الكتاب: المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) المحقق: محب الدين الخطيب عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- المنتقى من منهاج الاعتدال الذهبي، شمس الدين الكتاب: المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) المحقق: محب الدين الخطيب عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين الْحَمد لله المنقذ من الضلال المرشد إِلَى الْحق الْهَادِي من يَشَاء إِلَى صراطه الْمُسْتَقيم أما بعد فَهَذِهِ فَوَائِد ونفائس اخترتها من كتاب منهاج الإعتدال فِي نقض كَلَام أهل الرَّفْض والإعتزال تأليف شَيخنَا الإِمَام الْعَالم أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى فَذكر أَنه أحضر إِلَيْهِ كتاب لبَعض الرافضة فِي عصرنا يَعْنِي ابْن المطهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 منفقا لهَذِهِ البضاعة يَدْعُو بهَا إِلَى مَذْهَب الإمامية أهل الْجَاهِلِيَّة مِمَّن قلت معرفتهم بِالْعلمِ وَالدّين فصنفه للْملك الْمَعْرُوف الَّذِي سَمَّاهُ فِيهِ خدا بنده فالأدلة إِمَّا نقلية وَإِمَّا عقلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وَالْقَوْم من أكذب النَّاس فِي النقليات وأجهل النَّاس فِي العقليات وَلِهَذَا كَانُوا عِنْد الْعلمَاء أَجْهَل الطوائف وَقد دخل مِنْهُم على الدّين من الْفساد مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا رب الْعباد والنصيرية والإسماعيلية والباطنية من بابهم دخلُوا وَالْكفَّار والمرتدة بطريقهم وصلوا فاستولوا على بِلَاد الْإِسْلَام وَسبوا الْحَرِيم وسفكوا الدَّم الْحَرَام وَهَذَا المُصَنّف سمى كِتَابه منهاج الْكَرَامَة فِي معرفَة الْإِمَامَة والرافضة فقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 شابهوا الْيَهُود فِي الْخبث والهوى وشابهوا النَّصَارَى فِي الغلو وَالْجهل وَهَذَا المُصَنّف سلك مَسْلَك سلفه كإبن النُّعْمَان الْمُفِيد والكراجكي وَأبي الْقَاسِم الموسوي والطوسي فَإِن الرافضة فِي الأَصْل لَيْسُوا أهل خبْرَة بطرِيق المناظرة وَمَعْرِفَة الْأَدِلَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَمَا يدْخل فِيهَا من الْمَنْع والمعارضة كَمَا أَنهم جهلة بالمنقولات وَإِنَّمَا عمدتهم على تواريخ مُنْقَطِعَة الْإِسْنَاد وَكثير مِنْهَا من وضع المعروفين بِالْكَذِبِ فيعتمدون على نقل أبي مخنف لوط بن يحيى وَهِشَام بن الْكَلْبِيّ قَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ أَشهب سُئِلَ مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن الرافضة فَقَالَ لَا تكلمهم وَلَا ترو عَنْهُم فَإِنَّهُم يكذبُون وَقَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وَقَالَ مُؤَمل بن إهَاب سَمِعت يزِيد بن هَارُون يَقُول يكْتب عَن كل مُبْتَدع إِذا لم يكن دَاعِيَة إِلَّا الرافضة فَإِنَّهُم يكذبُون وَقَالَ مُحَمَّد بن سعيد الْأَصْفَهَانِي سَمِعت شَرِيكا يَقُول احْمِلْ الْعلم عَن كل من لَقيته إِلَّا الرافضة فَإِنَّهُم يضعون الحَدِيث ويتخذونه دينا وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة سَمِعت الْأَعْمَش يَقُول أدْركْت النَّاس وَمَا يسمونهم إِلَّا الْكَذَّابين يَعْنِي أَصْحَاب الْمُغيرَة بن سعيد ورد شَهَادَة من عرف بِالْكَذِبِ مُتَّفق عَلَيْهِ وَمن تَأمل كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل رأى الْمَعْرُوف عِنْد مصنفيها بِالْكَذِبِ فِي الشِّيعَة أَكثر مِنْهُم فِي جَمِيع الطوائف والخوارج مَعَ مروقهم من الدّين فهم من أصدق النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 حَتَّى قيل إِن حَدِيثهمْ من أصح الحَدِيث والرافضة يقرونَ بِالْكَذِبِ حَيْثُ يَقُولُونَ ديننَا التقية وَهَذَا هُوَ النِّفَاق ثمَّ يَزْعمُونَ أَنهم هم الْمُؤْمِنُونَ ويصفون السَّابِقين الْأَوَّلين بِالرّدَّةِ والنفاق فهم كَمَا قيل رمتني بدائها وانسلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ثمَّ عمدتهم فِي العقليات الْيَوْم على كتب الْمُعْتَزلَة فوافقوهم فِي الْقدر وسلب الصِّفَات وَمَا فِي الْمُعْتَزلَة من يطعن فِي خلَافَة الشَّيْخَيْنِ بل جمهورهم يعظمونهما ويفضلونهما وَكَانَ متكلموا الشِّيعَة كهشام بن الحكم وَهِشَام الجواليقي وَيُونُس بن عبد الرَّحْمَن القمى يبالغون فِي إِثْبَات الصِّفَات ويجسمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 قَالَ المُصَنّف ابْن المطهر أما بعد فَهَذِهِ رِسَالَة شريفة ومقالة لَطِيفَة إشتملت على أهم المطالب فِي أَحْكَام الدّين وأشرف مسَائِل الْمُسلمين وَهِي مَسْأَلَة الْإِمَامَة الَّتِي يحصل بِسَبَب إِدْرَاكهَا نيل دَرَجَة الْكَرَامَة وَهِي أحد أَرْكَان الْإِيمَان الْمُسْتَحق بِسَبَبِهِ الخلود فِي الْجنان فقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَلم يعرف إِمَام زَمَانه مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة خدمت بِهِ خزانَة السُّلْطَان الْأَعْظَم ملك مُلُوك طوائف الْعَرَب والعجم شاهنشاه غياث الْملَّة وَالدّين خدا بنده ورتبتها على فُصُول الأول فِي نقل الْمذَاهب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الثَّانِي أَن مَذْهَب الإمامية وَاجِب الإتباع الثَّالِث فِي الْأَدِلَّة على إِمَامَة عَليّ الرَّابِع فِي الإثنى عشر الْخَامِس فِي إبِْطَال خلَافَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فَيُقَال الْكَلَام على هَذَا من وُجُوه فَقَوله إِن مَسْأَلَة الْإِمَامَة أهم المطالب كذب بِالْإِجْمَاع إِذْ الْإِيمَان أهم فَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن الْكفَّار على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا إِذا أَسْلمُوا أجْرى عَلَيْهِم أَحْكَام الْإِسْلَام وَلم تذكر لَهُم الْإِمَامَة بِحَال فَكيف تكون أهم المطالب أم كَيفَ يكون الْإِيمَان بإمامة مُحَمَّد بن الْحسن المنتظر من أَرْبَعمِائَة ونيف وَسِتِّينَ سنة ليخرج من سرداب سامراء أهم من الْإِيمَان بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله ولقائه وَيُقَال للرافضة إِن كَانَ مَا بِأَيْدِيكُمْ كَافِيا فِي الدّين فَلَا حَاجَة إِلَى المنتظر وَإِن لم يكن كَافِيا فقد أقررتم بِالنَّقْصِ والشقاء حَيْثُ كَانَت سعادتكم مَوْقُوفَة على أَمر آمُر لَا تعلمُونَ بِمَاذَا أَمر وَكَانَ ابْن الْعود الحلى يَقُول إِذا اخْتلفت الإمامية على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يعرف قَائِله وَالْآخر لَا يعرف قَائِله فَالْقَوْل الَّذِي لَا يعرف قَائِله هُوَ الْحق لِأَن المنتظر الْمَعْصُوم فِي تِلْكَ الطَّائِفَة فَأنْظر إِلَى هَذَا الْجَهْل فَإِنَّهُ بِتَقْدِير وجود المنتظر لَا يعلم أَنه قَالَ ذَلِك القَوْل وَلم يَنْقُلهُ عَنهُ أحد فَمن أَيْن نجزم بِأَنَّهُ قَوْله فَأصل دين هَؤُلَاءِ مبْنى على مَجْهُول ومعدوم فالمقصود من الإِمَام طَاعَة أمره وَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة أمره فَلَا فَائِدَة فِيهِ أصلا لَا بعقل وَلَا بِنَقْل فأوجبوا وجود المنتظر وعصمته قَالُوا لِأَن مصلحَة الدّين وَالدُّنْيَا لَا تحصل إِلَّا بِهِ وهم فَمَا حصلت لَهُم بالمنتظر مصلحَة قطّ وَالَّذين أنكروه لم تفتهم مصلحَة فِي الدّين وَلَا فِي الدُّنْيَا وَللَّه الْحَمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 فَإِن قُلْتُمْ إيمَاننَا بِهِ كَإِيمَانِ كثير من الصَّالِحين والزهاد بإلياس وَالْخضر والغوث والقطب مِمَّن لَا يعرف وجودهم وَلَا أَمرهم وَلَا نهيهم قُلْنَا لَيْسَ الْإِيمَان بوجودهم وَاجِبا عِنْد أحد من الْعلمَاء فَمن أوجب الْإِيمَان بوجودهم كَانَ قَوْله مردودا كقولكم وَغَايَة مَا يَقُوله الزهاد فِي أُولَئِكَ أَن الْمُصدق بوجودهم أكمل وَأفضل مِمَّن يُنكر وجودهم وَمَعْلُوم بالإضطرار من الدّين أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يشرع لأمته التَّصْدِيق بِوُجُود هَؤُلَاءِ فَأَما من زعم أَن القطب أَو الْغَوْث هُوَ الَّذِي يمد أهل الأَرْض فِي هدَاهُم ونصرهم ورزقهم وَأَن هَذِه الْأُمُور لَا تصل إِلَى أحد من أهل الأَرْض إِلَّا بواسطته فَهَذَا ضال يشبه قَوْله قَول النَّصَارَى فِي الْبَاب وَهَذَا كَمَا قَالَ بعض الجهلة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي شيوخهم أَن علم أحدهم ينطبق على علم الله وَقدرته فَيعلم مَا يُعلمهُ الله وَيقدر مَا يقدره الله ثمَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن الْخضر وإلياس مَاتَا وَلَقَد خلا بِي بعض الإمامية وَطلب أَن أَتكَلّم مَعَه فقررت لَهُ قَوْلهم من أَن الله تَعَالَى أَمر الْعباد ونهاهم فَيجب أَن يفعل بهم اللطف وَالْإِمَام لطف لِأَن النَّاس إِذا كَانَ لَهُم إِمَام يَأْمُرهُم بِالْوَاجِبِ وينهاهم عَن الْقَبِيح كَانُوا أقرب إِلَى فعل الْمَأْمُور فَيجب أَن يكون لَهُم إِمَام وَلَا بُد أَن يكون مَعْصُوما ليحصل الْمَقْصُود بِهِ وَلم تدع الْعِصْمَة لأحد بعد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا لعَلي فَتعين أَن يكون إِيَّاه للْإِجْمَاع على أَن غَيره لَيْسَ بمعصوم وَعلي قد نَص على الْحسن وَالْحسن على الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم إِلَى أَن انْتَهَت النّوبَة إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن المنتظر فاعترف بِأَن هَذَا تَقْرِير جيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 قلت فانا وَأَنت طالبان للْعلم وَالْحق وَالْهدى وهم يَقُولُونَ من لم يُؤمن بالمنتظر فَهُوَ كَافِر فَهَل رَأَيْته أَو رَأَيْت من رَآهُ أَو سَمِعت لَهُ بِخَبَر أَو تعرف شَيْئا من كَلَامه قَالَ لَا قلت فَأَي فَائِدَة فِي إيمَاننَا بِهَذَا وَأي لطف حصل لنا بِهِ وَكَيف يكلفنا الله تَعَالَى بِطَاعَة شخص لَا نعلم مَا يَأْمر بِهِ وَلَا مَا ينْهَى عَنهُ وَلَا طَرِيق لنا إِلَى معرفَة ذَلِك أصلا وهم من أَشد النَّاس إنكارا لتكليف مَا لَا يُطَاق فَهَل فِي تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق أبلغ من هَذَا فَقَالَ إِثْبَات هَذَا مَبْنِيّ على تِلْكَ الْمُقدمَات قلت لَكِن الْمَقْصُود مِنْهَا لنا مَا يتَعَلَّق بِنَا نَحن وَإِلَّا فَمَا علينا مِمَّا مضى إِذا لم يتَعَلَّق بِنَا مِنْهُ أَمر وَلَا نهي وَإِذا كَانَ كلامنا فِي تِلْكَ الْمُقدمَات لَا يحصل لنا فَائِدَة وَلَا لطفا علم أَن الْإِيمَان بالمنتظر من بَاب الْجَهْل لَا من بَاب اللطف والمصلحة وَالَّذِي عِنْد الإمامية من النَّقْل عَن آبَائِهِ إِن كَانَ حَقًا محصلا للسعادة فَلَا حَاجَة إِلَى المنتظر وَإِن لم يكن محصلا للنجاة والسعادة فَمَا نفعهم المنتظر ثمَّ مُجَرّد معرفَة الْإِنْسَان إِمَام وقته أَو رُؤْيَته لَا يسْتَحق بِهِ الْكَرَامَة إِن لم يُوَافق أمره وَنَهْيه فَمَا هُوَ بأبلغ من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف بِمن عرف الإِمَام وَهُوَ مضيع للفرائض مُعْتَد مُتَعَدٍّ للحدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَهُوَ يَقُولُونَ حب عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَسَنَة لَا يضر مَعهَا سَيِّئَة فَإِن كَانَت السَّيِّئَات لَا تضر مَعَ حب عَليّ فَلَا حَاجَة إِلَى الإِمَام الْمَعْصُوم وقولك إِن الْإِمَامَة أحد أَرْكَان الْإِيمَان جهل وبهتان فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسر الْإِيمَان وشعبه وَلم يذكر الْإِمَامَة فِي أَرْكَانه وَلَا جَاءَ ذَلِك فِي الْقُرْآن بل قَالَ تَعَالَى الْأَنْفَال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم إِلَى قَوْله أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا) وَقَالَ تَعَالَى الحجرات 15 (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون) وَقَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة 177 (لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم إِلَى قَوْله وَأُولَئِكَ هم المتقون) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات وَلم يذكر الْإِمَامَة وَلَا أَنَّهَا من أَرْكَان الْإِسْلَام وَأما قَوْلك فِي الحَدِيث من مَاتَ وَلم يعرف إِمَام زَمَانه مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة فَنَقُول من روى هَذَا وَأَيْنَ إِسْنَاده بل وَالله مَا قَالَه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف مَا روى مُسلم أَن ابْن عمر جَاءَ إِلَى عبد الله بن مُطِيع حِين كَانَ من أَمر الْحرَّة مَا كَانَ فَقَالَ اطرحوا لأبي عبد الرَّحْمَن وسَادَة فَقَالَ إِنِّي لم آتِك لأجلس أَتَيْتُك لأحدثك حَدِيثا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من خلع يدا من طَاعَة لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا حجَّة لَهُ وَمن مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقه بيعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَهَذَا حَدِيث حدث بِهِ إِبْنِ عمر لما خلعوا أَمِير وقتهم يزِيد مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الظُّلم فَدلَّ الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 على أَن من لم يكن مُطيعًا لولاة الْأَمر أَو خرج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَهَذَا ضد حَال الرافضة فَإِنَّهُم أبعد النَّاس عَن طَاعَة الْأُمَرَاء إِلَّا كرها وَهَذَا الحَدِيث يتَنَاوَل من قَاتل فِي العصبية والرافضة رُءُوس هَؤُلَاءِ وَلَكِن لَا يكفر الْمُسلم بالإقتتال فِي العصبية فَإِن خرج عَن الطَّاعَة ثمَّ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة لم يكن كَافِرًا وَفِي صَحِيح مُسلم عَن جُنْدُب البَجلِيّ مَرْفُوعا من قتل تَحت راية عمية يَدْعُو إِلَى عصبية أَو ينصر عصبية فَقتلته جَاهِلِيَّة وَفِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة من خرج من الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة ثمَّ مَاتَ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة فطالما خرجت الرافضة عَن الطَّاعَة وَفَارَقت الْجَمَاعَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من رأى من أميره شَيْئا يكرههُ فليصبر فَإِن من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة ثمَّ لَو صَحَّ الحَدِيث الَّذِي أوردته لَكَانَ عَلَيْكُم فَمن مِنْكُم يعرف إِمَام الزَّمَان أَو رَآهُ أَو رأى من رَآهُ أَو حفظ عَنهُ مَسْأَلَة بل تدعون إِلَى صبي ابْن ثَلَاث أَو خمس سِنِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 دخل سردابا من أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ عَاما وَلم ير لَهُ عين وَلَا أثر وَلَا سمع لَهُ حس وَلَا خبر وَإِنَّمَا أمرنَا بِطَاعَة أَئِمَّة موجودين معلومين لَهُم سُلْطَان وَأَن نطيعهم فِي الْمَعْرُوف دون الْمُنكر وَلمُسلم عَن عَوْف بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خِيَار أئمتكم الَّذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عَلَيْهِم وَيصلونَ عَلَيْكُم وشرار أئمتكم الَّذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قُلْنَا يَا رَسُول الله أَفلا ننابذهم عِنْد ذَلِك قَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُم الصَّلَاة لَا مَا أَقَامُوا فِيكُم الصَّلَاة أَلا من ولي عَلَيْهِ وَال فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئا من مَعْصِيّة الله فليكره مَا يَأْتِي من مَعْصِيّة الله وَلَا ينزعن يدا من طَاعَة وَفِي الْبَاب أَحَادِيث عدَّة تدل على أَن الْأَئِمَّة لَيْسُوا بمعصومين ثمَّ الأمامية يسلمُونَ أَن مَقْصُود الْإِمَامَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْفُرُوع أما الْأُصُول فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى الإِمَام وَهِي أهم وأشرف وَإِمَام الزَّمَان اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ مَا حصلت بِهِ بعد مصلحَة أصلا فَأَي سعي أضلّ من سعي من يتعب التَّعَب الطَّوِيل وَيكثر القال والقيل وَيُفَارق جمَاعَة الْمُسلمين ويلعن السَّابِقين ويعين الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ويحتال بأنواع الْحِيَل ويسلك أوعر السبل ويعتضد بِشُهُود الزُّور ويدلي أَتْبَاعه بِحَبل الْغرُور ومقصودة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 بذلك أَن يكون لَهُ إِمَام يدله على أَحْكَام الله تَعَالَى وَمَا حصل لَهُ من جِهَته مَنْفَعَة وَلَا مصلحَة إِلَّا ذهَاب نَفسه حسرات وارتكب الأخطاء وَطول الْأَسْفَار وأدمن الإنتظار وعادي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لداخل فِي سرداب لَا عمل لَهُ وَلَا خطاب وَلَو كَانَ مُتَيَقن الْوُجُود لما حصل لَهُم بِهِ مَنْفَعَة فَكيف وعقلاء الْأمة يعلمُونَ أَنه لَيْسَ مَعَهم إِلَّا الإفلاس وَأَن الْحسن بن عَليّ العسكري رَضِي الله عَنهُ لم يعقب كَمَا ذكره مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع وَغَيرهمَا من النسابين ثمَّ يَقُولُونَ دخل السرداب وَله إِمَّا سنتَانِ وَإِمَّا ثَلَاث وَإِمَّا خمس وَهَذَا يَتِيم بِنَصّ الْقُرْآن تجب حضانته وَحفظ مَاله فَإِذا صَار لَهُ سبع سِنِين أَمر بِالصَّلَاةِ فَمن لَا تَوَضَّأ وَلَا صلى وَهُوَ تَحت الْحجر لَو كَانَ مَوْجُودا فَكيف يكون إِمَام أهل الأَرْض وَكَيف تضيع مصلحَة الْإِمَامَة مَعَ طول الدهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الْفَصْل الأول فِي نقل الْمذَاهب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ الْمُؤلف الرافضي ذهبت الإمامية إِلَى أَن الله عدل حَكِيم لَا يفعل قبيحا وَلَا يظلم وَأَنه رءوف بالعباد يفعل لَهُم مَا هُوَ الْأَصْلَح لَهُم إِلَى أَن قَالَ ثمَّ أرْدف الرسَالَة بعد موت الرَّسُول بِالْإِمَامَةِ فنصب أَوْلِيَاء معصومين ليأمن النَّاس من غلطهم وسهوهم وَلِئَلَّا يخلي الله الْعَالم من لطفه وَرَحمته وَأَنه لما بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ بثقل الرسَالَة وَنَصّ على أَن الْخَلِيفَة من بعده عَليّ ثمَّ من بعد عَليّ وَلَده الْحسن ثمَّ على وَلَده الْحُسَيْن ثمَّ على عَليّ بن الْحُسَيْن ثمَّ على مُحَمَّد ثمَّ على جَعْفَر ثمَّ على مُوسَى بن جَعْفَر ثمَّ على عَليّ بن مُوسَى ثمَّ على مُحَمَّد بن عَليّ الْجواد ثمَّ على عَليّ بن مُحَمَّد الْهَادِي ثمَّ على الْحسن بن عَليّ العسكري ثمَّ على الْحجَّة مُحَمَّد بن الْحسن وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمت إِلَّا عَن وَصِيَّة بِالْإِمَامَةِ وَأهل السّنة ذَهَبُوا إِلَى خلاف ذَلِك كُله فَلم يثبتوا الْعدْل وَالْحكمَة فِي أَفعاله تَعَالَى وجوزوا عَلَيْهِ فعل الْقَبِيح والإخلال بِالْوَاجِبِ وَأَنه تَعَالَى لَا يفعل لغَرَض بل أَفعاله كلهَا لَا لغَرَض من الْأَغْرَاض وَلَا لحكمة وَأَنه يفعل الظُّلم والعبث وَأَنه لَا يفعل الْأَصْلَح لِعِبَادِهِ بل مَا هُوَ الْفساد فِي الْحَقِيقَة كَفعل الْمعاصِي وأنواع الْكفْر فَجَمِيع أَنْوَاع الْفساد الْوَاقِعَة فِي الْعَالم مُسندَة إِلَيْهِ وَأَن الْمُطِيع لَا يسْتَحق ثَوابًا والعاصي لَا يسْتَحق عقَابا قد يعذب النَّبِي ويثيب إِبْلِيس وَفرْعَوْن وَأَن الْأَنْبِيَاء غير معصومين بل قد يَقع مِنْهُم الْخَطَأ وَالْفِسْق وَالْكذب وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينص على إِمَامَة بل مَاتَ عَن غير وَصِيَّة وَأَن الإِمَام بعده أَبُو بكر بمبايعة عمر وبرضا أَرْبَعَة أبي عُبَيْدَة وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَأسيد بن حضير وَبشير بن سعد ثمَّ من بعده عمر بِنَصّ أبي بكر ثمَّ عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ينص عمر على سِتَّة هُوَ أحدهم فأختاره بَعضهم ثمَّ عَليّ بمبايعة الْخلق لَهُ ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم إِن الإِمَام بعده حسن وَبَعْضهمْ قَالَ مُعَاوِيَة ثمَّ ساقوا الْإِمَامَة فِي بني أُميَّة إِلَى أَن ظهر السفاح قُلْنَا هَذَا النَّقْل لمَذْهَب أهل السّنة والرافضة فِيهِ من التحريف وَالْكذب مَا نذكرهُ فَمِنْهُ أَن إِدْخَال الْقدر وَالْعدْل فِي هَذَا الْبَاب بَاطِل من الْجَانِبَيْنِ إِذْ كل قَول مِنْهُ قد قَالَ بِهِ طوائف من السّنة والشيعة فالشيعة مِنْهُم طوائف تثبت الْقدر وتنكر التَّعْدِيل والتجوير وَالَّذين يقرونَ بخلافة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فيهم طوائف تَقول بالتعديل والتجوير فَإِن الْمُعْتَزلَة أصل هَذَا وَإِن شُيُوخ الرافضة كالمفيد والموسوى والطوسي والكراجكي إِنَّمَا أخذُوا ذَلِك من الْمُعْتَزلَة وَإِلَّا فالقدماء من الشِّيعَة لَا يُوجد فِي كَلَامهم شَيْء من هَذَا فَذكره الْقدر فِي مسَائِل الْإِمَامَة لَا مدْخل لَهُ بِوَجْه وَمَا نَقله عَن الإمامية لم يحرره فَإِن من تَمام قَوْلهم إِن الله لم يخلق شَيْئا من أَفعَال الْحَيَوَان بل تحدث الْحَوَادِث بِغَيْر قدرته وَلَا خلقه وَمن قَوْلهم إِن الله لَا يقدر أَن يهدي ضَالًّا وَلَا يقدر أَن يضل مهتديا وَلَا يحْتَاج أحد من الْبشر إِلَى أَن يهديه الله بل الله قد هدَاهُم هدى الْبَيَان وَأما الإهتداء فقد يَهْتَدِي بِنَفسِهِ لَا بمعونة الله لَهُ وَمن قَوْلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 إِن هدى الله للْمُؤْمِنين وَالْكفَّار سَوَاء لَيْسَ على الْمُؤمنِينَ نعْمَة فِي الدّين أعظم من نعْمَته على الْكَافرين بل قد هدي عليا بِمَا هدي أَبَا جهل بِمَنْزِلَة الْأَب الَّذِي يُعْطي أحد إبنيه دَرَاهِم وَيُعْطِي الآخر مثلهَا فأنفقها هَذَا فِي الطَّاعَة وَهَذَا فِي الْمعْصِيَة وَمن أَقْوَالهم إِنَّه يَشَاء مَا لَا يكون وَيكون مَا لَا يَشَاء فَلَا يثبتون لله مَشِيئَة عَامَّة وَلَا قدرَة تَامَّة وَلَا خلقا متناولا لكل حَادث وَهَذَا نَص قَول الْمُعْتَزلَة وَلِهَذَا كَانَت الشِّيعَة فِي هَذَا على قَوْلَيْنِ وَقَوله انه نصب أَوْلِيَاء معصومين لِئَلَّا يخلي الله الْعَالم من لطفه فهم يَقُولُونَ إِن الْأَئِمَّة المعصومين مقهورون مظلومون عاجزون لَيْسَ لَهُم سُلْطَان وَلَا قدرَة حَتَّى أَنهم يَقُولُونَ ذَلِك فِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ مُنْذُ مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن اسْتخْلف وَفِي الإثني عشر ويقرون أَن الله مَا مكنهم وَلَا ملكهم وَقد قَالَ تَعَالَى {فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة وآتيناهم ملكا عَظِيما} فَإِن قيل المُرَاد بنصبهم أَنه أوجب عَلَيْهِم طاعتهم فَإِذا أطاعوهم هدوهم وَلَكِن الْخلق عصوهم فَيُقَال لم يحصل بِمُجَرَّد ذَلِك فِي الْعَالم لَا لطف وَلَا رَحْمَة بل إِنَّمَا حصل تَكْذِيب النَّاس لَهُم ومعصيتهم إيَّاهُم والمنتظر مَا انْتفع بِهِ من أقرّ بِهِ وَلَا من جَحده وَأما سَائِر الإثني عشر سوى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَكَانَت الْمَنْفَعَة بأحدهم كالمنفع بأمثاله من أَئِمَّة الدّين وَالْعلم وَأما الْمَنْفَعَة الْمَطْلُوبَة من أولى الْأَمر فَلم تحصل بهم فَتبين أَن مَا ذكره من اللطف تلبيس وَكذب وَقَوله إِن أهل السّنة لم يثبتوا الْعدْل وَالْحكمَة إِلَخ نقل بَاطِل عَنْهُم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن كثيرا من أهل النّظر الَّذين يُنكرُونَ النَّص يثبتون الْعدْل وَالْحكمَة كالمعتزلة وَمن وافقهم ثمَّ سَائِر أهل السّنة مَا فيهم من يَقُول إِنَّه تَعَالَى لَيْسَ بِحَكِيم وَلَا إِنَّه يفعل قبيحا فَلَيْسَ فِي الْمُسلمين من يتَكَلَّم بِإِطْلَاق هَذَا إِلَّا حل دَمه وَلَكِن مَسْأَلَة الْقدر فِيهَا نزاع فِي الْجُمْلَة فَقَوْل الْمُعْتَزلَة ذهب إِلَيْهِ متأخرو الإمامية وَجُمْهُور الْمُسلمين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأهل الْبَيْت فتنازعوا فِي تَفْسِير عدل الله وحكمته وَالظُّلم الَّذِي يجب تنزيهه عَنهُ وَفِي تَعْلِيل أَفعاله وَأَحْكَامه فَقَالَت طَائِفَة إِن الظُّلم مُمْتَنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 عَلَيْهِ وَهُوَ محَال لذاته كالجمع بَين الضدين وَأَن كل مُمكن مَقْدُور فَلَيْسَ هُوَ ظلما وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ إِنَّه لَو عذب المطيعين وَنعم العصاة لم يكن ظلما وَقَالُوا الظُّلم التَّصَرُّف فِيمَا لَيْسَ لَهُ وَالله لَهُ كل شَيْء وَهَذَا قَول كثير من أهل الْكَلَام الْمُؤمنِينَ بِالْقدرِ وَقَول عدَّة من الْفُقَهَاء وَقَالَت طَائِفَة بل الظُّلم مَقْدُور مُمكن وَالله لَا يَفْعَله لعدله وَبِهَذَا مدح نَفسه إِذْ يَقُول يُونُس 44 {إِن الله لَا يظلم النَّاس شَيْئا} والمدح إِنَّمَا يكون بترك الْمَقْدُور وَقَالُوا وَقد قَالَ (وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضما) وَقَالَ تَعَالَى {وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ} وَقَالَ {وَمَا أَنا بظلام للعبيد} وَإِنَّمَا نزه نَفسه عَن أَمر يقدر عَلَيْهِ لَا على المستحيل وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله يَقُول يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي فقد حرم الظُّلم على نَفسه كَمَا {كتب على نَفسه الرَّحْمَة} وَفِي الصَّحِيح إِن الله لما قضى الْخلق كتب فِي كتاب فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش إِن رَحْمَتي غلبت غَضَبي وَمَا كتبه على نَفسه أَو حرمه على نَفسه فَلَا يكون إِلَّا مَقْدُورًا لَهُ فالممتنع لنَفسِهِ لَا يَكْتُبهُ على نَفسه وَلَا يحرمه على نَفسه وَهَذَا قَول أَكثر أهل السّنة والمثبتين للقدر من أهل الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَالْكَلَام والتصوف وعَلى هَذَا القَوْل فَهَؤُلَاءِ هم الْقَائِلُونَ بِعدْل الله وإحسانه دون من يَقُول من الْقَدَرِيَّة إِن من فعل كَبِيرَة حَبط إيمَانه فَهَذَا نوع من الظُّلم الَّذِي نزه الله نَفسه عَنهُ وَهُوَ الْقَائِل (فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره) فَمن إعتقد أَن مِنْهُ على الْمُؤمن بالهداية دون الْكَافِر ظلم فَهَذَا جهل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن هَذَا تَفْضِيل قَالَ الله تَعَالَى {بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان إِن كُنْتُم صَادِقين} وكما قَالَت الْأَنْبِيَاء {إِن نَحن إِلَّا بشر مثلكُمْ وَلَكِن الله يمن على من يَشَاء} فَهُوَ تَعَالَى إِلَّا يضع الْعقُوبَة إِلَّا فِي الْمحل الَّذِي يَسْتَحِقهَا لَا يضع الْعقُوبَة على محسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 أبدا وَلِهَذَا قيل كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل وَلِهَذَا يخبر أَنه يُعَاقب النَّاس بِذُنُوبِهِمْ وَأَن إنعامه عَلَيْهِم إِحْسَان مِنْهُ وَفِي الصَّحِيح فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه وَقَالَ تَعَالَى (مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله) أَي مَا أَصَابَك من نعم تحبها كالنصر والرزق فَالله أنعم بذلك عَلَيْك وَمَا أَصَابَك من نقم تكرهها فبذنوبك وخطاياك فالحسنات والسيئات هُنَا النعم والمصائب كَمَا قَالَ (وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات) وَقَالَ {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} وَقَالَ {إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا} وَأجْمع الْمُسلمُونَ على أَنه تَعَالَى مَوْصُوف بالحكمة فَقَالَت طَائِفَة مَعْنَاهَا رَاجع إِلَى الْعلم بِأَفْعَال الْعباد وإيقاعها على الْوَجْه الَّذِي أَرَادَهُ وَقَالَ جُمْهُور السّنة بل هُوَ حَكِيم فِي خلقه وَأمره وَالْحكمَة لَيست هِيَ مُطلق الْمَشِيئَة إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ كل مُرِيد حكيما وَمَعْلُوم أَن الْإِرَادَة تَنْقَسِم إِلَى إِرَادَة محمودة ومذمومة بل الْحِكْمَة مَا فِي خلقه وَأمره من العواقب المحمودة وَأَصْحَاب القَوْل الأول كالأشعري وَمن وَافقه من الْفُقَهَاء يَقُولُونَ لَيْسَ فِي الْقُرْآن لَام التَّعْلِيل فِي أَفعَال الله بل لَيْسَ فِيهِ إِلَّا لَام الْعَاقِبَة وَأما الْجُمْهُور فَيَقُولُونَ بل لَام التَّعْلِيل دَاخِلَة فِي أَفعاله وَأَحْكَامه وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَا تتَعَلَّق بِالْإِمَامَةِ أصلا وَأكْثر أهل السّنة على إِثْبَات الْحِكْمَة وَالتَّعْلِيل فَمن أنكر ذَلِك احْتج بحجتين إِحْدَاهمَا أَن ذَلِك يلْزم التسلسل فَإِنَّهُ إِذا فعل لعِلَّة فَتلك الْعلَّة أَيْضا حَادِثَة وتفتقر إِلَى عِلّة إِن وَجب أَن يكون لكل حَادث عِلّة وَإِن عقل الإحداث بِلَا عِلّة لم يحْتَج إِلَى إِثْبَات عِلّة الثَّانِيَة أَنهم قَالُوا من فعل لعِلَّة كَانَ مستكملا بهَا لِأَنَّهُ لَو لم يكن حُصُول الْعلَّة أولى من عدمهَا لم تكن عِلّة والمتكمل بِغَيْرِهِ نَاقص بِنَفسِهِ وَذَلِكَ مُمْتَنع على الله وأوردوا على الْمُعْتَزلَة حجَّة تقطعهم على أصولهم فَقَالُوا الْعلَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الَّتِي فعل لأَجلهَا إِن كَانَ وجودهَا وَعدمهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاء امْتنع أَن تكون عِلّة وَإِن كَانَ وجودهَا أولى فَإِن كَانَت عَنهُ مُنْفَصِلَة لزم أَن تستكمل بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَت قَائِمَة بِهِ لزم أَن يكون محلا للحوادث وَأما المجوزون للتَّعْلِيل فهم متنازعون فالمعتزلة تثبت من التَّعْلِيل مَا لَا يعقل وَهُوَ فعل لعِلَّة مُنْفَصِلَة عَن الْفَاعِل مَعَ كَون وجودهَا وَعدمهَا إِلَيْهِ سَوَاء وَأما الْقَائِلُونَ بِالتَّعْلِيلِ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الله يحب ويرضى وَذَلِكَ أخص من الْإِرَادَة وَأما الْمُعْتَزلَة وَأكْثر الأشعرية فَيَقُولُونَ الْمحبَّة والرضاء والإرداة سَوَاء فجمهور السّنة يَقُولُونَ لَا يحب الْكفْر وَلَا يرضاه وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي مُرَاده كَمَا دخلت سَائِر الْمَخْلُوقَات لما فِي ذَلِك من الْحِكْمَة وَهُوَ وَإِن كَانَ شرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَاعِل فَلَيْسَ كل مَا كَانَ شرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَاعِل يكون عديم الْحِكْمَة بل لله فِي مخلوقاته حكم قد تخفى ويجيبون عَن التسلسل بجوابين أَحدهمَا أَن يُقَال هَذَا تسلسل الْحَوَادِث فِي الْمُسْتَقْبل لَا فِي الْحَوَادِث الْمَاضِيَة فَإِنَّهُ إِذا فعل فعلا لحكمة كَانَت الْحِكْمَة حَاصِلَة بعد الْفِعْل فَإِذا كَانَت تِلْكَ الْحِكْمَة يطْلب مِنْهَا حِكْمَة أُخْرَى بعْدهَا كَانَ تسلسلا فِي الْمُسْتَقْبل وَهُوَ جَائِز عِنْد جَمَاهِير الْأمة فَإِن نعيم الْجنَّة وَعَذَاب النَّار دائمان مَعَ تجدّد الْحَوَادِث فيهمَا وَإِنَّمَا أنكر ذَلِك جهم زعم أَن الْجنَّة وَالنَّار تفنيان وَأَبُو الْهُذيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 العلاف زعم أَن حركات أهل الْجنَّة وَالنَّار تَنْقَطِع ويبقون فِي سُكُون دَائِم وَذَلِكَ أَنهم اعتقدوا أَن التسلسل فِي الْحَوَادِث مُمْتَنع فِي الْمَاضِي فَفِيهِ أَيْضا قَولَانِ لأهل الْإِسْلَام فَمنهمْ من يَقُول إِن الله لم يزل متكلما إِذا شَاءَ وَلم يزل فعالا مَعَ قَوْلهم إِن كل مَا سواهُ مُحدث وَأَنه لَيْسَ فِي الْعَالم شَيْء قديم مساوق لله تَعَالَى كَمَا تَقول الفلاسفة الْقَائِلُونَ بقدم الأفلاك وَأَن الْمُبْدع عِلّة تَامَّة مُوجب بِذَاتِهِ وَهَذَا ضلال إِذْ الْعلَّة تَسْتَلْزِم معلولها وَلَا يجوز تأخرها عَنهُ والحوادث مَشْهُورَة فِي الْعَالم فَلَو كَانَ الصَّانِع مُوجبا بِذَاتِهِ عِلّة تَامَّة مستلزمة لمعلولها لما حدث شَيْء من الْحَوَادِث فِي الْوُجُود إِذْ الْحَادِث يمْتَنع أَن يكون صادرا عَن عِلّة تَامَّة أزلية فَلَو كَانَ الْعَالم قَدِيما لَكَانَ مبدعه عِلّة تَامَّة وَالْعلَّة التَّامَّة لَا يتَخَلَّف عَنْهَا شَيْء من معلولها فحدوث الْحَوَادِث دَلِيل على أَن فاعلها لَيْسَ بعلة تَامَّة وَإِذا انْتَفَت الْعلَّة التَّامَّة فِي الْأَزَل بَطل القَوْل بقدم الْعَالم لَكِن لَا يَنْفِي أَن الله لم يزل متكلما إِذا شَاءَ وَلم يزل فعالا لما يَشَاء وعمدة الفلاسفة فِي قدم الْعَالم قَوْلهم يمْتَنع حُدُوث الْحَوَادِث بِلَا سَبَب حَادث فَيمْتَنع تَقْدِير ذَات معطلة عَن الْفِعْل لم تفعل ثمَّ فعلت من غير حُدُوث سَبَب أصلا وَهَذَا لَا يدل على قدم شَيْء بِعَيْنِه إِنَّمَا يدل على أَنه لم يزل فعالا فَإِذا قدر أَنه فعال لأفعال تقوم بِنَفسِهِ أَو مفعولات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 حَادِثَة شَيْئا بعد شَيْء كَانَ ذَلِك وَفَاء بِمُوجب هَذِه الْحجَّة مَعَ القَوْل بِأَن كل مَا سوى الله كَائِن بعد أَن لم يكن قَالَ هَؤُلَاءِ فقد أخبر تَعَالَى بِأَنَّهُ (خَالق كل شَيْء) وَلَا يكون الْمَخْلُوق إِلَّا مَسْبُوقا بِالْعدمِ فَلَيْسَ شَيْء من الْمَخْلُوقَات مُقَارنًا لله كَمَا تَقوله الفلاسفة إِن الْعَالم مَعْلُول لَهُ وَهُوَ مُوجب لَهُ مفيض لَهُ وَهُوَ مُتَقَدم عَلَيْهِ بالشرف والعلية والطبع لَا بِالزَّمَانِ إِلَى أَن قَالَ الْوَجْه الثَّانِي لَا بُد أَن يكون الْفَاعِل مَوْجُودا عِنْد وجود الْمَفْعُول لَا يجوز عَدمه عِنْد ذَلِك إِذْ الْمَعْدُوم لَا يفعل مَوْجُودا وَنَفس إِيجَابه وَفعله واقتضائه وإحداثه لَا يكون ثَابتا بِالْفِعْلِ إِلَّا عِنْد وجود الْمَفْعُول فَلَو قدر أَن فعله اقْتَضَاهُ فَوجدَ بعد عَدمه لزم أَن يكون فعله وإيجابه عِنْد عدم الْمَفْعُول الْمُوجب وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالموجب لحدوث الْحَوَادِث إِذا قدر أَنه يفعل الثَّانِي بعد الأول من غير أَن تحدث لَهُ صفة يكون بهَا فَاعِلا للثَّانِي كَانَ الْمُؤثر التَّام مَعْدُوما عِنْد وجود الْأَثر وَهَذَا محَال وَالْوَاحد من النَّاس إِذا قطع مَسَافَة وَكَانَ قطعه للجزء الثَّانِي مَشْرُوطًا بِالْأولِ فَإِنَّهُ إِذا قطع الأول حصل لَهُ أُمُور تقوم بِهِ من قدرَة وَإِرَادَة وَغَيرهمَا تقوم بِذَاتِهِ بهَا يصير حَاصِلا فِي الْجُزْء الثَّانِي لَا أَنه لمُجَرّد عدم الأول صَار قَاطعا للثَّانِي فَإِذا شبهوا فعله للحوادث بِهَذَا لَزِمَهُم أَن تتجدد لله أَحْوَال تقوم بِهِ عِنْد إِحْدَاث الْحَوَادِث وَإِلَّا إِذا كَانَ هُوَ لم يَتَجَدَّد لَهُ حَال وَإِنَّمَا وجد عدم الأول فحاله قبل وَبعد سَوَاء فإختصاص أحد الْوَقْتَيْنِ بالإحداث لَا بُد لَهُ من مُخَصص وَنَفس صُدُور الْحَوَادِث لَا بُد لَهُ من فَاعل وَالتَّقْدِير أَنه على حَال وَاحِدَة من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد فَيمْتَنع مَعَ هَذَا التَّقْدِير إختصاص وَقت دون وَقت بِشَيْء مِنْهَا وَابْن سينا وَغَيره من الْقَائِلين بقدم الْعَالم بِهَذَا احْتَجُّوا على الْمُعْتَزلَة فَقَالُوا إِذا كَانَ فِي الْأَزَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 لَا يفعل وَهُوَ الْآن على حَاله فَهُوَ الْآن لَا يفعل وَقد فرض فَاعِلا هَذَا خلف وَإِنَّمَا لزم ذَلِك من تَقْدِير ذَات معطلة عَن الْفِعْل فَيُقَال لَهُم ذَا بِعَيْنِه حجَّة عَلَيْكُم فِي إِثْبَات ذَات بسيطة لَا يقوم بهَا فعل وَلَا وصف مَعَ صُدُور الْحَوَادِث عَنْهَا وَإِن كَانَت بوسائط لَازِمَة لَهَا فالوسط اللَّازِم لَهَا قديم بقدمها وَقد قَالُوا إِنَّه يمْتَنع صُدُور الْحَوَادِث عَن قديم هُوَ على حَال وَاحِدَة كَمَا كَانَ الْوَجْه الثَّالِث أَنهم قَالُوا إِن الْوَاجِب فياض دَائِم الْفَيْض وَإِنَّمَا يتخصص بعض الْأَوْقَات بالحدوث لما يَتَجَدَّد من حُدُوث الإستعداد وَالْقَبُول وحدوث الإستعداد وَالْقَبُول هُوَ سَبَب حُدُوث الحركات فَهَذَا بَاطِل إِذْ هَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر إِذا كَانَ الفعال الدَّائِم الْفَيْض لَيْسَ هُوَ الْمُحدث لإستعداد الْقبُول كَمَا تَدعُونَهُ فِي الْعقل الفعال فتقولون إِنَّه دَائِم الْفَيْض وَلَكِن يحدث إستعداد القوابل بِسَبَب حُدُوث الحركات الفلكية والإتصالات الكوكبية وَتلك لَيست صادرة عَن الْعقل الفعال وَأما فِي الْمُبْدع الأول فَهُوَ الْمُبْدع لكل مَا سواهُ فَعَنْهُ يصدر الإستعداد وَالْقَبُول إِلَى أَن قَالَ وَإِذا كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ الْفَاعِل لذَلِك كُله امْتنع أَن يكون عِلّة تَامَّة أزلية مستلزمة لمعلولها لِأَن ذَلِك يُوجب أَن يكون معلوله كُله أزليا وكل مَا سواهُ معول لَهُ فَيلْزم أَن يكون مَا سواهُ أزليا وَهَذِه مُكَابَرَة للحس وَفَسَاد هَذَا مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا عظمت حجتهم على أهل الْكَلَام المذموم الَّذين إعتقدوا أَن الرب تَعَالَى كَانَ فِي الْأَزَل يمْتَنع مِنْهُ الْفِعْل وَالْكَلَام بقدرته ومشيئته وَكَانَ حَقِيقَة قَوْلهم إِنَّه لم يكن قَادِرًا فِي الْأَزَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 على الْكَلَام وَالْفِعْل بمشيئته وَقدرته لكَون ذَلِك مُمْتَنعا لنَفسِهِ والممتنع لَا يدْخل تَحت الْمَقْدُور وَأَنه صَار قَادِرًا على الْفِعْل وَالْكَلَام بعد أَن لم يكن قَادِرًا عَلَيْهِ وَأَنه إنقلب من الإمتناع الذاتي إِلَى الْإِمْكَان الذاتي وَهَذَا قَول الْمُعْتَزلَة وَمن وافقهم والشيعة والكرامية وَأما الْكَلَام فَلَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة والمشيئة بل هُوَ شَيْء وَاحِد لَازم لذاته وَهُوَ قَول ابْن كلاب والأشعري وَقَالَ طوائف من أهل الْكَلَام وَالْفِقْه والْحَدِيث ويعزى ذَلِك إِلَى السالمية وَحَكَاهُ الشهرستاني عَن السّلف والحنابلة إِنَّه حُرُوف أَو حُرُوف وأصوات قديمَة الْأَعْيَان لَا تتَعَلَّق بمشيئته وَقدرته وَلَيْسَ هَذَا قَول جُمْهُور أَئِمَّة الْحَنَابِلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَلكنه قَول طَائِفَة مِنْهُم وَمن الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَقَالُوا دلّ الدَّلِيل على أَن دوَام الْحَوَادِث مُمْتَنع وَأَنه يجب أَن يكون للحوادث مبدأ وأنكروا حوادث لَا أول لَهَا وَقَالُوا وَجب أَن يكون كل مَا تقارنه الْحَوَادِث مُحدثا فَيمْتَنع أَن يكون الْبَارِي لم يزل فَاعِلا متكلما بمشيئته بل إمتنع أَن يكون لم يزل قَادِرًا على ذَلِك لِأَن الْقُدْرَة فِي الْمُمْتَنع ممتنعة قَالُوا وَبِهَذَا يعلم حُدُوث الْجِسْم لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث وَمَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث وَمَا فرقوا بَين مَا لَا يَخْلُو عَن نوع الْحَوَادِث وَبَين مَا لَا يَخْلُو عَن عين الْحَوَادِث فَيُقَال لَهُم الفلاسفة وَغَيرهم فَهَذَا الدَّلِيل الَّذِي أثبتم بِهِ حُدُوث الْعَالم هُوَ يدل على إمتناع حُدُوث الْعَالم فَكَانَ مَا ذكرتموه إِنَّمَا يدل على نقيض مَا قصدتموه وَذَلِكَ لِأَن الْحَادِث لَا بُد أَن يكون مُمكنا والممكن لَا يتَرَجَّح أحد طَرفَيْهِ على الآخر إِلَّا بمرجح تَامّ والإمكان لَيْسَ لَهُ وَقت مَحْدُود فَمَا من وَقت يقدر إِلَّا والإمكان ثَابت قبله فَيجب أَن الْفِعْل لم يزل مُمكنا جَائِزا فَيلْزم أَنه لم يزل الرب تَعَالَى قَادِرًا عَلَيْهِ فَيلْزم جَوَاز حوادث لَا أول لَهَا وَلَا نِهَايَة وَقَالَت الْقَدَرِيَّة والمعتزلة نَحن لَا نسلم أَن إِمْكَان الْحَوَادِث لَا بداية لَهُ لَكِن نقُول الْحَوَادِث يشْتَرط كَونهَا مسبوقة بِالْعدمِ لَا بداية لَهَا وَذَلِكَ لِأَن الْحَوَادِث عندنَا يمْتَنع أَن تكون قديمَة النَّوْع بل يجب حُدُوث نوعها لَكِن لَا يجب الْحُدُوث فِي وَقت بِعَيْنِه فالحوادث يشْتَرط كَونهَا مسبوقة بالعدو لَا أول لَهَا بِخِلَاف جنس الْحَوَادِث إِلَى أَن قَالَ هَل لِإِمْكَان الْحَوَادِث إنتهاء أم لَا فَكَمَا أَن هَذَا يسْتَلْزم الْجمع بَين النقيضين فِي النِّهَايَة فَكَذَلِك الأول يسْتَلْزم الْجمع بَين النقيضين فِي الْبِدَايَة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 أَن قَالَ والقادر الْمُخْتَار هُوَ الَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن إِلَى أَن قَالَ وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الفلاسفة إِن جوزوا حوادث بِلَا سَبَب حَادث بطلت عمدتهم فِي قدم الْعَالم وَإِن منعُوا ذَلِك إمتنع خلو الْعَالم عَن الْحَوَادِث وهم لَا يسلمُونَ أَنه لم يخل من الْحَوَادِث وَإِذا كَانَ كل مَوْجُود معِين من مرادات الْخَالِق مُقَارنًا للحوادث مستلزما لَهَا إمتنع إِرَادَته دون إِرَادَة لوازمه الَّتِي لَا يَنْفَكّ عَنْهَا وَالله رب كل شَيْء وخالقه فَيمْتَنع أَن يكون بعض ذَلِك بإرادته وَبَعضه بِإِرَادَة غَيره بل الْجَمِيع بإرادته وَحِينَئِذٍ فالإرادة الأزلية إِمَّا أَن لَا تكون مستلزمة لمقارنة المُرَاد وَإِمَّا أَن تكون كَذَلِك فَإِن كَانَ الأول لزم أَن يكون المُرَاد ولوازمه قديمَة أزلية والحوادث لَازِمَة لكل مَصْنُوع فَوَجَبَ أَن تكون مُرَادة لَهُ وَأَن تكون أزلية إِذْ التَّقْدِير أَن المُرَاد مُقَارن للإرادة فَيلْزم أَن تكون جَمِيع الْحَوَادِث المتعاقبة قديمَة أزلية وَهَذَا مُمْتَنع لذاته وَإِن قيل إِن الْإِرَادَة الْقَدِيمَة لَيست مستلزمة لمقارنة مرادها لَهَا لم يجب أَن يكون المُرَاد قَدِيما أزليا وَلَا يجوز أَن يكون حَادِثا لِأَن حُدُوثه بعد أَن لم يكن يفْتَقر إِلَى سَبَب حَادث كَمَا تقدم وَإِن كَانَ أَن يُقَال إِن الْحَوَادِث تحدث بالإرادة الْقَدِيمَة من غير تجدّد أَمر من الْأُمُور كَمَا يَقُوله كثير من الأشعرية والكرامية وَمن وافقهم من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد كَانَ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 مُبْطلًا لحجة هَؤُلَاءِ الفلاسفة على قدم الْعَالم فَإِن أصل حجتهم أَن الْحَوَادِث لَا تحدث إِلَّا بِسَبَب حَادث فَإِذا جوزوا حدوثها عَن الْقَادِر الْمُخْتَار بِلَا حَادث أَو جوزوا حدوثها بالإرادة الْقَدِيمَة بطلت عمدتهم وهم لَا يجوزون ذَلِك وأصل هَذَا الدَّلِيل أَنه لَو كَانَ شَيْء من الْعَالم قَدِيما للَزِمَ أَن يكون صدر عَن مُؤثر تَامّ سَوَاء سمى عِلّة تَامَّة أَو مُوجبا بِالذَّاتِ أَو قيل إِنَّه قَادر مُخْتَار وإختياره أزلي مُقَارن لمراده وسر ذَلِك أَن مَا كَانَ كَذَلِك لزم أَن يقارنه أَثَره الْمُسَمّى معلولا أَو مرَادا أَو مُوجبا بِالذَّاتِ أَو مبدعا أَو غير ذَلِك من الْأَسْمَاء لَكِن مُقَارنَة ذَلِك لَهُ فِي الْأَزَل تَقْتَضِي أَن لَا يحدث عَنهُ شَيْء بعد أَن لم يكن حَادِثا وَلَو لم يكن كَذَلِك لم يكن للحوادث فَاعل بل كَانَت حَادِثَة بِنَفسِهَا لَا سِيمَا قَول من يَقُول إِن الْعَالم صدر عَن ذَات بسيطة لَا تقوم بهَا صفة وَلَا فعل كإبن سينا وَغَيره إِلَى أَن قَالَ شَيخنَا وَإِنَّمَا الْقَصْد هُنَا التَّنْبِيه على أصل مَسْأَلَة التَّعْلِيل فَإِن هَذَا المبتدع أَخذ يشنع على أهل السّنة بمسائل لَا يذكر حَقِيقَتهَا وَلَا أدلتها وينقلها على الْوَجْه الْفَاسِد وَمَا يَنْقُلهُ عَن أهل السّنة خطأ أَو كذب عَلَيْهِم أَو على كثير مِنْهُم وَمَا صدق فِيهِ فَقَوْلهم فِيهِ خير من قَوْله فَإِن غَالب شناعته هُنَا على الأشعرية وهم خير من الْمُعْتَزلَة والرافضة وَيَقُولُونَ لَهُم لما كَانَ هَذَا الدَّلِيل عمدتكم إستطال عَلَيْكُم الدهرية والفلاسفة وَابْن سينا وَهَذَا الدَّلِيل منَاف فِي الْحَقِيقَة لحدوث الْعَالم لَا مُسْتَلْزم لَهُ فَإِذا كَانَ هَذَا الْحَادِث لَا بُد لَهُ من سَبَب حَادث وَكَانَ هَذَا الدَّلِيل مستلزما لحدوث بِلَا سَبَب لزم أَن لَا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الله أحدث شَيْئا وَإِذا جَوَّزنَا تَرْجِيح أحد طرفِي الْمُمكن بِلَا مُرَجّح أنسد طَرِيق إِثْبَات الصَّانِع الَّذِي سلكتموه وَيَقُولُونَ أَيْضا للمعتزلة أَنْتُم مَعَ هَذَا عللتم أَفعَال الله بعلل حَادِثَة فَيُقَال لكم هَل توجبون للحوادث سَببا حَادِثا أم لَا فَإِن قُلْتُمْ نعم لزم تسلسل الْحَوَادِث وَبَطل مَا ذكرتموه وَإِن لم توجبوا ذَلِك قيل لكم وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا غَايَة حَادِثَة بعْدهَا إِذْ الْفَاعِل الْمُحدث لَا بُد لفعله من سَبَب وَلَا بُد لَهُ من غَايَة فَإِن قُلْتُمْ لَا سَبَب لإحداثه قيل لكم وَلَا غَايَة مَطْلُوبَة لَهُ بِالْفِعْلِ فَإِن قُلْتُمْ لَا يعقل فَاعل لَا يُرِيد حِكْمَة إِلَّا وَهُوَ عابث قيل لكم وَلَا يعقل فَاعل يحدث شَيْئا بِغَيْر سَبَب حَادث أصلا بل ذَا أَشد إمتناعا فِي الْعقل من ذَاك فَقَوْل من يَقُول إِنَّه يفعل لمحض الْمَشِيئَة بِلَا عِلّة خير من قَوْلكُم فِي حكمته فَإِن هَذَا سلم من التسلسل وَسلم من كَونه يفعل لحكمة مُنْفَصِلَة عَنهُ والمعتزلة تسلم لَهُ إمتناع التسلسل وَأما من قَالَ بِالتَّعْلِيلِ من أهل السّنة والْحَدِيث فقد سلم من هَذَا وَهَذَا وَأما قَوْلك جوزوا عَلَيْهِ فعل الْقَبِيح والإخلال بِالْوَاجِبِ فَمَا قَالَ مُسلم قطّ إِن الله يفعل قبيحا أَو يخل بِوَاجِب وَلَكِنَّكُمْ معشر النفاة للقدر توجبون على الله من جنس مَا يجب على الْعباد وتحرمون عَلَيْهِ مَا يحرم عَلَيْهِم فتقيسونه على خلقه فَأنْتم مشبهة للأفعال فَأَما المثبتون للقدر من السّنة والشيعة فمتفقون على أَن الله تَعَالَى لَا يُقَاس بِنَا فِي أَفعاله كَمَا لَا يُقَاس بِنَا فِي ذَاته وَصِفَاته فَلَيْسَ مَا وَجب علينا أَو حرم علينا يجب أَو يحرم عَلَيْهِ وَلَا مَا قبح منا قبح مِنْهُ وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وعد بِشَيْء كَانَ وُقُوعه وَاجِبا بِحكم وعده لقَوْله تَعَالَى {إِن الله لَا يخلف الميعاد} وَكَذَا لَا يعذب أنبياءه وَلَا أولياءه بل يدخلهم جنته كَمَا أخبر لَكِن تنازعوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن الْعباد هَل يعلمُونَ بعقولهم حسن بعض الْأَفْعَال ويعلمون أَن الله متصف بِفِعْلِهِ ويعلمون قبح بعض الْأَفْعَال ويعلمون أَن الله منزه عَنهُ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن الْعقل لَا يعلم بِهِ حسن وَلَا قبح أما فِي حق الله فَلِأَن الْقَبِيح مِنْهُ مُمْتَنع لذاته وَأما فِي حق الْعباد فَلِأَن الْحسن والقبح لَا يثبت إِلَّا بِالشَّرْعِ قَالَه الإشعرية وَكثير من الْفُقَهَاء وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 لَا ينازعون فِي الْحسن والقبح إِذا فسر بِمَعْنى الملائم والمنافى أَنه قد يعلم بِالْعقلِ وَكَذَا لَا يُنَازع كثير مِنْهُم فِي أَنه إِذا عني بِهِ كَون الشَّيْء صفة كَمَال أَو صفة نقص أَنه يعلم بِالْعقلِ الثَّانِي أَن الْعقل قد يعلم بِهِ حسن كثير من الْأَفْعَال وقبحها فِي حق الله تَعَالَى وَحقّ عباده وَهَذَا مَعَ أَنه قَول الْمُعْتَزلَة فَهُوَ قَول الكرامية وَجُمْهُور الْحَنَفِيَّة وَقَول أبي بكر الْأَبْهَرِيّ الْمَالِكِي وَأبي الْحسن التَّمِيمِي وَأبي الْخطاب الكلواذي من الْحَنَابِلَة وَذكر أَبُو الْخطاب أَنه قَول أَكثر أهل الْعلم وَهُوَ وَقَول أبي نصر السجْزِي وَسعد الزنجاني من الْمُحدثين وَقد تنَازع الْأَئِمَّة فِي الْأَعْيَان قبل وُرُود السّمع فَقَالَت الْحَنَفِيَّة وَكثير من الشَّافِعِيَّة والحنابلة أَنَّهَا على الْإِبَاحَة مثل ابْن سُرَيج وَابْن إِسْحَاق الْمَرْوذِيّ وَأبي الْحسن التَّمِيمِي وَأبي الْخطاب وَقَالَت طَائِفَة كَأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَابْن حَامِد وَالْقَاضِي أبي يعلى إِنَّهَا على الْحَظْر مَعَ أَن خلقا يَقُولُونَ إِن الْقَوْلَيْنِ لَا يصحان إِلَّا على أَن الْعقل يحسن ويقبح فَمن قَالَ إِنَّه لَا يعرف بِالْعقلِ حكم إمتنع أَن يصفها قبل الشَّرْع بِشَيْء كَمَا قَالَه الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو الْحسن الْجَزرِي وَأَبُو بكر الصَّيْرَفِي وَابْن عقيل وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تنازعوا هَل يُوصف الله بِأَنَّهُ أوجب على نَفسه وَحرم عَلَيْهَا أَو لَا معنى للْوُجُوب إِلَّا إخْبَاره بِوُقُوعِهِ وَلَا معنى للتَّحْرِيم إِلَّا إخْبَاره بِعَدَمِ وُقُوعه فَقَالَت طَائِفَة بالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ قَول من يُطلق أَن الله لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يحرم عَلَيْهِ شَيْء وَقَالَت طَائِفَة بل هُوَ أوجب على نَفسه وَحرم كَقَوْلِه تَعَالَى {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ} وَفِي الحَدِيث يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي أما أننا نوجب عَلَيْهِ أَو نحرم عَلَيْهِ فَلَا فَمن قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ وَلَا يحرم أمتنع عِنْده أَن يكون فَاعِلا لقبيح أَو مخلا بِوَاجِب وَمن قَالَ هُوَ أوجب على نَفسه أَو حرم عَلَيْهَا بإخباره إيانا فاتفقوا على أَنه لَا يخل بِمَا إلتزمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَلَكِنَّك سلكت مَسْلَك أمثالك تحكي الشَّيْء بطرِيق الْإِلْزَام وَتقول أهل السّنة مَا لم يقولوه فاستنبطت من قَوْلهم لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يقبح مِنْهُ شَيْء مَا ادعيت عَلَيْهِم أَي يفعل مَا هُوَ قَبِيح عنْدك وَأَيْضًا فَأهل السّنة يَقُولُونَ بِإِثْبَات الْقدر ويصرحون بِأَنَّهُ مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَأَن الْهَدْي تفضل مِنْهُ وَأَنْتُم تَقولُونَ إِنَّه يجب عَلَيْهِ أَن يفعل بِكُل عبد مَا تظنونه وَاجِبا عَلَيْهِ وَيحرم عَلَيْهِ ضد ذَلِك فأوجبتم عَلَيْهِ أَشْيَاء وحرمتهم عَلَيْهِ أَشْيَاء وَهُوَ لم يُوجِبهَا على نَفسه وَلَا علم وُجُوبهَا عَلَيْهِ بشرع وَلَا عقل ثمَّ تحكون عَن من لم يُوجِبهَا أَنه يَقُول إِن الله يخل بِالْوَاجِبِ وَهَذَا تلبيس وَأما قَوْلك ذَهَبُوا إِلَى أَنه لَا يفعل لغَرَض وَلَا لحكمة الْبَتَّةَ فَيُقَال أما تَعْلِيل أَفعاله وَأَحْكَامه بالحكم فَفِيهِ قَولَانِ لِأَن السّنة وَالْغَالِب على الْعلمَاء عِنْد الْكَلَام فِي الْفِقْه التَّعْلِيل وَأما فِي الْأُصُول فَمنهمْ من يُصَرح بِالتَّعْلِيلِ وَأما الْغَرَض فالمعتزلة تصرح بِهِ وهم من الْقَائِلين بإمامة الشَّيْخَيْنِ وَأما الْفُقَهَاء وَنَحْوهم فَهَذَا اللَّفْظ يشْعر عِنْدهم بِنَوْع من النَّقْص فَلَا يطلقونه فَإِن كثيرا من النَّاس إِذا قيل لَهُم فلَان لَهُ غَرَض أَو فعل لغَرَض أَرَادوا أَنه يفعل بهوى أَو مُرَاد مَذْمُوم وَالله منزه عَن ذَلِك وَأما قَوْلك يفعل الظُّلم والعبث فَمَا قَالَ بهَا مُسلم تَعَالَى الله عَن ذَلِك بل يَقُولُونَ خلق أَفعَال عباده إِذْ قَالَ {هُوَ خَالق كل شَيْء} الَّتِي هِيَ ظلم من فاعلها لَا هِيَ ظلم من خَالِقهَا كَمَا أَنه إِذا خلق عِبَادَتهم وحجهم وصومهم لم يكن هُوَ حَاجا وَلَا صَائِما وَلَا عابدا وَكَذَا إِذا خلق جوعهم لم يسم جائعا فَالله تَعَالَى إِذا خلق فِي مَحل صفة أَو فعلا لم يَتَّصِف هُوَ بِتِلْكَ الصّفة وَلَا بذلك الْفِعْل وَلَو كَانَ كَذَلِك لَا تصف بِكُل مَا خلقه من الْأَعْرَاض وَهنا زلت الْمُعْتَزلَة وأتباعهم الَّذين قَالُوا لَيْسَ لله كَلَام إِلَّا مَا خلقه فِي غَيره وَلَيْسَ لَهُ فعل إِلَّا مَا كَانَ مُنْفَصِلا عَنهُ فَلَا يقوم بِهِ عِنْدهم لَا قَول وَلَا فعل بل جعلُوا كَلَامه الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 كلم بِهِ مَلَائكَته وَرُسُله وأنزله على أنبيائه هُوَ مَا خلقه فِي غَيره فَقيل لَهُم الصّفة إِذا قَامَت بِمحل عَاد حكمهَا على ذَلِك الْمحل لَا عَليّ غَيره فَإِذا خلق حَرَكَة فِي مَحل كَانَ هُوَ المتحرك لَا خَالق الْحَرَكَة وَكَذَلِكَ إِذا خلق لونا أَو ريحًا أَو علما أَو قدرَة فِي مَحل كَانَ هُوَ المتلون والمتروح والقادر والعالم لَا خَالق ذَلِك فَكَذَلِك إِذا خلق كلَاما فِي مَحل كَانَ الْمحل هُوَ الْمُتَكَلّم بذلك الْكَلَام واحتجت الْمُعْتَزلَة بالأفعال فَقَالُوا كَمَا أَنه عَادل محسن بِعدْل وإحسان يقوم بخلقه فَكَذَلِك الْكَلَام فَكَانَ هَذَا حجَّة على من سلم الْأَفْعَال لَهُم كالأشعرية فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدهم فعل يقوم بِهِ بل يَقُول الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق لَا غَيره وَهُوَ قَول طَائِفَة من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَكِن الْجُمْهُور يَقُولُونَ الْخلق غير الْمَخْلُوق وَهُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَهَذَا ذكره عَن أهل السّنة وَلما قَالَ الْأَشْعَرِيّ هَذَا لزمَه أَن يَقُول إِن أَفعَال الْعباد فعل الله إِذْ كَانَ فعله عِنْده مَفْعُوله فَجعل أَفعَال الْعباد فعلا لله وَلم يقل هِيَ فعلهم إِلَّا عَليّ الْمجَاز بل يَقُول هِيَ كسبهم وَفسّر الْكسْب بِأَنَّهُ مَا حصل فِي مَحل الْقُدْرَة المحدثة مَقْرُونا بهَا وَأكْثر النَّاس زيفوا هَذَا وَقَالُوا عجائب الْكَلَام ثَلَاثَة طفرة النظام وأحوال أبي هَاشم وَكسب الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ جُمْهُور السّنة أَفعَال الْعباد فعل لَهُم حَقِيقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَهُوَ قَول آخر للأشعري وقولك إِنَّهُم يَقُولُونَ إِنَّه لَا يفعل الْأَصْلَح لِعِبَادِهِ بل مَا هُوَ الْفساد كَفعل الْمعاصِي وَالْكفْر وَأَن ذَلِك مُسْند إِلَيْهِ تَعَالَى الله عَن ذَلِك قُلْنَا إِن هَذَا قَول بعض السّنة كَمَا أَنه قَول لطائفة من الشِّيعَة وَجُمْهُور أَئِمَّة السّنة لَا يَقُولُونَ مَا ذكرت بل يَقُولُونَ إِنَّه تَعَالَى خَالق كل شَيْء وربه ومليكه فَهُوَ خَالق الْعباد وحركاتهم وعباداتهم وإراداتهم والقدرية ينفون عَن ملكه خِيَار مَا فِي ملكه وَهُوَ طَاعَة مَلَائكَته وأنبيائه وأوليائه فَيَقُولُونَ لم يخلقها وَلَا يقدر أَن يسْتَعْمل العَبْد فِيهَا وَلَا يلهمه إِيَّاهَا وَلَا يقدر أَن يهدي أحدا وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول {رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} وَقَالَ {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة} وَأما كَونه لَا يفعل مَا هُوَ الْأَصْلَح لَهُم فَذَهَبت طَائِفَة مِمَّن أَثْبَتَت الْقدر إِلَى ذَلِك وَقَالُوا خلقه وَأمره مُتَعَلق بمحض الْمَشِيئَة لَا يتَوَقَّف على مصلحَة وَذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَنه إِنَّمَا أَمر الْعباد بِمَا فِيهِ صَلَاحهمْ ونهاهم عَمَّا فِيهِ فسادهم وَأرْسل الرُّسُل للْمصْلحَة الْعَامَّة وَإِن كَانَ فِي ذَلِك ضَرَر على بعض النَّاس فَفِيهِ حكم وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث والتصوف والكرامية وَيَقُولُونَ وَإِن كَانَ فِي بعض مَا يخلقه مَا فِيهِ ضَرَر كالذنوب فَلَا بُد فِي ذَلِك من حِكْمَة ومصلحة لأَجلهَا خلقه الله وَهَذَا الَّذِي أوردته لَيْسَ من كيس شيوخك الرافضة بل هُوَ من الْمُعْتَزلَة ردوا بِهِ على الأشعرية الَّذين بالغوا فِي مسَائِل الْقدر حَتَّى نسبوا إِلَى الْجَبْر وأنكروا الطبائع والقوى الَّتِي فِي الْحَيَوَان وَأَن يكون للمخلوقات حِكْمَة وَعلة وَلِهَذَا قيل إِنَّهُم أَنْكَرُوا أَن يكون الله يفعل مَا يفعل لجلب مَنْفَعَة لِعِبَادِهِ أَو دفع مضرَّة وهم لَا يَقُولُونَ إِنَّه لَا يفعل مصلحَة بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 يَقُولُونَ إِن ذَلِك لَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ إِنَّه لَا يفعل شَيْئا لأجل شَيْء بل لمحض الْإِرَادَة وقولك إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الْمُطِيع لَا يسْتَحق ثَوابًا والعاصي لَا يسْتَحق عقَابا بل قد يعذب النَّبِي وَيرْحَم إِبْلِيس فَهُوَ فِرْيَة على أهل السّنة وَمَا فيهم من يَقُول إِنَّه يعذب نَبيا وَلَا أَنه يثيب إِبْلِيس بل قَالُوا يجوز أَن يعْفُو عَن المذنب وَأَن يخرج أهل الْكَبَائِر من النَّار فَلَا يخلد فِيهَا من أهل التَّوْحِيد أحدا وَأما الإستحقاق فهم يَقُولُونَ إِن العَبْد لَا يسْتَحق بِنَفسِهِ على الله شَيْئا وَيَقُولُونَ إِنَّه لَا بُد أَن يثيب المطيعين كَمَا وعد فَإِن الله لَا يخلف وعده وَأما إِيجَاب ذَلِك على نَفسه وَإِمْكَان معرفَة ذَلِك بِالْعقلِ فَهَذَا فِيهِ نزاع لَكِن لَو قدر أَنه عذب من يَشَاء لم يكن لأحد مَنعه كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل فَمن يملك من الله شَيْئا إِن أَرَادَ أَن يهْلك الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَأمه وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا} وَهُوَ تَعَالَى لَو ناقش من ناقشه من خلقه لعذبه كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نُوقِشَ الْحساب عذب وَقَالَ لن يدْخل أحد مِنْكُم الْجنَّة بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته وَالتَّحْقِيق أَنه قدر أَن الله عذب أحدا فَلَا يعذبه إِلَّا بِحَق لِأَنَّهُ يتعالى عَن الظُّلم وقولك إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الْأَنْبِيَاء غير معصومين فَبَاطِل بل اتَّفقُوا على عصمتهم فِيمَا يبلغونه وَهُوَ مَقْصُود الرسَالَة وَقد يَقع مِنْهُم الذَّنب وَلَا يقرونَ عَلَيْهِ وَلَا يقرونَ على خطأ وَلَا فسق أصلا فهم منزهون عَن كل مَا يقْدَح فِي نبوتهم وَعَامة الْجُمْهُور الَّذين يجوزون عَلَيْهِم الصَّغَائِر يَقُولُونَ إِنَّهُم معصومون من الْإِقْرَار عَلَيْهَا وَقد كَانَ دَاوُد بعد التَّوْبَة أفضل مِنْهُ قبلهَا وَإِن العَبْد ليفعل السَّيئَة فَيدْخل بهَا الْجنَّة وَلَكِن الرافضة أشبهت النَّصَارَى فَإِن الله أَمر بِطَاعَة الرُّسُل فِيمَا أمروا وتصديقهم فِيمَا أخبروا وَنهى الْخلق عَن الغلو والإشراك فبدلت النَّصَارَى وغلوا فِي الْمَسِيح حَتَّى أشركوا بِهِ وبدلوا دينه فعصوه فصاروا عصاة بمعصيته وخارجين عَن الدّين بالغوا فِيهِ والرافضة غلت فِي الرُّسُل وَالْأَئِمَّة حَتَّى اتخذوهم أَرْبَابًا وكذبوا النَّص فِيمَا أخبروا بِهِ من تَوْبَة الْأَنْبِيَاء وإستغفارهم فتراهم يعطلون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الْمَسَاجِد من الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ويعظمون الْمشَاهد المتخذة على الْقُبُور فيعكفون عَلَيْهَا ويحجون إِلَيْهَا حَتَّى مِنْهُم من يَجْعَل الْحَج إِلَيْهَا أعظم من حج الْبَيْت وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد يحذر مَا فعلوا وَقَالَ إِن من شرار النَّاس من تُدْرِكهُمْ السَّاعَة وهم أَحيَاء وَالَّذين يتخذون الْقُبُور مَسَاجِد رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تجْعَل قَبْرِي وثنا يعبد اشْتَدَّ غضب الله على قوم إتخذوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَقد صنف شيخكم الْمُفِيد كتابا سَمَّاهُ حج الْمشَاهد جعل قُبُور المخلوقين تحج كَمَا يحجّ الْبَيْت وقولك إِن أهل السّنة يَقُولُونَ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينص على إِمَامَة أحد وَإنَّهُ مَاتَ عَن غير وَصِيَّة فَهَذَا لَيْسَ قَول جَمِيعهم بل ذهب من أهل السّنة جمَاعَة أَن إِمَامَة أبي بكر ثبتَتْ بِالنَّصِّ وَذكر فِي ذَلِك أَبُو يعلى رِوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد إِحْدَاهمَا أَنَّهَا ثبتَتْ بالإختيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَالثَّانيَِة أَنَّهَا ثبتَتْ بِالنَّصِّ الْخَفي وَالْإِشَارَة وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَبكر ابْن أُخْت عبد الْوَاحِد وَبَعض الْخَوَارِج قَالَ ابْن حَامِد الدَّلِيل على إِثْبَات خلَافَة الصّديق بِالنَّصِّ مَا أسْندهُ البُخَارِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ أَتَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا أَن ترجع إِلَيْهِ فَقَالَت أَرَأَيْت إِن جِئْت وَلم أجدك كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْت قَالَ إِن لم تجديني فَأتى أَبَا بكر وَذكر أَحَادِيث وَقَالَ وَذَلِكَ نَص على إِمَامَته قَالَ وَحَدِيث حُذَيْفَة اقتدوا بالذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وروى عَليّ بن زيد بن جدعَان عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا أَيّكُم رأى رُؤْيا فَقلت أَنا يَا رَسُول الله رَأَيْت كَأَن ميزانا دُلي من السَّمَاء فوزنت بِأبي بكر فرجحت بِأبي بكر ثمَّ وزن أَبُو بكر بعمر فرجح أَبُو بكر ثمَّ وزن عمر بعثمان فرجح عمر ثمَّ رفع الْمِيزَان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلَافَة نبوة ثمَّ يُؤْتِي الله الْملك من يَشَاء رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده قَالَ وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى اللَّيْلَة رجل صَالح أَن أَبَا بكر نيط برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونيط عمر بِأبي بكر ونيط عُثْمَان بعمر قَالَ جَابر فَلَمَّا قمنا من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَا أما الصَّالح فَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما نوط بَعضهم بِبَعْض فهم وُلَاة هَذَا الْأَمر الَّذِي بعث الله بِهِ نبيه قَالَ وَمن ذَلِك حَدِيث صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَوْم الَّذِي بَدَأَ بِهِ وَجَعه فَقَالَ ادّعى لي أَبَاك واخاك حَتَّى أكتب لأبي بكر كتابا ثمَّ قَالَ يأبي الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر وَهَذَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما ثقل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ادّعى لي عبد الرَّحْمَن بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 بكر لأكتب لأبي بكر كتابا لَا يخْتَلف عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ معَاذ الله أَن يخْتَلف الْمُؤْمِنُونَ فِي أبي بكر ثمَّ أورد أَحَادِيث تَقْدِيمه فِي الصَّلَاة وَأَحَادِيث أُخْرَى لَا تصح قَالَ ابْن حزم اخْتلفُوا فِي الْإِمَامَة فَقَالَت طَائِفَة إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْتَخْلف وَقَالَت طَائِفَة لما اسْتخْلف أَبَا بكر على الصَّلَاة كَانَ دَلِيلا على أَنه أولاهم بِالْإِمَامَةِ والخلافة وَقَالَ بَعضهم لَا وَلَكِن كَانَ أثبتهم فضلا فقدموه وَقَالَت طَائِفَة بل نَص الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على إستخلاف أبي بكر بعده نصا جليا وَبِه نقُول لبراهين أَحدهَا إطباق النَّاس كلهم الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم {أُولَئِكَ هم الصادقون} فقد اتّفق الْمَشْهُود لَهُم بِالصّدقِ على تَسْمِيَته خَليفَة رَسُول الله وَمعنى الْخَلِيفَة فِي اللُّغَة هُوَ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ الْمَرْء لَا الَّذِي يخلفه بِدُونِ إستخلاف لَا يجوز غير هَذَا الْبَتَّةَ فِي اللُّغَة يُقَال إستخلف فلَان فلَانا فَهُوَ خَلِيفَته ومستخلفه فَإِن قَامَ مَكَانَهُ دون أَن يستخلفه لم يقل إِلَّا خلف فلَان فلَانا يخلفه فَهُوَ خَالف ومحال أَن يعنوا بذلك الإستخلاف على الصَّلَاة لِأَن أَبَا بكر لم يسْتَحق هَذَا الإسم على الْإِطْلَاق فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتبين أَنَّهَا غير خلَافَة الصَّلَاة الثَّانِي أَن كل من اسْتَخْلَفَهُ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كعلي فِي غَزْوَة تَبُوك وَابْن أم مَكْتُوم فِي غَزْوَة الخَنْدَق وَعُثْمَان فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع وَسَائِر من اسْتَخْلَفَهُ على الْيمن أَو الْبَحْرين وَغير ذَلِك لم يسْتَحق أحد مِنْهُم هَذَا الْإِطْلَاق فصح يَقِينا أَنَّهَا الْخلَافَة بعده على الْأمة وَمن الْمحَال أَن يجمعوا على ذَلِك وَهُوَ لم يستخلفه نصا وَأَيْضًا فَإِن الرِّوَايَة صحت أَن امْرَأَة قَالَت يَا رَسُول الله إِن رجعت فَلم أجدك كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْت قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فَأتى أَبَا بكر قَالَ ابْن حزم وَهَذَا نَص جلي على إستخلاف أبي بكر وَثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي مَرضه لقد هَمَمْت أَن أبْعث إِلَى أَبِيك وأخيك وأكتب كتابا وأعهد عهدا لكيلا يَقُول قَائِل أَنا أَحَق أَو يتَمَنَّى متمن ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر فَهَذَا نَص على إستخلاف أبي بكر على الْأمة بعده قلت بل هُوَ نَص على عدم إستخلافه إِيَّاه وَإِنَّمَا يدل على أَنه رَضِي بِأَن يكون الْخَلِيفَة من بعده وَعلم أَن الْأمة تَجْتَمِع عَلَيْهِ من بعده فَسكت عَن النَّص الْجَلِيّ وَاكْتفى بِمَا يجمع الله عَلَيْهِ أمته قَالَ وَحجَّة من قَالَ لم يستخلفه قَول عمر إِن أستخلف فقد إستخلف من هُوَ خير مني يَعْنِي أَبَا بكر وَإِن أترك فقد ترك من هُوَ خير مني يَعْنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِمَا روى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذا سُئِلت من كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخلفا لَو إستخلف قَالَت أَبُو بكر قَالَ ابْن حزم لَا يُعَارض قَول عمر وَعَائِشَة إِجْمَاع الصَّحَابَة والحديثين المسندين وَقد خَفِي على عمر وَعَائِشَة ذَلِك وأرادا إستخلافا بِعَهْد مَكْتُوب إِلَى أَن قَالَ شَيخنَا ابْن تَيْمِية وَلَا حجَّة للشيعة فِي القَوْل بِالنَّصِّ فالرواندية تَقول بِالنَّصِّ على الْعَبَّاس كَمَا قَالَت الإمامية بِالنَّصِّ على عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى ذهب حماعة من الرواندية إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَص على الْعَبَّاس بِعَيْنِه وأعلن ذَلِك وَأَن الْأمة كفرت بِهَذَا النَّص وارتدت وعاندت وَمِنْهُم من قَالَ بِالنَّصِّ على الْعَبَّاس وَولده إِلَى أَن تقوم السَّاعَة وروى ابْن بطة بِإِسْنَادِهِ عَن الْمُبَارك بن فضَالة قَالَ سَمِعت الْحسن يحلف بِاللَّه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إستخلف أَبَا بكر وعمدة الْقَائِلين بِالنَّصِّ الْجَلِيّ على أبي بكر تَسْمِيَة الصَّحَابَة لَهُ خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا إِنَّمَا يُقَال ذَلِك لمن إستخلفه غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 واعتقدوا أَن الفعيل بِمَعْنى الْمَفْعُول وَلَيْسَ كَذَلِك بل يُقَال لمن إستخلفه غَيره خَليفَة فلَان وَلمن خلف غَيره أَيْضا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جهز غازيا فقد غزا وَمن خَلفه فِي أَهله بِخَير فقد غزا هَذَا صَحِيح وَصَحَّ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أَنْت الصاحب فِي السّفر والخليفة فِي الْأَهْل وَقَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف الأَرْض} وَقَالَ {ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ خلائف فِي الأَرْض من بعدهمْ} وَقَالَ {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} وَقَالَ {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض} أَي خَليفَة عَمَّن قبلك لَا أَنه خَليفَة عَن الله كَمَا يَقُوله بعض الإتحادية وَأَنه من الله كإنسان الْعين من الْعين وَأَنه الْجَامِع لأسماء الله الْحسنى وَذكروا قَوْله تَعَالَى {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} وَأَنه مثل الله تَعَالَى الله عَن المثلية فَإِن الله لَا يخلفه غَيره فَإِن الْخلَافَة إِنَّمَا تكون عَن غَائِب وَهُوَ سُبْحَانَهُ شَهِيد مُدبر لخلقه وَهُوَ سُبْحَانَهُ يخلف عَبده إِذا غَابَ عَن أَهله ويروى أَن أَبَا بكر قيل لَهُ يَا خَليفَة الله قَالَ بل أَنا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحسبي ذَلِك وَمِمَّا احْتج بِهِ من قَالَ إِن خلَافَة أبي بكر بِنَصّ خَفِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّابِت عَنهُ رَأَيْت كَأَنِّي على قليب أنزع مِنْهَا فَأَخذهَا ابْن أبي قُحَافَة فَنزع ذنوبا أَو ذنوبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَفِي نَزعه ضعف وَالله يغْفر لَهُ ثمَّ أَخذهَا ابْن الْخطاب فاستحالت غربا فَلم أر عبقريا من النَّاس يفري فِرْيَة حَتَّى صدر النَّاس بِعَطَن وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروا أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فصلى بِالنَّاسِ مُدَّة مَرضه إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كشف ستر الْبَاب يَوْم مَاتَ وهم يصلونَ خلف أبي بكر فسر بذلك وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كنت متخذا من أهل الأَرْض خَلِيلًا لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد خوخة إِلَّا سدت إِلَّا خوخة أبي بكر وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث الْأَشْعَث عَن الْحسن عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَات يَوْم من رأى مِنْكُم رُؤْيا فَقَالَ رجل أَنا رَأَيْت كَأَن ميزانا نزل من السَّمَاء فوزنت أَنْت وَأَبُو بكر فرجحت ثمَّ وزن أَبُو بكر وَعمر فرجح أَبُو بكر الحَدِيث وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابْن جدعَان عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكرَة عَن أَبِيه نَحوه وَفِيه فَقَالَ خلَافَة نبوة ثمَّ يُؤْتِي الله الْملك من يَشَاء وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عَمْرو بن أبان عَن جَابر أَنه كَانَ يحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرى اللَّيْلَة رجل صَالح أَن أَبَا بكر نيط يَعْنِي علق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونيط عمر بِأبي بكر ونيط عُثْمَان بعمر قَالَ فَلَمَّا قمنا من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَا أما الرجل الصَّالح فَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما نوط بَعضهم بِبَعْض فهم وُلَاة هَذَا الْأَمر الَّذِي بعث الله بِهِ نبيه وَأخرج من حَدِيث حَمَّاد بن سلْعَة عَن الْأَشْعَث بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن سَمُرَة أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله رَأَيْت كَأَن دلوا دُلي من السَّمَاء فجَاء أَبُو بكر فَأخذ بعراقيها فَشرب شربا ضَعِيفا ثمَّ جَاءَ عمر فَأخذ بعراقيها حَتَّى تضلع ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 جَاءَ عُثْمَان فَأخذ بعراقيها فَشرب حَتَّى تضلع ثمَّ جَاءَ عَليّ فَأخذ بعراقيها فانتشطت فانتضح عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء وَعَن سعيد بن جمْهَان عَن سفينة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلَافَة النُّبُوَّة ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ يُؤْتِي الله ملكه من يَشَاء أَو الْملك قلت لسفينة إِن هَؤُلَاءِ يَعْنِي بني مَرْوَان يَزْعمُونَ أَن عليا لم يكن بخليفة فَقَالَ كذبت أسقاه بني الزَّرْقَاء فَلَا ريب أَن قَول هَؤُلَاءِ من أهل السّنة أوجه من قَول من يَقُول إِن خلَافَة عَليّ أَو الْعَبَّاس ثبتَتْ بِالنَّصِّ فَإِن هَؤُلَاءِ لَيْسَ مَعَهم حجَّة إِلَّا مُجَرّد الْكَذِب الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَنه بَاطِل علم ذَلِك من عرف أَحْوَال الْإِسْلَام وَأَيَّام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَعَهم إستدلال بِأَلْفَاظ لَا تدل كَحَدِيث إستنابة عَليّ على الْمَدِينَة نوبَة تَبُوك وَالتَّحْقِيق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْتَخْلف وَإِنَّمَا دلّ الْمُسلمين وأرشدهم إِلَى أبي بكر بعدة أُمُور وَرَضي بِهِ وعزم أَن يكْتب لَهُ بالخلافة عهدا ثمَّ علم أَن الْمُسلمين يَجْتَمعُونَ عَلَيْهِ فَلَو كَانَ الْيَقِين مِمَّا يشْتَبه على الْأمة لبينه بَيَانا قَاطعا للْعُذْر كَمَا قَالَ يأبي الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر على أَن إتفاق الْأمة مَعَ رضَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبلغ من الْعَهْد وَأما قَوْلك يَقُولُونَ إِن الإِمَام بعده أَبُو بكر بمبايعة عمر برضى أَرْبَعَة قُلْنَا بل بمبايعة الْكل ورضاهم على رغم أَنْفك وَلَا يرد علينا شذوذ سعد وَحده فَهَذِهِ بيعَة عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 إمتنع مِنْهَا خلق من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مِمَّن لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى أفذلك قَادِح فِي إِمَامَته وَمذهب أهل السّنة أَن الْإِمَامَة تَنْعَقِد عِنْدهم بموافقة أهل الشَّوْكَة الَّذين يحصل بهم مَقْصُود الْإِمَامَة وَهُوَ الْقُدْرَة والتمكين وَلِهَذَا يَقُولُونَ من صَار لَهُ قدرَة وسلطان يفعل بِهِ مَقْصُود الْولَايَة فَهُوَ من أولى الْأَمر الْمَأْمُور بطاعتهم مَا لم يأمروا بِمَعْصِيَة الله فالإمامة ملك وسلطان برة كَانَت أَو فاجرة وَالْملك لَا يصير ملكا بموافقة ثَلَاثَة وَلَا أَرْبَعَة وَلِهَذَا لما بُويِعَ عَليّ وَصَارَ مَعَه شَوْكَة صَار إِمَامًا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي رِسَالَة عَبدُوس الْعَطَّار وَمن ولي الْخلَافَة فأجمع عَلَيْهِ النَّاس وَرَضوا بِهِ وَمن غلبهم بِالسَّيْفِ حَتَّى صَار خَليفَة وَسمي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَدفع الصَّدقَات إِلَيْهِ جَائِز برا كَانَ أَو فَاجِرًا وَقَالَ أَحْمد وَقد سُئِلَ عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَام مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة تَدْرِي مَا الإِمَام هُوَ الَّذِي يجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ كلهم فالصديق مُسْتَحقّ الْإِمَامَة لإجماعهم عَلَيْهِ وإمامته مِمَّا رَضِي الله بهَا وَرَسُوله ثمَّ أَنه صَار إِمَامًا بمبايعة أهل الْقُدْرَة وَكَذَلِكَ عمر صَار إِمَامًا لما بَايعُوهُ وأطاعوه وَلَو قدر أَنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر فِي عمر لم يصر إِمَامًا سَوَاء كَانَ ذَلِك جَائِزا أَو غير جَائِز فالحل وَالْحُرْمَة مُتَعَلق بالأفعال وَأما نفس الْولَايَة والسلطنة فعبارة عَن الْقُدْرَة الْحَاصِلَة فقد تحصل على وَجه يُحِبهُ الله وَرَسُوله كسلطان الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَقد تحصل على غير ذَلِك كسلطان الظَّالِمين وَلَو قدر أَن أَبَا بكر بَايعه عمر وَطَائِفَة وَامْتنع سَائِر الصَّحَابَة من بيعَته لم يصر إِمَامًا بذلك وَإِنَّمَا صَار إِمَامًا بمبايعة جُمْهُور النَّاس وَلِهَذَا لم يضر تخلف سعد لِأَنَّهُ لم يقْدَح فِي مَقْصُود الْولَايَة وَأما كَون عمر بَادر إِلَى بيعَته فَلَا بُد فِي كل بيعَة من سَابق وَلَو قدر أَن آحَاد النَّاس كَانَ كَارِهًا لِلْبيعَةِ لم يقْدَح ذَلِك فِيهَا إِذْ الإستحقاق لَهَا ثَابت بالأدلة الشَّرْعِيَّة وَأما عَهده إِلَى عمر فتم بمبايعة الْمُسلمين لَهُ بعد موت أبي بكر فَصَارَ إِمَامًا وقولك ثمَّ عُثْمَان فاختاره بَعضهم قُلْنَا بل إجتمعوا على بيعَته وَمَا تخلف عَنْهَا أحد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي رِوَايَة حمدَان بن عَليّ مَا كَانَ فِي الْقَوْم أوكد بيعَة من عُثْمَان كَانَت بإجماعهم وَصدق أَحْمد فَلَو قدر أَن عبد الرَّحْمَن بَايعه وَلم يبايعه عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَأهل الشَّوْكَة لم يصر إِمَامًا وَقد جعل عمر الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة ثمَّ إِنَّه خرج مِنْهُم ثَلَاثَة بإختيارهم طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَبَقِي عُثْمَان وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فاتفق هَؤُلَاءِ بإختيار مِنْهُم على أَن عبد الرَّحْمَن لَا يتَوَلَّى ويولي أحد الرجلَيْن فَأَقَامَ عبد الرَّحْمَن ثَلَاث يحلف إِنَّه لم يغتمض فِيهَا بنوم يشاور السَّابِقين الْأَوَّلين وَالْأَنْصَار فيشيرون عَلَيْهِ بعثمان ثمَّ بَايعُوهُ لَا عَن رَغْبَة أَعْطَاهُم إِيَّاهَا وَلَا عَن رهبة أَخَافهُم بهَا وقولك ثمَّ عَليّ بمايعة الْخلق لَهُ فتخصيص بِلَا مُخَصص فَكَذَلِك جرى للثَّلَاثَة قبله وَأعظم وأبلغ فَإِن عليا بُويِعَ عقيب قتل عُثْمَان والقلوب مضطربة مُخْتَلفَة وأحضر طَلْحَة إحضارا حَتَّى قيل إِنَّهُم جَاءُوا بِهِ مكْرها واضطهدوه لِلْبيعَةِ وَأهل الْفِتْنَة لَهُم بِالْمَدِينَةِ شَوْكَة ومنعة وَكثير من الصَّحَابَة لم يُبَايع كإبن عمر وَغَيره فَكيف تَقول فِي عَليّ بمبايعة الْخلق لَهُ وَلَا تَقول مثل ذَلِك فِيمَن قبله ثمَّ إِن عليا اضْطربَ عَلَيْهِ الَّذين بَايعُوهُ ونابذه طَائِفَة مِنْهُم وَامْتنع أهل الشَّام وَغَيرهَا من بيعَته حَتَّى ينصف من قتلة عُثْمَان حَتَّى قَالَت طَائِفَة بِصِحَّة إِمَامَة عَليّ وَمُعَاوِيَة مَعًا وَقَالَت طَائِفَة لم يكن للنَّاس إِذْ ذَاك إِمَام عَام بل كَانَ زمَان فتْنَة وَهُوَ قَول طَائِفَة من أهل الحَدِيث الْبَصرِيين وَقَالَت طَائِفَة ثَالِثَة بل عَليّ هُوَ الإِمَام وَهُوَ مُصِيب فِي قتال من قَاتله كطلحة وَالزُّبَيْر وهم مصيبون بِنَاء على أَن كل مُجْتَهد مُصِيب كَقَوْل أبي الْهُذيْل والجبائي وَابْنه وَابْن الباقلاني وَأحد قولي الْأَشْعَرِيّ وَهَؤُلَاء يجْعَلُونَ مُعَاوِيَة مُجْتَهدا مصيبا أَيْضا وَطَائِفَة رَابِعَة تجْعَل عليا إِمَامًا وَأَنه الْمُصِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَأَن من قَاتله مُجْتَهد مخطيء وَهَذَا قَول خلق من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية وَطَائِفَة خَامِسَة تَقول عَليّ الْخَلِيفَة وَهُوَ أقرب إِلَى الْحق من مُعَاوِيَة وَكَانَ ترك الْقِتَال مِنْهُمَا أولى لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَكُون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم وَلقَوْله فِي الْحسن إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين طائفتين عظيمتين من الْمُسلمين فَأثْنى عَلَيْهِ بالإصلاح فَلَو كَانَ الْقِتَال وَاجِبا أَو مُسْتَحبا لما مدح تَاركه قَالُوا وقتال أهل الْبَغي لم يَأْمر الله بِهِ إبتداء وَلم يَأْمر بِقِتَال كل بَاغ قَالَ تَعَالَى (وَإِن طائفتين من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا) فَأمر أَولا بالإصلاح فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا قوتلت حَتَّى ترجع إِلَى أَمر الله وَلِهَذَا لم يَصح للطائفتين بِالْقِتَالِ مصلحَة وَمَا أَمر الله بِهِ لَا بُد أَن تكون مصْلحَته راجحة على الْمفْسدَة وَلِهَذَا قَالَ ابْن سِيرِين قَالَ حُذَيْفَة مَا أحد تُدْرِكهُ الْفِتْنَة إِلَّا وَأَنا أخافها عَلَيْهِ إِلَّا مُحَمَّد بن مسلمة فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تضره الْفِتْنَة وَقَالَ شُعْبَة عَن أَشْعَث بن سليم عَن أبي بردة عَن ثَعْلَبَة بن ضبيعة قَالَ دخلت على حُذَيْفَة فَقَالَ إِنِّي لأعرف رجلا لَا تضره الْفِتْنَة شَيْئا فخرجنا فَإِذا قَالَ فسطاط مَضْرُوب فِيهِ مُحَمَّد بن مسلمة فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَ مَا أُرِيد أَن يشْتَمل عَليّ شَيْء من أمصارهم حَتَّى تنجلي عَمَّا انجلت فإبن مسلمة اعتزل الْقِتَال جملَة فَمَا ضرته الْفِتْنَة كَمَا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَلِك اعتزل الْفَرِيقَيْنِ سعد بن أبي وَقاص وَأُسَامَة بن زيد وَابْن عمر وَأَبُو بكرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأكْثر من بَقِي من السَّابِقين وَهَذَا يدل على أَنه لَيْسَ هُنَاكَ قتال وَاجِب وَلَا مُسْتَحبّ وَهَذَا قَول جُمْهُور أهل السّنة والْحَدِيث وَمَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأحمد وَغَيرهم ووراء هَذِه المقالات مقَالَة الْخَوَارِج الَّتِي تكفر عُثْمَان وعليا وذويهما ومقال الروافض الَّتِي تكفر جُمْهُور السَّابِقين الْأَوَّلين أَو تفسقهم ويكفرون كل من قَاتل عليا ومقالة النواصب والأموية الَّتِي تفسق عليا وَذَوِيهِ وَيَقُولُونَ هُوَ ظَالِم مُعْتَد وَطَائِفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 من الْمُعْتَزلَة تفسق إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ من أهل وقْعَة الْجمل لَا بِعَينهَا فَكيف تكون مبايعة الْخلق لَهُ أعظم من مُبَايَعَتهمْ لمن قبله ثمَّ أَنْت تزْعم أَن إِمَامَته منعقدة بِالنَّصِّ والآن تَقول إنعقدت بمبايعة الْخلق لَهُ وقولك ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم إِن الإِمَام بعده الْحسن وَبَعْضهمْ قَالَ مُعَاوِيَة فَيُقَال أهل السّنة لم يتنازعوا فِي هَذَا بل يعلمُونَ أَن الْحسن بَايعه أهل الْعرَاق مَكَان أَبِيه ثمَّ إِن الْحسن سلمهَا طَوْعًا إِلَى مُعَاوِيَة وقولك ثمَّ ساقوا الْإِمَامَة فِي بني أُميَّة فَيُقَال مَا قَالَ أهل السّنة إِن الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ كَانَ هُوَ الَّذِي تجب تَوليته وطاعته فِي كل مَا أَمر بِهِ بل كَذَا وَقع فَيَقُولُونَ تولى هَؤُلَاءِ وَكَانَ لَهُم سُلْطَان وقدرة فانتظم لَهُم الْأَمر وَأَقَامُوا مَقَاصِد الْإِمَامَة من الْجِهَاد وَإِقَامَة الْحَج وَالْجمع والأعياد وَأمن السبل وَلَكِن لَا طَاعَة لَهُم فِي مَعْصِيّة الله بل يعاونون على الْبر وَالتَّقوى وَلَا يعاونون على الْإِثْم والعدوان وَمن الْمَعْلُوم أَن النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لَا يصلحون إِلَّا بولاة وَأَن الإِمَام الظلوم خير من عَدمه ويروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَا بُد للنَّاس من إِمَارَة برة كَانَت أَو فاجرة قيل الْبرة قد عرفناها فَمَا بَال الْفَاجِرَة قَالَ تأمن بهَا السبل وتقام بهَا الْحُدُود ويجاهد بهَا الْعَدو وَيقسم بهَا الْفَيْء ذكره عَليّ بن معبد فِي كتاب الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة فَكل من تولى كَانَ أَنْفَع من معدومكم المنتظر الَّذِي انطوت مَعَه السنون والأعمار وَأَنْتُم فِي الْأَمَانِي الكاذبة والإنتظار وآباؤه سوى عَليّ فَمَا كَانَ لَهُم سُلْطَان وَلَا تَمْكِين وَلَا مَنْعَة بل كَانُوا عاجزين عَن الْإِمَامَة لَا لَهُم حل وَلَا عقد رَضِي الله عَنْهُم وَلَا حصل بهم مَقْصُود الْإِمَامَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من رأى من أميرة شَيْئا يكرههُ فليصبر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ من خرج عَن السُّلْطَان شبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَلمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خرج من الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة ثمَّ مَاتَ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَمن قتل تَحت راية عمية يغْضب للعصبية وَيُقَاتل للعصبية فَلَيْسَ مني وَفِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خلع يدا من طَاعَة لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا حجَّة لَهُ وَمن مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقه بيعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَاعَة لأحد فِي مَعْصِيّة الله إِنَّمَا الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا على الْمُسلم السّمع وَالطَّاعَة فِيمَا أحب وَكره إِلَّا أَن يُؤمر بِمَعْصِيَة فَلَا سمع وَلَا طَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَذْهَب الْوَاجِب الإتباع قَالَ الْفَصْل الثَّانِي إِن مَذْهَب الإمامية وَاجِب الإتباع لِأَنَّهُ أَحَق الْمذَاهب وَأصْدقهَا وَلِأَنَّهُم باينوا جَمِيع الْفرق فِي أصُول العقائد وَلِأَنَّهُم جازمون بالنجاة أخذُوا دينهم عَن المعصومين وَغَيرهم اخْتلفُوا وتعددت آراؤهم وأهواؤهم فَمنهمْ من طلب الْأَمر لنَفسِهِ بِغَيْر حق وَتَابعه أَكثر النَّاس طلبا للدنيا كَمَا اخْتَار عمر بن سعد بن مَالك الَّذِي لما خير بَينه وَبَين قتال الْحُسَيْن مَعَ علمه بِأَن قتلته فِي النَّار فَإِنَّهُ قَالَ (فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِنِّي لصَادِق ... أفكر فِي أَمْرِي على خطرين) (أأترك ملك الرّيّ والري منيتي ... أَو أصبح مأثوما بقتل حُسَيْن) (وَفِي قَتله النَّار الَّتِي لَيْسَ دونهَا ... حجاب ولي فِي الرّيّ قُرَّة عين) وَبَعْضهمْ إشتبه عَلَيْهِ الْأَمر وَرَأى طَالب الدُّنْيَا فقلده وَقصر فِي النّظر فخفي عَلَيْهِ الْحق فَاسْتحقَّ الْمُؤَاخَذَة من الله تَعَالَى وَبَعْضهمْ قلد لقُصُور فطنته وَرَأى الجم الْفَقِير فبايعهم وتوهم أَن الْكَثْرَة تَسْتَلْزِم الصَّوَاب وغفل عَن قَوْله تَعَالَى {وَقَلِيل مَا هم} وَبَعْضهمْ طلب الْأَمر لنَفسِهِ بِحَق وَبَايَعَهُ الأقلون الَّذين أَعرضُوا عَن زِينَة الدُّنْيَا وَأَخْلصُوا وَاتبعُوا مَا أمروا بِهِ من طَاعَة من يسْتَحق التَّقْدِيم فَوَجَبَ النّظر فِي الْحق واعتماد الْإِنْصَاف وَأَن يقر الْحق بمستقره فقد قَالَ تَعَالَى {أَلا لعنة الله على الظَّالِمين} فَجعل المُصَنّف النَّاس بعد نَبِيّهم أَرْبَعَة أَصْنَاف فكذب فَإِنَّهُ لم يكن فِي الصَّحَابَة المعروفين أحد من هَذِه الْأَصْنَاف أما طَالب الْأَمر بِغَيْر حق كَأبي بكر فِي زَعمه وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 طَالب الْأَمر بِحَق عَليّ فِي زَعمه فَهَذَا كذب عَلَيْهِمَا فَلَا عَليّ طلب الْأَمر لنَفسِهِ وَلَا أَبُو بكر وَجعل الْقسمَيْنِ الآخرين إِمَّا مُقَلدًا للدنيا وَإِمَّا مُقَلدًا لقصوره فِي النّظر فالإنسان يجب عَلَيْهِ أَن يعرف الْحق ويتبعه فَإِن الْيَهُود عرفُوا الْحق وَمَا تبعوه فهم مغضوب عَلَيْهِم وَأما النَّصَارَى فجهلوا الْحق وَضَلُّوا وَهَذِه الْأمة خير الْأُمَم فَقَالَ تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة} فَخَيرهَا الْقرن الأول الَّذِي يَلِيهِ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ وَهَؤُلَاء الرافضة يَقُولُونَ فيهم مَا قد علمْتُم ويجعلونهم أقل النَّاس علما وأتبعهم للهوى فَلَزِمَ من قَوْلهم أَن الْأمة ضلت بعد نبيها فَإِذا كَانَ فِي هَذَا حكايتك لما جرى عقيب نبيك فَكيف سَائِر مَا تنقله وتحتج بِهِ وقولك تعدّدت آراؤهم بِعَدَد أهوائهم فحاشاهم من ذَلِك أَتَدْرِي من تَعْنِي يَا جويهل عنيت الَّذين قَالَ الله فيهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ} وَقَالَ {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} وَالثنَاء على الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فِي غير آيَة وعَلى الَّذين يجيئون من بعدهمْ فَيَقُولُونَ {رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان} ويسألونه أَن لَا يَجْعَل فِي قُلُوبهم غلالهم والرافضة لم يَسْتَغْفِرُوا لَهُم وَفِي قُلُوبهم الغل لَهُم وروى الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قَالَ أَمر الله بالإستغفار لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يعلم أَنهم يقتتلون وَقَالَ عُرْوَة عَن عَائِشَة أمروا أَن يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبوهم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبوا أَصْحَابِي فَلَو أَن أحدكُم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه وَفِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة نَحوه مَرْفُوعا وَفِي مُسلم عَن جَابر قَالَ قيل لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِن نَاسا يتناولون أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَبَا بكر وَعمر فَقَالَت وَمَا تعْجبُونَ من هَذَا إنقطع عَنْهُم الْعَمَل فَأحب الله أَن لَا يقطع عَنْهُم الْأجر وروى الثَّوْريّ عَن نسير بن ذعلوق سَمِعت ابْن عمر يَقُول لَا تسبوا أَصْحَاب مُحَمَّد فلمقام أحدهم سَاعَة يَعْنِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير من عمل أحدكُم أَرْبَعِينَ سنة وَقَالَ تَعَالَى {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة فَعلم مَا فِي قُلُوبهم فَأنْزل السكينَة عَلَيْهِم وأثابهم فتحا قَرِيبا} أخبر سُبْحَانَهُ بِرِضَاهُ عَنْهُم وَبِأَنَّهُ علم مَا فِي قُلُوبهم وَكَانُوا ألفا وَأَرْبَعمِائَة فهم أَعْيَان من بَايع أَبَا بكر وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ثَبت عَنهُ فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر بن عبد الله لَا يدْخل أحد مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة النَّار وَقَالَ تَعَالَى {لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} يَعْنِي غَزْوَة تَبُوك وَقَالَ {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا} وَقَالَ {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} فَأمر بِمُوَالَاتِهِمْ والرافضة تَبرأ مِنْهُم وَقد قَالَ بعض الجهلة إِن قَوْله تَعَالَى {الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ} نزلت فِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَذكر فِي ذَلِك خيرا مَوْضُوعا وَأَنه تصدق بِخَاتمِهِ فِي الصَّلَاة فَنزلت قيل لَا لِأَن الْآيَة صِيغَة جمع وَعلي وَاحِد وَمن ذَلِك أَن الْوَاو لَيست فِي {وهم رَاكِعُونَ} وَاو الْحَال إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لتعين بالبدء إِعْطَاء الزَّكَاة فِي الصَّلَاة حَال الرُّكُوع وَمِنْهَا أَن الْمَدْح إِنَّمَا يكون بِعَمَل وَاجِب أَو مُسْتَحبّ وإيتاء الزَّكَاة فِي نفس الصَّلَاة لَيْسَ كَذَلِك بالإتفاق وَإِن فِي الصَّلَاة شغلا وَمِنْهَا أَن عليا لم يكن عَلَيْهِ زَكَاة زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 كَانَ لَهُ خَاتم أَو كَانَ لَهُ فالخاتم زَكَاة مَاذَا لِأَن أَكثر الْفُقَهَاء لَا يجوزون إِخْرَاج الْخَاتم فِي الزَّكَاة وَفِي حَدِيثهمْ أَنه أعطَاهُ سَائِلًا والمدح فِي الزَّكَاة أَن يُخرجهَا إبتداء وعَلى الْفَوْر وَمِنْهَا أَن الْكَلَام فِي سِيَاق النَّهْي عَن مُوالَاة الْكفَّار وَالْأَمر بموالاة الْمُؤمنِينَ والرافضة يعادون الْمُؤمنِينَ ويوالون الْمُنَافِقين مُشْركي التتار كَمَا شاهدنا وَقَالَ الله تَعَالَى لنَبيه {هُوَ الَّذِي أيدك بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَألف بَين قُلُوبهم} والرافضة تُرِيدُ أَن تفرق بَين قُلُوب خِيَار الْأمة بالأكاذيب وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون} إِلَى قَوْله {ليكفر الله عَنْهُم أَسْوَأ الَّذِي عمِلُوا} فَهَذَا الصِّنْف هم أشرف الْأمة وَقد وعدهم بِأَنَّهُ يكفر عَنْهُم أَسْوَأ أَعْمَالهم وَعلي فعندهم مَعْصُوم فَقولُوا لم يدْخل فِي الْآيَة وَقَالَ {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض} الْآيَة فَوَعَدَهُمْ الإستخلاف وَأخْبر بِرِضَاهُ عَنْهُم وبأنهم متقون وَبِأَنَّهُ أنزل السكينَة عَلَيْهِم وَهَذِه النعوت منطبقة على الصَّحَابَة الَّذين بَايعُوا أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان فَإِنَّهُ إِذْ ذَاك الزَّمَان حصل لَهُم الإستخلاف وتمكين الدّين والأمن بعد الْخَوْف إِلَى أَن قهروا فَارس وَالروم وافتتحوا الشَّام وَالْعراق ومصر وَالْمغْرب وخراسان وأذربيجان وَغير ذَلِك فَلَمَّا قتل عُثْمَان وحصلت الْفِتْنَة لم يفتحوا شَيْئا بل طمع فيهم الرّوم وَغَيرهم وَحدثت الْبدع من الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض والنواصب وأريقت الدِّمَاء فَأَيْنَ مَا بعد قَتله مِمَّا قبله فَإِن قيل فالمنافقون كَانُوا مُسلمين فِي الظَّاهِر قُلْنَا مَا كَانُوا متصفين بِخَير وَلَا كَانُوا مَعَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا كَانُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ قَالَ الله فيهم {وَلَئِن جَاءَ نصر من رَبك ليَقُولن إِنَّا كُنَّا مَعكُمْ أَو لَيْسَ الله بِأَعْلَم بِمَا فِي صُدُور الْعَالمين وليعلمن الله الَّذين آمنُوا وليعلمن الْمُنَافِقين} وَقَالَ {ويحلفون بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم وَمَا هم مِنْكُم وَلَكنهُمْ قوم يفرقون} وَقَالَ {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار} أخبر تَعَالَى أَن الْمُنَافِقين لَيْسُوا من الْمُؤمنِينَ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ بل مذبذبين وَكَذَا ترى الرافضة وَقَالَ {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض والمرجفون فِي الْمَدِينَة لنغرينك بهم ثمَّ لَا يجاورونك فِيهَا إِلَّا قَلِيلا ملعونين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ) فَلَمَّا لم يغره الله بهم وَلم يقتلهُمْ تقتيلا دلّ على أَنهم انْتَهوا وَمَا كَانَ مَعَه يَوْم الشَّجَرَة مِنْهُم إِلَّا الْجد بن قيس فَإِنَّهُ إختبأ خلف بعيره فبالجملة كَانَ المُنَافِقُونَ مغمورين مقهورين مَعَ الصَّحَابَة وَلَا سِيمَا فِي آخر أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعد تَبُوك لِأَن الله تَعَالَى قَالَ فيهم {يَقُولُونَ لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} ثمَّ قَالَ الله {وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَلَكِن الْمُنَافِقين لَا يعلمُونَ} فَتبين أَن الْعِزَّة للْمُؤْمِنين لَا لِلْمُنَافِقين فَعلم أَن الْعِزَّة وَالْقُوَّة كَانَت لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن الْمُنَافِقين كَانُوا أَذِلَّة بَينهم قَالَ تَعَالَى {يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم} {يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم} وَقَالَ {وَلَكنهُمْ قوم يفرقون} هَذِه صِفَات الذَّلِيل المقهور وَأما السَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فَمَا زَالُوا أعز النَّاس بعد نَبِيّهم وَقبل مَوته فَلَا يجوز أَن يكون الأعزاء من خَاصَّة أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منافقين وَلَا أدلاء بل هَذِه صفة الرافضة فشعارهم الذل ودثارهم النِّفَاق والتقية وَرَأس مَالهم الْكَذِب وَالْإِيمَان الْفَاجِرَة إِن لم يقعوا فِي الغلو والزندقة يَقُولُونَ بألسنتهم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم ويكذبون على جَعْفَر الصَّادِق أَنه قَالَ التقية ديني وَدين آبَائِي وَقد نزه الله أهل الْبَيْت عَن ذَلِك وَلم يحوجهم إِلَيْهِ فَكَانُوا من أصدق النَّاس وأعظمهم إِيمَانًا فدينهم التَّقْوَى لَا التقية فَأَما قَوْله تَعَالَى {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} (فَهَذَا أَمر بالإتقاء من الْكفَّار لَا أَمر بِالْكَذِبِ والتقية وَالله قد أَبَاحَ لمن أكره على الْكفْر التَّكَلُّم بِهِ فَأهل الْبَيْت مَا أكرههم أحد على شَيْء حَتَّى إِن أَبَا بكر لم يكره أحدا مِنْهُم على بيعَته بل بَايعُوهُ لما أَرَادوا طَوْعًا مِنْهُم وَلَا كَانَ عَليّ وَلَا غَيره يذكرُونَ فضل الصَّحَابَة وَالثنَاء عَلَيْهِم خوفًا من أحد وَلَا أكرههم أحد بإتفاق النَّاس وَقد كَانَ فِي زمن بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس خلق كثير دون عَليّ فِي الْإِيمَان وَالتَّقوى يكْرهُونَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الْخُلَفَاء أَشْيَاء فَلَا يمدحونهم وَلَا يثنون عَلَيْهِم وَلَا يحبونهم وَلَا كَانَ أُولَئِكَ يكرهونهم ثمَّ إِن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين كَانُوا أبعد عَن قهر النَّاس وعقوبتهم على طاعتهم من سَائِر الْخُلَفَاء ثمَّ هَؤُلَاءِ أسرى الْمُسلمين ملْء أَيدي النَّصَارَى وسائرهم يظهرون دينهم فَكيف يظنّ بعلي وبنيه أَنهم كَانُوا أَضْعَف دينا من الأسرى وَمن رعية مُلُوك الْجور وَقد علمنَا بالتواتر أَن عليا وبنيه مَا أكرههم أحد على ذكر فضل الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة وَقد كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِك وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِم ويتكلمون بذلك مَعَ خاصتهم فقولك فبعضهم طلب الْأَمر لنَفسِهِ بِغَيْر حق وَبَايَعَهُ أَكثر النَّاس للدنيا يُشِير إِلَى أبي بكر وَمن الْمَعْلُوم أَن أَبَا بكر لم يطْلب الْأَمر لنَفسِهِ بل قَالَ قد رضيت لكم إِمَّا عمر وَإِمَّا عبد الرَّحْمَن وَإِمَّا أَبَا عُبَيْدَة قَالَ عمر فوَاللَّه لِأَن أقدم فَتضْرب عنقِي أحب إِلَيّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ عمر وَأَبُو عُبَيْدَة وَسَائِر الْمُسلمين وَبَايَعُوهُ لعلمهم بِأَنَّهُ خَيرهمْ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر ثمَّ هَب أَنه طلبَهَا وَبَايَعُوهُ فزعمك أَنه طلبَهَا وَبَايَعُوهُ للدنيا كذب ظَاهر فَإِنَّهُ مَا أَعْطَاهُم دنيا وَقد كَانَ أنْفق فِي حَيَاة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقل مَا بِيَدِهِ وَالَّذين بَايعُوهُ فأزهد النَّاس فِي الدُّنْيَا قد علم القاصي والداني زهد عمر وَأبي عُبَيْدَة وَأسيد بن حضير وأمثالهم ثمَّ لم يكن عِنْد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت مَال يبذله لَهُم ثمَّ كَانَت سيرته ومذهبه التَّسْوِيَة فِي قسم الْفَيْء وَكَذَلِكَ سيرة عَليّ فَلَو بَايعُوا عليا أَعْطَاهُم كعطاء أبي بكر مَعَ كَون قبيلته أشرف من بني تيم وَله عشيرة وَبَنُو عَم هم أشرف الصَّحَابَة من حَيْثُ النّسَب كالعباس وَأبي سُفْيَان وَالزُّبَيْر وَعُثْمَان ابْني عمته وأمثالهم وَقد كلم أَبُو سُفْيَان عليا فِي ذَلِك ومت بشرفه فَلم يجبهُ عَليّ لعلمه وَدينه فَأَي رياسة وَأي فَائِدَة دنيوية حصلت لجمهور الْأمة بمبايعة أبي بكر لَا سِيمَا وَهُوَ يُسَوِّي بَين كبار السَّابِقين وَبَين آحَاد الْمُسلمين فِي الْعَطاء وَبقول إِنَّمَا أَسْلمُوا لله وأجورهم على الله وَإِنَّمَا هَذَا الْمَتَاع بَلَاغ فَأهل السّنة مَعَ الرافضة كالمسلمين مَعَ النَّصَارَى فَإِن الْمُسلمين يُؤمنُونَ بنبوة عِيسَى وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 يغلون فِيهِ وَلَا ينالون مِنْهُ نيل الْيَهُود وَالنَّصَارَى تغلو فِيهِ حَتَّى تَجْعَلهُ إِلَهًا وتفضله على نَبينَا بل تفضل الحواريين على الْمُرْسلين فَكَذَا الروافض تفضل من قَاتل مَعَ عَليّ كالأشتر وَمُحَمّد بن أبي بكر على أبي بكر وَعمر والسابقين فالمسلم إِذا نَاظر النَّصْرَانِي لَا يُمكنهُ أَن يَقُول يَقُول فِي عِيسَى إِلَّا الْحق بِخِلَاف النَّصْرَانِي فدع الْيَهُودِيّ يناظره فَإِنَّهُ لَا يقدر أَن يُجيب الْيَهُودِيّ عَن شبهته إِلَّا بِمَا يُجيب بِهِ الْمُسلم وَيَنْقَطِع فَإِنَّهُ إِذا أَمر بِالْإِيمَان بِمُحَمد ثمَّ قدح فِي نبوته بِأَمْر لم يُمكنهُ أَن يَقُول شَيْئا إِلَّا قَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ فِي الْمَسِيح مَا هُوَ أعظم من ذَلِك فَإِن الْبَينَات لمُحَمد أعظم من الْبَينَات لعيسى وَبعده عَن الشُّبْهَة أعظم من بعد عِيسَى عَن الشُّبْهَة وَمن هَذَا أَمر السّني مَعَ الرافضي فِي أبي بكر وَعلي فَإِن الرافضي لَا يُمكنهُ أَن يثبت إِيمَان عَليّ وعدالته ودخوله الْجنَّة إِن لم يثبت ذَلِك لأبي بكر وَعمر وَإِلَّا فَمَتَى أثبت ذَلِك لعَلي وَحده خذلته الْأَدِلَّة كَمَا أَن النَّصْرَانِي إِذا أَرَادَ إِثْبَات نبوة الْمَسِيح دون مُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام لم تساعده الْأَدِلَّة فَإِذا قَالَت لَهُ الْخَوَارِج الَّذين يكفرون عليا والنواصب الَّذين يفسقونه إِنَّه كَانَ ظَالِما طَالبا للدنيا والخلافة وَقَاتل بِالسَّيْفِ عَلَيْهَا وَقتل فِي ذَلِك ألوفا مؤلفة من الْمُسلمين حَتَّى عجز عَن إنفراده بالخلافة وتفرق عَلَيْهِ أَصْحَابه وَكَفرُوا بِهِ وقاتلوه يَوْم النهروان فَهَذَا الْكَلَام إِن كَانَ فَاسِدا ففساد كَلَام الرافضي فِي أبي بكر أعظم فَسَادًا فَإِن كَانَ كلامكم فِي أبي بكر وَعمر مُتَوَجها فَهَذَا مثله وَأولى وَلما ذهب أَبُو بكر بن الباقلاني فِي السفارة بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ عرفُوا قدره وخافوا أَن يمْتَنع من السُّجُود للْملك فأدخلوه من بَاب صَغِير ليدْخل محنيا فقطن لَهَا فَدخل مستدبرا بعجزه وَلما أَرَادَ بَعضهم الْقدح فِي الْمُسلمين فَقَالَ مَا قيل فِي امْرَأَة نَبِيكُم يُرِيد شَأْن الْإِفْك فَقَالَ نعم ثِنْتَانِ رميتا بِالزِّنَا إفكا وكذبا مَرْيَم وَعَائِشَة فَأَما مَرْيَم فَجَاءَت بِولد وَهِي عذراء واما عَائِشَة فَلم تأت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 بِولد مَعَ أَنه كَانَ لَهَا زوج فبهت النَّصْرَانِي وَظهر أَن بَرَاءَة عَائِشَة أظهر من بَرَاءَة مَرْيَم فَإِذا قلت يَا رَافِضِي إِن أَبَا بكر ومبايعيه طلبُوا الدُّنْيَا والرياسة مَعَ كَونه بُويِعَ بإختيارهم بِلَا سيف وَلَا عَصا واستوسق لَهُ الْأَمر فَلم يول أحدا من أَقَاربه وَلَا خلف لوَرثَته مَالا وَأنْفق مَالا كثيرا فِي سَبِيل الله وَأوصى إِلَى بَيت مَالهم مَا كَانَ لَهُم عِنْده وَهُوَ جرد قطيفة وَأمه وَبكر وَنَحْو ذَلِك حَتَّى قيل يَرْحَمك الله أَبَا بكر لقد أَتعبت الْأُمَرَاء بعْدك وَمَا قتل مُسلم على إمارته بل قَاتل بِالْمُسْلِمين الْمُرْتَدين وَالْكفَّار فَلَمَّا احْتضرَ إستخلف على الْأمة الْقوي الْأمين العبقري عمر لَا لقرابة وَلَا لنسابة وَلَا لدُنْيَا بل اجْتهد للْمُسلمين فحمدت فراسته وشكر نظره بِالَّذِي إفتتح الْأَمْصَار وَنصب الدِّيوَان وملأ بَيت المَال وَعم النَّاس بِالْعَدْلِ مَعَ ملازمته لهدي صَاحبه وخشونة عيشه وَعدم تَوليته أَقَاربه ثمَّ ختم الله لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَإِن سَاغَ للرافضي أَن يَقُول كل ذَا طلب للرياسة وَالدُّنْيَا سَاغَ للناصبي نَظِير قَوْله فِي عَليّ إِنَّه كَانَ طَالبا للرياسة وَالدُّنْيَا فقاتل على الإمرة وَلم يُقَاتل الْكفَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَلَا افْتتح مَدِينَة فَإِن قلت كَانَ مرِيدا لوجه الله غير مداهن فِي أَمر الله مُجْتَهدا مصيبا وَغَيره كَانَ مخطئا قُلْنَا وَكَذَلِكَ من قبله كَانَ أبلغ وَأبْعد عَن شُبْهَة طلب الرياسة وَأَيْنَ شُبْهَة أبي مُوسَى الَّذِي وَافق عمرا على عزل عَليّ وَمُعَاوِيَة ورد الْأَمر شُورَى من شُبْهَة عبد الله بن سبأ وَأَمْثَاله الَّذين يدعونَ عصمته أَو ألوهيته أَو نبوته وكل هَذَا مِمَّا يبين عجز الرافضي عَن إِثْبَات إِيمَان عَليّ وعدالته مَعَ نفي ذَلِك عَمَّن قبله فَإِن إحتج بِمَا تَوَاتر من إِسْلَامه وهجرته وجهاده فقد تَوَاتر مثل ذَلِك عَن أبي بكر وَإِن قلت كَانُوا منافقين فِي الْبَاطِن معادين مفسدين للدّين بِحَسب إمكانهم أمكن الْخَارِجِي أَن يَقُول فِي عَليّ ذَلِك وَيَقُول كَانَ يحْسد ابْن عَمه والعداوة فِي الْأَهْل وَأَنه كَانَ يُرِيد فَسَاد دينه فَلَمَّا تمكن أراق الدِّمَاء وسلك التقية والنفاق وَلِهَذَا قَالَت الباطنية من أَتْبَاعه عَنهُ أَشْيَاء قد أَعَاذَهُ الله مِنْهَا كَمَا أعاذ الشَّيْخَيْنِ ثمَّ مَا من آيَة يدعونَ أَنَّهَا مُخْتَصَّة بعلي إِلَّا أمكن إختصاصها بصاحبيه فباب الدَّعْوَى مَفْتُوح وَإِن ادعوا ثُبُوت فَضله بالآثار فثبوت فضلهما أَكثر وَأَصَح وَهَذَا كمن أَرَادَ أَن يثبت فقه ابْن عَبَّاس دون عَليّ أَو فقه عمر دون بن مَسْعُود فَمَا لَهُ طَرِيق إِلَّا بالظلم وَالْجهل كدأب الرافضة ثمَّ تمثيلك ذَلِك بِقصَّة عمر بن سعد لما خَيره عبيد الله بن زِيَاد بَين حَرْب الْحُسَيْن وَبَين عَزله من أقبح الْقيَاس فَإِن عمر بن سعد كَانَ طَالبا للرياسة مقدما على الْمحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 مَعْرُوفا بذلك أفيلزم من تمثيلك بِهِ أَن يكون السَّابِقُونَ بمثابته وَهَذَا أَبوهُ سعد بن أبي وَقاص كَانَ من أزهد النَّاس فِي الْإِمَارَة وَالْولَايَة بعد مَا فتح الله على يَدَيْهِ الْأَمْصَار وَلما وَقعت الْفِتْنَة اعتزل النَّاس بالعقيق فِي قصره وجاءه ابْنه هَذَا فلامه وَقَالَ لَهُ النَّاس يتنازعون الْملك وَأَنت هُنَا فَقَالَ اذْهَبْ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله يحب العَبْد التقي الْخَفي الْغَنِيّ هَذَا وَلم يكن قد بَقِي أحد من أهل الشورى غَيره وَغير عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي فتح الْعرَاق وأذل جنود كسْرَى وَهُوَ أخر الْعشْرَة موتا فَإِذا لم يحسن أَن يشبه بِابْنِهِ عمر أيشبه بِهِ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان هَذَا وهم لَا يجْعَلُونَ مُحَمَّد بن أبي بكر بِمَنْزِلَة أَبِيه بل يفضلون مُحَمَّدًا ويعظمونه ويتولونه لكَونه آذَى عُثْمَان وَكَانَ من خَواص أَصْحَاب عَليّ لِأَنَّهُ كَانَ ربيبه ويسبون أَبَاهُ أَبَا بكر ويلعنونه فَلَو أَن النواصب فعلوا بعمر بن سعد مثل ذَلِك فمدحوه على قتل الْحُسَيْن لكَونه كَانَ من شيعَة عُثْمَان وَمن المنتصرين لَهُ وَسبوا أَبَاهُ سَعْدا لكَونه تخلف عَن الْقِتَال مَعَ مُعَاوِيَة والإنتصار لعُثْمَان هَل كَانَت النواصب لَو فعلت ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 إِلَّا من جنس الرافضة بل الرافضة شَرّ مِنْهُم فَإِن أَبَا بكر أفضل من سعد وَعُثْمَان كَانَ أبعد عَن إستحقاق الْقَتْل من الْحُسَيْن كِلَاهُمَا مظلوم شَهِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلِهَذَا كَانَ الْفساد الَّذِي حصل فِي الْأمة بقتل عُثْمَان أعظم من الْفساد الَّذِي حصل فِي الْأمة بقتل الْحُسَيْن وَعُثْمَان من السَّابِقين الْأَوَّلين وَهُوَ خَليفَة مظلوم طلب مِنْهُ أَن يعْزل بِغَيْر حق فَلم يَنْعَزِل وَلم يُقَاتل عَن نَفسه حَتَّى قتل وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ لم يكن مُتَوَلِّيًا وَإِنَّمَا كَانَ طَالبا للولاية حَتَّى رأى أَنَّهَا متعذرة وَطلب مِنْهُ أَن يستأسر ليحمل إِلَى يزِيد مأسورا فَلم يجب إِلَى ذَلِك وَقَاتل حَتَّى قتل مَظْلُوما شَهِيدا فظلم عُثْمَان كَانَ أعظم وَصَبره وحلمه كَانَ أكمل وَكِلَاهُمَا مظلوم شَهِيد وَلَو مثل ممثل طلب عَليّ وَالْحُسَيْن الْأَمر بِطَلَب الإسماعيلية كالحاكم وَأَمْثَاله وَقَالَ إِن عليا وَالْحُسَيْن كَانَا ظالمين طَالِبين للرياسة بِغَيْر حق بِمَنْزِلَة الْحَاكِم وَأَمْثَاله من مُلُوك بني عبيد أما كَانَ يكون كَاذِبًا مفتريا فِي ذَلِك لصِحَّة إِيمَان عَليّ وَالْحُسَيْن ودينهما ولنفاق هَؤُلَاءِ وإلحادهم وَكَذَلِكَ من شبه عليا وَالْحُسَيْن بِبَعْض من قَامَ من الطالبيين أَو غَيرهم بالحجاز أَو الشرق أَو الغرب يطْلب الْولَايَة بِغَيْر حق وَيظْلم النَّاس فِي أَمْوَالهم وأنفسهم أما كَانَ يكون ظَالِما كَاذِبًا فالمشبه لأبي بكر وَعمر بعمر بن سعد أولى بِالْكَذِبِ وَالظُّلم ثمَّ إِن عمر بن سعد على بعده من الْخَيْر إعترف بكبير ذَنبه وباء بمعصيته وَهُوَ خير من الْمُخْتَار الْكذَّاب الَّذِي إدعى أَن جِبْرِيل يَأْتِيهِ بِالْوَحْي وَأظْهر الإنتصار للحسين وتتبع قاتليه فَهَذَا الشيعي شَرّ من عمر بن سعد وَمن الْحجَّاج الناصبي لِأَن الشيعي كذب على الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَرَسُوله وَقد ثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سَيكون فِي ثَقِيف كَذَّاب ومبير فَكَانَ الْكذَّاب هُوَ الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَكَانَ المبير هُوَ الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ وَمن الْمَعْلُوم أَن عمر بن سعد أَمِير السّريَّة الَّتِي قتلت الْحُسَيْن مَعَ ظلمه وتقديمه الدُّنْيَا على الدّين لم يصل فِي الْمعْصِيَة إِلَى فعل الْمُخْتَار بن أبي عبيد الَّذِي أظهر الإنتصار للحسين وَقتل قَاتله بل كَانَ هَذَا أكذب وَأعظم ذَنبا من عمر بن سعد فَهَذَا الشيعي شَرّ من ذَلِك الناصبي بل وَالْحجاج بن يُوسُف خير من الْمُخْتَار بن أبي عبيد فَإِن الْحجَّاج كَانَ مبيرا كَمَا سَمَّاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسفك الدِّمَاء بِغَيْر حق وَالْمُخْتَار كَانَ كذابا يَدعِي الْوَحْي وإتيان جِبْرِيل إِلَيْهِ وَهَذَا الذَّنب أعظم من قتل النُّفُوس فَإِن هَذَا كفر وَإِن كَانَ لم يتب مِنْهُ كَانَ مُرْتَدا والفتنة أعظم من الْقَتْل وَهَذَا بَاب مطرد لَا تَجِد احدا مِمَّن تذمه الشِّيعَة بِحَق أَو بَاطِل إِلَّا وَفِيهِمْ من هُوَ شَرّ مِنْهُ وَلَا تَجِد أحدا مِمَّن تمدحه الشِّيعَة إِلَّا وفيمن تمدحه الْخَوَارِج من هُوَ خير مِنْهُ فَإِن الروافض شَرّ من النواصب وَالَّذين تكفرهم أَو تفسقهم الروافض هم أفضل من الَّذين تكفرهم أَو تفسقهم النواصب وَأما أهل السّنة فيتولون جَمِيع الْمُؤمنِينَ ويتكلمون بِعلم وَعدل لَيْسُوا من أهل الْجَهْل وَلَا من أهل الْأَهْوَاء ويتبرأون من طَرِيقه الروافض والنواصب جَمِيعًا ويتولون السَّابِقين الْأَوَّلين كلهم ويعرفون قدر الصَّحَابَة وفضلهم ومناقبهم ويرعون حُقُوق أهل الْبَيْت الَّتِي شرعها الله لَهُم وَلَا يرضون بِمَا فعله الْمُخْتَار وَنَحْوه من الْكَذَّابين وَلَا مَا فعل الْحجَّاج وَنَحْوه من الظَّالِمين ويعلمون مَعَ هَذَا مَرَاتِب السَّابِقين الْأَوَّلين فيعلمون أَن لأبي بكر وَعمر من التَّقَدُّم والفضائل مَا لم يشاركهما فِيهِ أحد من الصَّحَابَة لَا عُثْمَان وَلَا عَليّ وَلَا غَيرهمَا وَهَذَا كَانَ مُتَّفقا عَلَيْهِ فِي الصَّدْر الأول إِلَّا أَن يكون خلاف شَاذ لَا يعبأ بِهِ حَتَّى إِن الشِّيعَة الأولى أَصْحَاب عَليّ لم يَكُونُوا يرتابون فِي تَقْدِيم أبي بكر وَعمر عَلَيْهِ كَيفَ وَقد ثَبت عَنهُ من وُجُوه متواترة أَنه كَانَ يَقُول خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَعمر وَلَكِن كَانَت طَائِفَة من شيعَة عَليّ تقدمه على عُثْمَان وَهَذِه مَسْأَلَة أخْفى من تِلْكَ وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّة أهل السّنة متفقين على تَقْدِيم أبي بكر وَعمر كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد بن حَنْبَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَسَائِر أَئِمَّة الْمُسلمين من أهل الْفِقْه والْحَدِيث والزهد وَالتَّفْسِير من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَأما عُثْمَان وَعلي فَكَانَ طَائِفَة من أهل الْمَدِينَة يتوقفون فيهمَا وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَكَانَ طَائِفَة من الْكُوفِيّين يقدمُونَ عليا وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ ثمَّ قيل إِنَّه رَجَعَ عَن ذَلِك لما اجْتمع بِهِ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَقَالَ من قدم عليا على عُثْمَان فقد أزرى بالمهاجرين وَالْأَنْصَار وَسَائِر أَئِمَّة السّنة على تَقْدِيم عُثْمَان وَهُوَ مَذْهَب جَمَاهِير أهل الحَدِيث وَعَلِيهِ يدل النَّص وَالْإِجْمَاع والإعتبار وَأما مَا يحْكى عَن بعض الْمُتَقَدِّمين من تَقْدِيم جَعْفَر أَو تَقْدِيم طَلْحَة أَو نَحْو ذَلِك فَذَلِك فِي أُمُور مَخْصُوصَة لَا تَقْدِيمًا عَاما وَكَذَلِكَ مَا ينْقل عَن بَعضهم فِي عَليّ وَأما قَوْله وَبَعْضهمْ إشتبه الْأَمر عَلَيْهِ وَرَأى لطَالب الدُّنْيَا مبايعا فقلده وَبَايَعَهُ وَقصر فِي نظره فخفي عَلَيْهِ الْحق فَاسْتحقَّ الْمُؤَاخَذَة من الله تَعَالَى بِإِعْطَاء الْحق لغير مُسْتَحقّه قَالَ وَبَعْضهمْ قلد لقُصُور فطنته وَرَأى الجم الْغَفِير فتابعهم وتوهم أَن الْكَثْرَة تَسْتَلْزِم الصَّوَاب وغفل عَن قَوْله تَعَالَى {وَقَلِيل مَا هم} {وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} فَيُقَال لهَذَا المفتري الَّذِي جعل الصَّحَابَة الَّذين بَايعُوا أَبَا بكر ثَلَاثَة أَصْنَاف أَكْثَرهم طلبُوا الدُّنْيَا وصنف قصروا فِي النّظر وصنف عجزوا عَنهُ لِأَن الشَّرّ إِمَّا أَن يكون لفساد الْقَصْد وَإِمَّا أَن يكون للْجَهْل وَالْجهل إِمَّا أَن يكون لتفريط فِي النّظر وَإِمَّا أَن يكون لعجز عَنهُ وَذكر أَنه كَانَ فِي الصَّحَابَة وَغَيرهم من قصر فِي النّظر حِين بَايع أَبَا بكر وَلَو نظر لعرف الْحق وَهَذَا يُؤَاخذ على تفريطه بترك النّظر الْوَاجِب وَفِيهِمْ من عجز عَن النّظر فقلد الجم الْغَفِير يُشِير بذلك إِلَى سَبَب مبايعة أبي بكر فَيُقَال لَهُ هَذَا من الْكَذِب الَّذِي لَا يعجز عَنهُ أحد والرافضة قوم بهت فَلَو طلب من هَذَا المفتري دَلِيل على ذَلِك لم يكن لَهُ ذَلِك دَلِيل وَالله تَعَالَى قد حرم القَوْل بِغَيْر علم فَكيف إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 كَانَ الْمَعْرُوف ضد مَا قَالَه فَلَو لم نَكُنْ نَحن عَالمين بأحوال الصَّحَابَة لم يجز أَن نشْهد عَلَيْهِم بِمَا لَا نعلم من فَسَاد الْقَصْد وَالْجهل بالمستحق قَالَ تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} وَقَالَ تَعَالَى {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم فِيمَا لكم بِهِ علم فَلم تحاجون فِيمَا لَيْسَ لكم بِهِ علم} فَكيف إِذا كُنَّا نعلم أَنهم كَانُوا أكمل هَذِه الْأمة عقلا وعلما ودينا وَقد قَالَ ابْن مَسْعُود إِن الله نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قلب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير قُلُوب الْعباد فاصطفاه لنَفسِهِ ثمَّ نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قُلُوب أَصْحَابه خير قُلُوب الْعباد فجعلهم وزراء نبيه يُقَاتلُون على دينه فَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْد الله سيء وَقد رأى أَصْحَاب مُحَمَّد أَن يستخلفوا أَبَا بكر وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ من كَانَ مِنْكُم مستنا فَليَسْتَنَّ بِمن قد مَاتَ فَإِن الْحَيّ لَا تؤمن عَلَيْهِ الْفِتْنَة أُولَئِكَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا وَالله أفضل هَذِه الْأمة وأبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم إختارهم الله لصحبة نبيه وَإِقَامَة دينه فاعرفوا لَهُم فَضلهمْ واتبعوهم فِي آثَارهم وتمسكوا بِمَا اسْتَطَعْتُم من أَخْلَاقهم وَدينهمْ فَإِنَّهُم كَانُوا على الْهدى الْمُسْتَقيم رَوَاهُ ابْن بطة بِإِسْنَاد عَن قَتَادَة وروى هُوَ وَغَيره عَن زر بن حُبَيْش فَهَذَا بضد مَا إدعاه هَذَا الْجَاهِل عَلَيْهِم من طلب الدُّنْيَا وَالْجهل وَالْعجز والتفريط بل لَهُم كَمَا الْعلم وَحسن الْقَصْد وهم خير الْقُرُون وَلَكِن ياما فعل الْجَهْل والرفض بأَهْله فنحمد الله على الْعَافِيَة فَإِن الرَّفْض مأوى شَرّ الطوائف كالنصيرية والإسماعيلية والملاحدة الطرقية وَأهل الْجَبَل والبوادي والقرامطة مَا بَينهم وَبَين الْعلم مُعَاملَة قَالَ ابْن الْقَاسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 سُئِلَ مَالك عَن أبي بكر وَعمر فَقَالَ مَا رَأَيْت أحدا مِمَّن أهتدي بِهِ يشك فِي تقديمهما ثمَّ قلت وَبَعْضهمْ تَعْنِي عليا طلب الْأَمر لنَفسِهِ بِحَق وَبَايَعَهُ الأقلون فَهَذَا بَاطِل بِلَا ريب اتّفقت السّنة والشيعة على أَن عليا لم يدع إِلَى مبايعته إِلَّا بعد مقتل عُثْمَان وَلَا بَايعه أحد إِلَّا ذَلِك الْوَقْت أَكثر مَا يُقَال كَانَ فيهم من يخْتَار مبايعته قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبنَا وَاجِب الإتباع لِأَنَّهُ أَحَق الْمذَاهب وَأصْدقهَا وأخلصها عَن شوائب الْبَاطِل وَأَعْظَمهَا تَنْزِيها لله وَلِرَسُولِهِ وأوصيائه إعتقدنا أَن الله هُوَ الْمَخْصُوص بالقدم وَأَنه لَيْسَ بجسم وَلَا فِي مَكَان وَإِلَّا لَكَانَ مُحدثا إِلَى أَن قَالَ وَأَنه غير مرئي بالحواس وَلَا فِي جِهَة وَأَن أمره وَنَهْيه حَادث لإستحالة أَمر الْمَعْدُوم وَنَهْيه وَأَن الْأَئِمَّة معصومون كالأنبياء من الصَّغَائِر والكبائر أخذُوا الْأَحْكَام عَن جدهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلتفتوا إِلَى الرَّأْي وَالْقِيَاس والإستحسان فَيُقَال مَا ذكرته لَا تعلق لَهُ بِالْإِمَامَةِ بل نقُول فِي مَذْهَب الإمامية من يُنكر هَذَا فَإِن هَذَا طَرِيقه الْعقل وَتعين الإِمَام طَرِيقه السّمع ثمَّ مَا فِي هَذَا من حق فَأهل السّنة يَقُولُونَ بِهِ وَمَا فِيهِ من بَاطِل فمردود وغالبه قَوَاعِد الْجَهْمِية والمعتزلة ومضمونه أَن الله لَيْسَ لَهُ علم وَلَا قدرَة وَلَا حَيَاة وَأَنه لَا يتَكَلَّم وَلَا يرضى وَلَا يسْخط وَلَا يحب وَلَا يبغض وَأما أهل السّنة فيثبتون لله مَا أثْبته لنَفسِهِ من الصِّفَات وينفون عَنهُ مماثلة الْمَخْلُوقَات إِثْبَات بِلَا تَشْبِيه وتنزيه بِلَا تَعْطِيل {لَيْسَ كمثله شَيْء} ردا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 على المشبهة {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} ردا على المعطلة وَالله منزه عَن مُشَاركَة العَبْد فِي خَصَائِصه وَإِذا اتفقَا فِي مُسَمّى الْوُجُود وَالْعلم وَالْقُدْرَة فَهَذَا الْمُشْتَرك مُطلق كلي فِي الذِّهْن لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج وَالْمَوْجُود فِي الْأَعْيَان مُخْتَصّ لَا إشتراك فِيهِ وَهنا زل خلق حَيْثُ توهموا أَن الإتفاق فِي مُسَمّى هَذِه الْأَشْيَاء يُوجب أَن يكون الْوُجُود الَّذِي للرب هُوَ الْوُجُود الَّذِي للْعَبد فظنت طَائِفَة أَن لفظ الْوُجُود يُقَال للإشتراك اللَّفْظِيّ وكابروا عُقُولهمْ فَإِن هَذِه الْأَسْمَاء عَامَّة قَابِلَة للتقسيم كَمَا يُقَال الْوُجُود يَنْقَسِم إِلَى وَاجِب وممكن وقديم وحادث وَاللَّفْظ الْمُشْتَرك كَلَفْظِ المُشْتَرِي الْوَاقِع على الْكَوْكَب وعَلى الْمُبْتَاع لَا يَنْقَسِم مَعْنَاهُ وَلَكِن يُقَال لفظ المُشْتَرِي يُقَال على كَذَا وعَلى كَذَا وَطَائِفَة ظنت أَنَّهَا إِذا سمت هَذَا اللَّفْظ وَنَحْوه مشككا لكَون الْوُجُود بِالْوَاجِبِ أولى مِنْهُ بالممكن نجت من هَذِه الشُّبْهَة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن تفاضل الْمَعْنى الْمُشْتَرك الْكُلِّي لَا يمْنَع أَن يكون مُشْتَركا بَين إثنين وَطَائِفَة ظنت أَن من قَالَ الْوُجُود متواطيء عَام فَإِنَّهُ يَقُول وجود الْخَالِق زَائِد على حَقِيقَته وَمن قَالَ حَقِيقَته هِيَ وجوده قَالَ إِنَّه مُشْتَرك إشتراكا لفظيا فَأصل خطأ النَّاس توهمهم أَن هَذِه الْأَسْمَاء الْعَامَّة يكون مسماها الْمُطلق الْكُلِّي هُوَ بِعَيْنِه ثَابتا فِي هَذَا الْمعِين وَهَذَا الْمعِين وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مَالا يُوجد فِي الْخَارِج لَا يُوجد مُطلقًا كليا وَلَا يُوجد إِلَّا معينا مُخْتَصًّا وَهَذِه الْأَسْمَاء إِذا سمي الله تَعَالَى بهَا كَانَ مسماها مُخْتَصًّا بِهِ وَإِذا سمي بهَا العَبْد كَانَ مسماها مُخْتَصًّا بِهِ فَإِذا قيل قد إشتركا فِي مُسَمّى الْوُجُود فَلَا بُد أَن يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر بِمَا يَخُصُّهُ وَهُوَ الْمَاهِيّة والحقيقة قيل إشتراكا فِي الْوُجُود الْمُطلق الذهْنِي لَا إشتراكا فِي مُسَمّى الْمَاهِيّة والحقيقة والذات وَالنَّفس فالغلط نَشأ من جِهَة أَخذ الْوُجُود مُطلقًا وَأخذ الْحَقِيقَة مُخْتَصَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وكل وَاحِد مِنْهُمَا يُمكن أَخذه مُطلقًا ومختصا فالمطلق مسَاوٍ للمطلق والمختص مسَاوٍ للمختص فالوجود الْمُطلق مُطَابق للْحَقِيقَة الْمُطلقَة والوجود الْمُخْتَص مُطَابق لحقيقتة المختصة والمسمى بِهَذَا وَهَذَا وَاحِد وَإِن تعدّدت جِهَة التَّسْمِيَة كَمَا يُقَال هَذَا هُوَ ذَاك فالمشار إِلَيْهِ وَاحِد لَكِن بِوَجْهَيْنِ مُخْتَلفين وَالْمَقْصُود أَن إِثْبَات الصِّفَات والأسماء لله لَا يسْتَلْزم أَن يكون الْخَالِق مماثلا لخلقه وَلَا مشتبها لَهُم فَهُوَ تَعَالَى مَوْصُوف بِصِفَات الْكَمَال اللَّازِمَة لذاته وَهِي قديمَة أزلية وَاجِبَة بقدم الْمَوْصُوف ووجوبه وَهَذَا حق لَا مَحْذُور فِيهِ فإثبات الْأَسْمَاء دون الصِّفَات سفسطة فِي العقليات وقرمطة فِي السمعيات قَالَ الْجُمْهُور هَذَا خطأ وبدعة أَعنِي هَذَا التَّقْسِيم فَالَّذِي عَلَيْهِ أهل الْحق من السّنة أَنه تَعَالَى لَا يُوصف بالجسمية أصلا بل وَلَا فِي فطْرَة الْعَرَب العرباء جَاهِلِيَّتهَا وإسلاميتها أَن الله جسم أبدا تَعَالَى الله عَن ذَلِك وقولك لَيْسَ بجسم فالجسم فِيهِ إِجْمَال قد يُرَاد بِهِ الْمركب الَّذِي كَانَت أجزاؤه مفرقة فَجمعت أَو مَا يقبل التَّفْرِيق والإنفصال أَو الْمركب من مَادَّة وَصُورَة وَالله منزه عَن ذَلِك كُله وَقد يُرَاد بالجسم مَا يشار إِلَيْهِ أَو مَا يرى أَو مَا تقوم بِهِ الصِّفَات فَالله يشار إِلَيْهِ فِي الدُّعَاء وبالقلوب والعيون وَيرى فِي الْآخِرَة عيَانًا وَتقوم بِهِ الصِّفَات فَإِن أردْت لَيْسَ بجسم هَذَا الْمَعْنى قيل لَك هَذَا الْمَعْنى الَّذِي قصدت نَفْيه بِهَذَا اللَّفْظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 معنى ثَابت بِصَحِيح الْمَنْقُول وصريح الْمَعْقُول وَأَنت لم تقم دَلِيلا على نَفْيه وَأما اللَّفْظ فبدعة نفيا وإثباتا فَمَا فِي النُّصُوص وَلَا فِي قَول السّلف إِطْلَاق لفظ الْجِسْم على الله وَلَا نَفْيه وَكَذَلِكَ لفظ الْجَوْهَر والمتحيز وَكَذَلِكَ قَوْلك لَا فِي مَكَان قد يُرَاد بِالْمَكَانِ مَا يحوي الشَّيْء ويحيط بِهِ وَيحْتَاج إِلَيْهِ وَقد يُرَاد بِهِ مَا فَوق الْعَالم وَإِن يكن أمرا مَوْجُودا فَالْأول الله منزه عَنهُ وَالثَّانِي فَنعم الله فَوق خلقه وَإِذا لم يكن إِلَّا خَالق أَو مَخْلُوق فالخالق بَائِن من الْمَخْلُوق فَهُوَ الظَّاهِر لَيْسَ فَوْقه شَيْء وَهُوَ فَوق سماواته فَوق عَرْشه بَائِن من خلقه كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة واتفقت عَلَيْهِ الْأَئِمَّة وقولك وَإِلَّا لَكَانَ مُحدثا أَي لَو كَانَ جسما أَو فِي مَكَان لَكَانَ مُحدثا فَمَا الدَّلِيل على مَا إدعيت فكأنك إكتفيت بِالدَّلِيلِ الْمَشْهُور لسلفك الْمُعْتَزلَة من أَنه لَو كَانَ جسما لم يخل عَن الْحَرَكَة والسكون وَمَا لم يخل عَن الْحَوَادِث فحادث لإمتناع حوادث لَا أول لَهَا وَيَقُولُونَ لَو قَامَ بِهِ علم وحياة وقدرة وَكَلَام لَكَانَ جسما وَالْجَوَاب إِنَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 عنْدك حَيّ عليم قدير وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ بجسم مَعَ أَنَّك لَا تعقل حَيا عَالما قَادِرًا إِلَّا جسما فَإِن كَانَ قَوْلك حَقًا أمكن لَهُ حَيَاة وَعلم وقدرة وَأَن يكون مباينا للْعَالم عَالِيا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بجسم فَإِن قلت لَا أَعقل مباينا عَالِيا إِلَّا جسما قيل لَك وَلَا يعقل حَيّ عليم قدير إِلَّا جسم وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ إِذا كَانَ هَذَا الْحَادِث لَيْسَ بدائم وَهَذَا لَيْسَ بدائم بَاقٍ يجب أَن يكون نوع الْحَوَادِث لَيْسَ دائمة بَاقِيَة وَأَيْضًا فَإِن ذَلِك يسْتَلْزم حُدُوث الْحَوَادِث بِلَا سَبَب وَذَلِكَ مُمْتَنع فِي صَرِيح الْعقل وَلَكِن على النَّاس أَن يُؤمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ويصدقوه ويطيعوه فَهَذَا أصل السَّعَادَة كلهَا قَالَ الله تَعَالَى {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذن رَبهم إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد} فَالله سُبْحَانَهُ بعث الرُّسُل بِمَا يَقْتَضِي الْكَمَال من إِثْبَات أَسْمَائِهِ وَصِفَاته المقدسة على وَجه التَّفْصِيل وَالنَّفْي على طَرِيق الْإِجْمَال للنقص والتمثيل فالرب تَعَالَى مَوْصُوف بنعوت الْكَمَال الَّتِي لَا غَايَة فَوْقهَا منزه عَن النَّقْص بِكُل وَجه مُمْتَنع أَن يكون لَهُ مثل فِي شَيْء من صِفَات الْكَمَال وَقد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فِي الْجنَّة مَا لم يخْطر على قلب بشر فَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْمَخْلُوق فَمَا الظَّن بالخالق وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجنَّة إِلَّا الْأَسْمَاء فَإِذا كَانَ هَذَانِ المخلوقان متفقين فِي الإسم مَعَ أَن بَينهمَا فِي الْحَقِيقَة تباينا لَا يعرف قدره فِي الدُّنْيَا فَمن الْمَعْلُوم أَن مَا يَتَّصِف بِهِ الرب من صِفَات الْكَمَال أعظم مباينة لما يَتَّصِف بِهِ العَبْد إِلَى أَن قَالَ شَيخنَا فَمَا ثَبت عَن الرَّسُول وَجب الْإِيمَان بِهِ وَمَا لم يثبت عَنهُ فَلَا يجب الحكم فِيهِ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات حَتَّى يعلم مُرَاد الْمُتَكَلّم وَتعلم صِحَة نَفْيه وإثباته فَالْكَلَام فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْأَلْفَاظ المجملة بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات دون الإستفصال يُوقع فِي الْجَهْل والضلاك والقيل والقال وَقد قيل أَكثر إختلاف الْعُقَلَاء من جِهَة الإشتراك فِي الْأَسْمَاء ومثبتو الْجِسْم ونفاته موجودون فِي الشِّيعَة وَفِي السّنة وَأول مَا ظهر إِطْلَاق لفظ الْجِسْم من مُتَكَلم الرافضة هِشَام بن الحكم كَذَلِك نقل ابْن حزم وَغَيره قَالَ الْأَشْعَرِيّ فِي مقالات الإسلاميين إختلف الروافض فِي التجسيم وهم سِتّ فرق فَالْأولى الهشامية أَصْحَاب هِشَام بن الحكم يَزْعمُونَ أَن معبودهم جسم وَله نِهَايَة وحد طوله كعرضه وعمقه وَأَنه نور سَاطِع كالسبيكة يتلألأ كاللؤلؤة المدروة ذُو لون وَطعم وريح ومجسه الْفرْقَة الثَّانِيَة زَعَمُوا أَنه لَيْسَ بِصُورَة وَلَا كالأجسام وَإِنَّمَا يذهبون فِي قَوْلهم إِنَّه جسم إِلَى أَنه مَوْجُود وينفون عَنهُ الْأَجْزَاء والأبعاض ويزعمون أَنه على الْعَرْش بِلَا مماسة وَلَا كَيفَ الْفرْقَة الثَّالِثَة من الرافضة يَزْعمُونَ أَنه على صُورَة الْإِنْسَان وَيمْنَعُونَ أَن يكون جسما الْفرْقَة الرَّابِعَة أَصْحَاب هِشَام بن سَالم الجواليقي يَزْعمُونَ أَنه على صُورَة الْإِنْسَان وَيُنْكِرُونَ أَن يكون لَحْمًا ودما وَيَقُولُونَ هُوَ نور يتلألأ وَأَنه ذُو حواس خمس وَله يَد وَرجل وأنف وفم وَعين وَسَائِر حواسه مُتَغَايِرَة وَحكى أَبُو عِيسَى الْوراق أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 هِشَام بن سَالم كَانَ يزْعم أَن لرَبه وفرة سَوْدَاء وَأَن ذَلِك نور أسود الْفرْقَة الْخَامِسَة يَزْعمُونَ أَن لَهُ ضِيَاء خَالِصا ونورا كالمصباح من حَيْثُ مَا جِئْته يلقاك بِأَمْر وَاحِد وَلَيْسَ بِذِي صُورَة وَلَا إختلاف فِي الْأَجْزَاء الْفرْقَة السَّادِسَة من الرافضة يَزْعمُونَ أَنه لَيْسَ بجسم وَلَا صُورَة وَلَا يَتَحَرَّك وَلَا يسكن وَلَا يماس وَقَالُوا فِي التَّوْحِيد بقول الْمُعْتَزلَة قَالَ الْأَشْعَرِيّ وَهَؤُلَاء قوم من متأخريهم فَأَما أوائلهم فَإِنَّهُم كَانُوا يَقُولُونَ بِمَا حكيناه عَنْهُم من التَّشْبِيه وَلَقَد طول شَيخنَا هُنَا إِلَى الْغَايَة وَأَطْنَبَ وأسهب وَاحْتج بِمَسْأَلَة الْقدر والرؤية وَالْكَلَام إِلَى أَن قَالَ وَأما قَوْله إِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام معصومون من الْخَطَأ والسهو والصغائر من أول الْعُمر إِلَى آخِره فَيُقَال الإمامية متنازعون فِي هَذَا قَالَ الْأَشْعَرِيّ فِي المقالات اخْتلف الروافض فِي الرَّسُول هَل يجوز أَن يَعْصِي ففرقة قَالَت يجوز ذَلِك وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عصى فِي أَخذ الْفِدَاء يَوْم بدر قَالُوا وَالْأَئِمَّة لَا يجوز عَلَيْهِم ذَلِك فَإِن الرَّسُول إِذا عصى جَاءَهُ الْوَحْي وَرجع وَالْأَئِمَّة لَا يُوحى إِلَيْهِم فَلَا يجوز عَلَيْهِم سَهْو وَلَا غلط قَالَ بِهَذَا هِشَام بن الحكم فَنَقُول إتفق الْمُسلمُونَ على أَنهم معصومون فِيمَا يبغلونه فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 يقرونَ على سَهْو فِيهِ وَبِهَذَا يحصل الْمَقْصُود من الْبعْثَة أما وجوب كَونه قبل النُّبُوَّة لَا يُذنب وَلَا يخطيء فَلَيْسَ فِي النُّبُوَّة مَا يسْتَلْزم هَذَا فَمن إعتقد أَن كل من لم يكفر وَلم يقتل وَلم يُذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره واهتدى بعد ضلاله وَتَابَ بعد ذنُوبه فَهُوَ مُخَالف لما علم بالإضطرار من الدّين فَمن الْمَعْلُوم أَن السَّابِقين أفضل من أَوْلَادهم الَّذين ولدُوا فِي الْإِسْلَام وَهل يشبه أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار بآبائهم عَاقل وَأَيْنَ الْمُنْتَقل بِنَفسِهِ من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان وَمن السَّيِّئَات إِلَى الْحَسَنَات بنظره وإستدلاله وَصَبره وتوبته ومفارقته عاداته ومعاداته لرفاقه إِلَى من وجد أَبَوَيْهِ وأقاربه وَأهل بَلَده على دين الْإِسْلَام وَنَشَأ فِي الْعَافِيَة قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا ينْقض عرى الْإِسْلَام من لم يعرف الْجَاهِلِيَّة وَقد وعد الله من تَابَ من الموبقات وآمن وَعمل صَالحا بِأَن يُبدل سيئاتهم حَسَنَات وَجُمْهُور الْأمة مِمَّن يَقُول بِجَوَاز الصَّغَائِر على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام يَقُولُونَ هم معصومون من الْإِقْرَار عَلَيْهَا فَمَا يزدادون بِالتَّوْبَةِ إِلَّا كمالا فالنصوص والْآثَار وَإِجْمَاع السّلف مَعَ الْجُمْهُور والمنكرون لذَلِك يَقُولُونَ فِي تَحْرِيف الْقُرْآن مَا هُوَ من جنس قَول أهل الْبُهْتَان كَقَوْلِهِم فِي {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك} أَي ذَنْب آدم {وَمَا تَأَخّر} ذَنْب أمتك فَأَما آدم فنبي كريم فوقعوا فِيمَا فروا مِنْهُ فنفوا الذَّنب عَن نَبينَا وألصقوه بِآدَم ثمَّ إِن آدم تَابَ الله عَلَيْهِ قبل أَن يهْبط إِلَى الأَرْض وَقبل أَن يُولد نوح وَإِبْرَاهِيم وَالله يَقُول {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} فَكيف يُضَاف ذَنْب هَذَا إِلَى ذَنْب هَذَا ثمَّ إِن هَذِه الْآيَة لما نزلت قَالَ أَصْحَابه يَا رَسُول الله هَذَا لَك فَمَا لنا فَأنْزل الله {هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم} ثمَّ كَيفَ يَقُول من لَهُ مسكة عقل إِن الله غفر ذنُوب أمته جَمِيعهَا وَقد علم أَن مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 من يدْخل النَّار بذنوبه فَأَيْنَ الْمَغْفِرَة وَأما قَوْلك إِن هَذَا يَنْفِي الوثوق بهم وَيُوجب التنفير فَلَيْسَ بِصَحِيح بل إِذا أعترف الْكَبِير بِمَا هُوَ عَلَيْهِ من الْحَاجة إِلَى تَوْبَته ومغفرة الله وَرَحمته دلّ ذَلِك على صدقه وتواضعه وَبعده من الْكبر وَالْكذب بِخِلَاف من يَقُول مَالِي حَاجَة إِلَى شَيْء من هَذَا فَمَا صدر مني مَا يحوجني إِلَى مغْفرَة وَلَا تَوْبَة فَإِن مثل هَذَا إِذا عرف من رجل نسبه النَّاس إِلَى الْكبر وَالْجهل وَالْكذب وَثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لن يدْخل أحد مِنْكُم الْجنَّة بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمة مِنْهُ وَفضل وَثَبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اللَّهُمَّ إغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني اللَّهُمَّ أَغفر لي هزلي وجدي وخطأي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي مُتَّفق عَلَيْهِ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل بنى آدم خطاء وَخير الْخَطَّائِينَ التوابون وَمَا ذكرته من عدم الوثوق والتنفير يحصل مَعَ الْإِصْرَار والإكثار لَا مَعَ ندور الذُّنُوب المتبوعة بِكَثْرَة الإستغفار وَالتَّوْبَة أما من إدعي الْبَرَاءَة والسلامة فَمَا أحوجه إِلَى الرُّجُوع إِلَى الله وَالتَّوْبَة والإنابة وَمَا علمنَا أَن بني إِسْرَائِيل وَلَا غَيرهم قَدَحُوا فِي نَبِي من الْأَنْبِيَاء بتوبته فِي أَمر من الْأُمُور إِلَى أَن قَالَ فَأَما مَا تَقوله الرافضة من أَن النَّبِي قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا لَا يَقع مِنْهُ خطأ وَلَا ذَنْب صَغِير وَكَذَلِكَ الإثني عشر فَهَذَا مِمَّا انفردوا بِهِ عَن الْأمة كلهَا وَقد كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بعد التَّوْبَة خيرا مِنْهُ قبل الْخَطِيئَة وَقَالَ بعض الْمَشَايِخ لَو لم تكن التَّوْبَة أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ مَا ابتلى بالذنب أكْرم الْخلق عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَجِد التائب الصَّادِق أثبت على الطَّاعَة وَأَشد حذرا من الذُّنُوب من كثير مِمَّن لم يبتل بذنب فَمن جعل التائب الَّذِي إجتباه الله وهداه منقوصا فَهُوَ جَاهِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وقولك وَالْأَئِمَّة معصومون كالأنبياء فَهَذِهِ خَاصَّة الرافضة الإمامية الَّتِي مَا شركهم فِيهَا أحد إِلَّا من هُوَ شَرّ مِنْهُم كالإسماعيلية الْقَائِلين بعصمة بني عبيد المنتسبين إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر قَالُوا بِأَن الْإِمَامَة بعد جَعْفَر فِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل دون مُوسَى بن جَعْفَر وهم ملاحدة زنادقة وَأما قَوْلك لَا يجوز على الْأَنْبِيَاء سَهْو فَمَا علمت أحدا قَالَه وَأما أَخذ المعصومين عَن جدهم فَيُقَال أَولا الْقَوْم إِنَّمَا تعلمُوا حَدِيث جدهم من الْعلمَاء وَهَذَا متواتر فعلي بن الْحُسَيْن يروي عَن أبان بن عُثْمَان عَن أُسَامَة بن زيد وَمُحَمّد ابْن عَليّ يروي عَن جَابر وَغَيره وَثَانِيا فَمَا فيهم من أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا عَليّ وولداه وَهَذَا عَليّ يَقُول إِذا حدثتكم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه لِأَن أخر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض أحب إِلَيّ من أَن أكذب عَلَيْهِ وَإِذا حدثتكم فِيمَا بيني وَبَيْنكُم فَإِن الْحَرْب خدعة وَلِهَذَا كَانَ يَقُول القَوْل وَيرجع عَنهُ وَكتب الشِّيعَة مَمْلُوءَة بالروايات الْمُخْتَلفَة عَن الْأَئِمَّة وقولك إِنَّكُم تتناقلون ذَلِك خلفا عَن سلف إِلَى أَن تتصل الرِّوَايَة بِأحد المعصومين فَإِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فالنقل عَن الْمَعْصُوم الْوَاحِد كَاف فَأَي حَاجَة فِي كل زمَان إِلَى مَعْصُوم وَإِذا كَانَ النَّقْل كَافِيا مَوْجُودا فَأَي فَائِدَة فِي المنتظر الَّذِي لَا ينْقل عَنهُ كلمة وَإِن لم يكن النَّقْل كَافِيا فَأنْتم فِي نُقْصَان وَجَهل من أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ سنة ثمَّ الْكَذِب من الرافضة على هَؤُلَاءِ يتجاوزون بِهِ الْحَد لَا سِيمَا على جَعْفَر الصَّادِق حَتَّى كذبُوا عَلَيْهِ كتاب الجفر والبطاقة وَكتاب إختلاج الْأَعْضَاء وَأَحْكَام الرعود والبروق وَمَنَافع الْقُرْآن وَصَارَت هَذِه معايش للطرقية فَكيف يَثِق الْقلب بِنَقْل من كثر مِنْهُم الْكَذِب إِن لم يعلم صدق النَّاقِل وإتصال السَّنَد وَقد تعدى شرهم إِلَى غَيرهم من أهل الْكُوفَة وَأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْعرَاق حَتَّى كَانَ أهل الْمَدِينَة يتوقون أَحَادِيثهم وَكَانَ مَالك يَقُول نزلُوا أَحَادِيث أهل الْعرَاق منزلَة أَحَادِيث أهل الْكتاب لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم وَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي يَا أَبَا عبد الله سمعنَا فِي بلدكم أَرْبَعمِائَة حَدِيث فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَنحن فِي يَوْم وَاحِد نسْمع هَذَا كُله فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن من أَيْن لنا دَار الضَّرْب الَّتِي عنْدكُمْ دَار الضَّرْب تضربون بِاللَّيْلِ وتنفقون بِالنَّهَارِ وَمَعَ هَذَا إِنَّه كَانَ فِي الْكُوفَة وَغَيرهَا من الثِّقَات الأكابر كثير وَمن كَثْرَة الْكَذِب الَّذِي كَانَ أَكْثَره فِي الشِّيعَة صَار الْأَمر يشْتَبه على من لَا يُمَيّز بَين هَذَا وَهَذَا بِمَنْزِلَة الرجل الْغَرِيب إِذا دخل إِلَى بلد نصف أَهله كذابون خوانون فَإِنَّهُ يحترس مِنْهُم حَتَّى يعرف الصدوق الثِّقَة وبمنزلة الدَّرَاهِم الَّتِي كثر فِيهَا الْغِشّ يحترس عَن الْمُعَامَلَة بهَا من لَا يكون نقادا وَلِهَذَا كره لمن لَا يكون لَهُ نقد وتمييز النّظر فِي الْكتب الَّتِي يكثر فِيهَا الْكَذِب فِي الرِّوَايَة والضلال فِي الآراء ككتب الْبدع وَكره تلقي الْعلم من الْقصاص وأمثالهم الَّذين يكثر الْكَذِب فِي كَلَامهم وَإِن كَانُوا يَقُولُونَ صدقا كثيرا فالرافضة أكذب من كل طَائِفَة بإتفاق أهل الْمعرفَة بأحوال الرِّجَال وقولك فَلم يلتفتوا إِلَى القَوْل بِالرَّأْيِ والإجتهاد وحرموا الْقيَاس فالشيعة فِي ذَا كالسنة فيهم أهل رَأْي وَأهل قِيَاس وَفِي السّنة من لَا يرى ذَلِك والمعتزلة البغداديون لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ وَخلق من الْمُحدثين يذمون الْقيَاس وَأَيْضًا فَالْقَوْل بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاس خير من الْأَخْذ بِمَا يَنْقُلهُ من عرف بِالْكَذِبِ نقل غير مُصدق عَن قَائِل غير مَعْصُوم وَلَا ريب أَن الإجتهاد فِي تَحْقِيق الْأَئِمَّة الْكِبَار لمناط الْأَحْكَام وتنقيحها وتخريجها خير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 التَّمَسُّك بِنَقْل الرافضة عَن العسكريين فَإِن مَالِكًا وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأَبا حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأمثالهم رَضِي الله عَنْهُم أعلم من العسكريين بدين الله وَالْوَاجِب على مثل العسكريين أَن يتعلموا من الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ وَمن الْمَعْلُوم أَن عَليّ بن الْحُسَيْن وَأَبا جَعْفَر وجعفر بن مُحَمَّد كَانُوا هم الْعلمَاء الْفُضَلَاء وَأَن من بعدهمْ لم يعرف عَنهُ من الْعلم مَا عرف عَن هَؤُلَاءِ وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا يتعلمون من عُلَمَاء زمانهم ويرجعون إِلَيْهِم قَالَ أما بَاقِي الْمُسلمين فقد ذَهَبُوا كل مَذْهَب فَقَالَ بَعضهم وهم جمَاعَة من الأشاعرة إِن القدماء كَثِيرُونَ مَعَ الله وَهِي الْمعَانِي الَّتِي يثبتونها مَوْجُودَة فِي الْخَارِج كالقدرة وَالْعلم وَغير ذَلِك فجعلوه مفتقرا فِي كَونه عَالما إِلَى ثُبُوت معنى هُوَ الْعلم وَفِي كَونه قَادِرًا إِلَى ثُبُوت معنى هُوَ الْقُدْرَة وَغير ذَلِك وَلم يَجْعَلُوهُ قَادِرًا لذاته وَلَا عَالما لذاته وَلَا حَيا لذاته بل لمعان قديمَة يفْتَقر فِي هَذِه الصِّفَات إِلَيْهَا وَاعْترض شيخهم فَخر الدّين الرَّازِيّ عَلَيْهِم بِأَن قَالَ النَّصَارَى كفرُوا بِأَن قَالُوا القدماء ثَلَاثَة والأشاعرة أثبتوا قدماء تِسْعَة فَيُقَال الْكَلَام على هَذَا من وُجُوه أَحدهَا أَن هَذَا كذب على الأشعرية لَيْسَ فيهم من يَقُول إِن الله كَامِل بِغَيْرِهِ وَلَا قَالَ الرَّازِيّ مَا ذكرته بل ذكره الرَّازِيّ عَمَّن اعْترض بِهِ واستهجن الرَّازِيّ ذكره وَهُوَ إعتراض قديم من إعتراضات نفاة الصِّفَات الْجَهْمِية ذكره الإِمَام أَحْمد فِي الرَّد على الْجَهْمِية ثمَّ قَالَ لَا نقُول إِن الله لم يزل وَقدرته وَلم يزل ونوره بل نقُول لم يزل الله بقدرته ونوره لَا مَتى قدر وَلَا كَيفَ قدر فَقَالُوا لَا تَكُونُونَ مُوَحِّدين حَتَّى تَقولُوا كَانَ الله وَلَا شَيْء فَقُلْنَا نَحن نقُول قد كَانَ الله وَلَا شَيْء وَلَكِن إِذا قُلْنَا إِن الله لم يزل بصفاته كلهَا أَلَيْسَ إِنَّمَا تصف إِلَهًا وَاحِدًا بِجَمِيعِ صِفَاته وضربنا لَهُم فِي ذَلِك مثلا فَقُلْنَا أخبرونا عَن هَذِه النَّخْلَة أَلَيْسَ لَهَا جذع وكرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وليف وسعف وخوص وجمار وَاسْمهَا إسم وَاحِد وَسميت نَخْلَة بِجَمِيعِ صفاتها فَكَذَلِك الله وَله الْمثل الْأَعْلَى بِجَمِيعِ صِفَاته إِلَه وَاحِد لَا نقُول إِنَّه كَانَ فِي وَقت من الْأَوْقَات وَلَا يقدر حَتَّى خلق قدرَة وَلَا كَانَ وَلَا يعلم حَتَّى خلق لنَفسِهِ علما وَالَّذِي لَا يقدر وَلَا يعلم عَاجز جَاهِل وَلَكِن نقُول لم يزل الله عَالما قدارا مَالِكًا لَا مَتى وَلَا كَيفَ الثَّانِي أَن يُقَال هَذَا القَوْل الْمَذْكُور لَيْسَ قَول الأشعرية كلهم وَإِنَّمَا هُوَ قَول مثبتي الْحَال مِنْهُم الَّذين يَقُولُونَ إِن العالمية حَال معطلة بِالْعلمِ فيجعلون الْعلم يُوجب حَالا آخر لَيْسَ هُوَ الْعلم بل هُوَ كَونه عَالما وَهَذَا قَول الباقلاني وَالْقَاضِي أبي يعلى وَأول قولي أبي الْمَعَالِي وَأما جُمْهُور مثبتة الصِّفَات فَيَقُولُونَ إِن الْعلم هُوَ كَونه عَالما وَيَقُولُونَ لَا يكون عَالما إِلَّا بِعلم وَلَا قَادِرًا إِلَّا بقدرة أَي يمْتَنع أَن يكون عَالما من لَا علم لَهُ أَو قَادِرًا من لَا قدرَة لَهُ أَو حَيا من لَا حَيَاة لَهُ فَإِن وجود اسْم الْفَاعِل بِدُونِ الْمصدر مُمْتَنع وَهَذَا كَمَا لَو قيل مصل بِلَا صَلَاة وصائم بِلَا صِيَام وناطق بِلَا نطق فَإِذا قيل لَا يكون مصل إِلَّا بِصَلَاة لم يكن المُرَاد أَن هُنَا شَيْئَيْنِ أَحدهمَا الصَّلَاة وَالثَّانِي حَال مُعَلل بِالصَّلَاةِ بل الْمُصَلِّي لَا بُد أَن يكون لَهُ صَلَاة وهم أَنْكَرُوا قَول نفاة الصِّفَات الَّذين يَقُولُونَ هُوَ حَيّ لَا حَيَاة لَهُ وعالم علم لَهُ وقادر لَا قدرَة لَهُ فَمن قَالَ هُوَ حَيّ عليم قدير بِذَاتِهِ وَأَرَادَ بذلك أَن ذَاته مستلزمة لِحَيَاتِهِ وَعلمه وَقدرته لم يحْتَج فِي ذَلِك إِلَى غَيره وَمن تدبر كَلَام هَؤُلَاءِ وجدهم مضطرين إِلَى إِثْبَات الصِّفَات وَأَنَّهُمْ لَا يُمكنهُم أَن يفرقُوا بَين قَوْلهم وَقَول المثبتة بفرق مُحَقّق لأَنهم أثبتوا كَونه تَعَالَى حَيا وَكَونه عَالما وَكَونه قَادِرًا وَلَا يجْعَلُونَ هَذَا هُوَ هَذَا وَلَا هَذَا هُوَ هَذَا وَلَا هَذِه الْأُمُور هَذِه الذَّات فقد أثبتوا مَعَاني زَائِدَة على الذَّات الْمُجَرَّدَة فقولك أثبتوا قدماء كَثِيرَة لفظ مُجمل يُوهم أَنهم أثبتوا آلِهَة غير الله فِي الْأَزَل وأثبتوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 مَعَ الله غَيره وَهَذَا بهتان عَلَيْهِم وَإِنَّمَا أثبتوا صِفَات قَائِمَة بِهِ قديمَة بقدمه فَهَل يُنكر هَذَا إِلَّا مخذول مسفسط وَاسم الله يتَنَاوَل الذَّات المتصفة بِالصِّفَاتِ لَيْسَ هُوَ اسْما للذات الْمُجَرَّدَة وقولك يجعلونه مفتقرا فِي كَونه عَالما إِلَى ثُبُوت معنى هُوَ الْعلم فَهَذَا يرد على مثبتة الْحَال وَأما الْجُمْهُور فعندهم كَونه عَالما هُوَ الْعلم وَبِتَقْدِير أَن يُقَال كَونه عَالما مفتقر إِلَى الْعلم الَّذِي هُوَ لَازم لذاته لَيْسَ فِي هَذَا إِثْبَات فقر لَهُ إِلَى غير ذَاته فَإِن ذَاته مستلزمة للْعلم وَالْعلم مُسْتَلْزم لكَونه عَالما فذاته هِيَ الْمُوجبَة لهَذَا فالعلم كَمَال وَكَونه عَالما كَمَال فَإِذا أوجبت ذَاته هَذَا وَهَذَا كَانَ كَمَا لَو أوجبت الْحَيَاة وَالْقُدْرَة وقولك لم يَجْعَلُوهُ عَالما لذاته قَادِرًا لذاته إِن أردْت أَنهم لم يَجْعَلُوهُ عَالما قَادِرًا لذات مُجَرّدَة عَن الْعلم وَالْقُدْرَة كَمَا يَقُول نفاة الصِّفَات إِنَّه ذَات مُجَرّدَة عَن الصِّفَات فَهَذَا حق لِأَن الذَّات الْمُجَرَّدَة عَن الْعلم وَالْقُدْرَة لَا حَقِيقَة لَهَا فِي الْخَارِج وَلَا هِيَ الله وَإِن أردْت أَنهم لم يَجْعَلُوهُ عَالما قَادِرًا لذاته المستلزمة للْعلم وَالْقُدْرَة فَهَذَا غلط عَلَيْهِم بل نفس ذَاته الْمُوجبَة لعلمه وَقدرته هِيَ الَّتِي أوجبت كَونه عَالما قَادِرًا وأوجبت علمه وَقدرته فَإِن هَذِه الْأُمُور متلازمة وقولك فجعلوه مُحْتَاجا نَاقِصا فِي ذَاته كَامِلا بِغَيْرِهِ كَلَام بَاطِل فَإِنَّهُ هُوَ الذَّات الموصوفة بِالصِّفَاتِ اللَّازِمَة لَهَا وَمَا فِي الْخَارِج ذَات مُجَرّدَة عَن صِفَات وَلَيْسَت صِفَات الله غير الله وَقَول الْقَائِل إِن النَّصَارَى قد كفرُوا بِأَن قَالُوا القدماء ثَلَاثَة والأشاعرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أثبتوا قدماء تِسْعَة وَالنَّصَارَى لم يكفرهم الله بقَوْلهمْ القدماء ثَلَاثَة بل بقَوْلهمْ {إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة وَمَا من إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد} فَبين تَعَالَى أَنهم كفرُوا بِأَن قَالُوا الله ثَالِث ثَلَاثَة آلِهَة وَلم يقل وَمَا من قديم إِلَّا قديم وَاحِد ثمَّ أتبع ذَلِك بكشف حَال الآخرين فَقَالَ {مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة كَانَا يأكلان الطَّعَام} والإله يطعم وَلَا يطعم وَقَالَ {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله قَالَ سُبْحَانَكَ} فَلَيْسَ فِي الْكتاب وَالسّنة ذكر لفظ الْقَدِيم فِي أَسمَاء الله وَإِن كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا ثمَّ النَّصَارَى معترفون بِأَن مَرْيَم وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ولدا وحدثا فَكيف يَقُولُونَ قديمان ثمَّ إِن الَّذين أثبتوا الصِّفَات لَا يَقُولُونَ ان الله تَاسِع تِسْعَة قدماء بل اسْم الله عِنْدهم يتَضَمَّن الذَّات وَالصِّفَات وَلَا أطْلقُوا على الصِّفَات أَنَّهَا غير الله وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك وَثَبت فِي الصَّحِيح الْحلف بعزة الله وَعمر الله فالحلف بذلك لَيْسَ حلفا بِغَيْر الله وَالصَّوَاب أَن الصِّفَات لَا تَنْحَصِر فِي ثَمَانِيَة كَمَا قَالَ بعض الأشعرية بل وَلَا تَنْحَصِر بِعَدَد ثمَّ إِن النَّصَارَى أثبتوا ثَلَاثَة أقانيم إِنَّهَا ثَلَاثَة جَوَاهِر يجمعها جَوْهَر وَاحِد وَإِن كل وَاحِد مِنْهَا إِلَه يخلق ويرزق والمتحد بالمسيح هُوَ أقنوم الْكَلِمَة وَالْعلم وَهَذَا متناقض فَإِن المتحد إِن كَانَ صفة فالصفة لَا تخلق وَلَا ترزق وَلَا تفارق الْمَوْصُوف وَإِن كَانَ الصّفة هوالموصوف فَهُوَ الْجَوْهَر الْوَاحِد وَهُوَ الْأَب فَيكون الْمَسِيح هُوَ الْأَب وَلَيْسَ هَذَا قَوْلهم فَأَيْنَ هَذَا مِمَّن يَقُول الْإِلَه وَاحِد وَله الْأَسْمَاء الْحسنى الدَّالَّة على صِفَاته العلى وَلَا خَالق غَيره وَلَا معبود سواهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَمِمَّا إفترته الْجَهْمِية على ابْن كلاب لما صنف كتابا فِي الرَّد عَلَيْهِم أَنهم وضعُوا على أُخْته حِكَايَة أَنَّهَا نَصْرَانِيَّة وَأَنه لما أسلم هجرته فَقَالَ لَهَا يَا أُخْتِي إِنِّي أُرِيد أفسد دين الْمُسلمين فرضيت عَنهُ بذلك ومقصود المفتري لهَذِهِ الْحِكَايَة أَن يَجْعَل قَوْله بِإِثْبَات الصِّفَات هُوَ قَول النَّصَارَى وَبَين الْقَوْلَيْنِ من الْفرق كَمَا بَين الْقدَم وَالْفرق قَالَ الرافضي وَقَالَت الحشوية المشبهة إِن لله جسما لَهُ طول وَعرض وعمق وَيجوز عَلَيْهِ المصافحة وَأَن الصلحاء يعاينونه فِي الدُّنْيَا وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ اعفوني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 عَن الْفرج واللحية وسلوني عَمَّا وَرَاء ذَلِك وَقَالَ معبودي جسم وَلحم وَدم وَله جوارح حَتَّى قَالُوا اشتكت عَيناهُ فعادته الْمَلَائِكَة وَبكى على الطوفان حَتَّى رمد فَيُقَال هَذَا بِعَيْنِه قَول هِشَام بن الحكم الرافضي كَمَا قدمنَا نَقله الناقلون للمقالات عَنهُ مثل أبي عِيسَى الْوراق وزرقان وَابْن النوبختي والأشعري وَابْن حزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 والشهرستاني وَطَائِفَة وَقَالُوا أول من قَالَ إِنَّه جسم هِشَام بن الحكم ونقلوا عَن بَيَان ابْن سمْعَان التَّمِيمِي أحد غلاة الشِّيعَة أَن الله على صُورَة الْإِنْسَان وَأَنه يهْلك كُله إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَجهه فَقتله خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي ونقلوا عَن الْمُغيرَة بن سعيد أَن معبوده رجل من نور على رَأسه تَاج من نور وَله أَعْضَاء كَالرّجلِ وَله جَوف وقلب وَأَن حُرُوف أبي جاد على عدد أَعْضَائِهِ وَزعم أَنه يحيي الْمَوْتَى وأراهم نيرنجيات ومخاريق فَادعوا نبوته فَقتله خَالِد بن عبد الله وَذكروا عَن المنصورية أَصْحَاب أبي مَنْصُور أَنه قَالَ آل مُحَمَّد هم السَّمَاء والشيعة هم الأَرْض وَأَنه عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَمسح معبوده رَأسه ثمَّ قَالَ إذهب فَبلغ عني وَيَمِين أَصْحَابه إِذا حلفوا لَا والكلمة وَزعم أَن عِيسَى أول من خلق الله ثمَّ عَليّ وَأَن الرُّسُل لَا تَنْقَطِع وَزعم أَن الْجنَّة اسْم رجل وَالنَّار كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 واستحل الْمَحَارِم وَالدَّم وَالْميتَة وَالْخمر وَأَن هَذِه أَسمَاء أَقوام حرم الله وَلَا يتهم وَأسْقط الْفَرَائِض وَقَالَ هِيَ أَسمَاء رجال تجب ولايتهم قَتله يُوسُف بن عمر والنصيرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 يشبهون المنصورية وَذكروا عَن الخطابية أَصْحَاب أبي الْخطاب بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 زَيْنَب أَنهم يَزْعمُونَ أَن الْأَئِمَّة أَنْبيَاء مرسلون لَا يزَال مِنْهُم رسولان وَاحِد نَاطِق وَآخر صَامت فالناطق مُحَمَّد والصامت عَليّ وعبدوا أَبَا الْخطاب ثمَّ خرج أَبُو الْخطاب على الْمَنْصُور فَقتله عِيسَى بن مُوسَى بِأَرْض الْكُوفَة وهم يدينون بِشَهَادَة الزُّور لمن وافقهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَذكروا عَن البزيعية أَنهم يَقُولُونَ إِن جَعْفَر بن مُحَمَّد هُوَ الله وَأَن كل مُؤمن يُوحى إِلَيْهِ قَالَ الْأَشْعَرِيّ وَقد قَالَ قوم بإلهية سلمَان الْفَارِسِي قَالَ وَفِي النساك من الصُّوفِيَّة من يَقُول بالحلول وَأَن الْبَارِي يحل فِي الْأَشْخَاص وَأَنَّهُمْ إِذا رَأَوْا مَا يعجبهم قَالُوا مَا نَدْرِي لَعَلَّ الله حل فِيهِ ومالوا إِلَى إطراح الْفَرَائِض وَزَعَمُوا أَن العَبْد إِذا وصل إِلَى معبوده سَقَطت عَنهُ الْوَاجِبَات قَالَ وَمن الغالية من يزْعم أَن روح الْقُدس هُوَ الله كَانَت فِي النَّبِي ثمَّ فِي عَليّ ثمَّ فِي الْحسن إِلَى أَن ذكر المنتظر قَالَ وَهَؤُلَاء آلِهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 عِنْدهم كل وَاحِد إِلَه على التناسخ وَمِنْهُم صنف يَزْعمُونَ أَن عليا هُوَ الله ويشتمون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُولُونَ إِن عليا وَجه بِهِ ليبين أمره فَادّعى الْأَمر لنَفسِهِ وَمِنْهُم من يَقُول إِن الله حل فِي خَمْسَة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَلَهُم خَمْسَة أضداد أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو وَمِنْهُم السبئية أَصْحَاب عبد الله بن سبأ يَزْعمُونَ أَن عليا لم يمت وَأَنه يرجع إِلَى الدُّنْيَا فَيمْلَأ الأَرْض عدلا وَكَانَ السَّيِّد الْحِمْيَرِي يَقُول برجعة الْأَمْوَات وَهُوَ الْقَائِل (إِلَى يَوْم يؤوب النَّاس فِيهِ ... إِلَى دنياهم قبل الْحساب) وَمِنْهُم من يزْعم أَن الله وكل الْأُمُور إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخلق الدُّنْيَا ودبرها ويزعمون أَن الْأَئِمَّة ينسخون الشَّرَائِع وتهبط عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي وَمِنْهُم من يسلم على السَّحَاب وَيَقُول إِذا مرت سَحَابَة إِن عليا فِيهَا وَذكر الْأَشْعَرِيّ أَشْيَاء سوى ذَلِك وَلم تكن حدثت النصيرية وَلَا الإسماعيلية بعد وَمن قَول النصيرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 (أشهد أَلا إِلَه إِلَّا ... حيدرة الأنزع البطين) (وَلَا حجاب عَلَيْهِ إِلَّا ... مُحَمَّد الصَّادِق الْأمين) (وَلَا طَرِيق إِلَيْهِ إِلَّا ... سلمَان ذُو الْقُوَّة المتين) وَيَقُولُونَ إِن رَمَضَان أَسمَاء ثَلَاثِينَ رجلا وَهَذِه المصائب أَبُو جادها الرَّفْض وَأما مَا نقلت فَلَا يعرف عَن إِمَام مَعْرُوف بِالسنةِ وَلَا من الْفُقَهَاء وَلَا حفاظ الحَدِيث وَلَا مَشَايِخ الطّرق فَمَا علمنَا من قَالَ فيهم بالجسم والطول والعمق وَاتَّفَقُوا على أَن الله لَا يرى فِي الدُّنْيَا بل فِي الْآخِرَة كَمَا ثَبت فِي الصِّحَاح قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعْلَمُوا أَن أحدا مِنْكُم لن يرى ربه حَتَّى يَمُوت وَمن أَرَادَ أَن ينْقل مقَالَة عَن طَائِفَة فليسم الْقَائِل وَإِلَّا فَكل أحد يُمكنهُ الْكَذِب وَأما لفظ الحشوية فَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على شخص معِين فَلَا يدْرِي من هم هَؤُلَاءِ وَإِن أردْت بالحشوية أهل الحَدِيث فاعتقادهم هُوَ السّنة الْمَحْضَة وَمَا ثَبت نَقله وَمَا فيهم من يعْتَقد وَله الْحَمد مَا قلت فَبَان كَذبك فِي هَذَا وَغَيره وَأما لفظ المشبهة فَلَا ريب أَن أهل السّنة متفقون على تَنْزِيه الله عَن مماثلة الْخلق فالمشبهة هم الَّذين يمثلون صِفَاته بِصِفَات خلقه وَأهل السّنة يصفونَ الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أَو رَسُوله من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَلَا تكييف وَلَا تَمْثِيل بل إِثْبَات بِلَا تَمْثِيل وتنزيه بِلَا تَعْطِيل قَالَ الله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء} يرد على الممثلة {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} يرد على المعطلة وينزهون الله عَن صِفَات النَّقْص مُطلقًا كالنوم وَالسّنة وَالنِّسْيَان وَالْعجز وَالْجهل وَنَحْو ذَلِك ويصفونه بِصِفَات الْكَمَال الْوَارِدَة فِي الْكتاب وَالسّنة وَلَكِن نفاة الصِّفَات يسمون كل من أثبت صفة مشبها حَتَّى إِن الباطنية يَقُولُونَ من سمى الله بأسمائه الْحسنى فَهُوَ مشبه وَيَقُولُونَ من قَالَ حَيّ عليم فقد شبهه بالأحياء الْعَالمين وَمن وَصفه بِأَنَّهُ سميع بَصِير فقد شبهه بالآدمي وَإِذا قَالَ هُوَ رؤوف رَحِيم فقد شبهه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَالُوا لَا نقُول هُوَ مَوْجُود حَتَّى لَا نُشبههُ بِسَائِر الموجودات لاشتراكها فِي مُسَمّى الْوُجُود وَقَالُوا لَا نقُول مَعْدُوم وَلَا حَيّ وَلَا ميت فَقيل لَهُم فقد شبهوه بالممتنع بل جَعَلُوهُ فِي نَفسه مُمْتَنعا فَإِنَّهُ كَمَا يمْتَنع إجتماع النقيضين يمْتَنع إرتفاعهما فَرجع الْوَاجِب الْوُجُود إِلَى أَنه مُمْتَنع الْوُجُود وَيُقَال للَّذين يَقُولُونَ لَا نقُول هَذَا وَلَا هَذَا عدم قَوْلكُم لَا يبطل الْحَقَائِق فِي أَنْفسهَا بل هَذَا نوع من السفسطة وَمن قَالَ لَا مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم فقد جزم بعد الْجَزْم فالسفسطة أَنْوَاع ثَلَاثَة نفي الْحَقَائِق أَو الْوَقْف فِيهَا أَو جعلهَا تَابِعَة لظنون النَّاس وَقد قيل بِنَوْع رَابِع وَهُوَ القَوْل بِأَن الْعَالم فِي سيلان فَلَا يثبت وأصل ضلال هَؤُلَاءِ أَن لفظ التَّشْبِيه فِيهِ إِجْمَال فَمَا من شَيْئَيْنِ إِلَّا وَبَينهمَا قدر مُشْتَرك يتَّفق فِيهِ الشيئان فِي الذِّهْن وَلَا يجب تماثلهما فِيهِ بل الْغَالِب تفاضل الْأَشْيَاء فِي ذَلِك الْقدر الْمُشْتَرك فَإِذا قيل فِي الْمَخْلُوقَات حَيّ وَحي وَعَلِيم وَعَلِيم لم يلْزم تماثلهما فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الْحَيَاة وَالْعلم وَلَا أَن يكون نفس حَيَاة هَذَا وَعلمه حَيَاة الآخر وَعلمه وَلَا يَكُونَا مشتركين فِي مَوْجُود فِي الْخَارِج عَن الذِّهْن وَكَانَ جهم لَا يُسَمِّي الله بإسم يتسمى بِهِ الْخلق إِلَّا بالقادر والخالق لِأَنَّهُ كَانَ جبريا يرى أَن العَبْد لَا قدرَة لَهُ وَرُبمَا قَالُوا لَيْسَ بِشَيْء كالأشياء فقصدوا أَن حَقِيقَة التَّشْبِيه منتفية عَنهُ وَتَحْقِيق هَذَا الْموضع بالْكلَام فِي معنى التَّشْبِيه والتمثيل والتمثيل قد نطق الْكتاب بنفيه فِي غير مَوضِع كَقَوْلِه {لَيْسَ كمثله شَيْء} {هَل تعلم لَهُ سميا} {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} {فَلَا تجْعَلُوا لله أندادا} {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال} وَأما الْجِسْم والجوهر والتحيز والجهة فَلَا نطق بهَا كتاب وَلَا سنة نفيا وَلَا إِثْبَاتًا وَلَا الصَّحَابَة والتابعون فَأول من تكلم بذلك نفيا وإثباتا الْجَهْمِية والمعتزلة ومجسمة الرافضة والمبتدعة فالنفاة نفوا هَذِه الْأَسْمَاء وأدخلوا فِي النَّفْي مَا أثْبته الله وَرَسُوله من صِفَاته كعلمه وَقدرته ومشيئته ومحبته وَرضَاهُ وغضبه وعلوه وَقَالُوا إِنَّه لَا يرى وَلَا يتَكَلَّم بِالْقُرْآنِ وَلَا غَيره والمثبتة أدخلُوا فِي ذَاك مَا نَفَاهُ الله وَرَسُوله حَتَّى أثبتوا رُؤْيَته فِي الدُّنْيَا بالأبصار وَأَنه يُصَافح ويعانق وَينزل عَشِيَّة عَرَفَة على جمل وَقَالَ بَعضهم إِنَّه ينْدَم ويبكي ويحزن وَذَلِكَ وصف للرب بِصِفَات يخْتَص بهَا الآدميون فَكل مَا اخْتصَّ بِهِ الْمَخْلُوق فَهُوَ صفة نقص تَعَالَى الله عَن النَّقْص أحد صَمد فالأحد يتَضَمَّن نفي الْمثل والصمد يتَضَمَّن جَمِيع صِفَات الْكَمَال فالجسم فِي اللُّغَة الْجَسَد كَمَا ذكره الْأَصْمَعِي وَأَبُو زيد وَغَيرهمَا وَهُوَ الْبدن قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم} وَقَالَ {وزاده بسطة فِي الْعلم والجسم} وَقَالَ {عجلا جسدا لَهُ خوار} وَقد يُرَاد بِهِ الكثافة تَقول هَذَا أجسم من هَذَا ثمَّ صَار الْجِسْم فِي إصطلاح أهل الْكَلَام أَعم من ذَلِك فسموا الْهَوَاء جسما وَإِن كَانَت الْعَرَب لَا تسمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ذَلِك جسما ثمَّ بَينهم نزاع فِيمَا يُسمى جسما وَهُوَ مركب من جَوَاهِر مُنْفَرِدَة متناهية كَمَا يَقُوله أَكثر الْقَائِلين بالجوهر الْفَرد وَإِمَّا متناهية كَمَا يَقُوله النظام وَالْتزم الطفرة الْمَعْرُوفَة بِهِ أَو هُوَ مركب من مَادَّة وَصُورَة كَقَوْل بعض المتفلسفة أَو لَيْسَ مركبا لَا من هَذَا وَلَا من هَذَا كَمَا يَقُوله الهشامية والكلابية والنجارية والضرارية وَكثير من الكرامية وَكثير من الْكتب لَيْسَ فِيهَا هَذَا القَوْل الثَّالِث وَالصَّوَاب أَنه لَيْسَ مركبا من هَذَا وَلَا من هَذَا وَيَنْبَنِي على هَذَا أَن مَا يحدثه الله من الْحَيَوَان والنبات والمعادن فَهِيَ أَعْيَان مخلوقة على قَول نفاة الْجَوْهَر الْفَرد فَأَما على قَول من يُثبتهُ فَإِنَّمَا يحدث أعراضا وصفات وَإِلَّا فالجواهر بَاقِيَة وَلَكِن اخْتلف تركيبها وَيَقُولُونَ لَا تستحيل حَقِيقَة إِلَى حَقِيقَة أُخْرَى وَلَا تنْقَلب الْأَجْنَاس بل الْجَوَاهِر يُغير الله تركيبها وَهِي بَاقِيَة وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ بإستحالة بعض الْأَجْسَام إِلَى بعض وإنقلاب جنس إِلَى جنس كَمَا تنْقَلب النُّطْفَة إِلَى علقَة والعلقة إِلَى مُضْغَة ثمَّ إِلَى عِظَام وَهَذَا قَول الْفُقَهَاء والأطباء فالنظار كلهم متفقون فِيمَا أعلم على أَن الْجِسْم يشار إِلَيْهِ وَإِن اخْتلفُوا فِي كَونه مركبا من الْأَجْزَاء المنفردة أَو من الْمَادَّة وَالصُّورَة أَو لَا من هَذَا وَلَا من هَذَا وَقد تنَازع الْعُقَلَاء أَيْضا هَل يُمكن وجود مَوْجُود قَائِم بِنَفسِهِ لَا يشار إِلَيْهِ وَلَا يُمكن أَن يرى على ثَلَاثَة أَقْوَال فَقيل لَا يُمكن ذَلِك بل هُوَ مُمْتَنع وَقيل هُوَ مُمْتَنع فِي المحدثات الممكنة الَّتِي تقبل الْوُجُود والعدم وَقيل بل ذَلِك مُمكن فِي الْمُمكن وَالْوَاجِب وَهَذَا قَول بعض الفلاسفة مَا علمت قَالَه أحد من أهل الْملَل ومثبتو ذَلِك يسمونها المجردات والمفارقات وَأكْثر الْعُقَلَاء يَقُولُونَ وجود هَذِه فِي الأذهان لَا فِي الْأَعْيَان وَإِنَّمَا يثبت ذَلِك من وجود نفس الْإِنْسَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الَّتِي تفارق بدنه أما الْمَلَائِكَة فالمتفلسفة يَقُولُونَ هِيَ الْعُقُول والنفوس المجردات وَهِي الْجَوَاهِر الْعَقْلِيَّة وَأما الْمُسلمُونَ وَغَيرهم من أهل الْملَل فيثبتون الْمَلَائِكَة وَأَنَّهُمْ مخلوقون من نور كَمَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث وهم كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} وَقد ذكر الْمَلَائِكَة فِي غير مَوضِع وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ إِن جِبْرِيل هُوَ الْعقل الفعال أَو هُوَ مَا يتخيل فِي نفس النَّبِي من الصُّور الخيالية وَكَلَام الله كَمَا يُوجد فِي نفس النَّائِم وَمن عرف مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول علم ضلال هَؤُلَاءِ وَأَنَّهُمْ أبعد عَن الْإِيمَان من الْمُشْركين فَإِذا عرف تنَازع النظام فِي حَقِيقَة الْجِسْم فَلَا ريب أَن الله سُبْحَانَهُ لَيْسَ مركبا من الْأَجْزَاء المنفردة وَلَا من الْمَادَّة وَالصُّورَة وَلَا يقبل الإنقسام وَلَا التَّفْرِيق وَلَا الإنفصال وَلَا كَانَ مفرقا فَاجْتمع بل هُوَ أحد صَمد والمعاني المعقولة من التَّرْكِيب كلهَا منتفية عَن الله تَعَالَى لَكِن المتفلسفة وَمن وافقهم يزِيدُونَ على ذَلِك وَيَقُولُونَ إِذا كَانَ مَوْصُوفا بِالصِّفَاتِ كَانَ مركبا وَإِذا كَانَت لَهُ حَقِيقَة لَيست هِيَ مُجَرّد الْوُجُود كَانَ مركبا فَقَالَ لَهُم الْمُسلمُونَ المثبتون للصفات النزاع لَيْسَ فِي لفظ الْمركب فَإِن هَذَا اللَّفْظ يَقْتَضِي أَن غَيره رَكبه وَلَا يَقُول عَاقل إِن الله مركب لهَذَا الإعتبار أما كَونه ذاتا مستلزمة لصفات الْكَمَال من الْعلم وَالْقُدْرَة والحياة فَهَذَا لَا يُسمى مركبا فِيمَا نعلم وَلَا عرف ذَلِك فِي اللُّغَة وَإِنَّمَا الْمركب مَا كَانَت أجزاؤه مُتَفَرِّقَة فَجمع جمع إمتزاج أَو غير جمع إمتزاج كتركيب الْأَطْعِمَة والأشربة والأدوية والأبنية واللباس والحلية ثمَّ إِن جَمِيع الْعُقَلَاء مضطرون إِلَى إِثْبَات مَعَاني مُتعَدِّدَة لله فالمعتزلي يسلم أَنه حَيّ عَالم قَادر فكونه حَيا غير كَونه قَادِرًا والفلسفي يَقُول إِنَّه عَاقل ومعقول وعقل ولذيذ ومتلذذ وَلَذَّة وَقَالَ الطوسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فِي شرح الإشارات الْعلم هُوَ الْمَعْلُوم وَمَعْلُوم فَسَاد هَذَا بِصَرِيح الْعقل وبمجرد تصَوره التَّام وَلَيْسَ فرارهم إِلَّا من معنى التَّرْكِيب وَلَيْسَ لَهُم قطّ حجَّة على نفي مُسَمّى التَّرْكِيب بِجَمِيعِ هَذِه الْمعَانِي بل عمدتهم أَن الْمركب يفْتَقر إِلَى أَجْزَائِهِ وأجزاؤه غَيره والمفتقر إِلَى غَيره لَا يكون وَاجِبا بِنَفسِهِ بل يكون معلولا وَهَذِه الْحجَّة جَمِيع ألفاظها معلولة فَلفظ الْوَاجِب بِنَفسِهِ يُرَاد بِهِ الَّذِي لَا فَاعل لَهُ وَلَا لَهُ عِلّة فاعلة وَيُرَاد بِهِ الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى شَيْء مباين لَهُ وَيُرَاد بِهِ الْقَائِم بِنَفسِهِ الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى مباين لَهُ فعلى الأول وَالثَّانِي فالصفات وَاجِبَة الْوُجُود وعَلى الثَّالِث فالذات الموصوفة هِيَ الْوَاجِبَة وَالصّفة وَحدهَا لَا يُقَال إِنَّهَا وَاجِبَة الْوُجُود وَلَا تنفك عَن الذَّات فَقَوْلهم إِذا كَانَ لَهُ ذَات وصفات كَانَ مركبا والمركب مفتقر إِلَى أَجْزَائِهِ وأجزاؤه غَيره فَلفظ الْغَيْر مُجمل يُرَاد بِهِ المباين فالغيران مَا جَازَ مُفَارقَة أَحدهمَا الآخر بِزَمَان أَو مَكَان أَو وجود وَيُرَاد بالغيرين مَا لَيْسَ أَحدهمَا الآخر أَو مَا جَازَ الْعلم بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْجَهْل بِالْآخرِ وَهَذَا إصطلاح أَكثر الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَأما السّلف كَالْإِمَامِ أَحْمد وَغَيره فَلفظ الْغَيْر عِنْدهم يُرَاد بِهِ هَذَا وَيُرَاد بِهِ هَذَا وَلِهَذَا لم يطلقوا القَوْل بِأَن علم الله غَيره وَلَا أَنه لَيْسَ بِغَيْرِهِ فَلَا يَقُولُونَ هُوَ هُوَ وَلَا هُوَ غَيره لِأَن الْجَهْمِية يَقُولُونَ مَا سوى الله مَخْلُوق وَكَلَامه سواهُ فَيكون مخلوقا وَقد ثَبت فِي السّنة جَوَاز الْحلف بِالصِّفَاتِ كعزته وعظمته مَعَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك فَعلم أَن الصِّفَات لَا تدخل فِي مُسَمّى الْغَيْر عِنْد الْإِطْلَاق وَإِذا أُرِيد بِالْغَيْر أَنه لَيْسَ هُوَ إِيَّاه فَلَا ريب أَن الْعلم غير الْعَالم وَالْكَلَام غير الْمُتَكَلّم وَيُرَاد بالإفتقار التلازم بِمَعْنى أَنه لَا يُوجد أَحدهمَا إِلَّا مَعَ الآخر وَإِن لم يكن أَحدهمَا مؤثرا فِي الآخر مثل الْأُبُوَّة والبنوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 والمركب قد عرف مَا فِيهِ من الإشتراك فَإِذا قيل لَو كَانَ عَالما لَكَانَ مركبا من ذَات وَعلم فَلَيْسَ المُرَاد بِهِ أَن الذَّات وَالْعلم كَانَا مفترقين فاجتمعا وتركبا وَلَا أَنه يجوز مُفَارقَة أَحدهمَا الآخر بل المُرَاد أَنه إِذا كَانَ عَالما فهناك ذَات وَعلم قَائِم بهَا وَقَوله والمركب مفتقر إِلَى أَجْزَائِهِ فمعلوم أَن إفتقار الْمَجْمُوع إِلَى أَبْعَاضه لَيْسَ بِمَعْنى أَن أَبْعَاضه فعلته أَو وجدت دونه أَو أثرت فِيهِ بل بِمَعْنى أَنه لَا يُوجد إِلَّا بِوُجُود الْمَجْمُوع فَإِذا قيل الشَّيْء مفتقر إِلَى نَفسه بِهَذَا الْمَعْنى لم يكن هَذَا مُمْتَنعا بل هَذَا هُوَ الْحق فَإِن نفس الْوَاجِب لَا يَسْتَغْنِي عَن نَفسه وَإِذا قيل هُوَ وَاجِب بِنَفسِهِ فَلَيْسَ المُرَاد أَن نَفسه أبدعت وُجُوبه بل المُرَاد أَن نَفسه مَوْجُودَة بِنَفسِهَا لم تفْتَقر إِلَى غير وَإِذا قيل الْعشْرَة مفتقرة إِلَى الْعشْرَة لم يكن فِي هَذَا إفتقار لَهَا إِلَى غَيرهَا وَإِذا قيل هِيَ مفتقرة إِلَى الْوَاحِد الَّذِي هُوَ جزؤها لم يكن إفتقارها إِلَى بَعْضهَا بأعظم من إفتقارها إِلَى الْمَجْمُوع الَّذِي هُوَ هِيَ فكون الْمُبْدع مستلزما لصفاته فَهَذَا لم ينف حجَّة أصلا وَلَا هَذَا التلازم يَنْبَغِي أَن يُسمى فقرا وَأَيْضًا فتسمية الصِّفَات الْقَائِمَة بالموصوف جُزْءا لَيْسَ هُوَ من اللُّغَة الْمَعْرُوفَة إِنَّمَا ذَا إصطلاح لَهُم وَلَو تنزلنا وسميناه بإصطلاحهم لم يكن فِيهِ مَحْذُور فَلَا عِبْرَة بتهويل الفلاسفة وأتباعهم فَالَّذِينَ نفوا علمه بالأشياء قَالُوا لِئَلَّا يلْزم التكثير وَالَّذين نفوا علمه بالجزئيات قَالُوا لِئَلَّا يلْزم التَّغَيُّر فيهولون بِلَفْظ التكثير والتغير وهما لفظان مجملان منكران يوهمان أَنه يتكثر الْآلهَة وَأَن الرب يتَغَيَّر كَمَا يتَغَيَّر الْإِنْسَان وكما تَتَغَيَّر الشَّمْس إِذا اصفر لَوْنهَا وَلَا يدْرِي السَّامع أَنه عِنْدهم إِذا أحدث مَا لم يكن مُحدثا سموهُ تغيرا وَإِذا سمع دُعَاء عباده سموهُ تغيرا وَإِذا رأى مَا خلقه سموهُ تغيرا وَإِذا كلم مُوسَى سموهُ تغيرا وَإِذا رَضِي عَن الطائع سموهُ تغيرا ثمَّ إِنَّهُم ينفون ذَلِك بِغَيْر دَلِيل أصلا كَمَا اعْترف بِهِ غير وَاحِد والأدلة الشَّرْعِيَّة والعقلية توجب ثُبُوت ذَلِك فدعوى الْمُدَّعِي على اللُّغَة أَن مَا يشار إِلَيْهِ جسم مركب غير صَحِيح وَجُمْهُور الْمُسلمين الْقَائِلين لَيْسَ بجسم يَقُولُونَ من قَالَ إِنَّه جسم وَأَرَادَ بذلك أَنه مَوْجُود أَو قَائِم بِنَفسِهِ وَنَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ذَلِك أَو قَالَ إِنَّه جَوْهَر وَأَرَادَ بذلك أَنه قَائِم بِنَفسِهِ فَهُوَ مخطيء فِي اللَّفْظ لَا الْمَعْنى أما إِذا قَالَ إِنَّه مركب من جَوَاهِر مُنْفَرِدَة فَفِي كفره تردد ثمَّ الْقَائِلُونَ بِأَن الْجِسْم مركب من جَوَاهِر قد تنازعوا فِي مُسَمَّاهُ فَقيل الْجَوْهَر الْوَاحِد بِشَرْط إنضمام غَيره إِلَيْهِ يكون جسما كَقَوْل ابْن الباقلاني وَأبي يعلى وَغَيرهمَا وَقيل بل الجوهران فَصَاعِدا وَقيل بل أَرْبَعَة فَصَاعِدا وَقيل بل سِتَّة فَصَاعِدا وَقيل بل ثَمَانِيَة فَصَاعِدا وَقيل سِتَّة عشر وَقيل بل إثنان وَثَلَاثُونَ فقد تبين أَن فِي هَذَا اللَّفْظ من المنازعات اللُّغَوِيَّة والإصطلاحية والعقلية والشرعية مَا يبين أَن الْوَاجِب الإعتصام بِالْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} وَقَالَ تَعَالَى {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول رَأَيْت الْمُنَافِقين يصدون عَنْك صدودا} قَالَ ابْن عَبَّاس تكفل الله لمن قَرَأَ الْقُرْآن وَعمل بِهِ أَن لَا يضل فِي الدُّنْيَا وَلَا يشقى فِي الْآخِرَة ثمَّ قَرَأَ {وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا} الْآيَات فَمَا أثْبته الله وَرَسُوله أَثْبَتْنَاهُ وَمَا نَفَاهُ الله وَرَسُوله نفيناه فالنصوص نعتصم بهَا فِي الْإِثْبَات وَالنَّفْي لفظا وَمعنى أما أَلْفَاظ تنَازع فِيهَا من ابتدعها كالجسم والجوهر والتحيز والجهة والتركيب والتعين فَلَا تطلق نفيا وَلَا إِثْبَاتًا حَتَّى ينظر فِي مَقْصُود قَائِلهَا فَإِن أَرَادَ بِالنَّفْيِ أَو الْإِثْبَات معنى صَحِيحا مُوَافقا للنصوص صوب الْمَعْنى الَّذِي قَصده بِلَفْظِهِ وزجر عَن اللَّفْظ المبتدع الْمُجْمل إِلَّا عِنْد الْحَاجة فِي محاورة الْخصم مَعَ قَرَائِن تبين المُرَاد بهَا مثل أَن يكون الْخطاب مَعَ من لَا يتم الْمَقْصُود مَعَه إِن لم يُخَاطب بهَا وَأما أَن يُرَاد بهَا معنى بَاطِل فَهَذَا ضلال وَإِن أُرِيد بهَا حق وباطل عرف الْخصم وَفسّر لَهُ هَذَا من هَذَا وَإِن اتّفق شخصان على معنى وتنازعا فِي دلائله فأقربهما إِلَى الصَّوَاب من وَافق اللُّغَة المنقولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَأما المتحيز فَفِي اللُّغَة مَا تحيز إِلَى غَيره كَقَوْلِه تَعَالَى {أَو متحيزا إِلَى فِئَة} وَهَذَا لَا بُد أَن يُحِيط بِهِ حيّز وجودي فالباري تَعَالَى لَا يُحِيط بِهِ شَيْء من مخلوقاته فَلَا يكون متحيزا فِي اللُّغَة وَأما أهل الْكَلَام فإصطلاحهم فِي المتحيز أَعم من هَذَا يجْعَلُونَ كل جسم متحيزا والجسم عِنْدهم مَا يشار إِلَيْهِ فَتكون السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا فيهمَا متحيزا على إصطلاحهم لَا فِي اللُّغَة ويريدون بالحيز أمرا مَعْدُوما وَالْمَكَان أمرا مَوْجُودا يُخَالف الحيز العدمي فمجموع الْأَجْسَام لَيست فِي شَيْء مَوْجُود فَلَيْسَتْ فِي مَكَان وَالْفَخْر الرَّازِيّ يَجْعَل الحيز تَارَة مَوْجُودا وَتارَة مَعْدُوما وَقد علم بِالْعقلِ وَالنَّقْل أَن الله بَائِن من خلقه لِأَنَّهُ كَانَ قبل خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَلَمَّا خلقهَا إِمَّا أَن يكون قد دخل فِيهَا أَو دخلت فِيهِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنع فَتعين أَنه بَائِن عَنْهَا والنفاة يدعونَ أَنه لَيْسَ مباينا لخلقه وَلَا مداخلا لَهُ وَهَذَا مُمْتَنع فِي الْعُقُول لَكِن يدعونَ أَن القَوْل بإمتناع ذَلِك هُوَ من حكم الْوَهم لَا من حكم الْعقل ثمَّ إِنَّهُم تناقضوا فَقَالُوا لَو كَانَ فَوق الْعَرْش لَكَانَ جسما لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يتَمَيَّز مِمَّا يَلِي هَذَا الْجَانِب فَقيل لَهُم مَعْلُوم بضرورة الْعقل أَن إِثْبَات مَوْجُود فَوق الْعَالم لَيْسَ بجسم أقرب إِلَى الْعقل من إِثْبَات قَائِم بِنَفسِهِ لَيْسَ بمباين للْعَالم وَلَا بمداخل لَهُ وَكَذَلِكَ لفظ الْجِهَة يُرَاد بِهِ أَمر مَوْجُود كالفلك الْأَعْلَى وَيُرَاد بِهِ أَمر عدمي كَمَا وَرَاء الْعَالم فَإِذا أُرِيد بِهِ الثَّانِي أمكن أَن يُقَال كل جسم فِي جِهَة وَإِذا أُرِيد الأول إمتنع أَن يكون كل جسم فِي جسم آخر فَمن قَالَ الْبَارِي فِي جِهَة وَأَرَادَ بهَا أمرا مَوْجُودا فَكل مَا سواهُ مَخْلُوق لَهُ فِي جِهَة بِهَذَا التَّفْسِير فَهَذَا مخطيء وَإِن أَرَادَ بالجهة أمرا عدميا وَهُوَ مَا فَوق الْعَالم وَقَالَ إِن الله فَوق الْعَالم فقد أصَاب وَلَيْسَ فَوق الْعَالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 مَوْجُود غَيره فَلَا يكون سُبْحَانَهُ فِي شَيْء من الموجودات وَقد تنَازع المتكلمون فِي الْأَسْمَاء الَّتِي تسمى الله بهَا وَتسَمى بهَا عباده كالموجود والحي والعليم والقدير فَقَالَ بَعضهم هِيَ مقولة بالإشتراك اللَّفْظِيّ حذرا من إِثْبَات قدر مُشْتَرك بَينهمَا لِأَنَّهُمَا إِذا اشْتَركَا فِي مُسَمّى الْوُجُود لزم أَن يمتاز الْوَاجِب عَن الْمُمكن بِشَيْء آخر فَيكون مركبا وَهَذَا قَول بعض الْمُتَأَخِّرين كالشهرستاني والرازي فِي أحد قوليهما وكالآمدي مَعَ توقفه أَحْيَانًا وَنقل ذَلِك عَن الْأَشْعَرِيّ وَأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ وَهُوَ غلط عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا ذكرُوا ذَلِك عَنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بالأحوال ويقولان وجود الشَّيْء عين حقيقتة فظنوا أَن من قَالَ ذَلِك يلْزمه أَن يَقُول إِن لفظ الْمُشْتَرك الْمَوْجُود يُقَال بالإشتراك اللَّفْظِيّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَو كَانَ متواطئا لَكَانَ بَينهمَا قدر مُشْتَرك فيمتاز أَحدهمَا عَن الآخر بِخُصُوص حَقِيقَته والمشترك لَيْسَ هُوَ الْمُمَيز فَلَا يكون الْوُجُود الْمُشْتَرك هُوَ الْحَقِيقَة المميزة والرازي والآمدي وَنَحْوهمَا ظنُّوا أَنه لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا هَذَا القَوْل وَقَول من يَقُول بِأَن اللَّفْظ متواطيء وَيَقُول وجوده زَائِد على حَقِيقَته كَمَا هُوَ قَول أبي هَاشم وَأَتْبَاعه من الْمُعْتَزلَة والشيعة أَو قَول ابْن سينا بِأَنَّهُ متواطيء مَعَ أَنه الْوُجُود الْمُفِيد لسلب الْأُمُور الثبوتية وَذهب بعض الباطنية وغلاة الْجَهْمِية إِلَى أَن هَذِه الْأَسْمَاء حَقِيقَة فِي العَبْد مجَاز فِي الرب قَالُوا هَذَا فِي الْحَيّ وَنَحْوه وَذهب أَبُو الْعَبَّاس الناشيء إِلَى ضد ذَلِك وَزعم ابْن حزم أَن أَسمَاء الله لَا تدل على الْمعَانِي فَلَا يدل عليم على علم وَلَا قدير على قدرَة بل هِيَ أَعْلَام مَحْضَة وكل هَذَا غلو فِي نفي التَّشْبِيه لزم مِنْهُ نفي صِفَات الرب وظنوا أَن ثُبُوت الكليات الْمُشْتَركَة بني فِي الْخَارِج كَمَا غلط الرَّازِيّ فَظن أَنه إِذا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 هَذَا مَوْجُودا وَهَذَا مَوْجُودا والوجود شَامِل لَهما كَانَ بَينهمَا مَوْجُود مُشْتَرك كلى فِي الْخَارِج فَلَا بُد من مُمَيّز يُمَيّز هَذَا عَن هَذَا والمميز إِنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَة فَيجب أَن يكون هُنَاكَ وجود مُشْتَرك وَحَقِيقَة مُمَيزَة ثمَّ إِن هَؤُلَاءِ يتناقضون فيجعلون الْوُجُود يَنْقَسِم إِلَى وَاجِب وممكن كَمَا تَنْقَسِم سَائِر الْأَسْمَاء الْعَامَّة الْكُلية لَا كَمَا تَنْقَسِم الْأَلْفَاظ الْمُشْتَركَة كَلَفْظِ سُهَيْل الْمَقُول على الْكَوْكَب وعَلى ابْن عَمْرو إِذْ لَا يُقَال فِيهَا تَنْقَسِم إِلَى كَذَا وَكَذَا لَكِن يُقَال إِن هَذَا اللَّفْظ يُطلق على هَذَا وَهَذَا على هَذَا وَهَذَا أَمر لغَوِيّ لَا تَقْسِيم عَقْلِي وَهُنَاكَ تَقْسِيم عَقْلِي تَقْسِيم الْمَعْنى الَّذِي هُوَ مَدْلُول اللَّفْظ الْعَام وَظن بعض النَّاس أَنه يخلص من هَذَا بِأَن جعل لفظ الْوُجُود مشككا لكَون الْوُجُود الْوَاجِب أكمل كَمَا يُقَال فِي لفظ السوَاد وَالْبَيَاض الْمَقُول على سَواد القار وَسَوَاد الحدقة وَبَيَاض الثَّلج وَبَيَاض العاج وَلَا ريب أَن الْمعَانِي الْكُلية قد تكون متفاضلة فِي مواردها وَتَخْصِيص هَذَا الْقسم بِلَفْظ المشكك أَمر إصطلاحي وَلِهَذَا كَانَ من النَّاس من قَالَ هُوَ نوع من المتواطيء لِأَن وَاضع اللُّغَة لم يضع اللَّفْظ بِإِزَاءِ التَّفَاوُت الْحَاصِل لأَحَدهمَا بل بِإِزَاءِ الْقدر الْمُشْتَرك وَبِالْجُمْلَةِ فالنزاع فِي هَذَا لَفْظِي فالمتواطئة الْعَامَّة تتَنَاوَل المشككة فَأَما المتواطئة الَّتِي تتساوى مَعَانِيهَا فَهِيَ قسيم المشككة فالجمهور على أَن هَذِه الْأَسْمَاء عَامَّة كُلية سَوَاء سميت متواطئة ومشككة لَيست ألفاظا مُشْتَركَة إشتراكا لفظيا فَقَط وَهَذَا مَذْهَب أهل السّنة والمعتزلة والأشعرية والكرامية وَلَقَد طول شَيخنَا ابْن تَيْمِية هُنَا وَمَا أبقى مُمكنا إِلَى أَن قَالَ وَإِذا تبين هَذَا فَقَوْل هَذَا المُصَنّف وأشباهه قَول المشبهة إِن أَرَادَ بالمشبهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 من أثبت من الْأَسْمَاء مَا يُسمى بِهِ الرب وَالْعَبْد فطائفتة وَجَمِيع النَّاس مشبهة وَإِن أَرَادَ بِهِ من جعل صِفَات الرب مثل صِفَات العَبْد فَهَؤُلَاءِ مبطلون ضالون وهم فيهم أَكثر مِنْهُم فِي غَيرهم وَأَنت تَتَكَلَّم بِأَلْفَاظ لَا تفهم مَعَانِيهَا وَلَا موارد إستعمالها وَإِنَّمَا تقوم بِنَفْسِك صُورَة تبنى عَلَيْهَا وكأنك وَالله أعلم عنيت بالحشوية المشبهة من بِبَغْدَاد وَالْعراق من الحنبلية دون غَيرهم وَهَذَا من جهلك فَإِنَّهُ لَيْسَ للحنبلية قَول إنفردوا بِهِ عَن غَيرهم من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة بل كل مَا يَقُولُونَهُ قد قَالَه غَيرهم من طوائف أهل السّنة وَمذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة مَذْهَب قديم مَعْرُوف قبل أَن يخلق الله أَبَا حنيفَة ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فَإِنَّهُ مَذْهَب الصَّحَابَة الَّذِي تلقوهُ عَن نَبِيّهم وَمن خَالف ذَلِك كَانَ مبتدعا عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُم متفقون على أَن إِجْمَاع الصَّحَابَة حجَّة ومتنازعون فِي إِجْمَاع من بعدهمْ وَأحمد بن حَنْبَل إِن كَانَ قد إشتهر بإمامة السّنة وَالصَّبْر فِي المحنة فَلَيْسَ ذَلِك لِأَنَّهُ إنفرد بقول أَو ابتدع قولا بل لِأَن السّنة الَّتِي كَانَت مَوْجُودَة مَعْرُوفَة قبله علمهَا ودعا إِلَيْهَا وصبر على مَا امتحن بِهِ ليفارقها وَكَانَ الْأَئِمَّة قبل قد مَاتُوا قبل المحنة فَلَمَّا وَقعت محنة الْجَهْمِية نفاة الصِّفَات فِي أَوَائِل الْمِائَة الثَّالِثَة على عهد الْمَأْمُون وأخيه المعتصم ثمَّ الواثق ودعوا النَّاس إِلَى التجهم وَإِبْطَال صِفَات الله وَهُوَ الْمَذْهَب الَّذِي ذهب إِلَيْهِ متأخروا الرافضة وَكَانُوا قد أدخلُوا مَعَهم من أدخلوه من وُلَاة الْأَمر فَلم يوافقهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة حَتَّى هددوا بَعضهم بِالْقَتْلِ وقيدوا بَعضهم وعاقبوهم بالرهبة وَالرَّغْبَة وَثَبت أَحْمد بن حَنْبَل على ذَلِك الْأَمر حَتَّى حبسوه مُدَّة ثمَّ طلبُوا أَصْحَابهم لمناظرته فانقطعوا مَعَه فِي المناظرة يَوْمًا بعد يَوْم وَلما لم يَأْتُوا بِمَا يُوجب مُوَافَقَته لَهُم وَبَين خطأهم فِيمَا ذكرُوا من الْأَدِلَّة وَكَانُوا قد طلبُوا أَئِمَّة الْكَلَام من أهل الْبَصْرَة وَغَيرهم مثل أبي عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى برغوث صَاحب حُسَيْن النجار وَأَمْثَاله وَلم تكن المناظرة مَعَ الْمُعْتَزلَة فَقَط بل كَانَت مَعَ جنس الْجَهْمِية من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الْمُعْتَزلَة والنجارية والضرارية وأنواع المرجئة فَكل معتزلي جهمي وَلَيْسَ كل جهمي معتزليا لَكِن جهم أَشد تعطيلا لِأَنَّهُ يَنْفِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والمعتزلة تَنْفِي الصِّفَات وَبشر المريسي كَانَ من كبار الْجَهْمِية وَكَانَ مرجئا لم يكن معتزليا وبسبب محنة الإِمَام أَحْمد كثر الْكَلَام والتدقيق والبحث فِي هَذِه الْأَشْيَاء وَرفع الله قدر الإِمَام أَحْمد وَأَتْبَاعه وَلَكِن الرافضي أَخذ ينكت على كل طَائِفَة بِمَا ظن أَنه يُخرجهَا بِهِ من الْأُصُول وَالْفُرُوع وَظن أَن طائفته هِيَ السليمة من الْقدح وَقد اتّفق عقلاء الْمُسلمين على أَنه لَيْسَ فِي طوائف أهل الْقبْلَة أَكثر جهلا وضلالا وكذبا وبدعا وَأقرب إِلَى كل شَرّ وَأبْعد من كل خير من طائفته وَلِهَذَا لما صنف الْأَشْعَرِيّ كِتَابه فِي المقالات ذكر أَولا مقالتهم وَختم بمقالة أهل السّنة والْحَدِيث وَذكر أَنه بِكُل مَا ذكر من أَقْوَال أهل السّنة والْحَدِيث يَقُول وَإِلَيْهِ يذهب فتسميته لأهل الْآثَار وَالْإِثْبَات مشبهة كتسميتهم لمن أثبت خلَافَة الثَّلَاثَة ناصبيا بِنَاء على إعتقادهم أَنه لَا ولَايَة لعَلي إِلَّا بِالْبَرَاءَةِ من الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا النصب هُوَ بغض أهل الْبَيْت ومعاداتهم والتشبيه هُوَ جعل صِفَات الرب مثل صِفَات العَبْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَمن أَرَادَ أَن يمدح أَو يذم فَعَلَيهِ أَن يبين دُخُول الممدوح والمذموم فِي تِلْكَ الْأَسْمَاء الَّتِي علق الله وَرَسُوله بهَا الْمَدْح والذم أما إِذا كَانَ الإسم لَيْسَ لَهُ أصل فِي الشَّرْع وَدخُول الدَّاخِل فِيهِ مِمَّا يُنَازع فِيهِ الْمدْخل بطلت كل من المقدمتين وَالْكتاب وَالسّنة لَيْسَ فيهمَا لَفْظَة ناصبة وَلَا مشبهة وَلَا حشوية بل وَلَا فيهمَا لفظ رَافِضِي فَنحْن إِذا قُلْنَا رافضة نذكرهُ للتعريف لدُخُول أَنْوَاع مذمومة بِالنَّصِّ فِيهِ فَبَقيَ علما على هَؤُلَاءِ الجهلة الَّذين عدموا الصدْق والتوفيق وقولك دَاوُد الطَّائِي فجهل وَإِنَّمَا هُوَ الجواربي فقد قَالَ الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ دَاوُد الجواربي وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان أَن الله جسم وَأَنه جثة وأعضاء على صُورَة الْإِنْسَان لحم وَدم وَشعر وَعظم لَهُ جوارح وأعضاء وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يُشبههُ شَيْء وَقَالَ هِشَام بن سَالم الجواليقي أَنه على صُورَة الْإِنْسَان وَأنكر أَن يكون لَحْمًا ودما وَأَنه نور يتلألأ وَأَنه ذُو حواس خمس سَمعه غير بَصَره وَكَذَلِكَ سَائِر حواسه وَله يَد وَرجل وَعين وفم وأنف وَأَن لَهُ وفرة سَوْدَاء قلت الْأَشْعَرِيّ ينْقل هَذِه المقالات من كتب الْمُعْتَزلَة وَفِيهِمْ إنحراف عَن مقَاتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فلعلهم زادوا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَمَا أَظُنهُ يصل إِلَى هَذَا الْحَد وَقد قَالَ الشَّافِعِي من أَرَادَ التَّفْسِير فَهُوَ عِيَال على مقَاتل وَمن أَرَادَ الْفِقْه فَهُوَ عِيَال على أبي حنيفَة وَأما دَاوُد الطَّائِي فَكَانَ فَقِيها زاهد عابدا مَا قَالَ شَيْئا من هَذَا الْبَاطِل وَلَا دخل فِي هَذَا قَالَ وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الله ينزل كل لَيْلَة جُمُعَة بشكل أَمْرَد رَاكِبًا على حمَار حَتَّى أَن بَعضهم بِبَغْدَاد وضع على سطحه معلفا يضع فِيهِ شَعِيرًا كل لَيْلَة جُمُعَة الْجَوَاز أَن ينزل الله على سطحه فيشتغل الْحمار بِالْأَكْلِ ويشتغل الرب بالنداء هَل من تائب قُلْنَا هَذَا وَأَمْثَاله إِمَّا كذب أَو وَقع لجَاهِل مغمور لَيْسَ بقول عَالم وَلَا مَعْرُوف وَقد صان الله عُلَمَاء السّنة بل وعامتهم من قَول هَذَا الهذيان الَّذِي لَا ينطلي على الصّبيان ثمَّ لم يرو فِي ذَلِك شَيْء لَا بِإِسْنَاد ضَعِيف وَلَا بِإِسْنَاد مَكْذُوب وَلَا قَالَ أحد إِنَّه تَعَالَى ينزل لَيْلَة الْجُمُعَة إِلَى الأَرْض وَلَا أَنه فِي شكل أَمْرَد وَهَذَا مثل حَدِيث الْجمل الأورق وَأَنه تَعَالَى ينزل عَشِيَّة عَرَفَة فيعانق المشاة ويصافح الركْبَان قبح الله من وَضعه وَمَا أَكثر الْكَذِب فِي الْعَالم وَلَكِن تِسْعَة أعشاره أَو أقل أَو أَكثر بأيدي الرافضة وَأما أَحَادِيث النُّزُول إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فمتواترة وَحَدِيث دنوه عَشِيَّة عَرَفَة فَأخْرجهُ مُسلم وَلَا نعلم كَيفَ ينزل وَلَا كَيفَ اسْتَوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قَالَ وَقَالَت الكرامية إِن الله فِي جِهَة فَوق وَلم يعلمُوا أَن كل مَا هُوَ فِي جِهَة فَهُوَ مُحدث مُحْتَاج إِلَى تِلْكَ الْجِهَة فَيُقَال لَهُ نعم هَذَا مَذْهَبهم وَمذهب كبار الشِّيعَة الْمُتَقَدِّمين وَأَنت لم تذكر حجَّة على إِبْطَاله وَجُمْهُور الْخلق على أَن الله فَوق الْعَالم وَإِن كَانَ أحدهم لَا يلفظ بِلَفْظ الْجِهَة فهم مفطورون مجبولون على أَن معبودهم فَوق كَمَا قَالَ أَبُو جَعْفَر الْهَمدَانِي لأبي الْمَعَالِي مَا مَعْنَاهُ إِن الإستواء علم بِالسَّمْعِ وَلَو لم يرد بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 لم نعرفه وَأَنت قد تتأوله فَدَعْنَا من هَذَا وَأخْبرنَا عَن هَذِه الضَّرُورَة الَّتِي نجدها فِي قُلُوبنَا فَإِنَّهُ مَا قَالَ عَارِف قطّ يَا الله إِلَّا وَقبل أَن ينْطق لِسَانه يجد فِي قلبه معنى يطْلب الْعُلُوّ لَا يلْتَفت يمنة وَلَا يسرة فَهَل عنْدك من حِيلَة فِي دفع هَذِه الضَّرُورَة عَن قُلُوبنَا فلطم الْمُتَكَلّم رَأَيْته صَوَابه رَأسه وَقَالَ حيرني الْهَمدَانِي يَعْنِي أَن الدَّلِيل على نفي الْفَوْقِيَّة نَظَرِي فَكيف يُعَارض ضَرُورَة الْفطر بل وتواتر النُّصُوص فَإِن دفع الضروريات بالنظريات غير مُمكن وَلَو قدح فِي الضروريات لَكَانَ ذَلِك قدحا فِي أساس النظريات وَهُوَ من بَاب قدح الْفَرْع فِي أَصله فَتبْطل الضروريات والنظريات وَأَيْضًا فَإِن هَؤُلَاءِ قرروا ذَلِك بأدلة عقلية كَقَوْلِهِم كل موجودين إِمَّا متباينان وَإِمَّا متداخلان وَقَالُوا إِن الْعلم بذلك بضروري وَقَالُوا إِثْبَات مَوْجُود لَا يشار إِلَيْهِ مُكَابَرَة للحس وَالْعقل وَهَذَا الْقُرْآن ينْطق بالعلو فِي مَوَاضِع كَثِيرَة جدا حَتَّى قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 إِنَّهَا نَحْو ثَلَاثمِائَة مَوضِع وَالسّنَن ملأى بذلك وَكَلَام السّلف يَقْتَضِي إتفاقهم على ذَلِك فَمن يُرِيد التشنيع على النَّاس وَدفع الدَّلَائِل القاطعة لَا بُد أَن يذكر حجَّة فقولك إِن كل مَا هُوَ فِي جِهَة فَهُوَ مُحدث ومحتاج إِلَيْهَا إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا كَانَت الْجِهَة أمرا ثبوتيا وجوديا وَكَانَت لَازِمَة لَهُ فَلَا ريب أَن من قَالَ إِن الْبَارِي لَا يقوم إِلَّا بِمحل يحل فِيهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ فقد جعله مُحْتَاجا وَهَذَا لم يقلهُ أحد وَلَا علمنَا أحدا قَالَ إِنَّه مُحْتَاج إِلَى شَيْء من مخلوقاته لِأَنَّهُ خلق الْعَرْش فَدلَّ على أَنه غَنِي عَنهُ قبل وَبعد وَإِذا كَانَ فَوْقه لم يجب أَن يكون مُحْتَاجا إِلَيْهِ بل الله قد خلق الْعَالم بعضه فَوق بعض وَلم يَجْعَل عاليه مُحْتَاجا إِلَى سافله فالأرض فَوْقهَا الْهَوَاء والسحاب ثمَّ السَّمَاوَات ثمَّ الْعَرْش وَنحن نعلم أَنه لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَن الْقُوَّة الَّتِي فِي حَملَة الْعَرْش هُوَ خَالِقهَا وَلَو احْتج عَلَيْك سلفك مثل عَليّ بن يُونُس القمي الرافضي الْقَائِل بِأَن الْعَرْش يحملهُ لم يكن عنْدك حجَّة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ لم نقل إِنَّه مُحْتَاج إِلَيْهِ وَلَكِن قُلْنَا إِنَّه على كل شَيْء قدير وَإِذا جَعَلْنَاهُ قَادِرًا على أَن خلق شَيْئا يحملهُ كَانَ ذَلِك وَصفا لَهُ بِكَمَال الإقتدار لَا بِالْحَاجةِ وَقد قدمنَا أَن لفظ الْجِهَة يُرَاد بِهِ أَمر مَوْجُود مَخْلُوق وَأمر مَعْدُوم فَمن قَالَ إِنَّه تَعَالَى فَوق الْعَالم جَمِيعه لم يقل إِنَّه فِي جِهَة مَوْجُودَة إِلَّا أَن يُرَاد بالجهة الْعَرْش وَيُرَاد بِكَوْنِهِ فِيهَا أَنه عَلَيْهَا كَمَا جَاءَ أَنه فِي السَّمَاء أَي على السَّمَاء وَهَؤُلَاء أخذُوا لفظ الْجِهَة بالإشتراك وأوهموا أَنه إِذا كَانَ فِي جِهَة كَانَ فِي شَيْء غَيره كَمَا يكون الْإِنْسَان فِي بَيته ثمَّ رتبوا على ذَلِك أَن يكون مُحْتَاجا إِلَى غَيره وَهَذِه مُقَدمَات بَاطِلَة وَقَالُوا إِنَّه لَو كَانَ فِي جِهَة لَكَانَ جسما وكل جسم مُحدث لِأَن الْجِسْم لَا يَخْلُو من الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث وكل هَذِه مُقَدمَات متنازع فِيهَا فَمن النَّاس من يَقُول قد يكون فِي الْجِهَة من لَيْسَ بجسم فَإِذا قيل لَهُ هَذَا خلاف الْمَعْقُول قَالَ هَذَا أقرب إِلَى الْعُقُول من مَوْجُود لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَمن النَّاس من لَا يسلم أَن كل جسم مُحدث كالكرامية وقدماء الشِّيعَة وَلَا يسلمُونَ أَن الْجِسْم لَا يَخْلُو من الْحَوَادِث وَكثير من أهل الحَدِيث وَالْكَلَام والفلسفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ينازعون فِي قَوْلهم إِن مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث قَالَ وَذهب الْأَكْثَر مِنْهُم إِلَى أَن الرب يفعل القبائح وَالْكفْر وَأَن جَمِيع ذَلِك وَاقع بِقَضَاء الله وَقدره وَأَن العَبْد لَا تَأْثِير لَهُ فِي ذَلِك وَأَن الله يُرِيد الْمعاصِي من الْكَافِر وَلَا يُرِيد مِنْهُ طَاعَة قُلْنَا قد تقدم أَن مسَائِل الْقدر وَالتَّعْدِيل والتجوير لَيست ملزومة لمسائل الْإِمَامَة وَلَا لَازِمَة لَهَا وَأَنت تعيدها وتبدئها فَإِن خلقا مِمَّن يقر بإمامة أبي بكر وَعمر قدرية وخلقا من الرافضة بعكس ذَلِك فَلَيْسَ أحد الْبَابَيْنِ مرتبطا بِالْآخرِ أصلا وَالْمَنْقُول عَن أهل الْبَيْت فِي إِثْبَات الْقدر وَالصِّفَات لَا ينْحَصر وَلَكِن متأخرو الرافضة جمعُوا إِلَى رفضهم التجهم وَالْقدر كصاحب هَذَا الْكتاب وقولك عَنْهُم إِن العَبْد لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْكفْر والمعاصي فَنقل بَاطِل بل جُمْهُور من أثبت الْقدر يَقُول إِن العَبْد فَاعل لفعله حَقِيقَة وَإِن لَهُ قدرَة واستطاعة وَلَا يُنكرُونَ تَأْثِير الْأَسْبَاب الطبيعية بل يقرونَ بِمَا دلّ عَلَيْهِ الشَّرْع وَالْعقل من أَن الله يخلق السَّحَاب بالرياح وَينزل المَاء بالسحاب وينبت النَّبَات بِالْمَاءِ وَالله خَالق السَّبَب والمسبب وَمَعَ أَنه خَالق السَّبَب فَلَا بُد لَهُ من سَبَب آخر يُشَارِكهُ وَلَا بُد لَهُ من معَارض يمانعه فَلَا يتم أَثَره مَعَ خلق الله لَهُ إِلَّا بِأَن يخلق الله السَّبَب الآخر ويزيل الْمَوَانِع وَلَكِن مَا قلته هُوَ قَول الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه لَا يثبتون فِي الْمَخْلُوقَات قوى وَلَا طبائع وَيَقُولُونَ إِن الله فعل عِنْدهَا لَا بهَا وَيَقُولُونَ قدرَة العَبْد لَا تَأْثِير لَهَا فِي الْفِعْل وأبلغ من ذَلِك قَول الْأَشْعَرِيّ إِن الله فَاعل فعل العَبْد وَإِن فعل العَبْد لَيْسَ فعله بل كسب لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَإِنَّمَا هُوَ فعل الله فَقَط وَجُمْهُور النَّاس وَالسّنة على خلاف قَوْله وعَلى أَن العَبْد فَاعل لفعله حَقِيقَة وقولك يُرِيد الْمعاصِي من الْكَافِر هُوَ قَول طَائِفَة وهم الَّذين يجْعَلُونَ الْإِرَادَة نوعا وَاحِدًا ويجعلون المحنة وَالرِّضَا وَالْغَضَب بِمَعْنى الْإِرَادَة وَهُوَ أشهر قولي الْأَشْعَرِيّ وَقَول أَكثر أَصْحَابه وَأما جُمْهُور السّنة فيفرقون بَين الْإِرَادَة والمحبة وَالرِّضَا وَيَقُولُونَ إِنَّه وَإِن كَانَ يُرِيد الْمعاصِي فَهُوَ لَا يُحِبهَا وَلَا يرضاها بل يبغضها والمحققون يَقُولُونَ الْإِرَادَة فِي الْقُرْآن نَوْعَانِ إِرَادَة قدرية كونية وَإِرَادَة شَرْعِيَّة دينية فالشرعية هِيَ المتضمنة للمحبة وَالرِّضَا والقدرية هِيَ الشاملة لجَمِيع الْحَوَادِث فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن قَالَ الله تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا} وَقَالَ {إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} فَهَذِهِ الْإِرَادَة تعلّقت بالإضلال والإغواء وَأما الشَّرْعِيَّة فكقوله {يُرِيد الله ليبين لكم وَيهْدِيكُمْ سنَن الَّذين من قبلكُمْ} وَقَوله {مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج} {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} فَهَذِهِ غير تيك قَالَ وَهَذَا يسْتَلْزم أَشْيَاء شنيعة مِنْهَا أَن يكون الله أظلم من كل ظَالِم لِأَنَّهُ يُعَاقب الْكَافِر على كفره وَهُوَ قدره عَلَيْهِ وَلم يخلق فِيهِ قدرَة على الْإِيمَان فَكَمَا أَنه يلْزم الظُّلم لَو عذبه على كَونه طوله وقصره يلْزم أَن يكون ظَالِما لَو عذبه على الْمعْصِيَة الَّتِي جعلهَا فِيهِ فَيُقَال قد مر أَن الْجُمْهُور فِي تَفْسِير الظُّلم على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن الظُّلم مُمْتَنع لذاته غير مَقْدُور كَمَا صرح بِهِ الْأَشْعَرِيّ وَالْقَاضِي أَبُو بكر وَأَبُو الْمَعَالِي وَالْقَاضِي أَبُو يعلى وَابْن الزَّاغُونِيّ وَيَقُولُونَ إِنَّه غير قَادر على الْكَذِب وَالظُّلم والقبيح وَلَا يَصح وَصفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 بِشَيْء من ذَلِك ودلالتهم على إستحالة وُقُوع ذَلِك مِنْهُ أَن الظُّلم والقبيح مَا شرع الله وجوب ذمّ فَاعله وذم الْفَاعِل لما لَيْسَ لَهُ فعله وَلنْ يكون كَذَلِك حَتَّى يكون متصرفا فِيمَا غَيره أملك بِهِ وبالتصرف فِيهِ مِنْهُ فَوَجَبَ إستحالة ذَلِك فِي حَقه من حَيْثُ لم يكن أَمر النَّاس بذمه وَلَا كَانَ مِمَّن يجوز دُخُول أَفعاله تَحت تَكْلِيف من نَفسه لنَفسِهِ وَلَا يكون فعله تَصرفا فِي شَيْء غَيره أملك بِهِ فَثَبت بذلك اسْتِحَالَة تصَوره فِي حَقه وَحَقِيقَة قَول هَؤُلَاءِ أَن الذَّم إِنَّمَا يكون لمن تصرف فِي ملك غَيره وَمن عصى الْأَمر وَالله يمْتَنع أَن يَأْمُرهُ أحد وَيمْتَنع أَن يتَصَرَّف فِي ملك غَيره فَإِن الْأَشْيَاء لَهُ وَهَذَا القَوْل يرْوى عَن إِيَاس ابْن مُعَاوِيَة قَالَ مَا خَاصَمت بعقلي كُله إِلَّا الْقَدَرِيَّة قلت أخبروني مَا الظُّلم قَالُوا أَن يتَصَرَّف الْإِنْسَان فِيمَا لَيْسَ لَهُ قلت فَللَّه كل شَيْء ثمَّ هَؤُلَاءِ يجوزون التعذيب لَا لجرم فَلَا يرد عَلَيْهِ الْمُعَارضَة بتعذيب الْقصير لقصره وَلَا الْأسود للونه لأَنهم يجوزون ذَلِك لمحض الْمَشِيئَة القَوْل الثَّانِي أَن الظُّلم مَقْدُور لله منزه عَنهُ كتعذيب الْإِنْسَان بذنب غَيره كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضما} وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ الْفرق بَين تَعْذِيب الْإِنْسَان على فعله الإختياري وَغير فعله الإختياري مُسْتَقر فِي فطر الْعُقُول وَيَقُولُونَ الإحتجاج بِالْقدرِ على الذُّنُوب مِمَّا يعلم بُطْلَانه بِالْعقلِ فَإِن الظَّالِم لغيره لَو احْتج بِالْقدرِ لاحتج ظالمه بِالْقدرِ أَيْضا فالإحتجاج على فعل الْمعاصِي بِالْقدرِ بَاطِل بإتفاق الْملَل والعقلاء وَإِنَّمَا يحْتَج بِهِ من اتبع هَوَاهُ كَمَا قيل أَنْت عِنْد الطَّاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 قدري وَعند الْمعْصِيَة جبري أَي مَذْهَب وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ وَلَو كَانَ الْقدر حجَّة لفاعل الْفَوَاحِش لم يحسن أَن يلوم أحد أحدا وَلَا أَن يُعَاقب أحد أحدا وَقد يعرض ذَلِك لكثير من المدعين الْحَقِيقَة من الْفُقَرَاء والصوفية والعامة وَغَيرهم فَيَشْهَدُونَ الْقدر ويعرضون عَن الْأَمر وَالنَّهْي فَلَا عذر لأحد فِي ترك مَأْمُور وَلَا فعل مَحْظُور بِكَوْن ذَلِك مُقَدرا عَلَيْهِ بل لله الْحجَّة الْبَالِغَة على خلقه فالمحتجون بِالْقدرِ على الْمعاصِي شَرّ من الْقَدَرِيَّة المكذبين بِالْقدرِ وَمن ثمَّ اتهمَ بِالْقدرِ جمَاعَة لم يَكُونُوا قدرية لَكِن كَانُوا لَا يقبلُونَ الإحتجاج على الْمعاصِي بِالْقدرِ كَمَا قيل للْإِمَام أَحْمد كَانَ ابْن أبي ذِئْب قدريا فَقَالَ النَّاس كل من شدد عَلَيْهِم الْمعاصِي قَالُوا هُوَ قدري وَلِهَذَا تَجِد الَّذين يشْهدُونَ الْقدر يُنكرُونَ على من أنكر الْمُنكر وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ قدر عَلَيْهِم فَيُقَال لهَذَا وإنكار الْمُنكر أَيْضا بِقدر الله فنقضت قَوْلك بِقَوْلِك وَمن جهلة مشايخهم من يَقُول أَنا كَافِر بِرَبّ يعْصى وَلَو قتلت سبعين نَبيا مَا كنت مخطئا وَيَقُول آخر (أَصبَحت منفعلا لما يختاره ... مني ففعلي كُله طاعات) وَمن النَّاس من يظنّ أَن إحتجاج آدم على مُوسَى بِالْقدرِ كَانَ من هَذَا الْبَاب وَهَذَا جهل فَإِن الْأَنْبِيَاء من أعظم النَّاس أمرا بِمَا أَمر الله بِهِ ونهيا عَمَّا نهى عَنهُ فَكيف يسوغ لأجد مِنْهُم أَن يَعْصِي الله بِالْقدرِ وَأَيْضًا فَإِن آدم كَانَ قد تَابَ من الذَّنب وتيب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ الْقدر حجَّة لَكَانَ حجَّة لإبليس وَفرْعَوْن وَغَيرهمَا وَلَكِن كَانَ ملام مُوسَى لآدَم لأجل الْمُصِيبَة الَّتِي لحقتهم بِسَبَب أكله وَلِهَذَا قَالَ لَهُ لماذا أخرجتنا وبنيك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْجنَّة وَالْعَبْد مَأْمُور أَن يرجع إِلَى الْقدر عِنْد المصائب لَا عِنْد الذُّنُوب والمعايب فيصبر على المصائب وَيَتُوب من الذُّنُوب قَالَ الله تَعَالَى {فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر لذنبك} وَمَعْلُوم أَن الْأَفْعَال الإختيارية تكسب نفس الْإِنْسَان صِفَات محمودة وصفات مذمومة بِخِلَاف لَونه وقصره فَإِنَّهَا لَا تكسبه ذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس إِن للحسنة نورا فِي الْقلب وضياء فِي الْوَجْه وسعة فِي الرزق وَقُوَّة فِي الْبدن ومحبة فِي قُلُوب الْخلق فَالله تَعَالَى جعل أَفعَال العَبْد سَببا لهَذَا وَهَذَا كَمَا جعل أكل السم سَببا للمرض وَالْمَوْت لَكِن قد يدْفع ذَلِك بالترياق كَمَا أَن السَّيِّئَات قد يدْفع مقتضاها بِالتَّوْبَةِ والأعمال الصَّالِحَة الماحية والمصائب المكفرة وَإِذا قيل خلق الْفِعْل مَعَ حُصُول الْعقُوبَة عَلَيْهِ ظلم كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلك خلق السم ثمَّ حُصُول التّلف بِهِ ظلم وَقد دلّت الدَّلَائِل اليقينية على أَن كل حَادث فَالله خالقه وَفعل العَبْد من جملَة الْحَوَادِث فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَإِذا قيل حدث الْفِعْل بِإِرَادَة العَبْد قُلْنَا الْإِرَادَة أَيْضا حَادِثَة فَلَا بُد لَهَا من سَبَب وَإِن شِئْت قلت الْفِعْل مُمكن فَلَا تَرْجِيح لوُجُوده على عَدمه إِلَّا بمرجح وَكَون العَبْد فَاعِلا لَهُ حَادث مُمكن فَلَا بُد لَهُ من مُحدث مُرَجّح وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين حَادث وحادث وَمن الْمَخْلُوقَات مَا قد يحصل بِهِ ضَرَر للْبَعْض كالأمراض والآلام وَفِي ذَلِك حِكْمَة لله فَإِذا كَانَ الْعقَاب على فعل العَبْد الإختياري لم يكن ظلما فالحادث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرب لَهُ فِيهِ حِكْمَة يحسن لأجل تِلْكَ الْحِكْمَة وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى العَبْد عدل لِأَنَّهُ عُوقِبَ على فعله فَمَا ظلمه الله وَلَكِن هُوَ الظَّالِم وَلَو عاقبه الْوَالِي وَقطع يَده ورد إِلَى رب المَال سَرقته لعد حَاكما بِالْعَدْلِ وَلَو قَالَ لَهُ السَّارِق أَنا قدر على لم يكن هَذَا حجَّة لَهُ وَلَا مَانِعا لحكم الْوَالِي فَإِذا اقْتصّ الله من الظَّالِم يَوْم الْقِيَامَة كَانَ عادلا وَلَا ينفع الظَّالِم قَوْله أَنْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 قدرت عَليّ وَلَيْسَ الْقدر بِعُذْر لَهُ وَإِذا كَانَ الله هُوَ الْخَالِق لكل شَيْء فَذَاك لحكمة أُخْرَى لَهُ فِي الْفِعْل فخلقه حسن بِالنِّسْبَةِ لما فِيهِ من الْحِكْمَة وَلَقَد أنكر الْأَئِمَّة على من قَالَ جبر الله الْعباد كالثوري وَالْأَوْزَاعِيّ والزبيدي وَأحمد بن حَنْبَل وَقَالُوا الْجَبْر لَا يكون إِلَّا من عَاجز كَمَا يجْبر الْأَب ابْنَته على خلاف مرادها وَالله تَعَالَى خَالق الْإِرَادَة وَالْمرَاد فَيُقَال جبل الله الْعباد كَمَا جَاءَت بِهِ السّنة وَلَا يُقَال جبر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأشج عبد الْقَيْس إِن فِيك لخلتين يحبهما الله الْحلم والأناة فَقَالَ أخلقين تخلقت بهما أم جبلت عَلَيْهِمَا قَالَ بل جبلت عَلَيْهِمَا فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جبلني على خلتين يحبهما الله فجهة خلق الله وَتَقْدِيره غير جِهَة أمره وتشريعه فَإِن أمره وتشريعه مَقْصُوده بَيَان مَا ينفع الْعباد إِذا فَعَلُوهُ وَمَا يضرهم بِمَنْزِلَة أَمر الطَّبِيب الْمَرِيض بِمَا يَنْفَعهُ وحميته مِمَّا يضرّهُ فَأخْبر الله على ألسن رسله بمصير السُّعَدَاء والأشقياء وَأمر بِمَا يُوصل إِلَى السَّعَادَة وَنهى عَمَّا يُوصل إِلَى الشقاوة وَأما خلقه وَتَقْدِيره فَيتَعَلَّق بِهِ وبجملة الْمَخْلُوقَات فيفعل مَا لَهُ فِيهِ حِكْمَة مُتَعَلقَة بِعُمُوم خلقه وَإِن كَانَ فِي ضمن ذَلِك مضرَّة للْبَعْض كَمَا أَنه ينزل الْغَيْث رَحْمَة وَحِكْمَة وَإِن كَانَ فِي ضمن ذَلِك ضَرَر للْبَعْض بِسُقُوط منزله أَو إنقطاعه عَن سَفَره أَو تَعْطِيل معيشته وَيُرْسل الرُّسُل رَحْمَة وَحِكْمَة وَإِن كَانَ فِي ضمن ذَلِك أَذَى قوم وَسُقُوط رياستهم فَإِذا قدر على الْكَافِر كفره قدره لما فِي ذَلِك من الْحِكْمَة والمصلحة الْعَامَّة وعاقبه لإستحقاقه ذَلِك بِفِعْلِهِ الإختياري وَلما فِي عُقُوبَته من الْحِكْمَة والمصلحة الْعَامَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَقِيَاس أَفعاله تَعَالَى على أفعالنا خطأ ظَاهر لِأَن السَّيِّد يَأْمر عَبده بِأَمْر لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ ولغرضه فَإِذا أثابه على ذَلِك كَانَ من بَاب الْمُعَاوضَة وَلَيْسَ هُوَ الْخَالِق لفعل الْمَأْمُور وَالله غَنِي عَن الْعباد إِنَّمَا أَمرهم بِمَا يَنْفَعهُمْ ونهاهم عَمَّا يضرهم أَمر إرشاد وَتَعْلِيم فَإِن أعانهم على فعل الْمَأْمُور فقد تمت نعْمَته وَإِن خذل وَلم يعن العَبْد حَتَّى فعل الذَّنب كَانَ لَهُ فِي ذَلِك حِكْمَة أُخْرَى وَإِن كَانَت مستلزمة تألم هَذَا فَإِنَّمَا يألم بأفعاله الَّتِي من شَأْنهَا أَن تورثه نعيما أَو عذَابا وَإِن ذَلِك الإيراث بِقَضَاء الله وَقدره فَلَا مُنَافَاة بَين هَذَا وَهَذَا بَقِي الْكَلَام فِي نفس تِلْكَ الْحِكْمَة الْكُلية فَهَذِهِ لَيْسَ على النَّاس مَعْرفَتهَا ويكفيهم التَّسْلِيم لمن قد عرفُوا حكمته وَرَحمته وَقدرته فَمن الْمَعْلُوم مَا لَو علمه كثير من النَّاس لضرهم علمه فحكمته أكبر من الْعُقُول قَالَ تَعَالَى {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} وَهَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة غايات أَفعَال الله تَعَالَى وَنِهَايَة حكمته ولعلها أجل الْمسَائِل الإلهية وَمَا ضلت الْقَدَرِيَّة إِلَّا من جِهَة قِيَاس الله بخلقه فِي عدلهم وظلمهم كَمَا ضلت الجبرية الَّذين لَا يجْعَلُونَ لأفعال الله حِكْمَة وَلَا ينزهونه عَن ظلم وَدين الله بَين الغالي فِيهِ والجافي عَنهُ وقولك عَنْهُم وَلم يخلق فِيهِ قدرَة على الْإِيمَان فَهَذَا قَالَه من يَقُول إِن الْقُدْرَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل فَمن لم يفعل شَيْئا لم يكن قَادِرًا عَلَيْهِ وَلَكِن لَا يكون عَاجِزا عَنهُ وَلَيْسَ ذَا قَول جُمْهُور السّنة بل يثبتون للْعَبد قدرَة هِيَ منَاط الْأَمر وَالنَّهْي غير الْقُدْرَة الْمُقَارنَة للْفِعْل وَتلك الْقُدْرَة تكون مُتَقَدّمَة على الْفِعْل بِحَيْثُ تكون لمن لم يطع كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من إستطاع إِلَيْهِ سَبِيلا) فَأوجب الْحَج على المستطيع فَلَو لم يسْتَطع إِلَّا من حج لم يكن الْحَج إِلَّا على من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 حج وَلَا عُوقِبَ أحد على ترك الْحَج وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} فَأوجب التَّقْوَى بِحَسب الإستطاعة فَلَو كَانَ من لم يتق الله لم يسْتَطع التَّقْوَى لم يكن قد أوجب التَّقْوَى إِلَّا على من اتَّقى وَأهل السّنة متفقون على أَن لله على عَبده الْمُطِيع نعْمَة دينية خصّه بهَا دون الْكَافِر وَأَنه أَعَانَهُ على الطَّاعَة قَالَ تَعَالَى {وَلَكِن الله حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق والعصيان} وَعند الْقَدَرِيَّة هَذَا التحبب والتزين عَام فِي كل الْخلق وَالْآيَة تَقْتَضِي أَنه خَاص بِالْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ} الْآيَة وَقَالَ {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس} وَقَالَ {بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان} وَقد أمرنَا الله أَن نقُول {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} وَالدُّعَاء إِنَّمَا يكون لمستقبل غير حَاصِل وَهَذِه الْهِدَايَة غير الْهدى الَّذِي هُوَ بَيَان الرَّسُول وتبليغه قَالَ الله {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا وَلَكِن الله يُزكي من يَشَاء} وَقَالَ تَعَالَى {وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا} وَقَالَ {وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار} وَهَذَا كثير جدا وَمِمَّا ورد فِي الإستطاعة قَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات} وَقَالَ {وسيحلفون بِاللَّه لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ} وَقَالَ {فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمران ابْن حُصَيْن صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا فَإِن لم تستطع فعلى جنب فَإِنَّمَا نفى إستطاعة لَا فعل مَعهَا فالإستطاعة الْمَشْرُوطَة فِي الشَّرْع أخص من الإستطاعة الْمَعْلُومَة بِالْعقلِ فَإِن الشَّارِع ييسر على عباده وَيُرِيد بهم الْيُسْر فالمريض يَسْتَطِيع الْقيام مَعَ تَأَخّر برئه فَهَذَا فِي الشَّرْع غير مستطيع لأجل حُصُول الضَّرَر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قد تسمى مستطيعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فالشارع لَا ينظر فِي الإستطاعة الشَّرْعِيَّة إِلَى مُجَرّد الْإِمْكَان بل يُرَاعِي لَوَازِم ذَلِك فَإِذا كَانَ الشَّارِع قد اعْتبر فِي المكنة عدم الْمفْسدَة الراجحة فَكيف يُكَلف مَعَ الْعَجز وَلَكِن هَذِه الإستطاعة مَعَ بَقَائِهَا إِلَى حِين الْفِعْل لَا تَكْفِي فِي وجود الْفِعْل إِذْ لَو كفت لَكَانَ التارك كالفاعل بل لَا بُد من إِحْدَاث إِعَانَة أُخْرَى تقارن هَذِه مثل جعل الْفَاعِل مرِيدا فَإِن الْفِعْل لَا يتم إِلَّا بقدرة وَإِرَادَة والإستطاعة الْمُقَارنَة للْفِعْل تدخل فِيهَا الْإِرَادَة الجازمة بِخِلَاف الْمَشْرُوطَة فِي التَّكْلِيف فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهَا الْإِرَادَة فَالله يَأْمر بِالْفِعْلِ من لَا يُريدهُ لَكِن لَا يَأْمر بِهِ من يعجز عَنهُ كَمَا أَن السَّيِّد يَأْمر عَبده بِمَا لَا يُريدهُ وَلَا يَأْمُرهُ بِمَا يعجز عَنهُ وَإِذا اجْتمعت الْإِرَادَة الجازمة وَالْقُوَّة التَّامَّة لزم وجود الْفِعْل وَمن قَالَ الْقُدْرَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل يَقُول كل كَافِر وفاسق قد كلف مَا لَا يُطَاق وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاق قَول جُمْهُور أَئِمَّة السّنة بل يَقُولُونَ أوجب الله الْحَج على المستطيع حج أَو لم يحجّ وَأوجب صِيَام الشَّهْرَيْنِ فِي الْكفَّار كفر أَو لم يكفر وَأوجب الْعِبَادَة على الْقَادِر دون الْعَاجِز فعل أَو لم يفعل وَمَا لَا يُطَاق يُفَسر بشيئين بِمَا لَا يُطَاق للعجز عَنهُ فَهَذَا مَا كلفه أحد أَو بِمَا لَا يُطَاق للإشتغال بضده فَهَذَا الَّذِي وَقع بِهِ التَّكْلِيف كَمَا فِي أَمر الْعباد بَعضهم لبَعض فَإِنَّهُم يفرقون بَين هَذَا وَهَذَا فَلَا يَأْمر السَّيِّد عَبده الْأَعْمَى بنقط الْمَصَاحِف ويأمره عَبده الْقَاعِد أَن يقوم وَالْفرق بَينهمَا ضَرُورِيّ قَالَ الرافضي وَمِنْهَا إفحام الْأَنْبِيَاء وإنقطاع حجتهم لِأَن النَّبِي إِذا قَالَ للْكَافِرِ آمن بِي وصدقني يَقُول لَهُ قل لِرَبِّك يخلق فِي الْإِيمَان وَالْقُدْرَة المؤثرة حَتَّى أفعل وَإِلَّا فَكيف تكلفني الْإِيمَان وَلَا قدرَة لي عَلَيْهِ بل خلق فِي الْكفْر وَأَنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 لَا أتمكن من مقاهرته فَيَنْقَطِع النَّبِي وَلَا يتَمَكَّن من جَوَابه فَيُقَال هَذَا مقَام يكثر الْخَوْض فِيهِ وَكثير من البطالين إِذا أَمر بِمَا يجب عَلَيْهِ تعلل بِالْقدرِ وَقَالَ حَتَّى يقدرني الله على ذَلِك وَكَذَا إِذا نهي قَالَ قد قضي عَليّ بذلك أَي جبلة فِي والإحتجاج بِالْقدرِ حجَّة داحضة لَا يعْذر بهَا العَبْد وَلِهَذَا لما قَالَ الْمُشْركُونَ {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء} قَالَ الله تَعَالَى {قل هَل عنْدكُمْ من علم فتخرجوه لنا إِن تتبعون إِلَّا الظَّن وَإِن أَنْتُم إِلَّا تخرصون قل فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة فَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} فَإِن هَؤُلَاءِ علمُوا بفطرهم أَن حجتهم داحضة فَإِن أحدهم لَو ظلم الآخر فِي مَاله أَو فجر بامرأته أَو قتل وَلَده أَو كَانَ مصرا على الظُّلم فَنَهَاهُ النَّاس فَقَالَ لَو شَاءَ الله لم أفعل لم يقبلُوا مِنْهُ هَذِه الْحجَّة وَلَا هُوَ يقبلهَا من غَيره ولوجبت عُقُوبَته وَإِنَّمَا يحْتَج بهَا المحتج دفعا للوم بِلَا وَجه وَلَو كَانَ الإحتجاج بِالْقدرِ عذرا لما حصل فرق بَين الطائع والعاصي فَأثْبت الله عَلَيْهِم الْحجَّة بقوله {قل فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة} ثمَّ أثبت الْقدر بقوله {فَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} وَكِلَاهُمَا حق قَالَ وَمِنْهَا تَجْوِيز أَن يعذب الله سيد الْمُرْسلين على طَاعَته ويثيب إِبْلِيس على مَعْصِيَته لِأَنَّهُ يفعل لَا لغَرَض فَيكون فَاعل الطَّاعَة سَفِيها لِأَنَّهُ يتعجل بالتعب فِي الإجتهاد فِي الْعِبَادَة وَإِخْرَاج مَاله فِي عمَارَة الْمَسَاجِد والربط وَالصَّدقَات من غير نفع يحصل لَهُ لِأَنَّهُ قد يُعَاقِبهُ على ذَلِك وَلَو فعل عوض ذَلِك مَا يتلذذ بِهِ من الْمعاصِي قد يثيبه وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى خراب الْعَالم وإضطراب الدّين فَيُقَال هَذَا بَاطِل لم ينْقل أحد مِنْهُم أَن الله يعذب أنبياءه وَلَا أَنه قد يعذبهم بل اتَّفقُوا على أَنه يثيبهم لَا محَالة لِأَنَّهُ وعد بذلك وَهُوَ لَا يخلف الميعاد بل من النَّاس من يَقُول علمت إثابتهم بِالسَّمْعِ وَمِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 من قَالَ بِالْعقلِ وَقَالَ تَعَالَى {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَهَذَا إستفهام إِنْكَار على من يظنّ ذَلِك فَعلم أَن التَّسْوِيَة بَين أهل الطَّاعَة وَأهل الْكفْر مِمَّا يعلم بُطْلَانه وَإِن ذَلِك من الحكم السيء الَّذِي تنزه الله عَنهُ وَقَالَ تَعَالَى {أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار} {أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين مَا لكم كَيفَ تحكمون} وقولك مِنْهَا تَجْوِيز تَعْذِيب الْأَنْبِيَاء إِن أردْت أَنهم يَقُولُونَ إِنَّه قَادر على ذَلِك فَأَنت لَا تنَازع فِي الْقُدْرَة وَإِن أردْت أَنا نشك هَل يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله فمعلوم أَنا لَا نشك بل نقطع بِدُخُول أَنْبيَاء الله وأوليائه جنته وبدخول إِبْلِيس وَحزبه النَّار وَإِن أردْت أَن من قَالَ يفعل لَا لحكمة يلْزمه تَجْوِيز هَذَا فَهَذَا قَول لبَعض الْمُتَكَلِّمين لَكِن أَكثر أهل السّنة لَا يَقُولُونَ ذَلِك ثمَّ الْكل متفقون على أَن وجود الطَّاعَة نَافِع وَعدمهَا مُضر قَالَ وَمِنْهَا أَنه لَا يتَمَكَّن أحد من تَصْدِيق نَبِي لِأَن التَّوَصُّل إِلَى ذَلِك إِنَّمَا يتم بمقدمتين إِحْدَاهمَا أَن الله فعل المعجز على يَد النَّبِي لأجل التَّصْدِيق وَالثَّانيَِة أَن كل من صدقه الله فَهُوَ صَادِق فكلا المقدمتين لَا تتمّ على قَوْلهم لِأَنَّهُ إِذا إستحال أَن يفعل لغَرَض إستحال أَن تظهر المعجزات لأجل التَّصْدِيق وَإِذا كَانَ فَاعِلا للقبيح ولأنواع الضلال والمعاصي وَالْكذب جَازَ أَن يصدق الْكذَّاب فَلَا يَصح الإستدلال على صدق نَبِي وَلَا نَذِير قُلْنَا قد تقدم أَن أَكثر أهل السّنة المثبتين للقدر وَغَيرهم يَقُولُونَ إِن الله يفعل لحكمة فَهَذَا القَوْل وضده لَا يخرج عَن أَقْوَال السّنة وَأَيْضًا فَلَا نسلم أَن تَصْدِيق النَّبِي لَا يُمكن إِلَّا بطرِيق الإستدلال بالمعجزات بل الطّرق الدَّالَّة على صدقه مُتعَدِّدَة غير المعجزات وَمن قَالَ لَا طَرِيق إِلَّا ذَلِك فعلى النَّافِي الدَّلِيل ثمَّ إِن دلَالَة المعجزة على الصدْق دلَالَة ضَرُورِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 لَا تحْتَاج إِلَى نظر فَإِن إقتران المعجزة بِدَعْوَى النُّبُوَّة يُوجب علما ضَرُورِيًّا أَن الله أظهرها لصدقه كَمَا أَن من قَالَ لملك من الْمُلُوك إِن كنت أرسلتني إِلَى هَؤُلَاءِ فانقض عادتك وقم واقعد ثَلَاث مَرَّات فَفعل ذَلِك الْملك علمنَا بِالضَّرُورَةِ أَنه فعل ذَلِك لأجل تَصْدِيقه وقولك إِذا كَانَ فَاعِلا للقبيح جَازَ أَن يصدق الْكذَّاب قُلْنَا مَا فِي الْمُسلمين من يَقُول إِن الله يفعل قبيحا وَمن قَالَ أَنه خَالق أَفعَال الْعباد يَقُول ذَلِك الْفِعْل قَبِيح مِنْهُم لَا مِنْهُ كَمَا أَنه ضار لَهُم لَا لَهُ ثمَّ الْآخرُونَ يَقُولُونَ إِن ذَلِك الْفِعْل مفعول لَهُ وَهُوَ فعل للْعَبد وَأما نفس خرق الْعَادة فَلَيْسَتْ فعلا للعباد حَتَّى يُقَال إِنَّهَا قبيحة مِنْهُم وتصديق الْكذَّاب إِنَّمَا يكون بإخباره أَنه صَادِق سَوَاء كَانَ ذَلِك بقول أَو فعل يجْرِي مجْرى القَوْل وَذَلِكَ مُمْتَنع مِنْهُ لِأَنَّهُ صفة نقص وَالله منزه عَن النَّاقِص قَالَ وَمِنْهَا أَنه لَا يَصح أَن يُوصف الله أَنه غَفُور حَلِيم عَفْو لِأَن وَصفه بِهَذَا إِنَّمَا يثبت لَو كَانَ مُسْتَحقّا لعقاب الْفُسَّاق بِحَيْثُ إِذا أسْقطه عَنْهُم كَانَ غَفُورًا عفوا وَإِنَّمَا يسْتَحق الْعقَاب إِذا كَانَ الْعِصْيَان من العَبْد لَا من الله فَنَقُول الْجَواب من وُجُوه أَحدهَا أَن كثيرا من أهل السّنة يَقُول لَا نسلم أَن وَصفه بِهَذِهِ إِنَّمَا يثبت لَو كَانَ مُسْتَحقّا بل الْوَصْف بهَا يثبت إِذا كَانَ قَادِرًا على الْعقَاب مَعَ قطع النّظر عَن الإستحقاق فيفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد الثَّانِي أَن قَول الْقَائِل يسْتَحق الْعقَاب يَعْنِي بِهِ أَن عِقَابه للعصاة عدل مِنْهُ أَو يَعْنِي بِهِ أَنه مُحْتَاج إِلَى ذَلِك أما الأول فمتفق عَلَيْهِ فعفوه ومغفرته بِفضل وإحسان مِنْهُ وَهَذَا يَقُول بِهِ من يَقُول إِنَّه خَالق أفعالهم والقائلون بِأَنَّهَا أَفعَال لَهُ كسب لَهُم متفقون على أَن الْعقَاب عدل مِنْهُ الثَّالِث أَن يُقَال الْمَغْفِرَة وَالْعَفو وَالرَّحْمَة إِمَّا أَن يُوصف بهَا مَعَ كَون الْعقَاب قبيحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 على قَول من يَقُول بذلك وَإِمَّا أَن لَا يُوصف بهَا إِلَّا إِذا كَانَ الْعقَاب سائغا فَإِن كَانَ الأول لزم أَن لَا يكون غفارًا لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى لِأَن عِقَاب هَؤُلَاءِ قَبِيح وَالْمَغْفِرَة لَهُم وَاجِبَة عِنْد أهل هَذَا القَوْل وَيلْزم أَن لَا يكون رحِيما وَلَا غَفُورًا للأنبياء وَيلْزم أَن لَا يكون رحِيما غَفُورًا لمن ظلم ثمَّ بدل حسنا بعد سوء وَقد ثَبت أَنه غفار للتوابين رَحِيم بِالْمُؤْمِنِينَ فَعلم أَنه مَوْصُوف بالمغفرة وَالرَّحْمَة مُطلقًا الرَّابِع أَن الْعِصْيَان من العَبْد بِمَعْنى أَنه فَاعله عِنْد الْأَكْثَر وَبِمَعْنى أَنه كاسبه عِنْد الْبَعْض وَبِهَذَا القَوْل يسْتَحق الْآدَمِيّ أَن يُعَاقب الظَّالِم فإستحقاق الله عِقَاب الظَّالِم أولى بذلك وَأما كَونه خَالِقًا لذَلِك فَذَاك أَمر يعود إِلَيْهِ وَله فِيهِ حِكْمَة عِنْد الْجُمْهُور الْقَائِلين بالحكمة أَو لمحض الْمَشِيئَة عِنْد من لَا يُعلل بالحكمة قَالَ وَمِنْهَا أَنه يلْزم تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق لِأَنَّهُ تَكْلِيف الْكَافِر بِالْإِيمَان وَلَا قدرَة لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَبِيح عقلا وَقَالَ تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} فَالْجَوَاب أَن المثبتين للقدر لَهُم فِي قدرَة العَبْد قَولَانِ أَحدهمَا أَن قدرته لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل وعَلى هَذَا فالكافر الَّذِي قد سبق فِي علم الله أَنه لَا يُؤمن لَا يقدر على الْإِيمَان أبدا الثَّانِي أَن الْقُدْرَة الْمَشْرُوطَة فِي التَّكْلِيف تكون قبل الْفِعْل وبدونه وَإِلَى حِين وُقُوعه وَالْقُدْرَة المستلزمة للْفِعْل فَلَا بُد أَن تكون مَعَه وأصل قَوْلهم أَن الله خص الْمُؤمن بِنِعْمَة يَهْتَدِي بهَا لم يُعْطهَا الْكَافِر وَأَن العَبْد لَا بُد أَن يكون قَادِرًا حِين الْفِعْل خلافًا لمن زعم أَنه لَا يكون قَادِرًا إِلَّا قبل الْفِعْل وَأَن النِّعْمَة على الْكَافِر وَالْمُؤمن سَوَاء إِلَى أَن قَالَ وعَلى قَول جُمْهُور السّنة الْقَائِلين بِأَن الْكَافِر يقدر على الْإِيمَان يبطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 هَذَا الْإِيرَاد وعَلى قَول الآخرين فيلتزمونه وَأي الْقَوْلَيْنِ كَانَ الصَّوَاب فَهُوَ غير خَارج عَن أَقْوَال أهل السّنة وَأَيْضًا فتكليف مَا لَا يُطَاق كتكليف الزَّمن الْمَشْي وتكليف الْآدَمِيّ الطيران فَغير وَاقع فِي الشَّرِيعَة عِنْد جَمَاهِير أهل السّنة المثبتين للقدر وَلَيْسَ فِيمَا ذكره مَا يَقْتَضِي لُزُوم وُقُوع هَذَا وَأما مَا لَا يُطَاق للإشتغال بضده كإشتغال الْكَافِر بالْكفْر الصَّاد عَن الْإِيمَان وكالقاعد فِي حَال قعوده فَإِن إشتغاله بالقعود يمْنَع أَن يكون قَائِما والإرادة الجازمة لأحد الضدين تنَافِي إِرَادَة الآخر وتكليف الْكَافِر الْإِيمَان من هَذَا الْبَاب وَمثل هَذَا لَا نسلم أَنه قَبِيح عقلا بل الْعُقَلَاء متفقون على أَن أَمر الْإِنْسَان وَنَهْيه بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ حَال الْأَمر وَالنَّهْي لإشتغاله بضده إِذا أمكن أَن يتْرك ذَلِك الضِّدّ وَيفْعل الْمَأْمُور بِهِ مُمكن سَائِغ الْخَامِس أَن تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق إِذا فسر بِأَنَّهُ الْفِعْل الَّذِي لَيْسَ لَهُ قدرَة عَلَيْهِ تقارن مقدورها كَانَ دَعْوَى إمتناعه بِهَذَا التَّفْسِير مورد نزاع فَيحْتَاج نَفْيه إِلَى دَلِيل قَالَ وَمِنْهَا أَن تكون أفعالنا الإختيارية الْوَاقِعَة بِحَسب قصودنا ودواعينا مثل حركتنا يمنة ويسرة كالأفعال الإضطرارية مثل حَرَكَة النبض وحركة الْوَاقِع من شَاهِق وَالْفرق بَينهمَا ضَرُورِيّ قُلْنَا هَذَا يلْزم من يَقُول العَبْد لَا قدرَة لَهُ على أَفعاله الإختيارية وَلَيْسَ هَذَا قَول إِمَام مَعْرُوف وَلَا طَائِفَة من السّنة والمثبتة للقدر إِلَّا مَا يحْكى عَن الجهم بن صَفْوَان وغلاة المثبتة أَنهم سلبوا العَبْد قدرته وَقَالُوا حركته كحركة الْأَشْجَار وَأَشد الطوائف قربا من هَؤُلَاءِ الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ مَعَ هَذَا يثبت للْعَبد قدرَة محدثة وَيَقُول الْفِعْل كسب العَبْد لكنه يَقُول لَا تَأْثِير لقدرته فِي إِيجَاد الْمَقْدُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فَمَا أثْبته من الْكسْب لَا يعقل وَنحن لَا ننكر أَن بعض أهل السّنة قد يخطيء لَكِن لَا يتفقون على الْخَطَأ كَمَا تتفق الإمامية على الْخَطَأ بل كل مَسْأَلَة خَالَفت فِيهَا الإمامية أهل السّنة فَالصَّوَاب فِيهَا مَعَ أهل السّنة فالجمهور على أَن العَبْد لَهُ قدرَة حَقِيقَة وَهُوَ فَاعل حَقِيقَة وَالله خَالق فعله لقَوْله تَعَالَى {خَالق كل شَيْء} وَقَالَ تَعَالَى عَن إِبْرَاهِيم {رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك} وَقَالَ {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة وَمن ذريتي} وَقَالَ تَعَالَى {وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا} وَقَالَ {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت} وَقَالَ {وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} أثبت مَشِيئَة العَبْد وَأخْبر أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا بِمَشِيئَة الرب تَعَالَى وَقد أخبر أَن الْعباد يَفْعَلُونَ ويعملون ويؤمنون ويكفرون ويصدقون ويكذبون فِي مَوَاضِع جمة وَأَن لَهُم قُوَّة واستطاعة وشناعاته تلْزم من لَا يفرق بَين فعل الرب ومفعوله أَو يَقُول إِن أَفعَال الْعباد فعل الله أَو يَقُول لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَات قوى وَلَا طبائع وَقد دلّت النُّصُوص على ذَلِك والعقول قَالَ تَعَالَى {سقناه لبلد ميت فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات} وَقَالَ {فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا} وَقَالَ تَعَالَى {يهدي بِهِ الله من اتبع رضوانه} وَقَالَ {يضل بِهِ كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا} وَقَالَ {أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلقهمْ هُوَ أَشد مِنْهُم قُوَّة} وَقَالَ {خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قُوَّة} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأشج عبد الْقَيْس إِن فِيك لخصلتين يحبهما الله الْحلم والأناة إِلَى أَن قَالَ شَيخنَا فأفعال الْعباد حَادِثَة بعد أَن لم تكن فَحكمهَا حكم سَائِر الْحَوَادِث وَهِي مُمكنَة من الممكنات فَحكمهَا حكم سَائِر الممكنات فَمَا من دَلِيل اسْتدلَّ بِهِ على أَن بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الْحَوَادِث الممكنات مخلوقة لله تَعَالَى إِلَّا وَهُوَ يدل على أَن أفعالنا مخلوقة لله تَعَالَى فَإِنَّهُ قد علم أَن الْمُحدث لَا بُد لَهُ من مُحدث وَهَذِه مُقَدّمَة ضَرُورِيَّة عِنْد الْجُمْهُور وَكَذَلِكَ الْمُمكن لَا بُد لَهُ من مُرَجّح تَامّ فَإِذا كَانَ فعل العَبْد حَادِثا فَلَا بُد لَهُ من مُحدث وَإِذا قيل الْمُحدث هُوَ العَبْد يكون العَبْد صَار مُحدثا لَهُ بعد أَن أم لم يكن فَهُوَ أَيْضا أَمر حَادث فَلَا بُد لَهُ من مُحدث إِذْ لَو كَانَ العَبْد لم يزل مُحدثا لَهُ لزم دوَام ذَلِك الْفِعْل الْحَادِث وَإِذا كَانَ إحداثه لَهُ حَادِثا من فَلَا بُد لَهُ من مُحدث وَإِذا قيل الْمُحدث إِرَادَة العَبْد قيل فإرادته أَيْضا حَادِثَة لَا بُد لَهَا من مُحدث وَإِن قيل حدثت بِإِرَادَة من العَبْد قيل وَتلك الْإِرَادَة لَا بُد لَهَا أَيْضا من مُحدث فَأَي مُحدث فرضته فِي العَبْد فَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي الْحَادِث الأول وَإِن جعلته قَدِيما أزليا كَانَ هَذَا مُمْتَنعا لِأَن مَا يقوم بِالْعَبدِ لَا يكون قَدِيما وَإِن قلت هُوَ وصف العَبْد وَهِي قدرته المخلوقة فِيهِ وَالْقَوْل فِيهَا كالقول فِي الْإِرَادَة فَلَا بُد أَن يكون الْمُرَجح التَّام من الله تَعَالَى ودقق الْعَلامَة شَيخنَا النّظر هُنَا واستوعب وسَاق تسلسل الْحَوَادِث قَالَ المُصَنّف وَمِنْهَا أَنه لَا يبْقى فرق بَين من أحسن غَايَة الْإِحْسَان عمره وَبَين من أَسَاءَ غَايَة الْإِسَاءَة عمره وَلم يحسن منا