الكتاب: سلوة الكئيب بوفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم المؤلف: محمد بن عبد الله (أبي بكر) بن محمد ابن أحمد بن مجاهد القيسي الدمشقي الشافعي، شمس الدين، الشهير بابن ناصر الدين (المتوفى: 842هـ) المحقق: صالح يوسف معتوق - هاشم صالح مناع الناشر: دار البحوث للدراسات الإسلامية - الإمارات   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ابن ناصر الدين الدمشقي الكتاب: سلوة الكئيب بوفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم المؤلف: محمد بن عبد الله (أبي بكر) بن محمد ابن أحمد بن مجاهد القيسي الدمشقي الشافعي، شمس الدين، الشهير بابن ناصر الدين (المتوفى: 842هـ) المحقق: صالح يوسف معتوق - هاشم صالح مناع الناشر: دار البحوث للدراسات الإسلامية - الإمارات   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) (وَهُوَ تَعَالَى حسبي) قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْكَبِير حَافظ الشَّام أَبُو بكر شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر عبد الله الشهير بِابْن نَاصِر الدّين الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى: (مُقَدّمَة الْمُؤلف) الْحَمد لله الْحَيّ الْبَاقِي على الدَّوَام؛ الْمُنْفَرد بالعز والقهر والجلال وَالْإِكْرَام؛ الْحَاكِم بالحمام على الْخَاص ووالعام، فَلَا محيد لأحد عَنهُ وَلَو عمر ألف عَام، جعل الزَّرْع البشري بمنجل الْمَوْت حصيداً، وَفِي بيدر الأجداث بدياس البلى فقيداً، ويقسمه يَوْم يذرؤه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 خلقا جَدِيدا: فريقاً فِي الْجنَّة، وفريقاً فِي دَار الانتقام، فسبحانه من وَاحِد قهار جواد، وَارِث الْعباد والبلاد، باعث الرفات للمعاد، جَامع النَّاس ليَوْم تدحض فِيهِ الْأَقْدَام. نحمده على مَا سَاءَ وسر /، ونشكره على مَا حلا وَمر، ونؤمن بِمَا قدر من خير وَشر، ونسأله الرضى بِمَا قضى، وسطرته الأقلام. ونشهده أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، ذُو الْقُدْرَة الباهرة، والسطوة الباطشة الْقَاهِرَة، المعيد خلقه بعد الفناء؛ فَإِذا هم بالساهرة فِي يَوْم لَا كالأيام، ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده الْأمين، وَرَسُوله الْمَأْمُون، الَّذِي أنزل عَلَيْهِ فِي كِتَابه الْمكنون، مُخَاطبا لَهُ بقوله تَعَالَى: {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} . وَاخْتَارَ لَهُ على هَذِه الدُّنْيَا الدنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْوَسِيلَة فِي دَار السَّلَام، صلى الله أشرف الصَّلَوَات عَلَيْهِ، وسَاق من التَّحِيَّات أفضلهَا إِلَيْهِ، وأنزله الْمنزل المقرب لَدَيْهِ، وبلغه نِهَايَة المرام، وَأَعْلَى الْإِكْرَام، وَرَضي الله عَن آله الْأَشْرَاف / السَّادة، وَأَصْحَابه الْأَعْلَام القادة، وتابعيهم فِي الْهدى وَالْعِبَادَة، وَعَلَيْهِم من رَبنَا السَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 (قصيدة فِي موت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) شعر: [من السَّرِيع] : (مَا الْأَمر فِي ذِي الدَّار إِلَّا مَنَام ... كل سيدري حِين يَأْتِي الْحمام) (يَقُول يَا لَيْت وأنى لَهُ ... وَالْمَوْت قد أطلق فِيهِ السِّهَام /) (يود لَو أمهله لَحْظَة ... يَتُوب فِيهَا عَن ركُوب الْحَرَام) (أَنى لَهُ التوب وَقد حشرجت ... فِي الصَّدْر مِنْهُ النَّفس للاصطلام) (يَا نائمين انتبهوا طالما ... غر الأولى الماضين طول الْمقَام /) (بَينا هم فِي غَفلَة إِذْ أَتَى ... مَا كفهم عَن فعلهم وَالْكَلَام) (وأسكنوا فِي حُفْرَة أذهبت ... لحومهم لم تبْق غير الْعِظَام) (بل أسحقت تِلْكَ الْعِظَام الَّتِي ... وجوهها كَانَت تنير الظلام) (يَا حسن مَا كُنَّا جَمِيعًا فمذ ... ترحلوا عَنَّا أَقَامَ الغرام) (وَكلما مر حَدِيث لَهُم ... تضَاعف الشوق وَزَاد الهيام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 (لله هَذَا الْمَوْت لم يبْق ذَا ... تقوى لتقواه وَلَا ذَا اجترام) (وَلَو يحاشي أحدا فِي الورى ... حاشى نَبِي الله ذَا الاحترام /) (لكنه أنهله كأسه ... وَهُوَ حبيب الله خير الْأَنَام) (فماجت الأَرْض بِمن فَوْقهَا ... لمَوْته وانهل صوب الْغَمَام) (وكل عين أنزفت دمعها ... وأهون الدمع عَلَيْهِ انسجام) (وَأصْبح الْمَسْجِد من فَقده ... يشكو كَذَاك الْبَيْت ثمَّ الْمقَام) (بل كل أَرض عَمها فَقده ... وَقد علاها بعد نور قتام) (وَلم يجد خلق كأصحابه ... إِذْ أودعوه تَحت تِلْكَ السَّلَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 (وَانْصَرفُوا عَنهُ وكل لَهُ ... حزن وهم لَا يُطيق الْكَلَام /) (لله موت الْمُصْطَفى إِنَّه ... رزء عَظِيم لَا يضاهي الْعِظَام) (فموته الْخطب الْجَلِيل الَّذِي ... هان بِهِ رزء الْجِيَاد الْكِرَام) (لكنه حَيّ وَفِي رَوْضَة ال ... وَسِيلَة الْعُظْمَى بِأَعْلَى مقَام) (عَلَيْهِ صلى الله من فَضله ... وسَاق تَسْلِيمًا إِلَيْهِ دوَام) (ثمَّ على الْآل وَأَصْحَابه ... وَالتَّابِعِينَ الأطيبين السَّلَام) (الْإِشَارَة إِلَى دنو أَجله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) قَالَ الله تَعَالَى عز وَجل مُخَاطبا لنَبيه الْكَرِيم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} إِلَى آخر السُّورَة. المُرَاد بِالْفَتْح: فتح مَكَّة وَمَا داناها. وبالناس: فِيمَا قيل أهل الْيمن وَمَا والاها، لِأَنَّهُ لما / بَلغهُمْ هَذَا الْفَتْح الْمُبين قَالُوا: لَوْلَا أَن مُحَمَّدًا [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رَسُول من رب الْعَالمين، لصده عَن بَيته الْحَرَام، وَلم يبلغهُ من فَتحه المرام كَمَا فعل بتبع، وَأَصْحَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْفِيل مِمَّن جعل كيدهم فِي تضليل؛ فَأَيْقنُوا حِينَئِذٍ برسالته احتجاجاً، ودخلوا طائعين فِي دين الله أَفْوَاجًا، وَأسْلمت الْقَبَائِل فُرَادَى وأزواجاً، وَلما شَاهد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ذَلِك وَرَآهُ علم أَن الْأَجَل قريب، فَاسْتَبْشَرَ بلقاء الله. وَهَذِه السُّورَة الشَّرِيفَة نزلت آخر السُّور الْعَظِيمَة، وفيهَا نعيت إِلَى / النَّبِي، [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، نَفسه الْكَرِيمَة. [كَثْرَة استغفاره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] خرج أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس [رَضِي الله عَنْهُمَا] فِي قَول الله عز وَجل: {إِذا جَاءَ نصر الله / وَالْفَتْح} قَالَ: فتح مَكَّة، نعيت لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نَفسه، فَاسْتَغْفر الله رَبك، وَاعْلَم أَنه قد حضر أَجلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس بِمَعْنَاهُ. وَفِي الْبَاب أَحَادِيث سواهُ. فامتثل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَا أَمر بِهِ سَرِيعا. وسارع إِلَى مَا ندب إِلَيْهِ مُطيعًا. روى الْحسن بن سُفْيَان من طَرِيق أبي مُجَاهِد عبد الله بن كيسَان الْمروزِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس [رَضِي الله عَنْهُمَا] قَالَ: " لما أقبل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من غَزْوَة حنين، وَأنزل الله عَلَيْهِ: {إِذا جَاءَ نصر الله} قَالَ: يَا عَليّ بن أبي طَالب، وَيَا فَاطِمَة: قد جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح، وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا، فسبحان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، وأستغفره إِنَّه كَانَ تَوَّابًا " أَكثر [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / على هَذَا الذّكر الْمُوَاظبَة، وَاسْتَعْملهُ بِهَذَا اللَّفْظ وَمَا قاربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 قَالَت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] مَا صلى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَلَاة بعد أَن أنزلت عَلَيْهِ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} إِلَّا يَقُول فِيهَا: " سُبْحَانَكَ رَبنَا وَبِحَمْدِك، اللَّهُمَّ اغْفِر لي ". وَصَحَّ عَنْهَا أَيْضا أَنَّهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يكثر من قَول: " سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ " فَقلت: يَا رَسُول الله، أَرَاك تكْثر من قَول سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. فَقَالَ: " خبرني رَبِّي [عز وَجل] أَنِّي سأرى عَلامَة فِي أمتِي، فَإِذا رَأَيْتهَا أكثرت من قَول: سُبْحَانَ / الله وَبِحَمْدِهِ، أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ، فقد رَأَيْتهَا: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فتح مَكَّة {وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا} إِلَى آخر السُّورَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ويروى عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي آخر عمره لَا يقوم وَلَا يقْعد / وَلَا يذهب وَلَا يَجِيء إِلَّا قَالَ: " سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ " فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: " إِنِّي أمرت بذلك " وتلا هَذِه السُّورَة ". بعْدهَا عَاشَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سنتَيْن فِيمَا شاع. [تَارِيخ نزُول سُورَة النَّصْر] وَقيل: نزلت فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق من حجَّة الْوَدَاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَذكر مقَاتل فِي تَفْسِير سُورَة النَّصْر جزما أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَاشَ بعْدهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا. وَالْمَشْهُور فِي هَذِه الْمدَّة يَقِينا أَنَّهَا بعد قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} . حدث هَارُون ابْن أبي وَكِيع عنترة بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي عَن أَبِيه عَن عمر [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: لما نزلت: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} بَكَى عمر [رَضِي الله عَنهُ] ، وَقَالَ: يَا رَسُول الله، كُنَّا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 / زِيَادَة من ديننَا، فَلَمَّا أَن أكمل فَلَيْسَ بعد الْإِكْمَال إِلَّا النُّقْصَان. قَالَ: " صدقت ". [فراسة عمر رَضِي الله عَنهُ] نظر [عمر رَضِي الله عَنهُ] إِلَى سنة الله فِي عباده من نقص الشَّيْء بعد كَمَال ازدياده، وَعلم أَن نُقْصَان الدّين / موت خَاتم النَّبِيين صلى الله [عَلَيْهِ و] عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، فَبكى لذَلِك وازداد نحيباً، وَوَقع مَا علمه عمر قَرِيبا، لكنه خَفِي عَلَيْهِ لما وَقع بعد أَيَّام، لينفرد الصّديق بالتصديق قَائِما ذَلِك الْمقَام. [مرض النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَبعد نزُول آيَة الْإِكْمَال المتينة، رَجَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من حجَّته إِلَى الْمَدِينَة، فَوجدَ يَوْم قدم صداعاً فِي رَأسه، وَفِي بدنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فَتْرَة. وَكَانَ كالمتحلل من آثَار السفرة، ثمَّ عوفي وَمرض فِي صفر سنة إِحْدَى عشرَة. روى أَبُو مُحَمَّد الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ عَن أَبِيه قَالَ: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مرض لاثْنَتَيْنِ وَعشْرين لَيْلَة من صفر، وَبَدَأَ وَجَعه عِنْد وليدة لَهُ يُقَال لَهَا: رَيْحَانَة، / - كَانَت من سبي الْيَهُود - وَكَانَ أول يَوْم مَرضه يَوْم السبت، فِي لَيْلَة هَذَا السبت الْمَذْكُور خرج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى البقيع، فَاسْتَغْفر لأهل الْقُبُور. [زيارته مَقْبرَة البقيع] وروى سيف بن عمر فِي الْفتُوح عَن مُبشر بن الْفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَابْن اسحاق عَن عبد الله بن عمر العبلي - وَاللَّفْظ لَهُ - جَمِيعًا عَن عبيد بن جُبَير عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ [رَضِي الله عَنْهُمَا] عَن أبي مويهبة مولى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من جَوف اللَّيْل، فَقَالَ: " يَا أَبَا مويهبة إِنِّي أمرت أَن أسْتَغْفر لأهل البقيع، فَانْطَلق معي ". قَالَ: فَانْطَلَقت مَعَه،، قَالَ: فَلَمَّا وقف بَين أظهرهم، قَالَ: " السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْمَقَابِر، لِيهن لكم مَا أَصْبَحْتُم مِمَّا أصبح فِيهِ النَّاس، لَو تعلمُونَ مَا نجاكم الله مِنْهُ، أَقبلت الْفِتَن كَقطع اللَّيْل المظلم يتبع أخراها / أولاها. الْآخِرَة شَرّ من الأولى ". ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ: يَا أَبَا مويهبة / هَل علمت أَنِّي قد أُوتيت مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة؟ خيرت بَين ذَلِك وَبَين لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة ". قَالَ: قلت: بِأبي أَنْت وَأمي فَخذ مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة. قَالَ: " لَا وَالله يَا أَبَا مويهبة، لقد اخْتَرْت لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة ". قَالَ: ثمَّ اسْتغْفر لأهل البقيع، ثمَّ انْصَرف؛ فَبَدَأَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي وَجَعه الَّذِي قَبضه الله فِيهِ حِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أصبح. خرجه الإمامان أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما لِابْنِ إِسْحَاق. [وجع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَحدث ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ وَيزِيد بن رُومَان وَأبي بكر بن عبد الله: " أَن الَّذِي كَانَ، ابتدئ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجَعه الَّذِي لزمَه أَن دخل على عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] ، وَهُوَ يجد صداعاً، فَوَجَدَهَا تصدع / وَتقول: وَا رأساه، فَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " بل أَنا وَالله يَا عَائِشَة وَا رأساه " قَالَت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فوَاللَّه لطار عني مَا أجد، وكدت أَن أستطار، فسكنني بالمزاح على تجشم مِنْهُ، فَقَالَ: " وَمَا ضرك يَا عَائِشَة لَو مت قبلي فأقوم عَلَيْك وأليك، وأصلي عَلَيْك؟ ! قَالَت: فتفاءلت لَهُ: فَمَا نجاني مِمَّا خشيت الحذر، وَقلت: أجل وَالله لكَأَنِّي بك قد فعلت وَقد أعرست بِبَعْض نِسَائِك فِي بَيْتِي من آخر ذَلِك الْيَوْم. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ تَمَادى بِهِ وَجَعه، وَهُوَ فِي ذَلِك يدورعلى نِسَائِهِ حَتَّى اسْتعزَّ برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة [رَضِي الله عَنْهَا] قَالَت: فَلَمَّا رَأَوْا مَا بِهِ اجْتمع رَأْي من فِي الْبَيْت على أَن يلدوه وتخوفوا / أَن يكون بِهِ ذَات الْجنب، فَفَعَلُوا، ثمَّ فرج عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَقد لدوه، فَقَالَ من فعل / هَذَا فهبنه واعتللن بِالْعَبَّاسِ [رَضِي الله عَنهُ] ، فَاتخذ جَمِيع من فِي الْبَيْت الْعَبَّاس سَببا، وَلم يكن لَهُ فِي ذَلِك رَأْي. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، عمك الْعَبَّاس أَمر بذلك، وتخوفنا أَن تكون بك ذَات الْجنب. فَقَالَ: " أَنَّهَا من الشَّيْطَان. وَلم يكن الله [عز وَجل] ليسلطه عَليّ، وَلَا ليرميني بهَا، وَلَكِن هَذَا عمل النِّسَاء، لَا يبْقى فِي الْبَيْت أحد إِلَّا لد إِلَّا عمي الْعَبَّاس، فَإِن يَمِيني لَا تناله "، فلدوا كلهم، ولدت مَيْمُونَة، وَكَانَت صَائِمَة لقَوْل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . ثمَّ خرج رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى بَيت عَائِشَة - وَكَانَ يَوْمهَا - بَين الْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل مُمْسك بظهره، وَرجلَاهُ تخطان فِي الأَرْض حَتَّى دخل على عَائِشَة فَلم يزل عِنْدهَا مَغْلُوبًا لَا يقدر على الْخُرُوج، وَغير مغلوب وَهُوَ يقدر على الْخُرُوج / من بَيتهَا إِلَى غَيره ". غَلَبَة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي شكواه كَانَت من شدَّة حماه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 [شدَّة الْحمى الَّتِي نزلت بِالنَّبِيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] خرج الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند، وَكتاب الزّهْد، وَابْن سعد فِي الطَّبَقَات، وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَرَض وَالْكَفَّارَات، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَصَححهُ، وَاللَّفْظ لِأَحْمَد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: وضع رجل يَده على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: وَالله مَا أُطِيق أَن أَضَع يَدي عَلَيْك من شدَّة حماك فَقَالَ النَّبِي صلى الله / عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء يُضَاعف لنا الْبلَاء كَمَا يُضَاعف لنا الْأجر. إِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الْأَنْبِيَاء [عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام] ليبتلى بالقمل حَتَّى يقْتله، وَإِن النَّبِي [[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] من الْأَنْبِيَاء [عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام] ليبتلى بالفقر حَتَّى يَأْخُذ العباءة فيجوبها، وَإِن كَانُوا ليفرحون بالبلاء كَمَا يفرحون بالرخاء " وَله شَاهد من حَدِيث عمر بن الْخطاب، وَابْن مَسْعُود، وَأبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الدَّرْدَاء، وَعَائِشَة، وَفَاطِمَة / بنت الْيَمَان [رَضِي الله عَنْهُم] . [رَغْبَة أبي بكر فِي تمريض النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَحين أصَاب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من وعكه شدَّة، سَأَلَهُ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] أَن يمرضه عِنْده. روى سيف فِي الْفتُوح عَن ابْن عمر [رضى الله عَنْهُمَا] ، قَالَ: جَاءَ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إيذن لي فأمرضك وأكون الَّذِي أقوم عَلَيْك. فَقَالَ: " يَا أَبَا بكر إِن لم تحمل أزواجي وبناتي علاجي ازدادت مصيبتي عَلَيْهِم عظما، وَقد وَقع أجرك على الله تَعَالَى ". وَكَانَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام يقسم بَين نِسَائِهِ حظهن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الْأَيَّام إِلَى أَن ضعف عَن الْمَشْي من شدَّة بلائه، فَكَانَ يحمل فِي ثوب ليقضي نوب نِسَائِهِ. [تمريضه فِي بَيت عَائِشَة] قَالَت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] لما اشْتَكَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جعل يَدُور بَين نِسَائِهِ ويتحامل، فَقَالَ يَوْمًا لَهُنَّ وَهن مجتمعات / عِنْده: " قد تَرين مَا قد أصابني من الشكوى، وَهُوَ يشْتَد عَليّ / أَن أدور بينكن، فَلَو أذنتن لي فَكنت فِي بَيت إحداكن حَتَّى أعلم مَا يصنع الله بِي ". فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ: أَي نَبِي الله قد أذنا لَك، وعرفنا الْبَيْت الَّذِي تُرِيدُ، فتحول إِلَيْهِ فالزمه؛ فَإنَّا لَو قَدرنَا أَن نفديك بِأَنْفُسِنَا فَدَيْنَاك، وسررناك. قَالَ: " فَأَي بَيت هُوَ "؟ قَالَت: بَيت عَائِشَة لَا تعدل بِهِ. قَالَ: " صدقت ". قَالَت: فتحول إِلَى بَيْتِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 تحول إِلَى بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، بِمَا بِهِ من غمَّة مُتكئا على عَليّ وَالْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، وَالْفضل بن الْعَبَّاس آخذ بظهره، وَرجلَاهُ تخطان الأَرْض من شدَّة ضره. فَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تعالجه بالأدوية الموصوفة، وتعوذه بالمعوذات الشَّرِيفَة الْمَعْرُوفَة. قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: إِن رَسُول الله / صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه، جمع كفيه ثمَّ نفث فيهمَا ب: {قل هُوَ الله أحد} و {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} ثمَّ يمسح بهما مَا اسْتَطَاعَ من جسده، يبْدَأ بهما على رَأسه وَوَجهه وَمَا أقبل من جسده، فيفعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 قَالَت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] : فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يَأْمُرنِي أَن أفعل ذَلِك بِهِ. [رقية السيدة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد عَن ابْن أبي مليكَة، قَالَ: قَالَت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] : مرض رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَوضعت يَدي على صَدره، فَقلت: أذهب الباس رب النَّاس، أَنْت الطَّبِيب، وَأَنت الشافي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول /: " وألحقني بالرفيق الْأَعْلَى، وألحقني بالرفيق الْأَعْلَى ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 [مسارة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لفاطمة] وَصَحَّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: إِن كُنَّا أَزوَاج النَّبِي / [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عِنْده جَمِيعًا، لم تغادر منا وَاحِدَة، فَأَقْبَلت فَاطِمَة تمشي، لَا وَالله مَا تخفى مشيتهَا من مشْيَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلَمَّا رَآهَا رحب، وَقَالَ: " مرْحَبًا بِابْنَتي "، ثمَّ أَجْلِسهَا عَن يَمِينه أَو عَن شِمَاله، ثمَّ سَارهَا فَبَكَتْ بكاء شَدِيدا، فَلَمَّا رأى حزنها سَارهَا، فَإِذا هِيَ تضحك. فَقلت لَهَا - أَنا من بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 نِسَاءَهُ -: خصك رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بالسر من بَيْننَا، ثمَّ أَنْت تبكين؟ ! فَلَمَّا قَامَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سَأَلتهَا: عَم سارك؟ قَالَت: مَا كنت لأفشي على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سره، فَلَمَّا توفّي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، قلت: عزمت عَلَيْك بِمَا لي عَلَيْك من الْحق أَلا أَخْبَرتنِي؟ قَالَت: أما الْآن، فَنعم. فأخبرتني، قَالَت: أما حِين سَارَّنِي فِي الْأَمر الأول فَإِنَّهُ أَخْبرنِي / أَن جِبْرِيل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يُعَارضهُ بِالْقُرْآنِ كل سنة مرّة، وَإنَّهُ قد عارضني بِهِ الْعَام مرَّتَيْنِ، فَلَا أرى الْأَجَل إِلَّا قد اقْترب، فاتقي الله واصبري، فَإِنِّي نعم السّلف أَنا لَك. قَالَت: فَبَكَيْت بُكَائِي الَّذِي رَأَيْت. فَلَمَّا رأى جزعي سَارَّنِي الثَّانِيَة، فَقَالَ: يَا فَاطِمَة أَلا ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ، أَو سيدة نسَاء هَذِه الْأمة؟ . [الْكتاب الَّذِي أَرَادَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن يَكْتُبهُ لأمته] وَمن حرصه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على الائتلاف أَرَادَ أَن يكْتب لأمته مَا يرفع بعده الِاخْتِلَاف. صَحَّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 [رَضِي الله عَنْهُمَا] أَنه قَالَ: " يَوْم الْخَمِيس وَمَا يَوْم الْخَمِيس " ثمَّ بَكَى حَتَّى بل دمعه الْحَصَى. قَالَ: " لما حضر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْبَيْت رجال، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم /: " هلموا أكتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده ". فَقَالَ بَعضهم: إِن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد غَلبه الوجع وعندكم الْقُرْآن، حَسبنَا كتاب الله، فَاخْتلف أهل الْبَيْت واختصموا، فَمنهمْ من يَقُول: قربوا يكْتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده، وَمِنْهُم من يَقُول غير ذَلِك. فَلَمَّا أَكْثرُوا اللَّغْو وَالِاخْتِلَاف، قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " قومُوا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 قَالَ عبيد الله: فَكَانَ يَقُول ابْن عَبَّاس: " إِن الرزية كل الرزية مَا حَال بَين رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَبَين أَن يكْتب لَهُم ذَلِك الْكتاب لاختلافهم ولغطهم ". [الْإِشَارَة الصَّرِيحَة فِي اسْتِخْلَاف الصّديق] وَخرج الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] قَالَت: لما ثقل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر: " ايتني بكتف أَو لوح حَتَّى أكتب / لأبي بكر كتابا لَا يخْتَلف عَلَيْهِ ". فَلَمَّا ذهب عبد الرَّحْمَن ليقوم، قَالَ: " أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف عَلَيْك يَا أَبَا بكر ". وَجَاء من طَرِيق مُحَمَّد بن ثَابت عَن أَبِيه عَن أنس مَرْفُوعا بِنَحْوِهِ. وَجَاءَت الْإِشَارَة الصَّرِيحَة إِلَى خلَافَة الصّديق الصَّحِيحَة، مِنْهَا مَا ثَبت عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ثقل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: " أصلى النَّاس "؟ قُلْنَا: لَا. هم ينتظرونك يَا رَسُول الله. قَالَ: " ضَعُوا لي مَاء فِي المخضب ". قَالَت فَفَعَلْنَا، فاغتسل، فَذهب لينوء فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثمَّ أَفَاق، فَقَالَ: " أصلى النَّاس "؟ قُلْنَا: لَا. هم ينتظرونك يَا رَسُول الله. قَالَ: ضَعُوا مَاء فِي المخضب، فَفَعَلْنَا، فاغتسل ثمَّ ذهب لينوء، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثمَّ أَفَاق، فَقَالَ: أصلى النَّاس؟ قُلْنَا: لَا. هم ينتظرونك يَا رَسُول الله. وَالنَّاس عكوف فِي الْمَسْجِد ينتظرون النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لصَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة. فَأرْسل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ بِأَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَأَتَاهُ الرَّسُول / فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تصلي بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بكر وَكَانَ رجلا رَقِيقا: يَا عمر، صل بِالنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عمر: أَنْت أَحَق بذلك. فصلى أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 بكر تِلْكَ الْأَيَّام. كَانَ فِي هَذِه الْأَيَّام إِلَى حِين الْوَفَاة سبع عشرَة صَلَاة، عشَاء الْآخِرَة من لَيْلَة الْجُمُعَة ابْتِدَاؤُهَا، وَصَلَاة الصُّبْح من يَوْم الِاثْنَيْنِ انتهاؤها. [خبر الشَّاة المسمومة] وَلَقَد حصلت للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الشَّهَادَة، وَهِي على مَا أكْرمه الله [تَعَالَى] زِيَادَة. خرج الدَّارمِيّ فِي مُسْنده عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يقبل الصَّدَقَة. وأهدت لَهُ امْرَأَة من يهود خَيْبَر شَاة مصلية فَتَنَاول مِنْهَا وَتَنَاول بشر بن الْبَراء [رَضِي الله عَنْهُمَا] ، ثمَّ رفع رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 عَلَيْهِ وَسلم يَده ثمَّ قَالَ: " إِن هَذِه خبرتني أَنَّهَا مَسْمُومَة " فَمَاتَ بشر بن الْبَراء / فَأرْسل إِلَيْهَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] /: " مَا حملك على مَا صنعت "؟ فَقَالَت: إِن كنت نَبيا لم يَضرك شَيْء، وَإِن كنت ملكا أرحت النَّاس مِنْك. فَقَالَ فِي مَرضه: " مَا زلت من الْأكلَة الَّتِي أكلت بِخَيْبَر، فَهَذَا أَوَان انْقِطَاع أَبْهَري ". هَذِه الَّتِي سمت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هِيَ: زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم، عَفا عَنْهَا فِي الِابْتِدَاء، ثمَّ قَتلهَا ببشر بن الْبَراء. خرج الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن عبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: لِأَن أَحْلف بِاللَّه تسعا أَن رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عَلَيْهِ وَسلم قتل قتلا أحب إِلَيّ من أَن أَحْلف وَاحِدَة، وَذَلِكَ بِأَن الله عز وَجل اتَّخذهُ نَبيا وَجعله شَهِيدا. وَرَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات، وَيَعْقُوب بن شيبَة فِي مُسْنده. وَخرج الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من طَرِيق عبد الْملك بن أبي نَضرة عَن أَبِيه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ [رَضِي الله عَنهُ] : أَن / يَهُودِيَّة أَهْدَت شَاة إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سميطاً، فَلَمَّا بسط الْقَوْم أَيْديهم، قَالَ لَهُم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " كفوا أَيْدِيكُم فَإِن عضوا من أعضائها يُخْبِرنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة ". قَالَ: فَأرْسل إِلَى صاحبتها: " أَسممت طَعَامك هَذَا "؟ قَالَت: نعم. أَحْبَبْت إِن كنت كَاذِبًا أَن أُرِيح النَّاس مِنْك، وَإِن كنت صَادِقا علمت أَن الله سيطلعك عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اذْكروا اسْم الله وكلوا ". قَالَ: فأكلنا، فَلم يضر أحدا منا شَيْئا. // (صحّح الْحَاكِم إِسْنَاده) //. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 [تصدقه بِمَا عِنْده] وروى ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن أبي حَازِم / عَن سهل بن سعد [رَضِي الله عَنهُ] ، قَالَ: كَانَت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة دَنَانِير وَضعهَا عِنْد عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] فَلَمَّا كَانَ فِي مَرضه، قَالَ: " يَا عَائِشَة، ابعثي بِالذَّهَب إِلَى عَليّ " [رَضِي الله عَنهُ] . ثمَّ أُغمي على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وشغل عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] مَا بِهِ حَتَّى / قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، كل ذَلِك يغمى عَلَيْهِ، ويشغل عَائِشَة مَا بِهِ. فَبعثت يَعْنِي بِهِ إِلَى عَليّ فَتصدق بِهِ. ثمَّ أَمْسَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَيْلَة الِاثْنَيْنِ فِي جَدِيد الْمَوْت، وَأرْسلت عَائِشَة إِلَى امْرَأَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 النِّسَاء بمصباحها، فَقَالَت لَهَا: أقطري لنا فِي مصباحنا من عكتك السّمن، فَإِن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَمْسَى فِي جَدِيد الْمَوْت. وخرجه ابْن سعد أَيْضا، وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده، وهناد بن السّري فِي الزّهْد، والخليل بن أَحْمد السجْزِي فِي الْآدَاب، وَغَيرهم من حَدِيث عَائِشَة. [خفَّة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من مَرضه] وَقَالَ أنس بن مَالك [رَضِي الله عَنهُ] : لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الَّذِي قبض الله فِيهِ رَسُوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، خرج إِلَى النَّاس وهم يصلونَ الصُّبْح، فَرفع السّتْر، وَفتح الْبَاب، فَخرج رَسُول الله صلى الله / عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَامَ على بَاب عَائِشَة [رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 عَنْهَا] ، فكاد الْمُسلمُونَ أَن يفتتنوا فِي صلَاتهم برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين رَأَوْهُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَن اثبتوا على صَلَاتكُمْ. قَالَ: وَتَبَسم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سُرُورًا لما رأى من هيئتهم فِي صلَاتهم، وَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن هَيْئَة من تِلْكَ السَّاعَة. قَالَ: ثمَّ رَجَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَانْصَرف النَّاس وهم يرَوْنَ أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد أَفَاق من وَجَعه. // (خرج فِي الصَّحِيحَيْنِ بِنَحْوِهِ) //. [صَلَاة أبي بكر بِالنَّاسِ] وَخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 قَالَت: لما كَانَت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ بَات رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دنفاً، فَلم يبْق رجل وَلَا امْرَأَة إِلَّا أصبح فِي الْمَسْجِد؛ لوجع رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَأَتَاهُ الْمُؤَذّن / يُؤذنهُ بالصبح، فَقَالَ: " قل لأبي بكر يصل بِالنَّاسِ "، فَكبر أَبُو بكر فِي صلَاته، فكشف رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] السّتْر فَرَأى النَّاس يصلونَ، فَقَالَ: " إِن الله جعل قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة ". وَأصْبح يَوْم الِاثْنَيْنِ مفيقاً، فَخرج يتَوَكَّأ على الْفضل بن الْعَبَّاس وعَلى ثَوْبَان غُلَامه [رَضِي الله عَنْهُم] حَتَّى دخل الْمَسْجِد وَقد سجد النَّاس مَعَ أبي بكر سَجْدَة من الصُّبْح، وهم قيام فِي الْأُخْرَى، فَلَمَّا رَآهُ النَّاس فرحوا بِهِ، فجَاء حَتَّى قَامَ عِنْد أبي بكر [رَضِي الله عَنهُ] ، فاستأخر أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] فَأخذ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِيَدِهِ فقدمه فِي مُصَلَّاهُ، فصفا جَمِيعًا، رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جَالس، وَأَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] قَائِم على رُكْنه الْأَيْسَر يقْرَأ الْقُرْآن، فَلَمَّا قضى أَبُو بكر السُّورَة سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ جلس يتَشَهَّد [فَلَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 سلم، صلى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الرَّكْعَة الْآخِرَة] ثمَّ انْصَرف. وَحدث بِهِ / مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي عَن ابْن شهَاب قَوْله. وخرجه يَعْقُوب بن شيبَة فِي مُسْنده من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه من قَوْله. [تحذير النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أمته من الْفِتَن] وَخرج هَذِه الْقِصَّة خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان فِي كِتَابه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 " فَضَائِل الصَّحَابَة " [رَضِي الله عَنْهُم] من طَرِيق عبيد بن عُمَيْر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أَمر / رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر [رَضِي الله عَنهُ] أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاة الصُّبْح، ثمَّ وجد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خفَّة فَخرج تفرج لَهُ الصُّفُوف، وَكَانَ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] لَا يلْتَفت إِذا صلى، فَلَمَّا سمع أَبُو بكر الْحس من وَرَائه عرف أَنه لَا يتَقَدَّم من ذَلِك الْمَكَان إِلَّا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَتَأَخر إِلَى الصَّفّ، وَتقدم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى مَكَانَهُ وَقعد إِلَى جنب أبي بكر [رَضِي الله عَنهُ] فَافْتتحَ الصَّلَاة، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي، وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ / يَقْتَدِي بِهِ، وَالنَّاس يقتدون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 بِأبي بكر [رَضِي الله عَنهُ] ، فَلَمَّا فرغ قَامَ إِلَى جنب حجرته يُحَذرهُمْ الْفِتَن، فَقَالَ: " يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد، وَيَا صَفِيَّة عمَّة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اعملا لما عِنْد الله تَعَالَى، فَإِنِّي لَا أُغني عنكما من الله شَيْئا ". حَتَّى نسْمع صَوته خَارِجا من الْمَسْجِد. فَقَالَ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] يَا رَسُول الله! إِنَّك قد أَصبَحت الْيَوْم صَالحا، وَهَذَا يَوْم بنت خَارِجَة، فَأذن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لأبي بكر [رَضِي الله عَنهُ] ، فَأتى أَهله. قَالَ: فَمَا انتصف النَّهَار من ذَلِك الْيَوْم حَتَّى قبض رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . [اسْتِئْذَان الصّديق بِالْخرُوجِ] وروى مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما دخل يَوْم الِاثْنَيْنِ بَيت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] ، دخل أَبُو بكر على ابْنَته عَائِشَة، فَقَالَ: قد أصبح رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 عَلَيْهِ وَسلم مفيقاً، وَأَرْجُو أَن يكون الله [عز وَجل] قد شفَاه، ثمَّ ركب / فلحق بأَهْله بالسنح، وهنالك كَانَت امْرَأَته / حَبِيبَة بنت خَارِجَة بن أبي زُهَيْر أخي بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج، وانقلبت كل امْرَأَة من نسَاء رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى بَيتهَا، وَذَلِكَ يَوْم الِاثْنَيْنِ. [اسْتِئْذَان أُسَامَة بِالْبَقَاءِ فِي الْمَدِينَة] وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ أَيْضا أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما خرج يَوْم الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصُّبْح انْصَرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جذع من جُذُوع الْمَسْجِد، قَالَ: فَجَلَسَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى تِلْكَ الْجذع، وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ يسلمُونَ عَلَيْهِ، وَيدعونَ لَهُ بالعافية، ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة فَقَالَ: " اغْدُ على بركَة الله والنصر والعافية، ثمَّ أغر حَيْثُ أَمرتك أَن تغير ". فَقَالَ أُسَامَة بن زيد [رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 عَنْهُمَا] : يَا نَبِي الله، قد أَصبَحت مفيقاً، وَأَرْجُو أَن يكون الله [عز وَجل] قد شفاك، فَأذن لي أَن أمكث حَتَّى يشفيك الله، فَإِنِّي إِن خرجت وَأَنت على هَذِه الْحَال خرجت وَفِي قلبِي قرحَة من شَأْنك، وأكره أَن أسأَل / عَنْك النَّاس. فَسكت عَنهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَقَامَ فَدخل بَيت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] ، وَهُوَ يَوْمهَا. [منقبة عَظِيمَة للسيدة عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا]] وَصَحَّ عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] قَالَت: إِن من نعم الله عَليّ أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] توفّي فِي بَيْتِي، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 يومي، وَبَين سحرِي وَنَحْرِي، وَأَن الله جمع بَين ريقي وريقه عِنْد مَوته. دخل عَليّ عبد الرَّحْمَن وَبِيَدِهِ سواك وَأَنا مُسندَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فرأيته / ينظر إِلَيْهِ، وَعرفت أَنه يحب السِّوَاك، فَقلت: آخذه لَك؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نعم. فتناولته، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقلت: ألينه لَك؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نعم. فلينته - فَأمره وَبَين يَدَيْهِ ركوة أَو علبة فِيهَا مَاء، فَجعل يدْخل يَدَيْهِ فِي المَاء فيمسح بهما وَجهه، وَيَقُول: " لَا