الكتاب: الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) المحقق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي - كامل محمد الخراط الناشر: مؤسسة الرسالة - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ - 1997م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ابن حجر الهيتمي الكتاب: الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) المحقق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي - كامل محمد الخراط الناشر: مؤسسة الرسالة - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ - 1997م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رب يسر يَا كريم) الْحَمد لله الَّذِي اخْتصَّ نبيه مُحَمَّدًا (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بأصحاب كَالنُّجُومِ، وَأوجب على الكافة تعظيمهم واعتقاد حقية مَا كَانُوا عَلَيْهِ لما منحوه من حقائق المعارف والعلوم. وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة أندرج بهَا فِي سلكهم المنظوم، وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي حباه بسره المكتوم، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه صَلَاة وَسلَامًا دائمين بدوام الْحَيّ القيوم. أما بعد؛ فَإِنِّي سُئِلت قَدِيما فِي تأليف كتاب يبين حقية خلَافَة الصّديق، وإمارة ابْن الْخطاب - رَضِي الله عَنْهُمَا -، فأجبت إِلَى ذَلِك مسارعة فِي خدمَة هَذَا الجناب، فجَاء بِحَمْد الله أنموذجا لطيفا، ومنهاجا شريفا، ومسلكا منيفا، ثمَّ سُئِلت قَدِيما فِي إقرائه فِي رَمَضَان سنة خمسين وَتِسْعمِائَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام؛ لِكَثْرَة الشِّيعَة والرافضة وَنَحْوهمَا الْآن بِمَكَّة المشرفة، أشرف بِلَاد الْإِسْلَام، فأجبت إِلَى ذَلِك، رَجَاء لهداية بعض من زل بِهِ قدمه عَن أوضح المسالك، ثمَّ سنح لي أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 أَزِيد عَلَيْهِ أَضْعَاف مَا فِيهِ، وَأبين حقية خلَافَة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وفضائلهم، وَمَا يتبع ذَلِك مِمَّا يَلِيق بقوادمه وخوافيه، فجَاء كتابا فِي فنه حافلا، ومطلبا فِي حلل الرصانة وَالتَّحْقِيق رافلا، ومهندا قاصما لحجج المبطلين وأعناق شرار المبتدعين الضَّالّين؛ لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة والأدلة الْوَاضِحَة المنقحة النقلية، الَّتِي يَعْقِلهَا الْعَالمُونَ، وَلَا ينكرها إِلَّا الَّذين هم بآيَات الله يجحدون، نَعُوذ بِاللَّه من أَحْوَالهم، ونسأله السَّلامَة من قبائح أَقْوَالهم وأفعالهم، إِنَّه الْجواد الْكَرِيم الرؤوف الرَّحِيم. ورتبته على مُقَدمَات ثَلَاث، وَعشرَة أَبْوَاب، وخاتمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الصَّوَاعِق المحرقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 1 - الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 فالمقدمات الْمُقدمَة الأولى اعْلَم أَن الْحَامِل الدَّاعِي لي على التَّأْلِيف فِي ذَلِك وَإِن كنت قاصرا عَن حقائق مَا هُنَالك مَا أخرجه الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي الْجَامِع وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا ظَهرت الْفِتَن أَو قَالَ الْبدع وسبت أَصْحَابِي فليظهر الْعَالم علمه فَمن لم يفعل ذَلِك فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا) وَمَا أخرجه الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 قَالَ (مَا ظهر أهل بِدعَة إِلَّا أظهر الله فيهم حجَّته على لِسَان من شَاءَ من خلقه) وَأخرج أَبُو نعيم أهل الْبدع شَرّ الْخلق والخليقة قيل هما مُتَرَادِفَانِ وَقيل المُرَاد بِالْأولِ الْبَهَائِم وَبِالثَّانِي النَّاس وَأخرج أَبُو حَاتِم الْخُزَاعِيّ فِي جزئه أَصْحَاب الْبدع كلاب النَّار والرافعي عمل قَلِيل فِي سنة خير من عمل كثير فِي بِدعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وَالطَّبَرَانِيّ من وقر صَاحب بِدعَة فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة أَبى الله أَن يقبل عمل صَاحب بِدعَة حَتَّى يدع بدعته والخطيب والديلمي إِذا مَاتَ صَاحب بِدعَة فقد فتح فِي الْإِسْلَام فتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والضياء إِن الله احتجز التَّوْبَة عَن كل صَاحب بِدعَة وَالطَّبَرَانِيّ إِن الْإِسْلَام يشيع ثمَّ يكون لَهُ فَتْرَة فَمن كَانَت فترته إِلَى غلو وبدعة فَأُولَئِك أهل النَّار وَالْبَيْهَقِيّ لَا يقبل الله لصَاحب بِدعَة صَلَاة وَلَا صوما وَلَا صَدَقَة وَلَا حجا وَلَا عمْرَة وَلَا جهادا وَلَا صرفا وَلَا عدلا يخرج من الْإِسْلَام كَمَا تخرج الشعرة من الْعَجِين وسيتلى عَلَيْك مَا تعلم مِنْهُ علما قَطْعِيا أَن الرافضة والشيعة وَنَحْوهمَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 أكَابِر أهل الْبِدْعَة فيتناولهم هَذَا الْوَعيد الَّذِي فِي هَذِه الْأَحَادِيث على أَنه ورد فيهم أَحَادِيث بخصوصهم وَأخرج الْمحَامِلِي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن عويم بن سَاعِدَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله اختارني وَاخْتَارَ لي أصحابا فَجعل لي مِنْهُم وزراء وأنصارا وأصهارا فَمن سبهم فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صرفا وَلَا عدلا) والخطيب عَن أنس إِن الله اختارني وَاخْتَارَ لي أصحابا وَاخْتَارَ لي مِنْهُم أصهارا وأنصارا فَمن حفظني فيهم حفظه الله وَمن آذَانِي فيهم آذاه الله وَأخرج الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء عَن أنس إِن الله اختارني وَاخْتَارَ لي أصحابا وأصهارا وَسَيَأْتِي قوم يسبونهم ويتنقصونهم فَلَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 تشاربوهم وَلَا تؤاكلوهم وَلَا تناكحوهم وَأخرج الْبَغَوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر عَن عِيَاض الْأنْصَارِيّ احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وأصهاري وأنصاري فَمن حفظني فيهم حفظه الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن لم يحفظني فيهم تخلى الله مِنْهُ وَمن تخلى الله مِنْهُ يُوشك أَن يَأْخُذهُ وَأخرج أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ نَحوه عَن جَابر وَالْحسن بن عَليّ وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخرج هُوَ والذهبي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم مَرْفُوعا يكون فِي آخر الزَّمَان قوم يسمون الرافضة يرفضون الْإِسْلَام فاقتلوهم فَإِنَّهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 مشركون وَأخرج أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن حسن بن حسي بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنْهُم قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يظْهر فِي أمتِي فِي آخر الزَّمَان قوم يسمون الرافضة يرفضون الْإِسْلَام) وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (سَيَأْتِي من بعدِي قوم لَهُم نبز يُقَال لَهُم الرافضة فَإِن أدركتهم فاقتلهم فَإِنَّهُم مشركون) قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا الْعَلامَة فيهم قَالَ يقرظونك بِمَا لَيْسَ فِيك ويطعنون على السّلف وَأخرجه عَنهُ من طَرِيق أُخْرَى نَحوه وَكَذَلِكَ من طَرِيق أُخْرَى وَزَاد عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ينتحلون حبنا أهل الْبَيْت وَلَيْسوا كَذَلِك وَآيَة ذَلِك أَنهم يسبون أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخرج أَيْضا من طرق عَن فَاطِمَة الزهراء وَعَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهُمَا نَحوه قَالَ وَلِهَذَا الحَدِيث عندنَا طرق كَثِيرَة وروى الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس من سبّ أَصْحَابِي فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ من سبّ الْأَنْبِيَاء قتل وَمن سبّ أَصْحَابِي جلد والديلمي عَن أنس إِذا أَرَادَ الله بِرَجُل من أمتِي خيرا ألْقى حب أَصْحَابِي فِي قلبه وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن مُغفل الله الله فِي أَصْحَابِي لَا تتخذوهم غَرضا بعدِي فَمن احبهم فبحبي أحبهم وَمن أبْغضهُم فببغضي أبْغضهُم وَمن آذاهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 فقد أذاني وَمن آذَانِي فقد آذَى الله وَمن آذَى الله يُوشك أَن يَأْخُذهُ والخطيب عَن ابْن عمر إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يسبون أَصْحَابِي فَقولُوا لعنة الله على شركم وَابْن عدي عَن عَائِشَة إِن شرار أمتِي أجرؤهم على أَصْحَابِي وَابْن مَاجَه عَن عمر احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ 000 الحَدِيث والشيرازي فِي الألقاب عَن أبي سعيد احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي فَمن حفظني فيهم كَانَ عَلَيْهِ من الله حَافظ وَمن لم يحفظني فيهم تخلى الله مِنْهُ وَمن تخلى الله مِنْهُ يُوشك أَن يَأْخُذهُ والخطيب عَن جَابر وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن أبي هُرَيْرَة إِن النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 يكثرون وأصحابي يقلون فَلَا تسبوا أَصْحَابِي فَمن سبهم فَعَلَيهِ لعنة الله روى الْحَاكِم عَن أبي سعيد أما إِنَّه لَا يدْرك قوم بعدكم صاعكم وَلَا مدكم وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن مُرْسلا مَا شَأْنكُمْ وشأن أَصْحَابِي ذَروا لي أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مثل عمل أحدهم يَوْمًا وَاحِدًا وَأحمد والشيخان وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد وَمُسلم وَابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن أحدكُم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود لَا يبلغنِي أحد عَن أَصْحَابِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 شَيْئا فَإِنِّي أحب أَن أخرج إِلَيْكُم وَأَنا سليم الصَّدْر وَأحمد عَن أنس دعوا لي أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنفقتم مثل أحد ذَهَبا مَا بَلغْتُمْ أَعْمَالهم وَالدَّارَقُطْنِيّ من حفظني فِي أَصْحَابِي ورد عَليّ الْحَوْض وَمن لم يحفظني فِي أَصْحَابِي لم يرد عَليّ الْحَوْض وَلم يرني وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن بسر طُوبَى لمن رَآنِي وآمن بِي طُوبَى لمن رأى من رَآنِي وَلمن رأى من رأى من رَآنِي وآمن بِي طُوبَى لَهُم وَحسن مآب وَعبد بن حميد عَن أبي سعيد وَابْن عَسَاكِر عَن وَاثِلَة طُوبَى لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 رَآنِي وَلمن رأى من رأى من رَآنِي وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر لعن الله من سبّ أَصْحَابِي وَالتِّرْمِذِيّ والضياء عَن بُرَيْدَة مَا من أحد من أَصْحَابِي يَمُوت بِأَرْض إِلَّا بعث قائدا ونورا لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وَأَبُو يعلى عَن أنس مثل أَصْحَابِي فِي أمتِي مثل الْملح فِي الطَّعَام لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يصلح الطَّعَام إِلَّا بالملح وَأحمد وَمُسلم عَن أبي مُوسَى النُّجُوم أَمَنَة للسماء فَإِذا ذهبت النُّجُوم أَتَى السَّمَاء مَا توعد وَأَنا أَمَنَة لِأَصْحَابِي فَإِذا ذهبت أَنا أَتَى أَصْحَابِي مَا يوعدون وأصحابي أَمَنَة لأمتي فَإِذا ذهب أَصْحَابِي أَتَى أمتِي مَا يوعدون وَالتِّرْمِذِيّ والضياء عَن جَابر لَا تمس النَّار مُسلما رَآنِي أَو رأى من رَآنِي وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ الحَدِيث وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن جعدة بن هُبَيْرَة خير النَّاس قَرْني الَّذِي أَنا فِيهِ ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ وَالْآخرُونَ أراذل وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة خير أمتِي الْقرن الَّذِي بعثت فِيهِ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ الحَدِيث والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء خير أمتِي أَولهَا وَآخِرهَا وَفِي وَسطهَا الكدر وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية مُرْسلا خير هَذِه الْأمة أَولهَا وَآخِرهَا أَولهَا فيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآخِرهَا فيهم عِيسَى ابْن مَرْيَم وَبَين ذَلِك نهج أَعْوَج لَيْسُوا مني وَلست مِنْهُم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود خير النَّاس قَرْني ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث ثمَّ يَجِيء قوم لَا خير فيهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَابْن مَاجَه عَن أنس أمتِي على خمس طَبَقَات فأربعون سنة أهل بر وتقوى ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ إِلَى عشْرين وَمِائَة أهل تواصل وتراحم ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ إِلَى سِتِّينَ وَمِائَة أهل تدابر وتقاطع ثمَّ الْهَرج والمرج النجا النجا وَله عَنهُ أَيْضا كل طبقَة أَرْبَعُونَ فَأَما طبقتي وطبقة أَصْحَابِي فَأهل علم وإيمان وَأما الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى الثَّمَانِينَ فَأهل بر وتقوى ثمَّ ذكر نَحوه وَالْحسن بن سُفْيَان وَابْن مندة وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن دارم التَّمِيمِي الطَّبَقَة الأولى أَنا وَمن معي أهل علم ويقين إِلَى الْأَرْبَعين والطبقة الثَّانِيَة أهل بر وتقوى إِلَى الثَّمَانِينَ والطبقة الثَّالِثَة أهل تراحم وتواصل إِلَى الْعشْرين وَمِائَة والطبقة الرَّابِعَة أهل تقاطع وتظالم إِلَى السِّتين وَمِائَة والطبقة الْخَامِسَة أهل هرج ومرج إِلَى الْمِائَتَيْنِ وَلابْن عَسَاكِر مثله إِلَّا أَنه قَالَ فطبقتي وطبقة أَصْحَابِي أهل الْعلم وَالْإِيمَان وَقَالَ بدل المرج الحروب وَكفى فخرا لَهُم أَن الله تبَارك وَتَعَالَى شهد لَهُم بِأَنَّهُم خير النَّاس حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} فَإِنَّهُم أول دَاخل فِي هَذَا الْخطاب كَذَلِك شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله فِي الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته (خير الْقُرُون قَرْني) وَلَا مقَام أعظم من مقَام قوم ارتضاهم الله عز وَجل لصحبة نبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونصرته وَقَالَ تَعَالَى {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ فَتَأمل ذَلِك فَإنَّك تنجو من قَبِيح مَا اختلقته الرافضة عَلَيْهِم مِمَّا هم بريئون مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بسط ذَلِك وإيضاحه فالحذر الحذر من اعْتِقَاد أدنى شَائِبَة من شوائب النَّقْص فيهم معَاذ الله لم يخْتَر الله لأكمل أنبيائه إِلَّا أكمل من عداهم من بَقِيَّة الْأُمَم كَمَا أعلمنَا ذَلِك بقوله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} وَمِمَّا يرشدك إِلَى أَن مَا نسبوه إِلَيْهِم كذب مختلق عَلَيْهِم أَنهم لم ينقلوا شَيْئا مِنْهُ بِإِسْنَاد عرفت رِجَاله وَلَا عدلت نقلته وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء من إفكهم وحمقهم وجهلهم وافترائهم على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإياك أَن تدع الصَّحِيح وتتبع السقيم ميلًا إِلَى الْهوى والعصبية وسيتلى عَلَيْك عَن عَليّ كرم الله وَجهه وَعَن أكَابِر أهل بَيته من تَعْظِيم الصَّحَابَة سِيمَا الشَّيْخَانِ وَعُثْمَان وَبَقِيَّة الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ مَا فِيهِ مقنع لمن الْهم رشده وَكَيف يسوغ لمن هُوَ من العترة النَّبَوِيَّة أَو من المتمسكين بحبلهم أَن يعدل عَمَّا تَوَاتر عَن إمَامهمْ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من قَوْله إِن خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر ثمَّ عمر وَزعم الرافضة لعنهم الله أَن ذَلِك تقية سيتكرر عَلَيْك رده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وَبَيَان بُطْلَانه وَأَن ذَلِك أدّى بعض الرافضة إِلَى أَن كفر عليا قَالَ لِأَنَّهُ أعَان الْكفَّار على كفرهم فَقَاتلهُمْ الله مَا أحمقهم وأجهلهم وروى الطَّبَرَانِيّ وَغَيره عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ الله الله فِي أَصْحَاب نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أوصى بهم خيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الْمُقدمَة الثَّانِيَة اعْلَم أَيْضا أَن الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أَجمعُوا على أَن نصب الإِمَام بعد انْقِرَاض زمن النُّبُوَّة وَاجِب بل جَعَلُوهُ أهم الْوَاجِبَات حَيْثُ اشتغلوا بِهِ عَن دفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْتِلَافهمْ فِي التَّعْيِين لَا يقْدَح فِي الْإِجْمَاع الْمَذْكُور ولتلك الأهمية لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ خَطِيبًا كَمَا سَيَأْتِي فَقَالَ أَيهَا النَّاس من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت وَلَا بُد لهَذَا الْأَمر مِمَّن يقوم بِهِ فانظروا وهاتوا آراءكم فَقَالُوا صدقت نَنْظُر فِيهِ ثمَّ ذَلِك الْوُجُوب عندنَا معشر أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَعند أَكثر الْمُعْتَزلَة بِالسَّمْعِ أَي من جِهَة التَّوَاتُر وَالْإِجْمَاع الْمَذْكُور وَقَالَ كثير بِالْعقلِ وَوجه ذَلِك الْوُجُوب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِإِقَامَة الْحُدُود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للْجِهَاد وَحفظ بَيْضَة الْإِسْلَام وَمَا لَا يتم الْوَاجِب الْمُطلق إِلَّا بِهِ وَإِن كَانَ مَقْدُورًا فَهُوَ وَاجِب وَلِأَن فِي نَصبه جلب مَنَافِع لَا تحصى وَدفع مضار لَا تستقصى وكل مَا كَانَ كَذَلِك يكون وَاجِبا أما الصُّغْرَى على مَا فِي شرح الْمَقَاصِد فتكاد تلْحق بالضروريات بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 بالمشاهدات بِشَهَادَة مَا نرَاهُ من الْفِتَن وَالْفساد وانفصام أُمُور الْعباد بِمُجَرَّد موت الإِمَام وَإِن لم يكن على مَا يَنْبَغِي من الصّلاح والسداد وَأما الْكُبْرَى فبالإجماع عندنَا وبالضرورة عِنْد من قَالَ بِالْوُجُوب عقلا من الْمُعْتَزلَة كابي الْحُسَيْن والجاحظ والخياط والكعبي وَأما مُخَالفَة الْخَوَارِج وَنَحْوهم فِي الْوُجُوب فَلَا يعْتد بهَا لِأَن مخالفتهم كَسَائِر المبتدعة لَا تقدح فِي الْإِجْمَاع وَلَا تخل بِمَا يفِيدهُ من الْقطع بالحكم الْمجمع عَلَيْهِ وَدَعوى أَن فِي نَصبه ضَرَرا من حَيْثُ إِن إِلْزَام من هُوَ مثله بامتثال أوامره فِيهِ إِضْرَار بِهِ فَيُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة وَمن حَيْثُ إِنَّه غير مَعْصُوم من نَحْو الْكفْر والفسوق فَإِن لم يعتزل أضرّ بِالنَّاسِ وَإِن عزل أدّى إِلَى محاربته وفيهَا ضَرَر أَي ضَرَر بَاطِلَة لَا ينظر إِلَيْهَا لِأَن الْإِضْرَار اللَّازِم من ترك نَصبه أعظم وأقبح بل لَا نِسْبَة بَينهمَا وَدفع الضَّرَر الْأَعْظَم عِنْد التَّعَارُض وَاجِب وَفرض انتظام حَال النَّاس بِدُونِ إِمَام محَال عَادَة كَمَا هُوَ مشَاهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الْمُقدمَة الثَّالِثَة الْإِمَامَة تثبت إِمَّا بِنَصّ من الإِمَام على اسْتِخْلَاف وَاحِد من أَهلهَا وَإِمَّا بعقدها من أهل الْحل وَالْعقد لمن عقدت لَهُ من أَهلهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي الْأَبْوَاب وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك كَمَا هُوَ مُبين فِي مَحَله من كتب الْفُقَهَاء وَغَيرهم وَاعْلَم أَنه يجوز نصب الْمَفْضُول مَعَ وجود من هُوَ افضل مِنْهُ لإِجْمَاع الْعلمَاء بعد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين على إِمَامَة بعض من قُرَيْش مَعَ وجود افضل مِنْهُم وَلِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ جعل الْخلَافَة بَين سِتَّة من الْعشْرَة مِنْهُم عُثْمَان وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وهما افضل أهل زمانهما بعد عمر فَلَو تعين الْأَفْضَل لعين عمر عُثْمَان فَدلَّ عدم تَعْيِينه أَنه يجوز نصب غير عُثْمَان وَعلي مَعَ وجودهما وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن غير الْأَفْضَل قد يكون أقدر مِنْهُ على الْقيام بمصالح الدّين وَأعرف بتدبير الْملك وأوفق لانتظام حَال الرّعية وأوثق فِي اندفاع الْفِتْنَة وَاشْتِرَاط الْعِصْمَة فِي الإِمَام وَكَونه هاشميا وَظُهُور معْجزَة على يَدَيْهِ يعلم بهَا صدقه من خرافات نَحْو الشِّيعَة وجهالاتهم لما سَيَأْتِي بَيَانه وإيضاحه من حقية خلَافَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم مَعَ انْتِفَاء ذَلِك فيهم وَمن جهالاتهم أَيْضا قَوْلهم إِن غير الْمَعْصُوم يُسمى ظَالِما فيتناوله قَوْله تَعَالَى {لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا إِذْ الظَّالِم لُغَة من يضع الشَّيْء فِي غير مَحَله وَشرعا العَاصِي وَغير الْمَعْصُوم قد يكون مَحْفُوظًا فَلَا يصدر عَنهُ ذَنْب أَو يصدر عَنهُ وَيَتُوب مِنْهُ حَالا تَوْبَة نصُوحًا فالآية لَا تتناوله وَإِنَّمَا تتَنَاوَل العَاصِي على أَن الْعَهْد فِي الْآيَة كَمَا يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْإِمَامَة الْعُظْمَى يحْتَمل أَيْضا أَن المُرَاد بِهِ النُّبُوَّة أَو الْإِمَامَة فِي الدّين أَو نَحْوهمَا من مَرَاتِب الْكَمَال وَهَذِه الْجَهَالَة مِنْهُم إِنَّمَا اخترعوها ليبنوا عَلَيْهَا بطلَان خلَافَة غير عَليّ وَسَيَأْتِي مَا يرد عَلَيْهِم وَيبين عنادهم وجهلهم وضلالهم نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن والمحن آمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الْبَاب الأول فِي بَيَان كَيْفيَّة خلَافَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَالِاسْتِدْلَال على حقيتها بالأدلة النقلية والعقلية وَمَا يتبع ذَلِك وَفِيه فُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الْفَصْل الأول فِي بَيَان كيفيتها روى الشَّيْخَانِ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا اللَّذين هما أصح الْكتب بعد الْقُرْآن بِإِجْمَاع من يعْتد بِهِ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ خطب النَّاس مرجعه من الْحَج فَقَالَ فِي خطبَته قد بَلغنِي أَن قَائِلا مِنْكُم يَقُول لَو مَاتَ عمر بَايَعت فلَانا فَلَا يغترن امْرُؤ أَن يَقُول إِن بيعَة أبي بكر كَانَت فلتة أَلا وَإِنَّهَا كَذَلِك إِلَّا أَن الله وقى شَرها وَلَيْسَ فِيكُم الْيَوْم من تقطع إِلَيْهِ الْأَعْنَاق مثل أبي بكر وَإنَّهُ كَانَ من خيارنا حِين توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عليا وَالزُّبَيْر وَمن مَعَهُمَا تخلفوا فِي بَيت فَاطِمَة وَتَخَلَّفت الْأَنْصَار عَنَّا بأجمعها فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وَاجْتمعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أبي بكر فَقلت لَهُ يَا أَبَا بكر انْطلق بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار فَانْطَلَقْنَا نؤمهم أَي نقصدهم حَتَّى لَقينَا رجلَانِ صالحان فذكرا لنا الَّذِي صنع الْقَوْم قَالَا أَيْن تُرِيدُونَ يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقُلْنَا نُرِيد إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار فَقَالَا لَا عَلَيْكُم أَن لَا تقربوهم واقضوا أَمركُم يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقلت وَالله لنأتينهم فَانْطَلقَا حَتَّى جئناهم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة فَإِذا هم مجتمعون فَإِذا بَين ظهرانيهم رجل مزمل فَقلت من هَذَا قَالُوا سعد بن عبَادَة فَقلت مَا لَهُ قَالُوا وجع فَلَمَّا جلسنا قَامَ خطيبهم فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله وَقَالَ أما بعد فَنحْن أنصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الله وكتيبة الْإِسْلَام وَأَنْتُم يَا معشر الْمُهَاجِرين رَهْط منا وَقد دفت دافة مِنْكُم أَي دب قوم مِنْكُم بالاستعلاء والترفع علينا تُرِيدُونَ أَن تخذلونا من أصلنَا وتحضنونا من الْأَمر أَي تنحونا مِنْهُ وتستبدون بِهِ دُوننَا فَلَمَّا سكت أردْت أَن أَتكَلّم وَقد كنت زورت مقَالَة أعجبتني أردْت أَن أقولها بَين يَدي أبي بكر وَقد كنت أداري مِنْهُ بعض الْحَد وَهُوَ كَانَ أحلم مني وأوقر فَقَالَ أَبُو بكر على رسلك فَكرِهت أَن أغضبهُ وَكَانَ أعلم مني وَالله مَا ترك من كلمة أعجبتني فِي تزويري إِلَّا قَالَهَا فِي بديهته وافضل حَتَّى سكت فَقَالَ أما بعد فَمَا ذكرْتُمْ من خير فَأنْتم أَهله وَلم تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش هم أَوسط الْعَرَب نسبا ودارا وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن فَبَايعُوا أَيهمَا شِئْتُم وَأخذ بيَدي وبيد أبي عُبَيْدَة بن الْجراح فَلم أكره مَا قَالَ غَيرهَا وَلِأَن وَالله أقدم فَتضْرب عنقِي لَا يقربنِي ذَلِك من إِثْم أحب إِلَيّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر فَقَالَ قَائِل من الْأَنْصَار أَي هُوَ الْحباب بِمُهْملَة مَضْمُومَة فموحدة ابْن الْمُنْذر أَنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أَي أَنا الَّذِي يشتفى برأيي وتدبيري وَأَمْنَع بجلدتي ولحمتي كل نائبة تنوبهم كَمَا دلّ على ذَلِك مَا فِي كَلَامه من الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ المخيل لَهَا بِذكر مَا يلائم الْمُشبه بِهِ إِذْ مَوْضُوع الجذيل المحكك وَهُوَ بجيم فمعجمة تَصْغِير جذل عود ينصب فِي العطن لتحتك بِهِ الْإِبِل الجرباء والتصغير للتعظيم والعذق بِفَتْح الْعين النَّخْلَة بحملها فاستعارها لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ذَكرْنَاهُ والمرجب بِالْجِيم وَغلط من قَالَ بِالْحَاء من قَوْلهم نَخْلَة رجبية وترجيبها ضم أعذاقها إِلَى سعفاتها وشدها بالخوص لِئَلَّا ينفضها الرّيح أَو يصل إِلَيْهَا آكل منا أَمِير ومنكم أَمِير يَا معشر قُرَيْش وَكثر اللَّغط وَارْتَفَعت الْأَصْوَات حَتَّى خشيت الِاخْتِلَاف فَقلت ابْسُطْ يدك يَا أَبَا بكر فَبسط يَده فَبَايَعته ثمَّ بَايعه الْمُهَاجِرُونَ ثمَّ بَايعه الْأَنْصَار أما وَالله مَا وجدنَا فِيمَا حَضَرنَا أمرا هُوَ أوفق من مبايعة أبي بكر خشينا إِن فارقنا الْقَوْم وَلم تكن بيعَة أَن يحدثوا بَعدنَا بيعَة فإمَّا أَن نبايعهم على مَا لَا نرضى وَإِمَّا أَن نخالفهم فَيكون فِيهِ فَسَاد وَفِي رِوَايَة أَن أَبَا بكر احْتج على الْأَنْصَار بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش وَهُوَ // حَدِيث صَحِيح // ورد من طرق عَن نَحْو أَرْبَعِينَ صحابيا وَأخرج النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت الْأَنْصَار منا أَمِير ومنكم أَمِير فَأَتَاهُم عمر بن الْخطاب فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَمر أَبَا بكر أَن يؤم النَّاس وَأَيكُمْ تطيب نَفسه أَن يتَقَدَّم أَبَا بكر فَقَالَ الْأَنْصَار نَعُوذ بِاللَّه أَن نتقدم أَبَا بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنهم لما اجْتَمعُوا بالسقيفة بدار سعد بن عبَادَة وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَامَ خطباء الْأَنْصَار فَجعل الرجل مِنْهُم يَقُول يَا معشر الْمُهَاجِرين إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اسْتعْمل الرجل مِنْكُم يقرن مَعَه رجلا منا فنرى أَن يَلِي هَذَا الْأَمر رجلَانِ منا ومنكم فتتابعت خطباؤهم على ذَلِك فَقَامَ زيد بن ثَابت فَقَالَ أتعلمون أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من الْمُهَاجِرين وخليفته من الْمُهَاجِرين وَنحن كُنَّا أنصار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنحْن أنصار خَلِيفَته كَمَا كُنَّا أنصاره ثمَّ أَخذ بيد أبي بكر فَقَالَ هَذَا صَاحبكُم فَبَايعهُ عمر ثمَّ بَايعه الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَصعد أَبُو بكر الْمِنْبَر وَنظر فِي وُجُوه الْقَوْم فَلم ير الزبير فَدَعَا بِهِ فجَاء فَقَالَ قلت ابْن عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحواريه أردْت أَن تشق عَصا الْمُسلمين فَقَالَ لَا تَثْرِيب يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَامَ فَبَايعهُ ثمَّ نظر فِي وُجُوه الْقَوْم فَلم ير عليا فَدَعَا بِهِ فجَاء فَقَالَ قلت ابْن عَم رَسُول الله وَخَتنه على بنته أردْت أَن تشق عَصا الْمُسلمين فَقَالَ لَا تَثْرِيب يَا خَليفَة رَسُول الله فَبَايعهُ وروى ابْن إِسْحَاق عَن أنس أَنه لما بُويِعَ فِي السَّقِيفَة جلس الْغَد على الْمِنْبَر فَقَامَ عمر فَتكلم قبله فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن الله قد جمع أَمركُم على خَيركُمْ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار فَقومُوا فَبَايعُوهُ فَبَايع النَّاس أَبَا بكر بيعَة الْعَامَّة بعد بيعَة السَّقِيفَة ثمَّ تكلم أَبُو بكر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أما بعد أَيهَا النَّاس فَإِنِّي قد وليت عَلَيْكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَلست بِخَيْرِكُمْ فَإِن أَحْسَنت فأعيونني وَإِن أَسَأْت فقوموني الصدْق أَمَانَة وَالْكذب خِيَانَة والضعيف فِيكُم قوي عِنْدِي حَتَّى أُرِيح عَلَيْهِ حَقه إِن شَاءَ الله وَالْقَوِي فِيكُم ضَعِيف حَتَّى آخذ الْحق مِنْهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَا يدع قوم الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا ضَربهمْ الله بالذل وَلَا تشيع الْفَاحِشَة فِي قوم قطّ إِلَّا عمهم الله بالبلاء أَطِيعُونِي مَا أطلعت الله وَرَسُوله فَإِذا عصيت الله وَرَسُوله فَلَا طَاعَة لي عَلَيْكُم قومُوا إِلَى صَلَاتكُمْ يَرْحَمكُمْ الله وَأخرج مُوسَى بن عقبَة فِي مغازية وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ قَالَ خطب أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ وَالله مَا كنت حَرِيصًا على الْإِمَارَة يَوْمًا وَلَا لَيْلَة قطّ وَلَا كنت رَاغِبًا فِيهَا وَلَا سَأَلتهَا الله فِي سر وَلَا عَلَانيَة وَلَكِنِّي أشفقت من الْفِتْنَة وَمَالِي فِي الْإِمَارَة من رَاحَة لقد قلدت أمرا عَظِيما مَالِي بِهِ من طَاقَة وَلَا يَد إِلَّا بتقوية الله فَقَالَ عَليّ وَالزُّبَيْر مَا غضبنا إِلَّا لأَنا أخرنا عَن المشورة وَإِنَّا نرى أَبَا بكر أَحَق النَّاس بهَا إِنَّه لصَاحب الْغَار وَإِنَّا لنعرف شرفه وخيره وَلَقَد أمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيّ وَأخرج ابْن سعد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَن عمر أَتَى أَبَا عُبَيْدَة أَولا ليبايعه وَقَالَ إِنَّك أَمِين هَذِه الْأمة على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ مَا رَأَيْت لَك فهة أَي ضعف رَأْي قبلهَا مُنْذُ أسلمت أتبايعني وَفِيكُمْ الصّديق وَثَانِي اثْنَيْنِ وَأخرج أَيْضا أَن أَبَا بكر قَالَ لعمر ابْسُطْ يدك لأبايعك فَقَالَ لَهُ أَنْت أفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مني فَأَجَابَهُ بأنت أقوى مني ثمَّ كرر ذَلِك فَقَالَ عمر فَإِن قوتي لَك مَعَ فضلك فَبَايعهُ وَأخرج أَحْمد أَن أَبَا بكر لما خطب يَوْم السَّقِيفَة لم يتْرك شَيْئا أنزل فِي الْأَنْصَار وَذكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَأْنهمْ إِلَّا ذكره وَقَالَ لقد علمْتُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَو سلك النَّاس وَاديا وسلكت الْأَنْصَار وَاديا لَسَلَكْت وَادي الْأَنْصَار) وَلَقَد علمت يَا سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَأَنت قَاعد قُرَيْش وُلَاة هَذَا الْأَمر فبر النَّاس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم فَقَالَ لَهُ سعد صدقت نَحن الوزراء وَأَنْتُم الْأُمَرَاء وَيُؤْخَذ مِنْهُ ضعف مَا حَكَاهُ ابْن عبد الْبر أَن سَعْدا أَبى أَن يُبَايع أَبَا بكر حَتَّى لَقِي الله وَأخرج أَحْمد عَن أبي بكر أَنه اعتذر عَن قبُوله الْبيعَة خشيَة فتْنَة يكون بعْدهَا ردة وَفِي رِوَايَة عِنْد ابْن إِسْحَاق وَغَيره أَن سائله قَالَ لَهُ مَا حملك على أَن تلِي أَمر النَّاس وَقد نهيتني أَن أتأمر على اثْنَيْنِ فَقَالَ لم أجد من ذَلِك بدا خشيت على أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفرْقَة وَأخرج أَحْمد أَنه بعد شهر نَادَى فِي النَّاس الصَّلَاة جَامِعَة وَهِي أول صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 نَادَى لَهَا بذلك ثمَّ خطب فَقَالَ أَيهَا النَّاس وددت أَن هَذَا كَفَانِيهِ غَيْرِي وَلَئِن أخذتموني بِسنة نَبِيكُم مَا أطيقها إِنَّه كَانَ لمعصوما من الشَّيْطَان وَإنَّهُ كَانَ لينزل عَلَيْهِ الْوَحْي من السَّمَاء وَفِي رِوَايَة لِابْنِ سعد أما بعد فَإِنِّي قد وليت هَذَا الْأَمر وَأَنا لَهُ كَارِه وَوَاللَّه لَوَدِدْت أَن بَعْضكُم كَفَانِيهِ أَلا وَإِنَّكُمْ إِن كلفتموني أَن أعمل فِيكُم بِمثل عمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم أقِم بِهِ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبدا أكْرمه الله بِالْوَحْي وَعَصَمَهُ بِهِ أَلا وَإِنَّمَا أَنا بشر وَلست بِخَير من أحدكُم فراعوني فَإِذا رَأَيْتُمُونِي اسْتَقَمْت فَاتبعُوني وَإِذا رَأَيْتُمُونِي زِغْت فقوموني وَاعْلَمُوا أَن لي شَيْطَانا يَعْتَرِينِي فَإِذا رَأَيْتُمُونِي غضِبت فاجتنبوني لَا أُؤْثِر فِي أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وَفِي أُخْرَى لِابْنِ سعد والخطيب أَنه قَالَ أما بعد فَإِنِّي قد وليت أَمركُم وَلست بِخَيْرِكُمْ وَلكنه نزل الْقُرْآن وَسن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّنَن فَعلمنَا فاعلموا أَيهَا النَّاس أَن أَكيس الْكيس التقى وأعجز الْعَجز الْفُجُور وَأَن أقواكم عِنْدِي الضَّعِيف حَتَّى آخذ لَهُ بِحقِّهِ وَأَن أَضْعَفكُم عِنْدِي الْقوي حَتَّى آخذ مِنْهُ الْحق أَيهَا النَّاس إِنَّمَا أَنا مُتبع وَلست بِمُبْتَدعٍ فَإِذا أَحْسَنت فَأَعِينُونِي وَإِذا أَنا زِغْت فقوموني قَالَ مَالك لَا يكون أحد إِمَامًا أبدا إِلَّا على هَذَا الشَّرْط وَأخرج الْحَاكِم أَن أَبَا قُحَافَة لما سمع بِولَايَة ابْنه قَالَ هَل رَضِي بذلك بَنو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 عبد منَاف وَبَنُو الْمُغيرَة قَالُوا نعم قَالَ لَا وَاضع لما رفعت وَلَا رَافع لما وضعت وَأخرج الْوَاقِدِيّ من طرق أَنه بُويِعَ يَوْم مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر أَنه لم يجلس مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمِنْبَر وَلَا جلس عمر مجْلِس أبي بكر وَلَا جلس عُثْمَان مجْلِس عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الْفَصْل الثَّانِي فِي بَيَان انْعِقَاد الْإِجْمَاع على وَلَا يته رَضِي الله عَنهُ تَنْبِيه قد علم مِمَّا قدمْنَاهُ أَن الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجمعُوا على ذَلِك وَأَن مَا حُكيَ من تخلف سعد بن عبَادَة عَن الْبيعَة مَرْدُود وَمِمَّا يُصَرح بذلك أَيْضا مَا أخرجه الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْد الله سيء وَقد رأى الصَّحَابَة جَمِيعًا أَن يسْتَخْلف أَبُو بكر فَانْظُر إِلَى مَا صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود وَهُوَ من أكَابِر الصَّحَابَة وفقهائهم ومتقدميهم من حِكَايَة الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة جَمِيعًا على خلَافَة أبي بكر وَلذَلِك كَانَ هُوَ الأحق بالخلافة عِنْد جَمِيع أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي كل عصر منا إِلَى الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَكَذَلِكَ عِنْد جَمِيع الْمُعْتَزلَة وَأكْثر الْفرق وإجماعهم على خِلَافَته قَاض بإجماعهم على أَنه أهل لَهَا مَعَ أَنَّهَا من الظُّهُور بِحَيْثُ لَا تخفى فَلَا يُقَال إِنَّهَا وَاقعَة يحْتَمل أَنَّهَا لم تبلغ بَعضهم وَلَو بلغت الْكل لربما أظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 بَعضهم خلافًا على أَن هَذَا إِنَّمَا يتَوَهَّم أَن لَو لم يَصح عَن بعض الصَّحَابَة المشاهدين لذَلِك الْأَمر من أَوله إِلَى آخِره حِكَايَة الْإِجْمَاع وَأما بعد أَن صَحَّ عَن مثل ابْن مَسْعُود حِكَايَة إِجْمَاعهم كلهم فَلَا يتَوَهَّم ذَلِك أصلا سِيمَا وَعلي كرم الله وَجهه مِمَّن حكى الْإِجْمَاع على ذَلِك أَيْضا كَمَا سَيَأْتِي عِنْد أَنه مَا قدم الْبَصْرَة سُئِلَ عَن مسيره هَل هُوَ بِعَهْد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر مبايعته هُوَ وَبَقِيَّة الصَّحَابَة لأبي بكر وَأَنه لم يخْتَلف عَلَيْهِ مِنْهُم اثْنَان وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزَّعْفَرَانِي قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول أجمع النَّاس على خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ أَنه اضْطِرَاب النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَجدوا تَحت أَدِيم السَّمَاء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم وَأخرج أَسد السّنة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ مَا كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَشكونَ أَن أَبَا بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانُوا يسمونه إِلَّا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانُوا يَجْتَمعُونَ على خطا وَلَا ضَلَالَة وَأَيْضًا فالأمة أَجمعت على حقية إِمَامَة أحد الثَّلَاثَة ابي بكر وَعلي وَالْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم ثمَّ إنَّهُمَا لم ينازعاه بل بايعاه فتم بذلك الْإِجْمَاع لَهُ على إِمَامَته دونهمَا إِذْ لَو لم يكن على حق لنازعاه كَمَا نَازع عَليّ مُعَاوِيَة مَعَ قُوَّة شَوْكَة مُعَاوِيَة عدَّة وعددا على شَوْكَة أبي بكر فَإِذا لم يبال عَليّ بهَا ونازعه فَكَانَت منازعته لأبي بكر أولى وَأَحْرَى فَحَيْثُ لم ينازعه دلّ على اعترافه بحقية خِلَافَته وَلَقَد سَأَلَهُ الْعَبَّاس فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أَن يبايعه فَلم يقبل وَلَو علم نصا عَلَيْهِ لقبل سِيمَا وَمَعَهُ الزبير مَعَ شجاعته وَبَنُو هَاشم وَغَيرهم وَمر أَن الْأَنْصَار كَرهُوا بيعَة أبي بكر وَقَالُوا منا أَمِير ومنكم أَمِير فدفعهم ابو بكر بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فانقادوا لَهُ وأطاعوه وَعلي أقوى مِنْهُم شَوْكَة وعدة وعددا وشجاعة فَلَو كَانَ مَعَه نَص لَكَانَ أَحْرَى بالمنازعة وأحق بالإجابة وَلَا يقْدَح فِي حِكَايَة الْإِجْمَاع تَأَخّر عَليّ وَالزُّبَيْر وَالْعَبَّاس وَطَلْحَة مُدَّة لأمور مِنْهَا أَنهم رَأَوْا أَن الْأَمر تمّ بِمن تيَسّر حُضُوره حِينَئِذٍ من أهل الْحل وَالْعقد وَمِنْهَا أَنهم لما جَاءُوا وَبَايَعُوا اعتذروا كَمَا مر عَن الْأَوَّلين من طرق بِأَنَّهُم أخروا عَن المشورة مَعَ أَن لَهُم فِيهَا حَقًا لَا للقدح فِي خلَافَة الصّديق هَذَا مَعَ الِاحْتِيَاج فِي هَذَا الْأَمر لخطره إِلَى الشورى التَّامَّة وَلِهَذَا مر عَن عمر بِسَنَد صَحِيح أَن تِلْكَ الْبيعَة كَانَت فلتة وَلَكِن وقى الله شَرها ويوافق مَا مر عَن الْأَوَّلين من الِاعْتِذَار مَا أخرجه الدراقطني من طرق كَثِيرَة أَنَّهُمَا قَالَا عِنْد مبايعتهما لأبي بكر إِلَّا أَنا أخرنا عَن المشورة وَإِنَّا لنرى أَن أَبَا بكر أَحَق النَّاس بهَا إِنَّه لصَاحب الْغَار وَثَانِي اثْنَيْنِ وَإِنَّا لنعرف لَهُ شرفه وخيره وَفِي آخرهَا أَنه اعتذر إِلَيْهِم فَقَالَ وَالله مَا كنت حَرِيصًا على الْإِمَارَة يَوْمًا قطّ وَلَا لَيْلَة وَلَا كنت فِيهَا رَاغِبًا وَلَا سَأَلتهَا الله عز وَجل فِي سر وَلَا عَلَانيَة وَلَكِنِّي أشفقت من الْفِتْنَة وَمَالِي فِي الْإِمَارَة من رَاحَة وَلَقَد قلدت أمرا عَظِيما إِلَى آخر مَا مر فقبلوا مِنْهُ ذَلِك وَمَا اعتذر بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن عَائِشَة أَن عليا بعث لأبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن ائتنا فاتاهم أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقد اجْتمعت بَنو هَاشم إِلَى عَليّ فَخَطب ومدح أَبَا بكر ثمَّ اعتذر عَن تخلفه عَن الْبيعَة بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حق فِي الْمُشَاورَة وَلم يشاوروه فَلَمَّا فرغ من خطبَته خطب أَبُو بكر وَاعْتذر بِنَحْوِ مَا تقدم ثمَّ بعد ذَلِك بَايعه عَليّ فِي يَوْمه فَرَأى الْمُسلمُونَ أَنه قد أصَاب وَفِي // الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته // التَّصْرِيح بِهَذِهِ الْقِصَّة بأبسط من هَذَا روى البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أرْسلت إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ تسأله عَن مِيرَاثهَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله من الْمَدِينَة وفدك وَمَا بَقِي من خمس خَيْبَر فَقَالَ أَبُو بكر إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال) وَإِنِّي وَالله لَا أغير شَيْئا من صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن حَالهَا الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأعملن فِيهَا بِمَا عمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أَبُو بكر أَن يدْفع إِلَى فَاطِمَة مِنْهَا شَيْئا فَوجدت فَاطِمَة على أبي بكر ذَلِك فَهجرَته فَلم تكَلمه حَتَّى توفيت وَعَاشَتْ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة أشهر فَلَمَّا توفيت دَفنهَا زَوجهَا عَليّ لَيْلًا وَلم يُؤذن بهَا أَبَا بكر وَصلى عَلَيْهَا وَكَانَ لعَلي من النَّاس وَجه حَيَاة فَاطِمَة فَلَمَّا توفيت استنكر عَليّ وُجُوه النَّاس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته وَلم يكن بَايع تِلْكَ الْأَشْهر فَأرْسل إِلَى أبي بكر أَن ائتنا وَلَا يأتينا مَعَك أحد كَرَاهِيَة ليحضر عمر فَقَالَ عمر لَا وَالله مَا تدخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 عَلَيْهِم وَحدك فَقَالَ أَبُو بكر وَمَا عسيتهم أَن يَفْعَلُوا بِي وَالله لآتينهم فَدخل عَلَيْهِم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَتشهد عَليّ فَقَالَ إِنَّا قد عرفنَا فضلك وَمَا أَعْطَاك الله وَلم ننفس عَلَيْك خيرا سَاقه الله إِلَيْك وَلَكِنَّك استبددت علينا الْأَمر وَكُنَّا نرى لقرابتنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لنا نَصِيبا حَتَّى فاضت عينا أبي بكر فَلَمَّا تكلم أَبُو بكر قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقرابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ أَن أصل من قَرَابَتي وَأما الَّذِي شجر بيني وَبَيْنكُم من هَذِه الْأَمْوَال فَإِنِّي لم آل فِيهِ عَن الْخَيْر وَلم أترك أمرا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنعه فِيهَا إِلَّا صَنعته فَقَالَ عَليّ لأبي بكر موعدك العشية لِلْبيعَةِ فَلَمَّا صلى أَبُو بكر الظّهْر رقى الْمِنْبَر فَتشهد وَذكر شَأْن عَليّ وتخلفه عَن الْبيعَة وعذره بِالَّذِي اعتذر إِلَيْهِم ثمَّ اسْتغْفر وَتشهد عَليّ فَعظم حق أبي بكر وَحدث أَنه لم يحملهُ على الَّذِي صنع نفاسة على أبي بكر وَلَا إنكارا للَّذي فَضله الله بِهِ وَلَكنَّا كُنَّا نرى لنا فِي هَذَا الْأَمر أَي المشورة كَمَا يدل عَلَيْهِ بَقِيَّة الرِّوَايَات نَصِيبا فاستبد علينا فَوَجَدنَا فِي أَنْفُسنَا فسر بذلك الْمُسلمُونَ وَقَالُوا أصبت وَكَانَ الْمُسلمُونَ إِلَى عَليّ قَرِيبا حِين رَاجع الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَتَأمل عذره وَقَوله لم ننفس على أبي بكر خيرا سَاقه الله إِلَيْهِ وَأَنه لَا يُنكر مَا فَضله الله بِهِ وَغير ذَلِك مِمَّا اشْتَمَل عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث تَجدهُ بَرِيئًا مِمَّا نسبه إِلَيْهِ الرافضة وَنَحْوهم فَقَاتلهُمْ الله مَا أجهلهم وأحمقهم ثمَّ هَذَا الحَدِيث فِيهِ التَّصْرِيح بتأخر بيعَة عَليّ إِلَى موت فَاطِمَة فينافي مَا تقدم عَن أبي سعيد أَن عليا وَالزُّبَيْر بايعا من أول الْأَمر لَكِن هَذَا الَّذِي مر عَن أبي سعيد من تَأَخّر بيعَته هُوَ الَّذِي صَححهُ ابْن حبَان وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَأما مَا وَقع فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي سعيد من تَأَخّر بيعَته هُوَ وَغَيره من بني هَاشم إِلَى موت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فضعيف فَإِن الزُّهْرِيّ لم يسْندهُ وَأَيْضًا فَالرِّوَايَة الأولى عَن أبي سعيد هِيَ الموصولة فَتكون أصح وَعَلِيهِ فبينه وَبَين خبر البُخَارِيّ الْمَار عَن عَائِشَة تناف لَكِن جمع بَعضهم بِأَن عليا بَايع أَولا ثمَّ انْقَطع عَن أبي بكر لما وَقع بَينه وَبَين فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا مَا وَقع فِي مخلفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بعد مَوتهَا بَايعه مبايعة أُخْرَى فَتوهم من ذَلِك بعض من لَا يعرف بَاطِن الْأَمر أَن تخلفه إِنَّمَا هُوَ لعدم رِضَاهُ ببيعته فَأطلق ذَلِك من أطلق وَمن ثمَّ أظهر عَليّ مبايعته لأبي بكر ثَانِيًا بعد مَوتهَا على الْمِنْبَر لإِزَالَة هَذِه الشُّبْهَة على أَنه سَيَأْتِي فِي الْفَصْل الرَّابِع من فَضَائِل عَليّ أَنه لما أَبْطَأَ عَن الْبيعَة لقِيه أَبُو بكر فَقَالَ لَهُ أكرهت إمارتي فَقَالَ لَا وَلَكِن آلَيْت لَا أرتدي بردائي إِلَّا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى أجمع الْقُرْآن فزعموا أَنه كتبه على تَنْزِيله فَانْظُر إِلَى هَذَا الْعذر الْوَاضِح مِنْهُ رَضِي الله عَنهُ تعلم مِمَّا قَرَّرْنَاهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ على حقية خلَافَة الصّديق وَأَنه أهل لَهَا وَذَلِكَ كَاف لَو لم يرد نَص عَلَيْهِ بل الْإِجْمَاع أقوى من النُّصُوص الَّتِي لم تتواتر لِأَن مفاده قَطْعِيّ ومفادها ظَنِّي كَمَا سَيَأْتِي وَحكى النَّوَوِيّ بأسانيد صَحِيحَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَن من قَالَ إِن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ فقد خطأ أَبَا بكر وَعمر والمهاجرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرْتَفع لَهُ مَعَ هَذَا عمل إِلَى السَّمَاء وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمار بن يَاسر نَحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الْفَصْل الثَّالِث فِي النُّصُوص السمعية الدَّالَّة على خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ من الْقُرْآن وَالسّنة أما النُّصُوص القرآنية فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لَا ئم ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ هُوَ وَالله أَبُو بكر لما ارْتَدَّت الْعَرَب جاهدهم أَبُو بكر وَأَصْحَابه حَتَّى ردهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخرج يُونُس بن بكير عَن قَتَادَة قَالَ لما توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَدَّت الْعَرَب فَذكر قتال أبي بكر لَهُم إِلَى أَن قَالَ فَكُنَّا نتحدث أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أبي بكر وَأَصْحَابه {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَشرح هَذِه الْقِصَّة مَا أخرجه الذَّهَبِيّ أَن وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اشتهرت بالنواحي ارْتَدَّ طوائف كَثِيرَة من الْعَرَب عَن الْإِسْلَام وَمنعُوا الزَّكَاة فَنَهَضَ أَبُو بكر لقتالهم فَأَشَارَ عَلَيْهِ عمر وَغَيره أَن يفتر عَن قِتَالهمْ فَقَالَ وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا أَو عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم على منعهَا فَقَالَ عمر وَكَيف تقَاتل النَّاس وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أقَاتل النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَمن قَالَهَا عصم مني مَاله وَدَمه إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابه على الله) فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن الزَّكَاة حق المَال وَقد قَالَ إِلَّا بِحَقِّهَا قَالَ عمر فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله شرح صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ فَعرفت أَنه الْحق وَفِي رِوَايَة أَنه لما خرج أَبُو بكر لقتالهم وَبلغ قريب نجد هربت الْأَعْرَاب فَكَلمهُ النَّاس يُؤمر عَلَيْهِم رجلا وَيرجع فَأمر خَالِدا وَرجع وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر قَالَ لما برز أَبُو بكر واستوى على رَاحِلَته أَخذ عَليّ بزمامها وَقَالَ إِلَى أَيْن يَا خَليفَة رَسُول الله أَقُول لَك مَا قَالَ لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد شم سَيْفك وَلَا تفجعنا بِنَفْسِك وارجع إِلَى الْمَدِينَة فوَاللَّه لَئِن فجعنا بك لَا يكون لِلْإِسْلَامِ نظام أبدا وَبعث خَالِدا إِلَى بني أَسد وغَطَفَان فَقتل من قتل وَأسر من أسر وَرجع الْبَاقُونَ إِلَى الْإِسْلَام ثمَّ إِلَى الْيَمَامَة إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب فَالتقى الْجَمْعَانِ ودام الْحصار أَيَّامًا ثمَّ قتل الْكذَّاب لَعنه الله قَتله وَحشِي قَاتل حَمْزَة ثمَّ فِي السّنة الثَّانِيَة من خِلَافَته بعث الْعَلَاء ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَحْرين وَكَانُوا قد ارْتَدُّوا فَالْتَقوا بجواثا فنصر الْمُسلمُونَ وَبعث عِكْرِمَة بن أبي جهل إِلَى عمان وَكَانُوا قد ارْتَدُّوا وَبعث المُهَاجر بن أُميَّة إِلَى طَائِفَة من الْمُرْتَدين وَزِيَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ابْن لبيد الْأنْصَارِيّ إِلَى طَائِفَة أُخْرَى وَمن ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَوْلَا أَن أَبَا بكر اسْتخْلف مَا عبد الله ثمَّ قَالَ الثَّانِيَة ثمَّ قَالَ الثَّالِثَة فَقيل لَهُ مَه يَا أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجه أُسَامَة بن زيد فِي سَبْعمِائة إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزل بِذِي خشب قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وارتدت الْعَرَب حول الْمَدِينَة وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا رد هَؤُلَاءِ توجه هَؤُلَاءِ إِلَى الرّوم وَقد ارْتَدَّت الْعَرَب حول الْمَدِينَة فَقَالَ وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو جرت الْكلاب بأرجل أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رددت جَيْشًا وَجهه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا حللت لِوَاء عقده فَوجه أُسَامَة لَا يمر بقبيل يُرِيدُونَ الارتداد إِلَّا قَالُوا لَوْلَا أَن لهَؤُلَاء قُوَّة مَا خرج مثل هَؤُلَاءِ من عِنْدهم وَلَكِن ندعهم حَتَّى يلْقوا الرّوم فلقوهم فهزموهم وقتلوهم وَرَجَعُوا سَالِمين فثبتوا على الْإِسْلَام قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه وَاسْتدلَّ أَصْحَابنَا على عظم علم الصّديق بقوله فِي الحَدِيث السَّابِق فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا كَانُوا يؤدونه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم على مَنعه وَاسْتدلَّ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق بِهَذَا وَغَيره فِي طبقاته على أَن أَبَا بكر أعلم الصَّحَابَة لأَنهم كلهم وقفُوا على فهم الحكم فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا هُوَ ثمَّ ظهر لَهُم بمباحثته لَهُم أَن قَوْله هُوَ الصَّوَاب فَرَجَعُوا إِلَيْهِ قَالَ أَعنِي النَّوَوِيّ وروينا عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ من كَانَ يُفْتِي النَّاس فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر مَا أعلم غَيرهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 لَكِن أخرج ابْن سعد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ كَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي يفتون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ اسْتدلَّ على أعلميته بالْخبر الرَّابِع من الْأَخْبَار الدَّالَّة على خِلَافَته وَقَالَ ابْن كثير كَانَ الصّديق أَقرَأ الصَّحَابَة أَي أعلمهم بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمه إِمَامًا للصَّلَاة بالصحابة مَعَ قَوْله (يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله) وَسَيَأْتِي خبر (لَا يَنْبَغِي لقوم فيهم أَبُو بكر ان يؤمهم غَيره) وَكَانَ مَعَ ذَلِك أعلمهم بِالسنةِ كلما رَجَعَ إِلَيْهِ الصَّحَابَة فِي غير مَوضِع يبرز عَلَيْهِم بِنَقْل سنَن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحفظها ويستحضرها عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا لَيست عِنْدهم وَكَيف لَا يكون كَذَلِك وَقد واظب صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أول الْبعْثَة إِلَى الْوَفَاة وَهُوَ مَعَ ذَلِك من أزكى عباد الله وأفضلهم وَإِنَّمَا لم يروعنه من الْأَحَادِيث إِلَّا الْقَلِيل لقصر مدَّته وَسُرْعَة وَفَاته بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَّا فَلَو طَالَتْ مدَّته لكثر ذَلِك عَنهُ جدا وَلم يتْرك الناقلون عَنهُ حَدِيثا إِلَّا نقلوه وَلَكِن كَانَ الَّذِي فِي زَمَانه من الصَّحَابَة لَا يحْتَاج أحد مِنْهُم أَن ينْقل عَنهُ مَا قد شَاركهُ هُوَ فِي رِوَايَته فَكَانُوا ينقلون عَنهُ مَا لَيْسَ عِنْدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَأخرج أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ كَانَ أَبُو بكر إِذا ورد عَلَيْهِ الْخصم نظر فِي كتاب الله فَإِن وجد فِيهِ مَا يقْضِي بَينهم قضى بِهِ وَإِن لم يكن فِي الْكتاب وَعلم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْأَمر سنة قضى بهَا فَإِن أعياه خرج فَسَأَلَ الْمُسلمين وَقَالَ أَتَانِي كَذَا وَكَذَا فَهَل علمْتُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي ذَلِك بِقَضَاء فَرُبمَا اجْتمع إِلَيْهِ النَّفر كلهم يذكر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ قَضَاء فَيَقُول ابو بكر الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا من يحفظ عَن نَبينَا فَإِن أعياه أَن يجد فِيهِ سنة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع رُؤُوس النَّاس وخيارهم واستشارهم فَإِن أجمع أَمرهم على رَأْي قضى بِهِ وَكَانَ عمر يفعل ذَلِك فَإِن أعياه أَن يجد فِي الْقُرْآن أَو السّنة نظر هَل كَانَ لأبي بكر فِيهِ قَضَاء فَإِن وجد أَبَا بكر قد قضى فِيهِ بِقَضَاء قضى بِهِ وَإِلَّا دَعَا رُؤُوس الْمُسلمين فَإِذا اجْتَمعُوا على أَمر قضى بِهِ وَمن الْآيَات الدَّالَّة على خِلَافَته أَيْضا قَوْله تَعَالَى {قل للمخلفين من الْأَعْرَاب ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد تقاتلونهم أَو يسلمُونَ فَإِن تطيعوا يُؤْتكُم الله أجرا حسنا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا توليتم من قبل يعذبكم عذَابا أَلِيمًا} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جُوَيْبِر أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم هم بَنو حنيفَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم وَابْن قُتَيْبَة وَغَيرهمَا هَذِه الْآيَة حجَّة على خلَافَة الصّديق لِأَنَّهُ الَّذِي دَعَا إِلَى قِتَالهمْ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله إِمَام أهل السّنة سَمِعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الإِمَام أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج يَقُول خلَافَة الصّديق فِي الْقُرْآن فِي هَذِه الْآيَة قَالَ لِأَن أهل الْعلم أَجمعُوا على أَنه لم يكن بعد نُزُولهَا قتال دعوا إِلَيْهِ إِلَّا دُعَاء أبي بكر لَهُم وَلِلنَّاسِ إِلَى قتال أهل الرِّدَّة وَمن منع الزَّكَاة قَالَ فَدلَّ ذَلِك على وجوب خلَافَة أبي بكر وافتراض طَاعَته إِذْ أخبر الله أَن الْمُتَوَلِي عَن ذَلِك يعذب عذَابا أَلِيمًا قَالَ ابْن كثير وَمن فسر الْقَوْم بِأَنَّهُم فَارس وَالروم فالصديق هُوَ الَّذِي جهز الجيوش إِلَيْهِم وَتَمام أَمرهم كَانَ على يَد عمر وَعُثْمَان وهما فرعا الصّديق فَإِن قلت يُمكن أَن يُرَاد بالداعي فِي الْآيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَليّ رَضِي الله عَنهُ قلت لَا يُمكن ذَلِك مَعَ قَوْله تَعَالَى {قل لن تتبعونا} وَمن ثمَّ لم يدعوا إِلَى محاربة فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِجْمَاعًا كَمَا مر وَأما عَليّ فَلم يتَّفق لَهُ فِي خِلَافَته قتال لطلب الْإِسْلَام أصلا بل لطلب الْإِمَامَة ورعاية حُقُوقهَا وَأما من بعده فهم عندنَا ظلمَة وَعِنْدهم كفار فَتعين أَن ذَلِك الدَّاعِي الَّذِي يجب باتباعه الْأجر الْحسن وبعصيانه الْعَذَاب الْأَلِيم أحد الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم عَلَيْهِ حقية خلَافَة أبي بكر على كل تَقْدِير لِأَن حقية خلَافَة الآخرين فرع عَن حقية خِلَافَته إِذْ هما فرعاها الناشئان عَنْهَا والمترتبان عَلَيْهَا وَمن تِلْكَ الْآيَات أَيْضا قَوْله تَعَالَى وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا) قَالَ ابْن كثير هَذِه الْآيَة منطبقة على خلَافَة الصّديق وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الحميد الْمهرِي قَالَ إِن ولَايَة أبي بكر وَعمر فِي كتاب الله يَقُول الله تَعَالَى {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض} الْآيَة 3 وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} إِلَى قَوْله {أُولَئِكَ هم الصادقون} وَجه الدّلَالَة أَن الله تَعَالَى سماهم صَادِقين وَمن شهد لَهُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالصّدقِ لَا يكذب فَلَزِمَ أَن مَا أطبقوا عَلَيْهِ من قَوْلهم لأبي بكر يَا خَليفَة رَسُول الله صَادِقُونَ فِيهِ فَحِينَئِذٍ كَانَت الْآيَة ناصة على خِلَافَته أخرجه الْخَطِيب عَن أبي بكر بن عَيَّاش وَهُوَ استنباط حسن كَمَا قَالَه ابْن كثير وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم} قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ هَذِه الْآيَة تدل على إِمَامَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 لِأَنَّهُ ذكر أَن تَقْدِير الْآيَة اهدنا صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم وَالله تَعَالَى قد بَين فِي الْآيَة الْأُخْرَى أَن الَّذين أنعم عَلَيْهِم من هم بقوله تَعَالَى {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} وَلَا شكّ أَن رَأس الصديقين وَرَئِيسهمْ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ معنى الْآيَة أَن الله تَعَالَى أَمر أَن نطلب الْهِدَايَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَبُو بكر وَسَائِر الصديقين وَلَو كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ ظَالِما لما جَازَ الِاقْتِدَاء بِهِ فَثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ دلَالَة هَذِه الْآيَة على إِمَامَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَأما النُّصُوص الْوَارِدَة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المصرحة بخلافته والمشيرة إِلَيْهَا فكثيرة جدا الأول أخرج الشَّيْخَانِ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ أَتَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا أَن ترجع إِلَيْهِ فَقَالَت أَرَأَيْت إِن جِئْت وَلم أجدك كَأَنَّهَا تَقول الْمَوْت قَالَ (إِن لم تجديني فأت أَبَا بكر) وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله شَيْئا فَقَالَ لَهَا (تعودين) فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن عدت فَلم أجدك تعرض بِالْمَوْتِ فَقَالَ (إِن جِئْت فَلم تجديني فأت أَبَا بكر فَإِنَّهُ الْخَلِيفَة من بعدِي) الثَّانِي أخرج أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يكون خَلْفي اثْنَا عشر خَليفَة أَبُو بكر لَا يلبث إِلَّا قَلِيلا) قَالَ الْأَئِمَّة صدر هَذَا الحَدِيث مجمع على صِحَّته وَأورد من طرق عدَّة أخرجه الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا فَمن تِلْكَ الطّرق لَا يزَال هَذَا الْأَمر عَزِيزًا ينْصرُونَ على من ناو أهم عَلَيْهِ إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش) رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد بِسَنَد صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَمِنْهَا لَا يزَال هَذَا الْأَمر صَالحا وَمِنْهَا لَا يزَال هَذَا الْأَمر مَاضِيا رَوَاهُمَا أَحْمد وَمِنْهَا لَا يزَال أَمر النَّاس مَاضِيا مَا وليهم اثْنَا عشر رجلا وَمِنْهَا إِن هَذَا الْأَمر لَا يَنْقَضِي حَتَّى يمْضِي فيهم اثْنَا عشر خَليفَة وَمِنْهَا لَا يزَال الْإِسْلَام عَزِيزًا منيعا إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة رَوَاهَا مُسلم وَمِنْهَا للبزار لَا يزَال أَمر أمتِي قَائِما حَتَّى يمْضِي اثْنَا عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش زَاد أَبُو دَاوُد فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى منزله أَتَتْهُ قُرَيْش فَقَالُوا ثمَّ يكون مَاذَا قَالَ ثمَّ يكون الْهَرج وَمِنْهَا لأبي دَاوُد لَا يزَال هَذَا الدّين قَائِما حَتَّى يكون عَلَيْكُم اثْنَا عشر خَليفَة كلهم تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْأمة وَعَن ابْن مَسْعُود بِسَنَد حسن أَنه سُئِلَ كم يملك هَذِه الْأمة من خَليفَة فَقَالَ سَأَلنَا عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (اثْنَا عشر كعدة نقباء بني إِسْرَائِيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 قَالَ القَاضِي عِيَاض لَعَلَّ المُرَاد بالاثني عشر فِي هَذِه الْأَحَادِيث وَمَا شابهها أَنهم يكونُونَ فِي مُدَّة عزة الْخلَافَة وَقُوَّة الْإِسْلَام واستقامة أُمُوره وَالْإِجْمَاع على من يقوم بالخلافة وَقد وجد هَذَا فِيمَن اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس إِلَى أَن اضْطربَ أَمر بني أُميَّة وَوَقعت بَينهم الْفِتْنَة زمن الْوَلِيد بن يزِيد فاتصلت تِلْكَ الْفِتَن بَينهم إِلَى أَن قَامَت الدولة العباسية فاستأصلوا أَمرهم قَالَ شيخ الْإِسْلَام فِي فتح الْبَارِي كَلَام القَاضِي هَذَا أحسن مَا قيل فِي هَذَا الحَدِيث وأرجحه لتأييده بقوله فِي بعض طرقه الصَّحِيحَة كلهم يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس وَالْمرَاد باجتماعهم انقيادهم لبيعته وَالَّذِي اجْتَمعُوا عَلَيْهِ الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة ثمَّ عَليّ إِلَى أَن وَقع أَمر الْحكمَيْنِ فِي صفّين فتسمى مُعَاوِيَة يَوْمئِذٍ بالخلافة ثمَّ اجْتَمعُوا عَلَيْهِ عِنْد صلح الْحسن ثمَّ على وَلَده يزِيد وَلم يَنْتَظِم للحسين أَمر بل قتل قبل ذَلِك ثمَّ لما مَاتَ يزِيد اخْتلفُوا إِلَى أَن اجْتَمعُوا على عبد الْملك بعد قتل ابْن الزبير ثمَّ على أَوْلَاده الْأَرْبَعَة الْوَلِيد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بَين سُلَيْمَان وَيزِيد عمر بن عبد الْعَزِيز فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة بعد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالثَّانِي عشر الْوَلِيد ابْن يزِيد بن عبد الْملك اجْتَمعُوا عَلَيْهِ لما مَاتَ عَمه هِشَام فولي نَحْو أَربع سِنِين ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وانتشرت الْفِتَن وتغيرت الْأَحْوَال من يَوْمئِذٍ وَلم يتَّفق أَن يجْتَمع النَّاس على خَليفَة بعد ذَلِك لوُقُوع الْفِتَن بَين من بَقِي من بني أُميَّة ولخروج الْمغرب الْأَقْصَى عَن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس إِلَى أَن تسموا بالخلافة وانفرط الْأَمر إِلَى أَن لم يبْق فِي الْخلَافَة إِلَّا الِاسْم بعد أَن كَانَ يخْطب لعبد الْملك فِي جَمِيع أقطار الأَرْض شرقا وغربا يَمِينا وَشمَالًا مِمَّا غلب عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 يتَوَلَّى أحد فِي بلد إِمَارَة فِي شَيْء إِلَّا بِأَمْر الْخَلِيفَة وَقيل المُرَاد وجود اثْنَي عشر خَليفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى الْقِيَامَة يعْملُونَ بِالْحَقِّ وَإِن لم يتوالوا وَيُؤَيِّدهُ قَول أبي الْجلد كلهم يعْمل بِالْهدى وَدين الْحق مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَلَيهِ المُرَاد بالهرج الْفِتَن الْكِبَار كالدجال وَمَا بعده وبالاثني عشر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَالْحسن وَمُعَاوِيَة وَابْن الزبير وَعمر بن عبد الْعَزِيز قيل وَيحْتَمل أَن يضم إِلَيْهِم الْمهْدي العباسي لِأَنَّهُ فِي العباسيين كعمر بن عبد الْعَزِيز فِي الأمويين والطاهر العباسي أَيْضا لما أوتيه من الْعدْل وَيبقى الِاثْنَان المنتظران أَحدهمَا الْمهْدي لِأَنَّهُ من آل بَيت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحمل بعض الْمُحدثين الحَدِيث السَّابِق على مَا يَأْتِي بعد الْمهْدي لرِوَايَة ثمَّ يَلِي الْأَمر بعده اثْنَا عشر رجلا سِتَّة من ولد الْحسن وَخَمْسَة من ولد الْحُسَيْن وَآخر من غَيرهم لَكِن سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة من فَضَائِل أهل الْبَيْت أَن هَذِه الرِّوَايَة واهية جدا فَلَا يعول عَلَيْهَا الثَّالِث أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر) وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن مَسْعُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وروى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن حُذَيْفَة إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قدر بقائي فِيكُم فاقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وتمسكوا بِهَدي عمار وَمَا حَدثكُمْ ابْن مَسْعُود فصدقوا وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَالرُّويَانِيّ عَن حُذَيْفَة وَابْن عدي عَن أنس اقتدوا باللذين من بعدِي من أَصْحَابِي أبي بكر وَعمر واهتدوا بِهَدي عمار وتمسكوا بِعَهْد ابْن مَسْعُود الرَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس وَقَالَ (إِن الله تبَارك وَتَعَالَى خير عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ ذَلِك العَبْد مَا عِنْد الله) فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ بل نفديك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا فعجبنا لبكائه أَن يخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عبد خَيره الله فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُخَير وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَمَاله أَبَا بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام ومودته لَا يبْقين بَاب إِلَّا سد إِلَّا بَاب أبي بكر وَفِي لفظ لَهما لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد غير خوخة إِلَّا خوخة أبي بكر وَفِي آخر لعبد الله بن أَحْمد أَبُو بكر صَاحِبي ومؤنسي فِي الْغَار سدوا كل خوخة فِي الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَفِي آخر للْبُخَارِيّ لَيْسَ فِي النَّاس أحد أَمن عَليّ فِي نَفسِي وَمَالِي من أبي بكر بن أبي قُحَافَة وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن خلة الْإِسْلَام افضل سدوا عني كل خوخة فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر وَفِي آخر لِابْنِ عدي سدوا هَذِه الْأَبْوَاب الشارعة فِي الْمَسْجِد إِلَّا بَاب أبي بكر وطرقه كَثِيرَة مِنْهَا عَن حُذَيْفَة وَأنس وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ الْعلمَاء فِي هَذِه الْأَحَادِيث إِشَارَة إِلَى خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه لِأَن الْخَلِيفَة يحْتَاج إِلَى الْقرب من الْمَسْجِد لشدَّة احْتِيَاج النَّاس إِلَى ملازمته لَهُ للصَّلَاة بهم وَغَيرهَا الْخَامِس أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ بَعَثَنِي بَنو المصطلق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن سَله إِلَى من ندفع صَدَقَاتنَا بعْدك فَأَتَيْته فَسَأَلته فَقَالَ إِلَى أبي بكر وَمن لَازم دفع الصَّدَقَة إِلَيْهِ كَونه خَليفَة إِذْ هُوَ الْمُتَوَلِي قبض الصَّدقَات السَّادِس أخرج مُسلم عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ لي رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ (ادعِي لي أَبَاك وأخاك حَتَّى أكتب كتابا فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن وَيَقُول قَائِل أَنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر) وَأخرجه أَحْمد وَغَيره من طرق عَنْهَا وَفِي بَعْضهَا قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ ادعِي لي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لَا يخْتَلف عَلَيْهِ أحد ثمَّ قَالَ دعيه معَاذ الله أَن يخْتَلف الْمُؤْمِنُونَ فِي أبي بكر وَفِي رِوَايَة عَن عبد الله بن أَحْمد أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف عَلَيْك يَا أَبَا بكر السَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاشْتَدَّ مَرضه فَقَالَ (مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ) قَالَت عَائِشَة يَا رَسُول الله إِنَّه رجل رَقِيق الْقلب إِذا قَامَ مقامك لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقَالَ (مري أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ) فَعَادَت فَقَالَ (مري أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِب يُوسُف) فَأَتَاهُ الرَّسُول فصلى بِالنَّاسِ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا لما راجعته فَلم يرجع لَهَا قَالَت لحفصة قولي لَهُ يَأْمر عمر فَقَالَت لَهُ فَأبى حَتَّى غضب وَقَالَ (أنتن أَو إنكن أَو لأنتن صَوَاحِب يُوسُف مروا أَبَا بكر) اعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث متواتر فَإِنَّهُ ورد من حَدِيث عَائِشَة وَابْن مَسْعُود وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 عَبَّاس وَابْن عمر وَعبد الله بن زَمعَة وَأبي سعيد وَعلي بن أبي طَالب وَحَفْصَة وَفِي بعض طرقه عَن عَائِشَة لقد راجعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك وَمَا حَملَنِي على كَثْرَة مُرَاجعَته إِلَّا أَنه لم يَقع فِي قلبِي أَن يحب النَّاس بعده رجلا قَامَ مقَامه أبدا وَلَا كنت أرى أَنه لن يقوم أحد مقَامه إِلَّا تشاءم النَّاس بِهِ فَأَرَدْت أَن يعدل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي بكر وَفِي حَدِيث ابْن زَمعَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرهم بِالصَّلَاةِ وَكَانَ أَبُو بكر غَائِبا فَتقدم عمر فصلى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا لَا لَا يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر فَيصَلي بِالنَّاسِ أَبُو بكر وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (أخرج وَقل لأبي بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ) فَخرج فَلم يجد على الْبَاب إِلَّا عمر فِي جمَاعَة لَيْسَ فيهم أَبُو بكر فَقَالَ يَا عمر صل بِالنَّاسِ فَلَمَّا كبر وَكَانَ صيتًا وَسمع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوته قَالَ (يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر) وَفِي حَدِيث ابْن عمر كبر عمر فَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكبيره فَأطلع رَأسه مغضبا فَقَالَ (أَيْن ابْن أبي قُحَافَة) قَالَ الْعلمَاء فِي هَذَا الحَدِيث أوضح دلَالَة على أَن الصّديق أفضل الصَّحَابَة على الْإِطْلَاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بِالْإِمَامَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 قَالَ الْأَشْعَرِيّ قد علم بِالضَّرُورَةِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الصّديق أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ مَعَ حُضُور الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار مَعَ قَوْله (يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله) فَدلَّ على أَنه كَانَ أقرأهم أَي أعلمهم بِالْقُرْآنِ انْتهى وَقد اسْتدلَّ الصَّحَابَة أنفسهم بِهَذَا على أَنه أَحَق بالخلافة مِنْهُم عمر وَمر كَلَامه فِي فصل الْمُبَايعَة وَمِنْهُم عَليّ فقد أخرج ابْن عَسَاكِر عَنهُ لقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَإِنِّي لشاهد وَمَا أَنا بغائب وَمَا بِي مرض فرضينا لدنيانا مَا رضيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لديننا قَالَ الْعلمَاء وَقد كَانَ مَعْرُوفا بأهلية الْإِمَامَة فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا عَن سهل بن سعد قَالَ كَانَ قتال بَين بني عَمْرو وَبني عَوْف فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُم بعد الظّهْر ليصلح بَينهم فَقَالَ (يَا بِلَال إِن حضرت الصَّلَاة وَلم آتٍ فَمر أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ) فَلَمَّا حضرت صَلَاة الْعَصْر أَقَامَ بِلَال الصَّلَاة ثمَّ أَمر أَبَا بكر فصلى وَوجه مَا تقرر من أَن الْأَمر بتقديمه للصَّلَاة كَمَا ذكر فِيهِ الْإِشَارَة أَو التَّصْرِيح بأحقيته بالخلافة إِذْ الْقَصْد الذاتي من نصب الإِمَام الْعَالم إِقَامَة شَعَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الدّين على الْوَجْه الْمَأْمُور بِهِ من أَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات وإحياء السّنَن وإماتة الْبدع وَأما الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وتدبيرها كاستيفاء الْأَمْوَال من وجوهها وإيصالها لمستحقها وَدفع الظُّلم وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ مَقْصُودا بِالذَّاتِ بل ليتفرغ النَّاس لأمور دينهم إِذْ لَا يتم تفرغهم لَهُ إِلَّا إِذا انتظمت أُمُور معاشهم بِنَحْوِ الْأَمْن على الْأَنْفس وَالْأَمْوَال ووصول كل ذِي حق إِلَى حَقه فَلذَلِك رَضِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمر الدّين وَهُوَ الْإِمَامَة الْعُظْمَى أَبَا بكر بتقديمه للْإِمَامَة فِي الصَّلَاة كَمَا ذكرنَا وَمن ثمَّ أَجمعُوا على ذَلِك كَمَا مر وَأخرج ابْن عدي عَن أبي بكر بن عَيَّاش قَالَ قَالَ لي الرشيد يَا أَبَا بكر كَيفَ اسْتخْلف النَّاس أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سكت الله وَسكت رَسُوله وَسكت الْمُؤْمِنُونَ قَالَ وَالله مَا زدتني إِلَّا عماء قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة أَيَّام فَدخل عَلَيْهِ بِلَال فَقَالَ يَا رَسُول الله من يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ (مر أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ) فصلى أَبُو بكر بِالنَّاسِ ثَمَانِيَة أَيَّام وَالْوَحي ينزل عَلَيْهِ فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسكوت الله وَسكت الْمُؤْمِنُونَ لسكوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعجبه فَقَالَ بَارك الله فِيك الثَّامِن أخرج ابْن حبَان عَن سفينة لما بنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد وضع فِي الْبناء حجرا وَقَالَ لأبي بكر (ضع حجرك إِلَى جنب حجري) ثمَّ قَالَ لعمر (ضع حجرك إِلَى جنب حجر أبي بكر) ثمَّ قَالَ لعُثْمَان (ضع حجرك إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 جنب حجر عمر) ثمَّ قَالَ (هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء بعدِي) قَالَ أَبُو زرْعَة إِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَغَيرهمَا وَقَوله لعُثْمَان مَا ذكر يرد على من زعم أَن هَذَا إِشَارَة إِلَى قُبُورهم على أَن قَوْله آخر الحَدِيث هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء بعدِي صَرِيح فِيمَا أَفَادَهُ التَّرْتِيب الأول أَن المُرَاد بِهِ تَرْتِيب الْخلَافَة التَّاسِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (رَأَيْت كَأَنِّي أنزع بِدَلْو بكرَة بِسُكُون الْكَاف على قليب أَي بِئْر لم تطو فجَاء ابو بكر فَنزع ذنوبا أَي بِفَتْح الْمُعْجَمَة دلوا ممتلئة مَاء أَو قريبَة من ملئه أَو ذنوبين نزعا ضَعِيفا وَالله يغْفر لَهُ ثمَّ جَاءَ عمر فاستقى فاستحالت غربا أَي دلوا عَظِيما فَلم أر عبقريا أَي رجلا قَوِيا شَدِيدا من النَّاس يفري فريه أَي يعْمل عمله حَتَّى رُوِيَ النَّاس وضربوا بِعَطَن) والعطن مَا تناخ فِيهِ الْإِبِل إِذا رويت وَفِي رِوَايَة لَهما بَينا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي على قليب عَلَيْهَا دلو فنزعت مِنْهَا مَا شَاءَ الله ثمَّ أَخذهَا ابْن أبي قُحَافَة فَنزع ذنوبا أَو ذنوبين وَفِي نَزعه ضعف وَالله يغْفر لَهُ ضعفه ثمَّ استحالت غربا فَأَخذهَا ابْن الْخطاب فَلم أر عبقريا من النَّاس ينْزع نزع عمر حَتَّى ضرب النَّاس بِعَطَن وَفِي أُخْرَى لَهما بَينا أَنا على بِئْر أنزع مِنْهَا إِذْ جَاءَنِي أَبُو بكر وَعمر فَأخذ أَبُو بكر الدَّلْو فَنزع ذنوبا أَو ذنوبين وَفِي نَزعه ضعف يغْفر الله لَهُ ضعفه ثمَّ أَخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ابْن الْخطاب من يَد أبي بكر فاستحالت فِي يَده غربا فَلم أر عبقريا من النَّاس يفري فريه حَتَّى ضرب النَّاس بِعَطَن وَفِي رِوَايَة فَلم يزل ينْزع حَتَّى تولى النَّاس والحوض يتفجر وَفِي رِوَايَة فَأَتَانِي أَبُو بكر فَأخذ الدَّلْو من يَدي ليريحني وَفِي رِوَايَة رَأَيْت النَّاس اجْتَمعُوا فَقَامَ أَبُو بكر فَنزع ذنوبا أَو ذنوبين وَفِي نَزعه ضعف إِلَى آخِره قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه قَالَ الْعلمَاء هَذَا إِشَارَة إِلَى خلَافَة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَثْرَة الْفتُوح وَظُهُور الْإِسْلَام فِي زمن عمر وَقَالَ فِي غَيره هَذَا الْمَنَام مِثَال لما جرى للخليفتين من ظُهُور آثارهما الصَّالِحَة وانتفاع النَّاس بهما وكل ذَلِك مَأْخُوذ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ صَاحب الْأَمر فَقَامَ بِهِ أكمل مقَام وَقرر قَوَاعِد الدّين ثمَّ خَلفه أَبُو بكر فقاتل أهل الرِّدَّة وَقطع دابرهم ثمَّ خَلفه عمر فاتسع الْإِسْلَام فِي زَمَنه فَشبه أَمر الْمُسلمين بقليب فِيهِ المَاء الَّذِي فِيهِ حياتهم وصلاحهم وأميرهم بالمستسقي مِنْهَا لَهُم وَفِي قَوْله (أَخذ أَي أَبُو بكر الدَّلْو من يَدي ليريحني) إِشَارَة إِلَى خلَافَة أبي بكر بعد مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْمَوْت رَاحَة من كد الدُّنْيَا وتعبها فَقَامَ أَبُو بكر بتدبير أَمر الْأمة ومعاناة أَحْوَالهم وَأما قَوْله (وَفِي نَزعه ضعف) فَهُوَ إِخْبَار عَن حَاله فِي قصر مُدَّة ولَايَته وَأما ولَايَة عمر فَإِنَّهَا لما طَالَتْ كثر انْتِفَاع النَّاس بهَا واتسعت دَائِرَة الْإِسْلَام بِكَثْرَة الْفتُوح وتمصير الْأَمْصَار وَتَدْوِين الدَّوَاوِين وَلَيْسَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَيغْفر الله لَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 نقص وَلَا إِشَارَة إِلَى أَنه وَقع فِي ذَنْب وَإِنَّمَا هِيَ كلمة كَانُوا يَقُولُونَهَا عِنْد الاعتناء بِالْأَمر وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله رَأَيْت كَأَن دلوا دُلي من السَّمَاء فجَاء أَبُو بكر فَأخذ بهَا فَشرب شربا ضَعِيفا ثمَّ جَاءَ عمر فَأخذ بهَا وَشرب حَتَّى تضلع ثمَّ جَاءَ عُثْمَان فَأخذ بهَا فَشرب حَتَّى تضلع ثمَّ جَاءَ عَليّ فانتشطت أَي اجتذبت وَرفعت وانتضح عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء الْعَاشِر أخرج أَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات وَابْن عَسَاكِر عَن حَفْصَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَنْت ترمت قدمت أَبَا بكر قَالَ (لست أَنا أقدمه وَلَكِن الله قدمه) الْحَادِي عشر أخرج أَحْمد عَن سفينة وَأخرجه أَيْضا أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ ابْن حبَان وَغَيره قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (الْخلَافَة ثَلَاثُونَ عَاما ثمَّ يكون بعد ذَلِك الْملك) وَفِي رِوَايَة الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تصير ملكا عَضُوضًا أَي يُصِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الرّعية فِيهِ عنف وظلم كَأَنَّهُمْ يعضون فِيهِ عضا قَالَ الْعلمَاء لم يكن فِي الثَّلَاثِينَ بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَأَيَّام الْحسن وَوجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه حكم بحقية الْخلَافَة عَنهُ فِي أَمر الدّين هَذِه الْمدَّة دون مَا بعْدهَا وَحِينَئِذٍ فَيكون هَذَا دَلِيلا وَاضحا فِي حقية خلَافَة كل من الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَقيل لسَعِيد بن جمْهَان إِن بني أُميَّة يَزْعمُونَ أَن الْخلَافَة فيهم فَقَالَ كذب بَنو الزَّرْقَاء بل هم مُلُوك من شَرّ الْمُلُوك فَإِن قلت يُنَافِي هَذَا خبر الاثْنَي عشر خَليفَة السَّابِق قلت لَا يُنَافِيهِ لِأَن أل هُنَا للكمال فَيكون المُرَاد هُنَا الْخلَافَة الْكَامِلَة ثَلَاثُونَ سنة وَهِي منحصرة فِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَالْحسن لِأَن مدَّته هِيَ المكملة للثلاثين وَالْمرَاد ثمَّ مُطلق الْخلَافَة الَّتِي فِيهَا كَمَال وَغَيره لما مر أَن من جُمْلَتهمْ نَحْو يزِيد بن مُعَاوِيَة وعَلى القَوْل الثَّانِي السَّابِق ثمَّ فَلَيْسَ الْخُلَفَاء المذكورون على هَذَا القَوْل حاوين من الْكَمَال مَا حواه الْخَمْسَة الثَّانِي عشر أخرج الدَّارَقُطْنِيّ والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سَأَلت الله أَن يقدمك ثَلَاثًا فَأبى عَليّ إِلَّا تَقْدِيم أبي بكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الثَّالِث عشر أخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا أَزَال أَرَانِي أَطَأ فِي عذرات النَّاس قَالَ (لتكونن من النَّاس بسبيل) قَالَ وَرَأَيْت فِي صَدْرِي كالرقمتين قَالَ (سنتَيْن) الرَّابِع عشر أخرج الْبَزَّار بِسَنَد حسن عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَمِين هَذِه الْأمة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن أول دينكُمْ بَدْء بنبوة وَرَحْمَة ثمَّ يكون خلَافَة وَرَحْمَة ثمَّ يكون ملكا وَجَبْرِيَّة) وَجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه اثْبتْ لخلافة أبي بكر أَنَّهَا خلَافَة وَرَحْمَة إِذْ هِيَ الَّتِي وليت مُدَّة النُّبُوَّة وَالرَّحْمَة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم حقيتها وَيلْزم من حقيتها حقية خلَافَة بَقِيَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رَضِي الله عَنْهُم واخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي بكرَة قَالَ أتيت عمر وَبَين يَدَيْهِ قوم يَأْكُلُون فَرمى ببصره فِي مُؤخر الْقَوْم إِلَى رجل فَقَالَ مَا تَجِد فِيمَا يقْرَأ قبلك من الْكتب قَالَ خَليفَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صديقه وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن الزبير قَالَ أَرْسلنِي عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ أسأله عَن أَشْيَاء فَجِئْته فَقلت لَهُ أشفني فِيمَا اخْتلف فِيهِ النَّاس هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتخْلف أَبَا بكر فَاسْتَوَى الْحسن قَاعِدا فَقَالَ أَو فِي شكّ هُوَ لَا أَبَا لَك أَي وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لقد اسْتَخْلَفَهُ وَلَهو كَانَ أعلم بِاللَّه وَأتقى لَهُ وَأشْهد لَهُ مَخَافَة من أَن يَمُوت عَلَيْهَا لَو لم يؤمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الْخَامِس عشر أخرج الْبَزَّار عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اشْتَدَّ بِهِ وَجَعه قَالَ (ائْتُونِي بداوة وكتف أَو قرطاس أكتب لأبي بكر كتابا أَن لَا يخْتَلف النَّاس عَلَيْهِ) ثمَّ قَالَ (معَاذ الله أَن يخْتَلف النَّاس على أبي بكر) فَهَذَا نَص صَرِيح كَمَا قَالَه بعض الْمُحَقِّقين على خلَافَة ابي بكر وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا ترك معولا كِتَابه على أَنه لَا يَقع إِلَّا كَذَلِك وَبِهَذَا يبطل قَول من ظن أَنه إِنَّمَا أَرَادَ أَن يكْتب كتابا بِزِيَادَة أَحْكَام خشِي عمر عجز النَّاس عَنْهَا بل الصَّوَاب أَنه إِنَّمَا أَرَادَ أَن يكْتب فِي ذَلِك الْكتاب النَّص على خلَافَة أبي بكر لَكِن لما تنازعوا وَاشْتَدَّ مَرضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدل عَن ذَلِك معولا على مَا هُوَ الأَصْل فِي ذَلِك من استخلافه على الصَّلَاة وَفِي مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ادعِي لي أَبَاك وأخاك أكتب كتابا فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن وَيَقُول قَائِل أَنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الْفَصْل الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل نَص على خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ اعْلَم أَنهم اخْتلفُوا فِي ذَلِك وَمن تَأمل الْأَحَادِيث الَّتِي قدمناها علم من أَكْثَرهَا أَنه نَص عَلَيْهَا نصا ظَاهرا وعَلى ذَلِك جمَاعَة من الْمُحَقِّقين وَهُوَ الْحق وَقَالَ جُمْهُور أهل السّنة والمعتزلة والخوارج لم ينص على أحد ويؤيدهم مَا أخرجه الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالُوا يَا رَسُول الله أَلا تسْتَخْلف علينا قَالَ (إِنِّي إِن اسْتخْلف عَلَيْكُم فتعصون خليفتي ينزل عَلَيْكُم الْعَذَاب) وَأخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك لَكِن فِي // سَنَده ضعف // وَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ حِين طعن إِن أستخلف فقد اسْتخْلف من هُوَ خير مني يَعْنِي أَبَا بكر وَإِن أترككم فقد ترككم من هُوَ خير مني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أخرجه أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ // بِسَنَد حسن // عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه لما ظهر عَليّ يَوْم الْجمل قَالَ أَيهَا النَّاس إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعْهَد إِلَيْنَا فِي هَذِه الْإِمَارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 شَيْئا حَتَّى رَأينَا من الرَّأْي أَن نستخلف أَبَا بكر فَأَقَامَ واستقام حَتَّى مضى لسبيله ثمَّ إِن أَبَا بكر رأى من الرَّأْي أَن يسْتَخْلف عمر فَأَقَامَ واستقام حَتَّى ضرب الدّين بجرانه ثمَّ إِن أَقْوَامًا طلبُوا الدُّنْيَا فَكَانَت أُمُور يقْضِي الله فِيهَا والجران بِكَسْر الْجِيم بَاطِن عنق الْبَعِير يُقَال ضرب بجرانه الشَّيْء أَي اسْتَقر وَثَبت وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ أَنه قيل لعَلي أَلا تسْتَخْلف علينا فَقَالَ مَا اسْتخْلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأستخلف وَلَكِن إِن يرد الله بِالنَّاسِ خيرا فسيجمعهم بعدِي على خَيرهمْ كَمَا جمعهم بعد نَبِيّهم على خَيرهمْ وَمَا أخرجه ابْن سعد عَن عَليّ أَيْضا قَالَ قَالَ عَليّ لما قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَظرنَا فِي أمرنَا فَوَجَدنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قدم أَبَا بكر فِي الصَّلَاة فرضينا لدنيانا مَا رضيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لديننا فقدمنا أَبَا بكر وَقَول البُخَارِيّ فِي تَارِيخه رُوِيَ عَن ابْن جمْهَان عَن سفينة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان (هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء بعدِي) قَالَ البُخَارِيّ وَلم يُتَابع على هَذَا لِأَن عمر وعليا وَعُثْمَان قَالُوا لم يسْتَخْلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَمر أَن هَذَا الحَدِيث أَعنِي قَوْله هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء بعدِي صَحِيح وَلَا مُنَافَاة بَين القَوْل بالاستخلاف وَالْقَوْل بِعَدَمِهِ لِأَن مُرَاد من نَفَاهُ أَنه لم ينص عِنْد الْمَوْت على اسْتِخْلَاف أحد بِعَيْنِه وَمُرَاد من أثْبته أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَص عَلَيْهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ قبل ذَلِك وَلَا شكّ أَن النَّص على ذَلِك قبل قرب الْوَفَاة يتَطَرَّق إِلَيْهِ الِاحْتِمَال وَإِن بعد بِخِلَافِهِ عِنْد الْمَوْت فَلذَلِك نفى الْجُمْهُور كعلي وَعمر وَعُثْمَان الِاسْتِخْلَاف وَيُؤَيّد ذَلِك قَول بعض الْمُحَقِّقين من متأخري الْأُصُولِيِّينَ معنى لم ينص عَلَيْهَا لأحد لم يَأْمر بهَا لأحد على أَنه قد يُؤْخَذ مِمَّا فِي البُخَارِيّ عَن عُثْمَان أَن خلَافَة أبي بكر مَنْصُوص عَلَيْهَا وَالَّذِي فِيهِ فِي هِجْرَة الْحَبَشَة عَنهُ من جملَة حَدِيث أَنه قَالَ وصحبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبايعته وَوَاللَّه مَا عصيته وَلَا غششته حَتَّى توفاه الله ثمَّ اسْتخْلف الله أَبَا بكر فوَاللَّه مَا عصيته وَلَا غششته ثمَّ اسْتخْلف عمر فوَاللَّه مَا عصيته وَلَا غششته الحَدِيث فَتَأمل قَوْله فِي أبي بكر ثمَّ اسْتخْلف الله أَبَا بكر وَفِي عمر ثمَّ اسْتخْلف عمر تعلم دلَالَته على مَا ذكرته من النَّص على خلَافَة أبي بكر وَإِذا أفهم كَلَامه هَذَا ذَلِك مَعَ مَا مر عَنهُ من أَنَّهَا غير مَنْصُوص عَلَيْهَا تعين الْجمع بَين كلاميه بِمَا ذَكرْنَاهُ وَكَانَ اشْتِمَال كلاميه على ذَيْنك مؤيدا للْجمع الَّذِي قدمْنَاهُ وعَلى كل فَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعلم لمن هِيَ بعده بإعلام الله لَهُ وَمَعَ ذَلِك فَلم يُؤمر بتبليغ الْأمة النَّص على وَاحِد بِعَيْنِه عِنْد الْمَوْت وَإِنَّمَا وَردت عَنهُ ظواهر تدل على أَنه علم بإعلام الله لَهُ أَنَّهَا لأبي بكر فَأخْبر بذلك كَمَا مر وَإِذا أعلمها فَأَما أَن يعلمهَا علما وَاقعا مُوَافقا للحق فِي نفس الْأَمر أَو أمرا وَاقعا مُخَالفا لَهُ وعَلى كل حَال لَو وَجب على الْأمة مبايعة غير أبي بكر لبالغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَبْلِيغ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الْوَاجِب إِلَيْهِم بِأَن ينص عَلَيْهِ نصا جليا ينْقل مشتهرا حَتَّى يبلغ الْأمة مَا لَزِمَهُم وَلما لم ينْقل كَذَلِك مَعَ توفر الدَّوَاعِي على نَقله دلّ على أَنه لَا نَص وتوهم أَن عدم تبليغه لعلمه بِأَنَّهُم لَا يأتمرون بأَمْره فَلَا فَائِدَة فِيهِ بَاطِل فَإِن ذَلِك غير مسْقط لوُجُوب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه بلغ سَائِر التكاليف للآحاد مَعَ الَّذين علم مِنْهُم أَنهم لَا يأتمرون فَلم يسْقط الْعلم بِعَدَمِ ائتمارهم التَّبْلِيغ عَنهُ وَاحْتِمَال أَنه بلغ أَمر الْإِمَامَة سرا وَاحِدًا واثنين وَنقل كَذَلِك لَا يُفِيد لِأَن سَبِيل مثله الشُّهْرَة لصيرورته بِتَعَدُّد التَّبْلِيغ وَكَثْرَة المبلغين أمرا مَشْهُورا إِذْ هُوَ من أهم الْأُمُور لما يتَعَلَّق بِهِ من مصَالح الدّين وَالدُّنْيَا كَمَا مر مَعَ مَا فِيهِ من دفع مَا قد يتَوَهَّم من إثارة فتْنَة وَاحْتِمَال أَنه بلغه مشتهرا وَلم ينْقل أَو نقل وَلم يشْتَهر فِيمَا بعد عصره بَاطِل أَيْضا إِذْ لَو اشْتهر لَكَانَ سَبيله أَن ينْقل نقل الْفَرَائِض لتوفر الدَّوَاعِي على نقل مهمات الدّين فالشهرة هُنَا لَازِمَة لوُجُود النَّص فَحَيْثُ لَا شهرة لَا نَص بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم لَا لعَلي وَلَا لغيره فَلَزِمَ من ذَلِك بطلَان مَا نَقله الشِّيعَة وَغَيرهم من الأكاذيب وسودوا بِهِ أوراقهم من نَحْو خبر أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي وَخبر سلمُوا على عَليّ بإمرة الْمُؤمنِينَ وَغير ذَلِك مِمَّا يَأْتِي إِذْ لَا وجود لما نقلوه فضلا عَن اشتهاره كَيفَ وَمَا نقلوه لم يبلغ مبلغ الْآحَاد المطعون فِيهَا إِذْ لم يصل علمه لأئمة الحَدِيث المثابرين على التنقيب عَنهُ كَمَا اتَّصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 بهم كثير مِمَّا ضَعَّفُوهُ وَكَيف يجوز فِي الْعَادة أَن ينْفَرد هَؤُلَاءِ أَن بِعلم صِحَة تِلْكَ الْآحَاد مَعَ أَنهم لم يتصفوا قطّ بِرِوَايَة وَلَا بِصُحْبَة مُحدث ويجهل تِلْكَ الْآحَاد مهرَة الحَدِيث وسباقه الَّذين افنوا أعمارهم فِي الرحلات والأسفار الْبَعِيدَة وبذلوا جهدهمْ فِي طلبه وَفِي السَّعْي إِلَى كل من ظنُّوا عِنْده قَلِيلا مِنْهُ فَلذَلِك قَضَت الْعَادة المطردة القطيعة بكذبهم وَاخْتِلَافهمْ فِيمَا زعموه من نَص على عَليّ صَحَّ آحادا عِنْدهم دون غَيرهم مَعَ عدم اتصافهم بِرِوَايَة حَدِيث وَلَا صُحْبَة لمحدث كَمَا تقرر نعم رُوِيَ آحادا خبر أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى وَخبر من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَسَيَأْتِي الْجَواب عَنْهُمَا وَاضحا مَبْسُوطا وَأَنه لَا دلَالَة لوَاحِد مِنْهُمَا على خلَافَة عَليّ لَا نصا وَلَا إِشَارَة وَإِلَّا لزم نِسْبَة جَمِيع الصَّحَابَة إِلَى الْخَطَأ وَهُوَ بَاطِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 لعصمتهم من أَن يجتمعوا على ضَلَالَة فإجماعهم على خلاف مَا زَعمه أُولَئِكَ المبتدعة الْجُهَّال قَاطع بِأَن مَا توهموه من هذَيْن الْحَدِيثين غير مُرَاد إِذْ لَو فرض احتمالهما لما قَالُوهُ فَكيف وهما لَا يحتملانه كَمَا يَأْتِي فَظهر أَن مَا سودوا بِهِ أوراقهم من تِلْكَ الْآحَاد لَا تدل لما زعموه وَاحْتِمَال أَن ثمَّ نصا غير مَا زعموه يُعلمهُ عَليّ أَو أحد الْمُهَاجِرين أَو الْأَنْصَار بَاطِل أَيْضا وَإِلَّا لأورده الْعَالم بِهِ يَوْم السَّقِيفَة حِين تكلمُوا فِي الْخلَافَة أَو فِيمَا بعده لوُجُوب إِيرَاده حِينَئِذٍ وَقَوله ترك عَليّ إِيرَاده مَعَ علمه بِهِ تقية بَاطِل إِذْ لَا خوف يتوهمه من لَهُ أدنى مسكة وإحاطة بِعلم أَحْوَالهم فِي مُجَرّد ذكره لَهُم ومنازعته فِي الْإِمَامَة بِهِ كَيفَ وَقد نَازع من هُوَ أَضْعَف مِنْهُ وَأَقل شَوْكَة ومنعة من غير أَن يُقيم دَلِيلا على مَا يَقُوله وَمَعَ ذَلِك فَلم يؤذ بِكَلِمَة فضلا عَن أَن يقتل فَبَان بطلَان هَذِه التقية المشؤومة عَلَيْهِم سِيمَا وَعلي قد علم بواقعة الْحباب وبعدم إيذائه بقول أَو فعل مَعَ أَن دَعْوَاهُ لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَمَعَ ضعفه وَضعف قومه بِالنِّسْبَةِ لعَلي وَقَومه وَأَيْضًا فَيمْتَنع عَادَة من مثلهم أَنه يذكرهُ لَهُم وَلَا يرجعُونَ إِلَيْهِ كَيفَ وهم أطوع لله وأعمل بِالْوُقُوفِ عِنْد حُدُوده وابعد عَن اتِّبَاع حظوظ النَّفس لعصمتهم السَّابِقَة وللخبر الصَّحِيح خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَأَيْضًا ففيهم الْعشْرَة المبشرون بِالْجنَّةِ وَمِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة كَمَا صَحَّ من طرق فَلَا يتَوَهَّم فيهم وهم بِهَذِهِ الْأَوْصَاف الجليلة أَنهم يتركون الْعَمَل بِمَا يرويهِ لَهُم من تقبل رِوَايَته بِلَا دَلِيل أرجح يعولون عَلَيْهِ معَاذ الله أَن يجوز ذَلِك عَلَيْهِم شرعا أَو عَادَة إِذْ هُوَ خِيَانَة فِي الدّين وَإِلَّا لارتفع الْأمان فِي كل مَا نقلوه عَنهُ من الْقُرْآن وَالْأَحْكَام وَلم يجْزم بِشَيْء من أُمُور الدّين مَعَ أَنه بِجَمِيعِ أُصُوله وفروعه إِنَّمَا أَخذ مِنْهُم على أَن فِي نِسْبَة عَليّ إِلَى الكتم غَايَة نقص لَهُ لما يلْزم عَلَيْهِ من نسبته وَهُوَ أَشْجَع النَّاس إِلَى الْجُبْن وَالظُّلم وَلِهَذَا التَّوَهُّم كفره بعض الْمُلْحِدِينَ كَمَا يَأْتِي فَعلم مِمَّا تقرر جَمِيعه أَنه لَا نَص على إِمَامَة عَليّ حَتَّى وَلَا بِالْإِشَارَةِ وَأما أَبُو بكر فقد علمت من النُّصُوص السَّابِقَة المصرحة بخلافته وعَلى فرض أَن لَا نَص عَلَيْهِ أَيْضا فَفِي إِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَيْهَا غنى عَن النَّص إِذْ هُوَ أقوى مِنْهُ لِأَن مَدْلُوله قَطْعِيّ ومدلول خبر الْوَاحِد ظَنِّي وَأما تخلف جمع كعلي وَالْعَبَّاس وَالزُّبَيْر والمقداد عَن الْبيعَة وَقت عقدهَا فَمر الْجَواب عَنهُ مُسْتَوفى وَحَاصِله مَعَ الزِّيَادَة أَن أَبَا بكر أرسل إِلَيْهِم بعد فجاؤوا فَقَالَ للصحابة هَذَا عَليّ وَلَا بيعَة لي فِي عُنُقه وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي أمره أَلا فَأنْتم بِالْخِيَارِ جَمِيعًا فِي بيعتكم إيَّايَ فَإِن رَأَيْتُمْ لَهَا غَيْرِي فَأَنا أول من يبايعه فَقَالَ عَليّ لَا نرى لَهَا أحدا غَيْرك فَبَايعهُ هُوَ وَسَائِر المتخلفين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الْفَصْل الْخَامِس فِي ذكر شبه الشِّيعَة والرافضة وَنَحْوهمَا وَبَيَان بُطْلَانهَا بأوضح الْأَدِلَّة وأظهرها الشُّبْهَة الأولى زَعَمُوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يول أَبَا بكر عملا يُقيم فِيهِ قوانين الشَّرْع والسياسة فَدلَّ ذَلِك على أَنه لَا يحسنهما وَإِذا لم يحسنهما لم تصح إِمَامَته لِأَن من شُرُوط الإِمَام أَن يكون شجاعا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك بطلَان مَا زعموه من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يوله عملا فَفِي البُخَارِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع غزوات وَخرجت فِيمَا يبْعَث من الْبعُوث تسع غزوات مرّة علينا أَبُو بكر وَمرَّة علينا أُسَامَة وولاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج بِالنَّاسِ سنة تسع وَمَا زعموه من أَنه لَا يحسن ذَلِك بَاطِل أَيْضا كَيفَ وَعلي كرم الله وَجهه معترف بِأَنَّهُ أَشْجَع الصَّحَابَة فقد أخرج الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن عَليّ أَنه قَالَ أخبروني من أَشْجَع النَّاس قَالُوا أَنْت قَالَ أما إِنِّي مَا بارزت أحدا إِلَّا انتصفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 مِنْهُ وَلَكِن أخبروني بأشجع النَّاس قَالُوا لَا نعلم فَمن قَالَ أَبُو بكر إِنَّه لما كَانَ يَوْم بدر جعلنَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَرِيشًا فَقُلْنَا من يكون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِئَلَّا يهوي إِلَيْهِ أحد من الْمُشْركين فوَاللَّه مَا دنا منا أحد إِلَّا أَبُو بكر شاهرا بِالسَّيْفِ على رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يهوي إِلَيْهِ أحد إِلَّا أَهْوى إِلَيْهِ فَهَذَا أَشْجَع النَّاس قَالَ عَليّ وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأخذته قُرَيْش فَهَذَا يجؤه وَهَذَا يتلتله وهم يَقُولُونَ أَنْت الَّذِي جعلت الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا قَالَ فوَاللَّه مَا دنا منا أحد إِلَّا أَبُو بكر يضْرب هَذَا ويجؤ هَذَا ويتلتل هَذَا وَهُوَ يَقُول وَيْلكُمْ أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله ثمَّ رفع عَليّ بردة كَانَت عَلَيْهِ فَبكى حَتَّى اخضلت لحيته ثمَّ قَالَ أمؤمن آل فِرْعَوْن خير أم أَبُو بكر فَسكت الْقَوْم فَقَالَ أَلا تُجِيبُونِي فوَاللَّه لساعة من أبي بكر خير من مثل مُؤمن آل فِرْعَوْن ذَلِك رجل يكتم إيمَانه وَهَذَا رجل أعلن إيمَانه وَأخرج البُخَارِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير سَأَلت عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن أَشد مَا صنع الْمُشْركُونَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت عقبَة بن أبي معيط جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَوضع رِدَاءَهُ فِي عُنُقه فخنقه خنقا شَدِيدا فجَاء أَبُو بكر حَتَّى دَفعه عَنهُ وَقَالَ أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَقد جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما اسْلَمْ أَبُو بكر أظهر إِسْلَامه ودعا إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ تباشرت الْمَلَائِكَة يَوْم بدر فَقَالُوا أما ترَوْنَ أَن أَبَا بكر الصّديق مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَريش وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم عَن عَليّ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَلأبي بكر مَعَ أحد كَمَا جِبْرِيل وَمَعَ الآخر مِيكَائِيل قَالَ بَعضهم وَمن الدَّلِيل على أَنه أَشْجَع من عَليّ أَن عليا أخبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله على يَد ابْن ملجم فَكَانَ إِذا لَقِي ابْن ملجم يَقُول لَهُ مَتى تخضب هَذِه من هَذِه وَكَانَ يَقُول إِنَّه قاتلي كَمَا يَأْتِي فِي أَوَاخِر تَرْجَمته فَحِينَئِذٍ كَانَ إِذا دخل الْحَرْب ولاقى الْخصم يعلم أَنه لَا قدرَة لَهُ على قَتله فَهُوَ مَعَه كَأَنَّهُ نَائِم على فرَاش وَأما أَبُو بكر فَلم يخبر بقاتله فَكَانَ إِذا دخل الْحَرْب لَا يدْرِي هَل يقتل أم لَا فَمن يدْخل الْحَرْب وَهُوَ لَا يدْرِي ذَلِك يقاسي من الْكر والفر والجزع والفزع مَا يقاسي بِخِلَاف من يدخلهَا كَأَنَّهُ نَائِم على فرَاشه وَمن باهر شجاعته مَا وَقع لَهُ فِي قتال أهل الرِّدَّة فقد أخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَدَّ من ارْتَدَّ من الْعَرَب وَقَالُوا لَا نصلي وَلَا نزكي فَأتيت أَبَا بكر فَقلت يَا خَليفَة رَسُول الله تألف النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وارفق بهم فَإِنَّهُم بِمَنْزِلَة الْوَحْش فَقَالَ رَجَوْت نصرتك وجئتني بخذلانك جَبَّار فِي الْجَاهِلِيَّة خوار فِي الْإِسْلَام بِمَاذَا شِئْت أتألفهم بِشعر مفتعل أَو بِسحر مفترى هَيْهَات هَيْهَات مضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَانْقطع الْوَحْي وَالله لأجاهدنهم مَا استمسك السَّيْف فِي يَدي وَإِن مَنَعُونِي عقَالًا قَالَ عمر فَوَجَدته فِي ذَلِك أمضى مني وأحزم وأدب النَّاس على أُمُور هَانَتْ عَليّ كثيرا من مؤنتهم حِين وليتهم فَعلم بِمَا تقرر عظم شجاعته وَلَقَد كَانَ عِنْده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ الصَّحَابَة من الْعلم بشجاعته وثباته فِي الْأَمر مَا أوجب لَهُم تَقْدِيمه للْإِمَامَة الْعُظْمَى إِذْ هَذَانِ الوصفان هما الأهمان فِي أَمر الْإِمَامَة لَا سِيمَا فِي ذَلِك الْوَقْت الْمُحْتَاج فِيهِ إِلَى قتال أهل الرِّدَّة وَغَيرهم وَمن الدَّلِيل على اتصافه بهما أَيْضا قَوْله كَمَا فِي الصَّحِيح فِي صلح الْحُدَيْبِيَة لعروة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ حِين قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنِّي بك وَقد فر عَنْك هَؤُلَاءِ امصص بظر اللات أَنَحْنُ نفر عَنهُ أَو ندعه استبعاد أَن يَقع ذَلِك قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا مُبَالغَة من أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي سبّ عُرْوَة فَإِنَّهُ أَقَامَ معبود عُرْوَة وَهُوَ صنمه مقَام أمته وَحمله على ذَلِك مَا أغضبهُ بِهِ من نسبته إِلَى الْفِرَار والبظر بموحدة مَفْتُوحَة فمعجمة سَاكِنة قِطْعَة تبقى بفرج الْمَرْأَة بعد الْخِتَان وَاللات اسْم صنم وَالْعرب تطلق هَذَا اللَّفْظ فِي معرض الذَّم فَانْظُر كَيفَ نطق لهَذَا الْكَافِر الشَّديد الْقُوَّة والمنعة حِينَئِذٍ بِهَذَا السب الَّذِي لَا سبّ فَوْقه عِنْد الْعَرَب وَلم يخْش شوكته مَعَ قوتها بِحَيْثُ صدوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 دُخُول مَكَّة ذَلِك الْعَام وَوَقع الصُّلْح على أَن يدخلهَا من الْعَام الْقَابِل وَلم يَجْسُر أحد من الصَّحَابَة غير الصّديق على أَن يتفوه لعروة بِكَلِمَة مَعَ أَنه نسبهم أَجْمَعِينَ إِلَى الْفِرَار وَإِنَّمَا أَجَابَهُ الصّديق فَقَط فَدلَّ ذَلِك على أَنه أشجعهم كَمَا مر عَن عَليّ وَمن شجاعته الْعُظْمَى قِتَاله لمانعي الزَّكَاة وعزمه عَلَيْهِ وَلَو لوحده كَمَا قَدمته مَبْسُوطا أول الْفَصْل الثَّالِث ومختصرا آنِفا فَرَاجعه وَمن ذَلِك أَيْضا قِتَاله مُسَيْلمَة اللعين وَقَومه بني حنيفَة مَعَ أَن الله وَصفهم بِأَنَّهُم أولو باس شَدِيد بِنَاء على أَن الْآيَة نزلت فيهم كَمَا قَالَه جمع من الْمُفَسّرين مِنْهُم الزُّهْرِيّ والكلبي وَمن ذَلِك أَيْضا ثباته عِنْد مصادمة المصائب المدهشة الَّتِي تذهل الْحَلِيم لعظمها كثباته حِين دهش النَّاس لمَوْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُم ذهلوا حَتَّى عمر وَهُوَ من هُوَ فِي الثَّبَات فَجزم بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمت وَقَالَ من زعم ذَلِك ضربت عُنُقه حَتَّى قدم أَبُو بكر من مَسْكَنه بالعوالي فَدخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكشف عَن وَجهه فَعرف أَنه قد مَاتَ فأكب عَلَيْهِ يقبله ويبكي ثمَّ خرج إِلَيْهِم فاستسكت عمر عَن قَوْله مَا مر فَأبى لما هُوَ فِيهِ من الدهش فَتَركه وَتكلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فانحازوا إِلَيْهِ لعلمهم بعلو شَأْنه وتقدمه فخطبهم فَقَالَ أما بعد فَمن كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت ثمَّ قَرَأَ وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم الْآيَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره فَحِينَئِذٍ صدقُوا بوفاته وكرروا هَذِه الْآيَة كَأَنَّهُمْ لم يسمعوها قبل لعَظيم مَا استولى عَلَيْهِم من الدهش وَمن ثمَّ كَانَ أَسد الصَّحَابَة رَأيا وأكملهم عقلا فقد أخرج تَمام وَابْن عَسَاكِر أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تستشير أَبَا بكر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَغَيرهمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ أَن يسرح معَاذًا إِلَى الْيمن اسْتَشَارَ نَاسا من أَصْحَابه فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَأسيد بن حضير فَتكلم الْقَوْم كل إِنْسَان بِرَأْيهِ فَقَالَ (مَا ترى يَا معَاذ) فَقلت أرى مَا قَالَ أَبُو بكر فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله يكره أَن يُخطئ أَبُو بكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات إِن الله يكره أَن يخطأ أَبُو بكر فَهَذَا دَلِيل أَي دَلِيل على أَنه أكملهم عقلا ورأيا وعَلى أَنه أعلمهم وَلَا مرية فِي ذَلِك فَثَبت بِهَذِهِ الْأَدِلَّة عظم شجاعته وثباته وَكَمَال عقله ورأيه وَعلمه وَمن ثمَّ قَالَ الْعلمَاء إِنَّه صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حِين أسلم إِلَى أَن توفّي لم يُفَارِقهُ سفرا وَلَا حضرا إِلَّا فِيمَا أذن لَهُ فِي الْخُرُوج فِيهِ من حج أَو غَزْو وَشهد مَعَه الْمشَاهد كلهَا وَهَاجَر مَعَه وَترك عِيَاله وَأَوْلَاده رَغْبَة فِي الله وَرَسُوله وَقَامَ بنصرته فِي غير مَوضِع وَله الْآثَار الحميدة فِي الْمشَاهد وَثَبت يَوْم أحد وَيَوْم حنين وَقد فر النَّاس فَكيف مَعَ ذَلِك كُله ينْسب إِلَيْهِ عدم شجاعة أَو عدم ثبات فِي الْأَمر كلا بل لَهُ فيهمَا الْغَايَة القصوى والْآثَار الحميدة الَّتِي لَا تستقصى فَرضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم الله وَجهه الشُّبْهَة الثَّانِيَة زَعَمُوا أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ولاه قِرَاءَة بَرَاءَة على النَّاس بِمَكَّة عَزله وَولى عليا فَدلَّ ذَلِك على عدم أَهْلِيَّته وجوابها بطلَان مَا زعموه هُنَا أَيْضا وَإِنَّمَا أتبعه عليا لقِرَاءَة بَرَاءَة لِأَن عَادَة الْعَرَب فِي أَخذ الْعَهْد ونبذه أَن يَتَوَلَّاهُ الرجل أَو أحد من بني عَمه وَلذَلِك لم يعْزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أَبَا بكر عَن إمرة الْحَج بل أبقاه أَمِيرا وعليا مَأْمُورا لَهُ فِيمَا عدا الْقِرَاءَة على أَن عليا لم ينْفَرد بِالْأَذَانِ بذلك فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بكر فِي تِلْكَ الْحجَّة فِي مؤذنين بَعثهمْ يَوْم النَّحْر يُؤذنُونَ بمنى أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان قَالَ حميد بن عبد الرَّحْمَن ثمَّ أرْدف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب فَأمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَأذن مَعنا عَليّ يَوْم النَّحْر فِي أهل منى بِبَرَاءَة أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان فَتَأَمّله تَجِد عليا إِنَّمَا أذن مَعَ مؤذني أبي بكر وَمِمَّا يُصَرح بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن أَبَا بكر لما جَاءَ عَليّ لم يعْزل مؤذنيه فَعدم عَزله لَهُ وَجعله إيَّاهُم شُرَكَاء لعَلي صَرِيح فِي أَن عليا إِنَّمَا جَاءَ وَفَاء بعادة الْعَرَب الَّتِي قلناها لَا لعزل أبي بكر وَإِلَّا لم يسع أَبَا بكر أَن يبقي مؤذنيه يُؤذنُونَ مَعَ عَليّ فاتضح بذلك مَا قُلْنَاهُ وَأَنه لَا دلَالَة لَهُم فِي ذَلِك بِوَجْه من الْوُجُوه غير مَا يفترونه من الْكَذِب وينتحلونه من العناد وَالْجهل الشُّبْهَة الثَّالِثَة زَعَمُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ولاه الصَّلَاة أَيَّام مَرضه عَزله عَنْهَا وجوابها أَن ذَلِك من قبائح كذبهمْ وافترائهم فقبحهم الله وخذلهم كَيفَ وَقد قدمنَا فِي سَابِع الْأَحَادِيث الدَّالَّة على خِلَافَته من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المتواترة مَا هُوَ صَرِيح فِي بَقَائِهِ إِمَامًا يُصَلِّي إِلَى أَن توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي البُخَارِيّ عَن أنس قَالَ إِن الْمُسلمين بَيْنَمَا هم فِي صَلَاة الْفجْر من يَوْم الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بكر يُصَلِّي بهم لم يفجأهم إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كشف ستر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 حجرَة عَائِشَة فَنظر إِلَيْهِم وهم فِي صُفُوف الصَّلَاة ثمَّ تَبَسم يضْحك فنكص أَبُو بكر على عَقِبَيْهِ ليصل الصَّفّ وَظن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد أَن يخرج إِلَى الصَّلَاة قَالَ أنس وهم الْمُسلمُونَ أَن يفتتنوا فِي صلَاتهم فَرحا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ أَن أَتموا صَلَاتكُمْ ثمَّ دخل الْحُجْرَة وأرخى السّتْر ثمَّ قبض وَقت الضُّحَى من ذَلِك الْيَوْم فَتَأمل عَظِيم افترائهم وحمقهم على أَن صلَاته بِالنَّاسِ خلَافَة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَّفق عَلَيْهَا وَمجمع منا وَمِنْهُم على وُقُوعهَا فَمن ادّعى انعزاله عَنْهَا فَعَلَيهِ الْبَيَان وَلَا بَيَان عِنْدهم وَإِنَّمَا الَّذِي انطووا عَلَيْهِ خبائث الافتراء والبهتان وَعَن ابْن عَبَّاس وَغَيره لم يصل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلف أحد من أمته إِلَّا خلف أبي بكر وَأما عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فصلى خَلفه رَكْعَة وَاحِدَة فِي سفر وَلم يقل أحد قطّ إِنَّه صلى خلف عَليّ فَهَذِهِ منقبة لأبي بكر أَي منقبة وخصوصية أَي خُصُوصِيَّة الشُّبْهَة الرَّابِعَة زَعَمُوا أَنه أحرق من قَالَ أَنا مُسلم وَقطع يَد السَّارِق الْيُسْرَى وَتوقف فِي مِيرَاث الْجدّة حَتَّى رُوِيَ لَهُ أَن لَهَا السُّدس وَأَن ذَلِك قَادِح فِي خِلَافَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وجوابها بطلَان زعمهم قدح ذَلِك فِي خِلَافَته وَبَيَانه أَن ذَلِك لَا يقْدَح إِلَّا إِذا ثَبت أَنه لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّة للِاجْتِهَاد وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من أكَابِر الْمُجْتَهدين بل هُوَ أعلم الصَّحَابَة على الْإِطْلَاق للأدلة الْوَاضِحَة على ذَلِك مِنْهَا مَا أخرجه البُخَارِيّ وَغَيره أَن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي صلح الْحُدَيْبِيَة سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك الصُّلْح قَالَ علام نعطي الدنية فِي ديننَا فَأَجَابَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذهب إِلَى أبي بكر فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلَ عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَن يعلم بِجَوَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَجَابَهُ بِمثل ذَلِك الْجَواب سَوَاء بِسَوَاء وَمِنْهَا مَا أخرجه أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشرأب النِّفَاق أَي رفع رَأسه وارتدت الْعَرَب وانحازت الْأَنْصَار فَلَو نزل بالجبال الراسيات مَا نزل بِأبي لهاضها أَي فتتها فَمَا اخْتلفُوا فِي لَفْظَة إِلَّا طَار أبي بعبائها وفصلها قَالُوا أَيْن ندفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا وجدنَا عِنْد أحد فِي ذَلِك علما فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (مَا من نَبِي يقبض إِلَّا دفن تَحت مضجعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاثه فَمَا وجدنَا عِنْد أحد فِي ذَلِك علما فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 قَالَ بَعضهم وَهَذَا أول اخْتِلَاف وَقع بَين الصَّحَابَة فَقَالَ بَعضهم فدفنه بِمَكَّة مولده ومنشئه وَبَعْضهمْ بمسجده وَبَعْضهمْ بِالبَقِيعِ وَبَعْضهمْ بِبَيْت الْمُقَدّس مدفن الْأَنْبِيَاء حَتَّى أخْبرهُم أَبُو بكر بِمَا عِنْده من الْعلم قَالَ ابْن زَنْجوَيْه وَهَذِه سنة تفرد بهَا الصّديق من بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَرَجَعُوا إِلَيْهِ فِيهَا وَمر آنِفا خبر أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تستشير أَبَا بكر وَخبر إِن الله يكره أَن يُخطئ أَبُو بكر // سَنَده صَحِيح // وَخبر لَا يَنْبَغِي لقوم فيهم أَبُو بكر أَن يؤمهم غَيره وَمر أول الْفَصْل الثَّالِث خبر أَنه وَعمر كَانَا يفتيان النَّاس فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن تَهْذِيب النَّوَوِيّ أَن أَصْحَابنَا استدلوا على عَظِيم علمه بقوله وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة إِلَى آخِره وَأَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق اسْتدلَّ بِهِ على أَنه أعلم الصَّحَابَة بِأَنَّهُم كلهم وقفُوا عَن فهم الحكم فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا هُوَ ثمَّ ظهر لَهُم بمباحثته لَهُم أَن قَوْله هُوَ الصَّوَاب فَرَجَعُوا إِلَيْهِ وَلَا يُقَال بل عَليّ أعلم مِنْهُ للْخَبَر الْآتِي فِي فضائله أَنا مَدِينَة الْعلم وَعلي بَابهَا لأَنا نقُول سَيَأْتِي أَن ذَلِك الحَدِيث مطعون فِيهِ وعَلى تَسْلِيم صِحَّته أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 حسنه فَأَبُو بكر مِحْرَابهَا وَرِوَايَة فَمن أَرَادَ الْعم فليأت الْبَاب لَا تَقْتَضِي الأعلمية فقد يكون غير الأعلم يقْصد لما عِنْده من زِيَادَة الْإِيضَاح وَالْبَيَان والتفرغ للنَّاس بِخِلَاف الأعلم على أَن تِلْكَ الرِّوَايَة مُعَارضَة بِخَبَر الفردوس أَنا مَدِينَة الْعلم وابو بكر أساسها وَعمر حيطانها وَعُثْمَان سقفها وَعلي بَابهَا فَهَذِهِ صَرِيحَة فِي أَن أَبَا بكر أعلمهم وَحِينَئِذٍ فَالْأَمْر بِقصد الْبَاب إِنَّمَا هُوَ لنَحْو مَا قُلْنَاهُ لَا لزِيَادَة شرفه على مَا قبله لما هُوَ مَعْلُوم ضَرُورَة أَن كلا من الأساس والحيطان والسقف أَعلَى من الْبَاب وشذ بَعضهم فَأجَاب بِأَن معنى وَعلي بَابهَا أَي من الْعُلُوّ على حد قِرَاءَة {هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيم} بِرَفْع على وتنوينه كَمَا قَرَأَ بِهِ يَعْقُوب وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَهُوَ الْمُقدم فِي علم تَعْبِير الرُّؤْيَا بالِاتِّفَاقِ أَنه قَالَ كَانَ أَبُو بكر أعبر هَذِه الْأمة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج الديلمي وَابْن عَسَاكِر أمرت أَن أولي الرُّؤْيَا أَبَا بكر وَمن ثمَّ كَانَ يعبر الرُّؤْيَا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبحضرته فقد أخرج ابْن سعد عَن ابْن شهَاب قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا فَقَصَّهَا على أبي بكر فَقَالَ (رَأَيْت كَأَنِّي استبقت أَنا وَأَنت ودرجة فسبقتك بمرقاتين وَنصف) قَالَ يَا رَسُول الله يقبضك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الله إِلَى مغْفرَة وَرَحْمَة وأعيش بعْدك سنتَيْن وَنصفا وَكَانَ كَمَا عبر فقد عَاشَ بعده سنتَيْن وَسَبْعَة اشهر أخرجه الْحَاكِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رَأَيْتنِي فِي غنم سود ثمَّ أردفتها غنم بيض حَتَّى مَا ترى السود فِيهَا) فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله أما الْغنم السود فَإِنَّهَا الْعَرَب يسلمُونَ ويكثرون وَالْغنم الْبيض الْأَعَاجِم يسلمُونَ على يَدي الْعَرَب حَتَّى لَا يرى الْعَرَب فيهم من كثرتهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَذَلِك عبرها الْملك سحيرا) فَثَبت بِجَمِيعِ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنه من أكَابِر الْمُجْتَهدين بل أكبرهم على الْإِطْلَاق وَإِذا ثَبت أَنه مُجْتَهد فَلَا عتب عَلَيْهِ فِي التحريق لِأَن ذَلِك الرجل كَانَ زنديقا وَفِي قبُول تَوْبَته خلاف وَأما النَّهْي عَن التحريق فَيحْتَمل أَنه لم يبلغهُ وَيحْتَمل أَنه بلغه وتأوله على غير نَحْو الزنديق وَكم من أَدِلَّة تبلغ الْمُجْتَهدين ويؤولونها لما قَامَ عِنْدهم لَا يُنكر ذَلِك إِلَّا جَاهِل بالشريعة وحامليها وَأما قطعه يسَار السَّارِق فَيحْتَمل أَنه خطأ من الجلاد وَيحْتَمل أَنه لسرقة ثَالِثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 من أَيْن لَهُم أَنَّهَا السّرقَة الأولى وَأَنه قَالَ للجلاد اقْطَعْ يسَاره وعَلى التنزل فالآية شَامِلَة لما فعله فَيحْتَمل أَنه كَانَ يرى بقاءها على إِطْلَاقهَا وَإِن قطعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيُمْنَى فِي الأولى لَيْسَ على الحتم بل الإِمَام مُخَيّر فِي ذَلِك وعَلى فرض إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة فَيحْتَمل أَنهم أَجمعُوا على ذَلِك بعده بِنَاء على انْعِقَاد الْإِجْمَاع فِي مثل ذَلِك وَفِيه خلاف مَحَله كتب الْأُصُول وَقِرَاءَة أيمانهما يحْتَمل أَنَّهَا لم تبلغه فعلى كل تَقْدِير لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ فِي ذَلِك عتب وَلَا اعْتِرَاض بِوَجْه من الْوُجُوه ثمَّ رَأَيْت ان الِاحْتِمَال الأول هُوَ الْحق الْوَاقِع فقد أخرج مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن رجلا من أهل الْيمن أقطع الْيَد وَالرجل قدم فَنزل على أبي بكر فَشَكا إِلَيْهِ أَن عَامل الْيمن ظلمه فَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل فَيَقُول أَبُو بكر وَأَبِيك مَا ليلك بلَيْل سَارِق ثمَّ إِنَّهُم افتقدوا حليا لأسماء بنت عُمَيْس امْرَأَة أبي بكر فَجعل يطوف مَعَهم وَيَقُول اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمن بَيت أهل هَذَا الْبَيْت الصَّالح فوجدوا الْحلِيّ عِنْد صائغ زعم أَن الأقطع جَاءَهُ بِهِ فاعترف الأقطع أَو شهد عَلَيْهِ وَأمر بِهِ أَبُو بكر فَقطعت يَده الْيُسْرَى وَقَالَ أَبُو بكر وَالله لدعاؤه على نَفسه أَشد عِنْدِي من سَرقته فاتضح الْأَمر وَبَطلَت شُبْهَة المعاندين وَأما توقفه فِي مَسْأَلَة الْجدّة إِلَى أَن بلغه الْخَبَر فَيَنْبَغِي سِيَاق حَدِيثه فَإِن فِيهِ أبلغ رد على المعترضين أخرج أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَمَالك عَن قبيصَة قَالَ جَاءَت الْجدّة إِلَى أبي بكر الصّديق تسأله مِيرَاثهَا قَالَ مَا لَك فِي كتاب الله وَمَا علمت لَك فِي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فارجعي حَتَّى أسأَل النَّاس فَسَأَلَ النَّاس فَقَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة حضرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَاهَا السُّدس فَقَالَ أَبُو بكر هَل مَعَك غَيْرك فَقَامَ مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ مثل مَا قَالَ الْمُغيرَة فأنفذه لَهَا أَبُو بكر فَتَأمل هَذَا السِّيَاق تَجدهُ قَاضِيا بالكمال الْأَسْنَى لأبي بكر فَإِنَّهُ نظر أَولا فِي الْقُرْآن وَفِي محفوظاته من السّنة فَلم يجد لَهَا شَيْئا ثمَّ اسْتَشَارَ الْمُسلمين ليستخرج مَا عِنْدهم من شَيْء حفظوه من السّنة فَأخْرج لَهُ الْمُغيرَة وَابْن مسلمة مَا حفظاه فَقضى بِهِ وَطَلَبه انضمام آخر إِلَى الْمُغيرَة احْتِيَاط فَقَط إِذْ الرِّوَايَة لَا يشْتَرط فِيهَا تعدد وَهَذَا يُؤَيّد مَا قدمْنَاهُ عَنهُ أَنه كَانَ إِذا جَاءَهُ الْخصم نظر فِي الْقُرْآن ثمَّ فِيمَا يحفظه من السّنة يشاور فِيهِ وَهَذَا هُوَ شَأْن الْمُجْتَهدين على أَنه غير بدع من الْمُجْتَهد أَن يبْحَث عَن مدارك الْأَحْكَام وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن جدتين أتتا أَبَا بكر تطلبان ميراثهما أم أم وَأم أَب فَأعْطى الْمِيرَاث أم الْأُم فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن سهل الْأنْصَارِيّ البدري أَعْطَيْت الَّتِي لَو أَنَّهَا مَاتَت لم يَرِثهَا فَقَسمهُ بَينهمَا فَتَأمل رُجُوعه مَعَ كَمَاله إِلَى الْحق لما رَآهُ مَعَ أَصْغَر مِنْهُ الشُّبْهَة الْخَامِسَة زَعَمُوا أَن عمر ذمه والمذموم من مثل عمر لَا يصلح للخلافة وجوابها أَن هَذَا من كذبهمْ وافترائهم أَيْضا وَلم يَقع من عمر ذمّ لَهُ قطّ وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الْوَاقِع مِنْهُ فِي حَقه غَايَة الثَّنَاء عَلَيْهِ واعتقاد أَنه أكمل الصَّحَابَة علما ورأيا وشجاعة كَمَا يعلم مِمَّا قدمْنَاهُ عَنهُ فِي قصَّة الْمُبَايعَة وَغَيرهَا على أَن إِمَامَة عمر إِنَّمَا هِيَ بِعَهْد أبي بكر إِلَيْهِ فَلَو قدح فِيهِ لَكَانَ قادحا فِي نَفسه وإمامته وَأما إِنْكَاره على أبي بكر كَونه لم يقتل خَالِد بن الْوَلِيد لقَتله مَالك بن نُوَيْرَة وَهُوَ مُسلم ولتزوجه امْرَأَته من ليلته وَدخل بهَا فَلَا يسْتَلْزم ذما لَهُ وَلَا إِلْحَاق نقص بِهِ لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ من إِنْكَار بعض الْمُجْتَهدين على بعض فِي الْفُرُوع الاجتهادية وَهَذَا كَانَ شَأْن السّلف كَانُوا لَا يرَوْنَ فِيهِ نقصا وَإِنَّمَا يرونه غَايَة الْكَمَال على أَن الْحق عدم قتل خَالِد لِأَن مَالِكًا ارْتَدَّ ورد على قومه صَدَقَاتهمْ لما بلغه وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فعل أهل الرِّدَّة وَقد اعْترف أَخُو مَالك لعمر بذلك وتزوجه امْرَأَته لَعَلَّه لانقضاء عدتهَا بِالْوَضْعِ عقب مَوته أَو يحْتَمل أَنَّهَا كَانَت محبوسة عِنْده بعد انْقِضَاء عدتهَا عَن الْأزْوَاج على عَادَة الْجَاهِلِيَّة وعَلى كل حَال فَخَالِد أتقى لله من أَن يظنّ بِهِ مثل هَذِه الرذالة الَّتِي لَا تصدر من أدنى الْمُؤمنِينَ فَكيف بِسيف الله المسلول على أعدائه فَالْحق مَا فعله أَبُو بكر لَا مَا