شكر الأول وذم الثَّانِي لِأَن الْفِعْلَيْنِ صادران من الله تَعَالَى فَيُقَال هَذَا بَاطِل فَإِن إشتراك الْفِعْلَيْنِ فِي كَون الرب خلقهما لَا يسْتَلْزم إشتراكهما فِي الحكم فَإِن جَمِيع مَا سوى الله مُشْتَرك فِي كَون الله خلقه قَالَ تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور} الْآيَة وَالله خَالق الْجنَّة وَالنَّار وخالق الْعَالم وَالْجَاهِل وخالق الْعَسَل والسم واللذة والألم وخالق آدم وإبليس وَإِذا كَانَ الشَّرْع وَالْعقل متطابقين على أَن مَا جعل الله فِيهِ مَنْفَعَة ومصلحة يجب مدحه وَإِن كَانَ جمادا فَكيف لَا يكون من جعله محسنا غَايَة الْإِحْسَان إِلَى الْخلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 أَحَق بالمدح وَكَذَلِكَ فِي جَانب الشَّرّ والقدري يَقُول لَا يكون العَبْد مَحْمُودًا على إحسانه وَلَا مذموما على إساءته إِلَّا بِشَرْط أَلا يكون الله جعله محسنا إِلَيْنَا وَلَا من بِهِ علينا إِذا فعل الْخَيْر وَلَا ابتلانا بِهِ إِذا فعل الشَّرّ وَحَقِيقَة قَوْلهم إِنَّه حَيْثُ يشْكر العَبْد لَا يشْكر الرب وَحَيْثُ يشْكر الرب لَا يشْكر العَبْد وَأَنه لَا منَّة لله علينا فِي تَعْلِيم الرَّسُول وتبليغه إِلَيْنَا وَالله تَعَالَى يَقُول {لقد من الله على الْمُؤمنِينَ إِذْ بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم} الْآيَة وَيَقُول لَا تكون لله نعْمَة على عباده بإستغفار الْمَلَائِكَة لَهُم وَتَعْلِيم الْعلمَاء وَعدل الْوُلَاة عَلَيْهِم وَيَقُولُونَ لَا يقدر الله أَن يَجْعَل الْمُلُوك عادلين وَلَا جائرين وَلَا يقدر أَن يصير أحدا محسنا إِلَى أحد وَلَا مسيئا إِلَى أحد وعَلى لَازم قَوْلهم لَا يسْتَحق الله أَن يشْكر بِحَال لِأَن الشُّكْر إِنَّمَا يكون على النعم الدِّينِيَّة أَو الدُّنْيَوِيَّة أَو الأخروية فالدنيوية عِنْدهم وَاجِبَة على الله والدينية فَمَا فعلهَا بِنَا وَلَا يقدر أَن يَجْعَل أحدا مُؤمنا وَلَا يهدي أحدا وَلَا يَجْعَل برا وَلَا تقيا وَلَا يقدره على خير أصلا وَأما النعم الأخروية فالجزاء وَاجِب عَلَيْهِ فَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا للحق وجنبنا هَذِه الضلالات فالمقرون بِالْقدرِ يمدحون المحسن ويذمون الْمُسِيء مَعَ إتفاقهم على أَن الله خَالق الْفِعْلَيْنِ فَقَوله يلْزمهُم أَن لَا يفرقُوا بَين هَذِه وَهَذَا لُزُوم مَالا يلْزم وَغَايَة الْأَمر أَن يكون الله جعل هَذَا مُسْتَحقّا للمدح وَالثَّوَاب وَهَذَا مُسْتَحقّا للذم وَالْعِقَاب فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يمْتَنع أَن يمدح ذَا ويذم ذَا قَالَ وَمِنْهَا التَّقْسِيم الَّذِي ذكره مولَايَ الإِمَام مُوسَى الكاظم وَقد سَأَلَهُ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى ومُوسَى صبي فَقَالَ الْمعْصِيَة مِمَّن فَقَالَ إِمَّا من العَبْد اَوْ من الله أَو مِنْهُمَا فَإِن كَانَت من الله قالله أنصف من أَن يظلم عَبده ويؤاخذه بِمَا لَا يفعل وَإِن كَانَت مِنْهُمَا فَهُوَ شَرِيكه وَالْقَوِي أولى بإنصاف عَبده الضَّعِيف وَإِن كَانَت من العَبْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَحده فَعَلَيهِ وَقع الْأَمر وإلبه يتَوَجَّه الذَّم فَقَالَ أَبُو حنيفَة ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض فَيُقَال مَا ذكرت بسندها فنعلم صِحَّتهَا ولعلها كذب فَإِن أَبَا حنيفَة مقرّ بِالْقدرِ وَقد رد على الْقَدَرِيَّة فِي الفقة الْأَكْبَر فَكيف يستصوب قَول من يَقُول إِن الله لم يخلق أَفعَال الْعباد ثمَّ مُوسَى بن جَعْفَر وَسَائِر عُلَمَاء أهل الْبَيْت مثبتون الْقدر وَكَذَلِكَ قدماء الشِّيعَة وَإِنَّمَا قَالُوا بِالْقدرِ فِي دولة بني بويه حِين خالطوا الْمُعْتَزلَة وَأَيْضًا فَهَذَا الْكَلَام المحكي عَن مُوسَى بن جَعْفَر يَقُوله أصاغر الْقَدَرِيَّة وصبيانهم وَهُوَ مَعْرُوف من حِين حدثت الْقَدَرِيَّة قبل أَن يُولد مُوسَى بن جَعْفَر والقدرية حدثوا زمن ابْن الزبير وَعبد الْملك وَقَول الْقَائِل الْمعْصِيَة مِمَّن لفظ مُجمل فَإِن الْمعْصِيَة وَالطَّاعَة عمل وَعرض قَائِم بِغَيْر فَلَا بُد لَهُ من مَحل يقوم بِهِ وَهِي قَائِمَة بِالْعَبدِ لَا محَالة وَلَيْسَت قَائِمَة بِاللَّه تبَارك وَتَعَالَى بِلَا ريب وَمَعْلُوم أَن كل مَخْلُوق يُقَال هُوَ من الله بِمَعْنى أَنه خلقه بَائِنا عَنهُ لَا بِمَعْنى أَنه قَامَ بِهِ واتصف بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} وَقَوله تَعَالَى {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} قَالَ وَمِنْهَا أَنه يلْزم أَن يكون الْكَافِر مُطيعًا بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ فعل مَا هُوَ مُرَاد الله فَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الطَّاعَة هَل هِيَ مُوَافقَة لِلْأَمْرِ أَو مُوَافقَة للإرادة وَهِي مَبْنِيَّة على أَن الْأَمر هَل يسْتَلْزم الْإِرَادَة أم لَا وَقد قدمنَا أَن الله خَالق أَفعَال الْعباد بإرادته وَقد يخلق مالم يَأْمر بِهِ وَأجْمع الْعلمَاء أَن الرجل لَو حلف ليقضينه حَقه فِي غَد إِن شَاءَ الله فَخرج الْغَد وَلم يقضه مَعَ قدرته على الْقَضَاء لم يَحْنَث وَلَو كَانَت مَشِيئَة الله بِمَعْنى أمره لحنث لِأَنَّهُ مَأْمُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 بذلك وَكَذَلِكَ سَائِر الْحلف على فعل مَأْمُور إِذا علقه بِالْمَشِيئَةِ قَالَ الله تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا} مَعَ أَنه قدر أَمرهم بِالْإِيمَان فَعلم أَن الْأَمر غير الْمَشِيئَة كَذَلِك قَوْله {وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا} دَلِيل على أَنه أَرَادَ إضلاله وَهُوَ لم يَأْمُرهُ بالضلالة وَقد ذكرنَا أَن الْإِرَادَة وَردت بمعنيين إِرَادَة قدرية وَإِرَادَة شَرْعِيَّة فَهَذِهِ متضمنة للمحبة وَالرِّضَا لَا الأولى قَالَ وَمِنْهَا أَنه يلْزم نِسْبَة السَّفه إِلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَأْمر الْكَافِر بِالْإِيمَان وَلَا يُريدهُ مِنْهُ قُلْنَا قد قَررنَا أَن الْإِرَادَة نَوْعَانِ إِرَادَة الْخلق وَإِرَادَة الْأَمر قَالَ وَمِنْهَا أَنه يلْزم أَن نستعيذ بإبليس من الله وَلَا يحسن قَوْله تَعَالَى {فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان} لأنههم نزهوا إِبْلِيس وَالْكَافِر عَن الْمعاصِي وأضافوها إِلَى الله فَيكون شرا على عَبده من إِبْلِيس تَعَالَى الله عَن ذَلِك فَيُقَال هَذَا كَلَام سَاقِط فإمَّا أَن يكون لأبليس فعل أَو لَا فَإِن لم يكن لَهُ فعل امْتنع أَن يستعاذ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يفعل شَيْئا فَلَا يعيذ حِينَئِذٍ أحدا وَإِن كَانَ لَهُ فعل بَطل تنزيهه عَن الْمعاصِي فَسقط الإعتراض بِهِ على قَول من أثبت الْقدر أَو نَفَاهُ وَيُقَال إِنَّمَا تحسن الإستعاذة بإبليس لَو كَانَ يُمكنهُ أَن يعيذهم من الله سَوَاء كَانَ الله خَالِقًا لأفعال الْعباد أَو لَا وَهَؤُلَاء الْقَدَرِيَّة كالمصنف وَأَمْثَاله مَعَ قَوْلهم إِن إِبْلِيس يفعل مَا لَا يقدره الله وَيفْعل بِغَيْر إِرَادَة الله وَأَن الله لَا يقدر على أَن يُغير أحدا من عمل إِلَى عمل لَا من خير إِلَى شَرّ وَلَا من شَرّ إِلَى خير وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عُقُوبَتك وبل وَبِك مِنْك فاستعاذ بِبَعْض صِفَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وأفعاله من بعض حَتَّى استعاذ بِهِ مِنْهُ فَكيف يمْتَنع أَن يستعاذ بِهِ من بعض مخلوقاته ثمَّ أهل السّنة لَا يُنكرُونَ أَن يكون دُعَاء العَبْد لرَبه وإستعاذته بِهِ سَببا لنيل الْمَطْلُوب وَدفع المرهوب وَالله أرْحم لِعِبَادِهِ من الوالدة بِوَلَدِهَا فيستعاذ بِهِ من شَرّ أَسبَاب الشَّرّ الَّتِي قَضَاهَا بِحِكْمَتِهِ فَمن قَالَ بالحكمة وَالْعلَّة يَقُولُونَ خلق إِبْلِيس كَمَا خلق الْحَيَّات والعقارب وَالنَّار لما فِي خلقه ذَلِك من الْحِكْمَة وامرنا أَن ندفع الضَّرَر عَنَّا بِكُل مَا نقدر عَلَيْهِ وَمن أعظم الْأَسْبَاب إستعاذتنا بِهِ حِكْمَة وَرَحْمَة وَمن لَا يَقُول بِالْعِلَّةِ وَالْحكمَة فَإِنَّهُ يَقُول خلق إِبْلِيس الضار لِعِبَادِهِ وَجعل إستعاذتنا طَرِيقا إِلَى دفع ضَرَره كَمَا جعل إطفاء النَّار طَرِيقا إِلَى دفع حريقها والترياق طَرِيقا إِلَى دفع السم فَهُوَ خَالق النافع والضار وأمرنا بِمَا ينفعنا ثمَّ إِن أعاننا كَانَ محسنا وَإِلَّا فَلهُ أَن يفعل مَا شَاءَ وَقَوله نزهوا إِبْلِيس وَالْكَافِر من الْمعاصِي فَهَذَا فِرْيَة فَإِنَّهُم متفقون على أَن العَاصِي هُوَ المتصف بالمعصية والمذموم عَلَيْهَا وَأَن الْأَفْعَال يُوصف بهَا من قَامَت بِهِ لَا من خلقهَا وَأَن إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف بهَا الَّذِي قَامَت بِهِ من إِضَافَة الْمَخْلُوق إِلَى خالقه ثمَّ أَخذ القدري يسهب فِي هذيانه وغيه فَقَالَ وَمِنْهَا أَنه لَا يبقي وثوق بوعد الله ووعيده لأَنهم جوزوا إِسْنَاد الْكَذِب فِي الْعَالم إِلَيْهِ فَجَاز أَن يكذب فِي إخباراته كلهَا فتنتفي فَائِدَة بعثة الرُّسُل قلت الْفرق بَين الْخَالِق وَبني الْفَاعِل مَعْلُوم بَين الْعُقَلَاء فَإِذا خلق الله لغيره حَرَكَة لم يكن هُوَ المتحرك وَإِذا خلق للرعد صَوتا لم يكن هُوَ المصوت وَإِذا خلق الألوان فِي النَّبَات وَالْحَيَوَان لم يكن هُوَ المتصف بِتِلْكَ الألوان وَإِذا خلق فِي غَيره علما وحياة وقدرة لم تكن تِلْكَ الْمَخْلُوقَات فِي غَيره صِفَات لَهُ وَإِذا خلق فِي غَيره عمى وصمما لم يكن هُوَ الْمَوْصُوف بالعمى والصمم وَإِذا خلق فِي غَيره صوما وطوافا وخشوعا لم يكن هُوَ الصَّائِم وَلَا الطَّائِف وَلَا الخاشع أما قَوْله تَعَالَى (وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى) مَعْنَاهُ مَا أصبت إِذْ حذفت وَلَكِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الله هُوَ الَّذِي أصَاب فَمِنْهُ الْحَذف بِالْيَدِ وَمن من الله الإيصال إِلَى الْعَدو كلهم وَلَيْسَ المُرَاد بذلك مَا يَظُنّهُ بعض النَّاس أَنه لما خلق الرَّامِي وَالرَّمْي كَانَ هُوَ الرَّامِي فِي الْحَقِيقَة فَإِن ذَلِك لَو صَار فِي كل فعل لَكُنْت تَقول مَا مشيت إِذْ مشيت وَلَكِن الله مَشى وَمَا ركبت إِذْ ركبت وَلَكِن الله ركب وَمَا لَا نِهَايَة لَهُ وَبطلَان ذَلِك مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَلِهَذَا يرْوى أَن عُثْمَان كَانُوا يرمونه بِالْحِجَارَةِ لما حصر فَقَالَ علام ترمونني فَقَالُوا مَا رميناك وَلَكِن الله رماك فَقَالَ إِن الله لَو رماني لأصابني وَلَكِن أَنْتُم ترمونني فتخطئونني الْوَجْه الآخر أَنهم يجوزون أَنه تَعَالَى يخلق الْقُدْرَة على الْكَذِب مَعَ علمه بِأَن صَاحبهَا يكذب وَكَذَا الْقُدْرَة على الظُّلم وَالْفُحْش وَمَعْلُوم أَن الْوَاحِد منا يجْرِي تَمْكِينه من القبائح وإعانته عَلَيْهَا مجْرى فعله لَهَا فَمن أعَان غَيره على الْكَذِب وَالظُّلم كَانَ الْفَاعِل قَالَ تَعَالَى {وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} فَإِن قَالُوا إِنَّمَا أعطَاهُ الْقُدْرَة ليطيع لَا ليعصي قيل إِذا كَانَ عَالما بِأَنَّهُ يَعْصِي كَانَ بِمَنْزِلَة من أعْطى آخر سَيْفا لِيُقَاتل بِهِ الْكفَّار مَعَ علمه بِأَنَّهُ يقتل نَبيا وَهَذَا لَا يجوز فِي حَقنا فتعالى الله عَن ذَلِك الثَّالِث أَن يُقَال لَيْسَ كل مَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُمكن نشك فِي وُقُوعه بل نعلم أَنه لَا يفعل أَشْيَاء مَعَ أَنه قَادر عَلَيْهَا وَهِي مُمكنَة فَلَا يقلب الْبَحْر زئبقا وَالْجِبَال ياقوتا وَعلمنَا بِأَنَّهُ تَعَالَى منزه عَن الْكَذِب وَأَنه مُمْتَنع عَلَيْهِ قطعا الرَّابِع نَحن نعلم بِأَنَّهُ مَوْصُوف بِصِفَات الْكَمَال وَأَن كل كَمَال ثَبت لموجود فَهُوَ أَحَق بِهِ وكل نقص منزه عَنهُ ونعلم أَن الْحَيَاة وَالْعلم وَالْقُدْرَة صِفَات كَمَال فَهُوَ أَحَق بهَا وَكَذَلِكَ الصدْق كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمن أصدق من الله حَدِيثا} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أصدق الْكَلَام كَلَام الله الْخَامِس أَن كَلَامه قَائِم بِذَاتِهِ غيرمخلوق عِنْد أهل السّنة فَإِن الْكَلَام صفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 كَمَال فَلَا بُد أَن يَتَّصِف بهَا سَوَاء قَالُوا إِنَّه لَا يتَعَلَّق بمشيئته وَقدرته وَهُوَ معنى قَائِم بِالنَّفسِ أَو حُرُوف اَوْ أصوات قديمَة أَو قَالُوا إِنَّه مُتَعَلق بمشيئته وَأَنه تكلم بعد أَن لم يكن متكلما أَو أَنه لم يزل متكلما إِذا شَاءَ وَالْكذب صفة نقص كالصمم والبكم والعمى وَمَعَ أَنه يخلق خلقه متصفين بذلك وَلَا يقوم بِهِ فَكَذَلِك يخلق الْكَذِب فِي الْكَاذِب وَلَا يقوم بِهِ السَّادِس أَن هَذَا السُّؤَال وَارِد عَلَيْكُم فَإِنَّكُم تَقولُونَ يخلق فِي غَيره كلَاما يكون كَلَامه مَعَ كَونه قَائِما بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَخْلُوق وَأَن الْكَلَام الَّذِي يتَكَلَّم بِهِ الْعباد لَيْسَ هُوَ كَلَامه وَلَا مخلوقا لَهُ فَإِذا كَانَ هَذَا صدقا وَهَذَا صدقا فَلَا بُد أَن يعترفوا أَن هَذَا كَلَامه وَهَذَا لَيْسَ بِكَلَامِهِ وقولك وَجَاز إرْسَال الْكذَّاب فَنَقُول لَا ريب أَن الله يُرْسل الْكذَّاب كَقَوْلِه {ألم تَرَ أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا} وَكَقَوْلِه {بعثنَا عَلَيْكُم عبادا لنا} لَكِن لَا يكون ذَا إِلَّا مَقْرُونا بِمَا يبين كذبهمْ كَمَا فِي مثل مُسَيْلمَة وَالْأسود الْعَنسِي وَلَيْسَ فِي إرسالهم مَا يمْنَع التَّمْيِيز بَين الصَّادِق والكاذب وَإِذا خلق من يَدعِي النُّبُوَّة وَهُوَ كَاذِب فَإِن قَالُوا يجوز إِظْهَار أَعْلَام الصدْق عَلَيْهِ كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا وَهُوَ بَاطِل بالإتفاق وَإِن قَالُوا لَا لم يكن مُجَرّد إدعاء النُّبُوَّة بِلَا علم على الصدْق ضارا فَإِن مدعي الطِّبّ أَو أَنه صانع بِلَا علم يدل على صدقه لم يلْتَفت إِلَيْهِ فَكيف مدعي النُّبُوَّة وَإِن قَالُوا إِذا جوزتم عَلَيْهِ أَن يخلق الْكَذِب فِي الْكذَّاب فجوزوا عَلَيْهِ أَن يظْهر على يَدَيْهِ أَعْلَام الصدْق قيل هَذَا مُمْتَنع لِأَن أَدِلَّة الصدْق تَسْتَلْزِم الصدْق إِذْ الدَّلِيل مُسْتَلْزم للمدلول وَإِظْهَار أَعْلَام الصدْق على الْكذَّاب مُمْتَنع لذاته وَإِن قَالُوا جوزوا أَن يظْهر على يَدَيْهِ خارق قُلْنَا نعم فَنحْن نجوز ذَلِك لمُدعِي الإلهية كالدجال وَيجوز الخارق لمُدعِي النُّبُوَّة لَكِن على وَجه لَا يدل على صدقه كالساحر والكاهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 السَّابِع أَن دَلَائِل النُّبُوَّة وَمَا بِهِ يعرف صدق النَّبِي لم يتخصص فِي الخوارق بل يتنوع كَمَا تتنوع معرفَة الْكَذِب قَالَ وَمِنْهَا أَنه يلْزم تَعْطِيل الْحُدُود والزواجر عَن الْمعاصِي فَإِن الزِّنَا إِذا كَانَ وَاقعا بِإِرَادَة الله وَالسَّرِقَة إِذا صدرت عَن الله وإرادته هِيَ المؤثرة لم يجز للسُّلْطَان الْمُؤَاخَذَة عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يصد السَّارِق عَن مُرَاد الله فَلَو صد أَحَدنَا عَن مُرَاده لتألم وَيلْزم أَن يكون الرب مرِيدا للنقيضين لِأَن الْمعْصِيَة مُرَادة لَهُ والزجر عَنْهَا مُرَاد لَهُ قُلْنَا قد مر مَا يبين هَذَا ونقول مَا قدره وقضاه من ذَلِك هُوَ مَا وَقع دون مَا لم يكن وَمَا وَقع لم يقدر أحد أَن يردهُ وَإِنَّمَا يرد بالحدود والزواجر مَا لم يَقع بعد فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فقولك يصد السَّارِق عَن مُرَاد الله كذب لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصده عَمَّا لم يَقع وَمَا لم يَقع يردهُ الله وَلِهَذَا لَو حلف ليسرقن هَذَا المَال إِن شَاءَ الله وَلم يسرقه لم يَحْنَث بِالْإِجْمَاع لِأَن الله لم يَشَأْ سَرقته وَلَكِن الْقَدَرِيَّة لَا تكون عِنْدهم الْإِرَادَة إِلَّا بِمَعْنى الْأَمر فيزعمون أَن السّرقَة إِذا كَانَت مُرَادة كَانَت مَأْمُورا بهَا وَقد تَيَقنا أَن الله لم يَأْمر بِالسَّرقَةِ وَمن قَالَ أَمر بهَا فقد كفر وَأَيْضًا فَإِن من الْمَقْدُور بالإتفاق مَا يحسن رده وزواله كالمرض فَإِنَّهُ من فعل الله وَيحسن بِنَا دَفعه بالدتاوي والإجتناب لأسبابه فَفِي هَذَا إِزَالَة لمراد الله وَكَذَا إطفاء النَّار الَّتِي تُرِيدُ أَن تحرق وَإِقَامَة الْجِدَار الَّذِي يُرِيد أَن يَقع وَكَذَا رد الْبرد بالدفء وَالْحر بالظل فَيدْفَع مُرَاد بِمُرَاد وَالْكل من قدر الله وَقد قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْت أدوية نتداوى بهَا ورقي نسترقي بهَا وتقاة نتقيها هَل ترد من قدر الله شَيْئا قَالَ هِيَ من قدر الله وَقَالَ تَعَالَى (لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وقولك يلْزم أَن يكون مرِيدا للنقيضين كَلَام سَاقِط فَإِن النقيضين مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان أَو مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وهما المتضادان والزجر لَيْسَ عَمَّا وَقع وَأُرِيد بل عُقُوبَة على الْمَاضِي وزجر عَن الْمُسْتَقْبل والزجر الْوَاقِع بإرادته إِن حصل مَقْصُوده لم يحصل المزجور عَنهُ فَلم يردهُ فَيكون المُرَاد الزّجر فَقَط وَإِن لم يحصل مَقْصُوده لم يكن زجرا تَاما بل يكون المُرَاد فعل هَذَا الزّجر وَفعل ذَاك كَمَا يُرَاد ضرب هَذَا لهَذَا بِالسَّيْفِ وحياة هَذَا وكما يُرَاد الْمَرَض الْمخوف الَّذِي قد يكون سَببا للْمَوْت وَيُرَاد مَعَه الْحَيَاة قَالَ وَمِنْهَا قد تقدم بِالضَّرُورَةِ إستناد أفعالنا إِلَيْنَا ووقوعها بِحَسب إرادتنا فَإِذا أردنَا الْحَرَكَة يمنة لم تقع يسرة وَبِالْعَكْسِ وَالشَّكّ فِي ذَلِك سفسطة فَيُقَال جُمْهُور أهل السّنة قَائِلُونَ بِهَذَا فَإِن أفعالنا مستندة إِلَيْنَا وَنحن محدثون لَهَا والنصوص بذلك كَثِيرَة فِي الْقُرْآن فَاعْلَم أَن كَون العَبْد مرِيدا فَاعِلا بعد أَن لم يكن مرِيدا فَاعِلا أَمر حَادث فإمَّا أَن يكون لَهُ مُحدث أَو لَا فَإِن لم يكن لَهُ مُحدث لزم حُدُوث الْحَوَادِث بِلَا مُحدث وَإِن كَانَ لَهُ مُحدث فإمَّا أَن يكون العَبْد أَو الله فَإِن كَانَ العَبْد فَالْقَوْل فِي إحداثه لتِلْك الفاعلية كالقول فِي إحداثها وَيلْزم التسلسل وَهُوَ هُنَا بَاطِل لِأَن العَبْد كَانَ بعد أَن لم يكن فَيمْتَنع أَن تقوم بِهِ حوادث لَا أول لَهَا فَتعين أَن يكون الله هُوَ الْخَالِق لكَون العَبْد مرِيدا فَاعِلا فَأهل السّنة يَقُولُونَ بِهَذَا الْعلم الضَّرُورِيّ فَيَقُولُونَ العَبْد فَاعل وَالله خلقه فَاعِلا وَإنَّهُ مُرِيد وَالله خلقه مرِيدا قَالَ تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَ {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة} فإرادة العَبْد ثَابِتَة لَكِن لَا تُوجد إِلَّا بِمَشِيئَة الله وَمن زعم أَن الْإِرَادَة لَا تعلل كَانَ قَوْله لَا حَقِيقَة لَهُ لِأَن الْإِرَادَة أَمر حَادث فَلَا بُد لَهُ من مُحدث وَقَالُوا إِن الْبَارِي يحدث إِرَادَة لَا فِي مَحل بِلَا سَبَب اقْتضى حدوثها وَلَا إِرَادَة فارتكبوا ثَلَاث محالات حُدُوث حَادث بِلَا إِرَادَة من الله وحدوث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 حَادث بِلَا سَبَب حدث وَقيام الصّفة بِنَفسِهَا لَا فِي مَحل فَإِن قيل كَيفَ يكون الله مُحدثا لَهَا وَالْعَبْد مُحدث لَهَا قيل إِحْدَاث الله لَهَا هُوَ خلقهَا فَيصير العَبْد فَاعِلا لَهَا بقدرته ومشيئته الَّتِي خلقت فِيهِ وكل من الإحداثين مُسْتَلْزم للْآخر فخلق الرب لفعل العَبْد يسْتَلْزم وجود الْفِعْل وَكَون العَبْد فَاعِلا لَهُ بعد أَن لم يكن يسْتَلْزم كَون الرب خَالِقًا لَهُ قَالَ الإمامي وَالْقُرْآن مَمْلُوء من إِسْنَاد أَفعَال الْبشر إِلَيْهِم كَقَوْلِه {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} {من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا} وَذكر آيَات قُلْنَا هَذَا كُله حق وَالْقُرْآن أَيْضا مشحون بِمَا يدل على أَن أفعالنا حَادِثَة بِمَشِيئَة الله كَقَوْلِه (وَلَو شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا) (وَلَو شَاءَ الله مَا أشركوا) (فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره) فَلَا يجوز أَن تؤمن بِبَعْض الْكتاب وتكفر بِبَعْض وَلَو كَانَت الْمَشِيئَة بِمَعْنى الْأَمر لحنث من حلف وَقَالَ إِن شَاءَ الله وَقَالَ تَعَالَى (يضل بِهِ كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا) (وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه) قَالَ الإمامي فَقَالَ الْخصم الْقَادِر يمْتَنع أَن يرجح أحد مقدوريه من غير مُرَجّح وَمَعَ التَّرْجِيح يجب الْفِعْل فَلَا قدرَة وَلِأَنَّهُ يلْزم أَن يكون الْإِنْسَان شَرِيكا لله وَلقَوْله (وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ) فَقُلْنَا الْجَواب عَن الأول لمعارضة بِاللَّه فَإِنَّهُ قَادر فَإِن افْتَقَرت الْقُدْرَة إِلَى الْمُرَجح وَكَانَ الْمُرَجح مُوجبا للأثر لزم أَن يكون الله مُوجبا لَا مُخْتَارًا فليزم الْكفْر وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي أَي شركَة هُنَا وَالله هُوَ الْقَادِر على قهر العَبْد وإعدامه وَالْجَوَاب عَن قَوْله تَعَالَى (وَالله خَلقكُم) أَنَّهَا إِشَارَة إِلَى الْأَصْنَام الَّتِي كَانُوا ينحتونها فَأنْكر عَلَيْهِم فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 (أتعبدون مَا تنحتون وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ) قَالَ شَيخنَا ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى لم يذكر من ادلة أهل الْإِثْبَات إِلَّا يَسِيرا وَمَعَ هَذَا فالأدلة الثَّلَاثَة لَيْسَ لَهُم عَنْهَا جَوَاب صَحِيح أما الأول فَإِن الْمُسْتَدلّ بذلك الدَّلِيل لَا يَقُول إِذا وَجب الْفِعْل فَلَا قدرَة فَإِن عَامَّة أهل السّنة يَقُولُونَ إِن العَبْد لَهُ قدرَة حَتَّى الجبرية لَكِن يَقُولُونَ لَا تَأْثِير لَهَا وَقد مر أَن لَهَا تَأْثِيرا من جنس تَأْثِير الْأَسْبَاب فِي مسبباتها لَيْسَ لَهَا تَأْثِير الْخلق والإبداع وَيُوجب هَذَا الدَّلِيل أَن الْقَادِر يمْتَنع أَن يرجح مقدوره إِلَّا بمرجح وَذَلِكَ الْمُرَجح لَا يكون من العَبْد فَتعين أَن يكون من الرب وَعند وجود الْمُرَجح التَّام يجب وجود الْفِعْل وَيمْتَنع عَدمه فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بعد وجود الْمُرَجح يُمكن وجود الْفِعْل وَعَدَمه كَمَا كَانَ قبل الْمُرَجح كَانَ مُمكنا والممكن لَا يتَرَجَّح وجوده على عَدمه إِلَّا بمرجح تَامّ وَأما مُعَارضَة ذَلِك بِفعل الله فَالْجَوَاب أَن هَذَا برهَان عَقْلِي يقيني واليقينيات لَا تعَارض وَلَا يُوجد لَهَا معَارض وَأَيْضًا فَإِن قدرَة الرب تفْتَقر إِلَى مُرَجّح لَكِن الْمُرَجح هُوَ إِرَادَة الله وَإِرَادَة الله لَا يجوز أَن تكون من غَيره بِخِلَاف إِرَادَة العَبْد وَإِذا كَانَ الْمُرَجح إِرَادَة الله كَانَ فَاعِلا بإختياره لَا مُوجبا بِذَاتِهِ بِدُونِ إختياره وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزم الْكفْر ثمَّ نقُول مَا تَعْنِي بِقَوْلِك يلْزم أَن يكون الله مُوجبا بِذَاتِهِ أتعني بذلك أَن يكون مُوجبا للأثر بِلَا قدرَة وَلَا إِرَادَة أَو تَعْنِي بِهِ أَن يكون الْأَثر وَاجِبا عِنْد وجود الْمُرَجح الَّذِي هُوَ الْإِرَادَة مثلا مَعَ الْقُدْرَة فَإِن عنيت الأول لم نسلم التلازم فَإِن الْفَرْض أَنه قَادر وَأَنه مُرَجّح بمرجح فَهُنَا شَيْئَانِ قدرَة وامر آخر وَقد فسرنا ذَلِك بالإرادة فَكيف يُقَال إِنَّه مُرَجّح بِلَا قدرَة وَلَا إِرَادَة وَإِن أردْت أَنه يجب وجود الْأَثر إِذا حصلت الْإِرَادَة مَعَ الْقُدْرَة فَهَذَا حق وَهُوَ مَذْهَب الْمُسلمين فَمَا شَاءَ الله وجوده وَجب وجوده بمشيئته وَقدرته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَمَا لم يَشَأْ وجوده إمتنع وجوده لعدم مَشِيئَته وَقدرته فَالْأول وَاجِب بِالْمَشِيئَةِ وَالثَّانِي مُمْتَنع لعدمها وَأما مَا يَقُوله الْقَدَرِيَّة من أَن الله يَشَاء مَا لَا يكون وَيكون مَا لَا يَشَاء فَهَذَا ضلال فَإِذا أَرَادَ حُدُوث مَقْدُور فإمَّا أَن يجب وجوده أَو لَا فَإِن وَجب حصل الْمَطْلُوب وَتبين وجود الْأَثر عِنْد الْمُرَجح وَسَوَاء سميت ذَا مُوجبا بِالذَّاتِ أَو لم تسمه وَإِن لم يجب وجوده كَانَ مُمكنا قَابلا للوجود والعدم فَلَا بُد لَهُ من مُرَجّح وَهَكَذَا هَلُمَّ جرا ثمَّ نقُول مَا ذكرته من الْحجَّة الْعَقْلِيَّة وَهُوَ إستناد أفعالنا الإختيارية إِلَيْنَا ووقوعها بِحَسب إختيارنا معَارض بِمَا لَيْسَ من أفعالنا كاللون فَإِن الْإِنْسَان يحصل اللَّوْن الَّذِي يُرِيد حُصُوله فِي الثَّوْب بِحَسب إختياره وَهُوَ مُسْتَند إِلَى صَنعته وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ اللَّوْن مَفْعُولا لَهُ وَأَيْضًا فَمَا ينْبت من الزَّرْع وَالشَّجر قد يحصل بِحَسب إختياره وَهُوَ مُسْتَند إِلَى إزدراعه وَلَيْسَ الإنبات من فعله فَلَيْسَ كل مَا اسْتندَ إِلَى العَبْد وَوَقع بِحَسب إختياره كَانَ مَفْعُولا لَهُ وَهَذِه مُعَارضَة عقلية وَأما قَوْله أَي شركَة هَا هُنَا فَيُقَال إِذا كَانَت الْحَوَادِث حَادِثَة بِغَيْر فعل الله وَلَا قدرته فَهَذِهِ مُشَاركَة لله صَرِيحَة وَلِهَذَا شبه هَؤُلَاءِ بالمجوس الَّذين يجْعَلُونَ فَاعل الشَّرّ غير فَاعل الْخَيْر فيجعلون لله شَرِيكا آخر وَلِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس الْإِيمَان بِالْقدرِ نظام التَّوْحِيد وَقَول الْقَدَرِيَّة يتَضَمَّن الْإِشْرَاك والتعطيل فَإِنَّهُ يتَضَمَّن إِخْرَاج بعض الْحَوَادِث عَن أَن يكون لَهَا فَاعل ويتضمن إِثْبَات فَاعل مُسْتَقل غير الله وَهَاتَانِ شعبتان من شعب الْكفْر فَإِن أصل كل كفر التعطيل والشرك وَهَذَا كَمَا تَقول الفلاسفة من أَن الأفلاك تفعل بطرِيق الإستقلال وَأَنَّهَا هِيَ المحدثة للحوادث الَّتِي فِي الأَرْض وَالْعجب إنكارهم على الْقَدَرِيَّة قَوْلهم مَا زَالَ الرب عاطلا عَن الْفِعْل حَتَّى أحدث الْعَالم وهم يَقُولُونَ مَا زَالَ وَلَا يزَال معطلا عَن الإحداث بل عَن الْفِعْل فَإِن مَا لزم ذَاته كالعقل والفلك لَيْسَ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 فِي الْحَقِيقَة فعلا لَهُ إِذْ الْفِعْل لَا يعقل إِلَّا شَيْئا بعد شَيْء فَأَما مَا لزم الذَّات فَهُوَ من بَاب الصِّفَات كلون الْإِنْسَان وَطوله فَإِنَّهُ يمْتَنع أَن يكون فعلا لَهُ بِخِلَاف حركاته فَإِنَّهَا فعل لَهُ وَإِن قدر أَنه لم يزل متحركا كَمَا يُقَال فِي نفس الْإِنْسَان أَنَّهَا لم تزل تتحرك من حَال إِلَى حَال وَأَن الْقلب أَشد تقلبا من الْقدر إِذا استجمعت غليانا فكون الْفَاعِل الَّذِي هُوَ فِي نَفسه يقوم بِهِ فعل يحدث شَيْئا بعد شَيْء مَفْعُولا بِخِلَاف مَا لزمَه لَازم يقارنه فِي الْأَزَل فَهَذَا لَا يعقل أَن يكون مَفْعُولا لَهُ فَتبين أَنهم فِي الْحَقِيقَة لَا يثبتون للرب فعلا أصلا فهم معطلة حَقًا وأرسطو وَأَتْبَاعه إِنَّمَا أثبتوا الْعلَّة الأولى من جِهَة كَونهَا عِلّة غائية لحركة الْفلك فَإِن حَرَكَة الْفلك عِنْدهم بالإختيار كحركة الْإِنْسَان فَلَا بُد لَهَا من مُرَاد فَيكون هُوَ مطلوبها فَقَالُوا إِن الْعلَّة الأولى هِيَ الَّتِى يَتَحَرَّك الْفلك لأَجلهَا أَي للتشبيه بهَا بل غَايَة مَا يثبتونه أَن يكون شرطا فِي وجود الْعَالم فَهِيَ عِلّة لَهُ تحركه كَمَا يُحَرك المعشوق العاشق بِمَنْزِلَة الرجل الَّذِي إشتهى طَعَاما فَمد يَده إِلَيْهِ اَوْ رأى من يحب فَذَلِك المحبوب هُوَ المحرك لكَون المتحرك أحبه وحيئنذ فَلَا يكونُونَ قد أثبتوا لحركة الْفلك مُحدثا أحدثها غير الْفلك كَمَا لم تثبت الْقَدَرِيَّة لأفعال الْحَيَوَان مُحدثا غير الْحَيَوَان فَلهَذَا كَانَ الْفلك عِنْدهم حَيَوَانا كَبِيرا فَتبين أَن الفلاسفة قدرية فِي جَمِيع حوادث الْعَالم وَأَنَّهُمْ أصل الشَّرّ وَلِهَذَا يضيفون الْحَوَادِث إِلَى الطبائع الَّتِي فِي الْأَجْسَام كَمَا تَقول الْقَدَرِيَّة فِي الْحَيَوَان وَلَا يثبتون مُحدث الْحَوَادِث وغايتهم أَن جعلُوا الرب شرطا فِي وجود الْعَالم وَمِنْهُم من قَالَ الْفلك وَاجِب الْوُجُود لَكِن أثبتوا عِلّة إِمَّا غائية وَإِمَّا فاعلية وَعند التَّحْقِيق لَا حَقِيقَة لما أثبتوه فهم أَجْهَل النَّاس بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَمن دخل فِي أهل الْملَل مِنْهُم كالفارابي وَابْن سينا ومُوسَى بن مَيْمُون الْيَهُودِيّ وَيحيى بن عدي النَّصْرَانِي وَمَتى فهم مَعَ إلحادهم أَسد عقلا ونظرا من أرسطو وَأَتْبَاعه الْمَشَّائِينَ وَدخل بعض المتكلمة مَعَهم فِي الْبَاطِل وَخَرجُوا عَن الْحق كتوحيد الإلهية وَإِثْبَات حقائق أَسمَاء الله وَصِفَاته وَلم يعرفوا من التَّوْحِيد إِلَّا تَوْحِيد الربوبية وَهُوَ الْإِقْرَار بِأَن الله خَالق كل شَيْء وربه وَهَذَا تَوْحِيد أقرّ بِهِ الْمُشْركُونَ قَالَ تَعَالَى (وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون وَإِنَّمَا التَّوْحِيد الْمَطْلُوب تَوْحِيد الإلهية المتضمن تَوْحِيد الربوبية وَإِن تَوْحِيد الله أَن يعبد وَحده فَلَا يخَاف إِلَّا هُوَ وَلَا يَدعِي إِلَّا هُوَ وَالْعِبَادَة تجمع غَايَة الْحبّ والذل والتوحيد يتَضَمَّن إِثْبَات نعوت الْكَمَال لله وَالْإِخْلَاص لَهُ (وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين) وأصل الشّرك إِمَّا تَعْطِيل مثل تَعْطِيل فِرْعَوْن مُوسَى وَالَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه وَإِمَّا الْإِشْرَاك وَهُوَ كثير فِي الْأُمَم أَكثر من التعطيل وَأَهله خصوم جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَفِي خصوم إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معطلة ومشركة لَكِن التعطيل الْمَحْض للذات قَلِيل وَأما الْكثير فَهُوَ تَعْطِيل صِفَات الْكَمَال وَهُوَ مُسْتَلْزم لتعطيل الذَّات فَإِنَّهُم يصفونَ وَاجِب الْوُجُود بِمَا يجب أَن يكون مُمْتَنع الْوُجُود ثمَّ إِن كل من كَانَ إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أقرب كَانَ أقرب إِلَى كَمَال التَّوْحِيد وَالْإِيمَان وَالْعقل والعرفان وكل من كَانَ عَنْهُم أبعد كَانَ عَن ذَلِك أبعد فمتأخرو متكلمة الْإِثْبَات الَّذين خلطوا الْكَلَام بالفلسفة كالرازي والآمدي وَنَحْوهمَا هم دون أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَأَمْثَاله فِي تَقْرِير التَّوْحِيد وَإِثْبَات صِفَات الْكَمَال وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَمْثَاله دون القَاضِي أبي بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ابْن الطّيب وَأَمْثَاله فِي ذَلِك وَهَؤُلَاء دون أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي ذَلِك والأشعري فِي ذَلِك دون أبي مُحَمَّد بن كلاب وَابْن كلاب دون السّلف وَالْأَئِمَّة فِي ذَلِك ومتكلمة أهل الْإِثْبَات الَّذين يقرونَ بِالْقدرِ هم خير فِي التَّوْحِيد وَإِثْبَات صِفَات الْكَمَال من الْقَدَرِيَّة من الْمُعْتَزلَة والشيعة وَغَيرهم لِأَن أهل الْإِثْبَات يثبتون لله كَمَال الْقُدْرَة وَكَمَال الْمَشِيئَة وَكَمَال الْخلق وَأَنه مُنْفَرد بذلك فَيَقُولُونَ إِنَّه وَحده خَالق كل شَيْء من الْأَعْيَان والأعراض وَلِهَذَا جعلُوا أخص صِفَات الرب تَعَالَى الْقُدْرَة على الإختراع وَالتَّحْقِيق أَن الْقُدْرَة على الإختراع من جملَة خَصَائِصه لَيْسَ هِيَ وَحدهَا أخص صِفَاته وَأُولَئِكَ يخرجُون أَحْوَال الْحَيَوَان عَن أَن تكون مخلوقة لَهُ وَحَقِيقَة قَوْلهم تَعْطِيل هَذِه الْحَوَادِث عَن خَالق لَهَا وَإِثْبَات شُرَكَاء لله يفعلونها وَكثير من مُتَأَخِّرَة الْقَدَرِيَّة يَقُولُونَ إِن الْعباد خالقون لَهَا وَلَكِن سلفهم يحترزون عَن ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَطول الشَّيْخ هُنَا بعبارات منطقية وبحوث دقيقة إِلَى أَن ذكر دَلِيل التمانع فِي قَوْله (لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا) فَقَالَ إِن دَلِيل التمانع أَنه لَو كَانَ للْعَالم صانعان لَكَانَ أَحدهمَا إِذا أَرَادَ أمرا وَأَرَادَ الآخر خِلَافه مثل أَن يُرِيد أَحدهمَا إطلاع الشَّمْس من مشرقها وَيُرِيد الآخر إطلاعها من مغْرِبهَا إمتنع أَن يحصل مرادهما إِذْ ذَلِك جمع بَين الضدين فَيلْزم أَن لَا يحصل مُرَاد وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا يكون رَبًّا وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَحدهمَا تَحْرِيك شَيْء وَأَرَادَ الْأُخَر تسكينه فَإِن قيل يجوز أَن تتفق الإرادتان فَنَقُول إِذا فرض ربان فإمَّا أَن يكون كل مِنْهُمَا قَادِرًا بِنَفسِهِ أَو لَا يكون قَادِرًا إِلَّا بِالْآخرِ فَإِن لم يكن قَادِرًا إِلَّا بِالْآخرِ كَانَ هَذَا مُمْتَنعا لذاته مقتضيا للدور فِي الْعِلَل والفاعلين فَإِنَّهُ يسْتَلْزم أَن يكون كل مِنْهُمَا جعل الآخر قَادِرًا وَلَا يكون أَحدهمَا فَاعِلا حَتَّى يكون قَادِرًا فاذا كَانَ كل مِنْهُمَا جعل الاخر قَادِرًا فقد جعله فَاعِلا وَيكون كل مِنْهُمَا جعل الآخر رَبًّا وَهَذَا مُمْتَنع من ربين واجبين بأنفسهما قديمين لِأَن هَذَا لَا يكون قَادِرًا رَبًّا فَاعِلا حَتَّى يَجعله الآخر كَذَلِك وَكَذَلِكَ الآخر وَهَذَا مُمْتَنع ضَرُورَة فالدور القبلي مُمْتَنع لذاته كالدور فِي الفاعلين والعلل فَيمْتَنع أَن يكون كل من الشَّيْئَيْنِ عِلّة للْآخر وفاعلا لَهُ أَو جُزْءا من الْعلَّة فَإِذا كَانَ كل مِنْهُمَا لَا يكون قَادِرًا أَو فَاعِلا إِلَّا بِالْآخرِ لزم أَن يكون كل مِنْهُمَا عِلّة فاعلة وَعلة لتَمام مَا بِهِ يصير الآخر قَادِرًا فَاعِلا وَذَلِكَ مُمْتَنع ضَرُورَة فَلَزِمَ أَن الرب لَا بُد أَن يكون قَادِرًا بِنَفسِهِ فَإِن أمكنه إِرَادَة خلاف مَا يُرِيد الآخر أمكن إختلافهما وَإِن لم يُمكنهُ أَن يُرِيد إِلَّا مَا يُرِيد الآخر لزم الْعَجز فَمَتَى فرض لُزُوم إتفاقهما أبدا كَانَ ذَلِك مُمْتَنعا لذاته وَقد يُمكن هَذَا فِي مخلوقين بِأَن يجعلهما ثَالِث قَادِرين فيكونان متعاونين كاليدين فَإِنَّهُ تحدث لَهما قُوَّة بإجتماعهما وَيمْتَنع ذَلِك فِي حالتين فَإِنَّهُ إِن كَانَ أَحدهمَا قَادِرًا على الإستقلال والإنفراد وَلم يشْتَرط فِي فعله معاونة الآخر أمكن أَحدهمَا أَن يفعل مَا لَا يُريدهُ الآخر أَو مَا يُرِيد خِلَافه وَإِن لم يكن قَادِرًا على الإنفراد إمتنع أَن يحصل لَهما عِنْد الإجتماع قُوَّة لما فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ذَلِك من الدّور لِأَن هَذَا لَا يقدر حَتَّى يقدر ذَاك وَلَا يقدر ذَاك حَتَّى يقدر هَذَا وَإِذا قيل أَحدهمَا يقدر على مَا يُوَافقهُ عَلَيْهِ الآخر لم يكن قَادِرًا إِلَّا بموافقته وَإِذا قيل يقدر على مَا يُخَالِفهُ الآخر فِيهِ كَانَ كل مِنْهُمَا مَانِعا الآخر من مقدوره فَلَا يكون وَاحِد مِنْهُمَا قَادِرًا وَإِذا كَانَ كل مِنْهُمَا مَانِعا مَمْنُوعًا لزم مِنْهُ الْجمع بَين النقيضين فيتبين إمتناع ربين سَوَاء وَامْتنع وُقُوع مؤثرين تامين مستقلين يَجْتَمِعَانِ على أثر وَاحِد بِأَن يَقُول كل مِنْهُمَا إِنَّه خاط هَذَا الثَّوْب وَحده وَهَذَا بِخِلَاف المشتركين على عمل فعل وَاحِد قَالَ تَعَالَى (وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض) فَذكر سُبْحَانَهُ وجوب إمتياز المفعولين وَوُجُوب قهر أَحدهمَا الآخر وَلَو إختلط مفعولهما لكانا كالحاملين خَشَبَة كل مِنْهُمَا مفتقر إِلَى الآخر حَال الإجتماع فَإِذا قدر أَن إِرَادَة هَذَا وَفعله مُقَارن لإِرَادَة الآخر وَفعله فالتقدير أَنه لَا يُمكنهُ أَن يُرِيد وَأَن يفعل إِلَّا مَعَ الآخر فَتكون إِرَادَته وَفعله مَشْرُوطًا بِإِرَادَة الآخر وَفعله فَيكون بِدُونِ ذَلِك عَاجِزا عَن الْإِرَادَة وَالْفِعْل فَيكون كل مِنْهُمَا عَاجِزا حَال الإنفراد قَالَ الرافضي وَذَهَبت الأشاعرة إِلَى أَن الله يرى بِالْعينِ مَعَ أَنه مُجَرّد عَن الْجِهَات وَقد قَالَ تَعَالَى (لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار) وخالفوا الضَّرُورَة من أَن الْمدْرك بِالْعينِ يكون مُقَابلا أَو فِي حكمه وَقَالُوا يجوز أَن يكون بَين أَيْدِينَا جبال شاهقة مُخْتَلفَة الألوان لَا نرَاهَا وأصوات هائلة لَا نسمعها وعساكر متحاربة بِحَيْثُ نمسهم ويمسوننا وَلَا نشاهد صورهم وحركاتهم وَيجوز أَن نشاهد أَصْغَر شَيْء كالذرة فِي الْمشرق وَنحن فِي الْمغرب وَهَذِه سفسطة قُلْنَا أما رُؤْيَته فِي الْآخِرَة بالأبصار فَهُوَ قَول السّلف وَالْأَئِمَّة وتواترت بِهِ الْأَحَادِيث ثمَّ جُمْهُور الْقَائِلين بِالرُّؤْيَةِ يَقُولُونَ يرى عيَانًا مُوَاجهَة كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف بِالْعقلِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم عزوجل يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ترَوْنَ الشَّمْس لَا تضَامون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فِي رُؤْيَته وَفِي لفظ كَمَا ترَوْنَ الشَّمْس وَالْقَمَر صحوا وَفِي لفظ هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس صحوا لَيْسَ دونهَا سَحَاب قَالُوا لَا قَالَ فَهَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر صحوا لَيْسَ دونه سَحَاب قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّكُم ترَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالَّذين قَالُوا يرى بِلَا مُقَابلَة هم الَّذين يَقُولُونَ إِنَّه لَيْسَ فَوق الْعَالم فَلَمَّا كَانُوا مثبتين للرؤية نافين للعلو إحتاجوا إِلَى الْجمع بَين هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ قَول طَائِفَة من الأشعرية وأئمتهم يَقُولُونَ بِأَن الله فَوق الْعَرْش والمعتزلة نفت الْفَوْقِيَّة والرؤية فَإِذا عرضنَا وجود مَوْجُود لَا يشار إِلَيْهِ وَلَا يصعد إِلَيْهِ شَيْء وَلَا ينزل مِنْهُ أَمر وَلَا هُوَ دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا ترفع الْأَيْدِي إِلَيْهِ على أَي الْفطر والعقول أنْكرت ذَلِك جدا وَأما قَول الأشعرية فَقَالُوا إِنَّه تَعَالَى قَادر على أَن يخلق بحضرتنا مَا لَا نرَاهُ وَلَا نَسْمَعهُ من الْأَجْسَام والأصوات وَأَن يرينا مَا بعد منا من الذَّر فَلَا يَقُولُونَ هَذَا وَاقع وتجويز وُقُوع الشَّيْء غير الشَّك فِي الْوُقُوع قَالَ وَذَهَبت الأشعرية إِلَى أَن الله أمرنَا ونهانا فِي الْأَزَل وَلَا مَخْلُوق عِنْده قَائِلا يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَلَو جلس شخص وَحده وَلَا غُلَام عِنْده فَقَالَ يَا غَانِم قُم يَا نجاح كل قيل لمن تنادي فَيَقُول لِعبيد أشتريهم بعد سنة لنسب إِلَى الْحمق والسفه قُلْنَا هَذَا قَول الْكلابِيَّة وهم طَائِفَة من الَّذين يَقُولُونَ الْقُرْآن مَخْلُوق كالمعتزلة لَا من يَقُول هُوَ كَلَام الله غير مَخْلُوق كالكرامية والسالمية وَالسَّلَف وَأهل الحَدِيث من أهل الْمذَاهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الآربعة وَغَيرهم فَلَيْسَ فِي ذكر مثل هَؤُلَاءِ حُصُول مَقْصُود الرافضي ثمَّ كثير من الرافضة يَقُول بِهِ وَهُوَ الثَّابِت عَن أَئِمَّة أهل الْبَيْت ثمَّ إِن الْكلابِيَّة والأشعرية قَالُوا هَذَا لموافقتهم للمعتزلة فِي الأَصْل لإتفاقهم على صِحَة دَلِيل حُدُوث الْأَجْسَام فلزمهم القَوْل بحدوث مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث ثمَّ قَالُوا وَمَا تقوم بِهِ الْحَوَادِث لَا يَخْلُو مِنْهَا فَإِذا قيل الْجِسْم لم يخل من الْحَرَكَة والسكون قَالُوا والسكون الأزلي يمْتَنع زَوَاله لِأَنَّهُ مَوْجُود أزلي وكل مَوْجُود أزلي يمْتَنع زَوَاله وكل جسم يجوز عَلَيْهِ الْحَرَكَة فَإِذا جَازَ عَلَيْهِ الْحَرَكَة وَهُوَ أزلي وَجب أَن تكون حركته ازلية لإمتناع زَوَال السّكُون الأزلي وَلَو جَازَ عَلَيْهِ الْحَرَكَة الأزلية لزم حوادث لَا أول لَهَا وَذَاكَ مُمْتَنع فَلَزِمَ أَنه تَعَالَى لَا تقوم بِهِ الْحَوَادِث وَقد علمُوا قطعا أَن الْكَلَام يقوم بالمتكلم كَمَا يقوم الْعلم بالعالم وَالْحَرَكَة بالمتحرك وَأَن الْكَلَام الَّذِي يخلقه الله فِي غَيره لَيْسَ كلَاما لَهُ بل لذَلِك الْمحل فَلَمَّا ثَبت عِنْدهم أَن الْكَلَام لَا بُد أَن يقوم بالمتكلم وَقد وافقوا الْمُعْتَزلَة على أَن الْحَوَادِث لَا تقوم بالقديم لزم من الْأَصْلَيْنِ أَن يكون الْكَلَام قَدِيما قَالُوا وَقدم الْأَصْوَات مُمْتَنع لِأَن الصَّوْت لَا يبْقى زمانين فَتعين أَن يكون الْكَلَام الْقَدِيم معنى لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ معنى وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَو زَاد على وَاحِد لم يكن لَهُ حد مَحْدُود وَيمْتَنع وجود مَعَاني لَا نِهَايَة لَهَا فهم يَقُولُونَ نَحن وافقناكم على إمتناع أَن يقوم بالرب مَا هُوَ مُرَاد لَهُ مَقْدُور وخالفناكم فِي كَون كَلَامه مخلوقا مُنْفَصِلا عَنهُ فلزمت المناقضة فَإِن كَانَ الْجمع بَين هذَيْن مُمكنا لم نتناقض وَإِن تعذر لزم خطأنا فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلم يتَعَيَّن الْخَطَأ فِيمَا خالفناكم فِيهِ بل قد نَكُون أَخْطَأنَا فِيمَا وافقناكم عَلَيْهِ من كَونه لَا يتَكَلَّم بمشيئته وَقدرته بِكَلَام يقوم بِهِ مَعَ أَن إِثْبَات هَذَا القَوْل هُوَ قَول جُمْهُور أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الحَدِيث وَطَوَائِف من الْمُتَكَلِّمين والكرامية والشيعة بل لَعَلَّه قَول أَكثر الطوائف وَإِذا اضطررنا إِلَى مُوَافقَة إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَانَت موافقتنا لمن يَقُول إِن الرب يتَكَلَّم إِذا شَاءَ خير من موافقتنا لمن يَقُول إِن كَلَامه إِنَّمَا هُوَ مَا يخلقه فِي غَيره لظُهُور فَسَاده عقلا وَشرعا وَوجه آخر أَن يُقَال الْخطاب لمعدوم لم يُوجد بعد وبشرط وجوده أقرب إِلَى الْعقل من مُتَكَلم لَا يقوم بِهِ كَلَامه وَمن كَون الرب مسلوبا صِفَات الْكَمَال فَمَا خلق الله عرضا فِي جسم إِلَّا كَانَ صفة للجسم لَا للخالق وَأما خطاب من لم يُوجد بِشَرْط وجوده فَإِن الْمُوصي قد يُوصي بأَشْيَاء وَيَقُول أَنا آمُر الْوَصِيّ بعد موتِي أَن يعْمل كَذَا وَيعْمل كَذَا وَإِذا بلغ ولدى فلَان يكون هُوَ الْوَصِيّ وَأَنا آمره بِكَذَا وَكَذَا بل يقف وَقفا يبْقى دهرا وَيَأْمُر النَّاظر الَّذِي لم يخلق بعد بأَشْيَاء وَأما الْقَائِل يَا غَانِم يَا نجاح فَإِن قصد بِهِ خطاب حَاضر فَهَذَا قَبِيح وَإِن قصد بِهِ خطاب من سَيكون مثل أَن يَقُول قد أَخْبرنِي الصَّادِق أَن أمتِي تَلد غُلَاما وَيُسمى غانما فَإِذا وَلدته فَهُوَ حر وَقد جعلته وَصِيّا على أَوْلَادِي وَأَنا آمُرك يَا غَانِم بِكَذَا وَكَذَا لم يكن هَذَا مُمْتَنعا لِأَنَّهُ خطاب لحاضر فِي الْعلم وَإِن كَانَ مفقودا فِي الْعين وَالْإِنْسَان يُخَاطب من يستحضره فِي نَفسه وَيذكر أَشْيَاء لَهُ وَيَقُول يَا فلَان أما قلت لَك كَذَا وروى عَن عَليّ كرم الله وَجهه وَرَضي عَنهُ أَنه لما مر بكربلاء قَالَ صبرا أَبَا عبد الله يَعْنِي الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر الدَّجَّال وَخُرُوجه وَقَالَ يَا عباد الله اثبتوا وَلم يُوجد بعد عباد الله أُولَئِكَ قلت وَذَا كثير فِي الْقُرْآن من إخْبَاره تَعَالَى عَن نَفسه وَعَن عباده وَمَلَائِكَته بِصِيغَة الْمَاضِي بِمَا سَيكون بعد السَّاعَة كَقَوْلِه تَعَالَى (ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار) (وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن) (وَقَالَ الَّذين فِي النَّار لخزنة جَهَنَّم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 قَالَ الرافضي وَذهب من عدا الإمامية والإسماعيلية إِلَى أَن الْأَنْبِيَاء وَالْأَئِمَّة غير معصومين فجوزوا بعثة من يجوز عَلَيْهِ الْكَذِب والسهو وَالسَّرِقَة فَيُقَال مَا ذكرته عَن الْجُمْهُور فِي تَجْوِيز ذَلِك على الْأَنْبِيَاء كذب فأنهم متفقون على عصمَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي تَبْلِيغ الرسَالَة وطاعتهم وَاجِبَة إِلَّا عِنْد الْخَوَارِج وَالْجُمْهُور يجوزون عَلَيْهِم الصَّغَائِر وَأَنَّهُمْ لَا يقرونَ عَلَيْهَا وَأما عصمَة الْأَئِمَّة فَنعم كَمَا قَالَ لم يقل بهَا إِلَّا من ذكر وناهيك بقول عرى عَن الْحجَّة قَالُوا إِن الله لم يخل الْعَالم من أَئِمَّة معصومين لما فِي ذَلِك من الْمصلحَة واللطف قُلْنَا فَهَذَا الْغَائِب المنتظر الْمَفْقُود لم يحصل بِهِ شَيْء من الْمصلحَة واللطف سَوَاء كَانَ مَيتا كَمَا نقُول أَو حَيا كَمَا تزعمه الإماميه وَكَذَلِكَ أجداده تمّ يحصل بهم ذَلِك كَمَا حصل بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لم يحصل بعده أحد من الإثني عشر لَهُ سُلْطَان إِلَّا عَليّ كرم الله وَجهه وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن حَال اللطف والمصلحة الَّتِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ فِيهَا زمن الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة أعظم مِمَّا كَانَ فِي زَمَانه من الْفرْقَة والفتنة والقتال وَالله قد أمرنَا بِالرَّدِّ عِنْد التَّنَازُع إِلَى الله وَالرَّسُول وَلَو كَانَ للنَّاس مَعْصُوم غير الرَّسُول لوجه الرَّد إِلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن أَبَا ذَر قَالَ أَوْصَانِي خليلي أَن أسمع وَأطِيع وَإِن كَانَ عبدا حَبَشِيًّا مجدع الْأَطْرَاف وَلمُسلم عَن أم الْحصين أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع يَقُول وَلَو اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد أسود مجدع يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا واطيعوا وللبخاري عَن أنس بِنَحْوِهِ والإمامية وَغَيرهم يجوزون أَن يكون نواب الإِمَام غير معصومين وَأَن لَا يكون الإِمَام عَالما بعصمتهم بِدَلِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ولى الْوَلِيد بن عقبَة ثمَّ أخبر بمحاربة الَّذين أرْسلهُ إِلَيْهِم وَعلي كرم الله وَجهه وَرَضي عَنهُ كَانَ كثير من نوابه يخونونه وَفِيهِمْ من هرب عَنهُ فاشتراط الْعِصْمَة فِي الْأَئِمَّة لَيْسَ بمقدور وَلَا مَأْمُور وَلم تحصل بِهِ مَنْفَعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 قَالَ وهم يرَوْنَ القَوْل بِالْقِيَاسِ والرأي فأدخلوا فِي دين الله مَا لَيْسَ مِنْهُ وحرفوا أَحْكَام الشَّرِيعَة وأحدثوا مَذَاهِب أَرْبَعَة لم تكن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأهملوا أقاويل الصَّحَابَة فَالْجَوَاب إِن هَذَا وَارِد عَلَيْكُم فالزيدية تَقول بِالْقِيَاسِ ثمَّ الْقيَاس خير من تَقْلِيد من لم يبلغ فِي الْعلم مبلغ الْمُجْتَهدين كَمَا لَك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي عبيد وهم أعلم وأفقه من العسكريين وأمثالهما ثمَّ قَوْله أدخلُوا فِي دين الله مَا لَيْسَ مِنْهُ وحرفوا فَهَذَا لَيْسَ فِي طَائِفَة أَكثر من الرافضة فَإِنَّهُم كذبُوا على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لم يكذبهُ غَيرهم وردوا من الصدْق مَا لَا يُحْصى وحرفوا حَيْثُ قَالُوا (مرج الْبَحْرين) عَليّ وَفَاطِمَة (يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان) الْحسن وَالْحُسَيْن (فِي إِمَام مُبين) عَليّ (وَآل عمرَان على الْعَالمين) أل أبي طَالب وَسموا أَبَا طَالب عمرَان (والشجرة الملعونة) بَنو أُميَّة (أَن تذبحوا بقرة) عَائِشَة (لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك) لَئِن أشركت بَين أبي بكر وَعمر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا وجدته فِي كتبهمْ وَمن ثمَّ دخلت الإسماعيلية فِي تأويلات الْوَاجِبَات والمحرمات فهم أَئِمَّة التحريف وَأما قَوْله واحدثوا مَذَاهِب أَرْبَعَة وأهملوا أقاويل الصَّحَابَة فَيُقَال لَهُ مَتى كَانَت مُخَالفَة الصَّحَابَة مُنْكرا عنْدكُمْ وَمن الَّذِي يُخَالف إِجْمَاع الصَّحَابَة نَحن أَو أَنْتُم وَمن الَّذِي كفرهم وضللهم إِن أهل السّنة لَا يتَصَوَّر أَن يتفقوا على مُخَالفَة إِجْمَاع الصَّحَابَة وَأما الإمامية فَلَا ريب أَنهم متفقون على مُخَالفَة إِجْمَاع العترة النَّبَوِيَّة مَعَ مُخَالفَة إِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِنَّهُ لم يكن فِي العترة النَّبَوِيَّة بني هَاشم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم من يَقُول بإمامة إثني عشر وَلَا بعصمة أحد بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بِكفْر الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة بل وَلَا من يطعن فِي إمامتهم بل وَلَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يُنكر الصِّفَات وَلَا من يكذب بِالْقدرِ فلإمامية بِلَا ريب متفقون على مُخَالفَة العترة النَّبَوِيَّة مَعَ مخالفتهم لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَكيف يُنكرُونَ على من لَا يُخَالف إِجْمَاع الصَّحَابَة وَلَا إِجْمَاع العترة وَأما الْمذَاهب فَإِن أَرَادَ أَنهم اتَّفقُوا على إحداثها مَعَ مُخَالفَة الصَّحَابَة فَهَذَا كذب عَلَيْهِم فَإِن الْأَرْبَعَة لم يَكُونُوا فِي وَقت وَاحِد وَلَا كَانَ فيهم من يُقَلّد الآخر وَلَا من أَمر النَّاس اتِّبَاعه بل كل مِنْهُم يَدْعُو إِلَى مُتَابعَة الْكتاب وَالسّنة وَيرد على صَاحبه وَإِن قلت إِن النَّاس اتبعُوا الآربعة فَهَذَا أَمر اتفاقي وَأما الشِّيعَة فَكل مَا خالفوا فِيهِ الْجُمْهُور فهم مخطئون فِيهِ وَالْأَرْبَعَة لم يخترعوا علما لم يكن بل جمعُوا الْعلم فأضيف ذَلِك إِلَى الْوَاحِد مِنْهُم كَمَا تُضَاف كتب الحَدِيث إِلَى من جمعهَا كالبخاري وَمُسلم وَأبي دَاوُد وكما تُضَاف الْقرَاءَات إِلَى من إختارها كنافع وَعَاصِم ثمَّ لم يقل أهل السّنة إِن إِجْمَاع الْأَرْبَعَة حجَّة معصومة وَلَا إِن الْحق منحصر فِي قَوْلهم وَإِن مَا خرج عَنهُ بَاطِل والمجتهدون يتنازعون ويختلفون فِي فهم كَلَام الرَّسُول ثمَّ الصحابه قد ثَبت عَنْهُم القَوْل بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاس كَمَا ثَبت عَنْهُم ذمّ مَا ذموه من الْقيَاس فالمذموم مِنْهُ مَا عَارض النَّص وَكَذَلِكَ الْقيَاس الَّذِي لَا يكون فِيهِ الْفَرْع مشاركا للْأَصْل فِي منَاط الحكم وَلَا شكّ أَن الْقيَاس فِيهِ فَاسد وَلَيْسَ ذَلِك يُوجب بطلَان جَمِيعه كَمَا أَن وجود الموضوعات فِي المرويات لَا يُوجب بطلَان جَمِيع الحَدِيث قَالَ وذهبوا بِسَبَب ذَلِك إِلَى أُمُور شنيعة كإباحة الْبِنْت من الزِّنَا وَسُقُوط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الْحَد عَمَّن نكح أمه وَأُخْته عَالما بِالتَّحْرِيمِ وَعَن اللائط وإلحاق نسب المشرقية بالمغربي فَإِذا زوج الرجل بنته وَهِي فِي الْمشرق بِرَجُل هُوَ وأبوها فِي الْمغرب وَلم يُفَارِقهُ لَحْظَة حَتَّى مَضَت لَهُ سِتَّة أشهر فَولدت الْبِنْت ألحق الْمَوْلُود بِالرجلِ وَإِبَاحَة النَّبِيذ وَالْوُضُوء بِهِ مَعَ مشاركته الْخمر فِي الْإِسْكَار وَالصَّلَاة فِي جلد الْكَلْب وعَلى الْعذرَة الْيَابِسَة وأباحوا الغصوب فَقَالُوا لَو دخل سَارِق طاحونا فطحن الْقَمْح ملك ذَلِك فَلَو جَاءَ الْملك فنازعه كَانَ ظَالِما فَلَو تقاتلا فَقتل السَّارِق كَانَ شَهِيدا وَلَو قتل اللص الْمَالِك كَانَ هدرا وأوجبوا الْحَد على الزَّانِي إِذا كذب الشُّهُود وأسقطوه إِذا صدقهم فأسقطوا الْحَد مَعَ إجتماع الْإِقْرَار وَالْبَيِّنَة وأباحوا أكل الْكَلْب واللواط بالعبيد وأباحوا الملاهي وَالْجَوَاب مَا من مَسْأَلَة من هَذِه الْمسَائِل إِلَّا وَجُمْهُور السنه على خلَافهَا ثمَّ يُقَال وَأَنْتُم يُوجد فِيكُم معشر الرافضة إِمَّا إتفاقا وَإِمَّا إختلافا أَضْعَاف ذَلِك كَتَرْكِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وتعطلون الْمَسَاجِد وتعمرون الْمشَاهد الَّتِي على الْقُبُور كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 صنف مِنْكُم الْمُفِيد كتابا سَمَّاهُ مَنَاسِك حج الْمشَاهد وَفِيه الْكَذِب والشرك وَمِنْهَا تَأْخِير صَلَاة الْمغرب وَتَحْرِيم ذَبَائِح الكتابيين وَتَحْرِيم نوع من السّمك وَتَحْرِيم بَعضهم لُحُوم الْإِبِل وجعلهم الْمِيرَاث كُله للْبِنْت دون الْعم وَصَوْم بَعضهم بِالْعدَدِ لَا بِالْأَهِلَّةِ وإحلال الْمُتْعَة وَأَن الطَّلَاق الْمُعَلق بِشَرْط لَا يَقع مَعَ قصد إِيقَاعه عِنْد الشَّرْط وَأَنه لَا يَقع بِكِتَابَة وَيشْتَرط فِيهِ الْإِشْهَاد فَأَما المخلوقة من الزِّنَا فمردة للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلم يكن أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ يظنّ فِيهَا خلافًا بِحَيْثُ أَنه أفتى بقتل من يفعل ذَلِك وَأما عقدَة على ذَوَات الْمَحَارِم فَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ جعل ذَلِك شُبْهَة لدرء الْحَد لوُجُود صُورَة العقد وَأكْثر السّلف يقتلُون اللائط وَقيل ذَلِك إِجْمَاع الصَّحَابَة وَهُوَ مَذْهَب مَالك رَضِي الله عَنهُ وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَأحد قولي الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالْآخر هُوَ زنا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَسُقُوط الْحَد من مُفْرَدَات أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَكَذَا إِلْحَاق ولد المشرقية بِالَّذِي بالمغرب وَعِنْده أَن النّسَب يقْصد بِهِ الْمِيرَاث وَهَذِه الشناعات إِن كَانَت بَاطِلا فجمهور الْأَئِمَّة على خلَافهَا وَإِن كَانَت حَقًا لم تخرج عَن قَول أهل السّنة وَأَبُو حنيفَة لم يَجْعَل الْأُبُوَّة لكَونه خلق من مَائه ثمَّ يَا رَافِضِي مُنْذُ سَاعَة كنت تنكر الْقيَاس وَهنا تحتج بِهِ على أبي حنيفَة وَتقول فِي النَّبِيذ مَعَ مشاركته للخمر فِي الْإِسْكَار فَهَلا احتججت بِالنَّصِّ كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام وَأما جلد الْكَلْب المدبوغ فَقَالَت طَائِفَة من الْعلمَاء بِعُمُوم الحَدِيث أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر فَلَو قيل لَك هَات دَلِيل التَّحْرِيم لوقفت واما مَا قلت من مقاتلة الْغَاصِب وَالْمَالِك فكذب بل إِذا تنَازعا رفعا إِلَى الْحَاكِم وَأما الْحَد مَعَ الشُّهُود فمأخذ أبي حنيفَة أَنه إِذا أقرّ سقط حكم الشَّهَادَة وَلَا يُؤْخَذ بِالْإِقْرَارِ إِلَّا بِأَرْبَع مَرَّات وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الْجُمْهُور فَيَقُولُونَ الْإِقْرَار يُؤَكد حكم الشَّهَادَة وَأما اللواط بالعبيد فكذب مَا قَالَه وَكَأَنَّهُ قصد التشنيع فَإِن بعض الجهلة يرويهِ عَن مَالك إشتبه عَلَيْهِ بِمَسْأَلَة الحشوش وَلَا يخْتَلف مَذْهَب مَالك وَالْأَئِمَّة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ أَن من إستحل المماليك يكفر قَالَ الْوَجْه الثَّانِي فِي الدّلَالَة على وجوب إتباع مَذْهَب الإمامية مَا قَالَه شَيخنَا الْأَعْظَم خواجه نصير الدّين مُحَمَّد بن حسن الطوسي قدس الله روحه وَقد سَأَلته عَن الْمذَاهب فَقَالَ بحثنا عَنْهَا وَعَن حَدِيث سَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة فَوَجَدنَا الْفرْقَة النَّاجِية الإمامية لأَنهم باينوا جَمِيع الْمذَاهب فَيُقَال لَا تنس أَنَّك قد كفرت من قَالَ إِن الله مُوجب بِالذَّاتِ وشيخك هَذَا مِمَّن يَقُول بِأَن الله مُوجب بِالذَّاتِ وَيَقُول بقدم الْعَالم قَرَّرَهُ فِي شرح الإشارات لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَقد كَانَ وَزِير الْمَلَاحِدَة الإسماعيلية بالألموت ثمَّ صَار منجما مسيرًا لهولاكو فَأَشَارَ عَلَيْهِ بقتل الْخَلِيفَة وَالْعُلَمَاء إِلَى غير ذَلِك من الطَّامَّات وَأمر النصير وَأَتْبَاعه أشهر عِنْد الْمُسلمين وَقد قيل إِنَّه إنصلح فِي أَوَاخِر عمره وَكَانَ يحافظ على الصَّلَوَات ويشتغل بتفسير الْبَغَوِيّ وبالفقه وَأما قَوْله باينوا جَمِيع الْمذَاهب فهذيان وَكَذَا الْخَوَارِج باينوا جَمِيع الْمذَاهب وَكَذَا الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَإِن عني أَنهم إختصوا بِجَمِيعِ أَقْوَالهم فَلَيْسَ كَذَلِك فقد وافقوا فِي التَّوْحِيد الْمُعْتَزلَة وَفِي الْقدر ووافقوا الْجَهْمِية ثمَّ بَينهم من الإختلاف مَالا يُوصف وَمن الْعجب أَن هَذَا المُصَنّف الرافضي الْكذَّاب المفتري يذكر أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَسَائِر السَّابِقين وَالتَّابِعِينَ وَسَائِر أَئِمَّة الْمُسلمين من أهل الْعلم وَالدّين بالعظائم الَّتِي يفتريها عَلَيْهِم هُوَ وإخوانه وَيَجِيء إِلَى من إشتهرت عِنْد الْمُسلمين محاربته لله وَرَسُوله يَقُول عَنهُ قَالَ شَيخنَا الْأَعْظَم وَيَقُول قدس الله روحه مَعَ شَهَادَته لَهُ بالْكفْر وَمَعَ لَعنه طَائِفَة خِيَار الْمُؤمنِينَ من الْأَوَّلين والآخرين وَهَؤُلَاء داخلون فِي معنى قَوْله تَعَالَى (وَيَقُولُونَ للَّذين كفرُوا هَؤُلَاءِ أهْدى من الَّذين آمنُوا سَبِيلا أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله وَمن يلعن الله فَلَنْ تَجِد لَهُ نَصِيرًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَيُقَال مباينتهم لجَمِيع الْمذَاهب هُوَ على فَسَاد قَوْلهم أدل مِنْهُ على صِحَة قَوْلهم فَإِن مُجَرّد إنفراد طَائِفَة عَن جَمِيع الطوائف بقول لَا يدل على أَنه هُوَ الصَّوَاب وإشتراك أُولَئِكَ فِي قَول لَا يدل على أَنه بَاطِل قَالَ الرافضي الثَّالِث أَن الإماميه جازمون بِحُصُول النجَاة لَهُم ولأئمتهم قاطعون بذلك وَأهل السّنة لَا يجزمون بذلك وَضرب لذَلِك مثلا ثمَّ قَالَ فمتابعة هَؤُلَاءِ أولى وَالْجَوَاب أَن يُقَال إِن كَانَ أَتبَاع أئمته الَّذين تَدعِي لَهُم طَاعَة الْمُطلقَة صَوَابا وَأَن ذَلِك يُوجب لَهُم النجَاة كَانَ أَتبَاع خلفاء بني أُميَّة الَّذين كَانُوا يوجبون طَاعَة أئمتهم مُطلقًا وَيَقُولُونَ إِن ذَلِك يُوجب النجَاة مصيبين لأَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن طَاعَة الْأَئِمَّة وَاجِبَة فِي كل شَيْء وان الإِمَام لَا يؤاخذه الله بذنب وَأَنَّهُمْ لَا ذَنْب لَهُم فِيمَا أطاعوا فِيهِ الإِمَام بل أُولَئِكَ أولى بِالْحجَّةِ من الشِّيعَة لأَنهم كَانُوا مُطِيعِينَ أَئِمَّة أقامهم الله ونصبهم وأيدهم وملكهم فَإِذا كَانَ من مَذْهَب الْقَدَرِيَّة إِن الله لايفعل إِلَّا مَا هُوَ الْأَصْلَح لِعِبَادِهِ كَانَ تَوْلِيَة أُولَئِكَ مصلحَة لِعِبَادِهِ وَمَعْلُوم أَن اللطف والمصلحة الَّتِي حصلت بهم أعظم من اللطف والمصلحة الَّتِي حصلت بِإِمَام مَعْدُوم أوعاجز وَلِهَذَا حصل لأتباع خلفاء بني أُمِّيّه من المصلحه فِي دينهم ودنياهم أعظم مِمَّا حصل لأتباع المنتظر فَإِن هَؤُلَاءِ لم يحصل لَهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 إِمَام يَأْمُرهُم بِشَيْء مَعْرُوف وَلَا ينهاهم عَن شَيْء من الْمُنكر وَلَا يعينهم على شَيْء من مصلحَة دينهم وَلَا دنياهم بِخِلَاف أُولَئِكَ فَإِنَّهُم إنتفعوا بأئمتهم مَنَافِع كَثِيرَة فِي دينهم ودنياهم أعظم مِمَّا انْتفع هَؤُلَاءِ بأئمتهم فنبين أَنه إِن كَانَ حجَّة هَؤُلَاءِ المنتسبين إِلَى مشايعة عَليّ رَضِي الله عَنهُ صَحِيحَة فحجة أُولَئِكَ المنتسبين إِلَى مشايعة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أولى بِالصِّحَّةِ وَإِن كَانَت بَاطِلَة فَهَذَا أبطل مِنْهَا فَإِذا كَانَ هَؤُلَاءِ الشِّيعَة متفقين مَعَ سَائِر أهل السّنة على أَن جزم أُولَئِكَ بنجاتهم إِذا إدعوا لتِلْك الْأَئِمَّة طَاعَة مُطلقَة خطأ وضلال فخطأ هَؤُلَاءِ وضلالهم إِذا جزموا بطاعتهم لمن يَدعِي أَنه نَائِب الْمَعْصُوم والمعصوم لَا عين لَهُ وَلَا أثر أعظم وَأعظم فَإِن الشِّيعَة لَيْسَ لَهُم أَئِمَّة يباشرونهم بِالْخِطَابِ إِلَّا شيوخهم (الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَالهم بِالْبَاطِلِ ويصدون عَن سَبِيل الله) وَيُقَال قَوْله إِنَّهُم جازمون بِحُصُول النجَاة لَهُم دون أهل السّنة فَإِنَّهُ إِن أَرَادَ بذلك أَن كل وَاحِد مِمَّن إعتقد إعتقادهم يدْخل الْجنَّة وَإِن ترك الْوَاجِبَات وَفعل الْمُحرمَات فَلَيْسَ هَذَا قَول الإمامية وَلَا يَقُوله عَاقل وَإِن أَرَادَ أَن حب عَليّ حَسَنَة لَا يضر مَعهَا سَيِّئَة فَلَا يضرّهُ ترك الصَّلَوَات وَلَا الْفُجُور بالعلويات وَلَا نيل أغراضهم بسفك دم بني هَاشم إِذا كَانَ يحب عليا فَإِن قَالُوا الْمحبَّة الصادقة تَسْتَلْزِم الْمُوَافقَة عَاد الْأَمر إِلَى أَنه لَا بُد من أَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات وَإِن أَرَادَ بذلك أَنهم يَعْتَقِدُونَ أَن كل من إعتقد الإعتقاد الصَّحِيح وَأدّى الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات دخل الْجنَّة فَهَذَا إعتقاد أهل السّنة فَإِنَّهُم جزموا بالنجاة لكل من اتَّقى الله تَعَالَى كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن وَإِنَّمَا توقفوا فِي شخص معِين لعدم الْعلم بِدُخُولِهِ فِي الْمُتَّقِينَ فَإِذا علم أَنه مَاتَ على التَّقْوَى علم أَنه من أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الْجنَّة وَلِهَذَا يشْهدُونَ بِالْجنَّةِ لمن شهد لَهُ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَهُم فِيمَن استفاض فِي النَّاس حسن الثَّنَاء عَلَيْهِ قَولَانِ فنبين أَنه لَيْسَ فِي الإمامية جزم مَحْمُود اختصوا بِهِ عَن أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَإِن قَالُوا إِنَّمَا نحزم لكل شخص رَأَيْنَاهُ مُلْتَزما للواجبات عندنَا تَارِكًا للمحرمات بِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة من غير أَن يخبرنا بباطنه مَعْصُوم قيل هَذِه الْمَسْأَلَة لَا تتَعَلَّق بالإمامية بل إِن كَانَ إِلَى هَذَا طَرِيق صَحِيح فَهُوَ طَرِيق أهل السّنة وهم بسلوكه أحذق وَإِن لم يكن هُنَاكَ طَرِيق صَحِيح إِلَى ذَلِك كَانَ ذَلِك قولا بِلَا علم وَلَا فَضِيلَة فِيهِ بل فِي عَدمه فَفِي الْجُمْلَة لَا يدعونَ علما صَحِيحا إِلَّا واهل السّنة أَحَق بِهِ وَمَا ادعوهُ من الْجَهْل فَهُوَ نقص وَأهل السّنة أبعد عَنهُ وَالْقَوْل بِكَوْن الرجل الْمعِين من أهل الْجنَّة قد يكون سَببه إِخْبَار الْمَعْصُوم وَقد يكون سَببه تواطؤ شَهَادَة الْمُؤمنِينَ الَّذين هم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض كَمَا فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مر عَلَيْهِ بِجنَازَة فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا فَقَالَ وَجَبت وَجَبت وَمر عَلَيْهِ بِجنَازَة فَأَثْنوا شرا فَقَالَ وَجَبت وَجَبت فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا قَوْلك وَجَبت وَجَبت قَالَ هَذِه الْجِنَازَة أثنيتم عَلَيْهَا خيرا فَقلت وَجَبت لَهَا الْجنَّة وَهَذِه الْجِنَازَة أثنيتم عَلَيْهَا شرا فَقلت وَجَبت لَهَا النَّار أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَإِن أهل السّنة يجزمون بِحُصُول النجَاة لأئمتهم أعظم من جزم الرافضة وَذَلِكَ أَن أئمتهم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم السَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وهم جازمون بِحُصُول النجَاة لهَؤُلَاء فَإِنَّهُم يشْهدُونَ أَن الْعشْرَة المبشرة فِي الْجنَّة وَيشْهدُونَ أَن الله تَعَالَى قَالَ لأهل بدر اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم بل يَقُولُونَ إِنَّه لَا يدْخل النَّار أحد بَايع تَحت الشَّجَرَة كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَؤُلَاءِ أَكثر من ألف وَأَرْبَعمِائَة إِمَام لأهل السّنة يشْهدُونَ أَنه لَا يدْخل النَّار مِنْهُم أحد وَهِي شَهَادَة بِعلم كَمَا دلّ على ذَلِك الْكتاب وَالسّنة وَأهل السّنة يشْهدُونَ بالنجاة إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا معينا شَهَادَة مستندة إِلَى علم وَأما الرافضة فَإِنَّهُم إِن شهدُوا شهدُوا بِمَا لَا يعلمُونَ وشهدوا بالزور الَّذِي يعلمُونَ أَنه كذب فهم كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى مَا رَأَيْت قوما اشْهَدْ بالزور من الرافضة وَإِن الإِمَام الَّذِي شهد لَهُ بالنجاة إِمَّا أَن يكون هُوَ المطاع فِي كل شَيْء وَإِن نازعه غَيره من الْمُؤمنِينَ أَو هُوَ مُطَاع فِيمَا يَأْمر بِهِ طَاعَة الله وَرَسُوله وَفِيمَا يَقُوله بإجتهاد إِذا لم يعلم أَن غَيره أولى مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَ الإِمَام هُوَ الأول فَلَا إِمَام لأهل السّنة بِهَذَا الإعتبار إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدهم من يجب أَن يطاع فِي كل شَيْء إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يَقُولُونَ كَمَا قَالَ مُجَاهِد وَالْحكم وَمَالك وَغَيرهم كل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيشْهدُونَ لإمامهم أَنه خير الْخَلَائق وَيشْهدُونَ بِأَن كل من ائتم بِهِ فَفعل مَا أَمر بِهِ وَترك مَا نهى عَنهُ دخل الْجنَّة وَهَذِه الشَّهَادَة بِهَذَا وَهَذَا هِيَ أتم من شَهَادَة الرافضة للعسكرين وأمثالهما بِأَن من أَطَاعَهُمَا دخل الْجنَّة فَثَبت أَن إِمَام أهل السّنة أكمل وشهاداتهم لَهُ إِذا أطاعوه أكمل وَلَا سَوَاء وَإِن أَرَادوا بِالْإِمَامِ الإِمَام الْمُقَيد فَذَاك لَا يُوجب أهل السّنة طَاعَته إِن لم يكن مَا أَمر بِهِ مُوَافقا لأمر الإِمَام الْمُطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم إِذا أطاعوه فِيمَا أَمر الله بِطَاعَتِهِ فِيهِ فَإِنَّمَا هم مطيعون لله وَرَسُوله فَلَا يضرهم توقفهم فِي الإِمَام الْمُقَيد هَل هُوَ فِي الْجنَّة أم لَا كَمَا لَا يضر أَتبَاع الْمَعْصُوم إِذا أطاعوا نوابه مَعَ أَن نوابه قد يكونُونَ من أهل النَّار لَا سِيمَا ونواب الْمَعْصُوم عِنْدهم لَا يعلمُونَ أَنهم يأمرون بِمَا يَأْمر بِهِ الْمَعْصُوم لعدم الْعلم بِمَا يَقُوله مَعْصُوم وَأما أَقْوَال الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ مَعْلُومَة فَمن أَمر بهَا فقد علم أَنه وافقها وَمن أَمر بِخِلَافِهَا علم أَنه خالفها وَمَا اخْتلف فِيهِ مِنْهَا فاجتهد فِيهِ نَائِبه فَهَذَا خير من طَاعَة نَائِب لمن يَدعِي لَهُ الْعِصْمَة وَلَا أحد يعلم بِشَيْء مِمَّا أَمر بِهِ هَذَا الْغَائِب المنتظر فضلا عَن الْعلم بِكَوْن نَائِبه مُوَافقا أَو مُخَالفا فَإِن ادعوا أَن النواب عاملون بِأَمْر من قبلهم فَعلم عُلَمَاء الْأمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتم وأكمل من علم هَؤُلَاءِ بقول من يدعونَ عصمته وَلَو طُولِبَ أحدهم بِنَقْل صَحِيح ثَابت بِمَا يَقُولُونَهُ عَن عَليّ أَو عَن غَيره لما وجدوا إِلَى ذَلِك سَبِيلا وَلَيْسَ لَهُم من الْإِسْنَاد وَالْعلم بِالرِّجَالِ الناقلين مالأهل السّنة قَالَ الرافضي الرَّابِع أَنهم أخذُوا مَذْهَبهم عَن المعصومين وَقد كَانَ كرم وَجهه يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ألف رَكْعَة مَعَ شدَّة إبتلائه بالحروب وَكَانَ زين العابدين وَكَانَ الباقر وَعدد لَهُم مَنَاقِب بَعْضهَا مَكْذُوب فَيُقَال لَا نسلم أَنكُمْ أَخَذْتُم مذهبكم عَن أهل الْبَيْت فأنكم تخالفون عليا وأئمة أهل بَيته فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع فَإِنَّهُم يثبتون الصِّفَات وَالْقدر وَخِلَافَة الثَّلَاثَة وفضلهم إِلَى غير ذَلِك وَلَيْسَ لكم أَسَانِيد مُتَّصِلَة حَتَّى نَنْظُر فِيهَا وَالْكذب فمتوفر عنْدكُمْ فَإِن ادعوا تَوَاتر نَص هَذَا على هَذَا وَنَصّ هَذَا على هَذَا كَانَ هَذَا مُعَارضا بِدَعْوَى غَيرهم مثل هَذَا التَّوَاتُر فَإِن سَائِر الْقَائِلين بِالنَّصِّ إِذا ادعوا مثل هَذِه الدَّعْوَى لم يكن بَين الدعويين فرق ثمَّ هم محتاجون فِي مَذْهَبهم إِلَى مقدمتين إِحْدَاهمَا عصمَة من يضيفون الْمَذْهَب إِلَيْهِ وَالثَّانِي ثُبُوت ذَلِك النَّقْل عَنهُ وَكِلَاهُمَا لَا دَلِيل لَهُم عَلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَقد ثَبت لعَلي وبنيه من المناقب مَا لم يذكرهُ المُصَنّف وَذكر أَشْيَاء كذبا وجهلا مثل قَوْله نزل فِي حَقهم (هَل أَتَى) وَهِي مَكِّيَّة بإتفاق وَعلي لم يدْخل بفاطمة إِلَّا بعد بدر وَولد لَهُ الْحسن فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وَالْحُسَيْن فِي السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة بعد نزُول (هَل أَتَى) بسنين كَثِيرَة فَقَوْل الْقَائِل إِنَّهَا نزلت فيهم من الْكَذِب الَّذِي لَا يخفى على من لَهُ علم بنزول الْقُرْآن واحوال هَذِه السَّادة الأخيار وَأما آيَة (وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا) فَلَيْسَ فِيهَا إِخْبَار بذهاب الرجس وبالطهارة بل فِيهَا الْأَمر لَهُم بِمَا يوجبهما وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى (مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم) (يُرِيد الله ليبين لكم وَيهْدِيكُمْ) (يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم) فالإرادة هُنَا متضمنة لِلْأَمْرِ والمحبة وَالرِّضَا لَيست هِيَ الملتزمة لوُقُوع المُرَاد وَلَو كَانَ كَذَلِك لتطهر كل من أَرَادَ الله طَهَارَته وَهَذَا على قَول شيعَة زَمَاننَا اوجه فَإِنَّهُم معتزلة يَقُولُونَ إِن الله يُرِيد مَالا يكون فَقَوله تَعَالَى (يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس) إِذا كَانَ بِفعل الْمَأْمُور وَترك الْمَحْظُور كَانَ ذَلِك مُتَعَلقا بإرادتهم وبأفعالهم فَإِن فعلوا مَا أمروا بِهِ طهروا وَمِمَّا يبين أَن ذَلِك مِمَّا أمروا بِهِ مِمَّا أخبر بِوُقُوعِهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدَار الكساء على عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَأذْهب عَنْهُم الرجس وطهركم تَطْهِيرا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة وَرَوَاهُ أهل السّنَن من حَدِيث أم سَلمَة وَفِيه دَلِيل على أَنه تَعَالَى قَادِرًا على إذهاب الرجس والتطهير وَأَنه خَالق أَفعَال الْعباد ردا على المعتزلي وَمَا يبين أَن الْآيَة متضمنة لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي قَوْله فِي سِيَاق الْكَلَام (يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة إِلَى قَوْله وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى وأقمن الصَّلَاة وآتين الزَّكَاة وأطعن الله وَرَسُوله إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت ويطهركهم نتطهيرا وَإِذ واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن) فَهَذَا السِّيَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 يدل على أَن ذَلِك أَمر وَنهي وَأَن الزَّوْجَات من أهل الْبَيْت فَإِن السِّيَاق إِنَّمَا هُوَ فِي مخاطبتهن وَيدل الضَّمِير الْمُذكر على أَنه عَم غير زَوْجَاته كعلي وَفَاطِمَة وابنيهما كَمَا أَن مَسْجِد قبا أسس على التَّقْوَى ومسجده أَيْضا أسس على التَّقْوَى وَهُوَ اكمل فِي ذَلِك فَلَمَّا نزلت (لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى) تنَاول اللَّفْظ مَسْجِد قبا ولمسجده بطرِيق الأولى وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنَّهُنَّ من أهل بَيته وَفِي الصَّحِيحَيْنِ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته وَأما إِيجَاب الْمَوَدَّة فَثَبت أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْآيَة فَقَالَ إِنَّه لم يكن بطن من قُرَيْش إِلَّا فِيهِ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم قرَابَة فَقَالَ تَعَالَى قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا أَن تودوني فِي الْقَرَابَة الَّتِي بيني وَبَيْنكُم وَيدل على ذَلِك أَنه لم يقل إِلَّا الْمَوَدَّة لذِي الْقُرْبَى بل قَالَ فِي الْقُرْبَى أَلا ترى أَنه لما أَرَادَ ذَوي قرَابَة قَالَ) {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} وَلَيْسَت موالاتنا لأهل الْبَيْت من أجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَيْء وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يسألنا أجرا وَإِنَّمَا اجره على الله تَعَالَى (قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر) ثمَّ إِن الْآيَة مَكِّيَّة وَلم يكن عَليّ تزوج بفاطمة بعد وَلَا ولد لَهما وَزعم أَن عليا كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ألف رَكْعَة وَلم يَصح ذَلِك وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يزِيد فِي اللَّيْل على ثَلَاث عشرَة رَكْعَة وَلَا يسْتَحبّ قيام كل اللَّيْل بل يكره قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ إِن لجسدك عَلَيْك حَقًا وَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة نَحْو أَرْبَعِينَ رَكْعَة وَعلي كَانَ أعلم بسننه وأتبع لهديه من أَن يُخَالِفهُ هَذِه الْمُخَالفَة لَو كَانَ ذَلِك مُمكنا فَكيف وَصَلَاة ألف رَكْعَة مَعَ الْقيام بِسَائِر الْوَاجِبَات غير مُمكن إِذْ عَلَيْهِ حُقُوق نَفسه من مصالحها ونومها واكلها وشربها وحاجتها ووضوئها ومباشرته أَهله وسراريه وَالنَّظَر لأولاده وَأَهله ورعيته مِمَّا يستوعب نصف الزَّمَان تَقْرِيبًا فالساعة الْوَاحِدَة لَا تتسع لثمانين رَكْعَة إِلَّا أَن تكون بِالْفَاتِحَةِ فَقَط وَبلا طمأنينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَعلي كرم الله وَجهه أجل من أَن يُصَلِّي صَلَاة الْمُنَافِقين الَّتِي هِيَ نقر وَلَا يذكر الله فِيهَا إِلَّا قَلِيلا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأما قَوْله وواخاه فموضوع فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يواخ أحدا وَلَا آخى بَين الْمُهَاجِرين بَعضهم من بعض بل مَعَ الْأَنْصَار وَأما قَوْله وَجعله الله نفس رَسُوله حَيْثُ قَالَ (وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ) فَهَذَا خطأ وَإِنَّمَا هَذَا مثل قَوْله (لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا) وَكَقَوْلِه تَعَالَى (فَاقْتُلُوا أَنفسكُم) (وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ) فَالْمُرَاد بالأنفس الإخوان نسبا أَو دينا وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للعلي أَنْت مني وَأَنا مِنْك وَقَالَ إِن الْأَشْعَرِيين إِذا أرملوا فِي الْغَزْو جمعُوا مَا كَانَ مَعَهم فِي ثوب ثمَّ قسموه بِالسَّوِيَّةِ فهم مني وَأَنا مِنْهُم وَقَالَ فِي جليبيب هَذَا مني وَأَنا مِنْهُ والخبران فِي الصَّحِيح وَأما تَزْوِيج عَليّ بفاطمة ففضيلة لَهُ وَكَذَلِكَ تَزْوِيج عُثْمَان بأختيها فَضِيلَة لَهُ وَكَذَلِكَ تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبنة أبي بكر وإبنة عمر فَضِيلَة لَهما فالخلفاء الْأَرْبَعَة أصهاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهُم أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 قَالَ وَله معجزات كَثِيرَة فَإِن عني الكرامات فعلي أفضل من كثير من ذَوي الكرامات ثمَّ قَالَ حَتَّى ادعِي قوم فِيهِ الربوبية وقتلهم قُلْنَا معجزات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم وَمَا ادعيت فِيهِ وَللَّه الْحَمد الربوبية ثمَّ مدعُو ربوبية عَليّ عدد يسير فحرقهم ومكفروه أُلُوف من الْخَوَارِج فَمَا فيهمَا خير والخوارج متقيدون بِالْإِسْلَامِ وَلَهُم تعبد وَالَّذين عبدوه زنادقة قَالَ وَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بيد الْحُسَيْن وَولده إِبْرَاهِيم على فخده فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله لم يكن ليجمع لَك بَينهمَا فاختر فَقَالَ إِذا مَاتَ الْحُسَيْن بَكَيْت أَنا وَعلي وَفَاطِمَة وَإِذا مَاتَ إِبْرَاهِيم بَكَيْت أَنا فأختار موت إِبْرَاهِيم فَمَاتَ بعد ثَلَاث قلت هَذَا لَا يعرف لَهُ إِسْنَاد وَهُوَ كذب رَكِيك من أَحَادِيث الْجُهَّال فَلَيْسَ فِي جمع الله بَين إِبْرَاهِيم وَالْحُسَيْن أعظم مِمَّا فِي جمعه بَين الْحسن وَالْحُسَيْن ثمَّ ذكر تَسْمِيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن الْحُسَيْن بزين العابدين قُلْنَا هَذَا لَا أصل لَهُ وَلَا رَوَاهُ عَالم وَأما ذكره أَبَا جَعْفَر وَأَنه أعلم أهل زَمَانه فَهَذِهِ دَعْوَى فالزهري كَانَ فِي عصره وَهُوَ أعلم عِنْد النَّاس مِنْهُ وَنقل تَسْمِيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه الباقر كذب وَكَذَلِكَ حَدِيث تَبْلِيغ جَابر لَهُ السَّلَام هُوَ من الموضوعات عِنْد أهل الحَدِيث ثمَّ قَالَ وجعفر بن مُحَمَّد نشر فقه الإمامية والمعارف والعقائد فها الْكَلَام يسْتَلْزم إِمَّا أَنه ابتدع مَا لم يُعلمهُ من قبله وَإِمَّا أَن يكون من قبله قصر بل الآفة وَقعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 من الْكَذَّابين على جَعْفَر ونسبوا إِلَيْهِ كتاب البطاقة وَكتاب الجفر وَكتاب الهفت واختلاج الْأَعْضَاء وَفِي النُّجُوم وَغير ذَلِك حَتَّى أَن قوما زَعَمُوا أَن رسائل إخْوَان الصَّفَا مَأْخُوذَة عَنهُ وَهِي معمولة بعده بِنَحْوِ مِائَتي سنة عِنْد ظُهُور دولة الباطنية الَّذين ملكوا مصر فأظهروا اتِّبَاع الشَّرِيعَة وَأَن لَهَا بَاطِنا مُخَالفا وباطن أَمرهم الفلسفة وعَلى هَذَا وضعت هَذِه الرسائل وَضعهَا جمَاعَة وَقد ذكرُوا فِيهَا مَا استولى عَلَيْهِ النَّصَارَى من الشَّام وَأما مُوسَى بن جَعْفَر فقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم ثِقَة إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقَالَ ابْن سعد لَيْسَ لَهُ كَبِير رِوَايَة وَأما من بعده فَلم يُؤْخَذ عَنْهُم من الْعلم مَا يذكر فِي أخبارهم وَلَا لَهُم فَتَاوَى بل لَهُم من الْفَضَائِل والمحاسن مَا هم لَهُ أهل وَذكر أَن بشرا الحافي تَابَ على يَد مُوسَى وَهَذَا من كذب من لم يعرف الْأُمُور فَإِن مُوسَى أقدمه الرشيد الْعرَاق وحبسه قَالَ وَكَانَ عَليّ بن مُوسَى أزهد النَّاس وأعلمهم فَيُقَال من المصائب الَّتِي ابتلى بهَا ولد الْحُسَيْن إنتحال الرافضة إيَّاهُم وتعظيمهم لَهُم وإطراؤهم بالدعاوي والغلو وَكَانَ عَليّ كَبِير الْقدر وَقد كَانَ فِي زَمَانه الشَّافِعِي وَغَيره مِمَّن هُوَ أعلم مِنْهُ ومعروف الْكَرْخِي وَأَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي مِمَّن هُوَ أزهد مِنْهُ وَقد وضعُوا عَلَيْهِ نسخا عَن آبَائِهِ ثمَّ قَالَ أَخذ عَنهُ فُقَهَاء الْجُمْهُور كثيرا فَهَذَا بهت مَا أَخذ عَنهُ إِلَّا آحَاد النَّاس كَأبي الصَّلْت الْهَرَوِيّ ثمَّ قَالَ فِي أثْنَاء كَلَامه إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فَاطِمَة أحصنت فرجهَا فَحرم الله ذريتها على النَّار وَهَذَا كذب واللاتي أحصن فروجهن لَا يحصيهن إِلَّا الله تَعَالَى وَمن ذريتهن الْبر والفاجر ففضل فَاطِمَة لَيْسَ بِمُجَرَّد إِحْصَان فرجهَا ثمَّ الرافضة تشهد على كثير من أَوْلَادهَا بالْكفْر والفسوق وهم أهل السّنة كَمَا رفضت الرافضة زيد بن عَليّ ونابذوه ثمَّ ذكر الْمهْدي وَأَنه مُحَمَّد المنتظر قُلْنَا ذكر ابْن جرير وَابْن قَانِع وَغَيرهمَا أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الْحسن بن عَليّ العسكري لم يعقب والإمامية تزْعم أَنه كَانَ لَهُ ولد دخل سرداب سامرا وَهُوَ صَغِير لَهُ سنتَانِ أَو ثَلَاث أَو خمس وَهَذَا لَو كَانَ مَوْجُودا مَعْلُوما لَكَانَ الْوَاجِب فِي حكم الله تَعَالَى أَن يكون فِي حضَانَة أمه وَنَحْوهَا من أهل الْحَضَانَة وَأَن يكون مَاله عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 من يحفظه فَكيف يكون من يسْتَحق الْحجر والحضانة مَعْصُوما إِمَامًا للْأمة ثمَّ هَذَا إِن قدر وجوده أَو عَدمه لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي دين وَلَا علم وَلَا دنيا وَلَا حصل بِهِ لطف وَلَا مصلحَة فَإِن قيل بِسَبَب ظلم النَّاس احتجب عَنْهُم قيل كَانَ الظُّلم فِي زمن آبَائِهِ وَمَا احتجبوا ثمَّ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ قد طبقوا الأَرْض فَهَلا إجتمع بهم فِي وَقت وَكَانَ يُمكنهُ أَن يأوي إِلَى بقْعَة فِيهَا شيعته فَمَا حصل بِهَذَا الْمَعْلُوم مصلحَة أصلا غير الإنتظار الطَّوِيل ودوام الْحَسْرَة والألم وَالدُّعَاء بالمستحيل لأَنهم يدعونَ لَهُ بِالْخرُوجِ والظهور من نَحْو أَرْبَعمِائَة وَخمسين سنة وَلَا يجابون ثمَّ ذكر حَدِيث ابْن عمر يخرج فِي آخر الزَّمَان رجل من وَلَدي الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قُلْنَا ذَا حجَّة عَلَيْكُم فَإِن لَفظه يواطيء إسمه إسمي وإسم أَبِيه إسم أبي يَعْنِي إسمه مُحَمَّد بن عبد الله لَا مُحَمَّد بن الْحسن ثمَّ قد رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه من ذُرِّيَّة الْحسن لَا الْحُسَيْن ثمَّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة المعصومون الَّذين بلغُوا الْغَايَة فِي الْكَمَال وَلم يتخذوا مَا اتَّخذهُ غَيرهم من الْأَئِمَّة المشتغلين بِالْملكِ وأنواع الْمعاصِي والملاهي وَشرب الْخُمُور والفجور قَالَت الإمامية فَالله يحكم بَيْننَا وَبَين هَؤُلَاءِ وَهُوَ خير الْحَاكِمين وَمَا أحسن قَول بعض النَّاس (إِذا شِئْت أَن ترضي لنَفسك مذهبا ... وَتعلم أَن النَّاس فِي نقل أَخْبَار) (فدع عَنْك قَول الشَّافِعِي وَمَالك ... وَأحمد والمروي عَن كَعْب أَحْبَار) (ووال أُنَاسًا قَوْلهم وحديثهم ... روى جدنا عَن جبرئيل عَن الْبَارِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وَالْجَوَاب من وُجُوه أَحدهَا أَن دَعْوَى الْعِصْمَة فِي هَؤُلَاءِ لم يذكر عَلَيْهَا حجَّة إِلَّا مَا ادَّعَاهُ من أَنه يجب على الله أَن يَجْعَل للنَّاس إِمَامًا مَعْصُوما ليَكُون لطفا ومصلحة فِي التَّكْلِيف وَقد تبين فَسَاد هَذِه الْحجَّة من وُجُوه أدناها أَن هَذَا أَي اللطف والمصلحة مَفْقُود لَا مَوْجُود فَإِنَّهُ لم يُوجد إِمَام مَعْصُوم حصل بِهِ لطف وَلَا مصلحَة وَلَو لم يكن فِي الدَّلِيل على إنتفاء ذَلِك إِلَّا المنتظر الَّذِي قد علم بِصَرِيح الْعقل أَنه لم ينْتَفع بِهِ أحد لَا فِي دين وَلَا دنيا وَلَا حصل لأحد من الْمُكَلّفين بِهِ مصلحَة وَلَا لطف لَكَانَ هَذَا دَلِيلا على بطلَان قَوْلهم فَكيف مَعَ كَثْرَة الدَّلَائِل على ذَلِك الثَّانِي أَن قَوْله كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ قد بلغ الْغَايَة فِي الْكَمَال هُوَ قَول مُجَرّد عَن الدَّلِيل وَالْقَوْل بِلَا علم يُمكن كل أحد أَن يُقَابله بِمثلِهِ وَإِذا ادّعى هَذَا الْكَمَال فِيمَن هُوَ أشهر فِي الْعلم وَالدّين من العسكريين وأمثالهما من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَسَائِر أَئِمَّة الْمُسلمين كَانَ ذَلِك أولى بِالْقبُولِ وَمن طالع أَخْبَار النَّاس علم أَن الْفَضَائِل العلمية والدينية المتواترة عَن غير وَاحِد من الْأَئِمَّة أَكثر مِمَّا ينْقل عَن العسكريين وأمثالهما من الصدْق الثَّالِث أَن قَوْله هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة إِن أَرَادَ بِهِ أَنهم كَانُوا ذَوي سُلْطَان وَقدره مَعَهم السَّيْف فَهَذَا كذب ظَاهر وهم لَا يدعونَ ذَلِك بل يَقُولُونَ إِنَّهُم عاجزون ممنوعون مغلوبون مَعَ الظَّالِمين لم يتَمَكَّن أحد مِنْهُم من الْإِمَامَة إِلَّا عَليّ بن أبي طَالب مَعَ أَن أمورا استصعبت عَلَيْهِ وَنصف الْأمة أَو أقل أَو أَكثر لم يبايعوه بل كثير مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 قَاتلُوهُ وَقَاتلهمْ وَكثير مِنْهُم لم يقاتلوه وَلم يقاتلوا مَعَه وَكَانَ فيهم من فضلاء الْمُسلمين من لم يكن مَعَ عَليّ بل الَّذين تخلفوا عَن الْقِتَال مَعَه وَله كَانُوا أفضل مِمَّن قَاتل مَعَه وَإِن أَرَادَ بِهِ أَنهم كَانَ لَهُم علم وَدين يسْتَحقُّونَ بِهِ أَن يَكُونُوا أَئِمَّة فَهَذِهِ الدَّعْوَى إِن صحت لَا توجب كَونهم أَئِمَّة يجب على النَّاس طاعتهم كَمَا أَن إستحقاق الرجل أَن يكون إِمَام مَسْجِد لَا يَجعله إِمَامًا وإستحقاقه أَن يكون قَاضِيا لَا يصيره قَاضِيا وإستحقاقه أَن يكون أَمِير حَرْب لَا يَجعله أَمِير حَرْب وَالصَّلَاة لَا تصح إِلَّا خلف من يكون إِمَامًا بِالْفِعْلِ لَا خلف من يَنْبَغِي أَن يكون إِمَامًا وَكَذَلِكَ الحكم بَين النَّاس إِنَّمَا يفصله ذُو سُلْطَان وقدرة لَا من يسْتَحق أَن يُولى الْقَضَاء وَكَذَلِكَ الْجند إِنَّمَا يُقَاتلُون مَعَ أَمِير عَلَيْهِم لَا مَعَ من لم يُؤمر وَإِن كَانَ يسْتَحق أَن يُؤمر وَفِي الْجُمْلَة الْفِعْل مَشْرُوط بِالْقُدْرَةِ وكل من لَيْسَ لَهُ قدرَة وسلطان على الْولَايَة والإمارة لم يكن إِمَامًا وَإِن كَانَ إستحق أَن يَجْعَل لَهُ قدرَة حَتَّى يتَمَكَّن فكونه يشرع أَن يُمكن أَو يجب أَن يُمكن لَيْسَ هُوَ نفس التَّمَكُّن وَالْإِمَام هُوَ المتمكن الْقَادِر وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ من هُوَ كَذَلِك إِلَّا عَليّ كَمَا تقدم الرَّابِع أَن يُقَال مَا تعنون بالإستحقاق أتعنون أَن الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ كَانَ يجب أَن يُولى الْإِمَامَة دون سَائِر قُرَيْش أم تُرِيدُونَ أَن الْوَاحِد مِنْهُم من جملَة من يصلح للخلافة فَإِن أردتم الأول فَهُوَ مَمْنُوع مَرْدُود وَإِن أردتم الثَّانِي فَذَلِك قدر مُشْتَرك بَينه وَبَين خلق كثير من قُرَيْش الْخَامِس أَن يُقَال الإِمَام هُوَ من يَقْتَدِي بِهِ وَذَلِكَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يرجع إِلَيْهِ فِي الْعلم وَالدّين بِحَيْثُ يطاع بإختيار الْمُطِيع لكَونه عَالما بِأَمْر الله عزوجل آمرا بِهِ فيطيعه الْمُطِيع لذَلِك وَإِن كَانَ عَاجِزا عَن إلزامهم الطَّاعَة وَالثَّانِي أَن يكون صَاحب يَد وَسيف بِحَيْثُ يطاع طَوْعًا وَكرها قَادِرًا على إِلْزَام الْمُطِيع بِالطَّاعَةِ وَقَوله تَعَالَى (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم) قد فسر أولو الْأَمر بذوي الْقُدْرَة كأمراء الْحَرْب وَفسّر بِأَهْل الْعلم وَالدّين وَكِلَاهُمَا حق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَهَذَانِ الوصفان كَانَا كَامِلين فِي الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فَإِنَّهُم كَانُوا كَامِلين فِي الْعلم وَالْعدْل والسياسة وَالسُّلْطَان وَإِن كَانَ بَعضهم أكمل فِي ذَلِك من بعض فَأَبُو بكر وَعمر أكمل فِي ذَلِك من عُثْمَان وَعلي وبعدهم لم يكمل أحد فِي هَذِه الْأُمُور إِلَّا عمر بن عبد الْعَزِيز بل قد يكون الرجل أكمل فِي الْعلم وَالدّين مِمَّن يكون لَهُ سُلْطَان وَقد يكون أكمل فِي السُّلْطَان مِمَّن هُوَ أعلم مِنْهُ وأدين وَهَؤُلَاء إِن أُرِيد بكونهم أَئِمَّة أَنهم ذَوُو سُلْطَان فَبَاطِل وهم لَا يَقُولُونَهُ وَإِن أُرِيد بذلك أَنهم أَئِمَّة فِي الْعلم وَالدّين يطاعون مَعَ عجزهم عَن إِلْزَام غَيرهم بِالطَّاعَةِ فَهَذَا قدر مُشْتَرك بَين كل من كَانَ متصفا بِهَذِهِ الصِّفَات ثمَّ إِمَّا أَن يُقَال قد كَانَ فِي أعصارهم من هُوَ أعلم مِنْهُم وأدين إِذْ الْعلم الْمَنْقُول عَن غَيرهم أَضْعَاف الْعلم الْمَنْقُول عَنْهُم وَظُهُور آثَار غَيرهم فِي الْأمة أعظم من ظُهُور آثَارهم فِي الْأمة والمتقدمون مِنْهُم كعلي بن الْحُسَيْن وَابْنه أبي جَعْفَر وَابْنه جَعْفَر بن مُحَمَّد قد أَخذ عَنْهُم من الْعلم قِطْعَة مَعْرُوفَة وَأخذ عَن غَيرهم أَكثر من ذَلِك بِكَثِير كثير وَأما من بعدهمْ فالعلم الْمَأْخُوذ عَنْهُم قَلِيل جدا وَلَا ذكر لأحد مِنْهُم فِي رجال أهل الْعلم الْمَشَاهِير بالرواية والْحَدِيث والفتيا وَلَا غَيرهم من الْمَشَاهِير بِالْعلمِ وَمَا يذكر لَهُم من المناقب والمحاسن فَمثله يُوجد لكثير غَيرهم من الْأمة وَأما أَن يُقَال أَنهم أفضل الْأمة فِي الْعلم وَالدّين فعلى التَّقْدِيرَيْنِ فإمامتهم على هَذَا الإعتبار لَا يُنَازع فِيهَا أهل السّنة فَإِنَّهُم متفقون على أَنه يؤتم بِكُل أحد فِيمَا يَأْمر بِهِ من طَاعَة الله وَيَدْعُو إِلَيْهِ من دين الله ويفعله مِمَّا يُحِبهُ الله فَمَا فعله هَؤُلَاءِ من الْخَيْر ودعوا إِلَيْهِ من الْخَيْر فَإِنَّهُم أَئِمَّة فِيهِ يَقْتَدِي بهم فِي ذَلِك قَالَ تَعَالَى (وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يوقنون) وَقد قَالَ تَعَالَى لإِبْرَاهِيم (إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا) وَلم يكن ذَلِك أَن جعله ذَا سيف يُقَاتل بِهِ جيمع النَّاس بل جعله بِحَيْثُ يجب على النَّاس أَتْبَاعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 سَوَاء أطاعوه أم عصوه فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي الدّين أُسْوَة أمثالهم فَأهل السّنة مقرون بإمامة هَؤُلَاءِ فِيمَا دلّت الشَّرِيعَة على الأئتمام بهم فِيهِ كَمَا أَن هَذَا الحكم ثَابت لأمثالهم مثل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب ومعاذ وَأبي الدَّرْدَاء وأمثالهم من السَّابِقين الْأَوَّلين وَمثل سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار وَعبيد الله بن عبد الله وَعُرْوَة بن الزبير وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد وَهَؤُلَاء فُقَهَاء الْمَدِينَة وَمثل عَلْقَمَة وَالْأسود بن زيد وَأُسَامَة وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمثل سَالم بن عبد الله ابْن عمر وَمثل هِشَام بن عُرْوَة وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَالزهْرِيّ وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأبي الزِّنَاد وَمثل مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم لَكِن الْمَنْقُول الثَّابِت عَن بعض هَؤُلَاءِ من الحَدِيث والفتيا قد يكون أَكثر من الْمَنْقُول الثَّابِت عَن الآخر فَتكون شهرته لِكَثْرَة علمه أَو لقُوَّة حجَّته أَو نَحْو ذَلِك وَإِلَّا فَلَا يَقُول أهل السّنة إِن يحيى بن سعيد وَهِشَام بن عُرْوَة وَأَبا الزِّنَاد أولى بالإتباع من جَعْفَر بن مُحَمَّد وَلَا يَقُولُونَ إِن الزُّهْرِيّ وَيحيى بن أبي كثير وَحَمَّاد بن أبي سَلمَة وَسليمَان بن يسَار وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر أولى بالإتباع من أَبِيه أبي جَعْفَر الباقر وَلَا يَقُولُونَ إِن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير وَسَالم بن عبد الله أولى بالإتباع من عَليّ بن الْحُسَيْن بل كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ ثِقَة فِيمَا يَنْقُلهُ مُصدق فِي ذَلِك وَمَا بَينه من دلَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْكتاب وَالسّنة على أَمر من الْأُمُور هُوَ من الْعلم الَّذِي يُسْتَفَاد مِنْهُ فَهُوَ مُصدق فِي الرِّوَايَة والإسناد وَإِذا أفتى بِفُتْيَا وعارضه غَيره رد مَا تنازعوا فِيهِ إِلَى الله وَرَسُوله كَمَا أَمر الله بذلك وَهَذَا حكم الله وَرَسُوله بَين هَؤُلَاءِ جَمِيعهم وَكَذَا كَانَ الْمُسلمُونَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعهد خلفائه الرَّاشِدين رَضِي الله عَنْهُم السَّادِس أَن يُقَال قَوْله لم يتخذوا مَا اتَّخذهُ غَيرهم من الْأَئِمَّة المشتغلين بِالْملكِ والمعاصي كَلَام بَاطِل وَذَلِكَ أَنه إِن أَرَادَ أَن أهل السّنة يَقُولُونَ إِنَّه يؤتم بهؤلاء الْمُلُوك فِيمَا يَفْعَلُونَهُ من مَعْصِيّة الله فَهَذَا كذب عَلَيْهِم فَإِن عُلَمَاء أهل السّنة المعروفين بِالْعلمِ عِنْد أهل السّنة متفقون على أَنه لَا يقْتَدى بِأحد فِي مَعْصِيّة الله وَلَا يتَّخذ إِمَامًا فِي ذَلِك وَإِن أَرَادَ أَن أهل السّنة يستعينون بهؤلاء الْمُلُوك فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي طَاعَة الله ويعاونونهم على مَا يَفْعَلُونَهُ من طَاعَة الله فَيُقَال لَهُ إِن كَانَ إتخاذهم أَئِمَّة بِهَذَا الإعتبار محذورا فالرافضة أَدخل مِنْهُم فِي ذَلِك فَإِنَّهُم دَائِما يستعينون بالكفار والفجار على مطالبهم ويعاونون الْكفَّار والفجار على كثير من مآربهم وَهَذَا أَمر مشهود فِي كل زمَان وَمَكَان وَلَو لم يكن إِلَّا صَاحب هَذَا الْكتاب منهاج الندامة وإخوانه فَإِنَّهُم يتخذون الْمغل وَالْكفَّار والفساق والجهال أَئِمَّة بِهَذَا الإعتبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 السَّابِع أَن يُقَال الْأَئِمَّة الَّذين هم مثل هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهم فِي كِتَابه وَادّعى عصمتهم لَيْسَ لَهُم سُلْطَان تحصل بِهِ مَقَاصِد الْإِمَامَة وَلَا يَكْفِي الإئتمام بهم فِي طَاعَة الله وَلَا فِي تَحْصِيل مَا لَا بُد مِنْهُ مِمَّا يعين على طَاعَة الله فَإِذا لم يكن لَهُم ملك وَلَا سُلْطَان لم يُمكن أَن تصلى خَلفهم جُمُعَة وَلَا جمَاعَة وَلَا يكونُونَ أَئِمَّة فِي الْجِهَاد وَلَا فِي الْحَج وَلَا تُقَام بهم الْحُدُود وَلَا تفصل بهم الْخُصُومَات وَلَا يَسْتَوْفِي الرجل بهم حُقُوقه الَّتِي عِنْد النَّاس وَالَّتِي فِي بَيت المَال وَلَا يُؤمن بهم السَّبِيل فَإِن هَذِه الْأُمُور كلهَا تحْتَاج إِلَى قَادر يقوم بهَا وَلَا يكون قَادِرًا إِلَّا من لَهُ أعوان على ذَلِك وَهَؤُلَاء لم يَكُونُوا قَادِرين على ذَلِك بل الْقَادِر على ذَلِك كَانَ غَيرهم فَمن طلب هَذِه الْأُمُور من إِمَام عَاجز كَانَ جَاهِلا ظَالِما وَمن اسْتَعَانَ عَلَيْهَا بِمن هُوَ قَادر عَلَيْهَا كَانَ مهتديا مُسَددًا فَهَذَا يحصل مصلحَة دينه ودنياه وَالْأول تفوته مصلحَة دينه ودنياه الثَّامِن أَن يُقَال دَعْوَى كَون جَمِيع الْخُلَفَاء كَانُوا مشتغلين بِمَا ذكره من الْخُمُور والفجور كذب عَلَيْهِم والحكايات المنقولة فِي ذَلِك فِيهَا مَا هُوَ كذب وَقد علم أَن فيهم الْعدْل والزاهد كعمر بن عبد الْعَزِيز والمهتدي بِاللَّه وَأَكْثَرهم لم يكن مظْهرا لهَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الْمُنْكَرَات من خلفاء بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس وَإِن كَانَ أحدهم قد يبتلى بِبَعْض الذُّنُوب وَقد يكون تَابَ مِنْهَا وَقد تكون لَهُ حَسَنَات كَثِيرَة تمحو تِلْكَ السَّيِّئَات وَقد يبتلى بمصائب تكفرها عَنهُ فَفِي الْجُمْلَة الْمُلُوك حسناتهم كَثِيرَة وسيئاتهم وَالْوَاحد من هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ لَهُ ذنُوب ومعاص لَا تكون لآحاد الْمُؤمنِينَ فَلهم من الْحَسَنَات مَا لَيْسَ لآحاد الْمُسلمين من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والهني عَن الْمُنكر وَإِقَامَة الْحُدُود وَجِهَاد الْعَدو وإيصال كثير من الْحُقُوق إِلَى مستحقيها وَمنع كثير من الظُّلم وَإِقَامَة كثير من الْعدْل وَنحن لَا نقُول إِنَّهُم كَانُوا سَالِمين من ذَلِك لَكِن نقُول وجود الظُّلم والمعاصي من بعض الْمُسلمين وُلَاة الْأُمُور وعامتهم لَا يمْنَع أَن يُشَارك فِيمَا يعمله من طَاعَة الله وَأهل السّنة لَا يأمرون بموافقة وُلَاة الْأُمُور إِلَّا فِي طَاعَة الله لَا فِي مَعْصِيَته وَلَا ضَرَر على من وَافق أحدا فِي طَاعَة الله إِذا إنفرد عَنهُ بِمَعْصِيَة لم يشركهُ فِيهَا كَمَا أَن الرجل إِذا حج مَعَ النَّاس فَوقف مَعَهم وَطَاف لم يضرّهُ كَون بعض الْحجَّاج لَهُ مظالم وذنوب ينْفَرد بهَا وَكَذَلِكَ إِذا شهد مَعَ النَّاس الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ومجالس الْعلم وغزا مَعَهم لم يضرّهُ كَون بعض المشاركين لَهُ فِي ذَلِك لَهُ ذنُوب يخْتَص بهَا فولاة الْأُمُور بِمَنْزِلَة غَيرهم يشاركون فِيمَا يَفْعَلُونَهُ من طَاعَة الله وَلَا يشاركون فِيمَا يَفْعَلُونَهُ من مَعْصِيّة الله وَهَذِه كَانَت سيرة أهل الْبَيْت مَعَ غَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فَمن اتبعهم فِي ذَلِك فَهُوَ الْمُقْتَدِي بهم دون من تَبرأ من السَّابِقين الْأَوَّلين وَجُمْهُور أهل الْعلم وَالدّين وَظَاهر على عداوتهم الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا يَفْعَله من الرافضة الضَّالّين التَّاسِع أَن يُقَال إِمَام قَادر يَنْتَظِم بِهِ أَمر النَّاس فِي أَكثر مصالحهم بِحَيْثُ يُؤمن بِهِ السَّبِيل ويقام بِهِ مَا يُقَام من الْحُدُود وَيدْفَع بِهِ مَا يدْفع من الظُّلم وَيحصل بِهِ مَا يحصل من جِهَاد الْعَدو ويستوفي بِهِ مَا يَسْتَوْفِي من الْحُقُوق خير من إِمَام مَعْدُوم لَا حَقِيقَة لَهُ والرافضة يدعونَ إِلَى إِمَام مَعْصُوم وَلَيْسَ عِنْدهم فِي الْبَاطِن إِلَّا إِمَام مَعْدُوم وَفِي الظَّاهِر إِمَام كفور أَو ظلوم فأئمة أهل السّنة وَلَو فرض مَا فرض فيهم من الظُّلم والذنُوب خير من الْأَئِمَّة الظاهرين الَّذين تعتمدهم الرافضة وَخير من إِمَام مَعْدُوم لَا حَقِيقَة لَهُ وَأما الْأَئِمَّة الْبَاقُونَ الَّذين كَانُوا موجودين فَأُولَئِك يأتم بهم أهل السّنة كَمَا يأتمون بأمثالهم فهم وأمثالهم أَئِمَّة وَمن أئتم بهؤلاء وأمثالهم من سَائِر الْمُسلمين كَانَ خيرا مِمَّن أئتم بهم وحدهم فَإِن الْعلم رِوَايَة ودراية كلما كثر فِيهِ الْعلمَاء وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ كَانَ أقوى وَأولى بالإتباع فَلَيْسَ عِنْد الشِّيعَة خير إِلَّا وَأهل السّنة يشركونهم فِيهِ وَالْخَيْر الَّذِي اخْتصَّ بِهِ أهل السّنة لَا يشركهم فِيهِ الشِّيعَة الْعَاشِر أَن يُقَال مَا ذكره هَذَا الإمامي يُمكن كل وَاحِد من أهل السّنة أَن يُعَارضهُ بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقَال عَن مثل سعيد بن الْمسيب وعلقمة وَالْأسود وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَمُحَمّد بن سِيرِين ومطرف بن الشخير وَمَكْحُول وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير وَسَالم بن عبد الله وَمَا شَاءَ الله من التَّابِعين وتابعيهم هَؤُلَاءِ أَئِمَّة فِيمَا يُمكن الأئتمام فِيهِ بهم من الدّين وَعلي بن الْحُسَيْن وَابْنه وجعفر بن مُحَمَّد وَغَيرهم هم أَيْضا أَئِمَّة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة بِهَذَا الإعتبار فَلم تأتم الشِّيعَة بِإِمَام ذِي علم وزهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 إِلَّا وَأهل السّنة يأتمون بِهِ وبجماعة آخَرين يشاركونهم فِي الْعلم والزهد بل هم أعلم مِنْهُ وأزهد وَمَا اتخذ أهل السّنة إِمَامًا من أهل الْمعاصِي إِلَّا وَقد اتَّخذت الشِّيعَة إِمَامًا من أهل الْمعاصِي شرا مِنْهُ فَأهل السّنة أولى بالأئتمام بأئمة الظُّلم فِي غير مَا هم ظَالِمُونَ فِيهِ فهم خير من الشِّيعَة فِي الطَّرفَيْنِ الْحَادِي عشر قَوْله قَالَت الإمامية فَالله يحكم بَيْننَا وَبَين هَؤُلَاءِ وَهُوَ خير الْحَاكِمين فَيُقَال للإمامية إِن الله حكم بَينهم فِي الدُّنْيَا بِمَا أظهره من الدَّلَائِل والبينات وَبِمَا يظْهر أهل الْحق عَلَيْكُم فهم ظاهرون عَلَيْكُم بِالْحجَّةِ وَالْبَيَان وباليد وَاللِّسَان كَمَا أظهر دين نبيه على سَائِر الْأَدْيَان قَالَ تَعَالَى (هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله) وَمن كَانَ دينه قَول أهل السّنة الَّذِي خالفتموهم فِيهِ فَإِنَّهُ ظَاهر عَلَيْكُم بِالْحجَّةِ وَاللِّسَان كظهور دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَائِر الْأَدْيَان وَلم يظْهر دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ على غَيره من الْأَدْيَان إِلَّا بِأَهْل السّنة كَمَا ظهر فِي خِلَافه أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم ظهورا لم يحصل لشَيْء من الْأَدْيَان وَعلي رَضِي الله عَنهُ مَعَ أَنه من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَمن سَادَات السَّابِقين الْأَوَّلين لم يظْهر فِي خِلَافَته دين الْإِسْلَام بل وَقعت الْفِتْنَة بَين أَهله وطمع فيهم عدوهم من الْكفَّار والنصاري وَالْمَجُوس بِالشَّام والمشرق وَأما بعد عَليّ فَلم يعرف أهل علم وَدين وَلَا أهل يَد وَسيف نصر الله بهم الْإِسْلَام إِلَّا أهل السّنة وَأما الرافضة فإمَّا أَن تعاون أَعدَاء الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَإِمَّا أَن تمسك عَن نصر الطَّائِفَتَيْنِ وَلَا ريب أَن الله تَعَالَى يحكم يَوْم الْقِيَامَة بَين السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَبَين من عاداهم من الْأَوَّلين والآخرين كَمَا يحكم بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار الثَّانِي عشر أَن يُقَال هَذَا التظلم مِمَّن هُوَ إِن قُلْتُمْ مِمَّن ظلم عليا كَأبي بكر وَعمر على زعمكم فَيُقَال لكم الْخصم فِي ذَلِك عَليّ وَقد مَاتَ كَمَا مَاتَ أَبُو بكر وَعمر وَهَذَا أَمر لَا يتَعَلَّق بِنَا وَلَا بكم إِلَّا بطرِيق بَيَان الْحق وموالاة أَهله وَنحن نبين بالحجج الباهرة أَن أَبَا بكر وَعمر أولى بِالْعَدْلِ من كل أحد سواهُمَا من هَذِه الْأمة وَأبْعد عَن الظُّلم من كل من سواهُمَا وَأَن عليا لم يكن يعْتَقد أَنه إِمَام الْأمة دونهمَا كَمَا نذْكر هَذَا فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله وَإِن قُلْتُمْ نتظلم من الْمُلُوك الَّذين منعُوا هَؤُلَاءِ حُقُوقهم من الْإِمَامَة فَهَذَا فرع على كَون هَؤُلَاءِ الإثني عشر كَانُوا يطْلبُونَ الْإِمَامَة أَو كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنهم أَئِمَّة الْأمة المعصومون وَهَذَا كذب على الْقَوْم وَسَوَاء كَانَ صدقا أَو كذبا فَالله يحكم بَين الطَّائِفَتَيْنِ إِن كَانُوا مختصمين (قل اللَّهُمَّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْت تحكم بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ( وَإِن كَانَ التظلم من بعض الْمُلُوك الَّذين بَينهم وَبَين هَؤُلَاءِ مُنَازعَة فِي ولَايَة أَو مَال فَلَا ريب أَن الله يحكم بَين الْجَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 كَمَا يحكم بَين سَائِر المختصمين فَإِن نفس الشِّيعَة بَينهم من المخاصمات أَكثر مِمَّا بَين سَائِر طوائف أهل السّنة وَبَنُو هَاشم قد جرى بَينهم نوع من الحروب وَجرى بَين بني حسن وَبني حُسَيْن من الحروب مَا يجْرِي بَين أمثالهم فِي هَذِه الْأَزْمَان والحروب فِي الْأَزْمَان الْمُتَأَخِّرَة بَين بعض بني هَاشم وَبَين غَيرهم من الطوائف أَكثر من الحروب الَّتِي كَانَت فِي أول الزَّمَان بَين بعض بني أُميَّة وَبَعض بني هَاشم لَا لشرف نسب أُولَئِكَ فَإِن نسب بني هَاشم أشرف لَكِن لِأَن خير الْقُرُون هُوَ الْقرن الَّذِي بعث فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ فالخير فِي تِلْكَ الْقُرُون أَكثر وَالشَّر فِيمَا بعْدهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أَكثر وَإِن كَانَ التظلم من أهل الْعلم وَالدّين الَّذين لم يظلموا أحدا وَلم يعاونوا ظَالِما وَلَكِن يذكرُونَ مَا يجب من القَوْل علما وَعَملا بالدلائل الكاشفة للحق فَلَا يشك من لَهُ أدنى عقل أَنه من شبه مثل مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث بن سعد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وأمثالهم بِمثل هِشَام بن الحكم وَهِشَام بن سَالم وأمثالهما من شُيُوخ الرافضة إِنَّه لمن أظلم الظَّالِمين وَكَذَلِكَ من شبه القدريين النغمى والكراجكي وأمثالهما بِمثل أبي عَليّ وَأبي هَاشم وَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار وَأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ إِنَّه لمن أظلم الظَّالِمين وَهَؤُلَاء شُيُوخ الْمُعْتَزلَة دع مُحَمَّد هيضم وَأَمْثَاله وَالْقَاضِي أَبَا بكر بن الطّيب وَأَمْثَاله من متكلمة أهل الْإِثْبَات دع أهل الْفِقْه والْحَدِيث والتصوف كَأبي حَامِد الإسفرايني وَأبي زيد الْمروزِي وَأبي عبد الله بن بطة وَأبي بكر عبد الْعَزِيز وَأبي بكر الرَّازِيّ وَأبي الْحسن الْقزْوِينِي وَأبي مُحَمَّد بن أبي زيد وَأبي بكر الْأَبْهَرِيّ وَأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ابْن مَنْدَه وَأبي الْحُسَيْن بن مَيْمُون وَأبي طَالب الْمَكِّيّ وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وأمثال هَؤُلَاءِ فَمَا من طَائِفَة من طوائف أهل السّنة على تنوعهم إِذا اعتبرتها إِلَّا وتحققتها أعلم وَأَعْدل وَأبْعد عَن الْجَهْل وَالظُّلم من طَائِفَة الروافض فَلَا يُوجد فِي أحد مِنْهُم معاونة ظَالِم إِلَّا وَهُوَ فِي الرافضة أَكثر وَلَا يُوجد فِي الشِّيعَة عدل عَن ظلم ظَالِم إِلَّا وَهُوَ فِي هَؤُلَاءِ أَكثر وَهَذَا أَمر يشْهد بِهِ العيان وَالسَّمَاع لمن لَهُ إعتبار وَنظر وَلَا يُوجد فِي جَمِيع الطوائف أكذب مِنْهُم وَلَا أظلم مِنْهُم وَلَا أَجْهَل مِنْهُم وشيوخهم يقرونَ بألسنتهم يَقُولُونَ يَا أهل السّنة أَنْتُم فِيكُم فتوة لَو قَدرنَا عَلَيْكُم مَا عاملناكم بِمَا تعاملونا بِهِ عِنْد الْقُدْرَة علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الثَّالِث عشر أَن يُقَال هَذَا الشّعْر الَّذِي اسْتشْهد بِهِ وَاسْتَحْسنهُ هُوَ قَول جَاهِل فَإِن أهل السّنة متفقون على مَا روى جدهم عَن جِبْرِيل عَن الْبَارِي بل هم يقبلُونَ مُجَرّد قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويؤمنون بِهِ وَلَا يسألونه من أَيْن علمت هَذَا لعلمهم بِأَنَّهُ مَعْصُوم (وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى) وَإِنَّمَا سموا أهل السّنة لأتباعهم سنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن الشَّأْن فِي معرفَة مَا رَوَاهُ جدهم فهم يطْلبُونَ ذَلِك من الثِّقَات الْأَثْبَات فَإِن كَانَ عِنْد العلويين علم شَيْء من ذَلِك إستفادوه مِنْهُم وَإِن كَانَ عِنْد غَيرهم علم شَيْء من ذَلِك إستفادوه مِنْهُ وَأما مُجَرّد كَون جدهم روى عَن جِبْرِيل عَن الْبَارِي إِذا لم يَكُونُوا عَالمين بِهِ فَمَا يصنع لَهُم وَالنَّاس لم يَأْخُذُوا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَغَيرهم إِلَّا لكَوْنهم يسندون أَقْوَالهم إِلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَؤُلَاءِ من أعلم النَّاس بِمَا جَاءَ بِهِ وأتبعهم لذَلِك وَأسد إجتهادا فِي معرفَة ذَلِك وَأَتْبَاعه وَإِلَّا فَأَي غَرَض للنَّاس فِي تَعْظِيم هَؤُلَاءِ وَعَامة الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا هَؤُلَاءِ يَرْوِيهَا أمثالهم وَكَذَلِكَ عَامَّة مَا يجيبون بِهِ من الْمسَائِل كَقَوْل أمثالهم وَلَا يَجْعَل أهل السّنة قَول وَاحِد من هَؤُلَاءِ مَعْصُوما يجب إتباعه بل إِذا تنازعوا فِي شَيْء ردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول وَاعْتبر ذَلِك بِمَا تشاهده فِي زَمَانك من أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث وَالْفِقْه فَإنَّك تَجِد كثيرا من بني هَاشم لَا يحفظ الْقُرْآن وَلَا يعرف من حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا شَاءَ الله وَلَا يعرف مَعَاني ذَلِك فَإِذا قَالَ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 روى جدنا عَن جبرئيل عَن الْبَارِي قيل نعم وَهَؤُلَاء أعلم مِنْكُم بِمَا روى جدكم عَن جِبْرَائِيل وَأَنْتُم ترجعون فِي ذَلِك إِلَيْهِم وَإِذا كَانَ كل من الْأَوَّلين والآخرين من بني هَاشم قد يتَعَلَّم بعض مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا كعلم أمثالهم فبمن يأتم النَّاس وَعَمن يَأْخُذُونَ أيأخذون عَمَّن يعرف مَا جَاءَ بِهِ جدهم أَو عَمَّن لَا يعرف ذَلِك وَالْعُلَمَاء هم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء فَإِن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا درهما وَلَا دِينَارا وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم فَمن أَخذه أَخذ بِخَط وافر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَإِن قَالَ مرادي بهؤلاء الْأَئِمَّة الإثنا عشر قيل لَهُ مَا رَوَاهُ عَليّ بن الْحُسَيْن وَأَبُو جَعْفَر وأمثالهما من حَدِيث جدهم فمقبول مِنْهُم كَمَا يرويهِ أمثالهم وَلَوْلَا أَن النَّاس وجدوا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَكثر مِمَّا وجدوه عِنْد مُوسَى بن جَعْفَر وَعلي بن مُوسَى وَمُحَمّد بن عَليّ لما عدلوا عَن هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ وَإِلَّا فَأَي غَرَض لأهل الْعلم وَالدّين أَن يعدلُوا عَن مُوسَى بن جَعْفَر إِلَى مَالك بن أنس وَكِلَاهُمَا من بلد وَاحِد فِي عصر وَاحِد وجدوا عِنْد مُوسَى بن جَعْفَر من علم الرَّسُول مَا وجدوه عِنْد مَالك مَعَ كَمَال رَغْبَة الْمُسلمين فِي معرفَة علم الرَّسُول وَنَفس بني هَاشم كَانُوا يستفيدون علم الرَّسُول من مَالك بن أنس أَكثر مِمَّا يستفيدونه من ابْن عمهم مُوسَى بن جَعْفَر ثمَّ الشَّافِعِي جَاءَ بعد مَالك وَقد خَالفه فِي أَشْيَاء وردهَا عَلَيْهِ حَتَّى وَقع بَينه وَبَين أَصْحَاب مَالك مَا وَقع وَهُوَ أقرب نسبا من بني هَاشم من مَالك وَمن أحرص النَّاس على مَا يستفيده من علم الرَّسُول من بني عَمه وَغير بني عَمه وَلَو وجد عِنْد أحد من بني هَاشم أعظم من الْعلم الَّذِي وجده عِنْد مَالك لَكَانَ أَشد النَّاس مسارعة إِلَى ذَلِك فَلَمَّا كَانَ يعْتَرف بِأَنَّهُ لم يَأْخُذ عَن أحد أعلم من مَالك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَكَانَت كتبه مشحونة بِالْأَخْذِ عَن هذَيْن الْإِثْنَيْنِ وَغَيرهمَا وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء عَن مُوسَى بن جَعْفَر وَأَمْثَاله من بني هَاشم علم أَن مَطْلُوبه من علم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْد مَالك أَكثر مِمَّا هُوَ عِنْد هَؤُلَاءِ وَكَذَلِكَ أَحْمد بن جنبل قد علم كَمَال محبته لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولحديثه ومعرفته بأقواله وأفعاله وموالاته لمن يُوَافقهُ ومعاداته لمن يُخَالِفهُ ومحبته لبني هَاشم وتصنيفه فِي فضائلهم حَتَّى صنف فَضَائِل عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن كَمَا صنف فَضَائِل الصَّحَابَة وَمَعَ هَذَا فَكَتبهُ مَمْلُوءَة عَن مثل مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد ووكيع بن الْجراح وَيحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ابْن سعيد الْقطَّان وهشيم بن بشير وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وأمثالهم دون مُوسَى بن جَعْفَر وَعلي بن مُوسَى وَمُحَمّد بن عَليّ وأمثالهم فَلَو وجد مَطْلُوبه عِنْد مثل هَؤُلَاءِ لَكَانَ أَشد النَّاس رَغْبَة فِي ذَلِك فَإِن زعم زاعم أَنه كَانَ عِنْدهم من الْعلم المخزون مَا لَيْسَ عِنْد أُولَئِكَ لَكِن كَانُوا يكتمونه فَأَي فَائِدَة للنَّاس من علم مَكْتُوم فَعلم لَا يُقَال بِهِ ككنز لَا ينْفق مِنْهُ فَكيف يأتم النَّاس بِمن لَا يبين لَهُم وَالْعلم المكتوم كَالْإِمَامِ الْمَعْدُوم وَكِلَاهُمَا لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يحصل بِهِ لطف وَلَا مصلحَة وَإِن قَالُوا بل كَانُوا يثبتون ذَلِك لخواصهم دون هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة قيل أَولا هَذَا