علم من كِفَايَته وكماله وخاطبته السلطنة الشَّرِيفَة بِالْأَلْقَابِ الهاشمية الملوكية وشاع وذاع مَا فِي مَحل ولَايَته من الْعدْل والإنصاف والأمن والطمأنينة فِي حاضرتها وباديتها وَمَا إِلَيْهَا ينْسب ويضاف وَقطع قَاطع الطَّرِيق وَأخذ حق الْمَظْلُوم من الظَّالِم وَإِن كَانَ أقرب حميم وأصدق صديق فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فوضت إِلَيْهِ كل وَاصل إِلَى الأقطار الحجازية من أَعْيَان دولتهم وكبرائهم وأركان سلطنتهم وأمرائهم حَسْبَمَا يسطر ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 فِي المرسوم السلطاني الْوَاصِل باسم مَوْلَانَا المومأ إِلَيْهِ فِي كل عَام وَكلما طلب من جَانب السلطنة الْعليا مَطْلُوبا من معالي الْأُمُور أَو إحساناً لمن يلوذ بمقامه المبرور أُجِيب بِحُصُول المُرَاد خُصُوصا فِي سلطنة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد وَفِي سنة أَربع وَخمسين وَتِسْعمِائَة اتّفق يَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة الْحَرَام بِمَكَّة المشرفة أَن النَّاس بَيْنَمَا هم بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي وَقت السحر إِذْ رَأَوْا دخاناً صاعداً من جَانب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فبادرت الأكابر من الشريف أبي نمي وَولده ومصطفى باشا وأكابر الْحَاج يسعون إِلَى بَاب الْكَعْبَة ففتحوه بعد أَن حصل عِنْد عَامَّة النَّاس غَايَة الوجل فوجدوا نَارا فِي عقب الذرفة الْيُمْنَى ففكت الذرفة وأطفئت النَّار وأعيد الْبَاب على حَاله وَللَّه الْحَمد ذكر هَذَا الجزيري فِي تَارِيخه قلت الظَّاهِر أَن أصل تِلْكَ النَّار شرر طَائِر من مجامر البخور الَّتِي تُوضَع على عتبَة الْبَيْت الشريف وَفِي سنة خمس وَخمسين وَتِسْعمِائَة لما كَانَ عيد يَوْم النَّحْر مِنْهَا وَقعت فتْنَة بمنى وتعرف عِنْد أهل مَكَّة بِالْهبةِ بَين مَوْلَانَا الشريف أبي نمي وَبَين أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ الْمُسَمّى مَحْمُود وَكَانَ الشريف أَحْمد إِذْ ذَاك قَائِما بِأَمْر المملكة عَن وَالِده يتفويض من السُّلْطَان سُلَيْمَان كَمَا تقدم ذكر ذَلِك سَبَب هَذِه الْفِتْنَة أَن السَّيِّد قايتباي كَانَ بِمصْر فَأقبل إِلَى مَكَّة من طَرِيق الْبَحْر وَكَانَت بَينه وَبَين أَمِير الْحَاج الْمَذْكُور موطأة على أَن يوليه مَكَّة فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّحْر علم الْأَمِير أَن جمَاعَة الشريف أبي نمي تفَرقُوا عَنهُ بالنزول إِلَى مَكَّة للطَّواف وَالسَّعْي فاغتنم الفرصة وَكَانَ السَّيِّد قايتباي الْمَذْكُور أرسى بجدة وَلم ينزل إِلَيْهَا فَركب الْأَمِير ليقصد الشريف فِي دَاره فَعلم الشريف بذلك فَركب وَركبت الْأَشْرَاف والقواد والجند فثارت الْفِتْنَة وَنزل الشريف إِلَى مَكَّة ثمَّ أرسل إِلَى جدة تجريدة من الْخَيل لِحَرْب السَّيِّد قايتباي فَلم تصل إِلَى جدة إِلَّا وَقد توجه مِنْهَا بحراً عَائِدًا إِلَى مصر وبموجب هَذِه الْفِتْنَة نفر الْأَمِير وَجَمِيع الْحَاج من منى يَوْم النَّفر الأول قبل الزَّوَال فَأَرَادَ بعض الْحجَّاج الْعود إِلَى منى للرمي قبل فَوَاته وَالْمَبِيت مَعَ جند صَاحب مَكَّة فَتعذر عَلَيْهِ ذَلِك لانتشار الْأَعْرَاب فِي الطّرق ورءوس الْجبَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 ويحكى عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ أَنه كَانَ بِمَكَّة حِين الْفِتْنَة بمنى قد نزل بِقصد الطّواف وَالسَّعْي وَكَانَ فِي منزله وَعِنْده شخص يُسمى الشَّيْخ الحرفوش فحصلت للشَّيْخ مُحَمَّد الْبكْرِيّ حَالَة جلال وَاسْتمرّ دائراً فِي الْمحل الَّذِي هُوَ فِيهِ كالأسد وَهُوَ يَقُول حوش حوش يَا حرفوش كَالَّذي ينظر شَيْئا فيأمر بإمساكه ثمَّ سكت حَاله فَقَالَ الْآن وَقعت بمنى فتْنَة عَظِيمَة حشناها بِإِذن الله تَعَالَى فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك فَقَالَ الْعَلامَة الْخَطِيب عبد الباسط بن أَيُّوب يذكر الْوَاقِعَة وَيرْفَع فِيهَا الشكوى من مَحْمُود الْأَمِير إِلَى الخنكار الْأَعْظَم مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان فِي قصيدة هِيَ // (من الْخَفِيف) // (يَا إِمَامًا بالعدلِ فِي الناسِ سارا ... وهماماً قد دَمَّرَ الكُفَّارا) (ومليكاً إحسانُهُ مَلأ الأرْضَ ... وأضحَى لَهُ الصلاحُ شِعَارا) (هَذِه قِصَّةٌ لبابكَ جاءَتْ ... من أناسٍ مِمَّا دهاهُمْ حيارى) (فَاتْلُهَا يَا خليفةَ اللهِ فى الأَرْض ... جَمِيعًا عساكَ تأخذُ ثارا) (نظمتْهَا قريحةٌ شاهدَتْ فِي ... عترةِ المصطفَى أموراً كِبَارا) (هجمَتْ دُورهمْ بخيلٍ ورجلٍ ... واستباحوا عرضا ومالاً ودارا) (ورُمُوا بالنبالِ فى حرم اللَّه ... فضَحُّوا ضغارَهُمْ والكِبَارا) (أذكَرَتْنَا أحوالُهُمْ بحسينٍ ... ويزيدٍ وأورثَتْنَا اعْتِبَارا) (آلُ بيتِ الرسولِ حُلَّ حماهم ... واستبيحَتْ لَهُم دماءٌ جِهارا) (مَا استمعنا وَلَا رَأينَا كَهَذَا ... لَا رَعَى اللهُ مَنْ بِهَذَا أشارا) (قد أَتَانَا محمودُ فى إمرةِ الحَجْجِ ... وَقد صَارَ بالأذَى أَمَّارا) (فَرَأَيْنَا شخصا يحاكِى يزيداً ... فِي سجاياهُ فَاجِرًا جَبَّارا) (أذَهَبَ الشرْعَ مذ أَتَانَا وَأَحْيَا ... ليزيدٍ بَينَ الورَى آثارا) (حَكَّمَ الشيْفَ فِي أعزِّ نفوسٍ ... وسقاها كاسَ الرَّدى وأدارا) (قَتَلَ الناسَ أظهَرَ السفْكَ ظلما ... جالَ بالسيفِ يمنةٌ ويَسَارا) (تركَ الهدْىَ والضحايا وضحَّى ... بدماءِ الأشرافِ فِيهَا وسَارَا) (حَرَمٌ آمِنٌ ويقتلُ فِيهِ ... عترة المصطفَى جهاراً نَهَارا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 (إِن هَذَا أمْرٌ فظيعٌ شنيعٌ ... منكَرُ الشانِ يدهشُ الأبصارا) (قد تركْنَا لأجلِهِ واجباتٍ ... ورفضْنَا المبيتَ والإعتمارا) (وخشينا من اليزيديِّ قتلا ... فركبْنَا من خوفِهِ الأخطارا) (تَرَكَ الناسُ فى منى نُسُكَ الحَجْجِ ... وخلَّوْا مبيتَهَا والجِمَارا) (واعتراهُمْ من اليزيديِّ مَا لم ... يألفُوهُ وأُحْصِروا إحصارا) (وَغدا الناسُ بَين قتلٍ ونهبٍ ... وَأُمُور تحيِّرُ الأفكارا) (صَار فِيهَا العزيزُ عبدا ذليلاً ... والأرقَّاءُ أصبَحَتْ أحرارا) (صَرَفَتْ نحوهم صروفُ الليالِي ... وجهَهَا بعد كَانَ فِيهِ استتارا) (ورمتهم عَن قوسها بسهامٍ ... أثَّرتْ فِي القلوبِ منا انكْسارا) (فتنةٌ أُحْدِثَتْ بأشرفِ أرضِ الله ... لَا ترتضَى بأرضِ النَّصَارَى) (كَبَّرَ الناسُ عِنْدَمَا عاينوها ... وبحارُ الدِّما غدَتْ تَيَّارا) (أظلم الكونُ والكواكبُ غارَتْ ... واقشعرَّتْ جلودنا اقشعرارا) (إِن هَذَا ظلمٌ وجَوْرٌ عظيمٌ ... قاتلَ الله مَنْ عَنِ الحقِّ جارا) (ورماه بأَسْهُمٍ صائباتٍ ... مِنْ يَد المصطفَى تريه الصَّغَارَا) (وذُهِلْنَا من المصيبةِ حتَّى ... أذْهَب الخوفُ عقلنا والوَقَارَا) (فتراهم بعد الأمانِ مِنَ الخَوْفِ ... سكارَى وَمَا هُمُ بسُكَارى) (يَابْنَ عثمانَ أنْتَ عمرْتَ بالعدلِ ... الأقاليمَ بَرَّها والبِحَارا) (أنتَ طهَّرْتَ سَائِر الأرضِ ممَّنْ ... قد تعدَّوْا واستكبروا استكْبَارا) (أنتَ كهْفٌ للمسلمينَ حريزٌ ... وملاذٌ لمنْ يخافُ ضِرَارا) (أنْتَ للحقِّ ناصرٌ ومعينٌ ... لكَ سيفٌ قد دمرَّ الأغيارا) (أنتَ مَنْ أمَّ بابَ عدلك يحظَى ... بمناه ويبلُغُ الأوطارا) (كيفَ ترضَى أَن اليزيديَّ يَأْتِي ... حَرَمَ اللهِ مُفْسِدا كَفَّارا) (سوفَ تَأتيه غيرةٌ منكَ حَتَّى ... يتمنَّى أَن لم يُثِرْ مَا أثارا) (فأغِثْ عِتْرةَ النبيِّ وبادرْ ... وزدِ الظالمينَ مِنْك خَسَارا) (وأرِحْهُمْ من اليزيديِّ واجعلْ ... دَاره بالخرابِ أَرْضًا دمَارا) (وارحمِ الناسَ إِنَّهُم قد أذيقوا ... مِنْ أَذَاهُ مَا لم تذقه الأسارَى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 (ولكَ الأمْرُ فاقضِ مَا أنتَ قاضٍ ... فَهُوَ واللهِ يستحقُّ النارا) (قَسَمًا بالحطيمِ والركنِ والبيتِ ... الَّذِي رَبُّهُ يقيلُ العِثَارا) (وبِآلِ النبيِّ والصحبِ والأحزابِ ... طُرًّا والسادةِ الأخيارا) (قد خبأنا لَهُ سهامَ اللياليِ ... وشدَدْنَا القِسيَّ والأوتارا) (واستعنا بأعظَمِ الناسِ جاهاً ... واتخذْنَا ضريحَهُ مستجارا) (يَا نبيَّ الهدَى أغثنا سَرِيعا ... قد أَضَرَّ العدا بِنَا إضْرَارا) (نحنُ قومٌ بك استَجْرَنا فنِلْنَا ... بمعاليكَ رَحْمَة وجِوَارا) (شاعَ فِي سائِرِ الجهاتِ الَّذِي قَدْ ... كَانَ فِينَا وطَبَّقَ الأقطارا) وَكَانَ الشريف أَبُو نمى جم الْفَضَائِل حسن المشائل مَحْمُود السِّيرَة طَاهِر السريرة قطب زَمَانه بِلَا خلاف عَادل وقته فَلَا سَبِيل فِي زَمَنه إِلَى الاعتساف لَهُ النثر الرفيع الْفَائِق وَالنّظم البديع الرَّائِق وَصِفَاته حامعة شتات كل فَضِيلَة وخصاله محمودة جميلَة وَمن صِفَاته الحميدة المتوارثة لَهُ عَن آبَائِهِ الْكِرَام رِعَايَة ذَوي الْبيُوت الْقَدِيمَة وإعراضه عَن الأفاقين فَإِن ذَوي الْبيُوت كَانُوا عِنْده فِي أوج الإعزاز وَالْإِكْرَام يظْهر مناقبهم وَيسْتر مثالبهم وَكَانَ يخصهم من بَين الْأَنَام بالتحية وَالْقِيَام وَلَا يفرح غَيرهم بقيامه لَو أَنه شيخ الْإِسْلَام فَلهَذَا كَانَت الْأُمُور مضبوطة وَالْأَحْوَال بِوُجُوه الصَّوَاب منوطة فطالما التمس مِنْهُ أَعْيَان دولته الْقيام لجَماعَة لَا يكونُونَ من ذَوي الْبيُوت بعد أَن صَارُوا من أهل الْإِفْتَاء فَلم يجب التماسهم وَلم يضْبط عَلَيْهِ ذَلِك لِئَلَّا يكون النَّاس على حد سَوَاء فَمَا أجدره بقول الْقَائِل // (من الْبَسِيط) // (للهِ درُّ أنو شروانَ مِنْ ملكٍ ... مَا كَانَ أعرفَهُ بالعَالِ والسَّفلِ) وَلم يفته أَن جبر الخواطر مَطْلُوب بل هُوَ عَارِف بِمَا هُوَ أدق من ذَلِك مِمَّا تكنه الْقُلُوب غير أَنه علم مَا يَئُول إِلَيْهِ ذَلِك من الْفساد وتجرؤ الأنذال بمساواتهم لأكابر الْبِلَاد وترتب حُصُول الْجور فِي الْعباد فقد قيل // (من الوافر) // (وتجتنبُ الأسودُ ورودَ ماءٍ ... إِذا كَانَ الكلابُ يَلغْنَ فِيهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 فَهَذَا من سياسته الَّتِي يحفظ بهَا الْملك ويدوم فقد قَالَ تَعَالَى تِلْكَ الرُّسُل {فَضلنا بَعضهم على بعض} الْبَقَرَة 253 الْآيَة وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أمرت أَن أنزل النَّاس مَنَازِلهمْ وَالْحكمَة فِيمَا كَانَ يصنعه الشريف تبعا لأسلافه أَن ذَوي الْبيُوت قد عرفت مَوَدَّتهمْ وإخلاصهم من عروق أسلافهم الأقدمين الثابتي الأساس وانطباعهم على صدق الْمحبَّة والوداد فَإِن الْعرق دساس فَكَانُوا جديرين بِهَذِهِ المزية وَلَو لم يكن فيهم شَيْء من الْفَضَائِل إِلَّا مَا ألف مِنْهُم وَعرف عَنْهُم من الشَّمَائِل وَأما غَيرهم لَو أَنه أعلم أهل زَمَانه فَلم تُوجد فِيهِ هَذِه المزية وَرُبمَا يكون إكرامهم سَببا لحُصُول الأذية قلت هَذَا قَول أَحْمد الْفضل نَاقِلا لَهُ عَن الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَهُوَ كَمَا ترى قَول جَائِر فى الْقَضِيَّة صارد عَن روية بزلال الْحق غير روية وطوية على الحقد والحسد مطوية وحاش لله أَن تكون صفة مَوْلَانَا الشريف ذَلِك وعادته تِلْكَ مَعَ أُولَئِكَ إِذْ كَيفَ يسوغ لمولانا إِلْغَاء صفة الْعلم مِمَّن اتّصف بهَا من الأفاضل الْأَعْلَام فَلَا يعظمه بِسَبَبِهَا كَمَا قَالَ هَذَا الشَّخْص وَلَو أَنه شيخ الإٍ سَلام وَلَا يعْتَبر إِلَّا ذَلِك الود بِفَرْض وجود المستور فِي حبات الْقُلُوب وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك علام الغيوب حماه الله من ذَلِك مَعَ علمه رَحمَه الله بِأَن الْمَرْء بأصغريه قلبه وَلسَانه فَهُوَ تَحت طي لِسَانه لَا تَحت طيلسانه وَأغْرب من هَذَا كُله قَوْله وَلَو لم يكن فيهم شَيْء من الْفَضَائِل فَمَا أحقه بقول الْقَائِل // (من الطَّوِيل) // (إِذا كَانَ لَا عِلْمٌ لديْكَ تفيدُنَا ... وَلَا أنْتَ ذَا دِينٍ فنرجُوكَ للدِّينِ) (وَلَا أنْتَ ممنْ يُرْتَجَى لكريهةٍ ... جعلنَا مِثَالا مثلَ شخصِكَ مِنْ طِينِ) فَإِذا لم يكن الشَّخْص فِيهِ فَضِيلَة ذاتية والود لَا يُعلمهُ إِلَّا عَالم الْخفية لم يبْق سَبَب للإجلال وَالْإِكْرَام والتحية وَالْقِيَام إِلَّا كبر العمائم وَطول الأكمام والاعتماد على رفات الْعِظَام من الْآبَاء والأعمام وَلَا ينْهض ذَلِك عِنْد رعاع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 الْعَوام فضلا عَمَّن هُوَ لسادات الْأَنَام إِمَام أبي نمي الْهمام فَالْحق إِعْطَاء الْعلم واجبه لكل إِنْسَان كَائِنا من كَانَ ثمَّ إِن كَانَ مَعَ فَضِيلَة ذَاته لَهُ فَضِيلَة سلسلة علم وبيتوتة تكلل تَاج مجده دُرَر الْفَخر وياقوته ثمَّ أَنْت ترى قبح مَا أوردهُ وتمثل بِهِ فِي مُرَاده ووخامة شَاهده فِي استشهاده وتشبيهه نَفسه وَأَمْثَاله بالأسود وَغَيره بالكلاب وَسيد الْجَمِيع بِالْمَاءِ المورود فَأَيْنَ الذكاء والفهم لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ كَانَ ابْتِدَاء حَادث الْمحمل الْيَمَانِيّ والمحدث لَهُ الْوَزير مصطفى باشا النشار المستولى على الْيمن من جِهَة السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَكَانَت ولَايَته لَهُ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فوصل إِلَى مَكَّة أَمِيرا على الْمحمل الْمصْرِيّ فحج ثمَّ رَجَعَ بالمحمل وَالْحجاج الْأَمِير مُرَاد بك ثمَّ توجه مصطفى إِلَى الديار اليمنية فأحدث الْيَمَانِيّ وَجعله كالمحملين وَمَعَهُ خلعة من جَانب السلطنة الشَّرِيفَة فبرز مَوْلَانَا الشريف لملاقاة الخلعة إِلَى بركَة الماجن ثمَّ وصل هُوَ والأمير والمحمل إِلَى أَن حَاذَى الشريف دَاره فَدَخلَهَا وَتوجه الْأَمِير وَنزل عِنْد سفح الْجَبَل الَّذِي على يَمِين الدَّاخِل إِلَى مَكَّة من ثنية الْحجُون وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن بطلت الخلعة والمحمل من سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَذَلِكَ مسبب عَن وُقُوع الْفِتَن القوية واشتغال الدولة العثمانية بِقِتَال أَعدَاء الله وإعلاء كَلمته الْعلية وَلَا بُد لليمن من عطفة لَيْسَ فِيهَا تؤدة وَلَا رأفة وَفِي سنة 985 خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة كَانَت وَفَاة السَّيِّد الأكرم السَّيِّد بَرَكَات بن أبي نمي جد ذَوي بَرَكَات الْأَقْرَب قَالَ الْعَلامَة الفهامة الشَّيْخ عَليّ الشهير بالجم دخلت على وَالِده مَوْلَانَا الشريف أبي نمي معزيا لَهُ فِيهِ فانهلت عبرته فَأَخذهَا بمنديل كَانَ فِي يَده فَأَنْشَدته ارتجالاً بَيْتَيْنِ يتضمنان تَارِيخ وَفَاته فَقلت // (من الْكَامِل) // (يأيها الملكُ العزيزُ ومَنْ رَقَى ... هَامَ الْعلَا رَفَعَ المهيمنُ شانَهُ) (لَا تَبْكِ مرحوماً أتَى تاريخُهُ ... بركاتُ أنزلهُ اللطيفُ جنانَهُ) فسر بذلك وسُرًى عَنهُ بعض مَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 وَفِي سنة 990 تسعين وَتِسْعمِائَة ضحوة يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر مِنْهَا كَانَت وَفَاة مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف قَاضِي قُضَاة الْإِسْلَام وناظر النظار بِبَلَد الله الْحَرَام مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن بن أَحْمد الْمَالِكِي بِالطَّائِف فِي الْقرْيَة الْمُسَمَّاة بالسلامة وَوصف بالشهيد لذَلِك وعد من ألقابه الَّتِي وصف بهَا على زَمْزَم وَلما بلغ مَوته ضِدّه مرزا شلبي قَالَ سُبْحَانَ الله عَاشَ هَذِه الْمدَّة فِي مَكَّة ثمَّ لم يمت إِلَّا خَارِجهَا وأرخ ذَلِك بقوله حل عَام الْخَيْر نعود بِاللَّه من الْحَسَد وَأَهله وَوَافَقَ تَارِيخ وَفَاته فِي تَاسِع صفر من السّنة الْمَذْكُورَة لفظ تسع فِي صفر وفيهَا أَيْضا كَانَت وَفَاة الْعَلامَة الشَّيْخ قطب الدّين النَّهر والى مفتي السَّادة الْحَنَفِيَّة يَوْم السبت السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الثَّانِي مِنْهَا وَقت أَذَان حزورة عِنْد الْفجْر الثَّانِي فأرخ بعض الْفُضَلَاء ذَلِك بقوله قد مَاتَ قطب الدّين أجل عُلَمَاء مَكَّة قلت قد حسبته فَوَجَدته يزِيد على سنة الْوَفَاة وَاحِدًا وَمثل ذَا يغْتَفر عِنْد المؤرخين على خلاف الرَّاجِح مِنْهُ عدم الاغتفار مُطلقًا فَيصير التَّارِيخ هَكَذَا قد مَاتَ قطب الدّين جلّ عُلَمَاء مَكَّة وَلَا شكّ أَن الْمَعْنى الأول يَزُول حِينَئِذٍ ويتحول وَمَا زَالَ مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي منعم البال ممتعاً بالأولاد والآل مُجْتَمع الشمل فِي سَائِر الْأَحْوَال مكفي الْأُمُور دَائِم السرُور بِقِيَام وَلَده الشريف حسن بأعباء الْملك والخلافة مظْهرا فِي الرعايا عدله وإنصافه سَالِمَة ممالكه من المخافة إِلَى أَن دَعَاهُ دَاعِي الْحق فلباه وانتقل من هَذِه الدَّار إِلَى دَار كَرَامَة مَوْلَاهُ لَيْلَة تاسوعا افْتِتَاح سنة 992 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة بِالْقربِ من وَادي البيار من جِهَة الْيمن فَحمل إِلَى مَكَّة وجهز وَصلى عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر فِي الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد بَاب الْكَعْبَة الأفندي مرزا مخدوم وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة مَوْجُودَة عَلَيْهَا أوقاف محدودة وتخلف وَلَده الشريف حسن لحفظ الْبِلَاد وقطعاً لدواعي الْفساد وَجعلت لَهُ ربعَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وبالتربة حضرها الشريف حسن وَإِخْوَته وَجَمِيع الْأَشْرَاف والأعيان من أهل مَكَّة والعربان قدس الله روحه وَنور ضريحه وَعمر الشريف أبي نمي ثَمَانُون سنة وَشهر وَاحِد وَيَوْم وَاحِد وَمُدَّة ولَايَته مشاركاً لِأَبِيهِ ولولديه الشريف أَحْمد والشريف حسن ومستقلاً نَحْو ثَلَاث وَسبعين سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 وَكَانَ رَحمَه الله صَاحب خيرات متواترة ومبرات كَثِيرَة متكاثرة أسس لأبنائه معالم الْكَرم وحثهم على شرِيف المناقب والشيم نسج بَينهم الْمَوَدَّة على منوال الصَّفَا وَحَملهمْ على الصدْق فِيمَا بيهم والوفا وَبنى بِمَكَّة رِبَاطًا للْفُقَرَاء الذُّكُور ورباطاً للنِّسَاء الشرائف وأوقف عَلَيْهِم أوقافاً إِلَى الْآن جَارِيَة فِي صحائفه وَكَانَ لَهُ جملَة من الْأَوْلَاد مِنْهُم أَحْمد وَالْحسن وثقبة وبركات وَبشير وراجح وَمَنْصُور وسرور وناصر وصالحة وشمسية وغبية وصليبة وموزة وَرَايَة وَغَيرهم قلت وَرَأَيْت نتفة لبَعض شعراء ذَلِك الزَّمَان وَلم ينسبها الْكَاتِب إِلَى شخص بِعَيْنِه وَهِي فِي الشريف أبي نمي أَحْبَبْت ذكرهَا هِيَ // (من السَّرِيع) // (يَا فارسَ الخيلِ فهرْتَ العدا ... ألتُّرْكُ والعُرْبَانُ والتُّرْكَمَانْ) (مَوْلَاك أعطاكَ خِصالاً بهَا ... أصبحتَ فى الناسِ فريدَ الزمانْ) (قأنتَ فِي حلْمٍ بعيد المدى ... قَرِيب إحسانٍ وحُلْو اللسانْ) (فَلَا تَخَفْ مِنْ بعد ذَا كربةًِ ... فَمَا قَضَاهُ اللهُ بالأمْرِ كانْ) (فاللهُ يبقيكَ لنا آمنا ... كَمَا أذقْتَ الناسَ طَعْمَ الأمانْ) قلت قد أبان هَذَا الشَّاعِر عَن فضاخة اللِّسَان لَا فَصَاحَته وضيق الْبَيَان لَا فساحته إِلَّا أَنه يدْخل عَن الِاعْتِرَاض فِي أَمَان بَيت الْأمان فَلَعَلَّ أَن يمحو الْإِسَاءَة الْإِحْسَان فسبحان خَالق الْإِنْسَان وَقَالَ الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الزمزمي مُعَارضا قصيدة ابْن خطيب داريا الَّتِي مطْلعهَا // (من السَّرِيع) // (قُمْ عاطِنى الصهباءَ يَا مُؤْنِسِي ... ) وَكَانَ هَذَا الْإِعْرَاض بإلزام لَهُ من مَوْلَانَا الشريف أبي نمي فَقَالَ يمدحه ويهنيه بعرس ابْنه الشريف أَحْمد بن أبي نمي // (من السَّرِيع) // (لِيَحْتَسِ الصَّهْبَاءَ من يحتَسِي ... حَسْبى لمَى مرشفِكَ الألعْسِ) (حل فأطلقْ مِنْهُ كأْسِى وَلَا ... توحشْ بِحَبْس الكأس يَا مُؤْنِسِي) (مِنْ طرفِكَ الوسنانِ والخَدِّ مَا ... يهزأُ بالوردِ وبالنرجسِ) (وجهُكَ لي روضٌ جديدٌ إِذا ... أخلقَتِ الأرْضُ القبا السندسِي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 (رنحت قَدَّا قَالَ للغصْنِ مِنْ ... عِطْفى استعِرْ لينًا ومثلي مِسِ) (غَرِّدْ لنا واشْدُ فها أنْتَ مِنْ ... شعركَ كالشُّحْرُورِ فِي بُرْنُسِ) (أنتَ سميري ونديمي فلِي ... فاكهةٌ من لفظِكَ الاكْيَسِ) (ضوءُكَ فِي جنحِ الدجَى ساطعٌ ... فذكْرُ ضوء الشمْعِ مَعَه نُسِي) (فيكَ جميعُ البسطِ يَا فَاتَنِي ... بسط إِذا خلتك فِي المجلِسِ) (لقد صفا العَيْشُ بسفْحِ الصَّفَا ... وأحْسَنَ الصنعَ الزمانُ المُسِي) (فعاطِنِى من فيكَ مسكية ... ينفحُ مِنْهَا الطيبُ فِي المعطسِ) (وَاجْلُ صدا نَفسِي بأنفاسِهَا ... فَإِنَّهَا تجلُو صدا الأنفُسِ) (لَهَا حبابٌ من ثناياك قَدْ ... حكتهُ شهبُ الفُلُكِ الأطْلَسِ) (طَاهِرَة طِبْت وطابَتْ فَلم ... يحرمْ تعاطيها وَلم تنجسِ) (تِلْكَ سُلافى لَسْتُ مِنْ غَيرهَا ... أرتشفُ الراحَ وَلَا أحتَسِي) (مَا لي وللخمْرِ وشرَّابِهَا ... إياكِ يَا نفْس بهم تَأْتَسِي) (منْ كلِّ سفسافٍ إِذا سَفَّها ... يبذي ويَهْذِى ثمَّ لَا يَنْبِسِ) (قد نجسوا مِنْهَا فَلم يفكروا ... فى نَجِسِ الماءِ وَلم ينجسِ) (أخبارُهَا قد دُرسَتْ بَينهم ... فِي كتُبٍ يَا ليتَ لم تُدْرَسِ) (حديثهُمْ فُحْشٌ وجهلٌ فَلَا ... تسمعُ لَا أُفْتِ وَلَا أدرسِ) (للهِ أوقاتٌ تقضَّتْ لنا ... معْ كلِّ شهمٍ فكِه كيسِ) (ونحنُ فِي مجلسِ أنسٍ بِهِ ... أَبُو نميِّ صَاحب المجلسِ) (سلطانُ أقطارِ الحجازِ الَّذِي ... بِغَيْرِهِ الأقطارُ لم تحرسِ) (مولى لَهُ ذوقٌ وفهمٌ فَفِي ... مجلسِهِ الآدابُ لم تبخسِ) (للفضلِ سوقٌ عِنْده نافقٌ ... لكلِّ مثرٍ مِنْهُ لم يفلسِ) (للهِ أخلاقٌ لَهُ سمحةٌ ... تقولُ للضيفِ إدْنُ واستَأْنِسِ) (أَيْأَسَنِى دَهْرِى فلمَّا رنا ... إِلَيْهِ قَالَ ارْجُ وَلَا تَيْأَسِ) (ينسى الَّذِي يوليكَ مِنْ فَضله ... لكنْ ثناه شائعٌ مَا نُسِي) (أعداؤُهُ دنسهم لؤمهُمْ ... وعرضُهُ الأبيضُ لم يدنسِ) (إِن عدَّتِ الفرسانُ فَهْوَ الَّذِي ... يدعَى غداةَ الروع بالأفرسِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 (هُوَ المليكُ الممتطِى صهوةً ... من المعالِى قَطُّ لم تمسسِ) (تدبيرُهُ الملكَ لَهُ ديْدَنٌ ... فَلم يَنَمْ عَنهُ وَلم ينعسِ) (كُلُّ عزيزٍ ذلَّ من بأسِهِ ... وهابه الروميُّ والشركسِي) (سلِ النصارَى عِنْد مَا قارَبُوا ... جدة عَن جدهم الأتعسِ) (مَاذَا الَّذِي نَكَّسَ أعلامهم ... عَنْهَا نَعَمْ لولاه لم تنكسِ) (ثمَّ انثنَوْا للهندِ والرعْبُ فِي ... قلوبهمِ سَارَ إِلَى قبرسِ) (نُصِرْتَ بالرعبِ عَلَيْهِم وَلم ... لَا بأبيكَ المصطفَى تأتسي) (فاستبعَدُوا الأقرَبَ واستَقْرَبُوا الأبعَدَ ... من طورهمُ الأقدسِ) (أتَوْكَ كالبَحْرِ فصاروا لدَى ... بحركَ كالحسوةِ للمحتسِي) (أتاهُمُ أنكَ فِي قوةٍ ... من العوالي والظبا والقِسِي) (أعددتَّ جَيْشًا لَو بهم بحره ... أحاطَ لم يَنْجُوا من المغطسِ) (وكلُّ طرفٍ سَابق سابح ... فِي لج بحرٍ النَّقْع لم يغطسِ) (يفترسُ الْأسد على ظهرِهِ ... من الأعادِى كلٌ مستفرسِ) (هُمْ كأسودِ الغابِ لكنَّها ... دونهُمُ فِي شرسِ الأنفسِ) (من حسنٍ يَنْمُو إِلَى سَيِّدٍ ... لَهُم هِزَبْر فِي الوغَى أحمسِي) (نجومُهُمْ دارتْ على أبلجٍ ... كبدرِ تمِّ بالسنا مكتسي) (مِنْ دوحةٍ ثابتةٍ غضةٍ ... والأصلُ مِنْهَا طيبُ المغرسِ) (تنمى إِلَى السبطَيْنِ مِنْ فاطمٍ ... أكرِمْ بِهِ من نسبٍ أقعسِ) (يَا ملكا لَو قابَلَ السَّعْد من ... غرته كيوان لم ينحسِ) (إنْ يبسَ الدهْر عَلَى أهلِهِ ... أمّوا فِناءً مِنْك لم ييبسِ) (محسنُهُمْ تحسن فِي حقِّه ... وَإِن أساءوا لسْتَ ممنْ يُسِي) (كنتَ لنا نجم حمى أفْقنا ... شهابُهُ من ماردٍ أشرسِ) (يَا لَكُمَا مِنْ ملكَيْ كورةٍ ... قد كسياها أَفْخَرَ الملبسِ) (يَا لَكمَا من فارسَيْ غارةٍ ... من خسياه فِي مغارٍ خُسِي) (يَا لَكمَا من قائدَيْ عسكرٍ ... حديدُهُ منْ نقعه مكتسِي) (شمساً وبدراً ينفعان الورَى ... نورهما يجلو دُجَى الحندسِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 (أَبُو نميِّ وابنُهُ أحمدٌ ... ألقسوريُّ الخشنُ الملمسِ) (زُفَّتْ لَهُ غيداءُ خرعوبةٌ ... عذراءُ لم تطمثْ وَلم تمسسِ) (ليهنِهِ هَذَا الزواجُ الَّذِي ... أبهَجَهُ بالرشأ الألعسِ) (لَا زَالَ فِي عيشٍ لذيذٍ بهَا ... ودامَ من قَهْوتها محتسِي) (فاحفظْ علينا الأصْلَ والفرْعَ يَا ... رب وحُطْ ملكهمَا واحرسِ) (يَا مَنْ بِهِ الشعْرُ سما ذرْوَة ... على دراري الفلكِ الأطلسِ) (هاكَ قريضاً أنتَ أدرَى بِمَا ... فِي سلكِهِ من جوهرٍ أنفسِ) (أمرتَنِى أنظمُ شعرًا على ... قُمْ عاطِنى الصهباءَ يَا مُؤْنِسِي) (فقمْتُ مرتاحاً إِلَى نظمِهِ ... وَلم أحلْ عَنهُ وَلم أخنسِ) (فَحَبَّ هَذَا الْأَحْسَن الوَقْع من ... شِعْرِى لَدَى إصغائِكَ الأكيسِ) (أَو لَا فعُذرى أنني عاجرٌ ... وفيكَ يُوفي خبْرَة الكيسِ) (أنمر مِنْ مدحِكَ حَتَّى غَدا ... طَلْقُ لساني فِيهِ كالأخرسِ) (أيُّ فصيح فِيك يَرْجُو القَضَا ... وَلم يَعُدْ كالألكَنِ المبلسِ) (فعشْ لنا دهراً ودُمْ للعلا ... والمدْح للراح وللأكؤسِ) (مَا دُمْت للإقبال رَأْسا وَمَا ... دامَتْ مواطيك على الأرؤُسِ) وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن باكثير وَقد اقترح عَلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف أَبُو نمي مُعَارضَة قصيدة الطَّيِّبِيّ الخمرية الَّتِي مطْلعهَا // (من الْخَفِيف) // (بَرَزَتْ فِي الكئوسِ كالإبريز ... ) فعارضها على الْبَحْر والقافية وَالْمعْنَى واستخلص فِي مدحه فَقَالَ وَذَلِكَ سنة 949 تسع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة // (من الْخَفِيف) // (خَطَرَتْ فِي مثَقفٍ مهزوزِ ... كَمْ بِهِ من متيَّمٍ موكوزِ) (ورنَتْ فانتضَتْ حساماً تحلَّى ... جفْنه من حلاوةِ التلويزِ) (سِحْرُ هاروتِهِ يخيلُ مَاء ... ولهيباً فِي خَدّها الإبريزِي) (وبتخييله تَبَلَّه قلبِي ... فِي هَوَاهُ وجُنَّ عَقْلِي الغريزي) (ودموعي تَسَلْسَلَتْ فشفائي ... باللقا لَا بطلسمٍ وحروزِ) (أَو بصهباء رِيقهَا حينَ تجلى ... للندامَى بثغرها لَا بكوزِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 (أَو بظلمٍ يسقى زهور أقاحٍ ... نابتٍ فِي وِشَاحها الفيروزي) (أَو بشهدٍ من الشفاه حلاه ... لم تَشُبْهُ مرارةُ التمزيزِ) (أَو بريقٍ من الثَّنية يُطْفِي ... من حَشا مهجتي لَظَى تمّوزِ) (أَو بإحداقها إِذا مَا أدارَتْ ... كاسَ غنجٍ من خمرةِ التغميزِ) (أَو بساجي لحاظها حِين تُومِي ... لوصالي بخافياتِ الرموزِ) (أَو براح فِيهَا ارتياحٌ لروحي ... وشفاءٌ لقلبي الموخوزِ) (آهِ لَو ساعَدَ الشبابُ عَلَيْهَا ... والليالي وَمُوجب التجويزِ) (كُنْتُ دهقانَهَا الخبيرَ وكانَتْ ... فِئَة البسطِ فِي يديَّ وحوزِي) (غير أنَّ الْجَوَاز عزّ ورأسى ... سابَ والدهْرُ مر قيزاً بقيزِ) (فتحامَيْتُهَا وَإِن كَانَ أَمْرِي ... باحتساها أَمْر المبيحِ المجيزِ) (خمرةٌ مدت الْحباب شباكاً ... لاقتناصِ اللذاتِ وقتَ النهوزِ) (هَاتِهَا لي تَنْفِي الهمومَ وتُوفِى ... لِىَ وعدَ السرورِ بالتنجيزِ) (هاتِها لي شَمْسًا مغيب سناها ... فِي فؤادى وبرجها قطر ميزي) (هَاتِهَا لي روحاً من النارِ حَلَّتْ ... جِسْمَ نورٍ لظاه طب أزيزي) (هَاتِهَا تعبدُ المجوسُ لظاها ... ليلةَ المهرجانِ والنيروزِ) (هَاتِهَا ذَوْب عسجدٍ فِي لُجَيْنٍ ... ظفرَتْ مِنْهُ راحتي بالكنوزِ) (هَاتِهَا قد غَنِيتُ مذ صَار خمري ... مِنْ نضارٍ أكتاله بالقفيزِ) (هَاتِهَا لي قد ضاعَ تمييزُ عَقْلِي ... مُنْذُ هَمَّتْ من كاسها بالبروزِ) (هَاتِهَا لي أدورُ فِي لَيْلِ سُكري ... بسراجٍ مِنْهَا على تمييزِي) (هَاتِهَا فالتهابُهَا بند جيشٍ ... مِنْ صدا القلبِ هَمَّ بالتبريزِ) (هَاتِهَا لي فَلَو بَدَتْ جنحَ ليلٍ ... خرقَتْ أفقَ أدمِهِ المخروزِ) (هَاتِهَا لي صفراءَ فِي جامِ تبرٍ ... تتهادَى فِي حُلَّةِ هرموزِ) (هَاتِهَا لي عروسَ دَنِّ تجلَّتْ ... من لآلي حبابِهَا فِي حروزِ) (هَاتِهَا لي كالشمْسِ تجلى بكاسِ ... كضياءِ النهارِ من غيرِ ميزِ) (هَاتِهَا لي تروي عظامِى وتسقِي ... من حشاىَ نَبَات أرضٍ جروزِ) (هَاتِهَا لي من لَام فِيهَا إِذا مَا ... صَدَحَ الديكُ فَهُوَ فى توزيرِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 (هَاتِهَا لي فالعيشُ عصرُ شرابٍ ... أَو شباب يفنى بشمطا عجوزِ) (هَاتِهَا لي فالعمر من غيرِ راحٍ ... أَو رداح يمرُّ بالتجليزِ) (هَاتِهَا لى فلَثْمُ درّ جباب ... أَو حبيب يُغني عَن التعويزِ) (هَاتِهَا لي صرفا ومزجاً بظلْمٍ ... بَين دُرِّ وسط اللمى مغروزِ) (هَاتِهَا لي فليسَ بَين نداما ... ى وحُورِ الجنانِ من تمييزِ) (هَاتِهَا لي فإنني بَين بدرٍ ... وكثيبٍ وأسْمَرٍ مهزوزِ) (هَاتِهَا لي فإنَّ عِنْدِي هلالاً ... فَوق غصْنٍ على نقا مغروزِ) (هَاتِهَا لى فمجلسى فِيهِ رُمَّانُ ... نهودٍ حَلَوْنَ من تمزيزِ) (هَاتِهَا كم لَدَيَّ من حُقِّ نهدٍ ... تحتَ مسمارِ عنبرٍ ملزوزِ) (هَاتِهَا لي وَلَو كبرتُ وأحنَتْ ... قوسَ ظَهْري سيخوخةُ التعكيزِ) (هَاتِهَا لي وَلَو هرمْتُ وأوهَى ... حمل كاسى يديَّ من تعجيزِ) (هَاتِهَا لي وَلَو وهَتْ قُوَّة الشّرْبِ ... فحسبي مِنْ كاسها تمزيزِي) (هَاتِهَا لي وَلَو تدانَى حِمَامي ... وتداعَى صحبى إِلَى تجهيزِي) (هَاتِهَا لي فمخلصي مِنْ خطاها ... فِي معادي مدح المليكِ العزيزِ) (ذِي الْمَعَالِي أَبى نُمَيِّ تعالَى ... عَن بسيطٍ من الثنا ووجيزِ) (ملكٌ فاق ملكُهُ ملكَ سابورَ ... وكِسْرَى وقيصرٍ وابرويزِ) (ملكٌ لَا يزالُ كفُّ الثريا ... من معاليه آخِذا بالغروزِ) (ملكٌ قد أبانَ للمجْدِ معنى ... كَانَ لَوْلَا علاهُ كالملغوزِ) (ملكٌ قالتِ السما لعُلاَه ... قد خفضتي فَبِي قفي أَو فجوزِي) (ملكٌ قَالَ دهره لليالي ... ذَا مليكٌ بمثلِهِ لَنْ تفوزِي) (هُوَ تاجٌ لمفرقِى وطرازٌ ... مِنْهُ عِطْفى قد زينَ بالتطريزِ) (نبويُّ الأنوارِ نورُ مُحَيَّاهُ ... يزيحُ الظلامَ من تبريزِ) (نشرَتْ فَوْقه النبوةُ بنداً ... خافقاً بالتكريمِ والتعزيزِ) (لَا يسامي وَلَا يُطَاولْ عُلاَهُ ... غَيْرُ فدمٍ بغيِّه منبوزِ) (هُوَ يَبْدُو فِي خلعةِ الملكِ سَام ... والمسامي فِي بِذْلَةِ الملموزِ) (فخرُ كلِّ الملوكِ مِنْهُ وكل ... خصَّ مِنْهُ بمفخرٍ مفروزِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 (يبهر العقلَ فَهُوَ فِي التخْتِ بدرٌ ... وَهُوَ ليْتٌ فِي لاذِهِ المدروزِ) (صَار فولاذُهُ أخفَّ وأحلَى ... فَوْقه مِنْ موشياتِ الخزوزِ) (ترجفُ البيضُ مِنْهُ والدهْرُ يُمْسِي ... فرْعًا من سطاهُ فِي تفزيزِ) (مستجيراً بِهِ وإنْ رام فعلا ... فِي البرايا فمنْهُ كالمستجيزِ) (بالتجاريبِ والظبا والعطايا ... منفدُ الدهرِ والعدا والركيزِ) (تضحكُ البيضُ حِين تنظر قوسي ... جاجبَيْهِ بالغيظِ فِي تكييزِ) (وَإِذا مَا استهلَّ تبْكي من المالِ ... عيونٌ من عسجدٍ مكنوزِ) (فِي العطا والسطا وفى العَدْلِ والفضلِ ... وعَمْرو وَمَا ابْن عبد العزيزِ) (ولدَى حلمه وآرا نُهَاه ... مَا ابنُ قيسٍ وَمَا نُهَى فَيْروزِ) (ملأَ الأرضَ عدلُهُ فالرعايا ... لَو تديمُ السرى إِلَى شهروزِ) (هم مِنَ العدلِ فِي محلِّ حصينٍ ... وَمن الأمنِ فِي مكانٍ حريزِ) (أمنُوا فِي زمانِهِ الظلْمَ حَتَّى ... أصبَحَ الذيبُ رَاعيا للمعيزِ) (فاطميٌّ يرد صَرْفَ اللَّيَالِي ... عزمُهُ لَو بفيلقٍ مِنْهُ غوزي) (ويفلُّ الْخَمِيس والأُسْد فِيهِ ... كنجوم السماءِ أَو رمل قوزِ) (أرعف السمر بالدما فَلهَذَا ... نحلَتْ من نزيفها بالنزيز) (للطلا والكلا انتْشَار ونظْمٌ ... بظباه ولَدْنِهِ المهزوزِ) (مِنْ سَطَا الدهرِ فَهُوَ أوفَى مجيرٍ ... ولوفْدِ الثناءِ أوفَى مجيزِ) (من يقسه بالسحبِ يخطي وَيَغْدُو ... ساخراً بالسحابِ فِي تطنيزِ) (هِيَ تُعْطِي مَاء وتبكِى وَهَذَا ... فِي ابتسامٍ يجودُ بالإبريزِ) (خدمَتْهُ العلياءُ طَوْعًا وظلَّتْ ... فِي إباءٍ لغيرِهِ ونشوزِ) (كيفَ يُوفي الثناءَ فِيهِ قريضٌ ... بعَروضٍ مقطعٍ محزوزِ) (والكتابُ العزيزُ أثنَى عَلَيْهِ ... بثناءٍ يَعْلُو عَن الأرجوزِ) (وَله المصطفَى دَعَا بدعاءٍ ... أمنتْهُ أُسْكُفَّةُ الإفريزِ) (فعلى الخَلْقِ سعده لَو تجزا ... لم تجدْ غير مسعد معزوزِ) (يَا مليكاً قد جلَّ ذاتاً وَقدرا ... عَن صريحِ الثناءِ والمرموزِ) (فِي مراضيكَ قد سعى الدهْرُ طَوْعًا ... لَك مِنْهُ من غَيْرِ مَا تكزيزِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 (والتشاريفُ وُرْقُهَا بالتهاني ... لَك تَشْدُو فِي نغمةِ النيروزِ) (وبتخليدِ ملكِكَ الفلكُ الدائر ... يَجْرِى فِي قُطْبِهِ المركوزِ) (فَارْقَ فَرْقَ الْعليا وهاك قريضاً ... ألبَسَ الغيرَ حُلَّةَ التعجيزِ) (واستحقَّ التصدير فِي الْمجد فاعجبْ ... لاجتماعِ التصديرِ والتعجيزِ) (فعله فِي العقولِ فعلُ الحميَّا ... وَتَعَالَى عَن حرمةِ التحجيزِ) (من يفته سُكْرُ الطلا يلقَ فِيهِ ... سُكْرَ من لَا بإهنة الحَدِّ جوزي) (خَتمه الْمسك بِالصَّلَاةِ على مَنْ ... خصَّ فى فتحِهِ بنصرٍ عزيزِ) ولمولانا الشريف أبي نمي نَفسه مُعَارضا قصيدة التلعفري الَّتِي مطْلعهَا // (من الْكَامِل) // (سَمَحَتْ بإرسالِ الدموعِ محاجري ... ) فَقَالَ طَابَ ثراه // (من الْكَامِل) // (نَامَ الخلىُّ فَمَنْ لجفني الساهرِ ... إذْ باتَ سلطانُ الغرامِ مُسَامِرِي) (جَفَتِ المضاجعُ جانبيَّ كَأَنَّمَا ... شوكُ القتادِ على الفراشِ مباشِرِي) (وتأجَّجَتْ نارُ الغرامِ وأضرمَتْ ... بَين الجوانحِ فِي مكنِّ سرائرِي) (وشجيتُ من ألم الفراقِ وخانني ... صَبْرِى الوقىُّ على الخطوبِ وناصِرِي) (أُفِّ على الدُّنْيَا فَمَا مِنْ معشرٍ ... إِلَّا وأودَتْهُمْ بخطبٍ قاهرِ) (فى كلِّ يومٍ للنوائبِ غارةٌ ... أَيدي النوائبِ هنَّ أغدرُ غادرِ) (خلَتِ المنازلُ من أُهَيْلِ مودتي ... وهُمُ هُمُ فِي الحيِّ قُرَّة ناظرِي) (أهلُ الصَّفَا بَين الصَّفَا وطويلعٍ ... ملقى جِيَاد وفيض أشعب عامرِ) (يَا أهل ودِّى لَو تروني بعدكُمْ ... كغريبِ قومٍ بَين أَهلِي حائرِ) (كَانُوا فبانوا ثُمَّ بَان تجلُّدي ... ومصيرهم لَا بُدَّ مِنْهُ لصائِرِ) (من بَعْد جيرانِ الصَّفَا أهلِ الوفا ... سمحَتْ بإرسالِ الدموعِ محاجري) وَقَالَ الْعَلامَة باكثير أَيْضا يمدحه ويمدح أَوْلَاده الشريف حسن وَالسَّيِّد ثقبة وَالسَّيِّد بَرَكَات وَالسَّيِّد رَاجِح وَالسَّيِّد بشير رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ // (من الْخَفِيف) // (أعيونٌ رَنَوْا بهَا أم صفاحُ ... وقدودٌ ماسُوا بهَا أم رماحُ) (وثغورٌ تلألأتْ أم بروقٌ ... وثنايا تبسَّمَتْ أم أقاحُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 (وبدورٌ تضئ فِي جنْحِ ليلٍ ... أم شعورٌ فِيهَا وجوهٌ صباحُ) (وعيونٌ جفونهن سيوفٌ ... أم لحاظٌ أحداقها أقداحُ) (وظباءٌ حلُّوا الغضا وأشبوا ... نارَهُ فِي جوانحي أم ملاحُ) (ومهاةٌ منهنَّ قد فوقَتْ لي ... سهم قَوْسٍ من حاجبٍ أم رداحُ) (غادةٌ عذبةُ المراشفِ لميا ... فِي لماها شهْدٌ مذابٌ وراحُ) (لي ببردِ الرضابِ مِنْهَا اغتباقٌ ... وبظلمِ الشنيب مِنْهَا اصطباحُ) (صاحِ مَالِي إِلَّا أبل أجاجاً ... مِنْ دموعي والثغْرُ عذبٌ قراحُ) (طفلةٌ لحظها يتيحُ المنايا ... حينَ ترنو بِهِ عيونٌ وقاحُ) (مدنفات تكسو المحبَّ سقاماً ... فاتكات فهنَّ كسْرَى صحاحُ) (فِي رديني قدها ولحاظَىْ ... مقلتَيْهَا السيوفُ والأرماحُ) (حكَتِ الغصنَ والمتيَّمُ مِنْهَا ... شابه الورْق شجوه والنواحُ) (وَهُوَ فِي حبها الأمينُ ولكنْ ... خانه فِيهِ طرفُهَا السفاحُ) (وَأَبُو طالبِ الْوِصَال فُؤَادِي ... قد كواه مِنْ هجرها الضَّحْضَاحُ) (إِن تفضْ مقلتي دَمًا لَا عجيبٌ ... فحشايَ لقَدْ ملاه الجراحُ) (عاذلى اقْصِرْ فلنْ يضرَّكَ غيٌّ ... كَانَ منِّى وَلم يفدْكَ صلاحُ) (لذَّ فِيهَا ذًُلِّى فعندي سواءُ ... فِي هَواهَا الإفسادُ والإصلاحُ) (إِن تثنَّتْ تريكَ غصناً وحقفاً ... وَمَسَاء من تَحْتَهُ الإصباحُ) (ردفُهَا قَالَ للكثيبِ تأخَّرْ ... لستَ وَزْنى فلي عليكَ الرجاحُ) (مسندات لنا اعتدالاً وجوراً ... عَن قِنَا قَدِّها العوالي الصحاحُ) (قد قَسَتْ مهجةٌ ورقَّتْ خدوداً ... كَاد من لحظنا عَلَيْهَا انجراحُ) (يعتريها الحيا فتخجَلُ لكنْ ... جَفْنها يَعْتَرِيه مِنْهُ انفتاحُ) (يَا لَهَا مِنْ عقليةٍ دون مرمَى ... خدرِهَا كم غدَتْ وَمَا تستباحُ) (طلبَتْ زورتي اختفاءً لئلاَّ ... يعتريها من الوشاةِ افتضاحُ) (كيفَ تُخْفى زيارتِى وَهِي شمْسٌ ... والليالي ضياؤُهَا فضاحُ) (من محيَّا أبي نميِّ أضاءَتْ ... فَهُوَ بدْرٌ وكوكبٌ وصباحُ) (ملكٌ جوهرُ الرسالةِ تاجٌ ... لعلاه وللفخارِ وِشاحُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 (قد تحلَّى بِهِ وَزَانَ حُلاَهُ ... إتزارٌ بفخره واتشاحُ) (وَبَنى فِي مفارقِ الملكِ دَارا ... طابَ فِيهَا غدوةُ والرواحُ) (حلَّ فِيهَا مراتباً مَا لفكْرٍ ... لتمني إدراكهنَّ طماحُ) (خدمته العلياءُ طَوْعًا وأمسَتْ ... وَلها عَن سوى علاهُ جماحُ) (وَله همةٌ يضيقُ بهَا الدَّهْرُ ... وَفِي صَدْرِهِ لَدَيْهَا انفساحُ) (لعلاها تعنو الدراريْ ولكنْ ... حاسداها العوَّاءُ والنّطَّاحُ) (راحتاه للصّيدِ مِنْهَا ارتياعٌ ... مثل مَا للعفاةِ مِنْهَا امتياحُ) (إِن يجد فالمَهَامِهُ الفيحُ بحرٌ ... أَو يجلْ فالشمامُ بيدٌ فِسَاحُ) (حِين يحمى الْوَطِيس والبيضُ تهمي ... بالمنايا وتسلبُ الأرواحُ) (وسعيرُ الوغَى يشبُّ جلاداً ... لزنادِ المنونِ مِنْهُ اقتداحُ) (وأسودُ الشرا يطافُ عليهمْ ... كاس حَينٍ مزاجُهَا الأتراحُ) (ووجوه الكماةِ والشوس فِيهِ ... قد عراها مِنَ النزالِ كلاحُ) (يرد الْحَرْب وَهُوَ طَلْقُ الْمحيا ... ثابتُ الجأشِ بَاسِمٌ مِفْراحُ) (ويبيدُ الجيوش والأسد فِيهِ ... زمرٌ دون عدهنَّ البطاحُ) (وَإِذا مَا وهَى من الدهرِ خطبٌ ... أَو مُلِمٌّ من صَرْفِهِ فَدَّاحُ) (لم يزلْ دجْنه ويجلوه إِلَّا ... رَأْيه فَهُوَ ثاقبٌ قداحُ) (مَا ذَوُو الشور فِيهِ إِلَّا ظباه ... وقناه فَهُمْ لَهُ نصاحُ) (ألمعيٌّ يكادُ بالحدسِ يدْرِي ... مَا بِهِ قد جَرَى القضاءُ المتاحُ) (طوَّقَ الخَلْقَ بالعطا فثناه ... لَا لسانٌ إِلَّا بِهِ صدَّاحُ) (ونداه فِي الخافِقَيْنِ يُلَبِّي ... صَوت منْ شفَّه عَنا واجتياحُ) (آيةٌ موسويَّةٌ فِي يدَيْهِ ... للمعالي فِيهَا هُدًى واتضاحُ) (فَهِيَ طوراً فِيهَا زلالٌ هني ... وَهْىَ طوراً فِيهَا سِمَامٌ صُراحُ) (ذاتُ ظهرٍ للاستلامِ وبطنٍ ... فِيهِ للرزق والغنَى مفتاحُ) (وسجاياه للزمانِ طرازٌ ... نَضَّدَتْهُ بدرِّهَا المداحُ) (عَلَّمْتهمْ مديحه حينَ ضَلَّتْ ... فِي علاهُ الأفكارُ والأمداحُ) (يَا مليكاً علَتْ حلاه فجلَّتْ ... عَن قريضٍ فِيهِ ثَنَا وامتداحُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 (أظهر الْملك من بنيك ملوكٌ ... هم مصابيحُ أُفقِهِ حيثُ لاحوا) (بل تراهم ضراغماً أبرزتْهُمْ ... غابة المُلْكِ إذْ ألمَّ الكفاحُ) (فَإِذا مَا انتضيتُمُ لضرابٍ ... أثخنوه فَهُمْ لديك صفاحُ) (وَإِذا مَا فوَّقْتَهُمْ فسهامٌ ... صائباتٌ لمَّا تطيشُ القداحُ) (وَإِذا مَا هززتَهُمْ لطعانٍ ... جوَّدوه فهم يَقِينا رماحُ) (سِيمَا مَنْ غزا وجاءَ بنصْرٍ ... بالهنا فِيهِ عمَّتِ الأفراحُ) (حسنٌ من بِهِ الممالك تزهو ... ولكلِّ مِنْهَا إِلَيْهِ ارتياحُ) (فبه روضُهُنَّ يثمرُ عدلا ... ودُجَى الظلمِ مِنْ سَمَّاهَا يزاحُ) (ملكٌ إِن غزا ملا الأرضَ جَيْشًا ... وَإِذا مَا سخا ملاها السماحُ) (زَاد تشريف مَكَّةٍ حِين أمسَى ... وَهْوَ فِيهَا مليكُهَا الجحجاحُ) (وَكَذَا طيبةُ الشريفةُ زادَتْ ... مِنْهُ طيبا فعرفها فَيَّاحُ) (رُبَّ عزمٍ يصيرُ المَاء جمراً ... يستعيرُ المضاءَ مِنْهُ السلاحُ) (فالقلاعُ المحصناتُ الرواسِي ... مَا لَهَا غَيْرَ عزمه فتاحُ) (بالخميس الَّذِي تميدُ الْأَرَاضِي ... مِنْهُ يفنيه عضبُهُ البضاحُ) (فَإِذا العادياتُ هيَّجْنَ نقعاً ... وملا الجحفَلْينِ مِنْهُ الصياحُ) (وأدارَتْ يَد الهياجِ كئوساً ... لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمنية راحُ) (فتراه ثَبْتَ الجنانِ قَوِيا ... جأشه معلما عراه انشراحُ) (وَترى القَوْمَ مِنْهُ إِمَّا قتيلٌ ... أَو صريعٌ قد أثخنته الجراحُ) (مذ أحسَّتْ بغزوه القومُ آبوا ... ولكلِّ مِنْ رعبه ذبَّاحُ) (واستذلُّوا وأذعنوا وأطاعوا ... ورأَوْا أَن قَتلهمْ يستباحُ) (وأَتَوْا خِيفةً وإلاَّ لكانوا ... جيفةً مَا ترَى لَهُم أشباحُ) (ولأمسَتْ حصونُهُمْ دارساتٍ ... دِمَنًا قد سَفَتْ عَلَيْهَا الرياحُ) (ولأضْحَوْا قوتاً لكلِّ الضواري ... للَّذي منسر لَهُ أَو جناحُ) (ولسالَتْ مِنْهَا الدماءُ بحوراً ... لمذاكيه كَانَ فِيهَا سباحُ) (لكنِ العفْوُ مِنْهُ مذ كَانَ طَبْعٌ ... وَله الصفْحُ شرعةٌ وصلاحُ) (فَعَفَا رَافعا يَد القتْلِ عنهُمْ ... وَله الخيلُ والظبا واللقاحُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 (فهنيئاً لَهُ بنصْرٍ وفتحٍ ... مَا لَهُ فِي الحروبِ عَنهُ براحُ) (لم يزلْ مَالِكًا لَهُ أنتَ ظهرٌ ... وَله صنوه الكريمُ جناحُ) (ذُو الْمَعَالِي أَبُو شهَاب المرجَّى ... مَنْ لَدَى جودهِ الغيوثُ شحاحُ) (ثقبةُ الْملك والندا مِنْ علاهُ ... لَا يدانَى وَمَاله مستباحُ) (لم يزلْ فِي معارجِ المَجْدِ يرقَى ... مَا لمجدٍ عَن راحَتْيهِ براحُ) (روضةُ المكرماتِ مِنْهُ رباها ... مزهر وَهْوَ قبله صَوَّاحُ) (رَأسُ أهلِ العطا فكعبُ الأيادي ... دونه مَا عَلَىَّ فِي ذَا جناحُ) (أقْسَمَ الجودُ أَن تبرَّ نداه ... لم يزلْ وَهُوَ هاطلٌ سحاحُ) (قد روى عَنهُ نافعٌ ويسارٌ ... وعطاءٌ وواصلٌ ورباحُ) (ثَبْتَهُمْ عِنْد مَا تُثِيرُ المذاكي ... عثيراً مُمكنا عَلَيْهِ المراحُ) (والمنايا مِنَ الأسنةِ ترنو ... وَلها ضيغَمُ الوغَى لمَّاحُ) (يلجُ المعركَ المؤجَّج طَعنا ... من لظى الموتِ جمره لفاحُ) (ويبيدُ الجيوشَ مِنْهُ بعضْبٍ ... فَوق غربيه للنفوسِ انسياحُ) (لم يضارعْهُ فِي معالِيهِ إِلَّا ... غرةُ العترةِ الصميمُ الصراحُ) (بركاتٌ إنسانُ عَيْنِ الْمَعَالِي ... منْ لقاه للآملين نجاحُ) (قد تفَيَّا روضَىْ معالٍ ومجدٍ ... وأظلَّتْهُ مِنْهُمَا أدواحُ) (كَفه للعفاةِ بحرٌ خضمٌّ ... لَيْسَ فِيهِ وليْسَ مِنْهُ انتزاحُ) (ضيغَمٌ عِنْدَمَا المهنَّدُ يَغْدُو ... وَهُوَ للسفْكِ سائلٌ ملحاحُ) (وصليلُ السيوفِ والسمْرِ تشدو ... فِي مغارٍ قد طَال مِنْهُ الصياحُ) (يتلقَّى الهيجا بغرَّةِ وجهٍ ... زَاد مِنْهَا وقْتَ الهياجِ اتضاحُ) (ويخوضُ الوغَى فترضى المذاكي ... عَنهُ والمرهفاتُ والأرماحُ) (والهزبرانِ راجحٌ وبشيرٌ ... فِي محيَّاهما الهدَى والفلاحُ) (فهما ضيغما نزالٍ وبَحْرَا ... كرمٍ فيهمَا السطا والسماحُ) (من شذا المصطفَى وريحانَتَيْهِ ... طِيبُ ريا ثناهما النفاحُ) (فابْقَ وَالْملك بدره فِي علاكُمْ ... كَامِل النُّور مَا أَضَاء الصباحُ) (وهناء ثانٍ بصومِكَ مَعْ مَا ... كَانَ فِيهِ فَهْوَ الحلالُ المباحُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 (فعلى أجزَلِ الأجورِ صيامٌ ... وعَلى أجملِ السرورِ نكاحُ) (ولعلياكَ عَبْدُ بابك يُنْهِي ... خَبرا ذكره لديكُمْ يُبَاح) (لرجائي على معاليكَ وعدٌ ... عِنْد ذكرَاهُ مطمعي يرتاحُ) (لَك فَهْمٌ وَلَيْسَ يطلبُ مني ... يَا إياسَ الذكا لَهُ إيضاحُ) (فارْقَ فَرْقَ الْعلَا وهاكَ قريضاً ... سبكَتْ تبره القوافي الفصاحُ) (فأعرْهُ طرفا ليشرفَ مِنْهُ ... لفظُ مبناه والمعانِى الصحاحُ) (بشذا المسكِ من ذكِيِّ صَلَاتي ... طابَ مِنْهُ خَتْمٌ وطابَ افتتاحُ) فَأَما الْحسن بن أبي نمي بن بَرَكَات فَكَانَ خَليفَة الْحَرَمَيْنِ شرِيف الطَّرفَيْنِ أمه الشَّرِيفَة الحسيبة السيدة النسيبة فَاطِمَة بنت بِسَاط حملت بِهِ أمه عَام وَفَاة جده بَرَكَات بن مُحَمَّد فِي عَام أحد وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة قَالَ الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ فِي نشآت السلافة وَلَقَد أَخْبرنِي الشريف حسن رَحمَه الله تَعَالَى شفاهاً أَن والدته حضرت حنوط جده الشريف بَرَكَات وَهِي حَامِل بِهِ فأثر فِيهَا عرف الكافور وَمَا زَالَت تلقى الدَّم حَتَّى خشِي على مَا فِي جوفها من الْحمل إِلَى أَن كَانَ شهر ربيع من عَام اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة أَخذهَا مَا يَأْخُذ النِّسَاء من الطلق فولدته بعد الْيَأْس وَذهب بظهوره عَن النَّاس كل بَأْس فَلَا شكّ أَنه كَانَ مَحْفُوظًا بالعناية الصمدانية حَيْثُ سبق فِي علم الله تَعَالَى جعله خَليفَة فِي الأَرْض مَالك الطول مِنْهَا وَالْعرض مصلحَة مِنْهُ للعباد عَامَّة ونعمة عَظِيمَة تَامَّة ينشر على الْعَالم لِوَاء عدله ويسبغ عَلَيْهِم جِلْبَاب كرمه وفضله وَيحيى مآثر جده الْمُصْطَفى وَيذكر بأقضيته مَا اندرس من أَخْبَار عدُول الخلفا وَيظْهر سر حكمته وخفي قدرته فى افْتِتَاح هَذَا الدّين الأقوم بِمُحَمد وختمه بِأَهْل بَيته المخصوصين من بَين النَّاس بتولي الله تَعَالَى تطهيرهم من الأرجاس وَمَا زَالَ رَحمَه الله تَعَالَى صاعداً فِي نيرى الْمَعَالِي صادعاً قُلُوب أعدائه بالصعدات العوالي لائحة عَلَيْهِ مخايل السَّعَادَة وَهُوَ فِي مهوده طالعة من أفق السِّيَادَة كواكب مجده وسعوده متلمحاً فِيهِ خِصَال الغر الصَّيْد مترقباً مِنْهُ أَن يكون فِي البسالة صَاد الصناديد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 فَمَا برح وَهُوَ فِي حجر وَالِده مُؤديا لَهُ الْحُقُوق رَافعا أحمضه الشَّرِيفَة على هام العيوق باذلاً لَهُ الطَّاعَة ساعياً فِي مرضاته بِحَسب الِاسْتِطَاعَة ممتثلاً مَا يصدر من الْأَوَامِر المطاعة إِلَى أَن لبس أَخُوهُ أَحْمد خلعة الإيالة والإمارة فَلبس سيدنَا الخلعة الثَّانِيَة لتَكون على ولَايَة الْعَهْد بعد أَخِيه أَمارَة فاستمر كَذَلِك حَتَّى توفّي أَخُوهُ الشريف أَحْمد فرفلت إِلَيْهِ الْخلَافَة فِي جلبابها الضافي وَأوردهُ الْملك الباذخ موارد منهلها الصافي بسعي أَبِيه المرحوم الشريف أبي نمي فِي عَام 961 إِحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَلبس الخلعة الأولى فَكَانَ بهَا أولى فَلم يزل مشاركاً لوالده أبي نمي فِي الْأَمر يدعى لَهُ مَعَه على رُءُوس المنابر والتوقيعات السُّلْطَانِيَّة الثعمانية إِنَّمَا ترد باسمه والتشاريف الخنكارية إِنَّمَا تصل برسمه وَلما كَانَ يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة ورد الْخَبَر إِلَى مَكَّة المشرفة بوفاة مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَكَانَ الْوَاصِل بِهِ سمندر جاشنكير السُّلْطَان سليم وَالِده أرسل إِلَى بِلَاد الْيمن لإعلام مُرَاد باشا صَاحب تعز والتهائم وَإِلَى رضوَان باشا صَاحب صنعا وَالْجِبَال وَكَانَ لليمن إِذْ ذَاك باشتان وَهَذَا الانشقاق هُوَ سَبَب الْعِصْيَان والشقاق بِأَرْض الْيمن بعد أَن كَانَ لَا يحكمها إِلَّا باشا وَاحِد من حِين فتحهَا وَلَكِن كَذَا قدر فوصل سمندر الْمَذْكُور وَاجْتمعَ بالأمير الدفتردار إِبْرَاهِيم الْمَأْمُور بعمارة عين عَرَفَة فَأخْبر بِمَوْت مَوْلَانَا السُّلْطَان فَطلب إِبْرَاهِيم الْأَمِير قَاسم بك نَائِب جدة وَأمين عمَارَة الْمدَارِس السُّلْطَانِيَّة السليمانية واتفقا على الْإِرْسَال للقائد مُحَمَّد بن عقبَة حَاكم مَوْلَانَا الشريف حسن بِمَكَّة ليخبروه بذلك فأرسلا إِلَيْهِ فوصل فَأَخْبَرَاهُ فَأرْسل الْقَائِد من وقته مورقاً إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن وَكَانَ بالخلصية وَأرْسل الآغا مُحَمَّد بن يُونُس باش التّرْك عَسْكَر مَوْلَانَا الشريف حسن مورقاً آخر فوصل المورقان إِلَى الخلصية يَوْم الْجُمُعَة فَركب مَوْلَانَا الشريف حسن وَتوجه إِلَى مَكَّة وَكَانَ الْأَمِير إِبْرَاهِيم والأمير قَاسم أرسلا مورقاً إِلَى القَاضِي الْحُسَيْن الْمَالِكِي وَكَانَ بجدة فَركب وَوصل إِلَى مَكَّة يَوْم الْجُمُعَة واتفقت الآراء أَن يخْطب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 الْخَطِيب باسم السُّلْطَان سليم ابْن المرحوم السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان وَكَانَت نوبَة السَّيِّد أبي حَامِد النجاري فأمروه أَن يذكر فِي الْخطْبَة هَذِه الألقاب اللَّهُمَّ وجدد نصْرَة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وشيد قَوَائِم أَرْكَان الدّين المتين بِبَقَاء من جددت بِهِ أَمر الْخلَافَة الْعُظْمَى وشرفت بمقدمه تخت السلطنة وَالْملك الأسمى واخترته خير خلف عَن خير سلف وعوضت بِهِ خير عوض عَمَّن درج إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَسلف وآتيته مَا لم تؤت كثيرا من الْعَالمين ومكنته من سَرِير السلطنة والخلافة أعظم تَمْكِين وأورثته الْخلَافَة الْكُبْرَى كَابِرًا عَن كَابر وملكته الْإِمَامَة الْعُظْمَى وَالسُّلْطَان الباهر وأنرت ببراهينه من مشكاة السَّعَادَة سِرَاجًا وهاجاً وَفتحت بِهِ للرعية أَبْوَاب الْأَمْن وَالْإِيمَان فَطَفِقَ النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا السُّلْطَان الْأَعْظَم والخاقان الْأَكْبَر الأفخم مولى مُلُوك الْعَرَب والعجم مستخدم أَرْبَاب السَّيْف والقلم ملك البرين والبحرين سُلْطَان المشرقين والمغربين خاقَان الْخَافِقين والجديدين خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان السُّلْطَان سليم خَان ابْن عَبدك وفقيرك المندرج إِلَى رحمتك بِقَضَائِك وتقديرك سُلْطَان سلاطين الزَّمَان خاقَان خواقين الدوران الْفَائِق بعدله عدل كسْرَى أنوشروان المنقاد إِلَى شرعك الشريف الممتثل لأوامرك النافذة وَدينك الْحق المنيف الْوَاقِف عِنْد مُرَاد الله فَلَا يتعداه الْعَامِل فى جَمِيع أُمُوره بتقوى الله المراعى الْعدْل وَالْإِحْسَان فِيمَن استرعاه الْمُجَاهِد المرابط فِي سَبِيل الله الْغَازِي الَّذِي استوعب عمره فِي الْجِهَاد كآبائه الغر الْغُزَاة الَّذِي خرج من بَيته مُهَاجرا فأدركه الْأَجَل المحتوم واصطفاه الله إِلَيْهِ وتوفاه الدَّاخِل فِي زمرة من أنزل الله فِي شَأْنهمْ بثوابه لَهُم وَرضَاهُ {وَمَن يخرُج مِن بيتِه مهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسوله ثمَ يدٌركهُ اَلموتُ فَقَد وَقع أجره على الله} النِّسَاء 100 المرحوم برحمة الله الْملك الرَّحْمَن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان أنزل الله عَلَيْهِ شآبيب الرَّحْمَة والغفران وَقدس روحه الشَّرِيفَة وحفه بِالروحِ وَالريحَان وَجعل الْملك كلمة بَاقِيَة فِي نجله السعيد وعقبه المديد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأعد لَهُ ولآبائه الْكِرَام مَا يَلِيق بكرمه من أَنْوَاع الْعِزّ والكرامة يَا رب الْعَالمين ثمَّ وصل مَوْلَانَا الشريف حسن فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ هُوَ وَأَوْلَاده وَبَعض إخْوَته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 والأشراف ذَوي مُحَمَّد وَسلم النَّاس عَلَيْهِ ثمَّ أَمر بالنداء على المآذن بِالصَّلَاةِ جَامِعَة فِي غَد على السُّلْطَان سُلَيْمَان فَلَمَّا كَانَ صبح يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى حضر مَوْلَانَا الشريف حسن وَمَعَهُ السَّادة الْأَشْرَاف وَجَمِيع الْفُقَهَاء الْأَعْيَان وامتلأ الْمَسْجِد بِالنَّاسِ وَجلسَ الشريف حسن بمصلاه إِلَى أَن طلعت الشَّمْس فوصل إِلَيْهِ الْأَمِير إِبْرَاهِيم الدفتردار والأمير قَاسم نَائِب جدة وسمندر جاشنكير فَقَامَ لَهُم وجلسوا كلهم عَن يَمِينه ثمَّ حضر الأفندى وَجلسَ عَن يَمِين الشريف فَوق الأميرين والجاشنكير وَكَانَ على يسَار الشريف أَخُوهُ مَوْلَانَا السَّيِّد بشير وَتَحْته القَاضِي الْحُسَيْن الْمَالِكِي فَبعد ارْتِفَاع الشَّمْس قدر رمح قَامُوا وتوجهوا إِلَى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ووقفوا عِنْد الْبَاب الشريف فَأَشَارَ مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى مَوْلَانَا القَاضِي الْحُسَيْن أَن يتَقَدَّم لصَلَاة الْغَائِب ونادى الريس من أَعلَى زَمْزَم بِهَذِهِ الْخطْبَة وَهِي الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب العَبْد الْفَقِير إِلَى الله الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله المرابط لإعلاء كلمة الله الَّذِي خرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله الْمُسْتَوْعب جَمِيع عمره فِي قتال أَعدَاء الله الْقَائِم بِنَفسِهِ وَمَاله وَجُنُوده لنصرة دين الله الْوَاقِف عِنْد مُرَاد ربه فَلَا يتعداه المراعي للعدل وَالْإِحْسَان فِيمَن ولي عَلَيْهِ واسترعاه الْمُعظم لشعائر بلد الله الْحَرَام الْمُؤَيد لآل النَّبِي عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُتَّخذ ودهم ذخيرة عِنْد الله تَعَالَى فِي العقبى عملأ بقوله تَعَالَى {قل لَا أسئلكم عليهِ أجرا إِلا المَوَدةَ فِي القُربى} الشورى 23 القامع لأعداء بَيت النُّبُوَّة والرسالة والمفيض على الْحَرَمَيْنِ الشريفين مكارمه وأفضاله السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلَيْمَان خَان أنزل الله على شآبيب الرَّحْمَة والغفران وَجعل قَبره الشريف رَوْضَة من رياض الْجنان وحف تربته الشَّرِيفَة بِالروحِ وَالريحَان ثمَّ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة توجهوا أَجْمَعِينَ إِلَى مصلى الشريف عِنْد بَاب الْحَزْوَرَة فقسمت الربعات ثمَّ دَعَا لمولانا السُّلْطَان سُلَيْمَان وَأهْدى ثَوَاب ذَلِك إِلَيْهِ ثمَّ دَعَا لمولانا السُّلْطَان سليم فعلوا ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ختموا يَوْم الْخَمِيس منتصف الشَّهْر الْمَذْكُور وَكَانَ خُرُوج مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان لهَذِهِ الْغَزْوَة الَّتِي توفّي فِيهَا حادي عشري ذِي الْقعدَة الْحَرَام من سنة ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى أَن انْتقل وَالِده الشريف أَبُو نمي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي أول عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فاستقل بِالْملكِ وأعبائه وَشد أزره بِالتَّدْبِيرِ من سَائِر جهاته وأنحائه واستخدم الحزم فِي شَدَائِد الْأُمُور الشاسعة وسلك فِي محجته الطَّرِيق الْوَاضِحَة الواسعة فصير ولَايَة الْحَرَمَيْنِ خلَافَة ومهد الْقَوَاعِد السُّلْطَانِيَّة والقوانين الحسنية بِدُونِ مَخَافَة وَجلسَ على سَرِير الْملك جُلُوس مُتَمَكن وبذل الهمة فِي إصْلَاح الرعايا بِكُل وَجه مُمكن واستصحب الْإِقْدَام فِي صعائب الْأُمُور وَثَبت الْأَقْدَام فِي المواقف الَّتِي تهب لَهُ بِالْقبُولِ ولأعدائه بالدبور وَظهر بِهِ شَأْن أهل بَيت النُّبُوَّة من الشجَاعَة وَالْقُوَّة وأذكر بِمَا أبداه من شرِيف المناقب أَحْوَال جده أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب وَله الاراء السديدة والغزوات العديدة فِي المواطن الْقَرِيبَة والبعيدة يساعده فِيهَا السَّيْف وَالْقدر ويخدمه الْفَتْح وَالظفر طالما كشف بغزواته كل غمَّة وأوضح من الْخطب كل وَاقعَة مدلهمة ووطئ بحوافر خيله سباسب تضل فِيهَا الخطا وأودية لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا القطا كم فتح بعزمه حصناً صَعب المرقى واقتحم بخيله ذرْوَة لَا يصل إِلَيْهَا نظر الزرقا يتَصَرَّف فِي السعد كَأَنَّهُ عبد بَابه ويتأمر فِي الظفر كَأَنَّهُ لَازم ركابه وَله السَّرَايَا الْكَثِيرَة وَهِي عَن التَّفْصِيل غنية شهيرة لم يُؤمر فِيهَا إِلَّا أَوْلَاده النجباء وَقل مَا أَمر غَيرهم من الأقرباء وكل سراياه لَا تعود إِلَّا بالنصرة التَّامَّة وتنبئ فِي سَائِر الْآفَاق عَن البشائر الْعَامَّة وَقد بعث جمَاعَة من أَوْلَاده الْكِرَام وَمِمَّنْ بَعثه مِنْهُم فأبان عَن الْفِعْل الْحسن السَّيِّد الْحُسَيْن بن الْحسن وَمِنْهُم الشريف أَبُو طَالب المصاحب للنصرة فقد أرْسلهُ وَعَاد بالظفر غير مَا مرّة وَمِنْهُم السَّيِّد مَسْعُود فَحصل بإرساله السُّعُود وَمِنْهُم السَّيِّد عقيل فنال فِي مبعثه غَايَة التأميل وَمِنْهُم السَّيِّد عبد الْمطلب فَأصْبح بتجهيزه للسؤدد مجتلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 وَمِنْهُم الشريف عبد الله بن الْحسن فَكَانَ بعزمه إصْلَاح جِهَات الْيمن وَجَمِيع غَزَوَاته وسراياه بالنصر مقرونة وطوالع طلائعه بالحروب مَيْمُونَة مَا اتّفق لَهُ فِي شَيْء مِنْهَا انكسار وَلَا ذمت لَهُ فِي عجاج معاركها إِذا ثار آثَار فَأَما الْعلمَاء فنشروا على رُءُوسهم علم المفاخر وترجوا لَدَيْهِ بالوقار وَلحق أَوَّلهمْ الآخر فخدموا خزائنه المعمورة بالتآليف الْحَسَنَة وَأتوا جنابه بالتصانيف اللطيفة فِي كل سنة وَأما الشُّعَرَاء فانتظموا فِي زَمَانه انتظام دراري الإكليل ولبسوا فِي أَيَّامه ثوب كل فَخر جميل وقصدوا جوده العميم من سَائِر الأقطار وَلَو جمع جَمِيع مدائحه لكَانَتْ أسفاراً كبارًا وَلَو قَالَ قَائِل إِنَّه يمدح فِي كل عَام بِنَحْوِ الْألف لأنصف فِي قَوْله وَمَا جازف وَلم يزل يتوالى عَلَيْهِم بره وَمَا انْفَكَّ متواترا عَلَيْهِم لطفه وعظفه وبشره يُجِيز على التَّأْلِيف بِالْألف الدِّينَار وَالْأَكْثَر وينصف الشَّخْص على التصنيف بالمبالغة فِي الثَّنَاء الأعطر وَمَا برح يترقى فِي مصاعد السعد ويتخطى بأخمصه هَامة الْمجد ناشراً راية عدله على مفرق اللَّيَالِي وَالْأَيَّام مُقَلدًا جَوَاهِر فَضله جيد الْأَنَام وَلما كَانَ سَابِع عشر محرم سنة وَاحِدَة بعد الْألف حضر مَوْلَانَا السَّيِّد مَسْعُود ابْن الشريف حسن وَهُوَ أكبر أَوْلَاده بعد السَّيِّد حُسَيْن بن الْحسن نِيَابَة عَن أَبِيه الشريف حسن بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَحضر أكَابِر الْعلمَاء والأعيان لقياس طول الْكَعْبَة من داخلها لوُرُود أَمر مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد بذلك ليعْمَل لَهَا كسْوَة فذرعت بالذراع الْحَدِيد الْمصْرِيّ فَعمِلت وَأرْسلت وَورد أَمر شرِيف مِنْهُ أَيْضا أَن يخمن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ترخيم المطاف الشريف فذرع المطاف الأسطى سفر المعمار والمعلم مُحَمَّد الْبُحَيْرِي المهندس فَكَانَ ذرعه مكسراً بِحِسَاب الطرح ذِرَاعا فِي ذِرَاع أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة ذِرَاع وَقَالُوا كل ذِرَاع يحْتَاج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 إِلَى أَرْبَعَة دَنَانِير يكون جملَة ذَلِك عشرَة آلَاف دِينَار وَكَانَ ذَلِك التخمين فِي تَاسِع عشري جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف ثمَّ الَّذِي تحرر عَلَيْهِ القَوْل أَن المطاف أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع صرف عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار وَفِي هَذِه السّنة توفّي الشَّيْخ ربيع بن السنباطى السالك على الطَّرِيقَة الجميلة والممالك لأزمة كل فَضِيلَة مدحه جمَاعَة من الْفُضَلَاء ورثاه غير وَاحِد من الأدباء مِنْهُم صَاحب الريحانة بِأَبْيَات خَمْسَة آخرهَا بَيت التَّارِيخ وَهُوَ // (من الْخَفِيف) // (قد فَقدنَا فِيهِ اصطباراً فأرِّخْ ... كلُّ صبرٍ محرم فِي ربيعِ) ورثاه مؤرخاً الشَّيْخ حسن الشَّامي بأَرْبعَة أَبْيَات آخرهَا التَّارِيخ وَهُوَ // (من الْكَامِل) // (وَإِذا ذكَرْتَ ربيعَ أيامٍ مضَتْ ... أرِّخْ بشوالٍ فراقَ ربيعِ) وَفِي سنة ثَلَاث بعد الْألف لست عشرَة مَضَت من جُمَادَى الأولى توفّي مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد بن سليم ورثاه جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم الشهَاب أَحْمد المرحومي المغربي فَقَالَ من الطَّوِيل (تهايل مِنْ رُكْنِ الصلاحِ مشيد ... بموتِ شهنشاه الْمُلُوك مرادِ) (فَلم يُرَ فِي تِلْكَ الممالكِ مالكٌ ... مُرَادُ الورَى من بعد فَقْدِ مُرَادِى) وَفِي سنة أَربع توفّي إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَشَيخ المصرين من كَانَت الْعلمَاء تكْتب عَنهُ مَا يملي مَوْلَانَا شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة الرَّمْلِيّ فاتح أقفال مشكلات الْعُلُوم ومحيى مَا اندرس مِنْهَا من الْآثَار والرسوم أستاذ الأستاذين وَوَاحِد عُلَمَاء الدّين عَلامَة الْمُحَقِّقين على الْإِطْلَاق وفهامة المدققين بالِاتِّفَاقِ ولد سنة تسع عشرَة وَتِسْعمِائَة بِمصْر المحروسة وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة جميلَة وفيهَا توفّي الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الشهير بِابْن غَانِم الْمَقْدِسِي الخزرجي شمس الْعُلُوم والمعارف بدر الفهوم واللطائف قُرَّة عين أَصْحَاب أَبى حنيفَة الراقي من معارج التَّحْقِيق أعالي الرتب المنيفة تَرْجمهُ الشَّيْخ عبد الرءوف الْمَنَاوِيّ فَقَالَ شيخ الْوَقْت حَالا وعلماً وتحقيقاً وفهماً وَإِمَام الْمُحَقِّقين حَقِيقَة ورسماً وَفِي سنة سِتّ بعد الْألف تخلف مَوْلَانَا الشريف حسن بِجِهَة ركبة وَأرْسل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 أَوَاخِر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة إِلَى أَخِيه السَّيِّد ثقبة بن أبي نمي يلْتَمس مِنْهُ أَن يلبس خلعته أكبر أَوْلَاده السَّيِّد مَسْعُود بن حسن فَلَمَّا كَانَ يَوْم العرضة خرجا إِلَى المختلع لبس السَّيِّد ثقبة خلعته وَهِي الثَّانِيَة رُتْبَة همز الْفرس وَتقدم إِلَيْهَا فلبسها متقدمه ثمَّ قَالَ للداودار احفظ خلعة سيدك فَلم يلبث السَّيِّد مَسْعُود أَن توفّي غيظاً للنَّفس الأبية والشيم الهاشمية رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وبنيت على قَبره قبَّة عَظِيمَة بَاقِيَة إِلَى الْآن وَفِي سنة سبع بعد الْألف توفّي الْعَلامَة خضر بن عَطاء الله الموصلى قَالَ فِيهِ فِي الريحانة كعبة فضل مُرْتَفعَة الْمقَام تَضَمَّنت ألسن الروَاة الْتِزَامه فَللَّه ذَلِك المتضمن والالتزام أَقَامَ بِمَكَّة مَعَ بني حسن مخضر الأكناف وصنف باسم الشريف حسن كِتَابه شرح شَوَاهِد الْكَشَّاف قلت رَأَيْت بِخَط جدي الْعَلامَة جمال الدّين العصامي مَا نَصه أشرفني الْمولى خضر بن عَطاء الله على وصلٍ كتب لَهُ بِأَمْر مَوْلَانَا الشريف الْحسن بن أبي نمي صورته الْحَمد لله حسن بن أبي نمي يَا أَبَا مُحَمَّد ريحَان بن عقبَة الدويدار سلمك الله اعط الْعَلامَة الْمُفِيد الفهامة خضر أَفَنْدِي ألف ذهب جَدِيد نصف ذَلِك حفظا لأصله خَمْسمِائَة ذهب وَهِي جَائِزَة كتابي الَّذِي صنفه باسمي الله الله كتبه صبيح بن مَقْبُول بِأَمْر سيدنَا ومولانا الشريف أيده الله بتاريخ عشر جماد أول سنة 1003 وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وبخط مَوْلَانَا الشريف بِيَدِهِ الله الله يَا ريحَان فِي نجاز ذَلِك بِسُرْعَة انْتهى رحم الله الْجَمِيع وَمن شعر خضر الْمَذْكُور قَوْله // (من الطَّوِيل) // (تبدَّلْ عنِ البرشِ المبلّدِ بالطّلاَ ... فعالمُ أَهْلِ البرشِ غمْرٌ وجَاهِلُ) (فَمَا البرشُ إنْ فتشْتَ عَن كنهِهِ سوَى ... دويهيةٌ تصفَرُّ مِنْهَا الأناملُ) وَفِي سنة سبع بعد الْألف طلب الشريف أَبُو طَالب من أَبِيه الشريف حسن أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 يتَخَلَّف بالمبعوث ليلبس هُوَ الخلعة فَخرج مَعَ عَمه السَّيِّد ثقبة إِلَى المختلغ فَتقدم الشريف أَبُو طَالب وَلبس الخلعة الأولى خلعة وَالِده مُتَقَدما على عَمه ثمَّ لبس السَّيِّد ثقبة الخلعة الثَّانِيَة فَوَقع لَهُ مَا وَقع بِسَبَبِهِ لِابْنِ أَخِيه وَأورد مورده الَّذِي كرع فِيهِ فَتوفي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى حادي عشر صفر من السّنة الَّتِي بعْدهَا أَعنِي سنة ثَمَان بعد الْألف ومولانا السَّيِّد ثقبة أكبر إخْوَان الشريف حسن كَانَ مولده سنة خمس وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ رجلا عَاقِلا صبوراً متحملاً كثير الملايمة والتودد إِلَى النَّاس وَله فَضِيلَة وَشعر حسن ومفاكهة لَطِيفَة وَله من الْأَوْلَاد سِتَّة ذُكُور وَابْنَة وَاحِدَة وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف حسن يراعيه الرِّعَايَة التَّامَّة وَكَانَ لَهُ محصول كَبِير جدا من جِهَات عديدة فَلَمَّا مَاتَ قرر لكل وَاحِد من أَوْلَاده فِي كل شهر ألف أشرفي فضَّة غير المقررات السَّابِقَة وللبنت خَمْسمِائَة أشرفي وَقَالَ لَهُم إِن وَالِدي الشريف أَبَا نمي رَحمَه الله تَعَالَى لما فرغ بالسلطنة اخْتَار أَن يكون مقرره فِي كل شهر ألف أشرفي وَأَنا أَقمت لكل وَاحِد مِنْكُم ألف أشرفي عوض الْجِهَات الَّتِي كَانَت لوالدكم أَعنِي من المعشرات وخراج الْأَرَاضِي فَإِن تِلْكَ لائقة بِصَاحِب الْأَمر وَالله يلهمكم الصَّبْر ويعظم لكم الْأجر وفيهَا توفّي رَئِيس الْأَطِبَّاء دَاوُد بن عمر الْأَنْطَاكِي المتوحد بأنواع الْفَضَائِل وَالْمُنْفَرد بِمَعْرِِفَة عُلُوم الْأَوَائِل شيخ الْعُلُوم الرياضية سِيمَا الفلسفية وَعلم الْأَبدَان القسيم لعلم الْأَدْيَان فَإِنَّهُ بلغ فِيهِ الْغَايَة الَّتِي لَا تدْرك وانْتهى إِلَى الْغَايَة الَّتِي لَا تكَاد تملك لَهُ فضل لَيْسَ لأحد وَرَاءه فَضلَة وَعلم لم يحز أحد فِي عصره مثله يكَاد لقُوَّة حدسه يسْتَشف الدَّاء من وَرَاء حجابه ويناجيه بِظَاهِر علاماته وأسبابه حكى أَن الشريف حسن لما اجْتمع بِهِ أَمر بعض إخْوَته أَن يُعْطِيهِ يَده ليجس نبضه وَقَالَ لَهُ الشريف حسن جس نبضي فَأخذ يَده فَقَالَ هَذِه الْيَد لَيست يَد الْملك فَأعْطَاهُ الْأَخ الثانى يَده فَقَالَ كَذَلِك فَأعْطَاهُ الْأَخ الثَّانِي يَده فَقَالَ كَذَلِك فَأعْطَاهُ الشريف حسن يَده فحين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 جسها قبلهَا وَأخْبر كلا بِمَا هُوَ متلبس بِهِ وَحكى أَنه استدعاه لبَعض نِسَائِهِ فَلَمَّا دخل قادته جَارِيَة وَلما خرجت بِهِ قَالَ للشريف حسن إِن الْجَارِيَة لما دخلت بِي كَانَت بكرا وَلما خرجت بِي صَارَت ثَيِّبًا فَسَأَلَهُمَا الشريف وأمنها فَأَخْبَرته أَن فلَانا استفضها قهرا فَسَأَلَهُ فاعترف بذلك وَحكى الْعَلامَة شَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد البابلي أَن دَاوُد الْحَكِيم الْمَذْكُور مر بِبَعْض الحارات الَّتِي يسكنهَا الضُّعَفَاء والفقراء بِمصْر فَسمع صَوت مَوْلُود حَال وِلَادَته فَقَالَ هَذَا صَوت بكري فتفحصوا عَن ذَلِك فوجدوه كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَن بعض البكريين تزوج ببنت فَقير خُفْيَة وَوَافَقَ حَال وِلَادَتهَا مُرُور الْمَذْكُور وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة فِي الريحانة وَغَيرهَا وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة من سنة ثَمَان بعد الْألف قبيل الْمغرب بِقَلِيل أَمر مَوْلَانَا الشريف حسن الشَّيْخ عبد الْكَرِيم بن محب الدّين القطبي أَن يكْتب إِلَى الْبَاب العالي بتوجيه الْأَمر إِلَى أكبر أَوْلَاده مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب فَبعد أَن كتب الْعرض أَشَارَ مَوْلَانَا بِتَأْخِيرِهِ إِلَى مَا بعد الْمَوْسِم ثمَّ أرسل أَوَائِل سنة تسع فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَوصل الْأَمر الشريف السلطاني أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة بِأَن يكون مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب مشاركاً لَهُ ودُعِيَ لَهما على المنابر وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام مِنْهَا أَعنِي سنة ثَمَان كَانَت عرضة الْمصْرِيّ وأمير حاجه بيري بك فَتوجه مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى العرضة هُوَ وَأَوْلَاده فَلَمَّا وصل المختلع أَشَارَ أَن يلبس خلعة الْمصْرِيّ مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب فلبسها وَقبل يَد وَالِده وَأَن الخلعة الثَّانِيَة الَّتِي كَانَ يلبسهَا أَخُوهُ السَّيِّد ثقبة بن أبي نمي تلبس لثاني أَوْلَاده السَّيِّد عبد الْمطلب بن حسن فلبسها ثمَّ جَاءَ الْأَمِير الْمَذْكُور إِلَيْهِمَا فتحايوا تَحِيَّة الْإِسْلَام ثمَّ توجه الْأَمِير واستمروا موالينا واقفين إِلَى أَن وصل الْأَمِير طماس أَمِير الْحَاج الشَّامي فَلبس مَوْلَانَا الشريف حسن الخلعة الَّتِي مَعَه ودخلوا ثَلَاثَتهمْ لابسين الْخلْع وَلم يعْهَد قبل مثل ذَلِك وَسبب ذَلِك توَافق أَمِير الْمصْرِيّ والشامي فِي الْمنزل بالمختلع فِي ذَلِك الْيَوْم فألبس الشريف حسن ولديه خلعة الْمصْرِيّ وثانيتها وَأَشَارَ إِلَى أَمِير الشامى بِأَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 يتهيأ ليعرض لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت لضيق الزَّمَان والاحتياج إِلَى العرضة لأمير الْيَمَانِيّ فِي الْيَوْم الثانى وَهَذَا تَدْبِير حَسَنٌ لِأَنَّهُ تَدْبِيرُ حَسَنٍ ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّانِي وَهُوَ الثَّامِن من ذِي الْحجَّة توجه موالينا الْأَشْرَاف لاستقبال الْمحمل الْيَمَانِيّ فَلبس الشريف أَبُو طَالب القفطان الأول وَالسَّيِّد عبد الْمطلب القفطان الثَّانِي وأمير الْحَاج الْيَمَانِيّ الْأَمِير فرحات الشهير باليازجي وَهُوَ من أقَارِب الْوَزير حسن باشا صَاحب الْيمن فاستمر الشريف أَبُو طَالب على ذَلِك إِلَى أَن توجه وَالِده الشريف حسن وَكَانَ مُقيما بِالْمحل الْمَعْرُوف بالبردان فتوجة مِنْهُ غازياً إِلَى جِهَة نجد فِي ثامن ربيع الآخر سنة عشرَة وَألف والفريق مُقيم بالمبعوث مشمولاً بِنَظَر الشريف أبي طَالب تَحت نَهْيه وَأمره وَأمر بِضَرْب النّوبَة على بَابه السعيد وَاسْتمرّ الشريف حسن ذَاهِبًا إِلَى أَن وصل إِلَى مَحل يُسمى فاعية فَأَقَامَ بِهِ مُدَّة من الزَّمَان وَلما كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء غرَّة جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة أصبح متوعكاً إِلَى أَن كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث الشَّهْر الْمَذْكُور انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى أثْنَاء اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة فأخفى مَوته عَن الْحَرِيم والخدم وَالصغَار والحشم إِلَى أَن طلع الْفجْر فأظهر ذَلِك وَحمل فِي تختروانه الَّذِي كَانَ يركبه فِي حَيَاته على البغال وَقد حصلت عَلَامَات ذَلِك من عصر يَوْم الْأَرْبَعَاء حَتَّى إِن أبناءه الَّذين كَانُوا مَعَه بذلك الْمحل أعدُّوا البغال والبراذين فِي الْمنَازل صوب مَكَّة لغَلَبَة ظنهم بِوُقُوع الْوَفَاة وَبعد الْمسَافَة عَن مَكَّة لتَكون كخيل الْبَرِيد الْمُسَمَّاة فِي عرف الأروام ولاقاً وَكَانَ ذَلِك رَأيا حسنا فَلَمَّا توفّي جدوا بِهِ فِي الْمسير فَسَارُوا يَوْم الْخَمِيس وَلَيْلَة الْجُمُعَة ويومها ووصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة فِي أَوَائِل النّصْف الثَّانِي من لَيْلَة السبت وَلَوْلَا مفارقتهم الطَّرِيق بِمُوجب الظلام والمطر والغيم وتعويق السَّيْل لَهُم فى بعض الْأَمَاكِن لأمكنهم دُخُول يَوْم الْجُمُعَة مَعَ أَن الْمسَافَة تزيد على عشرَة أَيَّام وَمَا كَانَ هَذَا التَّيْسِير إِلَّا كَرَامَة للمرحوم لسرعة وُصُوله إِلَى الْبَلَد الْحَرَام وَذهب الْخَبَر بوفاته من حينها إِلَى الشريف أَبى طَالب بِجِهَة الْمَبْعُوث فبمجرد وصل الْخَبَر إِلَيْهِ قصد مَكَّة وَخلف السَّيِّد عبد الْمطلب لحفظ المراح وَمن فِيهِ فَدَخلَهَا لَيْلَة السبت فِي أول الثُّلُث الثَّانِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 قبل دُخُول جَنَازَة وَالِده وبمجرد وُصُول الْجِنَازَة شرع فِي التغسيل والتكفين وَصلى عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام قبل الْفجْر وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة بَاقِيَة إِلَى الْآن رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة جمة ووالى عَلَيْهِ صيب الرضْوَان وَالرَّحْمَة مَاتَ وَله من الْعُمر تسع وَسَبْعُونَ سنة وَمُدَّة ولَايَته مشاركاً لِأَبِيهِ أبي نمي وَولده أبي طَالب ومستقلاً نَحْو خمسين سنة وفيهَا توفّي السَّيِّد عبد الْمطلب بن حسن كَانَ على غَايَة من الْكَمَال وَمن مشاهير الْأَبْطَال وَكَانَ يلبس الخلعة الثَّانِيَة فِي حَيَاة أَبِيه وَكَانَ وَالِده يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْأُمُور الْعِظَام ويفتخر بِهِ فِي كل محفل ومقام رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا توفّي القَاضِي عَليّ بن جَار الله الْحَنَفِيّ الْمَكِّيّ الْقرشِي انْتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام عبد الرَّحْمَن وَأَخُوهُ القَاضِي أَحْمد ابْنا عِيسَى المرشدي وَالْإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ وَغَيرهم لَهُ تصانيف عديدة مفيدة مِنْهَا حَاشِيَة على التَّوْضِيح وحاشية على شرح إيساغوجي لشيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا وَتَذْكِرَة مفيدة وفتاوي لَكِنَّهَا غير مَجْمُوعَة وديوان شعر مِنْهُ قَوْله // (من السَّرِيع) // (قُلْتُ لشهْرِ الصومِ لما دنا ... مودِّعًا منِّى وداعَ الصديقْ) (سَلِّمْ على الموسمِ باللهِ لي ... وقُلْ لَهُ أقبِلْ فَهَذَا الطريقْ) قلت مَا ألطف قَوْله أَقبل ... إِلَخ كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنه كعقبة فِي الطَّرِيق كَانَت فَزَالَتْ وفيهَا توفّي الملا صفي الدّين بن مُحَمَّد الكيلاني الْمَكِّيّ الشَّافِعِي الطَّبِيب الألمعي الأريب اللوذعي أفلاطون زَمَانه شرح خمرية سَيِّدي عمر بن الفارض شرحاً مُفِيدا جعله باسم مَوْلَانَا الشريف حسن وَأَجَازَهُ عَلَيْهِ إجازات عَظِيمَة يحْكى عَنهُ غرائب مِنْهَا أَنه مر عَلَيْهِ بِجنَازَة بعض الطرحاء فَدَعَا بِهِ وَأخذ من دكان بعض العطارين شَيْئا نفخه فِي أنف الطريح فَجَلَسَ من حِينه وعاش مُدَّة بعد ذَلِك فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت أقدامه واقفة فَعلمت أَنه حَيّ وَمِنْهَا أَن بعض التُّجَّار كَانَ يطعن فِي مَعْرفَته فَأرْسل إِلَيْهِ بعض الْفُقَرَاء بِغُصْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 من نَبَات لَهُ رَائِحَة طيبَة فَلَمَّا شمه التَّاجِر انتفخ بَطْنه وَعجز الْأَطِبَّاء الموجودون عَن علاجه فاضطر إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة واستعطفه فَأعْطَاهُ سفوفاً من ذَلِك النَّبَات بِعَيْنِه فَعُوفِيَ مِمَّا بِهِ وَمِنْهَا أَن بعض أَوْلَاد الشريف حسن أَصَابَته عِلّة فَأمر صفي الدّين الْمَذْكُور أَن تجْعَل لَهُ كوفية من عنبر فَفعلت فَزَالَتْ الْعلَّة ثمَّ أَصَابَت تِلْكَ الْعلَّة بِعَينهَا بعض الرّعية فَعمل لَهُ كوفية من ضفع الْبَقر فَعُوفِيَ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ نعم الْعلَّة وَاحِدَة لَكِن ولد الشريف نَشأ فِي الرَّائِحَة الطّيبَة فَلَو عملت لَهُ من الضفع لزادت عَلَيْهِ وَالْآخر بعكسه فداوينا كلا بِمَا يُنَاسِبه وَكَانَ يَأْمر من أَصَابَهُ مرض بِالْخرُوجِ من مَكَّة وَلَو إِلَى المنحني لِأَن هَوَاء مَكَّة فِي غَايَة الِاعْتِدَال لَكِن رَائِحَة البالوعات تفسده وَلِهَذَا بنى لَهُ هُنَاكَ بَيْتا يسكنهُ من بِهِ مرض رَحمَه الله تَعَالَى وَقد رزق مَوْلَانَا الشريف حسن من الْأَوْلَاد نَحْو خَمْسَة وَعشْرين ذكرا مِنْهُم سَالم وَعلي وَأَبُو الْقَاسِم وحسين ومسعود وباز وَأَبُو طَالب وَعقيل وَعبد الْمطلب وَعبد الله وَعبد الْكَرِيم وَعبد المحسن وعدنان وَإِدْرِيس وفهد وشنبر وَعبد الْمُنعم والمرتضى وهزاع وَعبد الْعَزِيز وَعبيد الله وجود الله وبركات وقايتباى وَمُحَمّد الْحَارِث وآدَم وَمن الْإِنَاث نَحْو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين شمسية وروضة وأرينب وصمدة وبلخشة وياقوتة وَفَاطِمَة وعزيزية وزين الحبوش وريمة وجربوعة وزين الشّرف وسلامة وكثيرة وَفَاطِمَة أَيْضا وعزيزية أَيْضا وَمنى ومزنة وحريملة وهيفاء وَرَايَة وَعزا وغيرهن آخِرهنَّ موتا ياقوتة وَمَات مِنْهُم جملَة من الذُّكُور وَالْإِنَاث فِي حَيَاته وَورثه سَبْعَة عشر ذكرا وَأَرْبع عشرَة أُنْثَى ووزع مخلفه بَين أَوْلَاده مَا عدا السِّلَاح وَالْخَيْل وَالْعَبِيد فعادتهم أَنَّهَا لصَاحب الْأَمر بعده ذكر مَا منحه الله من الفراسة المقتبسة من الحضرة النَّبَوِيَّة والخلافة العلوية فَمن ذَلِك أَنه سرقت الفرضة السُّلْطَانِيَّة بجدة المحمية وَضاع مِنْهَا قماش لَهُ صُورَة وأموال كَثِيرَة وَلم يكسر بَابهَا وَلَا نقب جدارها وَلَا أثر يُحَال عَلَيْهِ فِي معرفَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 الْمَطْلُوب والطالب بل حَبل مسدول من بعض الجوانب فَلَمَّا عرض على حَضرته الشَّرِيفَة الْكَرِيمَة هَذِه الْقِصَّة الْعَظِيمَة طلب الْحَبل الْمَذْكُور ثمَّ شمه ثمَّ قَالَ هَذَا حَبل عطار ثمَّ دَفعه إِلَى ثِقَة من خُدَّامه وَأمره أَن يَدُور بِهِ على العطارين فَعرفهُ بَعضهم وَقَالَ هَذَا حَبل كَانَ عندى اشْتَرَاهُ مني فلَان ثمَّ نَقله من رجل إِلَى رجل إِلَى أَن وصل بشخص من جمَاعَة أَمِين جدة المعمورة ثمَّ وجدت السّرقَة بِعَينهَا فِي الْمحل الَّذِي ظَنّهَا فِيهِ وَمِنْهَا أَن رجلا من التُّجَّار سرق لَهُ مَال عَظِيم بِمحل معِين فَلَمَّا رفع قصَّته إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن قَالَ لَهُ هَل وجدت فِي مَحل السّرقَة شَيْئا من آثَار الْعَرَب فَقَالَ وجدت هَذِه الْعَصَا فَنظر إِلَيْهَا الشريف فَوجدَ بهَا عَلامَة فَقَالَ هَذِه الْعَصَا عَلَيْهَا عَلامَة الطَّائِفَة الْفُلَانِيَّة فاتفق بسعده وبركة جده حُضُور رجل من أَعْيَان هَذِه الطَّائِفَة وَبِيَدِهِ عَصا عَلَيْهَا نَظِير الْعَلامَة الْمَذْكُورَة فَعرفهُ مَوْلَانَا الشريف حسن بِالْحَال وألزمه بتحصيل المرام فَصدق الله فراسة مَوْلَانَا الْمشَار إِلَيْهِ وَرجع المَال لصَاحبه وَمِنْهَا أَن رجلا تَاجِرًا عطاراً مغربيُّاً بِمَكَّة المشرفة هرب لَهُ عبد ثمَّ وجده فَطلب العَبْد البيع فَأَجَابَهُ لذَلِك سَيّده فَاشْتَرَاهُ رجل بِمَال عَظِيم ثمَّ أعْتقهُ فَبعد مُدَّة فقد التَّاجِر مَالا كثيرا من دكانه وَحَاصِله فَرفع قصَّته إِلَى مَوْلَانَا الشريف حسن فَأمره أَن يخفي أمره وَيتْرك ذكره ثمَّ سَأَلَ عَن مُشْتَرِي العَبْد الْمَذْكُور هَل هُوَ من أهل المَال الْكثير حَتَّى يَشْتَرِي مثل هَذَا العَبْد بِمَالِه ويعتقه وَهل سبق لَهُ عتق قبل ذَلِك فَأُجِيب بِأَنَّهُ لم يَقع مِنْهُ عتق وَلَيْسَ لَهُ مَال بل هُوَ فَقير يصرف الْفُلُوس وَظهر الْآن لَهُ نوع يسَار فَطلب الشريف العَبْد على غَفلَة ثمَّ خاطبه بِغَيْر وَاسِطَة وَعرض لَهُ بِأَنَّهُ بَلغنِي أمانتك وَأَنَّك نصحت فِي خدمَة مَوْلَاك وَأَنه قصر فِي رعايتك فطلبت البيع وَقد أصبت فِيمَا فعلته وَعرض عَلَيْهِ أَن يَجعله مقدما عِنْده ففرح العَبْد لذَلِك