اعْترض بِهِ عَلَيْهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَيُؤَيّد ذَلِك أَن عمر لما أفضت إِلَيْهِ الْخلَافَة لم يتَعَرَّض لخَالِد وَلم يعاتبه وَلَا تنقصه بِكَلِمَة فِي هَذَا الْأَمر قطّ فَعلم أَنه ظهر لَهُ حقية مَا فعله أَبُو بكر فَرجع عَن اعتراضه وَإِلَّا لم يتْركهُ عِنْد استقلاله بِالْأَمر لِأَنَّهُ كَانَ أتقى لله من أَن يداهن فِي دين الله أحدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الشُّبْهَة السَّادِسَة زَعَمُوا أَن قَول عمر إِن بيعَة أبي بكر كَانَت فلتة لَكِن وقى الله شَرها فَمن عَاد إِلَى مثلهَا فَاقْتُلُوهُ قَادِح فِي حقيتها وجوابها أَن هَذِه من غباوتهم وجهالتهم إِذْ لَا دلَالَة فِي ذَلِك لما زعموه لِأَن مَعْنَاهُ أَن الْإِقْدَام على مثل ذَلِك من غير مشورة الْغَيْر وَحُصُول الِاتِّفَاق مِنْهُ مَظَنَّة الْفِتْنَة فَلَا يقدمن أحد على ذَلِك على أَنِّي أقدمت عَلَيْهِ فَسلمت على خلاف الْعَادة ببركة صِحَة النِّيَّة وَخَوف الْفِتْنَة لَو حصل توان فِي هَذَا الْأَمر كَمَا مر مَبْسُوطا فِي فصل الْمُبَايعَة الشُّبْهَة السَّابِعَة زَعَمُوا أَنه ظَالِم لفاطمة بِمَنْعه إِيَّاهَا من مخلف أَبِيهَا وَأَنه لَا دَلِيل لَهُ فِي الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة لِأَن فِيهِ احتجاجا بِخَبَر الْوَاحِد مَعَ معارضته لآيَة الْمَوَارِيث وَفِيه مَا هُوَ مَشْهُور عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَزَعَمُوا أَيْضا أَن فَاطِمَة معصومة بِنَصّ {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} وَخبر فَاطِمَة بضعَة مني وَهُوَ مَعْصُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فَتكون معصومة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم صدق دَعْوَاهَا الْإِرْث وجوابها أما عَن الأول فَهُوَ لم يحكم بِخَبَر الْوَاحِد الَّذِي هُوَ مَحل الْخلاف وَإِنَّمَا حكم بِمَا سَمعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عِنْده قَطْعِيّ فساوى آيَة الْمَوَارِيث فِي قطيعة الْمَتْن وَأما حمله على مَا فهمه مِنْهُ فلانتقاء الِاحْتِمَالَات الَّتِي يُمكن تطرقها إِلَيْهِ عَنهُ بِقَرِينَة الْحَال فَصَارَ عِنْده دَلِيلا قَطْعِيا مُخَصّصا لعُمُوم تِلْكَ الْآيَات وَأما عَن الثَّانِي فَمن أهل الْبَيْت أَزوَاجه على مَا يَأْتِي فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت ولسن بمعصومات اتِّفَاقًا فَكَذَلِك بَقِيَّة أهل الْبَيْت وَأما بضعَة مني فمجاز قطعا فَلم يسْتَلْزم عصمتها وَأَيْضًا فَلَا يلْزم مُسَاوَاة الْبَعْض للجملة فِي جَمِيع الْأَحْكَام بل الظَّاهِر أَن المُرَاد أَنَّهَا كبضعة مني فِيمَا يرجع للخير والشفقة ودعواها أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحلهَا فدك لم تأت عَلَيْهَا بِبَيِّنَة إِلَّا بعلي وَأم أَيمن فَلم يكمل نِصَاب الْبَيِّنَة على أَن فِي قبُول شَهَادَة الزَّوْج لزوجته خلافًا بَين الْعلمَاء وَعدم حكمه بِشَاهِد وَيَمِين وَإِمَّا لعِلَّة كَونه مِمَّن لَا يرَاهُ ككثيرين من الْعلمَاء أَو أَنَّهَا لم تطلب الْحلف مَعَ من شهد لَهَا وزعمهم أَن الْحسن وَالْحُسَيْن وَأم كُلْثُوم شهدُوا لَهَا بَاطِل على أَن شَهَادَة الْفَرْع وَالصَّغِير غير مَقْبُولَة وَسَيَأْتِي عَن الإِمَام زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم أَنه صوب مَا فعله أَبُو بكر وَقَالَ لَو كنت مَكَانَهُ لحكمت بِمثل مَا حكم بِهِ وَفِي رِوَايَة تَأتي فِي الْبَاب الثَّانِي أَن أَبَا بكر كَانَ رحِيما وَكَانَ يكره أَن يُغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 شَيْئا تَركه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَتْهُ فَاطِمَة فَقَالَت إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَانِي فدكا فَقَالَ هَل لَك بَيِّنَة فَشهد لَهَا عَليّ وَأم أَيمن فَقَالَ لَهَا فبرجل وَامْرَأَة تستحقيها ثمَّ قَالَ زيد وَالله لَو رفع الْأَمر فِيهَا إِلَيّ لقضيت بِقَضَاء أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَعَن أَخِيه الباقر أَنه قيل لَهُ أظلمكم الشَّيْخَانِ من حقكم شَيْئا فَقَالَ لَا ومنزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا مَا ظلمانا من حَقنا مَا يزن حَبَّة خردلة واخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ مَا كَانَ يعْمل عَليّ فِي سهم ذَوي الْقُرْبَى قَالَ عمل فِيهِ بِمَا عمل بِهِ أَبُو بكر وَعمر وَكَانَ يكره أَن يخالفهما وَأما عذر فَاطِمَة فِي طلبَهَا مَعَ رِوَايَته لَهَا الحَدِيث فَيحْتَمل أَنه لكَونهَا رَأَتْ أَن خبر الْوَاحِد لَا يخصص الْقُرْآن كَمَا قيل بِهِ فاتضح عذره فِي الْمَنْع وعذرها فِي الطّلب فَلَا يشكل عَلَيْك ذَلِك وتأمله فَإِنَّهُ مُهِمّ ويوضح مَا قَرَّرْنَاهُ فِي هَذَا الْمحل حَدِيث البُخَارِيّ فَإِنَّهُ مُشْتَمل على نفائس تزيل مَا فِي نفوس القاصرين من شبه وَهُوَ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي مَالك بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أَوْس بن الْحدثَان النضري أَن عمر بن الْخطاب دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ حَاجِبه يرفأ فَقَالَ هَل لَك فِي عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر وَسعد يستأذنون قَالَ نعم فأدخلهم فَلبث قَلِيلا ثمَّ جَاءَ فَقَالَ هَل لَك فِي عَبَّاس وَعلي يستأذنان قَالَ نعم فَلَمَّا دخلا قَالَ عَبَّاس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بيني وَبَين هَذَا وهما يختصمان فِي الَّذِي أَفَاء الله على رَسُوله من بني النَّضِير فاستب عَليّ وعباس فَقَالَ الرَّهْط يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بَينهمَا وأرح أَحدهمَا من الآخر فَقَالَ عمر اتئدوا أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض هَل تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) يُرِيد بذلك نَفسه قَالُوا قد قَالَ ذَلِك فَأقبل عمر على عَليّ وعباس فَقَالَ أنشدكما بِاللَّه هَل تعلمان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ ذَلِك قَالَا نعم قَالَ فَإِنِّي أحدثكُم عَن هَذَا الْأَمر إِن الله كَانَ خص رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْفَيْء بِشَيْء لم يُعْطه أحدا غَيره فَقَالَ وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب إِلَى قَوْله {قدير} فَكَانَت هَذِه خَالِصَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ وَالله مَا اخْتَارَهَا دونكم وَلَا اسْتَأْثر بهَا عَلَيْكُم لقد أعطاكموها وَقسمهَا فِيكُم حَتَّى بَقِي هَذَا المَال مِنْهَا فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتهمْ من هَذَا المَال ثمَّ يَأْخُذ مَا بَقِي فَيَجْعَلهُ مجعل مَال الله فَعمل بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيَاته ثمَّ توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 رَضِي الله عَنهُ فَأَنا ولي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَبضهُ أَبُو بكر فَعمل فِيهِ بِمَا عمل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْتُم حِينَئِذٍ حاضرون وَأَقْبل على عَليّ وَالْعَبَّاس وَقَالَ تذكران أَن ابا بكر كَانَ فِيهِ كَمَا تقولان وَالله يعلم إِنَّه فِيهِ لصَادِق بار رَاشد تَابع للحق ثمَّ توفى الله أَبَا بكر فَقلت أَنا ولي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر فقبضته سنتَيْن من إمارتي أعمل فِيهِ بِمَا عمل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَالله يعلم إِنِّي فِي لصَادِق بار رَاشد تَابع للحق ثمَّ جئتماني كلاكما وكلمتكما وَاحِدَة وأمركما جَمِيع فجئتني يَعْنِي عباسا فَقلت لَكمَا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) فَلَمَّا بدا لي أَن أدفعه إلَيْكُمَا قلت إِن شئتما دَفعته إلَيْكُمَا على أَن عَلَيْكُمَا عهد الله وميثاقه لتعملان فِيهِ بِمَا عمل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَمَا عملت فِيهِ مُنْذُ وليت وَإِلَّا فَلَا تكلماني فقلتما ادفعه إِلَيْنَا بذلك فَدَفَعته إلَيْكُمَا أفتلتمسان مني قَضَاء غير ذَلِك فوَاللَّه الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض لَا أَقْْضِي فِيهِ بِقَضَاء غير ذَلِك حَتَّى تقوم السَّاعَة فَإِن عجزتما عَنهُ فادفعاه إِلَيّ فَأَنا أكفيكماه قَالَ فَحدثت هَذَا الحَدِيث عُرْوَة بن الزبير فَقَالَ صدق مَالك ابْن أَوْس أَنا سَمِعت عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقول أرسل أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان إِلَى أبي بكر يسألنه ثمنهن مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكنت أَنا أردهن فَقلت لَهُنَّ أَلا تتقين الله ألم تعلمن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول (لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) يُرِيد بذلك نَفسه إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال فَانْتهى أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا أخبرتهن قَالَ فَكَانَت هَذِه الصَّدَقَة بيد عَليّ منعهَا عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 عباسا فغلبه عَلَيْهَا ثمَّ كَانَت بيد الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ بيد الْحُسَيْن بن عَليّ ثمَّ بيد عَليّ بن الْحُسَيْن وَحسن بن حسن كِلَاهُمَا كَانَا يتداولانها ثمَّ بيد زيد بن حسن رَضِي الله عَنْهُم وَهِي صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا ثمَّ ذكر البُخَارِيّ بِسَنَدِهِ أَن فَاطِمَة وَالْعَبَّاس أَتَيَا أَبَا بكر يلتمسان ميراثهما أرضه من فدك وسهمه من خَيْبَر فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال) وَالله لقرابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ أَن أصل من قَرَابَتي فَتَأمل مَا فِي حَدِيث عَائِشَة وَالَّذِي قبله تعلم حقية مَا عَلَيْهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ أَن استباب عَليّ وَالْعَبَّاس صَرِيح فِي أَنَّهُمَا متفقان على أَنه غير إِرْث وَإِلَّا لَكَانَ للْعَبَّاس سَهْمه ولعلي سهم زَوجته وَلم يكن للخصام بَينهمَا وَجه فخصامهما إِنَّمَا هُوَ لكَونه صَدَقَة وكل مِنْهُمَا يُرِيد أَن يتولاها فَأصْلح بَينهمَا عمر رَضِي الله عَنهُ وأعطه لَهما بعد أَن بَين لَهما وللحاضرين السَّابِقين وهم من أكَابِر الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) وَكلهمْ حَتَّى عَليّ وَالْعَبَّاس أخبر بِأَنَّهُ يعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك فَحِينَئِذٍ اثْبتْ عمر أَنه غير إِرْث ثمَّ دَفعه إِلَيْهِمَا ليعملا فِيهِ بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبسنة أبي بكر فَأَخَذَاهُ على ذَلِك وَبَين لَهما أَن مَا فعله أَبُو بكر فِيهِ كَانَ فِيهِ صدقا بارا راشدا تَابعا للحق فصدقاه على ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فَهَل بَقِي لمعاند بعد ذَلِك من شُبْهَة فَإِن زعم بَقَاء شُبْهَة قُلْنَا يلزمك أَن تغلب عليا على الْجَمِيع وَأَخذه من الْعَبَّاس ظلم لِأَنَّهُ يلْزم على قَوْلكُم بِالْإِرْثِ أَن لعباس فِيهِ حِصَّة فَكيف مَعَ ذَلِك سَاغَ لعَلي أَن يتغلب على الْجَمِيع وَيَأْخُذهُ من الْعَبَّاس ثمَّ كَانَ فِي يَد بنيه وبنيهم من بعده وَلم يكن مِنْهُ شَيْء فِي يَد بني الْعَبَّاس فَهَل هَذَا من عَليّ وَذريته إِلَّا صَرِيح الِاعْتِرَاف بِأَنَّهُ صَدَقَة وَلَيْسَ بِإِرْث وَإِلَّا لزم عَلَيْهِ عصيان عَليّ وبنيه وظلمهم وفسقهم وحاشاهم الله من ذَلِك بل هم معصومون عِنْد الرافضة وَنَحْوهم فَلَا يتَصَوَّر لَهُم ذَنْب فَإِذا استبدوا بذلك جَمِيعه دون الْعَبَّاس وبنيه علمنَا بِأَنَّهُم قَائِلُونَ بِأَنَّهُ صَدَقَة وَلَيْسَ بِإِرْث وَهَذَا عين مدعانا وَتَأمل أَيْضا أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ منع أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ثمنهن أَيْضا فَلم يخص الْمَنْع بفاطمة وَالْعَبَّاس وَلَو كَانَ مَدَاره على مُحَابَاة لَكَانَ أولى من يحابيه وَلَده فَلَمَّا لم يحاب عَائِشَة وَلم يُعْطهَا شَيْئا علمنَا أَنه على الْحق المر الَّذِي لَا يخْشَى فِيهِ لومة لائم وَتَأمل أَيْضا تَقْرِير عمر رَضِي الله عَنهُ للحاضرين ولعلي وَالْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِحَدِيث لَا نورث وَتَقْرِير عَائِشَة لأمهات الْمُؤمنِينَ بِهِ أَيْضا وَقَول كل مِنْهُمَا ألم تعلمُوا يظْهر لَك من ذَلِك أَن أَبَا بكر لم ينْفَرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث وَأَن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وعليا وَالْعَبَّاس وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر وسعدا كلهم كَانُوا يعلمُونَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك وَأَن أَبَا بكر إِنَّمَا انْفَرد باستحضاره أَولا ثمَّ استحضره الْبَاقُونَ وَعَلمُوا أَنهم سَمِعُوهُ مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالصحابة رضوَان الله عَلَيْهِم لم يعملوا بِرِوَايَة أبي بكر وَحدهَا وَإِن كَانَت كَافِيَة أَي كِفَايَة فِي ذَلِك وَإِنَّمَا عمِلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 بهَا وَبِمَا انْضَمَّ إِلَيْهَا من علم أفاضلهم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ بهَا أَيْضا فَبَان بذلك اتضاح مَا فعله أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَأَنه لَا شُبْهَة فِيهِ بِوَجْه من الْوُجُوه وَأَنه الْحق الصدْق الَّذِي لَا يشوبه أدنى شَائِبَة تعصب وَلَا حمية وَأَن من خَالف فِي ذَلِك فَهُوَ كَاذِب جَاهِل أَحمَق معاند لَا يعبأ الله بِهِ وَلَا بقوله وَلَا يُبَالِي بِهِ فِي أَي وَاد هلك نسْأَل الله السَّلامَة فِي الْعقل وَالدّين وَلَا يُقَال أقرّ أَبُو بكر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فِي حجرهن وَكَانَ يتَعَيَّن صرفهَا للْفُقَرَاء كَمَا فعل فِي فدك وَكَيف استجاز هُوَ وَعمر أَن يدفنا مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قَوْله تَعَالَى {لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم} وَلم دفع لعَلي بغلة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيفه وَهُوَ لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة وَلم كَانَ أَبُو بكر وَعمر يعطيان عَائِشَة فِي كل سنة عشرَة آلَاف دِرْهَم وَهل هَذِه إِلَّا مُحَابَاة إِذْ هُوَ فَاضل عَن نَفَقَتهَا الْمرتبَة فِي تَرِكَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فدك وَغَيرهَا لأَنا نقُول الْجَواب عَن الأول أَن الْحجر ملكهن واختصاصهن بِدَلِيل وَقرن فِي بيوتكن إِذْ يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسمهَا بَينهُنَّ فِي حَيَاته فَلم يجز إخراجهن مِنْهَا كَمَا لم تخرج فَاطِمَة من حُجْرَتهَا أَو أَنه رأى الصّلاح فِي إِقْرَارهَا بأيديهن كيد فَاطِمَة على حُجْرَتهَا ولأنهن فِي حكم المعتدات لبَقَاء تحريمهن وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عيالي فَهُوَ صَدَقَة) فاستثناء نفقتهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ وَعَن الثَّانِي أَنه بَان أَن حجرَة عَائِشَة ملكهَا أَو اختصاصها وَلم يدفنا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَلِهَذَا استأذنها عمر فِي ذَلِك ثمَّ أوصى أَن تستأذن بعد مَوته خوفًا أَنَّهَا لم تَأذن أَولا إِلَّا حَيَاء مِنْهُ وَأَيْضًا فَالرَّأْي فِي الْحجر كَمَا كَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته يكون لخليفته بعده فَيحْتَمل أَنَّهُمَا أَرَادَا ذَلِك لمصْلحَة رأياها كدفن ظَالِم ثمَّ أَو أَنه أذن لَهما فِي ذَلِك فِي حَيَاته أَو أَشَارَ إِلَيْهِ كَمَا فِي قصَّة بِئْر اريس وَوضع أَحْجَار مَسْجِد قبَاء وَغَيرهمَا وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ بكونهما كَانَا أقرب النَّاس مَكَانا لَهُ وَأكْثر مُلَازمَة وَمن ثمَّ قَالَ عَليّ لما دخل على عمر حِين وضع على سَرِيره رَضِي الله عَنْهُمَا يَرْحَمك الله إِن كنت لأرجو أَن يجعلك الله مَعَ صاحبيك لِأَنِّي كثيرا مَا كنت اسْمَع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (كنت أَنا وَأَبا بكر وَعمر وَفعلت أَنا وَأَبا بكر وَعمر وانطلقنا أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَإِنِّي كنت لأرجو الله أَن يجعلك مَعَهُمَا وَقد أوصى الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن يدْفن مَعَهم فَمَنعه من ذَلِك مَرْوَان وَغَيره فَمَا أجابوا بِهِ عَنهُ كَانَ جَوَابنَا وَعَن الثَّالِث أَنه لم يدْفع ذَلِك لعَلي مِيرَاثا وَلَا صَدَقَة لما مر بل بطرِيق الْوَصِيَّة مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ على مَا ورد وعَلى فرض عدم الْوَصِيَّة فَيحْتَمل أَنه دفعهما إِلَيْهِ عَارِية أَو نَحْوهَا ليستعين بهما فِي الْجِهَاد ولتميزه عَن غَيره بالشجاعة الْعُظْمَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 أوثر بذلك وَيحْتَمل أَن غَيره اشْترى ذَلِك وَدفعه إِلَيْهِ وَالصَّدَََقَة لَا تحرم عَلَيْهِ نفلها وَأما الْبردَة الَّتِي كَانَت بيد الْخُلَفَاء فَلَيْسَتْ من مخلفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هِيَ الَّتِي كساها كَعْب بن زُهَيْر لما أنْشدهُ بَانَتْ سعاد فاشتراها مُعَاوِيَة مِنْهُ وَاسْتمرّ الْخُلَفَاء يتوارثونها وَعَن الرَّابِع أَن بر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَاجِب على كل أحد وَالْإِمَام أولى بذلك على أَنه إِنَّمَا يتَوَجَّه أَن لَو خصا عَائِشَة وَحَفْصَة بذلك وَلَيْسَ كَذَلِك بل أعطياه لكل مِنْهُنَّ على أَن عليا كَانَ يَفْعَله فَإِن توجه إِلَيْهِمَا بِهِ عتب توجه إِلَيْهِ كعثمان بل استزادت عَائِشَة عليا فَمنعهَا بقوله لَا أزيدها على مَا كَانَ يدْفع إِلَيْهَا عمر وأدل دَلِيل وأقواه على أَن عليا لم يكن مُعْتَقدًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُورث وَأَن الشَّيْخَانِ ظلما أَنه لما ولي وَصَارَ مخلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ لم يُغير شَيْئا مِمَّا فعلاه وَلم يقسم لبني الْعَبَّاس وَلَا لأمهات الْمُؤمنِينَ مِنْهَا وَلَا لأولاده من فَاطِمَة نصِيبهم مِنْهَا مِمَّا ورثته فَدلَّ ذَلِك دلَالَة قَطْعِيَّة على أَن اعْتِقَاده مُوَافق لاعتقادهما كَبَقِيَّة الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ تَنْبِيه لَا يُعَارض قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث) قَوْله تَعَالَى {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} لِأَن المُرَاد لَيْسَ وراثة المَال بل النُّبُوَّة وَالْملك وَنَحْوهمَا بِدَلِيل اخْتِصَاص سُلَيْمَان بِالْإِرْثِ مَعَ أَن لَهُ تِسْعَة عشر أَخا فَلَو كَانَ المُرَاد المَال لم يخْتَص بِهِ سُلَيْمَان وَسِيَاق علمنَا منطق الطير وأوتينا من كل شَيْء قَاض بِمَا ذَكرْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ووراثة الْعلم قد وَقعت فِي آيَات مِنْهَا {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب} {فخلف من بعدهمْ خلف ورثوا الْكتاب} وَقَوله تَعَالَى {فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي} لِأَن المُرَاد ذَلِك فِيهَا أَيْضا بِدَلِيل وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي أَي أَن يضيعوا الْعلم وَالدّين وبدليل {من آل يَعْقُوب} وهم أَوْلَاده الْأَنْبِيَاء على أَن زَكَرِيَّا لم يحك أحد أَنه كَانَ لَهُ مَال حَتَّى يطْلب ولدا يَرِثهُ وَلَو سلم فمقام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْبَى طلب ذَلِك إِذْ الْقَصْد بِالْوَلَدِ إحْيَاء ذكر الْأَب وَالدُّعَاء لَهُ وتكثير سَواد الْأمة فَمن طلبه لغير ذَلِك كَانَ ملوما سِيمَا إِن قصد بِهِ حرمَان عصبته من إِرْثه لَو لم يُوجد لَهُ ولد الشُّبْهَة الثَّامِنَة زَعَمُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَص على الْخلَافَة لعَلي إِجْمَالا قَالُوا لأَنا نعلم قطعا وجود نَص جلي وَإِن لم يبلغنَا لِأَن عَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته قاضية بالاستخلاف على الْمَدِينَة عِنْد غيبته عَنْهَا حَتَّى لَا يتركهم فوضى أَي متساوين لَا رَئِيس لَهُم فَإِذا لم يخل بذلك فِي حَيَاته فَبعد وَفَاته أولى وجوابها مر مَبْسُوطا فِي الْفَصْل الرَّابِع بأدلته وَمِنْه إِنَّمَا ترك ذَلِك لعلمه بِأَن الصَّحَابَة يقومُونَ بِهِ ويبادرون إِلَيْهِ لعصمتهم عَن الْخَطَأ اللَّازِم لتركهم لهومن ثمَّ لم ينص على كثير من الْأَحْكَام بل وَكلهَا إِلَى آراء مجتهديهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 على أَنا نقُول انْتِفَاء النَّص الْجَلِيّ مَعْلُوم قطعا وَإِلَّا لم يُمكن ستره عَادَة إِذْ هُوَ مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله وَأَيْضًا لَو وجد نَص لعَلي لمنع بِهِ غَيره كَمَا منع أَبُو بكر مَعَ أَنه أَضْعَف من عَليّ عِنْدهم الْأَنْصَار بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فأطاعوه مَعَ كَونه خبر وَاحِد وَتركُوا الْإِمَامَة وادعاءها لأَجله فَكيف حِينَئِذٍ يتَصَوَّر وجود نَص جلي بتعين عَليّ وَهُوَ بَين قوم لَا يعصون خبر الْوَاحِد فِي أَمر الْإِمَامَة وهم من الصلابة فِي الدّين بِالْمحل الْأَعْلَى بِشَهَادَة بذلهم الْأَنْفس وَالْأَمْوَال ومهاجرتهم الْأَهْل والوطن وقتلهم الْأَوْلَاد والآباء فِي نصْرَة الدّين ثمَّ لَا يحْتَج عَليّ عَلَيْهِم بذلك النَّص الْجَلِيّ بل وَلَا قَالَ أحد مِنْهُم عِنْد طول النزاع فِي أَمر الْإِمَامَة مَا لكم تتنازعون فِيهَا وَالنَّص الْجَلِيّ قد عين فلَانا لَهَا فَإِن زعم زاعم أَن عليا قَالَ لَهُم ذَلِك فَلم يطيعوه كَانَ جَاهِلا ضَالًّا مفتريا مُنْكرا للضروريات فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَأما الْخَبَر الْآتِي فِي فَضَائِل عَليّ أَنه قَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أنْشد الله من شهد يَوْم غَدِير خم إِلَّا قَامَ وَلَا يقوم رجل يَقُول نبئت أَو بَلغنِي إِلَّا رجل سَمِعت أذنَاهُ ووعاه قلبه فَقَامَ سَبْعَة عشر صحابيا وَفِي رِوَايَة ثَلَاثُونَ فَقَالَ هاتوا مَا سَمِعْتُمْ فَذكرُوا الحَدِيث الْآتِي وَمن جملَته من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ صَدقْتُمْ وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك عَليّ بعد أَن آلت إِلَيْهِ الْخلَافَة لقَوْل أبي الطُّفَيْل رَاوِيه كَمَا ثَبت عِنْد أَحْمد وَالْبَزَّار جمع عَليّ النَّاس بالرحبة يَعْنِي بالعراق ثمَّ قَالَ لَهُم أنْشد الله من شهد يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 غَدِير خم إِلَى آخر مَا مر فَأَرَادَ بِهِ حثهم على التَّمَسُّك بِهِ والنصرة لَهُ حِينَئِذٍ الشُّبْهَة التَّاسِعَة زَعَمُوا وجود نَص على الْخلَافَة لعَلي تَفْصِيلًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض وَهِي تعم الْخلَافَة وَعلي من أولي الْأَرْحَام دون أبي بكر وجوابها منع عُمُوم الْآيَة بل هِيَ مُطلقَة فَلَا تكون نصا فِي الْخلَافَة فرق ظَاهر بَين الْمُطلق وَالْعَام إِذْ عُمُوم الأول بدلي وَالثَّانِي شمولي الشُّبْهَة الْعَاشِرَة زَعَمُوا أَن من النَّص التفصيلي الْمُصَرّح بخلافة عَليّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا} الْآيَة قَالُوا والوالي إِمَّا الأحق وَالْأولَى بِالتَّصَرُّفِ كولي الصَّبِي وَإِمَّا الْمُحب والناصر وَلَيْسَ لَهُ فِي اللُّغَة معنى ثَالِث والناصر غير مُرَاد لعُمُوم النُّصْرَة لكل الْمُؤمنِينَ بِنَصّ قَوْله تَعَالَى والمؤمنون الْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض فَلم يَصح الْحصْر بإنما فِي الْمُؤمنِينَ الموصوفين بِمَا فِي الْآيَة فَتعين أَنه فِي الْآيَة الْمُتَصَرف وَهُوَ الإِمَام وَقد أجمع أهل التَّفْسِير على أَن المُرَاد بالذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ عَليّ إِذْ سَبَب نُزُولهَا أَنه سُئِلَ وَهُوَ رَاكِع فَأعْطى خَاتمه وَأَجْمعُوا أَن غَيره كأي بكر غير مُرَاد فَتعين أَنه المُرَاد فِي الْآيَة فَكَانَت نضا فِي إِمَامَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وجوابها منع جَمِيع مَا قَالُوهُ إِذْ هُوَ حزر وتخمين من غير إِقَامَة دَلِيل يدل لَهُ بل الْوَلِيّ فِيهَا بِمَعْنى النَّاصِر وَيلْزم على مَا زعموه أَن عليا أولى بِالتَّصَرُّفِ حَال حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا شُبْهَة فِي بُطْلَانه وزعمهم الْإِجْمَاع على إِرَادَة عَليّ دون أبي بكر كذب قَبِيح لِأَن أَبَا بكر دَاخل فِي جملَة الَّذين آمنُوا وَالَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة الخ لتكرر صِيغَة الْجمع فِيهِ فَكيف يحمل على الْوَاحِد ونزولها فِي حق عَليّ لَا يُنَافِي شمولها لغيره مِمَّن يجوز اشتراكه مَعَه فِي تِلْكَ الصّفة وَكَذَلِكَ زعمهم الْإِجْمَاع على نُزُولهَا فِي عَليّ بَاطِل أَيْضا فقد قَالَ الْحسن وناهيك بِهِ جلالة وإمامة إِنَّهَا عَامَّة فِي سَائِر الْمُؤمنِينَ وَيُوَافِقهُ أَن الباقر وَهُوَ من هُوَ سُئِلَ عَمَّن نزلت فِيهِ هَذِه الْآيَة أهوَ عَليّ فَقَالَ عَليّ من الْمُؤمنِينَ ولبعض الْمُفَسّرين قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا} ابْن سَلام وَأَصْحَابه ولبعض آخر مِنْهُم قَول إِنَّه عبَادَة بن الصَّامِت لما تَبرأ من حلفائه من الْيَهُود وَقَالَ عِكْرِمَة وناهيك بِهِ حفظا لعلوم مَوْلَاهُ ترجمان الْقُرْآن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّهَا نزلت فِي أبي بكر فَبَطل مَا زعموه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَأَيْضًا فَحمل الْوَلِيّ على مَا زعموه لَا يُنَاسب مَا قبلهَا وَهُوَ {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود} إِلَخ إِذْ الْوَلِيّ فِيهَا بِمَعْنى النَّاصِر جزما وَلَا مَا بعْدهَا وَهُوَ من يتول الله وَرَسُوله الخ إِذْ التولي هُنَا بِمَعْنى النُّصْرَة فَوَجَبَ حمل مَا بَينهمَا عَلَيْهَا أَيْضا لتتلاءم أَجزَاء الْكَلَام الشُّبْهَة الْحَادِيَة عشرَة زَعَمُوا أَن من النَّص التفصيلي الْمُصَرّح بخلافة عَليّ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم غَدِير خم مَوضِع بِالْجُحْفَةِ مرجعه من حجَّة الْوَدَاع بعد أَن جمع الصَّحَابَة وَكرر عَلَيْهِم (السِّت أولى بكم من أَنفسكُم) ثَلَاثًا وهم يجيبون بالتصديق وَالِاعْتِرَاف ثمَّ رفع يَد عَليّ وَقَالَ (من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ وَأحب من أحبه وابغض من ابغضه وانصر من نَصره واخذل من خذله وأدر الْحق مَعَه حَيْثُ دَار) قَالُوا فَمَعْنَى الْمولى الأولى أَي فلعلي عَلَيْهِم من الْوَلَاء مَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم مِنْهُ بِدَلِيل قَوْله (أَلَسْت أولى بكم) لَا النَّاصِر وَإِلَّا لما احْتَاجَ إِلَى جمعهم كَذَلِك مَعَ الدُّعَاء لَهُ لِأَن ذَلِك يعرفهُ كل أحد قَالُوا وَلَا يكون هَذَا الدُّعَاء إِلَّا لإِمَام مَعْصُوم مفترض الطَّاعَة قَالُوا فَهَذَا نَص صَرِيح صَحِيح على خِلَافَته انْتهى وَجَوَاب هَذِه الشُّبْهَة الَّتِي هِيَ أقوى شبههم يحْتَاج إِلَى مُقَدّمَة وَهِي بَيَان الحَدِيث ومخرجيه وَبَيَانه أَنه // حَدِيث صَحِيح // لَا مرية فِيهِ وَقد // أخرجه جمَاعَة كالترمذي وَالنَّسَائِيّ وَأحمد // وطرقه كَثِيرَة جدا وَمن ثمَّ رَوَاهُ سِتَّة عشر صحابيا وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد أَنه سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثُونَ صحابيا وشهدوا بِهِ لعَلي لما نوزع أَيَّام خِلَافَته كَمَا مر وَسَيَأْتِي وَكثير من أسانيدها صِحَاح وَحسان وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الْتِفَات لمن قدح فِي صِحَّته وَلَا لمن رده بِأَن عليا كَانَ بِالْيمن لثُبُوت رُجُوعه مِنْهَا وإدراكه الْحَج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَول بَعضهم إِن زِيَادَة اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ الخ مَوْضُوعَة مَرْدُود فقد ورد ذَلِك من طرق صحّح الذَّهَبِيّ كثيرا مِنْهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا زعموه مَرْدُود من وُجُوه نتلوها عَلَيْك وَإِن طَالَتْ لمسيس الْحَاجة إِلَيْهَا فأحذر أَن تسأمها أَو تغفل عَن تأملها أَحدهَا أَن فرق الشِّيعَة اتَّفقُوا على اعْتِبَار التَّوَاتُر فِيمَا يسْتَدلّ بِهِ على الْإِمَامَة وَقد علم نَفْيه لما مر من الْخلاف فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث بل الطاعنون فِي صِحَّته جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث وعدوله المرجوع إِلَيْهِم فِيهِ كَأبي دَاوُد السجسْتانِي وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيرهم فَهَذَا الحَدِيث مَعَ كَونه آحادا مُخْتَلف فِي صِحَّته فَكيف سَاغَ لَهُم أَن يخالفوا مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ من اشْتِرَاط التَّوَاتُر فِي أَحَادِيث الْإِمَامَة ويحتجون بذلك مَا هَذَا إِلَّا تنَاقض قَبِيح وتحكم لَا يعتضد بِشَيْء من أَسبَاب التَّرْجِيح ثَانِيهَا لَا نسلم أَن معنى الْوَلِيّ مَا ذَكرُوهُ بل مَعْنَاهُ النَّاصِر لِأَنَّهُ مُشْتَرك بَين معَان كالمعتق والعتيق والمتصرف فِي الْأَمر والناصر والمحبوب وَهُوَ حَقِيقَة فِي كل مِنْهَا وَتَعْيِين بعض مَعَاني الْمُشْتَرك من غير دَلِيل يَقْتَضِيهِ تحكم لَا يعْتد بِهِ وتعميمه فِي مَعَانِيه كلهَا لَا يسوغ لِأَنَّهُ إِن كَانَ مُشْتَركا لفظيا بِأَن تعدد وَضعه بِحَسب تعدد مَعَانِيه كَانَ فِيهِ خلاف وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ وعلماء الْبَيَان واقتضاه استعمالات الفصحاء للمشترك أَنه لَا يعم جَمِيع مَعَانِيه على أَنا لَو قُلْنَا بتعميمه على القَوْل الآخر أَو بِنَاء على أَنه مُشْتَرك معنوي بِأَن وضع وضعا وَاحِدًا للقدر الْمُشْتَرك وَهُوَ الْقرب الْمَعْنَوِيّ من الْوَلِيّ بِفَتْح فَسُكُون لصدقه بِكُل مَا مر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فَلَا يَأْتِي تعميمه هُنَا لِامْتِنَاع إِرَادَة كل من الْمُعْتق والعتيق فَتعين إِرَادَة الْبَعْض وَنحن وهم متفقون على صِحَة إِرَادَة الْحبّ بِالْكَسْرِ وَعلي رَضِي الله عَنهُ سيدنَا وحبيبنا على أَن كَون الْمولى بِمَعْنى الإِمَام لم يعْهَد لُغَة وَلَا شرعا أما الثَّانِي فَوَاضِح وَأما الأول فَلِأَن أحدا من أَئِمَّة الْعَرَبيَّة لم يذكر أَن مفعلا يَأْتِي بِمَعْنى افْعَل وَقَوله تَعَالَى {مأواكم النَّار هِيَ مولاكم} أَي مقركم أَو ناصرتكم مُبَالغَة فِي نفي النُّصْرَة كَقَوْلِهِم الْجُوع زَاد من لَا زَاد لَهُ وَأَيْضًا فالاستعمال يمْنَع من أَن مفعلا بِمَعْنى افْعَل إِذْ يُقَال هُوَ أولى من كَذَا دون مولى من كَذَا وَأولى الرجلَيْن دون مولاهما وَحِينَئِذٍ فَإِنَّمَا جعلنَا من مَعَانِيه الْمُتَصَرف فِي الْأُمُور نظرا للرواية الْآتِيَة من كنت وليه فالغرض من التَّنْصِيص على موالاته اجْتِنَاب بغضه لِأَن التَّنْصِيص عَلَيْهِ أوفى بمزيد شرفه وصدره السِّت أولى بكم من أَنفسكُم ثَلَاثًا ليَكُون ابْعَثْ على قبولهم وَكَذَا بِالدُّعَاءِ لأجل ذَلِك أَيْضا ويرشد لما ذَكرْنَاهُ حثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْخطْبَة على أهل بَيته عُمُوما وعَلى عَليّ خُصُوصا ويرشد إِلَيْهِ أَيْضا مَا ابتدئ بِهِ هَذَا الحَدِيث وَلَفظه عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَغَيره // بِسَنَد صَحِيح // أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب بغدير خم تَحت شجرات فَقَالَ (أَيهَا النَّاس إِنَّه قد نَبَّأَنِي اللَّطِيف الْخَبِير أَنه لم يعمر نَبِي إِلَّا نصف عمر الَّذِي يَلِيهِ من قبله وَإِنِّي لأَظُن أَنِّي يُوشك أَن أدعى فَأُجِيب وَإِنِّي مسؤول وَإِنَّكُمْ مسؤولون فَمَاذَا أَنْتُم قَائِلُونَ) قَالُوا نشْهد إِنَّك قد بلغت وجاهدت وَنَصَحْت فجزاك الله خيرا فَقَالَ (أَلَيْسَ تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن جنته حق وَأَن ناره حق وَأَن الْمَوْت حق وَأَن الْبَعْث حق بعد الْمَوْت وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور) قَالُوا بلَى نشْهد بذلك قَالَ (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) ثمَّ قَالَ (يَا أَيهَا النَّاس إِن الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مولَايَ وَأَنا مولى الْمُؤمنِينَ وَأَنا أولى لبم من أنفسهم فَمن كنت مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ يَعْنِي عليا اللَّهُمَّ وَال من وإلاه وَعَاد من عَادَاهُ) ثمَّ قَالَ (يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي فَرَطكُمْ وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَليّ الْحَوْض حَوْض أعرض مِمَّا بَين بصرى إِلَى صنعاء فِيهِ عدد النُّجُوم قدحان من فضَّة وَإِنِّي سَائِلكُمْ حِين تردون عَليّ عَن الثقلَيْن فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا الثّقل الْأَكْبَر كتاب الله عز وَجل سَبَب طرفه بيد الله وطرفه بِأَيْدِيكُمْ فاستمسكوا بِهِ لَا تضلوا وَلَا تبدلوا وعترتي أهل بَيْتِي فَإِنَّهُ قد نَبَّأَنِي اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهُمَا لن ينقضيا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض) وَأَيْضًا فسبب ذَلِك كَمَا نَقله الْحَافِظ شمس الدّين الْجَزرِي عَن ابْن إِسْحَاق أَن عليا تكلم فِيهِ بعض من كَانَ مَعَه فِي الْيمن فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجه خطبهَا تَنْبِيها على قدره وردا على من تكلم فِيهِ كبريدة كَمَا فِي البُخَارِيّ أَنه كَانَ يبغضه وَسبب ذَلِك مَا صَححهُ الذَّهَبِيّ أَنه خرج مَعَه إِلَى الْيمن فَرَأى مِنْهُ جفوة فنقصه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يتَغَيَّر وَجهه وَيَقُول (يَا بُرَيْدَة أَلَسْت أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم) قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ (من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ) وَأما رِوَايَة ابْن بُرَيْدَة عَنهُ لَا تقع يَا بُرَيْدَة فِي عَليّ فَإِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي فَفِي سندها الْأَجْلَح وَهُوَ وَإِن وَثَّقَهُ ابْن معِين لَكِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ضعفه غَيره على أَنه شيعي وعَلى تَقْدِير الصِّحَّة فَيحْتَمل أَنه رَوَاهُ بِالْمَعْنَى بِحَسب عقيدته وعَلى فرض أَنه رَوَاهُ بِلَفْظِهِ فَيتَعَيَّن تَأْوِيله على ولَايَة خَاصَّة نَظِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أقضاكم عَليّ) على أَنه وَإِن لم يحْتَمل التَّأْوِيل فالإجماع على حقية ولَايَة أبي بكر وفرعيها قَاض بِالْقطعِ بحقيتها لأبي بكر وبطلانهما لعَلي لِأَن مفَاد الْإِجْمَاع قَطْعِيّ ومفاد خبر الْوَاحِد ظَنِّي وَلَا تعَارض بَين ظَنِّي وقطعي بل يعْمل بالقطعي ويلغى الظني على أَن الظني لَا عِبْرَة بِهِ فِيهَا عِنْد الشِّيعَة كَمَا مر ثَالِثهَا سلمنَا أَنه أولى لَكِن لَا نسلم أَن المُرَاد أَنه الأولى بِالْإِمَامَةِ بل بالاتباع والقرب مِنْهُ فَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ} وَلَا قَاطع بل وَلَا ظاهرعلى نفي هَذَا الِاحْتِمَال بل هُوَ الْوَاقِع إِذْ هُوَ الَّذِي فهمه أَبُو بكر وَعمر وناهيك بهما من الحَدِيث فَإِنَّهُمَا لما سمعاه قَالَا لَهُ أمسيت يَا ابْن أبي طَالب مولى كل مُؤمن ومؤمنة // أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ // وَأخرج أَيْضا أَنه قيل لعمر إِنَّك تصنع بعلي شَيْئا لَا تَصنعهُ بِأحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنَّه مولَايَ رَابِعهَا سلمنَا أَنه أولى بِالْإِمَامَةِ فَالْمُرَاد الْمَآل وَإِلَّا كَانَ هُوَ الإِمَام مَعَ وجوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تعرض فِيهِ لوقت الْمَآل فَكَانَ المُرَاد حِين يُوجد عقد الْبيعَة لَهُ فَلَا يُنَافِي حِينَئِذٍ تَقْدِيم الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة عَلَيْهِ لانعقاد الْإِجْمَاع حَتَّى من عَليّ عَلَيْهِ كَمَا مر وللأخبار السَّابِقَة المصرحة بإمامة أبي بكر وَأَيْضًا فَلَا يلْزم من أَفضَلِيَّة عَليّ على معتقدهم بطلَان تَوْلِيَة غَيره لما مر أَن أهل السّنة أَجمعُوا على صِحَة إِمَامَة الْمَفْضُول مَعَ وجود الْفَاضِل بِدَلِيل إِجْمَاعهم على صِحَة خلَافَة عُثْمَان وَاخْتِلَافهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فِي أفضليته على عَليّ وَإِن كَانَ أَكْثَرهم على أَن عُثْمَان أفضل مِنْهُ كَمَا يَأْتِي وَقد صَحَّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ من زعم أَن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ من الشَّيْخَيْنِ فقد خطأهما والمهاجرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرفع لَهُ عمل مَعَ هَذَا إِلَى السَّمَاء نقل ذَلِك النَّوَوِيّ عَنهُ كَمَا مر ثمَّ قَالَ هَذَا كَلَامه وَقد كَانَ حسن اعْتِقَاده فِي عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْمحل الْمَعْرُوف انْتهى وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ من حسن اعْتِقَاده فِي عَليّ مَشْهُور بل أخرج أَبُو نعيم عَن زيد ابْن الْحباب أَنه كَانَ يرى رَأْي أَصْحَابه الْكُوفِيّين يفضل عليا على أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَلَمَّا صَار إِلَى الْبَصْرَة رَجَعَ إِلَى القَوْل بتفضيلهما عَلَيْهِ خَامِسهَا كَيفَ يكون ذَلِك نصا على إِمَامَته وَلم يحْتَج بِهِ هُوَ وَلَا الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَا غَيرهمَا وَقت الْحَاجة إِلَيْهِ وَإِنَّمَا احْتج بِهِ عَليّ فِي خِلَافَته كَمَا مر فِي الْجَواب على الثَّامِنَة من الشّبَه فسكوته عَن الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَى أَيَّام خِلَافَته قَاض على من عِنْده أدنى فهم وعقل بِأَنَّهُ علم مِنْهُ أَنه لَا نَص فِيهِ على خِلَافَته عقب وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن عليا نَفسه صرح بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينص عَلَيْهِ وَلَا على غَيره كَمَا سَيَأْتِي عَنهُ وَفِي البُخَارِيّ وَغَيره حَدِيث خُرُوج عَليّ وَالْعَبَّاس من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطُولِهِ وَهُوَ صَرِيح فِيمَا ذكره من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينص عِنْد مَوته على أحد وكل عَاقل يجْزم بِأَن حَدِيث من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ لَيْسَ نصا فِي إِمَامَة عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَإِلَّا لم يحْتَج هُوَ وَالْعَبَّاس إِلَى مُرَاجعَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث البُخَارِيّ وَلما قَالَ الْعَبَّاس فَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر فِينَا علمناه مَعَ قرب الْعَهْد جدا بِيَوْم الغدير إِذْ بَينهمَا نَحْو الشَّهْرَيْنِ وتجويز النسْيَان على سَائِر الصَّحَابَة السامعين لخَبر يَوْم الغدير مَعَ قرب الْعَهْد وهم من هم فِي الْحِفْظ والذكاء والفطنة وَعدم التَّفْرِيط والغفلة فِيمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محَال غير عادي يجْزم الْعَاقِل بِأَدْنَى بديهته بِأَنَّهُ لم يَقع مِنْهُم نِسْيَان وَلَا تَفْرِيط وَأَنَّهُمْ حَال بيعتهم لأبي بكر كَانُوا متذكرين لذَلِك الحَدِيث عَالمين بِهِ وَبِمَعْنَاهُ على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب بعد يَوْم الغدير وأعلن بِحَق أبي بكر للْحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة الَّتِي فِي فضائله فَانْظُرْهُ ثمَّ وَسَيَأْتِي فِي الْآيَة الرَّابِعَة فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت أَحَادِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرض مَوته وَإِنَّمَا حث على مَوَدَّتهمْ ومحبتهم واتباعهم وَفِي بَعْضهَا آخر مَا تكلم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اخلفوني فِي أهل بَيْتِي) فَتلك وَصِيَّة بهم وشتان مَا بَينهمَا وَبَين مقَام الْخلَافَة وَزعم الشِّيعَة والرافضة بِأَن الصَّحَابَة علمُوا هَذَا النَّص وَلم ينقادوا لَهُ عناد ومكابرة بِالْبَاطِلِ كَمَا مر وَقَوله إِنَّمَا تَركهَا على تقية كذب وافتراء أَيْضا لما تلوناه عَلَيْك مَبْسُوطا فِيمَا مر وَمِنْه أَنه كَانَ فِي مَنعه من قومه مَعَ كثرتهم وشجاعتهم وَلذَا احْتج أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْأَنْصَار لما قَالُوا منا أَمِير ومنكم أَمِير بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فَكيف سلمُوا لَهُ هَذَا الِاسْتِدْلَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ولأي شَيْء لم يَقُولُوا لَهُ ورد النَّص على إِمَامَة عَليّ فَكيف تحتج بِمثل هَذَا الْعُمُوم وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أصل عقيدة الشِّيعَة تضليل الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَإِنَّمَا نبه رَحمَه الله على الشِّيعَة لأَنهم أقل فحشا فِي عقائدهم من الرافضة وَذَلِكَ لِأَن الرافضة يَقُولُونَ بتكفير الصَّحَابَة لأَنهم عاندوا بترك النَّص على إِمَامَة عَليّ بل زَاد أَبُو كَامِل من رؤوسهم فَكفر عليا زاعما أَنه أعَان الْكفَّار على كفرهم وأيدهم على الكتمان وعَلى ستر مَا لَا يتم الدّين إِلَّا بِهِ أَي لِأَنَّهُ لم يرد عَنهُ قطّ أَنه احْتج بِالنَّصِّ على إِمَامَته بل تَوَاتر عَنهُ أَن أفضل الْأمة أَبُو بكر وَعمر وَقبل من عمر إِدْخَاله إِيَّاه فِي الشورى وَقد اتخذ الْمُلْحِدُونَ كَلَام هَؤُلَاءِ السفلة الكذبة ذَرِيعَة لطعنهم فِي الدّين وَالْقُرْآن وَقد تصدى بعض الْأَئِمَّة للرَّدّ على الْمُلْحِدِينَ المحتجين بِكَلَام الرافضة وَمن جملَة مَا قَالَه أُولَئِكَ الْمُلْحِدُونَ كَيفَ يَقُول الله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} وَقد ارْتَدُّوا بعد وَفَاة نَبِيّهم إِلَّا نَحْو سِتَّة أنفس مِنْهُم لامتناعهم من تَقْدِيم أبي بكر على عَليّ المرتضى الْمُوصى بِهِ فَانْظُر إِلَى حجَّة هَذَا الملحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تجدها عين حجَّة الرافضة قَاتلهم الله أَنى يؤفكون بل هم أَشد ضَرَرا على الدّين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر فرق الضلال كَمَا صرح بِهِ عَليّ رَضِي الله عَنهُ بقوله تفترق هَذِه الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة شَرها من ينتحل حبنا وَيُفَارق أمرنَا وَوَجهه مَا اشتملوا عَلَيْهِ من افترائهم من قبائح الْبدع وغايات العناد وَالْكذب حَتَّى تسلطت الْمَلَاحِدَة بِسَبَب ذَلِك على الطعْن فِي الدّين وأئمة الْمُسلمين بل قَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني إِن فِيمَا ذهبت إِلَيْهِ الرافضة مِمَّا ذكر إبطالا لِلْإِسْلَامِ راسا لِأَنَّهُ إِذا أمكن اجْتِمَاعهم على الكتم للنصوص وَأمكن فيهم نقل الْكَذِب والتواطؤ عَلَيْهِ لغَرَض فَيمكن أَن سَائِر مَا نقلوه من الْأَحَادِيث زور وَيُمكن أَن الْقُرْآن عورض بِمَا هُوَ أفْصح مِنْهُ كَمَا تدعيه الْيَهُود وَالنَّصَارَى فكتمه الصَّحَابَة وَكَذَا مَا نَقله سَائِر الْأُمَم عَن جَمِيع الرُّسُل يجوز الْكَذِب فِيهِ والزور والبهتان لأَنهم إِذا ادعوا ذَلِك فِي هَذِه الْأمة الَّتِي هِيَ خير أمة أخرجت للنَّاس فادعاؤهم إِيَّاه فِي بَاقِي الْأُمَم أَحْرَى وَأولى فَتَأمل هَذِه الْمَفَاسِد الَّتِي ترتبت على مَا اصله هَؤُلَاءِ وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا من أهل الْأَهْوَاء أشهد بالزور من الرافضة وَكَانَ إِذا ذكرهم عابهم أَشد الْعَيْب سادسها مَا الْمَانِع من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته السَّابِقَة يَوْم الغدير هَذَا الْخَلِيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 بعدِي فعدوله إِلَى مَا سبق من قَوْله من كنت مَوْلَاهُ إِلَخ ظَاهر فِي عدم إِرَادَة ذَلِك بل ورد بِسَنَد رُوَاته مقبولون كَمَا قَالَه الذَّهَبِيّ وَله طرق عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قيل يَا رَسُول الله من نؤمر بعْدك فَقَالَ إِن تؤمروا أَبَا بكر تَجِدُوهُ أَمينا زاهدا فِي الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْآخِرَة وَإِن تؤمروا عمر تَجِدُوهُ قَوِيا أَمينا لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَإِن تؤمروا عليا وَلَا أَرَاكُم فاعلين تَجِدُوهُ هاديا مهديا يَأْخُذ بكم الطَّرِيق الْمُسْتَقيم وَرَوَاهُ الْبَزَّار بِسَنَد رِجَاله ثِقَات أَيْضا كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فَهُوَ يدل على أَن أَمر الإِمَام موكول إِلَى من يؤمره الْمُسلمُونَ بالبيعة وعَلى عدم النَّص بهَا لعَلي وَقد أخرج جمع كالبزار // بِسَنَد حسن // وَالْإِمَام أَحْمد وَغَيرهمَا // بِسَنَد قوي // كَمَا قَالَه الذَّهَبِيّ عَن عَليّ أَنهم لما قَالُوا لَهُ اسْتخْلف علينا قَالَ لَا وَلَكِن أترككم كَمَا ترككم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح مَا اسْتخْلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأستخلف عَلَيْكُم // وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ // أَيْضا وَفِي بعض طرقه زِيَادَة دَخَلنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله اسْتخْلف علينا قَالَ (لَا إِن يعلم الله فِيكُم خيرا يول عَلَيْكُم خَيركُمْ) قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَعلم الله فِينَا خيرا فولى علينا ابا بكر فقد ثَبت بذلك أَنه صرح بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْتَخْلف وَأخرج مُسلم أَنه قَالَ من زعم أَن عندنَا شَيْئا نقرؤه إِلَّا كتاب الله وَهَذِه الصَّحِيفَة فِيهَا أَسْنَان الْإِبِل وَشَيْء من الْجِرَاحَات فقد كذب وَأخرج جمع كالداقطني وَابْن عَسَاكِر والذهبي وَغَيرهم إِن عليا لما قَامَ بِالْبَصْرَةِ قَامَ إِلَيْهِ رجلَانِ فَقَالَا لَهُ أخبرنَا عَن مسيرك هَذَا الَّذِي سرت فِيهِ لتستولي على الْأُمَرَاء وعَلى الْأمة تضرب بَعضهم بِبَعْض أَعهد من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَهده إِلَيْك فحدثنا فَأَنت الموثوق بِهِ والمأمون على مَا سَمِعت فَقَالَ أما أَن يكون عِنْدِي عهد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَهده إِلَيّ فِي ذَلِك فَلَا وَالله لَئِن كنت أول من صدق بِهِ فَلَا أكون أول من كذب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عهد فِي ذَلِك مَا تركت أَخا بني تَمِيم بن مرّة وَعمر بن الْخطاب يثوبان على منبره ولقاتلتهما بيَدي وَلَو لم أجد إِلَّا بردتي هَذِه وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقتل قتلا وَلم يمت فَجْأَة مكث فِي مَرضه أَيَّامًا وليالي يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن أَو بِلَال يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ فيأمر أَبَا بكر ليُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُوَ يرى مَكَاني وَلَقَد أَرَادَت امْرَأَة من نِسَائِهِ تصرفه عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أبي بكر فَأبى وَغَضب وَقَالَ (أنتن صَوَاحِب يُوسُف مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ) فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَظرنَا فِي أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لديننا وَكَانَت الصَّلَاة عظم الْإِسْلَام وقوام الدّين فَبَايعْنَا أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ لذَلِك أَهلا لم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان وَفِي رِوَايَة فَأَقَامَ بَين أظهرنَا الْكَلِمَة وَاحِدَة وَالْأَمر وَاحِد لَا يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان وَفِي رِوَايَة فاخترنا لدنيانا من اخْتَارَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لديننا فأديت إِلَى أبي بكر حَقه وَعرفت لَهُ طَاعَته وغزوت مَعَه فِي جُنُوده وَكنت آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الْحُدُود بسوطي فَلَمَّا قبض ولاها عمر فَأَخذهَا بِسنة صَاحبه وَمَا يعرف من أمره فَبَايعْنَا عمر لم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان فأديت لَهُ حَقه وَعرفت لَهُ طَاعَته وغزوت مَعَه فِي جيوشه وَكنت آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الْحُدُود بسوطي فَلَمَّا قبض تذكرت فِي نَفسِي قَرَابَتي وسابقتي وفضلي وَأَنا أَظن أَن لَا يعدل بِي وَلَكِن خشِي أَن لَا يعْمل الْخَلِيفَة بعده شَيْئا إِلَّا لحقه فِي قَبره فَأخْرج مِنْهَا نَفسه وَولده وَلَو كَانَت مُحَابَاة لآثر وَلَده بهَا وَبرئ مِنْهَا لرهط أَنا أحدهم وظننت أَن لَا يعدلُوا بِي فَأخذ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مواثيقنا على أَن نسْمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنَا ثمَّ بَايع عُثْمَان فَنَظَرت فَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 طَاعَتي قد سبقت بيعتي وَإِذا ميثاقي قد أَخذ لغيري فَبَايعْنَا عُثْمَان فأديت لَهُ حَقه وَعرفت لَهُ طَاعَته وغزوت مَعَه فِي جيوشه وَكنت آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الْحُدُود بسوطي فَلَمَّا أُصِيب نظرت فَإِذا الخليفتان اللَّذَان أخذاها بِعَهْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِمَا بِالصَّلَاةِ قد مضيا وَهَذَا الَّذِي أَخذ لَهُ ميثاقي قد أُصِيب فبايعني أهل الْحَرَمَيْنِ وَأهل هذَيْن المصرين أَي الْكُوفَة وَالْبَصْرَة فَوَثَبَ فِيهَا من لَيْسَ مثلي وَلَا قرَابَته كقرابتي وَلَا علمه كعلمي وَلَا سابقته كسابقتي وَكنت أَحَق بهَا مِنْهُ يَعْنِي مُعَاوِيَة وَأخرجه أَيْضا هَؤُلَاءِ وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ من طرق أُخْرَى قَالَ الذَّهَبِيّ وَهَذِه طرق يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا قَالَ وأصحها مَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن علية وَذكره وَفِيه أَنه لما قيل لعَلي أخبرنَا عَن مسيرك هَذَا أَعهد عَهده إِلَيْك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم رَأْي رَأَيْته فَقَالَ بل رأى رَأَيْته وَأخرج أَحْمد عَنهُ أَنه قَالَ يَوْم الْجمل لم يعْهَد إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهدا نَأْخُذ بِهِ فِي الْإِمَارَة وَلَكِن شَيْء رَأَيْنَاهُ من قبل أَنْفُسنَا وَأخرج الْهَرَوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحوه بِزِيَادَة فَهَذِهِ الطّرق كلهَا عَن عَليّ متفقة على نفي النَّص بإمامته وَوَافَقَهُ على ذَلِك عُلَمَاء أهل بَيته فقد أخرج أَبُو نعيم عَن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط أَنه لما قيل لَهُ ذَلِك أَي أَن خبر من كنت مَوْلَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فعلي مَوْلَاهُ نَص فِي إِمَامَة عَليّ فَقَالَ أما وَالله لَو يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك الْإِمَارَة وَالسُّلْطَان لأفصح لَهُم بِهِ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أنصح النَّاس للْمُسلمين ولقال لَهُم ايها النَّاس هَذَا ولي أَمْرِي والقائم عَلَيْكُم بعدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا مَا كَانَ من هَذَا شَيْء فوَاللَّه لَئِن كَانَ الله وَرَسُوله اختارا عليا لهَذَا الْأَمر وَالْقِيَام بِهِ للْمُسلمين من بعده ثمَّ ترك عَليّ أَمر الله وَرَسُوله أَن يقوم بِهِ أَو يعْذر فِيهِ إِلَى الْمُسلمين إِن كَانَ أعظم النَّاس خَطِيئَة لعَلي إِذْ ترك أَمر الله وَرَسُوله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحاشاه من ذَلِك وَفِي رِوَايَة وَلَو كَانَ هَذَا الْأَمر كَمَا تَقول وَأَن الله اخْتَار عليا للْقِيَام على النَّاس لَكَانَ عَليّ أعظم النَّاس خَطِيئَة أَن ترك أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يقم بِهِ فَقَالَ الرجل ألم يقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ الْحسن أما وَالله لَو عَنى بِهِ الْقيام على النَّاس والإمرة لأفصح بِهِ وافصح عَنهُ كَمَا افصح عَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة ولقال أَيهَا النَّاس إِن عليا ولي أَمركُم من بعدِي والقائم فِي النَّاس بأَمْري فَلَا تعصوا أمره وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي حنيفَة أَنه لما قدم الْمَدِينَة سَالَ أَبَا جَعْفَر الباقر عَن أبي بكر وَعمر فترحم عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة إِنَّهُم يَقُولُونَ عندنَا بالعراق إِنَّك تتبرأ مِنْهُمَا فَقَالَ معَاذ الله كذبُوا وَرب الْكَعْبَة ثمَّ ذكر لأبي حنيفَة تَزْوِيج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 عَليّ بنته أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة من عمر وَأَنه لَو لم يكن لَهَا لهلا مَا زوجه إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة لَو كتبت إِلَيْهِم فَقَالَ لَا يطيعوني بالكتب وتزويجه إِيَّاهَا يقطع بِبُطْلَان مَا زَعمه الرافضة وَإِلَّا لَكَانَ قد تعاطى تَزْوِيج بنته من كَافِر على زعمهم الْفَاسِد قبحهم الله سابعها قَوْلهم هَذَا الدُّعَاء وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ) لَا يكون إِلَّا لإِمَام مَعْصُوم دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا إِذْ يجوز الدُّعَاء بذلك لأدنى الْمُؤمنِينَ فضلا عَن أخصائهم شرعا وعقلا فَلَا يسْتَلْزم كَونه إِمَامًا مَعْصُوما وَأخرج أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عمر معي وَأَنا مَعَ عمر وَالْحق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ) وَلَا قيل بدلالته على إِمَامَة عمر عقب وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا على عصمته ثمَّ إِن أَرَادوا بالعصمة مَا ثَبت للأنبياء قطعا فَبَاطِل أَو الْحِفْظ فَهَذَا يجوز لدوّنَ عَليّ من الْمُؤمنِينَ ودعواهم وجوب عصمَة الإِمَام مَبْنِيّ على تحكيمهم الْعقل وَهُوَ وَمَا بني عَلَيْهِ بَاطِل لأمور بَينهَا القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني فِي كِتَابه فِي الْإِمَامَة أتم بَيَان وأوفى تَحْرِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَقد أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَحسنه غَيره عَن عَليّ أَنه قَالَ يهْلك فِي محب مفرط يقرظني بِمَا لَيْسَ فِي ومبغض مفتر يحملهُ شنآني على أَن يبهتني بِمَا لَيْسَ فِي ثمَّ قَالَ وَمَا أَمرتكُم بِمَعْصِيَة فَلَا طَاعَة لأحد فِي مَعْصِيّة الله تَعَالَى فَعلم بِهِ أَنه لم يثبت لنَفسِهِ الْعِصْمَة ثامنها أَنهم اشترطوا فِي الإِمَام أَن يكون افضل الْأمة وَقد ثَبت بِشَهَادَة عَليّ الْوَاجِب الْعِصْمَة عِنْدهم أَن أفضلهَا أَبُو بكر ثمَّ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَوَجَبت صِحَة إمامتهما كَمَا انْعَقَد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع السَّابِق الشُّبْهَة الثَّانِيَة عشرَة زَعَمُوا أَنه من النَّص التفصيلي على عَليّ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ لما خرج إِلَى تَبُوك واستخلفه على الْمَدِينَة (أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي) قَالُوا فَفِيهِ دَلِيل على أَن جَمِيع الْمنَازل الثَّابِتَة لهارون من مُوسَى سوى النُّبُوَّة ثَابِتَة لعَلي من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَّا لما صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَمِمَّا ثَبت لهارون من مُوسَى اسْتِحْقَاقه الْخلَافَة عَنهُ لَو عَاشَ بعده إِذْ كَانَ خَلِيفَته فِي حَيَاته فَلَو لم يخلفه بعد مماته لَو عَاشَ بعده لَكَانَ لنَقص فِيهِ وَهُوَ غير جَائِز على الْأَنْبِيَاء وَأَيْضًا فَمن جملَة مَنَازِله مِنْهُ أَنه كَانَ شَرِيكا لَهُ فِي الرسَالَة وَمن لَازم ذَلِك وجوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الطَّاعَة لَو بَقِي بعده فَوَجَبَ ثُبُوت ذَلِك لعَلي إِلَّا أَن الشّركَة فِي الرسَالَة ممتنعة فِي حق عَليّ فَوَجَبَ أَن يبْقى مفترض الطَّاعَة على الْأمة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عملا بِالدَّلِيلِ بأقصى مَا يُمكن وجوابها أَن الحَدِيث إِن كَانَ غير صَحِيح كَمَا يَقُوله الْآمِدِيّ فَظَاهر وَإِن كَانَ صَحِيحا كَمَا يَقُوله أَئِمَّة الحَدِيث والمعول فِي ذَلِك لَيْسَ إِلَّا عَلَيْهِم كَيفَ وَهُوَ فِي الصَّحِيح فَهُوَ من قبيل الْآحَاد وهم لَا يرونه حجَّة فِي الْإِمَامَة وعَلى التنزل فَلَا عُمُوم لَهُ فِي الْمنَازل بل المُرَاد مَا دلّ عَلَيْهِ ظَاهر الحَدِيث أَن عليا خَليفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُدَّة غيبته بتبوك كَمَا كَانَ هَارُون خَليفَة عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قومه مُدَّة غيبته عَنْهُم للمناجاة وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام اخلفني فِي قومِي لَا عُمُوم لَهُ حَتَّى يَقْتَضِي الْخلَافَة عَنهُ فِي كل زمن حَيَاته وزمن مَوته بل الْمُتَبَادر مِنْهُ مَا مر أَنه خَلِيفَته مُدَّة غيبته فَقَط وَحِينَئِذٍ فَعدم شُمُوله لما بعد وَفَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا هُوَ لقُصُور اللَّفْظ عَنهُ لَا لعزله كَمَا لَو صرح باستخلافه فِي زمن معِين وَلَو سلمنَا تنَاوله لما بعد الْمَوْت وَأَن عدم بَقَاء خِلَافَته بعده عزل لَهُ لم يسْتَلْزم نقصا يلْحقهُ بل إِنَّمَا يسْتَلْزم كمالا لَهُ أَي كَمَال لِأَنَّهُ يصير بعده مُسْتقِلّا بالرسالة وَالتَّصَرُّف من الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَعلَى من كَونه خَليفَة وشريكا فِي الرسَالَة سلمنَا أَن الحَدِيث يعم الْمنَازل كلهَا لكنه عَام مَخْصُوص إِذْ من منَازِل هَارُون كَونه أَخا نَبيا وَالْعَام الْمَخْصُوص غير حجَّة فِي الْبَاقِي أَو حجَّة ضَعِيفَة على الْخلاف فِيهِ ثمَّ نَفاذ أَمر هَارُون بعد وَفَاة مُوسَى لَو فرض إِنَّمَا هُوَ للنبوة لَا للخلافة عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَقد نفيت النُّبُوَّة هُنَا لِاسْتِحَالَة كَون عَليّ نَبيا فَيلْزم نفس مسببه الَّذِي هُوَ افتراض الطَّاعَة ونفاذ الْأَمر فَعلم مِمَّا تقرر أَنه لَيْسَ المُرَاد من الحَدِيث مَعَ كَونه آحادا لَا يُقَاوم الْإِجْمَاع إِلَّا إِثْبَات بعض الْمنَازل الكائنة لهارون من مُوسَى وَسِيَاق الحَدِيث وَسَببه يبينان ذَلِك الْبَعْض لما مر أَنه قَالَه لعَلي حِين اسْتَخْلَفَهُ فَقَالَ عَليّ كَمَا فِي الصَّحِيح أتخلفني فِي النِّسَاء وَالصبيان كَأَنَّهُ استنقص تَركه وَرَاءه فَقَالَ لَهُ أَلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى يَعْنِي حَيْثُ اسْتَخْلَفَهُ عِنْد توجهه إِلَى الطّور إِذْ قَالَ اخلفني فِي قومِي وَأصْلح وَأَيْضًا فاستخلافه على الْمَدِينَة لَا يسْتَلْزم أولويته بالخلافة بعده من كل معاصريه افتراضا وَلَا ندبا بل كَونه أَهلا لَهَا فِي الْجُمْلَة وَبِه نقُول وَقد اسْتخْلف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرار أُخْرَى غير عَليّ كَابْن أم مَكْتُوم وَلم يلْزم مِنْهُ بِسَبَب ذَلِك أَنه أولى بالخلافة بعده الشُّبْهَة الثَّالِثَة عشرَة زَعَمُوا أَيْضا أَن من النُّصُوص التفصيلية الدَّالَّة على خلَافَة عَليّ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي (أَنْت أخي ووصيي وخليفتي وقاضي ديني) أَي بِكَسْر الدَّال وَقَوله (أَنْت سيد الْمُسلمين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وقائد الغر المحجلين) وَقَوله (سلمُوا على عَليّ بإمرة النَّاس) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وجوابها مر مَبْسُوطا قبيل الْفَصْل الْخَامِس وَمِنْه أَن هَذِه الْأَحَادِيث كذب بَاطِلَة مَوْضُوعَة مفتراة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا لعنة الله على الْكَاذِبين وَلم يقل أحد من أَئِمَّة الحَدِيث أَن شَيْئا من هَذِه الأكاذيب بلغ مبلغ الْآحَاد المطعون فِيهَا بل كلهم مجمعون على أَنَّهَا مَحْض كذب وافتراء فَإِن زعم هَؤُلَاءِ الجهلة الكذبة على الله وَرَسُوله وعَلى أَئِمَّة الْإِسْلَام ومصابيح الظلام أَن هَذِه الْأَحَادِيث صحت عِنْدهم قُلْنَا لَهُم هَذَا محَال فِي الْعَادة إِذْ كَيفَ تتفردون بِعلم صِحَة تِلْكَ مَعَ أَنكُمْ لم تتصفوا قطّ بِرِوَايَة وَلَا صُحْبَة مُحدث ويجهل ذَلِك مهرَة الحَدِيث وسباقه الَّذين أفنوا أعمارهم فِي الْأَسْفَار الْبَعِيدَة لتحصيله وبذلوا جهدهمْ فِي طلبه وَفِي السَّعْي إِلَى كل من ظنُّوا عِنْده شَيْئا مِنْهُ حَتَّى جمعُوا الْأَحَادِيث ونقبوا عَنْهَا وَعَلمُوا صحيحها من سقيمها ودونوها فِي كتبهمْ على غَايَة من الِاسْتِيعَاب وَنِهَايَة من التَّحْرِير وَكَيف وَالْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة جَاوَزت مئات الألوف وهم مَعَ ذَلِك يعْرفُونَ وَاضع كل حَدِيث مِنْهَا وَسبب وَضعه الْحَامِل لواضعه على الْكَذِب والافتراء على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجزاهم الله خير الْجَزَاء وأكمله إِذْ لَوْلَا حسن صنيعهم هَذَا لاستولى المبطلون والمتمردة على المفسدون الدّين وغيروا معالمه وخلطوا الْحق بكذبهم حَتَّى لم يتَمَيَّز عَنهُ فضلوا وأضلوا ضلالا مُبينًا لَكِن لما حفظ الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرِيعَته من الزيغ والتبديل بل والتحريف وَجعل من أكَابِر أمته فِي كل عصر طَائِفَة على الْحق لَا يضرهم من خذلهم لم يبال الدّين بهؤلاء الكذبة المبطلة الجهلة وَمن ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تركتكم على الْوَاضِحَة الْبَيْضَاء لَيْلهَا كنهارها ونهارها كليلها لَا يزِيغ عَنْهَا بعدِي إِلَّا هَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَمن عَجِيب أَمر هَؤُلَاءِ الجهلة أَنا إِذا استدللنا عَلَيْهِم بالأحاديث الصَّحِيحَة الدَّالَّة صَرِيحًا على خلَافَة أبي بكر كَخَبَر اقتدوا باللذين من بعدِي وَغَيره من الْأَخْبَار الناصة على خِلَافَته الَّتِي قدمتها مستوفاة فِي الْفَصْل الثَّالِث قَالُوا هَذَا خبر وَاحِد فَلَا يُغني فِيمَا يطْلب فِيهِ التَّعْيِين وَإِذا أَرَادوا أَن يستدلوا على مَا زعموه من النَّص على خلَافَة عَليّ أَتَوا بأخبار تدل لزعمهم كَخَبَر من كنت مَوْلَاهُ وَخبر أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى مَعَ أَنَّهَا آحَاد وَإِمَّا بأخبار بَاطِلَة كَاذِبَة متيقنة الْبطلَان وَاضِحَة الْوَضع والبهتان لَا تصل إِلَى دَرَجَة الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي هِيَ أدنى مَرَاتِب الْآحَاد فَتَأمل هَذَا التَّنَاقُض الصَّرِيح وَالْجهل الْقَبِيح لكِنهمْ لفرط جهلهم وعنادهم وميلهم عَن الْحق يَزْعمُونَ التَّوَاتُر فِيمَا يُوَافق مَذْهَبهم الْفَاسِد وَإِن أجمع أهل الحَدِيث والأثر على أَنه كذب مَوْضُوع مختلق ويزعمون فِيمَا يُخَالف مَذْهَبهم أَنه آحَاد وَإِن اتّفق أُولَئِكَ على صِحَّته وتواتر رُوَاته تحكما وعنادا وزيغا عَن الْحق فَقَاتلهُمْ الله مَا أجهلهم وأحمقهم الشُّبْهَة الرَّابِعَة عشرَة زَعَمُوا أَنه لَو كَانَ أَهلا للخلافة لما قَالَ لَهُم أقيلوني أقيلوني لِأَن الْإِنْسَان لَا يستقيل من الشَّيْء إِلَّا إِذا لم يكن أَهلا لَهُ وجوابها منع الْحصْر فِيمَا عللوا بِهِ فَهُوَ من مفترياتهم وَكم وَقع للسلف وَالْخلف التورع عَن أُمُور هم لَهَا أهل وَزِيَادَة بل لَا تكمل حَقِيقَة الْوَرع والزهد إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 بِالْإِعْرَاضِ عَمَّا تأهل لَهُ المعرض وَأما مَعَ عدم التأهل فالإعراض وَاجِب لَا زهد ثمَّ سَببه هُنَا أَنه إِمَّا خشِي من وُقُوع عجز مَا مِنْهُ عَن اسْتِيفَاء الْأُمُور على وَجههَا الَّذِي يَلِيق بِكَمَالِهِ أَو أَنه قصد بذلك استبانة مَا عِنْدهم وَأَنه هَل فيهم من يود عَزله فأبرز ذَلِك لذَلِك فَرَآهُمْ جَمِيعهم لَا يودون ذَلِك أَو أَنه خشِي من لعنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإِمَام قوم وهم لَهُ كَارِهُون فاستعلم أَنه هَل فيهم أحد يكرههُ أَو لَا وَالْحَاصِل أَن زعم أَن ذَلِك يدل على عدم أَهْلِيَّته غَايَة فِي الْجَهَالَة والغباوة والحمق فَلَا ترفع بذلك رَأْسا الشُّبْهَة الْخَامِسَة عشرَة زَعَمُوا أَيْضا أَن عليا إِنَّمَا سكت عَن النزاع فِي أَمر الْخلَافَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصاه أَن لَا يُوقع بعده فتْنَة وَلَا يسل سَيْفا وجوابها أَن هَذَا افتراء وَكذب وحمق وجهالة مَعَ عَظِيم الغباوة عَمَّا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ إِذْ كَيفَ يعقل مَعَ هَذَا الَّذِي زعموه أَنه جعله إِمَامًا واليا على الْأمة بعده وَمنعه من سل السَّيْف على من امْتنع من قبُول الْحق وَلَو كَانَ مَا زعموه صَحِيحا لما سل عَليّ السَّيْف فِي حَرْب صفّين وَغَيرهَا وَلما قَاتل بِنَفسِهِ وَأهل بَيته وشيعته وجالد وبارز الألوف مِنْهُم وَحده أَعَاذَهُ الله من مُخَالفَة وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَيْضًا فَكيف يتعقلون أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يوصيه بِعَدَمِ سل السَّيْف على من يَزْعمُونَ فيهم أَنهم يجاهرون بأقبح أَنْوَاع الْكفْر مَعَ مَا أوجبه الله من جِهَاد مثلهم قَالَ بعض أَئِمَّة أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ والعترة الطاهرة وَقد تَأَمَّلت كلماتهم فَرَأَيْت قوما أعمى الْهوى بصائرهم فَلم يبالوا بِمَا ترَتّب على مقالاتهم من الْمَفَاسِد أَلا ترى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 إِلَى قَوْلهم إِن عمر رَضِي الله عَنهُ قاد عليا بحمائل سَيْفه وَحصر فَاطِمَة فهابت فَأسْقطت ولدا اسْمه المحسن فقصدوا بِهَذِهِ الْفِرْيَة القبيحة والغباوة الَّتِي أورثتهم الْعَار والبوار والفضيحة إيغار الصُّدُور على عمر رَضِي الله عَنهُ وَلم يبالوا بِمَا يَتَرَتَّب على ذَلِك من نِسْبَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى الذل وَالْعجز والخور بل وَنسبَة جَمِيع بني هَاشم وهم أهل النخوة والنجدة والأنفة إِلَى ذَلِك الْعَار اللَّاحِق بهم الَّذِي لَا أقبح مِنْهُ عَلَيْهِم بل وَنسبَة جَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم إِلَى ذَلِك وَكَيف يسع من لَهُ أدنى ذوق أَن ينسبهم إِلَى ذَلِك مَعَ مَا استفاض وتواتر عَنْهُم من غيرتهم لنبيهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشدَّة غضبهم عِنْد انتهاك حرماته حَتَّى قَاتلُوا وَقتلُوا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فِي طلب مرضاته وَلَا يتَوَهَّم إِلْحَاق أدنى نقص أَو سكُوت على بَاطِل بهؤلاء الْعِصَابَة الكمل الَّذين طهرهم الله من كل رِجْس ودنس وَنقص على لِسَان نبيه فِي الْكتاب وَالسّنة كَمَا قَدمته فِي الْمُقدمَة الأولى أول الْكتاب بِوَاسِطَة صحبتهم لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَوته وَهُوَ عَنْهُم رَاض وَصدقهمْ فِي محبته واتباعه إِلَّا عبدا أضلّهُ الله وخذله ولعنه فباء مِنْهُ تَعَالَى بعظيم الخسار والبوار وأحله الله تَعَالَى نَار جَهَنَّم وَبئسَ الْقَرار نسْأَل الله السَّلامَة فِي الدّين آمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 خَاتِمَة قَالَ شيخ الْإِسْلَام مُجْتَهد عصره التقي السُّبْكِيّ رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ كنت بالجامع الْأمَوِي ظهر يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر جُمَادَى الأولى سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة فأحضر إِلَيّ شخص شقّ صُفُوف الْمُسلمين فِي الْجَامِع وهم يصلونَ الظّهْر وَلم يصل وَهُوَ يَقُول لعن الله من ظلم آل مُحَمَّد وَهُوَ يُكَرر ذَلِك فَسَأَلته من هُوَ فَقَالَ أَبُو بكر قلت أَبُو بكر الصّديق قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَيزِيد وَمُعَاوِيَة فَأمرت بسجنه وَجعل غل فِي عُنُقه ثمَّ أَخذه القَاضِي الْمَالِكِي فَضَربهُ وَهُوَ مصر على ذَلِك وَزَاد فَقَالَ إِن فلَانا عَدو الله شهد عَلَيْهِ عِنْدِي بذلك شَاهِدَانِ وَقَالَ إِنَّه مَاتَ على غير الْحق وَإنَّهُ ظلم فَاطِمَة مِيرَاثهَا وَأَنه يَعْنِي أَبَا بكر كذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنعه مِيرَاثهَا وَكرر عَلَيْهِ الملكي الضَّرْب يَوْم الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الْأَرْبَعَاء الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ مصر على ذَلِك ثمَّ أحضروه يَوْم الْخَمِيس بدار الْعدْل وَشهد عَلَيْهِ فِي وَجهه فَلم يُنكر وَلم يقر وَلَكِن صَار كلما سُئِلَ يَقُول إِن كنت قلت فقد علم الله تَعَالَى فكرر السُّؤَال عَلَيْهِ مَرَّات وَهُوَ يَقُول هَذَا الْجَواب ثمَّ أعذر عَلَيْهِ فَلم يبد دافعا ثمَّ قيل لَهُ تب فَقَالَ تبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 عَن ذُنُوبِي وَكرر عَلَيْهِ الاستتابة وَهُوَ لَا يزِيد فِي الْجَواب على ذَلِك فطال الْبَحْث فِي الْمجْلس على كفره وَعدم قبُول تَوْبَته فَحكم نَائِب القَاضِي بقتْله فَقتل وَسَهل عِنْدِي قَتله مَا ذكرته من هَذَا الِاسْتِدْلَال فَهُوَ الَّذِي انْشَرَحَ صَدْرِي لتكفيره بسبسه ولقتله لعدم تَوْبَته وَهُوَ منزع لم أجد غَيْرِي سبقني إِلَيْهِ إِلَّا مَا سَيَأْتِي فِي كَلَام النَّوَوِيّ وَضَعفه وَأطَال السُّبْكِيّ الْكَلَام فِي ذَلِك وهاأنا أذكر حَاصِل مَا قَالَه مَعَ الزِّيَادَة عَلَيْهِ مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وتوابعها مِنْهَا على مَا أزيده بِأَيّ وَنَحْوهَا فَأَقُول ادّعى بعض النَّاس أَن هَذَا الرجل الرافضي قتل بِغَيْر حق وشنع السُّبْكِيّ فِي الرَّد على مدعي ذَلِك بِحَسب مَا ظهر لَهُ وَرَآهُ مذهبا وَإِلَّا فمذهبنا كَمَا ستعلمه أَنه لَا يكفر بذلك فَقَالَ كذب من قَالَ إِنَّه قتل بِغَيْر حق بل قتل بِحَق لِأَنَّهُ كَافِر مصر على كفره وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه كَافِر لأمور أَحدهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي // الحَدِيث الصَّحِيح // (من رمى رجلا بالْكفْر أَو قَالَ عَدو الله وَلَيْسَ كَذَلِك إِن كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رجعت عَلَيْهِ) وَنحن نتحقق أَنا أَبَا بكر مُؤمن وَلَيْسَ عَدو الله وَيرجع على هَذَا الْقَائِل مَا قَالَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 بِمُقْتَضى نَص هَذَا الحَدِيث على الحكم بِكُفْرِهِ وَإِن لم يعْتَقد الْكفْر كَمَا يكفر ملقي الْمُصحف بقذر وَإِن لم يعْتَقد الْكفْر وَقد حمل مَالك رَضِي الله عَنهُ هَذَا الحَدِيث على الْخَوَارِج الَّذين كفرُوا أَعْلَام الْأمة فَلم استنبطته من هَذَا الحَدِيث مُوَافق لما نَص عَلَيْهِ مَالك أَي فَهُوَ مُوَافق لقواعد مَالك لَا لقواعد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنْهُمَا على أَنه سَيعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي عَن الْمَالِكِيَّة أَن الْمُعْتَمد عِنْدهم فِي ذَلِك هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ خبر وَاحِد إِلَّا أَن خبر الْوَاحِد يعْمل بِهِ فِي الحكم بالتكفير وَإِن كَانَ جَحده لَا كفر بِهِ إِذْ لَا يكفر جَاحد الظني بل الْقطعِي وَقَول النَّوَوِيّ رَحمَه الله إِن حمل مَالك للْحَدِيث على الْخَوَارِج ضَعِيف لِأَن الْمَذْهَب الصَّحِيح عدم تكفيرهم فِيهِ نظر وَإِنَّمَا يتَّجه ضعفه إِن لم يصدر مِنْهُم سَبَب مكفر غير الْخُرُوج والقتال وَنَحْوه وَأما مَعَ التَّكْفِير لمن تحقق إيمَانه فَمن أَيْن للنووي ذَلِك انْتهى وَيُجَاب بِأَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ قَوْله أقبل شَهَادَة أهل الْبدع والأهواء إِلَّا الخطابية صَرِيح فِيمَا قَالَه النَّوَوِيّ مَعَ أَن الْمَعْنى يساعده وَأَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فتصريح أَئِمَّتنَا فِي الْخَوَارِج بِأَنَّهُم لَا يكفرون وَإِن كفرونا لِأَنَّهُ بِتَأْوِيل فَلهم شُبْهَة غير قَطْعِيَّة الْبطلَان صَرِيح فِيمَا قَالَه النَّوَوِيّ وَيُؤَيِّدهُ قَول الْأُصُولِيِّينَ إِنَّمَا لم تكفر الشِّيعَة والخوارج لكَوْنهم كفرُوا أَعْلَام الصَّحَابَة المستلزم لتكذيبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قطعه لَهُم بِالْجنَّةِ لِأَن أُولَئِكَ المكفرين لم يعلمُوا قطعا تَزْكِيَة من كفروه على الْإِطْلَاق إِلَى مماته وَإِنَّمَا يتَّجه لتكفيرهم أَن لَو علمُوا ذَلِك لأَنهم حِينَئِذٍ يكونُونَ مكذبين لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِهَذَا تعلم أَن جَمِيع مَا يَأْتِي عَن السُّبْكِيّ إِنَّمَا هُوَ اخْتِيَار لَهُ مَبْنِيّ على غير قَوَاعِد الشَّافِعِيَّة وَهُوَ قَوْله جَوَاب الْأُصُولِيِّينَ الْمَذْكُور إِنَّمَا نظرُوا فِيهِ إِلَى عدم الْكفْر لِأَنَّهُ لَا يسْتَلْزم تَكْذِيبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينْظرُوا لما قُلْنَاهُ إِن الحَدِيث السَّابِق دَال على كفره وَقد قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره يكفر نَحْو الساجد لصنم وَإِن لم يكذب بِقَلْبِه وَإِلَّا يلْزم على ذَلِك كفر من قَالَ لمُسلم يَا كَافِر لِأَن مَحل ذَلِك فِي الْمَقْطُوع بإيمَانهمْ كالعشرة المبشرين بِالْجنَّةِ وَعبد الله بن سَلام وَنَحْوهم بِخِلَاف غَيرهم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ إِلَى اعْتِبَار الْبَاطِن بقوله (إِن كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 رجعت عَلَيْهِ) نعم يلْحق عِنْدِي وَإِن لم يذكر ذَلِك مُتَكَلم وَلَا فَقِيه بِمن ورد النَّص فيهم من أَجمعت الْأمة على صَلَاحه وإمامته كَابْن الْمسيب وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فَإِن قلت الْكفْر جحد الربوبية أَو الرسَالَة وَهَذَا الْمَقْتُول مُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله وَآله وَكثير من صحابته فَكيف يكفر قلت التَّكْفِير حكم شَرْعِي سَببه جحد ذَلِك أَو قَول أَو فعل حكم الشَّارِع بِأَنَّهُ كفر وَإِن لم يكن جحدا وَهَذَا مِنْهُ فَهُوَ من أحسن الْأَدِلَّة فِي الْمَسْأَلَة وينضم إِلَيْهِ خبر الْحِلْية من آذَى لي وليا فقد آذنته بِالْحَرْبِ // وَالْخَبَر الصَّحِيح // لعن الْمُؤمن كقتله وَأَبُو بكر أكبر أَوْلِيَاء الْمُؤمنِينَ فَهَذَا هُوَ المأخذ الَّذِي ظهر لي فِي قتل هَذَا الرافضي وَإِن كنت لم أتقلده لَا فَتْوَى وَلَا حكما وانضم إِلَى احتجاجي بِالْحَدِيثِ السَّابِق مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ أَفعَال هَذَا الرافضي من إِظْهَاره ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فِي الْمَلأ وإصراره عَلَيْهِ وإعلائه الْبِدْعَة وَأَهْلهَا وغمصه السّنة وَأَهْلهَا وَهَذَا الْمَجْمُوع فِي هَذِه الشناعة وَقد يحصل بِمَجْمُوع أُمُور حكم لَا يحصل بِكُل وَاحِد مِنْهَا وَهَذَا معنى قَول مَالك تحدث للنَّاس أَحْكَام بِقدر مَا يحدث لَهُم من الْفُجُور ولسنا نقُول تَتَغَيَّر الْأَحْكَام بِتَغَيُّر الزَّمَان بل باخْتلَاف الصُّورَة الْحَادِثَة فَهَذَا نِهَايَة مَا انْشَرَحَ صَدْرِي لَهُ بقتل هَذَا الرجل لَهُ وَأما السَّبَب وَحده فَفِيهِ مَا قَدمته وَمَا سأذكره وإيذاؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عَظِيم إِلَّا أَنه يَنْبَغِي ضَابِط فِيهِ وَإِلَّا فالمعاصي كلهَا تؤذيه وَلم أجد فِي كَلَام أحد من الْعلمَاء أَن سبّ الصَّحَابِيّ يُوجب الْقَتْل إِلَّا مَا يَأْتِي من إِطْلَاق الْكفْر من بعض أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب أبي حنيفَة وَلم يصرحوا بِالْقَتْلِ وَقد قَالَ ابْن الْمُنْذر لَا أعلم أحدا يُوجب الْقَتْل لمن سبّ من بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى نعم حُكيَ الْقَتْل عَن بعض الْكُوفِيّين وَغَيرهم بل حَكَاهُ بعض الْحَنَابِلَة رِوَايَة عَن أَحْمد وَعِنْدِي أَنهم غلطوا فِيهِ لأَنهم أَخَذُوهُ من قَوْله شتم عُثْمَان زندقة وَعِنْدِي أَنه لم يرد أَن شَتمه كفر وَإِلَّا لم يكن زندقة لِأَنَّهُ أظهرها وَإِنَّمَا أَرَادَ قَوْله الْمَرْوِيّ عَنهُ فِي مَوضِع آخر من طعن فِي خلَافَة عُثْمَان فقد طعن فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يَعْنِي أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ أَقَامَ ثَلَاثَة أَيَّام لَيْلًا وَنَهَارًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 يطوف على الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ويخلو بِكُل وَاحِد مِنْهُم رِجَالهمْ وَنِسَائِهِمْ يستشيرهم فِيمَن يكون خَليفَة حَتَّى اجْتَمعُوا على عُثْمَان فَحِينَئِذٍ بَايعه فَمَعْنَى كَلَام أَحْمد أَن شتم عُثْمَان فِي الظَّاهِر شتم لَهُ وَفِي الْبَاطِن تخطيئه لجَمِيع الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وتخطئة جَمِيعهم كفر فَكَانَ زندقة بِهَذَا الِاعْتِبَار فَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ أَن شتم أبي بكر وَعمر كفر هَذَا لم ينْقل عَن أَحْمد أصلا فَمن خرج من أَصْحَابه رِوَايَة عَنهُ مِمَّا قَالَه فِي شتم عُثْمَان بقتل سَاب أبي بكر مثلا لم يصنع شَيْئا وَالضَّابِط أَن كل شتم قصد بِهِ أَذَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا وَقع من عبد الله بن أبي كفر وَمَا لَا فَلَا كَمَا وَقع من مسطح وَحمْنَة فِي قصَّة الْإِفْك وَفِي // الحَدِيث الصَّحِيح // (لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن أحدكُم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مد أحدهم وَلَا نصيفه) وَفِي حَدِيث رِجَاله ثِقَات وَإِن قَالَ التِّرْمِذِيّ إِنَّه غَرِيب (الله الله فِي أَصْحَابِي لَا تتخذوهم غَرضا بعدِي فَمن أحبهم فبحبي أحبهم وَمن أبْغضهُم فببغضي أبْغضهُم وَمن آذاهم فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله وَمن آذَى الله يُوشك أَن يَأْخُذهُ) وَقَوله أَصْحَابِي الظَّاهِر أَن المُرَاد بهم من اسْلَمْ قبل الْفَتْح وَأَنه خطاب لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أسلم بعده بِدَلِيل تفَاوت الْإِنْفَاق فِيهِ الْمُوَافق لَهُ قَوْله تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل} الْآيَة فَلَا بُد من تَأْوِيل بِهَذَا أَو بِغَيْرِهِ ليَكُون المخاطبون غير الْأَصْحَاب الْمُوصى بهم فهم كبار الْأَصْحَاب وَإِن شَمل اسْم الصُّحْبَة الْجَمِيع وَسمعت شَيخنَا التَّاج بن عَطاء الله مُتَكَلم الصُّوفِيَّة على طَرِيق الشاذلية يذكر فِي وعظه تَأْوِيلا آخر هُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ تجليات يرى فِيهَا من بعده فَهَذَا خطاب لمن بعده فِي حق جَمِيع الصَّحَابَة الَّذين قبل الْفَتْح وَبعده فَإِن ثَبت مَا قَالَه فَالْحَدِيث شَامِل لجميعهم وَإِلَّا فَهُوَ فِيمَن قبل الْفَتْح وَيلْحق بهم فِي ذَلِك من بعده فَإِنَّهُم بِالنِّسْبَةِ لغير الصَّحَابَة كَالَّذِين بعد الْفَتْح بِالنِّسْبَةِ لمن قبله وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ فَالظَّاهِر أَن هَذِه الْحُرْمَة ثَابِتَة لكل وَاحِد مِنْهُم أَي وَكَلَام النَّوَوِيّ وَغَيره صَحِيح فِي ذَلِك ثمَّ الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي سبّ بَعضهم أما سبّ جَمِيعهم فَلَا شكّ أَنه كفر وَكَذَا سبّ وَاحِد مِنْهُم من حَيْثُ هُوَ صَحَابِيّ لِأَنَّهُ استخفاف بالصحبة فَيكون اسْتِخْفَافًا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل قَول الطَّحَاوِيّ بغضهم كفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فبغض الصَّحَابَة كلهم وبغض بَعضهم من حَيْثُ الصُّحْبَة لَا شكّ أَنه كفر وَأما سبّ أَو بغض بَعضهم لأمر آخر فَلَيْسَ بِكفْر حَتَّى الشَّيْخَيْنِ رَضِي الله عَنْهُمَا نعم حكى القَاضِي فِي كفر سابهما وَجْهَيْن وَجه عدم الْكفْر أَن سبّ الْمعِين أَو بغضه قد يكون لأمر خَاص بِهِ من الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة أَو غَيرهَا كبغض الرافضي لَهما فَإِنَّهُ إِنَّمَا هُوَ جِهَة الرَّفْض وتقديمه عليا واعتقاده بجهله أَنَّهُمَا ظلماه وهما مبرآن عَن ذَلِك فَهُوَ مُعْتَقد لجهله أَنه ينتصر لعَلي لِقَرَابَتِهِ رَضِي الله عَنهُ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعلم أَن بغض الرافضي لِلشَّيْخَيْنِ إِنَّمَا هُوَ لما اسْتَقر فِي ذهنه لجهله وَمَا نَشأ عَلَيْهِ من الْفساد من اعْتِقَاده ظلمهما لعَلي وَلَيْسَ كَذَلِك وَلَا عَليّ يعْتَقد ذَلِك قطعا ومأخذ تَكْفِير الرافضي بذلك أَنه يعود من اعْتِقَاده ذَلِك فيهمَا نقص فِي الدّين لِأَنَّهُمَا الأَصْل بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِقَامَة الدّين وإظاهره ومجاهدة الْمُرْتَدين والمعاندين وَمن ثمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ لَوْلَا أَبُو بكر مَا عبد الله بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي لِأَنَّهُ الَّذِي رأى قتال الْمُرْتَدين مَعَ مُخَالفَة أَكثر الصَّحَابَة لَهُ حَتَّى أَقَامَ عَلَيْهِم الْأَدِلَّة الْوَاضِحَة على قتال الْمُرْتَدين ومانعي الزَّكَاة إِلَى أَن رجعُوا إِلَيْهِ وقاتلوهم بأَمْره فكشف الله بِهِ وبهم تِلْكَ الْغُمَّة وأزال عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين تِلْكَ المحنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ثَانِيهَا أَعنِي الْأُمُور الدَّالَّة على قتل ذَلِك الرافضي أَنه اسْتحلَّ لعن الشَّيْخَيْنِ وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم بِإِقْرَارِهِ بذلك وَمن اسْتحلَّ مَا حرم الله فقد كفر وَلعن الصّديق وسبه محرمان واللعنة اشد وَتَحْرِيم لعن الصّديق مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ لما تَوَاتر عَنهُ من حسن إِسْلَامه وأفعاله الدَّالَّة على إيمَانه وَأَنه دَامَ على ذَلِك إِلَى أَن قَبضه الله تَعَالَى هَذَا لَا يشك فِيهِ وَلَا يرتاب وَإِن شكّ فِيهِ الرافضي نعم شَرط الْكفْر بجحد الضَّرُورِيّ أَن يكون ضَرُورِيًّا عِنْد الجاحد حَتَّى يسْتَلْزم جَحده حِينَئِذٍ تَكْذِيبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ الرافضي يعْتَقد تَحْرِيم لعن أبي بكر فضلا عَن كَونه يعْتَقد أَن تَحْرِيمه ضَرُورِيّ وَقد ينْفَصل عَنهُ بِأَن تَوَاتر تَحْرِيم ذَلِك عِنْد جَمِيع الْخلق يلغي شُبْهَة الرافضي الَّتِي غلظت على قلبه حَتَّى لم يعلم ذَلِك وَهَذَا مَحل نظر وجدل وميل الْقلب إِلَى بطلَان هَذَا الْعذر أَي بِاعْتِبَار مَا ظهر للسبكي وَإِلَّا فقواعد الْمَذْهَب قاضيه بِقبُول هَذَا الْعذر بِالنِّسْبَةِ لعدم التَّكْفِير لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسب أَو يلعن متأولا وَإِن كَانَ تَأْوِيله جهلا وعصبية وحمية لَكِن بَاب الْكفْر يحْتَاط فِيهِ كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَحَله ثَالِثهَا إِن هَذِه الْهَيْئَة الاجتماعية الَّتِي حصلت من هَذَا الرافضي ومجاهرته ولعنه لأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم واستحلاله ذَلِك على رُؤُوس الأشهاد وهم أَئِمَّة الْإِسْلَام وَالَّذين أَقَامُوا الدّين بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا علم لَهُم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 المناقب والمآثر كالطعن فِي الدّين والطعن فِيهِ كفر فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَدِلَّة ظَهرت لنا فِي قَتله أَي بِاعْتِبَار مَا ظهر وَإِلَّا فمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا قد علمت رَابِعهَا الْمَنْقُول عَن الْعلمَاء فمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَن من أنكر خلَافَة الصّديق أَو عمر فَهُوَ كَافِر على خلاف حَكَاهُ بَعضهم وَقَالَ الصَّحِيح أَنه كَافِر والمسالة مَذْكُورَة فِي كتبهمْ فِي الْغَايَة للسروجي والفتاوى الظَّهِيرِيَّة وَالْأَصْل لمُحَمد بن الْحسن وَفِي الْفَتَاوَى البديعية فَإِنَّهُ قسم الرافضة إِلَى كفار وَغَيرهم وَذكر الْخلاف فِي بعض طوائفهم وفيمن أنكر إِمَامَة أبي بكر وَزعم ان الصَّحِيح أَنه يكفر وَفِي الْمُحِيط أَن مُحَمَّدًا لَا يجوز الصَّلَاة خلف الرافضة ثمَّ قَالَ لأَنهم أَنْكَرُوا خلَافَة ابي بكر وَقد اجْتمعت الصَّحَابَة على خِلَافَته وَفِي الْخُلَاصَة من كتبهمْ أَن من أنكر خلَافَة الصّديق فَهُوَ كَافِر وَفِي تَتِمَّة الْفَتَاوَى والرافضي المتغالي الَّذِي يُنكر خلَافَة أبي بكر يَعْنِي لَا تجوز الصَّلَاة خَلفه وَفِي المرغيناني وَتكره الصَّلَاة خلف صَاحب هوى أَو بِدعَة وَلَا تجوز خلف الرافضي ثمَّ قَالَ وَحَاصِله إِن كَانَ هوى يكفر بِهِ لَا يجوز وَإِلَّا يجوز وَيكرهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَفِي شرح المختارو سبّ أحد من الصَّحَابَة وبغضه لَا يكون كفرا لَكِن يضلل فَإِن عليا رَضِي الله عَنهُ لم يكفر شاتمه وَفِي الْفَتَاوَى البديعية من أنكر إِمَامَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَهُوَ كَافِر وَقَالَ بَعضهم وَهُوَ مُبْتَدع وَالصَّحِيح أَنه كَافِر وَكَذَلِكَ من أنكر خلَافَة عمر فِي أصح الْأَقْوَال وَلم يتَعَرَّض أَكْثَرهم للْكَلَام على ذَلِك وَأما أَصْحَابنَا الشافعيون فقد قَالَ القَاضِي حُسَيْن فِي تَعْلِيقه من سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكفر بذلك وَمن سبّ صحابيا فسق وَأما من سبّ الشَّيْخَيْنِ أَو الختنين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يكفر لِأَن الْأمة أَجمعت على إمامتهم وَالثَّانِي يفسق وَلَا يكفر وَلَا خلاف أَن من لَا يحكم بِكُفْرِهِ من أهل الْأَهْوَاء لَا يقطع بتخليدهم فِي النَّار وَهل يقطع بدخولهم النَّار وَجْهَان انْتهى وَقَالَ القَاضِي إِسْمَاعِيل الْمَالِكِي إِنَّمَا قَالَ مَالك فِي الْقَدَرِيَّة وَسَائِر أهل الْبدع يستتابون فَإِن تَابُوا وَإِلَّا قتلوا لِأَنَّهُ من الْفساد فِي الأَرْض كَمَا قَالَ فِي الْمُحَارب وَهُوَ فَسَاده فِي مصَالح الدُّنْيَا وَقد يدْخل فِي الدّين من قطع سَبِيل الْحَج وَالْجهَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَفَسَاد أهل الْبدع معظمه على الدّين وَقد يدْخل فِي الدُّنْيَا بِمَا يلقونه بَين الْمُسلمين من الْعَدَاوَة وَقد اخْتلف قَول مَالك والأشعري فِي التَّكْفِير وَالْأَكْثَر على ترك التَّكْفِير قَالَ القَاضِي عِيَاض لِأَن الْكفْر خصْلَة وَاحِدَة وَهُوَ الْجَهْل بِوُجُود الْبَارِي تَعَالَى وَوصف الرافضة بالشرك وَإِطْلَاق اللَّعْنَة عَلَيْهِم وَكَذَا الْخَوَارِج وَسَائِر أهل الْأَهْوَاء حجج للمكفرين وَقد يُجيب الْآخرُونَ بِأَنَّهُ قد ورد مثل هَذِه الْأَلْفَاظ فِي غير الْكفْر تَغْلِيظًا وَكفر دون كفر وإشراك دون إشراك وَقَوله فِي الْخَوَارِج اقْتُلُوهُمْ قتل عَاد يَقْتَضِي الْكفْر وَالْمَانِع يَقُول هُوَ حد لَا كفر قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي سبّ الصَّحَابَة قد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ ومشهور مَذْهَب مَالك فِيهِ الِاجْتِهَاد وَالْأَدب الموجع قَالَ مَالك رَحمَه الله من شتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل وَإِن شتم الصَّحَابَة أدب وَقَالَ أَيْضا من شتم أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر أَو عمر أَو عُثْمَان أَو مُعَاوِيَة أَو عَمْرو بن الْعَاصِ فَإِن قَالَ كَانُوا على ضلال أَو كفر قتل وَإِن شتمهم بِغَيْر هَذَا من مشاتمة النَّاس نكل نكالا شَدِيدا انْتهى وَقَوله يقتل من نسبهم إِلَى ضلال أَو كفر حسن إِذا نسبهم إِلَى كفر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد لكل مِنْهُم بِالْجنَّةِ فَإِن نسبهم إِلَى الظُّلم دون الْكفْر كَمَا يزْعم بعض الرافضة فَهُوَ مَحل التَّرَدُّد لِأَنَّهُ لَيْسَ من حَيْثُ الصُّحْبَة وَلَا لأمر يتَعَلَّق بِالدّينِ وَإِنَّمَا هُوَ لخصوصيات تتَعَلَّق بأعيان بعض الصَّحَابَة ويرون أَن ذَلِك من الدّين لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 تنقيص فِيهِ وَلَا شكّ أَن الروافض يُنكرُونَ مَا علم بِالضَّرُورَةِ ويفترون على الصَّحَابَة بِمَا يَزْعمُونَ أَنه مُوَافق لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نكذبهم فِي ذَلِك فَلم يتَحَقَّق إِلَى الْآن من مَالك مَا يَقْتَضِي قتل من هَذَا شَأْنه وَقَالَ ابْن حبيب من غلا من الشِّيعَة إِلَى بغض عُثْمَان والبراءة مِنْهُ أدب أدبا شَدِيدا وَمن زَاد إِلَى بغض أبي بكر وَعمر فالعقوبة عَلَيْهِ أَشد ويكرر ضربه ويطال سجنه حَتَّى يَمُوت وَلَا يبلغ بِهِ الْقَتْل إِلَّا فِي سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَحْنُون من كذب أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا أَو عُثْمَان أَو غَيرهمَا يوجع ضربا وَحكى ابْن أبي زيد عَن سَحْنُون من قَالَ فِي ابي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي إِنَّهُم كَانُوا على ضلال وَكفر قتل وَمن شتم غَيرهم من الصَّحَابَة بِمثل هَذَا نكل النكال الشَّديد انْتهى وَقتل من كفر الْأَرْبَعَة ظَاهر لِأَنَّهُ خلاف إِجْمَاع الْأمة إِلَّا الغلاة من الروافض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فَلَو كفر الثَّلَاثَة وَلم يكفر عليا لم يُصَرح سَحْنُون فِيهِ بِشَيْء وَكَلَام مَالك الْمُتَقَدّم أصرح فِيهِ وَرُوِيَ عَن مَالك رَضِي الله عَنهُ من سبّ أَبَا بكر جلد وَمن سبّ عَائِشَة قتل وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِيمَن سبّ الصَّحَابَة أما الْقَتْل فأجبن عَنهُ لَكِن اضربه ضربا نكالا وَقَالَ أَبُو يعلى الْحَنْبَلِيّ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاء فِي سبّ الصَّحَابَة إِن كَانَ مستحلا لذَلِك كفر وَإِن لم يكن مستحلا فسق وَلم يكفر قَالَ وَقد قطع طَائِفَة من الْفُقَهَاء من أهل الْكُوفَة وَغَيرهم وَسُئِلَ عَمَّن شتم أَبَا بكر قَالَ كَافِر قيل يصلى عَلَيْهِ قَالَ لَا وَمِمَّنْ كفر الرافضة أَحْمد بن يُونُس وَأَبُو بكر بن هَانِئ وَقَالا لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم لأَنهم مرتدون وَقَالَ عبد الله بن إِدْرِيس أحد أَئِمَّة الْكُوفَة لَيْسَ للرافضي شُفْعَة لِأَنَّهُ لَا شُفْعَة إِلَّا لمُسلم وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب شتم عُثْمَان زندقة وَأجْمع الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ تَكْفِير من سبّ الصَّحَابَة على أَنه فَاسق وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوب الْقَتْل على من سبّ أَبَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بكر وَعمر عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى الصحابى رَضِي الله عَنهُ وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قطع لِسَان عبيد الله بن عمر إِذْ شتم مقداد بن الْأسود رَضِي الله عَنهُ فَكلم فِي ذَلِك فَقَالَ دَعونِي أقطع لِسَانه حَتَّى لَا يشْتم أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي كتاب ابْن شعْبَان من قَالَ فِي وَاحِد مِنْهُم إِنَّه ابْن زَانِيَة وَأمه مسلمة حد حد عَنهُ بعض أَصْحَابنَا حَدَّيْنِ حدا لَهُ وحدا لأمه وَلَا أجعله كقاذف الْجَمَاعَة فِي كلمة لفضل هَذَا على غَيره وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سبّ أَصْحَابِي فاجلدوه) قَالَ وَمن قذف أم أحدهم وَهِي كَافِرَة حد حد الْفِرْيَة لِأَنَّهُ سبّ لَهُ وَإِن كَانَ أحد من ولد هَذَا الصَّحَابِيّ حَيا قَامَ بِمَا يجب لَهُ وَإِلَّا فَمن قَامَ من الْمُسلمين كَانَ على الإِمَام قبُول قِيَامه قَالَ وَلَيْسَ هَذَا كحقوق غير الصَّحَابَة لحُرْمَة هَؤُلَاءِ بِنَبِيِّهِمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو سَمعه الإِمَام وَأشْهد عَلَيْهِ وَكَانَ ولي الْقيام بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَمن سبّ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يقتل وَالْآخر كَسَائِر الصَّحَابَة يجلد حد المفتري قَالَ وبالأول أَقُول وروى أَبُو مُصعب عَن مَالك من سبّ آل بَيت مُحَمَّد يضْرب ضربا وجيعا ويشهر وَيحبس طَويلا حَتَّى يظْهر تَوْبَته لِأَنَّهُ استخفاف بِحَق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأفْتى أَبُو مطرف فِيمَن أنكر تَحْلِيف امْرَأَة بِاللَّيْلِ وَقَالَ لَو كَانَت بنت أبي بكر مَا حَلَفت إِلَّا بِالنَّهَارِ بالأدب الشَّديد لذكر ابْنة أبي بكر فِي مثل هَذَا قَالَ هِشَام بن عمار سَمِعت مَالِكًا يَقُول من سبّ أَبَا بكر وَعمر قتل وَمن سبّ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قتل لِأَن الله تَعَالَى يَقُول فِيهَا {يعظكم الله أَن تعودوا لمثله أبدا إِن كُنْتُم مُؤمنين} فَمن رَمَاهَا فقد خَالف الْقُرْآن وَمن خَالف الْقُرْآن قتل قَالَ ابْن حزم وَهَذَا قَول صَحِيح وَاحْتج المكفرون للشيعة والخوارج بتكفيرهم أَعْلَام الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَتَكْذيب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قطعه لَهُم بِالْجنَّةِ وَهُوَ احتجاج صَحِيح فِيمَن ثَبت عَلَيْهِ تَكْفِير أُولَئِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَمر أَن أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة كفرُوا من أنكر خلَافَة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَالْمَسْأَلَة فِي الْغَايَة وَغَيرهَا من كتبهمْ كَمَا مر وَفِي الأَصْل لمُحَمد بن الْحسن رَحمَه الله وَالظَّاهِر أَنهم أخذُوا ذَلِك عَن إمَامهمْ أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أعلم بالروافض لِأَنَّهُ كُوفِي والكوفة منبع الرَّفْض وَالرَّوَافِض طوائف مِنْهُم من يجب تكفيره وَمِنْهُم من لَا يجب تكفيره فَإِذا قَالَ أَبُو حنيفَة بتكفير من يُنكر إِمَامَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ فتكفير لَا عَنهُ عِنْده أولى أَي إِلَّا أَن يفرق إِذْ الظَّاهِر أَن سَبَب تَكْفِير مُنكر إِمَامَته مُخَالفَته للْإِجْمَاع بِنَاء على أَن جَاحد الحكم الْمجمع عَلَيْهِ كَافِر وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وإمامته رَضِي الله عَنهُ مجمع عَلَيْهَا من حِين بَايعه عمر رَضِي الله عَنهُ وَلَا يمْنَع من ذَلِك تَأَخّر بيعَة بعض الصَّحَابَة فَإِن الَّذين تَأَخَّرت بيعتهم لم يَكُونُوا مخالفين فِي صِحَة إِمَامَته وَلِهَذَا كَانُوا يَأْخُذُونَ عطاءه ويتحاكمون إِلَيْهِ فالبيعة شَيْء وَالْإِجْمَاع شَيْء وَلَا يلْزم من أَحدهمَا الآخر وَلَا من عدم أَحدهمَا عدم الآخر فَافْهَم ذَلِك فَإِنَّهُ قد يغلط فِيهِ فَإِن قلت شَرط الْكفْر بإنكار الْمجمع عَلَيْهِ أَن يعلم من الدّين بِالضَّرُورَةِ قلت وَخِلَافَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَذَلِك لِأَن بيعَة الصَّحَابَة لَهُ ثبتَتْ بالتواتر المنتهي إِلَى حد الضَّرُورَة فَصَارَت كالمجمع عَلَيْهِ الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا لَا شكّ فِيهِ وَلم يكن أحد من الروافض فِي أَيَّام الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَلَا فِي أَيَّام عمر وَعُثْمَان وَإِنَّمَا حدثوا بعده فمقالتهم حَادِثَة وَجَوَابه أَن الْخلَافَة من الوقائع الحاثة وَلَيْسَت حكما شَرْعِيًّا وجاحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الضَّرُورِيّ إِنَّمَا يكفر إِذا كَانَ ذَلِك الضَّرُورِيّ حكما شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ وَالْحج لاستلزامه تَكْذِيب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف الْخلَافَة الْمَذْكُورَة إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه يتَعَلَّق بهَا أَحْكَام شَرْعِيَّة كوجوب الطَّاعَة وَمَا أشبهه وَمر عَن القَاضِي حُسَيْن أَن فِي كفر سَاب الشَّيْخَيْنِ أَو الختنين وَجْهَيْن وَلَا يُنَافِيهِ جزمه فِي مَوضِع آخر بفسق سَاب الصَّحَابَة وَكَذَا ابْن الصّباغ وَغَيره وحكوه عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فالثانية فِي مُجَرّد السب وَهُوَ مفسق وَإِن كَانَ المسبوب من آحَاد الصَّحَابَة وأصاغرهم بِخِلَاف الأول فَإِنَّهَا خَاصَّة بسب الشَّيْخَيْنِ أَو الختنين وَهُوَ أَشد وَأَغْلظ فِي الزّجر بِأَن فِيهِ وَجها بالْكفْر وَأما تَكْفِير أبي بكر ونظرائه مِمَّن شهد لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ فَلم يتَكَلَّم فِيهَا أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالَّذِي أرَاهُ الْكفْر فِيهَا قطعا مُوَافقَة لمن مر وَمر عَن أَحْمد أَن الطعْن فِي خلَافَة عُثْمَان طعن فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَصدق فِي ذَلِك فَإِن عمر جعل الْخلَافَة شُورَى بَين سِتَّة عُثْمَان وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد بن أبي وَقاص فالثلاثة الأخيرون أسقطوا حُقُوقهم وَعبد الرَّحْمَن لم يردهَا لنَفسِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يُبَايع أحد الْأَوَّلين عُثْمَان أَو عليا فاحتاط لدينِهِ وَبَقِي ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها لَا ينَام وَهُوَ يَدُور على الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ويستشيرهم فِيمَن يتَقَدَّم عُثْمَان أَو عَليّ ويجتمع بهم جماعات وفرادى ورجالا وَنسَاء وَيَأْخُذ مَا عِنْد كل وَاحِد مِنْهُم فِي ذَلِك إِلَى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 اجْتمعت آراؤهم كلهم على عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فَبَايعهُ فَكَانَت بيعَة عُثْمَان عَن إِجْمَاع قَطْعِيّ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فالطعن فِيهَا طعن فِي الْفَرِيقَيْنِ وَمن ثمَّ قَالَ أَحْمد أَيْضا شتم عُثْمَان زندقة وَوَجهه أَنه بِظَاهِرِهِ لَيْسَ بِكفْر وبباطنه كفر لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَكْذِيب الْفَرِيقَيْنِ كَمَا علمت فَلَا يفهم من كَلَامه كفر سَاب الصَّحَابَة خلافًا لبَعض أَصْحَابه كَمَا مر فتلخص أَن سبّ أبي بكر كفر عِنْد الْحَنَفِيَّة وعَلى أحد الْوَجْهَيْنِ عِنْد الشَّافِعِيَّة ومشهور مَذْهَب مَالك أَنه يجب بِهِ الْجلد فَلَيْسَ بِكفْر نعم قد يخرج عَنهُ مَا مر عَنهُ فِي الْخَوَارِج أَنه كفر فَتكون الْمَسْأَلَة عِنْده على حَالين إِن اقْتصر على السب من غير تَكْفِير لم يكفر وَإِن كفر كفر فَهَذَا الرافضي السَّابِق ذكره كَافِر عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة وَأحد وَجْهي الشَّافِعِي وزنديق عِنْد أَحْمد بتعرضه إِلَى عُثْمَان المتضمن لتخطئة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وكفره هَذَا ردة لِأَن حكمه قبل ذَلِك حكم الْمُسلمين وَالْمُرْتَدّ يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل فَكَانَ قَتله على مَذْهَب جُمْهُور الْعلمَاء أَو جَمِيعهم لِأَن الْقَائِل بِأَن الساب لَا يكفر لم يتَحَقَّق مِنْهُ أَن يطرده فِيمَن يكفر أَعْلَام الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم فأحد الْوَجْهَيْنِ عندنَا إِنَّمَا اقْتصر على الْفسق فِي مُجَرّد السب دون التَّكْفِير وَكَذَلِكَ أَحْمد إِنَّمَا جبن عَن قتل من لم يصدر مِنْهُ إِلَّا السب وَالَّذِي صدر من هَذَا الرجل أعظم من السب وَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 أَن الطَّحَاوِيّ قَالَ فِي عقيدته وبغض الصَّحَابَة كفر فَيحْتَمل أَن يحمل على مَجْمُوع الصَّحَابَة وان يحمل على كل مِنْهُم لَكِن إِذا بغضه من حَيْثُ الصُّحْبَة وَأما جعل مُجَرّد بغضه كفرا فَيحْتَاج لدَلِيل وَهَذَا الرافضي وأشباهه بغضهم لِلشَّيْخَيْنِ وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم لَيْسَ لأجل الصُّحْبَة لأَنهم يحبونَ عليا والحسنين وَغَيرهمَا بل لهوى أنفسهم واعتقادهم بجهلهم وعنادهم ظلمهم لأهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالظَّاهِر أَنهم إِذا اقتصروا على السب من غير تَكْفِير وَلَا جحد مجمع عَلَيْهِ لَا يكفرون خَامِسهَا يُمكن التَّمَسُّك أَيْضا فِي قتل هَذَا الرافضي بِأَن هَذَا الْمقَام الَّذِي قامه لَا شكّ أَنه يُؤْذِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإيذاؤه مُوجب للْقَتْل بِدَلِيل // الحَدِيث الصَّحِيح // أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيمَن آذاه (من يَكْفِينِي عدوي) فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ أَنا أكفيكه فَبَعثه إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقتله لَكِن مر مَا يخدش فِي ذَلِك وَهُوَ أَن كل أَذَى لَا يَقْتَضِي الْقَتْل وَإِلَّا لعم سَائِر الْمعاصِي لِأَنَّهَا تؤذيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعَالَى إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي فيستحي مِنْكُم الْآيَة وَهَذَا الرافضي إِنَّمَا قصد بِزَعْمِهِ انتصاره لآل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقْصد إيذاءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي فَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 يَتَّضِح دَلِيل على قَتله وَأما الوقيعة فِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فموجبة للْقَتْل إِمَّا لِأَن الْقُرْآن شهد ببراءتها فقذفها تَكْذِيب لَهُ وتكذيبه كفر وَإِمَّا لكَونهَا فراشا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والوقيعة فِيهَا تنقيص لَهُ وتنقيصه كفر وَيَنْبَنِي على ذَلِك حكم الوقيعة فِي بَقِيَّة أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فعلى الأول لَا يكون كفرا وعَلى الثَّانِي يكون كفرا وَهُوَ الْأَرْجَح عِنْد بعض الْمَالِكِيَّة وَإِنَّمَا لم يقتل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قذفة عَائِشَة لِأَن قذفهم كَانَ قبل نزُول الْآيَة فَلم يتَضَمَّن تَكْذِيب الْقُرْآن وَلِأَن ذَلِك حكم نزل بعد نزُول الْآيَة فَلم يَنْعَطِف حكمه على مَا قبلهَا سادسها مر فِي // الْخَبَر الصَّحِيح // لَا تسبوا أَصْحَابِي من أحبهم أَحبَّنِي وَمن أبْغضهُم أبغضني وَمن آذاهم آذَانِي وَهَذَا يَشْمَل سَائِر الصَّحَابَة لكِنهمْ دَرَجَات فيتفاوت حكمهم فِي ذَلِك بتفاوت درجاتهم ومراتبهم وَالْحُرْمَة تزيد بِزِيَادَة من تعلّقت بِهِ فَلَا يقْتَصر فِي سبّ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ على الْجلد الَّذِي يقْتَصر عَلَيْهِ فِي جلد غَيره لِأَن ذَلِك الْجلد لمُجَرّد حق الصُّحْبَة فَإِذا انضاف إِلَى الصُّحْبَة غَيرهَا مِمَّا يَقْتَضِي الاحترام لنصرة الدّين وَجَمَاعَة الْمُسلمين وَمَا حصل على يَده من الْفتُوح وَخِلَافَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغير ذَلِك كَانَ كل وَاحِد من هَذِه الْأُمُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 يَقْتَضِي مزِيد حق مُوجب لزِيَادَة الْعقُوبَة عِنْد الاجتراء عَلَيْهِ فتزداد الْعقُوبَة وَلَيْسَ ذَلِك لتجدد حكم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرع أحكاما وأناطها بِأَسْبَاب فَنحْن نتبع تِلْكَ الْأَسْبَاب ونرتب على كل سَبَب مِنْهَا حكمه وَكَانَ الصّديق فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ حق السَّبق إِلَى الْإِسْلَام والتصديق وَالْقِيَام فِي الله تَعَالَى والمحبة التَّامَّة والإنفاق الْعَظِيم الْبَالِغ أقْصَى غايات الوسع والإمكان على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه والنصرة التَّامَّة وَغير ذَلِك من خصاله الحميدة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْكتاب وَغَيره ثمَّ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترتبت لَهُ خصوصيات وفضائل أخر كخلافته الَّتِي قَامَ فِيهَا بِمَا لم يُمكن أَن يقوم بِهِ أحد من الْأمة بعده كَمَا هُوَ مَعْلُوم مَقْطُوع بِهِ لَا يُنكره إِلَّا معاند مكابر جَاهِل غبي كمقاتلته لأهل الرِّدَّة ومانعي الزَّكَاة وَمَا ظهر عَنهُ فِي ذَلِك من الشجَاعَة الَّتِي لم يشق أحد فِيهَا غباره وَلم يدْرك آثاره فبكل من ذَلِك يزْدَاد حَقه وحرمته وَيسْتَحق من اجترأ عَلَيْهِ زِيَادَة الْعَذَاب والنكال فَلَا يبعد لكَونه من الدّين وَالْفضل بِهَذَا الْمحل الْأَسْنَى وَالْمقَام الأسمى أَن يكون سابه طاعنا فِي الدّين فَيسْتَحق الْقَتْل على مَا مر وَلَقَد قتل الله بِسَبَب يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام خَمْسَة وَسبعين ألفا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 بعض الْعلمَاء وَذَلِكَ دِيَة كل نَبِي وَيُقَال إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنِّي قتلت بِيَحْيَى بن زَكَرِيَّا سبعين ألفا ولأقتلن بالحسين ابْن ابْنَتك سبعين ألفا وَسبعين ألفا) وَهَكَذَا الصّديق رَضِي الله عَنهُ يظْهر تَعَالَى حرمته وَحقه بِأخذ كثير من الروافض لعنهم الله الَّذين أخزاهم الله تَعَالَى بقتل هَذَا الرافضي الْخَبيث الملعون وَكَانَت ترْتَفع أنوفهم لَو صفح عَنهُ وَقد قَالَ أَبُو يُوسُف صَاحب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ التَّعْزِير يجوز بِالْقَتْلِ وتجرؤ هَذَا الرافضي على هَذَا الْمقَام الْعلي الَّذِي هُوَ مقَام الصّديق وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين من أَعلَى الْأَسْبَاب الْمُقْتَضِيَة للتعزير الَّذِي يجوز بِهِ عِنْد أبي يُوسُف الارتقاء إِلَى الْقَتْل أَي فَعلم أَن قتل هَذَا الرافضي حق صَحِيح لَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ بِنَاء على مَذْهَب الْحَاكِم الَّذِي قَتله وَهُوَ الْمَالِكِي بِنَاء على مَا مر من مَذْهَبهم وَكَذَا على مَذْهَب أبي حنيفَة وَكَذَا على وَجه عِنْد الشَّافِعِيَّة وَكَذَا على مَا مر عِنْد الْحَنَابِلَة فَتدبر هَذِه الْوَاقِعَة وَمَا سقته لَك من كَلَام الْعلمَاء فِيهَا فَإِن فِيهَا أحكاما مهمة وفوائد جمة قَلما تجدها مَجْمُوعَة فِي كتاب مَرْفُوعا عَنْهَا النقاب سَالِمَة من الطعْن والريب منزهة عَن التعصب وَالْعَيْب ذكرت فِي كتابي الملقب بالإعلام فِي قواطع الْإِسْلَام مَا يُوضح مَا أَشرت إِلَيْهِ خلال كَلَام السُّبْكِيّ مِمَّا يفرع مَا قَالَه على اخْتِيَاره الْمُوَافق لغير قَوَاعِد مَذْهَبنَا فاطلب بَيَان ذَلِك من الْكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الْمَذْكُور فَإِنَّهُ لم يصنف فِي بَابه مثله بل لم أظفر بِأحد من أَئِمَّتنَا ألف كتابا فِي المكفرات وَحدهَا وَلَا استوعب حكمهَا على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة مَعَ الْكَلَام على كل من مسَائِله بِمَا ينشرح لَهُ الصَّدْر وتقر بِهِ الْعين فاستوفيت كل ذَلِك فِي ذَلِك الْمُؤلف العديم النظير عِنْد من سلم من دَاء الْحَسَد والسخيمة وَلم ينطو على الْفساد أديمه نَفَعَنِي الله بِهِ وَبِغَيْرِهِ وأدام عَليّ من جوده وفضله وَكَرمه وخيره إِنَّه الرؤوف الْكَرِيم الْجواد الرَّحْمَن الرَّحِيم وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الْبَاب الثَّانِي فِيمَا جَاءَ عَن أكَابِر أهل الْبَيْت من مزِيد الثَّنَاء على الشَّيْخَيْنِ ليعلم براءتهما مِمَّا يَقُول الشِّيعَة والرافضة من عجائب الْكَذِب والافتراء وليعلم بطلَان مَا زعموه من أَن عليا إِنَّمَا فعل مَا مر عَنهُ تقية ومدارة وخوفا وَغير ذَلِك من قبائحهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الْبَاب الثَّانِي أخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله الملقب بالمحض لقب بِهِ لِأَنَّهُ أول من جمع ولادَة الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ شيخ بني هَاشم وَرَئِيسهمْ وَولده كَانَ يلقب بِالنَّفسِ الزكية وَكَانَ من أَئِمَّة الدّين بُويِعَ بالخلافة زمن الإِمَام مَالك ابْن أنس بِالْمَدِينَةِ فَأرْسل الْمَنْصُور جَيْشًا فَقَتَلُوهُ أَنه سُئِلَ أَمسَح على الْخُفَّيْنِ فَقَالَ الْمسْح فقد مسح عمر فَقَالَ لَهُ السَّائِل إِنَّمَا أَسأَلك أَنْت تمسح قَالَ ذَلِك أعجز لَك أخْبرك عَن عمر وتسألني عَن رَأْيِي فعمر خير مني وملء الأَرْض مثلي فَقيل لَهُ هَذَا تقية فَقَالَ وَنحن بَين الْقَبْر والمنبر اللَّهُمَّ هَذَا قولي فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَلَا تسمع قَول أحد بعدِي ثمَّ قَالَ من هَذَا الَّذِي يزْعم أَن عليا كَانَ مقهورا وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بِأَمْر فَلم ينفذهُ فَكفى بِهَذَا إزراء ومنقصة لَهُ وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن وَلَده الملقب بِالنَّفسِ الزكية أَنه قَالَ لما سُئِلَ عَن الشَّيْخَيْنِ لَهما عِنْدِي أفضل من عَليّ وَأخرج عَن مُحَمَّد الباقر أَنه قَالَ أجمع بَنو فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُم على أَن يَقُولُوا فِي الشَّيْخَيْنِ أحسن مَا يكون من القَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَأخرج أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر أَن رجلا جَاءَ إِلَى أَبِيه زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ أَخْبرنِي عَن أبي بكر فَقَالَ عَن الصّديق فَقَالَ وَتَسْمِيَة الصّديق فَقَالَ ثكلتك أمك قد سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمهاجرون وَالْأَنْصَار وَمن لم يسمه صديقا فَلَا صدق الله عز وَجل قَوْله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اذْهَبْ فَأحب أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخرج أَيْضا عَن عُرْوَة عَن عبد الله قَالَ سَأَلت أَبَا جَعْفَر الباقر عَن حلية السَّيْف قَالَ لَا بَأْس بِهِ قد حلى أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سَيْفه قَالَ قلت وَتقول الصّديق قَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق نعم الصّديق فَمن لم يقل الصّديق فَلَا صدق الله قَوْله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأخرجه ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة وَزَاد فَوَثَبَ وثبة واستقبل الْقبْلَة فَقَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق نعم الصّديق الْخَبَر واخرج أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه قَالَ مَا أَرْجُو من شَفَاعَة عَليّ شَيْئا إِلَّا وَأَنا أَرْجُو من شَفَاعَة أبي بكر مثله وَلَقَد ولدني مرَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَأخرج أَيْضا عَن زيد بن عَليّ أَنه قَالَ لمن يتبرأ مِنْهُمَا اعْلَم وَالله أَن الْبَرَاءَة من الشَّيْخَيْنِ الْبَرَاءَة من عَليّ فَتقدم أَو تَأَخّر وَزيد هَذَا كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا اسْتشْهد فِي صفر سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة وَلما صلب عُريَانا جَاءَت العنكبوت ونسجت على عَوْرَته حَتَّى حفظت عَن رُؤْيَة النَّاس فَإِنَّهُ اسْتمرّ مصلوبا مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ قد خرج وَبَايَعَهُ خلق من الْكُوفَة وَحضر إِلَيْهِ كثير من الشِّيعَة فَقَالُوا لَهُ ابرأ عَن الشَّيْخَيْنِ وَنحن نُبَايِعك فَأبى فَقَالُوا إِنَّا نرفضك فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة فَمن حِينَئِذٍ سموا الرافضة وَسميت شيعته بالزيدية وَأخرج الْحَافِظ عمر بن شبة أَن زيدا هَذَا الإِمَام الْجَلِيل قيل لَهُ إِن أَبَا بكر انتزع من فَاطِمَة فدك فَقَالَ إِنَّه كَانَ رحِيما وَكَانَ يكره أَن يُغير شَيْئا تَركه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَتْهُ فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت لَهُ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فدك فَقَالَ هَل لَك بَيِّنَة فَشهد لَهَا عَليّ وَأم أَيمن فَقَالَ لَهَا فبرجل وَامْرَأَة تستحقيها ثمَّ قَالَ زيد وَالله لَو رَجَعَ الْأَمر فِيهَا إِلَيّ لقضيت بِقَضَاء أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَأخرج عَنهُ أَيْضا قَالَ انْطَلَقت الْخَوَارِج فبرئت مِمَّن دون أبي بكر وَعمر وَلم يستطيعوا أَن يَقُولُوا فيهمَا شَيْئا وانطلقتم أَنْتُم فطفرتم أَي وثبتم فَوق ذَلِك فبرئتم مِنْهُمَا فَمن بَقِي فوَاللَّه مَا بَقِي أحد إِلَّا برئتم مِنْهُ وَأخرج أَيْضا ابْن عَسَاكِر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قلت لمُحَمد ابْن الْحَنَفِيَّة هَل كَانَ أَبُو بكر أول الْقَوْم إسلاما قَالَ لَا قلت فَبِمَ علا أَبُو بكر وَسبق حَتَّى لَا يذكر أحد غير أبي بكر قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ أفضلهم إسلاما حِين أسلم حَتَّى لحق بربه وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن سَالم بن أبي حَفْصَة وَهُوَ شيعي لكنه ثِقَة قَالَ سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ وجعفر بن مُحَمَّد عَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَا يَا سَالم تولهما وابرأ من عدوهما فَإِنَّهُمَا كَانَا إمامي هدى وَأخرج عَنهُ أَيْضا قَالَ دخلت على أبي جَعْفَر وَفِي رِوَايَة على جَعْفَر بن مُحَمَّد فَقَالَ وَأرَاهُ قَالَ ذَلِك من أَجلي اللَّهُمَّ إِنِّي أتولى أَبَا بكر وَعمر وأحبهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة وَأخرج عَنهُ أَيْضا دخلت على جَعْفَر بن مُحَمَّد وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أحب أَبَا بكر وَعمر وأتولاهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج عَنهُ أَيْضا قَالَ لي جَعْفَر يَا سَالم أيسب الرجل جده أَبُو بكر جدي لَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لم أكن أتولاهما وَأَبْرَأ من عدوهما وَأخرج عَن جَعْفَر أَيْضا أَنه قيل إِن فلَانا يزْعم أَنَّك تَبرأ من أبي بكر فَقَالَ برِئ الله من فلَان إِنِّي لأرجو أَن يَنْفَعنِي الله بِقَرَابَتِي من أبي بكر وَلَقَد مَرضت فأوصيت إِلَى خَالِي عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم وَأخرج هُوَ أَيْضا والحافظ عمر بن شبة عَن كثير قلت لأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ أَخْبرنِي أظلمكم أَبُو بكر وَعمر من حقكم شَيْئا فَقَالَ ومنزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا مَا ظلمانا من حَقنا مَا يزن حَبَّة خردلة قَالَ قلت أفأتولاهما جعلني الله فدَاك قَالَ نعم يَا كثير تولهما فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ وَجعل يصك عنق نَفسه وَيَقُول مَا أَصَابَك فبعنقي هَذَا ثمَّ قَالَ برِئ الله وَرَسُوله من الْمُغيرَة بن سعيد وَبَيَان فَإِنَّهُمَا كذبا علينا أهل الْبَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 واخرج أَيْضا عَن بسام الصَّيْرَفِي قلت لبأي جَعْفَر مَا تَقول فِي أبي بكر وَعمر فَقَالَ وَالله إِنِّي لأتولاهما وَأَسْتَغْفِر لَهما وَمَا أدْركْت أحدا من أهل بَيْتِي إِلَّا وَهُوَ يتولاهما وَأخرج أَيْضا عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَن جَعْفَر بن أبي طَالب قَالَ ولينا أَبُو بكر خير خَليفَة وأرحمه لنا وأحناه علينا وَفِي رِوَايَة فَمَا ولينا أحد من النَّاس مثله وَفِي أُخْرَى فَمَا رَأينَا قطّ كَانَ خيرا مِنْهُ وَأخرج أَيْضا عَن أبي جَعْفَر الباقر أَنه قيل لَهُ إِن فلَانا حَدثنِي أَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ إِن هَذِه الْآيَة وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل الْحجر 47 نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَعلي قَالَ وَالله إِنَّهَا لفيهم أنزلت ففيمن أنزلت إِلَّا فيهم قَالَ فَأَي غل هُوَ قَالَ غل الْجَاهِلِيَّة إِن بني تيم وعدي وَبني هَاشم كَانَ بَينهم شَيْء فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أسلم هَؤُلَاءِ الْقَوْم تحَابوا فَأخذ أَبَا بكر وجع الخاصرة فَجعل عَليّ يسخن يَده ويكمد بهَا خاصرة أبي بكر فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ أَيْضا قلت لأبي جَعْفَر وَسَأَلته عَن أبي بكر وَعمر فَقَالَ من شكّ فيهمَا فقد شكّ فِي السّنة ثمَّ ذكر أَنه كَانَ بَين تِلْكَ الْقَبَائِل شَحْنَاء فَلَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أَسْلمُوا تحَابوا وَنزع الله ذَلِك من قُلُوبهم حَتَّى إِن أَبَا بكر لما اشْتَكَى خاصرته سخن عَليّ يَده وضمده بهَا فَنزلت فِيهِ الْآيَة وَأخرجه أَيْضا عَن عَليّ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي هَذِه الْبُطُون الثَّلَاثَة تيم وعدي وَبني هَاشم وَقَالَ مِنْهُم أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَأخرج أَيْضا عَن أبي جَعْفَر الباقر أَنه قيل لَهُ هَل كَانَ أحد من أهل الْبَيْت يسب أَبَا بكر وَعمر قَالَ معَاذ الله بل يتولونهما وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهما وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِمَا واخرج عَن أبي جَعْفَر أَيْضا عَن أَبِيه عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم أَنه قَالَ لجَماعَة خَاضُوا فِي أبي بكر وَعمر ثمَّ فِي عُثْمَان أَلا تخبروني أَنْتُم الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون فَقَالُوا لَا قَالَ فَأنْتم الَّذين تبوؤا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون قَالُوا لَا قَالَ أما أَنْتُم فقد برئتم أَن تَكُونُوا فِي أحد هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ وَأَنا أشهد أَنكُمْ لَسْتُم من الَّذين قَالَ الله عز وَجل فيهم وَالَّذين جاؤا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم) وَأخرج أَيْضا عَن فُضَيْل بن مَرْزُوق سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن أَخا عبد الله بن الْحسن يَقُول وَالله قد مرقت علينا الرافضة كَمَا مرقت الحرورية على عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَأخرج عَنهُ أَيْضا قَالَ سَمِعت حسن بن حسن يَقُول لرجل من الرافضة وَالله لَئِن أمكن الله مِنْكُم لنقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف وَلَا نقبل مِنْكُم تَوْبَة وَأخرج أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ ذكر عُثْمَان عِنْد الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَا هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَي عَليّ آتيكم الْآن بِهِ يُخْبِركُمْ عَنهُ إِذْ جَاءَ عَليّ قَالَ الرواي مَا أَدْرِي أسمعهم يذكرُونَ عُثْمَان أَو سَأَلُوهُ عَنهُ فَقَالَ عُثْمَان من الَّذين اتَّقوا وآمنوا ثمَّ من الَّذين اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ وَأخرج عَنهُ أَيْضا من طرق قَالَ دخلت على عَليّ فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أردْت الْحجاز وَإِن النَّاس يَسْأَلُونِي فَمَا تَقول فِي قتل عُثْمَان وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَقَالَ يَا ابْن حَاطِب وَالله إِنِّي لأرجو أَن أكون أَنا وَهُوَ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل الْآيَة وَأخرج أَيْضا عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ كنت جَالِسا عِنْد مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَذكرُوا عُثْمَان فنهانا مُحَمَّد وَقَالَ كفوا عَنهُ فغدونا يَوْمًا آخر فنلنا مِنْهُ أَكثر مَا كَانَ قبل فَقَالَ ألم أنهكم عَن هَذَا الرجل قَالَ وَابْن عَبَّاس جَالس عِنْده فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس تذكر عَشِيَّة الْجمل وَأَنا عَن يَمِين عَليّ وَفِي يَده الرَّايَة وَأَنت عَن يسَاره إِذْ سمع هدة فِي المربد فَأرْسل رَسُولا فجَاء الرَّسُول فَقَالَ هَذِه عَائِشَة تلعن قتلة عُثْمَان فِي المربد فَرفع عَليّ يَدَيْهِ حَتَّى بلغ بهما وَجهه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَقَالَ وَأَنا ألعن قتلة عُثْمَان لعنهم الله فِي السهل والجبل قَالَ فَصدقهُ ابْن عَبَّاس ثمَّ أقبل علينا فَقَالَ فِي وَفِي هَذَا لكم شَاهدا عدل وَأخرج أَيْضا عَن مَرْوَان بن الحكم أَنه قَالَ مَا كَانَ أحد أدفَع عَن عُثْمَان من عَليّ فَقيل لَهُ مَا لكم تسبونه على المنابر قَالَ إِنَّه لَا يَسْتَقِيم لنا الْأَمر إِلَّا بذلك وَأخرج أَيْضا عَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة أَنه قَالَ يَا أهل الْكُوفَة اتَّقوا الله عز وَجل وَلَا تَقولُوا لأبي بكر وَعمر مَا ليسَا لَهُ بِأَهْل إِن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار ثَانِي اثْنَيْنِ وَإِن عمر أعز الله بِهِ الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَأخرج أَيْضا عَن جُنْدُب الْأَسدي أَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن أَتَاهُ قوم من أهل الْكُوفَة والجزيرة فَسَأَلُوهُ عَن أبي بكر وَعمر فَالْتَفت إِلَيّ فَقَالَ انْظُر إِلَى أهل بلادك يَسْأَلُونِي عَن أبي بكر وَعمر لَهما عِنْدِي أفضل من عَليّ وَأخرج أَيْضا عَن عبد الله بن الْحسن أَنه قَالَ وَالله لَا يقبل الله عز وَجل تَوْبَة عبد تَبرأ من أبي بكر وَعمر وإنهما ليعرضان على قلبِي فأدعو الله عز وَجل لَهما أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله عز وَجل وَأخرج أَيْضا عَن فُضَيْل بن مَرْزُوق أَنه قَالَ قلت لعمر بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم أفيكم إِمَام تفترض طَاعَته تعرفُون ذَلِك لَهُ من لم يعرف ذَلِك لَهُ فَمَاتَ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة فَقَالَ لَا وَالله مَا ذَاك فِينَا من قَالَ هَذَا فَهُوَ كَاذِب فَقلت إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن هَذِه الْمنزلَة كَانَت لعَلي إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصى إِلَيْهِ ثمَّ كَانَت لِلْحسنِ إِن عليا أوصى إِلَيْهِ ثمَّ كَانَت للحسين بن عَليّ إِن الْحسن أوصى إِلَيْهِ ثمَّ كَانَت لعَلي بن الْحُسَيْن إِن الْحُسَيْن أوصى إِلَيْهِ ثمَّ كَانَت لمُحَمد بن عَليّ أَي الباقر أخي عمر الْمَذْكُور إِن عَليّ بن الْحُسَيْن أوصى إِلَيْهِ فَقَالَ عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن فوَاللَّه مَا أوصى أبي بحرفين اثْنَيْنِ فَقَاتلهُمْ الله لَو أَن رجلا وصّى فِي مَاله وَولده وَمَا يتْرك بعده ويلهم مَا هَذَا من الدّين وَالله مَا هَؤُلَاءِ إِلَّا متأكلين بِنَا وَأخرج أَيْضا عَن عبد الْجَبَّار الْهَمدَانِي أَن جعفرا الصَّادِق أَتَاهُم وهم يُرِيدُونَ أَن يرتحلوا من الْمَدِينَة فَقَالَ إِنَّكُم إِن شَاءَ الله من صالحي أهل مصر فأبلغوهم عني من زعم أَنِّي إِمَام مفترض الطَّاعَة فَأَنا مِنْهُ بَرِيء وَمن زعم أَنِّي أَبْرَأ من أبي بكر وَعمر فَأَنا مِنْهُ بَرِيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَأخرج أَيْضا عَنهُ أَنه سُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ أَبْرَأ مِمَّن ذكرهمَا إِلَّا بِخَير فَقيل لَهُ لَعَلَّك تَقول ذَلِك تقية فَقَالَ أَنا إِذا من الْمُشْركين وَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ إِن الخبثاء من أهل الْعرَاق يَزْعمُونَ أَنا نقع فِي أبي بكر وَعمر وهما وَالِدَايَ أَي لِأَن أمه أم فَرْوَة بنت الْقَاسِم الْفَقِيه بن مُحَمَّد بن أبي بكر وَأمّهَا أَسمَاء بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَمن ثمَّ سبق قَوْله ولدني أَبُو بكر مرَّتَيْنِ واخرج أَيْضا عَن أبي جَعْفَر الباقر قَالَ من لم يعرف فضل أبي بكر وَعمر فقد جهل السّنة قَالَ بعض أَئِمَّة أهل الْبَيْت صدق وَالله إِنَّمَا نَشأ من الشِّيعَة والرافضة وَغَيرهمَا مَا نَشأ من الْبدع والجهالات من جهلهم بِالسنةِ وَفِي الطيوريات بِسَنَدِهِ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رجل لعَلي بن أبي طَالب نسمعك تَقول فِي الْخطْبَة اللَّهُمَّ أَصْلحنَا بِمَا أصحلت بِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين فَمن هم فاغرورقت عَيناهُ فَقَالَ هم حبيباي أَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَعمر إِمَامًا الْهدى وشيخا الْإِسْلَام ورجلا قُرَيْش المقتدى بهما بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اقْتدى بهما عصم وَمن تبع آثارهما هدي إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَمن تمسك بهما فَهُوَ من حزب الله المفلحين فَهَذِهِ أقاويل المعتبرين من أهل الْبَيْت رَوَاهَا عَنْهُم الْأَئِمَّة الْحفاظ الَّذين عَلَيْهِم الْمعول فِي معرفَة الْأَحَادِيث والْآثَار وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم الْمُتَّصِلَة فَكيف يسع المتمسك بِحَبل أهل الْبَيْت وَيَزْعُم حبهم أَن يعدل عَمَّا قَالُوهُ من تَعْظِيم أبي بكر وَعمر واعتقاد حقية خِلَافَتهمَا وَمَا كَانَا عَلَيْهِ وصرحوا بتكذيب من نقل عَنْهُم خِلَافه وَمَعَ ذَلِك يرى أَن ينْسب إِلَيْهِم مَا تبرؤا مِنْهُ ورأوه ذما فِي حَقهم حَتَّى قَالَ زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَيهَا النَّاس أحبونا حب الْإِسْلَام فوَاللَّه مَا برح بِنَا حبكم حَتَّى صَار علينا عارا وَفِي رِوَايَة حَتَّى نقصتمونا إِلَى النَّاس أَي بِسَبَب مَا نسبوه إِلَيْهِم مِمَّا هم برءاء مِنْهُ فلعن الله من كذب على هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَرَمَاهُمْ بالزور والبهتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان أَفضَلِيَّة أبي بكر على سَائِر هَذِه الْأمة ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَفِي ذكر فَضَائِل أبي بكر الْوَارِدَة فِيهِ وَحده أَو مَعَ عمر أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ غَيرهم وَفِيه فُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الْفَصْل الأول فِي ذكر أفضليتهم على هَذَا التَّرْتِيب وَفِي تَصْرِيح عَليّ بأفضلية الشَّيْخَيْنِ على سَائِر الْأمة وَفِي بطلَان مَا زَعمه الرافضة والشيعة من أَن ذَلِك مِنْهُ قهر وتقية اعْلَم أَن الَّذِي أطبق عَلَيْهِ عُظَمَاء الْملَّة وعلماء الْأمة أَن أفضل هَذِه الْأمة أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر ثمَّ اخْتلفُوا فالأكثرون وَمِنْهُم الشَّافِعِي وَأحمد وَهُوَ الْمَشْهُور عَن مَالك أَن الْأَفْضَل بعدهمَا عُثْمَان ثمَّ عَليّ رَضِي الله عَنْهُم وَجزم الْكُوفِيُّونَ وَمِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ بتفضيل عَليّ على عُثْمَان وَقيل بِالْوَقْفِ عَن التَّفَاضُل بَينهمَا وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك فقد حكى أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ عَن الْمُدَوَّنَة أَن مَالِكًا رَحمَه الله سُئِلَ أَي النَّاس أفضل بعد نَبِيّهم فَقَالَ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ قَالَ أوفي ذَلِك شكّ فَقيل لَهُ وَعلي وَعُثْمَان فَقَالَ مَا أدْركْت أحدا مِمَّن أقتدي بِهِ يفضل أَحدهمَا على الآخر انْتهى وَقَوله رَضِي الله عَنهُ أوفي ذَلِك شكّ يُرِيد مَا يَأْتِي عَن الْأَشْعَرِيّ أَن تَفْضِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 أبي بكر ثمَّ عمر على بَقِيَّة الْأمة قَطْعِيّ وتوقفه هَذَا رَجَعَ عَنهُ فقد حكى القَاضِي عِيَاض عَنهُ أَنه رَجَعَ عَن التَّوَقُّف إِلَى تَفْضِيل عُثْمَان قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ الْأَصَح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمَال إِلَى التَّوَقُّف إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ وتتعارض الظنون فِي عُثْمَان وَعلي وَنَقله ابْن عبد الْبر عَن جمَاعَة من السّلف من أهل السّنة مِنْهُم مَالك وَيحيى الْقطَّان وَيحيى بن معِين قَالَ ابْن معِين وَمن قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَعرف لعَلي سابقته وفضله فَهُوَ صَاحب سنة وَلَا شكّ أَن من اقْتصر على عُثْمَان وَلم يعرف لعَلي فَضله فَهُوَ مَذْمُوم وَزعم ابْن عبد الْبر أَن حَدِيث الِاقْتِصَار على الثَّلَاثَة أبي بكر وَعَمْرو وَعُثْمَان مُخَالف لقَوْل أهل السّنة إِن عليا أفضل النَّاس بعد الثَّلَاثَة مَرْدُود بِأَنَّهُ لَا يلْزم من سكوتهم إِذْ ذَاك عَن تفضيله عدم تفضيله وَأما حِكَايَة أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ الْإِجْمَاع على أَفضَلِيَّة عُثْمَان على عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فمدخولة وَإِن نقل ذَلِك عَن بعض الْحفاظ وَسكت عَلَيْهِ لما بَيناهُ من الْخلاف ثمَّ الَّذِي مَال إِلَيْهِ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ إِمَام أهل السّنة أَن تَفْضِيل أبي بكر على من بعده قَطْعِيّ وَخَالفهُ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني فَقَالَ إِنَّه ظَنِّي وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَاد وَبِه جزم صَاحب الْمُفْهم فِي شرح مُسلم وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب ذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ لَو أَن رجلا قَالَ عمر أفضل من أبي بكر مَا عنفته وَكَذَلِكَ لَو قَالَ عَليّ عِنْدِي أفضل من أبي بكر وَعمر لم أعنفه إِذا ذكر فضل الشَّيْخَيْنِ وأحبهما وَأثْنى عَلَيْهِمَا بِمَا هما أَهله فَذكرت ذَلِك لوكيع فأعجبه أه واشتهاه وَلَيْسَ ملحظ عدم تعنيف قَائِل ذَلِك إِلَّا أَن التَّفْضِيل الْمَذْكُور ظَنِّي لَا قَطْعِيّ وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا حَكَاهُ الْخطابِيّ عَن بعض مشايخه أَنه كَانَ يَقُول أَبُو بكر خير وَعلي أفضل لَكِن قَالَ بَعضهم إِن هَذَا تهافت من القَوْل أَي أَنه لَا معنى للخيرية إِلَّا الْأَفْضَلِيَّة فَإِن أُرِيد أَن خيرية أبي بكر من بعض الْوُجُوه وأفضلية عَليّ من وَجه آخر لم يكن ذَلِك من مَحل الْخلاف وَلم يكن الْأَمر فِي ذَلِك خَاصّا بِأبي بكر وَعلي بل أَبُو بكر وَأَبُو عُبَيْدَة مثلا يُقَال فيهمَا ذَلِك فَإِن الْأَمَانَة الَّتِي فِي أبي عُبَيْدَة وَخَصه بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخص أَبَا بكر بِمِثْلِهَا فَكَانَ خيرا من أبي بكر من هَذَا الْوَجْه وَالْحَاصِل أَن الْمَفْضُول قد تُوجد فِيهِ مزية بل مزايا لَا تُوجد فِي الْفَاضِل فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 أَرَادَ شيخ الْخطابِيّ ذَلِك وَأَن أَبَا بكر أفضل مُطلقًا إِلَّا أَن عليا وجدت فِيهِ مزايا لم تُوجد فِي أبي بكر فَكَلَامه صَحِيح وَإِلَّا فَكَلَامه فِي غَايَة التهافت خلافًا لمن انتصر لَهُ وَوَجهه بِمَا لَا يجدي بل لَا يفهم فَإِن قلت يُنَافِي مَا قَدمته من الْإِجْمَاع على أَفضَلِيَّة أبي بكر قَول ابْن عبد الْبر إِن السّلف اخْتلفُوا فِي تَفْضِيل أبي بكر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَوله أَيْضا قبل ذَلِك رُوِيَ عَن سلمَان وَأبي ذَر والمقداد وخباب وَجَابِر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَزيد ابْن أَرقم أَن عليا أول من أسلم وفضله هَؤُلَاءِ على غَيره أه قلت أما مَا حَكَاهُ أَولا من أَن السّلف اخْتلفُوا فِي تفضيلهما فَهُوَ شَيْء غَرِيب انْفَرد بِهِ عَن غَيره مِمَّن هُوَ أجل مِنْهُ حفظا واطلاعا فَلَا يعول عَلَيْهِ فَكيف والحاكي لإِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على تَفْضِيل أبي بكر وَعمر وتقديمهما على سَائِر الصَّحَابَة جمَاعَة من أكَابِر الْأَئِمَّة مِنْهُم الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا حَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَأَن من اخْتلف مِنْهُم إِنَّمَا اخْتلف فِي عَليّ وَعُثْمَان وعَلى التنزل فِي أَنه حفظ مَا لم يحفظ غَيره فيجاب عَنهُ بِأَن الْأَئِمَّة إِنَّمَا أَعرضُوا عَن هَذِه الْمقَالة لشذوذها ذَهَابًا إِلَى أَن شذوذ الْمُخَالف لَا يقْدَح فِيهِ أَو رَأَوْا أَنَّهَا حَادِثَة بعد انْعِقَاد الْإِجْمَاع فَكَانَت فِي حيّز الطرح وَالرَّدّ على أَن الْمَفْهُوم من كَلَام ابْن عبد الْبر أَن الْإِجْمَاع اسْتَقر على تَفْضِيل الشَّيْخَيْنِ على الختنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَأما مَا وَقع فِي طَبَقَات ابْن السُّبْكِيّ الْكُبْرَى عَن بعض الْمُتَأَخِّرين من تَفْضِيل الحسنين من حَيْثُ إنَّهُمَا بضعَة فَلَا يُنَافِي ذَلِك لما قدمْنَاهُ من أَن الْمَفْضُول قد تُوجد فِيهِ مزية لَيست فِي الْفَاضِل على أَن هَذَا تَفْضِيل لَا يرجع لِكَثْرَة الثَّوَاب بل لمزيد شرف فَفِي ذَات أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الشّرف مَا لَيْسَ فِي ذَات الشَّيْخَيْنِ ولكنهما أَكثر ثَوابًا وَأعظم نفعا لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين وأخشى لله وَأتقى مِمَّن عداهما من أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضلا عَن غَيرهم وَأما مَا حَكَاهُ أَعنِي ابْن عبد الْبر ثَانِيًا عَن أُولَئِكَ الْجَمَاعَة فَلَا يَقْتَضِي أَنهم قَائِلُونَ بأفضلية عَليّ على أبي بكر مُطلقًا بل إِمَّا من حَيْثُ تقدمه عَلَيْهِ إسلاما بِنَاء على القَوْل بذلك أَو مُرَادهم بتفضيل عَليّ على غَيره مَا عدا الشَّيْخَيْنِ وَعُثْمَان لقِيَام الْأَدِلَّة الصَّرِيحَة الصَّحِيحَة على أَفضَلِيَّة هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ فَإِن قلت مَا مُسْتَند إِجْمَاعهم على ذَلِك قلت الْإِجْمَاع حجَّة على كل أحد وَإِن لم يعرف مُسْتَنده لِأَن الله عصم هَذِه الْأمة من أَن تَجْتَمِع على ضَلَالَة وَيدل لذَلِك بل يُصَرح بِهِ قَوْله تَعَالَى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا النِّسَاء 115 وَقد أَجمعُوا أَيْضا على استحقاقهم الْخلَافَة على هَذَا التَّرْتِيب لَكِن هَذَا قَطْعِيّ كَمَا مر بأدلته مَبْسُوطا فَإِن قلت لم لم يكن التَّفْضِيل بَينهم على هَذَا التَّرْتِيب قَطْعِيا أَيْضا حَتَّى عِنْد غير الْأَشْعَرِيّ للْإِجْمَاع عَلَيْهِ قلت أما بَين عُثْمَان وَعلي فَوَاضِح للْخلاف فِيهِ كَمَا تقدم وَأما بَين أبي بكر ثمَّ عمر ثمَّ غَيرهمَا فَهُوَ وَإِن أَجمعُوا عَلَيْهِ إِلَّا أَن فِي كَون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة خلاف فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنه حجَّة قَطْعِيَّة مُطلقًا فَيقدم على الْأَدِلَّة كلهَا وَلَا يُعَارضهُ دَلِيل أصلا وَيكفر أَو يبدع ويضلل مخالفه وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ والآمدي إِنَّه ظَنِّي مُطلقًا وَالْحق فِي ذَلِك التَّفْضِيل فَمَا اتّفق عَلَيْهِ المعتبرون حجَّة قَطْعِيَّة وَمَا اخْتلفُوا كالإجماع السكوتي وَالْإِجْمَاع الَّذِي ندر مخالفه فَهُوَ ظَنِّي وَقد علمت مِمَّا قَرّرته لَك أَن هَذَا الْإِجْمَاع لَهُ مُخَالف نَادِر فَهُوَ وَإِن لم يعْتد بِهِ فِي الْإِجْمَاع على مَا فِيهِ من الْخلاف فِي مَحَله لكنه يُورث انحطاطه عَن الْإِجْمَاع الَّذِي لَا مُخَالف لَهُ فَالْأول ظَنِّي وَهَذَا قَطْعِيّ وَبِهَذَا يتَرَجَّح مَا قَالَه غير الْأَشْعَرِيّ من أَن الْإِجْمَاع هُنَا ظَنِّي لِأَنَّهُ اللَّائِق بِمَا قَرَّرْنَاهُ من أَن الْحق عِنْد الْأُصُولِيِّينَ التَّفْضِيل الْمَذْكُور وَكَانَ الْأَشْعَرِيّ من الْأَكْثَرين الْقَائِلين بِأَنَّهُ قَطْعِيّ مُطلقًا وَمِمَّا يُؤَكد أَنه هُنَا ظَنِّي أَن المجمعين أنفسهم لم يقطعوا بالأفضلية الْمَذْكُورَة وَإِنَّمَا ظنوها فَقَط كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من عِبَارَات الْأَئِمَّة وإشاراتهم وَسبب ذَلِك أَن الْمَسْأَلَة اجتهادية وَمن مُسْتَنده أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة اخْتَارَهُمْ الله لخلافة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِقَامَة دينه فَكَانَ الظَّاهِر أَن مَنْزِلَتهمْ عِنْده بِحَسب ترتيبهم فِي الْخلَافَة وَأَيْضًا ورد فِي أبي بكر وَغَيره كعلي نُصُوص متعارضة يَأْتِي بسطها فِي الْفَضَائِل وَهِي لَا تفِيد الْقطع لِأَنَّهَا بأسرها آحَاد وظنية الدّلَالَة مَعَ كَونهَا متعارضة أَيْضا وَلَيْسَ الِاخْتِصَاص بِكَثْرَة أَسبَاب الثَّوَاب مُوجبا لزيادته المستلزمة للأفضلية قطعا بل ظنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 لِأَنَّهُ تفضل من الله فَلهُ أَن لَا يثيب الْمُطِيع ويثيب غَيره وَثُبُوت الْإِمَامَة وَإِن كَانَ قَطْعِيا لَا يُفِيد الْقطع بالأفضلية بل غَايَته الظَّن كَيفَ وَلَا قَاطع على بطلَان إِمَامَة الْمَفْضُول مَعَ وجود الْفَاضِل لكننا وجدنَا السّلف فضلوهم كَذَلِك وَحسن ظننا بهم قَاض بِأَنَّهُم لَو لم يطلعوا على دَلِيل فِي ذَلِك لما أطبقوا عَلَيْهِ فلزمنا اتباعهم فِيهِ وتفويض مَا هُوَ الْحق فِيهِ إِلَى الله تَعَالَى قَالَ الْآمِدِيّ وَقد يُرَاد بالتفضيل اخْتِصَاص أحد الشَّيْخَيْنِ عَن الآخر إِمَّا بِأَصْل فَضِيلَة لَا وجود لَهَا فِي الآخر كالعالم وَالْجَاهِل وَإِمَّا بِزِيَادَة فِيهَا لكَونه أعلم مثلا وَذَلِكَ أَيْضا غير مَقْطُوع بِهِ فِيمَا بَين الصَّحَابَة إِذْ مَا من فَضِيلَة تبين اختصاصها بِوَاحِد مِنْهُم إِلَّا وَيُمكن بَيَان مُشَاركَة غَيره لَهُ فِيهَا وَبِتَقْدِير عدم الْمُشَاركَة فقد يُمكن بَيَان اخْتِصَاص الآخر بفضيلة أُخْرَى وَلَا سَبِيل إِلَى التَّرْجِيح بِكَثْرَة الْفَضَائِل لاحْتِمَال أَن تكون الْفَضِيلَة الْوَاحِدَة أرجح من فَضَائِل كَثِيرَة إِمَّا لزِيَادَة شرفها فِي نَفسهَا أَو لزِيَادَة كميتها فَلَا جزم بالأفضلية لهَذَا الْمَعْنى أَيْضا وَأَيْضًا فحقيقة الْفضل مَا هُوَ فضل عِنْد الله وَذَلِكَ لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا بِالْوَحْي وَقد ورد الثَّنَاء عَلَيْهِم وَلَا يتَحَقَّق إِدْرَاك حَقِيقَة ذَلِك الْفضل عِنْد عدم دَلِيل قَطْعِيّ متْنا وسندا إِلَّا المشاهدون لزمن الْوَحْي وأحواله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم لظُهُور الْقَرَائِن الدَّالَّة على التَّفْضِيل حِينَئِذٍ بِخِلَاف من لم يشْهد ذَلِك نعم وصل إِلَيْنَا سمعيات أكدت عندنَا الظَّن بذلك التَّفْضِيل على ذَلِك التَّرْتِيب لإفادتها لَهُ صَرِيحًا أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 استنباطا وَسَتَأْتِي مبسوطة فِي الْفَضَائِل وَيُؤَيّد مَا مر أَنه لَا يلْزم من الْإِجْمَاع على الأحقية بالخلافة من عَليّ مَعَ اخْتلَافهمْ فِي أَيهمَا أفضل وَقد الْتبس هَذَا الْمقَام على بعض من لَا فطنة عِنْده فَظن أَن من قَالَ من الْأُصُولِيِّينَ إِن أَفضَلِيَّة أبي بكر إِنَّمَا ثبتَتْ بِالظَّنِّ لَا بِالْقطعِ يدل على أَن خِلَافَته كَذَلِك وَلَيْسَ كَمَا زعم على أَنهم كَمَا صَرَّحُوا بذلك صَرَّحُوا مَعَه بِأَن خِلَافَته قَطْعِيَّة فَكيف حِينَئِذٍ يَتَأَتَّى مَا ظَنّه ذَلِك الْبَعْض هَذَا وَلَك أَن تَقول إِن أَفضَلِيَّة أبي بكر ثبتَتْ بِالْقطعِ حَتَّى عِنْد غير الْأَشْعَرِيّ أَيْضا بِنَاء على مُعْتَقد الشِّيعَة والرافضة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ورد عَن عَليّ وَهُوَ مَعْصُوم عِنْدهم والمعصوم لَا يجوز عَلَيْهِ الْكَذِب أَن أَبَا بكر وَعمر أفضل الْأمة قَالَ الذَّهَبِيّ وَقد تَوَاتر ذَلِك عَنهُ فِي خِلَافَته وكرسي مَمْلَكَته وَبَين الجم الْغَفِير من شيعته ثمَّ بسط الْأَسَانِيد الصَّحِيحَة فِي ذَلِك قَالَ وَيُقَال رَوَاهُ عَن عَليّ نَيف وَثَمَانُونَ نفسا وَعدد مِنْهُم جمَاعَة ثمَّ قَالَ فقبح الله الرافضة مَا أجهلهم انْتهى وَمِمَّا يعضد ذَلِك مَا فِي البُخَارِيّ عَنهُ أَنه قَالَ خير النَّاس بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر ثمَّ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ رجل آخر فَقَالَ ابْنه مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة ثمَّ أَنْت فَقَالَ إِنَّمَا أَنا رجل من الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَصحح الذَّهَبِيّ وَغَيره طرقا أُخْرَى عَن عَليّ بذلك وَفِي بَعْضهَا أَلا وَإنَّهُ بَلغنِي أَن رجَالًا يفضلوني عَلَيْهِمَا فَمن وجدته فضلني عَلَيْهِمَا فَهُوَ مفتر عَلَيْهِ مَا على المفتري أَلا وَلَو كنت تقدّمت فِي ذَلِك لعاقبت أَلا وَإِنِّي أكره الْعقُوبَة قبل التَّقَدُّم وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ لَا أجد أحدا فضلني على أبي بكر وَعمر إِلَّا جلدته حد المفتري وَصَحَّ عَن مَالك عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه الباقر أَن عليا رَضِي الله عَنهُ وقف على عمر بن الْخطاب وَهُوَ مسجى وَقَالَ مَا أقلت الغبراء وَلَا أظلت الخضراء أحدا أحب إِلَيّ أَن ألْقى الله بصحيفته من هَذَا المسجى وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة أَنه قَالَ لَهُ وَهُوَ مسجى صلى الله عَلَيْك ودعا لَهُ قَالَ سُفْيَان فِي رِوَايَة قيل للباقر أليست الصَّلَاة على غير الْأَنْبِيَاء مَنْهِيّا عَنْهَا فَقَالَ هَكَذَا سَمِعت وَعَلِيهِ فيوجه بِاحْتِمَال أَن عليا قَائِل بِعَدَمِ الْكَرَاهَة عملا بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى) وَأخرج أَبُو بكر الْآجُرِيّ عَن أبي جُحَيْفَة سَمِعت عليا على مِنْبَر الْكُوفَة يَقُول إِن خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر ثمَّ خَيرهمْ عمر وَأخرج الْحَافِظ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ من طرق متنوعة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا عَنهُ أَيْضا دخلت على عَليّ فِي بَيته فَقلت يَا خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مهلا يَا أَبَا جُحَيْفَة أَلا أخْبرك بِخَير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَعمر وَيحك يَا أَبَا جُحَيْفَة لَا يجْتَمع حبي وبغض أبي بكر وَعمر فِي قلب مُؤمن وأخباره بكونهما خير الْأمة ثبتَتْ عَنهُ من رِوَايَة ابْنه مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَجَاء عَنهُ من طرق كَثِيرَة بِحَيْثُ يجْزم من تتبعها بصدور هَذَا القَوْل من عَليّ والرافضة وَنَحْوهم لما لم يكن يُمكنهُم إِنْكَار صُدُور هَذَا القَوْل مِنْهُ لظُهُوره عَنهُ بِحَيْثُ لَا يُنكره إِلَّا جَاهِل بالآثار أَو مباهت قَالُوا إِنَّمَا قَالَ عَليّ ذَلِك تقية وَمر أَن ذَلِك كذب وافتراء وَسَيَأْتِي أَيْضا وَأحسن مَا يُقَال فِي هَذَا الْمحل أَلا لعنة الله على الْكَاذِبين وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَبَا جُحَيْفَة كَانَ يرى أَن عليا أفضل الْأمة فَسمع أَقْوَامًا يخالفونه فَحزن حزنا شَدِيدا فَقَالَ لَهُ عَليّ بعد أَن أَخذ بِيَدِهِ وَأدْخلهُ بَيته مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أحزنك يَا أَبَا جُحَيْفَة فَذكر لَهُ الْخَبَر فَقَالَ أَلا أخْبرك بِخَير هَذِه الْأمة خَيرهَا أَبُو بكر ثمَّ عمر قَالَ أَبُو جُحَيْفَة فَأعْطيت الله عهدا أَن لَا أكتم هَذَا الحَدِيث بعد أَن شافهني بِهِ عَليّ مَا بقيت وَقَول الشِّيعَة والرافضة وَنَحْوهمَا إِنَّمَا ذكر عَليّ ذَلِك تقية كذب وافتراء على الله إِذْ كَيفَ يتَوَهَّم ذَلِك من لَهُ أدنى عقل أَو فهم مَعَ ذكره لَهُ فِي الْخَلَاء فِي مُدَّة خِلَافَته لِأَنَّهُ قَالَه على مِنْبَر الْكُوفَة وَهُوَ لم يدخلهَا إِلَّا بعد فَرَاغه من حَرْب أهل الْبَصْرَة وَذَلِكَ أقوى مَا كَانَ أمرا وأنفذ حكما وَذَلِكَ بعد مُدَّة مديدة من موت أبي بكر وَعمر قَالَ بعض أَئِمَّة أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ بعد أَن ذكر ذَلِك فَكيف يتعقل وُقُوع مثل هَذِه التقية المشؤومة الَّتِي أفسدوا بهَا عقائد أَكثر أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ لإظهارهم لَهُم كَمَال الْمحبَّة والتعظيم فمالوا إِلَى تقليدهم حَتَّى قَالَ بَعضهم أعز الْأَشْيَاء فِي الدُّنْيَا شرِيف سني فَلَقَد عظمت مُصِيبَة أهل الْبَيْت بهؤلاء وَعظم عَلَيْهِم أَولا وآخرا انْتهى وَمَا أحسن مَا أبطل بِهِ الباقر هَذِه التقية المشؤومة لما سُئِلَ عَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ إِنِّي أتولاهما فَقيل لَهُ إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَن ذَلِك تقية فَقَالَ إِنَّمَا يخَاف الْأَحْيَاء وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 يخَاف الْأَمْوَات فعل الله بِهِشَام بن عبد الْملك كَذَا وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فَانْظُر مَا أبين هَذَا الِاحْتِجَاج وأوضحه من مثل هَذَا الإِمَام الْعَظِيم الْمجمع على جلالته وفضله بل أُولَئِكَ الأشقياء يدعونَ فِيهِ الْعِصْمَة فَيكون مَا قَالَه وَاجِب الصدْق وَمَعَ ذَلِك فقد صرح لَهُم بِبُطْلَان تِلْكَ التقية المشؤومة عَلَيْهِم وَاسْتدلَّ لَهُم على ذَلِك بِأَن اتقاء الشَّيْخَيْنِ بعد مَوْتهمَا لَا وَجه لَهُ إِذْ لَا سطوة لَهما حِينَئِذٍ ثمَّ بَين لَهُم بدعائه على هِشَام الَّذِي هُوَ وَالِي زَمَنه وشوكته قَائِمَة أَنه إِذا لم يتقه مَعَ أَنه يخَاف يخْشَى لسطوته وَملكه وقوته وقهره فَكيف مَعَ ذَلِك يَتَّقِي الْأَمْوَات الَّذين لَا شَوْكَة لَهُم وَلَا سطوة وَإِذا كَانَ هَذَا حَال الباقر فَمَا ظَنك بعلي الَّذِي لَا نِسْبَة بَينه وَبَين الباقر فِي إقدامه وقوته وشجاعته وَشدَّة بأسه وَكَثْرَة عدته وعدده وَأَنه لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَمَعَ ذَلِك فقد صَحَّ عَنهُ بل تَوَاتر كَمَا مر مدح الشَّيْخَيْنِ وَالثنَاء عَلَيْهِمَا وأنهما خير الْأمة وَمر أَيْضا الْأَثر الصَّحِيح عَن مَالك عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه الباقر أَن عليا وقف على عمر وَهُوَ مسجى بِثَوْبِهِ وَقَالَ مَا سبق فَمَا أحْوج عليا أَن يَقُول ذَلِك تقية وَمَا أحْوج الباقر أَن يرويهِ لِابْنِهِ الصَّادِق تقية وَمَا أحْوج الصَّادِق أَن يرويهِ لمَالِك تقية فَتَأمل كَيفَ يسع الْعَاقِل أَن يتْرك مثل هَذَا الْإِسْنَاد الصَّحِيح ويحمله على التقية لشَيْء لم يَصح وَإِنَّمَا هُوَ من جهالاتهم وغباواتهم وكذبهم وحمقهم وَمَا أحسن مَا سلكه بعض الشِّيعَة المنصفين كَعبد الرَّزَّاق فَإِنَّهُ قَالَ أفضل الشَّيْخَيْنِ بتفضيل عَليّ إيَّاهُمَا على نَفسه وَإِلَّا لما فضلتهما كفى بِي وزرا أَن أحبه ثمَّ أخالفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وَمِمَّا يكذبهم فِي دَعْوَى تِلْكَ التقية المشؤومة عَلَيْهِم مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لعَلي بِأَعْلَى صَوته لما بَايع النَّاس أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ يَا عَليّ غَلَبَكُمْ على هَذَا الْأَمر أذلّ بَيت فِي قُرَيْش أما وَالله لأَمْلَأَنهَا عَلَيْهِ خيلا ورجالا إِن شِئْت فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَا عَدو الْإِسْلَام وَأَهله فَمَا أضرّ ذَلِك لِلْإِسْلَامِ وَأَهله فَعلم بطلَان مَا زعموه وافتروه من أَن عليا إِنَّمَا بَايع تقية وقهرا وَلَو كَانَ لما زعموه من ذَلِك أدنى صِحَة لنقل واشتهر عَن عَليّ إِذْ لَا دَاعِي لكتمه بل أخرج الدَّارَقُطْنِيّ وروى مَعْنَاهُ من طرق كَثِيرَة عَن عَليّ أَنه قَالَ وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة لَو عهد إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهدا لَجَاهَدْت عَلَيْهِ وَلَو لم أجد إِلَّا رِدَائي وَلم أترك ابْن أبي قُحَافَة يصعد دَرَجَة وَاحِدَة من منبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلكنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى موضعي وموضعه فَقَالَ لَهُ قُم فصل بِالنَّاسِ وَتَرَكَنِي فرضينا بِهِ لدنيانا كَمَا رَضِي بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لديننا وَمر لذَلِك مزِيد بَيَان فِي خَامِس الْأَجْوِبَة عَن خبر من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَفِي الْبَاب الثَّانِي وَفِي غَيرهمَا فراجع ذَلِك كُله فَإِنَّهُ مُهِمّ وَمِمَّا يلْزم من الْمَفَاسِد والمساوئ والقبائح الْعَظِيمَة على مَا زعموه من نِسْبَة عَليّ إِلَى التقية أَنه كَانَ جَبَانًا ذليلا مقهورا أَعَاذَهُ الله من ذَلِك وحروبه للبغاة لما صَارَت الْخلَافَة لَهُ ومباشرته ذَلِك بِنَفسِهِ ومبارزته للألوف من الْأُمُور المستفيضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الَّتِي تقطع بكذب مَا نسبه إِلَيْهِ أُولَئِكَ الحمقى والغلاة إِذْ كَانَت الشَّوْكَة من الْبُغَاة قَوِيَّة جدا وَلَا شكّ أَن بني أُميَّة كَانُوا أعظم قبائل قُرَيْش شَوْكَة وَكَثْرَة جَاهِلِيَّة وإسلاما وَقد كَانَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب رَضِي الله عَنهُ هُوَ قَائِد الْمُشْركين يَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب وَغَيرهمَا وَقد قَالَ لعَلي لما بُويِعَ أَبُو بكر مَا مر آنِفا فَرد عَلَيْهِ ذَلِك الرَّد الْفَاحِش وَأَيْضًا فبنو تيم ثمَّ بَنو عدي قوما الشَّيْخَيْنِ من أَضْعَف قبائل قُرَيْش فسكوت عَليّ لَهما مَعَ أَنَّهُمَا كَمَا ذكر وقيامه بِالسَّيْفِ على الْمُخَالفين لما انْعَقَدت الْبيعَة لَهُ مَعَ قُوَّة شكيمتهم أوضح دَلِيل على أَنه كَانَ دائرا مَعَ الْحق حَيْثُ دَار وَأَنه من الشجَاعَة بِالْمحل الْأَسْنَى وَأَنه لَو كَانَ مَعَه وَصِيَّة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمر الْقيام على النَّاس لأنفذ وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو كَانَ السَّيْف على رَأسه مسلطا لَا يرتاب فِي ذَلِك إِلَّا من اعْتقد فِيهِ رَضِي الله عَنهُ مَا هُوَ بَرِيء مِنْهُ وَمِمَّا يلْزمهُم أَيْضا على تِلْكَ التقية المشؤومة عَلَيْهِم أَنه رَضِي الله عَنهُ لَا يعْتَمد على قَوْله قطّ لِأَنَّهُ حَيْثُ لم يزل فِي اضْطِرَاب من أمره فَكل مَا قَالَه يحْتَمل أَنه خَالف فِيهِ الْحق خوفًا وتقية ذكره شيخ الْإِسْلَام الْغَزالِيّ قَالَ غَيره بل يلْزمهُم مَا هُوَ أشنع من ذَلِك واقبح كَقَوْلِهِم إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعين الْإِمَامَة إِلَّا لعَلي فَمنع من ذَلِك فَقَالَ مروا أَبَا بكر تقية فيتطرق احْتِمَال ذَلِك إِلَى كل مَا جَاءَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يُفِيد حِينَئِذٍ إِثْبَات الْعِصْمَة شَيْئا وَأَيْضًا فقد استفاض عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ لَا يُبَالِي بِأحد حَتَّى قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ مَا نفر النَّاس عَن عَليّ إِلَّا أَنه كَانَ لَا يُبَالِي بِأحد فَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّه كَانَ زاهدا والزاهد لَا يُبَالِي بالدنيا وَأَهْلهَا وَكَانَ عَالما والعالم لَا يُبَالِي بِأحد وَكَانَ شجاعا والشجاع لَا يُبَالِي بِأحد وَكَانَ شريفا والشريف لَا يُبَالِي بِأحد أخرجه الْبَيْهَقِيّ وعَلى تَقْدِير أَنه قَالَ ذَلِك تقية فقد انْتَفَى مقتضيها بولايته وَقد مرعنه من مدح الشَّيْخَيْنِ فِيهَا وَفِي الْخلْوَة وعَلى مِنْبَر الْخلَافَة مَعَ غَايَة الْقُوَّة والمنعة مَا تلِي عَلَيْك قَرِيبا فَلَا تغفل عَنهُ وَأخرج أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ من طرق أَن بَعضهم مر بِنَفر يسبون الشَّيْخَيْنِ فَأخْبر عليا وَقَالَ لَوْلَا أَنهم يرَوْنَ أَنَّك تضمر مَا أعْلنُوا مَا اجترءوا على ذَلِك فَقَالَ عَليّ أعوذ بِاللَّه رحمهمَا الله ثمَّ نَهَضَ فَأخذ بيد ذَلِك الْمخبر وَأدْخلهُ الْمَسْجِد فَصَعدَ الْمِنْبَر ثمَّ قبض على لحيته وَهِي بَيْضَاء فَجعلت دُمُوعه تتحادر على لحيته وَجعل ينظر الْبِقَاع حَتَّى اجْتمع النَّاس ثمَّ خطب خطْبَة بليغة من جُمْلَتهَا مَا بَال أَقوام يذكرُونَ أخوي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووزيريه وصاحبيه وسيدي قُرَيْش وأبوي الْمُسلمين وَأَنا مِمَّا يذكرُونَ بَرِيء وَعَلِيهِ معاقب صحبا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجد وَالْوَفَاء وَالْجد فِي أَمر الله يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان لَا يرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كرأيهما رَأيا وَلَا يحب كحبهما حبا لما يرى من عزمهما فِي أَمر الله فَقبض وَهُوَ عَنْهُمَا رَاض والمسلمون راضون فَمَا تجاوزا فِي أَمرهمَا وسيرتهما رَأْي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمره فِي حَيَاته وَبعد مَوته فقبضا على ذَلِك رحمهمَا الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فوالذي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة لَا يحبهما إِلَّا مُؤمن فَاضل وَلَا يبغضهما ويخالفهما إِلَّا شقي مارق حبهما قربَة وبغضهما مروق ثمَّ ذكر أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر بِالصَّلَاةِ وَهُوَ يرى مَكَان عَليّ ثمَّ ذكر أَنه بَايع أَبَا بكر ثمَّ ذكر اسْتِخْلَاف أبي بكر لعمر ثمَّ قَالَ أَلا وَلَا يبلغنِي عَن أحد أَنه يبغضهما إِلَّا جلدته حد المفتري وَفِي رِوَايَة وَمَا اجترؤا على ذَلِك أَي سبّ الشَّيْخَيْنِ إِلَّا وهم يرَوْنَ أَنَّك مُوَافق لَهُم مِنْهُم عبد الله بن سبأ وَكَانَ أول من أظهر ذَلِك فَقَالَ عَليّ معَاذ الله أَن أضمر لَهما ذَلِك لعن الله من أضمر لَهما إِلَّا الْحسن الْجَمِيل وسترى ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ أرسل إِلَى ابْن سبأ فسيره إِلَى الْمَدَائِن وَقَالَ لَا يساكني فِي بَلْدَة أبدا قَالَ الْأَئِمَّة وَكَانَ ابْن سبأ هَذَا يَهُودِيّا فأظهر الْإِسْلَام وَكَانَ كَبِير طَائِفَة من الروافض وهم الَّذين أخرجهم عَليّ رَضِي الله عَنهُ لما ادعوا فِيهِ الألوهية وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من طرق أَن عليا بلغه أَن رجلا يعيب أَبَا بكر وَعمر فَأحْضرهُ وَعرض لَهُ بعيبهما لَعَلَّه يعْتَرف فَفطن فَقَالَ لَهُ أما وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَقِّ أَن لَو سَمِعت مِنْك الَّذِي بَلغنِي أَو الَّذِي نبئت عَنْك وَثَبت عَلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ببيته لَأَفْعَلَنَّ بك كَذَا وَكَذَا إِذا تقرر ذَلِك فاللائق بِأَهْل الْبَيْت النَّبَوِيّ اتِّبَاع سلفهم فِي ذَلِك والإعراض مِمَّا يدسه إِلَيْهِم الرافضة وغلاة الشِّيعَة من قبائح الْجَهْل والغباوة والعناد فالحذر الحذر عَمَّا يلقونه إِلَيْهِم أَن كل من اعْتقد تَفْضِيل أبي بكر على عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ كَافِرًا لِأَن مُرَادهم بذلك أَن يقرروا عِنْدهم تَكْفِير الْأمة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من أَئِمَّة الدّين وعلماء الشَّرِيعَة وعوامهم وَأَنه لَا مُؤمن غَيرهم وَهَذَا مؤد إِلَى هدم قَوَاعِد الشَّرِيعَة من اصلها وإلغاء الْعَمَل بكتب السّنة وَمَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن صحابته وَأهل بَيته إِذْ الرَّاوِي لجَمِيع آثَارهم وأخبارهم وللأحاديث بأسرها بل والناقل لِلْقُرْآنِ فِي كل عصر من عصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى هَلُمَّ هم الصَّحَابَة والتابعون وعلماء الدّين إِذْ لَيْسَ لنَحْو الرافضة رِوَايَة وَلَا دراية يَدْرُونَ بهَا فروع الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا غَايَة أَمرهم أَن يَقع فِي خلال بعض الْأَسَانِيد من هُوَ رَافِضِي أَو نَحوه وَالْكَلَام فِي قبولهم مَعْرُوف عِنْد أَئِمَّة الْأَثر ونقاد السّنة فَإِذا قَدَحُوا فيهم قَدَحُوا فِي الْقُرْآن وَالسّنة وأبطلوا الشَّرِيعَة رَأْسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وَصَارَ الْأَمر كَمَا فِي زمن الْجَاهِلِيَّة الجهلاء فلعنة الله وأليم عِقَابه وعظائم نقمته على من يفتري على الله وعَلى نبيه بِمَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال مِلَّته وَهدم شَرِيعَته وَكَيف يسع الْعَاقِل أَن يعْتَقد كفر السوَاد الْأَعْظَم من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ إقرارهم بِالشَّهَادَتَيْنِ وقبلولهم لشريعة نَبِيّهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير مُوجب للتكفير وهب أَن عليا أفضل من ابي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي نفس الْأَمر أَلَيْسَ الْقَائِلُونَ بأفضلية أَب بكر معذورين لأَنهم إِنَّمَا قَالُوا بذلك لأدلة صرحت بِهِ هم مجتهدون والمجتهد إِذا أَخطَأ لَهُ أجر فَكيف يُقَال حِينَئِذٍ بالتكفير وَهُوَ لَا يكون إِلَّا بإنكار مجمع عَلَيْهِ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ عنادا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة وَأما مَا يفْتَقر إِلَى نظر واستدلال فَلَا كفر بإنكاره وَإِن أجمع عَلَيْهِ على مَا فِيهِ من الْخلاف وَانْظُر إِلَى إنصافنا معشر أهل السّنة وَالْجَمَاعَة الَّذين طهرنا الله من الرذائل والجهالات والعناد والتعصب والحمق والغباوة فإننا لم نكفر الْقَائِلين بأفضلية عَليّ على أبي بكر وَإِن كَانَ ذَلِك عندنَا خلاف مَا أجمعنا عَلَيْهِ فِي كل عصر منا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا مر أول هَذَا الْبَاب بل أَقَمْنَا لَهُم الْعذر الْمَانِع من التَّكْفِير وَمن كفر الرافضة من الْأمة فلأمور أُخْرَى من قبائحهم انضمت إِلَى ذَلِك فالحذر الحذر من اعْتِقَاد كفر من قلبه مَمْلُوء بِالْإِيمَان بِغَيْر مُقْتَض تقليدا للجهال الضَّالة الغالية وَتَأمل مَا صَحَّ وَثَبت عَن عَليّ وَأهل بَيته من تصريحهم بتفضيل الشَّيْخَيْنِ على عَليّ فَإِن هَؤُلَاءِ الحمقى وَإِن حملوه على التقية الْبَاطِلَة المشؤومة عَلَيْهِم فَلَا أقل من أَن يكون عذرا لأهل السّنة فِي اتباعهم لعَلي وَأهل بَيته فيجتنب اعْتِقَاد الْكفْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 فيهم فَإِنَّهُم لم يشقوا عَن قلب عَليّ حَتَّى يعلمُوا أَن ذَلِك تقية بل قَرَائِن أَحْوَاله وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من عَظِيم الشجَاعَة والإقدام وَأَنه لَا يهاب أحدا وَلَا يخْشَى فِي الله لومة لائم قَاطِعَة بِعَدَمِ التقية فَلَا أقل أَن يجْعَلُوا ذَلِك مِنْهُم شُبْهَة لأهل السّنة مَانِعَة من اعْتِقَادهم كفرهم سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم خَاتِمَة سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام مُحَقّق عصره أَبُو زرْعَة الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ رَحمَه الله عَمَّن اعْتقد فِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة الْأَفْضَلِيَّة على التَّرْتِيب الْمَعْلُوم وَلكنه يحب أحدهم أَكثر هَل يَأْثَم فَأجَاب بِأَن الْمحبَّة قد تكون لأمر ديني وَقد تكون لأمر دُنْيَوِيّ فالمحبة الدِّينِيَّة لَازِمَة للأفضلية فَمن كَانَ افضل كَانَت محبتنا الدِّينِيَّة لَهُ أَكثر فَمَتَى اعتقدنا فِي وَاحِد مِنْهُم أَنه أفضل ثمَّ أحببنا غَيره من جِهَة الدّين أَكثر كَانَ تناقضا نعم إِن أحببنا غير الْأَفْضَل أَكثر من محبَّة الْأَفْضَل لأمر دُنْيَوِيّ كقرابة وإحسان وَنَحْوه فَلَا تنَاقض فِي ذَلِك وَلَا امْتنَاع فَمن اعْترف بِأَن أفضل هَذِه الْأمة بعد نبيها صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ لكنه أحب عليا أَكثر من أبي بكر مثلا فَإِن كَانَت الْمحبَّة الْمَذْكُورَة محبَّة دينية فَلَا معنى لذَلِك إِذْ الْمحبَّة الدِّينِيَّة لَازِمَة للأفضلية كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَهَذَا لم يعْتَرف بأفضلية أبي بكر إِلَّا بِلِسَانِهِ وَأما بِقَلْبِه فَهُوَ مفضل لعَلي لكَونه أحبه محبَّة دينية زَائِدَة على محبَّة أبي بكر وَهَذَا لَا يجوز وَإِن كَانَت الْمحبَّة الْمَذْكُورَة محبَّة دنيوية لكَونه من ذُرِّيَّة عَليّ أَو لغير ذَلِك من الْمعَانِي فَلَا امْتنَاع فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَالصَّحِيح الِامْتِنَاع لما تقدم من قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَا يجْتَمع حبي وبغض أبي بكر فِي قلب مُؤمن يعرف ضعف ذَلِك عقلا ونقلا وَأهل الْبَيْت مطهرون مبرؤون لَا يصدر عَنْهُم إِلَّا الْمحبَّة والمودة انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر فَضَائِل أبي بكر الْوَارِدَة فِيهِ وَحده وفيهَا آيَات وَأَحَادِيث أما الْآيَات فَالْأولى قَوْله تَعَالَى وسيجنبها الأتقى الَّذِي يُؤْتِي مَاله يتزكى وَمَا لأحد عِنْد من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى ولسوف يرضى اللَّيْل 21 - 17 قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَجمعُوا أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر فَفِيهَا التَّصْرِيح بِأَنَّهُ أتقى من سَائِر الْأمة والأتقى هُوَ الأكرم عِنْد الله لقَوْله تَعَالَى {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} والأكرم عِنْد الله هُوَ الْأَفْضَل فنتج أَنه افضل من بَقِيَّة الْأمة وَلَا يُمكن حملهَا على عَليّ خلافًا لما افتراه بعض الجهلة لِأَن قَوْله وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى يصرفهُ عَن حمله على عَليّ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رباه فَلهُ عَلَيْهِ نعْمَة أَي نعْمَة تجزى وَإِذا خرج عَليّ تعين أَبُو بكر للْإِجْمَاع على أَن ذَلِك الأتقى هُوَ أَحدهمَا لَا غير وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ أَن أَبَا بكر أعتق سَبْعَة كلهم يعذب فِي الله فَأنْزل الله قَوْله وسيجنبها الأتقى إِلَى آخر السُّورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى إِن سعيكم لشتى اخْرُج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَن أَبَا بكر اشْترى بِلَالًا من أُميَّة بن خلف وَأبي بن خلف بِبُرْدَةٍ وَعشرَة أَوَاقٍ فَأعْتقهُ لله فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة أَي إِن سعي أبي بكر وَأُميَّة وَأبي لمفترق فرقانا عَظِيما فشتان مَا بَينهمَا الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ وأيده بِجُنُود لم تَرَوْهَا} أجمع الْمُسلمُونَ على أَن المُرَاد بالصاحب هُنَا أَبُو بكر وَمن ثمَّ من أنكر صحبته كفر إِجْمَاعًا وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن الضَّمِير فِي {فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ} لأبي بكر أَي وَلَا يُنَافِيهِ وأيده بِجُنُود إرجاعا للضمير فِي كل إِلَى مَا يَلِيق بِهِ جلالة ابْن عَبَّاس قاضية بِأَنَّهُ لَوْلَا علم فِي ذَلِك نصا لما حمل الْآيَة عَلَيْهِ مَعَ مُخَالفَة ظَاهرهَا لَهُ الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون أخرج الْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي تَفْسِيرهَا الَّذِي جَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 بِالْحَقِّ هُوَ مُحَمَّد وَالَّذِي صدق بِهِ أَبُو بكر قَالَ ابْن عَسَاكِر هَكَذَا الرِّوَايَة بِالْحَقِّ ولعلها قِرَاءَة لعَلي الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} أخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَيُؤَيِّدهُ الْخَبَر الْآتِي إِن الله أَمرنِي أَن أستشير أَبَا بكر الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ} أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم أَنَّهَا نزلت فيهمَا الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته ليخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد لما نزل {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا أنزل الله عَلَيْك خيرا إِلَّا أشركنا فِيهِ فَنزل هُوَ الَّذِي يُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته ليخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور) الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ إحسانا حَملته أمه كرها وَوَضَعته كرها وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا حَتَّى إِذا بلغ أشده وَبلغ أَرْبَعِينَ سنة قَالَ رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه وَأصْلح لي فِي ذريتي إِنِّي تبت إِلَيْك وَإِنِّي من الْمُسلمين أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز عَن سيآتهم فِي أَصْحَاب الْجنَّة وعد الصدْق الَّذِي كَانُوا يوعدون أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن ذَلِك جَمِيعه نزل فِي أبي بكر وَمن تَأمل ذَلِك وجد فِيهِ من عظم المنقبة لَهُ والْمنَّة عَلَيْهِ مَا لم يُوجد نَظِيره لأحد من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم كَمَا مر ذَلِك عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا الْآيَة الْحَادِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين والمهاجرين فِي سَبِيل الله وليعفوا وليصفحوا أَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 تحبون أَن يغْفر الله لكم وَالله غَفُور رَحِيم) نزلت كَمَا فِي البُخَارِيّ وَغَيره عَن عَائِشَة فِي أبي بكر لما حلف أَن لَا ينْفق على مسطح لكَونه كَانَ من جملَة من رمى عَائِشَة بالإفك الَّذِي تولى الله سُبْحَانَهُ براءتها مِنْهُ بِالْآيَاتِ الَّتِي أنزلهَا فِي شَأْنهَا وَلما نزلت قَالَ أَبُو بكر بلَى وَالله يَا رَبنَا إِنَّا لنحب أَن تغْفر لنا وَعَاد لَهُ بِمَا كَانَ يصنع أَي يُنْفِقهُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ أَيْضا عَنْهَا فِي حَدِيث الْإِفْك الطَّوِيل وَأنزل الله تَعَالَى إِن الَّذين جَاءُوا بالإفك عصبَة مِنْكُم الْعشْر الْآيَات كلهَا فَلَمَّا أنزل الله هَذَا فِي براءتي قَالَ ابو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ ينْفق على مسطح بن أَثَاثَة لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقره وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا بعد الَّذِي قَالَ فِي عَائِشَة مَا قَالَ فَأنْزل الله وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة وَذكرت الْآيَة السَّابِقَة ثمَّ قَالَت قَالَ أَبُو بكر بلَى وَالله إِنِّي لأحب أَن يغْفر الله لي فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ ينْفق عَلَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا أَنْزعهَا مِنْهُ أبدا تَنْبِيه علم من حَدِيث الْإِفْك الْمشَار إِلَيْهِ أَن من نسب عَائِشَة إِلَى الزِّنَا كَانَ كَافِرًا وَهُوَ مَا صرح بِهِ أَئِمَّتنَا وَغَيرهم لِأَن فِي ذَلِك تَكْذِيب النُّصُوص القرآنية ومكذبها كَافِر بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَبِه يعلم الْقطع بِكفْر كثيرين من غلاة الروافض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 لأَنهم ينسبونها إِلَى ذَلِك قَاتلهم الله أَنى يؤفكون الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ} الْآيَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ عَاتب الله الْمُسلمين كلهم فِي رَسُول الله إِلَّا أَبَا بكر وَحده فَإِنَّهُ خرج من المعاتبة ثمَّ قَرَأَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} الْآيَة وَأما الْأَحَادِيث فَهِيَ كَثِيرَة مَشْهُورَة وَقد مر فِي الْفَصْل الثَّالِث من الْبَاب الأول مِنْهَا جملَة إِذْ الْأَرْبَعَة عشر السَّابِقَة ثمَّ الدَّالَّة على خِلَافَته وَغَيرهَا من رفيع شَأْنه وَقدره غَايَة فِي كَمَاله وغرة فِي فضائله وأفضاله فَلذَلِك بنيت عَلَيْهَا فِي الْعد هُنَا فَقلت الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج الشَّيْخَانِ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ (عَائِشَة) فَقلت من الرِّجَال فَقَالَ (أَبوهَا) فَقلت ثمَّ من فَقَالَ (عمر بن الْخطاب) فعد رجَالًا وَفِي رِوَايَة لست أَسأَلك عَن أهلك إِنَّمَا أَسأَلك عَن أَصْحَابك الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كُنَّا فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نعدل بِأبي بكر أحدا ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ثمَّ نَتْرُك أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نفاضل بَينهم وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا كُنَّا نخير بَين النَّاس فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نخير أَبَا بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد كُنَّا نقُول وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ أفضل أمته بعده أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان زَاد الطَّبَرَانِيّ فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُنكره وَفِي البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قلت لأبي يَعْنِي عليا رَضِي الله عَنْهُمَا أَي النَّاس خير بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر فَقلت ثمَّ من قَالَ عمر وخشيت أَن يَقُول عُثْمَان قلت ثمَّ أَنْت قَالَ مَا أَنا إِلَّا وَاحِد من الْمُسلمين وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر كُنَّا وَفينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفضل أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعليا وَأخرج أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة كُنَّا معشر أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن متوافرون نقُول أفضل هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ نسكت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن جَابر أَن عمر قَالَ لأبي بكر يَا خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر أما أَنَّك لَو قلت ذَلِك فَلَقَد سمعته يَقُول (مَا طلعت الشَّمْس على خير من عمر) وَمر أَنه تَوَاتر عَن عَليّ خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَعمر وَأَنه قَالَ لَا يُفَضِّلُنِي أحد على أبي بكر وَعمر إِلَّا جلدته حد المفتري أخرجه ابْن عَسَاكِر وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن عمر قَالَ ابو بكر سيدنَا وخيرنا وأحبنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْن عَسَاكِر أَن عمر صعد الْمِنْبَر ثمَّ قَالَ أَلا إِن افضل هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر فَمن قَالَ غير هَذَا فَهُوَ مفتر عَلَيْهِ مَا على المفتري الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَأَبُو نعيم وَغَيرهمَا من طرق عَن أبي الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا طلعت الشَّمْس وَلَا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إِلَّا أَن يكون نَبيا) وَفِي لفظ مَا طلعت الشَّمْس على أحد بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ افضل من أبي بكر وَورد أَيْضا فِي حَدِيث جَابر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَلَفظه مَا طلعت الشَّمْس على أحد مِنْكُم افضل مِنْهُ وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَغَيره وَله شَوَاهِد من وُجُوه أخر تقضي لَهُ بِالصِّحَّةِ أَو الْحسن وَقد أَشَارَ ابْن كثير إِلَى الحكم بِصِحَّتِهِ الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أسعد بن زُرَارَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن روح الْقُدس جِبْرِيل أَخْبرنِي إِن خير أمتك بعْدك أَبُو بكر) الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَبُو بكر خير النَّاس إِلَّا أَن يكون نَبِي) الحَدِيث الْعشْرُونَ اخْرُج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو بكر صَاحِبي ومؤنسي فِي الْغَار سدوا كل خوخة فِي الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر) الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أخرج الديلمي عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 قَالَ (أَبُو بكر مني وَأَنا مِنْهُ وَأَبُو بكر أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ اخْرُج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَتَانِي جِبْرِيل وَأخذ بيَدي فَأرَانِي بَاب الْجنَّة الَّذِي تدخل مِنْهُ أمتِي فَقَالَ أَبُو بكر وددت أَنِّي كنت مَعَك حَتَّى أنظر إِلَيْهِ فَقَالَ أما إِنَّك يَا أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي) الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن أَبَا بكر يؤول الرُّؤْيَا وَإِن رُؤْيَاهُ الصَّالِحَة حَظه من النُّبُوَّة) أَي نصِيبه من آثَار نبوة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المفاضة عَلَيْهِ لمزيد صدقه وتخليه لَهَا عَن سَائِر حظوظه وأغراضه وعظيم فنائه عَن نَفسه وَأَهله الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج الديلمي عَن سَمُرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أمرت أَن أولي الرُّؤْيَا أَبَا بكر) الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّه لَيْسَ فِي النَّاس أحد أَمن عَليّ فِي نَفسه وَمَاله من أبي بكر بن أبي قُحَافَة وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 خَلِيلًا وَلَكِن خلة الْإِسْلَام افضل سدوا عني كل خوخة فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر (أَنْت عَتيق من النَّار) الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر (أَنْت صَاحِبي على الْحَوْض وصاحبي فِي الْغَار) الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج أَبُو يعلى فِي مُسْنده وَابْن سعد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت إِنِّي لفي بَيْتِي ذَات يَوْم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي الفناء والستر بيني وَبينهمْ إِذْ أقبل أَبُو بكر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سره أَن ينظر إِلَى عَتيق من النَّار فَلْينْظر إِلَى أبي بكر) وَإِن اسْمه الَّذِي سَمَّاهُ أَهله عبد الله فغلب عَلَيْهِ اسْم عَتيق الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج الْحَاكِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر (أيا أَبَا بكر أَنْت عَتيق الله من النَّار) فَمن يَوْمئِذٍ سمي عتيقا الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ // بِسَنَد جيد // عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ اسْم أبي بكر عبد الله فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنْت عَتيق الله من النَّار) فَسُمي عتيقا تَنْبِيه يُسْتَفَاد من هَذِه الْأَحَادِيث مَا هُوَ الْأَصَح عِنْد الْعلمَاء أَن اسْم أبي بكر عبد الله وَأَن لقبه عَتيق الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْحَاكِم // بِسَنَد جيد // أَن عَائِشَة قَالَت جَاءَ الْمُشْركُونَ إِلَى أبي بكر فَقَالُوا هَل لَك إِلَى صَاحبك يزْعم أَنه أسرِي بِهِ اللَّيْلَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ وَقَالَ ذَلِك قَالُوا نعم فَقَالَ لقد صدق إِنِّي لَأُصَدِّقهُ بأبعد من ذَلِك بِخَبَر السَّمَاء غدْوَة وروحة فَلذَلِك سمي الصّديق وَورد هَذَا الحَدِيث أَيْضا من حَدِيث أنس وَأبي هُرَيْرَة وَأم هَانِئ أسْند الْأَوَّلين ابْن عَسَاكِر وَالثَّالِث الطَّبَرَانِيّ الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ أخرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه عَن أبي وهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 مولى أبي هُرَيْرَة قَالَ لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ فَكَانَ بِذِي طوى فَقَالَ (يَا جِبْرِيل إِن قومِي لَا يصدقوني فَقَالَ يصدقك أَبُو بكر وَهُوَ الصّديق) وَوَصله الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي وهب عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرج الْحَاكِم عَن النزال بن سُبْرَة قُلْنَا لعَلي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أخبرنَا عَن أبي بكر فَقَالَ ذَاك امْرُؤ سَمَّاهُ الله الصّديق على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا // إِسْنَاده جيد // وَصَحَّ عَن حكم ابْن سعيد سَمِعت عليا يحلف لأنزل الله اسْم أبي بكر من السَّمَاء الصّديق الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْحَاكِم عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا صحب النبين وَالْمُرْسلِينَ أَجْمَعِينَ وَلَا صَاحب يس أفضل من أبي بكر الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا لأحد عندنَا يَد إِلَّا وَقد كافيناه بهَا مَا خلا أَبَا بكر فَإِن لَهُ عندنَا يدا يُكَافِئهُ الله بهَا يَوْم الْقِيَامَة وَمَا نَفَعَنِي مَال أحد قطّ مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا أَلا إِن صَاحبكُم أَي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلِيل الله) الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ اخْرُج الشَّيْخَانِ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي من أَبْوَاب الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير لَك فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة قَالَ أَبُو بكر وَهل يدعى أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا قَالَ نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم) الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يَنْبَغِي لقوم فيهم أَبُو بكر أَن يؤمهم غَيره) وَلِهَذَا الحَدِيث تعلق تَامّ ومناسبة ظَاهِرَة بِأَحَادِيث الْخلَافَة الْأَرْبَعَة عشر السَّابِقَة الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج الشَّيْخَانِ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي بكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ فِي الْغَار (يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما) الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ اخْرُج عَبْدَانِ الْمروزِي وَابْن قَانِع عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 فهزاذ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا أَيهَا النَّاس احْفَظُونِي فِي أبي بكر فَإِنَّهُ لم يَسُؤْنِي مُنْذُ صحبني) الحَدِيث الْحَادِي التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد لَا يرفعن أحد من هَذِه الْأمة كِتَابَة قبل أبي بكر) الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله اتخذ لي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَإِن خليلي أَبُو بكر) وَفِيه معارضته لما مر آنِفا فِي رَابِع أَحَادِيث الْخلَافَة إِلَّا أَن يحمل ذَاك على كَمَال الْخلَّة وَهَذَا على نوع مِنْهَا الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَارِث وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن شاهين عَن معَاذ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله يكره فَوق سمائه أَن يُخطئ أَبُو بكر فِي الأَرْض) وَفِي رِوَايَة إِن الله يكره أَن يخطأ أَبُو بكر رِجَاله ثِقَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (مَا أحد عِنْدِي أعظم يدا من أبي بكر واساني بِنَفسِهِ وَمَاله وأنكحني ابْنَته الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (رَأَيْت أَنِّي وضعت فِي كفة وَأمتِي فِي كفة فعدلتها ثمَّ وضع أَبُو بكر فِي كفة وَأمتِي فِي كفة فعدلها ثمَّ وضع عمر فِي كفة وَأمتِي فِي كفة فعدلها ثمَّ وضع عُثْمَان فِي كفة وَأمتِي فِي كفة فعدلها ثمَّ رفع الْمِيزَان الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر) وَسَتَأْتِي تتمته الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة والضياء عَن سعيد بن زيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عشرَة فِي الْجنَّة النَّبِي فِي الْجنَّة وَأَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فِي الْجنَّة) الحَدِيث وَسَتَأْتِي تتمته أَيْضا الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد والضياء عَن سعيد بن زيد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَبُو بكر فِي الْجنَّة) الحَدِيث وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (رحم الله أَبَا بكر زَوجنِي ابْنَته وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة وَأعْتق بِلَالًا من مَاله وَمَا نَفَعَنِي مَال فِي الْإِسْلَام مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر) وَقَوله (حَملَنِي إِلَى دَار الْهِجْرَة) قد يُنَافِيهِ حَدِيث البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْخُذ الرَّاحِلَة من أبي بكر إِلَّا بِالثّمن إِلَّا أَن يجمع بِأَنَّهُ أَخذهَا أَولا بِالثّمن ثمَّ ابرأ أَبُو بكر ذمَّته للْحَدِيث وَسَتَأْتِي تتمته الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ أخرج البُخَارِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ كنت جَالِسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ اقبل أَبُو بكر فَسلم وَقَالَ إِنِّي كَانَ بيني وَبَين عمر بن الْخطاب شَيْء فأسرعت إِلَيْهِ ثمَّ نَدِمت فَسَأَلته أَن يغْفر لي فَأبى عَليّ فَأَقْبَلت إِلَيْك فَقَالَ (يغْفر الله لَك يَا أَبَا بكر يغْفر الله لَك يَا أَبَا بكر يغْفر الله لَك يَا أَبَا بكر) ثمَّ إِن عمر نَدم فَأتى منزل أبي بكر فَلم يجده فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم فَجعل وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتمعر حَتَّى أشْفق أَبُو بكر فَجَثَا على رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنا كنت أظلم مِنْهُ أَنا كنت أظلم مِنْهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْكُم فقلتم كذبت وَقَالَ أَبُو بكر صدقت وواساني بِنَفسِهِ وَمَاله فَهَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي فَهَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي) فَمَا أوذي أَبُو بكر بعْدهَا واخرج ابْن عدي من حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا نَحوه وَفِيه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تؤذوني فِي صَاحِبي فَإِن الله بَعَثَنِي بِالْهدى وَدين الْحق فقلتم كذبت وَقَالَ أَبُو بكر صدقت وَلَوْلَا أَن الله سَمَّاهُ صاحبا لاتخذته خَلِيلًا وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام) الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْمِقْدَام قَالَ استب عقيل ابْن أبي طَالب وَأَبُو بكر قَالَ وَكَانَ أَبُو بكر سبابا أَو نسابا غير أَنه تحرج من قرَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 عقيل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْرض عَنهُ وشكاه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّاس فَقَالَ (أَلا تدعون لي صَاحِبي مَا شَأْنكُمْ وشأنه فوَاللَّه مَا مِنْكُم رجل إِلَّا على بَاب بَيته ظلمَة إِلَّا بَاب أبي بكر فَإِن على بَابه النُّور وَلَقَد قُلْتُمْ كذبت وَقَالَ أَبُو بكر صدقت وأمسكتم الْأَمْوَال وجاد لي بِمَالِه وخذلتموني وواساني واتبعني) الحَدِيث الْخَمْسُونَ أخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من جر ثَوْبه خُيَلَاء لم ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة) فَقَالَ أَبُو بكر إِن أحد شقي ثوبي يسترخي إِلَّا أَن أتعاهد ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّك لست تصنع ذَلِك خُيَلَاء) الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ أخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أصبح مِنْكُم الْيَوْم صَائِما قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن تبع مِنْكُم الْيَوْم جَنَازَة قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن أطْعم مِنْكُم الْيَوْم مِسْكينا قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن عَاد مِنْكُم الْيَوْم مَرِيضا قَالَ أَبُو بكر أَنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اجْتَمعْنَ فِي امْرِئ إِلَّا دخل الْجنَّة) وَفِي رِوَايَة عَن أنس وَجَبت لَك الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ اخْرُج الْبَزَّار عَن عبد الرَّحْمَن بن ابي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح ثمَّ اقبل على أَصْحَابه بِوَجْهِهِ فَقَالَ (من أصبح مِنْكُم الْيَوْم صَائِما فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله لم أحدث نَفسِي بِالصَّوْمِ البارحة فَأَصْبَحت مُفطرا فَقَالَ أَبُو بكر وَلَكِن حدثت نَفسِي بِالصَّوْمِ البارحة فَأَصْبَحت صَائِما فَقَالَ هَل مِنْكُم أحد الْيَوْم عَاد مَرِيضا فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله لم نَبْرَح فَكيف نعود الْمَرِيض فَقَالَ أَبُو بكر بَلغنِي أَن أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف شَاك فَجعلت طريقي عَلَيْهِ لأنظر كَيفَ أصبح فَقَالَ هَل مِنْكُم من أطْعم الْيَوْم مِسْكينا فَقَالَ عمر صلينَا يَا رَسُول الله لم نَبْرَح فَقَالَ أَبُو بكر دخلت الْمَسْجِد فَإِذا سَائل فَوجدت كسرة من خبز الشّعير فِي يَد عبد الرَّحْمَن فأخذتها فدفعتها إِلَيْهِ فَقَالَ أَنْت فأبشر بِالْجنَّةِ ثمَّ قَالَ كلمة أرْضى بهَا عمر زعم أَنه لم يرد خيرا قطّ إِلَّا سبقه إِلَيْهِ أَبُو بكر كَذَا لفظ هَذَا الحَدِيث فِي النُّسْخَة الَّتِي رايتها وَفِيه مَا يحْتَاج إِلَى التَّأَمُّل واخرج أَبُو يعلى عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كنت فِي الْمَسْجِد أُصَلِّي فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر فوجدني أَدْعُو فَقَالَ (سل تعطه) ثمَّ قَالَ (من أَرَادَ أَن يقْرَأ الْقُرْآن غضا طريا فليقرأ بِقِرَاءَة ابْن أم عبد) فَرَجَعت إِلَى منزلي فَأَتَانِي أَبُو بكر فبشرني ثمَّ أَتَانِي عمر فَوجدَ أَبَا بكر خَارِجا قد سبقه فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 (إِنَّك لسباق بِالْخَيرِ) الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ أخرج أَحْمد // بِسَنَد حسن // عَن ربيعَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ جرى بيني وَبَين أبي بكر كَلَام فَقَالَ لي كلمة كرهتها وَنَدم فَقَالَ لي يَا ربيعَة رد عَليّ مثلهَا حَتَّى يكون قصاصا فَقلت لَا افْعَل فَقَالَ أَبُو بكر لتقولن أَو لأستعدين عَلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت مَا أَنا بفاعل فَانْطَلق أَبُو بكر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقت أتلوه وَجَاء النَّاس من اسْلَمْ فَقَالُوا رحم الله أَبَا بكر أَي شَيْء يَسْتَعْدِي عَلَيْك وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَك مَا قَالَ فَقلت أَتَدْرُونَ من هَذَا هَذَا أَبُو بكر هَذَا ثَانِي اثْنَيْنِ وَهَذَا ذُو شيبَة الْمُسلمين إيَّاكُمْ لَا يلْتَفت فيراكم تنصروني عَلَيْهِ فيغضب فَيَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فَيهْلك ربيعَة قَالُوا فَمَا تَأْمُرنَا قلت ارْجعُوا وَانْطَلق أَبُو بكر وتبعته وحدي حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحدثه الحَدِيث كَمَا كَانَ فَرفع إِلَيّ رَأسه فَقَالَ (يَا ربيعَة مَا لَك وَالصديق) فَقلت يَا رَسُول الله كَانَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لي كلمة كرهتها فَقَالَ لي قل لي كَمَا قلت لَك حَتَّى يكون قصاصا فأبيت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أجل لَا ترد عَلَيْهِ وَلَكِن قل غفر الله لَك يَا أَبَا بكر) فَقلت غفر الله لَك يَا أَبَا بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر وَحسنه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر (أَنْت صَاحِبي على الْحَوْض وصاحبي فِي الْغَار ومؤنسي فِي الْغَار) الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن فِي الْجنَّة طيرا كأمثال البخاتي) قَالَ أَبُو بكر إِنَّهَا لناعمة يَا رَسُول الله قَالَ (أنعم مِنْهَا من يأكلها وَأَنت مِمَّن يأكلها) وَقد ورد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أنس أَيْضا الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عرج بِي إِلَى السَّمَاء فَمَا مَرَرْت بسماء إِلَّا وجدت فِيهَا اسْمِي مُحَمَّد رَسُول الله وَأَبُو بكر الصّديق خَلْفي) وَورد هَذَا الحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأنس وَأبي سعيد وَأبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنْهُم وأسانيدها كلهَا ضَعِيفَة لَكِنَّهَا ترتقي بمجموعها إِلَى دَرَجَة الْحسن الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ قُرِئت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} فَقَالَ أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 بكر يَا رَسُول الله إِن هَذَا لحسن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أما إِن الْملك سيقولها لَك عِنْد الْمَوْت) الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير قَالَ لما نزلت (وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم أَو اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ) قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله لَو أَمرتنِي أَن أقتل نَفسِي لفَعَلت قَالَ (صدقت) الحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن شاهين فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَوْصُولا وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ قَالَ حَدثنَا دَاوُد بن عَمْرو حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن الْورْد عَن ابْن أبي مليكَة وَتَابعه وَكِيع عَن عبد الْجَبَّار بن الْورْد أخرجه ابْن عَسَاكِر وَعبد الْجَبَّار ثِقَة وَشَيْخه ابْن أبي مليكَة إِمَام إِلَّا أَنه من هَذِه الطَّرِيق مُرْسل قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه غديرا فَقَالَ (ليسبح كل رجل إِلَى صَاحبه) فسبح كل رجل مِنْهُم إِلَى صَاحبه حَتَّى بَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر فسبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي بكر حَتَّى اعتنقه فَقَالَ (لَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلكنه صَاحِبي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الحَدِيث السِّتُّونَ اخْرُج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق صَدَقَة بن مَيْمُون الْقرشِي عَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خِصَال الْخَيْر ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ خصْلَة إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا جعل فِيهِ خصْلَة مِنْهَا بهَا يدْخل الْجنَّة) فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَا رَسُول الله أَفِي شَيْء مِنْهَا قَالَ (نعم جَمِيعًا من كل) واخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق آخر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خِصَال الْخَيْر ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ) فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله لي مِنْهَا شَيْء قَالَ (كلهَا فِيك فهنيئا لَك يَا أَبَا بكر) الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ اخْرُج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مجمع الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه قَالَ إِن كَانَت حَلقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتشتبك حَتَّى تصير كالإسوار وَإِن مجْلِس أبي بكر مِنْهَا لفارغ مَا يطْمع فِيهِ أحد من النَّاس فَإِذا جَاءَ أَبُو بكر جلس ذَلِك الْمجْلس وَأَقْبل عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ وَألقى إِلَيْهِ حَدِيثه وَيسمع النَّاس الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتُّونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حب أبي بكر وشكره وَاجِب على كل أمتِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 واخرج مثله من حَدِيث سهل بن سعد الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (النَّاس كلهم يحاسبون إِلَّا أَبَا بكر) الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ اخْرُج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا نَفَعَنِي مَال قطّ مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر) فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ هَل أَنا وَمَالِي إِلَّا لَك يَا رَسُول الله وَأخرج أَبُو يعلى من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَرْفُوعا مثله قَالَ ابْن كثير مَرْوِيّ أَيْضا من حَدِيث عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأنس وَجَابِر بن عبد الله وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنْهُم وَأخرجه الْخَطِيب عَن ابْن الْمسيب مُرْسلا وَزَاد وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْضِي فِي مَال ابي بكر كَمَا يقْضِي فِي مَال نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 واخرج ابْن عَسَاكِر من طرق عَن عَائِشَة وَعُرْوَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَن أَبَا بكر اسْلَمْ يَوْم أسلم لَهُ أَرْبَعُونَ ألف دِينَار وَفِي لفظ أَرْبَعُونَ ألف دِرْهَم فأنفقها على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتُّونَ أخرج الْبَغَوِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده ابو بكر الصّديق وَعَلِيهِ عباءة قد خللها فِي صَدره بخلال فَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد مَالِي أرى أَبَا بكر عَلَيْهِ عباءة قد خللها فِي صَدره بخلال فَقَالَ يَا جِبْرِيل أنْفق مَاله عَليّ قبل الْفَتْح قَالَ فَإِن الله يقْرَأ عَلَيْهِ السَّلَام وَيَقُول قل لَهُ أراض أَنْت عني فِي فقرك هَذَا أم ساخط فَقَالَ أَبُو بكر أَسخط على رَبِّي أَنا عَن رَبِّي رَاض أَنا عَن رَبِّي رَاض أَنا عَن رَبِّي رَاض) // وَسَنَده غَرِيب ضَعِيف جدا // واخرج أَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم مثله // وَسَنَدهمَا ضَعِيف // أَيْضا وَابْن عَسَاكِر نَحوه من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخرج الْخَطِيب // بِسَنَد واه // عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (هَبَط جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَعَلِيهِ طنفسة متخلل بهَا فَقلت يَا جِبْرِيل مَا هَذَا قَالَ إِن الله تَعَالَى أَمر الْمَلَائِكَة أَن تتخلل فِي السَّمَاء لتخلل أبي بكر فِي الأَرْض) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قَالَ ابْن كثير وَهَذَا مُنكر جدا وَلَوْلَا أَن هَذَا وَالَّذِي قبله يتداوله كثير من النَّاس لَكَانَ الْإِعْرَاض عَنْهُمَا أولى الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتُّونَ صَحَّ عَن عمر أَنه قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي فَقلت الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا فَجئْت بِنصْف مَالِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا أبقيت لأهْلك) قلت مثله فَأتى أَبُو بكر بِكُل مَا عِنْده فَقَالَ يَا أَبَا بكر مَا أبقيت لأهْلك قَالَ أبقيت لَهُم الله وَرَسُوله فَقلت لَا اسبقه إِلَى شَيْء أبدا الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتُّونَ أخرج ابْن عَسَاكِر أَنه قيل لأبي بكر فِي مجمع من الصَّحَابَة هَل شربت الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ أعوذ بِاللَّه فَقيل وَلم قَالَ كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي فَإِن من شرب الْخمر كَانَ مضيعا فِي عرضه ومروءته فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صدق أَبُو بكر صدق أَبُو بكر) // وَهُوَ مُرْسل غَرِيب سندا ومتنا // وَأخرج ابْن عَسَاكِر // بِسَنَد صَحِيح // عَن عَائِشَة قَالَت وَالله مَا قَالَ أَبُو بكر شعرًا قطّ فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام وَلَقَد ترك هُوَ وَعُثْمَان شرب الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَأخرج أَبُو نعيم // بِسَنَد جيد // عَنْهَا قَالَت لقد حرم أَبُو بكر الْخمر على نَفسه فِي الْجَاهِلِيَّة الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ أخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا كلمت فِي الْإِسْلَام أحدا إِلَّا أبي عَليّ وراجعني الْكَلَام إِلَّا ابْن أبي قُحَافَة فَإِنِّي لم ُأكَلِّمهُ فِي شَيْء إِلَّا قبله واستقام عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة لِابْنِ إِسْحَاق (مَا دَعَوْت أحدا إِلَى الْإِسْلَام إِلَّا كَانَت لَهُ عَنهُ كبوة وَتردد وَنظر إِلَّا أَبَا بكر مَا عتم أَي تلبث عَنهُ حِين ذكرته وَمَا تردد فِيهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ يرى دَلَائِل نبوة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيسمع آثاره قبل دَعوته فحين دَعَاهُ كَانَ سبق لَهُ فِيهِ تفكر وَنظر فَأسلم فِي الْحَال وَيُؤَيّد مَا قَالَه مَا أخرجه أَبُو نعيم عَن فرات بن السَّائِب قَالَ سَأَلت مَيْمُون بن مهْرَان عَليّ أفضل عنْدك أم أَبُو بكر وَعمر قَالَ فارتعد حَتَّى سَقَطت عَصَاهُ من يَده ثمَّ قَالَ مَا كنت أَظن أَن أبقى إِلَى زمَان يعدل بهما لله درهما كَانَا رَأس الْإِسْلَام قلت فَأَبُو بكر كَانَ أول إسلاما أَو عَليّ قَالَ وَالله لقد آمن أَبُو بكر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن بحيرا الراهب حِين مر بِهِ وَاخْتلف فِيمَا بَينه وَبَين خَدِيجَة حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 أنْكحهَا إِيَّاه وَذَلِكَ كُله قبل أَن يُولد عَليّ وَصَحَّ عَن زيد بن أَرقم أول من صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتُّونَ وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي بكر أَنه قَالَ أَلَسْت أَحَق النَّاس بهَا أَي الْخلَافَة أَلَسْت أول من اسْلَمْ الحَدِيث وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الشّعبِيّ قَالَ سَأَلت ابْن عَبَّاس أَي النَّاس كَانَ أول إسلاما قَالَ أَبُو بكر ألم تسمع إِلَى قَول حسان (إِذا تذكرت شجوا من أخي ثِقَة ... فاذكر أَخَاك أَبَا بكر بِمَا فعلا) (خير الْبَريَّة أتقاها وأعدلها ... إِلَى النَّبِي وأوفاها بِمَا حملا) (وَالثَّانِي التَّالِي الْمَحْمُود مشهده ... وَأول النَّاس مِنْهُم صدق الرسلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَمن ثمَّ ذهب خلائق من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهم إِلَى أَنه أول النَّاس إسلاما بل ادّعى بَعضهم عَلَيْهِ الْإِجْمَاع وَجمع بَين هَذَا وَغَيره من الْأَحَادِيث المنافية لَهُ بِأَنَّهُ أول الرِّجَال إسلاما وَخَدِيجَة أول النَّاس فِي النِّسَاء وَعلي أول الصّبيان وَزيد أول الموَالِي وبلال أول الأرقاء وَخَالف فِي ذَلِك ابْن كثير فَقَالَ الظَّاهِر أَن أهل بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آمنُوا قبل كل أحد زَوجته خَدِيجَة ومولاه زيد وَزَوجته أم أَيمن وَعلي وورقة وَيُؤَيِّدهُ مَا صَحَّ عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه اسْلَمْ قبله أَكثر من خَمْسَة قَالَ وَلَكِن كَانَ خيرنا إسلاما الحَدِيث السبعون أخرج أَبُو يعلى وَأحمد وَالْحَاكِم عَن عَليّ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَلأبي بكر (مَعَ أحد كَمَا جِبْرِيل وَمَعَ الآخر مِيكَائِيل) الحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ أخرج تَمام فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تستشير أَبَا بكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الْفَصْل الثَّالِث فِي ذكر فَضَائِل أبي بكر الْوَارِدَة فِيهِ مَعَ ضميمة غَيره كعمر وَعُثْمَان وَعلي وَغَيرهم إِلَيْهِ وأفردت بترجمة لما بَينهَا وَبَين الأولى من نوع مُغَايرَة بِاعْتِبَار السِّيَاق وَأما من حَيْثُ إفادتها أَفضَلِيَّة أبي بكر وتشريفه فَهِيَ مَعَ مَا قبلهَا جنس وَاحِد فَلِذَا بنيت عدهَا على عد الأولى فَقلت الحَدِيث الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ أخرج الْحَاكِم فِي الكنى وَابْن عدي فِي الْكَامِل والخطيب فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَبُو بكر وَعمر خير الْأَوَّلين والآخرين وَخير أهل السَّمَوَات وَخير أهل الأَرْض إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ) الحَدِيث الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا اقتدوا بالذين من بعدِي أبي بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا حَبل الله الْمَمْدُود من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى الَّتِي لَا انفصام لَهَا وَله طرق أُخْرَى مرت فِي أَحَادِيث الْخلَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ أخرج أَبُو نعيم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا أَنا مت وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فَإِن اسْتَطَعْت أَن تَمُوت فمت) الحَدِيث الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ أخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (نعم الرجل أَبُو بكر نعم الرجل عمر) الحَدِيث السَّادِس وَالسَّبْعُونَ اخْرُج التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا من نَبِي إِلَّا وَله وزيران من أهل السَّمَاء ووزيران من أهل الأَرْض فَأَما وزيراي من أهل السَّمَاء فجبريل وَمِيكَائِيل وَأما وزيراي من أهل الأَرْض فَأَبُو بكر وَعمر) الحَدِيث السَّابِع وَالسَّبْعُونَ أخرج أَحْمد والشيخان وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (وَبينا رَاع فِي غنمه عدا عَلَيْهِ الذِّئْب فَأخذ مِنْهُ شَاة فَطَلَبه الرَّاعِي فَالْتَفت إِلَيْهِ الذِّئْب فَقَالَ من لَهَا يَوْم السَّبع يَوْم لَا راعي لَهَا غَيْرِي وَبينا رجل يَسُوق بقرة قد حمل عَلَيْهَا فَالْتَفت إِلَيْهِ فكلمته فَقَالَت إِنِّي لم أخلق لهَذَا وَلَكِنِّي خلقت للحرث) قَالَ النَّاس سُبْحَانَ الله قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 (فَإِنِّي أومن بذلك وَأَبُو بكر وَعمر) وَمَا ثمَّ أَبُو بكر وَعمر أَي لم يَكُونَا فِي الْمجْلس شهد لَهما (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالْإِيمَان لعلمه بِكَمَال إيمانهما وَفِي رِوَايَة بَينا رجل رَاكب على بقرة فالتفتت إِلَيْهِ فَقَالَت لَهُ لم أخلق لهَذَا إِنَّمَا خلقت للحرث فَإِنِّي أومن بِهَذَا أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَبينا رجل فِي غنمه إِذْ عدا الذِّئْب فَذهب مِنْهَا بِشَاة فَطَلَبه حَتَّى استنقذها مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْب استنقذتها مني فَمن لَهَا يَوْم السَّبع يَوْم لَا راعي لَهَا غَيْرِي فَإِنِّي أومن بِهَذَا أَنا وَأَبُو بكر وَعمر الحَدِيث الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد وَالطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي (ص) قَالَ (إِن أهل الدَّرَجَات العلى ليراهم من هُوَ أَسْفَل مِنْهُم كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي أفق السَّمَاء وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأنعما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الحَدِيث التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد (إِن أهل عليين ليشرف أحدهم على الْجنَّة فيضيء وَجهه لأهل الْجنَّة كَمَا يضيء الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لأهل الدُّنْيَا وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأنعما الحَدِيث الثَّمَانُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَليّ وَابْن ماجة عَنهُ أَيْضا وَعَن أبي جُحَيْفَة أَبُو يعلى فِي مُسْنده والضياء فِي المختارة عَن أنس وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر وَعَن أبي سعيد أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (هَذَانِ سيدا كهول أهل الْجنَّة من الْأَوَّلين والآخرين إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ) يَعْنِي أيا بكر وَعمر وَفِي الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن حنْطَب أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) رأى أَبَا بكر وَعمر فَقَالَ (هَذَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 السّمع وَالْبَصَر) وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَمْرو الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس والخطيب عَن جَابر وَأَبُو يعلى أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (أَبُو بكر وَعمر مني بِمَنْزِلَة السّمع وَالْبَصَر من الرَّأْس) الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (إِن الله أيدني بأَرْبعَة وزراء اثْنَيْنِ من أهل السَّمَاء جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واثنين من أهل الأَرْض أبي بكر وَعمر) الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) (إِن لكل نَبِي خَاصَّة من أَصْحَابه وَإِن خاصتي من أَصْحَابِي أَبُو بكر وَعمر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (إِن لكل نَبِي وزيرين وزيراي وصاحباي أَبُو بكر وَعمر) الحَدِيث السَّادِس وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ وَالزُّبَيْر مَعًا أَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (خير أمتِي بعدِي أَبُو بكر وَعمر) الحَدِيث السَّابِع وَالثَّمَانُونَ أخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (سيدا كهول أهل الْجنَّة أَبُو بكر وَعمر وَإِن أَبَا بكر فِي الْجنَّة مثل الثريا فِي السَّمَاء) الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن النجار عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) (مَا قدمت أَبَا بكر وَعمر لَكِن الله قدمهما) الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن قَانِع عَن الْحجَّاج السَّهْمِي أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (من رَأَيْتُمُوهُ يذكر أَبَا بكر وَعمر بِسوء فَإِنَّمَا يُرِيد الْإِسْلَام) الحَدِيث التِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (الْقَائِم بعدِي فِي الْجنَّة وَالَّذِي يقوم بعده فِي الْجنَّة وَالثَّالِث وَالرَّابِع فِي الْجنَّة) الحَدِيث الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (أَرْبَعَة لَا يجْتَمع حبهم فِي قلب مُنَافِق وَلَا يُحِبهُمْ إِلَّا مُؤمن أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي) الحَدِيث الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ (رحم الله أَبَا بكر زَوجنِي ابْنَته وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة وَأعْتق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الْقَائِم بعدِي فِي الْجنَّة وَالَّذِي يقوم بعده فِي الْجنَّة وَالثَّالِث وَالرَّابِع فِي الْجنَّة الحَدِيث الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَرْبَعَة لَا يجْتَمع حبهم فِي قلب من مُنَافِق وَلَا يُحِبهُمْ إِلَّا مُؤمن أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي الحَدِيث الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رحم الله أَبَا بكر زَوجنِي ابْنَته وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة وَأعْتق بِلَالًا من مَاله وَمَا نَفَعَنِي مَال فِي الْإِسْلَام مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر رحم الله عمر يَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرا لقد تَركه الْحق وَمَاله من صديق رحم الله عُثْمَان تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة وجهز جَيش الْعسرَة وَزَاد فِي مَسْجِدنَا حَتَّى وسعنا رحم الله عليا اللَّهُمَّ أدر الْحق مَعَه حَيْثُ دَار) الحَدِيث الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة والضياء عَن سعيد بن زيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عشرَة فِي الْجنَّة النَّبِي فِي الْجنَّة وَأَبُو بكر فِي الْجنَّة وَعمر فِي الْجنَّة وَعُثْمَان فِي الْجنَّة وَعلي فِي الْجنَّة وَطَلْحَة فِي الْجنَّة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام فِي الْجنَّة وَسعد بن مَالك فِي الْجنَّة أَي وَهُوَ سعد بن أبي وَقاص وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي الْجنَّة وَسَعِيد بن زيد فِي الْجنَّة) وَأخرجه بِمَعْنَاهُ أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 والضياء عَن سعيد بن زيد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الحَدِيث الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ أخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (نعم الرجل أَبُو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثَابت بن قيس بن شماس نعم الرجل معَاذ بن جبل نعم الرجل معَاذ بن عَمْرو بن الجموح نعم الرجل سُهَيْل بن بَيْضَاء) الحَدِيث الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن انس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر وأشدهم فِي دين الله عمر وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كَعْب وأفرضهم زيد بن ثَابت وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل وَلكُل أمة أَمِين وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر وأرفق أمتِي لأمتي عمر وأصدق أمتِي حَيَاء عُثْمَان وأقضى أمتِي عَليّ بن أبي طَالب وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة أَمَام الْعلمَاء وأقرأ أمتِي أبي بن كَعْب وأفرضها زيد بن ثَابت وَقد أُوتِيَ عُوَيْمِر عبَادَة يَعْنِي أَبَا الدَّرْدَاء وَفِي أُخْرَى عِنْد ابْن عَسَاكِر أرْحم أمتِي أَبُو بكر الصّديق وَأَحْسَنهمْ خلقا أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وأصدقهم لهجة أَبُو ذَر وأشدهم فِي الْحق عمر وأقضاهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 عَليّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَفِي أُخْرَى عَن الْعقيلِيّ أرْحم هَذِه الْأمة بهَا أَبُو بكر وَأَقْوَاهُمْ فِي دين الله عمر وافرضهم زيد بن ثَابت وأقضاهم عَليّ بن أبي طَالب وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان بن عَفَّان وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح واقرؤهم لكتاب الله عز وَجل أبي بن كَعْب وابو هُرَيْرَة وعَاء من الْعلم وسلمان عَالم لَا يدْرك ومعاذ بن جبل أعلم النَّاس بحلال الله وَحَرَامه وَمَا أظلت الخضراء وَلَا أقلت الغبراء من ذِي لهجة أصدق من أبي ذَر وَفِي الْأُخْرَى لأبي يعلى أرأف أمتِي بأمتي أَبُو بكر وأشدهم فِي الدّين عمر وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان وأقضاهم عَليّ وافرضهم زيد بن ثَابت واقرؤهم أبي وأعلمهم الْحَلَال وَالْحرَام معَاذ بن جبل أَلا وَإِن لكل أمة أَمينا وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح الحَدِيث السَّادِس وَالتِّسْعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج عَن أَصْحَابه من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وهم جُلُوس فيهم أَبُو بكر وَعمر فَلَا يرفع إِلَيْهِ أحد مِنْهُم بَصَره إِلَّا أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا كَانَا ينْظرَانِ إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْهِمَا ويبتسمان إِلَيْهِ ويبتسم إِلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الحَدِيث السَّابِع وَالتِّسْعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن عمر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج ذَات يَوْم فَدخل الْمَسْجِد وَأَبُو بكر وَعمر أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله وَهُوَ آخذ بأيديهما وَقَالَ (هَكَذَا نبعث يَوْم الْقِيَامَة) الحَدِيث الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض ثمَّ أَبُو بكر ثمَّ عمر) الحَدِيث التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ أخرج الْبَزَّار عَن أبي أروى الدوسي قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل أَبُو بكر وَعمر فَقَالَ (الْحَمد لله الَّذِي أيدني بكما) وَورد هَذَا أَيْضا من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط الحَدِيث المكمل للمائة أخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أنس مَرْفُوعا إِنِّي لأرجو لأمتي فِي حبهم لأبي بكر وَعمر مَا أَرْجُو لَهُم فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة أخرج أَبُو يعلى عَن عمار بن يَاسر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَتَانِي جِبْرِيل آنِفا فَقلت يَا جِبْرِيل حَدثنِي بفضائل عمر بن الْخطاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فَقَالَ لَو حدثتك بفضائل عمر مُنْذُ مَا لبث نوح فِي قومه مَا نفدت فَضَائِل عمر وَإِن عمر حَسَنَة من حَسَنَات أبي بكر) الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة أخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر وَعمر (لَو اجتمعتما فِي مشورة مَا خالفتكما) وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل قَالَ لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حجَّة الْوَدَاع صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ (يَا أَيهَا النَّاس إِن أَبَا بكر لم يَسُؤْنِي قطّ فاعرفوا لَهُ ذَلِك أَيهَا النَّاس إِنِّي رَاض عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف والمهاجرين والأولين فاعرفوا ذَلِك لَهُم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة أخرج ابْن سعد عَن بسطَام بن أسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر وَعمر (لَا يتأمر عَلَيْكُمَا أحد بعدِي) الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن أنس مَرْفُوعا (حب أبي بكر وَعمر إِيمَان وبغضهما كفر) الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر أَيْضا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حب أبي بكر وَعمر من السّنة الحَدِيث السَّابِع بعد الْمِائَة أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم عَن أنس قَالَ صعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان أحدا فَرَجَفَ بهم فَضَربهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرجلِهِ وَقَالَ (اثْبتْ أحد فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي وصديق وشهيدان) وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِك ليبين أَن هَذِه الرجفة لَيست كرجفة الْجَبَل بِقوم مُوسَى لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 حرفوا الْكَلم لِأَن تِلْكَ رَجْفَة غضب وَهَذِه هزة الطَّرب وَلذَا نَص على مقَام النُّبُوَّة والصديقية وَالشَّهَادَة الْمُوجبَة لسرور مَا اتَّصَلت بِهِ لَا لرجفانه فَأقر الْجَبَل بذلك وَاسْتقر وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عُثْمَان أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على ثبير بِمَكَّة وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَأَنا فَتحَرك الْجَبَل حَتَّى تساقطت حجارته بالحضيض أَي قَرَار الأَرْض عَن مُنْقَطع الْجَبَل فركضه أَي ضربه بِرجلِهِ وَقَالَ (اسكن ثبير فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي وصديق وشهيدان) وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على حراء هُوَ وَأَبُو بكر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر فتحركت الصَّخْرَة فال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اسكن حراء فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شهيدان) وَفِي رِوَايَة لَهُ وَسعد بن أبي وَقاص وَلم يذكر عليا وخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَلم يذكر سَعْدا وَفِي رِوَايَة لَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْعشْرَة إِلَّا أَبَا عُبَيْدَة وَهَذِه الرِّوَايَات مَحْمُولَة على أَنَّهَا وقائع تَكَرَّرت وَلَا نظر إِلَى الْمُنَازعَة فِيهَا بِأَن الْمخْرج مُتحد لصِحَّة أَحَادِيث كل فَتعين الْجمع بَينهمَا بذلك وَفِي مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَا يُؤَيّد التَّعَدُّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة أخرج مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي الزهريات عَن أبي ذَر قَالَ هجرت يَوْمًا من الْأَيَّام فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج من بَيته فَسَأَلت عَنهُ الْخَادِم فَأَخْبرنِي عَنهُ أَنه بِبَيْت عَائِشَة فَأَتَيْته وَهُوَ جَالس لَيْسَ عِنْده أحد من النَّاس وَكَانَ حِينَئِذٍ أرى أَنه فِي وَحي فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام ثمَّ قَالَ لي (مَا جَاءَ بك قلت الله وَرَسُوله أعلم فَأمرنِي أَن أَجْلِس فَجَلَست إِلَى جنبه لَا أسأله عَن شَيْء إِلَّا ذكره لي فَمَكثَ غير كثير فجَاء أَبُو بكر يمشي مسرعا فَسلم عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالَ (مَا جَاءَ بك قَالَ جَاءَ بِي الله وَرَسُوله فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن اجْلِسْ فَجَلَسَ إِلَى ربوة مُقَابل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جَاءَ عمر فَفعل مثل ذَلِك وَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل ذَلِك وَجلسَ إِلَى جنب أبي بكر ثمَّ جَاءَ عُثْمَان كَذَلِك وَجلسَ إِلَى جنب عمر ثمَّ قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حَصَيَات سبع أَو تسع أَو مَا قرب من ذَلِك فسبحن فِي يَده حَتَّى سمع لَهُنَّ حنين كحنين النَّحْل فِي كف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ناولهن أَبَا بكر وجاوزني فسبحن فِي كف أبي بكر ثمَّ أخذهن مِنْهُ فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن وصرن حَصى ثمَّ ناولهن عمر فسبحن فِي كَفه كَمَا سبحن فِي كف أبي بكر ثمَّ أخذهن مِنْهُ فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن ثمَّ ناولهن عُثْمَان فسبحن فِي كَفه كنحو مَا سبحن فِي كف أبي بكر وَعمر ثمَّ أخذهن فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن) وَأخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي ذَر أَيْضا لَكِن بِلَفْظ تنَاول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع حَصَيَات فسبحن فِي يَده حَتَّى سَمِعت لَهُنَّ حنينا ثمَّ وضعهن فِي يَد أبي بكر فسبحن ثمَّ وضعهن فِي يَد عمر فسبحن ثمَّ وضعهن فِي يَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 عُثْمَان فسبحن زَاد الطَّبَرَانِيّ فَسمع تسبيحهن من فِي الْحلقَة ثمَّ دفعهن إِلَيْنَا فَلم يسبحْنَ مَعَ أحد منا وَتَأمل سر مَا فِي الرِّوَايَة الأولى من إِعْطَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إياهن لأبي بكر من يَده من قبل وضعهن بِالْأَرْضِ بِخِلَافِهِ فِي عمر وَعُثْمَان تعلم أَن ذَلِك كُله لمزيد قرب أبي بكر حَتَّى صير يَده لَيست أَجْنَبِيَّة من يَد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يفصل بَينهمَا بِزَوَال حَيَاة تِلْكَ الحصيات بِخِلَافِهِ فِي عمر وَعُثْمَان الحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَة أخرج الملا فِي سيرته أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله افْترض عَلَيْكُم حب أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي كَمَا افْترض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج فَمن أنكر فَضلهمْ فَلَا تقبل مِنْهُ الصَّلَاة وَلَا الزَّكَاة وَلَا الصَّوْم وَلَا الْحَج) الحَدِيث الْعَاشِر بعد الْمِائَة أخرج الْحَافِظ السلَفِي فِي مشيخته من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (حب أبي بكر وَاجِب على أمتِي) الحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة أخرج الشَّيْخَانِ وَأحمد وَغَيرهم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه خرج إِلَى الْمَسْجِد فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فَقَالُوا توجه هَهُنَا فَخرجت فِي إثره حَتَّى دخل بِئْر أريس فَجَلَست عِنْد الْبَاب وبابها من جريد حَتَّى قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجته فَتَوَضَّأ فَقُمْت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس على بِئْر أريس وتوسط قفها أَي رَأسهَا فَجَلَست عِنْد الْبَاب فَقلت لأكونن بوابا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَوْم فجَاء أَبُو بكر فَدفع الْبَاب فَقلت من هَذَا فَقَالَ أَبُو بكر فَقلت على رسلك ثمَّ ذهبت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن فَقَالَ (ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ) فَأَقْبَلت حَتَّى قلت لأبي بكر ادخل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبشرك بِالْجنَّةِ فَدخل أَبُو بكر فَجَلَسَ عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه فِي القف ودلى رجلَيْهِ فِي الْبِئْر كَمَا صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكشف عَن سَاقيه ثمَّ رجعت فَجَلَست وَقد تركت أخي يتَوَضَّأ فَقلت إِن يرد الله بفلان خيرا يَعْنِي أَخَاهُ يَأْتِ بِهِ فَإِذا إِنْسَان يُحَرك الْبَاب فَقلت من هَذَا على الْبَاب قَالَ عمر بن الْخطاب فَقلت على رسلك ثمَّ جِئْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت هَذَا عمر بن الْخطاب يستأذنك فَقَالَ (ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ) فَجِئْته فَقلت ادخل وبشرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ فَجَلَسَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي القف عَن يسَاره ودلى برجليه فِي الْبِئْر فَرَجَعت فَجَلَست وَقلت إِن يرد الله بفلان خيرا يَأْتِ بِهِ فجَاء إِنْسَان فحرك الْبَاب فَقلت من هَذَا فَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان فَقلت على رسلك وَجئْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ (ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه) فَجئْت فَقلت ادخل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبشرك بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبك فَدخل فَوجدَ القف قد ملئ فَجَلَسَ وجاهه من الصَّفّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الآخر قَالَ شريك قَالَ سعيد بن الْمسيب تَأْوِيلهَا قُبُورهم انْتهى وَأَقُول تَأْوِيلهَا أَيْضا على خلَافَة الثَّلَاثَة على تَرْتِيب مجيئهم مُمكن بل هُوَ الْمُوَافق لحَدِيث الْبِئْر السَّابِقَة رواياته وطرقه فِي تَاسِع الْأَحَادِيث الدَّالَّة على خلَافَة أبي بكر وَيكون جُلُوس الشَّيْخَيْنِ بجانبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضيق الْمحل عَن عُثْمَان حَتَّى جلس أمامهم إِشَارَة إِلَى عَظِيم خِلَافَتهمَا وسلامتها من تطرق الْفِتَن إِلَيْهَا على أتم الْوُجُوه وأكملها وَإِلَى أَن صُدُور الْمُؤمنِينَ وأحوالهم فِيهَا كَانَت على غَايَة من السرُور واعتدال الْأَمر وَأما خلَافَة عُثْمَان وَعلي فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت صدقا وَحقا وعدلا لَكِن اقْترن بهَا أَحْوَال من أَحْوَال بني أُميَّة وسفهائهم كدرت الْقُلُوب وشوشت على الْمُسلمين وتولد بِسَبَبِهَا تِلْكَ الْفِتَن الْعَظِيمَة وَيُؤَيّد مَا ذكرته أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله فِي عُثْمَان (على بلوى تصيبه) وَتلك الْبلوى لم تتولد إِلَّا لما ذكرته من قَبِيح أَحْوَال بني أُميَّة كَمَا سَيَأْتِي بسط ذَلِك فِي مَبْحَث خلَافَة عُثْمَان وَذكر فضائله ومآثره وَاعْلَم أَنه وَقع فِي رِوَايَات أخر مَا فِيهِ مُخَالفَة لبَعض مَا مر فِي تِلْكَ الرِّوَايَة فقد أخرج أَبُو دَاوُد نَحْو تِلْكَ الرِّوَايَة عَن أبي سَلمَة عَن نَافِع عَن عبد الْحَارِث الْخُزَاعِيّ قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِطا من حَوَائِط الْمَدِينَة فَقَالَ لِبلَال (أمسك الْبَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فَجَاءَهُ أَبُو بكر يسْتَأْذن) فَذكر نَحوه قَالَ الطَّبَرَانِيّ وَفِي حَدِيث أَن نَافِع بن الْحَارِث هُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَأْذِنهُ وَهَذَا يدل على تكَرر الْقِصَّة انْتهى وَهُوَ أظهر من تصويب شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر عدم التَّعَدُّد وَإِنَّهَا عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَوهم القَوْل بِغَيْرِهِ الحَدِيث الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة أخرج الْحَافِظ عمر بن مُحَمَّد بن خضر الملا فِي سيرته أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ روى بِسَنَدِهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كنت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي أنوارا على يَمِين الْعَرْش قبل أَن يخلق آدم بِأَلف عَام فَلَمَّا خلق اسكنا ظَهره وَلم نزل ننتقل فِي الأصلاب الطاهرة حَتَّى نقلني الله تَعَالَى إِلَى صلب عبد الله وَنقل أَبَا بكر إِلَى صلب أبي قُحَافَة وَنقل عمر إِلَى صلب الْخطاب وَنقل عُثْمَان إِلَى صلب عَفَّان وَنقل عليا إِلَى صلب أبي طَالب ثمَّ اخْتَارَهُمْ لي أصحابا فَجعل أَبَا بكر صديقا وَعمر فاروقا وَعُثْمَان ذَا النورين وعليا وَصِيّا فَمن سبّ أَصْحَابِي فقد سبني وَمن سبني فقد سبّ الله تَعَالَى وَمن سبّ الله أكبه الله فِي النَّار على مَنْخرَيْهِ) الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة أخرج الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي رياضه وعهدته عَلَيْهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن الله تَعَالَى لما خلق آدم وَأدْخل الرّوح فِي جسده أَمرنِي أَن آخذ تفاحة من الْجنَّة وأعصرها فِي حلقه فعصرتها فِي فِيهِ فخلق الله من النقطة الأولى أَنْت وَمن الثَّانِيَة أَبَا بكر وَمن الثَّالِثَة عمر وَمن الرَّابِعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 عُثْمَان وَمن الْخَامِسَة عليا فَقَالَ آدم يَا رب من هَؤُلَاءِ الَّذين أكرمتهم فَقَالَ الله تَعَالَى هَؤُلَاءِ خَمْسَة أَشْيَاخ من ذريتك وهم اكرم عِنْدِي من جَمِيع خلقي أَي أَنْت أكْرم الْأَنْبِيَاء وَالرسل وأهم أكْرم أتابع الرُّسُل فَلَمَّا عصى آدم ربه قَالَ يَا رب بِحرْمَة أُولَئِكَ الْأَشْيَاخ الْخَمْسَة الَّذين فضلتهم إِلَّا تبت عَليّ فَتَابَ الله عَلَيْهِ) الحَدِيث الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة أخرج البُخَارِيّ عَن أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حنين فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَ للْمُسلمين جَوْلَة فَرَأَيْت رجلا من الْمُشْركين قد علا رجلا من الْمُسلمين فضربته من وَرَائه على حَبل عَاتِقه بِالسَّيْفِ فَقطعت الدرْع وَأَقْبل عَليّ فضمني ضمة وجدت مِنْهَا ريح الْمَوْت ثمَّ أدْركهُ الْمَوْت فأرسلني فلحقت عمر فَقلت مَا بَال النَّاس قَالَ أَمر الله عز وَجل ثمَّ رجعُوا فَجَلَسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه) فَقلت من يشْهد لي ثمَّ جَلَست فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله فَقلت من يشْهد لي ثمَّ جَلَست ثمَّ قَالَ مثله فَقُمْت فَقَالَ (مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَة) فَأَخْبَرته فَقَالَ رجل صدق وسلبه عِنْدِي فأرضه مني قَالَ أَبُو بكر لَاها الله إِذا لَا يعمد إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله فيعطيك سلبه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صدق أعْطه سلبه) فأعطانيه الحَدِيث وَفِي رِوَايَة لَهُ فَقَالَ أَبُو بكر أصيبغ أَي بإهمال أَوله وإعجام آخِره أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 عَكسه تحقير لَهُ بوصفه باللون الرَّدِيء أَو مذمة بسواد اللَّوْن وَبِغَيْرِهِ أَو وصف لَهُ بالمهانة والضعف أَو تَصْغِير صبغ شاذا شبهه بِهِ لضعف افتراسه وَمَا يُوصف بِهِ من الضعْف لِأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بجعله كالأسد ناسب أَن يصف خَصمه بضده فِي قُرَيْش يدع أسدا من أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي الأندلسي سَمِعت بعض أهل الْعلم وَقد جرى ذكر هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَو لم يكن من فَضِيلَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَّا هَذَا فَإِنَّهُ بثاقب علمه وَشدَّة حزامته وَقُوَّة رَأْيه وإنصافه وَصِحَّة تَدْقِيقه وَصدق تَحْقِيقه بَادر إِلَى القَوْل بِالْحَقِّ فزجر وَأفْتى وَحكم وأمضى وَأخْبر فِي الشَّرِيعَة عَن الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَضْرَتِهِ وَبَين يَدَيْهِ بِمَا صدقه فِيهِ وأجرى عَلَيْهِ قَوْله وَهَذَا من خَصَائِصه الْكُبْرَى إِلَى مَالا يُحْصى من فضائله الْأُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا ورد من كَلَام الْعَرَب وَالصَّحَابَة وَالسَّلَف الصَّالح فِي فَضله أخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لم أَعقل أَبَوي قطّ إِلَّا وهما يدينان الدّين وَلم يمر علينا يَوْم إِلَّا يأتينا فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرفِي النَّهَار بكرَة وعشيا فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ نَحْو أَرض الْحَبَشَة مُهَاجرا حَتَّى إِذا بلغ برك الغماد أَي بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسرهَا وبالغين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَقد تضم وَاد فِي أقاصي هجر قَالَه الزَّرْكَشِيّ وَقَالَ غَيره مَدِينَة بِالْحَبَشَةِ لقِيه ابْن الدغنة وَهُوَ سيد القارة فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ يَا أَبَا بكر فَقَالَ أَبُو بكر أخرجني قومِي فَأُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض وأعبد رَبِّي فَقَالَ ابْن الدغنة فَإِن مثلك لَا يخرج وَلَا يخرج إِنَّك تكسب الْمَعْدُوم وَتصل الرَّحِم وَتحمل الْكل وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق فَأَنا لَك جَار فَارْجِع واعبد رَبك ببلدك فَرجع وارتحل مَعَه ابْن الدغنة فَطَافَ ابْن الدغنة عَشِيَّة فِي أَشْرَاف قُرَيْش فَقَالَ لَهُم إِن أَبَا بكر لَا يخرج مثله وَلَا يخرج رجل يكْسب الْمَعْدُوم ويصل الرَّحِم ويقري الضَّيْف ويعين على نَوَائِب الْحق فَلم تكذب قُرَيْش لجوار ابْن الدغنة الحَدِيث بِطُولِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَفِيه من الخصوصيات لأبي بكر مَا لَا يخفي على من تَأمله فَإِنَّهُ اشْتَمَل على هجرته مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَمَا وَقع لَهُ فِي تِلْكَ السفرة من المآثر والفضائل والكرامات والخصوصيات الَّتِي لم يَقع نَظِير وَاحِدَة مِنْهَا لغيره من الصَّحَابَة وَيَنْبَغِي لَك أَن تتأمل فِيمَا وَصفه بِهِ ابْن الدغنة بَين أَشْرَاف قُرَيْش من تِلْكَ الْأَوْصَاف الجليلة المساوية لما وصفت بِهِ خَدِيجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسكت أَشْرَاف قُرَيْش على تِلْكَ الْأَوْصَاف وَلم يطعنوا فِيهَا بِكَلِمَة مَعَ مَا هم متلبسون بِهِ من عَظِيم بغضه ومعاداته بِسَبَب إِسْلَامه فَإِن هَذَا مِنْهُم اعْتِرَاف أَي اعْتِرَاف بِأَن أَبَا بكر كَانَ مَشْهُورا بَينهم بِتِلْكَ الْأَوْصَاف شهرة تَامَّة بِحَيْثُ لَا يُمكن أحد أَن يُنَازع فِيهَا وَلَا أَن يجْحَد شَيْئا مِنْهَا وَإِلَّا لبادروا إِلَى جَحدهَا بِكُل طَرِيق أمكنهم لما تحلوا بِهِ من قَبِيح الْعَدَاوَة لَهُ بِسَبَب مَا كَانُوا يرَوْنَ مِنْهُ من صدق ولائه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعظم محبته لَهُ وذبه عَنهُ كَمَا مر طرف من ذَلِك فِي شجاعته وَأخرج البُخَارِيّ أَن عمر قَالَ أَبُو بكر سيدنَا وَالْبَيْهَقِيّ أَنه قَالَ لَو وزن إِيمَان أبي بكر بِإِيمَان أهل الأَرْض لرجح بهم وَعبد الله بن أَحْمد أَنه قَالَ إِن أَبَا بكر كَانَ سَابِقًا مبرزا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 ومسدد فِي مُسْنده أَنه قَالَ لَوَدِدْت أَنِّي شَعْرَة فِي صدر أبي بكر وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر أَنه قَالَ وددت أَنِّي من الْجنَّة حَيْثُ أرى أَبَا بكر وَأَبُو نعيم أَنه قَالَ لقد كَانَ ريح أبي بكر أطيب من ريح الْمسك وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ أَنه دخل على أبي بكر وَهُوَ مسجى فَقَالَ مَا أحد لَقِي الله بِصَحِيفَة أحب إِلَيّ من هَذَا المسجى وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حَدثنِي عمر بن الْخطاب أَنه مَا سَابق أَبَا بكر إِلَى خير إِلَّا سبقه أَبُو بكر) وَالطَّبَرَانِيّ فِي عَن عَليّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا استبقنا إِلَى خير قطّ إِلَّا سبقنَا إِلَيْهِ أَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحسان (هَل قلت فِي أبي بكر شَيْئا) فَقَالَ نعم فَقَالَ (قل وَأَنا أستمع) فَقَالَ (وَثَانِي اثْنَيْنِ فِي الْغَار المنيف وَقد ... طَاف الْعَدو بِهِ إِذْ صعد الجبلا) (وَكَانَ حب رَسُول الله قد علمُوا ... من الْبَريَّة لم يعدل بِهِ رجلا) فَضَحِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ (صدقت يَا حسان هُوَ كَمَا قلت) وَهَذَا يصلح أَن ينظم فِي سلك الْأَحَادِيث السَّابِقَة لَكِن لإرساله أَخَّرته إِلَى هُنَا وَابْن سعد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ كَانَ أَبُو بكر يُسمى الأواه لرأفته وَرَحمته وَابْن عَسَاكِر عَن الرّبيع بن انس قَالَ مَكْتُوب فِي الْكتاب الأول مثل أبي بكر مثل الْقطر أَيْنَمَا وَقع نفع وَقَالَ نَظرنَا فِي صحابة الْأَنْبِيَاء فَمَا وجدنَا نَبيا كَانَ لَهُ صَاحب مثل أبي بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وَأخرج عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ من فضل أبي بكر أَنه لم يشك فِي الله سَاعَة قطّ واخرج عَن أبي حُصَيْن قَالَ مَا ولد لآدَم فِي ذُريَّته بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ أفضل من أبي بكر وَلَقَد قَامَ أَبُو بكر يَوْم الرِّدَّة مقَام نَبِي من الْأَنْبِيَاء والدينوري وَابْن عَسَاكِر عَن الشّعبِيّ قَالَ خص الله أَبَا بكر بِأَرْبَع خِصَال لم يخص بهَا أحدا من النَّاس سَمَّاهُ الصّديق وَلم يسم أحدا الصّديق غَيره وَهُوَ صَاحب الْغَار مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورفيقه فِي الْهِجْرَة وَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ والمسلمون شُهُود وَابْن أبي دَاوُد عَن أبي جَعْفَر قَالَ كَانَ أَبُو بكر يسمع مُنَاجَاة جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يرَاهُ وَالْحَاكِم عَن ابْن الْمسيب قَالَ كَانَ أَبُو بكر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَان الْوَزير فَكَانَ يشاوره فِي جَمِيع أُمُوره وَكَانَ ثَانِيَة فِي الْإِسْلَام وثانيه فِي الْغَار وثانيه فِي الْعَريش يَوْم بدر وثانيه فِي الْقَبْر وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقدم عَلَيْهِ أحدا وَالزُّبَيْر بن بكار وَابْن عَسَاكِر عَن مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ قَالَ كَانَ أَبُو بكر أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 عشرَة من قُرَيْش اتَّصل بهم شرف الْجَاهِلِيَّة بشرف الْإِسْلَام فَكَانَ إِلَيْهِ أَمر الدِّيات وَالْغُرْم وَذَلِكَ أَن قُريْشًا لم يكن لَهَا ملك ترجع الْأُمُور إِلَيْهِ بل كَانَ فِي كل قَبيلَة ولَايَة عَامَّة تكون لرئيسها فَكَانَت فِي بني هَاشم السِّقَايَة والرفادة وَمعنى ذَلِك أَنه لَا يَأْكُل وَلَا يشرب أحد إِلَّا من طعامهم وشرابهم وَكَانَت فِي بني عبد الدَّار الحجابة واللواء والندوة أَي لَا يدْخل الْبَيْت أحد إِلَّا بإذنهم وَإِذا عقدت قُرَيْش راية حَرْب عقدهَا لَهُم بَنو عبد الدَّار وَإِذا اجْتَمعُوا لأمر إبراما ونقضا لَا يكون اجْتِمَاعهم لذَلِك إِلَّا فِي دَار الندوة وَلَا ينفذ إِلَّا بهَا وَكَانَت لبني عبد الدَّار وَلَقَد أحسن النَّوَوِيّ فِي تهذيبه حَيْثُ ترْجم فِيهِ الصّديق بترجمة حَسَنَة أَشَارَ فِيهَا مَعَ اختصارها إِلَى كثير من غرر فضائله ومواهبه الَّتِي قدمتها مبسوطة مستوفاة فَقَالَ من جُمْلَتهَا أَجمعت الْأمة على تَسْمِيَته بِالصديقِ لِأَنَّهُ بَادر إِلَى تَصْدِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولازم الصدْق فَلم يَقع مِنْهُ هناة وَلَا وَقْفَة فِي حَال من الْأَحْوَال وَكَانَت لَهُ فِي الْإِسْلَام المواقف الرفيعة مِنْهَا قصَّة يَوْم لَيْلَة الْإِسْرَاء وثباته وَجَوَابه للْكفَّار فِي ذَلِك وهجرته مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَترك عِيَاله وأطفاله وملازمته لَهُ فِي الْغَار وَسَائِر الطَّرِيق ثمَّ كَلَامه ببدر وَيَوْم الْحُدَيْبِيَة حِين اشْتبهَ على غَيره الْأَمر فِي تَأَخّر دُخُول مَكَّة ثمَّ بكاؤه حِين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن عبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) ثمَّ ثباته فِي وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخطبة النَّاس وتسكينهم ثمَّ قِيَامه فِي قَضِيَّة الْبيعَة لمصْلحَة الْمُسلمين ثمَّ اهتمامه وثباته فِي بعث جَيش أُسَامَة بن زيد إِلَى الشَّام وتصميمه فِي ذَلِك ثمَّ قِيَامه فِي قتال أهل الرِّدَّة ومناظرته الصَّحَابَة حَتَّى حجهم بالدلائل وَشرح الله صُدُورهمْ لما شرح لَهُ صَدره من الْحق وَهُوَ قتال أهل الرِّدَّة ثمَّ تجهيز الجيوش إِلَى الشَّام ثمَّ ختم ذَلِك بمهم من أحسن مناقبه وَأجل فضائله وَهُوَ استخلافه عمر على الْمُسلمين وَكم للصديق من موقف وَأثر ومناقب وفضائل لَا تحصى انْتهى وَفِي التَّهْذِيب أَنه أحد الَّذين حفظوا الْقُرْآن كُله وَذكره جمَاعَة غَيره وَاعْتَمدهُ بعض محققي الْمُتَأَخِّرين المطلعين قَالَ وَأما حَدِيث أنس جمع الْقُرْآن فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة فمراده من الْأَنْصَار وَأما مَا أخرجه ابْن أبي دَاوُد عَن الشّعبِيّ قَالَ مَاتَ أَبُو بكر الصّديق وَلم يجمع الْقُرْآن كُله فَهُوَ مَدْفُوع أَو مؤول على أَن المُرَاد جمعه فِي الْمُصحف على التَّرْتِيب الْمَوْجُود الْيَوْم لِأَن عُثْمَان هُوَ الَّذِي فعل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَمن فضائله الْعَظِيمَة جمعه لِلْقُرْآنِ فقد أخرج أَبُو يعلى عَن عَليّ قَالَ أعظم النَّاس أجرا فِي الْمَصَاحِف أَبُو بكر إِن أَبَا بكر كَانَ أول من جمع الْقُرْآن بَين اللَّوْحَيْنِ واخرج البُخَارِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ أرسل إِلَيّ أَبُو بكر مقتل أهل الْيَمَامَة وَعِنْده عمر فَقَالَ أَبُو بكر إِن عمر أَتَانِي فَقَالَ إِن الْقَتْل قد استحر يَوْم الْيَمَامَة وَإِنِّي لأخشى أَن يستحر الْقَتْل بالقراء فِي المواطن فَيذْهب كثير من الْقُرْآن إِلَّا أَن تجمعوه وَإِنِّي لأرى أَن تجمع الْقُرْآن قَالَ أَبُو بكر فَقلت لعمر كَيفَ أفعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر هُوَ وَالله خير فَلم يزل عمر يراجعني فِيهِ حَتَّى شرح الله لذَلِك صَدْرِي فَرَأَيْت الَّذِي رأى عمر قَالَ زيد وَعمر عِنْده جَالس لَا يتَكَلَّم فَقَالَ أَبُو بكر إِنَّك شَاب عَاقل وَلَا نتهمك وَقد كنت تكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتتبع الْقُرْآن فاجمعه فوَاللَّه لَو كلفني نقل جبل من الْجبَال مَا كَانَ أثقل عَليّ مِمَّا أَمرنِي بِهِ من جمع الْقُرْآن فَقلت كَيفَ تفعلان شَيْئا لم يَفْعَله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر وَهُوَ وَالله خير فَلم أزل أراجعه حَتَّى شرح الله صَدْرِي للَّذي شرح الله لَهُ صدر أبي بكر وَعمر فتتبعت الْقُرْآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعسب أَي العصى من الجريد وصدور الرِّجَال حَتَّى وجدت من سُورَة التَّوْبَة آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت لم أجدهما مَعَ غَيره {لقد جَاءَكُم رَسُول} إِلَى آخرهَا فَكَانَت الصُّحُف الَّتِي جمع فِيهَا الْقُرْآن عِنْد أبي بكر حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 توفاه الله ثمَّ عِنْد عمر حَتَّى توفاه الله ثمَّ عِنْد حَفْصَة بنت عمر رَضِي الله عَنْهَا وَمن خواصه أَيْضا أَنه أول خَليفَة فرض لَهُ رَعيته الْعَطاء أخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة قَالَت لما اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ لقد علمْتُم قومِي أَن حرفتي لم تكن تعجز عَن مُؤنَة أَهلِي وشغلت بِأَمْر الْمُسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال ويحترف للْمُسلمين فِيهِ وَأخرج ابْن سعد عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ لما بُويِعَ أَبُو بكر أصبح وعَلى ساعده أبراد وَهُوَ ذَاهِب إِلَى السُّوق فَقَالَ عمر أَيْن تُرِيدُ قَالَ السُّوق قَالَ تصنع مَاذَا وَقد وليت أَمر الْمُسلمين قَالَ فَمن أَيْن أطْعم عيالي قَالَ انْطلق يفْرض لَك أَبُو عُبَيْدَة فَانْطَلق إِلَى أبي عُبَيْدَة فَقَالَ أفرض لَك قوت رجل من الْمُهَاجِرين لَيْسَ بأوكسهم وَلَا أكسبهم وَكِسْوَة الشتَاء والصيف إِذا أخلقت شَيْئا رَددته وَأخذت غَيره فَفرض لَهُ كل يَوْم نصف شَاة وَمَا كَسَاه فِي الْبَطن وَالرَّأْس وَأخرج ابْن سعد عَن مَيْمُون قَالَ لما اسْتخْلف أَبُو بكر جعلُوا لَهُ أَلفَيْنِ فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 زيدوني فَإِن لي عيالا وَقد شغلتموني عَن التِّجَارَة فزادوه خَمْسمِائَة وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ لما احْتضرَ أَبُو بكر قَالَ يَا عَائِشَة انظري اللقحة الَّتِي كُنَّا نشرب من لَبنهَا والجفنة الَّتِي كُنَّا نصطبغ فِيهَا والقطيفة الَّتِي كُنَّا نلبسها فَإنَّا كُنَّا ننتفع بذلك حِين نلي أَمر الْمُسلمين فَإِذا مت فاردديه إِلَى عمر فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بكر أرْسلت بِهِ إِلَى عمر فَقَالَ عمر رَحِمك الله يَا أَبَا بكر لقد أَتعبت من جَاءَ بعْدك واخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي بكر بن حَفْص قَالَ قَالَ أَبُو بكر لما احْتضرَ لعَائِشَة يَا بنية إِنَّا ولينا أَمر الْمُسلمين فَلم نَأْخُذ لنا دِينَارا وَلَا درهما وَلَكنَّا أكلنَا من جريش طعامهم فِي بطوننا ولبسنا من خشن ثِيَابهمْ على ظُهُورنَا وَإنَّهُ لم يبْق عندنَا من فَيْء الْمُسلمين لَا قَلِيل وَلَا كثير إِلَّا هَذَا العَبْد الحبشي وَهَذَا الْبَعِير الناضح وجرد هَذِه القطيفة فَإِذا مت فابعثي بِهن إِلَى عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الْبَاب الرَّابِع فِي خلَافَة عمر وَفِيه فُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الْفَصْل الأول فِي حقية خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ اعْلَم أَنا لَا نحتاج فِي هَذَا إِلَى قيام برهَان على حقية خلَافَة عمر لما هُوَ مَعْلُوم عِنْد كل ذِي عقل وَفهم أَنه يلْزم من حقية خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ حقية خلَافَة عمر وَقد قَامَ الْإِجْمَاع ونصوص الْكتاب وَالسّنة على حقية خلَافَة أبي بكر فَيلْزم قيام الْإِجْمَاع ونصوص الْكتاب وَالسّنة على حقية خلَافَة عمر لِأَن الْفَرْع يثبت لَهُ من حَيْثُ كَونه فرعا مَا ثَبت للْأَصْل فَحِينَئِذٍ لَا مطمع لأحد من الرافضة والشيعة فِي النزاع فِي حقية خلَافَة عمر لما قدمْنَاهُ من الْأَدِلَّة الْوَاضِحَة القطعية على حقية خلَافَة مستخلفه وَإِذا ثَبت حقيتها قطعا صَار النزاع فِيهَا عنادا وجهلا وغباوة وَإِنْكَارا للضروريات وَمن هَذَا وَصفه كهؤلاء الجهلة الحمقى حقيق بِأَن يعرض عَنهُ وَعَن أكاذيبه وأباطيله فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعول فِي شَيْء من الْأُمُور عَلَيْهِ إِذا تحقق ذَلِك فقد مر أَن من أعظم فَضَائِل الصّديق استخلافه عمر على الْمُسلمين لما حصل بِهِ من عُمُوم النَّفْع وَفتح الْبِلَاد وَظُهُور الْإِسْلَام ظهورا تَاما كَمَا يَأْتِي وَتقدم فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث الَّتِي فِي الْخلَافَة التَّصْرِيح بخلافة عمر فِي غير حَدِيث كَحَدِيث اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر بِطرقِهِ السَّابِقَة وكحديث أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر بِوَضْع حجره إِلَى جنب حجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَأمره لعمر أَن يضع حجره إِلَى جنب حجر أبي بكر ثمَّ أمره لعُثْمَان بِوَضْع حجره إِلَى جنب حجر عمر ثمَّ قَالَ (هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء بعدِي) وكحديث رُؤْيَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ينْزع بِدَلْو بكرَة على قليب فجَاء أَبُو بكر وَنزع دلوا أَو دلوين ثمَّ جَاءَ عمر فاستقى فاستحالت غربا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَلم أر عبقريا يفري فِي النَّاس فريه) وكحديث الْخلَافَة ثَلَاثُونَ سنة وكحديث إِن أول دينكُمْ بَدَأَ نبوة وَرَحْمَة ثمَّ يكون خلَافَة وَرَحْمَة فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كلهَا فِيهَا دلَالَة أَي دلَالَة على حقية خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ لَو فرض عدم الْإِجْمَاع عَلَيْهَا فَكيف وَقد قَامَ الْإِجْمَاع عَلَيْهَا ودلت عَلَيْهَا النُّصُوص الدَّالَّة على خلَافَة أبي بكر كَمَا مر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الْفَصْل الثَّانِي فِي اسْتِخْلَاف أبي بكر لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي مرض مَوته ونقدم عَلَيْهِ سَبَب مَوته أخرج سيف وَالْحَاكِم عَن بن عمر قَالَ كَانَ سَبَب موت أبي بكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كمد فَمَا زَالَ جِسْمه ينقص حَتَّى مَاتَ وَصَحَّ عَن ابْن شهَاب أَن أَبَا بكر والْحَارث بن كلدة كَانَا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر فَقَالَ الْحَارِث لأبي بكر ارْفَعْ يدك يَا خَليفَة رَسُول الله وَالله إِن فِيهَا