كذب عَلَيْهِم فَإِن جَعْفَر بن مُحَمَّد لم يَجِيء بعده مثله وَقد أَخذ الْعلم عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة كمالك وَابْن عُيَيْنَة وَشعْبَة وَالثَّوْري وَابْن جريج وَيحيى بن سعيد وأمثالهم من الْعلمَاء والمشاهير الْأَعْيَان ثمَّ من ظن بهؤلاء السَّادة أَنهم يكتمون الْعلم عَن مثل هَؤُلَاءِ ويخصون بِهِ قوما مجهولين لَيْسَ لَهُم فِي الْأمة لِسَان صدق فقد أَسَاءَ الظَّن بهم فَإِن فِي هَؤُلَاءِ من الْمحبَّة لله وَلِرَسُولِهِ وَالطَّاعَة لَهُ وَالرَّغْبَة فِي حفظ دينه وتبليغه وموالاة من وَالَاهُ ومعاداة من عَادَاهُ وصيانته عَن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَالا يُوجد قريب مِنْهُ لأحد من شُيُوخ الشِّيعَة وَهَذَا أَمر مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ لمن عرف وَهَؤُلَاء هَؤُلَاءِ وَاعْتبر هَذَا مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 تَجدهُ فِي كل زمَان من شُيُوخ السّنة وشيوخ الرافضة كمصنف هَذَا الْكتاب فَإِنَّهُ عِنْد الإمامية أفضلهم فِي زَمَانه بل يَقُول بعض النَّاس لَيْسَ فِي بِلَاد الْمشرق أفضل مِنْهُ فِي جنس الْعُلُوم مُطلقًا وَمَعَ هَذَا فَكَلَامه يدل على أَنه من اجهل خلق الله تَعَالَى بِحَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وأقواله وأعماله فيروى الْكَذِب الَّذِي يظْهر أَنه كذب من وُجُوه كَثِيرَة فَإِن كَانَ عَالما بِأَنَّهُ كذب فقد ثَبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حدث عني بِحَدِيث وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَذَّابين وَإِن كَانَ جَاهِلا بذلك دلّ على أَنه من أَجْهَل النَّاس بأحوال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قيل (فَإِن كنت لَا تَدْرِي فَتلك مُصِيبَة ... وَإِن كنت تَدْرِي فالمصيبة أعظم) وَأما الأبيات الَّتِي أنشدها فقد قيل فِي معارضتها (إِذا شِئْت أَن ترْضى لنَفسك مذهبا ... تنَال بِهِ الزلفى وتنجو من النَّار) (فدن بِكِتَاب الله وَالسّنة الَّتِي ... أَنْت عَن رَسُول الله من نقل أخيار) (ودع عَنْك دَاعِي الرَّفْض والبدع الَّتِي ... يقودك داعيها إِلَى النَّار والعار) (وسر خلف أَصْحَاب الرَّسُول فَإِنَّهُم ... نُجُوم هدى فِي ضوئها يَهْتَدِي الساري) (وعج عَن طَرِيق الرَّفْض فَهُوَ مؤسس ... على الْكفْر تأسيسا على جرف هار) (هما خطتان إِمَّا هدى وسعادة ... وَإِمَّا شقاء مَعَ ضَلَالَة كفار) (فَأَي فريقينا أَحَق بأمنه ... وَأهْدى سَبِيلا عِنْدَمَا يحكم الْبَارِي) (أَمن سبّ أَصْحَاب الرَّسُول وَخَالف الْكتاب ... وَلم يعبأ بِثَابِت الْأَخْبَار) (أم الْمُقْتَدِي بِالْوَحْي يسْلك مَنْهَج الصَّحَابَة ... مَعَ حب الْقَرَابَة الْأَطْهَار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 إِلَى أَن قَالَ وَمنع أَبُو بكر فَاطِمَة إرثها والتجأ إِلَى رِوَايَة إنفرد بهَا وَكَانَ هُوَ الْغَرِيم لَهَا لِأَن الصَّدَقَة تحل لَهُ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة على مَا رَوَوْهُ عَنهُ وَالْقُرْآن يُخَالف ذَلِك لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ (يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم) وَهَذَا عَام وَكذب روايتهم فَقَالَ (وَورث سُلَيْمَان دَاوُد) وَقَالَ (فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي) وَالْجَوَاب عَن قَوْله رِوَايَة إنفرد بهَا بِأَنَّهُ كذب رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالْعَبَّاس وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم وأرضاهم أَجْمَعِينَ وَقَوله كَانَ الْغَرِيم لَهَا كذب فَإِن أَبَا بكر لم يدع التَّرِكَة لنَفسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَة لمستحقها وَأَيْضًا فتيقن الصَّحَابَة وأولهم عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُورث وَلِهَذَا لما ولي عَليّ الْخلَافَة لم يقسم تَرِكَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا غَيرهَا عَن مصرفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَعُمُوم آيَة الْمِيرَاث قد خص مِنْهُ هَذَا وَأَنه لَا يَرث الْكَافِر وَلَا الْقَاتِل عمدا وَلَا العَبْد وَغير ذَلِك ثمَّ إِن أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا قد أعطيا عليا وبنيه رَضِي الله عَنْهُم من المَال أَضْعَاف مَا خَلفه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا خَلفه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد سلمه عمر إِلَى عَليّ وَالْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم يليانه ويفعلان فِيهِ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله وَهَذَا مِمَّا يَنْفِي التُّهْمَة عَن أبي بكر وَعمر ثمَّ لَو قدر أَن أَبَا بكر وَعمر متغلبان موثبان على الْأَمر لكَانَتْ الْعَادة تقضي بِأَن لَا يزاحما الْوَرَثَة الْمُسْتَحقّين للولاية والتركة فِي ذَلِك المَال بل يعطيانهم ذَلِك وأضعافه ليكفوا عَن الْمُنَازعَة فِي الْولَايَة ثمَّ قَوْله تَعَالَى (وَورث سُلَيْمَان دَاوُد) لَا يدل إِذْ الْإِرْث اسْم جنس تَحْتَهُ أَنْوَاع وَالدَّال على مَا بِهِ الإشتراك لَا يدل على مَا بِهِ الإمتياز فَإِذا قيل هُنَا حَيَوَان لم يدل على إِنْسَان أَو فرس فَإِن لفظ الْإِرْث يسْتَعْمل فِي لفظ إِرْث الْعلم وَالْملك وَغير ذَلِك قَالَ تَعَالَى (ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا) وَقَالَ تَعَالَى (وَتلك الْجنَّة الَّتِي أورثتموها) (وأورثكم أَرضهم) (إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء) (وأورثنا الْقَوْم الَّذين كَانُوا يستضعفون) وَأخرج أَبُو دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا دِينَارا وَلَا ودرهما وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم ثمَّ يُقَال بل المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة لَا المَال إِذْ مَعْلُوم أَنه كَانَ لداود أَوْلَاد كَثِيرَة غير سُلَيْمَان فَلَا يخْتَص سُلَيْمَان بِمَالِه وَلَيْسَ فِي كَونه ورث مَاله صفة مدح لَهما فَإِن الْبر والفاجر يَرث أَبَاهُ وَالْآيَة سيقت فِي بَيَان مدح سُلَيْمَان وَمَا خص بِهِ وإرث المَال من الْأُمُور العادية الْمُشْتَركَة بَين النَّاس وَمثل ذَلِك لَا يقص علينا لعدم فَائِدَته وَكَذَلِكَ قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 (يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب) لِأَنَّهُ لَا يَرث من آل يَعْقُوب أَمْوَالهم إِنَّمَا يرثهم أَوْلَادهم وذريتهم ثمَّ زَكَرِيَّا لم يكن ذَا مَال إِنَّمَا كَانَ نجارا وَيحيى كَانَ من أزهد النَّاس قَالَ وَلما ذكرت أَن أَبَاهَا وَهبهَا فدك قَالَ هَاتِي شَاهدا فَجَاءَت بِأم أَيمن فَقَالَ امْرَأَة لَا يقبل قَوْلهَا وَقد رووا جَمِيعًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أم أَيمن امْرَأَة من أهل الْجنَّة فَجَاءَت بعلي فَشهد لَهَا فَقَالَ هَذَا بعلك يجره إِلَى نَفسه وَقد رووا جَمِيعًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَليّ مَعَ الْحق وَالْحق مَعَه يَدُور حَيْثُمَا دَار لن يفترقا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فَغضِبت فَاطِمَة وانصرفت وَحلفت أَن لَا تكَلمه حَتَّى تلقى أَبَاهَا وتشكو إِلَيْهِ وَقد رووا جَمِيعًا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا فَاطِمَة إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك وَرووا إِن فَاطِمَة بضعَة مني الحَدِيث وَلَو كَانَ حَدِيث لَا نورث صَحِيحا لما جَازَ لَهُ ترك البغلة الَّتِي خلفهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيفه وعمامته عِنْد عَليّ وَلما حكم لَهُ بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 إِذا ادَّعَاهَا الْعَبَّاس وَبعد ذَلِك جَاءَ مَال الْبَحْرين وَعِنْده جَابر فَأعْطَاهُ بقوله عدَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا بَيِّنَة وَالْجَوَاب أَن مَا هَذَا بِأول إفتراء الرافضة وَلَا بهتهم ثمَّ إِن فَاطِمَة إِن كَانَت طلبت فدك بِالْإِرْثِ بطلت الْهِبَة وَإِن كَانَت هبة بَطل الْإِرْث ثمَّ إِذا كَانَت هَذِه هبة فِي مرض الْمَوْت فَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منزه إِن كَانَ يُورث كَمَا يُورث غَيره أَن يُوصي لوَارث أَو يَخُصُّهُ فِي مرض مَوته بِأَكْثَرَ من حَقه وَإِن كَانَ فِي صِحَّته فَلَا بُد أَن تكون هَذِه هبة مَقْبُوضَة وَإِلَّا فَإِذا وهب الْوَاهِب بِكَلَام وَلم يقبض الْمَوْهُوب إِلَيْهِ شَيْئا حَتَّى مَاتَ كَانَ ذَلِك بَاطِلا عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء فَكيف يهب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدك لفاطمة وَلَا يكون ذَلِك أمرا مَشْهُورا عِنْد أهل بَيته وَالْمُسْلِمين حَتَّى تخْتَص بمعرفته أم أَيمن أَو عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا بل ذَلِك كذب على فَاطِمَة فِي إدعائها ذَلِك وَإِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُورث فالخصم فِي ذَلِك أَزوَاجه وَعَمه وَلَا تقبل عَلَيْهِم شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة وَلَا رجل وَاحِد بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإتفاق الْمُسلمين وَإِن كَانَ لَا يُورث فالخصم فِي ذَلِك الْمُسلمُونَ فَكَذَلِك لَا تقبل عَلَيْهِم شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة وَلَا رجل وَاحِد بإتفاق الْمُسلمين وَلَا رجل وَامْرَأَة نعم يحكم فِي مثل ذَلِك بِشَهَادَة وَيَمِين الطَّالِب عِنْد فُقَهَاء الْحجاز وفقهاء أهل الحَدِيث وَشَهَادَة الزَّوْج لزوجته فِيهَا قَولَانِ مشهوران أَن للْعُلَمَاء هما رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد إِحْدَاهمَا لَا تقبل وَهِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَاللَّيْث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم وَالثَّانيَِة تقبل وَهِي مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر وَابْن الْمُنْذر فعلى هَذَا لَو قدر صِحَة هَذِه الْقَضِيَّة لما جَازَ للْإِمَام أَن يحكم بِشَهَادَة رجل وَاحِد اَوْ امْرَأَة بالإتفاق لَا سِيمَا وَأَكْثَرهم لَا يجيزون شَهَادَة الزَّوْج وَقَوله وَقد رووا جَمِيعًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أم أَيمن امْرَأَة من أهل الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فَهَذَا إحتجاج جَاهِل يُرِيد أَن يحْتَج لنَفسِهِ فيحتج عَلَيْهَا فَإِن هَذَا القَوْل لَو قَالَه الْحجَّاج ابْن يُوسُف أَو الْمُخْتَار بن أبي عبيد وأمثالهما لَكَانَ قد قَالَ حَقًا فَإِن امْرَأَة وَاحِدَة لَا يقبل قَوْلهَا فِي الحكم بِالْمَالِ لمدع يُرِيد أَن يَأْخُذ مَا هُوَ فِي الظَّاهِر لغيره فَكيف إِذا حُكيَ مثل هَذَا عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَأما الحَدِيث الَّذِي ذكره وَزعم أَنهم رَوَوْهُ جَمِيعًا فَهَذَا الْخَبَر لَا يعرف فِي شَيْء من دواوين الْإِسْلَام وَلَا نَعْرِف عَالما من الْعلمَاء رَوَاهُ وَأما أَيمن هِيَ أم أُسَامَة بن زيد وَهِي حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي من الْمُهَاجِرَات وَلها حق حُرْمَة لَكِن الرِّوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تكون بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ وعَلى أهل الْعلم وَقَول الْقَائِل رووا جَمِيعًا لَا يكون إِلَّا فِي خبر متواتر فَمن يُنكر حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا يُورث وَقد رَوَاهُ أكَابِر الصَّحَابَة ثمَّ يَقُول إِنَّهُم جَمِيعًا رووا هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يكون من أَجْهَل النَّاس وأعظمهم جحدا للحق وَبِتَقْدِير أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أخبر أَنَّهَا من أهل الْجنَّة فَهُوَ كإخباره عَن غَيرهَا أَنه من أهل الْجنَّة وَقد أخبر عَن كل وَاحِد من الْعشْرَة أَنه فِي الْجنَّة وَقَالَ لَا يدْخل أحد النَّار مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة وَهَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيح ثَابت عَن أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَحَدِيث الشَّهَادَة لَهُم بِالْجنَّةِ رَوَاهُ أهل السّنَن من غير وَجه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسَعِيد بن زيد فَهَذِهِ الْأَحَادِيث هِيَ الْمَعْرُوفَة عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ ثمَّ هَؤُلَاءِ يكذبُون من علم أَن الرَّسُول شهد لَهُم بِالْجنَّةِ وَيُنْكِرُونَ عَلَيْهِم كَونهم لم يقبلُوا شَهَادَة امْرَأَة زَعَمُوا أَنه شهد لَهَا بِالْجنَّةِ فَهَل يكون أعظم من جهل هَؤُلَاءِ وعنادهم ثمَّ يُقَال كَون الرجل من أهل الْجنَّة لَا يُوجب قبُول شَهَادَته لجَوَاز أَن يغلط فِي الشَّهَادَة وَلِهَذَا لَو شهِدت خَدِيجَة وَفَاطِمَة وَعَائِشَة ونحوهن مِمَّن يعلم أَنَّهُنَّ من أهل الْجنَّة لكَانَتْ شَهَادَة إِحْدَاهُنَّ نصف شَهَادَة رجل كَمَا حكم بذلك الْقُرْآن كَمَا أَن مِيرَاث إِحْدَاهُنَّ نصف مِيرَاث رجل وديتها نصف دِيَة رجل وَهَذَا كُله بإتفاق الْمُسلمين فكون الْمَرْأَة من أهل الْجنَّة لَا يُوجب قبُول شهادتها لجَوَاز الْغَلَط عَلَيْهَا فَكيف وَقد يكون الْإِنْسَان مِمَّن يكذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَيَتُوب من الْكَذِب ثمَّ يدْخل الْجنَّة وَقَوله إِن عليا شهد لَهَا فَرد شَهَادَته لكَونه زَوجهَا فَهَذَا مَعَ كَونه كذبا لَو صَحَّ لم يقْدَح إِذْ كَانَت شَهَادَة الزَّوْج مَرْدُودَة عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَمن قبلهَا مِنْهُم لم يقبلهَا حتة يتم النّصاب إِمَّا بِرَجُل آخر أَو بإمرأة مَعَ امْرَأَة وَأما الحكم بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَة مَعَ عدم يَمِين الْمُدَّعِي فَهَذَا لَا يسوغ وَقَوله إِنَّهُم رووا جَمِيعًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَليّ مَعَ الْحق وَالْحق يَدُور مَعَه حَيْثُ دَار وَلنْ يفترقا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض من أعظم الْكَلَام كذبا وجهلا فَإِن هَذَا الحَدِيث لم يروه أحد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا بِإِسْنَاد صَحِيح وَلَا ضَعِيف فَكيف يُقَال أَنهم جَمِيعًا رووا هَذَا الحَدِيث وَهل يكون أكذب مِمَّن يرْوى عَن الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء أَنهم رووا حَدِيثا والْحَدِيث لَا يعرف عَن أحد مِنْهُم أصلا بل هَذَا من أظهر الْكَذِب وَلَو قيل رَوَاهُ بَعضهم وَكَانَ يُمكن صِحَّته لَكَانَ مُمكنا وَهُوَ كذب قطعا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وينزه عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أَولا فَلِأَن الْحَوْض إِنَّمَا يردهُ عَلَيْهِ أشخاص أما الْحق فَلَيْسَ من الْأَشْخَاص الَّذين يردون الْحَوْض وَالْحق الَّذِي يَدُور مَعَ الشَّخْص ويدور الشَّخْص مَعَه فَهُوَ صفة لذَلِك الشَّخْص لَا يتعداه وَأَيْضًا فَالْحق لَا يَدُور مَعَ شخص غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو دَار الْحق مَعَ عَليّ حَيْثُمَا دَار لوَجَبَ أَن يكون مَعْصُوما كالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم من جهلهم يدعونَ ذَلِك وَلَكِن من علم أَنه لم يكن بِأولى بالعصمة من أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَغَيرهم وَلَيْسَ فيهم من هُوَ مَعْصُوم علم كذبهمْ وفتاويه من جنس فتاو ي أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان لَيْسَ هُوَ أولى بِالصَّوَابِ مِنْهُم وَلَا فِي أَقْوَالهم من الْأَقْوَال المرجوحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 أَكثر مِمَّا قَالَه وَلَا كَانَ ثَنَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرضَاهُ عَنهُ بأعظم من ثنائه عَلَيْهِم ورضائه عَنْهُم بل لَو قَالَ الْقَائِل إِنَّه لَا يعرف من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عتب على عُثْمَان فِي شَيْء وَقد عتب على عَليّ فِي غير مَوضِع لما أبعد فَإِنَّهُ لما أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بنت أبي جهل واشتكته فَاطِمَة لأَبِيهَا وَقَالَت إِن النَّاس يَقُولُونَ إِنَّك لَا تغْضب لبناتك فَقَامَ خَطِيبًا وَقَالَ إِن بني هِشَام بن الْمُغيرَة استأذنوني أَن يزوجوا بنتهم عَليّ بن أبي طَالب وَإِنِّي لَا آذن ثمَّ لَا آذن ثمَّ لَا آذن إِلَّا أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب أَن يُطلق ابْنَتي ويتزوج ابنتهم فَإِنَّمَا فَاطِمَة بضعَة مني يريبني مَا رابها وَيُؤْذِينِي مَا آذاها ثمَّ ذكر صهرا لَهُ من بني عبد شمس فَقَالَ حَدثنِي فصدقني ووعدني فوفي لي وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرجَاهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الصَّحِيحَيْنِ وَكَذَلِكَ لما طرقه وَفَاطِمَة لَيْلًا فَقَالَ أَلا تصليان فَقَالَ لَهُ عَليّ إِنَّمَا أَنْفُسنَا بيد الله إِن شَاءَ أَن يبعثنا بعثنَا فَانْطَلق وَهُوَ يضْرب فَخذه وَيَقُول (وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا) وَأما الفتاوي قد أفتى أَن المتوفي عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل تَعْتَد أبعد الْأَجَليْنِ وَهَذِه الْفتيا كَانَ قد أفتى بهَا أَبُو السنابل بن بعكك على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كذب أَبُو السنابل وأمثال ذَلِك كَثِيرَة ثمَّ بِكُل حَال لَا يجوز أَن يحكم بِشَهَادَتِهِ وَحده كَمَا لَا يجوز لَهُ أَن يحكم لنَفسِهِ وَإِن مَا ذكره عَن فَاطِمَة أَمر لَا يَلِيق بهَا وَلَا يحْتَج بذلك إِلَّا رجل جَاهِل يحْسب أَنه يمدحها وَهُوَ يجرحها فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذكر مَا يُوجب الْغَضَب عَلَيْهِ إِذا لم يحكم لَو كَانَ ذَلِك صَحِيحا إِلَّا بِالْحَقِّ الَّذِي لَا يحل لمُسلم أَن يحكم بِخِلَافِهِ وَمن طلب أَن يحكم لَهُ بِغَيْر حكم الله وَرَسُوله فَامْتنعَ فَغَضب وَحلف أَن لَا يكلم الْحَاكِم وَلَا صَاحب الْحَاكِم لم يكن هَذَا مِمَّا يحمد عَلَيْهِ وَلَا مِمَّا يذم بِهِ الْحَاكِم بل هَذَا إِلَى أَن يكون جرحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أقرب مِنْهُ إِلَى أَن يكون مدحا وَنحن نعلم أَن مَا يحْكى عَن فَاطِمَة وَغَيرهَا من الصَّحَابَة من القوادح كثير مِنْهَا كذب وَبَعضهَا كَانُوا فِيهِ متأولين وَإِذا كَانَ بَعْضهَا ذَنبا فَلَيْسَ الْقَوْم معصومين بل هم مَعَ كَونهم أَوْلِيَاء الله من أهل الْجنَّة لَهُم ذنُوب يغفرها الله لَهُم وَكَذَلِكَ مَا ذكره من حَلفهَا أَنَّهَا لَا تكَلمه وَلَا صَاحبه حَتَّى تلقى أَبَاهَا وتشتكي إِلَيْهِ أَمر لَا يَلِيق أَن يذكر عَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فَإِن الشكوى إِنَّمَا تكون إِلَى الله تَعَالَى كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح (إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله) وَفِي دُعَاء مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ لَك الْحَمد وَإِلَيْك المشتكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإبن عَبَّاس إِذا سَأَلت فاسأل الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَلم يقل سلني واستعن بِي وَقد قَالَ تَعَالَى (فَإِذا فرغت فانصب وَإِلَى رَبك فارغب) وَمن الْمَعْلُوم أَن طَالبا إِذا طلب مَالا من ولي الْآمِر فَلم يُعْطه إِيَّاه لكَونه لَا يسْتَحقّهُ عِنْده وَهُوَ بِأَخْذِهِ لم يُعْطه لأحد من أَهله وَلَا أصدقائه بل أعطَاهُ لجَمِيع الْمُسلمين وَقيل إِن الطَّالِب غضب على الْحَاكِم كَانَ غَايَة ذَلِك أَنه غضب لكَونه لم يُعْطه مَالا وَقَالَ الْحَاكِم إِنَّه لغيرك لَا لَك فَأَي مدح للطَّالِب فِي هَذَا الْغَضَب وَلَو كَانَ مَظْلُوما مَحْضا لم يكن غَضَبه إِلَّا للدنيا وَكَيف والتهمة عِنْد الْحَاكِم الَّذِي لَا يَأْخُذ لنَفسِهِ أبعد من التُّهْمَة عِنْد الطَّالِب الَّذِي يُرِيد أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ فَكيف تحال التُّهْمَة على من لَا يَأْخُذ لنَفسِهِ مَالا وَلَا تحال على من يطْلب لنَفسِهِ المَال وَكَذَلِكَ الْحَاكِم يَقُول إِنَّمَا أمنع لله لِأَنِّي لَا يحل لي أَن آخذ المَال من مُسْتَحقّه فأدفعه إِلَى غير مُسْتَحقّه والطالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 يَقُول إِنَّمَا أغضب لحظ قَلِيل من المَال أَلَيْسَ من يذكر مثل هَذَا عَن فَاطِمَة ويجعله من مناقبها جَاهِلا اَوْ لَيْسَ الله قد ذمّ الْمُنَافِقين الَّذين قَالَ فيهم (وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله إِنَّا إِلَى الله راغبون) فَذكر قوما رَضوا أَن أعْطوا وغضبوا أَن لم يُعْطوا فذمهم بذلك فَمن مدح فَاطِمَة بِمَا فِيهِ شبه من هَؤُلَاءِ إفلا يكون قادحا فِيهَا فقاتل الله الرافضة وانتصف لأهل الْبَيْت مِنْهُم فَإِنَّهُم ألصقوا فيهم من الْعَيْب والشين مَا لَا يخفى على ذِي عين وَلَو قَالَ قَائِل فَاطِمَة لَا تطلب إِلَّا حَقّهَا لم يكن هَذَا بِأولى من قَول الْقَائِل أَبُو بكر لَا يمْنَع يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا حَقه فَكيف يمْنَع سيدة نسَاء الْعَالمين حَقّهَا فَإِن الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شهد لأبي بكر أَنه ينْفق مَاله لله فَكيف يمْنَع النَّاس أَمْوَالهم وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا قد طلبت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالا فَلم يُعْطهَا إِيَّاه كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي حَدِيث الْخَادِم لما ذهبت فَاطِمَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله خَادِمًا فَلم يُعْطهَا خَادِمًا وَعلمهَا التَّسْبِيح وَإِذا جَازَ أَن تطلب من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يمْنَعهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه وَلَا يجب أَن يُعْطِيهَا إِيَّاه جَازَ أَن تطلب ذَلِك من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلم أَنَّهَا لَيست معصومة أَن تطلب مَالا يجب إعطاؤها إِيَّاه وَإِذا لم يجب عَلَيْهِ الْإِعْطَاء لم يكن مذموما بترك مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَأَن كَانَ مُبَاحا أما إِذا قَدرنَا أَن الْإِعْطَاء لَيْسَ بمباح فَإِنَّهُ يسْتَحق أَن يحمد على الْمَنْع وَأما أَبُو بكر فَلم يعلم أَنه منع أحدا حَقه لَا فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بعد مَوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَكَذَلِكَ مَا ذكره من إيصائها أَن تدفن لَيْلًا وَلَا يصلى عَلَيْهَا أحد مِنْهُم لَا يحكيه عَن فَاطِمَة ويحتج بِهِ إِلَّا رجل جَاهِل يطْرق على فَاطِمَة مَا لَا يَلِيق بهَا وَهَذَا لَو صَحَّ لَكَانَ بالذنب المغفور أولى مِنْهُ بالسعي المشكور فَإِن صَلَاة الْمُسلم على غَيره زِيَادَة خير يصل إِلَيْهِ وَلَا يضر أفضل الْخلق أَن يصلى عَلَيْهِ شَرّ الْخلق وَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عَلَيْهِ الْأَبْرَار والفجار والمنافقون وَهَذَا إِن لم يَنْفَعهُ لم يضرّهُ وَهُوَ يعلم أَن فِي أمته منافقين وَلم ينْه أحدا من أمته عَن الصَّلَاة عَلَيْهِ بل قَالَ وَأمر النَّاس كلهم بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ مَعَ أَن فيهم الْمُؤمن وَالْمُنَافِق فَكيف يذكر فِي معرض الثَّنَاء عَلَيْهَا والإحتجاج لَهَا مثل هَذَا الَّذِي لَا يحكيه وَلَا يحْتَج بِهِ إِلَّا مفرط فِي الْجَهْل وَلَو أوصى موص بِأَن الْمُسلمين لَا يصلونَ عَلَيْهِ لم تنفذ وَصيته فَإِن صلَاتهم عَلَيْهِ خير لَهُ بِكُل حَال وَمن الْمَعْلُوم أَن إنْسَانا لَو ظلمه ظَالِم فأوصى بِأَن لَا يصلى عَلَيْهِ ذَلِك الظَّالِم لمن يكن هَذَا من الْحَسَنَات الَّتِي يحمد عَلَيْهَا وَلَا ذَلِك مِمَّا أَمر الله بِهِ رَسُوله فَمن يقْصد مدح فَاطِمَة وتعظيمها كَيفَ يذكر مثل هَذَا الَّذِي لَا مدح فِيهِ بل الْمَدْح فِي خِلَافه كَمَا دلّ على ذَلِك الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَأما قَوْله رووا جَمِيعًا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا فَاطِمَة إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك فَهَذَا كذب مِنْهُ مَا رووا هَذَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يعرف هَذَا فِي شَيْء من كتب الحَدِيث الْمَعْرُوفَة وَلَا الْإِسْنَاد مَعْرُوف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَحِيح وَلَا حسن وَنحن إِذا شَهِدنَا لفاطمة بِالْجنَّةِ وَبِأَن الله يرضى عَنْهَا فَنحْن لأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف بذلك نشْهد ونشهد بِأَن الله تَعَالَى أخبر بِرِضَاهُ عَنْهُم فِي غير مَوضِع كَقَوْلِه تَعَالَى (وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ) وَقَوله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 (لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة) وَقد ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَهُوَ عَنْهُم رَاض وَمن رَضِي الله عَنهُ وَرَسُوله لَا يضرّهُ غضب أحد من خلقه كَائِنا من كَانَ وَلِأَن من رَضِي الله عَنهُ يكون رِضَاهُ مُوَافقا لرضا الله فَهُوَ رَاض عَن الله بِحكم الله وَحكم الله مُوَافق لرضاه وَإِذا رَضوا بِحكمِهِ غضبوا لغضبه فَإِن من رَضِي بغضب غَيره لزم أَن يغْضب لغضبه فَإِن الْغَضَب إِذا كَانَ مرضيا لَك فعلت مَا هُوَ مرضِي لَك وَكَذَلِكَ الرب تَعَالَى وَله الْمثل الْأَعْلَى إِذا رَضِي عَنْهُم غضب لغضبهم إِذْ هُوَ رَاض بغضبهم وَأما قَوْله رووا جَمِيعًا أَن فَاطِمَة بضعَة مني من آذاها آذَانِي وَمن آذَانِي آذَى الله فَإِن هَذَا الحَدِيث لم يرو بِهَذَا اللَّفْظ بل رُوِيَ بِغَيْرِهِ كَمَا ذكر فِي حَدِيث خطْبَة عَليّ لإبنة أبي جهل لما قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَقَالَ إِن بني هِشَام بن الْمُغيرَة استأذنوني أَن ينكحوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب وَإِنِّي لَا آذن ثمَّ لَا آذن ثمَّ لَا آذن إِنَّمَا فَاطِمَة بضعَة مني يريبني مَا رابها وَيُؤْذِينِي مَا آذاها إِلَّا أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب أَن يُطلق ابْنَتي وينكح ابنتهم وَفِي رِوَايَة إِنِّي أَخَاف أَن تفتتن فِي دينهَا ثمَّ ذكر صهرا لَهُ من بني عبد شمس فَأثْنى عَلَيْهِ فِي مصاهرته إِيَّاه فَقَالَ حَدثنِي فصدقني ووعدني فوفى لي وَإِنِّي لست أحل حَرَامًا وَلَا أحرم حَلَالا وَلَكِن وَالله لَا تَجْتَمِع بنت رَسُول الله وَبنت عَدو الله عِنْد رجل وَاحِد أبدا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة عَليّ بن الْحُسَيْن زين العابدين والمسور بن مخرمَة فسبب الحَدِيث خطْبَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ لإبنة أبي جهل وَالسَّبَب دَاخل فِي اللَّفْظ قطعا إِذْ اللَّفْظ الْوَارِد على السَّبَب لَا يجوز إِخْرَاج سَببه بل السَّبَب يجب دُخُوله بالإتفاق وَقد قَالَ فِي الحَدِيث يريبني مَا رابها وَيُؤْذِينِي مَا آذاها وَمَعْلُوم قطعا أَن خطْبَة إبنة أبي جهل عَلَيْهَا رابها وآذاها وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رابه ذَلِك وآذاه فَإِن كَانَ هَذَا وعيدا لاحقا بفاعله لزم أَن يلْحق هَذَا الْوَعيد عَليّ بن أبي طَالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَإِن لم يكن وعيدا لاحقا بفاعله كَانَ أَبُو بكر أبعد عَن الْوَعيد من عَليّ وَإِن قيل إِن عليا تَابَ من تِلْكَ الْخطْبَة وَرجع عَنْهَا قيل فَهَذَا يَقْتَضِي أَنه غير مَعْصُوم وَإِذا جَازَ أَن من راب فَاطِمَة وآذاها يذهب ذَلِك بتوبته جَازَ أَن يذهب بِغَيْر ذَلِك من الْحَسَنَات الماحية فَإِن مَا هُوَ أعظم من ذَلِك الذَّنب تذْهب بِهِ الْحَسَنَات الماحية وَالتَّوْبَة والمصائب المكفرة وَذَلِكَ أَن هَذَا الذَّنب لَيْسَ من الْكفْر الَّذِي لَا يغفره الله إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ عَليّ وَالْعِيَاذ بِاللَّه قد ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعْلُوم أَن الله تَعَالَى نزه عليا من ذَلِك والخوارج الَّذين قَالُوا إِنَّه ارْتَدَّ بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَقُولُوا أَنه ارْتَدَّ فِي حَيَاته إِذْ من ارْتَدَّ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا بُد أَن يعود إِلَى الْإِسْلَام أَو يقْتله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا لم يَقع وَإِذا كَانَ هَذَا الذَّنب هُوَ مِمَّا دون الشّرك فقد قَالَ تَعَالَى (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء) وَإِن قَالُوا بجهلهم إِن هَذَا الذَّنب كفر ليكفروا بذلك أَبَا بكر لَزِمَهُم تَكْفِير عَليّ وَاللَّازِم بَاطِل فالملزوم مثله وهم دَائِما يعيبون أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان ويكفرونهم بِأُمُور قد صدر من عَليّ مَا هُوَ مثلهَا أَو أبعد عَن الْعذر مِنْهَا فَإِن كَانَ مأجورا أَو مَعْذُورًا فهم أولى بِالْأَجْرِ والعذر وَإِن قيل بإستلزام الْأَمر الأخف فسقا أَو كفرا كَانَ إستلزام الأغلظ لذَلِك أولى وَأَيْضًا فَيُقَال إِن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إِنَّمَا عظم أذاها لما فِي ذَلِك من أَذَى أَبِيهَا فَإِذا دَار الْأَمر بَين أَذَى أَبِيهَا وأذاها كَانَ الإحتراز عَن أَذَى أَبِيهَا أوجب وَهَذَا حَال أبي بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا إحترزا أَن يؤذيا أَبَاهَا أَو يريباه بِشَيْء فَإِنَّهُ عهد عهدا وَأمر أمرا فخافا إِن غيرا عَهده وَأمره أَن يغْضب لمُخَالفَة أمره وَعَهده ويتأذى بذلك وكل عَاقل يعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حكم بِحكم وَطلبت فَاطِمَة أَو غَيرهَا مَا يُخَالف ذَلِك الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 كَانَ مُرَاعَاة حكم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى فَإِن طَاعَته وَاجِبَة ومعصيته مُحرمَة وَمن تأذى لطاعته كَانَ مخطئا لتأذيه بذلك وَكَانَ الْمُوَافق لطاعته مصيبا فِي طَاعَته وَهَذَا بِخِلَاف من آذاها لغَرَض بِعَيْنِه لَا لأجل طَاعَة الله وَرَسُوله وَمن تدبر حَال أبي بكر فِي رعايته لأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه إِنَّمَا قصد طَاعَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا لأمر آخر علم أَن حَاله أكمل وَأفضل وَأَعْلَى من حَال عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَكِلَاهُمَا سيد كَبِير من أكَابِر أَوْلِيَاء الله الْمُتَّقِينَ وحزب الله المفلحين وَعباد الله الصَّالِحين وَمن السَّابِقين الْأَوَّلين وَمن أكَابِر المقربين الَّذين يشربون بالتسنيم وَلِهَذَا كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَقُول وَالله لقرابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ من أَن أصل قَرَابَتي وَقَالَ ارقبوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أهل بَيته رَوَاهُ البُخَارِيّ عَنهُ لَكِن الْمَقْصُود أَنه لَو قدر أَن أَبَا بكر آذاها فَلم يؤذها لغَرَض نَفسه بل ليطيع الله وَرَسُوله ويوصل الْحق إِلَى مُسْتَحقّه وَعلي رَضِي الله عَنهُ كَانَ قَصده أَن يتَزَوَّج عَلَيْهَا فَلهُ فِي أذاها غَرَض بِخِلَاف أبي بكر فَعلم أَن أَبَا بكر كَانَ أبعد أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 يذم بأذاها من عَليّ وَأَنه إِنَّمَا قصد طَاعَة الله وَرَسُوله بِمَا لَا حَظّ لَهُ فِيهِ بِخِلَاف عَليّ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ حَظّ فِيمَا رابها بِهِ وَأَبُو بكر كَانَ من جنس من هَاجر إِلَى الله وَرَسُوله وَهَذَا لَا يشبه من كَانَ مَقْصُوده امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْذِيه مَا يُؤْذِي فَاطِمَة إِذا لم يُعَارض ذَلِك أَمر الله تَعَالَى فَإِذا أَمر الله تَعَالَى بِشَيْء فعله وَإِن تأذى من تأذى من أَهله وَغَيرهم فَهُوَ فِي حَال طَاعَة الله يُؤْذِي مَا يُعَارض طَاعَة الله وَرَسُوله وَهَذَا الْإِطْلَاق كَقَوْلِه من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله وَمن أطَاع أَمِيري فقد أَطَاعَنِي وَمن عَصَانِي فقد عصى الله وَمن عصى أَمِيري فقد عَصَانِي ثمَّ قد بَين ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الطَّاعَة الأولى فِي الْمَعْرُوف فَقَوله من آذاها فقد آذَانِي يحمل على الآذى فِي الْمَعْرُوف بطرِيق الأولى وَالْأُخْرَى لِأَن طَاعَة أمرأئه فرض وضدها مَعْصِيّة كَبِيرَة وَأما فعل مَا يُؤْذِي فَاطِمَة فَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَة مَعْصِيّة أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَّا لزم أَن يكون عَليّ فعل مَا هُوَ من مَعْصِيّة الله وَرَسُوله فَإِن مَعْصِيّة أمرائه مَعْصِيَته ومعصيته مَعْصِيّة الله أما قَوْله لَو كَانَ هَذَا الْخَبَر صَحِيحا لما جَازَ لَهُ أَن يتْرك البغلة وَالسيف والعمامة عِنْد عَليّ حِين حكم لَهُ بهَا لما إدعاها الْعَبَّاس فَيُقَال وَمن نقل أَن أَبَا بكر وَعمر حكما بذلك لأحد أَو تركا ذَلِك عِنْد أحد على أَن يكون ملكا لَهُ فَهَذَا من أبين الْكَذِب عَلَيْهِمَا بل غَايَة هَذَا أَن يتْرك عِنْد من ترك عِنْده كَمَا تركا صدقته عِنْد عَليّ وَالْعَبَّاس ليصرفاها فِي مصارفها الشَّرْعِيَّة وَأما قَوْله ولكان أهل الْبَيْت الَّذين طهرهم الله فِي كِتَابه مرتكبين مَا لَا يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 فَيُقَال لَهُ أَولا إِن الله تَعَالَى لم يخبر أَنه طهر جَمِيع أهل الْبَيْت وإذهب عَنْهُم الرجس فَإِن هَذَا كذب على الله كَيفَ وَنحن نعلم أَن من بني هَاشم من لَيْسَ بمطهر من الذُّنُوب وَلَا أذهب عَنْهُم الرجس لَا سِيمَا عِنْد الرافضة لِأَن عِنْدهم كل من كَانَ من بني هَاشم يحب أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُم لَيْسَ بمطهر وَلِأَن إِنَّمَا قَالَ فِيهَا (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت) وَقد تقدم أَن هَذَا مثل قَوْله (مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وَيتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون) وَقَوله (يُرِيد الله ليبين لكم وَيهْدِيكُمْ سنَن الَّذين من قبلكُمْ وَيَتُوب عَلَيْكُم) وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ أَن الله يحب ذَلِك لكم ويرضاه لكم ويأمركم بِهِ فَمن فعله حصل لَهُ هَذَا المُرَاد المحبوب وَمن لم يَفْعَله لم يحصل لَهُ ذَلِك وَقد بسط هَذَا فِي غير الْموضع وَبَين أَن هَذَا ألزم لهَؤُلَاء الرافضة الْقَدَرِيَّة فَإِن عِنْدهم أَن إرداة الله بِمَعْنى أمره لَا بِمَعْنى أَنه يفعل مَا أَرَادَ فَلَا يلْزم إِذا أَرَادَ الله تَطْهِير أحد أَن يكون ذَلِك قد تطهر وَلَا يجوز عِنْدهم أَن يطهر أحد أحدا بل من أَرَادَ الله تَطْهِيره فَإِن شَاءَ طهر نَفسه وَإِن شَاءَ لم يطهرها وَلَا يقدر الله عِنْدهم على تَطْهِير أحد وَأما قَوْله إِن الصَّدَقَة مُحرمَة عَلَيْهِم فَيُقَال لَهُ أَولا الْمحرم عَلَيْهِم صَدَقَة الْفَرْض وَأما صَدَقَة التَّطَوُّع فقد كَانُوا يشربون من الْمِيَاه المسبلة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَيَقُولُونَ إِنَّمَا حرم علينا الْفَرْض وَلم يحرم علينا التَّطَوُّع وَإِذا جَازَ أَن ينتفعوا بصدقات الْأَجَانِب الَّتِي هِيَ تطوع فإنتفاعهم بِصَدقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى وَأَحْرَى فَإِن هَذِه الْأَمْوَال لم تكن زَكَاة مَفْرُوضَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أوساخ النَّاس الَّتِي حرمت عَلَيْهِم وَإِنَّمَا هِيَ من الْفَيْء الَّذِي أفاءه الله على رَسُوله والفيء لَهُم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل مَا جعله الله لَهُ من الْفَيْء صَدَقَة وغايته أَن يكون ملكا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدق بِهِ على الْمُسلمين وَأهل بَيته أَحَق بِصَدَقَتِهِ فَإِن الصَّدَقَة على الْمُسلمين صَدَقَة وَالصَّدَََقَة على الْقَرَابَة صَدَقَة وصلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وَأما معارضته لحَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ فَيُقَال جَابر لم يدع حَقًا لغير ينتزع من ذَلِك الْغَيْر وَيجْعَل لَهُ وَإِنَّمَا طلب شَيْئا من بَيت المَال يجوز للْإِمَام أَن يُعْطِيهِ إِيَّاه وَلَو لم يعده بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا وعده بِهِ كَانَ أولى بِالْجَوَازِ فَلهَذَا لم يفْتَقر إِلَى بَيته وَلِهَذَا كَانَ أَبُو بكر وَعمر يعطيان عليا وَالْعَبَّاس وَبني هَاشم كَمَا أعطي جَابِرا من بَيت المَال قَالَ الرافضي وسموه خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي حَيَاته وَلَا بعد وَفَاته وَلم يسموا عليا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَنه إستخلفه على الْمَدِينَة وَقَالَ لَهُ إِن الْمَدِينَة لَا تصلح إِلَّا بِي أَو بك وَأمر أُسَامَة على جَيش فِيهِ أَبُو بكر وَعمر وَلم يعزله وَلم يسموه خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما تولى أَبُو بكر غضب أُسَامَة وَقَالَ إِنِّي أمرت عَلَيْك فَمن إستخلفك عَليّ فَمشى إِلَيْهِ هُوَ وَعمر حَتَّى إسترضياه وَالْجَوَاب أَن الْخَلِيفَة مَعْنَاهُ الَّذِي يخلف غَيره كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَو أَن يكون من إستخلفه غَيره كَقَوْل الشِّيعَة وَبَعض الظَّاهِرِيَّة فعلى الأول أَبُو بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه بعد مَوته وَقَامَ مقَامه وَكَانَ أَحَق بهَا وَأَهْلهَا فَكَانَ هُوَ الْخَلِيفَة دون غَيره ضَرُورَة فَإِن الشِّيعَة وَغَيرهم لَا ينازعون فِي أَنه هُوَ صَار ولي الْأَمر بعده وَصَارَ خَليفَة لَهُ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمين وَيُقِيم فيهم الْحُدُود وَيقسم عَلَيْهِم الْفَيْء ويغزو بهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ويولي عَلَيْهِم الْعمَّال والأمراء وَغير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي يَفْعَلهَا وُلَاة الْأُمُور فَهَذِهِ بإتفاق إِنَّمَا بَاشَرَهَا بعد مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر فَكَانَ هُوَ الْخَلِيفَة للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا قطعا وعَلى الثَّانِي إِن بعض أهل السّنة يَقُولُونَ إستخلفه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَصّ جلي أَو خَفِي وَدَعوى أُولَئِكَ للنَّص الْجَلِيّ أَو الْخَفي على أبي بكر أقوى وَأظْهر بِكَثِير من دَعْوَى الشِّيعَة للنَّص على عَليّ لِكَثْرَة النُّصُوص الثَّابِتَة الدَّالَّة على خلَافَة أبي بكر وَإِن عليا لم يدل على خِلَافَته إِلَّا مَا يعلم أَنه كذب أَو يعلم أَنه لَا دلَالَة فِيهِ وعَلى هَذَا التَّقْدِير فَلم يسْتَخْلف بعد مَوته أحدا إِلَّا أَبَا بكر فَلهَذَا كَانَ هُوَ الْخَلِيفَة فَإِن الْخَلِيفَة الْمُطلق هُوَ من خَلفه بعد مَوته أَو إستخلفه بعد مَوته وَهَذَانِ الوصفان لم يثبتا إِلَّا لأبي بكر فَلهَذَا كَانَ الْخَلِيفَة وَأما إستخلافه عليا على الْمَدِينَة فَلَيْسَ خَاصّا بِهِ فقد إستخلف عَلَيْهَا ابْن أم مَكْتُوم وَعُثْمَان بن عَفَّان وَأَبا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر وَهَذَا لَيْسَ هُوَ إستخلافا مُطلقًا وَلِهَذَا لم يقل فِي أحد من هَؤُلَاءِ إِنَّه خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَعَ التَّقْيِيد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 إِنَّمَا شبه عليا بهَارُون فِي أصل الإستخلاف لَا فِي كَمَاله وَإِلَّا فإستخلاف مُوسَى لهارون كَانَ على بني إِسْرَائِيل إِذْ ذهب إِلَى الْمُنَاجَاة بِخِلَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَالب النَّاس وَأما قَوْله إِن الْمَدِينَة لَا تصلح إِلَّا بِي أَو بك فَهَذَا كذب مَوْضُوع فقد كَانَ عَليّ مَعَه فِي بدر وخيبر وحنين وَغير ذَلِك وَاسْتعْمل غَيره عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَلم يكن أَبُو بكر فِي جَيش أُسَامَة بل كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إستخلفه فِي الصَّلَاة من أول مَرضه وامراء السَّرَايَا كأسامة وَغَيره لم يسموا خلفاء لأَنهم لَا خلفوا الرَّسُول بعد مَوته وَلَا خلفوه فِي كل شَيْء فِي حَيَاته وَأما غضب أُسَامَة فكذب بَارِد لِأَن أُسَامَة كَانَ أبعد شَيْء عَن الْفرْقَة وَالْخلاف وَقد اعتزل الْقِتَال مَعَ عَليّ وَمَعَ مُعَاوِيَة ثمَّ لم يكن قرشيا وَلَا مِمَّن يصلح للخلافة بِوَجْه ثمَّ لَو قدر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره على أبي بكر ثمَّ مَاتَ واستخلف أَبُو بكر فَإلَى الْخَلِيفَة إِنْفَاذ الْجَيْش وحبسه وتأمير أُسَامَة وعزله وَهَذَا لَا يُنكره إِلَّا جَاهِل وَالْعجب من هَؤُلَاءِ المفترين وَمن قَوْلهم إِن أَبَا بكر وَعمر مشيا إِلَيْهِ واسترضياه مَعَ قَوْلهم إنَّهُمَا قهرا عليا وَالْعَبَّاس وَبني هَاشم وَبني عبد منَاف وَلم يسترضوهم وَأي حَاجَة بِمن قهروا أَشْرَاف قُرَيْش أَن يسترضوا ضَعِيفا ابْن تسع عشرَة سنة لَا مَال لَهُ وَلَا رجال فَإِن قَالُوا إسترضياه لحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه وتوليته لَهُ قيل فَأنْتم تدعون أَنَّهُمَا بَدَلا عَهده ووصيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قَالَ وَسموا عمر الْفَارُوق وَلم يسموا عليا بذلك مَعَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ هَذَا فاروق أمتِي قُلْنَا مَا هَذَا بِأول حَدِيث كذبتموه وَلَا نَعْرِف لَهُ إِسْنَادًا الْبَتَّةَ فَمَا محبتكم عليا إِلَّا من جنس محبَّة النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَم أطروه وبالغوا وَلم يرْضوا لَهُ بالمنزلة الَّتِي جعلهَا الله لَهُ وَبِهَذَا يتَبَيَّن الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسلم عَن عَليّ أَنه قَالَ لعهد النَّبِي الْأُمِّي إِلَى أَن لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق فَإِن الرافضة لَا تحبه على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَتبْغض نَعته من وَجه كَمَا كَانَ النَّصَارَى وَالْيَهُود يبغضون من صدق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأقر بِهِ فموسى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام مقران بذلك وكما أَن عليا يحب أَبَا بكر وَعمر قطعا والرافضة يبغضون من أحبهما فهم داخلون فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبغضك إِلَّا مُنَافِق وَهَكَذَا نجد كل من أحب شَيخا على صفة مَا هُوَ قَائِم بهما فِي نفس الْأَمر كمن إعتقد أَن شَيْخه يشفع فِي كل مريديه وَأَنه يرزقه وينصره ويفرج كربته ويعينه فِي الضرورات أَو أَنه يعلم المغيبات وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبغض الْأَنْصَار رجل يُؤمن بِاللَّه الْيَوْم الآخر ودعا لأبي هُرَيْرَة وَأمه أَن يحببهما الله إِلَى عباده الْمُؤمنِينَ وَقَالَ روى ابْن عمر قَالَ مَا كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقين إِلَّا ببغضهم عليا فَهَذَا يعلم كل عَالم أَنه كذب إِذْ للنفاق عَلَامَات كَثِيرَة وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام آيَة النِّفَاق بغض الْأَنْصَار وَقَالَ آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث وَقد قَالَ تَعَالَى فِي الْقُرْآن فِي صفة الْمُنَافِقين (وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا) (وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمِنْهُم من يَقُول أئذن لي وَلَا تفتني) وَمِنْهُم من يَقُول (أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا) وَذكر لَهُم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَة بَرَاءَة وَغَيرهَا من العلامات وَالصِّفَات مَا لَا يسع هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الْموضع بَسطه بل لَو قَالَ كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقين ببغض عَليّ لَكَانَ متجها كَمَا أَنهم يعْرفُونَ أَيْضا ببغض الْأَنْصَار بل وببغض أبي بكر وَعمر وببغض غير هَؤُلَاءِ فَإِن كل من أبْغض مَا يعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبهُ ويواليه وَأَنه كَانَ يحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويواليه كَانَ بغضه شُعْبَة من شعب النِّفَاق وَالدَّلِيل يطرد وَلَا ينعكس وَلِهَذَا كَانَ أعظم الطوائف نفَاقًا المبغضين لأبي بكر لِأَنَّهُ لم يكن فِي الصَّحَابَة أحب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ وَلَا كَانَ فيهم أعظم حبا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فبغضه من أعظم آيَات النِّفَاق وَلِهَذَا لَا يُوجد المُنَافِقُونَ فِي طَائِفَة أعظم مِنْهَا فِي مبغضيه كالنصيرية والإسماعيلية وَنَحْوهم قَالَ وعظموا أَمر عَائِشَة على بَاقِي نسوانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد كَانَ يكثر من ذكر خَدِيجَة قُلْنَا أهل السّنة لم يجمعوا على أَن عَائِشَة أفضلهن وَحجَّة من فَضلهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد يَعْنِي اللَّحْم وَالْخبْز على سَائِر الطَّعَام وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قلت يَا رَسُول الله أَي النِّسَاء أحب إِلَيْك قَالَ عَائِشَة قلت وَمن الرِّجَال قَالَ أَبوهَا قلت ثمَّ من قَالَ عمر وسمى رجَالًا وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ قَوْله لِخَدِيجَة مَا أبدلني الله خيرا مِنْهَا إِن صَحَّ فَمَعْنَاه مَا أبدلني خيرا لي مِنْهَا فَإِن خَدِيجَة نفعته فِي أول الْإِسْلَام نفعا لم يقم غَيرهَا فِيهِ مقَامهَا فَكَانَت خيرا لَهُ من هَذَا الْوَجْه لكَونهَا نفعته وَقت الْحَاجة وَعَائِشَة صحبته فِي آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 النُّبُوَّة وَكَمَال الدّين فَحصل لَهَا من الْعلم وَالْإِيمَان مَا لم يحصل لمن يدْرك إِلَّا أول النُّبُوَّة فَكَانَت أفضل لهَذِهِ الزِّيَادَة فَإِن الْأمة إنتفعت بهَا أَكثر مِمَّا إنتفعت بغَيْرهَا وَبَلغت من الْعلم وَالسّن مَا لم يبلغهُ غَيرهَا فخديجة كَانَ خَيرهَا مَقْصُورا على نفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تبلغ عَنهُ شَيْئا وَلم تنْتَفع بهَا الْأمة كَمَا إنتفعت بعائشة وَلِأَن الدّين لم يكن قد كمل حَتَّى تعلمه وَيحصل لَهَا من كمالاته مَا حصل لمن علم وآمن بِهِ بعد كَمَاله وَمَعْلُوم أَن من إجتمع همه على شَيْء وَاحِد كَانَ أبلغ مِمَّن تفرق همه فِي أَعمال متنوعه فخديجة رَضِي الله عَنْهَا خير لَهُ من هَذَا الْوَجْه لَكِن أَنْوَاع الْبر لم تَنْحَصِر فِي ذَلِك أَلا ترى إِن من كَانَ من الصَّحَابَة أعظم إِيمَانًا وَأكْثر جهادا بِنَفسِهِ وَمَاله كحمزة وَعلي وَسعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير وَغَيرهم وهم أفضل مِمَّن كَانَ يخْدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وينفعه فِي نَفسه أَكثر مِنْهُم كَأبي رَافع وَأنس بن مَالك وَغَيرهمَا وَفِي الْجُمْلَة الْكَلَام فِي تَفْضِيل عَائِشَة وَخَدِيجَة لَيْسَ هَذَا مَوضِع إستقصائه لَكِن الْمَقْصُود هُنَا أَن أهل السّنة مجمعون على تَعْظِيم عَائِشَة ومحبتها وَأَن نِسَاءَهُ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ اللواتي مَاتَ عَنْهُن كَانَت عَائِشَة أحبهنَّ إِلَيْهِ وأعظمهن حُرْمَة عِنْد الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن النَّاس كَانُوا يتحرون بهداياهم يَوْم عَائِشَة لما يعلمُونَ من محبته إِيَّاهَا حَتَّى إِن نِسَاءَهُ غرن من ذَلِك وأرسلن إِلَيْهِ فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول لَهُ نساؤك يسألنك الْعدْل فِي ابْنة أبي قُحَافَة فَقَالَ لفاطمة أَي بنية أما تحبين مَا أحب قَالَت بلَى قَالَ فأحبي هَذِه الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا عَائِشَة هَذَا جبرئيل يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام قَالَت وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله ترى مَالا نرى وَلما أَرَادَ فِرَاق سوده بنت زَمعَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بِإِذْنِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُول أَيْن أَنا الْيَوْم إستبطاء ليَوْم عَائِشَة ثمَّ اسْتَأْذن نِسَاءَهُ أَن يمرض فِي بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَمَرض فِيهِ وَفِي بَيتهَا توفّي بَين سحرها ونحرها وَفِي حجرها وَجمع بَين رِيقهَا وريقه وَكَانَت رَضِي الله عَنْهَا مباركة على أمته حَتَّى قَالَ أسيد بن حضير لما أنزل الله آيَة التَّيَمُّم بِسَبَبِهَا مَا هِيَ بِأول بركتكم يَا آل أبي بكر مَا نزل بك أَمر تكرهينه إِلَّا جعل الله فِيهِ للْمُسلمين بركَة وَقد كَانَت نزلت آيَة براءتها قبل ذَلِك لما رَمَاهَا أهل الْإِفْك فبرأها الله من فَوق سبع سموات وَجعلهَا من الصينات وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 قَالَ وأذاعت سر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي قَوْله تَعَالَى (وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا) وَثَبت فِي الصَّحِيح أَنَّهَا عَائِشَة وَحَفْصَة قَالَ وَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك تقاتلين عليا وَأَنت ظالمة لَهُ فخالفت أَمر الله (وَقرن فِي بيوتكن) وَخرجت فِي مَلأ تقَاتل عليا لِأَن الْمُسلمين أَجمعُوا على قتل عُثْمَان وَكَانَت هِيَ كل وَقت تَأمر بقتْله وَتقول اقْتُلُوا نعثلا وَكَيف إستجاز طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعشرَة آلَاف من الْمُسلمين مطاوعتها على قتال عَليّ وَبِأَيِّ وَجه يلقون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْوَاحد منا لَو تحدث مَعَ امْرَأَة غَيره واخرجها من بَيتهَا وسافر بهَا كَانَ أَشد النَّاس عَدَاوَة لَهُ وَكَيف طاوعوها وَلم ينصر أحد مِنْهُم بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي بكر لما طلبت حَقّهَا قُلْنَا أما أهل السّنة فَإِنَّهُم قائمون بِالْقِسْطِ وَقَوْلهمْ عدل لَا يتناقض وَأما الرافضة وَأهل الْبدع فذوو أهواء وتناقض فَمن ذَلِك أَن أهل السّنة عِنْدهم أَن اهل بدر فِي الْجنَّة وَكَذَلِكَ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَيَقُولُونَ لَيْسَ من شرطهم سلامتهم عَن الْخَطَأ بل وَلَا عَن الذَّنب بل يجوزون أَن يُذنب الرجل مِنْهُم ذَنبا صَغِيرا أَو كَبِيرا وَيَتُوب مِنْهُ وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْمُسلمين وَلَو لم يتب مِنْهُ فالصغائر تمحي باجتباب الْكَبَائِر عِنْد جماهيرهم بل وَعند الْأَكْثَرين مِنْهُم أَن الْكَبَائِر تمحي بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ أعظم مِنْهَا وبالمصائب المكفرة وَغير ذَلِك وَإِذ كَانَ هَذ أصلهم فَيَقُولُونَ مَا ذكر عَن الصَّحَابَة من السَّيِّئَات كثير مِنْهُ كذب وَكثير مِنْهُ كَانُوا مجتهدين فِيهِ وَلَكِن لَا يعرف كثير من النَّاس وَجه إجتهادهم وَمَا قدر أَنه كَانَ فِيهِ ذَنْب من الذُّنُوب لَهُم فَهُوَ مغْفُور لَهُم إِمَّا بتوبة وَإِمَّا بحسنات ماحية وَإِمَّا بمصائب مكفرة وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك فَإِنَّهُ قد قَامَ الدَّلِيل الَّذِي يجب القَوْل بِمُوجبِه أَنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 من أهل الْجنَّة فَامْتنعَ أَن يَفْعَلُوا مَا يُوجب النَّار لَا محَالة وَإِذا لم يمت أحدهم على مُوجب النَّار لم يقْدَح ذَلِك فِي إستحقاقهم للجنة وَنحن قد علمنَا أَنهم من اهل الْجنَّة وَلَو لم يعلم أَن أُولَئِكَ المعينين فِي الْجنَّة لم يجز لنا أَن نقدح فِي إستحقاقهم للجنة بِأُمُور لَا نعلم أَنَّهَا توجب النَّار فَإِن هَذَا لَا يجوز فِي آحَاد الْمُؤمنِينَ الَّذين لم يعلم أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَيْسَ لنا أَن نشْهد لأحد مِنْهُم بالنَّار لأمور مُحْتَملَة لَا تدل على ذَلِك فَكيف يجوز ذَلِك فِي خِيَار الْمُؤمنِينَ وَالْعلم بتفاصيل أَحْوَال كل وَاحِد مِنْهُم بَاطِنا وظاهرا وحسناته وسيئاته وإجتهاداته أَمر يتَعَذَّر علينا مَعْرفَته فَكَانَ كلامنا فِي ذَلِك كلَاما فِيمَا لَا نعلمهُ وَالْكَلَام بِلَا علم حرَام فَلهَذَا كَانَ الْإِمْسَاك عَمَّا شجر بَين الصَّحَابَة خيرا من الْخَوْض فِي ذَلِك بِغَيْر علم بِحَقِيقَة الْأَحْوَال إِذْ كَانَ كثير من الْخَوْض فِي ذَلِك أَو أَكْثَره كلَاما بِلَا علم وَهَذَا حرَام لَو لم يكن فِيهِ هوى ومعارضة الْحق الْمَعْلُوم فَكيف إِذا كَانَ كلَاما لهوى يطْلب فِيهِ دفع الْحق الْمَعْلُوم وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُضَاة ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاض فِي الْجنَّة رجل علم الْحق وَقضى بِهِ فَهُوَ فِي الْجنَّة وَرجل علم الْحق وَقضى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّار وَرجل قضى للنَّاس على جهل فَهُوَ فِي النَّار فَإِذا كَانَ هَذَا فِي قَضَاء بَين إثنين فِي قَلِيل المَال أَو كَثِيره فَكيف الْقَضَاء بَين الصَّحَابَة فِي أُمُور كَثِيرَة فَمن تكلم فِي هَذَا الْبَاب بِجَهْل أَو بِخِلَاف مَا يعلم كَانَ مستوجبا للوعيد وَلَو تكلم بِحَق بِقصد الْهوى لَا لوجه الله تَعَالَى أَو يُعَارض بِهِ حَقًا آخر لَكَانَ أَيْضا مستوجبا للذم وَالْعِقَاب وَمن علم مَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسّنة من الثَّنَاء على الْقَوْم ورضا الله عَنْهُم وإستحقاقهم الْجنَّة وَأَنَّهُمْ خير هَذِه الْأمة الَّتِي هِيَ خير أمة أخرجت للنَّاس لم يُعَارض هَذَا الْمُتَيَقن الْمَعْلُوم بِأُمُور مشتبهة مِنْهَا مَا لَا يعلم صِحَّته وَمِنْهَا مَا يتَبَيَّن كذبه وَمِنْهَا مَا لَا يعلم كَيفَ وَقع وَمِنْهَا مَا يعلم عذر الْقَوْم فِيهِ وَمِنْهَا مَا يعلم تَوْبَتهمْ مِنْهُ وَمِنْهَا مَا يعلم أَن لَهُم من الْحَسَنَات مَا يغمره فَمن سلك سَبِيل أهل السّنة إستقام قَوْله وَكَانَ من أهل الْحق والإستقامة والإعتدال وَإِلَّا حصل فِي جهل وَنقص وتناقض كَحال هَؤُلَاءِ الضلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وَأما قَوْله وأذاعت سر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا ريب أَن الله تَعَالَى يَقُول (وَإِذا أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ وأظهره الله عَلَيْهِ عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض فَلَمَّا نبأها بِهِ قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير) وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن عمر أَنَّهَا عَائِشَة وَحَفْصَة فَيُقَال أَولا هَؤُلَاءِ عَمدُوا إِلَى نُصُوص الْقُرْآن الَّتِي فِيهَا ذكر ذنُوب يتأولون النُّصُوص بأنواع التأويلات وَأهل السّنة يَقُولُونَ بل أَصْحَاب الذُّنُوب تَابُوا مِنْهَا وَرفع الله درجاتهم بِالتَّوْبَةِ وَهَذِه الْآيَة لَيست بِأولى فِي دلالتها على الذَّنب من تِلْكَ الْآيَات فَإِن كَانَ تَأْوِيل ذَلِك سائغا كَانَ تَأْوِيل هَذِه كَذَلِك وَإِن كَانَ تاويل هَذِه بَاطِلا فَتَأْوِيل تِلْكَ أبطل وَيُقَال ثَانِيًا بِتَقْدِير أَن يكون هُنَاكَ ذَنْب لعَائِشَة وَحَفْصَة فتكونان قد تابتا مِنْهُ وَهَذَا ظَاهر لقَوْله تَعَالَى (أَن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا) فدعاهما الله تَعَالَى إِلَى التَّوْبَة فَلَا يظنّ بهما أَنَّهُمَا لم تَتُوبَا مَعَ مَا ثَبت من علو درجتها وأنهما زوجتا نَبينَا فِي الْجنَّة وَأَن الله خيرهن بَين الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا وَبَين الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فاختزن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة وَلذَلِك حرم عَلَيْهِ أَن يسْتَبْدل بِهن غَيْرهنَّ وَحرم عَلَيْهِ أَن يتَزَوَّج عَلَيْهِنَّ وَاخْتلف فِي إِبَاحَة ذَلِك لَهُ بعد ذَلِك وَمَات عَنْهُن وَهن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بِنَصّ الْقُرْآن ثمَّ قد تقدم أَن الذَّنب يَزُول عِقَابه بِالتَّوْبَةِ والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وَيُقَال ثَالِثا الْمَذْكُور عَن أَزوَاجه كالمذكور عَمَّن شهد لَهُ بِالْجنَّةِ من أهل بَيته وَغَيرهم من أَصْحَابه فَإِن عليا لما خطب إبنة أبي جهل على فَاطِمَة وَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَقَالَ إِن بني هِشَام بن الْمُغيرَة استأذنوني أَن ينكحوا عليا إبنتهم وَإِنِّي لَا آذن ثمَّ لَا آذن ثمَّ لَا آذن إِلَّا أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب أَن يُطلق إبنتي ويتزوج إبنتهم فَإِن فَاطِمَة بضعَة مني يريبني مَا رابها وَيُؤْذِينِي مَا آذاها فَلَا يظنّ بعلى أَنه ترك الْخطْبَة فِي الظَّاهِر فَقَط بل تَركهَا بِقَلْبِه وَتَابَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 بِقَلْبِه عَمَّا كَانَ طلبه وسعى فِيهِ وَكَذَلِكَ لما صَالح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُشْركين يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَقَالَ لأَصْحَابه انحروا واحلقوا رءؤسكم فَلم يقم أحد فَدخل مغضبا على أم سَلمَة فَقَالَت من أغضبك أغضبهُ الله فَقَالَ مَالِي لَا أغضب وَأَنا آمُر بِالْأَمر فَلَا يطاع فَقَالَت يَا رَسُول الله ادْع بهديك فانحره وَأمر الحلاق فليحلق رَأسك وَأمر عليا أَن يمحو اسْمه فَقَالَ وَالله لَا أمحوك فَأخذ الْكتاب من يَده ومحاه وَمَعْلُوم أَن تَأَخّر عَليّ وَغَيره من الصَّحَابَة عَمَّا أمروا بِهِ حَتَّى غضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ الْقَائِل هَذَا ذَنْب كَانَ جَوَابه كجواب الْقَائِل إِن عَائِشَة أذنبت فِي ذَلِك فَمن النَّاس من يتَأَوَّل وَيَقُول إِنَّمَا تَأَخَّرُوا متأولين لكَوْنهم كَانُوا يرجون تَغْيِير الْحَال بِأَن يدخلُوا مَكَّة وَآخر يَقُول لَو كَانَ لَهُم تَأْوِيل مَقْبُول لم يغْضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل تَابُوا من ذَلِك التَّأَخُّر وَرَجَعُوا عَنهُ مَعَ أَن حسناتهم تمحو مثل هَذَا الذَّنب وَعلي دَاخل فِي هَؤُلَاءِ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَأما قَوْله تقاتلين عليا فكذب فَإِن عَائِشَة لم تقَاتل وَلم تخرج لقِتَال وَإِنَّمَا خرجت بِقصد الْإِصْلَاح بَين الْمُسلمين وظنت أَن فِي خُرُوجهَا مصلحَة للْمُسلمين ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 تبين لَهَا فِيمَا بعد أَن ترك الْخُرُوج كَانَ أولى فَكَانَت إِذا ذكرت خُرُوجهَا تبْكي حَتَّى تبل خمارها وَهَكَذَا عَامَّة السَّابِقين ندموا على مَا دخلُوا فِيهِ من الْقِتَال فندم طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَلم يكن يَوْم الْجمل لهَؤُلَاء قصد فِي الْقِتَال وَلَكِن وَقع الإقتتال بِغَيْر إختيارهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَأما قَوْله وخالفت أَمر الله فِي قَوْله تَعَالَى (وَقرن فِي بيوتكن وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى) فَهِيَ رَضِي الله عَنْهَا لم تتبرج تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى وَالْأَمر بالإستقرار فِي الْبيُوت لَا يُنَافِي الْخُرُوج لمصْلحَة مَأْمُور بهَا كَمَا لَو خرجت لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة اَوْ خرجت مَعَ زَوجهَا فِي سفر فَإِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد سَافر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهن بعد ذَلِك فِي حجَّة الْوَدَاع سَافر بعائشة رَضِي الله عَنْهَا وَغَيرهَا وأرسلها مَعَ عبد الرَّحْمَن أَخِيهَا فأردفها خَلفه وأعمرها من التَّنْعِيم وَحجَّة الْوَدَاع كَانَت قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أشهر بعد نزُول هَذِه الْآيَة وَلِهَذَا كن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحججن كَمَا حججن فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ عمر يُوكل بقطارهن عُثْمَان أَو عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَإِذا كَانَ سفرهن لمصْلحَة جَائِزا فعائشة اعتقدت أَن ذَلِك السّفر مصلحَة للْمُسلمين فتأولت فِي هَذَا وَهَذَا كَمَا أَن قَول الله تَعَالَى (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ) وَقَوله (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم) يتَضَمَّن قتل الْمُؤمنِينَ بَعضهم بَعْضًا كَمَا فِي قَوْله (وَلَا تلمزوا أَنفسكُم) وَقَوله (لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا) وَكَذَلِكَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار قيل يَا رَسُول الله هَذَا الْقَاتِل فَمَا بَال الْمَقْتُول قَالَ كَانَ حريضا عَليّ قتل صَاحبه فَلَو قَالَ قَائِل إِن عليا وَمن قَاتله قد التقيا بسيفيهما وَقد إستحلوا دِمَاء الْمُسلمين فَيجب أَن يلحقهم الْوَعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 فَجَوَابه أَن الْوَعيد لَا يتَنَاوَل الْمُجْتَهد المتأول وَإِن كَانَ مخطئا فَإِن الله تَعَالَى يَقُول فِي دُعَاء الْمُؤمنِينَ (رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا) قد فعلت وَقد عَفا للْمُؤْمِنين عَن النسْيَان وَالْخَطَأ والمجتهد المخطيء مغْفُور لَهُ خطأه وَإِذا غفر خطأ هَؤُلَاءِ فِي قتال الْمُؤمنِينَ فالمغفرة لعَائِشَة لكَونهَا لم تقر فِي بَيتهَا إِذْ كَانَت مجتهدة أولى وَأَيْضًا لَو قَالَ قَائِل إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَدِينَة تَنْفِي خبثها وتنصع طيبها وَقَالَ لَا يخرج أحد من الْمَدِينَة رَغْبَة عَنْهَا إِلَّا أبدلها الله خيرا مِنْهُ أخرجه فِي الْمُوَطَّأ وَقَالَ إِن عليا خرج مِنْهَا وَلم يقم بهَا كَمَا أَقَامَ الْخُلَفَاء قبله وَلِهَذَا لم تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْكَلِمَة لَكَانَ الْجَواب إِن الْمُجْتَهد إِذا كَانَ دون عَليّ لم يتَنَاوَلهُ الْوَعيد فعلي أولى أَن لَا يتَنَاوَلهُ الْوَعيد لإجتهاده وَبِهَذَا يُجَاب عَن خُرُوج عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَإِذا كَانَ الْمُجْتَهد مخطئا فالخطأ مغْفُور بِالْكتاب وَالسّنة وَأما قَوْله خرجت تقَاتل عليا على غير ذَنْب فَهَذَا إفتراء عَلَيْهَا وَلَو قدر أَن الطَّائِفَتَيْنِ قصدتا الْقِتَال لَكَانَ هُوَ الْقِتَال الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله فَإِن فاءت فأصلحوا بَينهَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا إِن الله يحب المقسطين إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم) فجعلهم مُؤمنين إخْوَة مَعَ الإقتتال وَأما قَوْله أَجمعُوا على قتل عُثْمَان فَهَذَا كذب سمج فَإِن الْجُمْهُور لم يأمروا بقتْله وَلَا رضوه وَلم يكن أَكثر الْمُسلمين بِالْمَدِينَةِ بل كَانُوا بالأمصار من بلد الْمغرب إِلَى خُرَاسَان وَلم يدْخل خِيَار الْمُسلمين فِي ذَلِك وَإِنَّمَا قَتله طَائِفَة من المفسدين فِي الأَرْض من أوباش الْقَبَائِل ورءوس الشَّرّ وَعَن عَليّ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَن قَتله عُثْمَان فِي الْبر وَالْبَحْر والسهل والجبل غَايَة مَا يُقَال إِنَّهُم لم ينصروه وفتروا عَن إعانته بِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 رَأَوْهُ وَمَا ظنُّوا أَن الْأَمر يبلغ إِلَى قَتله وَمن الْمَعْلُوم أَن الْمُسلمين أَجمعُوا على بيعَة عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَمَا أَجمعُوا على قَتله فَهَلا كَانَ الْإِجْمَاع على بيعَته يَا معشر الرافضة حَقًا لتيقن الْإِجْمَاع عَلَيْهَا وَأَيْضًا فإجماع النَّاس على بيعَة أبي بكر أعظم من إِجْمَاعهم على بيعَة عَليّ وعَلى قتل عُثْمَان فَإِنَّهُ مَا تخلف عَن أبي بكر إِلَّا جمَاعَة كسعد بن عبَادَة وَالله يغْفر لَهُ وَقد قدمنَا أَن الرجل الْمَشْهُود لَهُ بِالْجنَّةِ قد يُذنب لإنتفاء الْعِصْمَة وَمَا قَوْلك يَا جَاهِل إِن عُثْمَان قتل بِالْإِجْمَاع إِلَّا كَمَا قَالَ ناصبي قتل الْحُسَيْن بِإِجْمَاع الْمُسلمين لِأَن الَّذين قَاتلُوهُ وقتلوه لم يدفعهم أحد عَن ذَلِك فَلم يكن كذبه بأظهر من كذب الْمُدَّعِي الْإِجْمَاع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 قتل عُثْمَان فَإِن الْحُسَيْن لم يعظم إِنْكَار الْأمة لقَتله كَمَا عظم إنكارهم لقتل عُثْمَان وَلَا انتصر لَهُ جيوش كالجيوش الَّذين انتصروا لعُثْمَان وَلَا انتقم أعوانه من أعدائه كَمَا انتقم أعوان عُثْمَان من أعدائه وَلَا حصل بقتْله من الْفِتْنَة وَالشَّر وَالْفساد مَا حصل بقتل عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَلَا كَانَ قَتله أعظم إنكارا عِنْد الله وَعند رَسُوله وَعند الْمُؤمنِينَ من قتل عُثْمَان فَإِن عُثْمَان من أَعْيَان السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين من طبقَة عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَهُوَ خَليفَة للْمُسلمين أَجمعُوا على بيعَته بل لم يشهر فِي الْأمة سَيْفا وَلَا قتل على ولَايَته أحدا وَكَانَ بغزو بِالْمُسْلِمين الْكفَّار بِالسَّيْفِ وَكَانَ السَّيْف فِي خِلَافَته كَمَا كَانَ فِي خلَافَة أبي بكر وَعمر مسلولا على الْكفَّار مكفوفا عَن أهل الْقبْلَة ثمَّ إِنَّه طلب قَتله وَهُوَ خَليفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فَصَبر وَلم يُقَاتل دفعا عَن نَفسه حَتَّى قتل وَلَا ريب أَن هَذَا أعظم أجرا وقتلته أعظم إِنَّمَا مِمَّن لم يكن مُتَوَلِّيًا فَخرج يطْلب الْولَايَة وَلم يتَمَكَّن حَتَّى قَاتله أعوان الَّذين طلب أَخذ الْأَمر مِنْهُم فقاتل عَن نَفسه حَتَّى قتل وَلَا ريب أَن قتال الدَّافِع عَن نَفسه وولايته أقرب من قتال الطَّالِب لِأَن يَأْخُذ الْأَمر من غَيره وَعُثْمَان ترك الْقِتَال دفعا عَن ولَايَته فَكَانَ حَاله أفضل من حَال الْحُسَيْن وَقَتله أشنع من قتل الْحُسَيْن كَمَا أَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ لم يُقَاتل على الْأَمر بل أصلح بَين الْأمة بترك الْقِتَال مدحه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك فَقَالَ إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين والمنتصرون لعُثْمَان مُعَاوِيَة وَأهل الشَّام والمنتصرون من قتلة الْحُسَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الْمُخْتَار بن أبي عبيد الثَّقَفِيّ وأعوانه وَلَا يشك عَاقل أَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ خير من الْمُخْتَار فَإِن الْمُخْتَار كَذَّاب ادّعى النُّبُوَّة وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 يكون فِي ثَقِيف كَذَّاب ومبير فالكذاب هُوَ الْمُخْتَار والمبير هُوَ الْحجَّاج بن يُوسُف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَهَذَا الْمُخْتَار كَانَ أَبوهُ رجلا صَالحا وَهُوَ أَبُو عبيد الثَّقَفِيّ الَّذِي قتل شَهِيدا فِي حَرْب الْمَجُوس وَأُخْته صَفِيَّة بنت أبي عبيد امْرَأَة عبد الله بن عمر امْرَأَة صَالِحَة وَكَانَ الْمُخْتَار رجل سوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَأما قَوْله إِن عَائِشَة كَانَت فِي كل وَقت تامر بقتل عُثْمَان وَتقول فِي كل وَقت اقْتُلُوا نعثلا قتل الله نعثلا وَلما بلغَهَا قَتله فرحت بذلك فَيُقَال أَولا أَيْن النَّقْل الثَّابِت عَن عَائِشَة بذلك وَيُقَال ثَانِيًا إِن الْمَنْقُول عَن عَائِشَة يكذب ذَلِك وَيبين أَنَّهَا أنْكرت قَتله وذمت من قَتله ودعت على أَخِيهَا مُحَمَّد وَغَيره لمشاركتهم فِي ذَلِك وَيُقَال ثَالِثا هَب أَن وَاحِدًا من الصَّحَابَة عَائِشَة أَو غَيرهَا قَالَ فِي ذَلِك كلمة على وَجه الْغَضَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 لإنكاره بعض مَا يُنكر فَلَيْسَ قَوْله حجَّة وَلَا يقْدَح فِي إِيمَان الْقَائِل وَلَا الْمَقُول لَهُ بل قد يكون كِلَاهُمَا وليا لله تَعَالَى من أهل الْجنَّة ويظن أَحدهمَا جَوَاز قتل الآخر بل و \ يظنّ كفره وَهُوَ مخطيء فِي هَذَا الظَّن كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَليّ وَغَيره فِي قصَّة حَاطِب ابْن أبي بلتعة وَكَانَ من أهل بدر وَالْحُدَيْبِيَة وَفِي حَدِيث عَليّ أَن حَاطِبًا كتب إِلَى الْمُشْركين بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ غَزْوَة الْفَتْح فَاطلع الله نبيه على ذَلِك فَقَالَ لعَلي وَالزُّبَيْر إذهبا حَتَّى تأتيا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَلَمَّا أَتَيَا بِالْكتاب قَالَ مَا هَذَا يَا حَاطِب فَقَالَ وَالله يَا رَسُول الله مَا فعلت هَذَا إرتدادا وَلَا رضَا بالْكفْر وَلَكِن كنت امْرَءًا مُلْصقًا فِي قُرَيْش وَلم أكن من أنفسهم وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم بِمَكَّة قَرَابَات يحْمُونَ بهَا أَهْليهمْ فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك أَن أَتَّخِذ عِنْدهم يدا يحْمُونَ بهَا قَرَابَتي فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ إِنَّه شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك أَن الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وأنزال الله تَعَالَى فِي أول سُورَة الممتحنة (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة وَقد كفرُوا بِمَا جَاءَكُم من الْحق يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم أَن تؤمنوا بِاللَّه ربكُم إِن كُنْتُم خَرجْتُمْ جهادا فِي سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إِلَيْهِم بالمودة وَأَنا أعلم بِمَا أخفيتم وَمَا أعلنتم وَمن يَفْعَله مِنْكُم فقد ضل سَوَاء السَّبِيل) الْآيَات وَهَذِه الْقِصَّة مِمَّا اتّفق أهل الْعلم على صِحَّتهَا وَهِي متواترة عِنْدهم مَعْرُوفَة عِنْد عُلَمَاء التَّفْسِير وعلماء الْمَغَازِي وَالسير والتواريخ وعلماء الْفِقْه وَغير هَؤُلَاءِ وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يحدث بِهَذَا الحَدِيث فِي خِلَافَته بعد الْفِتْنَة وروى ذَلِك عَنهُ كَاتبه عبيد الله بن أبي رَافع ليبين لَهُم أَن السَّابِقين مغْفُور لَهُم وَلَو جرى مِنْهُم مَا جرى وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر أفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بإتفاق الْمُسلمين من حَاطِب بن أبي بلتعة وَكَانَ حَاطِب مسيئا إِلَى مماليكه وَكَانَ ذَنبه فِي مكَاتبه الْمُشْركين وإعانتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أعظم من الذُّنُوب الَّتِي تُضَاف إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَعَ هَذَا فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن قَتله وَكذب من قَالَ إِنَّه يدْخل النَّار لِأَنَّهُ شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة وَأخْبر بمغفرة الله لأهل بدر وَمَعَ هَذَا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَسَماهُ منافقا واستحل قَتله وَلم يقْدَح ذَلِك فِي إِيمَان وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا فِي كَونه من أهل الْجنَّة وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا فِي حَدِيث الْإِفْك لما قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا على الْمِنْبَر يعْتَذر من رَأس الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي ابْن سلول فَقَالَ من يعذرني من رجل بَلغنِي أَذَاهُ فِي أَهلِي وَالله مَا علمت على أَهلِي إِلَّا خيرا وَلَقَد ذكرُوا رجلا مَا علمت عَلَيْهِ إِلَّا خيرا فَقَامَ سعد بن معَاذ سيد الْأَوْس وَهُوَ الَّذِي اهتز لمَوْته عرش الرَّحْمَن وَهُوَ الَّذِي كَانَ لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم بل حكم فِي حلفائه من بني قُرَيْظَة بِأَن يقتل مقاتلهم وتسبى ذَرَارِيهمْ وتغنم أَمْوَالهم حَتَّى قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد حكمت فيهم بِحكم الله من فَوق سَبْعَة أَرقعَة فَقَالَ يَا رَسُول الله نَحن نعذرك مِنْهُ إِن كَانَ من الْأَوْس ضربنا عُنُقه وَإِن كَانَ من أَصْحَابنَا من الْخَزْرَج أمرتنا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمرك فَقَامَ سعد بن عبَادَة فَقَالَ كذبت لعَمْرو الله لَا تقتله وَلَا تقدر على قَتله فَقَالَ أسيد بن حضير فَقَالَ كذبت لعَمْرو الله لنقتلنه فَإنَّك مُنَافِق تجَادل عَن الْمُنَافِقين وكادت تثور فتْنَة بَين الْأَوْس والخزرج حَتَّى نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخفضهم وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة من خِيَار السَّابِقين الْأَوَّلين وَقد قَالَ أسيد بن حضير لسعد بن عبَادَة إِنَّك مُنَافِق تجَادل عَن الْمُنَافِقين وَهَذَا مُؤمن ولي لله من أهل الْجنَّة وَذَاكَ مُؤمن ولي لله من أهل الْجنَّة فَدلَّ على أَن الرجل قد يكفر أَخَاهُ بالتأويل وَلَا يكون وَاحِد مِنْهُمَا كَافِرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَقَول بعض الصَّحَابَة فِي مَالك بن الدخشم وودوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَلَيْهِ فَيهْلك فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته وَقَالَ أَلَيْسَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله وَلَيْسَ من شَرط الرجل الْكَبِير أَن لَا يُذنب وَلَا يخطيء بإجتهاد وَلَا نَحن ادعينا الْعِصْمَة فِي عُثْمَان وَالْكَلَام فِي النَّاس يجب أَن يكون بِعلم وَعدل لَا بِجَهْل وظلم كَحال أهل الْبدع فَإِن الرافضة يَعْمِدُونَ إِلَى أَقوام متقاربين فِي الْفَضِيلَة يُرِيدُونَ أَن يجْعَلُوا أحدهم مَعْصُوما من الذُّنُوب والخطايا وَالْآخر مأثوما فَاسِقًا أَو كَافِرًا فَيظْهر جهلهم وتناقضهم كاليهودي أَو النَّصْرَانِي إِذا أَرَادَ أَن يثبت نبوة مُوسَى أَو عِيسَى مَعَ قدحه فِي نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ يظْهر عَجزه وجهله وتناقضه فَإِنَّهُ مَا من طَرِيق يثبت بهَا نبوة مُوسَى وَعِيسَى إِلَّا وَتثبت نبوة مُحَمَّد بِمِثْلِهَا أَو بِمَا هُوَ أقوى مِنْهَا وَلَا من شُبْهَة تعرض فِي نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَتعرض فِي نبوة مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام بِمَا هُوَ مثلهَا أَو أقوى مِنْهَا وكل من عمد إِلَى التَّفْرِيق بَين المتماثلين أَو مدح الشَّيْء وذم مَا هُوَ من جنسه أَو مَا هُوَ أولى بالمدح مِنْهُ أَو بِالْعَكْسِ أَصَابَهُ مثل هَذَا التَّنَاقُض وَالْعجز وَالْجهل وَهَكَذَا أَتبَاع الْعلمَاء والمشايخ إِذا أَرَادَ أحدهم أَن يمدح متبوعه ويذم نَظِيره أَو يفضل أحدهم على الآخر بِمثل هَذَا الطَّرِيق وَأما قَوْله إِنَّهَا سَأَلت من تولى الْخلَافَة فَقَالُوا عَليّ فَخرجت لقتاله على دم عُثْمَان وَأي ذَنْب كَانَ لعَلي فِي ذَلِك يُقَال لَهُ أَولا قَول الْقَائِل إِن عَائِشَة وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر إتهموا عليا بِأَنَّهُ قتل عُثْمَان وقاتلوه على ذَلِك كذب بل إِنَّمَا طلبُوا القتلة الَّذين كَانُوا تحيزوا إِلَى عَليّ وهم يعلمُونَ أَن بَرَاءَة عَليّ من دم عُثْمَان كبراءتهم وَأعظم لَكِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 القتلة كَانُوا قد أووا إِلَيْهِ فطلبوا قتل القتلة وَلَكِن كَانُوا عاجزين عَن ذَلِك هم وَعلي لِأَن الْقَوْم كَانَت لَهُم قبائل يَذبُّونَ عَنْهُم والفتنة إِذا وَقعت عجز الْعُقَلَاء فِيهَا عَن دفع السُّفَهَاء فَصَارَ الأكابر رَضِي الله عَنْهُم عاجزين عَن إطفاء الْفِتْنَة وكف أَهلهَا وَهَذَا شَأْن الْفِتَن كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة) وَإِذا وَقعت الْفِتْنَة لم يسلم من التلوث بهَا إِلَّا من عصمه الله وَأَيْضًا فَقَوله أَي ذَنْب كَانَ لعَلي فِي قَتله تنَاقض مِنْهُ فَإِنَّهُ يزْعم أَن عليا مِمَّن يسْتَحل قَتله وقتاله وَمِمَّنْ ألب عَلَيْهِ وَقَامَ بذلك فَإِن عليا قد نسبه إِلَى قتل عُثْمَان كثير من شيعته وشيعة عُثْمَان هَؤُلَاءِ لتعصبهم لعُثْمَان وَهَؤُلَاء لتعصبهم لعَلي وَأما جَمَاهِير الْإِسْلَام فيعلمون كذب الطَّائِفَتَيْنِ على عَليّ والرافضة تَقول إِن عليا كَانَ مِمَّن يسْتَحل قتل عُثْمَان بل وَقتل أبي بكر وَعمر وَترى أَن الْإِعَانَة على قَتله من الطَّاعَات والقربات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فَكيف يَقُول من هَذَا إعتقاده أَي ذَنْب كَانَ لعَلي فِي ذَلِك وَإِنَّمَا يَلِيق هَذَا التَّنْزِيه لعَلي بأقوال أهل السّنة لَكِن الرافضة من أعظم النَّاس تناقضا وَأما قَوْله وَكَيف إستجاز طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَغَيرهمَا مطاوعتها على ذَلِك وَبِأَيِّ وَجه يلقون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَن الْوَاحِد منا لَو تحدث مَعَ امْرَأَة غَيره أَو أخرجهَا من منزلهَا أَو سَافر بهَا كَانَ أَشد النَّاس عَدَاوَة لَهُ فَيُقَال هَذَا من تنَاقض الرافضة وجهلهم فَإِنَّهُم يعظمون عَائِشَة فِي هَذَا الْمقَام طَعنا فِي طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَلَا يعلمُونَ أَن هَذَا إِن كَانَ مُتَوَجها فالطعن فِي عَليّ بذلك أوجه فَإِن طَلْحَة وَالزُّبَيْر كَانَا معظمين عَائِشَة موافقين لَهَا مؤتمرين بأمرها وهما وَهِي من أبعد النَّاس عَن الْفَوَاحِش والمعاونة عَلَيْهَا فَإِن جَازَ للرافضي أَن يقْدَح فيهمَا بقوله بِأَيّ وَجه يلقون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَن الْوَاحِد منا لَو تحدث مَعَ امْرَأَة غَيره حَتَّى أخرجهَا من منزلهَا وسافر بهَا إِلَخ كَانَ للناصبي أَن يَقُول بِأَيّ وَجه يلقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَاتل امْرَأَته وسلط عَلَيْهَا أعوانه حَتَّى عقروا بهَا بَعِيرهَا وَسَقَطت من هودجها وأعداؤها حولهَا يطوفون بهَا كالمسبية الَّتِي أحَاط بهَا من يقْصد سباءها وَمَعْلُوم أَن هَذَا فِي مظنه الإهانة لأهل الرجل وَذَلِكَ أعظم من إخْرَاجهَا من منزلهَا وَهِي بِمَنْزِلَة الملكة المبجلة المعطمة الَّتِي لَا يَأْتِي إِلَيْهَا أحد إِلَّا بِإِذْنِهَا وَلم يكن طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَلَا غَيرهمَا من الْأَجَانِب يحملونها بل كَانَ فِي المعسكر من محارمها مثل عبد الله بن الزبير ابْن أُخْتهَا وخلوته بهَا ومسه لَهَا جَائِز بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَكَذَلِكَ سفر الْمَرْأَة مَعَ ذِي محرمها جائظ بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَهِي لم تُسَافِر إِلَّا مَعَ ذِي محرمها وَأما الْعَسْكَر الَّذين قاتلوها فلولا أَنه كَانَ فِي الْعَسْكَر مُحَمَّد بن أبي بكر مد يَده إِلَيْهَا لمد يَده إِلَيْهَا الْأَجَانِب وَلِهَذَا دعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا على من مد يَده إِلَيْهَا وَقَالَت يَد من هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 أحرقها الله بالنَّار فَقَالَ أَي أُخْت فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة فَقَالَت فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة فاحرق بالنَّار بِمصْر وَلَو قَالَ المشنع أَنْتُم تَقولُونَ إِن آل الْحُسَيْن سبوا لما قتل الْحُسَيْن وَلم يفعل بهم إِلَّا من جنس مَا فعل بعائشة حَيْثُ استولى عَلَيْهَا وَردت إِلَى بَيتهَا وَأعْطيت نَفَقَتهَا وَكَذَلِكَ آل الْحُسَيْن إستولى عَلَيْهِم وردوا إِلَى أَهْليهمْ وأعطوا نَفَقَتهم فَإِن كَانَ هَذَا سبيا وإستحلالا للْحُرْمَة النَّبَوِيَّة فعائشة قد سبيت واستحلت حُرْمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يشنعون ويزعمون أَن بعض أهل الشَّام طلب أَن يسترق فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن وَأَنَّهَا قَالَت لَاها لله حَتَّى نكفر بديننا وَهَذَا إِن كَانَ وَقع فَالَّذِينَ طلبُوا من عَليّ أَن يسبوا من قاتهلم من أهل الْجمل وصفين ويغنموا أَمْوَالهم أعظم جرما وَكَانَ فِي ذَلِك لَو سبوا عَائِشَة وَغَيرهَا ثمَّ إِن هَؤُلَاءِ الَّذين طلبُوا ذَلِك من عَليّ كَانُوا متدينين بِهِ مصرين عَلَيْهِ إِلَى أَن خَرجُوا على عَليّ وَقَاتلهمْ على ذَلِك وَذَلِكَ الَّذِي طلب إسترقاق فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن وَاحِد مَجْهُول لَا شَوْكَة لَهُ وَلَا حجَّة وَلَا فعل هَذَا تدينا وَلما مَنعه سُلْطَانه من ذَلِك إمتنع فَكَانَ المستحلون لدماء الْمُسلمين وحرمهم وَأَمْوَالهمْ وَحُرْمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَسْكَر عَليّ أعظم مِنْهُم فِي عَسْكَر بني أُميَّة وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين النَّاس فَإِن الْخَوَارِج الَّذين مرقوا من عَسْكَر عَليّ رَضِي الله عَنهُ هم شَرّ من شرار عَسْكَر مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ وَلِهَذَا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتالهم وَأجْمع الصَّحَابَة على قِتَالهمْ والرافضة أكذب مِنْهُم وأظلم وأجهل وَأقرب إِلَى الْكفْر والنفاق لكِنهمْ أعجز مِنْهُم وأذل وكلا الطَّائِفَتَيْنِ عَن عَسْكَر عَليّ وَبِهَذَا وَأَمْثَاله ضعف عَليّ وَعجز عَن مقاومة من كَانَ بإزائه وَالْمَقْصُود هُنَا أَن مَا يذكرُونَهُ من الْقدح فِي طَلْحَة وَالزُّبَيْر يَنْقَلِب مَا هُوَ أعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 مِنْهُ فِي حق عَليّ فَإِن أجابوا عَن ذَلِك بِأَن عليا كَانَ مُجْتَهدا فِيمَا فعل وَأَنه أولى بِالْحَقِّ من طَلْحَة وَالزُّبَيْر قيل نعم وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر كَانَا مجتهدين وَعلي وَإِن كَانَ أفضل مِنْهُمَا وَلَكِن إِن كَانَ فعل طَلْحَة وَالزُّبَيْر مَعَهُمَا ذَنبا فَفعل عَليّ أعظم ذَنبا فَإِن قَالُوا هما أحوجا عليا إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بهَا فَمَا فعله عَليّ مُضَاف إِلَيْهِمَا لَا إِلَى عَليّ قيل وَهَكَذَا مُعَاوِيَة قيل لَهُ قتلت عمارا وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقتلك الفئة الباغية قَالَ أَو نَحن قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتله الَّذين جَاءُوا بِهِ حَتَّى جَعَلُوهُ تَحت سُيُوفنَا فَإِن كَانَت هَذِه الْحجَّة مَرْدُودَة فحجة من احْتج بِأَن طَلْحَة وَالزُّبَيْر فعلا بعائشة مَا جرى عَلَيْهَا من إهانة عَسْكَر عَليّ لَهَا وإستيلائهم عَلَيْهَا مَرْدُودَة أَيْضا وَإِن قبلت هَذِه الْحجَّة قبلت حجَّة مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ والرافضة وأمثالهم من أهل الْجَهْل وَالظُّلم يحتجون بِالْحجَّةِ الَّتِي تَسْتَلْزِم فَسَاد قَوْلهم وتناقضهم فَإِنَّهُ إِن احْتج بنظيرها عَلَيْهِم فسد قَوْلهم المنقوض بنظيرها وَإِن لم تحتج بنظيرها بطلت هِيَ فِي نَفسهَا لِأَنَّهُ لَا بُد من التَّسْوِيَة بَين المتماثلين وَلَكِن منتهاهم مُجَرّد الْهوى الَّذِي لَا علم مَعَه (وَمن أضلّ مِمَّن اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين) وَأما قَوْله كَيفَ أطاعها عشرَة آلَاف من الْمُسلمين وساعدوها على حَرْب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم ينصر أحد مِنْهُم فَاطِمَة لما طلبت حَقّهَا من أبي بكر وَلَا شخص وَاحِد كَلمه بِكَلِمَة فَهَذَا من أعظم الْحجَج عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يشك عَاقل أَن الْقَوْم كَانُوا يحبونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعظمونه ويعظمون قرَابَته وبنته أَكثر وَأعظم مِمَّا يعظمون أَبَا بكر وَعمر وَلَا يرتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 عَاقل أَن الْعَرَب كَانَت تدين لبني عبد منَاف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أعظم مِمَّا تدين لبني تيم وَبني عدي وَلِهَذَا لما تولى أَبُو بكر قَالَ أَبوهُ أَو قُحَافَة أرضيت بَنو مَخْزُوم وَبَنُو عبد شمس قَالُوا نعم قَالَ ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَلِهَذَا جَاءَ أَبُو سُفْيَان إِلَى عَليّ فَقَالَ أرضيتم أَن يكون هَذَا الْأَمر فِي بني تيم فَقَالَ عَليّ يَا أَبَا سُفْيَان إِن الْإِسْلَام لَيْسَ كأمر الْجَاهِلِيَّة أَو كَمَا قَالَ فَإِذا كَانَ الْمُسلمُونَ كلهم فيهم من قَالَ إِن فَاطِمَة مظلومة وَلَا إِن أَبَا بكر ظلمها وَلَو فَرضنَا أَنهم عاجزون عَن نصرها كَمَا زعمت فَلَا أقل من الْمقَال فَإِذا لم يَقع شَيْء من النُّصْرَة وَلَا القَوْل قَطعنَا بِأَنَّهَا لم تظلم هَذَا وَأَبُو بكر لم يكن مُمْتَنعا من سَماع كَلَام أحد وَلَا كَانَ مَعْرُوفا بالجبروت وإتفاق الْكل مَعَ توفر دواعيهم عَليّ بغض فَاطِمَة مَعَ قيام الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لمحبتها مِمَّا يعلم إمتناعه بِالضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ عَليّ وَلَا سِيمَا وَجُمْهُور قُرَيْش وَالْأَنْصَار وَالْعرب لم يكن إِلَى عَليّ مِنْهُم وَلَا مِنْهُ إِلَيْهِم إساءة لَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام وَأما عمر فَكَانَ أَشد على الْأَعْرَاب وَأكْثر عَدَاوَة لَهُم من عَليّ وَكَلَامهم فِيهِ وَفِي حِدته مَعْرُوفَة وَمَعَ هَذَا تولى عَلَيْهِم فَمَا مَاتَ إِلَّا وَكلهمْ يثنى عَلَيْهِ وتوجع الْكل لمصرعه وَهَذَا مَا يبين أَن الْأَمر على نقيض مَا تَقوله الرافضة وَأَن الْقَوْم كَانُوا يعلمُونَ أَن فَاطِمَة لم تكن مظلومة أصلا ثمَّ كَيفَ يقْتَصّ الْقَوْم لعُثْمَان حَتَّى سفكت دِمَاؤُهُمْ وَلَا ينتصرون للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل بَيته وَكَيف يُقَاتلُون مَعَ مُعَاوِيَة حَتَّى سفكت دِمَاؤُهُمْ مَعَه وَقد اخْتلف عَلَيْهِ بَنو عبد منَاف وَلَا يُقَاتلُون مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَتَّى تسفك دِمَاؤُهُمْ وَبَنُو عبد منَاف مَعَه فالعباس بن عبد الْمطلب أكبر بني هَاشم وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب أكبر بني أُميَّة وَكِلَاهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 كَانَا يميلان إِلَى عَليّ فَلم لَا قَاتل النَّاس مَعَه إِذْ ذَاك وَالْأَمر فِي أَوله والقتال إِذْ ذَاك لَو كَانَ حَقًا مَعَ عَليّ أولى وَولَايَة عَليّ أسهل فَإِنَّهُ لَو عرض نفر قَلِيل مِنْهُم وَقَالُوا عَليّ هُوَ الْوَصِيّ كَمَا ادَّعَت الرافضة وَنحن لَا نُبَايِع إِلَّا لَهُ وَلَا نعصي نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نقدم الظَّالِمين أَو الْمُنَافِقين من بني تيم على بني هَاشم لأستجاب جُمْهُور النَّاس بل عامتهم لَا سِيمَا وَأَبُو بكر لَيْسَ عِنْده رَغْبَة وَلَا رهبة ثمَّ هَب أَن عمر وَجَمَاعَة كَانُوا مَعَه فَمَا هم بِأَكْثَرَ وَلَا أعز من الَّذين كَانُوا مَعَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَمُعَاوِيَة وَمَعَ هَذَا فقد قَاتلهم عَليّ إِنَّه لَو كَانَ الْحق كَمَا تَقوله الرافضة لَكَانَ أَبُو بكر وَعمر وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من شرار أهل الأَرْض وأعظمهم جهلا وظلما حَيْثُ عَمدُوا بعد موت نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبدلوا وظلموا وكل هَذَا مِمَّا يعلم بالإضطرار فَسَاده من دين الْإِسْلَام وَهُوَ مِمَّا يبين أَن الَّذِي ابتدع مَذْهَب الرافضة كَانَ زنديقا ملحدا عدوا لدين الْإِسْلَام وَأَهله وَلم يكن من أهل الْبدع المتأولين كالخوارج والقدرية وَإِن كَانَ قَول الرافضة راج بعد ذَلِك على قوم فيهم إِيمَان لفرط جهلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ثمَّ يُقَال وَأي دَاع كَانَ للْقَوْم حَتَّى نصروا عَائِشَة على عَليّ وَلَا ينْصرُونَ فَاطِمَة على أبي بكر وَلَو كَانَ قيامهم للرئاسة وَالدُّنْيَا لَكَانَ قيامهم مَعَ أشرف الْعَرَب وهم بَنو هَاشم أولى وَلِهَذَا قَالَ صَفْوَان بن أُميَّة الجُمَحِي يَوْم حنين وَالله لِأَن يربنِي رجل من قُرَيْش أحب إِلَيّ من أَن يربنِي رجل من ثَقِيف فصفوان رَأس الطُّلَقَاء لِأَن يربه رجل من بني عبد منَاف أحب إِلَيْهِ من أَن يربه رجل من بني تيم وهلا قدمُوا الْعَبَّاس فَإِنَّهُ كَانَ أقرب إِلَى أغراضهم من أبي بكر إِذا فرضتم أَن قيامهم للدنيا فَدلَّ ذَلِك على أَنهم وضعُوا الْحق فِي نصابه وأقروه فِي إهابه وَأتوا إِلَيْهِ من بَابه قَالَ وسموها أم الْمُؤمنِينَ وَلم يسموا غَيرهَا بذلك قُلْنَا هَذَا بهتان وَاضح لكل أحد وَجَهل مِنْك بل مَا زَالَت الْأمة قَدِيما وحديثا يسمون أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ اتبَاعا لنَصّ تسميتهم بِالْقُرْآنِ سوى الرافضة وَمَا يُنكر هَذَا إِلَّا من يَقُول الْحُسَيْن لَيْسَ بإبن فَاطِمَة كَمَا قَالَ بعض النصيرية وَمَا كَانَ الْحسن وَالْحُسَيْن أَوْلَاد عَليّ بل أَوْلَاد سُلَيْمَان الْفَارِسِي وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ أَبُو بكر وَعمر مدفونين عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ورقية وَأم كُلْثُوم ليستا بِنْتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل بِنْتا خَدِيجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 من غَيره قَالَ وَلم يسموا أخاها مُحَمَّد بن أبي بكر خَال الْمُؤمنِينَ وَسموا مُعَاوِيَة خَال الْمُؤمنِينَ قُلْنَا هَذَا إِنَّمَا يَقُوله جهلة السّنة نكاية فِيكُم وَإِلَّا فَلَا فرق وَقد تنَازع الْعلمَاء فِي إخوتهن هَل يُقَال لأَحَدهم خَال الْمُؤمنِينَ فجوز ذَلِك بَعضهم وَلَو جَوَّزنَا ذَلِك لاتسع الْخرق ولكثر أخوال الْمُؤمنِينَ وخالاتهم ولقيل فِي أبي بكر وَعمر جد الْمُؤمنِينَ ولحرم التَّزَوُّج بخالات الْمُؤمنِينَ وَهَذَا لَا يَقُوله بشر وَذَلِكَ أَنه لم يثبت لأزواجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْكَام النّسَب وَإِنَّمَا ثَبت لَهُنَّ الْحُرْمَة والإسم وَتَحْرِيم نِكَاحهنَّ دون الْمَحْرَمِيَّة وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا بعض السّنة فِي مُعَاوِيَة خَاصَّة لما رَأَوْا من إستحلال الرافضة لَعنه وتكفيره فَهَلا ذكرت من هُوَ أفضل من مُعَاوِيَة وَمُحَمّد بن أبي بكر وَهُوَ عبد الله بن عمر وَكَانَ سَبَب إختصاص مُحَمَّد بن أبي بكر بعلي لِأَنَّهُ ربيبه وَابْن زَوجته فَإِن عليا تزوج بِأُمِّهِ أَسمَاء بنت عُمَيْس بعد أبي بكر ثمَّ إِنَّه جلده عُثْمَان فِي حد فَبَقيَ فِي نَفسه عَلَيْهِ حَتَّى خرج عَلَيْهِ ثمَّ إِنَّه ولي مصر من جِهَة عَليّ فَذهب إِلَيْهَا فحاربوه ثمَّ قتل وأحرق فَحصل لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 خير وتكفير رَحمَه الله تَعَالَى والرافضة تغلو فِي تَعْظِيمه على عَادَتهم الْفَاسِدَة فِي أَنهم يمدحون رجال الْفِتْنَة الَّذين قَامُوا على عُثْمَان ويبالغون فِي مدح من قَاتل مَعَ عَليّ حَتَّى يفضلون مُحَمَّد بن أبي بكر على أَبِيه أبي بكر فيلعنون أفضل الْأمة بعد نبيها ويمدحون ابْنه الَّذِي لَيْسَ لَهُ صُحْبَة وَلَا سَابِقَة وَلَا فَضِيلَة ويتناقضون بذلك فِي تَعْظِيم الْأَنْسَاب فَإِن كَانَ الرجل لَا يضرّهُ كفر أَبِيه أَو فسقه لم يضر نَبينَا وَلَا إِبْرَاهِيم وَلَا عليا كفر آبَائِهِم وَإِن ضرهم لَزِمَهُم أَن يقدحوا فِي مُحَمَّد بن أبي بكر بِأَبِيهِ وهم يعظمونه وَابْنه الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَابْن ابْنه عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم خير عِنْد الْمُسلمين مِنْهُ وَلَا يذكرونهما بِخَير لِكَوْنِهِمَا ليسَا من رجال الْفِتْنَة وَأما قَوْله وَعظم شَأْنه فَإِن أَرَادَ عظم نسبه فالنسب عِنْدهم لَا حُرْمَة لَهُ لقدحهم فِي أَبِيه وَأُخْته وَأما أهل السّنة فَإِنَّمَا يعظمون النَّاس بالتقوي لَا بِمُجَرَّد النّسَب قَالَ تَعَالَى (إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم) وَإِن أَرَادَ عظم شَأْنه بسابقيته وهجرته ونصرته فَهُوَ لَيْسَ من الصَّحَابَة لَا من الْمُهَاجِرين وَلَا من الْأَنْصَار وَإِن أَرَادَ بِعظم شَأْنه أَنه كَانَ من أعظم النَّاس وأدينهم فَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَلَيْسَ هُوَ معدودا من أَعْيَان الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ الَّذين فِي طبقته وَإِن أَرَادَ بذلك شرفة فِي الْمنزلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 لكَونه كَانَ لَهُ جاه ومنزلة ورياسة فمعاوية كَانَ أعظم جاها ورياسة ومنزلة مِنْهُ بل مُعَاوِيَة خير مِنْهُ وأدين وأحلم وَأكْرم فَإِن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ روى الحَدِيث وَتكلم فِي الْفِقْه وَقد روى أهل الحَدِيث حَدِيثه فِي الصِّحَاح والمساند وَغَيرهَا وَذكر بعض الْعلمَاء فَتَاوِيهِ وأقضيته وَأما مُحَمَّد بن أبي بكر فَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَأما قَوْله وَأُخْت مُحَمَّد وَأَبوهُ أعظم من أُخْت مُعَاوِيَة وأبيها فَيُقَال هَذِه الْحجَّة بَاطِلَة على الْأَصْلَيْنِ وَذَلِكَ أَن أهل السّنة يفضلون الرجل إِلَّا بِنَفسِهِ فَلَا ينفع مُحَمَّدًا قربه من أبي بكر وَعَائِشَة وَلَا يضر مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَن يكون ذَلِك أفضل نسبا مِنْهُ وَهَذَا أصل مَعْرُوف لأهل السّنة كَمَا لَا يضر السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار الَّذين أَنْفقُوا من قبل الْفَتْح وقاتلوا كبلال وصهيب وخباب وأمثالهم أَن يكون من تَأَخّر عَنْهُم من الطُّلَقَاء وَغَيرهم كَأبي سُفْيَان بن حَرْب وابنيه مُعَاوِيَة وَيزِيد وَأبي سُفْيَان ابْن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَرَبِيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَعقيل بن أبي طَالب وَنَحْوهم أعظم نسبا مِنْهُم فَإِن هَؤُلَاءِ من بني عبد منَاف أشرف قُرَيْش بَيْتا وَأُولَئِكَ لَيْسَ لَهُم نسب شرِيف وَلَكِن فَضلهمْ بِمَا فضل الله بِهِ من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل على الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا فَكيف على من بعد هَؤُلَاءِ وَأما الرافضة فَإِنَّهُم إِن اعتبروا النّسَب لَزِمَهُم أَن يكون مُحَمَّد بن أبي بكر عِنْدهم شَرّ النَّاس نسبا لقبح قَوْلهم فِي أَبِيه وَأُخْته فعلي أصلهم لَا يجوز تفضيله بِقُرْبِهِ مِنْهُمَا وَإِن ذكرُوا ذَلِك من طَرِيق الْإِلْزَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 لأهل السّنة فهم يفضلون من فَضله الله حَيْثُ قَالَ (إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم) ثمَّ قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن مُعَاوِيَة الطليق ابْن الطليق وَقَالَ إِذا رَأَيْتُمُوهُ على منبري فَاقْتُلُوهُ وسموه كَاتب الْوَحْي وَلم يكْتب لَهُ كلمة من الْوَحْي بل كَانَ يكْتب لَهُ رسائل قُلْنَا هَذَا الحَدِيث لَيْسَ فِي شَيْء من كتب الْإِسْلَام وَهُوَ عِنْد الْحفاظ كذب وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات ثمَّ قد صعد الْمِنْبَر من هُوَ شَرّ من مُعَاوِيَة وَمَا أَمر بقتْله وَأما قَوْلك الطليق بن الطليق فَمَا هَذَا بِصفة ذمّ فَإِن الطُّلَقَاء غالبهم حسن إسْلَامهمْ كالحارث بن هِشَام وَابْن أَخِيه عِكْرِمَة وَسُهيْل بن عَمْرو وَصَفوَان بن أُميَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وَحَكِيم بن حزَام وأمثالهم وَكَانُوا من خِيَار الْمُسلمين وَمُعَاوِيَة مِمَّن حسن إِسْلَامه وولاه عمر بعد أَخِيه يزِيد وَلم يكن عمر وَالله مِمَّن يحابي وَلَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَلَا كَانَ يحب أَبَا سُفْيَان وَقد حرص على قَتله لما جَاءَ بِهِ الْعَبَّاس وَلَو كَانَ مِمَّن يحابي لوَلِيّ أَقَاربه من بني عدي ثمَّ إِن مُعَاوِيَة بَقِي على دمشق وَغَيرهَا عشْرين سنة أَمِير وَعشْرين سنة خَليفَة ورعيته يحبونه لإحسانه وَحسن سياسته وتأليفه لقُلُوبِهِمْ حَتَّى إِنَّهُم قَاتلُوا مَعَه عليا وَعلي أفضل من أَمْثَاله وَأولى بِالْحَقِّ مِنْهُ وَهَذَا يعْتَرف بِهِ غَالب جند مُعَاوِيَة وَلَكنهُمْ قَاتلُوا مَعَ مُعَاوِيَة لظنهم أَن عَسْكَر عَليّ فِيهِ قتلة عُثْمَان وَفِيه ظلمَة وَلِهَذَا لم يبدأوا بِالْقِتَالِ حَتَّى بدأهم أُولَئِكَ فقاتلوهم دفعا لصيالهم عَلَيْهِم وقتال الصَّائِل جَائِز وَلِهَذَا قَالَ الأشتر النَّخعِيّ إِنَّهُم ينْصرُونَ علينا لأَنا نَحن بدأناهم بِالْقِتَالِ وَعلي كَانَ عَاجِزا عَن قهر الظلمَة من العسكرين وَلم يكن أمراؤه وأعوانه يوافقونه على كثير مِمَّا يامر بِهِ وَأَعْوَان مُعَاوِيَة يوافقونه قَالَ وَقَاتل عليا وَعلي عِنْدهم رَابِع الْخُلَفَاء إِمَام حق وكل من قَاتل إِمَام حق فَهُوَ بَاغ ظَالِم قُلْنَا نعم والباغي قد يكون متأولا مُعْتَقدًا أَنه على حق وَقد يكون بغيه مركبا من تَأْوِيل وشهوة وشبهة وَهُوَ الْغَالِب وعَلى كل تَقْدِير فَهَذَا لَا يرد وَإِنَّا لَا ننزه هَذَا الرجل وَلَا من هُوَ أفضل مِنْهُ عَن الذُّنُوب والحكاية مَشْهُورَة عَن الْمسور بن مخرمَة أَنه خلا بِمُعَاوِيَة فَطلب مِنْهُ مُعَاوِيَة أَن يُخبرهُ بِمَا ينقمه عَلَيْهِ فَذكر الْمسور أمورا فَقَالَ يَا مسور أَلَك سيئات قَالَ نعم قَالَ أترجو أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 يغفرها الله قَالَ نعم قَالَ فَمَا جعلك أَرْجَى لرحمة الله مني وَإِنِّي مَعَ ذَلِك وَالله مَا خيرت بَين الله وَبَين سواهُ إِلَّا اخْتَرْت الله على مَا سواهُ وَوَاللَّه لما أليه من الْجِهَاد وَإِقَامَة الْحُدُود وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر أفضل من عَمَلك وَأَنا على دين يقبل الله من أَهله الْحَسَنَات ويتجاوز لَهُم عَن السَّيِّئَات ثمَّ إِن قَالَت لكم الْخَوَارِج والنواصب مَا الدَّلِيل على عَدَالَة عَليّ وإيمانه مالكم حجَّة إِلَّا مَا تَوَاتر من إِسْلَامه وعبادته فَإِن قَالُوا لكم فقد تَوَاتر ذَلِك من أبي بكر وَعمر أَيْضا وَطَائِفَة مِمَّن تقدحون فِي إِيمَانهم فَمَا الْفرق بَيْننَا وَبَيْنكُم فَإِن احتججتم بالظواهر القرآنية فَهِيَ متناولة لهَؤُلَاء وَهَؤُلَاء وَأَنْتُم أخرجتم جمَاعَة كَبِيرَة وَنحن أخرجنَا وَاحِدًا وَإِن قَالُوا بِمَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة من فضائله قُلْنَا فقد ورد أَيْضا فَضَائِل أُولَئِكَ فاقبلوا الْكل وَإِن طعنتم فِي الصَّحَابَة فَردُّوا الْكل فَإِن احتججتم بمبايعة النَّاس لَهُ قُلْنَا من الْمَعْلُوم أَن مبايعة النَّاس للثَّلَاثَة قبله أعظم وَأكْثر فَإِن أهل الشَّام مَا بَايعُوهُ وَلَا أَكثر أهل مصر ثمَّ النواصب يَقُولُونَ بل عَليّ الْبَاغِي قَاتل على الْأمان وَبَدَأَ بِالْقِتَالِ وَسَفك دِمَاء الْأمة وَكَانَ السَّيْف فِي دولته مسلولا على الْأمة مكفوفا عَن الْمُشْركين ثمَّ الْخَوَارِج تقدح فِي الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا وَعَمْرو بن عبيد وَجَمَاعَة من الْمُعْتَزلَة يَقُولُونَ فسق أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه قلت يَعْنِي يَوْم الْجمل وَأما يَوْم صفّين فَقَالَ عَمْرو بن عبيد وواصل ابْن عَطاء وَأَبُو الْهُذيْل العلاف أصَاب فِي قتال مُعَاوِيَة نَقله ابْن حزم وَخلق من الْخَوَارِج قَالُوا كَانَ الْحق مَعَ عَليّ فَلَمَّا حكم الْحكمَيْنِ كفر فَإِن قيل هَؤُلَاءِ بغاة لِأَن النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمَّار تقتلك الفئة الباغية قُلْنَا الْخَيْر صَحِيح وَقد تكلم فِيهِ بَعضهم وَبَعْضهمْ تَأَوَّلَه على أَن الْبَاغِي الطَّالِب وَهَذَا لَا شَيْء وَأما السّلف كَأبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَغَيرهم فَيَقُولُونَ لم يُوجد شَرط قتال الطَّائِفَة الباغية فَإِن الله يَأْمر بقتالها إبتداء بل أَمر إِذا اقْتتلَتْ طَائِفَتَانِ أَن يصلح بَينهمَا ثمَّ إِن بَغت إِحْدَاهمَا قوتلت وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْقِتَال عِنْد أَحْمد وَمَالك قتال فتْنَة وَأَبُو حنيفَة يَقُول لَا يجوز قتال الْبُغَاة حَتَّى يبدأوا بِقِتَال الإِمَام وَهَؤُلَاء لم يبدأوه ثمَّ أهل السّنة تَقول الإِمَام الْحق لَيْسَ مَعْصُوما وَلَا يجب على الْإِنْسَان أَن يُقَاتل مَعَه كل من خرج عَن طَاعَته وَلَا أَن يُعْطِيهِ الْإِنْسَان فِيمَا يعلم أَن مَعْصِيّة وَأَن يتْركهُ أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وعَلى هَذَا ترك جمَاعَة من الصَّحَابَة الْقِتَال مَعَ عَليّ لأهل الشَّام وَالَّذين قَاتلُوهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونُوا عصاة أَو مجتهدين مخطئين أَو مصيبين وعَلى كل تَقْدِير فَهَذَا لَا يقْدَح فِي إِيمَانهم وَلَا يمنعهُم الْجنَّة بقوله تَعَالَى (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله فَإِن فاءت فأصلحوا بَينهمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا إِن الله يحب المقسطين إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم) فسماهم إخْوَة وَأما قَوْلك لم يكْتب لَهُ كلمة من الْوَحْي فدعوى كنظائرها قَالَ وَكَانَ بِالْيمن يَوْم الْفَتْح يطعن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتب إِلَى أَبِيه أبي سُفْيَان يعيره بِالْإِسْلَامِ وَيَقُول أَصَبَوْت إِلَى دين مُحَمَّد وَكتب إِلَيْهِ هَذِه الأبيات (يَا صَخْر لَا تسلمن طَوْعًا فتفضحنا ... بعد الَّذين ببدر أَصْبحُوا فرقا) (جدي وخالي وَعم الْأُم يالهم ... قوما وحَنْظَلَة المهندي لنا أرقا) (فالموت أَهْون من قَول الوشاة لنا ... خلى ابْن هِنْد عَن الْعُزَّى لقد فرقا) وأهدر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَمه فَلَمَّا لم يجد مأوى صَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مضطربا فأظهر الْإِسْلَام قبل موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة أشهر وَطرح نَفسه على الْعَبَّاس إِلَى أَن قَالَ وَعَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطلع عَلَيْكُم رجل يَمُوت على غير سنتي فطلع مُعَاوِيَة وَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَأخذ مُعَاوِيَة بيد ابْنه يزِيد وَخرج فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْقَائِد والمقود إِلَى أَن قَالَ وَبَالغ فِي محاربة على وَقتل جمعا من خِيَار الصَّحَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وَلعن عَليّ على الْمِنْبَر وَاسْتمرّ ثَمَانِينَ سنة حَتَّى قطعه عمر بن عبد الْعَزِيز وسم الْحسن وَقتل ابْنه مولَايَ الْحُسَيْن وَنهب وسبى وَكسر أَبوهُ ثنية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأكلت أمه كبد حَمْزَة فَيُقَال سُبْحَانَ من خلق الْكَذِب وَسلمهُ إِلَى الرافضة فَأَما أَبُو سُفْيَان فَإِنَّهُ أسلم قبل دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة بمر الظهْرَان لَيْلَة نزل بهَا وَقَالَ الْعَبَّاس إِن أَبَا سُفْيَان يحب الشّرف فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن ألْقى السِّلَاح فَهُوَ آمن وَأَبُو سُفْيَان كَانَ عِنْده من دَلَائِل النُّبُوَّة مَا سَمعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 من هر قل قبل إِسْلَامه بأشهر وَمَا كَانَ عِنْده من أُميَّة بن أبي الصَّلْت لَكِن الْحَسَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 مَنعه من الْإِيمَان حَتَّى أدخلهُ الله عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِه بِخِلَاف مُعَاوِيَة فَإِنَّهُ لم يعرف عَنهُ شَيْء من ذَلِك وَلَا عَن أَخِيه يزِيد وَهَذَا الشّعْر كذب عَلَيْهِ قطعا ثمَّ لَا يجوز الطعْن على من تَأَخّر إِسْلَامه كصفوان بن أُميَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 والْحَارث بن هِشَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ثمَّ نفس هَذَا الشّعْر يدل على وَضعه فَإِنَّهُ لَا يشبه نفس الصَّحَابَة وَإِسْلَام مُعَاوِيَة عَام الْفَتْح بإتفاق النَّاس ثمَّ قد تقدم قَوْلك إِنَّه من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم والمؤلفة إِنَّمَا أَعْطَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَنَائِم حنين وَكَانَت بعد الْفَتْح بأيام فَلَو كَانَ هَارِبا لم يكن من الْمُؤَلّفَة وَقد قَالَ قصرت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَرْوَة بمشقص وَهَذَا وَالله أعلم كَانَ فِي عمرته عَلَيْهِ السَّلَام من الْجِعِرَّانَة فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأما قَوْله وَقد روى عبد الله بن عمر قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسمتعه يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 يطلع عَلَيْكُم رجل يَمُوت على غير سنتي فطلع مُعَاوِيَة وَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَأخذ مُعَاوِيَة بيد ابْنه يزِيد وَخرج وَلم يسمع الْخطْبَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْقَائِد والمقود أَي يَوْم يكون للْأمة مَعَ مُعَاوِيَة ذِي الْإِسَاءَة فَالْجَوَاب عَلَيْهِ أَولا نَحن نطالب بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث فَإِن الإحتجاج بِالْحَدِيثِ لَا يجوز إِلَّا بعد ثُبُوته وَيُقَال ثَانِيًا هَذَا الحَدِيث من الْكَذِب الْمَوْضُوع بإتفاق أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ وَلَا يُوجد فِي شَيْء من دواوين الحَدِيث الَّتِي يرجع إِلَيْهَا فِي معرفَة الحَدِيث وَلَا لَهُ إِسْنَاد مَعْرُوف وَهَذَا المحتج بِهِ لم يذكر لَهُ إِسْنَادًا ثمَّ من جَهله أَن يرْوى مثل هَذَا عَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عمر من أبعد النَّاس عَن ثلب الصَّحَابَة وأروى النَّاس لمناقبهم وَقَوله فِي مدح مُعَاوِيَة مَعْرُوف ثَابت عَنهُ حَيْثُ يَقُول مَا رَأَيْت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسود من مُعَاوِيَة قيل لَهُ وَلَا أَبُو بكر وَعمر فَقَالَ كَانَ أَبُو بكر وَعمر خيرا مِنْهُ وَمَا رَأَيْت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسود من مُعَاوِيَة قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل السَّيِّد الْحَلِيم يَعْنِي مُعَاوِيَة وَكَانَ مُعَاوِيَة كَرِيمًا حَلِيمًا ثمَّ إِن خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تكن وَاحِدَة بل كَانَ يخْطب فِي الْجمع والأعياد وَالْحج وَغير ذَلِك وَمُعَاوِيَة وَأَبوهُ يَشْهَدَانِ الْخطب كَمَا يشهدها الْمُسلمُونَ كلهم أفتراهما فِي كل خطْبَة كَانَا يقومان ويمكنان من ذَلِك هَذَا قدح فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي سَائِر الْمُسلمين إِذْ يمكنون إثنين دَائِما يقومان وَلَا يحْضرَانِ الْخطْبَة وَلَا الْجُمُعَة وَإِن كَانَا يَشْهَدَانِ كل خطْبَة فَمَا بالهما يمتنعان عَن سَماع خطية وَاحِدَة قبل أَن يتلكم بهَا ثمَّ من الْمَعْلُوم من سيرة مُعَاوِيَة أَنه كَانَ من أحلم النَّاس وأصبرهم على من يُؤْذِيه وَأعظم النَّاس تأليفا لمن يعاديه فَكيف ينفر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَنه أعظم الْخلق مرتبَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ فِي كل أُمُوره فَكيف لَا يصبر على سَماع كَلَامه وَهُوَ بعد الْملك يسمع كَلَام من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 يشتمه فِي وَجهه فلماذا لم يسمع كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَيف يتَّخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَاتبا من هُوَ فِي هَذِه الْحَالة وَقَوله إِنَّه أَخذ بيد ابْنه يزِيد فمعاوية لم يكن لَهُ يَوْمئِذٍ ابْن اسْمه يزِيد وَأما ابْنه يزِيد الَّذِي تولى الْملك وَجرى فِي خِلَافَته مَا جرى فَإِنَّمَا ولد فِي خلَافَة عُثْمَان بإتفاق أهل الْعلم وَلم يكن لمعاوية ولد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن نَاصِر خطب مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُزَوّج لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرا وَإِنَّمَا تزوج فِي زمن عمر رَضِي الله عَنهُ وَولد لَهُ فِي يزِيد فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ سنة سبع وَعشْرين من الْهِجْرَة ثمَّ نقُول ثَالِثا هَذَا الحَدِيث يُمكن معارضته بِمثلِهِ من جنسه بِمَا يدل ع لى فضل مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات قد تعصب قوم مِمَّن يَدعِي السّنة فوضعوا فِي فضل مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَحَادِيث ليغيظوا الرافضة وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا فِي ذمه أَحَادِيث وكلا الْفَرِيقَيْنِ على الْخَطَأ الْقَبِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وَأما محاربته عليا فلأمور لَا تخرجه عَن الْإِسْلَام وَإِن كَانَ عَليّ أقرب إِلَى الْحق وَأولى بِهِ مِنْهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تمرق مارقة على حِين فرقة من الْمُسلمين تقتلهم أولى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ فَهَؤُلَاءِ المارقة هم الَّذين خَرجُوا على عَليّ وقاتلوه يَوْم النهروان فَدلَّ الحَدِيث على أَن عليا وطائفته أقرب إِلَى الْحق من طَائِفَة مُعَاوِيَة وَفِي البُخَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الْحسن إِن ابْني هَذَا سيد وَإِن الله سيصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُؤمنِينَ فمدح الْحسن بالإصلاح الَّذِي جرى على الْجَمَاعَة من الفئتين وسماهما مُؤمنين وَهَذَا يدل أَيْضا على أَن الْإِصْلَاح بَينهمَا هُوَ الْمَحْمُود لَا الْقِتَال الَّذِي جرى وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَكُون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم الحَدِيث وَقَالَ يُوشك أَن يكون خير مَال الْمُسلم غنم يتبع بهَا شعف الْجبَال ومواقع الْقطر يفر بِدِينِهِ من الْفِتَن وَالَّذين رووا أَحَادِيث الْقعُود فِي الْفِتْنَة والتحذير مِنْهَا كسعد بن أبي وَقاص وَمُحَمّد بن مسلمة وَأُسَامَة لم يقاتلوا إِلَّا مَعَ عَليّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَة ثمَّ الَّذين قَاتلُوا مَعَ عَليّ أخف جرما من الَّذين قتلوا عُثْمَان صبرا وَأَنت تمدحهم وترضى فعلهم يَا جَاهِل فَإِن قلت إِن عُثْمَان فعل أَشْيَاء