ثمَّ تغافل عَنهُ مُدَّة وَطَلَبه ثَانِيًا وَعرض لَهُ ببخل سَيّده وَأَنه يسْتَحق كل مَا تفعل فِيهِ ثمَّ قَالَ لَهُ بَلغنِي أَنَّك جمعت من مراجلك ثمنك وأعطيته لفُلَان يَعْنِي الْمُشْتَرى فاشتراك بِهِ وَنعم مَا فعلت فَصدق العَبْد جَمِيع مَا قَالَ لَهُ مَوْلَانَا فَأمر بحبسه بلطف وَطلب المُشْتَرِي ثمَّ قَالَ لَهُ مرادي أستخدم عبد التَّاجِر المغربي الَّذِي أَعتَقته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 فَأجَاب بشكر العَبْد وَالثنَاء عَلَيْهِ وَأَنه يَلِيق بذلك وَلم يزل يتلطف بِهِ حَتَّى أقرّ بِمَا أقرّ بِهِ العَبْد فَأمر بحبسهما مَعًا ثمَّ ضربهما ضربا شَدِيدا حَتَّى أحضر جَمِيع مَا فَقده التَّاجِر إِلَّا قَلِيلا ثمَّ أَمر بصلب العَبْد وَالْمُشْتَرِي بعد التَّعْزِير والنكال الشَّديد فصلبا فتعجب الْخَاص وَالْعَام من هَذِه الفراسة المسطورة وَمِنْهَا أَن رجلَيْنِ مصري ويمني تنَازعا فِي جَارِيَة ادّعى كل مِنْهُمَا ملكهَا من غير إِقَامَة حجَّة شَرْعِيَّة وتحير فِي أَمرهمَا سَائِر الْحُكَّام من أهل الشَّرْع وَالْعرْف فَرفعت الْقِصَّة إِلَيْهِ فَلَمَّا سمع دَعْوَى كل مِنْهُمَا وعدهما بِالنّظرِ فِي أَمرهمَا فى مجْلِس ثَان ثمَّ اختلى باليمني وَسَأَلَهُ عَن اسْم الْحبّ الْحِنْطَة فَقَالَ هُوَ الْبر ثمَّ اختلى بالمصرى وَسَأَلَهُ عَمَّا ذكر فَقَالَ هُوَ الْقَمْح ثمَّ سَأَلَ الْجَارِيَة عَن اسْم الْحبّ الْمرة بعد الْمرة فَقَالَ أم بر فَلَمَّا نطقت باللغة اليمنية قَالَ لَهَا والقمح مَا هُوَ قَالَت لَا أعرفهُ فَلَمَّا تمّ ذَلِك عنَّ لَهُ اختبار مَا منحه الله من الفراسة فأحضر الْمصْرِيّ وتلطف بِهِ ووعده بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَة فاعترف بِأَنَّهَا ملك اليمني وزالت الشُّبْهَة ببركته وَوصل الْحق إِلَى مُسْتَحقّه ذكر بعض فتوحاته بِذَاتِهِ وَأَوْلَاده الْكِرَام فِي حَيَاته أَولهَا قصَّة شمر وسببها يَوْم الفريش لَا يخفى أَن فتوحات الْمُلُوك والغزوات وَمَا لَهُم من السّير والسريات لَا يُمكن ضبط الْخَاص مِنْهَا وَالْعَام سِيمَا بساداتنا حماة الْبَيْت الْحَرَام وخصوصاً مَوْلَانَا الشريف حسن جد صَاحب هَذَا الْكتاب فَمن ذَلِك قصَّة الفريش وَهِي أَنه فِي عَام ثَلَاث وَسِتِّينَ من الْقرن الْعَاشِر كَانَ أَمِير الْمَدِينَة المنورة السَّيِّد مَانع الْحُسَيْنِي وَكَانَ من أجل الْأُمَرَاء قدرا وأرفعهم ذكرا بلغ بمصاهرة موالينا وساداتنا حماة الْحَرَمَيْنِ محلا منيفاً رفيعاً وَعزا منيعاً وشوكة قاهرة وَحُرْمَة وافرة وَكَانَت عَادَة أُمَرَاء الْمَدِينَة السَّابِقين يسلمُونَ لبني عمهم من السادات بني الْحُسَيْن ولعربان عَنَزَة وضفير وَنَحْوهم مواجب ومرتبات من الْأَمْوَال الجزيلة والحبوب والأقمشة الجليلة فَمَنعهُمْ من ذَلِك الْأَمِير مَانع اسْتِخْفَافًا بهم وَعدم مبالاة فَجمع كل من الطوائف الْمَذْكُورَة جماعته وَحضر مَعَهم فَأَما السَّادة الْأَشْرَاف آل نعير فمقدمهم الْأَمِير مَنْصُور بن مُحَمَّد أَمِير الْمَدِينَة المنورة وَابْن أميرها سَابِقًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 وَأما السَّادة الْأَشْرَاف من آل جماز فمقدمهم أَوْلَاد مَوْلَانَا الْأَمِير جماز وَأما طَائِفَة العربان فمقدمهم الشَّيْخ الْمَعْرُوف بِأبي ذِرَاع وَغَيره من أكابرهم فَلَمَّا خرج ركب الْحَاج الْمدنِي على عَادَتهم أَوَاخِر ذِي الْقعدَة وَأَصْبحُوا بوادي الفريش صحبتهم الطوائف المذكورون فِي جمع من الْأَشْرَاف عَظِيم وَمن العربان بخيل وركاب مَعَ اللبوس والزانات وَأَحَاطُوا بالركب جَمِيعه وَكَانَ فِي الركب الأفندي الْأَعْظَم عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْمَدِينَة المنورة والجناب العالي الْأَمِير مُحَمَّد ابْن حسن وَشَيخ الْحرم الْمدنِي وأعيان الْمَدِينَة من وُجُوه الْعَرَب وسادات بني الْحُسَيْن فَكَانَ موقفا شنيعاً ومنظراً قبيحاً وَقع فِيهِ قتل وسلب وَطعن وَضرب وَأهل الركب محرمون والطوائف الْمَذْكُورَة مجرمون وَسلم أعاظم الركب وأعيانه ثمَّ انفصلوا بعد أَن الْتزم لَهُم القَاضِي وَشَيخ الْحرم الْمَذْكُورَان بِحُصُول مواجبهم وعادتهم فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى الشريف حسن سكت على ذَلِك مطمناً خواطر الْحجَّاج حَتَّى انْقَضتْ أَيَّام الْمَنَاسِك ثمَّ أرسل سَرِيَّة من شجعان الفرسان وَأمر عَلَيْهِم السَّيِّد عجل بن عرار برسم حماية الركب الْمدنِي إِلَى وُصُوله الْمَدِينَة ثمَّ يستمرون بهَا حفظا لَهَا ولأهلها بَاطِنا وظاهراً ثمَّ بعد ذهَاب الحجيج من مَكَّة نَادَى بِالْمَسِيرِ إِلَى غَزْو الطوائف الْمَذْكُورَة فَخرج بِذَاتِهِ العزيزة فِي عَسْكَر جرار وجيش كالبحر الزخار مَا بَين سادة كرام وأعراب وأروام بالخيول الملبسة والدروع والبنادق والمدافع والشجعان الْمَشْهُورين فِي الوقائع والمجامع فَلَمَّا بَلغهُمْ أَن الْملك الْمَنْصُور الهزبر الْمَعْرُوف الْمَشْهُور قصد اللحوق بهم على كل حَال شمروا نَحْو شمر وهربوا إِلَى رُءُوس الْجبَال فقصدهم إِلَى مَنَازِلهمْ ومساكنهم وَخرب شمر الْمَذْكُور لِأَنَّهُ من أمنع مواطنهم ثمَّ قبض على أَعْيَان الطوائف الْمَذْكُورَة الَّذين شنوا الْغَارة وكبل أَشْرَافهم بالجنازير الْحَدِيد وَدخل بهم وهم أسرى بَين يَدَيْهِ مَدِينَة جده السعيد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَوْم دُخُوله موكب عَظِيم حَضَره مَوْلَانَا الأفندي وَشَيخ الْحرم الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ وَأظْهر كل مِنْهُمَا حُصُول مُرَاده وبلوغ مناه وتعجبوا من دُخُول الْأَشْرَاف بالزناجير وهم من أَوْلَاد الْأُمَرَاء وتحققوا بذلك عظم مَوْلَانَا الشريف وَقُوَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 سُلْطَانه بمدد جده خير الورى وَكَانَ هَذَا الْغَزْو أول ظُهُور مَوْلَانَا الشريف حسن وَقُوَّة شَأْنه فِي ظلّ وَالِده الشريف أبي نمي وَأَيَّام زَمَانه وَمن ذَلِك قصَّة مضبع سَار إِلَيْهِ بِنَفسِهِ المطمئنة وَذَلِكَ فِي حُدُود عَام اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَسَببه أنة ظهر من أهل مضبع نقض للعهود وَمُخَالفَة لشرع الْملك المعبود لِأَن مضبع الْمَذْكُور حصن منيع بِأَعْلَى وَاد وسيع وَأَهله فى نعم الله رافلون وللمنعم بهَا كافرون يمْنَعُونَ كل من وصل إِلَيْهِم وَلَو علم عصيانه لديهم وَكلما حذرهم مَوْلَانَا الشريف المخالفات تخذيرا مَا يزيدهم إِلَّا طغياناً كَبِيرا فَسَار إِلَيْهِم فِي جم غفير من السادات وأتباعهم من أَعْيَان دولته الشَّرِيفَة وأمراء مَمْلَكَته المنيفة أخبر السَّيِّد نَافِع مِنْهُم أَن العساكر الَّتِي سَار بهم يزِيدُونَ على خمسين ألفا مَا بَين رَاكب وراجل ولاحق وواصل يَمرونَ على الْجبَال فيدكونها دكاً وينزلون بالرمال فيبكونها بكاً فَلَمَّا وصلوا مضبع وجدوه جيلا رفيعاً وحصناً منيعاً لَيْسَ فِي أَخذه مطمع فأحاطوا بجهاته الْأَرْبَع ثمَّ صعدوا على اسْم الله تَعَالَى تالين {إِلَّا تنصرُوُه فَقَدْ نَصره الله} التَّوْبَة 40 فَقَاتلهُمْ قتالاً شَدِيدا أفنى فِيهِ شبَابًا وأشاب مِنْهُ وليداً حَتَّى انتصر عَلَيْهِم نصرا عَزِيزًا وَفتح الله لَهُ من حصونهم فتحا مُبينًا فَضرب الرّقاب وَأخذ الْأَمْوَال ورتب فِيهِ من يحفظه من شجعان الرِّجَال وَيُقِيم بِهِ الشَّرِيعَة المحمدية على أحسن منوال ثمَّ قصد إِلَى تخت عزه مَكَّة الغراء شرفها الله تَعَالَى بِالْكَعْبَةِ الجليلة فَمر على بجيلة وَأمرهمْ بِالْتِزَام الشَّرِيعَة المحمدية فخالفوا أوَامِر الله وأوامره الْعلية فَقَاتلهُمْ إِلَى أَن طلبُوا الْعَفو وبذلوا الْأَمْوَال فأجابهم إِلَى ذَلِك وَأخذ مِنْهُم عدَّة من دروع الْحَدِيد العراض الطوَال يُقَال إِنَّهَا قريب من خَمْسَة آلَاف نَالَ مِنْهَا السَّادة الْأَشْرَاف وَجَمِيع من حضر من سَائِر الْأَطْرَاف وَصَارَ خراجها يحمل إِلَى حَضرته الشَّرِيفَة كل عَام على مر الدَّوَام وَهَذِه السّريَّة فى حكم السَّرَايَا الهاشمية إِلَى الْكفَّار من سَار فِيهَا فَلهُ أجر الْمُجَاهِد بِلَا إِنْكَار قلت ذكر الْعَلامَة الْجد جمال الدّين العصامي أَن هَذِه الْغُزَاة كَانَت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَذكر أَنه أرخها بِبَيْت كَامِل بديع هُوَ قَوْله (صادَ الصناديدَ أعطَى المُلْكَ واجبَهُ ... حامي حِمَى بَلَدِ اللهِ الأمينُ حَسَنْ) هَكَذَا ذكره بَيْتا مُفردا فَلم أدر أهوَ من قصيدة لَهُ أم من قِطْعَة وَهُوَ بَيت بطين الْمَعْنى رصين المبنى وَمن ذَلِك عزوة سوق الْخَمِيس وَيُسمى زهران يتَّصل بِهِ قرن ظَبْي والصفا والمخواة وجبل عَظِيم يُسمى مَلَس كَانَ من شَأْن هَذِه الْمَوَاضِع أَن سكانها لَا يورثون النِّسَاء جملَة كَافَّة خُصُوصا الْبِنْت الَّتِي منعهَا من أعظم سنَن الْجَاهِلِيَّة ومانعوها هم الْكفَّار شرعا وَمن عَادَتهم أَن يمنعوا كل من وصل إِلَيْهِم خُصُوصا العصاة لولاة الْأُمُور وَالَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ والفجور ثمَّ تكَرر مِنْهُم مَا ذكر من القبائح ونتصحهم مَوْلَانَا الشريف الْمشَار إِلَيْهِ وهددهم فَلم ينقادوا للناصح والنصائح فبرز أمره المطاع إِلَى أكبر أَوْلَاده الْكِرَام السَّيِّد الْحُسَيْن الْأسد الضرغام بدر التَّمام أَن يقصدهم فِي محالهم فَقَاتلهُمْ وَقتل أعظم رِجَالهمْ وَحَازَ نفائس أَمْوَالهم وفاز بأسر نِسَائِهِم وأطفالهم فَلَمَّا ملك الْبِلَاد والعباد وَوصل البشير بنصرته إِلَى وَالِده وجده خير وَالِد من خير أجداد برزت أوامره المطاعة أَن ينصب حَاكما شَرْعِيًّا وأميراً ليقيم نظام السّنة وَالْجَمَاعَة فتم ذَلِك على الأوضاع الشَّرْعِيَّة وَنقل خراجها إِلَى الخزائن الشَّرِيفَة الْعلية ثمَّ غزا معكال وَذَلِكَ أَنه بعد مُدَّة قريبَة برز مَوْلَانَا الشريف حسن إِلَى غَزْو معكال بأقصى الْبِلَاد الشرقية لأمور فَعَلُوهَا فِيهَا طعن على الدولة الإسلامية وحسبك السّنة النَّبَوِيَّة المبرورة الْفِتْنَة من هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى الْجِهَة الْمَذْكُورَة فَقَامَ مَوْلَانَا الْمشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِك حماية لبيضة الْإِسْلَام خُصُوصا حجاج بَيت الله الْحَرَام وزوار جده مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فوصل دَارهم وَقَاتلهمْ فِيهَا احتقاراً بهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 وعساكر الْإِسْلَام الله تَعَالَى يحميها ويبلغها بسعده أقْصَى أمانيها فى جمع كَذَلِك يزِيدُونَ على خمسين ألفا وَطَالَ مقَامه فيهم حَتَّى استأصل أهل الدَّار رجَالًا وأمولا وكل من كَانَ إِلَيْهِم إلفاً فَتحدث أعداؤه المخذولون أَنه مَاتَ وَعَسْكَره انْكَسَرَ نَظِير مَا وَقع لجده بِخَيْبَر فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك لأهل سوق الْخَمِيس سَوَّلَ لَهُم عَدو الله أخوهم إِبْلِيس فَقتلُوا الْحَاكِم الشَّرْعِيّ والأمير الْمَذْكُورين شقاقاً مِنْهُم فِي الدَّاريْنِ فَلَمَّا عَاد مَوْلَانَا الشريف من الشرق سالما فِي النَّفس والأهل وَالْمَال غانماً ملك معكال وَمَا قرب مِنْهُ من سَائِر الْمحَال وَدخل مَكَّة على أجمل الْأَحْوَال ومشايخهم بَين يَدَيْهِ فِي الْحَدِيد والأغلال ثمَّ أَقَامُوا فِي ظلّ نعمه مُدَّة عَام كَامِل فطلبوا من فَضله وإحسانه الشَّامِل أَن يَكُونُوا خُدَّامه فِي مَحل سلطانهم وَأَن يحملوا إِلَيْهِ مَا يرضيه كل عَام من محصول أوطانهم فأجابهم إِلَى مطلوبهم وَأمر عَلَيْهِم مُحَمَّد بن عُثْمَان بن فضل حَيْثُ لم يبْق من بَيت سلطنتهم إِلَّا هَذَا النَّسْل ثمَّ عزم على غَزْو سوق الْخَمِيس لفعلهم الْمَذْكُور الخسيس فقصدهم بِنَفسِهِ الزكية افْتِتَاح سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فَاجْتمع بسوحه من بادية مَكَّة المشرفة طوائف هُذَيْل وغَطَفَان وعدوان وَبني سعد وَمَا اتَّصل بهم من الْمُؤَلّفَة فَاجْتمعُوا بناديه الفسيح رحابه المنيع جَاره وأحزابه فَنظر إِلَيْهِم أَمِير دَار المضيف فَاسْتَكْثر مَا يجب لَهُم من المصاريف فَقَالَ على لسانهم لمولانا الشريف لَعَلَّ سَيِّدي يعجل بِالْمَسِيرِ فَإِن الْجَيْش كَبِير فَقَالَ لَهُ الشريف أجبهم عني بِأَنِّي أطْعم صَغِيرهمْ حَتَّى يشب وشابهم حَتَّى يشيب ثمَّ سَار بهم بعد مُدَّة فَلَمَّا وصل وَادِيهمْ وَنزل مخيمه الْمُعظم فِي ناديهم قَالَ لَهُم بعض عقلاء الرِّجَال اطْلُبُوا من مَوْلَانَا الصُّلْح فَأَجَابُوا جَوَاب أهل الْغرُور والهوس على سَبِيل التهكم اسألوا عَن الصُّلْح جبل ملس فَقبل تَمام القال صعدت الرِّجَال على الْجبَال وَعم الْقَتْل مُعظم الرِّجَال وَأسر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 النِّسَاء والأطفال ثمَّ قبض على مائَة وَسبعين من أَشْرَافهم وكبلهم فِي الْحَدِيد فِي أَعْنَاقهم وأطرافهم فأحضروا لَهُ من الدروع وَالْأَمْوَال جملا كَثِيرَة لَا يحويها الْمقَام فَأخذ ذَلِك من جملَة الْغَنَائِم وَأقَام شَرِيعَة جده سيد العوالم ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة المشرفة فَدَخلَهَا فِي شهر رَمَضَان فِي موكب عَظِيم قد أَضَاء لم يسمع بِمثلِهِ فِيمَا مضى وَبَين يَدَيْهِ الْجَمَاعَات المقبوضون كل عشرَة فِي كبل حَدِيد وشيخهم مَعَ ولديه فِي الْحَدِيد رَاكب فِي حَال غير جميل ثمَّ أَمر بِذبح أَرْبَعَة عَن الْحَاكِم كَمَا ذبحوه وَذَلِكَ بِسوء مَا فَعَلُوهُ وَمن ذَلِك فِي عَام تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة سَار إِلَى نَاحيَة الشرق مرّة ثَانِيَة لمُخَالفَة وَقعت بَينهم متناهية فِي جَيش كثيف جرار ومدافع كبار تنسف الْجبَال وتفتح الْأَمْصَار فَفتح مدناً وحصوناً تعرف بالبديع والخرج والسلمية والإمامية ومواضع فِي شوامخ الْجبَال تزيد على مَا سبق بأمثال أَمْثَال فَقَوِيت شوكته وَعز سُلْطَانه وَتحقّق عِنْد ذَوي البصائر أَنه بعناية الله تَعَالَى كل حِين يَعْلُو شَأْنه ثمَّ عين من رؤسائه من ضَبطهَا على أُمُور التزمها وَشَرطهَا فَعَاد مؤيداً منصوراً وَعلم سعده منشوراً فَأخْبرهُ بعض عيونه الَّتِي يبثها فِي الْبِلَاد لتأتيه بأخبار الْعباد أَن جمَاعَة من شَوْكَة بني خَالِد تجمعُوا وتحزبوا وَمن طريقك ترصدوا وتقربوا فِي جمع من الشجعان والأبطال حَتَّى جرائد الْخَيل وكرائم الْجمال فتدارك مَوْلَانَا الْمشَار إِلَيْهِ من الحزم والعزم مَا أمكن وَقدم من قدم وَأخر من أخر وأكمن من أكمن فوافاه الْجَيْش الخالدي فَوجدَ مَوْلَانَا على غَايَة الحذر فتقابلا وتقاتلا فهرب الخالدي وانكسر فَقتل مَوْلَانَا أَكْثَرهم عددا وغنم خيلا وإبلا وعددا وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الهارب وَمن خيلهم ورجلهم وإبلهم إِلَّا الذَّاهِب وَهَذِه النُّصْرَة أعظم فِي صُدُور الْأَعْدَاء شَوْكَة ونكاية وَأَعْلَى منصباً وَأجل ولَايَة وَهَذِه الْمَذْكُورَات عُيُون غَزَوَاته الشهيرة وسواها كَثِيرَة كَبِيرَة ذكرما خوله الله من فصاحة اللِّسَان وبديع الْبَيَان فِي توقيعه بالبنان وَالْحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 بِفضل الْخطاب والتوفيق للصَّوَاب فَمِنْهَا لفظ الْعِزَّة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فمولانا الْمشَار إِلَيْهِ وَجَمِيع سلفه الْكِرَام يتوجون بِهِ فِي توقيعاتهم الفخام وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه اللَّفْظَة من جَوَامِع الْكَلم وَحسن الْأَدَب مَعَ ذى الْجلَال وَالْإِكْرَام وَالْعَظَمَة والإنعام وَالْإِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَإن العِزَّةَ للهِ جمَيعاً} النِّسَاء 139 المستوجبة لعزة كاتبها وقائلها وتواضعه مَعَ كَمَال شرفه فِي الذَّات وَالصِّفَات وَمن ذَلِك أَن جَمِيع توقيعاته يرقم فِيهَا بعد الْجَواب لفظ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ والقانون الْمُحَرر المرعي وَهَذَا من خصوصيات مَوْلَانَا الشريف حسن الْمشَار إِلَيْهِ دَامَت رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَمن ذَلِك أَن جَمِيع مَا يرقمه من الْكَلِمَات وَلَو كثرت خَال من النقط بِحَيْثُ تتبع أهل الْخط أَكثر تحريرات مَوْلَانَا فَلم يَجدوا فِيهَا نقطة وَلَعَلَّ مُرَاده بذلك دفع الْمُمَاثلَة لخطه وَرفع المشاكلة حَتَّى يبعد عَن التزوير وَمن ذَلِك سَلَامَته من الحشو المخل والتطويل الممل وَمن ذَلِك أَن قَاضِيا من قُضَاة الْمَدِينَة الشَّرِيفَة عرض عَلَيْهِ مَكْتُوب وقف صَحِيح الْعبارَة بمحكمة الشَّرْع مضمونه أَن الْأَوْقَاف المشروحة بِهِ لَا تُؤخر إِلَّا بِشُرُوط مرعية ذكرت فِيهِ وَعين فِيهِ أموراً لَا تمكن الْإِحَاطَة بهَا إِلَّا بعد قِرَاءَة الْمَكْتُوب جَمِيعه وقراءته تحْتَاج إِلَى زمن طَوِيل فَلَمَّا وقف مَوْلَانَا الشريف حسن عَلَيْهِ قَالَ من أول نظرة هَذَا فرع من أصل يحْتَاج إِلَى اتِّصَال وَثُبُوت بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ فَعرض لَهُ القَاضِي الْمشَار إِلَيْهِ بِأَن مثل هَذَا يبعد تزويره وَأَن الْخصم فِي ذَلِك السَّيِّد مَانع أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَهُوَ أميركم وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف حسن مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَقَالَ للْقَاضِي يَا مَوْلَانَا سَيِّدي ووالدي الشريف الْكَبِير أَبُو نمي لَيْسَ عِنْدِي على وَجه الأَرْض أحب مِنْهُ وَأكْرم وَمَعَ ذَلِك وَالله الْعَظِيم وَحقّ هَذِه الْكَعْبَة المدبجة لَو ارْتكب بَاطِلا مَا وافقته عَلَيْهِ فَإِن قُلْتُمْ ثَبت عِنْدِي هَذَا الْمَكْتُوب حكمت بِمُوجبِه على الْفَوْر فَعجب القَاضِي الْمَذْكُور من فرط ذكاء مَوْلَانَا وَسُرْعَة فهمه ومتانة ديانته وتحير مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 واستحيا من قُوَّة مَعْرفَته بِالْمَقْصُودِ واستوائه جَالِسا ثمَّ ذكر وَالِده الْكَرِيم وَتَقْرِير محبته وطاعته لَهُ ثمَّ فسر بِعَدَمِ مُوَافَقَته على الْبَاطِل وَهَذَا من نور النُّبُوَّة بِلَا شكّ وَلَا ريب وَمن ذَلِك أَن جَمِيع مَا يرقمه للخاص وَالْعَام يبدؤه بِذكر الله تَعَالَى ويختمه بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام على جده مُحَمَّد خير الْأَنَام ثمَّ يتبع ذَلِك بقوله حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل وَفِي ذَلِك مَا لَا يحد من الْخَيْر وَلَا يُحْصى وَلَا يحصر وَلَا يستقصى وَيَكْفِيك أَنه من أَفعَال الْعلمَاء العاملين والصلحاء الكاملين وَمن ذَلِك مَعْرفَته للعبارة التركية وَأكْثر اللُّغَة الفارسية وَغَيرهمَا من ألسن الْبَريَّة وَلكنه لَا يكْتب بذلك وَلَا يتَكَلَّم حذرا من غلطة لِسَان أَو سبق قلم فيستعمل الترجمان فِي الْكَلَام وَكَذَلِكَ فِي المكاتيب على الدَّوَام وَمن ذَلِك أَنه إِذا اشْتَكَى عَلَيْهِ صَاحب ظلامة أَو دَعْوَى يسمع شكواه جيمعا ثمَّ يتشاغل عَنهُ ثمَّ يستعيده مَا قَالَ فَإِن اخْتَلَّ كَلَامه اختلالاً فَاحِشا اسْتدلَّ على عدم صدقه وَأَقْبل عَلَيْهِ بِوَجْه يَلِيق بِهِ وَفِي هَذَا من الْكَمَال مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ كَونه يحفظ الْقِصَّة مَعَ طولهَا من أول سَماع ثمَّ يستنبط من مُخَالفَة ألفاظها حكما بَالِغَة يقف بِسَبَبِهَا على حَقِيقَة أَمر صَاحبهَا وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا من إلهامات إلهية مستفاده من قَوْله الْحَاكِم ينظر بِنور الله تَعَالَى ذكر كرمه وجوده وإنعامه على وفوده خُصُوصا الْعلمَاء والصلحاء والفقراء وَالشعرَاء فَمِنْهُ عِنْد زِيَارَة جده وَذَلِكَ أَنه فِي أول عَام ولَايَته للأقطار الحجازية أخبر من يعْتَمد على نَقله أَن عطاياه للْعُلَمَاء وَالشعرَاء فَقَط كَانَت مَا يزِيد على ألفي دِينَار ذَهَبا جَدِيدا وَمِنْه وَهِي من عطاياه الشَّرِيفَة وتفرداته وأولياته المنيفة أَنه إِذا عقد نِكَاحا لنَفسِهِ أَو أَوْلَاده يطْلب أَعْلَام الْعلمَاء وأعيان الصلحاء تبركاً بحضرتهم واغتناماً لدعوتهم فَإِذا تمّ ذَلِك العقد أَمر بِكِتَابَة أَسمَاء الْحَاضِرين ثمَّ يعين لكل مِنْهُم شَيْئا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 نَافِعًا من المَال مصلحاً للبال مَعَ تَمْيِيز أهل الْعلم وَالصَّلَاح والشرف وَالدّين والفلاح وَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ مَوْلَانَا الْعَالم الْعَامِل الْفَقِيه حَاتِم القَاضِي الشَّافِعِي بِنَاحِيَة صَبيا أَن فِي صحبته وصحبة غَيره عدَّة قصائد جَاءَ بهَا من الْيمن فِي مدح الشريف حسن وَأَنه أجَاز شعراء الْيمن مَعَ عدم حضورهم مَا يُجَاوز أَلفَيْنِ من الدَّنَانِير الذَّهَب الْجَدِيد وَأَن جَائِزَة كل شَاعِر يرسلها إِلَيْهِ مَعَ حَامِل قصيدته وَقَالَ هَذِه كَانَت عَادَته دَامَت سعادته وَذَلِكَ على الِاسْتِمْرَار مَعَ جَمِيع الشُّعَرَاء من سَائِر الأقطار وَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ بعض حَملَة الْقُرْآن الْعَظِيم المتشرفين بمدح جده الرَّسُول الْكَرِيم قَالَ حَضَرنَا بَين يَدي مَوْلَانَا الشريف حسن فِي صَبِيحَة لَيْلَة عرسه على بعض الشريفات المخدرات فِي جمع عَظِيم بِمَكَّة فقرأنا مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ أنشدنا مَا يسره الله من المدائح الشَّرِيفَة فوصلت إِلَى مَوْلَانَا الشريف معشرة متوسطة مَمْلُوءَة من الذَّهَب الجلالي وَاحِد بِعشْرَة من قبل عمَّة السُّلْطَان جلال الدّين أكبر فَأمر بجميعها لأهل المديح الْمَذْكُورين مَعَ كَثْرَة مَا فِيهَا وَلم ينظر إِلَيْهَا إِلَّا نظر إحاطة لأجل الْمُكَافَأَة وَقَالَ هَذَا نصيب الْجَمَاعَة رفع الله ذَاته الشَّرِيفَة الفاخرة وَجمع لَهُ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن ذَلِك أَنه زار فِي بعض الأعوام قبر جده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ عَادَة سَادَاتنَا حماة الْحَرَمَيْنِ الشريفين لما وصلوا إِلَى الزِّيَارَة يتصدقون على جيران الحضرة النَّبَوِيَّة صَدَقَة خَاصَّة تشْتَمل على أَسمَاء الْعلمَاء والحكام والصلحاء والخدام وسكان الرَّبْط والأرامل والأيتام والعساكر السُّلْطَانِيَّة الخيالة والحصارية وخدام العمائر الخاقانية وخدام الْعين الزَّرْقَاء الروية وَلكُل اسْم قدر معِين من الأشرفية الْفضة كل أشرفي عشرَة محلقة فَأمر مَوْلَانَا الشريف حسن أَن يَجْعَل مَكَان كل أشرفي فضَّة دِينَار جَدِيد ذهب ثمَّ اتّفق لمولانا زِيَارَة ثَالِثَة صرف فِيهَا أَمْوَالًا جزيلة فِي وُجُوه مُتعَدِّدَة مِنْهَا أَنه أَمر بِالصَّدَقَةِ أَن توزع على عَادَتهَا الْقَدِيمَة فَلَمَّا صرف معظمها قَالَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 السَّيِّد مُحَمَّد بن سعد نقيب الْأَشْرَاف بِالْمَدِينَةِ المنورة إِن فِي هَذَا الدفتر الْمُبَارك جمَاعَة كَانُوا صغَارًا فكبروا وبالعلم تقدمُوا وتصدروا فاستوجبوا من مَوْلَانَا كَمَال الْعِنَايَة ووافر الرِّعَايَة فَأجَاب جَوَابا شَامِلًا لأعلى مَرَاتِب الْفضل وَالْأَدب وَأجل مناصب السؤدد والحسب وَقَالَ إِن هَذَا الدفتر أمره لمولانا الْوَالِد الشريف أبي نمي فَيصْرف على حكمه من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان ثمَّ جدد دفتراً برسم زِيَادَة الْإِحْسَان لمن ذكرنَا عاليه من عُظَمَاء السَّادة ثمَّ أنعم على أهل الدفتر الْجَدِيد بأضعاف مَا هُوَ مُقَرر فِي الدفتر السَّابِق ثمَّ برز أمره الشريف بِأَن يعْطى لكل من وصل مَعَهم من الأتباع وَأَتْبَاع الأتباع عَطاء لائقاً بمقامه الخطير عَم الْقَرِيب والبعيد والأحرار وَالْعَبِيد وَالصَّغِير وَالْكَبِير ثمَّ تصدق صَدَقَة مخفية بعد أَن مضى ثلث اللَّيْل على العميان والمرضى وَالنِّسَاء والعاجزين من الزمنى والمقعدين قصدهم بذلك إِلَى أماكنهم قيل بِنَفسِهِ الشَّرِيفَة وَقيل مَعَ من يعْتَمد عَلَيْهِ وَمن حَسَنَاته الَّتِي تفرد بهَا أَنه كَانَ فِي كل زِيَارَة عِنْد مُنْصَرفه من بَاب الْحرم النَّبَوِيّ يَأْخُذ فِي يَده الشَّرِيفَة كيساً مملوءاً من الذَّهَب وَالْفِضَّة ثمَّ يجْتَمع عَلَيْهِ فُقَرَاء الحضرة النَّبَوِيَّة وأطفالهم لما هُوَ مُقَرر مَعْلُوم عِنْدهم من إحسانه فيلاطفهم عِنْد كل مَحل فسيح ثمَّ يَقُول أنثر عَلَيْكُم من هَذَا المَال فَإِذا قَالُوا نعم نثر عَلَيْهِم من ذَلِك جملَة فيزدحمون على أَخذ ذَلِك وَهُوَ ينظر إِلَيْهِم مَعَ كَمَال السرُور والفرح وَيسْتَمر على ذَلِك مرّة بعد أُخْرَى حَتَّى ينفذ جَمِيع مَا عِنْده وَاتفقَ لَهُ رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة فِي بعض زياراته المقبولة وَكَانَ يفعل مَا ذكر من نثر الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فاستوقفته امْرَأَة تَشْكُو عَلَيْهِ حَالهَا فَوقف لَهَا والمطر نَازل عَلَيْهِ من غير حَائِل وَهِي آخذة بلجام فرسه مَعَ غَايَة الازدحام يَمِينا وَشمَالًا وخلفاً وأماماً فَلم يبرح حَتَّى انْتَهَت شكواها وَتركت لجام الْفرس باختيارها وهواها فَانْظُر إِلَى هَذَا الْمقَام أَيهَا النَّاظر بِعَين الْإِنْصَاف فَمَا أَجله من مقَام وَلَا غرو فَذَلِك نفح طيب سيد الْأَنَام عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 وَمِمَّا مدح بِهِ مَوْلَانَا الشريف حسن مَا قَالَه الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ نور الدّين عَليّ الشهير بالجم مُعَارضا لزائية الطَّيِّبِيّ وَعبد الرَّحْمَن الكثيري فَقَالَ // (من الْخَفِيف) // (خطرَتْ فِي موشياتِ الخزوز ... وتثنَّتْ بأسمرٍ مهزوزِ) (ونضَتْ من جفونها النعْسِ سَيْفا ... فأراقَتْ دمَ الفتَى المحروزِ) (وأماطَتْ عَن العقيقِ فأبدَتْ ... بارقاً من وشاحِهَا الفيروزي) (وتثنَّتْ فللحلي تناغٍ ... فِي قضيبٍ من خالصِ الإبريزِ) (غادةٌ فِي وشاحها حينَ تبدو ... مِنْ لآلىً حُليها فِي جروزِ) (غادةٌ تسلبُ البدورَ إِذا مَا ... سَفَرتْ عَن موشمٍ مغروزِ) (غادةٌ قد سعَتْ بكاسِ مدامٍ ... مزجَتْه بالغنجِ والتغميزِ) (خندريساً دفعْتُ عقلى فِيهَا ... حينَ همَّتْ من دونهَا بالبروزِ) (لبسَتْ من حبابها تَاج دُرِّ ... فجلاها مديرها فِي خزوزِ) (هِيَ شمسٌ يديرها بَدْرُ أفقٍ ... فوقَ لدنٍ مثقفٍ مهزوزِ) (إِسْقِنِيهَا مزجا بظلْم لماها ... كي أداوي بهَا لظَى تمُّوزِ) (إسقنيها ودَعْ مقالَ سفيهٍ ... قد أَطَالَ الجدالَ فِي التجويزِ) (إسقنيها على الشروطِ فَإِنِّي ... أمرؤ لَا أقولُ بالتجليزِ) (إسقنيها فِي روضةٍ من شقيقٍ ... طرزَتَها يدُ الحيا تطريزي) (إسقنيها وهادلُ الورقِ يشدو ... فوقَ شاطى النهورِ بالملغوزِ) (إسقنيها مَعْ كلِّ أحورَ أحوَى ... كاملِ الحسنِ كالقنا المركوزِ) (إسقنيها وعنفوانُ شَبَابِي ... يافعٌ والسرورُ حَال النهوزِ) (إسقنيها فزوج الكهل ظلما ... بعجوزٍ تمشي على عكوزِ) (إسقنيها قديمةَ العهدِ بِكْرًا ... تَوَّجَتْهَا الملوكُ حَال البروزِ) (إسقنيها فَمَا خلاصِىَ مِنْهَا ... غَيْر مدحِى لنجلِ طه العزيزِ) (حسنٌ مَنْ رقَى سمو الْمَعَالِي ... فَهُوَ للفضْلِ والثنا كالمجيزِ) (ملكٌ لَو توعَّدَ الدهْرَ يَوْمًا ... أصبحَ الدهْرُ مِنْهُ فِي تفزيزِ) (كَفه إِن تجافتِ السحبُ غيثٌ ... وَدْقه باللجينِ والإبريزِ) (زَاده اللهُ فِي البسيطةِ بسطاً ... وحماهُ بحفظِهِ المحروزِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 (ووقاه من حادثِ الدهرِ طُرًّا ... مَا تلى الذّكْر فِي الكتابِ العزيزِ) وَقَالَ الشَّيْخ على الْمَذْكُور أَيْضا يهنيه بالظفر فِي غَزوه جبل شمر وإيقَاعه ببني لَام وَذَلِكَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة // (من الْخَفِيف) // (كَيفَ يكفيكَ من دمِ الأبطالِ ... مَا أسالَتْ لكَ الظبا والعواليِ) (قد بكَتْ رَحْمَة عَلَيْهِم مواضيك ... نجيعاً جرى بميم ودالِ) (وانثنَتْ عنهمُ الرماحُ امتنانا ... بعد جازَتْ مَرَاتِب الإِعتدالِ) (لم تزلْ ممتط لَهُم كلَّ غادٍ ... سَابق فِي النفوسِ والأموالِ) (ذى جبينٍ مغررٍ بِالثُّرَيَّا ... وأيادٍ منعولةٍ بالهلالِ) (وأديمٍ قد شقَّ من شقفِ الأفْق ... وعَدْوٍ كالريحِ فِي الإرسالِ) (وحساماً يرْوى عَنِ الْمجد قولا ... أعرَبَتْهُ الرماحُ بالأفعالِ) (أعجمي لكنْ لَهُ ترجمانٌ ... بلسانِ الطلا فصيحُ المقالِ) (كلَّما كلّم الرُّءُوس بلفْظٍ ... صَدَقتْهُ الأعناقُ بالإنفصالِ) (وجيادٍ جُرْدٍ تخوضُ المنايا ... لبلوغِ المنَى وحُسْنِ المآلِ) (وليوثٍ تلقى الحتوفَ اشتياقاً ... كلقىِّ الحبيبِ حينَ الوصالِ) (يَا مليكاً رمى الزمانَ بسهمٍ ... لم يكنْ للزمانِ مِنْهُ ببالِ) (زعم الدهْرُ أَن يصيبَ رعاياك ... بضيمٍ حاشاك مِنْ ذَا المحالِ) (مَا درى الدَّهْرُ أيّ قرمٍ نزال ... إِعتراه وأَىّ خصمِ جدالِ) (مَا درى أنكَ المليكُ الذى سُدتَ ... جميعَ الْمُلُوك بالإجمالِ) (مَا درى أنكَ الكريمُ الَّذِي قد ... خُصَّ بالمكرماتِ من ذِي الجلالِ) (مَا دَرَى يابنَ فاطمٍ وعليِّ ... وابْنَ خَيرِ النسا وخيرِ الرجالِ) (أنكَ الماجدُ الَّذِي عَمَّ أهلَ اْلأَرضِ ... شرقاً ومغرباً بالنوالِ) (مَا درَى أنكَ الَّذِي لَا تلاقَى ... فِي نزالٍ وَلَا بِشُمِّ الجبالِ) (يَسْأَمُ الْمجد والدواوين والأَقْلام ... والفَضْل والحجى والمعَالِي) (والعوالى والمشرفيَّة والغارَات ... والخَيْل واللِّقَا والنزالِ) (كم تخطَّتْ صَدرا وشكَّتْ فؤاداً ... وتمطَّتْ بمفرقٍ وسبالِ) (وأسالَتْ فِي الشرق سيل نجيعٍ ... سارَ فِي الغربِ بالرواسي الثقالِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 (وسبَتْ حلَّة وحلَّتْ محلاَّ ... قصر البَدْر عَنهُ فِي الإتصالِ) (مَا بَنو لَام مَا قبائلُ نجدٍ ... مَا لقاءُ الفرسانِ والأبطالِ) (إِن هُمُ فِي لقاكَ إِلَّا شياهٌ ... بمخاليبِ الأسدِ والأشبالِ) (جعلتهم بزاتك الشهُّب طُعْمًا ... حينَ مزَّقتهم برشقِ النبالِ) (حِين امطرتَهُمْ سحابَ المنايا ... وبروقُ الظبا عَلَيْهِم تلالِي) (والرزايا لخَيْلها واثبات ... فيهمُ مرعدات بالتصهالِ) (أَيْن منهُمْ حلمٌ وصفحٌ جميلٌ ... مِنْك حاطَ الورَى بأيدي الكمالِ) (لَو أَتَوا حَاقِنِى دماهُمْ لفازوا ... مِنْكَ بالمكرماتِ والأفضالِ) (وغدوا فِي مسرَّةٍ وهناءٍ ... وأمانٍ من الوبا والوبالِ) (غَيْرَ أَن الْإِلَه جَرَّدَ فيهمْ ... سيفَ قَهْرٍ ماضي المضاربِ صاليِ) (ورماهُمْ بقهرمانِ ملوكِ اْلأرضِ ... ماضي القضا شَدِيد المحالِ) (حسن الذَّات وَالصِّفَات عَظِيم الْمَجْدِ سامي الْعلَا شَرِيف الخصالِ) (مخجل الْبَدْر قاهر الدَّهْر مزْرِى البحْرِ ... بالجود والنهَى والجمالِ) (خَفَقَتْ بالسعودِ راياتُهُ البِيضُ ... فراحَتْ كالزهْرِ جنح اللَّيَالِي) (دَامَ للدينِ ناصراً فِي نعيمٍ ... أبَدًا سرمداً بغَيْرِ زوالِ) (مَا هَمَتْ فى العدا بروقُ مواضِيهِ ... بنصْرٍ مسترسلٍ هَطَّالِ) (وشدَتْ مادحي عُلاَهُ وقالَتْ ... كف يَكْفِيك من دمِ الأبطالِ) وَقَالَ أَيْضا يمدحه ويهنيه بِالْفَتْح ويعزيه بِعَمِّهِ السَّيِّد حَازِم رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْخَفِيف) // (آهِ مابي من جلنارِ الخدودِ ... وعذابِى مِنْهَا بذاتِ الوقودِ) (ومصابِى مِنْ مائساتِ قدودِ ... أطلعَتْ بالبها ثمارَ النهودِ) (كُلّ هَيْفَاءَ تَنْثَنِى بِقوامٍ ... غُصْن بَانٍ على كَثِيبِ زَرُودِ) (ذَات ثَغْرِ كالدرِّ فِي لازوردٍ ... برضابٍ يَحْكِي ابْنة العنقودِ) (نافح عَن مسك ذكيِّ وعطرٍ ... عنبريِّ وفاتقٍ عَن ورودِ) (يلمعُ الْبَرْق والدراري توارى ... حينَ تفترُّ عَن شتيتِ برودِ) (كم حلا لي فِيهِ التغزُّل مَعْ كُلْلِ ... غزالٍ وغادةٍ أملودِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 (حبذا دولَةُ الشبابِ وعصْرٌ ... بالتصابِى قد مَرَّ كالمطرودِ) (زرتُهُمْ والشبابُ يشفعُ لى والعَيْشُ ... يخضرُّ مِنْهُ يانعُ عودي) (فِي ليالٍ بسامر فِي رياضٍ ... مشرقاتٍ فِي ظلها فِي عقودِ) (بَين آسٍ ونرجسٍ وورودٍ ... كعذارٍ وناظرٍ وخُدُودِ) (وحمامُ الآراكِ تشدو بمَدْحِ ... الملكِ الأمجدِ الكريمِ الجدودِ) (حَسَنُ الذاتِ والصفاتِ بدا فِي ... أفق الْمجد بَدْر هَذَا الوجودِ) (قمرٌ أشرَقَ الْحجاز ووَجْهُ الْكونِ ... من نوره وَهُوَ فِي المهودِ) (فظننا عِيسَى بن مَرْيَمَ قد جَاءَ ... لإصلاحِ دَهْرنا المفسودِ) (فَهْو إِن لم يكنْ نبيًّا فإبْنُ الأنبياءِ ... الكرامِ سامي المجودِ) (وابنُ مَنْ جَاءَ بالهدايةِ والرشْدِ ... وسَنَّ الحدودَ فِي المحدودِ) (وابنُ مَنْ قد شَقَّ السمواتِ عزماً ... ودنا من إلهِهِ المعبودِ) (زُرْهُ إِن شئتَ أَن تزور سُلَيْمَانَ ... جلالاً وصالحاً فِي ثمودِ) (شَيَّدَ الدينَ بالعوالى وأضحَى ... بالمعالي كالوالِهِ المعمودِ) (وحَمَى البيتَ والحطيمَ بيضٍ ... مسرفاتٍ تجاوزَتْ فِي الحدودِ) (وبِخَيْلٍ سوابقٍ وجيادٍ ... سابحاتٍ تدوسُ قلْبَ الحسودِ) (لابساتٍ من الدماءِ جلابيبَ ... تهادَى مخضباتِ الزنودِ) (ترتمِى فِي سحابةٍ من نسورٍ ... وأُسُودٍ من جيشِهِ والجنودِ) (وبغابٍ من القنا والعوالِى ... مرسلاتٍ لغلِّ قلبِ الحقودِ) (قاذفاتٍ بكلِّ ظبْىٍ غرير اللَحْظِ ... لكنَّ القَلْبَ من جلمودِ) (وبهمْ أَبيض الْمحيا مُغِير الْبَدْر ... بالتّمِّ والبها والسعودِ) (واهبُ الخيلِ والمماليكِ والأعمارِ ... والرزْقِ للعبادِ الوفودِ) (يختشي الدهْرُ من سطاه وَتَخْشَاهُ ... المنايا بالحادثاتِ السودِ) (ناشراً من لوائِهِ كلَّ عدلٍ ... باسطاً فِي بساطِهِ كُلَّ جودِ) (كتب النَّصْر فى حَوَاشِيه إِنى ... عَبْدُ رِقِّ لذَلِك المعقودِ) (دامَ فِي رفعةٍ ونَشْرٍ وطَىِّ ... للمعالي وخافقاتِ البنودِ) (مَا همي الغيثُ بالربا وأضا البَدْرُ ... فحاكَى لبشرِهِ المعهودِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 (واستهلَّتْ بالشرقِ سحْبٌ غزارٌ ... تَغْشَ شمساً ثوَتْ ببرجِ اللحودِ) (حَازِم الملكِ سيد الشهدا مَنْ ... بلقاهُ قد زَانَ دارَ الخلودِ) (غسلته حور الجنانِ مَعَ الوِلْدَانِ ... فِي حوضِ الكوثرِ المورودِ) (وادرجته الاملاكُ فِي سندسىِّ ... بحنوطٍ من رحمةٍ معدودِ) (فعزاء آل النبيِّ بحقِّ ... وهناء بالنصْرِ والتأييدِ) (وهناء بالصومِ فِي رمضانٍ ... وهناء بالفطْرِ والتعييدِ) (دُمْتَ للملكِ والممالكِ والخَلْقِِ ... مَدَى الدَّهْر دَائِما فِي سعودِ) (مَا هَمَى الغيثُ حاكيًا جودَ كَفَّيْكَ ... فأبكَيْتَهُ بجودِ الجودِ) (وَغدا طائرُ الجوانحِ مِنِّى ... بمديحِ المليكِ فى تغريدِ) وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن أبي كثير يمدحه // (من الْخَفِيف) // (أَسْعِفِى الصَّبَّ باللقا والتلاقِى ... وانقذِيِهِ من القِلَى والتلافِى) (وارحَمِى من يَد الهوَى أسلَمَتْهُ ... للتباريحِ مِنْ جوى وتجافِي) (مستهاماً لَهُ التصبُّرُ أضحى ... خائناً فِي الغرامِ والدمع وافِي) (هام فِي حُبِّ غادة لَو أعارَتْ ... نورها الشَّمْس لم تُرَعْ بانكسافِ) (ظَلْمُهَا القرقفي يسْقِي أَقَاحًا ... أَو لآلٍ من الثنايا الرهافِ) (حف دُرَّا بهَا زُمرُّدُ وشْم ... فتحلَّى مِنْهُ بحسنِ اكتنافِ) (حرسَتْهُ مِنْهَا بعثال قَد ... حيثُ أمستْ معسولةَ الترشافِ) (وَبِه قد حمَتْ دروراً لذيذاً ... ووروداً من أنملِ القطافِ) (لَو أرتْكَ الأثيثَ فَوق المحيَّا ... وتثنِّى القوامِ فِي الأردافِ) (شِمْتَ بَدْرًا يضئ فِي جنْحِ ليلٍ ... وقضيباً يميسُ فِي الأحقافِ) (أيأستْنِى بقسوةِ القلْبِ لكنْ ... أطمعتني الأعطاف بالإنعطافِ) (فَكَأَنِّي فِي الحُبِّ مَا بَين يأسٍ ... ورجاءٍ فِي موقفِ الأعرافِ) (لم تفوقْ سَهْما من الحسنِ إِلَّا ... وحشا العاشقينَ كالأهدافِ) (أسقمتني مِنْهَا جفونٌ ضعافٌ ... وعجيبٌ يَأْتِي الضنا مِنْ ضعافِ) (هِيَ دائِى وأطلبُ الْبُرْء مِنْهَا ... كيْفَ داءٌ يكونُ للسقمِ شافي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 (فاتكٌ لَحْظُهَا وَلم نَرَ عضبا ... قاتلاَ وَهُوَ مغمدٌ فى غِلافِ) (وَبِه قد غَرَتْ فكلُّ فؤادٍ ... متلفٌ بالجراح الإذفافِ) (كمواضي سلطانِ مكَّة لما ... ينتضيها للفتكِ والإتلافِ) (حَسَن مَنْ لَهُ الملوكُ عبيدٌ ... كالرعايا مهشومة الآنافِ) (ملكٌ مَا لَهُ من الخلقِ مثلٌ ... فِي الْمَعَالِي وَمَا لَهُ مِنْ مُكافي) (ملكٌ مَنْ رَآهُ يسجدُ ذُلاًّ ... لَو رَآهُ سابُورُ ذُو الإكتافِ) (ملكٌ لَو بِهِ البريةُ لاذوا ... لغَدَوْا مِنْهُ فِي غِنّى وكنافِ) (ملكٌ ملكُهُ رياضُ أمانٍ ... مثمرات بالعدلِ والإنصافِ) (ملكٌ ملكه سماءُ معالٍ ... آمنٌ بَدْرُهَا من الإنخسافِ) (ملكٌ قد تَلا الْكتاب علينا ... فِيهِ وَصفا مِنْ أعظمِ الأوصافِ) (فَهْوَ إبْنُ الضحَى وطه وَيَاسِين ... وطاسين وابنُ نونٍ وقافِ) (كُلُّ ملكٍ فعينه لمعالي ... ذَاته لَا تزالُ فِي استشرافِ) (بدرُ كلِّ الملوكِ فى أُفُقِ الملكِ ... وتاجٌ لهامة الأشرافِ) (بحلاه بَنو الرسولِ تحلَّتْ ... وذووه وآلُ عبد منافِ) (كلُّ مجد فَمَا لَهُ عَنْ مداه ... مانعٌ من تقاصرٍ وانكفافِ) (فالدرارِىْ فِي الأفقِ قد فاقَهَا فِي ... شرفٍ باذحٍ وَفِي إشرافِ) (باتفاقٍ فاق الملوكَ علوا ... وعُلا الكُلِّ مَا خلا من خلافِ) (فسجاياه فِي الْعلَا كسجايا ... حيدرٍ جدِّهِ بغيرِ تنافِى) (فاعلاتٌ لَهُ بيوتَ ثناءٍ ... سالماتٌ بسعده من زحافِ) (ألمعىٌّ يدْرِي الَّذِي غَابَ عَنهُ ... بذكاءٍ يجلو لَهُ كُلَّ خافي) (وَمَتى أسقَمَ النُّهَى كَشفُ صَعْبٍ ... فتجدْهُ يزيلُهُ كالشافي) (كعبةٌ تقصدُ الْوُفُود حماها ... جاعلي بَابه لَهُم كالمطافِ) (قد غَدا للحُفَاةِ فِيهِ معاذٌ ... وملاذٌ ومأمنٌ من مخافِ) (وأنامَ الأنامَ فِي ظلِّ عدلٍ ... وارفٍ لم يزل على الخلقِ ضافي) (وجرَى رزقُهُمْ على راحتيه ... فَهْىَ ترْضى كُلاًّ برزقٍ وافِ) (منهلُ المكرماتِ كَانَ أجاجا ... وَبِه صارَ حالىَ الوردِ صافي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 (ورباه الذاوِى غَدا مِنْهُ روضاً ... ذَا زهورٍ أنوارُهُ فى اختلافِ) (فنداه قوادمُ الريحِ تَعْيَا ... عَن مجاراتِهِ وَتبقى خوافِي) (من يقسه بالسحْبِ يخطِى فهذي ... تعطِ مَاء ودمعُهَا فِي انذرافِ) (وَهُوَ يعطيكَ باسِمَ الثغرِ طلقاً ... وعطاياه عَسْجَدٌ بالجزافِ) (كاتباه لم يكتُبَا لفْظَ منْع ... مُنْذُ منشاه لَا عَلَيْهِ وَلَا فِي) (يهبُ الألْفَ ثمَّ لم يَهَبِ الألًفَ ... فكلٌّ لَدَيْهِ بالآلافِ) (إِن يَجُدْ فالنوالُ يملا الْأَرَاضِي ... أَو يَجُلْ فالنقيعُ يملا الفيافي) (ضيغَمٌ إِن حمي الوطيسَ فأذكَى ... جمْرَ طعنٍ مَا إِن لَهُ مِنْ طافي) (وَرَأَيْت الكماة تسقى مداماً ... من منونٍ بأكؤسِ الأسيافِ) (وحياضَ المنونِ تلجئ كُلاّ ... لورودٍ من صابها واغترافِ) (خاضه جاعلُ الفؤادِ دلاصاً ... والظبا عَزمَة كحدِّ الرهافِ) (وَبِه اختالَ لابساً بردَ بأسٍ ... خاطراً فِيهِ مُعْلِمَ الأطرافَ) (وأباد الجيوشَ بالقتْلِ حَتَّى ... صيَّرَ السيفَ والقنا فِي رعافِ) (ولكَمْ من جحافلٍ صرْنَ مِنْهُ ... رمماً مَا اهتَدينَ للإنصرافِ) (وَلكم من كتائبٍ من سطاهُ ... قد تفانوْا بالخوفِ والإرجافِ) (فَهُوَ يخشَى ويرتجي يَوْم بطشٍ ... ونوال للمعتدِى والمضافِ) (يَا مليكاً قد جلَّ عَن كل وصفٍ ... حيثُ فِيهِ مدحٌ من الله كَافِي) (لَو نظمنا فيكَ الدراري مديحاً ... لَا يوازِى مقدارَكُمْ ويكافي) (دُمْ لَك الملكُ خَالِدا والعوالِى ... والمواضِى فِي عزَّةٍ وعوافي) (والجديدانِ يخدمانِكَ طَوْعًا ... بِالَّذِي شِئْتَهُ بغيرِ خلافِ) (والمقاديرُ فِي مراضيكَ تسعَى ... أبدا بالإسعادِ والإسعافِ) (وصلاةٌ ختامها المسكُ تغشَى ... جَدَّكَ الظُّهْرَ سيدَ الأشرافِ) وَكَانَ الشريف حسن رَحمَه الله استخدم فِي آخر عمره سنة ثَلَاث بعد الْألف بشخص من أَبنَاء الحضارم يُسمى عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَتيق كَانَ عبد الله بن عَتيق تزوج بِنْتا من بَنَات الشَّيْخ مُحَمَّد جَار الله بن أَمِين الظهيري فَجَاءَت مِنْهُ بِعَبْد الرَّحْمَن هَذَا وأخيه أبي بكر فتحشر عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 الشريف حسن وَبَقِي يفهمهُ النصح فِي الْخدمَة وسحر الشريف حسن إِلَى أَن تمكن مِنْهُ غَايَة التَّمَكُّن وَبَقِي حَاله كَمَا قَالَ الشَّاعِر // (من السَّرِيع) // (أمرُكَ مردودٌ إِلَى أمرِهِ ... وأمرُهُ ليسَ لَهُ رَدُّ) فتسلط عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور على جَمِيع المملكة وَتصرف فِيهَا كَيفَ شَاءَ وَبَقِي كل من يَمُوت سَوَاء كَانَ من أهل الْبَلَد أَو من التُّجَّار أَو من الْحجَّاج يستأصل مَاله بِحَيْثُ لَا يتْرك لوَارِثه شَيْئا وَلَا المحلق الْفَرد فَإِذا تكلم الْوَارِث أظهر لَهُ حجَّة أَن مُوَرِثه كَانَ قد اقْترض مِنْهُ فِي الزَّمن الْفُلَانِيّ كَذَا وَكَذَا ألف دِينَار وَيَقُول هَذَا الَّذِي أَخَذته دون حَقي وَبَقِي لي كَذَا وَكَذَا وَطَرِيق كِتَابَته لهَذِهِ الْحجَّة وأمثالها على مَا بَلغنِي مِمَّن أَثِق بِهِ أَن كتبة المحكمة تَحت أمره وقهره فيأمرهم بِكِتَابَة الْحجَّة فيكتبونها وَعِنْده أَكثر من مائَة مهر للقضاة والنواب السَّابِقين فيمهرها وَيَأْمُر عبد الرَّحْمَن المحالبي أَن يكْتب إِمْضَاء القَاضِي الَّذِي قد مهر الْحجَّة بمهره وَيكْتب خَاله الشَّيْخ عَليّ بن جَار الله وَأَخُوهُ الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن جَار الله شَهَادَتهمَا وَيكْتب الشَّيْخ عَليّ أَيْضا عَلَيْهَا مَا نَصه تَأَمَّلت هَذِه الْحجَّة فَوَجَدتهَا مسددة وَيشْهد بذلك مُحَمَّد بن عبد الْمُعْطِي الظهيري وَابْن عَمه صَلَاح الدّين بن أبي السعادات الظهيري وَأحمد بن عبد الله الْحَنْبَلِيّ الظهيري وَغَيرهم ثمَّ إِنَّه يظْهر الْحجَّة ويقرأها بَين النَّاس وجميعهم يعرف أَنَّهَا زور لَا أصل لَهَا وَلَا يقدرُونَ أَن يتكلموا بِكَلِمَة وَاحِدَة خوفًا من شَره وَقُوَّة قهره وَاسْتولى بِهَذَا الأسلوب على مَا أَرَادَ كَمَا أَرَادَ وَإِذا شُكِيَ عَليّ الشريف حسن رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول هَذِه حجَّة شَرْعِيَّة وشهودها مثل هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة الأجلاء كَيفَ أردهَا فنفرت قُلُوب النَّاس من ابْن عَتيق وضجوا وضجروا وكل من أمكنه السّفر سَافر وَمَا تَأَخّر إِلَّا الْعَاجِز وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب كلما سمع شَيْئا من هَذِه الْأُمُور تألم غَايَة التألم فَأول مَا اسْتَقل بالسلطنة أرسل من الْمَبْعُوث قبل وُصُوله إِلَى مَكَّة رسله بمسك ابْن عَتيق فمسك يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر فِي سَاعَة نحوسية وَاسْتمرّ فِي الْحَبْس يَوْم السبت والأحد فَلَمَّا وصل الشريف أَبُو طَالب وَتَوَلَّى أَمر وَالِده الشريف حسن وَدَفنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 استدعي ابْن عَتيق وَسَأَلَهُ عَن أَفعاله فَقَالَ قد فعلت جَمِيع ذَلِك ثمَّ رده إِلَى الْحَبْس فَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أَخذ ابْن عَتيق جنبية العَبْد الوصيف المرسم عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فَاسْتَيْقَظَ العَبْد وخلصها مِنْهُ فَلَمَّا أصبح الوصيف أخبر سَيّده الشريف أَبَا طَالب بذلك فجبذ جنبيته وَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه وَقل لِابْنِ عَتيق لَا تسرق الجنبية فِي اللَّيْل هَذِه جنبيتي إِن كنت تُرِيدُ أَن تقتل نَفسك فَاقْتُلْهَا وأسرع بإرسالها إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير فَلَمَّا جَاءَ الوصيف وَقَالَ لَهُ مَا قَالَه الشريف أَبُو طَالب أَخذهَا مِنْهُ وَأدْخل مِنْهَا فِي بَطْنه نَحْو إِصْبَع ثمَّ أخرجهَا ثمَّ أَعَادَهَا وَأدْخل مِنْهَا ضعف الأول ثمَّ أخرجهَا ثمَّ أدخلها جَمِيعًا ثمَّ أخرجهَا وَقَالَ وامالى وَاسْتمرّ ذَلِك الْيَوْم إِلَى ظهر الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء من جُمَادَى الْآخِرَة من سنة 1010 عشر وَألف فَخرجت روحه إِلَى غير رَحْمَة فقد كَانَ مرتكباً جَمِيع أَنْوَاع الْمعاصِي حَتَّى لقد بَلغنِي من جمَاعَة بِكَثْرَة أَنه كَانَ يسْجد للشمس وَأما انتهاكه للشَّرْع الشريف فشئ لَا يُوصف وَكَانَ يتبجح وَيَقُول الشَّرْع مَا نريده وَلَقَد أبطل فِي أَيَّامه عدَّة من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة كالوصايا وَالْعِتْق وَالتَّدْبِير وَبَاعَ أُمَّهَات الْأَوْلَاد بأولادهن قَائِلا هَذِه حجَّة شَرْعِيَّة أَن فلَانا سَيِّدهَا اعْترف أَن مَاله جَمِيعه لفُلَان فوطؤها حرَام عَلَيْهِ وَالْولد ولد زنا وَكَثِيرًا مَا يَأْخُذ حجَّة الْعتْق ويمزقها ويتملك الْمَكْتُوب لَهُ الْعتْق فِيهَا حَتَّى أَنه بَقِي إِذا مَاتَ شخص من أَرْبَاب الصرور والحبوب والجهات أظهر على المتوفي فراغاً من هَذَا الأسلوب ويتناول المحلول جَمِيعه ثمَّ هُوَ يَبِيعهُ على شخص آخر فسبحان الْحَلِيم الَّذِي لَا يعجل يُمْهل وَلَا يهمل وَقد قَالَ إِن رَبك ليملي للظالم حَتَّى إِذا أَخذه لم يكن ليفلته فقد أَخذ ابْن عَتيق على غرَّة وَقتل نَفسه وَرمى بِهِ فِي درب جدة فِي حُفْرَة صَغِيرَة بِلَا غسل وَلَا صَلَاة وَلَا كفن ورمت عَلَيْهِ الْعَامَّة الْأَحْجَار وعملت الْفُضَلَاء فِيهِ تواريخ مِنْهَا قَول بَعضهم // (من الرجز) // (أَشْقَى النفوسِ الباغيَهْ ... إِبْنُ عَتِيق الطاغيَهْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 (نَارُ الجحيمِ استعْوَذَتْ ... مِنْهُ وقالَتْ ماليَهْ) (لمَّا أتَى تاريخُهُ ... أَجِبْ لظى والهاويَهْ) ذكر هَذَا الْعَلامَة الْخَطِيب الْمُفْتِي عبد الْكَرِيم بن محب الدّين القطبي وَمن خطه نقلت وَهَذَا الشَّيْخ عبد الْكَرِيم هُوَ ابْن محب الدّين أخي الشَّيْخ قطب الدّين المؤرخ النَّهر والى فَيكون ابْن أَخِيه وقطب الدّين عَمه وَأما قطب الدّين نَفسه فَلم يعقب سوى أَربع بَنَات لَا غير انْتهى وأرخت أَيْضا وقاته بِمَا لَفظه يَأْتِي من ألطاف الله مَا لَا يكون فِي البال وَلِهَذَا وَاقعَة هِيَ مَا أَخْبرنِي بِهِ بعض آل الخواجا الشهير بالكركية وَذَلِكَ أَن ابْن عَتيق كَانَ قد قصد جدة بأذية من قسم أذاياه الَّتِي كَانَ يُؤْذِي الْمُسلمين بهَا مِمَّا ذَكرْنَاهُ وأمهله فِي طلب المَال ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا خرج الخواجا من عِنْده أَتَى بَيته وَهُوَ فِي غَايَة التَّعَب والقلق فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث كَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ من خدام الشريف أبي طَالب وَنفذ الله سُبْحَانَهُ فِيهِ حكمه وَقد ألهم الخواجا الْمَذْكُور تكْرَار قَوْله يَأْتِي من ألطاف الله مَا لَا يكون فِي البال وألزم جَمِيع أَهله بتكرارها فَفرج الله عَنهُ سُبْحَانَهُ وَكَانَت تَارِيخ وَفَاته كَمَا تقدم ذكرهَا ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب بعد وَفَاة وَالِده الشريف حسن إِذْ هُوَ ولى عَهده بعده وَظهر بالمظاهر الجميلة ووطئ بأخمصه تَاج الْمجد وأكليله واشتهر بِالْولَايَةِ الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة والمكاشفات الْوَاضِحَة الباهرة وانتشرت فِي الْآفَاق والأقطار لَهُ الكرامات الخارقة وَكَفاهُ سر الْأَسْرَار الغامضة الَّتِي دونهَا السيوف البارقة وَاسْتولى على الصَّيَاصِي المتينة الرفيعة والحصون المنيعة الصنيعة وهرعت إِلَى سيول نداه الوراد وسقيت بِسَبَب جدواه الأكباد الصواد لم تزل دولته مَحْفُوظَة وأحواله بِعَين الْعِنَايَة ملحوظة مولده رَحمَه الله تَعَالَى فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فاستمر فِي الْملك إِلَى أَن كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف وصل مَعَ أَذَان الْعَصْر خبر وَفَاته وَكَانَت بِمحل قرب بيشة فَحمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 فِي التخت على البغال إِلَى أَن تقطعت وعجزت عَن السّير فَحمل فِي شبرية على بعير ووصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة ضحوة يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وَصلي عَلَيْهِ عِنْد بَاب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة بعد أَن فتحت ونادى عَلَيْهِ الريس من أَعلَى زَمْزَم وَحمل إِلَى المعلاة وَدفن بهَا وَجعل على قَبره قبَّة وَكَانَت وَفَاته آخر لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وتأسف النَّاس على فَقده إِلَى الْغَايَة فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ كَرِيمًا لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي أهل بَيته إِلَّا مَا يحْكى عَن أَخِيه السَّيِّد حُسَيْن بن حسن وَكَانَ مهيباً جدا يكسر من إِحْدَى عَيْنَيْهِ لَا لعِلَّة بهَا ذكر عَن جَارِيَة تصب القهوة بَين يَدَيْهِ فِي الدِّيوَان أَنَّهَا أهوت لتأْخذ الفنجان من أَمَام بعض الْحَاضِرين فحبقت فَنظر إِلَيْهَا الشريف أَبُو طَالب نظرة غضب فلاذت نَاحيَة عَن الدِّيوَان وتحاملت على غلصمتها بِيَدِهَا فكسرتها وَسَقَطت ميتَة فَللَّه مِنْهَا شهامة حركتها هَيْبَة وَمِمَّا سمع من كرمه أَنه قبل وَفَاته بأيام كَانَ وَقع من شيخ زعب جِنَايَة فحسبه فِيهَا ثمَّ أَن جمَاعَة الشَّيْخ الزعبي طلبُوا من الشريف أبي طَالب أَن يرضى عَلَيْهِ ويعطوه مَا يطيب خاطره وَاتَّفَقُوا بَينهم على مائَة فرس وَألف بعير وَكَذَا وَكَذَا من الدَّرَاهِم ثمَّ أحضروا جَمِيع ذَلِك ووصلوا بِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُم أَنا مَا كَانَ مرادي إِلَّا تَأْدِيب الشَّيْخ الزعبي وَلَيْسَ غرضي فى طمع مِنْهُ والذى وصلتم بِهِ من الْخَيل وَالْإِبِل هُوَ معاد لكم وَلم يقبل من ذَلِك شَيْئا وكسا الشَّيْخ الزعبي وجماعته الَّذين كَانُوا مَعَه فِي الْحَبْس بعد أَن أطلقهُم وَأمر لَهُم بنفايع جسيمة فَانْظُر إِلَى ملك كريم عَظِيم الشَّأْن وَأما إِعْطَاؤُهُ الْألف الذَّهَب وأمثالها فكثير وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَيْضا وَذَلِكَ قبل أَن يَلِي مَكَّة أَنه زار قبر جده مُحَمَّد فَلَمَّا أَمْسَى بوادي مر هُوَ وَمن مَعَه أَضَافَهُ رجل من أهل الْوَادي يُقَال لَهُ السودانى فذبح الذَّبَائِح وَمد الموائد وقدمها ثمَّ بلغه أَن الشريف أَبَا طَالب لم يتعش من ذَلِك الطَّعَام وَلم يحضرهُ لبَعض أشغاله فَعمد السوداني الْمَذْكُور إِلَى أَربع أَو خمس من الدَّجَاج فذبحهن وطبخهن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 وقدمهن على كيلتين من الْعَيْش فِي زبدية كَبِيرَة صيني وَجَاء يحملهَا إِلَى الشريف أبي طَالب وَقَالَ يَا سَيِّدي هَذَا عشَاء عَبدك اجبر خاطره جبر الله خاطرك فَغسل الشريف يَده وَأكل من تِلْكَ الزبدية لقيمات ودعا لَهُ ثمَّ دخل مَكَّة فَلَمَّا اسْتَقل بِالْولَايَةِ على مَكَّة وَفد عَلَيْهِ السوداني بعد سنة وَقبل يَده فَقَالَ لَهُ الشريف أَبُو طَالب الزبدية الَّتِي تعشينا فِيهَا عنْدك تعيش فَقَالَ لَهُ نعم يَا سَيِّدي مَوْجُودَة فَقَالَ اذْهَبْ فائتني بهَا فَذهب إِلَى وَادي مر وأتى بهَا فَأمر لَهُ فملئت لَهُ ذَهَبا أَحْمَر كيل الزَّبِيب رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَقد أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه حَدثهُ من شَاهد مجامر العنبر موقدة تسير مَعَ نعشه من الْبَيْت إِلَى فرَاغ الدّفن نَحْو ثَلَاثَة عشر مجمرا تعج فى الطَّرِيق والأسواق عجيج اللبان وَمِمَّا قيل فِي مدحه قَول الْعَلامَة الْمُفِيد البارع الْمجِيد مَوْلَانَا وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن عِيسَى بن مرشد الْحَنَفِيّ مادحه وشارحاً غَزَوَاته المقرونة بالنصر وَالظفر ومتخلصاً إِلَى مدح وَالِده الشريف الْحسن بن أبي نمي فَقَالَ // (من الْكَامِل) // (نَقْعُ العجاجِ لَدَى هياجِ العثْيرِ ... أَذْكَى لدينا من دُخَانِ العنبرِ) (وصليلُ تجريدِ الحسامِ ووقعُهُ ... فِي الهامِ أشدَى نَغمَة من جؤذرِ) (وسنا الأسنة لامعاً فِي قسطلٍ ... أسنَى وأسمى من محياً مسفرِ) (وتسربل فِي سابغاتِ مسردٍ ... أزهَى علينا من سدوسٍ أخضرِ) (وكذاكَ صهوةُ سَابِحٍ ومطهّمٍ ... أشهَى إِلَيْنَا مِنْ أريكةِ أحوَرِ) (ولقا الكميِّ مدرعاً فِي مغفرٍ ... كلقا الغريرِ بمقْنعٍ وبمخمرِ) (ألفَتْ أسنتنا الْوُرُود بمنهلٍ ... علقَتْ بِهِ علقَ النجيعِ الأحمرِ) (وسيوفنا هجرَتْ جوَار غُمُودها ... شوقاً لهامة كُلِّ أصيَدَ أصعَرِ) (فتخالُهَا لمَّا تجرَّد عِنْد مَا ... هاجَ القتامُ بوارقاً بكنهورِ) (وصَهِيل جُرْد الخيلِ خيل كَأَنَّهُ ... رَعْدٌ يزمجرُ فِي الجدا المثعنجرِ) (ودَمُ العدى متقاطرًا متدفقًا ... كالويلِ كالسيلِ الجرافِ الحورِ) (ورءوسُهُمْ تجْرِي بِهِ كجنادِلٍ ... قذفَتْ بهَا موج السيولِ المقمرِ) (غشيَتْهُمُ فِي العامِ منا فرقَةٌ ... تركَتْ فريقهم كسَبْسب أقفرِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 (أودَتْهُمُ قتلا وأطبقَهُمْ إِلَى ... أَن حطَّمَ الخطىُّ ظهرَ المدبرِ) (تركَتْ صحاريهم مَوَائِد ضمنَتْ ... أشلاء كُلّ مسود وغضنفرٍ) (ودعَتْ ضيوف الوَحْش تقريها بِمَا ... أقرى المهنَّد والوشيج السمهرِى) (فأجابَهُ مِنْ كُلِّ غيل زمرةٌ ... تحدو منارَ عملَّسٍ أَو قسورِ) (وأظلها ظلل نشاط سحابه المركُوم ... أَجْنِحَة البزاةِ الأنسرِ) (فبراثنُ الآسادِ تضبثُ فِي الكلا ... ومخالبُ العقبانِ تنشبُ فِي المَرِى) (شكَرَتْ صنيعَ المشرفيةِ والقنا ... إذْ لم تضفها الهبرُ غير مهبّرِ) (فغدَتْ قُبُورهم بطونَ الوحشِ مِنْهَا ... يبعثُونَ إِذا دعوا للمحشَرِ) (وخلَتْ دِيَارهمْ وأقوَى ربعُهُمْ ... وسرى السرىُّ مشمرا عَن شمرِ) (أنفَتْ من استقصاءِ قتلِ شريدِهِمُ ... كَيْمَا يخبر قَائِلا عَن مخبرِ) (فثنَتْ أَعِنَّة خَيْلنَا أجيادنا ... عَنْ قتلِ كُلِّ مزند وحَزَوَّرِ) (حَتَّى إِذا حَان القطافُ ليانعٍ ... من أرؤسٍ تركَتْ ولمَّا تؤترِ) (عصفَتْ بهم ريحُ المنونِ فألقحَتْ ... وتحركَتْ بزعازعٍ من صرصرِ) (فدعَتْ سراة كماتنا لقطافها ... بأناملِ القصْبِ الأصمِّ الأسمرِ) (فتجهزَتْ لحصادها فِي فيلقٍ ... لَو يسبحُونَ بزاخرٍ لم يزخرِ) (مَلأ تتوقُ إِلَى الكفاحِ نفوسُهُمْ ... توقانها للقا الرداحِ المعصرِ) (يغشون أبطال الوطيسِ بواسماً ... كالليْثِ أنْ يلق الفريسة يكشرِ) (وتخالهم فَوْقَ الجيادِ لوابساً ... سدا تموجُ بالحديدِ الأخضرِ) (فَإِذا هُمُ ازدحموا بجزعٍ وانثنوا ... أورَى زنادُ دروعهم نَارا ترِى) (جيشٌ طلائعه الأوابدُ إِن تصخْ ... لوجيبِهِ من قيدِ شهرِ تنفرِ) (بقتادة الملكِ المشيحِ كَأَنَّهُ ... بينَ العوالِى ضيغَمٌ فِي مزأرِ) (ملكٌ تدرَّعَ بالبسالةِ فاغتنَى ... يَوْم الوغَى عَنْ سابغٍ وَسَنوَّرِ) (ملكٌ تتوَّجَ بالمهابةِ فاكتفي ... عِنْد الطعانِ لفرقه عَن مغفرِ) (ملكٌ إِذا مَا جالَ يَوْمَ كريهةٍ ... لم تلق غَيْرَ مجدَّلٍ ومغفَّرِ) (ملكٌ يجهّزُ من جحافلِ رأيِهِ ... قبل الوقيعةِ جحفلاً لم ينظرِ) (ملكٌ تُسنم ذروةَ المجدِ الَّتِي ... مِنْ دونهَا المريخُ بل والمشترِى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 (ملكٌ تذكرنا مواقعُ عضبِهِ ... فِي الهامِ وقعةَ جدِّهِ فِي خيبرِ) (ملكٌ إِذا مَا جادَ حدث مُسْندًا ... عَن جودِهِ جودُ الغمامِ الممطرِ) (ملكٌ سما عَن أَن أُصَرِّحَ باسمه ... لسموِّهِ عَن كُلِّ وصفٍ مشعرِ) (ملكٌ قفا سنَنًا سنياً سنه ... للمجْدِ وَالِده الزكي العنصرِ) (ألأَشرفُ الشهْمُ الَّذِي خضَعَتْ لَهُ ... شُمُّ الأنوفِ وكلُّ جحجاحٍ سَرِى) (ألأَفضلُ السنَدُ الَّذِي بجنابه ... لاذَ الغطارفَة الألَى من حميرِ) (ألأكملُ الندْبُ الَّذِي أوصافُهُ ... أنسَتْ سما الوضاحِ وابْن المنذرِ) (ألأكرمُ المفضالُ مِنْ إحسانه ... أربَى على كسْرَى الملوكِ وقيصرِ) (ذُو الهمَّةِ الْعليا الَّذِي قد نَالَ مَا ... عَنهُ تقصِّرُ همةُ الإسكندرِ) (شرفاً تقاعَسَتِ الثوابتُ دونه ... لَو لم تُمدَّ بنوره لم تُزهرِ) (هَبْهَا بمنطقةِ البروجِ مقرُّها ... أمناهِز هَذَا بُنُوَّةَ حيدرِ) (كلا فكيْفَ بِمن حواها جَامعا ... نسبا سما بأبوَّةِ المدثرِ) (أعظِمْ بهَا من نسبةٍ نبويةٍ ... علويَّةٍ تنمى لأصلٍ أطهرِ) (قد شرفَتْ بدءاً بأشرفِ مرسلٍ ... وَنِهَايَة بالسيِّدِ الحسنِ السَّرِى) (فَخر الخلائفِ دُرَّة التاجِ الَّذِي ... بسواه هَامُ ذَوِى العُلاَ لم يفخرِ) (بَشَرٌ ولكنْ فِي صفاتِ ملائكٍ ... جُليَتْ لنا أخلاقُهُ فاستَبْصِرِ) (لم تلقه يومَىْ عطا ووغىً سَوى ... طَلْق المحيَّا فِي حلا المتبشرِ) (يلقى العفاةَ وقَدْ تلألأ وجهُهُ ... بسنا السرورِ وذاكَ أنضَرُ منظرِ) (يعفُو عَن الذنبِ العظيمٍ مجازياً ... جانيه بالحسنَى كأنْ لم يوزرِ) (يَا سيِّدَ الساداتِ دونَكً مِدْحَةً ... نفحَتْ بعرفٍ مِنْ نداكَ معطَّرِ) (قد فصِّلَتْ بلآلىء المدحِ الَّتِي ... وقَفَ ابنُ أوسٍ دونهَا والبحتُرِى) (وَافَتْكَ ترفُلُ فِي برودِ بلاغةٍ ... وبراعةٍ لبرودِ صَنْعَا تزدرِي) (صاغَتْ حلاها فكرةٌ قد زانها ... شَمَمُ الإباءِ من امتداحِ مقصِّرِ) (مَا شانها نَطْمُ القريض تكسُّبًا ... لَوْلَا مقامُكَ ذُو الْعلَا لم تشعرِ) (مَا شانها إِلَّا اكتسابُ فضائلٍ ... تغنيه عَن شَرَفِ العظامِ النُّخَّرِ) (فوردتُ منهَلَها الروىَّ فَلم أجدْ ... أحدا فنلْتُ صفاه غَيْرَ مكدرِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 (فَنَهَلْتُ مِنْهُ وعلَّنى بنميرِهِ ... ولبثْتُ وارده ولمَّا أَصْدُرِ) (وطَفِقْتُ فِيهِ غائصًا للآلىء ... فِي غَيْرِ نظمِ مديحِكُمْ لم تنثرِ) (لَا تدعُنِى الْعليا رضيعَ لبانِهَا ... إِن كنْتُ فِي تِلْكَ المقالَةِ مفترِي) (خُذْهَا عقيلَةَ كسْرِ خدرِ فصاحةٍ ... سفرتْ نقاباً عَن محيا مسفرِ) (جمعت فصاحةَ منطقِ الاعرابِ مَعْ ... حْسْنِ البيانِ ورقَّة المستحضرِ) (لَو شامَهَا قُسٌّ لما سُمِعَتْ لَهُ ... بعكاظَ يَوْمًا خطبةٌ فِي منبرِ) (شرفَتْ على مَا عارضَتْهُ بمدْحِ مَنْ ... أضحى القريضُ بِهِ كعقْدٍ جوهرِى) (فاستَجْلِهَا وافَتْ تهنِّى بِالَّذِي ... نفحَتْ بشائره بمسْكٍ أذفرِ) (نصرٌ تهزُّ بنوده ريحَ الصِّبَا ... خفقَتْ على هامِ الأشمِّ الحزمري) (هُوَ نجلُكَ المنصورُ دامَ مؤيداً ... بك أَيْنَمَا يَلْقَ العزيمةَ بظفرِ) (لازلْتُما فى ظِلِّ مجدٍ باذجٍ ... وجنودِ مُلْكِكُمُ ملوكُ الأعصرِ) (مستمسكينَ بِهَدْىِ جدِّكم الَّذِي ... بالرعْبِ ينصرُ مِنْ مَسَافَة أشهرِ) (أهْدى الإلهُ صلاتَهُ وسلامَهُ ... لجنابِهِ فِي طَىِّ نشرِ العبهرِ) (ولآلِهِ وصحابِهِ والتابعِينَ ... لَهُم بإحسانٍ ليومِ المحشرِ) (مَا استنشَقَ الأبطالُ فِي يوْمِ الوغى ... نَقْعَ العجاجِ لَدَى هياجِ العِثْيَرِ) وَقَالَ الإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ مادحاً أَبَاهُ ومتخلصاً إِلَى مدحه // (من الْكَامِل) // (قد أقبلتْ ريحُ الْقبُول بعثيرِ ... نفح الْقَبَائِل نفحة مِنْ عنبرِ) (فتأرجَتْ أرجاءُ مكَّةَ إِذْ رُوِي ... خَبَر الوقائعِ فِي المجامع عَنْ بَرِي) (إِذْ ضمخَتْ أَيدي الكماةِ بنَقْعِهِ ... وبمسها الْعود الرطيب السَّمْهرى) (فتمايَلَتْ عذباتُهُمْ بِشمَالِهِ ... لَا بالشمولِ وَلَا العبيرِ الأذفرِ) (هزَّتهم نَحْو الصِّبَا ريحُ الصّبَا ... والغَيْر هز بكلِّ نكبا صرصرِ) (هم فتيةٌ لَا يطربُونَ حياتَهُمْ ... إِلَّا بحربٍ أَو برحبٍ مقفرِ) (جوبُ المهامِهِ صَارَ منقبةً لَهُم ... أبدا وَهَذَا شانُ كلِّ غضنفرِ) (مِنْ كُلِّ أصيدَ لَا يرى متلفتاً ... لثباته بَين العديدِ الاكثرِ) (شهم عَلَنْدَى بالوشيجِ موشح ... لَا بالوثيجِ إِذا دعى فِي المحضرِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 (هُوَ فى المفرِّ كَمُشْمَخِرِّ راسخٍ ... ولدى المكرِّ ترَاهُ كالمُسْحَنْفِرِ) (لله قومٌ مَا جَنَوْا برماحهم ... إِلَّا رُءُوسًا أينعَتْ من مثمرِ) (كلا وَلَا نهلَتْ عطاشُ سيوفهم ... إِلَّا مِنَ العَلَقِ النجيع الأحمرِ) (قومٌ سواهُم بالسريرِ مجرَّدٌ ... وهُمُ سراةٌ فَوق جردٍ ضُمَّرِ) (ألفوا الدروعَ مدى الزمانِ غلائلاً ... أغنتْهُمُ عَن لبسِ كلِّ معصفرِ) (لَا يهتدونَ بجحفَلٍ من قسطلٍ ... إِلَّا بقدْحِ جيادِهِمْ فِي المحجرِ) (فهمُ كبَحْرٍ من حديدٍ مائرٍ ... عِنْد المسيرِ وتحتَهُمْ نارٌ ترِى) (حتَّى إِذا دخلَ النزالُ وهاجتِ الأبطالُ ... فِي الهيجا هياجَ مزمجرِ) (وبدَتْ زماخرُ كلِّ صنديدٍ إِذا ... مدَّ السواعد كَانَ قدماً زمخري) (يَدْعُو النزالَ إِلَى نزالِ مسعرٍ ... لَهب الوغَى مِنْهُ بأعسَر مسعرِ) (لاقاه غطريفٌ عَلَيْهِ سيطرٌ ... لَا يرتجي إِلَّا لقَاءَ عَشَنْزَرِى) (يلقى الكريهةَ فاغراً مُتَبَسِّمًا ... يخطو بمشيَةِ أرعَنٍ متبخترِ) (ويجرُّ عُجْبًا ذيلَ فاضتِهِ الَّتِي ... شملَتْهُ بَين مزرّدٍ ومزرّرِ) (يلقى المنونَ لِقا المُنَى بمهنَّدٍ ... لَا ينتضي إِلَّا بكَفِّ مقذحرِ) (دبَّتْ على متنيْهِ فِي حالِ المضا ... نملُ المنايا دبهَا فِي المحشرِ) (عافَ الجفير فَلَا مقرَّ لَهُ سوَى ... هامِ الشجاعِ الْمُقدم المتهورِ) (ظلم النفوسِ لظلمها ممزوجة ... بدَمِ النياطِ بغربِ ذَا الغضْبِ الفرِي) (ففرندُهُ مَا زَالَ وهْوَ مدبجٌ ... من أبيضٍ فِي أسودٍ فِي أحمرِ) (لصليلهِ فِي الهامِ فعلُ الصلِّ فى الملسوبِ ... مسلوب الفؤادِ المسهرِ) (قسما بِهِ إِن السيوفَ حديدَةٌ ... لَوْلَا يدُ الحسنِ المليكِ القسورِي) (ألسيدُ الجَحْجَاحُ أَفْضَلُ مَنْ بِهِ ... وبرأيه ظهَرَتْ نجابةُ حيْدَرِ) (ألباسلُ الصنديدُ من فرجَتْ لَهُ ... فِي مأزقٍ خطيَّة لم تقصرِ) (قد أنهلتهَا كفُّه نَحْر العِدَا ... فانْهَلَّ غَيث نجيعه المثْعَنْجِرِ) (سُمْرٌ عَوَالٍ للرُّدَيْنِ نماؤها ... تروى بِهِ علل الورُود المصدرِ) (قسما بهَا إِن العواليَ خوطَةٌ ... لَوْلَا يمينُ ابْن النبىِّ الأفخرِ) (ألباسلُ الشهْمُ الأشمُّ المرتقِي ... مَا قصَّرَتْ عَنهُ عزائمُ قيصرِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 (وتكسَّرَتْ آراءُ كِسرَى دونه ... فِي وتْرِ سيفٍ إِذْ حماه بعسكَرِ) (فَعُلاَ ابْن طه ليْسَ يبرحُ وَاضحا ... وَبِه يُرَى الوضاح شِبْهَ مقصِّرِ) (جَلَّ الأشمُّ ابنُ العرانينِ الألَى ... عَنْ أَن يقاسَ بِمثلِهِ ابنُ المنذرِ) (ثَبْتٌ إِذا نُوَبُ الزَّمَان تقاذفَتْ ... لَا بالغبىِّ بهَا وَلَا المستَنْكرِ) (مَا ظَنَّ أمرا سَابِقًا أَو لاحقاً ... إِلَّا رمَى عَن قوسِ غَيْبٍ موترِ) (أَو لَو يعادى الصَّخْر لانفلق الصَّفَا ... خَوْفًا فمنْ ذَا بَعْدَ هَذَا يجتري) (صُغرَى عزائمِهِ إِذا جابَ الفَلاَ ... تنحطُّ عَنْهَا همةُ الإسكندرِ) (لم يُلْفِ فِي حالَيْ رضاهُ وبطشِهِ ... أبدا سوَى متبسِّمٍ ومكشِّر) (كملَتْ بسالتُهُ فأنجَبَ سيداً ... قرَّتْ بِهِ عينُ الشريفِ حَزَوَّرِ) (ليثٌ مخالبُهُ الأسنةُ والظبا ... يغتالُ قلبَ الفارسِ المثعنجرِ) (ليثٌ صهيلُ الخيلِ أشهَى عِنْده ... من صوتِ مزمارٍ ورنَّةِ مِزْهَرِ) (ليثٌ يرى الصهواتِ أنعَمَ من علا ... ظَهْر الأريكةِ أَو تُسنم منبرِ) (ليثٌ أَشَارَ عَلَيْهِ والدُهُ ضحى ... لغزاةِ قومٍ شَمَّروا من شمّرِ) (فاقتادَ ظُهرًا جيشَهُ متوجِّهًا ... لَا بالونىِّ المبطىِء المستَخْبِرِ) (وَأَبُو علىِّ بينهمم متأوداً ... عِنْد الكفاحِ تأوُّد المستبشرِ) (أَلنصْرُ فِي أعلامِهِ والسعْدُ فِي ... إقدامِهِ والرعبُ مدَّة أشهرِ) (وبوجهِهِ نورُ النبوةِ ساطعٌ ... يُغْنِيه عَن ظَهْرِ الطرازِ الأخضرِ) (يلقى العدُوَّ مشهراً بعلامةٍ ... والغيرُ إنْ لاقَى فَغير مشهّرِ) (يأيها المولَى الإمامُ المرتضَى ... أنتَ الخليفةُ وارثُ المدَّثِّرِ) (قد قمتَ فِينَا منذرًا ولربِّكَ الأعْلَى ... نراكَ سموتَ كلَّ مكبرِ) (وثيابٌ كَ الْحسنى غدوْتَ مطهراً ... وهجرْتَ رُجْزًا لَا أقولُ لَك اهْجُرِ) (ومنحتَنَا منناً تطوِّقُ جيدنَا ... عقيانُهَا لَا منَّة المستكثرِ) (يَا بن الخلائفِ من قريشٍ هَذِه ... عُرَرُ الخلائقِ من أبيكَ الأطهرِ) (أوتيتَهَا قبذلْتَ واجبَ حقِّها ... وحميتَها من أصعَرٍ أَو أصغرِ) (وَالله قد أعطَاكَ مَا لَمْ يعطِهِ ... مَنْ قد مضَى فاحمَدْ إلهَكَ واشكُرِ) ثمَّ وَليهَا الشريف إِدْرِيس بن الْحسن وَذَلِكَ أَنه كَانَ الْمُعْتَاد فِي قَوَاعِد بني حسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 أَن يكون من يتفقون عَلَيْهِ ويختارونه هُوَ صَاحب الْأَمر فَاجْتمع حِينَئِذٍ الْأَشْرَاف جَمِيعهم وأعملوا رَأْيهمْ السديد وَحمد غب ذَلِك صينعهم فَاخْتَارُوا مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس بن الْحسن فولوه وأكبروه ورتبوه فِي الْولَايَة وصدروه وأشركوا مَعَه فِي الدُّعَاء على المنابر ابْن أَخِيه مَوْلَانَا الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن وأشركوا مَعَه أَخَاهُ السَّيِّد فهيد بن الْحسن فِي ربع مَا يتَحَصَّل من الأقطار الحجازية وَكَتَبُوا بذلك محضراً إِلَى الرّوم ثمَّ وصل الْجَواب كَذَلِك فاستمروا فَلَمَّا كَانَ يَوْم سَابِع ذى الْحجَّة الْحَرَام من سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف كَانَت عرضة المصرى وأميره الْأَمِير حُسَيْن الشهير بدَلِي حُسَيْن وَوصل مَعَه بِثَلَاث خلع لبس مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس الخلعة الأولى الْكُبْرَى وَهِي بِفَرْوٍ سمور تحتهَا خلعة مُنْفَصِلَة كالبطانة وَهَاتَانِ الخلعتان عَن خلعة وَاحِدَة وَلبس الشريف محسن خلعة بِلَا فرو وَلبس السَّيِّد فهيد خلعة كَذَلِك بِغَيْر فرو ووقف الشريف إِدْرِيس فِي المختلع إِلَى أَن توجه الْأَمِير حُسَيْن ثمَّ جَاءَ أَمِير الشَّامي وَهُوَ الْأَمِير طهماس فَنزع الشريف إِدْرِيس خلعة الفرو وَلبس خلعة الشَّامي وَهِي بِفَرْوٍ أَيْضا وَلبس الشريف محسن وَلبس السَّيِّد فهيد خلعتيهما وَكِلَاهُمَا بِغَيْر فرو وَكَانَت عرضة رائقة لم يحصل فِيهَا مُخَالفَة وأخلف الله الظنون الْمُخَالفَة وَفِي سلخ جُمَادَى الأولى من سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وصل من مصر هجان وَمُلَخَّص أوراقه أَن الشَّيْخ مُحَمَّد زين العابدين بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ مَاتَ فَجْأَة فِي القلعة فِي مجْلِس صَاحب مصر الْوَزير إِبْرَاهِيم باشا وَذَلِكَ بعد أَن تعشى عِنْده وَدخل مَعَه إِلَى الْخلْوَة وَشرع فِي قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب فَسقط على وَجهه فحركوه فوجدوه مَيتا رضى الله عَنهُ وَكَانَت وَفَاته فى ثامن عشر ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي آخر ربيع الثَّانِي مِنْهَا اجْتمعت عَسَاكِر مصر وَقتلت صَاحب مصر إِبْرَاهِيم باشا وَقتلت مَعَه مُحَمَّد بن خسرو وَلم تقتل سواهُمَا مَعَ أَنه كَانَ حَاضرا عِنْده جملَة من الْأُمَرَاء وقاضي مصر وَغَيره من الأكابر وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة أَيْضا دخل مصر باشا جَدِيد لَهَا اسْمه مُحَمَّد باشا وَهُوَ خَادِم قرجي الْجِنْس وَاسْتمرّ إِلَى ثَانِي ربيع الأول من سنة أَربع عشرَة بعد الْألف فعزل بالوزير حسن باشا الْوَاصِل من الْيمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 وَفِي شهر الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَقعت فتْنَة بِمَكَّة بَين الأتراك النازلين بالمعلاة وَبَين عبيد الشريف فَركب حَاكم مَكَّة يَوْمئِذٍ الْقَائِد رَاشد بن فايز فَلَمَّا أَن كَانَ بِرَأْس الْمُدَّعِي أَصَابَهُ سهم لَا يعلم من أَيْن جَاءَ فَوَقع فِي نَحره فَكَانَ فِيهِ نَحره وَكَانَ من بعض الدّور النَّازِل بهَا بعض التّرْك فَحمل قَتِيلا وفيهَا توفّي الشَّيْخ الملا عَليّ الْقَارِي بن سُلْطَان بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الْحَنَفِيّ الْجَامِع للعلوم الْعَقْلِيَّة والنقلية والمتضلع من السّنة النَّبَوِيَّة أحد جَمَاهِير الْأَعْلَام ومشاهير أولي الْحِفْظ والأفهام ولد بهراة ورحل إِلَى مَكَّة وتديرها أَخذ عَن خَاتِمَة الْمُحَقِّقين الْعَلامَة ابْن حجر الهيثمى وَشرح الْمشكاة والمشائل والوترية والجزرية وَله شرح على نخبة الْفِكر وَشرح على الشفا وَشرح على الشاطبية ولخص الْقَامُوس وَسَماهُ الناموس وَله الأثمار الجنية فِي أَسمَاء الْحَنَفِيَّة وَله غير ذَلِك لكنه امتحن بالاعتراض على الْأَئِمَّة لاسيما الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَاعْترض على الإِمَام مَالك فِي إرْسَال يَدَيْهِ وَلِهَذَا تَجِد مؤلفاته لَيْسَ عَلَيْهَا نور الْعلم وَمن ثمَّ نهى عَن مطالعتها كثير من الْعلمَاء والأولياء وَفِي سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف توفّي السَّيِّد صبغة الله بن روح الله الْحُسَيْنِي قطب مدَار الراسخين فِي الْعلم وَالْعَمَل الفحول وقلب أهل الإشارات والإلهام والوصول جبل عَرَفَات الْعرْفَان وحبل مستعصم رجال الْعَطف والحنان صَحبه الجم الْغَفِير وانتفع بِهِ الْجمع الْكثير أوفرهم حظاً مَوْلَانَا السَّيِّد مرزا كَمَا أَشَارَ هُوَ إِلَى ذَلِك فِي بعض مصنفاته بَيَانا ورمزاً وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا السَّيِّد أسعد الْبَلْخِي وَالشَّيْخ أَحْمد الشناوي توفّي بِطيبَة المنورة وَدفن بِالبَقِيعِ وقبره ظَاهر يزار رَحمَه الله رَحْمَة الْأَبْرَار وفيهَا ورد الْأَمر من مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم أَحْمد خَان بترميم المقامات الْأَرْبَعَة بِالْحرم الشريف على يَد شيخ الْحرم حسن بن مُرَاد الرُّومِي فرممت على أحسن وَجه وأتقنه وَفِي سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد الْألف توفّي السَّيِّد فهيد بن الْحسن بعد أَن شَارك أَخَاهُ الشريف إِدْرِيس وَابْن أَخِيه الشريف محسن بِالربعِ فِي جَمِيع الأقطار الحجازية الدَّاخِلَة تَحت حكم صَاحب مَكَّة المشرفة البهية فكثرت أَتْبَاعه من السَّادة الْأَشْرَاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 والحسنان والعسكر بِحَيْثُ صَار موكبه يضاهي موكب الْملك وَإِذا جلس وقفت التّرْك يَمِينا وَشمَالًا وَاتخذ جبالية للبندق نَحْو مِائَتَيْنِ أَو أَكثر وَلم يحفظ أَتْبَاعه وعبيده عَن النهب وَالسَّرِقَة فَكثر ضررهم على النَّاس وَشد قوسه على مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وإخائه واستل صارم الصرامة عَلَيْهِ فِي شدته ورخائه والشريف متورع عَن فتح بَاب المصارمة وصدع مَا لَا يلتئم بالجبر والملايمة فَلَمَّا زَاد كَمَا تَقوله الْعَامَّة المَاء على الدَّقِيق وَلَو حَظّ مَا حَقه التفخيم بالترقيق وَأخذ فهيد بِجَانِب أكمل الدّين القطبي وَأَرَادَ أَن يلْبسهُ قفطان لإفتاء قبل أَن يحرم ويلبي ووقف الشريف إِدْرِيس ذَلِك الْموقف واعتنق السمهري تعانقاً يثنى ولواء الْخَمِيس العرمرم يرعب ويرجف وَأقسم لَا يلبس القفطان إِلَّا وَقد ورد السنان نَحره فَقَالَ فهيد وَلَو خربَتْ الْبِلَاد فَقَالَ إِدْرِيس وَلَو خربَتْ قبل سجره فَعِنْدَ ذَلِك تراجعا إِلَى النَّهْي وفكرا فِي المبدا والمنتهى وعادا وَفِي قلب كل مِنْهُمَا وَقد وَأخذ مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس من ذَلِك فِي حل مَا مضى مَعَ فهيد من الْعَهْد خُصُوصا لما صمم القطبي وَرجع الْأَمِير وَلم يَجْعَل التفكر فِي عواقب الْأُمُور أصدق سمير وَدخل مَعَه إِلَى الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة وَلبس الخلعة الموصوفة وتجاهه من جمَاعَة الْأَمِير اثْنَان من الأساكفة أَرْبَاب التشهير وشق الشَّارِع الْأَعْظَم حَتَّى انْتهى إِلَى سويقة وصهيل خيله يسمع من كل شباك وطويقة كل ذَلِك عناد لسَيِّده ومولاه وكفران لمن خوله هَذِه النِّعْمَة وَأَوْلَاده فأضمر حِينَئِذٍ الشريف إِدْرِيس الحقد على أكمل الدّين كَذَا فِي سلافة الْعَصْر والأرج المسكي وَلما أَرَادَ الله انْقِضَاء مُدَّة فهيد وفراغ دولته تغير عَلَيْهِ فِي الْبَاطِن أَخُوهُ الشريف إِدْرِيس وَأرْسل لِابْنِ أَخِيه الشريف محسن بن حُسَيْن وَكَانَ إِذْ ذَاك بِالْيمن بِأَن يَأْتِي بِجَمِيعِ من مَعَه من الْأَشْرَاف والقواد وَالْعرب فَحَضَرَ وَمَعَهُ أَمِير حلى مُحَمَّد بن بَرَكَات الحرامى ونودى بِمَكَّة بِأَن الْبِلَاد لله وللسطان وللشريف إِدْرِيس والشريف محسن وخلع السَّيِّد فهيد من الذّكر وَمنع من الرّبع وَجعل مَا كَانَ لفهيد من ربع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 مغل الأقطار الحجازية لِابْنِ أَخِيه الشريف محسن وَلم يخْطب للسَّيِّد فهيد وخطب لمولانا الشريف إِدْرِيس أَولا ولمولانا الشريف محسن بعده ثَانِيًا كل هَذَا وفهيد فِي مَكَّة فِي بَيته وجموعه وافرة وعدته وعدده المتكاثرة فاستعد أَصْحَابه لِلْقِتَالِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ أعيانهم بِالْحَرْبِ فَامْتنعَ من ذَلِك وَطلب من الشريف إِدْرِيس شهر زمَان ليتأهب لِلْخُرُوجِ من مَكَّة بعد أَن طلب أَن يُمكن من سُكْنى مَكَّة بِغَيْر ربع فَامْتنعَ الشريف إِدْرِيس إِلَّا أَن يتَوَجَّه إِلَى حَيْثُ أَرَادَ من الْأَمَاكِن والبلاد فَخرج من مَكَّة سنة تسع عشرَة وَألف فانضم إِلَى بعض أكَابِر الْحَاج الْمصْرِيّ وَسَار إِلَى مصر وتاريخ قدومه فِي شهر صفر قدومكم خير سنة عشْرين وَألف ثمَّ مِنْهَا إِلَى الديار الرومية وَاجْتمعَ بسُلْطَان الرّوم فَيُقَال إِنَّه أنعم عَلَيْهِ بإمرة مَكَّة فعاجلته الْمنية قبل الأمنية كَذَا فِي تَارِيخ ابْن جَار الله وأرخ وَفَاته الأديب إِبْرَاهِيم بن يُوسُف المهتار بِأَبْيَات فَقَالَ // (من الرمل) // (مَا وُقُوفِي بطلولٍ ودِمَنْ ... غيَّرَتْ سُكَّانها أَيدي الزمَنْ) (لىَ شُغْلٌ عَنْ بُكَائِي رسْمَهَا ... وسؤالي قَفْرَهَا بعد السكَنْ) (بِالَّذِي أُسْمِعْتُهُ مِن خبرٍ ... حَرَمَ العينَ لَذَاذَاتِ الوَسَنْ) (نَعْيَ ذِي المجدِ الكريمِ المرتجَى ... حاوي الْعليا فهيد ذُو المِنَنْ) (فارج الكربِ وماضِى الغربِ فى الحَرْبِ ... غيثُ الجدبِ ذُو الفعلِ الحَسَنْ) (مَنْ أبَتْ همتُه إِلَّا الْعلَا ... ومراقِى عزِّها خَيْر ظعنْ) (وَاصل الرّوم فوافاه الردَى ... فِي بلادٍ باعدَتْ عَنهُ الوطَنْ) (ليتَ شعْرى أيُّ أيدٍ غيبَتْ ... فِي الثرى شخصَكَ مِن بَعدِ الكفَنْ) (هَل درَتْ مَا غَيَّبته من حِجًى ... ومعالٍ ونوالٍ فِي قَرَنْ) (إِن تحجبْتَ بأطباقِ الثرَى ... فأياديكَ بشامٍ ويَمَنْ) (لكَ ذكْرٌ بالثنا لَا ينقضِي ... صَار كالفَرْضِ على أهل السنَنْ) (رَحِمَ الرحمنُ مثوَى جدثٍ ... هُوَ فِي كلِّ فؤادٍ كالشجَنْ) (وَسَقَى الله تُرَابا ضمَّهُ ... صيِّبُ الرضوانِ مَا غيثٌ هَتَنْ) (قيلَ لي هلْ قلْتَ تَارِيخا لَهُ ... بارعاً تُمليه أربابُ الفِطَنْ) (قلتُ والخدُّ روٍ مِن أدمعِي ... والحشا بالكَرْبِ صَاد فِي حَزَنْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 (نصْف بيتٍ قد أَتَى تَارِيخه ... ماتَ بالروُّمِ فهيدُ بْنُ الحَسَنْ) وَفِي هَذِه السّنة كَانَت وَفَاة أكمل الدّين القطبي شَهِيدا بالأعاضيد اسْم مَحل بِهِ نخل ومزارع بَين الطَّائِف والمبعوث والمبعوث إِلَيْهِ أقرب والشريف إِدْرِيس إِذا ذَاك بالمبعوث وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا وَقعت قتلة بَين الجبالية وَبَين الحسنان والقائد جَوْهَر قباني حَاكم مَكَّة تعصبت الحسنان والقواد للقائد جَوْهَر فتحاربوا أَجْمَعِينَ على أَقْدَامهم بِخَط القشاشيين إِلَى الصَّفَا وَكَانَ الظفر للحسنان والقواد وَقتل بعض الجبالية وَفِي أَوَائِل الْعشْرين من ذِي الْحجَّة الْحَرَام من سنة عشْرين بعد الْألف وصل من الديار الرومية الباشا حسن المعمار بميزاب الْكَعْبَة المشرفة أرسل بِهِ السُّلْطَان أَحْمد ابْن مُحَمَّد خَان وَأمره أَن يَجْعَل لَهَا إزاراً من حَدِيد فَوْقه مثله من الْفضة المطلية بِالذَّهَب فبرز أَمر صَاحب مَكَّة مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس بن الْحسن إِلَى أكَابِر مَكَّة وعلمائها بِأَن يلْقوا الباشا حسن من الْحجُون ويمشوا أَمَام الْمِيزَاب فامتثلوا الْأَمر وبرزوا وَكَانَ ذَلِك فِي آخر النَّهَار فَدخل الْمِيزَاب إِلَى مَكَّة من الْحجُون وأمامه بعض طوائف الْأَذْكَار وهم يذكرُونَ الله تَعَالَى فَبعد إتْمَام مَنَاسِك ذَلِك الْعَام وقفول الْحجَّاج إِلَى بِلَادهمْ توجه إِلَى عمَارَة الْعين وَكَانَ مَأْمُورا بذلك وصحبته أَمْوَال من جَانب السلطنة فاتفق عمل ذَلِك وأتمه ثمَّ إِنَّه ركب ميزاب الْكَعْبَة بعد قلع ميزابها وَأرْسل إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة وَجعل الْإِزَار الْمَأْمُور بِهِ على الْكَعْبَة وَاسْتمرّ الْإِزَار عَلَيْهَا إِلَى أَن اتّفق سُقُوط بعض الجدران فِي دولة الشريف مَسْعُود ابْن إِدْرِيس عَام تسع وَثَلَاثِينَ بعد الْألف كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله وَقد تقدم ذكر بعض ذَلِك فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد خَان فِي الْبَاب الْمَعْقُود لدولة العثامنة أدامهم الله وأدام بهم الدُّنْيَا آمِنَة وَفِي سنة إِحْدَى وَعشْرين بعد الْألف وصل الْوَزير حاجي مُحَمَّد باشا مُنْفَصِلا عَن وزارة الْيمن وَكَانَ دُخُوله إِلَى مَكَّة غرَّة شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَصَامَ رَمَضَان وَتصدق وَفعل أفعالاً عديدة من الْخيرَات وَكَانَ وصل مَعَه فِي مركبه الْوَاصِل بحراً فيل صَغِير أَرَادَ أَن يهديه إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة العثمانية ثمَّ إِن هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 الْفِيل اسْتمرّ بجدة أَياماً فجَاء الْخَبَر بِمَوْت السُّلْطَان عُثْمَان بن أَحْمد خَان ثمَّ انتقَل حاجي مُحَمَّد الْمَذْكُور لَيْلَة سَابِع عشري شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن ضحى صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة بالمعلاة وبنيت عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة بَاقِيَة إِلَى الْيَوْم وَوَقع سنة وُصُول الْفِيل غلاء شَدِيد بِمَكَّة قَالَ فِيهَا الْعَلامَة مَوْلَانَا عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ تَارِيخا وَهُوَ على غير الأبحر المتداولة وَنَصه (حَرَّمَ الله حِلَّ ساحتِهِ ... قَدم الْفِيل ضَلَّ عَن رُشْدِهْ) (كثر الهَمّ يَا فَتَى أَرِّخْ ... سَنَةُ الفيلِ همها يشدهْ) وَفِي عَام ثَلَاث وَعشْرين بعد الْألف فِي شهر محرم الْحَرَام مِنْهَا وَقع مطر عَظِيم وَفِيه برد كبار كل بردة مِنْهُ قدر شربة المَاء بل أكبر وَفِي سنة أَربع وَعشْرين توفّي الأديب برهَان الدّين بن مُحَمَّد بن مشعل العبدلي السالمي الْمَكِّيّ كَانَ شَاعِرًا ماهراً لَهُ قصائد طَوِيلَة يمتدح بهَا الشريف الْحسن بن أبي نمي وَغَيره فَمن شعره فِي مليح يهواه وَهُوَ يهوى الراح قَوْله // (من مجزوء الْكَامِل) // (شَمْس الطلا بَدْرِى غَدا ... لم يَصْحُ مِنْ تعليلها) (فالراحُ قتلةُ قاتلىِ ... وَأَنا قتيلُ قِتيلِهَا) توفّي بِالطَّائِف مجاوزاً السّبْعين وفيهَا توفّي الشَّيْخ نور الدّين الزيَادي شَافِعِيّ زَمَانه القطب الْعَارِف بِاللَّه