سم سنة وَأَنا وَأَنت نموت فِي يَوْم وَاحِد فَرفع يَده فَلم يَزَالَا عليلين حَتَّى مَاتَا فِي يَوْم وَاحِد عِنْد انْقِضَاء السّنة وَلَا يُنَافِيهِ خبر اثْبتْ أحد فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي وصديق وشهيدان لِأَن أخص أَوْصَاف أبي بكر تَسْمِيَته بِالصديقِ كَمَا علم مِمَّا مر فأوثر على وصف الشَّهَادَة لاشتراكه وَلذَلِك لم يصف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا أخص أَوْصَافه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَإِلَّا فَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ بالسم أَيْضا لما فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صرح فِي مرض مَوته أَنه من أَكلَة خَيْبَر وَأَن تِلْكَ الْأكلَة لَا زَالَت تعاوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انْقَطع أبهره وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت أول بَدْء مرض أبي بكر أَنه اغْتسل يَوْم الِاثْنَيْنِ لسبع خلون من جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا فَحم خَمْسَة عشر يَوْمًا لَا يخرج إِلَى الصَّلَاة وَتُوفِّي يَوْم الثُّلَاثَاء لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَأخرج الْوَاقِدِيّ من طرق أَن أَبَا بكر لما ثقل دَعَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر بن الْخطاب فَقَالَ مَا تَسْأَلنِي عَن أَمر إِلَّا وَأَنت أعلم بِهِ مني فَقَالَ أَبُو بكر وَإِن يكن فَقَالَ عبد الرَّحْمَن هُوَ وَالله أفضل من رَأْيك فِيهِ ثمَّ دَعَا عُثْمَان ابْن عَفَّان فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر فَقَالَ أَنْت أخبرنَا بِهِ فَقَالَ على ذَلِك فَقَالَ اللَّهُمَّ علمي بِهِ أَن سَرِيرَته خير من عَلَانِيَته وَأَنه لَيْسَ فِينَا مثله وشاور مَعَهُمَا سعيد ابْن زيد وَأسيد بن حضير وَغَيرهمَا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ أسيد اللَّهُمَّ أعلمهُ الْخَيْر بعْدك يرضى للرضا ويسخط للسخط الَّذِي يسر خير من الَّذِي يعلن وَلنْ يَلِي هَذَا الْأَمر أحد أقوى عَلَيْهِ مِنْهُ وَدخل عَلَيْهِ بعض الصَّحَابَة فَقَالَ لَهُ قَائِل مِنْهُم مَا أَنْت قَائِل لِرَبِّك إِذا سَأَلَك عَن تَوْلِيَة عمر علينا وَقد ترى غلظته فَقَالَ أَبُو بكر أبالله تخوفني أَقُول اللَّهُمَّ اسْتخْلفت عَلَيْهِم خير أهلك ابلغ عني مَا قلت من ورائك ثمَّ دَعَا عُثْمَان فَقَالَ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا عهد أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة فِي آخر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا وَعند أول عَهده بِالآخِرَة دَاخِلا فِيهَا حَيْثُ يُؤمن الْكَافِر ويوقن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب أَنِّي اسْتخْلفت عَلَيْكُم بعدِي عمر بن الْخطاب فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَأَنِّي لم آل الله وَرَسُوله وَدينه وَنَفْسِي وَإِيَّاكُم خيرا فَإِن عدل فَذَلِك ظَنِّي فِيهِ وَعلمِي بِهِ وَإِن بدل فَلِكُل امْرِئ مَا اكْتسب وَالْخَيْر أردْت وَلَا أعلم الْغَيْب وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله ثمَّ أَمر بِالْكتاب فختمه ثمَّ أَمر عُثْمَان فَخرج بِالْكتاب مَخْتُومًا فَبَايع النَّاس وَرَضوا بِهِ دَعَا أَبُو بكر عمر خَالِيا فَأَوْصَاهُ بِمَا أوصاه بِهِ ثمَّ خرج من عِنْده فَرفع أَبُو بكر يَده فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أرد بذلك إِلَّا إصلاحهم وَخفت عَلَيْهِم الْفِتْنَة فَعمِلت فيهم بِمَا أَنْت أعلم بِهِ وَاجْتَهَدت لَهُم رَأْيِي فوليت عَلَيْهِم خَيرهمْ وَأَقْوَاهُمْ وأحرصهم على مَا أرشد لَهُم وَقد حضرني من أَمرك مَا حضر فَاخْلُفْنِي فيهم فهم عِبَادك وَنَوَاصِيهمْ بِيَدِك أصلح واليهم واجعله من خلفائك الرَّاشِدين وَأصْلح لَهُ رَعيته وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ أَفرس النَّاس ثَلَاثَة أَبُو بكر حِين اسْتخْلف عمر وصاحبة مُوسَى حِين قَالَت اسْتَأْجرهُ والعزيز حِين تفرس فِي يُوسُف فَقَالَ لامْرَأَته أكرمي مثواه قيل وَيلْحق بهم سُلَيْمَان بن عبد الْملك حِين اسْتخْلف عمر بن عبد الْعَزِيز وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يسَار بن حَمْزَة قَالَ لما ثقل أَبُو بكر أشرف على النَّاس من كوَّة فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي قد عهِدت عهدا أفترضون بِهِ فَقَالَ النَّاس رَضِينَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَامَ عَليّ فَقَالَ لَا نرضى إِلَّا أَن يكون عمر قَالَ فَإِنَّهُ عمر وَأخرج ابْن سعد عَن شَدَّاد قَالَ كَانَ أول كَلَام تكلم بِهِ عمر حِين صعد الْمِنْبَر أَنه قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيد فليني وَإِنِّي ضَعِيف فقوني وَإِنِّي بخيل فسخني قَالَ الزُّهْرِيّ اسْتخْلف عمر يَوْم توفّي أَبُو بكر فَقَامَ بِالْأَمر أتم قيام وَكَثُرت الْفتُوح فِي أَيَّامه كَثْرَة عَظِيمَة لم يَقع نظيرها فِي أَيَّام خَليفَة بعده كَيفَ وَمن ذَلِك أَكثر إقليم الشَّام وَالْعراق وَفَارِس وَالروم ومصر والإسكندرية وَالْمغْرب وَقد أَشَارَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فِي سَابِع الْأَحَادِيث الْمَارَّة فِي الْأَحَادِيث الدَّالَّة على خلَافَة الصّديق وَلَفظه عِنْد الشَّيْخَيْنِ من بعض تِلْكَ الطّرق عَن ابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَينا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي على قليب عَلَيْهَا دلو فنزعت مِنْهَا مَا شَاءَ الله ثمَّ أَخذهَا أَبُو بكر فَنزع مِنْهَا ذنوبا أَو ذنوبين وَفِي نَزعه ضعف وَالله يغْفر لَهُ ثمَّ جَاءَ عمر فاستقى فاستحالت فِي يَده غربا فَلم أر عبقريا من النَّاس يفري فريه حَتَّى رُوِيَ النَّاس وضربوا بِعَطَن) وَمر أَيْضا عَن الْعلمَاء أَن هَذِه إِشَارَة إِلَى خلَافَة أبي بكر وَعمر وَإِلَى كَثْرَة الْفتُوح وَظُهُور الْإِسْلَام فِي زمن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الْفَصْل الثَّالِث فِي سَبَب تَسْمِيَته بأمير الْمُؤمنِينَ دون خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرج العسكري فِي الْأَوَائِل وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْحَاكِم من طَرِيق ابْن شهَاب أَن عمر بن عبد الْعَزِيز سَأَلَ أَبَا بكر بن سُلَيْمَان بن أبي خَيْثَمَة لأي شَيْء كَانَ يكْتب من خَليفَة خَليفَة رَسُول الله فِي عهد أبي بكر ثمَّ كَانَ عمر كتب أَولا من خَليفَة أبي بكر فَمن أول من كتب من أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ حَدَّثتنِي الشِّفَاء وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات أَن أَبَا بكر كَانَ يكْتب من خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمر كَانَ يكْتب من خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كتب عمر إِلَى عَامل الْعرَاق أَن يبْعَث إِلَيْهِ رجلَيْنِ جلدين يسألهما عَن الْعرَاق وَأَهله فَبعث إِلَيْهِ لبيد بن ربيعَة وعدي بن حَاتِم الطَّائِي فَقدما الْمَدِينَة ودخلا الْمَسْجِد فوجدا عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَا اسْتَأْذن لنا على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ عَمْرو أَنْتُمَا وَالله أصبْتُمَا اسْمه فَدخل عَلَيْهِ عَمْرو فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا بدا لَك فِي هَذَا الِاسْم لتخْرجن مِمَّا قلت فَأخْبرهُ فَقَالَ أَنْت الْأَمِير وَنحن الْمُؤمنِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 فَجرى الْكتاب بذلك من يَوْمئِذٍ وَفِي تَهْذِيب النَّوَوِيّ أَن عديا ولبيدا الْمَذْكُورين هما اللَّذَان سمياه بذلك أَي لِأَن عمرا لم يقل لَهُ ذَلِك إِلَّا تقليدا لَهما وَقيل إِن أول من سَمَّاهُ بِهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ كَانَ يكْتب من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَرَادوا أَن يَقُولُوا خَليفَة خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر هَذَا يطول قَالُوا لَا وَلَكنَّا أمرناك علينا وَأَنت أميرنا قَالَ نعم أَنْتُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَنا أميركم فَكتب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا يُنَافِي مَا تقرر أَن عبد الله بن جحش فِي سريته الَّتِي نزل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} سمي أَمِير الْمُؤمنِينَ لِأَن تِلْكَ التَّسْمِيَة كَانَت خَاصَّة وَالْكَلَام فِي تَسْمِيَة الْخَلِيفَة بذلك فعمر أول من وضع عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم من حَيْثُ الْخلَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الْبَاب الْخَامِس فِي فضائله وخصوصياته وَفِيه فُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه قَالَ الذَّهَبِيّ أسلم فِي السّنة السَّادِسَة من النُّبُوَّة وَله سبع وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش وَإِلَيْهِ فيهم كَانَت السفارة فَكَانُوا إِذا أَرَادوا حَربًا بعثوه رَسُولا وَإِذا نافرهم منافر أَو فاخرهم مفاخر أَرْسلُوهُ لَهُ منافرا ومفاخرا وَكَانَ إِسْلَامه بعد أَرْبَعِينَ رجلا أَو تِسْعَة وَثَلَاثِينَ أَو خَمْسَة وَأَرْبَعين رجلا وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة أَو ثَلَاث وَعشْرين امْرَأَة ففرح بِهِ الْمُسلمُونَ وَظهر الْإِسْلَام بِمَكَّة عقب إِسْلَامه وَقد أخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَأنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بِأحب هذَيْن الرجلَيْن إِلَيْك بعمر بن الْخطاب أَو بِأبي جهل بن هِشَام) وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي بكر الصّديق وثوبان رَضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الله عَنْهُم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب) خَاصَّة وَأخرج أَحْمد عَن عمر قَالَ خرجت أتعرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدته قد سبقني إِلَى الْمَسْجِد فَقُمْت خَلفه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الحاقة فَجعلت أتعجب من تأليف الْقُرْآن فَقلت وَالله هَذَا شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش فَقَرَأَ إِنَّه لقَوْل رَسُول الله كريم وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون فَوَقع فِي قلبِي الْإِسْلَام كل موقع واخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر قَالَ كَانَ أول إِسْلَام عمر أَن عمر قَالَ ضرب أُخْتِي الْمَخَاض لَيْلًا فَخرجت من الْبَيْت فَدخلت فِي ستار الْكَعْبَة فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل الْحجر فصلى مَا شَاءَ الله ثمَّ انْصَرف فَسمِعت شَيْئا لم اسْمَع مثله فَخرج فاتبعته فَقَالَ من هَذَا قلت عمر قَالَ يَا عمر مَا تدعني لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا فَخَشِيت أَن يَدْعُو عَليّ فَقلت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله فَقَالَ يَا عمر استره فَقلت لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لأعلننه كَمَا أعلنت الشّرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَأخرج أَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ خرج عمر مُتَقَلِّدًا سَيْفه فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ أَيْن تعمد يَا عمر فَقَالَ أُرِيد أَن اقْتُل مُحَمَّدًا قَالَ وَكَيف تأمن من بني هَاشم وَبني زهرَة وَقد قتلت مُحَمَّدًا قَالَ مَا أَرَاك إِلَّا قد صبوت قَالَ أَفلا أدلك على الْعجب إِن ختنك وأختك قد صبئا وتركا دينك فَمشى عمر فأتاهما وَعِنْدَهُمَا خباب فَلَمَّا سمع بحس عمر توارى فِي الْبَيْت فَدخل فَقَالَ مَا هَذِه الهينمة وَكَانُوا يقرأون طه قَالَا مَا عدا حَدِيثا تحدثناه بَيْننَا قَالَ فلعلكما قد صبوتما فَقَالَ لَهُ ختنه يَا عمر إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك فَوَثَبَ عَلَيْهِ عمر فوطئه وطئا شَدِيدا فَجَاءَت أُخْته لتدفعه عَن زَوجهَا فنفحها نفحة بِيَدِهِ فدمى وَجههَا فَقَالَت وَهِي غَضَبي إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك إِنِّي اشْهَدْ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ عمر أعطوني الْكتاب الَّذِي هُوَ عنْدكُمْ فأقرؤه وَكَانَ يقْرَأ الْكتاب فَقَالَت أُخْته إِنَّك رِجْس وَإنَّهُ لَا يسمه إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْ واغتسل وَتَوَضَّأ فَقَامَ وَتَوَضَّأ ثمَّ أَخذ الْكتاب فَقَرَأَ {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} حَتَّى انْتهى إِلَى {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري} فَقَالَ عمر دلوني على مُحَمَّد فَلَمَّا سمع خباب قَول عمر خرج فَقَالَ أبشر يَا عمر فَإِنِّي أَرْجُو أَن تكون دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْخَمِيس (اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب أَو بِعَمْرو بن هِشَام) وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أصل الدَّار الَّتِي فِي أصل الصَّفَا فَانْطَلق عمر حَتَّى أَتَى الدَّار وعَلى بَابهَا حَمْزَة وَطَلْحَة وناس فَقَالَ حَمْزَة هَذَا عمر إِن يرد الله بِهِ خيرا يسلم وَإِن يكن غير ذَلِك يكن قَتله علينا هينا قَالَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 دَاخل يُوحى إِلَيْهِ فَخرج حَتَّى أَتَى إِلَى عمر فَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه وحمائل السَّيْف فَقَالَ مَا أَنْت بمنته يَا عمر حَتَّى ينزل الله بك من الخزي والنكال مَا أنزل بالوليد بن الْمُغيرَة فَقَالَ عمر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك عبد الله وَرَسُوله وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أسلم قَالَ قَالَ لنا عمر كنت أَشد النَّاس بَأْسا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبينا أَنا فِي يَوْم حَار بالهاجرة فِي بعض طَرِيق مَكَّة إِذْ لَقِيَنِي رجل فَقَالَ عجبا لَك يَا ابْن الْخطاب إِنَّك تزْعم وَأَنَّك وَأَنَّك قد دخل عَلَيْك الْأَمر فِي بَيْتك قلت وَمَا ذَاك قَالَ أختك قد أسلمت فَرَجَعت مغضبا حَتَّى قرعت الْبَاب قيل من هَذَا قلت عمر فتبادروا واختفوا وَقد كَانُوا يقرؤون فِي صحيفَة بَين أَيْديهم تركوها أَو نسوها فَقَامَتْ أُخْتِي تفتح الْبَاب فَقلت يَا عدوة نَفسهَا أَصَبَوْت وَضربت بِشَيْء فِي يَدي على رَأسهَا فَسَالَ الدَّم وبكت فَقَالَت يَا ابْن الْخطاب مَا كنت فَاعِلا فافعل فقد صبوت قَالَ وَدخلت حَتَّى جَلَست على السرير فَنَظَرت إِلَى الصَّحِيفَة فَقلت مَا هَذَا ناولنيها فَقَالَت لست من أَهلهَا أَنْت لَا تطهر من الْجَنَابَة وَهَذَا كتاب لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَمَا زلت حَتَّى ناولتنيها ففتحتها فَإِذا فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَلَمَّا مَرَرْت باسم من أَسمَاء الله تَعَالَى ذعرت مِنْهُ فألقيت الصَّحِيفَة ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 رجعت إِلَيّ نَفسِي فتناولتها فَإِذا فِيهَا {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فذعرت فَقَرَأت إِلَى {فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله} فَقلت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَخَرجُوا إِلَيّ مبادرين فكبروا وَقَالُوا أبشر فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا يَوْم الِاثْنَيْنِ فَقَالَ (اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بِأحب الرجلَيْن إِلَيْك إِمَّا أَبُو جهل بن هِشَام وَإِمَّا عمر) ودلوني على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته بِأَسْفَل الصَّفَا فَخرجت حَتَّى قرعت الْبَاب فَقَالُوا من قلت عمر بن الْخطاب وَقد علمُوا شدتي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا اجترأ أحد بِفَتْح الْبَاب حَتَّى قَالَ (افتحوا لَهُ) ففتحوا لي فَأخذ رجلَانِ بعضدي حَتَّى أَتَيَا بِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (خلوا عَنهُ) ثمَّ أَخذ بِمَجَامِع قَمِيصِي وجذبني إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ (أسلم يَا ابْن الْخطاب اللَّهُمَّ اهده) فتشهدت فَكبر الْمُسلمُونَ تَكْبِيرَة سَمِعت بفجاج مَكَّة وَكَانُوا مستخفين فَلم أشأ أَن أرى رجلا يضْرب وَيضْرب إِلَّا رَأَيْته وَلَا يُصِيبنِي من ذَلِك شَيْء فَجئْت خَالِي أَي أَبَا جهل بن هِشَام وَكَانَ شريفا فقرعت عَلَيْهِ الْبَاب فَقَالَ من هَذَا قلت ابْن الْخطاب وَقد صبوت قَالَ لَا تفعل ثمَّ دخل وأجاف الْبَاب دوني فَقلت مَا هَذَا شَيْء فَذَهَبت إِلَى رجل من عُظَمَاء قُرَيْش فناديته فَخرج إِلَيّ فَقلت مثل مَقَالَتي لخالي وَقَالَ لي مثل مَا قَالَ خَالِي فَدخل وأجاف الْبَاب دوني فَقلت مَا هَذَا بِشَيْء إِن الْمُسلمين يضْربُونَ وَأَنا لَا أضْرب فَقَالَ لي رجل أَتُحِبُّ أَن يعلم بِإِسْلَامِك قلت نعم قَالَ فَإِذا جلس النَّاس فِي الْحجر فأت فلَانا لرجل لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 يكن يكتم السِّرّ فَقل لَهُ فِيمَا بَيْنك وَبَينه إِنِّي قد صبوت فَإِنَّهُ قَلما يكتم السِّرّ فَجئْت وَقد اجْتمع النَّاس فِي الْحجر فَقلت لَهُ فِيمَا بيني وَبَينه إِنِّي قد صبوت قَالَ أوقد فعلت قلت نعم فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته إِن ابْن الْخطاب قد صَبأ فبادروا إِلَيّ فَمَا زلت أضربهم ويضربوني وَاجْتمعَ عَليّ النَّاس فَقَالَ خَالِي مَا هَذِه الْجَمَاعَة قيل عمر قد صَبأ فَقَامَ على الْحجر فَأَشَارَ بكمه أَلا إِنِّي قد أجرت ابْن أُخْتِي فكفوا عني فَكنت لَا أَشَاء أَن أرى رجلا من الْمُسلمين يضْرب وَيضْرب إِلَّا رَأَيْته فَقلت مَا هَذَا شَيْء حَتَّى يُصِيبنِي فَأتيت خَالِي فَقلت جوارك رد عَلَيْك فَمَا زلت أضْرب وأضرب حَتَّى أعز الله الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الْفَصْل الثَّانِي فِي تَسْمِيَته بالفاروق أخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَأَلت عمر لأي شَيْء سميت بالفاروق فَقَالَ أسلم حَمْزَة قبلي بِثَلَاثَة ايام فَخرجت إِلَى الْمَسْجِد فأسرع أَبُو جهل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسبه فَأخْبر حَمْزَة فَأخذ قوسه وَجَاء إِلَى الْمَسْجِد إِلَى حَلقَة قُرَيْش الَّتِي فِيهَا أَبُو جهل فاتكأ على قوسه مُقَابل أبي جهل فَنظر إِلَيْهِ فَعرف أَبُو جهل الشَّرّ فِي وَجهه فَقَالَ مَا لَك يَا أَبَا عمَارَة فَرفع الْقوس فَضرب بهَا أخدعه فَقَطعه فسالت الدِّمَاء فأصلحت ذَلِك قُرَيْش مَخَافَة الشَّرّ قَالَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مختف فِي دَار الأرقم بن أبي الأرقم المَخْزُومِي فَانْطَلق حَمْزَة فَأسلم فَخرجت بعده بِثَلَاثَة أَيَّام فَإِذا فلَان المَخْزُومِي فَقلت لَهُ أرغبت عَن دين آبَائِك وَاتَّبَعت دين مُحَمَّد قَالَ إِن فعلت فقد فعله من هُوَ أعظم عَلَيْك حَقًا مني فَقلت من هُوَ قَالَ أختك وختنك فَانْطَلَقت فَوجدت هينمة فَدخلت فَقلت مَا هَذَا فَمَا زَالَ الْكَلَام بَيْننَا حَتَّى أخذت بِرَأْس ختني فضربته وأدميته فَقَامَتْ إِلَيّ أُخْتِي وَأخذت برأسي وَقَالَت قد كَانَ ذَلِك على رغم أَنْفك فَاسْتَحْيَيْت حِين رَأَيْت الدَّم فَجَلَست وَقلت أروني هَذَا الْكتاب فَقَالَت إِنَّه لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْت فاغتسلت فأخرجوا إِلَيّ صحيفَة فِيهَا بِسم الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الرَّحْمَن الرَّحِيم) فَقلت أَسمَاء طيبَة طَاهِرَة {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} إِلَى قَوْله {لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} فتعظمت فِي صَدْرِي وَقلت من هَذَا فرت قُرَيْش فَأسْلمت وَقلت أَيْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت فَإِنَّهُ فِي دَار الأرقم فَأتيت فَضربت الْبَاب فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْم فَقَالَ لَهُم حَمْزَة مالكم قَالُوا عمر قَالَ افتحوا لَهُ الْبَاب فَإِن اقبل قبلنَا مِنْهُ وَإِن أدبر قَتَلْنَاهُ فَسمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج فَتشهد عمر فَكبر أهل الدَّار تَكْبِيرَة سَمعهَا أهل الْمَسْجِد فَقلت يَا رَسُول الله أَلسنا على الْحق قَالَ بلَى قلت فَفِيمَ الاختفاء فخرجنا صفّين أَنا فِي أَحدهمَا وَحَمْزَة فِي الآخر حَتَّى دَخَلنَا الْمَسْجِد فَنَظَرت قُرَيْش إِلَيّ وَإِلَى حَمْزَة فَأَصَابَتْهُمْ كآبة شَدِيدَة فسماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفَارُوق يَوْمئِذٍ وَفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل وَأخرج ابْن سعد عَن ذكْوَان قَالَ قلت لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا من سمى عمر الْفَارُوق قَالَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما اسْلَمْ عمر نزل جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد لقد استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أسلم عمر قَالَ الْمُشْركُونَ قد انتصف الْقَوْم الْيَوْم منا وَأنزل الله يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الْمُؤمنِينَ) وَالْبُخَارِيّ وَغَيره عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مَا زلنا أعزة مُنْذُ أسلم عمر وَابْن سعد عَنهُ أَيْضا قَالَ كَانَ إِسْلَام عمر فتحا وَكَانَت هجرته نصرا وَكَانَت إِمَامَته رَحْمَة وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا نستطيع أَن نصل إِلَى الْبَيْت حَتَّى أسلم عمر فَلَمَّا أسلم قَاتلهم حَتَّى تركونا وخلوا سبيلنا وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن حُذَيْفَة قَالَ لما اسْلَمْ عمر كَانَ الْإِسْلَام كَالرّجلِ الْمقبل لَا يزْدَاد إِلَّا قُوَّة فَلَمَّا قتل عمر كَانَ الْإِسْلَام كَالرّجلِ الْمُدبر لَا يزْدَاد إِلَّا بعدا وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس // بِسَنَد حسن // أول من جهر بِالْإِسْلَامِ عمر بن الْخطاب وَابْن سعد عَن صُهَيْب قَالَ لما أسلم عمر ظهر الْإِسْلَام ودعي إِلَيْهِ عَلَانيَة وَجَلَسْنَا حول الْبَيْت حلقا وطفنا بِالْبَيْتِ وانتصفنا فَمن غلظ علينا رددنا عَلَيْهِ بعض مَا يَأْتِي بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الْفَصْل الثَّالِث فِي هجرته أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا علمت أحدا هَاجر إِلَّا مختفيا إِلَّا عمر بن الْخطاب فَإِنَّهُ لما هم بِالْهِجْرَةِ تقلد سَيْفه تنكب قوسه وانتضى فِي يَده أسهما وأتى الْكَعْبَة وأشراف قُرَيْش بفنائها فَطَافَ سبعا ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام ثمَّ أَتَى حلقهم وَاحِدَة وَاحِدَة فَقَالَ شَاهَت الْوُجُوه من أَرَادَ أَن تثكله أمه ويؤتم وَلَده وترمل زَوجته فليلقني وَرَاء هَذَا الْوَادي فَمَا تبعه مِنْهُم أحد وَأخرج عَن الْبَراء قَالَ أول من قدم علينا مُهَاجرا مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم ثمَّ عمر بن الْخطاب فِي عشْرين رَاكِبًا فَقُلْنَا مَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هُوَ على أثري ثمَّ قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر مَعَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الْفَصْل الرَّابِع فِي فضائله قد مر مِنْهَا أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا بل أَكثر مقرونة بِبَعْض أَحَادِيث أبي بكر الدَّالَّة على خِلَافَته وفضله وَالْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ الْخَبَر السَّابِق آنِفا اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب وَالسَّادِس وَالثَّلَاثُونَ الْخَبَر السَّابِق آنِفا أَيْضا لما أسلم عمر نزل جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد لقد استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر وَالْخَبَر السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ الْخَبَر السَّابِق آنِفا أَيْضا لما أسلم عمر قَالَ الْمُشْركُونَ لقد انتصف الْقَوْم الْيَوْم منا وَأنزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَينا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي فِي الْجنَّة فَإِذا امْرَأَة تتوضأ إِلَى جَانب قصر قلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لعمر فَذكرت غيرتك فوليت مُدبرا) فَبكى وَقَالَ عَلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أغار يَا رَسُول الله الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد والشيخان عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (رَأَيْتنِي دخلت الْجنَّة فَإِذا أَنا بالرميصاء امْرَأَة أبي طَلْحَة وَسمعت خشفا أَمَامِي فَقلت مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ هَذَا بِلَال وَرَأَيْت قصرا أَبيض بفنائه جَارِيَة فَقلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لعمر بن الْخطاب فَأَرَدْت أَن أدخلهُ أنظر إِلَيْهِ فَذكرت غيرتك) الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (بَينا أَنا نَائِم شربت يَعْنِي اللَّبن حَتَّى أنظر إِلَى الرّيّ يجْرِي فِي أظفاري ثمَّ ناولته عمر) قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ (الْعلم) الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد والشيخان وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (بَينا أَنا نَائِم رَأَيْت النَّاس عرضوا عَليّ وَعَلَيْهِم قمص فَمِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا يبلغ دون ذَلِك وَعرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 عَليّ عمر وَعَلِيهِ قَمِيص يجره) قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ (الدّين) وَفِيه رِوَايَة للحكيم التِّرْمِذِيّ على مَاذَا تؤول هَذَا يَا رَسُول الله وفيهَا فَمنهمْ من كَانَ قَمِيصه إِلَى سرته وَمِنْهُم من كَانَ قَمِيصه إِلَى ركبته وَمِنْهُم من كَانَ قَمِيصه إِلَى أَنْصَاف سَاقيه وَقَوله الدّين يجوز فِيهِ النصب وَالرَّفْع وَعبر بدله فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالْإِيمَان وَقد قيل فِي وَجه تَعْبِير الْقَمِيص بِالدّينِ أَن الْقَمِيص يستر الْعَوْرَة فِي الدُّنْيَا وَالدّين يَسْتُرهَا فِي الْآخِرَة ويحجبها عَن كل مَكْرُوه وَالْأَصْل فِيهِ ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير وَاتفقَ المعبرون على ذَلِك أَعنِي تَعْبِير الْقَمِيص بِالدّينِ وان طوله يدل على بَقَاء آثَار صَاحبه من بعده وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ إِنَّمَا أَوله بِهِ لِأَنَّهُ يستر عَورَة الْجَهْل كَمَا أَن الْقَمِيص يستر عَورَة الْبدن وَأما غير عمر فَمَا يبلغ ثدييه هُوَ مَا يستر قلبه عَن الْكفْر وَإِن عصى وَمَا يبلغ اسفل مِنْهُ وفرجه باد هُوَ من لم يستر رجله عَن الْمَشْي للمعصية وَالَّذِي يستر رجله هُوَ الَّذِي احتجب بالتقوى من جَمِيع الْوُجُوه وَالَّذِي يجر قَمِيصه زَاد على ذَلِك بِالْعَمَلِ الصَّالح الْخَالِص وَقَالَ الْعَارِف ابْن أبي جَمْرَة المُرَاد بِالنَّاسِ فِي الحَدِيث مؤمنو هَذِه الْأمة وبالدين امْتِثَال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي وَكَانَ لعمر فِي ذَلِك الْمقَام العالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وَيُؤْخَذ من الحَدِيث أَن كل مَا يرى فِي الْقَمِيص من حسن أَو غَيره عبر بدين لابسه ونقصه إِمَّا لنَقص الْإِيمَان أَو الْعَمَل وَفِي الحَدِيث أَن أهل الدّين يتفاضلون فِي الدّين بالقلة وَالْكَثْرَة وبالقوة والضعف وَهَذَا من أَمْثِلَة مَا يحمد فِي الْمَنَام ويذم فِي الْيَقَظَة شرعا أَعنِي جر الْقَمِيص لما ورد من الْوَعيد فِي تطويله الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الشَّيْخَانِ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا ابْن الْخطاب وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا لقيك الشَّيْطَان سالكا فجا قطّ إِلَّا سلك فجا غير فجك) الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لقد كَانَ فِيمَا قبلكُمْ من الْأُمَم نَاس محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي أحد فَإِنَّهُ عمر) واخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر مَا سَمِعت عمر لشَيْء قطّ يَقُول إِنِّي لأظنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يظنّ بَيْنَمَا عمر جَالس إِذْ مر بِهِ رجل جميل أَي هُوَ سَواد ابْن قَارب فَقَالَ عمر لقد أَخطَأ ظَنِّي إِن هَذَا على دينه فِي الْجَاهِلِيَّة أَو لقد كَانَ كاهنهم عَليّ بِالرجلِ فَدَعَا بِهِ فَقَالَ لَهُ ذَلِك فَقَالَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أستقبل بِهِ رجلا مُسلما قَالَ فَإِنِّي أعزم عَلَيْك إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي قَالَ كنت كاهنهم فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ فَمَا أعجب مَا جاءتك بِهِ جنيتك فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ بَيْنَمَا أَنا يَوْمًا فِي السُّوق جَاءَتْنِي أعرف مِنْهَا الْفَزع فَقَالَت ألم تَرَ الْجِنّ وإبلاسها الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أبي ذَر وابو يعلى وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن بِلَال وَعَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله تَعَالَى جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه) قَالَ ابْن عمر وَمَا نزل بِالنَّاسِ أَمر قطّ فَقَالُوا وَقَالَ إِلَّا أنزل الْقُرْآن على نَحْو مَا قَالَ عمر الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 عَن عقبَة بن عَامر وَالطَّبَرَانِيّ عَن عصمَة بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر بن الْخطاب) وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَغَيره وَابْن عَسَاكِر من حَدِيث ابْن عمر الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة إِنِّي لأنظر إِلَى شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس قد فروا من عمر وَأخرج ابْن عدي عَنْهَا رَأَيْت شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ فروا من عمر الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ اخْرُج ابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أول من يصافحه الْحق عمر وَأول من يسلم عَلَيْهِ وَأول من يَأْخُذهُ بِيَدِهِ فيدخله الْجنَّة) والمصافحة هُنَا كِنَايَة عَن مزِيد الإنعام والإقبال وَمر أَن أَبَا بكر أول من يدْخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الْجنَّة أَيْضا وَيجمع بِحمْل مَا هُنَا على أَن الأولية فِي عمر نسبية أَي الأول من يدخلهَا بعد أبي بكر الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ أخرج ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم عَن أبي ذَر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (إِن الله وضع الْحق على لِسَان عمر يَقُول بِهِ) الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه) وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمر بن الْخطاب وبلال وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم واخرج ابْن منيع فِي مُسْنده عَن عَليّ قَالَ كُنَّا اصحاب مُحَمَّد لَا نشك أَن السكينَة تنطق على لِسَان عمر الحَدِيث الْخَمْسُونَ أخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَسَاكِر عَن الصعب بن جثامة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 سراج أهل الْجنَّة) الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ أخرج الْبَزَّار عَن قدامَة بن مَظْعُون عَن عَمه عُثْمَان بن مَظْعُون قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَذَا غلق الْفِتْنَة) وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عمر (لَا يزَال بَيْنكُم وَبَين الْفِتْنَة بَاب شَدِيد الغلق مَا عَاشَ هَذَا بَين أظْهركُم) الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول والضياء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَقْْرِئ عمر السَّلَام وَأخْبرهُ أَن غَضَبه عز وَرضَاهُ حكم وَفِي رِوَايَة أَتَى جِبْرِيل فَقَالَ أقرىء عمر السَّلَام وَقل لَهُ إِن رِضَاهُ حكم وَإِن غَضَبه عز الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الشَّيْطَان يفر من عمر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيق بُرَيْدَة إِن الشَّيْطَان ليفرق مِنْك يَا عمر الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ اخْرُج ابْن عَسَاكِر وَابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا فِي السَّمَاء ملك إِلَّا وَهُوَ يوقر عمر وَلَا فِي الأَرْض شَيْطَان إِلَّا وَهُوَ يفرق من عمر) الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله باهى بِأَهْل عَرَفَة عَامَّة وباهى بعمر خَاصَّة) وَأخرج فِي الْكَبِير مثله من حَدِيث ابْن عَبَّاس الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ والديلمي عَن الْفضل ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ) الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سديسة قَالَت قَالَ رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الشَّيْطَان لم يلق عمر مُنْذُ أسلم إِلَّا خر لوجهه) وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد من طَرِيق سديسة عَن حَفْصَة الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ لي جِبْرِيل ليبك الْإِسْلَام على موت عمر) الحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ اخْرُج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أبْغض عمر فقد ابغضني وَمن أحب عمر فقد أَحبَّنِي وَإِن الله باهى بِالنَّاسِ عَشِيَّة عَرَفَة عَامَّة وباهى بعمر خَاصَّة وَإنَّهُ لم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا كَانَ فِي أمته مُحدث وَإِن يكن فِي أمتِي مِنْهُم أحد فَهُوَ عمر قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ مُحدث قَالَ تَتَكَلَّم الْمَلَائِكَة على لِسَانه) // إِسْنَاده حسن // الحَدِيث السِّتُّونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم عَن بُرَيْدَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا بِلَال بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة مَا دخلت الْجنَّة قطّ إِلَّا سَمِعت خشخشتك أَمَامِي فَأتيت على قصر مربع مشرف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 ذهب فَقلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لرجل من الْعَرَب قلت أَنا عَرَبِيّ لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لرجل من قُرَيْش فَقلت أَنا من قُرَيْش لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لرجل من أمة مُحَمَّد فَقلت أَنا مُحَمَّد لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لعمر بن الْخطاب) الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ أخرج أَبُو دَاوُد عَن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (لَا تنسنا يَا أخي من دعائك) الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتُّونَ أخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن عمر أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (يَا أخي أشركنا فِي صَالح دعائك وَلَا تنسنا) الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ اخْرُج ابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الصدْق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ) الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ اخْرُج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عمر معي وَأَنا مَعَ عمر وَالْحق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتُّونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان رَضِي الله عَنهُ فِي صَحِيحه عَن أنس وَأحمد والشيخان عَن جَابر وَأحمد عَن بُرَيْدَة وَعَن معَاذ رَضِي الله عَنْهُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (دخلت الْجنَّة فَإِذا أَنا بقصر من ذهب فَقلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لشاب من قُرَيْش فَظَنَنْت أَنِّي أَنا هُوَ فَقلت وَمن هُوَ قَالُوا عمر بن الْخطاب فلولا مَا علمت من غيرتك لدخلته) الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتُّونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي بكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا طلعت الشَّمْس على خير من عمر) الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتُّونَ أخرج ابْن سعد عَن أَيُّوب بن مُوسَى مُرْسلا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه وَهُوَ الْفَارُوق فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل) الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ اخْرُج الطَّبَرَانِيّ عَن عصمَة بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَيحك إِذا مَاتَ عمر فَإِن اسْتَطَعْت أَن تَمُوت فمت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الْفَصْل الْخَامِس فِي ثَنَاء الصَّحَابَة وَالسَّلَف عَلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا على ظهر الأَرْض رجل أحب إِلَيّ من عمر وَابْن سعد عَنهُ أَنه قيل لَهُ فِي مَرضه مَاذَا تَقول لِرَبِّك وَقد وليت عمر قَالَ أَقُول لَهُ وليت عَلَيْهِم خَيرهمْ وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ قَالَ إِذْ ذكر الصالحون فَحَيَّهَلا بعمر مَا كُنَّا نبعد أَن السكينَة تنطق على لِسَان عمر وَابْن سعد عَن ابْن عمر قَالَ مَا رَأَيْت أحدا بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حِين قبض أجد وَلَا أَجود من عمر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لَو أَن علم عمر يوضع فِي كفة ميزَان وَوضع علم أَحيَاء الأَرْض فِي كفة لرجح علم عمر بعلمهم وَلَقَد كَانُوا يرَوْنَ أَنه ذهب بِتِسْعَة أعشار الْعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَالزُّبَيْر بن بكار عَن مُعَاوِيَة قَالَ أما أَبُو بكر فَلم يرد الدُّنْيَا وَلم ترده وَأما عمر فأرادته الدُّنْيَا وَلم يردهَا وَأما نَحن فتمر غنا فِيهَا ظهرا لبطن وَالْحَاكِم عَن عَليّ أَنه دخل على عمر وَهُوَ مسجى فَقَالَ رَحْمَة الله عَلَيْك مَا من أحد أحب إِلَيّ أَن ألْقى الله بِمَا فِي صَحِيفَته بعد صحيفَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا المسجى وَتقدم لهَذَا طرق عَن عَليّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِذا ذكر الصالحون فَحَيَّهَلا بعمر إِن عمر كَانَ أعلمنَا بِكِتَاب الله وأفهمنا فِي دين الله وَالطَّبَرَانِيّ عَن عمر بن ربيعَة أَن عمر قَالَ لكعب الْأَحْبَار كَيفَ تَجِد نعتي قَالَ أجد نعتك قرن من حَدِيد قَالَ وَمَا قرن من حَدِيد قَالَ أَمِير شَدِيد لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم قَالَ ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ يكون من بعْدك خَليفَة تقتله فِئَة ظالمة قَالَ ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ يكون الْبلَاء وَأحمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ فضل عمر بن الْخطاب النَّاس بِأَرْبَع بِذكر الأسرى يَوْم بدر أَمر بِقَتْلِهِم فَأنْزل الله لَوْلَا كتاب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الله سبق) وبذكر الْحجاب أَمر نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحتجبن فَقَالَت لَهُ زَيْنَب وَإنَّك لَتَغَار علينا يَا ابْن الْخطاب وَالْوَحي ينزل فِي بُيُوتنَا فَأنْزل الله وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا وبدعوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ أيد الْإِسْلَام بعمر) وبرأيه فِي أبي بكر كَانَ أول من بَايعه وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ كُنَّا نتحدث أَن الشَّيَاطِين كَانَت مصفدة فِي إِمَارَة عمر فَلَمَّا أُصِيب بثت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْفَصْل السَّادِس فِي موافقات عمر لِلْقُرْآنِ وَالسّنة والتوراة أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد قَالَ كَانَ عمر يرى الرَّأْي فَينزل بِهِ الْقُرْآن وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ إِن فِي الْقُرْآن لرأيا من رَأْي عمر وَأخرج عَن ابْن عمر مَرْفُوعا مَا قَالَ النَّاس فِي شَيْء وَقَالَ فِيهِ عمر إِلَّا جَاءَ الْقُرْآن بِنَحْوِ مَا يَقُول عمر إِذا تقرر ذَلِك فموافقاته كَثِيرَة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة أخرج الشَّيْخَانِ عَن عمر قَالَ وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث قلت يَا رَسُول الله لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى فَنزلت وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى وَقلت يَا رَسُول الله يدْخل على نِسَائِك الْبر والفاجر فَلَو أمرتهن يحتجبن فَنزلت آيَة الْحجاب وَاجْتمعَ نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ فِي الْغيرَة فَقلت {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} فَنزلت كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الرَّابِعَة أُسَارَى بدر أخرج مُسلم عَن سَالم عَن عمر قَالَ وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث فِي الْحجاب وَفِي أُسَارَى بدر وَفِي مقَام إِبْرَاهِيم الْخَامِسَة تَحْرِيم الْخمر أخرج أَصْحَاب السّنَن وَالْحَاكِم أَن عمر قَالَ اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافيا فَأنْزل الله تَحْرِيمهَا السَّادِسَة {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} أخرج ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن أنس قَالَ قَالَ عمر وَافَقت رَبِّي فِي أَربع نزلت هَذِه الْآيَة (وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين) فَلَمَّا نزلت قلت أَنا فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ السَّابِعَة قصَّة عبد الله بن أبي وحديثها فِي الصَّحِيح عَنهُ أَي عَن عمر قَالَ لما توفّي عبد الله بن أبي دعِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة عَلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ فَقُمْت حَتَّى وقفت فِي صَدره فَقلت يَا رَسُول الله أَعلَى عَدو الله ابْن أبي الْقَائِل يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فوَاللَّه مَا كَانَ يَسِيرا حَتَّى نزلت وَلَا تصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا) الثَّامِنَة قصَّة الاسْتِغْفَار لقوم من الْمُنَافِقين قَالَ عمر سَوَاء عَلَيْهِم فَأنْزل الله {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} التَّاسِعَة الاستشارة فِي الْخُرُوج إِلَى بدر وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَشَارَ أَصْحَابه فِي الْخُرُوج إِلَى بدر فَأَشَارَ عمر بِالْخرُوجِ فَنزل قَوْله تَعَالَى {كَمَا أخرجك رَبك من بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِن فريقا من الْمُؤمنِينَ لكارهون} الْعَاشِرَة الاستشارة فِي قصَّة الْإِفْك وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اسْتَشَارَ الصَّحَابَة فِي قصَّة الْإِفْك قَالَ عمر من زوجكها يَا رَسُول الله قَالَ الله قَالَ أفتظن أَن رَبك دلّس عَلَيْك فِيهَا {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} فَنزلت كَذَلِك الْحَادِيَة عشرَة قصَّته فِي الصّيام لما جَامع زَوجته أخرج أَحْمد فِي مُسْنده أَيْضا لما جَامع زَوجته بعد الانتباه وَكَانَ ذَلِك محرما فِي أول الْإِسْلَام فَنزل {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الثَّانِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {من كَانَ عدوا} إِلَى آخِره أخرجه ابْن جرير وَغَيره من طرق عديدة أقربها للموافقة مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَن يَهُودِيّا لَقِي عمر فَقَالَ إِن جِبْرِيل الَّذِي يذكر صَاحبكُم عَدو لنا فَقَالَ عمر {من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ} فَنزلت على لِسَان عمر الْآيَة الثَّالِثَة عشرَة {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ} الْآيَة أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْأسود قَالَ اخْتصم رجلَانِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى بَينهمَا فَقَالَ الَّذِي قضى عَلَيْهِ ردنا إِلَى عمر بن الْخطاب فَأتيَا إِلَيْهِ فَقَالَ الرجل قضى لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذَا فَقَالَ لي ردنا إِلَى عمر فَقتله وَأدبر الآخر فَقَالَ يَا رَسُول الله قتل عمر وَالله صَاحِبي فَقَالَ (مَا كنت أَظن أَن يجترئ عمر على قتل مُؤمن) فَأنْزل الله {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} فأهدر دم الرجل وَبرئ عمر من قَتله وَله شَاهد مَوْصُول الرَّابِعَة عشرَة مَسْأَلَة الاسْتِئْذَان فِي الدُّخُول وَذَلِكَ أَنه دخل عَلَيْهِ غُلَامه وَكَانَ نَائِما فَقَالَ اللَّهُمَّ حرم الدُّخُول فَنزلت آيَة الاسْتِئْذَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الْخَامِسَة عشرَة مُوَافَقَته لقَوْله تَعَالَى {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} أخرجه ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن جَابر وقصتها مَذْكُورَة فِي أَسبَاب النُّزُول السَّادِسَة عشرَة مُوَافَقَته فِي بعض الْأَذَان أخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل من طَرِيق عبد الله بن نَافِع وَهُوَ ضَعِيف عَن أَبِيه عَن ابْن عمر أَن بِلَالًا كَانَ يَقُول إِذا أذن أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله حَيّ على الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ عمر قل فِي إثْرهَا أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قل كَمَا قَالَ عمر) والْحَدِيث الصَّحِيح الثَّابِت فِي أول مَشْرُوعِيَّة الْأَذَان يرد هَذَا السَّابِعَة عشرَة أخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله أَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ ويل لملك الأَرْض من ملك السَّمَاء فَقَالَ عمر إِلَّا من حاسب نَفسه فَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا مَكْتُوبَة فِي التَّوْرَاة فَخر عمر سَاجِدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الْفَصْل السَّابِع فِي كراماته رَضِي الله عَنهُ الأولى أخرج الْبَيْهَقِيّ وابو نعيم واللالكائي وَابْن الْأَعرَابِي والخطيب عَن نَافِع عَن ابْن عمر // بِإِسْنَاد حسن // قَالَ وَجه عمر جَيْشًا وَرَأس عَلَيْهِم رجلا يدعى سَارِيَة فَبينا عمر رَضِي الله عَنهُ يخْطب جعل يُنَادي يَا سَارِيَة الْجَبَل ثَلَاثًا ثمَّ قدم رَسُول الْجَيْش فَسَأَلَهُ عمر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَزَمْنَا فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ سمعنَا صَوتا يُنَادي يَا سَارِيَة الْجَبَل ثَلَاثًا فأسندنا ظهرنا إِلَى الْجَبَل فَهَزَمَهُمْ الله قَالَ قيل لعمر إِنَّك كنت تصيح بذلك وَذَلِكَ الْجَبَل الَّذِي كَانَ سَارِيَة عِنْده بنهاوند من أَرض الْعَجم وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عمر يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَعرض فِي خطبَته أَن قَالَ يَا سَارِيَة الْجَبَل من استرعى الذِّئْب ظلم فَالْتَفت النَّاس بَعضهم لبَعض فَقَالَ لَهُم عَليّ ليخرجن مِمَّا قَالَ فَلَمَّا فرغ سَأَلُوهُ فَقَالَ وَقع فِي خلدي أَن الْمُشْركين هزموا إِخْوَاننَا وَإِنَّهُم يَمرونَ بجبل فَإِن عدلوا إِلَيْهِ قَاتلُوا من وَجه وَاحِد وَإِن جاوزوا هَلَكُوا فَخرج مني مَا تَزْعُمُونَ أَنكُمْ سمعتموه فَقَالَ فجَاء البشير بعد شهر فَذكر أَنهم سمعُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 صَوت عمر فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ فعدلنا إِلَى الْجَبَل فَفتح الله علينا واخرج أَبُو نعيم عَن عَمْرو بن الْحَارِث قَالَ بَينا عمر يخْطب يَوْم الْجُمُعَة إِذْ ترك الْخطْبَة وَقَالَ يَا سَارِيَة الْجَبَل مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ أقبل على خطبَته فَقَالَ بعض الْحَاضِرين لقد جن إِنَّه لمَجْنُون فَدخل عَلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَكَانَ يطمئن إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّك لتجعل لَهُم على نَفسك مقَالا بَينا أَنْت تخْطب إِذْ أَنْت تصيح يَا سَارِيَة الْجَبَل أَي شَيْء هَذَا قَالَ إِنِّي وَالله مَا ملكت ذَلِك رَأَيْتهمْ يُقَاتلُون عِنْد جبل يُؤْتونَ من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم فَلم أملك أَن قلت يَا سَارِيَة الْجَبَل ليلحقوا بِالْجَبَلِ فلبثوا إِلَى أَن جَاءَ رَسُول سَارِيَة بكتابه إِن الْقَوْم لقونا يَوْم الْجُمُعَة فقاتلناهم حَتَّى إِذا حضرت الْجُمُعَة سمعنَا مناديا يُنَادي يَا سَارِيَة الْجَبَل مرَّتَيْنِ فلحقنا بِالْجَبَلِ فَلم نزل قاهرين لعدونا حَتَّى هَزَمَهُمْ الله وقتلهم فَقَالَ أُولَئِكَ الَّذين طعنوا عَلَيْهِ دعوا هَذَا الرجل فَإِنَّهُ مَصْنُوع لَهُ الثَّانِيَة أخرج أَبُو الْقَاسِم بن بَشرَان من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لرجل مَا اسْمك قَالَ جَمْرَة قَالَ ابْن من قَالَ ابْن شهَاب قَالَ مِمَّن قَالَ من الحرقة قَالَ أَيْن مسكنك قَالَ الْحرَّة قَالَ بأيها قَالَ بِذَات لظى قَالَ عمر أدْرك أهلك فقد احترقوا فَرجع الرجل فَوجدَ أَهله قد احترقوا وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ نَحوه وَكَذَلِكَ أخرجه آخَرُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الثَّالِثَة أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة بِسَنَدِهِ إِلَى قيس بن الْحجَّاج عَمَّن حَدثهُ قَالَ لما فتحت مصر أَتَى أَهلهَا عَمْرو بن الْعَاصِ حِين دخل يَوْم من أشهر الْعَجم فَقَالُوا أَيهَا الْأَمِير إِن لنيلنا هَذَا سنة لَا يجْرِي إِلَّا بهَا قَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا إِذا كَانَ أحد عشر لَيْلَة تَخْلُو من هَذَا الشَّهْر عمدنا إِلَى جَارِيَة بكر بَين أَبَوَيْهَا فأرضينا أَبَوَيْهَا وَجَعَلنَا عَلَيْهَا من الثِّيَاب والحلي افضل مَا يكون ثمَّ ألقيناها فِي هَذَا النّيل فَقَالَ لَهُم عَمْرو إِن هَذَا لَا يكون فِي إِسْلَام أبدا وَإِن الْإِسْلَام يهدم مَا كَانَ قبله فأقاموا والنيل لَا يجْرِي قَلِيلا وَلَا كثيرا حَتَّى هموا بالجلاء فَلَمَّا رأى ذَلِك عَمْرو كتب إِلَى عمر بن الْخطاب بذلك فَكتب لَهُ أَن قد أصبت بِالَّذِي فعلت وَإِن الْإِسْلَام يهدم مَا كَانَ قبله وَبعث بطاقة فِي دَاخل كِتَابه وَكتب إِلَى عَمْرو إِنِّي قد بعثت إِلَيْك بطاقة فِي دَاخل كتابي فَأَلْقِهَا فِي النّيل فَلَمَّا قدم كتاب عمر إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ أَخذ البطاقة فَفَتحهَا فَإِذا فِيهَا من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى نيل مصر أما بعد فَإِن كنت تجْرِي من قبلك فَلَا تجر وَإِن كَانَ الله يجريك فأسأل الله الْوَاحِد القهار أَن يجريك فَألْقى البطاقة عَمْرو فِي النّيل قبل الصَّلِيب بِيَوْم فَأَصْبحُوا وَقد أجراه الله سِتَّة عشر ذِرَاعا فِي لَيْلَة وَاحِدَة فَقطع الله تِلْكَ السّنة عَن أهل مصر إِلَى الْيَوْم الرَّابِعَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن طَارق بن شهَاب قَالَ إِن كَانَ الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 ليحدث عمر بِالْحَدِيثِ فيكذبه الكذبة فَيَقُول احْبِسْ هَذِه ثمَّ يحدثه بِالْحَدِيثِ فَيَقُول لَهُ احْبِسْ هَذِه فَيَقُول لَهُ كل مَا حدثتك حق إِلَّا مَا أَمرتنِي أَن أحبسه وَأخرج أَيْضا عَن الْحسن قَالَ إِن كَانَ أحد يعرف الْكَذِب إِذا حدث بِهِ أَنه كذب فَهُوَ عمر بن الْخطاب الْخَامِسَة أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هدبة الْحِمصِي قَالَ أخبر عمر أَن أهل الْعرَاق قد حصبوا أَمِيرهمْ فَخرج غَضْبَان فصلى فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا سلم قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهُم قد لبسوا عَليّ فالبس عَلَيْهِم وَعجل عَلَيْهِم بالغلام الثَّقَفِيّ يحكم فيهم بِحكم الْجَاهِلِيَّة لَا يقبل من محسنهم وَلَا يتَجَاوَز عَن مسيئهم قَالَ ابْن لَهِيعَة وَمَا ولد الْحجَّاج يَوْمئِذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 خَاتِمَة فِي نبذ سيرته رَضِي الله عَنهُ أخرج ابْن سعد عَن آصف بن قيس قَالَ كُنَّا جُلُوسًا بِبَاب عمر فمرت جَارِيَة فَقَالُوا سَرِيَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا هِيَ لأمير الْمُؤمنِينَ بسرية وَلَا تحل لَهُ إِنَّهَا من مَال الله فَقُلْنَا فَمَا يحل لَهُ من مَال الله تَعَالَى قَالَ إِنَّه لَا يحل لعمر من مَال الله إِلَّا حلتين حلَّة للشتاء وحلة للصيف وَمَا حج بِهِ وَاعْتمر وقوتي وقوت أَهلِي كَرجل من قُرَيْش لَيْسَ بأغناهم وَلَا بأفقرهم ثمَّ أَنا بعد رجل من الْمُسلمين وَأخرج ابْن سعد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَغَيرهمَا من طرق عَن عمر قَالَ إِنِّي أنزلت نَفسِي من مَال الله منزلَة وَالِي الْيَتِيم من مَاله إِن أَيسَرت اسْتَعْفَفْت وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ فَإِن أَيسَرت قضيت وَاحْتَاجَ للتداوي بِعَسَل وَفِي بَيت المَال عكة فَقَالَ إِن أذنتم لي وَإِلَّا فَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 عَليّ حرَام فأذنوا لَهُ وَمكث زَمَانا لَا يَأْكُل من مَال بَيت المَال شَيْئا حَتَّى أَصَابَته خصَاصَة فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَة فَقَالَ قد شغلت نَفسِي فِي هَذَا المَال فَمَا يصلح لي مِنْهُ فَقَالَ عَليّ غداء وعشاء فَأخذ بذلك عمر وَكَانَت جملَة نَفَقَته فِي حجه سِتَّة عشر دِينَارا وَمَعَ ذَلِك يَقُول أسرفنا فِي هَذَا المَال وَلما كَلمته حَفْصَة وَعبد الله وَغَيرهمَا فَقَالُوا لَهُ لَو أكلت طَعَاما طيبا لَكَانَ أقوى لَك على الْحق قَالَ أكلكم على هَذَا الرَّأْي قَالُوا نعم قَالَ قد علمت نصحكم وَلَكِنِّي تركت صَاحِبي على جادة فَإِن تركت جادتهما لم أدركهما فِي الْمنزل قَالَ وَأصَاب النَّاس سنة فَمَا أكل عامئذ سمنا وَلَا سمينا وَقَالَ مرّة أُخْرَى لمن كَلمه فِي طَعَامه وَيحك آكل طَيِّبَاتِي فِي حَياتِي الدُّنْيَا وأستمتع بهَا وَقَالَ لِابْنِهِ عَاصِم وَهُوَ يَأْكُل لَحْمًا كفى بِالْمَرْءِ سَرفًا أَن يَأْكُل كل مَا اشْتهى وَكَانَ يلبس وَهُوَ خَليفَة جُبَّة من صوف مَرْقُوعَة بَعْضهَا بأدم وَيَطوف فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الْأَسْوَاق على عَاتِقه الدرة يُؤَدب النَّاس بهَا ويمر بالنوى فيلتقطه وَيُلْقِيه فِي منَازِل النَّاس يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَقَالَ أنس رَأَيْت بَين كَتِفي عمر أَربع رقاع فِي قَمِيصه وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الفِهري رَأَيْت على عمر إزارا مرقوعا بأدم وَلما حج لم يستظل إِلَّا تَحت كسَاء أَو نطع يلقيه على شَجَرَة وَكَانَ فِي وَجهه خطان أسودان من الْبكاء وَكَانَ يمر بِالْآيَةِ من ورده فَيسْقط حَتَّى يُعَاد مِنْهَا أَيَّامًا وَأخذ تبنة من الأَرْض وَقَالَ يَا لَيْتَني هَذِه التبنة وليتني لم أك شَيْئا لَيْت أُمِّي لم تلدني وَكَانَ يدْخل يَده فِي وبرة الْبَعِير وَيَقُول إِنِّي لخائف أَن أسأَل عَمَّا بك وَحمل قربَة على عُنُقه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِن نَفسِي أعجبتني فَأَرَدْت أَن أذلها وَقَالَ أنس تقرقر بطن عمر من أكل الزَّيْت عَام الرَّمَادَة وَكَانَ قد حرم على نَفسه السّمن فَنقرَ بَطْنه بِأُصْبُعِهِ وَقَالَ إِنَّه لَيْسَ عندنَا غَيره حَتَّى يحيا النَّاس وَمن ثمَّ تغير لَونه فِي هَذَا الْعَام حَتَّى صَار آدم وَقَالَ أحب النَّاس إِلَيّ من رفع إِلَيّ عيوبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَقَالَ ابْن عمر مَا رَأَيْت عمر غضب قطّ فَذكر الله عِنْده أَو خوف أَو قَرَأَ عِنْده إِنْسَان آيَة من الْقُرْآن إِلَّا وقف عَمَّا كَانَ يُرِيد وَجِيء لَهُ بِلَحْم فِيهِ سمن فَأبى أَن يأكلهما وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَدَم وانكشف فَخذه فَرَأى بِهِ أهل نَجْرَان عَلامَة سَوْدَاء فَقَالُوا هَذَا الَّذِي نجد فِي كتَابنَا أَنه يخرجنا من أَرْضنَا وَقَالَ لَهُ كَعْب الْأَحْبَار إِنَّا لنجدك فِي كتاب الله على بَاب من أَبْوَاب جَهَنَّم تمنع النَّاس أَن يقعوا فِيهَا فَإِذا مت لم يزَالُوا يقتحمون فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأمر عماله مِنْهُم سعد بن أبي وَقاص فَكَتَبُوا أَمْوَالهم فشاطرهم فِيهَا أَخذ نصفهَا وَأبقى لَهُم نصفهَا أخرج ذَلِك كُله ابْن سعد وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن جَابر أَنه شكا إِلَى عمر مَا يلقى من النِّسَاء فَقَالَ عمر إِنَّا لنجد ذَلِك حَتَّى إِنِّي لأريد الْحَاجة فَتَقول لي مَا تذْهب إِلَّا إِلَى فتيات بني فلَان فتنظر إلَيْهِنَّ فَقَالَ لَهُ عبد الله بن مَسْعُود مَا يَكْفِيك أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شكا إِلَى الله خلق سارة فَقيل لَهُ إِنَّهَا خلقت من ضلع أَعْوَج فالبسها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 على مَا كَانَ فِيهَا مَا لم تَرَ عَلَيْهَا حُرْمَة فِي دينهَا وَدخل عَلَيْهِ ابْن لَهُ عَلَيْهِ ثِيَاب حَسَنَة فَضَربهُ بِالدرةِ حَتَّى أبكاه وَقَالَ رَأَيْته قد أَعْجَبته نَفسه فَأَحْبَبْت أَن أصغرها إِلَيْهِ وَأخرج الْخَطِيب أَنه وَعُثْمَان كَانَا يتنازعان فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى يَقُول النَّاظر إنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا فَمَا يفترقان إِلَّا على أحْسنه وأجمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الْبَاب السَّادِس فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الْبَاب السَّادِس فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي ذكر عهد عمر إِلَيْهِ وَسَببه ومقدماته توفّي رَضِي الله عَنهُ بعد صدوره من الْحَج شَهِيدا أخرج الْحَاكِم عَن ابْن الْمسيب أَن عمر لما نفر من منى وأناخ بِالْأَبْطح اسْتلْقى وَرفع يَده إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ كَبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إِلَيْك غير مضيع وَلَا مفرط فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحجَّة حَتَّى قتل وَقَالَ لَهُ كَعْب أجدك فِي التَّوْرَاة تقتل شَهِيدا فَقَالَ وأنى لي بِالشَّهَادَةِ وَأَنا بِجَزِيرَة الْعَرَب وَأخرج البُخَارِيّ عَنهُ أَنه قَالَ اللَّهُمَّ ارزقني شَهَادَة فِي سَبِيلك وَاجعَل موتِي فِي بلد رَسُولك وَأخرج الْحَاكِم أَنه خطب فَقَالَ رَأَيْت كَأَن ديكا نقرني نقرة أَو نقرتين وَإِنِّي لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 أرَاهُ إِلَّا حضر أَجلي وَإِن قوما يأمروني أَن أستخلف وَإِن الله لم يكن لِيُضيع دينه وَلَا خِلَافَته فَإِن عجل بِي أَمر فالخلافة شُورَى بَين هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض وَقَالَ لَهُ رجل أَلا تسْتَخْلف عبد الله بن عمر فَقَالَ لَهُ قَاتلك الله وَالله مَا أردْت الله بِهَذَا أستخلف رجلا لم يحسن أَن يُطلق امْرَأَته أَي لِأَنَّهُ فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا فِي الْحيض فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر (مره فَلْيُرَاجِعهَا) وَكَانَ لَا يَأْذَن لسبي قد احْتَلَمَ فِي دُخُول الْمَدِينَة حَتَّى كتب إِلَيْهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَهُوَ على الْكُوفَة يذكر غُلَاما عِنْده يحسن أعمالا كَثِيرَة فِيهَا مَنَافِع للنَّاس كالحدادة والنقش وَالتِّجَارَة ويصنع الأرحاء فَأذن لَهُ فِي دُخُول الْمَدِينَة واسْمه أَبُو لؤلؤة وَهُوَ مَجُوسِيّ فجَاء لعمر يشتكي من ثقل خراجه وَهُوَ أَرْبَعَة دَرَاهِم كل يَوْم فَقَالَ لَهُ مَا خراجك بِكَثِير فَانْصَرف مغضبا وَقَالَ وسع النَّاس كلهم عدله غَيْرِي ثمَّ بعد يسير أرسل إِلَيْهِ عمر فَقَالَ لَهُ ألم أخبر أَنَّك تَقول لَو أَشَاء لصنعت رَحا تطحن بِالرِّيحِ فَالْتَفت إِلَى عمر عَابِسا وَقَالَ لأصنعن لَك رَحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 يتحدث النَّاس بهَا فَلَمَّا ولى قَالَ عمر لأَصْحَابه أوعدني العَبْد آنِفا وَكَانَ كَذَلِك فأضمر قَتله وَأعد خنجرا وشحذه وسمه ثمَّ كمن لَهُ فِي الْغَلَس بزاوية من زَوَايَا الْمَسْجِد حَتَّى خرج عمر يوقظ النَّاس للصَّلَاة وَكَانَ عمر يَأْمر بتسوية الصُّفُوف قبل الْإِحْرَام فجَاء أَبُو لؤلؤة إِلَى أَن دنا من عمر فَضَربهُ بذلك الخنجر ثَلَاثًا فِي كتفه وَفِي خاصرته فَوَقع عمر وَطعن مَعَه ثَلَاثَة عشر رجلا فَمَاتَ مِنْهُم سِتَّة فَألْقى عَلَيْهِ رجل من أهل الْعرَاق ثوبا فَلَمَّا اغتم فِيهِ قتل نَفسه وَحمل عمر إِلَى أَهله وكادت تطلع الشَّمْس فصلى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِالنَّاسِ بأقصر سورتين وأتى عمر بنبيذ فشربه فَخرج من جرحه فَلم يتَبَيَّن فسقوه لَبَنًا فَخرج من جرحه فَقَالُوا لَا بَأْس عَلَيْك فَقَالَ عمر إِن يكن بِالْقَتْلِ بَأْس فقد قتلت فَجعل النَّاس يثنون عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ كنت وَكنت فَقَالَ أما وَالله وددت أَنِّي خرجت مِنْهَا كفافا لَا عَليّ وَلَا لي وَأَن صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلمت لي وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَو أَن لي طلاع الأَرْض ذَهَبا لافتديت بِهِ من هول المطلع وَقد جَعلتهَا شُورَى فِي عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَسعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَأمر صهيبا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأجل السِّتَّة ثَلَاثًا وَكَانَت إِصَابَته يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَدفن يَوْم الْأَحَد وَصَحَّ أَن الشَّمْس انكسفت يَوْم مَوته وناحت الْجِنّ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل منيتي بيد رجل يَدعِي الْإِسْلَام ثمَّ قَالَ لِابْنِهِ عبد الله انْظُر مَا عَليّ من الدّين فحسبوه فوجدوه سِتَّة وَثَمَانِينَ ألفا أَو نَحْوهَا فَقَالَ إِن وفى مَال آل عمر أده من أَمْوَالهم وَإِلَّا فاسأل فِي بني عدي فَإِن لم تف أَمْوَالهم فاسأل فِي قُرَيْش واذهب إِلَى أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة فَقل يسْتَأْذن عمر أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ فَذهب إِلَيْهَا فَقَالَ كنت أريده تَعْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 الْمَكَان لنَفْسي ولأوثرنه الْيَوْم على نَفسِي فَأتى عبد الله فَقَالَ قد أَذِنت فَحَمدَ الله تَعَالَى وَقيل لَهُ أوص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ واستخلف قَالَ مَا أرى أحدا أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر الَّذين توفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض فَسمى السِّتَّة وَقَالَ يشْهد عبد الله بن عمر مَعَهم وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء فَإِن أَصَابَت الإمرة سَعْدا فَهُوَ ذَاك وَإِلَّا فليستعن بِهِ أَيّكُم مَا أَمر فَإِنِّي لم أعزله عَن عجز وَلَا خِيَانَة ثمَّ قَالَ أوصِي الْخَلِيفَة من بعدِي بتقوى الله تَعَالَى وأوصيه بالمهاجرين وَالْأَنْصَار وأوصيه بِأَهْل الْأَمْصَار خيرا فِي مثل ذَلِك من الْوَصِيَّة فَلَمَّا توفّي خرجنَا بِهِ نمشي فَسلم عَلَيْهَا عبد الله بن عمر وَقَالَ عمر يسْتَأْذن فَقَالَت عَائِشَة أدخلوه فَأدْخل فَوضع هُنَاكَ مَعَ صَاحِبيهِ فَلَمَّا فرغ من دَفنه وَرَجَعُوا اجْتمع هَؤُلَاءِ الرَّهْط فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف اجعلوا أَمركُم إِلَى ثَلَاثَة مِنْكُم فَقَالَ الزبير قد جعلت أَمْرِي إِلَى عَليّ وَقَالَ سعد قد جعلت أَمْرِي إِلَى عبد الرَّحْمَن وَقَالَ طَلْحَة قد جعلت أَمْرِي إِلَى عُثْمَان فَخَلا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أَنا لَا أريدها فأيكما يبرأ من هَذَا الْأَمر ونجعله إِلَيْهِ وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام لينظرن أفضلهم فِي نَفسه وليحرص على صَلَاح الْأمة فَسكت الشَّيْخَانِ عَليّ وَعُثْمَان فَقَالَ عبد الرَّحْمَن اجعلوه إِلَيّ وَللَّه عَليّ أَن لَا آلوكم عَن أفضلكم قَالَا نعم فَخَلا بعلي وَقَالَ لَك من الْقدَم فِي الْإِسْلَام والقرابة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قد علمت الله عَلَيْك لَئِن أَمرتك لتعدلن وَلَئِن أمرت عَلَيْك لتسمعن ولتطيعن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 قَالَ نعم ثمَّ خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ كَذَلِك فَلَمَّا أَخذ ميثاقهما بَايع عُثْمَان وَبَايَعَهُ عَليّ وَكَانَت مبايعته بعد موت عمر بِثَلَاث لَيَال وَرُوِيَ أَن النَّاس كَانُوا يَجْتَمعُونَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى عبد الرَّحْمَن يشاورونه ويناجونه فَلَا يَخْلُو بِهِ رجل ذُو رَأْي فيعدل بعثمان أحدا وَلما جلس عبد الرَّحْمَن للمبايعة حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كَلَامه إِنِّي رَأَيْت النَّاس يأبون إِلَّا عُثْمَان أخرجه ابْن عَسَاكِر وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ أما بعد يَا عَليّ فَإِنِّي قد نظرت فِي النَّاس فَلم أرهم يعدلُونَ بعثمان فَلَا تجعلن على نَفسك سَبِيلا ثمَّ أَخذ بيد عُثْمَان فَقَالَ نُبَايِعك على سنة الله وَسنة رَسُوله وَسنة الخليفتين بعده فَبَايعهُ عبد الرَّحْمَن وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَأخرج ابْن سعد عَن أنس قَالَ أرسل عمر إِلَى أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ قبل أَن يَمُوت بساعة فَقَالَ كن فِي خمسين من الْأَنْصَار مَعَ هَؤُلَاءِ النَّفر أَصْحَاب الشورى فَإِنَّهُم فِيمَا أَحسب سيجتمعون فِي بَيت فَقُمْ على ذَلِك الْبَاب بِأَصْحَابِك فَلَا تتْرك أحدا يدْخل عَلَيْهِم وَلَا تتركهم يمْضِي الْيَوْم الثَّالِث حَتَّى يؤمروا أحدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَفِي مُسْند أَحْمد عَن أبي وَائِل قلت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَيفَ بايعتم عُثْمَان وتركتم عليا فَقَالَ مَا ذَنبي قد بدأت بعلي فَقلت أُبَايِعك على كتاب الله وَسنة رَسُوله وسيرة أبي بكر وَعمر فَقَالَ فِيمَا اسْتَطَعْت ثمَّ عرضت ذَلِك على عُثْمَان فَقَالَ نعم ويروى أَن عبد الرَّحْمَن قَالَ لعُثْمَان فِي خلْوَة إِن لم أُبَايِعك فَمن تُشِير عَليّ قَالَ عَليّ وَقَالَ لعَلي إِن لم أُبَايِعك فَمن تُشِير عَليّ قَالَ عُثْمَان ثمَّ دَعَا سَعْدا فَقَالَ لَهُ من تُشِير عَليّ فَأَما أَنا وَأَنت فَلَا نريدها فَقَالَ عُثْمَان ثمَّ اسْتَشَارَ عبد الرَّحْمَن الْأَعْيَان فَرَأى هوى أَكْثَرهم فِي عُثْمَان وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ لما بُويِعَ عُثْمَان أمرنَا خير من بَقِي وَلم نأل فَثَبت بذلك جَمِيعه صِحَة بيعَة عُثْمَان وَإِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَيْهَا وَأَنه لَا مرية فِي ذَلِك وَلَا نزاع فِيهِ وَأَن عليا رَضِي الله عَنهُ من جملَة من بَايعه وَقد مر ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَقَوله إِنَّه غزا مَعَه وَأقَام الْحُدُود بَين يَدَيْهِ وَمر أَيْضا أَحَادِيث كَثِيرَة دَالَّة على خِلَافَته وَأَنَّهَا بعد خلَافَة عمر فَلَا تحْتَاج إِلَى إِعَادَة ذَلِك هُنَا وَأَنَّهَا فرع عَن خلَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 عمر الَّتِي هِيَ فرع عَن خلَافَة الصّديق وَقد قَامَ الْإِجْمَاع وأدلة الْكتاب وَالسّنة على حقية خلَافَة أبي بكر وَلزِمَ من ذَلِك قِيَامهَا على حقية خلَافَة عمر ثمَّ على حقية خلَافَة عُثْمَان فَكَانَت بيعَة صَحِيحَة وَخِلَافَة حَقًا لَا مطْعن فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الْبَاب السَّابِع فِي فضائله ومآثره رَضِي الله عَنهُ وَفِيه فُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه وهجرته وَغَيرهمَا أسلم قَدِيما وَهُوَ مِمَّن دَعَاهُ الصّديق رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْإِسْلَام وَهَاجَر الهجرتين إِلَى الْحَبَشَة الأولى وَالثَّانيَِة إِلَى الْمَدِينَة وَتزَوج رقية بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل النُّبُوَّة وَمَاتَتْ عِنْده فِي ليَالِي غَزْوَة بدر فَتَأَخر عَنْهَا لتمريضها بِإِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضرب لَهُ بسهمه وأجره فَهُوَ مَعْدُود من الْبَدْرِيِّينَ بذلك وَجَاء البشير بنصر الْمُسلمين يَوْم دفنوها بِالْمَدِينَةِ ثمَّ زوجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُخْتهَا أم كُلْثُوم وَتوفيت عِنْده سنة تسع من الْهِجْرَة قَالَ الْعلمَاء وَلَا يعرف أحد تزوج بِنْتي نَبِي غَيره وَلذَا سمي ذَا النورين فَهُوَ من السَّابِقين الْأَوَّلين وَأول الْمُهَاجِرين وَأحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ وَأحد السِّتَّة الَّذين توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض وَأحد الصَّحَابَة الَّذين جمعُوا الْقُرْآن وَمر أَن الصّديق رَضِي الله عَنهُ جمعه أَيْضا وَإِنَّمَا تميز عُثْمَان بجمعه فِي الْمُصحف على ترتيبه الْمَعْرُوف الْيَوْم واستخلفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع وَإِلَى غطفان قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ أول النَّاس إسلاما بعد أبي بكر وَعلي وَزيد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 حَارِثَة وَكَانَ ذَا جمال مفرط وَقد أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى منزل عُثْمَان بصحفة فِيهَا لحم فَدخلت فَإِذا رقية جالسة فَجعلت مرّة أنظر إِلَى وَجه رقية وَمرَّة إِلَى وَجه عُثْمَان فَلَمَّا رجعت سَأَلَني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي (دخلت عَلَيْهِمَا) قلت نعم قَالَ (فَهَل رَأَيْت زوجا أحسن مِنْهُمَا) قلت لَا يَا رَسُول الله وَأخرج ابْن سعد أَنه لما أسلم أَخذه عَمه الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة فأوثقه رِبَاطًا وَقَالَ ترغب عَن مِلَّة آبَائِك إِلَى دين مُحَمَّد وَالله لَا أفكك أبدا حَتَّى تدع مَا أَنْت عَلَيْهِ فَقَالَ عُثْمَان وَالله لَا أَدَعهُ أبدا وَلَا أفارقه فَلَمَّا رأى الحكم صلابته فِي دينه تَركه وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس قَالَ أول من هَاجر إِلَى الْحَبَشَة بأَهْله عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صحبهما الله إِن عُثْمَان لأوّل من هَاجر إِلَى الله بأَهْله بعد لوط) وَأخرج ابْن عدي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنته أم كُلْثُوم بعثمان قَالَ لَهَا (إِن بعلك أشبه النَّاس بجدك إِبْرَاهِيم وَأَبِيك مُحَمَّد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رَضِي الله عَنهُ مر مِنْهَا جملَة فِي أَحَادِيث خلَافَة أبي بكر وفضائله وَمن جملَة مَا مر مَا يدل على خِلَافَته وَأَنَّهَا عقب خلَافَة عمر وَمن جملَته أَيْضا أَنه وزن بالأمة بعد الشَّيْخَيْنِ فعدلها ثمَّ رفع الْمِيزَان الحَدِيث الأول أخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع ثِيَابه حِين دخل عُثْمَان وَقَالَ (أَلا أستحيي من رجل تستحيي مِنْهُ الْمَلَائِكَة) الحَدِيث الثَّانِي أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَشد أمتِي حَيَاء عُثْمَان بن عَفَّان) الحَدِيث الثَّالِث أخرج الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَيّ أَن أزوج كَرِيمَتي يَعْنِي رقية وَأم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 كُلْثُوم من عُثْمَان) الحَدِيث الرَّابِع أخرج أَحْمد وَمُسلم عَن عَائِشَة أَيْضا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن عُثْمَان رجل حييّ وَإِنِّي خشيت إِن أَذِنت لَهُ وَأَنا على تِلْكَ الْحَالة أَن لَا يبلغ إِلَيّ فِي حَاجته) الحَدِيث الْخَامِس أخرج أَحْمد وَمُسلم عَن عَائِشَة أَيْضا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَلا أستحيي من رجل تستحيي مِنْهُ الْمَلَائِكَة) الحَدِيث السَّادِس أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن عُثْمَان حييّ تستحيي مِنْهُ الْمَلَائِكَة) الحَدِيث السَّابِع أخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 (عُثْمَان أحيى أمتِي وَأَكْرمهَا) الحَدِيث الثَّامِن أخرج أَبُو نعيم عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن أَشد هَذِه الْأمة بعد نبيها حَيَاء عُثْمَان بن عَفَّان) الحَدِيث التَّاسِع أخرج أَبُو يعلى عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن عُثْمَان حييّ ستير تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة) الحَدِيث الْعَاشِر اخْرُج الطَّبَرَانِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله قَالَ (إِن عُثْمَان لأوّل من هَاجر بأَهْله إِلَى الله بعد لوط) الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا نشبه عُثْمَان بأبينا إِبْرَاهِيم) الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أم عَيَّاش أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا زوجت عُثْمَان أم كُلْثُوم إِلَّا بِوَحْي من السَّمَاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الحَدِيث الثَّالِث عشر اخْرُج ابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعُثْمَان (يَا عُثْمَان هَذَا جِبْرِيل يُخْبِرنِي أَن الله قد زَوجك أم كُلْثُوم بِمثل صدَاق رقية وعَلى مثل صحبتهَا) الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعُثْمَان (يَا عُثْمَان إِن الله مقمصك قَمِيصًا فَإِن أرادك المُنَافِقُونَ على خلعه فَلَا تخلعه حَتَّى تَلقانِي) وَهَذَا من الْأَحَادِيث الظَّاهِرَة فِي خِلَافَته الدَّالَّة دلَالَة وَاضِحَة على حقيتها لنسبة الْقَمِيص فِي الحَدِيث المكنى بِهِ عَن الْخلَافَة إِلَى الله تَعَالَى الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج أَبُو يعلى عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عُثْمَان بن عَفَّان وليي فِي الدُّنْيَا ووليي فِي الْآخِرَة) الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 (عُثْمَان فِي الْجنَّة) الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لكل نَبِي خَلِيل فِي أمته وَإِن خليلي عُثْمَان بن عَفَّان) وَمر فِي أَحَادِيث فَضَائِل الصّديق نَحْو هَذَا الحَدِيث فِي حق الصّديق أَيْضا وَأَنه لَا يُنَافِي الْخَبَر الْمَشْهُور لَو كنت متخذا خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن طَلْحَة وَابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لكل نَبِي رَفِيق فِي الْجنَّة ورفيقي فِيهَا عُثْمَان الحَدِيث التَّاسِع عشر اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ليدخلن بشفاعة عُثْمَان سَبْعُونَ ألفا كلهم قد استوجبوا النَّار الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الحَدِيث الْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا كَانَ بَين عُثْمَان ورقية وَبَين لوط من مهَاجر) الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أخرج البُخَارِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَن عُثْمَان حِين حوصر أشرف عَلَيْهِم فَقَالَ أنْشدكُمْ بِاللَّه وَلَا أنْشد إِلَّا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من جهز جَيش الْعسرَة فَلهُ الْجنَّة) فجهزتهم ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من حفر بِئْر رومة فَلهُ الْجنَّة) فحفرتها فصدقوه بِمَا قَالَ الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن خباب قَالَ شهِدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يحث على جَيش الْعسرَة فَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان يَا رَسُول الله عَليّ مائَة بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله ثمَّ حض على الْجَيْش فَقَالَ عُثْمَان يَا رَسُول الله عَليّ مِائَتَا بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله ثمَّ حض على الْجَيْش فَقَالَ عُثْمَان يَا رَسُول الله عَليّ ثَلَاثمِائَة بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول (مَا على عُثْمَان مَا فعل بعد هَذِه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ عُثْمَان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَلف دِينَار حِين جهز جَيش الْعسرَة فنثرها فِي حجره فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبلهَا وَيَقُول (مَا ضرّ عُثْمَان مَا عمل بعد الْيَوْم مَا ضرّ عُثْمَان مَا عمل بعد الْيَوْم) الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ لما أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببيعة الرضْوَان كَانَ عُثْمَان رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل مَكَّة فَبَايع النَّاس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن عُثْمَان فِي حَاجَة الله وحاجة رَسُول الله) فَضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى فَكَانَت يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعُثْمَان خيرا من أَيْديهم لأَنْفُسِهِمْ وَنسبَة الْحَاجة إِلَى الله تَعَالَى على طَرِيق الِاسْتِعَارَة والتمثيل الْمُقَرّر فِي علم الْبَيَان الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتْنَة فَقَالَ (يقتل فِيهَا هَذَا مَظْلُوما) لعُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن مرّة بن كَعْب قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر فتْنَة يقربهَا فَمر رجل مقنع فِي ثوب فَقَالَ (هَذَا يَوْمئِذٍ على الْهدى) فَقُمْت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان فَأَقْبَلت إِلَيْهِ بوجهي فَقلت هَذَا قَالَ (نعم) الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عُثْمَان أَنه قَالَ يَوْم الدَّار إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد إِلَيّ عهدا فَأَنا صابر عَلَيْهِ وَأَشَارَ بذلك إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَبَر السَّابِق (إِن الله مقمصك قَمِيصًا فَإِن أرادك المُنَافِقُونَ على خلعه فَلَا تخلعه حَتَّى تَلقانِي) الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ اشْترى عُثْمَان الْجنَّة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ حِين حفر بِئْر رومة وَحين جهز جَيش الْعسرَة الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عُثْمَان من أشبه أَصْحَابِي بِي خلقا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عصمَة بن مَالك قَالَ لما مَاتَت بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت عُثْمَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (زوجوا عُثْمَان لَو كَانَ لي ثَالِثَة لزوجته وَمَا زَوجته إِلَّا بِوَحْي من السَّمَاء) الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لعُثْمَان (لَو أَن لي أَرْبَعِينَ ابْنة زَوجتك وَاحِدَة بعد وَاحِدَة حَتَّى لَا تبقى مِنْهُنَّ وَاحِدَة) الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن زيد بن ثَابت قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (مر بِي عُثْمَان وَعِنْدِي ملك من الْمَلَائِكَة فَقَالَ شَهِيد يقْتله قومه إِنَّا نستحيي مِنْهُ) الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَبُو يعلى عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الْمَلَائِكَة لتستحيي من عُثْمَان كَمَا تستحيي من الله وَرَسُوله) وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن أَنه ذكر عِنْده حَيَاء عُثْمَان فَقَالَ إِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ليَكُون فِي جَوف الْبَيْت وَالْبَاب عَلَيْهِ مغلق فَيَضَع ثَوْبه ليفيض عَلَيْهِ المَاء فيمنعه الْحيَاء أَن يرفع صلبه الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر من حَدِيث أنس مَرْفُوعا (إِن لله سَيْفا مغمودا فِي غمده مَا دَامَ عُثْمَان حَيا فَإِذا قتل عُثْمَان جرد ذَلِك السَّيْف فَلم يغمد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) تفرد بِهِ عَمْرو بن فائد وَله مَنَاكِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الْفَصْل الثَّالِث فِي نبذ من مآثره وَبَقِيَّة غرر من فضائله وَفِيمَا أكْرمه الله بِهِ من الشَّهَادَة الَّتِي وعده بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبر وَهُوَ الصَّادِق المصدوق أَنه مظلوم وَأَنه يَوْمئِذٍ على الْهدى قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يقتل هَذَا مَظْلُوما) وَأَشَارَ إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أخرجه الْبَغَوِيّ فِي المصابيح من الحسان وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ // حسن غَرِيب // وَأخرجه أَحْمد فَكَانَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} وَفِي الشفا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يقتل عُثْمَان وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف وَإِن الله عَسى أَن يلْبسهُ قَمِيصًا وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ خلعه وَأَنه يسيل دَمه على قَوْله {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} أه وَقد أخرجه الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا عُثْمَان تقتل وَأَنت تقْرَأ سُورَة الْبَقَرَة فَتَقَع قَطْرَة من دمك على {فَسَيَكْفِيكَهُم الله} ) لَكِن قَالَ الذَّهَبِيّ إِنَّه // حَدِيث مَوْضُوع // أَي قَوْله فِيهِ وَأَنت تقْرَأ إِلَى آخِره وَأما الْإِخْبَار بِأَصْل الْقَتْل فَصَحِيح كَمَا فِي أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْهَا حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الْبِئْر السَّابِق آخر فَضَائِل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا // الحَدِيث الصَّحِيح // أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر فتْنَة فَمر رجل فَقَالَ يقتل فِيهَا هَذَا يَوْمئِذٍ ظلما قَالَ ابْن عمر رِوَايَة فَنَظَرت فَإِذا هُوَ عُثْمَان كَانَ مَقْتَله سنة خمس وَثَلَاثِينَ فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق وَصلى عَلَيْهِ الزبير وَكَانَ أوصى إِلَيْهِ وَدفن فِي حش كَوْكَب بِالبَقِيعِ وَهُوَ أول من دفن بِهِ وَقيل قتل ثامن عشر ذِي الْحجَّة يَوْم الْجُمُعَة وَقيل لست بَقينَ مِنْهُ وعمره اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سنة على خلاف طَوِيل فِيهِ وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن جمع أَن قَاتله رجل من أهل مصر أَزْرَق أشقر يُقَال لَهُ حمَار وَأخرج أَحْمد عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنه دخل عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْصُور الْحصْر الْآتِي فِي الْبَاب الْآتِي فَقَالَ لَهُ إِنَّك إِمَام الْعَامَّة وَقد نزل بك مَا ترى وَإِنِّي أعرض عَلَيْك خِصَالًا ثَلَاثًا اختر إِحْدَاهُنَّ إِمَّا أَن تخرج فتقاتلهم فَإِن مَعَك عددا وَقُوَّة وَأَنت على الْحق وهم على الْبَاطِل وَإِمَّا أَن تخرق لَك بَابا سوى الْبَاب الَّذِي هم عَلَيْهِ فتقعد على راحلتك فتلحق بِمَكَّة فَإِنَّهُم لن يستحلوك وَأَنت بهَا وَإِمَّا أَن تلْحق بِالشَّام فَإِنَّهُم أهل الشَّام وَفِيهِمْ مُعَاوِيَة فَقَالَ عُثْمَان أما أَن أخرج فأقاتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 فَلَنْ أكون أول من خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أمته بسفك الدِّمَاء وَأما أَن أخرج إِلَى مَكَّة فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يلْحد رجل من قُرَيْش بِمَكَّة يكون عَلَيْهِ مثل عَذَاب الْعَالم) فَلَنْ أكون أَنا وَأما أَن ألحق بِالشَّام فَلَنْ أُفَارِق دَار هجرتي ومجاورة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي ثَوْر الفِهري قَالَ دخلت على عُثْمَان وَهُوَ مَحْصُور فَقَالَ لقد اخْتَبَأْت عِنْد رَبِّي عشرا إِنِّي لرابع أَرْبَعَة فِي الْإِسْلَام وأنكحني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته ثمَّ توفيت فأنكحني ابْنَته الْأُخْرَى وَمَا تَغَنَّيْت وَلَا تمنيت وَلَا وضعت يَمِيني على فَرجي مُنْذُ بَايَعت بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا مرت بِي جُمُعَة مُنْذُ أسلمت إِلَّا وَأَنا أعتق فِيهَا رَقَبَة إِلَّا أَن لَا يكون عِنْدِي شَيْء فَأعْتقهَا بعد ذَلِك أَي فجملة مَا أعْتقهُ أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة رَقَبَة تَقْرِيبًا وَلَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام قطّ وَلَا شربت فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام وَلَقَد جمعت الْقُرْآن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ بَلغنِي أَن عَامَّة الركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الَّذين سَارُوا إِلَى عُثْمَان جنوا واخرج ابْن عَسَاكِر عَن حُذَيْفَة قَالَ أول الْفِتَن قتل عُثْمَان وَآخر الْفِتَن خُرُوج الدَّجَّال وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَمُوت رجل وَفِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من حب قتل عُثْمَان إِلَّا تبع الدَّجَّال إِن أدْركهُ وَإِن لم يُدْرِكهُ آمن بِهِ فِي قَبره وَعَن ابْن عَبَّاس لَو لم يطْلب النَّاس بِدَم عُثْمَان لرموا بِالْحِجَارَةِ من السَّمَاء وَأخرج أَيْضا عَن الْحسن قَالَ قتل عُثْمَان وَعلي غَائِب فِي أَرض لَهُ فَلَمَّا بلغه قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أَرض وَلم أمالئ وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن قيس بن عبَادَة قَالَ سَمِعت عليا يَوْم الْجمل يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي ابرأ إِلَيْك من دم عُثْمَان وَلَقَد طاش عَقْلِي يَوْم قتل عُثْمَان وَأنْكرت نَفسِي وجاؤوني لِلْبيعَةِ فَقلت وَالله إِنِّي لأستحيي أَن أبايع قوما قتلوا عُثْمَان وَإِنِّي لأستحيي من الله أَن أبايع وَعُثْمَان لم يدْفن بعد فانصرفوا فَلَمَّا رَجَعَ النَّاس فسألوني الْبيعَة قلت اللَّهُمَّ إِنِّي مُشفق مِمَّا اقدم عَلَيْهِ ثمَّ جَاءَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 عَزِيمَة فَبَايَعت فَقَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي وَقلت اللَّهُمَّ خُذ مني لعُثْمَان حَتَّى ترْضى وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي خلدَة الْحَنَفِيّ قَالَ سَمِعت عليا يَقُول إِن بني أُميَّة يَزْعمُونَ أَنِّي قتلت عُثْمَان وَلَا وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا قتلت وَلَا مالأت وَلَقَد نهيت فعصوني وَأخرج عَن سَمُرَة قَالَ إِن الْإِسْلَام فِي حصن حُصَيْن وَإِنَّهُم ثلموا فِي الْإِسْلَام ثلمة عَظِيمَة بِقَتْلِهِم عُثْمَان لَا تنسد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأخرج عبد الرَّزَّاق أَن عبد الله بن سَلام كَانَ يدْخل على محاصري عُثْمَان فَيَقُول لَا تقتلوه فوَاللَّه لَا يقْتله رجل مِنْكُم إِلَّا لَقِي الله أَجْذم لَا يَد لَهُ وَإِن سيف الله لم يزل مغمودا وَإِنَّكُمْ وَالله إِن قَتَلْتُمُوهُ ليسلنه الله ثمَّ لَا يغمد عَنْكُم أبدا وَمَا قتل نَبِي قطّ إِلَّا قتل بِهِ سَبْعُونَ ألفا وَلَا خَليفَة إِلَّا قتل بِهِ خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ألفا قبل أَن يجتمعوا وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ خصلتان لعُثْمَان ليستا لأبي بكر وَلَا لعمر رَضِي الله عَنْهُم صبره نَفسه حَتَّى قتل وَجمعه النَّاس على الْمُصحف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر أَن جَهْجَاه الْغِفَارِيّ قَامَ إِلَى عُثْمَان وَهُوَ يخْطب فَأخذ الْعَصَا من يَده فَكَسرهَا على ركبته فَمَا حَال الْحول حَتَّى أرسل الله فِي رجله الآكلة فَمَاتَ مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 تَتِمَّة نقم الْخَوَارِج عَلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ أمورا هُوَ مِنْهَا بَرِيء مِنْهَا عَزله أكَابِر الصَّحَابَة من أَعْمَالهم وولاها دونهم من أَقَاربه كَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن الْبَصْرَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ عَن مصر وعمار بن يَاسر عَن الْكُوفَة والمغيرة بن شُعْبَة عَنْهَا أَيْضا وَابْن مَسْعُود عَنْهَا أَيْضا وأشخصه إِلَى الْمَدِينَة وَجَوَابه أَنه إِنَّمَا فعل ذَلِك لأعذار أوجبت عَلَيْهِ ذَلِك فَأَما أَبُو مُوسَى فَإِن جند عمله شكوا شحه وجند الْكُوفَة نقموا عَلَيْهِ أَنه أَمرهم بِأَمْر عمر لَهُم بِطَاعَتِهِ بِفَتْح رامهرمز ففتحوها وَسبوا نساءها وذراريها فَلَمَّا بلغه ذَلِك قَالَ إِنِّي كنت أمنتهم فَكَتَبُوا لعمر فَأمر بتحليفه فَحلف فَأمر برد مَا أَخذ مِنْهُم فَرَفَعُوهُ لعمر فعتب عَلَيْهِ وَقَالَ لَو وجدنَا من يكفينا عَمَلك عزلناك فَلَمَّا توفّي عمر اشْتَدَّ غضب الجنديين عَلَيْهِ فَعَزله عُثْمَان خوف الْفِتْنَة وَأما عَمْرو بن الْعَاصِ فلإكثار أهل مصر شكايته وَقد عَزله عمر لذَلِك ثمَّ رده لما ظهر لَهُ التنصل مِمَّا شكوه مِنْهُ وتوليته ابْن أبي سرح بدله فَهُوَ وَإِن كَانَ ارْتَدَّ فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر دَمه يَوْم الْفَتْح أسلم وَصلح حَاله بل ظَهرت مِنْهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ولَايَته آثَار محمودة كفتح طَائِفَة كَثِيرَة من تِلْكَ النواحي وَكَفاهُ فخرا أَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَاتل تَحت رايته ككثير من الصَّحَابَة بل وجدوه أقوم لسياسة الْأَمر من عَمْرو بن الْعَاصِ وَمن أحسن محاسنه اعتزاله الْفَرِيقَيْنِ لما قتل عُثْمَان وَأَنه لم يُقَاتل مُسلما بعد قِتَاله الْمُشْركين وَأما عمار فَالَّذِي عَزله عمر لَا عُثْمَان وَأما الْمُغيرَة فأنهي لعُثْمَان أَنه ارتشى فَلَمَّا رأى تصميمهم على ذَلِك ظهر أَن الْمصلحَة فِي عَزله وَإِن كَانُوا كاذبين عَلَيْهِ وَأما ابْن مَسْعُود فَكَانَ ينقم على عُثْمَان كثيرا فظهرت لَهُ الْمصلحَة فِي عَزله على أَن الْمُجْتَهد لَا يعْتَرض عَلَيْهِ فِي الْأُمُور الاجتهادية لَكِن أُولَئِكَ الملاعين المعترضين لَا فهم لَهُم بل وَلَا عقل وَمِنْهَا أَنه أسرف فِي بَيت المَال حَيْثُ أعْطى أَكْثَره لأقاربه كَالْحكمِ الَّذِي رده للمدينة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفَاهُ عَنْهَا إِلَى الطَّائِف وكاتبه مَرْوَان أعطَاهُ مائَة ألف وَخمْس أفريقية والْحَارث أعطَاهُ عشر مَا يُبَاع بسوق الْمَدِينَة وجاءه أَبُو مُوسَى بحلية ذهب وَفِضة فَقَسمهَا بَين نِسَائِهِ وَبنَاته وَأنْفق أَكثر بَيت المَال فِي ضيَاعه ودوره وَجَوَاب ذَلِك أَن أَكثر ذَلِك مختلق عَلَيْهِ ورده الحكم إِنَّمَا كَانَ لكَونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعده بذلك لما استأذنه فِيهِ فنقله لِلشَّيْخَيْنِ فَلم يقبلاه لكَونه وَاحِدًا فَلَمَّا ولي قضى بِعِلْمِهِ كَمَا هُوَ قَول أَكثر الْفُقَهَاء على أَن الحكم تَابَ مِمَّا نفي لأَجله وَالْحق فِي مَرْوَان أَن مَا تعذر نَقله من أثاث أفريقية وحيوانها اشْتَرَاهُ من ابْن أبي سرح الْأَمِير بِمِائَة ألف نقد أَكْثَرهَا وَسبق مبشرا بِفَتْحِهَا فَترك عُثْمَان لَهُ الْبَقِيَّة جَزَاء لبشارته فَإِن قُلُوب الْمُسلمين كَانَت فِي غَايَة القلق بِشدَّة أَمر إفريقية وَللْإِمَام أَن يُعْطي المبشر مَا يرَاهُ لائقا بتعبه وخطر بشارته وَتلك المئة ألف إِنَّمَا جهزها من مَال بَيت الْحَارِث وثروة عُثْمَان جَاهِلِيَّة وإسلاما لَا تنكر وَمَا ذَكرُوهُ فِي العشور غير صَحِيح نعم جعل لَهُ السُّوق لينْظر فِيهِ بِالْمَصْلَحَةِ فَوَقع مِنْهُ جور فَعَزله وقصة أبي مُوسَى ذكرهَا ابْن إِسْحَاق // بِسَنَد فِيهِ مَجْهُول // وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة فِي ذَلِك وغنى عُثْمَان الْوَاسِع وإنفاقه فِي غَزْوَة تَبُوك بِمَا هُوَ مَشْهُور عَنهُ يمْنَع نِسْبَة ذَلِك وَأَقل مِنْهُ وَأكْثر إِلَيْهِ غَايَة الْأَمر أَنه لَو سلم أَنه أَكثر من إِعْطَاء أَقَاربه من بَيت المَال كَانَ اجْتِهَادًا مِنْهُ فَلَا يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ وَزعم أَنه منع أَن لَا يَشْتَرِي أحد قبل وَكيله وَأَن لَا تسير سفينة من الْبَحْرين إِلَّا فِي تِجَارَته بَاطِل على أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 كَانَ متبسطا فِي التِّجَارَات فَلَعَلَّهُ حمى سفنه أَن لَا يركب فِيهَا غَيره وفوض لزيد بن ثَابت نظر بَيت المَال ففضلت مِنْهُ فضلَة فصرفها فِي عمَارَة مَا زَاده فِي مَسْجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتقولوا أَنه صرفهَا فِي عمَارَة دوره كَمَا تَقولُوا أَنه حمى لنَفسِهِ مَعَ أَنه حمى لإبل الصَّدَقَة وَأَنه أقطع أَكثر أَرَاضِي بَيت المَال مَعَ أَنه إِنَّمَا أذن فِي الْإِحْيَاء على أَنه عوض أَشْرَاف الْيمن مثل مَا تَرَكُوهُ من أراضيهم لما جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة ليستمروا بهَا تجاه الْأَعْدَاء وَذَلِكَ فِيهِ مصلحَة عَامَّة فَلَا يعْتَرض بِهِ وَمِنْهَا أَنه حبس عَطاء ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَنفى أَبَا ذَر إِلَى الربذَة وأشخص عبَادَة بن الصَّامِت من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة لما اشتكاه مُعَاوِيَة وهجر ابْن مَسْعُود وَقَالَ لِابْنِ عَوْف إِنَّك مُنَافِق وَضرب عمار بن يَاسر وانتهك حُرْمَة كَعْب بن عجْرَة فَضَربهُ عشْرين سَوْطًا ونفاه إِلَى بعض الْجبَال وَكَذَلِكَ حُرْمَة الأشتر النَّخعِيّ وَجَوَاب ذَلِك أَن حَبسه لعطاء ابْن مَسْعُود وهجره لَهُ فَلَمَّا بلغه عَنهُ مِمَّا يُوجب ذَلِك إبْقَاء لأبهة الْولَايَة لَا سِيمَا وكل مِنْهُمَا مُجْتَهد فَلَا يعْتَرض مَا فعله أَحدهمَا مَعَ الآخر نعم زعم أَن عُثْمَان أَمر بضربه بَاطِل وَلَو فرضت صِحَّته لم يكن بأعظم من ضرب عمر لسعد بن أبي وَقاص بِالدرةِ على رَأسه حَيْثُ لم يقم لَهُ وَقَالَ إِنَّك لم تهب الْخلَافَة فَأَرَدْت أَن تعرف أَن الْخلَافَة لَا تهابك وَلم يتَغَيَّر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 سعد من ذَلِك فَابْن مَسْعُود أولى لِأَنَّهُ كَانَ يجبهُ عُثْمَان بِمَا لَا يبقي لَهُ حُرْمَة وَلَا أبهة أصلا بل رأى عمر أَبَيَا يمشي وَخَلفه جمَاعَة فعلاه بِالدرةِ وَقَالَ إِن هَذَا فتْنَة لَك وَلَهُم فَلم يتَغَيَّر أبي على أَن عُثْمَان جَاءَ لِابْنِ مَسْعُود وَبَالغ فِي استرضائه فَقيل قبله واستغفر لَهُ وَقيل لَا وَكَذَلِكَ مَا وَقع لَهُ مَعَ أبي ذَر فَإِنَّهُ كَانَ يتجاسر عَلَيْهِ بِمَا يخرم أبهة ولَايَته فَمَا فعله مَعَه وَمَعَ غَيره إِنَّمَا هُوَ صِيَانة لمنصب الشَّرِيعَة وحماية لحُرْمَة الدّين وَإِن عذر أَبُو ذَر بِقَصْدِهِ مِنْهُ أَن يجْرِي على مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ على أَنه جَاءَ أَن أَبَا ذَر إِنَّمَا اخْتَار التَّحَوُّل اعتزالا للنَّاس مَعَ أَمر عُثْمَان لَهُ بِعَدَمِهِ وَقَوله لَهُ أقِم عِنْدِي تَغْدُو عَلَيْك اللقَاح وَتَروح فَقَالَ لَا حَاجَة لي فِي الدُّنْيَا وَقَضِيَّة عبَادَة بَاطِلَة من أَصْلهَا وَكَذَا قصَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنْهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ مستوحشا مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ يجبهه كثيرا وَلم يضْرب عمارا إِنَّمَا ضربه غلمانه لما كرر إرسالهم إِلَيْهِ ليجيء إِلَى الْمَسْجِد حَتَّى يعاتبه فِي أَشْيَاء نقمها عَلَيْهِ وَهُوَ يعْتَذر إِلَيْهِ فَلم يقبل وَقد حلف عُثْمَان وَغلظ أَنه لم يَأْمُرهُم بذلك ثمَّ بَالغ فِي استرضائه وَظهر مِنْهُ مَا يدل على أَنه رَضِي عَنهُ وَفعله بكعب مَا ذكر فعذره فِيهِ أَنه كتب إِلَيْهِ فَأَغْلَظ عَلَيْهِ ثمَّ استدرك عُثْمَان ذَلِك فَبَالغ فِي استرضائه فَخلع قَمِيصه وَدفع إِلَيْهِ سَوْطًا ليقتص مِنْهُ فَعَفَا ثمَّ صَار من خواصه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَمَا فعله بالأشتر مَعْذُور فِيهِ فَإِنَّهُ رَأس فتْنَة فِي زمَان عُثْمَان بل هُوَ السَّبَب فِي قَتله بل جَاءَ أَنه هُوَ الَّذِي بَاشر قَتله بِيَدِهِ فَأعمى الله بصائرهم كَيفَ لم يذموا فعل هَذَا المارق وذموا فعل من شهد لَهُ الصَّادِق المصدوق بِأَنَّهُ الإِمَام الْحق وَأَنه يقتل شَهِيدا مَظْلُوما وَأَنه من أهل الْجنَّة وَمِنْهَا أَنه أحرق الْمَصَاحِف الَّتِي فِيهَا الْقُرْآن وَجَوَابه أَن هَذَا من فضائله لِأَن حُذَيْفَة وَغَيره أنهوا إِلَيْهِ أَن أهل الشَّام وَالْعراق اخْتلفُوا فِي الْقُرْآن وَيَقُول بَعضهم لبَعض قرآني خير من قرآنك وَهَذَا يكَاد أَن يكون كفرا فَرَأى عُثْمَان أَن يجمع النَّاس على مصحف وَاحِد فَأخذ صحف أبي بكر الَّتِي جمع الْقُرْآن فِيهَا فانتسخ مِنْهَا مُصحفا وَأمر النَّاس بِالْتِزَام مَا فِيهِ ثمَّ كتب مِنْهُ مصاحف وأرسلها إِلَى الْبلدَانِ وَأمر بذلك لاخْتِلَاف الْأمة وَمن ثمَّ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه وَالله لَو وليت لفَعَلت الَّذِي فعل عُثْمَان وَقَالَ لَا تسبوا عُثْمَان فِي جمعه ذَلِك فَإِنَّهُ لم يعمله إِلَّا عَن مَلأ منا وَقد بسطت هَذِه الْقِصَّة وَمَا فِيهَا من الْفَوَائِد فِي شرح الْمشكاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَمِنْهَا تَركه قتل عبيد الله بن عمر بقتْله الهرمزان وجفينة وبنتا صَغِيرَة لأبي لؤلؤة قَاتل عمر مَعَ إِشَارَة عَليّ وَالصَّحَابَة بقتْله وَجَوَاب ذَلِك أَن جفينة نَصْرَانِيّ وَابْنَة أبي لؤلؤة أَبوهَا مَجُوسِيّ وَأمّهَا حَالهَا مَجْهُول فَلم يتَحَقَّق إسْلَامهَا وَأما الهرمزان فَهُوَ المشير والآمر لأبي لؤلؤة على قتل عمر وَجَمَاعَة مجتهدون على أَن الْآمِر يقتل كالمأمور على أَنه خشِي ثوران فتْنَة عَظِيمَة لما أَرَادَ قَتله لَو توفرت فِيهِ الشُّرُوط لقالت قبائل من قُرَيْش لَا يقتل عمر أمس وَابْنه الْيَوْم فَترك قتل عبيد الله واسترضى أهل الهرمزان وَمِنْهَا إِتْمَامه الصَّلَاة بمنى لما حج بِالنَّاسِ وَجَوَابه أَن هَذِه مَسْأَلَة اجتهادية فالاعتراض بهَا جهل قَبِيح وغباوة ظَاهِرَة إِذْ أَكثر الْعلمَاء على أَن الْقصر جَائِز لَا وَاجِب وَمِنْهَا أَنه كَانَ غادرا لما وَقع لَهُ مَعَ مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبا وَجَوَابه إِنَّه حلف لَهُم كَمَا يَأْتِي فصدقوه إِلَّا من فِي قلبه مرض وَالْحَاصِل أَنه صَحَّ عَن الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه على الْحق وَأَن لَهُ الْجنَّة وَأَنه يقتل مَظْلُوما وَأمر باتباعه وَمن هُوَ كَذَلِك كَيفَ يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 الترهات أَو بِجَمِيعِ مَا مر من الاعتراضات وَصَحَّ أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ إِلَيْهِ أَنه سيتولى الْخلَافَة وَأَن الْمُنَافِقين سيراودونه على خلعه وَأَنه لَا يطيعهم هَذَا مَعَ مَا علم من سابقته وَكَثْرَة إِنْفَاقه فِي سَبِيل الله وَغَيرهمَا مِمَّا مر فِي مآثره رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الْبَاب الثَّامِن فِي خلَافَة عَليّ كرم الله وَجهه ولنقدم عَلَيْهَا قصَّة قتل عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لما أَنَّهَا مترتبة على قَتله بمبايعة أهل الْحل وَالْعقد لَهُ حِينَئِذٍ كَمَا يَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 مقتل عُثْمَان وَخِلَافَة عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا أخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ ولي عُثْمَان اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَلم ينقم عَلَيْهِ النَّاس شَيْئا مُدَّة سِتّ سِنِين بل كَانَ أحب إِلَى قُرَيْش من عمر لِأَن عمر كَانَ شَدِيدا عَلَيْهِم فَلَمَّا وليهم عُثْمَان لَان لَهُم ووصلهم ثمَّ توانى فِي أَمرهم وَاسْتعْمل أَقَاربه وَأهل بَيته فِي السِّت الْأَوَاخِر وَأَعْطَاهُمْ المَال متأولا فِي ذَلِك الصِّلَة الَّتِي أَمر الله بهَا وَقَالَ إِن أَبَا بكر وَعمر تركا من ذَلِك مَا كَانَ لَهما وَإِنِّي أَخَذته فقسمته فِي أقربائي فَأنْكر عَلَيْهِ ذَلِك وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قلت لِابْنِ الْمسيب هَل أَنْت مخبري كَيفَ كَانَ قتل عُثْمَان مَا كَانَ شَأْن النَّاس وشأنه وَلم خذله أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ابْن الْمسيب قتل عُثْمَان مَظْلُوما وَمن قَتله كَانَ ظَالِما وَمن خذله كَانَ مَعْذُورًا فَقلت كَيفَ قَالَ لِأَنَّهُ لما ولي كره ولَايَته نفر من الصَّحَابَة لِأَنَّهُ كَانَ يحب قومه فَكَانَ كثيرا مَا يولي بني أُميَّة مِمَّن لم يكن لَهُ صُحْبَة فَكَانَ يَجِيء من أمرائه مَا تنكره الصَّحَابَة وَكَانَ يستعتب فيهم فَلَا يعزلهم فَلَمَّا كَانَ فِي السِّت الْأَوَاخِر اسْتَأْثر بني عَمه فولاهم دون غَيرهم وَأمرهمْ بتقوى الله فولى عبد الله بن أبي سرح مصر فَمَكثَ عَلَيْهَا سِنِين فجَاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَقد كَانَ قبل ذَلِك من عُثْمَان هَنَات إِلَى عبد الله بن مَسْعُود وَأبي ذَر وعمار بن يَاسر فَكَانَت بَنو هُذَيْل وَبَنُو زهرَة فِي قُلُوبهم مَا فِيهَا وَكَانَت بَنو مَخْزُوم قد حنقت على عُثْمَان لحَال عمار بن يَاسر وَجَاء أهل مصر يَشكونَ ابْن أبي سرح فَكتب إِلَيْهِ كتابا يتهدده فِيهِ فَأبى ابْن أبي سرح أَن يقبل مَا نَهَاهُ عَنهُ عُثْمَان وَضرب بعض من أَتَاهُ من قبل عُثْمَان من أهل مصر مِمَّن كَانَ أَتَى عُثْمَان فَقتله فَخرج من أهل مصر سَبْعمِائة رجل فنزلوا الْمَسْجِد وَشَكوا إِلَى الصَّحَابَة فِي مَوَاقِيت الصَّلَاة مَا صنع ابْن أبي سرح بهم فَقَامَ طَلْحَة بن عبيد الله فَكلم عُثْمَان بِكَلَام شَدِيد وَأرْسلت عَائِشَة إِلَيْهِ تَقول لَهُ تقدم إِلَيْك أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسألوك عزل هَذَا الرجل فأبيت فَهَذَا قد قتل مِنْهُم رجلا فأنصفهم من عاملك وَدخل عَلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ إِنَّمَا يَسْأَلُونَك رجلا مَكَان رجل وَقد ادعوا قبله دَمًا فاعزله عَنْهُم واقض بَينهم فَإِن وَجب عَلَيْهِ حق فأنصفهم مِنْهُ فَقَالَ لَهُم اخْتَارُوا رجلا أوليه عَلَيْكُم مَكَانَهُ فَأَشَارَ النَّاس عَلَيْهِ بِمُحَمد بن أبي بكر فَكتب عَهده وولاه وَخرج مَعَهم عدد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ينظرُونَ فِيمَا بَين أهل مصر وَبَين ابْن أبي سرح فَخرج مُحَمَّد وَمن مَعَه فَلَمَّا كَانَ على مسيرَة ثَلَاث من الْمَدِينَة إِذْ هم بِغُلَام أسود على بعير يخبط الْبَعِير خبطا كَأَنَّهُ رجل يطْلب أَو يطْلب فَقَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد بن أبي بكر مَا قضيتك وَمَا شَأْنك كَأَنَّك هارب أَو طَالب فَقَالَ لَهُم أَنا غُلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ وجهني إِلَى عَامل مصر فَقَالَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 رجل مِنْهُم هَذَا عَامل مصر قَالَ لَيْسَ هَذَا أُرِيد وَأخْبر بأَمْره مُحَمَّد بن أبي بكر فَبعث فِي طلبه رجلا فَأَخذه وَجَاء بِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رجل غُلَام من أَنْت فَأقبل مرّة يَقُول أَنا غُلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمرَّة يَقُول أَنا غُلَام مَرْوَان حَتَّى عرفه رجل أَنه لعُثْمَان فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد إِلَى من أرْسلت قَالَ إِلَى عَامل مصر قَالَ لَهُ بِمَاذَا قَالَ برسالة قَالَ مَعَك كتاب قَالَ لَا ففتشوه فَلم يَجدوا مَعَه كتابا وَكَانَت مَعَه إداوة قد يَبِسَتْ فِيهَا شَيْء يتقلقل فحركوه ليخرج فَلم يخرج فشقوا الْإِدَاوَة فَإِذا فِيهَا كتاب من عُثْمَان إِلَى ابْن أبي سرح فَجمع مُحَمَّد من كَانَ عِنْده من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَغَيرهم ثمَّ فك الْكتاب بِمحضر مِنْهُم فَإِذا فِيهِ إِذا أَتَاك مُحَمَّد وَفُلَان وَفُلَان فاحتل فِي قَتلهمْ وأبطل كِتَابه وقر على عَمَلك حَتَّى يَأْتِيك رَأْيِي واحبس من يَجِيء يتظلم إِلَيّ مِنْك حَتَّى يَأْتِيك رَأْيِي فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا قرأوا الْكتاب فزعوا وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَة وَختم مُحَمَّد الْكتاب بخواتيم نفر كَانُوا مَعَه ودفعوا الْكتاب إِلَى رجل مِنْهُم وَقدمُوا الْمَدِينَة فَجمعُوا طَلْحَة وَالزُّبَيْر وعليا وسعدا وَمن كَانَ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ فضوا الْكتاب بِمحضر مِنْهُم وأخبروهم بِقصَّة الْغُلَام واقرأوهم الْكتاب فَلم يبْق أحد من أهل الْمَدِينَة إِلَّا حنق على عُثْمَان وَزَاد ذَلِك من كَانَ غضب لِابْنِ مَسْعُود وَأبي ذَر وعمار حنقا وغيظا وَقَامَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَحقُوا بمنازلهم مَا مِنْهُم أحد إِلَّا وَهُوَ مُغْتَم لما قرأوا الْكتاب وحاصر النَّاس عُثْمَان وأجلب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن أبي بكر بني تيم وَغَيرهم فَلَمَّا رأى ذَلِك عَليّ بعث إِلَى طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وعمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَنَفر من الصَّحَابَة كلهم بَدْرِي ثمَّ دخل على عُثْمَان وَمَعَهُ الْكتاب والغلام وَالْبَعِير فَقَالَ لَهُ عَليّ أَهَذا الْغُلَام غلامك قَالَ نعم قَالَ وَالْبَعِير بعيرك قَالَ نعم قَالَ فَأَنت كتبت هَذَا الْكتاب قَالَ لَا وَحلف بِاللَّه مَا كتب هَذَا الْكتاب وَلَا أمرت بِهِ وَلَا علم لي بِهِ قَالَ لَهُ عَليّ فالخاتم خاتمك قَالَ نعم قَالَ فَكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتاب عَلَيْهِ خاتمك لَا تعلم بِهِ فَحلف بِاللَّه مَا كتبت هَذَا الْكتاب وَلَا أمرت بِهِ وَلَا وجهت هَذَا الْغُلَام إِلَى مصر قطّ فعرفوا أَنه خطّ مَرْوَان وَشَكوا فِي أَمر عُثْمَان وسألوه أَن يدْفع إِلَيْهِم مَرْوَان فَأبى وَكَانَ مَرْوَان عِنْده فِي الدَّار فَخرج أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده غضابا وَشَكوا فِي أمره وَعَلمُوا أَن عُثْمَان لَا يحلف بباطل إِلَّا أَن قوما قَالُوا لَا يبرأ عُثْمَان من قُلُوبنَا إِلَّا أَن يدْفع إِلَيْنَا مَرْوَان حَتَّى نبحثه ونعرف حَال الْكتاب وَكَيف يَأْمر بقتل رجلَيْنِ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر حق فَإِن يكن عُثْمَان كتبه عزلناه وَإِن يكن مَرْوَان كتبه على لِسَان عُثْمَان نَظرنَا مَا يكون منا فِي أَمر مَرْوَان ولزموا بُيُوتهم وأبى عُثْمَان أَن يخرج إِلَيْهِم مَرْوَان وخشي عَلَيْهِ الْقَتْل وحاصر النَّاس عُثْمَان ومنعوه المَاء فَأَشْرَف على النَّاس فَقَالَ أفيكم عَليّ فَقَالُوا لَا قَالَ أفيكم سعد قَالُوا لَا فَسكت ثمَّ قَالَ أَلا أحد يبلغ عليا فيسقينا مَاء فَبلغ ذَلِك عليا فَبعث إِلَيْهِ بِثَلَاث قرب مَمْلُوءَة فَمَا كَادَت تصل إِلَيْهِ وجرح بِسَبَبِهَا عدَّة من موَالِي بني هَاشم وَبني أُميَّة حَتَّى وصل المَاء إِلَيْهِ فَبلغ عليا أَن عُثْمَان يُرَاد قَتله فَقَالَ إِنَّمَا أردنَا مِنْهُ مَرْوَان فَأَما قتل عُثْمَان فَلَا وَقَالَ لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن اذْهَبَا بسيفكما حَتَّى تقوما على بَاب عُثْمَان فَلَا تدعا أحدا يصل إِلَيْهِ وَبعث الزبير ابْنه وَطَلْحَة ابْنه وَبعث عدَّة من أَصْحَاب مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبْنَاءَهُم يمْنَعُونَ النَّاس أَن يدخلُوا على عُثْمَان ويسألونه إِخْرَاج مَرْوَان فَلَمَّا رأى ذَلِك مُحَمَّد بن أبي بكر وَرمى النَّاس بَاب عُثْمَان بِالسِّهَامِ حَتَّى خضب الْحسن بالدماء على بَابه وَأصَاب مَرْوَان سهم وَهُوَ فِي الدَّار وخضب مُحَمَّد بن طَلْحَة وشج قنبر مولى عَليّ فخشي مُحَمَّد بن أبي بكر أَن يغْضب بَنو هَاشم لحَال الْحسن وَالْحُسَيْن فيثيرونها فتْنَة فَأخذ بيد الرجلَيْن فَقَالَ لَهما إِن جَاءَت بَنو هَاشم فَرَأَوْا الدَّم على وَجه الْحسن كشفوا النَّاس عَن عُثْمَان وَبَطل مَا نُرِيد وَلَكِن مروا بِنَا حَتَّى نتسور عَلَيْهِ الدَّار فنقتله من غير أَن يعلم أحد فتسور مُحَمَّد وصاحباه من دَار رجل من الْأَنْصَار حَتَّى دخلُوا على عُثْمَان وَلَا يعلم أحد مِمَّن كَانَ مَعَه لِأَن كل من كَانَ مَعَه كَانُوا فَوق الْبيُوت وَلم يكن مَعَه إِلَّا امْرَأَته فَقَالَ لَهما مُحَمَّد مَكَانكُمَا فَإِن مَعَه امْرَأَته حَتَّى أبدأ كَمَا بِالدُّخُولِ فَإِذا أَنا ضبطته فادخلا فتوجآه حَتَّى تقتلاه فَدخل مُحَمَّد فَأخذ بلحيته فَقَالَ لَهُ عُثْمَان وَالله لَو رآك أَبوك لساءه مَكَانك مني فتراخت يَده وَدخل الرّجلَانِ عَلَيْهِ فتوجآه حَتَّى قتلاه وَخَرجُوا هاربين من حَيْثُ دخلُوا وصرخت امْرَأَته فَلم يسمع صراخها أحد لما كَانَ فِي الدَّار من الجلبة وصعدت امْرَأَته إِلَى النَّاس وَقَالَت إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد قتل فَدخل النَّاس فوجدوه مذبوحا فَبلغ الْخَبَر عليا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وسعدا وَمن كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَخَرجُوا وَقد ذهبت عُقُولهمْ للْخَبَر الَّذِي أَتَاهُم حَتَّى دخلُوا على عُثْمَان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا فَقَالَ عَليّ لَا بنيه كَيفَ قتل أَمِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الْمُؤمنِينَ وأنتما على الْبَاب وَرفع يَده فلطم الْحسن وَضرب صدر الْحُسَيْن وَشتم مُحَمَّد بن طَلْحَة وَعبد الله بن الزبير وَخرج وَهُوَ غَضْبَان حَتَّى أَتَى منزله وَجَاء النَّاس يهرعون إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ نُبَايِعك فَمد يدك فلابد من أَمِير فَقَالَ عَليّ لَيْسَ ذَلِك إِلَيْكُم إِنَّمَا ذَلِك إِلَى أهل بدر فَمن رَضِي بِهِ أهل بدر فَهُوَ خَليفَة فَلم يبْق أحد من أهل بدر إِلَّا أَتَى عليا فَقَالُوا مَا نرى أحدا أَحَق بهَا مِنْك مد يدك نُبَايِعك فَبَايعُوهُ وهرب مَرْوَان وَولده وَجَاء عَليّ إِلَى امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ لَهَا من قتل عُثْمَان قَالَت لَا أَدْرِي دخل عَلَيْهِ رجلَانِ لَا أَعْرفهُمَا ومعهما مُحَمَّد بن أبي بكر وأخبرت عليا وَالنَّاس بِمَا صنع فَدَعَا عَليّ مُحَمَّدًا فَسَأَلَهُ عَمَّا ذكرت امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ مُحَمَّد لم تكذب قد وَالله دخلت عَلَيْهِ وَأَنا أُرِيد قَتله فذكرني أبي فَقُمْت عَنهُ وَأَنا تائب إِلَى الله تَعَالَى وَالله مَا قتلته وَلَا أمسكته فَقَالَت امْرَأَته صدق وَلكنه أدخلهما قَالَ ابْن سعد وَكَانَت مبايعة عَليّ بالخلافة الْغَد من قتل عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ فَبَايعهُ جَمِيع من كَانَ بهَا من الصَّحَابَة وَيُقَال إِن طَلْحَة وَالزُّبَيْر بايعا كارهين غير طائعين ثمَّ خرجا إِلَى مَكَّة وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بهَا فأخذاها وخرجا إِلَى الْبَصْرَة يطْلبُونَ بِدَم عُثْمَان وَبلغ ذَلِك عليا فَخرج إِلَى الْعرَاق فلقي بِالْبَصْرَةِ طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَمن مَعَهم وَهِي وقْعَة الْجمل وَكَانَت فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقتل بهَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَبلغ عدد الْقَتْلَى ثَلَاثَة عشر ألفا وَقد أَقَامَ عَليّ بِالْبَصْرَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ انْصَرف إِلَى الْكُوفَة ثمَّ خرج عَلَيْهِ مُعَاوِيَة وَمن مَعَه بِالشَّام فَبلغ عليا فَسَار فَالْتَقوا بصفين فِي صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ ودام الْقِتَال بهَا أَيَّامًا فَرفع أهل الشَّام الْمَصَاحِف يدعونَ إِلَى مَا فِيهَا مكيدة من عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَتَبُوا بَينهم كتابا أَن يوافوا رَأس الْحول بأذرح فينظروا فِي أَمر الْأمة وافترق النَّاس وَرجع مُعَاوِيَة إِلَى الشَّام وَعلي إِلَى الْكُوفَة فَخرجت عَلَيْهِ الْخَوَارِج من أَصْحَابه وَمن كَانَ مَعَه وَقَالُوا لَا حكم إِلَّا لله وعسكروا بَحر وَرَاء فَبعث إِلَيْهِم ابْن عَبَّاس فخاصمهم وحجهم فَرجع مِنْهُم قوم كثير وَثَبت قوم وَسَارُوا إِلَى النهروان فَسَار إِلَيْهِم عَليّ فَقَتلهُمْ وَقتل مِنْهُم ذِي الثدية الَّذِي أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَاجْتمعَ النَّاس بأذرح فِي شعْبَان من هَذِه السّنة وحضرها سعد بن أبي وَقاص وَابْن عمر وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فَقدم عَمْرو أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مكيدة مِنْهُ فَتكلم فَخلع عليا وَتكلم عَمْرو فَأمر مُعَاوِيَة وَبَايع لَهُ وتفرق النَّاس على هَذَا وَصَارَ عَليّ فِي خلاف من أَصْحَابه حَتَّى صَار يعَض على أُصْبُعه وَيَقُول أعصى ويطاع مُعَاوِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 هَذَا ملخص تِلْكَ الوقائع وَلها بسط لَا تحتمله هَذِه العجالة على أَن الِاخْتِصَار فِي هَذَا الْمقَام هُوَ اللَّائِق فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا ذكر أَصْحَابِي فأمسكوا) وَقد أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بوقعة الْجمل وصفين وقتال عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَالزُّبَيْر عليا كَمَا أخرجه الْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُرُوج أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَضَحكت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ (انظري يَا حميراء أَن لَا تَكُونِي أَنْت) ثمَّ الْتفت إِلَى عَليّ فَقَالَ (إِن وليت من أمرهَا شَيْئا فارفق) وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أيتكن صَاحِبَة الْجمل الْأَحْمَر تخرج حَتَّى تنبحها كلاب الحوأب فَيقْتل حولهَا قَتْلَى كَثِيرَة تنجو بعد مَا كَادَت لَا تنجو وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْأسود قَالَ شهِدت الزبير خرج يُرِيد عليا فَقَالَ لَهُ عَليّ أنْشدك الله هَل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (تُقَاتِلهُ وَأَنت لَهُ ظَالِم) فَمضى الزبير منصرفا وَفِي رِوَايَة أبي يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فَقَالَ الزبير بلَى وَلَكِن نسيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 تَنْبِيه علم مِمَّا مر أَن الْحقيق بالخلافة بعد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة هُوَ الإِمَام المرتضى وَالْوَلِيّ الْمُجْتَبى عَليّ بن أبي طَالب بِاتِّفَاق أهل الْحل وَالْعقد عَلَيْهِ كطلحة وَالزُّبَيْر وَأبي مُوسَى وَابْن عَبَّاس وَخُزَيْمَة بن ثَابت وَأبي الْهَيْثَم بن التيهَان وَمُحَمّد بن مسلمة وعمار بن يَاسر وَفِي شرح الْمَقَاصِد عَن بعض الْمُتَكَلِّمين أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على ذَلِك وَوجه انْعِقَاده فِي زمن الشورى على أَنَّهَا لَهُ أَو لعُثْمَان وَهَذَا إِجْمَاع على أَنه لَوْلَا عُثْمَان لكَانَتْ لعَلي فحين خرج عُثْمَان بقتْله من الْبَيْت علم أَنَّهَا بقيت لعَلي إِجْمَاعًا وَمن ثمَّ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا اكتراث من قَالَ لَا إِجْمَاع على إِمَامَة عَليّ فَإِن الْإِمَامَة لم تجحد لَهُ وَإِنَّمَا هَاجَتْ الْفِتْنَة لأمور أُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الْبَاب التَّاسِع فِي مآثره وفضائله ونبذ من أَحْوَاله رَضِي الله عَنهُ وَفِيه فُصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه وهجرته وَغَيرهمَا أسلم رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَقيل تسع وَقيل ثَمَان وَقيل دون ذَلِك قَدِيما بل قَالَ ابْن عَبَّاس وَأنس وَزيد بن أَرقم وسلمان الْفَارِسِي وَجَمَاعَة إِنَّه أول من أسلم وَنقل بَعضهم الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَمر الْجمع بَين هَذَا الْإِجْمَاع وَالْإِجْمَاع على أَن أَبَا بكر أول من أسلم وَنقل أَبُو يعلى عَنهُ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَأسْلمت يَوْم الثُّلَاثَاء وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن بن زيد بن الْحسن قَالَ لم يعبد الْأَوْثَان قطّ لصغره أَي وَمن ثمَّ يُقَال فِيهِ كرم الله وَجهه وَألْحق بِهِ الصّديق فِي ذَلِك لما قيل إِنَّه لم يعبد صنما قطّ وَهُوَ أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ وأخو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمؤاخاة وصهره على فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين وَأحد السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام وَأحد الْعلمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 الربانيين والشجعان الْمَشْهُورين والزهاد الْمَذْكُورين والخطباء المعروفين وَأحد من جمع الْقُرْآن وَعرضه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرض عَلَيْهِ أَبُو الْأسود الدؤَلِي وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَلما هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة أمره أَن يُقيم بعده بِمَكَّة أَيَّامًا حَتَّى يُؤَدِّي عَنهُ أَمَانَته والودائع والوصايا الَّتِي كَانَت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يلْحقهُ بأَهْله فَفعل ذَلِك وَشهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَائِر الْمشَاهد إِلَّا تَبُوك إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَخْلَفَهُ على الْمَدِينَة وَقَالَ لَهُ حِينَئِذٍ (أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى) كَمَا مر لَهُ فِي جَمِيع الْمشَاهد الْآثَار الْمَشْهُورَة وأصابه يَوْم أحد سِتّ عشرَة ضَرْبَة وَأَعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللِّوَاء فِي مَوَاطِن كَثِيرَة سِيمَا يَوْم خَيْبَر وَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْفَتْح يكون على يَده كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحمل يَوْمئِذٍ بَاب حصنها على ظَهره حَتَّى صعد الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ ففتحوها وَأَنَّهُمْ جروه بعد ذَلِك فَلم يحملهُ إِلَّا أَرْبَعُونَ رجلا وَفِي رِوَايَة أَنه تنَاول بَابا من الْحصن حصن خَيْبَر فتترس بِهِ عَن نَفسه فَلم يزل يُقَاتل وَهُوَ فِي يَده حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم ثمَّ أَلْقَاهُ فَأَرَادَ ثَمَانِيَة أَن يلقوه فَمَا اسْتَطَاعُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رَضِي الله عَنهُ وكرم الله وَجهه وَهِي كَثِيرَة عَظِيمَة شهيرة حَتَّى قَالَ أَحْمد مَا جَاءَ لأحد من الْفَضَائِل مَا جَاءَ لعَلي وَقَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي لم يرد فِي حق أحد من الصَّحَابَة بِالْأَسَانِيدِ الحسان أَكثر مِمَّا جَاءَ فِي عَليّ قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين من ذُرِّيَّة أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ وَسبب ذَلِك وَالله أعلم أَن الله تَعَالَى أطلع نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا يكون بعده مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ عَليّ وَمَا وَقع من الِاخْتِلَاف لما آل إِلَيْهِ أَمر الْخلَافَة فَاقْتضى ذَلِك نصح الْأمة بإشهاره بِتِلْكَ الْفَضَائِل لتحصل النجَاة لمن تمسك بِهِ مِمَّن بلغته ثمَّ لما وَقع ذَلِك الِاخْتِلَاف وَالْخُرُوج عَلَيْهِ نشر من سمع من الصَّحَابَة تِلْكَ الْفَضَائِل وبثها نصحا للْأمة أَيْضا ثمَّ لما اشْتَدَّ الْخطب واشتغلت طَائِفَة من بني أُميَّة بتنقيصه وسبه على المنابر وَوَافَقَهُمْ الْخَوَارِج لعنهم الله بل قَالُوا بِكُفْرِهِ اشتغلت جهابذة الْحفاظ من أهل السّنة ببث فضائله حَتَّى كثرت نصحا للْأمة ونصرة للحق ثمَّ اعْلَم أَنه سَيَأْتِي فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت أَحَادِيث مستكثرة من فضائله فلتكن مِنْك على ذكر وَإنَّهُ مر فِي كثير من الْأَحَادِيث السَّابِقَة فِي فَضَائِل أبي بكر جمل من فَضَائِل عَليّ واقتصرت هُنَا على أَرْبَعِينَ حَدِيثا لِأَنَّهَا من غرر فضائله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 الحَدِيث الأول أخرج الشَّيْخَانِ عَن سعد بن وَقاص وَأحمد وَالْبَزَّار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس وَأم سَلمَة وَحبشِي ابْن جُنَادَة وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَجَابِر بن سَمُرَة وَعلي والبراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلف عَليّ بن أبي طَالب فِي غَزْوَة تَبُوك فَقَالَ يَا رَسُول الله تخلفني فِي النِّسَاء وَالصبيان فَقَالَ (أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى غير أَنه لَا نَبِي بعدِي) وَمر الْكَلَام على هَذَا الحَدِيث مُسْتَوفى فِي الثَّانِي عشر من الشّبَه الحَدِيث الثَّانِي أخرج الشَّيْخَانِ أَيْضا عَن سهل بن سعد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر وَابْن أبي ليلى وَعمْرَان بن حُصَيْن وَالْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم خَيْبَر (لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يفتح الله على يَدَيْهِ يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله) فَبَاتَ النَّاس يذكرُونَ أَي يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ ليلتهم أَيهمْ يعطاها فَلَمَّا أصبح النَّاس غدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهم يَرْجُو أَن يعطاها فَقَالَ (أَيْن عَليّ بن أبي طَالب) فَقيل يشتكي عَيْنَيْهِ قَالَ (فأرسلوا إِلَيْهِ) فَأتي بِهِ فبصق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَيْنَيْهِ ودعا لَهُ فبرىء حَتَّى كَانَ لم يكن بِهِ وجع فَأعْطَاهُ الرَّايَة وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَت فَاطِمَة أحب النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزوجهَا عَليّ أحب الرِّجَال إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 الحَدِيث الثَّالِث أخرج مُسلم عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {نَدع أبناءنا وأبناءكم} آل عمرَان 61 دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا وَفَاطِمَة وحسنا وَحسَيْنا فَقَالَ (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي) الحَدِيث الرَّابِع قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم غَدِير خم من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ الحَدِيث وَقد مر فِي حادي عشر الشّبَه وَأَنه رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثُونَ صحابيا وَأَن كثيرا من طرقه صَحِيح أَو حسن وَمر الْكَلَام ثمَّ على مَعْنَاهُ مُسْتَوفى وروى الْبَيْهَقِيّ أَنه ظهر عَليّ من الْبعد فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا سيد الْعَالمين وَهُوَ سيد الْعَرَب) وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي صَحِيحه عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ (أَنا سيد ولد آدم وَعلي سيد الْعَرَب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وَقَالَ إِنَّه صَحِيح وَلم يخرجَاهُ وَله شَوَاهِد كلهَا ضَعِيفَة كَمَا بَينه بعض محققي الْمُحدثين بل جنح الذَّهَبِيّ إِلَى الحكم على ذَلِك بِالْوَضْعِ وعَلى فرض صِحَّته فسيادته لَهُم إِمَّا من حَيْثُ النّسَب أَو نَحوه فَلَا يسْتَلْزم أفضليته على الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة قبله لما مر من الْأَدِلَّة الصَّرِيحَة فِي ذَلِك الحَدِيث الْخَامِس أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله أَمرنِي بحب أَرْبَعَة وَأَخْبرنِي أَنه يُحِبهُمْ) قيل يَا رَسُول الله سمهم لنا قَالَ (عَليّ مِنْهُم) يَقُول ذَلِك ثَلَاثًا وَأَبُو ذَر والمقداد وسلمان الحَدِيث السَّادِس أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن حبشِي بن جُنَادَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَليّ مني وَأَنا من عَليّ وَلَا يُؤَدِّي عني إِلَّا أَنا أَو عَليّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 الحَدِيث السَّابِع أخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَصْحَابه فجَاء عَليّ تَدْمَع عَيناهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله آخيت بَين أَصْحَابك وَلم تؤاخ بيني وَبَين أحد فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنْت أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) الحَدِيث الثَّامِن أخرج مُسلم عَن عَليّ قَالَ وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة إِنَّه لعهد النَّبِي الْأُمِّي إِلَيّ أَنه لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقين ببغضهم عليا الحَدِيث التَّاسِع أخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر بن عبد الله وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم والعقيلي فِي الضُّعَفَاء وَابْن عدي عَن ابْن عمر وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا من مَدِينَة الْعلم وَعلي بَابهَا) وَفِي رِوَايَة (فَمن أَرَادَ الْعلم فليأت الْبَاب) وَفِي أُخْرَى عِنْد التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ (أَنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 دَار الْحِكْمَة وَعلي بَابهَا) وَفِي أُخْرَى عِنْد ابْن عدي (عَليّ بَاب علمي) وَقد اضْطربَ النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث فجماعة على أَنه مَوْضُوع مِنْهُم ابْن الْجَوْزِيّ وَالنَّوَوِيّ وناهيك بهما معرفَة بِالْحَدِيثِ وطرقه حَتَّى قَالَ بعض محققي الْمُحدثين لم يَأْتِ بعد النَّوَوِيّ من يدانيه فِي علم الحَدِيث فضلا عَن أَن يُسَاوِيه وَبَالغ الْحَاكِم على عَادَته وَقَالَ إِن الحَدِيث صَحِيح وَصوب بعض محققي الْمُتَأَخِّرين المطلعين من الْمُحدثين أَنه حَدِيث حسن وَمر الْكَلَام عَلَيْهِ الحَدِيث الْعَاشِر أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَقلت يَا رَسُول الله بعثتني وَأَنا شَاب أَقْْضِي بَينهم وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاء فَضرب صَدْرِي بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ اهد قلبه وَثَبت لِسَانه) فوالذي فلق الْحبَّة مَا شَككت فِي قَضَاء بَين اثْنَيْنِ قيل وَسبب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أقضاكم عَليّ) السَّابِق فِي أَحَادِيث أبي بكر أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَالِسا مَعَ جمَاعَة من أَصْحَابه فجَاء خصمان فَقَالَ أَحدهمَا يَا رَسُول الله إِن لي حمارا وَإِن لهَذَا بقرة وَإِن بقرته قتلت حماري فَبَدَأَ رجل من الْحَاضِرين فَقَالَ لَا ضَمَان على الْبَهَائِم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْضِ بَينهمَا يَا عَليّ فَقَالَ عَليّ لَهما أكانا مرسلين أم مشدودين أم أَحدهمَا مشدودا وَالْآخر مُرْسلا فَقَالَ كَانَ الْحمار مشدودا وَالْبَقَرَة مُرْسلَة وصاحبها مَعهَا فَقَالَ عَليّ على صَاحب الْبَقَرَة ضَمَان الْحمار فَأقر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكمه وأمضى قَضَاءَهُ الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج ابْن سعد عَن عَليّ أَنه قيل لَهُ مَالك أَكثر أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا قَالَ إِنِّي كنت إِذا سَأَلته أنبأني وَإِذا سكت ابتدأني الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد ضَعِيف عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (النَّاس من شجر شَتَّى وَأَنا وَعلي من شَجَرَة وَاحِدَة) الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج الْبَزَّار عَن سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي (لَا يحل لأحد أَن يجنب فِي هَذَا الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيْرك) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا غضب لم يحترىء أحد أَن يكلمهُ إِلَّا عَليّ الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (النّظر إِلَى عَليّ عبَادَة) إِسْنَاده حسن الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج أَبُو يعلى وَالْبَزَّار عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من آذَى عليا فقد آذَانِي) الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أم سَلمَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أحب عليا فقد أَحبَّنِي وَمن أَحبَّنِي فقد أحب الله وَمن أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن أبغضني فقد أبْغض الله) الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم سَلمَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (من سبّ عليا فقد سبني) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج أَحْمد وَالْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (إِنَّك تقَاتل عَن تَأْوِيل الْقُرْآن كَمَا قَاتَلت على تَنْزِيله) الحَدِيث الْعشْرُونَ أخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم عَن عَليّ قَالَ دَعَاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (إِن فِيك مثلا من عِيسَى أبغضته الْيَهُود حَتَّى بهتُوا أمه وأحبته النَّصَارَى حَتَّى نزلوه بالمنزلة الَّذِي لَيْسَ بِهِ) أَلا وَإنَّهُ يهْلك فِي اثْنَان محب مفرط يقرظني بِمَا لَيْسَ فِي ومبغض يحملهُ شنآني على أَن يبهتني الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أم سَلمَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (عَليّ مَعَ الْقُرْآن وَالْقُرْآن مَعَ عَليّ لَا يفترقان حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض) الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَالْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن عمار بن يَاسر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (أَشْقَى النَّاس رجلَانِ أُحَيْمِر ثَمُود الَّذِي عقر النَّاقة وَالَّذِي يَضْرِبك يَا عَليّ على هَذِه يَعْنِي قرنه حَتَّى يبل مِنْهُ هَذِه يَعْنِي لحيته) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 وَقد ورد ذَلِك من حَدِيث عَليّ وصهيب وَجَابِر بن سَمُرَة وَغَيرهم وَأخرج أَبُو يعلى عَن عَائِشَة قَالَت رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْتزم عليا وَقَبله وَهُوَ يَقُول (بِأبي الوحيد الشَّهِيد) وروى الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى بِسَنَد رِجَاله ثِقَات إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم فَإِنَّهُ موثق أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ يَوْمًا (من أَشْقَى الْأَوَّلين) قَالَ الَّذِي عقر النَّاقة يَا رَسُول الله قَالَ صدقت قَالَ (فَمن أَشْقَى الآخرين) قَالَ لَا علم لي يَا رَسُول الله قَالَ (الَّذِي يَضْرِبك على هَذِه) وَأَشَارَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَافُوخه كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَقُول لأهل الْعرَاق أَي عِنْد تضجره مِنْهُم وددت أَنه قد انْبَعَثَ أشقاكم فَخَضَّبَ هَذِه يَعْنِي لحيته من هَذِه وَوضع يَده على مقدم رَأسه وَصَحَّ أَيْضا أَن ابْن سَلام قَالَ لَهُ لَا تقدم الْعرَاق فَإِنِّي أخْشَى أَن يصيبك بهَا ذُبَاب السَّيْف فَقَالَ عَليّ وَايْم الله لقد أَخْبرنِي بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو الْأسود فَمَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ مُحَاربًا يخبر بذا عَن نَفسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ اشْتَكَى النَّاس عليا فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ (لَا تَشْكُو عليا فوَاللَّه إِنَّه لأخيشن فِي ذَات الله أَو فِي سَبِيل الله) الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد والضياء عَن زيد بن أَرقم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنِّي أمرت بسد هَذِه الْأَبْوَاب غير بَاب عَليّ فَقَالَ فِيهِ قائلكم وَإِنِّي وَالله مَا سددت شَيْئا وَلَا فَتحته وَلَكِنِّي أمرت بِشَيْء فاتبعته) وَلَا يشكل هَذَا الحَدِيث بِمَا مر فِي أَحَادِيث خلَافَة أبي بكر من أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسد الخوخ جَمِيعهَا إِلَّا خوخة أبي بكر لِأَن ذَلِك فِيهِ التَّصْرِيح بِأَن أمره بالسد كَانَ فِي مرض مَوته وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِك فَيحمل هَذَا على أَمر مُتَقَدم على الْمَرَض فلأجل ذَلِك اتَّضَح قَول الْعلمَاء إِن ذَاك فِيهِ إِشَارَة إِلَى خلَافَة أبي بكر على أَن ذَاك الحَدِيث أصح من هَذَا وَأشْهد الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا تُرِيدُونَ من عَليّ مَا تُرِيدُونَ من عَليّ ماتريدون من عَليّ إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي) وَمر الْكَلَام فِي حادي عشر الشّبَه على هَذَا الحَدِيث وَبَيَان مَعْنَاهُ وَمَا فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أنب مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ) الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر والخطيب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي فِي صلبه وَجعل ذريتي فِي صلب عَليّ بن أبي طَالب) الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج الديلمي عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (خير إخوتي عَليّ وَخير أعمامي حَمْزَة) الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج الديلمي أَيْضا عَن عَائِشَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (السَّبق ثَلَاثَة فَالسَّابِق إِلَى مُوسَى يُوشَع بن نون وَالسَّابِق إِلَى عِيسَى صَاحب يس وَالسَّابِق إِلَى مُحَمَّد عَليّ بن أبي طَالب) الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج ابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 (الصديقون ثَلَاثَة حزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن وحبِيب النجار صَاحب يس وَعلي ابْن أبي طَالب) الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي ليلى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الصديقون ثَلَاثَة حبيب النجار مُؤمن آل يس قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين وحزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَعلي بن أبي طَالب وَهُوَ أفضلهم) الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْخَطِيب عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عنوان صحيفَة الْمُؤمن حب عَليّ بن أبي طَالب) الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْحَاكِم عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عَليّ إِمَام البررة وَقَاتل الفجرة مَنْصُور من نَصره مخذول من خذله) الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن ابْن عَبَّاس أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عَليّ بَاب حطة من دخل مِنْهُ كَانَ مُؤمنا وَمن خرج مِنْهُ كَانَ كَافِرًا) الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْخَطِيب عَن الْبَراء والديلمي عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عَليّ مني بِمَنْزِلَة رَأْسِي من بدني) الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْبَيْهَقِيّ والديلمي عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عَليّ يزهر فِي الْجنَّة ككوكب الصُّبْح لأهل الدُّنْيَا) الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج ابْن عدي عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عَليّ يعسوب الْمُؤمنِينَ وَالْمَال يعسوب الْمُنَافِقين) الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْبَزَّار عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (عَليّ يقْضِي ديني) الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم أَن النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الْجنَّة لتشتاق إِلَى ثَلَاثَة عَليّ وعمار وسلمان) الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ أخرج الشَّيْخَانِ عَن سهل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد عليا مُضْطَجعا فِي الْمَسْجِد وَقد سقط رِدَاؤُهُ عَن شقَّه فَأَصَابَهُ تُرَاب فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسحه عَنهُ وَيَقُول قُم أَبَا تُرَاب فَلذَلِك كَانَت هَذِه الكنية أحب الكنى إِلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كناه بهَا وَمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَرْبَعَة لَا يجْتَمع حبهم فِي قلب مُنَافِق وَلَا يُحِبهُمْ إِلَّا مُؤمن أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي) وَأخرجه النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن كل نَبِي أعطي سَبْعَة نجباء رُفَقَاء وَأعْطيت أَنا أَرْبَعَة عشر عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن وجعفر وَحَمْزَة وَأَبُو بكر وَعمر الحَدِيث وَأخرج ابْن المظفر وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ وَنحن فِي صَلَاة الْغَدَاة فَقَالَ (إِنِّي تركت فِيكُم كتاب الله عز وَجل وسنتي فاستنطقوا الْقُرْآن بِسنتي فَإِنَّهُ لن تعمى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 أبصاركم وَلنْ تزل أقدامكم وَلنْ تقصر أَيْدِيكُم مَا أَخَذْتُم بهما ثمَّ قَالَ (أوصيكم بِهَذَيْنِ خيرا وَأَشَارَ إِلَى عَليّ وَالْعَبَّاس لَا يكف عَنْهُمَا أحد وَلَا يحفظهما عَليّ إِلَّا أعطَاهُ الله نورا حَتَّى يرد بِهِ عَليّ يَوْم الْقِيَامَة) وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ لما فتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة انْصَرف إِلَى الطَّائِف فحصرها سبع عشرَة لَيْلَة أَو تسع عشرَة لَيْلَة ثمَّ قَامَ خَطِيبًا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ (أوصيكم بعترتي خيرا وَإِن مَوْعدكُمْ الْحَوْض مني وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتقيمن الصَّلَاة ولتؤتن الزَّكَاة أَو لَأَبْعَثَن إِلَيْكُم رجلا مني أَو كنفسي يضْرب أَعْنَاقكُم) ثمَّ أَخذ بيد عَليّ رَضِي الله عَنهُ ثمَّ قَالَ (هُوَ هَذَا) وَفِيه رجل اخْتلف فِي تَضْعِيفه وَبَقِيَّة رِجَاله ثِقَات وَفِي رِوَايَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مرض مَوته (أَيهَا النَّاس يُوشك أَن أَقبض قبضا سَرِيعا قينطلق بِي وَقد قدمت إِلَيْكُم القَوْل معذرة إِلَيْكُم أَلا إِنِّي مخلف فِيكُم كتاب رَبِّي عز وَجل وعترتي أهل بَيْتِي ثمَّ أَخذ بيد عَليّ فَرَفعهَا فَقَالَ هَذَا عَليّ مَعَ الْقُرْآن وَالْقُرْآن مَعَ عَليّ لَا يفترقان حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فأسألهما مَا خلفت فيهمَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 وَأخرج أَحْمد فِي المناقب عَن عَليّ قَالَ طلبني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَائِط فضربني بِرجلِهِ وَقَالَ (قُم فوَاللَّه لأرضيك أَنْت أخي وَأَبُو وَلَدي فقاتل على سنتي من مَاتَ على عهدي فَهُوَ فِي كنز الْجنَّة وَمن مَاتَ على عَهْدك فقد قضى نحبه وَمن مَاتَ يحبك بعد موتك ختم الله لَهُ بالأمن وَالْإِيمَان مَا طلعت شمس أَو غربت) وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن عليا قَالَ للستة الَّذين جعل عمر الْأَمر شُورَى بَينهم كلَاما طَويلا من جملَته أنْشدكُمْ بِاللَّه هَل فِيكُم أحد قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا عَليّ أَنْت قسيم الْجنَّة وَالنَّار يَوْم الْقِيَامَة غَيْرِي قَالُوا اللَّهُمَّ لَا) وَمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ غَيره عَن عَليّ الرِّضَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (أَنْت قسيم الْجنَّة وَالنَّار فَيوم الْقِيَامَة تَقول النَّار هَذَا لي وَهَذَا لَك) وروى ابْن السماك أَن أَبَا بكر قَالَ لَهُ رَضِي الله عَنْهُمَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (لَا يجوز أحد الصِّرَاط إِلَّا من كتب لَهُ عَليّ الْجَوَاز) وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أَنا أول من يجثو بَين يَدي الرَّحْمَن للخصومة يَوْم الْقِيَامَة قَالَ قيس وَفِيهِمْ نزلت هَذِه الْآيَة هَذَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم) الْحَج 19 قَالَ هم الَّذين بارزوا يَوْم بدر عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 الْفَصْل الثَّالِث فِي ثَنَاء الصَّحَابَة وَالسَّلَف عَلَيْهِ أخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب عَليّ أقضانا وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ أَقْْضِي أهل الْمَدِينَة عَليّ وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِذا حَدثنَا ثِقَة عَن عَليّ الْفتيا لَا نعدوها أَي لَا نتجاوزها وَأخرج عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كَانَ عمر بن الْخطاب يتَعَوَّذ بِاللَّه من معضلة لَيْسَ لَهَا أَبُو الْحسن يَعْنِي عليا وَأخرج عَنهُ قَالَ لم يكن أحد من الصَّحَابَة يَقُول سلوني إِلَّا عَليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ أفرض أهل الْمَدِينَة وأقضاها عَليّ وَذكر عِنْد عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت إِنَّه أعلم من بَقِي بِالسنةِ وَقَالَ مَسْرُوق انْتهى علم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَقَالَ عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة كَانَ لعَلي مَا شِئْت من ضرس قَاطع فِي الْعلم وَكَانَ لَهُ الْقدَم فِي الْإِسْلَام والصهر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْفِقْه فِي السّنة والنجدة فِي الْحَرْب والجود فِي المَال وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَا أنزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَّا وَعلي أميرها وشريفها وَلَقَد عَاتب الله أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير مَكَان وَمَا ذكر عليا إِلَّا بِخَير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَنهُ قَالَ مَا نزل فِي أحد من كتاب الله تَعَالَى مَا نزل فِي عَليّ وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَنهُ قَالَ نزل فِي عَليّ ثَلَاثمِائَة آيَة وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَنهُ قَالَ كَانَت لعَلي ثَمَان عشرَة منقبة مَا كَانَت لأحد من هَذِه الْأمة وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لقد أعطي عَليّ ثَلَاث خِصَال لِأَن تكون لي خصْلَة مِنْهَا أحب إِلَيّ من حمر النعم فَسئلَ مَا هِيَ قَالَ تَزْوِيجه ابْنَته وسكناه فِي الْمَسْجِد لَا يحل لي فِيهِ مَا يحل لَهُ والراية يَوْم خَيْبَر وروى أَحْمد بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عمر نَحوه وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى بِسَنَد صَحِيح عَن عَليّ قَالَ مَا رمدت وَلَا صدعت مُنْذُ مسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهي وتفل فِي عَيْني يَوْم خَيْبَر حِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 أَعْطَانِي الرَّايَة وَلما دخل الْكُوفَة دخل عَلَيْهِ حكم من الْعَرَب فَقَالَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد زينت الْخلَافَة وَمَا زينتك ورفعتها وَمَا رفعتك وَهِي كَانَت أحْوج إِلَيْك مِنْك إِلَيْهَا وَأخرج السلَفِي فِي الطيوريات عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ سَأَلت أبي عَن عَليّ وَمُعَاوِيَة فَقَالَ اعْلَم أَن عليا كَانَ كثير الْأَعْدَاء ففتش لَهُ أعداؤه شَيْئا فَلم يجدوه فجاؤا إِلَى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا مِنْهُم لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 الْفَصْل الرَّابِع فِي نبذ من كَلِمَاته وقضاياه الدَّالَّة على علو قدره علما وَحِكْمَة وزهدا وَمَعْرِفَة بِاللَّه تَعَالَى أخرج ابْن سعد عَنهُ قَالَ وَالله مَا نزلت آيَة إِلَّا وَقد علمت فيمَ نزلت وَأَيْنَ نزلت وعَلى من نزلت إِن رَبِّي وهب لي قلبا عقولا وَلِسَانًا ناطقا وَأخرج ابْن سعد وَغَيره عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ قَالَ عَليّ سلوني عَن كتاب الله فَإِنَّهُ لَيْسَ من آيَة إِلَّا وَقد عرفت بلَيْل نزلت أم بنهار أم فِي سهل أم جبل وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبْطَأَ عَليّ عَن بيعَة أبي بكر فَلَقِيَهُ أَبُو بكر فَقَالَ أكرهت إمارتي فَقَالَ لَا وَلَكِن آلَيْت لَا أرتدي بردائي إِلَّا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى أجمع الْقُرْآن فزعموا أَنه كتبه على تَنْزِيله قَالَ مُحَمَّد ابْن سِيرِين لَو أصبت ذَلِك الْكتاب كَانَ فِيهِ الْعلم وَمن كراماته الباهرة أَن الشَّمْس ردَّتْ عَليّ لما كَانَ رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجره وَالْوَحي ينزل عَلَيْهِ وَعلي لم يصل الْعَصْر فَمَا سري عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 غربت الشَّمْس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ فِي طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولك فاردد عَلَيْهِ الشَّمْس) فطلعت بَعْدَمَا غربت وَحَدِيث ردهَا صَححهُ الطَّحَاوِيّ وَالْقَاضِي فِي الشِّفَاء وَحسنه شيخ الْإِسْلَام أَبُو زرْعَة وَتَبعهُ غَيره وردوا على جمع قَالُوا إِنَّه مَوْضُوع وَزعم فَوَات الْوَقْت بغروبها فَلَا فَائِدَة لردها فِي مَحل الْمَنْع بل نقُول كَمَا أَن ردهَا خُصُوصِيَّة كَذَلِك إِدْرَاك الْعَصْر الْآن أَدَاء خُصُوصِيَّة وكرامة على أَن فِي فِي ذَلِك أَعنِي أَن الشَّمْس إِذا غربت ثمَّ عَادَتْ هَل يعود الْوَقْت بعودها ترددا حكيته مَعَ بَيَان الْمُتَّجه مِنْهُ فِي شرح الْعباب فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة قَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ وَفِي الْبَاب حِكَايَة عَجِيبَة حَدثنِي بهَا جمَاعَة من مَشَايِخنَا بالعراق أَنهم شاهدوا أَبَا مَنْصُور المظفر بن أردشير القباوي الْوَاعِظ ذكر بعد الْعَصْر هَذَا الحَدِيث ونمقه بألفاظه وَذكر فَضَائِل أهل الْبَيْت فغطت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 سَحَابَة الشَّمْس حَتَّى ظن النَّاس أَنَّهَا قد غَابَتْ فَقَامَ على الْمِنْبَر وَأَوْمَأَ إِلَى الشَّمْس وَأنْشد (لَا تغربي يَا شمس حَتَّى يَنْتَهِي ... مدحي لآل الْمُصْطَفى ولنجله) (واثني عنانك إِن أردْت ثناءهم ... أنسيت إِذْ كَانَ الْوُقُوف لأَجله) (إِن كَانَ للْمولى وقوفك فَلْيَكُن ... هَذَا الْوُقُوف لخيله ولرجله) قَالُوا فانجاب السَّحَاب عَن الشَّمْس وطلعت وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن حجر الْمرَادِي قَالَ قَالَ لي عَليّ كَيفَ بك إِذا أمرت أَن تلعنني قلت أَو كَائِن ذَلِك قَالَ نعم قلت فَكيف أصنع قَالَ العني وَلَا تَبرأ مني قَالَ فَأمرنِي مُحَمَّد بن يُوسُف أَخُو الْحجَّاج وَكَانَ أَمِيرا من قبل عبد الْملك بن مَرْوَان على الْيمن أَن ألعن عليا فَقلت إِن الْأَمِير أَمرنِي إِن ألعن عليا فالعنوه لَعنه الله فَمَا فطن لَهَا إِلَّا رجل أَي لِأَنَّهُ إِنَّمَا لعن الْأَمِير وَلم يلعن عليا فَهَذَا من كرامات عَليّ وإخباره بِالْغَيْبِ وَمن كراماته أَيْضا أَنه حدث بِحَدِيث فكذبه رجل فَقَالَ لَهُ أَدْعُو عَلَيْك إِن كنت كَاذِبًا قَالَ ادْع فَدَعَا عَلَيْهِ فَلم يبرح حَتَّى ذهب بَصَره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 وَأخرج ابْن الْمَدَائِنِي عَن مجمع أَن عليا كَانَ يكنس بَيت المَال ثمَّ يصلى فِيهِ رَجَاء أَن يشْهد لَهُ أَنه لم يحبس فِيهِ المَال عَن الْمُسلمين وَجلسَ رجلَانِ يتغديان مَعَ أَحدهمَا خَمْسَة أرغفة وَمَعَ الآخر ثَلَاثَة أرغفة فَمر بهما ثَالِث فأجلساه فَأَكَلُوا الأرغفة الثَّمَانِية على السوَاء ثمَّ طرح لَهما الثَّالِث ثَمَانِيَة دَرَاهِم عوضا عَمَّا أكله من طعامهما فتنازعا فَصَاحب الْخَمْسَة أرغفة يَقُول إِن لَهُ خَمْسَة دَرَاهِم وَلِصَاحِب الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وَصَاحب الثَّلَاثَة يَدعِي أَن لَهُ أَرْبَعَة وَنصفا فاختصما إِلَى عَليّ فَقَالَ لصَاحب الثَّلَاثَة خُذ مَا رَضِي بِهِ صَاحبك وَهُوَ الثَّلَاثَة فَإِن ذَلِك خير لَك فَقَالَ لَا رضيت إِلَّا بمر الْحق فَقَالَ عَليّ لَيْسَ لَك فِي مر الْحق إِلَّا دِرْهَم وَاحِد فَسَأَلَهُ عَن بَيَان وَجه ذَلِك فَقَالَ عَليّ أليست الثَّمَانِية أرغفة أَرْبَعَة وَعشْرين ثلثا أكلتموها وَأَنْتُم ثَلَاثَة وَلَا يعلم أَكْثَرَكُم أكلا فتحملون على السوَاء فَأكلت أَنْت ثَمَانِيَة أَثلَاث وَالَّذِي لَك تِسْعَة أَثلَاث وَأكل صَاحبك ثَمَانِيَة أَثلَاث وَالَّذِي لَهُ خَمْسَة عشر ثلثا فَبَقيَ لَهُ سَبْعَة وَلَك وَاحِد فَلهُ سَبْعَة بسبعته وَلَك وَاحِد بواحدك فَقَالَ رضيت الْآن وأتى بِرَجُل فَقيل لَهُ زعم هَذَا أَنه احْتَلَمَ بأمي فَقَالَ اذْهَبْ فأقمه فِي الشَّمْس فَاضْرب ظله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وَمن كَلَامه النَّاس نيام فَإِذا مَاتُوا انتبهوا النَّاس بزمانهم أشبه مِنْهُم بآبائهم لَو كشف الغطاء مَا ازددت يَقِينا ماهلك امْرُؤ عرف قدره قيمَة كل امرىء مَا يُحسنهُ من عرف نَفسه فقد عرف ربه كَذَا نسب هَذَا إِلَيْهِ وَالْمَشْهُور أَنه من كَلَام يحيى بن معَاذ الرَّازِيّ الْمَرْء مخبوء تَحت لِسَانه من عذب لِسَانه كثر إخوانه بِالْبرِّ يستعبد الْحر بشر مَال الْبَخِيل بحادث أَو وَارِث لَا تنظر الَّذِي قَالَ وَانْظُر إِلَى مَا قَالَ الْجزع عِنْد الْبلَاء تَمام المحنة لَا ظفر مَعَ الْبَغي لَا ثَنَاء مَعَ الْكبر وَلَا صِحَة مَعَ النهم والتخم لَا شرف مَعَ سوء الْأَدَب لَا رَاحَة مَعَ الْحَسَد لَا سؤدد مَعَ الانتقام لَا صَوَاب مَعَ ترك المشورة لَا مُرُوءَة للكذوب لَا كرم أعز من التقى لَا شَفِيع أنجح من التَّوْبَة لَا لِبَاس أجمل من الْعَافِيَة لَا دَاء أعيى من الْجَهْل الْمَرْء عَدو مَا جَهله رحم الله امْرَءًا عرف قدره وَلم يَتَعَدَّ طوره إِعَادَة الِاعْتِذَار تذكير بالذنب النصح بَين الْمَلأ تقريع نعْمَة الْجَاهِل كروضة على مزبلة الْجزع أتعب من الصَّبْر المسؤول حر حَتَّى يعد أكبر الْأَعْدَاء أخفاهم مكيدة الْحِكْمَة ضَالَّة الْمُؤمن الْبُخْل جَامع لمساوىء الْعُيُوب إِذا حلت الْمَقَادِير ضلت التدابير عبد الشَّهْوَة أذلّ من عبد الرّقّ الْحَاسِد مغتاظ على من لَا ذَنْب لَهُ كفى بالذنب شَفِيعًا للمذنب السعيد من وعظ بِغَيْرِهِ الْإِحْسَان يقطع اللِّسَان أفقر الْفقر الْحمق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 أغْنى الْغنى الْعقل الطامع فِي وثاق الذل لَيْسَ الْعجب مِمَّن هلك كَيفَ هلك بل الْعجب مِمَّن نجا كَيفَ نجا احْذَرُوا نفار النعم فَمَا شارد بمردود أَكثر مصَارِع الْعُقُول تَحت بروق الأطماع إِذا وصلت إِلَيْكُم النعم فَلَا تنفرُوا أقصاها بقلة الشُّكْر إِذا قدرت على عَدوك فَاجْعَلْ الْعَفو عَنهُ شكر الْقُدْرَة عَلَيْهِ مَا أضمر أحد شَيْئا إِلَّا ظهر فِي فلتات لِسَانه وعَلى صفحات وَجهه الْبَخِيل يستعجل الْفقر ويعيش فِي الدُّنْيَا عَيْش الْفُقَرَاء وَيُحَاسب فِي الْآخِرَة حِسَاب الْأَغْنِيَاء لِسَان الْعَاقِل وَرَاء قلبه وقلب الأحمق وَرَاء لِسَانه الْعلم يرفع الوضيع وَالْجهل يضع الرفيع الْعلم خير من المَال الْعلم يحرسك وَأَنت تحرس المَال الْعلم حَاكم وَالْمَال مَحْكُوم عَلَيْهِ قَصم ظَهْري عَالم متهتك وجاهل متنسك هَذَا يُفْتى وينفر النَّاس بتهتكه وَهَذَا يضل النَّاس بتنسكه أقل النَّاس قيمَة أقلهم علما إِذْ قيمَة كل امرىء مَا يُحسنهُ وَكَلَامه رَضِي الله عَنهُ فِي هَذَا الأسلوب البديع كثير تركته خوف الإطالة وَمن كَلَامه أَيْضا كونُوا فِي النَّاس كالنحلة فِي الطير إِنَّه لَيْسَ فِي الطير شَيْء إِلَّا وَهُوَ يستضعفها وَلَو يعلم الطير مَا فِي أجوافها من الْبركَة لم يَفْعَلُوا ذَلِك بهَا خالطوا النَّاس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فَإِن للمرء مَا اكْتسب وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة مَعَ من أحب وَمِنْه كونُوا بِقبُول الْعَمَل أَشد اهتماما مِنْكُم بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُ لن يقل عمل مَعَ التَّقْوَى وَكَيف يقل عمل متقبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 وَمِنْه يَا حَملَة الْقُرْآن اعْمَلُوا بِهِ فَإِن الْعَالم من عمل بِمَا علم وَوَافَقَ علمه عمله وسيكون أَقوام يحملون الْعلم لَا يُجَاوز تراقيهم تخَالف سريرتهم علانيتهم وَيُخَالف عَمَلهم علمهمْ يَجْلِسُونَ حلقا فيباهي بَعضهم بَعْضًا حَتَّى إِن الرجل يغْضب على جليسه أَن يجلس إِلَى غَيره ويدعه أُولَئِكَ لَا تصعد أَعْمَالهم فِي مجَالِسهمْ تِلْكَ إِلَى الله وَمِنْه لَا يخافن أحد مِنْكُم إِلَّا ذَنبه وَلَا يرجون إِلَّا ربه وَلَا يستحيي من لَا يعلم أَن يتَعَلَّم وَلَا يستحيي من يعلم إِذا سُئِلَ عَمَّا لَا يعلم أَن يَقُول أعلم الصَّبْر من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد وَمِنْه الْفَقِيه كل الْفَقِيه من لَا يقنط النَّاس من نَفسه رَحْمَة الله وَلَا يرخص لَهُم فِي معاصي الله وَلم يؤمنهم عَذَاب الله وَلم يدع الْقُرْآن رَغْبَة عَنهُ إِلَى غَيره وَمِنْه لَا خير فِي عبَادَة لَا علم فِيهَا وَلَا خير فِي علم لَا فهم مَعَه وَلَا خير فِي قِرَاءَة لَا تدبر فِيهَا وَمِنْه مَا أبردها على كَبِدِي إِذا سُئِلت عَمَّا لَا أعلم أَن أَقُول الله أعلم وَمِنْه من أَرَادَ أَن ينصف النَّاس من نَفسه فليحب لَهُم مَا يحب لنَفسِهِ وَمِنْه سبع من الشَّيْطَان شدَّة الْغَضَب وَشدَّة العطاس وَشدَّة التثاؤب والقيء والرعاف والنجوى وَالنَّوْم عِنْد الذّكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 وَمِنْه الحزم سوء الظَّن وَهُوَ حَدِيث وَلَفظه (إِن من الحزم سوء الظَّن) وَمِنْه التَّوْفِيق خير قَائِد وَحسن الْخلق خير قرين وَالْعقل خير صَاحب وَالْأَدب خير مِيرَاث وَلَا وَحْشَة أَشد من الْعجب وَقَالَ لما سُئِلَ عَن الْقدر طَرِيق مظلم لَا تسلكه وبحر عميق لَا تلجه سر الله قد خَفِي عَلَيْك فَلَا تفشه أَيهَا السَّائِل إِن الله خلقك كَمَا شَاءَ أَو كَمَا شِئْت قَالَ بل كَمَا شَاءَ قَالَ فيستعملك كَمَا شَاءَ وَقَالَ إِن للنكبات نهايات لَا بُد لأحد إِذا نكب أَن يَنْتَهِي إِلَيْهَا فَيَنْبَغِي للعاقل إِذا أَصَابَته نكبة أَن ينَام لَهَا حَتَّى تَنْقَضِي مدَّتهَا فَإِن فِي رَفعهَا قبل انْقِضَاء مدَّتهَا زِيَادَة فِي مكروهها وَسُئِلَ عَن السخاء فَقَالَ مَا كَانَ مِنْهُ ابْتِدَاء فَأَما مَا كَانَ عَن مَسْأَلَة فحياء وتكرم وَأثْنى عَلَيْهِ عَدو لَهُ فأطراه فَقَالَ إِنِّي لست كَمَا تَقول وَأَنا فَوق مَا فِي نَفسك وَقَالَ جَزَاء الْمعْصِيَة الوهن فِي الْعِبَادَة والضيق فِي الْمَعيشَة والنغص فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 اللَّذَّة قيل وَمَا النغص قَالَ لَا ينَال شَهْوَة حَلَال إِلَّا جَاءَهُ مَا ينغصه إِيَّاهَا وَقَالَ لَهُ عدوه ثبتك الله فَقَالَ على صدرك وَلما ضربه ابْن ملجم قَالَ لِلْحسنِ وَقد دخل عَلَيْهِ باكيا يَا بني احفظ عني أَرْبعا وأربعا قَالَ وَمَا هن يَا أَبَت قَالَ إِن أغْنى الْغنى الْعقل وأكبر الْفقر الْحمق وأوحش الوحشة الْعجب وَأكْرم الْكَرم حسن الْخلق قَالَ فالأربع الْأُخَر قَالَ إياك ومصاحبة الأحمق فَإِنَّهُ يُرِيد أَن ينفعك فيضرك وَإِيَّاك ومصادقة الْكذَّاب فَإِنَّهُ يقرب عَلَيْك الْبعيد وَيبعد عَلَيْك الْقَرِيب وَإِيَّاك ومصادقة الْبَخِيل فَإِنَّهُ يخذلك فِي مَاله أحْوج مَا تكون إِلَيْهِ وَإِيَّاك ومصادقة الْفَاجِر فَإِنَّهُ يبيعك بالتافه وَقَالَ لَهُ يَهُودِيّ مَتى كَانَ رَبنَا فَتغير وَجهه قَالَ لم يكن فَكَانَ هُوَ كَانَ وَلَا كينونة كَانَ بِلَا كَيفَ كَانَ لَيْسَ لَهُ قبل وَلَا غَايَة انْقَطَعت الغايات دونه فَهُوَ غَايَة كل غَايَة فَأسلم الْيَهُودِيّ وافتقد درعا وَهُوَ بصفين فَوَجَدَهَا عِنْد يَهُودِيّ فحاكمه فِيهَا إِلَى قاضيه شُرَيْح وَجلسَ بجنبه وَقَالَ لَوْلَا أَن خصمي يَهُودِيّ لاستويت مَعَه فِي الْمجْلس وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (لَا تسووا بَينهم فِي الْمجَالِس) وَفِي رِوَايَة (اصغروهم من حَيْثُ أَصْغَرهم الله) ثمَّ ادّعى بهَا فَأنْكر الْيَهُودِيّ فَطلب شُرَيْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 بَيِّنَة من عَليّ فَأتى بقنبر وَالْحسن فَقَالَ لَهُ شُرَيْح شَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ لَا تجوز فَقَالَ الْيَهُودِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ قدمني إِلَى قاضيه وقاضيه قضى عَلَيْهِ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن الدرْع درعك وَأخرج الْوَاقِدِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ مَعَ عَليّ أَرْبَعَة دَرَاهِم لَا يملك غَيرهَا فَتصدق بدرهم لَيْلًا وبدرهم نَهَارا وبدرهم سرا وبدرهم عَلَانيَة فَنزل فِيهِ الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف بِمَ وَلَا هم يَحْزَنُونَ الْبَقَرَة 274 وَقَالَ مُعَاوِيَة لِضِرَار بن حَمْزَة صف لي عليا فَقَالَ اعفني فَقَالَ أَقْسَمت عيلك بِاللَّه فَقَالَ كَانَ وَالله بعيد المدى شَدِيد القوى يَقُول فصلا وَيحكم عدلا يتفجر الْعلم من جوانبه وتنطق الْحِكْمَة من لِسَانه يستوحش من الدُّنْيَا وزهرتها ويأنس بِاللَّيْلِ ووحشته بِالنَّهَارِ وَكَانَ غزير الدمعة طَوِيل الفكرة يُعجبهُ من اللبَاس مَا قصر وَمن الطَّعَام مَا خشن وَكَانَ فِينَا كأحدنا يجيبنا إِذا سألناه ويأتينا إِذا دعوناه وَنحن وَالله مَعَ تقريبه إيانا وقربه منا لَا نكاد نكلمه هَيْبَة لَهُ يعظم أهل الدّين وَيقرب الْمَسَاكِين لَا يطْمع الْقوي فِي باطله وَلَا ييأس الضَّعِيف من عدله وَأشْهد لقدر رَأَيْته فِي بعض مواقفه وَقد أرْخى اللَّيْل سدوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَغَارَتْ نجومه قَابِضا على لحيته يتململ السَّلِيم أَي اللديغ ويبكي بكاء الحزين وَيَقُول يَا دنيا غري غَيْرِي أَلِي أَو إِلَيّ تشوفت هَيْهَات هَيْهَات قد باينتك ثَلَاثًا لَا رَجْعَة فِيهَا فعمرك قصير وخطرك قَلِيل آه آه من قلَّة الزَّاد وَبعد السّفر ووحشة الطَّرِيق فَبكى مُعَاوِيَة وَقَالَ رحم الله أَبَا الْحسن كَانَ وَالله كَذَلِك وَسبب مُفَارقَة أَخِيه عقيل لَهُ أَنه كَانَ يُعْطِيهِ كل يَوْم من الشّعير مَا يَكْفِي عِيَاله فاشتهى عَلَيْهِ أَوْلَاده مريسا فَصَارَ يوفر كل يَوْم شَيْئا قَلِيلا حَتَّى اجْتمع عِنْده مَا اشْترى بِهِ سمنا وَتَمْرًا وصنع لَهُم فدعوا عليا إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ وَقدم لَهُ ذَلِك سَأَلَ عَنهُ فقصوا عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ أَو كَانَ يكفيكم ذَاك بعد الَّذِي عزلتم مِنْهُ قَالُوا نعم فنقص عَنهُ مِمَّا كَانَ يُعْطِيهِ مِقْدَار مَا كَانَ يعْزل كل يَوْم وَقَالَ لَا يحل لي أَن أَزِيد من ذَلِك فَغَضب فحمى لَهُ حَدِيدَة وقربها من خَدّه وَهُوَ غافل فتأوه فَقَالَ تجزع من هَذِه وتعرضني لنار جَهَنَّم فَقَالَ لأذهبن إِلَى من يعطيني تبرا ويطعمني تَمرا فلحق بِمُعَاوِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وَقد قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا لَوْلَا علم بِأَنِّي خير لَهُ من أَخِيه مَا أَقَامَ عندنَا وَتَركه فَقَالَ لَهُ عقيل أخي خير لي فِي ديني وَأَنت خير لي فِي دنياي وَقد آثرت دنياي وأسأل الله خَاتِمَة خير وَأخرج ابْن عَسَاكِر أَن عقيلا سَأَلَ عليا فَقَالَ إِنِّي مُحْتَاج وَإِنِّي فَقير فَأعْطِنِي قَالَ اصبر حَتَّى يخرج عطاؤك مَعَ الْمُسلمين فأعطيك فألح عَلَيْهِ فَقَالَ لرجل خُذ بِيَدِهِ وَانْطَلق بِهِ إِلَى حوانيت أهل السُّوق فَقل لَهُ دق هَذِه الأقفال وَخذ مَا فِي الحوانيت قَالَ تُرِيدُ أَن تتخذني سَارِقا قَالَ وَأَنت تُرِيدُ أَن تتخذني سَارِقا أَن آخذ أَمْوَال الْمُسلمين فأعطيكما دونهم قَالَ لَآتِيَن مُعَاوِيَة قَالَ أَنْت قَالَ أَنْت وَذَاكَ فَأتى مُعَاوِيَة فَسَأَلَهُ فَأعْطَاهُ مئة ألف ثمَّ قَالَ اصْعَدْ على الْمِنْبَر فاذكر مَا أولاك بِهِ عَليّ وَمَا أوليتك فَصَعدَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي أخْبركُم إِنِّي أردْت عليا على دينه فَاخْتَارَ دينه وَإِنِّي أردْت مُعَاوِيَة على دينه فاختارني على دينه وَقَالَ مُعَاوِيَة لخَالِد بن معمر لم أَحْبَبْت عليا علينا قَالَ على ثَلَاث خِصَال على حلمه إِذا غضب وعَلى صدقه إِذا قَالَ وعَلى عدله إِذا حكم وَلما وصل إِلَيْهِ فَخر من مُعَاوِيَة قَالَ لغلامه اكْتُبْ إِلَيْهِ ثمَّ أمْلى عَلَيْهِ (مُحَمَّد النَّبِي أخي وصهري ... وَحَمْزَة سيد الشُّهَدَاء عمي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 (وجعفر الَّذِي يُمْسِي ويضحي ... يطير مَعَ الْمَلَائِكَة ابْن أُمِّي) (وَبنت مُحَمَّد سكني وعرسي ... مَنُوط لَحمهَا بدمي ولحمي) (وسبطا أَحْمد ابناي مِنْهَا ... فأيكمو لَهُ سهم كسهمي) (سبقتكم إِلَى الْإِسْلَام طرا ... غُلَاما مَا بلغت أَوَان حلمي) قَالَ الْبَيْهَقِيّ إِن هَذَا الشّعْر مِمَّا يجب على كل أحد متوان فِي عَليّ حفظه ليعلم مفاخره فِي الْإِسْلَام ومناقب عَليّ وفضائله أَكثر من أَن تحصى وَمن كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ (إِن نَحن فضلنَا عليا فإننا ... روافض بالتفضيل عِنْد ذَوي الْجَهْل) (وَفضل أبي بكر إِذا مَا ذكرته ... رميت بِنصب عِنْد ذكري للفضل) (فَلَا زلت ذَا رفض وَنصب كِلَاهُمَا ... بحبهما حَتَّى أُوَسَّد فِي الرمل) وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ (قَالُوا ترفضت قلت كلا ... مَا الرَّفْض ديني وَلَا اعتقادي) (لَكِن توليت غير شكّ ... خير إِمَام وَخير هادي) (إِن كَانَ حب الْوَلِيّ رفضا ... فإنني أرفض الْعباد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ (يَا رَاكِبًا قف بالمحصب من منى ... واهتف بساكن خيفها والناهض) (سحرًا إِذا فاض الحجيج إِلَى منى ... فيضا كملتطم الْفُرَات الفائض) (إِن كَانَ رفضا حب آل مُحَمَّد ... فليشهد الثَّقَلَان إِنِّي رَافِضِي) قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي فِي ذَلِك حِين نسبه الْخَوَارِج إِلَى الرَّفْض حسدا وبغيا وَله أَيْضا وَقد قَالَ لَهُ الْمُزنِيّ إِنَّك رجل توالي أهل الْبَيْت فَلَو عملت فِي هَذَا الْبَاب أبياتا فَقَالَ (وَمَا زَالَ كتما مِنْك حَتَّى كأنني ... برد جَوَاب السَّائِلين لأعجم) (وأكتم ودي مَعَ صفاء مودتى ... لتسلم من قَول الوشاة وَأسلم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 الْفَصْل الْخَامِس فِي وَفَاته رَضِي الله عَنهُ سَببهَا أَنه لما طَال النزاع بَينه وَبَين مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا انتدب ثَلَاثَة نفر من الْخَوَارِج عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي البرك وَعَمْرو التيميين فَاجْتمعُوا بِمَكَّة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقْتلن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عليا وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ ويريحوا الْعباد مِنْهُم فَقَالَ ابْن ملجم أَنا لكم بعلي وَقَالَ البرك أَنا لكم بِمُعَاوِيَة وَقَالَ عَمْرو أَنا لكم بِعَمْرو وتعاهدوا على أَن ذَلِك يكون لَيْلَة حادي عشر أَو لَيْلَة سَابِع عشر رَمَضَان ثمَّ توجه كل مِنْهُم إِلَى مصر صَاحبه فَقدم ابْن ملجم الْكُوفَة فلقي أَصْحَابه من الْخَوَارِج فكاتمهم مَا يُرِيد وَوَافَقَهُ مِنْهُم شبيب بن عجْرَة الْأَشْجَعِيّ وَغَيره فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ اسْتَيْقَظَ عَليّ سحرًا وَقَالَ لِابْنِهِ الْحسن رَأَيْت اللَّيْلَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله مَا لقِيت من أمتك خيرا فَقَالَ لي ادْع الله عَلَيْهِم فَقلت اللَّهُمَّ أبدلني بهم خيرا لي مِنْهُم وأبدلهم بِي شرا لَهُم مني وَأَقْبل عَلَيْهِ الأوز يصحن فِي وَجهه فطردوهن فَقَالَ دعوهن فَإِنَّهُنَّ نوائح وَدخل عَلَيْهِ الْمُؤَذّن فَقَالَ الصَّلَاة فَخرج عَليّ من الْبَاب يُنَادي أَيهَا النَّاس الصَّلَاة الصَّلَاة فَشد عَلَيْهِ شبيب فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَوَقع سَيْفه بِالْبَابِ وضربه ابْن ملجم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 بِسَيْفِهِ فَأصَاب جَبهته إِلَى قرنه وَوصل دماغه وهرب فشبيب دخل منزله فَدخل عَلَيْهِ رجل من بني أُميَّة فَقتله وَأما ابْن ملجم فَشد عَلَيْهِ النَّاس من كل جَانب فَلحقه رجل من هَمدَان فَطرح عَلَيْهِ قطيفة ثمَّ صرعه وَأخذ السَّيْف مِنْهُ وَجَاء بِهِ إِلَى عَليّ فَنظر إِلَيْهِ وَقَالَ النَّفس بِالنَّفسِ إِن أَنا مت فَاقْتُلُوهُ كَمَا قتلني وَإِن سلمت رَأَيْت فِيهِ رَأْيِي وَفِي رِوَايَة والجروح قصاص فَأمْسك وأوثق وَأقَام عَليّ الْجُمُعَة ولاسبت وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد وغسله الْحسن وَالْحُسَيْن وَعبد الله بن جَعْفَر وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة يصب المَاء وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَصلى عَلَيْهِ الْحسن وَكبر عَلَيْهِ سبعا وَدفن بدار الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ لَيْلًا أَو بالقرى مَوضِع يزار الْآن أَو بَين منزله وَالْجَامِع الْأَعْظَم أَقْوَال ثمَّ قطعت أَطْرَاف ابْن ملجم وَجعل فِي قوصرة وأحرقوه بالنَّار وَقيل بل أَمر الْحسن بِضَرْب عُنُقه ثمَّ حرقت جيفته أم الْهَيْثَم بنت الْأسود النخعية وَكَانَ عَليّ فِي شهر رَمَضَان الَّذِي قتل فِيهِ يفْطر لَيْلَة عِنْد الْحسن وَلَيْلَة عِنْد الْحُسَيْن وَلَيْلَة عِنْد عبد الله بن جَعْفَر وَلَا يزِيد على ثَلَاث لقم وَيَقُول أحب أَن ألْقى الله وَأَنا خميص فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِي صبيحتها أَكثر الْخُرُوج وَالنَّظَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 إِلَى السَّمَاء وَجعل يَقُول وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت وَإِنَّهَا اللَّيْلَة الَّتِي وعدت فَلَمَّا خرج وَقت السحر ضربه ابْن ملجم الضَّرْبَة الْمَوْعُود بهَا كَمَا قدمنَا فِي أَحَادِيث فضائله وَعمي قبر عَليّ لِئَلَّا ينبشه الْخَوَارِج وَقَالَ شريك نَقله ابْنه الْحسن إِلَى الْمَدِينَة وَأخرج ابْن عَسَاكِر أَنه لما قتل حملوه ليدفنوه مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَيْنَمَا هم فِي مَسِيرهمْ لَيْلًا إِذْ ند الْجمل الَّذِي عَلَيْهِ فَلم يدر أَيْن ذهب وَلم يقدر عَلَيْهِ فَلذَلِك يَقُول أهل الْعرَاق هُوَ فِي السَّحَاب وَقَالَ غَيره إِن الْبَعِير وَقع فِي بِلَاد طَيء فَأَخَذُوهُ ودفنوه وَكَانَ لعَلي حِين قتل ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَقيل أَربع وَسِتُّونَ وَقيل خمس وَسِتُّونَ وَقيل سبع وَخَمْسُونَ وَقيل ثَمَان وَخَمْسُونَ وَسُئِلَ وَهُوَ على الْمِنْبَر بِالْكُوفَةِ عَن قَوْله تَعَالَى رجال صدقُوا ماعاهدوا الله عَلَيْهِ فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر وَمَا بدلُوا تبديلا الْأَحْزَاب 23 فَقَالَ اللَّهُمَّ غفرا هَذِه الْآيَة نزلت فِي وَفِي عمي حَمْزَة وَفِي ابْن عمي عُبَيْدَة بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 الْحَرْث بن عبد الْمطلب فَأَما عُبَيْدَة فَقضى نحبه شَهِيدا يَوْم بدر وَحَمْزَة قضى نحبه شَهِيدا يَوْم أحد وَأما أَنا فأنتظر أشقاها يخضب هَذِه من هَذِه وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لحيته وراسه عهد عَهده إِلَيّ حَبِيبِي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما أُصِيب دَعَا الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ لَهما أوصيكما بتقوى الله وَلَا تبغيا الدُّنْيَا وَإِن بغتكما وَلَا تبكيا على شَيْء زوي مِنْهَا عنكما وقولا الْحق وارحما الْيَتِيم وَأَعْيُنًا الضَّعِيف واصنعا للآخرة وكونا للظالم خصما وللمظلوم أنصارا واعملا لله وَلَا تأخذكما فِي الله لومة لائم ثمَّ نظر إِلَى وَلَده مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ لَهُ هَل حفظت مَا أوصيت بِهِ أخويك قَالَ نعم فَقَالَ أوصيك بِمثلِهِ وأوصيك بتوقير أخويك لعظم حَقّهمَا عَلَيْك وَلَا توثق أمرا دونهمَا ثمَّ قَالَ أوصيكما بِهِ فَإِنَّهُ أخوكما وَابْن أبيكما وَقد علمتما أَن أَبَاكُمَا كَانَ يُحِبهُ ثمَّ لم ينْطق إِلَّا بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى أَن قبض كرم الله وَجهه وَرُوِيَ أَن عليا جَاءَهُ ابْن ملجم يستحمله فَحَمله ثمَّ قَالَ رَضِي الله عَنهُ (أُرِيد حَيَاته وَيُرِيد قَتْلِي ... عذيرك من خَلِيلك من مُرَاد) ثمَّ قَالَ هَذَا وَالله قاتلي فَقيل لَهُ أَلا تقتله فَقَالَ فَمن يقتلني وَفِي الْمُسْتَدْرك عَن السّديّ قَالَ كَانَ ابْن ملجم عشق امْرَأَة من الْخَوَارِج يُقَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 لَهَا قطام فنكحها وَأصْدقهَا ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وَقتل عَليّ وَفِي ذَلِك يَقُول الفرزدق (فَلم أر مهْرا سَاقه ذُو سماحة ... كمهر قطام بَينا غير مُعْجم) وَفِي رِوَايَة من فصيح وأعجم (ثَلَاثَة آلَاف وَعبد وقينة ... وَضرب عَليّ بالحسام المصمم) (فَلَا مهر أَعلَى من عَليّ وَإِن علا ... وَلَا فتك إِلَّا دون فتك ابْن ملجم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 الْبَاب الْعَاشِر فِي خلَافَة الْحسن وفضائله ومزاياه وكراماته وَفِيه فُصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 الْفَصْل الأول فِي خِلَافَته هُوَ آخر الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بِنَصّ جده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولي الْخلَافَة بعد قتل أَبِيه بمبايعة أهل الْكُوفَة فَأَقَامَ بهَا سِتَّة أشهر وأياما خَليفَة حق وَإِمَام عدل وَصدق تَحْقِيقا لما اخبر بِهِ جده الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله (الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة) فَإِن تِلْكَ السِّتَّة الْأَشْهر هِيَ المكملة لتِلْك الثَّلَاثِينَ فَكَانَت خِلَافَته مَنْصُوصا عَلَيْهَا وَقَامَ عَلَيْهَا إِجْمَاع من ذكر فَلَا مرية فِي حقيتها وَلذَا أناب مُعَاوِيَة عَنهُ وَأقر لَهُ مُعَاوِيَة بذلك كَمَا ستعلمه مِمَّا يَأْتِي قَرِيبا فِي خطبَته حَيْثُ قَالَ إِن مُعَاوِيَة نَازَعَنِي حَقًا وَهُوَ لي دونه وَفِي كتاب الصُّلْح وَالنُّزُول عَن الْخلَافَة لمعاوية وَبعد تِلْكَ الْأَشْهر السِّتَّة سَار إِلَى مُعَاوِيَة فِي أَرْبَعِينَ ألفا وَسَار إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ علم الْحسن أَنه لن يغلب أحد الفئتين حَتَّى يذهب أَكثر الْأُخْرَى فَكتب إِلَى مُعَاوِيَة بِخَبَر أَنه يصير الْأَمر إِلَيْهِ على ان تكون لَهُ الْخلَافَة من بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وعَلى أَن لَا يطْلب أحدا من أهل الْمَدِينَة والحجاز وَالْعراق بِشَيْء مِمَّا كَانَ أَيَّام أَبِيه وعَلى أَن يقْضِي عَنهُ دُيُونه فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَة إِلَى طلب إِلَّا عشرَة فَلم يزل يُرَاجع حَتَّى بعث إِلَيْهِ برق أَبيض وَقَالَ اكْتُبْ مَا شِئْت فِيهِ فَأَنا ألتزمه كَذَا فِي كتب السّير وَالَّذِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ اسْتقْبل الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بكتائب لَا أَمْثَال الْجبَال فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لمعاوية إِنِّي لأرى كتائب لَا تولي حَتَّى تقتل أقرانها فَقَالَ مُعَاوِيَة وَكَانَ وَالله خير الرجلَيْن أَي عَمْرو إِن قتل هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء هَؤُلَاءِ من لي بِأُمُور الْمُسلمين من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فَبعث إِلَيْهِ رجلَيْنِ من قُرَيْش من بني عبد شمس عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وعبد الرحمن بن عَامر فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرجل فاعرضا عَلَيْهِ وقولا لَهُ واطلبا إِلَيْهِ فدخلا عَلَيْهِ وتكلما وَقَالا لَهُ وطلبا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهما الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّا بَنو عبد الْمطلب قد أصبْنَا من هَذَا المَال وَإِن هَذِه الْأمة قد عامت فِي دمائها قَالَا لَهُ فَإِنَّهُ يعرض عَلَيْك كَذَا وَكَذَا وَيطْلب إِلَيْك ويسألك قَالَ من لي بِهَذَا قَالَا نَحن لَك بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئا إِلَّا قَالَا نَحن لَك بِهِ فَصَالحه انْتهى وَيُمكن الْجمع بِأَن مُعَاوِيَة أرسل إِلَيْهِ أَولا فَكتب الْحسن إِلَيْهِ يطْلب مَا ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وَلما تصالحا كتب بِهِ الْحسن كتابا لمعاوية صورته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَالحه على أَن يسلم إِلَيْهِ ولَايَة الْمُسلمين على أَن يعْمل فيهم بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيرة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين وَلَيْسَ لمعاوية بن أبي سُفْيَان أَن يعْهَد إِلَى أحد من بعده عهدا بل يكون الْأَمر من بعده شُورَى بَين الْمُسلمين وعَلى أَن النَّاس آمنون حَيْثُ كَانُوا من أَرض الله تَعَالَى فِي شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم وعَلى أَن أَصْحَاب عَليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادهمْ حَيْثُ كَانُوا وعَلى مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان بذلك عهد الله وميثاقه وَأَن لَا يَبْتَغِي لِلْحسنِ بن عَليّ وَلَا لِأَخِيهِ الْحُسَيْن وَلَا لأحد من أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غائلة سرا وَلَا جَهرا وَلَا يخيف أحدا مِنْهُم فِي أفق من الْآفَاق أشهد عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان بن فلَان وَكفى بِاللَّه شَهِيدا وَلما انبرم الصُّلْح التمس مُعَاوِيَة من الْحسن أَن يتَكَلَّم بِجمع من النَّاس وَيُعلمهُم أَنه قد بَايع مُعَاوِيَة وَسلم إِلَيْهِ الْأَمر فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن أَكيس الْكيس التقى وأحمق الْحمق الْفُجُور ... إِلَى أَن قَالَ وَقد علمْتُم أَن الله تَعَالَى جلّ ذكره وَعز اسْمه هدَاكُمْ بجدي وأنقذكم من الضَّلَالَة وخلصكم من الْجَهَالَة وأعزكم بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 بعد الذلة وكثركم بِهِ بعد الْقلَّة إِن مُعَاوِيَة نَازَعَنِي حَقًا هُوَ لي دونه فَنَظَرت إصْلَاح الْأمة وَقطع الْفِتْنَة وَقد كُنْتُم بايعتموني على أَن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني فَرَأَيْت أَن أسالم مُعَاوِيَة وأضع الْحَرْب بيني وَبَينه وَقد بايعته وَرَأَيْت أَن حقن الدِّمَاء خير من سفكها وَلم أرد بذلك إِلَّا صلاحكم وبقاءكم وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين وَمِمَّا شرح الله بِهِ صَدره فِي هَذَا الصُّلْح ظُهُور معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله فِي حق الْحسن (إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين) // رَوَاهُ البُخَارِيّ // وَأخرج الدولابي أَن الْحسن قَالَ إِن كَانَت جماجم الْعَرَب بيَدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حَارَبت فتركتها ابْتِغَاء وَجه الله وحقن دِمَاء الْمُسلمين وَكَانَ نُزُوله عَنْهَا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين فِي شهر ربيع الأول وَقيل الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وَقيل فِي جُمَادَى الأولى فَكَانَ أَصْحَابه يَقُولُونَ لَهُ يَا عَار الْمُؤمنِينَ فَيَقُول الْعَار خير من النَّار وَقَالَ رجل السَّلَام عَلَيْك يَا مذل الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لست بمذل الْمُؤمنِينَ وَلَكِنِّي كرهت أَن أقتلكم على الْملك ثمَّ ارتحل من الْكُوفَة إِلَى الْمَدِينَة وَأقَام بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رَضِي الله عَنهُ الحَدِيث الاول أخرج الشَّيْخَانِ عَن الْبَراء قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحسن على عَاتِقه وَهُوَ يَقُول (اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ) الحَدِيث الثَّانِي أخرج البُخَارِيّ عَن أبي بكرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وَالْحسن إِلَى جنبه ينظر إِلَى النَّاس مرّة وَإِلَيْهِ مرّة وَيَقُول (إِن ابْني هَذَا سيد وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين من الْمُسلمين) الحَدِيث الثَّالِث أخرج عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هما ريحانتاي من الدُّنْيَا) يَعْنِي الْحسن وَالْحُسَيْن الحَدِيث الرَّابِع أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة) الحَدِيث الْخَامِس أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحسن وَالْحُسَيْن على وركيه فَقَالَ (هَذَانِ ابناي وابنا ابْنَتي اللَّهُمَّ إِنِّي أحبهما وَأحب من يحبهما) الحَدِيث السَّادِس أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي أهل بَيْتك أحب إِلَيْك قَالَ (الْحسن وَالْحُسَيْن) الحَدِيث السَّابِع أخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد حمل الْحسن على رقبته فَلَقِيَهُ رجل الْمركب فَقَالَ نعم الركب ركبت يَا غُلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَنعم الرَّاكِب هُوَ) الحَدِيث الثَّامِن أخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن الزبير قَالَ أشبه أهل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وأحبهم إِلَيْهِ الْحسن رَأَيْته يَجِيء وَهُوَ ساجد فيركب رقبته أَو قَالَ ظَهره فَمَا ينزله حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي ينزل وَلَقَد رَأَيْته وَهُوَ رَاكِع فيفرج لَهُ بَين رجلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 حَتَّى يخرج من الْجَانِب الآخر الحَدِيث التَّاسِع أخرج ابْن سعد عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْفع لِسَانه لِلْحسنِ بن عَليّ فَإِذا رأى الصَّبِي حمرَة اللِّسَان يهش إِلَيْهِ الحَدِيث الْعَاشِر أخرج الْحَاكِم عَن زُهَيْر بن الْأَقْمَر قَالَ قَامَ الْحسن بن عَليّ يخْطب فَقَامَ رجل من أَزْد شنُوءَة فَقَالَ أشهد لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاضعه على حبوته وَهُوَ يَقُول (من أَحبَّنِي فليحبه وليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب) وَلَوْلَا كَرَامَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حدثت بِهِ أحدا الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي بكرَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِنَا فَيَجِيء الْحسن وَهُوَ ساجد وَهُوَ إِذْ ذَاك صَغِير فيجلس على ظَهره مرّة وَمرَّة على رقبته فيرفعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفعا رَفِيقًا فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك تصنع بِهَذَا الصَّبِي شَيْئا لَا تَصنعهُ بِأحد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن هَذَا وَإِن هَذَا رحانتي ابْني سيد وحسبي أَن يصلح الله تَعَالَى بِهِ بَين فئتين من الْمُسلمين) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه وَأحب من يُحِبهُ) يَعْنِي الْحسن وَفِي رِوَايَة (اللَّهُمَّ إِنِّي إحبه فَأَحبهُ وَأحب من يُحِبهُ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَمَا كَانَ أحد أحب إِلَيّ من الْحسن بعد أَن قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا عِنْد الْحَافِظ السلَفِي فَقَالَ مَا رَأَيْت الْحسن بن عَليّ قطّ إِلَّا فاضت عَيْنَايَ دموعا وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا وَأَنا فِي الْمَسْجِد فَأخذ بيَدي واتكأ عَليّ حَتَّى جِئْنَا سوق بني قينقاع فَنظر فِيهِ ثمَّ رَجَعَ حَتَّى جلس فِي الْمَسْجِد ثمَّ قَالَ ادْع ابْني قَالَ فَأتى الْحسن بن عَليّ يشْتَد حَتَّى وَقع فِي حجره فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفتح فَمه ثمَّ يدْخل فَمه فِي فَمه وَيَقُول (اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يُحِبهُ) ثَلَاث مَرَّات وروى أَحْمد (من أَحبَّنِي وَأحب هذَيْن يَعْنِي حسنا وَحسَيْنا وأباهما وأمهما كَانَ معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ (كَانَ معي فِي الْجنَّة وَقَالَ // حَدِيث غَرِيب // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 وَلَيْسَ المُرَاد بالمعية هُنَا الْمَعِيَّة من حَيْثُ الْمقَام بل من جِهَة رفع الْحجاب نَظِير مَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} النِّسَاء 69 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 الْفَصْل الثَّالِث فِي بعض مآثره كَانَ رَضِي الله عَنهُ سيدا كَرِيمًا حَلِيمًا زاهدا ذَا سكينَة ووقار وحشمة جوادا ممدوحا وَسَيَأْتِي بسط شَيْء من ذَلِك أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية أَنه قَالَ إِنِّي لأستحيي من رَبِّي أَن أَلْقَاهُ وَلم أمش إِلَى بَيته فَمشى عشْرين حجَّة وَأخرج الْحَاكِم عَن عبد الله بن عمر قَالَ لقد حج الْحسن خمْسا وَعشْرين حجَّة مَاشِيا وَإِن النجائب لتقاد بَين يَدَيْهِ وَأخرج أَبُو نعيم أَنه خرج من مَاله مرَّتَيْنِ وقاسم الله تَعَالَى مَاله ثَلَاث مَرَّات حَتَّى أَنه كَانَ ليعطي نعلا ويمسك نعلا وَيُعْطِي خفا ويمسك خفا وَسمع رجلا يسْأَل ربه عز وَجل عشرَة آلَاف دِرْهَم فَبعث بهَا إِلَيْهِ وجاءه رجل يشكو إِلَيْهِ حَاله وَفَقره وَقلة ذَات يَده بعد أَن كَانَ مثريا فَقَالَ يَا هَذَا حق سؤالك يعظم لدي معرفتي بِمَا يجب لَك وَيكبر عَليّ ويدي تعجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 عَن نيلك مَا أَنْت أَهله وَالْكثير فِي ذَات الله قَلِيل وَمَا فِي ملكي وَفَاء لشكرك فَإِن قبلت الميسور وَرفعت عني مُؤنَة الاحتفال والاهتمام لما أتكلفه فعلت فَقَالَ يَا ابْن بنت رَسُول الله أقبل الْقَلِيل وأشكر الْعَطِيَّة وأعذر على الْمَنْع فأحضر الْحسن وَكيله وحاسبه وَقَالَ هَات الْفَاضِل فأحضر خمسين ألف دِرْهَم وَقَالَ مَا فعلت فِي الْخَمْسمِائَةِ دِينَار الَّتِي مَعَك قَالَ هِيَ عِنْدِي قَالَ أحضرها فأحضرها فَدَفعهَا وَالْخمسين ألفا إِلَى الرجل وَاعْتذر مِنْهُ وأضافته هُوَ وَالْحُسَيْن وَعبد الله بن جَعْفَر عَجُوز فَأَعْطَاهَا ألف دِينَار وَألف شَاة وَأَعْطَاهَا الْحُسَيْن مثل ذَلِك وَأَعْطَاهَا عبد الله بن جَعْفَر مثلهمَا ألفي شَاة وَألْفي دِينَار وَأخرج الْبَزَّار وَغَيره عَنهُ أَنه لما اسْتخْلف بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ وثب عَلَيْهِ رجل فطعنه بخنجر وَهُوَ ساجد ثمَّ خطب النَّاس فَقَالَ يَا أهل الْعرَاق اتَّقوا الله فِينَا فَإنَّا أمراؤكم وضيفانكم وَنحن أهل الْبَيْت الَّذين قَالَ الله فيهم {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 23 فَمَا زَالَ يَقُولهَا حَتَّى مَا بَقِي أحد فِي الْمَسْجِد إِلَّا وَهُوَ يبكي وَأخرج ابْن سعد عَن عُمَيْر بن إِسْحَاق أَنه لم يسمع مِنْهُ كلمة فحش إِلَّا مرّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 كَانَ بَينه وَبَين عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان خُصُومَة فِي أَرض فَقَالَ لَيْسَ لَهُ عندنَا إِلَّا مَا أرْغم أَنفه قَالَ فَهَذِهِ أَشد كلمة فحش سَمعتهَا مِنْهُ وَأرْسل إِلَيْهِ مَرْوَان يسبه وَكَانَ عَاملا على الْمَدِينَة ويسب عليا كل جُمُعَة على الْمِنْبَر فَقَالَ الْحسن لرَسُوله ارْجع إِلَيْهِ فَقل لَهُ إِنِّي وَالله لَا أمحو عَنْك شَيْئا مِمَّا قلت بِأَن اسبك وَلَكِن موعدي وموعدك الله فَإِن كنت صَادِقا فجزاك الله خيرا بصدقك وَإِن كنت كَاذِبًا فَالله أَشد نقمة وَأَغْلظ عَلَيْهِ مَرْوَان مرّة وَهُوَ سَاكِت ثمَّ امتخط بِيَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ الْحسن وَيحك أما علمت أَن الْيَمين للْوَجْه وَالشمَال لِلْفَرجِ أُفٍّ لَك فَسكت مَرْوَان وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ مطلاقا للنِّسَاء وَكَانَ لَا يُفَارق امْرَأَة إِلَّا وَهِي تحبه وَأحْصن تسعين امْرَأَة وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ أَنه قَالَ يَا أهل الْكُوفَة لَا تزوجوا الْحسن فَإِنَّهُ رجل مطلاق فَقَالَ رجل من هَمدَان لنزوجنه فَمَا رَضِي أمسك وَمَا كره طلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَلما مَاتَ بَكَى مَرْوَان فِي جنَازَته فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن أتبكيه وَقد كنت تجرعه مَا تجرعه فَقَالَ إِنِّي كنت أفعل ذَلِك إِلَى أحلم من هَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَبَل وَأخرج ابْن عَسَاكِر أَنه قيل لَهُ إِن أَبَا ذَر يَقُول الْفقر أحب إِلَيّ من الْغنى والسقم أحب إِلَى من الصِّحَّة إِلَيّ فَقَالَ رحم الله أَبَا ذَر أما أَنا فَأَقُول من اتكل إِلَى حسن اخْتِيَار الله لم يتمن أَنه فِي غير الْحَالة الَّتِي اخْتَار الله لَهُ وَكَانَ عطاؤه كل سنة مائَة ألف فحبسها عَنهُ مُعَاوِيَة فِي بعض السنين فَحصل لَهُ إِضَافَة شَدِيدَة قَالَ فدعوت بداوة لأكتب إِلَى مُعَاوِيَة لأذكره نَفسِي ثمَّ أَمْسَكت فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ كَيفَ أَنْت يَا حسن فَقلت بِخَير يَا ابت وشكوت إِلَيْهِ تَأَخّر المَال عني فَقَالَ أدعوت بِدَوَاةٍ لتكتب إِلَى مَخْلُوق مثلك تذكره ذَلِك قلت نعم يَا رَسُول الله فَكيف أصنع فَقَالَ قل اللَّهُمَّ اقذف فِي قلبِي رجاءك واقطع رجائي عَمَّن سواك حَتَّى لَا أَرْجُو أحدا غَيْرك اللَّهُمَّ وَمَا ضعفت عَنهُ قوتي وَقصر عَنهُ عَمَلي وَلم تَنْتَهِ إِلَيْهِ رغبتي وَلم تبلغه مَسْأَلَتي وَلم يجر على لساني مِمَّا أَعْطَيْت أحدا من الْأَوَّلين والآخرين من الْيَقِين فخصني بِهِ يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ فوَاللَّه مَا ألححت فِيهِ أسبوعا حَتَّى بعث إِلَيّ مُعَاوِيَة بِأَلف ألف وَخَمْسمِائة ألف فَقلت الْحَمد لله الَّذِي لَا ينسى من ذكره وَلَا يخيب من دَعَاهُ فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ (يَا حسن كَيفَ أَنْت) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 فَقلت بِخَير يَا رَسُول الله وحدثته بحديثي فَقَالَ (يَا بني هَكَذَا من رجا الْخَالِق وَلم يرج الْمَخْلُوق) وَلما احْتضرَ قَالَ لِأَخِيهِ يَا أخي إِن أَبَاك قد استشرف لهَذَا الْأَمر فَصَرفهُ الله عَنهُ ووليها أَبُو بكر ثمَّ استشرف لَهَا وصرفت عَنهُ إِلَى عمر ثمَّ لم يشك وَقت الشورى أَنَّهَا لَا تعدوه فصرفت عَنهُ إِلَى عُثْمَان فَلَمَّا قتل عُثْمَان بُويِعَ ثمَّ نوزع حَتَّى جرد السَّيْف فَمَا صفت لَهُ وَإِنِّي وَالله مَا أرى أَن يجمع الله فِينَا النُّبُوَّة والخلافة فَلَا أَعرفن بِمَا استخفك سُفَهَاء الْكُوفَة فأخرجوك وَقد كنت طلبت إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن أدفن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت نعم فَإِذا مت فأطلب ذَلِك إِلَيْهَا وَمَا أَظن الْقَوْم إِلَّا سيمنعونك فَإِن فعلوا فَلَا تراجعهم فَلَمَّا مَاتَ أَتَى الْحُسَيْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت نعم وكرامة فَمَنعهُمْ مَرْوَان فَلبس الْحُسَيْن وَمن مَعَه السِّلَاح حَتَّى رده أَبُو هُرَيْرَة ثمَّ دفن بِالبَقِيعِ إِلَى جنب أمه رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ سَبَب مَوته أَن زَوجته جعدة بنت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ دس إِلَيْهَا يزِيد أَن تسمه ويتزوجها وبذل لَهَا مائَة ألف دِرْهَم فَفعلت فَمَرض أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمَّا مَاتَ بعثت إِلَى يزِيد تسأله الْوَفَاء بِمَا وعدها فَقَالَ لَهَا إِنَّا لم نرضك لِلْحسنِ فنرضاك لأنفسنا وبموته مسموما شَهِيدا جزم غير وَاحِد من الْمُتَقَدِّمين كقتادة وَأبي بكر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 حَفْص والمتأخرين كالزبن الْعِرَاقِيّ فِي مُقَدّمَة شرح التَّقْرِيب وَكَانَت وَفَاته سنة بسع وَأَرْبَعين أَو خمسين أَو إِحْدَى وَخمسين أَقْوَال وَالْأَكْثَرُونَ على الثَّانِي كَمَا قَالَه جمَاعَة وَغلط الْوَاقِدِيّ مَا عدا الأول سِيمَا من قَالَ سنة سِتّ وَخمسين وَمن قَالَ سنة تسع وَخمسين وَجهد بِهِ أَخُوهُ أَن يُخبرهُ بِمن سقَاهُ فَلم يُخبرهُ وَقَالَ الله أَشد نقمة إِن كَانَ الَّذِي أَظن وَإِلَّا فَلَا يقتل بِي وَالله برىء وَفِي رِوَايَة يَا أخي قد حضرت وفاتي ودنا فراقي لَك وَإِنِّي لَاحق بربي وَأَجد كَبِدِي تقطع وَإِنِّي لعارف من أَيْن دهيت فَأَنا أخاصمه إِلَى الله تَعَالَى فبحقي عَلَيْك لَا تَكَلَّمت فِي ذَلِك بِشَيْء فأذا أذا قضيت نحبي فقمصني وغسلني وكفني واحملني على سَرِيرِي إِلَى قبر جدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجدد بِهِ عهدا ثمَّ ردني إِلَى قبر جدتي فَاطِمَة بنت أَسد فَاطِمَة بنت أَسد فادفني هُنَاكَ وَأقسم عَلَيْك بِاللَّه أَن لَا تريق فِي أَمْرِي محجمة دم وَفِي رِوَايَة إِنِّي يَا أخي سقيت السم ثَلَاث مَرَّات لم أسقه مثل هَذِه الْمرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 فَقَالَ من سقاك قَالَ مَا سؤالك عَن هَذَا تُرِيدُ أَن تقَاتلهمْ أكل أَمرهم إِلَى الله أخرجه ابْن عبد الْبر وَفِي أُخْرَى لقد سقيت السم مرَارًا مَا سقيته مثل هَذِه الْمرة وَلَقَد لفظت طَائِفَة من كَبِدِي فرأيتني أقلبها بِعُود فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن أَي أخي من سقاك قَالَ وَمَا تُرِيدُ إِلَيْهِ أَتُرِيدُ أَن تقتله قَالَ نعم قَالَ لَئِن كَانَ الَّذِي أَظن فَالله أَشد نقمة وَإِن كَانَ غَيره فَلَا يقتل بِي بَرِيء وَرَأى كَأَن مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ {قل هُوَ الله أحد} فَاسْتَبْشَرَ بِهِ هُوَ وَأهل بَيته فقصوها على ابْن الْمسيب فَقَالَ إِن صدقت رُؤْيَاهُ فَقل مَا بَقِي من أَجله فَمَا بَقِي إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ سعيد بن الْعَاصِ لِأَنَّهُ كَانَ واليا على الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة وَدفن عِنْد جدته بنت أَسد بقبته الْمَشْهُورَة وعمره سبع وَأَرْبَعُونَ سنة كَانَ مِنْهَا مَعَ ريسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع سِنِين ثمَّ مَعَ أَبِيه ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ خَليفَة سِتَّة أشهر ثمَّ تسع سِنِين وَنصف سنة بِالْمَدِينَةِ رَضِي الله عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 الْبَاب الْحَادِي عشر فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ وَفِيه فُصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 ولنقدم على ذَلِك أَصله وَهُوَ تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة من عَليّ كرم الله وجههما وَذَلِكَ أَوَاخِر السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة على الْأَصَح وَكَانَ سنّهَا خمس عشرَة سنة وَنَحْو نصف سنة وَسنة إِحْدَى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَلم يتَزَوَّج عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَت وأراده فَمَنعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خوفًا عَلَيْهَا لشدَّة غيرتها عَن أنس كَمَا عِنْد ابْن أبي حَاتِم وَلأَحْمَد نَحوه قَالَ جَاءَ أَبُو بكر وَعمر يخطبان فَاطِمَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسكت وَلم يرجع إِلَيْهِمَا شَيْئا فَانْطَلقَا إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه يأمرانه بِطَلَب ذَلِك قَالَ عَليّ فنبهاني لأمر فَقُمْت أجر رِدَائي حَتَّى أتيت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت تزَوجنِي فَاطِمَة قَالَ وعندك شَيْء قلت فرسي وبدني فَقَالَ أما فرسك فَلَا بدلك مِنْهَا وَأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وَثَمَانِينَ فَجِئْته بهَا فوضعها فِي حجره فَقبض مِنْهَا قَبْضَة فَقَالَ أَي بِلَال ابتع لنا بهَا طيبا وَأمرهمْ أَن يجهزوها فَجعل لَهَا سَرِير مَشْرُوط ووسادة من أَدَم حشوها لِيف وَقَالَ لعَلي إِذا أتتك فَلَا تحدث شَيْئا حَتَّى آتِيك فَجَاءَت مَعَ أم أَيمن فَقَعَدت فِي جَانب الْبَيْت وَأَنا فِي جَانب وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَهُنَا أخي فَقَالَت أم أَيمن أَخُوك وَقد زَوجته ابْنَتك قَالَ نعم وَدخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لفاطمة ائْتِينِي بِمَاء فَقَامَتْ إِلَى قَعْب فِي الْبَيْت فَأَتَت فِيهِ بِمَاء فَأَخذه وَمَج فِيهِ ثمَّ قَالَ لَهَا تقدمي فتقدمت فنضح بَين ثدييها وعَلى رَأسهَا وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثمَّ قَالَ لَهَا أدبري فأدبرت فصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 بَين كتفيها ثمَّ فعل مثل ذَلِك بعلي ثمَّ قَالَ ادخل بأهلك بِسم الله وَالْبركَة وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَن أنس أَيْضا عِنْد أبي الْخَيْر الْقزْوِينِي الحاكمي خطبهَا عَليّ بعد أَن خطبهَا أَبُو بكر ثمَّ عمر رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ قد أَمرنِي رَبِّي بذلك قَالَ أنس ثمَّ دَعَاني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَيَّام فَقَالَ ادْع أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن وعدة من الْأَنْصَار فَلَمَّا اجْتَمعُوا وَأخذُوا مجَالِسهمْ وَكَانَ عَليّ غَائِبا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عَذَابه وسطوته النَّافِذ أمره فِي سمائه وأرضه الَّذِي خلق الْخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بِدِينِهِ وَأكْرمهمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك اسْمه وتعالت عَظمته جعل الْمُصَاهَرَة سَببا لاحقا وأمرا مفترضا أوشج بِهِ الْأَرْحَام أَي ألف بَينهَا وَجعلهَا مختلطة مشتبكة وألزمها الْأَنَام فَقَالَ عز من قَائِل {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا وَكَانَ رَبك قَدِيرًا} الْفرْقَان 54 فَأمر الله تَعَالَى يجْرِي إِلَى قَضَائِهِ وقضاؤه يجْرِي إِلَى قدره وَلكُل قَضَاء قدر وَلكُل قدر أجل وَلكُل أجل كتاب يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب الرَّعْد 39 ثمَّ إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ بن أبي طَالب فَاشْهَدُوا أَنِّي قد زَوجته على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رَضِي بذلك عَليّ) ثمَّ دَعَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطبق من بسر ثمَّ قَالَ انتهبوا فانتهبنا وَدخل عَليّ فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجهه ثمَّ قَالَ (إِن الله عز وَجل أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة أرضيت بذلك) قَالَ قد رضيت بذلك يَا رَسُول الله فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (جمع الله شملكما وأعز جدكما وَبَارك عَلَيْكُمَا وَأخرج مِنْكُمَا كثيرا طيبا) قَالَ أنس فوَاللَّه لقد أخرج الله مِنْهُمَا الْكثير الطّيب تَنْبِيه ظَاهر هَذِه الْقِصَّة لَا يُوَافق مَذْهَبنَا من اشْتِرَاط الْإِيجَاب وَالْقَبُول فَوْرًا بِلَفْظ التَّزْوِيج أَو النِّكَاح دون نَحْو رضيت وَاشْتِرَاط عدم التَّعْلِيق لَكِنَّهَا وَاقعَة حَال مُحْتَملَة أَن عليا قبل فَوْرًا لما بلغه الْخَبَر وَعِنْدنَا أَن من زوج غَائِبا بِإِيجَاب صَحِيح كَمَا هُنَا فَبَلغهُ الْخَبَر فَقَالَ فَوْرًا قبلت تَزْوِيجهَا أَو قبلت نِكَاحهَا صَحَّ وَقَوله إِن رَضِي بذلك لَيْسَ تَعْلِيقا حَقِيقِيًّا لِأَن الْأَمر مَنُوط بِرِضا الزَّوْج وَإِن لم يذكر فَذكره تَصْرِيح بالواقع وَوَقع لبَعض الشَّافِعِيَّة مِمَّن لم يتقن الْفِقْه هُنَا كَلَام غير ملائم فليجتنب تَنْبِيه آخر أَشَارَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان إِلَى أَن هَذِه الرِّوَايَة كذب فَقَالَ فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن دِينَار رَاوِي الحَدِيث أَتَى بِحَدِيث كذب وَلَا نَدْرِي من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 هُوَ انْتهى قَالَ شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر فِي لِسَان الْمِيزَان وَالْخَبَر الْمَذْكُور أسْندهُ عَن أنس قَالَ بَينا أَنا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ غشيه الْوَحْي فَلَمَّا سري عَنهُ قَالَ (إِن رَبِّي أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ فَانْطَلق فَادع أَبَا بكر وَعمر) وسمى جمَاعَة من الْمُهَاجِرين وبعددهم من الْأَنْصَار فَلَمَّا أخذُوا مجَالِسهمْ خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته) فَذكر الْخطْبَة وَالْعقد وَقدر الصَدَاق وَذكر الْبشر وَالدُّعَاء أخرجه ابْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمته عَن أبي الْقَاسِم النسيب بِسَنَد لَهُ إِلَى مُحَمَّد بن نَهَار بن أبي المحياة عَن عبد الْملك بن خِيَار ابْن عَم يحيى بن معِين عَن مُحَمَّد هَذَا عَن هشيم عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن عَن أنس قَالَ ابْن عَسَاكِر غَرِيب ثمَّ نقل عَن مُحَمَّد بن طَاهِر أَنه ذكره فِي تَكْمِلَة الْكَامِل والراوي فِيهِ جَهَالَة انْتهى وَبِه يعلم أَن إِطْلَاق الذَّهَبِيّ كَونه كذبا فِيهِ نظر وَإِنَّمَا هُوَ غَرِيب فِي سَنَده مَجْهُول وَسَيَأْتِي فِي الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة بسط يتَعَلَّق بذلك وَفِيه عَن النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح مَا يرد على الذَّهَبِيّ وَيبين أَن للقصة أصلا أصيلا فَلْيَكُن مِنْك على ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 الْفَصْل الأول فِي الْآيَات الْوَارِدَة فيهم الْآيَة الأولى قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 33 أَكثر الْمُفَسّرين على أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن لتذكير ضمير عَنْكُم وَمَا بعده وَقيل نزلت فِي نِسَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْله {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن} الْأَحْزَاب 34 وَنسب لِابْنِ عَبَّاس وَمن ثمَّ كَانَ مَوْلَاهُ عِكْرِمَة يُنَادي بِهِ فِي السُّوق وَقيل المُرَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده وَقَالَ آخَرُونَ نزلت فِي نِسَائِهِ لأَنهم فِي بَيت سكناهُ وَلقَوْله تَعَالَى {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن} وَأهل بَيته نِسْبَة وهم من تحرم الصَّدَقَة عَلَيْهِم وَاعْتَمدهُ جمع ورجحوه وأيده ابْن كثير بأنهن سَبَب النُّزُول وَهُوَ دَاخل قطعا إِمَّا وَحده على قَوْله أَو مَعَ غَيره على الْأَصَح وَورد فِي ذَلِك أَحَادِيث مِنْهَا مَا يصلح متمسكا للْأولِ وَمِنْهَا مَا يصلح متمسكا للْآخر وَهُوَ أَكْثَرهَا فَلِذَا كَانَ هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا تقرر ولنذكر من تِلْكَ الْأَحَادِيث جملَة فَنَقُول أخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 الْخُدْرِيّ أَنَّهَا نزلت فِي خَمْسَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأخرجه ابْن جرير مَرْفُوعا بِلَفْظ (أنزلت هَذِه الْآيَة فِي خَمْسَة فِي وَفِي عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة) وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَلمُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدخل أُولَئِكَ تَحت كسَاء عَلَيْهِ وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل على هَؤُلَاءِ كسَاء وَقَالَ (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وحامتي أَي خاصتي أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا) فَقَالَت أم سَلمَة وَأَنا مَعَهم قَالَ (إِنَّك على خير) وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ بعد تَطْهِيرا (أَنا حَرْب لمن حاربهم وَسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم) وَفِي أُخْرَى ألْقى عَلَيْهِم كسَاء وَوضع يَده عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إِن هَؤُلَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 آل مُحَمَّد فَاجْعَلْ صلواتك وبركاتك على آل مُحَمَّد إِنَّك حميد مجيد) وَفِي أُخْرَى أَن الْآيَة نزلت بِبَيْت أم سَلمَة فَأرْسل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم وجللهم بكساء ثمَّ قَالَ نَحْو مَا مر وَفِي أُخْرَى أَنهم جَاءُوا واجتمعوا فَنزلت فَإِن صحتا حمل على نُزُولهَا مرَّتَيْنِ وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَ (اللَّهُمَّ أَهلِي اذْهَبْ عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا) ثَلَاثًا وَأَن أم سَلمَة قَالَت لَهُ أَلَسْت من أهلك قَالَ بلَى وَأَنه أدخلها فِي الكساء بَعْدَمَا قضى دعاءه لَهُم وَفِي أُخْرَى أَنه لما جمعهم ودعا لَهُم بأطول مِمَّا مر قَالَ وَاثِلَة وَعلي يَا رَسُول الله فَقَالَ (اللَّهُمَّ وعَلى وَاثِلَة) وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة قَالَ وَاثِلَة وَأَنا من أهلك قَالَ وَأَنت من أَهلِي قَالَ وَاثِلَة إِنَّهَا لمن أَرْجَى مَا أَرْجُو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَكَأَنَّهُ جعله فِي حكم الْأَهْل تَشْبِيها بِمن يسْتَحق هَذَا الِاسْم لَا تَحْقِيقا وَأَشَارَ الْمُحب الطبرى إِلَى أَن هَذَا الْفِعْل تكَرر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت أم سَلمَة وَبَيت فَاطِمَة وَغَيرهمَا وَبِه جمع بَين اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِي هَيْئَة اجْتِمَاعهم وَمَا جللهم بِهِ وَمَا دَعَا بِهِ لَهُم وَمَا أجَاب بِهِ وَاثِلَة وَأم سَلمَة وَيُؤَيّد ذَلِك رِوَايَة أَنه قَالَ نَحْو ذَلِك لهَؤُلَاء وهم فِي بَيت فَاطِمَة وَفِي رِوَايَة أَنه ضم إِلَى هَؤُلَاءِ بَقِيَّة بَنَاته وأقاربه وأزواجه وَصَحَّ عَن أم سَلمَة فَقلت يَا رَسُول الله أما أَنا من أهل بَيْتك فَقَالَ بلَى إِن شَاءَ الله وَذهب الثَّعْلَبِيّ إِلَى أَن المُرَاد من أهل الْبَيْت فِي الْآيَة جَمِيع بني هَاشم وَيُؤَيِّدهُ الحَدِيث الْحسن أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَمَل على الْعَبَّاس وبنيه بملاءة ثمَّ قَالَ (يَا رب هَذَا عمي وصنو أبي وَهَؤُلَاء أهل بَيْتِي فاسترهم من الناسر كستري إيَّاهُم بملاءتي هَذِه) فأمنت أُسْكُفَّة الْبَاب وحوائط الْبَيْت فَقَالَت آمين ثَلَاثًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 وَفِي رِوَايَة فِيهَا من وَثَّقَهُ ابْن معِين وَضَعفه غَيره ثمَّ جعل الْقَبَائِل بُيُوتًا فجعلني فِي خَيرهمْ بَيْتا وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 33 وَالْحَاصِل أَن أهل بَيت السُّكْنَى داخلون فِي الْآيَة لأَنهم المخاطبون بهَا وَلما كَانَ أهل بَيت النّسَب تخفى إرادتهم مِنْهَا بَين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا فعله مَعَ من مر أَن المُرَاد من أهل الْبَيْت هُنَا مَا يعم أهل بَيت سكناهُ كأزواجه وَأهل بَيت نسبه وهم جَمِيع بني هَاشم وَالْمطلب وَقد ورد عَن الْحسن من طرق بَعْضهَا سَنَده حسن وَأَنا من أهل الْبَيْت الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا فبيت النّسَب مُرَاد فِي الْآيَة كبيت السُّكْنَى وَمن ثمَّ أخرج مُسلم عَن زيد ابْن أَرقم أَنه لما سُئِلَ أنساؤه من أهل بَيته فَقَالَ نساؤه من أهل بَيته وَلَكِن أهل بَيته من حرم الله الصَّدَقَة عَلَيْهِم فَأَشَارَ إِلَى أَن نِسَاءَهُ من أهل بَيت سكناهُ الَّذين امتازوا بكرامات وخصوصيات أَيْضا لَا من أهل بَيت نسبه وَإِنَّمَا أُولَئِكَ من حرمت عَلَيْهِم الصَّدَقَة ثمَّ هَذِه الْآيَة منبع فَضَائِل أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ لاشتمالها على غرر من مآثرهم والاعتناء بشأنهم حَيْثُ ابتدئت بإنما المفيدة لحصر إِرَادَته تَعَالَى فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 أَمرهم على إذهاب الرجس الَّذِي هُوَ الْإِثْم أَو الشَّك فِيمَا يجب الْإِيمَان بِهِ عَنهُ وتطهيرهم من سَائِر الْأَخْلَاق وَالْأَحْوَال المذمومة وَسَيَأْتِي فِي بعض الطّرق تحريمهم على النَّار وَهُوَ فَائِدَة ذَلِك التَّطْهِير وغايته إِذْ مِنْهُ إلهام الْإِنَابَة إِلَى الله تَعَالَى وإدامة الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَمن ثمَّ لما ذهبت عَنْهُم الْخلَافَة الظَّاهِرَة لكَونهَا صَارَت ملكا وَلذَا لم تتمّ لِلْحسنِ عوضوا عَنْهَا بالخلافة الْبَاطِنَة حَتَّى ذهب قوم إِلَى ان قطب الْأَوْلِيَاء فِي كل زمن لَا يكون إِلَّا مِنْهُم وَمِمَّنْ قَالَ يكون من غَيرهم الْأُسْتَاذ أَبُو الْعَبَّاس المرسي كَمَا نَقله عَنهُ تِلْمِيذه التَّاج ابْن عَطاء الله وَمن تطهيرهم تَحْرِيم صَدَقَة الْفَرْض بل وَالنَّفْل على قَول لمَالِك عَلَيْهِم لِأَنَّهَا أوساخ النَّاس مَعَ كَونهَا تنبىء عَن ذل الْآخِذ وَعز الْمَأْخُوذ مِنْهُ وعوضوا عَنْهَا خمس خمس الْفَيْء وَالْغنيمَة المنبىء عَن عز الْآخِذ وذل الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَمن ثمَّ كَانَ الْمُعْتَمد دُخُول أهل بَيت النّسَب فِي الْآيَة وَلذَا اختصوا بمشاركته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَحْرِيم صَدَقَة الْفَرْض وَالزَّكَاة وَالنّذر وَالْكَفَّارَة وَغَيرهَا وَخَالف بعض الْمُتَأَخِّرين فبحث أَن النّذر كالنفل وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وامتاز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحرْمَة النَّفْل وَإِن كَانَ على جِهَة عَامَّة أَو غير مُتَقَوّم على الْأَصَح وَاخْتَارَ الْمَاوَرْدِيّ حل صلَاته فِي الْمَسَاجِد وشربه من سِقَايَة زَمْزَم وبئر رومة وَاسْتدلَّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لحل النَّفْل لَهُم بقول الباقر لما عوتب فِي شربه من سقايات بَين مَكَّة وَالْمَدينَة إِنَّمَا حرم علينا الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة وَوَجهه أَن مثله لَا يُقَال من قبل الرَّأْي لتَعَلُّقه بالخصائص فَيكون مُرْسلا لِأَن الباقر تَابِعِيّ جليل وَقد اعتضد مرسله بقول أَكثر أهل الْعلم وَتَحْرِيم ذَلِك يعم بني هَاشم وَالْمطلب مواليهم قيل وأزواجه وَهُوَ ضَعِيف وَإِن حكى ابْن عبد الْبر الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَلُزُوم نفقتهن بعد الْمَوْت لَا يحرم الْأَخْذ إِلَّا من جِهَة الْفقر والمسكنة بِخِلَافِهِ بِجِهَة أُخْرَى كَدين أَو سفر كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْفِقْه وَفِي خبر أَنَّهَا تحل لبَعض بني هَاشم من بعض لكنه ضَعِيف مُرْسل فَلَا حجَّة فِيهِ وشربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سِقَايَة زَمْزَم وَاقعَة حَال تحْتَمل أَن المَاء الَّذِي فِيهَا من نَزعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو نزع مأذونه فَلم يتَحَقَّق أَنه من صَدَقَة الْعَبَّاس وَحِكْمَة ختم الْآيَة بتطهير الْمُبَالغَة فِي وصولهم لأعلاه وَفِي رفع التَّجَوُّز عَنهُ ثمَّ تنويه تَنْوِين التَّعْظِيم والتكثير والإعجاز الْمُفِيد إِلَى أَنه لَيْسَ من جنس مَا يتعارف ويؤلف ثمَّ أكد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك كُله بتكرير طلب مَا فِي الْآيَة لَهُم بقوله (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي) إِلَى آخر مَا مر وبإدخاله نَفسه مَعَهم فِي الْعد لتعود عَلَيْهِم بركَة اندراجهم فِي سلكه بل فِي رِوَايَة أَنه اندرج مَعَهم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل إِشَارَة إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 عَليّ قدرهم وأكده أَيْضا بِطَلَب الصَّلَاة عَلَيْهِم بقوله (فَاجْعَلْ صَلَاتك) إِلَى آخر مَا مر وأكده أَيْضا بقوله (أَنا حَرْب لمن حاربهم) إِلَى آخر مَا مر أَيْضا وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ بعد ذَلِك (أَلا من آذَى قَرَابَتي فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله تَعَالَى) وَفِي أُخْرَى (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن عبد بِي حَتَّى يحبني وَلَا يحبني يحب ذَوي قَرَابَتي فأقامهم مقَام نَفسه وَمن ثمَّ صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا كتاب الله وعترتي) وألحقوا بِهِ أَيْضا فِي قصَّة المباهلة فِي آيَة {قل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} آل عمرَان 61 الْآيَة فغدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحْتَضِنًا الْحسن آخِذا بيد الْحُسَيْن وَفَاطِمَة تمشي خَلفه وَعلي خلفهَا وَهَؤُلَاء هم أهل الكساء فهم المُرَاد فِي آيَة المباهلة كَمَا أَنهم من جملَة المُرَاد بِآيَة {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} فَالْمُرَاد بِأَهْل الْبَيْت فِيهَا وَفِي كل مَا جَاءَ فِي فَضلهمْ أَو فضل الْآل أَو ذَوي الْقُرْبَى جَمِيع آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم مؤمنو بني هَاشم وَالْمطلب وَخبر (آلي كل مُؤمن تَقِيّ) ضَعِيف بالمرة وَلَو صَحَّ لتأيد بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 جمع بَعضهم بَين الْأَحَادِيث بِأَن الْآل فِي الدُّعَاء لَهُم فِي نَحْو الصَّلَاة يَشْمَل كل مُؤمن تَقِيّ وَفِي حُرْمَة الصَّدَقَة عَلَيْهِم مُخْتَصّ بِمُؤْمِن بني هَاشم وَالْمطلب وأيد ذَلِك الشُّمُول بِخَبَر البُخَارِيّ (مَا شبع آل مُحَمَّد من خبز مأدوم ثَلَاثًا) (اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتا) وَفِي قَول إِن الْآل هم الْأزْوَاج والذرية فَقَط الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} الْأَحْزَاب 56 صَحَّ عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة قُلْنَا يَا رَسُول لله قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَقَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت قَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) إِلَى آخِره فسؤالهم بعد نزُول الْآيَة وإجابتهم باللهم صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد إِلَى آخِره دَلِيل ظَاهر على ان الْأَمر بِالصَّلَاةِ على أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 بَيته وَبَقِيَّة آله عقب نُزُولهَا وَلم يجابوا بِمَا ذكر فَلَمَّا أجِيبُوا بِهِ دلّ على ان الصَّلَاة عَلَيْهِم من جملَة الْمَأْمُور بِهِ وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقامهم فِي ذَلِك مقَام نَفسه لِأَن الْقَصْد من الصَّلَاة عَلَيْهِ مزِيد تَعْظِيمه وَمِنْه تعظيمهم وَمن ثمَّ لما أَدخل من مر فِي الكساء قَالَ (اللَّهُمَّ إِنَّهُم مني وَأَنا مِنْهُم فَاجْعَلْ صَلَاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عَليّ وَعَلَيْهِم) وَقَضِيَّة استجابة هَذَا الدُّعَاء أَن الله صلى عَلَيْهِم مَعَه فَحِينَئِذٍ طلب من الْمُؤمنِينَ صلَاتهم عَلَيْهِم مَعَه ويروى (لَا تصلوا عَليّ الصَّلَاة البتراء) فَقَالُوا وَمَا الصَّلَاة البتراء قَالَ (تَقولُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وتمسكون بل قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) وَلَا يُنَافِي مَا تقدم حذف الْآل فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم) إِلَى آخِره لِأَن ذكر الْآل ثَبت فِي رِوَايَات أخر وَبِه يعلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك كُله فحفظ بعض الروَاة مَا لم يحفظه الآخر ثمَّ عطف الْأزْوَاج والذرية على الْآل فِي كثير من الرِّوَايَات يَقْتَضِي أَنَّهُمَا ليسَا من الْآل وَهُوَ وَاضح فِي الْأزْوَاج بِنَاء على الْأَصَح فِي الْآل أَنهم مؤمنو بني هَاشم وَالْمطلب وَأما الذُّرِّيَّة فَمن الْآل على سَائِر الْأَقْوَال فَذكرهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 بعد الْآل للْإِشَارَة إِلَى عَظِيم شرفهم روى أَبُو دَاوُد (من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى إِذا صلى علينا أهل الْبَيْت فَلْيقل اللَّهُمَّ صل على النَّبِي مُحَمَّد وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَذريته وَأهل بَيته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد) وَقَوْلهمْ علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك أشاروا بِهِ إِلَى السَّلَام عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّد كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَيدل لَهُ خبر مُسلم أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تمنينا أننا لم نَسْأَلهُ ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) الحَدِيث وَزَاد آخِره (وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم) أَي من الْعلم ويروى من التَّعْلِيم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعلمهُمْ التَّشَهُّد كَمَا يعلمهُمْ السُّورَة وَصَحَّ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أما السَّلَام عَلَيْكُم فقد عَرفْنَاهُ فَكيف نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا صلى الله عَلَيْك فَصمت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحببنا أَن الرجل لم يسْأَله فَقَالَ (إِذا أَنْتُم صليتم عَليّ فَقولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الحَدِيث وَلَا يُقَال تفرد بِهِ ابْن إِسْحَق وَمُسلم لم يخرج لَهُ إِلَّا فِي المتابعات لأَنا نقُول الْأَئِمَّة وثقوه وَإِنَّمَا هُوَ مُدَلّس فَقَط وَقد زَالَت عِلّة التَّدْلِيس بتصريحه فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ فاتضح أَن ذَلِك خرج مخرج الْبَيَان لِلْأَمْرِ الْوَارِد فِي الْآيَة وَيُوَافِقهُ قَوْله قُولُوا فَإِنَّهَا صِيغَة أَمر وَهُوَ للْوُجُوب وَمَا صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود بتشهيد الرجل فِي الصَّلَاة ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو لنَفسِهِ فَهَذَا التَّرْتِيب مِنْهُ لَا يكون من قبل الرَّأْي فَيكون فِي حكم الْمَرْفُوع وَصَحَّ أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يَدْعُو فِي صلَاته لم يحمد الله وَلم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (عجل هَذَا) ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَو لغيره (إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد ربه وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ) وَمحل الْبدَاءَة بالتحميد وَالثنَاء على الله تَعَالَى جُلُوس التَّشَهُّد وَبِهَذَا كُله اتَّضَح قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِوُجُوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد لما علمت مِنْهُ أَنه صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَمر بِوُجُوبِهَا فِيهِ وَمن أَنه صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود تعْيين محلهَا وَهُوَ بَين التَّشَهُّد وَالدُّعَاء فَكَانَ القَوْل بِوُجُوبِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 لذَلِك الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي هُوَ الْحق الْمُوَافق لصريح السّنة ولقواعد الْأُصُولِيِّينَ وَيدل لَهُ أَيْضا أَحَادِيث صَحِيحَة كَثِيرَة استوعبتها فِي شرحي الْإِرْشَاد والعباب مَعَ بَيَان الرَّد الْوَاضِح على من شنع على الشَّافِعِي وَبَيَان أَن الشَّافِعِي لم يشذ بل قَالَ بِهِ قبله جمَاعَة من الصَّحَابَة كَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَجَابِر وَأبي مَسْعُود البدري وَغَيرهم وَالتَّابِعِينَ كالشعبي والباقر وَغَيرهم كإسحاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد بل لمَالِك قَول مُوَافق للشَّافِعِيّ رَجحه جمَاعَة من أَصْحَابه قَالَ شيخ الْإِسْلَام خَاتِمَة الْحفاظ ابْن حجر لم أر عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ التَّصْرِيح بِعَدَمِ الْوُجُوب إِلَّا مَا نقل عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ من إشعاره بِأَن غَيره كَانَ قَائِلا بِالْوُجُوب انْتهى فَزعم أَن الشَّافِعِي شَذَّ وَأَنه خَالف فِي ذَلِك فُقَهَاء الْأَمْصَار مُجَرّد دعة بَاطِلَة لَا يلْتَفت إِلَيْهَا وَلَا يعول عَلَيْهَا وَمن ثمَّ قَالَ ابْن الْقيم أَجمعُوا على مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد وَإِنَّمَا أختلفوا فِي الْوُجُوب والاستحباب فَفِي تمسك من لم يُوجِبهَا بِعَمَل السّلف نظر لأَنهم كَانُوا يأْتونَ بهَا فِي صلَاتهم فَإِن أُرِيد بعملهم اعْتِقَادهم احْتَاجَ إِلَى نقل صَرِيح عَنْهُم بِعَدَمِ الْوُجُوب وأنى يُوجد ذَلِك قَالَ وَأما قَول عِيَاض إِن النَّاس شنعوا على الشَّافِعِي فَلَا معنى لَهُ فَأَي شناعة فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لم يُخَالف فِي ذَلِك نصا وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا قِيَاسا وَلَا مصلحَة راجحة بل القَوْل بذلك من محَاسِن مذْهبه وَللَّه در الْقَائِل حَيْثُ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 (وَإِذا محاسني اللَّاتِي أدل بهَا ... صَارَت ذنوبا فَقل لي كَيفَ أعْتَذر) وَاعْلَم أَن النَّوَوِيّ نقل عَن الْعلمَاء كَرَاهَة إِفْرَاد الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَمن ثمَّ قَالَ بعض الْحفاظ كنت أكتب الحَدِيث فأكتب الصَّلَاة فَقَط فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقَالَ لي أما تتمّ الصَّلَاة فِي كتابك فَمَا كتبت بعد ذَلِك إِلَّا صليت عَلَيْهِ وسلمت وَلَا يحْتَج بتعليمهم كَيْفيَّة الصَّلَاة السَّابِقَة لِأَن السَّلَام سبقها فِي التَّشَهُّد فَلَا إِفْرَاد فِيهِ وَقد جَاءَ ذكر الصَّلَاة مقرونة بِالسَّلَامِ فِي مَوَاطِن مِنْهَا عقب مَا يُقَال عِنْد ركُوب الدَّابَّة كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء مَرْفُوعا وَكَذَا فِي غَيره وَإِنَّمَا حذف فِي بعض المواطن اختصارا وَكَذَا حذف الْآل وَقد اخْرُج الديلمي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الدُّعَاء مَحْجُوب حَتَّى يصلى على مُحَمَّد وَأهل بَيته اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله) وَكَأن قَضِيَّة الْأَحَادِيث السَّابِقَة وجوب الصَّلَاة على الْآل فِي التَّشَهُّد الْأَخير كَمَا هُوَ قَول الشَّافِعِي خلافًا لما يُوهِمهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 كَلَام الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَرجحه بعض أَصْحَابه وَمَال إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ وَمن ادّعى الْإِجْمَاع على عدم الْوُجُوب فقد سَهَا لَكِن بَقِيَّة الْأَصْحَاب قد ذَهَبُوا إِلَى أَن اخْتِلَاف تِلْكَ الرِّوَايَات من أجل أَنَّهَا وقائع مُتعَدِّدَة فَلم يوجبوا إِلَّا مَا اتّفقت الطّرق عَلَيْهِ وَهُوَ أصل الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا زَاد فَهُوَ من قبيل الْأَكْمَل وَلذَا استدلوا على عدم وجوب قَوْله (كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم) بسقوطه فِي بعض الطّرق وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ (يَا أهل بَيت رَسُول الله حبكم ... فرض من الله فِي الْقُرْآن أنزلهُ) (كفاكم من عَظِيم الْقدر أَنكُمْ ... من لم يصل عَلَيْكُم لَا صَلَاة لَهُ) فَيحْتَمل لَا صَلَاة لَهُ صَحِيحَة فَيكون مُوَافقا لقَوْله بِوُجُوب الصَّلَاة على الْآل وَيحْتَمل لَا صَلَاة لَهُ كَامِلَة فيوافق أظهر قوليه الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى {سَلام على إل ياسين} الصافات 130 فقد نقل جمَاعَة من الْمُفَسّرين عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن المُرَاد بذلك سَلام على آل مُحَمَّد وَكَذَا قَالَه الْكَلْبِيّ وَعَلِيهِ فَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاخل بطرِيق الأولى أَو النَّص كَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى لَكِن أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد إلْيَاس عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ قَضِيَّة السِّيَاق تَنْبِيه لفظ السَّلَام فِي نَحْو هَذِه الْجُمْلَة خبر مُرَاد بِهِ الْإِنْشَاء والطلب على الْأَصَح والطلب يَسْتَدْعِي مَطْلُوبا مِنْهُ وَطَلَبه تَعَالَى من غَيره محَال فَالْمُرَاد بسلامه تَعَالَى على عباده إِمَّا بشارتهم بالسلامة وَإِمَّا حَقِيقَة الطّلب فَكَأَنَّهُ طلب من نَفسه إِذْ سَلَامه تَعَالَى يرجع لكَلَامه النَّفْسِيّ الأزلي وتضمنه الطّلب مِنْهُ لإنالة السَّلامَة الْكَامِلَة للْمُسلمِ عَلَيْهِ غير محَال إِذْ هُوَ طلب نَفسِي مُقْتَض لتَعلق الْإِرَادَة بِهِ والطلب من النَّفس مَعْقُول يُعلمهُ كل أحد من نَفسه فَالْحَاصِل أَنه تَعَالَى طلب لَهُم مِنْهُ إنالتهم السَّلامَة الْكَامِلَة فَيتَعَلَّق ذَلِك بهم فِي الْوَقْت الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى تخصيصهم بِهِ كَمَا فِي أمره وَنَهْيه المتعلقين بِنَا مَعَ قدمهما وَذكر الْفَخر الرَّازِيّ أَن أهل بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يساوونه فِي خَمْسَة أَشْيَاء فِي السَّلَام قَالَ السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَقَالَ تَعَالَى {سَلام على إل ياسين} الصافات 130 وَفِي الصَّلَاة عَلَيْهِم فِي التَّشَهُّد وَفِي الطَّهَارَة قَالَ تَعَالَى {طه} طه 1 أَي يَا طَاهِر وَقَالَ {وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 133 وَفِي تَحْرِيم الصَّدَقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 وَفِي الْمحبَّة قَالَ تَعَالَى {فَاتبعُوني يحببكم الله} آل عمرَان وَقَالَ {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} الشورى 23 الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون} الصافات 24 أخرج الديلمي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون عَن ولَايَة عَليّ) وَكَأن هَذَا هُوَ مُرَاد الواحدي بقوله رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون} أَي عَن ولَايَة عَليّ وَأهل الْبَيْت لِأَن الله أَمر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعرف الْخلق أَنه لَا يسألهم على تَبْلِيغ الرسَالَة أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَالْمعْنَى أَنهم يسْأَلُون هَل وَالوهم حق الْمُوَالَاة كَمَا أوصاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم أضاعوها وأهملوها فَتكون عَلَيْهِم الْمُطَالبَة والتبعة انْتهى وَأَشَارَ بقوله كَمَا أوصاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك وَهِي كَثِيرَة وَسَيَأْتِي مِنْهَا جملَة فِي الْفَصْل الثَّانِي وَمن ذَلِك حَدِيث مُسلم عَن زيد بن أَرقم قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ (أما بعد أَيهَا النَّاس إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ يُوشك أَن يأتني رَسُول رَبِّي عز وَجل فَأُجِيبَهُ وَإِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن أَولهمَا كتاب الله عز وَجل فِيهِ الْهدى والنور فَتمسكُوا بِكِتَاب الله عز وَجل وخذوا بِهِ وحث فِيهِ وَرغب فِيهِ ثمَّ قَالَ وَأهل بَيْتِي أذكركم الله عز وَجل فِي أهل بَيْتِي) ثَلَاث مَرَّات فَقيل لزيد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 أهل بَيته أَلَيْسَ نساؤه من أهل بَيته قَالَ بلَى إِن نِسَاءَهُ من أهل بَيته لَكِن أهل بَيته من حرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة بعده قَالَ وَمن هم قَالَ هم عَليّ وَآل جَعْفَر وَآل عقيل وَآل عَبَّاس قَالَ كل هَؤُلَاءِ حرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة قَالَ نعم وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي أَحدهمَا أعظم من الآخر كتاب الله عز وَجل حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يفترقا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا) وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده بِمَعْنَاهُ وَلَفظه (إِنِّي أوشك أَن أدعى فَأُجِيب وَإِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَإِن اللَّطِيف الْخَبِير أَخْبرنِي أَنَّهُمَا لن يفترقا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فانظروا بِمَ تخلفوني فيهمَا وَسَنَده لَا بَأْس بِهِ وَفِي رِوَايَة أَن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع وَفِي اخرى مثله يَعْنِي كتاب الله كسفينة نوح من ركب فِيهَا نجا وَمثلهمْ أَي أهل بَيته كَمثل بَاب حطة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 دخله غفرت لَهُ الذُّنُوب وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ لذَلِك فِي الْعِلَل المتناهية وهم أَو غَفلَة عَن استحضار بَقِيَّة طرقه بل فِي مُسلم عَن زيد بن أَرقم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك يَوْم غَدِير خم وَهُوَ مَاء بِالْجُحْفَةِ كَمَا مر وَزَاد (أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي) قُلْنَا لزيد من أهل بَيته نساؤه قَالَ لَا وأيم الله إِن الْمَرْأَة تكون من الرجل الْعَصْر من الدَّهْر ثمَّ يطلقهَا فترجع إِلَى أَبِيهَا وقومها أهل بَيته أَهله وعصبته الَّذين حرمُوا الصَّدَقَة بعده وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة (إِنِّي تَارِك فِيكُم أَمريْن لن تضلوا إِن تبعتموهما وهما كتاب الله وَأهل بَيْتِي عِتْرَتِي) زَاد الطَّبَرَانِيّ (إِنِّي سَأَلت ذَلِك لَهما فَلَا تقدموهما فَتَهْلكُوا وَلَا تقصرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلكُوا وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) وَفِي رِوَايَة كتاب الله وسنتي وَهِي المُرَاد من الْأَحَادِيث المقتصرة على الْكتاب لِأَن السّنة مبينَة لَهُ فأغنى ذكره عَن ذكرهَا وَالْحَاصِل أَن الْحَث وَقع على التَّمَسُّك بِالْكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل الْبَيْت وَيُسْتَفَاد من مَجْمُوع ذَلِك بَقَاء الْأُمُور الثَّلَاثَة إِلَى قيام السَّاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 ثمَّ اعْلَم أَن لحَدِيث التَّمَسُّك بذلك طرقا كَثِيرَة وَردت عَن نَيف وَعشْرين صحابيا وَمر لَهُ طرق مبسوطة فِي حادي عشر الشّبَه وَفِي بعض تِلْكَ الطّرق انه قَالَ ذَلِك بِحجَّة الْوَدَاع بعرقة وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَه بِالْمَدِينَةِ فِي مَرضه وَقد امْتَلَأت الْحُجْرَة بِأَصْحَابِهِ وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَ ذَلِك بغدير خم وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَه لما قَامَ خَطِيبًا بعد انْصِرَافه من الطَّائِف كَمَا مر وَلَا تنَافِي إِذْ لَا مَانع من أَنه كرر عَلَيْهِم ذَلِك فِي تِلْكَ المواطن وَغَيرهَا اهمتاما بشأن الْكتاب الْعَزِيز والعترة الطاهرة وَفِي رِوَايَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر آخر مَا تكلم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أخلفوني فِي أهل بَيْتِي) وَفِي أُخْرَى عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَأبي الشَّيْخ (إِن لله عز وَجل ثَلَاث حرمات فَمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه وَمن لم يحفظهن لم يحفظ الله دُنْيَاهُ وَلَا آخرته) قلت مَا هن قَالَ (حُرْمَة الْإِسْلَام وحرمتي وَحُرْمَة رحمي) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن الصّديق رَضِي الله عَنهُ من قَوْله يَا أَيهَا النَّاس ارقبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أهل بَيته أَي احفظوه فيهم فَلَا تؤذوهم وَأخرج ابْن سعد والملا فِي سيرته أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اسْتَوْصُوا بِأَهْل بَيْتِي خيرا فَإِنِّي أخاصمكم عَنْهُم غَدا وَمن أكن خَصمه أخصمه وَمن أخصمه دخل النَّار) وَأَنه قَالَ (من حفظني فِي أهل بَيْتِي فقد اتخذ عِنْد الله عهدا) وَأخرج الأول (أَنا وَأهل بَيْتِي شَجَرَة فِي الْجنَّة وَأَغْصَانهَا فِي الدُّنْيَا فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا) وَالثَّانِي حَدِيث (فِي كل خلف من أمتِي عدُول من أهل بَيْتِي ينفون عَن هَذَا الدّين تَحْرِيف الضَّالّين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين أَلا وَإِن أئمتكم وفدكم إِلَى الله عز وَجل فانظروا من توفدون) وَأخرج أَحْمد خبر (الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا الْحِكْمَة أهل الْبَيْت) وَفِي خبر حسن (أَلا إِن عيبتي وكرشي أهل بَيْتِي وَالْأَنْصَار فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عَن مسيئهم) تَنْبِيه سمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن وعترته وَهِي بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة الْأَهْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 والنسل والرهط الأدنون ثقلين لِأَن الثّقل كل نَفِيس خطير مصون وَهَذَانِ كَذَلِك إِذْ كل مِنْهُمَا مَعْدن الْعُلُوم الدينة والأسرار وَالْحكم الْعلية وَالْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَلذَا حث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الِاقْتِدَاء والتمسك بهم والتعلم مِنْهُم وَقَالَ (الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا الْحِكْمَة أهل الْبَيْت) وَقيل سميا ثقلين لثقل وجوب رِعَايَة حقوقهما ثمَّ الَّذين وَقع الْحَث عَلَيْهِم مِنْهُم إِنَّمَا هم العارفون بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ هم الَّذين لَا يفارقون الْكتاب إِلَى الْحَوْض وَيُؤَيِّدهُ الْخَبَر السَّابِق (وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) وتميزوا بذلك لأَنهم عَن بَقِيَّة الْعلمَاء لِأَن الله أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وَقد مر بَعْضهَا وَسَيَأْتِي الْخَبَر الَّذِي فِي قُرَيْش (تعلمُوا مِنْهُم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) فَإِذا ثَبت هَذَا الْعُمُوم لقريش فَأهل الْبَيْت مِنْهُم أولى مِنْهُم بذلك امتازوا عَنْهُم بخصوصيات لَا يشاركهم فِيهَا بَقِيَّة قُرَيْش وَفِي أَحَادِيث الْحَث على التَّمَسُّك بِأَهْل الْبَيْت إِشَارَة إِلَى عدم انْقِطَاع متأهل مِنْهُم للتمسك بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَمَا أَن الْكتاب الْعَزِيز كَذَلِك وَلِهَذَا كَانُوا أَمَانًا لأهل الأَرْض كَمَا يَأْتِي وَيشْهد لذَلِك الْخَبَر السَّابِق (فِي كل خلف من أمتِي عدُول من أهل بَيْتِي) إِلَى آخِره ثمَّ أَحَق من يتَمَسَّك بِهِ مِنْهُم إمَامهمْ وعالمهم عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه لما قدمْنَاهُ من مزِيد علمه ودقائق مستنبطاته وَمن ثمَّ قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 عَليّ عترة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الَّذين حث على التَّمَسُّك بهم فخصه بِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ خصّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا مر يَوْم غَدِير خم وَالْمرَاد بالعيبة والكرش فِي الْخَبَر السَّابِق آنِفا أَنهم مَوضِع سره وأمانته ومعادن نفائس معارفه وحضرته إِذْ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فِيهِ مِمَّا بِهِ القوام وَالصَّلَاح لِأَن الأول لما يحرز فِيهِ نفائس الْأَمْتِعَة وَالثَّانِي مُسْتَقر الْغذَاء الَّذِي بِهِ النمو وقوام البنية وَقيل هما مثلان لاختصاصهم بالأمور الظَّاهِرَة والباطنة إِذْ مظروف الكرش بَاطِن والعيبة ظَاهر وعَلى كل فَهَذَا غَايَة فِي التعطف عَلَيْهِم وَالْوَصِيَّة بهم وَمعنى (وتجاوزوا عَن مسيئهم) أَي فِي غير الْحُدُود وَحُقُوق الْآدَمِيّين وَهَذَا أَيْضا محمل الْخَبَر الصَّحِيح (أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم) وَمن ثمَّ ورد فِي رِوَايَة (إِلَّا الْحُدُود) وفسرهم الشَّافِعِي بِأَنَّهُم الَّذين لَا يعْرفُونَ بِالشَّرِّ وَيقرب مِنْهُ قَول غَيره هم أَصْحَاب الصَّغَائِر دون الْكَبَائِر وَقيل من إِذا أذْنب تَابَ الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} آل عمرَان 103 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 أخرج الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيرهَا عَن جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ نَحن حَبل الله الَّذِي قَالَ الله فِيهِ {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} وَكَانَ جده زين العابدين إِذا تَلا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} التَّوْبَة 119 يَقُول دُعَاء طَويلا يشْتَمل على طلب اللحوق بِدَرَجَة الصَّادِقين والدرجات الْعلية وعَلى وصف المحن وَمَا انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمة الدّين والشجرة النَّبَوِيَّة ثمَّ يَقُول وَذهب آخَرُونَ إِلَى التَّقْصِير فِي أمرنَا وَاحْتَجُّوا بمتشابه الْقُرْآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الْخَبَر ... إِلَى أَن قَالَ فَإلَى من يفزع خلف هَذِه الْأمة وَقد درست أَعْلَام هَذِه الْملَّة ودانت الْأمة بالفرقة وَالِاخْتِلَاف يكفر بَعضهم بَعْضًا وَالله تَعَالَى يَقُول {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات} آل عمرَان 105 فَمن الموثوق بِهِ على إبلاغ الْحجَّة وَتَأْويل الحكم إِلَى أهل الْكتاب وَأَبْنَاء أَئِمَّة الْهدى ومصابيح الدجى الَّذين احْتج الله بهم على عباده وَلم يدع الْخلق سدى من غير حجَّة هَل تعرفونهم أَو تجدونهم إِلَّا من فروع الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة وبقايا الصفوة الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا وبرأهم من الْآفَات وافترض مَوَدَّتهمْ فِي الْكتاب الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله} النِّسَاء 54 أخرج أَبُو الْحسن المغازلي عَن الباقر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي هَذِه الْآيَة نَحن النَّاس وَالله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 الْآيَة السا بعة قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} الْأَنْفَال 33 أَشَارَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وجود ذَلِك الْمَعْنى فِي أهل بَيته وَإِنَّهُم أَمَان لأهل الأَرْض كَمَا كَانَ هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَانًا لَهُم وَفِي ذَلِك أَحَادِيث كَثِيرَة يَأْتِي بَعْضهَا وَمِنْهَا (النُّجُوم أَمَان لأهل السَّمَاء وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي) أخرجه جمَاعَة كلهم بِسَنَد ضَعِيف وَفِي رِوَايَة ضَعِيفَة أَيْضا (أهل بَيْتِي أَمَان لأهل الأَرْض فَإِذا هلك أهل بَيْتِي جَاءَ أهل الأَرْض من الْآيَات مَا كَانُوا يوعدون) وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَد (فَإِذا ذهب النُّجُوم ذهب أهل السَّمَاء وَإِذا ذهب أهل بَيْتِي ذهب أهل الأَرْض) وَفِي رِوَايَة صححها الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ (النُّجُوم أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي من الِاخْتِلَاف فَإِذا خالفتها قَبيلَة من الْعَرَب اخْتلفُوا فصاروا حزب إِبْلِيس) وَجَاء من طرق عديدة يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا (إِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي فِيكُم كَمثل سفينة نوح من ركبهَا نجا) وَفِي رِوَايَة مُسلم (وَمن تخلف عَنْهَا غرق) وَفِي رِوَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 (هلك وَإِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي فِيكُم مثل بَاب حطة فِي بني إِسْرَائِيل من دخله غفر لَهُ) وَفِي رِوَايَة (غفر لَهُ الذُّنُوب) وَقَالَ بَعضهم يحْتَمل أَن المُرَاد بِأَهْل الْبَيْت الَّذين هم أَمَان علماؤهم لأَنهم الَّذين يهتدى بهم كَالنُّجُومِ وَالَّذين إِذا فقدوا جَاءَ أهل الأَرْض من الْآيَات مَا يوعدون وَذَلِكَ عِنْد نزُول الْمهْدي لما يَأْتِي فِي أَحَادِيثه أَن عِيسَى يُصَلِّي خَلفه وَيقتل الدَّجَّال فِي زَمَنه وَبعد ذَلِك تتتابع الايات بل فِي مُسلم أَن النَّاس بعد قتل عِيسَى للدجال يمكثون سبع سِنِين ثمَّ يُرْسل الله ريحًا بَارِدَة من قبل الشَّام فَلَا يبْقى على وَجه الأَرْض أحد فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خير أَو إِيمَان إِلَّا قَبضه فَيبقى شرار فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا الحَدِيث قَالَ وَيحْتَمل وَهُوَ الْأَظْهر عِنْدِي أَن المُرَاد بهم سَائِر أهل الْبَيْت فَإِن الله لما خلق الدُّنْيَا بأسرها من أجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بَيته لأَنهم يساوونه فِي أَشْيَاء مر عَن الرَّازِيّ بَعْضهَا وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي حَقهم (اللَّهُمَّ إِنَّهُم مني وَأَنا مِنْهُم) وَلِأَنَّهُم بضعَة مِنْهُ بِوَاسِطَة أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أمّهم بضعته فأقيموا مقَامه فِي الْأمان انْتهى مُلَخصا وَوجه تشبيههم بالسفينة فِيمَا مر أَن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 3 - مشرفهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذ بِهَدي عُلَمَائهمْ نجا من ظلمَة المخالفات وَمن تخلف عَن ذَلِك غرق فِي بَحر كفر النعم وَهلك فِي مفاوز الطغيان وَمر فِي خبر (أَن من حفظ حُرْمَة الْإِسْلَام وَحُرْمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحُرْمَة رَحمَه حفظ الله تَعَالَى دينه ودنياه وَمن لم يحفظ لم يحفظ الله دُنْيَاهُ وَلَا آخرته) وَورد (يرد الْحَوْض أهل بَيْتِي وَمن أحبهم من أمتِي كهاتين السبابتين) وَيشْهد لَهُ خبر (الْمَرْء مَعَ من أحب) وبباب حطة أَن الله تَعَالَى جعل دُخُول ذَلِك الْبَاب الَّذِي هُوَ بَاب أريحاء أَو بَيت الْمُقَدّس مَعَ التَّوَاضُع وَالِاسْتِغْفَار سَببا للمغفرة وَجعل لهَذِهِ الْأمة مَوَدَّة أهل الْبَيْت سَببا لَهَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى} طه 82 قَالَ ثَابت الْبنانِيّ اهْتَدَى إِلَى ولَايَة أهل بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاء ذَلِك عَن أبي جَعْفَر الباقر أَيْضا وَأخرج الديلمي مَرْفُوعا (إِنَّمَا سميت ابْنَتي فَاطِمَة لِأَن الله فطمها ومحبيها الحديث: 3 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 عَن النَّار) وَأخرج أَحْمد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بيد الحسنين وَقَالَ (من أَحبَّنِي وَأحب هذَيْن واباهما وأمهما كَانَ معي فِي درجتي يَوْم الْقيام) وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب (وَكَانَ معي فِي الْجنَّة) وَمعنى الْمَعِيَّة هُنَا معية الْقرب وَالشُّهُود لَا معية الْمَكَان والمنزل وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ أَخْبرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أول من يدْخل الْجنَّة أَنا وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن قلت يَا رَسُول الله فمحبونا قَالَ من وَرَائِكُمْ وَمر فِي فَضَائِل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه أول من يدْخل الْجنَّة وَفِي فَضَائِل عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك أَيْضا وَمر الْجمع بَينهمَا بِمَا يعلم بِهِ محمل هَذَا الحَدِيث وَلَا تتوهم الرافضة والشيعة قبحهم الله من هَذِه الْأَحَادِيث أَنهم محبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 أهل الْبَيْت لأَنهم أفرطوا فِي محبتهم حَتَّى جرهم ذَلِك إِلَى تَكْفِير الصَّحَابَة وتضليل الْأمة وَقد قَالَ عَليّ يهْلك فِي محب مفرط يقرظني بِمَا لَيْسَ فِي وَمر خبر لَا يجْتَمع حب عَليّ وبغض أبي بكر وَعمر فِي قلب مُؤمن وَهَؤُلَاء الضالون الحمقى أفرطوا فِيهِ وَفِي اهل بَيته فَكَانَت محبتهم عارا عَلَيْهِم وبوارا قَاتلهم الله أَنى يؤفكون وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف أَن عليا أُتِي يَوْم الْبَصْرَة بِذَهَب وَفِضة فَقَالَ ابيضي واصفري غري غَيْرِي غري أهل الشَّام غَدا إِذا ظَهَرُوا عَلَيْك فشق قَوْله ذَلِك على النَّاس فَذكر ذَلِك لَهُ فَأذن فِي النَّاس فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ إِن خليلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا عَليّ إِنَّك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين وَيقدم عَلَيْهِ عَدوك غضابا مقمحين) ثمَّ جمع عَليّ يَده إِلَى عُنُقه يُرِيهم الإقماح وشيعته هم أهل السّنة لأَنهم الَّذين أحبوهم كَمَا أَمر الله أمرنَا وَرَسُوله وَأما غَيرهم فاعداؤه فِي الْحَقِيقَة لِأَن الْمحبَّة الْخَارِجَة عَن الشَّرْع الجائرة عَن سنَن الْهدى هِيَ الْعَدَاوَة الْكُبْرَى فَلِذَا كَانَت سَببا لهلاكهم كَمَا مر آنِفا عَن لاصادص المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأعداؤهم الْخَوَارِج وَنَحْوهم من أهل الشَّام لَا مُعَاوِيَة وَنَحْوه من الصَّحَابَة لأَنهم متأولون فَلهم أجر وَله هُوَ وشيعته أَجْرَانِ رَضِي الله عَنْهُم وَيُؤَيّد مَا قُلْنَاهُ من أَن أُولَئِكَ المبتدعة الرافضة والشيعة وَنَحْوهمَا لَيْسُوا من شيعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 عَليّ وَذريته بل من أعدائهم مَا أخرجه صَاحب المطالب الْعَالِيَة عَن عَليّ وَمن جملَته أَنه مر على جمع فَأَسْرعُوا إِلَيْهِ قيَاما فَقَالَ من الْقَوْم فَقَالُوا من شيعتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُم خيرا ثمَّ قَالَ يَا هَؤُلَاءِ مَالِي لَا أرى فِيكُم سمة شِيعَتِنَا وَحلية أحبتنا فأمسكوا حَيَاء فَقَالَ لَهُ من مَعَه نَسْأَلك بِالَّذِي أكْرمكُم أهل الْبَيْت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بِصفة شيعتكم فَقَالَ شِيعَتِنَا هم العارفون بِاللَّه الْعَامِلُونَ بِأَمْر الله أهل الْفَضَائِل الناطقون بِالصَّوَابِ مأكولهم الْقُوت وملبوسهم الاقتصاد ومشيهم التَّوَاضُع نجعوا لله بِطَاعَتِهِ وخضعوا إِلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ مضوا غاضين أَبْصَارهم عَمَّا حرم الله عَلَيْهِم رامقين أسماعهم على الْعلم برَبهمْ نزلت أنفسهم مِنْهُم فِي الْبلَاء كَالَّتِي نزلت مِنْهُم فِي الرخَاء رَضوا عَن الله تَعَالَى بِالْقضَاءِ فلولا الْآجَال الَّتِي كتب الله تَعَالَى لَهُم لم تَسْتَقِر أَرْوَاحهم فِي أَجْسَادهم طرفَة عين شوقا إِلَى لِقَاء الله وَالثَّوَاب وخوفا من أَلِيم الْعقَاب عظم الْخَالِق فِي انفسهم وَصغر مَا دونه فِي أَعينهم فهم وَالْجنَّة كمن رَآهَا فهم على أرائكها متكئون وهم وَالنَّار كمن رَآهَا فهم فِيهَا معذبون صَبَرُوا أَيَّامًا قَليلَة فأعقبتهم رَاحَة طَوِيلَة أرادتهم الدُّنْيَا فَلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها أما اللَّيْل فصافون أَقْدَامهم تالون لأجزاء الْقُرْآن ترتيلا يعظون أنفسهم بأمثاله ويستشفون لدائهم بدوائه تَارَة وَتارَة يفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أَقْدَامهم تجْرِي دموعهم على خدودهم يمجدون جبارا عَظِيما ويجأرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 إِلَيْهِ فِي فكاك رقابهم هَذَا ليلهم فَأَما نهارهم فحكماء عُلَمَاء بررة أتقياء براهم خوف باريهم فهم كالقداح تحسبهم مرضى أَو قد خولطوا وَمَا هم بذلك بل خاسرهم من عَظمَة رَبهم وَشدَّة سُلْطَانه مَا طاشت لَهُ قُلُوبهم وذهلت مِنْهُ عُقُولهمْ فَإِذا أشفقوا من ذَلِك بَادرُوا إِلَى الله تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الزاكية لَا يرضون لَهُ بِالْقَلِيلِ وَلَا يستكثرون لَهُ الجزيل فهم لأَنْفُسِهِمْ متهمون وَمن أَعْمَالهم مشفقون ترى لأَحَدهم قُوَّة فِي دين وحزما فِي لين وإيمانا فِي يَقِين وحرصا على علم وفهما فِي فقه وعلما فِي حلم وكيسا فِي قصد وقصدا فِي غنى وتجملا فِي فاقة وصبرا فِي شَفَقَة وخشوعا فِي عبَادَة وَرَحْمَة لمجهود وَإِعْطَاء فِي حق ورفقا فِي كسب وطلبا فِي حَلَال