أنْكرت عَلَيْهِ قيل فعل عَليّ أَشْيَاء أخرت هَؤُلَاءِ عَن مبايعته فَرضِي الله عَن الرجلَيْن ثمَّ إِن عليا بَادر بعزل مُعَاوِيَة وَكَانَ لَا بَأْس بِهِ فِي ولَايَته محببا إِلَى رَعيته وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 اسْتعْمل عَليّ من هُوَ دون مُعَاوِيَة كزياد بن أَبِيه وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من عَليّ وَاسْتعْمل أَبَا سُفْيَان على نَجْرَان وَمَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو سُفْيَان أَمِير عَلَيْهَا وَكَانَ كثير من أُمَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْأَعْمَال من بني أُميَّة فَإِنَّهُ اسْتعْمل على مَكَّة عتاب بن أسيد بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة وَاسْتعْمل خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَأَبَان بن سعيد بن الْعَاصِ وولاه عمر رَضِي الله عَنهُ وَلَا يتهم لَا فِي دينه وَلَا فِي سياسته وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ خِيَار أئمتكم الَّذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عَلَيْهِم وَيصلونَ عَلَيْكُم وشرار أئمتكم الَّذين تبغضونهم ويبغضونكم وتعلنونهم ويلعنونكم قَالُوا وَمُعَاوِيَة كَانَت رَعيته يحبونه وَهُوَ يُحِبهُمْ وَيصلونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَيْهِم وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من خالفهم وَلَا من خذلهم قَالَ مَالك بن يخَامر سَمِعت معَاذًا يَقُول هم بِالشَّام قَالُوا وَهَؤُلَاء كَانُوا عَسْكَر مُعَاوِيَة وَفِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يزَال أهل الغرب ظَاهِرين حَتَّى تقوم السَّاعَة قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أهل الغرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 هُوَ أهل الشَّام وَقد بسطنا هَذَا فِي مَوضِع آخر وَهَذَا النَّص يتَنَاوَل عَسْكَر مُعَاوِيَة قَالُوا وَمُعَاوِيَة أَيْضا كَانَ خيرا من كثير مِمَّن استنابه عَليّ فَلم يكن يسْتَحق أَن يعْزل ويولي من هُوَ دونه فِي السياسة فليت عليا تألف مُعَاوِيَة وَأقرهُ على الشَّام وحقن الدِّمَاء فَإِذا قيل إِن عليا كَانَ مُجْتَهدا فِي ذَلِك قيل وَعُثْمَان كَانَ مُجْتَهدا فِيمَا فعل وَأَيْنَ الإجتهاد فِي تَخْصِيص بعض النَّاس بِولَايَة أَو إِمَارَة أَو مَال من الإجتهاد فِي سفك الْمُسلمين بَعضهم دِمَاء بعض حَتَّى ذل الْمُؤْمِنُونَ وعجزوا عَن مقاومة الْكفَّار حَتَّى طمعوا فيهم وَفِي الإستيلاء عَلَيْهِم وَلَا ريب أَنه لَو لم يكن قتال بل كَانَ مُعَاوِيَة مُقيما على سياسة رَعيته وَعلي مُقيما على سياسة رَعيته لم يكن فِي ذَلِك من الشَّرّ أَكثر مِمَّا حصل بالإقتتال فَإِنَّهُ بالإقتتال لم تزل هَذِه الْفرْقَة وَلم يجتمعوا على إِمَام بل سفكت الدِّمَاء وقويت الْعَدَاوَة والبغضاء وضعفت الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت أقرب إِلَى الْحق وَهِي طَائِفَة عَليّ وصاروا يطْلبُونَ من الطَّائِفَة الْأُخْرَى من المسالمة مَا كَانَت تِلْكَ تطلبه إبتداء وَمَعْلُوم أَن الْفِعْل الَّذِي تكون مصْلحَته راجحة على مفسدته يحصل بِهِ من الْخَيْر أعظم مِمَّا يحصل بِعَدَمِهِ وَهنا لم يحصل بالإقتتال مصلحَة بل كَانَ الْأَمر مَعَ عدم الْقِتَال خيرا وَأصْلح مِنْهُ بعد الْقِتَال وَكَانَ عَليّ وَعَسْكَره أَكثر وَأقوى وَمُعَاوِيَة وَأَصْحَابه أقرب إِلَى مُوَافَقَته ومسالمته ومصالحته فَإِذا كَانَ مثل هَذَا الإجتهاد مغفورا لصَاحبه فإجتهاد عُثْمَان أَن يكون مغفورا أولى وَأَحْرَى وَأما مُعَاوِيَة وأعوانه فَيَقُولُونَ إِنَّمَا قاتلنا عليا قتال دفع عَن أَنْفُسنَا وبلادنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 فَإِنَّهُ بدأنا بِالْقِتَالِ فدفعناه بِالْقِتَالِ وَلم نبتدئه بذلك وَلَا اعتدينا عَلَيْهِ فَإِذا قيل لَهُم هُوَ الإِمَام الَّذِي كَانَت تجب طَاعَته عَلَيْكُم ومبايعته وَأَن لَا تشقوا عَصا الْمُسلمين قَالُوا مَا نعلم أَنه إِمَام تجب طَاعَته لِأَن ذَلِك عِنْد الشِّيعَة إِنَّمَا يعلم بِالنَّصِّ وَلم يبلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَص بإمامته وَوُجُوب طَاعَته وَلَا ريب أَن عذرهمْ فِي هَذَا ظَاهر فَإِنَّهُ لَو قدر أَن النَّص الْجَلِيّ الَّذِي تدعيه الإمامية حق فَإِن هَذَا قد كتم وأخفي فِي زمن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فَلم يجب أَن يعلم مُعَاوِيَة وَأَصْحَابه مثل ذَلِك لَو كَانَ حَقًا فَكيف إِذا كَانَ بَاطِلا وَأما قَوْله إِن مُعَاوِيَة قتل جمعا كثيرا من خِيَار الصَّحَابَة فَيُقَال الَّذين قتلوا من الطَّائِفَتَيْنِ قتل هَؤُلَاءِ من هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء من هَؤُلَاءِ وَأكْثر الَّذين كَانُوا يختارون الْقِتَال من الطَّائِفَتَيْنِ لم يَكُونُوا يطيعون عليا وَلَا مُعَاوِيَة وَكَانَ عَليّ وَمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا أطلب لكف الدِّمَاء من أَكثر المقتتلين لَكِن غلبا فِيمَا وَقع والفتنة إِذا ثارت عجز الْحُكَمَاء عَن إطفاء نارها وَكَانَ فِي العسكرين مثل الأشتر النَّخعِيّ وهَاشِم بن عتبَة المرقال وَعبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد وَأبي الْأَعْوَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 السّلمِيّ وَنَحْوهم من المحرضين على الْقِتَال قوم ينتصرون لعُثْمَان غَايَة الإنتصار وَقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ينفرون عَنهُ وَقوم ينتصرون لعَلي وَقوم ينفرون عَنهُ ثمَّ قتال أَصْحَاب مُعَاوِيَة مَعَه لم يكن لخُصُوص مُعَاوِيَة بل كَانَ لأسباب أُخْرَى وقتال الْفِتْنَة مثل قتال الْجَاهِلِيَّة لَا تنضبط مَقَاصِد أَهله وإعتقاداتهم كَمَا قَالَ الزُّهْرِيّ وَقعت الْفِتْنَة وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متوافرون فَأَجْمعُوا أَن كل دم أَو مَال أَو فرج أُصِيب بِتَأْوِيل الْقُرْآن فَإِنَّهُ هدر أنزلوهم منزلَة الْجَاهِلِيَّة وَأما مَا وَقع من لعن عَليّ فَإِن التلاعن وَقع من الطَّائِفَتَيْنِ فَكَانَ هَؤُلَاءِ يلعنون رُءُوس هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ وَهَؤُلَاء يلعنون رُءُوس هَؤُلَاءِ والقتال بِالْيَدِ أعظم من التلاعن وَهَذَا كُله سَوَاء كَانَ ذَنبا أَو إجتهادا مخطئا أَو مصيبا فَإِن مغْفرَة الله وَرَحمته تتَنَاوَل ذَلِك بِالتَّوْبَةِ والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وَغير ذَلِك وَمن العجيب أَن الرافضة تنكرسب عَليّ وتسب الثَّلَاثَة قبله أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وتكفرهم وَمُعَاوِيَة وَحزبه مَا كفرُوا عليا إِنَّمَا كفرته الْخَوَارِج المارقون من الدّين وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مد أحدهم وَلَا نصيفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 قَالَ وسم مُعَاوِيَة الْحسن فَهَذَا قيقل وَلم يثبت فَيُقَال إِن امْرَأَته سمته وَكَانَ مطلاقا رَضِي الله عَنهُ فلعلها سمته لغَرَض وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَقد قيل إِن أَبَاهَا الْأَشْعَث بن قيس أمرهَا بذلك فَإِنَّهُ كَانَ يتهم بالإنحراف فِي الْبَاطِن عَن عَليّ وَابْنه الْحسن وَإِذا قيل إِن مُعَاوِيَة أَمر أَبَاهَا كَانَ هَذَا ظنا مَحْضا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَبِالْجُمْلَةِ فَمثل هَذَا لَا يحكم بِهِ فِي الشَّرْع بإتفاق الْمُسلمين فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَمر ظَاهر لَا مدح وَلَا ذمّ ثمَّ إِن الْأَشْعَث بن قيس مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَقيل سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَلِهَذَا لم يذكر فِي الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَين مُعَاوِيَة وَالْحسن بن عَليّ فِي الْعَام الَّذِي كَانَ يُسمى عَام الْجَمَاعَة وَهُوَ عَام أحد وَأَرْبَعين وَكَانَ الْأَشْعَث حما الْحسن بن عَليّ فَلَو كَانَ شَاهدا لَكَانَ يكون لَهُ ذكر فِي ذَلِك وَإِذا كَانَ قد مَاتَ قبل الْحسن بِنَحْوِ عشر سِنِين فَكيف يكون هُوَ الَّذِي أَمر ابْنَته وَأما يزِيد فَلم يَأْمر بقتل الْحُسَيْن بإتفاق أهل النَّقْل وَلَكِن كتب إِلَى ابْن زِيَاد أَن يمنعهُ عَن ولَايَة الْعرَاق وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ كَانَ يظنّ أَن أهل الْعرَاق ينصرونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ويوفون لَهُ بِمَا كتبُوا إِلَيْهِ فَأرْسل إِلَيْهِم ابْن عَمه مُسلم بن عقيل فَلَمَّا قتلوا مُسلما وغدروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 بِهِ وَبَايَعُوا ابْن زِيَاد أَرَادَ الرُّجُوع فَأَدْرَكته السّريَّة الظالمة فَطلب أَن يذهب إِلَى يزِيد أَو يذهب إِلَى الثغر أَو يرجع إِلَى بَلَده فَلم يمكنوه من ذَلِك حَتَّى يستأسر لَهُم وَلَكِن هُوَ رَضِي الله عَنهُ أَبى أَن يسلم نَفسه وَأَن ينزل على حكم عبيد الله بن زِيَاد وَقَاتل حَتَّى قتل شَهِيدا مَظْلُوما رَضِي الله عَنهُ وَلما بلغ ذَلِك يزِيد أظهر التوجع وَظهر الْبكاء فِي دَاره وَلم يسب لَهُم حريما أصلا بل جهزهم وَأَعْطَاهُمْ وبعثهم إِلَى وطنهم وَكَانَ مُعَاوِيَة وصّى يزِيد برعاية حق الْحُسَيْن وإجلاله وَقَوله إِن أَبَا سُفْيَان كسر ثنية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّمَا كسرهَا عتبَة بن أبي وَقاص ولاكت هِنْد كبد حَمْزَة ولفظتها ثمَّ من الله عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكرمها أَنَّهَا حماته قَالَ الله تَعَالَى (قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف) وَفِي مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 يهدم مَا كَانَ قبله وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ لما أسلمت هِنْد أم مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت وَالله يَا رَسُول الله مَا كَانَ على ظهر الأَرْض أهل خباء أحب إِلَيّ أَن يذلوا من أهل خبائك ثمَّ مَا أصبح الْيَوْم على ظهر الأَرْض أهل خباء أحب إِلَى أَن يعزوا من أهل خبائك قَالَ الرافضي وَسموا خَالِدا سيف الله عنادا لأمير الْمُؤمنِينَ الَّذِي هُوَ أَحَق بِهَذَا مِنْهُ وَقَالَ فِيهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ سيف الله وَسَهْم الله وَقَالَ عَليّ على الْمِنْبَر أَنا سيف الله على أعدائه وخَالِد لم يزل عدوا للرسول مُكَذبا لَهُ وَهُوَ كَانَ السَّبَب فِي قتل الْمُسلمين يَوْم أحد وَلما تظاهر بِالْإِسْلَامِ بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني جذيمة فخانه وَخَالف أمره وَقتل الْمُسلمين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد فَأَما تَسْمِيَة عَليّ سيف الله فَلم يَصح وَلَا عَرفْنَاهُ فِي كتاب وَأما تَسْمِيَة خَالِد سيف الله فَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهِ بل هُوَ سيف من سيوف الله سَله على الله الْمُشْركين كَمَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيهِ ذَلِك من حَدِيث حميد بن هِلَال عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعى زيدا وجعفرا وَابْن رَوَاحَة وَعَيناهُ تَذْرِفَانِ قَالَ ثمَّ أَخذ الرَّايَة سيف من سيوف الله حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يمْنَع أَن يكون غَيره سَيْفا لله بل هُوَ يتَضَمَّن أَن سيوف الله مُتعَدِّدَة وَلَا ريب أَن خَالِدا قتل من الْكفَّار أَكثر مِمَّا قتل غَيره وَكَانَ سعيدا فِي حروبه وَأسلم قبل الْفَتْح وَهَاجَر وَمن حِين أسلم كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يؤمره وَلَقَد انْقَطع فِي يَده يَوْم مُؤْتَة تِسْعَة أسياف أخرجه البُخَارِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَلَا ريب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبرأ من فعله ببني جذيمة وَلَكِن مَا عَزله وَلَا ريب أَن عليا من سيوف الله فَمن نازعك فِي ذَا وَهُوَ أفضل من خَالِد فَإِن لَهُ من الْعلم وَالْبَيَان والسابقة وَالْإِيمَان والمشاهد مَا لَا يخفى ثمَّ السَّيْف خاصيته الْقِتَال وَعلي كَانَ الْقِتَال بعض فضائله وخَالِد كَانَ أخص نعوته الْقِتَال وَبِه تقدم فَلهَذَا عبر عَنهُ بِأَنَّهُ سيف من سيوف الله وَهَذَا الْبَراء بن مَالك قتل مائَة رجل مبارزة سوى من شرك فِي قَتله وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوت أبي طَلْحَة فِي الْجَيْش خير من فِئَة وَقَالَ إِن لكل نَبِي حواريا وحواري الزبير والرافضة متناقضون فَإِنَّهُم يَقُولُونَ عَليّ النَّاصِر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي لولاه لما قَامَ دينه ثمَّ يصفونه بِالْعَجزِ والتقية الْمنَافِي لذَلِك وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل خَالِدا بعد الْفَتْح إِلَى بني جذيمة فَلم يحسنوا أَن يَقُولُوا أسلمنَا فَقَالُوا صبأنا صبأنا فَلم يقبل ذَلِك وَقَالَ لَيْسَ ذَلِك بِإِسْلَام فَقَتلهُمْ فَأَخْطَأَ فِي إجتهاده ثمَّ أرسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا بِمَال فَأَعْطَاهُمْ نصف الدِّيات وَضمن لَهُم مَا تلف حَتَّى ميلغة الْكَلْب وحاشا خَالِدا أَن يكون معاندا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل كَانَ مُطيعًا لَهُ وَإِن أَخطَأ فِي هَذِه الْمرة كَمَا أَخطَأ أُسَامَة بن زيد فِي قتل ذَلِك الرجل الَّذِي قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَقتل السّريَّة لصَاحب الْغَنِيمَة الَّذِي قَالَ أَنا مُسلم فَنزلت فيهم (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل الله فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا) الْآيَة قَالَ وَلما سَار لقِتَال أهل الْيَمَامَة قتل مِنْهُم ألفا وَمِائَتَيْنِ مَعَ تظاهرهم بِالْإِسْلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وَقتل مَالك بن نُوَيْرَة وَهُوَ مُسلم وعرس بإمرأته وَسموا بني حنيفَة أهل الرِّدَّة لأَنهم منعُوا الزَّكَاة أَبَا بكر إِذا لم يعتقدوا إِمَامَته فسموا مَانع الزَّكَاة مُرْتَدا وَلم يسموا من اسْتحلَّ دِمَاء الْمُسلمين ومحاربة أَمِير الْمُؤمنِينَ مُرْتَدا مَعَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَليّ حربك حَرْبِيّ فمحارب الرَّسُول كَافِر بِالْإِجْمَاع فَيُقَال الله أكبر على هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدين المفترين أَتبَاع أهل الرِّدَّة الَّذين برزوا بمعاداة الله وَرَسُوله وَكتابه وَدينه ومرقوا من الْإِسْلَام ونبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ وشاقوا الله وَرَسُوله وعباده الْمُؤمنِينَ وتولوا أهل الرِّدَّة والشقاق فَإِن هَذَا الْفَصْل وَأَمْثَاله مِمَّا يُحَقّق أَن الرافضة المتعصبين على أبي بكر كالمرتدين الَّذين قَاتلهم الصّديق وَذَلِكَ أَن أهل الْيَمَامَة آمنُوا بمسيلمة الْكذَّاب الَّذِي صنف قُرْآنًا وَفعل العظائم فَبعث أَبُو بكر الصّديق الَّذِي من أفضل أَعماله عِنْد الله تَعَالَى قِتَاله هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة جَيْشًا من أفضل الصَّحَابَة وَعَلَيْهِم خَالِد سيف الله على رغم أَنْفك يُقَاتلُون مُسَيْلمَة بعد أَن قَاتلُوا طليحة الْأَسدي الَّذِي تنبأ أَيْضا وَأتبعهُ أهل نجد ثمَّ أسلم طليحة وَصلح أمره وَاسْتشْهدَ فِي حَرْب مُسَيْلمَة مثل زيد بن الْخطاب وثابت بن قيس وَأسيد بن حضير وَسَالم ومولاه أَبُو حُذَيْفَة وَأَبُو دُجَانَة وَقُرْآن مُسَيْلمَة ضحكة مثل يَا ضفدع بنت ضفدعين نقي كم تنقين لَا المَاء تكدرين وَلَا الشَّارِب تمنعين رَأسك فِي المَاء وذنبك فِي الطين إِن الأَرْض بَيْننَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَبَين قُرَيْش وَلَكِن نِصْفَيْنِ وَلَكِن قُريْشًا قوم لَا يعدلُونَ وَمثل قَوْله والطاحنات طحنا والعاجنات عَجنا والخابزات خبْزًا واللاقمات لقما وَمثل والفيل وَمَا أَدْرَاك مَا الْفِيل لَهُ زلوم طَوِيل إِن ذَلِك من خلق رَبنَا الْجَلِيل وَلما سمع أَبُو بكر هَذَا الْكَلَام قَالَ وَيْلكُمْ أَيْن يذهب بكم إِن هَذَا كَلَام لم يخرج من إل وَفِي الْجُمْلَة فَأمر مُسَيْلمَة الْكذَّاب وإدعاؤه النُّبُوَّة وَاتِّبَاع بني حنيفَة لَهُ بِالْيَمَامَةِ وقتال الصّديق لَهُم على ذَلِك أَمر متواتر مَشْهُور قد علمه الْخَاص وَالْعَام كتواتر أَمْثَاله وَلَيْسَ هَذَا من الْعلم الَّذِي تفرد بِهِ الْخَاصَّة بل علم النَّاس بذلك أظهر من علمهمْ بِقِتَال الْجمل وصفين فقد ذكر عَن بعض أهل الْكَلَام أَنه أنكر الْجمل وصفين وَهَذَا الْإِنْكَار وَإِن كَانَ بَاطِلا فَلم نعلم أحدا أنكر قتال أهل الْيَمَامَة وَأَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب إدعى النُّبُوَّة وَأَنَّهُمْ قَاتلُوهُ على ذَلِك لَكِن هَؤُلَاءِ الرافضة لجحدهم هَذَا وجهلهم بِهِ بِمَنْزِلَة إنكارهم كَون أبي بكر وَعمر دفنا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإنكارهم مُوالَاة أبي بكر وَعمر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعواهم أَنه نَص على عَليّ بالخلافة بل مِنْهُم من يُنكر أَن تكون زَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم من بَنَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهُم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 يَقُول إِن الصَّحَابَة بعجوا بطن فَاطِمَة حَتَّى طرحت وهدموا سقف بَيتهَا على من فِيهِ فهم يَعْمِدُونَ إِلَى الْأُمُور الثَّابِتَة المتواترة فينكرونها وَإِلَى الْأُمُور المعدومة أَو المختلقة فيثبتونها فَلهم أوفر نصيب من قَوْله تَعَالَى (وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بِالْحَقِّ لما جَاءَهُ) فتراهم يُؤمنُونَ وَالله بِالْكَذِبِ ويكذبون بِالْحَقِّ وَهَذَا حَال الْمُرْتَدين وهم يدعونَ أَن أَبَا بكر وَعمر وَمن اتبعهما ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام وَقد علم الْخَاص وَالْعَام أَن أَبَا بكر هُوَ الَّذِي قَاتل الْمُرْتَدين فيالله كَيفَ نخاطب من يزْعم أَن أهل الْيَمَامَة مظلومون مُسلمُونَ وَقَوله إِنَّهُم سموا بني حنيفَة مرتدين لأَنهم لم يحملوا الزَّكَاة إِلَى أبي بكر فَهَذَا من أظهر الْكَذِب وأبينه فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَاتل بني حنيفَة لكَوْنهم آمنُوا بمسيلمة الْكذَّاب وإعتقدوا نبوته وَأما مانعو الزَّكَاة فَكَانُوا قوما آخَرين غير بني حنيفَة وَهَؤُلَاء كَانَ قد وَقع لبَعض الصَّحَابَة شُبْهَة فِي جَوَاز قِتَالهمْ واما بَنو حنيفَة فَلم يتَوَقَّف أحد فِي وجوب قِتَالهمْ وَأما قَوْلك وَلم يسموا من اسْتحلَّ دِمَاء الْمُسلمين ومحاربة أَمِير الْمُؤمنِينَ مُرْتَدا مَعَ أَنهم سمعُوا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَليّ حَرْبِيّ حربك وسلمي سلمك ومحارب رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَافِر بِالْإِجْمَاع فَيُقَال دَعوَاهُم أَنهم سمعُوا هَذَا الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَنهُ كذب عَلَيْهِم فَمن الَّذِي نقل عَنْهُم أَنهم سمعُوا ذَلِك وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ فِي شَيْء من كتب الحَدِيث الْمَعْرُوفَة وَلَا روى بِإِسْنَاد مَعْرُوف بل هُوَ كذب مَوْضُوع على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإتفاق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ ثمَّ عَليّ لم يكن قِتَاله يَوْم الْجمل وصفين بِأَمْر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل بإجتهاده قَالَ يُونُس عَن الْحسن عَن قيس بن عباد قَالَ قلت لعَلي أخبرنَا عَن مسيرك هَذَا أَعهد عهد إِلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم رأى رَأَيْته قَالَ مَا عهد إِلَيّ شَيْئا وَلَكِن رأى رَأَيْته فَلَو كَانَ محَارب عَليّ مُحَاربًا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْتَدا لَكَانَ عَليّ حكم فيهم بسيرة الْمُرْتَدين بل تَوَاتر عَنهُ يَوْم الْجمل أَنه مَا اتبع مدبرهم وَلم يُجهز على جريحهم وَلَا غنم أَمْوَالهم وَلَا سبى ذَرَارِيهمْ وَهَذَا مِمَّا أنكرهُ عَلَيْهِ الْخَوَارِج وقاوا إِن كَانُوا مُؤمنين فَلم قاتلتهم وَإِن كَانُوا كفَّارًا فَلم حرمت نِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فَبعث ابْن عَمه ابْن الْعَبَّاس يناظرهم فَقَالَ لَهُم قد كَانَت عَائِشَة فيهم فَإِن قُلْتُمْ إِنَّهَا لَيست أمنا كَذبْتُمْ الْقُرْآن وَإِن قُلْتُمْ هِيَ أمنا واستحللتم سبيهَا وَوَطئهَا كَفرْتُمْ وَكَانَ يَقُول فِي أَصْحَاب الْجمل إِخْوَاننَا بغوا علينا طهرهم السَّيْف وَنقل عَنهُ أَنه صلى على قَتْلَى الطَّائِفَتَيْنِ ثمَّ إِن كَانَ أهل صفّين مرتدين كَيفَ جَازَ للْإِمَام الْمَعْصُوم عنْدكُمْ وَهُوَ الْحسن أَن ينزل عَن الْخلَافَة ويسلمها إِلَى مُرْتَد ثمَّ الله قد سماهم مُؤمنين فِي قَوْله (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا) وَقَالَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين فَلَو قَالَت لَهُم النواصب أخزاهم الله فعلي اسْتحلَّ الدِّمَاء وَقَاتل بِرَأْيهِ على رياسته وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر وَقَالَ لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض فَمَاذَا تردون عَلَيْهِم وَأعلم أَن طَائِفَة من الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية جعلُوا قتال مانعي الزَّكَاة وقتال الْخَوَارِج من قتال الْبُغَاة وَجعلُوا قتال الْجمل وصفين من ذَلِك وَهَذَا القَوْل خطأ وَخلاف نَص أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَغَيرهم ومخالف للسّنة فَإِن الْخَوَارِج أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَاتفقَ على ذَلِك الصَّحَابَة وَأما قتال الْجمل وصفين فَهُوَ قتال فتْنَة لَيْسَ فِيهِ أَمر الرَّسُول وَلَا إِجْمَاع من الصَّحَابَة وَأهل صفّين لم يبدأوا عليا بِقِتَال ثمَّ أَبُو حنيفَة وَغَيره لَا يجوزون قتال الْبُغَاة إِلَّا أَن يبدأوا الإِمَام وَأَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك لَا يجوزون للْإِمَام قتال من قَامَ بِالْوَاجِبِ إِذا كَانَت طَائِفَة ممتنعة وَقَالَت لَا نُؤَدِّي زكاتنا إِلَى فلَان فَيجب الْفرق بَين قتال الْمُرْتَدين وقتال الْخَوَارِج المارقين أما قتال مانعى الزَّكَاة فآكد من قتال الْخَوَارِج إِذا كَانُوا لم يخرجوها بِالْكُلِّيَّةِ وَلم يقرُّوا بهَا وَأما قتال الْبُغَاة الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن فنوع ثَالِث غير هَذَا وَهَذَا فَإِنَّهُ تَعَالَى لم يَأْمُرنَا بِقِتَال الْبُغَاة ابْتِدَاء بل بالإصلاح وَلَيْسَ هَذَا حكم الْمُرْتَدين وَلَا الْخَوَارِج وقتال الْجمل وصفين هَل هُوَ من قتال الْبُغَاة أَو من قتال الْفِتْنَة الَّتِي الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم فَمن قعد من الصَّحَابَة وَجُمْهُور أهل الحَدِيث يَقُولُونَ هُوَ قتال فتْنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وَقَوله تَعَالَى (فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا) يَعْنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ المقتتلتين لَا طَائِفَة مُؤمنَة لم تقَاتل فَإِن هَذِه لَيْسَ فِي الْآيَة أَمر بقتالها فَإِن كَانَ قَوْله (فَإِن بَغت) بعد الْإِصْلَاح فَهُوَ أوكد وَإِن كَانَ بعد الإقتتال حصل الْمَقْصُود فأصحاب مُعَاوِيَة إِن كَانُوا قد بغوا إِذْ لم يبايعوا عليا فَمَا فِي الْآيَة أَمر بقتالهم وَلَو قَدرنَا أَنهم بغوا بعد الْقِتَال فَمَا وجد أحد يصلح بَين الطَّائِفَتَيْنِ قلت لَكِن سماهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغاة فِي قَوْله لعمَّار تقتلك الفئة الباغية وَهَذِه مبَاحث لَا ترجع إِلَى تفكيرهم بِوَجْه وَمِمَّا يبين كذب هَذَا القَوْل أَنه لَو كَانَ حَرْب عَليّ حَربًا للرسول وَالله قد تكفل بنصر رَسُوله كَمَا قَالَ (إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين آمنُوا) (وَلَقَد سبقت كلمتنا لعبادنا الْمُرْسلين إِنَّهُم لَهُم المنصورون) لوَجَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أَن يغلب محَارب الرَّسُول وَمَا كَانَ الْأَمر كَذَلِك بِخِلَاف الْخَوَارِج فَإِنَّهُم من جنس الْمُحَاربين لله وَرَسُوله فاقتصر عَلَيْهِم وَقد قَالَ تَعَالَى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله) يَعْنِي قطاع الطَّرِيق وَمَعَ هَذَا فَلَا نكفرهم بذلك وَلَو كفرناهم لقتلناهم وَلَا بُد قَالَ وَقد أحسن بعض الْفُضَلَاء حَيْثُ يَقُول شَرّ من إِبْلِيس من لم يسْبقهُ فِي سالف طَاعَة وَجرى مَعَه فِي ميدان مَعْصِيّة قَالَ وَلَا شكّ بَين الْعلمَاء أَن إِبْلِيس كَانَ أعبد الْمَلَائِكَة وَكَانَ يحمل الْعَرْش وَحده سِتَّة آلَاف سنة ثمَّ استكبر وَلعن وَمُعَاوِيَة لم يزل فِي الْإِشْرَاك وَعبادَة الْأَصْنَام إِلَى أَن أسلم ثمَّ استكبر عَن طَاعَة الله فِي نصب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ إِمَامًا فَكَانَ شرا من إِبْلِيس فَنَقُول هَذَا الْكَلَام فِيهِ من الْجَهْل والضلال وَالْخُرُوج عَن دين الْإِسْلَام وكل دين بل وَعَن الْعقل الَّذِي يكون لكثير من الْكفَّار مَا لَا يخفى على من تدبره فَإِن إِبْلِيس أكفر الْكَفَرَة وَمن كفر فَإِنَّمَا هُوَ من أَتْبَاعه وقتلاه فَكيف يكون أحد شرا مِنْهُ وَقَول الْقَائِل شَرّ من إِبْلِيس من لم يسْبقهُ إِلَى طَاعَة هَذَا يَقْتَضِي أَن كل من عصى الله فَهُوَ شَرّ من إِبْلِيس ثمَّ نقُول إِن أحدا من الْبشر لَا يجْرِي مَعَ إِبْلِيس فِي ميدان مَعْصِيَته كلهَا وَلَا يتَصَوَّر أَن بشرا يُسَاوِيه فِي مَعْصِيَته لِأَنَّهُ عاند ربه كفاحا ثمَّ تفرغ لإغواء الْخلق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ عِبَادَته الْمُتَقَدّمَة حبطت بِكُفْرِهِ وَأَيْضًا فَمن الَّذين قَالَ إِن إِبْلِيس كَانَ أعبد الْمَلَائِكَة وَأَنه حمل الْعَرْش وَحده وَأَنه كَانَ طَاوس الْمَلَائِكَة وَأَنه مَا ترك فِي السَّمَاء رقْعَة وَلَا فِي الأَرْض بقْعَة إِلَّا وَله فِيهَا سَجْدَة وركعة هَذَا مبناه على النَّقْل وَلم تأت آيَة وَلَا حَدِيث بذلك ثمَّ يفترى ويكذب وَيَقُول لَا شكّ بَين الْعلمَاء فَهَذَا إِن كَانَ قَالَه بعض الوعاظ أَو المصنفين فِي الرَّقَائِق أَو بعض من ينْقل فِي التَّفْسِير من الْإسْرَائِيلِيات مَا لَا أصل لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فَمثل هَذَا لَا يحْتَج بِهِ فِي جرزة بقل فَكيف يحْتَج بِهِ فِي جعل إِبْلِيس خيرا من كل من عصى الله من بني آدم وَيجْعَل الصَّحَابَة من هَؤُلَاءِ الَّذين إِبْلِيس خير مِنْهُم فَمَا وصف الله وَلَا رَسُوله إِبْلِيس بِخَير قطّ وَلَا كَانَ من حَملَة الْعَرْش فضلا عَن أَن يحملهُ وَحده هَذِه خرافة وهذيان ثمَّ إِبْلِيس حَبط عمله وَمُعَاوِيَة مُحي كفره بإيمانه كَغَيْرِهِ من الصَّحَابَة فَمَا خطأك فِي زعمك ارتداد مُعَاوِيَة وَعُثْمَان وصفوة الصَّحَابَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ إِلَّا كخطأ الْخَوَارِج فِي تكفيرهم عليا وعَلى زعمك يكون مَا زَالَ عَليّ مَغْلُوبًا مَعَ الْمُرْتَدين وَيكون الْحسن قد خلع نَفسه وَسلم الْأَمر لمرتد وعَلى زعمك يكون نصر الله لخَالِد أعظم من نَصره عليا وَمَا كل من عصى الله يكون مستكبرا عَن طَاعَته قَالَ وَتَمَادَى بَعضهم فِي التعصب حَتَّى إعتقد إِمَامَة يزِيد وَمَعَ مَا صدر عَنهُ من قتل الْحُسَيْن وسبى نِسَائِهِ فِي الْبِلَاد على الْجمال بِغَيْر قتب وزين العابدين مغلول فَيُقَال لم نعتقد أَنه من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين كَمَا قَالَه بعض الجهلة من الأكراد وكما قيل هُوَ نَبِي فَهَؤُلَاءِ نظراء من إدعى نبوة عَليّ أَو إلهيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَحكي عَن بعض أَتبَاع بني أُميَّة أَن الْخَلِيفَة تقبل مِنْهُ الْحَسَنَات ويتجاوز لَهُ عَن السَّيِّئَات فَهَؤُلَاءِ مَعَ ضلالهم أقل ضلالا مِمَّن يعْتَقد عصمَة المنتظر الَّذِي يَقُولُونَ إِنَّه فِي السرداب من أَرْبَعمِائَة وَخمسين سنة وَهُوَ مَعْدُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَقد ذهبت المرجئة وهم خلائق إِلَى أَن التَّوْحِيد لَا يضر مَعَه شَيْء وَنحن نقُول خلَافَة النُّبُوَّة ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ صَارَت ملكا كَمَا ورد فِي الحَدِيث وَإِن عنيت بإعتقاد إِمَامَة يزِيد أَنه كَانَ ملك وقته وَصَاحب السَّيْف كأمثاله من المروانية والعباسية فَهَذَا أَمر مُتَيَقن وَحكم يزِيد على حوزة الْإِسْلَام سوى مَكَّة فَإِنَّهُ غلب عَلَيْهَا ابْن الزبير وَامْتنع عَن بيعَة يزِيد وَلم يدع إِلَى نَفسه حَتَّى بلغه موت يزِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فكون الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ إِمَامًا بِمَعْنى أَنه كَانَ سُلْطَانا وَمَعَهُ السَّيْف يُولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ويعزل وَيُعْطِي وَيحرم وَيحكم وَينفذ وَيُقِيم الْحُدُود ويجاهد الْكفَّار وَيقسم الْأَمْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أَمر مَشْهُور متواتر لَا يُمكن جَحده وَهَذَا معنى كَونه إِمَامًا وَخَلِيفَة وسلطانا كَمَا أَن إِمَام الصَّلَاة هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَإِذا رَأينَا رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ كَانَ القَوْل بِأَنَّهُ إِمَام أمرا مشهودا محسوسا لَا تمكن المكابرة فِيهِ وَأما كَونه برا أَو فَاجِرًا مُطيعًا أَو عَاصِيا فَذَاك أَمر آخر فَأهل السّنة إِذا اعتقدوا إِمَامَة الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ يزِيد أَو عبد الْملك أَو الْمَنْصُور أَو غَيرهم كَانَ بِهَذَا الإعتبار وَمن نَازع فِي هَذَا فَهُوَ شَبيه بِمن نَازع فِي ولَايَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَفِي ملك كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي وَغَيرهم وَأما كَون الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ مَعْصُوما فَلَيْسَ هَذَا إعتقاد أحد من الْعلمَاء وَكَذَلِكَ كَونه عادلا لَهُ كل أُمُوره مُطيعًا فِي جَمِيع أَفعاله لَيْسَ هَذَا إعتقاد أحد من الْمُسلمين وَكَذَلِكَ وجوب طَاعَته فِي كل مَا يَأْمر بِهِ وَإِن كَانَ مَعْصِيّة لله لَيْسَ هُوَ إعتقاد أحد من الْمُسلمين وَلَكِن مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن هَؤُلَاءِ يشاركون فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِم فِيهِ من طَاعَة الله فنصلي خَلفهم الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَغَيرهمَا من الصَّلَوَات الَّتِي يقيمونها هم لِأَنَّهَا لَو لم تصل خَلفهم أفْضى إِلَى تعطليها ونجاهد مَعَهم الْكفَّار ونحج مَعَهم الْبَيْت الْعَتِيق ويستعان بهم فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَإِقَامَة الْحُدُود فَإِن الْإِنْسَان لَو قدر أَن يحجّ فِي رفقه لَهُم ذنُوب وَقد جَاءُوا يحجون لم يضرّهُ هَذَا شَيْئا وَكَذَلِكَ الْغَزْو وَغَيره من الإعمال الصَّالِحَة إِذا فعلهَا الْبر وشاركه فِي ذَلِك الْفَاجِر لم يضرّهُ ذَلِك شَيْئا فَكيف إِذا لم يُمكن فعلهَا إِلَّا على هَذَا الْوَجْه ويستعان بهم أَيْضا فِي الْعدْل فِي الحكم وَالْقسم فَإِنَّهُ لَا يُمكن عَاقِلا أَن يُنَازع فِي أَنهم كثيرا مَا يعدلُونَ فِي حكمهم وقسمهم ويعاونون على الْبر وَالتَّقوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَلَا يعاونون على الْإِثْم والعدوان فَإِذا غلب على الْأَمر خَليفَة كيزيد وَعبد الْملك والمنصور فإمَّا أَن يُقَال يجب مَنعه من الْأَمر وقتاله وَهَذَا رَأْي فَاسد يُؤَدِّي إِلَى سفك الدِّمَاء وَإِن كَانَ الْخَارِج دينا وَقل من خرج على إِمَام ذِي سُلْطَان إِلَّا كَانَ مَا تولد على فعله من الشَّرّ أعظم مِمَّا تولد من الْخَيْر كَالَّذِين خَرجُوا على يزِيد فِي الْمَدِينَة وكإبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْأَشْعَث الَّذِي خرج على عبد الْملك فِي الْعرَاق وكإبن الْمُهلب الَّذِي خرج على أَبِيه بخراسان وكأبي مُسلم صَاحب الدعْوَة الَّذِي خرج عَلَيْهِم بخراسان أَيْضا وكالذين خَرجُوا على الْمَنْصُور بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَة وَغَايَة هَؤُلَاءِ إِمَّا أَن يغلبوا وَإِمَّا أَن يغلبوا ثمَّ يَزُول ملكهم فَلَا يكون لَهُم عَاقِبَة فَإِن عبد الله بن عَليّ العباسي وَأَبا مُسلم قتلا خلقا كثيرا وَكِلَاهُمَا قَتله أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور وَأما أهل الْحرَّة وَابْن الْأَشْعَث وَابْن الْمُهلب فهزموا وَهزمَ أَصْحَابهم فَلَا أَقَامُوا دينا وَلَا أَبقوا دنيا وَالله تَعَالَى لَا يَأْمر بِأَمْر لَا يحصل بِهِ صَلَاح الدّين وَصَلَاح الدُّنْيَا وَإِن كَانَ فَاعل ذَلِك من عباد الله الْمُتَّقِينَ وَمن أهل الْجنَّة فليسوا أفضل من عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة وَغَيرهم وَمَعَ هَذَا لم يحْمَدُوا مَا فَعَلُوهُ من الْقِتَال وهم أعظم قدرا عِنْد الله وَأحسن نِيَّة من غَيرهم وَكَذَلِكَ أهل الْحرَّة كَانَ فيهم من أهل الْعلم وَالدّين خلق وَكَذَلِكَ أَصْحَاب ابْن الْأَشْعَث كَانَ فيهم خلق من أهل الْعلم وَالدّين وَالله يغْفر لَهُم كلهم وَقد قيل لِلشَّعْبِيِّ فِي فتْنَة ابْن الْأَشْعَث أَيْن كنت يَا عَامر قَالَ كنت حَيْثُ يَقُول الشَّاعِر (عوى الذِّئْب فاستأنست بالذئب إِذْ عوى ... وَصَوت إِنْسَان فكدت أطير) أصابتنا فتْنَة لم نَكُنْ فِيهَا بررة أتقياء وَلَا فجرة أقوياء وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول إِن الْحجَّاج عَذَاب الله فَلَا تدافعوا عَذَاب الله بِأَيْدِيكُمْ وَلَكِن عَلَيْكُم بالإستكانة والتضرع فَإِن الله يَقُول (وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) وَكَانَ طلق بن حبيب يَقُول اتَّقوا الْفِتْنَة بالتقوى فَقيل لَهُ أجمل لنا التَّقْوَى فَقَالَ أَن تعْمل بِطَاعَة الله على نور من الله ترجو رَحْمَة الله وَأَن تتْرك مَعْصِيّة الله على نور من الله تخَاف عَذَاب الله رَوَاهُ أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَكَانَ أفاضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الْمُسلمين ينهون عَن الْخُرُوج والقتال فِي الْفِتْنَة كَمَا كَانَ عبد الله بن عمر وَسَعِيد بن الْمسيب وَعلي بن الْحُسَيْن وَغَيرهم ينهون عَام الْحرَّة عَن الْخُرُوج على يزِيد وكما كَانَ الْحسن وَمُجاهد وَغَيرهمَا ينهون عَن الْخُرُوج فِي فتْنَة ابْن الْأَشْعَث وَلِهَذَا اسْتَقر أَمر أهل السّنة على ترك الْقِتَال فِي الْفِتْنَة للأحاديث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاروا يذكرُونَ هَذَا فِي عقائدهم ويأمرون بِالصبرِ على جور الْأَئِمَّة وَترك قِتَالهمْ وَإِن كَانَ قد قَاتلهم فِي الْفِتْنَة خلق كثير من أهل الْعلم وَالدّين وَبَاب قتال أهل الْبَغي وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر يشْتَبه بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَة وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بَسطه وَمن تَأمل الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبَاب واعتبرا أَيْضا أولي الْأَبْصَار علم أَن الَّذِي جَاءَت بِهِ النُّصُوص النَّبَوِيَّة خير الْأُمُور وَلِهَذَا لما أَرَادَ الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ أَن يخرج إِلَى أهل الْعرَاق لما كاتبوه كتبا كَثِيرَة أَشَارَ عَلَيْهِ أفاضل أهل الْعلم وَالدّين كإبن عمر وَابْن عَبَّاس عَبَّاس وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَن لَا يخرج وَغلب على ظنهم أَنه يقتل حَتَّى أَن بَعضهم قَالَ أستودعك الله من قَتِيل وَقَالَ بَعضهم لَوْلَا الشناعة لأمسكتك ومنعتك من الْخُرُوج وهم بذلك قاصدون نصيحته طالبون لمصلحته ومصلحة الْمُسلمين وَالله وَرَسُوله إِنَّمَا يَأْمر بالصلاح لَا بِالْفَسَادِ لَكِن الرَّأْي يُصِيب تَارَة ويخطيء أُخْرَى فَتبين أَن الْأَمر على مَا قَالَه أُولَئِكَ إِذْ لم يكن فِي الْخُرُوج مصلحَة لَا فِي دين وَلَا فِي دنيا بل تمكن أُولَئِكَ الظلمَة الطغاة من سبط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَتَلُوهُ مَظْلُوما شَهِيدا وَكَانَ فِي خُرُوجه وَقَتله من الْفساد مَا لم يحصل لَو قعد فِي بَلَده فَإِن مَا قَصده من تَحْصِيل الْخَيْر وَدفع الشَّرّ لم يحصل مِنْهُ شَيْء بل زَاد الشَّرّ بِخُرُوجِهِ وَقَتله وَنقص الْخَيْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 بذلك وَصَارَ سَببا لشر عَظِيم وَكَانَ قتل الْحُسَيْن مِمَّا أوجب الْفِتَن كَمَا كَانَ قتل عُثْمَان مِمَّا أوجب الْفِتَن وَهَذَا كُله مِمَّا يبين أَن مَا أَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّبْر على جور الْأَئِمَّة وَترك قِتَالهمْ وَالْخُرُوج عَلَيْهِم هُوَ أصلح الْأُمُور للعباد فِي المعاش والمعاد وَأَن من خَالف ذَلِك مُتَعَمدا أَو مخطئا لم يحصل بِفِعْلِهِ صَلَاح بل فَسَاد وَلِهَذَا أثنى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحسن بقوله إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين وَلم يثن على أحد لَا بِقِتَال فِي فتْنَة وَلَا بِخُرُوج على الْأَئِمَّة وَلَا نزع يَد من طَاعَة وَلَا بمفارقة الْجَمَاعَة وَقد ثَبت فِي البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول جَيش يغزون الْقُسْطَنْطِينِيَّة مغْفُور لَهُم فَأول من غزا الْقُسْطَنْطِينِيَّة جَيش بَعثهمْ مُعَاوِيَة وَعَلَيْهِم ابْنه يزِيد وَفِيهِمْ من سَادَات الصَّحَابَة أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ فحاصروها ثمَّ الْفِتَن كَالْجمَلِ وصفين والحرة ومقتل الْحُسَيْن ووقعة مرج راهط وقتلة التوابين بِعَين الْورْد وفتنة ابْن الْأَشْعَث وأضعاف ذَلِك مِمَّا يطول ذكره وَأعظم من ذَلِك فتْنَة عُثْمَان وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع الَّذِي رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَغَيره ثَلَاث من نجا مِنْهُنَّ فقد نجا موتى وَقتل خَليفَة مضطهد بِغَيْر حق والدجال وَأما قَوْله السَّبي وَالْحمل على الْجمال بِلَا أقتاب فَهَذَا من الْكَذِب الْوَاضِح مَا استحلت أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبي هاشمية وَإِنَّمَا قَاتلُوا الْحُسَيْن خوفًا مِنْهُ وَمن أَن يزِيل عَنْهُم الْملك فَلَمَّا اسْتشْهد فرغ الْأَمر وَبعث بآله إِلَى الْمَدِينَة وَلَكِن جهل الرافضة إِلَيْهِ الْمُنْتَهى وَلَا ريب أَن قتل الْحُسَيْن من أعظم الذُّنُوب وفاعله والراضي بِهِ مُسْتَحقّ للعقاب لَكِن لَيْسَ قَتله بأعظم من قتل أَبِيه وَقتل زوج أُخْته عمر وَقتل زوج خَالَته عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 قَالَ وَأنزل فِي الْحسن وَالْحُسَيْن (قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى) فَهَذَا بَاطِل فَإِن الْآيَة مَكِّيَّة بِلَا ريب نزلت قبل أَن يتَزَوَّج عَليّ بفاطمة رَضِي الله عَنْهُمَا وَقبل أَن يُولد لَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن فَإِن عليا إِنَّمَا تزوج فَاطِمَة بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة فِي الْعَام الثَّانِي وَلم يدْخل بهَا إِلَّا بعد غَزْوَة بدر فِي شهر رَمَضَان سنة إثنتين وَقد تقدم الْكَلَام على الْآيَة الْكَرِيمَة وَأَن المُرَاد بهَا مَا بَينه ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهَا من أَنه لم تكن قَبيلَة من قُرَيْش إِلَّا وَبَينهَا وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرَابَة فَقَالَ (لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى) إِلَّا أَن تودوني فِي الْقَرَابَة الَّتِي بيني وَبَيْنكُم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره قَالَ وَتوقف جمَاعَة فِي لعنته يَعْنِي يزِيد مَعَ أَنه عِنْدهم ظَالِم وَقد قَالَ تَعَالَى (أَلا لعنة الله على الظَّالِمين) وَقد سَأَلَ مهنا أَحْمد بن حَنْبَل عَن يزِيد فَقَالَ هُوَ الَّذِي فعل مَا فعل وَقَالَ لَهُ وَلَده صَالح إِن قوما ينسبوننا إِلَى تولي يزِيد فَقَالَ يَا بني وَهل يوالي يزِيد أحد يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَقَالَ لم لَا تلعنه قَالَ وَكَيف لَا ألعن من لَعنه الله قَالَ تَعَالَى (فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم) فَهَل يكون فَسَاد أعظم من نهب الْمَدِينَة وَسبي أَهلهَا وَقتل سَبْعمِائة من قُرَيْش وَالْأَنْصَار وَقتل عشرَة آلَاف مِمَّن لم يعرف من عبد أَو حر حَتَّى وصلت الدِّمَاء إِلَى قبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وامتلأت الرَّوْضَة ثمَّ ضرب الْكَعْبَة بالمنجنيق وهدمها وأحرقها وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن قَاتل الْحُسَيْن فِي تَابُوت من نَار عَلَيْهِ نصف عَذَاب أهل النَّار وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إشتد غضب الله وغضبي على من أراق دم أَهلِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي فَيُقَال القَوْل فِي لعنة يزِيد كالقول فِي لعنة أَمْثَاله من الْمُلُوك وَالْخُلَفَاء وَغَيرهم وَيزِيد خير من غَيره كالمختار الَّذِي انتقم من قتلة الْحُسَيْن فَإِنَّهُ ادّعى أَن جِبْرِيل ينزل عَلَيْهِ وَخير من الْحجَّاج وَمَعَ هَذَا فَيُقَال غَايَة يزِيد وَأَمْثَاله من الْمُلُوك أَن يَكُونُوا فساقا فلعنة الْفَاسِق الْمعِين لَيست مَأْمُورا بهَا إِنَّمَا جَاءَت السّنة بلعنة الْأَنْوَاع مثل لعن الله السَّارِق يسرق الْبَيْضَة فتقطع يَده لعن الله آكل الرِّبَا وموكله لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ لعن الله الْخمر وعاصرها وَغير ذَلِك وَذهب طَائِفَة من الْفُقَهَاء إِلَى جَوَاز لعنة الْمعِين وَقيل إِنَّه لَا يجوز كَمَا قَالَ ذَلِك طَائِفَة أُخْرَى وَالْمَعْرُوف عَن أَحْمد كَرَاهِيَة لعن الْمعِين وَأَنه يَقُول كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (أَلا لعنة الله على الظَّالِمين) وَفِي البُخَارِيّ أَن رجلا كَانَ يَدعِي خمارا وَكَانَ يشرب الْخمر وَكَانَ يُؤْتِي بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيضربه فَقَالَ رجل لَعنه الله مَا أَكثر مَا يُؤْتى بِهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تلعنه فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله فَنهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لعنة هَذَا الْمعِين مَعَ كَونه لعن شَارِب الْخمر مُطلقًا وَمن الْمَعْلُوم أَن كل مُسلم لَا بُد أَن يحب الله وَرَسُوله إِلَّا أَن يكون منافقا فَذَاك مَلْعُون وَمن جوز لعنة الْمعِين لفسقه يَقُول ألعنه وأصلي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُسْتَحقّ للعقاب فيلعن ومستحق للثَّواب من وَجه الْإِسْلَام فَيصَلي عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَب الصَّحَابَة وَسَائِر أهل السّنة والكرامية والمرجئة وَمذهب كثير من الشِّيعَة الَّذين يَقُولُونَ إِن الْفَاسِق لَا يخلد فِي النَّار وَقَالَت الْخَوَارِج والمعتزلة وَبَعض الشِّيعَة يخلد وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا تَابَ لم يخلد وَالَّذِي يلعن يزِيد وَنَحْوه يحْتَاج إِلَى ثُبُوت أَنه فَاسق ظَالِم وَأَن لعنة الْفَاسِق الظَّالِم الْمعِين جَائِزَة وَإِلَى أَن يزِيد مَاتَ وَلم يتب مِمَّا اجترم ثمَّ الْعَذَاب قد يرْتَفع مُوجبه لمعارض رَاجِح كحسنات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ماحية ومصائب مكفرة وَقد قَالَ تَعَالَى (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء) وَقد صَحَّ أَن أول جَيش يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّة مغْفُور لَهُم وَأول جَيش غَزَاهَا كَانَ أَمِيرهمْ يزِيد وَنحن نعلم أَن أَكثر الْمُسلمين لَا بُد لَهُم من ظلم فَإِن فتح هَذَا الْبَاب سَاغَ أَن يلعن أَكثر موتى الْمُسلمين وَالله تَعَالَى أَمر بِالصَّلَاةِ على موتى الْمُسلمين لم يَأْمر بلعنتهم ثمَّ الْكَلَام فِي لعنة الْأَمْوَات أعظم من لعنة الْحَيّ وَقد صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تسبوا الْأَمْوَات فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا وَأما نقلك عَن أَحْمد فالثابت عَنهُ من رِوَايَة ابْنه صَالح أَنه قَالَ وَمَتى رَأَيْت أَبَاك يلعن أحدا وَنقل عَنهُ لعنته من رِوَايَة مُنْقَطِعَة لَيست ثَابِتَة عَنهُ وَقَوله تَعَالَى (أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله) لَا يدل على لعن معِين وَلَو كَانَ كل ذَنْب لعن فَاعله يلعن الْمعِين الَّذِي فعله للعن جُمْهُور النَّاس وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْوَعيد الْمُطلق لَا يسْتَلْزم ثُبُوته فِي حق الْمعِين إِلَّا إِذا وجدت شُرُوطه وانتفت موانعه وَهَكَذَا اللَّعْن هَذَا بِتَقْدِير أَن يكون يزِيد فعل مَا يقطع بِهِ الرَّحِم ثمَّ إِن هَذَا تحقق فِي كثير من بني هَاشم الَّذين تقاتلوا من العباسيين والطالبيين فَهَل يلعن هَؤُلَاءِ كلهم وَكَذَلِكَ من ظلم قرَابَة لَهُ لَا سِيمَا وَبَينه وَبَينه عدَّة آبَاء أيلعنه بِعَيْنِه ثمَّ إِذا لعن هَؤُلَاءِ لعن كل من شَمله أَلْفَاظه وَحِينَئِذٍ فيلعن جُمْهُور الْمُسلمين وَقَوله تَعَالَى (فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم) وَعِيد عَام فِي كل من فعل ذَلِك فقد فعل بَنو هَاشم بَعضهم بِبَعْض أعظم مِمَّا فعل يزِيد فَإِن قلت بِمُوجبِه لعنت مَا شَاءَ الله من العباسيين والعلويين وَغَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 من الْمُؤمنِينَ ولإبن الْجَوْزِيّ كتاب فِي إِبَاحَة لعن يزِيد يرد فِيهِ على عبد المغيث الْحَرْبِيّ فَإِنَّهُ كَانَ ينْهَى عَن ذَلِك وَقيل إِن الْخَلِيفَة النَّاصِر لما بلغه نهي الشَّيْخ عبد المغيث عَن ذَلِك قَصده وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك وَعرف عبد المغيث أَنه الْخَلِيفَة وَلم يظْهر أَنه يُعلمهُ فَقَالَ أَنا قصدي كف الْأَلْسِنَة عَن لعن خلفاء الْمُسلمين وولاتهم وَإِلَّا لَو فتحنا هَذَا الْبَاب لَكَانَ خليفتنا أَحَق باللعن لفعله العظائم وَجعل يعدد مظالم الْخَلِيفَة حَتَّى قَالَ لَهُ ادْع لي يَا شيخ وَذهب وَأما فعله بِأَهْل الْحرَّة فَإِنَّهُم لما خلعوه وأخرجوا نوابه وحاصروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 عشيرته أرسل إِلَيْهِم مرّة بعد مرّة يطْلب الطَّاعَة فامتنعوا وصمموا فَجهز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 إِلَيْهِم مُسلم بن عقبَة المري وَأمره أَن ينذرهم ويهددهم فَإِن أَبَوا قَاتلهم فَإِذا ظهر عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 أنهب الْمَدِينَة ثَلَاثًا وَهَذِه من كبائره وَلِهَذَا قيل لِأَحْمَد أنكتب الحَدِيث عَن يزِيد فَقَالَ لَا وَلَا كَرَامَة أَو لَيْسَ هُوَ الَّذِي فعل بِأَهْل الْمَدِينَة مَا فعل لَكِن لم يقتل جَمِيع الْأَشْرَاف وَلَا بلغ الْقَتْلَى عشرَة آلَاف وَلَا وصلت الدِّمَاء إِلَى الْمَسْجِد بل وَلَا كَانَ الْقَتْل فِي الْمَسْجِد بل بِظَاهِر الْمَدِينَة وَلَكِن ديدنكم أَنكُمْ لَا تنقلون صدقا وَإِن كَانَ صدقا طرزتموه بكذب وَأما الْكَعْبَة فَلم تقصد بإهانة وَإِنَّمَا قصدُوا ابْن الزبير وَلم يهدم يزِيد الْكَعْبَة وَلَا أحرقها بإتفاق الْمُسلمين وَلَكِن طارت إِلَى الأستار شرارة من نَار من امْرَأَة فاحترقت الْكَعْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فَهَدمهَا ابْن الزبير وأعادها أحسن مِمَّا كَانَت على الْوَجْه الَّذِي وَصفه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما خبر قَاتل الْحُسَيْن فِي تَابُوت من نَار فَهُوَ من كذب من لَا يستحي من المجازفة فَهَل يكون على وَاحِد نصف عَذَاب أهل النَّار مَا بَقِي لإبليس ولفرعون ولقتلة الْأَنْبِيَاء وَلأبي جهل فقاتل عمر وَعُثْمَان وَعلي أعظم جرما من قَاتل الْحُسَيْن بل هَذَا الغلو الزَّائِد يُقَابل بغلو الناصبة الَّذين يَزْعمُونَ أَن الْحُسَيْن من الْخَوَارِج الَّذين شَقوا الْعَصَا وَأَنه يجوز قَتله لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَتَاكُم وأمركم على رجل وَاحِد يُرِيد أَن يفرق جماعتكم فاضربوا عُنُقه كَائِنا من كَانَ أخرجه مُسلم وَأهل السّنة يَقُولُونَ قتل مَظْلُوما شَهِيدا وقاتلوه ظلمَة معتدون وَأَحَادِيث قتل الْخَارِج لم تتناوله فَإِنَّهُ لم يفرق الْجَمَاعَة وَلم يقتل إِلَّا وَهُوَ طَالب للرُّجُوع أم الْمُضِيّ إِلَى يزِيد دَاخِلا فِيمَا دخل فِيهِ سَائِر النَّاس معرضًا عَن تَفْرِيق الْكَلِمَة وَكَذَلِكَ الحَدِيث لم يَصح وَلَا ينْسبهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا جَاهِل فَإِن العاصم لدم الْحُسَيْن من الْإِيمَان وَالتَّقوى أعظم من مُجَرّد الْقَرَابَة فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن فَاطِمَة سرقت لَقطعت يَدهَا فقد أخبر عَن أعز أَهله عَلَيْهِ بِحكم الله الَّذِي لَا فرق فِيهِ بَين الشريف والدني فَلَو زنا الْعلوِي الْمُحصن رجم وَلَو قتل قتل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تتكفأ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَلِكَ إِيذَاء الرَّسُول فِي عترته وصحابته وسنته من العظائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قَالَ فَلْينْظر الْعَاقِل أَي الْفَرِيقَيْنِ احق بالأمن الَّذِي نزه الله وَمَلَائِكَته وأنبياءه وأئمته ونزه الشَّرْع عَن الْمسَائِل الرَّديئَة وَمن يبطل الصَّلَاة بإهمال الصَّلَاة على أئمتهم وَيذكر أَئِمَّة غَيرهم أم الَّذِي فعل ضد ذَلِك فَنَقُول مَا ذكرته من التَّنْزِيه إِنَّمَا هُوَ تَعْطِيل وتنقيص لله وَلِرَسُولِهِ وَذَلِكَ قَول نفاة الصِّفَات يتَضَمَّن وَصفه تَعَالَى بسلب صِفَات الْكَمَال الَّتِي يشابه فِيهَا الجمادات والمعدومات فَإِذا قَالُوا لَا تقوم بِهِ حَيَاة وَلَا علم وَلَا قدرَة وَلَا كَلَام وَلَا مَشِيئَة وَلَا حب وَلَا بغض وَلَا رضَا وَلَا سخط وَلَا يرى وَلَا يفعل بِنَفسِهِ فعلا وَلَا يقدر أَن يتَصَرَّف بِنَفسِهِ كَانُوا قد شبهوه بالجمادات المنقوصات فَكَانَ تنقصيا وتعطيلا وَإِنَّمَا التَّنْزِيه أَن ينزه عَن النقائص المنافية للكمال فينزه عَن الْمَوْت وَالنَّوْم وَالسّنة وَالْعجز وَالْجهل وَالْحَاجة كَمَا نزه نَفسه فِي كِتَابه وتنزه عَن أَن يكون لَهُ فِيهَا مثل وَأما الْأَنْبِيَاء فَإِنَّكُم سلبتم مَا لَهُم من الْكَمَال وعلو الدَّرَجَات بِحَقِيقَة التَّوْبَة والإستغفار والإنتقال من كَمَال إِلَى مَا هُوَ أكمل مِنْهُ وكذبتم بِمَا أخبر الله بِهِ من ذَلِك وحرفتم الْآيَات وظننتم أَن إنتقال الْآدَمِيّ من الْجَهْل إِلَى الْعلم وَمن الضلال إِلَى الْهدى وَمن الغي إِلَى الرشد نقص وَلم تعلمُوا أَن الَّذِي يَذُوق الْخَيْر وَالشَّر ويعرفهما يكون حبه للخير وبغضه للشر أعظم مِمَّن لَا يعرف إِلَّا الْخَيْر كَمَا قَالَ عمر إِنَّمَا تنقض عرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 الْإِسْلَام عُرْوَة عُرْوَة إِذا نَشأ فِي الْإِسْلَام من لَا يعرف الْجَاهِلِيَّة وَأما تَنْزِيه الْأَئِمَّة فَمن الفضائح الَّتِي يستحي من ذكرهَا لَا سِيمَا إِمَام لَا ينْتَفع بِهِ فِي دين وَلَا دنيا أَو هُوَ شَيْء مَعْدُوم فَأَما تَنْزِيه الشَّرْع فقد مر أَن أهل السّنة مَا اتَّفقُوا على مَسْأَلَة رَدِيئَة بِخِلَاف الرافضة ثمَّ بِالضَّرُورَةِ يعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر بِالصَّلَاةِ على عَليّ وَلَا على الإثني عشر لَا فِي صَلَاة وَلَا فِي خَارِجهَا معينا وَأَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مَا فعلوا ذَلِك فِي صَلَاة قطّ فَمن أوجب الصَّلَاة على الإثني عشر فِي صلَاته أَو أبطل الصَّلَاة بإهمال الصَّلَاة عَلَيْهِم فقد بدل الدّين فَإِن قيل المُرَاد أَن يُصَلِّي على آل مُحَمَّد قيل فَيدْخل فيهم بَنو هَاشم وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ والإمامية يذمون بني الْعَبَّاس وَالْعجب من هَؤُلَاءِ الرافضة يدعونَ تعيظم آل مُحَمَّد وهم سعوا فِي مَجِيء التتار حَتَّى قتلوا خلقا من آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بني على وَبني الْعَبَّاس وَسبوا نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وَقتلُوا ألف ألف وَثَمَانمِائَة ألف وَفِي الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وأزواجه وَذريته الحَدِيث وَاتفقَ الْمُسلمُونَ على أَن آل الْعَبَّاس من ذَوي القربي وَكَذَا بني الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَأَنَّهُمْ من آل مُحَمَّد الَّذين تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة وَعند بعض الْمَالِكِيَّة والحنبلية آل مُحَمَّد أمته وَعند طَائِفَة من الصُّوفِيَّة هم الأتقياء من أمته ثمَّ جُمْهُور الْفُقَهَاء لَا يوجبون الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله فِي الصَّلَاة وَمن أوجب الصَّلَاة على آل عُمُوما لم يجوز الإقتصار على بعض الْآل وَكَذَلِكَ إبطا الصَّلَاة بِالصَّلَاةِ على خَليفَة من الْخُلَفَاء معِين قَول بَاطِل فَلَو دَعَا لمُعين أَو عَلَيْهِ لم تبطل صلَاته عِنْد أَكثر الْعلمَاء فقد قنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو لقوم ويلعن آخَرين بِأَسْمَائِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الْفَصْل الثَّالِث فِي إِمَامَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ الرافضي إِن الإمامية لما رَأَوْا فَضَائِل أَمِير الْمُؤمنِينَ وكمالاته لَا تحصى قد رَوَاهَا الْمُوَافق والمخالف وَرَأَوا الْجُمْهُور قد نقلوا عَن غَيره مطاعن وَلم ينقلوا فِي عَليّ طَعنا اتَّبعُوهُ وجعلوه إِمَامًا لَهُم وَتركُوا غَيره فَنَذْكُر مِنْهَا شَيْئا يَسِيرا مِمَّا هُوَ صَحِيح عِنْدهم ليَكُون حجَّة عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة فَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو الْحسن الأندلسي فِي الْجمع بَين الصِّحَاح السِّتَّة عَن أم سَلمَة أَن قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت) نزلت فِي بَيتهَا وَهِي جالسة عِنْد الْبَاب فَقلت يَا رَسُول الله أَلَسْت من أهل الْبَيْت فَقَالَ إِنَّك إِلَى خير إِنَّك من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت وَفِي الْبَيْت عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فجللهم بكساء وَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَأذْهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا فَنَقُول الْأَحَادِيث الثَّابِتَة فِي الْفَضَائِل لأبي بكر وَعمر أَكثر وَأعظم من الْفَضَائِل الثَّابِتَة لعَلي ثمَّ أَكثر الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا وَذكر أَنَّهَا فِي مُعْتَمد قَول الْجُمْهُور من أبين الْكَذِب على عُلَمَاء الْجُمْهُور وَمَا صَحَّ مِنْهَا لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على فضل عَليّ على أبي بكر وَغير عَليّ فِيهَا مشارك وَأما فَضَائِل الشَّيْخَيْنِ فخصائص لَهما وَلَا سِيمَا فَضَائِل أبي بكر فَإِن عامتها خَصَائِص لم يشركهُ فِيهَا غَيره وَأما مَا ذكره من المطاعن فَلَا يُمكنهُ أَن يُوَجه على الثَّلَاثَة من مطْعن إِلَّا وَجه الناصبي على عَليّ مثله وَأما قَوْله إِنَّهُم جَعَلُوهُ إِمَامًا لَهُم حَيْثُ نزهه الْمُخَالف والموافق وَتركُوا غَيره حَيْثُ يرْوى فِيهِ من يعْتَقد إِمَامَته من المطاعن مَا يطعن فِي إِمَامَته فَيُقَال هَذَا كذب بَين فَإِن عليا رَضِي الله عَنهُ لم ينزهه المخالفون بل القادحون فِي عَليّ طوائف مُتعَدِّدَة وهم أفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 من القادحين فِي أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان والقادحون فِيهِ أفضل من الغلاة فِيهِ فَإِن الْخَوَارِج متفقون على كفره وهم عِنْد الْمُسلمين كلهم خير من الغلاة الَّذين يَعْتَقِدُونَ إلهيته أَو نبوته بل هم وَالَّذين قَاتلُوهُ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ خير عِنْد جَمَاهِير الْمُسلمين من الرافضة الإثني عشرِيَّة الَّذين اعتقدوه إِمَامًا مَعْصُوما وَأَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا لَيْسَ فِي الْأمة من يقْدَح فيهمَا إِلَّا الرافضة والخوارج المكفرون لعَلي يوالون أَبَا بكر وَعمر ويترضون عَنْهُمَا والمروانية الَّذين ينسبون عليا إِلَى الظُّلم وَيَقُولُونَ إِنَّه لم يكن خَليفَة يوالون أَبَا بكر وَعمر مَعَ أَنَّهُمَا ليسَا من أقاربهما فَكيف يُقَال مَعَ هَذَا إِن عليا نزهه الْمُوَافق والمخالف بِخِلَاف الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة وَمن الْمَعْلُوم أَن المنزهين لهَؤُلَاء أعظم وَأكْثر وَأفضل وَأَن القادحين فِي عَليّ حَتَّى بالْكفْر والفسوق والعصيان طوائف مَعْرُوفَة وهم أعلم من الرافضة وأدين والرافضة عاجزون مَعَهم علما ويدا فَلَا يُمكن الرافضة أَن تقيم عَلَيْهِم حجَّة تقطعهم بهَا وَلَا كَانُوا مَعَهم فِي الْقِتَال منصورين عَلَيْهِم وَالَّذين قَدَحُوا فِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ جَعَلُوهُ كَافِرًا وظالما لَيْسَ فيهم طَائِفَة مَعْرُوفَة بِالرّدَّةِ عَن الْإِسْلَام بِخِلَاف الَّذين يمدحونه ويقدحون فِي الثَّلَاثَة كالغالية الَّذين يدعونَ إلهيته من النصيرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَغَيرهم وكالإسماعيلية الْمَلَاحِدَة الَّذين هم شَرّ من النصيرية وكالغالية الَّذين يدعونَ نبوته فَإِن هَؤُلَاءِ كفار مرتدون كفرهم بِاللَّه وَرَسُوله ظَاهر لَا يخفى على عَالم بدين الْإِسْلَام فَمن اعْتقد فِي بشر الإلهية أَو اعْتقد بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا فَهَذِهِ المقالات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَنَحْوهَا مِمَّا يظْهر كفر أَهلهَا لمن يعرف الْإِسْلَام أدنى معرفَة بِخِلَاف من يكفر عليا ويلعنه من الْخَوَارِج وَمِمَّنْ قَاتله ولعنه من أَصْحَاب مُعَاوِيَة وَبني مَرْوَان وَغَيرهم فَإِن هَؤُلَاءِ كَانُوا مقرين بِالْإِسْلَامِ وشرائعه يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وَيَصُومُونَ رَمَضَان ويحجون الْبَيْت الْعَتِيق ويحرمون مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَيْسَ فيهم كفر ظَاهر بل شَعَائِر الْإِسْلَام وشرائعه ظَاهِرَة فيهم معظمة عِنْدهم وَهَذَا أَمر يعرفهُ كل من عرف أَحْوَال الْإِسْلَام فَكيف يَدعِي مَعَ هَذَا أَن جَمِيع الْمُخَالفين نزهوه دون الثَّلَاثَة بل إِذا اعْتبر الَّذين كَانُوا يبغضونه ويوالون عُثْمَان وَالَّذين كَانُوا يبغضون عُثْمَان وَيُحِبُّونَ عليا وجد هَؤُلَاءِ خيرا من أُولَئِكَ من وُجُوه مُتعَدِّدَة وَلَو تخلى أهل السّنة عَن مُوالَاة عَليّ رَضِي الله عَنهُ لم يكن فِي المتولين لَهُ من يقدر أَن يُقَاوم المبغضين لَهُ من الْخَوَارِج والأموية والمروانية فَإِن هَؤُلَاءِ طوائف كَثِيرَة وَمَعْلُوم أَن شَرّ الَّذين يبغضونه هم الْخَوَارِج الَّذين كفروه واعتقدوا أَنه مُرْتَد عَن الْإِسْلَام وَاسْتَحَلُّوا قَتله تقربا إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى قَالَ شَاعِرهمْ عمرَان بن حطَّان (يَا ضَرْبَة من تقى مَا أَرَادَ بهَا ... إِلَّا ليبلغ من ذِي الْعَرْش رضوانا) (إِنِّي لأذكره يَوْمًا فأحسبه ... أوفى الْبَريَّة عِنْد الله ميزانا) فعارضه شَاعِر أهل السّنة فَقَالَ (يَا ضَرْبَة من شقي مَا أَرَادَ بهَا ... إِلَّا ليبلغ من ذِي الْعَرْش خسرانا) (إِنِّي لأذكره يَوْمًا فألعنه ... لعنا وألعن عمرَان بن حطانا) وَهَؤُلَاء الْخَوَارِج كَانُوا موجودين فِي زمن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ يناظرونهم ويقاتلونهم وَالصَّحَابَة اتَّفقُوا على وجوب قِتَالهمْ وَمَعَ هَذَا فَلم يكفروهم وَلَا كفرهم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَأما الغالية فِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ فقد اتّفق الصَّحَابَة وَسَائِر الْمُسلمين على كفرهم وكفرهم عَليّ بن أبي طَالب نَفسه وحرقهم بالنَّار وَأما الْخَوَارِج فَلم يقاتلهم عَليّ حَتَّى قتلوا وَاحِدًا من الْمُسلمين وأغاروا على أَمْوَال النَّاس فَأَخَذُوهَا فَأُولَئِك حكم فيهم عَليّ وَسَائِر الصَّحَابَة بِحكم الْمُرْتَدين وَهَؤُلَاء لم يحكموا فيهم الْمُرْتَدين وَهَذَا مِمَّا يبين أَن الَّذين زَعَمُوا أَنهم والوه دون أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان يُوجد فيهم من الشَّرّ وَالْكفْر بإتفاق على وَجَمِيع الصَّحَابَة مَا لَا يُوجد فِي الَّذين عادوه وكفروه وَتبين أَن جنس المبغضين لأبي بكر وَعمر شَرّ عِنْد عَليّ وَجَمِيع الصَّحَابَة من جنس المبغضين لعَلي وَحَدِيث الكساء صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَأما مُسلم فَأخْرجهُ من حَدِيث عَائِشَة قَالَت خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرحل من شعر أسود فجَاء الْحسن وَالْحُسَيْن فأدخلهما مَعَه ثمَّ جَاءَت فَاطِمَة فَأدْخلهَا ثمَّ جَاءَ عَليّ فَأدْخلهُ ثمَّ قَالَ (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس) الْآيَة وَهَذَا الحَدِيث قد شركه فِيهِ فَاطِمَة وَحسن وحسين رَضِي الله عَنْهُم فَلَيْسَ هُوَ من خَصَائِصه وَمَعْلُوم أَن الْمَرْأَة لَا تصلح للْإِمَامَة فَعلم أَن هَذِه الْفَضِيلَة لَا تخْتَص بالأئمة بل يشركهم فِيهَا غَيرهم ومضمونه الدعْوَة بِأَن يذهب الله عَنْهُم الرجس ويطهرهم تَطْهِيرا وَالصديق قد أخبر الله عَنهُ بِأَنَّهُ (الأتقى الَّذِي يُؤْتِي مَاله يتزكى) وَمَا دخل عَليّ فِي الأتقى حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ مَال حِينَئِذٍ بل دخل فِيهَا إِذْ فتحت خَيْبَر وَصَارَ ذَا مَال قَالَ وَفِي قَوْله تَعَالَى (إِذْ نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة) قَالَ عَليّ مَا عمل بِهَذِهِ الْآيَة غَيْرِي فَيُقَال الْأَمر بِالصَّدَقَةِ لم يكن وَاجِبا على الْمُسلمين حَتَّى يَكُونُوا عصاة بِتَرْكِهِ وَإِنَّمَا أَمر بهَا من أَرَادَ النَّجْوَى فاتفق أَنه لم يرد النَّجْوَى حِينَئِذٍ إِلَّا عَليّ فَتصدق لأَجلهَا وَهَذَا كوجوب الْهَدْي لمن أَرَادَ الْمُتْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ووجوبه على من أحْصر وَوُجُوب الْفِدْيَة على من بِهِ أَذَى وَوُجُوب الْكَفَّارَة على من حنث ثمَّ لم تطل مُدَّة الْأَمر بِالصَّدَقَةِ عِنْد النَّجْوَى فَمَا اتّفق ذَلِك إِلَّا لعَلي رَضِي الله عَنهُ فَتصدق بِدِرْهَمَيْنِ أَو نَحْوهمَا وَهَذَا أَبُو بكر قد تصدق مرّة بِمَالِه كُله وأتى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ مَا أبقيت لأهْلك قَالَ الله وَرَسُوله قَالَ وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ افتخر طَلْحَة بن شيبَة من بني عبد الدَّار وَالْعَبَّاس وَعلي فَقَالَ طَلْحَة معي مَفَاتِيح الْبَيْت وَلَو أَشَاء بت فِيهِ وَقَالَ الْعَبَّاس أَنا صَاحب السِّقَايَة وَلَو أَشَاء لبت فِي الْمَسْجِد وَقَالَ عَليّ لقد صليت إِلَى الْقبْلَة سِتّ أشهر قبل النَّاس وَأَنا صَاحب الْجِهَاد فَنزلت (أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله) فَيُقَال هَذَا اللَّفْظ لَا يعرف فِي شَيْء من كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة بل دلالات الْكَذِب عَلَيْهِ ظَاهِرَة مِنْهَا أَن طَلْحَة بن شيبَة لَا وجود لَهُ وَإِنَّمَا خَادِم الْكَعْبَة هُوَ شيبَة بن عُثْمَان بن أبي طَلْحَة وَهَذَا مِمَّا يبين لَك أَن الحَدِيث لم يَصح ثمَّ فِيهِ قَول الْعَبَّاس لَو أَشَاء بت فِي الْمَسْجِد فَأَي كَبِير أَمر فِي مبيته فِي الْمَسْجِد حَتَّى يتبجح بِهِ ثمَّ فِيهِ قَول عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 صليت سِتَّة أشهر قبل النَّاس فَهَذَا مِمَّا يعلم بُطْلَانه بِالضَّرُورَةِ فَإِن بَين إِسْلَامه وَإِسْلَام زيد وَأبي بكر وَخَدِيجَة يَوْم أَو نَحوه فَكيف يُصَلِّي قبل النَّاس بِسِتَّة أشهر وَأَيْضًا فَلَا يَقُول أَنا صَاحب الْجِهَاد وَقد شَاركهُ فِيهِ عدد كثيرا جدا فَهَذَا الحَدِيث مَوْضُوع وَيرد عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيح مُسلم عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ كنت عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رجل لَا أُبَالِي أَن لَا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أَسْقِي الْحَاج وَقَالَ آخر مَا أُبَالِي أَن لَا أعمل عملا فِي الْإِسْلَام إِلَّا أَن أعمر الْمَسْجِد الْحَرَام وَذكر آخر الْجِهَاد وَقَالَ هُوَ أفضل مِمَّا قُلْتُمْ فزجرهم عمر وَقَالَ لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِن إِذا صليت الْجُمُعَة دخلت فاستفتيته فِيمَا اختلفتم فِيهِ فَأنْزل الله تَعَالَى (أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله) فَهَذَا لَيْسَ من خَصَائِص عَليّ إِذْ الَّذين آمنُوا وَجَاهدُوا كثير وَقد قَالَ تَعَالَى (الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم أعظم دَرَجَة عِنْد الله) وَلَا ريب أَن جِهَاد أبي بكر بِمَالِه وَنَفسه أبلغ من جِهَاد عَليّ غَيره كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح إِن أَمن النَّاس علينا فِي صحبته وَذَات يَده أَبُو بكر وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر وَأَبُو بكر كَانَ مُجَاهدًا بِلِسَانِهِ وَيَده وَهُوَ أول من دَعَا إِلَى الله وَأول من أوذي فِي الله بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأول من دَافع عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مشاركا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هجرته وجهاده حَتَّى كَانَ هُوَ وَحده مَعَه فِي الْعَريش يَوْم بدر وَحَتَّى إِن أَبَا سُفْيَان يَوْم أحد لم يسْأَل إِلَّا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر لما قَالَ أفيكم مُحَمَّد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجيبوه فَقَالَ أفيكم ابْن أبي قُحَافَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجيبوه فَقَالَ أفيكم ابْن الْخطاب فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجيبوه فَقَالَ أما هَؤُلَاءِ فقد كفيتموهم فَلم يملك عمر نَفسه فَقَالَ كذبت يَا عَدو الله إِن الَّذِي عددت أَحيَاء وَقد أبقى الله لَك مَا يحزنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ذكره البُخَارِيّ وَغَيره قَالَ الرافضي وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل أَن أنسا قَالَ لسلمان سل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَصِيَّة فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَا سلمَان من كَانَ وصّى مُوسَى قَالَ يُوشَع قَالَ فَإِن وصيي ووارثى عَليّ قُلْنَا هَذَا الحَدِيث كذب مَوْضُوع بإتفاق أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ لَيْسَ هُوَ فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَأحمد قد صنف كتابا فِي فَضَائِل الصَّحَابَة ذكر فِيهِ فضل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة وَذكر فِيهِ مَا روى فِي ذَلِك من صَحِيح وَضَعِيف للتعريف بذلك وَلَيْسَ كل مَا رَوَاهُ يكون صَحِيحا ثمَّ إِن فِي هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الْكتاب زيادات من رِوَايَة ابْن عبد الله وزيادات من رِوَايَة الْقطيعِي عَن شُيُوخه وَهَذِه الزِّيَادَات الَّتِي زَادهَا الْقطيعِي غالبها كذب كَمَا سَيَأْتِي ذكر بَعْضهَا وشيوخ الْقطيعِي يروون عَمَّن فِي طبقَة أَحْمد وَهَؤُلَاء الرافضة جهال إِذا رَأَوْا فِيهِ حَدِيثا ظنُّوا أَن الْقَائِل لذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَيكون الْقَائِل لذَلِك هُوَ الْقطيعِي وشيوخ الْقطيعِي الَّذين يروون عَمَّن فِي طبقَة أَحْمد وَكَذَلِكَ فِي الْمسند زيادات زَادهَا ابْنه عبد الله لَا سِيمَا فِي مُسْند عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ زَاد زيادات كَثِيرَة فَالْحَدِيث من كذب الدجاجلة وَلَا حدث بِهِ وَالله أَحْمد فَهَذَا مُسْنده بل وَهَذَا الْكتاب الَّذِي صنفه فِي فَضَائِل الصَّحَابَة قَالَ وَعَن يزِيد بن أبي مَرْيَم عَن عَليّ قَالَ انْطَلَقت أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَة فَصَعدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَنْكِبي فَذَهَبت لأنهض فَرَأى منى ضعفا فَنزل وَجلسَ لي فَصَعدت على مَنْكِبه فَنَهَضَ بِي حَتَّى صعدت على الْبَيْت وَعَلِيهِ تِمْثَال نُحَاس فَجعلت أزاوله ثمَّ قذفت بِهِ فتكسر وانطلقنا نَسْتَبِق حَتَّى تَوَارَيْنَا قُلْنَا إِن صَحَّ هَذَا فَمَا فِيهِ شَيْء من خَصَائِص الْأَئِمَّة فقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ حَامِل أُمَامَة بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 أبي الْعَاصِ على مَنْكِبَيْه وَسجد مرّة فجَاء الْحسن فارتحله فَإِذا كَانَ يحمل الطفلة والطفل لم يكن فِي حمله لعَلي مَا يُوجب أَن يكون ذَلِك من خَصَائِصه وَإِنَّمَا حمله لعجز عَليّ عَن حمله فَهَذَا يدْخل فِي مَنَاقِب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفضيلة من يحمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم من فَضِيلَة من يحملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا حمله يَوْم أحد من حمله من الصَّحَابَة مثل طَلْحَة بن عبيد الله فَإِن هَذَا نفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَاكَ نَفعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعْلُوم أَن نَفعه بِالنَّفسِ وَالْمَال أعظم من إنتفاع الْإِنْسَان بِنَفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَاله قَالَ وَعَن ابْن أبي ليلى قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصديقون ثَلَاثَة حبيب النجار وَمُؤمن آل فِرْعَوْن وَعلي وَهُوَ أفضلهم قُلْنَا وَهَذَا كذب وَقد ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف أَبَا بكر بِأَنَّهُ صديق وَصَحَّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا لَا يزَال الرجل يصدق ويتحرى الصدْق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا فالصديقون بِهَذَا كثير وَقَالَ تَعَالَى فِي مَرْيَم وَهِي امْرَأَة (وَأمه صديقَة) قَالَ وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعَلي أَنْت مني وَأَنا مِنْك قُلْنَا نعم أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الْبَراء لما تنَازع عَليّ وجعفر وَزيد فِي ابْنة حَمْزَة فَقضى بهَا لخالتها وَكَانَت تَحت جَعْفَر وَقَالَ أَنْت مني وَأَنا مِنْك وَقَالَ لجَعْفَر اشبهت خلقي وَخلقِي وَقَالَ لزيد أَنْت أخونا ومولانا لَكِن هَذَا اللَّفْظ قد قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لطائفة من أَصْحَابه وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي مُوسَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْأَشْعَرِيين هم مني وَأَنا مِنْهُم قَالَ وَعَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ لعَلي عشر فَضَائِل لَيست لغيره قَالَ لَهُ النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَأَبْعَثَن رجلا لَا يخزيه الله أبدا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله فاستشرف لَهَا من استشرف فَقَالَ أَيْن عَليّ بن أبي طَالب قَالُوا هُوَ أرمد فِي الرَّحَى يطحن وَمَا كَانَ أحد يطحن فجَاء وَهُوَ أرمد لَا يكَاد أَن يبصر قَالَ فنفث فِي عَيْنَيْهِ ثمَّ هز الرَّايَة ثَلَاثًا وَأَعْطَاهَا إِيَّاه فجَاء بصفية بنت حييّ قَالَ ثمَّ بعث أَبَا بكر بِسُورَة بَرَاءَة فَبعث عليا خَلفه وَقَالَ لَا يذهب بهَا إِلَّا رجل هُوَ مني وَأَنا مِنْهُ وَقَالَ لبني عَمه أَيّكُم يواليني فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ وَعلي جَالس مَعَهم فَأَبَوا فَقَالَ عَليّ أَنا أواليك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ فَتَركه ثمَّ أقبل على رجل رجل مِنْهُم فَقَالَ أَيّكُم يواليني فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأَبَوا فَقَالَ عَليّ أَنا أواليك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ أَنْت ولي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ وَكَانَ عَليّ أول من أسلم من النَّاس بعد خَدِيجَة قَالَ وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَوْبه فَوَضعه على عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا) قَالَ وشرى عَليّ نَفسه وَلبس ثوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نَام مَكَانَهُ وَكَانَ الْمُشْركُونَ يرمونه بِالْحِجَارَةِ وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّاسِ فِي غزَاة تَبُوك فَقَالَ لَهُ عَليّ أخرج مَعَك فَقَالَ لَا فَبكى عَليّ فَقَالَ لَهُ أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنَّك لست بِنَبِي لَا يَنْبَغِي أَن أذهب إِلَّا وَأَنت خليفتي وَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وليي فِي كل مُؤمن بعدِي قَالَ وسد أَبْوَاب الْمَسْجِد إِلَّا بَاب عَليّ قَالَ وَكَانَ يدْخل الْمَسْجِد جنبا وَهُوَ طَرِيقه لَيْسَ لَهُ طَرِيق غَيره وَقَالَ لَهُ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرْفُوعا أَنه بعث أَبَا بكر فِي بَرَاءَة إِلَى مَكَّة فَسَار لَهَا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ لعَلي الْحَقْهُ فَرده وَبَلغهَا أَنْت فَفعل فَلَمَّا قدم أَبُو بكر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَكَى وَقَالَ يَا رَسُول الله حدث فِي شَيْء قَالَ لَا وَلَكِن أمرت أَن لَا يبلغهَا إِلَّا أَنا أَو رجل مني قُلْنَا هَذَا الْخَبَر مُرْسل لَو ثَبت عَن عَمْرو بن مَيْمُون وَمِنْه أَلْفَاظ مُنكرَة مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 لَا يَنْبَغِي أَن أذهب إِلَّا وَأَنت خليفتي فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتخْلف غَيره غير مرّة وَكَذَلِكَ قَوْله سدوا الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب عَليّ فَإِنَّهُ من وضع الشِّيعَة فَإِن فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ إِن أَمن النَّاس عَليّ فِي مَاله وصحبته أَبُو بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام ومودته لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد خوخة إِلَّا سدت إِلَّا خوخة أبي بكر وَرَوَاهُ ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمِنْه قَالَ أَنْت وليي فِي كل مُؤمن بعدِي فَهَذَا مَوْضُوع بإتفاق أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ وَبَاقِي الحَدِيث لَيْسَ هُوَ من خَصَائِصه مثل كَونه يحب الله وَرَسُوله وإستخلافه على الْمَدِينَة وَكَونه بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى وَمثل كَون بَرَاءَة لَا يبلغهَا إِلَّا هاشمي إِذا كَانَت الْعَادة جَارِيَة بِأَنَّهُ لَا ينْقض العهود إِلَّا رجل من قَبيلَة المطاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 قَالَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَخطب خوارزم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا عَليّ لَو أَن عبدا عبد الله مثل مَا قَامَ نوح فِي قومه وَكَانَ لَهُ مثل أحد ذَهَبا فأنفقه فِي سَبِيل الله وَحج ألف مرّة على قَدَمَيْهِ ثمَّ قتل بَين الصفاة والمروة مَظْلُوما ثمَّ لم يوالك لم يشم رَائِحَة الْجنَّة وَلم يدخلهَا فَيُقَال أَخطب خوارزم هَذَا لَهُ مُصَنف فِي هَذَا الْبَاب فِيهِ من المكذوبات مَا لَا يُوصف وَهَذَا وَالله مِنْهَا قَالَ وَقَالَ رجل لسلمان مَا أَشد حبك لعَلي قَالَ سَمِعت نَبِي الله يَقُول من أحبه فقد أَحبَّنِي وَعَن أنس مَرْفُوعا خلق الله من نور وَجه عَليّ سبعين ألف ملك يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ولمحبيه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب عليا قبل الله مِنْهُ صلَاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه أَلا وَمن أحب عليا أعطَاهُ الله بِكُل عرق من بدنه مَدِينَة فِي الْجنَّة أَلا وَمن أحب آل مُحَمَّد أَمن الْحساب وَالْمِيزَان والصراط أَلا وَمن مَاتَ على حب آل مُحَمَّد فَأَنا كفيله فِي الْجنَّة مَعَ الْأَنْبِيَاء وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 أبْغض آل مُحَمَّد جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله وَعَن ابْن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد سُئِلَ بِأَيّ لُغَة خاطبك رَبك لَيْلَة الْمِعْرَاج قَالَ خاطبني بلغَة عَليّ فألهمني أَن قلت يَا رب أَنْت خاطبتني أم عَليّ فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَنا شَيْء لَيْسَ كالأشياء لَا أقاس بِالنَّاسِ وَلَا أوصف بالأشياء خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قَلْبك فَلم أجد إِلَى قَلْبك أحب من عَليّ خاطبتك بِلِسَانِهِ كَيْمَا يطمئن قَلْبك وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن الرياض أَقْلَام وَالْبَحْر مداد وَالْجِنّ حِسَاب وَالْإِنْس كتاب مَا أحصوا فَضَائِل عَليّ وَقَالَ إِن الله جعل الْأجر على فَضَائِل عَليّ لَا يُحْصى فَمن ذكر فَضِيلَة من فضائله فقرأها غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَالنَّظَر إِلَى وَجهه عبَادَة وَذكره عبَادَة لَا يقبل الله إِيمَان عبد إِلَّا بولايته والبراءة من أعدائه وَعَن حَكِيم بن حزَام مَرْفُوعا لمبارزة على عَمْرو بن ود يَوْم الخَنْدَق أفضل من عمل أمتِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قُلْنَا هَذِه الْأَحَادِيث وَالله الْعَظِيم كذب يلعن الله من افتراها وَلعن من لَا يحب عليا وَأَنت قد قدمت أَنَّك لَا تذكر إِلَّا مَا هُوَ صَحِيح عندنَا فَمن أَيْن جِئْت بِهَذِهِ الخرافات وَلَكنَّا تَيَقنا بِأَن الرافضة أَجْهَل الطوائف وأكذبهم وَأَنت زعيمهم وعالمهم وَهَذَا حالك قَالَ وَعَن سعد بن أبي وَقاص أَن مُعَاوِيَة أمره بسب على فَأبى فَقَالَ مَا يمنعك قَالَ ثَلَاث قالهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن تكون لي وَاحِدَة مِنْهُنَّ أحب إِلَى من حمر النعم سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لعَلي وَقد خَلفه فِي بعض مغازيه فَقَالَ تخلفني مَعَ النِّسَاء وَالصبيان فَقَالَ أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي وسمعته يَقُول لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله فتطاول لَهَا النَّاس فَقَالَ ادعوا لي عليا فَأَتَاهُ وَبِه رمد فبصق فِي عَيْنَيْهِ وَدفع إِلَيْهِ الرَّايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فَفتح الله عَلَيْهِ وأنزلت هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة (فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم) فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهلِي قُلْنَا أما هَذَا فَصَحِيح رَوَاهُ مُسلم وسقته بجهلك بَين الموضوعات كمن نظم درة بَين بعر وَلَكِن هَذِه المناقب لَيست من خَصَائِصه فَإِنَّهُ اسْتخْلف جمَاعَة على الْمَدِينَة وتشبيهه بهَارُون لَيْسَ بأعظم من تَشْبِيه أبي بكر بإبراهيم وَعِيسَى وتشبيه عمر بِنوح ومُوسَى فَإِن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أفضل من هَارُون وكل من أبي بكر وَعمر شبه بإثنين لَا بِوَاحِد فَكَانَ هَذَا التَّشْبِيه أعظم من تَشْبِيه عَليّ مَعَ أَن إستخلاف عَليّ لَهُ فِيهِ أشباه وأمثال من الصَّحَابَة وَهَذَا التَّشْبِيه لَيْسَ لهذين فِيهِ شَبيه فَلم يكن الإستخلاف من الخصائص وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 التَّشْبِيه بِنَبِي فِي بعض أَحْوَاله من الخصائص وَفِي الحَدِيث رد على النواصب الَّذين لَا يتولونه وَلَا يحبونه وعَلى الْخَوَارِج الَّذين كفروه لَكِن هَذَا لَا يتم على قَول الرافضة الَّذين جعلُوا النُّصُوص الدَّالَّة على فضل الصَّحَابَة كَانَت قبل ردتهم فَإِن الْخَوَارِج كَذَا تَقول فِي عَليّ وَهَذَا بَاطِل لِأَن الله لَا يحب وَلَا يرضى عَمَّن يعلم أَنه يَمُوت كَافِرًا وَكَذَا المباهلة شَاركهُ فِيهَا ولداه فَإِن قيل فَلم تمنى سعد وَاحِدَة مِنْهُنَّ قيل لِأَن شَهَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي ظَاهرا وَبَاطنا بِالْإِيمَان وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا شهد لمُعين بِشَهَادَة كَانَت من أعظم مناقبه كَمَا صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ميت فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وعافه واعف عَنهُ إِلَخ قَالَ عَوْف بن مَالك فتمنيت أَن أكون أَنا ذَلِك الْمَيِّت وَهَذَا الدُّعَاء لم يكن مُخْتَصًّا بذلك الْمَيِّت قَالَ وَعَن عَامر بن وَاثِلَة قَالَ قَالَ عَليّ يَوْم الشورى لأحتجن عَلَيْكُم بِمَا لَا يَسْتَطِيع أحد تَغْيِير ذَلِك ثمَّ قَالَ أنْشدكُمْ بِاللَّه أفيكم أحد وحد الله قبلي قَالُوا اللَّهُمَّ لَا وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِيه فأنشدكم بِاللَّه هَل فِيكُم أحد سلم عَلَيْهِ فِي سَاعَة وَاحِدَة ثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة وَجِبْرِيل وميكال وإسرافيل حَيْثُ جِئْت بِالْمَاءِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من القليب غَيْرِي قَالُوا اللَّهُمَّ لَا وَمِنْه مَا رَوَاهُ أَبُو عمر الزَّاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لعَلي أَربع خِصَال لَيست لأحد من النَّاس غَيره هُوَ أول من صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي كَانَ مَعَه لِوَاؤُهُ فِي كل زحف وَهُوَ الَّذِي صَبر مَعَه يَوْم حنين وَهُوَ الَّذِي غسله وَأدْخلهُ قَبره وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَرَرْت لَيْلَة الْمِعْرَاج بِقوم تشرشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 أشداقهم فَقلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ قوم يقطعون النَّاس بالغيبة قَالَ ومررت بِقوم قد ضوضوا فَقلت لجبريل من هَؤُلَاءِ قَالَ الْكفَّار ثمَّ عدلنا عَن الطَّرِيق فَلَمَّا انتهينا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة رَأَيْت عليا يُصَلِّي فَقلت يَا جِبْرِيل من هَذَا عَليّ قد سبقنَا قَالَ لَا لَيْسَ هَذَا عليا بل إشتاقت الْمَلَائِكَة إِلَى رُؤْيَته لما سمعُوا مناقبه وخاصة قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى فخلق الله ملكا على صورته وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الْمُصْطَفى قَالَ ذَات يَوْم أَنا الْفَتى ابْن الْفَتى أَخُو الْفَتى يَعْنِي عليا وَهُوَ معنى قَول جِبْرِيل فِي يَوْم بدر وَقد عرج إِلَى السَّمَاء وَهُوَ فَرح وَهُوَ يَقُول لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا عَليّ وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ رَأَيْت أَبَا ذَر وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول من عرفني فقد عرفني أَنا أَبُو ذَر وَلَو صمتم حَتَّى تَكُونُوا كالأوتار وصليتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنايا مَا نفعكم ذَلِك حَتَّى تحبوا عليا فَيُقَال حَدِيث وَاثِلَة كذب بإتفاق الْحفاظ وَمَا قَالَ عَليّ يَوْم الشورى شَيْئا من ذَلِك بل قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لَئِن أَمرتك لتعدلن قَالَ نعم قَالَ وَإِن بَايَعت عُثْمَان لتسمعن وتطيعن قَالَ نعم وَقَالَ مثل ذَلِك لعُثْمَان وَمكث ثَلَاثَة أَيَّام يشاور الْمُسلمين وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَبَاطِل فلواء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد كَانَ مَعَ مُصعب بن عُمَيْر بإتفاق وَلِوَاؤُهُ يَوْم الْفَتْح كَانَ مَعَ الزبير أخرجه البُخَارِيّ وَيَوْم حنين لم يكن أحد أقرب إِلَى بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَمه الْعَبَّاس وَأبي سُفْيَان بن الْحَارِث وَالْعَبَّاس آخذ بركابه وَأما مَا ذكره عَن الْمِعْرَاج فكذب سمج وَفِيه مَا يبين وَضعه وَهُوَ أَن الكروبيين لما سمعُوا مناقبه وخاصة قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى اشتاقت إِلَى عَليّ فخلق لَهَا ملكا على صُورَة عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فالمعراج كَانَ بِمَكَّة من الْمَسْجِد الْحَرَام وَقَوله أما ترْضى قَالَه لَهُ فِي غَزْوَة تَبُوك وَهِي آخر الْغَزَوَات سنة تسع وَكَذَا خبر لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا عَليّ كذب والفتى لَيْسَ من أَسمَاء الْمَدْح وَلَا الذَّم بل هُوَ كَقَوْلِك الشَّاب والكهل وَقَول الْمُشْركين (سمعنَا فَتى يذكرهم) لم يقصدوا مدحه بذلك وَحَدِيث مواخاة النَّبِي لعَلي وَأبي بكر لعمر من الأكاذيب وَإِنَّمَا آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَذُو الفقار سيف كَانَ لأبي جهل غنمه الْمُسلمُونَ يَوْم بدر فَلم يكن ذُو الفقار يَوْم بدر من سيوف الْمُسلمين روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نقل سَيْفه ذَا الفقار يَوْم بدر ثمَّ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بعد النُّبُوَّة كهلا وَقَول أبي ذَر لم يَصح مَعَ أَن حب عَليّ فرض كَمَا أَن حب أبي بكر فرض وَحب الْأَنْصَار فرض قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة الْإِيمَان حب الْأَنْصَار وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عَليّ أَنه لعهد النَّبِي الْأُمِّي إِلَى أَنه لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق قَالَ وَمِنْهَا مَا نَقله صَاحب الفردوس عَن معَاذ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حب عَليّ حَسَنَة لَا تضر مَعهَا سَيِّئَة وبغضه سَيِّئَة لَا تَنْفَع مَعهَا حَسَنَة قُلْنَا كتاب الفردوس مُصَنفه شيرويه بن شهريار الديلمي الْمُحدث فِيهِ مَوْضُوعَات جمة هَذَا مِنْهَا وَلَا بقوله الْمُصْطَفى الْمَعْصُوم بل هَذَا الْمُؤمن الَّذِي يحب الله وَرَسُوله وَمَعَ ذَلِك تضره السَّيِّئَات وَيحد فِي الْخمر وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضَرْب حمَار فِي الْخمر فَسَبهُ رجل فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعه فَإِنَّهُ يحب الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وَرَسُوله وَأَيْضًا فقد كَانَ أَبُو طَالب يحب ابْنه عليا وضره الشّرك حَتَّى دخل النَّار وَهَؤُلَاء الغلاة يَزْعمُونَ أَنهم يحبونه وهم من أهل النَّار وَحب الرَّسُول أعظم من حب عَليّ وَيدخل خلق من محبيه النَّار ثمَّ يخرجُون بِشَفَاعَتِهِ وَكَذَلِكَ الحَدِيث الَّذِي أوردهُ عَن ابْن مَسْعُود حب آل مُحَمَّد يَوْمًا خير من عبَادَة سنة مَوْضُوع وَحَدِيث أَنا وَعلي حجَّة الله على خلقه كذب أَيْضا وَالله تَعَالَى يَقُول (لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل) وَكَذَلِكَ قَوْله لَو اجْتمع النَّاس على حب عَليّ لم تخلق النَّار فقد رَأينَا من محبيه من الإسماعيلية وَغَيرهم خلقا من طَعَام النَّار وَنحن نحبه ونخاف النَّار ثمَّ خلق مِمَّن صدق الرُّسُل يدْخلُونَ الْجنَّة وَمَا عرفُوا عليا وَكَذَلِكَ الحَدِيث الَّذِي ذكره فِي الْعَهْد الَّذِي عَهده الله فِي عَليّ وَأَنه راية الْهدى وَإِمَام الْأَوْلِيَاء والكلمة الَّتِي ألزمها لِلْمُتقين فَصَاحب الْحِلْية قد روى فِي فَضَائِل الْأَرْبَعَة عدَّة مَوْضُوعَات وَإِنَّمَا كلمة التَّقْوَى لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ الرافضي وَأما المطاعن فِي الْجَمَاعَة فقد نقل أتباعهم مِنْهَا كثيرا حَتَّى صنف الْكَلْبِيّ كتابا فِي مثالب الصَّحَابَة قُلْنَا الْكَلْبِيّ وَابْنه هِشَام كذابان رافضيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَإِن مَا ينْقل عَن الصَّحَابَة من المثالب نَوْعَانِ أَحدهمَا إِمَّا كذب كُله وَإِمَّا محرف قد دخله من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَا يُخرجهُ إِلَى الذَّم والطعن وَأكْثر الْمَنْقُول من المطاعن الصَّرِيحَة هُوَ من هَذَا الْبَاب يَرْوِيهَا الكذابون المعروفون بِالْكَذِبِ مثل أبي مخنف لوط بن يحيى وَمثل هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَلِهَذَا اسْتشْهد هَذَا الرافضي بِمَا صنفه هِشَام الْكَلْبِيّ فِي ذَلِك وَهُوَ من أكذب النَّاس وَهُوَ شيعي يرْوى عَن أَبِيه وَعَن أبي مخنف وَكِلَاهُمَا مَتْرُوك كَذَّاب وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي هَذَا الْكَلْبِيّ مَا ظنت أَن أحدا يحدث عَنهُ إِنَّمَا هُوَ صَاحب سمر وَنسب وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وَقَالَ ابْن عدي هِشَام الْكَلْبِيّ الْغَالِب عَلَيْهِ الأسمار وَلَا أعرف لَهُ فِي الْمسند شَيْئا وَأَبُو أَيْضا كَذَّاب وَقَالَ زَائِدَة وَاللَّيْث وَسليمَان التَّيْمِيّ هُوَ كَذَّاب وَقَالَ يحيى لَيْسَ بِشَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 كَذَّاب سَاقِط وَقَالَ ابْن حبَان وضوح الْكَذِب فِيهِ أظهر من أَن يحْتَاج إِلَى الإغراق فِي وَصفه النَّوْع الثَّانِي مَا هُوَ صدق وَأكْثر هَذِه الْأُمُور لَهُم فِيهَا معاذير تخرجها عَن أَن تكون ذنوبا وتجعلها من موارد الإجتهاد الَّتِي إِن أصَاب الْمُجْتَهد فِيهَا فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر وَعَامة الْمَنْقُول الثَّابِت عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من هَذَا الْبَاب وَمَا قدر من هَذِه الْأُمُور ذَنبا محققا فَإِن ذَلِك لَا يقْدَح فِيمَا علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الْجنَّة لِأَن الذَّنب الْمُحَقق يرْتَفع عِقَابه فِي الْآخِرَة بِأَسْبَاب مُتعَدِّدَة مِنْهَا التَّوْبَة الماحية وَقد ثَبت عَن أَئِمَّة الإمامية أَنهم تَابُوا من الذُّنُوب الْمَعْرُوفَة عَنْهُم وَمِنْهَا الْحَسَنَات الماحية للذنوب فَإِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات وَقد قَالَ تَعَالَى (إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ) وَمِنْهَا المصائب المكفرة وَمِنْهَا دُعَاء الْمُؤمنِينَ بَعضهم لبَعض وشفاعة نَبِيّهم فَمَا من ذَنْب يسْقط بِهِ الذَّم وَالْعِقَاب عَن أحد من الْأمة إِلَّا وَالصَّحَابَة أَحَق بذلك فهم أَحَق بِكُل مدح وَنفي كل ذمّ مِمَّن بعدهمْ من الْأمة وَنحن نذْكر قَاعِدَة جَامِعَة فِي هَذَا الْبَاب لَهُم ولسائر الْأمة فَنَقُول لَا بُد أَن يكون مَعَ الْإِنْسَان أصُول كُلية يرد إِلَيْهَا الجزئيات ليَتَكَلَّم بِعلم وَعدل ثمَّ يعرف الجزئيات كَيفَ وَقعت وَإِلَّا فَيبقى فِي كذب وَجَهل بالجزئيات وَجَهل وظلم فِي الكليات فيتولد فَسَاد عَظِيم وَالنَّاس قد تكلمُوا فِي تصويب الْمُجْتَهدين وتخطئتهم وتأثيمهم وَعدم تأثيمهم فِي مسَائِل الْفُرُوع وَالْأُصُول وَنحن نذْكر أصولا جَامِعَة نافعة الأَصْل الأول أَنه هَل يُمكن كل أحد أَن يعرف بإجتهاده الْحق فِي كل مَسْأَلَة فِيهَا نزاع وَإِذا لم يُمكنهُ فاجتهد واستفرغ وَسعه فَلم يصل إِلَى الْحق بل قَالَ مَا اعْتقد أَنه هُوَ الْحق فِي نفس الْأَمر وَلم يكن هُوَ الْحق فِي نفس الْأَمر هَل يسْتَحق أَن يُعَاقب أم لَا هَذَا أصل هَذِه الْمسَائِل وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا الأَصْل ثَلَاثَة أَقْوَال كل قَول عَلَيْهِ طَائِفَة من النظار الأول قَول من يَقُول إِن الله قد نصب على الْحق فِي كل مَسْأَلَة دَلِيلا يعرف بِهِ يُمكن كل من اجْتهد واستفرغ وَسعه أَن يعرف الْحق وكل من لم يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الْحق فِي مَسْأَلَة أصولية أَو فروعية فَإِنَّمَا هُوَ لتَفْرِيطه فِيمَا يجب عَلَيْهِ لَا لعَجزه وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَشْهُور عَن الْقَدَرِيَّة والمعتزلة وَهُوَ قَول طَائِفَة من أهل الْكَلَام غير هَؤُلَاءِ وَالْقَوْل الثَّانِي فِي أصل الْمَسْأَلَة أَن الْمُجْتَهد الْمُسْتَدلّ قد يُمكنهُ أَن يعرف الْحق وَقد يعجز عَن ذَلِك لَكِن إِن عجز عَن ذَلِك فقد يُعَاقِبهُ الله وَقد لَا يُعَاقِبهُ وَهَذَا قَول الْجَهْمِية والأشعرية وَكثير من الْفُقَهَاء أَتبَاع الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَالْقَوْل الثَّالِث فِي هَذَا الأَصْل أَنه لَيْسَ كل من اجْتهد وَاسْتدلَّ يتَمَكَّن من معرفَة الْحق وَلَا يسْتَحق الْوَعيد إِلَّا من ترك مَأْمُورا أَو فعل مَحْظُورًا وَهَذَا قَول الْفُقَهَاء وَالْأَئِمَّة وَهُوَ القَوْل الْمَعْرُوف عَن سلف الْأمة وَقَول جُمْهُور الْمُسلمين وَهَذَا القَوْل يجمع الصَّوَاب من الْقَوْلَيْنِ الأَصْل الثَّانِي قَول من يَقُول إِن الله لَا يعذب فِي الْآخِرَة إِلَّا من عَصَاهُ بترك الْمَأْمُور أَو فعل الْمَحْظُور وَالْأَصْل الَّذِي عَلَيْهِ السّلف وَالْجُمْهُور أَن الله لَا يُكَلف نفسا إِلَّا وسعهَا فالوجوب مَشْرُوط بِالْقُدْرَةِ والعقوبة لَا تكون إِلَّا على ترك مَأْمُور أَو فعل مَحْظُور بعد قيام الْحجَّة وَقد ذكرنَا فِي غير هَذَا الْموضع حكم النَّاس فِي الْوَعْد والوعيد وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب وَأَن فَاعل السَّيِّئَات تسْقط عَنهُ عُقُوبَة جَهَنَّم بِنَحْوِ عشرَة أَسبَاب فَإِذا كَانَ هَذَا الحكم فِي الْمُجْتَهدين وَهَذَا الحكم فِي المذنبين حكما عَاما فِي جَمِيع الْأمة فَكيف فِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا كَانَ الْمُتَأَخّرُونَ من الْمُجْتَهدين والمذنبين ينْدَفع عَنْهُم الذَّم وَالْعِقَاب بِمَا ذكر من الْأَسْبَاب فَكيف بالسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَنحن نبسط هَذَا وننبه بالأدنى على الْأَعْلَى فَنَقُول كَلَام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصَّحَابَة من رَافِضِي وَغَيره هُوَ من بَاب الْكَلَام فِي الْأَعْرَاض وَفِيه حق لله تَعَالَى لما يتَعَلَّق بِهِ من الْولَايَة والعداوة وَالْحب والبغض وَفِيه حق للآدميين أَيْضا وَمَعْلُوم أَنا إِذا تكلمنا فِيمَن هُوَ دون الصَّحَابَة مثل الْمُلُوك الْمُخْتَلِفين على الْملك وَالْعُلَمَاء والمشايخ الْمُخْتَلِفين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فِي الْعلم وَالدّين وَجب أَن يكون الْكَلَام بِعلم وَعدل وَلَا بِجَهْل وظلم فَإِن الْعدْل وَاجِب لكل أحد على كل أحد فِي كل حَال وَالظُّلم محرم مُطلقًا لَا يُبَاح قطّ بِحَال قَالَ تَعَالَى (وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على أَلا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى) فَإِذا كَانَ البغض الَّذِي أَمر الله بِهِ قد نهى صَاحبه أَن يظلم من يبغضه فَكيف فِي بغض مُسلم بِتَأْوِيل وشبهة أَو بهوى نفس فَهُوَ أَحَق أَن لَا يظلم بل يعدل عَلَيْهِ وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق من عدل عَلَيْهِم فِي القَوْل وَالْعَمَل وَالْعدْل مِمَّا اتّفق أهل الأَرْض على مدحه ومحبته وَالثنَاء على أَهله ومحبتهم وَالظُّلم مِمَّا اتّفق على ذمه وتقبيحه وذم أَهله وبغضهم وَالْمَقْصُود أَن الحكم بِالْعَدْلِ وَاجِب مُطلقًا فِي كل زمَان وَمَكَان على كل أحد وَلكُل أحد وَالْحكم بِمَا أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ عدل خَاص وَهُوَ أكمل أَنْوَاع الْعدْل وأحسنها وَالْحكم بِهِ وَاجِب على النَّبِي وكل من اتبعهُ وَمن لم يلْتَزم حكم الله وَرَسُوله فَهُوَ كَافِر وَهَذَا وَاجِب على الْأمة فِي كل مَا تنازعت فِيهِ من الْأُمُور الإعتقادية والعملية قَالَ تَعَالَى (فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول) فالأمور الْمُشْتَركَة بَين الْأمة لَا يحكم فِيهَا إِلَّا الْكتاب وَالسّنة لَيْسَ لأحد أَن يلْزم النَّاس بقول عَالم وَلَا أَمِير وَلَا شيخ وَلَا ملك وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُضَاة ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاضيان فِي الْجنَّة فَمن علم الْحق وَقضى بِهِ فَهُوَ فِي الْجنَّة وَمن علم الْحق وَقضى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّار وَمن قضى للنَّاس على جهل فَهُوَ فِي النَّار وَإِذا حكم بِعلم وَعدل فَإِذا اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجْهَيْن وَإِذا وَجب فِيمَا شجر بَين الْمُؤمنِينَ أَن لَا يتَكَلَّم إِلَّا بِعلم وَعدل وَيرد ذَلِك إِلَى الله وَالرَّسُول فَذَاك فِي أَمر الصَّحَابَة أظهر والرافضة سلكوا فِي الصَّحَابَة مَسْلَك التَّفَرُّق فوالوا بَعضهم وغلوا فِيهِ وعادوا بَعضهم وغلوا فِي معاداته وَهَذَا كُله من التَّفَرُّق والتشيع الَّذِي نهى الله عَنهُ وَرَسُوله فَقَالَ تَعَالَى (إِن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا لست مِنْهُم فِي شَيْء) وَقَالَ تَعَالَى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 مَا جَاءَهُم الْبَينَات وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم فَفِي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ) قَالَ ابْن عَبَّاس تبيض وُجُوه أهل السّنة وَتسود وُجُوه أهل الْبِدْعَة وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله يرضى لكم ثَلَاثًا أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَن تعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا وَأَن تناصحوا من ولاه الله أُمُوركُم وَالله تَعَالَى قد حرم ظلم الْمُسلمين أحيائهم وأمواتهم وَحرم دِمَاءَهُمْ واموالهم وأعراضهم وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا أَلا هَل بلغت أَلا ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب فَرب مبلغ أوعى من سامع وَقد قَالَ تَعَالَى (وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مُبينًا) فَمن آذَى مُؤمنا حَيا أَو مَيتا بِغَيْر ذَنْب يُوجب ذَلِك فقد دخل فِي هَذِه الْآيَة وَمن كَانَ مُجْتَهدا لَا إِثْم عَلَيْهِ فَإِذا آذاه مؤذ فقد آذاه بِغَيْر مَا اكْتسب وَمن كَانَ مذنبا وَقد تَابَ من ذَنبه أَو غفر لَهُ بِسَبَب آخر بِحَيْثُ لم يبْق عَلَيْهِ عُقُوبَة فآذاه مؤذ فقد آذاه بِغَيْر مَا اكْتسب وَقد قَالَ تَعَالَى (وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا) وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْغَيْبَة ذكرك أَخَاك بِمَا يكره قيل أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي أخي مَا أَقُول قَالَ إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقول فقد إغتبته وَإِن لم يكن فِيهِ فقد بَهته فَمن رمى أحدا بِمَا لَيْسَ فِيهِ فقد بَهته فَكيف إِذا كَانَ ذَلِك فِي الصَّحَابَة وَمن قَالَ عَن مُجْتَهد إِنَّه تعمد الظُّلم أَو تعمد مَعْصِيّة الله وَرَسُوله وَمُخَالفَة الْكتاب وَالسّنة وَلم يكن كَذَلِك فقد بَهته وَإِذا كَانَ فِيهِ ذَلِك فقد إغتابه لَكِن يُبَاح من ذَلِك مَا أَبَاحَهُ الله وَرَسُوله وَهُوَ مَا يكون على وَجه الْقصاص وَالْعدْل وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لمصْلحَة الدّين ونصيحة الْمُسلمين فَالْأول قَول المشتكي الْمَظْلُوم فلَان ضَرَبَنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وَأخذ مَالِي وَمَنَعَنِي وَنَحْو ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى (لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم) وَقد نزلت فِيمَن ضاف قوما فَلم يقروه لِأَن قرى الضَّيْف وَاجِب كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فَلَمَّا منعُوهُ حَقه كَانَ لَهُ ذكر ذَلِك وَأما الْحَاجة مثل إستفتاء هِنْد بنت عتبَة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح لَا يعطيني وَبنى مَا يَكْفِينِي بِالْمَعْرُوفِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة فَلم يُنكر عَلَيْهَا قَوْلهَا وَهُوَ من جنس قَول الْمَظْلُوم وَأما النَّصِيحَة فَمثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفاطمة بنت قيس لما استشارته فِيمَن خطبهَا فَقَالَت خطبني أَبُو جهم وَمُعَاوِيَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ وَأما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه وَفِي لفظ يضْرب النِّسَاء إنكحي أُسَامَة فَلَمَّا إستشارته فِيمَن تتَزَوَّج ذكر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ من إستشار رجلا فِيمَن يعامله والنصيحة مَأْمُور بهَا وَلَو لم يشاوره فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح الدّين النَّصِيحَة الدّين النَّصِيحَة ثَلَاثًا قَالُوا لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله ولكتابه وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم وَكَذَلِكَ بَيَان أهل الْعلم لمن غلط فِي رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو تعمد الْكَذِب عَلَيْهِ أَو على من ينْقل عَنهُ الْعلم وَكَذَلِكَ بَيَان من غلط فِي رَأْي رَآهُ فِي أَمر الدّين من الْمسَائِل العلمية والعملية فَهَذَا إِذا تكلم فِيهِ الْإِنْسَان بِعلم وَعدل وَقصد النَّصِيحَة فَالله تَعَالَى يثيبه على ذَلِك لَا سِيمَا إِذا كَانَ الْمُتَكَلّم فِيهِ دَاعيا إِلَى بِدعَة فَهَذَا يجب بَيَان أمره للنَّاس فَإِن دفع شَره عَنْهُم أعظم من دفع شَرّ قَاطع الطَّرِيق وَحكم الْمُتَكَلّم بإجتهاده فِي الْعلم وَالدّين حكم أَمْثَاله من الْمُجْتَهدين ثمَّ قد يكون مُجْتَهدا مخطئا أَو مصيبا وَقد يكون كل من الرجلَيْن الْمُخْتَلِفين بِاللِّسَانِ أَو الْيَد مُجْتَهدا يعْتَقد الصَّوَاب مَعَه وَقد يكونَانِ جَمِيعًا مخطئين مغفورا لَهما كَمَا ذكرنَا نَظِير ذَلِك مِمَّا كَانَ يجْرِي بَين الصَّحَابَة وَلِهَذَا ينْهَى عَمَّا شجر بَين هَؤُلَاءِ سَوَاء كَانُوا من الصَّحَابَة أَو من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 بعدهمْ فَإِذا تشاجر مسلمان فِي قَضِيَّة وَمَضَت وَلَا تعلق للنَّاس بهَا وَلَا يعْرفُونَ حَقِيقَتهَا كَانَ كَلَامهم فِيهَا كلَاما بِلَا علم وَلَا عدل يتَضَمَّن أذاهم بِغَيْر حق وَلَو عرفُوا أَنَّهُمَا مذنبان أَو مخطئان لَكَانَ ذكر ذَلِك من غير مصلحَة راجحة من بَاب الْغَيْبَة المذمومة لَكِن الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أعظم حُرْمَة وَأجل قدرا وأنزه أعراضا وَقد ثَبت من فضائلهم خُصُوصا وعموما مَا لم يثبت لغَيرهم فَلهَذَا كَانَ الْكَلَام الَّذِي فِيهِ ذمهم على مَا شجر بَينهم أعظم إِثْمًا من الْكَلَام فِي غَيرهم فَإِن قيل فَأنْتم فِي هَذَا الْمقَام تسبون الرافضة وتذمونهم وتذكرون عيوبهم قيل ذكر الْأَنْوَاع المذمومة غير ذكر الْأَشْخَاص الْمعينَة فَإِنَّهُ قد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن أَنْوَاع كَثِيرَة وَقَالَ الله تَعَالَى (أَن لعنة الله على الظَّالِمين الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله ويبغونها عوجا) فالقرآن وَالسّنة مملوءان من ذمّ الْأَنْوَاع المذمومة وذم أَهلهَا ولعنهم تحذيرا من ذَلِك الْفِعْل وإخبارا بِمَا يلْحق أَهله من الْوَعيد ثمَّ الْمعاصِي الَّتِي يعرف صَاحبهَا أَنه عَاص يَتُوب مِنْهَا والمبتدع الَّذِي يظنّ أَنه على حق كالخوارج والنواصب الَّذين نصبوا الْعَدَاوَة وَالْحَرب لجَماعَة الْمُسلمين ابتدعوا بِدعَة وَكَفرُوا من لم يوافقهم عَلَيْهَا فَصَارَ بذلك ضررهم على الْمُسلمين أعظم من ضَرَر الظلمَة الَّذين يعلمُونَ أَن الظُّلم محرم والرافضة أَشد بِدعَة من الْخَوَارِج وهم يكفرون من لم تكن الْخَوَارِج تكفره كَأبي بكر وَعمر ويكذبون على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة كذبا مَا كذب أحد مثله والخوارج لَا يكذبُون لَكِن الْخَوَارِج كَانُوا أصدق وَأَشْجَع وأوفى بالعهد مِنْهُم فَكَانُوا أَكثر قتالا مِنْهُم وَهَؤُلَاء أكذب وأجبن وأعذر وأذل وهم يستعينون بالكفار على الْمُسلمين كَمَا جرى لجنكز خَان ملك التّرْك الْكفَّار فَإِن الرافضة أعانته على الْمُسلمين وَأما إعانتهم لهولاكو ابْن ابْنه لما جَاءَ إِلَى خُرَاسَان وَالْعراق وَالشَّام فَهَذَا أظهر وَأشهر من أَن يخفى على أحد فَكَانُوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 بَاطِنا وظاهرا وَكَانَ وَزِير الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن العلقمي مِنْهُم فَلم يزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 يمكر بالخليفة وَالْمُسْلِمين وَيسْعَى فِي قطع أرزاق عَسْكَر الْمُسلمين وضعفتهم وَينْهى الْعَامَّة عَن قِتَالهمْ ويكيد أنواعا من الكيد حَتَّى دخلُوا فَقتلُوا من الْمُسلمين مَا يُقَال إِنَّه بضعَة عشر ألف ألف إِنْسَان أَو أَكثر أَو أقل وَلم ير فِي الْإِسْلَام مثل ملحمة التّرْك الْكفَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 المسمين بالتتر وَقتلُوا الهاشميين وَسبوا نِسَاءَهُمْ من العباسيين وَغير العباسيين فَهَل يكون مواليا لآل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يُسَلط الْكفَّار على قَتلهمْ وَسَبْيهمْ وعَلى سَائِر الْمُسلمين وهم يكذبُون على الْحجَّاج وَغَيره أَنه قتل الْأَشْرَاف وَلم يقتل الْحجَّاج هاشميا قطّ مَعَ ظلمه وغشمه فَإِن عبد الْملك نَهَاهُ عَن ذَلِك وَإِنَّمَا قتل نَاسا من أَشْرَاف الْعَرَب غير بني هَاشم وَقد تزوج هاشمية وَهِي بنت عبد الله بن جَعْفَر فَمَا مكنه بَنو أُميَّة من ذَلِك وَفرقُوا بَينه وَبَينهَا وَقَالُوا لَيْسَ الْحجَّاج كفئا لشريفة هاشمية والرافضة فيهم من هُوَ متعبد متورع زاهد لَكِن لَيْسُوا فِي ذَلِك مثل غَيرهم من أهل الْأَهْوَاء فالمعتزلة أَعقل مِنْهُم وَأعلم وأدين وَالْكذب والفجور فيهم أقل مِنْهُ فِي الرافضة والزيدية من الشِّيعَة خير مِنْهُم وَأقرب إِلَى الصدْق وَالْعدْل وَالْعلم وَلَيْسَ فِي أهل الْأَهْوَاء أصدق وَلَا أعبد من الْخَوَارِج وَمَعَ هَذَا فَأهل السّنة يستعملون مَعَهم الْعدْل والإنصاف وَلَا يظلمونهم فَإِن الظُّلم حرَام مُطلقًا كَمَا تقدم بل أهل السّنة لكل طَائِفَة من هَؤُلَاءِ خير من بَعضهم لبَعض بل هم للرافضة خير وَأَعْدل من بعض الرافضة لبَعض وَهَذَا مِمَّا يعترفون هم بِهِ وَيَقُولُونَ أَنْتُم تنصفوننا مَا لَا ينصف بَعْضنَا بَعْضًا وَهَذَا لِأَن الأَصْل الَّذِي اشْتَركُوا فِيهِ أصل فَاسد مَبْنِيّ على جهل وظلم وهم مشتركون فِي ظلم سَائِر الْمُسلمين فصاروا بِمَنْزِلَة قطاع الطَّرِيق المشتركين فِي ظلم النَّاس وَلَا ريب أَن الْمُسلم الْعَالم الْعَادِل أعدل عَلَيْهِم وعَلى بَعضهم من بعض والخوارج تكفر أهل الْجَمَاعَة وَكَذَلِكَ أَكثر الْمُعْتَزلَة يكفرون من خالفهم وَكَذَلِكَ أَكثر الرافضة وَمن لم يكفر فسق وَكَذَلِكَ أَكثر أهل الْأَهْوَاء يبتدعون رَأيا ويكفرون من خالفهم فِيهِ وَأهل السّنة يتبعُون الْحق من رَبهم الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَلَا يكفرون من خالفهم فِيهِ بل هم أعلم بِالْحَقِّ وأرحم بالخلق كَمَا وصف الله بِهِ الْمُسلمين بقوله (كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة كُنْتُم خير النَّاس للنَّاس وَأهل السّنة نقاوة الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 فهم خير النَّاس للنَّاس وَقد علم أَنه كَانَ بساحل الشَّام جبل كَبِير فِيهِ أُلُوف من الرافضة يسفكون دِمَاء النَّاس وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالهم وَلما انْكَسَرَ الْمُسلمُونَ سنة غازان أخذُوا الْخَيل وَالسِّلَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَالْأسَارَى وباعوهم للْكفَّار وَالنَّصَارَى بقبرص وَأخذُوا من مر بهم من الْجند وَكَانُوا أضرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 على الْمُسلمين من جَمِيع الْأَعْدَاء وَحمل بعض أمرائهم راية النَّصَارَى وَقَالُوا لَهُ أَيّمَا خير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الْمُسلمُونَ أَو النَّصَارَى فَقَالَ بل النَّصَارَى فَقَالُوا لَهُ مَعَ من تحْشر يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ مَعَ النَّصَارَى وسلموا إِلَيْهِم بعض بِلَاد الْمُسلمين وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا إستشار بعض وُلَاة الْأَمر فِي غزوهم وكتبت جَوَابا مَبْسُوطا فِي غزوهم وذهبنا إِلَى ناحيتهم وَحضر عِنْدِي جمَاعَة مِنْهُم وَجَرت بيني وَبينهمْ مناظرات ومفاوضات يطول وصفهَا فَلَمَّا فتح الْمُسلمُونَ بلدهم وَتمكن الْمُسلمُونَ مِنْهُم نهيتهم عَن قَتلهمْ وَعَن سَبْيهمْ وأنزلناهم فِي بِلَاد الْمُسلمين مُتَفَرّقين لِئَلَّا يجتمعوا فَمَا أذكرهُ فِي هَذَا الْكتاب فِي ذمّ الرافضة وَبَيَان كذبهمْ وجهلهم قَلِيل من كثير مِمَّا أعرفهُ مِنْهُم وَلَهُم شَرّ كثير لَا أعرف تَفْصِيله ومصنف هَذَا الْكتاب وَأَمْثَاله من الرافضة إِنَّمَا نقابلهم بِبَعْض مَا فَعَلُوهُ بِأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلفها وَخَلفهَا فَإِنَّهُم عَمدُوا إِلَى خِيَار أهل الأَرْض من الْأَوَّلين والآخرين بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَإِلَى خير أمة أخرجت للنَّاس فافتروا عَلَيْهِم العظائم وَجعلُوا حسناتهم سيئات وَجَاءُوا إِلَى شَرّ من انتسب إِلَى الْإِسْلَام من أهل الْأَهْوَاء وهم الرافضة بأصنافها غاليها وإماميها وزيديها وَالله يعلم وَكفى بِاللَّه عليما لَيْسَ فِي جَمِيع الطوائف المنتسبة إِلَى الْإِسْلَام مَعَ بِدعَة وضلالة شَرّ مِنْهُم لَا أَجْهَل وَلَا أكذب وَلَا أظلم وَلَا أقرب إِلَى الْكفْر والفسوق والعصيان وَأبْعد عَن حقائق الْإِيمَان مِنْهُم فزعموا أَن هَؤُلَاءِ هم صفوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الله من عباده فَإِن مَا سوى أمة مُحَمَّد كفار وَهَؤُلَاء كفرُوا الْأمة كلهَا أَو ضللوها سوى طائفتهم الَّتِي يَزْعمُونَ أَنَّهَا الطَّائِفَة المحقة وَأَنَّهَا لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة فجعلوهم صفوة بني آدم فَكَانَ مثلهم كمن جَاءَ إِلَى غنم كَثِيرَة فَقيل لَهُ أعطنا خير هَذِه الْغنم لنضحي بهَا فَعمد إِلَى شَرّ تِلْكَ الْغنم إِلَى شَاة عوراء عجفاء عرجاء مَهْزُولَة لَا نقى لَهَا فَقل هَذِه خِيَار هَذِه الْغنم لَا تجوز الْأُضْحِية إِلَّا بهَا وَسَائِر هَذِه الْغنم لَيست غنما وَإِنَّمَا هِيَ خنازير يجب قَتلهَا