الكتاب: المختصر الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، ابن جماعة الكناني، الحموي الأصل، الدمشقيّ المولد، ثم المصري، عز الدين (المتوفى: 767هـ) المحقق: سامي مكي العاني الناشر: دار البشير - عمان الطبعة: الأولى، 1993م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- المختصر الكبير في سيرة الرسول ابن جماعة، عز الدين الكتاب: المختصر الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، ابن جماعة الكناني، الحموي الأصل، الدمشقيّ المولد، ثم المصري، عز الدين (المتوفى: 767هـ) المحقق: سامي مكي العاني الناشر: دار البشير - عمان الطبعة: الأولى، 1993م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين الْحَمد لله حمداً يوافي جزيلَ نعمائه، ويكافئ مزيدَ آلائه. . وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا محمدٍ خَاتم أَنبيائه، وعَلى آله وَصَحبه وأوليائه. أما بعدُ: فَهَذَا مختصَر فِي سيرة سيّدنا محمدٍ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جمعتُه من كتبٍ فِي الْمَغَازِي والسِيَر، واعتمدتُ فِيمَا فِيهِ من التَّصْحِيح وتأريخ الْمَغَازِي على الْحَافِظ النَّاقِد الحجّة، محدِّث الإِسلام شرف الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن الدمياطيّ. واقتصرتُ فِي كثيرٍ ممّا فِيهِ خلافٌ على مَا حَرَّره، لاعتنائه بالسِيَر، وَطول ممارستِه لَهَا - رحِمَه الله تَعَالَى، ونفعَ بِمَا جمعتُه من ذَلِك، وسلكَ بِنَا فِي سُبل رِضَاهُ أحسنَ المسالك - آمين. نَسَبُ رسولِ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وأَسماؤُه هُوَ أَبُو الْقَاسِم محمَّد بن عبد الله بن عبد المطَّلب - واسْمه شَيْبةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الحَمد، بن هَاشم - واسْمه عَمْرو العُلا - بن عبد مَنَاف - واسْمه المُغيرة - بن قُصَيّ - واسْمه زَيْد ويُدعى مُجمّعاً - بن كِلاب بن مُرَّةَ بن كَعْب بن لُؤَيّ بن غالِب بن فِهْر، وَهُوَ قُرَيْش على الصَّحِيح، ابْن مالِك بن النَّضْر - واسْمه قيس، وَقيل: إِنَّه قُرَيْش - بن كِنَانَة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة: واسْمه عَامر، وَقيل: عَمْرو بن إلْيَاس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عَدنان. إِلَى هُنَا إِجْمَاع الأمّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وَفِيمَا بعد عدنان إِلَى آدم خِلافٌ كثير، وعَدنان - بِلَا شكّ - من وَلَد إِسْمَاعِيل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالَّذِي اخْتَارَهُ بعض النسّابين فِي نسب عدنان أنَّه ابْن أُدّ بن أُدَد بن اليَسَع بن الهَميْسَع بن سَلامان بن نبت بن حَمَل بن قَيذار بن الذَّبِيح إِسْمَاعِيل بن الْخَلِيل إِبْرَاهِيم بن تارح، وَهُوَ آزر، بن ناحور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عَابِر، وَهُوَ هود النبيّ / 1 ظ. [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَهُوَ جماع قيس ويَمن، ابْن شالخ بن أرفخشذ بن سَام بن نوح بن لَمك بن متُّوشلخ بن أَخْنُوخ، وَهُوَ إِدْرِيس النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَام - بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شِيث، وَهُوَ هبة الله، ابْن آدم أبي مُحَمَّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَالَ الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطيّ: هَكَذَا سَاقه أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أسعد بن عليّ النسّابة الجوّاني. وَقَالَ: وَهَذِه أصحّ الطّرق وأحسنها وأوضحها، وَهِي رِوَايَة شُيُوخنَا فِي النَسب. قلتُ: وَمَا ذكره من أنَّ الذَّبيح إِسْمَاعِيل هُوَ الَّذِي صحّحه جمَاعَة من محققي الْعلمَاء. وَأَكْثَرهم على أَنه إِسْحَاق [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَمن أَسْمَائِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أحمدُ، والمَاحي، والحَاشر، والعَاقبُ، والمُقَفِّي، ونبيُّ التَّوبَة، ونبيُّ الرَّحْمة، ونبيُّ المَلْحَمة والفاتحُ، وعبدُ الله، والمبشِّر، والنَّذيرُ، والأمين، والمصطفى، والمتوكِّل، وطه ويَس. قَالَ ابْن دِحيَة فِي كِتَابه (المستوفي فِي أَسمَاء الْمُصْطَفى) إِنَّه إِذا فُحص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 عَن جُمْلَتهَا من الْكتب المتقدِّمة، وَالْقُرْآن الْكَرِيم والْحَدِيث النَّبَوِيّ بلغت الثلاثمائة. أمّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هِيَ آمنةُ بنتُ وَهْبٍ بن عبد مَنَاف بن زُهْرَةَ بن كِلاب بن مُرَّة. [وأُمُّها بَرَّة بنتُ عبد العُزّى بن عُثْمَان بن عبد الدَّار بن قصي بن كلاب، وأمُّها أمُّ حَبيب بنت أَسَد بن عبد العُزّي بن قُصيّ بن كِلاب] وأمُّها برّة بنت عَوْف بن عَبيد بن عَوِيج بن عَدِّيّ بن كَعْب. وأُمّ وهْب بن عبد مَناف قَيْلَة بنت أبي كَبْشَة وَجْز بن غَالب بن الْحَارِث بن عَمْرو بن مِلكان بن أَفصى بن حَارثة مِن خُزاعة. وَأَبُو كَبْشَة هَذَا هُوَ الَّذِي نُسب إِلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي قَول أبي سُفيان بن حُرب حِين خرج من عِنْد هِرْقَل: لقد أمِرَ أمْرُ ابْن أبي كَبْشَة، إِنَّه ليخافُه مَلِكُ بني الْأَصْفَر. وعَبَدَ / 2 و. أَبُو كَبْشَة هَذَا الشِّعْرَى، وَخَالف العربَ، فَلذَلِك كَانَت قريشُ تَنسُبُ رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَيْهِ لمُخَالفَته لَهُم، كَمَا خالفَهم أَبُو كبْشة. وَرُوِيَ أنّ آمِنَة بنت وهْب بن عبد مَنَاف كَانَت فِي حِجْر عمَّها وهُيب بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 عبد مَنَاف، فَمشى إِلَيْهِ عبد المطْلب بن هَاشم بِابْنِهِ عبد الله، فَخَطب آمنةَ، فزوّجها إيّاه، وخطب إِلَيْهِ عبد الْمطلب فِي مَجْلِسه ذَلِك ابنتَه هالةَ بنتُ وهُيب على نَفسه، فزوَّجه إِيَّاهَا. فَقَالَ النَّاس: فَلَجَ عبدُ الله على أَبيه، لأنَّ وهباً كَانَ من أشرف قُرَيْش. وَقيل: إِن الَّذِي زوّج آمِنَة أَبوهَا، فَدخل عبدُ الله على آمِنَة حِين تزوَّجها فوقعَ عَلَيْهَا، فَحملت برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي شِعْب أبي طَالب عِنْد الجَمْرَة الكُبرى، وَقيل: الْوُسْطَى. ورويَ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تَقول: مَا شعرتُ أَنِّي حملتُ بِهِ، وَلَا وجدتُ لَهُ ثِقْلاً كَمَا تجدُ النساءُ، إِلَّا أَنِّي أنكرتُ رفع حَيضَتي، وربّما كَانَت ترفعني وتعودُ وأتاني أتٍ وَأَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، فَقَالَ: هَل شَعرت أَنَّك حَملتِ؟ فَكَأَنِّي أَقُول: مَا أَدري. فَقَالَ: إنكِ قد حَملتِ سيِّدَ هَذِه الأُمَّة ونَبيَّها. وَذَلِكَ يَوْم الِاثْنَيْنِ. قَالَت: فَكَانَ ذَلِك ممّا يَقَّنَ عِنْدِي الحَملَ. ثمَّ أَمهلَني حَتَّى إِذا دَنَتْ ولادتي أَتَانِي ذَلِك الْآتِي فَقَالَ: قُولي أُعيذه بالواحدِ من شرِّ كلِّ حاسِد. قَالَت: فكنتُ أَقُول ذَلِك. ويُروى أنّ الله تَعَالَى لمّا أَرَادَ خَلقَ نَبيِّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بطن أمِّه آمِنَة فِي لَيْلَة رَجب لَيْلَة الْجُمُعَة أَمر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة رضوانَ خازنَ الجِنانِ أنْ يفتح أَبْوَاب الفردوس، وَنُودِيَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض، بأنّ النُّور الْمكنون المخزون الَّذِي يكون مِنْهُ النبيُّ الْهَادِي فِي هَذِه اللَّيْلَة يَستقرُّ فِي بطن أُمِّه الَّذِي فِيهِ يتمّ خَلْفُه، ويخرجُ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 النَّاس بشيراً وَنَذِيرا. وَقيل: حَملتْ برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي أيّام / 2 ظ. التَّشريق. واختُلف فِي زمَان حَملِها برَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقيل: تِسْعَة أشهر، وَقيل: عشرَة، وَقيل: ثَمَانِيَة، وَقيل: سَبْعَة، وَقيل: ستّة. وَقيل غير ذَلِك. وتوفيّ عبدُ الله والدُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بدار النَّابِغَة بِالْمَدِينَةِ، عِنْد أخوالِه بني عَديّ بن النَجَّار. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وأغربَ عبد الْغَنِيّ فَحكى قولا أَنه توفّي بالأبواء بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. وَتُوفِّي عبد الله، ورسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَمْلٌ على الصَّحِيح. قيل: قبل وِلَادَته بشهرين، وَقيل: توفّي وَله شَهْرَان، وَقيل: سَبْعَة أَشهرٍ، وَقيل: ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ شهرا. ولعَبْد الله يَوْم توفّي خمسٌ وَعِشْرُونَ سنة، وَقيل: ثمانٍ وَعِشْرُونَ. وَقيل: ثَلَاثُونَ، وَقيل: ثَمَان عشرَة. وَترك أُمَّ أَيمن، وخمسةَ أَجمالٍ، وقِطعةَ غَنمٍ، وسيفاً، وَهُوَ مأثور، فورِثَ ذَلِك رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 مَولِدُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمَشْهُور أنّ سيّدنا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ولِدَ بمكّةَ عَام الْفِيل، وَقيل: بعده بِثَلَاثِينَ عَاما. وَقيل بِأَرْبَعِينَ، فِي شهر ربيعٍ الأول، يَوْم الِاثْنَيْنِ. قيل: لعشرةٍ خَلَت مِنْهُ، حِين طلع الفجرُ، وَقيل: ثَانِيَة، وَقيل: ثَالِثَة، وَقيل: ثامنه، وَقيل: ثَانِي عشره. وَلم يذكر ابْن إِسْحَاق غَيره. وَقيل: فِي صَفَر، وَقيل: فِي الثَّانِي عشر من شهر رَمَضَان، وَقيل: فِي شهر ربيع الآخر. وَالصَّحِيح الأوَّل. وَكَانَ قدومُ أَصْحَاب الْفِيل قبل ذَلِك فِي المحرَّم. وليلةَ ميلاده انشقَّ إيوَان كِسرى حَتَّى سُمع صوتُهَ، وَسقط مِنْهُ أَربع عشرَة شُرفةً، وخمدت نارُ فَارس، وَلم تَخمد قبل ذَلِك بأَلفِ عامٍ، وغاضت بُحيرة ساوة. وَرَأَتْ أمُّه آمنةُ حِين. وَضعته كأنّه خرج مِنْهَا نورٌ أَضَاءَت مِنْهُ قصورُ الشَّام. ووُلدَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 3 و. مختوناً مَسْرُوراً، مَقْبُوضَة أصابعُ يَدَيْهِ، مُشِيرا بالسَّبَّابة كالمسبِّح بهَا، وَرُوِيَ أَنّ عبد الْمطلب خَتَنَه يومَ سابِعه، وَجعل لَهُ مأدُبةً، وسمّاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 مُحَمَّدًا. وَرُوِيَ أنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام خَتنه حِين طهَّر قلبَه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَكَانَ إِبْلِيس يخرق السَّمَوَات السبعَ، فَلَمَّا وُلد عِيسَى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حُجب من ثَلَاث سموات، وَكَانَ يصل إِلَى أَربَعٍ، فَلَمَّا وُلدَ مُحَمَّد [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حُجب من السَّبع، ورُميت الشَّيَاطِين بالشُّهب الثواقب. وَرُوِيَ أنّ إِبْلِيس رنَّ أربعَ رنّات، رنَّةً حِين لُعنَ، ورنّةً حِين أُهبط، ورنّةً حِين ولُد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ورنّةً حِين نزلت فَاتِحَة الْكتاب. مَنْ أَرضَعَه وحَضَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لمّا ولَدتْه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أُمُّه أرضَعته سَبْعَة أَيَّام، ثمَّ أَرضعته ثُوَيْبَةُ الأَسلمية مولاة أبي لَهَبٍ أيّاماً، وأرضعت مَعَه أَبَا سَلمة عبد الله بن عبد الأَسَد المخزوميّ بلَبن ابْنهَا مَسْرُوح، وَهِي أمُّ عمِّه حمزةَ من الرَضَاعة. وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَصِلُها وَهِي بِمَكَّة. وَكَانَت خديجةُ تُكرمها، وَقيل: إِنَّهَا سَأَلت أَبَا لَهَبٍ فِي أنْ تبتاعها مِنْهُ لتِعتقِها فَلم يفعل، فلمّا هَاجر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الْمَدِينَة أَعتقها أَبُو لَهَبٍ وَقيل: أعْتقهَا أَبُو لَهَبٍ حِين بشَّرتْه بِوِلَادَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يبْعَث إِلَيْهَا من الْمَدِينَة بصِلةٍ وكِسوةٍ، حَتّى جَاءَهُ خبرُها أَنَّهَا قد توفيت مَرجِعَه من خيبَر، فَقَالَ: مَا فعل ابنُها مَسْروح؟ فَقيل: مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 قبلهَا. وَلم يبقَ من قرابتها أَحدٌ. واختُلف فِي إسْلَامهَا، وَرَأى أَبَا لَهَب بعضُ أهلهِ فِي النّوم / 3 ظ. بِشَرِّ حَيْبَةٍ، فَقَالَ: مَاذَا لقيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَب: لم نَذقْ بَعدَكم رخاءً، غير أَنِّي سُقيتُ فِي هَذِه بعتاقتي ثُويبة. وَأَشَارَ إِلَى النُقرة الَّتِي بَين الإِبهام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع. ثمَّ أَرضعته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أُمُّ كَبشةَ، حليمةُ بنت أبي ذُؤَيْب عبد الله بن الْحَارِث السَّعْديّة، فَروِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: لما وضعتهُ فِي حِجْري أقبل عَلَيْهِ ثَديايَ بِمَا شَاءَ من اللَّبن، فَشرب حَتَّى رُوِيَ، وَشرب مَعَه أَخُوهُ حَتَّى رُوِيَ، وناما، وَمَا كَانَ أَخُوهُ ينَام قبل ذَلِك، وَمَا كَانَ فِي ثَدييّ مَا يرويهِ، وَلَا فِي شارفِنا مَا يُغذِّيه، وَقَامَ زَوجي إِلَى شارفنا، فَنظر إِلَيْهَا فَإِذا هِيَ حافلٌ، فحلَب مِنْهَا مَا شرب، وشربت حَتَّى انتهينا ريا وشبعاً. فبتنا بِخَير لَيْلَة، وَلما رَجعْنَا - تَعْنِي إِلَى بَلَدهَا - ركبت أَتَانِي، وحملتُه عَلَيْهَا، فوَاللَّه لَقَطعتْ بالرَّكب مَا يقدر عَلَيْهَا شيءٌ من حُمُرهم، حَتَّى إنَّ صَواحبي لَيقلْنَ لي: ويحكِ يَا بنت أبي ذُؤيب، ارْبَعي علينا، أَلَيْسَ هَذِه أتانُك الَّتِي كنتِ خرجتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُول لهنّ: بلَى وَالله، إِنَّهَا لهيَ. فيقلن: وَالله إنّ لَهَا لَشأناً. وَكَانَت قبل ذَلِك قد أضرّ بالرّكبِ انقطاعُها عَنْهُم لِضعفها وهزالها. قَالَت حليمة فقدِمنا منازلَنا، وَمَا أعلمُ أَرضًا من أرضِ الله أَجدَبَ مِنْهَا، وَكَانَت غَنمي تروح عليّ حِين قَدِمْنا بِهِ مَعنا شِباعاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 فنحلُب ونشربُ، وَمَا يحلُب إنسانٌ قَطْرة لبنٍ، وَمَا يجدهَا فِي ضَرع، حَتَّى كَانَ الحاضرُ من قَوْمنا يَقُولُونَ لرعاتهم: ويْلَكم اسرَحوا حَيْثُ يَسرَحُ راعي بنت أبي ذُؤَيب [فتروح أغنامهم جياعاً مَا تَبِضّ بقطرة لبنٍ، وَتَروح غنمي شِباعاً لَبَنًا] . وأرضعتْ مَعَه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ابنَ عمِّه أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بلبَن ابْنهَا / 4 و. عبد الله أخي أُنيَسةَ، وَقيل: حُذَافة وَهِي الشَّيماء، أَوْلَاد الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى بن رِفَاعَة السَّعْدِيّ. وَقد قيل: إِنَّه أسلم، والشَّيماء هِيَ الَّتِي كَانَت تَحضُنُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَعَ أُمِّها وتُوَرّكه، وَهِي الَّتِي قدِمتْ عَلَيْهِ فِي وَفد هَوازن. وَكَانَ حَمزةُ عمُّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مُستَرضَعاً لَهُ فِي بَني سَعْد بن بَكْر، فأرضعت أمُّه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْمًا وَهُوَ عِنْد أُمِّه حليمة، وَكَانَ حمزةُ رضيعَ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من وَجْهَيْن، من جِهَة ثُويْبَة، وَمن جِهَة السَّعْديّة. وَعند حليمة شُقَّ صَدره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . ومُلئ حكمةَ وإيماناً، وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: كَانَ يشبُّ فِي الْيَوْم شبابَ الصبيِّ فِي شهرٍ، فَلَمَّا شبّ ردّته إِلَى أمِّه وَهُوَ ابْن خمس سِنِين وشهرٍ، وَقيل: أَربع سِنِين، وَقيل: سنتَيْن وشهرٍ. وقدمت حليمةُ على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مكةَ وَقد تزوجّ خديجةَ، فشكَتْ إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 جَدْبَ الْبِلَاد، فكلّم لَهَا خَدِيجَة فأعطتها أَرْبَعِينَ رَأْسا من الْغنم، وبعيراً مُوقَّعاً للظعينة، أَي مذلَّلاً، فَانْصَرَفت إِلَى أَهلهَا. قَالَ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي رَحمَه الله: وَلَا يُعرف لَهَا صُحبة وَلَا إِسْلَام قَالَ: وَقد وَهلَ فِيهَا غير واحدٍ، فذكروها فِي الصَّحَابَة، وَلَيْسَ بِشَيْء، وحَضنَته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أُمُّ أَيْمَن بَرَكةُ الحَبشيّة مَعَ أمِّه، وَبعد موتِها، وَكَانَ وَرِثها من أبيهِ، وَكَانَت دايتَه. وَقَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] شكا جَوعاً قطّ، وَلَا عَطَشاً، وَكَانَ يَغْدُو إِذا أصبح فيشرب من ماءِ زَمْزَم شربةً، فربّما عَرضتُ عَلَيْهِ الْغذَاء فَيَقُول: أَنا شَبعان. وَفَاة آمِنَة أمّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 4 ظ وَرُوِيَ أنَّ آمِنَة خرجت برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين إِلَى أَخْوَاله بني عَديّ بن النجّار بِالْمَدِينَةِ تزورهم بِهِ، وَمَعَهَا أُمُّ أَيْمَن تحضُنه، وهم على بَعِيرَيْنِ، فَنزلت بِهِ فِي دَار النَّابِغَة، فأقامت بِهِ عِنْدهم شهرا، فَكَانَ رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يذكر أموراً كَانَت فِي مقَامه ذَلِك، وَنظر إِلَى الدَّار حِين هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: هَا هُنَا نزلت بِي أُمِّي، وَفِي هَذِه الدَّار قُبِر أبي عبد الله، وأحسنتُ العومَ فِي بِئْر بني عَديّ بن النجار. وَكَانَ قومٌ يَخْتَلِفُونَ ينظرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَت أُمُّ أَيْمن: فسمعتُ أحدَهم يَقُول: هُوَ نبيُّ هَذِه الأُمّة، وَهَذِه دَار هجرته، فوَعيْتُ ذَلِك كلَّه من كَلَامه. ثُمَّ رجعَتْ بِهِ أمُّه إِلَى مكّة، فلمّا كَانُوا بالأَبْواء تُوفِّيت آمِنَة بنت وهب، ودُفنت هُنَاكَ، فرجعتْ بِهِ أُمُّ أَيمن على البعيرَيْن اللذيْن قدمِوا عَلَيْهِمَا إِلَى مكّة. فَلَمَّا مرَّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي عُمرة الحُدَيْبيّة بالأَبْواء قَالَ: إنّ الله قد أذِنَ لمحمدٍ فِي زِيَارَة قبر أمّه، فَأَتَاهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فأصلحه، وَبكى عِنْده، وَبكى الْمُسلمُونَ لبكاء رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقيل لَهُ، فَقَالَ: أدركَتْني رحمتُها فبكيتُ. وَقيل: تُوفّيت آمنةُ أُمُّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَكَّة، ودُفنت فِي شِعبٍ من شِعاب الحَجون بمكَّةَ. حَكَاهُ ابْن الْأَثِير قَالَ: وَهُنَاكَ حطَّ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على ابْن مَسْعُود لَيْلَة الجِنِّ. وَقيل: توفيت وَله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ثَمَان سِنِين، وَقيل: سبعٌ، وَقيل: أربعٌ. والمشهورُ مَا حكيناه أَولا من أَنَّهَا توفيت بالأَبْواء وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ابْن ستِ سِنِين، وَبِذَلِك جزم ابْن سعد وَابْن فَارس وَالشَّيْخ شرف الدّين الدمياطيّ، وَغَيرهم، رَحِمهم الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ضَمُّ عبد الْمطلب ثمَّ أبي طَالب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 5 وَ رُوِيَ أنّ عبد الْمطلب ضمَّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَيْهِ بعد وَفَاة أمّه، ورقّ عَلَيْهِ رِقّةً لم يرقَّها على وَلَدِه، وَكَانَ يقرِّبه مِنْهُ ويُدْنيه، ويَدخل عَلَيْهِ إِذا خَلاَ وَإِذا نامَ، وَكَانَ يَجلس على فرَاشه فَيَأْخذهُ أعمامُه ليؤخِّروه عَنهُ، فَيَقُول عبد الْمطلب إِذا رأى ذَلِك: دَعُوا ابْني، إِنَّه لَيؤنِسُ مُلْكاً. وَفِي رِوَايَة: دَعوا ابْني فوَاللَّه إنَّ لَهُ لَشأناً. وَقَالَ عبد الْمطلب لأمّ أَيْمن، وَكَانَت تحضنُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : يَا بَرَكة لَا تغفلي عَن ابْني فإنّي وجدتُه مَعَ غلمانٍ قَرِيبا من السِّدْرة، وإنّ أهل الْكتاب يَزْعمُونَ أنّ ابْني نبيُّ هَذِه الأمّة. وَكَانَ عبد الْمطلب لَا يَأْكُل طَعَاما إِلَّا قَالَ: عليَّ بِابْني. فيُؤتى بِهِ إِلَيْهِ. ولمّا حَضرته الْوَفَاة أوصى أَبَا طَالب بِحِفْظ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وحِياطته. وَمَات فدُفن بالحَجون، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة، وَقيل: خمس وَتِسْعين، وَقيل: مائةٍ وعشرٍ، وَقيل: مائةٍ وَعشْرين، وَقيل: مائةٍ وَأَرْبَعين سنة. سُئل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَتذْكر موتَ عبد الْمطلب؟ قَالَ: نعم، أَنا يَوْمئِذٍ ابْن ثَمَان سِنِين. قَالَه الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي، وَجزم بِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَقيل: تُوفِّي عبد المطَّلب، ولرسول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ستُ سِنِين، وَقيل: عشرٌ، وَقيل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ثلاثٌ، وَهُوَ أبعد الْأَقْوَال. ثمَّ كفله عمُّه أَبُو طَالب بعد وَفَاة عبد المطَّلب، وَكَانَ بِهِ رَفِيقًا، وَكَانَ يُحبّه حُبَّاً شَدِيدا لَا يُحبّه وَلَدَه، وَكَانَ لَا ينَام إلاّ إِلَى جَنبه، ويخرجُ فَيخرج مَعَه، وَكَانَ يَخصّه بِالطَّعَامِ، وَكَانَ إِذا أكل عِيالُ أبي طَالب فُرادى أَو جَمِيعًا لم يَشبعوا، وَإِذا أكل مَعَهم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] شبِعوا، فَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يُغدِّيهم أَو / 5 ظ. يُعشِّيهم يَقُول: كَمَا أَنْتُم حَتَّى يَأْتِي ابْني، فَيَأْتِي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فيأكل مَعَهم. فيَفصِلون من طعامهم، وَكَانَ الصّبيان يُصْبِحُونَ شعثاً رُمْصَاً، ويَصبح رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دَهيناً كحيلاً، وطهّره الله من دَنَس الْجَاهِلِيَّة، وَمن كل عَيبٍ، فَلم يعظّم لَهُم صَنَماً قطُّ، وَلم يحضر مَشهداً من مَشاهد كفرِهم، وَكَانُوا يطلبونه لذَلِك فَيمْتَنع ويعصمه الله تَعَالَى من ذَلِك. وَكَانَ يُعرَفُ فِي قومه بالأَمين، لِما شاهدوه من أَمانته وصِدْق طَهَارَته، وَصِفَاته العَليّة [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خُرُوج النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الشَّام ثمَّ شهودُه بُنْيَانَ الْكَعْبَة لمّا بلغ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اثْنَتَيْ عشرَة سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام، وَقيل: تسعَ سِنِين. خرج مَعَ عمّه أبي طَالب إِلَى الشَّام حَتَّى بلغ بُصْرى فَرَآهُ بَحيري الرَّاهبُ فَعرفهُ بصفتِه فجاءَ وأخذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: هَذَا سيّد الْعَالمين، هَذَا رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ربّ الْعَالمين، هذاَيبعثُه اللهُ رَحمةً للْعَالمين. فَقَالُوا لَهُ: من أينَ علمتَ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّكُم حِين أقبلتم من العَقَبة لم يبقَ حَجَرٌ وَلَا شجرٌ إلاّ خَرَّ سَاجِدا، وَلَا يسْجد إِلَّا لنبيٍّ، وَإِنَّا نجده فِي كُتبنا. وَقَالَ لأبي طَالب: لَئِن قدمتَ بِهِ الشَّام لَتقتلنَّه اليهودُ. وَسَأَلَهُ أَنْ يردَّه خوفًا من الْيَهُود فردّه. ثمَّ خرج [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مرّة ثَانِيَة إِلَى الشَّام مَعَ مَيْسَرة غُلَام خَدِيجة رَضِي الله عَنْهَا فِي تِجَارَة لَهَا قبل أنْ يتزوّجها، فَلَمَّا قدمَ الشامَ نزل تَحت ظلِّ شجرةٍ قَرِيبا من صَوْمعة لنَسْطُور الرَّاهب، فَقَالَ: مَا نزلَ تَحت هَذِه الشجرةِ قطُّ إِلَّا نبيٌّ. ثمَّ قَالَ لمَيْسَرة: أَفِي عَينيه حُمرَةٌ؟ قَالَ: نعم لَا تُفارقه. قَالَ: هُوَ نبيٌّ، وَهُوَ آخرِ الْأَنْبِيَاء / 6 و. ثمَّ بَاعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سِلْعتَه، فَوَقع بَينه وَبَين رجل تَلاحٍ، فَقَالَ: احلِفْ بِاللات والعُزَّى. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مَا حلفتُ بهما قطُّ، إِنِّي لأمرُّ فأُعْرِض عَنْهُمَا. فَقَالَ الرجل: القولُ قولُك: ثمَّ قَالَ لِمَيْسَرةَ: هَذَا - واللهِ - نَبيٌّ تَجدُه أحبارُنا مَنعوتاً فِي كتبهمْ. وَكَانَ مَيْسَرةَ إِذا كَانَت الهاجرة واشتدَّ الحَرُّ يَرى مَلَكين يُظلِّلان رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الشَّمْس، فوعى ذَلِك كلَّه مَيْسَرةَ. وَكَانَ قد ألْقى الله عَلَيْهِ المحبَّة من مَيْسَرة، وَكَانَ كأنّه عبدٌ لَهُ. وَبَاعُوا تِجَارَتهمْ وربحوا ضعفَ مَا كَانُوا يربحون، فلمّا رجعُوا وَدخل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَكَّة رَأَتْهُ خديجةُ وَهُوَ على بعيره، ومَلَكان يُظلاَّنه، فأَرتْه نِساءها فعجبنَ لذَلِك، وَدخل عَلَيْهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأَخْبرهَا بِمَا ربحوا فِي وجههم ذَلِك، فسُرَّت بِهِ، فَلَمَّا دخل مَيْسَرةُ عَلَيْهَا أخْبرته بِمَا رأتْ. فَقَالَ مَيْسَرةُ: قد رَأَيْت هَذَا منذُ خروجنا من الشَّام. وأخبرها بِمَا قَالَ نَسطور الراهبُ، وَبِمَا قَالَ الآخرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَلما بلغ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: خمْسا وَعشْرين، اجْتمعت قريشُ لِبُنيان الكعبةِ، وَالَّذِي حَملهم على ذَلِك أنّ بابَ الْكَعْبَة كَانَ بِالْأَرْضِ، وَكَانَ السَّيلُ يدْخل من أَعلَى مَكَّة حَتَّى يدْخل الْبَيْت، فانصدع، وسرق طِيبَ الكعبةِ، فخافوا أنْ ينهدم الْبَيْت. وَرُوِيَ أنّ سَبَب انهدامِها أَنّ امْرَأَة جَاءَت بِمجمرة تجمِّر الْكَعْبَة، سقطتْ مِنْهَا شرارةٌ فتعلّقت بكسوة الْكَعْبَة فاحترقت، وَلما أَجمعُوا على هدمها قَالَ بَعضهم: لَا تُدخلوا فِي بنائها من كَسْبكم إلاّ طيِّباً مَا لم تَقطعوا فِيهِ رَحِماً / 6 ظ. وَلم تَظلِموا فِيهِ أحدا. فَبَدَأَ الْوَلِيد بن المُغيرة بهَدْمها، وَأخذ المِعْولَ، ثمَّ قَامَ عَلَيْهَا يطْرَح الْحِجَارَة وَهُوَ يَقُول: اللَّهمَّ لم تُرَعْ إِنَّمَا نريدُ الْخَيْر. فهدَم وهَدمتْ قريشٌ. ثمَّ أخذُوا فِي بنائها، فلمّا انْتَهوا إِلَى حَيْثُ يُوضَع الركنُ من الْبَيْت قَالَت كلُّ قَبيلَة: نَحن أحقُّ بِوَضْعِهِ. وَاخْتلفُوا حَتَّى همّوا بِالْقِتَالِ، وقرَّبت بَنو عبد الدَّار جَفْنةً مَمْلُوءَة دَمَاً، ثمَّ تعاقدوا هم وَبَنُو عَديّ على الْمَوْت، وأدخلوا أيديَهم فِي ذَلِك الدَّم فِي تِلْكَ الجَفْنة، فسُمُّوا " لَعَقة الدَّم " ثمَّ اتّفقوا على أنْ يجْعَلُوا بَينهم أَوّل مَنْ يدْخل من بَاب بني شَيبةَ، يقْضِي بَينهم، فَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أوَّلَ مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 دخل من بَاب بني شيبَة، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الأمينُ، قد رَضينا بِمَا يقْضِي بَيْننَا، ثمَّ أَخْبرُوهُ الخبرَ، فوضعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رِدَاءَهُ، وبَسَطَه فِي الأَرْض، ثمَّ وضَع الرُّكْن فِيهِ، ثمَّ قَالَ: " لِتأخذْ كلُّ قبيلةٍ بناحيةٍ من الثَّوب، ثُمَّ ارفعوه جَمِيعًا " فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذا بلغُوا بِهِ موضعَه، وضَعَه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِيَدِهِ الطاهرة، ثمَّ بَنوا عَلَيْهِ، حَتَّى انْتَهوا إِلَى مَوضِع الخُشب، فَكَانَ خَمْسَة عشر جَائزاً سقفوا الْبَيْت عَلَيْهِ، وَبَنوهُ على ستّة أَعمدةٍ، وأخرجوا الحَجر من الْبَيْت. وحُكي أنّ ارْتِفَاع الْكَعْبَة كَانَ من عهد إِسْمَاعِيل تِسْعَة أَذرعٍ، وَلم يكن لَهَا سَقفٌ، فَلَمَّا بنتهَا قريشٌ زادوا فِيهَا تِسْعَة أَذرعٍ، وَرفعُوا بابَها عَن الأَرْض، ليدخلوا مَنْ شاؤوا ويَمنَعوا مَنْ شَاؤُوا. مَبعثُ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ أول مَا بُدئ بِهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الوَحْي الرُّؤيا الصَّالِحَة فِي النّوم، فَكَانَ لَا يَرى رُؤْيا إلاّ جَاءَت 7 / و. مثلَ فَلَق الصُّبح، ثمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاء، فَكَانَ يَخْلُو بغارِ حِرَاء فيتعبَّد فِيهِ اللَّيَالِي ذَات العَدَد قبل أنْ يَنزِع إِلَى أَهله، ويتزوَّد لذَلِك، ثمَّ يرجع إِلَى خَدِيجَة فيتزوَّد لمثلهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحقُّ وَهُوَ فِي غَار حِرَاء، فَجَاءَهُ المَلكُ فَقَالَ: اقرأْ. قَالَ: فقلتُ: مَا أَنا بقارئ. قَالَ: فأَخذني فغطَّني حَتَّى بلغَ مِنّي الجَهْدَ، ثمَّ أَرسلني، فَقَالَ: اقرأْ. فقلتُ: مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 أَنا بقارئ. قَالَ: فأَخذ فِي الثانيةَ فَغطَّني حى بلغ مني الجَهْدَ، ثمَّ أَرْسلنِي، فَقَالَ: اقرأْ. فقلتُ: مَا أَنا بقارئ. قَالَ: فأَخذني فغطَّني الثَّالِثَة حَتَّى بلغ منّي الجَهْدَ. ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ: {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} فَرجع بهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَرْجُف فؤادُه، فَدخل على خَدِيجَة بنت خوَيلد. فَقَالَ: زمِّلوني زمَّلوني. فزمّلوه حَتَّى ذهبَ عَنهُ الرَّوع. فَقَالَ لِخَدِيجَة، وأخبرها الخبرَ: " لقد خَشِيتُ على نَفسِي ". فَقَالَت خديجةُ: كَلاّ، وَالله مَا يُخزِيكَ اللهُ أبدا، إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحمِلُ الكلَّ، وتَكسِبُ المعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيفَ، وتُعين على نَوَائِب الحقِّ. فانطلقتْ بِهِ خديجةُ حَتَّى أَتت بِهِ ورَقَةَ بن نوفَل بن أسَد بن عبد العُزَّى، ابْن عمِّ خَدِيجَة، وَكَانَ امْرَءًا تنصَّر فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ يكْتب الْكتاب العِبرانيّ، فَيكْتب من الإِنجيل بالعِبرانيّة مَا شَاءَ الله أنْ يكْتب. وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد عَمِيَ. فَقَالَت لَهُ خَدِيجَة: يَا بنَ عَمَّ، اسْمَعْ من ابْن أخيكَ. فَقَالَ لَهُ ورقة: يَا ابنَ أخي، مَاذَا ترى؟ فَأخْبرهُ خبرَ مَا رأى. فَقَالَ لَهُ ورَقَةُ: هَذَا النامُوسُ الَّذِي أُنزِلَ على مُوسى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَا لَيتني فِيهَا جَذَعٌ. يَا لَيْتَني أَكونُ حَيَّاً إِذْ يُخرجُكَ قومُك فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَوَ مُخرِجيَّ هُمْ؟ قَالَ: نعم، لم يأتِ رجل قطُّ بِمثل مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 جِئْت إِلَّا عودي. وَإِن يدركني يومُك أنصرك نصرا مؤزراً ثمَّ لم يَنْشَبْ ورَقَةُ / 7 ظ. أنْ تُوفِّيَ، وفتَرَ الْوَحْي. قَالَ الزُّهْري: وَأَخْبرنِي أَبُو سَلَمة بن عبد الرَّحْمَن: أنّ جَابر بن عبد الله الأنصاريّ قَالَ وَهُوَ يحدِّث عَن فَتْرَة الْوَحْي، فَقَالَ فِي حديثٍ: " بَيْنَمَا أَنا أَمشي إذْ سمعتُ صَوتا من السماءِ، فرفعتُ بَصَري، فَإِذا المَلَكُ الَّذِي جاءَني بِحِرَاء جالسٌ على كُرسيٍّ بَين السماءِ وَالْأَرْض، فَرُعِبتُ مِنْهُ. فقلتُ: زَمِّلوني. فَأنْزل الله عزَّ وَجل {يَا أَيهَا المدثر} إِلَى قَوْله {فاهجر} فحميَ الوحيُ وتتابعَ ". وَسَأَلَ الحارثُ بن هِشَام رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: يَا رَسُول الله! كَيفَ يأْتيكَ الوحيُ؟ فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَحْيَانًا يأتيني مثلَ صَلْصَلة الجَرْس، وَهُوَ أَشَدُّه عليّ، فيُفْصَم عَنِّي وَقد وَعَيْتُ عَنهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانا يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلاً فأَعِي مَا يقولُ " قَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: " وَلَقَد رأيتُه يَنزِلُ عَلَيْهِ الوحيُ فِي الْيَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الشديدِ البردِ فيفصِم عَنهُ، وَإِن جَبينه يتفصَّد عرقاً ". وَكَانَ مَبدأ النبوّة فِيمَا قيل يَوْم الإِثنين ثامن شهر ربيعٍ الأوّل. وَقيل فِي شهر رَمَضَان. وَقيل: فِي شهر رَجَب، وسِنُّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَرْبَعُونَ سَنة. وَقيل: أَرْبَعُونَ وَعشرَة أَيَّام. وَقيل: أَرْبَعُونَ وشهران. وَقيل: ثلاثٌ وَأَرْبَعُونَ. وروى ابنُ إِسْحَاق وغيرُه: أنّ جِبْرِيل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَتَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أوّلَ مَا أُوحيَ إِلَيْهِ فعلَّمه الوضوءَ وصلّى بِهِ. فَأتى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خَدِيجَة فعلَّمها الوضوءَ وصلّى بهَا كَمَا فعل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَعَن مُقاتل بن سُليمان: أنّ الصَّلَاة فُرضت فِي أول الإِسلام رَكعتين بالغَداة ورَكعتين بالعَشِيِّ، ثمَّ فُرض الخَمسُ ليلةَ المِعراج. وَأقَام الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَكَّة بعد الْبعْثَة ثلاثَ سِنِين يَدْعُو إِلَى اللهِ مُستخفياً، ثمَّ نَزل عَلَيْهِ فِي السّنة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى / 8 و. {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر وَأعْرض عَن الْمُشْركين} وَقَوله تَعَالَى: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} فأعلن الدُّعَاء إِلَى الإِسلام. وكفّار قُرَيْش غير مُنكرين لِما يَقُول، فَكَانَ إِذا مرَّ بهم فِي مجَالِسهمْ يُشيرون إِلَيْهِ: إنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 غُلَام بني عبد الْمطلب ليُكلَّم من السَّمَاء. فَكَانَ ذَلِك حَتَّى عابَ آلهتَهم، وذكرَ آبَاءَهُم الَّذين مَاتُوا على الْكفْر، فانتصبوا لعداوته وعداوة مَنْ آمنَ بِهِ، يُعذِّبون مَنْ لَا مَنَعةَ عِنْده أشدَّ الْعَذَاب، ويُؤذون من لَا يقدرونَ على عَذابه. وَكَانَ أوّلَ مَنْ آمن بِهِ خديجةُ، وعليٌّ، وَأَبُو بكر، وَزيد بن حَارِثَة، ثمَّ عُثْمَان بن عفَّان، والزُّبير، وَعبد الرَّحْمَن بن عوْف، وَسعد بن أَبي وقَّاص، وَطَلْحَة بن عُبيد الله، بدُعاء أبي بكر إيّاهم إِلَى الْإِسْلَام، رَضِي الله عَنْهُم. ذِكُر الهجرتين إِلَى الحَبشة لمّا كثر الْمُؤْمِنُونَ، واشتدَّ عَلَيْهِم أَذَى الْمُشْركين أذِنَ الله تَعَالَى لَهُم فِي الْهِجْرَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، فَهَاجَرَ إِلَيْهَا اثْنَا عشَرَ رجلا، وأربعُ نسوةٍ: عُثمان بن عفَّان، وَهُوَ أَوّل مَنْ خرج فارّاً بدِينه. وَمَعَهُ زَوجته رقية بنت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَبُو حُذيفة بن عُتْبة، وَزَوجته سَهْلة بنت سُهَيل، وَأَبُو سَلَمة بن عبد الْأسد، وَامْرَأَته أمّ سَلَمة، والزُّبير بن العَوَّام، ومُصْعب بن عُمَير، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعُثْمَان بن مَظْعون، وعامر بن رَبيعة، وَامْرَأَته ليلى بنت أبي حَثْمةَ، وَأَبُو سَبْرة بن أبي رُهْم، وحاطِب بن عَمْرو العامريّان، وسُهَيل بن وَهْب. وَعبد الله بن مَسْعُود وَكَانَ مخرجُهم فِي شهر رَجَبٍ من السّنة الْخَامِسَة من النبوّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَخرجت قُرَيْش فِي آثَارهم، فَلم يُدركوا مِنْهُم أَحداً. وَأَقَامُوا بالحَبَشة فِي أحسن جِوَارٍ، فبلَغهم أنّ أهل مَكَّة / 8 ظ. أَسْلمُوا فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة، حَتَّى إِذا كَانُوا دون مَكَّة بساعةٍ لَقوا رَكْباً من كِنانة، فَسَأَلُوهُمْ عَن قريشٍ، وَعَن حَالهم، فَذكرُوا مَا هُم عَلَيْهِ مِن الشرِّ، فائتمر الْقَوْم فِي الرُّجُوع إِلَى أَرض الْحَبَشَة [ثمَّ] قَالُوا: قد بَلغْنا مكةَ، ندخلُ فَنَنْظُر مَا فِيهِ قريشٌ، ويُحدث عهدا مَنْ أرادَ بأَهْله، ثمَّ يَرجع. فَدَخَلُوا مكةَ، وَلم يدْخل أحدٌ مِنْهُم إِلَّا بجوَارٍ أَو مُستخفيا، إِلَّا ابْن مَسْعُود فَإِنَّهُ مكث يَسِيرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَلم يدْخل مَكَّة. وَكَانَ قدومهم مَكَّة فِي شوّال سنة خمسٍ من النبوّة، فَلَقوا من قُرَيْش تَعنيفاً شَدِيدا، ونالوهم بالأذى الشَّديد، وسَطَت بهم عَشَائِرهمْ، فأذِن لَهُم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْخُرُوج إِلَى أَرض الْحَبَشَة مرَّةً ثَانِيَة. فَقَالَ عُثْمَان: يَا رسولَ اللهِ، فهجرتُنا الأولى وَهَذِه إِلَى النجاشيّ، ولستَ مَعنا. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَنْتُم مهاجرون إِلَى الله وإليّ. لكم هَاتَانِ الهجرتان جَمِيعًا " فَقَالَ عُثْمَان: فحسبُنا يَا رَسُول الله. وَهَاجرُوا إِلَى الْحَبَشَة وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ هاجرَ من الرِّجَال ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ - إنْ كَانَ فيهم عمّار فَإِنَّهُ يُشكُّ فِيهِ - قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَمن النِّسَاء إِحْدَى عشرَة قرشيّة وسبعُ غرائب. وَأَقَامُوا بِأَرْض الْحَبَشَة عِنْد النجاشيّ على أحسن حالٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 حصر قُرَيْش رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الشِعّب لما بلغ قُريْشًا بِمَكَّة إكرامُ النجاشيّ للْمُسلمين كبُر ذَلِك عَلَيْهِم، وغَضِبُوا على رسولِ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَصْحَابه، وَكَتَبُوا كتابا على بني هَاشم: أنْ لَا تُناكحوهم وَلَا تُبايعوهم وَلَا تخالطوهم. وَكَانَ الَّذِي كتب الصَّحِيفَة / 9 و. بَغيِض بن عَامر بن هَاشم بن عبد مَناف بن عبد الدَّار بن قصيّ، فشُلَّت يدُه، وعَلَّقوا الصحيفةَ فِي جَوف الْكَعْبَة، وحصروا بني هَاشم فِي شِعْب أبي طَالب لَيْلَة هِلَال المحرَّم سنة سبعٍ من النبوّة، وانحاز بَنو الْمطلب بن عبد مَناف إِلَى أبي طَالب فِي شِعْبه مَعَ بني هَاشم، وَخرج أَبو لَهَبٍ إِلَى قُرَيْش يُظاهرهم على بني هَاشم، وَبني المطّلب، وَقَطعُوا عَنْهُم المِيَرة والمادّةَ، فَكَانُوا لَا يخرجُون إِلَّا من مَوسِمٍ إِلَى مَوسِمٍ، حَتَّى بَلغهُمْ الجَهْدُ، وسُمعت أصوات صِبيانهم من وَرَاء الشِّعْب، فمِن قريشٍ مَنْ سَرَّه ذَلِك، ومِنهم مَنْ سَاءَهُ. وَقَالُوا: انْظُرُوا مَا أصَاب بَغْيضَ بن عَامر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فأقاموا فِي الشِّعْب ثَلَاث سِنِين، ثمَّ أَطلَع اللهُ رسولَه على أمرِ صحيفتهم، وأنّ الأرَضَة أَكلت مَا كَانَ فِيهَا من ظُلْمٍ وجَوْر، وَبَقِي مَا كَانَ فِيهَا من ذِكر الله. فَأخْبرهُم أَبُو طَالب. فأرسلوا إِلَى الصَّحِيفَة فوجدوها كَمَا قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وتلاوم رجالٌ من قريشٍ، فلبسوا السلاحَ، ثمَّ خَرجُوا إِلَى بني هَاشم وَبني المطَّلب، فأمروهم بِالْخرُوجِ إِلَى مساكنهم، فَفَعَلُوا. وَكَانَ خروجُهم من الشِّعْب فِي السّنة الْعَاشِرَة، وَقيل: مَكَثُوا فِي الشِّعْب سَنتين. موت أبي طَالب وَخَدِيجَة ثمَّ خُرُوج النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الطَّائِف ثمَّ رُجُوعه إِلَى مَكَّة مَاتَ أَبُو طَالب فِي السّنة الْعَاشِرَة من البَعْث، وَقيل: فِي التَّاسِعَة بعد الْخُرُوج من الشِّعْب، وَله سبعٌ وَثَمَانُونَ سنة. وَمَاتَتْ خَدِيجَة، فنالت قريشٌ من النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا لم تكن تَنال فِي حَيَاة أبي طَالب. فَخرج إِلَى الطَّائِف، هُوَ وَزيد بن حَارِثَة، وَذَلِكَ فِي ليالٍ بَقينَ من شَوَّال سنة عشرٍ / 9 ظ. من النبوَّة، وَقيل: غير ذَلِك. فَأَقَامَ بِالطَّائِف لَا يَدَعُ أحدا من أَشْرَافهم إلاّ جَاءَهُ وكلَّمه، فَلم يُجيبوه، وخافوا على أحداثهم، وَقَالُوا: يَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 مُحَمَّد أُخرج من بَلدنا. وأَغروا بِهِ سفهاءهم، فَجعلُوا يَرمونه بِالْحِجَارَةِ، حَتَّى إنَّ رِجْلَيْ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَتدْمَيَان، وَزيد بن حَارِثَة يَقيهِ بِنَفسِهِ. حَتَّى لقد شُجَّ فِي رَأسه شِجاجاً. فَانْصَرف رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الطَّائِف رَاجعا إِلَى مَكَّة وَهُوَ محزونٌ. فَلَمَّا نزل نَخلَةَ قَامَ يصلِّي من اللَّيْل فصُرِف إِلَيْهِ نفرٌ من الجِنِّ سبعةٌ من أهل نَصِيبِين فَاسْتَمعُوا الْقُرْآن وَهُوَ يقرأُ سُورَة الجِنِّ، وَلم يَشعر بهم رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى نزل عَلَيْهِ {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} وأسْلَموا. وَأقَام بنخلَة أيّاماً ثمَّ أَرَادَ الرُّجُوع إِلَى مكةَ، فَقَالَ لَهُ زيد بن حَارِثَة: كَيفَ تدخُل عَلَيْهِم وهم أَخرجوك؟ فَقَالَ: " يَا زيد، إنَّ الله جاعلٌ لِما ترى فَرَجَاً ومَخْرَجاً، وإنَّ الله ناصرُ دينه، ومُظهر نبيّه " ثمَّ سَار إِلَى حِراء فَأرْسل رجلا من خُزَاعة إِلَى مُطْعِم بن عَديّ: أَدخُلُ فِي جوارك؟ فَقَالَ: نعم، ودعا بَنيهِ وقومَه، وَقَالَ: البسوا السلاحَ، وَكُونُوا عِنْد أَرْكَان الْبَيْت، فَإِنِّي قد أَجرْتُ محمَّداً. فَدخل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَمَعَهُ زيد بن حَارِثَة حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام، فَقَامَ مُطعم بن عَديّ على رَاحِلَته فَنَادَى: يَا معشرَ قريشٍ، إِنِّي قد أَجرتُ محمّداً فَلَا يَهِجْه أَحدٌ مِنْكُم. فَانْتهى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الرُّكْن فاستلمه، وصلَّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرف إِلَى بَيته، ومُطِعم بن عَديّ وَولده مُطيفون بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الْإِسْرَاء والمعراج ثمَّ أُسريَ بجَسَد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] المكَرَّم، من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى، ثمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء العُليا، إِلَى سِدْرَة المُنتهى، إِلَى مستوىً سمِعَ فِيهِ صَريفَ الأقلام، وفُرض عَلَيْهِ وعَلى أُمَّته الصَّلَوَات الْخمس، وَذَلِكَ لَيْلَة سبع عشرَة / 10 و. من شهر ربيعٍ الأوّل، وَقيل: غير ذَلِك فِي تأريخه، والأوَّل هُوَ المرويُّ عَن عائشةَ وأُمِّ سَلَمة وأُمِّ هَانِئ، وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم. وسِنُّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين الإِسراء اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنة، وَقيل غير ذَلِك. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْإِسْرَاء والمعراج، هَل كَانَا فِي لَيْلَة وَاحِدَة، أَوْ لَا. وأيّهما كَانَ قبل الآخر. وَهل كَانَ ذَلِك كلُّه فِي الْيَقَظَة أَو فِي الْمَنَام. أَو بعضه فِي الْيَقَظَة، وَبَعضه فِي الْمَنَام. وَالْقَوْل أَنه كَانَ فِي الْمَنَام ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم. وَفِي صَبِيحَة لَيْلَة الْمِعْرَاج كَانَ نزُول جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وإمامتُه بالنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ليُريَه أَوْقَات الصَّلَوَات الْخمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَلما أَخبر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قُريْشًا بالإِسراء استهزؤوا بِهِ، فجلّى الله لَهُ بيتَ المقْدِس، فوصفَه لَهُم وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ. وَقَالُوا: أَخبِرْنا عَن عِيْرنا. فَقَالَ: " مررتُ على عير بني فلَان بِالرَّوْحَاءِ قد أَضَلُّوا نَاقَة لَهُم، وَانْطَلَقُوا فِي طلبَهَا فمررت فانتهيتُ إِلَى رِحالهم، وَلَيْسَ بهَا مِنْهُم أَحدٌ، فَإِذا قَدحٌ من ماءٍ فشربتُ مِنْهُ فسَلوهم عَن ذَلِك. ثمَّ انْتَهَيْت إِلَى عِيْر بني فلانٍ بالأَبواء، يقدُمها جَملٌ أوْرقُ هَا هِيَ تَطلع عَلَيْكُم من الثَنيَّة، وفيهَا فلانٌ وفلانٌ، وعِدّتُها كَذَا وَكَذَا، وأَحمالُها كَذَا وَكَذَا " فانطَلَقوا فوجدوا الأمرَ كَمَا قَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَرَمَوْهُ بالسِّحر، ولَجُّوا فِي طُغيانهم يَعمهُون. بدءُ إِسْلَام الْأَنْصَار أَقَامَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا أَقَامَ بمكّةَ يَدْعُو الْقَبَائِل إِلَى الله، ويَعرض نفسَه عَلَيْهِم كلَّ سنةٍ فِي المواسم أنْ يؤوه، حَتَّى يبلِّغ رِسَالَة: 10 /؟ . ربّه وَلَهُم الجَنَّة، وَلَيْسَت قبيلةَ من الْعَرَب تستجيبُ لَهُ، حَتَّى أَرَادَ الله إظهارَ دينه، وَنصر نبيّه وإنجازَ مَا وَعَدَه، فساقه إِلَى هَذَا الحيِّ من الْأَنْصَار، لِما يُرِيد اللهُ بهم الكرَامة، فَانْتهى إِلَى نفر مِنْهُم ثمانيةٍ عِنْد العَقبة فِي الْمَوْسِم، وهم يَحلِقون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 رؤوسَهم، فَجَلَسَ إِلَيْهِم، فَدَعَاهُمْ إِلَى الله - عزَّ وجلَّ - وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن، فَقَالَ بَعضهم لبعضٍ: إنّه النبيّ الَّذِي تُوعِدُكم بِهِ يهود، فَلَا يَسبِقُنَّكم إِلَيْهِ، فاستجابوا لله وَلِرَسُولِهِ، فآمنوا بِهِ، وصدّقوا، وهم أَسعد بن زُرَارة، ومَعَاذ بن عفراء، ورَافع بن مَالك، وذَكْوان بن عبد قيس، وعُبَادة بن الصَّامت، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن يَزيد بن ثَعلبةَ من بَلِيٍّ حليفٌ لَهُم، وَأَبُو الهَيثم بن التَّيْهان حليفٌ لَهُم، وعُوَيم بن سَاعدة. وَقيل: بل كَانُوا ستَّةً، أسعد بن زُرَارة، وعَوْف بن الحارِث، ورَافع بن مَالك، وقُطْبة بن عَمْرو بن نابي، وَجَابِر بن عبد الله، لم يكن قبلهم أحدٌ، قَالَ الْوَاقِدِيّ: هَذَا عندنَا أثبتُ مَا سمعنَا فيهم، وَهُوَ المُجْتَمع عَلَيْهِ. وَقدمُوا الْمَدِينَة فدَعَوْا إِلَى الْإِسْلَام حَتَّى فَشَا فِيهَا، وَلم يَبقَ دارٌ من دُور الْأَنْصَار إلاّ وفيهَا ذِكرٌ من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فأوّل مسجدٍ قُرئ فِيهِ الْقُرْآن مَسْجِد بني زُرَيق، ثمَّ فِي الْعَام الْقَابِل لقِيه اثْنَا عشر رجلا من الْأَنْصَار عِنْد الْعقبَة، أسعَد بن زرَارة، وعَوْف ومُعاذ ابْنا عَفْراء، وذَكْوان بن عبد قيس، ورَافع بن مَالك، وقُطْبة بن عَامر، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن يزِيد بن ثَعلبة من بَلِيٍّ حَلِيف، وعُبَادةَ بن الصَّامت، وعبّاس بن عُبَادة بن نَضْلة، وعُقْبة بن عَامر بن نابي، فَهَؤُلَاءِ عشرَة من الْخَزْرَج. وَمن الْأَوْس رجلَانِ، عُوَيم بن سَاعدة وَأَبُو / 11 و. الهَيثم بن التَّيْهان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 بَلِيٍّ حَلِيف بني الْأَشْهَل، كَذَا قَالَ الدمياطيّ - رَحمَه الله تَعَالَى - وَذكر ابْن حزم أنَّه من بَني عبد الأَشْهل، وَلم يقل إِنَّه حَلِيف. فأسلموا وَبَايَعُوا على بَيْعَة النِّساء، على أنْ لَا نُشْركَ بِاللَّه شَيْئا، وَلَا نَسرق، وَلَا نَزني، وَلَا نقْتل أَوْلَادنَا، وَلَا نأتي ببُهْتانٍ نَفتريه بَين أَيْدِينَا وأرجلنا، وَلَا نَعْصِيهِ فِي مَعروف، فَمنْ وفّى فلَهُ الجنَّة، وَمن عَشيَ عَن ذَلِك شَيْئا فإنّ أمره إِلَى الله، إنْ شاءَ عذَّبه، وإنْ شاءَ عَفا عَنهُ. وَلم يكن فُرض القتالُ بعدُ. ثمَّ انصرفوا إِلَى الْمَدِينَة. وَأظْهر الله الإِسلام، وَبعث مَعَهم رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ابنَ أمِّ مَكْتُوم، كَمَا قَالَ ابْن حزم. ومُصعب بن عُميْر يُعلّم مَنْ أسلم، وَيَدْعُو إِلَى الله مَنْ لم يُسلم، فَنزل بِالْمَدِينَةِ على أسعد بن زُرارة، فَكَانَ يُقرئهم الْقُرْآن ويعلّمهم شرائع الإِسلام، فَقيل إنّه جمَّع بهم أول جُمعةٍ جُمِّعت فِي الإِسلام، فِي هَزْم حَرَّة بني بَيَاضَة، فِي نَقيع يُقال لَهُ: نَقيع الخَضِمات، وهم أَرْبَعُونَ رجلا، وَبِهَذَا جزم ابْن حزم. وَعند ابْن إِسْحَاق: أنّ أوّل مَنْ جمّع بهم أسعد بن زُرارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَأقَام ذَكْوان بن عبد قيس بمكَّةَ مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَهُوَ مُهاجريٌّ أنصاريّ، قُتل يَوْم أُحُد. قَالَه ابْن حزم، وَأسلم على يَديْ مُصعبٍ خلْقٌ كثير من الْأَنْصَار، مِنْهُم أُسَيْد بن حُضَيْر ثمَّ سعد بن مُعاذ فِي يَوْم وَاحِد. وَقَالَ سعدٌ لِقَوْمِهِ بني عبد الْأَشْهَل فِي الْيَوْم الَّذِي أسلم فِيهِ: كلامُ رِجالِكم ونسائِكم عليَّ حرامٌ إنْ لم تؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله. فآمنوا كلُّهم، الرجالُ والنساءُ، فِي ذَلِك الْيَوْم، خلا عَمرو بن ثَابت بن وَقْش، فَإِنَّهُ تأخَّر إسلامُه إِلَى يَوْم أُحد، فَأسلم واستُشْهد، وَلم يكن سجدَ لله سجَدةً / 11 ظ. قطُّ، فأَخبرَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه من أهل الْجنَّة. وَلم يكن فِي بني عبد الْأَشْهَل مُنَافِق وَلَا منافقة، كَانُوا كلّهم مُخلصين، رضوَان الله عَلَيْهِم. قَالَه ابْن حزم. وَلما حضرو زمانُ الحَجّ مَشى أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّذين أَسْلمُوا بِالْمَدِينَةِ، بعضُهم إِلَى بعض، وتواعدوا المسيرَ إِلَى الحجّ، وموافاةَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] والإِسلام يومئذٍ فاشٍ بِالْمَدِينَةِ. فَخَرجُوا وَمَعَهُمْ مُصعب بن عُميرْ حَتَّى قدمُوا على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مكَّةَ، فسلَّموا عَلَيْهِ، فواعدهم مِنىً وسط أيّام التَّشْرِيق، لَيْلَة النَفْر الأَول، إِذا هدأت الرِجْل أنْ يوافوه فِي الشِّعْب الأَيمن إِذا انحدروا من مِنىً أَسْفَل العَقَبة حَيْثُ الْمَسْجِد الْيَوْم، وأَمَرهم أنْ لَا ينبهِّوا نَائِما، وَلَا ينتظروا غَائِبا. فَوَافى رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْمَكَان الْمَذْكُور، وَمَعَهُ عمُّه العبّاسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 مُتَوثَّقاً لَهُ، فَبَايعُوا رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على أنْ يَمنعوا مِنْهُ مَا يَمنعون مِنْهُ نساءَهم وأبناءهم وأنفسهم. فَقيل: أوّل مَنْ بايعَ البَراء بن مَعْرور، وَقيل: الْهَيْثَم بن التَّيْهان، وَقيل: أسعد بن زُرارة، وَكَانَ عِدَّتهم ثَلَاثَة وَسبعين رجلا وَامْرَأَتَيْنِ. وَقَالَ لَهُم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إنّ مُوسَى أَخذ من بني إِسْرَائِيل اثْنَي عشَرَ نَقِيبًا، فَلَا يَجِدنَّ أحدٌ مِنْكُم فِي نَفسه أنْ يُؤخَذ غيرُه، فإنّما يختارُ لي جِبْرِيل. . " فَلَمَّا تخيَّرهم قَالَ للنقباء: " أَنْتُم كُفَلاء على غَيْركُمْ، كَكَفالة الحواريِّين لعيسى بن مَرْيم، وَأَنا كفيلٌ على قومِي؟ " قَالُوا: نعم. وَانْصَرفُوا إِلَى رِحالهم، وَقد طابت نفس رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذْ جعل اللهُ لَهُ مَنَعةً وقوماً أهلَ / 12 و. حَربٍ وعُدَّةٍ ونَجدةٍ هِجرةُ الْمُسلمين ثمَّ هِجرةُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الْمَدِينَة لمّا رَجَعَ الْأَنْصَار إِلَى الْمَدِينَة جعل البلاءُ يشتدّ على الْمُسلمين من الْمُشْركين لِما يَعلمون من الْخُرُوج، فضيَّقوا عَلَيْهِم، ونالوا مِنْهُم مَا لم يَكُونُوا ينالون من الشَّتم والأَذى، فشَكَا ذَلِك أصحابُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَيْهِ، واستأذَنوه فِي الهِجرة إِلَى الْمَدِينَة، فأَذِن لَهُم، فَخَرجُوا أرْسالاً مختفين، وَقدمُوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الْأَنْصَار فِي دُورهمْ فآووهم ونصروهم، وواسوهم. قَالَ ابْن حزم: فَقيل: أولُ مَنْ خرج أَبُو سَلَمة بن عبد الْأسد المَخزوميّ، وَقيل: إِنَّه هَاجر قبلَ بيعَة الْعقبَة بسَنة، وَحَال بَنو المُغيرة بينَه وَبَين إمرأته، ابنةِ عمِّهم، وَهِي أُمُّ سَلَمة أمّ الْمُؤمنِينَ، فأُمسكت بمكةَ نَحْو سنة، ثمَّ أُذِن لَهَا فِي اللَّحاقِ بزوجها فلحقت بِهِ. وَقَالَ غير ابْن حزم: أوّل مَنْ هَاجر مُصعب بن عُميرْ. وَكَانَ سَالم مَولى أبي حُذَيفة يَؤمُّ الْمُهَاجِرين بقُباء قبل أنْ يَقدم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَلم يَبقَ بمكَّة إلاّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَبُو بكرٍ وعليُّ، أَو مفتونٌ مَحبوسٌ، أَو مريضٌ، أَو ضعيفٌ عَن الْخُرُوج. وَرَأى الْمُشْركُونَ ذَلِك فخافوا خروجَ رسولِ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَاجْتمعُوا فِي دَار النَّدوَة، وَلم يتخلَّف أحدٌ من أهل الرَّأْي والحِجَا مِنْهُم، لِيتشاوروا فِي أمرِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . ويُسمَّى الْيَوْم الَّذِي اجْتَمعُوا فِيهِ يَوْم (الزَّحمة) وحضرهم إِبْلِيس - لَعنة الله عَلَيْهِ - فِي صُورَة شيخٍ كبيرٍ من أهل نَجدٍ، فتذاكروا / 12 ظ. أمرَ رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأَشَارَ بعضُهم بحبسه وَأَشَارَ بعضُهم بنفْيه فردَّ ذَلِك إِبْلِيس وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا برأيٍّ. فَقَالَ أَبُو جهل: أرى أنْ نأخذَ من كل قبيلةٍ من قُرَيْش غُلَاما نَهْداً جَلداً، ثمّ نُعطيه سَيْفا صارِماً، فيضربونَه ضربةَ رجلٍ واحدٍ، فيتفرَّق دَمُه فِي الْقَبَائِل، فَلَا يَدري بَنو عبد منَاف بعد ذَلِك مَا يَصنعون. فَقَالَ إِبْلِيس: الله دَرُّ الْفَتى، هَذَا الرأيُّ وإلاّ فَلَا. فتفرّقوا على ذَلِك، وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ. فَأتى جبريلُ النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فأَعلمه بذلك، وأَمره أنْ لَا ينامَ فِي مضجعِه تِلْكَ اللَّيْلَة، وأمرَ رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَليّاً أنْ يبيتَ فِي مَضجعه تِلْكَ الليلةَ، فَبَاتَ فِيهِ عليٌّ، وتغشّى بُرْداً أحمرَ حَضْرميّاً، كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَنام فِيهِ. وَاجْتمعَ النفرُ من قريشٍ يتطلّعون من صِير الْبَاب، ويَرصُدونه يُريدون بياته، ويأتمرون أيّهم يحمل عَلَيْهِ. فَخرج رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وهم جُلوسٌ على الْبَاب، فَأخذ حَفْنةً من ترابٍ، فَجعل يَذرّه على رؤوسهم، وَيَتْلُو {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} حَتَّى بلغ {وَسَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} وَمضى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأَتَاهُم آتٍ ممّن لم يكن مَعَهم. فَقَالَ: مَا تَنتظرونَ هَا هُنا؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا. قَالَ خِبتُم وخسِرْتُم. قدْ - وللهِ - مرَّ بكم، مَا تركَ مِنْكُم رجلا إِلَى وضعَ على رأسِه تُراباً، وانطلقَ لحاجتِه. أَفلا ترونَ مَا بكمْ؟ قَالُوا: وَالله مَا أبصرناهُ، وَقَامُوا يَنْفُضون الترابَ عَن رؤوسِهم، ثمَّ جعلُوا ينظرُونَ فيَروْنَ عليّاً على الفراشِ مُلتحِفاً بِبُرْدِ رسولِ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَيَقُولُونَ: واللهِ إنّ هَذَا لمحمدٌ نَائِما، عَلَيْهِ بُردُهُ فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا. فقامَ عليٌّ / 13 و. عَن الفراشِ فَقَالُوا: واللهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 لقد صَدَقَنا الَّذِي كَانَ حَدَّثنا. وسألوا عليّاً عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: لَا عِلمَ لي بِهِ. وَكَانَ مِمَّا أَنزل الله - تَعَالَى - فِي ذَلِك {وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا ليثبتوك أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين} وَصَارَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى منزل أبي بكرٍ - رَضِي الله عَنهُ - ظُهرَاً، فَقَالَ: " أَخرِجْ مَنْ عندكَ " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا هما ابنتايَ. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إنَ الله قد أَذنَ لي فِي الْهِجْرَة " فَقَالَ أَبُو بكر: الصَّحَابةَ يَا رَسُول الله. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " نعم " قَالَ أَبُو بكر: فخذْ بأَبي أنتَ وأُمِّي إِحْدَى راحلَتيّ هَاتين. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : بالثَّمن. وَكَانَ أَبُو بكر اشتراهما بثمانِ مائَة [دِرْهَم] من نَعَمِ بني قُشَير. فَأعْطى النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِحْدَاهمَا بالثَّمنِ، وَهِي القَصْواء. ثمَّ خرج هُوَ وَأَبُو بكرٍ، فمضيا إِلَى غارِ ثَوْرٍ فدخلاه. فَأمر اللهُ شَجَرَة فَنَبَتَتْ فِي فمِ الْغَار، فسترتْ وجهَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وأمرَ اللهُ العنكبوتَ فنسجتْ على فمِ الْغَار، وأمرَ حَمامتين وحشيَّتين فوقفتا بفمِ الغارِ، وأَقبل فِتيانُ قريشٍ فَرَأَوْا ذَلِك فانصرفوا، ومكثَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَبُو بكر فِي الغَار ثلاثَ ليالٍ يَبيتُ عِنْدهمَا عبد الله بن أبي بكر الصدِّيق يتسَمّع الْأَخْبَار بِالنَّهَارِ، ويُخبرهما بِمَا سَمِعَ. وَذكر ابْن حزم: أنّ أسماءَ كَانَت تأتيهما بِالطَّعَامِ، وَكَانَت لأبي بكر مِنْحةُ غنم يرعاها عامرُ بن فُهيْرة. وَكَانَ يَأْتِيهم بهَا لَيْلًا فيحتلبون. فَإِذا كَانَ السّحَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 سَرَح مَعَ / 13 ظ. النَّاس. قَالَت عائشةُ: وجهّزنَاهما أحبَّ الجِهاز، وصَنعْنا لَهُم سُفْرة فِي جِرَاب، فقَطعتْ أسماءُ بنت أبي بكر قِطعةً من نطاقها فأوكَت بِهِ الجرابَ، وقَطعتْ أُخْرَى فصيَّرته عِصاماً لفم القِرْبة، فبذلك سُمِّيت بِذَات النِّطَاقين. واستأجرَ أَبُو بكر هادياً خِرِّيتاً من بني الدِّيِل، يُقَال لَهُ: عبد الله بن أُريقِط، على دِين الكُفر، ولكنّهما أَمِناه. وَقَالَ ابْن حزم: إنّ النَّبِي وَأَبا بكر خرجا من بابٍ وَاسع فِي جَانب الْغَار، فتَحه اللهُ لَهما فِي الْوَقْت فِي صَخرة صَمَّاءَ لَا تؤثّر فِيهَا المعاولُ، فأَمالَها اللهُ - عز وَجل - بقُدرته. وأتاهما عبد الله بن أُريْقط براحلتيهما صُبح اللَّيْلَة الثالثةِ، وأَتتهما أسماءُ بالسُّفْرة، وعلَّقتها، فركبا الرَّاحلتين، وَأَرْدَفَ أَبُو بكر مَوْلَاهُ عامرَ بن فُهَيْرة، وَمَعَهُمْ دليلُهم عبد الله بن الأُرَيِقط. وَكَانَت هِجرته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الإِثنين فِي شهر ربيعٍ الأول. وَقيل: فِي صَفَر. وسِنُّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَلَاث وَخَمْسُونَ على الصَّحِيح، وَقيل: خمس وَخَمْسُونَ، وَقيل: خَمْسُونَ. وَعرض للنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سُرَاقَةُ بن مَالك بن جُعْشُم، وَهُوَ على فَرس، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فساخت قَوَائِم فرسه. فَقَالَ: يَا محمّد، ادعُ الله لي أنْ يُطلقَ فَرسي وأرجع عَنْك، وأرُدَّ مَنْ ورائي. فَفعل. فأُطلق، وَرجع، فَوجدَ النَّاس يَلْتَمِسُونَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: ارْجعُوا فقد استبرأتُ لكم مَا هَا هُنا، وَقد عَلِمتم بَصَري بالأَثَر. فَرَجَعُوا عَنهُ. ومرَّ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بخيْمَتي أمِّ مَعْبَدٍ عَاتِكَة بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 خَالِد، أُخْت خُنيس بن خَالِد الصحابيّ. وَكَانَ منزلهَا القُدَيد، فَنظر النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى شاةٍ فِي كِسر الْخَيْمَة، فَقَالَ: " مَا هَذِه الشَّاة يَا أُمَّ مَعْبَد؟ " قَالَت: شَاة / 14 و. خلفهَا الْجهد عَن الْغنم. قَالَ: بهَا من لبن؟ قَالَت: هِيَ أَجهَدُ من ذَلِك. قَالَ: " أتأذنينَ لي أنْ أَحلبَها؟ " قَالَت: نَعمْ بأَبي وأُمي، إِن رأيتَ بهَا حَلَباً فاحلِبها. فمسحَ بيدِه الطاهرة ضَرْعَها، وسمّى الله تَعَالَى، وَقَالَ: اللهمَّ بارِكْ لَهَا فِي شاتِها " فتفاجَّتْ عَلَيْهِ، ودَرَّت واجترَّت، فَدَعَا بإناءٍ لَهَا يَريضُ الرَّهطَ. فحلبَ فيهِ ثجّاً حَتَّى علاهُ البهاءُ، فَسَقَاهَا فَشَرِبت حَتَّى رَويَتْ، وَسَقَى أَصحابَه حَتَّى رَوُوا. وشربَ آخِرَهم. وَقَالَ: " ساقي القومِ آخرُهم " ثمَّ حلبَ فِي الإِناء ثَانِيًا حتّى ملأَه، ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا. وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، وأصبحَ صوتٌ بمكّةَ عَالِيا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، يسمعُونَ الصوتَ وَلَا يرَوْنَ مَنْ يَقُوله، وَهُوَ يَقُول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 (جَزَى اللهُ ربُّ النَّاس خير جَزائهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيمتَيْ أُّمِّ مَعبدِ) (هُما نزلا بالهَدْيِ واهتديا بهِ ... فقد فازَ مَنْ أَمسى رَفيقَ محمَّدِ) (فيا لِقُصَيٍّ مَا زَوَى اللهُ عنكمُ ... بهِ مِنْ فَعالٍ لَا تَجارَى وسُؤْدَد) (لِيهن بني كعبٍ مكانُ فتاتِهم ... ومقعدُها للْمُؤْمِنين بَمرْصَد) (سَلُوا أُختكمْ عنْ شاتِها وإِنائها ... فإنكمُ إنْ تسْأَلوا الشَّاةَ تَشْهدِ) (دَعاها بشَاةٍ حائلٍ فتحلَّبتْ ... عَلَيْهِ صَريحاً ضَرَّهُ الشاةِ مُزْبِدِ) (فغادَرَه رَهْناً لَدَيْهَا لحالِبٍ ... يُردّدها فِي مَصْدرٍ ثُمَّ مَوْرِد) وانْتهى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف بِقُبَاء. فَجَلَسَ فيهم، وَقَامَ أَبُو بكر يُذكِّر الناسَ، وَجَاء الْمُسلمُونَ يُسلِّمون على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَنزل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على كُلْثُوم بن الهِدْم، وَقيل: سعْد بن خَيْثَمة. وَقَالَ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي: إنّ الثبْت أَنه نزل على كُلْثُوم بن الهِدْم. قَالَ: ولكنّه كَانَ يتحدًّث / 14 ظ. مَعَ أَصْحَابه فِي منزل سعْد بن خَيْثَمة، فَلذَلِك قيل: نزل على سعْد بن خَيْثَمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وتأخّر عليّ - رَضِي الله عَنهُ - بمكّةَ ثلاثةَ أيامٍ حَتَّى أدّى ودائع كَانَت عِنْد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] للنَّاس. ثمَّ لَحق بالنبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بقُبَاء. وَأقَام رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بني عَمْرو بن عَوْف أَربع عشرَة لَيْلَة. وَقيل: أَرْبعا. وَخرج يومَ الجُمعة. فجمَّع فِي بني سَالم بمَن كَانَ مَعَه من الْمُسلمين، وهم مائَة. هَكَذَا ذكر الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي - رَحمَه الله - وَلَا يصحّ خروجُه يَوْم الْجُمُعَة على القَوْل بِأَنَّهُ أَقَامَ ببني عَمْرو بن عَوْف أَربع عشرَة مَعَ جزمه بِأَنَّهُ قدم يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيعٍ الأول. ويُتصوَّر ذَلِك على قَول بَعضهم: أَنه خرج من الْغَار لَيْلَة الِاثْنَيْنِ أوّلَ شهر ربيعٍ الأول، وَقدم الْمَدِينَة يومَ الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة مَضَت مِنْهُ. وَلِهَذَا - وَالله أعلم - عدل ابْن حزم عَن تعْيين مُدَّة الْمقَام، وَذكر أَنه أَقَامَ بِقُبَاء أيّاماً، وأَسَّس مسجدَها. لِأَنَّهُ جَزَم بأنَّه قِدم يَوْم الِاثْنَيْنِ، ثَانِي عشر من ربيعٍ الأول، وَالله أعلم. وَقيل: قدِم المدينةَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمانٍ خلت من ربيعٍ الأول. وَقيل: يَوْم الِاثْنَيْنِ مُستهلَّه. وَقيل غير ذَلِك. وَجعل النَّاس يُكلِّمون رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي النُّزُول عَلَيْهِم عِنْد رحيلهِ بَعْدَمَا جَمَّع فِي بني سَالم، وَيَأْخُذُونَ بِخطَام ناقتِه. فَيَقُول: " خَلُّوا سبيلَها فَإِنَّهَا مأمورةٌ " فبَرَكت عِنْد مَوضِع مَسْجِد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَهُوَ يومئذٍ يُصلِّي فِيهِ رجالٌ من الْمُسلمين؛ وَهُوَ مِرْبد لسَهْلٍ وسُهَيلٍ غلامين من بني مَالك بن النجَّار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَبَقِي النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على ظهر النَّاقة لم ينزل / 15 و، فَقَامَتْ ومشَت غيرَ بعيدٍ، وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَا يَثْنيها، ثمَّ التفتَتْ خلفَها، فرجعتْ إِلَى مَكَانهَا الَّذِي بَرَكت فِيهِ، فبَركت ثَانِيَة واستقرَّتْ. وَقد قيل: إنَّ جَبَّار بن صَخْر من بني سَلِمة - من صالحي الْمُسلمين - جَعَل يَنخَسُ ناقةَ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لِتقوم، مُنَافَسَة لبني النجَّار أنْ ينزلَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عِندهم فَلم تَقُم، ونزلَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَنْهَا، فَحمل أَبُو أَيُّوب رَحْلَ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأدْخلهُ دارهَ. وكلَّمَ الناسُ رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَانِيًا فِي النُّزُول عَلَيْهِم. فَقَالَ: " المرءُ مَعَ رَحْلِه " وَنزل دارَ أبي أَيّوب، وَجَاء أسْعد بن زُرَارة فَأخذ بزِمَام راحلتِه، فَكَانَت عِنْده. قَالَ زيد بن ثَابت: فأوّلُ هديّة دخلتْ على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي منزل أبي أَيُّوب هديّة دخلتُ أَنا بهَا قَصْعةُ مَثْرود، فِيهَا خُبزٌ وسَمْنٌ ولَبَن. فقلتُ: أرسلتْ بِهَذِهِ القَصْعة أُمّي. فَقَالَ: " باركَ اللهُ فيكَ " ودعا أَصْحَابه فَأَكَلُوا. فَلم أَرمَّ البابَ حَتَّى جَاءَت قَصْعةُ سَعد بن عُبادة ثَريدٌ وعُرَاقٌ. وَمَا كَانَ من ليلةٍ إِلَّا وعَلى بَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة، يحملون الطَّعَام، يتناوبون ذَلِك، حَتَّى تحوّلَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من منزل أبي أَيُّوب، وَكَانَ مقامُه فِيهِ سَبْعَة أشهرِ. وَسَأَلَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن المِرْبَد الَّذِي بَركت النَّاقة فِيهِ. فأُخبر خَبرُه. فَقيل: اشْتَرَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِعشْرَة دَنَانِير، وَفِي الصَّحِيح أنّ بني النجَّار امْتَنعُوا من بَيعه، وبَذَلوه لله - عزَّ وجلَّ - وأَمَرَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِبِنَاء الْمَسْجِد فبُني باللَّبِن. وجُعلت عِضَادَتاه وسَواريه جُذُوعَ النّخل، وسَقفُه الجريد / 15 ظ. وجُعل طولُه ممّا يلِي القِبلةَ إِلَى مؤخره مائَة ذراعٍ. وَفِي الْجَانِبَيْنِ الآخرين مثل ذَلِك، فَهُوَ مربَّعٌ. وَيُقَال: كَانَ أقلَّ من الْمِائَة. وجُعل الأساسُ قَرِيبا من ثَلَاثَة أَذرع على الأَرْض بالحِجارة. ثمَّ بَنوه بالِلَّبن. وبَناه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وأصحابُه. وَكَانَ يَنقل مَعَهم الحِجارَة وَيَقُول: (اللهمَّ لَا عيشَ إِلَّا عَيشُ الآخِرة ... فاغفرِ للأنصارِ والمُهاجرة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَجعل يَقُول: (هَذَا الحِمالُ لَا حِمالُ خَيبرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنا وأَطْهرْ) ثمَّ بَنى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مساكنَه إِلَى جَانب الْمَسْجِد باللَّبن، وسقَّفها بِجذوع النَخل والجَرِيد. وآخى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار على الحقّ والمواساة فَكَانُوا يَتَوَارثون بذلكَ. حتىَّ نزل قولُه تَعَالَى: {وأُولُوا الأَرْحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ} فَنُسخَ ذَلِك بعد وقْعَة بَدْر. كَانَت هَذِه المؤاخاة بعد بِناء الْمَسْجِد. وَقيل: والمسجدُ يُبنى. وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: بعدَ قدومه الْمَدِينَة بِخَمْسَة أشهر. وَقيل: ثَمَانِيَة أشهر. وَكَانَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قبل الْهِجْرَة آخى بَين الْمُهَاجِرين. وَبلغ أصحابَ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بالحَبشة مهاجَرُه إِلَى الْمَدِينَة، فَرجع مِنْهُم ثلاثةٌ وَثَلَاثُونَ رجلا، وَمن النِّسَاء ثَمَان نِسْوةٍ، فَمَاتَ مِنْهُم رجلَانِ بِمَكَّة، وحُبسَ بمكّةَ سَبْعة نَفَرٍ، وانْتهى البقيّةُ إِلَى النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالْمَدِينَةِ. وَكتب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى النَّجاشيّ سنة سَبعٍ من الْهِجْرَة: أنْ يبْعَث مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 بقيَ عِنْده من أَصْحَابه. ففعلَ، وقَدموا المدينةَ فوجدوا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بخَيْبَر. فشخصوا إِلَيْهِ، فوجدوه قد فتح خَيْبَر. فكلَّمَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمُسلمين أنْ يُدخلوهم فِي سُهْمَانِهم، فَفَعَلُوا. وَأقَام / 16 و. رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة عشرَ سِنِين بِلا خِلاف. ذكرُ غَزْوَاتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي هَذِه المدَّة وَبَعض الْحَوَادِث فَفِي السّنة الأُولى غَزْوَة الأَبْوَاء، وَهِي غَزوة وَدَّان فِي صَفَر. وَفِي هَذِه السّنة جُعلت الصلاةُ الحَضَر أربعَ رَكْعَات، وَكَانَت رَكعتين بعد مَقْدمِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمَدِينَة بشهرٍ. كَذَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وغيرُه. وَهُوَ قَول عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - وَقيل: إِنَّهَا فُرضت أَرْبعا إلاّ المَغرب، فَإِنَّهَا فُرضت ثَلَاثًا، والصُبح فُرضت رَكْعَتَيْنِ. وَقيل غير ذَلِك. وَالله أعلم. وفيهَا شُرِع الأَذان، وأَسلم عبد الله بن سَلاَم، وَفِي السّنة الثَّانِيَة غزوةُ بُوَاطٍ فِي شهر ربيعٍ الأول. ثمَّ غَزْوَة بدر الأولى يطْلب كُرْزَ بن جَابر فِي الشَّهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الْمَذْكُور. ثمَّ غَزْوَة ذِي العُشَيْرة فِي جُمادى الْآخِرَة، ثمَّ غَزْوَة بدرٍ الْكُبْرَى، وَهِي البَطْشَةُ الَّتِي أعزّ الله بهَا الإِسلام، وأهلكَ بهَا رُؤُوس الكَفَرة يَوْم الجُمعَة لسبعَ عشرَة خلونَ من شهر رَمَضَان، حضرَها من الْمُهَاجِرين أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ رجلا، وَمن الْأَنْصَار مِائَتَان وواحدٌ وَثَلَاثُونَ رجلا. وَلم يكن [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غزا بأَحدٍ من الْأَنْصَار قبل ذَلِك. فَجَمِيع مَنْ حضرها من الْمُسلمين ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة رجالٍ، هَكَذَا ذكر عددَهم شَيخنَا الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي - رَحمَه الله -. ثمَّ قَالَ: وَقيل ثَلَاثمِائَة وبِضْعَة عَشَر. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عِكْرِمَة بن عمّار عَن سِمَاك الحنفيّ عَن ابْن عبّاس عَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ -: أَنهم كَانُوا ثَلَاثمِائَة وَسَبْعَة عشر رجلا. وَجزم ابْن عبد البرّ فِي كِتَابه (الدُّرر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي / 16 ظ. والسِّيَر) ، بأنَّ الْمُسلمين كَانُوا يَوْم بدرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعَة عشر رجلا، عدد الْمُهَاجِرين، ومَنْ ضربَ لَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بسهمه وَأَجَازَهُ ثَلَاثَة وَثَمَانُونَ رجلا، وَمن الْأَوْس أحد وَسِتُّونَ رجلا، وَمن الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رجلا. وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ: إنّ البَرَاء بن عَازِب قَالَ: استُصغرتُ أَنا و [ابْن] عُمر يَوْم بَدرٍ. وَكَانَ المهاجرونَ يومَ بدرٍ نَيِّفاً على الستِّين، وَالْأَنْصَار نَيِّفاً وَأَرْبَعين [وَمِائَتَيْنِ] . انْتهى. [واستشْهد مِنْهُم أَرْبَعَة عشَرَ رجلا. وَكَانَ الْمُشْركُونَ بَين تسع الْمِائَة وَالْألف. وقُتل مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا] . وَجزم ابْن عبد البرّ بِأَنَّهُم كَانُوا يَوْم بدرٍ تِسْعمائَة وَخمسين رجلا. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عِكْرِمَة عَن سِمَاكٍ عَن ابْن عبّاس عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - أَنهم أَلفٌ. ثمَّ غَزْوَة بني قَيْنُقاع فِي شَوَّال: ثمَّ غَزْوَة السَّوِيق فِي ذِي الْحجَّة، ثمَّ غَزْوَة قَرْقَرة الكُدْر فِي المحرّم. وَفِي هَذِه السّنة صُرِفت القبلةُ يَوْم الِاثْنَيْنِ، النّصْف من رَجَب، وَقيل يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من شعْبَان. وفيهَا فُرض صومُ شهر رَمَضان فِي شعْبَان. وفيهَا فُرضت زَكَاة الفِطْر قبل الْعِيد بيومين قبلَ أَن تُفرض الزَّكَاة فِي الْأَمْوَال كَمَا قَالَ ابْن سعد. وَقَالَ بَعضهم: إنّ الزَّكَاة فُرضت فِي هَذِه السَّنَة. وَقيل: فُرضت قبل الْهِجْرَة بمكةَ. وفيهَا أمرَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بالأُضْحية. وفيهَا أعرس عليٌّ بفاطمة - رَضِي الله عَنْهَا - بعد وقْعَة بَدْرٍ. وَفِي السّنة الثَّالِثَة من غَزْوَة غَطَفَان إِلَى نَجْدٍ، وَهِي غَزْوَة أَنمار، وَهِي ذُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أَمَر فِي شهر ربيعٍ الأول. ثمَّ غَزْوَة بني سُلَيْم ببُحران فِي جُمادَى الْآخِرَة. ثمَّ غَزوة أُحُد يَوْم السبت لسبعٍ خلت من شوّال، تَعبّأَ فِيهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لِلْقِتَالِ، وَهُوَ فِي سَبْعمِائة رجلٍ، وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَة آلَاف رجلٍ، فيهم سَبْعمِائة دارعٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فرَس، وَثَلَاثَة آلَاف بَعيرٍ. وَقيل: كَانَ مَعَ الْمُسلمين خَمْسُونَ فَرَساً. واستُشهد فِيهَا من الْمُسلمين / 17 و. سَبْعُونَ - رَضِي الله عَنْهُم - وَقيل: من الكفّار اثْنَان وَعِشْرُونَ رجلا. ثمَّ غَزْوَة حَمْرَاء الأَسَد فِي شوّال أَيْضا. وَفِي هَذِه السّنة وُلِد الحَسن بن عليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا - وفيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 حُرِّمت الخَمرُ. وَقيل: فِي السّنة الرَّابِعَة. وَفِي السّنة الرَّابِعَة غَزْوَة بَني النَّضِير فِي ربيع الأول، ثمَّ غَزْوَة بدرٍ الصُّغْرَى فِي ذِي الْقعدَة، ثمَّ غَزْوَة ذَات الرّقاع فِي المحرَّم. وَفِي هَذِه الْغُزَاة صلّى سَوَّلَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَلَاة الخَوف. وَفِي هَذِه السَّنة قُصِرَت الصلاةُ، ونَزلت آيةُ الحِجاب. وولِد الحُسين بن عليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَكَانَ بَينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَبَين أَخِيه الحَسَن طُهرٌ واحدٌ وَفِي السّنة الْخَامِسَة غَزْوَة دُوْمَة الجَنْدل فِي ربيعٍ الأول، ثمَّ غَزْوَة المُرَيْسِيع، وَهِي غَزْوَة بني المُصْطَلِق فِي شعْبَان، ثمَّ غَزْوَة الخَنْدق، وَهِي غَزْوَة الْأَحْزَاب. ثمَّ عَقبهَا غَزْوَة بني قُرَيْظة، كلتاهما فِي ذِي الْقعدَة، وَقيل: كلتاهما فِي شوّال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 قَالَ ابْن حزم: وَالثَّابِت أَنَّها - يَعْنِي غَزْوَة الخَنْدَق - فِي الرابعةِ، لحديثِ ابْن عمر: عُرِضْتُ على النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم أُحُد، وَأَنا ابنُ أربعَ عشرةَ، فردّني، ثمَّ عُرضتُ يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابنُ خمسَ عشرةَ فأجازني، فصحَّ أَنه لم يكن بَينهمَا إلاَّ سَنَة وَاحِدَة فَقَط، فَإِنَّهَا قبلَ دُوْمَة الجَنْدل. وَقيل: إِن الحجّ فُرضَ فِي هَذِه السَنة. وَقيل: سنة ستٍ، وَقيل: سنة سبعٍ. وَقيل: سنة ثمانٍ، وَقيل: سنة تسعٍ. ورجّحه بعض الْعلمَاء. وَقيل غير ذَلِك. وَفِي هَذِه السّنة قصَّة الإِفْك فِي غَزْوَة المُريْسِيع، وَقيل إِنَّهَا فِي السّنة السَّادِسَة. وَنزلت آيَة التَيَمُّم فِي هَذِه السّنة بعد قصَّة الإِفك، وَقيل: نزلت آيَة التَيمُّم فِي السّنة الرَّابِعَة. وَفِي هَذِه السّنة صلّى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَلَاة الْخَوْف على قولٍ. وَفِي السّنة السَّادِسَة غَزْوَة بني لِحْيانَ فِي ربيع الأول، ثمَّ غَزْوَة الغابة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وَهِي ذُو قَرَد، فِي ذِي القِعْدة، ثمَّ غَزْوَة الحُدَيْبيَة فِي ذِي القعْدة أَيْضا. وَفِي هَذِه السّنة قحطَ النَّاس، فَاسْتَسْقَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 17 ظ. بِالنَّاسِ فِي شهر رَمَضَان فسُقُوا. وَفِي السّنة السابعةِ غَزْوَة خَيْبَر، فِي جُمَادَى الأُولى، وَقيل: فِي المحرِّم. وَفِي هَذِه السّنة أسلم أَبُو هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصين - رَضِي الله عَنْهُمَا -. وَفِي السّنة الثَّامِنَة غَزْوَة الفَتْح فِي شهر رَمَضَان، ثمَّ غَزْوَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حُنَيْناً فِي شوّال، فِي اثْنَي عشر ألفا من الْمُسلمين، عشرَة آلَاف من أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الْمَدِينَة، وألفين من أهل مَكَّة. وَكَانَت سِيما الملائكةِ يَوْم حُنَين عمائمَ حُمْراً قد أَرْخَوها بَين أكتافهم -. ثمَّ غزوةُ الطَّائف فِي شَوّال أَيْضا. وَفِي هَذِه السّنة قيل: قدم خَالِد بن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى الْمَدِينَة فأسلموا. وَقيل: إِن خَالِدا وعَمراً أسلما قبل ذَلِك، وشهِدا خَيْبَر، وَهُوَ الصَّحِيح. وفيهَا عُمِلَ مِنبرُ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وخطبَ عَلَيْهِ، وحنّ إِلَيْهِ الجذَعُ الَّذِي كَانَ يخْطب عِنْده، وَهُوَ أول مِنبر عُمل فِي الْإِسْلَام. وَكَانَ من أَثل الغابة، عملَه غُلَام لامْرَأَة من الْأَنْصَار اسْمه مينا، وَقيل: إِبْرَاهِيم. وَقيل غير ذَلِك، وَكَانَ دَرَجَتَيْنِ ومجلساً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَفِي السّنة التَّاسِعَة غَزْو تَبُوك فِي ثَلَاثِينَ ألفا، مَعَهم عَشرة آلَاف فرسٍ، وَهي آخرُ غزواتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وعددُها سبعٌ وَعِشْرُونَ، كَمَا ذكرنَا، وَبِذَلِك جزم الشَّيْخ الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطيّ، وَهُوَ قَول مُوسَى بن عقبَة وَابْن إِسْحَاق كَمَا حكى عَنْهُمَا ابْن سعد، وَقَول الْوَاقِدِيّ. وَقيل: كَانَت غَزَوَاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خمْسا وَعشْرين. وَقيل: تسع عشرَة. وَقيل: إِحْدَى وَعشْرين، وَقيل: سِتا وَعشْرين، وَقيل: أَرْبعا وَعشْرين. قَاتل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيهَا فِي تسعٍ: بَدرٌ، وأُحُد، والخَنْدَق، وقُرَيظة، والمُصْطَلِق، وخَيْبر / 18 و. والفَتْح، وحُنَيْن، والطائف: وَقيل: قَاتل فِي بني النَضير والغابة ووداي القُرى من أَعمال خَيبر. وتُسمّى هَذِه السّنة سنة الْوُفُود لِكَثْرَة مَنْ وَفد فِيهَا على النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وفيهَا آلى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من نِسَائِهِ. وفيهَا هُدم مَسْجِد الضِّرار، وفيهَا لاعَن [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَين عُوَيمِر العَجلانيّ وَبَين امْرَأَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فِي مَسْجده بعد الْعَصْر فِي شعْبَان، وفيهَا مَاتَ النّجاشيُّ أَصْحَمة. وَفِي السّنة الْعَاشِرَة قدِمَ جَريرُ بن عبد الله البَجَلِيُّ على رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فأَسلمَ فِي شهر رَمَضَان. وفيهَا نزلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} الْآيَة. وَكَانُوا لَا يَفْعَلُونَهُ قبل ذَلِك. وفيهَا ارتدّ مُسيلمةُ الكَذَّاب، وادّعى النبوّة، وفيهَا حَجَّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَجَّةَ الوَدَاع. وَنزل عَلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعَرَفَةَ {اليومَ أَكملتُ لكُمْ دِينَكم وأَتممتُ عَلَيْكُم نِعمَتي، ورَضِيتُ لكُمُ الإِسلامَ دينا} ووقف مَعَه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مائةُ ألفٍ وَعِشْرُونَ ألفا. وسُمِّيت حَجَّة الوَدَاع لأنّ النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خطب النَّاس فِيهَا، وأوصاهم، وَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 " لَعلْكم لَا تَرَوني بعد عامِي هَذَا " وودَّعهم. وَلم يحجّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد الْهِجْرَة غَيرهَا. وَقَالَ ابْن سعد: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يحجَّ منذُ تَنبَّأَ غيرَ حَجّة الوَدَاع. وَقيل: حَجّ بمكّةَ بعد النبوّة حَجَّةً أُخرى. وَقيل: حَجّتين أُخرَيَين، وَقَالَ ابْن حزم: حَجّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] واعتمرَ قبل النبوّة وَبعدهَا قبل الْهِجْرَة، حِجَجاً وعُمَراً لَا يُعرَفُ عددُها. وَاعْتمر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد الْهِجْرَة أربعَ عُمَرٍ، كلّها فِي ذِي القِعْدة، عُمرة الحُدَيْبيَة، وعُمرة القَضَاء، من قابلٍ، وعُمرة الجِعْرانة والعُمْرَة 18 / ظ. الَّتِي جَمع مَعَ حَجَّته. وَكَانَت سَراياه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سِتّاً وَخمسين كَمَا ذكر الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطيّ - رَحمَه الله - وَقيل: كَانَت سِتّاً وأَربعين، وَقيل: ثمانياً وَأَرْبَعين، وَقيل: سِتّاً وَثَلَاثِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ذِكْرُ صِفتهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَيْسَ بالطويل الْبَائِن، وَلَا الْقصير المتردّد، وَلَا بالأبيض الأَمْهَق، وَلَا الآدم، وَلَا الجَعْد القَطَط، وَلَا السَّبْط، رَجْلَ الشّعْر، أزهرَ اللَّوْن، مُشْرَباً بحُمرَة فِي بياضٍ ساطعٍ، كأنّ وجهَه القمرُ ليلةَ الْبَدْر، حَسَنَ العُنق، كَأَنَّهُ جِيد دُمْيَة فِي صفاء الفِضَّة، ضخمَ الكَرَاديس، أوْطَفَ الأشفار، أَدْعَج الْعَينَيْنِ، حَسَنَ الثَغْرِ، أزجَّ الحواجِب فِي غير قرَنٍ، واسعَ الجبين، سَهْلَ الخدَّين، ضلِيعَ الْفَم، أَشنبَ مُفَلّج الْأَسْنَان، حَسَن الْأنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 إِذا مَشى يَتَكفَّأ كأنّما يَنحطُّ من صَبَبٍ، إِذا التَفَتَ التَفتَ بجميعهِ، ضَخْمَ الْيَدَيْنِ لَيِّنهما، كثَّ اللحيّة واسعها، أسودَ الشعرِ، بادناً متماسكاً، سواءَ الْبَطن والصدرِ، عريض الصدْر بعيدَ مَا بَين المَنْكبين، أنورَ المتجرِّد، موصولَ مَا بَين اللبَّة والسُّرَّة بشَعرٍ يجْرِي كالخيط، أَشعرَ الذراعين والمنكبين وأعالي الصَّدْر، عاريَ الثديَين والبطن ممّا سوى ذَلِك. إِذا طوَّل شعرَه فَإلَى شحمةِ أُذُنَيْهِ وَمَعَ كَتفيهِ، وَإِذا قَصَّره فَإلَى أَنْصَاف أُذنيه، لم يبلغ شيبُ رأسِه ولحيته عشْرين شَعْرَة، لَيْسَ لِرجليه أَخمص، قليلَ لحم العَقِبيْن، إنْ صَمتَ فِعليهِ الوقَارُ، وإنْ تكلّم سما وعلاه البهاءُ، أجملَ النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيدٍ، وأحسنَه وأحلاه من قريبٍ، حلوَ الْمنطق، بَين كَتفيهِ خاتَمُ النبوّة مثل بيضةِ حمامة. وَقيل: على نُغْضِ كتفه الْأَيْسَر، لون جسده، عَلَيْهِ خِيْلان. يَقُول / 119 و. واصفه: لم أرَ قبلَه وَلَا بعدَه مِثلَه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَقَالَ الْبَراء بن عَازِب - رَضِي الله عَنهُ -: رأيتُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي حُلَّة حَمْرَاء، لم أرَ شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 قَطُّ أحسنَ مِنْهُ. وَقَالَ أنس - رَضِي الله عَنهُ -: مَا مَسستُ دِيباجاً وَلَا حَرِيرًا ألينَ من كفِّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلَا شَممتُ رَائِحَة قطُّ كَانَت أطيبَ من رَائِحَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَكَانَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ - إِذا رأى النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: (أَمينٌ مُصطفى بِالْخَيرِ يَدْعُو ... لِضوءِ البدرِ زَايلَه الظلام) وَكَانَ عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - ينشد قَول زُهَيْر بن أبي سُلْمى فِي هَرِم بن سِنَان: (لَو كنتَ من شيءٍ سوى بَشَرٍ ... كنتَ المضيَّ لليلةِ الْبَدْر) ثمَّ يَقُول عمر وجلساؤه: كَذَلِك كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَلم يكنْ كذلكَ غيرُه. وَفِيه يَقُول عَمُّه أَبُو طَالب: (وأَبيضُ يُستسقى الغَمامُ بوَجْهِه ... رَبيعُ اليتَامى عِصْمةٌ للأرامل) (يطِيف بِهِ الْهلَال من آل هاشمٍ ... فهُمْ عِنْده فِي نعْمةٍ وفوَاضل) (وميزانُ حقٍّ لَا يُخِسُّ شعيرَة ... ووزَّان عدلٍ وزنُه غير عائل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وعَلى آله وَصَحبه وَسلم. اللَّهُمَّ صلِّ وَسلم عَلَيْهِ. ذِكرُ أَخلاقِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ على خُلُقٍ عَظِيم، كَمَا وَصفه رَبّه - تَعَالَى - وَقَالَت عائشةُ - رَضِي الله عَنْهَا: كَانَ خُلقُه الْقُرْآن، يَغضب لغضبه، ويرضى لرضاه. وَكَانَ أحلمَ النَّاس، قيل لَهُ: يَا رسولَ اللهِ أَلا تَدْعُو على الْمُشْركين؟ قَالَ: " إنَّما بُعثتُ رَحْمَة، وَلم أُبعثْ عَذاباً " وَكَانَ أشجعَ النَّاس. قَالَ عليٌّ: كُنَّا إِذا حميَ البأسُ، وَلَقي القومَ الْقَوْم اتقينا برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَكَانَ أعدلَ النَّاس، القريبُ والبعيدُ والضعيفُ والقويُّ عِنْده فِي الحقّ سواءٌ. وَكَانَ / 19 ظ. أعفَّ النَّاس، وأسخى النَّاس، لَا يُسأل شَيْئا إلاّ أعطَاهُ، لَا يَبيتُ عِنْده دينارٌ وَلَا دِرهمٌ، فإنْ فَضَلَ، وَلم يَجد مَنْ يُعطيه وفجأَه الليلُ، لم يأوِ إِلَى منزله حَتَّى يتبرَّأ مِنْهُ إِلَى مَنْ يحتاجُ إِلَيْهِ. لَا يَأْخُذ مِمَّا أعطَاهُ الله إِلَّا قُوتَ عامهِ فَقَط، فيُؤثرُ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَكَانَ أشدَّ حَيَاء من العَذْراء فِي خِدْرها، لَا يُثْبتُ بَصَرَه فِي وَجه أحدٍ، وَكَانَ أَكثر النَّاس تواضعاً، يَخْصِفُ النَّعْل، ويَرْقَع الثوبَ، ويفلِّيه ويخيطه، ويَخْدُم فِي مِهْنة أَهله، وَيقطع اللحمَ معهنَّ، ويجُيب دعوةَ الحرِّ وَالْعَبْد، ويَقْبل الْهَدَايَا وإنْ قلَّت، ويُكافِئُ عَليها ويأكلها، وَلَا يَأكل الصَدَقة، تَستتبعهُ الأَمَةُ والمسكينُ، فيتبعهما حيثُ دَعواه، ويُحبُّ الفقراءَ والمساكينَ، ويُجالسهم ويؤاكلهم. وَكَانَ أصدقَ النَّاس لهجةً، وأوفاهم ذِمّةً، وألينَهم عَريكةً، وأكرمَهم عِشْرةَ، خافضَ الطَرْف، نَظَرُه إِلَى الأَرْض أطولُ مِن نَظره إِلَى السَّمَاء. جُلُّ نظرهِ الملاحظة. وَكَانَ أرحمَ الناسِ، يُصغي الإِناءَ للهِرَّة فَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا. وَكَانَ أشدّ النَّاس إِكْرَاما لأَصْحَابه، لَا يَمدُّ رِجلَيه بَينهم، ويوسّع عَلَيْهِم إِذا ضَاقَ الْمجْلس، ويتفقّدهم، ويسألُ عَنْهُم. مَنْ مرضَ عادَه، ومَنْ غَابَ دَعَا لَهُ، ومَنْ مَاتَ اسْترْجع وأتبع ذَلِك بِالدُّعَاءِ لَهُ، ومَنْ كَانَ يتخوَّف أنْ يكونَ وَجدَ فِي نَفسه شَيْئا انْطلق حَتَّى يَأْتِيهِ فِي منزله، وَيخرج إِلَى بساتين أَصْحَابه، وَيَأْكُل ضيافتهم، وَلَا يطوي بِشْرَه عَن أحدٍ، وَلَا يَدعُ أحدا يمشي خَلفه، وَيَقُول: خلّوا ظَهْري للْمَلَائكَة. وَلَا يَدعُ أحدا يمشي وَهُوَ راكبٌ حَتَّى يحملهُ، فَإِن أَبى قَالَ: تقدّمني إِلَى الْمَكَان الَّذِي تُرِيدُ. يخدمُ مَنْ خدَمَه. مَا ضرب خادمَه وَلَا امْرَأَة وَلَا شَيْئا قطُّ، إِلَّا أَن يُجَاهد فِي سَبِيل الله. قَالَ أنس: خَدمتُه / 20 وعَشْرَ سنينَ، فَمَا قَالَ لي: أُفٍّ. قطُّ، وَلَا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 لشَيْء فعلتُه: لِمَ فعلتَ كَذَا؟ وَلَا لشيءٍ لم أَفعلهُ: أَلا فعلتَ كَذَا. وَكَانَ يعودُ المرضى، وَيشْهد الْجَنَائِز. وَكَانَ أَسْكَتَ النَّاس فِي غير كِبْرٍ، وأبلَغهم فِي غير تطويلٍ. وَكَانَ أَكثر النَّاس تَبسُّماً، وَأَحْسَنهمْ بِشْراً. لَا يهولُه شيءٌ من أمورِ الدُّنْيَا. ويَلبس مَا وَجَد من المُباحٍ. يُرْدِف خلفَه عبدَه أَو غيرَه. يركب مَا أمكن، فمرّةً فَرَسَاً، ومرّةً بَعيراً، ومرّةً بغلة، ومرّةً حمارا، يمسحُ وَجه فَرسِه بطَرَفِ كُمِّه أَو بطَرَف ردائِه. يحبُّ الطِّيبَ، وَيكرهُ الريحَ الرديَّة. ويُكرم أهلَ الْفضل فِي أَخْلَاقهم، ويستألِفُ أهل الشّرف بالبِرِّ لَهُم. يصِل ذَوي رَحمِه، وَلَا يجفو على أحدٍ. يَقبل معذرةَ المُعتذِر. يمزحُ وَلَا يَقُول إِلَّا حقّاً. جُلُّ ضحكِه التبسُّم. يرى اللعَب المباحَ فَلَا يُنكره، ويسابقُ أهلَه. لَا يَمضي لَهُ وقتٌ فِي غير عملٍ لله تَعَالَى، أَو فِيمَا لَا بدَّ مِنْهُ من صَلاح نفسِه. يَبدأ مَنْ لَقيه بِالسَّلَامِ، لَا يجلسُ وَلَا يقوم إِلَّا على ذِكْرٍ، وَإِذا انْتهى إِلَى قومٍ جَلسَ حيثُ يَنْتَهِي بِهِ المجلسُ، ويأمرُ بذلك، ويُعطي كلَّ جُلَسَائِهِ نصيبَه لَا يَحسبُ جليسُه أحدا أكرمَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَإِذا جلسَ إِلَيْهِ أحدُهم لم يَقمْ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى يقوم الَّذِي جلسَ إِلَيْهِ إِلَّا أنْ يَتعجَّلَه أمرٌ فيستأذنه، وَلَا يقابلُ أحدا بِمَا يكره. لَيْسَ بفاحشٍ وَلَا مفحشٍ، وَلَا يَجْزِي بالسيّئة السيّئة، ولكنْ يعْفُو ويصفح، وَلَا يَحْقِرُ فَقِيرا لِفَقره، وَلَا يَهابُ مَلِكاً لمُلكه. يُعظِّم النعمَة، وإنْ قَلَّت. لَا يَذمُّ مِنْهَا شَيْئا. مَا عابَ طَعَاما قطُّ، إنْ اشتهاه أَكله، وإلاّ تَركَه. وَكَانَ يحفظُ جارَه، ويُكرمُ ضيفَه. وَمَا خُيِّر بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أَيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا أَو قَطيعَة رَحِمٍ، فَيكون أبعدَ النَّاس مِنْهُ. وَكَانَ أكثرُ جلوسِه مُسْتَقْبل / 20 ظ. القِبلةِ. وَكَانَ يُكثُر الذكِرَ، يستغفُر فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الْمجْلس الْوَاحِد مائَةَ مرّةٍ. كَانَ يُسمَع لصدرِه أزيزٌ كأزيز المِرْجَل من الْبكاء، وآتاه اللهُ مفاتيحَ خَزَائِن الأَرْض فَلم يقبلهَا وَاخْتَارَ الْآخِرَة. وَكَانَ يَعصِب الحَجر على بَطْنه من الْجُوع، ويَبيتُ هُوَ وأهلُه اللياليَ طاوينَ، وَلم يشْبع من خُبز بُرٍّ ثَلَاثًا تِباعاً حَتَّى لقيَ الله - عزّ وجلّ - إيثاراً على نفسِه، لَا فَقْراً، وَلَا بُخلاً. وَكَانَ يَأْتِي على آله الشهرُ والشهران لَا يُوقَد فِي بيتٍ من بيوتهِ نارٌ، وَكَانَ لَا يَأْكُل متَّكئاً، وَلَا على مائدةٍ. وفراشُه من أَدمٍ حَشوه لِيفٌ، وَكَانَت مُعَاتَبَته تَعريضاً، ويَأمر بالرِفق وَينْهى عَن العُنْف، ويحثُّ على العفوِ والصفحِ ومكارمِ الْأَخْلَاق. مَجلسُه مجلسُ عِلم وحَياءٍ وعَفافٍ وأمانةٍ وصيانةٍ وصبرٍ وسكينةٍ، لَا يُرفع فِيهِ الْأَصْوَات، وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الحُرَمُ، أَي لَا تذكر فِيهِ النِّسَاء. يتعاطفون فِيهِ بالتقوى، ويتواضَعون، ويُوقَّرُ الكبارُ، ويُرحَم الصغارُ، ويؤثرون المحتاجَ، ويحفَظون الغريبَ، وَيخرجُونَ أَدلَّةً على الْخَيْر. وَقد جمع الله لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كمالَ الْأَخْلَاق ومحاسنَ الشِيمَ والسياسة التامّة، وآتاه عِلمَ الأوَّلين والآخِرين، وَمَا فِيهِ النجاةُ والفوزُ فِي الْآخِرَة، والغِبطةُ والخَلاصُ فِي الدُّنْيَا. وَهُوَ أُمّيٌ لَا يقرأُ وَلَا يَكتبُ، وَلَا مُعلِّمَ لَهُ من البَشرِ وَاخْتَارَهُ على جَمِيع الْعَالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ذِكرُ مُعجزاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمِنْهَا القرآنُ الَّذِي أًعجزَ الفُصَحاءَ وأعياهم أنْ يَأْتُوا بسورةٍ مِثلِه، وَلَو استعانوا بِجَمِيعِ الخَلْق. وانشقاقُ القَمر لَهُ بمكّةَ إذْ سألتْه قريشٌ آيَة. ونبَعَ المَاء بَين أَصَابِعه الطاهرة، فَشرب مِنْهُ أهل العسْكر كلهم، وهم عِطَاشٌ، وتوضَّؤُوا، كلُّ / 21 و. ذَلِك من قَدَح صغيرٍ ضَاقَ أنْ تبسُط يدُه المكرَّمةً فِيهِ. وأَهراق من وَضُوئه فِي عَيْن تَبوك، وَلَا ماءَ بهَا، ومرَّةً أُخْرَى فِي بِئْر الحُديْبيَة، فجاشَتا بِالْمَاءِ، فَشرب من عَين تَبوك أَهلُ الْجَيْش كلُّهم، وهم ألوفٌ، حَتَّى رَوُوا كلُّهم، وفاضتْ إِلَى الْيَوْم، وشربَ من بِئْر الحُدَيْبيَة ألفٌ وَأَرْبَعمِائَة، حَتَّى رَوُوا، وَلم يكن فِيهَا قبل ذَلِك ماءٌ. وأطعمَ الجيشَ، وهم تِسْعمائَة، من تَمْرٍ أتتْ بِهِ ابنةُ بَشِير بن سعد فِي يَدهَا، فَأَكَلُوا كلُّهم مِنْهُ حَتَّى شَبِعوا، وفَضَلَتُ مِنْهُ فَضْلَةٌ. ورَمَى جيشَ الكفّار بقُبْضَة من تُرابٍ، فعَمِيَتْ عيونُهم، وَنزل بذلك القرآنُ فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذا رميت ولكنَّ الله رَمَى} . وحَنّ إِلَيْهِ الجِذْعُ الَّذِي كَانَ يخطُبُ إِلَيْهِ، إِذْ عُمِل لَهُ المِنْبر، حَتَّى سمع مِنْهُ جميعُ الْحَاضِرين مِثلَ صَوت الإِبِل، فضمّه إِلَيْهِ، فسَكن. وكلَّمهُ ذِراعُ الشَّاة المسمومةِ بِأَنَّهُ مَسمومٌ. وأَخبرَ بالغيُوب، فأنذَر بأنَّ عمَّاراً تقتله الفِئةُ الباغية، وأنَّ عُثْمَان تُصيبُه بَلْوى بعْدهَا الجَنَّةُ، وأنّ الحسنَ بن عليٍّ - رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 عَنْهُمَا - سَيّدٌ يُصْلح اللهُ - عز وَجل - بِهِ [بَين] فئتين عظيمتين من الْمُسلمين، وَكَانَ كل ذَلِك. وأَخبرَ عَن رجلٍ قاتَل فِي سَبِيل الله - عزَّ وجلَّ - بأنَّه من أهلِ النَّار، فَظهر ذَلِك، بأنّ ذَلِك الرجل قَتَل نفْسَه. وأخبرَ بقتْل الأَسْود العَنْسِيّ الكذَّاب ليلةَ قَتْلِه، وَهُوَ بصَنْعاء اليَمن، وأخبرَ بمَنْ قَتله. وَأخْبر بموتِ النَّجاشِيّ بِالْحَبَشَةِ، وَخرج هُوَ وَجَمِيع أَصْحَابه إِلَى البَقيع، فصلَّوا عَلَيْهِ، فَوُجِد قد مَاتَ ذَلِك الْيَوْم. وَخرج من بيتهِ على مائةِ رجلٍ من قريشٍ ينتظرونه ليقتُلوه بزَعْمهم، فَوضع التُّرابَ على رُؤوسهم، فَلم يَروْه. وشكا إِلَيْهِ البعيرُ بحضْرة أَصْحَابه وتذلَّل لَهُ. وَقَالَ لنفَرٍ من أَصْحَابه مُجْتَمعين: أَحدُكم فِي النَّار / 21 ظ. ضِرْسُهُ مثلُ أُحُدٍ، فماتوا كلُّهم على الإِسلام، وَارتدّ مِنْهُم وَاحِد: وَهُوَ الرَّحَّال الحَنَفيّ، فَقُتلَ مرَتدَّاً مَعَ مُسَيْلمة، لعنهما الله. وَقَالَ لآخرين: آخرُكم موتا فِي النَّار، فَسقط آخرُهم مَوْتاً فِي نارٍ، فَاحْتَرَقَ فماتَ. ودعا شجرتين فأتتاهُ جَمِيعًا، ثمَّ أَمرهمَا فافترقتا. وَأخْبر أَنه يَقْتُل أُبيَّ بن خَلَف الجُمحَي، فَخَدشَه يومَ أُحُد خَدْشاً لطيفاً، فَكَانَت مَنيَّتهُ مِنْهَا. وَأخْبر أصحابَه يَوْم بَدْرٍ بمصَارع صَنَادِيد قُرَيْش، ووَقَفهَم على مصَارِعهمْ رجلا رجلا، فَلم يتعدَّ مِنْهُم واحدٌ ذَلِك الْموضع. وزُوِيَتْ لَهُ الأرضُ، فأُرِيَ مشارقَها ومغاربَها، وأَخبرَ ببلوغ أُمّته مَا زُوِيَ لَهُ مِنْهَا، وَكَانَ ذَلِك، فَبلغ مُلْكُهم من أوّل المشرقِ إِلَى آخر الْمغرب، وَلم يَتَّسعوا فِي الْجنُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَالشمَال كلَّ الاتِّساع، كَمَا أخبر سَوَاء بِسَوَاء. ومَسَح ضَرْعَ شَاة لم يَنز عَلَيْهَا الفحلُ فدرَّت. ونَدَرَتْ عَينُ قَتَادة بن النُّعْمَان، فَسَقطتْ، فردَّها [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بيدِه الْمُبَارَكَة المكرَّمة، فَكَانَت أصحَّ عَيْنَيْهِ وأحسنهَما وأجدَّهما. وَكَانُوا يَسمَعُونَ تَسبيحَ الطَّعام بَين يَدَيْهِ. ومعجزاتُه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أكثرُ من أنْ تُحصى. ذِكرُ أَوْلَاده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أوّلُهم الْقَاسِم، وَبِه كَانَ يُكْنَى، وُلدَ بمكَّةَ قبل النبوّة، وعاش أَيّاماً يسيرَة، كَمَا قَالَ ابْن حزم، وَقيل: عَاشَ سِنِين. وَقيل: عاشَ إِلَى أنْ ركب على الدابّة، وَسَار على النَجيبة. ثمَّ وُلد لَهُ زَيْنَب قبل النبوّة، وَقيل: كَانَت أسنَّ من الْقَاسِم، تزوَّجه أَبُو العَاصِي، واسْمه الْقَاسِم بن الرَّبيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمس، وَهُوَ ابْن خَالَتهَا هَالة بنت خُويلد، فولَدت لَهُ عليّاً، أردفه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يومَ الفَتحِ على راحلتهِ، وَمَات صَغِيرا / 22 و. وأُمامَةَ الَّتِي حملهَا النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الصَّلَاة، وَبَلغت حَتَّى تَزوَّجها عليٌّ - رَضِي الله عَنهُ - بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 موت فَاطِمَة - عَلَيْهِم السَّلَام - وَلم تَلِدْ لَهُ، ثمَّ تزوجَّها بعد موت عليٍّ المُغيرةُ بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد المطَّلب، فَولدت لَهُ يحيى، وَبِه يُكْنى، وَمَاتَتْ عِنْد الْمُغيرَة؛ وَقيل: إِنَّهَا لم تلِدْ لَهُ. وَمَاتَتْ زَينب سنة ثمانٍ. ثمَّ وُلد لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قبل النبوّة رُقَيَّة، وَفَاطِمَة، وأمُّ كُلْثُوم، وَقيل فِي كلِّ وَاحِدَة منهنَّ أنَّها أسنُّ من أُختها. وَالَّذِي روى هِشَام بن الكلبيّ عَن أَبِيه عَن أبي صَالح عَن ابْن عبّاس: أنّ أسَنَّ الثَّلَاث رُقيّة، فتزوَّجها عُثمان بن عفّانِ - رَضِي الله عَنهُ - وَهَاجَر بهَا إِلَى الْحَبَشَة الهجرتين، وولَدت لَهُ عبد الله، مَاتَ صَغِيرا، وتُوفيت رُقيّة يَوْم قدوم زيد بن حَارِثَة بشيراً بقتلى بدرٍ. ثمَّ تزوَّج عثمانُ أُمَّ كُلثوم، وَدخل بهَا فِي جُمادى الْآخِرَة سنة ثلاثٍ من الْهِجْرَة، وَمَاتَتْ فِي شعْبَان سنة تسعٍ، وَبِهِمَا سُمِّي عُثمان (ذَا النورين) . وَأما فَاطِمَة - رَضِي الله عَنْهَا - فتزوَّجها عليٌ - رَضِي الله عَنهُ - وَدخل بهَا مرجعَهم من بَدْرٍ، فَولدت لَهُ حَسناً وَحسَيْنا ومُحَسِّناً، مَاتَ صَغِيرا، وأمَّ كُلْثُوم وزينبَ. وتزوَّج زينبَ عبدُ الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب، فولَدت لَهُ عليّاً، لَهُ عَقِبٌ، وَمَاتَتْ فَاطِمَة - رَضِي الله عَنْهَا - بعد النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بستةِ أَشهرٍ. وَقيل: بِثمَانِيَة، وَقيل: بثلاثةٍ أَو دونهَا. وَالْقَوْل الأول اختيارُ عبد الْغَنِيّ وجماعةٍ من الْعلمَاء. ثمَّ وُلِدَ لَهُ عبد الله بعد النبوّةِ، على الصَّحِيح. ويُسمّى الطيِّب / 22 ظ. والطاهرُ على الصَّحِيح. وَقيل: الطِّيبُ والطاهرُ اثْنَان سِواه. وَقيل: كَانَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الطاهرُ والمطهَّر وُلِدا فِي بَطنٍ. وَقيل: كَانَ لَهُ الطيِّب والمطيِّبَ وُلِداً أَيْضا فِي بَطْنٍ. وَقيل: إنَّهم كلَّهم مَاتُوا قبل النبوّة، مَاتَ عبدُ الله بمكّةَ طفْلا، فَقَالَ الْعَاصِ بن وَائِل السهميّ: قد انْقَطع وَلَده، فَهُوَ أَبتر، فَأنْزل الله - تَعَالَى -: {إِن شانئك هُوَ الأبتر} ثمَّ وُلِدَ لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِبْرَاهِيم بِالْمَدِينَةِ فِي ذِي الحِجَّة سنةَ ثمانٍ، وَكَانَت قابِلَتُه سلمى مولاة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَخرجت إِلَى زَوجهَا أبي رَافع مولى النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عُقَيب ولادَة إِبْرَاهِيم فأَعْلَمْته، فجَاء إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فبشَّره بِهِ، فوهب لَهُ عَبداً، وكنّاه بِهِ جِبْرِيل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فسُرَّ بذلك، وعقَّ عَنهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بكبْشٍ يومَ سابعه، وحَلَقَ رأسَه، حَلَقُه أَبُو هِنْد، فتصدَّقَ زِنَةَ شعرهِ فِضَّةً، وأَمَرَ بِشعرِهِ فدُفن، وسمّاه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ليلةَ مولِده. وَقَالَ الزبير: إِنَّه سمّاه يَوْم سابعه. مَاتَ إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - طفْلا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 شهر ربيعٍ الأول، فِي السّنة العاشرةَ من الْهِجْرَة عِنْد ظِئْرهِ أمّ بُردة خَوْلَة بنت الْمُنْذر بن زيد بن لَبيد بن خِدَاش بن عَامر بن غنم بن عَدي بن النجّار، بنت عمِّ أُمِّ عبد الْمطلب سلمى بنت عَمْرو بن زيد. وَقد وهم ابْن الْأمين فِي كِتَابه (الِاسْتِدْرَاك عَليّ أبي عَمْرو بن عبد البرّ) فَقَالَ: إِنَّهَا أرضعت النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَتَبعهُ بعضُ العصريين فحكوا ذَلِك عَنهُ من غير تَعقُّب. وصلَّى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على ابْنه إِبْرَاهِيم - على الصَّحِيح - وَقَالَ: " لأنّ لَهُ ظِئْراً تُتم رَضاعَه فِي الجنَّة " وَقَالَ: " لَو عَاشَ / 23 و. إِبْرَاهِيم لَوضعتُ الجِزيَةَ عَن كلِّ قبطيٍّ " وَقَالَ أَيْضا: " لَو عَاشَ إِبْرَاهِيم مَا رقّ لَهُ خالٌ " وَمَات ابْن سبعين لَيْلَة، وَقيل: ابْن سَبْعَة أشهرِ، وَقيل: ثَمَانِيَة عشر شهرا، وكلُّ أَوْلَاده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من خَدِيجَة إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مارِيَة بنت شَمْعون القِبْطيَّة. وَكَانَت خَدِيجَة تَعقُّ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 كل غلامٍ بِشاتين، وعَن الْجَارِيَة بشاةٍ. وَكَانَت تَسترضع لَهُم، وتُعدّ ذَلِك قبل ولادِها. ذِكر أعمامِه وعمّاتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَبُو طَالب، واسْمه عبد مَنَاف، والزُّبَيْر، وعَبْدَ الكَعبة، وأمّ حَكيم البَيْضاء، وعاتِكةُ، وبَرَّة، وأَرْوى، وأُمَيْمة بَنو عبد الْمطلب، أُمُّهم فَاطِمَة بنت عَمْرو بن عائِذ بن عمرَان بن مَخزوم، وَهِي أمّ عبد الله وَالِد سيّدنا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فأمّا أَبُو طَالب فَلهُ من الوَلَد طالِبٌ، وَهُوَ أكبر وَلَده، مَاتَ كَافِرًا، وعَقِيلٌ وجَعفرٌ وعليٌّ وأُمُّ هَانِئ وجُمَانة، لَهُم صُحْبَة. فَأَما الزُّبير فَكَانَ من أَشْرَاف قريشٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَلم يدْرك الإِسلامِ، وَإِلَيْهِ أوصى عبد الْمطلب. ولَدُه عبد الله، شهدَ مَعَ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حُنيناً وثبتَ يومئذٍ، واستُشهد بأَجْنَاديْن بعد أنْ قَتلَ سَبْعَة. وأَخواتُه ضُباعةُ وأمُّ الحكم وَيُقَال: أمّ حَكيم، وأمّ الزُّبير بناتُ الزُّبير، لهنَّ صحبةُ، وَأما عبد الْكَعْبَة فَلم يُدرك الإِسلام، وأمّا أُمّ حَكِيم الْبَيْضَاء فَهِيَ الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 تَقول: وَالله إِنِّي لحَصَانٌ فَلَا أُكلَّمُ، وصَنَاعٌ فَلَا أُعلَّم. وَهِي تَوْأمةُ عبد الله، وَالِد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَهِي جَدَّةُ عُثْمَان، أمُّ أَروى بنت كُرَيز بن ربيعَة بن حَبيب بن عبد شمس. وَأما عاتِكةُ فاختُلف فِي إسْلَامهَا، وَهِي صَاحِبَة الرُّؤْيَا فِي بدر، وَهِي أُمّ عبد الله وَزُهَيْر وقُريْبَة الْكُبْرَى، إِخوة / 23 ظ. أُمّ سَلَمة لأَبِيهَا. أسلم عبد الله وشهدَ فتحَ مَكَّة وحُنيناً والطائف، ورُميَ الطَّائِف بسهمٍ فقُتل. وَذكر بَعضهم قُرَيْبة فِي الصَحابيات. وَأما برّة فَولدت أَبَا سَلَمة عبد الله بن عبد الْأسد بن هِلال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، أَخا النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الرَّضَاع، ثمَّ أَبَا سَبْرة بن أبي رُهْم بن عبد العُزّى بن أبي قَيس بن عبد وُدّ بن نصْر بن مَالك بن حِسْل بن عَامر بن لُؤَيّ، وهما قَدِيما الإِسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَأما أروى فاختُلف فِي إسْلَامهَا، وَالصَّحِيح أَنَّهَا أَسلمت، وَولدت طُلَيْب بن عُمَيْر بن وَهَب بن عَبْد بن قُصَيّ، كَانَ من الْمُهَاجِرين الأوّلين، شهد بَدْرًا واستُشهد بأَجنادين، لَيْسَ لَهُ عَقِبٌ. وَأما أُمَيْمةُ فولَدت عبدَ الله المُجدَّع فِي الله، استُشهد بأُحُد، وَأَبا أَحْمد الشَّاعِر الْأَعْمَى، واسْمه عبد. وزَينبَ أمَّ الْمُؤمنِينَ، وأُمَّ حَبيب حَبيبة، وحَمْنَةَ - رَضِي الله عَنْهُم - وعُبيدَ الله الَّذِي تنصَّر بِالْحَبَشَةِ، أَوْلَاد جَحْش بن رِئاب. كَذَا ذكر الدمياطي أَوْلَاد جَحْش. فعَدَّ الْبَنَات ثَلَاثًا. وَقَالَ: أُمّ حَبيب حَبِيبَة. وَقَالَ بَعضهم: أُمّ حَبيب. وَلم يُسمِّها، وفرّق بَينهَا وَبَين حَمْنَة. وَالْأَكْثَرُونَ كَمَا قَالَ أَبُو عُمر: قَالُوا أُمّ حَبيب بِغَيْر هَاء. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: أُمُّ حَبيبة وَاسْمهَا حَمْنَة، فَلم يفرِّق بَينهمَا. وَقَالَ السُّهيليّ: كَانَت زَيْنَب تَحت زيد بن حَارِثَة، وأُم حَبيب تَحت عبد الرَّحْمَن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 عَوْف، وحَمْنَة تَحت مُصعب بن عُمير. وَقَالَ: وَقع فِي الموطّأ وهْمٌ أنّ زيَنب كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَلم يقلهُ أَحدٌ، والغَلَطُ لَا يَسلم مِنْهُ بشر. غير أنّ شَيخنَا أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن نجاح أخبرنَا / 24 و. أنّ أُمَّ حبيب كَانَ اسْمهَا زَيْنَب، فهما زَينبان، غَلبت على إِحْدَاهمَا الكُنية، فعلى هَذَا لَا يكون فِي حَدِيث الموطّأ وهمٌ. وَالله أعلم. وحَمْزةُ، والمُقَوَّم، والمُغيرة، ولقبُه جَحْل، بِتَقْدِيم الْجِيم الْمَفْتُوحَة على الْحَاء الْمُهْملَة الساكنة. وَمَعْنَاهُ السِقَاء الضَخْم وَقيل: بِتَقْدِيم الْحَاء، وَمَعْنَاهُ القَيْد والخَلْخَال، وصَفيّةُ. وَزَاد بَعضهم العَوَّام، بَنو عبد الْمطلب، وأُمُّهم هَالة بنت وُهَيب بن عبد مَنَاف بنت عَم آمِنَة أُمّ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فأمّا حَمزةُ فَهُوَ أَسدُ الله وأَسَدُ رسولِه، وَأَخُوهُ من الرَضاعة، أَسلمَ قَدِيما فِي السّنة الثَّانِيَة من النبوّة، وَقيل: فِي السّنة السَّادِسَة قبل إِسْلَام عُمر، وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 أسنَّ من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِأَرْبَع سِنِين، وَقيل: سنتَيْن. وَكَانَ يُقَاتل بَين يَديْ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بسيفين، وَيَقُول: أَنا أسدُ الله، استُشهد بأُحد بعد أنْ قتل جمَاعَة من الكفّار. وَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " حَمزةُ سيّد الشُّهَدَاء ". وَقَالَ: " أيْ عَم، لقد كنتَ وَصُولاً للرحم، فَعولاً لِلخير ". ولَدَ جمَاعَة من الذُّكُور والإِناث، وَانْقطع عَقِبُه - رَضِي الله عَنهُ -. وَأما المقوَّم فَقَالَ بعض الْعلمَاء: إنّه وَعبد الْكَعْبَة واحدٌ. وفرّق بَينهمَا آخَرُونَ. وَبِذَلِك جزم الدمياطي. وأمّا المُغيرة فلَم يُدرك الإِسلام. . وأمّا صَفيّةُ فتزوَّجها فِي الْجَاهِلِيَّة الْحَارِث بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس، فولَدت لَهُ صيفيَّ بن الْحَارِث، فَمَاتَ عَنْهَا فتزوَّجها العوّام بن خويلد، فَولدت لَهُ الزُّبيرَ والسائب قُتل يَوْم الْيَمَامَة، وأُمَّ حَبيب. أسلمت صَفيّةُ وَهَاجَرت، وَمَاتَتْ سنة عشْرين، وسِنُّها ثلاثٌ وَسَبْعُونَ سَنة، ودُفنت بِالبَقِيعِ، والعَبَّاسُ / 24 ظ. وضِرَارُ ابْنا عبد الْمطلب، أُمُّهما نَتلة، وَيُقَال: نُتْيلة بنت جَناب بن كَلب بن النَّمر بن قاسط. فأمّا العَبّاسُ فَكَانَ أصغرَ الْأَعْمَام سِنّاً، وَكَانَ أسنَّ من النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِثَلَاث سِنِين، وَقيل: كَانَ أسنَّ مِنْهُ بِسنتَيْنِ أَو ثلاثٍ. وَرُوِيَ أَنه أَسلمَ قبل بَدرٍ، ولكنَّه كَانَ يَكتمُ إِسْلَامه، وَقيل: أَسلم قبل وقْعَة خَيْبَر. وَشهد فتحَ مكّة وحُنيناً والطائفَ، وثبتَ يَوْم حُنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يجلّه ويعظّمه. وَكَانَ أَيسرَ بني هَاشم. أعتقَ قبل مَوته سبعين مَمْلُوكا، وَكَانَ لَهُ عشرةُ بَنينَ وثلاثُ بناتٍ: الفَضْل، وَبِه كَانَ يُكنى، وَكَانَ أكبرَ وَلَده، وعبدُ الله، وعُبَيْد الله، وقُثَم، وعبدُ الرَّحمن، ومَعْبَد، وعَوْن، وكُثَيّر، والحارثُ، وتَمَّام، وَكَانَ أَصْغَرهم، وآمنة وأُمّ حبيب وصفيّة. تُوفي العبّاس - رَضِي الله عَنهُ - فِي شهر رجَب، وَقيل: فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقيل: سنة أربعٍ وَثَلَاثِينَ. وَقد قَارب التسعين. وأمّا ضِرَارُ فَمَاتَ أَيَّامَ أُوحي إِلَى النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَكَانَ جميلاً سخيّاً. والْحَارث وقُثَم ابْنا عبد الْمطلب أمُّهما صَفية، وَقيل: سَمْراء بنت جُنْدب بن جُحَير بن رِئاب بن حبيب بن سُوَاءة. فَأَما الحارِثُ فَكَانَ أكبرَ وَلَد عبد الْمطلب، وَبِه كَانَ يُكنى، وَمَات فِي حَيَاة أَبيه، مِن وَلَدِه وَولده ولَدِه جَماعةٌ لَهُم صُحبة. وَأما قُثَم فَمَاتَ صَغِيرا، وَلم يُدرك الإِسلام. وَقد قيل: إنّ الْحَارِث لَا شقيقَ لَهُ، وقُثَم شَقِيق العبّاس. وَالْأول هُوَ الَّذِي جزم بِهِ الدِّمياطي وَغَيره. وَأَبُو لَهَب عبد العُزَّى بن عَبد الْمطلب، وأُمّه لُبْنى بنت هَاجِر الخُزاعيّة، من وَلَدِه عُتْبَة ومُعَتِّب، أسلما وثَبتا يومَ حُنْين / 25 و. ودُرَّة لَها صُحبة، وعُتَيْبَةُ مَاتَ كَافِرًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 قَتلَه الأسدُ بالزَّرْقاء بدعوة النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وغلَطَ بَعضهم كَمَا أَفَادَ ابْن الْجَوْزِيّ وغيرُه فَقَالَ: إنّ الَّذِي قَتله الْأسد عُتبة. مَاتَ أَبُو لَهَب مِيتةً شَنيعةً بعد بَدْرٍ بتسعةِ أَيَّام. والغيْدَاق واسْمه مُصعب، وَقيل: نَوْفَل بن عبد الْمطلب، وأُمُّه مُمنَّعة بنت عَمْرو الخُزاعية، لُقِّب الغَيْدَاق لِأَنَّهُ كَانَ أَجود قُرَيْش. وَأَخُوهُ لأُمِّه عَوْف بن عبد عَوْف بن عبد بن الْحَارِث بن زُهْرة بن كِلاب أَبُو عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَحد الْعشْرَة. وزعمَ بعضُهم أنّ الغَيْدَاق، وحَجْلاً المتقدِّم وَاحِد. وَالَّذِي جزم بِهِ جمَاعَة مِنْهُم الدمياطي أَنَّهُمَا اثْنَان كَمَا بَيَّنا. قَالَ ابْن سعد: والعقِب من بني عَبد المطّلب للعبّاس وَأبي طَالب والحارِث وأَبي لَهب. قَالَ: وَقد كَانَ لحمزةَ والمقوِّم وحَجْل والزُّبير بني عبد الْمطلب أَوْلَاد لأصلابهم، فهلكوا، وَالْبَاقُونَ لم يُعْقبِوا. وَأسلم مِنْهُم حَمزةُ والعبّاسُ وصَفيّةُ، واختُلف فِي إِسْلَام عَاتِكَة وأَروى كَمَا بَيَّنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ذكرُ زوجاتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن أبي سعيد الخُدري - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " مَا تزوَّجتُ شَيْئا من نسَائِي، وَلَا زوَّجتُ شَيْئا من بَنَاتِي إِلَّا بِوَحْي جَاءَنِي بِهِ جِبْرِيل عَن رَبِّي - عز وَجل - " وأولاهنَّ أمّ هِنْد خَديجةُ الطاهرة بنت خُوَيْلد بن أَسَد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ القُرشيّة الأَسَديّة، كُنيت بِوَلَدِهَا من أبي هَالة، وَكَانَت قبلَه عِنْد عَتيق بن عَابِد بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، فولَدت لَهُ جَارِيَة تُدعى هِند، ثمَّ خَلَف عَلَيْهَا أَبُو هَالة مَالك بن النبَّاش بن زُرَارة / 25 ظ. بن وقدان بن حبيب بن سَلامَة بن عديّ بن جروة بن أسيد بن عَاصِم بن تَمِيم، فَولدت لَهُ كَمَا قَالَ ابْن حزم ولَدين ذكَرَين، وهما هِنْد والْحَارث، وَابْنَة اسْمهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 زَيْنَب، وَقيل: إِن عتيقاً خَلَف عَلَيْهَا بعد أبي هَالة، ثمَّ تزوجّها رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما رَجَعَ من سَفَره الثَّانِي من الشَّام، وَهُوَ ابْن خمسٍ وَعشْرين سنة على الصَّحِيح. وَقيل: إِحْدَى وَعشْرين، وَقيل: ثَلَاثِينَ. وَكَانَ سنُّها أَرْبَعِينَ سنة، وَقيل: خمْسا وَأَرْبَعين. وَقيل: ثَلَاثِينَ، وَقيل: ثمانياً وَعشْرين. أنْكحهَا مِنْهُ أَبوها، وَقيل: عمُّها عَمرو بن أَسد، وَقيل: أَخُوهَا عَمْرو بن خويلد. وَالْقَوْل الأول قَول ابْن إِسْحَاق، وَالثَّانِي اخْتِيَار الْوَاقِدِيّ. وَرُوِيَ أنّ النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أصدقهَا اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ذهب. وَكَانَت أولَ مَنْ صدّق بالنبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وآمنَ بِهِ، وَلم يتزوَّجْ فِي حَيَاتهَا غيَرها. وَقَالَ جِبْرِيل للنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إقرأ عَلَيْهَا السلامَ من ربَّي ومنِّي، وبَشَّرها ببيتٍ فِي الجِنَّة من قصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَب. وَمَاتَتْ خَدِيجَة بمكةَ لعشرٍ خَلت من شهر رَمَضَان قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين على الأصحّ. وَقيل: بِخمْس سِنِين، وَقيل: بأربعٍ، بعد وَفَاة أبي طَالب بِثَلَاثَة أَيَّام. وَقيل: مَاتَت فِي حَيَاة أبي طَالب. وَالْمَشْهُور أَنَّهَا مَاتَت بعده. ودُفِنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 بالحَجُون، ونزلَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي قبرها ثمَّ تزوَّجَ أمَّ الْأسود سَوْدة بنت زَمْعَة بن قيس بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن نَصر بن مَالك بن حِسْل بن عَامر بن لُؤَيّ بن غَالب بن فِهر القرشيّة العامريّة. وَكَانَت قبل النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عِنْد السَّكْران بن عَمْرو بن عبد شمس بن عبد وُدّ، أخي سَهل وسُهيل وسَليط وحاطِب، وكلُّهم أسلم وصحبَ النبيَّ / 26 و. [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هَاجر بهَا السَّكران إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة، ثمَّ رَجَعَ بهَا إِلَى مَكَّة، فَمَاتَ بهَا. وَقيل: مَاتَ بِالْحَبَشَةِ. فَلَمَّا حَلَّت تزوَّجها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي شهر رَمَضَان بعد موت خَدِيجَة بأيام قبل عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - وَقيل: تزوَّجها بعد موت خَدِيجَة بسنةٍ قبل الْهِجْرَة بِأَرْبَع سِنِين، وَقيل: تزوّجها بعد عَائِشَة وَأصْدقهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَكَبرت عِنْد النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأَرَادَ طَلاقهَا فِي السّنة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة، فَوهبت يَوْمهَا لعَائِشَة وَقَالَت: لَا حاجَة لي فِي الرِّجَال، وَإِنَّمَا أُريد أَنْ أُحسَبَ فِي زوجاتك. فأمسكَها وَقيل: إِنَّه طلَّقها وراجعها. وَالصَّحِيح الأول. مَاتَت آخر خلَافَة عمر بن الْخطاب. وَقيل: مَاتَت فِي شوّال سنة أَربع وَخمسين. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِنَّه الثَبْت. والأولُ قولُ الْأَكْثَرين. ثمَّ تزوَّج رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد سَوْدة بشهرٍ أُمَّ عبد الله عَائِشَة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قُحافة عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤَيّ بن غَالب بن فِهر، تَزوَّجها قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ، وَقيل: بثلاثٍ، وَهِي ابْنة سِتّ سِنِين، وَقيل: سبع سِنِين. قَالَ عبد الْغَنِيّ: والأوّل أَصحّ. وَبنى بهَا فِي شوّال على رَأس ثَمَانِيَة أشهر من مُهاجره على الصَّحِيح. وَقيل: على رَأس سَبْعَة أشهرٍ. وَقيل: على رَأس ثَمَانِيَة عشر شهرا. وَهِي ابْنة تِسعٍ. وَلم يتزوَّجِ بكرا غيَرها. وُلدت سنة أَربع من النبوّة، وَمَاتَتْ لَيْلَة الثُّلَاثَاء لسبع عشرَة خلونَ من شهور رَمَضَان سنة ثمانٍ وَخمسين، وصلّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة، ودُفنت بالبَقِيع، وَقيل فِي تأريخ وفاتها غير ذَلِك / 26 ظ. وَقيل: إِنَّهَا أَسقطت من النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جَنيناً يُسمّى عبد الله، فكنِّيتْ بِهِ. وَلم يصحَّ ذَلِك. وَفِي سُنن أبي دَاوُد: أنّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كنّاها بِابْن أُخْتهَا عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الزبير - رَضِي الله عَنْهُم - ثمَّ تزوَّج رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَفصةَ بنت عُمَر بن الخطّاب بن نُفيل بن عَبد العُزَّى بن ريَاح بن عبد الله بن قُرط بن رزاح بن عَديّ بن كَعْب بن لؤيّ بن غَالب بن فهر - رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَت قبلَه عِنْد خُنَيس بن حُذَافة بن قَيس بن عَديّ بن سعد أخي سُعَيْد ابْني سَهْمٍ أخي جمح ابْني عَمْرو بن هُصَيْص بن كَعْب بن لُؤيّ، فَمَاتَ عَنْهَا بِالْمَدِينَةِ بعد رُجُوعه من بدرٍ على رَأس خَمْسَة عشر شهرا من الْهِجْرَة، وَلم يشْهد بَدْرًا سَهْميٌ غيرهُ، ثمَّ تزوَّجها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي شعْبَان على رَأس ثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة قبل أُحد بشهرين. وَقيل: تزوَّجها فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: إِن خُنَيْساً شهد أُحداً ونالته جراحاتٌ مَاتَ بهَا بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: فعلى هَذَا يكون تزوّجها بعد أُحد، لأَنهم أَجمعُوا على أَنَّهَا تأيّمت من خُنَيْس. وَالْقَوْل الأول هُوَ الَّذِي جزم بِهِ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطيّ - رَحْمَة الله تَعَالَى - وَرُوِيَ أنَّ الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] طلّقها، فَأَتَاهُ جِبْرِيل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقَالَ: إنّ الله يأمركَ أَنْ تراجعَ حَفصةَ، فَإِنَّهَا صوَّامة قوَّامة، وَإِنَّهَا زَوجتك فِي الجنّة، فراجَعها. وُلِدتْ حفصةُ قبل النبوّة بِخمْس سِنِين، وتُوفّيت فِي شَعبان سنة خمسٍ وَأَرْبَعين. وَقيل غير ذَلِك. ثمَّ تزوّج زينبَ بنت خُزَيمة بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الْحَارِث بن عبد الله بن عَمْرو بن عبد مَنَاف بن هِلال بن عَامر بن / 27 و. صَعْصَعة بن مُعَاوِيَة أخي سعد. رضيعا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ابْني بَكْر بن هَوَازِن بن مَنْصُور بن عِكرمة بن خَصَفة بن قيس بن عَيلان القيسيّة، فِي شهر رَمَضَان فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة، وَهِي أُمُّ الْمَسَاكِين، كُنِّيتْ بذلك فِي الْجَاهِلِيَّة، لرأفتها بهم ورحمتها وإحسانها إِلَيْهِم، ولمَّا خطبهَا رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جَعلت أَمرَها إليهِ، فتزوَّجها وَأصْدقهَا اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشّاً. والنشُّ النّصْف، وَذَلِكَ خَمْسمِائَة درهمٍ. لأنّ الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ درهما. وَكَانَت قبله عِنْد الطُّفيل بن الْحَارِث بن المطَّلب بن عبد مَنَاف بن قُصيّ، فطلّقها، فتزوّجها أَخُوهُ عُبيدة بن الْحَارِث، فقُتل عَنْهَا يَوْم بدرٍ شَهِيدا، فخلَفَ عَلَيْهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَبِهَذَا جزم الدمياطيّ. وَقيل: كَانَت تَحت عبد الله بن جَحْش، قُتل عَنْهَا يَوْم أُحد، فتزوّجها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . قَالَه ابْن عبد الْبر، وَحَكَاهُ عَن ابْن شهَاب، وصحّحه عبد الْغَنِيّ. ومكثتْ عِنْد النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَمَانِيَة أشهرٍ، وَمَاتَتْ فِي آخر شهر ربيعٍ الآخر من السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَصلى عَلَيْهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ودفنها بالبَقيع، وَقد بلغت ثَلَاثِينَ سنة أَو نَحْوهَا، وَقيل: إِنَّهَا مكثت عِنْد النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَبِه جزم عبد الْغَنِيّ - رَحمَه الله - وبالأول جزم الدمياطي - رَحمَه الله تَعَالَى - وَلم يَمتْ من أَزوَاجه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي حَيَاته غيرُها وَغير خَدِيجَة. وَفِي ريحانَة خلافٌ كَمَا سَيَأْتِي بيانُه. وَحكى ابْن عبد الْبر عَن أبي الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز الجرجانيّ: أنَّ زَيْنَب هَذِه أُخْت مَيْمُونَة بنت الْحَارِث لأمّها. وَقَالَ: إِنَّه لم يرَ ذَلِك لغيره. ثمَّ تزوّج أُمَّ سَلَمة، وَاسْمهَا هِنْد، وَقيل: رَملة بنت أبي أُميّة / 27 ظ. حُذَيفة، وَقيل: سُهيل، وَهُوَ زَاد الرَّاكِب بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عُمر بن مَخزوم بن يَقَظة بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤيّ بن غَالب بن فِهر. وَكَانَت قبله عِنْد أبي سَلَمة عبد الله بن عبد الأسَد بن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم بن برّة عَمّة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَهَاجَر أَبُو سَلَمة - رَضِي الله عَنهُ - إِلَى أَرض الْحَبَشَة بِزَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمة الهجرتين، فَولدت لَهُ هُنَاكَ بَرّة، فسمّاها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] زَيْنَب. ووَلدت لَهُ بعْدهَا سَلَمة ودُرّة. اسْتَخْلَفَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على الْمَدِينَة حِين خرج إِلَى غَزْوَة العُشيرة، ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 شهد مَعَه بَدْرًا وأُحداً ورُمي يَوْمئِذٍ بسهمٍ فِي عَضُده فَمَكثَ شهرا يداوي جُرحَه، ثمَّ بَرأ الجُرح، وَبَعثه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي هِلَال المحرَّم، على رَأس خمسةٍ وَثَلَاثِينَ شهرا من مُهاجره، وَبعث مَعَه مائَة وَخمسين رجلا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَى قَطَن بِنَاحِيَة فَيْد، بِهِ مَاء لبني أسَد بن خُزيمة، فَغَاب تسعا وَعشْرين لَيْلَة، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة فَانْتقضَ جُرحُه فَمَاتَ مِنْهُ، لثمانٍ خَلت من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أربعٍ من الْهِجْرَة، فاعتدَّت أُمُّ سَلمة وحَلَّت لعشرٍ بَقينَ من شهر شوّال سنة أَربع، وتزوّجها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لليالٍ بقينَ مِنْهُ، وَبنى بهَا فِيهِ. وَذكر ابْن عبد الْبر: أنّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تزوّج أُمَّ سَلَمة سنة اثْنَتَيْنِ بعد وقْعَة بدرٍ، عقدَ عَلَيْهَا فِي شوّال، وابتنى بهَا فِي شوّال. وبالأول جزم الدمياطيّ - رَحمَه الله - وغيرُه. وَمَاتَتْ أم سَلَمة فِي شوّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فِي ولَايَة يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَقيل: سنة تسعٍ وَخمسين، فِي ذِي الْقعدَة. وَالْأول / 28 و. هُوَ الصَّحِيح، لِأَن فِي (صَحِيح مُسلم) أنّ الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة، وَعبد الله بن صَفوان دخلا على أُمّ سَلَمة فَسَأَلَاهَا عَن الْجَيْش الَّذِي يُخسفُ بِهِ. وَكَانَ ذَلِك فِي أَيَّام ابْن الزُّبير وَيزِيد بن مُعَاوِيَة. وَكَانَت ولَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 يزِيد بن مُعَاوِيَة يَوْم الْخَمِيس لثمانٍ بَقينَ من رَجَب سنة سِتِّينَ، وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ مُعَاوِيَة. وَمَات يزِيد فِي رَجَب سنة أربعٍ وَسِتِّينَ. ثمَّ تزوّج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أُمَّ الحكم زَينب بنت جَحْش بن رِئاب بن يَعْمُر بن صَبِرة بن مُرّة بن كَبير بن غَنْم بن دُوْدَان بن أَسد بن خُزيمة بن مُدركة لِهلالِ ذِي الْقعدَة سنة أربعٍ على الصَّحِيح، وَهِي يومئذٍ بنت خمسٍ وَثَلَاثِينَ. وَقيل: تزوَّجها سنة ثلاثٍ، وَقيل: سنة خمسٍ، وَهِي ابْنة عمَّته أُميمةً، وَكَانَ اسْمهَا برَّة فسمَّاها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] زَيْنَب. وَكَانَت كَثِيرَة الْخَيْر والصَّدَقة. تدبغ وتَخرز وتتصدَّق. وفيهَا نزل قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} الْآيَة وَكَانَت تَفْخَر على نسَاء النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَتقول: زوَّجني الله من السَّمَاء. وفيهَا نزلت آيَة الحِجاب. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أسرعكُنَّ لُحُوقا بِي أطولكنّ يدا " وَكَانَت قَصِيرَة الْيَدَيْنِ. فَلَمَّا تُوفِّيت علمنَا أَنما أَرَادَ بطول الْيَد الصَّدَقَة. مَاتَت سنة عشْرين، فَكَانَت أسرعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 نساءٍ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لُحُوقا بِهِ. كَمَا أخبر [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقيل: هِيَ أول امْرَأَة حُملت على نَعشٍ مُغطَّىً، أشارت بِهِ أَسمَاء بنت عُميس وَكَانَت رَأَتْهُ فِي الحَبشة. وَالَّذِي ذكر أَبُو عمر بن عبد الْبر: أَن أوّل إمرأة حُملت على / 28 ظ. نَعْشٍ مغطى بِإِشَارَة أَسمَاء، فَاطِمَة بنت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ زَيْنَب بنت جَحش. ثمَّ تزوّج [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جُوَيْريَةَ بنت الْحَارِث بن أبي ضِرار بن حبيب بن عَائِذ بن جَذيمة، وَهُوَ المُصطَلِق بن سعد بن كَعْب بن عَمْرو بن ربيعَة بن حَارِثَة بن عَمْرو مُزيقياء بن عَامر بن مَاء السَّمَاء الأزْديّة الخُزاعيّة المُصطلِقية، سُبيت يَوْم المُرَيسيع فَوَقَعت فِي سَهم ثَابت بن قيس بن شَمَّاس، فكاتبها على تسعِ أواقي، فأدّى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَنْهَا كتَابَتهَا وتزوّجها فِي سنة ستٍ من الْهِجْرَة، وَهِي ابْنة عشْرين سنة، وَكَانَت تَحت مُسافِع بن سَرْح بن مَالك بن جَذيمة. فقُتل يَوْم المُرَيسيع. وَقَالَ الشَّعْبيّ: كَانَت جُوَيرية مِن مِلكِ الْيَمين فَأعْتقهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وتزوَّجها. وَقَالَ الْحسن: مَنَّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على جُوَيرية وتزوّجها. وَقيل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 جَاءَ أَبوهَا فافتداها ثمَّ أَنكحها رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد ذَلِك. وَقيل: إِن أَبَاهَا قدِم على النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَفْدي ابْنَته فأَسلم وأَسلم مَعَه ابْنَانِ لَهُ وأناسٌ من قومه. وَالله أعلم. وَكَانَ اسْمهَا بَرَّة فحولّه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وسمّاها جُوَيْرية، كرِه أنْ يُقَال: خرج من عِنْد بَرَّة. تُوفّيت فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين. وَقيل: سنة خمسين. ثمَّ تزوّج [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رَيحانَةَ بنت زيد بن عَمْرو بن خُناقة بن شَمْعُون بن زيد، من بني النَّضير، وَكَانَت متزوجةً رجلا من بني قُرَيْظَة يُقال لَهُ: الحكَم. فنسبها بعض الروَاة إِلَى بني قُرَيظة لذَلِك. قَالَه الدمياطي. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: الْأَكْثَر أَنَّهَا من بني قُرَيظة. وَكَانَت امْرَأَة جميلَة وسيمةً / 29 و. وَقعت فِي السَّبي يَوْم بني قُرَيظة، فَكَانَت صَفِيَّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فخيَّرها بَين الإِسلام ودينها، فَاخْتَارَتْ الإِسلام، فَأعْتقهَا وتزوّجها، وَأصْدقهَا اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونَشاً، وأعرس بهَا فِي المحرَّم سنة ستٍ من الْهِجْرَة، وغارتْ عَلَيْهِ غيرَة شَدِيدَة، فطلَّقها تَطْلِيقَة، فَأَكْثَرت الْبكاء، فَدخل عَلَيْهَا وَهِي على تِلْكَ الْحَال فَرَاجعهَا. وَمَاتَتْ مرجِعَ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من حجَّة الْوَدَاع، ودفنها بِالبَقِيعِ، وَقيل: إِنَّه لم يتزوّجها، وَكَانَ يَطأُها مِلك الْيَمين، وَإنَّهُ خيّرها بَين أنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 يتزوّجها وَبَين أنْ تكون فِي مِلكه فَاخْتَارَتْ أنْ تكون فِي مِلكه حَتَّى تُوفِّي عَنْهَا، قَالَ الدمياطي - رَحمَه الله - وَالْقَوْل الأول أثبت الْأَقَاوِيل عِنْد مُحَمَّد بن عمر، وَهُوَ الأَمرُ عِنْد أهل الْعلم. ثمَّ تزوّج [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أُمَّ حَبِيبة رَمْلَةَ، وَقيل: هِنْد بنت أبي سُفْيان صَخر بن حَرْب بن أُميّة بن عبد شَمس بن عبد مَناف بن قُصي القرشيّة الأمويّة، وأخوها لأبويها حَنظلة بن أبي سُفْيَان، قَتله عليٌّ يَوْم بدرٍ كَافِرًا، أُمُّهما صَفيَّة بنت أبي الْعَاصِ بن أُميّة، عمّة عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ. هَاجَرت أُمُّ حَبيبة مَعَ زَوجهَا عُبيد الله بن جَحْش إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة، فَولدت لَهُ هُنَاكَ حَبِيبة، فكُنيت بهَا، وتنصَّر زَوجهَا عُبيد الله، وارتدّ عَن الإِسلام، وَمَات على ذَلِك، وَثبتت أُمُّ حَبيبة على الإِسلام. وَذكر مُوسَى بن عُقْبة فِيمَن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة حَبيبة بنت عُبيد الله بن جَحْش فِي بَاب حَبيبة بنت أبي سُفْيَان. وَذكر فِي تَرْجَمَة أمّها أَنَّهَا وَلدت لزَوجهَا حَبيبة بِأَرْض الْحَبَشَة. وَبعث النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَمْرو بن أميّة الضمرِي إِلَى النَجاشيّ فِي المحرّم على الأصحّ. وَقيل: فِي ربيعٍ الأول / 29 ظ. سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 سبعٍ من الْهِجْرَة، فزوّجه إيّاها. وَكَانَ الَّذِي أنْكحهَا وَعقد عَلَيْهَا خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميّة على الأصحّ. وَقيل: عُثمان بن عفّان. وأصدق النجاشيُّ عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَرْبَعمِائَة دِينَار على الأصحّ، وَقيل: أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم، وَبعث بهَا مَعَ شُرحبيل بن حَسنة، وجهّزها من عِنْده، وَذَلِكَ فِي سنة سبعٍ، وَقيل: فِي سنة ستٍ، وَقيل تزوّجها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد رُجُوعهَا من أَرض الْحَبَشَة. وَالْمَشْهُور أَنه تزوّجها وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة. وَفِي صَحِيح مُسلم: أَن أَبَا سُفْيَان طلبَ من النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أنْ يتزوّجها، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك، وَقد عُدّ هَذَا من أَوْهَام مُسلم رَحمَه الله، مَاتَت سنة أَربع وَأَرْبَعين، وَقيل غير ذَلِك، ودُفِنت بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بِدِمَشْق. ثمَّ تزوّجَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَفيَّة بنت حُيَيّ بن أخْطَب، من بني النّضير، من أَوْلَاد هَارُون بن عِمران أخي مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام - كَانَت عِنْد سلاّم بن مِشْكم القُرظي الشَّاعِر ففارقها، فخلف عَلَيْهَا كِنانة بن الرَّبيع بن أبي الحُقَيق النَّضري الشَّاعِر، فقُتل عَنْهَا يَوْم خَيبر، وَلم تَلد لأحدٍ مِنْهُمَا شَيْئا. فاصطفاها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لنَفسِهِ فَأعْتقهَا وتزوّجها، وَجعل عِتقها صداقَها، وَلم تبلغ سبعَ عشرَة سنة، وَمَاتَتْ فِي شهر رَمَضَان سنة خمسين، وَقيل: سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، وَقيل: سنة ستٍ وَثَلَاثِينَ. ودُفنت بالبَقيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ثمَّ تزوّج [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ميمونةَ بنت الْحَارِث بن حَزْن بن البُجَير بن الهُزَم بن رُوَيْبة بن عبد الله بن هِلَال بن عَامر بن صَعْصَعة العامريّة، وَكَانَ اسْمهَا بَرّة فسمّاها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 30 و. مَيمونة، زوّجة إِيَّاهَا العبّاس بن عبد المطَّلب، وَكَانَ يَلِي أَمرها، فِي شوّال سنة سبعٍ. وَكَانَت خَالَة خَالِد بن الْوَلِيد، وَعبد الله بن عبّاس، وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة عِنْد مَسْعُود بن عَمْرو بن عُمير الثقفيّ ففارقها، وخَلَف عَلَيْهَا أَبُو رُهْم أَخُو حُوَيْطب ابْنا عبد العُزَّى. فتوفِّي عَنْهَا فتزوّجها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَقيل: كَانَت عِنْد فَروة بن عبد العُزَّى. وَقيل: عِنْد سَخْبَرة بن أبي رُهْم. وَقيل: عِنْد حُوَيْطب بن عبد العُزَّى أخي أبي رُهْم. مَاتَت بسَرِف سنة إِحْدَى وَخمسين على الأصحّ. وَقد بلغت ثَمَانِينَ سنة. وَقيل: سنة ثلاثٍ وَسِتِّينَ، وَقيل: سنة ستٍ وَسِتِّينَ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ باطلان. لِأَن فِي الصَّحِيح أَنَّهَا توفِّيت فِي حَيَاة عَائِشَة. هَؤُلَاءِ نساؤه الْمَدْخُول بهنّ ثنتا عشرَة امْرَأَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَمَات عَن تسعٍ منهنّ كَمَا بيّنا. وَمَا ذَكرْنَاهُ من ترتيبهنّ هُوَ الْمَشْهُور كَمَا ذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم المنذريّ، وَبِه جزم تِلْمِيذه الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي - رحمهمَا الله تَعَالَى - وَفِي تَرْتِيب بعضهنّ خلاف، نبَّهتُ عَلَيْهِ فِيمَا سبق. وَأما مَنْ لم يدْخل بهنّ، ومَنْ وهبت لَهُ، ومَنْ خَطبها، وَلم يتَّفق تَزْوِيجهَا فثلاثون امْرَأَة، على اختلافٍ كثيرٍ فِي بعضِهنّ، تركنَا ذكرهنَّ اختصاراً. ذِكر سَرارية [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مارِيَة بنت / 30 ظ. شمْعون القُبْطيّة، أُمّ ولَده إِبْرَاهِيم. وَكَانَت فِي حَفْن من كُورة أَنْصِنَا من صَعيد [مِصر] أهداها لَهُ المُقَوْقَس. تُوفِّيت فِي سنة عشرَة، وَقيل: خمس عشرَة، وصَلّى عَلَيْهَا عُمر، ودُفنت بالبَقِيع. رَيْحانةُ بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 زيد النَّضْريّة. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: استسرها ثمَّ أعْتقهَا فلحقت بِأَهْلِهَا، وَلَيْسَ بِصَحِيح. جُوَيريَة بنت الحارِث على قَول: وَقد سبقَ ذكرهَا وَذكر رَيْحَانَة فِي الزَّوْجَات. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ لَهُ أربعٌ: مارِيَةُ، ورَيْحانة، وأُخرى جَميلة أَصَابَهَا فِي السَّبي، وأُخرى وهبتها لَهُ زَينبُ بنتَ جَحْش. وَقَالَ قَتادة: كَانَ للنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وليدتان، مارِيَة، وَبَعْضهمْ يَقُول: رُبَيحة القُرظيّة. ذكرُ خَدَمِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمن الرِّجَال أَبُو حَمْزَة أَنَس بن مَالك الأنصاريّ، وهِند وأَسماءُ ابْنا حَارِثَة الأَسلميّان، ورَبيعة بن كَعْب الأَسْلَمي، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَكَانَ صَاحب نَعليه، إِذا قَامَ أَلبسه إيّاهما، وَإِذا جلس جَعلهمَا فِي ذِراعه حتّى يقوم، وعُقْبة بن عَامر الجُهَني، وَكَانَ صاحبَ بَغلته يَقُود بِهِ فِي الأَسفار، وأَسْلَع بن شَريك بن عَوف، وَكَانَ صَاحب راحلَتِه، وبلال بن رَبَاح المؤذِّن، وَسعد مَوْليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أبي بكر الصدِّيق، وَأَبُو الْحَمْرَاء هِلَال بن الْحَارِث، وَقيل: ابْن ظَفر، وَذُو مِخْمَر وَيُقَال: مِخبَر، ابْن أخي النجاشيّ، وَيُقَال: أُخْته. وبُكير وَيُقَال بكر بن شدّاخ اللَّيثي، وَأَبُو ذَرِّ الْغِفَارِيّ، ومُهاجر مولى أُمّ سَلَمة، وأَرْبَد، وَالْأسود بن مَالك الأسديّ اليمانيّ، وَابْن أَخِيه حُرَيز بن الحِدرجان بن مَالك، وأَيمن بن عُبَيْد، وَكَانَ على مَطهرة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وتعاطيه حَاجته، وثَعلبة بن عبد الرَّحْمَن الأنصاريّ، وَمَات خوفًا من الله - تَعَالَى - فِي حَيَاة النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 31 و. وَأَبُو سلّام الهاشميّ، واسْمه سَالم، وَقيس بن سعد بن عُبادة، ونُعيم بن ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ، وَأَبُو السَّمْح، وَيُقَال: إِن اسْمه إياد، وسابق، وَيُقَال: إِنَّه أَبُو سَلام الْهَاشِمِي المتقدِّم. وَفِي الصَّحِيح: أنّ أَنساً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَغُلَامًا نَحوه من الْأَنْصَار كَانَا يحْملَانِ أداوة من ماءٍ وعَنزَة للنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَمن النساءِ رَزينة رَوَت عَن النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَردت عَنْهَا بنتهَا، ذكرهَا ابْن سعد، وعدّها بَعضهم فِي موَالِيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقيل: لمّا أعتق [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَفيّة أَصدقها رَزينة هَذِه. وابنتها أَمَة الله الَّتِي رَوَت عَنْهَا، عدّها بَعضهم فِي خَدمِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وأمّ أَيْمن، وسلْمى أمّ رَافع، ومَيمونة بنت سعد، وأمّ عيّاش، وَكَانَت توضئه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وهنّ من الموَالِي. وَقيل: إِن أمّ عيّاش مولاة ابْنَته رقيّة. وصفيّة رَوَت عَنْهَا أَمَة الله بنت رَزينة السَّابِق ذكرهَا، وخَولة جَدّة حَفْص بن سعيد، ومارِيَة جدّة الْمثنى بن صَالح، وأمّ الرَّبَاب مارِيَة، ذكرهمَا أَبُو عُمر فِي الثَّانِيَة: لَا أَدْرِي أَهِي الَّتِي قبلهَا أم لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ذكر مَوالِيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمن الرِّجَال زيد بن حَارِثَة بن شَرَاحيل، وَابْنه أُسامة، وأخو أُسَامَة لأُمّة أَيمن بن عُبيد بن أُمّ أَيمن، استُشهد يَوْم حُنين وَسبق ذكره فِي الخدَم. وأَسْلم بن عُبَيْد، وَأَبُو رَافع واسْمه أَسْلَم وَقيل: إِبْرَاهِيم، وَقيل غير ذَلِك، كَانَ للعبّاس فوهبه للنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فلمّا اسلمَ العبَّاسُ بَشَّرَ رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِإِسْلَامِهِ، ففرح بذلك وأَعتقه، وزوَّجه مولاته سلْمى، وَكَانَ على ثَقَلِ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَهُوَ أَبُو رَافع وَالِد البهيّ وَقيل:: هما اثْنَان. والأوّل قَول البخاريّ وَمصْعَب الزُّبيريّ وَجَمَاعَة. وَأَبُو / 32 و. الحمرَاء، وَهُوَ الَّذِي تقدم فِي الخَدَم، وَأَبُو أُثْيلَة، وَأَبُو كَبْشة واسْمه سُلَيم، شهد بَدْرًا، وأَنَسة ويكنى أَبَا مُسرّح، وثَوْبان بن بُحْدُدْ ويكنى أَبَا عبد الله، وشُقْران واسْمه صَالح، ورَبَاح أسود، ويَسَار نُوبيٌّ قتلَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 العُرَنيون، وفَضَالة يمانيٌّ، وَأَبُو السَّمْح وَقد سبق ذكره فِي الخدم، وَأَبُو مُوَيْهبَة، وَرَافِع أَبُو البَهِيّ كَانَ لسَعِيد بن الْعَاصِ، فورثه وَلَده فَأعْتقهُ بعضُهم، ووهب مَنْ لم يُعتق نصيبَه لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأعْتقهُ، ومأبور الخصيّ، وأَفلح، ومِدْعَم أَسود. وَقيل: مَاتَ عبدا، وكِرْكِرة وَكَانَ على ثَقَله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَكَانَ يُمسك دابَّتَه عِنْد الْقِتَال يَوْم خَيبر. وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد أَنه غَلَّ عَباءةً، وَفِي (الْمُوَطَّأ) وَكتاب الْمَغَازِي من (صَحِيح البُخَارِيّ) أَن مِدْعَماً غَلَّها فِي ذَلِك الْيَوْم، وَكِلَاهُمَا قُتل بِخَيْبَر، وَزيد جدّ بِلال بن يَسَار بن زيد، وعُبيد غير مَنْسُوب فِي مُسْند أَحْمد. وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموَالِي عُبيد بن عبد الغَفّار، وطَهْمان أَو كَيْسَان أَو ذَكْوان أَو مَهران أَو مَروان. وَذكر بَعضهم أَنه يُقَال فِيهِ أَيْضا: مَيْمُون. وَقيل: باذامِ، وَقيل: هُرمز. وواقد أَو أَبُو وَاقد، وسَندر، وَهِشَام، وحُنين. وَقيل: إنّ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وهبه للعبّاس فَأعْتقهُ، وَهُوَ جد إِبْرَاهِيم بن عبيد الله بن حُنين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَسَعِيد بن زيد، وَأَبُو عَسيب واسْمه أَحْمَر، وَقيل: مُرّة، وَأَبُو لبَابَة، وَأَبُو لَقِيط حبشيّ، وَقيل نوبيّ، وسفينة واسْمه مهْرَان بن فروخ وَقيل: اسْمه أَحْمَر، وَقيل: رُومَان، وَقيل: عُمير، وَقيل: عبسي، وَقيل غير ذَلِك. قَالَ أَبُو حَاتِم: اشْتَرَاهُ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأعْتقهُ. وَقَالَ غَيره: أَعتَقته أُمُّ سَلَمة. وأَبو عُبيد سعد، وأَنْجَشة الْحَادِي / 32 و. وَأَبُو ضُميرة حِميريّ من آل ذِي يَزن، واسْمه سَعد، وَقيل: رَوح، وَهُوَ جدّ الْحُسَيْن بن عبد الله بن ضَميرة بن أبي ضُميرة، وَابْنه ضُميرة، وَبدر، وحاتِم، ودَوس، وَزيد بن بَولاَ، وسابِق، وَأَبُو سَلام الهاشميّ، وتقدّم ذكرهمَا فِي الخدَم، وَسَعِيد أَبُو كِندير، وسلمان الفارسيّ، وشَمعون وَالِد رَيحانة سُرية النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وعُبيد الله بن أسلم، وعُمر يُعرف بعمرور، وعيلان، وقفيز، وكريب، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن، وَمُحَمّد، وَمَكْحُول، وَنَافِع أَبُو السَّائِب، وَنبيه، ونُفيع بن الْحَارِث أَبُو بكرَة، وَأَبُو كيسَان هُرمز، ووردان، وَأَبُو البشير، وَأَبُو سلمى، وَيُقَال: أَبُو سَلام، واسْمه حُريث، راعي نبيِّ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَبُو سُلمى. قَالَ ابْن عبد الْبر: لَا أَدْرِي أهوَ الرَّاعِي أم لَا. وَأَبُو هِنْد، وَأَبُو الْيَسِير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَأَبُو عُبَيد قَالَ ابْن عبد الْبر: قيل: خَادِم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقيل: مَوْلَاهُ. وَقَالَ: إِنَّه لم يقف على اسْمه. وَمن النِّسَاء أُمُّ أَيْمن بَرَكة الحبشيّة، أُم أُسامة وأَيمن، ومارِيَةُ، وَأُخْتهَا قَيْسر، ورَيحانة، ومَيمونة بنت سعد، وَسَلمى أُم رَافع، وأُمُّ عيّاش، وأُمُّ الرَّبَاب مارِيَة، ومارِيَة جدَّة الْمثنى بن صَالح، ورُبيحة، وَقد سبق ذكرهنّ، وخَضِرَة، ورَضْوَى، ومَيْمُونَة بنت أبي عَسِيب، وأُمّ ضُميرة، وأُميمة. ذِكر كُتَّابِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَبُو بكر، وعُمر، وَعُثْمَان، وعليّ، وَكَانَ الكاتبَ لعهوده إِذا عهد، وصُلحه إِذا صَالح، وطَلحة، والزُّبير، وعامر بن فُهيرة، وخَالِد وأَبان وَسَعِيد بَنو العَاصِي. وَقيل: إِن خَالِدا أولُ مَنْ كتب لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقيل: إِنَّه أولُ مَنْ كتبَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وعبدُ الله بن الأَرْقَم الزُّهريّ، وحَنْظَلة بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الرَّبيع الأُسَيْديّ: وَكَانَ خليفةَ كلِّ كاتبٍ غابَ عَن عمله، وأُبيّ بن كَعْب / 32 ظ. وَهُوَ أَوّلُ مَنْ كتب لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الْأَنْصَار، وثابت بن قيس بن شمّاس، وزَيد بن ثَابت، وشُرَحْبيل بن حَسَنَة، ومُعاوية بن أَبي سُفيان، وَأَخُوهُ يَزيد، والمُغيرة بن شُعْبة، وَعبد الله بن زيد بن عبد ربّه، وجُهَيْم بن الصَّلْت، وخَالِد بن الْوَلِيد، والْعَلَاء بن الحَضْرمي، وعَمرو بن الْعَاصِ، وَعبد الله بن رَوَاحة، ومحمّد بن مَسْلَمة، وَعبد الله بن عبد الله بن أُبي، ومُعيْقيب بن أبي فَاطِمَة، وَأَبُو أَيُّوب الأَنصاريّ، وجُهَيْم بن سَعد، والأَرْقَم بن أبي الأَرْقَم، وحُذَيْفَة بن اليَمَان وَكَانَ يكْتب خَرْصَ ثَمرِ الحِجاز، وَعبد الله بن سعد بن أبي سَرْح. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِنَّه أَوّل مَن كتب لَهُ من قُرَيْش ثمَّ ارتدَّ وَرجع إِلَى مَكَّة، ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أسلم، وَأَبُو سَلَمة بن عبد الأَسَد، وحُويطب بن عَبد العُزَّى، وَأَبُو سَبْرة بن حَرب، وحاطب بن عَمْرو. وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث أبي الجوزاء عَن ابْن عبّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: السِّجلُّ كَاتب كَانَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأنكر ذَلِك ابْن حَزم قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَة وَزيد بن ثَابت دون غَيرهمَا. يُلازمان للكتابة بَين يَدَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْوَحْي وَغَيره، لَا عمل لَهما غير ذَلِك. لمّا رَجَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الحُدَيبية كتب إِلَى الرّوم، فَقيل لَهُ: إنّ كتابك لَا يُقرأ إِلَّا أنْ يكون مَخْتُومًا - فاتّخذ خَاتمًا من فِضَّة، وَنقش عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَسطُر: مُحَمَّد سَطر، وَرَسُول سَطر، وَالله سَطر. وَختم بِهِ كُتبَه، وبعثَ ستِّة نفرٍ فِي يَوْم وَاحِد، وَذَلِكَ فِي المحرَّم سنةَ سبعٍ. فأوّلهم عَمرو بن أُميَّة الضَّمْري، بَعثه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى النَّجَاشي، واسْمه أَصْحَمة بن أَبجر، وَتَفْسِير / 33 و. أَصْحَمة بالعربيّة عَطية. وَكتب إِلَيْهِ كتابين، يَدعُوهُ فِي أَحدهمَا إِلَى الإِسلام، وَيَتْلُو عَلَيْهِ الْقُرْآن، فَأَخذه النَّجاشي وَوَضعه على عَينيه، وَنزل عَن سَرِيره، فَجَلَسَ على الأَرْض، ثمَّ أسلَم وَشهد شهادةَ الحقّ وَقَالَ: لَو كنتُ أَسْتَطِيع أَنْ آتيه لأَتيْتُه. وَفِي الْكتاب الآخر يزوّجه أُمَّ حَبيبة، وأَمره أنْ يبْعَث إِلَيْهِ بمَن قِبلَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 من أَصْحَابه ويحملهم، فَفعل. ودعا بُحقٍّ من عاجٍ، فَجعل فِيهِ كتابَي النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقَالَ: لن تزَال الحبشَةُ بخيرٍ مَا كَانَ هَذَا الكتابان بَين أَظْهرها. وَكَانَ النجاشيُّ أَصْحَمة كَمَا قَالَ الْوَاقِدِيّ: من أَعلم النَّاس بالإِنجيل. وَكَانَ هِرَقْل يُرْسل إِلَيْهِ بشمامِسَةٍ يتعلَّمون مِنْهُ ويقرؤون عَلَيْهِ، فَإِذا حَذقوا انصرفوا إِلَيْهِ ووجّه إِلَيْهِ آخَرين، وصَلّى عَلَيْهِ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالْمَدِينَةِ يَوْم مَاتَ بِالْحَبَشَةِ. ويُروى أَنه كَانَ لَا يزَال يُرى النورُ على قَبره - رَضِي الله عَنهُ - وَفِي صَحِيح مُسلم من طَرِيق قَتادة عَن أَنس قَالَ: كتبَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى كسْرَى وَإِلَى قَيْصَر وَإِلَى النجاشيّ، وَإِلَى كل جبّارٍ يَدعُوهُم إِلَى الله، وَلَيْسَ بالنجاشيّ الَّذِي صلّى عَلَيْهِ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَقَالَ ابْن حَزم: إنّ النَّجَاشِيّ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ عَمرو بن أُميّة الضَّمْري لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يُسلم. قَالَ: وَهُوَ غير الَّذِي هَاجر إِلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور، وَبِه جزم ابْن سعد وغيرُه. وَبعث دِحْيَة بن خَليفة الكلبيّ، وَهُوَ أحد السِّتَّة إِلَى قَيْصَر ملك الرّوم، واسْمه هِرْقَل، ويدعوه النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الإِسلام، فَقَرَأَ الْكتاب، وهَمَّ بالإِسلام فَلم يُوَافقهُ الرّوم، فخافهم على مُلكه فأمسكَ. وبعثَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَبَا حُذَافة عبد الله بن حُذَافة السَّهمي، وَهُوَ أحد السِّتَّة إِلَى كِسرى ملِك فَارس / 33 ظ. واسْمه أَبَرْويز بن هُرْمُز بن ملك الْفرس أَنو شرْوَان، يَدعُوهُ إِلَى الإِسلام، وَكتب إِلَيْهِ كتابا، فمزَّقَ كتابَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مزّق اللهُ مُلكَه. فمزَّقَ اللهُ مُلكَه ومُلكَ قومه. وَرُوِيَ أَنه بعث إِلَى النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بترابٍ. فَقَالَ: بعث إليَّ بترابٍ، أَما إِنَّكُم سَتملكون أَرضَه. وَبعث [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حاطِب بن أبي بَلْتعة اللَّخْميّ، وَهُوَ أَحد السِّتَّة، إِلَى المُقَوْقِس، واسْمه جريج بن ميناء، ملك الإِسكندرية ومِصر، عَظِيم القبط. فَقَالَ خيرا، وقاربَ الأَمرَ وَلم يُسْلم، وأَهدى للنبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مارِيَة فاتّخذها سُرية، وشيرين فَوَهَبَهَا لحسّان بن ثَابت، فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن، وَقيل: إِنَّه أهْدى إِلَيْهِ جاريتين أَيْضا، إِحْدَاهمَا أُخْت مارِية، وَاسْمهَا قَيْسَر، فَوَهَبَهَا لجَهْم بن قيس العَبدي، فَهِيَ أُمّ زَكَرِيَّا بن جَهْم الَّذِي كَانَ خَليفَة عَمْرو بن الْعَاصِ على مِصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَأهْدى إِلَيْهِ أَيْضا ألف مِثْقَال ذَهَبا، وَعشْرين ثوبا من قباطيّ مصر، وطُرَفاً من طُرفهم، وَبغلة شَهباء هِيَ دُلْدُل، وَحِمَارًا أَشهب هُوَ عُفَير، وخَصِيّاً يُقَال لَهُ: مَأْبُور: قيل: إِنَّه ابْن عمّ مارِيَة، وفرساً وَهُوَ اللِّزَاز، وقدَحاً من قَوَارِير، وعسَلاً من عَسل " بَنْها " فَقَالَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " ضَنَّ الخبيثُ بمُلْكِه، وَلَا بقاءَ لمُلكه " وأَعجب النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] العسَلُ، ودعا فِيهِ بِالْبركَةِ. وَبعث [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] شُجاع بن وَهْب الأسَديّ، وَهُوَ أحد السِّتَّة إِلَى الحارِث بن أبي شَمِرِ الغَسَّاني، ملِك البلْقاء من أَرض الشَّام، فَانْتهى إِلَيْهِ، وَهُوَ بغوطة دمشق، فَقَرَأَ الْكتاب ثمَّ رمى بِهِ، وَقَالَ: أَنا سائرٌ إِلَيْهِ. وعزم على ذَلِك، فَمَنعه قَيصر. قَالَه الْوَاقِدِيّ وَابْن إِسْحَاق وَغَيرهمَا. قَالَ ابْن هِشَام: إِنَّمَا توجّه لجَبَلة بن الأَيْهم. وَقَالَ ابْن عبد البرّ: لَهما مَعًا. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: إِنَّه تَوجَّه لهرقل مَعَ دِحْية وَالله أعلم / 34 و. وَبعث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سَلِيط بن عَمْرو العامريَّ، وَهُوَ أحد السِّتَّة، إِلَى هَوْذَة بن عليّ الحنفيّ بِالْيَمَامَةِ، فَأكْرمه، وَبعث إِلَى النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مَا أحسنَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وأجمله، وَأَنا خطيب قومِي وشاعرهم، فَاجْعَلْ لي بعض الْأَمر. فَأبى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ذَلِك. فَلم يُسلم هَوْذَة، وَمَات زمن الْفَتْح. وَذكر ابْن حزم: أنّ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعث سَليط بن عَمْرو إِلَى هَوْذة، وَإِلَى ثُمَامَة بن أُثَال. وَأسلم ثُمامَة بعد ذَلِك وَبعث [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَمْرو بن الْعَاصِ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان إِلَى جَيْفَرٍ وَعبد، وَقيل: عِياذ ابْني الجُلَنْدَى، وهما من الأَزْد بُعمان والملِك مِنْهُمَا جَيْفر، يدعوهما إِلَى الإِسلام، وأسلما وصدَّقا وخلَّيا بَين عَمْرو وَبَين الصَدقة، وَالْحكم فِيمَا بَينهم، وَلم يزل بَينهم حَتَّى بلغته وَفَاة النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَذكر ابْن فتحون فِي التذييل. أنّ النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى الجُلَنْدَى وَالِد جَيْفَر وَعبد، يَدعُوهُ إِلَى الإِسلام، فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ عَمْرو وَدعَاهُ إِلَى الإِسلام قَالَ الجُلَنْدَى: وَالله لقد دلَّني على صدق هَذَا النبيِّ الأميِّ أَنه لَا يَأْمر بخيرٍ إلاّ كَانَ أوَّلَ آخذٍ بِهِ، وَلَا ينْهَى عَن شَرٍّ إِلَّا كَانَ أوّلَ تاركٍ لَهُ، وَأَنه يَغلبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فَلَا يبْطَر، ويُغَلب فَلَا يضجر، وَأَنه يَفي بالعهد، وينُجز الْموعد، أشهد أنّه نبيٌّ. ثمَّ أنْشد أبياتاً، ذكرهَا ابْن فتحون / 34 ظ. وبعثَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] العَلاء بن الحَضْرَميَّ إِلَى الْمُنْذر بن سَاوى بن الأَخنس العَبديّ، ملك الْبَحْرين، مُنصَرفَه من الجِعْرَانَة، وَقيل: قبل الْفَتْح، فأَسلم وصدَّق. وَبعث المُهاجِر بن أَبي أُميّة المخزوميّ إِلَى الْحَارِث بن عبد كَلال الحِمْيَريّ باليَمَن، فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ سينظر فِي أمره. وَبعث أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ومعاذ بن جَبل إِلَى الْيمن عِنْد انْصِرَافه من تَبُوك، وَقيل: فِي شهر ربيعٍ الآخر سنة عشر داعيَين إِلَى الإِسلام، فأَسلم عامةُ أَهلهَا، مُلُوكهمْ وسُوقتهم، طَوْعاً من غير قتال. وَبعث جَرير بن عبد الله البَجَليّ بعد خَثْعَم إِلَى ذِي الكُلاع وَذي عَمرو يدعوهما إِلَى الإِسلام، وأسلما. وتُوفِّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وجَرير عِنْدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَبعث عَمْرو بن أُميّة إِلَى مُسيلمة الكذّاب بكتابٍ، وَكتب إِلَيْهِ بكتابٍ آخر، وبعثَه مَعَ السَّائب بن العَوَّام، أخي الزُّبير بن العَوّام. وَبعث إِلَى فَروة بن عَمْرو الجُذاميّ يَدعُوهُ إِلَى الإِسلام. وَقيل: لم يبْعَث إِلَيْهِ، وَكَانَ عَاملا لقيصر بمُعانٍ، فأسلَمَ، وَكتب بِإِسْلَامِهِ، وَبعث هديّةً مَعَ مَسْعُود بن سعد، وَهِي بَغلة شَهباء، يُقال لَهَا: فِضَّة، وفَرس يُقَال لَهُ الضَّرب وحِمار يُقَال لَهُ: يَعفور، وأثواب، وقَباء سُنْدُس مُخوَّص بِالذَّهَب. فَقَرَأَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كتابَه، وقِبل هديته، وفرّق الأثواب فِي نِسَائِهِ، وَأعْطى القَباء مخرَمَة بن نَوْفَل. وَأَجَازَ مَسعود بن سعد اثْنَتَيْ عشرَة أوقيّة ونشا. وَبلغ ملِكَ الرّوم ذَلِك؛ فأرسَل إِلَى فَروة يُخوّفُه فَلم يرجع عَن الْإِسْلَام. فحَبسَه / 35 و. وَمَات فِي الحَبس. وَقيل: صَلبه بفِلَسطين. وَبعث عيّاش بن أبي ربيعَة المخزوميّ بِكِتَاب إِلَى الْحَارِث ومَسروح ونُعيم بني عَبْد كَلَال من حِمْيَر يَدعُوهُم إِلَى الإِسلام، فقبلوا. وَبعث مُحَمَّد بن بُدَيل بن وَرْقاء الخُزاعي وأخاه عبد الله إِلَى أهل الْيمن. وقُتلا بصِفِّين، رَضِي الله عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ذِكرُ مؤذِّنيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ لَهُ أَرْبَعَة مَؤذِّنين، اثْنَان بِالْمَدِينَةِ، بِلال بن رَباح مولى أبي بكر الصدّيق، وَهُوَ أوّل من أذّن لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وعَمرو بن أُمّ مَكتوم القرشيّ العامريّ الْأَعْمَى، وَأَبُو مَحذورة أَوْس بن مِعْيَر الجُمحَي بمكَّة. وَسعد الْقرظ بن عَائِذ مولى عمّار بن يَاسر بقُباء. ذِكر أُمرائه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] باذَانُ، وَيُقَال: باذَام بن سَاسَان بن بلاش بن الْملك جَاما ساف بن الْملك فَيْرُوز بن الْملك يزدجُرد بن الْملك بهْرَام جُور الفارسيّ، أَمَّره رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد موت كسْرَى، على اليَمن كلّها، فَهُوَ أول أميرٍ فِي الإِسلام على الْيمن، وأَول مَن أسلم مِن مُلُوك العَجَم، وَمَات فِي حَيَاة النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فولّى ابْنه شهْر بن باذان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 صَنعاء وأَعمالها فَقَط. وولّى المهاجرَ بن / 35 ظ. أَبي أميّة المخزوميّ كِنْدة والصَّدِف، فتوفِّي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَلم يَسِر إِلَيْهَا، فَبَعثه أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ - إِلَى قتال ناسٍ من الْمُرْتَدين. وولّى زِيَاد بن لَبيد البياضيّ الأنصاريّ حَضْرَمَوْت، وولّى أَبَا مُوسَى الأَشعريَّ زَبيدَ وعَدَن ورِمَع والساحِل. وولَّى مُعاذ بن جَبَل الجَنَد. وأمّر عتَّاب بن أَسيد على مكّة، وإقامةِ المَوسم والحجِّ بِالْمُسْلِمين سنة ثمانٍ، وَهُوَ دون الْعشْرين سنة فِي سِنِّه، وَقيل: ابْن إِحْدَى وَعشْرين سنة. وأمّر أَبَا سُفيان صَخْر بن حَرب بن أُميّة بن عبد شمس على نَجْران، وأمّر ابْنه يزِيد بن أبي سُفيان على تَيْماء. وأمّر خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميّة بن عبد شمس على صَنعاء بعد قتل شهر بن باذان، قَتله الأسودُ العَنسيّ الكذّاب. وأمّر أَخَاهُ عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ على وَادي الْقرى، وأمّر أخاهماالحكم بن سعيد بن الْعَاصِ على قُرى عُرَيْنة، وَهِي فَدَك وَغَيرهمَا. وأمّر أَخَاهُم أَبان بن سعيد على مدينَة الخَطّ بالبحرَين، وَهِي الَّتِي تُنسب إِلَيْهَا الرماح الخطيّة / 36 و. وأمّر الْعَلَاء بن الحَضْرَمي على القَطِيف بِالْبَحْرَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وأمّر عَمْرو بن الْعَاصِ على عُمان وأعمالها. وأمّر عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ على الطَّائِف. وأمّر مَحْمِيَة بن جَزْء بن عبد يَغُوث بن عُوَيْج بن عَمْرو بن زُبَيد الزُّبيدي على الْأَخْمَاس الَّتِي تختصُّ بِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وأمّر عَليّ بن أبي طَالب على الْأَخْمَاس بِالْيمن، وولاّه القضاءَ بهَا. وأمّر عَديَّ بن حاتِم على صَدقات بني أَسد وطيء. وأمّر جمَاعَة كَثِيرَة على الصَّدقَات، لِأَنَّهُ كَانَ على كل قَبيلَة والٍ يقبض صدقاتها، وأمّر أَبَا بكر الصدِّيق على إِقَامَة موسم الحجّ سنة تسعٍ، وَبعث على إثْره عليّاً يقْرَأ علىَ النَّاس سُورَة بَرَاءَة. فصْل: كَانَ عَمرو بن عَبَسَة السُّلميّ صديق رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قبل النبوّة. قَالَه ابْن حزم، وَفِي صَحِيح مُسلم مَا يَقْتَضِي خلاف ذَلِك. وحرَسَه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم بدرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 حِين نَام فِي العَريش سعد بن مُعاذ، وحرسَه يَوْم أُحد مُحَمَّد بن مَسْلمة، وَيَوْم الخَنْدَق الزُّبير بن العوّام، وَلَيْلَة بني بصفيَّة أَبُو أَيوب، وبوادي القُرى بلالٌ، وحرسَه سعد بن أبي وقّاص وذَكْوان بن عبد قيس، وَكَانَ على حَرسِه عَبّاد بن بِشر، فَلَمَّا نزل قَوْله تَعَالَى: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} تركَ الحرسَ. وَالَّذين كَانُوا يضْربُونَ الأَعناق بَين يديهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عليٌّ بن أبي طَالب، والزُّبير بن العوّام، والمقداد بن عَمْرو وَمُحَمّد بن مَسْلمة وَعَاصِم بن ثَابت بن أبي الأَقْلح، والضّحاك بن سُفيان الْكلابِي. وَكَانَ قيس بن سعد بن عُبادة مِنْهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَنْزِلَة صَاحب الشرطة من الْأَمِير. ووقف المُغيرة بن شُعْبة على رَأسه بِالسَّيْفِ يَوْم الحُديبيّة. وَكَانَ بِلال المؤذِّن على نفقاته، ومُعيقيب بن أبي فَاطِمَة الدَّوسيّ على خَاتمه، وَكَانَ ذُؤَيب بن حَلْحَلَة بن / 36 ظ. عَمرو الخُزاعيّ، وَالِد الْفَقِيه قَبيصَة بن ذُؤَيْب صاحبَ بُدْن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّتِي أَهدى، والناظرَ عَلَيْهَا. وَقد أَذِنَ عَلَيْهِ رَباحٌ الْأسود وأنَسَة موليَاهُ، وَأَبُو مُوسَى الأَشعري. وَكَانَ شعراؤه الَّذين يَذبُّون عَن الإِسلام بألسنتهم: كَعْب بن مَالك السَّلِمي، وَعبد الله بن رَوَاحة، وحسَّان بن ثَابت الأنصاريَّين، وخطيبهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَابت بن قيس بن شَمَّاس، وفارسُه أَبُو قَتَادة الْأنْصَارِيّ. ذكرُ سِلاحِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تِسْعَة أسيافٍ: مأثور، وَهُوَ أوّل سيف مَلكه، ورِثه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أَبِيه، والعَضْب، وَذُو الفَقَار، من غَنَائِم بدرٍ، وَهُوَ الَّذِي رأى فِيهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الرؤيّا، فإنّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رأى كأنَّ فِي ذُباب سَيْفه ثُلْمةٌ، فأوّلها هزيمَة، فَكَانَت يَوْم أُحُد. وَقيل: أهداه لَهُ الحَجَّاج بن عِلاَط، وَكَانَ لَا يفارِق النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَكَانَت قائمتهُ وقَبِيعَتُه وحَلْقَته وذُؤَابته وبَكَرَاته ونَصْله من فِضَّة. وَثَلَاثَة أسياف أَصَابَهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من سلَاح بني قَيْنُقَاع: القَلْعِيّ والبَتَّار والحَتْفُ. وَكَانَ عِنْده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد ذَلِك الرَّسُوب والمِخذَم والقَضيب. وَكَانَت لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سبع أَدراع، ذَات الفُضُول، سُمِّيَت بذلك لطولها، وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الَّتِي رَهنهَا عِنْد أبي الشَّحْم اليّهوديِّ على شَعِيرٍ لِعِيَالِهِ. وذاتُ الوِشَاح، وذاتُ الحَواشِي، والسَّغْدِيَّةْ، وقيلَ: إِنَّهَا كَانَت درعَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَام - الَّتِي لبِسَها حِين قَتلَ جالوتَ. وفِضّة والبَتْراء، سُمِّيت بذلك لِقصرها. والخِرْنق. وَكَانَ عَلَيْهِ يومَ أُحُد دِرعان، ذاتُ الفُضُول وفِضَّة، وَكَانَ عَلَيْهِ يومَ خَيْبَر ذاتَ الفُضُول والسَّعْديّة. كَانَت لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 37 و. سِتّ قِسيّ، الزَّوراء والرَّوحاء والصَفراء من نبعٍ، والبيضاء من شَوْحَطٍ، وقَوسٌ من نَبْعٍ أَيْضا تُدعى الكَتُوم، لانخفاض صَوتهَا إِذا رمى بهَا، كُسِرَت يَوْم أُحُد فَأَخذهَا قَتادة بن النُّعْمَان الظَّفَريُّ، وقوس من نَبْعٍ أَيْضا تُدعى السَّداد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَكَانَت لَهُ جَعْبة تُسمّى الجَمع، وتُسمّى الكافور. ومِنْطَقة من أًدِيم مَبشور، فِيهَا ثَلَاث حَلَق من فِضّة، والإِبْزِيم من فِضَّة، والطَرْف من فِضَّة. وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ يُقَال لَهُ: الزَّلوق يزلقُ عَنهُ السِّلَاح، وتُرسٌ يُقَال لَهُ: الفُتق. وأُهدي لَهُ تُرسٌ فِيهِ تِمْثَال عُقاب أَو كَبشٍ، فَوضع [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَده عَلَيْهَا، فَأذْهب الله ذَلِك التمثال. وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أرماحٍ أَصَابَهَا من سلَاح بني قَيْنُقَاع ورُمح يُقَال لَهُ: المُثْوِيّ. من الثوي، أَي أَن المطعون بِهِ يُقيم مَكَانَهُ، ورُمحٌ يُقَال: المتَثنِّي، وَكَانَت لَهُ حَربة يُقَال لَهَا النَّبْعَة، وحربة كَبِيرَة اسْمهَا الْبَيْضَاء، وحَربة صَغِيرَة دون الرُّمْح شِبه العُكّاز يُقَال لَهَا: العَنَزَة، وَكَانَ يَدْعَم عَلَيْهَا وَيَمْشي بهَا وَهِي فِي يَده، وَكَانَت تُحمل بَين يَدَيْهِ فِي العِيد، حَتَّى تُركَزَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أَمامه فيتَّخذَها سُتْرةً ويُصلّي إِلَيْهَا، وَقيل: إِنَّه أَخذها من الزُّبير بن العوَّام، وَأَخذهَا الزُّبير من النَجاشيّ. وَكَانَت لَهُ عَنَزَة أُخْرَى، وَكَانَ مِغْفَرٌ من حَدِيد، يُقَال لَهُ: الموشّح، وُشِّحَ بشِبَهٍ، ومِغْفَر آخر يُقَال لَهُ: المسْبوغ أَو ذُو السُّبُوغ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ على رَأسه المكرَّم حِين دخل مكّة يَوْم الْفَتْح. وَكَانَت لَهُ ثَلَاث جُباب يلبَسُها فِي الْحَرْب، فِيهَا جُبَّة سُنْدس أَخْضَر. وَكَانَ لَهُ مِحْجَن قدْرَ ذِراع، أَو أَكثر يمشي ويركبُ بِهِ، ويُعلِّقُه بَين يديهِ على بعيرِه. وَكَانَت لَهُ مِخْصَرة تُسمَّى العُرْجُون، وقضَيبٌ من الشوْحَط يُسمَّى المَمشُوق. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي فضل أَسْمَائِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : صاحِب القَضيب أَي السيفِ، وقعَ ذَلِك مفسَّراً فِي الإِنجيل. قَالَ: مَعَه قَضيبٌ من حديدٍ يُقاتل بِهِ، وأُمّته كذِلك. قَالَ: وَقد يُحمَل على أَنه القضيبُ الممشوُق الَّذِي كَانَ يُمسكه، وَهُوَ الْآن عندَ الْخُلَفَاء، وَكَانَت / 37 ظ. لَهُ هِراوَة، وَهِي العَصَا، وَلها ذكرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فِي حَدِيث الحَوْض، يذود بهَا عَنهُ، وَكَانَ لَهُ رايةٌ سَوداء، مُرَّبعة من نَمِرة مُخْمَلة، يُقَال لَهَا العُقَاب. وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث سِمَاك بن حَرب عَن رجل من قومه عَن آخر مِنْهُم قَالَ: رأيتُ راية رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَفْرَاء. وَكَانَت ألويتُه بِيضاً وَرُبمَا جعل فِيهَا الأَسود، وربَّما كَانَت من خُمُر بعض نِسَائِهِ - رَضِي الله عَنْهُن - وَكَانَ لَهُ لِوَاء أَغْبَر. وروى أَبُو الشَّيْخ بن حبّان من حَدِيث ابْن عبّاس قَالَ: مكتوبٌ على راياتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. ذِكرُ ملابسِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَت لَهُ عمامةٌ تُسمّى السَّحاب، كساها عليَّاً - رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يلبس تحتهَا القَلانِس الّلاطِيَة، وَكَانَ يلْبس القَلانِس بِغَيْر العَمائم، ويلبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 العَمائم بِغَيْر القَلانِس. وَكَانَ يلبس القَلانِس الْبيض والمزرورات، وَذَوَات الآذانَ. وَكَانَ لَهُ رداءٌ يُسمَّى الفُتح، وَدخل مكّةَ يَوْم الفَتح وعَلى رَأسه عِمامة سَوداء، قَالَه جَعْفَر بن عَمْرو بن حُريث عَن أَبِيه، وَكَانَ إِذا اعتمَّ يُرخِي عِمامته بَين كَتفيه وَكَانَ يُديرها ويفرزها وَرَاءه. وَعَن أنس قَالَ: كَانَ قميصُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قُطْناً، قصيرَ الطول، قصيرَ الكُمَّين. وَعند بُدَيل قَالَ: كَانَ كُمُّ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الرُسْغ. وَعَن عُروة: أنّ ثوب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّذِي كَانَ يَخرج فِيهِ إِلَى الوفْد رَدَاء حَضرميّ، طوله أَرْبَعَة أَذرع، وعَرضُه ذراعان وشِبر. وَعَن الْوَاقِدِيّ: أنّ بُردَة النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَت يَمَانِية طول سِتَّة أذرعٍ فِي ثلاثةٍ وشِبرٍ، وإزارهُ من نَسْج عُمان طوله أَرْبَعَة أذرعٍ وشِبر فِي عَرْض ذراعين وشِبر، كَانَ يَلبسهما يَوْم الجُمعَة وَالْعِيدَيْنِ، ثمَّ يُطويان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَعَن جَابر: كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَلبس بُرْدَه الْأَحْمَر فِي الْعِيدَيْنِ والجُمعة. وَعَن عِكرمة قَالَ: رأيتُ ابْن عبّاس إِذا / 38 و. أتَّزر أَرْخى مقدَّم إزَاره حَتَّى تقع حاشيتاه على ظهر قَدَميْه، وَيرْفَع الإِزار ممّا وَرَاءه، فقلتُ لَهُ: لِمَ تأَتزرُ هَكَذَا؟ فَقَالَ: رأيتُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَأتزِر هَذِه الإِزْرَة. وَكَانَت لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خرقةٌ إِذا توضَّأ مسحَ بهَا وَجهَه، ورُبَّما يَمسحه بطَرَف رِدَائه. وَكَانَ لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بُرْدان أخضران، وكساءٌ أَسود، وكِساءٌ أحمرُ مُلبَّد. وَفِي الصَّحِيح: أنّ عَائِشَة أخرجت كِساءً مُلبّداً وإزاراً غَليظاً، فَقَالَت: نُزع روحُ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي هَذَا. وَقَالَ ابْن فَارس - رَحمَه الله تَعَالَى -: ويُقال: تَرك رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثوبيْ حِبَرَة، وإزاراً عُمانيّاً، وثوبين صُحاريَين، وقميصاً سَحُوليّاً، وقميصاً صُحاريا، وجُبَّة يَمَنِّية، وخَمِيصة، وكِساءً أَبيض، وقَلانِس صِغاراً لَا طية ثَلَاثًا أَو أَرْبعا، وإزاراً طوله خَمْسَة أشبارٍ، ومِلْحفةً مُوَرَّسَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَكَانَ أحبَّ الثِّيَاب إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْقَمِيص وَالْبَيَاض والحِبَرة، وَهِي ضَربٌ من البرود فِيهِ حُمرة، ولَبِسَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي وقتٍ جُبَّةً شاميّةً ضيِّقة الكُمَّين، وَفِي وقتٍ قبَاء. واتّخذ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خاتَماً من ذَهَب، وتختَّم بِهِ، فَصنعَ النَّاس خواتيمَ من ذَهب، فنزعَه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَرمى بِهِ، فنبذَ الناسُ خواتيمَهم. وَنهى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن التَختُّم بالذهَب. ثمَّ اتّخذ خاتَماً من فِضَّة فَصُّه مِنْهُ، نَقشُه " محمدٌ رسولُ الله " وَهُوَ الَّذِي تختَّم بِهِ بعده أَبُو بكر ثمَّ عُمر ثمَّ عُثْمَان، ثمَّ سقط فِي بِئْر أَرِيسٍ، وَلم يُقدَر عَلَيْهِ. وَكَانَ لَهُ خاتَم من حَدِيد مَلْويّ، عَلَيْهِ فِضَّة، نَقشُه " مُحَمَّد رَسُول الله " وَقيل: كَانَ لَهُ خَاتم من وَرِق فَصُّه حَبشيٌّ، بَعث بِهِ إِلَيْهِ مُعاذ بن جَبل من الْيمن. وَكَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَتختَّم فِي خِنْصِره الْأَيْمن، وربّما فِي الأَيسر، وَيجْعَل الفَصَّ مِمّا يَلِي بَاطِن كفّه. وَكَانَ إِذا دخل الخلاءَ نزعَ خاتَمَه، وَنهى عليا عَن التختُّم فِي السَّبَّابة وَالْوُسْطَى. وَرُوِيَ فِي التِّرْمِذِيّ: أنَّ رجلا جَاءَهُ وَعَلِيهِ خاتَم من حَدِيد، فَقَالَ: مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 لي أرى عَلَيْك / 38 ظ. حِليةَ أهلِ النَّار. ثمَّ جَاءَهُ وَعَلِيهِ خاتَمٌ من صُفْر، فَقَالَ: مَا لي أجدُ منكَ رِيحَ الْأَصْنَام. ثمَّ جَاءَهُ وَعَلِيهِ خاتمٌ من ذَهب، فَقَالَ: إرم عَنْك حِليَة أهلِ الجنّة. قَالَ: من أَيِّ شَيْء أَتِّخذُه؟ قَالَ: من وَرِقٍ وَلَا تُتمَّهُ مِثْقَالا. وأَهدى لَهُ النجاشيّ خُفَّين أسودين ساذَجَيْن، فلبسهما ومسحَ عَلَيْهِمَا. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أزواجٍ من الخُفاف أَيْضا، أصَابها من خَيْبر. وَكَانَت لَهُ نَعلان سِبْتّيتان مخصُوفتان ذواتا قِبالين، وَقيل: إِنَّهَا كَانَت صفراء فصل : كَانَ لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فُسطاط يُسمى الكِنّ، وَكَانَ لَهُ قَدَحٌ يُسمّى الريّان، وقدَحُ آخر يُسمَّى مُغيثاً، وقَدَحٌ مُضبَّبٌ بِقدر أَكثر من نصف المُدّ، وأقلّ من المدّ وَفِيه ثَلَاث ضبّات من فِضّة وحَلْقَة يُعلَّق بهَا القَدَح. وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أَنس: أنَّ قَدَحَ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] انْكَسَرَ فَاتخذ مَكَان الشّعب ضَبباً من فِضّة. وَكَانَ لَهُ قَدَحٌ من زجاج، وقَدَحٌ من عِيدان، يُوضَع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 تَحت سَرِيره، يتبولُ فِيهِ من اللَّيْل. وَكَانَ لَهُ تَوْرٌ من حِجارة يُقَال لَهُ المخضب يتوضّأ مِنْهُ كثيرا. وَكَانَ لَهُ مخضَب من شَبَه يكون فِي الحنّاء، وَكَانَ لَهُ قَعْب يُسمى السَّفة، وَكَانَ لَهُ رَكوة تُسمّى الصّادرة، ومُغْتَسلٌ من صُفْر، ومُدِهن. وَكَانَت لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رَبعة إسكندرانية أهداها لَهُ المُقَوقِس مَعَ مارِيَة، فَكَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَجْعَل فِيهَا المِرآةَ، وَكَانَ ينظرُ فِيهَا، ومُشْطاً من عاجٍ، قيل: إِنَّه الذُبْل. والمِكْحَلة، وَكَانَ يكتحل من إثْمِد فِيهَا عِنْد النّوم ثَلَاثًا فِي كل عين، وَفِي رِوَايَة: فِي اليُمنى ثَلَاث مرّات، وَفِي الْيُسْرَى مرَّتَيْنِ. وَيجْعَل فِي الرَّبْعة أَيْضا المِقراضين والسِّواك، وَكَانَت لَهُ قَصْعة تُسمَّى الغرّاء، يحملهَا أربعةُ رجالٍ، لَهَا أربعُ حَلَقٍ، وصَاعٌ يُخرجُ بِهِ زكاةَ الفِطر / 39 و. ومُدٌ، وسَريرٌ قوائمه من سَاجٍ، بعث بِهِ أَسعد بن زُرارة إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لمّا قدم الْمَدِينَة فِي دَار أبي أَيُّوب، فَكَانَ ينَام عَلَيْهِ حَتَّى تُوفِّي، فَوُضِع عَلَيْهِ، وَصُلِّي عَلَيْهِ. وَكَانَ النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 يحملون عَلَيْهِ موتاهم يطْلبُونَ بركَته. وحُمل عَلَيْهِ أَبُو بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -. وَكَانَت لَهُ قَطِيفةٌ، وَكَانَ لَهُ فِراشٌ من أَدَمٍ حَشْوُه لِيفٌ، وسُئَلت حَفصة: مَا كَانَ فراشُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : قَالَت: مِسْحٌ يَثنيهِ ثَنْيَتَين فينام عَلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . ذكرُ دَوابِّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمن الْخَيل السَّكْبُ، وَهُوَ أوّل فَرَس مَلكَه، اشْتَرَاهُ من أعرابيّ بعشرِ أَواقٍ. وَكَانَ اسْمه عِنْد الأَعرابيّ الضَّرس. أَوّل مَا غزا عَلَيْهِ أُحُدَ، لم يكن مَعَ الْمُسلمين فرسٌ غَيره، وَغير فرسٍ لأبي بُرْدة بن نِيَار؛ يُقَال لَهُ: المُلاوح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَكَانَ أغرَّ مُحجَّلاً طَلْق اليَمين كُميتاً. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَكَانَ أدهم. وَكَذَا قد رُوِيَ عَن ابْن عبّاس قَالَ: كَانَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فرسٌ أدْهَمُ يُسمّى السَّكْب. والمُرْتَجِز وَكَانَ أشهبَ، وَهُوَ الَّذِي شهد لَهُ فِيهِ خُزيمة بن ثَابت، فَجعل شهادتَه شَهَادَة رجلَيْنِ. وَقيل هُوَ الطِّرْف، وَقيل: هُوَ النجيب. واللُّحَيْف، أهداه لَهُ ربيعةُ بن أبي الْبَراء، وَقيل: فَروة بن عَمرو الجذامي. واللِّزاز، أهداه لَهُ المقوقِس. والظّرب، أهداه لَهُ فَروة بن عَمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الجذامي، فَأعْطَاهُ أَبَا أُسيد الساعديّ، وسَبْحَة، وَهُوَ الَّذِي سابقَ عَلَيْهِ فسبَق، ففرِح بِهِ. والوَرْدُ، أهداه لَهُ تَميمٌ الداريُّ، فَأعْطَاهُ عُمرَ - رَضِي الله عَنهُ - فَحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله تَعَالَى. فَهَذِهِ سَبْعَة أفراسٍ مُتَّفق عَلَيْهَا. وَقد جمعهَا سيّدي وَالِدي: 39 ظ. - تغمَّده الله برحمته، فأسكنه بَحبوحة جَنَّته - فِي بيتٍ نظمه فَقَالَ: (والخيلَ سَكْبٌ لُحيفٌ سَبْحَةٌ ظرِبٌ ... لِزازُ مرتَجِزٌ ورْدٌ لَهَا أسرار) وأنشدنيه غير مرَّة، وَالَّذِي كَانَ يمتطي عَلَيْهِ ويركب السَّكب. وَقيل كَانَت لَهُ أفراسٌ أُخَر، وَهِي الأَبلق حمل عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه، وَذُو العُقال، وَذُو اللُّمة، والمرتجل، والمراوح. وَيُقَال: المرواح، والسِّرحان، واليعسوب، واليعبوب، وَالْبَحْر، وَهُوَ كميت، والأدهم، وَقيل: هما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَاحِد. والسحاء، والسِجْل، قَالَ ابْن الْأَثِير: وأخاف أَن يكون السّجل مصحّفاً من الشحاء أَو الْعَكْس. وملاوح، والطرف، والنجيب. وَهَذِه خمس عشرَة فرسا مختلفٌ فِيهَا. وَمن البِغال دُلْدُل، وَكَانَت شهباء، أهداها لَهُ المقَوقِس، وَهِي أول بَغلة رُكبت فِي الإِسلام، وَعَاشَتْ بعده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى كبُرت وَذَهَبت أسنانها وعَميت، وَكَانَ يُجشُّ لَهَا الشَّعيرُ، وَوَقعت فِي قفيز فَمَاتَتْ بيِنْبُع. وَفِي تَارِيخ دمشق لِابْنِ عَسَاكِر: أَنَّهَا عاشت حَتَّى قَاتل عَلَيْهَا عليٌّ - رَضِي الله عَنهُ - الْخَوَارِج. وَيُقَال: إِنَّهَا مَاتَت فِي ولَايَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. وفِضّة أهداها لَهُ فَرْوَة الجُذامي، فَوَهَبَهَا النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لأبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - وَبغلة شَهباء أهداها لَهُ صَاحب أَيْلَة يُحنَّة بن رُؤْبة. وَبعث صَاحب دُوْمَة الجَنْدَل إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَغلةً، وجُبَّةً من سُنْدُس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فَجعل أصحابُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يتعجّبون من حُسن الجبّة. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لمَناديلُ سعد بن مُعاذ فِي الجَنّة أحسنُ. يَعْنِي من هَذَا / 40 و. وروى الثعالبي فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام بإسنادٍ ضَعِيف إِلَى ابْن عَبَّاس: أَن كسْرَى أهْدى النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بغلة فركبها بحُلٍّ من شَعَرٍ، ثمَّ أردفه خَلفه. وَهَذَا بعيدٌ - كَمَا ذكر الْحَافِظ الدمياطي رَحمَه الله - لأَنَّ كسْرَى مزَّق كتابَ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وأمرَ عَامله بِالْيمن بادان بقتْله، وبَعثِ رأسِه إِلَيْهِ، فَأَهْلَكَهُ الله بطغيانه وكفره. وأَخبر رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رسولَ عامِله بِالْيمن بقتْله ليلةَ قُتل. وَفِي كتاب (أَخْلَاق النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) لأبي الشَّيْخ بن حيَّان: أَن النَّجَاشِيّ أهْدى لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بغلة، وَكَانَ يركبهَا. وَكَانَ سَرج النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دفّتاه من لِيفٍ. وَمن الحَمير عُفَيْر، وكَان أَشهبَ، أهداه لَهُ المُقوقِس. ويَعفور أهداه لَهُ فَروة بن عَمْرو الجُذاميّ. وَيُقَال: إنّ حمَار المقوقِس يَعفور وحِمار فروةَ عُفير، ونفقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 يَعفور مُنصرفَ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من حَجّة الْوَدَاع. وَقيل: طرحَ نفسَه فِي بِئرٍ يومَ ماتَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمَاتَ. وَرُوِيَ أنَّ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما فتح خَيْبَر أصَاب حِماراً أَسودَ، وَكَانَ يركبه، وكلَّم النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَلم يثبت ذَلِك. وَفِي كتاب (أَسامي مَنْ أَردفه النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَتَى دَار سعد بن عبَادَة فسلّم ثَلَاثًا، وَهُوَ يُجيبُه سِرَّاً، فَانْصَرف رَاجعا. فَخرج سعد فَقَالَ: مَا مَنعني أنْ أَردَّ - يَعْنِي جَهْراً - إلاّ لتِكثرَ علينا السَّلَام. فَدخل، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يرجع أَتَى بحمارٍ عَلَيْهِ قَطيفةٌ، فَأرْسل مَعَه ابْنه لِيردَّ الحِمارَ. فَقَالَ: احمله بَين يَديّ. فَقَالَ سعد: سُبْحَانَ / 40 ظ. الله، نعم هُوَ أحقّ بصَدْر حِمَاره. قَالَ: هُوَ لكَ يَا رَسُول الله. قَالَ: احمله إِذا خَلفي. وَفِي الحَدِيث أَنه بَيْنَمَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يمشي إِذْ جَاءَ رجل مَعَه حمارٌ، فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَنْت أَحقّ بصْدْر دابتك إلاّ أنْ تَجْعَلهُ لي ". قَالَ: قد جعلتُه لكَ. فَركب. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح حسن. وَمن النَّعَم الناقةُ الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا من مكّة إِلَى الْمَدِينَة، وتُسمَّى العَضْباء، وَلم يكن يحملهُ إِذا نزلَ عَلَيْهِ الوحيُ غيرُها. كَمَا قَالَ الْحَافِظ محب الدّين الطبريّ - رَحمَه الله - اشْتَرَاهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من أبي بكر الصّديق بأربعمائة درهمٍ، وَهِي القَصْوَاء والجَدْعَاء، وَلم يكن بهَا عَضَبٌ وَلَا جدَعٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَإِنَّمَا سُمِّيت بذلك. وَقيل: كَانَ بأذنها شَيْء فسُمِّيت بِهِ. وَكَانَت شَهباء وَقيل: هُنّ ثلاثُ، وَهِي الَّتِي سُبِقَت، فشَقَّ على الْمُسلمين. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إنّ حقّاً على الله أنْ لَا يرْتَفع شيءٌّ من هَذِه الدُّنْيَا إلاّ وَضعَه ". وَقيل الْمَسْبُوق غَيرهَا. وَعَن قُدَامة بن عبد الله قَالَ: رأيتُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي حجّته يَرمي على نَاقَة صَهْبَاء، والصَهْباء الشقراء. ووقف رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعَرَفَةَ فِي حجّة الْوَدَاع على جمَلٍ أَحمر وَكَانَ لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جمل يُقَال لَهُ الثَّعْلَب، بعث عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خِراشَ بن أُميَّةِ إِلَى قُرَيْش بمكّة يَوْم الحُديبية لِيُبلّغهم مَا جَاءَ لَهُ، فعَقروا الجَمل، وَأَرَادُوا قتل خِرَاش، فمنعته الأَحابيش. وَهُوَ الَّذِي حَلَق رأسَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الحُدَيْبيّة، وغنِمَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يومَ بدرٍ / 41 و. جَملاً مَهْريّاً لأبي جَهْل، فِي أَنفه بُرَّةٌ من فِضَّة، أهداه رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الحُديبية ليَغيظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 بذلك الْمُشْركين، وَكَانَت لَهُ عشرُون نَعْجَةً بالغَابة، والغَابة على بَريدٍ من الْمَدِينَة طَرِيق الشَّام. يُراح إِلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كلَّ ليلةٍ بِقْرَبتينِ عظيمتين من أَلْبَانهَا. وَكَانَت لَهُ لِقْحة تُدعى بُرْدة، أهداها لَهُ الضحَّاك بن سُفْيَان، كَانَت تَحلِبُ كَمَا تحلب لِقحتان غَزيرَتان، وَكَانَت لَهُ خمس عشرةَ لِقْحةً غِزاراً، كَانَ يرعاها يَسَارٌ مولى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِذِي الجَدْر ناحيةَ قُباءٍ قَرِيبا من عَيْرٍ، على ستّة أميالٍ من الْمَدِينَة، فَاسْتَاقَهَا العُرَنيُّون وَقتلُوا يَسَاراً، وَقَطعُوا يَده ورِجلَه، وغَرزوا الشَّوكَ فِي لِسَانه وعَيْنيه حَتَّى مَاتَ. وَبَاقِي قِصّتهم مَشْهُورَة فِي الصَّحِيح. وَكَانَ لَهُ بِذِي الجَدْر أَيْضا سبعُ لَقائح، وَكَانَت لَهُ لِقْحة تُسمّى الحفدة، وَمعنى الحَفْد السُّرعة. وَكَانَت لَهُ لِقْحة اسْمهَا مروة، وَكَانَت لَهُ مَهْريّة أرسل بهَا سَعد بن عُبادة من نَعْم بني عُقَيْل. وَكَانَت لَهُ مائَة شَاة لَا يُريد أَنْ تَزيد، كلَّما ولد الرَّاعِي بَهِيمَة ذبحَ مَكَانهَا شَاة، وَكَانَت لَهُ شَاة تُدعى غَوْثة وَقيل: غيثة، وشاةٌ تُسمّى قَمَراً، وعَنْز تُسمّى اليُمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَت لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سبع أَعْنُزٍ منائحَ تَرعاهنَّ أُمُّ أَيمن. وَكَانَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دِيكٌ أَبيض. ذِكرُ وفاتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ابْتَدَأَ بِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مرضُه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَهُوَ وجَعُ الرَّأْس، فِي بَيت مَيْمُونة أُمِّ الْمُؤمنِينَ، وَقيل: فِي بَيت زَينب بنت جَحْش، وَقيل: فِي بَيت رَيْحانة، وَهُوَ ضعيفٌ لِأَن الصَّحِيح أنّ رَيْحَانَة مَاتَت / 41 ظ. فِي حَيَاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَمَا قدّمنا. ويروى أنّ النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خرج يَوْم الْخَمِيس وَقد شدّ رأسَه بعصابةٍ دَسْماء، وَكَانَ قد لبسَ عِمَامَة دسماء، فرقي المنبرَ فجلسَ عَلَيْهِ، ثمَّ دَعَا بِلَالًا فَأمره أنْ يُنَادي فِي النَّاس: أَن اجْتَمعُوا لوصيِّة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَإِنَّهَا آخر وصيّته لكم. فَنَادَى بلالٌ فَاجْتمعُوا، صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ، وَتركُوا أَبواب بيوِتهم مُفتَّحةً، وأسواقَهم على حَالهَا، حَتَّى خرج العَذارى من الْبيُوت ليسمعوا وصيّة رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى غصَّ الْمَسْجِد بأَهْله، والنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: أَوسعوا لِمن وراءَكم. ثمَّ قَامَ فخطبهم خطْبَة بليغةً طَوِيلَة، ذرفت مِنْهَا الْعُيُون، ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب. ثمَّ اسْتَأْذن نِسَاءَهُ فِي أنْ يُمرَّضَ فِي بَيت عَائِشَة، فأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِك، فَدخل على عَائِشَة، وَهِي تَقول: وارأساه. فَقَالَ: " لَو كَانَ ذَلِك وَأَنا حيٌّ فأستغفر لَك وأدعو لكِ، وأُكفّنكِ وأَدفنكِ ". فَقَالَت واثَكَلاه. وَالله إنّكَ لَتحبّ موتِي، وَلَو كَانَ ذَلِك لظَللْتَ يومَك مُعرِّساً بِبَعْض نِسَائِك. فَقَالَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " بل أَنا وارأساه، لقد هممتُ أَو أردْت أنْ أُرسِل إِلَى أبيكِ وَإِلَى أخيكِ فأمضي أَمْرِي وأعهَدُ عهدي، فَلَا يطْمع فِي الْأَمر طامعٌ، وَلَا يَقُول الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمنَّى المتمنّون ". ثمّ قَالَ: " كَلَّا يَأْبَى الله، وَيدْفَع الْمُؤْمِنُونَ إلاّ أَبَا بكر " وصلّى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَرَاء أبي بكر فِي الصَّفَّ صَلَاة تامَّةً، قَالَه ابْن حزم. وصلّى أَبُو بكر بِالنَّاسِ تِلْكَ الأيامَ، بِعَهْد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَيْهِ فِي ذَلِك، وخرجَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام وَهُوَ مُتوكِّئٌ على عليٍّ والعبَّاس، وَقد أَخذ أَبُو بكر فِي الصَّلَاة بِالنَّاسِ / 42 و.، فَقعدَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن يَسار أبي بكرٍ، وَأَبُو بكرٍ فِي مَوضِع الإِمام، وَصَارَ أَبُو بكر وَاقِفًا عَن يَمينه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي مَوضِع الْمَأْمُوم يُسمِعُ الناسَ تكبيرَ رسولِ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فصلَّى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالنَّاسِ، يَؤُمُّهم قَاعِدا وهُمْ خَلْفَه قيامٌ، وَهِي آخر صلاةٍ صلّاها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالنَّاسِ. واشتدّ بِهِ وجَعُهُ، وَقَالَ: " إِنِّي أوعَكُ كَمَا يوعَكُ رجلَانِ مِنْكُم " وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 لعَظيم أجره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . ولمّا حَضرته الْوَفَاة كَانَ عِنْده قَدَحٌ فِيهِ مَاء، فَجعل يُدْخل يدَه المكرَّمةَ فِيهِ ويمسحُ وَجهه وَيَقُول: " اللهمَّ أَعِنِّي على سَكَرات الْمَوْت ". وَقَالَت أُمُّ سَلَمة - رَضِي الله عَنْهَا -: عامُّةُ وصيّة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عِنْد الْمَوْت: الصلاةَ وَمَا مَلكت أَيْمانُكم، وخيّره اللهُ فَاخْتَارَ لقاءَه. وَقَالَ: " اللهمَّ الرفيقَ الأَعلى ". وقُبضَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مُستنداً إِلَى صدر عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - وَهُوَ ابْن ثلاثٍ وَسِتِّينَ سنة على الصَّحِيح. وَقيل: خمسٍ وَسِتِّينَ. وَقيل: سِتِّينَ. وَقيل غير ذَلِك. فعظُم الخطْبُ، ودُهش جماعةٌ من الصَّحَابَة، وَلم يكن فيهم أثبتُ من العبّاس وَأبي بكر. وخطب أَبُو بكر الناسَ، وتلا عَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى: (إِنَّكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 مَيِّتٌ وإنَّهمْ مَيِّتُونَ} فثابَتْ عُقُولهمْ. وسُجِّيَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِبُرْدِ حِبَرةٍ وَقيل: إنَّ الْمَلَائِكَة سَجَّته. وَجَاءَت التعزِيَة، يَسمعون الصوتَ وَلَا يرونَ الشخْص السلامُ عَلَيْكُم أَهلَ الْبَيْت ورحمةُ الله وَبَرَكَاته، {كُلُّ نَفْسٌ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّما تُوفَّوفَ أُجوركم يومَ القِيامةِ} إنَّ فِي اللهِ عَزَاءً عَن كلِّ مُصيبةٍ، وخَلَفاً من كلِّ هالكٍ / 42 ظ. ودَرَكاً مِن كلِّ مَا فَاتَ، فبالله فَثِقُوا، وإيّاه فارْجُوا، فإنّ المُصابَ مَنْ حُرِم الثوابَ. والسلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكَانُوا يَرونَ أنَّ هَذِه التَعزية من الخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام. ويروى أَنه سمِعَ الناسُ من بَاب الحُجرة حِين ذكرُوا غُسلَه: لَا تَغسلوه فَإِنَّهُ طاهرٌ مُطهَّرٌ. ثمَّ سمعُوا صَوتا بعده: اغسلوه فإنّ ذَلِك إِبْلِيس، وَأَنا الخَضِر. وَاخْتلفُوا فِي غُسله. هَل يكون وَهُوَ نائمٌ فِي ثِيَابه، أَو مُجرَّدٌ عَنْهَا. فَألْقى الله تَعَالَى عَلَيْهِم النومَ. فَقَالَ قَائِل لَا يعْرفُونَ مَنْ هُوَ: اغسلوه فِي ثِيَابه فَفَعَلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ذَلِك. وغُسِل فِي قَمِيصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ من بئرٍ يُقال لَهَا: الغَرْس. بوصيّةٍ مِنْهُ. وَكَانَت هَذِه البِئر لِسعْد بن خَيْثمة بقُبَاء. وَكَانَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يشربُ مِنْهَا. ووَلِيَ غَسله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عليٌّ. وَكَانَت على يَده خِرْقة يُغسّلُه بهَا من تَحت الْقَمِيص. وَكَانَ العبّاس وابناه الْفضل وقُثَم يقلّبونه مَعَ عليٍّ. وَكَانَ أسامةُ وشُقْران موليَاهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يصبّان المَاء. وَقيل: كَانَ الفضلُ يصبُّ الماءَ. وحَضرهم أَوْس بن خَوْليّ الْأنْصَارِيّ لم يلِ شَيْئا. وَقيل: كَانَ يحملُ المَاء. وَقيل: كَانَ العبّاسُ بِالْبَابِ لم يحضر غُسْلَه. وَالْمَشْهُور أَنه كَانَ حَاضرا. وكُفِّنَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي ثَلَاثَة أثوابٍ بيضٍ سَحُولِيّة، لَيْسَ فِيهَا قميصٌ، وَلَا عِمامة. أُدْرِج فِيهَا إدْرَاجاً. وَقيل: نُزع قميصُه الَّذِي غُسِل فِيهِ. وَقيل: لم يُنزَع. وَقيل: كَانَ فِي حَنوطِه المِسْكُ. وصلّى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أفذاذاً لم يَؤُمّهم أَحدٌ. وَقد روى الْبَزَّار وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بإسنادٍ ضَعِيف: أنَّ النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أوصى بذلك. فأوّل مَنْ صلّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 عَلَيْهِ العبّاس، ثمَّ بَنو هَاشم، ثمَّ الْمُهَاجِرُونَ، ثمَّ الْأَنْصَار، ثمَّ سائرُ النَّاس. وَدخل الصّبيان ثمَّ النِّسَاء. وَقيل: إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي مَكَان الدّفن / 43 و. فَقيل: فِي مُصلاّه، وَقيل: بالبَقِيع. فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ -: سَمِعتُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: مَا دُفن نبيٌّ قطُّ إلاّ فِي الْمَكَان الَّذِي تُوفي فِيهِ. وَاخْتلفُوا أيُلْحَد لَهُ أم يُضرَح. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ حَفَّاران أَحدهما يَلْحدُ، وَهُوَ أَبُو طَلْحَة الأنصاريّ، وَالْآخر يَضْرح وَهُوَ أَبو عُبيدة بن الجرّاح، فاتفقوا على أنّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمَا أَولا عمل عَملَه. فجَاء أَبُو طَلْحَة أَولا فحفرَ لَهُ قبراً، ولُحِد فِي جَانِبه، ودُفن [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْموضع الَّذِي توفّاه الله فِيهِ تَحت فراشِه، فِي بَيت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - وفُرش تَحْتَهُ فِي الْقَبْر قَطيفةٌ لَهُ حَمراءُ، كَانَ يفترشها. وَدخل قبرَه العبّاسُ وعليٌ والفضلُ وقُثَمُ، ابْنا العبّاس، وشُقْران مَوْلَاهُ، وَيُقَال: كَانَ أُسامةُ وَأَوْس بن خَوليّ مَعَهم. وَيُقَال: إنَّ المُغيرة بن شُعْبَة نزل قَبره، وَلَا يصحّ. قَالَه الْحَاكِم أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 أَحْمد. وأُطبق على لَحده تسع لبنات، ثمَّ هِيل عَلَيْهِ الترابُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ دُفن بعده بِالْبَيْتِ أَبُو بكر ثمَّ عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -. واختَلفوا فِي مدّة مَرضه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وتأريخ وَفَاته وَدَفنه. فَقيل: اشْتَكَى يَوْم الْأَرْبَعَاء لإِحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من صَفَر سنة إِحْدَى عشرَة من الهِجرة، فاشتكى ثلاثَ عشرةَ لَيْلَة. وَقيل: اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة. وَتُوفِّي يَوْم الإِثنين لِليلتين مَضَتا من شهر ربيعٍ الأول. وَقيل: اشْتَكَى يَوْم السبت لاثْنَتَيْنِ وَعشْرين خَلونَ من صَفَر، وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة مَضَت من ربيعٍ الأول. وَلَا يصحُّ أَنه اشْتَكَى يَوْم الْأَرْبَعَاء لِليلة بقيت من صَفَر، لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي أَن مُستهل صَفَر يَوْم الْأَرْبَعَاء، وَذَلِكَ لَا يُتصوَّر، لِأَن أول ذِي الحجّة كَانَ يَوْم الْخَمِيس. وَقيل: توفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمانٍ خلت من ربيع الأول. وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد ابْن حزم وَجَمَاعَة. وَقيل: توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ مُستَهَل ربيعٍ الأول. وَالرَّاجِح عِنْد الْجُمْهُور أَنه تُوفي / 43 ظ. يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة مَضَت من ربيعٍ الأول. وَلَا يصحّ كَمَا قَالَ السُّهيليُ ثمَّ أَبُو الرّبيع بن سَالم لأنَّ وقفته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعرفةَ فِي حجّة الوَدَاع كَانَت يَوْم الْجُمُعَة، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 يُتصوَّر مَعَ ذَلِك أَنْ يكون الِاثْنَيْنِ، الثَّانِي عشر من شهرِ ربيعٍ الأول. وَالْمَنْقُول عَن الْأَكْثَرين أَنه توفّي حِين اشتدّ الضُّحَى من يَوْم الِاثْنَيْنِ. وَبِه حزم عبد الْغَنِيّ. وقيلَ: حِين زاغت الشَّمْس. وَفِي صَحِيح البخاريّ: أَنه توُفي آخر ذَلِك الْيَوْم. وصحّح الْحَاكِم فِي الإِكليل أَنه توفّي حِين زاغت الشَّمْس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ. ودُفن تِلْكَ السَّاعَة. وَقَالَ: إِنَّه أثبت الْأَقَاوِيل. وَقيل: دُفن لَيْلَة الثُّلَاثَاء. وَقيل: يَوْم الثُّلَاثَاء. وَقيل: لَيْلَة الْأَرْبَعَاء. وَهُوَ المُرجَّح. وَقيل: يَوْم الْأَرْبَعَاء. صلى الله عَلَيْهِ، وعَلى آله وَصَحبه وسَلَّم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما. تمّ الْمُخْتَصر بِحَمْد الله وعونه ومَنَّه وَكَرمه وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. وَلَا حول وَلَا قوّة إلاّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم. اللهمَّ صَلَّ على سيِّدنا مُحَمَّد النبيِّ الأميِّ وعَلى آله وَأَصْحَابه وسَلِّمْ تَسْلِيمًا كثيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149