ونشاطا فِي هدى واعتصاما فِي شَهْوَة لَا يغره مَا جَهله وَلَا يدع إحصاء مَا عمله يستبطىء نَفسه فِي الْعلم وَهُوَ من صَالح عمله على وَجل يصبح وشغله الذّكر ويمسي وهمه الشُّكْر يبيت حذرا من سنة الْغَفْلَة وَيُصْبِح فَرحا بِمَا أصَاب من الْفضل وَالرَّحْمَة ورغبته فِيمَا يبْقى وزهادته فِيمَا يفنى وَقد قرن الْعلم بِالْعَمَلِ وَالْعلم بالحلم دَائِما نشاطه بَعيدا كسله قَرِيبا أمله قَلِيلا زلله متوقعا أَجله عَاشِقًا قلبه شاكرا ربه قانعا نَفسه محرزا دينه كاظما غيظه آمنا مِنْهُ جَاره سهلا أمره مَعْدُوما كبره بَينا صبره كثيرا ذكره لَا يعْمل شَيْئا من الْخَيْر رِيَاء وَلَا يتْركهُ حَيَاء أُولَئِكَ شِيعَتِنَا وأحبتنا وَمنا ومعنا أَلا هَؤُلَاءِ شوقا إِلَيْهِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 فصاح بعض من مَعَه وَهُوَ همام بن عباد بن خَيْثَم وَكَانَ من المتعبدين صَيْحَة فَوَقع مغشيا عَلَيْهِ فحركوه فَإِذا هُوَ فَارق الدُّنْيَا فَغسل وَصلى عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن مَعَه فَتَأمل وفقك الله لطاعته وأدام عَلَيْك من سوابغ نعمه وحمايته هَذِه الْأَوْصَاف الجليلة الرفيعة الباهرة الْكَامِلَة المنيعة تعلم أَنَّهَا لَا تُوجد إِلَّا فِي أكَابِر العارفين لأئمة الْوَارِثين فَهَؤُلَاءِ هم شيعَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأهل بَيته وَأما الرافضة والشيعة وَنَحْوهمَا إخْوَان الشَّيَاطِين وأعداء الدّين وسفهاء الْعُقُول ومخالفوا الْفُرُوع وَالْأُصُول ومنتحلو الضلال ومستحقو عَظِيم الْعقَاب والنكال فهم لَيْسُوا بشيعة لأهل الْبَيْت المبرئين من الرجس المطهرين من شوائب الدنس لأَنهم أفرطوا وفرطوا فِي جنب الله فاستحقوا مِنْهُ أَن يبقيهم متحيرين فِي مهالك الضلال والاشتباه وَإِنَّمَا هم شيعَة إِبْلِيس اللعين وحلفاء أبنائه المتمردين فَعَلَيْهِم لعنة الله وَمَلَائِكَته وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَكَيف يزْعم محبَّة قوم من لم يتخلق قطّ بِخلق من أَخْلَاقهم وَلَا عمل فِي عمره بقول من أَقْوَالهم وَلَا تأسى فِي دهره بِفعل من أفعالهم وَلَا تأهل لفهم شَيْء من أَحْوَالهم لَيست هَذِه محبَّة فِي الْحَقِيقَة بل بغضة عِنْد أَئِمَّة الشَّرِيعَة والطريقة إِذْ حَقِيقَة الْمحبَّة طَاعَة المحبوب وإيثار محابه ومرضاته على محاب النَّفس ومرضاتها والتأدب بآدابه وأخلاقه وَمن ثمَّ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لَا يجْتَمع حبي وبغض أبي بكر وَعمر لِأَنَّهُمَا ضدان وهما لَا يَجْتَمِعَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى فَمن حاجك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من الْعلم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا منساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين آل عمرَان 61 قَالَ فِي الْكَشَّاف لَا دَلِيل أقوى من هَذَا على فضل أَصْحَاب الكساء وهم عَليّ وَفَاطِمَة والحسنان لِأَنَّهَا لما نزلت دعاهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحتضن الْحُسَيْن وَأخذ بيد الْحسن ومشت فَاطِمَة خَلفه وَعلي خلفهمَا فَعلم أَنهم المُرَاد من الْآيَة وَأَن أَوْلَاد فَاطِمَة وذريتهم يسمون أبناءه وينسبون إِلَيْهِ نِسْبَة صَحِيحَة نافعة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ويوضح ذَلِك أَحَادِيث نذكرها مَعَ مَا يتَعَلَّق بهَا تتميما للفائدة فَنَقُول صَحَّ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ على الْمِنْبَر (مَا بَال أَقوام يَقُولُونَ إِن رحم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينفع قومه يَوْم الْقِيَامَة بلَى وَالله إِن رحمي مَوْصُولَة افي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِنِّي أَيهَا النَّاس فرط لكم على الْحَوْض) وَفِي رِوَايَة ضَعِيفَة وَإِن صححها الْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغه أَن قَائِلا قَالَ لبريدة إِن مُحَمَّدًا لن يُغني عَنْك من الله شَيْئا فَخَطب ثمَّ قَالَ (مَا بَال أَقوام يَزْعمُونَ أَن رحمي لَا ينفع بل حَتَّى حاء وَحكم أَي هما قبيلتان من الْيمن أَنِّي لأشفع فأشفع حَتَّى إِن من أشفع لَهُ فَيشفع حَتَّى إِن إِبْلِيس ليتطاول طَمَعا فِي الشَّفَاعَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن عليا يَوْم الشورى احْتج على أَهلهَا فَقَالَ لَهُم أنْشدكُمْ بِاللَّه هَل فِيكُم أحد أقرب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرَّحِم مني وَمن جعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه وأبناءه أبناءه ونساؤه نِسَاءَهُ غَيْرِي قَالُوا اللَّهُمَّ لَا الحَدِيث وَأخرج الطَّبَرَانِيّ إِن الله عز وَجل جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي فِي صلبه وَإِن الله تَعَالَى جعل ذريتي فِي صلب عَليّ بن أبي طَالب وَأخرج أَبُو الْخَيْر الحاكمي وَصَاحب كنوز المطالب فِي بني أبي طَالب أَن عليا دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده الْعَبَّاس فَسلم فَرد عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّلَام وَقَامَ فعانقه وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وَأَجْلسهُ عَن يَمِينه فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس أَتُحِبُّهُ قَالَ يَا عَم وَالله لله أَشد حبا لَهُ مني إِن الله عز وَجل جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي فِي صلبه وَجعل ذريتي فِي صلب هَذَا زَاد الثَّانِي فِي رِوَايَته إِنَّه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي النَّاس بأسماء أمهاتهم سترا من الله عَلَيْهِم إِلَّا هَذَا وَذريته فَإِنَّهُم يدعونَ بأسماء آبَائِهِم لصِحَّة ولادتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كل بني أم ينتمون إِلَى عصبَة إِلَّا ولد فَاطِمَة فَأَنا وليهم وَأَنا عصبتهم) وَله طرق يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا وَقَول ابْن الْجَوْزِيّ بعد أَن أورد ذَلِك فِي الْعِلَل المتناهية إِنَّه لَا يَصح غير جيد كَيفَ وَكَثْرَة طرقه رُبمَا توصله إِلَى دَرَجَة الْحسن بل صَحَّ عَن عمر أَنه خطب أم كُلْثُوم من عَليّ فاعتل بصغرها وَبِأَنَّهُ أعدهَا لِابْنِ أَخِيه جَعْفَر فَقَالَ لَهُ مَا أردْت الْبَاءَة وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة مَا خلا سببي ونسبي وكل بني أُنْثَى عصبتهم لأبيهم مَا خلا ولد فَاطِمَة فَإِنِّي أَنا أبوهم وعصبتهم) وَفِي رِوَايَة أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد رِجَاله من أكَابِر أهل الْبَيْت أَن عليا عزل بَنَاته لولد أَخِيه جَعْفَر فَلَقِيَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحسن أنكحني ابْنَتك أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قد حبستها لولد أخي جَعْفَر فَقَالَ عمر إِنَّه وَالله مَا على وَجه الأَرْض من يرصد من حسن صحبتهَا مَا أرصد فأنكحني يَا أَبَا الْحسن فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 قد أنكحتكها فَعَاد عمر إِلَى مَجْلِسه بالروضة مجْلِس الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ رفئوني قَالُوا بِمن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ بِأم كُلْثُوم بنت عَليّ وَأخذ يحدث أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (كل صهر أَو سَبَب أَو نسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا صهري وسببي ونسبي) وَأَنه كَانَ لي صُحْبَة فَأَحْبَبْت أَن يكون لي مَعهَا سَبَب وَبِهَذَا الحَدِيث الْمَرْوِيّ من طَريقَة أهل الْبَيْت يزْدَاد التَّعَجُّب من إِنْكَار جمَاعَة من جهلة أهل الْبَيْت فِي أزمنتنا تَزْوِيج عمر بِأم كُلْثُوم لَكِن لَا عجب لِأَن أُولَئِكَ لم يخالطوا الْعلمَاء وَمَعَ ذَلِك استولى على عُقُولهمْ جهلة الروافض فأدخلوا فِيهَا ذَلِك فقلدوهم فِيهِ وَمَا دروا أَنه عين الْكَذِب ومكابرة للحس إِذْ من مارس الْعلم وطالع كتب الْأَخْبَار وَالسّنَن علم ضَرُورَة أَن عليا زَوجهَا لَهُ وَأَن إِنْكَار ذَلِك جهل وعناد ومكابرة للحس وخبال فِي الْعقل وَفَسَاد فِي الدّين وَفِي رِوَايَة للبيهقي أَن عمر لما قَالَ فَأَحْبَبْت ان يكون لي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَب وَنسب فَقَامَ عَليّ للحسنين زوجا عمكما فَقَالَا هِيَ امْرَأَة من النِّسَاء تخْتَار لنَفسهَا فَقَامَ عَليّ مغضبا فَأمْسك الْحسن ثَوْبه وَقَالَ لَا صَبر لنا على هجرانك يَا أبتاه فزوجاه وَفِي رِوَايَة أَن عمر صعد الْمِنْبَر فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّه وَالله مَا حَملَنِي على الإلحاح على عَليّ فِي ابْنَته إِلَّا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كل سَبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وَنسب وصهر يَنْقَطِع إِلَّا سببي وصهري وإنهما يأتيان يَوْم الْقِيَامَة فيشفعان لصاحبهما وَفِي رِوَايَة أَنه لما أَكثر تردده إِلَى عَليّ اعتل بصغرها فَقَالَ لَهُ مَا حَملَنِي على كَثْرَة ترددي إِلَيْك إِلَّا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كل حسب وَنسب وَسبب وصهر يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا حسبي ونسبي وسببي وصهري فَأمر بهَا عَليّ فزينت وَبعث بهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهَا قَامَ إِلَيْهَا وأجلسها فِي حجره وَقبلهَا ودعا لَهَا فَلَمَّا قَامَت أَخذ بساقها وَقَالَ لَهَا قولي لأَبِيك قد رضيت قد رضيت فَلَمَّا جَاءَت قَالَ لَهَا مَا قَالَ لَك فَذكرت لَهُ جَمِيع مَا فعله وَمَا قَالَه وأنكحها إِيَّاه فَولدت لَهُ زيدا مَاتَ رجلا وَفِي رِوَايَة أَنه لما خطبهَا إِلَيْهِ قَالَ حَتَّى اسْتَأْذن فَاسْتَأْذن ولد فَاطِمَة فأذنوا لَهُ وَفِي رِوَايَة أَن الْحُسَيْن سكت وَتكلم الْحسن فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا أبتاه من بعد عمر صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتُوفِّي وَهُوَ عَنهُ رَاض ثمَّ ولي الْخلَافَة فَعدل فَقَالَ لَهُ أَبوهُ صدقت وَلَكِن كرهت أَن أقطع أمرا دونكما ثمَّ قَالَ لَهَا انطلقي إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقولِي لَهُ إِن أبي يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك إِنَّا قد قضينا حَاجَتك الَّتِي طلبت فَأَخذهَا عمر وَضمّهَا إِلَيْهِ وَأعلم من عِنْده أَنه تزَوجهَا فَقيل لَهُ إِنَّهَا صبية صَغِيرَة فَذكر الحَدِيث السَّابِق وَفِي آخِره أردْت أَن يكون بيني وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَب وصهر وَتَقْبِيله وضمه لَهَا على جِهَة الْإِكْرَام لِأَنَّهَا لصغرها لم تبلغ حدا تشْتَهى حَتَّى يحرم ذَلِك وَلَوْلَا صغرها لما بعث بهَا أَبوهَا كَذَلِك ثمَّ حَدِيث عمر هَذَا جَاءَ عَن جمَاعَة آخَرين من الصَّحَابَة كالمنذر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَابْن عمر قَالَ الذَّهَبِيّ وَإِسْنَاده صَالح تَنْبِيه علم مِمَّا ذكر فِي هَذِه الْأَحَادِيث عَظِيم نفع الانتساب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي أَحَادِيث أخر من حثه لأهل بَيته على خشيَة الله واتقائه وطاعته وَأَن الْقرب إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة إِنَّمَا هُوَ بالتقوى فَمن ذَلِك الحَدِيث الصَّحِيح أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} الشُّعَرَاء 214 دَعَا قُريْشًا فَاجْتمعُوا فَعم وَخص وَطلب مِنْهُم أَن ينقذوا أنفسهم من النَّار إِلَى أَن قَالَ (يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد يَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب يَا بني عبد الْمطلب لَا أملك لكم من الله شَيْئا غير أَن لكم رحما سيأبلها بِبلَالِهَا) وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن حبَان (يَا بني هَاشم لَا يَأْتِين النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بِالآخِرَة يحملونها على ظُهُورهمْ وتأتون بالدنيا على ظهوركم لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا) وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد (إِن أوليائي يَوْم الْقِيَامَة المتقون وَإِن كَانَ نسب أقرب من نسب لَا تَأتي النَّاس بِالْأَعْمَالِ وتأتون بالدنيا تحملونها على رِقَابكُمْ فتقولون يَا مُحَمَّد فَأَقُول هَكَذَا وَهَكَذَا) وَأعْرض فِي كلا عطفيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 وَأخرج الطَّبَرَانِيّ (إِن أهل بَيْتِي هَؤُلَاءِ يرَوْنَ أَنهم أولى النَّاس بِي وَلَيْسَ كَذَلِك إِن أوليائي مِنْكُم المتقون من كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا) وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهارا غير سر يَقُول (إِن آل أبي فلَان لَيْسُوا بأوليائي إِنَّمَا وليي الله وَصَالح الْمُؤمنِينَ) زَاد البُخَارِيّ (لَكِن لَهُم رحم سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا) يَعْنِي سأصلها بصلتها وَوجه عدم الْمُنَافَاة كَمَا قَالَه الْمُحب الطَّبَرِيّ وَغَيره من الْعلمَاء أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يملك لأحد شَيْئا لَا نفعا وَلَا ضرا لَكِن الله عز وَجل يملكهُ نفع أَقَاربه وَجَمِيع أمته بالشفاعة الْعَامَّة والخاصة فَهُوَ لَا يملك إِلَّا مَا يملكهُ لَهُ مَوْلَاهُ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (غير أَن لكم رحما سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا) وَكَذَا معنى قَوْله (لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا) أَي بِمُجَرَّد نَفسِي من غير مَا يكرمني بِهِ الله من نَحْو شَفَاعَة أَو مغْفرَة وخاطبهم بذلك رِعَايَة لمقام التخويف والحث على الْعَمَل والحرص على أَن يَكُونُوا أولى النَّاس حظا فِي تقوى الله وخشيته ثمَّ أَوْمَأ إِلَى حق رَحمَه إِشَارَة إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 إِدْخَال نوع طمأنينة عَلَيْهِم وَقيل هَذَا قبل علمه بِأَن الانتساب إِلَيْهِ ينفع وَبِأَنَّهُ يشفع فِي إِدْخَال قوم الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَرفع دَرَجَات آخَرين وَإِخْرَاج قوم من النَّار وَلما خَفِي ذَلِك الْجمع عَن بَعضهم حمل حَدِيث (كل سَبَب وَنسب) على أَن المُرَاد أَن أمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة ينسبون إِلَيْهِ بِخِلَاف أُمَم الْأَنْبِيَاء لَا ينسبون إِلَيْهِم وَهُوَ بعيد وَإِن حَكَاهُ وَجها فِي الرَّوْضَة بل يردهُ مَا مر من استناد عمر إِلَيْهِ فِي الْحِرْص على تَزْوِيجه بِأم كُلْثُوم وَإِقْرَار عَليّ والمهاجرين وَالْأَنْصَار لَهُ على ذَلِك وَيَردهُ على ذَلِك وَيَردهُ أَيْضا ذكر الصهر والحسب مَعَ السَّبَب وَالنّسب كَمَا مر وغضبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قيل إِن قرَابَته لَا تَنْفَع على أَن فِي حَدِيث البُخَارِيّ مَا يَقْتَضِي نِسْبَة بَقِيَّة الْأُمَم إِلَى أَنْبِيَائهمْ فَإِن فِيهِ (يَجِيء نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأمته فَيَقُول الله تَعَالَى هَل بلغت فَيَقُول أَي رب نعم فَيَقُول لأمته هَل بَلغَكُمْ. .) الحَدِيث وَكَذَا جَاءَ فِي غَيره وَاعْلَم أَنه اسْتُفِيدَ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث السَّابِق (إِن أوليائي مِنْكُم المتقون) وَقَوله (إِنَّمَا وليي الله وَصَالح الْمُؤمنِينَ) أَن نفع رَحمَه وقرابته وشفاعته للمذنبين من أهل بَيته وَإِن لم تنتف لَكِن يَنْتَفِي عَنْهُم بِسَبَب عصيانهم ولَايَة الله وَرَسُوله لكفرانهم نعْمَة قرب النّسَب إِلَيْهِ بارتكابهم مَا يسوءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد عرض عَمَلهم عَلَيْهِ وَمن ثمَّ يعرض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن يَقُول لَهُ مِنْهُم يَوْم الْقِيَامَة يَا مُحَمَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 كَمَا فِي الحَدِيث السَّابِق وَقد قَالَ الْحسن بن الْحسن السبط لبَعض الغلاة فيهم وَيحكم أحبونا لله فَإِن أَطعْنَا الله فأحبونا وَإِن عَصَيْنَاهُ فابغضونا وَيحكم لَو كل الله نَافِعًا بِقرَابَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر عمل بِطَاعَتِهِ لنفع بذلك من هُوَ أقرب إِلَيْهِ منا وَالله إِنِّي أَخَاف أَن يُضَاعف للعاصي منا الْعَذَاب ضعفين وَإِن يُؤْتى المحسن منا أجره مرَّتَيْنِ وَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من قَوْله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} الْأَحْزَاب 30 خَاتِمَة علم من الْأَحَادِيث السَّابِقَة اتجاه قَول صَاحب التَّلْخِيص من أَصْحَابنَا من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَوْلَاد بَنَات غَيره لَا ينسبون إِلَى جدهم من الْكَفَاءَة وَغَيرهَا وَأنكر ذَلِك الْقفال وَقَالَ لَا خُصُوصِيَّة بل كَانَ أحد ينْسب إِلَيْهِ اولاد بَنَاته وَيَردهُ الْخَبَر السَّابِق (كل بني أم ينتمون إِلَى عصبَة) إِلَى آخِره ثمَّ معنى الانتساب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي هُوَ من خصوصياته أَنه يُطلق عَلَيْهِ أَنه أَب لَهُم وَأَنَّهُمْ بنوه حَتَّى يعْتَبر ذَلِك فِي الْكَفَاءَة فَلَا يكافىء شريفة هاشمية غير شرِيف وَقَوْلهمْ إِن بني هَاشم وَالْمطلب أكفاء مَحَله فِيمَا عدا هَذِه الصُّورَة كَمَا بَينته بِمَا فِيهِ كِفَايَة فِي إِفْتَاء طَوِيل مسطر فِي الْفَتَاوَى وَحَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 يدْخلُونَ فِي الْوَقْف على أَوْلَاده وَالْوَصِيَّة لَهُم وَأما أَوْلَاد بَنَات غَيره فَلَا تجْرِي فيهم مَعَ جدهم لأمهم هَذِه الْأَحْكَام نعم يَسْتَوِي الْجد للْأَب وَالأُم فِي الانتساب إِلَيْهِمَا من حَيْثُ تطلق الذُّرِّيَّة والنسل والعقب عَلَيْهِم فَأَرَادَ صَاحب التَّلْخِيص بالخصوصية مَا مر وَأَرَادَ الْقفال بعدمها هَذَا وَحِينَئِذٍ فَلَا خلاف بَينهمَا فِي الْحَقِيقَة وَمن فَوَائِد ذَلِك أَيْضا أَنه يجوز أَن يُقَال للحسنين أَبنَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَب لَهما اتِّفَاقًا وَلَا يجْرِي فِيهِ القَوْل الضَّعِيف لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُقَال لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَب الْمُؤمنِينَ وَلَا عِبْرَة بِمن منع ذَلِك حَتَّى فِي الحسنين من الأمويين للْخَبَر الصَّحِيح الْآتِي فِي الْحسن إِن ابْني هَذَا سيد وَمُعَاوِيَة وَإِن نقل الْقُرْطُبِيّ عَنهُ ذَلِك لَكِن نقل عَنهُ مَا يَقْتَضِي أَنه رَجَعَ عَن ذَلِك وَغير مُعَاوِيَة من بَقِيَّة الأمويين الْمَانِع لذَلِك لَا يعْتد بِهِ وعَلى الْأَصَح فَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم} الْأَحْزَاب 40 إِنَّمَا سيق لانْقِطَاع حكم التبني لَا لمنع هَذَا الْإِطْلَاق المُرَاد بِهِ أَنه أَبُو الْمُؤمنِينَ فِي الاحترام وَالْإِكْرَام الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} الضُّحَى 5 نقل الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ رَضِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا يدْخل أحد من أهل بَيته النَّار وَقَالَهُ السّديّ انْتهى وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَعَدَني رَبِّي فِي أهل بَيْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 من أقرّ مِنْهُم لله بِالتَّوْحِيدِ ولي بالبلاغ أَن لَا يعذبهم) وَأخرج الملا (سَأَلت رَبِّي أَن لَا يدْخل النَّار أحد من أهل بَيْتِي فَأَعْطَانِي ذَلِك) وَأخرج أَحْمد فِي المناقب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا معشر بني هَاشم وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا لَو أخذت بِحَلقَة الْجنَّة مَا بدأت إِلَّا بكم) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (أول من يرد عَليّ الْحَوْض أهل بَيْتِي وَمن أَحبَّنِي من أمتِي) وَهُوَ ضَعِيف وَالَّذِي صَحَّ (أول من يرد عَليّ الْحَوْض فُقَرَاء الْمُهَاجِرين) فَإِن صَحَّ الأول أَيْضا حمل على أَن أُولَئِكَ أول من يرد بعد هَؤُلَاءِ وَأخرج المخلص وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ (أول من أشفع لَهُ من أمتِي أهل بَيْتِي ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من قُرَيْش ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ من آمن بِي واتبعني من الْيمن ثمَّ سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْأَعَاجِم وَمن أشفع لَهُ أَولا أفضل) وَعند الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا (أول من أشفع لَهُ من أمتِي من أهل الْمَدِينَة ثمَّ أهل مَكَّة ثمَّ أهل الطَّائِف) وَيجمع بَينهمَا بِأَن ذَاك فِيهِ تَرْتِيب من حَيْثُ الْقَبَائِل وَهَذَا فِيهِ تَرْتِيب من حَيْثُ الْبلدَانِ فَيحْتَمل أَن المُرَاد الْبدَاءَة فِي قُرَيْش بِأَهْل الْمَدِينَة ثمَّ مَكَّة ثمَّ الطَّائِف وَكَذَا فِي الْأَنْصَار ثمَّ من بعدهمْ وَمن أهل مَكَّة بذلك على هَذَا التَّرْتِيب وَمن أهل الطَّائِف بذلك كَذَلِك وَأخرج تَمام وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن فَاطِمَة أحصنت فرجهَا فَحرم الله ذريتها على النَّار) وَفِي رِوَايَة (فَحَرمهَا الله وذريتها على النَّار) وَأخرج الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي أَنه قَالَ (يَا فَاطِمَة لم سميت فَاطِمَة) قَالَ عَليّ لم سميت فَاطِمَة يَا رَسُول الله قَالَ (إِن الله قد فطمها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وذريتها من النَّار) وَأخرج النَّسَائِيّ (إِن ابْنَتي فَاطِمَة حوراء آدمية لم تَحض وَلم تطمث إِنَّمَا سَمَّاهَا فَاطِمَة لِأَن الله فطمها ومحبيها عَن النَّار) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا (إِن الله غير معذبك وَلَا أحد من ولدك) وَورد أَيْضا (يَا عَبَّاس إِن الله غير معذبك وَلَا أحد من ولدك) وَصَحَّ (يَا بني عبد الْمطلب) وَفِي رِوَايَة (يَا بني هَاشم إِنِّي قد سَأَلت الله عز وَجل لكم أَن يجعلكم رحماء نجباء وَسَأَلته أَن يهدي ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم) وَأخرج الديلمي وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (نَحن بَنو عبد الْمطلب سَادَات أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 الْجنَّة أَنا وَحَمْزَة وجعفر بن أبي طَالب وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَالْمهْدِي) وَفِي حَدِيث ضَعِيف عَن عَليّ شَكَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسد النَّاس فَقَالَ لي (أما ترْضى أَن تكون رَابِع أَرْبَعَة أول من يدْخل الْجنَّة أَنا وَأَنت وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأَزْوَاجنَا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا وَذُرِّيَّتنَا خلف أَزوَاجنَا) وَأخرج أَحْمد فِي المناقب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (أما ترْضى أَنَّك معي فِي الْجنَّة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَذُرِّيَّتنَا خلف ظُهُورنَا وَأَزْوَاجنَا خلف ذريتنا وشيعتنا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا) وَمر عَن عَليّ فِي الْآيَة الثَّامِنَة بَيَان صفة تِلْكَ الشِّيعَة فراجع ذَلِك فَإِنَّهُ مُهِمّ وَبِه تبين لَك أَن أَن الْفرْقَة الْمُسَمَّاة بالشيعة الْآن إِنَّمَا هم شيعَة إِبْلِيس لِأَنَّهُ استولى على عُقُولهمْ فأضلها ضلالا مُبينًا وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (أول أَرْبَعَة يدْخلُونَ الْجنَّة أَنا وَأَنت وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَذُرِّيَّاتنَا خلف ظُهُورنَا وَأَزْوَاجنَا خلف ذرياتنا وشيعتنا عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 وَسَنَده ضَعِيف لَكِن يشْهد لَهُ مَا صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس (إِن الله يرفع ذُرِّيَّة الْمُؤمن مَعَه فِي دَرَجَته وَإِن كَانُوا دونه فِي الْعَمَل) ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} الطّور 21 الْآيَة وَأخرج الديلمي (يَا عَليّ إِن الله قد غفر لَك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك فأبشر فَإنَّك الأنزع البطين) وَهُوَ // ضَعِيف // وَكَذَا خبر (أَنْت وشيعتك تردون عَليّ الْحَوْض رُوَاة مرويين مبيضة وُجُوهكُم وَإِن عَدوك يردون عَليّ الْحَوْض ظماء مقمحين) ضَعِيف أَيْضا وَمر بَيَان صِفَات شيعته فاحذر من غرور الضَّالّين وتمويه الجاحدين الرافضة والشيعة وَنَحْوهمَا {قَاتلهم الله أَنى يؤفكون} التَّوْبَة 30 الْآيَة الْحَادِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} الْبَيِّنَة 7 أخرج الْحَافِظ جمال الدّين الزرندي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 الْآيَة لما نزلت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي (هُوَ أَنْت وشيعتك تَأتي أَنْت وشيعتك يَوْم الْقِيَامَة راضين مرضيين وَيَأْتِي عَدوك غضابا مقمحين) قَالَ وَمن عدوي قَالَ (من تَبرأ مِنْك ولعنك) وَخبر (السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة طُوبَى لَهُم) قيل وَمن هم يَا رَسُول الله قَالَ (شيعتك يَا عَليّ ومحبوك) فِيهِ كَذَّاب واستحضر مَا مر فِي صِفَات شيعته واستحضر أَيْضا الْأَخْبَار السَّابِقَة فِي الْمُقدمَات أول الْبَاب فِي الرافضة وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ (يَا أَبَا الْحسن أما أَنْت وشيعتك فِي الْجنَّة وَإِن قوما يَزْعمُونَ أَنهم يحبونك يصغرون الْإِسْلَام ثمَّ يلفظونه يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية لَهُم نبز يُقَال لَهُم الرافضة فَإِن أدركتهم فَقَاتلهُمْ فَإِنَّهُم مشركون) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لهَذَا الحَدِيث عندنَا طرقات كَثِيرَة ثمَّ أخرج عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَت لَيْلَتي وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدِي فَأَتَتْهُ فَاطِمَة فتبعها عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا عَليّ أَنْت وَأَصْحَابك فِي الْجنَّة أَنْت وشيعتك فِي الْجنَّة إِلَّا أَنه مِمَّن يزْعم مِمَّن يحبك أَقوام يصغرون الْإِسْلَام يلفظونه يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم لَهُم نبز يُقَال لَهُم الرافضة فجاهدهم فَإِنَّهُم مشركون) قَالُوا يَا رَسُول الله مَا الْعَلامَة فيهم قَالَ (لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 يشْهدُونَ جُمُعَة وَلَا جمَاعَة ويطعنون على السّلف) وَمن ثمَّ قَالَ مُوسَى بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ وَكَانَ فَاضلا عَن أَبِيه عَن جده إِنَّمَا شِيعَتِنَا منأطاع الله وَرَسُوله وَعمل أَعمالنَا الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {وَإنَّهُ لعلم للساعة} الزخرف 61 قَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان وَمن تبعه من الْمُفَسّرين إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْمهْدي وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيث المصرحة بِأَنَّهُ من أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ وَحِينَئِذٍ فَفِي الْآيَة دلَالَة على الْبركَة فِي نسل فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَن الله ليخرج مِنْهُمَا كثيرا طيبا وَأَن يَجْعَل نسلهما مَفَاتِيح الْحِكْمَة ومعادن الرَّحْمَة وسر ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعاذها وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم ودعا لعَلي بِمثل ذَلِك وَشرح ذَلِك كُله يعلم بسياق الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَيْهِ وَأخرج النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح أَن نَفرا من الْأَنْصَار قَالُوا لعَلي رَضِي الله عَنهُ لَو كَانَت عنْدك فَاطِمَة فَدخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي ليخطيها فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ (مَا حَاجَة ابْن أبي طَالب) قَالَ فَذكرت فَاطِمَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مرْحَبًا وَأهلا) فَخرج إِلَى الرَّهْط من الْأَنْصَار ينتظرونه فَقَالُوا لَهُ مَا وَرَاءَك قَالَ مَا أَدْرِي غير أَنه قَالَ لي مرْحَبًا وَأهلا قَالُوا يَكْفِيك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحدهمَا قد أَعْطَاك الْأَهْل وأعطاك الرحب فَلَمَّا كَانَ بعد مَا زوجه قَالَ لَهُ (يَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 عَليّ إِنَّه لَا بُد للعرس من وَلِيمَة) قَالَ سعد رَضِي الله عَنهُ عِنْدِي كَبْش وَجمع لَهُ رَهْط من الْأَنْصَار آصعا من ذرة فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْبناء قَالَ (يَا عَليّ لَا تحدث شَيْئا حَتَّى تَلقانِي) فَدَعَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَاء فَتَوَضَّأ بِهِ ثمَّ أفرغه على عَليّ وَفَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ (اللَّهُمَّ بَارك فيهمَا وَبَارك عَلَيْهِمَا وَبَارك لَهما فِي نسلهما) وَفِي رِوَايَة (فِي شملهما) وَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ الْجِمَاع وَفِي أُخْرَى (شبليهما) قيل وَهُوَ تَضْعِيف فَإِن صحت فالشبل ولد الْأسد فَيكون ذَلِك كشفا واطلاعا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنَّهَا تَلد الحسنين فَأطلق عَلَيْهِمَا شبلين وهما كَذَلِك وَأخرج أَبُو عَليّ الْحسن بن شَاذان أَن جِبْرِيل جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تزوج فَاطِمَة من عَليّ فَدَعَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ (الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته) الْخطْبَة الْمَشْهُورَة ثمَّ زوج عليا وَكَانَ غَائِبا وَفِي آخرهَا (فَجمع الله شملهما وأطاب نسلهما وَجعل نسلهما مَفَاتِيح الرَّحْمَة ومعادن الْحِكْمَة وَأمن الْأمة) فَلَمَّا حضر عَليّ تَبَسم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لَهُ (إِن الله أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة أرضيت بذلك) فَقَالَ قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 رضيتها يَا رَسُول الله ثمَّ خر عَليّ سَاجِدا لله شكرا فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَارك الله لَكمَا وَبَارك فيكما وأعز جدكما وَأخرج مِنْكُمَا الْكثير الطّيب) قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ وَالله لقد أخرج الله مِنْهُمَا الْكثير الطّيب وَأخرج أَكْثَره أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي الحاكمي وَالْعقد لَهُ مَعَ غيبته سَائِغ لِأَن من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْكح من شَاءَ لمن شَاءَ بِلَا إِذن لِأَنَّهُ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم على أَنه يحْتَمل أَنه بِحُضُور وَكيله وَيحْتَمل أَنه إِعْلَام لَهُم بِمَا سيفعله وَقَوله قد رضيتها يحْتَمل أَنه إِخْبَار عَن رِضَاهُ بِوُقُوع العقد السَّابِق من وَكيله فَهِيَ وَاقعَة حَال مُحْتَملَة وَأخرج أَبُو دَاوُد السجسْتانِي أَن أَبَا بكر خطبهَا فَأَعْرض عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عمر فَأَعْرض عَنهُ فَأتيَا عليا فنبهاه إِلَى خطبتها فجَاء فَخَطَبَهَا فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا مَعَك) فَقَالَ فرسي وبدني قَالَ (أما فرسك فَلَا بُد لَك مِنْهُ وَأما بدنك فبعها وائتني بهَا) فَبَاعَهَا باربعمائة وَثَمَانِينَ ثمَّ وَضعهَا فِي حجره فَقبض مِنْهَا قَبْضَة وَأمر بِلَالًا أَن يَشْتَرِي بهَا طيبا ثمَّ أَمرهم أَن يجهزوها فَعمل لَهَا سريرا شريط وَفِي شريط وسَادَة من أَدَم حشوها لِيف وملأ الْبَيْت كثيبا يَعْنِي رملا وَأمر أم أَيمن أَن تَنْطَلِق إِلَى ابْنَته وَقَالَ لعَلي (لَا تعجل حَتَّى آتِيك) ثمَّ أَتَاهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لأم أَيمن هَهُنَا أخي قَالَت أَخُوك وتزوجه ابْنَتك قَالَ (نعم) فَدخل على فَاطِمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 ودعا بِمَاء فَأَتَتْهُ بقدح فِيهِ مَاء فمج فِيهِ ثمَّ نضح على رَأسهَا وَبَين ثدييها وَقَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم) ثمَّ قَالَ لعَلي (ائْتِنِي بِمَاء) فَعلمت مَا يُرِيد فملأت الْقَعْب فَأَتَيْته بِهِ فنضح مِنْهُ على رَأْسِي وَبَين كَتِفي وَقَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهُ بك وَذريته من الشَّيْطَان الرَّجِيم) ثمَّ قَالَ (ادخل بأهلك على اسْم الله تَعَالَى وبركته) وَأخرج أَحْمد وَأَبُو حَاتِم نَحوه وَقد ظَهرت بركَة دُعَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسلهما فَكَانَ مِنْهُ من مضى وَمن يَأْتِي وَلَو لم يكن فِي الآتين إِلَّا الإِمَام الْمهْدي لكفى وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْل الثَّانِي جملَة مستكثرة من الْأَحَادِيث المبشرة بِهِ وَمن ذَلِك مَا أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَآخَرُونَ (الْمهْدي من عِتْرَتِي من ولد فَاطِمَة) وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه (لَو لم يبْق من الدَّهْر إِلَّا يَوْم لبعث الله فِيهِ رجلا من عِتْرَتِي) وَفِي رِوَايَة (رجلا من أهل بَيْتِي يملؤها عدلا كَمَا ملئت جورا) وَفِي رِوَايَة لمن عدا الْأَخير (لَا تذْهب الدُّنْيَا وَلَا تَنْقَضِي حَتَّى يملك رجل من أهل بَيْتِي يواطىء اسْمه اسْمِي) وَفِي أُخْرَى لأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ (لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لطول الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يبْعَث الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 فِيهِ رجلا من أهل بَيْتِي يواطىء اسْمه اسْمِي وَاسم أَبِيه اسْم أبي يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت جورا وظلما) وَأحمد وَغَيره (الْمهْدي منا أهل الْبَيْت يصلحه الله فِي لَيْلَة) وَالطَّبَرَانِيّ (الْمهْدي منا يخْتم الدّين بِنَا كَمَا فتح بِنَا) وَالْحَاكِم فِي صَحِيحه (يحل بأمتي فِي آخر الزَّمَان بلَاء شَدِيد من سلطانهم لم يسمع بلَاء أَشد مِنْهُ حَتَّى لَا يجد الرجل ملْجأ فيبعث الله رجلا من عِتْرَتِي أهل بَيْتِي يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت ظلما وجورا يُحِبهُ سَاكن الأَرْض وَسَاكن السَّمَاء وَترسل السَّمَاء قطرها وَتخرج الأَرْض نباتها لَا تمسك فِيهَا شَيْئا يعِيش فيهم سبع سِنِين أَو ثمانيا أَو تسعا يتَمَنَّى الْأَحْيَاء الْأَمْوَات مِمَّا صنع الله بِأَهْل الأَرْض من خَيره) وروى االطبراني وَالْبَزَّار نَحوه وَفِيه (يمْكث فِيكُم سبعا أَو ثمانيا فَإِن أَكثر فتسعا) وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالْحَاكِم (يملك فِيكُم سبع سِنِين) وَفِي أُخْرَى لِلتِّرْمِذِي (إِن فِي أمتِي الْمهْدي يخرج يعِيش خمْسا أَو سبعا أَو تسعا فَيَجِيء إِلَيْهِ الرجل فَيَقُول يَا مهْدي أَعْطِنِي أَعْطِنِي فيحثي لَهُ فِي ثَوْبه مَا اسْتَطَاعَ أَن) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 يعْمل رِوَايَة وَفِي رِوَايَة (فيلبث فِي ذَلِك سِتا أَو سبعا أَو ثمانيا أَو تسع سِنِين) وَسَيَأْتِي أَن الَّذِي اتّفقت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث سبع سِنِين من غير شكّ وَأخرج أَحْمد وَمُسلم (يكون فِي آخر الزَّمَان خَليفَة يحثو المَال حثيا وَلَا يعده عدا) وَابْن مَاجَه مَرْفُوعا (يخرج نَاس من الْمشرق فيوطئون للمهدي سُلْطَانه) وَصَحَّ أَن اسْمه يُوَافق اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسم أَبِيه اسْم أَبِيه وَأخرج ابْن ماجة بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أقبل فِئَة من بني هَاشم فَلَمَّا رَآهُمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغرورقت عَيناهُ وَتغَير لَونه قَالَ فَقلت مَا نزال نرى فِي وَجهك شَيْئا نكرهه فَقَالَ (إِنَّا أهل بَيت اخْتَار الله لنا الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَإِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي بلَاء شَدِيدا وتطريدا حَتَّى يَأْتِي قوم من قبل الْمشرق مَعَهم رايات سود فيسالون الْخَيْر فَلَا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون مَا سَأَلُوا فَلَا يقبلونه حَتَّى يدفعوها إِلَى رجل من أهل بَيْتِي فيملؤها قسطا كَمَا ملأوها جورا فَمن أدْرك ذَلِك مِنْكُم فليأتهم وَلَو حبوا على الثَّلج) وَفِي سَنَده من هُوَ سيء الْحِفْظ مَعَ اخْتِلَاطه فِي آخر عمره وَأخرج أَحْمد عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا (إِذا رَأَيْتُمْ الرَّايَات السود قد خرجت من خُرَاسَان فأتوها وَلَو حبوا على الثَّلج فَإِن فِيهَا خَليفَة الله الْمهْدي) وَفِي سَنَده مضعف لَهُ مَنَاكِير وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة وَلَا حجَّة فِي هَذَا وَالَّذِي قبله لَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 فرض انهما صَحِيحَانِ لمن زعم أَن الْمهْدي ثَالِث خلفاء بني الْعَبَّاس وَأخرج نصير بن حَمَّاد مَرْفُوعا (هُوَ رجل من عِتْرَتِي يُقَاتل عَن سنتي كَمَا قَاتَلت انا على الْوَحْي وَأخرج أَبُو نعيم ليبْعَثن الله رجلا من عِتْرَتِي أفرق الثنايا أجلى الْجَبْهَة يمْلَأ الأَرْض عدلا يفِيض المَال فيضا) وَأخرج الرَّوْيَانِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا (الْمهْدي من وَلَدي وَجهه كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّي اللَّوْن لون عَرَبِيّ والجسم جسم إسرائيلي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا يرضى لخلافته أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وَالطير فِي الجو يملك عشْرين سنة) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا (يلْتَفت الْمهْدي وَقد نزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام كَأَنَّمَا يقطر من شعره المَاء فَيَقُول الْمهْدي تقدم فصل بِالنَّاسِ فَيَقُول عِيسَى إِنَّمَا أُقِيمَت الصَّلَاة لَك فَيصَلي خلف رجل من وَلَدي) الحَدِيث وَفِي صَحِيح ابْن حبَان فِي إِمَامَة الْمهْدي نَحوه وَصَحَّ مَرْفُوعا (ينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم فَيَقُول أَمِيرهمْ الْمهْدي تعال صل بِنَا فَيَقُول لَا إِن بَعْضكُم أَئِمَّة على بعض تكرمة الله هَذِه الْأمة) وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا الدُّنْيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 إِلَّا إدبارا وَلَا النَّاس إِلَّا شحا وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس وَلَا مهْدي إِلَّا عِيسَى ابْن مَرْيَم) أَي لَا مهْدي على الْحَقِيقَة سواهُ لوضعه الْجِزْيَة وإهلاكه الْملَل الْمُخَالفَة لملتنا كَمَا صحت بِهِ الْأَحَادِيث أَو لَا مهْدي مَعْصُوما إِلَّا هُوَ وَلَقَد قَالَ إِبْرَاهِيم بن ميسرَة لطاوس عمر بن عبد الْعَزِيز الْمهْدي قَالَ لَا إِنَّه لم يستكمل الْعدْل كُله أَي فَهُوَ من جملَة المهديين وَلَيْسَ الْمَوْعُود بِهِ آخر الزَّمَان وَقد صرح أَحْمد وَغَيره بِأَنَّهُ من المهديين الْمَذْكُورين فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي) ثمَّ تَأْوِيل حَدِيث (لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى) إِنَّمَا هُوَ على تَقْدِير ثُبُوته وَإِلَّا فقد قَالَ الْحَاكِم أوردته تَعَجبا لَا محتجا بِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن خَالِد وَقد قَالَ الْحَاكِم إِنَّه مَجْهُول وَاخْتلف عَنهُ فِي إِسْنَاده وَصرح النَّسَائِيّ بِأَنَّهُ مُنكر وَجزم غَيره من الْحفاظ بَان الْأَحَادِيث الَّتِي قبله أَي الناصة على أَن الْمهْدي من ولد فَاطِمَة أصح إِسْنَادًا وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ (إِذا قَامَ قَائِم آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع الله أهل الْمشرق وَأهل الْمغرب فَأَما الرفقاء فَمن أهل الْكُوفَة وَأما الأبدال فَمن أهل الشَّام) وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يكون اخْتِلَاف عِنْد موت خَليفَة فَيخرج رجل من الْمَدِينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 هَارِبا إِلَى مَكَّة فيأتيه نَاس من أهل مَكَّة فيخرجونه وَهُوَ كَارِه فيبايعونه بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَيبْعَث إِلَيْهِم بعث من الشَّام فيخسف بهم بِالْبَيْدَاءِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَإِذا رأى النَّاس ذَلِك أَتَاهُ أبدال أهل الشَّام وعصائب أهل الْعرَاق فيبايعونه ثمَّ ينشأ رجل من قُرَيْش أَخْوَاله كلب فيبعث إِلَيْهِم بعثا فيظهرون عَلَيْهِم وَذَلِكَ بعث كلب والخيبة لمن لم يشْهد غنيمَة كلب فَيقسم المَال وَيعْمل فِي النَّاس بِسنة نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويلقي الْإِسْلَام بجرانه إِلَى الأَرْض) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة (نَبينَا خير الْأَنْبِيَاء وَهُوَ أَبوك وشهيدنا خير الشُّهَدَاء وَهُوَ عَم أَبِيك حَمْزَة وَمنا من لَهُ جَنَاحَانِ يطير بهما فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ هُوَ ابْن عَم أَبِيك جَعْفَر ومناسبطا هَذِه الْأمة الْحسن وَالْحُسَيْن وهما ابناك) وَالْمرَاد أَنه يتشعب مِنْهُمَا قبيلتان وَيكون من نسلهما خلق كثير وَمنا الْمهْدي وَأخرج ابْن مَاجَه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لطول الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يملك رجل من أهل بَيْتِي يملك جبل الديلم والقسطنطينية) وَصَحَّ عِنْد الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا منا أهل الْبَيْت أَرْبَعَة منا السفاح وَمنا الْمُنْذر وَمنا الْمَنْصُور وَمنا الْمهْدي فَإِن أَرَادَ بِأَهْل الْبَيْت مَا يَشْمَل جَمِيع بني هَاشم وَيكون الثَّلَاثَة الأول من نسل الْعَبَّاس والأخير من نسل فَاطِمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 فَلَا إِشْكَال فِيهِ وَإِن أَرَادَ أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة من نسل الْعَبَّاس أمكن حمل الْمهْدي فِي كَلَامه على ثَالِث خلفاء بني الْعَبَّاس لِأَنَّهُ فيهم كعمر بن عبد الْعَزِيز فِي بني أُميَّة لما أوتيه من الْعدْل التَّام والسيرة الْحَسَنَة وَلِأَنَّهُ جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن اسْم الْمهْدي يُوَافق اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسم أَبِيه اسْم أَبِيه وَالْمهْدِي هَذَا كَذَلِك لِأَنَّهُ مُحَمَّد بن عبد الله الْمَنْصُور وَيُؤَيّد ذَلِك خبر ابْن عدي الْمهْدي من ولد الْعَبَّاس عمي لَكِن قَالَ الذَّهَبِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن الْوَلِيد مولى بني هَاشم وَكَانَ يضع الحَدِيث وَلَا يُنَافِي هَذَا الْحمل وصف ابْن عَبَّاس للمهدي فِي كَلَامه بِأَنَّهُ يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئث جورا وتأمن الْبَهَائِم السبَاع فِي زَمَنه وتلقي الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا أَي أَمْثَال الأسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَن هَذِه الْأَوْصَاف يُمكن تطبيقها على الْمهْدي العباسي وَإِذا أمكن حمل كَلَامه على مَا ذَكرْنَاهُ لم يناف الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة السَّابِقَة أَن الْمهْدي من ولد فَاطِمَة لِأَن المُرَاد بالمهدي فِيهَا الْآتِي آخر الزَّمَان الَّذِي يأتم بِهِ عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَسلم وَرِوَايَة (إِنَّه يَلِي الْأَمر بعد الْمهْدي اثْنَا عشر رجلا سِتَّة من ولد الْحسن وَخَمْسَة من ولد الْحُسَيْن وَآخر من غَيرهم) واهية جدا كَمَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام والحافظ الشهَاب ابْن حجر أَي مَعَ مخالفتها للأحاديث الصَّحِيحَة أَنه آخر الزَّمَان وَأَن عِيسَى يأتم بِهِ وَلخَبَر الطَّبَرَانِيّ (سَيكون من بعدِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 خلفاء ثمَّ من بعد الْخُلَفَاء أُمَرَاء ثمَّ من بعد الْأُمَرَاء مُلُوك وَمن بعد الْمُلُوك جبابرة ثمَّ يخرج رجل من أهل بَيْتِي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا ثمَّ يُؤمر القحطاني فوالذي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دونه) وَفِي نُسْخَة مَا يقوونه وعَلى مَا حملنَا عَلَيْهِ كَلَام ابْن عَبَّاس يُمكن أَن يحمل مَا رَوَاهُ هُوَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لن تهْلك أمة أَنا أَولهَا وَعِيسَى ابْن مَرْيَم آخرهَا وَالْمهْدِي وَسطهَا) أخرجه أَبُو نعيم فَيكون المُرَاد بِهِ الْمهْدي العباسي ثمَّ رَأَيْت بَعضهم قَالَ المُرَاد بالوسط فِي خبر (لن تهْلك أمة أَنا أَولهَا ومهديها وَسطهَا والمسيح ابْن مَرْيَم آخرهَا) مَا قبل الآخر وَأخرج أَحْمد وَالْمَاوَرْدِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَبْشِرُوا بالمهدي رجل من قُرَيْش من عِتْرَتِي يخرج فِي اخْتِلَاف من النَّاس وزلزال فَيمْلَأ الأَرْض عدلا وقسطا كَمَا ملئت ظلما وجورا ويرضى عَنهُ سَاكن السَّمَاء وَسَاكن الأَرْض وَيقسم المَال صحاحا بِالسَّوِيَّةِ ويملأ قُلُوب أمة مُحَمَّد غنى ويسعهم عدله حَتَّى إِنَّه يَأْمر مناديا فينادي من لَهُ حَاجَة إِلَيّ فَمَا يَأْتِيهِ أحد إِلَّا رجل وَاحِد يَأْتِيهِ فيسأله فَيَقُول ائْتِ السادن حَتَّى يعطيك فيأتيه فَيَقُول أَنا رَسُول الْمهْدي إِلَيْك لتعطيني مَالا فَيَقُول أحث فيحثي مَالا يَسْتَطِيع أَن يحملهُ فيلقي حَتَّى يكون قدر مَا يَسْتَطِيع أَن يحمل فَيخرج بِهِ فيندم فَيَقُول أَنا كنت أجشع أمة مُحَمَّد نفسا كلهم دعِي إِلَى هَذَا المَال فَتَركه غَيْرِي فَيرد عَلَيْهِ فَيَقُول إِنَّا لَا نقبل شَيْئا أعطيناه فيلبث فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 ذَلِك سِتا أَو سبعا أَو ثمانيا أَو تسع سِنِين وَلَا خير فِي الْحَيَاة بعده) تَنْبِيه الْأَظْهر أَن خُرُوج الْمهْدي قبل نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل بعده قَالَ أَبُو الْحسن الآبري قد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار واستفاضت بِكَثْرَة رواتها عَن الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخُرُوجِهِ وَأَنه من أهل بَيته وَأَنه يمْلَأ الأَرْض عدلا وَأَنه يخرج مَعَ عِيسَى على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فيساعده على قتل الدَّجَّال بِبَاب لد بِأَرْض فلسطين وَأَنه يؤم هَذِه الْأمة وَيُصلي عِيسَى خَلفه انْتهى وَمَا ذكره من أَن الْمهْدي يُصَلِّي بِعِيسَى هُوَ الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث كَمَا علمت وَأما مَا صَححهُ السعد التَّفْتَازَانِيّ من أَن عِيسَى هُوَ الإِمَام بالمهدي لِأَنَّهُ أفضل فإمامته أولى فَلَا شَاهد لَهُ فِيمَا علل بِهِ لِأَن الْقَصْد بإمامة الْمهْدي لعيسى إِنَّمَا هُوَ إِظْهَار أَنه نزل تَابعا لنبينا حَاكما بِشَرِيعَتِهِ غير مُسْتَقل بِشَيْء من شَرِيعَة نَفسه واقتداؤه بِبَعْض هَذِه الْأمة مَعَ كَونه أفضل من ذَلِك الإِمَام الَّذِي اقْتدى بِهِ فِيهِ من إذاعة ذَلِك وإظهاره مَا لَا يخفى على أَنه يُمكن الْجمع بِأَن يُقَال إِن عِيسَى يَقْتَدِي بالمهدي أَو لَا لإِظْهَار ذَلِك الْغَرَض ثمَّ بعد ذَلِك يَقْتَدِي الْمهْدي بِهِ على أصل الْقَاعِدَة من اقْتِدَاء الْمَفْضُول بالفاضل وَبِه يجْتَمع الْقَوْلَانِ وروى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه أَنه من ولد الْحسن وَكَأن سره ترك الْحسن الْخلَافَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 لله عز وَجل شَفَقَة على الْأمة فَجعل الله الْقَائِم بالخلافة الْحق عِنْد شدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا من وَلَده ليملأ الأَرْض عدلا وَرِوَايَة كَونه من ولد الْحُسَيْن واهية جدا وَمَعَ ذَلِك لَا حجَّة فِيهِ لما زعمته الرافضة أَن الْمهْدي هُوَ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد الْحجَّة بن الْحسن العسكري ثَانِي عشر الْأَئِمَّة الآتين فِي الْفَصْل الْآتِي على اعْتِقَاد الإمامية وَمِمَّا يرد عَلَيْهِم مَا صَحَّ أَن اسْم أبي الْمهْدي يُوَافق اسْم أبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسم أبي مُحَمَّد الْحجَّة لَا يُوَافق ذَلِك وَيَردهُ أَيْضا قَول عَليّ مولد الْمهْدي بِالْمَدِينَةِ وَمُحَمّد الْحجَّة هَذ إِنَّمَا ولد بسر من رأى سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَمن المجازفات والجهالات زعم بَعضهم أَن رِوَايَة إِنَّه من أَوْلَاد الْحسن وَرِوَايَة اسْم أَبِيه اسْم أبي كل مِنْهُمَا وهم وزعمه أَيْضا أَن الْأمة أَجمعت على أَنه من أَوْلَاد الْحُسَيْن وأنى لَهُ بتوهيم الروَاة بالتشهي وَنقل الْإِجْمَاع بِمُجَرَّد التخمين والحدس والقائلون من الرافضة بِأَن الْحجَّة هَذَا هُوَ الْمهْدي يَقُولُونَ لم يخلف أَبوهُ غَيره وَمَات وعمره خمس سِنِين آتَاهُ الله فِيهَا الْحِكْمَة كَمَا آتاها يحيى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَبيا وَجعله إِمَامًا فِي حَال الطفولية كَمَا جعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَذَلِك توفّي أَبوهُ بسر من رأى وتستر هُوَ بِالْمَدِينَةِ وَله غيبتان صغرى من مُنْذُ وِلَادَته إِلَى انْقِطَاع السفارة بَينه وَبَين شيعته وكبرى وَفِي آخرهَا يقوم وَكَانَ فَقده يَوْم الْجُمُعَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فَلم يدر أَيْن ذهب خَافَ على نَفسه فَغَاب فَقَالَ ابْن خلكان والشيعة ترى فِيهِ أَنه المنتظر والقائم الْمهْدي وَهُوَ صَاحب السرداب عِنْدهم وأقاويلهم فِيهِ كَثِيرَة وهم ينتظرون خُرُوجه آخر الزَّمَان من السرداب بسر من رأى دخله فِي دَار أَبِيه وَأمه تنظر إِلَيْهِ سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وعمره حِينَئِذٍ تسع سِنِين فَلم يعد يخرج إِلَيْهَا وَقيل دخله وعمره أَربع وَقيل خمس وَقيل سَبْعَة عشر انْتهى مُلَخصا وَالْكثير على أَن العسكري لم يكن لَهُ ولد لطلب أَخِيه جَعْفَر مِيرَاثه من تركته لما مَاتَ فَدلَّ طلبه أَن أَخَاهُ لَا ولد لَهُ وَإِلَّا لم يَسعهُ الطّلب وَحكى السُّبْكِيّ عَن جُمْهُور الرافضة أَنهم قَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا عقب للعسكري وَأَنه لم يثبت لَهُ ولد بعد أَن تعصب قوم لإثباته وَأَن أَخَاهُ جعفرا أَخذ مِيرَاثه وجعفر هَذَا ضللته فرقة من لاشيعة ونسبوه للكذب فِي ادعائه مِيرَاث أَخِيه وَلذَا سموهُ وَاتبعهُ فرقة وأثبتوا لَهُ الْإِمَامَة وَالْحَاصِل أَنهم تنازعوا فِي المنتظر بعد وَفَاة العسكري على عشْرين فرقة وَأَن الْجُمْهُور غير الإمامية على أَن الْمهْدي غير الْحجَّة هَذَا إِذْ تغيب شخص هَذِه الْمدَّة المديدة من خوارق الْعَادَات فَلَو كَانَ هُوَ لَكَانَ وَصفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك أظهر من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 وَصفه بِغَيْر ذَلِك مِمَّا مر ثمَّ الْمُقَرّر فِي الشَّرِيعَة المطهرة أَن الصَّغِير لَا تصح ولَايَته فَكيف سَاغَ لهَؤُلَاء الحمقى المغفلين أَن يزعموا إِمَامَة من عمره خمس سِنِين وَأَنه أُوتِيَ الحكم صَبيا مَعَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخبر بِهِ مَا ذَلِك إِلَّا مجازفة وجراءة على الشَّرِيعَة الغراء قَالَ بعض أهل الْبَيْت وليت شعري من الْمخبر لَهُم بِهَذَا وَمَا طَرِيقه وَلَقَد صَارُوا بذلك وبوقوفهم بِالْخَيْلِ على ذَلِك السرداب وصياحهم بِأَن يخرج إِلَيْهِم ضحكة لأولي الْأَلْبَاب وَلَقَد أحسن الْقَائِل (مَا آن للسرداب أَن يلد الَّذِي ... كلمتموه وبجهلكم ماآنا) (فعلى عقولكم العفاء فَإِنَّكُم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا) وَزَعَمت فرقة من الشِّيعَة أَن الإِمَام الْمهْدي هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر بن الْحُسَيْن السبط حَبسه المعتصم فنقبت شيعته الْحَبْس وأخرجوه وذهبوا بِهِ فَلم يعرف لَهُ خبر وَفرْقَة أَن الإِمَام الْمهْدي مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قيل فقد بعد أَخَوَيْهِ السبطين وَقيل قبلهمَا وَأَنه حَيّ بجبال رضوى وَلم تعد الرافضة من أهل الْبَيْت زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن مَعَ أَنه إِمَام جليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 من الطَّبَقَة الثَّانِيَة من التَّابِعين بَايعه كَثِيرُونَ بِالْكُوفَةِ وَطلبت مِنْهُ الرافضة أَن يتبرأ من الشَّيْخَيْنِ لينصروه فَقَالَ بل أتولاهما فَقَالُوا إِذا نرفضك فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة فسموا بذلك من حِينَئِذٍ وَكَانَ جملَة من بَايعه خَمْسَة عشر ألفا وَعند مُبَايَعَتهمْ قَالَ لَهُ بعض بني الْعَبَّاس يَا ابْن عَم لَا يغرنك هَؤُلَاءِ من نَفسك فَفِي أهل بَيْتك لَك أتم العبر وَفِي خذلانهم إيَّاهُم كِفَايَة وَلما أَبى إِلَّا الْخُرُوج تقاعد عَنهُ جمَاعَة مِمَّن بَايعه وَقَالُوا الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق ابْن أَخِيه الباقر فَلم يبْق مَعَه إِلَّا مِائَتَا رجل وَعِشْرُونَ رجلا فجَاء الْحجَّاج بجموعه فَهزمَ زيدا وأصابه سهم فِي جَبهته فَمَاتَ فَدفن بِأَرْض نهر وَأجْرِي المَاء عَلَيْهِ ثمَّ علم الْحجَّاج بِهِ فنبشه ثمَّ بعث بِرَأْسِهِ وصلب جثته سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة وَاسْتمرّ مصلوبا حَتَّى مَاتَ هِشَام بن عبد الْملك وَقَامَ الْوَلِيد فدفنه وَقيل بل كتب لعامله اعمد إِلَى عجل أهل الْعرَاق فحرقه ثمَّ انسفه فِي اليم نسفا فَفعل بِهِ ذَلِك ورؤي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَندا إِلَى جذعه المصلوب عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول للنَّاس هَكَذَا تَفْعَلُونَ بولدي وروى غير وَاحِد أَنهم صلبوه مُجَردا فَنسجَتْ العنكبوت على عَوْرَته فِي يَوْمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 وَلم يعدوا أَيْضا إِسْحَاق بن جَعْفَر الصَّادِق مَعَ جلالة قدره حَتَّى كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول عَنهُ حَدثنِي الثِّقَة الرضى وَذَهَبت فرقة من الشِّيعَة إِلَى إِمَامَته ثمَّ من عَجِيب تنَاقض الرافضة أَنهم لم يدعوها لزيد وَإِسْحَاق مَعَ جلالتهما وادعاء زيد لَهَا وَمن قواعدهم أَنَّهَا تثبت لمن ادَّعَاهَا من أهل الْبَيْت وَأظْهر خوارق الْعَادة الدَّالَّة على صدقه وادعوها لمُحَمد الْحجَّة مَعَ أَنه لم يَدعهَا وَلَا أظهر ذَلِك لغيبته عَن أَبِيه صَغِيرا على مَا زَعَمُوا واختفائه بِحَيْثُ لم يره إِلَّا آحَاد زَعَمُوا رُؤْيَته وكذبهم غَيرهم فِيهَا وَقَالُوا لَا وجود لَهُ أصلا كَمَا مر فَكيف يثبت لَهُ ذَلِك بِمُجَرَّد الْإِمْكَان ويكتفي الْعَاقِل بذلك فِي بَاب العقائد ثمَّ أَي فَائِدَة فِي إِثْبَات الْإِمَامَة لعاجز عَن أعبائها ثمَّ مَا هِيَ الطَّرِيق المثبتة لِأَن كل وَاحِد من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين ادّعى الْإِمَامَة بِمَعْنى ولَايَة الْخلق وَأظْهر الخوارق على ذَلِك مَعَ أَن الطافح من كلماتهم الثَّابِتَة دَال على أَنهم لَا يدعونَ ذَلِك بل يبعدون مِنْهُ وَإِن كَانُوا أَهلا لَهُ ذكر ذَلِك بعض أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ الَّذين طهر الله قُلُوبهم من الزيغ والضلال ونزه عُقُولهمْ من السَّفه وتناقض الآراء لتمسكهم بواضح الْبُرْهَان وصحيح الِاسْتِدْلَال وألسنتهم عَن الْكَذِب والبهتان الْمُوجب لأولئك غَايَة الْبَوَار والنكار الْآيَة الثَّالِثَة عشرَة قَوْله تَعَالَى وعَلى الْأَعْرَاف رجال يعْرفُونَ كلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 بِسِيمَاهُمْ) الْأَعْرَاف 46 أخرج الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ الْأَعْرَاف مَوضِع عَال من الصِّرَاط عَلَيْهِ الْعَبَّاس وَحَمْزَة وَعلي بن أبي طَالب وجعفر ذُو الجناحين يعْرفُونَ محبيهم ببياض الْوُجُوه مبغضيهم بسواد الْوُجُوه وَأورد الديلمي وَابْنه مَعًا لَكِن بِلَا إِسْنَاد أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ ارْزُقْ من أبغضني وَأهل بَيْتِي كَثْرَة المَال والعيال) كفاهم بذلك أَن يكثر مَالهم فَيطول حسابهم وَأَن تكْثر عِيَالهمْ فتكثر شياطينهم وَحِكْمَة الدُّعَاء عَلَيْهِم بذلك أَنه لَا حَامِل على بغضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبغض أهل بَيته إِلَّا الْميل إِلَى الدُّنْيَا لما جبلوا عَلَيْهِ من محبَّة المَال وَالْولد فَدَعَا عَلَيْهِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتكثير ذَلِك مَعَ سلبهم نعْمَته فَلَا يكون إِلَّا نقمة عَلَيْهِم لكفرانهم نعْمَة من هُدُوا على يَدَيْهِ إيثارا للدنيا بِخِلَاف من دَعَا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتكثير ذَلِك كأنس رَضِي الله عَنهُ إِذْ الْقَصْد بِهِ كَون ذَلِك نعْمَة عَلَيْهِم فيتوصل بِهِ إِلَى مَا رتبه عَلَيْهِ من الْأُمُور الأخروية والدنيوية النافعة الْآيَة الرَّابِعَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا} إِلَى قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ} الشورى 23 25 اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة مُشْتَمِلَة على مَقَاصِد وتوابع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 الْمَقْصد الأول فِي تَفْسِيرهَا أخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن هَذِه الْآيَة لما نزلت قَالُوا يَا رَسُول الله من قرابتك هَؤُلَاءِ الَّذين وَجَبت علينا مَوَدَّتهمْ قَالَ (عَليّ وَفَاطِمَة وابناهما) وَفِي سَنَده شيعي غال لكنه صَدُوق وروى أَبُو الشَّيْخ وَغَيره عَن عَليّ كرم الله وَجهه فِينَا آل حم آيَة لَا يحفظ مودتنا إِلَى كل مُؤمن ثمَّ قَرَأَ (قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى) وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ من طرق بَعْضهَا حسان أَنه خطب خطْبَة من جُمْلَتهَا من عرفني فقد عرفني وَمن لم يعرفنِي فَأَنا الْحسن بن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تَلا (وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم) الْآيَة يُوسُف 38 ثمَّ قَالَ أَنا ابْن البشير أَنا ابْن النذير ثمَّ قَالَ وَأَنا من أهل الْبَيْت الَّذين افْترض الله عز وَجل مَوَدَّتهمْ وموالاتهم فَقَالَ فِيمَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى) وَفِي رِوَايَة الَّذين افْترض الله مَوَدَّتهمْ على كل مُسلم وَأنزل فيهم {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا} الشورى 23 واقتراف الْحَسَنَات مودتنا أهل الْبَيْت وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زين العابدين أَنه لما جِيءَ بِهِ أَسِيرًا عقب مقتل أَبِيه الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا وأقيم على درج دمشق قَالَ بعض جُفَاة أهل الشَّام الْحَمد لله الَّذِي قتلكم واستأصلكم وَقطع قرن الْفِتْنَة فَقَالَ لَهُ مَا قَرَأت قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَى الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى قَالَ وَأَنْتُم هم قَالَ نعم وللشيخ الْجَلِيل شمس الدّين ابْن الْعَرَبِيّ رَحمَه الله (رَأَيْت ولائي آل طه فَرِيضَة ... على رغم أهل الْبعد يورثني القربا) (فَمَا طلب الْمَبْعُوث أجرا على الْهدى ... بتبليغه إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى) وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالُوا يَا رَسُول الله من قرابتك ... الحَدِيث وَأخرج الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي {وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا} قَالَ الْمَوَدَّة لآل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 وَنقل الثَّعْلَبِيّ وَالْبَغوِيّ عَنهُ أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ قوم فِي نُفُوسهم مَا يُرِيد إِلَّا أَن يحثنا على قرَابَته من بعده فَأخْبر جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم اتَّهَمُوهُ فَأنْزل {أم يَقُولُونَ افترى على الله كذبا} الشورى 24 الْآيَة فَقَالَ الْقَوْم يَا رَسُول الله إِنَّك صَادِق فَنزل {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده} الشورى 25 وَنقل الْقُرْطُبِيّ وَغَيره عَن السّديّ أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى إِن الله لغَفُور شكور الشورى 23 غَفُور لذنوب آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شكور لحسناتهم وَرَأى ابْن عَبَّاس حمل الْقُرْبَى فِي الْآيَة على الْعُمُوم فَفِي البُخَارِيّ وَغَيره عَنهُ أَن ابْن جُبَير لما فسر الْقُرْبَى بآل مُحَمَّد قَالَ لَهُ عجلت أَي فِي التَّفْسِير إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن بطن فِي قُرَيْش إِلَّا كَانَ فِيهِ قرَابَة فَقَالَ (إِلَّا أَن تصلوا مَا بيني وَبَيْنكُم من الْقَرَابَة) وَفِي رِوَايَة عَنهُ (قل لَا أَسأَلكُم على مَا أدعوكم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة تودوني بِقَرَابَتِي فِيكُم وتحفظوني فِي ذَلِك) وَفِي أُخْرَى عَنهُ أَنهم لما أَبَوا أَن يبايعوه أنزل الله عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا قوم إِذا أَبَيْتُم أَن تُبَايِعُونِي فاحفظوا قَرَابَتي وَلَا تؤذوني) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 وَتَبعهُ على ذَلِك عِكْرِمَة فَقَالَ كَانَت قُرَيْش تصل الْأَرْحَام فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا دعاهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الله خالفوه وقاطعوه فَأَمرهمْ بصلَة الرَّحِم الَّتِي بَينهم وَبينهمْ فَقَالَ (إِن لم تحفظوني فِيمَا جِئْت بِهِ فاحفظوني لقرابتي فِيكُم) وَجرى على ذَلِك أَيْضا قَتَادَة وَالسُّديّ وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم وَغَيرهم وَيُؤَيِّدهُ أَن السُّورَة مَكِّيَّة وَرِوَايَة نُزُولهَا بِالْمَدِينَةِ لما فخرت الْأَنْصَار على الْعَبَّاس وَابْنه ضَعِيفَة وعَلى فرض صِحَّتهَا تكون نزلت مرَّتَيْنِ وَمَعَ ذَلِك فَهَذَا كُله لَا يُنَافِي مَا مر من تَخْصِيص الْقُرْبَى بالآل لِأَن من ذهب إِلَيْهِ كَابْن جُبَير اقْتصر على أخص أَفْرَاد الْقُرْبَى وَبَين أَن حفظهم آكِد من حفظ بَقِيَّة تِلْكَ الْأَفْرَاد وَيُسْتَفَاد من الِاقْتِصَار عَلَيْهِم طلب مودته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحفظه بِالْأولَى لِأَنَّهُ إِذا طلب حفظهم لأَجله فحفظه هُوَ أولى بذلك وَأَحْرَى وَلذَا لم ينْسب ابْن عَبَّاس ابْن جُبَير إِلَى الْخَطَأ بل إِلَى العجلة أَي عَن تَأمل ان الْقَصْد من الْآيَة الْعُمُوم والأهم مِنْهَا أَولا وبالذات وده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّا يُؤَيّد أَن لَا مضادة بَين تفسيري ابْن جُبَير وَابْن عَبَّاس أَن ابْن جُبَير كَانَ يُفَسر الْآيَة تَارَة بِهَذَا وَتارَة بِهَذَا فَافْهَم صِحَة إِرَادَة كل مِنْهُمَا فِيهَا بل جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس مَا يُوَافق تَفْسِير ابْن جُبَير وَهُوَ رِوَايَته للْحَدِيث الَّذِي ذكرنَا أَن فِي سَنَده شِيعِيًّا غاليا وَلَا يُنَافِي ذَلِك كُله أَيْضا تَفْسِيرهَا بِأَن المُرَاد إِلَّا التودد إِلَى الله لما أخرجه غير وَاحِد عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (لَا أَسأَلكُم على مَا أتيتكم بِهِ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 الْبَينَات وَالْهدى أجرا إِلَّا أَن تودوا الله وتتقربوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ) وَوجه عدم الْمُنَافَاة أَن من جملَة مَوَدَّة الله سُبْحَانَهُ والتقرب إِلَيْهِ مَوَدَّة رَسُوله وَأهل بَيته وَذكر بعض مَعَاني اللَّفْظ لَا يُنَافِي مَا لَا يضاده مِنْهَا فضلا عَمَّا يومىء وَيُشِير إِلَيْهِ وَقيل الْآيَة مَنْسُوخَة لِأَنَّهَا نزلت بِمَكَّة وَالْمُشْرِكُونَ يؤذونه أَمرهم بمودته وصلَة رَحمَه فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وآواه الْأَنْصَار ونصروه ألحقهُ الله بإخوانه من الْأَنْبِيَاء فَأنْزل {قل مَا سألتكم من أجر فَهُوَ لكم إِن أجري إِلَّا على الله} سبأ 47 ورده الْبَغَوِيّ بِأَن مودته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكف الْأَذَى عَنهُ ومودة أَقَاربه والتقرب إِلَى الله بِالطَّاعَةِ وَالْعَمَل الصَّالح من فَرَائض الدّين أَي الْبَاقِيَة على ممر الْأَبَد فَلم يجز ادِّعَاء بنسخ الْآيَة الدَّالَّة على ذَلِك فَإِن هَذَا الحكم الَّذِي دلّت عَلَيْهِ بَاقٍ مُسْتَمر فَكيف يَدعِي رَفعه وَنسخ وَإِلَّا الْمَوَدَّة اسْتثِْنَاء مُنْقَطع أَي لكني أذكركم أَن تودوا الْقَرَابَة الَّتِي بيني وَبَيْنكُم فَلَيْسَ ذَلِك أجرا فِي مُقَابلَة أَدَاء الرسَالَة حَتَّى تكون هَذِه الْآيَة مُنَافِيَة لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة الَّتِي استدلوا بهَا على النّسخ وَقد بَالغ الثَّعْلَبِيّ فِي الرَّد عَلَيْهِم فَقَالَ وَكفى قبحا بقول من زعم أَن التَّقَرُّب إِلَى الله بِطَاعَتِهِ ومودة نبيه وَأهل بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْسُوخ انْتهى وَيصِح دَعْوَى أَنه مُتَّصِل بِخَبَر الملا فِي سيرته (إِن الله جعل أجري عَلَيْكُم الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَإِنِّي سَائِلكُمْ عَنْهُم غَدا) وَحِينَئِذٍ فتسمية ذَلِك أجرا مجَاز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا تضمنته تِلْكَ الْآيَة من طلب محبَّة آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن ذَلِك من كَمَال الْإِيمَان ولنفتح هَذَا الْمَقْصد بِآيَة أُخْرَى ثمَّ نذْكر الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهِ قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} مَرْيَم 96 أخرج الْحَافِظ السلَفِي عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة أَنه قَالَ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة لَا يبْقى مُؤمن إِلَّا وَفِي قلبه ود لعَلي وَأهل بَيته وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني لحب الله عز وَجل وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي) وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ لهَذَا فِي الْعِلَل المتناهية وهم وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو الشَّيْخ والديلمي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يُؤمن عبد حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من نَفسه وَتَكون عِتْرَتِي أحب إِلَيْهِ من نَفسه وَيكون أَهلِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 أحب إِلَيْهِ من أَهله وَتَكون ذاتي أحب إِلَيْهِ من ذَاته) وَأخرج الديلمي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أدبوا أَوْلَادكُم على ثَلَاث خِصَال حب نَبِيكُم وَحب أهل بَيته وعَلى قِرَاءَة الْقُرْآن) الحَدِيث وَصَحَّ أَن الْعَبَّاس شكا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يلقون من قُرَيْش من تعبيسهم فِي وُجُوههم وقطعهم حَدِيثهمْ عِنْد لقائهم فَغَضب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَضبا شَدِيدا حَتَّى احمر وَجهه ودر عرق بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يدْخل قلب رجل الْإِيمَان حَتَّى يحبكم لله وَلِرَسُولِهِ) وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة أَيْضا (مَا بَال أَقوام يتحدثون فَإِذا رَأَوْا الرجل من أهل بَيْتِي قطعُوا حَدِيثهمْ وَالله لَا يدْخل قلب رجل الْإِيمَان حَتَّى يُحِبهُمْ لله ولقرابتهم مني) وَفِي أُخْرَى (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يُؤمنُوا وَلَا يُؤمنُوا حَتَّى يحبوكم لله وَلِرَسُولِهِ أترجو مُرَاد شَفَاعَتِي وَلَا يرجوها بَنو عبد الْمطلب) وَفِي أُخْرَى (لن يبلغُوا خيرا حَتَّى يحبوكم لله ولقرابتي) وَفِي أُخْرَى لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 (لَا يُؤمن أحدهم حَتَّى يحبكم بحبي أترجون أَن تدْخلُوا الْجنَّة بشفاعتي وَلَا يرجوها بَنو عبد الْمطلب) وَبَقِي لَهُ طرق أُخْرَى كَثِيرَة وقدمت بنت أبي لَهب الْمَدِينَة مهاجرة فَقيل لَهَا لَا تغني عَنْك هجرتك أَنْت بنت حطب النَّار فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاشْتَدَّ غَضَبه ثمَّ قَالَ على منبره (مَا بَال أَقوام يؤذوني فِي نسبي وَذَوي رحمي أَلا وَمن آذي نَبِي وَذَوي رحمي فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله) أخرجه ابْن أبي عَاصِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مندة وَالْبَيْهَقِيّ بِأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة وَسميت تِلْكَ الْمَرْأَة فِي رِوَايَة درة وَفِي أُخْرَى سبيعة فإمَّا هما لوَاحِدَة اسمان أَو لقب وَاسم أَو لامرأتين وَتَكون الْقِصَّة تعدّدت لَهما وَخرج عَمْرو الْأَسْلَمِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِلَى الْيمن فر أى مِنْهُ جفوة فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة أذاع شكايته فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد آذيتني) فَقَالَ أعوذ بِاللَّه أَو أؤذيك يَا رَسُول الله فَقَالَ (بل من آذي عليا فقد آذَانِي) أخرجه أَحْمد زَاد ابْن عبد الْبر (من أحب عليا فقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 أَحبَّنِي وَمن أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن آذَى عليا فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله) وَكَذَلِكَ وَقع لبريدة أَنه كَانَ مَعَ عَليّ فِي الْيمن فَقدم مغضبا عَلَيْهِ وَأَرَادَ شكايته بِجَارِيَة أَخذهَا من الْخمس فَقيل لَهُ أخبرهُ ليسقط عَليّ من عَيْنَيْهِ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمع من رواء الْبَاب فَخرج مغضبا فَقَالَ (مَا بَال أَقوام ينتقصون عليا من أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن فَارق عليا فقد فارقني إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ خلق من طينتي وخلقت من طِينَة إِبْرَاهِيم وَأَنا أفضل من إِبْرَاهِيم {ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض وَالله سميع عليم} آل عمرَان 14 يَا بُرَيْدَة أما علمت أَن لعَلي أَكثر من الْجَارِيَة الَّتِي أَخذ) الحَدِيث أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَفِيه حُسَيْن الْأَشْقَر وَمر أَنه شيعي غال وَفِي خبر ضَعِيف أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الزموا مودتنا أهل الْبَيْت فَإِنَّهُ من لَقِي الله عز وَجل وَهُوَ يودنا دخل الْجنَّة بشفاعتنا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا ينفع عبدا عمله إِلَّا بِمَعْرِِفَة حَقنا) وَيُوَافِقهُ قَول كَعْب الْأَحْبَار وَعمر بن عبد الْعَزِيز لَيْسَ أحد من أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا لَهُ شَفَاعَة وَأخرج أَبُو الشَّيْخ والديلمي (من لم يعرف حق عِتْرَتِي وَالْأَنْصَار وَالْعرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 فَهُوَ لإحدى ثَلَاث إِمَّا مُنَافِق وَإِمَّا ولد زنية وَإِمَّا امْرُؤ حملت بِهِ أمه فِي غير طهر) وَأخرج الديلمي (من أحب الله أحب الْقُرْآن وَمن أحب الْقُرْآن أَحبَّنِي وَمن أَحبَّنِي أحب أَصْحَابِي وَقَرَابَتِي) وَمر فِي الْآيَة الثَّامِنَة مَا لَهُ كَبِير تعلق بِمَا نَحن فِيهِ فَرَاجعه وَأخرج أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَلَيْهِم وَوَجهه مشرق كدائرة الْقَمَر فَسَأَلَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ (بِشَارَة أَتَتْنِي من رَبِّي فِي أخي وَابْن عمي وابنتي بِأَن الله زوج عليا من فَاطِمَة وَأمر رضوَان خَازِن الْجنان فهز شَجَرَة طُوبَى فَحملت رقاقا يَعْنِي صكاكا بِعَدَد محبي أهل الْبَيْت وَأَنْشَأَ تحتهَا مَلَائِكَة من نور دفع إِلَى كل ملك صكا فَإِذا اسْتَوَت الْقِيَامَة بِأَهْلِهَا نادت الْمَلَائِكَة فِي الْخَلَائق فَلَا يبْقى محب لأهل الْبَيْت إِلَّا دفعت إِلَيْهِ صكا فِيهِ فكاكه من النَّار فَصَارَ أخي وَابْن عمي وابنتي فكاك رِقَاب رجال وَنسَاء من أمتِي من النَّار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 وَأخرج الملا (لَا يحبنا أهل الْبَيْت إِلَّا مُؤمن تَقِيّ وَلَا يبغضنا إِلَّا مُنَافِق شقي) وَمر خبر أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ (من أَحبَّنِي وَأحب هذَيْن يَعْنِي حسنا وَحسَيْنا وأباهما وأمهما كَانَ معي فِي الْجنَّة) وَفِي رِوَايَة (فِي درجتي) زَاد أَبُو دَاوُد (وَمَات مُتبعا لسنتي) وَبهَا يعلم أَن مُجَرّد محبتهم من غير اتِّبَاع للسّنة كَمَا يزعمه الشِّيعَة والرافضة من محبتهم مَعَ مجانبتهم للسّنة لَا يُفِيد مدعيها شَيْئا من الْخَيْر بل تكون عَلَيْهِ وبالا وَعَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقد مر عَن عَليّ فِي الْآيَة الثَّامِنَة بَيَان صِفَات شيعته الَّذين تنفعهم محبته ومحبة أهل بَيته فراجع تِلْكَ الْأَوْصَاف فَإِنَّهَا تقضي على هَؤُلَاءِ المنتحلين حبهم مَعَ مخالفتهم هديهم بِأَنَّهُم وصلوا إِلَى غَايَة الشقاوة والحماقة والجهالة والغباوة رزقنا الله دوَام محبتهم وَاتِّبَاع هديهم آمين وَأما خبر (يَا عَليّ إِن أهل شِيعَتِنَا يخرجُون من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة على مَا فيهم من الذُّنُوب والعيوب وُجُوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر) فموضوع كأحاديث كَثِيرَة من هَذَا النمط بَينهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته وَأخرج الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} الشورى 23 حَدِيثا طَويلا من هَذَا النمط قَالَ شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر آثَار الْوَضع لائحة عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 وَحَدِيث (من أحبنا بِقَلْبِه وأعاننا بِيَدِهِ وَلسَانه كنت أَنا وَهُوَ فِي عليين وَمن أحبنا بِقَلْبِه وأعاننا بِلِسَانِهِ وكف عَنَّا يَده فَهُوَ فِي الدرجَة الَّتِي تَلِيهَا وَمن أحبنا بِقَلْبِه وكف عَنَّا لِسَانه وَيَده فَهُوَ فِي الدرجَة الَّتِي تَلِيهَا) فِي سَنَده رَافِضِي غال فِي الرَّفْض وَرجل آخر مَتْرُوك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 رجلا أفضل من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقلبت الأَرْض مشارقها ومغارها فَلم أجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا أشارت إِلَيْهِ من التحذير من بغضهم صَحَّ انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يبغضنا أهل الْبَيْت أحد إِلَّا أدخلهُ الله إِلَى النَّار) وَأخرج أَحْمد مَرْفُوعا (من أبْغض أهل الْبَيْت فَهُوَ مُنَافِق) وَأخرج هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ عَن جَابر (مَا كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقين إِلَّا ببغضهم عليا) وَخبر (من ابغض أحدا من أهل بَيْتِي فقد حرم شَفَاعَتِي) مَوْضُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 وَهَكَذَا خبر (من أبغضنا أهل الْبَيْت حشره الله يَوْم الْقِيَامَة يَهُودِيّا وَإِن لَا شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) فَهُوَ مَوْضُوع أَيْضا كَمَا قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ والعقيلي وَغير هذَيْن مِمَّا مر وَمَا يَأْتِي مغن عَنْهُمَا وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا (لَا يبغضنا وَلَا يحسدنا أحد إِلَّا ذيد عَن الْحَوْض يَوْم الْقِيَامَة بسياط من النَّار) وَفِي رِوَايَة لَهُ ضَعِيفَة أَيْضا من جملَة قصَّة طَوِيلَة (أَنْت الساب عليا لَئِن وَردت عَلَيْهِ الْحَوْض وَمَا أَرَاك ترده لتجدنه مشمرا حاسرا عَن ذِرَاعَيْهِ يذود الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ عَن حَوْض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول الصَّادِق المصدوق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ (يَا عَليّ مَعَك يَوْم الْقِيَامَة عَصا من عصي الْجنَّة تذود بهَا الْمُنَافِقين عَن الْحَوْض) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وَأحمد (أَعْطَيْت فِي عَليّ خمْسا هن أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أما وَاحِدَة فَهُوَ بَين يَدي الله حَتَّى يفرغ من الْحساب وَأما الثَّانِيَة فلواء الْحَمد بِيَدِهِ آدم وَمن وَلَده تَحْتَهُ وَأما الثَّالِثَة فواقف على حَوْضِي يسْقِي من عرف من أمتِي) وَمر خبر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (إِن عَدوك يردون عَليّ الْحَوْض ظماء مقمحين) وَأخرج الديلمي مَرْفُوعا (بغض بني هَاشم وَالْأَنْصَار كفر وبغض الْعَرَب نفاق) وَصحح الْحَاكِم خبر انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي سَأَلت الله لكم ثَلَاثًا أَن يثبت قائمكم وَأَن يهدي ضالكم وَأَن يعلم جاهلكم وَسَأَلت الله أَن يجعلكم جودا) وَفِي رِوَايَة نجدا من النجدة الشجَاعَة وَشدَّة الْبَأْس (نجباء رحماء فَلَو أَن رجلا صفن بَين الرُّكْن وَالْمقَام أَي جمع قَدَمَيْهِ فصلى وَصَامَ ثمَّ لَقِي الله وَهُوَ مبغض لأهل بَيت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل النَّار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 وَصَحَّ أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (سِتَّة لعنتهم ولعنهم الله وكل نَبِي مجاب الزَّائِد فِي كتاب الله عز وَجل والمكذب بِقدر الله والمتسلط على امتي بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذلّ الله والمستحل حُرْمَة الله وَفِي رِوَايَة لحرم الله والمستحل من عِتْرَتِي مَا حرم الله والتارك للسّنة) وَفِي رِوَايَة زِيَادَة سَابِع وَهُوَ (المستأثر بالفيء) وَأخرج أَحْمد عَن أبي رَجَاء أَنه كَانَ يَقُول لَا تسبوا عليا وَلَا أهل هَذَا الْبَيْت إِن جارا لنا قدم من الْكُوفَة فَقَالَ ألم تروا هَذَا الْفَاسِق ابْن الْفَاسِق إِن الله قَتله يَعْنِي الْحُسَيْن فَرَمَاهُ الله بكوكبين فِي عَيْنَيْهِ وطمس الله بَصَره تَنْبِيه قَالَ القَاضِي فِي الشِّفَاء مَا حَاصله من سبّ أَبَا أحد من ذُريَّته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم تقم قرينَة على إِخْرَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك قتل وَعلم من الْأَحَادِيث السَّابِقَة وجوب محبَّة أهل الْبَيْت وَتَحْرِيم بغضهم التَّحْرِيم الغليظ وبلزوم محبتهم صرح الْبَيْهَقِيّ وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا أَنَّهَا من فَرَائض الدّين بل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِيمَا حُكيَ عَنهُ من قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 (يَا أهل بَيت رَسُول الله حبكم ... فرض من الله فِي الْقُرْآن أنزلهُ) وَفِي (تَوْثِيق عرى الْإِيمَان) للبارزي عَن الإِمَام الحرالي مَا حَاصله إِن خَواص الْعلمَاء يَجدونَ فِي قُلُوبهم مزية تَامَّة بمحبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ محبَّة ذُريَّته لعلمهم باصطفاء نطفهم الْكَرِيمَة ثمَّ بمحبة أَوْلَاد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ ثمَّ أَوْلَاد بَقِيَّة الصَّحَابَة وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِم الْيَوْم نظرهم إِلَى آبَائِهِم بالْأَمْس لَو رَأَوْهُمْ وَيَنْبَغِي الإغضاء عَن انتقادهم وَمن ثمَّ يَنْبَغِي أَن الْفَاسِق من أهل الْبَيْت لبدعة أَو غَيرهَا إِنَّمَا نبغض أَفعاله لَا ذَاته لِأَنَّهَا بضعَة مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ بَينه وَبَينهَا وسائط وَأخرج أَبُو سعد فِي شرف النُّبُوَّة وَابْن الْمثنى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا فَاطِمَة إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك) فَمن آذَى أحدا من وَلَدهَا فقد تعرض لهَذَا الْخطر الْعَظِيم لِأَنَّهُ أغضبها وَمن أحبهم فقد تعرض لرضاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 وَلذَا صرح الْعلمَاء بِأَنَّهُ يَنْبَغِي إكرام سكان بَلَده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن تحقق مِنْهُم ابتداع أَو نَحوه رِعَايَة لحُرْمَة جواره الشريف فَمَا بالك بذريته الَّذين هم بضعَة مِنْهُ وروى فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} الْكَهْف 82 أَنه كَانَ بَينهم وَبَين الْأَب الَّذِي حفظا فِيهِ سَبْعَة أَو تِسْعَة آبَاء وَمن ثمَّ قَالَ جَعْفَر الصَّادِق احْفَظُوا فِينَا مَا حفظ الله الصَّالح فِي اليتيمين وَمَا انتقد ذُريَّته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محب لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 الْمَقْصد الرَّابِع مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة الْحَث على صلتهم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِم وَورد أخرج الديلمي مَرْفُوعا (من أَرَادَ التوسل إِلَيّ وَأَن يكون لَهُ عِنْدِي يَد أشفع لَهُ بهَا يَوْم الْقِيَامَة فَليصل أهل بَيْتِي وَيدخل السرُور عَلَيْهِم) وروى عَن عمر من طرق أَنه قَالَ للزبير انْطلق بِنَا نزور الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فتباطأ عَلَيْهِ الزبير فَقَالَ أما علمت أَن عِيَادَة بني هَاشم فَرِيضَة وزيارتهم نَافِلَة أَرَادَ أَن ذَلِك فيهم آكِد مِنْهُ فِي غَيرهم لَا حَقِيقَة الْفَرِيضَة فَهُوَ على حد قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (غسل الْجُمُعَة وَاجِب) وَأخرج الْخَطِيب مَرْفُوعا (يقوم الرجل للرجل إِلَّا بني هَاشم فَإِنَّهُم لَا يقومُونَ لأحد) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا (من اصْطنع إِلَى أحد من ولد عبد الْمطلب يدا فَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 يُكَافِئهُ بهَا فِي الدُّنْيَا فعلي مكافأته غَدا إِذا لَقِيَنِي) زَاد الثَّعْلَبِيّ فِي رِوَايَة لَكِن فِي سندها كَذَّاب (وَحرمت الْجنَّة على من ظَلَمَنِي فِي اهل بَيْتِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي) وَفِي خبر ضَعِيف (أَرْبَعَة أَنا لَهُم شَفِيع يَوْم الْقِيَامَة المكرم لذريتي وَالْقَاضِي لَهُم حوائجهم والساعي لَهُم فِي أُمُورهم عِنْدَمَا اضطروا إِلَيْهِ والمحب لَهُم بِقَلْبِه وَلسَانه) وَأخرج الملا فِي سيرته أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل أَبَا ذَر يُنَادي عليا فَرَأى رحى تطحن فِي بَيته وَلَيْسَ مَعهَا أحد فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالَ (يَا ابا ذَر أما علمت أَن لله مَلَائِكَة سياحين فِي الأَرْض قد وكلوا بمعونة آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من جملَة حَدِيث طَوِيل (يَا أَيهَا النَّاس إِن الْفضل والشرف والمنزلة وَالْولَايَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذريته فَلَا تذهبن بكم الأباطيل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 الْمَقْصد الْخَامِس مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة من توقيرهم وتعظيمهم وَالثنَاء عَلَيْهِم وَمن ثمَّ كثر ذَلِك من السّلف فِي حَقهم اقْتِدَاء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ كَانَ يكرم بني هَاشم كَمَا مر ودرج على ذَلِك الْخُلَفَاء الراشدون فَمن بعدهمْ أخرج البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقرابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ أَن أصل من قَرَابَتي وَفِي رِوَايَة أحب إِلَيّ من قَرَابَتي وَفِي أُخْرَى وَالله لِأَن أصلكم أحب إِلَيّ من أَن أصل قَرَابَتي لقرابتكم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولعظم الْحق الَّذِي جعله الله لَهُ على كل مُسلم وَهَذَا قَالَه رَضِي الله عَنهُ على سَبِيل الِاعْتِذَار لفاطمة رَضِي الله عَنْهَا عَن مَنعه إِيَّاهَا مَا طلبت مِنْهُ من تَرِكَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد مر الْكَلَام على ذَلِك فِي الشّبَه مَبْسُوطا وَأخرج أَيْضا عَنهُ ارقبوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أهل بَيته وَصَحَّ عَنهُ أَيْضا انه حمل الْحسن على عُنُقه مَعَ ممازحته لعَلي رَضِي الله عَنْهُم وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ حَامِل لَهُ بِأبي شَبيه بِالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيها بعلي وَعلي يضْحك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 وَيُوَافِقهُ قَول أنس كَمَا فِي البُخَارِيّ عَنهُ لم يكن أحد أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحسن لكنه قَالَ ذَلِك فِي الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم وَطَرِيق الْجمع بَينهمَا قَول عَليّ كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان عَنهُ الْحسن أشبه برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين الرَّأْس إِلَى الصَّدْر وَالْحُسَيْن أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ أَسْفَل من ذَلِك وَورد فِي جمَاعَة من بني هَاشم وَغَيرهم أَنهم كَانُوا يشبهونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا وَقد ذكرت عدتهمْ فِي شرحي لشمائل التِّرْمِذِيّ وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْحسن جَاءَ لأبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ انْزِلْ عَن مجْلِس أبي فَقَالَ صدقت وَالله إِنَّه لمجلس أَبِيك ثمَّ أَخذه وَأَجْلسهُ فِي حجره وَبكى فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أما وَالله مَا كَانَ عَن رَأْيِي فَقَالَ صدقت وَالله مَا اتهمتك فَانْظُر لعظم محبَّة أبي بكر وتعظيمه وتوقيره لِلْحسنِ حَيْثُ أجلسه على حجره وَبكى وَوَقع للحسين نَحْو ذَلِك مَعَ عمر وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ لَهُ مِنْبَر أَبِيك وَالله لَا مِنْبَر أبي فَقَالَ عَليّ وَالله مَا أمرت بذلك فَقَالَ عمر وَالله مَا اتهمناك زَاد ابْن سعد أَنه أَخذه فأقعده إِلَى جنبه وَقَالَ وَهل أنبت الشّعْر على رؤوسنا إِلَّا أَبوك أَي إِن الرّفْعَة مَا نلناها إِلَّا بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 وَأخرج العسكري عَن أنس قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد إِذْ أقبل عَليّ فَسلم ثمَّ وقف ينظر موضعا يجلس فِيهِ فَنظر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وُجُوه الصَّحَابَة أَيهمْ يُوسع لَهُ وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَمِينه فتزحزح لَهُ عَن مَجْلِسه وَقَالَ لَهُ هَهُنَا يَا أَبَا حسن فَجَلَسَ بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أبي بكر فَعرف السرُور فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ (يَا ابا بكر إِنَّمَا يعرف الْفضل لأهل الْفضل ذَوُو الْفضل) وَأخرج ابْن شَاذان عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر فعل نَظِير ذَلِك مَعَ الْعَبَّاس أَيْضا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وتأسى فِي ذَلِك بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد أخرج الْبَغَوِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لقد رَأَيْت من تَعْظِيم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمه الْعَبَّاس أمرا عجيبا وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا جلس أَبُو بكر عَن يَمِينه وَعمر عَن يسَاره وَعُثْمَان بَين يَدَيْهِ وَكَانَ كَاتب سر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا جَاءَ الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب تنحى أَبُو بكر وَجلسَ الْعَبَّاس مَكَانَهُ وَأخرج ابْن عبد الْبر أَن الصَّحَابَة كَانُوا يعْرفُونَ للْعَبَّاس فَضله فيقدمونه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 ويشاورونه وَيَأْخُذُونَ بِرَأْيهِ رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ أَبُو بكر يكثر النّظر إِلَى وَجه عَليّ فَسَأَلته عَائِشَة فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (النّظر إِلَى وَجه عَليّ عبَادَة) وَمر نَحْو هَذَا وَأَنه حَدِيث حسن وَلما جَاءَ أَبُو بكر وَعلي لزيارة قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد وَفَاته بِسِتَّة أَيَّام قَالَ عَليّ تقدم يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر مَا كنت لأتقدم رجلا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِيهِ (عَليّ مني كمنزلتي من رَبِّي) أخرجه ابْن السمان وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ بَيْنَمَا أَبُو بكر جَالس إِذْ طلع عَليّ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ من سره أَن ينظر إِلَى أعظم النَّاس منزلَة وأقربهم قرَابَة وأفضلهم حَالَة وأعظمهم حَقًا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْينْظر إِلَى هَذَا الطالع وَأخرج أَيْضا أَن عمر رأى رجلا يَقع فِي عَليّ فَقَالَ وَيحك أتعرف عليا هَذَا ابْن عَمه وَأَشَارَ إِلَى قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا آذيت إِلَّا هَذَا فِي قَبره وَفِي رِوَايَة فَإنَّك إِن أبغضته آذيت هَذَا فِي قَبره // وَسَنَده ضَعِيف // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وَأخرج أَيْضا عَن ابْن الْمسيب قَالَ قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تحببوا إِلَى الْأَشْرَاف وتوددوا وَاتَّقوا على اعراضكم من السفلة وَاعْلَمُوا أَنه لَا يتم شرف إِلَّا بِولَايَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأخرج البُخَارِيّ أَن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا قحطوا استسقى بِالْعَبَّاسِ رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نتوسل إِلَيْك بنبينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قحطنا فتسقينا وَإِنَّا نتوسل إِلَيْك بعم نَبينَا فاسقنا فيسقون وَفِي تَارِيخ دمشق أَن النَّاس كرروا الاسْتِسْقَاء عَام الرَّمَادَة سنة سَبْعَة عشر من الْهِجْرَة فَلم يسقوا فَقَالَ عمر لأستسقين غَدا بِمن يسقيني الله بِهِ فَلَمَّا أصبح غَدا للْعَبَّاس فدق عَلَيْهِ الْبَاب فَقَالَ من قَالَ عمر قَالَ مَا حَاجَتك قَالَ اخْرُج حَتَّى نستسقي الله بك قَالَ اقعد فَأرْسل إِلَى بني هَاشم أَن تطهروا وَالْبَسُوا من صَالح ثيابكم فاتوه فَأخْرج طيبا فطيبهم ثمَّ خرج وَعلي أَمَامه بَين يَدَيْهِ وَالْحسن عَن يَمِينه وَالْحُسَيْن عَن يسَاره وَبَنُو هَاشم خلف ظَهره فَقَالَ يَا عمر لات تخلط بِنَا غَيرنَا ثمَّ أَتَى الْمصلى فَوقف فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك خلقتنا وَلم تؤامرنا وَعلمت مَا نَحن عاملون قبل أَن تخلقنا فَلم يمنعك علمك فِينَا عَن رزقنا اللَّهُمَّ فَكَمَا تفضلت فِي أَوله تفضل علينا فِي آخِره قَالَ جَابر فَمَا برحنا حَتَّى سحت السَّمَاء علينا سَحا فَمَا وصلنا إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 مَنَازلنَا إِلَّا خوضا فَقَالَ الْعَبَّاس أَنا المسقي ابْن المسقي ابْن المسقي ابْن المسقي خمس مَرَّات وَأَشَارَ إِلَى أَن أَبَاهُ عبد الْمطلب استسقى خمس مَرَّات فسقي وَأخرج الْحَاكِم أَن عمر لما استسقى بِالْعَبَّاسِ فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرى للْعَبَّاس مَا يرى الْوَلَد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه فاقتدوا أَيهَا النَّاس برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَمه الْعَبَّاس فاتخذوه وَسِيلَة إِلَى الله عز وَجل فِيمَا نزل بكم وَأخرج ابْن عبد الْبر من وُجُوه عَن عمر أَنه لما استسقى بِهِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نتقرب إِلَيْك بعم نبيك ونستشفع بِهِ فاحفظ فِيهِ نبيك كَمَا حفظت الغلامين بصلاح أَبِيهِمَا وأتيناك مستغفرين ومستشفعين ... الْخَبَر وَفِي رِوَايَة لِابْنِ قُتَيْبَة اللَّهُمَّ إِنَّا نتقرب إِلَيْك بعم نبيك وَبَقِيَّة آبَائِهِ وَكَثْرَة رِجَاله فَإنَّك تَقول وقولك الْحق {وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} الْكَهْف 82 فحفظتهما لصلاح أَبِيهِمَا فاحفظ اللَّهُمَّ نبيك فِي عَمه فقد دنونا بِهِ إِلَيْك مستشفعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 وَأخرج ابْن سعد أَن كَعْبًا قَالَ لعمر إِن بني إِسْرَائِيل كَانُوا إِذا أَصَابَتْهُم سنة استسقوا بعصبة نَبِيّهم فَقَالَ عمر هَذَا الْعَبَّاس انْطَلقُوا بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا أَبَا فضل مَا ترى مَا النَّاس فِيهِ وَأخذ بِيَدِهِ وَأَجْلسهُ مَعَه على الْمِنْبَر وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا قد توجهنا إِلَيْك بعم نبيك ثمَّ دَعَا الْعَبَّاس وَأخرج ابْن عبد الْبر أَن الْعَبَّاس لم يمر بعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم راكبين إِلَّا نزلا حَتَّى يجوز إجلالا لعم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمشي وهما راكبان وَأخرج الزبير بن بكار عَن ابْن شهَاب أَن أَبَا بكر وَعمر زمن ولايتهما كَانَ لَا يلقاه وَاحِد مِنْهُمَا رَاكِبًا إِلَّا نزل وقاد دَابَّته وَمَشى مَعَه حَتَّى يبلغ منزله أَو مَجْلِسه فيفارقه وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا أَن عمر لما أَرَادَ أَن يفْرض للنَّاس قَالُوا لَهُ ابدأ بِنَفْسِك فَأبى وَبَدَأَ بالأقرب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَأْتِ قبيلته إِلَّا بعد خمس قبائل وَفرض للبدريين خَمْسَة آلَاف وَلمن ساواهم إسلاما وَلم يشْهد بَدْرًا خَمْسَة آلَاف وللعباس اثْنَي عشر ألفا وللحسنين كأبيهما وَمن ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّه كَانَ يحبهما لِأَنَّهُ فضلهما فِي الْعَطاء على أَوْلَاده وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَنه رَضِي الله عَنهُ قَالَ لفاطمة مَا من الْخلق أحد أحب إِلَيْنَا من أَبِيك وَمَا من أحد أحب إِلَيْنَا مِنْك بعد أَبِيك وَأخرج أَيْضا أَن عمر سَأَلَ عَن عَليّ فَقيل لَهُ ذهب إِلَى أرضه فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 اذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ فوجدوه يعْمل فعملوا مَعَه سَاعَة ثمَّ جَلَسُوا يتحدثون فَقَالَ لَهُ عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَرَأَيْت لَو جَاءَك قوم من بني إِسْرَائِيل فَقَالَ لَك أحدهم أَنا ابْن عَم مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكَانَت لَهُ عنْدك أَثَرَة على أَصْحَابه قَالَ نعم قَالَ فَأَنا وَالله أَخُو رَسُول الله وَابْن عَمه قَالَ فَنزع عمر رِدَاءَهُ فبسطه فَقَالَ لَا وَالله لَا يكون لَك مجْلِس غَيره حَتَّى نفترق فَلم يزل جَالِسا عَلَيْهِ حَتَّى تفَرقُوا وَذكر عَليّ لَهُ ذَلِك إعلاما بِأَن مَا فعله مَعَه من مَجِيئه إِلَيْهِ وَعَمله مَعَه فِي أرضه وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ لِقَرَابَتِهِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَاد عمر فِي إكرامه وَأَجْلسهُ على رِدَائه وَأخرج أَيْضا أَن عمر سَأَلَ عليا عَن شَيْء فَأَجَابَهُ فَقَالَ لَهُ عمر أعوذ بِاللَّه أَن أعيش فِي قوم لست فيهم يَا أَبَا الْحسن وَأخرج أَيْضا أَنه قيل لعمر إِنَّك تصنع بعلي شَيْئا مَا تَفْعَلهُ بِبَقِيَّة الصَّحَابَة فَقَالَ إِنَّه مولَايَ وَأخرج أَيْضا أَن الْحسن اسْتَأْذن على عمر فَلم يُؤذن لَهُ فجَاء عبد الله بن عمر فَلم يُؤذن لَهُ فَمضى الْحسن فَقَالَ عمر عَليّ بِهِ فجَاء فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قلت إِن لم يُؤذن لعبد الله لَا يُؤذن لي فَقَالَ أَنْت أَحَق بِالْإِذْنِ مِنْهُ وَهل أنبت الشّعْر فِي الرَّأْس بعد الله إِلَّا أَنْتُم وَفِي رِوَايَة لَهُ إِذا جِئْت فَلَا تستأذن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 وَأخرج أَيْضا أَنه جَاءَهُ أَعْرَابِيَّانِ يختصمان فَأذن لعَلي فِي الْقَضَاء بَينهمَا فَقضى فَقَالَ أَحدهمَا هَذَا يقْضِي بَيْننَا فَوَثَبَ إِلَيْهِ عمر وَأخذ بتلبيه وَقَالَ وَيحك مَا تَدْرِي من هَذَا هَذَا مولَايَ وَمولى كل مُؤمن وَمن لم يكن مَوْلَاهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِن وَأخرج أَحْمد أَن رجلا سَأَلَ مُعَاوِيَة عَن مَسْأَلَة فَقَالَ اسْأَل عَنْهَا عليا فَهُوَ أعلم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ جوابك فِيهَا أحب إِلَيّ من جَوَاب عَليّ قَالَ بئس مَا قلت لقد كرهت رجلا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغزه بِالْعلمِ غزا وَلَقَد قَالَ لَهُ (أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي) وَكَانَ عمر إِذا أشكل عَلَيْهِ شَيْء أَخذ مِنْهُ وَأخرجه آخَرُونَ بِنَحْوِهِ لَكِن زَاد بَعضهم قُم لَا أَقَامَ الله رجليك ومحا اسْمه من الدِّيوَان وَلَقَد كَانَ عمر يسْأَله وَيَأْخُذ عَنهُ وَلَقَد شهدته إِذا أشكل عيله شَيْء قَالَ هَهُنَا عَليّ وَصلى زيد بن ثَابت على جَنَازَة أمه كَمَا قَالَه ابْن عبد البر فقربت لَهُ بغلته ليركب فَأخذ ابْن عَبَّاس بركابه فَقَالَ خل عَنْك يَا ابْن عَم رَسُول الله فَقَالَ ابْن عَبَّاس هَكَذَا أمرنَا ان نَفْعل بالعلماء لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ عَنهُ الْعلم فَقبل زيد يَده وَقَالَ هَكَذَا أمرنَا أَن نَفْعل بِأَهْل بَيت نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 وَصَحَّ عَنهُ أَنه كَانَ يَأْتِي لبيت بعض الصَّحَابَة ليَأْخُذ عَنهُ الحَدِيث فيجده قَائِلا فيتوسد رِدَاءَهُ على بَابه فتسفي الرّيح التُّرَاب على وَجهه فَإِذا اخْرُج وَرَآهُ قَالَ يَا ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماجاء بك أَلا أرْسلت إِلَيّ فآتيك فَيَقُول لَا أَنا أَحَق أَن آتِيك وَحج ابْن عَبَّاس مَعَ مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ لمعاوية موكب وَلابْن عَبَّاس موكب مِمَّن يطْلب الْعلم وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لعبد الله بن حسن بن حُسَيْن إِذا كَانَت لَك حَاجَة فَاكْتُبْ لي بهَا فَإِنِّي أستحيي من الله أَن يراك عَليّ بَابي وَلما دخلت عَلَيْهِ فَاطِمَة بنت عَليّ وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أخرج من عِنْده وَقَالَ لَهَا مَا على ظهر الأَرْض أهل بَيت أحب إِلَيّ مِنْكُم وَلَأَنْتُمْ أحب إِلَيّ من أهل بَيْتِي وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش كَمَا فِي الشِّفَاء لَو أَتَانِي أَبُو بكر وَعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم لبدأت بحاجة عَليّ قبلهمَا لِقَرَابَتِهِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن أخر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض أحب إِلَيّ من أَن أقدمه عَلَيْهِمَا وَلما ضرب جَعْفَر بن سُلَيْمَان العباسي وَالِي الْمَدِينَة مَالِكًا رَضِي الله عَنهُ ونال مِنْهُ وَحمل مغشيا عَلَيْهِ وأفاق قَالَ أشهدكم أَنِّي جعلت ضاربي فِي حل ثمَّ سُئِلَ فَقَالَ خفت أَن أَمُوت وَألقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأستحيي مِنْهُ أَن يدْخل بعض آله النَّار بسببي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 وَلما قدم الْمَنْصُور الْمَدِينَة أَرَادَ إقادته من جَعْفَر فَقَالَ أعوذ بِاللَّه وَللَّه مَا ارْتَفع مِنْهُ سَوط إِلَّا وَقد جعلته فِي حل لِقَرَابَتِهِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل عبد الله بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط على عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ حَدِيث السن وَله وفرة فَرفع عمر مَجْلِسه وَأَقْبل عَلَيْهِ فلامه قومه فَقَالَ إِن الثِّقَة حَدثنِي حَتَّى كَأَنِّي أسمعهُ من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا فَاطِمَة بضعَة مني يسرني مَا يسرها) وَأَنا أعلم أَن فَاطِمَة لَو كَانَت حَيَّة لسرها مَا فعلت بابنها وَأخرج الْخَطِيب أَن أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ كَانَ إِذا جَاءَهُ شيخ أَو حدث من قُرَيْش أَو الْأَشْرَاف قدمهم بَين يَدَيْهِ وَخرج وَرَاءَهُمْ وَكَانَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يعظم أهل الْبَيْت كثيرا ويتقرب بِالْإِنْفَاقِ على المتسترين مِنْهُم والظاهرين حَتَّى قيل إِنَّه بعث إِلَى متستر مِنْهُم باثنى عشر ألفا دِرْهَم وَكَانَ يحض أَصْحَابه على ذَلِك ولمبالغة الشَّافِعِي فيهم صرح بِأَنَّهُ من شيعتهم حَتَّى قيل كَيْت وَكَيْت فَأجَاب عَن ذَلِك بِمَا قدمْنَاهُ عَنهُ من النّظم البديع وَله أَيْضا (آل النَّبِي ذريعتي ... وهم إِلَيْهِ وسيلتي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 (أَرْجُو بهم أعْطى غَدا ... يُبْدِي الْيَمين صحيفتي) وقارف الزُّهْرِيّ ذَنبا فهام على وَجهه فَقَالَ لَهُ زين العابدين قنوطك من رَحمَه الله الَّتِي وسعت كل شَيْء أعظم عَلَيْك من ذَنْبك فَقَالَ الزُّهْرِيّ الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته فَرجع إِلَى أَهله وَمَاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 خَاتِمَة فِيمَا أخبر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا حصل على آله وَمِمَّا أصَاب مسيئهم من الانتقام الشَّديد وَفِي آدَاب أُخْرَى قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي من أمتِي قتلا وتشريدا وَإِن أَشد قَومنَا لنا بغضا بَنو أُميَّة وَبَنُو وَبَنُو الْمُغيرَة وَبَنُو مَخْزُوم) صَححهُ الْحَاكِم لَكِن فِيهِ إِسْمَاعِيل وَالْجُمْهُور على أَنه ضَعِيف لسوء حفظه وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ البُخَارِيّ فقد نقل التِّرْمِذِيّ عَنهُ أَنه ثِقَة مقارب الحَدِيث وَمن اشد النَّاس بغضا لأهل الْبَيْت مَرْوَان بن الحكم وَكَأن هَذَا هُوَ سر الحَدِيث الَّذِي صَححهُ الْحَاكِم أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ لَا يُولد لأحد مَوْلُود إِلَّا أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيدعو لَهُ فَأدْخل عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم فَقَالَ (هَذَا الوزغ ابْن الوزغ الملعون ابْن الملعون) وروى بعده بِيَسِير عَن مُحَمَّد بن زيد قَالَ لما بَايع مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ لِابْنِهِ يزِيد قَالَ مَرْوَان سنة أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بل سنة هِرقل وَقَيْصَر فَقَالَ لَهُ مَرْوَان أَنْت الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 أنزل الله فِيك {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أُفٍّ لَكمَا} الْأَحْقَاف 17 فَبلغ ذَلِك عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت كذب وَالله مَا هُوَ بِهِ وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن أَبَا مَرْوَان ومروانه فِي صلبه ثمَّ روى عَن عَمْرو بن مرّة الْجُهَنِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن الحكم ابْن أبي الْعَاصِ اسْتَأْذن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرف صَوته فَقَالَ (ائذنوا لَهُ عَلَيْهِ لعنة الله وعَلى من يخرج من صلبه إِلَّا الْمُؤمن مِنْهُم وَقَلِيل مَا هم يشرفون فِي الدُّنْيَا ويصغرون فِي الْآخِرَة ذَوُو مكر وخديعة يُعْطون فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُم فِي الْآخِرَة من خلاق) قَالَ ابْن ظفر وَكَانَ الحكم هَذَا يرْمى بالداء العضال وَكَذَلِكَ أَبُو جهل كَذَا ذكر ذَلِك كُله الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان ولعنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْحكم وَابْنه لَا تضرهما لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تدارك ذَلِك بقوله مِمَّا بَينه فِي الحَدِيث الآخر (أَنه بشر يغْضب كَمَا يغْضب الْبشر وَأَنه سَأَلَ ربه أَن من سبه أَو لَعنه أَو دَعَا عَلَيْهِ أَن يكون ذَلِك رَحْمَة لَهُ وَزَكَاة وَكَفَّارَة وطهارة) وَمَا نَقله عَن ابْن ظفر فِي أبي جهل لَا يلام عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي الحكم فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 صَحَابِيّ وقبيح أَي قبح أَن يرْمى صَحَابِيّ بذلك فليحمل على أَنه إِن صَحَّ ذَلِك كَانَ يرْمى بِهِ قبل الْإِسْلَام وَمر فِي أَحَادِيث الْمهْدي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فتية من بني هَاشم فاغرورقت عَيناهُ وَتغَير لَونه ثمَّ قَالَ (إِنَّا أهل بَيت اخْتَار الله لنا الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَإِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي بلَاء وتشريدا وتطريدا) وَأخرج ابْن عَسَاكِر (إِن أول النَّاس هَلَاكًا قُرَيْش وَأول هَلَاك قُرَيْش هَلَاك أهل بَيْتِي) وَنَحْوه للطبراني وَأبي يعلى وَاعْلَم أَنه يتَأَكَّد فِي حق النَّاس عَامَّة وَأهل الْبَيْت خَاصَّة رِعَايَة أُمُور الأول الاعتناء بتحصيل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ لَا فَائِدَة فِي نسب من غير علم وَدَلَائِل الْحَث على الاعتناء بالعلوم الشَّرْعِيَّة وآدابها وآداب الْعلمَاء والمتعلمين وتفصيل ذَلِك كُله ظَاهر مَعْرُوف منكتب الْأَئِمَّة فَلَا نطول بِهِ الثَّانِي ترك الْفَخر بِالْآبَاءِ وَعدم التعويل عَلَيْهِم من غير اكْتِسَاب للعلوم الدِّينِيَّة فقد قَالَ تَعَالَى {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} الحجرات 13 وَفِي البُخَارِيّ وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي النَّاس أكْرم فَقَالَ (أكْرمهم عِنْد الله أَتْقَاهُم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 وروى ابْن جرير وَغَيره (إِن الله لَا يسألكم عَن أحسابكم وَلَا أنسابكم يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عَن أَعمالكُم إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم) وروى أَحْمد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أنظر فَإنَّك لست بِخَير من أَحْمَر وَلَا أسود إِلَّا أَن تفضله بتقوى) وَأخرج ايضا من جملَة خطبَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بمنى (يَا أَيهَا النَّاس إِن ربكُم وَاحِد وَإِن أَبَاكُم وَاحِد وَلَا فضل لعربي على عجمي وَلَا لأحمر على أسود إِلَّا بالتقوى خَيركُمْ عِنْد الله أَتْقَاكُم) وَأخرج الْقُضَاعِي وَغَيره مَرْفُوعا (من أَبْطَأَ بِهِ عمله لم يسْرع بِهِ نسبه) وَهُوَ فِي مُسلم من جملَة حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 وَسبق فِي هَذَا الْبَاب تَخْصِيصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل بَيته بالحث على تقوى الله وخشيته وتحذيرهم على أَن لَا يكون أحد اقْربْ إِلَيْهِ مِنْهُم بالتقوى يَوْم الْقِيَامَة وَأَن لَا يؤثروا الدُّنْيَا على الْآخِرَة اغْتِرَارًا بأنسابهم وَأَن أولياءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة المتقون من كَانُوا حَيْثُ كَانُوا وَقد ذكر أهل السّير أَن زيد بن مُوسَى الكاظم خرج على الْمَأْمُون فظفر بِهِ فَأرْسلهُ إِلَى أَخِيه الْآتِي عَليّ الرِّضَا فوبخه بِكَلَام كثير من جملَته مَا أَنْت قَائِل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سفكت الدِّمَاء وأخفت السَّبِيل وَأخذت المَال من غير حلّه أغرك حمقى أهل الْكُوفَة وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن فَاطِمَة قد أحصنت فرجهَا فَحرم الله ذريتها على النَّار) هَذَا لمن خرج من بَطنهَا مثل الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَط لَا لي وَلَك وَالله مَا نالوا ذَلِك إِلَّا بِطَاعَة الله فَإِن أردْت أَن تنَال بِمَعْصِيَة الله مَا نالوه بِطَاعَة الله إِنَّك إِذا لأكرم على الله مِنْهُم انْتهى فَتَأمل ذَلِك فَمَا أعظم موقعه مِمَّن وَفقه الله من أهل هَذَا الْبَيْت المكرم فَإِن من يتَأَمَّل ذَلِك مِنْهُم لم يغتر بنسبه وَرجع إِلَى الله سُبْحَانَهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِمَّا لم يكن عَلَيْهِ المتقدمون الْأَئِمَّة من آبَائِهِ واقتدى بهم فِي عظم مآثرهم وزهدهم وعباداتهم وتحليهم بالعلوم السّنيَّة وَالْأَحْوَال الْعلية والخوارق الجلية أعَاد الله من بركتهم وحشرنا فِي زمرة محبيهم آمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد الْجواد الْآتِي ابْن عَليّ الرِّضَا الْمُتَقَدّم آنِفا أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث (إِن فَاطِمَة أحصنت فرجهَا) الحَدِيث الْمَذْكُور فَقَالَ بِمَا مر عَن أَبِيه ذَاك خَاص بالْحسنِ وَالْحُسَيْن وَلما اسْتَشَارَ زيد أَبَاهُ زين العابدين فِي الْخُرُوج نَهَاهُ وَقَالَ أخْشَى أَن تكون الْمَقْتُول المصلوب بِظهْر الْكُوفَة أما علمت أَنه لَا يخرج أحد من ولد فَاطِمَة على أحد من السلاطين قبل خُرُوج السفياني إِلَّا قتل فَكَانَ كَمَا قَالَ أَبوهُ كَمَا مرت قصَّته فِي هَذَا الْبَاب وَأخرج أَحْمد وَغَيرهَا مَا حَاصله أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قدم من سفر أَتَى فَاطِمَة وَأطَال الْمكْث عِنْدهَا فَفِي مرّة صنعت لَهَا مِسْكين من ورق وقلادة وقرطين وسترا لباب بَيتهَا فَقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل عَلَيْهَا ثمَّ خرج وَقد عرف الْغَضَب فِي وَجهه حَتَّى جلس على الْمِنْبَر فظنت أَنه إِنَّمَا فعل ذَلِك لما رأى مَا صَنعته فَأرْسلت بِهِ إِلَيْهِ ليجعله فِي سَبِيل الله فَقَالَ (فعلت فداها أَبوهَا ثَلَاث مَرَّات لَيست الدُّنْيَا من مُحَمَّد وَلَا من آل مُحَمَّد وَلَو كَانَت الدُّنْيَا تعدل عِنْد الله فِي الْخَيْر جنَاح بعوضة مَا سقى مِنْهَا كَافِرًا شربة مَاء) ثمَّ قَامَ فَدخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا زَاد أَحْمد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر ثَوْبَان أَن يدْفع ذَلِك إِلَى بعض أَصْحَابه وَبِأَن يَشْتَرِي لَهَا قلادة من عصب وسوارين من عاج وَقَالَ (إِن هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وَلَا أحب أَن يَأْكُلُوا طَيِّبَاتهمْ فِي حياتهم الدُّنْيَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 فَتَأمل ذَلِك تَجِد الْكَمَال لَيْسَ إِلَّا بالتحلي بالزهد والورع والدأب فِي الطَّاعَات والتخلي عَن سَائِر الرذالات وَلَيْسَ فِي التحلي بِجمع الْأَمْوَال ومحبة الدُّنْيَا والترفع بهَا إِلَّا غَايَة المتاعب والنقائص والمثالب وَلَقَد طلق عَليّ الدُّنْيَا ثَلَاثًا وَقَالَ لقد رقعت مدرعتي هَذِه حَتَّى استحييت من راقعها وَمر فِي فضائله طرف من ذَلِك الثَّالِث تَعْظِيم الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ لأَنهم خير الْأُمَم بِشَهَادَة قَوْله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} آل عمرَان 110 وَخير هَذِه الْأمة بِشَهَادَة الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته (خير الْقُرُون قَرْني) وَقد قدمت فِي الْمُقدمَة الأولى من هَذَا الْكتاب من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على فَضلهمْ وكمالهم وَوُجُوب محبتهم واعتقاد كمالهم وبراءتهم من النقائص والجهالات وَالْإِقْرَار على بَاطِل مَا تقر بِهِ الْعُيُون وتزول بِهِ عَمَّن أَرَادَ الله توفيقه وهدايته مَا توالى عَلَيْهِ من المحن والغبون والفتون فاحذر أَن تكون إِلَّا مَعَ السوَاد الْأَعْظَم من هَذِه الْأمة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَأَن تتخلف مَعَ أُولَئِكَ المتخلفين عَن الكمالات إخْوَان الأهوية والبدع والضلال والحمق والجهالات فَلَا ينفعك حِينَئِذٍ نسب وَرُبمَا سلبت الْإِسْلَام فألحقت بِأبي جهل وَأبي لَهب الرَّابِع اعْلَم أَن مَا أُصِيب بِهِ الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 عَاشُورَاء كَمَا سَيَأْتِي بسط قصَّته إِنَّمَا هُوَ الشَّهَادَة الدَّالَّة على مزِيد حظوته ورفعته ودرجته عِنْد الله وإلحاقه بدرجات أهل بَيته الطاهرين فَمن ذكر ذَلِك الْيَوْم مصابه لم يَنْبغ أَن يشْتَغل إِلَّا بالاسترجاع امتثالا لِلْأَمْرِ وإحرازا لما رتبه تَعَالَى عَلَيْهِ بقوله {أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون} الْبَقَرَة 157 وَلَا يشْتَغل ذَلِك الْيَوْم إلابنلاء وَنَحْوه من عظائم الطَّاعَات كَالصَّوْمِ وإياه ثمَّ إِيَّاه أَن يشْغلهُ ببدع الرافضة من النّدب والحزن والنياحة والحزن إِذْ لَيْسَ ذَلِك من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ وَإِلَّا لَكَانَ يَوْم وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى بذلك وَأَحْرَى أَو ببدع الناصبة المتعصبين على أهل الْبَيْت أَو الْجُهَّال المقابلين الْفَاسِد بالفاسد والبدعة بالبدعة وَالشَّر بِالشَّرِّ من إِظْهَار غَايَة الْفَرح وَالسُّرُور واتخاذه عيدا وَإِظْهَار الزِّينَة فِيهِ كالخضاب والاكتحال وَلبس جَدِيد الثِّيَاب وتوسيع النَّفَقَات وطبخ الْأَطْعِمَة والحبوب الْخَارِجَة عَن الْعَادَات واعتقادهم أَن ذَلِك من السّنة والمعتاد وَالسّنة ترك ذَلِك كُله فَإِنَّهُ لم يرد فِي ذَلِك شَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ وَلَا أثر صَحِيح يرجع إِلَيْهِ وَقد سُئِلَ بعض أَئِمَّة الحَدِيث وَالْفِقْه عَن الْكحل وَالْغسْل والحناء وطبخ الْحُبُوب وَلبس الْجَدِيد وَإِظْهَار السرُور يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ لم يرد فِيهِ حَدِيث صَحِيح عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن أحد من أَصْحَابه وَلَا استحبه أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين لَا من الْأَرْبَعَة وَلَا من غَيرهم وَلم يرد فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة فِي ذَلِك لَا صَحِيح وَلَا ضَعِيف وَمَا قيل (إِن من اكتحل يَوْمه لم يرمد ذَلِك الْعَام وَمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 اغْتسل لم يمرض كَذَلِك وَمن وسع على عِيَاله فِيهِ وسع الله عَلَيْهِ سَائِر سنته) وأمثال ذَلِك مثل فضل الصَّلَاة فِيهِ وَأَنه فِيهِ تَوْبَة آدم واستواء السَّفِينَة على الجودي وإنجاء إِبْرَاهِيم من النَّار وإفداء الذَّبِيح بالكبش ورد يُوسُف على يَعْقُوب فَكل ذَلِك مَوْضُوع إِلَّا حَدِيث التَّوسعَة على الْعِيَال لَكِن فِي سَنَده من تكلم فِيهِ فَصَارَ هَؤُلَاءِ لجهلهم يتخذونه موسما وَأُولَئِكَ لرفضهم يتخذونه مأتما وَكِلَاهُمَا مخطىء مُخَالف للسّنة كَذَا ذكر ذَلِك جَمِيعه بعض الْحفاظ وَقد صرح الْحَاكِم بِأَن الاكتحال يَوْمه بِدعَة مَعَ رِوَايَته خبر (إِن من اكتحل بالإثمد يَوْم عَاشُورَاء لم ترمد عينه أبدا) لكنه قَالَ إِنَّه مُنكر وَمن ثمَّ أوردهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات من طَرِيق الْحَاكِم قَالَ بعض الْحفاظ وَمن غير تِلْكَ الطَّرِيق وَنقل الْمجد اللّغَوِيّ عَن الْحَاكِم أَن سَائِر الْأَحَادِيث فِي فَضله غير الصَّوْم وَفضل الصَّلَاة فِيهِ والإنفاق والخضاب والادهان والاكتحال وطبخ الْحُبُوب وَغير ذَلِك كُله مَوْضُوع ومفترى وَبِذَلِك صرح ابْن الْقيم أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 فَقَالَ حَدِيث الاكتحال والادهان والتطيب يَوْم عَاشُورَاء من وضع الْكَذَّابين وَالْكَلَام فِيمَن خص يَوْم عَاشُورَاء بالكحل وَمَا مر من أَن التَّوسعَة فِيهِ لَهَا أصل هُوَ كَذَلِك فقد أخرج حَافظ الْإِسْلَام الزين الْعِرَاقِيّ فِي أَمَالِيهِ من طَرِيق الْبَيْهَقِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من وسع على عِيَاله وَأَهله يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ سَائِر سنته) ثمَّ قَالَ عقبه هَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده لين لكنه حسن على رَأْي ابْن حبَان وَله طَرِيق آخر صَححهُ الْحَافِظ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر وَفِيه زيادات مُنكرَة وَظَاهر كَلَام الْبَيْهَقِيّ أَن حَدِيث التَّوسعَة حسن على رَأْي غير ابْن حبَان أَيْضا فَإِنَّهُ رَوَاهُ من طرق عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ وَهَذِه الْأَسَانِيد وَإِن كَانَت ضَعِيفَة لَكِنَّهَا إِذا ضم بَعْضهَا إِلَى بعض أحدثت قُوَّة وإنكار ابْن تَيْمِية أَن التَّوسعَة لم يرد فِيهَا شَيْء عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم لما علمت وَقَول أَحْمد إِنَّه حَدِيث لَا يَصح أَي لذاته فَلَا يَنْفِي كَونه حسنا لغيره وَالْحسن لغيره يحْتَج بِهِ كَمَا بَين فِي علم الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 الْخَامِس يَنْبَغِي لكل أحد أَن يكون لَهُ غيرَة على هَذَا النّسَب الشريف وَضَبطه حَتَّى لَا ينتسب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد إِلَّا بِحَق وَلم تزل أَنْسَاب أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ مضبوطة على تطاول الْأَيَّام وأحسابهم الَّتِي بهَا يتميزون مَحْفُوظَة عَن أَن يدعيها الْجُهَّال واللئام قد ألهم الله من يقوم بتصحيحها فِي كل زمَان وَمن يعتني بِحِفْظ تفاصيلها فِي كل أَوَان خُصُوصا أَنْسَاب الطالبيين والمطلبيين وَمن ثمَّ وَقع الِاصْطِلَاح على اخْتِصَاص الذُّرِّيَّة الطاهرة ببني فَاطِمَة من بَين ذَوي الشّرف كالعباسيين والجعافرة بِلبْس الْأَخْضَر إِظْهَارًا لمزيد شرفهم قيل وَسَببه أَن الْمَأْمُون أَرَادَ أَن يَجْعَل الْخلَافَة فيهم أَي وَيدل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي تَرْجَمَة عَليّ الْجواد من أَنه عهد إِلَيْهِ بالخلافة فَاتخذ لَهُم شعارا أَخْضَر وألبسهم ثيابًا خضرًا لكَون السوَاد شعار العباسيين وَالْبَيَاض شعار سَائِر الْيَهُود فِي آخر الْأَمر ثمَّ انثنى عزمه عَن ذَلِك ورد الْخلَافَة لبني الْعَبَّاس فَبَقيَ ذَلِك شعار الْأَشْرَاف العلويين من بني الزهراء لكِنهمْ اختصروا الثِّيَاب إِلَى قِطْعَة ثوب خضراء تُوضَع على عمائمهم شعارا لَهُم ثمَّ انْقَطع ذَلِك إِلَى أَوَاخِر الْقرن الثَّامِن ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة أَمر السُّلْطَان الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون أَن يمتازوا على النَّاس بعصائب خضر على العمائم فَفعل ذَلِك بِأَكْثَرَ الْبِلَاد كمصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 وَالشَّام وَغَيرهمَا وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن جَابر الأندلسي الْأَعْمَى نزيل حلب وَهُوَ صَاحب شرح ألفية ابْن مَالك الْمُسَمّى بالأعمى والبصير (جعلُوا لأبناء الرَّسُول عَلامَة ... إِن الْعَلامَة شَأْن من لم يشهر) (نور النُّبُوَّة فِي كريم وُجُوههم ... يُغني الشريف عَن الطّراز الْأَخْضَر) وَقَالَ فِي ذَلِك جمَاعَة من الشُّعَرَاء مَا يطول ذكره وَمن أحْسنه قَول الأديب مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن بركَة الدِّمَشْقِي المزين (أَطْرَاف تيجان أَتَت من سندس ... خضر بأعلام على الْأَشْرَاف) (والأشرف السُّلْطَان خصهم بهَا ... شرفا ليعرفهم من الْأَطْرَاف) هَذَا وَقد ورد التحذير الْعَظِيم عَن الانتساب إِلَى غير الْآبَاء وَأَنه كَافِر مَلْعُون فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 (من انتسب إِلَى غير أَبِيه أَو تولى إِلَى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ) وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة مَشْهُورَة فَلَا نطيل بذكرها أعاذنا الله من الْكَذِب عَلَيْهِ وعَلى أنبيائه وأوليائه وحشرنا فِي زمرة أهل هَذَا الْبَيْت النَّبَوِيّ الْمُعظم المكرم فإننا من محبيهم وخدمة جنابهم وَمن أحب قوما رجى أَن يكون مَعَهم بِنَصّ الحَدِيث الصَّحِيح وَهَذَا هُوَ علالة الضَّعِيف المقصر مثلي عَن أَن يعْمل بأعمال الصَّادِقين أَو يتحلى بعلي أَحْوَال المخلصين لَكِن سَعَة الرَّجَاء فِي مواهب ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام تفيض إِن شَاءَ الله علينا غَايَة الْقبُول والإنعام إِنَّه أكْرم كريم وأرحم رَحِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 الْفَصْل الثَّانِي فِي سرد أَحَادِيث وَارِدَة فِي أهل الْبَيْت وَمر أَكثر هَذَا فِي الْفَصْل الأول وَلَكِن قصدت سردها فِي هَذَا الْفَصْل ليَكُون ذَلِك أسْرع لاستحضارها الحَدِيث الأول أخرج الديلمي عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اشْتَدَّ غضب الله على من آذَانِي فِي عِتْرَتِي) وَورد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أحب أَن ينسأ أَي يُؤَخر فِي أَجله وَأَن يمتع بِمَا خوله الله فليخلفني فِي أَهلِي خلَافَة حَسَنَة فَمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وَورد عَليّ يَوْم الْقِيَامَة مسودا وَجهه) الحَدِيث الثَّانِي أخرج الْحَاكِم عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن مثل أهل بَيْتِي فِيكُم مثل سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا هلك) وَفِي رِوَايَة للبزار عَن ابْن عَبَّاس وَعَن ابْن الزبير وللحاكم عَن أبي ذَر أَيْضا (مثل أهل بَيْتِي مثل سفينة نوح من ركبهَا نجا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وَمن تخلف عَنْهَا غرق) الحَدِيث الثَّالِث أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا (أول من أشفع لَهُ يَوْم الْقِيَامَة من أمتِي أهل بَيْتِي ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من قُرَيْش ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ من آمن بِي واتبعني من أهل الْيمن ثمَّ من سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْأَعَاجِم وَمن أشفع لَهُ أَولا أفضل) الحَدِيث الرَّابِع أخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (خَيركُمْ خَيركُمْ لأهلي من بعدِي) الحَدِيث الْخَامِس أخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَأَلت رَبِّي أَن لَا أَتزوّج إِلَى أحد من أمتِي وَلَا يتَزَوَّج إِلَيّ أحد من أمتِي إِلَّا كَانَ معي فِي الْجنَّة فَأَعْطَانِي ذَلِك الحَدِيث السَّادِس أخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (سَأَلت رَبِّي أَن لَا أزوج إِلَّا من أهل الْجنَّة وَلَا أَتزوّج إِلَّا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 أهل الْجنَّة) الحَدِيث السَّابِع أخرج أَبُو الْقَاسِم بن بَشرَان فِي أَمَالِيهِ عَن عمرَان ابْن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (سَأَلت رَبِّي أَن لَا يدْخل أحدا من أهل بَيْتِي النَّار فَأَعْطَانِي) الحَدِيث الثَّامِن أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي) الحَدِيث التَّاسِع أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من صنع إِلَى أهل بَيْتِي يدا كافأته عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة) الحَدِيث الْعَاشِر أخرج الْخَطِيب عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من صنع صَنِيعَة إِلَى أحد من خلف عبد الْمطلب فِي الدُّنْيَا فعلي مكافاته إِذا لَقِيَنِي) الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 قَالَ (من آذانى شَعْرَة مني فقد ذاني وَمن آذَانِي فقد آذَى الله) الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج أَبُو يعلى عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (النُّجُوم أَمَان لأهل السَّمَاء وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي) الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج الْحَاكِم عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَعَدَني رَبِّي فِي أهل بَيْتِي من أقرّ مِنْهُم لله بِالتَّوْحِيدِ ولي بالبلاغ أَن لَا يعذبهم) الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج ابْن عدي والديلمي عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أثبتكم على الصِّرَاط أَشدّكُم حبا لأهل بَيْتِي ولأصحابي) الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن حُذَيْفَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن هَذَا ملك لم ينزل الأَرْض قطّ قبل هَذِه اللَّيْلَة اسْتَأْذن ربه أَن يسلم عَليّ ويبشرني بِأَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة وَأَن الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَنا حَرْب لمن حاربهم وَسلم لمن سالمهم) الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج ابْن ماجة عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا بَال أَقوام إِذا جلس إِلَيْهِم أحد من أهل بَيْتِي قطعُوا حَدِيثهمْ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يدْخل قلب امرىء الْإِيمَان حَتَّى يُحِبهُمْ لله ولقرابتي) الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أَحبَّنِي وَأحب هذَيْن وأباهما وأمهما كَانَ معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة) الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (نَحن ولد عبد الْمطلب سادة أهل الْجنَّة أَنا وَحَمْزَة وَعلي وجعفر وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَالْمهْدِي) الحَدِيث الْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله عَن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لكل بني أُنْثَى عصبَة ينتمون إِلَيْهِ إِلَّا ولد فَاطِمَة فَأَنا وليهم وَأَنا عصبتهم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كل بني أُنْثَى فَإِن عصبتهم لأبيهم مَا خلا ولد فَاطِمَة فَإِنِّي أَنا عصبتهم وَأَنا أبوهم) الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن فَاطِمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كل بني أُنْثَى ينتمون إِلَى عصبتهم إِلَّا ولد فَاطِمَة فَإِنِّي أَنا وليهم وَأَنا عصبتهم وَأَنا أبوهم) الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن الْمسور أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (فَاطِمَة بضعَة مني يغضبني مَا يغضبها ويبسطني مَا يبسطها وَإِن الْأَنْسَاب تَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة غير نسبي وسببي وصهري) الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ اخْرُج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (فَاطِمَة أحصنت فرجهَا فَحَرمهَا الله وذريتها على النَّار) وَمِمَّا ينْدَرج فِي هَذَا السلك وسلك الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة السَّابِق ذكرهم الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي قُرَيْش لأَنهم كلهم من قُرَيْش وهم ولد النَّضر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 كنَانَة فَإِن مَا ثَبت للأعم ثَبت للأخص فَلِذَا أثبتها على عد مَا مر وأخرتها إِلَى هُنَا ليعم جَمِيع من سبق فَقلت الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رَضِي الله عَنْهُمَا عَن عبد الله بن حنْطَب قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ (يَا أَيهَا النَّاس قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وتعلموا مِنْهَا وَلَا تعلموها) الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا أَيهَا النَّاس لَا تتقدموا قُريْشًا فَتَهْلكُوا وَلَا تخلفوا عَنْهَا فتضلوا وَلَا تعلموها وتعلموا مِنْهَا فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم لَوْلَا أَن تبطر قُرَيْش لأخبرتها بِالَّذِي لَهَا عِنْد الله عز وَجل) الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (النَّاس تبع لقريش فِي هَذَا الشَّأْن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 وَالنَّاس معادن خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الْإِسْلَام إِذا فقهوا) الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج البُخَارِيّ عَن مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش لَا يعاديهم أحد إِلَّا أكبه الله على وَجهه فِي النَّار) الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق الْقوس وأمان لأهل الأَرْض من الِاخْتِلَاف الْمُوَالَاة لقريش قُرَيْش أهل الله فَإِذا خالفتها قَبيلَة من الْعَرَب صَارُوا حزب إِبْلِيس) والقوس هُوَ الْمَشْهُور بقوس قزَح سمي بِهِ لِأَنَّهُ أول مَا رئي فِي الْجَاهِلِيَّة على قزَح جبل بِالْمُزْدَلِفَةِ أَو لِأَن قزَح هُوَ الشَّيْطَان وَمن ثمَّ قَالَ عَليّ لَا تقل قَوس قزَح قزَح هُوَ الشَّيْطَان وَلكنهَا قَوس الله تَعَالَى هِيَ عَلامَة كَانَت بَين نوح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَين ربه عز وَجل وَهِي أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج ابْن عَرَفَة الْعَبْدي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَحبُّوا قُريْشًا فَإِن من أحبهم أحبه الله) الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا عَن وَاثِلَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله اصْطفى كنَانَة من بني إِسْمَاعِيل وَاصْطفى من بني كنَانَة قُريْشًا وَاصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم وَاصْطَفَانِي من بني هَاشم) وَفِي رِوَايَة (إِن الله اصْطفى من ولد آدم إِبْرَاهِيم واتخذه خَلِيلًا وَاصْطفى من ولد إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل ثمَّ اصْطفى من ولد إِسْمَاعِيل نزارا ثمَّ اصْطفى من نزار مُضر ثمَّ اصْطفى من مُضر كنَانَة ثمَّ اصْطفى من كنَانَة قُريْشًا ثمَّ اصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم ثمَّ اصْطفى من بني هَاشم بني عبد الْمطلب ثمَّ اصطفاني من بني عبد الْمطلب) الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد بِسَنَد جيد عَن الْعَبَّاس قَالَ بلغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَقُول النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَقَالَ (من أَنا) قَالُوا أَنْت رَسُول الله فَقَالَ (أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب إِن الله خلق الْخلق فجعلني من خير خلقه وجعلهم فرْقَتَيْن فجعلني من خَيرهمْ فرقة وَجعل الْقَبَائِل فجعلني من خَيرهمْ قَبيلَة وجعلهم بُيُوتًا فجعلني من خَيرهمْ بَيْتا فَأَنا خَيركُمْ بَيْتا وَأَنا خَيركُمْ نفسا) الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد والمحاملي والمخلص والذهبي وَغَيرهم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قلبت مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا فَلم أجد رجلا أفضل من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقلبت الأَرْض مشارقها وَمَغَارِبهَا فَلم أجد بني أَب أفضل من بني هَاشم) الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من يرد هوان قُرَيْش أهانه الله) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد وَمُسلم عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (النَّاس تبع لقريش فِي الْخَيْر) الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أما بعد يَا معشر قُرَيْش فَإِنَّكُم أهل هَذَا الْأَمر مَا لم تعصوا الله فَإِذا عصيتموه بعث الله عَلَيْكُم من يلحاكم كَمَا يلحى هَذَا الْقَضِيب) الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد وَمُسلم عَن مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش لَا يعاديهم أحد إِلَّا أكبه الله مَا أَقَامُوا الدسن الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ والضياء عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْأَئِمَّة من قُرَيْش وَلَهُم عَلَيْكُم حق وَلكم مثل ذَلِك مَا إِن استرحموا رحموا وَإِن استحكموا عدلوا وَإِن عَاهَدُوا وفوا فَمن لم يفعل ذَلِك مِنْهُم فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا) الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 قَالَ (يكون بعدِي اثْنَا عشر أَمِيرا كلهم من قُرَيْش) الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ أخرج الْحسن بن سُفْيَان وَأَبُو نعيم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَعْطَيْت قُرَيْش مَا لم يُعْط النَّاس أعْطوا مَا أمْطرت السَّمَاء وَمَا جرت بِهِ الْأَنْهَار وَمَا سَالَتْ بِهِ السُّيُول) الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اللَّهُمَّ اهد قُريْشًا فَإِن عالمها يمْلَأ طباق الأَرْض علما اللَّهُمَّ كَمَا أذقتهم عذَابا فاذقهم نوالا) وَهَذَا الْعَالم هُوَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره لِأَنَّهُ لم يحفظ لقريش من انْتَشَر علمه فِي الْآفَاق مَا حفظ الشَّافِعِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْأَئِمَّة من قُرَيْش أبرارها أُمَرَاء أبرارها وفجارها أُمَرَاء فجارها وَإِن امرت عَلَيْكُم قُرَيْش عبدا حَبَشِيًّا مجدعا فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا مَا لم يُخَيّر أحدكُم بَين إِسْلَامه وَضرب عُنُقه فَإِن خير بَين إِسْلَام أى تَركه وَضرب عُنُقه فليقدم عُنُقه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد وَغَيره أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (انْظُرُوا قُريْشًا فَخُذُوا من قَوْلهم وذروا فعلهم) الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم هانىء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (فضل الله قُريْشًا بِسبع خِصَال لم يُعْطهَا أحدا قبلهم وَلَا يعطاها أحد بعدهمْ فضل الله قُريْشًا أَنِّي مِنْهُم وَأَن النُّبُوَّة فيهم وَأَن الحجابة فيهم وَأَن السِّقَايَة فيهم ونصرهم على الْفِيل وعبدوا الله عشر سِنِين لَا يعبده غَيرهم وَأنزل الله فيهم سُورَة من الْقُرْآن لم يذكر فِيهَا أحد غَيرهم {لِإِيلَافِ قُرَيْش} ) وَفِي رِوَايَة للطبراني (فضل الله قُريْشًا بِسبع خِصَال فَضلهمْ بِأَنَّهُم عبدُوا الله عشر سِنِين لم يعبد الله إِلَّا قرشي وفضلهم بِأَن نَصرهم يَوْم الْفِيل وهم مشركون وفضلهم بِأَن نزلت فيهم سُورَة من الْقُرْآن لم يدْخل فِيهَا أحد غَيرهم من الْعَالمين وَهِي {لِإِيلَافِ قُرَيْش} وفضلهم بِأَن فيهم النُّبُوَّة والخلافة والحجابة والسقاية) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي بعض أهل الْبَيْت كفاطمة وولديها رَضِي الله عَنْهُم الحَدِيث الأول أخرج أَبُو بكر فِي الغيلانيات عَن أبي أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد من بطْنَان الْعَرْش يَا أهل الْجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حَتَّى تمر فَاطِمَة بنت مُحَمَّد على الصِّرَاط فتمر مَعَ سبعين ألف جَارِيَة من الْحور الْعين كمر الْبَرْق) الحَدِيث الثَّانِي أخرج أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُنَادي مُنَاد من بطْنَان الْعَرْش أَيهَا النَّاس غضوا أبصاركم حَتَّى تجوز فَاطِمَة إِلَى الْجنَّة) الحَدِيث الثَّالِث أخرج أَحْمد والشيخان وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 الْمسور بن مخرمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن بني هِشَام بن الْمُغيرَة اسْتَأْذنُوا أَن ينكحوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب فَلَا آذن ثمَّ لَا آذن يثم لَا آذن إِلَّا أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب أَن يُطلق ابْنَتي وينكح ابنتهم فَإِنَّمَا هِيَ بضعَة مني يريبني مايريبها وَيُؤْذِينِي مَا يؤذيها) الحَدِيث الرَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا (إِن جِبْرِيل كَانَ يعارضني الْقُرْآن كل سنة مرّة وَإنَّهُ عارضني الْعَام مرَّتَيْنِ وَلَا أرَاهُ إِلَّا حضر أَجلي وَإنَّك أول أهل بَيْتِي لحَاقًا بِي فاتقي الله واصبري فَإِنَّهُ نعم السّلف أَنا لَك) الحَدِيث الْخَامِس أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّمَا فَاطِمَة بضعَة مني يُؤْذِينِي مَا آذاها وينصبني مَا أنصبها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 الحَدِيث السَّادِس أخرج الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا (يَا فَاطِمَة أَلا ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ) الحَدِيث السَّابِع أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أحب أَهلِي إِلَيّ فَاطِمَة) الحَدِيث الثَّامِن أخرج الْحَاكِم عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إِلَّا مَرْيَم بنت عمرَان) الحَدِيث التَّاسِع عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (فَاطِمَة أحب إِلَيّ مِنْك وَأَنت أعز عَليّ مِنْهَا) الحَدِيث الْعَاشِر أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عمر وَعَن عَليّ وَعَن جَابر وَعَن أبي هُرَيْرَة وَعَن أُسَامَة بن زيد وَعَن الْبَراء وَابْن عدي عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ وَعَن ابْن عمر وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر وَالطَّبَرَانِيّ عَن قُرَّة وَعَن مَالك بن الْحُوَيْرِث وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ابناي هَذَانِ الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة وأبوهما خير مِنْهُمَا) الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن حُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (أما رَأَيْت الْعَارِض الَّذِي عرض لي قبل ذَلِك هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة لم يهْبط إِلَى الأَرْض قطّ قبل هَذِه اللَّيْلَة اسْتَأْذن ربه عز وَجل أَن يسلم عَليّ ويبشرني أَن الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة وَأَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة) الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن فَاطِمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أما حسن فَلهُ هيبتي وسؤددي وَأما حُسَيْن فَإِن لَهُ جرأتي وجودي) الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الْحسن وَالْحُسَيْن هما ريحانتاي من الدُّنْيَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن ابْني هذَيْن ريحانتاي من الدُّنْيَا) الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان عَن أُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (هَذَانِ ابناي وابنا ابْنَتي اللَّهُمَّ إِنِّي أحبهما فأحبهما وَأحب من يحبهما) الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن بُرَيْدَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (صدق الله وَرَسُوله {أَنما أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} نظرت إِلَى هذَيْن الصَّبِيَّيْنِ يمشيان ويعثران فَلم أَصْبِر حَتَّى قطعت حَدِيثي ورفعتهما) الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج أَبُو دَاوُد عَن الْمِقْدَاد بن معد يكرب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (هَذَا مني يَعْنِي الْحسن وحسين من عَليّ) الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج البُخَارِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة إِلَّا ابْني الْخَالَة عِيسَى ابْن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا وَفَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إِلَّا مَا كَانَ من مَرْيَم) الحَدِيث الْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَابْن عَسَاكِر عَن الْمِقْدَاد بن معد يكرب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحسن مني وَالْحُسَيْن من عَليّ) الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحسن وَالْحُسَيْن شنفا الْعَرْش وليسا بمعلقين) الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن ابْني هَذَا سيد وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين) يَعْنِي الْحسن الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخهرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن يعلى بن مرّة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (حُسَيْن مني وَأَنا مِنْهُ أحب الله من أحب حُسَيْنًا الْحسن وَالْحُسَيْن سبطان من الأسباط) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أحب أهل بَيْتِي إِلَيّ الْحسن وَالْحُسَيْن) الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أحب الْحسن وَالْحُسَيْن فقد أَحبَّنِي وَمن أبغضهما فقد أبغضني) الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج ابو يعلى عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من سره أَن ينظر إِلَى سيد شباب أهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى الْحُسَيْن) الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج الْبَغَوِيّ وَعبد الْغَنِيّ فِي الْإِيضَاح عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (سمى هَارُون ابنيه شبْرًا وشبيرا وَإِنِّي سميت ابْني الْحسن وَالْحُسَيْن بِمَا سمى بِهِ هَارُون ابنيه) وَأخرج ابْن سعد عَن عمرَان أَن ابْن سُلَيْمَان قَالَ الْحسن وَالْحُسَيْن من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 أَسمَاء أهل الْجنَّة مَا سميت الْعَرَب بهما فِي الْجَاهِلِيَّة الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج ابْن سعد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن ابْني الْحُسَيْن يقتل بعدِي بِأَرْض الطف وَجَاءَنِي بِهَذِهِ التربة فَأَخْبرنِي أَن فِيهَا مضجعه) الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أم الْفضل بنت الْحَارِث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَتَانِي جِبْرِيل فَأَخْبرنِي أَن أمتِي ستقتل ابْني هَذَا يَعْنِي الْحُسَيْن وأتاني بتربة من تربته حَمْرَاء) وَأخرج أَحْمد (لقد دخل عَليّ الْبَيْت ملك لم يدْخل عَليّ قبلهَا فَقَالَ لي إِن ابْنك هَذَا حُسَيْنًا مقتول وَإِن شِئْت أريتك من تربة الأَرْض الَّتِي يقتل بهَا قَالَ فَأخْرج تربة حَمْرَاء) الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اسْتَأْذن ملك الْقطر ربه أَن يزورني فَأذن لَهُ) وَكَانَ فِي يَوْم أم سَلمَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أم سَلمَة احفظي علينا الْبَاب لَا يدْخل أحد) فَبينا هِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 على الْبَاب إِذْ دخل الْحُسَيْن فاقتحم فَوَثَبَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلثمه ويقبله فَقَالَ لَهُ الْملك أَتُحِبُّهُ قَالَ نعم قَالَ إِن أمتك ستقتله وَإِن شِئْت أريك الْمَكَان الَّذِي يقتل بِهِ فَأرَاهُ فجَاء بسهلة أَو تُرَاب فَأَخَذته أم سَلمَة فَجَعَلته فِي ثوبها قَالَ ثَابت كُنَّا نقُول إِنَّهَا كربلاء وَأخرجه أَيْضا أَبُو حَاتِم فِي صَحِيحه وروى أَحْمد نَحوه وروى عبد بن حميد وَابْن احْمَد نَحوه أَيْضا لَكِن فِيهِ أَن الْملك جِبْرِيل فَإِن صَحَّ فهما وَاقِعَتَانِ وَزَاد الثَّانِي أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شمها وَقَالَ (ريح كرب وبلاء) والسهلة بِكَسْر أول رمل خشن لَيْسَ بالدقاق الناعم وَفِي رِوَايَة الملا وَابْن أَحْمد فِي زِيَادَة الْمسند قَالَت ثمَّ ناولني كفا من تُرَاب أَحْمَر وَقَالَ (إِن هَذَا من تربة الأَرْض الَّتِي يقتل بهَا فَمَتَى صَار دَمًا فاعلمي أَنه قد قتل) قَالَت أم سَلمَة فَوَضَعته فِي قَارُورَة عِنْدِي وَكنت أَقُول إِن يَوْمًا يتَحَوَّل فِيهِ دَمًا ليَوْم عَظِيم وَفِي رِوَايَة عَنْهَا فَأَصَبْته يَوْم قتل الْحُسَيْن وَقد صَار دَمًا وَفِي أُخْرَى ثمَّ قَالَ يَعْنِي جِبْرِيل أَلا أريك تربة مَقْتَله فجَاء بحصيات فجعلهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 فِي قَارُورَة قَالَت أم سَلمَة فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة قتل الْحُسَيْن سَمِعت قَائِلا يَقُول (أَيهَا القاتلون جهلا حُسَيْنًا ... أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ والتذليل) (قد لعنتم على لِسَان ابْن دَاوُد ... ومُوسَى وحامل الْإِنْجِيل) قَالَت فَبَكَيْت وَفتحت القارورة فَإِذا الحصيات قد جرت دَمًا وَأخرج ابْن سعد عَن الشّعبِيّ قَالَ مر عَليّ رَضِي الله عَنهُ بكربلاء عِنْد مسيره إِلَى صفّين وحاذى نِينَوَى قَرْيَة على الْفُرَات فَوقف وَسَأَلَ عَن اسْم هَذِه الأَرْض فَقيل كربلاء فَبكى حَتَّى بل الأَرْض من دُمُوعه ثمَّ قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يبكي فَقلت مَا يبكيك قَالَ (كَانَ عِنْدِي جِبْرِيل آنِفا وَأَخْبرنِي أَن وَلَدي الْحُسَيْن يقتل بشاطىء الْفُرَات بِموضع يُقَال لَهُ كربلاء ثمَّ قبض جِبْرِيل قَبْضَة من تُرَاب شمني إِيَّاه فَلم أملك عَيْني أَن فاضتا) وَرَوَاهُ أَحْمد مُخْتَصرا عَن عَليّ قَالَ دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث وروى الملا أَن عليا مر بِقَبْر الْحُسَيْن فَقَالَ هَهُنَا مناخ رِكَابهمْ وَهَهُنَا مَوضِع رحالهم وَهَهُنَا مهراق دِمَائِهِمْ فتية من آل مُحَمَّد يقتلُون بِهَذِهِ الْعَرَصَة تبْكي عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض وَأخرج أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ مشربَة درجتها فِي حجرَة عَائِشَة يرقى إِلَيْهَا إِذا 00 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 أَرَادَ لَقِي جِبْرِيل فرقى إِلَيْهَا وَأمر عَائِشَة أَن لَا يطلع إِلَيْهَا أحد فرقى حُسَيْن وَلم تعلم بِهِ فَقَالَ جِبْرِيل من هَذَا قَالَ ابْني فأذخه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعله على فَخذه فَقَالَ جِبْرِيل ستقتله أمتك فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي قَالَ نعم وَإِن شِئْت أَخْبَرتك الأَرْض الَّتِي يقتل فِيهَا فَأَشَارَ جريل بِيَدِهِ إِلَى الطف بالعراق فَأخذ مِنْهَا تربة حَمْرَاء فَأرَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ هَذِه من تربة مصرعه وَأخرج التِّرْمِذِيّ أَن أم سَلمَة رَأَتْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باكيا وبرأسه ولحيته التُّرَاب فَسَأَلته فَقَالَ (قتل الْحُسَيْن آنِفا) وَكَذَلِكَ رَآهُ ابْن عَبَّاس نصف النَّهَار أَشْعَث أغبر بِيَدِهِ قَارُورَة فِيهَا دم يلتقطه فَسَأَلَهُ فَقَالَ (دم الْحُسَيْن واصحابه لم أزل أتتبعه مُنْذُ الْيَوْم) فنظروا فوجدوه قد قتل فِي ذَلِك الْيَوْم فاستشهد الْحُسَيْن كَمَا قَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكربلاء من أَرض الْعرَاق بِنَاحِيَة الْكُوفَة وَيعرف الْموضع أَيْضا بالطف قَتله سِنَان بن أنس النَّخعِيّ وَقيل غَيره يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَله سِتّ وَخَمْسُونَ سنة وَأشهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 وَلما قَتَلُوهُ بعثوا بِرَأْسِهِ إِلَى يزِيد فنزلوا أول مرحلة فَجعلُوا يشربون بِالرَّأْسِ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ خرجت عَلَيْهِ من الْحَائِط يَد مَعهَا قلم من حَدِيد فَكتبت سطر بِدَم (أترجو أمة قتلت حُسَيْنًا ... شَفَاعَة جده يَوْم الْحساب) فَهَرَبُوا وَتركُوا الرَّأْس أخرجه مَنْصُور بن عمار وَذكر غَيره أَن هَذَا الْبَيْت وجد بِحجر قبل مبعثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بثلاثمائة سنة وَأَنه مَكْتُوب فِي كَنِيسَة من أَرض الرّوم لَا يدرى من كتبه وَذكر أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي كتاب دَلَائِل النُّبُوَّة فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مَمْلُوءَة دَمًا وَكَذَا رُوِيَ فِي أَحَادِيث غير هَذِه وَمِمَّا ظهر يَوْم قَتله من الْآيَات أَيْضا أَن السَّمَاء اسودت اسودادا عَظِيما حَتَّى رؤيت النُّجُوم نَهَارا وَلم يرفع حجر إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم عبيط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ أَن الورس الَّذِي كَانَ فِي عَسْكَرهمْ تحول رَمَادا وَكَانَ فِي قافلة من الْيمن تُرِيدُ الْعرَاق فوافيتهم حِين قَتله وَحكى ابْن عُيَيْنَة عَن جدته أَن جمالا مِمَّن انْقَلب ورسه رَمَادا أخبرنَا بذلك ونحروا نَاقَة فِي عَسْكَرهمْ فَكَانُوا يرَوْنَ فِي لَحمهَا مثل الفيران فطبخوها فصارات مثل العلقم وَأَن السَّمَاء احْمَرَّتْ لقَتله وانكسفت الشَّمْس حَتَّى بَدَت الْكَوَاكِب نصف النَّهَار وَظن النَّاس أَن الْقِيَامَة قد قَامَت وَلم يرفع حجر فِي الشَّام إِلَّا رُؤِيَ تَحت دم عبيط وَأخرج عُثْمَان بن أبي شيبَة أَن السَّمَاء مكثت بعد قَتله سَبْعَة أَيَّام ترى على الْحِيطَان كَأَنَّهَا ملاحف معصفرة من شدَّة حمرتها وَضربت الْكَوَاكِب بَعْضهَا بَعْضًا وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَن ابْن سِيرِين أَن الدُّنْيَا أظلمت ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ظَهرت الْحمرَة فِي السَّمَاء وَقَالَ أَبُو سعيد مَا رفع حجر من الدُّنْيَا إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم عبيط وَلَقَد مطرَت السَّمَاء دَمًا بَقِي أَثَره فِي الثِّيَاب مُدَّة حَتَّى تقطعت واخرج الثَّعْلَبِيّ وَأَبُو نعيم مَا مر من أَنهم مُطِرُوا دَمًا زَاد أَبُو نعيم فأصبحنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وحبابنا وجرارنا مملوءه دَمًا وَفِي رِوَايَة أَنه مطر كَالدَّمِ على الْبيُوت والجدر بخراسان وَالشَّام والكوفة وَأَنه لما جِيءَ بِرَأْس الْحُسَيْن إِلَى دَار زِيَاد سَأَلت حيطانها دَمًا وَأخرج الثَّعْلَبِيّ أَن السَّمَاء بَكت وبكاؤها حمرتها وَقَالَ غَيره احْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء سِتَّة أشهر بعد قَتله ثمَّ لَا زَالَت الْحمرَة ترى بعد ذَلِك وَأَن ابْن سِيرِين قَالَ أخبرنَا أَن الْحمرَة لم تَرَ فِي السَّمَاء قبل قَتله قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وحكمته أَن غضبنا يُؤثر حمرَة الْوَجْه وَالْحق منزه عَن الجسمية فأظهر تَأْثِير غَضَبه على من قتل الْحُسَيْن بحمرة الْأُفق إِظْهَارًا لعظم الْجِنَايَة قَالَ وأنين الْعَبَّاس وَهُوَ ماسور ببدر منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النّوم فَكيف بأنين الْحُسَيْن وَلما أسلم وَحشِي قَاتل حَمْزَة قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (غيب وَجهك عني فَإِنِّي لَا أحب أَن أرى من قتل الْأَحِبَّة) قَالَ وَهَذَا وَالْإِسْلَام يجب مَا قبله فَكيف بِقَلْبِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرى من ذبح الْحُسَيْن وَأمر بقتْله وَحمل أَهله على أقتاب الْجمال وَمَا مر من أَنه لم يرفع حجر فِي الشَّام أَو الدُّنْيَا إِلَّا رُؤِيَ تَحْتَهُ دم عبيط وَقع يَوْم قتل عَليّ أَيْضا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ حكى عَن الزُّهْرِيّ أَنه قدم الشَّام يُرِيد الْغَزْو فَدخل على عبد الْملك فَأخْبرهُ أَنه يَوْم قتل عَليّ لم يرفع حجر من بَيت الْمُقَدّس إِلَّا وجد تَحت دم ثمَّ قَالَ لَهُ لم يبْق من يعرف هَذَا غَيْرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وَغَيْرك فَلَا تخبر بِهِ قَالَ فَمَا أخْبرت بِهِ إِلَّا بعد مَوته وَحكى عَنهُ أَيْضا أَن غير عبد الْملك أخبر بذلك أَيْضا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالَّذِي صَحَّ عَنهُ أَن ذَلِك حِين قتل الْحُسَيْن وَلَعَلَّه وجد عِنْد قَتلهمَا جَمِيعًا انْتهى وَأخرج أَبُو الشَّيْخ أَن جمعا تَذَاكَرُوا أَنه مَا من أحد اعان على قتل الْحُسَيْن إِلَّا أَصَابَهُ بلَاء قبل أَن يَمُوت فَقَالَ شيخ أَنا أعنت وَمَا أصابني شَيْء فَقَامَ ليصلح السراج فَأَخَذته النَّار فَجعل يُنَادي النَّار النَّار وانغمس فِي الْفُرَات وَمَعَ ذَلِك فَلم يزل بِهِ حَتَّى مَاتَ وَأخرج مَنْصُور بن عمار أَن بَعضهم ابْتُلِيَ بالعطش وَكَانَ يشرب رِوَايَة وَلَا يرْوى وَبَعْضهمْ طَال ذكره حَتَّى كَانَ إِذا ركب الْفرس لواه على عُنُقه كَأَنَّهُ حَبل وَنقل سبط ابْن الْجَوْزِيّ عَن السّديّ أَنه أَضَافَهُ رجل بكربلاء فتذاكروا أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 مَا شَارك أحد فِي دم الْحُسَيْن إِلَّا ى مَاتَ أقبح موتَة فكذب المضيف بذلك وَقَالَ إِنَّه مِمَّن حضر فَقَامَ آخر اللَّيْل يصلح السراج فَوَثَبت النَّار فِي جسده فَأَحْرَقتهُ قَالَ السّديّ فَأَنا وَالله رَأَيْته كَأَنَّهُ حميمة وَعَن الزُّهْرِيّ لم يبْق مِمَّن قَتله إِلَّا من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا إِمَّا بقتل أَو عمى اَوْ سَواد الْوَجْه أَو زَوَال الْملك فِي مُدَّة يسيرَة وَحكى سبط ابْن الْجَوْزِيّ عَن الْوَاقِدِيّ أَن شَيخا حضر قَتله فَقَط فَعميَ فَسئلَ عَن سَببه فَقَالَ إِنَّه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاسرا عَن ذِرَاعَيْهِ وَبِيَدِهِ سيف وَبَين يَدَيْهِ نطع وَرَأى عشرَة من قاتلي الْحُسَيْن مذبوحين بَين يَدَيْهِ ثمَّ لَعنه وسبه بتكثيره سوادهم ثمَّ أكحله بمرود من دم الْحُسَيْن فَأصْبح أعمى وَأخرج أَيْضا أَن شخصا مِنْهُم علق فِي لبب فرسه رَأس الْحُسَيْن بن عَليّ فرؤي بعد ايام وَوَجهه أَشد سوادا من القار فَقيل لَهُ إِنَّك كنت أَنْضَرُ الْعَرَب وَجها فَقَالَ مَا مرت عَليّ لَيْلَة من حِين حملت تِلْكَ الرَّأْس إِلَّا وَاثْنَانِ يأخذان بضبعي ثمَّ ينتهيان بِي إِلَيّ نَار تأجج فيدفعاني فِيهَا وَأَنا أنكص فتسفعني كَمَا ترى ثمَّ مَاتَ على أقبح حَاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 وَأخرج أَيْضا أَن شَيخا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَبَين يَدَيْهِ طست فِيهَا دم وَالنَّاس يعرضون عَلَيْهِ فيلطخهم حَتَّى انْتَهَيْت إِلَيْهِ فَقلت مَا حضرت فَقَالَ لي هويت فَأَوْمأ إِلَيّ بإصبعه فَأَصْبَحت أعمى وَمر أَن أَحْمد روى أَن شخصا قَالَ قتل الله الْفَاسِق ابْن الْفَاسِق الْحُسَيْن فَرَمَاهُ الله بكوكبين فِي عَيْنَيْهِ فَعميَ وَذكر الْبَارِزِيّ عَن الْمَنْصُور أَنه رأى رجلا بِالشَّام وَجهه وَجه خِنْزِير فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّه كَانَ يلعن عليا كل يَوْم ألف مرّة وَفِي الْجُمُعَة ألف مرّة وَأَوْلَاده مَعَه فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر مناما طَويلا من جملَته أَن الْحسن شكاه إِلَيْهِ فلعنه ثمَّ بَصق فِي وَجهه فَصَارَ مَوضِع بصاقه خنزيرا وَصَارَ آيَة للنَّاس وَأخرج الملا عَن أم سَلمَة أَنَّهَا سَمِعت نوح الْجِنّ على الْحُسَيْن وَابْن سعد عَنْهَا أَنَّهَا بَكت عَلَيْهِ حَتَّى غشي عَلَيْهَا وروى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر أَنه سَأَلَهُ رجل عَن دم البعوض طَاهِر أَو لَا فَقَالَ لَهُ مِمَّن أَنْت قَالَ من أهل الْعرَاق فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا يسألني عَن دم البعوض وَقد قتلوا ابْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (هما ريحانتاي من الدُّنْيَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 وَسبب مخرجه رَضِي الله عَنهُ أَن يزِيد لما اسْتخْلف سنة سِتِّينَ أرسل لعامله بِالْمَدِينَةِ أَن يَأْخُذ لَهُ الْبيعَة على الْحُسَيْن ففر لمَكَّة خوفًا على نَفسه فَسمع بِهِ أهل الْكُوفَة فأرسلوا إِلَيْهِ أَن يَأْتِيهم ليبايعوه ويمحو عَنْهُم مَا هم فِيهِ من الْجور فَنَهَاهُ ابْن عَبَّاس وَبَين لَهُ غدرهم وقتلهم لِأَبِيهِ وخذلانهم لِأَخِيهِ فابى فَنَهَاهُ أَن لَا يذهب بأَهْله فَأبى فَبكى ابْن عَبَّاس وَقَالَ واحبيباه واحسيناه وَقَالَ لَهُ ابْن عمر نَحْو ذَلِك فَأبى فَبكى ابْن عمر وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ أستودعك الله من قَتِيل وَنَهَاهُ ابْن الزبير أَيْضا فَقَالَ لَهُ حَدثنِي أبي إِن لمَكَّة كَبْشًا بِهِ يسْتَحل حرمتهَا فَمَا أحب أَن أكون أَنا ذَلِك الْكَبْش وَمر قَول أَخِيه الْحسن لَهُ إياك وسفهاء الْكُوفَة أَن يستخفوك فيخرجوك ويسلموك فتندم ولات حِين مناص وَقد تذكر ذَلِك لَيْلَة قَتله فترحم على أَخِيه الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا وَلما بلغ مسيره أَخَاهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة كَانَ بَين يَدَيْهِ طست يتَوَضَّأ فِيهِ فَبكى حَتَّى ملأَهُ من دُمُوعه وَلم يبْق بِمَكَّة إِلَّا من حزن لمسيره وَقدم أَمَامه مُسلم بن عقيل فَبَايعهُ من أهل الْكُوفَة اثْنَا عشر ألفا وَقيل أَكثر من ذَلِك وَأمر يزِيد ابْن زِيَاد فجَاء إِلَيْهِ وَقَتله وَأرْسل بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ فشكره وحذره من الْحُسَيْن وَلَقي الْحُسَيْن فِي مسيره الفرزدق فَقَالَ لَهُ بَين لي خبر النَّاس فَقَالَ أجل على الْخَبِير سَقَطت يَا ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلُوب النَّاس مَعَك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 وَسُيُوفهمْ مَعَ بني أُميَّة وَالْقَضَاء ينزل من السَّمَاء وَالله يفعل مَا يَشَاء وَسَار الْحُسَيْن وَهُوَ على غير علم بِمَا جرى لمُسلم حَتَّى كَانَ على ثَلَاث من الْقَادِسِيَّة تَلقاهُ الْحر بن يزِيد التَّمِيمِي فَقَالَ ارْجع فَمَا تركت لَك خَلْفي خيرا ترجوه وَأخْبرهُ الْخَبَر وقدوم ابْن زِيَاد واستعداده لَهُ فهم بِالرُّجُوعِ بِالرُّجُوعِ فَقَالَ أَخُو مُسلم وَالله لَا نرْجِع حَتَّى نصيب بثأرنا أَو نقْتل فَقَالَ لَا خير فِي الْحَيَاة بعدكم ثمَّ سَار فَلَقِيَهُ أَوَائِل خيل ابْن زِيَاد فَعدل إِلَى كربلاء ثامن الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَكَانَ لما شَارف الْكُوفَة سمع بِهِ أميرها عبيد الله بن زِيَاد فَجهز إِلَيْهِ عشْرين ألف مقَاتل فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ التمسوا مِنْهُ نُزُوله على حكم ابْن زِيَاد وبيعته ليزِيد فابى فقاتلوه وَكَانَ أَكثر الخارجين لقتاله الَّذين كاتبوه وَبَايَعُوهُ ثمَّ لما جَاءَهُم أخلفوه وفروا عَنهُ إِلَى أعدائه إيثارا للسحت العاجل على الْخَيْر الآجل فحارب أُولَئِكَ الْعدَد الْكثير وَمَعَهُ من إخْوَته وَأَهله نَيف وَثَمَانُونَ نفسا فَثَبت فِي ذَلِك الْموقف ثباتا باهرا مَعَ كَثْرَة أعدائه وعددهم ووصول سِهَامهمْ ورماحهم إِلَيْهِ وَلما حمل عَلَيْهِم وسيفه مصلت فِي يَده أنْشد يَقُول (أَنا ابْن عَليّ الحبر من آل هَاشم ... كفاني بِهَذَا مفخرا حِين أَفْخَر) (وجدي رَسُول الله أكْرم من مَشى ... وَنحن سراج الله فِي النَّاس يزهر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 (وَفَاطِمَة أُمِّي سلالة أَحْمد ... وَعمي يدعى ذَا الجناحين جَعْفَر) (وَفينَا كتاب الله أنزل صَادِقا ... وَفينَا الْهدى وَالْوَحي وَالْخَيْر يذكر) وَلَوْلَا مَا كادوه بِهِ من أَنهم حالوا بَينه وَبَين المَاء لم يقدروا عَلَيْهِ إِذْ هُوَ الشجاع القرم الَّذِي لَا يَزُول وَلَا يتَحَوَّل وَلما منعُوهُ وَأَصْحَابه المَاء ثَلَاثًا قَالَ لَهُ بَعضهم انْظُر إِلَيْهِ كَأَنَّهُ كبد السَّمَاء لَا تذوق مِنْهُ قَطْرَة حَتَّى تَمُوت عطشا فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن اللَّهُمَّ اقتله عطشا فَلم يرو مَعَ كَثْرَة شربه للْمَاء حَتَّى مَاتَ عطشا ودعا الْحُسَيْن بِمَاء ليشربه فحال رجل بَينه وَبَينه بِسَهْم ضربه فَأصَاب حنكه فَقَالَ اللَّهُمَّ أظمئه فَصَارَ يَصِيح الْحر فِي بَطْنه وَالْبرد فِي ظَهره وَبَين يَدَيْهِ الثلَّة والمراوح وَخَلفه الكافور وَهُوَ يَصِيح الْعَطش فَيُؤتى بسويق وَمَاء وَلبن لَو شربه خَمْسَة لكفاهم فيشربه ثمَّ يَصِيح فيسقى كَذَلِك إِلَى أَن انقد بَطْنه وَلما استحر الْقَتْل باهله فَإِنَّهُم لَا يزَالُوا يقتلُون مِنْهُم وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى قتلوا مَا يزِيد على الْخمسين صَاح الْحُسَيْن أما ذاب يذب عَن حَرِيم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحِينَئِذٍ خرج يزِيد بن الْحَارِث الريَاحي من عَسْكَر أعدائه رَاكِبًا فرسه وَقَالَ يَا ابْن بنت رَسُول الله لَئِن كنت أول من خرج عَلَيْك فإنني الْآن من حزبك لعَلي أنال بذلك شَفَاعَة جدك ثمَّ قَاتل بَين يَدَيْهِ حَتَّى قتل فَحمل عَلَيْهِ جمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 كَثِيرُونَ مِنْهُم حالوا بَينه وَبَين حريمه فصاح كفوا سفهاءكم عَن الْأَطْفَال وَالنِّسَاء فكفوا ثمَّ لم يزل يقاتلهم حَتَّى أثخنوه بالجراح وَسقط إِلَى الأَرْض فحزوا رَأسه يَوْم عَاشُورَاء عَام إِحْدَى وَسِتِّينَ وَلما وضع بَين يَدي عبيد الله بن زِيَاد أنْشد قَاتله (املأ ركابي فضَّة وذهبا ... فقد قتلت الْملك المحجبا) (وَمن يُصَلِّي الْقبْلَتَيْنِ فِي الصِّبَا ... وَخَيرهمْ إِذْ يذكرُونَ النسبا) (قتلت خير النَّاس أما وَأَبا ... ) فَغَضب ابْن زِيَاد من قَوْله وَقَالَ إِذا علمت ذَلِك فَلم قتلته وَالله لَا نلْت مني خيرا ولألحقنك بِهِ ثمَّ ضرب عُنُقه وَقتل مَعَه من اخوته وَبني أَخِيه الْحسن وَمن أَوْلَاد جَعْفَر وَعقيل تِسْعَة عشر رجلا وَقيل أحد وَعِشْرُونَ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ مَا كَانَ على وَجه الأَرْض يَوْمئِذٍ لَهُم شَبيه وَلما حمل رَأسه لِابْنِ زِيَاد جعله فِي طست وَجعل يضْرب ثناياه بقضيب وَيَقُول بِهِ فِي أَنفه وَيَقُول مَا رَأَيْت مثل هَذَا حسنا إِن كَانَ لحسن الثغر وَكَانَ عِنْده أنس فَبكى وَقَالَ كَانَ أشبههم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 وروى ابْن أبي الدُّنْيَا أَنه كَانَ عِنْده زيد بن أَرقم فَقَالَ لَهُ ارْفَعْ قضيبك فوَاللَّه لطالما رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل مَا بَين هَاتين الشفتين ثمَّ جعل زيد يبكي فَقَالَ ابْن زِيَاد أبكى الله عَيْنَيْك لَوْلَا أَنَّك شيخ قد خرفت لضَرَبْت عُنُقك فَنَهَضَ وَهُوَ يَقُول أَيهَا النَّاس أَنْتُم العبيد بعد الْيَوْم قتلتم ابْن فَاطِمَة وأمرتم ابْن مرْجَانَة وَالله ليقْتلن خياركم ويستعبدن شِرَاركُمْ فبعدا لمن رَضِي بالذلة والعار ثمَّ قَالَ يَا ابْن زِيَاد لأحدثنك بِمَا هُوَ أَغيظ عَلَيْك من هَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقعد حسنا على فَخذه الْيُمْنَى وَحسَيْنا على فَخذه الْيُسْرَى ثمَّ وضع يَده على يافوخهما ثمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أستودعك إيَّاهُمَا وَصَالح الْمُؤمنِينَ) فَكيف كَانَت وَدِيعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْدك يَا ابْن زِيَاد وَقد انتقم الله من ابْن زِيَاد هَذَا فقد صَحَّ عِنْد التِّرْمِذِيّ أَنه لما جِيءَ بِرَأْسِهِ وَنصب فِي الْمَسْجِد مَعَ رُؤُوس أَصْحَابه جَاءَت حَيَّة فتخللت الرؤوس حَتَّى دخلت فِي منخره فَمَكثت هنيهة ثمَّ خرجت ثمَّ جَاءَت فَفعلت كَذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَكَانَ نصبها فِي مَحل نَصبه لرأس الْحُسَيْن وفاعل ذَلِك بِهِ هُوَ الْمُخْتَار بن أبي عبيد تبعه طَائِفَة من الشِّيعَة تدفعوا على خذلانهم للحسين وَأَرَادُوا غسل الْعَار عَنْهُم ففرقة مِنْهُم تبِعت الْمُخْتَار فملكوا الْكُوفَة وَقتلُوا السِّتَّة آلَاف الَّذين قَاتلُوا الْحُسَيْن أقبح القتلات وَقتل رئيسهم عمر بن سعد وَخص شمر قَاتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 الْحُسَيْن على قَول بمزيد نكال وأوطأوا الْخَيل صَدره وظهره لِأَنَّهُ فعل ذَلِك بالحسين وشكر النَّاس للمختار ذَلِك لكنه أنبأ آخرا عَن خبث قَبِيح حَتَّى زعم أَنه يُوحى إِلَيْهِ وَأَن ابْن الْحَنَفِيَّة هُوَ الْمهْدي وَلما نزل ابْن زِيَاد الْموصل فِي ثَلَاثِينَ ألفا جهز لَهُ الْمُخْتَار سنة تسع وَسِتِّينَ طَائِفَة قَتَلُوهُ هُوَ وَأَصْحَابه على الْفُرَات يَوْم عَاشُورَاء وَبعث برؤوسهم للمختار فَنصبت فِي الْمحل الَّذِي نصب فِيهِ رَأس الْحُسَيْن ثمَّ حولت إِلَى مَا مر حَتَّى دَخَلتهَا تِلْكَ الْحَيَّة وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق قَول عبد الْملك بن عُمَيْر دخلت قصر الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ على ابْن زِيَاد وَالنَّاس عِنْده سماطان وَرَأس الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ على ترس على يَمِينه ثمَّ دخلت على الْمُخْتَار فِيهِ فَوجدت رَأس ابْن زِيَاد وَعِنْده النَّاس كَذَلِك ثمَّ دخلت على مُصعب بن الزبير فِيهِ فَوجدت رَأس الْمُخْتَار عِنْده كَذَلِك ثمَّ دخلت على عبد الْملك بن مَرْوَان فِيهِ فَوجدت عِنْده رَأس مُصعب كَذَلِك فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ لَا أَرَاك الله الْخَامِس ثمَّ أَمر بهدمه وَلما أنزل ابْن زِيَاد رَأس الْحُسَيْن وَأَصْحَابه جهزها مَعَ سَبَايَا آل الْحُسَيْن إِلَى يزِيد فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ قيل إِنَّه ترحم عَلَيْهِ وتنكر لِابْنِ زِيَاد وَأرْسل بِرَأْسِهِ وَبَقِيَّة بنيه إِلَى الْمَدِينَة وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره الْمَشْهُور أَنه جمع أهل الشَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 وَجعل ينكت الرَّأْس بالخيزران وَجمع بِأَنَّهُ أظهر الأول وأخفى الثَّانِي بِقَرِينَة أَنه بَالغ فِي رفْعَة ابْن زِيَاد حَتَّى أدخلهُ على نِسَائِهِ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَلَيْسَ الْعجب إِلَّا من ضرب يزِيد ثنايا الْحُسَيْن بالقضيب وَحمل آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أقتاب الْجمال أَي مُوثقِينَ فِي الحبال وَالنِّسَاء مكشفات الرؤوس وَالْوُجُوه وَذكر أَشْيَاء من قَبِيح فعله وَلما وصلوا دمشق أقِيمُوا على درج الْجَامِع حَيْثُ يُقَام الْأُسَارَى والسبي وَقيل إِن يزِيد أرسل بِرَأْس الْحُسَيْن وَمن بَقِي من أَهله إِلَى الْمَدِينَة فَكفن رَأسه وَدفن عِنْد قبر أمه بقبة الْحسن وَقيل أُعِيد إِلَى الجثة بكربلاء بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا من قَتله وَقيل بل كَانَت الرَّأْس فِي خزانته لِأَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام يلاطفه ويبشره فَسَأَلَ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن ذَلِك فَقَالَ لَعَلَّك صنعت إِلَى آله مَعْرُوفا قَالَ نعم وجدت رَأس الْحُسَيْن فِي خزانَة يزِيد فكسوته خَمْسَة أَثوَاب وَصليت عَلَيْهِ مَعَ جمَاعَة من أَصْحَابِي وقبرته فَقَالَ لَهُ الْحسن هُوَ ذَلِك سَبَب رِضَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْك فَأمر سُلَيْمَان لِلْحسنِ بجائزة سنية وَلما فعل يزِيد بِرَأْس الْحُسَيْن مَا مر كَانَ عِنْده رَسُول قَيْصر فَقَالَ مُتَعَجِّبا إِن عندنَا فِي بعض الجزائر فِي دير حافر حمَار عِيسَى فَنحْن نحج إِلَيْهِ كل عَام من الأقطار وننذر النذور ونعظمه كَمَا تعظمون كعبتكم فَأشْهد إِنَّكُم على بَاطِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 وَقَالَ ذمِّي آخر بيني وَبَين دَاوُد سَبْعُونَ أَبَا وَإِن الْيَهُود تعظمني وتحترمني وَأَنْتُم قتلتم ابْن نَبِيكُم وَلما كَانَت الحرس على الرَّأْس كلما نزلُوا منزلا وضعوه على رمح وحرسوه فَرَآهُ رَاهِب فِي دير فَسَأَلَ عَنهُ فعرفوه بِهِ فَقَالَ بئس الْقَوْم أَنْتُم لَو كَانَ للمسيح ولد لأسكناه أحداقنا بئس الْقَوْم أَنْتُم هَل لكم فِي عشرَة آلَاف دِينَار ويبيت الرَّأْس عِنْدِي هَذِه اللَّيْلَة قَالُوا نعم فَأَخذه وغسله وطيبه وَوَضعه على فَخذه فَوجدَ مِنْهُ نورا صاعدا إِلَى عنان السَّمَاء وَقعد يبكي إِلَى الصُّبْح ثمَّ أسلم لِأَنَّهُ رأى نورا ساطعا من الرَّأْس إِلَى السَّمَاء ثمَّ خرج عَن الدَّيْر وَمَا فِيهِ وَصَارَ يخْدم أهل الْبَيْت وَكَانَ مَعَ أُولَئِكَ الحرس دَنَانِير أخذوها من عَسْكَر الْحُسَيْن ففتحوا أكياسها ليقتسموها فرأوها خزفا وعَلى أحد جَانِبي كل مِنْهَا {وَلَا تحسبن الله غافلا عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ} إِبْرَاهِيم 42 وعَلى الآخر {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} الشُّعَرَاء 227 وَسَيَأْتِي فِي الخاتمة الْكَلَام فِي أَنه هَل يجوز لعن يزِيد أَو يمْتَنع وسيق حَرِيم الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَة كالأسارى فَبكى أهل الْكُوفَة فَجعل زين العابدين بن الْحُسَيْن يَقُول أَلا إِن هَؤُلَاءِ يَبْكُونَ من أجلنا فَمن ذَا الَّذِي قتلنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 وَأخرج الْحَاكِم من طرق مُتعَدِّدَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (قَالَ جِبْرِيل قَالَ الله تَعَالَى إِنِّي قتلت بِدَم يحيى بن زَكَرِيَّا سبعين الْفَا وَإِنِّي قَاتل بِدَم الْحُسَيْن بن عَليّ سبعين ألفا) وَلم يصب ابْن الْجَوْزِيّ فِي ذكره لهَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات وَقتل هَذِه الْعدة بِسَبَبِهِ لَا يسْتَلْزم أَنَّهَا كعدد عدَّة المقاتلين لَهُ فَإِن فتنته أفضت إِلَى تعصبات ومقاتلات تفي بذلك وزين العابدين هَذَا هُوَ الَّذِي خلف أَبَاهُ علما وزهدا وَعبادَة وَكَانَ إِذا تَوَضَّأ للصَّلَاة اصفر لَونه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أَلا تَدْرُونَ بَين يَدي من أَقف وَحكي أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ألف رَكْعَة وَحكى ابْن حمدون عَن الزُّهْرِيّ أَن عبد الْملك حمله مُقَيّدا من الْمَدِينَة بأثقلة من حَدِيد ووكل بِهِ حفظَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 فَدخل عَلَيْهِ الزُّهْرِيّ لوداعه فَبكى وَقَالَ وددت أَنِّي مَكَانك فَقَالَ أتظن أَن ذَلِك يكربني لَو شِئْت لما كَانَ وَإنَّهُ ليذكرني عَذَاب الله ثمَّ أخرج رجلَيْهِ من الْقَيْد وَيَديه من الغل ثمَّ قَالَ لَا جزت مَعَهم على هَذَا يَوْمَيْنِ من الْمَدِينَة فَمَا مضى يَوْمَانِ إِلَّا وفقدوه حِين طلع الْفجْر وهم يَرْصُدُونَهُ فطلبوه فَلم يجدوه قَالَ الزُّهْرِيّ فَقدمت على عبد الْملك فَسَأَلَنِي عَنهُ فَأَخْبَرته فَقَالَ قد جَاءَ فِي يَوْم فَقده الأعوان فَدخل عَليّ فَقَالَ مَا أَنا وَأَنت فَقلت أقِم عِنْدِي فَقَالَ لَا أحب ثمَّ خرج فوَاللَّه لقد امْتَلَأَ قلبِي مِنْهُ خيفة أَي وَمن ثمَّ كتب عبد الْملك للحجاج أَن يجْتَنب دِمَاء بني عبد الْمطلب وَأمره بكتم ذَلِك فكوشف بِهِ زين العابدين فَكتب إِلَيْهِ إِنَّك كتبت للحجاج يَوْم كَذَا سرا فِي حَقنا بني عبد الْمطلب بِكَذَا وَكَذَا وَقد شكر الله لَك ذَلِك وَأرْسل بِهِ إِلَيْهِ فَلَمَّا وقف عَلَيْهِ وجد تَارِيخه مُوَافقا لتاريخ كِتَابه للحجاج وَوجد مخرج الْغُلَام مُوَافقا لمخرج رَسُوله للحجاج فَعلم أَن زين العابدين كوشف بأَمْره فسر بِهِ وَأرْسل إِلَيْهِ مَعَ غُلَامه بوقر رَاحِلَته دَرَاهِم وَكِسْوَة وَسَأَلَهُ أَن لَا يخليه من صَالح دُعَائِهِ وَأخرج أَبُو نعيم والسلفي لما احج هِشَام بن عبد الملك فِي حَيَاة أَبِيه أَو الْوَلِيد لم يُمكنهُ أَن يصل للحجر من الزحام فنصب لَهُ مِنْبَر إِلَى جَانب زَمْزَم وَجلسَ ينظر إِلَى النَّاس وَحَوله جمَاعَة من أَعْيَان أهل الشَّام فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل زين العابدين فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْحجر تنحى لَهُ النَّاس حَتَّى اسْتَلم فَقَالَ أهل الشَّام لهشام من هَذَا قَالَ لَا أعرفهُ مَخَافَة أَن يرغب أهل الشَّام فِي زين العابدين فَقَالَ الفرزدق أَنا أعرفهُ ثمَّ أنْشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 (هَذَا الَّذِي تعرف الْبَطْحَاء وطأته ... وَالْبَيْت يعرفهُ والحل وَالْحرم) (هَذَا ابْن خير عباد الله كلهم ... هَذَا التقي النقي الطَّاهِر الْعلم) (إِذا رَأَتْهُ قُرَيْش قَالَ قَائِلهَا ... إِلَى مَكَارِم هَذَا يَنْتَهِي الْكَرم) (ينمى إِلَى ذرْوَة الْعِزّ الَّتِي قصرت ... عَن نيلها عرب الْإِسْلَام والعجم) القصيدة الْمَشْهُورَة وَمِنْهَا (هَذَا ابْن فَاطِمَة إِن كنت جاهله ... بجده أَنْبيَاء الله قد ختموا) (فَلَيْسَ قَوْلك من هَذَا بضائره ... الْعَرَب تعرف من أنْكرت والعجم) ثمَّ قَالَ (من معشر حبهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم) (لَا يَسْتَطِيع جواد بعد غايتهم ... وَلَا يدانيهم قوم وَإِن كرموا) فَلَمَّا سَمعهَا هِشَام غضب وَحبس الفرزدق بعسفان بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وامر لَهُ زين العابدين بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم وَقَالَ اعذر لَو كَانَ عندنَا أَكثر لوصلناك بِهِ فَردهَا قَالَ إِنَّمَا امتدحه لله لَا لعطاء فَقَالَ زين زين العابدين رَضِي الله عَنهُ إِنَّا أهل بَيت إِذا وهبنا شَيْئا لَا نستعيده فقبلها الفرزدق ثمَّ هجا هشاما فِي الْحَبْس فَبعث فَأخْرجهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 وَكَانَ زين العابدين عَظِيم التجاوز وَالْعَفو والصفح حَتَّى إِنَّه سبه رجل فتغافل عَنهُ فَقَالَ لَهُ إياك أَعنِي فَقَالَ وعنك أعرض أَشَارَ إِلَى آخر {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} الْأَعْرَاف 199 وَكَانَ يَقُول مَا يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم توفّي وعمره سبع وَخَمْسُونَ مِنْهَا سنتَانِ مَعَ جده عَليّ ثمَّ عشر مَعَ عَمه الْحسن ثمَّ إِحْدَى عشرَة مَعَ أَبِيه الْحُسَيْن وَقيل سمه الْوَلِيد بن عبد الْملك وَدفن بِالبَقِيعِ عِنْد عَمه الْحسن عَن أحد عشر ذكرا وَأَرْبع إناث وَارثه مِنْهُم عبَادَة وعلما وزهادة أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد الباقر سمي بذلك من بقر الأَرْض أَي شقها وأثار مخبئاتها ومكامنها فَكَذَلِك هُوَ أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الْأَحْكَام وَالْحكم واللطائف مَا لَا يخفى إِلَّا على منطمس البصيرة أَو فَاسد الطوية السريرة وَمن ثمَّ قيل فِيهِ هُوَ باقر الْعلم وجامعه وشاهر علمه وعمرت أوقاته بِطَاعَة الله وَله من الرسوخ فِي مقامات العارفين مَا تكل عَنهُ أَلْسِنَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 الواصفين وَله كَلِمَات كَثِيرَة فِي السلوك والمعارف لَا تحتملها هَذِه العجالة وَكَفاهُ شرفا أَن ابْن الْمَدِينِيّ روى عَن جَابر أَنه قَالَ لَهُ وَهُوَ صَغِير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَلَيْك فَقيل لَهُ وَكَيف ذَاك قَالَ كنت جَالِسا عِنْده وَالْحُسَيْن فِي حجره وَهُوَ يداعبه فَقَالَ (يَا جَابر يُولد لَهُ مَوْلُود اسْمه عَليّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد ليقمْ سيد العابدين فَيقوم وَلَده ثمَّ يُولد لَهُ ولد اسْمه مُحَمَّد فَإِن أَدْرَكته يَا جَابر فأقرئه مني السَّلَام) توفّي سنة سبع عشرَة ومئة عَن ثَمَان وَخمسين سنة مسموما كأبيه وَهُوَ علوي من جِهَة أَبِيه وَأمه وَدفن أَيْضا فِي قبَّة الْحسن وَالْعَبَّاس بِالبَقِيعِ وَخلف سِتَّة أَوْلَاد أفضلهم وأكملهم جَعْفَر الصَّادِق وَمن ثمَّ كَانَ خَلِيفَته ووصيه وَنقل النَّاس عَنهُ من الْعُلُوم مَا سَارَتْ بِهِ الركْبَان وانتشر صيته فِي جَمِيع الْبلدَانِ وروى عَنهُ الْأَئِمَّة الأكابر كيحيى بن سعيد وَابْن جريج والسفيانين وَأبي حنيفَة وَشعْبَة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 وَأمه أم فَرْوَة بنت الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر كَمَا مر وسعي بِهِ عِنْد الْمَنْصُور لما حج فَلَمَّا حضر السَّاعِي بِهِ يشْهد قَالَ لَهُ أتحلف قَالَ نعم فَحلف بِاللَّه الْعَظِيم إِلَى آخِره فَقَالَ أحلفه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا أرَاهُ فَقَالَ لَهُ حلفه فَقَالَ لَهُ قل بَرِئت من حول الله وقوته والتجأت إِلَى حَولي وقوتي لقد فعل جَعْفَر كَذَا وَكَذَا وَقَالَ كَذَا وَكَذَا فَامْتنعَ الرجل ثمَّ حلف فَمَا تمّ حَتَّى مَاتَ مَكَانَهُ فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ لجَعْفَر لَا بَأْس عَلَيْك أَنْت المبرأ الساحة الْمَأْمُون الغائلة ثمَّ انْصَرف فَلحقه الرّبيع بجائزة حَسَنَة وَكِسْوَة سنية وللحكاية تَتِمَّة وَوَقع نَظِير هَذِه الْحِكَايَة ليحيى بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بِأَن شخصا زبيريا سعى بِهِ للرشيد فَطلب تَحْلِيفه فتلعثم فزبره الرشيد فَتَوَلّى يحيى تَحْلِيفه بذلك فَمَا أتم يَمِينه حَتَّى اضْطربَ وَسقط لجنبه فَأخذُوا بِرجلِهِ وَهلك فَسَأَلَ الرشيد يحيى عَن سر ذَلِك فَقَالَ تمجيد الله فِي الْيَمين يمْنَع المعاجلة بالعقوبة وَذكر المَسْعُودِيّ أَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت مَعَ أخي يحيى هَذَا الملقب بمُوسَى الجون وَأَن الزبيرى سعى بِهِ للرشيد فطال الْكَلَام بَينهمَا ثمَّ طلب مُوسَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 تَحْلِيفه فحلفه بِنَحْوِ مَا مر فَلَمَّا حلف قَالَ مُوسَى الله أكبر حَدثنِي أبي عَن جدي عَن أَبِيه عَن جده عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا حلف أحد بِهَذِهِ الْيمن أَي وَهِي تقلدت الْحول وَالْقُوَّة دون حول الله وقوته إِلَى حَولي وقوتي مَا فعلت كَذَا وَهُوَ كَاذِب إِلَّا عجل الله لَهُ الْعقُوبَة قبل ثَلَاث) وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت فَوكل عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن مَضَت ثَلَاث وَلم يحدث بالزبيري حَادث فدمي لَك حَلَال فَوكل بِهِ فَلم يمض عصر ذَلِك الْيَوْم حَتَّى أصَاب الزبيرِي جذام فتورم حَتَّى صَار كالزق فَمَا مضى إِلَّا قَلِيل وَقد توفّي وَلما أنزل فِي قَبره انخسف قَبره وَخرجت رَائِحَة مفرطة النتن فطرحت فِيهِ أحمال الشوك فانخسف ثَانِيًا فَأخْبر الرشيد بذلك فَزَاد تعجبه ثمَّ أَمر لمُوسَى بِأَلف دِينَار وَسَأَلَهُ عَن سر تِلْكَ الْيَمين فروى لَهُ حَدِيثا عَن جده عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا من أحد يحلف بِيَمِين مجد الله فِيهَا إِلَّا استحيا من عُقُوبَته وَمَا من أحد حلف بِيَمِين كَاذِبَة نَازع الله فِيهَا حوله وقوته إِلَّا عجل الله لَهُ الْعقُوبَة قبل ثَلَاث) وَقتل بعض الطغاة مَوْلَاهُ فَلم يزل ليلته يُصَلِّي ثمَّ دَعَا عَلَيْهِ عِنْد السحر فَسمِعت الْأَصْوَات بِمَوْتِهِ وَلما بلغه قَول الحكم بن الْعَبَّاس الْكَلْبِيّ فِي عَمه زيد (صلبنا لكم زيدا على جذع نَخْلَة ... وَلم نر مهديا على الْجذع يصلب) قَالَ اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك فافترسه الْأسد وَمن مكاشفاته أَن ابْن عَمه عبد الله الْمَحْض كَانَ شيخ بني هَاشم وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 وَالِد مُحَمَّد الملقب بِالنَّفسِ الزكية فَفِي آخر دولة بني أُميَّة وضعفهم أَرَادَ بَنو هَاشم مبايعة مُحَمَّد وأخيه وَأَرْسلُوا لجَعْفَر ليبايعهما فَامْتنعَ فاتهم أَنه يحسدهما فَقَالَ وَالله لَيست لي وَلَا لَهما إِنَّهَا لصَاحب القباء الْأَصْفَر ليلعبن بهَا صبيانهم وغلمانهم وَكَانَ الْمَنْصُور العباسي يَوْمئِذٍ حَاضرا وَعَلِيهِ قبَاء أصفر فَمَا زَالَت كلمة جَعْفَر تعْمل فِيهِ حَتَّى ملكوا وَسبق جعفرا إِلَى ذَلِك وَالِده الباقر فَإِنَّهُ أخبر الْمَنْصُور بِملك الأَرْض شرقها وغربها وَطول مدَّته فَقَالَ لَهُ وملكنا قبل ملككم قَالَ نعم قَالَ وَيملك أحد من وَلَدي قَالَ نعم قَالَ فمدة بني أُميَّة أطول أم مدتنا قَالَ مدتكم وليلعبن بِهَذَا الْملك صِبْيَانكُمْ كَمَا يلْعَب بالكرة هَذَا مَا عهد إِلَيّ أبي فَلَمَّا أفضت الْخلَافَة للمنصور بِملك الأَرْض تعجب من قَول الباقر وَأخرج أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن وهب قَالَ سَمِعت اللَّيْث ابْن سعد يَقُول حججْت سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة فَلَمَّا صليت الْعَصْر فِي الْمَسْجِد رقيت أَبَا قبيس فَإِذا رجل جَالس يَدْعُو فَيَقُول يَا رب يَا رب حَتَّى انْقَطع نَفسه ثمَّ قَالَ يَا حَيّ يَا حَيّ حَتَّى انْقَطع نَفسه ثمَّ قَالَ إلهي إِنِّي أشتهي الْعِنَب فأطعمنيه اللَّهُمَّ وَإِن برداي قد خلقا فاكسني قَالَ اللَّيْث فوَاللَّه مَا استتم كَلَامه حَتَّى نظرت إِلَى سلة مَمْلُوءَة عنبا وَلَيْسَ على الأَرْض يَوْمئِذٍ عِنَب وَإِذا بردَان موضوعان لم أر مثلهمَا فِي الدُّنْيَا فَأَرَادَ أَن يَأْكُل فَقلت أَنا شريكك فَقَالَ وَلم فَقلت لِأَنَّك دَعَوْت وَكنت أُؤْمِن فَقَالَ تقدم وكل فتقدمت وأكلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 عنبا لم آكل مثله قطّ مَا كَانَ لَهُ عجم فأكلنا حَتَّى شبعنا وَلم تَتَغَيَّر السلَّة فَقَالَ لَا تدخر وَلَا تخبىء مِنْهُ شَيْئا ثمَّ أَخذ أحد البردين وَدفع إِلَيّ الآخر فَقلت أَنا لي غنى عَنهُ فائتزر بِأَحَدِهِمَا وارتدى بِالْآخرِ ثمَّ أَخذ برديه الخلقين فَنزل وهما بِيَدِهِ فَلَقِيَهُ رجل بالمسعى فَقَالَ لَهُ اكسني يَا ابْن رَسُول الله مِمَّا كساك الله فإنني عُرْيَان فدفعهما إِلَيْهِ فَقلت من هَذَا قَالَ جَعْفَر الصَّادِق فطلبته بعد ذَلِك لأسْمع مِنْهُ شَيْئا فَلم أقدر عَلَيْهِ انْتهى توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة مسموما أَيْضا على مَا حُكيَ وعمره ثَمَان وَسِتُّونَ سنة وَدفن بالقبة السَّابِقَة عِنْد أَهله عَن سِتَّة ذُكُور وَبنت مِنْهُم مُوسَى الكاظم وَهُوَ وَارثه علما وَمَعْرِفَة وكمالا وفضلا سمي الكاظم لِكَثْرَة تجاوزه وحلمه وَكَانَ مَعْرُوفا عِنْد أهل الْعرَاق بِبَاب قَضَاء الْحَوَائِج عِنْد الله وَكَانَ أعبد أهل زَمَانه وأعلمهم وأسخاهم وَسَأَلَهُ الرشيد كَيفَ قُلْتُمْ إِنَّا ذُرِّيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْتُم أَبنَاء عَليّ فَتلا {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} إِلَى أَن قَالَ {وَعِيسَى} الْأَنْعَام 84 وَلَيْسَ لَهُ أَب وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى فَمن حاجك فِيهِ من بَعْدَمَا جَاءَك من الْعلم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم آل عمرَان 61 الْآيَة وَلم يدع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد مباهلته النَّصَارَى غير عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم فَكَانَ الْحسن وَالْحُسَيْن هما الْأَبْنَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 وَمن بديع كراماته ماحكاه ابْن الْجَوْزِيّ والرامهرمزي وَغَيرهمَا عَن شَقِيق الْبَلْخِي أَنه خرج حَاجا سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة فَرَآهُ بالقادسية مُنْفَردا عَن النَّاس فَقَالَ فِي نَفسه هَذَا فَتى من الصُّوفِيَّة يُرِيد أَن يكون كلا على النَّاس لأمضين إِلَيْهِ ولأوبخنه فَمضى إِلَيْهِ فَقَالَ يَا شَقِيق اجتنبوا كثيرا من الظَّن إِن بعد الظَّن إِثْم الحجرات 12 الْآيَة فَأَرَادَ أَن يحالله فَغَاب عَن عَيْنَيْهِ فَمَا رَآهُ إِلَّا بواقصة يُصَلِّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر فجَاء إِلَيْهِ ليعتذر فَخفف فِي صلَاته وَقَالَ {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن} طه 28 الْآيَة فَلَمَّا نزلُوا زبالة رَآهُ على بِئْر فَسَقَطت ركوته فِيهَا فَدَعَا فطغى المَاء لَهُ حَتَّى أَخذهَا فَتَوَضَّأ وَصلى أَربع رَكْعَات ثمَّ مَال إِلَى كثيب رمل فَطرح مِنْهَا فِيهَا وَشرب فَقَالَ لَهُ أَطْعمنِي من فضل مَا رزقك الله تَعَالَى فَقَالَ يَا شَقِيق لم تزل نعم الله علينا ظَاهِرَة وباطنة فَأحْسن ظَنك بِرَبِّك فناولنيها فَشَرِبت مِنْهَا فَإِذا سويق وسكر مَا شربت وَالله ألذ مِنْهُ وَلَا أطيب ريحًا فشبعت وَرويت وأقمت أَيَّامًا لَا أشتهي شرابًا وَلَا طَعَاما ثمَّ لم أره إِلَّا بِمَكَّة وَهُوَ بغلمان وغاشية وَأُمُور على خلاف مَا كَانَ عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ وَلما حج الرشيد سعي بِهِ إِلَيْهِ وَقيل لَهُ إِن الْأَمْوَال تحمل إِلَيْهِ من كل جَانب حَتَّى اشْترى ضَيْعَة بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَقبض عَلَيْهِ وأنفذه لأميره بِالْبَصْرَةِ عِيسَى بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 جَعْفَر بن مَنْصُور فحبسه سنة ثمَّ كتب لَهُ الرشيد فِي دَمه فاستعفى وَأخْبر أَنه لم يدع على الرشيد وَأَنه إِن لم يُرْسل من يتسلمه وَإِلَّا خلى سَبيله فَبلغ الرشيد كِتَابه فَكتب للسندي بن شاهك بتسلمه وَأمره فِيهِ بِأَمْر فَجعل لَهُ سما فِي طَعَامه وَقيل فِي رطب فتوعك وَمَات بعد ثَلَاثَة أَيَّام وعمره خمس وَسِتُّونَ سنة وَذكره المَسْعُودِيّ أَن الرشيد رأى عليا فِي النّوم مَعَه حَرْبَة وَهُوَ يَقُول إِن لم تخل عَن الكاظم وَإِلَّا نحرتك بِهَذِهِ فَاسْتَيْقَظَ فَزعًا وَأرْسل فِي الْحَال وَالِي شرطته إِلَيْهِ بِإِطْلَاقِهِ وَأَن يدْفع لَهُ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَأَنه يخيره بَين الْمقَام فيكرمه أَو الذّهاب إِلَى الْمَدِينَة وَلما ذهب إِلَيْهِ قَالَ لَهُ رَأَيْت مِنْك عجبا وَأخْبرهُ أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلمه كَلِمَات قَالَهَا فَمَا فرغ مِنْهَا إِلَّا وَأطلق قيل وَكَانَ مُوسَى الْهَادِي حَبسه أَولا ثمَّ أطلقهُ لِأَنَّهُ رأى عليا رَضِي الله عَنهُ يَقُول {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} مُحَمَّد 22 فانتبه وَعرف أَنه المُرَاد فَأَطْلقهُ لَيْلًا قَالَ لَهُ الرشيد حِين رَآهُ جَالِسا عِنْد الْكَعْبَة أَنْت الَّذِي تبايعك النَّاس سرا فَقَالَ أَنا إِمَام الْقُلُوب وَأَنت إِمَام الجسوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 وَلما اجْتمعَا أَمَام الْوَجْه الشريف على صَاحبه أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الرشيد السَّلَام عَلَيْك يَا ابْن عَم مسمعا من حوله فَقَالَ الكاظم السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَت فَلم يحتملها وَكَانَت سَببا لإمساكه لَهُ وَحمله مَعَه إِلَى بَغْدَاد وحبسه فَلم يخرج من حَبسه إِلَّا مَيتا مُقَيّدا وَدفن جَانب بَغْدَاد الغربي وَظَاهر هَذِه الحكايات التَّنَافِي إِلَّا أَن يحمل على تعدد الْحَبْس وَكَانَت أَوْلَاده حِين وَفَاته سَبْعَة وَثَلَاثِينَ ذكرا وَأُنْثَى مِنْهُم عَليّ الرضى وَهُوَ أنبههم ذكرا وأجهلم قدرا وَمن ثمَّ أحله الْمَأْمُون مَحل مهجته وأشركه فِي مَمْلَكَته وفوض إِلَيْهِ أَمر خِلَافَته فَإِنَّهُ كتب بِيَدِهِ كتابا سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ بِأَن عليا الرضى ولي عَهده وَأشْهد عَلَيْهِ جمعا كثيرين لكنه توفّي قبله فأسف عَلَيْهِ كثيرا وَأخْبر قبل مَوته بِأَنَّهُ يَأْكُل عنبا ورمانا مبثوثا وَيَمُوت وَأَن الْمَأْمُون يُرِيد دَفنه خلف الرشيد فَلم يسْتَطع فَكَانَ ذَلِك كُله كَمَا أخبر بِهِ وَمن موَالِيه مَعْرُوف الْكَرْخِي أستاذ السّري السَّقطِي لِأَنَّهُ أسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 على يَدَيْهِ وَقَالَ لرجل يَا عبد الله ارْض بِمَا يُرِيد واستعد لما لَا بُد مِنْهُ فَمَاتَ الرجل بعد ثَلَاثَة أَيَّام رَوَاهُ الْحَاكِم وروى الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن عِيسَى عَن أبي حبيب قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فِي الْمنزل الَّذِي ينزل الْحجَّاج ببلدنا فَسلمت عَلَيْهِ فَوجدت عِنْده طبقًا من خوص الْمَدِينَة فِيهِ تمر صيحاني فناولني مِنْهُ ثَمَانِي عشرَة فتألوت أَن أعيش عدتهَا فَلَمَّا كَانَ بعد عشْرين يَوْمًا قدم أَبُو الْحسن عَليّ الرِّضَا من الْمَدِينَة وَنزل ذَلِك الْمَسْجِد وهرع النَّاس بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ فمضيت نَحوه فَإِذا هُوَ جَالس فِي الْموضع الَّذِي رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِيهِ وَبَين يَدَيْهِ طبق من خوص الْمَدِينَة فِيهِ تمر صيحاني فَسلمت عَلَيْهِ فاستدناني وناولني قَبْضَة من ذَلِك التَّمْر فَإِذا عدتهَا بِعَدَد مَا ناولني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقلت زِدْنِي فَقَالَ لَو زادك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزدناك وَلما دخل نيسابور كَمَا فِي تاريخها وشق سوقها وَعَلِيهِ مظلة لَا يرى من وَرَائِهَا تعرض لَهُ الحافظان أَو زرْعَة الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن أسلم الطوسي ومعهما من طلبة الْعلم والْحَدِيث مَا لَا يُحْصى فتضرعا إِلَيْهِ أَن يُرِيهم وَجهه ويروي لَهُم حَدِيثا عَن آبَائِهِ فاستوقف البغلة وَأمر غلمانه بكف المظلة وَأقر عُيُون تِلْكَ الْخَلَائق بِرُؤْيَة طلعته الْمُبَارَكَة فَكَانَت لَهُ ذؤابتان مدليتان على عَاتِقه وَالنَّاس بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 صارخ وَبَاكٍ ومتمرغ فِي التُّرَاب ومقبل لحافر بغلته فصاحت الْعلمَاء معاشر النَّاس أَنْصتُوا فأنصتوا واستملى مِنْهُ الحافظان الْمَذْكُورَان فَقَالَ حَدثنِي أبي مُوسَى الكاظم عَن أَبِيه جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر عَن أَبِيه زين العابدين عَن أَبِيه الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم قَالَ حَدثنِي حَبِيبِي وقرة عَيْني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (حَدثنِي جِبْرِيل قَالَ سَمِعت رب الْعِزَّة يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله حصني فَمن قَالَهَا دخل حصني وَمن دخل حصني أَمن من عَذَابي) ثمَّ أرْخى السّتْر وَسَار فعد أهل المحابر والدوى الَّذين كَانُوا يَكْتُبُونَ فأنافوا على عشْرين ألفا وَفِي رِوَايَة أَن الحَدِيث الْمَرْوِيّ (الْإِيمَان معرفَة بِالْقَلْبِ وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَعمل بالأركان) وَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ قَالَ أَحْمد لَو قَرَأت هَذَا الْإِسْنَاد على مَجْنُون لبرىء من جنته وَنقل بعض الْحفاظ أَن امْرَأَة زعمت أَنَّهَا شريفة بِحَضْرَة المتَوَكل فَسَأَلَ عَمَّن يُخبرهُ بذلك فَدلَّ على عَليّ الرضى فجَاء فأجلسه مَعَه على السرير وَسَأَلَهُ فَقَالَ إِن الله حرم لحم أَوْلَاد الْحُسَيْن على السبَاع فلتلق للسباع فَعرض عَلَيْهَا بذلك فَاعْترفت بكذبها ثمَّ قيل للمتوكل أَلا تجرب ذَلِك فِيهِ فَأمر بِثَلَاثَة من السبَاع فجيء بهَا فِي صحن قصره ثمَّ دَعَاهُ فَلَمَّا دخل بَابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 أغلق عَلَيْهِ وَالسِّبَاع قد أصمت الأسماع من زئيرها فَلَمَّا مَشى فِي الصحن يُرِيد الدرجَة مشت إِلَيْهِ وَقد سكنت وتمسحت بِهِ ودارت حوله وَهُوَ يمسحها بكمه ثمَّ ربضت فَصَعدَ للمتوكل وتحدث مَعَه سَاعَة ثمَّ نزل فَفعلت مَعَه كفعلها الأول حَتَّى خرج فَأتبعهُ المتَوَكل بجائزة عَظِيمَة فَقيل للمتوكل افْعَل كَمَا فعل ابْن عمك فَلم يَجْسُر عَلَيْهِ وَقَالَ أتريدون قَتْلِي ثمَّ أَمرهم أَن لَا يفشوا ذَلِك وَنقل السعودي أَن صَاحب هَذِه الْقِصَّة هُوَ ابْن ابْن عَليّ الرضى هُوَ عَليّ العسكري وَصوب لِأَن الرضى توفّي فِي خلَافَة الْمَأْمُون اتِّفَاقًا وَلم يدْرك المتَوَكل وَتُوفِّي رَضِي الله عَنهُ وعمره خمس وَخَمْسُونَ سنة عَن خَمْسَة ذُكُور وَبنت أَجلهم مُحَمَّد الْجواد لكنه لم تطل حَيَاته وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه بعد موت أَبِيه بِسنة وَاقِف وَالصبيان يَلْعَبُونَ فِي أَزِقَّة بَغْدَاد إِذْ مر الْمَأْمُون فَفرُّوا ووقف مُحَمَّد وعمره تسع سِنِين فَألْقى الله مجبته فِي قلبه فَقَالَ لَهُ يَا غُلَام مَا مَنعك من الِانْصِرَاف فَقَالَ لَهُ مسرعا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم يكن بِالطَّرِيقِ ضيق فأوسعه لَك وَلَيْسَ لي جرم فأخشاك وَالظَّن بك حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 أَنَّك لَا تضر من لَا ذَنْب لَهُ فأعجبه كَلَامه وَحسن صورته فَقَالَ لَهُ مَا اسْمك وَاسم أَبِيك فَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ الرضى فترحم على أَبِيه وسَاق جَوَاده وَكَانَ مَعَه بزاة للصَّيْد فَلَمَّا بعد عَن الْعمار أرسل بازه على دراجة فَغَاب عَنهُ ثمَّ عَاد من الجو فِي منقاره سَمَكَة صَغِيرَة وَبهَا بَقَاء الْحَيَاة فتعجب من ذَلِك غَايَة الْعجب وَرجع فَرَأى الصّبيان على حَالهم وَمُحَمّد عِنْدهم فَفرُّوا إِلَّا مُحَمَّدًا فَدَنَا مِنْهُ وَقَالَ لَهُ مَا فِي يَدي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله تَعَالَى خلق فِي بَحر قدرته سمكًا صغَارًا يصيدها بازات الْمُلُوك وَالْخُلَفَاء فيختبر بهَا سلالة أهل بَيت الْمُصْطَفى فَقَالَ لَهُ أَنْت ابْن الرضى حَقًا وَأَخذه مَعَه وَأحسن إِلَيْهِ وَبَالغ فِي إكرامه فَلم يزل مشفقا بِهِ لما ظهر لَهُ بعد ذَلِك من فَضله وَعلمه وَكَمَال عَظمته وَظُهُور برهانه مَعَ صغر سنه وعزم على تَزْوِيجه بابنته أم الْفضل وصمم على ذَلِك فَمَنعه العباسيون من ذَلِك خوفًا من أَن يعْهَد إِلَيْهِ كَمَا عهد إِلَى أَبِيه فَلَمَّا ذكر لَهُم أَنه إِنَّمَا اخْتَارَهُ لتميزه على كَافَّة أهل الْفضل علما وَمَعْرِفَة وحلما مَعَ صغر سنه فنازعوا فِي اتصاف مُحَمَّد بذلك ثمَّ تواعدوا على أَن يرسلوا إِلَيْهِ من يختبره فأرسلوا إِلَيْهِ يحيى بن أَكْثَم ووعدوه بِشَيْء كثير إِن قطع لَهُم مُحَمَّدًا فَحَضَرُوا للخليفة وَمَعَهُمْ ابْن أَكْثَم وخواص الدولة فَأمر الْمَأْمُون بفرش حسن لمُحَمد فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ يحيى مسَائِل أَجَابَهُ عَنْهَا بِأَحْسَن جَوَاب وأوضحه فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة أَحْسَنت أَبَا جَعْفَر فَإِن أردْت أَن تسْأَل يحيى وَلَو مَسْأَلَة وَاحِدَة فَقَالَ لَهُ مَا تَقول فِي رجل نظر إِلَى امْرَأَة أول النَّهَار حَرَامًا ثمَّ حلت لَهُ ارتفاعه ثمَّ حرمت عَلَيْهِ عِنْد الظّهْر ثمَّ حلت لَهُ عِنْد الْعَصْر ثمَّ حرمت عَلَيْهِ الْمغرب ثمَّ حلت لَهُ الْعشَاء ثمَّ حرمت عَلَيْهِ نصف اللَّيْل ثمَّ حلت لَهُ الْفجْر فَقَالَ يحيى لَا أَدْرِي فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد هِيَ أمة نظرها أَجْنَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 بِشَهْوَة وَهِي حرَام ثمَّ اشْتَرَاهَا ارْتِفَاع النَّهَار فَأعْتقهَا الظّهْر وَتَزَوجهَا الْعَصْر وَظَاهر مِنْهَا الْمغرب وَكفر الْعشَاء وَطَلقهَا رَجْعِيًا نصف اللَّيْل وراجعها الْفجْر فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ الْمَأْمُون للعباسيين قد عَرَفْتُمْ مَا كُنْتُم تنكرون ثمَّ زوجه فِي ذَلِك الْمجْلس بنته أم الْفضل ثمَّ توجه بهَا إِلَى الْمَدِينَة فَأرْسلت تَشْتَكِي مِنْهُ لأَبِيهَا أَنه تسرى عَلَيْهَا فَأرْسل إِلَيْهَا أَبوهَا إِنَّا لم نُزَوِّجك لَهُ لنحرم عَلَيْهِ حَلَالا فَلَا تعودي لمثله ثمَّ قدم بهَا بِطَلَب من المعتصم لليلتين بَقِيَتَا من الْمحرم سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي فِيهَا فِي آخر ذِي الْقعدَة وَدفن فِي مَقَابِر قُرَيْش فِي ظهر جده الكاظم وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وَيُقَال إِنَّه سم أَيْضا عَن ذكرين وبنتين أَجلهم عَليّ العسكري سمي بذلك لِأَنَّهُ لما وَجه لإشخاصه من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة إِلَى سر من رأى وَأَسْكَنَهُ بهَا وَكَانَت تسمى الْعَسْكَر فَعرف بالعسكري وَكَانَ وَارِث أَبِيه علما وسخاء وَمن ثمَّ جَاءَهُ أَعْرَابِي من أَعْرَاب الْكُوفَة وَقَالَ إِنِّي من المتمسكين بولاء جدك وَقد ركبني دين أثقلني حمله وَلم أقصد لقضائه سواك فَقَالَ كم دينك قَالَ عشرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ طب نفسا بِقَضَائِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ كتب لَهُ ورقة فِيهَا ذَلِك الْمبلغ دينا عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ ائْتِنِي بِهِ فِي الْمجْلس الْعَام وطالبني بهَا وَأَغْلظ عَليّ فِي الطّلب فَفعل فاستمهله ثَلَاثَة أَيَّام فَبلغ ذَلِك المتَوَكل فَأمر لَهُ بِثَلَاثِينَ ألفا فَلَمَّا وصلته أَعْطَاهَا الْأَعرَابِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 فَقَالَ يَا ابْن رَسُول الله إِن الْعشْرَة آلَاف أَقْْضِي بهَا أربي فَأبى أَن يسْتَردّ مِنْهُ من الثَّلَاثِينَ ألف شَيْئا فولى الْأَعرَابِي وَهُوَ يَقُول الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته وَمر أَن الصَّوَاب فِي قصَّة السبَاع الْوَاقِعَة من المتَوَكل أَنه هُوَ الممتحن بهَا وَأَنَّهَا لم تقربه بل خضعت واطمأنت لما رَأَتْهُ وَيُوَافِقهُ مَا حَكَاهُ المَسْعُودِيّ وَغَيره أَن يحيى بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط لما هرب إِلَى الديلم ثمَّ أُتِي بِهِ إِلَى الرشيد وَأمر بقتْله ألقِي فِي بركَة فِيهَا سِبَاع قد جوعت فَأَمْسَكت عَن أكله ولاذت بجانبه وهابت الدنو مِنْهُ فَبنِي عَلَيْهِ ركن بالجص وَالْحجر وَهُوَ حَيّ توفّي رَضِي الله عَنهُ بسر من رأى فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَدفن بداره وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَكَانَ المتَوَكل أشخصه من الْمَدِينَة إِلَيْهَا سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن قضى عَن أَرْبَعَة ذُكُور وَأُنْثَى أَجلهم أَبُو مُحَمَّد الْحسن الْخَالِص وَجعل ابْن خلكان هَذَا هُوَ العسكري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَوَقع لبهلول مَعَه أَنه رَآهُ وَهُوَ صبي يبكي وَالصبيان يَلْعَبُونَ فَظن أَنه يتحسر على مَا فِي أَيْديهم فَقَالَ اشْترِي لَك مَا تلعب بِهِ فَقَالَ يَا قَلِيل الْعقل مَا للعب خلقنَا فَقَالَ لَهُ فلماذا خلقنَا قَالَ للْعلم وَالْعِبَادَة فَقَالَ لَهُ من أَيْن لَك ذَلِك قَالَ من قَول الله عز وَجل {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} الْمُؤْمِنُونَ 115 ثمَّ سَأَلَهُ أَن يعظه فوعظه بِأَبْيَات ثمَّ خر الْحسن مغشيا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ لَهُ مَا نزل بك وَأَنت صَغِير لَا ذَنْب لَك فَقَالَ إِلَيْك عني يَا بهْلُول إِنِّي رَأَيْت والدتي توقد النَّار بالحطب الْكِبَار فَلَا تتقد إِلَّا بالصغار وَإِنِّي أخْشَى أَن أكون من صغَار حطب نَار جَهَنَّم وَلما حبس قحط النَّاس بسر من رأى قحطا شَدِيدا فَأمر الْخَلِيفَة الْمُعْتَمد ابْن المتَوَكل بِالْخرُوجِ للاستسقاء ثَلَاثَة أَيَّام فَلم يسقوا فَخرج النَّصَارَى وَمَعَهُمْ رَاهِب كلما مد يَده إِلَى السَّمَاء هطلت ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّانِي كَذَلِك فَشك بعض الجهلة وارتد بَعضهم فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة فَأمر بإحضار الْحسن الْخَالِص وَقَالَ لَهُ أدْرك أمة جدك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يهْلكُوا فَقَالَ الْحسن يخرجُون غَدا وَأَنا أزيل الشَّك إِن شَاءَ الله وكلم الْخَلِيفَة فِي إِطْلَاق أَصْحَابه من السجْن فَأَطْلَقَهُمْ فَلَمَّا خرج النَّاس للاستسقاء وَرفع الراهب يَده مَعَ النَّصَارَى غيمت السَّمَاء فَأمر الْحسن بِالْقَبْضِ على يَده فَإِذا فِيهَا عظم آدَمِيّ فَأَخذه من يَده وَقَالَ استسق فَرفع يَده فَزَالَ الْغَيْم وطلعت الشَّمْس فَعجب النَّاس من ذَلِك فَقَالَ الْخَلِيفَة لِلْحسنِ مَا هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّد فَقَالَ هَذَا عظم نَبِي ظفر بِهِ هَذَا الراهب من بعض الْقُبُور وَمَا كشف من عظم نَبِي تَحت السَّمَاء إِلَّا هطلت بالمطر فامتحنوا ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 الْعظم فَكَانَ كَمَا قَالَ وزالت الشُّبْهَة عَن النَّاس وَرجع الْحسن إِلَى دَاره وَأقَام عَزِيزًا مكرما وصلات الْخَلِيفَة تصل إِلَيْهِ كل وَقت إِلَى أَن مَاتَ بسر من رأى وَدفن عِنْد أَبِيه وَعَمه وعمره ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ سنة وَيُقَال إِنَّه سم أَيْضا وَلم يخلف غير وَلَده أبي الْقَاسِم مُحَمَّد الْحجَّة وعمره عِنْد وَفَاة أَبِيه خمس سِنِين لَكِن آتَاهُ الله فِيهَا الْحِكْمَة وَيُسمى الْقَائِم المنتظر قيل لِأَنَّهُ ستر بِالْمَدِينَةِ وَغَابَ فَلم يعرف أَيْن ذهب وَمر فِي الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة قَول الرافضة فِيهِ أَن الْمهْدي وأوردت ذَلِك مَبْسُوطا فَرَاجعه فَإِنَّهُ مُهِمّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 الخاتمة فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَفِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي وَفِي حقية خلَافَة مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَن الْخلَافَة وَفِي بَيَان اخْتلَافهمْ فِي كفر وَلَده يزِيد وَفِي جَوَاز لَعنه وَفِي تَوَابِع وتتمات تتَعَلَّق بذلك وَإِنَّمَا افتحت هَذَا الْكتاب بالصحابة وختمته بهم إِشَارَة إِلَى أَن الْمَقْصُود بِالذَّاتِ من تأليفه تبرئتهم عَن جَمِيع مَا افتراه عَلَيْهِم أَو على بَعضهم من غلبت عَلَيْهِم الشقاوة وتردوا بأردية الحماقة والغباوة ومرقوا من الدّين وَاتبعُوا سَبِيل الْمُلْحِدِينَ وركبوا متن عمياء وخبطوا خبط عشواء فباؤا من الله بعظيم النكال ووقعوا فِي أهوية الوبال والضلال مَا لم يدراكهم الله بِالتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَة فيعظموا خير الْأُمَم وَهَذِه الْأمة أماتنا الله على محبتهم وحشرنا فِي زمرتهم آمين اعْلَم أَن الَّذِي أجمع عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَنه يجب على كل أحد تَزْكِيَة جَمِيع الصَّحَابَة بِإِثْبَات الْعَدَالَة لَهُم والكف عَن الطعْن فيهم وَالثنَاء عيلهم فقد أثنى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِم فِي آيَات من كِتَابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} آل عمرَان 110 فَأثْبت الله لَهُم الْخَيْرِيَّة على سَائِر الْأُمَم وَلَا شَيْء يعادل شَهَادَة الله لَهُم بذلك لِأَنَّهُ تَعَالَى أعلم بعباده وَمَا انطووا عَلَيْهِ من الْخيرَات وَغَيرهَا بل لَا يعلم ذَلِك غَيره تَعَالَى فَإِذا شهد تَعَالَى فيهم بِأَنَّهُم خير الْأُمَم وَجب على كل أحد اعْتِقَاد ذَلِك وَالْإِيمَان بِهِ وَإِلَّا كَانَ مُكَذبا لله فِي إخْبَاره وَلَا شكّ أَن من ارتاب فِي حقية شَيْء مِمَّا أخبر الله أَو رَسُوله بِهِ كَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} الْبَقَرَة 143 وَالصَّحَابَة فِي هَذِه الْآيَة وَالَّتِي قبلهَا هم المشافهون بِهَذَا الْخطاب على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقِيقَة فَانْظُر إِلَى كَونه تَعَالَى خلقهمْ عُدُولًا وخيارا ليكونوا شُهَدَاء على بَقِيَّة الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة وَحِينَئِذٍ فَكيف يستشهد الله تَعَالَى بِغَيْر عدُول أَو بِمن ارْتَدُّوا بعد وَفَاة نَبِيّهم إِلَّا نَحْو سِتَّة أنفس مِنْهُم كَمَا زعمته الرافضة قبحهم الله ولعنهم وخذلهم مَا أحمقهم وأجهلهم وأشهدهم بالزور والافتراء والبهتان وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم يسْعَى يبن أَيْديهم وبأيمانهم التَّحْرِيم 8 فآمنهم الله من خزيه وَلَا يَأْمَن من خزيه فِي ذَلِك الْيَوْم إِلَّا الَّذين مَاتُوا وَالله سُبْحَانَهُ وَرَسُوله عَنْهُم رَاض فَأَمنَهُمْ من الخزي صَرِيح فِي مَوْتهمْ على كَمَال الْإِيمَان وحقائق الْإِحْسَان وَفِي أَن الله لم يزل رَاضِيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 عَنْهُم وَكَذَلِكَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} الْفَتْح 18 فَصرحَ تَعَالَى بِرِضَاهُ عَن أُولَئِكَ وهم ألف وَنَحْو أَرْبَعمِائَة وَمن رَضِي الله عَنهُ تَعَالَى لَا يُمكن مَوته على الْكفْر لِأَن الْعبْرَة بالوفاة على الْإِسْلَام فَلَا يَقع الرِّضَا مِنْهُ تَعَالَى إِلَّا على من علم مَوته على الْإِسْلَام وَأما من علم مَوته على الْكفْر فَلَا يُمكن أَن يخبر الله تَعَالَى بِأَنَّهُ رَضِي عَنهُ فَعلم أَن كلا من هَذِه الآياة وَمَا قبلهَا صَرِيح فِي رد مَا زَعمه وافتراه أُولَئِكَ الْمُلْحِدُونَ الجاحدون حَتَّى لِلْقُرْآنِ الْعَزِيز إِذْ يلْزم من الْإِيمَان بِهِ الْإِيمَان بِمَا فِيهِ وَقد علمت أَن الَّذِي فِيهِ أَنهم خير الْأُمَم وَأَنَّهُمْ عدُول أخيار وَأَن الله لَا يخزيهم وَأَنه رَاض عَنْهُم فَمن لم يصدق بذلك فيهم فَهُوَ مكذب لما فيالقرآن وَمن كذب بِمَا فِيهِ مِمَّا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل كَانَ كَافِرًا جاحدا ملحدا مارقا وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ولذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ التَّوْبَة 100 وَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} الْأَنْفَال 64 وَقَوله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون} وَالَّذين تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رءوف رَحِيم} - 10 الحشد فَتَأمل مَا وَصفهم الله بِهِ من هَذِه الْآيَة تعلم بِهِ ضلال من طعن فيهم من شذوذ المبتدعة وَرَمَاهُمْ بِمَا هم بريئون مِنْهُ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم تراهم ركعا سجدا يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما} الْفَتْح 29 فَانْظُر إِلَى عَظِيم مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة فَإِن قَوْله تَعَالَى {مُحَمَّد رَسُول الله} جملَة مبينَة للْمَشْهُود بِهِ فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق} إِلَى قَوْله {شَهِيدا} الْفَتْح 28 فَفِيهَا ثَنَاء عَظِيم على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ثنى بالثناء على أَصْحَابه بقوله {وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم} الْمَائِدَة 54 فوصفهم الله تَعَالَى بالشدة والغلظة على الْكفَّار وبالرحمة وَالْبر والعطف على الْمُؤمنِينَ والذلة والخضوع لَهُم ثمَّ أثنى عَلَيْهِم بِكَثْرَة الْأَعْمَال مَعَ الْإِخْلَاص التَّام وسعة الرَّجَاء فِي فضل الله وَرَحمته بابتغائهم فَضله ورضوانه وَبِأَن آثَار ذلكالإخلاص وَغَيره من أَعْمَالهم الصَّالِحَة ظَهرت على وُجُوههم حَتَّى إِن من نظر إِلَيْهِم بهره حسن سمتهم وهديهم وَمن ثمَّ قَالَ مَالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بَلغنِي أَن النَّصَارَى كَانُوا إِذا رَأَوْا الصَّحَابَة الَّذين فتحُوا الشَّام قَالُوا وَالله لهَؤُلَاء خير من الحواريين فِيمَا بلغنَا وَقد صدقُوا فِي ذَلِك فَإِن هَذِه الْأمة المحمدية خُصُوصا الصَّحَابَة لم يزل ذكرهم مُعظما فِي الْكتب كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة {ذَلِك مثلهم} أَي وَصفهم فِي التَّوْرَاة وَمثلهمْ أَي وَصفهم يَفِ الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطأه أَي فِرَاخه فآزره أَي شده وَقواهُ فاستغلظ أَي شب فطال فَكَذَلِك أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آزروه وأيدوه ونصروه فهم مَعَه كالشطء مَعَ الزَّرْع ليغيظ بهم الْكفَّار وَمن هَذِه الْآيَة أَخذ الإِمَام مَالك فِي رِوَايَة عَنهُ بِكفْر الروافض الَّذين يبغضون الصَّحَابَة قَالَ لِأَن الصَّحَابَة يغيظونهم وَمن غاظه الصَّحَابَة فَهُوَ كَافِر وَهُوَ مَأْخَذ حسن يشْهد لَهُ ظَاهر الْآيَة وَمن ثمَّ وَافقه الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي قَوْله بكفرهم وَوَافَقَهُ أَيْضا جمَاعه من الْأَئِمَّة وَالْأَحَادِيث فِي فضل الصَّحَابَة كَثِيرَة وَقد قدمنَا معظمها فِي أول هَذَا الْكتاب ويكفيهم شرفا أَي شرف ثَنَاء الله عَلَيْهِم فِي تِلْكَ الْآيَات كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي غَيرهَا وَرضَاهُ عَنْهُم وَأَنه تَعَالَى وعدهم جَمِيعهم لَا بَعضهم إِذْ من فِي مِنْهُم لبَيَان الْجِنْس لَا للتَّبْعِيض مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما ووعد الله صدق وَحقّ لَا يتَخَلَّف وَلَا يخلف لَا مبدل لكلماته وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم فَعلم أَن جَمِيع مَا قدمْنَاهُ من الْآيَات هُنَا وَمن الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة الشهيرة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 الْمُقدمَة يَقْتَضِي الْقطع بتعديلهم وَلَا يحْتَاج أحد مِنْهُم مَعَ تَعْدِيل الله لَهُ إِلَى تَعْدِيل أحد من الْخلق على أَنه لَو لم يرد من الله وَرَسُوله فيهم شَيْء مِمَّا ذَكرْنَاهُ لأوجبت الْحَال الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا من الْهِجْرَة وَالْجهَاد ونصرة الْإِسْلَام ببذل المهج وَالْأَمْوَال وَقتل الْآبَاء وَالْأَوْلَاد والمناصحة فِي الدّين وَقُوَّة الْإِيمَان وَالْيَقِين الْقطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم هَذَا مَذْهَب كَافَّة الْعلمَاء وَمن يعْتَمد قَوْله وَلم يُخَالف فِيهِ إِلَّا شذوذ من المبتدعة الَّذين ضلوا وأضلوا فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِم وَلَا يعول عَلَيْهِم وَقد قَالَ إِمَام عصره أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ من أجل شُيُوخ مُسلم إِذا رَأَيْت الرجل ينتقص أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاعْلَم أَنه زنديق وَذَلِكَ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق وَالْقُرْآن حق وَمَا جَاءَ بِهِ حق وَإِنَّمَا أدّى إِلَيْنَا ذَلِك كُله الصَّحَابَة فَمن جرحهم إِنَّمَا أَرَادَ إبِْطَال الْكتاب وَالسّنة فَيكون الْجرْح بِهِ ألصق وَالْحكم عَلَيْهِ بالزندقة والضلالة وَالْكذب وَالْفساد هُوَ الأقوم الأحق وَقَالَ ابْن حزم الصَّحَابَة كلهم من أهل الْجنَّة قطعا قَالَ تَعَالَى لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الْحسنى) الْحَدِيد 10 وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} الْأَنْبِيَاء 101 فَثَبت أَن جَمِيعهم من أهل الْجنَّة وَأَنه لَا يدْخل أحد مِنْهُم النَّار لأَنهم المخاطبون بِالْآيَةِ الأولى الَّتِي أثبت لكل مِنْهُم الْحسنى وَهِي الْجنَّة وَلَا يتَوَهَّم أَن التَّقْيِيد بِالْإِنْفَاقِ أَو الْقِتَال فِيهَا وبالإحسان فِي الَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان يخرج من لم يَتَّصِف بذلك مِنْهُم لِأَن تِلْكَ الْقُيُود خرجت مخرج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهَا على أَن المُرَاد من اتّصف بذلك وَلَو بِالْقُوَّةِ أَو الْعَزْم وَزعم الْمَاوَرْدِيّ اخْتِصَاص الحكم بِالْعَدَالَةِ بِمن لَازمه وَنَصره دون من اجْتمع بِهِ يَوْمًا أَو لغَرَض غير مُوَافق عَلَيْهِ بل اعْتَرَضَهُ جمَاعَة من الْفُضَلَاء قَالَ شيخ الْإِسْلَام العلائي هُوَ قَول غَرِيب يخرج كثيرا من الْمَشْهُورين بالصحبة وَالرِّوَايَة عَن الحكم بِالْعَدَالَةِ كوائل بن حجر وَمَالك بن الْحُوَيْرِث وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَغَيرهم مِمَّن وَفد عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يقم عِنْده إِلَّا قَلِيلا وَانْصَرف وَالْقَوْل بالتعميم هُوَ الَّذِي صرح بِهِ الْجُمْهُور وَهُوَ الْمُعْتَبر انْتهى وَمِمَّا رد بِهِ عَلَيْهِ أَن تَعْظِيم الصَّحَابَة وَإِن قل اجْتِمَاعهم بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مقررا عِنْد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَغَيرهم وَقد صَحَّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة تنَاول مُعَاوِيَة فِي حَضرته وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ ثمَّ ذكر أَنه وَأَبا بكر ورجلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الْحسنى) الْحَدِيد 10 من أهل الْبَادِيَة نزلُوا على أَبْيَات فيهم امْرَأَة حَامِل فَقَالَ البدوي لَهَا أُبَشِّرك أَن تلدي غُلَاما قَالَت نعم قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي شَاة ولدت غُلَاما فَأَعْطَتْهُ فَسمع لَهَا اسجاعا ثمَّ عمد إِلَى الشَّاة فذبحها وطبخها وَجَلَسْنَا نَأْكُل مِنْهَا ومعنا أَبُو بكر فَلَمَّا علم الْقِصَّة قَامَ فتقيأ كل شَيْء أكل قَالَ ثمَّ رَأَيْت ذَلِك البدوي قد أُتِي بِهِ عمر وَقد هجا الْأَنْصَار فَقَالَ لَهُم عمر لَوْلَا أَن لَهُ صُحْبَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَدْرِي مَا قَالَ فِيهَا لكفيتكموه انْتهى فَانْظُر توقف عمر عَن مُعَاتَبَته فضلا عَن معاقبته لكَونه علم أَنه لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعلم أَن فِيهِ أبين شَاهد على أَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن شَأْن الصُّحْبَة لَا يعدله شَيْء كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مد أحدهم وَلَا نصيفه) وتواتر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله (خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله اخْتَار أَصْحَابِي على الثقلَيْن سوى النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ) وَفِي رِوَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 (أَنْتُم موفون سبعين أمة أَنْتُم خَيرهَا وَأَكْرمهَا على الله عز وَجل) وَاعْلَم أَنه وَقع خلاف فِي التَّفْضِيل بَين الصَّحَابَة وَمن جَاءَ بعدهمْ من صالحي هَذِه الْأمة فَذهب أَبُو عمر بن عبد الْبر إِلَى أَنه يُوجد فِيمَن يَأْتِي بعد الصَّحَابَة من هُوَ أفضل من بعض الصَّحَابَة وَاحْتج على ذَلِك بِخَبَر (طُوبَى لمن رَآنِي وآمن بِي مرّة وطوبى لمن لم يرني وآمن بِي سبع مَرَّات) وبخبر عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كنت جَالِسا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (أَتَدْرُونَ أَي الْخلق أفضل إِيمَانًا) قُلْنَا الْمَلَائِكَة قَالَ (وَحقّ لَهُم بل غَيرهم) قُلْنَا الْأَنْبِيَاء قَالَ وَحقّ لَهُم بل غَيرهم ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أفضل الْخلق إِيمَانًا قوم فِي أصلاب الرِّجَال يُؤمنُونَ بِي وَلم يروني فهم أفضل الْخلق إِيمَانًا) وَبِحَدِيث (مثل أمتِي مثل الْمَطَر لَا يدرى آخِره خير أم أَوله) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 وبخبر (ليدركن الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُم لمثلكم أَو خير ثَلَاثًا وَلنْ يخزي الله أمة أَنا أَولهَا والمسيح آخرهَا) وبخير (يَأْتِي أَيَّام لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أجر خمسين) قيل مِنْهُم أَو منا يَا رَسُول الله قَالَ (بل مِنْكُم) وَبِمَا روى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز لما ولي الْخلَافَة كتب إِلَى سَالم بن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَن أكتب لي بسيرة عمر فَأَنت أفضل من عمر لِأَن زَمَانك لَيْسَ كزمان عمر وَلَا رجالك كرجال عمر وَكتب إِلَى فُقَهَاء زَمَانه فكلهم كتب بِمثل قَول سَالم قَالَ أَبُو عمر فَهَذِهِ الْأَحَادِيث تَقْتَضِي مَعَ تَوَاتر طرقها وحسنها التَّسْوِيَة بَين أول هَذِه الْأمة وَآخِرهَا فِي فضل الْعَمَل إِلَّا أهل بدر وَالْحُدَيْبِيَة قَالَ وَخبر (خير النَّاس قَرْني) لَيْسَ على عُمُومه لِأَنَّهُ جمع الْمُنَافِقين وَأهل الْكَبَائِر الَّذين قَامَ عَلَيْهِم وعَلى بَعضهم الْحُدُود انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 والْحَدِيث الأول لَا شَاهد فِيهِ للأفضلية وَالثَّانِي ضَعِيف فَلَا يحْتَج بِهِ لَكِن صحّح الْحَاكِم وَحسن غَيره خبر يَا رَسُول الله هَل أحد خير منا أسلمنَا مَعَك وجاهدنا مَعَك قَالَ (قوم يكونُونَ من بعدكم يُؤمنُونَ بِي وَلم يروني) وَالْجَوَاب عَنهُ وَعَن الحَدِيث الثَّالِث فَإِنَّهُ حَدِيث حسن لَهُ طرق قد يرتقي بهَا إِلَى دَرَجَة الصِّحَّة وَعَن الحَدِيث الرَّابِع فَإِنَّهُ حسن أَيْضا وَعَن الحَدِيث الْخَامِس الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ أَن الْمَفْضُول قد يكون فِيهِ مزية لَا تُوجد فِي الْفَاضِل وَأَيْضًا مُجَرّد زِيَادَة الْأجر لَا تَسْتَلْزِم الْأَفْضَلِيَّة الْمُطلقَة وَأَيْضًا الْخَيْرِيَّة بَينهمَا إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَار مَا يُمكن أَن يجتمعا فِيهِ وَهُوَ عُمُوم الطَّاعَات الْمُشْتَركَة بَين سَائِر الْمُؤمنِينَ فَلَا يبعد حِينَئِذٍ تَفْضِيل بعض من ياتي على بعض الصَّحَابَة فِي ذَلِك وَأما مَا اخْتصَّ بِهِ الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وفازوا بِهِ من مُشَاهدَة طلعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورؤية ذَاته المشرفة المكرمة فَأمر من وَرَاء الْعقل إِذْ لَا يسع أحد أَن يَأْتِي من الْأَعْمَال وَإِن جلت بِمَا يُقَارب ذَلِك فضلا عَن أَن يماثله وَمن ثمَّ سُئِلَ عبد الله ابْن الْمُبَارك وناهيك بِهِ جلالة وعلما أَيّمَا أفضل مُعَاوِيَة أَو عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ الْغُبَار الَّذِي دخل أنف فرس مُعَاوِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير من عمر ابْن عبد الْعَزِيز كَذَا وَكَذَا مرّة أَشَارَ بذلك إِلَى أَن فَضِيلَة صحبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورؤيته لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 يعدلها شَيْء وَبِذَلِك علم الْجَواب عَن اسْتِدْلَال أبي عمر بقضية عمر بن عبد الْعَزِيز وَأَن قَول أهل زَمَنه لَهُ أَنْت أفضل من عمر إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لما تَسَاويا فِيهِ إِن تصور من الْعدْل فِي الرّعية وَأما من حَيْثُ الصُّحْبَة وَمَا فَازَ بِهِ عمر من حقائق الْقرب ومزايا الْفضل وَالْعلم وَالدّين الَّتِي شهد لَهُ بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنى لِابْنِ عبد الْعَزِيز وَغَيره وَأَن يلحقوه فِي ذرة من ذَلِك فَالصَّوَاب مَا قَالَه جُمْهُور الْعلمَاء سلفا وخلفا لما يَأْتِي وَعلم من قَول أبي عمر إِلَّا أهل بدر وَالْحُدَيْبِيَة أَن الْكَلَام فِي غير أكَابِر الصَّحَابَة مِمَّن لم يفز إِلَّا بِمُجَرَّد رُؤْيَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ظهر أَنه فَازَ بِمَا لم يفز بِهِ من بعده وَأَن من بعده لَو عمل ماعساه أَن يعْمل لَا يُمكنهُ أَن يحصل مَا يقرب من هَذِه الخصوصية فضلا عَن أَن يساويها هَذَا فِيمَن لم يفز إِلَّا بذلك فَمَا بالك بِمن ضم إِلَيْهَا أَنه قَاتل مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو فِي زَمَنه بأَمْره أَو نقل شَيْئا من الشَّرِيعَة إِلَى من بعده أَو أنْفق شَيْئا من مَاله بِسَبَبِهِ فَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِي أَن أحدا من الجائين بعده لَا يُدْرِكهُ وَمن ثمَّ قَالَ تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الْحسنى} الْحَدِيد 10 وَمِمَّا يشْهد لما عَلَيْهِ الْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف من أَنهم خير خلق الله وأفضلهم بعد النَّبِيين وخواص الْمَلَائِكَة والمقربين مَا قَدمته من فَضَائِل الصَّحَابَة ومآثرهم أول الْكتاب وَهُوَ كثير فَرَاجعه وَمِنْه حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ (لَا تسبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 أَصْحَابِي فَلَو أَن أحدا أنْفق مثل أحد مَا بلغ مثل أمد أحدهم وَلَا نصيفه) وَفِي رِوَايَة لَهما (فَإِن أحدكُم) بكاف الْخطاب وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ (لَو أنْفق أحدكُم) الحَدِيث والنصيف بِفَتْح النُّون لُغَة فِي النّصْف وروى الدَّارمِيّ وَابْن عدي وَغَيرهمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ) وَمن ذَلِك أَيْضا الْخَبَر الْمُتَّفق على صِحَّته (خير الْقُرُون أَو النَّاس أَو أمتِي قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) والقرن أهل زمن وَاحِد مُتَقَارب اشْتَركُوا فِي وصف مَقْصُود وَيُطلق على زمن مَخْصُوص وَقد اخْتلفُوا فِيهِ من عشرَة أَعْوَام إِلَى مائَة وَعشْرين إِلَّا السّبْعين والمئة وَعشرَة فَلم يحفظ قَائِل بهما وَمَا عداهما قَالَ بِهِ قَائِل وَأَعْدل الْأَقْوَال قَول صَاحب الْمُحكم هُوَ الْقدر الْمُتَوَسّط من أَعمار أهل كل زمن وَالْمرَاد بقرنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث الصَّحَابَة وَآخر من مَاتَ مِنْهُم على الْإِطْلَاق بِلَا خلاف أَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 اللَّيْثِيّ كَمَا جزم بِهِ مُسلم فِي صَحِيحه وَكَانَ مَوته سنة مائَة على الصَّحِيح وَقيل سنة سبع وَمِائَة وَقيل سنة عشر وَمِائَة وَصَححهُ الذَّهَبِيّ لمطابقته للْحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل وَفَاته بِشَهْر (على رَأس مائَة سنة لَا يبْقى على وَجه الأَرْض مِمَّن هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْم أحد) وَفِي رِوَايَة مُسلم (أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه فَإِنَّهُ لَيْسَ من نفس منفوسة يَأْتِي عَلَيْهَا مائَة سنة) فَأَرَادَ بذلك انخرام الْقرن بعد مائَة سنة من حِين مقَالَته وَالْقَوْل بِأَن عكراش بن ذُؤَيْب عَاشَ بعد وقْعَة الْجمل مائَة سنة غير صَحِيح وعَلى التنزل فَمَعْنَاه استكملها بعد ذَلِك لَا أَنه بَقِي بعْدهَا مائَة سنة كَمَا قَالَ الْأَئِمَّة وَمَا قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 جمَاعَة فِي رتن الْهِنْدِيّ وَمعمر المغربي وَنَحْوهمَا فقد بَالغ الْأَئِمَّة سِيمَا الذَّهَبِيّ فِي تزييفه وبطلانه قَالَ الْأَئِمَّة وَلَا يروج ذَلِك على من لَهُ أدني مسكة من الْعقل وَمر أَن أَفضَلِيَّة قرنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من يَلِيهِ وهم التابعون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوع لَا إِلَى كل فَرد خلافًا لِابْنِ عبد الْبر وَكَذَا يُقَال فِي التَّابِعين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وتابعيهم ثمَّ الصَّحَابَة أَصْنَاف مهاجرون وأنصار وحلفاء وهم من أسلم يَوْم الْفَتْح أَو بعده فأفضلهم إِجْمَالا الْمُهَاجِرُونَ فَمن بعدهمْ على التَّرْتِيب الْمَذْكُور وَأما تَفْصِيلًا فسباق الْأَنْصَار أفضل من جمَاعَة من متأخري الْمُهَاجِرين وسباق الْمُهَاجِرين أفضل من سباق الْأَنْصَار ثمَّ هم بعد ذَلِك يتفاوتون فَرب مُتَأَخّر إسلاما كعمر أفضل من مُتَقَدم كبلال وَقَالَ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ من أكَابِر أَئِمَّتنَا أجمع أهل السّنة أَن أفضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 الصَّحَابَة أَبُو بكر فعمر فعثمان فعلي فبقية الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ فَأهل بدر فباقي أهل أحد فباقي أهل بيعَة الرضْوَان بِالْحُدَيْبِية فباقي الصَّحَابَة انْتهى وَمر اعْتِرَاض حكايته الْإِجْمَاع بَين عَليّ وَعُثْمَان إِلَّا إِن أَرَادَ بِالْإِجْمَاع فيهمَا إِجْمَاع أَكثر أهل السّنة فَيصح مَا قَالَه حِينَئِذٍ هَذَا وَقد أخرج الْأنْصَارِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا أَبَا بكر لَيْت أَنِّي لقِيت إخْوَانِي) فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله نَحن إخوانك قَالَ (أَنْتُم أَصْحَابِي إخْوَانِي الَّذين لم يروني وَصَدقُوا بِي وأحبوني حَتَّى إِنِّي لأحب إِلَى أحدهم من وَلَده ووالده) قَالُوا يَا رَسُول الله نَحن إخوانك قَالَ (أَنْتُم أَصْحَابِي أَلا تحب يَا ابا بكر قوما أحبوك بحبي إياك فأحبهم مَا أحبوك بحبي إياك) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أحب الله أحب الْقُرْآن وَمن أحب الْقُرْآن أَحبَّنِي وَمن أَحبَّنِي أحب أَصْحَابِي وَقَرَابَتِي) رَوَاهُ الديلمي وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أَيهَا النَّاس احْفَظُونِي فِي أختاني وأصهاري وأصحابي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 لَا يطالبنكم الله بمظلمة أحد مِنْهُم فَإِنَّهَا لَيست مِمَّا يُوهب) رَوَاهُ الخلعي قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الله الله فِي أَصْحَابِي لَا تتخذوهم غَرضا بعدِي من أحبهم فقد أَحبَّنِي وَمن أبْغضهُم فقد أبغضني وَمن آذاهم فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله وَمن آذَى الله يُوشك أَن يَأْخُذهُ) وَرَوَاهُ المخلص الذَّهَبِيّ فَهَذَا الحَدِيث وَمَا قبله خرج مخرج الْوَصِيَّة بِأَصْحَابِهِ على طَرِيق التَّأْكِيد وَالتَّرْغِيب فِي حبهم والترهيب عَن بغضهم وَفِيه أَيْضا إِشَارَة إِلَى أَن حبهم إِيمَان وبغضهم كفر لِأَن بغضهم إِذا كَانَ بغضا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كفرا بِلَا نزاع لخَبر (لن يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من نَفسه) وَهَذَا يدل على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 كَمَال قربهم مِنْهُ من حَيْثُ أنزلهم منزلَة نَفسه حَتَّى كَأَن أذاهم وَاقع عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه أَيْضا أَن محبَّة من أحبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كآله وَأَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عَلامَة على محبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أَن محبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلامَة على محبَّة الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ عَدَاوَة من عاداهم وبغض من أبْغضهُم وسبهم عَلامَة على بغض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعدواته وسبه وبغضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعداوته وسبه عَلامَة على بغض الله تَعَالَى وعداوته وسبه فَمن أحب شَيْئا أحب من يحب وَأبْغض من يبغض قَالَ الله تَعَالَى {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله} المجادلة 22 فحب أُولَئِكَ أَعنِي آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأزواجه وذرياته وَأَصْحَابه من الْوَاجِبَات المتعينات وبغضهم من الموبقات المهلكات وَمن محبتهم توقيرهم وبرهم وَالْقِيَام بحقوقهم والاقتداء بهم بِالْمَشْيِ على سنتهمْ وآدابهم وأخلاقهم وَالْعَمَل بأقوالهم مِمَّا لَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مجَال ومزيد الثَّنَاء عَلَيْهِم وَحسنه بِأَن يذكرُوا بأوصافهم الجميلة على قصد التَّعْظِيم فقد أثنى الله عَلَيْهِم فِي آيَات كَثِيرَة من كِتَابه الْمجِيد وَمن أثنى الله عَلَيْهِ فَهُوَ وَاجِب الثَّنَاء وَمِنْه الاسْتِغْفَار لَهُم قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أمروا بِأَن يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبوهم رَوَاهُ مُسلم وَغَيره على أَن فَائِدَة المستغفر عَائِد أَكْثَرهَا إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 إِذْ يحصل بذلك مزِيد الثَّوَاب قَالَ سهل بن عبد الله التسترِي وناهيك بِهِ علما وزهدا وَمَعْرِفَة وجلالة لم يُؤمن برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يوقر أَصْحَابه وَمِمَّا يُوجب أَيْضا الْإِمْسَاك عَمَّا شجر أَي وَقع بَينهم من الِاخْتِلَاف والإضراب صفحا عَن أَخْبَار المؤرخين سِيمَا جهلة الروافض وضلال الشِّيعَة والمبتدعين القادحين فِي أحد مِنْهُم فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا ذكر أَصْحَابِي فأمسكوا) وَالْوَاجِب أَيْضا على كل من سمع شَيْئا من ذَلِك أَن يثبت فِيهِ وَلَا ينْسبهُ إِلَى أحدهم بِمُجَرَّد رُؤْيَته فِي كتاب أَو سَمَاعه من شخص بل لَا بُد أَن يبْحَث عَنهُ حَتَّى يَصح عِنْده نسبته إِلَى أحدهم فَحِينَئِذٍ الْوَاجِب أَن يلْتَمس لَهُم أحسن التأويلات وأصوب المخارج إِذْ هم أهل لذَلِك كَمَا هُوَ مَشْهُور فِي مناقبهم ومعدود من مآثرهم مِمَّا يطول إِيرَاده وَقد مر لذَلِك مِنْهُ جملَة فِي بَعضهم وَمَا وَقع بَينهم من المنازعات والمحاربات فَلهُ محامل وتأويلات وَأما سبهم والطعن فيهم فَإِن خَالف دَلِيلا قَطْعِيا كقذف عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَو إِنْكَار صُحْبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 أَبِيهَا كَانَ كفرا وَإِن كَانَ بِخِلَاف ذَلِك كَانَ بِدعَة وفسقا وَمن اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن مَا جرى بَين مُعَاوِيَة وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا من الحروب فَلم يكن لمنازعة مُعَاوِيَة لعَلي فِي الْخلَافَة للْإِجْمَاع على حقيتها لعَلي كَمَا مر فَلم تهج الْفِتْنَة بِسَبَبِهَا وَإِنَّمَا هَاجَتْ بِسَبَب أَن مُعَاوِيَة وَمن مَعَه طلبُوا من عَليّ تَسْلِيم قتلة عُثْمَان إِلَيْهِم لكَون مُعَاوِيَة ابْن عَمه فَامْتنعَ عَليّ ظنا مِنْهُ أَن تسليمهم إِلَيْهِم على الْفَوْر مَعَ كَثْرَة عَشَائِرهمْ واختلاطهم بعسكر عَليّ يُؤَدِّي إِلَى اضْطِرَاب وتزلزل فِي أَمر الْخلَافَة الَّتِي بهَا انتظام كلمة أهل الْإِسْلَام سِيمَا وَهِي فِي ابتدائها لم يستحكم الْأَمر فِيهَا فَرَأى عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن تَأْخِير تسليمهم أصوب إِلَى أَن يرسخ قدمه فِي الْخلَافَة ويتحقق التَّمَكُّن من الْأُمُور فِيهَا على وَجههَا وَيتم لَهُ انتظام شملها واتفاق كلمة الْمُسلمين ثمَّ بعد ذَلِك يلتقطهم وَاحِدًا فواحدا ويسلمهم إِلَيْهِم وَيدل لذَلِك أَن بعض قتلته عزم على الْخُرُوج على عَليّ ومقاتلته لما نَادَى يَوْم الْجمل بِأَن يخرج عَنهُ قتلة عُثْمَان وَأَيْضًا فَالَّذِينَ تمالؤا على قتل عُثْمَان كَانُوا جموعا كَثِيرَة كَمَا علم مِمَّا قَدمته فِي قصَّة محاصرتهم لَهُ إِلَى أَن قَتله بَعضهم جمع من أهل مصر قيل سَبْعمِائة وَقيل ألف وَقيل خَمْسمِائَة وَجمع من الْكُوفَة وَجمع من الْكُوفَة وَجمع من الْبَصْرَة وَغَيرهم قدمُوا كلهم الْمَدِينَة وَجرى مِنْهُم مَا جرى بل ورد أَنهم هم وعشائرهم نَحْو من عشرَة آلَاف فَهَذَا هُوَ الْحَامِل لعَلي رَضِي الله عَنهُ على الْكَفّ عَن تسليمهم لتعذره كَمَا عرفت وَيحْتَمل أَن عليا رَضِي الله عَنهُ رأى أَن قتلة عُثْمَان بغاة حملهمْ على قَتله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 تَأْوِيل فَاسد استحلوا بِهِ دَمه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لإنكارهم عَلَيْهِ أمورا كجعله مَرْوَان ابْن عَمه كَاتبا لَهُ ورده إِلَى الْمَدِينَة بعد أَن طرده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا وتقديمه أَقَاربه فِي ولَايَة الْأَعْمَال وَقَضِيَّة مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا السَّابِقَة فِي مَبْحَث خلَافَة عُثْمَان مفصلة ظنُّوا أَنَّهَا مبيحة لما فَعَلُوهُ جهلا مِنْهُم وَخطأ والباغي إِذا انْقَادَ إِلَى الإِمَام الْعدْل لَا يُؤَاخذ بِمَا أتْلفه فِي حَال الْحَرْب عَن تَأْوِيل دَمًا كَانَ أَو مَالا كَمَا هُوَ الْمُرَجح من قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَبِه قَالَ جمَاعَة آخَرُونَ من الْعلمَاء وَهَذَا الِاحْتِمَال وَإِن أمكن لَكِن مَا قبله أولى بالاعتماد مِنْهُ فَإِن الَّذِي ذهب إِلَيْهِ كَثِيرُونَ من الْعلمَاء أَن قتلة عُثْمَان لم يَكُونُوا بغاة وَإِنَّمَا كَانُوا ظلمَة وعتاة لعدم الِاعْتِدَاد بشبههم وَلِأَنَّهُم أصروا على الْبَاطِل بعد كشف الشُّبْهَة وإيضاح الْحق لَهُم وَلَيْسَ كل من انتحل شُبْهَة يصير بهَا مُجْتَهدا لِأَن الشُّبْهَة تعرض للقاصر عَن دَرَجَة الِاجْتِهَاد وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا هُوَ الْمُقَرّر فِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من أَن من لَهُم شَوْكَة دون تَأْوِيل لَا يضمنُون مَا أتلفوه فِي حَال الْقِتَال كالبغاة لِأَن قتل السَّيِّد عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لم يكن فِي قتال فَإِنَّهُ لم يُقَاتل بل نهى عَن الْقِتَال حَتَّى إِن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ لما أَرَادَهُ قَالَ لَهُ عُثْمَان عزمت عَلَيْك يَا أَبَا هُرَيْرَة إِلَّا رميت بسيفك إِنَّمَا ترَاد نَفسِي وسأقي الْمُسلمين بنفسي كَمَا أخرجه ابْن عبد الْبر عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة وَمن اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَيْضا أَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ لم يكن فِي أَيَّام عَليّ خَليفَة وَإِنَّمَا كَانَ من الْمُلُوك وَغَايَة اجْتِهَاده أَنه كَانَ لَهُ أجر وَاحِد على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 اجْتِهَاده وَأما عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ لَهُ أَجْرَانِ أجر على اجْتِهَاده وَأجر على إِصَابَته بل عشرَة أجور لحَدِيث (إِذا اجْتهد الْمُجْتَهد فَأصَاب فَلهُ عشرَة أجور) وَاخْتلفُوا فِي إِمَامَة مُعَاوِيَة بعد موت عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَقيل صَار إِمَامًا وَخَلِيفَة لِأَن الْبيعَة قد تمت لَهُ وَقيل لم يصر إِمَامًا لحَدِيث أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ (الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تصير ملكا) وَقد انْقَضتْ الثَّلَاثُونَ بوفاة عَليّ وَأَنت خَبِير بِمَا قَدمته أَن الثَّلَاثِينَ لم تتمّ بِمَوْت عَليّ وَبَيَانه أَنه توفّي فِي رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وَالْأَكْثَرُونَ على أَن وَفَاته سَابِع عشر ووفاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَانِي عشر ربيع الأول فبينهما دون الثَّلَاثِينَ بِنَحْوِ سِتَّة أشهر وتمت الثَّلَاثِينَ بِمدَّة خلَافَة الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِذا تقرر ذَلِك فَالَّذِي يَنْبَغِي كَمَا قَالَه غير وَاحِد من الْمُحَقِّقين أَن يحمل قَول من قَالَ بإمامة مُعَاوِيَة عِنْد وَفَاة عَليّ على مَا تقرر من وَفَاته بِنَحْوِ نصف سنة لما سلم لَهُ الْحسن الْخلَافَة والمانعون لإمامته يَقُولُونَ لَا يعْتد بِتَسْلِيم الْحسن الْأَمر إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يُسلمهُ إِلَيْهِ إِلَّا للضَّرُورَة لعلمه بِأَنَّهُ أَعنِي مُعَاوِيَة لَا يسلم الْأَمر لِلْحسنِ وَأَنه قَاصد لِلْقِتَالِ والسفك إِن لم يسلم الْحسن الْأَمر إِلَيْهِ فَلم يتْرك الْأَمر إِلَيْهِ إِلَّا صونا لدماء الْمُسلمين وَلَك رد مَا وَجه بِهِ هَؤُلَاءِ مَا ذكر بِأَن الْحسن كَانَ هُوَ الإِمَام الْحق والخليفة الصدْق وَكَانَ مَعَه من الْعدة وَالْعدَد مَا يُقَاوم من مَعَ مُعَاوِيَة فَلم يكن نُزُوله عَن الْخلَافَة وتسليمه الْأَمر لمعاوية اضطراريا بل كَانَ اختياريا كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 يدل عَلَيْهِ مَا مر فِي قصَّة نُزُوله من أَنه اشْترط عَلَيْهِ شُرُوطًا كَثِيرَة فالتزمها ووفى لَهُ بهَا وَأَيْضًا فقد مر عَن صَحِيح البُخَارِيّ أَن مُعَاوِيَة هُوَ السَّائِل لِلْحسنِ فِي الصُّلْح وَمِمَّا يدل على مَا ذكرته حَدِيث البُخَارِيّ السَّابِق عَن أبي بكرَة قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وَالْحسن بن عَليّ إِلَى جنبه وَهُوَ يقبل على النَّاس مرّة وَعَلِيهِ أُخْرَى وَيَقُول (إِن ابْني هَذَا سيد وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين) فَانْظُر إِلَى ترجيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِصْلَاح بِهِ وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يترجى إِلَّا الْأَمر الْحق الْمُوَافق للْوَاقِع بترجيه الْإِصْلَاح من الْحسن يدل على صِحَة نُزُوله لمعاوية عَن الْخلَافَة وَإِلَّا لَو كَانَ الْحسن بَاقِيا على خِلَافَته بعد نُزُوله عَنْهَا لم يَقع ينزوله إصْلَاح وَلم يحمد الْحسن على ذَلِك وَلم يترج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُجَرّد النُّزُول من غير أَن يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَته الشَّرْعِيَّة وَوُجُوب طَاعَته على الكافة وَهِي اسْتِقْلَال المنزول لَهُ بِالْأَمر وَصِحَّة خِلَافَته ونفاذ تصرفه وَوُجُوب طَاعَته على الكافة وقيامه بِأُمُور الْمُسلمين فَكَانَ ترجيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوُقُوع الْإِصْلَاح بَين أُولَئِكَ الفئتين العظيمتين من الْمُسلمين بالْحسنِ فِيهِ دلَالَة أَي دلَالَة على صِحَة مَا فعله الْحسن وعَلى أَنه مُخْتَار فِيهِ وعَلى أَن تِلْكَ الْفَوَائِد الشَّرْعِيَّة وَهِي صِحَة خلَافَة مُعَاوِيَة وقيامه بِأُمُور الْمُسلمين وتصرفه فِيهَا بِسَائِر مَا تَقْتَضِيه الْخلَافَة مترتبة على ذَلِك الصُّلْح فَالْحق ثُبُوت الْخلَافَة لمعاوية من حِينَئِذٍ وَأَنه بعد ذَلِك خَليفَة حق وَإِمَام صدق كَيفَ وَقد أخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 عبد الرَّحْمَن بن أبي عميرَة الصَّحَابِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لمعاوية (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هاديا مهديا) وَأخرج أَحْمد فِي مُسْنده عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (اللَّهُمَّ علم مُعَاوِيَة الْكتاب والحساب وقه الْعَذَاب) وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عبد الْملك ابْن عُمَيْر قَالَ قَالَ مُعَاوِيَة مَا زلت أطمع فِي الْخلَافَة مُنْذُ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا مُعَاوِيَة إِذا ملكت فَأحْسن) فَتَأمل دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ فِي الحَدِيث الأول بِأَن الله يَجعله هاديا مهديا والْحَدِيث حسن كَمَا علمت فَهُوَ مِمَّا يحْتَج بِهِ على فضل مُعَاوِيَة وَأَنه لَا ذمّ يلْحقهُ بِتِلْكَ الحروب لما علمت أَنَّهَا كَانَت مَبْنِيَّة على اجْتِهَاد وَأَنه لم يكن لَهُ إِلَّا أجر وَاحِد لِأَن الْمُجْتَهد إِذا أَخطَأ لَا ملام عَلَيْهِ وَلَا ذمّ يلْحقهُ بِسَبَب ذَلِك لِأَنَّهُ مَعْذُور وَلذَا كتب لَهُ أجر وَمِمَّا يدل لفضله أَيْضا الدُّعَاء فِي الحَدِيث الثَّانِي بِأَن يعلم ذَلِك ويوقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 الْعَذَاب وَلَا شكّ أَن دعاءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستجاب فَعلمنَا مِنْهُ أَنه لَا عِقَاب على مُعَاوِيَة فِيمَا فعل من تِلْكَ الحروب بل لَهُ الْأجر كَمَا تقرر وَقد سمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فئته الْمُسلمين وساواهم بفئة الْحسن فِي وصف الْإِسْلَام فَدلَّ على بَقَاء حُرْمَة الْإِسْلَام لِلْفَرِيقَيْنِ وَأَنَّهُمْ لم يخرجُوا بِتِلْكَ الحروب عَن الْإِسْلَام وَأَنَّهُمْ فِيهِ على حد سَوَاء فَلَا فسق وَلَا نقص يلْحق أَحدهمَا لما قَرَّرْنَاهُ من أَن كلا مِنْهُمَا متأول تَأْوِيلا غير قَطْعِيّ الْبطلَان وَفِئَة مُعَاوِيَة وَإِن كَانَت هِيَ الباغية لكنه بغي لَا فسق بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا صدر عَن تَأْوِيل يعْذر بِهِ أَصْحَابه وَتَأمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر مُعَاوِيَة بِأَنَّهُ يملك وَأمره بِالْإِحْسَانِ تَجِد فِي الحَدِيث إِشَارَة إِلَى صِحَة خِلَافَته وَأَنَّهَا حق بعد تَمامهَا لَهُ بنزول الْحسن لَهُ عَنْهَا فَإِن أمره بِالْإِحْسَانِ الْمُتَرَتب على الْملك يدل على حقية ملكه وخلافته وَصِحَّة تصرفه ونفوذ أَفعاله من حَيْثُ صِحَة الْخلَافَة لَهُ من حَيْثُ التغلب لِأَن المتغلب فَاسق معاقب لَا يسْتَحق أَن يبشر وَلَا يُؤمر بِالْإِحْسَانِ فِيمَا تغلب عَلَيْهِ بل إِنَّمَا يسْتَحق الزّجر والمقت والإعلام بقبيح أَفعاله وَفَسَاد أَحْوَاله فَلَو كَانَ مُعَاوِيَة متغلبا لأشار لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَلِك أَو صرح لَهُ بِهِ فَلَمَّا لم يشر لَهُ فضلا عَن أَن يُصَرح إِلَّا بِمَا يدل على حقية مَا هُوَ عَلَيْهِ علمنَا أَنه بعد نزُول الْحسن لَهُ خَليفَة حق وَإِمَام صدق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 وَيُشِير إِلَى ذَلِك كَلَام الإِمَام أَحْمد فقد أخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم بن سُوَيْد الأرمني قَالَ قلت لِأَحْمَد ابْن حَنْبَل من الْخُلَفَاء قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي قلت فمعاوية قَالَ لم يكن أحد أَحَق بالخلافة فِي زمَان عَليّ من عَليّ فأفهم كَلَامه أَن مُعَاوِيَة بعد زمَان عَليّ أَي وَبعد نزُول الْحسن لَهُ أَحَق النَّاس بالخلافة وَأما مَا أخرجه ابْن ابي شيبَة فِي المُصَنّف عَن سعيد بن جمْهَان قَالَ قلت لسفينة إِن بني أُميَّة يَزْعمُونَ أَن الْخلَافَة فيهم فَقَالَ كذب بَنو الزَّرْقَاء بل هم مُلُوك من أشر الْمُلُوك وَأول الْمُلُوك مُعَاوِيَة فَلَا يتَوَهَّم مِنْهُ أَن لَا خلَافَة لمعاوية لِأَن مَعْنَاهُ أَن خِلَافَته وَإِن كَانَت صَحِيحَة إِلَّا أَنه غلب عَلَيْهَا مشابهة الْملك لِأَنَّهَا خرجت عَن سنَن خلَافَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فِي كثير من الْأُمُور فَهِيَ حقة وصحيحة من حِين نزُول الْحسن لَهُ واجتماع النَّاس أهل الْحل وَالْعقد عَلَيْهِ وَتلك من حَيْثُ إِنَّه وَقع فِيهَا أُمُور ناشئة عَن اجتهادات غير مُطَابقَة للْوَاقِع لَا يَأْثَم بهَا الْمُجْتَهد لَكِنَّهَا تُؤخر عَن دَرَجَات ذَوي الاجتهادات الصَّحِيحَة الْمُطَابقَة للْوَاقِع وهم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَالْحسن رَضِي الله عَنْهُم فَمن أطلق على ولَايَة مُعَاوِيَة أَنَّهَا ملك أَرَادَ من حَيْثُ مَا وَقع فِي خلالها من تِلْكَ الاجتهادات الَّتِي ذَكرنَاهَا وَمن أطلق عَلَيْهَا أَنَّهَا خلَافَة أَرَادَ انه بنزول الْحسن لَهُ واجتماع أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 الْحل وَالْعقد عَلَيْهِ صَار خَليفَة حق مُطَاعًا يجب لَهُ من حَيْثُ الطواعية والانقياد مَا يجب للخلفاء الرَّاشِدين قبله وَلَا يُقَال بنظير ذَلِك فِيمَن بعده لِأَن أُولَئِكَ لَيْسُوا من أهل الِاجْتِهَاد بل مِنْهُم عصاة فسقة وَلَا يعدون من جملَة الْخُلَفَاء بِوَجْه بل من جملَة الْمُلُوك بل من أشرهم إِلَّا عمر بن عبد الْعَزِيز فَإِنَّهُ مُلْحق بالخلفاء الرَّاشِدين وَكَذَلِكَ ابْن الزبير وَأما مَا يستبيحه بعض المبتدعة من سبه ولعنه فَلهُ فِيهِ اسوة أَي أُسْوَة بالشيخين وَعُثْمَان وَأكْثر الصَّحَابَة فَلَا يلْتَفت لذَلِك وَلَا يعول عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يصدر إِلَّا عَن قوم حمقى جهلاء أغبياء طغام لَا يُبَالِي الله بهم فِي أَي وَاد هَلَكُوا فلعنهم الله وخذلهم أقبح اللَّعْنَة والخذلان وَأقَام على رؤوسهم من سيوف أهل السّنة وحججهم المؤيدة بأوضح الدَّلَائِل والبرهان مَا يقمعهم عَن الْخَوْض فِي تنقيص أُولَئِكَ الْأَئِمَّة الْأَعْيَان وَلَقَد اسْتعْمل مُعَاوِيَة عمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم وَكَفاهُ ذَلِك شرفا وَذَلِكَ أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لما بعث الجيوش إِلَى الشَّام سَار مُعَاوِيَة مَعَ أَخِيه يزِيد بن أبي سُفْيَان فَلَمَّا مَاتَ أَخُوهُ يزِيد اسْتَخْلَفَهُ على دمشق فأقره ثمَّ أقره عمر ثمَّ عُثْمَان وَجمع لَهُ الشَّام كُله فَأَقَامَ أَمِيرا عشْرين سنة وَخَلِيفَة عشْرين سنة قَالَ كَعْب الْأَحْبَار لم يملك أحد هَذِه الْأمة مَا ملك مُعَاوِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 قَالَ الذَّهَبِيّ توفّي كَعْب قبل أَن يسْتَخْلف مُعَاوِيَة وَصدق كَعْب فِيمَا نَقله فَإِن مُعَاوِيَة بَقِي خَليفَة عشْرين سنة لَا ينازعه أحد الْأَمر فِي الأَرْض بِخِلَاف غَيره مِمَّن بعده فَإِنَّهُ كَانَ لَهُم مُخَالف وَخرج عَن أَمرهم بعض الممالك انْتهى وَفِي إِخْبَار كَعْب بذلك قبل اسْتِخْلَاف مُعَاوِيَة دَلِيل على أَن خِلَافَته مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي بعض كتب الله الْمنزلَة فَإِن كَعْبًا كَانَ حبرها فَلهُ من الِاطِّلَاع عَلَيْهَا والإحاطة بأحكامها مَا فاق سَائِر أَحْبَار أهل الْكتاب وَفِي هَذَا من التقوية لشرف مُعَاوِيَة وحقية خِلَافَته بعد نزُول الْحسن لَهُ مَا لَا يخفى وَكَانَ نُزُوله لَهُ عَنْهَا واستقراره فِيهَا من ربيع الآخر أوجمادى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين فَسُمي هَذَا الْعَام عَام الْجَمَاعَة لِاجْتِمَاع الْأمة فِيهِ على خَليفَة وَاحِد وَاعْلَم أَن اهل السّنة اخْتلفُوا فِي تَكْفِير يزِيد بن مُعَاوِيَة وَولي عَهده من بعده فَقَالَت طَائِفَة إِنَّه كَافِر لقَوْل سبط ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره الْمَشْهُور أَنه لماجاء رَأس الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ جمع أهل الشَّام وَجعل ينكت رَأسه بالخيزران وينشد ابيات ابْن الزِّبَعْرَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 (لَيْت أشياخي ببدر شهدُوا ... ) الأبيات الْمَعْرُوفَة وَزَاد فِيهَا بَيْتَيْنِ مشتملين على صَرِيح الْكفْر وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِيمَا حَكَاهُ سبطه عَنهُ لَيْسَ الْعجب من قتال ابْن زِيَاد للحسين وَإِنَّمَا الْعجب من خذلان يزِيد وضربه بالقضيب ثنايا الْحُسَيْن وَحمله آل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَايَا على أقتاب الْجمال وَذكر أَشْيَاء من قَبِيح مَا اشْتهر عَنهُ ورده الرَّأْس إِلَى الْمَدِينَة وَقد تَغَيَّرت رِيحه ثمَّ قَالَ وَمَا كَانَ مَقْصُوده إِلَّا الفضيحة وَإِظْهَار الرَّأْس أفيجوز أَن يفعل هَذَا بالخوارج لَيْسَ بِإِجْمَاع الْمُسلمين أَن الْخَوَارِج والبغاة يكفنون وَيصلى عَلَيْهِم ويدفنون وَلَو لم يكن فِي قلبه أحقاد جَاهِلِيَّة وأضغان بدرية لاحترم الرَّأْس لما وصل إِلَيْهِ وكفنه وَدَفنه وَأحسن إِلَى آل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 وَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ بِكَافِر فَإِن الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للكفر لم يثبت عندنَا مِنْهَا شَيْء وَالْأَصْل بَقَاؤُهُ على إِسْلَامه حَتَّى يعلم مَا يُخرجهُ عَنهُ وَمَا سبق أَنه الْمَشْهُور يُعَارضهُ مَا حُكيَ أَن يزِيد لما وصل إِلَيْهِ رَأس الْحُسَيْن قَالَ رَحِمك الله يَا حُسَيْن لقد قَتلك رجل لم يعرف حق الْأَرْحَام وتنكر لِابْنِ زِيَاد وَقَالَ قد زرع لي الْعَدَاوَة فِي قلب الْبر والفاجر ورد نسَاء الْحُسَيْن وَمن بَقِي من بنيه مَعَ رَأسه إِلَى الْمَدِينَة ليدفن الرَّأْس بهَا وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لم يثبت مُوجب وَاحِدَة من المقالتين وَالْأَصْل أَنه مُسلم فنأخذ بذلك الأَصْل حَتَّى يثبت عندنَا مَا يُوجب الْإِخْرَاج عَنهُ وَمن ثمَّ قَالَ جمَاعَة من الْمُحَقِّقين إِن الطَّرِيقَة الثَّابِتَة القويمة فِي شَأْنه التَّوَقُّف فِيهِ وتفويض أمره إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ الْعَالم بالخفيات والمطلع على مكنونات السرائر وهواجس الضمائر فَلَا نتعرض لتكفيره أصلا لِأَن هَذَا هُوَ الأحرى والأسلم وعَلى القَوْل بِأَنَّهُ مُسلم فَهُوَ فَاسق شرير سكير جَائِر كَمَا أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد أخرج أَبُو يعلى فِي مُسْنده بِسَنَد لكنه ضَعِيف عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يزَال أَمر أمتِي قَائِما بِالْقِسْطِ حَتَّى يكون أول من يثلمه رجل من بني أُميَّة يُقَال لَهُ يزِيد) وَأخرج الرَّوْيَانِيّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 مُسْنده عَن أبي ذَر قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (أول من يُبدل سنتي رجل من بني أُميَّة يُقَال لَهُ يزِيد) وَفِي هذَيْن الْحَدِيثين دَلِيل أَي دَلِيل لما قَدمته أَن مُعَاوِيَة كَانَت خِلَافَته لَيست كخلافة من بعده من بني أُميَّة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَن أول من يثلم أَمر أمته ويبدل سنته يزِيد فَافْهَم أَن مُعَاوِيَة لم يثلم وَلم يُبدل وَهُوَ كَذَلِك لما مر أَنه مُجْتَهد وَيُؤَيّد ذَلِك مَا فعله الإِمَام الْمهْدي كَمَا عبر بِهِ ابْن سِيرِين وَغَيره عَن عمر بن عبد الْعَزِيز بِأَن رجلا نَالَ من مُعَاوِيَة بِحَضْرَتِهِ فَضَربهُ ثَلَاثَة أسواط مَعَ ضربه لمن سمى ابْنه يزِيد أَمِير الْمُؤمنِينَ عشْرين سَوْطًا كَمَا سَيَأْتِي فَتَأمل فرقان مَا بَينهمَا وَكَانَ مَعَ أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ علم من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا مر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يزِيد فَإِنَّهُ كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من رَأس السِّتين وإمارة الصّبيان فَاسْتَجَاب الله لَهُ وتوفاه سنة تسع وَخمسين وَكَانَ وَفَاة مُعَاوِيَة وَولَايَة ابْنه سنة سِتِّينَ فَعلم أَبُو هُرَيْرَة بِولَايَة يزِيد فِي هَذِه السّنة فاستعاذ مِنْهَا لما علمه من قَبِيح أَحْوَاله بِوَاسِطَة إِعْلَام الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك وَقَالَ نَوْفَل بن أبي الْفُرَات كنت عِنْد عمر بن عبد الْعَزِيز فَذكر رجل يزِيد فَقَالَ قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ يزِيد بن مُعَاوِيَة فَقَالَ تَقول أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأمر بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 فَضرب عشْرين سَوْطًا ولإسرافه فِي الْمعاصِي خلعه أهل الْمَدِينَة فقد أخرج الْوَاقِدِيّ من طرق أَن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الغسيل قَالَ وَالله مَا خرجنَا على يزِيد حَتَّى خفنا أَن نرمي بِالْحِجَارَةِ من السَّمَاء أَن كَانَ رجلا ينْكح أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات وَيشْرب الْخمر ويدع الصَّلَاة وَقَالَ الذَّهَبِيّ وَلما فعل يزِيد بِأَهْل الْمَدِينَة مَا فعل مَعَ شربه الْخمر وإتيانه الْمُنْكَرَات اشْتَدَّ عَلَيْهِ النَّاس وَخرج عَلَيْهِ غير وَاحِد وَلم يُبَارك الله فِي عمره وَأَشَارَ بقوله مَا فعل إِلَى مَا وَقع مِنْهُ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ فَإِنَّهُ بلغه أَن أهل الْمَدِينَة خَرجُوا عَلَيْهِ وخلعوه فَأرْسل لَهُم جَيْشًا عَظِيما وَأمرهمْ بقتالهم فجاؤا إِلَيْهِم وَكَانَت وقْعَة الْحرَّة على بَاب طيبَة وَمَا أَدْرَاك مَا وقْعَة الْحرَّة ذكرهَا الْحسن مرّة فَقَالَ لله مَا كَاد ينجو مِنْهُم وَاحِد قتل فِيهَا خلق كثير من الصَّحَابَة وَمن غَيرهم فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَبعد اتِّفَاقهم على فسقه اخْتلفُوا فِي جَوَاز لَعنه بِخُصُوص اسْمه فَأَجَازَهُ قوم مِنْهُم ابْن الْجَوْزِيّ وَنَقله عَن أَحْمد وَغَيره فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالرَّدِّ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 المتعصب العنيد الْمَانِع من ذمّ يزِيد سَأَلَني سَائل عَن يزِيد بن مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ يَكْفِي مَا بِهِ فَقَالَ أَيجوزُ لَعنه فَقلت قد أجَازه الْعلمَاء الورعون مِنْهُم أَحْمد ابْن حَنْبَل فَإِنَّهُ ذكر فِي حق يزِيد مَا يزِيد على اللَّعْنَة ثمَّ روى ابْن الْجَوْزِيّ عَن القَاضِي أبي يعلى الْفراء أَنه روى فِي كِتَابه الْمُعْتَمد فِي الْأُصُول بِإِسْنَادِهِ إِلَى صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ قلت لأبي إِن قوما ينسبوننا إِلَى تولي يزِيد فَقَالَ يَا بني وَهل يتَوَلَّى يزِيد أحد يُؤمن بِاللَّه وَلم لَا يلعن من لَعنه الله فِي كِتَابه فَقلت وَأَيْنَ لعن الله يزِيد فِي كِتَابه فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم مُحَمَّد 22 23 فَهَل يكون فَسَاد أعظم من الْقَتْل وَفِي رِوَايَة فَقَالَ يَا بني مَا أَقُول فِي رجل لَعنه الله فِي كِتَابه فَذكره قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وصنف القَاضِي أَبُو يعلى كتابا ذكر فِيهِ بَيَان من يسْتَحق اللَّعْن وَذكر مِنْهُم يزِيد ثمَّ ذكر حَدِيث (من أَخَاف أهل الْمَدِينَة ظلما أخافه الله وَعَلِيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَلَا خلاف أَن يزِيد غزا الْمَدِينَة بِجَيْش وأخاف أَهلهَا انْتهى والْحَدِيث الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 ذكره رَوَاهُ مُسلم وَوَقع من ذَلِك الْجَيْش من الْقَتْل وَالْفساد الْعَظِيم والسبي وَإِبَاحَة الْمَدِينَة مَا هُوَ مَشْهُور حَتَّى فض نَحْو ثَلَاثمِائَة بكر وَقتل من الصَّحَابَة نَحْو ذَلِك وَمن قراء الْقُرْآن نَحْو سبع مائَة نفس وأبيحت الْمَدِينَة أَيَّامًا وَبَطلَت الْجَمَاعَة من الْمَسْجِد النَّبَوِيّ أَيَّامًا وأخيفت أهل الْمَدِينَة أَيَّامًا فَلم يُمكن أحدا دُخُول مَسْجِدهَا حَتَّى دَخلته الْكلاب والذئاب وبالت على منبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَصْدِيقًا لما أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يرض أَمِير ذَلِك الْجَيْش إِلَّا بِأَن يبايعوه ليزِيد على أَنهم خول لَهُ إِن شَاءَ بَاعَ وَإِن شَاءَ أعتق فَذكر لَهُ بَعضهم الْبيعَة على كتاب الله وَسنة رَسُوله فَضرب عُنُقه وَذَلِكَ فِي وقْعَة الْحرَّة السَّابِقَة ثمَّ سَار جَيْشه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 هَذَا إِلَى قتال ابْن الزبير فرموا الْكَعْبَة بالمنجنيق وأحرقوها بالنَّار فَأَي شَيْء أعظم من هَذِه القبائح الَّتِي وَقعت فِي زَمَنه ناشئة عَنهُ وَهِي مصداق الحَدِيث السَّابِق (لَا يزَال أَمر أمتِي قَائِما بِالْقِسْطِ حَتَّى يثلمه رجل من بني أُميَّة يُقَال لَهُ يزِيد) وَقَالَ آخَرُونَ لَا يجوز لَعنه إِذْ لم يثبت عندنَا مَا يَقْتَضِيهِ وَبِه أفتى الْغَزالِيّ وَأطَال فِي الِانْتِصَار لَهُ وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بقواعد أَئِمَّتنَا وَبِمَا صَرَّحُوا بِهِ من أَنه لَا يجوز أَن يلعن شخص بِخُصُوصِهِ إِلَّا إِن علم مَوته على الْكفْر كَأبي جهل وَأبي لَهب وَأما من لم يعلم فِيهِ ذَلِك فَلَا يجوز لَعنه حَتَّى إِن الْكَافِر الْحَيّ الْمعِين لَا يجوز لَعنه لِأَن اللَّعْن هُوَ الطَّرْد عَن رَحْمَة الله المستلزم لليأس مِنْهَا وَذَلِكَ إِنَّمَا يَلِيق بِمن علم مَوته على الْكفْر وَأما من لم يعلم فِيهِ ذَلِك فَلَا وَإِن كَانَ كَافِرًا فِي الْحَالة الظَّاهِرَة لاحْتِمَال أَن يخْتم لَهُ بِالْحُسْنَى فَيَمُوت على الْإِسْلَام وصرحوا أَيْضا بِأَنَّهُ لَا يجوز لعن فَاسق مُسلم معِين وَإِذا علمت أَنهم صَرَّحُوا بذلك علمت أَنهم مصرحون بِأَنَّهُ لَا يجوز لعن يزِيد وَإِن كَانَ فَاسِقًا خبيثا وَلَو سلمنَا أَنه أَمر بقتل الْحُسَيْن وسر بِهِ لِأَن ذَلِك حَيْثُ لم يكن عَن استحلال أَو كَانَ عَنهُ لَكِن بِتَأْوِيل وَلَو بَاطِلا وَهُوَ فسق لَا كفر على أَن أمره بقتْله وسروره بِهِ لم يثبت صدوره عَنهُ من وَجه صَحِيح بل كَمَا حُكيَ عَنهُ ذَلِك حُكيَ عَنهُ ضِدّه كَمَا قَدمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 وَأما مَا اسْتدلَّ بِهِ أَحْمد على جَوَاز لَعنه من قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ الَّذين دلّ لعنهم الله مُحَمَّد 23 وَمَا اسْتدلَّ بِهِ غَيره من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث مُسلم (وَعَلِيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ) فَلَا دلَالَة فيهمَا لجَوَاز لعن يزِيد بِخُصُوص اسْمه وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَيْهِ جَوَاز لَعنه لَا بذلك الْخُصُوص وَهَذَا جَائِز بِلَا نزاع وَمن ثمَّ حُكيَ الِاتِّفَاق على أَنه يجوز لعن من قتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ أَو أَمر بقتْله أَو أجَازه أَو رَضِي بِهِ من غير تَسْمِيَة ليزِيد كَمَا يجوز لعن شَارِب الْخمر وَنَحْوه من غير تعْيين وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْآيَة والْحَدِيث إِذْ لَيْسَ فيهمَا تعرض للعن أحد بِخُصُوص اسْمه بل لمن قطع رَحمَه وَمن أَخَاف أهل الْمَدِينَة فَيجوز اتِّفَاقًا أَن يُقَال لعن الله من قطع رَحمَه وَمن أَخَاف أهل الْمَدِينَة ظلما وَإِذا جَازَ هَذَا اتِّفَاقًا لكَونه لَيْسَ فِيهِ تَسْمِيَة أحد بِخُصُوصِهِ فَكيف يسْتَدلّ بِهِ أَحْمد وَغَيره على جَوَاز لعن شخص معِين بِخُصُوصِهِ مَعَ وضوح الْفرق بَين المقامين فاتضح أَنه لَا يجوز لَعنه بِخُصُوصِهِ وَأَنه لَا دلَالَة فِي الْآيَة والْحَدِيث للْجُوَاز ثمَّ رَأَيْت ابْن الصّلاح من أكَابِر أَئِمَّتنَا الْفُقَهَاء والمحدثين قَالَ فِي فَتَاوِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 لما سُئِلَ عَمَّن يلعنه لكَونه أَمر بقتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ لم يَصح عندنَا أَنه أَمر بقتْله رَضِي الله عَنهُ وَالْمَحْفُوظ أَن الْآمِر بقتاله المفضي إِلَى قَتله كرمه الله إِنَّمَا هُوَ عبيد الله بن زِيَاد وَالِي الْعرَاق إِذْ ذَاك وَأما سبّ يزِيد ولعنه فَلَيْسَ ذَلِك من شَأْن الْمُؤمنِينَ وَإِن صَحَّ أَنه قَتله أَو أَمر بقتْله وَقد ورد فِي الحَدِيث الْمَحْفُوظ أَن (لعن الْمُسلم كقتله) وَقَاتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ لَا يكفر بذلك وَإِنَّمَا ارْتكب إِثْمًا عَظِيما وَإِنَّمَا يكفر بِالْقَتْلِ قَاتل نَبِي من الْأَنْبِيَاء وَالنَّاس فِي يزِيد ثَلَاث فرق فرقة تتولاه وتحبه وَفرْقَة تسبه وتلعنه وَفرْقَة متوسطة فِي ذَلِك لَا تتولاه وَلَا تلعنه وتسلك بِهِ مَسْلَك سَائِر مُلُوك الْإِسْلَام وخلفائهم غير الرَّاشِدين فِي ذَلِك وَهَذِه الْفرْقَة هِيَ الْمُصِيبَة ومذهبها هُوَ اللَّائِق بِمن يعرف سير الماضين وَيعلم قَوَاعِد الشَّرِيعَة المطهرة جعلنَا الله من أخيار أَهلهَا آمين انْتهى لَفظه بِحُرُوفِهِ وَهُوَ نَص فِيمَا ذكرته وَفِي الْأَنْوَار منكتب أَئِمَّتنَا الْمُتَأَخِّرين والباغون لَيْسُوا بفسقة وَلَا كفرة وَلَكنهُمْ مخطئون فِيهَا يَفْعَلُونَهُ ويذهبون إِلَيْهِ وَلَا يجوز الطعْن فِي مُعَاوِيَة لِأَنَّهُ من كبار الصَّحَابَة وَلَا يجوز لعن يزِيد وَلَا تكفيره فَإِنَّهُ من جملَة الْمُؤمنِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 وَأمره إِلَى مَشِيئَة الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ قَالَه الْغَزالِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَغَيرهمَا قَالَ الْغَزالِيّ وَغَيره وَيحرم على الْوَاعِظ وَغَيره رِوَايَة مقتل الْحُسَيْن وحكاياته وَمَا جرى بَين الصَّحَابَة من التشاجر والتخاصم فَإِنَّهُ يهيج على بغض الصَّحَابَة والطعن فيهم وهم أَعْلَام الدّين تلقى الْأَئِمَّة الدّين عَنْهُم رِوَايَة وَنحن تلقيناه من الْأَئِمَّة دراية فالطاعن فيهم مطعون طَاعن فِي نَفسه وَدينه قَالَ ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ الصَّحَابَة كلهم عدُول وَكَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألف صَحَابِيّ عِنْد مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْأَخْبَار مصرحان بِعَدَالَتِهِمْ وجلالتهم وَلما جرى بَينهم محامل لَا يحْتَمل ذكرهَا هَذَا الْكتاب انْتهى مُلَخصا وَمَا ذكره من حُرْمَة رِوَايَة قتل الْحُسَيْن وَمَا بعْدهَا لَا يُنَافِي ماذكرته فِي هَذَا الْكتاب لِأَن هَذَا الْبَيَان الْحق الَّذِي يجب اعْتِقَاده من جلالة الصَّحَابَة وبراءتهم من كل نقص بِخِلَاف مَا يَفْعَله الوعاظ الجهلة فَإِنَّهُم يأْتونَ بالأخبار الكاذبة الْمَوْضُوعَة وَنَحْوهَا وَلَا يبينون المحامل وَالْحق الَّذِي يجب اعْتِقَاده فيوقعون الْعَامَّة فِي بغض الصَّحَابَة وتنقيصهم بِخِلَاف مَا ذَكرْنَاهُ فَإِنَّهُ لغاية إجلالهم وتنزيههم هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 وَقد بتر عمر يزِيد لسوء مَا فعله واستجابة لدَعْوَة أَبِيه فَإِنَّهُ ليم على عَهده إِلَيْهِ فَخَطب وَقَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت إِنَّمَا عهِدت ليزِيد لما رَأَيْت من فعله فَبَلغهُ مَا أملته وأعنه وَإِن كنت إِنَّمَا حَملَنِي حب الْوَالِد لوَلَده وَأَنه لَيْسَ لما صنعت بِهِ أَهلا فاقبضه قبل أَن يبلغ ذَلِك فَكَانَ كَذَلِك لِأَن ولَايَته كَانَت سنة سِتِّينَ وَمَات سنة أَربع وَسِتِّينَ لَكِن عَن ولد شَاب صَالح عهد إِلَيْهِ فاستمر مَرِيضا إِلَى أَن مَاتَ وَلم يخرج إِلَى النَّاس وَلَا صلى بهم وَلَا أَدخل نَفسه فِي شَيْء من الْأُمُور وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقيل شَهْرَيْن وَقيل ثَلَاثَة شهور وَمَات عَن إِحْدَى وَعشْرين سنة وَقيل عشْرين وَمن صَلَاحه الظَّاهِر أَنه لما ولي الْعَهْد صعد الْمِنْبَر فَقَالَ إِن هَذِه الْخلَافَة حَبل الله وَإِن جدي مُعَاوِيَة نَازع الْأَمر أَهله وَمن هُوَ أَحَق بِهِ مِنْهُ عَليّ بن أبي طَالب وَركب بكم مَا تعلمُونَ حَتَّى أَتَتْهُ منيته فَصَارَ فِي قَبره رهينا بذنوبه ثمَّ قلد أبي الْأَمر وَكَانَ غير أهل لَهُ وَنَازع ابْن بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقصف عمره وانبتر عقبه وَصَارَ فِي قَبره رهيبا بذنوبه ثمَّ بَكَى وَقَالَ إِن من أعظم الْأُمُور علينا علمنَا بِسوء مصرعه وبئيس منقلبه وَقد قتل عترة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأباح الْحرم وَخرب الْكَعْبَة وَلم أذق حلاوة الْخلَافَة فَلَا أتقلد مرارتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 فشأنكم أَمركُم وَالله لَئِن كَانَت الدُّنْيَا خيرا فقد نلنا مِنْهَا حظا وَلَئِن كَانَت شرا فَكفى ذُرِّيَّة أبي سُفْيَان مَا أَصَابُوا مِنْهَا ثمَّ تغيب فِي منزله حَتَّى مَاتَ بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا على مَا مر فرحمه الله حَيْثُ أنصف من أَبِيه وَعرف الْأَمر لأَهله كَمَا عرفه عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان الْخَلِيفَة الصَّالح رَضِي الله عَنهُ فقد مر عَنهُ أَنه ضرب من سمى يزِيد أَمِير الْمُؤمنِينَ عشْرين سَوْطًا ولعظيم صَلَاحه وعدله وَجَمِيل أَحْوَاله ومآثره قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ كَمَا أخرجه عَنهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه الْخُلَفَاء الراشدون خَمْسَة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَإِنَّمَا لم يعد الْحسن وَابْن الزبير مَعَ صَلَاحِية كل مِنْهُمَا أَن يكون مِنْهُم بل مر النَّص على أَن الْحسن مِنْهُم لقصر مُدَّة الْحسن وَلِأَن كلا مِنْهُمَا لم يتم لَهُ من نَفاذ الْكَلِمَة واجتماع الْأمة مَا تمّ لعمر بن عبد الْعَزِيز وَعَن ابْن الْمسيب أَنه قَالَ إِنَّمَا الْخُلَفَاء ثَلَاثَة أَبُو بكر وَعمر وَعمر فَقَالَ لَهُ حبيب هَذَا أَبُو بكر وَعمر قد عرفناهما فَمن عمر قَالَ إِن عِشْت أَدْرَكته وَإِن مت كَانَ بعْدك هَذَا مَعَ كَون ابْن الْمسيب مَاتَ قبل خلَافَة عمر وَالظَّاهِر أَنه اطلع على ذَلِك من بعض أخصاء الصَّحَابَة الَّذين أخْبرهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَثِير مَا يكون بعده كَأبي هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة وَكَذَا يُقَال فِيمَا يَأْتِي عَن عمر من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 التبشير بعمر وَورد من طرق أَن الذئاب فِي أَيَّام خِلَافَته رعت مَعَ الشَّاة فَلم تعد إِلَّا لَيْلَة مَوته وَأمه بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب وَكَانَ يبشر بِهِ وَيَقُول من وَلَدي رجل بِوَجْهِهِ شجة يمْلَأ الأَرْض عدلا أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي تَارِيخه وَكَانَ بِوَجْهِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز شجة ضَربته دَابَّة فِي جَبهته وَهُوَ غُلَام فَجعل أَبوهُ يمسح الدَّم عَنهُ وَيَقُول إِن كنت أشج بني أُميَّة إِنَّك لسَعِيد فَصدق ظن أَبِيه فِيهِ وَأخرج ابْن سعد أَن عمر بن الْخطاب قَالَ لَيْت شعري من ذُو الشين من وَلَدي يملؤها عدلا كَمَا ملئت جورا وَأخرج ابْن عمر قَالَ كُنَّا نتحدث أَن الدُّنْيَا لَا تَنْقَضِي حَتَّى يَلِي رجل من آل عمر يعْمل بِمثل عمل عمر فَكَانَ بِلَال بن عبد الله بن عُمَيْر بِوَجْهِهِ شامة وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه هُوَ حَتَّى جَاءَ الله بعمر بن عبد الْعَزِيز وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من طرق عَن أنس مَا صليت وَرَاء إِمَام بعد رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير من هَذَا الْفَتى يَعْنِي عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ أَمِير على الْمَدِينَة من جِهَة الْوَلِيد بن عبد الْملك فَإِنَّهُ لما ولي الْخلَافَة بِعَهْد أَبِيه إِلَيْهِ بهَا أَمر عمر عَلَيْهَا من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ إِلَى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم بن أبي عيلة قَالَ دَخَلنَا على عمر بن عبد الْعَزِيز يَوْم الْعِيد وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ تقبل الله منا ومنك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَيرد عَلَيْهِم وَلَا يُنكر عَلَيْهِم قَالَ بعض الْحفاظ الْفُقَهَاء من الْمُتَأَخِّرين وَهَذَا أصل حسن للتهنئة بالعيد وَالْعَام والشهر انْتهى وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ من أوعية الْعلم وَالدّين وأئمة الْهدى وَالْحق كَمَا يعلم ذَلِك من طالع مناقبه الجليلة ومآثره الْعلية وأحواله السّنيَّة وَقد استوفى كثيرا مِنْهَا أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر وَغَيرهمَا وَلَوْلَا خوف الإطالة والانتشار لذكرت مِنْهَا غررا مستكثرة لَكِن فِيمَا أَشرت إِلَيْهِ كِفَايَة ولنختم الْكتاب بحكاية جليلة نفيسة فِيهَا فَوَائِد غَرِيبَة وَهِي أَن أَبَا نعيم أخرج بِسَنَد صَحِيح عَن رَبَاح بن عُبَيْدَة قَالَ خرج عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الصَّلَاة وَشَيخ يتَوَكَّأ على يَده فَقلت فِي نَفسِي إِن هَذَا الشَّيْخ جَاف فَلَمَّا صلى وَدخل لحقته فَقلت أصلح الله الْأَمِير من الشَّيْخ الَّذِي كَانَ يتكىء على يدك قَالَ يَا رَبَاح رَأَيْته قلت نعم قَالَ مَا أحسبك إِلَّا رجلا صَالحا ذَاك أخي الْخضر أَتَانِي فَأَعْلمنِي أَنِّي سألي أَمر هَذِه الْأمة وَأَنِّي سأعدل فِيهَا فرحمه الله وَرَضي عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 وَأَنا أسأَل الله المنان الْوَهَّاب أَن يلحقني بعباده الصَّالِحين وأوليائه العارفين وأحبائه المقربين وَأَن يميتني على محبتهم ويحشرني فِي زمرتهم وَأَن يديم لي خدمَة جناب آل مُحَمَّد وَصَحبه ويمن عَليّ بِرِضَاهُ وحبه ويجعلني من الهادين المهديين أَئِمَّة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة الْعلمَاء والحكماء السَّادة القادة العاملين إِنَّه أكْرم كريم وأرحم رَحِيم دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتحيتهم فِيهَا سَلام وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله وَالْحَمْد لله أَولا وآخرا وظاهرا وَبَاطنا سرا وعلنا يَا رَبنَا لَك الْحَمد كَمَا يَنْبَغِي لجلال وَجهك وعظيم سلطانك حمدا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد وكلنَا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد وَالصَّلَاة وَالسَّلَام التامان الأكملان على أشرف خلقك سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وذرياته عدد خلقك ورضا لنَفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك كلما ذكرك وَذكره الذاكرون وغفل عَن ذكرك وَذكره الغافلون وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتقاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 تَتِمَّة لما فرغت من هَذَا الْكتاب أَعنِي الصَّوَاعِق المحرقة رَأَيْت بعد أَربع عشرَة سنة وَقد كتب مِنْهُ من النّسخ مَا لَا أحصي وَنقل إِلَى أقاصي الْبلدَانِ والأقاليم كأقصى الْمغرب وَمَا وَرَاء النَّهر سَمَرْقَنْد وبخارى وكشمير وَغَيرهَا والهند واليمن كتابا فِي مَنَاقِب أهل الْبَيْت فِيهِ زيادات على مَا مر لبَعض الْحفاظ من معاصري مَشَايِخنَا وَهُوَ الْحَافِظ السخاوي رَحمَه الله وَكَانَ يُمكن إِلْحَاق زياداته لقلتهَا على حَوَاشِي النّسخ لَكِن لتفرقها تعذر ذَلِك فَأَرَدْت أَن ألخص هَذَا الْكتاب مَعَ زيادات فِي وَرَقَات إِن أفردت فَهِيَ كَافِيَة فِي التَّنْبِيه على كثير من مآثرهم وَإِن ضمت لهَذَا الْكتاب فَهِيَ مُؤَكدَة تَارَة ومؤسسة أُخْرَى فَأَقُول اعْلَم أَنه أَشَارَ فِي خطْبَة هَذَا الْكتاب إِلَى بعض حط على ذخائر العقبى فِي مَنَاقِب ذَوي الْقُرْبَى للْإِمَام الْحَافِظ الْمُحب الطَّبَرِيّ بِأَن فِيهِ كثيرا من الْمَوْضُوع وَالْمُنكر فضلا عَن الضَّعِيف ثمَّ نقل عَن شَيْخه الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي أَنه قَالَ فِي حق الْمُحب الطَّبَرِيّ إِنَّه كثير الْوَهم فِي عزوه للْحَدِيث مَعَ كَونه لم يكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 فِي زَمَنه مثله ثمَّ ذكر مُقَدّمَة فِي بَيَان فروع بني هَاشم وفروع بني الْمطلب ولاحاجة لنا بذلك لِأَنَّهُ مَعْرُوف مَشْهُور أَكْثَره وَلِأَن الْغَرَض إِنَّمَا هُوَ ذكر مَا يخْتَص بآل الْبَيْت المطهر وَفِيه أَبْوَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 بَاب وَصِيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا إِن عيبتي الَّتِي آوي إِلَيْهَا أهل بَيْتِي وَإِن كرشي الْأَنْصَار فاعفوا عَن مسيئهم من واقبلوا محسنهم) حَدِيث حسن وَفِي رِوَايَة (أَلا إِن عيبتي وكرشي أهل بَيْتِي وَالْأَنْصَار فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عَن مسيئهم) أَي إِنَّهُم جماعتي وأصحابي الَّذين أَثِق بهم وأطلعهم على أسراري وأعتمد عَلَيْهِم وكرشي باطني وعيبتي ظاهري وجمالي وَهَذَا غَايَة فِي التعطف عَلَيْهِم وَالْوَصِيَّة بهم وَمعنى (وتجاوزوا عَن مسيئهم) أقيلوهم عثراتهم فَهُوَ كَحَدِيث (أقيلوا ذَوي الهيئات) وَصَحَّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه فسر قَوْله تَعَالَى {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} الشورى 23 بِأَن المُرَاد مِنْهُ أَنه مَا من بطن من قُرَيْش إِلَّا وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهَا ولادَة وقرابة قريبَة أَي إِن لم تؤمنوا بِمَا جِئْت بِهِ وتبايعوني عَلَيْهِ فَلَا أَسأَلكُم مَالا وَإِنَّمَا أَسأَلكُم أَن تحفظُوا الْقَرَابَة الَّتِي بيني وَبَيْنكُم فَلَا تؤذوني وَلَا تنفرُوا النَّاس عني صلَة للرحم الَّتِي بيني وَبَيْنكُم إِذْ أَنْتُم فِي الْجَاهِلِيَّة كُنْتُم تصلونَ الْأَرْحَام وَلَا تدعوا غَيْركُمْ من الْعَرَب يكون أولى مِنْكُم بحفظي ونصرتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 وَتَبعهُ على ذَلِك جمَاعَة من تلامذته وَغَيرهم وَلَكِن خَالفه أَجلهم تِلْمِيذه الإِمَام سعيد بن جُبَير ففسر بِحَضْرَتِهِ الْآيَة بِأَن المُرَاد قل لَا أَسأَلكُم أَيهَا النَّاس مَالا على مَا بلغته إِلَيْكُم وَإِنَّمَا الَّذِي أسالكموه أَن تصلوا قَرَابَتي وتودوني فيهم وَكَانَ ابْن جُبَير مَعَ ذَلِك يُفَسر الْآيَة بِالْوَجْهِ الأول أَيْضا وَهُوَ التَّحْقِيق لِأَنَّهَا صَالِحَة لكل مِنْهُمَا لَكِن يُؤَيّد الأول أَن السُّورَة مَكِّيَّة وَقد رد ابْن عَبَّاس على ابْن جُبَير تَفْسِيره وَلم يرجع إِلَيْهِ وَجَاء من طَرِيق ضَعِيفَة أَن ابْن عَبَّاس فَسرهَا بِمَا فسر بِهِ ابْن جُبَير وَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قَالُوا يَا رَسُول الله عِنْد نزُول الْآيَة من قرابتك هَؤُلَاءِ الَّذين وَجَبت علينا مَوَدَّتهمْ قَالَ (عَليّ وَفَاطِمَة وابناهما) وَفِي طَرِيق ضَعِيفَة أَيْضا لَكِن لَهَا شَاهد مُخْتَصر صَحِيح أَن سَبَب نزُول الْآيَة افتخار الْأَنْصَار بآثارهم الحميدة فِي الْإِسْلَام على قُرَيْش فَأَتَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مجَالِسهمْ فَقَالَ (ألم تَكُونُوا أَذِلَّة فَأَعَزكُم الله بِي) قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ (أَلا تَقولُونَ ألم يخْرجك قَوْمك فَآوَيْنَاك أَو لم يُكذِّبُوك فَصَدَّقْنَاك أَو لم يَخْذُلُوك فَنَصَرْنَاك) فَمَا زَالَ يَقُول لَهُم حَتَّى جثوا على الركب وَقَالُوا أَمْوَالنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لله وَرَسُوله فَنزلت الْآيَة وَفِي طَرِيق ضَعِيفَة أَيْضا أَن سَبَب نُزُولهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قدم الْمَدِينَة كَانَت تنوبه نَوَائِب وَلَيْسَ فِي يَده شَيْء فَجمع لَهُ الْأَنْصَار مَالا فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك ابْن أُخْتنَا وَقد هدَانَا الله بك وتنوبك نَوَائِب وَحُقُوق وَلَيْسَ مَعَك سَعَة فجمعنا لَك من أَمْوَالنَا مَا تستعين بِهِ عَلَيْهَا فَنزلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 وَكَونه ابْن أختهم جَاءَ فِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة لِأَن أم عبد الْمطلب من بني النجار مِنْهُم وَفِي حَدِيث سَنَده حسن (أَلا إِن لكل نَبِي تَرِكَة ووضيعة وَإِن تركتي ووضيعتي الْأَنْصَار فاحفظوني فيهم) وَيُؤَيّد مَا مر من تَفْسِير ابْن جُبَير أَن الْآيَة فِي الْآل ماجاء عَن عَليّ كرم الله وَجهه قَالَ فِينَا آل حم آيَة لَا يحفظ مودتنا إِلَّا كل مُؤمن ثمَّ قرا الْآيَة وَجَاء ذَلِك عَن زين العابدين أَيْضا فَإِنَّهُ لما قتل أَبوهُ الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ جِيءَ بِهِ أَسِيرًا فأقيم على درج دمشق فَقَالَ رجل من أهل الشَّام الْحَمد لله الَّذِي قتلكم واستأصلكم وَقطع قرن الْفِتْنَة فَقَالَ لَهُ زين العابدين أَقرَأت الْقُرْآن قَالَ نعم فَبين لَهُ أَن الْآيَة فيهم وَأَنَّهُمْ الْقُرْبَى فِيهَا فَقَالَ وَإِنَّكُمْ لَأَنْتُم هم قَالَ نعم أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَأخرج الدولابي أَن الْحسن كرم الله وَجهه قَالَ فِي خطبَته أَنا من أهل الْبَيْت الَّذين افْترض الله مَوَدَّتهمْ على كل مُسلم فَقَالَ لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا} واقتراف الْحَسَنَة مودتنا أهل الْبَيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 وَأورد الْمُحب الطَّبَرِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله جعل أجري عَلَيْكُم الْمَوَدَّة فِي أهل بَيْتِي وَإِنِّي سَائِلكُمْ غَدا عَنْهُم) وَقد جَاءَت الْوَصِيَّة الصَّرِيحَة بهم فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث (إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي الثقلَيْن أَحدهمَا أعظم من الآخر كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا) قَالَ التِّرْمِذِيّ // حسن غَرِيب // وَأخرجه آخَرُونَ وَلم يصب ابْن الْجَوْزِيّ فِي إِيرَاده فِي الْعِلَل المتناهية كَيفَ وَفِي صَحِيح مُسلم وَغَيره فِي خطبَته قرب رابغ مرجعه من حجَّة الْوَدَاع قبل وَفَاته بِنَحْوِ شهر (إِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن أَولهمَا كتاب الله فِيهِ الْهدى والنور) ثمَّ قَالَ (وَأهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي) ثَلَاثًا فَقيل لزيد بن أَرقم رَاوِيه من أهل بَيته أَلَيْسَ نساؤه من أهل بَيته قَالَ من أهل بَيته وَلَكِن أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة بعده قيل وَمن هم قَالَ هم آل عَليّ وَآل عقيل وَآل جَعْفَر وَآل الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم قيل كل هَؤُلَاءِ حرم الصَّدَقَة قَالَ نعم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة (كَأَنِّي قد دعيت فأجبت إِنِّي قد تركت فِيكُم الثقلَيْن أَحدهمَا آكِد من الآخر كتاب الله عز وَجل وعترتي أَي بِالْمُثَنَّاةِ فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا فَإِنَّهُمَا لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَليّ حَوْضِي) وَفِي رِوَايَة (وإنهما لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض سَأَلت رَبِّي ذَلِك لَهما فَلَا تتقدموهما فَتَهْلكُوا وَلَا تقصرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلكُوا وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) وَلِهَذَا الحَدِيث طرق كَثِيرَة عَن بضع وَعشْرين صحابيا الْحَاجة لنا إِلَى بسطها وَفِي رِوَايَة آخر مَا تكلم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اخلفوني فِي أَهلِي) وسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما إِذْ يُقَال لكل خطير شرِيف ثقلا أَو لِأَن الْعَمَل بِمَا أوجب الله من حقوقهما ثقيل جدا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا) المزمل 5 أَي لَهُ وزن وَقدر لِأَنَّهُ لَا يُؤدى إِلَّا بتكليف مَا يثقل وَسمي الْإِنْس وَالْجِنّ ثقلين لاختصاصهما بكونهما قطان الأَرْض وبكونهما فضلا بالتمييز على سَائِر الْحَيَوَان وَفِي هَذِه الْأَحَادِيث سِيمَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (انْظُرُوا كَيفَ تخلفوني فيهمَا) و (أوصيكم بعترتي خيرا) و (أذكركم الله فِي اهل بَيْتِي) الْحَث الأكيد على مَوَدَّتهمْ ومزيد الْإِحْسَان إِلَيْهِم واحترامهم وإكرامهم وتأدية حُقُوقهم الْوَاجِبَة والمندوبة كَيفَ وهم أشرف بَيت وجد على وَجه الأَرْض فخرا وحسبا ونسبا وَلَا سِيمَا إِذا كَانُوا متبعين للسّنة النَّبَوِيَّة كَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلفهم كالعباس وبنيه وَعلي وَأهل بَيته وَعقيل وبنيه وَبني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 جَعْفَر وَفِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تتقدموهما فَتَهْلكُوا وَلَا تقصرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلكُوا وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) دَلِيل على ان من تاهل مِنْهُم للمراتب الْعلية والوظائف الدِّينِيَّة كَانَ مقدما على غَيره وَيدل لَهُ التَّصْرِيح بذلك فِي كل قُرَيْش كَمَا مر فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فيهم وَإِذا ثَبت هَذَا لجملة قُرَيْش فَأهل الْبَيْت النَّبَوِيّ الَّذين هم غرَّة فَضلهمْ ومحتد فَخْرهمْ وَالسَّبَب فِي تميزهم على غَيرهم بذلك أَحْرَى وأحق وَأولى وَسبق عَن زيد بن أَرقم أَن نِسَاءَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل بَيته ثمَّ قَالَ وَلَكِن أهل بَيته إِلَى آخِره وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنهم من أهل بَيته بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ دون الْأَخَص وهم من حرمت عَلَيْهِ الصَّدَقَة وَيُؤَيّد ذَلِك خبر مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرجل من شعر أسود فجَاء الْحسن فَأدْخلهُ ثمَّ الْحُسَيْن فَأدْخلهُ ثمَّ فَاطِمَة فَأدْخلهَا ثمَّ عَليّ فَأدْخلهُ رَضِي الله عَنْهُم ثمَّ قَالَ {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 33 وَفِي رِوَايَة (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي) وَفِي أُخْرَى أَن أم سَلمَة أَرَادَت أَن تدخل مَعَهم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَنعه لَهَا (أَنْت على خير) وَفِي أُخْرَى أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله وَأَنا فَقَالَ (وَأَنت) أَي من أهل الْبَيْت الْعَام بِدَلِيل الرِّوَايَة الْأُخْرَى قَالَت وَأَنا قَالَ (وَأَنت من أَهلِي) وَكَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لواثلة لما قَالَ يَا رَسُول الله وَأَنا فَقَالَ (أَنْت من أَهلِي) وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (سُلَيْمَان منا آل الْبَيْت وَهُوَ نَاصح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 فاتخذه لنَفسك) فعده مِنْهُم بِاعْتِبَار صدق صحبته وعظيم قربه وولائه وَفِي سَنَد كل مَا عدا رِوَايَة مُسلم مقَال وَفِي رِوَايَة (أُسَامَة منا آل الْبَيْت ظهرا لبطن) وروى أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن الَّذين نزلت فيهم الْآيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي وَفَاطِمَة وابناهما رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ (يَا رب هَذَا عمي وصنوا أبي وَهَؤُلَاء أهل بَيْتِي فاسترهم من النَّار كستري إيَّاهُم بملاءتي هَذِه) فأمنت أسكفه الْبَاب وحوائط الْبَيْت آمين آمين آمين وَحَدِيث مُسلم أصح من هَذَا وَأهل الْبَيْت فِيهِ غير أَهله فِي حَدِيث الْعَبَّاس وبنيه الْمَذْكُور لما مر أَن لَهُ إطلاقين إطلاقا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَهُوَ مَا يشْتَمل جَمِيع الْآل تَارَة والزوجات أُخْرَى وَمن صدق فِي ولائه ومحبته أُخْرَى وإطلاقا بِالْمَعْنَى الْأَخَص وهم من ذكرُوا فِي خبر مُسلم وَقد صرح الْحسن رَضِي الله عَنهُ بذلك فَإِنَّهُ حِين اسْتخْلف وثب عَلَيْهِ رجل من بني أَسد فطعنه وَهُوَ ساجد بخنجر لم يبلغ مِنْهُ مبلغا وَلذَا عَاشَ بعده عشر سِنِين فَقَالَ يَا أهل الْعرَاق اتَّقوا الله فِينَا فَإنَّا امراؤكم وضيفانكم وَنحن أهل الْبَيْت الَّذين قَالَ الله عز وَجل فيهم إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 تَطْهِيرا) وَلَا زَالَ يُكَرر ذَلِك حَتَّى مَا بَقِي أحد من أهل الْمَسْجِد إِلَّا وَهُوَ يحن بكاء وَقَالَ زين العابدين لبَعض أهل الشَّام أما قَرَأت فِي الْأَحْزَاب {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} قَالَ وَلَأَنْتُمْ هم قَالَ نعم وَقَول زيد بن أَرقم أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة هُوَ بِضَم الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَالْمرَاد بِالصَّدَقَةِ فِيهِ وفسرهم الشَّافِعِي وَغَيره ببني هَاشم وَالْمطلب وعوضوا عَنْهَا خمس الْخمس من الْفَيْء وَالْغنيمَة الْمَذْكُور فِي سورتي الْأَنْفَال والحشر إِذْ هم المُرَاد بِذِي الْقُرْبَى فيهمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَفِي تَخْصِيصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني هَاشم وَالْمطلب بإعطائهم سهم ذَوي الْقُرْبَى وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا بنوا هَاشم وَالْمطلب شَيْء وَاحِد) فَضِيلَة أُخْرَى وَهِي أَنه حرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة وعوضهم عَنْهَا خمس الْخمس فَقَالَ (إِن الصَّدَقَة لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد) قَالَ وَذَلِكَ يدل أَيْضا على أَن آله الَّذين أمرنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِم مَعَه هم الَّذين حرم الله عَلَيْهِم الصَّدَقَة وعوضهم عَنْهَا خمس الْخمس فالمسلمون من بني هَاشم وَالْمطلب يكونُونَ داخلين فِي صَلَاتنَا على آل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فرائضنا ونوافلنا وفيمن أمرنَا بحبهم انْتهى وَقصر مَالك وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا تَحْرِيم الزَّكَاة على بني هَاشم وَعَن أبي حنيفَة جَوَازهَا لَهُم مُطلقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 وَقَالَ الطَّحَاوِيّ إِنَّهُم حرمُوا سهم ذَوي الْقُرْبَى وَأَبُو يُوسُف تحل من بَعضهم لبَعض وَمذهب أَكثر الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد حل أَخذهم النَّفْل وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك وَعنهُ حل أَخذ الْفَرْض دون التَّطَوُّع لِأَن الذل فِيهِ أَكثر وَأسْندَ الْمُحب الطَّبَرِيّ خبر (اسْتَوْصُوا بِأَهْل بَيْتِي خيرا فَإِنِّي أخاصمكم عَنْهُم غَدا يَوْم الْقِيَامَة وَمن أكن خَصمه أخصمه وَمن أخصمه دخل النَّار) قَالَ الْحَافِظ السخاوي لم أَقف لَهُ على أصل أعتمده وَصَحَّ عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ ارقبوا مُحَمَّدًا أَي احْفَظُوا عَهده ووده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أهل بَيته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 بَاب الْحَث على حبهم وَالْقِيَام بِوَاجِب حَقهم صَحَّ خلافًا لما وهم فِيهِ ابْن الْجَوْزِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي) وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَغَيره (يُؤمن عبد حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من نَفسه وَتَكون عِتْرَتِي أحب إِلَيْهِ من عترته وَيكون أَهلِي أحب إِلَيْهِ من أَهله وَتَكون ذاتي أحب إِلَيْهِ من ذَاته) وَصَحَّ أَن الْعَبَّاس قَالَ يَا رَسُول الله إِن قُريْشًا إِذا لَقِي بَعضهم بَعْضًا لقوهم ببشر حسن وَإِذا لقونا لقونا بِوُجُوه لَا نعرفها فَغَضب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَضبا شَدِيدا وَقَالَ (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يدْخل قلب رجل الْإِيمَان حَتَّى يحبكم الله وَلِرَسُولِهِ) وَفِي رِوَايَة لِابْنِ ماجة عَن ابْن عَبَّاس كُنَّا نلقى قُريْشًا وهم يتحدثون فيقطعون حَدِيثهمْ فَذَكرنَا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (مَا بَال أَقوام يتحدثون فَإِذا رَأَوْا الرِّجَال من أهل بَيْتِي قطعُوا حَدِيثهمْ وَالله لَا يدْخل قلب رجل الْإِيمَان حَتَّى يُحِبهُمْ لله ولقربتهم مني) وَفِي أُخْرَى عِنْد أَحْمد وَغَيره (حَتَّى يحبكم الله ولقرابتي) وَفِي أُخْرَى للطبراني جَاءَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنَّك تركت فِينَا ضغائن مُنْذُ صنعت الَّذِي صنعت أَي بِقُرَيْش وَالْعرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يبلغ الْخَيْر أَو قَالَ الْإِيمَان عبد حَتَّى يحبكم لله ولقرابتي أترجوا سلهب أَي حَيّ من مُرَاد شَفَاعَتِي وَلَا يرجوها بَنو عبد الْمطلب) وَفِي أُخْرَى للطبراني أَيْضا (يَا بني هَاشم إِنِّي قد سَأَلت الله عز وَجل لكم أَن يجعلكم رحماء نجباء وَسَأَلته أَن يهدي ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم) وَإِن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي انْتَهَيْت إِلَى قوم يتحدثون فَلَمَّا رأوني سكتوا لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحبكم لحبي أيرجون أَن يدخلُوا الْجنَّة بشفاعتي وَمَا ذَاك إِلَّا أَنهم يبغضونا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَو قد فَعَلُوهَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ وَلَا يرجوها بَنو عبد الْمطلب) وَفِي حَدِيث بِسَنَد ضَعِيف أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج مغضبا فرقى الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ (مَا بَال رجال يؤذوني فِي أهل بَيْتِي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن عبد حَتَّى يحبني وَلَا يحبني حَتَّى يحب ذَوي رحمي) وَفِي رِوَايَة للبيهقي وَغَيره وَبَعضهَا سَنَده ضَعِيف وَبَعضهَا سَنَده واه أَن نسْوَة عيرن بنت أبي لَهب بأبيها فَغَضب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاشْتَدَّ غَضَبه فَصَعدَ الْمِنْبَر ثمَّ قَالَ (أَيهَا النَّاس مَالِي أوذى فِي أَهلِي فوَاللَّه إِن شَفَاعَتِي لتنال قَرَابَتي) وَفِي رِوَايَة (مَا بَال أَقوام يؤذونني فِي نسبي وَذَوي رحمي أَلا وَمن آذَى نسبي وَذَوي رحمي فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله) وَفِي أُخْرَى (مَا بَال رجال يؤذونني فِي قَرَابَتي أَلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 من آذَى قَرَابَتي فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله تبَارك وَتَعَالَى) وروى الطَّبَرَانِيّ أَن أم هانىء أُخْت عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا بدا قرطاها فَقَالَ لَهَا عمر إِن مُحَمَّدًا لَا يُغني عَنْك من الله شَيْئا فَجَاءَت إِلَيْهِ فَأَخْبَرته فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تَزْعُمُونَ أَن شَفَاعَتِي لَا تنَال أهل بَيْتِي وَإِن شَفَاعَتِي تنَال صداء وَحكما) أَي وهما قبيلتان من عرب الْيمن وروى الْبَزَّار أَن صَفِيَّة عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي لَهَا ابْن فصاحت فصبرها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرجت ساكتة فَقَالَ لَهَا عمر فَأمر بِلَالًا فَنَادَى بِالصَّلَاةِ فَصَعدَ الْمِنْبَر ثمَّ قَالَ (مَا بَال أَقوام يَزْعمُونَ أَن قَرَابَتي لَا تَنْفَع كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا ونسبي وسببي فَإِنَّهَا مَوْصُولَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِيه ضعفاء وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ على الْمِنْبَر (مَا بَال رجال يَقُولُونَ إِن رحم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَنْفَع قومه يَوْم الْقِيَامَة وَالله إِن رحمي مَوْصُولَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِنِّي أَيهَا النَّاس فَرَطكُمْ على الْحَوْض) وَلَا يُنَافِي هَذِه الْأَحَادِيث مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى {وأنذر عشيرتك} خرج فَجمع قومه ثمَّ عَم وَخص بقوله (لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا) حَتَّى قَالَ (يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد) إِمَّا لِأَن هَذِه الرِّوَايَة مَحْمُولَة على من مَاتَ كَافِرًا أَو أَنَّهَا خرجت مخرج التَّغْلِيظ والتنفير أَو أَنَّهَا قبل علمه بِأَنَّهُ يشفع عُمُوما وخصوصا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 وَجَاء عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرجل يغلوا فيهم وَيحكم أحبونا لله 1 فَإِن أَطعْنَا الله فأحبونا وَإِن عصينا الله فأبغضونا فَقَالَ لَهُ الرجل إِنَّكُم ذَوُو قرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل بَيته فَقَالَ وَيحكم لَو كَانَ الله نافعنا بِقرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير عمل بِطَاعَتِهِ لنفع بذلك من هُوَ أقرب إِلَيْهِ منا وَإِنِّي أَخَاف أَن يُضَاعف للعاصي مِنْهَا الْعَذَاب ضعفين وَورد (إِنَّمَا سميت ابْنَتي فَاطِمَة لِأَن الله فطمها ومحبيها عَن النَّار) وَأخرج أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ أَن عبد الله بن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم دخل يَوْمًا على عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ حدث السن وَله وفرة فَرفع عمر مَجْلِسه وَأَقْبل عَلَيْهِ وَقضى حَوَائِجه ثمَّ أَخذ بعكنة من عكنه فغمزها حَتَّى أوجعهُ وَقَالَ أذكرها عنْدك للشفاعة فَلَمَّا خرج ليم على مَا فعل بِهِ فَقَالَ حَدثنِي الثِّقَة حَتَّى كَأَنِّي أسمعهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا فَاطِمَة بضعَة مني يسرني مَا يسرها) وَأَنا أعلم أَن فَاطِمَة لَو كَانَت حَيَّة لسرها مَا فعلت بابنها قَالُوا فَمَا غمزك بَطْنه وقولك مَا قلت فَقَالَ غنه لَيْسَ أحد من بني هَاشم إِلَّا وَله شَفَاعَة ورجوت أَن أكون فِي شَفَاعَة هَذَا وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الزموا مودلنا أهل الْبَيْت فَإِنَّهُ من لَقِي الله وَهُوَ يودنا دخل الْجنَّة بشفاعتنا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا ينفع أحد عمله إِلَّا بِمَعْرِِفَة حَقنا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي كرم الله وَجهه (أَنْت وشيعتك) أَي أهل بَيْتك ومحبوكم الَّذين لم يبتدعوا بسب أَصْحَابِي وَلَا بِغَيْر ذَلِك (تردون عَليّ الْحَوْض رُوَاة مرويين مبيضة وجوكم وَإِن عَدوكُمْ يردون عَليّ ظماء مقمحين) وَفِي رِوَايَة (إِن الله قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك) وروى التِّرْمِذِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اللَّهُمَّ اغْفِر للْعَبَّاس ولولده مغْفرَة ظَاهِرَة وباطنة مغْفرَة لَا تغادر ذَنبا اللَّهُمَّ اخلفه فِي وَلَده) وَكَذَا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمغفرة للْأَنْصَار ولأبنائهم وَأَبْنَاء أبنائهم وَلمن أحبهم وروى الْمُحب الطَّبَرِيّ حَدِيث (لَا يحبنا اهل الْبَيْت إِلَّا مُؤمن تَقِيّ وَلَا يبغضنا إِلَّا مُنَافِق شقي) وَأخرج الديلمي (من أحب الله أحب الْقُرْآن وَمن احب الْقُرْآن أَحبَّنِي وَمن أَحبَّنِي أحب أَصْحَابِي وَقَرَابَتِي) وَحَدِيث (أَحبُّوا أَهلِي وأحبوا عليا فَإِن من أبْغض أحدا من أَهلِي فقد حرم شَفَاعَتِي) قَالَ ابْن عدي وَابْن الْجَوْزِيّ مَوْضُوع وَحَدِيث (حب آل مُحَمَّد يَوْمًا خير من عبَادَة سنة) وَحَدِيث (حبي وَحب آل بَيْتِي نَافِع فِي سبع مَوَاطِن أهوالها عَظِيمَة) وَحَدِيث (معرفَة آل مُحَمَّد بَرَاءَة من النَّار وَحب آل مُحَمَّد جَوَاز على الصِّرَاط وَالْولَايَة لآل مُحَمَّد أَمَان من الْعَذَاب) قَالَ الْحَافِظ السخاوي وأحسب الثَّلَاثَة غير صَحِيحَة الْإِسْنَاد وَحَدِيث (أَنا شَجَرَة وَفَاطِمَة حملهَا وَعلي لقاحها وَالْحسن وَالْحُسَيْن ثَمَرهَا والمحبون أهل بَيْتِي وَرقهَا وكلنَا فِي الْجنَّة حَقًا حَقًا) وَحَدِيث (إِن شِيعَتِنَا يخرجُون من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة على مَا بهم من الْعُيُوب والذنُوب وُجُوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر) // مَوْضُوعَات // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 وَحَدِيث (من مَاتَ على حب آل مُحَمَّد مَاتَ شَهِيدا مغفورا لَهُ تَائِبًا مُؤمنا مُسْتَكْمل الْإِيمَان يبشره ملك الْمَوْت بِالْجنَّةِ ومنكر وَنَكِير يزفانه إِلَى الْجنَّة كَمَا تزف الْعَرُوس إِلَى بَيت زَوجهَا وَفتح لَهُ بَابَانِ إِلَى الْجنَّة وَمَات على السّنة وَالْجَمَاعَة وَمن مَاتَ على بغض آل مُحَمَّد جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله) أخرجه مَبْسُوطا الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره قَالَ الْحَافِظ السخاوي وآثار الْوَضع كَمَا قَالَ شَيخنَا أَي الْحَافِظ ابْن حجر لائحة عَلَيْهِ وَحَدِيث (من أحبنا بِقَلْبِه وأعاننا بِيَدِهِ وَلسَانه كنت أَنا وَهُوَ فِي عليين وَمن أحبنا بِقَلْبِه وأعاننا بِلِسَانِهِ وكف يَده فَهُوَ فِي الدرجَة الَّتِي تَلِيهَا وَمن أحبنا بِقَلْبِه وكف عَنَّا لِسَانه وَيَده فَهُوَ فِي الدرجَة الَّتِي تَلِيهَا) فِي سَنَده غال فِي الرَّفْض وهالك كَذَّاب وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ حَدِيث (إِن الله عز وَجل ثَلَاث حرمات فَمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه وَمن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه وَلَا دُنْيَاهُ) قلت وَمَا هن قَالَ (حُرْمَة الْإِسْلَام وحرمتي وَحُرْمَة رحمي) وَأخرج أَبُو الشَّيْخ أَيْضا والديلمي (من لم يعرف حق عِتْرَتِي وَالْأَنْصَار وَالْعرب فَهُوَ لإحدى ثَلَاث إِمَّا مُنَافِق وَإِمَّا لزنية وَإِمَّا حملت بِهِ أمه فِي غير طهر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 بَاب مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِم تبعا للصَّلَاة على مشرفهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 بَاب مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِم تبعا للصَّلَاة على مشرفهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَحَّ يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت قَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم) الحَدِيث وَفِي بَقِيَّة الرِّوَايَات كَيفَ نصلي عَلَيْك يَا رَسُول الله قَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) الحَدِيث وَيُسْتَفَاد من الرِّوَايَة الأولى أَن أهل الْبَيْت من جملَة الْآل أَو هم الْآل لَكِن صَحَّ مَا يُصَرح بِأَنَّهُم بَنو هَاشم وَالْمطلب وهم أَعم من أهل الْبَيْت وَمر أَن أهل الْبَيْت قد يُرَاد بهم الْآل وأعم مِنْهُم وَمِنْه حَدِيث أبي دَاوُد (من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى إِذا صلى علينا أهل الْبَيْت فَلْيقل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَأهل بَيته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد) وَجَاء بِسَنَد ضَعِيف عَن وَاثِلَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جمع فَاطِمَة وعليا وَالْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم تَحت ثَوْبه (اللَّهُمَّ قد جعلت صَلَاتك ومغفرتك ورحمتك ورضوانك على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّهُم مني وَأَنا مِنْهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 فَاجْعَلْ صَلَاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عَليّ وَعَلَيْهِم) وَقَالَ وَاثِلَة وَكنت وَاقِفًا على الْبَاب فَقلت وَعلي بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله فَقَالَ (اللَّهُمَّ وعَلى وَاثِلَة) وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ حَدِيث (وَمن صلى صَلَاة وَلم يصل فِيهَا عَليّ وعَلى أهل بَيْتِي لم تقبل مِنْهُ) وَكَأن هَذَا الحَدِيث هُوَ مُسْتَند قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن الصَّلَاة على الْآل من وَاجِبَات الصَّلَاة كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكنه // ضَعِيف // فمستنده الْأَمر فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) وَالْأَمر للْوُجُوب حَقِيقَة على الْأَصْلَح وَبَقِي لهَذِهِ الْأَحَادِيث تتمات وطرق بينتها فِي كتابي الدّرّ المنضود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 بَاب دُعَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبركَةِ فِي هَذَا النَّسْل الْكَرِيم روى النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَن نَفرا من الْأَنْصَار قَالُوا لعَلي رَضِي الله عَنهُ لَو كَانَت عنْدك فَاطِمَة فَدخل رَضِي الله عَنهُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي ليخطبها فَسلم عَليّ فَقَالَ (مَا حَاجَة ابْن أبي طَالب) قَالَ ذكرت فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مرْحَبًا وَأهلا) لم يزده عَلَيْهَا فَخرج إِلَى الرَّهْط من الْأَنْصَار وهم ينتظرونه فَقَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ مَا أَدْرِي غير أَنه قَالَ لي مرْحَبًا وَأهلا قَالُوا يَكْفِيك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحدهمَا قد أَعْطَاك الْأَهْل وأعطاك الرحب فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بَعْدَمَا زوجه قَالَ (يَا عَليّ لَا بُد للعرس من وَلِيمَة) قَالَ سعد رَضِي الله عَنهُ عِنْدِي كَبْش وَجمع لَهُ رَهْط من الْأَنْصَار آصعا من ذرة قَالَ فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْبناء قَالَ (لَا تحدث شَيْئا حَتَّى تَلقانِي) فَدَعَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَاء فتوضا مِنْهُ ثمَّ أفرغه على عَليّ وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ (اللَّهُمَّ بَارك فيهمَا وَبَارك عَلَيْهِمَا وَبَارك لَهما فِي نسلهما) وَرَوَاهُ آخَرُونَ مَعَ حذف بعضه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 بَاب بشارتهم الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 بَاب بشارتهم بِالْجنَّةِ مر فِي الْبَاب الثَّانِي عدَّة أَحَادِيث فِي أَن لَهُم مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَفَاعَة مَخْصُوصَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن فَاطِمَة أحصنت فرجهَا فَحرم الله ذريتها على النَّار) أخرجه تَمام فِي فَوَائده وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ (فَحَرمهَا الله وذريتها على النَّار) وَجَاء عَن عَليّ بِسَنَد ضَعِيف قَالَ شَكَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسدا فِي النَّاس فَقَالَ (أما ترْضى أَن تكون رَابِع أَرْبَعَة أول من يدْخل الْجنَّة أَنا وَأَنت وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأَزْوَاجنَا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا وَذُرِّيَّاتنَا خلف أَزوَاجنَا) وَفِي رِوَايَة سندها ضَعِيف جدا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي (إِن أول أَرْبَعَة يدْخلُونَ الْجنَّة أَنا وَأَنت وَالْحسن وَالْحُسَيْن وذراريتنا خلف ظُهُورنَا وَأَزْوَاجنَا خلف ذرارينا وشيعتنا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا) وروى ابْن السّديّ والديلمي فِي مُسْنده (نَحن بَنو عبد الْمطلب سَادَات أهل الْجنَّة أَنا وَحَمْزَة وَعلي وجعفر ابْنا أبي طَالب وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَالْمهْدِي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَعَدَني رَبِّي فِي أهل بَيْتِي من أقرّ مِنْهُم لله بِالتَّوْحِيدِ ولي بالبلاغ أَن لَا يعذبهم) وَجَاء بِسَنَد رُوَاته ثِقَات أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة (إِن الله غير معذبك وَلَا ولدك) وَفِي رِوَايَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاس (يَا عَبَّاس إِن الله غير معذبك وَلَا أحد من ولدك) وَفِي رِوَايَة (يَا عَم سترك الله وذريتك من النَّار) وروى الْمُحب الطَّبَرِيّ والديلمي وَولده بِلَا إِسْنَاد حَدِيث (سَأَلت رَبِّي أَن لَا يدْخل النَّار أحدا من أهل بَيْتِي فَأَعْطَانِي ذَلِك) وروى الْمُحب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (اللَّهُمَّ إِنَّهُم عترة رَسُولك فَهَب مسيئهم لمحسنهم وهبهم لي فَفعل) قلت مافعل قَالَ (فعله ربكُم بكم ويفعله بِمن بعدكم) وَفِي حَدِيث قَالَ السخاوي لَا يَصح (يَا عَليّ إِن الله قد غفر لَك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك فأبشر فَإنَّك الأنزع البطين) وروى أَحْمد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا معشر بني هَاشم وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا لَو أخذت بِحَلقَة الْجنَّة مَا بدأت إِلَّا بكم) وَفِي حَدِيث سَنَده ضَعِيف (أول من يرد عَليّ حَوْضِي أهل بَيْتِي وَمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 أَحبَّنِي من أمتِي) وَصَحَّ (أول النَّاس يرد عَليّ الْحَوْض فُقَرَاء الْمُهَاجِرين الشعث) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا (أول من اشفع لَهُ من أمتِي أهل بَيْتِي الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ من آمن بِي واتبعني ثمَّ الْيمن ثمَّ سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْأَعَاجِم) وَفِي رِوَايَة للبزار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن شاهين وَغَيرهم (أول من أشفع لَهُ من أمتِي أهل الْمَدِينَة ثمَّ أهل مَكَّة ثمَّ أهل الطَّائِف) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 بَاب الْأمان ببقائهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 بَاب الْأمان ببقائهم أخرج جمَاعَة بِسَنَد ضَعِيف خبر (النُّجُوم أَمَان لأهل السَّمَاء وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي) وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَغَيره (النُّجُوم أَمَان لأهل السَّمَاء فَإِذا ذهبت النُّجُوم ذهب أهل السَّمَاء وَأهل بَيْتِي أَمَان لأهل الأَرْض فَإِذا ذهب أهل بَيْتِي ذهب أهل الأَرْض) (النُّجُوم أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي من الِاخْتِلَاف أَي الْمُؤَدِّي لاستئصال الْأمة فَإِذا خالفتها قَبيلَة من الْعَرَب اخْتلفُوا فصاروا حزب إِبْلِيس) وَجَاء من طرق كَثِيرَة يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا (مثل أهل بَيْتِي) وَفِي رِوَايَة (إِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي) وَفِي أُخْرَى (إِن مثل أهل بَيْتِي) وَفِي رِوَايَة (أَلا إِن مثل أهل بَيْتِي فِيكُم مثل سفينة نوح فِي قومه من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق) وَفِي رِوَايَة (من ركبهَا سلم وَمن لم يركبهَا غرق وَإِن مثل أهل بَيْتِي فِيكُم مثل بَاب حطة فِي بني إسرائل من دخله غفر لَهُ) وَجَاء عَن الْحُسَيْن كرم الله وَجهه من أطَاع الله من وَلَدي وَاتبع كتاب الله وَجَبت طَاعَته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 وَعَن وَلَده زين العابدين رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّمَا شِيعَتِنَا من أطَاع الله وَعمل مثل أَعمالنَا وَعزا الْمُحب الطَّبَرِيّ لأبي سعيد فِي شرف النُّبُوَّة بِلَا إِسْنَاد حَدِيث (أَنا وَأهل بَيْتِي شَجَرَة فِي الْجنَّة وَأَغْصَانهَا فِي الدُّنْيَا فَمن تمسك بهَا اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا) وَأورد أَيْضا بِلَا إِسْنَاد حَدِيث (فِي كل خلف من أمتِي عدُول من أهل بَيْتِي ينفون عَن هَذَا الدّين تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين. .) الحَدِيث وَأشهر مِنْهُ الحَدِيث الْمَشْهُور (يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ. .) إِلَى آخِره وَهَذَا هُوَ مُسْتَند ابْن عبد الْبر وَغَيره أَن كل من حمل الْعلم وَلم يتَكَلَّم فِيهِ بِجرح فَهُوَ عدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 بَاب خصوصياتهم الدَّالَّة على عَظِيم كراماتهم وَجَاء طرق بَعْضهَا رِجَاله موثقون أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع) وَفِي رِوَايَة (يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا) وَفِي رِوَايَة (مَا خلا سببي ونسبي يَوْم الْقِيَامَة وكل ولد أم) وَفِي رِوَايَة (وكل ولد أَب فَإِن عصبتهم لأبيهم مَا خلا ولد فَاطِمَة فَإِنِّي أَنا أبوهم وعصبتهم) وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عمر رَضِي الله عَنهُ لعَلي رَضِي الله عَنْهُمَا لما خطب مِنْهُ بنته أم كُلْثُوم فاعتل بصغرها فَقَالَ إِنِّي لم أرد الْبَاءَة وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فَذكره ثمَّ قَالَ فَأَحْبَبْت أَن يكون لي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَب وَنسب وَلما تزَوجهَا قَالَ للنَّاس أَلا تهنئوني سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فَذكر الحَدِيث وَفِي رِوَايَة (كل سَبَب وصهر مُنْقَطع إِلَّا سببي وصهري) وَفِي رِوَايَة فِي سندها ضعف (لكل بني أم عصبَة ينتمون إِلَيْهِ إِلَّا ولد فَاطِمَة فَأَنا وليهم وعصبتهم) وَفِي رِوَايَة (فَأَنا أبوهم وَأَنا عصبتهم) وَجَاء من طرق يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا خلافًا لما زَعمه ابْن الْجَوْزِيّ (إِن الله عز وَجل جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي فِي صلبه وَإِن الله تَعَالَى جعل ذريتي فِي صلب عَليّ بن أبي طَالب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 وَفِي هَذِه الْأَحَادِيث دَلِيل ظَاهر لما قَالَه جمع من محققي أَئِمَّتنَا أَن من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ فِي الْكَفَاءَة وَغَيرهَا أَي حَتَّى لَا يكافىء بنت شرِيف ابْن هاشمي غير شَرّ يَفِ وَأَوْلَاد بَنَات غَيره إِنَّمَا ينسبون لِآبَائِهِمْ لَا إِلَى آبَاء أمهاتهم وَفِي البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ على الْمِنْبَر وَهُوَ ينظر للنَّاس مرّة وللحسن مرّة (إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَيت فئتين من الْمُسلمين) قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد سَمَّاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنه حِين ولد وسمى إخْوَته بذلك وَعَن الْحسن بِسَنَد حسن كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر على جرين من تمر الصَّدَقَة فَأخذت مِنْهُ تَمْرَة فألقيتها فِي فِي فَأَخذهَا بلعابها ثمَّ قَالَ (إِنَّا آل مُحَمَّد لَا تحل لنا الصَّدَقَة) واخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَآخَرُونَ خبر (الْمهْدي من عِتْرَتِي من ولد فَاطِمَة) وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَد وَغَيره (الْمهْدي منا أهل الْبَيْت يصلحه الله فِي لَيْلَة) وَفِي أُخْرَى للطبراني (الْمهْدي منا يخْتم الدّين بِنَا كَمَا فتح بِنَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 وروى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَنه نظر إِلَى ابْنه الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِن ابْني هَذَا سيد كَمَا سَمَّاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيخرج من صلبه رجل يُسمى باسم نَبِيكُم يُشبههُ فِي الْخلق وَلَا يُشبههُ فِي الْخلق يمْلَأ الأض عدلا وَفِي رِوَايَة إِن عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي خَلفه وَصَحَّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ منا أهل الْبَيْت أَرْبَعَة منا السفاح وَمنا الْمُنْذر وَمنا الْمَنْصُور وَمنا الْمهْدي ثمَّ ذكر بعض وصف كل من الثَّلَاثَة الأول ثمَّ قَالَ وَأما الْمهْدي فَإِنَّهُ يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا وتأمن الْبَهَائِم وَالسِّبَاع وتلقي الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا أَمْثَال الأسطوانة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَهَذَا كَحَدِيث (الْمهْدي من ولد الْعَبَّاس عمي) وكحديث (هَذَا أَي الْعَبَّاس عمي أَبُو الْخُلَفَاء وَإِن من وَلَده السفاح والمنصور وَالْمهْدِي يَا عَم بِي فتح الله هَذَا الْأَمر ويختمه بِرَجُل من ولدك) سَنَد كل مِنْهُمَا ضَعِيف وعَلى تَقْدِير صحتهما لَا يُنَافِي كَون الْمهْدي من ولد فَاطِمَة الْمَذْكُور فِي الْأَحَادِيث الَّتِي هِيَ أصح واكثر لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِك فِيهِ شُعْبَة من بني الْعَبَّاس كَمَا أَن فِيهِ شُعْبَة من بني الْحُسَيْن وَأما هُوَ حَقِيقَة فَهُوَ من ولد الْحسن كَمَا مر عَن عَليّ كرم الله وَجهه وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ الْمهْدي اسْمه مُحَمَّد ابْن عبد الله ربعَة مشرب بحمرة يفرج الله بِهِ عَن هَذِه الْأمة كل كرب وَيصرف بعدله كل جور ثمَّ يَلِي الْأَمر من بعده اثْنَا عشر رجلا سِتَّة من ولد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 الْحسن وَخَمْسَة من ولد الْحُسَيْن وَآخر من غَيرهم ثمَّ يَمُوت فَيفْسد الزَّمَان وَحَدِيث (لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى ابْن مَرْيَم) مَعْلُول أَو المُرَاد لَا مهْدي كَامِل على الْإِطْلَاق إِلَّا عِيسَى وَجَاء فِي رِوَايَة (أشبه الْخلق بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل بَيته وَلَده إِبْرَاهِيم) وَفِي أُخْرَى (فَاطِمَة فِي الحَدِيث وَالْكَلَام والمشية) وَفِي أُخْرَى صَحِيحَة (الْحسن) أَي فِي الْوَجْه وَالنّصف الْأَعْلَى وَفِي أُخْرَى (الْحُسَيْن) أَي فِيمَا بَقِي وعد الْمهْدي مِمَّن أشبهوه ل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم كَثِيرُونَ أقواهم شبها جمَاعَة من أهل الْبَيْت المطهر غلط قَائِله بِمَا مر أَنه يُشبههُ خلقا لَا خلقا وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب حَدِيث (يقوم الرجل لِأَخِيهِ عَن مَقْعَده إِلَّا بني هَاشم فَإِنَّهُم لَا يقومُونَ لأحد) وَجَاء عَن ابْن عَبَّاس // بِسَنَد ضَعِيف // أَنه قَالَ نَحن أهل الْبَيْت شَجَرَة النُّبُوَّة مُخْتَلف الْمَلَائِكَة وَأهل بَيت الرسَالَة وَأهل بَيت الرَّحْمَة ومعدن الْعلم وَعَن عَليّ بِسَنَد ضَعِيف أَيْضا قَالَ نَحن النجباء وأفراطنا أفراط الْأَنْبِيَاء وحزبنا حزب الله عز وَجل والفئة الباغية حزب الشَّيْطَان وَمن سوى بَيْننَا وَبَين عدونا فَلَيْسَ منا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 بَاب إكرام الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ لأهل الْبَيْت صَحَّ عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لعَلي كرم الله وَجهه وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقرابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ ان أصل من قَرَابَتي وَحلف عمر للْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِن إِسْلَامه أحب إِلَيْهِ من إِسْلَام أَبِيه لَو أسلم لِأَن إِسْلَام الْعَبَّاس أحب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأتى زين العابدين ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ مرْحَبًا بالحبيب ابْن الحبيب وَصلى زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ على جَنَازَة فقربت لَهُ بغلة ليرْكبَهَا فَأخذ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بركابه فَقَالَ لَهُ خل عَنْك يَا ابْن عَم رَسُول الله فَقَالَ هَكَذَا أمرنَا أَن نَفْعل بالعلماء والكبراء فَقبل زيد يَده وَقَالَ هَكَذَا أمرنَا أَن نَفْعل بِأَهْل بَيت نَبينَا وأتى عبد الله بن حسن بن حُسَيْن عمر بن عبد الْعَزِيز فِي حَاجَة فَقَالَ لَهُ إِذا كَانَت لَك حَاجَة فَأرْسل أَو اكْتُبْ بهَا إِلَيّ فَإِنِّي أستحيي من الله أَن يراك على بَابي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش لَو أَتَانِي أَبُو بكر وَعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم فِي حَاجَة لبدأت بحاجة عَليّ قبلهمَا لِقَرَابَتِهِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن أخر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض أحب إِلَيّ أَن اقدمه عَلَيْهِمَا وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذا بلغه حَدِيث عَن صَحَابِيّ ذهب إِلَيْهِ فَإِذا رَآهُ قَائِلا توسد رِدَاءَهُ على بَابه فتسفي الرّيح التُّرَاب على وَجهه حَتَّى يخرج فَيَقُول أَلا أرْسلت إِلَيّ فآتيك فَيَقُول لَهُ ابْن عَبَّاس أَنا أَحَق أَن آتِيك وَدخلت فَاطِمَة بنت عَليّ على عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة فَبَالغ فِي إكرامها وَقَالَ وَالله مَا على ظهر الأَرْض أهل بَيت أحب إِلَيّ مِنْكُم وَلَأَنْتُمْ أحب إِلَيّ من أَهلِي وَعُوتِبَ أَحْمد فِي تقريبه لشيعي فَقَالَ سُبْحَانَهُ الله رجل أحب قوما من أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ثِقَة وَكَانَ إِذا جَاءَهُ شرِيف بل قرشي قدمه وَخرج وَرَاءه وَضرب جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَالِي الْمَدِينَة مَالِكًا حَتَّى حمل مغشيا عَلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ النَّاس فأفاق فَقَالَ أشهدكم أَنِّي قد جعلت ضاربي فِي حل فَسئلَ بعد ذَلِك فَقَالَ خفت أَن أَمُوت فَألْقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأستحي مِنْهُ أَن يدْخل بعض آله النَّار بسببي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 وَلما دخل الْمَنْصُور الْمَدِينَة مكن مَالِكًا من الْقود من ضاربه فَقَالَ أعوذ بِاللَّه وَالله مَا ارْتَفع مِنْهَا سَوط عَن جسمي إِلَّا وَقد جعلته فِي حل لِقَرَابَتِهِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ رجل للباقر وَهُوَ بِفنَاء الْكَعْبَة هَل رَأَيْت الله حَيْثُ عبدته فَقَالَ مَا كنت أعبد شَيْئا لم أره قَالَ وَكَيف رَأَيْته قَالَ لم تره الْأَبْصَار بمشاهدة العيان لَكِن رَأَتْهُ الْقُلُوب بحقائق الْإِيمَان وَزَاد على ذَلِك مَا أبهر السامعين فَقَالَ الرجل الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته وقارف الزُّهْرِيّ ذَنبا فهام على وَجهه فَقَالَ لَهُ زين العابدين قنوطك من رَحْمَة الله الَّتِي وسعت كل شَيْء أعظم عَلَيْك من ذَنْبك فَقَالَ الزُّهْرِيّ الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته فَرجع إِلَى أَهله وَمَاله وَكَانَ هِشَام بن إِسْمَاعِيل يُؤْذِي زين العابدين وَأهل بَيته وينال من عَليّ فَعَزله الْوَلِيد وَأَوْقفهُ للنَّاس وَكَانَ أخوف مَا عَلَيْهِ أهل الْبَيْت فَمر عَلَيْهِم فَلم يتَعَرَّض لَهُ أحد مِنْهُم فَنَادَى الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 بَاب مكافأته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن أحسن إِلَيْهِم أخرج الطَّبَرَانِيّ حَدِيث (من صنع إِلَى أحد من ولد عبد الْمطلب يدا فَلم يُكَافِئهُ بهَا فِي الدُّنْيَا فعلي مكافأته غَدا إِذا لَقِيَنِي) وَجَاء بِسَنَد ضَعِيف (أَرْبَعَة أَنا لَهُم مُشَفع يَوْم الْقِيَامَة المكرم لذريتي وَالْقَاضِي لَهُم حوائجهم والساعي لَهُم فِي أُمُورهم عِنْدَمَا اضطروا إِلَيْهِ والمحب لَهُم بِقَلْبِه وَلسَانه) وَفِي رِوَايَة فِي سندها كَذَّاب (من اصْطنع صَنِيعَة إِلَى أحد من ولد عبد الْمطلب وَلم يُجَازِهِ عَلَيْهَا فَأَنا أُجَازِيهِ عَلَيْهَا إِذا لَقِيَنِي يَوْم الْقِيَامَة وَحرمت الْجنَّة على من ظلم أهل بَيْتِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 بَاب إِشَارَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما يحصل عَلَيْهِم بعده من الشدَّة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي من أمتِي قتلا وتشريدا وَإِن أَشد قَومنَا بغضا بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة وَبَنُو مَخْزُوم) وَصَححهُ الْحَاكِم وَاعْترض بِأَن فِيهِ من ضعفه الْجُمْهُور وَأخرج ابْن مَاجَه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فتية من بني هَاشم فاغرورقت عَيناهُ فَسئلَ فَقَالَ (إِنَّا أهل بَيت اخْتَار الله لنا الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَإِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي بلَاء وتشريدا وتطريدا) الحَدِيث وَأخرج ابْن عَسَاكِر (أول النَّاس هَلَاكًا قُرَيْش وَأول قُرَيْش هَلَاكًا أهل بَيْتِي) وَفِي رِوَايَة قيل لَهُ فَمَا بَقَاء النَّاس بعدهمْ قَالَ (بَقَاء الْحمار إِذا كسر صلبه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 بَاب النحذير من بغضهم وسبهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 بَاب التحذير من بَعضهم وسبهم مر خبر (من أبْغض أحدا من أهل بَيْتِي حرم شَفَاعَتِي) وَحَدِيث (لَا يبغضنا إِلَّا مُنَافِق شقي) وَحَدِيث (من مَاتَ على بغض آل مُحَمَّد جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله) وَقَالَ الْحسن من عَادَانَا فلرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عادى وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يبغضنا أهل الْبَيْت أحد إِلَّا أدخلهُ الله النَّار) وروى أَحْمد وَغَيره (من أبْغض أهل الْبَيْت فَهُوَ مُنَافِق) وَفِي رِوَايَة (بغض بني هَاشم نفاق) وَجَاء عَن الْحسن // بِسَنَد ضَعِيف // إياك وبغضنا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يبغضنا وَلَا يحسدنا أحد إِلَّا ذيد عَن الْحَوْض يَوْم الْقِيَامَة بسياط من النَّار) وَفِي رِوَايَة (من أبغضنا أهل الْبَيْت حشره الله يَهُودِيّا وَإِن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) وَلَكِن سندها مظلم وَمن ثمَّ حكم ابْن الْجَوْزِيّ كالعقيلي بوضعها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي سَأَلت الله لكم ثَلَاثًا أَن يثبت قائمكم وَأَن يهدي ضالكم وَأَن يعلم جاهلكم وَسَأَلت الله أَن يجعلكم كرماء نجباد رحماء فَلَو أَن رجلا صفن أَي من الصفن وَهُوَ صف الْقَدَمَيْنِ بَين الرُّكْن وَالْمقَام فصلى وَصَامَ ثمَّ لَقِي الله وَهُوَ يبغض آل بَيت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل النَّار) وَورد (من سبّ أهل بَيْتِي فَإِنَّمَا يُرِيد الله وَالْإِسْلَام وَمن آذَانِي فِي عِتْرَتِي فَعَلَيهِ لعنة الله وَمن آذَانِي فِي عِتْرَتِي فقد آذَى الله إِن الله حرم الْجنَّة على من ظلم أهل بَيْتِي أَو قَاتلهم أَو أعَان عَلَيْهِم أَو سبهم يَا أَيهَا النَّاس إِن قُريْشًا أهل أَمَانَة فَمن بغاهم العواثر كَبه الله عز وَجل لمنخريه) مرَّتَيْنِ (مني رد هوان قُرَيْش أهانه الله) (خَمْسَة أَو سِتَّة لعنتهم وكل نَبِي مجاب الزَّائِد فِي كتاب الله والمكذب بِقدر الله والمستحل محارم الله والمستحل من عِتْرَتِي مَا حرم الله والتارك للسّنة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 خَاتِمَة فِي أُمُور مهمة أَولهَا يتَعَيَّن ترك الانتساب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِحَق فَفِي البُخَارِيّ (إِن من أعظم الفرى أَن يدعى الرجل إِلَى غير أَبِيه أَو يري عينه مَا لم تَرَ) الحَدِيث وروى أَيْضا (لَيْسَ من رجل ادّعى لغير أَبِيه وَهُوَ يعلم إِلَّا كفر) وروى أَيْضا (من ادّعى إِلَى غير أَبِيه فالجنة حرَام عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة (فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ) وروى جمَاعَة أَحَادِيث أخر فِيهَا أَن ادِّعَاء نسب بِالْبَاطِلِ أَو التبري مِنْهُ كَذَلِك كفر أَي للنعمة أَو إِن اسْتحلَّ أَو يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَمن هُنَا توقف كثير من قُضَاة الْعدْل عَن الدُّخُول فِي الْأَنْسَاب ثبوتا أَو انْتِفَاء لَا سِيمَا نسب أهل الْبَيْت الطَّاهِر المطهر وَعَجِيب من قوم يبادرون إِلَى إثْبَاته بِأَدْنَى قرينَة وَحجَّة موهمة يسْأَلُون عَنْهَا يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم ثَانِيهمَا اللَّائِق بِأَهْل الْبَيْت المكرم المطهر أَن يجروا على طَريقَة مشرفهم وسنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعتقادا وَعَملا وَعبادَة وزهدا وتقوى ناظرين إِلَى قَوْله تَعَالَى {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} الحجرات 13 وَإِلَى قَول مشرفهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد سُئِلَ أَي النَّاس أكْرم قَالَ (أكْرمهم عِنْد الله أَتْقَاهُم لله) ثمَّ قَالَ (خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الْإِسْلَام إِذا فقهوا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ أحد أكْرم من أحد إِلَّا بتقوى الله وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا عِنْد أَحْمد لأبي ذَر (انْظُر فَإنَّك لست بِخَير من أَحْمَر وَلَا أسود إِلَّا أَن تفضله بتقوى الله) وَله وَلغيره (يَا أَيهَا النَّاس إِن ربكُم وَاحِد وَإِن أَبَاكُم وَاحِد أَلا لَا فضل لعربي على عجمي وَلَا لأسود على أَحْمَر إِلَّا بالتقوى خَيركُمْ عِنْد الله أَتْقَاكُم لله) وللطبراني (الْمُسلمُونَ إخْوَة لَا فضل لأحد على أحد إِلَّا بالتقوى) وَصَحَّ على نزاع فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس بِمَكَّة فَكَانَ من جملَة خطبَته (يَا أَيهَا النَّاس إِن الله قد أذهب عَنْكُم عَيْبَة الْجَاهِلِيَّة أَي بِفَتْح أَوله وكسره وَتَعَاظُمهَا أَي عطف تَفْسِير بِآبَائِهَا فَالنَّاس رجلَانِ رجل بر تَقِيّ كريم على الله وَرجل شقي هَين على الله إِن الله يَقُول {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم إِن الله عليم خَبِير} الحجرات 13) ثمَّ قَالَ (أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم) وَفِي رِوَايَة سندها حسن (لينتهين أَقوام يفتخرون بآبائهم الَّذين مَاتُوا إِنَّمَا هُوَ فَحم جَهَنَّم أَو لَيَكُونن أَهْون على الله من الْجعل الَّذِي يدهده الخرء بِأَنْفِهِ أَي يدحرجه عَن الله قد أذهب عَنْكُم عَيْبَة الْجَاهِلِيَّة إِنَّمَا هُوَ مُؤمن تَقِيّ وَفَاجِر شقي النَّاس كلهم بَنو آدم وآدَم خلق من تُرَاب) وَلمُسلم (إِن الله لَا ينظر إِلَى صوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَلَكِن ينظر إِلَى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 وَلأَحْمَد إِن أنسابكم هَذِه لَيست بمسبة على أحد كلكُمْ بَنو آدم لَيْسَ لأحد على أحد فضل إِلَّا بدين أَو تقوى وَلابْن جرير والعسكري (النَّاس لآدَم وحواء إِن الله لَا يسألكم عَن أحسابكم يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عَن أَعمالكُم إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم) وَلابْن لال والعسكري (النَّاس كلهم كأسنان الْمشْط وَإِنَّمَا يتفاضلون بالعافية) أَي كلهم متساوون فِي الصُّور وَإِنَّمَا يتفاوتون بِالْأَعْمَالِ (فَلَا تصحبن أحدا لَا يرى لَك من الْفضل ماترى لَهُ) وَلأبي يعلى وَغَيره (كرم الْمُؤمن دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه) وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لمفتخر بآبائه بقوله أَنا ابْن بطحاء مَكَّة كدائها وكدائها إِن يكن لَك دين مَال فلك كرم وَإِن يكن لَك عقل فلك مُرُوءَة وَإِن يكن لَك فلك شرف وَإِلَّا أَنْت وَالْحمار سَوَاء وَصَحَّ حَدِيث (من أَبْطَأَ بِهِ عمله لم يسْرع بِهِ نسبه) وروى الطَّبَرَانِيّ (إِن أهل بَيْتِي يرَوْنَ أَنهم أولى النَّاس بِي وَلَيْسَ كَذَلِك إِن أولى النَّاس بِي مِنْكُم المتقون من كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا) وروى الشَّيْخَانِ (إِن آل أبي فلَان لَيْسُوا لي بأولياء إِنَّمَا وليي الله صَالح كَذَلِك إِن الْمُؤمنِينَ) زَاد البُخَارِيّ تَعْلِيقا (وَلَكِن لَهُم رحم سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا) أَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 سأصلها بصلتها الَّتِي تنبغي لَهَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير بِلَفْظ (إِن لبني أبي طَالب عِنْدِي رحما سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا) وَكَذَا وَقعت هَذِه الزِّيَادَة عِنْد مُسلم فِي صَحِيحه وَهِي مَحْمُولَة على غير الْمُسلم مِنْهُم وَإِلَّا فَمنهمْ عَليّ وجعفر رَضِي الله عَنْهُمَا وهما من أخص النَّاس بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما لَهما من السَّابِقَة والتقدم فِي الْإِسْلَام ونصرة الدّين بل فِي حَدِيث ورد مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا (صَالح الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه) قَالَ النَّوَوِيّ وَمعنى الحَدِيث عَن وليي من كَانَ صَالحا وَإِن بعد مني نسبه وَقَالَ غَيره الْمَعْنى إِنِّي لَا أوالي أحدا بِالْقَرَابَةِ وَإِنَّمَا أحب الله لما لَهُ من الْحق الْوَاجِب على الْعباد وَأحب صَالح الْمُؤمنِينَ لوجه الله تَعَالَى وَأُوَالِي من وَالِي الْإِيمَان وَالصَّلَاح سَوَاء كَانُوا من ذَوي رحمي أم لَا وَلَكِن أرعى لِذَوي الرَّحِم حَقهم فَأصل رَحِمهم وَهَذَا يُؤَيّد مَا ورد (آل مُحَمَّد كل تَقِيّ) وَمن ثمَّ لما قَالَ هاشمي لأبي العيناء تغض عني وَأَنت تصلي عَليّ فِي كل صَلَاة فِي قَوْلك اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد قَالَ لَهُ إِنِّي أُرِيد الطيبين الطاهرين وَلست مِنْهُم ورؤي أَنْصَارِي فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي قيل بِمَاذَا قَالَ بِالنِّسْبَةِ الَّتِي بيني وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ أَنْت شرِيف قَالَ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 قيل فَمن أَيْن النِّسْبَة قَالَ كنسبة الْكَلْب إِلَى الرَّاعِي قَالَ ابْن العديم رَاوِي ذَلِك فَأَوَّلْته بانتسابه إِلَى الْأَنْصَار وَقَالَ غَيره أولته بانتسابه إِلَى الْعلم خُصُوصا علم الحَدِيث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أولى النَّاس بِي أَكْثَرهم عَليّ صَلَاة) إِذْ هم أَكثر النَّاس عَلَيْهِ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَنْبِيه تمسك بِالْآيَةِ وَالْأَحَادِيث السَّابِقَة لم يعْتَبر الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح واعتبرها الْجُمْهُور وَلَا شَاهد فِيمَا ذكر لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لما ينفع فِي الْآخِرَة وَلَيْسَ كلامنا فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَام فِي أَن النّسَب الْعلي هَل يفتخر بِهِ ذَوُو الْعُقُول فِي الدُّنْيَا أَولا وَلَا شكّ فِي الافتخار بِهِ وَأَن من أجبرها وَليهَا على نِكَاح غير مكافىء لَهَا فِي النّسَب يعد ذَلِك بخسا لحقها وعارا عَلَيْهَا بل صَلَاح الذُّرِّيَّة ينفع فِي الْآخِرَة فقد صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} الطّور 21 أَنه قَالَ إِن الله يرفع ذُرِّيَّة الْمُؤمن مَعَه فِي دَرَجَته يَوْم الْقِيَامَة وَإِن كَانُوا دونه فِي الْعَمَل وَصَحَّ عَنهُ أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} الْكَهْف 82 أَنه قَالَ حفظا بصلاح أبويهما وَمَا ذكر عَنْهُمَا صلاحا وَقَالَ سعيد بن جُبَير يدْخل الرجل الْجنَّة فَيَقُول أَيْن أبي أَيْن أُمِّي أَيْن وَلَدي أَيْن زَوجي فَيُقَال لَهُ إِنَّهُم لم يعملوا مثل عَمَلك فَيَقُول كنت أعمل لي وَلَهُم فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة ثمَّ قَرَأَ جنَّات عدن يدْخلُونَهَا وَمن صلح من آبَائِهِم وأزواجهم وذرياتهم الرَّعْد 23 فَإِذا نفع الْأَب الصَّالح مَعَ أَنه السَّابِع كَمَا قيل فِي الْآيَة عُمُوم الذُّرِّيَّة فَمَا بالك بِسَيِّد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذُريَّته الطّيبَة الطاهرة المطهرة وَقد قيل إِن حمام الْحرم إِنَّمَا اكرم لِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة حَمَامَتَيْنِ عششتا على غَار ثَوْر الَّذِي اختفى فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد خُرُوجه من مَكَّة لِلْهِجْرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 وَقد حكى التقي الفاسي عَن بعض الْأَئِمَّة أَنه كَانَ يُبَالغ فِي تَعْظِيم شرفاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة على مشرفهم ومشرفها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسبب تَعْظِيمه لَهُم أَنه كَانَ مِنْهُم شخص اسْمه مطير مَاتَ فتوقف عَن الصَّلَاة عَلَيْهِ لكَونه كَانَ يلْعَب بالحمام فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَمَعَهُ فَاطِمَة الزهراء ابْنَته رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَأَعْرَضت عَنهُ فاستعطفها حَتَّى أَقبلت عَلَيْهِ وعاتبته قائلة لَهُ أما يسع جاهنا مطيرا وَحكى أَيْضا فِي تَرْجَمَة صَاحب مَكَّة السَّيِّد الشريف أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد حسن بن عَليّ بن قَتَادَة الحسني أَنه لما مَاتَ امْتنع الشَّيْخ عفيف الدّين الدلاصي من الصَّلَاة عَلَيْهِ فَرَأى فِي الْمَنَام فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَهِي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهَا وَأَنه رام السَّلَام عَلَيْهَا فَأَعْرَضت عَنهُ ثَلَاث مَرَّات فتحامل عَلَيْهَا وسألها عَن سَبَب إعراضها عَنهُ فَقَالَت يَمُوت وَلَدي وَلَا تصلي عَلَيْهِ فتأدب واعترف بظلمه بِعَدَمِ الصَّلَاة عَلَيْهِ وَحكى التقي المقريزي عَن يَعْقُوب المغربي أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة فِي رَجَب سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ العابد مُحَمَّد الْفَارِسِي وهما بالروضة المكرمة إِنِّي كنت أبْغض أَشْرَاف الْمَدِينَة بني حُسَيْن لتظاهرهم بالرفض فَرَأَيْت وَأَنا نَائِم تجاه الْقَبْر الشريف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول يَا فلَان بامسي مَالِي أَرَاك تبغض أَوْلَادِي فَقلت حاش لله مَا أكرههم وَإِنَّمَا كرهت مَا رَأَيْت من تعصبهم على أهل السّنة فَقَالَ لي مَسْأَلَة فقهية أَلَيْسَ الْوَلَد الْعَاق يلْحق بِالنّسَبِ فَقلت بلَى يَا رَسُول الله فَقَالَ هَذَا ولد عَاق فَلَمَّا انْتَبَهت صرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 لَا ألْقى من بني الْحُسَيْن أحدا إِلَّا بالغت فِي إكرامه وَحكي أَيْضا عَن الرئيس الشَّمْس الْعمريّ قَالَ سَار الْجمال مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب ونوابه وَأَتْبَاعه وَأَنا مَعَه إِلَى بَيت السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الطباطبي فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فَخرج وَعظم عَلَيْهِ مَجِيء الْمُحْتَسب إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي حاللني قَالَ مماذا يَا مَوْلَانَا فَقَالَ إِنَّك لماجلست البارحة عِنْد السُّلْطَان الظَّاهِر برقوق فَوق عز ذَلِك عَليّ وَقلت فِي نَفسِي كَيفَ يجلس هَذَا فَوقِي فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رَأَيْت فِي مَنَامِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا مَحْمُود أتأنف أَن تجْلِس تَحت وَلَدي فَبكى الشريف عِنْد ذَلِك وَقَالَ يَا مَوْلَانَا من أَنا حَتَّى يذكرنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبكى الْجَمَاعَة ثمَّ سَأَلُوهُ الدُّعَاء وَانْصَرفُوا وَحكى التقي بن فَهد الْحَافِظ الْهَاشِمِي الْمَكِّيّ قَالَ جَاءَنِي الشريف عقيل بن هميل وَهُوَ من الْأُمَرَاء الهواشم فَسَأَلَنِي عشَاء فاعتذرت إِلَيْهِ وَلم أفعل فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ اللَّيْلَة أَو فِي غَيرهَا فَأَعْرض عني فَقلت كَيفَ تعرض عني يَا رَسُول الله وَأَنا خَادِم حَدِيثك فَقَالَ كَيفَ لَا أعرض عَنْك ويأتيك ولد من أَوْلَادِي يطْلب الْعشَاء فَلم تعشه قَالَ فَلَمَّا أَصبَحت جِئْت الشريف واعتذرت إِلَيْهِ وأحسنت إِلَيْهِ بِمَا تيَسّر وَحكى الْجمال عبد الْغفار الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن نوح عَن أم نجم الدّين بن مطروح وَكَانَت من الصَّالِحَات قَالَت حصل لنا غلاء بِمَكَّة أكل النَّاس فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 الْجُلُود وَكُنَّا ثَمَانِيَة عشر نفسا فَكُنَّا نعمل مِقْدَار نصفقدح نكتفي بِهِ فجاءنا أَربع عشرَة قفة من الدَّقِيق فَفرق زَوجي عشرَة على أهل مَكَّة وَأبقى لنا أَرْبَعَة فَنَامَ فانتبه يبكي فَقلت لَهُ مابالك قَالَ رَأَيْت السَّاعَة فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله عَنْهَا وَهِي تَقول لي يَا سراج تَأْكُل الْبر وأولادي جِيَاع فَنَهَضَ وَفرق مَا بَقِي على الْأَشْرَاف وَبَقينَا بِلَا شَيْء وَمَا كُنَّا نقدر على الْقيام من الْجُوع وَحكى المقريزي عَن الْمعز بن الْعِزّ قَاضِي الْحَنَابِلَة وَكَانَ من جلساء الْملك الْمُؤَيد أَنه راى نَفسه كَأَنَّهُ بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَكَأن الْقَبْر الشريف انْفَتح وَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجلسَ على شفيره وَعَلِيهِ أَكْفَانه وَأَشَارَ إِلَيّ بِيَدِهِ فَقُمْت إِلَيْهِ حَتَّى دَنَوْت مِنْهُ فَقَالَ لي قل للمؤيد يفرج عَن عجلَان يَعْنِي ابْن سعيد أَمِير الْمَدِينَة وَكَانَ مَحْبُوسًا سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة قَالَ فَصَعدت للمؤيد وأخبرته وَحلفت لَهُ مَا رَأَيْت عجلَان هَذَا قطّ فَلَمَّا انْقَضى الْمجْلس قَامَ بِنَفسِهِ إِلَى مرماة النشاب ثمَّ استدعى عجلَان من البرج وَأَفْرج عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ قَالَ التقي المقريزي وَعِنْدِي عدَّة حكايات صَحِيحَة مثل هَذَا فِي حق بني الْحسن وَبني الْحُسَيْن فإياك والوقيعة فيهم وَإِن كَانُوا على أَي حَالَة لِأَن الْوَلَد ولد على كل حَال صلح أَو فجر قَالَ وَمن غَرِيب مَا اتّفق أَن السُّلْطَان وَلم يُعينهُ كحل الشريف مدراج بن مقبل بن مُخْتَار بن مُحَمَّد بن رَاجِح بن إِدْرِيس بن حسن ابْن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 عَزِيز بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن الْحُسَيْنِي حَتَّى تفقأت حدقتاه وسالتا وورم دماغه وانتفخ وأنتن فَتوجه بعد مُدَّة من عماه إِلَى الْمَدِينَة ووقف عِنْد الْقَبْر المكرم وشكا مَا بِهِ وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح عَيْنَيْهِ بِيَدِهِ الشَّرِيفَة فَأصْبح وَهُوَ يبصر وَعَيناهُ أحسن مِمَّا كَانَتَا واشتهر ذَلِك فِي الْمَدِينَة ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فَغَضب السُّلْطَان ظنا مِنْهُ أَن من كحلوه حابوه فأقيمت عِنْده الْبَيِّنَة العادلة بِأَنَّهُم شاهدوا حدقتيه سائلتين وَأَنه قدم الْمَدِينَة أعمى ثمَّ أصبح يبصر وَحكى رُؤْيَاهُ فسكن مَا عِنْد السُّلْطَان وَأَخْبرنِي بعض الْأَشْرَاف الصَّالِحين مِمَّن أجمع على صُحْبَة نسبه وصلاحه وَصَلَاح آبَائِهِ قَالَ كنت بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فرايت شريفا عِنْد مكاس يَأْكُل من طَعَامه ويلبس من ثِيَابه فَاشْتَدَّ إنكاري على ذَلِك الشريف وساء اعتقادي فِيهِ فَبت عقب ذَلِك فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي مجْلِس حافل وَالنَّاس محيطون بِهِ صفا وَرَاء صف وَأَنا من جملَة الواقفين دَاخل الْحلقَة وَإِذا أَنا أسمع قَائِلا يَقُول بِصَوْت عَال أحضروا الصُّحُف وَإِذا بأوراق على هَيْئَة مَا يكْتب فِيهَا مراسيم السلاطين جِيءَ بهَا وَوضعت بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووقف إِنْسَان بَين يَدَيْهِ يعرضهَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يُعْطِيهَا لأربابها كل من طلع اسْمه يعْطى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 صَحِيفَته قَالَ فَأول صحيفَة عَظِيمَة أخرجت وَإِذا بذلك الشريف الَّذِي أنْكرت عَلَيْهِ يُنَادى باسمه فَخرج منحشو الْحلقَة حَتَّى انْتهى بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْطى صَحِيفَته فَأَخذهَا وَولى فَرحا مَسْرُورا قَالَ فَذهب عَن قلبِي جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ على ذَلِك الشريف واعتقدت فِيهِ وَعلمت بتقديمه على سَائِر الْحَاضِرين أَي وَبَان أَن أكله من طَعَام ذَلِك المكاس إِنَّمَا كَانَ للضَّرُورَة الَّتِي تحل أكل الْميتَة وَمن ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ بعض أكَابِر أَشْرَاف الْيمن وصالحيهم لما وَقع من أَمِير الْحَاج الْفَاجِر الْمُفْسد المذموم المخذول مَا سَوَّلت لَهُ نَفسه الخبيثة من الهجوم على السَّيِّد الشريف صَاحب مَكَّة مُحَمَّد أبي نمي زَاد ترقيه وعلوه ببيته بمنى يَوْم عيد النَّحْر ليَقْتُلهُ هُوَ وَأَوْلَاده فِي سَاعَة وَاحِدَة أعاذهم الله من ذَلِك فظفروا بِهِ وَأَرَادُوا قَتله وَجَمِيع جنده لكنه أَعنِي السَّيِّد أَبَا نمي خشِي على الْحجَّاج أَن يقتلُوا عَن آخِرهم فَلَا يفضل مِنْهُم عقال فَأمْسك عَن قِتَاله ثمَّ ذهب لَيْلَة النَّفر إِلَى مَكَّة وَالنَّاس فِي أَمر مريج فَلم يَزْدَدْ ذَلِك الْجَبَّار إِلَّا طغيانا فَنَادَى أَن الشريف مَعْزُول فَلَمَّا سَمِعت الْأَعْرَاب بذلك سقطوا على الْحجَّاج ونهبوا مِنْهُم اموالا لَا تعد وعزموا على نهب مَكَّة بأسرها واستئصال الْحجَّاج والأمير وجنده فَركب الشريف جزاه الله عَن الْمُسلمين خيرا وأثخن فِي الْأَعْرَاب الْجراح وَقتل الْبَعْض فخمدوا وَاسْتمرّ ذَلِك بِمَكَّة وَالنَّاس فِي أَمر مريج بِحَيْثُ عطلت أَكثر مَنَاسِك الْحَج وَالْجَمَاعَات وقاسوا من الْخَوْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 والشدة مَا لم يسمع بِمثلِهِ ثمَّ رَحل ذَلِك الْجَبَّار وَهُوَ يتوعد الشريف بِأَنَّهُ يسْعَى فِي بَاب السُّلْطَان فِي عَزله وَقَتله وَكَانَ ذَلِك كُله سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة قَالَ ذَلِك الشريف فَخرجت من مَكَّة فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى جدة وَأَنا فِي غَايَة الضّيق والوجل على الشريف وَأَوْلَاده وَالْمُسْلِمين فَلَمَّا قربت من جدة قبيل الْفجْر نزلت أستريح سَاعَة حَتَّى يفتح سورها فَرَأَيْت فِي النّوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عَليّ كرم الله وَجهه وَفِي يَده عَصا معوجة الرَّأْس وَكَأَنَّهُ يضْرب عَن السَّيِّد الشريف أبي نمي وَيَقُول لي أخبرهُ بِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بهؤلاء وَأَن الله ينصره عَلَيْهِم فَمَا مَضَت إِلَّا مُدَّة يسيرَة وَإِذا الْخَبَر أَتَى من بَاب السُّلْطَان نَصره الله وأيده بغاية الإجلال والتعظيم للسَّيِّد الشريف فنصره الله على ذَلِك الْمُفْسد وَمن أغراه على ذَلِك وَعَاد أَمر الْمُسلمين إِلَى مَا عهدوه من الْأَمْن الَّذِي لم يعهدوه فِي غير ولَايَته وَأَخْبرنِي بعض النَّاس أَنه رأى يَوْم النَّحْر فِي تِلْكَ الشدَّة السَّيِّد بَرَكَات وَالِد أبي نمى وَكَانَ السَّيِّد بَرَكَات يترجم بِالْولَايَةِ رَاكِبًا فرسا عَظِيمَة وَمَعَهُ السَّيِّد الْجَلِيل عبد الْقَادِر الجيلاني على فرس أُخْرَى فَقَالَ يَا مَوْلَانَا السَّيِّد بَرَكَات إِلَى أَيْن أَنْت ذَاهِب فِي هَذِه الهمة الْعَظِيمَة فَقَالَ إِلَى نصْرَة السَّيِّد أبي نمي وَكَانَت تِلْكَ الرُّؤْيَة مُوَافقَة لهجوم ذَلِك الْفَاجِر فخذله الله وخيبه وَرَأى النَّاس فِي هَذِه الْوَقْعَة العجيبة الغريبة من المنامات الشاهدة بسلامة السَّيِّد أبي نمي وَأَوْلَاده مَا لَا يُحْصى فَللَّه الْحَمد على ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 وَأخْبرنَا بعض النَّاس أَن بعض صلحاء الْيمن حج بعياله فِي الْبَحْر فَلَمَّا وصُولا جدة فتشهم المكاسون حَتَّى تَحت ثِيَاب النِّسَاء فَاشْتَدَّ غَضَبه فَتوجه إِلَى الله فِي صَاحب مَكَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات رَحمَه الله تَعَالَى فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يعرض عَنهُ فَقَالَ لم ذَا يَا رَسُول الله قَالَ أما رَأَيْت فِي الظلمَة من هُوَ أظلم من ابْني هَذَا فانتبه مَرْعُوبًا وَتَابَ إِلَى الله أَلا يتَعَرَّض لأحد من الْأَشْرَاف وَإِن فعل مَا فعل وَحكى بعض الصَّالِحين أَن فَاجِرًا بِمصْر أَخذ شريفة قهرا ليفجر بهَا وَكَانَ أخص النَّاس بالسلطان وأقربهم عِنْده قَالَ فتحيرت لِأَن الْعشَاء قد صليت وَلم يبْق إِلَّا الْأَقْدَام على ذَلِك الْأَمر فتوسلت بِبَعْض الصَّالِحين فَلم يمض إِلَّا يسير وَإِذا الطّلب جَاءَ إِلَيْهِ من السُّلْطَان فَأَخَذُوهُ وَخرجت الشَّرِيفَة سَالِمَة وَكَانَ فِي تِلْكَ الأخذة هَلَاك ذَلِك الْفَاجِر عَاجلا ببركة تِلْكَ الشَّرِيفَة وَحكى لي بعض طلبة الْعلم أَن إنْسَانا بِمَدِينَة فاس ثَبت عَلَيْهِ الْقَتْل فَأمر بِهِ القَاضِي ليقْتل فَأرْسل السُّلْطَان وَهُوَ يَقُول للْقَاضِي لَا تقتله فَإِنِّي رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تقتلوه فَقَالَ القَاضِي لَا بُد من قَتله فأراده فِي الْيَوْم الثَّانِي فَأرْسل السُّلْطَان يَقُول رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِلا ذَلِك ثَانِيًا فَلم يسمع القَاضِي وَأَرَادَ قَتله فِي الْيَوْم الثَّالِث فَأرْسل السُّلْطَان يَقُول رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِلا ذل ك ثَالِثا فَغَضب القَاضِي وَقَالَ لَا نَتْرُك الشَّرْع بالمنام وَإِن تكَرر فَذهب بِهِ ليقْتل وَإِذا إِنْسَان يبرز لوَلِيّ الدَّم وَقد كَانَ النَّاس عجزوا فِيهِ أَن يعفوا فَلم يعف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 فبمجرد أَن كَلمه فِي الْعَفو عَفا فَبلغ السُّلْطَان فَأمر بِالرجلِ فأحضر إِلَيْهِ فَقَالَ اصدقني مَا شَأْنك فَقَالَ نعم قتلت من أثبت عَليّ قَتله لكني كنت أَنا وَهُوَ على شرب فَأَرَادَ أَن يفجر بشريفة فمنعته فَلم يمْتَنع عَنْهَا إِلَّا بقتْله فَقتلته دفعا عَن الزِّنَا بهَا فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان صدقت وَلَوْلَا ذَلِك مَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مَرَّات وَهُوَ يَقُول لي لَا تقتلوه ثَالِثا اللَّائِق بِوَاجِب حَقهم وتعظيمهم وتوقيرهم والتأدب مَعَهم أَن ينزلُوا مَنَازِلهمْ وَأَن يعرف لَهُم شرفهم وَأَن يتواضع لَهُم فِي الْمجَالِس فَإِن لحبهم وإكرامهم أثرا بَينا مِنْهُ مَا رَوَاهُ النَّجْم بن فَهد والمقريزي أَن بعض الْقُرَّاء كَانَ إِذا مر بِقَبْر تمرلنك قَرَأَ {خذوه فغلوه ثمَّ الْجَحِيم صلوه} الحاقة 30 31 الْآيَة وكررها قَالَ فَبينا أَنا نَائِم رايت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس وتمرلنك إِلَى جَانِبه قَالَ فنهرته وَقلت إِلَى هُنَا يَا عَدو الله وَأَرَدْت أَن آخذ بِيَدِهِ وأقيمه من جَانب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعه فَإِنَّهُ كَانَ يحب ذريتي فانتبهت فَزعًا وَتركت مَا كنت أقرؤه على قَبره فِي الْخلْوَة وَأخْبر الْجمال المرشدي والشهاب الكوراني أَن بعض أَبنَاء تمرلنك أخبر أَنه لما مرض تمرلنك مرض الْمَوْت اضْطربَ فِي بعض الْأَيَّام اضطرابا شَدِيدا فاسود وَجهه وَتغَير لَونه ثمَّ أَفَاق فَذكرُوا لَهُ ذَلِك فَقَالَ إِن مَلَائِكَة الْعَذَاب أَتَوْنِي فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم اذْهَبُوا عَنهُ فَإِنَّهُ كَانَ يحب ذريتي وَيحسن إِلَيْهِم فَذَهَبُوا وَإِذا نفع حبهم هَذَا الظَّالِم الَّذِي لَا اظلم مِنْهُ فَكيف بِغَيْرِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي إكرام عالمهم وصالحهم فقد روى أَبُو نعيم حَدِيث (إِن الْحِكْمَة تزيد الشريف شرفا وترفع العَبْد الْمَمْلُوك حَتَّى يجلس فِي مجَالِس الْمُلُوك) وليحذر الإفراط فِي حبهم فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا روى أَحْمد بن منيع وَأَبُو يعلى حَدِيث (يَا عَليّ يدْخل النَّار فِيك رجلَانِ محب مفرط أَي بتَخْفِيف الرَّاء ومبغض مفرط أَي بتَشْديد الرَّاء كِلَاهُمَا فِي النَّار) وَمَا احسن قَول زين العابدين رَضِي الله عَنهُ وَعَن أهل بَيته يَا أَيهَا النَّاس أحبونا حب الْإِسْلَام فَمَا برح بِنَا حبكم حَتَّى صَار علينا عارا وَقَالَ مرّة أُخْرَى يَا أهل الْعرَاق أحبونا بحب الْإِسْلَام فَمَا زَالَ حبكم بِنَا حَتَّى صَار سبة وَأثْنى قوم عَلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُم ماأجرأكم أَو أكذبكم على الله نَحن من صالحي قَومنَا فحسبنا أَن نَكُون من صالحي قَومنَا وَقَالَ بَعضهم سَأَلته وَجَمَاعَة من أهل الْبَيْت جُلُوس هَل فِيكُم من هُوَ مفترض الطَّاعَة قَالُوا من قَالَ إِن فِينَا هَذَا فَهُوَ وَالله كَذَّاب وَقَالَ الْحسن بن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم لرجل مِمَّن يغلو فيهم وَيحكم أحبونا لله فَإِن أَطعْنَا الله فأحبونا وَإِن عصينا الله فأبغضونا قُولُوا فِينَا الْحق فَإِنَّهُ أبلغ فِيمَا تُرِيدُونَ وَنحن نرضى بِهِ مِنْكُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 فَائِدَة دخل زيد بن زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم على هِشَام بن عبد الْملك فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وَتكلم فخشي مِنْهُ فَقَالَ أَنْت الراجي للخلافة المنتظر لَهَا وَكَيف ترجوها وَأَنت ابْن أمة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن تعييرك إيامي بأمي لَيْسَ جَوَابا فَإِن شِئْت أَجَبْتُك وَإِن شِئْت أَمْسَكت قَالَ بل أجب فَمَا أَنْت وجوابك قَالَ إِنَّه لَيْسَ أحد أعظم عِنْد الله عز وَجل من نَبِي بَعثه الله رَسُولا فَلَو كَانَت أم الْوَلَد تقصر بِهِ عَن بُلُوغ الْأَنْبِيَاء وَالرسل لم يبْعَث الله إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَت أمه مَعَ أم إِسْحَاق كأمي مَعَ أمك وَلم يمنعهُ ذَلِك أَن يَبْعَثهُ الله نَبيا وَكَانَ عِنْد ربه مرضيا وَكَانَ أَبَا للْعَرَب وَأَبا لخير النَّبِيين وَخَاتم الْمُرْسلين والنبوة أعظم من الْخلَافَة وَمَا علا رجل بِأُمِّهِ وَهُوَ ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ خرج مغضبا وَلما ولي السفاح ورد عَلَيْهِ رَأس مَرْوَان بن مُحَمَّد وَهُوَ آخر مُلُوك بني أُميَّة من مصر لِأَنَّهُ هرب من الشَّام لمصر وَأَن عبد الحميد الطَّائِي نبش هشاما بالرصافة وصلبه وَحَرقه بالنَّار خر لله سَاجِدا وَقَالَ الْحَمد لله قد قتلت بالحسين بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا مِائَتَيْنِ من بني أُميَّة وصلبت هشاما بزيد بن عَليّ وَقتلت مَرْوَان بأخي إِبْرَاهِيم نقلت من كتاب الْمُخْتَار فِي مَنَاقِب الأخيار للشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 السعادات ابْن الْأَثِير رَحمَه الله تَعَالَى عَلَيْهِ قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ خرج إِلَى الْيمن قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَنزلت على شيخ من الأزد عَالم قد قَرَأَ الْكتب وَعلم من علم النَّاس علما كثيرا وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعمِائَة سنة إِلَّا عشر سِنِين فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أحسبك حرميا قَالَ أَبُو بكر قلت نعم أَنا من أهل الْحرم قَالَ وأحسبك تيميا قلت نعم وَأَنا من تيم بن مرّة أَنا عبد الله بن عُثْمَان بن عَامر قَالَ بقيت لي فِيك وَاحِدَة قلت مَا هِيَ قَالَ تكشف لي عَن بَطْنك قلت لَا أفعل أَو تُخبرنِي قَالَ أجد فِي الْعلم الصَّحِيح الزكي الصَّادِق أَن نَبيا يبْعَث فِي الْحرم يعاونه على أمره فَتى وكهل فَأَما الْفَتى فجواس غَمَرَات ودفاع معضلات وَأما الكهل فأبيض نحيف على بَطْنه شامة وعَلى فَخذه شامة وعَلى فَخذه الْأَيْسَر عَلامَة وَمَا عَلَيْك أَن تريني مَا سَأَلتك فقد تكاملت لي فِيك الصّفة إِلَّا مَا خَفِي عَليّ قَالَ أَبُو بكر فَكشفت لَهُ عَن بَطْني فَرَأى شامة سَوْدَاء فَوق سرتي فَقَالَ أَنْت هُوَ وَرب الْكَعْبَة وَإِنِّي مُتَقَدم إِلَيْك فِي أَمر فاحذره قلت وَمَا هُوَ قَالَ إياك والميل عَن طَرِيق الْهدى وَتمسك بالطريقة الْوُسْطَى وخف الله فِيمَا خولك وأعطاك فَقَالَ أَبُو بكر فَقضيت فِي الْيمن غرضي ثمَّ أتيت الشَّيْخ أودعهُ فَقَالَ أحامل أَنْت عني أبياتا قلتهَا فِي ذَلِك النَّبِي قلت نعم فَأَنْشد يَقُول (ألم تَرَ أَنِّي قد وهنت معاشري ... وَنَفْسِي وَقد أَصبَحت فِي الْحَيّ ماهنا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 (حييت وَفِي الْأَيَّام للمرء عِبْرَة ... ثَلَاث مئين ثمَّ تسعين آمنا) وَذكر أبياتا عدَّة مِنْهَا (وَقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شَيخا لَا أُطِيق الشواحنا) (فَمَا زلت أَدْعُو الله فِي كل حَاضر ... حللت بِهِ سرا وجهرا معالنا) (فحي رَسُول الله عني فإنني ... على دينه أَحْيَا وَإِن كنت واكنا) وَقَالَ أَبُو بكر فَحفِظت وَصيته وشعره وقدمت مَكَّة وَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَنِي عقبَة بن أبي معيط وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو جهل بن هِشَام وصناديد قُرَيْش فَقلت لَهُم هَل نابتكم نائبة أَو ظهر فِيكُم أَمر قَالُوا يَا أَبَا بكر أعظم الْخطب وَأجل النوائب يَتِيم أبي طَالب يزْعم أَنه نَبِي وَلَوْلَا أَنْت مَا انتظرنا فَإذْ قد جِئْت فَأَنت الْغَايَة والكفاية قَالَ أَبُو بكر فصرفتهم على حس وَمَسّ وَسَأَلت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل إِنَّه فِي منزل خَدِيجَة فقرعت عَلَيْهِ الْبَاب فَخرج إِلَيّ فَقلت يَا مُحَمَّد فقدت من منَازِل أهلك واتهموك بالفتنة وَترك دين آبَائِك وأجدادك قَالَ (يَا أَبَا بكر إِنِّي رَسُول الله إِلَيْك وَإِلَى النَّاس كلهم فَآمن بِاللَّه) فَقلت وَمَا دليلك على ذَلِك قَالَ (الشَّيْخ الَّذِي لَقيته بِالْيمن) فَقلت فكم من مَشَايِخ لقِيت بِالْيمن واشتريت وَأخذت وَأعْطيت قَالَ (الشَّيْخ الَّذِي أفادك الأبيات) فَقلت وَمن خبرك بهَا يَا حَبِيبِي قَالَ (الْملك الْعَظِيم الَّذِي يَأْتِي الْأَنْبِيَاء قبلي) قلت مد يدك فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله قَالَ أَبُو بكر فَانْصَرَفت وَلَا بَين لابتيها أَشد سُرُورًا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نقل من كتاب الشَّرْح والإبانة عَن أصُول السّنة والديانة قَالَ سُفْيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 الثَّوْريّ من فضل عليا على أبي بكر وَعمر فقد عابهما وَعَابَ من فَضله عَلَيْهِمَا وَقَالَ جَابر بن عبد الله قَالَ لي مُحَمَّد بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يَا جَابر بَلغنِي أَن أَقْوَامًا بالعراق يتناولون أَبَا بكر وَعمر ويزعمون أَنهم يحبونا ويزعمون أَنِّي أَمرتهم بذلك فَبَلغهُمْ أَنِّي إِلَى الله مِنْهُم بَرِيء وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو وليت لتقربت بدمائهم إِلَى الله عز وَجل وَقَالَ سُلَيْمَان كنت عِنْد عبد الله بن الْحُسَيْن بن حسن فَقَالَ لَهُ رجل أصلحك الله من أهل ملتنا أحد يَنْبَغِي أَن نشهدك عَلَيْهِ بشرك قَالَ نعم الرافضة أشهد أَنهم مشركون فَكيف لَا يكونُونَ مُشْرِكين وَلَو سَأَلتهمْ أأذنب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقالوا نعم وَقد غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَلَو قلت لَهُم أأذنب عَليّ رَضِي الله عَنهُ لقالوا لَا وَمن قَالَ ذَلِك عَلَيْهِ فقد كفر وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن من فضلنَا على أبي بكر وَعمر فقد برىء من سنة جدنا وَنحن خصماؤه عِنْد الله وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سَيَأْتِي قوم لَهُم نبز يُقَال لَهُم الرافضة أَيْن لقيتهم فاقتلهم فَإِنَّهُم مشركون) قلت يَا رَسُول الله وَمَا الْعَلامَة فيهم قَالَ (يقرظونك بِمَا لَيْسَ فِيك ويطعنون على السّلف الأول) وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يخرج قبل قيام السَّاعَة قوم يُقَال لَهُم الرافضة بُرَآء من الْإِسْلَام) ثمَّ يجب الْإِيمَان والمعرفة بِأَن خير الْخلق وأفضلهم وأعظمهم منزلَة عِنْد الله بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 706 النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وأحقهم بخلافة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر الصّديق عبد الله بن عُثْمَان وَهُوَ عَتيق ابْن أبي قُحَافَة رَضِي الله عَنهُ ونعلم أَنه مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن على وَجه الأَرْض أحد بِالْوَصْفِ الَّذِي قدمنَا ذكره غَيره رَحْمَة الله عَلَيْهِ ثمَّ من بعده على هَذَا التَّرْتِيب وَالصّفة أَبُو حَفْص عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ الْفَارُوق ثمَّ من بعدهمَا على هَذَا التَّرْتِيب والنعت عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ أَبُو عبد الله وَأَبُو عَمْرو ذُو النورين ثمَّ على هَذَا النَّعْت وَالصّفة من بعدهمْ أَبُو الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ الأنزع البطين صهر رَسُول رب الْعَالمين صلوَات الله وَرَحمته وَبَرَكَاته عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فبحبهم وَمَعْرِفَة فَضلهمْ قَامَ الدّين وتمت السّنة وَعدلت الْحجَّة وَتشهد للعشرة بِالْجنَّةِ بِلَا شكّ وَلَا اسْتثِْنَاء وهم أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فَهَؤُلَاءِ لَا يتقدمهم أحد فِي الْفضل وَالْخَيْر وَتشهد لكل من شهد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ وَأَن حَمْزَة سيد الشُّهَدَاء وجعفر الطيار فِي الْجنَّة وَالْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة وَتشهد لجَمِيع الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار بالرضوان وَالتَّوْبَة وَالرَّحْمَة من الله لَهُم ثمَّ بعد ذَلِك تشهد لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهَا الصديقة الطاهرة المبرأة من السَّمَاء على لِسَان جِبْرِيل إِخْبَارًا من الله متلوا فِي كِتَابه مثبتا فِي صُدُور الْأمة ومصاحفها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَّهَا زَوْجَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاضلة وَأَنَّهَا زَوجته وصاحبته فِي الْجنَّة وَهِي أم الْمُؤمنِينَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَمن شكّ فِي ذَلِك أَو طعن فِيهِ أَو توقف عَنهُ فقد كذب بِكِتَاب الله وَشك فِيمَا جَاءَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزعم أَنه من عِنْد غير الله قَالَ الله تَعَالَى {يعظكم الله أَن تعودوا لمثله أبدا إِن كُنْتُم مُؤمنين} النُّور 17 فَمن أنكر هَذَا فقد برىء من الْإِيمَان وتحب جَمِيع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَرَاتِبهمْ ومنازلهم أَولا فأولا وتترحم على أبي عبد الرَّحْمَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أخي أم حَبِيبَة زَوْجَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَال الْمُؤمنِينَ أَجْمَعِينَ كَاتب الْوَحْي وتذكر فضائله وتروي مَا روى فِيهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد قَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (يدْخل عَلَيْكُم من هَذَا الْفَج رجل من أهل الْجنَّة) فَدخل مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ فتعلم أَن هَذَا مَوْضِعه ومنزلته ثمَّ تحب فِي الله من أطاعه وَإِن كَانَ بَعيدا مِنْك وَخَالف مرادك فِي الدُّنْيَا وَتبْغض فِي الله من عَصَاهُ ووالى أعداءه وَإِن كَانَ قَرِيبا مِنْك وَوَافَقَ هَوَاك فِي دنياك نقل من كتاب الغنية لطالبي الْحق عز وَجل تأليف الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة القطب الرباني أبي صَالح عبد الْقَادِر الجيلي نفعنا الله ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفِيه وَقد رُوِيَ عَن إمامنا أبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَحْمَة الله عَلَيْهِ رِوَايَة أُخْرَى أَن خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ ثبتَتْ بِالنَّصِّ الْجَلِيّ وَالْإِشَارَة وَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث رَضِي الله عَنْهُم وَجه هَذِه الرِّوَايَة مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لما عرج بِي سَأَلت رَبِّي عز وَجل أَن يَجْعَل الْخَلِيفَة من بعدِي عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَت الْمَلَائِكَة يَا مُحَمَّد إِن الله يفعل مَا يَشَاء الْخَلِيفَة من بعْدك أَبُو بكر) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا (الَّذِي بعدِي أَبُو بكر لَا يثبت بعدِي إِلَّا قَلِيلا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 708 وَمِنْه وَأَن لَا يكاثر أهل الْبدع وَلَا يدانيهم وَلَا يسلم عَلَيْهِم لِأَن إمامنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَحمَه الله عَلَيْهِ قَالَ من سلم على صَاحب بِدعَة فقد أحبه لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أفشوا السَّلَام بَيْنكُم تحَابوا) وَلَا يجالسهم وَلَا يقرب مِنْهُم وَلَا يهنيهم فِي الأعياد وأوقات السرُور وَلَا يصل عَلَيْهِم إِذا مَاتُوا وَلَا يترحم عَلَيْهِم إِذا ذكرُوا بل يباينهم ويعاديهم فِي الله عز وَجل مُعْتَقدًا محتسبا بذلك الثَّوَاب الجزيل وَالْأَجْر الْكَبِير وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من نظر إِلَى صَاحب بِدعَة بغضا لَهُ فِي الله مَلأ الله قلبه أمنا وإيمانا وَمن انتهر صَاحب بِدعَة آمنهُ الله يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر وَمن استحقر صَاحب بِدعَة رَفعه الله فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة وَمن لقِيه بالبشر أَو بِمَا يسره فقد استخف بِمَا أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) عَن أبي الْمُغيرَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَبى الله عز وَجل أَن يقبل عمل صَاحب بِدعَة حَتَّى يدع بدعته) وَقَالَ فُضَيْل بن عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى من أحب صَاحب بِدعَة أحبط الله عمله وَأخرج نور الْإِيمَان من قلبه وَإِذا علم الله عز وَجل من رجل أَنه مبغض لصَاحب بِدعَة رَجَوْت الله عز وَجل أَن يغْفر لَهُ وَإِن قل عمله وَذَا رَأَيْت مبتدعا فِي طَرِيق فَخذ طَرِيقا أُخْرَى وَقَالَ فُضَيْل بن عِيَاض رَضِي الله عَنهُ سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول من تبع جَنَازَة مُبْتَدع لم يزل فِي سخط الله عز وَجل حَتَّى يرجع وَقد لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المبتدع فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أحدث حَدثا أَو آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَلَا يقبل مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا) يَعْنِي بِالصرْفِ الْفَرِيضَة وبالعدل النَّافِلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 بَاب فِي التَّخْيِير وَالْخلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 بَاب فِي التَّخْيِير والخلافة وَكَانَ خير النَّاس بعده وَبعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقد تَوَاتَرَتْ بذلك الْأَحَادِيث المستفيضة الصَّحِيحَة الَّتِي لَا تعتل المروية فِي الْأُمَّهَات وَالْأُصُول المستقيمة الَّتِي لَيست بمعلولة وَلَا سقيمة قَالَ سُبْحَانَهُ {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل} النُّور 22 فنعته بِالْفَضْلِ وَلَا خلاف أَن ذَلِك فِيهِ رضوَان الله عَلَيْهِ وَقَالَ سُبْحَانَهُ {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن} التَّوْبَة 40 فَشَهِدت لَهُ الربوبية بالصحبة وبشره بِالسَّكِينَةِ وحلاه بثاني اثْنَيْنِ كَمَا قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه من يكون أفضل من اثْنَيْنِ الله ثالثهما وَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ} الزمر 33 لَا خلاف أَنه فِيهِ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ قَول جَعْفَر الصَّادِق رضوَان الله عَلَيْهِ وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي التَّفْسِير ظَاهر أَن الَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي صدق بِهِ أَبُو بكر وَأي منقبة أبلغ من هَذَا وَلما أخبرنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنه لَا يَسْتَوِي السَّابِقُونَ وَمن بعدهمْ بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الْحسنى} وَالْخَبَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 711 فِي البُخَارِيّ مسطور أَن عقبَة بن أبي معيط وضع رِدَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عُنُقه وخنقه فَأقبل أَبُو بكر يعدو حول الْكَعْبَة وَيَقُول أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله قَالَ فَترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَقْبلُوا على أبي بكر فضربوه حَتَّى لم يعرف أَنفه من وَجهه فَكَانَ أول من جَاهد وَقَاتل وَنصر دين الله وفدى الشَّخْص الَّذِي بِهِ قَامَ الدّين وَظهر وَهُوَ أول الْقَوْم إسلاما وَذَلِكَ ظَاهر جلي وَقَالَ جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ كُنَّا ذَات يَوْم على بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتذاكر الْفَضَائِل فِيمَا بَيْننَا إِذْ أقبل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (أفيكم أَبُو بكر) قَالُوا لَا قَالَ (لَا يفضلن أحد مِنْكُم على أبي بكر فَإِنَّهُ أفضلكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) وَخبر أبي الدَّرْدَاء الْمَشْهُور قَالَ رَآنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أَمْشِي أَمَام أبي بكر وَقَالَ (يَا أَبَا الدَّرْدَاء أتمشي أَمَام من هُوَ خير مِنْك مَا طلعت الشَّمْس وَلَا غربت على أحد بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ أفضل من أبي بكر) وَمن وَجه آخر (أتمشي بَين يَدي من هُوَ خير مِنْك) فَقلت يَا رَسُول الله أَبُو بكر خير مني قَالَ (وَمن أهل مَكَّة جَمِيعًا) قلت يَا رَسُول الله أَبُو بكر خيروني وَمن أهل مَكَّة جَمِيعًا قَالَ (وَمن أهل الْمَدِينَة جَمِيعًا) قلت يَا رَسُول الله أَبُو بكر خير مني وَمن أهل الْحَرَمَيْنِ قَالَ مَا أظلت الخضراء وَلَا أقلت الغبراء بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ خيرا وَأفضل من أبي بكر وَنَذْكُر فِي كثير مِنْهَا تَخْيِير عمر بعده ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ فَمن ذَلِك خبر أبي عقال وَقد رَوَاهُ مَالك وَقد سَأَلَ عليا كرم الله وَجهه وَهُوَ على الْمِنْبَر من خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ أَنا وَإِلَّا فَصمت أذناي إِن لم أكن سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 712 وَإِلَّا فعميت وَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ إِن لم أكن رَأَيْته يَعْنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (مَا طلعت الشَّمْس وَلَا غربت على رجلَيْنِ أعدل وَلَا أفضل) وَرُوِيَ (وَلَا أزكى وَلَا خيرا من أبي بكر وَعمر) وَقد روى مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ سَأَلت وَالِدي عليا وَأَنا فِي حجره فَقلت يَا أَبَت من خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر قلت ثمَّ من قَالَ ثمَّ عمر ثمَّ حَملتنِي حَدَاثَة سني قلت ثمَّ أَنْت يَا أبتي فَقَالَ أَبوك رجل من الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم وَخبر أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَبُو بكر وَعمر خير أهل السَّمَاء وَخير أهل الأَرْض وَخير الْأَوَّلين وَخير الآخرين إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن أَهلِي وَأَبُو بكر وَعمر أهل الله وَأهل الله خير من أَهلِي) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو وزن إِيمَان أبي بكر بِإِيمَان الْأمة لرجح) وَخبر عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ الْمَشْهُور قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن فَضَائِل عمر فَقَالَ (يَا عمار لقد سَأَلتنِي عَمَّا سَأَلت عَنهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد لَو مكثت مَعَك مَا مكث نوح فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما أحَدثك فِي فَضَائِل عمر مَا نفدت وَإِن عمر لحسنة من حَسَنَات أبي بكر) وَقَالَ (قَالَ لي رَبِّي عز وَجل لَو كنت متخذا بعد أَبِيك إِبْرَاهِيم خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَو كنت متخذا بعْدك حبيا لاتخذت بعد أَبِيك إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَلَو كنت متخذا بعْدك حبيبا لاتخذت عمر حبيبا) نقل ذَلِك من تَفْسِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 713 الْقُرْآن الْعَظِيم لِلْبَغوِيِّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي آخر سُورَة الْحَشْر فِي قَوْله تَعَالَى وَالَّذين جاؤا من بعدهمْ يَعْنِي التَّابِعين وهم الَّذين يجيئون بعد الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ ذكر أَنهم يدعونَ لأَنْفُسِهِمْ وَلمن سبقهمْ بِالْإِيمَان بالمغفرة فَقَالَ {يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا} غشا وحسدا وبغضا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رءوف رَحِيم الْحَشْر 10 فَكل من كَانَ فِي قلبه غل على أحد من الصَّحَابَة وَلم يترحم على جَمِيعهم فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّن عناه الله بِهَذِهِ الْآيَة لِأَن الله رتب الْمُؤمنِينَ على ثَلَاثَة منَازِل منَازِل الْمُهَاجِرين ومنازل الْأَنْصَار ومنازل التَّابِعين الموصوفين بِمَا ذكر فَمن لم يكن من التَّابِعين بِهَذِهِ الصّفة كَانَ خَارِجا من أَقسَام الْمُؤمنِينَ قَالَ ابْن أبي ليلى النَّاس على ثَلَاثَة منَازِل الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين وَالَّذين تبوؤا الدَّار وَالْإِيمَان وَالَّذين جاؤا من بعدهمْ فاجتهد أَن لَا تكون خَارِجا من هَذِه الْمنَازل أخبرنَا أَبُو سعيد الشريحي أَنبأَنَا أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ أَنبأَنَا عبد الله بن خَلِيل حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن سُلَيْمَان حَدثنَا ابْن نمير حَدثنَا أبي عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن عُمَيْر عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة قَالَت أمرْتُم بالاستغفار لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسببتموهم سَمِعت نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (لَا تذْهب هَذِه الْأمة حَتَّى يلعن آخرهَا أَولهَا) قَالَ مَالك بن مغرور قَالَ عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ يَا مَالك تفاضلت الْيَهُود وَالنَّصَارَى على الرافضة بخصلة سُئِلت الْيَهُود من خير أهل ملتكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 714 فَقَالُوا أَصْحَاب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وسئلت النَّصَارَى من خير أهل ملتكم فَقَالُوا حوارِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وسئلت الرافضة من شَرّ أهل ملتكم فَقَالُوا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمروا بالاستغفار لَهُم فسبوهم فالسيف عَلَيْهِم مسلول إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا تقوم لَهُم راية وَلَا يثبت لَهُم قدم وَلَا تَجْتَمِع لَهُم كلمة كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله بسفك دِمَائِهِمْ وتفريق شملهم وإدحاض حججهم أعاذنا الله وَإِيَّاكُم من الْأَهْوَاء المضلة قَالَ مَالك بن أنس من تنقص أحدا أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَانَ فِي قلبه عَلَيْهِم غل فَلَيْسَ لَهُ حق فِي فَيْء ثمَّ تَلا ماأفاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ حَتَّى أَتَى هَذِه الْآيَة {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} وَالَّذين تبوؤا الدَّار وَالْإِيمَان {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} إِلَى قَوْله {رؤوف رَحِيم} الْحَشْر 10 نقل الْبَغَوِيّ رَحمَه الله فِي قَوْله {ثَانِي اثْنَيْنِ} التَّوْبَة 40 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر (أَنْت صَاحِبي فِي الْغَار وصاحبي على الْحَوْض) قَالَ الْحسن بن الْفضل من قَالَ إِن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لم يكن صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَافِر لإنكار نَص الْقُرْآن وَفِي سَائِر الصَّحَابَة إِذا أنكر يكون مبتدعا لَا كَافِرًا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما أبدا إِلَى يَوْم الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 715