وَلَا تجوز الْأُضْحِية بهَا وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حمى مُؤمنا من مُنَافِق حمى الله لَحْمه من نَار جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة وَهَؤُلَاء الرافضة إِمَّا مُنَافِق وَإِمَّا جَاهِل فَلَا يكون رَافِضِي وَلَا جهمي إِلَّا منافقا أَو جَاهِلا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يكون فيهم أحد عَالما بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْإِيمَان بِهِ فَإِن مخالفتهم لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول وكذبهم عَلَيْهِ لَا يخفى قطّ إِلَّا على مفرط فِي الْجَهْل والهوى وشيوخهم المصنفون فيهم طوائف يعلمُونَ أَن كثيرا مِمَّا يَقُولُونَهُ كذب وَلَكِن يصنفون لَهُم رياستهم عَلَيْهِم وَهَذَا المُصَنّف يتهمه النَّاس بِهَذَا وَلَكِن صنف لأجل أَتْبَاعه فَإِن كَانَ أحدهم يعلم أَن مَا يَقُوله بَاطِل ويظهره وَيَقُول إِنَّه حق من عِنْد الله فَهُوَ من جنس عُلَمَاء الْيَهُود الَّذين (يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ يَقُولُونَ هَذَا من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ) وَإِن كَانَ يعْتَقد أَنه حق دلّ ذَلِك على نِهَايَة جَهله وضلاله وَلما قَالَ السّلف إِن الله أَمر بالإستغفار لأَصْحَاب مُحَمَّد فسبهم الرافضة كَانَ هَذَا كلَاما حَقًا وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح لَا تسبوا أَصْحَابِي يَقْتَضِي تَحْرِيم سبهم مَعَ أَن الْأَمر بالإستغفار للْمُؤْمِنين وَالنَّهْي عَن سبهم عَام فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر وَقد قَالَ تَعَالَى (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يسخر قوم من قوم عَسى أَن يَكُونُوا خيرا مِنْهُم وَلَا نسَاء من نسَاء عَسى أَن يكن خيرا مِنْهُنَّ وَلَا تلمزوا أَنفسكُم وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ بئس الِاسْم الفسوق بعد الْإِيمَان وَمن لم يتب فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ) فقد نهى عَن السخرية واللمز والتنابز بِالْأَلْقَابِ واللمز الْعَيْب والطعن وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات) أَي يعيبك ويطعن عَلَيْك وَقَالَ تَعَالَى (ويل لكل همزَة لُمزَة) وَإِذا قَالَ الْمُسلم (رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان) يقْصد كل من سبقه من قُرُون الْأمة بِالْإِيمَان وَإِن كَانَ قد أَخطَأ فِي تَأْوِيل تَأَوَّلَه فَخَالف السّنة أَو أذْنب ذَنبا فَإِنَّهُ من إخوانه الَّذين سَبَقُوهُ بِالْإِيمَان فَيدْخل فِي الْعُمُوم وَإِن كَانَ من الثِّنْتَيْنِ وَالسبْعين فرقة فَإِنَّهُ مَا من فرقة إِلَّا وفيهَا خلق كثير لَيْسُوا كفَّارًا بل مُؤمنين فيهم ضلال وذنب يسْتَحقُّونَ بِهِ الْوَعيد كَمَا يسْتَحقّهُ عصاة الْمُؤمنِينَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخرجهم من الْإِسْلَام بل جعلهم من أمته وَلم يقل أَنهم يخلدُونَ فِي النَّار فَهَذَا أصل عَظِيم يَنْبَغِي مراعاته فَإِن كثيرا من المنتسبين إِلَى السّنة فيهم بِدعَة من جنس بدع الرافضة والخوارج وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب وَغَيره لم يكفروا الْخَوَارِج الَّذين قاتلوهم بل أول مَا خَرجُوا عَلَيْهِ وتحيزوا بحروراء وَخَرجُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 عَن الطَّاعَة وَالْجَمَاعَة قَالَ لَهُم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ إِن لكم علينا أَن لَا نمنعكم من مَسَاجِدنَا وَلَا حقكم من الْفَيْء ثمَّ أرسل إِلَيْهِم ابْن عَبَّاس فناظرهم فَرجع نَحْو نصفهم ثمَّ قَاتل الْبَاقِي وغلبهم وَمَعَ هَذَا لم يسب لَهُم ذُرِّيَّة وَلَا غنم لَهُم مَالا وَلَا سَار فيهم سيرة الصَّحَابَة فِي الْمُرْتَدين كمسيلمة وَأَمْثَاله وَعَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب قَالَ كنت عِنْد عَليّ حِين فرغ من قتال أهل النهروان فَقيل لَهُ أمشركون هم قَالَ من الشّرك فروا فَقيل أمنافقون قَالَ المُنَافِقُونَ لَا يذكرُونَ الله إِلَّا قَلِيلا قيل فَمَا هم قَالَ قوم بغوا علينا فقاتلناهم فقد صرح عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِأَنَّهُم مُؤمنُونَ لَيْسُوا كفَّارًا وَلَا منافقين وَهَذَا بِخِلَاف مَا كَانَ يَقُوله بعض النَّاس كَأبي إِسْحَاق الإسفرايني وَمن اتبعهُ يَقُولُونَ لَا نكفر إِلَّا من يكفرنا فَإِن الْكفْر لَيْسَ حَقًا لَهُم بل هُوَ حق لله وَلَيْسَ للْإنْسَان أَن يكذب على من يكذب عَلَيْهِ وَلَا أَن يفعل الْفَاحِشَة بِأَهْل من فعل الْفَاحِشَة بأَهْله لِأَن هَذَا حرَام لحق الله وَلَو سبّ النَّصَارَى نَبينَا لم يكن لنا أَن نسب الْمَسِيح والرافضة إِذا كفرُوا أَبَا بكر وَعمر فَلَيْسَ لنا أَن نكفر عليا روى سُفْيَان عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه الباقر قَالَ سمع على يَوْم الْجمل أَو يَوْم صفّين رجلا يغلو فِي القَوْل فَقَالَ لَا تَقولُوا إِلَّا خيرا إِنَّمَا هم قوم زَعَمُوا أَنا بغينا عَلَيْهِم وزعمنا أَنهم بغوا علينا فقاتلناهم وَعَن مَكْحُول أَن أَصْحَاب عَليّ سَأَلُوهُ عَمَّن قتل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة مَا هم قَالَ هم الْمُؤْمِنُونَ وَعَن عبد الْوَاحِد بن أبي عون قَالَ مر عَليّ وَهُوَ متكيء على الأشتر على قَتْلَى صفّين فَإِذا حَابِس الْيَمَانِيّ مقتول فَقَالَ الأشتر إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون هَذَا حَابِس الْيَمَانِيّ مَعَهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ عَلامَة مُعَاوِيَة أما وَالله لقد عهدته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 مُؤمنا قَالَ عَليّ والآن هُوَ مُؤمن قَالَ رووا عَن أبي بكر أَنه قَالَ على الْمِنْبَر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعتصم بِالْوَحْي وَإِن لي شَيْطَانا يَعْتَرِينِي فَإِن اسْتَقَمْت فإعينوني وَإِن زِغْت فقوموني فَكيف تجوز إِمَامَة من يَسْتَعِين بالرعية على تقويمه قُلْنَا هَذَا من أكبر فضائله وأدلها على أَنه لم يكن طَالب رياسة وَلَا كَانَ ظَالِما فَقَالَ إِن اسْتَقَمْت على الطَّاعَة فَأَعِينُونِي عَلَيْهَا وَإِن زِغْت عَنْهَا فقوموني كَمَا قَالَ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت الله فالشيطان الَّذِي يَعْتَرِيه يعتري غَيره فَإِنَّهُ مَا من أحد إِلَّا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة والشيطان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم فمقصوده بذلك أَنِّي لست مَعْصُوما وَصدق رَضِي الله عَنهُ وَالْإِمَام لَيْسَ رَبًّا لرعيته حَتَّى يسْتَغْنى عَنْهُم بل يتعاونون على الْبر وَالتَّقوى كإمام الصَّلَاة إِن استقام تبعوه وَإِن سَهَا سبحوا بِهِ وقوموه ثمَّ يُقَال إستعانة عَليّ برعيته وَحَاجته إِلَيْهِم كَانَت أَكثر من إستعانة أبي بكر وَكَانَ تَقْوِيم أبي بكر لرعيته وطاعتهم لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 أعظم من تَقْوِيم عَليّ لرعيته وطاعتهم لَهُ فَإِن أَبَا بكر كَانَ إِذا نازعوه أَقَامَ عَلَيْهِم الْحجَّة حَتَّى يرجِعوا إِلَيْهِ كَمَا أَقَامَ الْحجَّة على عمر فِي قتال مانعي الزَّكَاة وَغير ذَلِك وَكَانُوا إِذا أَمرهم أطاعوه وَعلي رَضِي الله عَنهُ لما ذكر قَوْله فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَأَنه اتّفق رَأْيه ورأي عمر على أَن لَا يبعن ثمَّ رأى أَن يبعن قَالَ لَهُ قاضيه عُبَيْدَة السَّلمَانِي رَأْيك مَعَ عمر فِي الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحده فِي الْفرْقَة وَكَانَ عَليّ يَقُول اقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون فَإِنِّي أكره الْخلاف جتى يكون النَّاس جمَاعَة أَو أَمُوت كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي وَكَانَت رَعيته كَثِيرَة الْمُخَالفَة لَهُ ويشيرون عَلَيْهِ فيخالفهم ثمَّ يتَبَيَّن لَهُ أَن الصَّوَاب قَوْلهم وَكَانَ الْحسن أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن لَا يخرج من الْمَدِينَة وَأَن لَا يعْزل مُعَاوِيَة وَلَا يشك عَاقل أَن السياسة انتظمت لأبي بكر وَعمر مَا لم تنتظم لعَلي رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ قَالَ وَقَالَ أقيلوني فلست بِخَيْرِكُمْ وَعلي فِيكُم فَإِن كَانَت إِمَامَته حَقًا فإستقالته مَعْصِيّة وَإِن كَانَت بَاطِلَة لزم الطعْن قُلْنَا هَذَا كذب وَلَا لَهُ إِسْنَاد بل ثَبت عَنهُ أَنه قَالَ يَوْم السَّقِيفَة بَايعُوا أحد هذَيْن الرجلَيْن أَبَا عُبَيْدَة أَو عمر بن الْخطاب فَقَالَ لَهُ عمر بل أَنْت سيدنَا وخيرنا وأحبنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يُقَال فَهَلا اسْتخْلف عليا عِنْد الْمَوْت وَللْإِمَام أَن يقتال لطلب الرَّاحَة من أعباء الإمرة وتواضع الْمَرْء لَا يسْقط رتبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 قَالَ وَقَالَ عمر كَانَت بيعَة أبي بكر فلته وقى الله شَرها فَمن عَاد إِلَى مثلهَا فَاقْتُلُوهُ قُلْنَا هَذَا القَوْل الْأَخير إفتراء وَكذب وَإِنَّمَا قَالَ وَلَيْسَ فِيكُم من تقطع إِلَيْهِ الْأَعْنَاق مثل أبي بكر وَمَعْنَاهُ أَن بيعَة الصّديق بودر إِلَيْهَا من غير إنتظار وتريث لكَونه كَانَ مُتَعَيّنا قَالَ وَقَالَ أَبُو بكر لَيْتَني كنت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل للْأَنْصَار فِي هَذَا الْأَمر حق قُلْنَا هَذَا كذب ثمَّ نقُول هَذَا يقْدَح فِيمَا تَدعُونَهُ من النَّص على عَليّ إِذْ لَو كَانَ نَص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عَليّ لبطل حق الْأَنْصَار وَغَيرهم قَالَ وَقَالَ عِنْد إحتضاره لَيْت أُمِّي لم تلدني يَا لَيْتَني كنت تبنة فِي لبنة مَعَ أَنهم رووا أَنه مَا من محتضر إِلَّا وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة وَالنَّار قُلْنَا وَهَذَا عَنهُ بَاطِل بل قَالَ لما إحتضر وتمثلت عَائِشَة بقول الشَّاعِر (لعمرك مَا يُغني الثراء عَن الْفَتى ... إِذا حشرجت يَوْمًا وضاق بهَا الصَّدْر) فكشف عَن وَجهه فَقَالَ لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن قولي (وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد) وَأما قَول لَيْت أُمِّي لم تلدني فَنقل عَنهُ أَنه قَالَه فِي صِحَّته وَمثل هَذَا نقل عَن جمَاعَة من السّلف قَالُوهُ خوفًا وهيبة وفرقا من الله وروى الإِمَام أَحْمد عَن أبي ذَر أَنه قَالَ وَالله لَوَدِدْت أَنِّي شَجَرَة تعضد وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود لَو وقفت بَين الْجنَّة وَالنَّار فَقيل لي أختر فِي أَيهمَا تكون أَو تكون رَمَادا لأخترت أَن أكون رَمَادا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 قلت وَقد جَاءَ عَن عَليّ إِلَى الله أَشْكُو عجرى وبجري قَالَ وَقَالَ لَيْتَني يَوْم بني سَاعِدَة ضربت بيَدي على يَد أحد الرجلَيْن فَكَانَ الْأَمِير وَكنت الْوَزير قُلْنَا قَائِل هَذَا يَقُوله هضما لنَفسِهِ وتواضعا وخوفا من الله فَلَو كَانَ عِنْده نَص من الرَّسُول بعلي لَكَانَ فِي حَال خَوفه وإنابته ينقس بعلي وَلما ذكر الرجلَيْن إِذْ توليتهما مَعَ علمه بِالنَّصِّ على عَليّ كَمَا تَزْعُمُونَ إِضَاعَة للْإِمَامَة مِنْهُ وَكَانَ يكون وزيرا لظَالِم غَيره وَيبِيع آخرته بدنيا غَيره وَلَا يفعل هَذَا من يخَاف الله وينيب إِلَيْهِ قَالَ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرض مَوته مَرَّات أنفذوا جَيش أُسَامَة لعن الله المتخلف عَن جَيش أُسَامَة وَكَانَت الثَّلَاثَة مَعَه وَمنع أَبُو بكر عمر من ذَلِك قيل هَذَا كذب عِنْد كل عَارِف بالسيرة فَكيف يُرْسل أَبَا بكر فِي جَيش أُسَامَة وَقد إستخلفه على الصَّلَاة فصلى بهم إثني عشر يَوْمًا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتر وَقد كشف الستارة يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَقت الصُّبْح وهم يصلونَ خلف أبي بكر وَوَجهه كَأَنَّهُ ورقة مصحف وسر بذلك لما رَآهُمْ بِالصَّلَاةِ فَكيف يتَصَوَّر أَن يَأْمُرهُ بِالْخرُوجِ وَهُوَ يَأْمُرهُ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا أنفذ جَيش أُسَامَة بعد موت الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر غير أَنه استأذنه فِي أَن يَأْذَن لعمر بن الْخطاب فِي الْإِقَامَة لِأَنَّهُ ذُو رَأْي نَاصح لِلْإِسْلَامِ فَأذن لَهُ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعضهم بترك الْغُزَاة فَإِنَّهُم خَافُوا أَن يطْمع النَّاس فِي الْجَيْش بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَامْتنعَ أَبُو بكر وَقَالَ لَا أحل لِوَاء عقده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 قَالَ وَلم يول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر عملا قطّ بل ولي عَلَيْهِ عَمْرو بن الْعَاصِ مرّة وَأُسَامَة أُخْرَى وَلما أنفذه بِسُورَة بَرَاءَة رده بِوَحْي من الله قُلْنَا هَذَا من أبين الْكَذِب فَمن الْمَعْلُوم قطعا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل أَبَا بكر على الْحَج عَام تسع فَكَانَ هَذَا من خَصَائِصه كَمَا أَن إستخلافه على الصَّلَاة من خَصَائِصه وَكَانَ عَليّ من رَعيته فِي الْحَج الْمَذْكُور فَإِنَّهُ لحقه فَقَالَ أَمِير أَو مَأْمُور قَالَ عَليّ بل مَأْمُور وَكَانَ عَليّ يُصَلِّي خلف أبي بكر مَعَ سَائِر الْمُسلمين فِي هَذِه الْحجَّة بل خص بتبليغ سُورَة بَرَاءَة وَأما قصَّة عَمْرو بن الْعَاصِ فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسلهُ فِي سَرِيَّة وَهِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل وَكَانَت إِلَى بني عذرة أخوال عَمْرو فَأمره رَجَاء أَن يطيعوه ويسلموا ثمَّ أردفه بِأبي عُبَيْدَة وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَقَالَ لأبي عُبَيْدَة تطاوعا وَلَا تختلفا ثمَّ كَانُوا يصلونَ خلف عَمْرو مَعَ علم كل أحد أَن هَؤُلَاءِ خير من عَمْرو وتولية الْمَفْضُول لمصْلحَة تجوز كَمَا أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة ليَأْخُذ بثأر أَبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 قَالَ وَقطع سَارِقا وَلم يعلم أَن الْقطع لليد الْيُمْنَى قُلْنَا من اظهر الْكَذِب أَن يجهل هَذَا أَبُو بكر ثمَّ لَو قدر أَن أَبَا بكر كَانَ يُجِيز ذَلِك لَكَانَ سائغا لِأَن الْقُرْآن لَيْسَ فِي ظَاهره مَا يعين الْيَمين لَكِن تعْيين الْيَمين فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَاقْطَعُوا أيمانهما وَبِذَلِك مَضَت السّنة وَلَكِن أَيْن النَّقْل بذلك عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه قطع الْيُسْرَى وَأَيْنَ الْإِسْنَاد الثَّابِت بذلك وَهَذِه كتب أهل الْعلم بالآثار مَوْجُودَة فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِك وَلَا نقل أهل الْعلم بالإختلاف ذَلِك قولا مَعَ تعظيمهم لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ وأحرق الْفُجَاءَة السّلمِيّ بالنَّار مَعَ النَّهْي عَن ذَلِك قُلْنَا إحراق عَليّ الزَّنَادِقَة بالنَّار أشهر فقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن عليا أُتِي بِقوم زنادقة فحرقهم فَبلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَو كنت أَنا لم أحرقهم لنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعذب بِعَذَاب الله ولضربت أَعْنَاقهم لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ قَالَ وخفي عَلَيْهِ أَكثر أَحْكَام الشَّرِيعَة فَلم يعرف حكم الْكَلَالَة وَقَالَ أَقُول فِيهَا برأيي فَإِن كَانَ صَوَابا فَمن الله وَإِن كَانَ خطأ فمنى وَمن الشَّيْطَان وَقضى فِي الْجد بسبعين قَضِيَّة وَهَذَا يدل على قصوره قُلْنَا هَذَا بهتان عَظِيم كَيفَ يخفي عَلَيْهِ أَكثر الْأَحْكَام وَلم يكن من يقْضِي ويفتي بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هُوَ وَلم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر مُشَاورَة لأحد مِنْهُ لَهُ ولعمر وَقد تقدم النَّقْل عَن مَنْصُور بن عبد الْجَبَّار السَّمْعَانِيّ وَذكر عَن غير وَاحِد الْإِجْمَاع على أَنه أعلم الْأمة وَهَذَا بَين فَإِن الْأمة لم تخْتَلف فِي ولَايَته فِي مَسْأَلَة إِلَّا فصلها بِعلم يُبينهُ لَهُم من الْكتاب وَالسّنة كَمَا بَين لَهُم موت النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَوْضِع دَفنه وثبتهم على الْإِيمَان وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْآيَة وَبَين لَهُم قتال مانعي الزَّكَاة وَأَن الْخلَافَة فِي قُرَيْش وَلَوْلَا علمه بالمناسك وَالصَّلَاة لما اسْتَعْملهُ عَلَيْهِمَا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلم الْمَنَاسِك أدق مَا فِي الْعِبَادَات وَلم يسْتَخْلف غَيره لَا فِي حج وَلَا فِي صَلَاة وَكتابه فِي الصَّدَقَة أَخذه أنس من أبي بكر وَهُوَ أصح مَا روى فِيهَا وَعَلِيهِ اعْتمد الْفُقَهَاء وَفِي الْجُمْلَة لَا تعرف مَسْأَلَة من الشَّرِيعَة غلط فِيهَا بِخِلَاف غَيره وَأما قَوْله لم يعرف حكم الْكَلَالَة فَيُقَال هَذَا من أعظم علمه فَإِن الرَّأْي الَّذِي رَآهُ عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعلمَاء وَأخذُوا بقوله وَهُوَ أَنه من لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَأما الْجد فَإِنَّمَا هَذَا قَضَاء عمر وَأما أَبُو بكر فَإِنَّهُ لم يخْتَلف قَوْله أَن جعله أَبَا وَهُوَ قَول بضعَة عشر صحابيا وَمذهب أبي حنيفَة وَبَعض الشَّافِعِيَّة والحنابلة وَهُوَ الْأَظْهر فِي الدَّلِيل وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بقول زيد بن ثَابت وَأما قَول عَليّ فِي الْجد فَلم يذهب إِلَيْهِ الْأَئِمَّة فَلَمَّا أجمع الْمُسلمُونَ على أَن الْجد الْأَعْلَى أولى من الْأَعْمَام كَانَ الْجد الْأَدْنَى أولى من الْإِخْوَة ثمَّ الْقَائِلُونَ بمشاركة الْإِخْوَة للْجدّ لَهُم أَقْوَال متناقضة قَالَ فَأَي نِسْبَة لَهُ بِمن قَالَ سلوني قبل أَن تفقدوني سلوني عَن طرق السَّمَاء فَإِنِّي أعرف بهَا من طرق الأَرْض قُلْنَا إِنَّمَا قَالَ عَليّ سلوني لأهل الْكُوفَة ليعلمهم الدّين فَإِن غالبهم كَانُوا جهلة وَأما أَبُو بكر فَكَانَ الَّذين حول منبره أكَابِر الصَّحَابَة فَكَانَت رَعيته أعلم الْأمة وأدينها وَأما الدّين كَانَ عَليّ يخاطبهم فهم من جملَة عوام النَّاس التَّابِعين وَكَانَ كثير مِنْهُم من شرار التَّابِعين وَلِهَذَا كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 يذمهم وَيَدْعُو عَلَيْهِم وَكَانَ التابعون بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالشَّام وَالْبَصْرَة خيرا مِنْهُم وَقد جمعت الْفَتَاوَى المنقولة عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة فوجدوا أصوبها وأدلها على علم صَاحبهَا أُمُور أبي بكر ثمَّ عمر والأمور الَّتِي وجد نَص يُخَالِفهَا عَن عمر أقل مِمَّا وجد عَن عَليّ وَأما أَبُو بكر فَلَا يكَاد يُوجد نَص يُخَالِفهُ وَكَانَ هُوَ الَّذِي يفصل الْأُمُور المشتبهة عَلَيْهِم وَلم يكن يعرف مِنْهُم إختلاف على عَهده قَالَ قَالَ أَبُو البحتري رَأَيْت عليا صعد مِنْبَر الْكُوفَة وَعَلِيهِ مدرعة كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَقَلِّدًا سيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معتما بعمامته وَفِي إصبعه خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكشف عَن بَطْنه فَقَالَ سلوني من قبل أَن تفقدوني فَإِنَّمَا بَين الجوانح مني علم جم هَذَا سفط الْعلم هَذَا لعاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا مَا زقني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زقا من غير وَحي إِلَيّ فوَاللَّه لَو ثنيت وسَادَة فَجَلَست عَلَيْهَا لأفتيت أهل التَّوْرَاة بتوراتهم وَأهل الْإِنْجِيل بإنجيلهم حَتَّى تنطق التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَتَقول صدق عَليّ قد أفتاكم بِمَا أنزل الله فِي قلت هَذَا كذب فَاحش وَعلي أعلم بِاللَّه من أَن يحكم بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل وَإِذا تحاكم إِلَيْهِ أهل الْكِتَابَيْنِ لم يجز لَهُ أَن يحكم بِغَيْر الْقُرْآن وَمن نسب عليا إِلَى أَن يحكم بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَو يفتيهم بذلك ويمدحه بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 إِمَّا أَن يكون من أَجْهَل النَّاس بِالدّينِ وَبِمَا يمدح بِهِ صَاحبه وَإِمَّا أَن يكون زنديقا ملحدا أَرَادَ الْقدح فِي عَليّ بِمثل هَذَا الْكَلَام الَّذِي يسْتَحق صَاحبه الذَّم وَالْعِقَاب دون الْمَدْح وَالثَّوَاب قَالَ وروى الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى آدم فِي علمه وَإِلَى نوح فِي تقواه وَإِلَى إِبْرَاهِيم فِي حلمه وَإِلَى مُوسَى فِي هيبته وَإِلَى عِيسَى فِي عِبَادَته فَلْينْظر إِلَى عَليّ قُلْنَا وَهَذَا خبر مُنكر فهاتوا إِسْنَاده إِن كُنْتُم صَادِقين وَيُقَال ثَانِيًا هَذَا الحَدِيث كذب مَوْضُوع على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا ريب عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَلِهَذَا لَا يذكرهُ أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَإِن كَانُوا حراصا على جمع فَضَائِل على كَالنَّسَائِيِّ فَإِنَّهُ قصد أَن يجمع فَضَائِل عَليّ فِي كتاب سَمَّاهُ الخصائص وَالتِّرْمِذِيّ قد ذكر أَحَادِيث مُتعَدِّدَة فِي فضائله وَمِنْهَا مَا هُوَ ضَعِيف بل مَوْضُوع وَمَعَ هَذَا لم يذكرُوا هَذَا وَنَحْوه قَالَ وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَا نعلم أحدا قَالَ بعد نبيه سلوني من شِيث إِلَى مُحَمَّد إِلَّا عليا فَسَأَلَهُ الأكابر أَبُو بكر وَعمر وأشباههما حَتَّى انْقَطع السُّؤَال ثمَّ قَالَ بعد هَذَا يَا كميل بن زِيَاد إِن هَا هُنَا علما جما لَو أصبت لَهُ حَملَة وَالْجَوَاب أَن هَذَا النَّقْل إِن صَحَّ عَن ثَعْلَب فثعلب لم يذكر لَهُ إِسْنَادًا حَتَّى يحْتَج بِهِ وَلَيْسَ ثَعْلَب من أَئِمَّة الحَدِيث الَّذين يعْرفُونَ صَحِيحه من سقيمه حَتَّى يُقَال صَحَّ عِنْده بل من هُوَ أعلم من ثَعْلَب من الْفُقَهَاء يذكرُونَ أَحَادِيث كَثِيرَة لَا أصل لَهَا فَكيف ثَعْلَب وَهُوَ قد سمع هَذَا من بعض النَّاس الَّذين لَا يذكرُونَ مَا يَقُولُونَ عَن أحد وَعلي لم يَقُول هَذَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 خلَافَة أبي بكر وَعمر وَلَا عُثْمَان بل قَالَ نَحوه بِالْكُوفَةِ فَكَانَ يَأْمُرهُم بِطَلَب الْعلم وَالسُّؤَال كَمَا فِي حَدِيث كميل بن زِيَاد وَلم يَصْحَبهُ إِلَّا بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ قَالَ يَا كميل إِن هَاهُنَا لعلما لَو أصبت لَهُ حَملَة وَأما أَبُو بكر فَلم يكن يسْأَله عليا عَن شَيْء وَأما عمر فَكَانَ يشاوره كَمَا يشاور غَيره قَالَ وأهمل أَبُو بكر حُدُود الله فَلم يقْتَصّ من خَالِد بن الْوَلِيد حَيْثُ قتل مَالك بن نُوَيْرَة وَأَشَارَ عمر بقتْله فَلم يقبل فَنَقُول إِن كَانَ ترك قتل قَاتل الْمَعْصُوم مِمَّا يُنكر على الْأَئِمَّة كَانَ هَذَا من أكبر حجج شيعَة عُثْمَان على عَليّ فَإِن عُثْمَان خير من أَمْثَال مَالك بن نُوَيْرَة وَقد قتل مَظْلُوما شَهِيدا وَعلي لم يقْتَصّ من قتلته وَلذَا امْتنع الشاميون من مبايعته فَإِن عذرتموه فاعذروا أَبَا بكر فَإنَّا نعذرهما وَكَذَلِكَ إنكاركم على عُثْمَان حَيْثُ لم يقْتَصّ من عبيد الله بن عمر بالهرمزان ثمَّ إِن عمر أَشَارَ عَلَيْهِ بإجتهاد مِنْهُ قَالَ وَخَالف أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَوْرِيث بنته ومنعها فدك قُلْنَا جَمِيع الْمُسلمين مَعَ أبي بكر فِيمَا فعل خلا جهلة الشِّيعَة وَذَلِكَ لرِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا نورث قَالَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَن عمر وَهُوَ فِي كتاب الْحِلْية أَنه لما احْتضرَ قَالَ يَا لَيْتَني كنت كَبْشًا لقومي فذبحوني فَهَل هَذَا إِلَّا مثل قَول الْكَافِر (يَا لَيْتَني كنت تُرَابا) وَقَالَ ابْن عَبَّاس لما احْتضرَ عمر قَالَ لَو أَن لي ملْء الأَرْض ذَهَبا لأفتديت بِهِ من هول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 المطلع وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى (وَلَو أَن للَّذين ظلمُوا مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه لأفتدوا بِهِ) فَلْينْظر الْمنصف قَول الرجلَيْن عِنْد احتضارهما وَقَول على مَتى ألْقى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه مَتى أَلْقَاهَا مَتى ينبعث أشقاها وَقَوله حِين قَتله فزت وَرب الْكَعْبَة وَالْجَوَاب أَن فِي هَذَا الْكَلَام من الْجَهَالَة مَا يدل على فرط جهل قَائِله فَمَا نَقله عَن عَليّ قد نقل مثله عَمَّن هُوَ دونه بل قَالَه أَيْضا بعض الْخَوَارِج وَقَالَ بِلَال عَتيق أبي بكر عِنْد الإحتضار وَامْرَأَته تَقول واحزناه وَهُوَ يَقُول واطرباه غَدا ألْقى الْأَحِبَّة مُحَمَّد وَحزبه وَفِي البُخَارِيّ عَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ لما طعن عمر جعل يألم فَقَالَ ابْن عَبَّاس وَكَأَنَّهُ يجزعه أَي يزِيل جزعه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَئِن كَانَ ذَلِك لقد صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأحسنت صحبته ثمَّ فارقته وَهُوَ عَنْك رَاض ثمَّ صَحِبت أَبَا بكر فأحسنت صحبته ثمَّ فارقته وَهُوَ عَنْك رَاض ثمَّ صَحِبت الْمُسلمين فأحسنت صحبتهم وَلَئِن فَارَقْتهمْ لتفارقنهم وهم عَنْك راضون فَقَالَ أما مَا ذكرت من صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرضَاهُ فَإِن ذَلِك من من الله من بِهِ عَليّ وَأما مَا ذكرت من صُحْبَة أبي بكر وَرضَاهُ فَإِن ذَلِك من من الله من بِهِ عَليّ وَأما مَا ترى من جزعي فَهُوَ من أَجلك وَأجل أَصْحَابك وَالله لَو أَن لي طلاع الأَرْض لأفتديت بِهِ من عَذَاب الله قبل أَن أرَاهُ فقد مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنهُ رَاض وَمَات هُوَ ورعيته عَنهُ راضون مقرون بعدله وَالله عَنهُ رَاض وخشيته من الله وخوفه مِنْهُ لكَمَال علمه فَإِن الله تَعَالَى يَقُول (إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء) وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي ولصدره أزيز كأزيز أرجل من الْبكاء وَفِي صَحِيح مُسلم أَنه لما قتل عُثْمَان بن مَظْعُون قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَا يفعل بِي وَلَا بكم وَقَالَ لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَعَن أبي ذَر قَالَ وددت أَنِّي شَجَرَة تعضد وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الْكَافِر فَإِنَّهُ يَقُول (يَا لَيْتَني كنت تُرَابا) فِي الْقِيَامَة وَكَذَلِكَ (لَو أَن لَهُم مَا فِي الأَرْض لأفتدوا بِهِ) يَوْم الْقِيَامَة وَأما الدُّنْيَا فَمن جعل خوف الْمُؤمن من ربه كخوف الْكَافِر فِي الْآخِرَة فَهُوَ كمن جعل الظُّلُمَات كالنور والظل كالحرور وَمن ولي الْأمة فَعدل عدلا يشْهد بِهِ عامتهم وَهُوَ فِي ذَلِك خَائِف وَجل من أَن يكون ظلم أفضل مِمَّن يَقُول كثير من رَعيته إِنَّه ظلم وَهُوَ فِي نَفسه مدل بِعَمَلِهِ وبعدل عمر يضْرب الْمثل قلت وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه عَن جَابر أَن عليا دخل على عمر وَهُوَ مسجي فَقَالَ صلى الله عَلَيْك وَهَذَا من أصح الْأَخْبَار وَقَالَ ابْن الْمُبَارك وَغَيره عَن عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْمَكِّيّ عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ وضع عمر على سَرِيره فتكنفه جمَاعَة يدعونَ ويثنون فَلم يرعني إِلَّا رجل أَخذ بمنكبي فَإِذا عَليّ فترحم على عمر وَقَالَ مَا خلفت أحدا أحب إِلَى أَن ألْقى الله بِمثل عمله مِنْك وَهَذَا أَيْضا صَحِيح قَالَ وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مَرضه ائْتُونِي بدواه وبيضاء لأكتب لكم كتابا لَا تضلون من بعدِي فَقَالَ عمر إِن الرجل ليهجر حَسبنَا كتاب الله فَكثر اللَّغط فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرجُوا عني لَا يَنْبَغِي التَّنَازُع لدي قَالَ ابْن عَبَّاس إِن الرزية كل الرزية مَا حَال بَيْننَا وَبَين كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ عمر لما مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مَاتَ مُحَمَّد وَلَا يَمُوت حَتَّى يقطع أَيدي رجال وأرجلهم فَلَمَّا نَهَاهُ أَبُو بكر وتلا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون) وَقَوله تَعَالَى (أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم) قَالَ كَأَنِّي مَا سَمِعت هَذِه الْآيَة فَيُقَال أما عمر فقد ثَبت من علمه وفضله مَا لم يثبت لأحد غير أبي بكر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَ فِي الْأُمَم قبلكُمْ محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي أحد فعمر قَالَ ابْن وهب مَعْنَاهُ ملهمون أخرجه مُسلم عَن عَائِشَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَ فِيمَن كَانَ قبلكُمْ من بني إِسْرَائِيل رجال يكلمون فان يكن فِي أمتِي مِنْهُم أحد فعمر أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا أَنا نَائِم أتيت بقدح من لبن فَشَرِبت مِنْهُ حَتَّى أَنِّي لأرى الرّيّ يخرج من أظفاري ثمَّ أَعْطَيْت فضلى عمر قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ الْعلم أخرجه البُخَارِيّ وَفِي الصَّحِيح عَن أبي سعيد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينا أَنا نَائِم رَأَيْت النَّاس يعرضون على وَعَلَيْهِم قمص مِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا يبلغ دون ذَلِك وَمر عمر بن الْخطاب وَعَلِيهِ قَمِيص يجره قَالُوا مَا أولت ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ الدّين وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن عمر قَالَ وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث فِي مقَام إِبْرَاهِيم وَفِي الْحجاب وَفِي أسَارِي بدر فَأَما قصَّة الْكتاب فقد جَاءَ مُبينًا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه ادّعى لي أَبَاك وأخاك حَتَّى أكتب كتابا فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن وَيَقُول قَائِل أَنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ قَالَت عَائِشَة وارأساه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك لَو كَانَ وَأَنا حَيّ فأستغفر لَك وادعو لَك فَقلت واثكلاه وَالله إِنِّي لأظنك تحب موتِي فَلَو كَانَ ذَلِك لظللت آخر يَوْمك معرسا بِبَعْض أَزوَاجك فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل أَنا وارأساه لقد هَمَمْت أَن أرسل إِلَى أبي بكر وَابْنه فأعهد أَن يَقُول الْقَائِلُونَ أَو يتَمَنَّى المتمنون ويأبى الله والمؤمنون وَفِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن أبي مليكَة سُئِلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا من كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخلفا لَو اسْتخْلف قَالَت أَبُو بكر قيل لَهَا فَمن بعده قَالَت عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 قيل لَهَا من بعد عمر قَالَت أَبُو عُبَيْدَة وَأما عمر فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ هَل كَانَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شدَّة الْمَرَض أَو كَانَ من أَقْوَاله الْمَعْرُوفَة وَالْمَرَض جَائِز على الْأَنْبِيَاء وَلِهَذَا قَالَ مَا لَهُ أَهجر فَشك فِي ذَلِك وَمَا جزم وَالشَّكّ يجوز على عمر إِذْ لَا مَعْصُوم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجوز أَن يكون كَلَامه من وجع الْحمى وَلذَلِك ظن أَنه لم يمت حَتَّى تبين أَنه قد مَاتَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد عزم على أَن يكْتب الْكتاب الَّذِي ذكره لعَائِشَة فَلَمَّا رأى أَن الشَّك قد وَقع علم أَن الْكتاب لَا يرفع الشَّك فَلم يبْق فِيهِ فَائِدَة وَعلم أَن الله يجمعهُمْ على مَا أَرَادَ كَمَا قَالَ ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَقَول ابْن عَبَّاس إِن الرزية كل الرزية مَا حَال بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أَن يكْتب الْكتاب يَقْتَضِي أَن الْحَائِل كَانَ رزية وَهِي فِي حق من شكّ فِي خلَافَة أبي بكر أَو اشْتبهَ عَلَيْهِ الْأَمر فَإِنَّهُ لَو كتب كتابا لزال الشَّك فَأَما من علم أَن خِلَافَته حق فَلَا رزية فِي حَقه وَللَّه الْحَمد وَمن توهم أَن هَذَا الْكتاب كَانَ بخلافة عَليّ فَهُوَ ضال بإتفاق عَامَّة النَّاس من عُلَمَاء السّنة والشيعة أما أهل السّنة فمتفقون على تَفْضِيل أبي بكر وتقديمه وَأما الشِّيعَة الْقَائِلُونَ بِأَن عليا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحق للْإِمَامَة فَيَقُولُونَ إِنَّه قد نَص على إِمَامَته قبل ذَلِك نصا جليا ظَاهرا مَعْرُوفا وَحِينَئِذٍ فَلم يكن يحْتَاج إِلَى كتاب وَإِن قيل إِن الْأمة جحدت النَّص الْمَعْلُوم الْمَشْهُور فَلِأَن تكْتم كتابا حَضَره طَائِفَة قَليلَة أولى وَأَحْرَى وَأَيْضًا فَلم يكن يجوز عِنْدهم تَأْخِير الْبَيَان إِلَى مرض مَوته وَلَا يجوز لَهُ ترك الْكتاب لشك من شكّ فَلَو كَانَ مَا يَكْتُبهُ فِي الْكتاب مِمَّا يجب بَيَانه وكتابته لَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبينهُ ويكتبه وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول أحد فَإِنَّهُ أطوع الْخلق لَهُ فَعلم أَنه لما ترك الْكتاب لم يكن الْكتاب وَاجِبا وَلَا كَانَ فِيهِ من الدّين مَا تجب كِتَابَته حِينَئِذٍ إِذْ لَو وَجب لفعله وَمَا مثل عمر بأعظم مِمَّن يُفْتِي وَيَقْضِي مُجْتَهدا بِأُمُور يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حكم بِخِلَافِهَا إِذْ الشَّك فِي الْحق أخف من الْجَزْم بنقيضه وَالْكل من الْخَطَأ المغفور فقد قضي عَليّ فِي الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا أَنَّهَا تَعْتَد أبعد الْأَجَليْنِ مَعَ صِحَة خبر سبيعة وَلكنه لم يبلغهُ وَقضى فِي المفوضة أَن مهرهَا يسْقط بِالْمَوْتِ مَعَ قَضَاء الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بروع بِأَن لَهَا مهر نسائها وَأَرَادَ أَن ينْكح ابْنة أبي جهل حَتَّى غضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع عَن ذَلِك وأمثال هَذَا مِمَّا لم يقْدَح فِي عَليّ وَلَا غَيره من أولي الْعلم إِذا اجتهدوا وَقَالَ إِذا اخْتَارَتْ الْمَرْأَة زَوجهَا فَهِيَ طَلْقَة مَعَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير نِسَاءَهُ وَلم يكن ذَلِك طَلَاقا والأمور الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي لعَلي أَن يرجع عَنْهَا أعظم بِكَثِير من الْأُمُور الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي لعمر أَن يرجع عَنْهَا مَعَ أَن عمر قد رَجَعَ عَن عَامَّة تِلْكَ الْأُمُور وَعلي عرف رُجُوعه عَن بَعْضهَا فَقَط كرجوعه عَن خطْبَة بنت أبي جهل وَأما بَعْضهَا كفتياه بِأَن الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا تَعْتَد أبعد الْأَجَليْنِ وَأَن المفوضة لَا مهر لَهَا إِذا مَاتَ الزَّوْج وَقَوله إِن المخيرة إِذا اخْتَارَتْ زَوجهَا فَهِيَ وَاحِدَة فَهَذِهِ لم يعرف إِلَّا بَقَاؤُهُ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ وَكَذَلِكَ مسَائِل كَثِيرَة ذكرهَا الشَّافِعِي فِي كتاب اخْتِلَاف عَليّ وَعبد الله وَذكرهَا مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة وأكثرها مَوْجُودَة فِي الْكتب الَّتِي تذكر فِيهَا أَقْوَال الصَّحَابَة إِمَّا بِإِسْنَاد أَو بِغَيْر إِسْنَاد مثل مُصَنف عبد الرَّزَّاق وَسنَن سعيد بن مَنْصُور ومصنف وَكِيع ومصنف أبي بكر بن أبي شيبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَسنَن الْأَثْرَم ومسائل حَرْب وَعبد الله بن أَحْمد وَصَالح وأمثالهم مثل كتاب ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير الطَّبَرِيّ وَابْن حزم وَغير هَؤُلَاءِ قَالَ وَلما وعظت فَاطِمَة أَبَا بكر فِي فدك كتب لَهَا كتابا بهَا وردهَا عَلَيْهَا فَخرجت من عِنْده فلقيها عمر فَحرق الْكتاب فدعَتْ عَلَيْهِ بِمَا فعله بِهِ أَبُو لؤلؤة قُلْنَا هَذَا وَالله من أقبح الْكَذِب الَّذِي اختلقته الرافضة أفيعير عمر بِأَن أكْرمه الله بِالشَّهَادَةِ على يَد أبي لؤلؤة الْكَافِر بعد ثَلَاث عشرَة سنة من وَفَاة فَاطِمَة كَمَا أكْرم عليا بِالشَّهَادَةِ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ قَالَ وعطل عمر الْحُدُود فَلم يحد الْمُغيرَة بن شُعْبَة قُلْنَا إِن جَمَاهِير الْعلمَاء على مَا فعله عمر فِي قصَّة الْمُغيرَة وَإِن الْبَيِّنَة إِذا لم تكمل حد الشُّهُود وَفعل ذَلِك بِحَضْرَة الصَّحَابَة عَليّ وَغَيره فأقروه عَلَيْهِ بِدَلِيل أَنه لما جلد الثَّلَاثَة أعَاد أَبُو بكرَة الْقَذْف وَقَالَ وَالله لقد زنا فهم عمر بجلده ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ عَليّ إِن كنت جالده فارجم الْمُغيرَة يَعْنِي يكون تكراره لِلْقَوْلِ بِمَنْزِلَة شَاهد آخر فَيتم النّصاب وَيجب الرَّجْم وَهَذَا دَلِيل على رضَا عَليّ بحدهم لِأَنَّهُ مَا أنكرهُ وَعمر قد أَقَامَ الْحَد على ابْنه فِي الْخمر لما شرب بِمصْر بعد أَن كَانَ عَمْرو بن الْعَاصِ ضربه الْحَد لَكِن كَانَ ضربه سرا فِي الْبَيْت وَكَانَ النَّاس يضْربُونَ عَلَانيَة فَبعث عمر إِلَى عَمْرو يزجره ويتهدده لِأَنَّهُ حابي ابْنه ثمَّ طلبه فَضَربهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 مرّة ثَانِيَة وَكَانَ لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وعدله متواتر لَا يُنكره إِلَى رَافِضِي وَكَذَلِكَ لَا يُنكر على عَليّ فِي تَركه إِقَامَة الْحَد على قَتله عُثْمَان لِأَنَّهُ مُجْتَهد كعمر قَالَ وَكَانَ يُعْطي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَيت المَال أَكثر مِمَّا يَنْبَغِي وَيُعْطِي عَائِشَة وَحَفْصَة فِي السّنة عشرَة آلَاف قُلْنَا كَانَ مذْهبه التَّفْضِيل فِي الْعَطاء كَمَا كَانَ يُعْطي بني هَاشم أَكثر من غَيرهم وَيبدأ بهم وَيَقُول لَيْسَ أحد أَحَق بِهَذَا المَال من أحد وَإِنَّمَا هُوَ الرجل وعناؤه وَالرجل وبلاؤه وَالرجل وسابقته وَالرجل وَحَاجته وَكَانَ يُعْطي ابْنه عبد الله أنقص مِمَّا يُعْطي أُسَامَة بن زيد فوَاللَّه مَا كَانَ عمر يتهم فِي تفضيله لمحاباة وَلَا صداقة قَالَ وَغير حكم الله فِي المنفيين قُلْنَا النَّفْي فِي الْخمر تعزيز يسوغ للْإِمَام فعله بإجتهاد وَقد ضرب الصَّحَابَة فِي الْخمر أَرْبَعِينَ وضربوا ثَمَانِينَ وَصَحَّ أَن عليا قَالَ وكل سنة وَقد قَالَ الْعلمَاء الزِّيَادَة على أَرْبَعِينَ حد وَاجِب وَبِه يَقُول أَبُو حنيفَة وَمَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَقَالَ الشَّافِعِي الزَّائِد تَعْزِير وَللْإِمَام أَن يَفْعَله وَكَانَ عمر يحلق فِي الْخمر وينفي وَصَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَمر بقتل الشَّارِب فِي الرَّابِعَة وَاخْتلف فِي نسخه وَكَانَ عَليّ يحد أَكثر من الْأَرْبَعين وَقَالَ مَا أحد أقيم عَلَيْهِ الْحَد فَيَمُوت فأجد فِي نَفسِي إِلَّا شَارِب الْخمر فَإِنَّهُ لَو مَاتَ لوديته فَإِنَّهُ شَيْء فَعَلْنَاهُ بآرائنا رَوَاهُ الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن الزِّيَادَة من بَاب التَّعْزِير الَّذِي يفعل بالإجتهاد قَالَ وَكَانَ قَلِيل الْمعرفَة بِالْأَحْكَامِ أَمر برجم حَامِل حَتَّى نَهَاهُ عَليّ قُلْنَا إِن كَانَت هَذِه الْقَضِيَّة وَقعت فَلَعَلَّ عمر لم يعلم يحملهَا وَالْأَصْل عدم الْحمل أَو غَابَ عَنهُ الحكم حَتَّى ذكره عَليّ فَكَانَ مَاذَا بِمثل هَذَا فيقدح فِي أَئِمَّة الْهدى وَعلي قد خَفِي عَلَيْهِ من السّنة أَضْعَاف هَذَا وَأدّى إجتهاده إِلَى أَن قتل يَوْم الْجمل وصفين نَحْو من تسعين ألفا فَهَذَا أعظم مرَارًا من خطأ عمر فِي قتل ولد زنا وَلم يقْتله وَللَّه الْحَمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 قَالَ وَأمر برجم مَجْنُونَة فَقَالَ لَهُ عَليّ إِن الْقَلَم رفع عَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق فَأمْسك وَقَالَ لَوْلَا عَليّ لهلك عمر قُلْنَا هَذِه الزِّيَادَة لَيست مَعْرُوفَة فَإِن كَانَ عمر لَا يعلم بخبرها فَلَا ضير أَو علم وَذهل أَو اجْتهد فَلهُ أُسْوَة بِغَيْرِهِ وَمَا هُوَ بمعصوم قَالَ وَقَالَ فِي خطْبَة لَهُ من غالي بِمهْر امْرَأَة جعلته فِي بَيت المَال فَقَالَت لَهُ امْرَأَة كَيفَ تَمْنَعنَا مَا أَعْطَانَا الله فِي كِتَابه حِين قَالَ (وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) فَقَالَ كل أحد أفقه من عمر قُلْنَا هَذَا من كَمَال فَضله وتقواه حَيْثُ رَجَعَ إِلَى كتاب الله إِذْ تبين لَهُ وَأَنه يقبل الْحق حَتَّى من امْرَأَة ويتواضع ويعترف وَمَا من شَرط الْأَفْضَل أَن لَا ينبهه الْمَفْضُول فقد قَالَ هدهد لِسُلَيْمَان (أحطت بِمَا لم تحط بِهِ) ورحل مُوسَى إِلَى الْخضر وَهُوَ دونه ليتعلم مِنْهُ وَمَا كَانَ قد رَآهُ عمر فَهُوَ مِمَّا يَقع مثله للمجتهد الْفَاضِل فَإِن الصَدَاق فِيهِ حق لله لَيْسَ من جنس الثّمن وَالْأَجْر قَالَ وَلم يحد قدامَة فِي الْخمر لِأَنَّهُ تَلا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى (لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا) فَقَالَ لَهُ عَليّ لَيْسَ قدامَة من أهل هَذِه الْآيَة فَلم يدركم يحده فَقَالَ لَهُ عَليّ حَده ثَمَانِينَ وَالْجَوَاب علم عمر فِي هَذَا أبين من أَن يحْتَاج إِلَى دَلِيل فقد جلد فِي الْخمر مَرَّات وَالَّذِي نعرفه من الْقِصَّة مَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْجوزجَاني عَن ابْن عَبَّاس أَن قدامَة بن مَظْعُون شرب الْخمر فَقَالَ لَهُ عمر مَا حملك على ذَلِك قَالَ إِن الله تَعَالَى يَقُول (لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا) وَأَنا من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين فَقَالَ عمر أَجِيبُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 فَسَكَتُوا فَقَالَ لإبن عَبَّاس أجبه فَقَالَ إِنَّمَا أنزلهَا الله عذرا للماضين لمن شربهَا قبل التَّحْرِيم ثمَّ سَأَلَ عمر عَن الْحَد فِيهَا فَقَالَ عَليّ إِذا شرب هذي وَإِذا هذي افترى فاجلده ثَمَانِينَ فجلده عمر ثَمَانِينَ فَإِن كَانَ عَليّ أَشَارَ بالثمانين فَإِن الَّذِي ثَبت فِي الصَّحِيح أَن عليا جلد أَرْبَعِينَ عِنْد عُثْمَان لما جلد الْوَلِيد بن عقبَة وَأَنه أضَاف الثَّمَانِينَ إِلَى عمر وَثَبت فِي الصَّحِيح أَن ابْن عَوْف أَشَارَ بالثمانين فَلم يكن جلد عمر مستفادا من عَليّ وَقد ذكرنَا أَن عليا قَالَ لَو مَاتَ فِي جلد الْخمر أحد لوديته لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسنه لنا قَالَ وَأرْسل إِلَى حَامِل يستدعيها فَأسْقطت خوفًا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الصَّحَابَة نرَاك مؤدبا وَلَا شَيْء عَلَيْك ثمَّ سَأَلَ عليا فَأوجب الدِّيَة على عَاقِلَته قُلْنَا هَذِه من مسَائِل الْخلاف والإجتهاد وَمَا زَالَ عمر يشاور مثل عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَزيد وَابْن عَبَّاس وَهَذَا من كَمَاله وَقد أَتَى بِامْرَأَة أقرَّت بِالزِّنَا فاتفقوا على رَجمهَا فَقَالَ عُثْمَان أَرَاهَا تستهل بِهِ إستهلال من لَا يعلم أَن الزِّنَا محرم فَلم يحدها لكَونهَا جهلت التَّحْرِيم وَكَذَا لم يُعَاقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة لما قتل الَّذِي قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله لإعتقاده جَوَاز قَتله وَمن ذَلِك قتل خَالِد بني جذيمة وَقَتله مَالك بن نُوَيْرَة قَالَ وتنازعت امْرَأَتَانِ فِي طِفْل وَلم يعلم الحكم وفزع فِيهِ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فاستد على الْمَرْأَتَيْنِ ووعظهما فَلم ترجعا فَقَالَ ائْتُونِي بِالْمِنْشَارِ أقده بَيْنكُمَا نِصْفَيْنِ فَقَالَت وَاحِدَة الله الله يَا أَبَا الْحسن قد سمحت لَهَا بِهِ فَقَالَ على الله أكبر هُوَ ابْنك وَلَو كَانَ ابْنهَا لرقت عَلَيْهِ قُلْنَا هَذِه قَضِيَّة لَا تعرف لعمر بل هِيَ مَعْرُوفَة لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وفيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 أَن الله فهم سُلَيْمَان من الحكم مَا لم يفهمهُ دَاوُد كَمَا قَالَ تَعَالَى (ففهمناها سُلَيْمَان) وَكَانَ سُلَيْمَان قد سَأَلَ الله حكما يُوَافق حكمه فَأعْطَاهُ وَمَا نعلم أَن سُلَيْمَان أفضل من دَاوُد وَقد جَاءَ أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أعبد الْبشر قَالَ وَأمر برجم امْرَأَة ولدت لسِتَّة أشهر فَقَالَ لَهُ على إِن خاصمتك بِكِتَاب الله خصمتك إِن الله يَقُول (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) وَقَالَ تَعَالَى (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ) قُلْنَا كَانَ عمر يستشير الصَّحَابَة وَبِهَذَا مدح الله الْمُؤمنِينَ بقوله (وَأمرهمْ شُورَى بَينهم) وَالنَّاس متنازعون فِي الْمَرْأَة إِذا ظهر بهَا حمل وَلم يكن لَهَا زوج وَلَا سيد وَلَا ادَّعَت شُبْهَة فمذهب مَالك أَنَّهَا ترْجم وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا ترْجم فلعلها مستكرهة أَو حملت بِلَا وَطْء وَالْأول هُوَ الثَّابِت عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن عمر خطب فِي آخر عمره وَقَالَ الرَّجْم حق على من زنى إِذا قَامَت الْبَيِّنَة أَو كَانَ الْحَبل أَو الإعتراف وَكَذَا اخْتلفُوا فِي الشَّارِب إِذا تقيأها وَلَعَلَّ عمر جوز أَن تَلد امْرَأَة لدوّنَ سِتَّة أشهر وَرَآهُ من النَّادِر كَمَا وجد فِي النَّادِر من حملت أَربع سِنِين وَمن حملت سبع سِنِين وَفِي حد ذَلِك نزاع بَين الْعلمَاء قَالَ وَكَانَ يضطرب فِي الْأَحْكَام فَقضى فِي الْجد بِمِائَة قَضِيَّة وَالْجَوَاب أَن عمر أسعد الصَّحَابَة الْمُخْتَلِفين فِي الْجد بِالْحَقِّ فَإِن الصَّحَابَة فِي الْجد مَعَ الْإِخْوَة على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن يسْقط الْإِخْوَة وَهَذَا قَول أبي بكر وَأبي مُوسَى وَأبي عَبَّاس وَطَائِفَة وَمذهب أبي حنيفَة وَابْن سُرَيج من الشَّافِعِيَّة وَأبي حَفْص الْبَرْمَكِي من الْحَنَابِلَة وَهُوَ الْحق فَإِن نِسْبَة بني الْإِخْوَة من الْأَب إِلَى الْجد كنسبة الْأَعْمَام بني الْجد إِلَى الْجد وَقد اتّفق الْمُسلمُونَ على أَن الْجد هُنَا أَب وَالْأَب أولى من الْأَعْمَام فَيجب أَن يكون أَبُو الْأَب أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 من الْإِخْوَة وَأَيْضًا فَإِن الْإِخْوَة لَو كَانُوا لكَوْنهم يدلون ببنوة الْأَب بِمَنْزِلَة الْجد لَكَانَ أَوْلَادهم وهم بَنو الْأُخوة كَذَلِك أَلا ترى أَن ابْن الإبن أولى من الْجد فَكَانَ ابْنه بِمَنْزِلَتِهِ وَأَيْضًا فَإِن الْجدّة كالأم فَيجب أَن يكون الْجد كَالْأَبِ وَلِأَن الْجد يُسمى أَبَا وَهَذَا القَوْل هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن عمر القَوْل الثَّانِي أَن الْجد يقاسم الْإِخْوَة وَهَذَا قَول عُثْمَان وَعلي وَزيد وَابْن مَسْعُود وَلَكِن اخْتلفُوا فِي التَّفْصِيل إختلافا متباينا وَالْجُمْهُور على مَذْهَب زيد كمالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأما قَول عَليّ فِي الْجد فَلم يذهب إِلَيْهِ أحد من أَئِمَّة الْفُقَهَاء إِنَّمَا يذكر عَن ابْن أبي ليلى وَإِن صَحَّ أَن عمر قضى فِيهَا بِمِائَة قَضِيَّة لم يرد الرَّاوِي أَنه قضى فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة بِمِائَة قَول إِذْ لَيْسَ ذَلِك بممكن وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَة الْجد نزاع أَكثر مِمَّا فِي مَسْأَلَة الخرقاء أم وَأُخْت وجد وكل الْأَقْوَال فِيهَا سِتَّة فَعلم أَنه أَرَادَ مائَة حَادِثَة من حوادث الْجد لَكِن لم يخرج قَوْله عَن قَوْلَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَقَول عَليّ فِي الْجد مُخْتَلف أَيْضا والمسائل الَّتِي لعَلي فِيهَا أَقْوَال كَثِيرَة وَأهل الْفَرَائِض يعلمُونَ هَذَا مَعَ أَن الْأَشْبَه أَن هَذَا كذب فَإِن وجود جد وإخوة فِي الْفَرِيضَة قَلِيل جدا فِي النَّاس وَعمر إِنَّمَا تولى عشر سِنِين وَكَانَ قد أمسك عَن الْكَلَام فِي الْجد وَثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيح أَنه قَالَ ثَلَاث وددت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَينهُنَّ لنا الْجد والكلالة وأبواب من أَبْوَاب الرِّبَا وَمن كَانَ متوقفا لم يحكم فِيهَا بِشَيْء قَالَ وَكَانَ يفضل فِي الْغَنِيمَة وَالعطَاء وَأوجب الله التَّسْوِيَة قُلْنَا أما الْغَنِيمَة فَلم يكن هُوَ يقسمها بل أُمَرَاء جيوشه القائمون بعد الْخمس ثمَّ يُرْسل إِلَيْهِ الْخمس وَقد تنَازع الْعلمَاء هَل يفضل بعض الْغَانِمين لمصْلحَة وَذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد وَإِلَى الْجَوَاز ذهب أَبُو حنيفَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفل فِي بدايته الرّبع بعد الْخمس وَفِي رجعته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الثُّلُث بعد أَن خمس وَفِي صَحِيح مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى سَلمَة بن الْأَكْوَع سهم فَارس وراجل فِي غَزْوَة الغابة وَكَانَ رَاجِلا لِأَنَّهُ أَتَى من الْقَتْل وَالْغنيمَة وإرهاب الْعَدو بِمَا لم يَأْتِ بِهِ غَيره وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يكون إِلَّا من خمس الْخمس وَأَيْنَ مثل عمر الَّذِي ضرب الله الْحق على لِسَانه وَقَلبه وَكَانَ يَجْعَل النَّاس مَرَاتِب فِي الْعَطاء وَأَبُو بكر كَانَ يُسَوِّي وَهِي مَسْأَلَة إجتهاد وَقَوله أوجب الله التَّسْوِيَة مُجَرّد دَعْوَى فَهُوَ لم يذكر على ذَلِك دَلِيلا وَلَو ذكر دَلِيلا لتكلمنا عَلَيْهِ كَمَا نتكلم فِي مسَائِل الإجتهاد قَالَ وَقَالَ بِالرَّأْيِ والحدس وَالظَّن قُلْنَا هَذَا لم يخْتَص بِهِ وَقد كَانَ عَليّ من أقولهم بِالرَّأْيِ فَمن ذَلِك سيره إِلَى صفّين فَقَالَ لم يعْهَد إِلَيّ فِيهِ نَبِي الله بِشَيْء وَلكنه رَأْي رَأَيْته وَأما قِتَاله الْخَوَارِج فَكَانَ مَعَه فِيهِ حَدِيث وَأما قتال الْجمل وصفين فَلم يرو أحد مِنْهُم فِيهِ نصا إِلَّا الْقَاعِدُونَ فَإِنَّهُم رووا الْأَحَادِيث فِي ترك الْقِتَال فِي الْفِتْنَة وَمَعْلُوم أَن الرَّأْي إِن لم يكن مذموما فَلَا لوم على من قَالَ بِهِ وَإِن كَانَ مذموما فَلَا رأى أعظم ذما من رأى أريق بِهِ دم أُلُوف مؤلفة من الْمُسلمين وَلم يحصل بِقَتْلِهِم مصلحَة للْمُسلمين لَا فِي دينهم وَلَا فِي دنياهم بل نقص الْخَيْر عَمَّا كَانَ وَزَاد الشَّرّ على مَا كَانَ فَإِذا كَانَ مثل هَذَا الرَّأْي لَا يعاب بِهِ فرأي عمر وَغَيره فِي مسَائِل الْفَرَائِض وَالطَّلَاق أولى أَن لَا يعاب مَعَ أَن عليا شركهم فِي هَذَا الرَّأْي وامتاز بِرَأْيهِ فِي الدِّمَاء وَقد كَانَ ابْنه الْحسن وَأكْثر السَّابِقين الْأَوَّلين لَا يرَوْنَ الْقِتَال مصلحَة وَكَانَ هَذَا الرَّأْي أصلح من رَأْي الْقِتَال بالدلائل الْكَثِيرَة وَمن الْمَعْلُوم أَن قَول على فِي الْجد وَغَيره من الْمسَائِل كَانَ بِالرَّأْيِ وَقد قَالَ اجْتمع رَأْيِي ورأي عمر على الْمَنْع من بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 والآن فقد رَأَيْت أَن يبعن فَقَالَ لَهُ قاضيه عُبَيْدَة السَّلمَانِي رَأْيك مَعَ رَأْي عمر فِي الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك فِي الْفرْقَة وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث عُبَيْدَة عَن عَليّ قَالَ اقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون فَإِنِّي أكره الإختلاف حَتَّى يكون للنَّاس جمَاعَة أَو أَمُوت كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي رَوَاهُ ابْن سِيرِين عَن عُبَيْدَة فَكَانَ ابْن سِيرِين يرى أَن عَامَّة مَا يرْوى عَن عَليّ الْكَذِب واما حَدِيث تقتيل النَّاكِثِينَ والقاسطين والمارقين فموضوع على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ ابْن عمر مَا رَأَيْت عمر يَقُول لشَيْء إِنِّي لأراه كَذَا وَكَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَقُول فالنصوص وَالْإِجْمَاع والإعتبار يدل على أَن رَأْي عمر أَجود من رَأْي عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَلِهَذَا كَانَت آثَار رَأْيه محمودة وَمَا يتمارى فِي كَمَال سيرته وَعلمه من لَهُ أدنى مسكة من إنصاف وَلَا يطعن على أبي بكر وَعمر إِلَّا جَاهِل غر اَوْ ملحد مُنَافِق توسل بالطعن فيهمَا إِلَى الطعْن فِي الرَّسُول وَدين الْإِسْلَام وَهَذَا حَال من ابتدع الرَّفْض وَحَال الباطنية وَإِذا قَالَ الرافضي عَليّ مَعْصُوم لَا يَقُول بِرَأْيهِ بل كل مَا قَالَه فَهُوَ مثل النَّص قيل لَهُ نظيرك فِي الطّرف الآخر الْخَوَارِج الَّذين كفروه قَالَ وَجعل بعده الْأَمر شُورَى وَخَالف فِيهِ من تقدمه وتأسف على سَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَقَالَ لَو كَانَ حَيا لم يختلجني فِيهِ شكّ وأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ حَاضر وَذكر فصلا طَويلا وَالْجَوَاب أَن هَذَا الْكَلَام كُله لَا يخرج عَن قسمَيْنِ إِمَّا كذب فِي النَّقْل وَإِمَّا قدح فِي الْحق فَإِن مِنْهُ مَا هُوَ كذب مَعْلُوم الْكَذِب أَو غير مَعْلُوم الصدْق وَمَا علم أَنه صدق فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجب الطعْن على عمر رَضِي الله عَنهُ بل ذَلِك مَعْدُود من فضائله ومحاسنه الَّتِي ختم الله لَهُ بهَا عمله وَلَكِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم لفرط جهلهم وهواهم يقلبون الْحَقَائِق فِي الْمَنْقُول والمعقول فَيَأْتُونَ إِلَى الْأُمُور الَّتِي وَقعت وَعلم أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَقعت فَيَقُولُونَ مَا وَقعت وَإِلَى أُمُور مَا كَانَت وَيعلم أَنَّهَا مَا كَانَت فَيَقُولُونَ كَانَت ويأتون إِلَى الْأُمُور الَّتِي هِيَ خير وَصَلَاح فَيَقُولُونَ هِيَ فَسَاد وَإِلَى الْأُمُور الَّتِي هِيَ فَسَاد فَيَقُولُونَ هِيَ خير وَصَلَاح فَلَيْسَ لَهُم عقل وَلَا نقل بل لَهُم نصيب من قَوْله تَعَالَى (وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا من أَصْحَاب السعير) وَأما قَول الرافضي وَجعل الْأَمر شُورَى بعده وَخَالف فِيهِ من تقدمه فَالْجَوَاب أَن الْخلاف نَوْعَانِ خلاف تضَاد وَخلاف تنوع فَالْأول مثل أَن يُوجب هَذَا شَيْئا ويحرمه الآخر وَالنَّوْع الثَّانِي مثل الْقرَاءَات الَّتِي يجوز كل مِنْهَا وَإِن كَانَ هَذَا يخْتَار قِرَاءَة وَهَذَا يخْتَار قِرَاءَة كَمَا ثَبت فِي الصِّحَاح بل استفاض عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف كلهَا شاف كَاف وَثَبت أَن عمر وَهِشَام بن حَكِيم بن حزَام اخْتلفَا فِي سُورَة الْفرْقَان فقرأها هَذَا على وَجه وَهَذَا على وَجه فَقَالَ لكليهما هَكَذَا أنزلت وَمن هَذَا الْبَاب تصرف ولي الْأَمر للْمُسلمين وَلِهَذَا اسْتَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه يَوْم بدر فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِأخذ الْفِدَاء وَشبهه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبراهيم وَعِيسَى وَأَشَارَ إِلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ بِالْقَتْلِ وَشبهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنوح ومُوسَى وَلم يعب وَاحِدًا مِنْهُمَا بِمَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِهِ بل مدحه وَشبهه بالأنبياء وَلَو كَانَ مَأْمُورا بِأحد الْأَمريْنِ حتما لما استشارهم فِيمَا يفعل ثمَّ إِن الإجتهاد يخْتَلف وَيكون جَمِيعه صَوَابا كَمَا أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَأْيه أَن يُولى خَالِد بن الْوَلِيد فِي حروبه وَكَانَ عمر يُشِير عَلَيْهِ بِأَن يعزله فَلَا يعزله وَيَقُول إِنَّه سيف سَله الله على الْمُشْركين ثمَّ إِن عمر لما تولى عَزله وَولى أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح وَمَا فعله كل مِنْهُمَا كَانَ أصلح فِي وقته فَإِن أَبَا بكر كَانَ فِيهِ لين وَعمر كَانَ فِيهِ شدَّة وَكَانَا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستشيرهما وروى عَنهُ أَنه قَالَ إِذا اتفقتما على شَيْء لم أخالفكما وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي بعض مغازيه إِن يطع الْقَوْم أَبَا بكر وَعمر يرشدوا وَفِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 كَيفَ ترَوْنَ الْقَوْم صَنَعُوا حِين فقدوا نَبِيّهم وأرهقتهم صلَاتهم قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ أَلَيْسَ فيهم أَبُو بكر وَعمر إِن يطيعوهما فقد رشدوا ورشدت أمتهم وَإِن يعصوهما فقد غووا وغوت أمتهم قَالَهَا ثَلَاثًا وَقد روى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عمر قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين وهم ألف وَأَصْحَابه وهم ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة عشر رجلا فَاسْتقْبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقبْلَة ثمَّ مد يَدَيْهِ فَجعل يَهْتِف بربه اللَّهُمَّ انجز لي مَا وَعَدتنِي اللَّهُمَّ آتني مَا وَعَدتنِي اللَّهُمَّ إِنَّك إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة من أهل الْإِسْلَام لَا تعبد فِي الأَرْض فَمَا زَالَ يَهْتِف بربه مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبلا الْقبْلَة حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ عَن مَنْكِبَيْه فَأَتَاهُ أَبُو بكر فَأخذ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ على مَنْكِبَيْه ثمَّ الْتَزمهُ من وَرَائه وَقَالَ يَا نَبِي الله كَفاك مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك فَأنْزل الله تَعَالَى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} فأمده الله بِالْمَلَائِكَةِ وَكَانَ السّلف متفقين على تَقْدِيم أبي بكر وَعمر حَتَّى شيعَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ وروى ابْن بطة عَن شَيْخه الْمَعْرُوف بِأبي الْعَبَّاس بن مَسْرُوق حَدثنَا مُحَمَّد بن حميد حَدثنَا جرير عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن زِيَاد بن حدير قَالَ قدم أَبُو إِسْحَاق السبيعِي الْكُوفَة قَالَ لنا شمر بن عَطِيَّة قومُوا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فتحدثوا فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق خرجت من الْكُوفَة وَلَيْسَ أحد يشك فِي فضل أبي بكر وَعمر وتقديمهما وقدمت الْآن وهم يَقُولُونَ وَيَقُولُونَ وَلَا وَالله مَا أَدْرِي مَا يَقُولُونَ وَعَن ضَمرَة عَن سعيد بن حسن قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 سَمِعت لَيْث بن أبي سليم يَقُول أدْركْت الشِّيعَة الأولى وَمَا يفضلون على أبي بكر وَعمر أحدا وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن خَالِد بن سَلمَة عَن مَسْرُوق قَالَ حب أبي بكر وَعمر وَمَعْرِفَة فضلهما من السّنة ومسروق من أجل تَابِعِيّ الْكُوفَة وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوس وَقد روى ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَكَيف لَا تقدم الشِّيعَة الأولى أَبَا بكر وَعمر وَقد تَوَاتر عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر ثمَّ وَعمر وَقد روى هَذَا عَنهُ من طرق كَثِيرَة قيل إِنَّهَا تبلغ ثَمَانِينَ طَرِيقا وَقد روى البُخَارِيّ عَنهُ فِي صَحِيحه من حَدِيث الهمدانيين الَّذين هم أخص النَّاس بعلي حَتَّى كَانَ يَقُول (وَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... لَقلت لهمدان ادخلي بِسَلام) فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ وَهُوَ همداني عَن مُنْذر وَهُوَ همداني عَن مُحَمَّد بن الحنيفة قَالَ قلت لأبي يَا أَبَت من خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا بني أَو مَا تعرف فَقلت لَا قَالَ أَبُو بكر فَقلت ثمَّ من قَالَ عمر وَهَذَا يَقُوله لإبنه بَينه وَبَينه لَيْسَ هُوَ مِمَّا يجوز أَن يَقُوله تقية وَيَرْوِيه عَن أَبِيه خَاصَّة وَقَالَهُ على الْمِنْبَر وَعنهُ أَنه كَانَ يَقُول لَا أُوتِيَ بِأحد يُفَضِّلُنِي على أبي بكر وَعمر إِلَّا جلدته حد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 المفترى وَفِي السّنَن عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اقتدوا بالذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وَلِهَذَا كَانَ أحد قولي الْعلمَاء وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَن قَوْلهمَا إِذا اتفقَا حجَّة لَا يجوز الْعُدُول عَنْهَا وَهَذَا أظهر الْقَوْلَيْنِ كَمَا أَن الْأَظْهر أَن اتِّفَاق الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة أَيْضا حجَّة لَا يجوز خلَافهَا لأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإتباع سنتهمْ وَكَانَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَبْعُوثًا بأعدل الْأُمُور وأكملها فَهُوَ الضحوك الْقِتَال وَهُوَ نَبِي الرَّحْمَة وَنَبِي الملحمة بل أمته موصوفون بذلك فِي مثل قَوْله تَعَالَى (أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم) وَقَوله تَعَالَى (أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين) فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع بَين شدَّة هَذَا ولين هَذَا فيأمر بِمَا هُوَ الْعدْل وهما يطيعانه فَتكون أفعالهما على كَمَال الإستقامة فَلَمَّا قبض الله نبيه وَصَارَ كل مِنْهُمَا خَليفَة على الْمُسلمين خلَافَة نبوة كَانَ من كَمَال أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن يُولى الشَّديد ويستعين بِهِ ليعتدل أمره ويخلط الشدَّة باللين فَإِن مُجَرّد اللين يفْسد ومجرة الشدَّة تفْسد وَيكون قد قَامَ مقَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يَسْتَعِين بإستشارة عمر وبإستنانة خَالِد وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا من كَمَاله الَّذِي صَار بِهِ خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا اشْتَدَّ فِي قتال أهل الرِّدَّة شدَّة برز بهَا على عمر وَغَيره حَتَّى روى أَن عمر قَالَ لَهُ يَا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تألف النَّاس فَقَالَ علام أتألفهم أَعلَى حَدِيث مفتري أم على شعر مفتعل وَقَالَ أنس خَطَبنَا أَبُو بكر عقيب وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّا لكالثعلب فَمَا زَالَ يشجعنا حَتَّى صرنا كالأسود وَأما عمر رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ شَدِيدا فِي نَفسه فَكَانَ من كَمَاله إستعانته باللين ليعتدل أمره فَكَانَ يَسْتَعِين بِأبي عُبَيْدَة بن الْجراح وَسعد بن أبي وَقاص وَأبي عُبَيْدَة الثَّقَفِيّ والنعمان بن مقرن وَسَعِيد بن عَامر وأمثال هَؤُلَاءِ من أهل الصّلاح والزهد الَّذين هم أعظم زهدا وَعبادَة من مثل خَالِد بن الْوَلِيد وَأَمْثَاله وَمن هَذَا الْبَاب أَمر الشورى فَإِن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ كثير الْمُشَاورَة للصحابة فِيمَا لم يتَبَيَّن لَهُ فِيهِ أَمر الله وَرَسُوله فَإِن الشَّارِع نصوصه كَلِمَات جَوَامِع وقضايا كُلية وقواعد عَامَّة يمْتَنع أَن ينص على كل فَرد من جزئيات الْعَالم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلَا بُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 من الإجتهاد فِي المعينات هَل تدخل فِي كَلِمَاته الجامعة أم لَا وَهَذَا الإجتهاد يُسمى تَحْقِيق المناط وَهُوَ مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ النَّاس كلهم نفاة الْقيَاس ومثبتته فَإِن الله إِذا أَمر أَن يستشهد ذَوا عدل فكون الشَّخْص الْمعِين من ذَوي الْعدْل لَا يعلم بِالنَّصِّ الْعَام بل بإجتهاد خَاص وَكَذَلِكَ إِذا أَمر أَن تُؤَدّى الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا وَأَن تولى الْأُمُور من يصلح لَهَا فكون هَذَا الشَّخْص الْمعِين صَالحا لذَلِك أَو راجحا على غَيره لَا يُمكن أَن تدل عَلَيْهِ النُّصُوص بل لَا يعلم إِلَّا بإجتهاد خَاص والرافضي إِن زعم أَن الإِمَام يكون مَنْصُوصا عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْصُوم فَلَيْسَ هُوَ أعظم من الرَّسُول ونوابه وعماله لَيْسُوا معصومين وَلَا يُمكن أَن ينص الشَّارِع على كل مُعينَة وَلَا يُمكن النَّبِي وَلَا الإِمَام أَن يعلم الْبَاطِن فِي كل مُعينَة واما عَليّ رَضِي الله عَنهُ فظهور الْأَمر فِي الجزئيات بِخِلَاف مَا ظَنّه كثير جدا فَعلم أَنه لَا بُد من الإجتهاد فِي الجزئيات من المعصومين وَغير المعصومين وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِنَّكُم تختصمون إِلَيّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض وَإِنَّمَا أقضى بِنَحْوِ مِمَّا أسمع فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه شَيْئا فَلَا يَأْخُذهُ فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار فَحكمه فِي الْقَضِيَّة الْمعينَة إِنَّمَا هُوَ بِاجْتِهَادِهِ وَلِهَذَا نهى الْمَحْكُوم لَهُ أَن يَأْخُذ مَا حكم لَهُ بِهِ إِذا كَانَ الْبَاطِن بِخِلَاف مَا ظهر وَعمر رَضِي الله عَنهُ إِمَام وَعَلِيهِ أَن يسْتَخْلف الْأَصْلَح للْمُسلمين فاجتهد فِي ذَلِك وَرَأى أَن هَؤُلَاءِ السِّتَّة أَحَق من غَيرهم وَهُوَ كَمَا رأى فَإِنَّهُ لم يقل أحد إِن غَيرهم أَحَق مِنْهُم وَجعل التَّعْيِين إِلَيْهِم خوفًا أَن يعين وَاحِدًا مِنْهُم وَيكون غَيره أصلح لَهُم فَإِنَّهُ ظهر لَهُ رُجْحَان السِّتَّة دون رُجْحَان التَّعْيِين وَقَالَ الْأَمر فِي التَّعْيِين إِلَى السِّتَّة يعينون وَاحِدًا مِنْهُم وَهَذَا أحسن إجتهاد إِمَام عَادل نَاصح لَا هوى لَهُ رَضِي الله عَنهُ وَأَيْضًا فقد قَالَ تَعَالَى (وَأمرهمْ شُورَى بَينهم) وَقَالَ (وشاورهم فِي الْأَمر) فَكَانَ مَا فعله من الشورى مصلحَة وَمَا كَانَ فعله أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ من تعْيين عمر هُوَ الْمصلحَة أَيْضا فَإِن أَبَا بكر تبين لَهُ من كَمَال عمر وفضله وإستحقاقه لِلْأَمْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 مَا لم يحْتَج مَعَه إِلَى الشورى وَظهر أثر هَذَا الرَّأْي الْمُبَارك الميمون على الْمُسلمين فَإِن كل عَاقل منصف يعلم أَن عُثْمَان اَوْ عليا أَو طَلْحَة أَو الزبير أَو سَعْدا أَو عبد الرحمن بن عَوْف لَا يقوم مقَام عمر فَكَانَ تعْيين عمر فِي الإستحقاق كتعيين أبي بكر فِي مُبَايَعَتهمْ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ عبد الله بن مَسْعُود أَفرس النَّاس ثَلَاثَة بنت صَاحب مَدين حَيْثُ قَالَت (يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين) وَامْرَأَة الْعَزِيز حَيْثُ قَالَت (عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا) وَأَبُو بكر حَيْثُ اسْتخْلف عمر وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي خطبتها أبي وَمَا أبي وَالله لَا تعطوه الْأَيْدِي ذَاك طود منيف وَفرع مديد هَيْهَات كذبت الظنون أنجح إِذْ أكديتم وَسبق إِذْ ونيتم سبق الْجواد إِذا استولى على الأمد فَتى قُرَيْش ناشئا وكهفها كهلا يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعبها حَتَّى جلبته قلوبها ثمَّ استشرى فِي دينه فَمَا بَرحت شَكِيمَته فِي ذَات الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 تشتد حَتَّى اتخذ بفنائه مَسْجِدا يحيى فِيهِ مَا أمات المبطلون وَكَانَ رَحمَه الله غزير الدمعة وقيذ الجوانح شجي النشيج فتتقصف عَلَيْهِ نسوان مَكَّة وولدانها يسخرون مِنْهُ ويستهزئون بِهِ (الله يستهزيء بهم ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون) فأكبرت ذَلِك رجالات قُرَيْش فحنت لَهُ قسيها وفوقت لَهُ سهامها وانتبلوه غَرضا فَمَا فلوا لَهُ صفاة وَلَا قصفوا لَهُ قناة وَمر على سيسائه حَتَّى إِذا ضرب الدّين بجرانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وَألقى بركه ورست أوتاده وَدخل النَّاس فِيهِ أَفْوَاجًا وَمن كل فرقة أَرْسَالًا وأشتاتا اخْتَار الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عِنْده فَلَمَّا قبض الله نبيه ضرب الشَّيْطَان روقه وَمد طنبه وَنصب حبائله فَظن رجال أَن قد تحققت أطماعهم ولات حِين الَّذِي يرجون وأنى وَالصديق بَين أظهرهم فَقَامَ حاسرا مشمرا فَجمع حَاشِيَته وَضم قطريه فَرد نشر الْإِسْلَام على غره وَلم شعثه بطبه وَأقَام أوده بثقافه فوقذ النِّفَاق بوطأته وانتاش الدّين بنعشه فَلَمَّا أراح الْحق على أَهله وَقرر الرُّءُوس على كواهلها وحقن الدِّمَاء فِي أهبها أَتَتْهُ منيته فسد ثلمه بنظيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 فِي الرَّحْمَة وشقيقه فِي السِّيرَة والمعدلة ذَاك ابْن الْخطاب لله أم حفلت لَهُ وَدرت عَلَيْهِ لقد أوحدت بِهِ فقبح الْكفْر وشرد الشّرك شذر مذر وبعج الأَرْض وبخعها فقاءت أكلهَا ولفظت خبيئها ترأمه ويصد عَنْهَا وتصدى لَهُ ويأباها ثمَّ ورع فِيهَا وودعها كَمَا صحبها فأروني مَا تريبون وَأي يومي أبي تَنْقِمُونَ أيوم إِقَامَته إِذْ عدل فِيكُم أَو يَوْم ظعنه وَقد نظر لكم أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم روى هَذِه الْخطْبَة جَعْفَر بن عون عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَهَؤُلَاء رُوَاة الصَّحِيحَيْنِ وَأما عمر رَضِي الله عَنهُ فَرَأى الْأَمر فِي السِّتَّة متقاربا صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ إِن اسْتخْلف فقد اسْتخْلف من هُوَ خير مني يَعْنِي أَبَا بكر وَإِن أترك فقد ترك من هُوَ خير مني يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخلاف مَا زَالَ فِي الْقرَاءَات وَالْفِقْه وَغير ذَلِك حَتَّى إِن الْعَالم الْوَاحِد يَقُول قَوْلَيْنِ مُخْتَلفين وَمَا زَالَت آراء الْكِبَار تخْتَلف وَثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي بعض الْمَغَازِي إِن يطع الْقَوْم أَبَا بكر وَعمر يرشدوا وروى عَنهُ أَنه قَالَ لَهما لواتفقتما على شَيْء لم أخالفكما وَقَالَ اقتدوا باللذين من بعدِي أَبُو بكر وَعمر فَمَا فعله أَبُو بكر من إستخلافه عمر كَانَ الْمصلحَة لكَمَال عمر وشفوفه وإستحقاقه وَظهر أثر ذَلِك عِنْد كل عَاقل منصف وَكَانَ مَا فعله عمر هُوَ الْمصلحَة فَإِنَّهُ لم يتَرَجَّح عِنْده أحد من السِّتَّة على البَاقِينَ ورآهم متقاربين وَفِي كل فَضِيلَة لَيست فِي الآخر وَترك التَّعْيِين خوفًا وورعا وَفعل من الْمصلحَة بِحَسب الْإِمْكَان ثمَّ إِن الصَّحَابَة اجْتَمعُوا على عُثْمَان وَكَانَت ولَايَته أرجح مصلحَة وَأَقل مفْسدَة من غَيره وَالْوَاجِب أَن يقدم أَكثر الْأَمريْنِ مصلحَة وأقلهما مفْسدَة وَلَا يجب على الْخَلِيفَة أَن يسْتَخْلف بعد مَوته فَقَالَ الْأَمر شُورَى بَين هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَأما مَا زعمت من ذكر سَالم مولى أبي حُذَيْفَة فمعلوم أَن الصَّحَابَة يعلمُونَ الْإِمَامَة فِي قُرَيْش كَمَا استفاضت بذلك السّنَن وَذَلِكَ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ على الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة فَكيف يظنّ بعمر أَنه يُولى مولى فأبين يذهب عقلك بل من الْمُمكن أَنه كَانَ يوليه ولَايَة جزئية أَو يستشيره فَمن يُولى وَنَحْو ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي يصلح لَهَا سَالم مولى أبي حُذَيْفَة فَإِن سالما كَانَ من خِيَار الصَّحَابَة وقولك جمع بَين الْفَاضِل والمفضول فَهَذَا عنْدك وَأما عِنْدهم فَكَانُوا متقاربين وَلِهَذَا كَانُوا فِي الشورى مترددين فَإِن قلت عَليّ هُوَ الْفَاضِل وَعُثْمَان الْمَفْضُول قيل لَك فَكيف أجمع الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار على تَقْدِيم مفضول وَقَالَ بعض الْعلمَاء من قدم عليا على عُثْمَان فقد أزرى بالمهاجرين وَالْأَنْصَار وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا نفاضل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَقُول أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان وَفِي لفظ ثمَّ نَدع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا نفاضل بَينهم فَهَذَا ينْقل مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة على عهد نَبِيّهم وَظهر أثر ذَلِك فَإِنَّهُم بَايعُوا عُثْمَان من غير رَغْبَة وَلَا رهبة وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَكَانُوا كَمَا نعتهم الله (يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم) حَتَّى قَالَ ابْن مَسْعُود ولينا أعلانا ذَا فَوق وَلم نأل وَفِيهِمْ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَفِيهِمْ من النُّقَبَاء عبَادَة بن الصَّامِت وَأَمْثَاله وَفِيهِمْ مثل أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وكل من هَؤُلَاءِ وَمن غَيرهم لَو تكلم بِالْحَقِّ لم يكن هُنَاكَ عذر يسْقطهُ عَنهُ فقد كَانَ يتَكَلَّم من يتَكَلَّم مِنْهُم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ولَايَة من يُولى وَهُوَ مُسْتَحقّ للولاية وَلَا يحصل لَهُم ضَرَر وَتكلم طَلْحَة وَغَيره فِي ولَايَة عمر لما اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بكر وَتكلم أسيد بن حضير فِي ولَايَة أُسَامَة بن زيد على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد كَانُوا يكلمون عمر فِيمَن يوليه ويعزله وَعُثْمَان بعد ولَايَته وَقُوَّة شوكته وَكَثْرَة أنصاره وَظُهُور بني أُميَّة كَانُوا يكلمونه فِيمَن يوليه وَيُعْطِيه مِنْهُم وَمن غَيرهم ثمَّ فِي آخر الْأَمر لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 اشتكوا من بَعضهم عَزله وَلما اشتكوا من بعض من يَأْخُذ بعض المَال مَنعه فأجابهم إِلَى مَا طلبوه من عزل وَمنع من المَال وهم أَطْرَاف من النَّاس وَهُوَ فِي عزة ولَايَته فَكيف لَا يسمع كَلَام الصَّحَابَة أئمتهم وكبرائهم مَعَ عزتهم وقوتهم لَو تكلمُوا فِي ولَايَة عُثْمَان وَكَانَ فِي ولَايَته من الفتوحات والخيرات مَا لَا يُوصف وَمَا حصل مِنْهُ من تأمير أَقَاربه وإكثار جوائزهم فقد حصل بعده من غَيره من إِيثَار بَعْص النَّاس بِولَايَة أَو مَال مُضَافا إِلَى مَا جرى من الْفِتْنَة وَالصَّحَابَة مَا كَانُوا يسكتون كلهم على مضض أَلا تراهم تكلمُوا فِي عمر إِذْ اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بكر وَتَكَلَّمُوا مَعَ الصّديق وَقَالُوا مَاذَا تَقول لِرَبِّك إِذا وقدمت عَلَيْهِ وَقد وليت علينا عمر فظا غليظا فَقَالَ أبالله ترهبونني أَقُول وليت عَلَيْهِم خير أهلك قَالُوا هَذَا وَمن شَأْن النَّاس أَن يراعوا من ترشح للولاية فيحابونه خوفًا من أَن ينْتَقم بعد مِنْهُم فَكيف يحابون عُثْمَان وَهُوَ بعد مَا بِيَدِهِ أَمر فَدلَّ على أَنهم إِنَّمَا قدموه بإستحقاق وَهَذَا شَيْء إِذا تدبره الْخَبِير إزداد بِهِ بَصِيرَة وعلما فَأَما الْجَاهِل وَصَاحب الْهوى فقد أعمى الله قلبه واما من كَانَ عَالما بِمَا وَقع وَهُوَ مستحضر للأدلة عَالم بطريقة النّظر فَإِنَّهُ يقطع بِمَا بَيناهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ثمَّ قَالَ وَطعن فِي كل وَاحِد مِمَّن إختاره للشورى وَأظْهر أَنه يكره أَن يتقلد أَمر الْمُسلمين بعد مَوته ثمَّ تقلده بِأَن جعل الْإِمَامَة فِي سِتَّة فَيُقَال لم يطعن فيهم طعن من يرى غَيرهم أَحَق بِالْأَمر وَإِنَّمَا بَين عذره فِي عدم التَّعْيِين ثمَّ قَالَ فناقض وَجعلهَا فِي أَرْبَعَة ثمَّ فِي ثَلَاثَة ثمَّ فِي وَاحِد فَجعل إِلَى ابْن عَوْف الإختيار بعد أَن وَصفه بالضعف فَيُقَال يَنْبَغِي لمن احْتج بالمنقول أَن يُثبتهُ أَولا وَالثَّابِت فِي البُخَارِيّ لَيْسَ فِيهِ من هَذَا شَيْء بل فِيهِ مَا يدل على نقيض هَذَا وَأَن السِّتَّة هم الَّذين ردوا الْأَمر إِلَى الثَّلَاثَة ثمَّ الثَّلَاثَة جعلُوا الإختيار إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بلَى قَالَ عمر فَإِن أَصَابَت سَعْدا الْخلَافَة وَإِلَّا فليستعن بِهِ من ولى فَإِنِّي لم أعزله عَن عجز وَلَا خِيَانَة ثمَّ قَالَ أوصى الْخَلِيفَة من بعدِي بتقوى الله وأوصيه بالمهاجرين الْأَوَّلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ أَن يعرف لَهُم حَقهم وَأَن يحفظ لَهُم حرمتهم وَذكر الحَدِيث وَكَانَ عمر فِي حَيَاته لَا يخَاف أحدا والرافضة تسميه فِرْعَوْن هَذِه الْأمة قَاتلهم الله فَإِذا كَانَ فِي حَيَاته لَا يخَاف أحدا فَكيف يخَاف من تَقْدِيم عُثْمَان لَو أَرَادَ أَن يقدمهُ عِنْد مَوته وَالنَّاس كلهم مطيعوه وَأي غَرَض يكون لعمر فِي عُثْمَان دون عَليّ فقد أخرج من الْأَمر ابْنه وَلم يدْخل سعيد بن زيد فِي أهل الشورى وَهُوَ أقرب النَّاس إِلَيْهِ فلأي شَيْء يحابي كَمَا افتريتم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال وَفِي آخر سَاعَة من الدُّنْيَا وَقت يسلم فِيهِ الْكَافِر ويخشع فِيهِ الْفَاجِر فَلَو علم أَن لعَلي حَقًا دون غَيره بِنَصّ أَو بأولوية لقدمه تَوْبَة إِلَى الله أَو ابْتِغَاء رضوَان الله وَلَيْسَ فِي الْعَادة أَن الرجل يفعل عِنْد لِقَاء الله مَا يعلم أَنه يُعَاقب عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْفَعهُ فِي دين وَلَا دنيا وَلَو قدر أَنه كَانَ عدوا مبغضا للرسول فَلَا ريب أَنه بِسَبَب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَالَ من السَّعَادَة مَا نَالَ ثمَّ إِن عمر كَانَ من أذكى خلق الله تَعَالَى ودلايل النُّبُوَّة من اظهر الْأُمُور فَهُوَ يعلم أَنه إِن اسْتمرّ على معاداته يعذب فِي الْآخِرَة وَلَيْسَ لَهُ وَقت الْمَوْت غَرَض فِي ولَايَة عُثْمَان وَنَحْوه فَكيف استفرغ وَسعه فِي عَدَاوَة بَيت نَبِي الله وَابْن عَمه وَهُوَ الَّذِي لزم الْعَيْش الخشن وَالثَّوْب القطني وَالصَّبْر على الْعدْل وَعَن جمع الْأَمْوَال وعَلى مجافاة الْأَشْرَاف بِحَيْثُ أَنه قد تَركه الْحق وَمَا لَهُ من صديق ثمَّ نقُول على مَا زعمت لَوْلَا عَليّ لهلك عمر قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ مَا دَار الْفلك على شكل عمر وَصدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ يَقُول لعمر مَا لقيك الشَّيْطَان سالكا فجا إِلَّا سلك غير فجك وَأمر أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر أبين من الشَّمْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَمَا زَالَ بَنو هَاشم وَبَنُو أُميَّة متفقين فِي أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي إمرة الشَّيْخَيْنِ حَتَّى إِن أَبَا سُفْيَان لما خرج من مَكَّة عَام الْفَتْح يكْشف الْخَبَر وَرَآهُ الْعَبَّاس أَخذه وأركبه خَلفه وأتى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطلب من النَّبِي أَن يشرفه بِشَيْء لما قَالَ لَهُ إِن أَبَا سُفْيَان يحب الشّرف وكل هَذَا من محبَّة الْعَبَّاس لأبي سُفْيَان وَبني أُميَّة إِذْ القبيلان من بني عبد منَاف وَحَتَّى إِنَّه كَانَ بَين عَليّ وَبَين رجل من الْمُسلمين مُنَازعَة فِي حد فَخرج عُثْمَان فِي موكب فيهم مُعَاوِيَة ليقفوا على الْحَد فابتدر مُعَاوِيَة وَسَأَلَ عَن معلم من معالم الْحَد هَل كَانَ هَذَا على عهد عمر فَقَالُوا نعم فَقَالَ لَو كَانَ هَذَا ظلما لغيره عمر فانتصر مُعَاوِيَة لعَلي فِي تِلْكَ الْحُكُومَة وَلم يكن عَليّ حَاضرا بل كَانَ وَقد وكل ابْن جَعْفَر وَكَانَ عَليّ يَقُول إِن للخصومات قحما وَإِن الشَّيْطَان يحضرها وَكَانَ قد وكل عَنهُ عبد الله بن جَعْفَر فِي المحاكمة وَبِهَذَا احْتج الشَّافِعِي وَغير وَاحِد من الْفُقَهَاء على جَوَاز التَّوْكِيل فِي الْخُصُومَة بِدُونِ إختيار الْخصم كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأَصْحَاب أَحْمد وَأحد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أبي حنيفَة فَلَمَّا رجعُوا ذكرُوا ذَلِك لعَلي فَقَالَ أَتَدْرِي لم فعل ذَلِك مُعَاوِيَة فعل لأجل المنافية أَي لأجل أَنا جَمِيعًا من بني عبد منَاف وَكَانَت قد وَقعت حُكُومَة شاورني فِيهَا بعض قُضَاة الْقُضَاة وأحضر لي كتابا فِيهِ هَذِه الْحُكُومَة وَلم يعرفوا هَذِه اللَّفْظَة لَفْظَة المنافية فبينتها لَهُم وفسرت لَهُم مَعْنَاهَا وَالْمَقْصُود أَن بني عبد منَاف كَانُوا متفقين فِي أول الْأَمر على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر ثمَّ إِن عليا وَعُثْمَان إتفقا على رد الإختيار إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف من غير أَن يكره أَحدهمَا الآخر وقولك إِن عمر علم أَن عبد الرَّحْمَن لَا يعدل عَن أَخِيه وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 عَمه فَهَذَا كذب بَارِد وَجَهل بِالنّسَبِ إِذْ عبد الرَّحْمَن لَيْسَ أَخا لعُثْمَان وَلَا ابْن عَم وَلَا هُوَ من قبيلته أصلا وَبَنُو زهرَة إِلَى بني هَاشم أميل فَإِنَّهُم أخوال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد جَاءَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي سعد هَذَا خَالِي بلَى سعد زهري من قَبيلَة ابْن عَوْف فَهَلا آثره بهَا ثمَّ قلت إِنَّه أَمر بِضَرْب أَعْنَاقهم إِن تَأَخَّرُوا عَن الْبيعَة ثَلَاثَة أَيَّام قُلْنَا أَيْن النَّقْل الثَّابِت بِهَذَا إِنَّمَا الْمَعْرُوف أَنه أَمر الْأَنْصَار أَن لَا يفارقوهم حَتَّى يبايعوا وَاحِدًا مِنْهُم أَو كَانَ عمر يَأْمر بقتل سِتَّة هم عِنْده أفضل أهل الأَرْض ثمَّ كَيفَ يطيعه أنصار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَوته فِي قَتلهمْ وَلَو أَمر بِقَتْلِهِم لذكر بعد مَوْتهمْ من يصلح لَهَا غَيرهم ثمَّ أَيْضا من الَّذِي يتَمَكَّن من قتل هَؤُلَاءِ الَّذين كل وَاحِد مِنْهُم سيد عشيرته فَأَنت قد رَأَيْت مَا جرى فِي الْوُجُود بقتل وَاحِد مِنْهُم وَهُوَ عُثْمَان ثمَّ لَو فَرضنَا أَن السِّتَّة لم يَقُول أحد مِنْهُم فَلم يجز قَتلهمْ بل وَلَا جَازَ قتل وَاحِد مِنْهُم وَإِنَّمَا يُولى غَيرهم وَلَا سمعنَا فِي الْعَالم أَن أحدا امْتنع من الْخلَافَة فَقتل فَتبين أَن هَذَا كذب ثمَّ الْعجب من الرافصة يَزْعمُونَ أَن السِّتَّة مستحقو الْقَتْل سوى عَليّ ثمَّ الْعجب أَنه يجابيهم بِالْولَايَةِ ثمَّ يَأْمر بِقَتْلِهِم وَكَذَا فَلْيَكُن الْجمع بَين الضدين ثمَّ قد تخلف سعد بن عبَادَة عَن بيعَة أبي بكر وَلم يضربوه وَلَا حبسوه فضلا عَن الْقَتْل وتربص عَليّ عَن الْبيعَة مُدَّة وَلم يقل لَهُ أَبُو بكر شَيْئا حَتَّى جَاءَ وَبَايَعَهُ وَلم يكرههُ أحد وَمَا زَالَ أَبُو بكر يُكرمهُ ويجله وَكَذَلِكَ عَامله عمر وَيَقُول أَبُو بكر أَيهَا النَّاس ارقبوا مُحَمَّدًا فِي أهل بَيته وَيذْهب أَبُو بكر وَحده إِلَى بَيت عَليّ وَعِنْده بَنو هَاشم فيذكر فَضلهمْ ويعترفون بإستحقاقه الْخلَافَة وَلَو أَرَادَ هُوَ أَو عمر إِيذَاء عَليّ فِي خِلَافَتهمَا لكانا أقدر على ذَلِك من صرف الْأَمر عَنهُ بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولكنهما أتقى لله من ذَلِك فَهَؤُلَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 الجهلة يَزْعمُونَ أَنَّهُمَا ظلماه فِي حَال كَانَ فِيهَا أقدر على دفع الظُّلم عَن نَفسه وَكَانَا أعجز عَن ظلمه لَو شاءاه فَهَلا ظلماه فِي قوتهما وَطَاعَة الْخلق لَهما كَمَا جرت عَادَة الْمُلُوك من الْفِعْل بِمن يخَافُونَ مِنْهُ وَلَو أَرَادَا ذَلِك لما عَجزا ولكان أسهل عَلَيْهِمَا من مَنعه إبتداء مَعَ وجود النَّص بزعمكم بل مَا زَالا يعاملانه بالجميل بِكُل طَرِيق وَلم يحفظ عَنهُ كلمة سوء فِي حَقّهمَا وَلَا تظلم مِنْهُمَا أبدا بل تَوَاتر عَنهُ محبتهما وإجلالهما ظَاهرا وَبَاطنا وَهَذَا أَمر مَعْرُوف عِنْد من يدْرِي الْأَمر وَيعرف الْأَخْبَار أما من رَجَعَ إِلَى الأكاذيب وبهتان الرافضة الَّذين هم أَجْهَل الْأمة بالمنقولات وَأبْعد النَّاس عَن معرفَة الْأَثر وأنقلهم للكذب المستحيل المتناقض الَّذِي لَا يروج إِلَّا على الْبَهَائِم كترويج قصاص الطرقية على الْعَوام وَأهل الْقرى والجبل وَأهل الْبَادِيَة فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ وَأما عُثْمَان فَإِنَّهُ ولي من لَا يصلح حَتَّى ظهر من بَعضهم الْفسق والخيانة وَقسم الولايات بَين أَقَاربه وَعُوتِبَ فَلم يرجع وَاسْتعْمل الْوَلِيد بن عقبَة فصلى بِالنَّاسِ سَكرَان وَاسْتعْمل سعيد بن الْعَاصِ على الْكُوفَة فَظهر مِنْهُ مَا أدّى إِلَى إِخْرَاجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 مِنْهَا وَولي عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر فظلم وتشكوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 مِنْهُ فكاتبه سرا أَن يسْتَمر على ولَايَته وَأَن يقتل مُحَمَّد بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 بكر وَولي مُعَاوِيَة الشَّام فأحدث من الْفِتَن مَا أحدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وَولي عبد الله بن عَامر بن كريز الْبَصْرَة فَفعل من المناكر مَا فعل وَولي مَرْوَان وَدفع إِلَيْهِ خَاتمه فَحدث من ذَلِك قَتله وَكَانَ يُؤثر أَهله بالأموال الْكَثِيرَة حَتَّى دفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 إِلَى أَرْبَعَة زوجهم بَنَاته أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وَكَانَ ابْن مَسْعُود يطعن عَلَيْهِ وَيكفر وَلما حكم ضربه حَتَّى مَاتَ وَضرب عمارا حَتَّى صَار بِهِ فتق وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمار جلدَة بَين عَيْني تقتله الفئة الباغية لَا أنالهم الله شَفَاعَتِي وَكَانَ عمار يطعن عَلَيْهِ وطرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحكم عَم عُثْمَان فآواه عُثْمَان إِلَى الْمَدِينَة وَنفي أَبَا ذَر إِلَى الربذَة وضربه مَعَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أقلت الغبراء وَلَا أظلت الخضراء على ذِي لهجة أصدق من أبي ذَر وضيع الْحُدُود فَلم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 أَن لَا يحد الْوَلِيد على الْخمر حَتَّى حَده عَليّ وَقَالَ لَا يبطل حد الله وَأَنا حَاضر وَزَاد الْأَذَان يَوْم الْجُمُعَة وَهِي بِدعَة وَخَالفهُ الْمُسلمُونَ حَتَّى قتل وعابوا أَفعاله وَقَالُوا لَهُ غبت عَن بدر وهربت يَوْم أحد وَلم تشهد بيعَة الرضْوَان وَالْأَخْبَار فِي ذَلِك أَكثر من أَن تحصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَالْجَوَاب أَن نواب عَليّ قد خانوه وعصوه أَكثر مِمَّا خَان عُمَّال عُثْمَان لَهُ وعصوه وَذهب بَعضهم إِلَى مُعَاوِيَة وَقد ولي عَليّ رَضِي الله عَنهُ زِيَاد بن أبي سُفْيَان أَبَا عبيد الله بن زِيَاد قَاتل الْحُسَيْن وَولي الأشتر وَولي مُحَمَّد بن أبي بكر وَمُعَاوِيَة خير من هَؤُلَاءِ كلهم وَمن الْعجب أَن الشِّيعَة يُنكرُونَ على عُثْمَان مَا يدعونَ أَن عليا كَانَ أبلغ فِيهِ من عُثْمَان فَيَقُولُونَ إِن عُثْمَان ولي أَقَاربه من بني أُميَّة وَعلي ولي أَقَاربه من قبل أَبِيه وَأمه كَعبد الله وَعبيد الله ابْني عَمه الْعَبَّاس وَقثم بن الْعَبَّاس وثمامة ابْن الْعَبَّاس وَولي على مصر ربيبه مُحَمَّد بن أبي بكر الَّذِي رباه فِي حجره وَولد أُخْته أم هَانِيء ثمَّ إِن الإمامية تَدعِي أَن عليا نَص على أَوْلَاده فِي الْخلَافَة وَمن الْمَعْلُوم أَنه إِن كَانَ تَوْلِيَة الْأَقْرَبين مُنْكرا فتولية الْخلَافَة الْعُظْمَى أعظم من إِمَارَة بعض الْأَعْمَال وتولية الْأَوْلَاد أقرب إِلَى الْإِنْكَار من تَوْلِيَة بني الْعم وَإِذا دعى لعَلي الْعِصْمَة وَنَحْوهَا مِمَّا يقطع عَنهُ أَلْسِنَة الطاعنين كَانَ مَا يَدعِي لعُثْمَان من الإجتهاد الَّذِي يقطع أَلْسِنَة الطاعنين أقرب إِلَى الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَأما عُثْمَان فَلهُ أُسْوَة فِي إستعمال بني أُميَّة بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد اسْتعْمل عتاب بن أسيد الْأمَوِي على مَكَّة وَأَبا سُفْيَان على نَجْرَان وَاسْتعْمل خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ حَتَّى إِنَّه اسْتعْمل الْوَلِيد بن عقبَة حَتَّى نزلت (إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ) الْآيَة فَيَقُول عُثْمَان أَنا لم أسْتَعْمل إِلَّا من اسْتَعْملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن جنسهم وَمن قبيلتهم وَكَذَلِكَ أَبُو بكر وَعمر بعده فقد ولى أَبُو بكر يزِيد بن أبي سُفْيَان بن حَرْب فِي فتوح الشَّام وَأقرهُ عمر ثمَّ ولي عمر بعده أَخَاهُ مُعَاوِيَة وَهَذَا النَّقْل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إستعمال هَؤُلَاءِ ثَابت مَشْهُور عَنهُ بل متواتر عِنْد أهل الْعلم فَكَانَ الإحتجاج على جَوَاز الإستعمال من بني أُميَّة بِالنَّصِّ الثَّابِت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أظهر عِنْد كل عَاقل من دَعْوَى كَون الْخلَافَة فِي وَاحِد معِين من بني هَاشم بِالنَّصِّ لِأَن هَذَا كذب بإتفاق أهل الْعلم بِالنَّقْلِ وَذَاكَ صدق بإتفاق أهل الْعلم بِالنَّقْلِ وَأما بَنو هَاشم فَلم يسْتَعْمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم إِلَّا عليا على الْيمن وجعفر على غَزْوَة مُؤْتَة مَعَ مَوْلَاهُ زيد وَابْن رَوَاحَة ثمَّ نَحن لَا ندعي أَن عُثْمَان مَعْصُوم بل لَهُ ذنُوب وخطايا يغفرها الله لَهُ وَقد بشره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه والرافضة يغلو فِي الشَّخْص حَتَّى يَجْعَل ذنُوبه حَسَنَات ويعمد إِلَى الشَّخْص فينسى سوابقه الَّتِي وَجَبت لَهُ بهَا الْجنَّة ويعدد ذنُوبه وَهَذَا عين الظُّلم وَقد اتّفقت الْأمة على أَن الذُّنُوب تمحى بِالتَّوْبَةِ وَمَا يُمكن أحدا أَن يَقُول إِن عُثْمَان مَا تَابَ من ذنُوبه وَهنا آيَات وَأَحَادِيث دَالَّة على أَن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا وَأَن الصَّلَوَات تكفر وَغير ذَلِك فَإِن قيل إِذا كفرت الصَّلَوَات مَا بَينهَا فَأَي شَيْء تكفر الْجُمُعَة أَو رَمَضَان أَو صَوْم عَرَفَة أَو عَاشُورَاء وَبَعض النَّاس يُجيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ يكْتب لَهُم دَرَجَات إِذا لم تَجِد مَا تكفره من السَّيِّئَات فَيُقَال أَولا الْعَمَل الَّذِي يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا هُوَ المتقبل وَالله يَقُول (إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ) وَالنَّاس لَهُم فِي الْآيَة ثَلَاثَة أَقْوَال فالخوارج والمعتزلة يَقُولُونَ لَا يتَقَبَّل الله إِلَّا من اتَّقى الْكَبَائِر وَيَقُولُونَ صَاحب الْكَبَائِر لَا تقبل لَهُ حَسَنَة بِحَال والمرجئة يَقُولُونَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 اتقِي الشّرك فَهُوَ من الْمُتَّقِينَ وَإِن عمل الْكَبَائِر وَترك الصَّلَاة وَالسَّلَف وَالْأَئِمَّة يَقُولُونَ لَا يتَقَبَّل الله إِلَّا مِمَّن اتَّقَاهُ فِي ذَلِك الْعَمَل فَفعله كَمَا أَمر بِهِ مخلصا قَالَ الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله (ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا) قَالَ أخلصه وأصوبه قَالَ فَإِن الْعَمَل إِذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يتَقَبَّل وَإِذا كَانَ صَوَابا لم يكن خَالِصا لم يتَقَبَّل والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على السّنة وَفِي السّنَن عَن عمار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل لينصرف من صلَاته وَلم يكْتب لَهُ إِلَّا نصفهَا إِلَّا ثلثهَا إِلَّا ربعهَا حَتَّى قَالَ إِلَّا عشرهَا وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ لَك من صَلَاتك إِلَّا مَا عقلت مِنْهَا وَكَذَلِكَ الْحَج وَالْجهَاد وَالصَّوْم فالمحو والتكفير يَقع بِمَا يتَقَبَّل والسعيد من أَكثر النَّاس من يكْتب لَهُ نصف صلَاته فيكفر بِمَا يقبل مِنْهَا وَمَا يقبل من الْجُمُعَة ورمضان والمحو يكون للصغائر تَارَة وَتارَة للكبائر بإعتبار الموازنة وَفِي حَدِيث صَاحب البطاقة أَنَّهَا ترجح بِكُل ذنُوبه فَهَذِهِ حَال من قَالَهَا بإخلاص وَصدق وعبودية وذل كَمَا قَالَهَا هَذَا الرجل وَإِلَّا فَأهل الْكَبَائِر الَّذين دخلُوا النَّار كلهم كَانُوا يَقُولُونَهَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة الْبَغي الَّتِي سقت الْكَلْب بموقها بِإِيمَان خَالص فغفر لَهَا وَمَا كل بغي سقت كَلْبا يغْفر لَهَا بذلك وَإِن الرجلَيْن ليكونان فِي الصَّلَاة وَبَين صلاتهما كَمَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَصْحَابه لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش مَا سبقهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الصّديق بِكَثْرَة صَلَاة وَلَا صِيَام وَلَكِن بِشَيْء وقر فِي قلبه وَفِي مُسلم عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ النُّجُوم أَمَنَة للسماء فَإِذا ذهبت النُّجُوم أَتَى السَّمَاء مَا توعد وَأَنا أَمَنَة لِأَصْحَابِي فَإِذا ذهبت أَتَى أَصْحَابِي مَا يوعدون وأصحابي أَمَنَة لأمتي فَإِذا ذهب أَصْحَابِي أَتَى أمتِي مَا يوعدون وَفِي الصَّحِيح قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان يَغْزُو فِيهِ فِئَام من النَّاس فَيُقَال هَل فِيكُم من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَال نعم فَيفتح لَهُم ثمَّ يَأْتِي على النَّاس زمَان يَغْزُو فِيهِ فِئَام من النَّاس فَيُقَال هَل فِيكُم من رأى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولُونَ نعم فَيفتح لَهُم وَالثَّلَاث الطَّبَقَات مُتَّفق عَلَيْهَا فِي جَمِيع الطّرق وَأما الطَّبَقَة الرَّابِعَة فمذكورة فِي بعض طرق الصَّحِيح وَقد ثَبت ثَنَاؤُهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْقُرُون الثَّلَاثَة فِي عدَّة أَحَادِيث وَالْمَقْصُود أَن فضل الْأَعْمَال لَيْسَ بِمُجَرَّد صورها بل بحقائقها فِي الْقُلُوب وَالنَّاس يتفاضلون فِي ذَلِك تفاضلا عَظِيما وَهَذَا مِمَّا يحْتَج بِهِ من رجح كل وَاحِد من الصَّحَابَة على كل وَاحِد مِمَّن بعدهمْ فَإِن الْعلمَاء متفقون على أَن جملَة الصَّحَابَة أفضل من جملَة التَّابِعين لَكِن هَل يفضل كل وَاحِد من الصَّحَابَة على كل وَاحِد مِمَّن بعدهمْ ويفضل مُعَاوِيَة على عمر بن عبد الْعَزِيز ذكر القَاضِي عِيَاض وَغَيره فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ وَأَن الْأَكْثَر يفضلون كل وَاحِد من الصَّحَابَة وَهَذَا مأثور عَن ابْن الْمُبَارك وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا وَمن حجَّة هَؤُلَاءِ أَن أَعمال التَّابِعين وَإِن كَانَت أَكثر وَعدل عمر بن عبد الْعَزِيز أظهر من عدل مُعَاوِيَة وَهُوَ أزهد من مُعَاوِيَة لَكِن الْفَضَائِل عِنْد الله بحقائق الْإِيمَان الَّذِي فِي الْقُلُوب وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه قَالُوا فَنحْن قد نعلم أَن أَعمال بعض من بعدهمْ أَكثر من أَعمال بَعضهم لَكِن من أَيْن نعلم أَن مَا فِي قلبه من الْإِيمَان أعظم مِمَّا فِي قلب ذَلِك وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخبر أَن جبل ذهب من التَّابِعين الَّذين أَسْلمُوا بعد الْحُدَيْبِيَة لَا يُسَاوِي نصف مدمن السَّابِقين وَمَعْلُوم فضل النَّفْع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 المتعدى بعمر بن عبد الْعَزِيز أعْطى النَّاس حُقُوقهم وَعدل فيهم فَلَو قدر أَن الَّذِي أَعْطَاهُم ملكه وَقد تصدق بِهِ عَلَيْهِم لم يعدل ذَلِك مِمَّا أنفقهُ السَّابِقُونَ إِلَّا شَيْئا يَسِيرا وَأَيْنَ مثل جبل أحد ذَهَبا حَتَّى يُنْفِقهُ الْإِنْسَان وَهُوَ لَا يصير مثل نصف مد وَلِهَذَا يَقُول من يَقُول من السّلف غُبَار دخل فِي أنف مُعَاوِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من عمل عمر بن عبد الْعَزِيز وَهَذِه الْمَسْأَلَة تحْتَاج إِلَى بسط وَتَحْقِيق لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه إِذْ الْمَقْصُود هُنَا أَن الله سُبْحَانَهُ مِمَّا يمحو بِهِ السَّيِّئَات الْحَسَنَات وأنة الْحَسَنَات تتفاضل بِحَسب مَا فِي قلب صَاحبهَا من الْإِيمَان وَالتَّقوى وَحِينَئِذٍ فَيعرف أَن من هُوَ دون الصَّحَابَة قد تكون لَهُ حَسَنَات تمحو مثل مَا يذم من أحدهم فَكيف الصَّحَابَة وَمن أَسبَاب التَّكْفِير الدُّعَاء لِلْمُؤمنِ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ بعد مَوته والإستغفار لَهُ أَو إستغفار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمُعين وَمن ذَلِك مَا يفعل بعد موت الْمُؤمن من إهداء عمل صَالح لَهُ كصدقة وَحج وَصَوْم فقد ثَبت فِي الحَدِيث وُصُول ذَلِك إِلَيْهِ وَهَذَا غير دُعَاء وَلَده فَإِن ذَلِك من عمله وَمن كَسبه وَمن ذَلِك مصائب الدُّنْيَا فَإِنَّهَا تكفر كَمَا تَوَاتَرَتْ بذلك النُّصُوص وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي إثنتين وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا يهْلك أمتِي بِسنة عَامَّة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يُسَلط عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم فيجتاحهم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى (قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعوذ بِوَجْهِك (أَو من تَحت أَرْجُلكُم) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعوذ بِوَجْهِك (أويلبسكم شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض) قَالَ هَذَا أَهْون وأيسر فَهَذَا أَمر لَا بُد مِنْهُ للْأمة عُمُوما الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا أقل فتنا من سَائِر من بعدهمْ فَإِنَّهُ كلما تاخر الْعَصْر عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 النُّبُوَّة كثر التَّفَرُّق وَالْخلاف وَلِهَذَا لم يحدث فِي خلَافَة عُثْمَان بِدعَة ظاعرة فَلَمَّا قتل وتفرق النَّاس حدثت بدعتان متقابلتان بِدعَة الْخَوَارِج المكفرين لعَلي وبدعة الرافضة المدعين لإمامته وعصمته أَو نبوته أَو إلاهيته ثمَّ لما كَانَ فِي آخر عصر الصَّحَابَة فِي إِمَارَة ابْن الزبير وَعبد الْملك حدثت بِدعَة المرجئة والقدرية ثمَّ لما كَانَ فِي أول عصر التَّابِعين فِي أَوَاخِر الْخلَافَة الأموية حدثت بِدعَة الْجَهْمِية والمشبهة الممثلة وَلم يكن عَليّ عهد الصَّحَابَة شَيْء من ذَلِك وَكَذَلِكَ فتن السَّيْف فَإِن النَّاس كَانُوا فِي ولَايَة مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ متفقين يغزون الْعَدو فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَة قتل الْحُسَيْن وحوصر ابْن الزبير بِمَكَّة ثمَّ جرت فتْنَة الْحرَّة بِالْمَدِينَةِ ثمَّ لما مَاتَ يزِيد جرت فتْنَة بِالشَّام بَين مَرْوَان وَالضَّحَّاك بمرج راهط ثمَّ وثب الْمُخْتَار على ابْن زِيَاد فَقتله وَجَرت فتْنَة ثمَّ جَاءَ مُصعب بن الزبير فَقتل الْمُخْتَار وَجَرت فتْنَة ثمَّ ذهب عبد الْملك إِلَى مُصعب فَقتله وَجَرت فتْنَة وَأرْسل الْحجَّاج إِلَى ابْن الزبير فحاصره مُدَّة ثمَّ قَتله وَجَرت فتْنَة ثمَّ لما تولى الْحجَّاج الْعرَاق خرج عَلَيْهِ مُحَمَّد بن الْأَشْعَث مَعَ خلق عَظِيم من الْعرَاق وَكَانَت فتْنَة كَبِيرَة فَهَذَا كُله بعد موت مُعَاوِيَة ثمَّ جرت فتْنَة ابْن الْمُهلب بخراسان وَقتل زيد بن عَليّ بِالْكُوفَةِ وَقتل خلق كثير آخَرُونَ ثمَّ قَامَ أَبُو مُسلم وَغَيره بخراسان وَجَرت حروب وَفتن يطول وصفهَا فَلم يكن من مُلُوك الْمُسلمين ملك خيرا من مُعَاوِيَة وَلَا كَانَ النَّاس فِي زمَان ملك من الْمُلُوك خيرا مِنْهُم فِي زمن مُعَاوِيَة إِذا نسبت أَيَّامه إِلَى أَيَّام من بعده وَأما إِذا نسبت إِلَى أَيَّام أبي بكر وَعمر ظهر التَّفَاضُل وَمُعَاوِيَة على ذنُوبه لم يَأْتِ بعده مثله ملك فَعَن قَتَادَة قَالَ لَو أَصْبَحْتُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فِي مثل عمل مُعَاوِيَة لقَالَ أَكْثَرَكُم هَذَا الْمهْدي وَقَالَ أَحْمد بن جواس حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة الْمكتب قَالَ كُنَّا عِنْد الْأَعْمَش فَذكرُوا عمر بن عبد الْعَزِيز وعدله فَقَالَ الْأَعْمَش فَكيف لَو أدركتم مُعَاوِيَة قَالُوا فِي حلمه قَالَ لَا وَالله بل فِي عدله وَقَالَ أَبُو أُسَامَة الثَّقَفِيّ حَدثنَا ثِقَة عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي أَنه ذكر مُعَاوِيَة فَقَالَ لَو أدركتموه لقلتم كَانَ الْمهْدي وروى أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن أبي إِسْحَاق قَالَ مَا رَأَيْت بعده مثله يَعْنِي مُعَاوِيَة وَقَالَ الْبَغَوِيّ حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد حَدثنَا ضمام بن إِسْمَاعِيل عَن أبي قيس قَالَ كَانَ مُعَاوِيَة قد جعل فِي كل قبيل رجلا وَكَانَ رجل منا يكنى أَبَا يحيى يصبح كل يَوْم فيدور على الْمجَالِس هَل ولد فِيكُم اللَّيْلَة ولد هَل حدث اللَّيْلَة حَادث هَل نزل بكم الْيَوْم نَازل قَالَ فَيَقُولُونَ نعم نزل رجل من أهل الْيمن بعياله يسمونه وَعِيَاله فَإِذا فرغ من الْقَبِيل كُله أَتَى الدِّيوَان فأوقع أَسْمَاءَهُم فِي الدِّيوَان وروى مُحَمَّد بن عَوْف الطَّائِي حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم عَن عَطِيَّة بن قيس قَالَ سَمِعت مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان يَخْطُبنَا يَقُول إِن فِي بَيت مالكم فضلا بعد أعطياتكم وَإِنِّي قاسمه بَيْنكُم فَإِن كَانَ يأتيكم فضل عَاما قَابلا قسمناه عَلَيْكُم وَإِلَّا فَلَا عتبَة عَليّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالي وَإِنَّمَا هُوَ مَال الله الَّذِي أَفَاء عَلَيْكُم وفضائل مُعَاوِيَة فِي حسن السِّيرَة وَالْعدْل وَالْإِحْسَان كَثِيرَة وَفِي الصَّحِيح أَن رجلا قَالَ لإبن عَبَّاس هَل لَك فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ مُعَاوِيَة إِنَّه أوتر بِرَكْعَة قَالَ ابْن عَبَّاس أصَاب إِنَّه فَقِيه حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله بن أبي المُهَاجر عَن قيس بن الْحَارِث الصنَابحِي عَن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الدَّرْدَاء قَالَ مَا رَأَيْت أحدا أشبه صَلَاة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إمامكم هَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة فَهَذِهِ شَهَادَة الصَّحَابَة بفقهه وَدينه وَالشَّاهِد بالفقه ابْن عَبَّاس وَبِحسن الصَّلَاة أَبُو الدَّرْدَاء وهما هما والْآثَار الْمُوَافقَة لهَذَا كَثِيرَة هَذَا وَمُعَاوِيَة لَيْسَ من السَّابِقين الْأَوَّلين بل قد قيل إِنَّه من مسلمة الْفَتْح وَقيل بل أسلم قبل ذَلِك وَكَانَ يعْتَرف أَنه لَيْسَ من فضلا الصَّحَابَة وَهَذَا سيرته فِي عُمُوم ولَايَته فَإِنَّهُ كَانَ فِي ولَايَته من خُرَاسَان إِلَى بِلَاد أفريقية بالمغرب وَمن قبرص إِلَى الْيمن وَمَعْلُوم بِإِجْمَاع الْمُسلمين أَنه لَيْسَ قَرِيبا من عُثْمَان وعَلى فضلا عَن أبي بكر وَعمر فَكيف يشبه غير الصَّحَابَة بهم وَهل تُوجد سيرة أحد من الْمُلُوك مثل سيرة مُعَاوِيَة وَجُمْهُور الصَّحَابَة وساداتهم تَأَخَّرُوا عَن الْفِتْنَة قَالَ أَيُّوب السجسْتانِي عَن ابْن سِيرِين قَالَ هَاجَتْ الْفِتْنَة وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة آلَاف فَمَا خف لَهَا مِنْهُم مائَة بل لم يبلغُوا ثَلَاثِينَ فَهَذَا يَقُوله مُحَمَّد بن سِيرِين مَعَ ورعه الباهر فِي مَنْطِقه وَقَالَ مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن قَالَ الشّعبِيّ لم يشْهد الْجمل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير عَليّ وعمار وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر فَإِن جَاءُوا بخامس فَأَنا كَذَّاب كَأَنَّهُ عني من الْمُهَاجِرين السَّابِقين وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا أبي حَدثنَا أُميَّة بن خَالِد قَالَ قيل لشعبة إِن أَبَا شيبَة روى عَن الحكم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ شهد صفّين من أهل بدر سَبْعُونَ رجلا قَالَ شُعْبَة كذب وَالله ذاكرنا الحكم مَا وجدنَا شهد صفّين من أهل بدر غير خُزَيْمَة بن ثَابت قلت هَذَا النَّفْي يدل على قلَّة من حضرها وَمن أَسبَاب النجَاة من النَّار مَا يبتلى بِهِ العَبْد فِي قَبره من الضغطة وسؤال مُنكر وَنَكِير وَمن أهوال الْموقف وكربه وَمن ذَلِك مَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن الْمُؤمنِينَ إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 عبروا الصِّرَاط وقفُوا على قنطرة بَين الْجنَّة وَالنَّار فيقتص بَعضهم من بعض فَإِذا هذبوا ونقوا أذن لَهُم فِي دُخُول الْجنَّة فَهَذِهِ الْأُمُور لَا تفوت كلهَا من الْمُسلمين إِلَّا الْأَقَل فَمَا الظَّن بالصحابة الَّذين هم خير الْقُرُون وَصَحَّ أَن رجلا نَالَ من عُثْمَان عِنْد ابْن عمر وَقَالَ إِنَّه فر يَوْم أحد فَقَالَ ابْن عمر فقد عَفا الله عَنهُ قَالَ وَلم يشْهد بَدْرًا قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَخْلَفَهُ على بنته وَضرب لَهُ بِسَهْم قَالَ فَمَا شهد بيعَة الرضْوَان فَقَالَ إِنَّمَا كَانَت الْبيعَة بِسَبَب عُثْمَان وَقد بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ بِيَدِهِ وَيَد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير من يَد عُثْمَان فعامة مَا يعاب بِهِ الصَّحَابَة إِمَّا تعنت كَهَذا وَهُوَ مَعْفُو عَنهُ وَكثير من ذَلِك مَكْذُوب عَلَيْهِم وَقَوْلهمْ اسْتعْمل من لَا يصلح قُلْنَا كَانَ مُجْتَهدا فَأَخْطَأَ ظَنّه وَالله يغْفر لَهُ وَقد كَانَ عبد الله بن سعد ارْتَدَّ ثمَّ جَاءَ مُسلما فَقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك مِنْهُ بعد أَن كَانَ أهْدر دَمه وَعلي تبين لَهُ من عماله مَا لم يَظُنّهُ فيهم ثمَّ إِن عُثْمَان لما علم أَن الْوَلِيد سكر طلبه وَحده وَقَوْلهمْ قسم المَال فِي أَقَاربه قُلْنَا هَذَا غَايَته أَن يكون ذَنبا لَا يُعَاقب عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة فَكيف إِذا كَانَ من موارد الإجتهاد لَعَلَّه اجْتهد فَإِن النَّاس تنازعوا فِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته هَل يسْتَحقّهُ ولي الْأَمر بعده على قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ تنازعوا فِي ولي الْيَتِيم هَل لَهُ أَن يَأْخُذ من مَال الْيَتِيم إِذا كَانَ غَنِيا أجرته مَعَ غناهُ وَالتّرْك أفضل أَو التّرْك وَاجِب على قَوْلَيْنِ وَمن جوز الْأَخْذ من مَال الْيَتِيم مَعَ الْغنى جوزه لِلْعَامِلِ على بَيت مَال الْمُسلمين وَجوزهُ للْقَاضِي وَغَيره من الْوُلَاة وَمن قَالَ لَا يجوز ذَلِك من مَال الْيَتِيم فَمنهمْ من يجوزه من مَال بَيت المَال كَمَا يجوز لِلْعَامِلِ على الزَّكَاة الْأَخْذ مَعَ الْغنى فَإِن الْعَامِل على الزَّكَاة يجوز لَهُ أَخذ جعالته مَعَ غناهُ وَولي الْيَتِيم قد قَالَ تَعَالَى فِيهِ (وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ) وَأَيْضًا فقد ذهب بعض الْفُقَهَاء إِلَى أَن سهم ذَوي الْقُرْبَى هُوَ لقرابة الإِمَام كَمَا قَالَه الْحسن وَأَبُو ثَوْر وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُعْطي أَقَاربه بِحكم الْولَايَة وَسقط حق ذَوي قرباه بِمَوْتِهِ كَمَا يَقُول ذَلِك كثير من الْعلمَاء كَأبي حنيفَة وَغَيره ثمَّ لما سقط حَقه بِمَوْتِهِ فحقه السَّاقِط قيل إِنَّه يصرف فِي الكراع وَالسِّلَاح والمصالح كَمَا كَانَ يفعل أَبُو بكر وَعمر وَقيل إِن هَذَا مِمَّا تَأَوَّلَه عُثْمَان وَنقل عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ نَفسه أَنه ذكر هَذَا وَأَنه يَأْخُذ بِعَمَلِهِ وَأَن ذَلِك جَائِز وَإِن كَانَ مَا فعله أَبُو بكر وَعمر أفضل فَكَانَ لَهُ الْأَخْذ بِهَذَا وَهَذَا وَكَانَ يُعْطي أقرباءه مِمَّا يخْتَص بِهِ فَكَانَ يعطيهم لكَوْنهم ذَوي قربى الإِمَام على قَول من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 يَقُول ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ فعامة من تولى الْأَمر بعد عمر كَانَ يخص بعض أَقَاربه إِمَّا بِولَايَة وَإِمَّا بِمَال وَعلي ولي أَقَاربه أَيْضا وَأما قيام أهل الْكُوفَة على سعيد بن الْعَاصِ حَتَّى أَخْرجُوهُ مِنْهَا فَلَا يدل على ذَنْب وَلَا بُد فَإِن الْقَوْم كَانُوا أعنت شَيْء لأمرائهم حَتَّى قَامُوا على سعيد ونقلوه وَأَيْنَ مثله وَأما قَوْلك كَاتب ابْن أبي سرح سرا أَن يسْتَمر على ولَايَته خلاف مَا كتب بِهِ من عَزله فَيُقَال هَذَا كذب فقد حلف عُثْمَان أَنه لم يكْتب ذَلِك وَهُوَ الصَّادِق بل قيل إِن مَرْوَان كتب بِغَيْر علمه وَأَنَّهُمْ طلبُوا مَرْوَان ليقتلوه فَامْتنعَ فَإِن كَانَ قتل مَرْوَان لَا يجوز فقد أصَاب وَإِن كَانَ يجوز وَلَا يجب فقد فعل الْجَائِز وَإِن كَانَ قَتله وَاجِبا فقد اجْتهد وَلم يثبت مَا يجب بِهِ قتل مَرْوَان وهب أَن هَذَا من ذنُوب عُثْمَان فَمَا ادعينا عصمته وَله سوابق وَهُوَ من الْبَدْرِيِّينَ المغفور لَهُم وَأما قَوْلك أَمر بقتل مُحَمَّد بن أبي بكر فَهَذَا إفتراء وَمن عرف سيرته وأحواله عرف بطلَان هَذَا فقد سعوا فِي قَتله وَهُوَ كَاف عَنْهُم بِكُل حَال فَكيف يبتديء بقتل مَعْصُوم وَإِن ثَبت أَنه أَمر بقتْله فلمصلحة رَآهَا من دفع شَره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وَأما مُعَاوِيَة فَإِنَّمَا ولاه الشَّام وَاسْتمرّ عَلَيْهَا إِلَى أَن سلم إِلَيْهِ الْحسن الْخلَافَة وَكَانَ محببا فِي رَعيته لحلمه وَكَرمه وخبرته بالأمور وَهُوَ خير من الأشتر النَّخعِيّ وَمن مُحَمَّد ابْن أبي بكر وَمن عبيد الله بن عمر وَمن أبي الْأَعْوَر السّلمِيّ وَمن بشر بن أَرْطَاة وَأما ابْن مَسْعُود فَإِنَّهُ بَقِي فِي نَفسه عَلَيْهِ لأجل الْمَصَاحِف إِذْ فوض كتَابَتهَا إِلَى زيد ابْن ثَابت دونه وَجُمْهُور الصَّحَابَة كَانُوا مَعَ عُثْمَان وَكَانَ زيد أحفظ للعرضة الْأَخِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 من غَيره وَقد انتدبه قبل عُثْمَان أَبُو بكر وَعمر لجمع الْمُصحف فِي الصُّحُف وَأَيْضًا