إِلَه إِلَّا الله إِن للْمَوْت سَكَرَات "، ثمَّ نصب يَده، فَجعل يَقُول: " فِي الرفيق الْأَعْلَى ". حَتَّى قبض، ومالت يَده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وخرجه الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] ، وَلَفظه، قَالَت /: مَاتَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بَيْتِي ويومي وَبَين سحرِي وَنَحْرِي، فَدخل عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَمَعَهُ سواك رطب فَنظر إِلَيْهِ، فَظَنَنْت أَن لَهُ فِيهِ حَاجَة، قَالَت: فَأَخَذته فمضغته، ونفضته، وطيبته، ثمَّ دَفعته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 إِلَيْهِ، فاستن كأحسن مَا رَأَيْته مستناً قطّ، ثمَّ ذهب يرفعهُ إِلَيّ فَسقط من يَده، فَأخذت أَدْعُو الله [عز وَجل] بِدُعَاء كَانَ يَدْعُو لَهُ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ هُوَ يَدْعُو بِهِ إِذا مرض، فَلم يدع بِهِ فِي مَرضه ذَاك، فَرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء وَقَالَ: " الرفيق الْأَعْلَى الرفيق الْأَعْلَى " تَعْنِي: وفاضت نَفسه، فَالْحَمْد لله الَّذِي جمع بَين ريقي وريقه فِي آخر يَوْم من الدُّنْيَا. وروى الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَاد لَهُ عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] قَالَت: توفّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَين سحرِي وَنَحْرِي، وَفِي دَوْلَتِي لم أظلم فِيهِ أحدا، فعجبت / من حَدَاثَة سني أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قبض فِي حجري، فَلم أتركه على حَاله فِي حجري حَتَّى يغسل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَلَكِن تناولت وسَادَة، فَوَضَعتهَا تَحت رَأسه ثمَّ قُمْت مَعَ النِّسَاء أصيح وألتدم، وَقد وضعت رَأسه على الوسادة وأخرته عَن حجري. [زِيَارَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام] وَقَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات: أنبأ أنس بن عِيَاض أَبُو ضَمرَة، قَالَ: حدثونا عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه، قَالَ: لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 بَقِي من أجل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَلَاث، نزل إِلَيْهِ جِبْرِيل [عَلَيْهِ السَّلَام] فَقَالَ: يَا أَحْمد، إِن الله عز وَجل أَرْسلنِي إِلَيْك إِكْرَاما لَك وتفضيلاً لَك، وخاصة بك يَسْأَلك عَمَّا هُوَ أعلم بِهِ مِنْك، يَقُول: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: " أجدني يَا جِبْرِيل مغموماً، وأجدني يَا جِبْرِيل مكروباً ". فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي هَبَط إِلَيْهِ جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِمَا وَسلم، فَقَالَ: يَا أَحْمد، إِن الله أَرْسلنِي إِلَيْك إِكْرَاما لَك، وتفضيلاً / لَك، وخاصة بك، يَسْأَلك عَمَّا هُوَ أعلم بِهِ مِنْك. يَقُول: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: " أجدني يَا جِبْرِيل مغموماً وأجدني يَا جِبْرِيل مكروباً ". فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث نزل إِلَيْهِ جِبْرِيل، وَهَبَطَ مَعَه ملك الْمَوْت، وَنزل مَعَه ملك يُقَال لَهُ: " إِسْمَاعِيل " يسكن الْهَوَاء، لم يصعد إِلَى السَّمَاء قطّ، وَلم يهْبط إِلَى الأَرْض مُنْذُ يَوْم كَانَت الأَرْض على سبعين ألف ملك، لَيْسَ مِنْهُم ملك إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 على سبعين ألف ملك، فسبقهم جِبْرِيل، فَقَالَ: يَا أَحْمد إِن الله أَرْسلنِي إِلَيْك إِكْرَاما لَك، وتفضيلاً لَك، وخاصة بك، يَسْأَلك عَمَّا هُوَ أعلم بِهِ مِنْك. يَقُول لَك: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: " أجدني يَا جِبْرِيل مغموماً، وأجدني يَا جِبْرِيل مكروباً ". ثمَّ اسْتَأْذن ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام. فَقَالَ - يَعْنِي جِبْرِيل - /: يَا أَحْمد، هَذَا ملك الْمَوْت يسْتَأْذن عَلَيْك، وَلم يسْتَأْذن على آدَمِيّ كَانَ قبلك، وَلَا يسْتَأْذن / على آدَمِيّ بعْدك. فَقَالَ: إيذن لَهُ. فَدخل ملك الْمَوْت [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَوقف بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، يَا أَحْمد، إِن الله تَعَالَى أَرْسلنِي إِلَيْك، وَأَمرَنِي أَن أطيعك فِي كل مَا تَأْمُرنِي. إِن أَمرتنِي أَن أَقبض نَفسك قبضتها، وَإِن أَمرتنِي أتركها تركتهَا، قَالَ: وَتفعل يَا ملك الْمَوْت؟ قَالَ: بذلك أمرت أَن أطيعك فِي كل مَا أَمرتنِي فَقَالَ جِبْرِيل [عَلَيْهِ السَّلَام] : يَا أَحْمد، إِن الله عز وَجل قد اشتاق إِلَيْك. قَالَ: فَامْضِ يَا ملك الْمَوْت لما أمرت بِهِ. قَالَ جِبْرِيل [عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 السَّلَام] : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، هَذَا آخر موطئي الأَرْض، إِنَّمَا كنت حَاجَتي من الدُّنْيَا. فَتوفي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَجَاءَت التَّعْزِيَة، يسمعُونَ الصَّوْت والحس وَلَا يرَوْنَ الشَّخْص، السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْبَيْت، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته {كل نفس ذائقة الْمَوْت، وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة} / إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفاً من كل هَالك، ودركاً من كل مَا فَاتَ. فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، إِنَّمَا الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عبد الْوَاحِد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 سُلَيْمَان الْحَارِثِيّ، قَالَ: ثَنَا الْحسن بن عَليّ / عَن مُحَمَّد بن عَليّ فَذكره بِنَحْوِهِ. وَقَالَ: " إِن الله قد اشتاق إِلَى لقائك "، وَإِن صَحَّ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: قد أَرَادَ لقاءك، وَذَلِكَ بِأَن يردك من دنياك إِلَى معادك زِيَادَة فِي قربتك وكرامتك. وخرجه أَبُو بكر الْآجُرِيّ فِي كتاب " الشَّرِيعَة " من طَرِيق عبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان عَن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ عَن أَبِيه عَن عَليّ بن أبي طَالب [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: لما كَانَ قبل وَفَاة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِثَلَاثَة أَيَّام هَبَط عَلَيْهِ جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ. وخرجه / الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق الْآجُرِيّ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه: أَن رجَالًا من قُرَيْش دخلُوا على أَبِيه عَليّ بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الْحُسَيْن، فَقَالَ: أَلا أحدثكُم عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؟ قَالُوا: بلَى. فحدثنا عَن أبي الْقَاسِم. قَالَ: لما مرض رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَتَاهُ جِبْرِيل [عَلَيْهِ السَّلَام] ، وَذكر الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: وَالْمرَاد بقوله: إِن الله [قد] اشتاق إِلَى لقائك، أَي: أَرَادَ ردك من دنياك إِلَى آخرتك؛ ليزِيد فِي كرامتك ونعمتك وقربتك. [خبر تَعْزِيَة الْخضر] وَهُوَ فِي الطَّبَقَات لِابْنِ سعد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ [بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ] وَفِي آخِره: فَقَالَ عَليّ [رَضِي الله عَنهُ] : تَدْرُونَ من هَذَا؟ يَعْنِي الَّذِي سمعُوا صَوته بالتعزية، قَالُوا: لَا /. قَالَ: هَذَا الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَصَحَّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ثقل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جعل يتغشاه الكرب، فَقَالَت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا: واكرب أَبَاهُ، فَقَالَ / لَهَا: " لَيْسَ على أَبِيك كرب بعد الْيَوْم ". فَلَمَّا مَاتَ قَالَت: يَا أبتاه، أجَاب رَبًّا دَعَاهُ، يَا أبتاه من جنَّة الفردوس مَأْوَاه، يَا أبتاه إِلَى جِبْرِيل ننعاه، فَلَمَّا دفن، قَالَت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا: يَا أنس، أطابت أَنفسكُم أَن تحثوا على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] التُّرَاب؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 [صفة لِبَاسه الَّذِي توفّي فِيهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَعَن أبي بردة قَالَ: أخرجت إِلَيْنَا عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] كسَاء ملبداً، وإزاراً غليظاً، وَقَالَت فِي هَذَا نزع روح نَبِي الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . خرجه الْأَئِمَّة إِلَّا النَّسَائِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 [ردة الْعَرَب] وَجَاء عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عمته عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] ، قَالَت: لما قبض - تَعْنِي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ارْتَدَّت الْعَرَب قاطبة، واشرأب النِّفَاق، فَصَارَ أَصْحَاب مُحَمَّد [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَأَنَّهُمْ معزى مطيرة فِي حفش. وَذكر الحَدِيث. [أَحْوَال الصَّحَابَة بعد علمهمْ بوفاة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وروى سيف بن عمر فِي الْفتُوح من حَدِيث كَعْب بن مَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: بلغ من وجد / رجال من الْمُسلمين على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى صَارُوا إِلَى أطوار من الوجد، فَأَما عمر [رَضِي الله عَنهُ] ، فَإِنَّهُ كذب بِمَوْتِهِ، [فَقَالَ] : أَيهَا النَّاس كفوا أَلْسِنَتكُم عَن نَبِي الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَسلم فَإِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يمت، وَلَكِن ربه عز وَجل وعده كَمَا وَاعد مُوسَى، وَهُوَ آتيكم. وَالله / لَا أسمع أحدا يذكر أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] توفّي إِلَّا علوته بسيفي هَذَا. وَأما عُثْمَان [رَضِي الله عَنهُ] فَإِنَّهُ بهت، فَلم يطق كلَاما. وَأما عَليّ [رَضِي الله عَنهُ] فَإِنَّهُ أقعد. وَلم يكن أحد من الْمُسلمين فِي مثل حَال أبي بكر وَالْعَبَّاس [رَضِي الله عَنْهُمَا] ، فَإِن الله [عز وَجل] دلهما على التَّوْفِيق والسداد، وَإِن كَانَ النَّاس لم يرعوا إِلَّا لقَوْل أبي بكر، جَاءَ الْعَبَّاس قبله فَتكلم بِنَحْوِ من كَلَامه، فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 انْتهى لَهُ أحد مِمَّن ابْتُلِيَ حَتَّى جَاءَ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] فَانْتهى النَّاس كلهم إِلَى قَوْله، وَتَفَرَّقُوا عَن كَلَامه. وَخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق ابْن / لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة، قَالَ: وَقَامَ عمر بن الْخطاب [رَضِي الله عَنهُ] يخْطب النَّاس ويوعد من قَالَ قد مَاتَ، بِالْقَتْلِ وَالْقطع. وَيَقُول إِن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي غشية لَو قد قَامَ قتل وَقطع، وَعَمْرو بن قيس بن زَائِدَة بن الْأَصَم بن أم مَكْتُوم قَائِم فِي مؤخرة الْمَسْجِد يقْرَأ: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 إِلَى {الشَّاكِرِينَ} ، وَالنَّاس فِي الْمَسْجِد قد ملأوه يَبْكُونَ ويموجون لَا يسمعُونَ. فَخرج عَبَّاس بن عبد الْمطلب على النَّاس، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، هَل عِنْد أحد مِنْكُم من عهد رَسُول الله فِي وَفَاته؟ فليحدثنا. قَالُوا: لَا. قَالَ: هَل عنْدك يَا عمر من علم؟ قَالَ: لَا. قَالَ الْعَبَّاس: أشهد أَيهَا النَّاس أَن أحدا لَا يشْهد على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِعَهْد عَهده إِلَيْهِ فِي وَفَاته. وَالله الَّذِي / لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لقد ذاق رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمَوْت، قَالَ: وَأَقْبل أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] من السنح / على دَابَّته حَتَّى نزل بِبَاب الْمَسْجِد، ثمَّ أقبل مكروباً حَزينًا، فَاسْتَأْذن فِي بَيت ابْنَته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا] ، فَأَذنت لَهُ [رَضِي الله عَنهُ] ، فَدخل] وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد توفّي على الْفراش، والنسوة حوله، فخمرن وجوههن واستترن، إِلَّا مَا كَانَ من عَائِشَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 رَضِي الله عَنْهَا] فكشف عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] فحنى عَلَيْهِ يقبله وَيَقُول: لَيْسَ مَا يَقُول ابْن الْخطاب بِشَيْء، توفّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ - رَحْمَة الله عَلَيْك يَا رَسُول الله مَا أطيبك حَيا، وأطيبك مَيتا، ثمَّ غشاه بِالثَّوْبِ، ثمَّ خرج سَرِيعا إِلَى الْمَسْجِد يتوطأ رِقَاب النَّاس، حَتَّى أَتَى الْمِنْبَر، وَجلسَ عمر حِين رأى أَبَا بكر مُقبلا إِلَيْهِ، فَقَامَ أَبُو بكر إِلَى جَانب الْمِنْبَر، ثمَّ نَادَى النَّاس، فجلسوا، فَتشهد أَبُو بكر بِمَا علمه من التَّشَهُّد، وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى نعى نَبِيكُم [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى نَفسه وَهُوَ حَيّ بَين أظْهركُم /، ونعاكم إِلَى أَنفسكُم وَهُوَ الْمَوْت حَتَّى لَا يبْقى أحد إِلَّا الله تَعَالَى. قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} إِلَى قَوْله {الشَّاكِرِينَ} . فَقَالَ عمر: هَذِه الْآيَة فِي الْقُرْآن؟ وَالله مَا علمت أَن هَذِه الْآيَة أنزلت قبل الْيَوْم. وَقَالَ: قَالَ الله عز وَجل لمُحَمد / [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} ، ثمَّ قَالَ: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: (كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه لَهُ الحكم وَإِلَيْهِ ترجعون} . وَقَالَ: {كل من عَلَيْهَا فان وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} . وَقَالَ: {كل نفس ذائقة الْمَوْت وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة} ثمَّ قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى عمر مُحَمَّدًا [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وأبقاه، حَتَّى أَقَامَ دين الله، وَأظْهر أَمر الله، وَبلغ رِسَالَة الله، وجاهد فِي سَبِيل الله، ثمَّ توفاه الله على ذَلِك، فَمن كَانَ الله ربه فَإِن الله حَيّ لايموت، وَمن كَانَ يعبد مُحَمَّدًا وينزله إِلَهًا فقد هلك إلهه /. وَاتَّقوا الله أَيهَا النَّاس، واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكُم، فَإِن دين الله قَائِم، وَإِن كلمة الله تَامَّة، وَإِن الله نَاصِر من نَصره، ومعز دينه، وَإِن كتاب الله [عز وَجل] بَين أظهرنَا، وَهُوَ النُّور والشفاء، وَبِه هدى الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه حَلَال الله وَحَرَامه، وَالله لَا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إِن سيوف الله لمسلولة، مَا وضعناها بعد، ولنجاهدن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 خَالَفنَا كَمَا جاهدنا مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلَا يبغين أحد إِلَّا على نَفسه. ثمَّ انْصَرف مَعَه الْمُهَاجِرُونَ إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَذكر الحَدِيث فِي غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه. [مبايعة الصّديق رَضِي الله عَنهُ] وروى عمر بن شبة النميري فِي كِتَابه ذكر سَقِيفَة بني سَاعِدَة من حَدِيث نعيم بن أبي هِنْد عَن / نبيط بن شريط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الْأَشْجَعِيّ، وَكَانَ من أَصْحَاب الصّفة [رَضِي الله عَنْهُم] قَالَ: لما توفّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / اجْتمع الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أبي بكر [رَضِي الله عَنْهُم] ، أَو من اجْتمع إِلَيْهِ مِنْهُم، فَقَالَ: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار، فَإِن لَهُم فِي هَذَا الْأَمر نَصِيبا، فَذَهَبُوا حَتَّى لقوا الْأَنْصَار، وَإِنَّهُم ليأتمرون بَينهم إِذْ قَالَ رجل من الْأَنْصَار: منا أَمِير، ومنكم أَمِير. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وعنهم أَجْمَعِينَ - وَأخذ بيد أبي بكر -: سيفان فِي غمد إِذن لَا يصلحان، وَلَكِن من هَذَا الَّذِي لَهُ هَذِه الثَّلَاث: {إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا} ، من هُوَ؟ وَبسط يَد أبي بكر وَضرب عَلَيْهَا، ثمَّ قَالَ للنَّاس: بَايعُوا. فَبَايع النَّاس أحسن بيعَة. [تغسيل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بكر، أقبل النَّاس على جهاز رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الثُّلَاثَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَخرج ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: لما اخذوا فِي غسل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ناداهم مُنَاد من الدَّاخِل: لَا تنزعوا عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَمِيصه. وَله شَاهد عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَغَيرهمَا، رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ /. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَخرج الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن ابْن عَبَّاس [رَضِي الله عَنْهُمَا] قَالَ: لما أجمع الْقَوْم لغسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ فِي الْبَيْت إِلَّا أَهله: عَمه الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وَعلي بن أبي طَالب، وَالْفضل بن عَبَّاس، وَقثم بن عَبَّاس، / وَأُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة، وَصَالح مَوْلَاهُ، رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ فَلَمَّا أَجمعُوا لغسله، نَادَى من وَرَاء الْبَاب أَوْس بن خولي الْأنْصَارِيّ ثمَّ أحد بني عَوْف بن الْخَزْرَج - وَكَانَ بَدْرِيًّا - عَليّ بن أبي طَالب: يَا عَليّ ننشدك الله وحظنا من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَليّ: ادخل، فَدخل، فَحَضَرَ غسل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَلم يل من غسله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 شَيْئا. قَالَ: فأسنده عَليّ [رَضِي الله عَنهُ] إِلَى صَدره وَعَلِيهِ قَمِيصه، وَكَانَ الْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم يقلبونه مَعَ عَليّ [رَضِي الله عَنْهُم] ، وَكَانَ أُسَامَة بن زيد، وَصَالح مَوْلَاهُ هما يصبَّانِ المَاء، وَجعل عَليّ يغسلهُ، وَلم ير من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] شَيْئا مِمَّا يرَاهُ من الْمَيِّت، وَهُوَ يَقُول: بِأبي وَأمي مَا أطيبك حَيا وَمَيتًا /! حَتَّى إِذا فرغوا من غسل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَكَانَ يغسل بِالْمَاءِ والسدر - جففوه ثمَّ صنع بِهِ مَا يصنع بِالْمَيتِ، ثمَّ أدرج فِي ثَلَاثَة أَثوَاب: ثَوْبَيْنِ أبيضين، وَبرد حبرَة، الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 [كفن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَقد ثَبت من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا] أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض يَمَانِية، لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة، قَالَ: فَقيل لعَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] : إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنه قد كَانَ كفن فِي برد حبرَة. قَالَت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] : قد جاؤوا بِبرد حبرَة، وَلم يكفنوه فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَخرج أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عَائِشَة [رَضِي الله / عَنْهَا] قَالَت: أدرج رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي ثوب حبرَة ثمَّ أخر عَنهُ. وَخرج مُسلم عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] ، قَالَت: كفن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة من كُرْسُف لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة. أما الْحلَّة فَإِنَّمَا شبه على النَّاس فِيهَا، اشْتريت / لَهُ ليكفن فِيهَا، فَتركت الْحلَّة، وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة، فَأَخذهَا عبد الله بن أبي بكر، فَقَالَ: لأحبسنها حَتَّى أكفن فِيهَا نَفسِي، ثمَّ قَالَ: لَو رضيها الله تَعَالَى لنَبيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لكفنه، فَبَاعَهَا، وَتصدق بِثمنِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 [الصَّلَاة عَلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن عَوْف عَن الْحسن، قَالَ: غسلوه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وكفنوه، وحنطوه، ثمَّ وضع على سَرِير، فَدخل عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أَفْوَاجًا، يقومُونَ يصلونَ عَلَيْهِ ثمَّ يخرجُون، وَيدخل آخَرُونَ حَتَّى صلوا عَلَيْهِ كلهم. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق، وَلما فرغ من جهاز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الثُّلَاثَاء، وضع على سَرِيره فِي بَيته، ثمَّ دخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 النَّاس عَلَيْهِ، يصلونَ أَرْسَالًا الرِّجَال حَتَّى إِذا فرغوا أَدخل النِّسَاء، حَتَّى إِذا فرغن أَدخل الصّبيان، ثمَّ العبيد، وَلم يؤم النَّاس على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أحد. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدثنِي مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ قَالَ /: وجدت هَذَا فِي صحيفَة بِخَط أبي فِيهَا: لما كفن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وضع على سَرِيره، دخل / أَبُو بكر وَعمر [رَضِي الله عَنْهُمَا] فَقَالَا: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، ومعهما نفر من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم] قدر مَا يسع الْبَيْت، فَسَلمُوا كَمَا سلم أَبُو بكر] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَعمر، وصفوا صُفُوفا لَا يؤمهم عَلَيْهِ أحد، فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر، وهما فِي الصَّفّ الأول: [حِيَال] رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اللَّهُمَّ إِنَّا نشْهد أَن قد بلغ مَا أنزل إِلَيْهِ، ونصح لأمته، وجاهد فِي سَبِيل الله حَتَّى أعز الله دينه، وتمت كَلِمَاته، وأومن بِهِ وَحده لَا شريك لَهُ، فاجعلنا يَا إلهنا مِمَّن يتبع القَوْل الَّذِي أنزل مَعَه، واجمع بَيْننَا وَبَينه حَتَّى يعرفنا وتعرفه بِنَا، فَإِنَّهُ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوفاً رحِيما، لانبتغي بِالْإِيمَان بَدَلا، وَلَا نشتري بِهِ ثمنا أبدا، فَيَقُول النَّاس: آمين، آمين، ثمَّ يخرجُون وَيدخل آخَرُونَ حَتَّى صلى عَلَيْهِ الرِّجَال، ثمَّ النِّسَاء، ثمَّ الصّبيان. رَوَاهُ / ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن الْوَاقِدِيّ هَكَذَا، ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب العزاء عَن مُحَمَّد بن صَالح عَن الْوَاقِدِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 [تَعْلِيل صلَاتهم عَلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فُرَادَى] وَقَالَ الشَّافِعِي [رَحْمَة الله عَلَيْهِ] فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر إِمَام قَالَ: وَذَلِكَ لعظم أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي هُوَ وَأمي، وتنافسهم على أَن لَا يتَوَلَّى الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ أحد. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكُبْرَى. وَقيل: إِنَّه كَانَ آخر الْعَهْد برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَأَرَادَ كل وَاحِد مِنْهُم أَن يَأْخُذ الْبركَة بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ / مُخْتَصًّا بِهِ دون أَن يكون فِيهَا تَابعا لغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 [مَوضِع دَفنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] قَالَت: لما قبض رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اخْتلفُوا فِي دَفنه، فَقَالَ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] سَمِعت من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] شَيْئا. نَسِيته، قَالَ: مَا قبض الله نَبيا إِلَّا فِي الْموضع الَّذِي يحب أَن يدْفن [فِيهِ] ادفنوه فِي مَوضِع فرَاشه. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده: ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أَخْبرنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 ابْن جريج، أَخْبرنِي أبي: أَن أَصْحَاب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / لم يدروا أَيْن يقبرون النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ] سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول:] " لن يقبر نَبِي إِلَّا حَيْثُ يَمُوت ". فأخروا فرَاشه، وحفروا لَهُ تَحت فرَاشه، وخرجه يَعْقُوب بن شيبَة فِي مُسْنده. وَقَالَ عمر مولى غفرة: لما ائْتَمرُوا فِي دفن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ قَائِل: ندفنه حَيْثُ كَانَ يُصَلِّي فِي مقَامه، فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ: معَاذ الله أَن نجعله وثناً يعبد. وَقَالَ آخر: ندفنه فِي البقيع حَيْثُ دفن إخوانه من الْمُهَاجِرين، فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّا لنكره أَن نخرج قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى البقيع فيعوذ بِهِ عَائِذ من النَّاس لله عَلَيْهِ حق، وَحقّ الله فَوق حق رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِن أجرناه ضيعنا حق الله وَإِن أخفرناه أخفرنا قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالُوا لَهُ: فَمَا ترى؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول /: مَا قبض الله نَبيا قطّ إِلَّا دفن حَيْثُ قبض روحه. قَالُوا: فَأَنت وَالله رضى مقنع، ثمَّ خطوا حول الْفراش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 خطا، ثمَّ احتمله عَليّ / وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَأَهله، وَوَقع الْقَوْم فِي الْحفر يحفرون حَيْثُ كَانَ الْفراش. خرجه أَسد بن مُوسَى. [حفر قَبره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَقَالَ ابْن إِسْحَاق حَدثنِي حُسَيْن بن عبد الله عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما أَرَادوا أَن يحفروا لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح يضرح كحفر أهل مَكَّة، وَكَانَ أَبُو طَلْحَة زيد بن سهل يحْفر لأهل الْمَدِينَة - وَكَانَ يلْحد - 6 فَدَعَا الْعَبَّاس [رَضِي الله عَنهُ] رجلَيْنِ، فَقَالَ لأَحَدهمَا: اذْهَبْ إِلَى أبي عُبَيْدَة، وَللْآخر: اذْهَبْ إِلَى أبي طَلْحَة. اللَّهُمَّ خر لِرَسُولِك. قَالَ: فَوجدَ صَاحب أبي طَلْحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 أَبَا طَلْحَة، فجَاء بِهِ فلحد لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . خرجه أَحْمد فِي مُسْنده، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه لِابْنِ إِسْحَاق. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد، قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ الَّذين نزلُوا فِي قبر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : عَليّ بن أبي طَالب، وَالْفضل بن عَبَّاس، وَقثم بن الْعَبَّاس /، وشقران مولى رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقد قَالَ أَوْس بن خولي لعَلي بن أبي طَالب [رَضِي الله عَنهُ] : يَا عَليّ، أنْشدك الله وحظنا من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ، فَنزل مَعَ الْقَوْم. وَحدث بِهِ يُونُس بن بكير عَن إِسْحَاق عَن حُسَيْن بن عبد الله عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَوْله. وَقَالَ الشّعبِيّ: حَدثنِي أَبُو مرحب أَو ابْن أبي مرحب قَالَ: كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِم أَرْبَعَة، أحدهم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، يَعْنِي فِي قبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] /. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 [أحدثهم عهدا برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَقد كَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة [رَضِي الله عَنهُ] يَدعِي أَنه أحدث النَّاس عهدا برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، يَقُول: أخذت خَاتمِي فألقيته فِي الْقَبْر، وَقلت: إِن خَاتمِي سقط مني، وَإِنَّمَا طرحته عمدا، لأمس رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَأَكُون آخر النَّاس بِهِ عهدا. [ذكر القطيفة الَّتِي وضعت فِي قَبره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَثَبت عَن ابْن عَبَّاس [رَضِي الله عَنْهُمَا] ، قَالَ: جعل فِي قبر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قطيفة حَمْرَاء. قَالَ وَكِيع - أحد رُوَاته - هَذَا للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / خَاصَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن الْحسن، قَالَ: جعل فِي لحد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قطيفة حَمْرَاء أَصَابَهَا يَوْم خَيْبَر؛ لِأَن الْمَدِينَة أَرض سبخَة. وَخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات من مَرَاسِيل سُلَيْمَان بن يسَار، أَن غُلَاما كَانَ يخْدم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلَمَّا دفن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رأى قطيفة كَانَ يلبسهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاحيَة الْقَبْر، فألقاها فِي الْقَبْر، وَقَالَ لَا يلبسهَا أحد بعْدك أبدا فَتركت. وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: وَالَّذِي ألْقى القطيفة تَحْتَهُ شقران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 [كَيْفيَّة إِدْخَاله الْقَبْر [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: أَدخل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من قبل الْقبْلَة، وألحد لَهُ لحداً، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَبَلغنِي أَنه بني عَلَيْهِ فِي لحده اللَّبن. وَيُقَال: هِيَ تسع لبنات عددا. [صفة قَبره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَخرج ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن جَابر بن عبد الله / الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 [رَضِي الله عَنْهُمَا] أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ألحد، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا، / وَرفع قَبره نَحوا من شبر. وَصَحَّ عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن سُفْيَان التمار، أَنه حَدثهُ أَنه رأى قبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مسنماً. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَنه قَالَ: جعل قبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مسطوحاً. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يُمكن أَن يُقَال: إِن أصل قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل مسطحًا وسنم على الْبَطْحَاء، فَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 رَوَاهُ مسطحًا، أَرَادَ: دون الْحَصْبَاء، وَمن رَوَاهُ مسنماً أَرَادَ بالبطحاء. قَالَه فِي دَلَائِل النُّبُوَّة. وَذهب فِي السّنَن إِلَى تَصْحِيح رِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد فِي التسطيح. [رش المَاء على قَبره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله [رَضِي الله عَنْهُمَا] قَالَ: رش على قبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] المَاء رشاً. قَالَ /: وَكَانَ الَّذِي رش المَاء على قَبره: بِلَال بن رَبَاح [رَضِي الله عَنهُ] بقربة، بَدَأَ من قبل رَأسه من شقَّه الْأَيْمن حَتَّى انْتهى إِلَى رجلَيْهِ، ثمَّ ضرب بِالْمَاءِ إِلَى الْجِدَار. لم يقدر على أَن يَدُور من الْجِدَار. وخرجه فِي السّنَن أَيْضا. [مَوته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أعظم المصائب] وَخرج أَيْضا عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَسلم، [وَرَضي عَنْهَا] ، قَالَت: نَحن مجتمعون نبكي - لم ننم - وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بُيُوتنَا - نسكن لرُؤْيَته - على السرير، إِذْ سمعنَا صَوت الكرازين فِي السحر، قَالَت أم سَلمَة: فصحنا وَصَاح أهل الْمَسْجِد، فارتجت الْمَدِينَة صَيْحَة وَاحِدَة، وَأذن بِلَال بِالْفَجْرِ، فَلَمَّا ذكر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَكَى، فانتحب، فزادنا حزنا، وعاجل النَّاس الدُّخُول إِلَى قَبره، / فغلق دونهم، فيالها من مُصِيبَة! مَا أصبْنَا بعْدهَا بمصيبة إِلَّا هَانَتْ إِذا ذكرنَا مُصِيبَتنَا بِهِ، [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَخرج أَبُو بكر / بن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه من حَدِيث ابْن سابط، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن سابط الجُمَحِي عَن أَبِيه، قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِذا أُصِيب أحدكُم بمصيبة، فليذكر مصيبته بِي، فَإِنَّهَا أعظم المصائب ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَأنْشد عَليّ بن حجر السَّعْدِيّ: [من الْكَامِل] : (اصبر لكل مُصِيبَة وتجلد ... وَاعْلَم بِأَن الْمَرْء غير مخلد) (أَو مَا ترى أَن الْمُصِيبَة جمة ... وَترى الْمنية للعباد بِمَرْصَد) (وَإِذا ذكرت مُصِيبَة تشجى بهَا ... فاذكر مصابك بِالنَّبِيِّ مُحَمَّد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَجَاء عَن عمْرَة عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] قَالَت: مَا علمنَا بدفن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى سمعنَا صَوت الْمساحِي من جَوف اللَّيْل من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، لما أهالوا عَلَيْهِ التُّرَاب. [رثاء السيدة فَاطِمَة] وَخرج ابْن مَاجَه عَن أنس [رَضِي الله عَنهُ] ، قَالَ: قَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 [لي] فَاطِمَة [عَلَيْهَا السَّلَام] : يَا أنس، كَيفَ سخت أَنفسكُم أَن تحثوا التُّرَاب على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] /؟ وخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِنَحْوِهِ وَتقدم. وَجَاء عَن عَليّ بن أبي طَالب [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: لما رش قبر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جَاءَت فَاطِمَة [عَلَيْهَا السَّلَام] ، فَأخذت قَبْضَة من تُرَاب الْقَبْر، فَوَضَعته على عينهَا، وبكت، وأنشأت تَقول: // [من الْكَامِل] //: (مَاذَا على من شم تربة أَحْمد ... أَن لَا يشم مدى الزَّمَان غواليا) (صبَّتْ عَليّ مصائب لَو أَنَّهَا ... صبَّتْ على الْأَيَّام عدن لياليا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْآجُرِيّ فِي كتاب الشَّرِيعَة: بَلغنِي أَنه لما دفن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جَاءَت فَاطِمَة [عَلَيْهَا السَّلَام] ، فوقفت على قَبره، وأنشأت تَقول: // [من الْكَامِل] //: (أمسي بخدي للدموع رسوم ... أسفا عَلَيْك وَفِي الْفُؤَاد كلوم) (وَالصَّبْر يحسن فِي المواطن كلهَا ... إِلَّا عَلَيْك فَإِنَّهُ مَعْدُوم) (لَا عتب فِي حزني عَلَيْك لَو انه ... كَانَ الْبكاء لمقلتي يَدُوم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَقَالَ الزبير بن بكار: حَدثنِي عمي مُصعب عَن مُحَمَّد بن الضَّحَّاك، قَالَ: لما توفّي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَرجع الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار إِلَى رحالهم، رَجَعَ فِيمَن رَجَعَ فَاطِمَة [عَلَيْهَا السَّلَام] إِلَى بَيتهَا، فَقَعَدت فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام،] قَالَت: {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} انْقَطع عَنَّا أَخْبَار السَّمَاء، ثمَّ أنشأت تَقول: // [من الْكَامِل] //. (اغبر آفَاق السَّمَاء وكورت ... شمس النَّهَار وأظلم العصران) (فالأرض من بعد النَّبِي حزينة ... تبْكي عَلَيْهِ كَثِيرَة الرجفان) (فليبكه شَرق الْبِلَاد وغربها ... وليبكه مُضر وكل يمَان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (وليبكه الطود الْمُعظم جوه ... وليبكه بَيت مَعَ الْأَركان) (نَفسِي فداؤك مَا لرأسك مائلاً ... ووسدوك وسَادَة الْوَسْنَان) (يَا خَاتم الرُّسُل الْمُبَارك صنوه ... صلى عَلَيْك منزل الْفرْقَان) [حزن السيدة فَاطِمَة] وروى يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي تَارِيخه عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ، [قَالَ] : مَا رئيت / فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا بنت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ضاحكة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَسلم، [إِلَّا أَنه قد تمودي بِطرف فِيهَا] ، وَمَكَثت بعده سِتَّة أشهر. وخرجه ابْن سعد فِي الطَّبَقَات بِنَحْوِهِ. وَقيل: كَانَت دموعها على الدَّوَام تجْرِي، وَرُبمَا كلمت بِالْأَمر فَلَا تفهم، وَلَا تَدْرِي. وَكَانَ كل من أهل الْمَدِينَة يَتَجَدَّد حزنه إِذا رَآهَا حزينة. وَمَا أحقها بقول عَليّ بن الْحُسَيْن النَّهْرِي السمسي الشَّاعِر: // [من الْكَامِل] //: (ودع مقلتي تبْكي عَلَيْك بأدمع ... إِن الْبكاء شِفَاء قلب الموجع) (ودع الدُّمُوع تكد جفني فِي الْهوى ... من غَابَ عَنهُ حَبِيبه لم يهجع) (وَلَقَد بَكَيْت عَلَيْك حَتَّى رق لي ... من كَانَ قبل يلومني وَبكى معي) وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا شهد دفن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَ: [// من الْبَسِيط //] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 (هلا دفنتم رَسُول الله فِي سفط ... من الألوة أحوى ملبساً ذَهَبا /) (أَو فِي سحيق من الْمسك الذكي وَلم ... ترضوا لجنب رَسُول الله متربا) (خير الْبَريَّة أتقاها وَأَكْرمهَا ... عِنْد الْإِلَه إِذا مَا ينسبون أَبَا) فَقَالَ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] : إِنِّي لأرجو أَن يغْفر الله لَك بِمَا قلت، إِلَّا أَن هَذِه سنتنا. [أَذَان بِلَال يهيج قُلُوب الْمُسلمين] وَقَالَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: لما توفّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، أذن بِلَال وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / لم يقبر، فَكَانَ إِذا قَالَ: " أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله "، انتحب النَّاس فِي الْمَسْجِد. قَالَ: فَلَمَّا دفن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، قَالَ لَهُ أَبُو بكر [رَضِي الله عَنهُ] : أذن. فَقَالَ لَهُ: إِن كنت إِنَّمَا أعتقتني لِأَن أكون مَعَك، فسبيل ذَلِك إِلَيْك. وَأَن كنت أعتقتني لله فخلني وَمن أعتقتني لَهُ؟ فَقَالَ: مَا أَعتَقتك إِلَّا لله. قَالَ: فَإِنِّي لَا أؤذن لأحد / بعد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . قَالَ: فَذَاك إِلَيْك. قَالَ: فَأَقَامَ حَتَّى خرجت بعوث الشَّام، فَسَار مَعَهم حَتَّى انْتهى إِلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وروى البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْأَوْسَط من حَدِيث زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: قدمنَا الشَّام مَعَ عمر [رَضِي الله عَنهُ] ، فَأذن بِلَال، فَذكر النَّاس النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَلم أر يَوْمًا أَكثر باكياً مِنْهُ. وَخرج أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مهْدي فِي فتوح الشَّام عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ [رَضِي الله عَنهُ] قصَّة ذكر قدوم عمر [رَضِي الله عَنهُ] إِلَى الشَّام، وفتحه بَيت الْمُقَدّس، فَقَالَ عمر: يَا بِلَال، أَلا تؤذن لنا؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا أردْت أَن أؤذن لأحد بعد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلَكِن سأطيعك إِذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أَمرتنِي فِي هَذِه الصَّلَاة وَحدهَا. فَلَمَّا أذن بِلَال سَمِعت الصَّحَابَة أَذَانه بكوا بكاء شَدِيدا، وَكَانَ أطول النَّاس بكاء يَوْمئِذٍ عقبَة بن عَامر، ومعاذ بن جبل رَضِي الله عَنْهُمَا / فَقَالَ لَهما عمر رَضِي الله عَنهُ: / حسبكما رحمكما الله. وَرُوِيَ أَن بِلَالًا [رَضِي الله عَنهُ] رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه يَقُول لَهُ: مَا هَذِه الجفوة؟ أما آن لَك أَن تزورني؟ فانتبه، وَركب رَاحِلَته حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة، فَذكر أَنه أذن بهَا، فارتجت الْمَدِينَة، فَمَا رُؤِيَ يَوْمئِذٍ أَكثر باكياً من ذَلِك الْيَوْم. [مبلغ سنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَتُوفِّي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور و // (صَححهُ البُخَارِيّ) //، وَغَيره، وَكَانَت وَفَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة، يَوْم الِاثْنَيْنِ حِين اشْتَدَّ الضحاء. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: قبل أَن ينتصف النَّهَار. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: لثنتي عشرَة لَيْلَة من شهر ربيع الأول. وَرُوِيَ أَيْضا عَن عُرْوَة بن الزبير، وطاووس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَجزم بِهِ خلق. وَقَالَ أَبُو حسان الْحسن بن عُثْمَان: وَهَذَا أثبت الْأَقَاوِيل. وَصَححهُ جمَاعَة مِنْهُم: ابْن الْجَوْزِيّ، وَابْن الصّلاح، وَالنَّوَوِيّ، والذهبي فِي / العبر، وَبِه صدر الْمزي الْأَقْوَال، وَاسْتَشْكَلَهُ السُّهيْلي، وَأَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن مُوسَى بن سَالم، وَأَبُو الْيمن بن عَسَاكِر، وَغَيرهم للاتفاق على أَن الوقفة فِي حجَّة الْوَدَاع كَانَت يَوْم الْجُمُعَة. وعَلى ذَلِك لَا يُمكن أَن يكون ثَانِي عشر ربيع الأول من سنة إِحْدَى عشرَة، يَوْم الِاثْنَيْنِ، لَا على تَقْدِير كَمَال الْأَشْهر الثَّلَاثَة، وَلَا نقصانها، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 على نُقْصَان بعض، وَكَمَال بعض. وَقد ذكرت بعض الْأَجْوِبَة عَن ذَلِك فِي كتابي: " جَامع الْآثَار " / وَللَّه الْحَمد. [وَقت دَفنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَاخْتلف فِي وَقت دَفنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَالْمَشْهُور الأثبت مَا قَالَ عِكْرِمَة: توفّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الِاثْنَيْنِ، فحبس بَقِيَّة يَوْمه وَلَيْلَته وَمن الْغَد، حَتَّى دفن من اللَّيْل، يَعْنِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء. وَرُوِيَ نَحوه عَن عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] وَقَالَهُ سهل بن سعد السَّاعِدِيّ وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 [وَذكر] ابْن حزم فِي التَّارِيخ: أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دفن نصف لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، وَكَانَت مُدَّة علته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم /، ثَلَاثَة عشريوماً على الْمَشْهُور. [زَوْجَاته اللَّاتِي توفّي عَنْهُن] وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: توفّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن تسع نسْوَة: أم سَلمَة، وَعَائِشَة، وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، وَزَيْنَب، وَحَفْصَة، وَصفِيَّة بنت حييّ، و [جوَيْرِية] بنت الْحَارِث، ومَيْمُونَة وَالَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَسَوْدَة بنت زَمعَة رَضِي الله عَنْهُن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 [تَرِكَة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَصَحَّ عَن أبي هُرَيْرَة [رَضِي الله عَنهُ] أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تقتسم ورثتي دِينَارا، مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي ومؤونة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة ". وَخرج أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه طَبَقَات الأصبهانيين من حَدِيث زر بن حُبَيْش، قَالَ: سَأَلت عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] فَقَالَت: أعن مِيرَاث رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تسْأَل؟ مَا ترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صفراء، وَلَا بَيْضَاء، وَلَا شَاة، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا عبدا، وَلَا وليدة، / ولاذهباً، وَلَا فضَّة. وخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل، وَفِي معارف السّنَن بِنَحْوِهِ. وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَغَيره، من ذَلِك مَا صَحَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 عَن عَمْرو بن الْحَارِث ختن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، قَالَ: مَا ترك رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دِينَارا، وَلَا درهما، وَلَا عبدا، وَلَا أمة، إِلَّا بغلته الْبَيْضَاء، وسلاحه، وأرضاً جعلهَا لِابْنِ السَّبِيل صَدَقَة. وَقد ترك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيمَا رُوِيَ عِمَامَة، وَثَلَاث قلانس صغَارًا لاطية. وَقيل: أَرْبعا، أَحدهَا: بَيْضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 مضربة شامية، وثوبي حبرَة، وقطيفة، وَهِي الَّتِي وَضعهَا شقران فِي الْقَبْر الشريف، وبردة يمنة حَمْرَاء طولهَا سِتَّة أَذْرع وشبر، وعرضها ثَلَاثَة أَذْرع وشبر، وإزاراً من نسج عمان طوله أَرْبَعَة أَذْرع وشبر فِي ذراعين وشبر كَانَ يلْبسهُ والبردة يَوْم الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ. خرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن جَابر بن عبد الله [رَضِي الله عَنْهُمَا] ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يلبس / برده الْأَحْمَر فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ. وَترك أَيْضا ثَوْبَيْنِ صحاريين، وقميصاً صحارياً، وَآخر سحولياً، وقميصه الَّذِي غسل فِيهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وجبة [طيالسية] خسروانية، وخميصة يمانيتين، وَكسَاء أَبيض، وَمِلْحَفَة مورسة، وخاتمه المنقوش عَلَيْهِ: " مُحَمَّد رَسُول الله " وسريره الَّذِي كَانَ ينَام عَلَيْهِ، وبردتين، تعملان فِي أكف منسج / الحياكة، وجبة صوف أَيْضا فِي المنسج، وَدِرْعًا من حَدِيد مَرْهُونَة فِي شعير عِنْد يَهُودِيّ من بني ظفر، يُقَال لَهُ: أَبُو الشَّحْم، وَقيل: أَبُو شحمة. وَترك أَيْضا: نَعْلَيْه، كَانَتَا مخصوفتين لَهما قبالان. وَترك أَيْضا: قدحاً غليظاً من خشب نضار وَهُوَ الْمُتَّخذ من أثل ورسي اللَّوْن، وَقيل من نبع، وَقيل: من خشب أَحْمَر. وَترك أَيْضا قَضِيبًا من شوحط يدعى الممشوق، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عِنْد الْخُلَفَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 [بعض آثَار النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بَيت عمر بن عبد الْعَزِيز] خرج الإِمَام أَحْمد فِي كتاب الزّهْد من حَدِيث عَمْرو بن مهَاجر /، قَالَ: كَانَ لعمر بن عبد الْعَزِيز بَيت يَخْلُو فِيهِ، فِي ذَلِك الْبَيْت مَا ترك رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِذا سَرِير مرمول بشريط، وَقَعْب يشرب فِيهِ المَاء، وجرة مَكْسُورَة الرَّأْس يَجْعَل فِيهَا الشَّيْء، ووسادة من أَدَم محشوة بِلِيفٍ، وقطيفة غبراء كَأَنَّهَا من هَذِه القطف الجرمقانية فِيهَا من وسخ شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ يَقُول: يَا قُرَيْش! هَذَا تراث من أكْرمكُم الله عز وَجل بِهِ وأعزكم، خرج من الدُّنْيَا على مَا ترَوْنَ. وخرجه أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل. وَأَبُو الشَّيْخ بن حَيَّان فِي الْأَخْلَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 [حكم تَرِكَة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَقَالَ حَمَّاد بن إِسْحَاق فِي كِتَابه: " تَرِكَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " بعد أَن ذكر الْأَمْوَال الَّتِي أفاءها الله عَلَيْهِ وَغَيرهَا، فَقَالَ: " ووقفت هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكرنَاهَا من الْأَمْوَال الَّتِي أفاءها الله عَلَيْهِ، وَالْكِسْوَة، وَالْخَيْل , / وَالْبَغْلَة، والحربة. وَمَا ذكرنَا مَعَ ذَلِك بعد وَفَاته على أَن ذَلِك كُله صَدَقَة، بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا تركنَا فَهُوَ صَدَقَة " / وَكَانَت غلات الضّيَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 تقسم فِي سبل الْخَيْر على مَا كَانَ يقسمها [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فِي حَيَاته، وَأما مَا سوى ذَلِك مثل البغلة، والحربة، وَالْكِسْوَة، وَالسِّلَاح، والسرير، فَوقف أَيْضا، يتجمل بِهِ الْأَئِمَّة والمسلمون بعده ويتبركون بِهِ ". انْتهى. [الْمَلَائِكَة تحف بقبره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَهَذَا من الخصائص الْعليا الْمُشْتَرك فِيهَا جَمِيع الْأَنْبِيَاء، لَكِن نَبينَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام انْفَرد بخصائص عَظِيمَة، وأتحف بكرامات جسيمة. فَمن كراماته الباهرة الْمُتَعَلّقَة بتربته الطاهرة، مَا خرجه القَاضِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 " فضل الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " من طَرِيق [نبيه] بن وهب، أَن كَعْبًا دخل على عَائِشَة [رَضِي الله عَنْهَا] فَذكرُوا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَ كَعْب: مَا من فجر يطلع إِلَّا نزل سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة يحفونَ بِقَبْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يضْربُونَ بأجنحتهم فيصلون / على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا أَمْسوا، عرجوا، وَهَبَطَ سَبْعُونَ ألفا حَتَّى يحفوا بالقبر يضْربُونَ بأجنحتهم، وَيصلونَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَبْعُونَ ألفا بِاللَّيْلِ، وَسَبْعُونَ ألفا بِالنَّهَارِ حَتَّى إِذا انشقت عَنهُ الأَرْض خرج فِي سبعين ألفا من الْمَلَائِكَة يزفونه. وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي كتاب: " الزّهْد " بِنَحْوِهِ، وَأَبُو نعيم فِي كِتَابه " الْحِلْية ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 [حَيَاته ومماته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خير للْمُسلمين] وَمِنْهَا مَا روينَاهُ / من طَرِيق مَالك بن دِينَار عَن أنس بن مَالك [رَضِي الله عَنهُ، قَالَ] : قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " حَياتِي خير لكم "، ثَلَاث مَرَّات، " ووفاتي خير لكم "، ثَلَاث مَرَّات، فَسكت الْقَوْم، فَقَالَ عمر بن الْخطاب [رَضِي الله عَنهُ] : بِأبي أَنْت وَأمي، كَيفَ يكون هَذَا؟ قلت: " حَياتِي خير لكم "، ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قلت: " موتِي خير لكم "، ثَلَاث مَرَّات. قَالَ: " حَياتِي خير لكم ينزل عَليّ الْوَحْي من السَّمَاء، فأخبركم بِمَا يحل لكم، وَمَا يحرم عَلَيْكُم. وموتي خير لكم تعرض عَليّ أَعمالكُم كل خَمِيس، فَمَا كَانَ من حسن حمدت الله عز وَجل عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ من ذَنْب استوهبت لكم ذنوبكم ". وَرَوَاهُ ابْن سعد / من مَرَاسِيل بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ. وَهُوَ فِي كتاب: " الصَّلَاة " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 للْقَاضِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بِنَحْوِهِ. [سَماع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لمن يسلم عَلَيْهِ] وَمِنْهَا مَا خرجه أَبُو بكر بن أبي عَاصِم فِي كتاب " الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " من طَرِيق أبي أَحْمد الزبيرِي. ثَنَا نعيم بن ضَمْضَم، أَنا عمرَان بن حميري قَالَ: قَالَ لي عمار بن يَاسر [رَضِي الله عَنْهُمَا] أَلا أحَدثك حَدِيثا حَدَّثَنِيهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله عز وَجل أعْطى ملكا من الْمَلَائِكَة أسماع الْخَلَائق فَهُوَ قَائِم على قَبْرِي حَتَّى تقوم السَّاعَة، فَلَيْسَ أحد من أمتِي يُصَلِّي عَليّ صَلَاة إِلَّا قَالَ: يَا أَحْمد، فلَان ابْن فلَان باسمه وَاسم أَبِيه، صلى عَلَيْك بِكَذَا وَكَذَا، وَضمن لي الرب [عز وَجل] أَنه من صلى عَلَيْك صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ / عشرا، وَإِن زَاد زَاده الله عز وَجل ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وخرجه الرَّوْيَانِيّ، وَالْبَزَّار فِي مسنديهما، وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه، وَأَبُو الشَّيْخ فِي كِتَابه: " ثَوَاب الْأَعْمَال ". وَذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير مُعَلّقا عَن أبي أَحْمد الزبيرِي /. وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عَن الْحسن بن عَليّ [رَضِي الله عَنْهُمَا] قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت قَول الله عز وَجل: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} فَقَالَ: إِن هَذَا من المكتوم، وَلَوْلَا أَنكُمْ سَأَلْتُمُونِي عَنهُ ماأخبرتكم. إِن الله [عز وَجل] وكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 بِي ملكَيْنِ لَا أذكر عِنْد رجل مُسلم، فَيصَلي عَليّ، إِلَّا قَالَ ذَانك الْملكَانِ: غفر الله لَك. وَقَالَ الله [عز وَجل] وَمَلَائِكَته جَوَابا لِذَيْنِك الْملكَيْنِ: آمين. وَخرج أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابيه: " ثَوَاب الْأَعْمَال " و " الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] "، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 صلى عَليّ عِنْد قَبْرِي سمعته، وَمن صلى عَليّ من بعيد أعلمته ". وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة، فَإِنَّهُ يَوْم مشهود، تشهده الْمَلَائِكَة، لَيْسَ من عبد يُصَلِّي عَليّ إِلَّا بَلغنِي صَوته حَيْثُ كَانَ ". قُلْنَا: وَبعد وفاتك. قَالَ: " وَبعد وفاتي. إِن الله عز وَجل حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَخرج / الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند عَن عبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود [رَضِي الله عَنهُ] ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِن لله تَعَالَى مَلَائِكَة سياحين، يبلغوني عَن أمتِي السَّلَام ". وخرجه النَّسَائِيّ، وَالْبَزَّار، وَابْن حبَان فِي كِتَابه " وصف الصَّلَاة بِالسنةِ " فِي صَحِيحه. وروى ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سُلَيْمَان بن سحيم، قَالَ: رَأَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي النّوم، فَقلت: يَا رَسُول الله، هَؤُلَاءِ الَّذِي يأتونك فيسلمون عَلَيْك، أتفقه سلامهم؟ قَالَ: " نعم. وأرد عَلَيْهِم ". [بعض خَصَائِص الْقَبْر الشريف] وَمن خَصَائِص الْقَبْر الشريف مَا خرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من زار قَبْرِي، وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي ". وَخرج بِنَحْوِهِ أَبُو عَليّ بن السكن فِي صَحِيحه. وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير. وَأدْخلهُ الْحَافِظ الضياء مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه: " الْأَحَادِيث المختارة مِمَّا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ". / وَهَذَا مشْعر بِتَصْحِيحِهِ الحَدِيث. وروى الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن ابْن عمر [رَضِي الله عَنْهُمَا] ، قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من حج فزار قَبْرِي بعد وفاتي، فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي ". [أول من زار قَبره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَأول من زار الْقَبْر الشريف فِيمَا أعلم سيدة نسَاء هَذِه الْأمة فَاطِمَة [عَلَيْهَا السَّلَام] ، فَإِنَّهُ لما رمس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَتْهُ وَأخذت قَبْضَة من تُرَاب الْقَبْر الشريف، فَوَضَعته على عينيها، وبكت وأنشدت تِلْكَ الْبَيْتَيْنِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 (مَاذَا على من شم تربة أَحْمد ... أَن لَا يشم مدى الزَّمَان غواليا /) (صبَّتْ عَليّ مصائب لَو أَنَّهَا ... صبَّتْ على الْأَيَّام عدن لياليا) وَرُبمَا يفهم من هَذَا أَن فَاطِمَة [عَلَيْهَا السَّلَام] أول من رثى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . [الصَّحَابَة الَّذين رثوه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] وَمِمَّنْ رثاه من أَصْحَابه، وَذكر فِي شعره جليل مصابه، أَبُو بكر الصّديق، وَعمر بن الْخطاب، وَعلي بن أبي طَالب، وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 عَمه أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث، وَحسان بن ثَابت / الْأنْصَارِيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَعبد الله بن أنيس، وَكَعب بن مَالك، وَعَمْرو بن الْعَاصِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وَسَوَاد بن قَارب، وَأَبُو ذُؤَيْب الْهُذلِيّ خويلد بن خَالِد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وعماته: صَفِيَّة، وعاتكة، وأروى، وَهِنْد بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أَثَاثَة أُخْت مسطح، وَغَيرهم، رَضِي الله عَنْهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 [ من رثاء أبي بكر ] فمما قَالَه أَبُو بكر الصّديق [رَضِي الله عَنهُ] : // [من المتقارب] // ( [و] يَا عين بكي وَلَا تسأمي ... وَحقّ الْبكاء على السَّيِّد) (على ذِي الفواضل والمكرمات ... ومحض الضريبة والمحتد) (على خير خندف عِنْد الْبلَاء ... أَمْسَى يغيب فِي الملحد) (فصلى المليك ولي الْعباد ... وَرب الْبِلَاد على أَحْمد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 (فَكيف الْإِقَامَة بعد الحبيب ... وزين المحافل والمشهد) (فليت الْمَمَات لنا كلنا ... وَكُنَّا جَمِيعًا مَعَ المهتدى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 [من رثاء أبي سُفْيَان] وَمِمَّا قَالَه أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب [رَضِي الله عَنهُ] : // [من الوافر] //: (أرقت وَبَات ليلِي لَا يَزُول ... وليل أخي الْمُصِيبَة فِيهِ طول /) (وأسعدني الْبكاء وَذَاكَ فِيمَا ... أُصِيب الْمُسلمُونَ بِهِ قَلِيل) (فقد عظمت مُصِيبَتنَا وجلت ... عَشِيَّة قيل قد قبض الرَّسُول) (فظل النَّاس منقطعين فِيهَا ... كَأَن النَّاس لَيْسَ لَهُم حويل) (كَانَ النَّاس إِذْ فقدوه عمي ... أضرّ بلب حازمهم عليل) (وَحقّ لتِلْك مرزية علينا ... وَحقّ لَهَا تطير لَهَا الْعُقُول) (وتصبح أَرْضنَا مِمَّا عراها ... تكَاد بِنَا جوانبها تميل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (فَقدنَا الْوَحْي والتنزيل فِينَا ... يروح بِهِ وَيَغْدُو جبرئيل) (وَذَاكَ أَحَق مَا سَالَتْ عَلَيْهِ ... نفوس النَّاس أَو كربت تسيل) (أصبْنَا بِالنَّبِيِّ وَقد رزئنا ... مُصِيبَتنَا فمحملها ثقيل) (نَبِي كَانَ يجلو الشَّك عَنَّا ... بِمَا يُوحى إِلَيْهِ وَمَا يَقُول) (ويهدينا فَلَا نخشى ضلالا ... علينا وَالرَّسُول لنا دَلِيل) (يخبرنا بِظهْر الْغَيْب عَمَّا ... يكون فَلَا يخون وَلَا يحول) (فَلم نر مثله فِي النَّاس حَيا ... وَلَيْسَ لَهُ من الْمَوْتَى عديل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 (أفاطم إِن جزعت فَذَاك عذر ... وَإِن لم تجزعي فَهُوَ السَّبِيل) (فعوذي بالعزاء فَإِن فِيهِ ... ثَوَاب الله وَالْفضل الجزيل) (وَقَوْلِي فِي أَبِيك وَلَا تملي ... وَهل يَجْزِي بِفعل أَبِيك قيل) (فقبر أَبِيك سيد كل قبر ... وَفِيه سيد النَّاس الرَّسُول) (صَلَاة الله من رب رَحِيم ... عَلَيْهِ لَا تحول وَلَا تَزُول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 [من رثاء حسان بن ثَابت] وَمِمَّا قَالَه حسان بن ثَابت [رَضِي الله عَنهُ] /: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 // [من الْكَامِل] //: (مَا بَال عَيْنك لَا تنام كَأَنَّمَا ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد) (جزعاً على الْمهْدي أصبح ثاوياً ... يَا خير من وطئ الْحَصَا لَا تبعد) (يَا وَيْح أنصار النَّبِي ونسلهم ... بعد المغيب فِي سَوَاء الْمَسْجِد) (جَنْبي يقيك الترب لهفي لَيْتَني ... غيبت قبلك فِي بَقِيع الْغَرْقَد) (أأقيم بعْدك بِالْمَدِينَةِ بَينهم ... يَا لهف نَفسِي لَيْتَني لم أولد) (بِأبي وَأمي من شهِدت وَفَاته ... فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ النَّبِي المهتد [ي] ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 (وظللت بعد وَفَاته متبلداً ... يَا لَيْتَني صبحت سم الْأسود) (أَو حل أَمر الله فِينَا عَاجلا ... من يَوْمنَا فِي رَوْحَة أَو فِي غَد) (فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا ... مَحْضا ضريبته كريم المحتد) (يَا بكر آمِنَة الْمُبَارك بكرها ... وَلدته مُحصنَة بِسَعْد الأسعد) (نورا أَضَاء على الْبَريَّة كلهَا ... من يهد للنور الْمُبَارك يهتد) (يَا رب فاجمعنا مَعًا وَنَبِينَا ... فِي جنَّة تنبي عُيُون الْحَسَد) (فِي جنَّة الفردوس فاكتبها لنا ... يَا ذَا الْجلَال وَذَا الْعلَا السؤدد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 (وَالله أسمع مَا بقيت بهالك ... إِلَّا بَكَيْت على النَّبِي مُحَمَّد) وَمِنْهَا: (وَالله أهداه لنا وَهدى بِهِ ... أنصاره فِي كل سَاعَة مشْهد) (صلى الْإِلَه وَمن يحف بِعَرْشِهِ ... والصالحون على الْمُبَارك أَحْمد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 [من رثاء صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب] وَمِمَّا قالته صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب [رَضِي الله عَنْهَا] : // [من الطَّوِيل] //: (أَلا يَا رَسُول الله كنت رجاءنا ... وَكنت بِنَا برا وَلم تَكُ جَافيا) (وَكنت بِنَا رؤوفاً رحِيما نَبينَا ... ليبك عَلَيْك الْيَوْم من كَانَ باكيا) (لعمرك مَا أبْكِي النَّبِي لمَوْته ... وَلَكِن لهرج كَانَ بعْدك آتِيَا) (كَأَن على قلبِي لذكر مُحَمَّد ... وَمَا خفت من بعد النَّبِي المكاويا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (أفاطم صلى الله رب مُحَمَّد ... على جدث أَمْسَى بِيَثْرِب ثاويا) (أرى حسنا أيتمته وَتركته ... يبكي وَيَدْعُو جده الْيَوْم نَائِيا) (فدى لرَسُول الله أُمِّي وخالتي ... وَعمي وَنَفْسِي قصرة ثمَّ خَالِيا) (صبرت وَبَلغت الرسَالَة صَادِقا ... وقومت صلب الدّين أَبْلَج صافيا) (فَلَو أَن رب الْعَرْش أبقاك بَيْننَا ... سعدنا وَلَكِن أمره كَانَ مَاضِيا) (عَلَيْك من الله السَّلَام تَحِيَّة ... وأدخلت جنَّات من العدن رَاضِيا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 (فارغة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 آخر سلوة الكئيب بوفاة الحبيب [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَشرف وكرم وَعظم، فرغ مِنْهَا كِتَابَة بعد أَن تشرف بهَا مطالعة، متوسلاً بِمن ألفت فِيهِ صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ إِلَى الله تَعَالَى أَن يغْفر ذنُوبه، وَيسْتر فِي الدَّاريْنِ عيوبه فَقير عَفْو الله تَعَالَى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد الفرفور الْحَنَفِيّ تَابَ الله عَلَيْهِ وعَلى سَائِر عصاة الْمُسلمين بِحرْمَة سيد الْمُرْسلين صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. و [جعل] آخر كَلَامه عِنْد الْخُرُوج من هَذِه الدَّار الْكَثِيرَة الأكدار " لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله " وَذَلِكَ لَيْلَة الْجُمُعَة الغراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 بعد صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة فِي بمنزله فِي دمشق بالعشر الأول من شهر صفر الْأَغَر الميمون ثَانِي شهور سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء المؤنثة بِاثْنَتَيْنِ من فَوق على السِّين وَثَمَانِينَ وتسعمئة، لَعَلَّ الله يَقْضِيهَا على الْمُسلمين بِخَير وعافية، وَالْحَمْد لله تَعَالَى وَحده عوداً على بَدْء، وصلواته وَسَلَامه على خير خلقه مُحَمَّد وَآله وَصَحبه، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا أَيْضا إِلَى يَوْم الدّين. الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210