فِي أَوَانه قَالَ فِي الريحانة حضرت دروسه زَمَانا طَويلا وَهُوَ كَمَا قلت فِيهِ // (من الوافر) // (لنورِ الدّين فضْلٌ لَيْسَ يَخْفَى ... تضىءُ بِهِ الليالِى المدلهمَّهُ) (يريدُ الحاسدونَ ليطفئُوهُ ... ويأبى الله إِلَّا أَن يُتِمَّهْ) وَله حاشيه على شرح الْمنْهَج وَأخذ عَنهُ كَثِيرُونَ وَفِي سنة خمس وَعشْرين وَألف لليلتين بَقِيَتَا من شعْبَان مِنْهَا ورد الْأَمر السلطاني من حَضْرَة السُّلْطَان أَحْمد على يَد الباشا حسن أَفَنْدِي بِعَمَل شباك نُحَاس فِي بِئْر زَمْزَم ليمنع كل مَا يسْقط فِيهَا من آدَمِيّ وَغَيره فَجعل على قدر تدوير فَم الْبِئْر وَجعل لَهُ سِتّ سلاسل وربطتَ بالحديد الدائر على فمها وَصَارَ المَاء فَوق الشباك نَحْو ثُلثي قامة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 وفيهَا توفّي الشريف حَازِم بن رَاجِح بن أبي نمي الحسني كَانَ من أكَابِر السَّادة وأعيانهم يرجعُونَ فِي الْمُهِمَّات إِلَى رَأْيه السعيد وتدبيره الحميد بلغ من الحزم منتهاه وطابق اسْمه مُسَمَّاهُ وَقد كَانَ رَحل مَعَ وَالِده رَاجِح بن أبي نمي إِلَى مصر حِين عزم إِلَيْهَا منافراً لِأَخِيهِ الشريف ثمَّ بعد انْتِقَال وَالِده رَاجِح الْمَذْكُور بِمصْر رَجَعَ إِلَى مَكَّة فَأكْرمه عَمه الشريف حسن وَاعْتذر حَازِم عَن عزمه مَعَ وَالِده بِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ خلاف وَالِده فَقبل عَمه الشريف حسن عذره قَالَه فِي الْجَوَاهِر والدرر وفيهَا توفّي السَّيِّد سَالم بن مُحَمَّد السنهوري الْمَالِكِي الْمصْرِيّ أدْرك ناصراً اللَّقَّانِيّ وَأخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الغيطي وَغَيره وتفنن فِي الْعُلُوم وَمهر فِي الْفِقْه حتىّ صَار مُعْتَمد الْمَالِكِيَّة فِي عصره لَهُ تَعْلِيق على مُخْتَصر خَلِيل وَقد كَانَ للشريف إِدْرِيس من العبيد المولدين وَمن الرَّقِيق الجلب مَا يزِيد على الأربعمائة وَمن المقاديم من الْعَرَب جمَاعَة وَكَانُوا فِي أَشَر وبَطَر وتِيهٍ وعَسَر وتجمل ظَاهر يتخيل الْوَاحِد مِنْهُم نَفسه الْملك القاهر وَكَانَ من خُدَّامه وَزِير مَكَّة الْقَائِد أَحْمد بن يُونُس وَإِن كَانَ وَلَاؤُه لِذَوي بَرَكَات فَلَمَّا كَانَ النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَعشْرين وَقعت فتْنَة سَببهَا أَن الْقَائِد أَحْمد بن يُونُس وَهُوَ الْوَزير على مَكَّة من قبل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وَكَانَ وَزِير مَوْلَانَا الشريف محسن الْقَائِد ياقوت بن سُلَيْمَان وَكَانَ مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب نَائِبا فِي مَكَّة عَن عَمه الشريف إِدْرِيس لغيبته فى الشرق كَانَ قد استفحل أمره وَعظم حَتَّى صَارَت الْأُمُور كلهَا منوطة بِرَأْيهِ وتدبيره موكولة إِلَى تَقْدِيمه وتأخيره فتوافق مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس ومولانا الشريف محسن فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد يَأْمُرهُ بِأخذ الْمهْر وَهُوَ مهر الْعرُوض من الْقَائِد أَحْمد وَكَذَلِكَ أرسل مَوْلَانَا الشريف محسن إِلَى الْقَائِد ياقوت بن سُلَيْمَان بِأخذ مهره مِنْهُ فَفعل كل مَا أَمر بِهِ وَكَانَ الْأَخْذ الْمَذْكُور فِي صَبِيحَة عَاشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَحِينَئِذٍ شاع فِي الْبَلَد عزل أَحْمد بن يُونُس وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس إِلَى الْقَائِد ريحَان بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 سَالم حَاكم مَكَّة يَأْمُرهُ بالوصول إِلَيْهِ إِلَى الشرق فَقدم إِلَيْهِ فقلده منصب الوزارة فوصل إِلَى مَكَّة فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وَوصل الْخَبَر إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب بِأَن الْقَائِد أَحْمد بن يُونُس يُرِيد الرّكُوب عَلَيْك وَقد اجْتمع عِنْده الْعدَد وَالْعدَد وَوصل الْخَبَر إِلَى الْقَائِد أَحْمد بذلك أَيْضا فَركب كل مِنْهُمَا بعد أَن ألبس ووقف عِنْد بَاب دَاره ثمَّ انجلى الْأَمر وَظهر أَن مَا أخبر بِهِ كل مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ أصل فَأرْسل مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب إِلَى مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس ومولانا الشريف محسن بذلك فَلَمَّا كَانَ الْعشْر الْأَخير عزم الْقَائِد أَحْمد إِلَى مَوْلَانَا الشريف بالمبعوث وَكَانَ قد وصل إِلَيْهِ الشريف من مَحَله الأول فَأَقَامَ الْقَائِد أَحْمد هُنَاكَ فجَاء الْأَمر إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بِأخذ أَمْوَال الْقَائِد من دَاره وكل مَا حوله وَأَن يحفظ على ذَلِك فَلَمَّا أَن كَانَت لَيْلَة الْعِيد حصلت حَرَكَة من آخر اللَّيْل عِنْد بَيت السَّيِّد مُحَمَّد وتفريق سلَاح وأدراع فَنزل إِلَى الْمَسْجِد وَصلى صَلَاة الْعِيد فَقَط وبرز من الْمَسْجِد قبل الْخطْبَة وعزم بالجيش إِلَى الْبُسْتَان بُسْتَان ابْن يُونُس فختم على أَمْوَاله كلهَا وَأمر أَن ينزل الْبَعْض مِنْهَا إِلَى الْبَلَد وَاسْتمرّ هُوَ إِلَى بعد صَلَاة الظّهْر وَنزل والجيش مَعَه بعد أَن ختم على بَقِيَّة الْأَمْوَال وَقبض على جمَاعَة من المنسوبين إِلَى أَحْمد وحبسهم بعد أَن ختم على بُيُوتهم ثمَّ فكوا بعد وُصُول مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس إِلَّا إِبْرَاهِيم بن أَمِين كَاتب أَحْمد وَأعظم المقربين إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يزل مسجوناً إِلَى أَن قضى الله عَلَيْهِ فِي السجْن وَأما أَحْمد فَإِنَّهُ اسْتمرّ بالمبعوث فثارت بِسَبَبِهِ فِي ثَانِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة بَين ذَوي حسن وَذَوي بَرَكَات فتْنَة أدَّت إِلَى الإدراع والإلباس ثمَّ رَحل إِلَى كلاخ فَأَقَامَ بهَا ثمَّ رَحل مِنْهَا إِلَى جِهَة الشَّام فَلَمَّا أَن كَانَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق رَجَعَ فوصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وَهُوَ بالشرق فِي السّنة الْمَذْكُورَة فسجنه وكبله بالحديد ثمَّ قَتله فِي السّنة الْمَذْكُورَة أَيْضا فِي مَحل يُقَال لَهُ وَادي النَّار وَدفن هُنَاكَ فسبحان الفعال لما يَشَاء وَقد كَانَ هَذَا الْوَزير فِي قُوَّة من المَال وَالرِّجَال قد اشْتغل بِالْحَال وَلم يفكر فِي الْمَآل وَسَار صيته فِي الْآفَاق وَأكْثر الدخل وَأَقل الْإِنْفَاق وَكَانَ ذَا تَدْبِير لأحواله حَتَّى جَاوز الْحُدُود فَوَقع بِهِ مَا قَضَاهُ الْملك المعبود اللَّهُمَّ عَافِيَة غير عَافِيَة ورأفة مِنْك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 وافية كَافِيَة كَذَا فِي الأرج المسكي وَفِي سنة سبع وَعشْرين فِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا قلع الشباك النّحاس الَّذِي عمل لبئر زَمْزَم الأفندي السَّيِّد مُحَمَّد بن مصطفى الفناري لما قيل لَهُ إِن مَاء زَمْزَم تغير طعمه بِسَبَب ذَلِك الشباك وَأَن الدَّلْو إِذا وَقع رُبمَا أمْسكهُ أَن يصعد وَفِي سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَعشْرين وَألف فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى مِنْهَا توفّي السَّيِّد مَنْصُور بن أبي نمي بِمَكَّة وخطب لَهُ على زَمْزَم بعد مَوته وَهُوَ آخر أَوْلَاد الشريف أبي نمي موتا وسنه نَحْو سبعين سنة وَرَأى أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاد أبي نمي وَدفن بالمعلاة وَكَانَت جنَازَته حافلة وفيهَا غزا الشريف محسن بن الْحُسَيْن بجيلة ونواحيها وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشري الشَّهْر الْمَذْكُور من السّنة الْمَذْكُورَة وَقع فِي الْمَسْجِد الْحَرَام طراد عَجِيب بِسَبَب أَن جبلياً أَرَادَ الطّواف فأودع سَيْفه عِنْد رجل هندي فَمر بِهِ رجل تركي فابتدر الْهِنْدِيّ السَّيْف وَقتل التركي فثار النَّاس على الْهِنْدِيّ فطردهم إِلَى بَاب الصَّفَا فتكاثر النَّاس على الْهِنْدِيّ ورموه بِالْحِجَارَةِ فطردهم ثمَّ أحاطوا بِهِ وضربه رجل عِنْد زَمْزَم بإبريق فزلق بالبلاط وطاح فَضرب بجنبية وَمَات التركي والهندي وَفِي لَيْلَة الْأَحَد الرَّابِعَة وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا توفّي السَّيِّد منجد بن رَاجِح ابْن أبي نمي بالمبعوث وَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة وَكَانَ من أَعْيَان أَشْرَاف مَكَّة يُوصف بِالْكَرمِ وَفِي رَجَب مِنْهَا توفّي السَّيِّد قَتَادَة بن ثقبة بن أبي نمي وَدفن بالمعلاة وفيهَا أَو الَّتِي بعْدهَا توفّي الْعَلامَة عبد الرءوف الْمَنَاوِيّ شَارِح الْجَامِع الصَّغِير شرحين وَله تَرْتِيب الشهَاب وَشَرحه وَشرح أدب الْقَضَاء وطبقات الصُّوفِيَّة والأرغام وَغير ذَلِك رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف توغل مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس وَابْن أَخِيه مَوْلَانَا الشريف محسن فِي الشرق ووصلا بالفريق إِلَى قرب الأحساء واجتمعا بذوي عبد الْمطلب وَكَانُوا فِي الْعَام الْمَاضِي نافروا عمهم الشريف إِدْرِيس فَقَامَ الشريف محسن فِي موافقتهم لعمهم فتم ذَلِك وَطَابَتْ نُفُوسهم وَوصل الشريفان بفريقهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 إِلَى الأحساء وَضربت خيامهم قبالة الْبَاب القبلي من سور الأحساء وَأكْرمهمْ صَاحبهَا عَليّ باشا الْكَرَامَة التَّامَّة وَأَقَامُوا نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام وَلم يتَّفق لأحد من أَشْرَاف مَكَّة المتولين من القتاديين وُصُول الأحساء كَمَا اتّفق لهذين الشريفين وفيهَا فِي ثَالِث ربيع الثَّانِي دخل الشاه بَغْدَاد وَأَخذهَا من يَد المتغلب عَلَيْهَا من باشوات السلاطين بني عُثْمَان وَسبب ذَلِك أَن رجلا من عسكرها يُسمى بكر تغلب عَلَيْهَا وانبسطت يَده على مملكتها حَتَّى صَار إِذا جَاءَ الباشا السلطاني العثماني مُتَوَلِّيًا عَلَيْهَا لَا ينفذ من حكمه إِلَّا مَا نفذه بكر الْمَذْكُور وَغلب على بكر أَيْضا وَلَده مُحَمَّد وَلكُل فِرْعَوْن مُوسَى فوصل إِلَيْهَا وَزِير اسْمه أَحْمد حَافظ بِجَيْش كَبِير فَلَمَّا رأى بكر ذَلِك أغلق أَبْوَاب بَغْدَاد وَأرْسل إِلَى الشاه ليمكنه من الْبِلَاد وَتبقى لَهُ رقبته وَمَاله فَأتى الشاه بعسكره فَلَمَّا رأى أَحْمد حَافظ قُوَّة الشاه أرسل الخلعة والتأمين لبكر ثمَّ انْصَرف رَاجعا وَلم يزل الشاه فِي ذَلِك الْمَكَان وَأعْطى مُحَمَّد بن بكر العهود بِأَن يَجعله نَائِب الْبِلَاد ويؤمنه كَمَا طلب على رقبته وَمَاله فَفتح الْبَاب بَاب السِّرّ فَدخل عَسْكَر الشاه وأظهروا أَنْوَاع الطغيان وَقتلُوا بكرا وَجَمِيع أَهله شَرّ قتلة وَقتلُوا أهل السّنة جَمِيعهم ثمَّ خرج الشاه مِنْهَا وَأقَام فِيهَا خَانا من خاناته فَأرْسل سُلْطَان الرّوم العثماني وزراء مَعَهم الجيوش الجرارة لأخذها فَلم يحصل من أحد فتحُها حَتَّى قدر الله تَعَالَى فتحهَا على يَد السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان كَمَا سَيَأْتِي ذكره فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وفيهَا توفّي السَّيِّد دخيل الله بن ثقبة بن أبي نمي فِي بيشة وَدفن بهَا وَكَانَ من أجلاء الْأَشْرَاف ورءوسهم وَذَوي الرَّأْي مِنْهُم وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع رَمَضَان مِنْهَا مَاتَ السَّيِّد أَبُو نمي بن عبد الْكَرِيم بن حسن ابْن أبي نمي بالمبعوث وَحمل إِلَى مَكَّة وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن رَمَضَان الْمَذْكُور دخل حيدر باشا مُتَوَلِّيًا الْيمن فنصب دكة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فصلى عَلَيْهَا فَأنْكر عَلَيْهِ الملا مُحَمَّد مكي فروخ ورماه بِالْحِجَارَةِ فَتَبِعَهُ الْعَامَّة فَأمر بلزمه فَلَزِمَ وَقَالَ لَا بُد من ضربه خَمْسمِائَة ثمَّ طلبه وَلم يضْربهُ وَجمع فِيهَا الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة ونائب المحكمة وَأثبت أَنه مَا فعل ذَلِك إِلَّا لعذر وَكتب ذَلِك فِي السّجل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وفيهَا يَوْم عيد الْفطر كَانَت وَفَاة الإِمَام عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ وَهُوَ الإِمَام الَّذِي تصدر فِي محراب الْعلم والإمامة وتسنم صهوة جموح الْفضل وَملك زمامه من رفع للعلوم أرفع رايه وَجمع بَين الرِّوَايَة والدراية فَأصْبح وَهُوَ كاسر الوساده بَين الْأَئِمَّة والساده يشنف المسامع بفرائد كَلَامه ويبهج النواظر بِمَا تدبجه أنامل أقلامه إِذا انفهقت بشقاشق قالِهِ لَهاتُهُ ثَبت حق إفصاح الْكَلَام وَبَطلَت ترهاته إِلَى نسب فِي صميم الشّرف عريق وَحسب غُصْن مجده بالمعالي وريق وَبَيت لم لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِمَام وخطيب وأديب فَنَنُ فضلِهِ فِي رياض الْأَدَب رطْب والطبريون سادة من غير الْفضل بريئون وَهَذَا الإِمَام وَاسِطَة عِقدهم ورابطة عقدهم ومحيي آثَارهم والآخذ من الدَّهْر بثأرهم صنَّف وَألف وَسبق وَمَا تخلف أما الْأَدَب فرَوضه الممطور وحَوضه الراوية مِنْهُ السطور كَانَت لَهُ عدَّة من المصنفات مِنْهَا شرح الدريدية الْمُسَمّى بِالْآيَاتِ الْمَقْصُورَة على الأبيات الْمَقْصُورَة وَحسن السريرة فِي حسن السِّيرَة وَشرح بديعيته الَّتِي على منوال بديعية ابْن حجَّة الْمُسَمّى على الْحجَّة بِتَأْخِير أبي بكر بن حجَّة ونشآت السلافة بمنشآت الْخلَافَة وَشرح قِطْعَة من ديوَان المتنبي سَمَّاهُ الْكَلم الطّيب على كَلَام أبي الطّيب وَله عدَّة رسائل وَغير ذَلِك من حواش وتعليقات وإنشاء ومكاتبات تهيج البلابل وَتحقّق لَوْلَا أَنَّهَا حَلَال سحر بابل أم بالمسليمن فِي الْمقَام بِبَلَد الله الْأمين واتصل بِقرب سُلْطَان مَكَّة ونواحيها وحامي جهاتها وضواحيها مَوْلَانَا الشريف حسن بن أبي نمي فحصلت لَهُ من جنابه الْعَظِيم مكانة أَي مكانة وزادت علوه رفْعَة وأعلت مَكَانَهُ بِحَيْثُ حَملته على تأليف غَالب مؤلفاته الْمَذْكُورَة برسمه وَجعلهَا خدمَة لخزانته المعمورة متوجة بلقبه واسْمه أثمرت عزا فِيهِ يتنافس الْمُتَنَافسُونَ وأينعت مجداً يُقَال فِيهِ لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ هطلت على غرائسها سحائب الإنعامات الحسنية ونشرت على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 دوحاتها خلع الإجلال السّنيَّة وَلما وصل إِلَيْهِ بشرح الدريدية وَقَرَأَ ديباجته لَدَى حَضرته الْعلية وَذكر لَهُ أَنه أنشأ بَيْتَيْنِ هما تَارِيخ تَمام تأليفه وجعلهما على لِسَان الْكتاب وَأرَاهُ إيَّاهُمَا تنَاول الشريف حسن الْكتاب بِيَدِهِ الشَّرِيفَة وَقَرَأَ الْبَيْتَيْنِ وهما // (من مجزوء) // الرجز (أرَّخَنِى مؤلّفي ... ببيتِ شعْرٍ مَا ذهَبْ) (أحمدُ جود مَاجِد ... أجازني أَلْف ذَهَبْ) فَتَبَسَّمَ مَوْلَانَا الشريف وَوضع الْكتاب فِي حجره وَوضع يَده الشَّرِيفَة على رَأسه وَقَالَ على الرَّأْس وَالْعين وَالله إِن ذَلِك نزر يسير فِي مُقَابلَته وَإِنِّي أَحْمد الله تَعَالَى الَّذِي أوجد مثلك فِي زمني ثمَّ لما كَانَت أَيَّام وَفَاته ووصلت مطايا عمره إِلَى غَايَة مَحَله وميقاته وَذَلِكَ فِي زمن مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس بن حسن كَانَ سَببه الْمُقدر فِي كِتَابه المسطر أَنه انتابت خطْبَة الْعِيد أحد ولديه وَكَانَت أول خطْبَة حصلت لَدَيْهِ فتهيأ للْقِيَام بأدائها وأرهف عضب لِسَانه لإبدائها فَمَنعه بعض أُمَرَاء الأروام الواردين إِلَى مَكَّة تِلْكَ الأعوام يُسمى حيدر باشا وَرغب فِي أَن يكون حَنَفِيّ الْمَذْهَب وأخاف من تعرض لَهُ وَأمره وأرهب فَضَاقَ بِالْإِمَامِ نجده ووهده وَجهد فِي إِزَالَة الْمَانِع فَلم يجد جهده لِأَن مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس لم يكن فِي ذَلِك الْوَقْت بِالْبَلَدِ فَلَمَّا لم يحصل إِلَّا على الْيَأْس وَلم يلق لضنا دائه من آس صعد كرسيه وتنفس الصعدا فَفَاضَتْ نَفسه لوقته كمدا وَألقى على كرسيه جسداً وقدمت جنَازَته ذَلِك الْيَوْم للصَّلَاة عَلَيْهِ والخطيب على الْمِنْبَر نَاظر إِلَيْهِ وَقيل إِنَّه مَاتَ مسموماً وَكَانَت وِلَادَته سنة سِتّ وَسبعين وستعمائة وأرخت بِمَا نَصه أشرف المدرسين رَحمَه الله تَعَالَى وَلما بلغ الشريف إِدْرِيس وَفَاته بذلك تَعب تعباً شَدِيدا لما كَانَ للْإِمَام عبد الْقَادِر عِنْده من الْمحبَّة فَدخل مَكَّة رَابِع شَوَّال وَمَعَهُ الشريف محسن وَجمع الْأَشْرَاف والقواد فِي موكب عَظِيم وأكرمهما حيدر باشا غَايَة الْإِكْرَام قطلبا مِنْهُ التَّوَجُّه إِلَى الْيمن وأحضر لَهُ مَا يَحْتَاجهُ من إبل وَغَيرهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف قبيل الظّهْر من يَوْم الْأَحَد سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة وَقع مطر عَظِيم سَالَتْ مِنْهُ أَوديَة مَكَّة وامتلأ مِنْهُ الْمَسْجِد الْحَرَام وَعلا المَاء حَتَّى حَاذَى الْحجر الْأسود فَقَالَ الشَّيْخ مَحْمُود الحناوي تَارِيخا فِي ذَلِك وَهُوَ من الْحسن بمَكَان // (من السَّرِيع) // (قد جَاءَنَا سَيْلٌ مِنَ الله فِي ... جُمَادىَ الآخر يَا ذَا النَّظَرْ) (فى مسجدِ الله الحرامِ الَّذِي ... سعَتْ إِلَى علياًه كُلُّ البَشَرْ) (سيلٌ عظيمٌ مَا رُئِى مثلُهُ ... تَارِيخه ألماءُ حَاذَى الحَجَرْ) وفيهَا توفّي الشَّيْخ الأمجد شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عَلان فِي الْيَوْم السَّادِس عشر من شعْبَان مِنْهَا الصديقي الشَّافِعِي وَدفن بالمعلاة بِالْقربِ من قبر السيدة خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ كَانَ إِمَام التصوف فِي زَمَانه وأوحد علومه وعرفانه وفيهَا فِي شعْبَان توفّي السَّيِّد الْجَلِيل الرئيس النَّبِيل أَبُو الْقَاسِم بن بشير بن أبي نمي فِي الشرق وَحمل إِلَى مَكَّة وخطب لَهُ على زَمْزَم كعادة أسلافه ثمَّ توفّي فِيهِ أَيْضا أَخُوهُ السَّيِّد بَرَكَات بن بشير بِمَكَّة فَجْأَة بعد موت أَبى الْقَاسِم بأَرْبعَة أَيَّام ثمَّ توفّي فِيهِ أَيْضا السَّيِّد عَليّ بن أبي طَالب بن حسن بِمَكَّة وخطب لَهُ على زَمْزَم وَاسْتمرّ الشريف شَرِيكا لِعَمِّهِ الشريف إِدْرِيس على صدق الْكَلِمَة والنصح فِي الألفة بِالْخدمَةِ والمساعدة فِي الْأَحْوَال والمعاضدة لَهُ فِي المؤيدات الثقال إِلَى أَن اجْتمع أهل الْحل وَالْعقد وَمن إِلَيْهِم الْمرجع من قبل وَمن بعد من بني عَمه السَّادة الْأَشْرَاف الذابين عَن حمى هَذِه الأكناف وَالْعُلَمَاء والصلحاء وأعيان سكان الْبَطْحَاء فَرفعُوا الشريف إِدْرِيس عَن ولَايَة الْحجاز ومنعوه من أَن تكون لَهُ علاقَة فِي ذَلِك الْمجَاز ووسدوا الْأَمر إِلَى السَّيِّد الشريف المحسن ووكلوا الْحَال إِلَيْهِ فِي حفظ هَذَا الموطن فأشيع فِي الْبَلَد يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث محرم الْحَرَام من سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف أَن السَّادة الْأَشْرَاف قد أَقَامُوا الشريف محسن مُسْتقِلّا بِالْأَمر فَحصل بَين الشريف إِدْرِيس وَبَينه بِسَبَب ذَلِك مَا يُوجب المنافرة وَحصل اضْطِرَاب عَظِيم فِي الْبَلَد وحركة كَبِيرَة وَقسمت آلَات الْحَرْب من الْجَانِبَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 فَلَمَّا كَانَت صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس رَابِع محرم الْحَرَام من السّنة المذكورهَ ألبس كل من الشريفين بِمن مَعَهُمَا من العساكر والجنود ووقف على بَاب دَاره فبرز من جمَاعَة مَوْلَانَا الشريف محسن شرذمة من جَانب عقد مَوْلَانَا السَّيِّد بشير وبنية النداء بِالْبَلَدِ لمولانا الشريف محسن اسْتِقْلَالا بمفرده فَقبل وصولهم العقد رَمَتْهُمْ الجبالية المرصدون فِي مدرسة السَّيِّد العيدروس بالبندق وَقتل من الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين بالبندق مَوْلَانَا السَّيِّد سُلَيْمَان بن عجلَان بن ثقبة والقائد مرجان بن زين العابدين وَزِير مَوْلَانَا الشريف محسن فَرجع الْبَاقُونَ وَفِي ضحى هَذَا الْيَوْم ركب مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب وَمَعَهُ رَحل والمنادي بَين يَدَيْهِ يُنَادي بالبلاد للشريف محسن وَلم يزل هَذَا الِاضْطِرَاب بِالْبَلَدِ ذَلِك الْيَوْم جَمِيعه وَمن ألطاف الله تَعَالَى أَن الْجَمَاعَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام قَائِمَة ذَلِك الْيَوْم والأسواق مَوْجُودَة فِيهَا الأقوات لم يحصل تغير أصلا فِي ذَلِك الْيَوْم فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس محرم الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَقع الصُّلْح بَين الشريفين على أَن يسْتَقلّ مَوْلَانَا الشريف محسن بِالْبَلَدِ وَيكون الْكَفّ عَن الْمُحَاربَة سِتَّة أشهر مِنْهَا ثَلَاثَة يكون مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس فِيهَا بِالْبَلَدِ وَثَلَاثَة بِالْبرِّ فاتفق الْحَال على ذَلِك ودعا الْخَطِيب لمولانا الشريف محسن بمفرده يَوْم الْجُمُعَة كَذَا نَقله المرحوم الإِمَام على ابْن المرحوم الْعَلامَة الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه وَالَّذِي نَقله غَيره من الثِّقَات أَن مَوْلَانَا الشريف إِدْرِيس لما ضويق وأجلبت عَلَيْهِ السَّادة الْأَشْرَاف وَمن مَعَهم أرسل الشريف إِدْرِيس إِلَى الشريف محسن والسادة الَّذين مَعَه فَطلب مهلة شَهْرَيْن فِي الْبَلَد وَأَرْبَعَة أشهر خَارِجهَا ليتأهب للسَّفر إِلَى حَيْثُ شَاءَ فَأعْطَاهُ الشريف محسن ذَلِك وَشرط عَلَيْهِ أَن لَا يحدث شَيْئا من المخالفات فاستمر عَلَيْهِ شهر محرم وصفر فَمَرض فِيهِ حَتَّى خيف عَلَيْهِ وَفِي لَيْلَة المولد الشريف خرج من مَكَّة وَكَانَ قد أضعفه الْمَرَض فَمَا طَاف للوداع إِلَّا فِي محفة وَخرج من مَكَّة كَذَلِك كَذَا فِي كتاب عُقُود الْجَوَاهِر والدرر فِي أهل الْقرن الْحَادِي عشر للسَّيِّد مُحَمَّد الشلى وَلما خرج الشريف إِدْرِيس توجه إِلَى جِهَة الشرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 وَلما كَانَ غرَّة رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة ورد خبر وَفَاة إِدْرِيس إِلَى مَكَّة فِي نواحى جبل شمر وَدفن بِمحل يُسمى ياطب مِنْهَا وَمن الِاتِّفَاق أَن حِسَاب ياطب بالجمل اثْنَان وَعِشْرُونَ سنة عدد مُدَّة ولَايَته مجبورة وَكَانَ يكنى أَبَا عون وَولد فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأمه هيا بنت أَحْمد بن حميضة ابْن مُحَمَّد بن بَرَكَات وَكَانَت وَفَاته رَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته إِحْدَى وَعشْرين سنة وَنصفا رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي وَهُوَ // (من الطَّوِيل) // (زها بكَ دستُ الملكِ والتاج والعقْدُ ... غداةَ إِلَيْك الحلُّ أصبَحَ والعَقْدُ) (مُطاعًا بعطفِ الله بعد رسولِهِ ... أولى الأمرِ فالعاصِى لأمرِكَ مزتدُّ) (أَبَا شرفٍ إِدْرِيس منتخبَ الْعلَا ... أَبى الشرَفُ الوضاحُ غيرَكَ والمجْدُ) (لقد طلبَتْ شمْسُ الْخلَافَة بدرَهَا ... فقارَنها فِي الأوْجِ والطالعُ السعدُ) (قنصْتَ العلاَ بالزاعبيةِ والنهَى ... هما شركاها لَا الأمانِيُّ والوعْدُ) (وقمتَ بعبءٍ آدَ غيرَكَ حملُهُ ... منال المهاري ليْسَ تُدْرِكهُ الربْدُ) (وشرفْتَ دسْتَ الملكِ حِين حللته ... ومرقاتُكَ المرقالُ والفَرَسُ النهدُ) (فكنْتَ بِهِ إدريسَ إدريسَ إِذْ رَقَى ... مَكَانا عليا خصّه الصمَدُ الفرْدُ) (وكنْتَ وَلم تُفْتَنْ سليمانَ إِذْ دَعَا ... فأوتيتَ مَا لَا يَنْبَغِي لفتى بَعْدُ) (وَمَا لم ينله غيرُ آبائكَ الأُلَى ... ربوعُ الندا شادُوا وزَنْدَ الْعلَا شَدُّوا) (ملوكٌ هم الأنيابُ للملكِ والسِّوَى ... اذا نُسبوا كَانُوا الزوائدَ إِذْ عُدُّوا) (تولَّوْا وأفضَى ملكهُمْ لمحجَّبٍ ... تصادم تِيجَان الْمُلُوك إِذا يَبْدُو) (تأخَّر عصراً فاستزادَكَ فِي الْعلَا ... كَمَا ازدادَ بالتأخيرِ مَا ترقُمُ الهنْدُ) (وأصَبَحَ عطلاً جِيدُ مَنْ رام عقدهَا ... سواهُ وأضحَى يستضىءُ بِهِ العقْدُ) (تفردَ طود الْملك بالمجدِ جَامعا ... مزاياه فَهْوَ الجامعُ العلَمُ الفردُ) (رأى إِن عدته خلَّة مِنْهُ خلَّة ... فصيره قصراً عَلَيْهِ فَلَا يَعْدُو) (فيا ملكا بالفضْلِ أذعَنَ ضِدُّهُ ... وَمَا الفضْلُ إِلَّا مَا أقرَّ بِهِ الضِّدُّ) (بكَ الدسْتُ يزهو يَوْم سِلْمِكَ والندَى ... يومَ الوغَى يزهو بك السرْجُ والسرْدُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 (وَمَا زلْتَ فِي حالَيْكَ سلْمٍ وضدِّهِ ... عليكَ رِوَاقُ المجدِ يرفعُ وَالبَنْدُ) (فيشقى بكَ الجإني ويسعدُ مخفقٌ ... ويأمنُ مطرودٌ وترهبُكَ الأُسْدُ) (إِذا بيَّتَ الأعداءُ أمرا تضاءلَتْ ... لَدَى خطبِهِ الآراءُ واسْتَتَرَ الرشْدُ) (وترتَ قويمَ الفكْرِ قوساً لوترهم ... وأنفذْتَ سهْمَ الرأْى لَيْسَ لَهُ رَدُّ) (وحكَّمْتَ فيهم قَاضِيا غيْرَ مغمدٍ ... هُوَ العزْمُ لم يكهم لَهُ أبدا حَدُّ) (وقدتَّ من القودِ الجيادِ مقانبًا ... إِذْ طلبَتْ يدنو بتقريبها البُعْدُ) (وغَلَّ إِلَى الأعناقِ أَيْدِىَ بطشهم ... مِن الرعْبِ جيشٌ لَيْسَ تكبو لَهُ جردُ) (فأحياهُمُ فى الأرضِ موتَى كَأَنَّهَا ... عليهِمْ وَقد ضاقَتْ بِمَا رَحُبَتْ لَحْدُ) (سجايا أبي لَا يجارُ طريدُهُ ... وَلَا رَاع يَوْمًا جَار غفوته طرْدُ) (مليكٌ هُوَ الطودُ الأشَمُّ للائذٍ ... هُوَ البطَلُ المطعانُ والأسد الوردُ) (جوادٌ لَهُ فِي المالِ صولةُ ثائرٍ ... تحكم فِي الْجَانِي وأحفَظَهُ الحقْدُ) (طوَتْ نَحوه بالوفْدِ كل تنوفةٍ ... بخات بخد الأرْضِ من وخدها خَدُّ) (وجاد فَلم يفقدْ مراماً بجودِهِ ... فقلْ عوضا عَن جاد قد فقد العقْدُ) (هُوَ البحْرُ عذبٌ للموالي وللعدَى ... عذابٌ لَهُم مِنْ لجه الجزرُ والمَدُّ) (هُوَ الغيثُ يهْمِى للْوَلِيّ وليه ... فينبتُ إِلَّا أنَّ منبته الحمْدُ) (ويعدو العدَى وسمى هامى ربابه ... وتبلغهم مِنْهُ الصواعقُ والرعْدُ) (أَخا الجودِ قد قلدتَّ جِيدى ودُونَ مَا ... تقلدتُّ أعناقُ المطامعِ تنقَدُّ) (وأمطيتَنِى مِنْ كاهلِ العزِّ مركبا ... تريني ذكاً كالغورِ صهوتُهُ النجْدُ) (فقمْتُ خَطِيبًا فِي المحافلِ بالثنا ... وبالشكْرِ أتلو ذَا وذاكَ بِهِ أشدُو) (ينافسنِى قوْمٌ شأوْتُ وقَصَّروا ... وَمَا كضليع ضالع خَلفه يعْدُو) (ويبخسُ مِنْهُم دُرَّ نظمِى زعانفٌ ... فواعجباً مِنْ أينَ للنقَدِ النَّقْدُ) (سماءُ سِماتِ الفضلِ لَفْظِي نجمها ... وَلم يُخْفِهِ ألاَّ تَرَى ضوءَهُ الرُّمْدُ) (وَإِنِّي لما خولْت أهلٌ وَلم أكُنْ ... كقولِ حسودٍ إِنَّمَا أسعَدَ الجدُّ) (ولستُ مُدلاًّ حِين أسمو وإِن يكُنْ ... هُوَ الفخْرُ يَوْم الفخْرِ والشرف العِدُّ) (وَلَكِن بنفسي والعبودية الَّتِي ... بهَا شَرَفُ الْآبَاء من قبلُ والجدُّ) (وإنِّى لأرجُو منْكَ مَا نَالَ مَنْ مَضَى ... وَلَا عجَبٌ إنْ عَزَّ بالسيدِ العَبْدُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 (بقيتَ بقاءَ الدهْرِ فِينَا مؤملاً ... بك التاجُ يزهو والغلائلُ والبُرْدُ) وَقَول الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْكَامِل) // (مالِى وللغيدِ الغوانِى النُّعَّسِ ... ولريمِ رامةَ والغزالِ الألعسِ) (ولبانةِ الجرعاءِ فِي شَرْقي الغضا ... ولسَجْعِ ورقِ الأيْكِ عِنْد تأَنُّسِ) (ولنظْم عقيانِ القريضِ ونثْرِهِ ... مِنْ كُلِّ أَنْفَسِ جَوْهَرٍ فِي أَنْفسِ) (وأَنَا اَّلذِى قَذَفَ الزَّمَان بِجَاحِظٍ ... مِنْ عَيْنِهِ بِي مغضباً وَهْوَ المُسِي) (ورمَى بأسهمه مقاتِليَ الَّتِي ... بَعُدَتْ عَلَيْهِ فحطَّ عالي مجلسِي) (وَإِذا قنى مِنْ صَبْرِ مُرِّ قضائِهِ ... كأساً برغْمى أَن أكونَ المحتَسِي) (هُوَ دُمَّلُ الليلِ الَّذِي لم يندملْ ... إِلَّا بصَبْرِ مؤمِّلٍ لم ييأَسِ) (صابرتُهُ حَتَّى ظفرتُ بفجْرِهِ ... وحصلْتُ مِنْهُ على شفاءِ الأنفسِ) (بضياءِ صبْحِ العدلِ من إدريسَ مَنْ ... أهْدى الضيا فمحا ظلامَ مغلِّسِ) (ألسيد الحامي الذمارَ بهمةٍ ... تسمو على الفلكِ الأثيرِ الأطلسِ) (أولى وأوَّل باسلٍ تَخِذَ العجاجَةَ ... درعهُ يَوْمَ الوغَى كالبرنسِ) (لم يكترثْ بمهمةٍ وبكفِّه ... عِنْد اللقا صُمُّ الردَينى الأخرسِ) (والنُّطْقُ مِنْهُ الطعنَةُ النْجلاءُ فِي النْجلاء ... من عينِ العَدُوِّ الأشوسِ) (وَإِذا انتضى الهندىَّ خرَّتْ أرؤسٌ ... ودَّتْ بقطْعٍ أَنَّهَا لم ترؤسِ) (دَلَّ المنيةَ حِين ضَلَّتْ سبلها ... فبه اهتدَتْ لفؤادِ كلِّ مترسِ) (بِيَمِين أروَعَ يضربُ البطَلَ المُدَرْرَعَ ... نَافِذا مِنْهُ لقطْع العضرسِ) (كالبَرْقِ فِي الظلماءِ من نقعِ الوغَى ... يروي سنا لكنْ بخَطْفِ الأرؤسِ) (فرذاذُهُ العلَقُ النجيعُ وسَحُّهُ الززلق ... الفجيعُ من الطلا المتبجسِ) (لله مَا أمضاهُ عنْدَ توحُّشٍ ... وأمضَّهُ فى الوهْمِ عندَ تأنُّسِ) (والسيفُ بالكَفِّ الَّتِي كفَّتْ أَذَى ... لَا بالحديدِ وطبعه المتيبسِ) (لَوْلَا يدا إدريسَ مَا خطَّتْ بهَا ... فِي الهامِ شَكْل مخمس ومسدّسِ) (هَذَا المليكُ ابنُ المليكِ ابْنِ المليكِ ... ابْنِ المليكِ ابنِ المليكِ الأرأسِ) (زاكي الأرومةِ مِنْ هيولي هاشمٍ ... عالي النجارِ من النبيِّ الأقدسِ) (ذُو الهمة الْعليا الَّتِي مِنْ دونهَا ... زُحَلٌ فَمَا بَاقِي الجوارِى الكُنَّسِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 (هُوَ فى النُّهَى سَحْبَانُ وائلَ والذكاءِ ... إياسُ والجَدْوَى ابنُ مامَةَ واحْبِسِ) (كملَتْ فضائله فَلَو مسَّ الورى ... أذيالُهُ لرأيْتَ كُلاًّ مكتسي) (يأيها الملكُ الرفيعُ مقامُهُ ... فوقَ الثوابتِ فِي الرفيعِ الأقعسِ) (لكَ عِلْمُ إدريسٍ ودينُ محمدٍ ... وَعلا سليمانٍ وحكمةُ هرمسِ) (فافخَر على الأملاكِ مِنْ صنعا إِلَى ... صِينٍ ومِنْ شرقٍ لمغربِ تونسِ) (بِالله أنْتَ فثقْ بِهِ لَا بالورَى ... مِنْ آدميِّ فِي الوجودِ وَلَو نسِى) (وإليكَهَا عذراءَ فِكْرٍ عانس ... من بعدِ عهدكَ فهْىَ بكْرُ العُنَّسِ) (عَرَبِيَّة غنيتْ بوصفِكَ واقتنَتْ ... حُرَّ البديعِ فَمَا أتَتْ بمجنّسِ) (ذكرتْ عهوداً بالحمى فتلفعَتْ ... خجلاً ووافَتْ فِي رداءٍ سندسي) (تختالُ فِيهِ إِلَى المليكِ وتنتضِي ... بيضَ المدائحِ من قرابِ الحندسِ) (فاقبلْ وقابلها بطَلْقِ جبينك الْمأنوسِ ... لَا لاقاهُ قطْب تعبُّسِ) (وانظرْ إِلَى حالِى فأنْتَ خبيرها ... قدماً وقدِّرْ بالوفاءِ وهندسِ) (واسلم على طولِ الزمانِ ممتعاً ... بثناءِ كُلِّ مفوهٍ ومدرسِ) ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف محسن فَقَامَ بِالْأَمر أحسن قيام وَضبط الْبِلَاد والعباد بالضبط التَّام وآمن السبل والطرق وانتظم فِي سلك طَاعَته سَائِر الْفرق العاصية فِي الْفرق ثمَّ إِنَّهُم فِي الْعشْر الأول من محرم الْحَرَام عرضوا إِلَى الْبَاب العالي وأنهوا إِلَى الجناب الغالي حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان تغمده الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان طَالِبين إجابتهم إِلَى هَذَا المُرَاد وتقليد الْمشَار إِلَيْهِ إيالة هَذِه الْبِلَاد فَإِن بذلك تنتظم الْأُمُور وَيتم أَمر الْآمِر والمأمور وتنصلح الْأَحْوَال وتتضح طرق الْحق على أوضح منوال وَكَانَ الذَّاهِب بِالْعرضِ الأغا مُحَمَّد بن بهْرَام وطلع مَوْلَانَا الشريف إِلَى الْمَبْعُوث فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وصل الأغا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 مُحَمَّد بن بهرامَ إِلَى بلد الله الْحَرَام فَتلقى مَا جَاءَ بِهِ الْأَعْيَان واستقبلوه إِلَى الزَّاهِر إجلالاً لما صَحبه من الْبَرَاءَة السُّلْطَانِيَّة ثمَّ دخل من ثنية كدا الْمَشْهُورَة بالحجون دُخُول أُمَرَاء الْحَاج عِنْد وصولهم إِذْ يحجون وَقد امْتَلَأت بالخلائق الشوارع وَصَارَ كل أحد إِلَى استقباله يُسَارع فَدخل والتشاريف مَحْمُولَة على أَيدي حامليها فوصل إِلَى دَار السَّعَادَة وَدخل فِيهَا فأفيضت عَلَيْهِ وعَلى الأغا مصطفى بن حيدر الترجمان مضلعتان تمييزاً لَهما على سَائِر من كَانَ مَعَهُمَا من جمَاعَة الترجمان ثمَّ عَاد إِلَى منزلهما مختلعين وَطَابَتْ مِنْهُمَا النَّفس وقرت بهما الْعين هَذَا ومولانا الشريف مُقيم بالمبعوث السعيد لِاسْتِيفَاء الصّيام بِهِ وَإِقَامَة شعار الْعِيد فَبعد أَن مَضَت أَيَّام الصّيام وطلع هِلَال الْعِيد من الْخيام تهَيَّأ مَوْلَانَا الشريف للوصول إِلَى الْبَلَد الْحَرَام لتلقى الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة وَالْخلْع السّنيَّة بالإجلال والاحترام فوصل بِجَمِيعِ من مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف مَا عدا من خَلفهم مِنْهُم بالفريق لحفظ تِلْكَ الْأَطْرَاف فَدخل فِي موكب عَظِيم ومهيع كريم وَدخل من بَاب السَّلَام إِلَى الْبَيْت الْحَرَام فَقبل يَمِين الله فِي أرضه وَأدّى بذلك وَاجِب فَرْضه ثمَّ عَاد فَجَلَسَ فِي فنَاء جِدَار زَمْزَم مُقَابل الْبَيْت الشريف وأحدق بِهِ السَّادة الْأَشْرَاف والأعيان ثمَّ قدمت لَهُ الْبَرَاءَة والنامة الْعَظِيمَة الشَّأْن فَقَامَ على قَدَمَيْهِ إجلالاً ووضعها على رَأسه الشريف اعتناءً بشأنها واحتفالاً فقرئت فِي ذَلِك الْمحْضر وَالْجمع الْأَكْبَر وَكَانَ الْقَارئ لَهَا الْعَلامَة الْمُفْتِي عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وَبعد أَن تمت الْقِرَاءَة تقلد مَوْلَانَا الشريف بِالسَّيْفِ المجوهر وَلبس التشريف الْأَزْهَر وأفاض فِي ذَلِك الْمَكَان جملا من القفطان على كل من لَهُ علاقَة فِي هَذَا الشان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 ثمَّ دخل الْبَيْت الشريف بغالب من مَعَه من الْأَشْرَاف ثمَّ بعد بروزه اسْتَلم الْحجر وَطَاف والريس يَدْعُو لَهُ من أَعلَى قبَّة زَمْزَم كَمَا هُوَ عَادَة الأسلاف ثمَّ ذهب إِلَى منزله السعيد وَجَاء للتهنئة كل ذِي شَأْن مجيد ثمَّ أفيضت عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمَكَان الخلعة الثَّانِيَة الْوَاصِلَة من وَزِير مصر ذِي الشان فَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْمًا مشهوداً وَمن أَيَّام الأعياد معدوداً وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا توفّي السَّيِّد إِبْرَاهِيم ابْن بَرَكَات ابْن أبي نمي كَانَ من أجلاء أَشْرَاف مَكَّة وَرُؤَسَائِهِمْ وأغنيائهم جمع من الضّيَاع وَالْعَقار وَالْإِبِل والخميل وَالنعَم شَيْئا كثيرا جدا تغمده الله برحمته آمين وَلما كَانَ آخر صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وصل إِلَى جدة الْوَزير أَحْمد باشا مُتَوَلِّيًا الْجِهَات اليمنية فَلَمَّا وصل إِلَى محاذاة جدة بِحَيْثُ يَرَاهَا انْكَسَرَ مركبه وغرقت جَمِيع أَمْوَاله فتعب لذَلِك وَنزل إِلَى جدة وَأرْسل إِلَى مَوْلَانَا الشريف محسن بهدية ثمَّ نزل إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي الْمُفْتِي الْحَنَفِيّ بمكاتيب من مَوْلَانَا الشريف محسن فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا ثمَّ إِن الباشا أَحْمد طلب من مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا الشريف محسن الْإِعَانَة فشرعوا فِي تَدْبِير مَا يرسلون بِهِ إِلَيْهِ وَطلب غواصين لإِخْرَاج مَاله وأثاثه فغاصوا وَلم يخرجُوا شَيْئا فتخيل الباشا أَنهم مأمورون بذلك ثمَّ تنكر وَتغَير وسجن الْقَائِد راجحا بن ملحم الدويدار حَاكم جدة والأغا مُحَمَّد ابْن بهْرَام الشريفي أحد خدام مَوْلَانَا الشريف وَكَانَ أرْسلهُ مَوْلَانَا الشريف إِلَى جدة بمكاتيب إِلَى الباشا فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن قره باش الْوَاعِظ الرُّومِي إِلَى جدة لينْظر فِي هَذَا الْأَمر فَلم ينْتج شَيْئا فَلَمَّا أَن كَانَت غرَّة شهر ربيع الأول من السنه الْمَذْكُورَة وصل الْخَبَر بِأَن الباشا صلب راجحاً الدويدار وَكَانَ السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب نزل إِلَى جدة إِلَيْهِ لما سمع بِهِ فَنزل على حمَار فَقَالَت لَهُ الأقدار وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 فِي هَذِه الْمدَّة يتَرَدَّد إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى مَكَّة بذلك حصل اضْطِرَاب وَقيل وَقَالَ فَبعد مُدَّة يسيرَة وصل خبر وَفَاة الباشا أَحْمد وَأَن السَّيِّد أَحْمد استمال عسكره وَاسْتولى على جدة وأموالها وَأَن جدة نُودي فِيهَا لمولانا الشريف محسن ففرح النَّاس بذلك كثيرا فَفِي ثَانِي يَوْم الْخَبَر ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمر عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَأَن السَّيِّد أَحْمد نُودي لَهُ فِي جدهَ وَمنع النَّاس من الدُّخُول وَالْخُرُوج فبرز مَوْلَانَا الشريف محسن بعساكره وَجُنُوده وَنزل ب ومخ اسْم مَاء أَو جبل بِقرب جدة من جِهَة الشَّام وَوَقعت هُنَاكَ فتْنَة أَن الأتراك خَرجُوا من جدة لأخذ إبل ترعى فِي تِلْكَ الْجِهَات فوصل الْخَبَر إِلَى مَوْلَانَا الشريف محسن فَركب وَركب مَعَه السَّادة الْأَشْرَاف والأجناد فَوَقَعت ملحمة عَظِيمَة قتل فِيهَا من الأتراك فَوق الْخمسين وَقتل فِيهَا من الْأَشْرَاف مَوْلَانَا السَّيِّد ظفر بن سرُور بن أبي نمي ومولانا السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم بن جازان وَغَيرهمَا ثمَّ بعد مُدَّة وصل مَوْلَانَا الشريف محسن إِلَى الْبَلَد وَأقَام بهَا وَجعل هُنَاكَ رُتْبَة وَأقَام على الرُّتْبَة مَوْلَانَا السَّيِّد قايتباي بن سعيد بن بَرَكَات فَلَمَّا أَن كَانَ آخر شعْبَان وصل الْخَبَر بِأَن السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب خرج هُوَ والعساكر مَعَه إِلَى جِهَة مَكَّة وَلم يزل يسير أَيَّامًا عديدة وَكَانَ وُصُوله على جِهَة وَادي مر فَلَمَّا كَانَ يَوْم سادس عشر رَمَضَان وصل الْخَبَر أَنهم قاربوا مَكَّة فبرز مَوْلَانَا الشريف محسن هُوَ والسادة الْأَشْرَاف والأجناد وَالْعَبِيد والصروخ فِي جمع لَا يُحْصِيه إِلَّا خالقه وَكَانَ خُرُوجه لذَلِك بعد صَلَاة عشَاء لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَالْتَقوا بِالْقربِ من التَّنْعِيم فَوَقَعت معركة فتوحدت تِلْكَ الجموع وَلم يبْق لَهُم همة إقدام إِلَّا على الرُّجُوع فأطلقت المدافع وَضربت البنادق ووضح الناصح والمماذق فَتوجه مَوْلَانَا الشريف محسن وَمَعَهُ ابْنه الشريف زيد وَبَعض السَّادة الْأَشْرَاف إِلَى الحسينية ثمَّ إِلَى جِهَة الشرق نَحْو بيشة فَجمع جَيْشًا كَبِيرا من العربان وَقصد الإغارة على التّرْك المقيمين بِالطَّائِف فَلم يتَّفق لَهُ ذَلِك ثمَّ سَافر إِلَى مَدِينَة صنعاء الْيمن فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي عَام ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف سادس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 رَمَضَان بهَا بظاهرها وَحمل إِلَيْهَا وَدفن بهَا فِي قبَّة عالية عَلَيْهَا قوام وخدام بِمَعْلُوم يصل إِلَيْهِم من مَوْلَانَا المورحوم زيد ثمَّ من بعده من بنيه الْأَمْلَاك بدور الأفلاك كَانَت وِلَادَته فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بِمَكَّة المشرفة نَشأ فى كَفَالَة أَبِيه وجده وَكَانَ جده الشريف حسن يُنَوّه بِقَدرِهِ ويقدمه لنباهته ونجابته وَظُهُور آثَار الرِّئَاسَة عَلَيْهِ فِي صغره وَكَانَ يقدمهُ فِي الحروب فَيرجع مظفراً منصوراً وعدوه مخذولاً مقهوراً جبل على مَكَارِم الْأَخْلَاق وطار صيته فِي الْآفَاق وَلما تولى عَمه أَبُو طَالب إِمَارَة مَكَّة أحله مَحل وَلَده وَنزل منزلَة أفلاذ كبده إِلَى أَن مَاتَ أَبُو طَالب فشارك عَمه إِدْرِيس فِي إمرة مَكَّة وَلبس الخلعة الثَّانِيَة ودعى لَهُ فِي الْخطْبَة وَعقد لَهُ لِوَاء الْإِمَارَة وَضربت النّوبَة الرومية فِي بَيته لمشاركته فِي الإمرة ووردت التشاريف السُّلْطَانِيَّة برسمه وَأَتَتْ المراسيم الخاقانية إِلَيْهِ مَعَ عَمه وَاسْتمرّ شَرِيكا فِي الرّبع إِلَى أَن أذن لَهُ بالاستقلال بِولَايَة الْحجاز فَجرى بَينه وَبَين عَمه حَال أدّى إِلَى قِيَامه عَلَيْهِ وَتَابعه جَمِيع الْأَشْرَاف على ذَلِك فَخلع عَمه إِدْرِيس عَن ولايهّ مَكَّة وَاسْتقر فِي الْأَمر يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من شهر الْمحرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف كَمَا تقدم ذكر ذَلِك آنِفا وَكَانَ رَحمَه الله من النباهة والسؤدد والرئاسة وَالْكَرم والبأس والسياسة بِالْمحل الأرفع إِلَّا أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أمرا هيأ أَسبَابه فَمَا تَنْفَع ذوى الْعُقُول عُقُولهمْ وَلَيْسَ لَهَا مَعَ إِرَادَته سُبْحَانَهُ إِصَابَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَنصف رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَغفر لَهُ ولأسلافه الأكرمين مغْفرَة جَامِعَة وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين بن أَحْمد الْمَالِكِي رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْبَسِيط) // (لقدْ جرى بالذِى تختارُهُ القدَرُ ... فمُرْ بَما شئْتَ إِن الدهْرَ مؤتمرُ) (وضرَّ من شئتَ وانفَعْ من تشاءُ فَفِي ... أكفِّكَ الواكفاتِ النفْعُ والضرَرُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 (والدهْرُ مِنْ جيشكَ المنصورِ قائدُهُ ... ألْقى يَدَ السلْمِ خَوْفًا وَهُوَ يعتذرُ) (فاغفِرْ جنيَّتَهُ العظمَى لتوبَتِهِ ... إنَّ العظيمَ عَظِيم الذنْبِ يغتفرُ) (وَقد أتَى مقلعاً عَن جرمِهِ ملكا ... يَسْطُو انتقاماً ويعفُو وهوَ معتذرُ) (ذَا هيبةٍ رابَ ريب الدَّهْر فانقلَبَتْ ... تغزو عداهُ صُرُوفُ الدهرِ والغِيَرُ) (وسطوة تتركُ الآسادَ واجمةً ... لم ينجُ مِنْ رُعْبها نابٌ وَلَا ظُفُرُ) (بِهِ تبلَّجَ صبْحُ الملكِ وابتسمَتْ ... ثغورُهُ ودياجي الخطْب تعتكِرُ) (وأصبحَ الدسْتُ معموراً وكافلُهُ ... ملك بِهِ أضحَتِ الأملاكُ تفتخرُ) (أخبارُهُ صغرتْ أخبارهم عظما ... كَمَا برؤيتِهِ يستصغرُ الخبرُ) (ليثٌ إِذا خطَّ سطراً نصل قاضبه ... مالَتْ لتعجمه الخطِّيةُ السمُرُ) (كَأَنَّهُ لاعبٌ يَرْمِي الرءوسَ بِهِ ... بالصولجانِ فتلْكَ الأرؤسُ الأكرُ) (مَا كَرَّ بعد ورودِ الحربِ قطُّ وهَلْ ... يكرُّ من لَيْسَ عَن وِرْدٍ لَهُ صَدَرُ) (وَلم يفرَّ وهَلْ يدنو الْفِرَار فَتى ... بالعزْمِ مُدَّرعٌ بالنصْرِ معتجرُ) (فَتى لَهُ جيشُ عزمٍ قد أحاطَ مِنَ السْسِتِّ ... الجهاتِ بِهِ التأييدُ والظفَرُ) (ينمى إِلَى دوحةٍ للملْكِ زاكيةٍ ... قد طابَ عُنْصُرُهَا والفرْعُ والثمرُ) (أَغَرُّ ثَبْتُ الجنانِ الفارسُ البطلُ الليْثُ ... الهمامُ الشجَاعُ الصارمُ الذَّكَرُ) (ألقائدُ الخيلَ إنْ رامَتْ مدى وضعتْ ... فِي خَطْوها يَدهَا حيْثُ انْتهى البَصَرُ) (مِنْ كُلِّ أدهَمَ يكسى مِنْ دَمٍ حُلَلاً ... كَأَنَّهُ بلظَى الهيجَاءِ يستعرُ) (وكل أشهَبَ محجولٍ قوائمُهُ ... أغر أَبْلجَ مَا فِي بَاعه قِصَرُ) (وكل طرفٍ يدكُّ الصخْرَ حافرُهُ ... وطئا تطاير من صدماته الشرَرُ) (كَأَنَّمَا تطلبُ الأقدامُ أيديها ... فَلَا تقرُّ وَلم يلحقْ لَهَا أَثَرُ) (تخالُ تصهالَهَا رعدًا يزمجرُ فِي ... سحابِ نقعٍ مُثَار برقُهُ البترُ) (مهذبات إِذا نَار الوغَى استعرَتْ ... لَا بالعنانِ وَلَا بالشكْلِ تنحجرُ) (عليهمُ الأسْدُ فُرْسَانًا مصورةً ... تطيعُهُمْ كيفَ مَا شَاءُوا وتنزجرُ) (وكل أصْيَدَ مرِّ الْحَد ذِي جَلَدٍ ... مَا مسَّهُ سأمٌ فِيهَا وَلَا ضَجَرُ) (مِنْ كُلِّ شهمٍ شديدِ البطشِ منصلِتٍ ... كالسهْمِ إِذْ ثارَتِ الهيجاءُ يبتدرُ) (وكُلِّ ذِي لمةٍ سوداءَ حالكةٍ ... كالليلِ فِي جنحِهِ قد أشرَقَ القمَرُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 (قوم إِذا الْتَأَمُوا كانُوا الأهلَّةَ والأقمار ... إِن سفروا والأسْدَ إِن زأروا) (كَأَنَّهُمْ والصَّبَا تسرِى بنَشْرِهِمُ ... فِي محكَمِ الزردِ الأكمامُ والزهرُ) (بهم حوى الفَخْرَ أبناءُ الرسولِ كَمَا ... بِهِ على العُرْبِ فخراً قد حوتْ مُضَرُ) (يسوسُهُمُ صادقُ الآراءِ فطنتُهُ ... تقضي بِمَا هُوَ آتٍ قبلُ والْفِكَرُ) (متوجٌ هُوَ فيهم مثلهم شرفاً ... فِي قومِهِمْ وهُمُ فِي قَومهمْ غُرَرُ) (إِذا بدا بَينهم فِي موكبٍ تره ... كَأَنَّهُ البدْرُ دارَتْ حوله الزهرُ) (لَو أَن مِنْ بعد طه مُرْسلا نزلَتْ ... عَلَيْهِ فِي وصفِهِ الآياتُ والسوَرُ) (صِفَات أروَعَ لَا تحصَى محامدُهُ ... وَلَيْسَ يحصُرُهَا قولٌ فتنحصرُ) (وَكَيف يحصرُ بالألفاظِ قولُ فتَىً ... مطولُ القولِ فِي مَعْنَاهُ مختصرُ) (سمحُ الأكفِّ كريمٌ عَمَّ نائله ... معطي الجزيلِ ابْتِدَاء وَهُوَ يعتذرُ) (كَأَنَّمَا كَفُّهُ تهمى بنائلِهِ ... غمائمٌ بولِي الجودِ تنهمرُ) (أَو دوحة غَضَّة الأغصانِ دانية ... قطوفُهَا بنسيمِ العرفِ تنهصرُ) (يَلْقَى النضارَ لَدَيْهِ المعتفون قِرًى ... كَأَنَّمَا لقِرَاهُمْ تنحرُ البدرُ) (دَعَاهُ يَا محسناً لما تفرسَ مِنْ ... مرآهُ والدُهُ الْإِحْسَان ينتشرُ) (فجَاء مصداقُ كُلِّ اسمٍ لصاحبِهِ ... مِنْهُ نصيبٌ بِمَا يَأْتِي وَمَا يَذَرُ) (فيا أَبَا الجودِ يَا جَمَّ المواهبِ يَا ... أَخا الندَى مفخَرَ الأقوامِ إِن فَخَروا) (يابَنْ الحسينِ لقد وافَتْكَ واصلةٌ ... عذراءُ قد فاتَ مِنْهَا غيرَكَ النَّظَرُ) (لم ترضَ غَيْرك كفوا والصداقُ لَهَا ... صدقُ القبولِ فَمَا لي غيرَهُ وَطَرُ) (فلستُ مِمَّن يقولُ الشعْرَ مبتغياً ... بِهِ افتخاراً وَمَا بالشعْرِ يفتخرُ) (سَلْنِى وسَلْ عنىَ الأقوامَ مختبراً ... لَا يعرفُ المرءُ إِلَّا حِين يختبرُ) (عمري ولولاكَ يَا حامي الذمارِ لما ... صُغْتُ المدائحَ أبديها وأبتكرُ) (فسرِّحِ الطرفَ فِيهَا رَوْضَة أنفًا ... غَنَّاءَ يقصرُ يحْكى نظمها الدُّرَرُ) وَمِمَّا قيل فِيهِ أَيْضا قَول الْعَلامَة الْقدْوَة الْمُفِيد الفهامة مَوْلَانَا الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ الْحُسَيْنِي رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْكَامِل) // (لَا والنواعمِ مِنْ جواري العينِ ... مَا احتجْتُ فِي حملِ الهوَى لمعينِ) (وَبِمَا لَهُنَّ علىَّ مِنْ خّلْعِ العذارِ ... إِذا سفرْنَ بطرةٍ وجبينِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 (ولعبْنَ بالألباب عِنْد تمايسٍ ... بمعاطفٍ تزرى الغصُونَ بلينِ) (أَنا ذَلِك الصبُّ الَّذِي قِدْمًا صبا ... بصبا الصِّبَا وَإِلَى الغرامِ حَنِينِى) (غيثُ السحائبِ مدمعى وهَوَى لظَى ... نفسى ورعْدُ الصاعقاتِ أنيني) (يبرينىَ النجديُّ من ألم النَّوَى ... ويذيلني بردا ظبا يبرينِ) (ويعلُّنى الوجدان أعذَبَ موردٍ ... ويعلُّنى السلوانُ عَنهُ سلوني) (لَا يعذلُ المشتاقَ إِلَّا مثلُهُ ... هيهاتَ ذَلِك فَهُوَ بئْس قرينِى) (مَا مرَّ بِي فِي العشقِ إِلَّا مَا حلا ... لفؤادِ كلِّ مولَّه وحزينِ) (شرْعُ الهوَى فرضِى وحُسْنُ تهتُّكى ... نَفْلِى ومدْحِى محسناً مِنْ ديني) (إبنُ الحسينِ أَبُو الحُسَيْنِ أَخُو التقَى ... من لَيْسَ يرضى فِي الْعلَا بالدونِ) (عالي الجنابِ إِذا انتحَى وَإِذا انتخَى ... سهْل الحجابِ بغاب لَيْث عرينِ) (ذُو هيبةٍ حلَّتْ قلوبَ عداته ... لَو أَنهم حَلُّوا أقاصي الصينِ) (من عزمِهِ ساحَ الحديدُ وسالَ إِذْ ... سلَّتْ فحاكى السيح من سيحونِ) (يروي الأسنةَ والشوازبَ من دَمِ الأعداءِ ... لَا يَرْضَى لَهَا بمعينِ) (وَيرى المُنَى نزعَ النُّفُوس بِمَا بهَا ... مِنْ كُلِّ غلِّ فِي الصدورِ كمينِ) (ألله مَا أعلَى مرامي ظنِّهِ ... طبق القضا فِي شأنِ كل ظنينِ) (وأحسَّهُ بالأمْرِ قبل وقوعِهِ ... وخطورِهِ فِي عَالم التكوينِ) (يرضيكَ إنْ هزَّ القنا بِشمَالِهِ ... وَإِذا انتضَى سيف القنا بيمينِ) (فيريكَ لمْعَ البرقِ فِي ظُلَمِ الحشا ... سيل العقيقِ ومدهق الزرجونِ) (ثملَتْ بِهِ عللاً رءوسُ رماحِهِ ... فبدَتْ معربدةَ بقطْعِ وتينِ) (وصحَتْ فأنهلَهَا الظهورَ فحطَّمَتْ ... أضلاعَ كلِّ مجدلٍ وطعينِ) (وَبهَا حمى أُمَّ القرَى فدعِ الْقرى ... متسفلاً فِي الإرتقا بمئينِ) (مَنْ ذَا يقاومه إِذا اشْتَدَّ الوغَى ... إِلَّا فتَىً يَرْجُو لقاءَ منونِ) (هَذَا التقىُّ الطاهرُ الذيل الَّذِي ... يسمو بعرضٍ فِي الأنامِ مصونِ) (مولى الجميلِ وباذلُ الفضلِ الجزيلِ ... وكاشفُ الخطبِ الجليلِ لحينِ) (حكتِ السحائبُ كفَّهُ فبكَتْ على ... مَا فاتَهُ من سَحِّهِ بهتونِ) (قسما بِهِ لم يحكِهِ فِي جودِهِ ... إِلَّا الذى أضمرْتُ طَىَّ يمينى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 (فهُمُ هُمُ بيتُ النبوةِ والحجا ... وَالْبر أربابُ التقى والدينَ) (إنْ تلقه لم تلْقَ إِلَّا محسناً ... من محسنٍ من محسنٍ بضمينِ) (واعقدْ يَمِينك إِنَّه مِنْ عقدهم ... عين القلادةِ فصلَتْ بثمينِ) (من رام عزَّا فلينخْ برحابه ... أملاً فيذهبَ عَنهُ ذُلُّ الهونِ) (مَا سامَ مرعَى خصبِهِ متضائلٌ ... إِلَّا تبدَّلَ غثُّهُ بسمينِ) (يابنَ النبىِّ إليكَهَا نونيةً ... بالكافِ قدَّرَهَا القضا والنونِ) (وَافَتْكَ كالطاووس تزهو عزة ... مذْ ذُبِّجَتْ بغلائلِ التلوينِ) (خُذ فألها الحسَنَ الجميلَ وقولَهَا ... كُنْ كيفَ شئْتَ بغايةِ التمكينِ) (فالطرْسُ مِنْهَا أخضَرٌ والسطْرُ فِيهِ ... أسودٌ يستلُّ بيضَ جفونِى) (أثنَتْ عَلَيْك ببعضِ حقكَ فاغتفرْ ... تَقْصِيرهَا فِي المدْحِ لَا التحسينِ) (لَا زلْتَ فِي أوجِ السعادةِ راقياً ... بدوامِ عِزِّ فِي الفخارِ مكينِ) وَدخل الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب مَكَّة ضحَى الْيَوْم السَّابِع عشر من رَمَضَان والمنادي بَين يَدَيْهِ وَكَانَ دُخُوله من الْحجُون فاضطربت الأفكار وتعبت النَّاس وَأول مَا بَدَأَ بِهِ دُخُول الْمَسْجِد من بَاب السَّلَام وَفتحت لَهُ الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فَدَخلَهَا ثمَّ عزم إِلَى الْمحل الَّذِي أَرَادَ السُّكْنَى بِهِ فَنَقُول ثمَّ وَليهَا الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب بن حسن بن أبي نمي بتولية الْوَزير أَحْمد باشا إِيَّاه كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فَوَقع من الْعَسْكَر الَّذين كَانُوا متوجهين مَعَ الباشا الْمَذْكُور إِلَى جِهَة الْيمن تسلط على بيُوت النَّاس لما فِي نُفُوسهم على أهل مَكَّة فَأدى ذَلِك إِلَى القيل والقال وَحصل لَهُم مِنْهُم الْخَوْف الْعَظِيم فَكَانَ ذَلِك لما أَرَادَ الله سَببا لمُخَالفَة الْقَبَائِل وتخطفهم فِي الطّرق لمن مر بهم من الْأَعْرَاب وَغَيرهم وَقبض على المرحوم مفتى الخنفية الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وحبسه مضيقاً عَلَيْهِ لأمر نقمه مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ موسم السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف قدم الْحَاج الْمصْرِيّ وأميره قانصوه باشا وَكَانَ بَين قانصوه هَذَا وَبَين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن مَوَدَّة أكيدة ومكاتبات سَابِقَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 فَلَمَّا صعد الحجيج عَرَفَة أَتَى حَرِيم الشَّيْخ إِلَى مخيم قانصوه متشفعات بِهِ إِلَى الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب فِي إِطْلَاق الشَّيْخ فرق لَهُنَّ رقة عَظِيمَة وَتوجه مُتَوَجها إِلَى الشريف أَحْمد يَوْم عَرَفَة فَلم يوجهه وَلم يؤيسه فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة النَّحْر توفّي الشَّيْخ رَحمَه الله شَهِيدا فَكَانَ ذَلِك مَعَ قَضَاء الله تَعَالَى سَببا لوُقُوع مَا وَقع مِنْهُ فِي الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وفيهَا ظهر يَوْم الْخَمِيس ثامن عشري ربيع الثَّانِي توفّي مَوْلَانَا السَّيِّد الْجَلِيل ذُو الْمجد الأثيل خَاتِمَة الْمُحَقِّقين شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين شمس المعارف والعلوم ترجمان الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم الْمُتَّفق على إِمَامَته وَالْمجْمَع على ورعه وجلالته إِنْسَان عين الْعلمَاء العاملين أستاذ الْأَئِمَّة المدققين صدر المدرسين الْعِظَام مفتي بلد الله الْحَرَام مَوْلَانَا الْوَلِيّ القطب الْعَارِف بربه الفائض عَلَيْهِ مدرار الْفَيْض الإلهي مَعَ كَسبه مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف حاوى مرتبتى الْعلم وَالْعَمَل والبالغ فيهمَا أوج غَايَة الأمل الْجَامِع إِلَى شرف النّسَب الْعلي شرف الْعلم الْجَلِيّ مَوْلَانَا السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ الْحُسَيْنِي الشَّافِعِي بِمَكَّة المشرفة أَخذ عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ والعلامة ابْن قَاسم والملا عبد الله السندي والملا عَليّ بن إِسْمَاعِيل العصامي وَالْقَاضِي عَليّ بن جَار الله وَالشَّيْخ عبد الرَّحِيم الأحسائي وَالسَّيِّد مير بادشاه والملا نصر الله وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ شَيخنَا الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر بن الْجمال وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الله باقشير وَشَيخنَا الإِمَام زين العابدين بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد النعم الطَّائِفِي وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن كريشة السقاف وَالسَّيِّد صَادِق باد شاه مفتي الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم رَحمَه الله وَأعَاد علينا وعَلى المسليمن من بركاته وَقد اخْتلفت الْأَقْوَال فِي سَبَب قَتله الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي فَقيل تَعْرِيض الشَّيْخ الْمَذْكُور بالشريف حِين خطْبَة عقده الَّتِي خطب بهَا فِي زواج سلطانة ابْنة عَليّ شهَاب وَكَانَ الشريف أَحْمد طلب التَّزَوُّج بهَا فَلم يُزَوجهُ فَعرض الشَّيْخ بذلك حَيْثُ قَالَ فِي مُبْتَدأ الْخطْبَة الْمَذْكُورَة الْحَمد لله الَّذِي أعز سُلْطَانه ودحض شَيْطَانه وَقيل إِنَّه جَاءَ إِلَى الشريف الْمَذْكُور عِنْد موت أَخِيه السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب معزيا لابساً صُوفًا أَبيض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وَقيل إِن الشريف أَحْمد حِين استولى على مَكَّة وطلع إِلَى دَار السَّعَادَة على فرش الشريف محسن وجد تَحت طرف الْمرتبَة فتياً من الشَّيْخ الْمَذْكُور بتسميتهم بغاة جائرين ظالمين وبوجوب قِتَالهمْ بِخَطِّهِ الْمَعْرُوف واسْمه الْمَوْصُوف وَالله تَعَالَى أعلم أياً كَانَ ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة وأرخت بِمَا نَصه شرف المدرسين وفيهَا أَيْضا كَانَت وَفَاة جدي الْعَلامَة الشَّيْخ عبد الْملك بن جمال الدّين بن إِسْمَاعِيل صدر الدّين ابْن الْعَلامَة الْمُحَقق إِبْرَاهِيم عِصَام الدّين الشَّافِعِي الْمَكِّيّ الشهير بالعصامي المقلب بخاتمة الْمُحَقِّقين وَإِمَام الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وخاتمة عُلَمَاء الْعُلُوم الأدبية وَعلم الْأَئِمَّة الْأَعْلَام بَحر الْعُلُوم المتلاطمة بِالْفَضْلِ أمواجه وطود المعارف الراسخ الناتجة لَدَيْهِ أَفْرَاده وأزواجه عَلامَة الْبشر فِي الْقرن الْحَادِي عشر والرحلة الَّتِي ضربت إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل والقبلة الَّتِي فطر كل قلب على حبها وجُبل جمع فنون الْعلم فانعقد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع وَتفرد بصنوف الْفضل فبهر النواظر والأسماع فَمَا من فن إِلَّا وَله فِيهِ الْقدح المعلّى والمورد العذب الْمحلى إِن قَالَ لم يدع مقَالا لقَائِل أَو طَال لم يَأْتِ غَيره بطائل مولده كَانَ بِمَكَّة سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة كَانَ تَارِيخه نعم الْمَوْلُود ذَا وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن وَالِده وَعَن الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الرءوف الْمَكِّيّ وَعَن خَاتِمَة الْمُحَقِّقين الشهَاب أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ والعلامة أَحْمد بن عواد الْمصْرِيّ والخطيب عبد الرَّحْمَن ابْن الْخَطِيب الشربينى وَأَجَازَهُ بمروياته بِإِجَازَة بِخَطِّهِ سنة تسع بعد الْألف وَعَن غَيرهم وَعنهُ مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد عَليّ بن عَلان الصديقي وَالسَّيِّد صَادِق بادشاه ومولانا الشَّيْخ عبد الله باقشير الْحَضْرَمِيّ ومولانا الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر بن الْجمال الْأنْصَارِيّ ومولانا القَاضِي تَاج الدّين بن أَحْمد الْمَالِكِي ومولانا الْخَطِيب أَحْمد ابْن عبد الله الْبري الْمدنِي وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطَّائِفِي وَخلق ولازم الْأُمَرَاء والتدريس فِي كل علم نَفِيس وجدد مغنى الْعلم الدريس واشتغل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 بالتصنيف والتأليف وتخلى عَن كل أنيس وأليف حَتَّى بلغت مؤلفاته السِّتين بَين شرح مُفِيد وَمتْن متين مِنْهَا شرح الشذور سَمَّاهُ شِفَاء الصُّدُور وَشرح على الْقطر وَشرح على الشَّمَائِل وحاشية على شرح التَّحْرِير وَشرح على الألفية النحوية لم يتمه وَشرح على الزنجاني وحاشية على شرح لقطر لمصنفه وَشرح على إيساغوجي وَشرح الخزرجية وَشرح على استعارات السَّمرقَنْدِي وَغير ذَلِك من المصنفات الْمَشْهُورَة تبلغ الْعدة الْمَذْكُورَة إِلَى زهد وورع وَصَلَاح أشرق نورها فِي أسرة وَجهه ولاح وبيته وَبَين عُلَمَاء عصره مكاتبات كَثِيرَة وأسئلات سطر عَلَيْهَا أجوباته المنيرة وَكَانَت وَفَاته بِطيبَة وَدفن ببقيع الْغَرْقَد رَحمَه الله وَأعَاد علينا من بركاته آمين وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فِي صفر مِنْهَا وَقع فِي أَعمال مصوع زَلْزَلَة شَدِيدَة ثمَّ تصاعدت إِلَى بر العبيد وَمَا زَالَت تعْمل إِلَى الأجمدة وفقدت بلد بِمن فِيهَا فَلَا يعلم أخسف بهَا أم رفعت إِلَى السَّمَاء وَلم تزل الزلازل تعْمل فيهم حَتَّى انسد بِالْحِجَارَةِ النَّازِلَة عَنْهَا مَا بَين جبلين ويرون لَهب النَّار وجرَى الدَّم على وَجه الأَرْض بعد نبعه مِنْهَا كجري المَاء وَاسْتمرّ بهم هَذَا الْأَمر إِلَى بعد ذِي الْحجَّة ثمَّ ارْتَفَعت عَنْهُم الزلزلة وَجرى الدَّم وَذهب أَثَره عَن الأَرْض غير أَنه بَقِي فِيهِ أثر النَّار نَهَارا ولهبها لَيْلًا فسبحان الفعال لما يُرِيد وفيهَا فِي رَمَضَان مِنْهَا كَانَت وَفَاة الشريف محسن بن حُسَيْن وَقد ذَكرنَاهَا مَعَ مَا يتبعهَا آنِفا ثمَّ اسْتمرّ الشريف أَحْمد فِي الْولَايَة إِلَى أَن حج بِالنَّاسِ حجَّة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف فجَاء للحجاج أَمِير مُنْفَرد وَجَاء قانصوه باشا مُتَوَجها لفتح الْيمن صحبته العساكر وعدتها ثَلَاثُونَ ألفا وَضرب وطاقه فِي أَسْفَل مَكَّة وَكَانَت بَين الشريف مَسْعُود ابْن الشريف إِدْرِيس وَبَين الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب ممالأة ومواطأة قبل نُزُوله إِلَى جدة مضمونها إِنِّي لَا أُرِيد الْملك لنَفْسي إِنَّمَا أريده لَك أَو هُوَ بَيْننَا فخذل عني مَا اسْتَطَعْت من آل أبي نمي وثبطهم وَحل عزائمهم ووعده بذلك فَفعل مَا فعل وَحصل بِهِ على الشريف محسن مَا حصل وَللَّه الْأَمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 فَلَمَّا نزل إِلَى جدة تقمصها لنَفسِهِ وَلم يَفِ لمسعود بِبَعْض مَا بَينهمَا بل أَرَادَ قَتله ففر إِلَى قانصوه والتجأ وَصدر قانصوه على الشريف أَحْمد مَمْلُوء بالوجاء فَلَمَّا أقبل قانصوه قَاصِدا لليمن لاقاه الشريف مَسْعُود من يَنْبع أَو الخور وَجَاء مَعَه مختفياً وَلم يزل بِهِ مختفيا وواجه فِي الْمَجِيء الأول الشريف أَحْمد قانصوه ورد عَلَيْهِ تَحِيَّة الْقدوم ثمَّ عزم على محاربة قانصوه فازداد قانصوه عَلَيْهِ حنقاً على حنق وَشرع يستميل عَسْكَر الشريف أَحْمد فأطاعوه فَخَرجُوا من مَكَّة ثمَّ خيم قانصوه بالزاهر وَلما أَن قَضَت الْحجَّاج مناسكهم وذهبوا إِلَى أوطانهم تخلف قانصوه بوطاقه أَسْفَل مَكَّة فَلَمَّا تحرّك للسَّفر قدم ثقله وَلم يبْق إِلَّا وطاقه وخيام العساكر فَأَشَارَ قانصوه إِلَى شخص يتعاطى خدمته من أَبنَاء الطّواف يُسمى مُحَمَّد المياس أَن يحسن للشريف أَحْمد الْوُصُول إِلَى قانصوه للوداع فَفعل وَذهب إِلَى الشريف وَحسن لَهُ ذَلِك يَوْم السبت رَابِع شهر صفر فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْأَحَد خَامِس الشَّهْر الْمَذْكُور من سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف ركب الشريف أَحْمد إِلَيْهِ وصحبته من الْأَشْرَاف شبير بن بشير بن أبي نمي وَمُحَمّد بن حسن بن ضبعان وراجح بن أبي سعد وَمن أعوانه وزيره مقبل الهجالي وَأحمد البشوتي مُتَوَلِّي بَيت المَال وفليقل فَلم يزَالُوا يدْخلُونَ فِي الصيوان من بَاب إِلَى بَاب يمْنَع عِنْد كل بَاب طَائِفَة من أَتْبَاعه حَتَّى دخلُوا فتحادثا مَلِيًّا ثمَّ نصبا رقْعَة الشطرنج فَلَمَّا كَانَت السَّاعَة الْخَامِسَة من اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة قبض على الْجَمِيع فَتوفي الشريف أَحْمد شَهِيدا إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ وَقتل الهجالي وفليقل وصلب البشوتي وَأطلق الْأَشْرَاف فتحركت عساكره فأظهره لَهُم وَنشر البيرق ونودى الْمُطِيع للسطان يقف تَحِيَّة فوقفت العساكر تَحِيَّة وخلع على الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس فسبحان من لَا يَزُول ملكه وَلَا يتَغَيَّر سُبْحَانَهُ ثمَّ حمل الشريف أَحْمد وأتى بِهِ من طَرِيق الْحجُون فَدفن بالمعلاة رَحمَه الله من شَهِيد كَذَا ذكره فِي الْجَوَاهِر والدرر فِي أهل الْقرن الْحَادِي عشر وَقد كَانَ الشريف أَحْمد لَيْث آل أبي نمي أديباً فَاضلا نبيها مهيباً // (من المنسرح) // (تَعْرِفُ مِنْ عينه تجابَتَهُ ... كَأَنَّهُ بالذكَاءِ مكتَحِلُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 أَخذ الْعَهْد وَالطَّرِيق على عدَّة مَشَايِخ من أَجلهم الشَّيْخ أَحْمد الشناوي وَهُوَ الْمُبَاشر لَهُ بِولَايَة مَكَّة لكنه قَالَ على الشَّهَادَة يَا أَحْمد قَالَ على الشَّهَادَة فَكَانَ كثيرا مَا يكنى عَنْهَا بِطُلُوع الشَّمْس وعاقب بعد الْولَايَة كثيرا مِمَّن كَانَ قبلُ استبعدها عَنهُ وسخر مِنْهُ وَكَانَ لَهُ أخدان وجلساء قبل الْولَايَة وَبعدهَا فَحصل لَهُم الأذية بعد قَتله من قانصوه بوشاية هَذَا الشَّخْص الْمُسَمّى بالمياس مِنْهُم السَّيِّد الأكرم مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم ابْن السَّيِّد أَحْمد شيحان ومولانا الشَّيْخ أَحْمد الفشاشى ومولانا الشَّيْخ مُحَمَّد الْقُدسِي خَليفَة سَيِّدي أَحْمد البدوي فحبس الْجَمِيع وَثقل عَلَيْهِم حَتَّى افْتَدَوْا أنفسهم بِمَال جزيل كَانَ ذَلِك بوشاية المياس أذاقه الله كل باس يَوْم يَقُول النَّاس وَكَانَ للشريف أَحْمد زوجان من القنا الطَّوِيل جدا بسنان مَذْهَب تَحْتَهُ أُكرة من الْفضة المطلية يحمل كل وَاحِد رجل يمشي على قَدَمَيْهِ إِذا سَار فِي موكبه يسيران أَمَامه قَرِيبا مِنْهُ يصوبانهما ويصعدانهما بحركة لَطِيفَة التصعيد والتصويب على سَوَاء وَرُبمَا كَانَ فيمها جلاجل وَهَذَا يفعل إِلَى الْآن أَمَام إِمَام الْيمن إِذا سَار فِي الموكب انْتهى قلت وَهَذَا كَانَ لَهُ وجود فِي زمَان الْخُلَفَاء العباسيين فَلَيْسَ أهل الْيمن أول مبتدعيه وَقد ذكره شعراء الدولة العباسية فِي قصائدهم فِي الْخُلَفَاء قَالَ القَاضِي نَاصح الدّين أَبُو بكر أَحْمد الأرجانى من قصيدة يمدح بهَا الْوَزير أنو شرْوَان وَزِير الْخَلِيفَة المسترشد بن المستظهر بِاللَّه العباسي قَوْله // (من الطَّوِيل) // (وألوية منهنَّ صقران أوفيا ... عَلَى علمي رمحيْنِ فارتَبَآكا) (ولَيْسَ سوى النسرين مِنْ أفقيهما ... لحبهما نَيْل الْعلَا تَبِعاكَا) وَكَانَ إِذا سَار بِاللَّيْلِ لَا يُوقد بَين يَدَيْهِ إِلَّا الشمع الموكبي بَدَلا عَن المشاعل وَكَانَ دُخُوله مَكَّة متملكاً لَهَا وإجفال الشريف محسن صَاحب مَكَّة وَبنى عَمه عَنْهَا ضحى يَوْم الْأَحَد السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان من سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف فَكَانَ رَحمَه الله يتبجح وَيَقُول فتحت مَكَّة بِالسَّيْفِ كَمَا فتحهَا رَسُول الله ودخلتها فِي مثل الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ قلت أما قَوْله فتحتها فَالْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهَا لم تفتح عَنوة وَإِنَّمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 فتحت صلحا وَمَا وَقع من خَالِد بن الْوَلِيد رضى الله عَنهُ فَإِنَّهُ نووش بعض قتال مَعَ الْأَحَابِيش وعبدان أهل مَكَّة فِي أَسْفَلهَا وَقد نَهَاهُ عَن الْقِتَال وَلكنه لما قوتل قَاتل وَهَذِه هِيَ شُبْهَة الْقَائِل بِأَنَّهَا فتحت عنْوَة وَقد علمت بَيَانهَا وَكَذَلِكَ قَوْله ودخلتها إِلَخ فَإِنَّهُ لم يدخلهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سَابِع عشر رَمَضَان وَإِنَّمَا دَخلهَا يَوْم ثامن عشرَة بِغَيْر خلاف تغمده الله برحمته آمين وَمِمَّا رَأَيْته لصَاحبه إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الشهير بالمهتار قَوْله // (من الْخَفِيف) // (سنة السبعِ والثلاثينَ بعد الألْفِ ... جاءَتْ بِمَا بِهِ ينفر الطَّبْعْ) (دخَلَ السبْعُ مكةَ الله بالجنْدِ ... وَلَا شَكَّ أَنَّهَا سنة السَّبْعْ) وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول الأديب الأريب إِبْرَاهِيم بن يُوسُف المهتار سامحه الله تَعَالَى // (من الرجز) // (قَضَّى وَلم يقضِ الَّذِي مِنْهُ يجبْ ... صَبٌّ إِذا مَا يَدعه الشوقُ يُجبْ) (أشجاه تغريدُ حماماتِ اللوَى ... وهْنًا على البانِ فغنَّى فطَرِبْ) (ذكَّرتُهُ ليالياً مواضياً ... بالشِّعْبِ مِنْ قبلِ الخليطِ ينشعبْ) (إذْ عامرٌ بساكنِيهِ عامرٌ ... ظباؤُهُ ترعَى بمرعاه الخَصِبْ) (وَإِذ بِهِ الغيدُ بدَتْ سوانحاً ... تجرُّ من ذيل الصِّبَا بُردًا قشبْ) (مِنْ كُلِّ هيفاءِ القوامِ اذا انشنَتْ ... تكادُ مِنْ لينٍ بِهِ أَن تنقضبْ) (تبدو بوجْهٍ مسفرٍ من غيهبٍ ... مِنْ شعْرها إِلَى بنى بدَرْ انتسبْ) (مَنْ الرعابيبِ اللواتى خَلَّفَتْ ... ربْعَ اصطبارِى مثل مغناه الخَرِبْ) (فَمَا وُقُوفِي بالطلولِ بعدهمْ ... أبكى بهَا والحىُّ عَنْهَا مغتربْ) (سقيا سقى الله الْعباد معهداً ... بعامر إنْ ضنَّ دمعي المنسكبْ) (ذَاك الَّذِي بِهِ الظُّبَا تحمِى الظبا ... فكَمْ بِهِ مثلي أسيرٌ مكتئبْ) (لله أيامٌ بِهِ تصرمَتْ ... وكأسُ صفوٍ فِي لياليها شُرِبْ) (بفتية تراضعوا ثديًا من اْلآدابِ ... كُلٌّ للغرامِ منجذبْ) (يوشون شعرًا كالرياضِ بَينهم ... طويلُهُ يمد لفظ المقتضبْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 (لم ينشدوا إِلَّا شجانِى لفظهُمْ ... مَا الشعْرُ إِلَّا مَا شجا قلْبَ الْمُحب) (كلُّ أخي صبابةٍ وعارفٍ ... يوجدُ فَردا قبل ألاَّ يصطحبْ) (بتْنَا بهَا كلٌّ شكا غرامَهُ ... من الَّذِي يهوَى بقلْبٍ ملتهبْ) (والليلُ قد تستَّرَتْ نحومه ... بسحبها والبدْرُ فِيهَا محتجبْ) (والمزنُ تبْكي لابتسامِ البرْقِ أَو ... من غضبٍ لأحمدَ بْنِ المطلبْ) (ألأرْوَعُ الشَّهْمُ الكَرِيمُ الجدُّ رَبْ ... بُ الْجدِّ حاوي المَجْد عَنْ أهل اللعبْ) (ألفارسُ الْخَيل إِذا الشرُّ بدا ... مَعْ عمرٍ والكرارِ أَو معدى كربْ) (مملي العيونِ هَيْبَة إِذا مشَى ... مجلي القلوبِ رهبةً إِذا ركبْ) (هُوَ الكريمُ ابنُ الكريمِ مَنْ لَهُ ... ذيلٌ على هامِ السماكِ منسحبْ) (مِنْ معشرٍ هُمُ السراةُ فِي الورَى ... كُلٌّ إِلَى آلِ النبيِّ منتسبْ) (مُرْوِى الظبا من الصّدَا إِذا سَطَا ... مُزْرِى الحيا يَوْم الندَى إِذا يهبْ) وَلم يُوجد من هَذِه القصيدة إِلَّا مَا رَأَيْته ثمَّ إِنَّه مدحه أَيْضا وأشرك مَعَه أَخَاهُ مُحَمَّدًا بِإِشَارَة بعد وقْعَة الْبَقَرَة وَقد ظَهرت شجاعتهما فَقَالَ // (من الْكَامِل) // (إِن كَانَ تسآلُ الديارِ كَمَا يجبْ ... يُجدِى فَلِمْ بسؤالها قلبِي يجبْ) (مَا نافعي إنْ أشكُ بَثَّ صبابتي ... لرسومها والحيُّ مِنْهَا مغتربْ) (يَا أَحْمَدٌ ومحمدٌ وثقَتْ يَدي ... نِعْمَ الرجا أبناءُ عبد المطلبْ) (ألسابقين إِلَى الوغَى بعزائمٍ ... تذكى شواظاً كالصوارمِ ملتهبْ) (سل عَنْهُمَا بيضَ الصفاحِ ولهذم السسُمْرِ ... الرماحِ وجحفَل الجيشِ اللجبْ) (هلْ شاهدوا إِلَّا هما وهما هما ... دَعْ عنتَرَ الكرارَ أَو معدى كربْ) (سدتمْ ملوكَ الخافقَيْنِ أما ترَى ... من كَانَ يَبْغِي شأوَ غايتِكُمْ غُلِبْ) (إِن كَانَ من يَرْجُو الشفا بدمائِهِمْ ... فدماءُ أعبدكُمْ شفاءٌ للكَلِبْ) ثمَّ وَليهَا الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس وَاسْتمرّ فِي ولايتها وَكَانَت مَكَّة فِي زَمَنه ربيعاً مريعاً سخاء ورخاء تهب بهَا ريَاح الْأَمْن وَالْعدْل صبا ورخاء لم يَقع فى الْوُجُود شئ فِي زَمَنه من الأكدار وَلَا يُؤثر من الْأَخْبَار إِلَّا كل خبر سَار مَا عدا مَا قدره الله تَعَالَى من سُقُوط الْبَيْت الشريف فى زَمَانه فجدده سُلْطَان الْعَالم الْقَائِم بِحِفْظ الدّين وتشييد أَرْكَانه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 وَسبب ذَلِك أَنه يَوْم كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَمَضَان من سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف نشأت على مَكَّة وأقطارها سَحَابَة غربية مدلهمة الإهاب حالكة الجلباب فَلم تزل تَجْتَمِع إِلَى وَقت الزَّوَال فأبرقت وأرعدت وأرخت عزاليها وأغدقت واستمرت تهطل ساعتين ودرجتين فَأقبل السَّيْل من سَائِر النواحي وثلم السد الَّذِي يَلِي جبل حراء الْمُسَمّى جبل النُّور ثلمة كَبِيرَة وَعلا عَلَيْهِ فَدخل الْمَسْجِد وسَاق مَا وجد على طَرِيقه من جمال وَرِجَال وَمَال وأحمال وَغير ذَلِك وأخرب الدّور واستخرج مَا فِيهَا من الأثاث وَغَيره وأهدم عَلَيْهَا فَامْتَلَأَ الْمَسْجِد الْحَرَام مَاء حَتَّى أَنه دخل المَاء إِلَيْهِ من جِهَة بَاب الزِّيَادَة وَزَاد حَتَّى اعتلى على بَاب الْكَعْبَة ذراعين عمل وَأهْلك الرِّجَال والأطفال وكل من وجد فِي الْمَسْجِد وَكَانَ أَكثر الهالكين الْأَطْفَال الَّذين يقرءُون الْقُرْآن مَعَ فقهائهم فَتعلق بَعضهم بالأماكن المرتفعة وارتفع على بعض السلَاسِل الحرمية فوصل المَاء إِلَيْهِم وَأهْلك الْجَمِيع وَكَانَ من هلك بِهِ من بني آدم خَمْسمِائَة وَمن الْحَيَوَان كثير فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَحمل جَمِيع مَا فِي الْمَسْجِد من خَزَائِن ومصاحف وقناديل وَبسط وَغير ذَلِك ثمَّ بَات الْمَطَر يهطل إِلَى نصف اللَّيْل فَلَمَّا كَانَ آخر سَاعَة قبيل الْغُرُوب من يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور سقط جَانب الْحجر بِكَسْر بِكَسْر الْحَاء من الْبَيْت الشريف فَسقط جَمِيع مَا يناه الْحجَّاج مِنْهَا فَكَانَ بَقَاء الْبَيْت نَحْو ألف سنة من الْآيَات الجلية فَإِن الْبناء المربع الَّذِي تمر بِهِ الرِّيَاح لَا يبْقى عَادَة نَحْو ثَمَانِينَ سنة وَمن الْجَانِب الشَّرْقِي إِلَى حد الْبَاب وَمن الْجِدَار الغربي نَحْو النّصْف أَيْضا وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد فَقَالَ فِي ذَلِك المهتار هَذِه القصيدة // (من الْبَسِيط) // (ماجتْ قواعدُ بيتِ الله واضطربَتْ ... واهتزَّتِ الأرضُ من أقطارها وربتْ) (وأمسَتِ الكعبةُ الغراءُ ساقطةَ ... فَمَا أشكُّ بأنَّ الساعةَ اقتربَتْ) (فأىُّ خطْبٍ بِهِ أحشاؤنا انصدَعَتْ ... وأيُّ هولٍ بِهِ ألبابُنَا انسلَبَتْ) وجميعها على هَذِه الركة تركتهَا اسْتِحْسَانًا وأنفت من ذكرهَا استهجاناً قَالَ المرحوم الْعَلامَة الإِمَام عَليّ بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ يعنيه وَقد نظم بعض المتطفلين على الْأَدَب قصَّة السَّيْل الْمَذْكُور مَعَ قصَّة مَا وَقع بعده فِي أَبْيَات تنفر عَنْهَا المسامع لركاكتها وقبحها واستهجان الطباع السليمة لَهَا يُشِير بذلك إِلَى هَذِه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 القصيدة الَّتِي مطْلعهَا ماجت وَلَقَد صدق فِيمَا قَالَ رَحمَه الله نعم قَوْله فِي تَارِيخ هدم الْبَيْت بالسيل الْمَذْكُور // (من الْخَفِيف) // (هدّمَ الْبَيْت أَمر رَبِّ تغشَّاهُ ... بسيلٍ لم يحوِ غرقاه ضبط) (فِي نهارِ الخميسِ عشرينَ شعبانَ ... قبيلَ الغروبِ مِنْ عَام لغط) لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ الإِمَام فضل بن عبد الله الطَّبَرِيّ مؤرخاً لذَلِك // (من مجزوء الرجز) // (سُئلْتُ عَنْ سيلٍ أتَى ... والبيتُ عَنهُ قد سقَطْ) (متَى أَتَى قلتُ لهُمْ ... مَجِيئُهُ كَانَ غَلَطْ) وَله تَارِيخ آخر من أَبْيَات رقي إِلَى قفل بيتَ الله وتتمة المصراع حِين هجم وَقَالَ القاضى الأحسائى من المجتث (منْ بعْد إخراجِ ترك ... وقَتْلِ مَنْ ملّكَتْهُ) (للبيت هدَّتْ سيولٌ ... تاريخُهَا دَخَلَتْهُ) فَوَقع الضجيج الْعَام والانزعاج التَّام فِي قُلُوب الْأَنَام فبرز مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود من دَاره إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَحضر مَعَه السَّادة الْأَشْرَاف وفاتح الْبَيْت الشريف وَهُوَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم الشيبي وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء والصلحاء وَكَانَ جلوسهم بمقام الْحَنَفِيّ وجلوس الشريف على نفس الْمِحْرَاب كَمَا أَخْبرنِي من رَآهُ كَذَلِك فبرز أَمر الشريف مَسْعُود بإيقاد الشموع الكائنة فِي حَاصِل الْمَسْجِد الْحَرَام فأوقدت وَأمر فاتح الْبَيْت أَن يدْخل الْكَعْبَة وَيخرج الْقَنَادِيل الَّتِي بهَا خشيَة عَلَيْهَا من الضّيَاع وَأَن يرفع الْمِيزَاب الشريف أَيْضا فعين الشَّيْخ شخصا من خدام الْكَعْبَة لذَلِك لكَونه فِي أثر مرض يمنعهُ من الْحَرَكَة التَّامَّة فَدخل ذَلِك الْخَادِم وَمَعَهُ جمَاعَة وأتى شيخ الوقادين بالمحط وأخرجوا الْقَنَادِيل ووضعوها فِي مخزن فاتح الْبَيْت وَختم على المخزن الْمَذْكُور مَوْلَانَا الشريف وقاضي الشَّرْع ونائب الْحرم الشريف ثمَّ انْصَرف النَّاس إِلَى دُورهمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة حادى عشرى الْمَذْكُور وصل الشريف مَسْعُود وَمَعَهُ السَّادة والأعيان بعد النداء الْعَام بتعاطي هَذِه الْخدمَة وشرعوا فِي إِزَالَة الطين الْكَائِن بالمطاف فشمر الشريف مَسْعُود عَن أكمامه وَأخذ مكتلاً وَحمل فِيهِ من الطين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 وَفعل النَّاس كَذَلِك فجزى الله الْجَمِيع خيرا وأثابهم على فعلهم فَمَا كَانَ بأسرع من تنظيف المطاف وَمَا حوله فباشر الخطيِب الْجُمُعَة وَأقَام شعارها ثمَّ شرعوا فِي رفع الْأَحْجَار فَمِنْهَا مَا جَعَلُوهُ خلف مقَام الْحَنَفِيّ وَمِنْهَا عِنْد ممشى بَاب السَّلَام بِالْقربِ من الْمِنْبَر ثمَّ إِن الشريف جهز قَاصِدا من مَكَّة وَمَعَهُ السَّيِّد عَليّ بن هيزع لتعريف باشا مصر المحروسة ووزير جهاتها المأنوسة بِهَذَا الْخَبَر ليعرضه على الحضرة الخنكارية وصحبتهم مكاتيب مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود ومحاضر من الْأَعْيَان وفتاوي الْعلمَاء فعزم القاصد الْمَذْكُور من مَكَّة أَوَاخِر شعْبَان ثمَّ إِن الشريف برز أمره العالي إِلَى المهندسين والفعلة بتنظيف بَاطِن الْكَعْبَة مِمَّا وَقع فِيهَا من الْأَحْجَار وَالتُّرَاب فنظفت ثمَّ إِن الشريف أرسل إِلَى جدة لتَحْصِيل خشب يَجْعَل على الْكَعْبَة لسترها إِلَى أَن يشرعوا فِي الْعِمَارَة فوصل الْخشب آخر رَمَضَان فستروا جَمِيع مَا سقط مِنْهَا وَجعلُوا بَابا لطيفاً من خشب فِي الْجِهَة الشرقية فَلَمَّا كَانَ شهر شَوَّال جعل الشريف ثوبا أَخْضَر وَألبسهُ الْكَعْبَة الشَّرِيفَة بعد أَن حضر بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام ثمَّ بعد إلباسه دخل الْكَعْبَة وَصلى بهَا ثمَّ برز فَطَافَ والريس يَدْعُو لَهُ على قبَّة زَمْزَم كعادة أسلافه وَكَانَ الإلباس الْمَذْكُور سَابِع شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَلما أَن كَانَ خَامِس عشر شَوَّال وصل القاصد من مصر المحروسة وَأخْبر بوصول الأغا رضوَان المعمار معينا للعمارة وَكَانَ وُصُوله مَعَه إِلَّا أَنه تَأَخّر عَن ذَلِك الْيَوْم فَدخل فِي الْيَوْم الثَّانِي يَوْم سادس عشر شَوَّال وَنزل بالجوخي ثمَّ دخل مَكَّة يَوْم سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وصحبته نامة سلطانية وخلعة للشريف مَسْعُود فألبسه إِيَّاهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام يَوْم السبت سَابِع عشر شَوَّال بعد اجْتِمَاع السَّادة وَالْفُقَهَاء والأعيان وقرئت النامة وَالْأَحْكَام الباشوية ثمَّ شرع الْأَمِير رضوَان فِي تنظيف الْمَسْجِد الْحَرَام فأكمل ذَلِك وفرشه بالحصى وَلم يرد الْحجَّاج إِلَّا وَقد تمّ جَمِيع ذَلِك ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْأَحَد سادس عشري شهر ربيع الثَّانِي من عَام أَرْبَعِينَ وَألف وصل إِلَى مَكَّة السَّيِّد مُحَمَّد أَفَنْدِي مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ومعيناً لعمارة الْكَعْبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 المشرفة وَكَانَ وُصُوله إِلَى بندر جدة بحراً وصحبته نامة سلطانية وخلعة عثمانية من الحضرة الشَّرِيفَة المرادية باسم مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود فقرئت النامة بِالْحَطِيمِ بعد حُضُور قَاضِي مَكَّة وَشَيخ حرمهَا ومولانا السَّيِّد عبد الْكَرِيم ابْن السَّيِّد الشريف إِدْرِيس نِيَابَة عَن أَخِيه مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود وحملت الخلعة صُحْبَة السَّيِّد عبد الْكَرِيم وَالسَّيِّد مُحَمَّد أَفَنْدِي والأمير رضوَان والأجناد إِلَى مَوْلَانَا الشريف مَسْعُود فلبسها ببستانه بالمعابدة لكَونه مُقيما فِيهِ لتوعك مزاجه الْكَرِيم فاستمر مَرِيضا بِمَرَض الدق إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عشري ربيع الثَّانِي سنة أَرْبَعِينَ وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة وَثَلَاثَة أشهر إِلَّا أَرْبَعَة أَيَّام رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَضبط الْأَمِير رضوَان الْبَلَد ضبطاً حسنا وَأمر الْمُنَادِي بالنداء أَن الْبَلَد بلد السُّلْطَان وَمَا زَاد على ذَلِك دفعا للفتنة فَجَاءَت الْأَشْرَاف وسألوه عَن المعيَّن لِلْأَمْرِ فَأبى أَن يُعينهُ وَأمرهمْ بتجهيز الشريف مَسْعُود فَنزل بِهِ الْأَشْرَاف وَقت الضحوة إِلَى مَكَّة على محفة البغال وَغسل وَصلى عَلَيْهِ عِنْد الْكَعْبَة قَاضِي الشَّرْع مَوْلَانَا الْعَلامَة حُسَيْن أَفَنْدِي وخطب عَلَيْهِ خطْبَة أبكت الْعُيُون وأنكت الْقُلُوب وَدفن عِنْد أم الْمُؤمنِينَ السيدة خَدِيجَة بَيت خويلد وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قَول العلامهَ القَاضِي أَحْمد بن عِيسَى المرشدي // (من الْبَسِيط) // (عوجا قَلِيلا كَذَا عَن أيمنِ الواديِ ... واستوقفا العيسَ لَا يحدُو بهَا الحادِى) (وعرِّجَا بى علَى ربعٍ صحبْتُ بِهِ ... شرخَ الشبيبةِ فِي أكنافِ أجيادِ) (واستعطفا جيرةً بالشعْبِ قد نزلُوا ... أَعلَى الكثيبِ فَهُمْ غيي وإرشادِى) (وسائلاً عَنْ فؤادِى تبلُغَا أملي ... إِنَّ التعلل يشفي غُلَّةَ الصادي) (واستشفعا تشفَعَا نسألْكُمُ فعسَى ... يقدِّرِ الله إسعافي وإسْعَادى) (وأجملا بى وحُطَّا عَنْ قلوصكما ... فِي سوحِ مُرْدِى الأعادي الضيغمِ العادِى) (مسعودُ عَيْن الْعلَا المسعودُ طالعُهُ ... قَلْبُ الكتيبةِ صَدْرُ الحَفْل والنادي) (رأسُ الملوكِ وعينُ الملكِ ساعده ... زَنْدُ الْمَعَالِي جَبِينُ الجَحْفَلِ البَادى) (شهمُ السراةِ الألى سارَتْ عوارفُهُمْ ... شرفًا وغرباً بأغوارٍ وأنجادِ) (نرد غمار العُلاَ فِي سوحِهِ ونرحْ ... أَيدي الركائبِ من وخدٍ وإسآدِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 (فَلَا مناخ لنا فِي غير ساحتِهِ ... وَجُود كفيه فِيهَا رائحٌ غادي) (يعشوشبُ العشْبُ فِي أكناف عقوتِهِ ... يَا حبذا العشْبُ فِي الدُّنْيَا لمرتادِ) (ونجتني ثمرَ الآمالِ يانعةً ... من روضِ معروفِهِ من قبلِ ميعادِ) (فأىُّ سوحٍ يرجَّى بعد ساحته ... وأىُّ قصْدٍ لمقصودٍ وقصادِ) (ليهنِ ذَا الْملك أَن ألبسْت حلته ... تُحْيى مآثرَ آباءٍ وأجدادِ) (لبستها فكسَوْتَ الفخرَ ملبسها ... مشَهَّرا يبهرُ المصبوغَ بالجادِ) (علوتَ بَيْتا ففاخرْتَ النجومَ عُلاً ... والشهبَ فخراً بأسبابٍ وأوتادِ) (ولحت بَدْرًا بأفقِ الملكِ تحسدُهُ ... شمسُ النهارِ وَهَذَا حَرُّها بَادِي) (وصنْتَ مكةَ إِذْ طهَّرْتَ حوزتها ... مِنْ ثلةٍ أهلِ تثليث وإلحادِ) (قد غرَّ بَعْضهُمُ الإمهالُ يحسبه ... عفوا فعادوا لإتلافٍ وإفسادِ) (فذدتهُمْ عَن حمى البيتِ الحرامِ وهُمْ ... من السلاسلِ فِي أطواقِ أجياد) (كأنهمْ عِنْد رفعِ الزندِ أيديهمْ ... يدعونَ حُبًّا لمولانا بإمدادِ) (وَمَا ارعوَوْا فشهرْتَ السَّيف محتسباً ... يَا بردَ حَرِّهم فِي حَرِّ أكبادِ) (غادرتهُمْ جزراً من كلِّ منجدلٍ ... كأنَّ أثوابه مُجَّتْ بفرصادِ) (وأثمَرَ السدْرُ من أَجْسَادهم ثمراً ... حلواً بأفواهِ أجداثٍ وأنجادِ) (سعيْتَ سعياً جنياً مِنْ خمائله ... نورُ الأمانِ لأرواحٍ بأجسادِ) (فكَمْ بمكَّةَ من داعٍ ومبتهلٍ ... وَمن محبِّ وَمن مثنٍ ومِنْ فادي) (وعادَ كل قصيِّ مصلحاً وغدَتْ ... أيامُنَا بالهنا أيامَ أعيادِ) (نَفى لذيذَ الكرَى عَنْهُم تذكُّرُهُمْ ... وَكَانَ مِنْ قبل صعبًا غير منقادِ) (من كل أبيضَ قد صَلَّتْ مضاربه ... لما ترقَّى خَطِيبًا منبرَ الهادِى) (وقادَ كلَّ قصىِّ ذله مهلا ... مهملاً كل معوج ومنآدِ) (وكل أسمر نظام الكُلَى وَله ... إِلَى العدَى طفرة النَّظَّام ميادِ) (وصانَ وسمك فِي جأشٍ يخالطُهُ ... عنْ رَبِّ عزِّ تنضَّاهُ بأَحشادِ) (أسكنْتَ قلبهمُ رعْبًا تذكُّرُهُ ... ينسى الشفوق الموَالِي ذِكْر أولادِ) (أقبلتهم كُلّ مرقالٍ وسابحةٍ ... يسرعْنَ عدوا إِلَى الأعدا بأطوادِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 (مِنْ كُلِّ شهمٍ إِلَى العلياءِ منتسبٍ ... بسادةٍ قادةٍ للخيلِ أجوادِ) (فهاكَ يابْنَ رسولِ الله مِدْحَةَ مَنْ ... أورَتْ قريحته من بعدِ إخمادِ) (فأحكَمَتْ فيكَ نظماً كُله غُرَرٌ ... مَا أحرزَتْ مثله أقيالُ بغدادِ) (أضحَتْ قوافيه والإحسانُ يشرَحُهَا ... روضَ بديعٍ لإرصادٍ بمرصادِ) (ترويه عنِّى الثريا وَهْىَ هازئةٌ ... بالأصمعىِّ وَمَا يروي وحمادِ) (وتستحثُّ مطايا الزُّهْر إِن ركدَتْ ... كَأَنَّهَا إبلٌ يَحْدُو بهَا الحادِى) (وتوقظ الركبَ ميلًا من خمارِ كرىً ... وَاللَّيْل مِنْ طولِ تدآبِ السرَى هادِى) (أتتْكَ تشفَعُ إذلالاً لمنشئِهَا ... فاقبَلْ تذللَهَا يَا نَسْلَ أمجادِ) (وأسْبِل الصفْحَ سترا إِن بدا خَللٌ ... تهتك بِهِ سِتْرَ أعدائي وحُسَّادى) (وقلْ تقرَّبْ إِلَيْنَا تستعزَّ بِنَا ... مَا حقُّ مثلكَ أَن يقصى بإبعادِ) (لازلْتَ يَا عزَّ أهلِ البيتِ فِي دَعَةٍ ... تحفُّ مِنْهُم بأنصارٍ وأنجادِ) (مسعودُ جَدُّ سعيد الفأل طالعه ... سعدُ السعودِ وملقى كلِّ إسعادِ) (بحقِّ طه وسبطَيهِ وأُمِّهما ... والمرتضَى والمثنَّى الطهْر والهادِى) (صلَّى عَلَيْهِم إلهُ العرْشِ مَا سجَعَتْ ... قمْريةٌ أَو شدا فِي مكَّةٍ شادي) وَقَالَ مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي فِيهِ أَيْضا وقدمت هِيَ والتى قبلهَا فِي يَوْم وَاحِد يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف // (من الْبَسِيط) // (غُذِيتُ دَرَّ التصابِى قبلَ ميلادي ... فَلَا تَرُمْ يَا عذولي فِيهِ إرشادِى) (غَىُّ التصابي رشادي والعذابُ بِهِ ... عَذْبٌ لدىَّ كبردِ الماءِ للصادِى) (وعاذلُ الصبِّ فِي شرعِ الهوَى حرجٌ ... يرومُ تبديلَ إصلاحٍ بإفسادِ) (ليتَ العذولَ حوَى قلبِي فيعذرَنِى ... أولَيْتَ قلْبَ عذولي بَين أكبادِى) (لَو شامَ بَرْقَ الثنايا والتَّثَنِّى من ... تلْكَ القدودِ انثنَى عطفٌ الإسعادِ) (وَلَو رأَى هادياً للجيدِ كَانَ درَى ... أَن اشتقاقَ الهدَى من ذَلِك الْهَادِي) (كم باتَ عقدا عَلَيْهِ ساعدي ويَدِي ... نطاق مجتمعي المخفي والبادي) (إِذْ أعيُنُ العِينِ لَا تنفكُّ ظامئةً ... لِوِرْدِ ماءِ شَبَابِي دُونَ أندادي) (فيا زمَانَ الصِّبَا حُيِّيتَ من زمنٍ ... أوقاتُهُ لم نُرع فِيهَا بأنكادِ) (وَيَا أحبتَنَا روَّى معاهِدَكُمْ ... من العهادِ هتونٌ رائحٌ غادِى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 (معاهداً كُنَّ مصطافى ومرتَبَعِى ... فكَمْ بهَا طَال بل كَمْ طابَ تردادي) (يَا رائحينَ وقلْبى إِثْر ظعنِهِمُ ... ونازحينَ وهُمْ ذكرِى وأورادِى) (إِن تَطْلُبُوا شرْحَ مَا أَيدي النَّوَى صَنَعَتْ ... بمغرمٍ حِلْفِ إيحاشٍ وإيحادِ) (فقابلوا الريحَ إِذْ هبَّتْ شآميةً ... تروي حَدِيثي لكُمْ موصولَ إسنادِ) (وَالَهْفَ نَفسِي على مغنًى بِهِ سلفَتْ ... ساعاتُ أنسٍ لنا كانتْ كأعيادِ) (كَأَنَّهَا وأدامَ الله مشبِهَهَا ... أيامُ دولةِ صدْرِ الدستِ والنادِى) (ذُو الجودِ مسعودٌ المسعودُ طالعُهُ ... لَا زالَ فِي برْجِ إقبالٍ وإسعادِ) (عادَتْ بدولتِهِ الأيامُ مشرقةً ... تهزُّ مختالةَ أعطافَ مَيَّادِ) (وقلدَ الملكَ لما أَن تقلده ... فخراً على مَرِّ أزمانٍ وآبادِ) (وقامَ بِاللَّه فِي تدبيرِهِ فغدا ... موفقاً حالَ إصدارٍ وإيرادِ) (حق لَك الحمدُ بعد الله مفترضٌ ... فِي كُلِّ آونةٍ من كلِّ حَمَّادِ) (أنقذتهم مِنْ يدِ الأعداءِ متخذاً ... عِنْد الإلهِ يدا فيهمْ بأنجادِ) (داركْتهُمْ سُهَّدًا رمقي فعادَ لَهُمْ ... غمضٌ لجفنٍ وأرواحٌ لأجسادِ) (بُشْرَاكَ يَا دهْرُ حَاز الملكَ كافلُهُ ... بشراكَ يَا دهْرُ أُخْرَى بِشْرُهَا بادِى) (عادَتْ نجومُ بني الزهراءِ لَا أفلَتْ ... بعودةِ الدولةِ الزهْرَا لمعتادِ) (واخضَلَّ روضُ الأمانِى حينَ أصبحَتِ الأجوادُ ... عقدا على جَيَّاد جَيَّادِ) (وأصبَحَ الدينُ وَالدُّنْيَا وأهلُهُمَا ... فِي حفْظِ ملكٍ لظلِّ العدلِ مدادِ) (يبيحُ هامَ الأعادي مِنْ صوارمه ... مَا استحصدَتْ بالتقاضي كل حَصَّادِ) (شَهْمٌ أيادي أياديه ونائله ... على الورَى أصبحَتْ أطواقَ أجيادِ) (يَمْضِى مؤمِّلُ جدوى راحَتيهِ إِلَى ... طَلْقِ الْمحيا كريمِ الكَفِّ جوادِ) (بذل الرغائب لَا يعتدُّهُ كرماً ... مَا لم يكُنْ غير مسبوقٍ بميعادِ) (والعَفْوُ عَن قدرةٍ أشهَى لمهجتِهِ ... صينَتْ وأشفى من استيفاءِ إيعادِ) (مآثِرٌ كالدرارِى رفْعَة وسنىً ... وَكَثْرَة فهْىَ لَا تحصَى بتعدادِ) (تسمو مناقبَ مَنْ كُلَّ الكمالِ حوَى ... وأنْتَ ذَلِك عَن حَصْرٍ بأعدادِ) (فأنْتَ من معشرٍ إِن غارةٌ عرضَتْ ... خفوا إِلَيْهَا وَفِي النادِى كأطوادِ) (كم هجمةٍ لكَ والأبطالُ محجمةٌ ... ووقفةٍ أوقفَتْ ليثَ الشرَى العادِى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 (بكلِّ أبيضَ مقصودٍ لمضطهدٍ ... وللمرائرِ والمرانِ قصَّادِ) (فَخْرَ الملوكِ الألى فَخْرُ الزَّمَان بهمْ ... دُمْ حائزًا مُلْكَ آباءٍ وأجدادِ) (وليهنِ خلته أَن رحْتَ لَابسهَا ... إذْ أصبَحَتْ خير أثوابٍ وأبرادِ) (واسْتَجل أبكارَ أفكارٍ مخدرة ... قد طالَ تَعْنِيسها من فَقْدِ أندادِ) (كَمْ رُدَّ خُطَّابها حَتَّى رأتْكَ وقَدْ ... أمَّتْكَ خاطبةٌ يَا نسْلَ أمجادِ) (أفرغت فِي قالبِ الألفاظِ جوهَرَهَا ... سبكاً بذهْنِ وَرِيِّ الزندِ وقادِ) (وصاغَهَا فِي معاليكُمْ وأخلَصَهَا ... وُدّ ضميرىَ فِيهِ عَدْلُ إشهادِ) (يَحْدُو بهَا العِيسَ حاديها إِذا زَحَرَتْ ... من طولِ وخْدٍ وإرقالٍ وإِرشادِ) (كَأَنَّمَا الراحُ بالألبابِ لاعبةٌ ... إِذا شدا بَيْنَ سُمَّارٍ بهَا شادِي) (بفضلها فضلاءُ العصْرِ شاهدة ... والفضْلُ مَا كَانَ عَن تسليمِ أضدادِ) (فَلَو غَدَتْ من حبيبٍ فِي مسامعِهِ ... أَو الصفى استحالا بَعْضَ حسادي) (واستنزلا عَن مطايا القَوْلِ رحْلهُمَا ... واستوقَفَا العيسَ لَا يحدُو بهَا الحادِى) (وحَسْبُهَا فِي التسامِى والتقدُّمِ فِي ... عَدِّ المفاخرِ إِذْ تَغْدُو لتعدادِ) (تقريظُهَا عِنْد مَا جاءَتْ معاَرضةً ... عُوجَا قَلِيلا كَذَا عَن أَيْمَنِ الْوَادي) نَشأ الشريف مَسْعُود فِي كَفَالَة وَالِده الشريف إِدْرِيس صَاحب مَكَّة وَوَقعت لَهُ حروب مَعَ ابْن عَمه الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن كَانَ الظفر فِيهَا لمحسن أَولهَا سنة سبع وَثَلَاثِينَ فِي ربيع الأول مِنْهَا وَفِي بَعْضهَا أرسل الشريف محسن وَلَده مُحَمَّد فظفر وَاسْتولى على مَسْعُود وَأَخذه أخذا شَدِيدا وَقتل فِي المعركة السَّيِّد حميضة بن عبد الْكَرِيم بن حسن وهَاشِم بن شنبر بن حسن ثمَّ دخل الشريف مَسْعُود مَكَّة بِرِضا من الشريف محسن بكفالة الْأَشْرَاف أَنه لَا يسْعَى فِي خلاف لَا بقول وَلَا بِفعل رحم الله الْجَمِيع رَحْمَة وَاسِعَة ثمَّ وَليهَا الشريف عبد الله بن حسن أكبر آل أبي نمي إِذْ ذَاك مُلُوك الْبَلَد الْحَرَام ومدينة جدهم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَاهُ رضوَان وَالسَّيِّد مُحَمَّد الْمعِين للعمارة وقاضي مَكَّة وَشَيخ حرمهَا فَحَضَرَ وَمَعَهُ من أَوْلَاده السَّيِّد مُحَمَّد وَالسَّيِّد حُسَيْن وَكَانَ قد تخلف عَن الْجِنَازَة لذَلِك فَلَمَّا حضر مَوْلَانَا الشريف عبد الله سَأَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 مِنْهُ الْأَمِير رضوَان لبس خلعة شرافة الْبَلَد الْحَرَام فَامْتنعَ من قبُول ذَلِك فألزموه بذلك حَقنا لدماء الْعَالم وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رَضِي فألبسه الْأَمِير القفطان وَحصل بولايته الْأَمْن والأمان وَكَانَ الِاجْتِمَاع لذَلِك فى السَّبِيل المسنوب لمُحَمد بن مزهر كَاتب السِّرّ الْكَائِن فِي جِهَة الصَّفَا الْمَعْرُوف علوه فِي زَمَاننَا بسكن الشَّيْخ عَليّ الأيوبي رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة حضر بِالْحَطِيمِ مَوْلَانَا الشريف عبد الله بن حسن والساده الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء فدار بَينهم الْكَلَام فِي بَقِيَّة الجدران والجدار الْيَمَانِيّ فاتفقوا على الإشراف عَلَيْهِ أَولا فَدخل الشريف عبد الله وَالْجَمَاعَة إِلَى الْكَعْبَة وأشرفوا على بَقِيَّة الجدران وَنصب المهندسون الْمِيزَان فِي الْجِدَار الْيَمَانِيّ فوجدوه خَارِجا عَن الْمِيزَان نَحوا من ربع ذِرَاع ثمَّ برزوا من الْكَعْبَة وجلسوا فِي الْحطيم فَاقْتضى رَأْيهمْ أَن يهدم بَقِيَّة الجدارين الشَّرْقِي والغربي ثمَّ ينظر فِي الْجِدَار الْيَمَانِيّ فَإِن زَاد فِي الْميل هدم وَإِلَّا فَلَا وانفض الْجَمِيع على ذَلِك ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ رفع سُؤال إِلَى عُلَمَاء مَكَّة هَل بجوز هدم الْجِدَار الْيَمَانِيّ إِذا شهد المهندسون بوهنه وسقوطه إِن لم يهدم فَأَجَابُوا بِالْجَوَازِ فاعتمد الْوُلَاة على ذَلِك فتعاطوا الْعِمَارَة وَشرع المهندسون فِي هدم بَقِيَّة الجدران وَكَانَ ابْتِدَاء الْهدم فِي يَوْم الْعشْرين من جُمَادَى الأولى سنة أَرْبَعِينَ وَألف ثمَّ لم يزَالُوا كَذَلِك إِلَى أَن أَتموا الْهدم وشرعوا فِي الْبناء وَحضر فِي أثْنَاء الْعِمَارَة مَوْلَانَا الشريف عبد الله وَحمل مكتلاً فِيهِ نورة وَفعل فعله جمَاعَة من الْحَاضِرين فَلَمَّا أَن كَانَ غرَّة شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة سنة أَرْبَعِينَ وَألف رفعت الأستار الَّتِي حول الْبَيْت الشريف وتكامل بِنَاء الجدران كلهَا وَفِي ثَالِث شعْبَان يَوْم الْخَمِيس ركب الْمِيزَاب وَبعد النّصْف من شعْبَان شرعوا فِي تنظيف الْكَعْبَة المشرفة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة غرَّة شهر رَمَضَان ألبست الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ثوبها وَللَّه الْحَمد وَالشُّكْر وَفِي ذَلِك يَقُول القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي مؤرخاً لعمارتها وممتدحاً لمعمرها مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد خَان بن أَحْمد خَان // (من الطَّوِيل) // الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 (هَنِيئًا لملكٍ خصَّهُ الله واجتَبَى ... وصدَّاهُ للبيتِ العتيقِ بجدِّهِ) (بَنَى البيتَ بعد ابنِ الزبيرِ وَلم يَفُرْ ... سواهُ بِهَذَا الفَخْرِ لَا زالَ سعدُهُ) (مليكٌ أقامَ الله أيامَ ملكِهِ ... وَلَا زالَ خفاقاً مدى الدهْرِ يندُهُ) (مليكٌ ملوكُ الأرضِ طرَّا عبيدُهُ ... تدينُ لَهُ شرقاً وغرباً وجندُهُ) (مليكٌ حباه الله فخراً وسؤدداً ... وصيتاً مداه لَا ينالُ وحدُّهُ) (بتعميرِهِ بيتَ الْإِلَه على يَدَي ... مَنِ اختارَهُ ربُّ الورى دَامَ رشدُهُ) (قَدُونَكَ تَارِيِخًا لِعَامِ بِنَائِهِ ... وَفيًّا بِضَبْطِ الْعَامِ حِينَ تَعُدُّهُ) (مرادٌ بني بيتَ الإلهِ وزادَهُ ... سناءً بهَا يَزْهَى بِهِ زِيد مجْدُهُ) وَله تَارِيخ نثر هُوَ قَوْله أسس بُنْيَانه على تقوى من الله وَهدى ولإبراهيم المهتار قَوْله // (من المتدارك) // (قَدْ قيلَ تُرَى مَن يعمرُ بيتَ ... الله ومَنْ يَهْدى لِرَشادْ) (فأجبتُ بتاريخٍ نَظْمًا ... هَا أَعْمَرَ بيتَ اللهِ مُرَادْ) قلت يحسن أَن يُقَابل هَذَا الشّعْر بقول الْقَائِل // (من المتدارك) // (شعر عظم ماثل لكم ... حجر ضخم ترب ورمادْ) وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف عبد الله بن حسن مُتَوَلِّيًا إِلَى أَن حج بِالنَّاسِ موسم سنة أَرْبَعِينَ بعد الْألف ثمَّ اسْتهلّ هِلَال محرم افْتِتَاح سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف فَأخذ مِنْهَا شهر محرم ثمَّ بدا لَهُ خلع نَفسه من ولَايَة مَكَّة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة غرَّة صفر من السّنة الْمَذْكُورَة قلد إمرة مَكَّة لوَلَده الشريف مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن ولمولانا الشريف زيد بن محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن وَكَانَ قد استدعاه قبل ذَلِك من نواحي الْيمن لأنهُ فر إِلَى تِلْكَ الْجِهَة زمن ولَايَة مَسْعُود مَكَّة لما كَانَ من مَوْلَانَا الشريف محسن إِلَى أَبِيه إِدْرِيس أَولا ثمَّ إِلَيْهِ نَفسه مِنْهُ ثَانِيًا فَنُوديَ بالبلاد لَهما وتخلى الشريف عبد الله بن حسن للتوجه إِلَى عبَادَة ربه إِلَى أَن أَتَاهُ الْأَمر المحتوم بِأَمْر الْحَيّ القيوم لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر جُمَادَى الْأُخْرَى من النسة الْمَذْكُورَة فَكَانَت مُدَّة ولَايَته تِسْعَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام فاستمر الشريفان مُحَمَّد بن عبد الله وَزيد بن محسن يدعى لَهما على المنابر والبلاد بهما قارَّة وَالْأَحْوَال طيبَة سارة إِلَى أَن كَانَ الْعشْر الأول من شعْبَان الْمُعظم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 من السّنة الْمَذْكُورَة وصلت أَخْبَار من جِهَة الْيمن بِأَن عسكراً خَرجُوا على الْوَزير قانصوه وَأَن نيتهم الْوُصُول إِلَى مَكَّة المشرفة وَكَانَ ذَلِك شَائِعا على الْأَلْسِنَة ثمَّ ورد مُورق من القنفدة بِخَبَر وصولهم إِلَيْهَا وَمَعَهُ مكاتيب إِلَى مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد ومولانا الشريف زيد ومصطفى بك الصنجق الْمُقِيم بِمَكَّة أَو طراقاً من أغاني الْعَسْكَر الْمَذْكُور مَحْمُود وَعلي بك ومضمون مكاتيبهم أننا نُرِيد مصر ونريد الْإِقَامَة بِمَكَّة أَيَّامًا لنتهيأ للسَّفر فَأبى عَلَيْهِم صَاحب مَكَّة خوفًا من الْفِتْنَة وَالْفساد وَدفن بعض آبار كَانَت فِي طريقهم فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَيْهِم أجمع رآيهم على دُخُول مَكَّة قهرا واستعدوا لذَلِك بعد أَن كتبت الْأَجْوِبَة بِالْمَنْعِ فَحصل فِي الْبَلَد قيل وَقَالَ واضطراب شَدِيد فَلَمَّا أَن كَانَ يَوْم الْجُمُعَة عشري شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة بعد الْعَصْر وَهِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف توجه مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد والشريف زيد والسادة الْأَشْرَاف والأعراب إِلَى جِهَة بركَة الماجن وقوز المكاسة لِأَنَّهُ بَلغهُمْ أَن الأتراك قاربوا السعدية وبرز مَعَهم الصنجق مصطفى بك بعد أَن طلب من الشريف مُحَمَّد خيلاً لمن مَعَه فَتوهم من ذَلِك وَمنعه من الْخَيل فبرز مَعَه بعسكره وَجُنُوده فَلَمَّا أَن كَانَ ضحى يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشري شعْبَان الْمَذْكُور وَقع اللِّقَاء بِالْقربِ من وَادي البيار بَين السَّادة الْأَشْرَاف وَبَين الأتراك فحصلت ملحمة عَظِيمَة وقتال شَدِيد وَقتل مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن صَاحب مَكَّة وَقتل مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف جمَاعَة مِنْهُم مَوْلَانَا السَّيِّد الْجَلِيل أَحْمد بن حراز ومولانا السَّيِّد حُسَيْن ابْن مغامس ومولانا السَّيِّد سعيد بن رَاشد وَخلق آخَرُونَ وَأُصِيبَتْ يَد مَوْلَانَا السَّيِّد هزاع بن مُحَمَّد الْحَارِث فَقطعت وَلم تنفصل فَدخل بهَا كَذَلِك إِلَى مَكَّة وَمر على جِهَة سوق اللَّيْل قَائِلا عُذْري إِلَيْكُم يَا أهل مَكَّة مَا تَرَوْنَهُ وَتوجه بَقِيَّة الْأَشْرَاف إِلَى وَادي مر فَبعد تَمام الْوَقْعَة دخل الأتراك وَنُودِيَ بِالْبَلَدِ للشريف نامي بن عبد الْمطلب بن حسن وَكَانَ دُخُولهمْ من جِهَة بركَة الماجن فتعب النَّاس أَشد التَّعَب وَحصل الْخَوْف الشَّديد وتسلطت هَذِه العساكر على النَّاس وأتعبوهم وأهلكوهم فسقاً ونهباً وظلماً وشرباً وتقطعت الطّرق وعصت الْأَعْرَاب وَحمل الشريف مُحَمَّد بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 عبد الله فِي عصر ذَلِك الْيَوْم وَدفن بالمعلاة فِي مَقَابِر آبَائِهِ وأجداده بعد أَن قَاتل قتال من لَا يخَاف الْمَوْت وَكَانَت مُدَّة ولايتهما سَبْعَة أشهر إِلَّا سِتَّة أَيَّام وَكَانَ خُرُوج الشريف مُحَمَّد بن عبد الله رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى لِقَاء هَؤُلَاءِ الأتراك فِي مثل سُقُوط الْبَيْت الشريف فِي الْيَوْم والساعة فَإِنَّهُ كَانَ يَوْم عشْرين من شعْبَان بعد الْعَصْر من سنة تسع وَثَلَاثِينَ بعد الْألف وَخُرُوج الشريف الْمَذْكُور لذَلِك فِي يَوْم عشْرين من شعْبَان بعد الْعَصْر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف فَبين سُقُوط الْبَيْت الشريف وَخُرُوج السَّيِّد الشريف سنتَانِ بِغَيْر زِيَادَة فَللَّه هَذَا الِاتِّفَاق ثمَّ وَليهَا الشريف نامي بن عبد الْمطلب وَتوجه مَوْلَانَا الشريف زيد إِلَى وَادي مر بعد أَن دخل مَكَّة وَمَعَهُ السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث وَمَرا على بَيت الشريف نامي بن عبد الْمطلب فَدَعَاهُ مَوْلَانَا الشريف زيد فَخرج إِلَيْهِ فناوشه بعض كَلَام فَقَالَ السَّيِّد أَحْمد لَيْسَ الْوَقْت وَقت كَلَام وَكَانَ من جملَة مَا قَالَه لَهُ مَوْلَانَا الشريف زيد // (من المتقارب //) (تُجَازَى الرجالُ بأفعالِهَا ... خيرا بخَيْرٍ وشراً بشَرّ) فَالله الله بِالْحَرِيمِ أَو مَا يقرب من هَذَا الْكَلَام ثمَّ سَار إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَكتب عرُوضا بالتعريف بالواقع وأرسلها إِلَى باشا مصر صُحْبَة السَّيِّد عَليّ بن هيزع حِوَالَة مَكَّة بِمصْر وَلما وصل الْخَبَر لصَاحب مصر أرسل إِلَيْهِم سَبْعَة صناجق وَأرْسل بخلعة سلطانية لمولانا المرحوم الشريف زيد بن محسن مَعَ الأغا مُحَمَّد أَرض رومي وَجَمَاعَة من خواصه وبلغهم أَن الشريف زيد بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلُوا إِلَيْهَا وخلعوا عَلَيْهِ بِملك الْحجاز فِي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَتوجه إِلَى الْعَسْكَر وَأتوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة وَوصل خبر ذَلِك إِلَى مَكَّة وَتحقّق فاضطربت حِينَئِذٍ آراء العساكر الجلالية اليمنية فَمن قَائِل نخرج وَمن قَائِل نُقَاتِل ثمَّ وصل الْخَبَر بِأَن العساكر المصرية وصلت عسفان فَاقْتضى رَأْي عَسْكَر الْيمن أَن يرسلوا من يكْشف لَهُم الْخَبَر فأرسلوا جمَاعَة فوصلوا إِلَى وَادي مر والعساكر المصرية قد أَقبلت فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة وأخبروا من بهَا بذلك فأظهروا حَرَكَة الرحيل عَنْهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْحجَّة خَرجُوا كلهم وَمَعَهُمْ مَوْلَانَا الشريف نامي وَأَخُوهُ السَّيِّد السَّيِّد وَالسَّيِّد عبد الْعَزِيز إِدْرِيس وَلم يبْق مِنْهُم أحد وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 بروزهم وَقت أَذَان الْعَصْر فَلَمَّا أَن حاذوا بَاب النبى الْمُسَمّى الْآن بَاب الحريريين قَالَ الْمُؤَذّن الله أكبر فَسقط بيرق مَحْمُود مِنْهُم فَكَانَ سُقُوطه فألاً عَلَيْهِم ثمَّ سَارُوا فنزلوا عِنْد جبل حراء وَبَاتُوا فَلَمَّا كَانَ أثْنَاء اللَّيْل سرى السَّيِّد عبد الْعَزِيز بن إِدْرِيس على نجيبة لَهُ أعدت خلف الْجَبَل فَقعدَ عَلَيْهَا وَتوجه إِلَى يَنْبع فنجا فَلَمَّا أَسْفر الصُّبْح وَلم يجدوه فَعَلمُوا أَنه اختلس نَفسه فَزَاد احتفاظهم على الشريف نامي وأخيه السَّيِّد وأمست مَكَّة بعد خُرُوجهمْ خَالِيَة وَكَانَ بهَا مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف أَحْمد بن قَتَادَة بن ثقبة فَنَادَى فِي الْبَلَد إِن الْبِلَاد بِلَاد الله وَالسُّلْطَان مُرَاد وعس الْبَلَد تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لما كَانَ شروق يَوْم الْخَمِيس سادس ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة دخل مَوْلَانَا الشريف زيد بن محسن بِمن مَعَه من الصناجق وَكَانَ نُزُوله بدار السَّعَادَة ثمَّ نزل وَقت الضُّحَى من ذَلِك الْيَوْم إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فَجَلَسَ فِي السَّبِيل الَّذِي بِجَانِب زَمْزَم وَمَعَهُ الْأَمِير عَليّ الفقاري أحد الصناجق الواصلين ثمَّ خرج مَوْلَانَا الشريف من السَّبِيل الْمَذْكُور وَطَاف بِالْبَيْتِ أسبوعاً والريس يَدْعُو لَهُ على قبَّة زَمْزَم ثمَّ خرج الْمُنَادِي يُنَادي بِأَن الْبِلَاد بِلَاد الله وبلاد مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد ومولانا الشريف زيد بن محسن ثمَّ طلب بعض الصناجق الْخُرُوج إِلَى الجلالية لقرب إدراكهم فَقَالَ لَهُ مَوْلَانَا الشريف زيد الرَّأْي أَن نحج وتحج الْأمة وتفلح ثمَّ نلحقهم فَيقرب الله بعيدهم وَلَا يفوتون فحج مَوْلَانَا الشريف تِلْكَ السّنة بِالنَّاسِ وأزال الله بِهِ عَن أهل مَكَّة بل عَن قطر الْحجاز كل باس وَبعد أَن أتم مَوْلَانَا الشريف الْمَنَاسِك وصل إِلَى مَكَّة بعض العساكر اليمنية بشفاعة إِبْرَاهِيم باشا أَمِير الْحَاج الشَّامي فِي تِلْكَ السّنة وَلما كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي محرم الْحَرَام افْتِتَاح سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف عقد مجْلِس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام عِنْد مقَام الْمَالِكِي حضر فِيهِ مَوْلَانَا الشريف زيد وغالب الصناجق وغالب السَّادة الْأَشْرَاف والسادة الْفُقَهَاء وتفاوضوا فِي أَمر الْعَسْكَر الْيَمَانِيّ فاتفق الْحَال على أَنهم يعزمون إِلَيْهِم فبرزوا ذَلِك الْيَوْم وَمَعَهُمْ مَوْلَانَا الشريف زيد وجماعته فأدركوهم فِي مَحل يُقَال لَهُ تربة فحاصروهم ثمَّ وَقع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 الْقِتَال بَينهم بالبندق فَاسْتَمْسك عَليّ بك لنَفسِهِ من الصناجق على أَن يسلم من الْقَتْل وَالْتزم لَهُم بمحمود بك فقبلوا ذَلِك وأمسكوا مَحْمُود بحيلة دبروها ثمَّ رجعُوا فَدَخَلُوا مَكَّة المشرفة فِي أول يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر محرم الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَمَعَهُمْ مَحْمُود بك أحد أغاتي الْعَسْكَر اليمني فعذب بأنواع الْعَذَاب وطيف بِهِ على جمل فِي شوارع مَكَّة عاري الْجَسَد إِلَّا سَاتِر عَوْرَته وَمد بَاعه بعصا وربطت يَدَاهُ عَلَيْهَا عورضت من خَلفه وَشقت عضداه وذراعاه وغرز فِيهَا مصطفة خرق الزَّيْت الموقدة ووكل بِتِلْكَ الْعَصَا من يضْربهَا من خلف حينا بعد حِين فيتناثر سقطها على جسده وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى ثمَّ علق بكلاب أَدخل فِي رَأس ذِرَاع يَده الْيُمْنَى ثمَّ أَدخل تَحت عصب عقب رجله الْيُسْرَى وَدفع إِلَى شَجَرَة جميز عِنْد بَاب المعلاة فَمَكثَ كَذَلِك نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام حيُّا يسب ويفحش وَيفجر إِلَى أَن مَاتَ فَأنْزل وَأخذ إِلَى شُعْبَة العفاريت فَأحرق ثَمَّ وَأما الأغا الآخر عَليّ بك فَلم يحصل عَلَيْهِ سوء أصلا وَذَلِكَ لتدبيره تِلْكَ الْحِيلَة على مَحْمُود ولحسن سلوكه حَال دُخُوله مَكَّة مَعَ بعض حَرِيم لمولانا الشريف زيد فَإِنَّهُ آمنهم ووصلهم بِخَير وَكَانَ يتَرَدَّد إلَيْهِنَّ ويتفقد أحوالهن ويبشرهن فَكَانَ ذَلِك سَببا لسلامته وخلوصه مِمَّا وَقع لرفيقه ثمَّ لما كَانَ أَوَاخِر شهر محرم افْتِتَاح السّنة الْمَذْكُورَة كَانَ مجمع كَبِير أَمَام بَاب مدرسة السُّلْطَان قايتباي حضر فِيهِ الصناجق والأمراء والقضاة ثمَّ جئ بالمرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد الشريف نامي بن عبد الْمطلب وأخيه مَوْلَانَا السَّيِّد السَّيِّد بن عبد الْمطلب فاستفتيت الْعلمَاء فيهمَا فَأَجَابُوا بِحكم الله تَعَالَى فَذهب بهما فِي شرذمة من الْعَسْكَر إِلَى أَعلَى الرَّدْم فتوفيا شهيدين رحمهمَا الله رَحْمَة وَاسِعَة وَغفر لَهما مغْفرَة جَامِعَة آمين وَكَانَت مُدَّة ولَايَته على مَكَّة مائَة يَوْم وَيَوْم وَهِي عدد حُرُوف اسْمه نامي لِأَنَّهُ دَخلهَا يَوْم خمس وَعشْرين من شعْبَان من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بعد الْألف وَخرج مِنْهَا عصر الْيَوْم الْخَامِس من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة كَمَا تقدم وَتلك الْمدَّة مائَة يَوْم وَيَوْم وَفِي ذَلِك يقْول المهتار // (من الطَّوِيل) // الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 (تأمَّلْ لدنياكَ الَّتِي بصُرُوفها ... أبادَتْ عُلاَ ملْكٍ تأطد سامِى) (بدا فأضا ثُمَّ اغتدَى الحَقُّ فانقضَى ... فمدَّةُ نامي عدَّة احْرُف نامِى) كَذَا ذكره الطبرى فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بالأرج المسكى فِي التَّارِيخ الْمَكِّيّ فَليُرَاجع قلت وَقد حكى المقريزي نَظِير ذَلِك فِي السَّابِق وَهُوَ أَن الْعَزِيز بن برسباي أحد مُلُوك الشراكسة بِمصْر خلع يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت ولَايَته فى ذى الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة فَكَانَت مدَّته أَرْبَعَة وَتِسْعين يَوْمًا بعدة حُرُوف عَزِيز أَرْبَعَة وَتِسْعين وَقد تقدم ذَلِك فِي تَرْجَمته إِلَّا إِنِّي عبرت عَن الْأَرْبَعَة وَالتسْعين بِقَوْلِي ثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام الْمَعْنى وَاحِد وَفِي هَذِه السّنة لم يذهب الْمحمل من مَكَّة إِلَّا فِي الْعشْر الأول من شهر صفر واستقل مَوْلَانَا الشريف زيد بِالْملكِ مُنْفَردا فِي الأقطار الحجازية كَافَّة وسعودات الأقدار بِهِ حافة واستنزل أَرْبَاب الْحُصُون الشامخة وَاسْتولى على القلاع الراسخة وَملك الْبِلَاد الْبَعِيدَة الْمنَازل واستخدم الْعِزّ وَالظفر والإقبال وتوالت عَلَيْهِ الْخلْع والتشاريف السُّلْطَانِيَّة وقرت بِمَا يهواه المناشير العثمانية وملأ قُلُوب أعدائه خوفًا ورعباً ورقى فِي معارج الْمعز مرتقى صعباً وعطر بثنائه شرقاً وغرباً وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف أَو الَّتِي قبلهَا توفّي الْعَلامَة الشَّيْخ أَحْمد الْمقري الْمَالِكِي التلمساني الأَصْل والمولد والفارسي الدَّار والمنشأ نزيل الْقَاهِرَة الْعَلامَة الْحَافِظ الْمسند رحْلَة الدُّنْيَا شهَاب علم روض فَضله نضير مَا لَهُ فِي سَعَة الْحِفْظ شَبيه وَلَا نَظِير وفيهَا أَو فِي الَّتِي بعْدهَا توفّي السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود ابْن سُلْطَان مَكَّة الشريف حسن بن أبي نمي كَانَ أديباً فَاضلا من أَبنَاء الْمُلُوك النجباء يحب الْعلمَاء وَأهل الْخَيْر ويجالسهم كَرِيمًا وشعره فِي غَايَة الْحسن والرقة وَله فطنة تدْرك رقة الرقة وَلما وَقعت بَين القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي وَبَين غرس الدّين الْمدنِي المنافرة الشَّدِيدَة جمع بَينهمَا وَأصْلح مَا كَانَ مِنْهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 وَله ديوَان كُله غرر كل سلك مِنْهُ لَا تذكر مَعَه الدُّرَر فَهُوَ نَابِغَة بني حسن وباقعة الفصاحة واللسن الساحب ذيل البلاغة على سحبان والسائر بأقواله الركْبَان أحد السَّادة الَّذين رووا حَدِيث السِّيَادَة برا عَن بر والساسة الَّذين تفتقت لَهُم ريح الجلاد بعنبر فاقتطفوا نوار الشّرف من روض الْحسب الأنضر وجنوا ثَمَر الوقائع يانعاً بالنصر من ورق الْحَدِيد الْأَخْضَر لم يزل يقدر من نيل الْملك مَا لم يَفِ بِهِ عَدده وعُدده وَلم يمده من الْقَضَاء وَالزَّمَان مَدده ومُدده فاقتحم لطلبه بحراً وَبرا وقلد للملوك جِيداً ونحراً فَلم يسعفه أحد وَلم يساعد وَإِذا عظم الْمَطْلُوب قل المساعد دخل إِلَى شهارة من بِلَاد الْيمن فِي أحد الجمادين فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وامتدح بهَا إمامها مُحَمَّد بن الْقَاسِم بقصيدة رَاح بهَا ثغر مديحه ضَاحِكا باسم وَطلب مِنْهُ فِيهَا مساعدته على تَخْلِيص مَكَّة المشرفة لَهُ وإبلاغه من تحليه بولايتها أمله وَكَانَ ملكهَا إِذْ ذَاك الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَأَشَارَ فِي بعض أبياته إِلَيْهِ وَطعن فِيهَا بسنان بَيَانه عَلَيْهِ وَهِي // (من الطَّوِيل) // (سلُوا عَن دمى ذاتَ الخلاخلِ والعقدِ ... بِمَاذَا استحلَّتْ أخْذَ روحي على عَمْدِ) (فإنْ أمنَتْ ألاَّ تقادَ بِمَا جنَتْ ... فقد قيلَ إِن الحرَّ يقتل بالعبْدِ) (وَإِن أخَذتها دونَ كلي فإنني ... جليدٌ ومضعوفُ العزائمِ بالصَّدِّ) (خذا قبْلَة مِنْهَا تديه فَإِنَّهُ ... قتيلٌ ولكنْ لَيْسَ يلحدُ فِي لحدِ) (صريعٌ بسهمِ اللحظِ والبينِ لم تزلْ ... مقسمةَ أجزاه فِي القرْبِ والبعدِ) (أَخُو لوعةٍ لَو أَن أيْسَرَ بَعْضهَا ... بصَلْدٍ لَكَانَ العِهْنُ أقوَى من الصلْدِ) (ومُرَّا على الوادِى الَّذِي قد تفاوَحَتْ ... جوانبه عرفا بِمَا ضاعَ عَنْ هنْدِ) (وعوجا رقابَ العيسِ فِيهَا عَشِيَّة ... لنبكي بهَا عصراً تولى على نَجْدِ) (ونقضِى لباناتِ الصبَا بمحلَّةٍ ... بوجنةِ وَجْهِ الدهرِ كالخالِ فِي الخَدِّ) (زمَان وَوجه الدهْرِ طلقٌ وقدُّهُ ... نضيرٌ وثغْرُ الوصلِ يفترُّ عَن عقدِ) (أجرُّ بِهِ ذيل الخلاعةِ رافلاً ... وأركض خيلَ الغىِّ فِي حلبةِ الرشدِ) (وأمرحُ فِي شرخ الشبابِ وحاسِدِي ... يدعدعُ لي أَن أكبُ يَوْمًا على وعدِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 (فللهِ أيامٌ وربعٌ تصرمَتْ ... لياليهما عنِّى وعوضَنِى وخدِى) (فأصبحْتُ فِي جيشٍ من الحبِّ أرعن ... على أنني فِي نهجِهِ مفردٌ وحدِى) (أعضُّ بِهِ كفي وأقرعُ بالحيا ... لسانِى وَمَا يُغني فتيلاً وَلَا يجدِى) (وَأَنْدُبُ أَيَّامًا عَلَى غيضةِ الغَضَا ... وَغَيْظِى بِهَا غَيْظ اْلأَسِيرِ عَلَى الْقَدِّ) (فحيَّا الحَيَا دَارا بنجدٍ وَأُخْتهَا ... معطَّلة بالغورِ والعَلَم الفردِ) (ومنعرج بالجزْعِ هَل ماتَ رسمُهُ ... فأحييهِ بالتأبينِ أمْ هُوْ عَلَى عَهْدى) (فثمَّ بِهِ قلبٌ فَقِيدٌ حبسنَهُ ... عيونُ المها بَين الأجارعِ والرندِ) (ولكنَّها لم تَدْرِ أنَّ مُحَمَّدًا ... طلوبٌ لنا لَو كانَ فِي مربضِ الأسدِ) (إمامٌ شأَى فِي الفخرِ أهلَ زمانِهِ ... فأنْسَى وأعْيَا فِيهِ للقَبْلِ والبَعْدِ) (يُنَادى أَمِير الؤمنينَ لِأَنَّهُ ... تقمَّصَهَا إِرْثا عَن الأبِ والجَدِّ) (وغيثٌ إِذا مَا النوءُ خوَّتْ رعودُهُ ... فراحاتُهُ فِي المحْلِ تغني عَن الرعْدِ) (وضرغامُ حرْبٍ حِين تَنْصَلِتُ الظبا ... وينقصمُ المران فِي السرْدِ والسردِ) (إِذا انكسَرَ الهنديُّ فِي رأسِ قرنِهِ ... فَمن عرضِهِ عضبٌ أَحَدُّ من الهندِي) (أَخُو صبوةٍ بالمكرُماتِ فَلم تَزَلْ ... بمنظره فِي أشرَفِ الزمَنِ الرغْدِ) (فبدْرٌ لمستجْلٍ ووَرْدٌ لمجتَنٍ ... وغيثٌ لمستجدٍ وليثٌ لمستَعْدِى) (وأيامُهُ بيضٌ وخضْرٌ بجودِهِ ... ألاَ إنَّهَا مِنْ عدله زَمَنْ الوردِ) (فَإِن يكُ بالإفضالِ والبأسِ والتقَى ... وربٌ الثنا والحِلْم والعِلْم والزهدِ) (دَعِى بأميرِ المؤمنينَ محمدٍ ... خليفتنا الْمهْدي هَذَا هُوَ المَهْدِى) (محكِّمُ سيفِ الحقِّ فِي كلِّ ملحدٍ ... ومَرجعُ أهلِ العقلِ فِي الحلِّ والعقدِ) (وطَلاَّبُ وِتْرِ الدِّينِ فِي كلِّ مأزقٍ ... وَلم ينتصف فِي المالِ والنفسِ والولدِ) (شكَتْهُ المطايا والفيافي لكثْر مَا ... يطأهَا ويمطاها إِلَيْهِ مِنَ الوفدِ) (وَلَو أَنه خَلَّى شهارة سائراً ... لسارَ إِلَيْهِ القاصدُونَ إِلَى السَّدِّ) (ولولاهُ لم يُشْهَرْ حسامٌ وَلم يثرْ ... قتامٌ وَلم يُسْفرْ ظلامٌ لمستهدى) (وَلم يقصدِ الوفَّادُ عَنهُ لسيِّد ... فطعْنَ بهم هيماءَ للعينِ والصفدِ) (وَلم تفتخر إِلَّا بِمَا عافَ سادةٌ ... غداةَ افتخارٍ فِي ندىِّ منَ المجْدِ) (فَفِي الذهْنِ والآراءِ قيسٌ وعتبةٌ ... وفى الجودِ والهيجاءِ جودٌ وَذُو لبْدِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 (فَلَو لامَسَتْ يومَ الرغائبِ كفَّهُ ... يدا مادرٍ كانتْ لَهَا بالندَى تُعْدِى) (فيا ليتَ شعْرِى مَنْ كليبٌ وحِاتمٌ ... على أَنهم مَا إنْ لَهُم فِيهِ من نِدِّ) (فيابنَ رسولِ الله جئتُكَ شاكياً ... لأعداءِ دينِ الله فِي الهزْلِ والجِدِّ) (زعانفةٌ لَا ينكرُونَ قبيحةً ... وَلم يختشوا فِي الفسْقِ من قَاهِرٍ فردِ) (وَلَا مِنْ أميرِ المؤمنينَ محمَّدٍ ... حَلِيف الوغَى فِي الله والسيفِ والحمدِ) (وحامِى ذمارِ المجدِ إنْ ضاعَ سوحُهُ ... وَلَو أَنه بَيْنَ الأساودِ والأسدِ) (خطيبٌ إِذا مَا قامَ فِي رأسِ منبرٍ ... وخَطْبٌ عَلَى ظهْرِ المطهَّمةِ الجرْدِ) (فيا لَكَ من حبرٍ ليَوْم مجَادِلٍ ... وذمر يُسَمَّى فِي المجالد بالجلْدِ) (فليثٌ وغيثٌ فِي قراعٍ وَفِي ندَى ... وسعدٌ ونحسٌ للْوَلِيّ وللضِّدِّ) (وخذْهَا عروساً ذاتَ دلِّ تزفُّها ... من الشكْرِ أجنادٌ فَللَّه من جُنْدِ) (مفوفةً دبجْتُهَا بمديحِ مَنْ ... تضوعُ بذكراه على المسْكِ والنَّدِّ) (لدينٍ وجاهٍ ذَا ارتفاعٍ ونجدةٍ ... أعيشُ بهَا لَا للمعايشِِ والنقدِ) (وَإِنِّي من القومِ الَّذين وليدُهُمْ ... ترجِّيهِ إنهاءُ المطالبِ فِي المهدِ) (أَعَزُّ ملوكِ الأرضِ فرعا ومحتداً ... وأوفى الكرامِ الغُرِّ فِي العقدِ والوعدِ) (إِذا عُدِّدَتْ للصِّيدِ بعضُ محاسنٍ ... فأحسابُهُمْ فِي المجدِ تربو على العَدِّ) (بأفنيةٍ خضرٍ وسودٍ مراجلٍ ... وألويةٍ حمرٍ وألسنةٍ لُدِّ) (وأوجهُهُمْ للبيضِ والسمْرِ فِي الورى ... وأيديهمُ فِي الحرْبِ للضربِ والشكْدِ) (وَلم يُخلقوا إِلَّا لكشْفِ مُلِمَّةٍ ... غشا خطبُهَا أهلَ البسيطةِ بالربدِ) (فقمْ يابنَ عِزِّ الدينِ لَو كنْتَ وَاحِدًا ... فأنْتَ بحمدِ الله غَانٍ عَن الحشْدِ) (وأنَّى وأنتَ الليثُ واللدنُ غابه ... وأِشبالُكَ الفرسانُ تعدو على الجردِ) (وحولَكَ صِيدٌ من علىِّ غطارفٌ ... هم الناسُ فِي الهيجاءِ والحَسَب العدِّ) (وخيلٌ إِذا صاحَ الصريخُ توردَتْ ... وُرُود القطا نَحْو الصياحِ إِلَى الورْدِ) (وحظُّكَ يُبْدِي كلَّ يَوْم عجائباً ... بهَا يقهَرُ الأيامَ فِي الجزر والمدِّ) (فَلَو شئتَ أَن تصطاد ليثاً بأرنَبٍ ... لجد لَهُ إِذْ زاحم الجدّ للجدِّ) (فَمَا العذْرُ فِي التأخيرِ والسُّمْر والظبا ... تقاضاه يَوْمًا فِي التهائِمِ والنجْدِ) (أغثْ مكَّةً وانهَض فأنْتَ مؤيَّدٌ ... مِنَ الله بالفتحِ المعوّضِ والجدِّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 (وقدِّمْ أَخا وُدِّ وأخِّرْ مبغضاً ... يساورُ طَعنا فِي المؤيَّدِ وَالْمهْدِي) (ويطعنُ فِي كُلِّ الأئمَّةِ مُعْلنا ... ويرضى عَنِ ابنِ العاصِ والنجْلِ من هِنْدِ) (وكانَ لَهُم يومَ القيامةِ ثَالِثا ... وَفِي هذِهِ ثانٍ لأوَّلِ مَنْ يُردى) (ودمْتَ مدى الأيامِ للدِّينِ والعلا ... وبذْلِ اللها والأخْذِ فِي الله والرَّدِّ) وَلم يحصل مِنْهُ على نائل إِلَّا مَا أجَازه بِهِ من فواضل فَعَاد إِلَى مَكَّة المشرفة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَأقَام بهَا سنتَيْن ثمَّ توجه أَوسط شهر ربيع الثَّانِي من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف إِلَى الديار الرومية قَاصِدا ملكهَا السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان فورد عَلَيْهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْعُظْمَى وَاجْتمعَ بِهِ وامتدحه بقصيدة فريدة سَأَلَهُ فِيهَا تَوْلِيَة مَكَّة المشرفة وأنشده إِيَّاهَا فِي أَوَاخِر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي // (من الوافر) // (أَلا هُبِّى فقَدْ بكَرَ النداما ... وَمَج المزج من ظلمِ النداما) (وهينمت الْقبُول فضَاعَ نَشْرٌ ... روى عَن شيخِ نَجْدٍ والخزاما) (وَقد وضَعَتْ عذارى المزن طفْلا ... بمَهْدِ الروضِ تغذوهُ النعاما) (فَهُبِّى وامزُجى خمرًا بظلْمٍ ... لتُحْيى مَا أمَتى يَا أُمَامَا) (ومُنِّى بالحياةِ على أناسٍ ... بشربِ الراحِ صرْعَى والطّلاَما) (فكَمْ خفر الفوارسُ من وطيسٍ ... فَتى منا وَمَا خَفَرَ الذماما) (وكَمْ جدنا على قُلِّ بوفرٍ ... وأعطينا عَلَى جَدْبٍ هجاما) (وكَم يومٍ ضربنا الخيلَ فِيهِ ... على أَعْقَابها خَلْفًا أماما) (فنحنُ بَنو الفواطِمِ من قريشٍ ... وقادات الهواشمِ لَا هِشَاما) (نردُّ الوافدين بكلِّ خيرٍ ... ونثني البيضَ حمراً والعلامَا) (برانا الله للدنيا سنَاءً ... وللأخرَى إِذا قامَتْ سَنَاما) (وخصَّ بفضله من أَمَّ مِنَّا ... مليكاً كَانَ سابُورَ الهماما) (فَتَى الهيجا مُرَاد الحقِّ مَنْ لم ... يخَفْ فِيهِ للائمةٍ مَلاَما) (محش الحرْبِ إنْ طارَتْ شَعاعًا ... نفوسٌ عِنْدهَا قَلَّ المحاما) (وغيْثٌ قَطْرُهُ وَرِقٌ وتبرٌ ... إِذا طارَتْ بِهِ المحْل الركاما) (فيُفنى سيفهُ حرْب وشيكاً ... ويثني سبيه موتا زُؤَاما) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 (وفِى شفَتيهِ آجالٌ ورزقٌ ... بهَا أَمن الصَّواعِق والسّمَاما) (يقودُهُ الْمُلُوك الصِّيد مجراً ... فيمنحُهُ الخوامِعَ والرّخَاما) (وَإِن وفدوه أغنَاهُمْ وأقنَى ... وأجلَسَهُمْ على العَلْيَا قِياما) (مليكُ الأرضِ والأملاكِ طُرًّا ... وابْنُ مليكِهَا يَمَنًا وشَاما) (ويجْرى من دَمِ الأعداءِ بحراً ... وَلَا قَوَدٌ عَلَيْهِ وَلَا أَثَاما) (ومسقي الجنِّ والأملاكِ غيظاً ... ومُرْدِى القومِ إذْ يروي الحساما) (تسنَّمَ غاربَ الدُّنْيَا فريداً ... وجَدَّ السيرَ إذْ بَاتُوا نياما) (إِذا شملَتْ عنايته لئيماً ... شأَى بفخارِهِ القَوْمَ الكراما) (تعاظَمَ وصفُهُ عَن وصفِ شِعْرى ... كَذَا مرماه يسمُو أَن يُرَامَى) (وَيكبر أنْ يعانِدَهُ عنيدٌ ... فيرميه ويعظمُ أنْ يُرَامَا) (ترفَّعَ كمه عَنْ لثمِ ملكٍ ... وتلثمه الضعائفُ واليَتَامَى) (وينطقُ عِنْده لَسِنٌ ضعيفٌ ... وَلَا يسطيعُ جبارٌ سَلاما) (أَخُو هِممٍ وَلم تعلقْ يَدَاهُ ... بغانيةٍ وَلَا ضَمَّتْ مداما) (أغرُّ سميدعٌ ضخْمُ المساعِى ... يُسَكِّنُ فِي مغارمِهِ السهاما) (وخادمُ قَبْرِ طه بالمواضي ... ودِين الله والبَيْت الحراما) (فيا مَلِكَ الملوكِ وَلَا أُبَالِي ... وَلَا عذرا أسوقُ وَلَا احتشاما) (أنفتُ بأنني أُنْزِلْكَ فيهم ... بمنزلةِ الرجالِ مِنَ الأيامَى) (إِلَى جدْوَاكَ كلفنا المطايا ... دَوْمًا لَا نفارقُهَا دَوَاما) (وَجُبْنَا يابْنَ عثمانَ الموامي ... إِلَى أَن صِرْنَ من هزلٍ هياما) (وذُقْنَا الشهْدَ فِي مغنى الترجِّى ... وذُقُنَا الصبْرَ من جوعٍ طَعَاما) (صلِينَا من سمومِ القيظِ نَارا ... يكونُ بنورِكَ العالِى سَلاما) (وخُضْنَا البحْرَ من يلْجٍ إِلَى أَن ... حَسِبْنَاهُ على البيدا ركاما) (نؤمُّ رحابَكَ الفيحَ اشتياقاً ... ونأمُلُ فِيك آمالاً جِسَاما) (ومَنْ قَصَدَ الكريمَ غَدا أَمِيرا ... على مَا فِي يَديه وَلنْ يُضاما) (وحاشا بَحْركَ الْفَيَّاض إِنَّا ... نردُّ بغُلَّةٍ عنْهُ حياما) (وَقد وافاك عبدٌ مستميحٌ ... ندا كفَّيْكَ والشِّيَمَ الكراما) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 (فقد نَزَلَ ابنُ ذِي يزن طريداً ... على كِسْرَى فأنزله شمَاما) (أتَى فَردا فَعَاد يَجُرُّ جَيْشًا ... كسا الآكامَ خيلاً والرغاما) (بِهِ استبقَى جميلَ الذكْر دهراً ... وأنْتَ أجلُّ من كسرَى مقَاما) (وسيفٌ لَو سما دُونِى لأنِّى ... عِصَامِىٌّ وأسموه عِصَاما) (بفاطمةٍ وإبنَيْهَا وطه ... وحيدَرَةَ الَّذِي أشْفَى العقاما) (عليهمْ رحمةٌ تهدِى سَلاما ... تكونُ لنَشْرها مسكاً ختاما) (وَلَا عَجَبٌ إِذا مَا جاك عافٍ ... فعادَ يقودُ ذُو الجبِّ لهاما) (فخذْ بيَدي وسَمِّينى محلا ... يقربُ مِنْك فِيهِ لَنْ يُسَاما) (وهبْ لي مَنْصبِى لتنالَ أجْرِى ... وشُكْرى مَا حييتُ لَهُ دواما) (فقد لَعِبَتْ ببيتِ الله حَقًا ... زعانفُ يستحلُّونَ الحراما) (فعَنْ ذَا ليسَ مَسْئولاً غَدَاة ... سِوَاكَ إِذا الورَى بقيَتْ قيَاما) (وَفِي أملِى بِأَن يجزيكَ عَنِّى ... شفيعٌ عَفوه يُطْفى الأُوَامَا) (وفكَّ أَسيرَ أسْر لَيْسَ يرضى ... بِأَن يوطا وإنْ حفي الملاما) (رحِيما لينًا فَظًّا غليظاً ... على الأعداءِ لنْ يرضى اهتضاما) (عريقٌ فِي مودَّتِكُمْ نصوحٌ ... وَقُوعٌ إِن غشا خطبٌ وقاما) (فَقل سَلْ تعطَ أعطاكَ الَّذِي لم ... يَخَفْ نقصا وَلم يخْشَ انتقاما) (مدى الأيامِ تخفضُ ذَا اعوجاجٍ ... وترفَعُ من أطاعَكَ واستقاما) (ودُمْ فِي راد عمرِكَ والأعادِى ... تمنى فِي مضاجِعِهَا الحمامَا) فَأَجَابَهُ إِلَى ملتمسه وَمرَاده وأرعاه من مقْصده أخصب مُرَاده وَلَكِن مُدت إِلَيْهِ يَد الهلك قبل نيل الْملك قيل إِنَّه سُم فِي ختمة قُرْآن أَتَى إِلَيْهِ بهَا بعض الْأَشْخَاص فِي هَيْئَة درويش مهديها إِلَيْهِ فَلَمَّا قبلهَا اختلس الدرويش نَفسه فَلَمَّا قبلهَا السَّيِّد أَحْمد سقط فوه فَكَانَ ذَلِك سَبَب مَوته رَحمَه الله تَعَالَى وَمن أحاسن شعره قصيدة سينية تشوق كل إِنْسَان وَتدْخل على الْقُلُوب من الآذان بِغَيْر اسْتِئْذَان مطْلعهَا // (من الْخَفِيف) // (حثَّ قبلَ الصباحِ تجْب كُئُوسى ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 وَسَتَأْتِي وَكَذَلِكَ قصيدة يمدح بهَا بني عَمه مُلُوك الْحجاز آل قَتَادَة وَهِي نبذة من أخباره وشجونه تدل على فَضله ولآلىء مكنونه وَهِي // (من السَّرِيع) (حنَّتْ فأبكَتْ ذَا شجونٍ حنونْ ... وغنَّتِ الورقا بِأَعْلَى الغُصُونْ) (وشَقَّ بُرْدَ الليلِ برقٌ فَمَا ... ظننته إِلَّا حسامَ الجفونْ) (كَأَنَّهُ مذ شَقَّ قلْبَ الدجَى ... جبينُ ليلَى فِي دياجِى الْقُرُون) (فقمْتُ كالهادِلِ فِي سجوِهِ ... لم أدْرِ مَا بِي فَرَحٌ أم جنونْ) (وأرسَلَ الدَّمْعُ تجيعًا على ... خَدِّى فَيجْرِي أعيناً من عيونْ) (لم أرَ نؤياً لَا وَلَا مجثماً ... وموقداً اْو عَلَمًا فِي دمونْ) (إِلَّا وباتَ الناعمُ الفرشِ لي ... شوكاً وميعاسُ الروابي حُزُونْ) (فالبرْقُ يُوحى فِي الدجَى رعدةً ... والوُرْقُ من شعْرى تجيدُ اللحونْ) (عهدي بهَا كانَتْ كناسَ الظبا ... ومرتَعَ الأسدِ حماةِ الظعونْ) (كلُّ طويلِ الباعِ رجَبْ الفِنَا ... تصدُقُ للوُفَّادِ فِيهِ الظنونْ) (ليوثُ برقٍ خيسُهَا مأزقٌ ... أنيابُهَا فوقَ المذاكِى قرونْ) (حتَّى غَدا مِنْ بعدهمْ ربْعُهَا ... مفتأداً جارتْ عَلَيْهِ السنونْ) (كَأَنَّهُ جسمِى وإنْ لم يكنْ ... جسمي فوهماً أَو خيالاً يكونْ) (وقفتُ فِيهِ والأسَى والنوَى ... يستلبانِ الصبْرِ سلْبَ المنونْ) (ألله لي من مهجةٍ مزقَتْ ... ومقلةٍ عبرَى ونَفْسٍ ونونْ) (تحنُّ للشِّعْبِ وأوطانِهِ ... مهما سرَى برقٌ بليلٍ دجونْ) (وفتيةٍ منْ آلِ طه لَهْمْ ... فِي الحربِ أبكارٌ مزايا وعونْ) (مبتذلُ الساحاتِ فِي قُطْرهم ... للخائِفِ الْجَانِي أعز الحصونْ) (وكلُّهم يومَ الوغَى سيِّدٌ ... للضدِّ خباطٌ بلبد ظنونْ) (يحمدُهُ السارونَ إنْ أدلجوا ... وَيَقْتَضِي النادِى بِهِ السامِرُونْ) (لَا يَنْتَهِي الجارُونَ مِنْهُ إِلَى ... شَاْوٍ وَلَا يعسفُهُ الجائرونْ) (فيانسيماتِ الصِّبَا عَرِّجى ... بهمْ وبثِّى غامضاتِ الشجونْ) (وحاذِرِى أَن تصحبي لوعَتِى ... واستَصْحِبِى بَثِّى لكَىْ يفهمونْ) (وبلِّغيهم حالَ من لم يزلْ ... حليفَ أشجانٍ كثيرَ الشئونْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 (يستخبر الريحَ بأنفاسِهِ ... ويسألُ البرقَ بدمعٍ هتونْ) (فَشَأْنه يخبرُ عَن شأنِهِ ... بِدمْعِهِ إِن يسْأَل السائلونْ) (ناءٍ عَن الأهلِ ضَعِيف الأسَى ... أَبعد مَا فَارق قَلْب شطونْ) (يحفظُ للزملِ عهودَ الوفا ... وَإِن طَلَبْتَ الخونَ مِنْهُ يخونْ) (وأنْتَ يَا سارى بشام النقا ... وحَادِىَ الظعْنِ بذاتِ الرعونْ) (عَرِّضْ بذكَرى لَا شَجَاكَ النوَى ... لعلَّهم بِي بعد ذَا يذكرونْ) (وقُلْ لَهُم وَالله لَو أبعدَتْ ... أخبارُكُمْ إِنِّي كَمَا تعهدونْ) (نسيتُمُ صَبًّا غَدا دمعُهُ ... مِنْ بعدكُمْ صبَّاً قريحَ الجفونْ) (وَهْوَ وماضِى العيشِ مَا ساعَةٌ ... فِيهَا تناسى جدكم والمجونْ) وَهَذِه السينية الْمُتَقَدّم ذكرهَا الفائح عطرها لمولانا السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود بن حسن بن أبي نمي تغمده الله برحمته // (من الْخَفِيف) // (حُثَّ قبل الصَّبَاحِ نجب كُئْوسى ... فَهْىَ تجْرِي مجْرَى الغِذَا فى النفوسِ) (وانتخِبْهَا بكرا فقدْ ثَوَّبَ الداعِى ... إِلَيْهَا مِنْ حانة القِسِّيسِ) (بنتُ كَرْمٍ إِن تَرْقِ ملسوعَ راحٍ ... وَهُوَ جلس لم يَرْتَضِى بالجلوسِ) (كشفَتْ غيهَبَ الخمارِ وَلَو ترشَحُ ... رمساً ردَّتْ بقا المرموسِ) (غرسَتْهَا بينَ الحدائقِ والنوروز ... والشَّطِّ كفُّ بطلبموسِ) (فَتَلقَّى أم المسرإت طلقاً ... والندامَى بِمهْر كيسٍ وكيسِ) (أطلق النَّدَّ والكبا الرطْبَ واستجْلِ ... عروساً لَا عِطْرَ بعد عروسِ) (عانساً فِي الدنانِ عذراءَ لم تطمت ... من عهد جرهم وجديسِ) (نارُ أنسٍ يعشو الكليمُ ويصبو ... لِفِناهَا بالذُّلِّ والتقديسِ) (خرقَتْ حلَّة الجمانِ وأبدَتْ ... مستطير الصباحِ فِي الحنديسِ) (زعَمَ الجاهلونَ فِيهَا بأنْ قَدْ ... عَصَرَتْها قِدمًا يدا عبدوسِ) (وهْىَ من لُطْفها كشَكٍّ نَفَاهُ ... صادقُ القولِ عِنْد ذِي تسويسِ) (فأدرْهَا فِي كاسها دونَ خَدَّيْكَ ... وفوقَ الشقيقِ من خندريسِ) (واسْقِ بالخيرِ لي الندامَى لتبدو ... قدرةُ الله فِي المقامِ النفيسِ) (لتَرَى أنجماً بفلْكٍ وبدراً ... فوقَ غصنٍ يختالُ بَين شموسِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 (ولكلٍّ إربٌ وَمَا أَنا بالرائى ... شريفًا فى جَنْبِ وَجه خسيسِ) (وخرود بجامِهَا وطلاَها ... وَلماهَا والخد ينجاب بُوسِى) (إِن حكينا بالثغْرِ والخدِّ مَا فى الجِيدِ ... قُلْنَا ظُلمًا وَمَا فِي الكُئُوسِ) (تتلظَّى غيظاً وتَبْسِمُ توبيخًا ... لنا فِي القياسِ بعد المقيسِ) (لم أكنْ قبلهَا أصدِّقُ أَن الرْرَاحَ ... ظَلْمٌ فِي لؤلؤٍ مغروسِ) (ظبيةٌ رخوةُ العريكةِ تغتالُ ... أسُودَ الشرَى بِدَهْىٍ شَموسِ) (لبسَتْ من غلائلِ الحسْنِ بُرْدًا ... مِنْهُ كلُّ الْعُقُول فِي تلبيسِ) (تتهادَى عجبا فتستقبحُ الروضَ ... أنيقاً لجودَةِ التجنيسِ) (لَو رَآهَا تختالُ تيهاً أبُوهَا ... لخشينا عَلَيْهِ دِين المجُوسِ) (كُلُّ حلْوٍ مِنْهَا استجَدَّ رسيساً ... وقديمي فِيهَا استَمَرَّ نسيسِى) (تركَتْنِى نِضْوًا على نضوِ رسمٍ ... فِيهِ دمعي خلي وسُهْدِى جليسي) (موحشاً مِنْ هنيدةٍ بعد أَن كانَ ... حَقِيقا بالمربَعِ المأنوسِ) (طالَ مَا قْلتُ للغدافِرِ واللَّيْثُ ... بِهِ قد ألقَى عَصا السيرِ هيسِى) (لنقضِّى فِيهِ حقوقاً وتبكِى ... فِيهِ وُرْقُ الحمَى وثُكْل العيسِ) (ونرجِّى الآمالَ تبْعَث الِّريحَ ... أريجاً من معهدٍ مطلوسِ) (فرعَى الله بالأجارعِ عصراً ... وبدوراً غصونُهَا فِي طموسِ) (حيثُ جو الشبابِ سَحْوٌ وبحْرُ اللهوِ ... رَهْوٌ لم ألْقَ فِيهِ بروسِى) (ومحلاً بَين الأباطحِ والقبْبة ... مِنْ طيبَةٍ بِسُوحِ الرَّئِيسِ) (أَحْمَدُ الخُلْقِ أحمدُ الخَلْقِ فى اللهْ ... غِيَاثُ المَنْجُودِ والمَبْلُوسِ) (شافعُ الأمةِ الَّتِي جاءَ فِيهَا ... كنتُمُ من مهيمنٍ قدوسِ) (أولُ الأنبياءِ والخاتمُ العاصِمُ ... من هولِ صليمٍ دربيسِ) (يتقى حيدَرٌ وحمزةُ والفاروقُ ... فِيهِ إِذْ جاشَ قِدْرُ الوطيسِ) (وَكَذَا فِي المعادِ عيسَى وإسحاقُ ... وموسَى الكليمُ معْ إدريسِ) (وَبِه يسألونَ إِذْ صدم الهول ... تجليه فِي الزمانِ العبوسِ) (وهُمُ الفائزونَ لكنْ لما طَمْمَ ... عَلَى الخلقِ من عذابٍ بئيسِ) (مهطعينَ الْأَعْنَاق فى مَوْقِفِ الرهبة ... لم يستمعْ لَهُم من نبيسِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 (فينادى سَلْ تُعْطَ واشفَعْ أيا خيْرَ ... شفيعٍِ فِي مسمهرِّ ضَبيسِ) (أريحىٌّ بِقَصْدِهِ تأنفُ الأخمَصُ ... مص أَن تحتذى شَوَاة الرءوسِ) (نَقَلَ الذِّكْرَ للجوامعِ وَالْأَحْكَام ... بعد الأزلامِ والناقوسِ) (تَرَكَ الذئْبَ والغضنْفَرَ والشَّاة ... جَمِيعًا من خوفِ غبِّ الفريسِ) (أَيَّدَ الدينَ بالذوابلِ والشُّوسِ ... المذاكِى تعدُو وبيض شوسِ) (كل ذمر فِي السلْمِ هَين وفى الحربِ ... أبي يشقُّ أنفَ الخميسَ) (كعلىٍّ وحمزةَ البِشْرِ إِن بَدَّلَ ... بِشْر الوجوهِ بالتعبيسِ) (بيهسىْ غابةِ الوشيجِ وطودَىْ ... مفخرٍ فِي مؤثلٍ قُدْمُوسِ) (بهما والبَتُولِ والآلِ والبطَيْنِ ... والمخبتين بالتغليسِ) (ألإمامين بالنصوصِ الشهيدَيْنِ ... البريئيْنِ من صدَى التدنيسِ) (فرقدَىْ هالةِ الرياسةٍ وابنَىْ ... مدحضي بالقواضب التبخيسِ) (مَا رعَى فيهمَا رَئِيس ربى الفِدْيةِ ... إِلَّا فضْلاً عَن المرءوسِ) (وبمَنْ قامَ فى مقامِكَ يستسقَى ... بِهِ والمحلَّقِ الدعيسِ) (وبخِلَّيْكَ صاحبيْكَ ضجيعَيْكَ ... ظهيَرْيكَ فِي الرخا والبوسِ) (ذَا رفيقٌ فِي الغارِ ردْفٌ وَذَا تنرفرُ ... من حِسِّهِ رقى إبليسِ) (وبتلو الإثْنيْنِ جَامع أشتاتِ ... المثانِى بالرسْمِ والتدريسِ) (لم يُراقَبْ للهدْى والجيشِ من غيْرِ ... فسوقٍ أتَى وَلَا تدليسِ) (أدركَ ادْرِكْ ذَا غربةٍ وانفرادٍ ... وسهادٍ ومدمعٍ مبجوسِ) (قد لقى من حصائِدِ النفْسِ مَا لاقَى ... كليبٌ فِيهَا غداةَ البَسُوسِ) (ألوحَا ألوحَا فِدّى لكَ ملهوفٌ ... يناديكَ من ورا طرطوسِ) (يَا نَبِيَّاهُ يَا وليَّاهُ يَا جَدَّاهُ ... يَا غَوْثَ ضارعٍ موطوسِ) (أنتَ إنْ أعضَلَ العضالُ وأعيا ... كُلّ آسٍ دواه جالينوسِى) (وَإِذا مَا الخنَاقُ ضاقَ فَلم أرجُ ... لكربي إلاَّك للتنفيسِ) (ولقدْ جرد الْعُقُول إلَى أنْ ... لبسْت منْهُ بزَّة المخموسِ) (وبجدواكَ يقلبُ السعد فى الأزمةِ ... سَعْدا تحديق عَيْن النحوسِ) (يَا خفيري إِذا ارتهنْتُ وَمَا لي ... غَيْرُ كسبِى فِي مضجَعِى من أنيسِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 (أبظُلْمِ الحوبا أقصِّرُ عَن شأوِ ... جُدُودى وأنْتَ أصْلُ غروسي) (حاشَ لله أَن يقصِّرَ مَنْ أَفْعَمَ ... فيكُمْ مدحاً بطونَ الطروسِ) (فارتبطْهَا من الجيادِ الَّتِى تَسْبقُ ... خَيْلَ الوليدِ وابْنِ سديسِ) (وأجزْنِى بردا من الأمنِ مَا حيك ... بصنعا حسنا وَلَا تِنِّيسِ) (وأغثني دنيا وأخرَى بمرآكَ ... ليهدا رَوْعِى ويقوَى رسيسِى) (واجلُ طرفِي بنظرةٍ تذهبُ اللىّ ... وتُسْدِى فِي الحىِّ نِيرَ مروسي) (إِن أرحْ مُطلقًا من الذنْبِ فالتقريضُ ... وقفٌ مسلسلُ التجنيسِ) (أَو تناسى بِهِ فناي وحقِّى ... فعلَى الْحَظ دَعْوَة المبخوسِ) (إِنَّمَا أنْتَ آصفٌ ونجاتي ... منكَ أدنى إِلَيْهِ من بلقيسِ) (لَو تشفعْتَ فِي سَبًا لَعَلِمْنَا ... أنَّهمْ فائزونَ بالمحسوسِ) (فعليكَ الصلاةُ مَا هَجَّرَ الركْبُ ... وحثَّ القِلاَص للتعريسِ) (وعَلى آلِكَ الكرامِ وأصحا ... بِكَ مَا روضَةٌ زهَتْ بالغروسِ) (وأضاءَ الصبَاحُ من بعد ليلٍ ... واستسرَّتْ عروسُهُ بعروسِ) وفيهَا أَعنِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف توفّي شيخ مَشَايِخنَا الشَّيْخ الْعَلامَة برهَان الدّين أَبُو الأمداد إِبْرَاهِيم بن حسن بن عَليّ اللَّقَّانِيّ خَاتِمَة الْمُحَقِّقين وَسيد الْفُقَهَاء والمتكلمين إِمَام الْأَئِمَّة وموضح المشكلات المدلهمة أَخذ عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ والعلامة ابْن قَاسم العبادى وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم العلقمي أخي الشَّيْخ شمس الدّين شَارِح الْجَامِع الصَّغِير الشَّرْح الْمُسَمّى بالكوكب الْمُنِير وَالشَّيْخ نور الدّين الزيادى وَالشَّيْخ أَبى بكر الشنواني وَغَيرهم وَله كرامات خارقة ومكاشفات صَادِقَة أَخذ عَنهُ طَرِيق الْقَوْم خلق كثير وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية والفنون الأدبية شَيخنَا الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلي وَالشَّيْخ عَليّ بن عَليّ الشبراملسي وَولده إِبْرَاهِيم وَغَيرهم رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف يَوْم الْجُمُعَة ثامن رَجَب مِنْهَا توفّي الشريف عَظِيم الشَّأْن مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد شَيْخَانِ باعبود الْعلوِي ولد بالمخا كَانَ رَحمَه الله من أكَابِر الْمَشَايِخ الصَّالِحين والأولياء الكاملين وَاسْتمرّ على الْحَالة المرضية إِلَى أَن وافته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 الْمنية وَقدم على رب الْبَريَّة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور ببندر جدة وَحمله وَلَده السَّيِّد سَالم من جدة إِلَى مَكَّة وَوصل بِهِ لَيْلَة السبت وَدفن صبح الْيَوْم الْمَذْكُور على أَبِيه وأخيه فِي حوطة آل با علوي ولولده مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم بن أَحْمد شيحان مؤرخاً وَفَاة أَبِيه الْمَذْكُور بعد أَن رَآهُ فِي مَنَامه قَوْله // (من الْكَامِل) // (شاهدتُّ فِي عامِ الوفاةِ بليلةٍ ... غَرَّاءَ أَحْمد قَائِلا نَفسِي أحمدي) (أُسْكِنْتَ جناتِ النعيمِ ونِعْمَ هِيَ ... نُزُلاً فتاريخُ الوفاةِ تخلَّدِى) وفيهَا توفّي بَين العصرين سَابِع عشري رَجَب الشَّيْخ الأمجد الأوحد شهَاب الدّين أَحْمد ابْن أبي الْفَتْح الْحكمِي أَخذ عَنهُ شَيخنَا الْعَلامَة الشَّيْخ عَليّ بن الْجمال الْأنْصَارِيّ الْمَكِّيّ وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الله ابْن الشَّيْخ سعيد باقشير وَغَيرهمَا وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة كَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ وَدفن بِالبَقِيعِ وَهُوَ فِي عشر الْخمسين نفعنا الله بِهِ آمين وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين فجر الثُّلَاثَاء ثامن ذِي الْعقْدَة مِنْهَا توفّي السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَادِي بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين محتد الْجَلالَة والفخامة مُفْرد الْمقَالة والشهامة الْعَالم الْعَامِل بِلَا زعامة الحاتم على ناظره الْقطع لَهُ بِالْفَضْلِ السّني والكرامة الْوَلِيّ لله بِلَا ريب وَلَا نزاع الملزم نَفسه النفيسة الطَّاعَة لَهُ عز وَجل والحضور لَدَيْهِ والانقطاع ولد ب تريم واستوطن مَكَّة ولازم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَغَيرهمَا وَاسْتمرّ بِمَكَّة إِلَى أَن انْتقل بهَا فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بحوطة السَّادة بني علوي وفيهَا توفّي الشَّيْخ يُوسُف بن مُحَمَّد البُلْقِينِيّ بَقِيَّة الجيل الْجَلِيل الَّذِي سلف ونخبة الحائزين بِالْعلمِ السِّيَادَة والشرف رَئِيس الْقُرَّاء المجيدين جليس الْفُقَرَاء إِلَى الله المنقطعين إِذا قَرَأَ الْقُرْآن الْمجِيد رتله ترتيلاً وحبره تحبيرا وَإِذا حَار بالنعمان اللبيب فِي مُشكل متشابهه قيل لَهُ اسْأَل بِهِ خَبِيرا رَحمَه الله تَعَالَى وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف ضحوة يَوْم الْأَحَد تَاسِع ذِي الْقعدَة الْحَرَام توفّي مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا إِمَام أهل الْعرْفَان ذُو السِّرّ الباهر والبرهان من مزايا مفاخرة فقد الْحصْر وبذكر مناقبه يتجمل الزَّمَان والدهر أوحد الْأَئِمَّة المعتبرين أولي التَّمْكِين مرشد الطالبين ومربي السالكين الْعَالم الْعَامِل والأستاذ الْكَامِل طَاهِر الْجنان وَاللِّسَان والأركان مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم مَوْلَانَا السَّيِّد سَالم بن أَحْمد شيحان وفن فِي عصر ذَلِك الْيَوْم على وَالِده وجده بالمعالاة وتاريخ وَفَاته صَار إِلَى رَحْمَة الله وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة عَظِيمَة جليلة - رَحمَه الله تَعَالَى - وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة توفّي السَّيِّد نعْمَة الله بن عبد الله بن محيي الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بن يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْقَادِر الجيلاني أحد أكَابِر الْأَوْلِيَاء الَّذين نالوا الوفا والكرامة الْغَنِيّ بِكَمَال فَضله عَن إِشَارَة أَو عَلامَة سَطَعَ نور كمالاته فأخجل النيرين وأشرقت صِفَاته المضيئة فِي الْخَافِقين وتواترت كراماته فِي سَائِر الْآفَاق وَوَقع على ولَايَته الِاتِّفَاق اشْتهر فَلَا يحْتَاج إِلَى إطناب فِي الصِّفَات بِمَا خصّه مَوْلَاهُ من أَنْوَاع الكمالات ولد بِالْهِنْدِ وَوصل إِلَى مَكَّة سنة أَرْبَعَة عشر وَألف وجاور بهَا ولازم الصمت وَالْمَسْجِد سِنِين ثمَّ سكن شعب عَامر وَتزَوج وأولد أَوْلَادًا نجباء أجلاء ثمَّ مرض وَأوصى أَن يدْفن بمحله بشعب عَامر الْمَذْكُور فَدفن بِهِ وَكَانَت الحُمى من أقل خُدَّامه يرسلها إِلَى من شَاءَ أَي مُدَّة شَاءَ ويرفعها مَتى شَاءَ بِإِذن الله تَعَالَى مدحه الأجلاء ورثوه بعدة قصائد مِنْهُم مَوْلَانَا وَشَيخنَا الشَّيْخ عَليّ بن الْجمال والأديب البارع أَحْمد الْفضل الكثيري وَغَيرهمَا وفيهَا فِي موسمها يَوْم الْجُمُعَة عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَقعت فتْنَة كَانَ ابْتِدَاؤُهَا قبل صَلَاة الْجُمُعَة سَببهَا أَن عبدا لبَعض السَّادة الْأَشْرَاف ورد بفرس سَيّده الششمة الْمَعْرُوفَة بالبزابيز فَوَقع هُنَاكَ بَين العَبْد الْمَذْكُور وَبَين شخص من عَسْكَر مصر تزاحم وتدافع فَضرب الجندي العَبْد فَضَربهُ العَبْد وجرحه فَلَزِمَهُ الجندي مَعَ جماعته فَانْتدبَ جمَاعَة العبيد ففكوا العَبْد فثارت الْفِتْنَة وَلم يكن لصَاحب مَكَّة وَلَا للأمير علم بذلك فَاجْتمع الجندي مَعَ جماعته بمدرسة السُّلْطَان قايتباي واحتمع عَسْكَر صَاحب مَكَّة مَعَ العبيد عِنْد منزله فَأقبل كل من الْفَرِيقَيْنِ على الآخر فَأرْسل الشريف جمَاعَة لرد عسكره ونهيهم تسكيناً للفتنة وبرز أَمِير الْحَاج من الْمدرسَة وَبِيَدِهِ عَصا لرد عسكره كَذَلِك وَسَار على قَدَمَيْهِ فَلَمَّا وصل إِلَى قريب من بَاب على أَبْوَاب الْمَسْجِد الْحَرَام سمع صَوت البندق فَرجع وَدخل من بَاب الحريريين وَدخل الْمدرسَة من بَابهَا الْكَائِن فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ نزل من جِهَة المعلاة نم كَانَ بهَا من الْعَسْكَر الْمصْرِيّ وَمَعَهُمْ المدافع فَجعلُوا وَاحِدًا مِنْهَا عِنْد الششمة الْمَذْكُورَة وواحداً عِنْد بَاب الْمدرسَة القايتبائية فَاشْتَدَّ الكرب على أهل مَكَّة وَأرْسل فِي أثْنَاء ذَلِك مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ رضوَان بك مُشِيرا عَلَيْهِ بِمَنْع الْعَسْكَر الْمصْرِيّ جماعته وَكَذَا أرسل إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي الْأَمِير مُحَمَّد بك بن فروخ وَقتل من الْعَسْكَر الْمصْرِيّ والعسكر الشريفي أشخاص بالبنادق وَلم يزل الْأَمر كَذَلِك حَتَّى أجنَّهم اللَّيْل فانكف الْفَرِيقَانِ وَركب بعض خدام الشريف رَحمَه الله تَعَالَى بِأَمْر مِنْهُ وَمَعَهُ المناداى بالأمان وَأمسى النَّاس فِي أَمر مريج فَلَمَّا كَانَت صَبِيحَة يَوْم السبت سعى أَمِير الْحَاج الشَّامي الْأَمِير مُحَمَّد بك الْمَذْكُور بَين الشريف وَبَين أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ بِالصُّلْحِ فتعافيا فَنَادَى قبل صَلَاة الظّهْر من ذَلِك الْيَوْم مناديان أَحدهمَا من أَمِير الْمصْرِيّ وَالثَّانِي من الشَّامي بالأمان للحجاج وَأهل الْبَلَد وَقدم الْمصْرِيّ خُرُوجه من مَكَّة فِي هَذَا الْعَام على خلاف الْعَادة فبرز فِي يَوْم الثَّالِث وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة وَفِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف قدم شعْبَان أَفَنْدِي إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَمَعَهُ حجر من الماس محفوف بأحجار مختلعة مكفوف بصفائح الذَّهَب وَالْفِضَّة وَهَذَا الْحجر من آثَار صدر الدولة العثمانية مصطفى باشا سلحدار فَوضع ذَلِك الْحجر تَحت الحجرين اللَّذين وضعهما السُّلْطَان أَحْمد خَان وأنعم على أهل الْمَدِينَة بِالصَّدَقَةِ الجليلة وَفِي ذَلِك يَوْم السَّيِّد مُحَمَّد كبريت مادحا مؤرخا // (من الْخَفِيف) // (زار خيرَ الأنامِ خَيْرُ همامٍ ... قد تَسًمَّى شعبانَ وَهُوَ ربيعُ) (عمَّ جيرانَ أَحْمد بنوالٍ ... دُونَ ذاكَ النوالِ خصْبَ مريعُ) (جاءَ بالجوهَرِ الثمينِ لطه ... مِنْ وزيرٍ هوَ الجنابُ المنيعُ) (مصطفى المجدِ والندَى والمعالِي ... وسلحدارُ نعْمَة لَا تضيع) (يَا لَهُ جَوْهَر التسامي وسامَى ... بمقامٍ فِيهِ الثناءُ يضوعُ) (عِنْد وجْهِ النَّبِي قد وضعُوهُ ... فغدا وهوَ مشرق ولموعُ) (كَانَ هَذَا فِي عامِ سبعٍ وألفٍ ... وتمامُ النظام فِيهِ بديع) قلت هَذَا فِي التَّارِيخ لطف إِدْخَال فِي قَوْله وَتَمام النّظم فِيهِ لِأَنَّهُ يُشِير بذلك إِلَى الْمِيم من لفظ النظام وَهِي بِأَرْبَعِينَ فبذلك تمّ حِسَاب سبع وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ إهداء ذَيْنك الحجرين الْأَوَّلين من حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان أَحْمد خَان مَعَ لوح من فضَّة كَبِير مَكْتُوب فِيهِ آيَات قرانية فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَألف مركب على الشباك القبلى أَمَام المواجهة الزائر وَفِي اللَّوْح أَبْيَات آخرهَا بَيت التَّارِيخ وَهُوَ لوح السُّلْطَان أَحْمد أهداه حُبّاً خَالِصا وفيهَا توفّي الْعَلامَة القَاضِي أَحْمد بن عِيسَى المرشدي الْعمريّ الْحَنَفِيّ شهَاب الْفضل الثاقب الشهير الماثر والمناقب من سَطَعَ فِي سَمَاء الْأَدَب نوره وتفتق فِي رياضه زهره ونوره فامتد البلاغة بَاعه وشق على من رام أَن يشق غباره اتِّبَاعه لَا تلين قناة فَضله لغامز وَلَا يلمز اْدبه المبرأ من الْعَيْب لامز كَانَ تولى الْقَضَاء بِمَكَّة المشرفة فنال بِهِ مَا أمله مِمَّا طمح بَصَره إِلَيْهِ واستشرفه وَلما حصل أَخُوهُ فِي قَبْضَة الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَمنى مِنْهُ بذلك الفادح الَّذِي قهر بِهِ وَغلب حصل هُوَ أَيْضا فِي قَبْضَة الْقَبْض والأسر وَأَرْدَفَ مَعَه على ذَلِك الأدهم بالقسر حَتَّى جرع أَخُوهُ بذلك الكاس وأنعم عَلَيْهِ بالخلاص بعد الياس فرَاش الدَّهْر حَاله وَأعَاد مِنْهَا مَا غَيره وأحاله وَلم يزل فارغ البال من شواغل البلبال إِلَى أَن انْقَضتْ أَيَّامه ووافاه حمامه فَكَانَت وَفَاته لخمس خلون من ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة وَاتفقَ تَارِيخ وَفَاته صدر الْبَيْت الْمَشْهُور (من شَاءَ بعْدك فليمت ... ... ... .) وَله نظم بديع ونثر يفوق أزهار الرّبيع وَمن نظمه القصيدة الدالية أمتدح فِيهَا شرِيف مَكَّة الشريف مَسْعُود بن حسن مطْلعهَا من // (الْبَسِيط) // (عوجا قَلِيلا كَذَا عَن أيمنِ الواديِ ... واستوقفا العيس لَا يَحْدُو بهَا الْحَادِي) مِنْهَا قَوْله (راًسُ الملوكِ يَمِين الملكِ ساعده ... زَنْدُ الْمَعَالِي جَبِينُ الجَحْفَلِ البادي) وَمِنْهَا (وصان وَسْمك فِي حاش مُخَالطَة ... عَنْ رب غَزْو تنضاه بأحشاد) وَهِي فصيحة بليغة تقدم ذكرهَا وَله قصيدة فِي السَّيِّد شهوان بن مَسْعُود مطْلعهَا من // (الْبَسِيط) // (فيروزَجٌ أم وسامُ الغادةِ الرودِ ... يَبْدُو على سِلْك در فِيهِ منضودِ وَمِنْهَا قَوْله فِي المخلص (صهباءُ تفعلُ فِي الألبابِ سَوْرَتها ... فعلَ السخاءِ بشهوان بْنِ مسعودِ) وَله مَا كتبه على شَدَّاد مطيّة الشريف زيد بن محسن رحمهمَا الله تَعَالَى وَهُوَ قَوْله من // (مجزوء الْكَامِل) // (أفقُ الشدادِ بدَت بِهِ ... شَمسُ الخلافةِ والهلالْ) (ومِنَ العجائِب جمعُهُ ... لَيْثَ الشرافةِ والغزالْ) \ وَله غير ذَلِك من غير ذَلِك رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ دخل سنة تسع وَأَرْبَعين بعد الْألف فِي أَثْنَائِهَا أقبل من الديار الرومية بشير أغا الحبشي الطواشي مَعَه أوَامِر بِمُطلق التَّصَرُّف وخطوط سلطانية بِمَا يُرِيد من التعرف والتحرف فَلَمَّا بلغ الينبع ورد إِلَيْهِ الْخَبَر بوفاة السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان سُلْطَان الزَّمَان ففاح الْخَبَر بينبع ثمَّ كتمه ليتم لَهُ تَنْفِيذ مَا أَرَادَ وَقد كَانَ مَوْلَانَا الشريف زيد هيأ وَاخْتَارَ لبشير أغا عدَّة أَمَاكِن فِي الْمدَارِس والبيوت وَأمر بفرشها وَكَانَ من نِيَّته مواجهته إِلَى مر وَأرْسل بعض خُدَّامه غلى يَنْبع ليرى مَا مَعَ بشير من الْخَيل والرحل وَالنَّاس فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا سمع هَذَا الْخَبَر وتحققه فَرجع مسرعاً مجداً بِهِ إِلَى مَوْلَانَا الشريف زيد فَلَمَّا تحقق مَوْلَانَا الشريف صِحَة ذَلِك مر بتحويل الْفرش الَّتِي فِي تِلْكَ الْأَمَاكِن وغلق بَعْضهَا فَلَمَّا قَارب بشير مَكَّة خرج إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف ولاقاه فِي الجوخي مَحل ملاقاة أُمَرَاء الْحَج إِذا وصلوا فَلَمَّا أَن لاقاه وقابله وَفِي بَال بشير أَن الْخَبَر لم يبلغهُ وَأَن يتم لَهُ مَا أَرَادَ من تَنْفِيذ مَا شَاءَ على غشاش وغفلة ثمَّ بعد ذَلِك لَا يضرّهُ ظُهُور الْخَبَر فَلَمَّا تدانيا همز مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى فرسه مقدما على بشير مناكباً لَهُ قَائِلا الله رحمت أيله سُلْطَان مُرَاد وَمسح على عَيْنَيْهِ بالمنديل باكياً أَو متباكياً فسُقط فِي يَد بشير وَدخل كالأسير وَهَذَا من جملَة سعودات الشريف ذِي الْقدر المنيف وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف رَحمَه الله قد رأى فِي الْمَنَام كَأَن شخصا ينشده هَذَا الْبَيْت من // (الطَّوِيل) // (كَأَن لم يكُنْ أمرٌ وَإِن كانَ كَائِن ... لكانَ بِهِ أمرٌ نفى ذَلِك الأَمْرُ) فانتبه رَحمَه الله وَكتبه بِالسِّوَاكِ على رمل فِي صحن نُحَاس خشيَة النسْيَان وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي أَسْفر صباحها عَن وُرُود هَذَا الْخَبَر وَاسْتمرّ بشير إِلَى آخر السّنة وَحج وَتوجه صُحْبَة الْحَاج حَيْثُ جَاءَ. فَمن اللطاف الْخفية لمولانا بِمَا أَوْلَاده وَكم وَكفى بِاللَّه وَقد نظم السَّيِّد مُحَمَّد انسي المغربي قصيدة يمدح بهَا مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله ذكر فِيهَا قصَّة بشير وَأورد فِيهَا الْبَيْت الْمَذْكُور وَهِي هَذِه من // (الطَّوِيل) // (سلو آل نُعمٍ بَعدنَا أَيهَا السفرُ ... أعندهُمُ عِلم بِمَا صَنَعَ الدهْرُ) (تصدى لشتِّ الشملِ بيني وَبَينهَا ... فمنزلي البَطْحا ومنزلُها القَصْرُ) (رَآنِي ونعمى لاهيَينِ فغالَنا ... فَشلت يدُ الدهرِ الخئُونِ وَلَا عُذرُ) (فوَاللَّه مَا مكر الْعَدو كمكرِهِ ... وَلَكِن مكراً صاغه فَهُوَ المكْرُ) (فقولاً لأحداثِ اللَّيَالِي تمهلي ... ويأيهذا الدهْرُ موعدُكَ الحشرُ) (سَلام على ذاكَ الزمانِ وطيبهِ ... وعيشٍ مضَى فِيهِ وَمَا نبَتَ الشعْرُ) (وتلكَ الرياضُ الباسماتُ كَأَن فِي ... عواتقها من سندسٍ حُلل خُضرُ) (تنضَّد فِيهَا الأقحوانُ ونَرْجِس ... كأعْيُنِ نُعم إِذْ يقابلها الثغْرُ) (كَأَن غُصُونَ الوردِ قُضبُ زبرجدِ ... تخالُ من الياقوتِ أَعْلَامه الحمْر) (إِذا خَطَرَت فِي الروضِ نُعم عَشِيَّة ... تَفاًوَحَ من فضلاتِ أردانها العطرُ) (وَإِن سحبَت أذيالها خِلتَ حَيَّة ... إِلَى الماءِ تسعَى مَا لأخمصِها إثرُ) (كساها الجمالُ اليوسفي ملابساً ... فأهوَنُ ملبوس لَهَا التيهُ والكِبْرُ) (فكم تخجلُ الأغصانُ مِنْهَا إِذا انثنَت ... وتُغضي حَيَاء من لواحظها البترُ) (لَهَا طرة تكسو الظلامَ دياجياً ... على غرَّةٍ إِن أسفرَتْ طَلَعَ الفَجْرُ) (وصحنان خد أشرقا فَكَأَنَّمَا ... مصابيحُ رهبانٍ أضاءَ بهَا الدَّيْرُ) (وجيدٍ من البِلورِ أبيضَ ناعمٍ ... كعنق غزال قد تكنفها الذعر) (ونحرٍ يقولُ الدرُ إِن بِهِ غِنىً ... عَن الحلى لَكِن مِثْقَال فند بِهِ الصَّبْر) (وحقان من كالكافورتَينِ علاهما ... من الند مِثْقَال فند بِهِ الصبرُ) (رويدَكَ يَا كافورُ إِن قُلُوبنَا ... ضعافٌ وَمَا كُل الْبِلَاد هِيَ المِصرُ) (تبدى بقدٍّ باسقاً متأوداً ... على نقو من رمل يطوف بِهِ نهرُ) (يكادُ يقدُّ الخصْر منْ هَيَفٍ بِهِ ... روادفها لَوْلَا الثقافَةُ والهَصْرُ) (لَهَا بَشَرٌ مثلُ الحريرِ ومنطق ... رخيمُ الحواشِي لَا هراءٌ وَلَا نَزْرُ) (رأتني سقيماً ناحلاً والهاً بهَا ... فَأَذنت لَهَا عوذ أناملها العَشرُ) (إِذا كنتَ مطبوباً فَلَا زلْتَ هَكَذَا ... وانْ كنت مسحوراً فَلَا برِئ السحرُ) (فقلتُ لَهَا وَالله يَا ابنَةَ مالكِ ... لما شفني إِلَّا القطيعةُ والهَجْرُ) (رَمَتنى العيونُ البابلياتُ أسهماً ... فأقصدني مِنْهَا سهامُكُمُ الحمْرُ) (فقالتْ وألقَت فِي الحشا من كَلَامهَا ... تأجج نَار أنتَ من ملكنا حُرُ) (فوَاللَّه مَا أنسَى وَقد بكرَت لنا ... بإبريقها تسعَى بِهِ القينةُ البكرُ) (تدورُ بكاساتِ العُقارِ كأنجُمٍ ... إِذا طلعَتْ من بُرجها أَفَلَ البدرُ) (نداماىَ نُعمٌ والربابُ وزينبْ ... ثلاثُ شخوصٍ بَيْننَا النظمُ والنثرُ) (على الناىِ والعودِ الرخيمِ وقهوةٍ ... يذكِّرها دنيا بأقدامنا الْعَصْر) (فتقتص من ألبابنا ورءوسنا ... فَلم ندر هَل ذَاك النعاس أم السكر) (مُعتقة من عهدِ عادِ وجرهمٍ ... ومودعها الأدنان لقمانُ والنسْرُ) (مشعشعةً صفراً كَأَن حبابَها ... على فُرُشٍ مِنْ عسجدٍ نثر الدرُ) (إِذا فرغَت من كأسِ نعم وأختِها ... تشابه من ثغريهما الرِّيق وَالْخمر) (خلا أَن ريق الثغر أشفى لمهجتي ... إِذا ذاقه قلبِي الشجِي خَمَدَ الجمرُ) (وأنفَعُ درياقٍ لمن قَتَلَ الهوَى ... فماتَ ارتشاف الثغر إِن سمح الثغر) (بِهَذَا عرفنَا الفَرقَ مَا بَين كأسِها ... وَبَين مُدامِ الظلمِ إِن أشكَلَ الأمرُ) (فوَاللَّه مَا أسلو هَواهَا على النوَى ... بلَى إِن سلا بذل النوَى الْملك القسرُ) (أَبُو حسنٍ زيدُ المحاسن والعُلاَ ... لَهُ دونَ أملاكِ الورَى المجدُ والفخرُ) (إِذا مَا مشَى بَين الصفوفِ تزلزلَت ... لهيبته الْأَقْيَال والعسكر المجر) (وترجف ذَات الصدع خوفًا لبأسِهِ ... فتندك أطوادُ الممالِكِ والقفْرُ) (فَلَو قَالَ الْبَحْر المحيطِ ائتِ طَائِعا ... أَتَاهُ بإذنِ الله فِي السَّاعَة البحْرُ) (تظل ملوكُ الأرضِ خاشعةَ لَهُ ... وَمَا خشعَتْ إِلَّا وَفِي نَفْسها أمْرُ) (كريم مَتى تنزلْ بأعتابِ دارِهِ ... تَجِد ملكا يزهو بِهِ النهْيُ والأمْرُ) (تجدْ ملكا يُغني الوفودَ وينجز الوعود ... وَأدنى بذله الدهم والشقرُ) (على جودِهِ من وجهِهِ ولسانِهِ ... دليلانِ للوفدِ البشاشةُ والبِشْرُ) (فَمَا أحنفٌ حلماً وَمَا حَاتِم ندى ... وَمَا عنتر يَوْم الحقيقةِ أَو عَمْرُو) (هُوَ الملكُ الضحاكُ يومَ نزاله ... إِذا مَا الجَبانُ الْوَجْه قطبه الكرُ) (لقد قرَ طرف الملكِ مِنْهُ لِأَنَّهُ ... لَدَيْهِ النوال الحلو وَالْغَضَب المر) (حَيَاة وَمر للموالي وللعدَى ... لقد جمعا فِي كَفهِ الجبْرُ والكسْرُ) (أنِخ عِنْده يَا طالبَ الرزقِ إِن مَا ... حواه أنوشِرواًن فِي عينه نَزرُ) (وَلَا تُصغِ للعذالِ أذنا وَإِن وَفَوْا ... بإحسانهم مِنْهُ فَمَا العَبْدُ والحرُ) (وَهل يَسْتَوِي عَذبٌ فراتٌ مروّقٌ ... وملحٌ أجاجٌ لَا وَلَا التبْنُ والتبرُ) (فَلَو سَمِعت أذن العداة بمجده ... مزاياه لَا ستحيت ولكنْ بهَا وقْرُ) (فَمَا قَدَرُوا زيدَ الْعلَا حق قدره ... وماذا عليهِم يَا تُرَى لَهُم الخسْرُ) (مليكٌ إِلَيْهِ الانتهاءُ فقيصرٌ ... يقصرُ عَنهُ بل وكسرى بِهِ كَسْرُ) (مليكٌ لَهُ عندَ الإلهِ مكانةٌ ... تبوأها من قبلِهِ الياسُ والخِضْرُ) (مليك لَهُ سرٌ خفيٌّ كَأَنَّمَا ... يناجيه فِي الغيبِ ابنُ دَاوُد والجفر) (فَإِن كذبَتْ أعداءُ زيد فحسبُهُ ... من الشاهدِ المقبولِ قصتُهُ البكرُ) (ليَالِي إِن جَاءَ الخَصِيُُّ وَأَكْثرُوا ... أقاويلَ غيٍّ ضاقَ ذرعاً بهَا الصدرُ) (فأيقظَهُ من نومِهِ بعد هجعةٍ ... من الليلِ بيْتٌ زَاد فخراً بِهِ الشعرُ) (كَأَن لم يكُن أَمر وَإِن كانَ كَائِن ... لكانَ بِهِ أمرٌ نفى ذَلِك الأمرُ) (وَفِي طيِّ هَذَا عبرةٌ لأولى النهَى ... وذكرَى لمن كانَتْ لَهُ فطنةٌ تَعرُو) (فيا زيدُ قل للحاسدِينَ تحنَّطوا ... بغيظِكُمُ إِن لم يطع \ يعكم الصبرُ) (فمجدي كَمَا قد تعلمونَ مؤثل ... وكل حَماًمِ الْبر يفرسه الصقْرُ) (من القومِ أربابِ المكارمِ والعلا ... ميامينُ فِي أيديهِمُ اليُسرُ والعُسرُ) (مساميحُ فِي اللأوا مصابيحُ فِي الوغَى ... تصالح فِي مغناهم الخيْرُ وَالشَّر) (أسنتهُم فِي كُل شرقٍ ومغربٍ ... إِذا وردَت زرق وَإِن صدرَتْ حُمرُ) (مساعيرُ حَرْب والقنا متشاجر ... وَيَوْم الندَى تبدو جحاجحة غُرُ) (بني حسنِ لَا أبعدَ الله دارَكُم ... وَلَا زالَ منهلاً بأرجائِها القطرُ) (وَلَا زالَ صدْرُ الملكِ منشرحاً بكُم ... فعنكُم ولاةَ البيتِ ينشرحُ الصدرُ) (وصَلى على المختارِ والآلِ ربُّنا ... وسَلمَ مَا لاحَ السماكان والغفرُ) وَفِي سنة خمسين وَألف يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى توفّي الشَّيْخ تَاج الدّين زَكَرِيَّا بن سُلْطَان النقشبندي بِمَكَّة وَدفن صبح الْخَمِيس فِي رباطه الشهبر برباط تَاج فِي سفح جبل قعقيعان وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة أَخذ عَنهُ الشَّيْخ الأمجد أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عَلان وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الله وَأَخُوهُ الشَّيْخ مُحَمَّد ابْنا الشَّيْخ سعيد باقشير وفيهَا توفّي الْجمال مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَكِيم الْملك بالديار الْهِنْدِيَّة وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر صفر مِنْهَا توفّي الشَّيْخ فتح الله النّحاس الْحلَبِي الشَّاعِر الْمجِيد والأديب الفريد الَّذِي شاع ذكره وشعره وذاع وَجمع بَين الْإِسْرَاع والإبداع كَانَ من فحول الشُّعَرَاء فِي عصره وفريد النثر وَالنّظم فِي دهره ورزق حظوة عِنْد أَهله وقبولا يعْهَد مثله لمثله لكنه كَانَ ذَا تعاظم فِي نَفسه وتكبر على جنسه وَلم يسعفه دهره كعادته فِي الأدباء فَأَدْرَكته حِرْفَة الْأَدَب وناداه لِسَان حَاله لَا تعجب فَإِنِّي أَبُو الْعجب مولده بحلب فِي حُدُود الْألف وَصَحب الْمَشَايِخ الْكِبَار وَحج وزار وَأقَام بِالْمَدِينَةِ على مشرفها الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى أَن أدْركهُ بهَا الْحمام فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بِالبَقِيعِ وَقد عَنى بِجمع مَا تيَسّر من شعره مَوْلَانَا الْعَلامَة الفهامة برهَان الدّين الشَّيْخ إِبْرَاهِيم ابْن المرحوم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن الخياري الْمدنِي فَجَمعه فِي ديوَان لطيف وَمن بديع شعره قَوْله مادحاً النَّبِي من // (الْبَسِيط) // (وتذكر السفحَ فانهلتْ سوافحه ... وليسَ يخفاكَ مَا تُخفي جوانحُهُ) وَفِي هَذِه القصيدة بَيت يجفل مِنْهُ الطَّبْع الذكي وَيَوَد أَن يكون عِنْد فهمه بليداً أَي بليد وَإِن كَانَ هُوَ عِنْد أدباء الْعَصْر بَيت القصيد وَهُوَ قَوْله من // (الْبَسِيط) // (وَمَا أقولُ إِذا مَا جئتُ أمدحُ من ... جبريلُ خادمُهُ وَالله مادحُه) وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف أنشأ مَوْلَانَا الشريف زيد بن محسن سَبِيلا وحنفية بِمَكَّة المشرفة فَقَالَ مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين مؤرخاً لعمارتهما من // (السَّرِيع) // (لله تأسيس نما خيرُهُ ... وفازَ بالتطهيرِ مَنْ أَمَّ لَهْ) (بِهِ سَبِيل وحنفية ... وسلسبيلْ فارتشفْ سلسلَهْ) (لَهُ نبا فِي الفيضِ مهما روى ... حَدِيثه أورى بِمَا سلسلَهْ) (سالَت عطاياه لُجيناً فمَنْ ... رامَ نداه نالَ مَا أمَّلَهْ) (وحيثُ لم تكتفِ سُؤاله ... فَلَا يكف الْبَذْل إِذْ أرسَلَهْ) (لِأَن من أسَّسَ بنيانَهُ ... غيثُ الورى فِي السنةِ الممحله) (مَن نفسُهُ يومَ عطاه ترَى ... إِن وهب الدُّنْيَا فقد قَلَّ لهْ) (توَّجَهُ الله بتاجِ زها ... بجوهرِ المجدِ الَّذِي كَلَلَهْ) (وَالله من وافرِ إحسانِهِ ... أجرَى لَهُ الأجْرَ الَّذِي أجزَله) (فإنْ تسل عَن ضبطِ تاريخِهِ ... فخذْ جَوَابا يوضحُ المسألَهْ) (أسَّسَه سلطانُ أم القُرَى ... زيد يدومُ الْعِزّ والسعد لَهْ) وَلما كَانَ أَوَائِل سنة سبع وَخمسين طلع الصنجق الْكَبِير صَاحب جدة الْمُسَمّى مصطفى بك غلى وَادي الطَّائِف المأنوس لزيارة الحبر سيدنَا عبد الله بن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا وطلع بعده الأغا المكرم بشير أغا غُلَام المرحوم مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد خَان بن أَحْمد خَان وَهَذَا من مَجِيئه الثَّانِي سنة سِتّ وَخمسين بعد الْألف مُتَوَلِّيًا مشيخة الْحرم النَّبَوِيّ فَأَقَامَ مَا شَاءَ الله أَن يُقيم ثمَّ لما أَن كَانَ نازلاً إِلَى مَكَّة طالعاً فِي الْمحل الْمَعْرُوف بالنقب الْأَحْمَر وَجه جبل كِرَاء مِمَّا يَلِي الطَّائِف وَقد تَفَرَّقت عساكره خلفا وأماماً وَلم يبْق مَعَه سوى السائس وحامل كوز المَاء اعْتَرَضَهُ رجل عَرَبِيّ كَانَ يتعهده بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ يُقَال لَهُ الْجَعْفَرِي فَضَربهُ وَهُوَ متجرد للْإِحْرَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 بسكين الْعَرَب أنفذها إِلَى أحشائه وَذهب وَلم يدر مَحَله قيل إِن السائس أَرَادَ ضرب الْقَاتِل فَوَقع السَّيْف فِي مُؤخر الحصان فقمص فَسقط عَنهُ الصنجق فلاحقت العساكر فَلم يلبث إِلَّا نَحْو ساعتين وَتُوفِّي شَهِيدا إِلَى رَحْمَة الله وَكَانَ قَتله يَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْأُخْرَى من السّنة الْمَذْكُورَة وَدخل بِهِ مَكَّة فِي التخت قَتِيلا غرَّة رَجَب مِنْهَا فَجهز وَدفن فى المعلاة أَمَام قبَّة السيدة خَدِيجَة زوج النبى وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف رَحمَه الله تَعَالَى سنتها قد توجه إِلَى جِهَة الشرق فأبعد حَتَّى وصل قَرِيبا من الخرج وَكَانَ الْقَائِم مقَامه لحفظ مَكَّة مَوْلَانَا السَّيِّد إِبْرَاهِيم ابْن الشريف مُحَمَّد ابْن الشريف عبد الله بن حسن فاستدنى السَّيِّد إِبْرَاهِيم غَالب عَسْكَر الصنجق وأنزلهم فِي مَحل يسعهم بأجياد وأجرى عَلَيْهِم الجوامك والأرزاق وَأمر السَّيِّد الْمَذْكُور كيخية الْعَسْكَر دلاور أغا بالنزول إِلَى جدة لحفظ البندر فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع ثمَّ لما كَانَ بعد لَيَال عديدة نزل بعد هزيع من اللَّيْل قَاصِدا جدة خلسة فشعر بِهِ السَّيِّد إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وأرصد لَهُ جمَاعَة فأمسكوه وَأتوا بِهِ فحبسه ثمَّ اختلس بعض الْعَسْكَر نَفسه وَذهب إِلَى بشير أغا بشير أغا بِالطَّائِف وَأخْبرهُ بِمَا وَقع فَأقبل بشير إِلَى مَكَّة وَنزل بمدرسة الأغا بهْرَام بالمسعى فتردد السَّيِّد إِبْرَاهِيم فِي الْوُصُول إِلَيْهِ وَعَدَمه لاخْتِلَاف المشير ثمَّ جزم وعزم إِلَيْهِ فَتَلقاهُ بِمَا هُوَ الْوَاجِب ثمَّ قَالَ لَهُ لما اسْتَقر الْمجْلس لِمَ حبستم دلاور آغا فَقَالَ السَّيِّد إِبْرَاهِيم حبسناه خشيَة من إضراره وإفساده فإننا قد ألزمناه مرَارًا بالنزول إِلَى جدة فَامْتنعَ فارتينا بنزوله خُفْيَة فَقَالَ بشير أطلقهُ فَقَالَ لَا أطلقهُ حَتَّى يصل مَوْلَانَا الشريف زيد ثمَّ قَامَ السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي نزل بشير أغا إِلَى الأفندي واستدعوا مَوْلَانَا السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَحكم عَلَيْهِ الأفندي بِإِطْلَاقِهِ فَأَطْلقهُ ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة عزم السَّيِّد إِبْرَاهِيم والقائد رشيد حَاكم مَكَّة إِلَى نَحْو بركَة الماجن للتنزه فاستجر بشير أغا الْعَسْكَر وَوَعدهمْ فحملوا أثقالهم وأدخلوها من بَاب الْمَسْجِد وَخَرجُوا بهَا من بَاب ابْن عَتيق ثمَّ خَرجُوا بعد الْعَصْر حازبين مارين على دَار السَّعَادَة ثمَّ على السُّوق ثمَّ على سويقة إِلَى أَن وصلوا بَيت بشير أغا وَكَانَ نازلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 بالباسطية فوصل الْخَبَر للسَّيِّد إِبْرَاهِيم فوصل إِلَى الْبَلَد وَقَالَ لبشير آغا مَا هَذَا الْفِعْل فَقَالَ بشير فِي جَوَابه نعم عَسْكَر السُّلْطَان لَهُم فِي التربية سِنِين تأخذهم فِي خَمْسَة أَيَّام وَكَانَ فِي عَسْكَرهمْ شخص اسْمه جاووش كثير الْفساد وَشرب الْخمر والتعدي فَأمر السَّيِّد إِبْرَاهِيم بقتْله أَيْنَمَا وجد فَوجدَ سَكرَان على الطَّرِيق فتناوله عَسْكَر الشريف فقطعوه فثارت الْفِتْنَة وترامى العسكران بالرصاص وَقتل شخص من النَّاس خلف مقَام الْمَالِكِي وَقتل كخية بشير أغا وَلم يزل مطروحاً عِنْد بَاب ابْن عَتيق إِلَى اللَّيْل من دَاخل الْمَسْجِد حَتَّى رَفعه بعض أهل الْخَيْر ثمَّ سعى القَاضِي أَحْمد كرباش وَغَيره بِالصُّلْحِ والمكافة وَألا يصل إِلَيْنَا مِنْكُم أحد وَنحن كَذَلِك مَا عدا ثَلَاثَة أشخاص مُعينين من جمَاعَة بشير لقَضَاء حَوَائِجه من السُّوق وسكنت الْفِتْنَة وَذكر لي من أدْرك ذَلِك أَن مَوْلَانَا الشريف زيدا رَحمَه الله تَعَالَى اسْتحْسنَ جَمِيع مَا فعله السَّيِّد إِبْرَاهِيم مَا عدا قَتله للجاووش فَإِنَّهُ لامه عَلَيْهِ فرحم الله الجيمع برحمته الواسعة وَاتفقَ فِي مُدَّة وُقُوع الشنآن بَين بشير أغا وَالسَّيِّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَن قَرَأَ فِي صَلَاة الْمغرب بعض أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة بِسُورَة الْفِيل ثمَّ قَرَأَ فِي صَلَاة الصُّبْح سُورَة وَالْفَجْر وَكَانَ بشير يحضر صَلَاة الْجَمَاعَة فَلَمَّا فرغ من صَلَاة الصُّبْح قَالَ لرجل من أهل مَكَّة كَانَ يألفه انْظُر أهل مَكَّة يرجمونا بِالْقُرْآنِ لموجب قِرَاءَة الإِمَام الْمَذْكُور فِي الْمغرب بِسُورَة الْفِيل فَإِن فِيهَا ذكر أَصْحَاب الْفِيل {وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أَبابيل} الْفِيل 3 إِلَى آخر السُّورَة وَفِي الصُّبْح بِسُورَة الْفجْر وفيهَا ذكر عَاد {اَلذَينَ طَغَوا فى الْبَلَد فأكَثَرُوا فِيها اَلفَسادَ فَصَب عَلَيْهِم رَبُكَ سَوط عذابٍ} الْفجْر (11: 13) الْآيَات فَبلغ قَوْله الإِمَام الْمَذْكُور وَهُوَ لم يخْطر لَهُ شئ من ذَلِك ببال وَلَا علِق مِنْهُ بحبال فارتاع لذَلِك وارتاب ولبث الْبَيْت وزرر الْبَاب وَمكث على ذَلِك أَيَّامًا وَتمنى أَن لم يكن إِمَامًا وَهُوَ اتِّفَاق فِيهِ إِيهَام لَكِنَّهَا رمية من غير رام لطف الله بِنَا وَبِه ثمَّ عزم مَوْلَانَا الشريف رَحمَه الله فِي عَام تسع وَخمسين إِلَى زِيَارَة جده فَكَانَ دُخُوله يَوْم الْخَمِيس ثامن شهر شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَنزل بالقاضية خَارج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 السُّور ثمَّ فِي فجر الْيَوْم الْعَاشِر من الشَّهْر الْمَذْكُور نزل الأفندي زفر قَاضِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة رَاكِبًا وَمَعَهُ ثَلَاثَة من الخدم فَلَمَّا كَانَ عِنْد الدفتردارية وثب عَلَيْهِ شخص فَضَربهُ بِالْحَدِّ فى ظَهره أنفدها من صَدره فأكب على قربوس الْفرس وَلم تزل دَاخِلَة بِهِ إِلَى محراب السَّيِّد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَإِمَام الشَّافِعِيَّة قَائِم يُصَلِّي الْفجْر فَقَامَ بعض النَّاس إِلَيْهِ وأنزلوه بآخر رَمق وَهُوَ يَقُول يَا رَسُول الله يَا رَسُول الله وَوضع أَمَام الْوَجْه الشريف وَبعد لَحْظَة قضى عَلَيْهِ فحشدت عَسَاكِر الْمَدِينَة وَاجْتمعت وأغلقت أَبْوَاب سور الْمَدِينَة وَتَفَرَّقَتْ فِي متارسه ووجهوا المدافع إِلَى جِهَة مَوْلَانَا الشريف زيد وَنَادَوْا اخْرُج عَنَّا الْآن وبدا مِنْهُم مَا هُوَ وَصفهم فَبعث إِلَيْهِم الشريف أكَابِر جماعته وأكابر عَسْكَر مصر فَحَلَفُوا لَهُم بِأَن لَا علم للشريف بذلك وَلَا شُعُور ولوَّموهم على ذَلِك خطابا من تَحت السُّور فتراجعوا وَفتح بَاب السُّور فَفِي الْيَوْم الثَّانِي استدعي وُجُوههم لينْظر فِي حَال قتلة الأفندي ويبحث عَنْهُم فَأتوا إِلَيْهِ فَلم يزل يمسكهم وَاحِدًا وَاحِدًا وحبسهم مديدة ثمَّ وَقعت فِي بَعضهم شَفَاعَة ففك وَذهب بالباقين وهم نَحْو تِسْعَة أنفس فَأمر بإبقائهم فى يَنْبع فاستمروا إِلَى مجئ الْحَاج فاستشفعوا بأمير الْحَاج فَأتى بهم مستشفعاً فيهم فشفعه مَوْلَانَا الشريف ثمَّ لما نزل بعد الْحَج الصنجق غيطاس أَمِير جدة من مَكَّة إِلَى جدة مغاضباً لمولانا الشريف زيد نزلُوا مَعَه وَكَتَبُوا أنفسهم فِي دفتر عسكره وَسبب غَضَبه النَّاشِئ عَنهُ الْحِرَابَة الْآتِي ذكرهَا فِي سنة سِتِّينَ وَألف أُمُور مِنْهَا أَنه ورد إِلَى مَكَّة بعض تجار من الصعايدة وشخص أعجمي يُسمى أَسد خَان جَاءُوا من جِهَة الْيمن بِتِجَارَة ونزلوا من الْبَحْر إِلَى بندر القنفدة ووصلوا إِلَى مَكَّة برا وَلم يدخلُوا بندر جدة فَلَمَّا أَن دخلُوا إِلَى مَكَّة وَكَانَ غيطاس بِمَكَّة قد وصل لِلْحَجِّ فاحتال على الصعيدي وحبسه وَكَانَ الصعيدي ملتجئاً إِلَى المرحوم السَّيِّد هَاشم بن عبد الله فَلَزِمَ السَّيِّد عَليّ الشريف زيد فِي إِطْلَاقه فوعده ثمَّ إِنَّه أَخَذته الحمية فَركب إِلَى الشريف ثَانِيًا ثمَّ نزل من عِنْده قَاصِدا لبيت الصنجق غيطاس لفك الرجل فَنَادَى مَوْلَانَا الشريف قَائِما من الروشن ردوا الرجل فَمضى فَلَمَّا أقبل على الْبَيْت لم يُقَابل إِلَّا بِالرجلِ الْمَحْبُوس مُنْطَلقًا فَرجع بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 4 - وَقيل إِن حبس غيطاس للصعيدي إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب دين عَلَيْهِ شكا فِيهِ على غيطاس وَمِنْهَا مجابذة الشريف زيد لَهُ لما جعل القرش الْحجر بِخَمْسَة وَأَرْبَعين ديواني فِي صرور أهل مَكَّة بِزِيَادَة خَمْسَة على الْأَرْبَعين الْمُعْتَادَة وَمِنْهَا إيحاء أُولَئِكَ النَّفر من عَسْكَر الْمَدِينَة ونسبتهم قتل الأفندي إِلَيْهِ وَمِنْهَا تردد السَّيِّد عبد الْعَزِيز ابْن الشريف إِدْرِيس إِلَيْهِ ومواطأته ووعده إسعافه بِمَا أَبى الله إِلَّا خِلَافه فَقبل أَن يَنْقَضِي الْحَج نزل غيطاس إِلَى جدة وَوصل إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور فوصل الْخَبَر بعد قَلِيل إِلَى مَكَّة بتولية غيطاس للسَّيِّد عبد الْعَزِيز مَكَّة وَنُودِيَ لَهُ بالبلاد وَأقَام حَاكما فِيهَا نَاصِر بن سعيد عَتيق مصطفى السيوري وَظن أَنَّهَا تكون وَأَقْبل غيطاس وَمَعَهُ السَّيِّد الْمَذْكُور بِمن مَعَه وَمن لمَّ عَلَيْهِ من لفق عَسْكَر الْمَدِينَة وَخرج عَلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ اللِّقَاء يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر جُمَادَى الْأُخْرَى من سنة السِّتين وَألف فَوق التَّنْعِيم وَكَانَ فِي الميمنة مُتَقَدما مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث بجماعته وَمن يَلِيهِ وَكَانَ فِي الميسرة كَذَلِك مُتَقَدما قَلِيلا مَوْلَانَا المورحوم السَّيِّد مبارك بن شنبر بجماعته وَمن يَلِيهِ ومولانا الشريف زيد بِمن مَعَه فِي الْقلب والصروخ مَلَأت السهل والوعر وتراموا بالرصاص والمدافع وَكلما هم الْأَشْرَاف بالحملة يَقُول لَهُم مَوْلَانَا الشريف مَعكُمْ مَعكُمْ كِنَايَة عَن التلبث والتاني وارتفع النَّهَار وحميت الشَّمْس فركض من الْأَشْرَاف جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد وبير بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَالسَّيِّد بشير ابْن سُلَيْمَان وَالسَّيِّد أَبُو الْقَاسِم فأصيب السَّيِّد زبير بالبندق فَسقط بَين الجمعين وَأُصِيب جمَاعَة من الْجَانِبَيْنِ وَحين اشْتَدَّ الْحَال أَتَى مَوْلَانَا السَّيِّد عبد الْعَزِيز إِلَى جمع السَّيِّد الْمُبَارك بن شنبر دَاخِلا عَلَيْهِ طَالبا للأمان ولغيطاس وَمن مَعَه فعزم بِهِ السَّيِّد مبارك إِلَى مَوْلَانَا الشريف فَأَمنهُ وَوَقع الصُّلْح ونصبت للشريف حيمة فَنزل بهَا يستظل وَسَأَلَ السَّيِّد عبد الْعَزِيز من الشريف من يُوصل غيطاس إِلَى مأمنه لِأَنَّهُ أشْفق من نهبة العربان لَهُ فأصحبه الشريف خمسين شخصا من الْعَسْكَر فَذهب إِلَى جدة الحديث: 4 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 رَاجعا وَجَاء عَزله فَذهب إِلَى يَنْبع وواجهه الْحَاج بهَا وَمكث إِلَى عود الْحَاج من مَكَّة إِلَيْهَا وَتوجه مَعَهم إِلَى مصر وَتوجه مَعَه السَّيِّد عبد الْعَزِيز ابْن الشريف إِدْرِيس رحم الله الْجَمِيع فاستمر غيطاس بِمصْر سنهَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَجَاء فِي موسمها أَمِير الْمحمل الْمصْرِيّ فَتوهم مِنْهُ مَوْلَانَا الشريف زيد وَلما خرج للخلعة على الْعَادة لم يكن بَينهمَا مناكبة على الْمُعْتَاد بل مد لَهُ الشريف يَده الشَّرِيفَة فصافحه وَمن عامئذ تركت مناكبة شرِيف مَكَّة لأمراء الحجيج وَلم يَقع مِنْهُ شئ من المضار وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَأما مَوْلَانَا السَّيِّد عبد الْعَزِيز فَأَقَامَ بِمصْر نَحْو سنتَيْن ثمَّ جَاءَ خبر وَفَاته فِي السّنة الثَّالِثَة شَهِيدا بالطاعون رَحمَه الله وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ عمرت قبَّة الفراشين فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ مَوْلَانَا القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي مؤرخاً عمارتها وممتدحاً معمرها // (من الرجز) // (أُنْظُرْ لحسنِ قبةٍ جدَّدها ... مؤسساً فَخْرُ الملوكِ الأمجدُ) (وقُلْ إِذا أَرّختَ عَاما كانَ فِي ... أثنائِهِ بناؤُهُ المشيَّدُ) (عمرها سلطانُنَا محمَّدُ ... ألملكُ السَّامِي العلىُّ الأوحَدُ) وَإِن أردْت تاريخها بِاعْتِبَار تَمام الْبناء كُله فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ فَقل الْمَالِك بِزِيَادَة الْألف وَلما أَرَادوا الشُّرُوع فِي الْعَمَل حملُوا الْمُؤْنَة على الْحمير وأدخلوها من بَاب البغلة وَيعرف هَذَا الْبَاب قَدِيما بِبَاب بني سُفْيَان بن عبد الْأسد كَذَا قَالَه الْأَزْرَقِيّ وَعرف الفاسي هَذَا الْبَاب بِبَاب البغلة قَالَ وَلم أدر مَا سَبَب هَذِه الشُّهْرَة قَالَ الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد عَليّ بن عَلان لَعَلَّ سَببهَا أَن بغلته ربطت أَو وقفت ثمه فِي بعض الْأَوْقَات وَالله أعلم وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف أصَاب شاهجهان سُلْطَان الديار الْهِنْدِيَّة فالج عطله عَن الْحَرَكَة وَحصل بَين أَوْلَاده حروب كَثِيرَة وَلما أَرَادَ الله بِالْهِنْدِ خيرا وإحساناً وَقدر ظُهُور الْعدْل فيهم كرماً وامتناناً أظهر فِي حافتيها شموس السلطنة بِلَا ريب وأنار فِي سَمَاء سلطنتها أنوار أورنك زيب وطوى بِسَاط إخوانه ومزق وَحرق بِنَار المظلومين لباسهم وخرق وَقتل أَخَاهُ دَارا شكور واقتلعه هُوَ وَأَصْحَابه من ملك الحبور وأسكنهم دارسات الْقُبُور وَكَانَ دَارا شكور ذَا ذوق وفطنة بهية وصفات مستحسنة رضية إِلَّا أَنه فِي آخر عمره صَارَت سيرته ذميمة وأحدث مظالم وخيمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من شَوَّال مِنْهَا توفّي مَوْلَانَا السَّيِّد عمار بن بَرَكَات بن جَعْفَر بن أبي نمي فِي الديار الْهِنْدِيَّة رَحمَه الله تَعَالَى وفيهَا أَوَاخِر شهر رَمَضَان توفّي بالقرية الْمُسَمَّاة بالآبار من بَلْدَة الطَّائِف الحميدة الْآثَار وَدفن فِي سوح ضريح الحبر ابْن عَبَّاس طيب الأنفاس مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا الْعَلامَة الْعُمْدَة الصَّدْر الفهامة القَاضِي عِصَام الدّين بن عَليّ زَاده العصامي نتيجة الْفُضَلَاء الْكِرَام وسلالة الْعلمَاء الْأَعْلَام الرَّاوِي حَدِيث الْمجد عَن أسلافه الأماثل وَالْحَاوِي محَاسِن سلسلة آبَائِهِ الْفُضَلَاء الَّتِي لم يفصلها بِحَمْد الله جَاهِل والرافع عماد بَيتهمْ والمجيب منادى صيتهم وصوتهم بَيت فضل لم ينشأ بِهِ إِلَّا قَاض وخطيب فنن فَضله فِي رياض الْمَعَالِي رطيب ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَأخذ الْعلم عَن وَالِده وَعَن مَوْلَانَا السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَعَن ابْن عَمه مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الْملك بن جمال الدّين العصامي وَغَيرهم ولازم الإقراء والتدريس على الدَّوَام فِي الْمَسْجِد الْحَرَام على طَريقَة الْعلمَاء الكاملين وَالْأَئِمَّة الواصلين وَخلف ابْنَيْنِ نجيبين كَامِلين هما مَوْلَانَا القَاضِي عَليّ ومولانا المرحوم القَاضِي مُحَمَّد انْتقل مُحَمَّد بعد سنوات عَن ابْنَيْنِ نجيبين أَيْضا وتصدر مَوْلَانَا القَاضِي على مَكَانَهُ للإقراء والإفادات وَهُوَ كآبائه على طَرِيق خير وَصَلَاح قد أشرق نورهما عَلَى محياه ولاح أَطَالَ الله بَقَاءَهُ للدّين ونفع بِعُلُومِهِ الْمُسلمين آمين وَفِي سنة سبعين حصل غلاء بِمَكَّة وصلت فِيهِ كيلة الْحبّ إِلَى سَبْعَة عشر محلقاً فَأَشَارَ شَيخنَا الْعَلامَة مُحَمَّد البابلي على مَوْلَانَا الشريف زيد بِإِبْطَال التسعير فَأطلق مناديه بذلك وَأَن كل من عِنْده حب أَو مَا يقتات بِهِ يَبِيعهُ بِسعْر الله فأظهر كل من عِنْده الْحبّ وجلب من سَائِر الْبلدَانِ حَتَّى كثر وَرخّص السّعر وَسبب الغلاء كَثْرَة الْجَرَاد بِأَرْض الْحجاز واليمن وأعقبه الدبا فَأكل جَمِيع الْأَشْجَار والزراعات وطبق بعض الأدباء تَارِيخا على قَوْله غلاء وبلاء نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُمَا وَمن كل مخوف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين عمرت زَمْزَم وَالْبناء الَّذِي عَلَيْهَا مَا عدا الْجِهَة الْقبلية وأدير بَاب المصعد إِلَى قبتها إِلَى الْجِهَة الجنوبية فأرخ ذَلِك قَاضِي مَكَّة عامئذ وَهُوَ بعض الأروام الْوَاصِل مِنْهُم كل عَام جَدِيد قَاض جَدِيد بِأَبْيَات بالتركية آخرهَا بَيت التَّارِيخ بِالْعَرَبِيَّةِ هُوَ (قلتُ تاريخُهُ بلفظٍ حَلٍ ... قَدْ بنى الزمزمَ محمَّدُ خَانْ) وَهِي أَبْيَات دون عشرَة منقورة فِي حجر على بَاب زَمْزَم إِلَى الْآن فسبحان الْحَكِيم وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف يَوْم السبت بعد الظّهْر سَابِع شعْبَان مِنْهَا حصل مطر سَالَ مِنْهُ سيل كَبِير مَلأ الْمَسْجِد وغرق فِيهِ نَحْو سِتَّة أنفس فتصدى مَوْلَانَا الشريف زيد لتنظيفه ونادى فِي النَّاس وَحضر بِنَفسِهِ وَكَذَلِكَ صنجق جدة الْأَمِير سُلَيْمَان بك وَهُوَ يَوْمئِذٍ شيخ الْحرم الْمَكِّيّ وقائم على عمَارَة المقامات وترميم المشاعر وَعمل الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء والخطباء والمدرسون بِأَيْدِيهِم بعد أَن عمل مَوْلَانَا الشريف زيد بِيَدِهِ وبذل هُوَ والسنجق مَالا جزيلاً وأعمل الهمة فِي ذَلِك فتم تنظيفه من سَائِر جهاته فِي سَبْعَة أَيَّام وَللَّه الْحَمد وَالشُّكْر وَقَالَ صاحبنا المرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن المرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد أبي بكر بن سَالم ابْن شَيْخَانِ مؤرخاً دُخُول السَّيْل // (من الْخَفِيف) // (قهقَهَ الرعدُ عِنْدَمَا ابتسَمَ البَرْقُ ... فأبكَى الغَمَام قَطْر المياهِ) (وأذابا قلوبَنَا الخوفُ والرعْبُ ... فويلٌ لغافلِ القَلْب ساهِى) (وأتانا طوفانُ نوحٍ وبالمَوْتِ ... قَطعنَا لَوْلَا جنابُ الإلهِ) (إِن تقُلْ أَوْضِحُوا فسابعُ شعبانَ ... وسبْت ليومِ سِتّ مُضَاهِى) (أَو تردْ عَامه المهيلَ فأرِّخْ ... باتَ سيلٌ يطوفُ بالبيْتِ دَاهِى) وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَألف عمرت المقامات الْأَرْبَعَة مقَام الْخَلِيل وَبَاقِي الثَّلَاثَة وطلاء جَمِيع قباب الْمَسْجِد بالنورة ظَاهرا وَبَاطنا ورممت جَمِيع المشاعر بِعَرَفَات مَسْجِد إِبْرَاهِيم وقبة جبل الرَّحْمَة والمشعر بِمُزْدَلِفَة وَمَسْجِد الْخيف بمنى وأعلام الجمرات وحدود الْحرم وَفِي سنة سِتّ وَسبعين خرج مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى بِلَاد جُهَيْنَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 لطلب ثأر السَّيِّد مساعد استجره وَالِد مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا المُصَنّف هَذَا الْكتاب برسمه المشرف بلقبه الشريف واسْمه متع الله بحياته مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد غَالب بن مُحَمَّد ولي الدَّم الْأَدْنَى فَتوجه بِجَمِيعِ من مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف وأتباعهم وعساكره وعساكر مصر رُتْبَة مَكَّة إِلَيْهِم وَأقَام ببدر وَتوجه مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد حمود بن عبد الله إِلَى زِيَارَة جده وَكنت زَائِرًا مَعَه فِي كنف جنابه على خيله وركابه وفيهَا كَانَ وُرُود الأغا عماد أَفَنْدِي الرُّومِي فاتجه بِهِ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود فِي الطَّرِيق وَذَلِكَ أَنه لما وصلنا إِلَى الْخيف الْمنزل الْمَعْرُوف وجدنَا مخيمه بهَا فَمَال إِلَيْهِ السَّيِّد حمود مَعَ بعض أَوْلَاده وَبني إخْوَته وَبني عَمه ودخلوا عَلَيْهِ فَقَامَ ساعياً حافياً من بُعد فَكَانَ أول اجتماعه بِهِ هُنَاكَ فَجَلَسَ عِنْده حينا من الزَّمَان ثمَّ خرج وَتوجه للزيارة ثمَّ لما رَجَعَ وجد مَوْلَانَا الشريف زيد مُقيما ببدر فَنزل بمحشوش اسْم مَاء قرب بدر ثمَّ توجها مَعًا إِلَى حرابة جُهَيْنَة وَكَانَ المرحوم السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم ابْن السَّيِّد حمود هُوَ الْقَائِم مقَام مَوْلَانَا الشريف زيد بِمَكَّة المشرفة عامئذ وَكَانَت الأمطار قد كثرت بالحجاز فرخصت الأسعار جدا حَتَّى يبع الإردب الْقَمْح بِثَلَاثَة حُرُوف عددي والمن والجبن بمحلقين والألبان واللحوم والخيرات كَثِيرَة وَمثل مَكَّة فِي هَذَا مَا حولهَا من الأقطار وَللَّه الْحَمد وَالشُّكْر ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَألف كَانَ هلالها بالأحد فِي فجر لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثالثه كَانَت وَفَاة سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ ونواحيهما والمالىء بعدله وأمنه دانيهما وقاصيهما مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد ابْن الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن فَصَعدت روحه إِلَى معالم الْعَرْش والكرسي وأفيض عَلَيْهِ من الرضْوَان سابغ الرّوح الْقُدسِي كَانَ رَحمَه الله متخلقاً بالأخلاق المحمدية متصفاً بِالصِّفَاتِ الكمالية كَانَ كثير الْحلم وَالصَّبْر والشفقة على الرّعية بِحَيْثُ يسمع بأذنيه مِنْهُم الأسية وَيَعْفُو ويصفح تأسياً بجده خير الْبَريَّة وَلم يضْبط عَلَيْهِ أَنه قتل شخصا بِغَيْر حق فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة المرضية وَكَانَ الأقطار والرعية فِي زَمَنه آمِنَة مطمئنة فِي عيشة هنيَّة وَهُوَ حقيق بِأَن يلقب مهْدي الزَّمَان رَحمَه الله تَعَالَى وَأَسْكَنَهُ فسيح الْجنان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 كَانَ وِلَادَته رَحمَه الله تَعَالَى وَأعَاد على الْمُسلمين من بركانه بعد مُضِيّ دَرَجَتَيْنِ من شروق شمس يَوْم الْإِثْنَيْنِ السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان الْمُعظم سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف ببلدة بيشة من أَعمال الشرق قلت قد أَخْبرنِي مَوْلَانَا الْخَطِيب الْعَلامَة اللبيب تتيجة الْفُضَلَاء وَعين الْأَعْيَان النبلاء برهَان الدّين الْخَطِيب وَالْإِمَام بمسجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِبْرَاهِيم ابْن الْعَلامَة الفهامة وَاحِد عصره بِلَا خلاف ونسيج وَحده كلمة ائتلاف مَوْلَانَا المرحوم الْخَطِيب أَحْمد بن عبد الله الشهير بالبري نقلا عَن وَالِده الْمَذْكُور أَنه حضر فِي مجْلِس مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد بعض متعاطي علم الرمل فَضرب تخته ثمَّ قَالَ لمولانا الشريف زيد رَحمَه الله قد دلّ الرمل الصَّحِيح على أَنه كَانَ وَقت علوق والدتك بنطفتك عِنْد الزَّوَال فِي شهر رَمَضَان فِي عَام خَمْسَة عشر بعد الْألف فاستغرب مَوْلَانَا الشريف ذَلِك لمَكَان شهر الصَّوْم ثمَّ إِنَّه سَأَلَ والدته عَن هَذَا الْمَعْنى فأجابت نعم كَانَ سَيِّدي أَبوك غازياً فِي شهر رَمَضَان لبَعض الْعَرَب فجَاء بعد أَن أدْرك من النَّصْر والنجح الأرب وَكَانَ وُصُوله فِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي ذكره هَذَا الرجل فَوَقع عَليّ فأدركت الْحمل بك من حيني هَكَذَا أَخْبرنِي حفظه الله تَعَالَى نقلا عَن وَالِده الْخَطِيب أَحْمد الْبري الْمَذْكُور فعلى هَذَا تكون مُدَّة حمل مَوْلَانَا الشريف زيد زَادَت على تِسْعَة أشهر وَلَا مَانع من ذَلِك فَإِن أقْصَى مُدَّة الْحمل عِنْد السَّادة الْحَنَفِيَّة سنتَانِ وَعند السَّادة الشَّافِعِيَّة أَربع سِنِين وَقد اتّفق مكث الْحمل تِلْكَ الْمدَّة لأشخاص كَثِيرَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة وشهراً وأياماً رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَغفر لَهُ مغْفرَة جَامِعَة آمين وَلما مَاتَ وَقعت بِمَكَّة رجة عَظِيمَة فِي التَّوْلِيَة على الْمُسلمين وفيمن يقوم مقَامه بَين وَلَده الشريف سعد وَبَين السَّيِّد حمود بن عبد الله وَقَامَ كل من الرجلَيْن أَشد قيام وَجمع الجموع وبذل المَال وتحصنوا فِي الْبيُوت والمنائر وانضم الْأَشْرَاف جَمِيعهم إِلَى السَّيِّد حمود وَلم يبْق مَعَ الشريف سعد إِلَّا السَّيِّد مبارك بن مُحَمَّد الْحَارِث وَالسَّيِّد رَاجِح بن قايتباي وَالسَّيِّد عبد الْمطلب بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد مُضر ابْن المرتضى وَالسَّيِّد الْحُسَيْن بن يحيى وَالسَّيِّد فَارس بن بَرَكَات وَالسَّيِّد مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 ابْن أَحْمد بن عَليّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُنَادِي وَكَانَ فِي مَكَّة رجل عَظِيم الشَّأْن قد ورد فِي الْعَام الَّذِي قبل هَذَا الْعَام وَهُوَ عَام سِتّ وَسبعين ورد سنجقا ل جدة وشيخاً لحرم مَكَّة وَهُوَ عماد أَفَنْدِي الْمُتَقَدّم الذّكر أنفًا فَردُّوا الْأَمر إِلَيْهِ وأحضر خلعة عِنْده وَالرسل تسْعَى من الشريف سعد إِلَيْهِ إِلَى الضحوة فاتفق الرَّأْي أَن يُلبسوا الخلعة الشريف سعد فَأَخذهَا من تَحت ركبته شخص من أكَابِر عَسْكَر مصر يُقَال لَهُ المسلماني وَذهب بهَا إِلَى الشريف سعد فلبسها فِي بَيته من غير وعد قلت وَكَانَ مجْلِس عماد أغا فِي الْمَسْجِد فِي دكة عِنْد بَاب رِبَاط الداودية وَقد كنت إِذْ ذَاك وَاقِفًا أنظر فَبعد أَن أخذت الخلعة قيل لَهُ إِن ابْن الشريف زيد مُحَمَّد يحيى هُوَ الْمولى وَقد أَخذ لَهُ وَالِده أمرا سلطانياً بذلك فَقَالَ لمن أَخذ الخلعة قُولُوا للشريف سعد بِشَرْط أَنَّك قَائِم مقَام قَائِم مقَام هَكَذَا سمع أُذُنِي فَبعد أَن ذَهَبُوا بهَا وَمَشوا قَلِيلا دخل الْمَسْجِد من بَاب بني سهم الْمُسَمّى بِبَاب الْعمرَة جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله وَالسَّيِّد مبارك بن الْفضل بن مَسْعُود وَعبد الله بن أَحْمد وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن حراز وَغَيره فِي نَحْو ثَمَانِيَة عشرَة أشخاص فوقفوا على عماد وَرَأَوا جمَاعَة للأتراك بيدهم الخلعة قد قاربوا بَاب الْمَسْجِد النَّافِذ إِلَى بَيت الشريف فَقَالَ لَهُم عماد نَحن ألبسنا الشريف سعد بِشَرْط أَنه قَائِم مقَام أَخِيه مُحَمَّد يحيى لِأَنَّهُ هُوَ الْقَائِم بعد أَبِيه المرحوم زيد بِأَمْر سلطاني فَلم يردوا عَلَيْهِ خطابا ثمَّ إِنَّهُم رجعُوا من الْبَاب الَّذِي دخلُوا مِنْهُ ثمَّ إِنِّي أَحْبَبْت الْإِحَاطَة التَّامَّة بالْخبر وَذَهَبت إِلَى منزل مَوْلَانَا السَّيِّد حمود فَإِذا الْخُيُول على الْبَاب وَإِذا الْمجْلس وَالْبركَة غاصان بالسادة الْأَشْرَاف فَلم أستقر فِي الْمجْلس إِلَّا وَالسَّيِّد حمود رَحمَه الله خَارِجا من مَحل الْحَرِيم معتماً عِمَامَة زرقاء عَلَيْهِ صوف عودي فَخرج إِلَى الْبركَة وَجلسَ لَحْظَة خَفِيفَة وَقَامَ عَامِدًا للنزول إِلَى مَوْلَاهُ المرحوم الشريف زيد وغسله ومعاناة تَجْهِيزه وَدَفنه وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثَة أشخاص من بني عَمه لَا أذكرهم الْآن فَلَمَّا كَانَ فِي أثْنَاء الدرج نازلاً إِذا السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث لاقاه طالعاً فمذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 رَآهُ السَّيِّد حمود وقف وَقَالَ لَا قطع الله هَذِه الزائلة وَكَانَ جَوَاب السَّيِّد أَحْمد سمع أُذُنِي قَوْله إِذا جاءتك الرِّجَال كن زبرة فَرجع مَعَه ثمَّ جهز مَوْلَانَا الشريف زيد وَأخرج إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام بعد صَلَاة الظّهْر وَخرج مَعَه اثْنَان من الْأَشْرَاف أَحدهمَا وَلَده السَّيِّد حسن بن زيد وَالْآخر من أَوْلَاد عَمه وَأما بَاقِي الْعَسْكَر والأتباع فَلم يخرج مِنْهُم إِلَّا النزر الْيَسِير لاشتغالهم بِمَا هم فِيهِ وطلعوا بِهِ إِلَى المعلاة وَدفن فِي قبَّة المرحوم مَوْلَانَا الشريف أَبُو طَالب فِي جَانِبه إِلَى جِهَة الْقبْلَة وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَخرج مَعَه أهل مَكَّة وَبكى عَلَيْهِ الصَّغِير قبل الْكَبِير وَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم أعظم مُصِيبَة على الْمُسلمين وَلَكِن نرْجِع إِلَى قَول رب الْعَالمين {الَّذين إِذا أصبتهم قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رجعون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوت مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ اَلمُهتَدُونَ} الْبَقَرَة 157 وَمِمَّا قيل فِي تَارِيخ وَفَاته قَول أخينا الْفَاضِل الأريب الشَّيْخ أَحْمد بن قَاسم الخلي وَهُوَ تَارِيخ عَظِيم عَجِيب هُوَ قَوْله من الْخَفِيف (ماتَ كهفُ الورَى مليكُ ملوكِ اْلأَرْضِ ... مَنْ لَمْ يَزَلْ مَدَى الدَّهْرِ مُحْسِنْ) (فالمعاني قالَتْ لنا أرِّخُوهُ ... قد ثَوَى فِي الجنانِ زيدُ بْنُ محْسِنْ) ولمولانا قَاضِي الْمُسلمين بِبَلَد الله الْأمين الإِمَام الْعَلامَة الْقدْوَة الفهامة مَوْلَانَا القاضى عبد المحسن ابْن مَوْلَانَا الشَّيْخ سَالم القلعي مؤرخاً لوفاته قَوْله من الْكَامِل (يَا أهلَ مكَّةَ إنَّ سيدنَا الَّذِي ... مَلَكَ الحجازَ وكانَ فِيهِ الأرشَدُ) (رَبُّ السماحةِ والشجاعةِ والحيا ... والحلْمِ وصفاه التقَى والسؤددُ) (لَقِىَ الإلهَ فَكَانَ تاريخِى لَهُ ... زيدُ بن محسِن فِي الجنانِ مخلَّدُ) وَمِمَّا قيل فِيهِ قَول الشَّيْخ مُحَمَّد بن حَكِيم الْملك رَحمَه الله تَعَالَى راثياً أَبَاهُ الشريف محسن ومادحاً لَهُ من الْبَسِيط (صوادحُ البانِ وهْنًا شجوُهَا بادِى ... فمَنْ عذيرُ فَتى فى فَتِّ أكبادِ) (سبٌّ إِذا غنَّتِ الورقاءُ أرَّقه ... تذكيرُهَا نغماتِ الشادِنِ الشادِى) (فباتَ يرعفُ من عينَيْه تحسبُهُ ... يزبرجُ المدمَعَ الوكَّافَ بالجادي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 (جافى المضاجعَ إلْف السهدِ ساورَهُ ... سُمُّ الأساودِ أَو أنيابُ آسادِ) (لَهُ إِذا الليلُ واراه نشيجُ شَجٍ ... وجذوةٌ فِي حشاهُ ذاتُ إيقادِ) (سمَّاره حينَ يضنيهِ توحُّشُهُ ... فيشرئبُّ إِلَى تأنيسِ عُوَّادِ) (وجْدٌ وهمٌّ وأحزانٌ وبرحُ جوىً ... ولوعةٌ تتلظَّى والأسَى سادِى) (أضناهُ تفريقُ شملٍ ظلَّ مجتمعا ... وضَنَّ بالعودِ دهْرٌ خطبه عادِى) (فالعمرُ مَا بَين ضرِّ يَنْقَضِي وضناً ... والدهْرُ مَا بَين إيعادٍ وإبعادِ) (لَا وصْل سلمى وَذَات الْخَال يرقُبُهُ ... وَلَا يؤمّلُ من سعدَى لإسعادِ) (أشجَى فؤادىَ واستوهَى قوى جلدي ... أقوَى ملاعب بَين النصْبِ والوادِى) (عفَّتْ محاسنهَا الأيامُ فاندرسَتْ ... واستبدلَتْ وَحْشَة من أُنْسُهَا البادِى) (وعطَّلَتْهَا الرزايا وَهِي حاليةٌ ... بساكنيها وورَّادٍ وروَّادِ) (وعاث صرفُ الليالِى فِي مَعَالمها ... فَمَا يجيبُ الصدَى فِيهَا سوى الصادِى) (دوارج المور مارَتْ فِي معاهدها ... فغادَرَتها عَفا الساحاتِ والنادِى) (وناعبُ البينِ نَادَى بالشتاتِ بهَا ... فأهلُهَا بَين أغوارٍ وأنجادِ) (وصوحَتْ بالبلا أطلالُهَا وخلَتْ ... رحابها الفيحُ من هِنْدٍ وَمن هادِى) (أضحَتْ قفاراً تجرُّ الراسياتِ بهَا ... ريحُ جنوبٍ وَشَمل ذيلها الخادِى) (كَأَنَّهَا لم تكُنْ يَوْمًا لبيض مَهًا ... مراتعاً قد خلَتْ فيهنَّ من هادِى) (وَلم تظلَّ مغانيها بغانيةٍ ... تغنى إِذا مَا روى مِنْ بَدْرها رادِى) (وَلَا عطا بَينهَا رِيم وَلَا طلقٌ ... بهَا بدورُ دُجًى فِي بُرْجِ منطادِ) (وَلَا تثنَّتْ بهَا لمياءُ ساحبة ... ذيل النَّعيم دلالاً بَين أندادِ) (فارقْتُهَا فكإني لم أظَلَّ بهَا ... فِي ظِلٌ عيشٍ يجلى عذْرَ حسادِ) (أجني قطوفَ فكاهاتٍ محاضرةٍ ... طوراً وطوراً أُنَاجِي زينةَ الْهَادِي) (هيفاءُ يزرِى إِذا ماسَتْ تمايلها ... بأملَدٍ من غصونِ البانِ مَيَّادِ) (بجانِبِ الجيدِ يهوى القرْط مرتعداً ... مهواهُ حد سحيق فَوق أكبادِ) (شفاتها بَين حُرِّ الدّرّ قد خزنَتْ ... ذخيرة النحْلِ ممزوجاً بهَا الجادِى) (إِذا نضَتْ عَن محياها النقابَ صَبَا ... مستهتراً كُلُّ سَجَّادٍ وعَبَّادِ) (وَإِن تجلَّتْ فَفِيمَا قد جلَتْهُ دُجًى ... لنا بِهِ فِي الدآدي أيُّما هادِى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 (وميضُ برقِ ثناياها إِذا ابتسمَتْ ... بعارضِ الدمعِ من مهجورها حادِى) (وناظرانِ لَهَا يرتدُّ طرفُهُمَا ... مهما رنَتْ عَن قتيلٍ مَا لَهُ وادِى) (وصبحُ غُرَّتها فِي ليلِ طُرَّتها ... يوماىَ من وَصْلها أَو هجرها العادِى) (تلكَ الربوعُ الَّتِي كانَتْ ملاعبها ... أخنَى عَلَيْهَا الَّذِي أخنَى على عَادِ) (إِلَى مراتعِ غزلانِ الصريمِ بهَا ... يحنُّ قلبِي المعنَّى مَا شدا شادِى) (بعدا لدهْرٍ رماني بالفراقِ بهَا ... وَلَا سقَى كنفيه الرائحُ الغادى) (عَمْرِى لقد عظمَتْ تِلْكَ الفوداحُ منْ ... خطوبِهِ وتعدَّتْ حدّ تعدادِ) (فقدْ نسيتُ وأنستْنِى بوائقه ... تِلْكَ الَّتِي دهدهَتْ أصلاد أطوادِ) (مصارعٌ لبني الزهرا وأحمدَ قَدْ ... أذكرْنَ فخا ومَنْ أردى بهَا الهادِى) (لفقدِهِمْ وعَلى المطلولِ مِنْ دمهم ... تبكِى السماءُ بدمْعٍ رائحٍ غادِى) (وشَقَّ جيبَ الغمامِ البرْقُ من حزنٍ ... عليهمُ لَا علىَ أبناءِ عبَّادِ) (كَانُوا كعقْد لجيدِ المجدِ مذْ فرطَتْ ... من ذَاك واسطةٌ أودى بتبدادِ) (وهْوَ المليكُ الَّذِي للملكِ كَانَ حِمًى ... مذْ ماسَ من بُردِهِ فِي خيرِ أبرادِ) (كانتْ لجيرانِ بيتِ الله دولتُهُ ... مهادَ أمْنٍ لسرحِ الخوفِ ذوادِ) (وَكَانَ طوداً بدَسْتِ الْملك مُحْتَبِيًا ... ولاقتناصِ الْمَعَالِي أَي نهادِ) (ثوَى بصَنْعَا فيا لله مَا اشتملَتْ ... عَلَيْهِ من مجدِهِ فِي ضيقِ ألحادِ) (فقد حويتِ بِهِ صنعاءُ من شرفٍ ... كَمَا حوَتْ صعدةٌ بالسيد الهادِى) (فحبذا أنتِ يَا صنعاءُ من بلدٍ ... وَلَا تغشى زياداً وكْف رعَّادِ) (مصابُهُ كَانَ رزءاً لَا يوازنُهُ ... رزءٌ ومفتاح أرزاءِ وأسبادِ) (وَكَانَ رَأْسا على الأشرافِ مُنْذُ هوَى ... تتابعوا إثْرَهُ عَن شبهِ ميعادِ) (كهفُ المضافِ إِذا مَا أزمةٌ أزمَتْ ... من خطبِ نائبةٍ للمتنِ هدادِ) (كهفُ المضافِ إِذا مَا أمحلَتْ سنةٌ ... يضنُّ فِي محْلها الطائىُّ بالزادِ) (كهفُ المضافِ إِذا كَرَّ الْجِيَاد لَدَى ... حَرّ الجلادِ أثار النقْعَ بالوادي) (كهفُ المضافِ متَى مَا يستباحُ حمى ... لفقدِ حامٍ بورد الكَرِّ عوادِ) (كهفُ المضافِ إِذا الْجَلِيّ بِهِ نزلَتْ ... وَلم تجدْ كاشفاً مِنْهَا بمرصادِ) (كهفُ المضافِ إِذا حلُّ المغارم فِي ... نيلِ العلاَ أثقل الْأَعْنَاق كالطادِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 (كهفُ المضافِ إِذا نَادَى الصريخُ ولَمْ ... يجدْ لَهُ مصرخاً كالغيثِ للصادِى) (كهفُ المضافِ إِذا الدهْرُ العسوفُ سَطَا ... بضيْمِ جارٍ لنيلِ العِزِّ معتادِ) (بل لهْفَ نَفْسِ ذَوي الآمالِ قاطبةَ ... عليهمُ خيْر مرتادٍ لمرتادِ) (كانتْ بهم تزدهِى فِي السلْمِ أنديةٌ ... وَفِي الوغَى كُلُّ قدادٍ وميَّادِ) (على الأرائِكِ أقمارٌ تضىءُ ومِنْ ... تحتِ الترائِكِ آسادٌ لمستادِ) (تشكُو عداهُمْ إِذا شاكى ... شكٌ القنا مَا صفا مِنْ نسخِ زرادِ) (إِلَى النحورِ وَمَا تحوي الصدورُ وَمَا ... وارَتْهُ فِي جُنْحها ظلماتُ جسادِ) (جَناجنًا فُلُقًا تَحْوِى جَآ جِئُوهَا ... مِمَّا يقصِّدُ فِيهَا كل قَصَّادِ) (بادوا فبادَ من الدُّنْيَا بأجْمعِهَا ... من كانَ فكَّاك أصفادٍ بأصفادِ) (وَقد ذوَتْ زهرةُ الدُّنْيَا لفقدِهِمُ ... وأُلْبسَتْ بعْدهَا أثوابَ إحدادِ) (واجتثَّ غرس الْأَمَانِي من فجيعَتِهِمْ ... وأنشدَ الدهْرُ تقنيطاً لروادِ) (يَا ضيفُ أقفَرَ بيتُ المكرماتِ فخذْ ... فِي ضمِّ رحلكَ واجْمعْ فضلةَ الزادِ) (يَا قلبُ لَا تيأَسَنْ من هولِ مصرعِهِمْ ... وعَزِّ نفسكَ فِي بؤسٍ وإِنكادِ) (بمَنْ غَدا خلفا يَا جبَّذا خلفٌ ... فِي الملكِ من خيرِ آباءٍ وأجدادِ) (بحائزٍ إرثَهُمْ حاوي مفاخِرِهم ... عَمَّا حوَى الألْفُ من آحادِ أعدادِ) (وذاكَ زيدٌ أدامَ الله دولتَهُ ... وزادَهُ مِنْهُ تأييداً بأعدادِ) (سما بِهِ النسَبُ الوضَّاحُ حيثُ غَدا ... طريقُهُ جَامعا أشتاتَ أتلادِ) (لقد حوَى من رفيعاتِ المكارِمِ مَا ... يَكْفِي لمفخَرِ أجداد وأحفادِ) (أَلَيْسَ قد نَالَ ملكا فِي شبيبتِهِ ... مَا ناله مَنْ سعَى أعمارَ آمادِ) (أليْسَ فِي وهَجِ الهيجا مواقفُهُ ... مشكورةً بَين أعداءٍ وأضدادِ) (أَلَيْسَ أصبَحَ بِالتَّنْعِيمِ سابحُهُ ... لج المنايا ليحمي قُلَّ أجنادِ) (أليْسَ نبئتَ يَوْم الليثِ أنَّ لَهُ ... وثباتِ ليثٍ يزجّى ذودَ نقادِ) (أليْسَ يومَ العطا تحكِى أناملهُ ... خلجانَ بحْرٍ بفيضِ التبرِ مدادِ) (أليْسَ قد راحَ فِي تأسيسِ دولتِهِ ... منْ جده الْمُصْطَفى رمْز بإرشادِ) (دامَتْ معاليه والنعمَى يذال لَهُ ... مصونها وَهْوَ ملحوظٌ بإسعادِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 (مَا لاحَ برقٌ وَمَا ناحَتْ على فَنَنٍ ... صوادحُ البانِ وَهنا شجوها بادِى) وَمِمَّا قيل فِيهِ أَيْضا قَول الإِمَام الْفضل بن عبد الله الطَّبَرِيّ الْحُسَيْنِي // (من الْبَسِيط) // (يَا مىُّ حَيا الحيا أَحْيَا محياكِ ... هَلاَّ بأعتاب عتبي فَاهَ لي فاكِ) (مَنْ لي إليكِ وَقد أودَى صدودكِ بِي ... وَلَا تزالينَ طَوْعًا لي أفَّاكِ) (يَا هَذِه لم أزَلْ من بُعْدِهَا وَدُنُوّ ... السقْمِ من بعْدهَا موثوق أشراكِ) (تيهي أطيلي التجنِّى والجفاء وَمَا ... أردتِّ فاقضِيهِ بِي فالحسْنُ ولاكِ) (رفقا رويداً كإني بالعذولِ علَى ... تطاولِ الصدِّ فِي ذَا الصبِّ عزاكِ) (إِن لم يعز عزا عَيْني وقَدْ حُظِرَتْ ... مرآكِ فليَهْنِ قلبى وهْوَ مرعاكِ) (حسبِى دَلِيلا على شوقِى المبِّرحِ بِي ... أنِّى لَثَمْتُ عذولي حينَ سَمَّاكِ) (والجفْنُ فِي أرقٍ والقلْبُ فِي حرقٍ ... والعينُ فِي غرقٍ إنسانُهَا باكى) (يَا مهجةَ الصبِّ غير الصبْرِ ِليس وقَدْ ... حنَّتْ بِمَا قد لاقَيْت عينَاكِ) (وَيَا عذولِى لُمِ اكْفُفِ اضْلُل اهْدِ تَرَفَّقْ ... لِجِّ دَعْ أَوْجِبِ اطْلاَقِى وإمساكِى) (وَيَا أسيرةَ حجليها أرَى سَرَفًا ... لُبْسَ الحلى وَقد منّعْت مرآكِ) (عطفا علَى حالِ مَنْ لَا يَبْتَغِي بَدَلا ... ولبْسَ يشفيه مِنْ مشفيه إلاكِ) (وأجملي الودَّ واخَشَىْ عدْلَ ذى الشَّرَفِ المؤيَد ... العزِّ مولاىَ ومولاكِ) (زيدُ بن محسِنَ سلطانُ الأنامِ إمامُ ... الحضرتَيْنِ أمانُ الخائفِ الباكى) (كهفُ الضيوفِ وثَلاَّمُ الصفوفِ ... وَمَنَّاحُ الصنوفِ وَفَاء دون تَشْكَاكِ) (وباسلٌ لَو رأَى شزراً على حنقٍ ... للموْتِ مَا اخترم المَشْكُوّ والشاكي) (ألقاسمُ الجودَ فِي سامٍ وَذي ضعةٍ ... كواسم الْجُود فِي نبْتٍ وأشواكِ) (يُلقى فَيلقى بفَضْلٍ غير محتجبٍ ... وشأو شانٍ علا فِي غَيْرِ إدراكِ) (وَنُهْبَة لَو رأى الضلال صُورتها ... لأصْبَحُوا بَين أخيارٍ ونُسَّاكِ) (يهتزُّ للعَفْوِ من حلمٍ وَلَا طرب الْمثموُل ... من شمْسِ شماسٍ وبتراكِ) (مهذَّبٌ رَأْيه والعزْمُ ناصرُهُ ... أغناه عَنْ أزرِ أعرابٍ وأتراكِ) (وَذي سَطَا كمْ تشاكَى بأسَهُ شاكي ... فِي الملتقَى وتحامَى بَطْشَهُ شاكى) (ثبْتُ الجنانِ إِذا كَانَ الخميسُ وغا ... كَأَنَّهُ بَين ظِلِّ الضالِ والراكِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 (كم أضحَكَ السْيفَ من باكٍ يجدِّلُهُ ... والزحْف مَا بَين مفْتَاكٍ وفَتَّاكِ) (ومَنْ يكنْ ذَا خليلِ غير صارمِهِ ... والعزم يوشكُ أَن يفجا بأضراكِ) (وَذي كعوبٍ لَهُ من طولِ حامِلِهِ ... طولٌ بمجتمعِ الجَنْبَيْنِ شكاكِ) (مُخَاطب بلسانٍ ناطقٍ بعجائبِ ... المنايا بديهاً يَا لَهُ حاكي) (هُوَ المليكُ الذى أسْنَى الممالك والأزْمَان ... مِنْ بعدِ إسناءٍ وإحلاكِ) (وطَبَّقَ الأرضَ عدلا والضواحىَ ... فالضِّدَانِ فِي أمرِهِ المَنْكى والناكي) (ونادَتِ الغُبُر الخضراء لَو عقَلَتْ ... غيظاً بِهِ ضرَّتى أبعدتِّ مرماكِ) (وذكْرُهُ أرَّجُ الأرجاءَ شاسعةٌ ... فَطِيبُ رِيحِ الصِّبَا مِنْ عَرْفه الزاكِى) (يَا نفْسَ آمِلِهِ بُشْرَاكِ بشراكِ ... وَلَو قضيْت بإذنِ الله أحياكِ) (أَو رمْتِ أجناد عُدْم أَو نويْتِ بِمَا ... أعياكِ محمله أغنَى وأقنَاكِ) (أوْرَدَ أَمْسَك حَالا أَو مُضِى غدٍ ... بسعده كَانَ مَا تبغين يلقاكِ) (وَيَا سيادتَهُ مِنْ أَن يطاولها ... مثلٌ وإياه حاشاهُ وحاشَاكِ) (ودولَة فِي حياةِ العمْرِ غرتُهَا ... مَا الدهْرُ حَتَّى انْقِضَاء الدهْرِ ينساكِ) (وَيَا ليالِيهِ قد دامَتْ بسؤددِهِ ... من أينَ للملكِ شرواه وشرواكِ) (وَيَا أيادِى أيادِيهِ السنيَّة لَا ... ينفكُّ حسنكِ مَقْرُونا بحسناكِ) (لَو كَانَ فى عَصْرِهِ بعد النبوةِ مبعوثٌ ... لَكَانَ بِلَا دفعٍ وإشراكِ) (لَو طُرِّزَتْ باسمه الراياتُ مَا حذرَتْ ... أصحابُها غلبا أَو حطم دهاكِ) (وقالتِ العينُ لَو ترنو إِلَيْهِ بهَا ... سناه يَا أرْضُ عني كَانَ أغناكِ) (وَلَو تقدّّم عهدا كَانَ ممتدحَ الآياتِ ... فِي طَىِّ منشوراتِ إصكاكِ) (فالحمدُ بعدُ لَهُ والحمْدُ قبلُ لمَنْ ... حبا الأنامَ سريَّاً أَصله الزاكِى) (لَا زالَ واقِىَ مَنْ والَى ولاذَ بِهِ ... وقْعَ الخطوبِ بعزِّ مِنْهُ فَتَّاكِ) (يَابْنَ الأُلى للعُلاَ شادوا منيعَ حِمى ... يحجه كُلّ كفافٍ وفكَّاكِ) (بالمجدِ سادوا وداسُوا هامَ شانِئِهِمْ ... وَسيف عزمٍ لروح القرنِ سفاكِ) (قد ذاد فِي شرفِ البطحاءِ أنكَ فِي ... جِيرَانهَا خيْرُ فَعَّالٍ وتَرَّاكِ) (مولى الْجَمِيل ومنجاةُ الدخيلِ ومنحاةُ ... الخذيلِ سرى بِعَين أملاكِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 (كافِيَّةٌ بُسِطَتْ وزنا وقافيَةً ... تلوحُ كالدُّرِّ أَو ياقوتِ أسلاكِ) (يقولُ لَو خالها الحِلِّىُّ خاطره ... حلاك يَا مَنْ صَنِيع الْفضل حلاّكِ) (وباعَ قيراطه الْبُرْهَان منبخساً ... يزيفه فِي انتقادٍ كُلُّ حَكَّاكِ) (وقالَ واسمك يَا ذَا العِزِّ واسطها ... لطلعةِ البَدْرِ أَن لَا بَدْرَ إلاكِ) (تبغِى القبولَ وقَدْ جاءَتْ مُعَارضَة ... أَمْثَال كفى وفكِّى قيد أسراكِ) ثمَّ وَليهَا الشريف سعد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن بن حُسَيْن بن حسن وَلبس الخلعة ونادي مناديه فِي الْبِلَاد يسمعهُ الْحَاضِر والباد وَالنَّاس حوله لَهُم ضجيج كالرعد الْبِلَاد بِلَاد الله وبلاد السُّلْطَان وبلاد الشريف سعد وانجلت البصائر والأبصار ذهبت الْحيرَة وَرَبك يفعل مَا يَشَاء ويختار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة وَقد أرخ صاحبنا وعزيزنا الشَّيْخ الأكرم الشَّيْخ أَحْمد بن قَاسم الخلي جُلُوسه فَقَالَ وَفِيه لطف إِدْخَال بديع // (من مخلَع الْبَسِيط) // (قامَ بأمْرِ البلادِ سعدٌ ... أيَّدَ رَبُّ السماءِ مُلْكَهْ) (بغايةِ المجدِ أرِّخُوهُ ... قد نِلْتَ بالسيفِ أمْرَ مَكَّهْ) ولمولانا المرحوم الإِمَام فضل ابْن الإِمَام عبد الله الطَّبَرِيّ فِي ذَلِك قَوْله // (من مخلع الْبَسِيط) // (قَالُوا لنا اليَوْمَ ماتَ زيدٌ ... والناسُ تخشى وقوعَ عَرْكَهْ) (والقومُ يسَّاءلونَ هَذَا ... قَالَ لذا منْ يرومُ ملْكَهْ) (فقلتُ والقيلُ قد تناهَى ... والخلْقُ فِي ضَجَّةٍ ورَبْكَهْ) (بَيْتا صَحِيحا لَهُم جَوَابا ... مُؤَرِّخا فِيهِ رُمْتُ سَبْكَهْ) (يبايعوهُ يملِّكُوهُ ... سعْدُ بن زيدٍ شريفُ مَكَّهْ) ولأخينا المرحوم القَاضِي أَحْمد ابْن القَاضِي مرشد الدّين الْعمريّ الْحَنَفِيّ قَوْله مؤرخاً // (من مجزوء الْكَامِل) // (شمسُ الخلافةِ أشرَقَتْ ... وبدا منيراً سَعْدُهَا) (مذ حازَهَا الشرَفُ الَّذِي ... بِعُلاَهُ زُيِّنَ عِقْدُهَا) (سعدُ الَّذِي تاريخُهُ ... خَيْرُ الملوكِ سعيدها) وَكَانَ مَعَ الشريف زيد مملوكان أَحدهمَا تركي الْجِنْس اسْمه ذُو الفقار وَالْآخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 حبشِي اسْمه بِلَال أما الأول فَكَانَ عِنْد مَوْلَانَا الشريف من زمَان حَتَّى كبر وَصَارَ شَيخا للعسكر اللهام فَقَامَ عَلَيْهِم أحسن قيام وَكَانَ ذَا هَيْبَة وَرَأى سديد صَاحب قُوَّة وبأس شَدِيد فَدَعَاهُ مَوْلَانَا الشريف فِي بعض السَّاعَات إِلَيْهِ وأوصاه على بنيه وعولته رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَلَمَّا انْتقل الشريف إِلَى دَار الْآخِرَة امتثل مَوْلَاهُ أوامره وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وشمر وكشف عَن ساعديه وَشد المئزر ورتب العساكر فِي الْمدَارِس بلصق الْمَسْجِد الْحَرَام الْمَعْمُور ووزعهم على المنائر والدور وَوضع المدافع على رُءُوس المنافذ والطرقات وَضبط قانون الْحِرَابَة من سَائِر الْجِهَات هَذَا ومولانا السَّيِّد حمود لم يبرح من بَيته مَعَ بني عَمه وشيعته ونار الْفِتْنَة قَائِمَة أَشد قيام قُلْنَا يَا نَار كوني بردا وَسَلام ثمَّ بعد ذَلِك جلس مَوْلَانَا الشريف سعد للتهنئة وَالسُّرُور وتأطد لَهُ الْملك بفأل اسْمه والحبور ودعا مَشَايِخ الْعَرَب وَأهل الدَّرك وألزم كلا بجهته وَلم يَقع وَللَّه الْحَمد بِمَكَّة المشرفة شئ من النهب أَو الْقَتْل أَو الْخَوْف {فَليَعبُدُوا رَب هَذا البيتِ اَلَذِي أَطعَمَهُم مِن جوُع وءامنهم مِن خَوْفِ} قُرَيْش 3 4 وَمن لطف الله سُبْحَانَهُ أَن كَانَ انْتِقَال مَوْلَانَا الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى بعد انْقِضَاء الْحَج وَتوجه كل إِلَى بَلَده وَكَانَ بِمَكَّة المشرفة يَوْمئِذٍ بعض تجار من حجاج الشَّام تخلفوا عَن أَمِيرهمْ وَقد جرت الْعَادة بذلك أَنهم يُقِيمُونَ مُدَّة لقَضَاء حوائجهم بعده ثمَّ يتوجهون ويجتمعون بِهِ فِي الْمَدِينَة المنورة فَلَمَّا أَرَادوا السّفر طلبُوا من مَوْلَانَا الشريف سعد حفظه الله تَعَالَى أَن يَأْمر من يوصلهم الْمَدِينَة خوفًا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فأجابهم إِلَى ذَلِك كَانَ الله لَهُ وَأرْسل مَعَهم السَّيِّد فَارس ابْن المرحوم بَرَكَات بن حسن وَمَعَهُمْ جمع من الْعَسْكَر فأوصلوهم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة سَالِمين وَللَّه الْحَمد والْمنَّة ثمَّ أَمر حَاكم الطَّائِف وَكَانَ بِمَكَّة جمع من أهل الطَّائِف من الْحجَّاج قد أحْصرُوا عَن أَوْلَادهم وَأَمْوَالهمْ وَلم يُمكنهُم التَّوَجُّه شَفَقَة فَجهز جمَاعَة من الْعَسْكَر صُحْبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 الْحَاكِم الْمَذْكُور فَسَارُوا بهم من ليلهم فوصلوا إِلَى الطَّائِف من طَرِيق يعرج ونادى مناديه فِي الْبِلَاد من سَاعَته وَلما وصل الْخَبَر بوفاة الشريف زيد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى الطَّائِف قبل وُصُول الْحَاكِم اضْطَرَبَتْ الْبِلَاد اضطراباً شَدِيدا وعزل السُّوق وكل أغلق بَابه وَنزع ثِيَابه وَدفن أَسبَابه إِلَى أَن وصل الْحَاكِم فاطمأنت حِينَئِذٍ الخواطر من البوادى والحواضر وَكَانَ إِذْ ذَاك مَوْلَانَا السَّيِّد زين العابدين بن عبد الله بن حسن بِالطَّائِف وَأَوْلَاده وَأَتْبَاعه فَلَمَّا وصل هَذَا الْخَبَر ركبُوا الْجِيَاد وداروا الْبِلَاد ونأدوا بالأمان فخمدت بذلك دَاعِيَة الْبَغي والطغيان وطمنوا النَّاس وَأمرُوهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى السُّوق وَبسط الدكاكين فَفَعَلُوا وامتثلوا وحمدوا رَبهم وشكروا وَكَانَ وُصُول الْحَاكِم آخر ذَلِك النَّهَار وَلما كَانَ يَوْم الرَّابِع من انْتِقَال مَوْلَانَا الشريف وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة أَرَادَ الْخَطِيب أَن يخْطب فَوقف عَن الْخطْبَة لسَبَب من الْأَسْبَاب يدريه أولو الْأَلْبَاب فصلى النَّاس الظّهْر وَأما مَكَّة فَخَطب الْخَطِيب بهَا ودعا للشريف سعد بالنصر والتأييد وَالنَّاس فِي عَيْش رغيد وَفِي هَذَا الْوَقْت وَقع طراد فى جِهَة المشناة قَرِيبا من وادى وَج بَين قبيلتين قُرَيْش والحمدة من ثَقِيف وَاسْتمرّ إِلَى وَقت الْعَصْر وَحصل بَينهمَا بعض جراحات وَكَانَ بِمَكَّة المشرفة يَوْمئِذٍ جمَاعَة من الْأَعْرَاب أهل خيل وركاب لما بَلغهُمْ موت الشريف زيد رَحمَه الله انْطَلقُوا على رُءُوسهم إِلَى الْبِلَاد وكل من وجدوه فِي طريقهم أَخَذُوهُ بالظلم والعناد وَأَكْثرُوا فِي الأَرْض الْفساد إِن رَبك لبالمرصاد وَمَا كَانَ من طَرِيق الْحجاز فَوَقع فِيهَا الْخَوْف والنهب وَالْقَتْل وَالضَّرْب وكل من ظفر بِصَاحِبِهِ أَخذه وَأهل الْقرى تَرفعُوا عَن الطرقات واجتمعوا فِي بعض الْجِهَات خوفًا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَفِي الْيَوْم الثَّالِث من موت مَوْلَانَا الشريف سامحه الله تَعَالَى وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس وَقع اضْطِرَاب كَبِير من بعد الظّهْر إِلَى بعد الْعَصْر بَين مَوْلَانَا الشريف سعد ومولانا السَّيِّد حمود وكل مِنْهُمَا جمع جيوشه وتحصنوا فِي الْبيُوت والمنائر وركبوا جمَاعَة السَّيِّد حمود فى الضلع الذى خلف بَيته والجبل الْمَعْرُوف بجبل عمر وتراموا بالرصاص من بعد وَلم تحصل مُوَاجهَة ثمَّ إِنَّهُم اسْتمرّ بهم الْحَال وكل يَوْم يُصْبِحُونَ فِي قيل وَقَالَ وكل من الشريفين واثب على قَدَمَيْهِ كسبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 الصيال سُبْحَانَ الله يُؤْتِي الْملك من يَشَاء وَهُوَ الْكَبِير المعتال فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث عشر من يَوْم الْوَفَاة وَقع الِاتِّفَاق بَين مَوْلَانَا الشريف سعد ومولانا السَّيِّد حمود على قدر مَعْلُوم من الْمَعْلُوم وعينت جهاته وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما عندنَا أَيهَا النَّاس وَحصل بذلك الْأَمْن وارتفع الْبَأْس وَأمر مَوْلَانَا الشريف بالزينة ثَلَاثَة أَيَّام وَظهر السرُور وزالت الحزون وَرَبك يعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون وَكتب محْضر من الشريف سعد عَلَيْهِ خطوط الْأَعْيَان من الأفندي وَشَيخ الْحرم والمفتي وأعيان الْبِلَاد على مَرَاتِبهمْ وعساكر مصر كَذَلِك وَذهب بِهِ بِلَال أغا إِلَى مصر المحروسة فأوصله باشا مصر وَمَعَهُ مَكْتُوب آخر من عَبده إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية فَلَمَّا وصل فتح وَقُرِئَ فِي سَاعَة مباركة طالعها سعد السُّعُود ثمَّ أَمر برد الْجَواب على مَا يسر الخواطر والألباب {واللهُ يَرزقُ مَن يشاءُ بِغَيْرِ حِساب} الْبَقَرَة 212 وَلذَلِك كتب مَوْلَانَا السَّيِّد حمود محضراً لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا خطوط السَّادة الْأَشْرَاف فَأرْسلهُ صُحْبَة رجل مصري يُسمى الشَّيْخ عِيسَى فَقدر الله أَنه مَاتَ عقب دُخُوله مصر بيومين فوجدوا الْعرض فِي تركته وَلم يصل مقْصده وَكَذَلِكَ كتب عرضا مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد يحيى بن زيد من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَكَانَ بهَا وَوضع أَعْيَان الْمَدِينَة خطوطهم عَلَيْهِ وَالْتزم بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار للوزير الْأَعْظَم قلت قد كَانَ أخرج مَوْلَانَا الشريف لوَلَده السَّيِّد مُحَمَّد يحيى أمرا سلطانياً بِولَايَة مَكَّة فَلم يتَمَكَّن من إِنْفَاذه خشيَة مَا يَتَرَتَّب على ذَلِك من الْمَفَاسِد وَعدم الرِّضَا من بَقِيَّة أَوْلَاده وَبنى عَمه وَكَانَ فِي كل سنة غَالِبا لم يحجّ مَعَه إِلَّا اثْنَان من أَوْلَاده هما حسن وَمُحَمّد يحيى وَكَانَ السَّيِّد مُحَمَّد يحيى بِالْمَدِينَةِ فَطَلَبه لِلْحَجِّ فِي ذَلِك الْعَام وَهُوَ عَام سِتّ وَسبعين فَامْتنعَ لأمر يُريدهُ الله فَقَالَ مَوْلَانَا الشريف زيد عِنْد امْتِنَاعه {إنَكَ لَا تَهدي من أَحببت} الْقَصَص 56 وَكَانَ الشريف سعد ابتعد نَحْو الشرق فجَاء وتقرب من وَالِده وَحج مَعَه ذَلِك الْعَام وَكَانَ من أمره مَا كَانَ وَالْكل فعل الله سُبْحَانَهُ وَأنْشد لِسَان الْحَال عَن الشريف سعد فِيمَا قصد وَأم // (من الْكَامِل) // (وَإِذا السَّعَادَة لاحظتك عيونها ... نم) وَاسْتمرّ النَّاس منتظرين لوُرُود الْخَبَر السلطاني والتشريف الخاقاني نَحْو سِتَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 أشهر وَفِي كل شهر يَأْتِي المبشر من مصر المحروسة بِتمَام الْأَمر لمولانا الشريف سعد ويلبس خلعة الْبشَارَة وَفِي ذَلِك إِشَارَة لأهل الْإِشَارَة وَلما كَانَ يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة حصل بَين بعض الْعَسْكَر وَالْعَبِيد شنآن بالمعلاة فتراموا بِالْحِجَارَةِ وسلت السيوف وَلم يَقع بَينهم قتال وَكَانَ هُنَاكَ بعض أَوْلَاد الشريف حفظهم الله تَعَالَى فَقَامُوا بَينهم وَأَصْلحُوا الْقَضِيَّة ثمَّ دخل علينا شهر رَجَب الْأَصَم فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع الشَّهْر عِنْد الْغُرُوب حصل بَين مَوْلَانَا الشريف سعد وَبَين جمَاعَة السَّيِّد حمود شنآن كَبِير وَصَاح الصائح فِي الْعَسْكَر فَاجْتمعُوا وكل وَاحِد مِنْهُمَا جمع جموعه وتزبروا وتحصنوا فِي الْبيُوت وَالْجِبَال وتراموا بالبندق لَيْلَتَيْنِ بيوميهما على الشاخص والخيال وَلم يفقد من كل طَائِفَة إِلَّا رجل أَو رجلَانِ وَمَات من الرّعية شخصان خطأ من غير قصد وكل ذَلِك مَعَ فرَاغ الْآجَال فَلَمَّا كَانَ وَقت الضُّحَى وَقع الصُّلْح بَينهم ونادى الْمُنَادِي بالأمان فأمنت النَّاس وَاسْتَبْشَرُوا وحمدوا رَبهم وشكروا ثمَّ إِنَّه اسْتمرّ الْحَال هَكَذَا إِلَى الْيَوْم الثَّانِي وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور فَجَاءَت البشري بالتحقيق بِأَن الْأَمر قد برز لمولانا الشريف سعد فَلَمَّا كَانَ صبح يَوْم الْجُمُعَة سادس عشري رَجَب الْمَذْكُور دخل رَسُول مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان نَصره الله وأيد بِهِ الْإِسْلَام إِلَى مَكَّة المشرفة حرسها الله تَعَالَى بِالْبَيْتِ الْحَرَام فِي موكب عَظِيم وَمَعَهُ خلعة نفيسة من مَوْلَانَا السُّلْطَان وَمُصَلَّاهُ الَّذِي يصلى عَلَيْهِ ومكتوبان مَعَه من هُنَالك بِأَن الْأَمر لَهُ من غير شريك وَلَا مُنَازع فِي ذَلِك فَدَخَلُوا بهَا من بَاب السَّلَام إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فلبسها فِي الحضرة الشَّرِيفَة تجاه بَيت الله وَالْمقَام بِحَضْرَة السَّادة الْكِرَام وَالْعُلَمَاء الْأَعْلَام وجيوش الْإِسْلَام مَا بَين خَاص وعام ثمَّ قرئَ المرسوم السلطاني وَفِيه غَايَة التَّعْظِيم والإجلال وَنشر محَاسِن لمولانا الشريف سعد أعزه الله بجاه جده الْأمين وَالْوَصِيَّة على الرّعية وَالْقِيَام بمصالحهم وأمان الزوار وَالْحجاج والمعتمرين وَهُوَ مُفند مستبين مُحَرر مؤيد بِنَصّ {إِنَّا فتحنا لَكَ فَتحاً مُبينا ليغَفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذَنْبِكَ وَما تأخرَ} الْفَتْح 1 2 وَمَعَ ذَلِك كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 لَفظه عذباً وجيزاً مبشراً بِنَصّ {ويُتِمَ نِعمَتَهُ عليكَ وَيهديَكَ صِرَاطاً مستَقِيماً وَيَنصُرَكَ اللهُ نَصراً عَزيزا} الْفَتْح 2 3 ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى الْبَيْت الشريف ووقف بِالْبَابِ وَالْتزم بالملتزم والأعتاب وَذهب إِلَى دَار السَّعَادَة وَجلسَ للتهنئة مَسْرُورا وَكَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً وَنُودِيَ بالزينة سبع لَيَال بعد أَن كَانَ النَّاس فِي حَالَة مخوفة فِي ذَلِك الْيَوْم فاطمأن البال وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَلما لبس الخلعة وَاسْتقر لَهُ الْأَمر وسرى عَنهُ مَا كَانَ يجده من الكيد والقهر وَبدل الله الْعسر باليسر وأيده بالنصر مدحه الْفُضَلَاء بقصائد مجيدة وأشعار بأمطار سَمَاء الأفكار مجيدة وَكنت مِمَّن تشرف بالانتظام فى سلك نظامهم النَّضِير عوده اللامع فِي أفق الْمَعَالِي مزايا ممدوحهم وسعوده فَقلت من بَحر الطَّوِيل من الْعرُوض المقبوضة وَالضَّرْب التَّام والقافية من الْمُتَوَاتر قولي // (من الطَّوِيل) // (سقَى الغَيْثُ ذَيَّاكَ الأُبَيْرِقَ والسقْطَا ... فأنْبَتَ فِي أرجائِهِ الرنْدَ والأرْطَا) (وحَيَّا رُبا تلكَ المعاهدِ فاكتسَتْ ... رياضٌ لَهَا من نسْجِ إبرته بَسْطَا) (معاهدُ لمياء البديد تعطَّرَتْ ... ومائِثُ ميثاها بِمَا تسحَبُ المِرْطَا) (لَهَا بَشَرٌ كالماءِ إِذْ قَلْبها صفا ... وناظرُهَا كالسيْفِ لكنه أسطَى) (إِذا مَا دجا ليلٌ حكى ليلَ جَوْرها ... وإنْ لاحَ نجمُ الأفقِ سمنا بِهِ القرْطَا) (رداحٌ إِذا لاحَتْ فكالشمْسِ أَو رنَتْ ... فكالظَّبْىِ أَو ماسَتْ ترى الحلَّ والرَّبطَا) (أراشَتْ لأحشائِى رواشقَ مُقْلِةٍ ... ترَى نبلها يُصْمِى الفؤادَ إِذا أخْطَا) (هىَ السِّحْرُ إِلَّا أَنه سرّ خالقٍ ... عَلَيْهِ يصيرُ الحبرُ مِنْ رقِّها أوْطَا) (لَهَا سلْكُ دُرِّ ضمنَ خاتمٍ عسجدٍ ... طلى لعسًا يَا حسنَ حتْمٍ حوى سِمْطا) (وجيدٌ أعارَ الريم حسنَ التفاتِهِ ... فَلَا صَيد فِيهِ لَا تَرَاهُ وَلَا لعْطَا) (ومهضمُ كشحٍ مخمص الغورِ رقةً ... لَهُ جَسَدِى من بعضِ أسقامِهِ أعطَى) (كَمَا قد أنالَ الجسْم فَتْرَة جَفْنها ... نحولاً فكافاها عَلَى وَفقه المعطَى) (رهينة خدْرٍ يكسبُ الحلى حُسْنها ... جمالاً وَلَوْلَا ذاكَ للشَّيْنِ مَا غطَّى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 (كأنْ قد براها الله حسنا كَمَا تشا ... فيا طولَ ذاكَ الحسْنِ فِي القامِةِ الوسْطَى) (سَقَاهَا ومرباها سُحُوحٌ مِنَ الحيا ... ورَوَّى على أكنافها الأثل والخمْطا) (فيا شَوْقَ أحشائِى للحظَةِ لَحْظها ... وَإِنِّي بهَا إذْ قد نأتْ دارها شَحْطَا) (بلَى قد نأتْ عني وَلَا بَيْنَ بَيْننَا ... وبُدِّلْتُ مِنْ عين الرضَا بالجفا سخْطَا) (كذلكَ أخلاقُ الغوانِى ومَنْ يرمْ ... بهنَّ الوفا كالمبتغِى فِي الأضا قرْطَا) (ومَنْ لم يذُدْ ذَوْدَ التصابِى وسربه ... قصارَاهُ فِيهِ أَن يذلَّ وينحَطَّا) (ويمسي صريعَ العينِ لَا ناصرٌ لَهُ ... سوَى عَبْرة يَرْوِى تفجُّرُهَا سطَّا) (نعَمْ لَو نحا فِي كلِّ أمرٍ يئودُهُ ... مليكَ الورَى سعد بن زيد لما شطَّا) (مليكٌ لَهُ من طينةِ المجْدِ جوهرٌ ... بِهِ ازدانَتِ الدُّنْيَا وقدْمًا هِيَ الشمْطَا) (شريفُ الْعلَا والذاتِ والوصْفِ منتمٍ ... إِلَى خَيْرِ أصلٍ طابَ فِي قنسه ربْطَا) (مليكٌ رقا فِي قنةِ المجدِ رتبَةً ... تجلُّ سواهَا أَن يقاسَ بهَا هبْطَا) (شريفٌ أتيحَتْ فِيهِ أسرارُ والِدٍ ... هُوَ القطْبُ لَا ريباً بذاكَ وَلَا غمطا) (مليكُ بلادِ الله سعد الْعلَا ومَنْ ... يشابه أَبَاهُ فِي علاهُ فَمَا أخْطَا) (طويلُ الْبَنَّا رحْبُ القنا منهلُ الْغِنَا ... مزيلُ العنا مولى المنا باللُّهَا سفْطَا) (عريضُ الجدا غوْثُ الندا موردُ الندا ... حمامُ العِدَى مردِى الردَا للهُدَى فرطَا) (فيا ابنَ رسولِ الله وابْنَ وصيِّهِ ... ودرةَ عقْدٍ أنْتَ أنْتَ لَهُ وسْطَا) (لقد حطْتَ أكنافَ الخلافةِ عَزمَة ... وقمْتَ بهَا حفظا وشَيدَّتها ضبْطَا) (وأيدتَّهَا بالحزْمِ والرأْىِ حينئذْ ... ثبتَّ جنَانًا لَا فزوعاً وَلَا قنْطَا) (فأنسيتَنَا حزْنًا وَلم نَنْسَ من مضَى ... تغشَّتْ شآبيبُ الرضَا رمْسَهُ همطَا) (أَبى الله إِلَّا أَن تحلَّ محلَّهُ ... بمرتبةٍ عزت لغيرك أنْ تمطَى) (فوافَاكَ بالتأييدِ مَا كَانَ كامناً ... مِنَ الأَزَلِ العُلْوِىِّ ينتظرُ الشرْطَا) (فَمَا خطَّ تقليداً على الطرسِ كاتبٌ ... ولكنْ قضاءُ الله من قبلِهِ خَطَّا) (إِذا أبرمَتْ فِي سابقِ العلْمِ لامرئٍ ... عنايته استغنَى الْعَشِيرَة والرهْطَا) (ولكنَّنى أرجُو منَ الله جمعَهُمْ ... على خيرِ حالٍ مَا رجاه بمستْبطَا) (فطأ فِي الْعلَا فالسعْدُ وطأ لاسمِهِ ... أَشَارَ لذا بحْرُ الطويلِ رَوِىّ الطَّا) (إليكَ ابنَ خَيْرِ الناسِ عذراءَ مِدْحَة ... غَذَتْهَا القوافي لَا سنادٌ وَلَا إِيطا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 (أتاكَ بهَا فكِرى الكليلُ ومَهْرُهَا ... قَبُولُكَهَا منِّى وحَسْبى بِهِ إعْطَا) (سأملأُ ديوانِى بمدحِكَ مِدْحَة ... لشعرِىَ كَىْ يستوجبَ الحمْدَ والغبطا) (فدُمْ وابْقَ واسلَمْ لَا برحْتَ مؤيداً ... على العزِّ مهما أنْ تحاوله تعطَى) (وَلَا زلْتَ محفوظَ الجنابِ عزيزَهُ ... رعاياكَ لَا تخشَى اهتضاماً وَلَا قَنْطَا) (مدى الدَّهرِ مَا طابَ القَرِيضُ بمدحِكُمْ ... فأخجَلَ مسكَ الختْمِ والند والقُسْطَا) وَلما تمّ أَمر الصُّلْح بَين الشريف سعد وَبَين السَّيِّد حمود واستقرت الْبِلَاد وَأَهْلهَا لِأَن استقرارهم باستقراره وتعبهم بتعبه وَهُوَ مَعَهم كالرأس مَعَ الْجَسَد وكالمضغة وَهِي الْقلب كَمَا ورد جَاءَهُ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى بَيته مُوَافقا لَهُ فِيمَا يُحِبهُ ويهواه هُوَ وَأَتْبَاعه يهنونه ويباركون لَهُ فِيمَا منحه الله وَأَعْطَاهُ وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ بكرَة وَعَشِيَّة مظْهرا لَهُ الود والصداقة مليناً لَهُ القَوْل من غير تَعب وَلَا حَمَاقَة وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة يَطْلُبهُ مَا كَانَ وَزِيَادَة وَلم يُخَالِفهُ مَوْلَانَا الشريف فِي قَول وَلَا فعل بل يجِيبه إِلَى مَا أَرَادَهُ أدام الله نعمه عَلَيْهِ وإمداده بِحَيْثُ أَن الرّعية نسبت هَذِه الْمُوَافقَة مِنْهُ إِلَى أثر عمل من الْأَعْمَال من الحركات والسكنات لَكِن إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَفِي هَذِه الْمدَّة كَانَ بِمَكَّة المشرفة غلاء فِي الطَّعَام كالحب وَنَحْوه فِي شعْبَان ورمضان وشوال وَاشْتَدَّ فِي آخر الْوَقْت وَعدم من الْأَسْوَاق ووصلت الكيلة الْحبّ إِلَى خسمة عشر محلقاً والرز كَذَلِك وَفِي أول ذِي الْقعدَة حصل الْفرج بِدُخُول المراكب المصرية وَزَالَ التَّعَب عَن الْمُسلمين ببركة قدوم الْحجَّاج الوافدين ثمَّ إِنَّه حصل تنافر بَين مَوْلَانَا الشريف سعد وَالسَّيِّد حمود من جِهَة عدم الْوَفَاء بالمعلوم الَّذِي لَهُ مَعَ مَا فِي خاطره من التَّعَب فدعته الأنفة إِلَى الْخُرُوج لهَذَا السَّبَب فبرز يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن ذى الْقعدَة الْحَرَام من سنة سبع وَسبعين وَألف وَأقَام بالزاهر مُدَّة وَهُوَ من الغيظ فِي أعظم شدَّة فبرزت إِلَيْهِ لموادعته واستغرقت الْيَوْم أجمع فِي محادثته فَكَانَ من جملَة كَلَامه جَوَابا لقولي لَعَلَّ مَوْلَانَا حفظه الله يتداركه الله بسعة فِيهَا حُصُول المنا فيكفيكم الله بِسَبَبِهَا تَعب الجلا والعنا مَا أرى إِلَّا أَن بَيت الشريف قَتَادَة المستشهد بِهِ فِي سَابق الزَّمَان قد قَارب مصداقه فِي هَذَا الأوان يُشِير إِلَى قَوْله // (من الطَّوِيل) // (مصارعَ آلِ الُمصطفَى عُدتِّ مِثْلَ مَا ... بدأْتِ ولكنْ صِرْتِ بَين الأقاربِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 فَقلت الله يقدر بِخَير ويكفيكم كل ضيم وضير وَلم تزل الرُّسُل بَينهمَا تسْعَى فِي حسم مَادَّة الشقاق وَلم يتَّفق الْحَال إِلَّا على عدم الِاتِّفَاق فَتوجه إِلَى وَادي مر وَأقَام بِمن مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف والأتباع وَالْعَبِيد وسبورهم تصل إِلَى مَكَّة أَسْفَلهَا وأعلاها يدلجون بِاللَّيْلِ إِذا يغشى وَيصلونَ الشَّمْس وَضُحَاهَا وَأخذُوا فرسا من مربطها لبَعض خدام الشريف أَسْفَل الْبَلَد وذهبوا وَلم يذهب إِلَيْهِم أحد كل ذَلِك استحثاث مِنْهُم لِلْخُرُوجِ إِلَى البرَاز والمنازلة والظهور عَن الْعمرَان الَّتِي لَا تطول فِيهَا تِلَاوَة سُورَة المجادلة والشريف سعد حفظه الله لم يستخفه الطيش وَلم ينفذ إِلَيْهِم خاء خيل وَلَا جِيم جَيش وَأَقْبل جمَاعَة من الشَّام وَمن مَدِينَة الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فصدهم الْخَوْف عَن الدُّخُول لما هم قاصدون إِلَيْهِ ومكثوا أَيَّامًا بقرية من الْقرى وَحصل لَهُم من التَّعَب مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَيْهِم الْحَاج المصرى فَدَخَلُوا مَعَه مَكَّة المشرفة وَلم يزل الشريف سعد متع الله بحياته ولسان حَاله يَتْلُو فِي المبدأ والمعاد {وأفوِضُ أَمرِي إِلَى الله إِن اَللهَ بَصِير بِالعِبادِ} غَافِر 44 وَأما مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رَحمَه الله فَإِنَّهُ لما كَانَ يَوْم السبت رَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة قدم على الْحَاج الْمصْرِيّ والأمير عَلَيْهِ أزبك بك فَركب إِلَيْهِ هُوَ وَمن مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف والأتباع وَالْعَبِيد فعقدت الْأَشْرَاف من أَنْفسهَا طوقاً عَليّ وطاق الْأَمِير وَعَسْكَره وَلم يدْخل إِلَيْهِ إِلَّا ثَلَاثَة أشخاص مَوْلَانَا السَّيِّد حمود ومولانا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث ومولانا السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان فأنهوا إِلَيْهِ حَالهم وَعدم الْوَفَاء من الشريف سعد فِيمَا الْتزم لَهُم من معاليمهم ومجانيهم وأننا أَيهَا الْأَمِير لَا نَدع أحدا يحجّ إِلَّا إِن أَخذنَا مَا هُوَ لنا وَكَانَ قدره مائَة ألف أشرفي فالتزم للسَّيِّد حمود أَن ينقده الشريف قبل الصعُود خمسين ألفا مِنْهَا فَقبل مَوْلَانَا السَّيِّد حمود الْتِزَامه وخلي سَبيله وَمن مَعَه فَلَمَّا دخل الْأَمِير مَكَّة يَوْم خَامِس ذِي الْحجَّة الْحَرَام خرج إِلَيْهِ الشريف سعد إِلَى المختلع فَلبس الخلعة الْمُعْتَادَة على الْعَادة ثمَّ كَلمه الْأَمِير فِيمَا الْتَزمهُ للسَّيِّد حمود وَمن مَعَه فصَدق الْتِزَامه وَأسلم خَادِم مَوْلَانَا السَّيِّد حمود الْخمسين الْألف قبل الصعُود من السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بإحالة من مَوْلَانَا الشريف حفظه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 ثمَّ لما دخل أَمِير الشَّامي فِي سَابِع ذِي الْحجَّة توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَيْهِ كَذَلِك وَلبس الخلعة الْمُعْتَادَة على الْعَادة ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّامِن توجه إِلَى عَرَفَة وَفِي الثَّانِي من أَيَّام منى لبس الخلعة الْمُعْتَادَة وَفِي الْيَوْم الثَّالِث نفر النَّاس إِلَى مَكَّة المشرفة وهم آمنون مستبشرون وَأما أهل مَكَّة وَمن حَولهمْ من الْقرى فَلم يحجّ مِنْهُم فِي هَذَا الْعَام إِلَّا الْقَلِيل وَكَذَلِكَ الْأَعْرَاب لما وَقع بهم من التَّعَب والكدر وَالْخَوْف وَالضَّرَر كل شئ بِقَضَاء وقدَر ثمَّ لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ عشْرين ذِي الْحجَّة الْحَرَام وصل مَكَّة مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وَمَعَهُ السَّيِّد عبد الْمعِين بن نَاصِر بن عبد الْمُنعم بن حسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الله بن حسن وَالسَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بَرَكَات بن أبي نمي وَالسَّيِّد مبارك وَنَافِع ابْنا السَّيِّد نَاصِر بن عبد الْمُنعم فِي نَحْو تِسْعَة أشخاص وَمن العبيد نَحْو خَمْسَة وَسِتِّينَ عبدا وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَن أَمِير الْحَاج وكبار العساكر قصدُوا الصُّلْح بَينه وَبَين مَوْلَانَا الشريف وَتردد الرُّسُل بَينهم وَبَينه يطلبونه لذَلِك وألزموه بمحاضر من جمَاعَة الأفندي الْأَعْظَم وصلوا إِلَيْهِ إِلَى وَادي مر فجَاء وَحضر عِنْد مَوْلَانَا الأفندي وَحضر الْأُمَرَاء ووجوه أَرْكَان الدولة وعماد أغا وأكابر العساكر فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف سعد بِلَال أغا وَكيلا عَنهُ فِي الْخُصُومَة وَالدَّعْوَى فاغتاظ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود من ذَلِك وَأَرَادَ الفتك بِهِ فِي ذَلِك الْمجْلس فَذهب مسرعاً فَزعًا فَأرْسل الشريف أَخَاهُ السَّيِّد مُحَمَّد يحيى وَكيلا عَنهُ وتطالبا على يَد الْحَاكِم الشَّرْعِيّ وَطَالَ الْمجْلس وَلم يَقع بَينهمَا اتِّفَاق ثمَّ ادعِي عَلَيْهِ بِمَا أَخذ من طَرِيق جدة من الْأَمْوَال فَلم يثبت عَلَيْهِ وَجه شَرْعِي فِي ذَلِك وَطلب مَوْلَانَا السَّيِّد حمود أَن يتَوَجَّه إِلَى الديار المصرية وَيرْفَع أمره إِلَى الحضرة السُّلْطَانِيَّة فأذنوا لَهُ وَاتفقَ الْحَال على ذَلِك ثمَّ إِنَّه لما توجه الْحَج الشَّامي وَسَائِر الْحجَّاج توجه مَعَهم حَتَّى وصل إِلَى بدر فَتخلف عَنْهُم وَأقَام فِيهَا مُدَّة وَلما دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَألف توجه مَوْلَانَا السَّيِّد حمود من بدر إِلَى يَنْبع فِي شهر صفر مِنْهَا وَأرْسل وَلَده السَّيِّد المرحوم أَبَا الْقَاسِم بن حمود وَأرْسل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن الْحَارِث وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد ومعهما السَّيِّد غَالب بن زامل بن عبد لله بن حسن وَجَمَاعَة من ذَوي عنقاء السَّيِّد بشير وَمُحَمّد وظافر بني وَاضح وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عنقاء وَولده وَأرْسل مَعَهُمَا قوداً هَدِيَّة إِلَى باشا مصر الْمُسَمّى عمر باشا نَحْو سِتَّة أَفْرَاس مِنْهُنَّ البغيلة والهدبا والكحيلة فَسَارُوا إِلَى أَن بلغُوا الْحَوْرَاء الْمنزلَة الْمَعْرُوفَة فلاقاهم قَاصد من إِبْرَاهِيم باشا الْمُتَوَلِي بعد صرف عمر باشا بمكاتيب متضمنة لِلْأَمْرِ بالإصلاح والاتفاق على نهج النجاح فَرجع السَّيِّد غَالب بن زامل صُحْبَة القاصد إِلَى مَكَّة لينْظر مَا يتم عَلَيْهِ الْحَال فتنقطع مَادَّة القيل والقال وَتسقط كلفة الارتحال فَأَقَامَ الْقود وَمن مَعَه بالحوراء نَحوا من خَمْسَة عشر يَوْمًا ينتظرون الْفرج بعد الشدَّة فَلم يصل إِلَيْهِم خبر بعد هَذِه الْمدَّة فَلَمَّا لم يصلهم خبر سَارُوا إِلَى مصر فَدَخَلُوهَا لَيْلَة عيد المولد وَقدمُوا مكاتيبهم والقود لإِبْرَاهِيم باشا فأكرمهم وأعظمهم وأضافهم واحترمهم فاستمر الْحَال كَذَلِك إِلَى شهر جُمَادَى الْآخِرَة وَلم يرجع ذَلِك القاصد من مَكَّة إِلَى مصر فأشيع بهَا أَن السَّادة الْأَشْرَاف قَتَلُوهُ فَحصل الْهَرج والمرج وَجَاءَت الأكاذيب فوجاً بعد فَوْج فَأَشَارَ بعض الأشقياء عَلَى الباشا بإمساك السيدين أَبَا الْقَاسِم ومحمداً فَأمر بنقلهم من محلهم الأول وَهُوَ قايتباي إِلَى بَيت يُوسُف بك وَقد كَانَ وصل السَّيِّد مُحَمَّد يحيى إِلَى مَكَّة أَوَاخِر سنة سبع وَسبعين وَتقدم أَنه هُوَ الَّذِي كَانَ وَكيلا عَن أَخِيه الشريف سعد فِي الدَّعْوَى على السَّيِّد حمود لما حضر بِمَجْلِس أَفَنْدِي الشَّرْع فِي موسم السّنة الْمَذْكُورَة فاستمر مَعَه إِلَى عقب ذهَاب الْحَج ثمَّ طلب من أَخِيه الشريف سعد أَن يَجْعَل لَهُ ربع محصول الْبِلَاد وينادى لَهُ بِهِ فَامْتنعَ الشريف من ذَلِك فَغَضب وبرز من مَكَّة مُتَوَجها إِلَى السَّيِّد حمود وَأقَام بالزاهر مُدَّة ثمَّ إِن هَذَا الْخَبَر بلغ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن زيد وَكَانَ بالشرق فجَاء مسرعاً ولحقه قبل أَن يتَوَجَّه وأرضاه بجملة من المَال فَلم يرض إِلَّا بالمشاركة بِالربعِ وبالنداء فِي الْحَال وَتوجه وَلحق بالسيد حمود وَاتفقَ مَعَه وَلما لم يحصل اتِّفَاق بَين مَوْلَانَا الشريف سعد وَبَين مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بعد وُصُول القاصد للإصلاح أرسل مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى الديار المصرية وَإِلَى مَوْلَانَا السُّلْطَان ذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 خبْرَة بِمَا جرى وَمَا كَانَ وَكَذَلِكَ أرسل مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رَحمَه الله تَعَالَى وَعرف وَأقَام كل مِنْهُمَا يُعلل ويعسى ويتشوف وبرز مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى الزَّاهِر فِي موكب عَظِيم وَأقَام ينْتَظر فرج الْمولى الْكَرِيم وَكَانَ بروزه يَوْم عشْرين من ربيع الأول من سنة ثَمَان وَسبعين وفيهَا أَعنِي سنة ثَمَان وَسبعين ظفر بِالْبَلَدِ الْمَعْرُوفَة بالقنفذة بِرَجُل يتعاطى السِّكَّة خُفْيَة وَهُوَ مِمَّن يتسمى بِالْقضَاءِ فيسمى القَاضِي عبد الْوَاحِد فَضرب ضربا مبرحاً وحلقت لحيته وأتى بِهِ مَكَّة مكتوفاً مجرحاً ثمَّ أطلق فَذهب إِلَى الْحجاز الْأَعْلَى وَكَانَ أَمر الله هُوَ الْأَعْلَى ولنرجع إِلَى ذكر السيدين الْمَذْكُورين فَنَقُول لما نقلا إِلَى بَيت يُوسُف بك الْمَذْكُور أَقَامُوا عِنْده أَيَّامًا ثمَّ أَمر الباشا إِبْرَاهِيم بتجهيز تجريدة خَمْسمِائَة عَلَيْهَا السنجق يُوسُف بك الْمَذْكُور فنقلوا بعد عزمه إِلَى بَيت أغاة الأنكشارية واحتفظ بهما احتفاظاً تعظم بِهِ البلية وَمنعُوا الْخَارِج والداخل وَلم يقرب مِنْهُمَا صديق وَلَا خل وسارت التجريدة الْمَذْكُورَة وَهِي نَحْو ألف بالخدم وَخَمْسمِائة وَأكْثر مَعَهم الْحجَّاج والتجار والخدام والأرقاء والأجراء وَلما كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشري جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة وصل الْخَبَر بتجهيز مدد من الْعَسْكَر نَحْو خَمْسمِائَة أَو يزِيدُونَ وَمَعَهُمْ مستلم جدة المعمورة وعزل عماد أغا عَن مشيخة الْحرم رفيع القُنة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وفيهَا وصل مَوْلَانَا السَّيِّد سعيد بن شنبر بن الْحسن من بيشة مُتَوَجها إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وجماعته بالينبع فوصل إِلَيْهِ وَحضر مَعَه الْحِرَابَة الْآتِي ذكرهَا وَكَانَ آخرا وَفَاته بِتِلْكَ الْبَلدة رَحمَه الله برحمته الوسعة وَغفر لَهُ مغْفرَة جَامِعَة وَفِي هَذِه الْمدَّة أَيْضا وَقع فِي طَرِيق الطَّائِف أَن جمَاعَة الحمارة المترددين بَين مَكَّة والطائف من طَرِيق كرا بأموال النَّاس وأمتعتهم نزل عَلَيْهِم جمع من عرب الشرق فَأَخَذُوهُمْ وربطوهم وساقوهم وضربوهم وانتهبوهم ثمَّ سَارُوا بهم إِلَى قرب الْمَبْعُوث ثمَّ أطلقوهم بعد يَوْمَيْنِ عرايا مسلبين مجرحين مضربين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 وفيهَا فِي السَّادِس عشر من شهر رَجَب وصل المبشر من جدة يخبر بوصول رَسُول من الباشا مَعَه خلعة ومرسوم وَفِي لَيْلَة السَّابِع عشر مِنْهُ رَجَعَ مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى دَاره السعيدة فَلَمَّا كَانَ الصَّباح توجه الْعَسْكَر بأجمعهم إِلَى ملاقة رَسُول الباشا فَدَخَلُوا بِهِ فِي موكب عَظِيم إِلَى بَيت مَوْلَانَا الشريف وَلبس الخلعة وَقُرِئَ المرسوم بِحَضْرَة عَسْكَر السُّلْطَان والسادة الْأَعْيَان وَفِيه مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ من التَّعْظِيم والتمجيد وَحصل لمولانا بِهِ غَايَة السرُور وللرعية كَمَال الْفَرح والحبور وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَجَب الْفَرد الْحَرَام وصل إِلَيْنَا خبر من نَحْو الشَّام حَارِث فِيهِ الْعُقُول والأفهام بواقعة يَنْبع وَمَا جرى فِيهَا من الْأَحْكَام بِتَقْدِير الْملك العلام أَن التجريدة الَّتِي جهزت من مصر أوقع بهم السَّيِّد حمود فِي جَيش لهام من أهل يَنْبع وجهينة وعنزة وخاص وعام فَأَخَذُوهُمْ عَن آخِرهم وقتلوهم وسلبوا أَمْوَالهم وَأسرُوهُمْ وَلم يسلم مِنْهُم إِلَّا نَحْو الْمِائَة وَكَانَ مَعَهم مَال جزيل فَذهب شذر مذر بعد أَن تفرق أَصْحَابه شغر بغر وأمسكوا كَبِيرهمْ السنجق يُوسُف بك وَكَانَ من الْقَتْلَى من السَّادة الْأَشْرَاف خَمْسَة أشخاص هم السَّيِّد شبير بن أَحْمد بن عبد الله وَالسَّيِّد سرُور بن حُسَيْن بن عبد الله وَالسَّيِّد إلْيَاس بن عبد الْمُنعم بن حسن وشخص من ذوى عنقاء يُسمى السَّيِّد زين العابدين بن نَاصِر تغمدهم الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وأسكنهم أَعلَى فراديس الْجنان // (من الطَّوِيل) // (وقَتْلى أيادي الخيلِ بَيْنَ وجوهِهِمْ ... فخيرُ المنايا مَا يكُونُ مِنَ القَتْلِ) وانتهبت الْأَعْرَاب الأجمال بالأحمال ثمَّ أَمر مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بِجمع حَرِيم السنجق وحريم غَيره فِي مخيم كَبِير وأجرى عَلَيْهِم المصروف والقوت وَقدر الله للسنجق فِي تِلْكَ الأَرْض أَن يَمُوت وَكَانَ اللِّقَاء يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر رَجَب من سنة ثَمَان وَسبعين الْمَذْكُورَة وَقد كَانَ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود أرسل إِلَى الْعَسْكَر قبل قدومهم عَلَيْهِ أَن لَيْسَ لكم طَرِيق علينا إِن لم يكن السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم وَالسَّيِّد مُحَمَّد مَعكُمْ فَأَشَارَ بعض كبار الْعَسْكَر على يُوسُف بك الْمَذْكُور بالعدول عَن هَذَا الطَّرِيق وسلوك طَرِيق خَالِيَة عَن التعويق فَأَجَابَهُ السنجق بِفساد رَأْيه وَلم يمتثل وَكَانَ أَمر الله شَيْئا قد فعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 وزوار الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذين خَرجُوا على النّصْف من رَجَب لما كَانُوا فِي الطَّرِيق وهم ذاهبون بَلغهُمْ خبر الْعَسْكَر وَمَا وَقع لَهُم فاضطربوا وأشكل عَلَيْهِم الْأَمر وترددوا بَين أَن يرجِعوا إِلَى مأمنهم أَو يتوجهوا إِلَى مقصدهم فَردُّوا الْأَمر إِلَى سيد الْقَافِلَة وكبيرها مَوْلَانَا الشَّيْخ عِيسَى بن مُحَمَّد المغربي الثعالبي وَكَانَ مُتَوَجها مَعَهم فَأَشَارَ عَلَيْهِم بالتوجه من طَرِيق القاحة وَهِي مَعْرُوفَة وَكَانَ سَابِقًا يسلكها الْأَولونَ وفيهَا عمائر وآثار بِنَاء وعيون إِلَّا أَنَّهَا هجرت الْآن فسلكوا بالأمان تِلْكَ الأنحاء وتلقاهم شيخ الْعَرَب وسلطانها الْقَائِم بِخِدْمَة الْحَرَمَيْنِ مُنْذُ أزمان الشهَاب أَحْمد بن رَحْمَة بن مُضيان وَتوجه بهم إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فسلكوها آمِنين وَخَرجُوا على النازية قَرِيبا من