فَكَانَ ابْن مَسْعُود أنكر على الْوَلِيد بن عقبَة لما شرب الْخمر ثمَّ قدم ابْن مَسْعُود الْمَدِينَة بعد وحادثة عُثْمَان لم تتفق وَعرض عَلَيْهِ عُثْمَان التَّزْوِيج ثمَّ نقُول بِتَقْدِير أَن يكون ابْن مَسْعُود طعن على عُثْمَان فَلَيْسَ جعل ذَلِك قدحا فِي عُثْمَان بِأولى من جعله قدحا فِي ابْن مَسْعُود بل كل مِنْهُمَا مُجْتَهد وهما بدريان كبيران مغْفُور لَهما والكف عَمَّا شجر بَين السَّابِقين أولى كَمَا قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز تِلْكَ دِمَاء طهر الله يَدي مِنْهَا فأكره أَن أخضب بهَا لساني وَنقل عَن عمار قَالَ لقد كفر عُثْمَان كفرة صلعاء وَأَن الْحسن بن عَليّ أنكر ذَلِك على عمار وَكَذَلِكَ نقل عَن عَليّ أَنه قَالَ يَا عمار أتكفر بِرَبّ آمن بِهِ عُثْمَان وَقد علمنَا أَن الرجل الْمُؤمن الْوَلِيّ قد يكفر الرجل الْمُؤمن الْوَلِيّ فيخطيء بذلك وَلَا يقْدَح هَذَا فِي إِيمَان وَاحِد مِنْهُمَا فقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن أسيد بن حضير قَالَ لسعد بن عبَادَة بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك مُنَافِق تجَادل عَن الْمُنَافِقين وَثَبت أَن عمر قَالَ لحاطب دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ إِنَّه شهد بَدْرًا وَأما قَوْلك ضرب ابْن مَسْعُود حَتَّى مَاتَ فَهَذَا من أسمج الْكَذِب الْمَعْلُوم وَقيل إِن عُثْمَان ضرب عمارا وَابْن مَسْعُود فَإِن صَحَّ فَهُوَ إِمَام لَهُ أَن يعزز بإجتهاده أصَاب أَو أَخطَأ وَقد ضرب عمر أَبَيَا بِالدرةِ لما رأى النَّاس يَمْشُونَ خَلفه وَقَالَ فتْنَة للمتبوع ومذلة للتابع وَقد شهد عمار أَن عَائِشَة زَوْجَة نَبِي الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَالَ وَلَكِن الله ابتلاكم بهَا لينْظر إِيَّاه تطيعون أم إِيَّاهَا فَمَعَ حض عمار النَّاس على قتالها لمصْلحَة شهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 لَهَا بِالْجنَّةِ وَأما عمار فصح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تقتلك الفئة الباغية وَبَاقِي ذَلِك كذب مزِيد فِي الحَدِيث وَأما قَوْلك وطرد رَسُول الله الحكم وَابْنه من الْمَدِينَة فَنَقُول كَانَ لمروان سبع سِنِين أَو أقل فَكَمَا كَانَ لَهُ ذَنْب يطرد عَلَيْهِ ثمَّ لم نَعْرِف أَن أَبَاهُ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى يطرد مِنْهَا فَإِن الطُّلَقَاء لَيْسَ فيهم من هَاجر فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح وَلما قدم صَفْوَان بن أُميَّة مُهَاجرا أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرُّجُوعِ إِلَى مَكَّة وقصة طرد الحكم لَيْسَ لَهَا إِسْنَاد نَعْرِف بِهِ صِحَّتهَا فَإِن كَانَ قد طرده فَإِنَّمَا طرده من مَكَّة لَا من الْمَدِينَة وَلَو طرده من الْمَدِينَة لَكَانَ يُرْسِلهُ إِلَى مَكَّة وَقَالَ طعن كثير من أهل الْعلم فِي نَفْيه وَقَالُوا هُوَ ذهب بإختياره والطرد هُوَ النَّفْي وَالنَّفْي قد جَاءَت بِهِ السّنة فِي الزَّانِي وَفِي المخنثين وَكَانُوا يعزرون بِالنَّفْيِ وَإِذا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عزّر رجلا بِالنَّفْيِ لم يلْزم أَن يبْقى منفيا طول الزَّمَان فَإِن هَذَا لَا يعرف فِي شَيْء من الذُّنُوب وَلم تأت الشَّرِيعَة بذنب يبْقى صَاحبه منفيا دَائِما بل غَايَة النَّفْي الْمُقدر سنة وَالزَّانِي وَلَو كَانَ صحابيا مُجَاهدًا فيعزر بِالنَّفْيِ سنة وَيعلم قطعا أَن عُثْمَان مَا أذن للْحكم فِي إتْيَان الْمَدِينَة مَعْصِيّة للرسول وَلَا مراغمة لِلْإِسْلَامِ بل رأى أَنه قد صلح حَاله فَلَعَلَّ هَذَا خطأ من الإجتهاد أَو صَوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَكَانَ مَرْوَان على هناته مُسلما ظَاهرا وَبَاطنا يقْرَأ الْقُرْآن ويتفقه فَلَا ذَنْب لعُثْمَان فِي إتخاذه كَاتبا ثمَّ بَدَت مِنْهُ أُمُور وَأما أَبُو ذَر فَثَبت عَن عبد الله بن الصَّامِت قَالَ قَالَت أم ذَر وَالله مَا سير عُثْمَان أَبَا ذَر إِلَى الربذَة وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ إِذا بلغ الْبناء سلعا فَأخْرج مِنْهَا وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ معَاذ الله أَن يكون أخرجه عُثْمَان وَلَا ريب أَن أَبَا ذَر كَانَ صَالحا زاهدا وَكَانَ مذْهبه بذل مَا فضل عَن الْحَاجة وَأَن إِمْسَاكه كنز يكوى بِهِ صَاحبه وَيَتْلُو (وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم يَوْم يحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فتكوى بهَا جباههم وجنوبهم وظهورهم هَذَا مَا كنزتم لأنفسكم فَذُوقُوا مَا كُنْتُم تكنزون) وَيذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا ذَر مَا أحب أم أحدا ذَهَبا يمْضِي عَليّ ثَالِثَة وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَار وَقَوله الْأَكْثَرُونَ هم الأقلون يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا من قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَلما توفّي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وَحلف مَالا عد ذَلِك أَبُو ذَر من الْكَنْز الَّذِي يُعَاقب عَلَيْهِ وَعُثْمَان يناظره فِي ذَلِك حَتَّى دخل كَعْب فَوَافَقَ عُثْمَان فَضَربهُ أَبُو ذَر وَكَانَ قد وَقع بَينه وَبَين مُعَاوِيَة بِالشَّام أَيْضا بِهَذَا السَّبَب وَأما سَائِر الْأمة فعلى خلاف رأى أبي ذَر وَقَالُوا الْكَنْز مَا لم يزك وَقد قسم الله الْمَوَارِيث فِي كِتَابه وَلَا يكون الْمِيرَاث إِلَّا لمن خلف مَالا وَقد كَانَ خلق من الصَّحَابَة لَهُم مَال على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أنكر عَلَيْهِم وَكَانَ جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء لَهُم المَال وَتوسع أَبُو ذَر فِي الْإِنْكَار حَتَّى نَهَاهُم عَن الْمُبَاح ثمَّ اعتزلهم وَكَانَ مُؤمنا فِيهِ ضعف كَمَا قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أَرَاك ضَعِيفا وَإِنِّي أحب لَك مَا أحب لنَفْسي لَا تأمرن على إثنين وَلَا تولين على مَال يَتِيم وَقَالَ أَيْضا الْمُؤمن الْقوي خير وَأحب إِلَى الله من الْمُؤمن الضَّعِيف وَفِي كل خير فَأهل الشورى أقوياء بِالنِّسْبَةِ إِلَى أبي ذَر وهم أفضل مِنْهُ وَأما قَوْلك ضيع الْحُدُود فَلم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان مولى عَليّ قُلْنَا هَذَا كذب لم يكن مولى عَليّ وَإِنَّمَا أسره الْمُسلمُونَ فَمن عَلَيْهِ عمر وَأعْتقهُ وَأسلم وَلَا سعى لعَلي فِي رقّه وَلَا فِي عتقه وَذكر لِعبيد الله بن عمر أَنه رؤى عِنْد الهرمزان حِين قتل وَكَانَ الهرمزان مِمَّن اتهمَ بالمعاونة على قتل عمر وَهَذَا ابْن عَبَّاس يَقُول لعمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 إِذْ قَالَ لَهُ كنت أَنْت وَأَبُوك تحبان أَن تكتر العلوج بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ أنقتلهم قَالَ كذبت أبعد أَن تكلمُوا بلسانكم وصلوا إِلَى قبلتكم فَهَذَا ابْن عَبَّاس مَعَ فقهه يسْتَأْذن عمر فِي قتل العلوج لما اتهموهم بِالْفَسَادِ فَكيف لَا يعْتَقد عبيد الله جَوَاز قتل الهرمزان فَلَمَّا قَتله وبويع عُثْمَان اسْتَشَارَ النَّاس فِي قَتله فَأَشَارَ عَلَيْهِ عدَّة فِي أَن لَا يقْتله وَقَالُوا قتل أَبوهُ بالْأَمْس وَيقتل هُوَ الْيَوْم فَيكون فِي هَذَا فَسَاد وَكَأَنَّهُم وَقعت لَهُم شُبْهَة فِي عصمَة الهرمزان وَلَو قدر أَنه مَعْصُوم الدَّم وَلَكِن الْقَاتِل اعْتقد حل قَتله لشُبْهَة صَارَت تدرأ الْقَتْل عَن الْقَاتِل كَمَا أَن أُسَامَة لما قتل ذَلِك الرجل بعد مَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله عزره الرَّسُول بالْقَوْل وَلم يقْتله بِهِ وَأَيْضًا فَإِن هَذَا والهرمزان لم يكن لَهما من يُطَالب بِالدَّمِ وَلَكِن الإِمَام ولي الدَّم فَلهُ الْقَتْل أَو الْعَفو وَالدية فَعَفَا عُثْمَان وَترك الدِّيَة لآل عمر وَإِذا حقن عُثْمَان دَمه فَلَا يُبَاح بِحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَمن الْعجب أَن دم الهرمزان الْمُتَّهم تُقَام فِيهِ الْقِيَامَة وَدم عُثْمَان وَهُوَ إِمَام الْمُسلمين الْمَقْتُول صبرا لَا حُرْمَة لَهُ وَقد جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث من نجا مِنْهُنَّ فقد نجا موتى وَقتل خَليفَة مضطهد بِغَيْر حق والدجال رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأما الْوَلِيد فَإِنَّمَا حَده عَليّ بِأَمْر عُثْمَان كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح وَقَول الْقَائِل أَن عليا قَالَ لَا يبطل حد الله وَأَنا حَاضر فَمن الْكَذِب ثمَّ أَنْتُم تدعون أَن الْحُدُود مَا زَالَت تبطل وَعلي حَاضر وَهُوَ يسكت تقية وخوفا حَتَّى فِي ولَايَته تدعون أَنه يدع الْحُدُود تقية وَيتْرك القَوْل بِالْحَقِّ تقية فَإِن كَانَ قَالَ هَذَا بِحَضْرَة عُثْمَان فَمَا قَالَه إِلَّا لعلمه بِأَن عُثْمَان وأعوانه يوافقونه على إِقَامَة الْحُدُود وَلَو كَانَ يتقيهم لما قَالَ هَذَا وقولك زَاد الْأَذَان وَهُوَ بِدعَة قُلْنَا فعلي مِمَّن وَافق على ذَلِك فِي خِلَافَته وَلم يزله وَإِبْطَال هَذَا كَانَ أَهْون عَلَيْهِ من عزل مُعَاوِيَة وَغَيره وَمن قِتَالهمْ فَإِن قيل إِن النَّاس لَا يوافقونه على إِزَالَة الْأَذَان قُلْنَا فَهَذَا دَلِيل على أَن النَّاس وافقوا عُثْمَان على الإستحباب حَتَّى مثل عمار وَسَهل بن حنيف والسابقين وَإِن اخْتلفُوا فَهِيَ من مسَائِل الإجتهاد وَإِن قيل هِيَ بِدعَة قيل وقتال أهل الْقبْلَة بِدعَة لم تكن قبل وَأَنْتُم فقد زدتم فِي الْأَذَان بِدعَة لم يَأْذَن بهَا الرَّسُول وَهِي حَيّ على خير الْعَمَل غَايَة مَا يُقَال إِن صَحَّ النَّقْل إِن ابْن عمر رُبمَا قَالَ ذَلِك أَحْيَانًا كَمَا كَانَ بَعضهم يَقُول بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة حَيّ على خير الْعَمَل الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح وَهَذَا يُسمى نِدَاء الْأُمَرَاء وَكَرِهَهُ أَكثر الْعلمَاء وَأما قَوْلك وَخَالفهُ الْمُسلمُونَ كلهم حَتَّى قتل فَإِن أردْت أَنهم خالفوه خلافًا يُبِيح دَمه فَهَذَا كذب وزور فَإِنَّهُ مَا قَتله إِلَّا شرذمة ظالمة باغية وَلم يرض بِهِ السَّابِقُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 قَالَ ابْن الزبير لعنت قتلة عُثْمَان خَرجُوا عَلَيْهِ كاللصوص من وَرَاء الْقرْيَة فَقَتلهُمْ الله كل قتلة وَنَجَا من نجا مِنْهُم تَحت بطُون الْكَوَاكِب يَعْنِي هُوَ هربوا لَيْلًا وَأكْثر الْمُسلمين كَانُوا غائبين وَأكْثر أهل الْمَدِينَة الْحَاضِرين لم يَكُونُوا يعلمُونَ أَنهم يُرِيدُونَ قَتله حَتَّى قَتَلُوهُ وَأَيْضًا فَمَا خَالفه كل الْمُسلمين بل كثير مِنْهُم وَافقه فَمَا من شَيْء أنكر عَلَيْهِ إِلَّا وَقد وَافقه عَلَيْهِ كثير من الْمُسلمين بل من عُلَمَائهمْ الَّذين لَا يتهمون بمداهنة وَالَّذين وافقوا عُثْمَان على مَا أنكر عَلَيْهِ أَكثر وَأفضل ن المسملين الَّذين وافقوا عليا على مَا أنكر عَلَيْهِ إِمَّا فِي كل الْأُمُور أَو فِي غالبها وقولك وَقَالُوا لَهُ غبت عَن بدر وهربت يَوْم أحد وَلم تشهد بيعَة الرضْوَان قُلْنَا هَذَا مَا قَالَه إِلَّا جهلة الرافضة مِمَّن قَاتله وَقد أجابهم عُثْمَان وَابْن عمر بِأَنَّهُ غَابَ يَوْم بدر بِأَمْر الرَّسُول ليمرض بنته وَيَوْم الْحُدَيْبِيَة فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه رَسُولا إِلَى مَكَّة فَبَلغهُ أَنهم قَتَلُوهُ فَبَايع أَصْحَابه على الْمَوْت وَقَالَ تَعَالَى فِي الَّذين توَلّوا يَوْم أحد (ثمَّ صرفكم عَنْهُم ليبتليكم وَلَقَد عَفا عَنْكُم وَالله ذُو فضل على الْمُؤمنِينَ) (وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم إِنَّه غَفُور حَلِيم) وَأما قَوْلك إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جهزوا جيس أُسَامَة لعن الله من تخلف عَنهُ فَهَذَا كذب وَسُبْحَان من جعل الرافضة أقبل شَيْء للكذب وأرد شَيْء للصدق بل أُسَامَة الَّذِي توقف وَقَالَ كَيفَ أذهب وَأَنت هَكَذَا أسأَل عَنْك الركْبَان فَأذن لَهُ فِي التَّخَلُّف ثمَّ ذهب جَمِيعهم مَعَه بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو عزم على أُسَامَة فِي الْمسير لبادر هُوَ والجيش مَعَه وقولك أول خلاف كَانَ فِي الْإِسْلَام الْإِمَامَة قُلْنَا لم يَخْتَلِفُوا وَللَّه الْحَمد وَأَجْمعُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 على خلَافَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان إِجْمَاعًا لم يتهيأ مثله لعَلي فَإِنَّهُ اسْتشْهد وَأهل الشَّام لم يبايعوه قطّ وَمَعَ هَذَا فقد سبّ بعض شيعته أهل الشَّام بِحَضْرَتِهِ فَنَهَاهُ عَليّ وَقَالَ لَا تسبوهم فَإِن فيهم الأبدال وَقَالَ مرّة أُخْرَى إِخْوَاننَا بغوا علينا وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم} وَبِالْجُمْلَةِ خلَافَة عَليّ حق وَهُوَ إِمَام رَاشد وَإِن تَأَخّر عَن بيعَته طَائِفَة كَبِيرَة فَإِنَّمَا الإعتبار بجمهور أهل الْحل وَالْعقد قَالَ وَالْخلاف الْخَامِس فِي فدك والتوارث وَرووا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة قُلْنَا هَذَا إختلاف أَيْضا فِي مَسْأَلَة شَرْعِيَّة وَقد زَالَ الإختلاف فِيهَا وَالْخلاف فِيهَا دون الْخلاف فِي مِيرَاث الْإِخْوَة مَعَ الْجد وَالْعم والحمارية وميراث الْجدّة مَعَ ابْنهَا وحجب الْأُم الْأَخَوَيْنِ وَجعل الْجد مَعَ الْأُم كَالْأَبِ وَنَحْو ذَلِك فاختلافهم فِي هَذِه الْمسَائِل أعظم لوجوه أَحدهَا أَنهم تنازعوا فِي ذَلِك ثمَّ لم يتفقوا لأَنهم مَا روى لَهُم فِيهَا من النُّصُوص مثل مَا روى لَهُم فِي أَن النَّبِي لَا يُورث وَأَيْضًا فَإِن الْخلاف فِي هَذَا لَا يتَكَرَّر بل هِيَ قَضِيَّة وَاحِدَة وَفِي مَال قَلِيل وَقد أَعْطَاهُم أَبُو بكر وَعمر من مَال الله بِقدر الْمِيرَاث مَرَّات وَإِنَّمَا يهول هَذِه الْقَضِيَّة أهل الْجَهْل وَالشَّر فقد اسْتخْلف عَليّ بعد ذَلِك وَصَارَت فدك وَغَيرهَا تَحت حكمه وَمَا أَعْطَاهَا أَوْلَاد فَاطِمَة وَلَا قسم تَركه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْوَرَثَة فَهَلا أَزَال هَذِه الْمظْلمَة على رَأْيكُمْ قَالَ وَالْخلاف السَّادِس فِي قتال مانعي الزَّكَاة قَاتلهم أَبُو بكر واجتهد عمر فِي خِلَافَته فَرد السبايا وَالْأَمْوَال إِلَيْهِم واطلق المحبوسين قُلْنَا هَذَا من الْكَذِب الْبَين فَإِن أَبَا بكر وَعمر اتفقَا على قِتَالهمْ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ واحتجا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله وَقَالَ أَبُو بكر من حَقّهَا الزَّكَاة فَقَاتلهُمْ بموافقة سَائِر الصَّحَابَة لَهُ ثمَّ أقرّ أُولَئِكَ بِالزَّكَاةِ بعد وَمَا سبي لَهُم ذُرِّيَّة وَلَا حبس مِنْهُم أحدا وَلَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ حبس فِي عهد أبي بكر فَكيف يَمُوت وهم فِي حَبسه ثمَّ قَالَ فِي الْخلاف السَّابِع فِي تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة فَمن النَّاس من قَالَ وليت علينا فظا غليظا فَيُقَال إِن جعل مثل هَذَا خلافًا من أبرد الْأَشْيَاء وأدلها على جهل الْمُتَكَلّم وهواه فقد طعن بعض الصَّحَابَة فِي تأمير أُسَامَة وَأَبِيهِ فَكَانَ مَاذَا ثمَّ إِن الْمُنكر كَانَ طَلْحَة وَقد رَجَعَ فَكَانَ من أَشد النَّاس تَعْظِيمًا لعمر وَقَوله الْخلاف الثَّامِن الشورى وَاتَّفَقُوا بعد الإختلاف على عُثْمَان قُلْنَا وَهَذَا من الْكَذِب الَّذِي هُوَ هجيراكم فَمَا اخْتلف أحد فِي بيعَة عُثْمَان وَقد بَقِي عبد الرَّحْمَن يشاور النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام وَأخْبر أَن النَّاس لَا يعدلُونَ بعثمان وَلَو اخْتلفُوا لنقل كَمَا نقل قَول الْأَنْصَار منا أَمِير ومنكم أَمِير يَوْم السَّقِيفَة قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى لم يتَّفق النَّاس على بيعَة كَمَا اتَّفقُوا على بيعَة عُثْمَان قَالَ وَوَقعت إختلافات كَثِيرَة مِنْهَا رد عُثْمَان الحكم إِلَى الْمَدِينَة قُلْنَا مثل هَذَا إِن جعلته خلافًا فَاجْعَلْ كل حكم حكم بِهِ خليفه وَخَالفهُ غَيره خلافًا فَهُوَ شَيْء لَا ينْحَصر قَالَ وَمِنْهَا تَزْوِيجه مَرْوَان بإبنته وإعطاؤه خمس غَنَائِم إفريقيه وَهِي مِائَتَا ألف دِينَار قُلْنَا وَأي شَيْء من الإختلاف فِي تَزْوِيجه بابنته وَمن الَّذِي نقل أَنه أعطَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 هَذَا المَال وَنحن لَا ننكر أَن عُثْمَان كَانَ يحب أَقَاربه ويصلهم ويعطيهم وَقد ولي عَليّ أَقَاربه وشيعته وَأَعْطَاهُمْ وَقَاتل بإجتهاده وَجَرت أُمُور صعبة وَكِلَاهُمَا من أهل الْجنَّة وليسا بمعصومين وَمَا فعلاه فَمن مسَائِل الإجتهاد وَالْخلاف وَقَالَ وَمِنْهَا إيواؤه ابْن أبي سرح بعد أَن أهْدر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَمه قُلْنَا الَّذِي أهْدر دَمه هُوَ الَّذِي حقن دَمه وَعَفا عَنهُ بشفاعة عُثْمَان فَلَا ملام إِذن وَقد كَانَ هَاجر وَكتب الْوَحْي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ارْتَدَّ وَلحق بالمشركين وافترى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر دَمه فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَتَى بِهِ عُثْمَان فَأَعْرض عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله بَايع عبد الله فَأَعْرض عَنهُ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ بَايعه ثمَّ قَالَ أما كَانَ مِنْكُم رجل رشيد ينظر إِلَيّ وَقد أَعرَضت عَن هَذَا فَيضْرب عُنُقه فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار هلا أَوْمَضْت إِلَيّ فَقَالَ مَا يَنْبَغِي للنَّبِي أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين ثمَّ إِنَّه حسن إِسْلَامه وَلم يُؤثر عَنهُ بعْدهَا إِلَّا الْخَيْر وَكَانَ مَحْمُود النقيبة فِي مغازيه وَقد كَانَ غَيره أَشد عَدَاوَة كصفوان وَأبي سُفْيَان وَقَالَ تَعَالَى (عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة وَالله قدير) على تطييب الْقُلُوب (وَالله غَفُور رَحِيم) قَالَ الْخلاف التَّاسِع فِي زمن عَليّ بعد الإتفاق عَلَيْهِ فَخرج طَلْحَة وَالزُّبَيْر ثمَّ الْخلاف بَينه وَبَين مُعَاوِيَة وَحرب صفّين وغدر عَمْرو بِأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ثمَّ خلاف المارقين وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ عَليّ على الْحق وَالْحق مَعَه وَظهر فِي زَمَانه الْخَوَارِج عَلَيْهِ مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 الْأَشْعَث بن قيس ومسعر بن فدكي التَّمِيمِي وَزيد بن حصن الطَّائِي السنبسي وَظهر فِي زَمَانه الغلاة كَعبد الله بن سبأ وَمن الْفرْقَتَيْنِ ابتدأت الْبدع والضلال فَنَقُول أَيْضا وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ الثَّلَاثَة قبله على الْحق وَالْحق مَعَهم وَألا فتخصيص عَليّ بذلك دَعْوَى بِلَا برهَان وقولك وَقع الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ بعد الِاتِّفَاق فَمن الْمَعْلُوم أَن كثيرا من الْمُسلمين مَا بَايعُوهُ كالشاميين برمتهم وَطَائِفَة من أهل الْمَدِينَة وَكثير من المصريين وَأهل الْمغرب وَغير ذَلِك ثمَّ تعرض بالطعن على طَلْحَة وَذَوِيهِ من غير أَن يذكر لَهُم عذرا وَلَا رُجُوعا وَأهل الْعلم يعلمُونَ أَنهم لم يقصدوا حَرْب عَليّ وَلَا عَليّ قصد حربهم لَكِن وَقع الْقِتَال بَغْتَة فَإِنَّهُم تعاتبوا وَاتَّفَقُوا هم وَعلي على الْمصلحَة وَإِقَامَة الْحَد على قتلة عُثْمَان فَتَوَاطَأت القتلة على إِقَامَة الْفِتْنَة إِذن كَمَا أقاموها أَولا فحملوا على طَلْحَة وَالزُّبَيْر وعسكرهما فحملوا دفعا للصائل فأشعر القتلة عليا أَنَّهُمَا حملا عَلَيْهِ فَحمل عَليّ دفعا عَن نَفسه فَكَانَ كل مِنْهُم قَصده دفع الصيال لَا الإبتداء بِالْقِتَالِ وَلَكِن الرافضة بهائم فَلَا فِي النَّقْل يصدقون وَلَا للصدق يقبلُونَ أَتبَاع كل ناعق يعادون سادة الصَّحَابَة ويوالون أَعدَاء الْإِسْلَام والتتار ويستعينون بهم على أذية أهل السّنة وعامتهم وَلَهُم الْيَد الطُّولى فِي خراب الْعرَاق وَغَيرهَا كَمَا فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 ابْن العلقمي الْوَزير وَكَاتب هلاكو وَقَوي عزمه حَتَّى وطيء الْبِلَاد وأباد الْعباد وأجرى السُّيُول من الدِّمَاء وسبى الْحَرِيم والعلويات والعباسيات وَنَشَأ فِي الْكفْر والشرك أَطْفَال الْمُسلمين فهم خبيئة سوء لِلْإِسْلَامِ وَأَهله يعظمون الْمَلَاحِدَة وغلاة الرافضة ويبغضون أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يُؤمنُونَ بالجبت والطاغوت وَيَقُولُونَ للَّذين كفرُوا هَؤُلَاءِ أهْدى من الَّذين آمنُوا سَبِيلا) فَكيف الْحِيلَة فِيمَن يحْتَج علينا بِالْكَذِبِ الْمَحْض وَلَا يقبل من المنقولات إِلَّا مَا وَافق هَوَاهُ جهلا بِمَعْرِِفَة الْأَسَانِيد وصناعة الحَدِيث فَإِذا قَالَ قَائِلهمْ قولا من الصدْق أَو الْكَذِب لَا يطالبونه بحجته من الْكتاب وَالسّنة وَلَا يلتفتون إِلَى مَا يُعَارضهُ أصلا وَإِذا خاطبهم الْمُخَالف وَاحْتج عَلَيْهِم بالسنن الثَّابِتَة كذبوها هوى وعنادا أَو بِالْآيَاتِ حرفوها فَإِن قوى نَفسه وخافوا مِنْهُ أدنى خوف قَالُوا صدقت وَالْحق مَا قلت وَبِهَذَا ندين لله تَعَالَى وتبرأوا من الإمامية فِي الْحَال فَمن الَّذِي ينتصف من هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقين فِي المناظرة وهم الَّذين قد أصلوا لَهُم ثَلَاثَة أصُول أَحدهَا أَن أئمتهم معصومون الثَّانِي أَن كل مَا ينقلونه فَإِنَّهُ نقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّالِث أَن إِجْمَاع العترة حجَّة وَهَؤُلَاء هم العترة فصاروا بِهَذَا لَا يخرجُون إِلَى دَلِيل وَلَا تَعْلِيل فسلبوا خاصية التفقه وَالتَّحْقِيق وعدموا الْعلم والتوفيق فَلَا تجدهم ينفردون بِمَسْأَلَة فِي دينهم إِلَّا وعمدتهم فِيهَا على هَذِه الْأُصُول الثَّلَاثَة الْمَرْدُودَة بِالْكتاب وَالسّنة وَالْعقل وَإِجْمَاع الطوائف سواهُم قَالَ الرافضي الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَدِلَّة على إِمَامَة عَليّ فَنَقُول يجب أَن يكون الإِمَام مَعْصُوما وَمَتى كَانَ ذَلِك كَانَ الإِمَام هُوَ عَليّ لِأَن الْإِنْسَان لَا يُمكن أَن يعِيش مُفردا لإفتقاره فِي بَقَائِهِ إِلَى مأكل وملبس ومسكن فيضطر إِلَى مساعد ليتم قيام النَّوْع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وَلما كَانَ الإجتماع فِي مظنه التغالب والتغابن بِأَن كل وَاحِد قد يحْتَاج إِلَى مَا فِي يَد غَيره فتدعوه الْقُوَّة الشهوانية إِلَى أَخذه قهرا فَيُؤَدِّي إِلَى الْهَرج والفتن فَلَا بُد من نصب إِمَام مَعْصُوم يصدهم وينصف ويوصل الْحق إِلَى ذويه لَا يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَلَا السَّهْو وَإِلَّا لأفتقر إِلَى إِمَام آخر لِأَن الْعلَّة المحوجة إِلَى نَصبه هِيَ جَوَاز الْخَطَأ على الْأمة فَلَو جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأ لأحتاج إِلَى إِمَام فَإِن كَانَ مَعْصُوما فَهُوَ الإِمَام وَإِلَّا لزم التسلسل وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان مَا كَانُوا معصومين اتِّفَاقًا وَعلي مَعْصُوم فَيكون هُوَ الإِمَام فَالْجَوَاب نقُول الرَّسُول هُوَ الْمَعْصُوم وطاعته هِيَ الْوَاجِبَة فِي كل وَقت على الْخلق وَعلم الْأمة بأوامره أتم من علم الْبَعْض بأوامر المنتظر فَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الإِمَام الْمَعْصُوم وأوامره مَعْلُومَة فاستغنت الْأمة بِهِ وبأوامره وبعلمه عَن كل أحد وأولو الْأَمر منفذون لدينِهِ لَيْسَ إِلَّا وَمَعْلُوم قطعا أَنه كَانَ نوابه فِي الْيمن وَغَيرهَا يتصرفون فِي الرّعية بإجتهادهم وَلَيْسوا بمعصومين وَلم يتول على الْأمة من ادعيت لَهُ سوى عَليّ وَكَانَ من نوابه على رَعيته بالبلاد النائية من لَا يدْرِي بِمَا أَمر وَلَا بِمَا نهى بل كَانُوا يتصرفون بِمَا لَا يعرفهُ هُوَ ثمَّ الإِمَام الَّذِي وَصفته لَا يُوجد فِي زَمَاننَا مَفْقُود غَائِب عنْدكُمْ ومعدوم لَا حَقِيقَة لَهُ عِنْد سواكم وَمثله لَا يحصل بِهِ شَيْء من مَقَاصِد الْإِمَامَة بل الإِمَام الَّذِي يقوم وَفِيه جهل وظلم أَنْفَع لمصَالح الْأمة مِمَّن لَا يَنْفَعهُمْ بِوَجْه وَالْإِمَام يحْتَاج إِلَيْهِ للْعلم ليبلغه وللعمل ليطاع فِي سُلْطَانه وقولك لَا بُد من نصب إِمَام مَعْصُوم أَتُرِيدُ أَن لَا بُد أنن يخلق الله وَيُقِيم مَعْصُوما أم يجب على النَّاس أَن يبايعوا من يكون كَذَلِك وَغَايَة مَا عنْدكُمْ أَن تدعوا عصمَة عَليّ لَكِن الله مَا مكنه فِي زمن الثَّلَاثَة بل وَلَا فِي خِلَافَته فَيكون الله عنْدكُمْ قد أيد الثَّلَاثَة الظلمَة بزعمكم حَتَّى فعلوا مَا فَعَلُوهُ من الْمصَالح وَلم يُؤَيّدهُ حَتَّى يفعل ذَلِك وَحِينَئِذٍ فَمَا خلق الله هَذَا الْمَعْصُوم الْمُؤَيد الَّذِي اقترحتموه على الله وَإِن قُلْتُمْ إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 النَّاس يجب عَلَيْهِم إعانته وإقامته قُلْنَا فَمَا فعلوا ذَلِك عصوا أَو أطاعوا فَمَا حصل بِهِ مَقْصُود بل نقُول إِذا كَانَ مَا حصل مَجْمُوع مَا بِهِ تحصل الْمَقَاصِد بل فَاتَ كثير من شُرُوطهَا فَلم لَا يجوز أَن يكون الْفَائِت هُوَ الْعِصْمَة وَإِذا كَانَ الْمَقْصُود فائتا بِعَدَمِ الْعِصْمَة أَو بعجز الْمَعْصُوم فَلَا فرق بَين عدمهَا بِهَذَا أَو بِهَذَا فَمن أَيْن يعلم بِدَلِيل الْعقل كَمَا ادعيت أَنه يجب على الله أَن يخلق إِمَامًا مَعْصُوما وَإِن كَانَ خلقه فَأَيْنَ الْمصلحَة واللطف بِهِ وَقد أنكرهُ الْجُمْهُور ومقتوا شيعته وَوَقع بِهِ من الشَّرّ أَشْيَاء فدع عَنْك خدعة الْمُعْتَزلَة الَّذين يوجبون على الله ذَلِك بعقولهم الصَّغِيرَة وغلطوا من حَيْثُ لم يفرقُوا بَين الْمصلحَة الْعَامَّة الْكُلية وَبَين الْمصلحَة الْجُزْئِيَّة وَقَول الرافضة من جنس النَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا إِن الْإِلَه تجسد وَنزل أَو أنزل ابْنه ليصلب وَيكون الصلب مغْفرَة لذنب آدم ليدفع الشَّيْطَان بذلك فَقيل لَهُم إِذا كَانَ قَتله وصلبه وتكذيبه من أعظم الشَّرّ والضلال يكون قد أَرَادَ أَن يزِيل ذَنبا صَغِيرا بذنب هُوَ أكبر مِنْهُ بِكَثِير وَهُوَ مَعَ ذَلِك لم يُغير الشَّرّ بل زَاده فَكيف يفعل ذَلِك لمقصود فَوَقع ضد الْمَقْصُود وقولك إِذا كَانَ الْإِنْسَان مدنيا بالطبع وَجب نصب الْمَعْصُوم ليزول الشَّرّ عَن أهل الْمَدِينَة فَنَقُول هَل تَقولُونَ إِنَّه لم يزل فِي كل مَدِينَة خلقهَا الله مَعْصُوم يدْفع ظلم النَّاس أم لَا فَإِن قُلْتُمْ بِالْأولِ كَانَ هَذَا مُكَابَرَة ظَاهِرَة فَهَل فِي بِلَاد الْكفَّار من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب مَعْصُوم وَهل كَانَ فِي الشَّام عِنْد مُعَاوِيَة مَعْصُوم وَإِن قلت لَهُ نواب فِي الْمَدَائِن كلهَا كابرت الْحس وَإِن قلت فِي الْبَعْض قيل فَمَا الْفرق إِذا كَانَ وَاجِبا على الله وَالْحَاجة سَوَاء وَلَو سلمنَا أفتقول بعصمتهم أم لَا فَإِن كَانُوا غير معصومين فَأَيْنَ نفع أهل الْمَدَائِن بِالْإِمَامِ وهم يصلونَ خلف غير مَعْصُوم ويطيعونه فَإِن قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ترجع الْأُمُور إِلَى الْمَعْصُوم قُلْنَا لَو كَانَ قَادِرًا كَأبي بكر وَعمر وَغَيرهمَا لم يتَمَكَّن من إِيصَال الْعدْل إِلَى الْكل وَقد لَا يجد لكل بلد عادلا قَوِيا فَإِذا لم يجد سقط عَنهُ فَكيف يجب على الله ذَلِك كَيفَ والمعصوم عنْدكُمْ عَاجز وَعِنْدنَا مَعْدُوم وَوجه آخر أَن يُقَال صده غَيره عَن الظُّلم وإنصافه الرّعية فرع على منع ظلمه وَاسْتِيفَاء حَقه فَإِذا كَانَ عَاجِزا مقهورا عَن دفع الظُّلم عَن نَفسه فَمَا الظَّن برعيته كَيفَ وَهُوَ عنْدكُمْ خَائِف لَا يُمكنهُ الظُّهُور من أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ سنة خوفًا من الْقَتْل وَالله لَا يَقع مِنْهُ ظلم وَلَا يخل بِوَاجِب فقد فعل الْوَاجِب وَمَعَ هَذَا فَمَا خلق مَا تحصل بِهِ هَذِه الْمصَالح الْمَقْصُودَة من الْمَعْصُوم فَإِن كَانَت هَذِه الْمصَالح تحصل بِمُجَرَّد خلقه وَهِي لم تحصل لزم أَن لَا يكون خلقه وَاجِبا وَإِن كَانَت لَا تحصل إِلَّا بخلقه وَخلق أُمُور أُخْرَى حَتَّى يحصل بالمجموع الْمَطْلُوب فَمَا خلق ذَلِك الْمَجْمُوع والإخلال بِالْوَاجِبِ مُمْتَنع عَلَيْهِ فِي الْقَلِيل وَالْكثير فَلَزِمَ على التَّقْدِيرَيْنِ أَنه لَا يجب عَلَيْهِ خلق الْمُوجب لهَذِهِ المطالب وَإِذا لم يجب عَلَيْهِ ذَلِك فَلَا فرق بَين أَن يخلق مَعْصُوما لَا يحصل بِهِ ذَلِك وَبَين أَن لَا يخلقه فَلَا يكون ذَلِك وَاجِبا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزم وجوده فَالْقَوْل بِوُجُوب وجوده بَاطِل على كل تَقْدِير وَإِن قيل الله فعل ر مَا يجب عَلَيْهِ من خلق الْمَعْصُوم لَكِن النَّاس فوتوا الْمصلحَة بمعصيتهم لَهُ قيل أَولا إِذا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 يعلم أَن النَّاس لَا يعاونونه حَتَّى تحصل الْمصلحَة بل يعصونه فيعذبون لم يكن خلقه وَاجِبا بل وَلَا حِكْمَة على قَوْلهم وَيُقَال ثَانِيًا لَيْسَ كل النَّاس عصاة بل بَعضهم عصوه ومنعوه وَبَعْضهمْ يُؤثر طَاعَته وَمَعْرِفَة مَا يَقُوله فَكيف لَا يُمكن هَؤُلَاءِ من طَاعَته فَإِن قيل أُولَئِكَ الظلمَة منعُوا هَؤُلَاءِ قيل فَإِن كَانَ الرب قَادِرًا على منع الظلمَة فَهَلا مَنعهم على قَوْلهم وَإِن لم يكن ذَلِك مَقْدُورًا فَهُوَ يعلم أَن حُصُول الْمصلحَة غير مقدورة فَلَا يَفْعَله فَلم قُلْتُمْ على هَذَا التَّقْدِير إِنَّه يُمكن خلق مَعْصُوم غير نَبِي فَهَذَا لَازم لكم فَإِن قُلْتُمْ إِن الله خَالق أَفعَال الْعباد أمكنه صرف دواعي الظلمَة حَتَّى يطاع وَإِن قُلْتُمْ لَيْسَ هُوَ خَالق أَفعَال الْعباد قيل فالعصمة إِنَّمَا تكون بِأَن يُرِيد الْفَاعِل الْحَسَنَات وَلَا يُرِيد السَّيِّئَات وَهُوَ عنْدكُمْ لَا يقدر أَن يُغير إِرَادَة عَبده فَلَا يقدر على جعله مَعْصُوما فَبَطل الْمَعْصُوم على أصل الْقَدَرِيَّة إِذْ الْعِصْمَة أَن يُرِيد العَبْد الْحَسَنَات فَقَط فَإِذا كَانَ هُوَ الْمُحدث لإِرَادَة نَفسه فَالله عِنْدهم لَا يقدر على إِحْدَاث إِرَادَة أحد امْتنع مِنْهُ أَن يَجْعَل أحدا مَعْصُوما وَإِذا قَالُوا بِخلق مَا تميل بِهِ إِرَادَته إِلَى الْخَيْر قيل إِن كَانَ ذَلِك ملجئا زَالَ التَّكْلِيف وَإِلَّا لم ينفع وَإِن كَانَ ذَلِك مَقْدُورًا عنْدكُمْ فَهَلا فعل ذَلِك بِجَمِيعِ الْعباد فَإِنَّهُ أصلح لَهُم إِذا أوجبتم عَلَيْهِ فعل الْأَصْلَح بِكُل عبد وَذَلِكَ لَا يمْنَع الثَّوَاب عنْدكُمْ كَمَا لَا يمنعهُ فِي حق الْمَعْصُوم وَجه ثامن أَن يُقَال حَاجَة الْمَرْء إِلَى تَدْبِير بدنه بِنَفسِهِ أعظم من حَاجَة الْمَدِينَة إِلَى تَدْبِير رئيسها وَإِذا كَانَ الله لم يخلق نفس الْإِنْسَان معصومة فَكيف يجب عَلَيْهِ أَن يخلق رَئِيسا مَعْصُوما مَعَ أَن الْإِنْسَان لَا يُمكنهُ أَن يكفر بباطنه ويعصي بباطنه وَجه تَاسِع أَن يُقَال هَل الْمَطْلُوب من الْمَعْصُوم إعدام الْفساد أم تقليله فَالْأول مَا وَقع فِي الْعَالم وَالثَّانِي يحصل بِلَا مَعْصُوم كزمن أبي بكر وَعمر أَكثر مِمَّا حصل بعلي أَو مثله وَحصل بِسَائِر الْخُلَفَاء مَا حصل بِسَائِر الْأَئِمَّة الإثني عشر كَمَا قيل سِتُّونَ سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 من إِمَام جَائِر خير من لَيْلَة بِلَا إِمَام وقولك وَلَو لم يكن الإِمَام مَعْصُوما لأفتقر إِلَى إِمَام مَعْصُوم فَنَقُول لم لَا يجوز أَن يكون إِذا أَخطَأ الإِمَام كَانَ فِي الْأمة من ينبهه بِحَيْثُ لَا يحصل إتفاق الْكل على الْخَطَأ كَمَا إِذا أَخطَأ أحد الرّعية نبهه إِمَامه أَو نَائِبه وَتَكون الْعِصْمَة ثَابِتَة للمجموع بِحَيْثُ لَا يحصل اتِّفَاقهم على الْخَطَأ كَمَا يَقُوله أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَنَظِيره أَن كل وَاحِد من أهل خبر التَّوَاتُر يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَالْكذب وَلَا يجب ذَلِك على الْمَجْمُوع فِي الْعَادة فإثبات الْعِصْمَة للمجموع أولى من إِثْبَاتهَا للْوَاحِد وَبِذَلِك يحصل الْمَقْصُود من عصمَة الإِمَام فَلَا تتَعَيَّن عصمَة الإِمَام وَمن جهل الرافضة أَنهم يوجبون عصمَة وَاحِد من الْمُسلمين ويجوزون على مَجْمُوع الْمُسلمين إِذا لم يكن فيهم مَعْصُوم الْخَطَأ وَقد ذكر غير وَاحِد أَن أول من ابتدع الرَّفْض وَالْقَوْل بِالنَّصِّ على عَليّ وعصمته كَانَ زنديقا أَرَادَ إِفْسَاد الدّين وَأَرَادَ أَن يصنع بِالْمُسْلِمين كَمَا صنع بولص بالنصارى فَلم يتأت لَهُ مَا تأتى لبولص لضعف عقول النَّصَارَى كلهم فَإِن الْمَسِيح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع وَلم يتبعهُ خلق كثير يعلمُونَ دينه ويقومون بِهِ علما وَعَملا فَلَمَّا ابتدع بولص الغلو فِي الْمَسِيح اتبعهُ خلق وَدخلت مَعَهم مُلُوك فَأنْكر عَلَيْهِم طَائِفَة فَقَتلهُمْ الْمُلُوك وَبَعْضهمْ داهن الْمُلُوك واعتزلوا فِي الصوامع وأمتنا هَذِه وَللَّه الْحَمد لَا تزَال مِنْهَا طَائِفَة ظَاهِرَة على الْحق فَلَا يتَمَكَّن ملحد وَلَا مُبْتَدع من إفساده بغلو أَو إنتصار على الْحق وَلَكِن يضل من يتبعهُ على ضلاله وَأَيْضًا فنوابه غير معصومين فِي الجزئيات وهم الَّذين يفصلون فِي غَالب أُمُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 النَّاس فِي الدُّنْيَا بل بسائرها بقيت الْعِصْمَة فِي الكليات وَالله قَادر على أَن ينص على الكليات بِحَيْثُ لَا يحْتَاج فِي مَعْرفَتهَا إِلَى الإِمَام وقادر أَن يَجْعَل نَص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكمل من نَص الإِمَام فاستغنينا عَن عصمَة الإِمَام فِي الكليات والجزئيات ثمَّ خبرنَا مَا عصمَة الإِمَام أَهِي فعله للطاعات بإختياره وَتَركه للمعاصي بإختياره مَعَ أَن الله عنْدكُمْ لَا يخلق إختياره أم هِيَ خلق الْإِرَادَة لَهُ أَو سلبه الْقُدْرَة على الْمعْصِيَة وعندك أَن الله لَا يخلق إختيارنا فلزمك أَن الله لَا يقدر على خلق مَعْصُوم وَإِن نقضت قَوْلك فِي الْقدر لزمك أَن يكون الْمَعْصُوم لَا يُثَاب على طَاعَة وقولك لَيْسَ بمعصوم غير عَليّ إتفاقا مَمْنُوع بل كثير من الْعباد والعامة يَعْتَقِدُونَ عصمَة شيوخهم مثلكُمْ مَعَ إعتقادهم أَن الصَّحَابَة أفضل مِنْهُم فاعتقادهم ذَلِك فِي الْخُلَفَاء من الصَّحَابَة أولى والإسماعيلية يَعْتَقِدُونَ عصمَة أئمتهم وهم غير الإثني عشر وَأَتْبَاع بني أُميَّة كَانُوا يَقُولُونَ إِن الْخَلِيفَة لَا حِسَاب عَلَيْهِ وَلَا عَذَاب وَمن كَانَ إعتقاده أَن كل مَا يَأْمر بِهِ الإِمَام فَإِنَّهُ يجب طَاعَته فِيهِ لم يحْتَج إِلَى مَعْصُوم وَيَقُول يَكْفِينِي عصمَة الإِمَام الَّذِي افتديت بِهِ أَو شَيْخي أَو أَمِيري ويقرأون قَوْله تَعَالَى (أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأولى الْأَمر مِنْكُم) فَإِن قلت هَؤُلَاءِ لَا يعْتد بخلافهم لم يسمع مِنْك فَإِنَّهُم اقتدوا بموجود منتظركم الْمَعْدُوم الَّذِي مَا انتفعتم بِهِ بِحَال وَأَيْضًا فَمَا فِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ بعصمة عَليّ وَلَا فِي التَّابِعين وَلَا أَئِمَّة الْعلم وَإِنَّمَا انْفَرد بِهَذَا جهلة الإمامية كَمَا انْفَرد بتكفيره ضلال الْخَوَارِج وبتفسيقه خلق من النواصب وَيُقَال لكم إِمَّا أَن يجب وجود الْمَعْصُوم أَولا فَإِن لم يجب بَطل قَوْلكُم وَإِن وَجب لم نسلم أَنه عَليّ دون الثَّلَاثَة قبله بل إِن كَانَ هَذَا القَوْل حَقًا لزم أَن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الْمَعْصُوم أَبَا بكر وَعمر فَإِن أهل السّنة متفقون على تفضيلهما عَلَيْهِ وَإِن كَانَت الْعِصْمَة منتفية عَنْهُمَا فَهِيَ عَنهُ أبعد وَهَذَا كنبوة مُوسَى وَعِيسَى فَإِن الْمُسلمين لَا يسلمُونَ بنبوتهما إِلَّا مَعَ نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ لَا نسلم إِيمَان عَليّ إِلَّا مَقْرُونا بِإِيمَان الثَّلَاثَة وَلَا ننفي الْعِصْمَة عَنْهُم إِلَّا مقرونة بنفيها عَن عَليّ فَمَا قَوْلك إِمَامَة عَليّ ثَابِتَة بِالْإِجْمَاع بِخِلَاف الثَّلَاثَة إِلَّا كَقَوْل الْيَهُود نبوة مُوسَى ثَابِتَة بِالْإِجْمَاع بِخِلَاف نبوة مُحَمَّد وَإِلَّا كَقَوْل النَّصَارَى الإلهية منتفية عَن مُوسَى وَمُحَمّد بِالْإِجْمَاع وتنازعنا فِي عِيسَى وإلاهيته فَنحْن نعلم بِالضَّرُورَةِ أَنه لَيْسَ لعيسى مزية يسْتَحق بهَا الإلهية دون مُوسَى وَمُحَمّد كَمَا نقطع أَن عليا رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لَهُ مزية يسْتَحق بهَا الْعِصْمَة دون الثَّلَاثَة ونسألك من أَيْن علمت عصمَة عَليّ دون الثَّلَاثَة فَإِن قلت بِالْإِجْمَاع على إنتفاء عصمَة سواهُ قُلْنَا إِن لم يكن الْإِجْمَاع حجَّة أبطلت قَوْلك وَإِن كَانَ حجَّة فِي إِثْبَات عصمَة على الَّتِي هِيَ الأَصْل أمكن أَن يكون حجَّة فِي الْمَقْصُود بعصمته من حفظ الشَّرْع وَنَقله فَأَنت تحتج بِالْإِجْمَاع وَلَا تقبل كَون الْإِجْمَاع حجَّة وَإِن ادعيت التَّوَاتُر عنْدكُمْ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عصمته فَهُوَ كدعواك تَوَاتر النَّص على إِمَامَته وَأَيْضًا فالإجماع عنْدكُمْ لَيْسَ حجَّة إِلَّا أَن يكون قَول الْمَعْصُوم فِيهِ فَإِن لم يعرفوا ثُبُوت الْمَعْصُوم إِلَّا بِهِ لزم الدّور فَإِنَّهُ لَا يعرف أَنه مَعْصُوم إِلَّا بقوله وَلَا يعرف أَن قَوْله حجَّة إِلَّا إِذا عرف أَنه مَعْصُوم فَلَا يثبت وَاحِد مِنْهُمَا وَترجع حَقِيقَة قَوْلكُم فلَان مَعْصُوم لِأَنَّهُ قَالَ أَنا مَعْصُوم وغيري لَيْسَ بمعصوم وَهَذَا كل أحد يُمكن أَن بقوله وَهَذَا كَقَوْل الْقَائِل أَنا صَادِق فِي كل مَا أقوله فَإِن لم يعلم صدقه بِغَيْر قَوْله لم يعلم صَدَقَة فِيمَا يَقُوله وَادعت الإسماعيلية مثل هَذَا فَادعوا أَن الإِمَام الْمعلم الْمَعْصُوم وَقَالُوا إِن طرق الْعلم بِالسَّمْعِ وَالْعقل لَا يعرف صِحَّتهَا إِلَّا الْمَعْصُوم وبتعليمه فَإِذا طولبوا بِتَعْيِين مَعْصُوم وبالدليل على أَنه مَعْصُوم دون غَيره لم يَأْتُوا بِحجَّة أصلا وتناقضت أَقْوَالهم وَلَو تنازلنا ورضينا بقول عَليّ إِنِّي مَعْصُوم فَمن الَّذِي نقل عَنهُ أَنه قَالَ إِنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 مَعْصُوم بل الْمُتَوَاتر عَنهُ خلاف ذَلِك وَأَنه أقرّ قُضَاته على أَن يحكموا بِخِلَاف رَأْيه وَصَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ اجْتمع رَأْيِي ورأي عمر فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد أَن لَا يبعن وَقد رَأَيْت الْآن أَن يبعن فَقَالَ لَهُ قاضيه عُبَيْدَة السَّلمَانِي رَأْيك مَعَ عمر فِي الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك فِي الْفرْقَة وَكَانَ شُرَيْح يقْضِي بإجتهاده وَلَا يُرَاجِعهُ وَهُوَ يقره على ذَلِك وَكَانَ يُفْتِي وَيحكم بِاجْتِهَادِهِ ثمَّ يرجع عَن ذَلِك بإجتهاده وَهَذِه أَقْوَاله فِي ذَلِك ثَابِتَة عَنهُ بأصح الْأَسَانِيد قَالَ الرافضي وَيجب أَن يكون الإِمَام مَنْصُوصا عَلَيْهِ لما بَينا من بطلَان الإختيار فَإِنَّهُ لَيْسَ بعض المختارين لبَعض الْأَئِمَّة أولى من الْبَعْض الْمُخْتَار لآخر وَإِلَّا أدّى إِلَى التَّنَازُع والتشاجر وَغير عَليّ من أئمتهم لم يكن مَنْصُوصا عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع فَتعين أَن يكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا الْجَواب بِمَنْع المقدمتين فقد ذهب خلق من السّلف وَالْخلف إِلَى النَّص على أبي بكر وَذَهَبت طَائِفَة قَليلَة إِلَى النَّص على الْعَبَّاس فَأَيْنَ الْإِجْمَاع ثمَّ نقُول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يعْتَبر النَّص فِي الْإِمَامَة أَو لَا فَإِن اعْتبر منعنَا الْمُقدمَة الثَّانِيَة وَقُلْنَا النَّص لأبي بكر وَإِن لم يعْتَبر بطلت الْمُقدمَة الأولى ثمَّ الْإِجْمَاع عنْدكُمْ لَيْسَ بِحجَّة وَإِنَّمَا الْحجَّة قَول الْمَعْصُوم فَيَعُود الْأَمر إِلَى إِثْبَات النَّص بقول الَّذِي تدعى لَهُ الْعِصْمَة فَلَا يثبت نَص وَلَا عصمَة بل بقول قَائِل أَنا مَعْصُوم وَأَنا الَّذِي نَص عَليّ وَيُقَال مَا تَعْنِي بِقَوْلِك يجب أَن يكون مَعْصُوما مَنْصُوصا عَلَيْهِ أتعني أَنه لَا بُد من أَن يَقُول هَذَا الْخَلِيفَة من بعدِي أم لَا يصير إِمَام حَتَّى تعقد لَهُ الْإِمَامَة مَعَ ذَلِك فَإِن قلت بِالْأولِ قيل لَا نسلم وجوب النَّص بِهَذَا الإعتبار والزيدية مَعَ الْجَمَاعَة تنكر هَذَا النَّص وَمَا هم بل وَلَا نَحن بمتهمين على عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وقولك إِذا لم يكن كَذَلِك أدّى إِلَى التَّنَازُع والتشاجر فَيُقَال النُّصُوص الَّتِي تدل على أولويته مَعَ النّظر والإستدلال يحصل بهَا الْمَقْصُود ثمَّ إِذا كَانَت الْأَدِلَّة وَاضِحَة فِي أولويته كفت وَكَذَلِكَ كَانَ الصّديق وَمن نَازع من آحَاد الْأَنْصَار فَمَا نَازع فِي أَن أَبَا بكر أفضل وَإِنَّمَا رام التَّقَدُّم مَعَ وجود الْأَفْضَل فَإِن قيل إِذا كَانَ لَهُم هوى مَنعه دلَالَة النُّصُوص قيل وَإِذا كَانَ لَهُم هوى عصوا النُّصُوص كَمَا ادعيتم عَلَيْهِم فَمَعَ قصدهم الْحق يحصل الْمَقْصُود وَمَعَ العناد لَا ينفع النَّص ثمَّ إِن كَانَ الإِمَام مَعْصُوما فنوابه خلق وَلَا عصمَة لَهُم فالحاجة بَاقِيَة وَأَيْضًا فنص الرَّسُول على إِمَام بعده كتوليته وَاحِدًا فِي حَيَاته وَنحن لَا نشترط الْعِصْمَة لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا ثمَّ إِنَّكُم أوجبتم النَّص قطعا للتشاجر المفضي إِلَى الْفساد الْكَبِير فَوَقع الْأَمر بِالْعَكْسِ فَإِن أَبَا بكر تولى ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان مَعَ إنتفاء الْفساد والتشاجر وَوَقع بعضه فِي آخر أَيَّام عُثْمَان وَإِنَّمَا اشْتَدَّ وَعظم فِي أَيَّام من ادعيتم لَهُ النَّص والعصمة فَمَا أصلتموه حصل مَعَه نقيض الْمَقْصُود وَحصل الْمَقْصُود بِدُونِ وسيلتكم ونقول النَّص يزِيل الْفساد وَيكون على وُجُوه أَحدهَا إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِولَايَة شخص ويثني عَلَيْهِ فِي ولَايَته فتعلم الْأمة أَنه إِن تولى كَانَ مَحْمُودًا فيرتفع النزاع وَإِن لم يقل ولوه وَهَذَا الْخَبَر وَقع لأبي بكر وَعمر الثَّانِي أَن يخبر بِأُمُور تَسْتَلْزِم صَلَاح الْولَايَة وَهَذِه النُّصُوص وَقعت فِي خلَافَة أبي بكر وَعمر بِفَتْح فَارس وَالروم وَغير ذَلِك الثَّالِث أَن يَأْمر من يَأْتِيهِ بعد مَوته بِأَن يَأْتِي شخصا فَيدل ذَلِك على أَنه الْخَلِيفَة من بعده وَهَذَا وَقع لأبي بكر الرَّابِع أَن يهم بِكِتَابَة عهد بالخلافة ثمَّ يَقُول يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر فَوَقع كَمَا أخبر الْخَامِس أَن يَأْمر بالإقتداء من بعده بشخص فَيكون هُوَ الْخَلِيفَة ن بعده السَّادِس أَن يَأْمر بإتباع سنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعده وَيجْعَل خلافتهم إِلَى مُدَّة مُعينَة فَيدل على أَن المتولين فِي تِلْكَ الْمدَّة هم الْخُلَفَاء الراشدون والمهديون السَّابِع أَن يخص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 شخصا بِأُمُور تَقْتَضِي أَنه هُوَ الْمُقدم وَهَذَا مَوْجُود فِي أبي بكر الثَّامِن أَن ترك النَّص أولى بالرسول لِأَنَّهُ إِن كَانَ النَّص ليَكُون مَعْصُوما فَلَا مَعْصُوم بعده وَإِن كَانَ بِدُونِ الْعِصْمَة فقد يحْتَج بِالنَّصِّ على وجوب اتِّبَاعه فِي كل مَا يَقُول وَلَا يُمكن أحدا بعد موت الرَّسُول مُرَاجعَة الرَّسُول ليَرُدهُ أَو يعزله بِخِلَاف من ولاه فِي حَيَاته فَإِنَّهُ إِذا أَخطَأ أَو أذْنب أمكن الرَّسُول بَيَان خطأه وعزله وَلَو نَص الرَّسُول بعده أَيْضا على معِين لنأخذ عَنهُ الدّين كَمَا تَقول الرافضة بطلت حجَّة الله إِذْ ذَاك وَلَا يقوم بِهِ غير الرَّسُول لِأَنَّهُ لَا مَعْصُوم إِلَّا هُوَ الْجَواب التَّاسِع أَن النَّص على الجزئيات لَا يُمكن والكليات قد نَص عَلَيْهَا فَلَو نَص على معِين وَأمر بِطَاعَتِهِ فِي تعْيين الكليات كَانَ هَذَا بَاطِلا وَإِن أَمر بِطَاعَتِهِ فِي الجزئيات سَوَاء وَافَقت الكليات أَو خالفتها كَانَ بَاطِلا وَإِن أَمر بِطَاعَتِهِ فِي الجزئيات إِذا طابقت الكليات فَهَذَا حكم كل متول وَلَو نَص على رجل لَكَانَ من يتَوَلَّى من بعده قد لَا يطاع كطاعة الأول لعدم النَّص فِي الثَّانِي وَإِن قلت كل وَاحِد ينص على من بعده فَهَذَا إِنَّمَا يُمكن إِذا كَانَ الثَّانِي مَعْصُوما وَلَا عصمَة بعد الرَّسُول لأحد فَالْقَوْل بِالنَّصِّ فرع على القَوْل بالعصمة وَذَاكَ من أفسد الْأَقْوَال فكذاك النَّص الَّذِي تدعيه الرافضة وَهُوَ الْأَمر بِطَاعَة الْمُتَوَلِي فِي كل مَا يَقُوله من غير رد إِلَى الْكتاب وَالسّنة إِذا نوزع اما إِذا رددنا قَوْلنَا إِلَى الْكتاب وَالسّنة كَمَا أمرنَا عِنْد التَّنَازُع فَلَا حَاجَة إِلَى النَّص فَإِن الدّين مَحْفُوظ وَلَا يُمكن أَن بشرا يعلم كل علم الرَّسُول أَو يَأْتِيهِ وَحي فَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا من جِهَته قَالَ الثَّالِث أَن الإِمَام يجب أَن يكون حَافِظًا للشَّرْع لانْقِطَاع الْوَحْي وقصور الْكتاب وَالسّنة عَن تفاصيل الجزئيات فَلَا بُد من إِمَام مَنْصُوص من الله تَعَالَى مَعْصُوم لِئَلَّا يتْرك أَو يزِيد عمدا أَو سَهوا وَغير عَليّ لم يكن كَذَلِك بِالْإِجْمَاع قُلْنَا لَا نسلم أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 يجب أَن يكون حَافِظًا للشَّرْع بل يجب أَن تكون الْأمة حافظة للشَّرْع وَذَلِكَ يحصل بالمجموع كَمَا يحصل بِالْوَاحِدِ بل الشَّرْع إِذا نَقله أهل التَّوَاتُر كَانَ خيرا من نقل وَاحِد وَلَا نسلم أَن عليا كَانَ أحفظهم للشَّرْع بل كَانَ أَبُو بكر وَعمر أعلم مِنْهُ فَبَطل إجماعك وَإِن زعمت أَنه مَعْصُوم فَلَا تعلم صِحَة شَيْء من الشَّرْع إِلَّا بنقله لزم من ذَلِك أَن الْحجَّة لَا تقوم على أهل الأَرْض إِلَّا بنقله وَلَا نعلم صِحَة نَقله حَتَّى نعلم أَنه مَعْصُوم وَلَا نعلم أَنه مَعْصُوم إِلَّا بِالْإِجْمَاع على نفي عصمَة من سواهُ فَإِن كَانَ الْإِجْمَاع مَعْصُوما أمكن حفظ الشَّرْع بِهِ وَإِن لم يكن مَعْصُوما لم نعلم عصمته ثمَّ أخبرنَا هَل يُمكن الإِمَام تَبْلِيغ الشَّرْع إِلَى من يَنْقُلهُ عَنهُ بالتواتر أم لَا يزَال مَنْقُولًا نقل آحَاد من مَعْصُوم إِلَى مَعْصُوم فَإِن كَانَ الإِمَام يُمكنهُ ذَلِك فالرسول يُمكنهُ بطرِيق الأولى فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَة إِلَى نقل الإِمَام وَإِن قلت لَا يُمكنهُ ذَلِك لزم دين الْإِسْلَام أَنه لَا يَنْقُلهُ إِلَّا وَاحِد بعد وَاحِد من أقرباء الرَّسُول الَّذين يُمكن القادح فِي نبوته أَن يَقُول إِنَّهُم يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا شَاءُوا وَإنَّهُ كَانَ طَالب ملك أَقَامَهُ أَقَاربه وعهد إِلَيْهِم بِمَا يُقِيمُونَ بِهِ دولته ونقول الْحَاجة ماسة إِلَى الْعِصْمَة فِي حفظ الدّين وَنَقله فلماذا لَا يجوز أَن يكون الصَّحَابَة هم المعصومين الَّذين حصل بهم مَقْصُود الدّين وبلغوه ولماذا لَا تكون الْعِصْمَة فِي الْحِفْظ والبلاغ لكل طَائِفَة بِحَسب مَا حملوه فالقراء معصومون فِي حفظ الْقُرْآن وتبليغه والمحدثون معصومون فِي حفظ الصِّحَاح وتبليغها وَالْفُقَهَاء معصومون فِي فهم الْكَلَام والإستدلال وَهَذَا هُوَ الْوَاقِع الْمَعْلُوم الَّذِي أغْنى الله بِهِ عَن وَاحِد مَعْدُوم ثمَّ إِنَّه إِذا كَانَ لَا يحفظ الشَّرْع ويبلغه إِلَّا مَعْصُوم عَن مَعْصُوم والمنتظر لَهُ أَرْبَعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وَسِتُّونَ سنة لم يَأْخُذ أحد عَنهُ مَسْأَلَة فَمن أَيْن علمْتُم الْقُرْآن وَالشَّرْع فِي طول هَذِه الْمدَّة وَلم لَا يجوز أَن يكون هَذَا الْقُرْآن الَّذِي تقرأونه لَيْسَ الَّذِي أنزل وَأَيْضًا من أَيْن لكم الْعلم بِشَيْء من أَحْوَال الرَّسُول وَابْن عَمه وَأَنْتُم لم تسمعوا شَيْئا من ذَلِك من مَعْصُوم فَإِن قُلْتُمْ تَوَاتر ذَلِك عندنَا قيل فَإِذا كَانَ تَوَاتر ذَلِك عَن أئمتكم يُوجب حفظ الشَّرْع فلماذا لَا يجوز أَن يكون تَوَاتر الْأمة كلهَا عَن نبيها أولى وَأَحْرَى من غير إحتياج إِلَى نقل وَاحِد عَن وَاحِد وقولك لقُصُور النُّصُوص عَن تفاصيل الْأَحْكَام قُلْنَا وكل إِمَام بِهَذِهِ الْمنزلَة فَإِن الْأَمِير إِذا خَاطب النَّاس فَلَا بُد أَن يخاطبهم بِمَا يعم الْأَعْيَان وَالْأَفْعَال إِذْ من الْمُمْتَنع أَن يعين كل فعل من فَاعل فِي كل وَقت فَمَا بَقِي إِلَّا الْخطاب الْكُلِّي وَذَلِكَ مُمكن من الرَّسُول وَإِن زعمت أَن نُصُوص الرَّسُول لَيست عَامَّة كُلية قيل لَك هَذَا مَمْنُوع وَبِتَقْدِير أَن يمْنَع هَذَا من نُصُوص الرَّسُول فَأَنت مُضْطَر فِي خطاب الإِمَام إِلَى إِثْبَات عُمُوم الْأَلْفَاظ أَو عُمُوم الْمعَانِي بالإعتبار فَأَيّهمَا كَانَ أمكن إثْبَاته من خطاب الرَّسُول فَلَا حَاجَة إِلَى الإِمَام وَالْحجّة قد قَامَت على الْخلق بالرسول قَالَ تَعَالَى (لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم) وَالله قد ضمن حفظ مَا أنزلهُ من الذّكر فَصَارَ ذَلِك مَأْمُونا من التبديل والتغيير ثمَّ قد علم بالإضطرار من الدّين أَن أَكثر الْمُسلمين بَلغهُمْ الْقُرْآن وَالسّنَن بِدُونِ نقل عَليّ فَإِن عمر لما فتح الْأَمْصَار بعث إِلَيْهَا من علمهمْ وفقههم ثمَّ اتَّصل الْعلم من أُولَئِكَ إِلَى الْمُسلمين وَعلي بلغ جملَة من ذَلِك كَمَا بلغ ابْن مَسْعُود ومعاذ ابْن جبل وَأبي وخلائق فَتَبَارَكَ الله مَا أَجْهَل الرافضة قَالَ وَالله قَادر على نصب مَعْصُوم وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهِ وَلَا مفْسدَة فِيهِ فَيجب نَصبه وَغير عَليّ لم يكن كَذَلِك فَتعين هُوَ قُلْنَا هَذَا تكْرَار مِنْك وَقد مر أَن الْإِجْمَاع إِن كَانَ مَعْصُوما أغْنى عَن عصمَة عَليّ وَإِن لم يكن مَعْصُوما بطلت دلَالَته على عصمَة عَليّ وَإِن زعمت أَن حَال الْأمة مَعَ وجود الْمَعْصُوم أكمل فَلَا ريب أَن حَالهم مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 عصمَة نوابه أكمل وحالهم مَعَ عصمَة أنفسهم أكمل وأكمل وَلَا يجب على الله ذَلِك وَإِذا ادعيت أَن مَعَ عَدمه يدْخلُونَ النَّار وَلَا يعيشون فِي الدُّنْيَا أَو يشْتَد الْبلَاء فَيُقَال هَب أَن الْأَمر كَذَلِك فَلم قلت إِن إِزَالَة هَذَا وَاجِب وَمَعْلُوم أَن الْأَمْرَاض والهموم مَوْجُودَة والغلاء والجوائح والمصائب كَثِيرَة وَلَيْسَ مَا يُصِيب الْمَظْلُوم من الضَّرَر بأعظم مِمَّا يُصِيبهُ من هَذِه الْأُمُور وَالله لم يزل ذَلِك وحوائج الْبشر دَاعِيَة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ من الصِّحَّة وَالْقُوَّة وَالْمَال وَالسُّرُور وعَلى أصلك الْفَاسِد إِن الله لَا يقدر على خلق مُؤمن وَلَا كَافِر فَكيف يقدر على خلق مَعْصُوم وَقد تقدم هَذَا وَبَان تناقضكم حَيْثُ جمعتم بَين إِيجَاب خلق مَعْصُوم على الله وَبَين قَوْلكُم إِن الله لَا يقدر على جعل أحد مَعْصُوما بإختياره بِحَيْثُ يُثَاب على فعله للطاعات وَتَركه للمعاصي ثمَّ يُقَال الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة أهوَ الْقَادِر على تَحْصِيل الْمصَالح وَإِزَالَة الْمَفَاسِد أم هُوَ الْمَعْصُوم وَإِن كَانَ عَاجِزا عَن ذَلِك الثَّانِي مَمْنُوع فَإِن الْعَاجِز لَا تحصل بِهِ فَائِدَة بل الْقُدْرَة شَرط فِي ذَلِك وَالْأول لم يُوجد وَإِن وجد لم يفعل ذَلِك فَهُوَ عَاص أَو عَاجز قطعا قَالَ وَالْإِمَام يجب أَن يكون أفضل من رَعيته وَعلي فَاضل أهل زَمَانه فَهُوَ الإِمَام لقبح تقدم الْمَفْضُول على الْفَاضِل عقلا ونقلا قُلْنَا لَا نسلم أَنه أفضل أهل زَمَانه فَإِنَّهُ قَالَ على مِنْبَر الْكُوفَة خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر ثمَّ وَعمر ثمَّ كثير من الْعلمَاء لَا يوجبون تَوْلِيَة الْأَفْضَل وَمِنْهُم من يَقُول بِولَايَة الْمَفْضُول إِذا كَانَ فِيهَا مصلحَة راجحة كَمَا تَقوله الزيدية قَالَ الْمنْهَج الثَّانِي فِي الْأَدِلَّة من الْقُرْآن على إِمَامَة عَليّ قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ) وَقد أَجمعُوا أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ روى الثَّعْلَبِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا صمتا يَقُول عَليّ قَائِد البررة وَقَاتل الْكَفَرَة مَنْصُور من نَصره مخذول من خذله أما إِنِّي صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا الظّهْر فَسَأَلَ سَائل فِي الْمَسْجِد فَلم يُعْطه أحد شَيْئا فَرفع يَده إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي سَأَلت فِي مَسْجِد نبيك فَلم أعْط شَيْئا وَكَانَ عَليّ رَاكِعا فَأَوْمأ إِلَيْهِ بِخِنْصرِهِ فَأقبل فَأخذ الْخَاتم وَذَلِكَ بِعَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا فرغ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ إِن مُوسَى سَأَلَك (وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي) فأنزلت عَلَيْهِ قُرْآنًا ناطقا (سنشد عضدك بأخيك) اللَّهُمَّ وَأَنا نبيك وصفيك اللَّهُمَّ فاشرح لي صَدْرِي وَيسر لي أَمْرِي وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي عليا اشْدُد بِهِ ظَهْري فَمَا استتم كَلَامه حَتَّى نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة (إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ) وَنقل الْفَقِيه ابْن المغازلي عَن ابْن عَبَّاس أَن الْآيَة نزلت فِي عَليّ وَالْوَلِيّ الْمُتَصَرف وَقد أثبت لَهُ الْولَايَة فِي الْأمة كَمَا أثبتها الله لنَفسِهِ وَلِرَسُولِهِ وَالْجَوَاب إِن قَوْلك أَجمعُوا أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ من أعظم الدعاوي الكاذبة بل أَجمعُوا على أَنَّهَا لم تنزل فِي عَليّ بِخُصُوصِهِ وَإِن الْخَبَر كَاذِب وَفِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ من الموضوعات مَا لَا يخفى وَكَانَ حَاطِب ليل وَكَذَا تِلْمِيذه الواحدي ثمَّ سَائِر مَا سقته من الْبَرَاهِين بَاطِل لَا يروج إِلَّا على من أعمى الله قلبه من الصم الْبكم أولى الْهوى وَالْجهل وَلِهَذَا دخلت عَامَّة الزَّنَادِقَة من بَاب الرَّفْض وتسلطوا بِتِلْكَ الأكاذيب على الطعْن فِي الْإِسْلَام وَصَارَت شبها عِنْد الجهلة وَبهَا ضلت النصيرية والإسماعيلية وَكَانَ منشأ ضلالهم تصديقهم الرافضة بَيت الْكَذِب فِيمَا ينقلونه من التَّفْسِير والفضائل والمثالب فيشرعون فِي التوجع لآل مُحَمَّد ثمَّ ينتقلون إِلَى سبّ الصَّحَابَة والقدح فيهم ثمَّ ينتقلون إِلَى الْقدح فِي عَليّ لِأَنَّهُ سكت ثمَّ إِلَى الْقدح فِي الرَّسُول ثمَّ فِي الْإِلَه كَمَا رتبه لَهُم صَاحب الْبَلَاغ الْأَكْبَر والناموس الْأَعْظَم ثمَّ هبك اعتضدت بالثعلبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 فقد نقل الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَنقل عَن عبد الْملك قَالَ سَأَلت أَبَا جَعْفَر الباقر عَن الْآيَة فَقَالَ هم الْمُؤْمِنُونَ قلت فَإِن نَاسا يَقُولُونَ هُوَ عَليّ فَقَالَ عَليّ من الَّذين آمنُوا وَعَن الضَّحَّاك مثله وروى عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ كل من أسلم فقد تولى الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا ثمَّ نعفيك من ادعائك الْإِجْمَاع ونطالبك بِسَنَد وَاحِد صَحِيح وَمَا أوردته عَن الثَّعْلَبِيّ واه فِيهِ رجال متهمون وَأما ابْن المغازلي الوَاسِطِيّ فقد جمع فِي كِتَابه من الْكَذِب مَا لَا يخفى على من لَهُ أدنى معرفَة بِالْحَدِيثِ وَلَو كَانَ المُرَاد بِالْآيَةِ أَن يُؤْتِي الزَّكَاة فِي حَالَة الرُّكُوع لوَجَبَ أَن يكون ذَلِك شرطا فِي الْمُوَالَاة وَلَا يتَوَلَّى الْمُسلم إِلَّا عليا فَقَط فَلَا يتَوَلَّى الْحسن وَلَا الْحُسَيْن ثمَّ قَوْله (الَّذين يُقِيمُونَ) صِيغَة جمع فَلَا تصدق على وَاحِد فَرد وَأَيْضًا فَلَا يثنى على الْمَرْء إِلَّا بمحمود وَفعل ذَلِك فِي الصَّلَاة لَيْسَ بمستحب وَلَو كَانَ مُسْتَحبا لفعله الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولحض عَلَيْهِ ولكرر عَليّ فعله وَإِن فِي الصَّلَاة لشغلا فَكيف يُقَال لَا ولي لكم إِلَّا الَّذين يتصدقون فِي حَال الرُّكُوع ثمَّ قَوْله (وَيُؤْتونَ الزَّكَاة) يدل على وجود زَكَاة وَعلي مَا وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة قطّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ كَانَ فَقِيرا وَزَكَاة الْفضة إِنَّمَا تجب على من ملك النّصاب حولا وَعلي لم يكن من هَؤُلَاءِ ثمَّ إِعْطَاء الْخَاتم فِي الزَّكَاة لَا يجزى عِنْد الْأَكْثَر ثمَّ إِن الْآيَة بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى (وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة واركعوا مَعَ الراكعين) وَكَقَوْلِه تَعَالَى (اقنتي لِرَبِّك واسجدي واركعي مَعَ الراكعين) ثمَّ من الْمَعْلُوم المستفيض عِنْد الْمُفَسّرين أَنَّهَا نزلت فِي النَّهْي عَن مُوالَاة الْكفَّار وَوُجُوب مُوالَاة الْمُؤمنِينَ وَسِيَاق الْكَلَام يدل على ذَلِك لمن تدبر فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين) فَهَذَا نهي عَن مُوالَاة الْيَهُود وَالنَّصَارَى ثمَّ قَالَ (فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم يَقُولُونَ نخشى أَن تصينا دَائِرَة فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 أَو أَمر من عِنْده فيصبحوا على مَا أَسرُّوا فِي أنفسهم نادمين) إِلَى أَن قَالَ (إِنَّمَا وَلِيكُم الله) فَهَذَا وصف عَام للْمُؤْمِنين وَلَا بُد لَكِن عَليّ وَأَبُو بكر وَالسَّابِقُونَ أولى الْأمة بِالدُّخُولِ فِيهَا وَمن تَأمل الحَدِيث وركنه لَاحَ لَهُ كذبه وَلَو كَانَ حَقًا لَكَانَ من خذله وَمنعه حَقه من النَّصْر مخذولين وَلم يكن الْأَمر كَذَلِك بل نصروا وافتتحوا الْبِلَاد فَارس وَالروم والقبط فالشيعة يدعونَ أَن الْأمة كلهَا خذلته إِلَى أَن قتل عُثْمَان وَمن الْمَعْلُوم أَن الْأمة إِلَى أَن قتل عُثْمَان كَانَت منصورة نصرا عَظِيما لم ينصر بعده مثله أبدا فَلَمَّا قتل عُثْمَان تَفَرَّقت الْأمة فحزب مَعَ عَليّ وحزب عَلَيْهِ وحزب انعزلوا لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَمن الْمَعْلُوم أَن إِيمَان النَّاس بالرسول وطاعتهم لَهُ مَا كَانَ لأجل عَليّ كَمَا كَانَ هَارُون مَعَ مُوسَى فَإِن بني إِسْرَائِيل كَانُوا يحبونَ هَارُون جدا ويهابون مُوسَى وَكَانَ هَارُون يتألفه ويداريه والرافضة تَدعِي أَن الْمُسلمين كَانُوا يبغضون عليا وَأَنَّهُمْ لبغضهم لَهُ لم يبايعوه وكتموا النَّص عَلَيْهِ فَكيف يُقَال إِن النَّبِي احْتَاجَ إِلَيْهِ كَمَا احْتَاجَ مُوسَى إِلَى هَارُون وَهَذَا أَبُو بكر أسلم على يَدَيْهِ خَمْسَة من الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ عُثْمَان وَطَلْحَة وَسعد وَعبد الرَّحْمَن وَأَبُو عُبَيْدَة وَلم نعلم أَن أحدا من السَّابِقين أسلم على يَد عَليّ وَهَذَا مُصعب بن عُمَيْر أحد السَّابِقين قد أسلم على يَدَيْهِ أسيد بن حضير وَسعد بن معَاذ وَأما الْمُوَالَاة فقد قَالَ تَعَالَى) وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ) فَبين الله أَن كل صَالح من الْمُؤمنِينَ فَهُوَ مولى رَسُول الله وَالله مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل مَوْلَاهُ وَلَيْسَ فِي كَون الصَّالح من الْمُؤمنِينَ مولى أَن يكون مُتَوَلِّيًا على رَسُول الله وَلَا متصرفا فِيهِ وَقَالَ تَعَالَى (والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض) فَكل مُؤمن تَقِيّ فَهُوَ ولي الله وَالله وليه قَالَ تَعَالَى (الله ولي الَّذين آمنُوا) وَقَالَ (أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَمَا فِي هَذِه الْآيَات أَن من كَانَ ولي الآخر كَانَ مُتَوَلِّيًا عَلَيْهِ دون النَّاس وَالْفرق بَين الْولَايَة وَالْولَايَة مَعْرُوف فالأمير يُسمى الْوَالِي وَلَا يُسمى الْوَلِيّ وَاخْتلف الْفُقَهَاء إِذا اجْتمع فِي الْجِنَازَة الْوَالِي وَالْوَلِيّ أَيهمَا يقدم فالموالاة ضد المعاداة قَالَ الرافضي الْبُرْهَان الثَّانِي قَوْله تَعَالَى (يَا ايها الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك) اتَّفقُوا على نُزُولهَا فِي عَليّ روى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَطِيَّة أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ وَفِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ (بلغ مَا أنزل إِلَيْك) فِي فضل عي فَلَمَّا نزلت أَخذ بيد عَليّ فَقَالَ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَالنَّبِيّ مولى أبي بكر وَعمر وَالصَّحَابَة بِالْإِجْمَاع فَيكون عَليّ مَوْلَاهُم فَيكون هُوَ الإِمَام وَمن تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ قَالَ لما كَانَ يَوْم غَدِير خم نَادَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس فَاجْتمعُوا فَأخذ بيد عَليّ فَقَالَ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فشاع ذَلِك وطار فِي الْبِلَاد وَبلغ ذَلِك الْحَارِث بن النُّعْمَان الفِهري فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنَاخَ بِالْأَبْطح فَنزل وأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي مَلأ من أَصْحَابه فَقَالَ يَا مُحَمَّد أمرتنا بِالشَّهَادَتَيْنِ وبالصلاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج فَقبلنَا مِنْك ثمَّ لم ترض حَتَّى رفعت بضبعي ابْن عمك ففضلته علينا وَقلت من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَإِن كَانَ هَذَا من الله فحدثنا فَقَالَ أَي وَالله من أَمر الله فولي الْحَارِث وَهُوَ يَقُول (إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم) فَمَا وصل حَتَّى رَمَاه الله بِحجر فَسقط على هامته وَخرج من دبره فَقتله وأنزلت (سَأَلَ سَائل بِعَذَاب) وَقد روى هَذَا النقاش فِي تَفْسِيره قُلْنَا هَذَا أعظم كذبا وفرية من الأول فقولك اتَّفقُوا على نُزُولهَا فِي عَليّ كذب بل وَلَا قَالَه عَالم وَفِي كتاب أبي نعيم والثعلبي والنقاش من الْكَذِب مَا لَا يعد والمرجع فِي النَّقْل إِلَى أُمَنَاء حَدِيث رَسُول الله كَمَا أَن الْمرجع فِي النَّحْو إِلَى أربابه وَفِي الْقرَاءَات إِلَى حذاقها وَفِي اللُّغَة إِلَى أئمتها وَفِي الطِّبّ إِلَى علمائه فَلِكُل فن رجال وعلماء الحَدِيث اجل وَأعظم تحريا للصدق من كل أحد علم ذَلِك من علمه فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 اتَّفقُوا على صِحَّته فَهُوَ الْحق وَمَا أَجمعُوا على تزييفه وتوهينه فَهُوَ سَاقِط وَمَا اخْتلفُوا فِيهِ نظر فِيهِ بإنصاف وَعدل فهم الْعُمْدَة كمالك وَشعْبَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث والسفيانين والحمادين وَابْن الْمُبَارك وَيحيى الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي ووكيع وَابْن علية وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأبي نعيم والقعنبي والْحميدِي وَأبي عبيد وَابْن الْمَدِينِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَابْن معِين وَأبي بكر بن أبي شيبَة والذهلي وَالْبُخَارِيّ وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَأبي دَاوُد وَمُسلم ومُوسَى بن هَارُون وَصَالح جزرة وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَأبي أَحْمد بن عدي وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وأمثالهم من أهل الْعلم بِالنَّقْلِ وَالرِّجَال والجراح وَالتَّعْدِيل وَقد صنف فِي معرفَة الرِّجَال كتب جمة كالطبقات لإبن سعد وتاريخي البُخَارِيّ وَكَلَام ابْن معِين من رِوَايَة أَصْحَابه عَنهُ وَكَلَام أَحْمد من رِوَايَة أَصْحَابه عَنهُ وَكتاب يحيى بن سعد الْقطَّان وَكتاب عَليّ بن المدايني وتاريخ يَعْقُوب الْفَسَوِي وَابْن أبي خَيْثَمَة وَابْن أبي حَاتِم والعقيلي وَابْن عدي وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ والمصنفات فِي الحَدِيث على المسانيد كمسند أَحْمد وَإِسْحَاق وَأبي دَاوُد وَابْن أبي شيبَة والعدني وَابْن منيع وَأبي يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وخلائق وعَلى الْأَبْوَاب كالموطأ وَسنَن سعيد بن مَنْصُور وصحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم وَالسّنَن الْأَرْبَعَة وَمَا يطول الْكتاب بتعداده وَفِي الْجُمْلَة لَيْسَ فِي فرق الْأمة أَجْهَل بالآثار ورجالها وَأَقْبل للباطل وأدفع للصحيح من الرافضة ثمَّ أضدادهم من الْخَوَارِج وإخوانهم من الْمُعْتَزلَة يتحرون الصدْق وَلَا يحتجون بِخَبَر مَكْذُوب بل وَلَا بِالصَّحِيحِ بل لَهُم طرق وقواعد مبتدعة وعقول فِي الْجُمْلَة وَهَؤُلَاء الرافضة لَا عقل وَلَا نقل فالآثار ومعرفتها والأسانيد من خَصَائِص السّنة وَالْجَمَاعَة وعلامة صِحَة الحَدِيث عِنْد الرافضي أَن يُوَافق هَوَاهُ قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أهل الْعلم يَكْتُبُونَ مَالهم وَمَا عَلَيْهِم وَأهل الْأَهْوَاء لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا مَالهم ثمَّ نقُول لَهُم مَا يرويهِ مثل النقاش والثعلبي وَأبي نعيم وَنَحْوهم أتقبلونه مُطلقًا لكم وَعَلَيْكُم أم تردونه مُطلقًا أَو تأخذون بِمَا وَافق أهواءكم وتردون مَا خَالف فَإِن قبلوه مُطلقًا فَفِي ذَلِك من فَضَائِل الشَّيْخَيْنِ جملَة من الصَّحِيح والضعيف وَإِن ردُّوهُ مُطلقًا بَطل إعتماده بمل ينْقل عَنْهُم وَإِن قبلوا مَا يُوَافق مَذْهَبهم أمكن الْمُخَالف رد مَا قبلوه والإحتجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 بِمَا ردُّوهُ وَالنَّاس قد كذبُوا فِي المناقب والمثالب أَكثر من كل شَيْء ثمَّ هَذَا الحَدِيث كذب بإتفاق أهل الحَدِيث وَلِهَذَا لم يرو فِي شَيْء من كتب الحَدِيث المرجوع إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يجوز صدقه من يَقُول إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على مَذْهَب أحد الْأَرْبَعَة وَإِن أَبَا حنيفَة وَنَحْوه كَانُوا قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَمَا تظن طَائِفَة من التركمان أَن حَمْزَة لَهُ مغاز عَظِيمَة وينقلونها بَينهم وَحَمْزَة مَا شهد إِلَّا بَدْرًا وَاسْتشْهدَ يَوْم أحد وَمثل مَا يعْتَقد كثير من الْعَوام أَن أبي بن كَعْب وَأم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مغائر دمشق أَو أَن عَائِشَة كَانَت تحدث النَّاس فِي بَاب الْقبَّة الَّتِي بِجَامِع دمشق أَو أَن قبر عَليّ رَضِي الله عَنهُ بباطن النجف وَأهل الْعلم يعلمُونَ أَن عليا وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ دفن كل وَاحِد مِنْهُم بقصر الْإِمَارَة خوفًا عَلَيْهِ من نبش الْخَوَارِج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وَاتفقَ النَّاس على أَن مَا قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغدير خم كَانَ مرجعه من حجَّة الْوَدَاع أَلا ترى أَن الشِّيعَة تجْعَل يَوْم ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة عيدا فَبعد ذَلِك لم يرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة وَهَذَا الحَدِيث المكذوب فِيهِ مَا يبين كذبه من قَوْله فَجَاءَهُ الْحَارِث وَهُوَ بِالْأَبْطح ثمَّ قَوْله وَنزلت (سَأَلَ سَائل) وَهِي إِنَّمَا نزلت قبل الْهِجْرَة بِمَكَّة ثمَّ قَوْله تَعَالَى (وَإِذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق) نزلت عقيب بدر بالإتفاق وَأهل التَّفْسِير متفقون على أَنَّهَا نزلت بِسَبَب مَا قَالَه الْمُشْركُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة كَأبي جهل وَذَوِيهِ ثمَّ لم تنزل عَلَيْهِم حِجَارَة من السَّمَاء وَلَو كَانَ هَذَا الْمَجْهُول قد نزل عَلَيْهِ حجر خرق هامته وَخرج من دبره لَكَانَ آيَة من جنس أَصْحَاب الْفِيل وَذَلِكَ مِمَّا تتوفر الهمم والدواعي على نَقله قَالَ الْبُرْهَان الثَّالِث قَوْله (الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ) الْآيَة روى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا النَّاس إِلَى غَدِير خم وأمرنا بحت الشّجر من الشوك فَقَامَ فَأخذ بضبعي عَليّ فرفعهما حَتَّى نظر النَّاس إِلَى بَاطِن إبطي رَسُول الله ثمَّ لم يتفرقوا حَتَّى نزلت (الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ) فَقَالَ الرَّسُول الله أكبر على إِكْمَال الدّين وَرَضي الرب برسالتي وبالولاية لعَلي من بعدِي ثمَّ قَالَ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وانصر من نَصره واخذل من خذله قُلْنَا وَهَذَا من الْكَذِب بإتفاق أهل الْمعرفَة بالموضوعات وَقد ثَبت أَن الْآيَة نزلت على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة قبل يَوْم الغدير بسبعة أَيَّام ثمَّ لَيْسَ فِيهَا دلَالَة على عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِوَجْه وَلَا على إِمَامَته فدعواك أَن الْبَرَاهِين دلّت عَلَيْهِ من الْقُرْآن من الْكَذِب الْوَاضِح وَإِنَّمَا يكون ذَلِك من الحَدِيث لَو صَحَّ قَالَ الْبُرْهَان الرَّابِع قَوْله (والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى) روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الْفَقِيه عَليّ بن المغازلى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كنت جَالِسا مَعَ فِئَة من بني هَاشم عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا انقض كَوْكَب من السَّمَاء فَقَالَ من انقض هَذَا الْكَوْكَب فِي منزله فَهُوَ الْوَصِيّ من بعدِي فَإِذا هُوَ قد انقض فِي منزل عَليّ قَالُوا يَا رَسُول الله قد غويت فِي حب عَليّ فَأنْزل الله تَعَالَى (والنجم إِذا هوى) قُلْنَا وَهَذَا من أبين الْكَذِب وَالْقَوْل على الله بِلَا علم حرَام قَالَ الله تَعَالَى (وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم) فَكل من احْتج بِحَدِيث عَلَيْهِ أَن يعلم صِحَّته قبل أَن يسْتَدلّ بِهِ وَإِذا احْتج بِهِ على غَيره فَعَلَيهِ بَيَان صِحَّته وَإِذا عرف أَن فِي الْكتب الْكَذِب صَار الإعتماد على مُجَرّد مَا فِيهَا مثل الأستدلال بِشَهَادَة الْفَاسِق الَّذِي يصدق ويكذب ثمَّ هَذَا الحَدِيث ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات بِلَفْظ آخر من حَدِيث مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما عرج بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة وَأرَاهُ الله من الْعَجَائِب فَلَمَّا أصبح جعل يحدث فكذبه من أهل مَكَّة من كذبه فانقض نجم من السَّمَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار من وَقع هَذَا النَّجْم فَهُوَ خليفتي من بعدِي فَوَقع فِي دَار عَليّ فَقَالَ أهل مَكَّة ضل مُحَمَّد وغوى وَهوى أهل بَيته وَمَال إِلَى ابْن عَمه فَنزلت (والنجم) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا مَوْضُوع فَمَا أبرد من وَضعه وَمَا أبعد مَا ذكر وَفِي إِسْنَاده ظلمات مِنْهَا أَبُو صَالح وَكَذَلِكَ الْكَلْبِيّ وَمُحَمّد بن مَرْوَان السّديّ وَالْمُتَّهَم بِهِ الْكَلْبِيّ قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان كَانَ الْكَلْبِيّ من الَّذين يَقُولُونَ إِن عليا لم يمت وَإنَّهُ يرجع إِلَى الدُّنْيَا وَإِن وأوا سَحَابَة قَالُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيهَا لَا يحل الإحتجاج بِهِ قَالَ وَالْعجب من تغفل من وضع هَذَا الحَدِيث كَيفَ رتب مَا لَا يصلح فِي الْمَعْقُول من أَن النَّجْم يَقع فِي دَار وَيثبت إِلَى أَن يرى وَمن بلهه أَنه وضع هَذَا الحَدِيث على ابْن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وَكَانَ ابْن عَبَّاس زمن الْمِعْرَاج إِبْنِ سنتَيْن فَكيف يشْهد تِلْكَ الْحَالة ويرويها قلت إِذا لم يكن هَذَا الحَدِيث فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ الْمَعْرُوف عَنهُ فَهُوَ مِمَّا وضع بعده وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب قَالَ أَبُو الْفرج وَقد سرق هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه قوم وغيروا إِسْنَاده وَرَوَوْهُ بِإِسْنَاد غَرِيب ثمَّ إِنَّه لم ينْقض قطّ كَوْكَب إِلَى الأَرْض بِمَكَّة وَلَا بِالْمَدِينَةِ وَلَا غَيرهمَا وَلما بعث نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثر الرَّمْي بِالشُّهُبِ وَمَعَ هَذَا لَا يرْوى مثل هَذَا الْبُهْتَان إِلَّا أوقح النَّاس وَأَقلهمْ حَيَاء ثمَّ لَو كَانَ هَذَا جرى لَكَانَ يُغني عَن الْوَصِيَّة يَوْم غَدِير خم قَالَ الْبُرْهَان الْخَامِس قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت) فروى أَحْمد فِي مُسْنده عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ طلبت عليا فِي منزله فَقَالَت فَاطِمَة ذهب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فجاءا جَمِيعًا فَدخلت مَعَهُمَا فأجلس عليا عَن يسَاره وَفَاطِمَة عَن يَمِينه وَالْحسن وَالْحُسَيْن بَين يَدَيْهِ ثمَّ التفع عَلَيْهِم بِثَوْبِهِ وَقَالَ (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا) اللَّهُمَّ إِن هَؤُلَاءِ أَهلِي وَعَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيتهَا الحَدِيث وَفِي آخِره إِنَّك إِلَى خير فَفِي هَذِه الْآيَة دلَالَة على الْعِصْمَة مَعَ التَّأْكِيد بِلَفْظَة إِنَّمَا وَإِدْخَال اللَّام فِي الْخَبَر وَغَيرهم لَيْسَ بمعصوم فَتكون الْإِمَامَة فِي عَليّ وَلِأَنَّهُ ادَّعَاهَا فِي عدَّة من أَقْوَاله كَقَوْلِه وَالله لقد تقمصها ابْن أبي قُحَافَة وَهُوَ يعلم أَن محلي مِنْهَا مَحل القطب من الرَّحَى وَقد ثَبت نفي الرجس عَنهُ فَيكون صَادِقا قُلْنَا الحَدِيث صَحِيح قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة وَفِي السّنَن عَن أم سَلمَة وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على عصمتهم وَلَا إمامتهم أصلا فَنَقُول قَوْله (إِنَّمَا يُرِيد الله) كَقَوْلِه (مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 عَلَيْكُم) وَكَقَوْلِه تَعَالَى (يُرِيد الله بكم الْيُسْر) وَقَوله (يُرِيد الله ليبين لكم) (وَالله يُرِيد أَن يَتُوب عَلَيْكُم) فإرادته فِي هَذِه الْآيَات متضمنة لمحبته لذَلِك المُرَاد ورضائه بِهِ وَأَنه شَرعه لَيْسَ فِي ذَلِك أَنه خلق هَذَا المُرَاد وَلَا أَنه قدره وأوجده وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول الْآيَة قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَأذْهب عَنْهُم الرجس فَطلب من الله ذَلِك فَلَو كَانَت الْآيَة تَتَضَمَّن الْوُقُوع وَلَا بُد لم يحْتَج إِلَى الدُّعَاء وَهَذَا على قَول الْقَدَرِيَّة أظهر فَإِن إِرَادَة الله عنْدكُمْ لَا تَتَضَمَّن وجود المُرَاد بل قد يُرِيد مَا لَا يكون وَيكون مَا لَا يُرِيد أفنسيت أصلك الْفَاسِد أما على قَوْلنَا فالإرادة نَوْعَانِ شَرْعِيَّة تَتَضَمَّن محبَّة الله وَرضَاهُ كَمَا فِي الْآيَات وَإِرَادَة كونية قدرية تَتَضَمَّن خلقه وَتَقْدِيره كَقَوْلِه (إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم) (فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا) ثمَّ إِن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مذكورات فِي الْآيَات فَبَدَأَ بِهن وَختم بِهن وَسَائِر الْخطاب لَهُنَّ وَإِرَادَة إذهاب الرجس وتطهير أهل الْبَيْت لَيْسَ بمختص بالأزواج بل متناول لكل أهل الْبَيْت وَعلي وَفَاطِمَة وَحسن وحسين أخص من غَيرهم وَلذَلِك خصهم بِالدُّعَاءِ وَثَبت فِي الصَّحِيح أَنه علمهمْ الصَّلَاة عَلَيْهِ اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته فَإِن قيل هَب أَن الْقُرْآن لَا يدل على طهارتهم وإذهاب الرجس عَنْهُم لَكِن دعاؤه لَهُم يدل على وُقُوعه قُلْنَا الْمَقْصُود أَن الْقُرْآن بمفرده لَا يدل على ذَلِك فضلا عَن أَن يدل على الْعِصْمَة والإمامة ثمَّ هَب أَن الْقُرْآن دلّ على طهارتهم فَأَيْنَ لُزُوم الْعِصْمَة وَأَن لَا يجوز عَلَيْهِم خطأ وَلَا سَهْو وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الله لم يرد بِمَا أَمر بِهِ الزَّوْجَات أَن لَا يصدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 من وَاحِدَة مِنْهُنَّ خطأ وَسِيَاق الْآيَة يدل على أَن الله يذهب عَنْهُم الْخبث وَالْفَوَاحِش ويطهرهم مِنْهَا وَنحن نعلم أَن الله أذهب عَن أُولَئِكَ السَّادة الشّرك والخبائث والرجس وطهرهم من هَذِه الْفَوَاحِش وَلَيْسَ من شَرط المتقى أَن لَا تقع مِنْهُ صَغِيرَة ويستغفر مِنْهَا وَلَو كَانَ ذَلِك شرطا لعدم المتقون من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن فعل مَا يكفر سيئاته كَانَ من الْمُتَّقِينَ وَقَالَ تَعَالَى (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا) وَقد يكون من تَمام تطهيرهم صيانتهم عَن الصَّدَقَة فَإِنَّهَا أوساخ النَّاس وَبِالْجُمْلَةِ فالتطهير الَّذِي فِي الْآيَة ودعا بِهِ الرَّسُول لَيْسَ هُوَ الْعِصْمَة بالإتفاق فَإِن أهل السّنة يثبتونها للرسول والشيعة لَا يثبتونها لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا لعَلي أَو للْإِمَام فانتفت عَن الزَّوْجَات وَالْبَنَات وَغَيرهم وَإِذا كَانَ كَذَلِك امْتنع أَن يكون التَّطْهِير الْمَدْعُو بِهِ للأربعة متضمنا للعصمة الْمُخْتَص بهَا النَّبِي وَالْإِمَام ثمَّ الدُّعَاء بالعصمة من الذُّنُوب مُمْتَنع على أصل الْقَدَرِيَّة بل والتطهير فَإِن الْأَفْعَال الإختيارية الَّتِي هِيَ فعل الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات عِنْدهم غير مقدورة للرب فَلَا يُمكنهُ أَن يَجْعَل العَبْد متطهرا وَلَا طَائِعا وَلَا عَاصِيا فَامْتنعَ على أصلهم الدُّعَاء بِفعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَإِنَّمَا الْمَقْدُور عِنْدهم قدرَة تصلح لهَذَا وَهَذَا كالسيف يصلح لقتل الْمُسلم وَالْكَافِر وَالْمَال يُمكن بذله فِي الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة ثمَّ العَبْد يفعل اشاء من خير أَو شَرّ بِتِلْكَ الْقُدْرَة والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم فِي إبِْطَال هَذَا القَوْل حَيْثُ دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل بَيته بالتطهير وَإِن قَالُوا المُرَاد بذلك أَنه يغْفر لَهُم وَلَا يؤاخذهم كَانَ ذَلِك أدل على بطلَان دلَالَته على الْعِصْمَة وَيمْتَنع عِنْدهم سُؤال الله الْعِصْمَة من الْمعاصِي وَلَو قدر ثُبُوت الْعِصْمَة فقد قدمنَا أَنه لَا يشْتَرط فِي الإِمَام الْعِصْمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وقولك إِن عليا ادَّعَاهَا وَقد ثَبت نفي الرجس عَنهُ فَيكون صَادِقا فَلَا نسلم أَنه ادَّعَاهَا بل نعلم بِالضَّرُورَةِ أَنه مَا ادَّعَاهَا حَتَّى قتل عُثْمَان وَإِن كَانَ قد يوده بِقَلْبِه لَكِن مَا قَالَ أَنا الإِمَام وَلَا أَنا مَعْصُوم وَلَا إِن الرَّسُول جعلني الإِمَام بعده وَلَا أَنه أوجب على النَّاس متابعتي وَلَا نَحْو هَذِه الْأَلْفَاظ بل نَحن نعلم بالإضطرار أَن من نقل هَذَا وَنَحْوه عَنهُ فَهُوَ كَاذِب عَلَيْهِ وَنحن نعلم أَن عليا أتقى لله من أَن يدعى الْكَذِب الظَّاهِر الَّذِي يعلم الصَّحَابَة كلهم أَنه كذب وقولك عَنهُ لقد تقمصها إِلَخ فَلم يقلهُ وَأَيْنَ إسنادك بِهِ وَإِنَّمَا يُوجد هَذَا فِي نهج البلاغة وَأهل الْعلم يعلمُونَ أَن أَكثر خطب هَذَا الْكتاب مفتراة على عَليّ وَلِهَذَا لَا يُوجد غالبها فِي كتاب قديم وَلَا لَهَا إِسْنَاد مَعْرُوف فَهِيَ بِمَنْزِلَة من يَدعِي أَنه علوي أَو عباسي وَلَا نعلم أحدا من سلفه ادّعى ذَلِك قطّ فَيعلم كذبه فَإِن النّسَب يكون مَعْرُوفا من أَصله حَتَّى يتَّصل بفرعه وَفِي هَذِه الْخطب أَشْيَاء قد علم يَقِينا من عَليّ مَا يناقضها وَلم يُوجب الله على الْخلق أَن يصدقُوا بِمَا لم يقم دَلِيل على صدقه وَإِن ذَلِك من تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وَكَيف يمكننا أَن نثبت إدعاء عَليّ الْخلَافَة بِمثل حِكَايَة منبعها من متهمين ثمَّ هَب أَنه قَالَ ذَلِك فَلم قُلْتُمْ إِنَّه أَرَادَ أَنِّي إِمَام مَنْصُوص عَلَيْهِ فَيجوز عَلَيْهِ أَنه أَرَادَ أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 أَحَق من غَيره وَحِينَئِذٍ لَا يكون مخبرا عَن أَمر تعمد فِيهِ الْكَذِب وَلَكِن يكون تكلم بإجتهاد مِنْهُ لَكِن هَذَا كُله لَو صَحَّ شَيْء مِنْهُ لم يَصح إِلَّا بمقدمات لَيست فِي الْقُرْآن فَأَيْنَ براهينك القرآنية قَالَ الْبُرْهَان السَّادِس قَوْله (فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله) روى الثَّعْلَبِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن انس وَبُرَيْدَة قَالَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة فَقَامَ رجل فَقَالَ أَي بيُوت هَذِه يَا رَسُول الله قَالَ بيُوت الْأَنْبِيَاء فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله هَذَا الْبَيْت مِنْهَا يَعْنِي بَيت عَليّ وَفَاطِمَة قَالَ نعم من أفضلهَا قُلْنَا نطالبك بِصِحَّة النَّقْل فَلَا سَبِيل لَك إِلَى ذَلِك والثعلبي كحاطب ليل فَكيف والْحَدِيث كذب بِلَا ريب ثمَّ الْآيَة بإتفاق النَّاس هِيَ فِي الْمَسَاجِد وَلَو قدر أَن عليا من رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع لما لزم من ذَلِك أَنه أفضل الْأمة بعد نبيها ثمَّ لفظ الْآيَة رجال لم يقل رجل وَاحِد وَلَو قدر أَنه أفضل فَلم قلت بِوُجُوب إِمَامَة الْأَفْضَل قَالَ الْبُرْهَان السَّابِع قَوْله (لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى) وروى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالُوا يَا رَسُول الله من قرابتك الَّتِي وَجَبت علينا مَوَدَّتهمْ قَالَ عَليّ وَفَاطِمَة وابناهما وَكَذَا فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ وَنَحْوه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغير عَليّ من الصَّحَابَة لَا تجب مودته فَيكون عَليّ أفضل فَيكون هُوَ الإِمَام ومخالفته تنَافِي الْمَوَدَّة وطاعته مَوَدَّة فَيكون وَاجِب الطَّاعَة فَالْجَوَاب قَوْلك فِي مُسْند أَحْمد كذب بَين على الْمسند وَكَذَا قَوْلك فِي الصَّحِيحَيْنِ إفتراء عَلَيْهِمَا بل فيهمَا وَفِي الْمسند مَا يُنَاقض ذَلِك فَكيف الْعَمَل بخطاب جهال كذبة وَلَكِن أَحْمد صنف كتابا فِي فَضَائِل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَغَيرهم فِيهِ الصَّحِيح والسقيم ثمَّ زَاد ابْنه عبد الله فِيهِ احاديث وَزَاد الْقطيعِي فِيهِ جملَة كَثِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 واهية ومكذوبة فَظن الجهلة أَن الْكل من رِوَايَة أَحْمد وَهَذَا خطأ قَبِيح فَإِن زيادات عبد الله تظهر بِكَوْنِهَا عَن غير أَبِيه وزيادات الْقطيعِي تعرف بروايته لَهَا عَن غير عبد الله بن أَحْمد وَأَيْضًا فالآية فِي الشورى وَهِي مَكِّيَّة بإتفاق وَعلي مَا تزوج فَاطِمَة إِلَّا فِي الْمَدِينَة وَالْحسن ولد سنة ثَلَاث وَالْحُسَيْن سنة أَربع فَكيف يُفَسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآيَة المكية بِوُجُوب موده من لَا يعرف ثمَّ تَفْسِير الْآيَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ لَهُ سعيد بن جُبَير إِلَّا أَن تودوا مُحَمَّدًا فِي قرَابَته فَقَالَ ابْن عَبَّاس عجلت إِنَّه لم يكن بطن من قُرَيْش إِلَّا ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم قرَابَة فَقَالَ (لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا) لَكِن أَسأَلكُم مَوَدَّة الْقَرَابَة الَّتِي بيني وَبَيْنكُم فَهَذَا ابْن عَبَّاس ترجمان الْقُرْآن وَأعلم أهل الْبَيْت بعد عَليّ يَقُول مَا تسمع وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ (إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى) لم يقل إِلَّا الْمَوَدَّة للقربى وَلَا الْمَوَدَّة لِذَوي الْقُرْبَى فَلَو أَرَادَ ذَلِك لقَالَ هَكَذَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) وَقَالَ (فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) (فَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه) (وَأتي المَال على حبه ذَوي الْقُرْبَى) فَجَمِيع مَا أوصى بِهِ من حق ذَوي قربى النَّبِي أَو ذَوي قربى الْإِنْسَان هَكَذَا فَلَمَّا ذكر قَوْله (إِلَّا الْمَوَدَّة) بِالْمَصْدَرِ دون الإسم دلّ على أَنه لم يرد ذَوي الْقُرْبَى وَلَو أَرَادَ لقَالَ الْمَوَدَّة لِذَوي الْقُرْبَى وَلم يقل فِي فَإِنَّهُ لَا يُقَال لَا أَسأَلك الْمَوَدَّة فِي فلَان وَلَا فِي قربى فلَان بل لفُلَان ونقول الرَّسُول لَا يسْأَل على تَبْلِيغ الرسال أجرا الْبَتَّةَ بل أجره على الله كَمَا قَالَ (قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من اجْرِ) وَقَالَ (أم تَسْأَلهُمْ أجرا فهم من مغرم مثقلون) وَقَالَ (إِن أجْرى إِلَّا على الله) وَلَكِن الإستثناء مُنْقَطع كَقَوْلِه (قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من اجْرِ إِلَّا من شَاءَ أَن يتَّخذ إِلَى ربه سَبِيلا) وَلَا ريب أَن محبَّة أهل الْبَيْت واحبة لَكِن لم يثبت وُجُوبهَا بِهَذِهِ الْآيَة وَلَا محبتهم أجر الرَّسُول بل هُوَ مِمَّا أمرنَا بِهِ فَهُوَ من الْعِبَادَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وَفِي الصَّحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب بغدير خم فَقَالَ أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي قَالَهَا ثَلَاثًا وَفِي السّنَن أَنه قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يحبوكم لله ولقرابتي وَلَو كَانَت مودتنا لَهُم أجرا لَهُ لم نثب عَلَيْهَا لأَنا أعطينا أجره الَّذِي إستحقه بالرسالة فَهَل يَقُول هَذَا مُسلم سلمنَا أَن عليا تجب مودته بِدَلِيل آخر فَمَا فِي ذَلِك مَا يُوجب إختصاصه بِالْإِمَامَةِ والفضيلة وقولك وَالثَّلَاثَة لَا تجب مَوَدَّتهمْ مَمْنُوع بل تجب أَيْضا مَوَدَّتهمْ وموالاتهم فَإِنَّهُ ثَبت أَن الله يُحِبهُمْ وَمن كَانَ الله يُحِبهُ وَجب علينا أَن نحبه وَالْحب فِي الله والبغض فِي الله وَاجِب وَهُوَ أوثق عرى الْإِيمَان وهم من أَوْلِيَاء الله الْكِبَار وَثَبت أَن الله رَضِي عَنْهُم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كَمثل الْجَسَد الْوَاحِد إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالحمى والسهر والرافضي لَا يقدر أَن يركب الْحجَّة على الْخَارِجِي والناصبي فَإِذا قَالَا لَهُ بِأَيّ شَيْء علمت أَن عليا ولي الله فَإِن قَالَ بالتواتر لإسلامه وحسناته قَالَا لَهُ فالنقل الْمُتَوَاتر فِي أبي بكر وَأَمْثَاله كَذَلِك فَإِن قَالَ بِالْقُرْآنِ قَالَا الْقُرْآن يدل بعمومات أَنْت تخرج مِنْهَا أكَابِر الصَّحَابَة فإخراج وَاحِد أسهل وَإِن قَالَ بالأحاديث الدَّالَّة على فضائله قيل أَحَادِيث فضل أُولَئِكَ أَكثر وَأَصَح وَقد قدحت فِيهَا وَمَا ورد فِيهِ إِنَّمَا نَقله الصَّحَابَة الَّذين تقدح فيهم فَإِن صَحَّ قدحك بَطل النَّقْل وَإِن صَحَّ النَّقْل بَطل الْقدح وَإِن قَالَ صَحَّ بِنَقْل الشِّيعَة قيل الصَّحَابَة عنْدك مطعون فيهم سوى بضعَة عشر نفسا فقد يُقَال إِن الْبضْعَة عشر تواطأوا على مَا نقلوه وَمن قدح فِي نقل الْجُمْهُور كَيفَ يُمكنهُ إِثْبَات نقل نفر قَلِيل وَنحن علينا أَن نحب من أحبه الله وَرَسُوله كعلي وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ عَائِشَة قيل فَمن الرِّجَال قَالَ أَبوهَا وَفِي الصَّحِيح أَن عمر قَالَ لأبي بكر يَوْم السَّقِيفَة بل أَنْت سيدنَا وخيرنا وأحبنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كنت متخذا من هَذِه الْأمة خَلِيلًا لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وقولك مُخَالفَته تنَافِي الْمَوَدَّة إِلَخ فَالْجَوَاب إِن كَانَت الْمَوَدَّة توجب الطَّاعَة فقد وَجَبت مَوَدَّة ذَوي الْقُرْبَى فَتجب طاعتهم فَيجب أَن تكون فَاطِمَة أَيْضا إِمَامًا وَإِلَّا فالمودة لَيست مستلزمة للْإِمَامَة فَإِن كَانَت ملزوم الْإِمَامَة وإنتفاء الْمَلْزُوم يَقْتَضِي إنتفاء اللَّازِم فَلَا تجب مَوَدَّة إِلَّا من يكون إِمَامًا مَعْصُوما وقولك الْمُخَالفَة تنَافِي الْمَوَدَّة فَنَقُول إِذا لم تكن الْمُخَالفَة قادحة فِي الْمَوَدَّة إِلَّا إِذا كَانَ وَاجِب الطَّاعَة فَحِينَئِذٍ يجب أَن نعلم وجوب الطَّاعَة أَولا فَإِذا ثَبت وُجُوبهَا بِمُجَرَّد وجوب الْمَوَدَّة كَانَ دورا إِلَّا إِذا علم أَنه إِمَام ثمَّ الْمُخَالفَة تقدح فِي الْمَوَدَّة إِذا امرنا وَنحن نعلم أَنه لم يَأْمُرنَا بِطَاعَتِهِ فِي زمن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَتجب مَوَدَّتهمْ أَيْضا وطاعتهم ومخالفتهم تقدح فِي مَوَدَّتهمْ بل تقدح فِي محبَّة الله وَرَسُوله قَالَ الْبُرْهَان الثَّامِن قَوْله (وَمن النَّاس من يشرى نَفسه إبتغاء مرضاة الله) قَالَ الثَّعْلَبِيّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ الْهِجْرَة اسْتخْلف عليا لقَضَاء دُيُونه ورد الودائع وَأمره لَيْلَة خرج إِلَى الْغَار وَأَحَاطُوا بالديار أَن ينَام على فرَاشه ويتشح بِبرْدِهِ الْأَخْضَر وَقَالَ إِنَّه لَا يخلص إِلَيْك مِنْهُم مَكْرُوه فَفعل فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل إِنِّي قد آخيت بَيْنكُمَا وَجعلت عمر أَحَدكُمَا أطول من الآخر فأيكما يُؤثر صَاحبه بِالْحَيَاةِ فَاخْتَارَ كِلَاهُمَا الْحَيَاة فَقَالَ أَلا كنتما مثل عَليّ آخيت بَينه وَبَين مُحَمَّد فَبَاتَ على فرَاشه يفْدِيه بِنَفسِهِ ويؤثره الْحَيَاة اهبطا إِلَى الأَرْض فاحفظاه فَنزلَا فَكَانَ جِبْرِيل عِنْد رَأسه وَمِيكَائِيل عِنْد رجلَيْهِ فَقَالَ جِبْرِيل بخ بخ من مثلك يَا ابْن أبي طَالب يباهي الله بك الْمَلَائِكَة فَأنْزل الله على نبيه وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى الْمَدِينَة فِيهِ (وَمن النَّاس من يشرى نَفسه إبتغاء مرضاة الله) وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّهَا نزلت فِي عَليّ لما هرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْغَار وَهَذِه فَضِيلَة لم تحصل لغيرة تدل على أفضليته فَيكون هُوَ الإِمَام وَالْجَوَاب الْمُطَالبَة بِصِحَّة النَّقْل وعزوك ذَلِك إِلَى الثَّعْلَبِيّ لَا يجدي شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 فالنبي لما هَاجر لم يكن لقريش غَرَض فِي طلب عَليّ إِنَّمَا كَانَ مطلوبهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر فَجعلَا فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَته لمن جَاءَ بِهِ كَمَا صَحَّ لَا كَمَا سقت من الْكَذِب السمج فَترك عليا على فرَاشه لِيَظُنُّوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَيْت فَلَا يطلبوه فَلَمَّا أَصْبحُوا وجدوا عليا فظهرت خيبتهم وَلم يؤذوا عليا بل سَأَلُوهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا علم لي بِهِ وَلَو كَانَ لَهُم فِي عَليّ غَرَض لآذوه فَلَمَّا لم يتَعَرَّضُوا لَهُ دلّ على أَنه لَا غَرَض لَهُم فِيهِ وَالَّذِي كَانَ يقْصد الدّفع بِنَفسِهِ هُوَ أَبُو بكر بِلَا ريب وَكَانَ يذكر الطّلب فَيكون خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيذكر الرصد فَيكون امامه ثمَّ غير وَاحِد من الصَّحَابَة قد فدوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنْفسِهِم فِي الحروب فَمنهمْ من قتل بَين يَدَيْهِ وَمِنْهُم من شلت يَده كطلحة وَهَذَا وَاجِب على الْمُؤمنِينَ وَفِي السِّيرَة لإبن إِسْحَاق قَالَ فَأتى جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تبت اللَّيْلَة على فراشك فَلَمَّا كَانَت عتمة من اللَّيْل اجْتَمعُوا على بَابه يَرْصُدُونَهُ حَتَّى ينَام فيثبون عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقامهم قَالَ لعَلي نم على فِرَاشِي واتشح ببردي هَذَا فَإِنَّهُ لن يخلص إِلَيْك شَيْء تكرههُ مِنْهُم وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ لما اجْتَمعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جهل قَالَ إِن مُحَمَّدًا يزْعم أَنكُمْ إِن تابعتموه على أمره كُنْتُم مُلُوك الْعَرَب والعجم ثمَّ بعثتم من بعد موتكم فَجعلت لكم جنَّات كجنات الْأُرْدُن وَإِن لم تَفعلُوا كَانَ لَهُ فِيكُم ذبح ثمَّ بعثتم من بعد موتكم فَجعلت لكم نَار تحرقون فِيهَا قَالَ وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم فَأخذ حفْنَة من تُرَاب ثمَّ قَالَ نعم أَنا أَقُول ذَلِك أَنْت أحدهم وَأخذ الله بِأَبْصَارِهِمْ عَنهُ فَلَا يرونه وَلم يبْق مِنْهُم رجل إِلَّا وضع التُّرَاب على رَأسه ثمَّ انْصَرف إِلَى حَيْثُ أَرَادَ فَأَتَاهُم آتٍ فَقَالَ مَا تنتظرون هَا هُنَا قَالُوا مُحَمَّدًا قَالَ خيبكم الله قد وَالله خرج ثمَّ مَا ترك مِنْكُم رجلا إِلَّا وضع على رَأسه تُرَابا فنظروا فَرَأَوْا التُّرَاب ثمَّ جعلُوا يطعلون فيرون عليا على الْفراش متسجيا بِبرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولُونَ وَالله إِن هَذَا لمُحَمد نَائِم عَلَيْهِ برده فَلم يبرحوا كَذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا فَقَامَ عَليّ فَقَالُوا وَالله لقد كَانَ صدقنا الَّذِي حَدثنَا وأنزلت قَوْله تَعَالَى (وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا ليثبتوك أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وَالله خير الماكرين) فَهَذَا يُوضح لَك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعده أَنه لَا يُصِيبهُ مَكْرُوه فاطمأن إِلَى قَول الصَّادِق ثمَّ مَا أوردته هذيان بَاطِل لَا سِيمَا محاورة جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ومؤاخاتهما وأعمارهما ثمَّ مؤاخاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي لم تصح وَمَعَ ذَلِك فيروى أَنَّهَا كَانَت بِالْمَدِينَةِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَذَلِكَ بعد الْهِجْرَة ثمَّ قَوْله تَعَالَى (وَمن النَّاس من يشرى نَفسه إبتغاء مرضاة الله) فِي الْبَقَرَة وَهِي مَدَنِيَّة بإتفاق وَقيل نزلت الْآيَة لما هَاجر صُهَيْب وَطَلَبه الْمُشْركُونَ فَأَعْطَاهُمْ مَاله وأتى الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربح البيع أَبَا يحيى وَهَذِه الْقِصَّة فِي عدَّة تفاسير وَعَن قَتَادَة قَالَ نزلت فِي الْمُجَاهدين الْمُهَاجِرين وَقَالَ عِكْرِمَة نزلت فِي صُهَيْب وَأبي ذَر حِين أَخذ أهل بدر أَبَا ذَر فانفلت مِنْهُم فَقدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَجَعَ مُهَاجرا عرضوا لَهُ بمر الظهْرَان فانفلت مِنْهُم أَيْضا وَأما صُهَيْب فَأَخذه أَهله فَافْتدى مِنْهُم بِمَالِه وَأَيْضًا فَلفظ الْآيَة مُطلق فَكل من بَاعَ نَفسه إبتغاء مرضاة الله فقد دخل فِيهَا وَأهل بيعَة الرضْوَان بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَوْت أخرجه البُخَارِيّ وَلَا ريب أَن الْفَضِيلَة الَّتِي حصلت لأبي بكر فِي الْغَار وَالْهجْرَة انْفَرد بهَا فَتكون هَذِه الْأَفْضَلِيَّة ثَابِتَة لَهُ دون عمر وَعُثْمَان وَعلي وَغَيرهم من الصَّحَابَة فَيكون هُوَ الإِمَام فَهَذَا هُوَ الدَّلِيل الصدْق الَّذِي لَا كذب فِيهِ قَالَ الله تَعَالَى (إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي إثنين إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا) فَأَيْنَ مثل هَذِه الخصيصة لغير الصّديق بِنَصّ الْقُرْآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 ثمَّ إِن عليا لم يؤذ فِي مبيته على فرَاش النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أوذي غَيره فِي وقايتهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبُرْهَان التَّاسِع قَوْله (فَمن حاجك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من الْعلم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ) الْآيَة نقل الْجُمْهُور أَن (أبناءنا) إِشَارَة إِلَى الْحسن وَالْحُسَيْن (وَنِسَاءَنَا) إِلَى فَاطِمَة (وأنفسنا) إِلَى عَليّ وَهَذِه الْآيَة أدل دَلِيل على ثُبُوت الْإِمَامَة لَهُ لِأَن الله جعله نفس الرَّسُول والإتحاد محَال فَبَقيَ المُرَاد بالمساواة لَهُ الْولَايَة وَأَيْضًا فَلَو كَانَ غير هَؤُلَاءِ مُسَاوِيا لَهُم وَأفضل مِنْهُم لاستجابة الدُّعَاء لأَمره تَعَالَى بأخذهم مَعَه لِأَنَّهُ فِي مَوضِع الْحَاجة وَإِذا كَانُوا هم الْأَفْضَل تعيّنت الْإِمَامَة فيهم فَهَل تخفى دلَالَة هَذِه الْآيَة على الْمَطْلُوب إِلَّا على من استحوذ الشَّيْطَان عَلَيْهِ الْجَواب أما أَخذه عليا وَفَاطِمَة وابنيهما فِي المباهلة فَفِي مُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص لما نزلت هَذِه الْآيَة دعاهم فَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي وَلَكِن لَا دلَالَة فِي ذَلِك على الْإِمَامَة وَلَا على الْأَفْضَلِيَّة وقولك جعله نفس الرَّسُول قُلْنَا لَا نسلم أَنه لم يبْق إِلَّا الْمُسَاوَاة وَلَا دَلِيل على ذَلِك بل حمله على ذَلِك مُمْتَنع لِأَن أحدا لَا يُسَاوِي الرَّسُول وَهَذَا اللَّفْظ فِي اللُّغَة لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاة قَالَ الله تَعَالَى (لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا) وَلم يُوجب ذَلِك أَن يكون الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات متساوين وَقَالَ تَعَالَى (فَاقْتُلُوا أَنفسكُم) أَي يقتل بَعْضكُم بَعْضًا وَلم يُوجب ذَلِك تساويهم وَلَا أَن يكون من عبد الْعجل مُسَاوِيا لمن لم يعبده وَكَذَلِكَ (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم) أَي لَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا وَإِن كَانُوا غير متساوين بل بَينهم من التباين مَا لَا يُوصف وَمِنْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 (ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون أَنفسكُم) فَهَذَا اللَّفْظ يدل على المجانسة والمشابهة فِي أُمُور فَقَوله تَعَالَى (نَدع أبناءنا أبناءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ أَي ورجالنا ورجالكم أَي الرِّجَال الَّذين هم من جنسنا فِي الدّين وَالنّسب وَالْمرَاد التجانس فِي الْقَرَابَة مَعَ الْإِيمَان فَذكر الْأَوْلَاد وَالنِّسَاء وَالرِّجَال الْأَقْرَبين وَلم يكن عِنْده أحد أقرب إِلَيْهِ من الْعَصَبَات من على ثمَّ أدَار عَلَيْهِم الكساء والمباهلة إِنَّمَا تحصل بالأقربين إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَو بأهلهم بالأبعدين فِي النّسَب وَإِن كَانُوا أفضل لم يحصل الْمَقْصُود وَآيَة المباهلة سنة عشر لما قدم وَفد نَجْرَان وَلم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بَقِي من أَعْمَامه غير الْعَبَّاس وَالْعَبَّاس لم يكن لَهُ سَابِقَة وَلَا دلَالَة اخْتِصَاص على النَّبِي وقولك لَو كَانَ غير هَؤُلَاءِ مُسَاوِيا لَهُم لأمر بأخذهم مَعَه قُلْنَا نَحن نعلم بالإضطرار أَنه لَو دَعَا أَبَا بكر وَعمر وَطَائِفَة من الْكِبَار لكانوا من أعظم شَيْء إستجابة لأَمره لَكِن لم يُؤمر بأخذهم لِأَن ذَلِك لَا يحصل بِعْ مَقْصُود المباهلة فَإِن أُولَئِكَ يأْتونَ بِمن يعز عَلَيْهِم طبعا كأقرب النَّاس إِلَيْهِم فَلَو دَعَا الرَّسُول قوما أجانب لأتى أُولَئِكَ بأجانب وَلم يكن يشْتَد عَلَيْهِم نزُول المباهلة بأولئك الْأَجَانِب كَمَا يشْتَد عَلَيْهِم نُزُولهَا بالأقربين فَإِن طبع الْمَرْء يخَاف على أقربيه مَا لَا يخَاف على الْأَجَانِب وَالنَّاس عِنْد المهادنة تَقول كل طَائِفَة لِلْأُخْرَى أرهنوا عندنَا أبناءكم ونساءكم فَلَو رهنت أجانب لم يرض أُولَئِكَ وَلَا يلْزم أهل الرجل أَن يَكُونُوا أفضل عِنْد الله من غَيرهم فدع عَنْك التشبث بِأَلْفَاظ مجملة وَلَا تزغ عَن النُّصُوص الصَّرِيحَة وَلَا تَظنن أحدا مُسَاوِيا للرسول أصلا وَلَو كَانَ بَاقِي بَنَاته فِي الْحَيَاة لباهل بِهن وَلَو كَانَ ابْنه إِبْرَاهِيم يعرف لباهل بِهِ وَلَو كَانَ عَمه حَمْزَة حَيا لباهل بِهِ قَالَ الْبُرْهَان الْعَاشِر قَوْله (فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ) روى ابْن المغازلي بِإِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكَلِمَات فَقَالَ سَأَلَهُ بِحَق مُحَمَّد وَعلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن إِلَّا تبت عَليّ فَتَابَ عَلَيْهِ وَفِيه مساواته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 للنَّبِي فِي التوسل بِهِ الْجَواب الْمُطَالبَة بِصِحَّة ذَلِك وأنى لَك صِحَّته فَإِنَّهُ من أقبح الْكَذِب على الله وَرَسُوله وَقد سَاقه ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات من أَفْرَاد أبي الْحسن على بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ فَإِن لَهُ كتبا فِي الْأَفْرَاد والغرائب قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تفرد بِهِ حُسَيْن الْأَشْقَر رَاوِي الموضوعات عَن الْإِثْبَات عَن عَمْرو بن ثَابت وَلَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون فَأَما الْكَلِمَات فقد جَاءَت فِي الْقُرْآن مفسرة فِي قَوْله تَعَالَى (قَالَا رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وَمن الْمَعْلُوم أَن من هُوَ دون آدم من الْكفَّار والفساق إِذا تَابَ أحدهم إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن لم يقسم عَلَيْهِ بِأحد وَنَبِينَا مَا أَمر أحدا فِي تَوْبَته بِمثل هَذَا الدُّعَاء قَالَ الْبُرْهَان الْحَادِي عشر قَوْله تَعَالَى (إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا قَالَ وَمن ذريتي) روى ابْن المغازلي الشَّافِعِي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتَهَت الدعْوَة إِلَيّ وَإِلَى عَليّ لم يسْجد أَحَدنَا لصنم فاتخذني نَبيا وَاتخذ عليا وَصِيّا وَهَذَا نَص فِي الْبَاب الْجَواب إِن هَذَا كذب بإتفاق الْحفاظ فَإِن أُرِيد إنتهاء الدعْوَة إِلَى عَليّ لزم أَن لَا يكون بَاقِي الإثني عشر أَئِمَّة وَسَائِر الْأمة لم يسجدوا لصنم كخلق من الْفُسَّاق بل عَامَّة الصَّحَابَة الَّذين سجدوا للصنم أفضل من أَوْلَادهم بإتفاق وَقد ذكر الله أَن لوطا آمن لإِبْرَاهِيم وَهُوَ نَبِي وَقَالَ شُعَيْب (قد افترينا على الله كذبا إِن عدنا فِي ملتكم بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 قَالَ الْبُرْهَان الثَّانِي عشر قَوْله تَعَالَى (إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا) روى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ نزلت فِي عَليّ والود محبته فِي الْقُلُوب المؤمنة وَمن تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ عَن الْبَراء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَليّ قل اللَّهُمَّ اجْعَل عنْدك عهدا وَاجعَل لي فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ مَوَدَّة فأنزلت الْآيَة وَلم يثبت ذَلِك لغيره فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا لَا بُد من إِقَامَة الدَّلِيل على صِحَة الْمَنْقُول وَإِلَّا فالاستدلال بِمَا لم تثبت مقدماته بَاطِل وَهُوَ من القَوْل بِلَا برهَان ثمَّ مَا أوردته مَوْضُوع عِنْد أهل الْمعرفَة ثمَّ قَوْله تَعَالَى (إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات) عَام فَكيف تقصره على عَليّ بل يتَنَاوَل عليا كَمَا يتَنَاوَل غَيره ويتناول الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة فَعلم بِالْإِجْمَاع عدم إختصاصها بِوَاحِد وَالله لَا يخلف الميعاد فقد وعد بِأَن يَجْعَل لَهُم الود فِي الْقُلُوب فقد جعله فِي قُلُوب جَمَاهِير الْمُسلمين للصحابة والسابقين لَا سِيمَا الْخُلَفَاء رَضِي الله عَنْهُم وَلَا سِيمَا أَبُو بكر وَعمر وَعَامة الصَّحَابَة وأولهم عَليّ يودون أَبَا بكر وَعمر وَمَا علمنَا أحدا من الصَّحَابَة سبهما وَلم يتَّفق ذَلِك للْإِمَام عَليّ بل نَالَ جمَاعَة من الصَّحَابَة من عَليّ وسبوه كَمَا جرى لعُثْمَان فَعلمنَا أَن الْمَوَدَّة الَّتِي جعلهَا الله لأبي بكر وَعمر أعظم من الْمَوَدَّة الَّتِي جعلهَا للآخرين قَالَ الْبُرْهَان الثَّالِث عشر قَوْله (إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد) فَفِي كتاب الفردوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا الْمُنْذر وَعلي الْهَاد بك يَا عَليّ يَهْتَدِي المهتدون وروى نَحوه أَبُو نعيم وَهُوَ صَرِيح فِي ثُبُوت الْإِمَامَة وَالْجَوَاب أَنَّك مَا ذكرت دَلِيلا على صِحَّته وَأجْمع الْعلمَاء أَن الْخَبَر مُجَرّد كَونه فِي كتاب كَذَا لَا يدل على ثُبُوته وَكتاب الفردوس للديلمي محشو بالموضوعات كَغَيْرِهِ وَهَذَا من أقبحها وَلَا تحل نسبته إِلَى الرَّسُول فَإِن قَوْله وَأَنت الْهَاد وَمَا بعده ظَاهره أَنهم يَهْتَدُونَ بك دوني وَهَذَا لَا يَقُوله مُسلم وَإِن قلت مَعْنَاهُ يَهْتَدُونَ بِهِ كهدايتهم بالرسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 اقتضي الْمُشَاركَة وَالله بِنَصّ كِتَابه قد جعل مُحَمَّدًا هاديا فَقَالَ (وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم) وقولك وَبِك يَهْتَدِي المهتدون ظَاهره أَن كل مُسلم اهْتَدَى فبعلي اهْتَدَى وَهَذَا كذب فَإِن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اهْتَدَى بِهِ أُمَم ودخلوا الْجنَّة وَلم يَأْخُذُوا عَن عَليّ مثله ثمَّ لما فتحت الْأَمْصَار اهْتَدَى النَّاس بِمن سكنها من الصَّحَابَة وَعلي مُقيم بِالْمَدِينَةِ لم يروه فَكيف يسوغ أَن يُقَال بك يَهْتَدِي المهتدون ثمَّ قَوْله تَعَالَى (وَلكُل قوم هاد) عَام فِي كل الطوائف فَكيف يَجْعَل عليا هاديا للأولين والآخرين ثمَّ الإهتداء بالشخص قد يكون بِغَيْر تَأمره عَلَيْهِم كَمَا يَهْتَدِي بالعالم فدعواك دلَالَة الْقُرْآن على عَليّ بَاطِل قَالَ الْبُرْهَان الرَّابِع عشر قَوْله (وقفوهم إِنَّهُم مسئولون) من طَرِيق أبي نعيم الْحَافِظ عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مسئولون عَن ولَايَة عَليّ وَكَذَا فِي كتاب الفردوس عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا سئلوا عَن الْولَايَة يَوْم الْقِيَامَة وَجب أَن تكون ثَابِتَة لَهُ فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا وَهَذَا كذب فَانْظُر إِلَى سِيَاق الْآيَات فِي قُرَيْش (وَيَقُولُونَ أإنا لتاركوا آلِهَتنَا لشاعر مَجْنُون إِلَى قَوْله احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم وَمَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله فاهدوهم إِلَى صِرَاط الْجَحِيم وقفوهم إِنَّهُم مسئولون) فَهَذَا نَص فِي الْمُشْركين المكذبين بِيَوْم الدّين فَهَؤُلَاءِ يسْأَلُون عَن التَّوْحِيد وَالْإِيمَان وَأي مدْخل لحب عَليّ فِي سُؤال هَؤُلَاءِ أَترَاهُم لَو أحبوه مَعَ شركهم لَكَانَ ذَلِك يَنْفَعهُمْ ومعاذ الله أَن يُفَسر كتاب الله بِمثل هَذَا قَالَ الْبُرْهَان الْخَامِس عشر قَوْله تَعَالَى (ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل) روى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ عَن أبي سعيد قَالَ يبغضهم عليا وَلم يثبت لغيره من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الصَّحَابَة ذَلِك فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا وَهَذَا كذب على أبي سعيد ونعلم بالإضطرار أَن عَامَّة الْمُنَافِقين لم يكن مَا يعْرفُونَ بِهِ فِي لحن القَوْل هُوَ بغض عَليّ ثمَّ لم يكن عَليّ بأعظم معاداة لَهُم من عمر فبغضهم لعمر أوكد وَصَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أيسر النِّفَاق بغض الْأَنْصَار فَكَانَ معرفَة الْمُنَافِقين فِي لحنهم ببغض الْأَنْصَار أولى وَكَذَلِكَ لَا يبغض عليا إِلَّا مُنَافِق وعلامات النِّفَاق كَثِيرَة فَهَذَا مِنْهَا وَمِنْهَا الْكَذِب وَمِنْهَا الْخِيَانَة وَخلف الْوَعْد والفجور فَنَقُول من أحب عليا لم يسْتَحقّهُ من الْمحبَّة من إيمَانه وجهاده أَو أحب الْأَنْصَار لذَلِك فَذَلِك من عَلَامَات إيمَانه وَمن أبْغض عليا أَو الْأَنْصَار لإيمانهم وجهادهم ونصرهم الرَّسُول فَهُوَ مُنَافِق أما من أحبهم لأمر طبعي مثل قرَابَة أَو دنيا فَذَلِك كمحبة أبي طَالب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا من غلا فِي الْمَسِيح أَو فِي مُوسَى أَو عَليّ فَأحب من اعْتقد فِيهِ فَوق مرتبته فَذَاك محب مطر بِمَا لَا وجود لَهُ فالمسيح الَّذِي أطرته النَّصَارَى أفضل من عَليّ وَلَا يَنْفَعهُمْ حبه وَلَا ينفع إِلَّا الْحبّ فِي الله لَا الْحبّ مَعَ الله وَكَذَا من أبْغض الْأَنْصَار أَو أحدا من كبار الصَّحَابَة لأمر سَمعه غير مُطَابق كَانَ مخطئا ضَالًّا جَاهِلا وَلم يكن منافقا قَالَ الْبُرْهَان السَّادِس عشر قَوْله تَعَالَى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون) عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَابق هَذِه الْأمة عَليّ قُلْنَا هَذَا لم يَصح وَلَا ذكرت سَنَده وَلَو صَحَّ لم تكن فِيهِ حجَّة وَالله يَقُول (وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم) فالسابقون هم الَّذين أَنْفقُوا من قبل الْفَتْح وقاتلوا وَدخل فيهم أهل بيعَة الرضْوَان فَكيف يُقَال إِن سَابق هَذِه الْأمة وَاحِد وَأول من سبق إِلَى الْإِسْلَام ملى الرِّجَال أَبُو بكر وَمن النِّسَاء خَدِيجَة وَمن الصّبيان عَليّ وَمن الموَالِي زيد وَإِسْلَام الصَّبِي فِيهِ نزاع وَإِسْلَام أبي بكر كَانَ أكمل وأنفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 قَالَ الْبُرْهَان السَّابِع عشر قَوْله تَعَالَى (الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم أعظم دَرَجَة) الْآيَة روى رزين بن مُعَاوِيَة فِي الْجمع بَين الصِّحَاح السِّتَّة أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ فَيكون أفضل وَيكون هُوَ الإِمَام الْجَواب الْمُطَالبَة بِصِحَّة النَّقْل ورزين قد يزِيد أَشْيَاء من عِنْده بل الَّذِي فِي الصَّحِيح مَا رَوَاهُ النُّعْمَان بن بشير قَالَ كنت عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رجل لَا أُبَالِي أَن لَا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أسْقى الْحَاج وَقَالَ آخر لَا أُبَالِي أَن لَا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أعمر الْمَسْجِد الْحَرَام