الروحاء ثمَّ إِنَّه خرج بهم وأوصلهم إِلَى حَيْثُ لاقاهم وَرَجَعُوا سَالِمين أَوْلَادهم وأخراهم غير أَن بعض الزوار لما وصلوا قرب الْمَدِينَة قَرِيبا من الْمحل الْمُسَمّى مفرح تقدمُوا عَن الْقَافِلَة وَقد جرت الْعَادة بذلك فَرحا وشوقاً إِلَى مَا هُنَالك فَنزل عَلَيْهِم السراق فَأخذُوا مَا مَعَهم فِي تِلْكَ الفجاج وَحصل لَهُم جراحات وشجاج وَأهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة لما بَلغهُمْ مَا وَقع للعسكر وَقع عِنْدهم الِاضْطِرَاب الشَّديد والتعب الَّذِي مَا عَلَيْهِ من مزِيد وانقطعت عَنْهُم سبل الْوَارِد وغلا السّعر فِي المقتات بل لم يجده وَاجِد وَأما أهل مصر فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم الْخَبَر التهبت نيران الْغَضَب فِي أحشائهم فَظهر مِنْهَا بِوُجُوهِهِمْ الشرر فَقتلُوا من ظفروا بِهِ من أَتبَاع السَّيِّد أبي الْقَاسِم وَالسَّيِّد مُحَمَّد وتتبعوهم فِي الْأَمَاكِن اللواتي استخفوا فِيهَا وَنَادَوْا فِي الْبِلَاد بالوعيد الشَّديد لمن ستر خبية أحد مِنْهُم تخذيرا وتنبيهاً وَأمر بالسيدين الْمَذْكُورين إِلَى حبس الدَّم الْمُسَمّى فِي عرفهم عرق خانة وَالْأَمر لله سُبْحَانَهُ بعد أَن طلب الباشا من الْعلمَاء الْفَتْوَى بِجَوَاز قَتلهمْ فَلم يفتوه فَأمر باعتقالهما لما كَانَ والداهما وَبَنُو عَمهمَا اقترفوه وأورثه ذَلِك غيظاً وقهراً أنسياه كَرِيمَة {وَلا تزُر وازِرَةٌ وزرَ أُخْرَى} الاسراء 15 فاستمر إِلَى أَن عزل شَيْطَان إِبْرَاهِيم باشا عَام ثَمَانِينَ وَدخل مصر حُسَيْن باشا الْمَعْرُوف بِابْن جَان بلاط مُتَوَلِّيًا لَهَا فَمَا غفل عَن شَأْنهمَا وَلَا لَهَا بل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 سَأَلَ عَن سَبَب حبسهما والداعي إِلَيْهِ وكشف الله عَن بصر بصيرته بِمَا أَفَاضَ من نور الْحق عَلَيْهِ فَأخْبر بِمَا وَقع بالعسكر من أبويهما فَقَالَ هَل كَانَ الْوَاقِع قبل وصولهما أَو بعده فَقيل لَهُ بعده بِمدَّة فَقَالَ لَا ينْسب شئ من ذَلِك إِلَيْهِمَا وَلَا يعد ذَنْب أُولَئِكَ عَلَيْهِمَا وَأمر بإخراجهما واستدناهما وأكرمهما وَأقَام لَهما الْمُقَرّر كل يَوْم وَشهر وخيرهما بَين الْإِقَامَة وَالْعود إِلَى الدَّار وَالْمقر وأنزلهما فِي بَيت نقيب الْأَشْرَاف ووالى عَلَيْهِمَا الإنعام والألطاف فَلَمَّا كَانَ شهر رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ استدعاهما ذَات لَيْلَة النَّقِيب إِلَى الْإِفْطَار عِنْده وَأعد من فاخر الْأَطْعِمَة عدَّة فَذهب السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم إِلَيْهِ مَعَ جملَة من الأحباب وَأما السَّيِّد مُحَمَّد فَلم يذهب إِلَيْهِ وَكَأَنَّهُ توهم واستراب ثمَّ لما كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة دعاهما أَيْضا واستنكر عدم وُصُول السَّيِّد مُحَمَّد إِلَيْهِ فِي اللَّيْلَة الأولى وكلف من الْأَطْعِمَة مَا أظهر بِهِ الْيَد الطُّولى وردد الرسائل إِلَيْهِ تترى مرّة بعد أُخْرَى فقوي الريب عِنْد السَّيِّد مُحَمَّد وَتمكن وَتحقّق ظنا أَن عمل الْبَاطِن مبطن فَامْتنعَ وَاعْتذر بِبَعْض الْأَعْذَار وَذهب إِلَيْهِ السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم وَكفى فِي التَّحَرُّز سور الأقدار ثمَّ خرج السَّيِّد مُحَمَّد على ركائب أعدت لَهُ فِي جمَاعَة وَهُوَ شَدِيد الْعَزْم والمُنة حَتَّى وصل إِلَى مَكَّة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَأما السَّيِّد المرحوم أَبُو الْقَاسِم ابْن السَّيِّد حمود فاستمر إِلَى أَن أَتَاهُ قَضَاهُ الله بالأجل المحتوم ففاز بِالشَّهَادَةِ من وَجْهَيْن الغربة والطاعون المشئوم فِي شهر شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله برحمته وآواه سرح جنته وَفِي هَذَا الْعَام وَقع من عَسْكَر الْمَدِينَة وعامتهم الْقيام على أَفَنْدِي الشَّرْع لحَال اقْتضى الْقيام على مَا زعموه فرجموه أَو كَادُوا أَن يرجموه ثمَّ تعدوا فزادوا فِي العتو والطغيان وانتهكوا حُرْمَة سيد ولد عدنان حَتَّى أَن بَعضهم سحب السِّلَاح فِي الْحرم وَلم يرقب حُرْمَة سيد الْأُمَم وَكَذَلِكَ هجموا على بَيت نَائِبه الشريف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وَلم يراعوا من هُوَ منتسب إِلَيْهِ وَحصل أَيْضا لأهل الطَّائِف فِي هَذَا الْعَام تَعب وجوع وَخَوف حَتَّى خشِي كل مِنْهُم تلافه وَاجْتمعت عَلَيْهِم الْكَلِمَات الثَّلَاث برد وجوع ومخافة ووصلت كيلة الْحبّ إِلَى خمسين محلقاً وَغَيرهَا قريب مِنْهَا وَفِي شهر رَجَب الْمَذْكُور من سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَقع بطرِيق الطَّائِف بالقرية الْمَعْرُوفَة بالسيل أَن كَانَت أحمال متوجهة إِلَى الطَّائِف مُشْتَمِلَة على أرز وَسمن وتمر وبن وقماش وَغير ذَلِك تدخل فِي عشْرين بَعِيرًا نزل عَلَيْهِم بعض الْأَعْرَاب من عتيبة أهل الْبَادِيَة فَلم يبقوا مِنْهُم بَاقِيَة وَحصل بَينهم وَبَين أهل السَّيْل قتال فَقتل من أهل الْقرْيَة وَاحِد وَحصل فِي باقيهم جراحات وأخرب الْقَوْم الْبِلَاد اللَّهُمَّ عَلَيْك بِكُل بَاغ ذِي عناد وَكَذَلِكَ اجْتمع طَائِفَة من هَذِه الفئة الباغية والعصبة الطاغية وداروا فِي أَطْرَاف مَكَّة ونواحيهْا يتخطفون النَّاس ويؤذون الْمُسلمين فويل لَهُم من مَالك يَوْم الدّين وَكَذَلِكَ أهل مَكَّة كَانُوا فِي شدَّة وَغَلَاء وَجهد وبلاء طحنوا الفول والحمص وجعلوه خبْزًا فَلم يجز إِلَّا بعض الْإِجْزَاء وَبلغ ثمن الإردب الْقَمْح أَرْبَعِينَ دِينَارا إِلَى خمسين بل عدم بِالْكُلِّيَّةِ وَوزن الْخبز الَّذِي يُبَاع فِي السُّوق بمحلق جَاءَ وَزنه أُوقِيَّة وكل شئ خرج فِي ثمنه عَن معتاده وَلَكِن لطف الله سَار فِي عباده وَمن ظن انفكاك لطفه عَن قدره فَإِنَّمَا ذَاك لقُصُور نظره وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس رَمَضَان مِنْهَا اجْتمع الرّعية وتوجهوا إِلَى مَوْلَانَا الشريف وَرفعُوا أَصْوَاتهم بَين يَدَيْهِ يَشكونَ النَّاظر والمحتسب عَلَيْهِ فَأمر بإحضارهما وَحكم بعزلهما وحبسهما لتواتر الْخَبَر عِنْده بظلمهما وبأكلهما الرشا وَسُبْحَان الله يفعل مَا يشا وَفِي هَذِه الْمدَّة وصلت قافلة من مَدِينَة الرَّسُول مَعَهم مَال جزيل فَلَمَّا كَانُوا بالقرية الْمُسَمَّاة مستورة أقبل عَلَيْهِم أَقوام فَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَهم قيل إِنَّه يدْخل فِي خمسين ألف وَالله أعلم وَفِي ثامن عشر رَمَضَان الْمَذْكُور وصل إِلَى وَادي مر وَإِلَى جَدة ونواحيهما جملَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 من قَبيلَة عتيبة عرب الشرق أهل الْفساد والطغيان فِي مائَة مردوفة وَقيل مِائَتَيْنِ فَأخذُوا مَا وجدوا وَانْصَرفُوا قابلهم الله بِمَا اقترفوا فَلَمَّا بلغ مَوْلَانَا الشريف سعد خبرهم أرسل فِي طَلَبهمْ جمعا من الْأَشْرَاف والعسكر عَلَيْهِم اْخوه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فَأخذ فِي أَثَرهم عدَّة لَيَال وَبلغ من الظفر بهم أعظم منال فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من رَمَضَان وصل مَكَّة مُبشر من عِنْده بِأَنَّهُ ظفر بهم وَأَخذهم وقتلهم وَحصل مِنْهُم مَال كَبِير خذلهم الله تَعَالَى وأذل مِنْهُم الْكَبِير وَالصَّغِير وَفِي اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة أَيْضا جَاءَ مُبشر من جِهَة مصر بتوجه الْعَسْكَر والمراكب بِالطَّعَامِ لأهل بلد الله الْحَرَام وفيهَا أَيْضا ظهر عَمُود من نور نَحْو الغرب مهيل طَوِيل وغلظه كَطُولِهِ غلظ أعظم النخيل وَحصل بِهِ خوف ورعب للْمُسلمين وَهُوَ من الْآيَات للمعتبرين وَظهر فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة لكنه فِي الطول أَكثر بِحَيْثُ إِنَّه امْتَدَّ إِلَى ثلث السَّمَاء ثمَّ إِنَّه صَار يضعف نوره ويتقهقر إِلَى لَيْلَة الثَّامِن من شَوَّال لم يظْهر لَهُ نور بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا أثر وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمَنَافِع والمضار نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ اللطف فِيمَا جرت بِهِ الأقدار وَفِي آخر الشَّهْر وصلت جلاب من الْيمن وسواكن ففرقت على أهل السُّوق وَفَرح بذلك النَّاس وتباشرت بنزول السّعر وَفِي الِاثْنَيْنِ كَانَت السَّمَاء معلولة وَلم يظْهر الْهلَال فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعشَاء ثبتَتْ الرُّؤْيَة عِنْد حَاكم الشَّرْع بِشَهَادَة جمع من عدُول الْمُسلمين وَثَبت الْفطر وتواتر الْخَبَر بعد ذَلِك بِهِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَفِي لَيْلَة ثَالِث شَوَّال تباشرت النَّاس بوصول المراكب وتواجدت الْحُبُوب فِي الْأَسْوَاق وَكم لله على النَّاس من نعم على الْإِطْلَاق ثمَّ عقب ذَلِك أَن اشْتَدَّ الْأَمر على الْمُسلمين وَرجع إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إِن غَالب الْفُقَرَاء والضعفاء يكون الْوَاحِد مِنْهُم مَاشِيا فيطيح فَيَمُوت وَمِنْهُم من يكون جَالِسا فتهفت روحه وَقد شوهد ذَلِك وَصَارَ الْفُقَرَاء يَجْتَمعُونَ فِي المذبح ويتلقون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 الدِّمَاء ليأكلوها وَذكر أَن بجدة كَانُوا يدورون على الطَّعَام فِي السُّوق فَلَا يجدونه وَأَرْسلُوا إِلَى مَكَّة يطلبونه مَعَ أَن جدة مَمْلُوءَة من الطَّعَام لكنه فِي أَيدي التُّجَّار بل الْفجار كَمَا قَالَه سيد الْأَبْرَار للمحتكرين اللَّهُمَّ عَلَيْك بهم وبجميع المفسدين وَأما أهل مَكَّة المشرفة فقد اجْتمع عِنْدهم فِي هَذَا الْعَام من الْأُمَم مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ لِأَن الجدب والقحط عَام فِي أَرض الْحجاز ونواحيها وكل من اشْتَدَّ بِهِ الْحَال صَار يَأْتِيهَا هَارِبا من بَلَده إِلَى بَيت الله الْعَتِيق يأتونه من كل فج عميق وحلت الْميتَة والبسس وَالْكلاب بعد أَن بيع مَا يملك من أثاث الْبَيْت وَالثيَاب وَصَارَ الْفُقَرَاء يهجمون على الْبيُوت فتعب مِنْهُم النَّاس وصاروا يغلقون الْأَبْوَاب وَفِي هَذَا الشَّهْر اتّفق أَن جَارِيَة لبَعض الْأَعْرَاب يعْرفُونَ بالمشارية دخلت يَوْمًا بَيْتا فَلم تَجِد فِيهِ إِلَّا امْرَأَة عجوزاً وَهِي من جمَاعَة عَسْكَر مصر فخنفتها فقتلتها وَرَآهَا بعض الْجِيرَان فَدَخَلُوا عَلَيْهَا وأمسكوها ودعوا ابْن بنتهَا فجَاء مَعَ جمَاعَة الْعَسْكَر فَأَخَذُوهَا وطلعوا بهَا إِلَى مَوْلَانَا الشريف فَلم يُثبتوا وحبسوها عِنْدهم يَوْمَيْنِ وَفِي الْيَوْم الثَّالِث عصبوا على قَتلهَا فَقَتَلُوهَا يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشري شَوَّال عِنْد الششمة الْمَعْرُوفَة بالبزابيز قلت وَيُقَال إِنَّهَا كَانَت صَاحِبَة لِابْنِ بنتهَا وَكَانَت المقتولة تنهاه عَنْهَا وتحذره مِنْهَا فظنت أَنَّهَا بقتلها يَخْلُو لَهَا وَجه صَاحبهَا فَكَانَ هُوَ الْقَاتِل لَهَا وَالله أعلم أيا كَانَ ذَلِك وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري شَوَّال الْمَذْكُور وصل خبر من جدة بوصول جمَاعَة من الْعَسْكَر الرُّتْبَة بحراً وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء دخلُوا مَكَّة المشرفة وأخبروا بِخُرُوج الْعَسْكَر من مصر وهم يدْخلُونَ فِي ثَلَاثَة آلَاف وبتجهيز المراكب لأهل الْحَرَمَيْنِ وللعسكر وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة غرَّة ذِي الْقعدَة كَانَ حريق بِأَعْلَى مَكَّة بالمعابدة وَفِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة كَانَ أَيْضا حريق بشعب عَامر بِالْقربِ من ضريح وَالِد سَيِّدي أَحْمد البدوي نفعنا الله بِهِ وَفِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة انقض نجم كَبِير مهيل نَحْو الشرق وَفِي لَيْلَة الْخَامِس مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 احْتَرَقَ سوق المعلاة جَمِيعه وَفِي الْيَوْم السَّابِع وصل مُبشر بوصول مركب هندي بِالْقربِ من جدة المعمورة وَوصل مِنْهُ جمَاعَة وَفَرح الْمُسلمُونَ ثمَّ بعده بِنَحْوِ يَوْمَيْنِ دخل مركب من بنقالة وَفِيه خير كثير وَفِي الأول هَدِيَّة سنية لمولانا الشريف ألهمه الله الْعدْل فِي الرّعية وَهَذِه من أعظم السعودات وأيمن الاتفاقات وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي ذِي الْقعدَة الْحَرَام برز عَسْكَر الشريف لما بلغه تحرّك السَّيِّد حمود لنهب يَنْبع فَجهز من مَكَّة نَحْو الْمِائَتَيْنِ عَلَيْهِم بِلَال أغا ليقيموا بينبع الْبَحْر أرسلهم رُتْبَة فاتجهت هَذِه الرُّتْبَة بعسكر التجريدة بواسط لَيْلًا وردهَا مَعَه مقدم التجريدة مُحَمَّد جاوش إِلَى بدر ثمَّ أقبل بِمن مَعَه إِلَى مَكَّة وَأَقْبل مَعَه بِلَال أغا وَذَهَبت الرُّتْبَة إِلَى يَنْبع الْبَحْر فأقامت بِهِ إِلَى وُصُول مَوْلَانَا الشريف سعد مَعَ الْحَاج الْمصْرِيّ وعسكر التجريدة وَفِي هَذِه الْمدَّة اشْتَدَّ الْحَال على أهل مَكَّة حَتَّى أَن غالبهم بَاعَ حوائج بَيته وثيابه وَلم يبْق لَهُ شئ وَصَارَ يسْأَل النَّاس وَمِنْهُم من بَاعَ أَوْلَاده وَمِنْهُم من رمى بهم وَاتفقَ لبَعض أَصْحَابنَا رَحمَه الله تَعَالَى أَنه اشْترى بِنْتا من أَبِيهَا بحرفين وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أصبح عماد أغا من جدة بعد أَن كَانَ توجه بحراً إِلَى مصر وَوصل الطّور وَرجع لأمر من الْأُمُور وَالله أعلم بِمَا تكن الصُّدُور وَفِي سَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخلت عشرَة مراكب جدة بالسلامة وَهَذِه أعظم كَرَامَة وفيهَا الْعَسْكَر وَالْحجاج وَالطَّعَام وجرايات أهل مَكَّة وَخير كثير وَذَلِكَ من لطف الله على الْأَنَام وَفِي أول ذِي الْحجَّة الْحَرَام دخل حجاج الْبَحْر مَكَّة المشرفة وَمَعَهُمْ الْعَسْكَر من جدة المعمورة وَحصل بدخولهم فرج كَبِير للْمُسلمين وَدخل فِي الْيَوْم الرَّابِع مِنْهُ الْحَاج الْمصْرِيّ وصحبته خلعة من مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وخلعة أُخْرَى من الباشا كِلَاهُمَا لمولانا الشريف سعد أَطَالَ الله بَقَاءَهُ وَفِي الْيَوْم الْخَامِس دخل الْمحمل الْمصْرِيّ وَكَانَ الْحجَّاج فِي هَذَا الْعَام قليلين فَخرج جمع يسير وَخرج قبلهم الْعَسْكَر المعينون للتجريدة فتلاقوا قبل يَنْبع بيومين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 أَو ثَلَاثَة ودخلوا سَوَاء وَأَقَامُوا فِيهَا أَيَّامًا نَحْو خَمْسَة أَو سِتَّة وهم يكاتبون السَّيِّد حمود ويعرفونه وَهُوَ يُرْسل الْجَواب وَالْكَلَام الشَّديد فحملوا عَلَيْهِ وَأَقْبلُوا فوجدوا الْخيام قفراً والمزار بعيد ثمَّ إِنَّهُم عقدوا بَينهم شُورَى فاتفق الرَّأْي أَن بَعضهم يُقيم لحفظ الْبَلَد وَالْبَعْض الآخر يحجّ وهم الْأَكْثَرُونَ ثمَّ إِنَّه توجه الْعَسْكَر وَمَعَهُمْ سنجقان وَالثَّالِث مُحَمَّد جاوش وَهُوَ رَئِيس الْعَسْكَر وَكَبِيرهمْ وَشَيخ الْحرم وسنجق جدة المعمورة فَدَخَلُوا مَكَّة فِي موكب عَظِيم يَوْم سبع من ذِي الْحجَّة وَفِي الْعَسْكَر اثْنَا عشر كاشفاً تَحت كل كاشف جمَاعَة وَمَعَهُ نقارة مَضْرُوبَة على رَأسه كَمَا هُوَ عَادَة أهل مصر وَفِي الْيَوْم الثَّامِن دخل الْحَاج الشَّامي واليماني وَالْمَدَنِي وَفِيه طلعوا إِلَى عَرَفَات وَأما أهل الْعرَاق وَأهل نجد وَأهل الْحجاز وَسَائِر الْعَرَب لم يحجوا لما حصل لَهُم من التَّعَب والجوع وَالْخَوْف الْمَذْهَب للهجوع وَفِي هَذَا الْعَام جَاءَ الْحجَّاج بِدَرَاهِم محلقة فَاسِدَة مطيرة كاسدة وأخربوا بهَا مُعَاملَة الْبِلَاد بِحَيْثُ إِن كل ثَلَاثَة مِنْهَا بدرهم من الْجِيَاد من حَيْثُ الْقدر وَالْقيمَة فَصَارَ كل يردهَا فغلت الأسعار وَأمْسك كل على مَا عِنْده من الطَّعَام وَهَلَكت الرّعية وَوَقعت الْفِتْنَة بَين الْمُسلمين بِسَبَبِهَا وَبلغ ثمن الشريفي الْأَحْمَر إِلَى ثَلَاثَة وَنصف وَإِلَى أَرْبَعَة إِلَّا ربع والقرش بِخَمْسَة وَسبعين قلت هَذَا فِي تِلْكَ السّنة وَأما الْيَوْم فَهُوَ بسبعة حُرُوف وَنصف انْتهى وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر ذِي الْحجَّة طلع مُحَمَّد جاوش إِلَى المعلاة فِي موكب عَظِيم وَلبس خلعة جَاءَتْهُ من حَضْرَة الباشا وَفِي حَال توجهه قتل سِتَّة أشخاص من أَتبَاع السَّيِّد حمود وأتى بهم من يَنْبع مفرقين اثْنَان بالمسعى وَاثْنَانِ بالمدعي وَاثْنَانِ عِنْد بَاب المعلاة وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام توجه الْحَاج الْمصْرِيّ والعسكر ومولانا الشريف سعد أعزه الله إِلَى يَنْبع نَحْو السَّيِّد حمود وَأقَام أَخَاهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مقَامه على مَكَّة المشرفة وَكَانَ يَوْم بروزهم شَدِيد الْحَرَارَة وتحركت فِيهِ السمُوم بالشوب وَهلك بِسَبَبِهِ جمع كَبِير من الْحجَّاج وَالدَّوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 وَذَلِكَ بِلَا شكّ زِيَادَة فِي الْأجر وَالثَّوَاب وَكَانَت الوقفة فِي هَذَا الْعَام بالإثنين من غير شكّ وَلَا خلاف بَين اثْنَيْنِ ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين فِي يَوْم الثُّلَاثَاء غرَّة محرم الْحَرَام مِنْهَا خرج الْمحمل الشَّامي ثمَّ إِن الْعَسْكَر ومولانا الشريف لما توجهوا إِلَى يَنْبع ضربوا شُورَى فِي أَنهم يُقِيمُونَ هُنَاكَ أَو يتوجهون خلف السَّيِّد حمود أَو يرجعُونَ إِلَى مصر فاتفق الرَّأْي أَنهم يذهبون إِلَى مصر وَأقَام مَوْلَانَا الشريف وَمن مَعَه من الْجَيْش وَمُحَمّد جاوش وَأمْسك مَوْلَانَا الشريف جمَاعَة من المفسدين الَّذين كَانُوا فِي الْحِرَابَة قتلوا فِي عَسْكَر السنجق يُوسُف وَالْحجاج وَأخذُوا أَمْوَالهم وَغَيرهم من العربان وحبسهم فِي السجْن وكبلهم بالقيود والأغلال وغرمهم مَا نهبوه من تِلْكَ الْأَمْوَال وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس صفر من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة تسع وَسبعين برز مَوْلَانَا الشريف أَحْمد أَسبَابه وَعَسْكَره إِلَى جِهَة الْمَبْعُوث لإِصْلَاح تِلْكَ الْجِهَات والطرقات أصلح الله شئونه فِي السكنات والحركات وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي ربيع الآخر وَقع حريق وَقت الْعَصْر كَبِير فِي شعب أجياد وَرَاء جبل أبي قبيس وَسلم الله الْمُسلمين وَفِي رَابِع عشر من جُمَادَى الأولى ورد علينا خبر من الشَّام بوصول خلعة من الباشا لمولانا الشريف سعد أسعده الله تَعَالَى وأسبغ عَلَيْهِ نعمه ووالى وَأَنه لبسهَا يَوْم أَربع مِنْهُ وَمَعَهَا مَكْتُوب بتفويض أَمر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونواحيهما إِلَيْهِ من غير شريك ثمَّ إِنَّه أَمر بقتل أَرْبَعَة من المفسدين وبهدم السُّور الَّذِي يتحصنون فِيهِ فهدموه حجرا حجرا بِأَيْدِيهِم وَكَذَلِكَ أَمر بِإِقَامَة الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة بناديهم وَفِي هَذَا الشَّهْر تَوَاتر الْخَبَر من جِهَة أَرض الْيمن باشتداد الجدب والقحط فِيهَا كالقنفذة وصبيا والتهائم ونواحيها وفى بعض الْأَيَّام بالقنفذة وجدوا فِي دَار امْرَأَة حجامة رجلَيْنِ مقتولين أَحدهمَا مَأْكُول وَالْآخر شرعت فِي أكله وأعضاء أَطْفَال مِنْهَا طرى وَمِنْهَا يَابِس فَأَمْسَكت وغرقت فِي الْبَحْر وَقيل وضعت على الجزيرة الَّتِي أَمَام القنفذة وسط الْبَحْر ففقدت صَبِيحَة لَيْلَة الْوَضع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 وَأما أهل الطَّائِف فَلَحقُوا شدَّة عَظِيمَة بلغت الكيلة الحماط ثَلَاثِينَ محلق غير مَوْجُودَة فَمَا بالك بغَيْرهَا وَمَا صَار أحد يخبز عيشه فى الْقرن لأَنهم يخطفونه من شدَّة الْجُوع ويهربون بل يخبزونه فِي الْبيُوت ويستترون هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَهُ قدرَة نسْأَل الله أَن يمن علينا بنظرة أما الْفَقِير فَمَا أكله غير الْجُلُود وَالْعِظَام والدماء الْميتَة وَلم يَجْسُر أحد يمشي وَحده إِن أحوجه الْأَمر إِلَى الْخُرُوج تسلح وَقَرَأَ حزبه وورده وَكَذَلِكَ أهل الْحجاز الْأَعْلَى هربوا من بِلَادهمْ وتركوها وغالب أهل الْقرى والبادية جَاءُوا إِلَى مَكَّة هاربين وَإِلَى رب الْبَيْت ملتجئين وخاضعين وهم يصيحون الْجُوع الْجُوع ويتضرعون وَفِي الطرقات يتصرعون وَفِي يَوْم عشْرين من هَذَا الشَّهْر أَمر نَائِب الشريف مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد بشير ابْن سُلَيْمَان على مَكَّة لِأَنَّهُ أنابه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد عِنْد خُرُوجه إِلَى جِهَة الْمَبْعُوث أَمر بشنق رجل من الْأَعْرَاب فشنق عِنْد الششمة الْمَعْرُوفَة بالبزابيز وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَنه هُوَ وَرجل آخر قتلا رجلا من أَبنَاء الطّواف فِي طَرِيق جدة ومثلا بِهِ وأخذا مَا مَعَه فَأمْسك أَحدهمَا وهرب الآخر وَفِي أول هَذَا الشَّهْر أخبر الثِّقَة عَن جمَاعَة ثِقَات أَنهم وجدوا فِي يَوْم من الْأَيَّام حَيَوَانا يشبه الضبع بِأَعْلَى مَكَّة نَحْو المنحنى فَقدم على حمَار فَرَآهُ بعض النَّاس فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ وذهبوا خَلفه فَدخل بعض الْبيُوت وَوجد امْرَأَة فجرحها فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وقتلوه وَلم يعرفوا مَا هُوَ فَسَموهُ الغول وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشري الشَّهْر الْمَذْكُور كسفت الشَّمْس بعد اصفرار من غير سَواد نَحْو ساعتين وَلما كَانَ أول جُمَادَى الْأُخْرَى اشْتَدَّ الْبلَاء بِالْمُسْلِمين والفقراء وَالْمَسَاكِين فَعِنْدَ ذَلِك قذف الله تَعَالَى فِي قُلُوب بعض عباده الرَّحْمَة والشفقة فَاجْتمعُوا على أَمر هُوَ أَنهم يجْعَلُونَ شَيْئا من حطام على أهل الْقُدْرَة والطاقة ليَكُون لَهُم ذخيرة عِنْد الله يَوْم الْحَسْرَة والفاقة وهم ثَلَاثَة مِنْهُم الِاثْنَان العالمان العاملان مَوْلَانَا الشَّيْخ عِيسَى ابْن مُحَمَّد المغربي الثعالبي الْجَعْفَرِي ومولانا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَالثَّالِث قطب الْوُجُود وَالزَّمَان ذُو السِّرّ والبرهان الْوَلِيّ الصَّالح صَاحب القَوْل الرَّاجِح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 مَوْلَانَا السَّيِّد عبد الرَّحْمَن المغربي الشهير بالمحجوب ثمَّ إِنَّه انتدب لخدمة الْفُقَرَاء وَالْقِيَام بمصالحهم بعض الإخوان من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح ونادى مناديهم بِلِسَان الْحَال يَا عباد الله حَيّ على الْفَلاح فابتدروا وتقدموا إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الْقَائِم مقَام وَهُوَ السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان فأجابهم بالتحية وَالْإِكْرَام وَأَعْطَاهُمْ مَا قدر عَلَيْهِ طَمَعا فِي دَار السَّلَام ثمَّ توجهوا إِلَى كبراء الْبِلَاد فَأعْطِي كل بِقدر مَا قسمه الله وَأَرَادَ وَكتب مَوْلَانَا الشَّيْخ إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد وَكتب أَيْضا إِلَى أَخِيه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فأجابا وأمرا خدامهما وأتباعهما بشئ من الْبر مِقْدَاره عَظِيم ليَكُون لَهما ذخيرة عِنْد رب الْعَالمين إِذْ هُوَ صلَة للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَلَمَّا اجْتمع من الدَّرَاهِم وَالطَّعَام مَا فِيهِ الْبركَة رَأَوْا أَن يَجْعَلُوهُ دشيشة مَعَ دشيشة السُّلْطَان مرَّتَيْنِ أول النَّهَار واَخره على الدَّوَام وَالْقدر الَّذِي يطْبخ فِي الْوَقْتَيْنِ أَرْبَعَة أرادب وشئ وَكَانَ فتحهَا فِي خَامِس جُمَادَى الْأُخْرَى من سنة التسع وَالسبْعين فَحصل بهَا نفع كَبِير للْمُسلمين وَالْفَقِير فجزى الله المتصدقين والعاملين عَلَيْهَا والقائمين بهَا أفضل الْجَزَاء ورضى عَنْهُم أحسن الرِّضَا وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة ورد خبر وَفَاة المرحوم مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن السَّيِّد عَليّ بن باز بن حسن من الْيمن رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَفِي لَيْلَة سَابِع عشر رَمَضَان حصلت رَحْمَة من السَّمَاء علينا وعَلى أَطْرَاف مَكَّة فَحصل بهَا فرج كَبِير وسرور للْمُسلمين كثير وَفِي ثَالِث شَوَّال وجدت بنت مراهق مقتولة فِي بعض الْأَزِقَّة قَرِيبا من سوق العطارين وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن عَلَيْهَا بعض حلي فَقَتلهَا قاتلها لذَلِك وَفِي الْيَوْم الرَّابِع انْتَقَلت امْرَأَة ودفنت ثمَّ أصبح أَوْلَادهَا يزورونها وَكَانَ يَوْم جُمُعَة فوجدوا قبرها منبوشاً وَإِذا كفنها قد سرق فخافوا وتشوشوا تشوشاً شَدِيدا فتركوها وَجَاءُوا يسْأَلُون عَن الحكم الشَّرْعِيّ هَل تكفن ثَانِيًا أم لَا فأجيبوا بِمَا ذكره الْعلمَاء الْأَعْلَام أَن الْمَيِّت إِذا سرق كَفنه يُكفن ثَانِيًا مَا لم يتفسخ ويتفرق اللَّحْم عَن الْعِظَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 وَوَقع من بعض السوقة المفسدين أَنه تكلم مَعَ الدولة فِي مظْلمَة يحدثها على الْمُسلمين وَجعل على نَفسه شَيْئا من الدَّرَاهِم ليأخذها من إخوانه الْمُؤمنِينَ ويتقرب بهَا إِلَى الْجَحِيم ويتباعد عَن جنَّة النَّعيم فَبلغ ذَلِك حَاكم الشريف الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر كَانَ الله لَهُ فِي عونه فَضَربهُ حَتَّى بلغ بِهِ الْهَلَاك ثمَّ حَبسه فشفع فِيهِ فَأخْرج مَحْمُولا إِلَى بَيته وشاع أمره وَظهر وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام وَفِي الرَّابِع أَخذه الْقَضَاء وَالْقدر وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشري ذِي الْقعدَة بعد طُلُوع الشَّمْس بساعتين وَقع أَمر مهيل هُوَ أَنه ظهر من عين الشَّمْس أَو بِالْقربِ مِنْهَا ضوء هائل كالنجم ثمَّ إِنَّه استطال وامتد إِلَى جِهَة الْمغرب وَحصل لمن رَآهُ حَال بدئه غشاوة على بَصَره وارتعدت فرائصه وانزعجت مِنْهُ الْقُلُوب وَهُوَ مُشْتَمل على زرقة وصفرة وَحُمرَة ثمَّ إِنَّه ذهب طرفاه وبقى الْوسط واتسع فِي الْعرض فَخرج مِنْهُ صَوت كالرعد وَلم يكن فِي السَّمَاء غيم وَلَا سَحَاب وَظن بعض النَّاس أَنه صَوت مدفع وَاسْتمرّ سَاعَة وَفِيه عِبْرَة لأولى الْأَلْبَاب ثمَّ اضمحل الْبَاقِي من ذَلِك الشعاع إِلَى سَحَاب ثمَّ إِن النَّاس كثر كَلَامهم فِي ذَلِك وَقَالُوا لَا بُد لهَذَا من شَأْن عَظِيم حَيْثُ إِنَّهُم لم يرَوا مثل ذَلِك وَلم يسمعوا بِمثلِهِ فِي الزَّمن الْقَدِيم وَحكى بعض النَّاس أَنه ذكر هَذِه الْحَادِثَة فِي جمع وتحدث بهَا وَإِنَّهُم قَالُوا لم يُشَاهد مثلهَا فِي ماضي الزَّمَان وَكَانَ فيهم رجل أكبر مِنْهُم سنا فَقَالَ أَنا شاهدت مثل ذَلِك وَأعظم مِنْهُ كنت فِي الْخيف فَوق الصَّفْرَاء مُتَوَجها إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَمَعِي جمَاعَة فسرنا بعد شدّ الْأَحْمَال إِلَى الروحاء فَلَمَّا كُنَّا بملاوي الْخيف وَكَانَ الْوَقْت بعد الْمغرب فَإِذا السَّمَاء انفرجت وَخرج مِنْهَا ضوء سَاطِع مَلأ الْوَادي وتساقط مِنْهُ شهب حَتَّى أيقنا بِالْهَلَاكِ فِي تِلْكَ الْبَوَادِي واستغثنا بالرسول وتشهدنا وتشفعنا بِمن نَحوه قصدنا ثمَّ ذهب واضمحل وبقى شئ من الضَّوْء فِي ذَلِك الْمحل فَخرج مِنْهُ صَوت مهيل كالرعد فظننا أَن الْجبَال تساقطت فاستغثنا وتشهدنا كَذَلِك ثمَّ ذهب واضمحل فسرنا سويعة فَإِذا هُوَ قد وَقع مرّة ثَانِيَة وَكُنَّا كلما وصلنا قَرْيَة نسْأَل أَهلهَا عَمَّا رَأينَا فَيَقُولُونَ رَأينَا مَا رَأَيْتُمْ وشاهدناه وَكَانَ عَاما فِي سَائِر الأقطار فسبحان الله الْفَاعِل الْمُخْتَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 ثمَّ سألناه عَن مُدَّة هَذِه الْوَاقِعَة فَقَالَ لَهَا الْآن سِتّ وَعِشْرُونَ سنة بِهَذِهِ السّنة فَقُلْنَا لَهُ كَيفَ كَانَ عَاقبَتهَا فَقَالَ لم نر إِلَّا الْخَيْر والسلامة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة انْتهى وَفِي هَذَا الْيَوْم بِعَيْنِه وَهُوَ الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من سنة تسع وَسبعين وَألف بني الشَّيْخ الْعَلامَة الْعَامِل الْعَارِف الْكَامِل مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان المغربي فِي صحن الْمَسْجِد الْحَرَام بعض أَحْجَار ليضع فَوْقهَا حجرا كَبِيرا مَكْتُوب فِيهِ شاخصان من حَدِيد يُسْتَفَاد مِنْهُ بالظل مَا مضى وَمَا بقى من النَّهَار بالتماس جمَاعَة من الْمُسلمين وليكون نَفعه عَاما للْأمة أَجْمَعِينَ فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ جمَاعَة من الجهلة مِمَّن لَا خلاق لَهُم إِن هَذِه الْحَادِثَة الَّتِي وَقعت فِي السَّمَاء بِسَبَب هَذِه الْوَاقِعَة الَّتِي فِي الأَرْض لِأَنَّهُمَا كَانَتَا فِي يَوْم وَاحِد فِي سَاعَة وَاحِدَة فَكَانَ النَّاس فِي شَأْنهَا حيارى وَقَالَ بَعضهم إِن هَذِه صومعة النَّصَارَى وَكثر مِنْهُم القال والقيل فاستعان بِاللَّه تَعَالَى عَلَيْهِم وتلا {حَسبُناً الله وَنِعْمَ اَلْوَكِيلُ} آل عمرَان 173 فَرفع الْأَمر إِلَى سيد الْجَمِيع مَوْلَانَا الشريف سعد لَا زَالَ من المسعدين فَأمر بوضعها على رغم آناف الْمُعْتَدِينَ وَذَلِكَ قبل وضع الْحجر الَّذِي فِيهِ الْكِتَابَة فجَاء إِلَيْهِ الْمعلم ليضعه فَوق سطح ذَلِك الْبناء فجَاء رَسُول من حَاكم الشَّرْع الشريف وَمنعه فَتوجه إِلَيْهِ الْمعلم فَقَالَ لَهُ لَا تفعل حَتَّى نكتب فِي ذَلِك سؤالا إِلَى الْمُفْتى فَكتب فَأجَاب إِنَّه إِذا كَانَت فِيهِ مصلحَة أَو مَنْفَعَة جَازَ وَضعه بِاتِّفَاق عُلَمَاء الْإِسْلَام وَهَذَا القَوْل من الْحَاكِم الشَّرْعِيّ إِنَّمَا هُوَ بوسوسة بعض الحسدة اللئام وَنَظِير هَذَا الْحجر مَوْجُود فِي مَسْجِد النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي غَيره من الْمَسَاجِد الْكِرَام ثمَّ إِنَّهُم كتبُوا لَهُ مَكْتُوبًا وَفِيه كَلَام لَا يَلِيق بالْمقَام فتعب الشَّيْخ من ذَلِك وَطلب من الْحَاكِم الشَّرْعِيّ أَن يجمع بَينه وَبَين خَصمه فَلم يفعل وَجَاء إِلَى بَيت الشَّيْخ وَاعْتذر وَأمر بِوَضْع الْحجر فَوضع فِي الْيَوْم الثَّانِي وَاسْتمرّ وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشري ذِي الْقعدَة دخل مَوْلَانَا الشريف سعد مَكَّة المشرفة فَحل بهَا السُّعُود فِي موكب عَظِيم خَفَقت بِهِ البنود ودعا لَهُ الْمُسلمُونَ بالنصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 وَالظفر والتأييد حفظه الله تَعَالَى وَفِي يَوْم السبت سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخل جدة مركب من الشَّام وغراب بِهِ مستلم جده وصحبته مكاتيب مضمونها عزل القَاضِي ونائب الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخل مَكَّة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن الشريف زيد فِي موكب عَظِيم هُوَ بِهِ حقيق وَكَانَ فِي جِهَة الشرق وَدخل شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام اختتام سنة تسع وَسبعين كَانَ أَوله بالخميس فَلَمَّا كَانَ يَوْم الرَّابِع مِنْهُ وصل رَسُول من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة يخبر بِأَن صُحْبَة الْحَاج الشَّامي رجلا عَظِيم الشَّأْن يُسمى حسن باشا بِيَدِهِ أوَامِر من مَوْلَانَا السُّلْطَان يحكم فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين ويتبصر فيهمَا نِيَابَة عَن خَليفَة الزَّمَان فَلَمَّا كَانَ قرب الْمَدِينَة الشَّرِيفَة برزت لَهُ عساكرها وكبراؤها فتلقوه بِالْقبُولِ فَدخل فِي موكب عَظِيم وَتوجه إِلَى حَضْرَة الرَّسُول وَالسَّبَب الدَّاعِي إِلَى وُصُول هَذَا الرجل أَن أهل الْمَدِينَة أرْسلُوا جمَاعَة مِنْهُم وَمَعَهُمْ مكاتيب إِلَى الحضرة العليةِ يرفعون إِلَيْهِ من مَوْلَانَا الشريف سعد وَأَتْبَاعه فِيهَا الشكية فَأرْسل هَذَا الرجل ليجري الْحق إِلَى معالمه وينصف الْمَظْلُوم من ظالمه فَلَمَّا اسْتَقر بِالْمَدِينَةِ البهية بِالْمَدْرَسَةِ القايتبائية اجْتمع إِلَيْهِ أهل الْمَدِينَة وَشَكوا إِلَيْهِ الْجور والشطط وَالْحَال الفظيع وَالْأَمر الفرط وسلطوه على جمَاعَة من أَعْيَان الْبَلَد مِمَّن ينتمون إِلَى الشريف سعد ذى الْقدر الخطير فأحضورا فِي حَالَة شنيعة من الإهانة والصفح والسحب وأنواع التَّعْزِير ثمَّ وضعُوا فِي السجْن بعد أَن كبلوا بالحديد وَكَانَ لَهُم عِنْده بِالْقَتْلِ تهديد وَمنع الْخَطِيب من ذكر مَوْلَانَا الشريف سعد بِالدُّعَاءِ على الْمِنْبَر وأذاع عَلَيْهِ فِي بلد جده هَذَا الْمُنكر فَلَمَّا بلغ ذَلِك مَوْلَانَا الشريف تَعب من هَذَا الْفِعْل وَأخذ مِنْهُ الحذر وفوض أمره إِلَى من بِيَدِهِ الْقَضَاء وَالْقدر وَلما برز من المدينهْ مُتَوَجها إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق صَار مناديه يُنَادي فِي الطَّرِيق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 وَفِي الْيَوْم السَّادِس دخل الْحَاج الْمصْرِيّ مَكَّة وَلبس مَوْلَانَا خلعته الْمُعْتَادَة من قديم الزَّمَان وَدخل فِي الْيَوْم الَّذِي قبله الْحجَّاج بِأَمَان وَفِي الْيَوْم السَّادِس أَيْضا دخل الْحَاج الشَّامي ثمَّ بعد الظّهْر بَين الصَّلَاتَيْنِ دخل الباشا حسن الْمَذْكُور فِي موكب عَظِيم بالآلاى والطبول والزمور وَهُوَ رَاكب فِي تخته إِلَى أَن وصل إِلَى بَاب السَّلَام فَنزل وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي الْيَوْم السَّابِع دخل الْمحمل الشَّامي وَلبس مَوْلَانَا خلعته الْمُعْتَادَة بعد أَن خرج فِي ذَلِك الموكب السَّامِي وَكَانَ فِي الْعَادة أَن يقسم بعض الصَّدقَات لأهالي مَكَّة قبل الصعُود فبها يَنْتَفِعُونَ وَمِنْهَا يحجون فَمنع من ذَلِك فَلَزِمَ عَن مَنعه الْقعُود وتلوا {إِنا للهِ وَإِنَّا إليهِ رَاجِعوُنَ} الْبَقَرَة 156 وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا الشريف تَعب من أَحْوَاله السَّابِقَة وَقَالَ لَا أحج فِي هَذَا الْعَام إِن لم يظْهر مَا بِيَدِهِ من الْأَوَامِر فننظرها كَاذِبَة أم صَادِقَة وَأرْسل بذلك إِلَيْهِ وَإِلَى الْأُمَرَاء وشدد فِي الْكَلَام وَوَقع فِي الْبِلَاد اضْطِرَاب وانزعاج وعزلت الْأَسْوَاق وغلقت الْأَبْوَاب وخلت الطّرق والفجاج وَجمع مَوْلَانَا الشريف جَيْشه وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وشمر ولسان الْحَال ينْطق الله أكبر الله أكبر ثمَّ إِن الْأُمَرَاء وكبار العساكر وأركان الدولة أَتَوا إِلَى مَوْلَانَا الشريف وقبلوا يَدَيْهِ وخضعوا رُءُوسهم وأنصتوا لَدَيْهِ وَقَالُوا أَنْت الأَصْل وَإِن لم تحج فَإِن الْأمة لَا يحجون والتزموا لَهُ بالعهود والمواثيق أَنه لَا يَقع خلاف وكل مَا تريده يكون فَعِنْدَ ذَلِك نَادَى مناديه فِي الْبِلَاد بالأمان والاطمئنان وَأَن النَّاس يحجون آمِنين من السوء والعدوان وَأما أهل الْمَدِينَة فتركوا الْحَج خوفًا على أنفسهم من جريرة مَا فَعَلُوهُ من الآثام والأوزار وَأما الْأَعْرَاب وَأهل الْبَوَادِي فَمنهمْ من ترك الْحَج لخوف الطَّرِيق الْمُوجب للإضرار وَمِنْهُم من توجه لِلْحَجِّ فَبَلغهُمْ فى أثْنَاء الطَّرِيق وُصُول الباشا وَمن مَعَه وَمَا مَعَه من الْأَخْبَار فَرَجَعُوا إِلَى أَهَالِيهمْ ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف صعد إِلَى عَرَفَات وَلم يحصل شئ من المخالفات وَكَانَت الوقفة بِالْجمعَةِ وَفِي هَذَا الشَّهْر لم يَقع بَين مَوْلَانَا الشريف وَبَين حسن باشا اتِّفَاق إِلَّا أَنه أوصل الْفُقَرَاء حُقُوقهم وكل يَوْم يحْضرُون بَين يَدَيْهِ مَعَ الإهانة من عسكره فَمن النَّاس من يَدْعُو لَهُ وَأَكْثَرهم يدعونَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَألف كَانَ هلالها بالسبت فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي مِنْهُ سعى جمَاعَة بَينهمَا بِالصُّلْحِ مِنْهُم أَمِير الْمحمل الشَّامي الْأَمِير عساف ابْن الْأَمِير مُحَمَّد فروخ وَكَانَ الِاجْتِمَاع بَينهم بعد الْعَصْر من الْيَوْم الْمَذْكُور بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام خلف مقَام الْحَنَفِيّ بِحَضْرَة الْخَاص وَالْعَام ثمَّ تفَرقا وَرجع كل مِنْهُمَا إِلَى بَيته بالحبور وَأرْسل كل مِنْهُمَا نوبَته إِلَى بَيت الآخر فدقت الطبول والزمور وَكَانَت سَاعَة مباركة سر بهَا الْكِبَار وَالصغَار فِيهَا إِشْعَار بِحُصُول الْوِفَاق وصفاء الأكدار وَأرْسل كل مِنْهُمَا هَدِيَّة سنية وَالله أعلم بِمَا اشْتَمَلت مِنْهُمَا النِّيَّة وَفِي الْيَوْم الثَّامِن من محرم افْتِتَاح سنة ثَمَانِينَ وَألف توجه بعد الْعَصْر مَوْلَانَا الشريف سعد وَأَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد إِلَى حَضْرَة الباشا حسن فقابلهما بالتحية وَالْإِكْرَام وجلسا عِنْده سَاعَة فِي أنس وصفاء وَتعطف فِي الْكَلَام فَلَمَّا أَرَادَا الْقيام ألبس كلا مِنْهُمَا ثوبا نفيساً يَلِيق بهما وَقَامَ لَهما وَمَشى على الْأَقْدَام وخرجا من عِنْده إِلَى الْبَيْت السعيد وقبلا الْحجر الْأسود السعيد وسألا من فضل الله الْمَزِيد وَفِي الْيَوْم الْعَاشِر من الشَّهْر الْمَذْكُور أَرَادَ الباشا السّفر إِلَى جدة المعمورة فَلَمَّا كَانَ بعد الْعَصْر توجه إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الشريف سعد حفظه الله تَعَالَى بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَمكث عِنْده سَاعَة من الزَّمَان وَلم يذقْ عِنْده شَيْئا زعم أَنه صَائِم طلبا للغفران ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف أَمر بِتَقْدِيم فرس مسرجة محلآة تَسَاوِي سِتّمائَة دِينَار اللَّهُمَّ ألف بَين قُلُوب عِبَادك كَمَا ألفت بَين الثَّلج وَالنَّار ثمَّ إِنَّه لما نزل إِلَى جدة حكم وتكبر وطغى وتجبر وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع أول من السّنة الْمَذْكُورَة نهب عَسْكَر الشريف السُّوق وَأخذُوا مِنْهُ مَا وجدوه من عَيْش وتمر وَلحم وَسمن وأفسدوا فِي تِلْكَ الأفنية وطلعوا إِلَى قهوة النّخل وَزَعَمُوا أَن فعلهم إِنَّمَا هُوَ للْحَاجة الملجئة من تَأَخّر الجامكية الشريفية وَأَقَامُوا بهَا تِلْكَ اللَّيْلَة ويومها على تِلْكَ العصبية ثمَّ نزلُوا إِلَى أَسْفَل مَكَّة وَأَرَادُوا التَّوَجُّه إِلَى نَحْو الْيمن فَتوجه إِلَيْهِم ابْن الشريف زيد مَوْلَانَا السَّيِّد حسن وصحبته الشَّيْخ أَبُو بكر العرابي وَشَيخ الْعَسْكَر والتزموا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 لَهُم مَا أَرَادوا فَرَجَعُوا إِلَى الْبَلَد فأعطوهم مَا كَانَ لَهُم وَزَادُوا وَفِي لَيْلَة الْخَامِس من شهر ربيع الأول من سنة ثَمَانِينَ وَألف دخل مَكَّة مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد مُحَمَّد يحيى ابْن المرحوم الشريف زيد أسكنهما الله فِي الْجنان الْقُصُور وَحصل بِدُخُولِهِ الهناء وَالسُّرُور فَلَمَّا أصبح الصُّبْح تكلم الْعَسْكَر الَّذين هم بِمَكَّة مقيمون فِي دُخُوله الْبَلَد وَهُوَ من الْجَمَاعَة الَّذين هم الناهبون القاتلون فأجابهم مَوْلَانَا الشريف بِأَن عِنْده مَكْتُوبًا من حَضْرَة الباشا بِأَنَّهُ يصطلح مَعَ بني عَمه فَأخْرجهُ لَهُم وقرأه عَلَيْهِم وسجله عِنْد قَاضِي الْمُسلمين فَسَكَتُوا وَرَجَعُوا وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس عَاشر الشَّهْر ثَالِث عشر ربيع الآخر قتل بعض الأتراك زَوجته خنقاً طَمَعا فِي مَالهَا واعتصب لَهُ جمَاعَة وطلبوا الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَلم تقم فخلي سَبيله وَفِي الْيَوْم الْخَامِس عشر مِنْهُ قتل عبد أسود عَتيق لبَعض الْعَرَب رجلا من جماعته كَذَلِك لدنياه وَذَلِكَ عِنْد بِئْر طوئ فبئش مَا نوى وَأمْسك فَأقر فشنق فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي مشنق مَحْمُود الْأَعْوَر وَفِي هَذَا الشَّهْر أَو الَّذِي قبله نفى مَوْلَانَا الشريف رجلَيْنِ إِلَى بَلْدَة بيشة أَحدهمَا من أَوْلَاده مَكَّة وَالْآخر من أَشْرَاف الأزبك المجاورين انْتقل هَذَا إِلَى رَحْمَة الله مَوْلَاهُ وَبَقِي الآخر إِذْ أبقاه الله وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقع بَين عَسْكَر الشريف شنآن وافترقوا فرْقَتَيْن وتقاتلوا ساعتين وَحصل فيهم جراحات وأسفرت عَن سلامات وَكَانَ آغاتهم قد طلع إِلَى المعلاة لزيارة قبر مَوْلَاهُ فأرسلوا لَهُ رَسُولا وَنزل إِلَيْهِم قبل حُضُوره مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن زيد حفظه الله فَفرق جمعهم وأطفأ نارهم وَألف بَينهم وَقبل أعذارهم وَفِي هَذَا الشَّهْر توجه مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن زيد إِلَى قَبيلَة بني سعد فِي جمع يسير وهم فِي مَنْعَة وشاهق خطير وَأَرَادَ قِتَالهمْ لخروجهم عَن الطَّاعَة وَأظْهر كل مِنْهُم تمرده وامتناعه فَأرْسل وَعرف أَخَاهُ مَوْلَانَا الشريف سعد فَجمع جمعا وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ والذهاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ وصل الْخَبَر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقع الصُّلْح على المَال لتسلم الرّقاب وَدخل جُمَادَى الْأُخْرَى وَكَانَ بالأحد وَفِي الْيَوْم الثَّالِث مِنْهُ آخر النَّهَار انْتقل الْأَخ الْأَعَز المرحوم شهَاب الدّين القَاضِي أَحْمد ابْن القَاضِي مرشد المرشدي الْحَنَفِيّ الْعمريّ رَحمَه الله تَعَالَى وفى يَوْم الْجُمُعَة سادس الشَّهْر ضرب سروا الْعَسْكَر نَاظر السُّوق وأهانه وَمكث النَّاظر الْمَذْكُور أَيَّامًا لَا يخرج من بَيته بِسَبَب جرح رجله من الضَّرْب وَسَببه طلب السردار من النَّاظر أَن يزِيد لَهُ فِي السّعر ليبيع هُوَ وجماعته مَا عِنْدهم من الطَّعَام المحتكر فَمنع من الزِّيَادَة فحقد عَلَيْهِ لذَلِك وتسبب لَهُ بِسَبَب من الْأَسْبَاب حَتَّى بلغ من ضربه مَا يُقَابل بِهِ يَوْم الْحساب وَأما حسن باشا لما وصل جدة دخل بَيته وأغلق بَابه وأجلس أعوانه وحجابه وَجعل حَاكما يحكم على الْمُسلمين حكم الظَّالِمين فَمن جملَة حكم ذَلِك الْحَاكِم على مَا قيل أَنه جعل على كل ميت شَيْئا كَمَا فعل فِرْعَوْن فِيمَن قبله من الْأَوَّلين وتفرق جنده فِي الْبِلَاد إِذْ تأمروها وَكثر أذاهم فِيهَا وَمَا عمروها بِحَيْثُ إِنَّهُم يدْخلُونَ السُّوق وَيَأْخُذُونَ الطَّعَام وَغَيره قهرا من غير رضَا وَإِذا توجه الْمَظْلُوم إِلَى الباشا لم يقدر عَلَيْهِ وَلَا هُنَاكَ أحد يلتجأ إِلَيْهِ وَإِن رفعوا الْأَمر إِلَى حاكمه ضَربهمْ وَأمر بحبسهم وَلم ينْقض لَهُم أرب وَمَعَ ذَلِك لَيْسَ قَوْله إِلَّا بَرى جدي بري زيدى عرب فَمن النَّاس من أمسك بَيته وَمِنْهُم من فر وهرب وَمِنْهُم من رفع هَذَا إِلَى مَوْلَاهُ فارج الكرب ليكشف هَذِه المحنة وَيهْلك من كَانَ السَّبَب وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي رَجَب الْحَرَام دخل سُلْطَان من سلاطين الأعجام وَقد كَانَ أرسل لَهُ مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى جدة رسله يهنونه بالسلامة ويبلغونه التَّحِيَّة والكرامة وصحبتهم خمس أَو سِتّ من التخوت وَتوجه إِلَيْهِ مفتي الْإِسْلَام والخطيب بِبَلَد الله الْحَرَام القَاضِي إِمَام الدّين ابْن القَاضِي أَحْمد المرشدي ولاقاه من نَحْو مرحلة وقابله بالتحية وَالْإِكْرَام وَجَاء مَعَه وَدخل بِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام من بَاب السَّلَام وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِلَيْهِ هَدِيَّة سنية وأنزله فِي بَيت من بيُوت آبَائِهِ الأسلاف الزكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 ثمَّ بعد ذَلِك أرسل السُّلْطَان الْمَذْكُور لحضرة مَوْلَانَا الشريف مُقَابلا لما أهداه لَهُ من الإنعام مَالا جزيلاً من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَكَذَلِكَ جَاءَ من سُلْطَان الْهِنْد مَال عَظِيم فِي هَذِه الْأَيَّام فَذهب الضّيق والتعب من الْقُلُوب والأجسام وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشري رَجَب الْمَذْكُور انْتقل بالوفاة إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا ومأوانا وسندنا شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خَاتِمَة الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين خَادِم حَدِيث سيد الْمُرْسلين الْجَامِع بَين الْأُصُول وَالْفُرُوع الْحَافِظ لكل متن ومجموع الْحَائِز فضيلتي الْعلم وَالنّسب الْحَائِز طرفِي الْكَمَال الغريزي والمكتسب رَئِيس الْعُلُوم العبقري جَار الله أَبُو مهْدي عِيسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الثعالبي الْجَعْفَرِي الْهَاشِمِي نسبا الْمَالِكِي مذهبا المغربي منشأ ومولداً الحرمي وطناً ومحتداً إِمَام الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَعلم المغربين والمشرقين جَامع أشتات الْعُلُوم النقلية ومبرز خفايا لطائف الآراء الْعَقْلِيَّة محيى رسوم الرِّوَايَة بعد مَا عفت آثارها ومشيد مبانيها بعد مَا انهار منارها وسالك مسالك أَئِمَّة السلوك وَمَالك ملاك أمره فِي مجانبة كل مليك ومملوك ولد بِبَلَدِهِ وَنَشَأ بهَا على اشْتِغَال عَظِيم بالعلوم النافعة وَأخذ عَن عدَّة مَشَايِخ فِي عُلُوم عديدة قلت هُوَ شَيْخي الَّذِي تخرجت بِهِ فِي عدَّة من الْفُنُون إتقاناً عقائداً وأصولاً ونحواً وصرفاً ومنطقاً وبياناً تغمده الله برضوانه وأحله فسيح جنانه آمين وَفِي الْيَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب الْمَذْكُور آخر النَّهَار وَقع بَين عَسْكَر الْمَدِينَة وَبَين الْعَرَب قتال زاغت فِيهِ الْأَبْصَار وَكَانَ من الْعَصْر إِلَى وَقت الاصفرار فَلَمَّا أقبل اللَّيْل وَأدبر النَّهَار تفرق الْجَمْعَانِ وَبَات عَسْكَر الْمَدِينَة فى غَايَة التنبه والاحتذار طول ليلهم بالبندق إِلَى وَقت الأسحار وَكَانَ الْقَتْلَى من الْعَرَب نَحْو خَمْسَة عشر رجلا فَلَمَّا أصبح الصَّباح ونادى مُنَادِي الْفَلاح حفروا لَهُم حُفْرَة نَحْو السَّبِيل ودفنوهم بهَا وَقتل من أهل الْمَدِينَة حران وعبدان بذلك تَوَاتر الخبرعن غير وَاحِد من الإخوان وَهَؤُلَاء الْعَرَب من قَبيلَة تعرف بِحَرب وَلم نعلم حَرْب هَذَا جدهم لمن ينْسب وَإِلَى أَي جيل يحْسب وهم جمع كَبِير يشْتَمل على قريب من خمسين فخذاً كل فَخذ يشْتَمل على جمَاعَة لَهُم جد خَاص وَعَلَيْهِم الدَّرك فِي حفظ الطَّرِيق من عسفان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَالشَّيْخ الَّذِي جماعهم عَلَيْهِ وانتماؤهم إِلَيْهِ كَانَ يُسمى أَحْمد بن رَحْمَة أَفَاضَ الله عَلَيْهِ الرَّحْمَة وَلما أقبل اللَّيْل مَنعهم شيخهم الْمَذْكُور عَن الْقِتَال وردهم إِلَى الْمحل الْمُسَمّى بِذِي الحليفة شرعا وبأبيار عَليّ عرفا ثمَّ أرسل لَهُ كَبِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة بِالطَّلَبِ والأمان فَتوجه إِلَيْهِم وَمَعَهُ جمع من العربان فَجعل الْفَرِيقَانِ يختصمان وَيَدعِي كل مِنْهُمَا على الآخر بالبدء بالعدوان على يَد الأفندي وَشَيخ الْحرم والأعيان فأصلحوا بَينهمَا وَانْقطع النزاع عَنْهُمَا وألبس الشَّيْخ خلعة نفيسة وألبس بعض خواصه جوخاً على أَن مَا مضى لَا يُعَاد بذلك وَقع الِاتِّفَاق والأمان وَنَادَوْا على الْقَافِلَة بالرحيل مَعَ التعزيز والتبجيل ثمَّ دخل شهر شعْبَان الْمُعظم وَكَانَ بالأربعاء وَفِي خامسه وصل رَسُول من باشا مصر المحروسة إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الشريف يبشره بالنصرة المأنوسة لمولانا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان أيده الله بالسعد المديد على أهل الشّرك والطغيان أَرْبَاب مالطة وكريد فألبسه مَوْلَانَا الشريف خلعة ثمينة ونادى مناديه سبع لَيَال بالزينة وَذَلِكَ على الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة وحصلت بذلك للمسليمن بشرى عَظِيمَة وَمُدَّة محاصرة أهل الْإِسْلَام للكفرة الْمُشْركين اللئام نَحْو ثَلَاثِينَ من الأعوام ثمَّ إِن الْكَفَرَة جعلُوا للْمُسلمين مَالا عَظِيما حَالا ومؤجلاً يأخذونه مِنْهُم كل عَام بالتمام وَأَن لَا يتَعَرَّضُوا للْمُسلمين بِحَال من الْأَحْوَال لَا فِي الْأَسْفَار وَلَا فِي دَار الْمقَام والمدة الَّتِي اتَّفقُوا عَلَيْهَا نَحْو مائَة من الأعوام على ذَلِك وَقع الصُّلْح والاتفاق وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الشقاق فَرَجَعُوا إِلَى أوطانهم بالخيرات والإنعام وَلَهُم فِي الْآخِرَة دَار السَّلَام وَمِمَّا يتَعَلَّق برَسُول الباشا أَنه جَاءَ بعزل أَفَنْدِي الشَّرْع وبتولية القَاضِي عبد المحسن القلعي نِيَابَة الْقَضَاء عَن الأفندي المستجد وبعزل مفتي الْحَنَفِيَّة القَاضِي إِمَام الدّين المرشدي وتولية الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بيري زَاده مقَامه إِذْ لَهُ هُنَاكَ مُسْتَند وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري شعْبَان الْمَذْكُور من سنة ثَمَانِينَ وَألف ورد خبر وقْعَة مَوْلَانَا السَّيِّد حمود مَعَ ظفير الْقَبِيلَة الْمَعْرُوفَة بِنَجْد وَكَانَ فِيهَا عدَّة وقعات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 وقْعَة قفاز مَعَ عَنزة ووقعة بني حُسَيْن ووقعة هتيم العوازم ووقعة مطير وَغَيرهم وَسبب وقْعَة ظفير أَنه انْضَمَّ إِلَى جهامة مَوْلَانَا السَّيِّد حمود قَبيلَة من ظفير يُقَال لَهُم الصمدة ثمَّ انْضَمَّ إِلَيْهِ شيخهم الْأَكْبَر مَعَ جماعته الأدنين وعصبته الأقوين وَكَانَ محباً للسَّيِّد حمود بِمَنْزِلَة الْعين للْإنْسَان وَالْإِنْسَان للعين وَهُوَ ذُو شهامة وصرامة يعرف بِابْن مرشد سَلامَة فَوَقع من جماعته جرم اقْتضى أَن يؤاخذوا بِمَا هُوَ الْمُعْتَاد الْمَنوِي عَلَيْهِم فِي مثله وَهُوَ أَخذ الشعْثَاء والنعامة وَفِي خِيَار أَوَائِل الأباعر وَخيَار تواليها فَلم يرْضوا بذلك وَقَالُوا هُوَ جور وحيف وَلَيْسَ عندنَا دون ذَلِك إِلَّا حد السَّيْف فَأَشَارَ سَلامَة الْمَذْكُور إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وَقَالَ لَهُ اربطني ولستَ فِي ذَلِك بمُلام فوَاللَّه لتأخذن مَا تُرِيدُ على التَّمام فَقَالَ كلا وَالله لَا ربطتك ونخوة آبَائِي الْكِرَام وَكَيف ذَاك وَفِي بَطْنك من عيشي طَعَام وَكفى بِهِ الْتِزَام ولزام فَذهب سَلامَة إِلَى قومه وَقد تهيئوا لِلْقِتَالِ والنضال والعدوان وتهيأ كَذَلِك مَوْلَانَا السَّيِّد حمود وَمن مَعَه من بني عَمه وَمن الصمدة وعَدوان فانخزلت الطَّائِفَة من الصمدة وَوَلَّتْ نَاحيَة نَاجِية وانكفأ الْجَمْعَانِ بَعضهم على بعض وَاخْتَلَطَ الفرسان فَلم يبن الطول من الْعرض وَقتل من السَّادة الْأَشْرَاف مَوْلَانَا السَّيِّد زين العابدين بن عبد الله ومولانا السَّيِّد أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الله وَالسَّيِّد شنبر بن أَحْمد بن عبد الله وَصوب مَوْلَانَا السَّيِّد ظفير ابْن السَّيِّد زامل بن عبد الله أصاويب وَكَذَلِكَ صوب مَوْلَانَا السَّيِّد باز بن هَاشم بن عبد الله إِلَّا أَن الله سُبْحَانَهُ منَّ بالعافية عَلَيْهِمَا وَللَّه الْحَمد ثمَّ إِن السَّيِّد غَالب بن زامل صبحهمْ بعد مُدَيدة فحلم عَن سِتِّينَ لحية مِنْهُم وَلم يشف عَن وَاحِد من الْقَتْلَى كبده وَلم تزل مَعَهم ظفير فِي قتل وطراد إِلَى أَن أصلح بَينهم مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي مَحَله وَفِي تَاسِع عشري رَمَضَان وَقعت بِمَكَّة صَاعِقَة جِهَة الشبيكة قتلت رجلا وَاحِدًا وَفِي رَابِع عشر شَوَّال بلغنَا أَن الباشا حسن اْظهر بويوردي وقرأه على الأتراك بِأَن محصول جدة لَهُ يصرفهُ فِي عمَارَة الْمَسْجِد وَغَيره فتعب مِنْهُ مَوْلَانَا الشريف سعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 وَأرْسل لَهُ وَنَهَاهُ عَن ذَلِك فَلم يرجع وَفعل فعل القسوس فَقَامَتْ بَينهمَا النُّفُوس وَنزل السَّيِّد مُحَمَّد بن يعلى فِي خيل وَرجل وخدام وواجهه فقابله بالتحية وَالْإِكْرَام وَكَانَ بَينه وَبَين مَوْلَانَا الشريف مباينة وظنن فتعب النَّاس من ذَلِك لما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْفِتَن وَلَكِن كفى الله الْمخوف وَدفع وَلم يحصل شئ من المكاره وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل ثَلَاثَة من الْأَعْرَاب بِخَبَر سَار للْمُسلمين بِأَن صَاحب جدة مَعْزُول فأخلع عَلَيْهِم مَوْلَانَا الشريف أدام الله لَهُ النَّصْر والتمكين وَدخل شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام اختتام سنة ثَمَانِينَ وَكَانَ بالإثنين وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس الشَّهْر وصل مبشران أَحدهمَا من أَتبَاع مَوْلَانَا الشريف مِمَّن يتلَقَّى عَن الْحَج الْأَخْبَار وَالْآخر من أَتبَاع عماد أغا وَمن الْحجَّاج وَالزُّوَّارِ يبشران بوصول قفطان لمولانا الشريف من حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان وَفِي الْيَوْم السَّادِس دخل الْحجَّاج مَكَّة المشرفة وَوصل القفطان والمكتوب فَلبس وَقُرِئَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بَين زَمْزَم وَالْمقَام بِحَضْرَة الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ مِمَّن حج فِي الْعَام جمَاعَة من الْأَعْيَان أَرْكَان دولة آل عُثْمَان أَخُو الْوَزير وَعَمه وَابْن أَخِيه وَأمه فَتوجه إِلَيْهِم مَوْلَانَا الشريف حَال الْقدوم لسلام التَّحِيَّة وَأرْسل لَهُم بهدية سنية وَبعد نزولهم إِلَى منى توجه إِلَيْهِم وَنَصّ جَمِيع مَا جرى لَهُ من حسن باشا عَلَيْهِم فأرسلوا إِلَيْهِ فَحَضَرَ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وزجروه فانزجر وَفِي الِاجْتِمَاع بِهِ مرّة ثَانِيَة جمعُوا بَينه وَبَين مَوْلَانَا الشريف وَأَصْلحُوا بَينهمَا الْحَال وَالْحَمْد لله على كل حَال وَكَانَت الوقفة بالثلاثاء وَفِي خَامِس عشري ذِي الْحجَّة الْمَذْكُورَة انْتقل الْأَخ الصَّالح رضى بن حسن الطَّاهِر ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف فِي ثَالِث محرم الْحَرَام يَوْم الْجُمُعَة رَحل الْمحمل الشَّامي وَفِي سادسه انْتقل مَوْلَانَا المرحوم الشَّيْخ عبد الْكَبِير بن مُحَمَّد المتَوَكل وَهُوَ من بَيت سلف صَالح رَحمَه الله تَعَالَى ووالدى وَالْمُسْلِمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور نُودي لمولانا وَسَيِّدنَا الشريف أَحْمد ابْن المرحوم مَوْلَانَا الشريف زيد فِي الْبِلَاد بِالربعِ وَأمر الْخَطِيب يَدْعُو لَهُ عَلَى الْمِنْبَر مَعَ أَخِيه دَامَ مجدهما وَكَانَ النداء قبيل الصَّلَاة فِي الْيَوْم الْمَذْكُور وَبعد صَلَاة عصر ذَلِك الْيَوْم أرسل إِلَيْهِ الباشا حسن جمَاعَة نوبَته فَضربت فِي بَيته فَأرْسل إِلَيْهِم فَوق مَا كَانُوا يطمعون فَخَرجُوا وهم يتشكرون وَكَذَا فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث على مَا مضى عَلَيْهِ الْأَولونَ وَفِي ثَانِي يَوْم جلس للتهنئة والمباركة وألبس الْخَطِيب ثوبا نفيساً وَأنْفق فِي ذَلِك الْيَوْم مَالا على الأتباع والفقراء تبشيراً وتأنيساً وَكَانَ قدومه على الْمُسلمين بِكُل خير وَمِمَّا اتّفق فِي هَذَا الْعَام أَن رجلا من قَبيلَة النفعة يُسمى عُمَيْر ويكنى بِأبي شويمة قتل جمَاعَة مِنْهُم اثْنَان من ثَقِيف من قَبيلَة تسمى الحمَدَة وَلَهُمَا إخْوَة وبنوعم فَكَانُوا فِي طلبه يتجسسون الْأَخْبَار فَدخل فِي هَذِه السّنة بلدَهم وَجَاء رَاكِبًا جَوَاده ووقف إِلَى قبَّة الحبر وزار ثمَّ دخل إِلَى السُّوق فَرَآهُ بعض أقَارِب الْقَتِيل فصاح بِهِ وضربه ضَرْبَة ادَّرَقها ثمَّ ضرب فرسه فَقطع عرقوبها فحركها فَلم تطاوعه للفرار فَسقط إِلَى الأَرْض فَلحقه وَقد صدمه الْجِدَار فَضَربهُ ثَالِثَة على أم رَأسه فشقه فبرك عَلَيْهِ وَأَرَادَ ذبحه فَمَنعه الْحَاضِرُونَ ثمَّ قَامَ نَحْو الْخَلَاء وَهُوَ فى سَكَرَات الْمَوْت فصاح الصائح الحقوا غريمكم قبل الْفَوْت فتلاحقه الرِّجَال يرمونه بِالْحِجَارَةِ والنضال حَتَّى سكن أنينه وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع آخر ثمَّ إِن أَوْلَاد عُمَيْر الْمَذْكُور صاحوا فى عشيرتهم وذويهم واستشاروهم على قتلة أَبِيهِم فَأَتَاهُم بَنو سعد وعتيبة وَجمع من العربان ثمَّ اجْتَمعُوا وتهيئوا لِلْقِتَالِ وَحصل فِي الطَّائِف القيل والقال فاجتمعت ثَقِيف واستنصروا حلفاءهم لما بَلغهُمْ وُصُول الْقَوْم إِلَى لية ونواحيها وبالقرب من الْقَوْم قبيلتان من ثَقِيف بَنو مُحَمَّد وثمالة فتوجهوا نَحْو الْقَوْم فَأخذ الْقَوْم ينهزمون إِلَى أَن وصلوا إِلَى عباسة بالخداع مِنْهُم والاحتيال وَهَؤُلَاء الْبَعْض مِنْهُم وَالْبَعْض الآخر كمن واختفى وَرَاء الْجبَال حَتَّى توسطت ثَقِيف فَإِذا الْقَوْم منعطفون عَلَيْهِم والكمين خَارج إِلَيْهِم فاحتاطوا بهم فَقتلُوا الرِّجَال وَأخذُوا الْأَمْوَال وأمسكوا جمَاعَة عِنْدهم مأسورين وهرب باقيهم ثمَّ إِن الْقَوْم نزلُوا إِلَى الْقرْيَة وأخربوها وَأخذُوا الْحُبُوب وَقَطعُوا الثِّمَار وأحرقوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 بعض الدَّوَابّ بالنَّار وَكَانَ بالقرية أَوْلَاد الشريف وحاكم الشريف فارسلوا إِلَيْهِ فعرفوه فَفِي صَبِيحَة يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة وصل من مَكَّة نَحْو الْمِائَة من الْعَسْكَر أرسلهم مَوْلَانَا الشريف لحفظ الْبَلَد وحراستها وَفِي الْيَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور لبس مَوْلَانَا الشريف سعد خلعة النَّصْر والتأييد بِالْأَبْطح جَاءَتْهُ من صَاحب مصر المحروسة بعون الله الْعَزِيز الحميد وَكَانَ مُتَوَجها إِلَى الشرق لإطفاء نَار فتن المفسدين والعتاة المتمردين وَدخل شهر جُمَادَى الأولى وَتوجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى الْمَبْعُوث وَوصل فِي سَابِع عشره إِلَيْهِ أيده الله تجاه جده خير مَبْعُوث وَأرْسل قبائل الْعَرَب فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فنصفهم وأنصفهم وَلَو شَاءَ كشف عَنْهُم من السّتْر قناعه لَكِنَّهَا غير شِيمَة جده صَاحب الشَّفَاعَة ثمَّ وصل مِنْهُ إِلَى الطَّائِف وَفِي هَذَا الْعَام وَقع الصُّلْح بَين مَوْلَانَا الشريف وَالسَّيِّد حمود فَكَانَ وُصُول مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رَحمَه الله إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد بِالطَّائِف فلاقاه ملاقاة الابْن الْبَار لِأَبِيهِ وَألبسهُ فِي الْحَال فَرْوَة السمور وَطيب خاطره بِكُل مَا يرضيه ثمَّ بعد يَوْم وَالَّذِي يَلِيهِ عقد مَعَه الْمُبَايعَة على مُحكم الأساس فِي ضريح الحبر ابْن عَبَّاس وَلم يدْخل مَكَّة مَعَه بل تخلف فِي مخاليفها وَكَانَ بِهِ للْمُسلمين أعظم أَسبَاب تأليفها وَفِي شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وصل رَسُول من باشا مصر وَمَعَهُ مَكْتُوب من مَوْلَانَا السُّلْطَان وَمَعَهُ خلعتان وَاحِدَة مِنْهُمَا لمولانا الشريف سعد وَالْأُخْرَى لمولانا الشريف أَحْمد حرسهما الله تَعَالَى وَكَانَا غائبين فِي أَرض الْحجاز لإِصْلَاح الْبِلَاد وقمع أهل الظُّلم والعِناد فَاجْتمع الْعَسْكَر الَّذين بِمَكَّة ليلاقوا رَسُول مَوْلَانَا السُّلْطَان بالتبجيل والإعظام وليدخلوا بِهِ على مَا جرت بِهِ الْقَوَاعِد فَأتوا بِهِ من أَعلَى مَكَّة وأدخلوه من بَاب السَّلَام وَوَضَعُوا الخلعتين فِي مقَام الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَدخل شهر رَمَضَان وَكَانَ بالثلاثاء وَلما كَانَت لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين مِنْهُ دخل مَوْلَانَا الشريف سعد مَكَّة فِي موكب عَظِيم تَمام وَمكث يَوْمه وَالَّذِي يَلِيهِ ثمَّ نزل الْيَوْم الثَّالِث إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَلبس الخلعة الشَّرِيفَة بَين زَمْزَم وَالْمقَام بِحَضْرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 السَّادة الْأَعْلَام وعساكر الْإِسْلَام وَقُرِئَ المرسوم السلطاني وَفِيه مَالا مزِيد عَلَيْهِ من التبجيل والإعظام وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد لبس خلعته فِي هَذَا الْيَوْم وَذَلِكَ أَنه طلب من أَخِيه بعد النداء لَهُ بِالربعِ وَالدُّعَاء على الْمِنْبَر أَن يُرْسل إِلَى الحضرة الْعلية وَيعرف بذلك لتصل إِلَيْهِ الخلعة فِي كل عَام وتقرر فَأرْسل وَعرف بذلك فِي مَكْتُوب فَجَاءَهُ الْجَواب على وفْق الْمَطْلُوب وَقد سبقهما إِلَى مثل هَذَا الْآبَاء والجدود وَفضل الله لَيْسَ بمحدود وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور دخل شخص أعجمي الْمَسْجِد الْحَرَام والخطيب قَائِم على الْمِنْبَر يعظ الْأَنَام فَتقدم نَحْو الْخَطِيب وصرخ صرخة أزعجه بهَا وأشغل جنانه وَالسيف فِي يَده سليل جمع عَلَيْهِ كَفه وبنانه فَأَوْمأ نَحوه بِالسَّيْفِ وقرقر وَقَالَ أَنا الْمهْدي الله أكبر فدافع عَن الْخَطِيب بعض الْحَاضِرين بِالسِّلَاحِ وَالْحجر وَمنعه مِنْهُ وَحجر وَحصل مِنْهُ جراحات لعدة أشخاص فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ وضربوه وطرحوه إِلَى الأَرْض وقتلوه ثمَّ إِنَّهُم أخذُوا بِرجلِهِ والى خَارج بَاب السَّلَام سحبوه فَلَمَّا قضيت الصَّلَاة رجعُوا إِلَيْهِ فَأخذُوا بِرجلِهِ وصاروا يجرونه مَعَ الضَّرْب والإهانة والحياة فِيهِ بَاقِيَة فويل لَهُم من الله سُبْحَانَهُ إِلَى أَن وصلوا بِهِ المعلاة وأحرقوه هُنَاكَ بِالْقربِ من بركَة المصى وَهَذَا أَمر عَظِيم تحار فِيهِ الأفكار كَون الْمُسلم يهان هَذِه الإهانة وَيقتل بِغَيْر مُوجب ثمَّ يحرق بالنَّار نَعُوذ بِاللَّه من مكر الله وَدخل شهر الْحجَّة وَكَانَ بالسبت دخل الْحجَّاج يَوْم الخاسم والأمير والمحمل يَوْم السَّادِس وَلبس مَوْلَانَا الشريف سعد والشريف أَحْمد خلعتيهما مَعَ الْمصْرِيّ والشامي وَهَذِه أول خلعة لبسهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فِي هَذَا الموكب ثمَّ حجا بِالنَّاسِ وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام منى بعد انتصاف النَّهَار نفر الباشا حسن إِلَى مَكَّة وَإِلَى رمي الْجمار فِي موكب عَظِيم تشخص عِنْده الْأَبْصَار والجند محدقون بِهِ إحداق الهالات بالأقمار فَلَمَّا كَانَ وَاقِفًا عِنْد الْعقبَة لرمي الْجَمْرَة رَمَاه ثَلَاثَة رجال بِثَلَاث بَنَادِق فَخر على وَجهه إِلَى التُّرَاب فَتَلقاهُ جنده ورفعوه إِلَى التخت وتحيروا فِيمَا نزل بهم من هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 الْمُصَاب بِهَذَا المُصاب ونزلوا بِهِ إِلَى مَكَّة فِي ذل وانكسار وصاروا يقتلُون من لاقوه من النَّاس من غير اخْتِيَار فوصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة وَأَغْلقُوا عَلَيْهِ الدَّار وتحصنوا فِي الْبيُوت وَدخل جمع مِنْهُم الْمَسْجِد بِالسِّلَاحِ وَالنَّار ورموا فِيهِ البندق نَحْو بَيت مَوْلَانَا الشريف سعد وهتكوا حُرْمَة بَيت الله ذى الأستار ووجهوا المدافع فِي الْأَرْبَع الْجِهَات واحترس نِهَايَة الاحتراسات ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف سعد توجه بعسكره إِلَى مَكَّة خَلفه بعد حِين ملبسين مدرعين وَأما الْحجَّاج فَمنهمْ من نفر إِلَى مَكَّة وَأدْخل أَسبَابه وَمِنْهُم من لم ينفر وَجمع أَهله وَمَاله وأغلق بَابه وَلما نزل الْحجَّاج إِلَى مَكَّة واستقروا بهَا مَكَثُوا خَمْسَة أَيَّام وَأكْثر مضطربين وَفِي كل يَوْم تراهم رافعين لأسبابهم وواضعين وكبراء الْحجَّاج والأمراء يسعون بَينهمَا فِي جمع الشتات وَسبب الِاضْطِرَاب أَنه قطع على مَوْلَانَا الشريف اسْتِحْقَاقه من ناصفة جدة فطالبه بهَا فَامْتنعَ وتجبر وتنكر وتنمر فَوَثَبَ عَلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف فِي طلب حَقه وَجمع جَيْشه وَكبر فَعِنْدَ ذَلِك أصلح الله الْأَحْوَال وَاتفقَ الْأَمر على إِعْطَاء شئ من المَال وَكَانَ قدره ثَلَاثِينَ ألف قِرْش ثمَّ استعفوا مَوْلَانَا الشريف سعد من الثُّلُث وَأعْطِي عشْرين ألف ريال فَسلمت لمولانا الشريف أعزه الله بجاه النَّبِي والآل ثمَّ لما توجه الْحَاج الْمصْرِيّ يَوْم سَابِع عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام الْمَذْكُور توجه مَعَه حسن باشا ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ اتّفق أَنه لما رَحل حسن باشا صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَقَامَ بهَا فوفد عَلَيْهِ فِيهَا مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث فألزمه بالذهاب إِلَى وَالِده السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث واستلحاقه إِلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَذهب السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور فوصل إِلَى أَبِيه بِالْمحل الْمُسَمّى بالشعري من أَرض نجد فَأتى إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَلَمَّا حَضَره نَادَى لَهُ بالبلاد بعد أَن ألبسهُ خلعة وَقطع الدُّعَاء للشريف سعد فِي الْخطْبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 ودعا للشريف أَحْمد الْحَارِث وَقد كَانَ مَوْلَانَا الشريف سعد خرج صُحْبَة الْحَاج أَو عقبه حَتَّى وصل إِلَى يَنْبع فَأَقَامَ بِهِ وَلما بلغه مَا فعله حسن باشا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة من قطع اسْمه من الْخطْبَة وتوليته للسَّيِّد أَحْمد الْحَارِث والنداء لَهُ أرسل إِلَى السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث كتابا فِي غَايَة اللطافة واللين والرقة لَا الكثافة مضمونه بعد مزِيد الثَّنَاء وَحميد الدُّعَاء إِن هَذَا الْوَاقِع الَّذِي سمعنَا بِهِ من تقمصك برد الْملك وأثوابه فَهَذَا أَمر أَنْت بَيته الْأَعْلَى وَمثلك أَحْرَى بِهِ وَأولى فَإنَّك أَنْت الشَّيْخ وَالْوَالِد الْحَائِز كل كَمَال طريف وتالد فَإِن كَانَ هَذَا مُحكم الأساس فِي الْبُنيان جَار على مُقْتَضى مرسوم السُّلْطَان فَنحْن بِالطَّاعَةِ أعوان وَإِن كَانَ الْأَمر خلاف ذَلِك وَإِنَّمَا كَانَ من تسويلات هَذَا الظَّالِم الغادر وتنميقات ذَلِك المذمم غير الظافر فأجل حلمك أَن تستخفه نكباء الطيش أَو أَن تستنزله أخلاط الأشاوب وغوغاء الْجَيْش فَأرْسل إِلَيْهِ الْجَواب مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث بِأَن الْأَمر لم يكن على هواى وَإِنَّمَا هُوَ إِلْزَام مَعَ علمى بِأَن الِابْتِدَاء لَا يكون لَهُ تَمام فاستشعر حسن باشا أَن من نِيَّة مَوْلَانَا الشريف سعد الْمسير إِلَيْهِ فتهيأ لِلْقِتَالِ واعتد ولفق مَعَ عَسَاكِر الْمَدِينَة مَا قدر عَلَيْهِ بالجد لَا الْجد وصنع أكراً من حَدِيد قَرِيبا من مِائَتَيْنِ تسمى قنابر تملأ بالرصاص وَالْحَدِيد يرْمى بهَا من بعد إِلَى الْجَيْش فَيفْسد فِيهِ ملأها المتناثر وَكلما أَرَادَ الْمسير ثبطه السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث وثناه وَأظْهر لَهُ الرَّأْي فِي عدم الْمسير ومناه فعزم مَوْلَانَا الشريف سعد وَأَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة الظَّالِم أَهلهَا إِذْ ذَاك وصمم على الْقِتَال عزماً لَيْسَ مَعَه انفراك وَكَانَ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود رَحمَه الله نازلاً بالمبعوث فِي المربعة المنسوبة إِلَى مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد الْحَارِث وَكنت إِذْ ذَاك نازلاً عِنْده فى تِلْكَ الْبقْعَة وصلت إِلَيْهِ اشتياقا لمحياه السعيد وفرحاً بعد طول الْغَيْبَة بأنس الرّجْعَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى بَين صَلَاتي الظّهْر وَالْعصر من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ الْمَذْكُورَة إِذْ نَحن بِفَارِس على فرس عري يدك الأَرْض دكاً فَأقبل حَتَّى دنا فَإِذا هُوَ السَّيِّد أَحْمد بن السَّيِّد حسن بن حراز رَسُولا من مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث والباشا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 حسن بمكتوبين يستدعيان مَوْلَانَا السَّيِّد حمود للانضمام إِلَيْهِمَا فَفتح المكتوبين وقرأهما وتمقل ألفاظهما ومعناهما فنبذهما إِلَيّ وَقَالَ اقرأهما ثَانِيًا عَليّ فقرأتهما فَإِذا مَضْمُون الأول الَّذِي من الباشا حسن بعد الثَّنَاء وَالْوَصْف الْحسن إننا قد ولينا أَخَاكُم السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث بِأَمْر سلطاني مَعنا صَحِيح فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالْقَصْد أَن تجمعُوا الشمل وَلَا تشقوا الْعَصَا وتكونوا عوناً لأخيكم على من خَالف وَعصى وَلكم مَا تريدونه من الْجِهَات والمعينات وَزِيَادَة فَوق مَا جرت بِهِ القوانين وَالْعَادَة وَهَذَا حَاصِل مَا فِيهِ فَلَا حَاجَة إِلَى التكثير وَلَا ينبئك مثل خَبِير ومضمون كتاب مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بعد الْعبارَة وَإِظْهَار الود والاشتياق والحنو والإشفاق إِنَّنِي يَا أَخُوك لم يكن لي هَذَا الْأَمر ببال وَلم ألتفت إِلَيْهِ بالقال وَلَا بِالْحَال وَإِنَّمَا لَحِقَنِي ولدك مُحَمَّد إِلَى الشعري وَكرر عَليّ القَوْل مرّة بعد أُخْرَى وَلم أوافقه حَتَّى رَأَيْت جدك النبى فِي الْمَنَام قَائِلا لي وَافق مُحَمَّدًا وخلاك هلام فَحِينَئِذٍ رجعتُ وَكَانَ مَا سَمِعت وَالْقَصْد إِنِّي أَخُوك الَّذِي تعرفه وَلَا تنكره فَأقبل إِلَيْنَا فَهُوَ أعظم جميل نذكرهُ وَالسَّلَام ثمَّ فكر مَوْلَانَا السَّيِّد حمود سَاعَة فَكَأَنَّهُ كشفت لَهُ الفراسة عَن وَجه الْغَيْب قناعه وَقَالَ كَأَنِّي برَسُول الشريف يصابحنا إِن لم يماس فَكَأَنَّهُ فِي مرْآة الْغَيْب نَاظر فَقبل الْغُرُوب إِذا الرَّاكِب المنيخ بالفناء ابْن بسيان جاسر فَتقدم إِلَيْهِ وَقبل يَدَيْهِ وَأخرج مكتوبين أَحدهمَا من مَوْلَانَا الشريف سعد وَالْآخر من أَخِيه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مضمونها استحثاثه فِي الْمسير إِلَيْهِمَا والحضور لديهما وَأَن حسن باشا قد شمر عَن سَاقيه للحرب وكشر عَن نابيه لِلطَّعْنِ وَالضَّرْب وَاسْتشْهدَ مَوْلَانَا الشريف سعد بقول الشَّاعِر // (من الوافر) // (وَمَا غلظتْ رقابُ الأُسْدِ حتَّى ... بأنفسها تولَّتْ مَا عَنَاهَا) وَأتبعهُ بقوله وَأَنت تعلم أَن الْأَمر الَّذِي يعنانا يعناك وأدري بِمَا يَئُول إِلَيْهِ الْأَمر فِي ذَاك وَهَذِه ألف دِينَار صُحْبَة الْوَاصِل الْمَذْكُور إِلَيْك فَأدْرك أدْرك أدام الله فَضله عَلَيْك وَاسْتشْهدَ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِبَيْت الهمزية ثمَّ إِنِّي قلت لمولانا مَا صَوَاب الرأيين وَيتَوَجَّهُ الْعَزْم إِلَى أَي الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ إِلَى سعد صَاحب الْفضل ومولاه فبيني وَبَينه فِي ضريح الحبر عتلات الله فَلَو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 اعترضني عبد الله لكفحت وَجهه بِالسَّيْفِ دونه وَالله ثمَّ وَالله ثمَّ توجه على الركاب يَوْمه الثَّانِي وقوض الأخبية وَفَارق المباني حَتَّى وصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد وأخيه وهما بِالْمحل الَّذِي عذب بحلولهما بعد أَن كَانَ اسْمه ملحة فوافاه الْقَضَاء بِمَا وَافق مُرَاده وأنتج نجحه من وُرُود القاصد بعزل حسن باشا وَطَلَبه وانخرام حسابه وتقطع سَببه ثمَّ ارتحل من الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانَ بطرِيق غَزَّة وَتلك النواحي توفّي فَدفن فِي ذَلِك الْمحل الناحي وَأَتَتْ إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعد خلعة باشوية صُحْبَة ذَلِك القاصد وَكَانَ إرسالها ضربا من المكايد ثمَّ فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة قبل قدوم الْحَاج بِقَلِيل قدم مُحَمَّد جاوش بجيوش نَحْو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة آلَاف ضرب أوطاقه فِي أَسْفَل مَكَّة الزَّاهِر بِمن مَعَه من العساكر وصاروا يدْخلُونَ مَكَّة عشرَة سَوَاء خَمْسَة سَوَاء وَثَمَانِية سَوَاء ويعودون إِلَى خيامهم خَارج مَكَّة للمبيت ثمَّ قدم صُحْبَة الْحَاج الشَّامي شخص يُسمى حُسَيْن باشا السلحدار بِنَحْوِ أَلفَيْنِ وَقد وسد من تِلْكَ الديار أَن يعْمل بِمَا يتوراه نظره ويختار فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة خرج لملاقاة الْمحمل الشريف الشَّامي على الْعَادة إِلَّا أَنه لم يخرج إِلَّا من الثَّنية الْعليا الْمُسَمَّاة بالحجون أَعلَى الْبِلَاد فَوقف إِلَى أَن يصل بهَا الْوَاصِل كَمَا هُوَ عَادَة الْأَوَائِل فَلم يصل إِلَيْهِ أحد بل طلب مِنْهُ أَن يَأْتِي إِلَى مخيم الْأَمِير وَهَذَا الْأَمر على شهامته غير يسير فعطف عنان فرسه رَاجعا من طَرِيق الشبيكة إِلَى مَكَّة المشرفة فخشوا من وُقُوع فتْنَة يذهب فِيهَا الأقوياء والضعفاء فأرسلوها مَعَ من لحقه بهَا فِي أثْنَاء الطَّرِيق وهُدُوا بذلك إِلَى طَرِيق الرشاد والتوفيق ثمَّ صعد الْحجَّاج إِلَى عَرَفَات وأفاضوا إِلَى الْمزْدَلِفَة ثمَّ منى ذَات المثوبات فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام منى ترددت الرُّسُل من الشريف إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي لما هُوَ الْمُعْتَاد من الخلعة الَّتِي صحبتهَا المرسوم السلطاني الَّتِي يلبسهَا ذَلِك الْيَوْم مَعَ المرسوم الَّذِي يقْرَأ فيسمعه القاصي والداني فَلم يُؤْت بهَا إِلَيْهِ فَعلم مَوْلَانَا الشريف أَن الْمدَار بِهَذِهِ العساكر الْقَبْض عَلَيْهِ فأضمر الصولة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 عَلَيْهِم والمسير وَلم يبال بذلك الْجمع وَإِن كَانَ حصره عسير ثمَّ رجح الانكفاف بالذهاب وإغلاق مَا للشرور من سَائِر الْأَبْوَاب ففر وَمن مَعَه على الْخَيل والركاب فجزاه الله عَن الْمُسلمين أحسن جَزَاء بِحرْمَة مُحَمَّد وَمن وَالَاهُ وَلما كَانَ ظهر الْيَوْم الثَّانِي عشر حضر حُسَيْن باشا وَمُحَمّد جاوش وأكابر الدولة وأمراء الْحَاج واستدعوا جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث ومولانا السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان ومولانا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد وَأظْهر أمرا سلطانياً بِصَرِيح اسْم مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات فِي شرافة مَكَّة وَأَنَّهَا تَحت تصرفه وَله ملكهَا ملكة وألبس خلعة الْولَايَة فِي ذَلِك الْجمع وَنزل إِلَى مَكَّة المشرفة فِي موكب يبهر الْعين ويدهش السّمع وَنزل إِلَى بَيت أَبِيه الْمَعْرُوف بزقاق ظاعنة ووقفت على بَابه الْخُيُول صافنة وهرعت السادات إِلَيْهِ والأعيان والحضر والعربان يهنئونه بِالْملكِ وَالْولَايَة وَيدعونَ لَهُ بطول الْبَقَاء والثبات بِتَوْفِيق الْعِنَايَة وَمَا أسْرع من انقلاب الْحَال وَلكُل زمَان دولة وَرِجَال وأرخ بَعضهم عَام ولَايَته بقوله نثراً مَا نَصه بَارك الله لنا فِي بَرَكَات إِلَّا أَنه لسنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَالتَّوْلِيَة إِنَّمَا كَانَت فِي موسم اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ لَكِن التَّفَاوُت بِزِيَادَة سنة أَو نَقصهَا عِنْد أهل التَّارِيخ مغتفر وَكَانَت مُدَّة ولَايَة مَوْلَانَا الشريف سعد سِتّ سِنِين إِلَّا أحدا وَعشْرين يَوْمًا وَورد فِي ذَلِك الْمَوْسِم كتاب من الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الكبرلي لمولانا السَّيِّد حمود بن عبد الله وَكتاب من باشا مصر لَهُ أَيْضا وَكَذَلِكَ كِتَابَانِ من الْوَزير الْمَذْكُور وَمن باشا مصر لمولانا السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث وَكَذَلِكَ كِتَابَانِ للمرحوم السَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان والمضمون من الْجَمِيع وَاحِد والعبارات مختلفات أما كتاب مَوْلَانَا السَّيِّد حمود الَّذِي من الْوَزير فنصه فرع ذؤابة هَاشم ونبعة وشيج المحامد والمكارم السَّيِّد حمود نظم الله عقوده وأباد حسوده آمين وَبعد فَلَا يخفى عَلَيْكُم أَن الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام ومطاف طواف الْإِسْلَام هُوَ أول بَيت وضع للنَّاس وَأسسَ على التَّقْوَى مِنْهُ الأساس وَأَنه لم يزل فِي هَذِه الدولة العثمانية الْعلية آمنا وَأَهله من النوائب وروضاً مخصباً بأحاسن الأطايب إِلَى أَن ظهر من السَّيِّد سعد من الْأَمر الشنيع مَا يشيب عِنْده الطِّفْل الرَّضِيع وَمَا كَفاهُ ذَلِك حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 شدد الخناق على أهل الْمَدِينَة البهية وأذاقهم كأس الْمنون روية فَلَمَّا بلغ هَذَا الْحَال السّمع الْكَرِيم السلطاني أَمر بعزل السَّيِّد سعد عَن شرافة مَكَّة وتفويضها إِلَى الشريف بَرَكَات ليعْمَل بهَا بِحسن التَّصَرُّفَات وتكونوا لَهُ معينا وظهيراً وناصحاً ومشيراً وكل من يتَفَرَّع غصنه من دوحة فَاطِمَة الزهراء وتتصل نسبته إِلَى الذُّرِّيَّة الغراء تهدونه إِلَى طَرِيق الْخَيْر وَالصَّلَاح وترشدونه إِلَى معالم النجح والفلاح وَأَنْتُم على مَا تعهدونه من التكريم والتبجيل وَالله على مَا نقُول وَكيل وَمِمَّا قيل فِيهِ قولي هَذِه القصية // (من الْبَسِيط) // (صَبٌّ أَلَمَّ بِهِ طيفُ الكرَى فصَبَا ... وعَنْ أحِبَّاهُ لم يردُدْ عَلَيْهِ نَبَا) (وَقد تغذَّى لبانَ الحبِّ مُنْذُ نشا ... وَلم يزلْ بالغوانِى مغرماً طَرِبا) (تناهَبَتْ عقله سودُ اللحاظِ فَلَمٍ ... يُبْقِينَ فِيهِ لغيرِ الغِيدِ مُطَّلبَا) (فصارَ يصبُو إِلَى سعدَى وآونةً ... إِلَى سعادَ وأياماً يَجُرُّ رَبًّا) (وَلَا ملامَ عَلَيْهِ فالتنقُّلُ منْ ... سَلْمَى للبْنَى لدَى شرع الهوَى نُدِبا) (فيا عذولَىَّ كُفَّا عَن ملامكما ... فَلَا أرَى لِىَ فِي نُصْحَيْكما أَرَبَا) (لله عَقْلٌ أضلته الحسانُ على ... عِلْمٍ فهَامَ بهَا نأْيًا ومقتربَا) (مِنْ كُلِّ ممنوعةٍ روس الأسنةِ لَو ... رامَ التصوُّرَ إدراكٌ لَهَا حُجِبا) (مرقوبة الحفْظِ حدُّ السَّيْف يرقُبُهَا ... فهلْ سمعتُمْ بسيفٍ عدَّ فِي الرقبا) (عقيلةُ الحىِّ من سمرِ الرماحِ لَهَا ... سورٌ وَفِي صفحاتِ المرهفاتِ خبا) (وخدْرُهَا الثانِ من ستْرِ الحشاء فَمِنْ ... نياطي القلبِ قد مدَّتْ لَهَا طُنُبَا) (هَا مقلتي لَهَبُ الهجرانِ سَيَّلَهَا ... على الخدودِ فظنُّوا مدمعي سكبَا) (مَنْ لي بمَنْ فوَّقَتْ من قوسِ حاجبها ... سَهْما أراشَتْهُ بالأهدابِ قد هُدِبَا) (معسولة الثغْرِ يطفي بردُ ريقتها ... نيرانَ مَنْ بلظَى هجرانها الْتَهَبَا) (لمياءُ رشفُ رضابٍ من موشمها ... درياق مَنْ بهواها قلبُهُ لسبَا) (يهدي الَّذِي قد أضلتهُ ذوائبها ... جبينها لامعاً باد ومنتقبَا) (كَأَنَّهُ البرقُ أَو كالصبْحِ أَو كضيا ... سَعْدِ بنِ زيدٍ إِذا مَا قامَ منتدبا) (أَبَا مسَاعد راعيها مملكها ... مَنْ حَلَّ رتبةَ مجدٍ جازَتِ الشهبا) (خلاصَةُ العنْصُرِ الزاكِى المطهَّر مِنْ ... جذرِ الْوَصِيّ الرَّضِىْ أكرِمْ بِذَاكَ أَبَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 (عليْهِ سربالُ تقواهُ وعفَّته ... وَمن شمائِلِ علياه رِدًا وقَبَا) (أغرُّ أزهَرُ فيَّاضٌ أناملُهُ ... من معشرٍ فِي رياضِ المجدِ نبت رَبًّا) (محاسنُ السادةِ الماضينَ قد جمعَتْ ... فِيهِ كجَمْعِ الغديرِ القطْرَ منسكبَا) (سمحٌ إِذا سيمَ للجدوَى يميدُ كَمَا ... يمِيدُ حاشاهُ صرْفَ الراحِ مَنْ شربا) (لَهُ يَدٌ خُلِقَتْ للجودِ فهْوَ لَهَا ... طبع كَمَا العينُ للإبصارِ قد رتبا) (هُوَ المحكّمُ عضبيه إِذا انتضَيَا ... يومي جلاد جدالٍ مفْصلاً أشبا) (مفوهٌ فِي كلا عضبَيْهِ متَّسعٌ ... كلْمًا وكلْمًا إِذا مَا قَالَ أَو ضَرَبَا) (يمناهُ واليُمْنُ يمتدانِ فِي لُزَزٍ ... قد أدركَا فِي مداهُ السبْقَ والقصبَا) (مستأسدٌ بَيْنَ عينَيْهِ عَزَائِمه ... إِذا تراءَتْ لَهُ أكرومَهٌ وثَبَا) (وَلَا تعاظمه أقطَارُ محمدةٍ ... وَلَو غَدا منْكب الجوزا لَهَا سَبَبَا) (وَلَا يميلُ من العلياءِ إنْ صعُبَتْ ... وَلَا يضلُّ صَوَاب الرأىِ إِن نَشِبَا) (إليكَ يَا ابنَ الكرامِ الأطولين يدا ... فِي المكرماتِ وَفِي الهيجا أحدَّ شَبَا) (عروسَ فِكْرٍ كوشْىِ الروضِ باكرَهُ ... غيثٌ فَرَفَّ بنورٍ مزهرٍ وَربا) (يحلُو بهَا فَم راويها فتحسبُهُ ... صَبًّا ترشَّفَ من عذب اللُّما ضَرَبا) (وتنشقُ الْورْد مِنْهَا أذنُ سامعها ... حتَّى ترَاهُ إِلَى إنشادِهَا طَرِبَا) (خلائقٌ كفتيتِ المسكِ طيبَة ... تلاق طيب سَرَاة سادَة نجبا) (فَاسْلَمْ على كاهلِ العلياءِ مرتقياً ... وصافن الْمجد غَطَّى مِنْهُمَا عقبا) (ودُمْ على خفضِ عيشٍ مَا يرنقُهُ ... ريبُ الحوادثِ مَا هَبَّ النسيمُ صَبَا) ولاتساق الْمَقُول نقُول ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات بن أبي نمى قيل ولَايَته بسعي الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي السُّوسِي وَذَلِكَ أَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور تشفع عِنْد الشريف سعد فِي رجل أزبكي كَانَ يُسمى السَّيِّد مُحَمَّد الفصيحي فعل جرما مَعَ مَوْلَانَا الشريف سعد فَلم يشفعه فِيهِ وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَانِينَ وَألف فاتفق أَن أَخا الْوَزير الْأَعْظَم حج فِي موسم تِلْكَ السّنة وَكَانَ لَهُ ولع بِعلم الْفلك فَاجْتمع بالشيخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور فَأخذ عَنهُ فِي ذَلِك فَطلب من الشَّيْخ أَن يُسَافر مَعَه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فسافر مَعَه وَاجْتمعَ بالسلطان وَطلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 مِنْهُ اْن يزِيل أَشْيَاء بِمَكَّة المشرفة فَأمر السُّلْطَان بإبطالها مِنْهَا أَن صَدَقَة السُّلْطَان جقمق كَانَت تقسم على أَرْبَاب الْبيُوت حبوباً وَكَانَت سَابِقًا تطبخ شربة وخبزاً للْفُقَرَاء أَصْحَاب الْقدح فَردَّتْ إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ سَابِقًا وأضيف إِلَى ذَلِك حب السُّلْطَان قايتباي وَمِنْهَا تَوليته على جَمِيع الأربطة وَألا تكون إِلَّا لمن يَسْتَحِقهَا بِشَرْط الْوَاقِف وَمِنْهَا إبِْطَال الدفوف فِي الزوافي وَمِنْهَا منع النِّسَاء من الْخُرُوج لَيْلَة المولد الشريف وَتمّ جَمِيع ذَلِك وَجعله نَاظرا على جَمِيع أوقاف الْحَرَمَيْنِ وَسَيَأْتِي ذكر وُرُود الْأَمر بِعَدَمِ إِقَامَته فِي الْحَرَمَيْنِ بعد وَفَاة مُسْتَنده الْوَزير أَحْمد باشا الكبرلي ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف خرج فِيهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وصبحته مُحَمَّد جاوش بالعساكر فِي طلب الشريف سعد فسلك طَرِيق الثَّنية إِلَى الطَّائِف وَكَانَ الشريف سعد قد سلكها وَنزل بِالطَّائِف ثمَّ ارْتَفع عَنهُ إِلَى عباسة ثمَّ إِلَى تربة ثمَّ إِلَى بيشة فَأَقَامَ بهَا فَتَبِعَهُ الشريف بَرَكَات وَمُحَمّد جاوش بِمن مَعَهُمَا حَتَّى انْتهى فِي التّبعِيَّة إِلَى قريب من الْبَلَد الْمُسَمَّاة تَرَبَة ثمَّ عَاد الشريف بَرَكَات إِلَى الْمَبْعُوث ثمَّ إِلَى الطَّائِف فَأَقَامَ وفيهَا فِي شهر رَجَب عدا السَّيِّد حيدرة على عَمه السَّيِّد عَليّ بن حُسَيْن فَقتله غيلَة يُقَال سَبَب ذَلِك الَّذِي قَامَت بِهِ نفس السَّيِّد حيدرة غرارة من الْحبّ حلف كل مِنْهُمَا أَن الآخر لَا يَأْخُذهَا وَهِي بوادي مر فَركب السَّيِّد عَليّ بن حُسَيْن من مَكَّة يُرِيد وَادي مر فَسمع بِهِ السَّيِّد حيدرة فَوَجَدَهُ فِي الْمحل الْمُسَمّى أَبُو الدُّود ممرحاً مُتكئا فَأَتَاهُ من خَلفه فَدخل حِينَئِذٍ على بعض الْأَشْرَاف فَلم يمض كبار الْأَشْرَاف دخله فنهج إِلَى الْيمن ثمَّ إِلَى مصر ثمَّ إِلَى مَكَّة دخيلاً مَعَ الْمحمل صُحْبَة أَمِير الْحَاج الشَّامي وَبَاعَ عقاره وَمَا يتَعَلَّق بِهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر فتوفى بهَا بِالْفَضْلِ مَعَ من توفّي ثمَّ إِن الشريف بَرَكَات اسْتمرّ بِالطَّائِف إِلَى شعْبَان فَأَتَاهُ الْخَبَر بوصول خلع سلطانية ومراسيم خاقانية وصل بهَا القاصد إِلَى مَكَّة وَوضعت فِي مقَام الْخَلِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 على عَادَة التكريم والتبجيل فجَاء إِلَى مَكَّة أواسط شعْبَان هُوَ وَمن مَعَه من الْأَشْرَاف والأتراك والعربان ثمَّ فِي أواخره كَانَ الْقَبْض على رجل من الْأَعْيَان ثمَّ فِي لَيْلَة السَّابِع من رَمَضَان قبض على آخر وحملا من ليلتهما على الأدهم ثمَّ حدر بهما إِلَى جدة وأركبا غارب اليم ثمَّ قبض على ثَلَاثَة من حَوَاشِي الدولة وَفعل بهم مَا فعل بالأولين نَعُوذ بِاللَّه من سوء القولة وَمثل ذَلِك فعل هَذَا القاصد بِجَمَاعَة من أهالي الْمَدِينَة المنورة فافتدوا أنفسهم بِمَال سلموه لَهُ الله أعلم بكميته ثمَّ خرج مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات فِي الموكب حَتَّى نزل بقبة الدفتردار إِبْرَاهِيم صَائِما بهَا لطيب النسيم فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان قدر الله وَفَاة ابْنه السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات فَنزل من يَوْمئِذٍ إِلَى الْبَلَد واصطبر رَغْبَة فِي الْأجر على لاعج الْحزن والكمد ثمَّ خرج فِي أثْنَاء شَوَّال إِلَى جِهَة ركبة استدعاه السَّيِّد حمود ابْن عبد الله ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف فِيهَا كَانَ خُرُوج الشريف بَرَكَات والسادة الْأَشْرَاف والعساكر والعربان إِلَى قتال حَرْب وشيخهم أَحْمد بن رَحْمَة كَانَ الظفر فِيهَا للشريف بَرَكَات وَلم تنفعهم خنادقهم الَّتِي حفروا بل كَانَت قبوراً لَهُم حِين قبروا فاستبيحت دِيَارهمْ ونهبت أَمْوَالهم وَهَلَكت نِسَاؤُهُم وأطفالهم وَقتل خيارهم وفيهَا يَوْم الْوَقْعَة الْمَذْكُورَة فِي موقف المصاف اصْطلحَ مَوْلَانَا السَّيِّد حمود بن عبد الله هُوَ ومولانا من صُنف هَذَا الْكتاب برسمه وَشرف بشريف لقبه واسْمه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته عَن شَحْنَاء كَانَت بَينهمَا قبل ذَلِك سَبَب الصُّلْح على مَا بلغنَا أَنه اتجه بِهِ وهم يتشاوفون الْقَوْم فأقسم عَلَيْهِمَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات أَن يصطلحا فِي ذَلِك الْوَقْت فاعتنقا حِينَئِذٍ واصطلحا رحم الله من سلف وَأبقى من خلف ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف فِي سَابِع رَجَب مِنْهَا كَانَ خُرُوج مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى أهل الْفُرُوع وَخرج مَعَه من جدة سنجقها بعسكره ونوبته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 ومدافعه فتلاقيا على عسفان أَو بعده فصَام بِمحل قريب مِنْهَا يُسمى قويزة وَعِيد بِهِ ثمَّ توجه فَنزل بِأم الْعِيَال مِنْهَا وَنزل السَّيِّد نَاصِر ابْن السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث بِالْمحل الْمُسَمّى أَبُو ضباع فدانوا لَهُ وأطاعوه وتنصلوا مِمَّا اقترفوه قلت لما كُنَّا فِي رابغ الْمنزل الْمَعْرُوف عائدين من الْفَرْع صُحْبَة مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات وَكنت قد خرجت مَعَه رَحمَه الله إِلَى الْفَرْع بإلزام من الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان إِمَامًا لَهُ ومدرساً لَهُ ولابنه الشريف سعيد ابْن الشريف بَرَكَات دخلت عَلَيْهِ فَقَالَ لي يعِيش رَأسك فِي المغربي فَقلت أَي المغاربة فَقَالَ عبد الرَّحْمَن المحجوب فَقلت رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة فَلم يتَكَلَّم بشئ فَعلمت من قَوْله وسكوته أَنه سرى بغض شَيْخه الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان للسَّيِّد عبد الرَّحْمَن إِلَيْهِ بِحَيْثُ إِنَّه تسبب لبَعض خَواص السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي أَذَى بليغ وإهانة من الشريف بَرَكَات وَبَلغنِي أَنه قَالَ لبَعْضهِم حِين مَاتَ السَّيِّد مَاتَ إِلَهكُم الْيَوْم فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه نسْأَل الله السَّلامَة وفيهَا أَعنِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف فِي سادس صفر مِنْهَا كَانَت وَفَاة مَوْلَانَا المرحوم لَيْث السراة الصَّيْد من بنى هِشَام غوث الطريد فَمَا لجاره من حاشم رَأس بني حسن الْمَشْهُورين فَارس أبطال قُرَيْش الْمَذْكُورين مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا السَّيِّد حمود ابْن الشريف عبد الله بن الْحسن بن أبي نمي بن بَرَكَات اختصه مَوْلَانَا الشريف زيد واستدناه واستخلصه دون رباعته واجتباه فَزَوجهُ بابنته لصدق نِيَّته وخلوص طويته وَألقى إِلَيْهِ مهمات الْبِلَاد من الحواضر والبواد وَفِي يَوْم وَفَاة مَوْلَانَا الشريف زيد لم يشك أحد أَنه يقوم بعده ذَلِك الْمقَام كَانَ فِي ظن أَرْكَان الدولة فضلا عَن الْعَوام وَلَكِن لم يرد الله أَن يتقمصها وَلَا أَن يأوي طيره قفصها وَلَقَد سَأَلته رَحمَه الله فِي مُدَّة ذهَاب عرض مَوْلَانَا الشريف سعد وَعرضه إِلَى الْأَبْوَاب مَاذَا يخمنه مَوْلَانَا فِي الْجَواب فَأَجَابَنِي بقوله {قل اللَّهُمَّ ملك اَلمُلكِ} آل عمرَان 26 الْآيَة وَذَلِكَ جَوَاب مثله وَدفن من الْغَد خلف مَسْجِد الحبر ابْن عَبَّاس وَبني على قَبره تَابُوت وحوط عَلَيْهِ حوطة فسيحة رَحمَه الله وَنور ضريحه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 وَفِي تَاسِع رَجَب مِنْهَا توفّي مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث بِمَكَّة المشرفة كَانَ رَحمَه الله آيَة فِي الْعقل والذكاء مرجعاً للأشراف فِي جَمِيع أُمُورهم وَإِذا حكم بِأَمْر لم يقدر أحد أَن يسْتَدرك عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئا لحسن أَحْكَامه وَشدَّة إحكامه وَكَانَ قد ولاه حسن باشا فِي طيبَة كَمَا مر ذكر ذَلِك مُدَّة سِتَّة أشهر أَو قَرِيبا مِنْهَا وَلما رَجَعَ عماد أفندى إِلَى الديار الرومية سُئِلَ عَمَّن يسْتَحق الْملك إِذْ ذَاك من السَّادة الْأَشْرَاف فَقَالَ ثَلَاثَة لَا غير أَحْمد بن الْحَارِث وحمود بن عبد الله وَبشير بن سُلَيْمَان وَدفن فِي قبَّة السَّيِّد مَسْعُود ابْن الشريف حسن وَوضع عَلَيْهِ تَابُوت عَظِيم رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف فِيهَا كَانَ خُرُوج الشريف سعيد صُحْبَة الْحَاج الشَّامي إِلَى الديار الرومية بعروض من الشريف بَرَكَات يطْلب فِيهَا أَن يكون وَلَده الشريف سعيد ولي عَهده فَكتب لَهُ أَمر سلطاني وَأَن يكون هُوَ صَاحب مَكَّة بعد وَفَاة أَبِيه فَكَانَ ذَلِك بِرَأْي الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وتدبيره فتم لَهُ ذَلِك كُله بعد وَفَاة أَبِيه وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف يَوْم الْخَمِيس ثامن شَوَّال مِنْهَا وَقع حَادث غَرِيب وكارث عَجِيب هُوَ أَنه وَقع فِي ليلته أَن لُوِّث الْحجر الْأسود وَبَاب الْكَعْبَة ومصلى الْجُمُعَة وأستار الْبَيْت الشريف بشئ يشبه الْعذرَة فِي النتن والخبث فَصَارَ كل من يُرِيد تَقْبِيل الْحجر يتلوث وَجهه ويداه فَفَزِعت النَّاس من ذَلِك وضجت الأتراك وَاجْتمعت وَغسل الحَجَر والحِجر وَالْبَاب والأستار بِالْمَاءِ وبقى الأتراك وَالْحجاج والمجاورون فِي أَمر عَظِيم وَكَانَ إِذْ ذَاك رجل من فضلاء الأروام يلقب درس عَام فَكَانَ يرى جمَاعَة من الأرفاض بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَينظر صلَاتهم وسجودهم وحركاتهم عِنْد الْبَيْت وَالْمقَام فيتحرق لذَلِك ويتأوه فَلَمَّا وَقع هَذَا الْوَاقِع قَالَ لَيْسَ هَذَا إِلَّا فعل هَؤُلَاءِ الأرفاض اللئام الَّذين يلازمون الْمَسْجِد الْحَرَام وَكَانَ حِينَئِذٍ مَعَ قَضَاء الْملك العلام السَّيِّد مُحَمَّد مُؤمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 الرضوي قَاعِدا خلف الْمقَام يَتْلُو كتاب الله ذى الْجلَال وَالْإِكْرَام فَأتوا إِلَيْهِ وَأخذت الختمة من يَدَيْهِ وَضرب على رَأسه وسحب حَتَّى أخرج من بَاب الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِبَاب الزِّيَادَة فَطرح خَارج الْبَاب وَضرب بِالْحِجَارَةِ والكسارات حَتَّى زهق فَمَاتَ وَفِي حَال مسكهم إِيَّاه من الْمَسْجِد كَلمهمْ فِيهِ شخص شرِيف من السَّادة الرفاعية يُسمى السَّيِّد شمس الدّين فعدوا عَلَيْهِ وألحقوه بِهِ فَضرب حَتَّى مإت وجُر ثمَّ أَصَابُوا آخر فضربوه وأخرجوه وقتلوه وعَلى من قبله طرحوه ثمَّ فعلوا ذَلِك برابع ثمَّ بخامس وَلَقَد رَأَيْتهمْ مطروحين وبقى بَعضهم على بعض الْآتِي والذاهب يوسعهم السب والركض وَلَقَد رَأَيْت ذَلِك الشئ وتأملته فَإِذا هُوَ لَيْسَ من القاذورات وَإِنَّمَا هُوَ من أَنْوَاع الخضروات عجين بعدس ممخخ وأدهان معفنات فَصَارَ رِيحه ريح النَّجَاسَات وَكَانَ هَذَا الْفِعْل عِنْد مغيب الْقَمَر من تِلْكَ اللَّيْلَة لَيْلَة الْخَمِيس ثامن الشَّهْر الْمَذْكُور وَلم يُعلم الْفَاعِل لذَلِك وَغلب عَليّ بعض الظنون أَن ذَلِك جعل عمدا وَسِيلَة إِلَى قتل أُولَئِكَ وَالله الْعَالم بالسرائر وَهُوَ مُتَوَلِّي البواطن والظواهر وفيهَا فِي لَيْلَة النَّحْر حصل مطر عَظِيم بعد نفر الْحَاج من عَرَفَة وَاسْتمرّ إِلَى بعد نصف اللَّيْل وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف رَابِع عشري ذِي الْحجَّة الْحَرَام مِنْهَا سَالَتْ أَوديَة طيبَة المنورة على ساكنها الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا لم يسمع بهيئته الاجتماعية فِي سَابق الدهور والأعوام سَالَ أَبُو جيد سيلاً هائلاً أخرب جَمِيع مَا حوله من الديار وأحدث فِي الحدائق الدمار وأحدق بِالْمَدِينَةِ وَخرب كثيرا من الدّور الَّتِي تحفها وَكَاد أَن يدخلهَا من بَاب الْمصْرِيّ ورجفت الْبِلَاد وانزعجت الْعباد وضجت الْأَصْوَات بِالدُّعَاءِ وَجَرت الْعُيُون بالدمع من الْبكاء وَلَكِن بِحَمْد الله لم يهْلك فِيهِ إِلَّا شخص أَو شخصان وَتلك معْجزَة للرسول معْجزَة ولأصحابه كَرَامَة وَصَارَت تَحِيَّة النَّاس بَعضهم لبَعض نهنيكم بالسلامة وَالْحَاصِل أَنه أَمر حير الأفكار وَقصر عَن تَفْصِيله بَيَان الْأَخْبَار وَكَانَ فِي ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 الْيَوْم بِعَيْنِه سيل بوادي الصَّفْرَاء سد مَا بَين الجبلين وَلم يضر من الْقَافِلَة أحدا من النَّاس سوى أَنه أَخذ امْرَأَة وَوَلدهَا بالحمراء بَين الصَّفْرَاء والخيف وَذهب بِبَعْض نخيل الْخيف إِلَى الْحَمْرَاء وَذهب بِبَعْض الْجمال والأحمال فَعَن الْبَحْر حدث وَلَا حرج وَفِي سنة تسعين وَألف يَوْم الْأَحَد الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان مِنْهَا كَانَت وقْعَة مُحَمَّد بن أَحْمد الخلفاني وَزِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة من جِهَة الشريف بَرَكَات سَببهَا ثيار عَسْكَر عَلَيْهِ ودعواهم أَنه سبّ السُّلْطَان فَاجْتمعُوا على بَابه وَدعوهُ إِلَى الشَّرْع الشريف فَأجَاب إِن هَذَا الْجمع يتفرق وَيتَعَيَّن الْخصم فَأنْزل مَعَه فَأَبَوا عَن ذَلِك وكتبت لَهُم حجَّة بعصيانه الشَّرْع فوصلوا إِلَى بَيته وكسروا عَلَيْهِ الْبَاب وَكَانَ مَعَه جمَاعَة فِي الْبَيْت فأخرجوهم على أَمَان الله وأمان السُّلْطَان فَلَمَّا خَرجُوا قتلوهم فَكَانَ مِمَّن قتل الْقَائِد مُتعب بن إِدْرِيس حَاكم الْبَلَد إِذْ ذَاك وَولده وَأَخُوهُ ورفيع وَلَده وَابْن دريعة الظَّاهِرِيّ وَعمْرَان الزبيدِيّ ورفاع وخُضير والعمري وَعبيد للخلفاني وَفِي جُمْلَتهمْ مِثْقَال عَتيق الْجمال مُحَمَّد عَليّ بن سليم كَانَ مستخدماً عِنْد الخلفانى كل هَذَا فى صحوة يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور وَأما قتل الخلفاني فَكَانَ عِنْد الزَّوَال من يَوْمه فَكَانَ آخر من قتل لِأَنَّهُ اختفى عِنْد الْحَرِيم حَتَّى دلتهم عَلَيْهِ امْرَأَة دخلت كَأَنَّهَا متوجعة لَهُ فَأخْبرت بمكانه أَو رَأَتْهُ فدلت عَلَيْهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ عِنْد الْحَرِيم وقتلوه ثمَّ سحبوه من أَعلَى الْبَيْت إِلَى أَن أَخْرجُوهُ إِلَى قَارِعَة الطَّرِيق وَاسْتمرّ طريحاً إِلَى آخر النَّهَار وَأوحى إِلَى مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات أَسمَاء الفاعلين وَكَانُوا قَرِيبا من ثَلَاثِينَ نَفرا فَعرض فيهم إِلَى الْأَبْوَاب فورد الْأَمر بِقطع جوامكهم وتخريجهم من الْبِلَاد فَقطعت وأخرجوا ثمَّ عَاد إِلَى الْمَدِينَة بَعضهم بعد سنوات بشفاعات وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين أَوَاخِر شهر شَوَّال ظهر نجم لَهُ ذَنْب طَوِيل إِلَى جِهَة الشرق وَاسْتمرّ إِلَى آخر السّنة ثمَّ اضمحل وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام مِنْهَا والركب الْمصْرِيّ فِي نفير السّير من مَكَّة أمْطرت السَّمَاء كأفواه الْقرب بل كأفواه الْغُرُوب وسالت الأودية من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 سَائِر الْجنُوب وَحصل سيل عَظِيم أخرب الدّور وأتلف من الْأَمْوَال مَا لَا يُحْصى وَأخذ الْجمال محملات وَأغْرقَ نَحْو خَمْسمِائَة نفس وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَعلا على مقَام إِبْرَاهِيم ومقام الْمَالِكِي والحنبلي وَعلا قفل بَاب الْكَعْبَة وَأكْثر الغرقى غرباء لِأَنَّهُ أَتَى وَقت الشَّديد وَذَلِكَ أول الزَّوَال وَسقط كثير من الدّور واقتلع الجميزة الَّتِي بسوق اللَّيْل وَلَقَد شاهدت وَأَنا بِبَاب الْمَسْجِد النَّافِذ على بَيت الشريف وَالْمَاء مَلأ الطَّرِيق وَهُوَ مكور فِي الْمَسْجِد شاهدت قطراً من الْجمال عَلَيْهِ الركْبَان من رجال وَنسَاء وصبيان دهمه السَّيْل فانحاز إِلَى رَأس الزقاق الْغَيْر النَّافِذ جنب دَار السَّعَادَة وَرَأَيْت المَاء وصل من الْجمل وَهُوَ قَائِم تَحت دَار السَّعَادَة إِلَى منحره ثمَّ ازْدَادَ عَلَيْهِ المَاء فاقتلع ذَلِك الْقطر بِمَا عَلَيْهِ وتدهور فِيهِ وعَلى هَذَا فقس وَصعد جمَاعَة من الْعَسْكَر على سطح رواق الْمَسْجِد الْيَمَانِيّ أَمَام دَار السَّعَادَة وطلبوا حِبَالًا ليدلوها فيمسكها من أَخذه السَّيْل فيرفعوه فَأمر لَهُم المرحوم الشريف بَرَكَات بحبال ترمى من سطح دَار السَّعَادَة إِلَى سطح الرواق الْمَذْكُور وَرمى هُوَ بِنَفسِهِ بعض تِلْكَ الحبال فرحمه الله تَعَالَى مَا كَانَ أرحمه وأرأفه فنجا بذلك خلق كثير وَسبح بعض الْجمال فِي الْمَسْجِد حَتَّى انْتهى إِلَى الْمِنْبَر فارتقع عَلَيْهِ فَصَارَ مرتفعاً على الْمِنْبَر يَدَاهُ وعنقه مرتفعان عَن المَاء وَبَاقِيه فِيهِ وَكَانَ طوفان وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَلم يبْق من درج بَاب الزِّيَادَة الَّتِي فِي دَاخل الْمَسْجِد إِلَّا أَربع سنَن وَلم يبْق من طول أعمدة الرخام إِلَّا نَحْو الرّبع أَو أقل وأرخ بَعضهم سنته بقوله طَغى المَاء وَخرج أَمِير الْحَاج بالمحمل بَين العشاءين فِي نفر نَحْو الْعشْرين بِغَيْر نوبَة وَلَا موكب وَلَا ضوء وَلَا ثوب زِينَة وَخرج من أَعلَى مَكَّة فَلَمَّا كَانَ بسوق المعلاة وَقع جمل الْمحمل فِي حُفْرَة من حفر السَّيْل فَمَا طلع إِلَّا بِجهْد جهيد فسبحان الله الفعال لما يُرِيد وَفِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف رَابِع عشر صفر توفّي الشَّيْخ حسن بن عَليّ الدهان ولد بِمَكَّة سنة أَربع وَألف وَدفن بالمعلاة وَقد ناهز التسعين وَفِي صفر الْمَذْكُور خرج مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته من مَكَّة مفارقاً للمرحوم الشريف بَرَكَات فِي نَحْو خَمْسَة وَعشْرين أَو ثَلَاثِينَ من السَّادة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 ذَوي مَسْعُود وَغَيرهم فَدخلت السَّادة الْأَشْرَاف فِي الصُّلْح بَينهمَا فَلم يتم فَخرج بهم إِلَى الركاني من وَادي مر واجتمعوا هُنَاكَ وتأهبوا وَسَارُوا مِنْهُ فِي شهر ربيع الثَّانِي قَاصِدين الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فوصلوا إِلَى الشَّام فأنزلهم متوليها حُسَيْن باشا السلحدار بَيت نقيب الْأَشْرَاف وأجرى عَلَيْهِم الْأَنْعَام والألطاف وَعرف بشأنهم إِلَى الْأَبْوَاب فَأمروا بِكِتَابَة عرض بِمَا يشكونه فكتبوه وأرسلوه مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُم هما السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد وَالسَّيِّد بشير بن مبارك فوعدوا بإزاحة شكواهم وفيهَا فِي حادي عشري ربيع الأول مِنْهَا وَقعت فتْنَة سَببهَا عبد السَّيِّد حسن بن حمود بن عبد الله اخْتصم مَعَ عسكري من عَسْكَر الرُّتْبَة عِنْد الششمة سَطَا العسكري على العَبْد وضربه وَأخذ سلاحه فاستحث السَّيِّد حسن الْأَشْرَاف والعبدُ العبيد واجتمعوا عِنْد مَوْلَانَا المرحوم السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله فانفلتت شرذمة من العبيد نَحْو الْخمسين شاهرين السِّلَاح فوصلوا إِلَى الْمَرْوَة فهربت الأتراك وَأَرَادُوا الرُّجُوع فَرَمَاهُمْ بعض الأتراك الساكنين فِي الرّبع بالأحجار فأرادوا الطُّلُوع إِلَيْهِم فكسروا بعض الدكاكين الَّتِي تَحْتَهُ بِظَنّ أَنه بَاب الرّبع فوجدوه ملآن من النّحاس والجوخ والأثاث فنهبوا جَمِيع ذَلِك وفعلوا بدكان آخر جنبه مثل ذَلِك وصوبوا نَحْو ثَلَاثَة من التّرْك بِالسِّلَاحِ وَقتلُوا رجلا من المجاورين كَانَ يحتجم عِنْد حلاق بالمروة ثمَّ ذَهَبُوا ثمَّ خرجت الأتراك وَجَاءُوا إِلَى الأفندي وَأَرْسلُوا إِلَى مَوْلَانَا الشريف يطْلبُونَ الْغُرَمَاء فصُبروا فَلم يصبروا وَأتوا إِلَى بَيت الشريف وَبَيت السَّيِّد أَحْمد الْحَارِث وَكَانَ بِهِ جمَاعَة من عَسْكَر الشريف فَرَمَوْهُمْ من بَيت الْحَارِث فَقتلُوا من التّرْك أَيْضا اثْنَيْنِ فَرَجَعُوا وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِلَى الْأَشْرَاف يطلبهم الْغُرَمَاء فامتنعوا وَخرج الْأَشْرَاف إِلَى الشَّيْخ مَحْمُود وَقَالُوا من يطْلب الْغُرَمَاء يَأْتِي وَالْعَبِيد خَرجُوا جَمِيعًا حَتَّى عبيد الشريف نَفسه وَالْحَاكِم إِلَى بركَة الماجن ووجدوا جمَاعَة من الأتراك مقيلين فَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَهم وضربوهم ونهبوا قَرِيبا من أَرْبَعمِائَة رَأس من الْغنم ثمَّ أرسل الشريف بَرَكَات أَخَاهُ السَّيِّد عَمْرو فَرد العبيد ثمَّ قصد مَوْلَانَا الشريف تسكين الْفِتْنَة فَأمر على عَبْدَيْنِ كَانَا محبوسين فِي سَرقَة أَن يشنقا فشنقا فَلم تطب نفوس الأتراك بعد رُؤْيَتهمَا ثمَّ وجد السَّيِّد يحيى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 ابْن الشريف بَرَكَات وَكَانَ يعس الْبَلَد عَبْدَيْنِ سارقين فَضرب أعناقهما وَرمى بجثتيهما تَحت جميزة المعلاة وَذكروا للأتراك أَنَّهُمَا الْغُرَمَاء فرضوا واصطلح السَّادة الْأَشْرَاف مَعَ الشريف ودخلوا مَكَّة ثمَّ حصل لمولانا الشريف بَرَكَات مرض وَاسْتمرّ نَحْو شهر زمَان فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشري ربيع الثَّانِي من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين توفّي شرِيف مَكَّة مَوْلَانَا المرحوم الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات بن أبي نمي وَدفن وَقت الضحوة يَوْمه فِي حوطة الشَّيْخ النَّسَفِيّ بِوَصِيَّة مِنْهُ وَلم يحصل للنَّاس لَا خوف وَلَا فزع وَكَانَت مُدَّة ولَايَته عشر سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة آمين وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي قصيدة حِين عوده من ذَهَابه لخفارة الْحَاج الشَّامي فوصل الْبِلَاد الْمُسَمَّاة بالحِجر ديار ثَمُود فَوَافَقَ حَال دُخُوله حُصُول مطر بهَا اشرت إِلَى ذَلِك فِي القصيدة وَهِي // (من الْبَسِيط) // (مَا ظَلَّلَ البيرق الْمَنْصُور سُلْطانَا ... إِلَّا وكُلُّهُمُ فِي ظِلِّ مَوْلانا) (أَبَا زُهَيْر الْعلَا بَرَكَات سيِّدنا ... وَإِلَى البسيطةِ عجماناً وعُرْبَانا) (حامي حِمَى مكَّة الغَرَّا وطيبةَ مَعْ ... أقطارِ أنحائها حفْظًا وإتْقَانا) (ذُو هِمَّةٍ همة الإسكندرىِّ غدَتْ ... أقلُّهَا وَبهَا كَمْ دَان بلدانا) (وعزمةٍ فِي مُهِمِّ الخَطْبِ صَادِقَةٍ ... تُصَيِّرُ الإِمْتِنَاعَ الصرْفَ إِمْكانَا) (تأمينُ حجاجِ بيتِ الله قمْتَ لَهُ ... بالنفْسِ والمالِ والأبناءِ إذعانا) (فَحُطْتَهُمْ مثلَ حوطِ الابنِ كافلُه ... وكَمْ بذلكَ قد أذهَبْتَ ذهْبَانا) (فِي طاعةِ الله والسلطانِ لَا برحَتْ ... لَهُ ملائكَةُ الرحْمَنِ أعوانا) (مولَى ملوكِ الورَى الغازِى مُحَمَّد خَان ... زادَهُ الله نصرا أَيْنَمَا كَانَا) (وشُرِّفَتْ بك أرضُ الحِجْرِ إِذْ سقيَتْ ... غيثاً بمقدمِكَ الميمونِ هَتَّانا) (حَتَّى لقَد ظَنَّ فِي الأجداثِ هالكُهُمْ ... لأَنْ ينالَ من الرحمنِ غفرانا) (أنتَ الَّذِي بكَ تاهَتْ مكَّةٌ وزهَتْ ... بحسنِ أَيَّامه عدلا وإحسانا) (أنتَ الَّذِي بكَ ضمَّ الشمل ناثره ... مِنْ بعدِ تفريقِهِ مثنَى ووُحْدَانا) (أيُّ الملوكِ بلادُ الله بلدتُهُ ... تمسي رعيَّته لله جِيرَانا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 (أىُّ الملوكِ على كُل مودته ... حتَّى مَلَائِكَة الرحمنِ والجانا) (أىُّ السلاطينِ لَوْلَا صِيتُ هيبته ... لم يمكنِ الحَجُّ من بغدادَ إنْسَانا) (وَلَا تيَسّر للعبَّادِ فِي غَسَقٍ ... أَن يلمسوا لاستلامِ البيتِ أركانا) (بِيُمْنِ طلعته الغَرَّا قد امتلأتْ ... جميعُ وِجْهَاتنا أمنا وإيمانا) (مباركُ الإسمِ والأفعالِ قد خلصَتْ ... لله نيتُهُ سرا وإعلانا) (لَهُ سريرَةُ صدقٍ لَا يزالُ بهَا ... يشيدُ حَقًا لدينِ الله أركانا) (ألفضلُ شيمتُهُ والعدلُ سيرتُهُ ... بالحقِّ ينصفُ مِمَّن عزَّ أَو هانا) (يَا وجْهَ آلِ رسولِ الله قاطبةً ... ومَنْ يمنُّ وَلَا نَلْقَاهُ مَنَّانا) (أهِدى الثناءَ لكُمْ فِي كل آونةٍ ... فِي محفلٍ جحفلٍ مَا زالَ ملآنا) (وَمَا أقصِّرُ أصلا فِي الدعاءِ لكُمْ ... إِذا تلوْتُ قبيلَ الفجْرِ قُرْآنًا) (أَدْعُو بطولِ البقا والمُلْكِ تكنفُهُ ... وقايةُ الله أزمانَا فأزمانا) (لَا زالَ خظُّكَ والنَّصْرُ المؤيدُ وَالسَّعْدُ ... المؤَبَّدُ طولَ الدهْرِ أقرانا) (وَلَا فتئْتَ قريرَ العينِ مبتهجاً ... حَتَّى تَرَى إبْنَ إبْنِ الابنِ سُلْطَانا) (ثمَّ الصلاةُ على جدَّيْكَ مَا عظفَتْ ... أنفاسُ ريحِ الصِّبَا المِسْكِىِّ أغصانا) وَقَالَ مُحَمَّد بن جدوع الْمَشْهُور بالشاعر التغلبي // (من الطَّوِيل) // (دُهِمَتُ بِمَا لَا أرْضى وَلَا اطِيقُ بعضَهُ ... أَتَانِي معاضول كثير بمحفلِ) (نهضت معاما جَدَّمِ العَزْمِ مصرم ... من الْقَهْر خوفًا أَن أَمُوت أَو انْسَلَّ) (فيا لَيْتَني عَن ذَا بعيدٌ ومنزلي ... على الذِّكرِ ِفي ديراتِ بكرٍ وموصلِ) (وَلَا قُمتُ فِي دَار ذراعي قَصِيرَة ... ذليل وَلَا لِى مِن جناها محصّلِ) (يهونُ علىَّ ازوامُ نَفسِي مشقَّة ... وَلَا حالتي هَذِى لىَ المَوْت أسهلِ) (بأقوَى عُبابِ البَحْر مَاء ومَوْجَة ... أَشُوفُ السما فَوْقِى وتحتي وَلَا ازملِ) (ذُهِلْتُ بهَا ممَّا جَرَى كُلّ مَا مضَى ... حَفِظْتُ بهَا مِنْ همتي كُلّ مجهلِ) (وكَمْ ليلةٍ بَيْضَا سَرَيْتُ وليلةٍ ... بهَا الليلُ غدرا كالقَمِيصِ الْمفصل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 (إِذا مَا تَنَحَّى الليلُ وَقفا وجدتُّنى ... على كُلِّ فَجَّا الصدرِ وَجْناء مرقلِ) (كَبِيرةِ عُثْنُونِ القَفَا صَيْعَرِيَّةٍ ... كَأنَّ مَرَافِقْهَا عنِ الزّورِ تفتلِ) (لَهَا اعلامُ شَيْبٍ كَنَّهُنَّ مَرَاوحٌ ... أَوَ اكْمَامُ رَقَّاصٍ إِن اقْفى وأقْبلِ) (بخدِّ كظهرِ الذِّيبِ وعرا قطعنها ... وَمَرا بصفصاف بداويَّةٍ خلى) (وَيَا طالما اسْتازى بغُرْضة نَاقَتي ... فُرُوخ القَطَا وَابْن النَّعَامِ المجفَّلِ) (مِن ازْوامِ حَرِّ القَيْظِ فِي هَوْجَرِيَّةٍ ... فَرَائِدُهَا فِي الآلِ تَخْفَى وتعتلي) (تَتِمُّ بهَا الأنْظارُ شتَّى كَثِيرَة ... كأنَّ بهَا البيضَ الهواري تُسللِ) (بهَا القوز غرفى كَالقَواويقِ غطَّس ... على الرُّوسِ فِي وسطِ المعمَّى المطوَّلِ) (صلبتُ النَّضَا فِيهَا بالادْلاجِ والسُّرى ... رجا كُل عادِىًّ قديمٍ منَ اوَّلِ) (من الهجر رَا دمْنَ الكلا فِي جنوبهِ ... كأنَّهُ بَدْرٌ فِي كلاتيَّ جَدْولِ) (وَكَمْ هَام فيهَا قسمتَاه رَاقِدًا ... أنَاس على الأناس فاغْفى وأغفلِ) (وَكَثر خُوار القوامِ فِينَا وأيقنوا ... بلدراك من شوفِ احْدِهم يَوْم يكفلِ) (خليلىَّ لَا تخشونَ منِّى معرة ... عليَّ لكُمْ ميرادكم أيٌّ منهلِ) (فَصلْنَ وصيل الرَّمْلِ فِي مُدْلَهِمَّةٍ ... خَلصنَ وَكَمْ فِيهَا دَلِيل تَوجَّلِ) (وردتهُ والأفَّان مَا أَنا بخابرٍ ... سوى العزمِ إِلَّا انَّهْ بالاذكار وصْفَ لي) (أنخنَا عَلَيْهَا العيسَ مِنْ بَعْدِ سريه ... وَدرت لدَوْسِ الدائسات تأملي) (ولمينِ حط الغرب عجلا فَقيل لي ... أما يَرْدهَا إِلَّا رشاء موصّلِ) (ولمينِ وصلت الحبال بجدة ... وإكتربَتْ عضدي فِي المغربِ فْجُزْ لي) (أَرَى كُلَّهمْ يلطِمْ بكفَّيهِ خدَّهُ ... وَبَعْضَهمَا مِنْ خَوفةِ الموْت هلَّلِ) (فَقُلْتُ لَهُمْ لاَ تَحْزَنُونَ فَانا لكم ... أطوع من لدنِ الأديمِ المبللِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 (نزلتُ بهَا واسقيتُ ربعى بِسُرْعَة ... وصدَّرتهم روبا وصملانهم ملي) (ولسْتُ بقوَّالٍ وَلا هُوْ بِصَادِقٍ ... وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ إذَا قَالَ يفعلِ) (أَمَا ضَام وانا من عرانينِ تَغْلبٍ ... لَنَا فِي نِزَارٍ نِسبةٌ مَا تُبدلِ) (فَإِن قَصَّرَتْ عَن فعلِ آباي همَّتى ... تكملن أَعْمَامِى وأَفْعال مخولِى) (وَلاَ أَقْصَرَتْ عَن هؤلا بل لحقْتُهم ... حَميدة افْعَالى صدوقٌ بِمِقْوَلى) (ولي ثِقَة فِي سيد إِبْنِ سيِّد ... مَنِ اختارهُ المولَى علينا لَنَا وَلِى) (أَبُو سَعدٍ برْكات بن مُحَمَّد ... لهُ نَسب عدل بِطه موصّلِ) (على الزين كم فرق من اصنام لَا بِهِ ... وَكم عكفوا بِهْ مِنْ رَسُولٍ ومرسلٍ) (وكَمْ لطم الضَّدْ الْقوي بغارةٍ ... بِكُل ابْلَحِ ذَرْبٍ تصَلْصَل من علِ) (على الْخَيل لدنين وَلَو مَا تعاودوا ... وَكم عطفوا بِصْدورهم روس ذبلِ) (وكمْ فرقُوا بالسيَّف محزوم ضَرْبَة ... سرايَاه فِيهَا مِنْ عراةٍ وكمّلِ) (علَى رَأْي حزَّام الحُرُوب انْ تفاختَتْ ... إِلَى هدم جمع عَنِ الْجمع يعزلِ) (وَمِنْه يخلي الإبن عَم ابْن عَمه ... والابنا عَن اباها تغض وتنسلِ) (أغارتْ مُلُوك الرُّومِ واستنصروا بِهِ ... وقبلَهْ عَسَاكِرْهُمْ تذل وتخذلِ) (تقلل مِنْ وادِى قُرَيْش وجُرْهُم ... عَلَى ضُمَّرِ من طُول ممشَاهُ محلِ) (وَقب تجابذهنَّ الارْسَان حزب ... مَطَاوِيِعِ لَدْنات المَرَاضِع قفّلِ) (فلمَّا تبيّنْ وجْه ممشَاهُ صَائِل ... نشُوف ثَقِيل الطَّعن أقفى وأشْملِ) (وأنكَرَ بَعْضٌ بَعْدَ الاجماعِ بعضَهُمْ ... وهُمْ قَبْلَ ذاكم فكَّكوا وَشر محملِ) (وطاع الضجر الصَّلِيب وَلَا قسا ... وَمِنْه تخلى العَارِض الفَرْد منْ بلي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 (وكَمْ مِنْ عَزِيزٍ عِنْدَ ملْقَاه غالي ... دَعَاهُ على التَّالى قَطِيع مهملِ) (من اوزام هَا الجَمْع الْقوي بمثْلِهِ ... وحَرْجَمَتِ الأظْعَانُ فِي كُلِّ منزلِ) (بهَا الحدب لزمن النواصي بمكنه ... ولابق بيْنَات المطاهير محْولِ) (وخفوا عَنْ اطفالٍ وشيبٍ كثيرةٍ ... وَحُورٍ عَلَى ابَنَاها تحِنّ وتُعْوِلِ) (وكَمْ طَلَبُوا مِنْهُ الرحا فِي مراحِهِمْ ... على اطْفَالِهِمْ مِنْ مأخَذِ القومٍ يعقلِ) (عَسَاهُمْ يتوبوا عَنْ مناخاة ميمر ... مصالاه قَبْلَ الفِعْلِ للخَصْمِ يقتلِ) (بقَوْمٍ إِذا زموا على الضَّدِّ واجملوا ... بالافْكَارِ مِنْ دارٍ لدار تحول) (وَمن عطوة واما بهَا من عَطِيَّة ... وَمن رمك فِيهَا أصيل ومصهل) (وَمن عرض مَا اعطى كم حكوا من جهامة ... بهَا نَاقَة حمرا وخوارة خلى) (معَاذًا بِهِ الحارات بِالْقربِ حسر ... وَلَو كَانَ أزين من بهَا الشَّمْس واجمل) (كليل مقاو الطّرف عَنْهُن دَائِما ... مدى الْعُمر مَعَ حدثها مَا تخَلّل) (فَإِن غَابَ عَنْهَا بَعْلهَا فَهُوَ سترهَا ... رءوف بهَا كنه ولي مُوكل) (فدَاه دويني قَلِيل أَمَانَة ... من الْخَوْف الأَرْض بْجارتيه تزلزل) (فجزني على مدحي بميصال ديرتي ... فَكل غَرِيب نَاقص لَو تطول) (ولي أُسْوَة بالليث وان كَانَ نَادِر ... بِلَا غابتهْ لزما يكل وينكل) (وللحر عادات إِلَى رب مَا كرن ... من اطول مَا فى الأَرْض مَا ينزل اسفل) (وصلوا على خير البرايا مُحَمَّد ... عددْ مَا مَشوا لهْ من حفايا وَنقل) ثمَّ تولى الشريف سعيد ابْن الشريف بَرَكَات ابْن السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد إِبْرَاهِيم ابْن السَّيِّد بَرَكَات ابْن الشريف أبي نمي يَوْم موت وَالِده الشريف بَرَكَات قبل أَن يجهزه ذهب السَّيِّد عَمْرو بن مُحَمَّد فِي جمَاعَة من الْأَشْرَاف إِلَى حَضْرَة أَفَنْدِي الشَّرْع وطلبوا مِنْهُ قفطاناً فَسَأَلَهُمْ الأفندي هَل رَضوا السَّادة الْأَشْرَاف فَقَالَ لَهُ السَّيِّد عَمْرو نعم رَضوا بذلك فَأتوا مِنْهُ بقفطان فألبسوه للشريف سعيد ثمَّ نودى بالبلاد باسمه وَمَعَ المنادى مَوْلَانَا الْحُسَيْن بن يحيى ومولانا السَّيِّد عبد الله بن هَاشم ثمَّ جهز الشريف بَرَكَات وَصلى عَلَيْهِ فاتح بَيت الله مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا الشَّيْخ عبد الْوَاحِد ابْن المرحوم سيدنَا ومولانا الشَّيْخ مُحَمَّد الشيبي الْقرشِي العبدرى بِوَصِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 مِنْهُ وَدفن فِي الْمحل الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ عقد مجْلِس يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم الْوَفَاة بِالْحَطِيمِ حَضَره الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء والأعيان والعساكر فأظهر الشريف سعيد أمرا سلطانياً مضمونه إِنَّه لما أرْسلهُ مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان مُحَمَّد خَان أنعم عَلَيْهِ بِالْملكِ بعد أَبِيه فقرئ بِمحضر ذَلِك الْجمع فسكنت الخواطر وَالْأَحْوَال لموجب ذَلِك الْأَمر الْوَاجِب الِامْتِثَال فَلِذَا لم تقع مُخَالفَة من أحد وَللَّه الْحَمد والْمنَّة ثمَّ حصل بَين الشريف سعيد وَالسَّيِّد نَاصِر ابْن المرحوم أَحْمد الْحَارِث بعض مقاومة من جِهَة وعد لم يتم فَقَامَتْ نفس السَّيِّد نَاصِر وعضد مَعَه جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن يعلى وَذَوي جود الله فِي خَمْسَة وَعشْرين شريفاً فَمَا زَالُوا يسعون بَينهم بِالصُّلْحِ حَتَّى اصْطَلحُوا وَللَّه الْحَمد وَفِي ثَانِي عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وصل أغا صحبته قفطان من صَاحب مصر لمولانا الشريف سعيد بن بَرَكَات جَاءَ بحراً وَخرج من يَنْبع وَفِي ثامن عشر رَمَضَان مِنْهَا ورد مُورق السميري يخبر أَن السَّيِّد زيد بن حَمْزَة رَسُول الشريف سعيد إِلَى الْأَبْوَاب وصل إِلَى يَنْبع ويخبر أَن القفطان السلطاني وَاصل بحراً وَفِي سادس عشريه وصل السَّيِّد حَمْزَة إِلَى مَكَّة وَفِي رَابِع شَوَّال مِنْهَا ورد إِلَى الأفندي أَمر سلطاني بِإِخْرَاج الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان من الْحَرَمَيْنِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأرْسل إِلَيْهِ الأفندي يَأْمُرهُ بِالْخرُوجِ فَطلب مهلة ثَلَاثَة أَيَّام فأمهل ثمَّ لم يَأْمَن على نَفسه فَلَمَّا أَتَوْهُ على الْوَعْد امْتنع فجَاء إِلَيْهِ العساكر إِلَى بَيته فصاح وَصَاح أهل بَيته من نسَاء وَأَطْفَال وخدم فَتَرَكُوهُ ومضوا إِلَى الشريف وأفندي الشَّرْع وأخبروهما بِمَا وَقع فأرسلوا إِلَيْهِ مَوْلَانَا السَّيِّد ثقبة ابْن قَتَادَة فحاوله على الْخُرُوج فَأَجَابَهُ إِنِّي ممتثل الْأَمر وَإِنَّمَا تمهلوني إِلَى الْحَج فَتوجه السَّيِّد ثقبة فِي الْإِمْهَال إِلَيْهِ عِنْد الشريف وأفندي الشَّرْع فأمهلاه ثمَّ خرج صُحْبَة الْحَاج الشَّامي وَفِي ثامن عشر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة دخل الأغا بالقفطان والمرسوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 السلطانيين فلبسه مَوْلَانَا الشريف سعيد فِي الْحطيم وَقُرِئَ المرسوم على الْعَادة بالتبجيل والتعظيم وَالتَّصْرِيح بتفويض أَمر الْحَرَمَيْنِ إِلَيْهِ والتعويل فِي حراستهما عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ ذَلِك النَّهَار موكب عَظِيم وفيهَا وصلت صَدَقَة من ملك الْهِنْد إِلَى الْحَرَمَيْنِ قدرهَا مائَة ألف ربية أَرْبَعُونَ ألفا للشريف وَسِتُّونَ لمَكَّة وَالْمَدينَة فَكَتَبُوا أَسمَاء النَّاس فِي دفتر وعدوهم بالتقسمة ثمَّ اقْتضى رَأْيهمْ أَن يأخذوها جَمِيعًا ويأمروا أهل مَكَّة بِأَن يكتبوا باستلامها فَكتب أهل مَكَّة بذلك وَأرْسل إِلَى أهل الْمَدِينَة وَطلب مِنْهُم أَن يسمحوا كَمَا سمح أهل مَكَّة بذلك فَكَانَ جَوَاب أَفَنْدِي الْمَدِينَة وَشَيخ حرمهَا وأغوات العساكر مَا نَصه إِن هَذَا شئ لعامة النَّاس فَلَا يسعنا السماح عَن جمَاعَة مَا نعتقد رضاهم وأبوا أَن يجيبوا بِغَيْر هَذَا فَلَمَّا وصل الْخَبَر بذلك عَنْهُم دبروا تدبيراً آخر لَا حَاجَة بِنَا إِلَى كشفه وَأَرْسلُوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان أورنك زيب صُحْبَة السَّيِّد مُحَمَّد البرزنجي فَلم يُعْط قبولاً وَلم يواجه السُّلْطَان هُوَ وَمن مَعَه أصلا ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة بعد ذَلِك فِي سنة خمس وَتِسْعين وَقد كَانَ فِي غنية وَعزة عَن مثل هَذِه الرسَالَة الَّتِي هَذَا شَأْنهَا وَقد أخذت مِنْهُ المكاتيب من بندر سُورَت وَأرْسلت إِلَى السُّلْطَان وَذَلِكَ لما بلغ السُّلْطَان حَقِيقَة الْحَال وَقد كَانَ المرحوم مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات عرض إِلَى الْأَبْوَاب لما فَارقه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته وَمن مَعَه فَعرف أَن السَّادة الْأَشْرَاف أتعبوه بِالطَّلَبِ الشطيط وَأَنه بَالغ فِي إرضائهم بِكُل وَجه فَقَالَ إِلَى حد أَنِّي رضيت أَن أجعَل لَهُم مغل ثَلَاثَة أَربَاع الْبِلَاد وَيكون لى ربع فَكَانَ جَوَابه أَنهم أبرزوا لَهُ أمرا سلطانياً بذلك فورد إِلَى مَكَّة بعد مدَّته فِي الْحَج آخر سنة ثَلَاث وَتِسْعين الْمَذْكُورَة وَلم يُرد مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات طلب هَذَا الْأَمر وَإِنَّمَا لما أرسل إِلَى الْأَبْوَاب متنصلاً عَن الْمُخَالفَة على السَّادة الْأَشْرَاف ومبيناً أَنه ساع فِي ملائمة هواهم بِحَيْثُ إِنَّه رَضِي بِأَن يَجْعَل ذَلِك لَهُم ظنت الدولة العثمانية أَن ذَلِك مُرَاد لَهُ ومطلوب فَأخْرج لَهُ أَمر بذلك فَلَمَّا وصل كتمه الشريف سعيد فتحققته السَّادة الْأَشْرَاف وطلبوه من الشريف فَأحْضرهُ على مَا أشيع مجْلِس الشَّرْع وسجل مضمونه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 وقسموا مَدْخُول الْبِلَاد والإخوان أَربَاعًا ربع لمولانا الشريف وَربع تشيخ فِيهِ مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله ومولانا السَّيِّد نَاصِر بن أَحْمد الْحَارِث ومعهما جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَالرّبع الثَّالِث تشيخ فِيهِ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب دَامَ علاهُ ومولانا السَّيِّد أَحْمد بن سعيد ومعهما جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَالرّبع الرَّابِع تشيخ فِيهِ مَوْلَانَا السَّيِّد عَمْرو ومولانا السَّيِّد غَالب بن زامل ومعهما جمَاعَة من الْأَشْرَاف فَحصل بذلك التشاجر فِي الْقِسْمَة والتعب والتشاحن وَوَقع فِي الْبِلَاد السرقات بل النهب الصَّرِيح وَاخْتلفُوا فِيمَا بَينهم وَلزِمَ من ذَلِك أَن كل صَاحب ربع يكون لَهُ كتبة وخدام يجمعُونَ مَا هُوَ لَهُ واستكتب مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته عسكراً وانضم إِلَيْهِم عبيد ذَوي زيد فَحصل عِنْد الشريف سعيد تَعب من ذَلِك فَأمره بترك الْعَسْكَر فَامْتنعَ وَذكر أَن السوالف سبقت بِمثل هَذَا لصَاحب الرّبع وَشهد بذلك كبار الْأَشْرَاف فَذكر الشريف سعيد أَنه متوهم من هَذَا الْفِعْل وَطلب من يكفله لَهُ فَكَفَلَهُ عشرَة من الْأَشْرَاف واصطلحا على ذَلِك ثمَّ ادّعى الشريف سعيد على الْأَشْرَاف أَن عبيدكم أتلفوا الْبِلَاد وَالْقَصْد من أهل الأرباع أَن يُرْسل كل مِنْهُم شخصا من جَانِبه يعسون الْبِلَاد مَعَ جماعتي فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب أَخَاهُ مَوْلَانَا السَّيِّد حسن بن غَالب وَأرْسل مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله ابْنه بَرَكَات بن مُحَمَّد وَأرْسل الشريف سعيد مَوْلَانَا السَّيِّد حَمْزَة بن مُوسَى بن سُلَيْمَان فِي جمَاعَة من الخيالة والدَّبابة مَعَهم الْقَائِد حَاكم الْبِلَاد أَحْمد بن جَوْهَر ثمَّ دخلت سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وصل فِي خَامِس شهر رَمَضَان مِنْهَا إِلَى مَكَّة هَدِيَّة من ملكة آش بلد بأقصى الْهِنْد وَتلك مُقَابل هَدِيَّة كَانَ أهداها إِلَيْهَا مَوْلَانَا الشريف بَرَكَات مِنْهَا ثَلَاثَة قناطير ذهب مصطنع يصفى على النّصْف خَالِصا وَثَلَاثَة غلايين ذَهَبا وَثَلَاثَة أَرْطَال كافور وجانب عَظِيم من الفرنقل والجاوي وآواق زباد آشى وللكعبة الشَّرِيفَة بِخَمْسَة قناديل ومبخرتين وشمعدانين وللمدينة كَذَلِك قناديل ومباخر وشماعدين فنازع السَّادة الْأَشْرَاف الشريف سعيد طَالِبين الثَّلَاثَة الأرباع مِنْهَا فَامْتنعَ من ذَلِك فَقَامَتْ النُّفُوس بَينهم وَبَينه ثمَّ وَقع الصُّلْح على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 إعطائهم النّصْف مِنْهَا فَأَخَذُوهُ وَفِي سادس عشري ذِي الْقعدَة مِنْهَا فتح الْبَيْت الشريف وَجَاء مَوْلَانَا الشريف سعيد ومولانا السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود ونائب الْحرم وعلقوا الْخَمْسَة الْقَنَادِيل بِالْكَعْبَةِ الشَّرِيفَة وفيهَا يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام مِنْهَا انْتقل بالوفاة إِلَى رَحمَه الله تَعَالَى مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وَفِي شهر ذِي الْحجَّة مِنْهَا لم يخرج السَّادة الْأَشْرَاف جَمِيعهم مَعَ الشريف سعيد إِلَى العرضة فَبعد أَن حج النَّاس ونزلوا عقد الشريف سعيد محضراً فِيهِ أَمِير الشَّامي صَالح باشا وَأحمد باشا صَاحب جدة وأمير الْحَاج المصرى ذوالفقار بك وَأمين الصرة والسرادير وأكابر الْحَج وأغواته وشكا من الشريف أَحْمد بن غَالب كِتَابَة الْعَسْكَر وَأَنه مناكد لي فِي الْبِلَاد وَأَنه أفسد عَليّ الْأَشْرَاف وَأَنه حصل مِنْهُ وَمن جماعته الْفساد فِي الْبِلَاد وَأَرْسلُوا السَّيِّد غَالب بن زامل إِلَيْهِ ليحضر فَيظْهر مِمَّن الْخلاف فَامْتنعَ من الْحُضُور فِي بَيت الشريف وَقَالَ إِن كَانَ الْقَصْد الِاجْتِمَاع فَفِي الْمَسْجِد وَإِن كَانَ لكم دَعْوَى فأوكل وَكيلا يسمع مَا تدَّعون بِهِ عَليّ ثمَّ أرْسلُوا إِلَيْهِ عَن كِتَابَة الْعَسْكَر وَمَا بعده فَأجَاب بِمَا أجَاب أَولا أَن هَذِه قَوَاعِد بَيْننَا قد سلفت أَن صَاحب الرّبع لَهُ أَن يكْتب عسكراً وَأما قَوْلكُم إِنَّه قد حصل من جماعتي أَو عسكري مفْسدَة فأطلقوا منادياً فِي الْبِلَاد معاشر النَّاس كَافَّة هَل أحد يشكو مني أَو من جماعتي أَو عسكري شَيْئا أَو أخذُوا حق أحد ظلما أَو ضربوا أحدا فَإِن وجدْتُم مشتكياً صَحَّ مَا قلتموه وَإِلَّا فَلَا وَجه لكم وَأما تركي العرضة فَكَانَ خوفًا أَن يَقع شئ فينسب ذَلِك إليَّ أَو إِلَى جماعتي كل هَذَا والأشراف جَمِيعهم اجْتَمعُوا على قلب رجل وَاحِد وَلم تزل خيولهم مسرجة ودروعهم عيابها غير مشرجة بل قد لبسوها وملئوا الأجياد إِلَى العقد وتحركت الأنفة الهاشمية الَّتِي تأبى الضيم والضهد وَبَلغنِي عَن الثِّقَة أَن صَالح باشا أَمِير الْحَاج الشَّامي كَانَ من جملَة كَلَامه إِلَى الشريف أَحْمد متع الله بحياته إِن لم تصطلحوا طَوْعًا أصلحناكم بِالسَّيْفِ فَأرْسل لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 فِي الْجَواب السَّيْف لنا يَا بني هَاشم مَا هُوَ لفلاليح الشَّام وَلَكِن إِذا نمت فأحكم تزرير مضربك عَلَيْك وَلما أَن سمع الْأُمَرَاء والأكابر جَوَاب الشريف أَحْمد بالْكلَام الأول وَعَلمُوا أَنه لَا وَجه عَلَيْهِ وَلَا خلاف ينْسب إِلَيْهِ سعوا فِي الصُّلْح بَينه وَبَين الشريف سعيد على أَن يكفل كل مِنْهُمَا جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَلَا يتَعَدَّى أحد على صَاحبه وكتبت بَينهمَا حجَّة شَرْعِيَّة وطلبوا من الشريف أَحْمد متع الله بحياته أَن يَأْتِي إِلَى الشريف سعيد فوصل إِلَيْهِ لَيْلَة فِي شهر الْحَج قبل خُرُوج الْحَاج الشَّامي ثمَّ بعْدهَا وصل إِلَيْهِ الشريف سعيد لَيْلَة أُخْرَى وَتمّ الصُّلْح وَللَّه الْحَمد وَأما صَالح باشا فَفِي يَوْم الِاجْتِمَاع الْمَذْكُور وصل فِي نَحْو مائَة من عسكره إِلَى بَيت مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وَقبل يَده وَاعْتذر مِمَّا تكلم بِهِ فَقبله وقابله بِوَجْهِهِ الطلق الصبيح ولاطفه بِلَفْظِهِ العذب الفصيح وَرفع عَنهُ الملام وأكرمه كَمَا هُوَ طبعه الشريف غَايَة الْإِكْرَام وفيهَا أَعنِي سنة أَربع وَتِسْعين وَألف أَمر مَوْلَانَا الشريف سعيد بالنداء فِي الْبِلَاد ثامن عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام أَن لَا يُقيم أحد من الغرباء بالبلاد من جَمِيع الْأَجْنَاس على حسب مَا ورد بِهِ الْأَمر السلطاني ثمَّ إِن أَرْبَاب الْأَمْوَال من الأتراك وَغَيرهم تكلمُوا مَعَ سرادير الْعَسْكَر وَجعلُوا لَهُم مصلحَة فَاجْتمعُوا وعزموا إِلَى أَحْمد باشا صَاحب جدة وَذكروا لَهُ أَن هَؤُلَاءِ التُّجَّار المصارية أَمْوَالنَا مَعَهم وَأَنَّهُمْ نافعون لنا فِي الْبِلَاد وحسنوا لَهُ التَّكَلُّم مَعَ الشريف سعيد فَأرْسل إِلَى الشريف سعيد فَتكلم مَعَه فِي إبقائهم فساجل على ذَلِك وَأطلق مناديه سَابِع عشري ذِي الْحجَّة الْمَذْكُورَة أَن من كَانَت لَهُ مُدَّة طَوِيلَة يُقيم وَلَا خلاف عَلَيْهِ فَمَا أسْرع انْتِقَاض الحكم بضده بعد تِسْعَة أَيَّام وَفِي ثَانِي عشر شعْبَان مِنْهَا كَانَت وَفَاة وَالِدَة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْغَازِي الْمُجَاهِد السُّلْطَان مُحَمَّد خَان كَانَت صَاحِبَة خيرات وصلات تغمدها الله بأتم الرحمات وَفِي عَاشر ذِي الْقعدَة كَانَت وَفَاة شَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي الْمَالِكِي السُّوسِي المفتن فِي جَمِيع الْعُلُوم الْمَشْهُور عِنْد الْعَرَب وَالروم توفّي بِدِمَشْق الشَّام مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف قَرَأَ على كبار الْمَشَايِخ بِبَلَدِهِ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 أَجلهم قَاضِي الْقُضَاة مفتي مراكش ومحققها سيدى عِيسَى السجسْتانِي والعلامة مُحَمَّد بن سعيد المراكشي وَمُحَمّد بن بكر الدلائي وَالشَّيْخ سعيد بن إبراهم الْمَشْهُور بقَدُّورَة مفتي الجزائر سِتِّينَ سنة وتلقن مِنْهُ الذّكر وَلبس الْخِرْقَة ولازم الشَّيْخ مُحَمَّد بن نَاصِر الزرعي أَرْبَعَة أَعْوَام فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف وَغَيرهَا وَصَحبه وَتخرج بِهِ ثمَّ رَحل إِلَى الشرق وَدخل مصر فَأخذ بهَا عَن الْعَلامَة الشَّيْخ عَليّ الأَجْهُورِيّ والشهاب الخفاجي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن سَلامَة القليوبي والعلامة سُلْطَان المراحي وأجازوه وبرع فِي الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَالْعرُوض والحساب والفلك والهيئة وَالْحكمَة وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ عدَّة فنون وَألف كتبا مفيدة مِنْهَا مُخْتَصر جَامع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير وَاخْتصرَ التَّلْخِيص وَشَرحه وَوضع حَاشِيَة على التسهيل وحاشية على التَّوْضِيح ومنظومة فِي علم الْمِيقَات وَشَرحهَا وَله جدول جمع فِيهِ مسَائِل الْعرُوض كلهَا واخترع كرة عَظِيمَة فاقت على الكرة الْقَدِيمَة والإصطرلاب وانتشرت فِي الْهِنْد واليمن والحجاز أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ سِنِين عزباً فِي خلْوَة بقايتباي ثمَّ جَاءَ إِلَى مَكَّة وجاور بهَا ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم فِي موسم سنة ثَمَانِينَ صُحْبَة أخي الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الكبرلي وحظي عِنْده حظوة عَظِيمَة وفوض إِلَيْهِ أَمر أوقاف مَكَّة وَغَيرهَا وعمَّر الأربطة الدامرة والمآثر الداثرة وَأَنْشَأَ تربة بالمعلاة وَجعلهَا جداراً أوتاراً متقاطعة فِي نصف قامة على شكل شطرنجي وعدتها ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة قبر بلغت النَّفَقَة عَلَيْهَا من مَال الْوَزير الْمَذْكُور أَرْبَعَة آلَاف أَحْمَر وَمِائَة أَحْمَر كَانَ ابْتِدَاؤُهَا سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وسعى فِي عزل مَوْلَانَا الشريف سعد وَولى الشريف بَرَكَات بنظره وإشارته وَصَارَ فِي مَكَّة صَاحب الْحل وَالْعقد وأنيطت أمورها جَمِيعهَا إِلَيْهِ ويتردد الشريف بَرَكَات إِلَى بَيته كل يَوْم وَرُبمَا جَاءَ مرَّتَيْنِ فِي الْيَوْم الْوَاحِد وأكابر الْحَاج وأمراؤه يأْتونَ إِلَيْهِ فَمن قبل عَلَيْهِ أذن لَهُ وَمن لَا فَلَا وَلَا يقطع الشريف بَرَكَات أمرا قل أَو جلّ إِلَّا بنظره وَرُبمَا فعل أمرا بِغَيْر نظره فَإِذا علم بِهِ نقضه من يَوْمه إِلَى أَن مَاتَ الْوَزير الْمَذْكُور فضعف أمره وَورد الْأَمر من الْوَزير الآخر مصطفى باشا أَولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 بالتحذير وَالنَّهْي عَن مُشَاركَة الدولة فِي أمورها من قَلِيل أَو كثير والتنفير عَن المكارشة فِيمَا يتَعَلَّق بهَا من جليل وحقير وَذَلِكَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف فأغلق ذَلِك الْبَاب وَصَارَ لَا ينفذ شَيْئا إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب ثمَّ فِي جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة عزم إِلَى بَلْدَة الطَّائِف وصاف بهَا ثمَّ ارتحل مِنْهَا أَوَاخِر شعْبَان فَسقط عَلَى وَادي مر ثمَّ توجه مِنْهُ إِلَى الْمَدِينَة المنورة الشَّرِيفَة فَدَخلَهَا ثَانِي يَوْم من رَمَضَان فَأَقَامَ بهَا نَحْو أَربع سِنِين وابتنى فِي أثْنَاء تِلْكَ الْمدَّة دَارا بلصق جِدَار الْمَسْجِد النَّبَوِيّ الشمالي فَلَمَّا كَانَت سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف رَحل مِنْهَا فِي النّصْف من شهر شعْبَان عَائِدًا إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا ثامن عشريه فاستمر بهَا إِلَى أَن ورد الْأَمر ثَانِيًا سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف بتخريجه من الْحَرَمَيْنِ فَخرج إِلَى مَكَّة صُحْبَة الْحَاج الشَّامي موسم سنة ثَلَاث وَتِسْعين كَمَا تقدم ذكر طرف من ذَلِك وَأخذ فِي سَفَره الأول إِلَى الرّوم عَن الشَّيْخ خير الدّين بن مُحَمَّد الرَّمْلِيّ الْحَنَفِيّ وبدمشق عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن بدر الدّين البلباني الْحَنْبَلِيّ وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين نقيب الْأَشْرَاف وَله فهرست بِجَمِيعِ مروياته وأشياخه سَمَّاهَا صلَة الْخلف بموصول السّلف وَوصل فِي سفرته الثَّانِيَة إِلَى دمشق الشَّام فَأَقَامَ بهَا حَتَّى كَانَت وَفَاته فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة أَربع وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله وَتجَاوز عَنهُ انْتهى ثمَّ دخلت سنة خمس وَتِسْعين فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر محرم الْحَرَام لما أَرَادَ أَحْمد باشا النُّزُول إِلَى جدة حشكت عَلَيْهِ السَّادة الْأَشْرَاف بِسَبَب أَنه استولى على الرّبع من حب الجراية الَّتِي ترد إِلَى مَكَّة بعد أَن كَلمُوهُ فِي ذَلِك فَامْتنعَ فَسَكَتُوا عَنهُ إِلَى يَوْم نُزُوله جدة وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة الْمَذْكُور فتحزبوا جَمِيعًا وَقَالُوا لَا ينزل حَتَّى يُعْطِينَا مَا هُوَ لنا وَلَا يبْقى عِنْده شئ وَكَانَ ذَلِك بعد أَن تقدمه أَهله وَثقله إِلَى جدة فَصَارَ أحير من ضَب واجتمعوا بِبَيْت السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ السَّيِّد ثقبة فَقَالَ لَهُ إِن نزلت قبل أَن تصلح الْأَشْرَاف يَأْخُذُوا جَمِيع أسبابك الَّتِي تقدّمت وينهبوا حريمك ويقتلوك فأذعن حِينَئِذٍ بوفائهم فَقَالُوا لَا نرضى بذلك حَتَّى تكفل لنا فكفل لَهُم كرد أَحْمد المعمار وَجَمِيع السرادير والوزير عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وَكَتَبُوا بذلك حجَّة شَرْعِيَّة وَأَنه إِن حصل مِنْهُ منع لبَعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 حُقُوقهم فَيكون عاصي الشَّرْع وَالسُّلْطَان ثمَّ خرج من مَكَّة بعد عصر ذَلِك الْيَوْم كالهارب // (من الْبَسِيط) // (أَلْجَدُّ فِي الجِدِّ والحرمانُ فِي الكَسَلِ ... ) وفيهَا تَاسِع ربيع الأول ورد أغا من صَاحب مصر بقفطان للشريف سعيد وبطلب كرد أَحْمد المعمار وَهَذَا كرد أَحْمد كَانَ قد وصل قبل هَذِه السّنة أرْسلهُ الْوَزير الْأَعْظَم مصطفى باشا إِلَى عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَحده وَكَانَت عِمَارَته فِي الْمَسْجِد فرش أروقته بِالْحجرِ الشبيكي وعمارته بجدة إِجْرَاء عين إِلَيْهَا اسْتمرّ فِيهَا نَحْو ثَلَاث سنوات ابتدأها من الْمحل الْمَعْرُوف بالقوز وَعمر بهَا أَيْضا مَسْجِدا ومنارةً وحماماً ووكالةً وَسبب طلبه لما غضب على مرسله الْوَزير الْأَعْظَم مصطفى الْمَذْكُور بِسَبَب الولس الَّذِي نسب إِلَيْهِ مَعَ الْكفَّار على الْمُسلمين وَكَانَ هَذَا كرد أَحْمد من خَواص الْوَزير الْمَذْكُور فجَاء الْأَمر لمولانا الشريف سعيد ففى يَوْم وصل الأغا ختم على بَيت كرد أَحْمد الذى بِمَكَّة وَركب الأغا من يَوْمه إِلَى جدة وَختم على بَيته بهَا وعَلى جَمِيع المَال وأحضروا المهندسين فخمنوا الْعِمَارَة فخمنوا كل ذِرَاع بقرش ريال بعد أَن ذرعوا من الِابْتِدَاء إِلَى الْبَلَد فَبلغ كَذَا وَكَذَا ألف ذِرَاع وَكَذَلِكَ خمنوا مَا صرف على فرش الْمَسْجِد وَحَسبُوا جَمِيع ذَلِك وَكَتَبُوا بِهِ حجَّة شَرْعِيَّة وَخرج من مَكَّة إِلَى جدة فِي شهر ربيع الآخر فَذهب بحرا إِلَى من طلبه وَمِمَّا وَقع فِي هَذِه السّنة من الْعَجَائِب أَن حُرْمَة من جِهَة الشبيكه من نسَاء الْعَرَب وضعت كَلْبا فخافوا الفضيحة فَقَتَلُوهُ ودفنوه وفيهَا أَيْضا جَاءَ نجاب من مصر وَأَخْبرنِي مشافهة أَن بالمويلح الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة حُرْمَة ولدت ولدا فَذهب أَبوهُ إِلَى جِهَة السُّوق فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ الْوَلَد الْمَوْلُود لوالده العوافي يَا باه قضيت حَاجَتك وَتكلم بأَشْيَاء كَثِيرَة من سَاعَته وَهَذَا من الْعَجَائِب الَّتِي لم يسمع بِمِثْلِهَا إِلَّا نَادرا وَالْقُدْرَة صَالِحَة وَبعد ذَلِك فقد الْوَلَد فسبحان الْقَادِر على كل شئ وفيهَا تضرر السَّادة من غلو سعر الذَّهَب ووصول الْأَحْمَر إِلَى ثَمَانِيَة حُرُوف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 وَربع وبسببه غلت الأسعار فطلبوا من الشريف أَن يُنَادى بنزول سعره إِلَى أَرْبَعَة حُرُوف لتنزل أسعار المسعرات إِلَى النّصْف من كل شئ فأجابهم إِلَى ذَلِك فتعب من ذَلِك صَاحب جدة أَحْمد باشا وعساكر مصر حِين أرسل لَهُم الشريف بِمثل ذَلِك وَامْتنع من النداء عَلَيْهِ إِلَّا بسبعة حُرُوف وَكَانَ ذَلِك عشري جُمَادَى الأولى ثمَّ إِن عَسْكَر مصر شكوا إِلَى الشريف سعيد أَن هَذَا ضَرُورَة علينا فنسأل الْفضل أَن تجعلوه بِسِتَّة حُرُوف وَنصف لَا علينا وَلَا على السَّادة الْأَشْرَاف خلاف فَأمر الشريف سعيد بالنداء بذلك والفسح بِهِ فَلَمَّا سمعُوا السَّادة الْأَشْرَاف بموافقة الشريف سعيد للأتراك فِيمَا طلبوه تعبوا واجتمعوا فِي بَيت السَّيِّد مبارك الْحَارِث لِأَنَّهُ هُوَ أول من تكلم فِي ذَلِك الشَّأْن ثمَّ ركبُوا إِلَى السَّيِّد غَالب بن زامل وَكَانَ بِالْأَبْطح وَأَخْبرُوهُ بمخالفة الشريف هواهم واتباعه هوى الأتراك فَأتى مَوْلَانَا السَّيِّد غَالب ومولانا السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود ومولانا السَّيِّد أَحْمد بن سعيد بن شنبر فَقَالُوا للسَّيِّد مبارك وَبَقِيَّة الْأَشْرَاف القائمين فِي هَذَا الْأَمر إِن الْبِلَاد للشريف وَإِن الْأَمر لَهُ فِي الْمُعَامَلَة وَغَيرهَا ولستم شُرَكَاء للشريف فِي الْأَحْكَام بل فِي الْمَدْخُول فحجوهم بذلك وفيهَا فِي شهر ربيع الآخر وجد رجل من أَبنَاء الْمَدِينَة يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن عمار الصعيدي بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ بعد أَن فتش الْمَسْجِد وأغلق فَأخْرجهُ الخدام ثمَّ لما كَانَ من أَعمال شئ من اللَّيْل وجدوه أَيْضا تجاه الْقَبْر الشريف يقْرَأ فِي مصحف فأخرجوه من الْمَسْجِد وَلما كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة وَقت التَّذْكِير دخلُوا لإيقاد قناديل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فوجدوه فِيهَا دَاخِلا تَحت السّتْر نصفه وَنصفه الآخر خَارِجا فتقدموا إِلَيْهِ وأخرجوه وَأتوا بِهِ إِلَى شيخ الْحرم وَأَخْبرُوهُ بِمَا وَقع فَوَضعه فِي بعض المخازن وأغلق الْبَاب وعَلى الْبَاب حرس ثمَّ فتحُوا الْبَاب بعد سَاعَة فَلم يجدوه فسألوا عَنهُ فَإِذا هُوَ فِي بَيته عِنْد وَالِده وَأَهله وَالله أعلم بِحَقِيقَة حَاله وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر رَمَضَان مِنْهَا عدا بعض أَوْلَاد الصاغة بِمَكَّة على أَخِيه فَضَربهُ جنبية عمدا فَقتله رَحمَه الله تَعَالَى وَدخل على السَّيِّد حسن بن غَالب فَدخل بِهِ على أَخِيه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فبذل لِأَبَوَيْهِ الدِّيَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 فامتنعا وسمحا عفوا فألزمه بسكنى بندر جدة فَهُوَ فِيهَا وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشري رَمَضَان مِنْهَا كَانَت وَفَاة الْحرَّة الطاهرة والدرهَ الثمينة الفاخرة السيدة الشَّرِيفَة عمْرَة بنت سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد تغمدها الله برحمته وأستكنها فسيح جنته ودفنت صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم وَكَانَت جنازتها حافلة وفيهَا إرْسَال الشريف سعيد ترجماته المهتار على أغا إِلَى صَاحب مصر يذكر فَسَاد مَكَّة وَأَنَّهَا خربَتْ وَأَحْوَالهَا اضْطَرَبَتْ وَطلب مِنْهُ عسكرا لإصلاحها وفيهَا ثَانِي عشر رَمَضَان كَانَت وَفَاة الْأَمِير الخطير وَالسري الْكَبِير الَّذِي حوى من الْفضل أجمعه وَمن اللَّفْظ أعذبه وأبرعه الْأَمِير الْجَلِيل ذِي الْقدر النَّبِيل وَالْمجد الأثيل وَالْأَصْل الْأَصِيل الْأَمِير يحيى بك ابْن المرحوم على باشا الأحسائى ثمَّ الْمدنِي الْحَنَفِيّ بِطيبَة المنورة مولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف بِمَدِينَة الإحساء وَبهَا نَشأ فِي حجر وَالِده وتأدب بأكابر عُلَمَاء بَلَده وَأخذ عَن الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن حسن الأحسائي الْفِقْه والْحَدِيث وعلوم الْعَرَبيَّة وَأَجَازَهُ بمروياته وَجَمِيع مؤلفاته وتلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة وصافح من طَرِيق المعمرين الشَّيْخ تَاج الدّين النقشبندي الْهِنْدِيّ عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الشهير بحاجي رمزي قَالَ فصافحني أَبُو سعيد الحبشي قَالَ فصافحني النبى وَله شعر مِنْهُ قَوْله يمدح النبى // (من الْكَامِل) // (أتريدُ جاراً حامياً لكَ سيدَا ... ومقامَ عِزِّ عَالِيا متفرّدَا) (وترود شرقًا للبلاد وغربَهَا ... متفكراً متحيراً متردِّدَا) (وترومُ ذَا والحالُ مِنْك مقصِّرٌ ... عَمَّا طرا والفعْلُ لَيْسَ مسدَّدا) (فعليكَ أَن تردَ النجاةَ وتَتَّقى ... خوفَ الْعقَاب تِلَاوَة والمسْجِدا) (وانزلْ بدارِ الْمُصْطَفى متأدِّبًا ... ولجودِهِ مستمطراً متقصِّدَا) (واعرفْ لفيضِ الفضلِ مِنْهُ مواسماً ... لتكُنْ لَهَا مترقباً مترصِّدَا) (فلعلَّ أَن يحيى كَمَا أحيى بِهِ ... للدِّينِ رسماً قد عَفا وتهدَّدَا) (فاجهَدْ تكُنْ جاراً لَهُ ودخيلَهُ ... وابذلْ لَهُ روحاً ومالاً مجهدا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 (أفما سمعْتَ لقائلٍ ذِي فطنةٍ ... تسمو بساكِنِهَا فكُنْ مسترشِدَا) (واطلب بغالِى النفسِ منْكَ جوارَهُ ... واتركْ لِسَوْفَ وَلَا تقُلْ مهلا غَدَا) (بلْ قُمْ وسارعْ للمدينةِ رَاغِبًا ... ولمنْ بهَا مستشفعاً متعبدَا) (فَهُوَ الَّذِي يحمي ويغني جَاره ... وَعَلِيهِ قد أوصى وحَثّ وأكَّدَا) (فلقَدْ نصحتُكَ إِن قبلْتَ نصيحَتِى ... وَلما نصحْتُ فعلته متودِّدا) (وجنحْتُ مشتاقاً لطَيْبَةَ قَاصِدا ... غَوْثَ الورَى بَحْرَ الحقائقِ أحمدَا) (بدْرُ الهدَى بالحقِّ أُرْسِلَ رَحْمَة ... للعالمينَ وبالملائكِ أُيِّدَا) (أوَ لَيْسَ قومِي عالمينَ بأنني ... جاوَرْتُ خَيْرَ المرسلينَ محمَّدَا) (وحَلَلْتُ ساحةَ جودِهِ متمسكاً ... بالعروةِ الوثقَى فَلَا أخْشَى الرَّدَى) (حاشاكَ أَن أخشَى وأنْتَ وسيلتي ... وذَخِيرتى حَقًا وأنْتَ المقتدَى) (فعلَيكَ خَيْرَ الخلقِ إِنِّي داخلٌ ... وببابِكَ الأعلَى أقمْتُ مقيَّدَا) (فعسَى بجاهِكَ أَن يمنَّ بعفوها ... ربُّ كريمٌ بالنوالِ تفرَّدَا) (ويجودَ بالغفرانِ مِنْهُ تفضلاً ... وأنالَ عِزَّا من مديحِكَ سَرْمَدَا) (قد قَالَهَا من كَامِل فِي كاملٍ ... يحيا لكَىْ يحيى سعيداً مسعدَا) (دنيا وأخرَى إِذْ لجا لجنابِكُمْ ... أيخيبُ مَنْ أمَّ الجنابَ المُفْرَدَا) (حاشا وحاشا ثُمَّ حاشا أَن يُرَى ... متألما من جَاءكُمْ متعمِّدَا) (وصلاةُ ربِّى دَائِما وسلامُهُ ... تغشَى ربوعَ الْمُصْطَفى والمرقدا) (والآلَ والصحْبَ الكرامَ جميعَهُمْ ... والتابعينَ لَهُم ومَنْ قد وَحَّدَا) (مَا لاحَ نجمٌ فِي السماءِ وَمَا أضا ... نجمٌ وَمَا أشجَى هزارٌ غَرَّدَا) وَقَوله مضمناً // (من الْبَسِيط) // (ظلمتُ نَفْسِى وَلم أعمَلْ بموجبها ... وَمَا علمْتُ بأنَّ الغىَّ يُتْلفنِى) (يأتِى على المرءِ فِي أيامِ محنتِهِ ... حتَّى يرى حسنا مَا ليْسَ بالحسَنِ) كَانَ وَالِده المرحوم على باشا والياً على الأحساء والأمير يحيى هَذَا على القطيف بأَمْره فَأرْسل وَالِده الْمَذْكُور أكبر أَوْلَاده مُحَمَّدًا بهدية إِلَى سُلْطَان الرّوم على جاري الْعَادة فزور كتابا من وَالِده مضمونه أَنه قد كبر فِي السن وَالْتمس من السُّلْطَان أَن يُقيم وَلَده مُحَمَّدًا فِي الْولَايَة على الأحساء مَكَانَهُ بمرسوم سلطاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَلما وصل مُحَمَّد إِلَى الأحساء أرشى أكَابِر العساكر وأعلمهم بِالْأَمر وتلقاه وَالِده وَإِخْوَته فَلَمَّا اجْتَمعُوا أخرج المرسوم السلطاني وَتَوَلَّى بِمُوجبِه وَأَرَادَ حبس وَالِده وَإِخْوَته فطلبوا مِنْهُ أَن يجهزهم إِلَى الْحَرَمَيْنِ ويعين لَهُم مصرفاً فَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة وجاوروا بهَا وَتُوفِّي والدهم على باشا بهَا سنة سِتّ وَخمسين ثمَّ فِي موسم خمس وَسبعين توفّي ابْنه أَبُو بكر باشا ابْن على باشا بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة فَحمل فِي محفة إِلَى مَكَّة فَدفن بهَا فِي المعلاة وَكَانَ ذَا شهامة وصرامة سلالة بَيت عز وكرامة ذَا كرم يفوق الْبَحْر بِالْمدِّ وبأس يقصر عَنهُ حد السنان وَالْحَد إِلَى أدب بذ فِيهِ فحول الأدباء وفَاق وممادح قيلت فِيهِ فنفق سوقها لَدَيْهِ أحسن نفاق إِلَى لطف أَخْلَاق تُعير النسيم لطافة وتوصل قاصده وتؤمنه مأموله ومخافه إِلَى قريحة وقادة وذكاء ملك بِهِ زِمَام الْأَدَب وقاده لَهُ الشّعْر الرصين الْمَبْنِيّ البطين الْمَعْنى مِنْهُ مَا كتب بِهِ إِلَى مَوْلَانَا وَشَيخنَا الْعَلامَة أبي مهْدي عِيسَى بن مُحَمَّد الثعالبي الْجَعْفَرِي وَنَصه // (من الْكَامِل) // (يَا مَنْ سما فوْقَ السِّمَاكِ مقامُهُ ... ولقدْ يَرَاكَ الكلُّ أنْتَ إمامُهُ) (حزتَ الفضائلَ والكَمَالَ بأسْرِها ... وعلوْتَ قدرا فيكَ تَمَّ نظامُهُ) (لَو قيلَ مَنْ حازَ العلومَ جميعَهَا ... لأَقُولُ أنْتَ المِسْكُ فيكَ ختامُهُ) (كم صنْتَ من بِكْرِ العلومِ خرائداً ... عَن غيرِ كُفْءٍ لم يجب إكرامُهُ) (فاعلَمْ بإني غَيْر كُفْءٍ لَائِق ... إنْ لم يكنْ ذَا الفضْلُ مِنْك تمامُهُ) ثمَّ أتبعه بنثر صورته لما أَضَاء نور الْمحبَّة فِي قنديل الْقُلُوب صفت مرْآة الْحَقِيقَة فَظهر الْمَطْلُوب فاتضحت الرسوم الطامسة وَبَانَتْ الطّرق الدارسة فاكتحلت عين القريحة فسالت فِي أنهر النُّطْق فأثمرت بالمسطور وَهُوَ الْمَقْدُور وَأما الْمقَام فَهُوَ أنهى من ذَلِك وَأجل وَلَيْسَ يدْرك ذَلِك إِلَّا من وصل وَأما العَبْد فَهُوَ مقرّ أَنه قد قصرت بِهِ الركائب عَن بُلُوغ ذَلِك وعاقته عقبات الْأَسْبَاب عَن سلوك هَذِه المسالك لَكِن حَيْثُ أَن ثِيَاب السّتْر من فَضلكُمْ على أَمْثَاله مسبولة يُمكن أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 يدْخل فِي ضمن الْأَمْثَال مَطْلُوبه وَالسَّلَام فَأَجَابَهُ مَوْلَانَا الشمار إِلَيْهِ بقوله // (من الْكَامِل) // (لله درُّكَ يَا فريدَ محامِدٍ ... أربَى على البدرِ التمامِ تمامُهُ) (قد صغْتَ من سرِّ البراعةِ مُفردا ... فاقَ الفرائدَ نثرُهُ ونظامُهُ) (وكسوتَهُ مِنْ جزلِ لفظِكَ سابغاً ... وَشِيَتْ بكلِّ لطيفةٍ أكمامُهُ) (أعربْتَ فِيهِ عنِ اعتقادٍ خالصٍ ... ومكينِ ودِّ أحكمَتْ أحكامُهُ) (وجلوتَهُ يختالُ تيهاً آمنا ... مِنْ أنْ يشابه فِي الوجودِ قوامُهُ) (وحبوْتَ ذَا شكْرٍ ببيتِ قصيدةٍ ... وبفضِّ خَاتمه الْعلي اسرامه) (أَهلا بِهِ فَردا أَتَى من مفردٍ ... وحبا بِهِ ضيفاً يجلُّ مقامُهُ) (حتما علىَّ ولازماً تبجيلُهُ ... فَوْرًا وحقَّا وَاجِبا إكرامُهُ) (لكنْ علِى قدري فلَسْتُ بكُفْءِ مَنْ ... وطئَتْ على هامِ الْعلَا أقدامُهُ) (وإليكَهَا عذرا عَلَى مَهَلٍ أتتْ ... خجلاً لمحتدِكَ العزيزِ مَرَامُهُ) (فاصفَحْ بفضلكَ عَن صحيفةِ وُدِّها ... فالفضْلُ مؤتمٌّ وأنتَ إمامُهُ) (واسحَبْ رداءَ المجدِ غيرَ مدافَعٍ ... فلأنْتَ عنصرُهُ وأنتَ خِتامُهُ) وَله ديوَان شعر مجلدان حاوٍ مَا يفوق الدّرّ والجمان رَحمَه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة وفيهَا أَعنِي سنة خمس وَتِسْعين اشْتَدَّ الْبلَاء بالسرق لَيْلًا وَنَهَارًا سرّاً بل وجهاراً وَكسرت الْبيُوت والدكاكين وَترك النَّاس صَلَاة الْعشَاء فِي الْمَسْجِد وَالْفَجْر خوف الْقَتْل أَو الطعْن أَو الْكسر وَصَارَت العبيد لَا يأْتونَ إِلَّا ثَمَانِيَة وَعشرَة وَلَا يُبَالِي أحد مِنْهُم بِمن ننصره يدْخلُونَ بَيت الرجل يقفون على رَأسه بِالسِّلَاحِ وَرُبمَا نكح بَعضهم زَوجته وعينه تنظر كَأَنَّهَا حَلَاله الْمُبَاح وانقلب ليل النَّاس نَهَارا لأَنهم إِنَّمَا يبيتُونَ سهارى بل من الْخَوْف سكارى وَكَثُرت الْقَتْلَى فِي الرّعية بأيدي العبيد وَعدم المشتكي النَّاصِر وَفعل كل شقي مَا يُرِيد وَلَا يُجَاب الصائح حِين يَصِيح وَإِن اتّفق أَنه صَاح فَلَا يُوجد فِي مرقده إِلَّا وَهُوَ ذبيح حَتَّى ضُبطت الْقَتْلَى بِمَكَّة فِي شهر رَمَضَان فَكَانَت تِسْعَة أشخاص فضجت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 الْأمة إِلَى الله تَعَالَى أَن ينقذهم من هَذَا الْحَال الوبيل والداء العضيل بِمن يهنأ نقبها ويشد سلبها وَيصْلح اعوجاجها ويؤمن طرقها وفجاجها فَاسْتَجَاب الله دعاءهم فِي الأسحار وآناء اللَّيْل وأطراف النَّهَار بِأَن ولى أمرهَا المرحوم الشريف أَحْمد ابْن مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد تغشاه الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَشرح مبدأ ذَلِك وتفصيل مَا هُنَالك أَنه لما انْفَصل عَن إمرة مَكَّة هُوَ وَأَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى الطَّائِف ثمَّ مِنْهَا إِلَى بيشة فَأَقَامَ بهَا وَتوجه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد إِلَى ديرة بني حُسَيْن فَإِن لَهُ بهَا أَهلا وَولدا وَاسْتمرّ مُقيما بِتِلْكَ الديرة إِلَى أول ذِي الْقعدَة الْحَرَام فَرَحل مِنْهَا قَاصِدا الْمَدِينَة لزيارة جده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَدَخلَهَا لَيْلَة سَابِع الْعشْرين مِنْهَا لَيْلَة دُخُول الْحَاج الشَّامي وواجه بهَا فِي ذَلِك الْعَام باشا الشَّام فقابله بأتم الإجلال وَالْإِكْرَام وَالْتمس مِنْهُ إتْمَام بعض مرام من شرِيف مَكَّة بَرَكَات ثمَّ رَحل من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ثَانِي شهر ذِي الْحجَّة من الْعَام الْمَذْكُور وَنزل على الشَّيْخ حَرْب أَحْمد بن رَحْمَة وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى عودة الْحَاج الشَّامي فواجهه الباشا وَأخْبرهُ بِعَدَمِ تَمام ذَلِك المرام بعد أَن أرسل لَهُ الْخَبَر من مَكَّة بالإعلام ثمَّ توجه فِي أول عَام أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ إِلَى الْفَرْع وَاسْتمرّ بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ لما خرج الشريف بَرَكَات إِلَى حرابة حَرْب فِي أواسط السّنة الْمَذْكُورَة عَاد إِلَى حَرْب وَحضر الْحِرَابَة ثمَّ بعد انْقِضَائِهَا توجه أَيْضا إِلَى الْفَرْع ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف سعد وَاسْتمرّ بَين السوارقية وَالْفرع وَأكْثر الْإِقَامَة بالفرع وَلما توعد الشريف بَرَكَات أهل الْفَرْع أَوَائِل سنة خمس تنحيا إِلَى جِهَة وَادي النقيع من ديرة حَرْب من بني السّفر وَبني عَليّ وعَوْف واستمرا وَمن مَعَهُمَا إِلَى شهر رَمَضَان ثمَّ عَن لَهُم التَّوَجُّه إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فوصلوا إِلَى حول الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ونزلوا بِالْغَابَةِ مُجْتَمع الأسيال غربي أحد أَوَاخِر رَمَضَان فعيدوا بذلك الْمحل وَلَيْسَ فِي نزُول الْأسود بِالْغَابَةِ ملامة وَلَا معابة وتقضوا مصَالح وأغراضا وأزوادا مِنْهَا وَقد أَخْبرنِي الثِّقَة أَنَّهُمَا اجْتمعَا بِالْمحل الْمَعْرُوف ببئر وَاسِط بمولانا السَّيِّد مبارك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 الْحَارِث وَكَانَ هُوَ المشير عَلَيْهِمَا بِقصد الْأَبْوَاب الْعَالِيَة ثمَّ ترحلوا من الغابة خَامِس شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة متوجهين إِلَى الشَّام لَا يَمرونَ بحي من الْأَحْيَاء إِلَّا أكْرمهم غَايَة الْإِكْرَام وَمن أعجب الِاتِّفَاق نزولهم على مراح ابْن سحيم من غير علم مِنْهُم بذلك وَكَانَ الشريف سعد قد قتل أَبَاهُ فَلَمَّا علم بهم وَعَلمُوا بِهِ حصل لَهُم كرب عَظِيم فَلم يشعروا إِلَّا وَولده مواجه لَهُ بالعبودية وَالسَّلَام والإجلال والإعظام وأهدر دم وَالِده وَأكْرمهمْ وَذبح الذَّبَائِح ومنح المنائح وَهَذِه وَلَا شكّ معْجزَة من جدهم وكرامة من سَعَادَة جدهم وَلم يزَالُوا على مثل ذَلِك مَعَ كل من مروا عَلَيْهِ من العربان من جمع ووحدان إِلَى أَن وصلوا الشَّام فَتَلقاهُمْ أهل الشَّام وأمراؤها وعلماؤها وكبراؤها وأشرافها ونقباؤها وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ أَقَامُوا بِالشَّام وَأرْسل صَاحب الْأَمر بهَا يسْتَأْذن لَهُم فِي الْوُصُول فَعَاد الْجَواب بِالْإِذْنِ فتوجهوا ودخلوا إِلَى أدرنة فِي ربيع الأول من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَحصل لَهُم من الْمُقَابلَة واللطف مَا يقصر عَنهُ الْوَصْف فأقاموا بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ توجهوا بِأَمْر من الدولة الْعلية إِلَى إِسْلَام بَوْل واستمروا بهَا بَقِيَّة سنتهمْ الْمَذْكُورَة ثمَّ دخلت عَلَيْهِم سنة سبع وَثَمَانِينَ وهم بهَا فَلَمَّا كَانَ شهر صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وصل مَوْلَانَا السُّلْطَان وَجَمِيع الدولة من أدرنة إِلَى بِلَاد إِسْلَام بَوْل وَفِي شهر ربيع الثَّانِي أنعم على مَوْلَانَا الشريف سعد بِولَايَة المعرة وَأمر بالتوجه إِلَيْهَا وَاسْتمرّ يتجهز إِلَى أَن كَانَ خُرُوجه إِلَيْهَا حادي عشر جُمَادَى الأولى وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِإِسْلَام بَوْل وَعرضت عَلَيْهِ ولَايَة طرسوس وَهِي بلد على سَاحل بَحر الشَّام وَأُخْرَى بِجِهَة الروملي فَلم يقبل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَكَانَ جَوَابه إِن تفضلتم بِولَايَة بِلَادنَا وَإِلَّا فَنحْن تَحت أعتاب السلطنة الْعلية وَاسْتمرّ السُّلْطَان بِإِسْلَام بَوْل إِلَى أواسط شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ توجه إِلَى أدرنة أَيْضا ثمَّ بعد خُرُوجه فِي ثَانِي أَو ثَالِث مرحلة توفّي الْوَزير أَحْمد باشا بعد أَن خرج مَرِيضا فأعيد إِلَى إِسْلَام بَوْل وَدفن بهَا وَتَوَلَّى مَكَانَهُ قَائِم مقَامه مصطفى باشا واستمروا متوجهين إِلَى أدرنة وَأَقَامُوا بهَا إِلَى آخر السّنة الْمَذْكُورَة وَشهر من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 أول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ ثمَّ عَادوا إِلَى إِسْلَام بَوْل فِي شهر صفر أَيْضا وَتَأَخر الْوَزير أَيَّامًا ثمَّ وصل واستقرت الدولة بِإِسْلَام بَوْل وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مُقيما بهَا تَحت ظلّ الدولة الْعلية وَفِي كل سنة يَتَجَدَّد لَهُ من الْإِكْرَام والترقيات مَا فَوق المرام وَفِي كل شتاء بثلاثمائة بغل محملة من جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْبَيْت وَزيد سنة وَاحِد وَتِسْعين ثَلَاثمِائَة أُخْرَى وحصلت بَينه وَبَين قزلار أغاسى محبَّة أكيدة وَطلب الِاجْتِمَاع بالوالدة فَاجْتمع بهَا وأغدقت عَلَيْهِ سوابغ الإنعام ووعدته بالمرام وَقد سبق وعدها وعد الْملك العلام وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف فوصل فِيهَا إِلَى الديار الرومية السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد وَالسَّيِّد بشير بن مبارك مرسولين من السَّيِّد أَحْمد بن غَالب من الشَّام فركبا إِلَيْهِ وقيَّلا عِنْده فَأوحى بعض المفسدين إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم وَقَالَ إِن إِقَامَة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِإِسْلَام بَوْل يخْشَى مِنْهَا فَالْأولى عدم إِقَامَته بهَا فَأحْضرهُ الْوَزير وَألبسهُ قفطانا بِولَايَة كرك كَنِيسَة اسْم محمل بَينه وَبَين أدرنة ثَمَان سَاعَات فلكية وَكَانَ قبل ولَايَته بشهرين أرسل بأَخيه الشريف سعد إِلَى الْبَلَد الْمُسَمَّاة ويزه بِكَسْر الوار وَتَخْفِيف الزَّاي وَهِي قَرْيَة أَيْضا من كرك كَنِيسَة بَينهَا وَبَينهَا ثَمَان سَاعَات أَيْضا وَاسْتمرّ كل مِنْهُمَا بمكانه إِلَى سنة أَربع وَتِسْعين فَتوجه السُّلْطَان إِلَى السّفر فَعِنْدَ حُلُوله بأدرنة فسح لَهُم بالتوجه إِلَى حَيْثُ شَاءُوا من الديار الرومية فَتوجه مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى إِسْلَام بَوْل وَاسْتمرّ الشريف أَحْمد فِي بَلَده الْمَذْكُورَة وَطَابَتْ لَهُ وتأنس بهَا إِلَى أَن كَانَت سنة خمس وَتِسْعين فوصل فِيهَا ترجمان مَوْلَانَا الشريف سعيد بِعرْض إِلَى صَاحب مصر يذكر فِيهِ مَا شرحناه من إِفْسَاد مَكَّة بأيدي العبيد والنهب الَّذِي لَا ينقص بل يزِيد وَأَن الْبِلَاد خربَتْ وَالْأَحْوَال اضْطَرَبَتْ وَطلب مِنْهُ عسكراً لإصلاحها ومالا يَسْتَعِين بِهِ على أُمُور نَجَاحهَا وَأظْهر أَنه مغلوب عَلَيْهِ وَأَن كل من أَرَادَ شَيْئا فَمِنْهُ وَإِلَيْهِ فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أرسل رَسُولا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية بالتعريف بِهَذِهِ الْأَحْوَال وَأرْسل مَعَه الترجمان الْمَذْكُور فوصلا يَوْم عيد الْفطر وَحصل عِنْد السلطنة الْعلية اضْطِرَاب لهَذَا الْخَبَر فاشتورت الدولة واتفقت على إِلَّا يصلح هَذَا الْخلَل إِلَّا أَهله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 العريفون وحماته الَّذين هم فِي بَيت الْملك عريقون وبرز فِي الْوُجُود مَا كَانَ فِي علم الله كَائِنا وَمَا قدر بِهِ لبلده أَن يعود كَمَا كَانَ آمنا فاستدعي مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ مُقيم بأدرنه عِنْد رُجُوعه من السّفر مَوْلَانَا الشريف أَحْمد من محلّة كرك كَنِيسَة الْمَذْكُورَة يَوْم ثَالِث شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فبادر بالوصول إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر فقابله بالإجلال وَالْإِكْرَام والتحية وَالْقِيَام وَوضع كَفه بكفه وتصافحا من قيام قَائِلا اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَكَانَ أول خطاب وَقع بَينهمَا أَن قَالَ لَهُ يَا شرِيف أَحْمد الْحجاز خراب أريدك تصلحه فَوضع مَوْلَانَا الشريف يَده على رَأسه ممتثلاً لِلْأَمْرِ قَائِلا نَوْلَهْ كلمة تُؤدِّي معنى الْقبُول وَالطَّاعَة فَأكْرم بهَا قَوْله فَعندهَا خلع عَلَيْهِ من الفرو القاقم الْأَبْيَض وَهُوَ الَّذِي دخل مَكَّة لابساً لَهُ ثمَّ جلس مَوْلَانَا السُّلْطَان وَأَشَارَ إِلَى مَوْلَانَا الشريف بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ قَوْله الأول فَفعل فعله الأول فَفِي الثَّالِثَة فعل مَا فعل فِي الْأَوليين ثمَّ قَالَ يَا بادشاهي الْحجاز يحْتَاج إِلَى فتوح جَدِيد فَأمر حِينَئِذٍ مَوْلَانَا السُّلْطَان بإحضار يازجي وَأمره بِأَن يمليه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مَا يُريدهُ فَيكْتب بمضمون ذَلِك أوَامِر مُتعَدِّدَة ثمَّ قَامَ مَوْلَانَا السُّلْطَان فَخرج مَوْلَانَا الشريف وَقدم لَهُ مركوب من خيل السُّلْطَان بعدته وَتَبعهُ من الْإِكْرَام وَالْإِحْسَان مَا لَا يحصره بنان وَلَا بَيَان ثمَّ توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى سرايته الَّتِي عينت لَهُ بأدرنه وَاسْتمرّ بهَا إِلَى يَوْم التَّاسِع من شَوَّال الْمَذْكُور ثمَّ توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى بَلَده كرك كَنِيسَة وَأقَام بهَا يَوْمَيْنِ وَضم متفرق أُمُوره وأحواله وَأوصى على أَهله وَعِيَاله ثمَّ توجه إِلَى إِسْلَام بَوْل وَبَات بهَا رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقَالَ بهَا نَهَاره ثمَّ توجه إِلَى أسكدار ورحل مِنْهَا يَوْم خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور مُتَوَجها مِنْهَا إِلَى مَكَّة على خيل الْبَرِيد الْمُسَمَّاة فِي عرف أهل الرّوم الولاق فَدخل إِلَى الشَّام وَقد خرج الْحَاج مِنْهَا وَاسْتمرّ مجداً فِي السّير والدءوب بِمَا لَا يحْتَملهُ بشر مِمَّا يشق على الرَّاكِب والمركوب بعزمة تطوى مفاوز الأَرْض طياً وَيَنْقَطِع عَنْهَا سليك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 المقانب كلالا وعياً فَأرْسل إِلَى مَكَّة بِكِتَاب إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته وَإِلَى الْوَزير عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وَكَانَ قد أرسل إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي أَن يتربص لَهُ بالعلا فتربص يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَوصل مَوْلَانَا الشريف إِلَيْهِ فَدخل مَدِينَة جده سيد الكونين وَلبس الخلعة السُّلْطَانِيَّة بحجرة جده كَمَا لبسهَا فِيهَا أَبوهُ واسترَت الْقُلُوب بِرُؤْيَة محياه وتبلجت الْوُجُوه وَأما الشريف سعيد وَعَمه السَّيِّد عَمْرو فَلم يَزَالَا فى انْتِظَار الْجَواب بِالْمَالِ والعساكر وَمَا علما مَا صنعه الْوَاحِد القاهر وَفِي ثَالِث شَوَّال وصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعيد قفطان من صَاحب مصر أرْسلهُ إِلَيْهِ بعد أَن عرض إِلَى الْأَبْوَاب وسير مَعَ رَسُوله إِلَيْهَا ترجمان الشريف سعيد كَأَنَّهُ تطمين للفؤاد وتبشير بإتمام مَا أرسل فِي طلبه من ذَلِك المُرَاد وَحين وُصُول الْعَسْكَر إِلَى بَيت الشريف أُصِيب ابْن الشريف بَرَكَات السَّيِّد عبد الله ببندقة أذهبت خنصر يَده وَكَانَ إِذْ ذَاك مشرفاً من طاق خَارِجَة دَار السَّعَادَة فَالْحَمْد الله على السَّلامَة لَا مَانع لما أَرَادَهُ فوصلوا بالقفطان ولبسه الشريف سعيد مُسْتَبْشِرًا بِحُصُول الْأَمَانِي والأمان وَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه أَعنِي ثَالِث شَوَّال الْمَذْكُور ولَايَة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله للحرمين بالديار الرومية فسبحان الْحَكِيم وَاسْتمرّ الشريف سعيد إِلَى أَن اتّفق يَوْم سَابِع عشري ذِي الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين وَألف الْمَذْكُورَة أَن ركب إِلَى أَحْمد باشا صَاحب جدة وَكَانَ قَائِلا بِالْأَبْطح ببستان الْوَزير عُثْمَان وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى جَانب يسير من اللَّيْل ثمَّ ركب وَقصد ثنية الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى السَّيِّد غَالب بن زامل وَكَانَ نازلاً بِذِي طوى فَلَمَّا جَاوز الْحجُون إِذا هُوَ براعي ذَلُول فاستخبره من أَي الْعَرَب فَقَالَ من بني الصخر فَقَالَ الشريف مَعَك كتاب من السَّيِّد يحيى بن بَرَكَات فَقَالَ لَا وَكَانَ السَّيِّد يحيى قد ذهب لمقابلة الْحَاج الشَّامي فَأمر الشريف بضمه فضم وتهدد بِالْقَتْلِ فَأقر بِأَنَّهُ مُورق من الشريف أَحْمد بن زيد إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن غَالب متع الله بحياته وَأَنه قد جَاءَ مُتَوَلِّي مَكَّة وَأَنه لحق الْحَاج الشَّامي فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 الْعلَا فَذهب بِهِ إِلَى بَيت السَّيِّد عمر واستدعي السَّيِّد غَالب بن زامل وَعبد الله بن هَاشم واشتوروا فِي إِظْهَار هَذَا الْأَمر على أَي وَجه يكون فاتفق الْأَمر على أَن يرسلوا إِلَى السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فأرسلوا إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الله بن هَاشم فَذهب إِلَيْهِ وَقَالَ نُرِيد السَّيِّد غَالب وَكَانَ نازلاً بِذِي طوى فَلَمَّا خرج مَعَه عطف بِهِ إِلَى طَرِيق بَيت السَّيِّد عَمْرو فَلَمَّا دخل بَيت السَّيِّد عَمْرو استراب من ذَلِك ثمَّ لما رأى الْجَمَاعَة مُجْتَمعين جلس مَعَهم فَقَالَ لَهُ الشريف سعيد يَا سيد مساعد لم أرسل لَك هَذَا الْوَقْت إِلَّا قصدي أودعك أَهلِي وَإِن عمك الشريف أَحْمد بن زيد تولى مَكَّة وَأَنَّك تقوم مقَامه إِلَى أَن يصل فَتَلَكَّأَ عَن ذَلِك حَتَّى قَالَ السَّيِّد غَالب بن زامل نُقِيم سليم أغا ونحفظ نَحن الديرة إِلَى وُصُول صَاحبهَا فَوَافَقَ السَّيِّد مساعد حِينَئِذٍ على الْقيام مقرّ عَمه ثمَّ أرسل الشريف سعيد إِلَى أغوات العساكر الَّذين مَعَه وَقَالَ لَهُم إِن الْأَمر أَتَى إِلَى الشريف أَحْمد بن زيد فَأنْتم اخدموا سيدكم وَخرج الشريف سعيد آخر تِلْكَ اللَّيْلَة وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي حِين رَجَعَ من الديار الرومية موسم سنة سبع وَثَمَانِينَ قصيدة هِيَ // (من الطَّوِيل) // (تجلَّتْ بمرآكَ السعيدِ لنا البُشرَى ... وأَبْدَى الهنا والسعْدَ وجهُكَ والبِشْرَا) (وعادتْ لأحشاها بعودكَ سالما ... قلوبٌ حَشَاها طولُ غيبتكم جَمْرا) (وأضحَى وطيرُ السعدِ يسجَعُ مذ بدا ... محيَّاكَ فِينَا مُسْفِرًا وَاضحا بَدْرا) (وقرتْ عيونٌ طالما أسهرَتْ أَسًى ... فنامتْ سُرُورًا بَعْدُ وانشرحَتْ صَدْرا) (وَمَا خصَّ هَذَا الحالُ بعْدك وَاحِدًا ... بل الناسُ جمعا بالدعا لم تَزَلْ تترى) (سُرُورًا بملقاك السعيدِ مبلغا ... مراماً سما كَمْ من نفوسٍ بِهِ حَسْرى) (فيا ابْن الكِرَامِ الصِّيد مِنْ ألِ هاشمٍ ... سلالة خَيْرِ الخلقِ من ذَا الورى طُرَّا) (وَيَا درَّةَ العقدِ الثمينِ نظامُهُ ... وفَرْعَ الشناخيبِ الميامينِ فِي الذكْرَى) (وَيَا مَنْ لَهُ من طينةِ المَجْدِ جوهرٌ ... تلألأ نورا من صفاتٍ لَهُ زُهْرَا) (وَيَا مَنْ غذى دُرَّ الكمالاتِ يافعاً ... وطفلاً ففاق الشيبَ فِي عقلهَا قَدْرا) (لَهُ مِنْ سَنَام المجدِ ذرْوةُ شأوِهِ ... وَكَانَ لَهَا أَهلا وكانتْ بِهِ أحرَى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 (لَهُ منطقٌ فصلٌ ورأىٌ مسدَّدٌ ... وجودَةُ نفسٍ طابَ منشقها نَشْرَا) (وَبسط يمينٍ بالنوالِ بنانها ... حكَتْ خُلُجًا فعما بمدِّ الندَى تُجْرَى) (طَوِيل الْبَنَّا رَحْب الفنا مَنْهَل الغِنَى ... مُزِيل العَنَا مولى المُنَى فائضاً بَحْرَا) (عَرِيض الجدا غَوْث النِّدَا مَوْرِد النَّدَا ... حمام العدَى والخيلُ دُهْمٌ حكَتْ شقرا) (إِذا ثوَّبَ الداعِى الصريخُ أجابَهُ ... سعيدٌ على سعدَى فيظفر فى المَسْرَى) (وَلَا عجبٌ فالفرعُ يتبعُ أصلَهُ ... على خيرِ نعتٍ يوجبُ الحمدَ والشُّكْرا) (طموحٌ إِلَى نيلِ العلومِ فؤادُهُ ... على همة تعلُو السماكَيْنِ والنّسْرَا) (لبيبٌ أريبٌ لوذعىٌّ مهذَّبٌ ... لَهُ الفكْرُ والفهْمُ الَّذِي يقلقُ الصخرا) (أديبٌ رَبِّي حجر الْخلَافَة مَهْده ... إِلَى أَن رقى مِنْ سَرْجِ شيظمةٍ ظَهْرَا) (وهز متون البيضِ مِنْ مرهفاتِهِ ... وَكَانَ ابنَ راعيها وَكَانَ بهَا أَدْرَى) (فبوركَ فِيهِ قَارِئًا لعلومِهِ ... وَفِي الروعِ أرواحُ العدَى سَيْفه يَقْرَا) (فحيناً لتقليبِ الكراريسِ كَفُّهُ ... وحيناً يقلبها القواضب والسّمْرَا) (وكَمْ من صفاتٍ فيكَ يعجزُ خاطري ... مداها من الوصْفِ الحميدِ أتتْ كُثْرَا) (وكمْ من سجايا فيكَ طابَتْ أصولهَا ... وَكم جهد مَا يُحْصى البليغُ وَإِن أَطرَى) (فدونَكَ يَا نجلَ الملوكِ قصيدة ... جمعْتُ بهَا من وصفِ مجدِكُمُ النَّزْرا) (مُفَوَّفَةً من خالصِ الودِّ أنشئَتْ ... لمدحكَ صدقا لَا رياءَ وَلَا نُكْرا) (وَقد شرفَتْ لما أتَى فيكَ مدحُهَا ... وزانَتْ مَعَاني حسنِ أوصافِكَ الشعْرَا) (فجاءَتكَ من شوقٍ إليكَ محبَّة ... وَلَا تبتغي إِلَّا قبولَكَهَا مَهْرَا) (فدُمْ وابْقَ واسْلَمْ لَا برحْتَ على المدَى ... مصوناً من الأسوا وَمن حادِثٍ يَطْرَا) (وَلَا برحَتْ أيامُ دهركَ كلُّهَا ... بآثاركَ الحسنَى محجَّلَةً غَرًّا) وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْبَصْرِيّ ثمَّ الْمدنِي سامحه الله تَعَالَى // (من الْبَسِيط) // (زارَتْ سعادُ وَهِي بالبشرِ متزرَهْ ... ترمِى بألحاظِهَا سَهْما بِلَا وترهْ) (وَهِي مبرقعةٌ والحسنُ ساترُهَا ... والشعْرُ منسبلٌ جَلَّ الَّذِي فطَرَهْ) (فقلْتُ شيلي الغطا قالَتْ بمعذرةٍ ... ذَا كوكبُ الصبحِ أبدى والظلام سره) (فقلتُ مَا الأمرُ قالتْ إنْ تزر بِغَدٍ ... تَلْقَ البساتينَ فادخُلْ تجتني ثمرَهْ) (فودعَتْنِى وسارَتْ سرت فِي قلق ... والقلْبُ ينشدني من هَجْرِهَا شعرَهْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 (ليلُ المحبينَ مطوىٌّ جوانبُهُ ... مشمرٌ مَا قضَى فِي جنحه وطرَهْ) (مَا ذاكَ إِلَّا كأنَّ الصبْحَ نمَّ بهم ... فَأطلع الشمْس ضغناً مضمراً قهرَهْ) (فبتُّ أرقبُ نجمَ الليلِ فِي سهدٍ ... حَتَّى أَتَى الصبْح متبسم بمنفجرهْ) (وصرتُ أسعَى وقلبي هائمٌ جذلٌ ... طرقتُ بَابا لَهَا فِي روضَةٍ عَطِرهْ) (أَفْتَحَ لي الْبَاب واكساني السرُور إِذا ... قد أمَّنى الدهرُ من عَيْن نفى نكرَهْ) (قلتُ الوصالُ فقالَتْ وَهِي معذرةٌ ... هَذَا دلالاً فَإِنِّي خائفَهْ ذعرهْ) (والفَتْ تقولُ بإعْجَاب الدَّلالَ لَهَا ... كَأَنَّهَا دُرَّةٌ من عقد منتثرَهْ) (مَا جابكَ اليومَ يَا غاوى بساحتنا ... عَسَى رضيعُ الْعلَا أبدى لكُمْ فخرَهْ) (فقلتُ هُوَ القصْدُ والمأمولُ يَا أملي ... إِنى أديبٌ غريبٌ أستحقُّ قرهْ) (فاقْر السلامَ لَهُ من سيدٍ سبقَتْ ... مِنْهُ الملاقاةُ فِي مدحٍ نقى درَرهْ) (أَعنِي سعيد بنَ مَوْلَانَا الشريفِ ومَنْ ... راياتُ عِزِّ لَهُ فِي الحربِ مشتهرَهْ) (فَهُوَ شريفُ الَّذِي قامَتْ عدالتُهُ ... وغْدت أمانيه فِي الْبر منتشره) (وَهُوَ العزيزُ الَّذِي فاضَتْ براحتِهِ ... كاسُ المنونِ غزيراً زايداً مررهْ) (وَهُوَ الهزبرُ الَّذِي هابَتْ لسطوتِهِ ... وحشُ الفلاةِ فأمسَتْ ساكنه القفرَهْ) (وَهُوَ المليكُ الَّذِي ماتَتْ حواسدُهُ ... نعم وبادوا حَقِيقا أَن رَأَوْا خبَرهْ) (لَا زالَ فِي شرفٍ كالبدْرِ فِي ترفٍ ... بِآيَة النورِ والأعرافِ والبقرهْ) (يَعْنِيك نظم بدا من سيدٍ بعدتْ ... عَنهُ المنازلُ أمسَى فِي زمَان تِرَهْ) (مُحَمَّد إسمهُ منْ طيْبَة سعدَتْ ... بنورِ خيرِ الورَى طه بِهِ فخرَهْ) (صلَّى عَلَيْهِ إلهُ العرشِ خالقُنَا ... والآلُ والصحْبُ واهْلُ البيتِ والسيرَهْ) ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن بن حُسَيْن بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما خرج الشريف سعيد آخر تِلْكَ اللَّيْلَة كَمَا ذكرنَا آنِفا ذهب السَّادة المذكورون فِي غدها إِلَى بَيت السَّيِّد نَاصِر بن أَحْمد الْحَارِث وَاجْتمعت العساكر عِنْد بَيت الْحَارِث وذهبوا جَمِيعًا إِلَى أَفَنْدِي الشَّرْع وَأَخْبرُوهُ بالواقع فَحَضَرَ الأفندي وَصَاحب جدة أَحْمد باشا والمفتي والوزير عُثْمَان بن زين العابدين بن حميدان وَكَانَ الِاجْتِمَاع فِي مقَام الْحَنْبَلِيّ فَقَالَت الْأَشْرَاف يجلس السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فانفض الْمجْلس على ذَلِك وَنُودِيَ من حِينه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري ذِي الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين وَألف إِن الْبِلَاد بِلَاد الله وَالسُّلْطَان والشريف أَحْمد بن زيد نَصره الله وَأمر بالزينة سَبْعَة أَيَّام وَجلسَ مَوْلَانَا السَّيِّد مساعد للتهنئة وَلم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير إِلَّا أَتَاهُ يهنئه ويهنئون أنفسهم بِمَا أنعم الله عَلَيْهِم بتولية هَذَا الشريف وادَّرَقوا بحماية كَهْف ذكره المنيف فَنَامُوا بعد السهر وصفت سرائرهم من الكدر وَقد أَشرت إِلَى ذَلِك بِقَوْلِي فِي مديحه من قصيدة من الْبَسِيط (بِوَهْمِ ذِكْرِكَ من قبل الْوُصُول صفَتْ ... أحوالها بعد خلْعِ العذرِ والرسنِ) (ثلاثَ عشرَةَ أَعْوَام لَهَا انصرمَتْ ... عمياءَ صمَّاءَ فِي عينٍ وَفِي أذنِ) (مسلوبةُ الأمْنِ ممحوٌّ محاسنُهَا ... عيونُ سكانِها ممنوعَةُ الوسنِ) (حتَّى أَتَاهَا ابنُ أمِّ المجدِ معتزماً ... لحسْمِ داءٍ بهَا بادٍ ومكتمنِ) (فاليومَ عَاد لَهَا إنسانُ مقلتها ... فالدسْتُ مشتملٌ مِنْهُ على حضنِ) وأرخ ولَايَته وَزِير أَخِيه سَابِقًا ذُو النَّعْت الْفَائِق الدّرّ النظيم الْجمال مُحَمَّد على ابْن سليم ببيتين أَجَاد فيهمَا كل الإجادة وَألقى الأدباء لحسن وصفهما البديع إِلَيْهِمَا المقادة وهما // (من الْخَفِيف) // (حِين بُشْرى الشريف أحمَدَ وافَتْ ... مَلأ الْكَوْن بشرها وتجدَّدْ) (عاود التخْتُ مَالِكًا قلتُ أرِّخْ ... عود يمنٍ بذلكَ الْعود أحمدْ) وَقلت أَيْضا مؤرخاً لولايته الميمونة // (من السَّرِيع) // (قضَى إلهُ العرشِ ربُّ السما ... أنَّكَ وَالِي الْفرش صَوَّانُهَا) (وأنْكَ مِنْ بعدِ خرابٍ بهَا ... حسا وَمعنى أنتَ عُمْرَانها) (قالَ حجاىَ وَهُوَ فِي طفحةِ ... السُّكْرِ منَ الأفراحِ نشوانُها) (يجيدُ فِيهِ ضبطُ تاريخِهِ ... أتَى إِلَى مكَّةَ سلطانُهَا) وَلما كَانَ يَوْم سَابِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة دخل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد من جِهَة أَسْفَل مَكَّة وَصَحبه الْمحمل الشَّامي وَجَمِيع عَسَاكِر مصر وَجَمِيع عَسَاكِر أَمِير الشَّامي صَالح باشا وعساكر صَاحب جدة أَحْمد باشا وعسكر الرُّتْبَة الْقَدِيمَة والجديدة وَكَانَ موكباً عَظِيما فحج بِالنَّاسِ على أحسن مَا يكون من الْأَمْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 والدعة والسكون وَفِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة أَمر بشنق سَبْعَة أنفس من السراق ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين فِي سَابِع محرم الْحَرَام مِنْهَا قطع مُحَمَّد ولد الْحَاج أَحْمد العصائبي المغربي يَدَاهُ لسرقة بعد أَن شفع فِيهِ صَاحب جدة إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فَلم يشفعه إيثاراً لإِقَامَة أَحْكَام الدّين ودفعاً لأذية الْمُسلمين وفيهَا كثرت الشرور وَالْخِصَام والدعاوي بَين الْأَنَام الْخَواص والعوام فِي الظلامات السابقات فِي الْأَمْلَاك والحقوق والأوقاف لما رَأَوْا من الْعدْل والإنصاف واصطبر لضجيجهم والهذا والتصديع والأذى حَتَّى أنصف الْمَظْلُوم من ظالمه ورد الْحق إِلَى معالمه كَانَ الله لَهُ فِي الدَّاريْنِ وبلغه من كل مأمول مَا لَا يضبطه الْكمّ والكيف والأين وفيهَا ثَانِي عشر جُمَادَى مِنْهَا قدم الْوَزير مُحَمَّد عَليّ بن سليم وَزِير الشريف سعد من بِلَاد الْيمن وَقد خرج من مَكَّة يَوْم خُرُوج سَيّده الشريف من منى موسم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف بعد أَن رد عقاره الَّذِي بيع فِي غيبته وَأخرج واضعي أَيْديهم عَلَيْهِ بعد أَن سبقت دَعْوَى بالوقفية ووردت شهودها عِنْد قَاضِي الشَّرْع فَكتب لَهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِكُل ذَلِك فوصل إِلَى مَكَّة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وفيهَا كَانَت وَفَاة الْعَلامَة أَبى زَكَرِيَّا يحيى ابْن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد النابلي الشاوي الملياني المغربي الجزائري شَيخنَا الْعَلامَة والمحقق الفهامة إِمَام الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول مُحَرر الْفُرُوع وَالْأُصُول الْفَحْل الَّذِي لَا يُبَارى فِي فنون الْعُلُوم وَالسَّابِق الَّذِي لَا يجارى فِي مضمار الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم ولد بِمَدِينَة مليانة وَنَشَأ بِمَدِينَة الجزائر وَقَرَأَ بهَا على جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ سعيد مفتي الجزائر وَالشَّيْخ عَليّ بن عبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ والمحقق مُحَمَّد بن مُحَمَّد بهْلُول السَّعْدِيّ وَالشَّيْخ مهْدي وَأخذ عَنْهُم الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للإفادة بِبَلَدِهِ وَقدم مصر سنة أَربع وَسبعين وَألف قَاصِدا الْحَج وزار قبر النبى وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن الْعَلامَة سُلْطَان المزاحي وَإِمَام الْعَصْر الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَلَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 الدّين البابلى والمحقق مَوْلَانَا الشَّيْخ على الشبرملسى وأجازوه بمروياتهم ثمَّ جلس للتدريس بالجامع الْأَزْهَر فدرس فِي مُخْتَصر خَلِيل وَشرح الألفية للمرادي وعقائد السنوسي وشروحها وَشرح الجُمَل للخونجي لِابْنِ عَرَفَة فِي الْمنطق ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم فَدخل دمشق وَعقد بِجَامِع بني أُميَّة درساً وَأخذ عَنهُ جمَاعَة بهَا وَأَجَازَهُمْ ثمَّ دخل قسطنطينية الْعُظْمَى فَعَظمهُ مفتي السُّلْطَان يحيى المنقاري والوزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الكبرلي وَحضر تجاه السُّلْطَان الْأَعْظَم فبحث مَعَ الْعلمَاء وَعرفُوا فَضله ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَولي بهَا تداريس فِي مدارس عديدة وَله مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَته على أم الْبَرَاهِين نَحْو عشْرين كراساً وَشرح على التسهيل لِابْنِ مَالك ونظم لامية فِي إِعْرَاب الْجَلالَة جمع فِيهَا أقاويل النَّحْوِيين وَمَا لَهُم من الْكَلَام وَشَرحهَا شرحاً حسنا قلت قَرَأت عَلَيْهِ ليَالِي الْمَوْسِم آخر حججه متن السنوسية فِي علم العقائد فَكَانَ فِي التَّقْرِير دونه السَّيْل الهدار والعباب الزاخر التيار أمْلى فِي وُجُوه إِعْرَاب كلمة التَّوْحِيد أَرْبَعمِائَة وَخمسين وَجها بالتعديد فسبحان مفيض مَا شَاءَ على من شَاءَ وَله مؤلف فِي أصُول النَّحْو جعله على أسلوب الاقتراح للسيوطي أَتَى فِيهِ بِكَثِير من الغرائب النحوية أَجَاد فِيهِ وَجعله باسم مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم خَان وقرَّظ عَلَيْهِ عُلَمَاء الْقُسْطَنْطِينِيَّة مِنْهُم الْعَلامَة الْمولى يحيى أَفَنْدِي منقاري زَاده وَلَقَد أشرفني وَلَده الشَّيْخ عِيسَى ابْن الشَّيْخ يحيى على ذَلِك التصنيف فَرَأَيْت على ظهر الكراس الأول مِنْهُ تقريظ الأفندي الْمَذْكُور بِخَطِّهِ وَنَصه لَا يخفى على النَّاقِد الْبَصِير أَن هَذَا التَّحْرِير كنسج الْحَرِير مَا نسج على منواله فِي هَذَا الْعَصْر فِي النَّحْو ناح لطيف بمطالعته تَنْشَرِح الصُّدُور وتتلذذ الْأَرْوَاح انْتهى وَكَانَت لَهُ رَحمَه الله قُوَّة فِي الْبَحْث واستحضار للمسائل الغريبة وسعة حفظ مفرطة وبداهة جَوَاب لَا يضل صوب الصَّوَاب كَانَت وَفَاته رَحمَه الله فِي هَذِه السّنة الْمَذْكُورَة بقرية الطّور قَاصِدا مَكَّة فَدفن هُنَاكَ فَاسْتَأْذن وَلَده سَيِّدي عِيسَى صَاحب مصر فنبش عَنهُ وَنَقله إِلَى مصر وَدَفنه بالقرافة ثمَّ مَاتَ وَلَده الْمَذْكُور فِي الْفَصْل الْحَاصِل بِمصْر فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا وَدفن هُنَاكَ أَيْضا رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 وفيهَا يَوْم الْجُمُعَة غرَّة رَجَب مِنْهَا كَانَت وَفَاة مَوْلَانَا وَشَيخنَا الشَّيْخ أَحْمد بن عبد اللَّطِيف البشبيشي الشَّافِعِي شيخ الْمُحَقِّقين وأستاذ المدققين وَبَقِيَّة الصَّالِحين وخاتمة الْعلمَاء العاملين وصدور المدرسين اشْتهر صيته فِي الْأَمْصَار وشاع فَضله فِي الأقطار انْتفع بِهِ الْحَاضِر والباد ورحلت إِلَيْهِ الطّلبَة من أقاصي الْبِلَاد فَصَارَ محط رحالهم ومنتهى آمالهم لحسن تَقْرِيره الْمسَائِل على أسهل وَجه وألطف تركيب وأوجز عبارَة حَتَّى تخرج بِهِ جمع كثير فِي زمن يسير ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف ب بشبيش قَرْيَة من أَعمال الْمحلة وَحفظ بهَا الْقُرْآن على الْعَلامَة سُلْطَان المزاحي ولازمه فِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية والفرائض وَغَيرهَا من الْعُلُوم نَحْو خمس عشرَة سنة ولازم أَيْضا الضياء مَوْلَانَا الشَّيْخ على الشبرملسي فِي العقائد والنحو وَالْأُصُول حَتَّى تخرج بِهِ وَأخذ عَن حَافظ الْعَصْر مَوْلَانَا مُحَمَّد البابلي وَعَن شَافِعِيّ زَمَانه الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّوْبَرِيّ وَالشَّيْخ ياسين الْحِمصِي والعلامة سري الدّين الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ حُسَيْن الخفاجي وَالشَّيْخ أَحْمد ابْن عمرَان الفاسي وَغَيرهم وتصدر للإقراء والتدريس بالجامع الْأَزْهَر وَاجْتمعت عَلَيْهِ الأفاضل وَجلسَ فِي مَحل تدريس شَيْخه سُلْطَان المزاحي فلازمه جماعته ودرس فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وَحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام فِي موسم سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وجاور بِمَكَّة ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَتِسْعين مُجْتَهدا فِي الإفادة والتدريس ناشراً در علمه النفيس ثمَّ عزم موسم سنة أَربع وَتِسْعين صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَى الْقَاهِرَة وَحصل لَهُ أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة بِمَكَّة توعك فِي جِسْمه ارتحل مِنْهَا وَهُوَ فِي أثر مِنْهُ وَأقَام بِمصْر إِلَى أَن كَانَت وَفَاته فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة سِتّ وَتِسْعين بِبَلَدِهِ بشبيش رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر شعْبَان مِنْهَا دخل شيخ آل ظفير سَلامَة بن مرشد ابْن صويت مَكَّة فِي أَمَان الله وأمان مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن زيد خَاصَّة والأشراف جَمِيعهم عَامَّة وَألقى السّلم وَدخل تَحت الطَّاعَة فَأمر لَهُ الشريف أَحْمد بمضارب نصبت بالمحصب وَأقَام قَرِيبا من شَهْرَيْن فَذكر مَوْلَانَا الشريف للأشراف أَن ابْن صويت جَاءَكُم بأَهْله وحلته وَقد دخل عَليّ فَإِن عفوتم فَأنْتم مَحل الْعَفو فها هُوَ قد استسلم فَأَجَابُوهُ بالسماح وَكَتَبُوا خطوطهم بالسماح عَن ابْن صويت عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 حذف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 حذف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 حذف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 جِنَايَته وَذَلِكَ ببركة سيد الْجَمِيع مَوْلَانَا الشريف أَحْمد نظر الله إِلَيْهِ بِعَين عنايته ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَألف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر ربيع الثَّانِي مِنْهَا برز مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي موكب عَظِيم قَاصِدا الشرق وَمِنْه إِلَى بِلَاد عنزة فَأَقَامَ بالمنحنى ثَمَانِيَة أَيَّام وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور بعد شروق الشَّمْس توجه إِلَى حَيْثُ قصد فِي دعة الله وكلاءته وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشري ربيع الآخر وَقع بَيت بحارة الشامية لبَعض تجار المغاربة سَقَطت سقوفه فَهَلَك تَحْتَهُ عشرَة أنفس ذُكُور وإناث مِنْهُم الشَّرِيفَة سلمى بنت السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الشهير بالأسد وَسبب ذَلِك سُقُوط جِدَار لجاره على سطحه فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَفِي سَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل قَاصد من الديار الرومية يخبر بِأَن سُلَيْمَان مير أخور ولى الوزراة الْعُظْمَى وَمَعَهُ مِنْهُ إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله فرو عَظِيم من السمور بمقلب أَخْضَر وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف بالمبعوث فَتوجه بِهِ إِلَيْهِ الرَّسُول فقابلته العساكر حِين وُصُوله إِلَى الْمَبْعُوث ولبسه مَوْلَانَا الشريف وَكتب لَهُ الْجَواب وَمضى وَفِي لَيْلَة السبت تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى توفّي الخواجا زين العابدين حميدان وَالِد الْوَزير عُثْمَان فَجْأَة بَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَأصْبح مَيتا فَدفن ضحى الْيَوْم الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى وأسبغ رضوانه عَلَيْهِ ووالى وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَ انْتِقَال مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن يعلى بن حَمْزَة كَذَلِك فَجْأَة بالخبت الْيَمَانِيّ فَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله وَفِي سادس عشري جُمَادَى الْآخِرَة سَطَا على بعض الأتراك عبد لَهُ بخنجر فَمَاتَ بعد خَمْسَة أَيَّام فَقطع الْغُلَام يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَبرئ وعاش وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شَوَّال وصل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى مَدِينَة جده عَائِدًا من بِلَاد عنزة فَنزل بِالْمحل الْمَعْرُوف ببئر ميزَان بِالْقربِ مِنْهَا وَخرج إِلَيْهِ من أَهلهَا الْقُضَاة والأعيان فَقَالَ بِهِ يَوْمه ثمَّ وصل مِنْهُ إِلَى ضريح سيد الشُّهَدَاء عَم جده عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام فَبَاتَ بِهِ لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 ركب مِنْهُ فَدخل الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور فزار قبر جده وتملا بأنوار سعده وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل قَاصد من الْوَزير الْمَذْكُور أَيْضا بهدية مِنْهَا فرو وَسيف لمولانا المرحوم الشريف وَوصل مَعَه قفطان لشيخ الْحرم النَّبَوِيّ دَاوُد أغا من الْوَزير الْمَذْكُور أَيْضا فلبسه شيخ الْحرم بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة إِلَى أَن برز مِنْهَا ثَانِي ذِي الْقعدَة الْحَرَام وَدخل مَكَّة محرما بِالْعُمْرَةِ لَيْلَة هِلَال ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة فَطَافَ لعمرته وسعى شكر الله سَعْيه ثمَّ عَاد إِلَى مخيمه بالزاهر على عَادَة أسلافه الأكرمين ثمَّ دخل صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم فِي موكب يبهر الناظرين وَيسر البادين والحاضرين وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وصل إِلَى مَكَّة من الْأَبْوَاب الْعَالِيَة قفطان من السمور الملوكي عاليه صوف أَبيض يَصْحَبهُ مرسوم سلطاني ومرقوم خاقاني يفصح بالثناء على مَوْلَانَا الشريف بالنعت الأكرم الأمجد فألبسه بِالْحَطِيمِ وَقُرِئَ ذَلِك المنشور الْكَرِيم وَكَانَ الْوَاصِل بِهِ فَخر الأغوات الْعِظَام إِبْرَاهِيم أغا فَكَانَ أعظم موكب فِي ذَلِك الْمقَام وسر بِهِ الْخَاص وَالْعَام وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشري ذِي الْحجَّة مِنْهَا أَمر صَاحب جدة أَحْمد باشا بهدم كل خلْوَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فهدمت وَمَا لم يُمكن هَدمه مِنْهَا لكَونه من بنية الْمَسْجِد فِي نفس جِدَاره أَو لكَونه فَوْقه بِنَاء سَده بِبِنَاء مُدعيًا أَن لذَلِك سَببا هُوَ سَمَاعه بِحُصُول فسق فِي بَعْضهَا وَالله أعلم بالحقائق ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَكَانَ هلالها بالإثنين فَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع محرم الْحَرَام مِنْهَا كَانَت وَاقعَة من أَحْمد باشا الْمَذْكُور إِلَى الأفندي عبد الله عتاقي زَاده مفتي السَّادة الْحَنَفِيَّة ثار بِسَبَبِهَا الْخَاص وَالْعَام فاستدعى إِلَى الْحَاكِم الشَّرْعِيّ فَاعْتَذر عَن الْحُضُور خشيَة مَا لَا يخفى على الْعَاقِل من حوادث الْأُمُور ثمَّ استدعاه مَوْلَانَا الشريف لَيْلًا لذَلِك المرام وقبح عَلَيْهِ فعله وأوقر سَمعه بأليم الْكَلَام فاعترف بخطئه وخطله واستعفى طَالبا التجاوز عَن زيغه وزللَه وفيهَا أَوَاخِر الْمحرم الْحَرَام مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاء عمل الْحَائِط على الْمقْبرَة ابتدىء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 من أَعلَى ثنيتى الْحجُون يجدرين واصلين إِلَى الطَّرِيق بَين قبتي الشريف أبي نمي وَولده الشريف حسن منعطفين من ذَلِك الطَّرِيق أَحدهمَا صُعُدا يتَّصل إِلَى قرب حَائِط ابْن دُخان وَالْآخر سُفُلا إِلَى الْمحل الْمَعْرُوف بالحافظية فصلا بِأَبْوَاب مُرْتَفعَة الأعتاب صونا للمقبرة عَن انتهاك حُرْمَة قُبُور الْمُسلمين وَعَن التلويث والوقيد بنزول الْحجَّاج والمسافرين وَكَانَ هَذَا الْخَيْر مسطراً فِي صَحَائِف الْوَزير الْأَعْظَم سُلَيْمَان باشا ومتولي ذَلِك وَزِير مَكَّة عُثْمَان ابْن الخواجا زين العابدين حميدان وَتلك طرق خير رضى الله عَن قاصديها هَذَا مِمَّا أحدث فِي هَذِه السّنة نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ اللطف بِنَا وبالمسلمين فِيهَا وَفِيمَا يَليهَا وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء لأَرْبَع خلون من ربيع الآخر مِنْهَا كَانَت وَفَاة الشَّيْخ الصَّالح ذِي الْقدَم الراسخ الرابح الْعَلامَة الفهامة الراقي أوج المعزة فِي الْفضل والكرامة إِمَام الطَّرِيقَة والحقيقة والمتكلم على معانيهما بالإشارات الدقيقة شَاهد مشَاهد أهل الْعرْفَان عَاقد عقائد أكاليله الَّتِي يخرج مِنْهَا اللُّؤْلُؤ والمرجان منور الْبَصَر والبصيرة موصل الْحُضُور بِحَضْرَة القصيرة الَّتِي عَنْهَا يَد من سواهُ قَصِيرَة مَوْلَانَا وعزيزنا المرحوم بسحاب الرضْوَان المركوم مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد الشهير بالبخشى الدِّمَشْقِي رَحمَه الله برحمته الواسعة وَغفر لَهُ مغْفرَة جَامِعَة توفّي بِمَكَّة المشرفة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بالمعلاة أَمَام قبَّة السيدة خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ وَقد أناف على السِّتين وفيهَا يَوْم الْخَمِيس عشري جُمَادَى الأولى مِنْهَا وَقع النداء بِأَمْر مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى أَن لَا يُقيم بِمَكَّة أحد من جنس التكرور وَمن وجد بعد ثَلَاث عُوقِبَ بالنكال فتهيأوا واجتمعوا فِي الْيَوْم الثَّالِث آخر النَّهَار بِطرف المعلاة وقرءوا الْفَاتِحَة ثمَّ توجهوا الْبَعْض إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَالْبَعْض الآخر إِلَى جدة وَالْبَعْض إِلَى قَرْيَة الطَّائِف وَسبب ذَلِك على مَا قيل أَنه بلغ مَوْلَانَا الشريف تَأتي مفاسد مِنْهُم مِنْهَا وُقُوع سرقات من بَعضهم وفشو عمل السحر مِنْهُم فِي أشرف بِلَاد الله فَكَانَ ذَلِك لذَلِك وَالله يتَوَلَّى السرائر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري رَجَب مِنْهَا وصل قَاصد من يَنْبع يخبر بورود مستلم مُحَمَّد بك الْمَعْزُول بِهِ أَحْمد باشا صَاحب جدة ثمَّ فِي لَيْلَة الْخَمِيس غرَّة شعْبَان مِنْهَا وصل المستلم بِصُورَة أَمر سلطاني يعْزل أَحْمد باشا هَذَا صَاحب جدة وَشَيخ حرم مَكَّة والطلب الحثيث لَهُ بِسُرْعَة وعَلى الصُّورَة خطّ قَاضِي عَسْكَر مصر والعدول بِولَايَة السنجق مُحَمَّد بك مَكَانَهُ فَصَعدَ هُوَ ونائب الْحرم السَّيِّد مُحَمَّد وَقد فوض السنجق النِّيَابَة إِلَيْهِ إِلَى مَوْلَانَا الشريف المرحوم فألبسهما مَوْلَانَا الشريف قفطانين وَأقر مِنْهُمَا الخاطر وَالْعين ثمَّ نزل فسجله قَاضِي الشَّرْع وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِلَى أَحْمد باشا يُخبرهُ بوصول المستلم وَمَا مَعَه وَأقَام المستلم يَوْمه بِمَكَّة وَصلى الْجُمُعَة ثَانِيه ثمَّ توجه إِلَيْهِ إِلَى جدة المعمورة فقابله الْمُقَابل الْحسن وَألبسهُ قفطاناً وَجعل لَهُ حَال دُخُوله موكباً عَظِيما وَمد لَهُ سماطاً ثمَّ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شعْبَان وصل أَحْمد باشا إِلَى مَكَّة وتأهب للرحيل على غَايَة السرعة والتعجيل وقاد إِلَيْهِ مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد على طَرِيق الرِّعَايَة والمعونة نَحْو الْعشْرين من نَجَائِب الركائب الميمونة وَكَذَلِكَ قاد إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته ثنتى عشرَة من الركائب إِحْدَاهُنَّ مكملة الْآلَة بالشداد الْمحلى وَمَا يتبعهُ ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر الشَّهْر الْمَزْبُور توجه خَارِجا من ثنية الْحجُون فِي خيل نَحْو الثَّلَاثِينَ إِذْ يُعدون مَشى مَعَه السَّيِّد عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ وَبَعض القواد إِلَى المأمن وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل إِلَى مَكَّة السنجق مُحَمَّد بك أَمِير اللِّوَاء الْمُتَقَدّم الذّكر فتُلقى بالآلاى والموكب الْعَظِيم فَأَقَامَ إِلَى يَوْم الْجُمُعَة مستهل رَمَضَان وَصلى الْجُمُعَة وَنزل جدة يَوْمه ذَاك وَفِي هَذَا الشَّهْر ورد الْخَبَر عَن قَرْيَة الطَّائِف بِأَن قد طَاف عَلَيْهَا من الدبى طائف فظل يتهافت على الْأَشْجَار والزروع وَعلا تِلْكَ الساحات والربوع يَأْكُل مَا دب عَلَيْهِ ودرج ويقرئ النَّاس كتاب الشدَّة بعد الْفرج وأناف على القمَّل والضفادع وبذل نَفسه لَهُم فِي المآكل والمشارب والمضاجع وَترك الْأَشْجَار عَارِية كَأَنَّهَا محروقة وَالْأَرْض من تِلْكَ الْبُقُول والقطاني مُجَرّدَة مطروقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من السّنة المذكوره ورد مُبشر يخبر بنصرة سُلْطَان الْمُسلمين على الْكَفَرَة أَعدَاء الدّين وَأَنه قد قتل وَأسر مِنْهُم مَا ينيف على سبعين ألفا واسترد بعض مَا استولوا عَلَيْهِ من الْبِلَاد وَالْحَمْد لله على حُصُول المُرَاد وَأَن القاصد السلطاني وَاصل عقبه وَهُوَ بِالشَّام وَالله الْمُؤَيد لملة الْإِسْلَام ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَألف كَانَ هِلَال محرمها بِالْجمعَةِ فِيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر محرمها تقلد منصب الوزارة المكية رفيع الْمحل والشان حَضْرَة يُوسُف أغاسنان وانفصل عَنهُ الخواجا عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وفيهَا يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاء فتْنَة بَين مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد ومولانا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته لأمر جَار على الْقَوَاعِد نقمه عَلَيْهِ لم تطب بِهِ نَفسه طلب مِنْهُ نقضه فَامْتنعَ فَخرج مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته لَيْلَة الثُّلَاثَاء حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور إِلَى مَحَله الْمَعْرُوف بالركاني من وَادي مر وانحاز إِلَيْهِ جُمْهُور السَّادة الْأَشْرَاف على مثل رَأْيه وَأَعْطوهُ مواثيقهم أَن الْعَصَا وَاحِدَة وَلم يرجع عَنهُ مِنْهُم إِلَّا اثْنَان وَأخذ أجلة خمسين يَوْمًا ثمَّ عشرَة ثمَّ رَحل هُوَ وَمن مَعَه قبل تَمامهَا أواسط ربيع الأول فتوجهوا مَعَ سَلامَة الله وكلاءته إِلَى جِهَة مصر ثمَّ فِي يَوْم سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور سير مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد خَلفهم من الْعَسْكَر مِائَتَيْنِ وَخمسين اتِّفَاقًا ثمَّ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشري الشَّهْر أتبعهم بالسيد باز بن هَاشم فِي عشرَة من بني أَبِيه وبالسيد نَاصِر فِي عشرَة من ذَوي جود الله وبالسيد عبد المحسن فِي عشرَة من ذَوي باز وَفِي الْيَوْم الثَّامِن من ربيع الاَخر برزت رُتْبَة من الْعَسْكَر إِلَى بِلَاد الْفَرْع وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس غرَّة جُمَادَى الأولى مِنْهَا اتّفق بِمَكَّة اجْتِمَاع نسَاء لَيْلًا لفرح بِمحل قَرْيَة عشاش بِطرف شعب عَامر فشبت نَار ضَعِيفَة فِي بَعْضهَا فأطفئت فى الْحَال بِقَلِيل مَاء ثمَّ صرخت حُرْمَة كَأَنَّهَا بنت إِبْلِيس النَّار يَا نسَاء فَركب بَعضهنَّ بَعْضًا وازدحمن على الْخُرُوج مستبقات الْبَاب وَقد أغلق خوفًا على متاعهن من النهب فتحايلن عَلَيْهِ فَسقط فابتدرن الْخُرُوج وَكَانَ فِي عتبَة الْبَاب ارْتِفَاع فَوَقع بَعضهنَّ على بعض فَمَاتَ أَربع مِنْهُنَّ فِي الْحَال وتكسر نَحْو خمس وَعشْرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 وبعضهن أَخذه الخبل من الروعة فَمَا شَاءَ الله كَانَ وفيهَا فِي السَّاعَة الثَّالِثَة من يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور انْتقل إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ الْكَرِيم مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ الشريفين حامي حمى المحلين المنيفين سلالة السَّادة القادة الْحَال مِنْهُم مَحل الْيَتِيمَة من القلادة مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا المرحوم الشريف أَحْمد ابْن المرحوم الشريف زيد تغمده الله برحمته ورضوانه وأحله أَعلَى فراديس جنانه وَتَوَلَّى غسله السَّيِّد مُحَمَّد النعمي وأعانه مَوْلَانَا السَّيِّد ثقبة بن قَتَادَة ومولانا السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ حنيف الدّين المرشدي ويوسف الملقب شيخ الْقُرَّاء وَمن لابد من الأتباع وَصلى عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر يَوْمه بعد فتح الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَدُعَاء الريس لَهُ وترحمه عَلَيْهِ بِأَعْلَى قبَّة زَمْزَم مَوْلَانَا الشَّيْخ أَحْمد ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد النخلي وَدفن على وَالِده المرحوم الشريف زيد بقبة الشريف أبي طَالب رَحِمهم الله تَعَالَى برحمته وأسكنهم فسيح جنته كَانَت مُدَّة ولَايَته بِاعْتِبَار تَوليته بالأبواب الْعَالِيَة ثَلَاث سنوات وَسَبْعَة أشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَبِاعْتِبَار وُرُود الْخَبَر إِلَى مَكَّة وجلوس ابْن أَخِيه السَّيِّد مساعد قَائِما عَنهُ ثَلَاث سنوات وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قَول صاحبنا الْفَاضِل الشَّيْخ سَالم بن أَحْمد بن إِدْرِيس اليمني الصعدي // (من الْكَامِل) // (سمَحَ الزمانُ لنا بملكِ بني حَسَنْ ... فَلِذَا شهدْنَا أَنه زمَنٌ حَسَنْ) (لله مِنْ زمنٍ صفَتْ أوقاتُهُ ... بدوامِ دولةِ مَنْ لَهُ الْعليا شجَنْ) (ألمالكُ الملكُ المؤيَّدُ أحمدُ بْنُ ... المنتقَى زيد المليك المؤتمَنْ) ْ (رأسُ الملوكِ يمينُهُمْ زندُ الرعَّية ... كهفُهُمْ يومَ المخاوفِ والمحنْ) (ملكٌ أَقَامَ السعْد يخدمُهُ على ... رَغْمِ الحسودِ أخي الضغائِنِ والإحَنْ) (ملكٌ لَهُ العزُّ المخلدُ لم يزلْ ... عبدا يحفُّ ركابه طولَ الزمَنْ) (ملكٌ غَدا المجدُ الأَثِيلُ أَلِيَّةً ... نعلا لأخمصه المصانةِ عَنْ دَرَنْ) (ملكٌ لَهُ الفخْرُ المؤيَّدُ قد غَدا ... من جملةِ الأنصارِ والجُنْدِ العَوَنْ) (ملكٌ تتوَّجَ بالسيادةِ والعلا ... وتدرَّعَ الفضْلَ الَّذِي لم يمتهَنْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 (ملكٌ لَهُ فِي الجودِ شهرةُ حاتمٍ ... وسماحَةُ الغيثِ الملثِّ إِذا هَتَنْ) (ملكٌ إِذا نزلَ الفقيرُ بسوحِهِ ... أنساه تذكارَ الأقاربِ والوطَنْ) (ملكٌ إِذا أمَّ الفقيرُ نوالَهُ ... أضحَى يطوِّقه أَعَاجِيب المِنَنْ) (ملكٌ لَهُ يومَ العطاءِ طلاقةُ الوجهِ ... الَّذِي ماءُ الحياءِ بِهِ قطَنْ) (ملكٌ لَهُ الخلُقُ الوسيمُ كَذَا لَهُ الخُلُقُ ... العظيمُ كَذَا لَهُ الفعْلُ الحسَنْ) (مِنْ آل طه والبتولِ وحَيْدَرٍ ... مَنْ نخبةِ الأشرافِ أبناءِ الحسَنْ) (مِنْ سادةٍ أضحَى حديثُ علاهم ... تالله يَطْوِى نشره عَنَّا الحَزَنْ) (مِن قادةٍ قطعُوا ببيضِ سيوفِهِمْ ... تلكَ المواضى دَابِرَ القومِ الخوَنْ) (مِن عُصبةٍ سَارُوا على سَنَنْ الْهدى ... قدماً فيا نُعْما بذَيَّاكَ السنَنْ) (مِن فتيةٍ شُمِّ الأنوفِ القائمين ... بحَملِ أعباءِ الفرائضِ والسنَنْ) (وسليل زيدِ الْملك هَذَا المرتضَى ... هُوَ خيرُهُمْ نفسا وأزكاهُمْ هدنْ) (هَذَا الَّذِي مَلأ البِقَاعَ أمانُهُ ... فأراع جيْشَ الخوفِ بعد أَن اطمأَنّ) (حَتَّى رَعَى ذئبُ الفلاةِ مَعَ الظبا ... وتكحَّلَ الجفنُ المسهدُ بالوسَنْ) (هَذَا الذى طافَتْ مكارمُهُ بأرضِ ... الصينِ بالروم المعمرِ باليمنْ) (هَذَا الَّذِي سارَتْ عوارفُهُ من البلدِ ... الحرامِ إِلَى العراقِ إِلَى عَدَنْ) (وَإِلَى مآثِرِ طيبةَ الغَرَّا إِلَى ... أرضِ الْحجاز إِلَى الخبوتِ إِلَى قرَنْ) (هَذَا الَّذِي بكمالِ وافرِ عدلِهِ ... خمدَتْ لظَى نارِ المظالمِ والفتنْ) (صعبُ العزائمِ من فرى بصفاحِهِ ... ورماحه مَنْ شا ومَنْ شَا قد طَعَنْ) (ثبتُ الجنانِ إِذا التقَى الصفَّانِ أثبت ... من كسا جُنن البسالة والمننْ) (طلْقُ اللسانِ إِذا أَشَارَ إِلَى البيانِ ... أجَلُّ مَنْ وهب الفصاحَةَ والفطَنْ) (يَابْنَ الكرامِ الأقدمينَ ومَنْ لَهُم ... غُرَرُ المعالِى لم تزلْ أبدا خدَنْ) (يأيها الملكُ الَّذِي حَمِدَ الورَى ... أفعالَهُ اللَّاتِي بهَا الخيرُ اقترَنْ) (خُذْهَا قصيدةَ مخلصٍ فِي ودِّهِ ... لكَ فِي حميدِ السرِّ مِنْهُ وَفِي العلَنْ) (غَرّاء هذَّبَها الذكاءُ وصاغَهَا الفكْرُ ... الَّذِي هُوَ بالمتاعِبِ فِي وَهَنْ) (هَذَا وَلَوْلَا صحبَةُ الصبْرِ الجميلِ ... لفارَقَ الأهلِينَ واصطَحَبَ الظعَنْ) (فأَجِزْ منضِّدَهَا اللجين فَإِنَّهُ ... رجلٌ عَلَيْهِ الدهْرُ بالدينارِ ضَنّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 (واسلَم ودُمْ طولَ الزمانِ مكرماً ... مَا غرَّدَ القمرىْ الطروبُ على فَنَنْ) (وغدَتْ جميعُ الخلقِ تنشدُ فرحةَ ... سَمَحَ الزمانُ لنا بملكِ بني حَسَنْ) وَقَوْلِي رثاء فِيهِ وتأريخاً لوفاته مُخَاطبا نجله السعيد عبد المحسن من // (مخلع الْبَسِيط) // (فاجأنا دهْرُنا المفاجِى ... سَطَا علينا بطُولِ أَيْدِى) (طاشَ حجانا لما دهانا ... بمَنْ حجانا صُرُوف كَيْدِ) (وَهَى عمادُ الوجودِ خرَّتْ ... سَمَّاهُ وانهَارَ كلُّ حَيْدِ) (هدَّتْ رواسي ذُرَى المعالِى ... دُكَّتْ شناخيبُ كل طَوْدِ) (لموتِ سلطانِنا المرجَّى ... أبي سليمانَ زَيْن أَيْدِى) (ألملكُ النائفُ المراقي ... وشائدُ العزِّ أَيَّ شَيْدِ) (حامي حِمَى الملكِ بالعوالِي ... وتاركُ الصِّيدِ شِبْهَ صَيْدِ) (أكرمُ مَنْ نَحوه المطايا ... تُزْجى بهَا دلّها وهَيْدِ) (قِيدَتْ إِلَيْهِ الأمورُ طَوْعًا ... يرسفُ فِي غُلِّهَا بقَيْدِ) (قرتْ عيونٌ جفَتْ كراها ... بِهِ كَذَا الأرضُ بعد مَيْدِ) (شبَّ فؤادٌ بِهِ فلمَّا ... أودَى بِهِ اعتاضَ شيْبَ فَوْدِ) (ناحَتْ عَلَيْهِ بكلِّ صوتٍ ... مكَّةُ من ناشئٍ وعَوْدِ) (فأعظمَ الله فِيهِ أجْرَ الجميعِ ... خُصِّصْتَ فضْلَ زَوْدِ) (ألهمَكَ الصبْرَ فِي رضاهُ ... رَوَّى ثراه سحابُ جودِ) (أسكنَهُ منزلا رفيعاً ... فِي جنَّةِ الخلدِ خَيْر فَيْدِ) (دونَكَ بشرَى بفالِ خيرٍ ... تَارِيخ عامٍ بضبط جَيْدِ) (دَار نعيمٍ حَبَى كريم ... قَرَّ بهَا أحمدُ بْنُ زَيْدِ) ثمَّ وَليهَا الشريف سعيد ابْن الشريف سعد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن ابْن حُسَيْن بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما توفّي مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد تغمده الله بِالرَّحْمَةِ قبل الشُّرُوع فِي تَجْهِيزه أرسل مَوْلَانَا الشريف سعيد حفظه الله تَعَالَى إِلَى أَفَنْدِي الشَّرْع الشريف يطْلب مِنْهُ قفطاناً وَقد حضرت السَّادة الْفُقَهَاء وكبار العساكر عِنْد الأفندي فَقَالَ مَوْلَانَا الأفندي لَا بَأْس أَن تصبروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 وتمهلوا نَحْو خَمْسَة أَيَّام نرسل لأكابر الْأَشْرَاف ونرى من يختارونه فَيكون هُوَ فَامْتنعَ أغاة الينكشارية وَقَالَ أَنا لَا أُرِيد مصلحَة لَا أُرِيد إِلَّا صَلَاح الْبِلَاد وَإِذا لم يتول هَذَا الرجل تلفت الْبِلَاد فتأثر الأفندي من كَلَامه وَفهم تعريضه بِهِ فَاعْتَذر الأغا إِلَى الأفندي فِي الْحَال فَأعْطَاهُ الأفندي القفطان على أَن يلْبسهُ الشريف قَائِم مقَام إِلَى أَن يرسلوا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية ويعرّفوا بِالْحَال فَأتوا بالقفطان إِلَى الشريف سعيد وَقَالُوا لَهُ مَا قَالَه الأفندي فَقَالَ لَا ألبسهُ إِلَّا اسْتِقْلَالا أَنا ابْن سعد بن زيد فلبسه وَأطلق مناديه بالبلاد وَمَعَهُ السَّيِّد عدنان بن حسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن سرُور وَغَيرهمَا ثمَّ أَمر بالزينة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أَمر بزينة يَوْمَيْنِ ثمَّ يَوْمَيْنِ إِلَى أَن كملت اثنى عشر يَوْمًا وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور شهر جُمَادَى الأولى وصل مُورق من يَنْبع من السَّيِّد عبد المحسن يخبر وَالِده على ظن حَيَاته بوصول قابجي يُسمى أَحْمد أغا صحبته مرسوم شرِيف سلطاني وقفطان وَسيف مرهف باسم وَالِده مَوْلَانَا الشريف أَحْمد وقفطان لسنجق جده الْأَمِير مُحَمَّد بك فَكَانَ وُصُول مورقه فِي الْيَوْم الْمَذْكُور بعد وَفَاة وَالِده بأَرْبعَة أَيَّام وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة وصل السَّيِّد مُحَمَّد مير أخور المرحوم الشريف أَحْمد الَّذِي كَانَ قد أرْسلهُ إِلَى الْأَبْوَاب تقدم عَن القابجى بيومين ثمَّ فى سادس الشَّهْر الْمَذْكُور دخلت القفاطين السُّلْطَانِيَّة وَاجْتمعت السَّادة والأعيان والكبار على الْعَادة فِي الْحطيم وَلبس القفطان الشريف سعيد وتمنطق بالصارم المجوهر نصابه من حجر اليشم المفتخر وَقُرِئَ المرسوم السلطاني المتوج بِالِاسْمِ الشريف السُّلَيْمَانِي بعد أَن حول خطابه إِلَى اسْم الشريف سعيد بن سعد فِيهِ التَّصْرِيح بِأَن ابْتِدَاء جُلُوس مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان على تخت السلطنة كَانَ يَوْم السبت ثَانِي محرم الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة تسع وَتِسْعين وَألف ثمَّ نُودي بالزينة سَبْعَة أَيَّام ثمَّ بعد مُدَّة يسيرَة نزل القابجي الْمَذْكُور إِلَى جدة بالقفطان السلطاني إِلَى حَضْرَة السنجق المكرم أَمِير اللِّوَاء الْأَمِير مُحَمَّد بك فألبسه القفطان الَّذِي هُوَ لَهُ وقابله من الْإِكْرَام بِمَا كَانَ أَهله وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أعنى جُمَادَى الْآخِرَة وَدخل مَكَّة السَّيِّد عبد المحسن وَابْن عَمه السَّيِّد مساعد وغالب الَّذين كَانُوا مَعَهُمَا وَفِي سَابِع عشره خرج على سَبْعَة عشر أَصْحَاب ركائب زوّار قصدُوا طَرِيق زقاقة بعد ركوبهم من الْمنزل الْمُسَمّى مستورة بساعة خمس مردفات مَعَهم خمس من البندق رموهم بِهن فأخدوهم مَا عدا ثَلَاثَة أنفس فروا رَاجِعين إِلَى مستورة فَخرجت عَلَيْهِم أَربع مردفات كَانَت كامنة فَأَخَذُوهُمْ فَرجع الْجَمِيع إِلَى مستورة فِي حَالَة لَيست بمستورة وَللَّه الْأَمر لَا راد لما أَرَادَ وَفِي تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَت بِالْمَدِينَةِ وَاقعَة السَّيِّد مُحَمَّد البرزنجي مَعَ السَّيِّد مَحْمُود الكرديين ادّعى على السَّيِّد مُحَمَّد ضربُ السَّيِّد مَحْمُود فَدَعَاهُ الْحَاكِم الشَّرْعِيّ أَولا وَثَانِيا ثمَّ أَتَاهُ قهرا على مَا سمع وَاجْتمعت العساكر من الْعَامَّة لسَمَاع الدَّعْوَى فَأنْكر السَّيِّد مُحَمَّد الْفِعْل وَوَقع بَينه وَبَين الأفندي حَال الله أعلم بحقيقته آل الْأَمر فِيهِ إِلَى حَبسه بِأَسْفَل الْقلَّة الْكَبِيرَة رَأس القلعة وَسَيَأْتِي ذكر تسحُّبه وخلوصه من ذَلِك الْمحل إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَ بروز الشَّيْخ سعيد ابْن المرحوم الشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي صُحْبَة الْعرض إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فِي شَأْن تَوْلِيَة الشريف سعيد بن سعد مَكَّة وَطلب التأييد بِالْأَمر السلطاني فعيق عَن قَصده قبل مجاوزته الْمحل الْمُسَمّى بالمويلح وَأصْبح عذبه الْفُرَات مويلح وَفِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشري شعْبَان وصلت ثَلَاثَة نجاب من بني صَخْر من صَالح باشا صحبتهم مكاتيب من مَوْلَانَا الشريف سعد تَعْزِيَة لابنَة الشريف سعيد وتهنئة هَكَذَا أشيع وَالله أعلم بالحقائق وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء غرَّة رَمَضَان وصل الشَّيْخ سعيد ابْن المرحوم الشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي بحراً إِلَى جدة ثمَّ إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا عشَاء اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة وَقصد إِلَى بَيت الْوَزير يُوسُف السَّقطِي وَكَانَ الشريف سعيد إِذْ ذَاك عِنْده فَأخْبرهُ بِمَا وَقع لَهُ فِي سفرته هَذَا وَأما الْخَبَر عَن مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فَإِنَّهُ لما سَار هُوَ وَمن مَعَه من السَّادة والأتبأع فِي شهر ربيع الأول مضى إِلَى أَن انْتهى بِهِ السّير إِلَى مَحل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 يُسمى بحراً بَين الْمحل الْمُسَمّى بالأزلم وَالْمحل الْمُسَمّى كفاف منزلتي الْحَاج الْمصْرِيّ فَأَقَامَ بِهِ وَوصل إِلَيْهِ بِهِ سَابِع عشر جُمَادَى الأولى القابجي أَحْمد أغا صَاحب القفطان الْمُتَقَدّم ذكره فقابله مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بغاية الْإِكْرَام وَنِهَايَة الإجلال والإعظام كَمَا هُوَ شَأْن طبعه الشريف ودأب خميه الزكي المنيف وَأقَام عِنْده يَوْمَيْنِ ثمَّ رَحل بِمَا أرسل بِهِ لمن أرسل إِلَيْهِ ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته أرسل مَوْلَانَا السَّيِّد شبير ابْن السَّيِّد مبارك مَعَه السَّيِّد دراج الهجالي فِي جمَاعَة من الأتباع إِلَى محافظ مصر حسن باشا بلغه الله من الْخيرَات مَا شَاءَ بِعرْض يتَضَمَّن مَا أَرَادَهُ وَكَانَ رحيل السَّيِّد شبير وَمن مَعَه يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري الشَّهْر الْمَزْبُور أَعنِي جُمَادَى الأولى وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ المرحوم الشريف أَحْمد فَدَخَلُوا مصر وأوصلوه الْعرض وَلما كَانَ يَوْم سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وصل إِلَى مصر خبر وَفَاة المرحوم الشريف أَحْمد فَحِينَئِذٍ أخرج لَهُم أمرا وقفطاناً باسم مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وسيره مَعَ كيخيته وَضم إِلَيْهِ أغوات البُلكات من كل بلك جوربجي فَخَرجُوا من مصر ثانى عشر شعْبَان الْمُعظم ثمَّ أعرض إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة لمولانا الشريف أَحْمد متع الله بحياته بالسير الشَّديد على خيل الْبَرِيد لتأييده بِالْأَمر السلطاني والقفطان الخاقاني ثمَّ إِن السَّيِّد شبير بعد خُرُوجه من مصر أرسل إِلَى مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته إِنَّا واصلون إِلَيْكُم عَن قريب صُحْبَة القفطان وَمن مَعَه فَأقبل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته هُوَ والسادة الْأَشْرَاف وخدامهم وأتباعهم إِلَى الينبع فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ مِنْهَا إِلَى قَرْيَة بدر وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهَا خَامِس عشري شهر شعْبَان الْمُعظم فَأَقَامَ بهَا ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر رَمَضَان وصل إِلَيْهِ القفطان وَمن مَعَه من الأغوات فألبسه بِمَسْجِد الغمامة مِنْهَا وَهُوَ الْموضع الَّذِي بني فِيهِ الْعَريش للنَّبِي فَقعدَ فِيهِ يَوْم وقْعَة بدر الْمَشْهُورَة كَمَا ذكره المؤرخون الأقدمون ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا مُقْبِلين إِلَى مَكَّة زَادهَا الله شرفاً وَقد كَانَ جَاءَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 رَمَضَان الْمَذْكُور مُورق إِلَى مَكَّة من حَضْرَة السنجق مُحَمَّد بك صُحْبَة مَكْتُوب إِلَى حَضْرَة الأفندي وأكأبر عَسَاكِر مصر مضمونه أَنه قد جَاءَنِي صُورَة أَمر من باشا مصر بِولَايَة الشريف أَحْمد بن غَالب وَأَن يبرزوا لمقابلة القفطان وَمن مَعَه فَلَمَّا وصل ذَلِك الْمَكْتُوب طلعوا إِلَى الشريف سعيد وَأَخْبرُوهُ بِمَا فِيهِ وَكَانَ الشريف سعيد قد سمع بِأَن قد نُودي باسم الشريف أَحْمد فِي جدة فأجابهم بقوله إِن كَانَ بيد السَّيِّد أَحْمد بن غَالب أَو السنجق أَمر سلطاني فليأتوا بِهِ وَنحن مطيعون لِلْأَمْرِ السلطاني وَإِن كَانَ غير سلطاني فَحكم الباشا على مصر وصعيدها يعْزل فِيهِ ويولى من شَاءَ وَمَا دون مَكَّة إِلَّا السَّيْف فَقَالَ لَهُ الأفندي عِنْد ذَلِك يَا مَوْلَانَا هَذَا وَزِير مصر يعْزل ويولى فكذبه صَرِيحًا وَقَالَ يعْزل ويولى لمثلك ثمَّ قَالَ لكبار العساكر أَنا لَا أمنع من يُرِيد الْخُرُوج وَلَكِن اعلموا أَن أول خَارج أول من أَضَع فِيهِ السَّيْف وَإِلَّا فالزموا بُيُوتكُمْ لَا مَعنا وَلَا علينا ثمَّ سطر كتابا للسنجق قَالَ لَهُ فِيهِ مثل قَوْله الأول إِن كَانَ مَعَك أَمر سلطاني فَأقبل أَنْت وَمن مَعَك وَإِلَّا فَارْجِع من حَيْثُ جِئْت فوصل الْكتاب إِلَى السنجق وَهُوَ بِالْمحل الْمُسَمّى بحرة من طَرِيق جدة فَأَعَادَ السنجق الْجَواب لابد من الدُّخُول فَلَمَّا سمع الشريف سعيد هَذَا الْجَواب أَمر عساكره بصعود المنائر وشحنت بيُوت أَعلَى مَكَّة وأسفلها بالعسكر وانتقبوا فِي جدرها متارس حِصَار وَأرْسل بِنَحْوِ خمسين خيالاً وَعشْرين دباباً عَلَيْهِم السَّيِّد حسن بن عبد الْكَرِيم بن حسن بن عَليّ بن باز وَقَالَ أَيْنَمَا لقيتموه فَردُّوهُ فَإِن رَجَعَ وَإِلَّا فَكَذَا وَكَذَا فَخَرجُوا بعد صَلَاة الْعشَاء حَتَّى واجهوا مخيمه مُقبلا على أدنى مَحل إِلَى مَكَّة فردوهم ثمَّ سَارُوا هنيهة حَتَّى لاقوه فَتقدم إِلَيْهِ السَّيِّد حسن الْمَذْكُور وَقَالَ يَا سنجق يَقُول لَك الشريف ارْجع وَإِلَّا كَذَا فِي هَذَا الْمَكَان من حذر فقد أنذر ثمَّ قَالَ لمن فِي صُحْبَة السنجق من الْأَشْرَاف وهم السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد مساعد وَالسَّيِّد عبد الله بن أَحْمد الْحَارِث وَالسَّيِّد صَالح بن السَّيِّد مساعد يَقُول لكم الشريف مَا لكم دُخُول ديرتي ارْجعُوا من حَيْثُ جئْتُمْ فَرَجَعُوا ثمَّ رَجَعَ السَّيِّد حسن فَوجدَ مورقا من الأفندى وكبار الْعَسْكَر إِلَى السنحق يَعْتَذِرُونَ عَن الْخُرُوج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 إِلَى ملاقاته ويأمرونه بِالدُّخُولِ لَيْلًا هُوَ وَمن مَعَه إِلَى مدرسة الأفندى ليَكُون أمرا بَيت بلَيْل فازداد بهم ريباً إِلَى ريب هَكَذَا أشيع فِي الْبِلَاد وَكَذَا أشيع لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشري رَمَضَان أَن بعض عَسْكَر رُتْبَة الْفَرْع مقبل إِلَى مَكَّة لغَرَض لَهُ وجد مَكْتُوبًا مَعَ مُورق أرْسلهُ مُحَمَّد أغا الْبَغْدَادِيّ إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فأوصله إِلَى الشريف سعيد فقرأه ودعا الْبَغْدَادِيّ بعد صَلَاة التَّرَاوِيح ووبخه فَقَالَ مَا وَقع منى شئ من هَذَا وَحلف بحياته أَنه مَا كَاتب فأظهر لَهُ الشريف ذَلِك الْمَكْتُوب ثمَّ أَمر بِهِ فضم وزنجر واستدعي بِعَبْدِهِ فَأخذ من الْحجر المطهر فإمر بضمه مَعَ سَيّده فَرمي برأسيهما من ليلتهما بأقصى أجياد أبي الْقَاسِم وَكسرت إبواب بيوته وَأخذ جَمِيع مَا فِيهَا وَكَانَ شَيْئا كثيرا من أَنْوَاع كَثِيرَة بعد أَن حاصر فِيهَا بالبندق أَرْبَعَة من عبيده رَأْسهمْ عبد حبشِي يُقَال لَهُ شاهين نَحْو الْمِائَتَيْنِ من عبد وعسكري إِلَى تذكير الصُّبْح وَكَمن شاهين خلف الْبَاب فَلَمَّا كسر ودُخل عَلَيْهِ طعن أول دَاخل فَقتله ثمَّ قتلته الْعَسْكَر عِنْد بَاب الشريف وَحمل قَتِيلا وَأُلْقِي فِي الواسعة وَلكُل أجل كتاب ثمَّ إِن حَضْرَة السنجق مُحَمَّد بك اسْتقْبل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وَمن مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف والأغوات بالآلاى والنوبة عِنْد انفصالهم من أدنى ملاوي وَادي مر فواجههم وحياهم ثمَّ دَخَلُوهُ مَعًا جَمِيعًا ثمَّ ورد عَلَيْهِم بِهِ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن السَّيِّد سعيد بن شنبر بن حسن فَركب إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته وتلقاه من بُعد واعتنقا بخالص الصَّدَقَة والود وَأَتَاهُ من العنلة فى قريب من خمسين عنان كَانَ الله لَهُ حَيْثُ كَانَ وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري رَمَضَان الْمَزْبُور وصل الْخَبَر أَن مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته نزل بوادي مر هُوَ والسادة الْأَشْرَاف والسنجق وَمن مَعَهم فَأمر الشريف سعيد حِينَئِذٍ الفعلة بِبِنَاء متارس عديدة على رُءُوس جبال الزَّاهِر ومضايق ثنيتي كداء وكدى ورتب فِيهَا العساكر وَفِي غَالب الْأَمَاكِن المطلة على المنافذ وبرز فِي تِلْكَ اللَّيْلَة السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فِي عشرَة من السَّادة الْأَشْرَاف وَبَعض خيالة وَنَحْو سِتِّينَ بواردياً وبمدفعين اثْنَيْنِ سحبا بأكتاف الرِّجَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 لإعواز أقتاب الْجمال وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة بالزاهر وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس مستهل شَوَّال لَيْلَة الْعِيد ورد الْخَبَر بوصول مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته إِلَى النوارية مَحل على نصف الْمسَافَة من وَادي مر وَأشيع أَن قَصده الدُّخُول وَذكر اسْمه فِي خطْبَة الْعِيد على مِنْبَر الْحرم الشريف فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف سعيد مَوْلَانَا السَّيِّد باز بن هَاشم وَالسَّيِّد وَاصل بن أَحْمد إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته يطْلب إرْسَال الْأَمر الَّذِي وصل إِلَيْهِ ليشرف عَلَيْهِ فَلَمَّا وصلا إِلَيْهِ لهَذَا الْغَرَض غضب السنجق مُحَمَّد بك الْمَذْكُور وَمن مَعَه من الأغوات وشرابجية البلكات وَقَالَ لَيْسَ الْأَمر ملعبة وَحصل بَينهم كَلَام فَقَالَ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن سعيد بن شنبر يَا أَمِير نَحن رفاقة نصطلح ثمَّ أَخذ السيدين الْمَذْكُورين وَتكلم مَعَهُمَا بِكَلَام لم تبلغنَا حَقِيقَته الله أعلم بهَا فَرَجَعَا إِلَى الشريف سعيد فَأَخْبَرَاهُ فعزم حِينَئِذٍ على إخلاء مَكَّة وَالْخُرُوج مِنْهَا وَأمر العساكر بمفارقة المتارس والدور الَّتِي كَانُوا بهَا وَخرج نصف اللَّيْل من لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي شَوَّال وَخرج مَعَه أَخُوهُ السَّيِّد مساعد وَابْن عَمه السَّيِّد عبد المحسن وَغَيرهمَا وعبيدهما وأتباعهما توجهوا إِلَى قَرْيَة الطَّائِف ثمَّ طلب بعد ذَلِك من مَوْلَانَا الشريف إِقَامَة مُدَّة شَهْرَيْن بهَا فأعطيها وَفِي حَال خُرُوجهمْ دخل مَوْلَانَا السَّيِّد حسن بن غَالب فِي جمَاعَة من الْأَشْرَاف والأتباع لحفظ الْبِلَاد عَن الشغُور وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور وَكَانَت مُدَّة ولَايَته أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام من غير زِيَادَة وَلَا نقص يجمعها حُرُوف قَوْلك كل لَهُ مدا وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي وقدمتها لَهُ يَوْم الْجُمُعَة سلخ جُمَادَى الأولى من سنة تسع وَتِسْعين وَألف // (من الطَّوِيل) // (سقَى معهداً بَين الأثيلِ وناجمِ ... سحوحُ العهاد الغادياتِ السواجِمِ) (دريساً عفَتهُ الهوجُ مذ بَرِحَ النوَى ... بأهليه تكسُوهُ سمال السمائمِ) (نظرْتُ إِلَى أطلالِهِنَّ ونؤيها ... مثلَّمة فى جنْبِ سُفْعٍ جواثمِ) (كأنَّ الأثافي السودَ كَبِدِي قطعْنَهَا ... ظُبى البَيْنِ أَثلَاثًا كتقسيمِ قاسمِ) (فدرَّتْ بمرآها شئون مدامِعِى ... وظَلْتُ وَإِيَّاهَا كَبَوٍّ ورائمِ) (كأنْ لم تكنْ للغيد مأوىً وَلم تقمْ ... على دوحِهِ ألحانُ وُرْقِ الحمائمِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 (بلَى قَدْ عهدناه كذَاكَ فصوَّحَتْ ... نضارتَهُ طوحُ الزَّمَان المتاخِمِ) (معاهدُ لمياءُ البديدِ تجرُّ فِي ... ثراها ذيولاً عاطراتِ النسائمِ) (تميلُ كَمَا مالتْ غصونُ رياضها ... بنشآتِ خمرات الصِّبَا لَا المآثِمِ) (على غُرَّةٍ كالشمسِ من تحتِ طُرَّةٍ ... تزينُ الضيا مِنْهَا بأسوَدَ فاحمِ) (ومُقلة أدماء الجَوَازى مطفل ... أريعَتْ بقَنَّاسٍ من انمار ساغمِ) (جَرَى فَوْقهَا قوسُ من النونِ موترٌ ... نبال رنا رِيشَتْ بأهدابِ رَائِمِ) (لَهَا سلكُ دُرٍّ قفل فيروزج الوشام ... دَارَ بِهِ فى نصْفِ دورةِ خاتمِ) (بِهِ الشهْدُ ممزوجاً بصهباءَ خامرَتْ ... مَعَ الصبْحِ مسكاً مستطابَ المناسمِ) (ومهضوم كَشْح مخمص الْغَوْر رقةً ... بِعقد بريم فِيهِ حُلت برائمي) (لَهَا الْجِسْم لما حلّه ضخر قَلبهَا ... كَذَاك أتانُ الضَّحْلِ أقسى الصلادمِ) (براها إلهُ العرشِ عُقْلةَ عاقلٍ ... وفتنةَ نسِّيك وزلة عالمِ) (إِذا وعَدَت ألوَتْ وإِن أوعَدتْ وفَتْ ... وَكم أشمتَتْ إِذْ خفتُ إشمات لائمِ) (شُهِرْتُ بحبيها فصرْتُ كأنني ... كبيتِ قريضٍ من مديحِ ابْن هاشمِ) (سعيدُ بنُ سعدٍ إبْن زيدِ بنِ محسنٍ ... خُلَاصَة خيرِ الخيرِ من وُلْدِ آدمِ) (شريفٌ لَهُ من قبضةِ النورِ جوهرٌ ... تكون شخصا من علىٍّ وفاطمِ) (مليكُ بلادِ الله وابْنُ مُلُوكهَا ... وحامي حماها قَبْلَ نوطِ التمائمِ) (لَهُ منطقٌ مَاء النهَى مِنْهُ صيِّبٌ ... ورأْىٌ مصيبٌ فِي عظيمِ العظائمِ) (أعز حمى مَنْ لاذَ مِنْهُ بذمَّةٍ ... ومَنْ قرَّبته مِنْهُ أدنى الملازمِ) (محاسنُ ساداتٍ مضوا فِيهِ جمِّعَتْ ... كجمعِ الغديرِ القطرَ غب الغمائمِ) (فَمن خلقه لم تلق أحسنَ مظْهرا ... سوَى مضمرٍ من خُلْقِهِ والعزائمِ) (بنَتْ فِي مراقي الغرِّ آباؤُهُ الْعلَا ... لَهُ بَيْتَ مجدٍ فِي رفيع الدعائمِ) (فَلم يرضَ حَتَّى شادَ مثلهم ومَنْ ... يشابِهْ أَبَاهُ فِي الْعلَا غَيْرُ ظالمِ) (فهنيتَ ملكا لم تزلْ يَا سعيدَهُ ... مساعد سعدٍ فِي جميعِ المآزمِ) (رزئْت عَظِيما إِذْ حبيتَ عَظِيمَة ... كذلكَ حالُ الدهرِ بَين العوالمِ) (دهانا ببؤسى لَا يقاومُهَا الأسَى ... تقارنُ نُعْمَى مَا لَهَا من مقاومِ) (ذوى زيد الأمجاد لَا فُضَّ جمعُكُمْ ... وعنكُمْ نبا بابُ الزمانِ المغاشمِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 (لكُم أنفسٌ ملكيةٌ تحتَ نبضها ... قلوبُ أسودٍ فِي شخوصِ أوادمِ) (إِذا سيدٌ مِنْكُم خلا قامَ سيِّدٌ ... نهوضٌ بأعباءِ الْعلَا والمكارمِ) (عليكَ كَشَفْنَا وجْهَ عذراءَ لَو عَدَتْ ... علاكَ لصينَتْ عَن مُلاَمسِ لائمِ) (من الخفراتِ اللائي كنْتَ عظلتَهَا ... وآليْتَ أقساماً بحنْث ملازمِ) (ولكنْ لودٍّ من أبيكَ اعتقدتَّهُ ... وَمن قَبْلُ من زيد جرى بالمراحمِ) (لذاكَ رأيْتَ الخيرَ تكفيرَ حِنْثها ... وأَنَّ تَمَادى التركِ إِحْدَى الجرائمِ) (وَمَا مَطْلَبى فِيهَا الإجازَةُ إِنَّمَا ... قبولُكَهَا وَالله أقصَى عزائمي) (بقيتَ وَلَا أبقى الردَى لكَ حَاسِدًا ... فسعدُكَ فِي حالاتِهِ جِدُّ قائمِ) وَقَالَ الأديب الشَّيْخ سَالم بن أَحْمد الصعدي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي // (من الطويلَ) // (ورثْتَ كَلاَكَ الله مرتَبَةَ المُلْكِ ... فها هِىَ فِي كفَّيْكَ ثابِتَة الملْكِ) (توارَثْتَهَا عنْ عمكَ الأشرفِ الَّذِي ... تمسَّكَ طفْلا بالعُلاَ أَيّمَا مَسْكِ) (كذاكَ عَن الأجدادِ أكْرم سادةٍ ... رقوا رتباً للمجْدِ عالية السمكِ) (وَلَا غَرْوَ مهما كنْتَ يَا سبْطَ سعدهم ... وريثاً لَهُم فِي العلْمِ والحلمِ والنسكِ) (وَقد جَاءَ يسْعَى الملكُ نحوَكَ مسرعاً ... يجرُّ ذيولَ التيه والعُجْبَ والزمكِ) (وقلَّدَكَ الأحكامَ فِي الناسِ كلِّهم ... وعَامَلَ كلا من ذَوي الحُكْم بالتركِ) (فأصبَحْتَ فِيهِ خَالِيا عَن مشاركٍ ... لأنَّكَ قد أحللْتَ عَنهُ عرى الشركِ) (فيا نجلَ مَنْ أعْطى الخلافَةَ حقَّها ... فأصبَحَ مِنْ جيشِ السعادةِ فِي حشْكِ) (ليهنِكَ هَذَا المنصبُ الشامخُ الَّذِي ... أمنْتَ بِهِ كل الرعايا مِنَ الضنكِ) (فعادوا كَمَا كانُوا مِنَ الأمْنِ بَعْدَمَا ... أرِيعُوا بفقدانِ الفتَى ماضِى الفتكِ) (إِلَى أَن غَدا كُلٌّ يقولُ تأسفًا ... وخزنًا لندمانىْ جذيم قفا نبكِ) (ولولاكَ مَعْ حكمِ القضاءِ وأمرِهِ ... مِنَ الله لم تحقنْ دماهُمْ عَن السفكِ) (فها هُمْ بأمنٍ مِنْك أذهَبَ عنهُمُ ... مخاوفَ ذكرَاهَا يعدُّ من الإفْكِ) (وَمَا الخوفُ إِلَّا بَين أفئدةِ الورَى ... ثوى مِنْك حتَّى مسَّها نصب النهكِ) (وذلكَ لما أنْ تسنَّمْتَ تخته ... بعزْمٍ غدَتْ مِنْهُ القساورُ فِي رَبْكِ) (ألسْتَ الَّذِي إنْ جُلْتَ والنقعُ ثائرٌ ... ومبيضُّ جوِّ الأفقِ فِي شدَّة الحلكِ) (تظلُّ صناديدُ الرجالِ نواكساً ... إِلَى أَن يَذُوقُوا أكؤس الْحِين والهُلْكِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 (وَكُلُّ حديدِ القلبِ ثبتٍ مجرّبٍ ... صبورٍ على ضربِ القواضبِ والصَّكِّ) (يهابُكَ مذ يلقاكَ فِي حومةٍ الوغى ... ويقفىٌ وَمِنْه القلْبُ مضطربٌ مُنْكِى) (فَلَو أَنْكَ صادمْتَ الرواسِى لخلْتَهَا ... وحَقِّكَ إجلالاً لقدركَ فِي دَكِّ) (وأمَّا السخا يابْنَ السخىِّ فَإِنَّهُ ... سجيتُكَ الغراءُ من غيرِ مَا شَكِّ) (لهَذَا شذا عَرْف الثنا عنْكَ مثل مَا ... شذا عَرْف طيبِ العنبرِ الرَّطْبِ والمسكِ) (وشاعَ حديثُ الفضلِ عَنْك مسلسلاً ... لَدَى العَرَبِ العرباءِ والفُرْسِ والتُّرْكِ) (فيا بَدْرَ ملكٍ جلَّ فِي فلكِ الْعلَا ... وَيَا بَحْر جُودٍ كَمْ سَعَتْ فِيهِ من فُلْكِ) (ويأيها الشَّهْمُ السعيدُ ابْن سَعْدنا ... وَيَا مَنْ بِهِ قد فَاء فِي الحَرَمِ الْمَكِّيّ) (إليكَ من البحْرِ الطويلِ قصيدةً ... بعيدُ مداها لِى تدانَى على وَشْكِ) (تهنِّيكَ بالملكِ الَّذِي قد ورثتَهُ ... عَن البطلِ الشطْبِ الخبثضمة الملكِ) (مليكُ الندَى مردِى العدى طالما غَدا ... يردُّ إِلَى الشاكي الحقوقَ من المشْكِى) (فَمَا زالَتِ الأيامُ تتلو تهانياً ... عليكَ وبشراً دَائِما غيرَ منفكِّ) (كَمَا ظَلَّ ثغرُ الدهْرِ من جذلٍ بِمَا ... حُبِيتَ من السعْدِ المتممِ فِي ضحْكِ) (فدُمْ رافلاً فِي ملبسِ العزِّ لَا يُرَى ... لكَ اليومَ فِي أحكامِكَ الغُرِّ من يَحْكِي) ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن المرحوم السَّيِّد غَالب ابْن السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد بن مَسْعُود بن حسن دَخلهَا من أَعْلَاهَا صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة يَوْم الْجُمُعَة ثانى شَوَّال عِنْد الضحوة الْعَالِيَة بالآلاى الْكَبِير والنوبة وَجَمِيع عَسَاكِر مصر وَغَيرهم فِي موكب أتم مَا سَمِعت أذن من خبر وأبهى مَا لذ فِي عين ذِي نظر لابساً خلعة التبجيل والتكريم ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم فَنزل بداره السعيدة وَنُودِيَ باسمه فِي الْبِلَاد يسمعهُ الْحَاضِر والباد وبالزينة سَبْعَة أَيَّام وابتهجت الْقُلُوب بالفرح التَّام وسعت إِلَيْهِ الْخَاصَّة والأعيان مهنئين فرحين وهرعت الْعَامَّة لتقبيل أعتابه مستبشرين مرحين وَقد تشرفت بمديحه حبا ووداً وَرويت عَن بَحر أصبح مَد غَيره عِنْده جزراً وجزره عِنْد غَيره مدا فَقلت // (من الطَّوِيل) // (سرَتْ نسمةٌ مِنْكُم تهْبُّ بإقبالِ ... شذا مِنْ شميمِ الرندِ والشيحِ والحالِ) (تحدث عَن برقاء منجد فالقُصَى ... من الدوحِ فالعرجينِ فالوشْمِ فالخالِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 (مسارحُ آرام ملاعِبُ صِبْيَةٍ ... مطاردُ فرسانٍ معاطنُ أجمالِ) (مواردها عدٌّ وعشبُ رياضِها ... أثيثٌ سقَاهُ الجودُ من فرغِهِ الدالِى) (عفَتْ غيرَ رسْمٍ خافتِ الظلِّ قالصٍ ... ومثلومِ نُؤْىٍ تَحت أنضاءِ أطلالِ) (وَسُفْعِ أثافٍ كالحماحِمِ جُثَّم ... وأَشْعَث مشجوج الْقَفَا نَاخِر بالي) (ثلاثٌ تشكَّى أَرْبعا تنتهبنها ... وَحَيًّا وتكسوهُنَّ مغبر أسمالِ) (خلَتْ دمنتاها عَن سوَى أرقطِ المِطا ... وجَيْئَلَ خمعاء وشَيْهَم عَسَّالِ) (سَقَاهَا من الوسمىِّ صائبُ نوئه ... بمرتجسٍ داني النِّشَاصَيْن مسبالِ) (وَلَا برحَتْ عَيْني يسحُّ وَلِيُّهَا ... بدَمْعٍ على تلكَ المناهِلِ مُنْهَالِ) (منازلُ بَيْضَاء العوارضِ أرهفَتْ ... معاطفها واسْتُبْدِعَتْ حسنَ أجدالِ) (تبدَّتْ مَعَ الأترابِ تُرجعُ لحظَهَا ... تَخَاوُصَ أدماءِ السوالِفِ مطفالِ) (وبينَ الوشاحِ الملتوي غُصْن بانةٍ ... وثنى الْإِزَار المرتوي حقفه العالِي) (وتحْتَ اللثامِ الجوْن دُرٌّ لثَاتُهَ ... أُسِفَّتْ بمرموقٍ سقى صرف جريالِ) (أسالَتْ على الخدِّ الأسيلِ مدامعاً ... تعاتبني سِرًّا بهَا عتْبَ إدلالِ) (وَقد قربَتْ يمنَى يَديهَا بضمِّها ... إِلَى صَدْرها الْخَالِي فزادَ بهَا حَالي) (وعضَّتْ بدرِّ الثغر فِضَّة معصمٍ ... لَهَا كادَ يثنيه السوارُ عَلَى بالي) (وَمَا أنْسَ لَا أنسى الهوَى ومعاهداً ... تذكِّرنيها فِكْرتى عَصْرَهَا الْخَالِي) (فَمَالِي ووَصْل الغانياتِ وَإِنَّمَا ... مصايِدُهَا بَيْنَ الشبيبةِ والمالِ) (تنعمْتُ فِي ليلِ الشبابِ فراعَنِى ... طلوعُ صباحِ الشيبِ من غَيْر إمهالِ) (وَمَا كانَ إِلَّا وصلُهُ فجفاؤُهُ ... وَمَا كانَ إقبالٌ لَهُ غَيْر إجفالِ) (تملَّصَ مني ثمَّ مَرًّ فَلَو يشا ... شريفُ الصَّفَا والركْنِ عَوَّدَ فِي الحالي) (أَبَا غالِبٍ سلطانَ مكَّةَ أَحْمد بْن ... غَالِبَ راعيها الحفى الدَّائِل الدالي) (تسنَّى ذُرَى العلياءِ قدماً وتالياً ... إِلَى أَن تَلا مِنْ ملكهَا السَّنَد العالي) (فَسَارَ عَلَى عرضِ الفلاةِ مراوحاً ... فَمن سرجِ منقالٍ إِلَى كورِ مرقالِ) (ووالَتْهُ من أبنا أبِيهِ عصائبٌ ... ذَوُو نجداتٍ صادقو الفِعْلِ والقالِ) (مساعيرُ حَرْبٍ لَا يرجَّى طعينُهُمْ ... مساميعُ للداعِى مساميحُ بالنَّالِ) (ميامينُ بَسَّامُونَ فِي السِّلْمِ والوغَى ... جحاجحةٌ قُحٌّ هُمُ خيرةُ الآلِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 (حِمَى الضَّيْم إِن ياطا مواطئ خَيْلهم ... من الأرضِ فاستوبى لَهُم قَالَةَ القالِ) (فَمَا خِيطَتِ الأجفانُ منهُمْ عَلَى القذا ... وَلم يشْربُوا الترنيقَ من وِرْدِ أوشالِ) (وَلم يبرحُوا فِي ثَبْتِ طَولٍ ومنعةٍ ... بأمرإِ عيشٍ فِي محلٍّ وترحالِ) (فأولاه ملك الرومِ مُلْكَ جدودِهِ ... وَقمَّصَهُ للعزِّ أَشْرَف سربالِ) (أصابَ بِهِ المغزَى كَمَا وَضَعَ الهنا ... على النقْبِ من جربائة الهانئ الطالِى) (فَعبر عَنْ أسمائِهِ كُلُّ منبرٍ ... وأفصَحَ عَن آلائِهِ كُلُّ ذِي قَالَ) (ليهنِكَ بلْ يهنى الخلافَةَ أَنَّهَا ... أَوَتْ مِنْك للبرِّ الرضى الْحَائِط الكالي) (فَلَا نعمةٌ إِلَّا وأنْتَ وليُّهَا ... ومَكْرُمَةٌ إِلَّا وأنْتَ لَهَا وَالِي) (فَللَّه حمْدٌ يملأُ اللوْحَ دائمٌ ... وشكْرٌ لَهُ فِي بَدْءِ نعماه والتالي) (أُحِبُّكُمُ حُبَّيْن حبَّ فريضةٍ ... بِهِ ألزمَ الله الورَى أمرَهُ العالي) (وحُبُّ صفاتٍ أنتَ مفردُ جمعهَا ... غدوْتُ بهَا فى حُبِّكَ المفرِطَ الغالي) (إليكَ مِنَ الودِّ الصريحِ خَدِيمةً ... لَهَا فِي مثانِى الطِّرْسِ مِشْيَةُ مختال) (جواهرُ أصدافٍ من الفكْرِ نضدَتْ ... فَمَا خانها سلكٌ وَلَا ريب إغلالِ) (مخدَّرة حَرَّمْتُ رفعَ نقابها ... ففكَّرْتُ واستصْوَبْتُ بالمدحِ إحلالي) (هَدِيَّة مَنْ يَدْعُو لمجدِكَ بالعلا ... وعيشك فِي سِتْرٍ من العزِّ ذَيَّالِ) ثمَّ عزل فِي يَوْم دُخُوله الْمَذْكُور عَن تَدْبِير كرْسِي السياسة حاكمها الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر وقلد منصبها عَبده الْقَائِد سنبل فَقَامَ بهَا أتم قيام فِي أبهى مظهر وأبهج نظام وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمَذْكُور عزل عَن منصب الدوادرية أَحْمد بن مصطفى المولتاتي فعل متيقظ حَازِم فتي وقلد منصبها خادمه أَبَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد طَاهِر الشهير بالبربتي وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع شَوَّال ادَّعَت عَسَاكِر مصر على الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر سَبَبِيَّة قتل الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد أغا وَنهب بَيته فَدخل على مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن السَّيِّد سعيد ابْن شنبر فَمَنعهُمْ عَنهُ وَقَالَ إِن يكن لكم عَلَيْهِ وده فعلى يَد مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته فَحَضَرُوا فَلم يثبت لَهُم عَلَيْهِ وَجه فخلص ثمَّ أنفذت المكاتيب إِلَى أهل الْإِدْرَاك ومشايخ العربان فأطاع كل عَاص ودان من كل قاص ودان وَبعث الْجنُود ورتبها فِي كل وجهة ومخلاف فأمنت الْبِلَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 والطرق وَللَّه الْحَمد مِمَّا يحاذر وَيخَاف وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور تقلد منصب الوزارة المكية الحسنية الغالبية الخواجا إِبْرَاهِيم بن عَليّ حميدان وأفيض عَلَيْهِ فرو من السمور وفقنا الله وإياه للسداد فِي جَمِيع الْأُمُور وانفصل عَنْهَا يُوسُف بن عبد الله الشهير بالسقطي وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر الشَّهْر الْمَزْبُور أَمر متع الله بحياته بِكَسْر أواني المزور وَالْخُمُور وتشتيت العواهر من بَنَات الخطا والفجور وَمن رُؤِيَ بعد ثَلَاث صلب عل بَاب دَاره فترحل بَعضهنَّ عَن الْبِلَاد وانكمش بَعضهنَّ عَن ذَلِك التظاهر وَفَارق بَيته فتقاصر عَنهُ ترداد المرتاد فجزاه الله تَعَالَى خيرا عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وأيد بِهِ مِلَّة جده سيد الْمُرْسلين وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشري شَوَّال كَانَ حُصُول الْفرج مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمولانا السَّيِّد مُحَمَّد البزنجى وَذَلِكَ أَنه لما دخل عَلَيْهِ شهر رَمَضَان وَهُوَ مَحْبُوس بذلك الْمحل الْمُتَقَدّم ذكره أخرج من آخِره إِلَى مَحل أروح وأنور فاستمر بِهِ ثمَّ إِنَّه عهد إِلَى بعض أحبائه أَن يُعِد لَهُ فِي ذِي الحليفة الْمحل الْمُسَمّى عِنْد الْعَامَّة أبيار على ناقتين بالأهبة وَأَن يحضر لَهُ تَحت القلعة حصاناً بعدته وسلاحه فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة تدلي من السُّور إِلَى خَارج وَركب الحصان وتقلد السَّيْف وتنكب الْقوس واعتقل الرمْح وَسَار إِلَى ذِي الحليفة ثمَّ مِنْهَا عَلَى الركائب سالكا طَرِيق الْفَرْع واتجه بولده فِي الطَّرِيق بقرية خليص وَكَانَ قد خرج من الْمَدِينَة قبله بِثَلَاثَة أَيَّام بأَمْره خشيَة أَن يمسك عوضه إِذا فقدوه فوصلا إِلَى مَكَّة تَاسِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ذِي الْقعدَة الْحَرَام أَمر بِقطع عبد أسود سَارِق فَقطع يَدَاهُ وَرجلَاهُ ثمَّ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ قطع سَارِق آخر حبشِي الْجِنْس يَده وَرجله من خلاف ثمَّ فِي يَوْم السبت ثامن الشَّهْر الْمَزْبُور كَانَ وُصُول القفطان والمراسيم السُّلْطَانِيَّة صُحْبَة سُلَيْمَان أغا سلخور فَدخل بالآلاى الْعَظِيم والمنظر الْبَهِي الوسيم وَوصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بِالْحَطِيمِ وَقد فتح الْبَيْت السعيد وغص الْمجْلس بالسادة الْأَشْرَاف نخبة آل عبد منَاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 وأفندي الشَّرْع وَشَيخ الْحرم والسادة الْعلمَاء والأعيان والأغوات والسرادير وكبار العساكر فألبس مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته القفطان السلطاني على فرو من السمور وَنشر المرسوم الخاقاني وقرئت مِنْهُ تِلْكَ السطور فِيهِ بعد تعداد نعوت مَوْلَانَا الحميدة وَالثنَاء عَلَى جميل مزاياه المجيدة التَّصْرِيح بِأَنا قد أنعمنا بِولَايَة الْحَرَمَيْنِ الشريفين عَلَيْكُم وأسندنا حماية المحلين المنيفين إِلَيْكُم والحث عَلَى الْقيام بِوَاجِب السَّادة الْأَشْرَاف الذابين عَن حمى هَذِه الأكناف وَالْوَصِيَّة بالعلماء والصلحاء والمجاورين وحماية الْحجَّاج وَالزُّوَّارِ والمسافرين والالتفات إِلَى تَأْمِين الطّرق والبلدان وقمع أشقياء العربان أهل العتو والطغيان مؤرخاً من السّنة الْمَذْكُورَة بأوائل شهر رَمَضَان الْمُعظم قدره ثمَّ ألبس مَوْلَانَا متع الله بحياته حَضْرَة أفندى الشَّرْع والقابجى السلطاني وكيخة الباشا أفرية من السمور ثَلَاثَة من غير تَأْخِير وَلَا ملاثة وألبس مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الشيبي وَابْنه الشَّيْخ الْأَجَل عبد الْمُعْطِي وَجَمِيع السرادير والشرابجة والجواويش وأرباب المناصب القفاطين عَلَى القانون وَالْعَادَة ثمَّ دعِي لمولانا السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلَيْمَان خَان بن إِبْرَاهِيم خَان ولمولانا الشريف متع الله بحياته على بَاب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ذَات السِّيَادَة وَكَانَ يَوْمًا فِي نِهَايَة الْحسنى وَزِيَادَة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أَمر مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بِحُضُور الْخَاصَّة والعامة عِنْد الْحطيم للدُّعَاء لنصرة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم كل يَوْم إثنين وخميس بعد صَلَاة الْحَنَفِيّ عَامله الله تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْخَفي وَكَانَ بِهِ نعم الحفي آمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588