وَقَالَ آخر الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أفضل مِمَّا قُلْتُمْ فزجرهم عمر وَقَالَ لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن إِذا صليت الْجُمُعَة دخلت فاستفتيته فِيمَا اختلفتم فِيهِ فَأنْزل الله تَعَالَى (أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله) الْآيَة رَوَاهُ مُسلم فَهَذَا يَقْتَضِي أَن قَول عَليّ الَّذِي فضل بِهِ الْجِهَاد على السدَانَة والسقاية أصح من قَول من فضل السدَانَة والسقاية وَأَن عليا كَانَ أعلم بِالْحَقِّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّن نازعه فِيهَا وَهَذَا عمر قد وَافق ربه عزوجل فِي عدَّة أُمُور يَقُول شَيْئا وَينزل الْقُرْآن بموافقته مقَام إِبْرَاهِيم والحجاب وأسارى بدر وَقَوله (عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن) وهب أَن عليا اخْتصَّ بمزية فَمَا ذَلِك من خَصَائِص الْإِمَامَة وَلَا بِمُوجب أَن يكون أفضل الْأمة فَإِن الْخضر لما علم مسَائِل لم يعلمهَا مُوسَى لم يكن أفضل من مُوسَى بل هَذَا الهدهد قَالَ لِسُلَيْمَان نَبِي الله (أحطت بِمَا لم تحط بِهِ) بل الْآيَة بِأبي بكر أولى من عَليّ فَإِن عليا كَانَ فَقِيرا لَا مَال لَهُ وَأَبُو بكر أنْفق فِي سَبِيل الله قَالَ الْبُرْهَان الثَّامِن عشر قَوْله تَعَالَى (إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة) فَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ حرم الله كَلَام رَسُوله إِلَّا بِتَقْدِيم صَدَقَة وبخلوا أَن يتصدقوا وَتصدق عَليّ وَلم يفعل ذَلِك غَيره وَعَن ابْن عمر قَالَ كَانَ لعَلي ثَلَاث لإن تكن فِي وَاحِدَة مِنْهُنَّ أحب إِلَيّ من حمر النعم تَزْوِيجه بفاطمة وإعطاؤه الرَّايَة يَوْم خَيْبَر وَآيَة النَّجْوَى وَعَن عَليّ قَالَ مَا عمل بِهَذِهِ الْآيَة غَيْرِي وَفِي خفف الله عَن الْأمة وَهَذَا يدل على فضيلته عَلَيْهِم فَيكون أَحَق بِالْإِمَامَةِ قُلْنَا عمل بِالْآيَةِ وَنسخت وَمَا فِيهَا إِيجَاب الصَّدَقَة لَكِن أَمرهم إِذا ناجوا أَن يتصدقوا وَمن لم يناج لم يكن عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق وَلم تكن الْمُنَاجَاة وَاجِبَة فَلَا لوم على أحد إِذا ترك مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَمن كَانَ مِنْهُم عَاجِزا عَن الصَّدَقَة وَلَكِن لَو قدر لناجى فَتصدق فَلهُ نِيَّته وأجره وَمن لم يعرض لَهُ سَبَب يُنَاجِي لأَجله لم يَجْعَل نَاقِصا وَلَكِن من عرض لَهُ سَبَب اقْتضى الْمُنَاجَاة فَتَركه بخلا فَهَذَا قد ترك الْمُسْتَحبّ وَلَا يُمكن أَن يشْهد على الْخُلَفَاء أَنهم كَانُوا من هَذَا الضَّرْب وَلَا يعلم أَنهم ثَلَاثَتهمْ كَانُوا حاضرين عِنْد نزُول هَذِه الْآيَة بل يُمكن غيبَة بَعضهم وَيُمكن حَاجَة بَعضهم وَيُمكن عدم الدَّاعِي إِلَى الْمُنَاجَاة وَبِتَقْدِير أَن يكون أحدهم ترك الْمُسْتَحبّ أفكل من أدّى مُسْتَحبا يكون أفضل الْأمة وَثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أصبح مِنْكُم صَائِما قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ هَل فِيكُم من شيع جَنَازَة قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ هَل فِيكُم من تصدق بِصَدقَة قَالَ أَبُو بكر أَنا فَقَالَ مَا اجْتمعت هَذِه الْخِصَال لعبد إِلَّا كَانَ من أهل الْجنَّة وَثَبت أَنه قَالَ مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الصَّحِيحَيْنِ إِن أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَمَاله أَبُو بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا غير رَبِّي لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا لَكِن أخوة الْإِسْلَام ومودته لَا يبْقين بَاب فِي الْمَسْجِد إِلَّا سد إِلَّا بَاب أبي بكر وَفِي سنَن أبي دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر أما إِنَّك يَا أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 من أمتِي وَفِي التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُد عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتصدق فَوَافَقَ مني مَالا فَقلت الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته قَالَ فَجئْت بِنصْف مَالِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أبقيت لأهْلك قلت مثله وأتى أَبُو بكر بِكُل مَا عِنْده فَقَالَ يَا أَبَا بكر مَا أبقيت لأهْلك قَالَ الله وَرَسُوله قلت لَا أسابقه إِلَى شَيْء أبدا وَفِي التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا لَا يَنْبَغِي لقوم فيهم أَبُو بكر أَن يؤمهم غَيره وتجهيز عُثْمَان بِأَلف بعير أعظم من صَدَقَة النَّجْوَى بِكَثِير فَإِن الْإِنْفَاق فِي الْجِهَاد كَانَ فرضا بِخِلَاف الصَّدَقَة أَمَام النَّجْوَى فَإِنَّهُ مَشْرُوط بمريد النَّجْوَى فَمن لم يردهَا لم يكن عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا رجل يَسُوق بقرة وَقد حمل عَلَيْهَا التفتت إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي لم أخلق لهَذَا إِنَّمَا خلقت للحرث فَقَالَ النَّاس سُبْحَانَ الله تَعَجبا وفزعا أبقرة تَتَكَلَّم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنِّي أُؤْمِن بِهِ أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا رَاع فِي غنمه غَدا عَلَيْهِ الذِّئْب فَأخذ مِنْهَا شَاة فَطَلَبه الرَّاعِي حَتَّى استنقذها فَالْتَفت إِلَيْهِ الذِّئْب فَقَالَ من لَهَا يَوْم السَّبع يَوْم لَيْسَ لَهَا رَاع غَيْرِي فَقَالَ النَّاس سُبْحَانَ الله فَقَالَ إِنِّي أُؤْمِن بِهَذَا أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَمَا هما ثمَّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رجلا من الْأَنْصَار بَات بِهِ ضيف فَلم يكن لَهُ إِلَّا قوته وقوت صبيانه فَقَالَ لامْرَأَته نومي الصبية وأطفئي السراج وقربي للضيف مَا عنْدك فَفعلت فأنزلت (ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة) وَهَذَا أعظم من صَدَقَة النَّجْوَى قَالَ الْبُرْهَان التَّاسِع عشر قَالَ تَعَالَى (واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ) قَالَ ابْن عبد الْبر وَأخرجه أَبُو نعيم أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ جمع الله بَينه وَبَين الْأَنْبِيَاء ثمَّ قَالَ سلهم يَا مُحَمَّد على مَاذَا بعثتم قَالُوا بعثنَا على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وعَلى الْإِقْرَار بنبوتك وَالْولَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 لعَلي وَهَذَا صَرِيح بِثُبُوت الْإِمَامَة لعَلي الْجَواب لَا شكّ أَن هَذَا وَأَمْثَاله من الْكَذِب وَلَو لم يكن كذبا لم يسغْ أَن يحْتَج بِهِ حَتَّى تثبت صِحَّته ثمَّ كَيفَ يسْأَلُون عَمَّا لَا يدْخل فِي أصل الْإِيمَان فقد أجمع الْمُسلمُونَ على أَن الرجل لَو آمن بالرسول وأطاعه وَمَات وَلم يعلم أَن الله خلق أَبَا بكر وعليا لم يضرّهُ ذَلِك فِي إيمَانه فَكيف يُقَال إِن الْأَنْبِيَاء يجب عَلَيْهِم الْإِيمَان بِوَاحِد من الصَّحَابَة وَالله أَخذ عَلَيْهِم الْمِيثَاق لَئِن بعث مُحَمَّدًا وهم أَحيَاء ليُؤْمِنن بِهِ ولينصرنه قَالَه ابْن عَبَّاس وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى (وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه) الْآيَة ثمَّ إِن لفظ الْآيَة (واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا) لَيْسَ فِي هَذَا سُؤال لَهُم بِمَا بعثوا بل بِمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْآيَة قَالَ الْبُرْهَان الْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى (وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة) فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلت الله أَن يَجْعَلهَا أُذُنك يَا عَليّ وَذكر نَحوه من طَرِيق أبي نعيم وَهَذِه فَضِيلَة لم تحصل لأحد غَيره فَيكون هُوَ الْمُقدم وَالْجَوَاب هَذَا مَوْضُوع وَقَوله تَعَالَى (لنجعلها لكم تذكرة وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة) خطاب لبني آدم لم يرد وَاحِدًا من النَّاس فَإِن حمل نوح وَقَومه فِي السَّفِينَة من أعظم الْآيَات نعم أذن عَليّ وَاعِيَة كآذان أبي بكر وَعمر وَخلق من الْأمة بِلَا ريب أَتَرَى أذن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيست وَاعِيَة وَلَا أذن الْحسن وَالْحُسَيْن وعمار وَأبي ذَر فَانْتفى التفرد والأفضيلة فكم تبنى أَمرك على مُقَدمَات واهية متلاشية كدأب أئمتك فَمَا برحتم كَذَلِك فَمَا تنْفق حججكم إِلَّا على تلميذ أَو صَاحب هوى وعصبية وَلِهَذَا يُقَال لَيْسَ للرافضة عقل وَلَا نقل وَلَا دين صَحِيح وَلَا دولة منصورة قَالَ الْبُرْهَان الْحَادِي وَالْعشْرُونَ سُورَة (هَل أَتَى) فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ بطرق قَالَ مرض الْحسن وَالْحُسَيْن فَعَادَهُمَا جدهما وَعَامة الْعَرَب فَقَالُوا يَا أبي الْحسن لَو نذرت على ولديك فَنَذر صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وَكَذَلِكَ نذرت أمهما وجاريتهم فضَّة فبرئا وَلَيْسَ عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 آل مُحَمَّد قَلِيل وَلَا كثير فَاسْتقْرض عَليّ ثَلَاثَة آصَع من شعير فَعمِلت مِنْهُ فَاطِمَة خَمْسَة أَقْرَاص وَصلى عَليّ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب ثمَّ أَتَى الْمنزل فَوضع الطَّعَام بَين يَدَيْهِ إِذْ أَتَاهُم مِسْكين فَوقف فَسَأَلَ فَأَعْطوهُ الطَّعَام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يَذُوقُوا شَيْئا إِلَّا المَاء فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي قَامَت فَاطِمَة وخبزت صَاعا وَجَاء عَليّ فَأتى يَتِيم فَوقف بِالْبَابِ وَقَالَ يَا أهل بَيت مُحَمَّد يَتِيم من أَوْلَاد الْمُهَاجِرين اسْتشْهد وَالِدي يَوْم الْعقبَة أَطْعمُونِي أطْعمكُم الله من مَوَائِد الْجنَّة فَأَعْطوهُ الطَّعَام ومكثوا يَوْمَيْنِ وليلتين فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث طحنت الصَّاع الثَّالِث وخبزته وأتى عَليّ فَوضع الطَّعَام إِذْ أَتَى أَسِير فَقَالَ أَطْعمُونِي فَإِنِّي أَسِير مُحَمَّد أطْعمكُم الله على مَوَائِد الْجنَّة فَأمر عَليّ بإعطائه فَأَعْطوهُ الطَّعَام ومكثوا ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها لم يَذُوقُوا شَيْئا إِلَّا المَاء فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع ونفد مَا عِنْدهم أَخذ عَليّ الْحسن بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالْحُسَيْن بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَأَقْبل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يَرْتَعِشُونَ كالفراخ من الْجُوع فَانْطَلق مَعَهم إِلَى منزل فَاطِمَة وَقد لصق ظهرهَا بِبَطْنِهَا وَغَارَتْ عَيناهَا من الْجُوع فهبط جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد خد مَا هُنَاكَ الله فِي أهل بَيْتك فَأَقْرَأهُ (هَل أَتَى على الْإِنْسَان) وَهِي تدل على فضائله جمة لم يسْبق إِلَيْهَا فَيكون هُوَ الإِمَام وَالْجَوَاب الْمُطَالبَة بِصِحَّة هَذَا فَإِنَّهُ من وضع الطرقية لَا يرتاب حَافظ فِي وَضعه وَلَا أَرَاك تنقل من مُسْند مُعْتَبر وَلَا من كتاب مُحدث هَذَا كتاب خَصَائِص عَليّ رَضِي الله عَنهُ للنسائي وَفِيه الصَّحِيح والواهي وَلَكِن مَا فِيهِ مثل هَذِه الخرافات الَّتِي تَأتي بهَا وَكَذَلِكَ أَبُو نعيم فِي الخصائص وَابْن أبي حشمة وَكَذَلِكَ فِي جَامع التِّرْمِذِيّ أَشْيَاء ضَعِيفَة فِي مَنَاقِب عَليّ وَفِي صِفَاته وَلَكِن حاشاهم مَا أوردت أَنْت من الْإِفْك وَأَصْحَاب السّير كإبن إِسْحَاق وَغَيره يذكرُونَ من فضائله أَشْيَاء ضَعِيفَة وَلم يذكرُوا مثل هَذَا وَلَا رووا مِمَّا قُلْنَا فِيهِ أَنه مَوْضُوع بإتفاق أهل النَّقْل وَمن الْمَعْلُوم أَن عليا إِنَّمَا تزوج بفاطمة بِالْمَدِينَةِ و (هَل أَتَى على الْإِنْسَان) مَكِّيَّة بإتفاق الْمُفَسّرين فلاح كذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الحَدِيث ثمَّ قد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن النّذر وَقَالَ إِنَّه لَا يَأْتِي بِخَير وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل فَالله مدح الْوَفَاء بِالنذرِ لَا على نفس عقده كَمَا ينْهَى الْمَرْء على الظِّهَار فَإِذا ظَاهر وادى الْكَفَّارَة الْوَاجِبَة مدح ثمَّ لم تكن لفاطمة جَارِيَة اسْمهَا فضَّة وَلَا نَعْرِف أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ جَارِيَة اسْمهَا فضَّة وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة ابْن عقب أَسمَاء مَوْضُوعَة لمعدومين وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَادِمًا فعلمها أَن تسبح عِنْد الْمَنَام وتكبر وتحمد مائَة وَقَالَ هَذَا خير لكم من خَادِم ثمَّ ترك الْأَطْفَال ثَلَاثَة أَيَّام بِلَا غذَاء خلاف الشَّرْع وَتعرض للتلف وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول وَأَيْضًا فَكَانَ يُمكنهُم أَن يواسوا السَّائِل بقرص يَكْفِيهِ ثمَّ قَول الْيَتِيم اسْتشْهد أبي يَوْم الْعقبَة هَذَا من الْكَذِب الظَّاهِر المهتوك فليلة الْعقبَة كَانَت مبايعة مَحْضَة لَيست غَزْوَة فقبح الله من وَضعه ثمَّ إِنَّه لم يكن فِي الْمَدِينَة أَسِير قطّ يسْأَل النَّاس بل كَانَ الْمُسلمُونَ يقومُونَ بالأسير الَّذِي يستأسرونه فدعوى الْمُدَّعِي أَن أَسْرَاهُم كَانُوا مُحْتَاجين إِلَى مَسْأَلَة النَّاس كذب عَلَيْهِم وقدح فيهم وَقد كَانَ جَعْفَر بن أبي طَالب أَكثر إطعاما للْمَسَاكِين من غَيره حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشبهت خلقي وَخلقِي وَحَتَّى قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَا احتذى أحد النِّعَال بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من جَعْفَر يَعْنِي فِي الْإِحْسَان وَالْبر وَمَعَ هَذَا فَمَا هُوَ أفضل من عَليّ ثمَّ إِنْفَاق أبي بكر أَمْوَاله فِي الله متواتر وَتلك النَّفَقَة مَا بَقِي يُمكن مثلهَا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه قَالَ الْبُرْهَان الثَّانِي وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى (وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون) من طَرِيق أبي نعيم عَن مُجَاهِد (وَصدق بِهِ) قَالَ عَليّ فَهَذِهِ فَضِيلَة اخْتصَّ بهَا فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا قَول مُجَاهِد وَحده لَيْسَ بِحجَّة أَن لَو ثَبت عَنهُ كَيفَ وَالثَّابِت عَنهُ خلاف هَذَا وَهُوَ أَن الصدْق الْقُرْآن وَالَّذِي صدق بِهِ هُوَ من عمل بِهِ ثمَّ مَا ذكرت معَارض بِمَا هُوَ أشهر مِنْهُ عِنْد الْمُفَسّرين وَهُوَ أَن الَّذِي صدق بِهِ أَبُو بكر الصّديق ذكره ابْن جرير الطَّبَرِيّ وَغَيره وبلغنا عَن أبي بكر بن عبد الْعَزِيز ابْن جَعْفَر الْفَقِيه غُلَام الْخلال أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ نزلت فِي أبي بكر فَقَالَ السَّائِل بل فِي عَليّ فَقَالَ أَبُو بكر الْفَقِيه اقْرَأ مَا بعْدهَا فَقَرَأَ إِلَى قَوْله (ليكفر الله عَنْهُم أَسْوَأ الَّذِي عمِلُوا) فَقَالَ عَليّ عنْدك مَعْصُوم لَا سَيِّئَة لَهُ فَمَا الَّذِي يكفر عَنهُ فبهت السَّائِل وَلَفظ الْآيَة عَام مُطلق دخل فِي حكمهَا أَبُو بكر وَعلي وَخلق قَالَ الْبُرْهَان الثَّالِث وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى (هُوَ الَّذِي أيدك بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ) فَمن طَرِيق أبي نعيم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَكْتُوب على الْعَرْش مُحَمَّد عَبدِي ورسولي أيدته بعلي وَهَذِه من أعظم الْفَضَائِل فَيكون هُوَ الإِمَام وَالْجَوَاب أَيْن ثُبُوت النَّقْل وَإِن احتججت بِأبي نعيم وَمَا رَوَاهُ فِي الْفَضَائِل وَفِي الْحِلْية من مَنَاقِب الصَّحَابَة مُطلقًا يهدم بنيانك وَنحن نشْهد بِاللَّه أَن هَذَا كذب على أبي هُرَيْرَة نجد عندنَا علما ضَرُورِيًّا بذلك لَا تقدر أَن تَدْفَعهُ عَن قُلُوبنَا وَمن لم يكن أعلم بِنَقْل الْآثَار فَلَا يدْخل مَعنا كَمَا أَن النَّاقِد الجهبذ يحلف على مَا يعلم أَنه مغشوش ثمَّ الله يَقُول (أيدك بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَألف بَين قُلُوبهم) فَهَذَا نَص فِي عدد مؤلف بَين قُلُوبهم فَصَرفهُ إِلَى وَاحِد تَحْرِيف وتبديل ثمَّ من الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ قيام دينه وتأييده بِمُجَرَّد مُوَافقَة عَليّ بل وَلَا بِأبي بكر وَلَكِن بالمهاجرين وَالْأَنْصَار قَالَ الْبُرْهَان الرَّابِع وَالْعشْرُونَ قَوْله (حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ) فَمن طَرِيق أبي نعيم قَالَ نزلت فِي عَليّ وَهَذِه فَضِيلَة لم تحصل لأحد من الصَّحَابَة غَيره فَيكون هُوَ الإِمَام وَالْجَوَاب الْمَنْع من صِحَة النَّقْل وَإِنَّمَا معنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الْآيَة إِن الله حَسبك أَيهَا النَّبِي وَحسب من اتبعك من الْمُؤمنِينَ كَقَوْل الشَّاعِر (فحسبك وَالضَّحَّاك ... سيف مهند) وَذَلِكَ أَن حسب مصدر فَلَمَّا أضيف لم يحسن الْعَطف عَلَيْهِ إِلَّا بِإِعَادَة الْجَار ويندر بِدُونِهِ وَقد ظن بعض العارفين أَن معنى الْآيَة إِن الله وَالْمُؤمنِينَ حَسبك وَيكون من اتبعك رفعا عطفا على الله وَهَذَا خطأ قَبِيح مُسْتَلْزم للكفر فَإِن الله وَحده حسب جَمِيع الْخلق كَمَا قَالَ تَعَالَى (الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل) ثمَّ لَو فَرضنَا أَن (وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ) فَاعل مَعْطُوف على الله لما كَانَ مُخْتَصًّا بعلي إِذْ كَانَ وَقت نزُول الْآيَة قد اتبع الرَّسُول من الْمُؤمنِينَ عدد كثير جدا وَلم يقل عَاقل إِن عليا وَحده كَانَ يَكْفِي الرَّسُول فِي جِهَاد الْكفَّار وَلَو لم يكن مَعَه إِلَّا عَليّ لما ظهر فقد كَانَ مَعَه بِمَكَّة بضع عشرَة سنة هُوَ وَطَائِفَة وَمَا قَامَ الدّين وانتصر إِلَّا بعد الْهِجْرَة بل هَذَا عَليّ وَمَعَهُ أَكثر جيوش الْإِسْلَام مَا قدر على أَخذ الشَّام من مُعَاوِيَة وَهَؤُلَاء الرافضة يجمعُونَ بَين النقيضين جهلا وظلما يجْعَلُونَ عليا رَضِي الله عَنهُ أكمل الْبشر قدرَة وشجاعة وَأَن الرَّسُول كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ وَأَنه الَّذِي أَقَامَ الدّين ثمَّ يصفونه بِالْعَجزِ والتقية بعد ظُهُور الْإِسْلَام فَمن يقهر عنْدكُمْ الْمُشْركين وَالْجِنّ وَالْإِنْس فِي مبدأ الْإِسْلَام وَقلة أَهله وَكَثْرَة أعدائه كَيفَ لَا يقهر طَائِفَة بَغت عَلَيْهِ فَتبين أَنه وَحده لم يقهر الْمُشْركين فَلَا تغتر بِتِلْكَ الْغَزَوَات الَّتِي ينْفق بهَا الطرقية فوَاللَّه مَا لَهَا وجود قَاتل الله من افتراها وَنَظِير هَذَا جعل النَّصَارَى عِيسَى إِلَهًا ثمَّ يجْعَلُونَ أعداءه صفعوه وَوَضَعُوا الشوك على رَأسه وصلبوه وَأَنه بَقِي يستغيث فَلَا يغيثونه فَإِن كَانَ تسمير هَذَا الرب بِرِضَاهُ وإرادته فَتلك طَاعَة وَعبادَة من الْيَهُود الَّذين صلبوه فيمدحون على ذَلِك لَا يذمون وَهَذَا من أعظم الْجَهْل وَالْكفْر وَهَكَذَا تَجِد كثيرا من الشُّيُوخ والفقراء الجهلة فِي غَايَة الدعاوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَنِهَايَة الْعَجز كَمَا صَحَّ فِي الحَدِيث ثَلَاثَة لَا ينظر الله إِلَيْهِم فَذكر الْفَقِير المختال وَفِي لفظ وعائل مستكبر وَهَذَا كَمَا يُقَال الْفقر والزنطرة فيشطح أحدهم حَتَّى كَأَنَّهُ رب ويعزل الرب عَن ربوبيته وَالنَّبِيّ عَن رسَالَته ثمَّ آخرته شحاذ يطْلب مَا يقيته أَو متلقح على أَبْوَاب الرؤساء كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت لَو كَانُوا يعلمُونَ) وكل من تكبر عُوقِبَ بالذل قَالَ الله تَعَالَى (ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْنَمَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباءوا بغضب من الله وَضربت عَلَيْهِم المسكنة بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون) فالجهل والغلو والتصديق بالأباطيل دين النَّصَارَى وَالْكبر والحسد ورد الْحق والذلة والتقية دين الْيَهُود وَهَؤُلَاء الرافضة قد التقطوا الْكل وتمسكوا بِهِ اللَّهُمَّ اهدنا وإياهم صراطك الْمُسْتَقيم فيا مَا يعْمل الْجَهْل والهوى بأَهْله قَالَ الْبُرْهَان الْخَامِس وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى (فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قَالَ الثَّعْلَبِيّ إِنَّمَا نزلت فِي عَليّ وَهَذَا دَلِيل على أَنه أفضل فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا هَذَا إفتراء على الثَّعْلَبِيّ وَإِنَّمَا قَالَ الرجل فِي هَذِه الْآيَة (فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قَالَ عَليّ بن أبي طَالب وَقَتَادَة وَالْحسن إِنَّهُم أَبُو بكر وَأَصْحَابه وَقَالَ مُجَاهِد هم أهل الْيمن وَبلا ريب إِن عليا مِمَّن يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله كَأبي بكر وَعمر وَغَيرهمَا من السَّابِقين وَالتَّابِعِينَ وَقَوله (أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم) أيقول عَاقل إِنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 نزلت فِي وَاحِد وَاللَّفْظ صِيغَة جمع قَالَ الْبُرْهَان السَّادِس وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى (وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم) روى أَحْمد بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن أبي ليلى عَن أَبِيه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصديقون ثَلَاثَة حبيب النجار مُؤمن آل ياسين وحزقيل مُؤمن آل فرعن وَعلي بن أبي طَالب وَهُوَ أفضلهم وَهَذِه فَضِيلَة تدل على إِمَامَته وَالْجَوَاب الْمُطَالبَة بِصِحَّة الحَدِيث فَمَا كل حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد صَحِيح ثمَّ هَذَا لم يروه أَحْمد لَا فِي الْمسند وَلَا فِي الْفَضَائِل وَلَا رَوَاهُ أبدا وَإِنَّمَا زَاده الْقطيعِي عَن الْكُدَيْمِي حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ حَدثنَا عَمْرو بن جَمِيع حَدثنَا ابْن أبي ليلى عَن أَخِيه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أَبِيه مَرْفُوعا فَذكره ثمَّ قَالَ الْقطيعِي كتب إِلَيْنَا عبد الله بن غَنَّام حَدثنَا الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى المكفوف حَدثنَا عَمْرو بن جَمِيع فعمرو هَذَا قَالَ فِيهِ ابْن عدي الْحَافِظ يتهم بِالْوَضْعِ والكديمي يتهم مَعْرُوف بِالْكَذِبِ فَسقط الحَدِيث ثمَّ قد ثَبت فِي الصَّحِيح تَسْمِيَة غير عَليّ صديقا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد أحدا وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فَرَجَفَ بهم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْبتْ أحد فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي وصديق وشهيدان وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 قَالَ لَا يزَال الرجل يصدق ويتحرى الصدْق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا وَأَيْضًا فقد سمى الله مَرْيَم صديقَة وَقد سمى الله النَّبِيين كَذَلِك فَقَالَ (إِنَّه كَانَ صديقا نَبيا) وإخبار الله تَعَالَى فِي الْآيَة عَام فَقَالَ (وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون) فَهَذَا يَقْتَضِي أَن كل من آمن بِاللَّه وَرُسُله فَهُوَ صديق ثمَّ إِن كَانَ الصّديق هُوَ الَّذِي يسْتَحق الْإِمَامَة فأحق النَّاس بِهَذَا الإسم أَبُو بكر وَهُوَ الَّذِي ثَبت لَهُ هَذَا الإسم والإمامة قَالَ الْبُرْهَان السَّابِع وَالْعشْرُونَ قَوْله تَعَالَى (الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي اللَّيْل وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة) من طَرِيق أبي نعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ كَانَ مَعَه أَرْبَعَة دَرَاهِم فأنفق درهما بِاللَّيْلِ ودرهما بِالنَّهَارِ ودرهما سرا ودرهما عَلَانيَة فَلم يحصل ذَلِك لغيره فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا أَيْن ثُبُوت مَا نقلت كَيفَ وَهُوَ كذب وَالْآيَة عَامَّة فِي كل من ينْفق أَمْوَاله فَيمْتَنع أَن يُرَاد بهَا وَاحِد لم يكن صَاحب مَال ثمَّ مَا نسبته إِلَى عَليّ يمْتَنع عَلَيْهِ إِذْ من فعل ذَلِك كَانَ جَاهِلا بِمَعْنى الْآيَة فَإِن الَّذِي ينْفق سرا وَعَلَانِيَة ينْفق لَيْلًا وَنَهَارًا وَمن أنْفق لَيْلًا وَنَهَارًا فقد أنْفق سرا وَعَلَانِيَة فالدرهم ينصف نِصْفَيْنِ وَلَا يتحتم أَن يكون المُرَاد أَرْبَعَة دَرَاهِم وَلَو كَانَ كَذَلِك لقَالَ وسرا بِالْوَاو وَعَلَانِيَة بل هما داخلان فِي اللَّيْل وَالنَّهَار سَوَاء قيل نصبا على الْمصدر أَي إسرارا وإعلانا أَو قيل على الْحَال مسرا ومعلنا وهب أَن عليا فعل ذَلِك فباب الإتفاق مَفْتُوح إِلَى قيام السَّاعَة فَأَيْنَ الخصوصية وَلَو كَانَ إِنْفَاق أَرْبَعَة دَرَاهِم خَاصّا بِهِ فَلم قلت أَنه صَار بذلك أفضل الْأمة قَالَ الْبُرْهَان الثَّامِن وَالْعشْرُونَ مَا رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لَيْسَ فِي الْقُرْآن (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا) إِلَّا وَعلي رَأسهَا وأميرها وَلَقَد عَاتب الله أَصْحَاب مُحَمَّد فِي الْقُرْآن وَمَا ذكر عليا إِلَّا بِخَير وَهَذَا يدل على أَنه أفضل فَيكون هُوَ الإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 الْجَواب الْمُطَالبَة بِصِحَّة النَّقْل فَإنَّك زعمت أَن أَحْمد بن حَنْبَل رَوَاهُ وَإِنَّمَا ذَا من زيادات الْقطيعِي رَوَاهُ عَن إِبْرَاهِيم بن شريك عَن زَكَرِيَّا بن يحيى الْكسَائي حَدثنَا عِيسَى عَن عَليّ ابْن بذيمة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فَهَذَا كذب على ابْن عَبَّاس فَإِن زَكَرِيَّا لَيْسَ بِثِقَة والمتواتر عَن ابْن عَبَّاس تفضيله الشَّيْخَيْنِ على عَليّ وَله معاتبات ومخالفات لعَلي وَلما حرق عَليّ الزَّنَادِقَة قَالَ لَو كنت أَنا لقتلتهم لنهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعذب بِعَذَاب الله اخرجه البُخَارِيّ ثمَّ هَذَا الْكَلَام مَا فِيهِ مدح لعَلي فقد قَالَ تَعَالَى (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) فَإِن كَانَ عَليّ رَأس هَذِه الْآيَة فقد عاتبه الله وَهُوَ مُخَالف لما فِي حَدِيثك من أَن الله مَا ذكره إِلَّا بِخَير وَقَالَ (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء) وَثَبت أَنَّهَا نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة وأمثال هَذَا كثير وَإِنَّمَا اللَّفْظ شَامِل للْمُؤْمِنين وَفِي بعض الْآيَات آيَات عمل بهَا نَاس قبل عَليّ وفيهَا آيَات لم يعْمل بهَا عَليّ وقولك لقد عَاتب الله الصَّحَابَة وَمَا ذكر عليا إِلَّا بِخَير كذب ظَاهر فَمَا عَاتب أَبَا بكر فِي الْقُرْآن قطّ وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي خطبَته أَيهَا النَّاس اعرفوا لأبي بكر حَقه فَإِنَّهُ لم يَسُؤْنِي يَوْمًا قطّ وَهَذَا بِخِلَاف خطْبَة بنت أبي جهل فقد خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخطْبَة الْمَعْرُوفَة وَمَا حصل مثل هَذَا فِي حق أبي بكر قطّ وَأَيْضًا فعلي لم يكن يدْخل فِي الْأُمُور الْكِبَار مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا كَانَ يدْخل مَعَه أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا كَانَا كالوزيرين وَعلي صَغِير فِي سنّ ولديهما وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَليّ لما مَاتَ عمر جَاءَ عَليّ فَقَالَ وَالله إِنِّي لأرجو أَن يحشرك الله مَعَ صاحبيك فَإِنِّي كنت كثيرا مَا أسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول دخلت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَخرجت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَذَهَبت انا وَأَبُو بكر وَعمر وَقد شاور عليا فِي أَمر يَخُصُّهُ كَمَا شاوره فِي قصَّة الْإِفْك فِي شَأْن عَائِشَة فَقَالَ لم يضيق الله عَلَيْك وَالنِّسَاء سواهَا كثير وسل الْجَارِيَة تصدقك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وشاور فِيهَا أُسَامَة بن زيد فَقَالَ أهلك وَلَا نعلم إِلَّا خيرا فَنزل الْقُرْآن ببراءتها وإمساكها كَمَا أَشَارَ أُسَامَة وَمَعَ هَذَا فَأَيْنَ أُسَامَة من عَليّ قَالَ الْبُرْهَان التَّاسِع وَالْعشْرُونَ قَوْله (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا) فَمن صَحِيح البُخَارِيّ عَن كَعْب ابْن عجْرَة قُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَلَا شكّ أَن عليا أفضل آل مُحَمَّد فَيكون أولى بِالْإِمَامَةِ قُلْنَا هَذَا حق وَإِن عليا من آل مُحَمَّد الداخلين فِي قَوْله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَلَكِن لَيْسَ هَذَا من خَصَائِصه فَإِن جَمِيع بني هَاشم داخلون فِي هَذَا كالعباس وَولده والْحَارث بن عبد الْمطلب وكبنات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوْجَتي عُثْمَان رقية وَأم كُلْثُوم وبنته فَاطِمَة وَكَذَلِكَ أَزوَاجه وَفِي الصَّحِيحَيْنِ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته فَالصَّلَاة على الْآل عَامَّة فَلَا يخْتَص بهَا عَليّ ثمَّ يدْخل فِيهَا مثل عقيل بن أبي طَالب وَأبي سُفْيَان بن الْحَارِث وَمَعْلُوم أَن دُخُول كل هَؤُلَاءِ فِي الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم لَا يدل على أَنه أفضل من كل من لم يدْخل فِي ذَلِك وَلَا أَنه يصلح بذلك للْإِمَامَة فضلا عَن أَن يكون مُخْتَصًّا بهَا أَلا ترى أَن عمارا والمقداد وَأَبا ذَر وَغَيرهم مِمَّن اتّفق أهل السّنة والشيعة على فَضلهمْ لَا يدْخلُونَ فِي الصَّلَاة على الْآل وَيدخل فِيهَا عقيل وَالْعَبَّاس وَبَنوهُ وَأُولَئِكَ أفضل من هَؤُلَاءِ بإتفاق أهل السّنة والشيعة وَكَذَلِكَ يدْخل فِيهَا عَائِشَة وَغَيرهَا من أَزوَاجه وَلَا تصلح امْرَأَة للْإِمَامَة وَلَيْسَت أفضل النَّاس بإتفاق أهل السّنة والشيعة فَهَذِهِ فَضِيلَة مشترطة بَينه وَبَين غَيره وَلَيْسَ كل من اتّصف بهَا أفضل مِمَّن لم يَتَّصِف بهَا الْبُرْهَان الثَّلَاثُونَ قَوْله (مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ) من تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ وَطَرِيق أبي نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ عَليّ وَفَاطِمَة (بَينهمَا برزخ) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 (يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان) الْحسن وَالْحُسَيْن وَلم تحصل لغيره من الصَّحَابَة هَذِه الْفَضِيلَة فَيكون أولى بِالْإِمَامَةِ الْجَواب أَن هَذَا هذيان مَا هُوَ تَفْسِير لِلْقُرْآنِ بل هُوَ من وضع الْمَلَاحِدَة وَنَظِيره قَول الجهلة المنتسبين إِلَى السّنة حَيْثُ فسروا وَمَا فسروا فَقَالُوا (الصابرين) مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم و (الصَّادِقين) أَبُو بكر و (القانتين) عمر و (المستغفرين بالأسحار) على وكقولهم (مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه) أَبُو بكر (أشداء على الْكفَّار) عمر (رحماء بَينهم) عُثْمَان (تراهم ركعا سجدا) عَليّ وكقولهم (والتين وَالزَّيْتُون) أَبُو بكر وَعمر (وطور سينين) عُثْمَان (وَهَذَا الْبَلَد الْأمين) عَليّ وَكَذَا (وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا) أَبُو بكر (وَعمِلُوا الصَّالِحَات) عمر (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) عُثْمَان (وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ) عَليّ وكقول تيوس الرافضة (وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين) عَليّ و (الشَّجَرَة الملعونة) بَنو أُميَّة وَنحن نجد ضَرُورَة لَا تنْدَفع أَن ابْن عَبَّاس مَا قَالَ هَذَا ثمَّ سُورَة الرَّحْمَن مَكِّيَّة بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَإِنَّمَا اتَّصل عَليّ بفاطمة بِالْمَدِينَةِ ثمَّ تَسْمِيَة هذَيْن بحرين وَهَذَا اللُّؤْلُؤ وَهَذَا مرجان وَجعل النِّكَاح مرجا أَمر لَا تحتمله لُغَة الْعَرَب بِوَجْه ثمَّ نعلم أَن آل إِبْرَاهِيم كإسماعيل وَإِسْحَاق أفضل من آل عَليّ فَلَا توجب الْآيَة تَخْصِيصًا وَلَا أَفضَلِيَّة لَو تنازلنا وخاطبنا من لَا يعقل مَا يخرج من رَأسه ثمَّ إِن الله تَعَالَى قد ذكر (مرج الْبَحْرين) فِي آيَة أُخْرَى فَقَالَ (هَذَا عذب فرات وَهَذَا ملح أجاج وَجعل بَينهمَا برزخا) فَأَيّهمَا الْملح الأجاج عنْدك أعلي أم فَاطِمَة ثمَّ قَوْله (لَا يبغيان) يَقْتَضِي أَن البرزخ هُوَ الْمَانِع من بغي أَحدهمَا على الآخر وَهَذَا بالذم أشبه مِنْهُ بالمدح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 قَالَ الْبُرْهَان الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ قَوْله (وَمن عِنْده علم الْكتاب) عَن ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ هُوَ عَليّ وَفِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ قلت من ذَا الَّذِي عِنْده علم الْكتاب فَقَالَ إِنَّمَا ذَاك عَليّ قُلْنَا أَيْن صِحَة النَّقْل بِهَذَا عَنْهُمَا وَمَا هما بِحجَّة مَعَ مُخَالفَة الْعلمَاء كَيفَ وَهَذَا كذب عَلَيْهِمَا بَاطِل فَلَو كَانَ المُرَاد عَليّ لَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستشهد على الْكفَّار بإبن عَمه وَلَو شهد لَهُ بالرسالة لما كَانَ حجَّة عَلَيْهِم وَلَا حصل لَهُم دَلِيل ينقادون لَهُ ولقالوا إِنَّمَا الَّذِي عِنْد ابْن عمك عَليّ مُسْتَفَاد مِنْك فَتكون أَنْت الشَّاهِد لنَفسك وَلَعَلَّه داهنك وحاباك وَأَيْنَ بَرَاءَته من التُّهْمَة بذلك وَأما أهل الْكتاب الَّذين عِنْدهم علم بِهِ إِذا شهدُوا بِمَا تَوَاتر عِنْدهم عَن الْأَنْبِيَاء كَانَت شَهَادَتهم نافعة كَمَا لَو كَانَ الْأَنْبِيَاء موجودين وشهدوا لَهُ لِأَن مَا ثَبت بالتواتر فَهُوَ بِمَنْزِلَة شَهَادَتهم أنفسهم وَلِهَذَا نَحن نشْهد على الْأُمَم مِمَّا علمناه من جِهَة نَبينَا ثمَّ إِن الله تَعَالَى ذكر الإستشهاد بِأَهْل الْكتاب فِي أَمَاكِن كَقَوْلِه تَعَالَى (وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل) وَقَالَ (فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك فاسأل الَّذين يقرأون الْكتاب من قبلك) ثمَّ هَب أَن عليا هُوَ الشَّاهِد أيلزم أَن يكون هُوَ أفضل الصَّحَابَة فَكَمَا أَن أهل الْكتاب الَّذين يشْهدُونَ بذلك كَعبد الله بن سَلام وسلمان وَكَعب الْأَحْبَار وَغَيرهم لَيْسُوا بِأَفْضَل من البَاقِينَ فَكَذَا هَذَا قَالَ الْبُرْهَان الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ قَوْله (يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه) عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أول من يلبس من حلل الْجنَّة إِبْرَاهِيم بخلته وَمُحَمّد لِأَنَّهُ صفوة الله ثمَّ عَليّ يزف بَينهمَا إِلَى الْجنان ثمَّ قَرَأَ (يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه) قُلْنَا قبح الله من اختلق هَذَا على ابْن عَبَّاس الَّذِي نجزم بِأَنَّهُ مَا قَالَه ثمَّ النَّص عَام فِي الْمُؤمنِينَ فَلَا تثبت بهَا أَفضَلِيَّة وَاحِد قَالَ الْبُرْهَان الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ (إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة) روى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي هم أَنْت وشيعتك يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة راضين وَيَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 خصماؤك غضابا مفحمين وَإِذا كَانَ خير الْبَريَّة وَجب أَن يكون الإِمَام وَالْجَوَاب الْمُطَالبَة بِصِحَّتِهِ وَإِن كُنَّا جازمين بِوَضْعِهِ ثمَّ هُوَ معَارض بِمن قَالَ إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات هم الْخَوَارِج والنواصب وَيَقُولُونَ من تولى عليا فَهُوَ كَافِر ويحتجون على ذَلِك بقوله (وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ) قَالُوا وَمن حكم الرِّجَال فِي دين الله فقد حكم بِغَيْر مَا أنزل الله فَيكون كَافِرًا وَقَالَ (وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم) وَقَالَ هُوَ وَعُثْمَان وشيعتهما مرتدون بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليذادن رجال عَن حَوْضِي كَمَا تذاد الْإِبِل الغريبة فَأَقُول رب أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك وَبِقَوْلِهِ لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض فَهَذَا وَإِن كَانَ بَاطِلا فحجج الرافضة أبطل مِنْهُ وَقد صنف الجاحظ كتابا للمروانية وَذكر حجَجًا لَهُم لَا يُمكن الرافضي نقضهَا بل يحْتَاج إِلَى أهل السّنة حَتَّى ينقضوها قَالَ الْبُرْهَان الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ قَوْله (وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا) فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن سِيرِين قَالَ نزلت فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوج عليا فَاطِمَة وَلم يثبت لغير على ذَلِك فَكَانَ أفضل فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا وَهَذَا من الْكَذِب على ابْن سِيرِين وَالسورَة مَكِّيَّة قبل زواجه بفاطمة بدهر وَالْآيَة مُطلقَة فَإِن تناولت مصاهرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي فقد تناولت مصاهرته لعُثْمَان مرَّتَيْنِ وَلأبي الْعَاصِ مرّة وتناولت مصاهرة أبي بكر وَعمر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ تزوج بإبنتيهما فمصاهرته ثَابِتَة للخلفاء الْأَرْبَعَة فانتفت الخصوصية قَالَ الْبُرْهَان الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ قَوْله (اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين) أوجب الله علينا الْكَوْن مَعَ الْمَعْلُوم مِنْهُم الصدْق وَلَيْسَ إِلَّا الْمَعْصُوم إِذْ لَا مَعْصُوم من الْأَرْبَعَة سواهُ وَعَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ قُلْنَا الصّديق مُبَالغَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 فِي الصَّادِق وَأَبُو بكر صديق بأدلة عدَّة فَهُوَ أول من تناولته الْآيَة فَيجب أَن نَكُون مَعَه وَإِن كَانَ الْأَرْبَعَة صديقين لم يكن على مُخْتَصًّا بذلك بل الْآيَة إِنَّمَا نزلت فِي قصَّة كَعْب لما تخلف عَن غَزْوَة تَبُوك وتيب عَلَيْهِ ببركة الصدْق وَذَلِكَ ثَابت فِي الصَّحِيح ثمَّ إِنَّه قَالَ (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين) وَلم يقل وَكُونُوا مَعَ الصَّادِق وَمَعْنَاهَا فاصدقوا كَمَا يصدق الصادقون لَا تَكُونُوا مَعَ الْكَاذِبين كَمَا قَالَ (واركعوا مَعَ الراكعين) وَلم يرد الْمَعِيَّة فِي كل شَيْء فَلَا يجب على الْإِنْسَان أَن يكون مَعَ الصَّادِقين فِي الْمُبَاحَات والملبوسات وَنَحْو ذَلِك وَمثل ذَلِك كن مَعَ الْأَبْرَار كن مَعَ الْمُجَاهدين أَي ادخل مَعَهم فِي هَذَا الْوَصْف وجامعهم عَلَيْهِ قَالَ الْبُرْهَان السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى (واركعوا مَعَ الراكعين) عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهما أول من صلى وَركع قُلْنَا لَا نسلم صِحَّته ثمَّ الْآيَة فِي القرة وَهِي مَدَنِيَّة وسياقها مُخَاطبَة بني إِسْرَائِيل فَنزلت بعد وجود خلق من الراكعين وَلَو أَرَادَ الله نبيه وعليا لقَالَ مَعَ الراكعين وَصِيغَة الْجمع لَا يُرَاد بهَا التَّثْنِيَة فَقَط ثمَّ قد قَالَ لِمَرْيَم (واركعي مَعَ الراكعين) ثمَّ لَو أَرَادَ الرُّكُوع مَعَهُمَا لانقطع حكم الْآيَة بعد مَوْتهمَا ثمَّ أَكثر النَّاس على أَن أَبَا بكر صلى مَعَ نَبِي الله قبل عَليّ قَالَ الْبُرْهَان السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ (وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي) فَمن طَرِيق أبي نعيم عَن ابْن عَبَّاس أَخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيد عَليّ وَبِيَدِي وَنحن بِمَكَّة وَصلى أَرْبعا ثمَّ رفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء فَقل اللَّهُمَّ إِن مُوسَى سَأَلَك وَأَنا أَسأَلك أَن تجْعَل لي وزيرا من أَهلِي عَليّ بن أبي طَالب أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي قَالَ ابْن عَبَّاس فَسمِعت مناديا يُنَادي يَا أَحْمد قد أُوتيت سؤلك قُلْنَا عُلَمَاء الحَدِيث يعلمُونَ وضع هَذَا بِالضَّرُورَةِ ثمَّ ابْن عَبَّاس كَانَ بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة رضيعا وَبعد الْهِجْرَة فَكَانَ الله قد شدّ أزر نبيه وأغناه وأيده وَإِن زَعَمُوا أَن عليا كَانَ شريك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أمره كَمَا كَانَ هَارُون شريك مُوسَى فَهَذَا نَص فِي نبوة عَليّ وَإِن قَالُوا كَانَ شَرِيكه فِي الْأَمر سوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 النُّبُوَّة فَهَذَا يُعْطي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ مُسْتقِلّا بِأَمْر الْأمة فِي حَيَاته ثمَّ قُلْنَا يَا أَحمَق فَهَذَا نَص فِي الْبَاب فَأَي الشَّرِيكَيْنِ تَعْنِي قَالَ الْبُرْهَان الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ (إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين) من مُسْند أَحْمد بِإِسْنَادِهِ إِلَى زيد بن أبي أوفى قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجده فَذكر قصَّة مؤاخاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَليّ لقد ذهبت روحي وَانْقطع ظَهْري حِين فعلت بِأَصْحَابِك مَا فعلت غَيْرِي فَإِن كَانَ هَذَا من سخطك عَليّ فلك العتبى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا اخْتَرْتُك إِلَّا لنَفْسي فَأَنت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي وَأَنت أخي ووارثي وَأَنت معي فِي قصري فِي الْجنَّة وَمَعَ ابْنَتي ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين ( فَلَمَّا اخْتصَّ عَليّ بمؤاخاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ هُوَ الإِمَام قُلْنَا هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد قطّ وَإِنَّمَا هُوَ من زيادات الْقطيعِي الَّتِي غالبها سَاقِط فَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ حَدثنَا حُسَيْن بن مُحَمَّد الدراع حَدثنَا عبد الْمُؤمن بن عباد أخبرنَا يزِيد بن معن عَن عبد الله بن شُرَحْبِيل عَن زيد بن أبي أوفى وَقد أسقطت مِنْهُ يَا رَافِضِي فَإِن فِيهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله وَمَا أرث مِنْك قَالَ مَا ورث الْأَنْبِيَاء قبلي كتاب الله وَسنة نَبِيّهم وَهُوَ مَكْذُوب بإتفاق أهل الْمعرفَة وَأَحَادِيث المؤاخاة كلهَا كذب وَلَا آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين مُهَاجِرِي ومهاجري وَلَكِن بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ثمَّ قَوْله ووارثى لَا يَسْتَقِيم فَإِن أَرَادَ مِيرَاث المَال بَطل قَوْلهم إِن فَاطِمَة ورثته وَكَيف يَرث ابْن الْعم مَعَ وجود الْعم وَهُوَ الْعَبَّاس وَمَا الَّذِي خصّه بِالْإِرْثِ دون سَائِر بني الْعم الَّذين هم فِي دَرَجَة وَاحِدَة وَإِن أَرَادَ وَارِث علمه أَو الْولَايَة بَطل احتجاجهم بقوله (وَورث سُلَيْمَان دَاوُد) وَبِقَوْلِهِ (يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وَمَا وَرَثَة الرَّسُول من الْعلم لم يخْتَص بِهِ عَليّ بل كل وَاحِد من الصَّحَابَة حصل لَهُ نصيب وَحفظ ابْن مَسْعُود من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبعين سُورَة ثمَّ لَيْسَ الْعلم كَالْمَالِ بل الَّذِي يَرِثهُ هَذَا يَرِثهُ الآخر وَلَا يتزاحمان بِخِلَاف المَال ثمَّ قد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لمَوْلَاهُ زيد أَنْت أخونا ومولانا وَقَالَ لَهُ أَبُو بكر لما خطب ابْنَته أَلَسْت أَخَاك قَالَ بلَى وابنتك حَلَال لي وَفِي الصَّحِيح أَنه قَالَ وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام أفضل وَفِي الصَّحِيح أَيْضا وددت أَنِّي قد رَأَيْت إخْوَانِي قَالُوا أَو لسنا إخوانك قَالَ لَا أَنْتُم أَصْحَابِي وَلَكِن إخْوَانِي قوم يأْتونَ بعدِي يُؤمنُونَ بِي وَلم يروني وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة) وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلم أَخُو الْمُسلم وَقَالَ كونُوا عباد الله إخْوَانًا وَمُطلق المؤاخاة لَا يَقْتَضِي التَّمَاثُل من كل وَجه وَلَا الْمُنَاسبَة وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم قيل مؤاخاة عَليّ لَو كَانَت صَحِيحَة توجب الْإِمَامَة أَو الْأَفْضَلِيَّة وَقد ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو كنت متخذا من أهل الأَرْض خَلِيلًا لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَصَحَّ أَنه سُئِلَ من أحب النَّاس إِلَيْك من الرِّجَال قَالَ أَبُو بكر وتواتر أَن عليا قَالَ خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَعمر أخرجه البُخَارِيّ وَلنْ يرتاب فِي هَذِه النُّصُوص الثَّابِتَة إِلَّا من لَا يعلم أَو غَلبه الْهوى وَنقل الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي قَالَ لم يخْتَلف أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي تَفْضِيل أبي وَبكر وَعمر وتقديمهما على جَمِيع الصَّحَابَة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَابْن جرير وأصحابهم من الْأَئِمَّة وَالسَّلَف وَالْخلف وَهَذَا مَالك يَحْكِي الْإِجْمَاع عَمَّن لقِيه أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي تَقْدِيم أبي بكر وَعمر وَابْن جرير وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي وَابْن عُيَيْنَة وعلماء مَكَّة على ذَلِك وَبِه يَقُول ابْن أبي عرُوبَة والحمادان وَغَيرهم من عُلَمَاء الْبَصْرَة وَابْن أبي ليلى وَشريك وَجَمَاعَة من عُلَمَاء الْكُوفَة الَّتِي هِيَ دَار الشِّيعَة وَعمر بن الْحَارِث وَاللَّيْث بن سعد وَابْن وهب من عُلَمَاء مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز وَغَيرهمَا من عُلَمَاء الشَّام وَمن لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا الله تَعَالَى وَقَالَ الْبُرْهَان التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ (وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ) الْآيَة فَفِي كتاب الفردوس عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو يعلم النَّاس مَتى سمى عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَنْكَرُوا فَضله سمى أَمِير الْمُؤمنِينَ وآدَم بَين الرّوح والجسد قَالَ الله (وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى) قَالَت الْمَلَائِكَة بلَى فَقَالَ تَعَالَى أَنا ربكُم وَمُحَمّد نَبِيكُم وَعلي أميركم وَهَذَا صَرِيح فِي الْبَاب وَالْجَوَاب منع الصِّحَّة بل هُوَ كذب بإتفاق أهل الْمعرفَة والنقد ثمَّ إِن الَّذِي فِي الْقُرْآن أَنه قَالَ (أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى) لم يتَعَرَّض لذكر نَبِي وَلَا أَمِير فَهَذَا مِيثَاق التَّوْحِيد خَاصَّة أَلا ترَاهُ قَالَ (أَن تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ) فَدلَّ على أَنه مِيثَاق التَّوْحِيد خَاصَّة لَيْسَ فِيهِ مِيثَاق النُّبُوَّة فَكيف مَا دونهَا وَأَيْضًا فَإِن الْمِيثَاق أَخذ على الذُّرِّيَّة كلهَا أفيكون عَليّ أَمِيرا على الْأَنْبِيَاء كلهم من نوح إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا كَلَام المجانين فَإِن أُولَئِكَ مَاتُوا قبل أَن يخلق الله عليا فَكيف يكون أَمِيرا عَلَيْهِم وَغَايَة مَا يُمكن أَن يكون أَمِيرا على أهل زَمَانه أما الْإِمَارَة على من خلق قبله وعَلى من خلق بعده فَهَذَا من كذب من لَا يعقل مَا يَقُول وَلَا يستحي مِمَّا يَقُول وَمن الْعجب أَن هَذَا الْحمار الرافضي هُوَ أَحْمَر من عقلاء الْيَهُود الَّذين قَالَ الله فيهم (مثل الَّذين حملُوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها كَمثل الْحمار يحمل أسفارا) والعامة معذورون فِي قَوْلهم الرافضي حمَار الْيَهُودِيّ والعاقل يعلم أَن هَذَا وامثاله بَاطِل عقلا وَشرعا وَإِنَّمَا هَذَا نَظِير قَول ابْن عَرَبِيّ الطَّائِي وَأَمْثَاله إِن الْأَنْبِيَاء كَانُوا يستفيدون الْعلم بِاللَّه من مشكاة خَاتم الْأَوْلِيَاء الَّذِي خلق بعدهمْ بدهور فغلو هَؤُلَاءِ فِي الْولَايَة كغلو أُولَئِكَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 الْإِمَامَة ثمَّ يَقُول هُوَ صَرِيح فِي الْبَاب فَهَل يكون هَذَا حجَّة عِنْد أحد ويحتج بِهَذَا فِي جزرة بقل وَالله حَسبك وحسبنا على مَا تَقول قَالَ الْبُرْهَان الْأَرْبَعُونَ قَوْله (فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ) أجمع الْمُفَسِّرُونَ على أَن عليا صَالح الْمُؤمنِينَ روى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَسمَاء بنت عُمَيْس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ (فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ) عَليّ بن أبي طَالب واختصاصه بِهَذَا يدل على أفضليته فَيكون هُوَ الإِمَام والآيات فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة وَالْجَوَاب أَن نقلك الْإِجْمَاع إفتراء مِنْك فَمَا أَجمعُوا على هَذَا بل كتب التَّفْسِير بنقيض هَذَا فَقَالَ مُجَاهِد وَغَيره هُوَ أَبُو بكر وَعمر نَقله ابْن جريج وَغَيره وَقيل هم الْأَنْبِيَاء وَلم يثبت القَوْل بتخصيص عَليّ بِهِ عَمَّن قَوْله حجَّة والْحَدِيث الْمَذْكُور كذب بِيَقِين ثمَّ قَوْله (وَصَالح الْمُؤمنِينَ) اسْم يعم كل صَالح من الْمُؤمنِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن آل فلَان لَيْسُوا بأوليائي إِنَّمَا وليي الله وَصَالح الْمُؤمنِينَ ثمَّ يُقَال إِن الله جعل فِي الْآيَة صَالح الْمُؤمنِينَ مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أخبر أَن الله مَوْلَاهُ وَالْمولى يمْتَنع أَن يُرَاد بِهِ الْمولى عَلَيْهِ فَلم يبْق المُرَاد بِهِ إِلَّا الموالى وَمن الْمَعْلُوم أَن كل من كَانَ صَالحا من الْمُؤمنِينَ كَانَ مواليا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطعا فَإِنَّهُ لَو لم يواله لم يكن من صالحي الْمُؤمنِينَ بل قد يواليه الْمُؤمن وَإِن لم يكن صَالحا وقولك والآيات فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة فغاية ذَلِك أَن يكون الْمَتْرُوك من جنس الْمَذْكُور وَالَّذِي أوردته خُلَاصَة مَا عنْدك وَبَاب الْكَذِب لَا ينسد وَلَكِن الله يقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه فَإِذا هُوَ زاهق وَلكم الويل مِمَّا تصفون وحكاية قَاسم بن زَكَرِيَّا الْمُطَرز مَشْهُورَة أَنه دخل على عباد بن يَعْقُوب الْأَسدي الروَاجِنِي الرافضي وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 صَدُوقًا فِي الحَدِيث على بدعته فَقَالَ لي من حفر الْبَحْر قلت الله تَعَالَى قَالَ هُوَ كَذَلِك وَلَكِن من حفره قلت يذكر الشَّيْخ فَقَالَ حفره عَليّ فَمن أجراه قلت يُفِيد الشَّيْخ قَالَ أجراه الْحُسَيْن وَكَانَ عباد مكفوفا فَرَأَيْت سَيْفا وجحفة فَقلت لمن هَذَا قَالَ أعددته لأقاتل بِهِ مَعَ الْمهْدي فَلَمَّا فرغت من سَماع مَا أردْت مِنْهُ دخلت عَلَيْهِ فَقَالَ لي من حفر الْبَحْر قلت مُعَاوِيَة وأجراه عَمْرو بن الْعَاصِ ثمَّ وَثَبت وعدوت أصيح أدركوا الْفَاسِق عَدو الله فَاقْتُلُوهُ قلت هَذِه حِكَايَة صَحِيحَة رَوَاهَا ابْن مظفر عَن الْقَاسِم وَقد قَالَ مُحَمَّد بن جرير سَمِعت عباد بن يَعْقُوب يَقُول من لم يتبرأ فِي صلَاته كل يَوْم من أَعدَاء آل مُحَمَّد حشر مَعَهم قَالَ الرافضي الْمنْهَج الثَّالِث فِي الْأَدِلَّة المسندة إِلَى الحَدِيث فَمن ذَلِك مَا نَقله النَّاس كَافَّة لما نزلت (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين) جمع رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني عبد الْمطلب فِي دَار أبي طَالب وهم أَرْبَعُونَ رجلا وَامْرَأَتَانِ فَصنعَ لَهُم طَعَاما وَكَانَ الرجل مِنْهُم يَأْكُل الْجَذعَة وَيشْرب الْفرق من الشَّرَاب فَأكلت الْجَمَاعَة كلهم من ذَلِك الْيَسِير حَتَّى شَبِعُوا وَلم يتَبَيَّن مَا أكلُوا فبهرهم ذَلِك وَتبين لَهُم أَنه صَادِق فِي نبوته فَقَالَ يَا بنى عبد الْمطلب إِن الله بعثنى إِلَى الْخلق كَافَّة وبعثنى إِلَيْكُم خَاصَّة فَقَالَ (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين) وَأَنا أدعوكم إِلَى كَلِمَتَيْنِ خفيفتين على اللِّسَان ثقيلتين فِي الْمِيزَان تَمْلِكُونَ بهما الْعَرَب والعجم وتنقاد لكم بهما الْأُمَم وتدخلون بهما الْجنَّة وتنجون بهما من النَّار شَهَادَة أَن لاإله إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله عَن يجيبني إِلَى هَذَا الْأَمر ويؤازرني عَلَيْهِ يكن أخي ووصيتي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدِي فَقَالَ عَليّ أَنا يَا رَسُول الله وَالْجَوَاب الْمُطَالبَة بِصِحَّة النَّقْل فَلَا هُوَ فِي السّنَن وَلَا فِي المسانيد وَلَا فِي الْمَغَازِي فَأَيْنَ قَوْلك فِيهِ نَقله النَّاس كَافَّة وَإِنَّمَا هُوَ من الموضوعات ثمَّ إِن بني عبد الْمطلب لم يبلغُوا أَرْبَعِينَ رجلا وَقت نزُول الْآيَة وَلَا كَانُوا أَرْبَعِينَ فِي حَيَاة الرَّسُول أبدا وَجَمِيع بني عبد الْمطلب من أَوْلَاد الْعَبَّاس وَأبي طَالب والْحَارث وَأبي لَهب فَكَانَ لأبي طَالب أَرْبَعَة على وجعفر وَعقيل وطالب فطالب لم يدْرك الْإِسْلَام وَالْعَبَّاس كَانَ أَوْلَاده رضعا أَو لم يُولد لَهُ والْحَارث كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَبُو سُفْيَان وَرَبِيعَة وَنَوْفَل وَأَبُو لَهب كَانَ لَهُ ولدان أَو ثَلَاثَة فَكل بني هَاشم إِذْ ذَاك لم يبلغُوا بضعَة عشر فَأَيْنَ الْأَرْبَعُونَ ثمَّ قَوْله فِي الحَدِيث كل رجل مِنْهُم يَأْكُل الْجَذعَة وَيشْرب الْفرق من اللَّبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 كذب لَيْسَ بَنو هَاشم معروفين بِكَثْرَة الْأكل بل وَلَا وَاحِد مِنْهُم يحفظ عَنهُ هَذَا ثمَّ لفظ الحَدِيث رَكِيك يشْهد الْقلب بِبُطْلَانِهِ فَإِنَّهُ عرضه كَمَا زعمت على أَرْبَعِينَ رجلا فَلَو فَرضنَا أَنهم أجابوه كلهم من الَّذِي يكون الْخَلِيفَة مِنْهُم ثمَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يبين بطلَان هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة وَغَيره أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزلت (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين) دَعَا قُريْشًا فَاجْتمعُوا فَعم وَخص فَقَالَ يَا بني كَعْب بن لؤَي أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار يَا بني عبد شمس أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار يَا بني عبد الْمطلب أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار يَا فَاطِمَة أَنْقِذِي نَفسك من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم من الله شَيْئا غير أَن لكم رحما سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ يَا معشر قُرَيْش اشْتَروا أَنفسكُم من الله لَا أغْنى عَنْكُم من الله شَيْئا يَا بني عبد الْمطلب لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا يَا صَفِيَّة عمَّة رَسُول الله لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا يَا فَاطِمَة بنت رَسُول الله لَا أغْنى عَنْك من الله شَيْئا سلاني مَا شئتما من مَالِي وَأخرجه مُسلم من حَدِيث قبيصَة ابْن مُخَارق وَزُهَيْر وَعَائِشَة وَفِيه أَنه قَامَ على الصَّفَا فَنَادَى قَالَ الْخَبَر الثَّانِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما نزلت (يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك) خطب بغدير خم وَقَالَ أَيهَا النَّاس أَلَسْت أولى مِنْكُم بِأَنْفُسِكُمْ قَالُوا بلَى قَالَ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ وانصر من نَصره واخذل من خذله فَقَالَ عمر بخ بخ أَصبَحت مولَايَ وَمولى كل مُؤمن ومؤمنة وَالْمرَاد بالمولى هُنَا التَّصَرُّف لتقدم التَّقْرِير مِنْهُ بقوله أَلَسْت أولى مِنْكُم بِأَنْفُسِكُمْ وَالْجَوَاب عَن هَذَا قد تقدم وَأَن الْآيَة قد نزلت قبل يَوْم الغدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 عدَّة وَإِن كَانَت من الْمَائِدَة أَلا ترى أَن فِي سياقها (وَالله يَعْصِمك من النَّاس) وَهَذَا شَيْء كَانَ فِي أَوَائِل الْإِسْلَام ثمَّ صدر الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأحمد فِي الْمسند وَأما اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ إِلَخ فَلَا ريب فِي كذبه وَنقل الْأَثْرَم فِي سنَنه عَن أَحْمد أَن الْعَبَّاس سَأَلَهُ عَن حُسَيْن الْأَشْقَر وَأَنه حدث بحديثين هَذَا أَحدهمَا وَالْآخر قَوْله لعَلي إِنَّك ستعرض على الْبَرَاءَة مني فَلَا تَبرأ مني فَأنكرهُ أَبُو عبد الله جدا وَلم يشك أَن هذَيْن كذب وَقد صنف ابْن عقدَة مصنفا فِي جمع طرق الحَدِيث وَقَالَ ابْن حزم الَّذِي صَحَّ فِي فَضَائِل على أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى ولأعطين الرَّايَة وَعَهده أَن عليا لَا يُحِبهُ إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضه إِلَّا مُنَافِق وَصَحَّ نَحوه فِي الْأَنْصَار وَأما من كنت مَوْلَاهُ فَلَا يَصح إِلَى أَن قَالَ وَأما سَائِر الْأَحَادِيث الَّتِي يتَعَلَّق بهَا الروافض فموضوعة يعرف ذَلِك من لَهُ أدنى علم بالأخبار ونقلتها فَإِن قيل فَمَا ذكر ابْن حزم قَوْله أَنْت مني وَأَنا مِنْك وَحَدِيث المباهلة والكساء قيل مُرَاد ابْن حزم مَا يذكر فِيهِ عَليّ وَحده وَنحن نقُول إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا يَوْم الغدير فَلم يرد بِهِ الْخلَافَة قطعا إِذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ دلَالَة ظَاهِرَة وَمثل هَذَا الْأَمر الْعَظِيم يَنْبَغِي أَن يبين بَيَانا وَاضحا فالمولى كالولى وَقد قَالَ الله تَعَالَى (إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا) وَأَن الْمُؤمنِينَ أَوْلِيَاء الله وَأَن بَعضهم أَوْلِيَاء بعض فالموالاة ضد المعاداة وَهِي تثبت من الطَّرفَيْنِ وَإِن كَانَ أحد المتواليين أعظم قدرا وولايته إِحْسَان وتفضل وَولَايَة الآخر طَاعَة وَعبادَة فَمَعْنَى كَونه تَعَالَى ولي الْمُؤمنِينَ ومولاهم وَكَون نبيه وليهم ومولاهم وَكَون عَليّ مَوْلَاهُم هِيَ الْمُوَالَاة الَّتِي هِيَ ضد الْمُعَادَة والمؤمنون أَيْضا يتولون الله وَرَسُوله الْمُوَالَاة المضادة للمعاداة وَهَذَا حكم ثَابت لكل مُؤمن فعلي من كبارهم يتولاهم ويتولونه فَفِيهِ رد على الْخَوَارِج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 والنواصب لَكِن لَيْسَ فِي الحَدِيث أَنه لَيْسَ للْمُؤْمِنين مولى سواهُ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلم وغفار ومزينه وجهينة وقريش وَالْأَنْصَار موَالِي دون النَّاس لَيْسَ لَهُم مولى دون الله وَرَسُوله قَالَ الثَّالِث قَوْله أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي وَمن جملَة منَازِل هَارُون أَنه كَانَ خَليفَة لمُوسَى وَلَو عَاشَ بعده لخلفه وَلِأَنَّهُ خَلفه مَعَ وجوده وغيبته مُدَّة يسيرَة فَعِنْدَ مَوته تطول الْغَيْبَة فَيكون أولى بِأَن يكون خَليفَة الْجَواب هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَهُ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا غَابَ عَن الْمَدِينَة يسْتَخْلف عَلَيْهَا رجلا فَلَمَّا كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك لم يَأْذَن لأحد فِي التَّخَلُّف فَمَا تخلف عَنهُ إِلَّا مَعْذُور بِالْعَجزِ أَو مُنَافِق وَأُولَئِكَ الثَّلَاثَة كَذَا كَانَ الإستخلاف فِي غَزْوَة الْفَتْح أَيْضا وَفِي حجَّة الْوَدَاع فَمَا علميا من يذكر تخلف وَلم يبْق بِالْمَدِينَةِ طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وَكَانَ هَذَا الإستخلاف دون الإستخلافات الْمُعْتَادَة مِنْهُ فَخرج عَليّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبكي وَقَالَ أتخلفني مَعَ النِّسَاء وَالصبيان وَقيل إِن بعض الْمُنَافِقين طعن فِيهِ وَقَالَ إِنَّمَا خَلفه لِأَنَّهُ فَبين لَهُ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي إِنَّمَا أستخلفتك لأمانتك عِنْدِي وَإِن الإستخلاف لَيْسَ ببغض فإت مُوسَى اسْتخْلف هَارُون على قومه فطيب قلبه وَلم يكن الإستخلاف كإستخلاف هَارُون لِأَن ذَلِك كَانَ على كل قوم مُوسَى وَذهب هُوَ للمناجاة وإستخلاف عَليّ كَانَ على من ذكرنَا وَسَائِر الْمُسلمين كَانُوا مَعَ نَبِيّهم وَقَول الْقَائِل هَذَا بمنزله هَذَا أَو مثل هَذَا أَو كَهَذا تَشْبِيه للشَّيْء بالشَّيْء وَيكون بِحَسب مَا دلّ عَلَيْهِ السِّيَاق وَلَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة فِي كل شَيْء أَلا ترى إِلَى مَا ثَبت من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الأساري حِين اسْتَشَارَ أَبَا بكر فَأَشَارَ بِالْفِدَاءِ وَاسْتَشَارَ عمر فَأَشَارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ مثلك يَا أَبَا بكر مثل إِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ (فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ مني وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم) وَمثلك يَا عمر مثل نوح إِذْ قَالَ (رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا) الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 فقد جعل هذَيْن مثلهمَا وَلم يرد أَنَّهُمَا مثلهمَا فِي كل شَيْء لَكِن فِيمَا دلّ عَلَيْهِ السِّيَاق من الشدَّة واللين وَكَذَلِكَ عَليّ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة هَارُون فِيمَا دلّ عَلَيْهِ السِّيَاق وَهُوَ إستخلافه فِي مغيبه وَهَذَا الإستخلاف لَيْسَ من خَصَائِص عَليّ وَلَا هُوَ مثل سَائِر إستلافاته وَلَا أُولَئِكَ المستخلفون مِنْهُ بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى وتخصيصه لعَلي بِالذكر هُنَا هُوَ مَفْهُوم اللقب وَهُوَ نَوْعَانِ لقب هُوَ جنس ولقب يجْرِي مجْرى الْعلم مثل زبد وَأَنت وَهَذَا الْمَفْهُوم أَضْعَف المفاهيم وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِير الْأُصُولِيِّينَ على أَنه لَا يحْتَج بِهِ وَقَول الْقَائِل إِنَّه جعله بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى فِي كل شَيْء إِلَّا النُّبُوَّة بَاطِل فَإِن قَوْله أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى دَلِيل على أَنه يسترضيه بذلك ويطيب قلبه أَي مثل منزلَة هَارُون وَلَو كَانَ مثل هَارُون مُطلقًا لما أَمر عَلَيْهِ أَبَا بكر فِي حجَّة سنة تسع فَكَانَ يُصَلِّي خلف أبي بكر ويطيع أمره وَخَصه بنبذ العهود إِلَى الْعَرَب فَقَط فَإِنَّهُ كَانَ من عَادَتهم أَن لَا يعْقد الْعُقُود وَلَا ينبذها إِلَّا السَّيِّد المطاع أَو رجل من أهل بَيته وقولك وَلِأَنَّهُ خَلِيفَته مَعَ وجوده وغيبته مُدَّة يسيرَة فَعِنْدَ مَوته بطول الْغَيْبَة يكون أولى بِأَن يكون خَليفَة فَيُقَال هُوَ مَعَ وجوده وغيبته قد اسْتخْلف غير وَاحِد سوى عَليّ فالإستخلاف على الْمَدِينَة لَيْسَ من خَصَائِصه وَلَيْسَ كل من صلح للإستخلاف فِي الْحَيَاة على بعض الْأمة يصلح أَن يكون خَليفَة بعد الْمَوْت قَالَ الرَّابِع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إستخلفه على الْمَدِينَة مَعَ قصر مُدَّة الْغَيْبَة فَيجب أَن يكون خَليفَة لَهُ بعد مَوته وَلَيْسَ غير عَليّ إِجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ لم يعزله عَن الْمَدِينَة فَيكون خَلِيفَته بعد مَوته فِيهَا وَإِذا كَانَ خَليفَة فِي الْمَدِينَة كَانَ خَليفَة فِي غَيرهَا إِجْمَاعًا قُلْنَا هَذِه حجَّة داحضة كأمثالها من جنس نَسِيج العنكبوت وَالْجَوَاب عَنْهَا من وُجُوه أَحدهَا أَن نقُول على أحد الْقَوْلَيْنِ إِنَّه اسْتخْلف أَبَا بكر بعد مَوته وَإِن قلت بل اسْتخْلف عليا قيل والراوندية من جنسك قَالُوا اسْتخْلف عَمه الْعَبَّاس وكل من لَهُ علم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 بالمنقولات الثَّابِتَة يعلم أَن الْأَحَادِيث الدَّالَّة على إستخلاف أحد بعد مَوته إِنَّمَا تدل على إستخلاف أبي بكر لَيْسَ فِيهَا شَيْء يدل على إستخلاف عَليّ وَلَا الْعَبَّاس وَإِن لم يكن اسْتخْلف فقد ترك مُبَاحا أما الإستخلاف فِي الْحَيَاة فَإِنَّهُ نِيَابَة وَلَا بُد مِنْهُ لكل إِمَام عزما وَبعد مَوته انْقَطع التَّكْلِيف عَنهُ كَمَا قَالَ الْمَسِيح (وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم) وقولك لم يعزله عَن الْمَدِينَة قَول زيف فَإِنَّهُ بِمُجَرَّد مَجِيء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْعَزل عَليّ كَمَا كَانَ غَيره من نواب الرَّسُول على الْمَدِينَة ينعزلون بمقدمه وَقد أرْسلهُ بعد ذَا بِبَرَاءَة إِلَى الْمَوْسِم وَبَعثه عَاملا على الْيمن ثمَّ وافاه فِي حجَّة الْوَدَاع قَالَ الْخَامِس مَا رَوَاهُ الْجُمْهُور بأجمعهم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعَلي أَنْت أخي ووصيي وخليفتي من بعدِي وقاضي ديني وَالْجَوَاب أَولا الْمُطَالبَة بِصِحَّة هَذَا فقد شطحت وَانْتَفَخَتْ إِذْ قلت رَوَاهُ الْجُمْهُور بأجمعهم فَإِن أردْت عُلَمَاء الحَدِيث فقد افتريت وَإِن أردْت أَن أَبَا نعيم رَوَاهُ فِي الْفَضَائِل والمغازلي أَو خطيب خوارزم فَلَيْسَ حجَّة بإتفاق ثمَّ بُطْلَانه مَعْلُوم قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات لما روى هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الحَدِيث من طَرِيق أبي حَاتِم البستي حَدثنَا مُحَمَّد بن سهل بن أَيُّوب حَدثنَا عمار بن رَجَاء حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى حَدثنَا مطر بن مَيْمُون الإسكاف عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أخي ووزيري وخليلي من أَهلِي وَخير من أترك من بعدِي يقْضِي ديني وينجز موعدي على بن أبي طَالب وَهَذَا مَوْضُوع قَالَ ابْن حبَان مطر يرْوى الموضوعات لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ وَرَوَاهُ من طَرِيق ابْن عدي بِنَحْوِهِ ومداره على مطر هَذَا مَعَ أَنه لَيْسَ فِي لَفظه وخليفتي ووصيي وَأما فِي تِلْكَ الطَّرِيق وخليفتي فِي أَهلِي قَالَ السَّادِس حَدِيث المؤاخاة روى أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ يَوْم المباهلة وآخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَعلي وَاقِف يرَاهُ ويعرفه وَلم يؤاخ بَينه وَبَين أحد فَانْصَرف باكيا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فعل أَبُو الْحسن قَالُوا انْصَرف باكي الْعين فَقَالَت لَهُ فَاطِمَة مَا يبكيك قَالَ آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَلم يؤاخ بيني وَبَين أحد قَالَت لَا يخزيك الله لَعَلَّه إِنَّمَا ادخرك لنَفسِهِ فَقَالَ بِلَال يَا عَليّ أجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتي فَقَالَ مَا يبكيك يَا أَبَا الْحسن فَأخْبرهُ فَقَالَ إِنَّمَا ادخرك لنَفْسي أَلا يَسُرك أَن تكون أَخا نبيك قَالَ بلَى فَأخذ بِيَدِهِ فَأتى الْمِنْبَر فَقَالَ اللَّهُمَّ هَذَا مني وَأَنا مِنْهُ أَلا إِنَّه مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى أَلا من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَانْصَرف فَاتبعهُ عمر فَقَالَ بخ بخ يَا أَبَا الْحسن أَصبَحت مولَايَ وَمولى كل مُسلم فالمؤاخاة تدل على الْأَفْضَلِيَّة فَيكون هُوَ الإِمَام قُلْنَا هَذَا مَوْضُوع بَاطِل والمباهلة إِنَّمَا كَانَت سنة تسع أَو نَحْوهَا والمؤاخاة بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فِي أول الْهِجْرَة ثمَّ لم تقع مباهلة لَكِن دعِي نَصَارَى نَجْرَان إِلَيْهَا فاستمهلوا حَتَّى يشتوروا فَلَمَّا خلوا قَالُوا هُوَ نَبِي وَمَا بَاهل قوم نَبيا إِلَّا استؤصلوا فأقروا بالجزية وذهبوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 قَالَ السَّابِع حَدِيث فتح خَيْبَر على يَدَيْهِ فَأوردهُ بِلَفْظ مُنكر وَفِيه أروني رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله وَلَا ريب أَن عليا يُحِبهُ الله فَفِيهِ رد على الْخَوَارِج والأموية قَالَ الْأَشْعَرِيّ فِي كتاب المقالات أَجمعت الْخَوَارِج على كفر عَليّ وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِمَّا يخْتَص بِهِ على بل غَيره يُحِبهُ الله وَكَون الْفَتْح على يَدَيْهِ يدل على فضيلته لَا أفضليته قَالَ الثَّامِن خبر الطَّائِر روى الْجُمْهُور كَافَّة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بطائر فَقَالَ اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأحب الْخلق إِلَيْك وإلي يَأْكُل معي من هَذَا الطَّائِر فجَاء عَليّ فَنَقُول حَدِيث الطَّائِر من المكذوبات الموضوعات عِنْد أهل الْعلم والمعرفة بحقائق النَّقْل وَسُئِلَ الْحَاكِم عَن حَدِيث الطير فَقَالَ لَا يَصح مَعَ أَن الْحَاكِم مَنْسُوب للتشيع لَكِن تشيعه وتشيع أَمْثَاله من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ كَالنَّسَائِيِّ وَابْن عبد الْبر وأمثالهما لَا يبلغ إِلَى تَفْضِيل عَليّ على أبي بكر وَعمر فَلَا يعرف فِي عُلَمَاء الحَدِيث من يفضله عَلَيْهِمَا ثمَّ إِمَّا أَن يكون الرَّسُول كَانَ يعرف أَن عليا أحب الْخلق إِلَى الله تَعَالَى أَولا فَإِن كَانَ يعرف هلا أرسل خَلفه أَو هلا قَالَ اللَّهُمَّ ائْتِنِي بعلي فأراح أنفسا من الإحتمال والرجاء الْبَاطِل ثمَّ فِي لَفظه أحب خلقك إِلَيْك وإلي فَكيف لَا يعرف أحب الْخلق إِلَيْهِ لَا سِيمَا وَفِي الصِّحَاح مَا يُنَاقض هَذَا كَقَوْلِه لَو كنت متخذا خَلِيلًا من الْأمة لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَهَذَا متواتر جَاءَ من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأبي سعيد وَابْن الزبير والخلة كَمَال الْحبّ وَثَبت فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ عَائِشَة قيل فَمن الرِّجَال قَالَ أَبوهَا وَقَالَ لَهُ عمر يَوْم السَّقِيفَة بِحَضْرَة الْمَلأ أَنْت خيرنا وأحبنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا أنكرهُ على عمر مُنكر وَقَالَ الله تَعَالَى (وسيجنبها الأتقى الَّذِي يُؤْتى مَاله يتزكى وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى ولسوف يرضى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وأئمة التَّفْسِير يَقُولُونَ هَذَا أَبُو بكر فَنَقُول الأتقى قد يكون نوعا فَتدخل فِيهِ جمَاعَة وَقد يكون شخصا معينا فإمَّا أَن يكون أَبَا بكر أَو عليا فَلَا يَصح أَن يكون عليا لِأَنَّهُ قَالَ (الَّذِي يُؤْتى مَاله يتزكى وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى) وَهَذَا وصف مُنْتَفٍ عَن عَليّ لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة وَعلي كَانَ بِمَكَّة فَقِيرا فِي عِيَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضمه إِلَيْهِ لما أَصَابَت أهل مَكَّة سنة فَكَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْده نعْمَة تجزى دنيوية ونعمة الدّين لَا تجزى بل أجرهَا على الله وَحده فالوصف ثَابت للصديق دون عَليّ وَعلي أتقى من غَيره لَكِن أَبُو بكر أكمل فِي الْوَصْف هُنَا مِنْهُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر وَقَالَ إِن أَمن النَّاس علينا فِي صحبته وَذَات يَده أَبُو بكر وَاشْترى أَبُو بكر سَبْعَة من الْمُعَذَّبين فِي الله ابْتِغَاء وَجه الله فَإِن قُلْنَا الأتقى اسْم جنس فَأَبُو بكر أول دَاخل فِيهِ وسَادَة الصَّحَابَة وتابعوهم قَالَ التَّاسِع مَا رَوَاهُ الْجُمْهُور من أَنه أَمر الصَّحَابَة بِأَن يسلمُوا على عَليّ وَقَالَ إِنَّه سيد الْمُسلمين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وقائد الغر المحجلين وَقَالَ هَذَا أولى بِكُل مُؤمن من بعدِي فَيكون هُوَ الإِمَام وَالْجَوَاب الْمُطَالبَة بِإِسْنَاد هَذَا وَبَيَان صِحَّته فَمَا هُوَ فِي كتاب صَحِيح وَلَا فِي مُسْند مُعْتَبر بل رَوَاهُ آحَاد النَّاس بِإِسْنَادِهِ فِيهِ مُتَّهم بِالْكَذِبِ ومهو مَوْضُوع عِنْد من لَهُ أدنى معرفَة بِالْحَدِيثِ وَلَا تحل نسبته إِلَى الرَّسُول الْمَعْصُوم وَلَا نعلم أحدا هُوَ سيد الْمُسلمين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وقائد الغر المحجلين غير نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاللَّفْظ مُطلق مَا قَالَ فِيهِ من بعدِي وَلَا فِي اللَّفْظ مَا يدل على ذَلِك وَلِأَن خير الْمُسلمين والمتقين والمحجلين هم الْقرن الأول وَالرَّسُول قائدهم بل وقائد من بعدهمْ فِي الْقِيَامَة فَلِمَنْ يَقُود عَليّ وعندكم جُمْهُور الْأمة المحجلين كفار وفساق فَكيف يقودهم وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأْتونَ غرا محجلين يَوْم الْقِيَامَة من آثَار الْوضُوء وَأَنا فَرَطكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 على الْحَوْض فَهَذَا يبين أَن كل من تَوَضَّأ وَغسل وَجهه وَيَديه وَرجلَيْهِ فَإِنَّهُ من المحجلين وَهَؤُلَاء جَمَاهِير أمة مُحَمَّد سواكم فَإِنَّكُم لَا تغسلون الأرجل فَلَا تَكُونُونَ من المحجلين فِي الأرجل فَلَا يقودكم الرَّسُول وَلَا عَليّ وَإِنَّمَا الحجلة فِي الرجل كهي فِي الْيَد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويل لِلْأَعْقَابِ وبطون الْأَقْدَام من النَّار وَمَعْلُوم أَن الْفرس لَو لم يكن لَهُ لمْعَة فِي يَده أَو فِي رجله لم يكن محجلا فَمن لم يغسل إِلَى الْكَعْبَيْنِ لم يكن من المحجلين وَمِمَّا يُوضح أَن الحَدِيث كذب مَا ثَبت من أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يفضل على عَليّ أَبَا بكر وَعمر تَفْضِيلًا ظَاهرا عرفه الْخَاص وَالْعَام حَتَّى الْمُشْركُونَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ وضع عمر على سَرِيره فتكنفه النَّاس يدعونَ لَهُ ويثنون عَلَيْهِ وَيصلونَ عَلَيْهِ قبل أَن يرفع وَأَنا فيهم فَلم يرعني إِلَّا بِرَجُل قد أَخذ بمنكبي من ورائي فَالْتَفت فَإِذا هُوَ عَليّ فترحم على عمر وَقَالَ مَا خلفت أحدا أحب إِلَيّ أَن ألْقى الله بِمثل عمله مِنْك وأيم الله إِن كنت لأَظُن أَن يجعلك الله مَعَ صاحبيك وَذَلِكَ أَنِّي كثيرا مَا كنت أسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول جِئْت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَدخلت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَخرجت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر فَإِن كنت لأرجو أَن يجعلك الله مَعَهُمَا فَلم يكن تفضيلهما عَلَيْهِ وعَلى أَمْثَاله مِمَّا يخفى على أحد وَلِهَذَا كَانَت الشِّيعَة الأول مَعَ فرط حبهم لعَلي يقدمُونَ أَبَا بكر وَعمر عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يفضلونه على عُثْمَان كَمَا قَالَ عبد الرَّزَّاق كفى بِي أزرا أَن أحبه وأخالف قَوْله خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَعمر وَلَو شِئْت أَن أسمي الثَّالِث لَسَمَّيْته وَلما كَانَ يَوْم أحد وَاسْتظْهر أَبُو سُفْيَان أَمِير الْمُشْركين قَالَ أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجيبوه فَقَالَ أَفِي الْقَوْم ابْن أبي قُحَافَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجيبوه فَقَالَ أَفِي الْقَوْم ابْن الْخطاب فَقَالَ لَا تجيبوه فَقَالَ أَبُو سُفْيَان لأَصْحَابه أما هَؤُلَاءِ فقد كفيتموهم فَلم يملك عمر نَفسه أَن قَالَ كذبت يَا عَدو الله إِن الَّذين عددت لأحياء وَقد بَقِي لَك مَا يسؤوك الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فَهَذَا رَأس الْعَدو لَا يسْأَل إِلَّا عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فَدلَّ على عظمهم عِنْد الْمُشْركين بِخِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 غَيرهم وَكَذَلِكَ قَوْله هُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي كذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل هُوَ فِي حَيَاته وَبعد مماته ولي كل مُؤمن وكل مُؤمن وليه فِي الْمحيا وَالْمَمَات فالولاية الَّتِي هِيَ ضد الْعَدَاوَة لَا تخْتَص بِزَمَان فَأَما الْولَايَة الَّتِي هِيَ الْإِمَارَة فَإِنَّمَا يُقَال فِيهَا وَإِلَى كل مُؤمن وَأما قَوْله لعَلي أَنْت مني وَأَنا مِنْك فَصَحِيح وَفِي الحَدِيث قَالَ لزيد أَنْت أخونا ومولانا وَقَالَ لجَعْفَر بن أبي طَالب أشبهت خلقي وَخلقِي وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْأَشْعَرِيين إِذا أرملوا فِي الْغَزْو وجمعوا مَا عِنْدهم فِي ثوب ثمَّ قسموه بِالسَّوِيَّةِ هم مني وَأَنا مِنْهُم فَعلمنَا أَن هَذَا اللَّفْظ مدح وَلَا يدل على الْإِمَامَة وَقَالَ فِي جليبيب هَذَا مني وَأَنا مِنْهُ قَالَ الْعَاشِر مَا رَوَاهُ الْجُمْهُور من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا كتاب الله وعترتي وَلنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا على الْحَوْض وَقَالَ أهل بَيْتِي فِيكُم كسفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق وَسيد أهل بَيته عَليّ فَيكون وَاجِب الطَّاعَة على الْكل فَيكون الإِمَام قُلْنَا إِنَّمَا لفظ الحَدِيث فِي مُسلم عَن زيد بن أَرقم قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا بخم فَقَالَ إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا كتاب الله وَأما قَوْله وعترتي فَهَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ تفرد بِهِ زيد بن الْحسن الْأنمَاطِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر والأنماطي قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم مُنكر الحَدِيث وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن فُضَيْل حَدثنَا الْأَعْمَش عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن زيد بن أَرقم عَن عَطِيَّة عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي أَحدهمَا أعظم من الآخر كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا حسنه التِّرْمِذِيّ وَأما حَدِيث سفينة نوح فَغير صَحِيح وَلَا هُوَ فِي شَيْء من الْكتب الْمُعْتَمدَة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يَتَفَرَّقَا يدل على أَن إِجْمَاع العترة حجَّة وَهُوَ قَول طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَذكر القَاضِي فِي الْمُعْتَمد والعترة هم بَنو هَاشم كلهم ولد عَليّ وَولد الْعَبَّاس وَولد الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَسيد العترة هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ابْن عَبَّاس أفقه العترة وَكَانَ يُخَالف عليا فِي مسَائِل وَعلي مَا كَانَ يُوجب على أحد طَاعَته فِيمَا يُفْتِي بِهِ ثمَّ العترة مَا اجْتَمعُوا على إِمَامَته وَلَا عَليّ أفضليته بل ابْن عَبَّاس بل هُوَ نَفسه يَقُولَانِ إِن أفضل الْأمة أَبُو بكر وَعمر وَإِن خِلَافَتهمَا حق وَكَذَلِكَ سَائِر العباسيين وَأكْثر العلويين وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَعلي بن الْحُسَيْن وَابْنه وحفيده جَعْفَر الصَّادِق والنقول بذلك متواترة عَنْهُم وَقد صنف الدَّارَقُطْنِيّ كتاب ثَنَاء الصَّحَابَة على الْقَرَابَة وثناء الْقَرَابَة على الصَّحَابَة ثمَّ إِجْمَاع الْأمة والعترة بَعضهم حجَّة بِلَا نزاع وأفضلهم أَبُو بكر فَإِن كَانَت الطَّائِفَة الَّتِي إجماعها حجَّة يجب أَتبَاع أفضلهَا مُطلقًا فَهُوَ أَبُو بكر وَإِن لم يكن بَطل مَا ذكرْتُمْ فِي إِمَامَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْحَادِي عشر مَا رَوَاهُ الْجُمْهُور من وجوب محبته وموالاته روى أَحْمد فِي مُسْنده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بيد حسن وحسين فَقَالَ من أَحبَّنِي وَأحب هذَيْن وَأحب أباهما وأمهما فَهُوَ معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة قُلْنَا مُجَرّد رِوَايَة أَحْمد لَهُ لَا توجب صِحَّته مَعَ أَنه مَا رَوَاهُ أبدا وَإِنَّمَا زَاده الْقطيعِي فِي كتاب الْفَضَائِل وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات من رِوَايَة عَليّ بن جَعْفَر عَن مُوسَى بن جَعْفَر وَله يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه المجازفة أصلا من كَون الْمُسلم الخطاء يصير فِي دَرَجَة الْمُصْطَفى بِمُجَرَّد الْحبّ قَالَ وروى ابْن خالويه عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب أَن يتَمَسَّك بقضيب الْيَاقُوت الَّذِي خلقه الله بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَكَانَ فليتول عليا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 بعدِي فَهَذَا من كذب الطرقية فَمَا أرك لَفظه مَعَ عدم فَائِدَته فَكيف يُقَال خلقه بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَكَانَ بل قد جَاءَ فِي الْأَثر أَن الله لم يخلق بِيَدِهِ إِلَّا آدم والقلم وجنة عدن ثمَّ قَالَ لسَائِر الْخلق كن فَكَانَ قَالَ وَعَن أبي سعيد مَرْفُوعا أَنه قَالَ لعَلي حبك إِيمَان وبغضك نفاق وَأول من يدْخل الْجنَّة محبك وَأول من يدْخل النَّار مبغضك قُلْنَا وَهَذَا من المكذوبات فَهَل يَقُول مُسلم إِن الْخَوَارِج والنواصب يدْخلُونَ النَّار قبل فِرْعَوْن وَأبي جهل ورءوس الْكفْر أم يَقُول مُسلم إِن أول من يدْخل الْجنَّة قبل الْأَنْبِيَاء غلاة الإسماعيلية وكذبة الرافضة وفسقه الإمامية وَهَذَا من جنس قَول الناصبي أَن لَو قَالَ من أحب يزِيد وَالْحجاج أَو قَول الْخَارِجِي من أحب ابْن ملجم دخل الْجنَّة وَمن أبْغضهُم دخل النَّار بِهَذَا الْحبّ والبغض قَالَ وروى أَخطب خوارزم بِإِسْنَادِهِ عَن أبي ذَر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ناصب عليا الْخلَافَة فَهُوَ كَافِر وَقد حَارب الله وَرَسُوله وَعَن أنس قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأى عليا مُقبلا فَقَالَ أَنا وَهَذَا حجَّة الله على أمتِي يَوْم الْقِيَامَة وَعَن مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لعَلي لَا تبال من مَاتَ ببغضك أَن يَمُوت يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَإِذا رَأينَا الْمُخَالف يُورد مثل هَذِه الْأَحَادِيث ونقلنا نَحن أضعافها عَن رجالنا الثِّقَات وَجب علينا الْمصير إِلَيْهَا وَحرم الْعُدُول عَنْهَا وَالْجَوَاب أَنا نَتَنَزَّل وبطالب بِصِحَّة النَّقْل فَإِن مُجَرّد رِوَايَة الْمُوفق خطيب خوارزم لَا تدل على الثُّبُوت كَيفَ وَقد حَشا تأليفه بالموضوعات الَّتِي يتعجب مِنْهَا الْمُحدث الصادث وَيَقُول سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم وَمن كَانَ خَبِيرا بِمَا جرى وَمهر فِي الْآثَار علم باضطرار أَن هَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا وَلَده الكذابون بعد إنقراض عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَتقول علمنَا بالتواتر أَن الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار كَانُوا يحبونَ الله وَرَسُوله وَأَن الرَّسُول كَانَ يُحِبهُمْ ويتولاهم أعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 من علمنَا بِهَذِهِ الْأَخْبَار الملفقة وَأَن الإِمَام بعده أَبُو بكر بإتفاق من أُولَئِكَ السَّادة فَكيف يجوز رد مَا علمناه يَقِينا بأخبار لَا نعلم صدقهَا كَيفَ وَقد علمنَا أَنَّهَا كذب وَأَنَّهَا لَا تُوجد فِي كتاب مُعْتَمد بِإِسْنَاد مقارب ثمَّ هَذَا كتاب الله يشْهد فِي غير مَوضِع بِأَن الله رَضِي عَن الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان وَرَضوا عَنهُ وَبِأَنَّهُ رَضِي (عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة) وَقَالَ تَعَالَى (للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا) الْآيَة وَقَالَ (لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار) وأمثال ذَلِك فَكيف يجوز رد هَذِه النُّصُوص بأخبارك المفتراة ثمَّ مِنْهَا مَا يقْدَح بعلي وَيُوجب أَنه مكذب بِاللَّه وَرَسُوله أما الَّذين ناصبوه الْخلَافَة إِذا قلت هم كفار فَمَا عمل هُوَ بِمُوجب النَّص بل كَانَ يجعلهم هُوَ مُسلمين وَشر من قَاتلهم الْخَوَارِج وَمَعَ هَذَا فَمَا حكم فيهم بِحكم الْكفَّار بل حرم أَمْوَالهم وَسَبْيهمْ وَلما قَتله ابْن ملجم قَالَ إِن عِشْت فَأَنا ولي الدَّم وَلم يقْتله وَلَو كَانَ ارْتَدَّ لبادر إِلَى قَتله وتواتر عَنهُ أَنه نهى عَن اتِّبَاع مُدبر أهل الْجمل أَو أَن يُجهز على جريحهم أَو تغنم أَمْوَالهم فَإِن كَانُوا كفَّارًا بأحاديثك هَذِه فعلي أول من كذب بهَا وَلم يعْمل بمقتضاها وَكَذَلِكَ أهل صفّين كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 يُصَلِّي على قتلاهم وَيَقُول فِيمَا بلغنَا عَنهُ إِخْوَاننَا بغوا علينا طهرهم السَّيْف ونعلم بالإضطرار أَن علينا مَا كفر الَّذين قَاتلُوهُ وَكَذَا لَو كَانُوا كفَّارًا عِنْد السَّيِّد الْحسن لما حل لَهُ أَن يسلم إِلَيْهِم الْخلَافَة طَوْعًا مِنْهُ فِي عزه ومنعته وَكَثْرَة جَيْشه وَلَكِن بِأَن سؤدده بقول جده فِيهِ إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين قبيلتين عظيمتين من الْمُسلمين أخرجه البُخَارِيّ وعندك أَنه إِنَّمَا أصلح الله بِهِ بَين الْمُؤمنِينَ والمرتدين ثمَّ إِنَّكُم تدعون أَن الإِمَام الْمَعْصُوم لطف من الله لِعِبَادِهِ فعلي مَا زعمت إِنَّمَا كَانَ نقمة لَا لطفا وَرَحْمَة فَإِن الَّذين خالفوه صَارُوا مرتدين وَالَّذين وافقوه مقهورين منافقين أذلاء فَأَي مصلحَة فِي ذَلِك وَأَنْتُم تَقولُونَ أَن الله يجب عَلَيْهِ أَن يفعل الْأَصْلَح للعباد وَهُوَ تَعَالَى يُمكن الْخَوَارِج حَتَّى كفروه وقاتلوه وَيجْعَل الْأَئِمَّة المعصومين تَحت الْقَهْر وَالْخَوْف والتقية بِمَنْزِلَة أهل الذِّمَّة بل أهل الذِّمَّة يظهرون دينهم فِي الْجُمْلَة فَأَيْنَ اللطف والمصلحة الَّتِي أوجبتها على الله تَعَالَى ثمَّ تزْعم أَنهم حجج الله على عباده وَأَن لَا هدى إِلَّا مِنْهُم وَلَا نجاة إِلَّا بمتابعتهم وخاتمهم قد غَابَ من دهور لم ينْتَفع بِهِ أحد فِي دينه وَلَا دُنْيَاهُ فصح أَن الرَّفْض مَا وَضعه إِلَّا زنديق وَلِهَذَا فَإِن صَاحب دَعْوَة الباطنية أول مَا يَدْعُو المستجيب إِلَى التَّشَيُّع فَإِذا طمع فِيهِ قَالَ عَليّ مثل غَيره فَدَعَاهُ إِلَى الْقدح فِيهِ فَإِذا استوثق مِنْهُ دَعَاهُ إِلَى الْقدح فِي الرَّسُول إِلَى إِنْكَار الصَّانِع وكل عَاقل يعلم أَن أهل الدّين وَالْجُمْهُور لَيْسَ لَهُم غَرَض وَالله لَا مَعَ عَليّ وَلَا مَعَ غَيره وَلَا غرضهم تَكْذِيب نَبِيّهم وَلَا رد مَا أَمر بِهِ وَلَو علمُوا أَن الرَّسُول نَص لَهُم على عَليّ لكانوا أسبق شَيْء إِلَى أمره وَإِلَى التَّصْدِيق بِهِ غَايَة مَا يقدر أَنه خَفِي عَلَيْهِم هَذَا الحكم فَكيف يكون من خَفِي عَلَيْهِ جُزْء من الدّين مثل الْيَهُود وَالنَّصَارَى بل يَكْفِي من وضع مَا جِئْت بِهِ قَول الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار نعم وَمن كتم مَا نَص عَلَيْهِ الرَّسُول مراغمة لله وَرَسُوله فَهُوَ من أَصْحَاب النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وقولك ونقلنا أضعافها عَن رجالنا الثِّقَات فَنَقُول نَحن ننقد رجالنا من أهل السّنة والْحَدِيث نَقْدا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَلنَا مصنفات كَثِيرَة جدا فِي تعديلهم وضعفهم وَصدقهمْ وغلطهم وكذبهم ووهمهم لَا نحابيهم أصلا مَعَ صَلَاحهمْ وعبادتهم ونسقط الإحتجاج بِالرجلِ مِنْهُم لِكَثْرَة غلظه وَسُوء حفظه وَلَو كَانَ من أَوْلِيَاء الله وَأَنْتُم حد الثِّقَة عنْدكُمْ أَن يكون إماميا سَوَاء غلط أَو حفظ أَو كذب أَو صدق فغاية رجالكم أَن يَكُونُوا مثل رجالنا فيهم وَفِيهِمْ فَإِذا كَانَ من الْمَعْلُوم بالإضطرار أَن أهل السّنة فيهم كذابون وَأَنْتُم أكذب مِنْهُم بِكُل حَال حرم علينا الْعَمَل بالأحاديث حَتَّى نَنْظُر فِي أسانيدها فَمن أَيْن لَك يَا مغتر أَن توثق من لَا تعرفه وَلَا تعرف أَن تتهجى اسْمه بل وَلَا ذكر فِي الثِّقَات وغالب مَا فِي أَيْدِيكُم صحف وأخبار على أَلْسِنَتكُم مكذوبة أَو لم تعلم صِحَّتهَا كدأب أهل الْكِتَابَيْنِ سَوَاء وَكذب الرافضة مِمَّا يضْرب بِهِ الْمثل وَنحن نعلم أَن الْخَوَارِج شَرّ مِنْكُم وَمن هَذَا فَمَا نقدر أَن نرميهم بِالْكَذِبِ لأننا جربناهم فوجدناهم يتحرون الصدْق لَهُم وَعَلَيْهِم وَأَنْتُم فالصادق فِيكُم شامة قَالَ ابْن الْمُبَارك الدّين لأهل الحَدِيث وَالْكَلَام والحيل لأهل الرَّأْي وَالْكذب للرافضة فَأهل السّنة والْحَدِيث لَا يرضون بِالْكَذِبِ وَلَو وَافق أهواءهم فكم قد رُوِيَ لَهُم من فَضَائِل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان بل وَمُعَاوِيَة وَغَيرهم أَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ يَرْوِيهَا مثل النقاش والقطيعي والثعلبي والأهوازي وَأبي نعيم والخطيب وَابْن عَسَاكِر وأضعافهم وَلم يقبل مِنْهَا عُلَمَاء الحَدِيث شَيْئا ويبينون الْكَذِب مِنْهُ بل إِذا كَانَ فِي إِسْنَاد الحَدِيث وَاحِد مَجْهُول الْحَال توقفوا فِي الحَدِيث وَأَنْتُم شَرط الحَدِيث عنْدكُمْ أَن يُوَافق أهواءكم غثا كَانَ أَو سمينا وَإِن أتيتم بِنَصّ ثَابت فَلَا يدل على مَا قُلْتُمْ وَنحن عمدتنا نُصُوص الْقُرْآن وَمَا يثبت من السّنة أَو أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ سواكم فَإِذا جَاءَنَا مَا يُنَاقض ذَلِك رددناه قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فَضَائِل عَليّ الصَّحِيحَة كَثِيرَة غير أَن الرافضة لَا تقنع فَوضعت لَهُ مَا يضع لَا مَا يرفع وحوشيت حَاشِيَته من الإحتياج إِلَى الْبَاطِل وَأَنت أَيهَا الرافضي لم تورد كل مَا قيل وَنحن نَعْرِف أَحَادِيث عَدو سَاقِطَة أدل على مقصودك فَمن أماثل الموضوعات مَا رَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 النَّسَائِيّ فِي كتاب خَصَائِص عَليّ من حَدِيث الْعَلَاء بن صَالح عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عباد ابْن عبد الله الْأَسدي قَالَ قَالَ عَليّ انا عبد الله وأخو رَسُوله وانا الصّديق الْأَكْبَر لَا يَقُولهَا بعدِي إِلَّا كَاذِب صليت قبل النَّاس سبع سِنِين وَرَوَاهُ أَحْمد فِي الْفَضَائِل وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلَقَد أسلمت قبل النَّاس بِسبع سِنِين قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا مَوْضُوع وَالْمُتَّهَم بِهِ عباد قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ وَكَانَ ضَعِيف الحَدِيث والمنهال تَركه شُعْبَة وَقَالَ الْأَثْرَم سَأَلت أَبَا عبد الله عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ اضْرِب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حَدِيث مُنكر ثمَّ نقُول عَليّ كَانَ أبر وأصدق من أَن يَقُول هَذَا فالناقل إِمَّا متعمد الْكَذِب اَوْ أَخطَأ سَمعه وَنَظِير هَذَا مَا رَوَاهُ عبد الله فِي المناقب حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد حَدثنَا شريك عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عباد بن عبد الله وَأخْبرنَا أَبُو خَيْثَمَة حَدثنَا أسود بن عَامر حَدثنَا شريك عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال عَن عباد عَن عَليّ قَالَ لما نزلت (فَأَنْذر عشيرتك الْأَقْرَبين) دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجَالًا من أهل بَيته إِن كَانَ الرجل لآكلا جَذَعَة ولشاربا فرقا إِلَخ وَهَذَا كذب على عَليّ لم يروه قطّ وَكذبه ظَاهر من وُجُوه وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي الْفَضَائِل حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن عُثْمَان بن الْمُغيرَة عَن أبي صَادِق عَن ربيعَة بن ناجد عَن عَليّ وسَاق ابْن الْجَوْزِيّ من طَرِيق أجلح عَن سَلمَة بن كهيل عَن حَبَّة بن جُوَيْن سمع عليا يَقُول أَنا عبدت الله مَعَ رَسُوله قبل أَن يعبده رجل من هَذِه الْأمة خمس سِنِين أَو سبع سِنِين قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وحبة لَا يُسَاوِي حَبَّة قَالَ يحيى لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ السَّعْدِيّ غير ثِقَة وَأما الْأَجْلَح فَقَالَ أَحْمد وَقد روى غير حَدِيث مُنكر قَالَ أَبُو الْفرج وَمِمَّا يبطل هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 الْأَحَادِيث انه لَا خلاف فِي تقدم إِسْلَام خَدِيجَة وَأبي بكر وَزيد وَأَن عمر أسلم فِي سنة سِتّ من النُّبُوَّة بعد أَرْبَعِينَ رجلا فَكيف يَصح أَن عليا صلى قبل بِسبع سِنِين ثمَّ ذكر حَدِيثا مَرْفُوعا أَن عليا الصّديق الْأَكْبَر وَهُوَ من كذب أَحْمد بن نصر الذِّرَاع وحديثا يَقُول فِيهِ أَنا أقومهم بِأَمْر الله وأقسمهم بِالسَّوِيَّةِ قَالَ وَهُوَ مَوْضُوع الْمُتَّهم بِهِ بشر بن إِبْرَاهِيم رَمَاه بِالْوَضْعِ ابْن عدي وَابْن حبَان وحديثا يَقُول فِيهِ أَنْت أول من يصافحنى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنت الصّديق الْأَكْبَر وَأَنت الْفَارُوق وَأَنت يعسوب الْمُؤمنِينَ وَقَالَ هَذَا مَوْضُوع وَفِيه عباد بن يَعْقُوب وَعلي بن هَاشم وَغَيرهمَا مِمَّن تكلم فِيهِ وَفِي طَرِيقه الآخر عبد الله بن داهر قَالَ ابْن معِين لَا يكْتب عَنهُ فصل وَهنا طَرِيق يكن سلوكها لمن لَهُ معرفَة بالأخبار فَإِن كثيرا من الْعلمَاء يتَعَذَّر عَلَيْهِم التَّمْيِيز بَين الصدْق وَالْكذب وَمن جِهَة الْإِسْنَاد وَإِنَّمَا ينْهض بذلك جهابذة الْحفاظ نقدر أَن الْأَخْبَار الْمُتَنَازع فِيهَا لم تكن فنرجع إِلَى مَا هُوَ مَعْلُوم بالتواتر أَو بِالْعقلِ والعادات أَو مَا دلّت عَلَيْهِ النُّصُوص الْمُتَّفق عَلَيْهَا فَنَقُول من الْمُتَوَاتر أَن أَبَا بكر لم يطْلب الْخلَافَة برغبة وَلَا برهبة فَلَا بذل فِيهَا مَالا وَلَا شهر عَلَيْهَا سَيْفا وَلَا كَانَت لَهُ عشيرة ضخمة وَلَا عدد من الموالى تقوم بنصره كَمَا جرت عَادَة طلاب الْملك بل وَلَا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 بايعوني وَإِنَّمَا أَشَارَ ببيعة عمر أَو بيعَة أبي عُبَيْدَة ثمَّ من تخلف عَن مبايعته لم يؤذه وَلَا أكرهه عَلَيْهَا كسعد بن عبَادَة ثمَّ الَّذين طائعين بَايعُوهُ هم الَّذين بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة الَّذين رَضِي الله عَنْهُم فقاتل بهم الْمُرْتَدين وَفَارِس وَالروم وَثَبت الْإِسْلَام وَأَهله وَلَا أكل مِنْهَا وَلَا لبس إِلَّا كعادته وعيشه فَلَمَّا جَاءَهُ الْيَقِين خرج مِنْهَا أزهد مِمَّا دخل فِيهَا لم يستأثر مِنْهَا بِشَيْء عَنْهُم وَلَا آثر بهَا قرَابَة بل نظر إِلَى أفضلهم فِي نَفسه فولاه عَلَيْهِم فأطاعوه كلهم فَفتح الْأَمْصَار وقهر الْكفَّار وأذل أهل النِّفَاق وَبسط الْعدْل وَوضع الدِّيوَان وَالعطَاء لَازِما لعيش من قبله فِي مأكله ومشربه وملبسه حَتَّى خرج مِنْهَا شَهِيدا لم يتلوث لَهُم بِمَال وَلَا ولي أحدا من أَقَاربه ولَايَة هَذَا أَمر يعرفهُ من يعرف وينصف ثمَّ بَايعُوا عُثْمَان كلهم طَوْعًا مِنْهُم فَسَار وَبني على أَمر قد اسْتَقر قلبه بسكينة وحلم وَهدى وَرَحْمَة وكرم ولين لَكِن لم تكن فِيهِ قُوَّة عمر وَلَا سياسته الَّتِي بهرت الْعُقُول وَلَا كَمَال عدله الَّذِي مَلأ الْوُجُود وَلَا فرط زهده الَّذِي مَا يُنكره إِلَّا جَاهِل فطمع فِيهِ النَّاس بعض الطمع وتوسعوا فِي الدُّنْيَا وَكَثُرت عَلَيْهِم الْأَمْوَال وَدخل بِسَبَب تَوليته أَقَاربه عَلَيْهِ الدَّاخِل وَأنْكرت مِنْهُم أُمُور مَا اعتادها النَّاس قبله وتولد من رَغْبَة بعض النَّاس فِي الدُّنْيَا وَضعف خوفهم من الله تَعَالَى وَمِنْه وَمن ضعفه هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَال الَّذين قبله وَمِمَّا حصل من أَقَاربه فِي الْولَايَة وَالْمَال مَا استحكم بِهِ الشَّرّ وحرك الْفِتْنَة حَتَّى قتل مَظْلُوما وذبحوه صبرا فَتَوَلّى عَليّ رَضِي الله عَنهُ والفتنة قَائِمَة وأتهم بالتخلي عَن عُثْمَان حَتَّى قتل وَبَعْضهمْ اتهمه بدمه وَالله يعلم بَرَاءَته من دَمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 ثَبت عَنهُ أَنه لم يرض بقتْله وَلَا أعَان عَلَيْهِ فَلم تصف قُلُوب كثير مِنْهُم وَلَا أمكنه هُوَ قهرهم حَتَّى يطيعوه وَلَا اقْتضى رَأْيه الْكَفّ عَن الْقِتَال حَتَّى ينظر مَا يأول إِلَيْهِ أمره كَمَا أَشَارَ عَلَيْهِ وَلَده الْحسن فَظن أَن الطَّاعَة تحصل وَالْأمة تَجْتَمِع بِالْقِتَالِ فَمَا زَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وافتراقا حَتَّى خرج عَلَيْهِ من جنده أُلُوف ومرقوا وكفروه وقاتلوه قَاتلهم الله حَتَّى كَانَ فِي آخر أمره يطْلب هُوَ أَن يكف عَن قتال من لم يطعه فَكَانَ آخر الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الَّذين ولايتهم خلَافَة النُّبُوَّة ثمَّ آل الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة أول الْمُلُوك كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تكون ملكا وسيرة مُعَاوِيَة من أَجود سير الْمُلُوك بِالنِّسْبَةِ فَإِذا جَاءَ القادح فَقَالَ فِي أبي بكر وَعمر كَانَا طَالِبين للرياسة مانعين للحقوق ظلما الْمَنْصُوص عَلَيْهِ ومنعا أهل الْبَيْت إرثهم أوشك أَن يَقُول قَادِح النواصب نَحوا من ذَلِك فِي عَليّ أَنه قَاتل على الرياسة وَسَفك الدِّمَاء وَلم ينل غَرَضه فَإِذا كُنَّا ندفع من يقْدَح فِي عَليّ بِهَذِهِ الشُّبْهَة فَلِأَن ندفع من يقْدَح فِي أبي بكر وَعمر بطرِيق الأولى لِأَنَّهُمَا أبعد عَن التُّهْمَة إِذْ لم يقاتلا على الْإِمَارَة وأطاعهما عَليّ والكبار وَإِذا كُنَّا نظن بعلي أَنه كَانَ قَاصِدا الْحق غير مُرِيد علوا وَلَا فَسَادًا فِي الأَرْض فَلِأَن نظن ذَلِك بهما بطرِيق الأولى فدع عَنْك المكابرة والهوى طَرِيق آخر وَهُوَ أَن يُقَال دواعي الْمُسلمين بعد موت نَبِيّهم كَانَت متوجهة إِلَى أَتبَاع الْحق قطعا وَلَيْسَ لَهُم مَا يصرفهم عَن الْحق وهم قادرون على ذَلِك وَإِذا حصل الدَّاعِي إِلَى الْحق وانتفى الصَّارِف مَعَ الْقُدْرَة وَجب الْفِعْل فَعلم أَن المسملين خير الْقُرُون اتبعُوا الْحق فِيمَا فَعَلُوهُ لأَنهم خير الْأُمَم أكمل الله لَهُم الدّين وَأتم عَلَيْهِم النِّعْمَة بَايعُوا أَبَا بكر تدينا لَا لرغبة وَلَا لرهبة فَلَو فعلوا بِمُوجب الطَّبْع لقدموا عليا أَو الْعَبَّاس لشرف بني هَاشم على بني تيم وَلما قيل لأبي قُحَافَة وَكَانَ بِمَكَّة شَيخا كَبِيرا إِن ابْنك ولي الْخلَافَة قَالَ ورضيت بَنو أُميَّة وَبَنُو هَاشم وَبَنُو مَخْزُوم قَالُوا نعم فَعجب وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء لعلمه بِأَن بني تيم أَضْعَف الْقَبَائِل وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يقدم بالتقوى لَا بِالنّسَبِ طَرِيق آخر تَوَاتر أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خير هَذِه الْأمة قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ فَخير الْأُمَم بِلَا نزاع الْقرن الأول وَمن تَأمل حَال الْمُسلمين فِي الْقرن الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأول علم تبَاين مَا بَينهمَا فَإِن كَانَ الْقرن الأول قد جحد حق الإِمَام الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَمنعُوا آل نَبِيّهم ميراثهم وَبَايَعُوا فَاسِقًا ظَالِما وَمنعُوا عادلا عَالما عنادا ودفعا للحق فَهَؤُلَاءِ شَرّ الْخلق وَهَذِه الْأمة شَرّ أمة أخرجت للنَّاس طَرِيق آخر عرف بالتواتر الَّذِي لَا يخفى أَن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانَ لَهُم بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتِصَاص عَظِيم وخلطة وصحبة ومصاهرة لَهُم وَمَا عرف عَنهُ أَنه كَانَ يذمهم وَلَا يمقتهم بل يثني عَلَيْهِم ويحبهم فإمَّا أَن يَكُونُوا على الإستقامة ظَاهرا وَبَاطنا مَعَه وَبعده أَولا فَالْأول هُوَ الْمَطْلُوب وَالثَّانِي إِمَّا أَنه علم وداهنهم أَو لم يعلم وَأيهمَا قدر فَهُوَ من أعظم الْقدح فِي الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانُوا انحرفوا بعد الإستقامة فَهَذَا خذلان من الله لنَبيه فِي خَواص أمته فَمن قد أخبر بِمَا سَيكون أَيْن كَانَ عَن علم ذَلِك فَأَيْنَ الإحتياط للْأمة حَتَّى لَا يُولى هَؤُلَاءِ وَمن وعد أَن يظْهر دينه على الْأَدْيَان كَيفَ يكون أكَابِر خواصه مرتدة هَذَا من أعظم الْقدح فِي الرَّسُول والطعن فِيهِ ليقول الباطني والزنديق رجل سوء كَانَ لَهُ أَصْحَاب سوء وَلَو كَانَ صَالحا لكانوا مثله وَلِهَذَا قَالَ أهل الْعلم إِن الرَّفْض دسيسة الزندقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وَطَرِيق آخر أَن يُقَال الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لولاية عَليّ إِن كَانَ هُوَ الأولى قَوِيَّة والصوارف منتفية وَالْقُدْرَة مَوْجُودَة وَمَعَ توفر الدَّوَاعِي وَالْقُدْرَة وَانْتِفَاء الصوارف يجب الْفِعْل وَذَلِكَ أَن عليا هُوَ ابْن عَم نَبِيّهم وأفضلهم نسبا وَله السَّبق وَالْجهَاد والصهر مَعَ إنتفاء عداوتهم لَهُ وَلم يقتل أحدا من بني تيم وَلَا من بني عدي بل الَّذِي قتل مِنْهُم بَنو عبد منَاف وَكَانُوا يوالونه ويختارون ولَايَته لقربهم مِنْهُ وَكَلمه فِي ذَلِك أَبُو سُفْيَان فَلَو كَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَص على ولَايَته أَو كَانَ هُوَ الْأَفْضَل الأولى كَانَ ذَلِك مُوجبا لإنبعاث إرادتهم إِلَى ولَايَته وَالْحَالة هَذِه وَلَو قدر أَن الصَّارِف كَانَ فِي نفر قَلِيل فغالبهم لم يكن لَهُم صَارف يصرفهم عَنهُ بل هم قادرون على ولَايَته وَلَو قَالَت الْأَنْصَار عَليّ أَحَق بهَا من سعد وَمن أبي بكر مَا أمكن أُولَئِكَ النَّفر من الْمُهَاجِرين أَن يدافعوهم ولقام أَكثر النَّاس مَعَ عَليّ بل جُمْهُور الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يبغضون عمر لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِم فَالْقِيَاس أَن لَا ينقادوا لبيعته وَبعد هَذَا فَلَمَّا اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بكر أطاعوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 كلهم حَتَّى إِن طَلْحَة قَالَ لأبي بكر مَاذَا تَقول لِرَبِّك وَقد وليت علينا فظا غليظا فَقَالَ أجلسوني أبالله تخوفوني أَقُول وليت عَلَيْهِم خَيرهمْ فَإِذا فَرضنَا أَن غَالب الْمُسلمين قَامُوا مَعَ عَليّ فَمن الَّذِي يغلبه هَب أَنهم لَو قَامُوا وَلم يغلبوا أما كَانَت الدَّوَاعِي الْمَعْرُوفَة فِي مثل ذَلِك توجب الْقيام أَو أَن يجْرِي فِي ذَلِك قيل وَقَالَ وَنَوع جِدَال اما ذَلِك أولى بالْكلَام مِنْهُ فِي تَوْلِيَة سعد وَإِذا كَانَ الْأَنْصَار بِشُبْهَة مَا طمعوا أَن يتأمر سعد فَمن يكون مَعَه الْحق وَفِيه النَّص من الرَّسُول كَيفَ لَا يكون أعوانه أطمع فِي تأميره فَإِذا لم يتَكَلَّم أحد وَلم يدع دَاع إِلَى عَليّ لَا هُوَ وَلَا غَيره وَاسْتمرّ الْأَمر إِلَى أَن وصلت النّوبَة إِلَيْهِ فَقَامَ هُوَ أوأعوانه وَقَاتل وَلم يسكت حَتَّى جرى مَا جرى علم بالإضطرار أَن سكوتهم أَولا كَانَ لعدم الْمُقْتَضى لَا لوُجُود الْمَانِع وَقد كَانَ أَبُو بكر أبعد من الممانعة بِكَثِير من مُعَاوِيَة لَو كَانَ لعَلي حق مَنْصُوص وَلَو قَامَ أَبُو بكر وَهُوَ ظَالِم يدافع عليا وَهُوَ محق لَكَانَ الشَّرْع وَالْعقل يقْضِي أَن يكون النَّاس مَعَ المحق الْمَعْصُوم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ على أبي بكر المعتدي الظلوم لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك فاسلك التَّحْقِيق ودع بنيات الطَّرِيق فالسفسطة أَنْوَاع احدها النَّفْي والجحد والتكذيب إِمَّا بالوجود وَإِمَّا بِالْعلمِ بِهِ وَالثَّانِي الشَّك والريب وَقَول لَا نَدْرِي فَهَذِهِ طَريقَة اللاأدرية فَلَا ينفون وَلَا يثبتون فهم فِي الْحَقِيقَة قد نفوا مَا يعلم الثَّالِث قَول من يَجْعَل الْحَقَائِق تبعا للعقائد فَيَقُول من اعْتقد الْعَالم قَدِيما فَهُوَ قديم وَمن اعتقده مُحدثا فَهُوَ مُحدث وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالقدح فِيمَا علم من أَحْوَال الرَّسُول وخلفائه الرَّاشِدين وسيرتهم بأخبار ترْوِيهَا الرافضة وتكذبهم فِيهَا جَمَاهِير الْأمة من أعظم السفسطة وَكَذَلِكَ من روى لمعاوية وَأَصْحَابه من الْفَضَائِل مَا يُوجب تَقْدِيمه على عَليّ وَأَصْحَابه كَانَ مسفسطا كَاذِبًا قَالَ الْمنْهَج الرَّابِع فِي الْأَدِلَّة الدَّالَّة على إِمَامَته من أَحْوَاله فَذكر أَنه كَانَ أزهد النَّاس وأعبدهم وأعلمهم وأشجعهم وَذكر أنواعا من خوارق الْعَادَات لَهُ فَيُقَال بل كَانَ أزهد النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ مَال يتجر بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 فأنفقه كُله فِي سَبِيل الله وَولى الْخلَافَة فَذهب إِلَى السُّوق على يَدَيْهِ برود يَبِيع ويتكسب فَأخْبر بذلك الْمُهَاجِرُونَ ففرضوا لَهُ شَيْئا فاستخلف عمر أَبَا عُبَيْدَة فخلف لَهُ أَنه يُبَاح لَهُ أَخذ دِرْهَمَيْنِ كل يَوْم قَالَ ابْن زَنْجوَيْه كَانَ عَليّ فَقِيرا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ اسْتَفَادَ الرباع والمزارع والنخيل وَاسْتشْهدَ رَضِي الله عَنهُ وَعِنْده تسع عشرَة سَرِيَّة وَأَرْبع نسْوَة وَقَالَ شريك عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ قَالَ عَليّ لقد رَأَيْتنِي على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أربط الْحجر على بَطْني من شدَّة الْجُوع وَإِن صَدَقَة مَالِي لتبلغ الْيَوْم أَرْبَعِينَ ألفا وروى إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي فَقَالَ لتبلغ أَرْبَعَة آلَاف دِينَار فَأَيْنَ هَذَا من هَذَا وَإِن كَانَا زاهدين وتلا عمر أَبَا بكر فِي زهده وَكَذَا أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو ذَر بِخِلَاف غَيرهم من الصَّحَابَة فَإِنَّهُم توسعوا فِي الدُّنْيَا وتمتعوا وَاتَّخذُوا الْأَمْوَال قَالَ ابْن حزم من جملَة عقار عَليّ يَنْبغ كَانَت تغل كل سنة ألف وسق تمر سوى زَرعهَا والزهد عزوف النَّفس عَن حب الصَّوْت وَعَن المَال وَاللَّذَّات وَعَن الْميل إِلَى الْوَلَد والحاشية فَلَا معنى للزهد إِلَّا هَذَا وَأَبُو بكر قد أنْفق مَاله قيل كَانَ أَرْبَعِينَ ألفا حَتَّى بَقِي فِي عباءة قد خللها بِعُود إِذا جلس افترشها وَغَيره اقتنى الرباع والضياع ثمَّ إِنَّه ولى الْخلَافَة فَمَا اتخذ جَارِيَة وَلَا توسع فِي مَال وَأما عَليّ فتوسع فِيمَا يحل لَهُ وَمَات عَن زَوْجَات وتسع عشرَة أم ولد وَعبيد وخدم وَتُوفِّي عَن أَرْبَعَة وَعشْرين ولدا من ذكر وَأُنْثَى وَترك لَهُم من الْعقار مَا أغناهم هَذَا أَمر مَشْهُور لَا يقدر أحد على إِنْكَاره ثمَّ قد كَانَ لأبي بكر من الْوَلَد مثل عبد الرَّحْمَن وَمن الْقَرَابَة مثل طَلْحَة أحد الْعشْرَة فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 اسْتعْمل هَذَا وَلَا هَذَا فِي جهاته وَهِي مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وخيبر والبحرين وحضرموت وعمان والطائف واليمامة ثمَّ جرى عمر على مجْرَاه وَلم يسْتَعْمل من بني عدي أحدا على سَعَة عمله وَقد فتح الشَّام ومصر وَالْعراق إِلَى خُرَاسَان إِلَّا النُّعْمَان بن عدي الْعَدوي وَحده على ميسَان ثمَّ أسْرع عَزله وَكَانَ فيهم مثل سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة وَأبي جهم بن حُذَيْفَة وخارجة بن حذافة وَمعمر بن عبد الله وَولد عبد الله بن عمر ثمَّ كل مِنْهُمَا لم يسْتَعْمل ابْنه من بعده على الْأمة وَقد رَضِي بإبن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا بعض النَّاس وَكَانَ أَهلا لذَلِك وَلَو اسْتَخْلَفَهُ لما اخْتلف عَلَيْهِ أحد وَوجدنَا عليا اسْتعْمل أَقَاربه ابْن عَبَّاس على الْبَصْرَة وَعبيد الله بن عَبَّاس على الْيمن وقثما ومعبدا ابْني عَبَّاس على الْحَرَمَيْنِ وَابْن أُخْته جعده بن هُبَيْرَة على خُرَاسَان وَابْن امْرَأَته وأخا وَلَده مُحَمَّد بن أبي بكر على مصر وَرَضي ببيعة الْمُسلمين لإبنه بعده ولسنا ننكر أَهْلِيَّته وزهده وعظمته وَلَا أَهْلِيَّة عبد الله ابْن عَبَّاس للخلافة وَلَكنَّا نقُول إِن أَبَا بكر وَعمر أتم زهدا وأعزف عَن الدُّنْيَا من زاهد يفعل الْمُبَاحَات قَالَ وَعلي عَلَيْهِ السَّلَام قد طلق الدُّنْيَا ثَلَاثًا وَكَانَ قوته جريش الشّعير ولبسه خشن الثِّيَاب ورقع مدرعته وَكَانَ حمائل سَيْفه ليفا وَكَذَا نَعله وروى أَخطب خوارزم عَن عمار قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا عَليّ إِن الله زينك بالزهد فِي الدُّنْيَا وبغضها إِلَيْك وحبب إِلَيْك الْفُقَرَاء فرضيت بهم أتباعا وَرَضوا بك إِمَامًا طُوبَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 لمن أحبك وَصدق عَلَيْك وَالْوَيْل لمن أبغضك وَكذب عَلَيْك الحَدِيث وَقَالَ سُوَيْد ابْن غَفلَة دخلت على عَليّ فَوجدت بَين يَدَيْهِ صفحة فِيهَا لبن أجد رِيحه من شدَّة حموضته وَفِي يَده رغيف أرى قشار الشّعير فِي وَجهه الحَدِيث بِطُولِهِ وَقَالَ ضرار دخلت على مُعَاوِيَة بعد قتل عَليّ فَقَالَ لي صف لي عليا فَقلت كَانَ بعيد المدى شَدِيد القوى يَقُول فضلا وَيحكم عدلا يتفجر الْعلم من جوانبه وتنطق الْحِكْمَة عَن نواحيه يستوحش من الدُّنْيَا وزهرتها ويأنس بِاللَّيْلِ ووحشته كَانَ غزير الْعبْرَة طَوِيل الفكرة يُعجبهُ من اللبَاس مَا خشن وَمن الطَّعَام مَا قشب وَكَانَ فِينَا كأحدنا وَذكر أَشْيَاء فَبكى مُعَاوِيَة وَقَالَ رحم الله أَبَا الْحسن لقد كَانَ وَالله كَذَلِك فَمَا حزنك عَلَيْهِ يَا ضرار قَالَ حزن من ذبح وَلَدهَا فِي حجرها فَلَا ترقأ عبرتها وَلَا يسكن حزنها وَالْجَوَاب لَا نزاع فِي زهد عَليّ لكنه لَا يبلغ زهد أبي بكر كَمَا ذكرنَا وَبَعض مَا أوردته كذب عَلَيْهِ وَلَا مدح فِيهِ أما كَونه قد طَلقهَا ثَلَاثًا فَمن الْمَشْهُور عَنهُ أَنه قَالَ يَا صفراء يَا بَيْضَاء قد طَلقتك ثَلَاثًا غري غَيْرِي لَا رَجْعَة لي فِيك فَهَذَا لَا يدل على أَنه أزهد مِمَّن لم يقل هَذَا فَإِن نَبينَا وَعِيسَى وَغَيرهمَا مِمَّن هُوَ أزهد الْأَنْبِيَاء لم يَقُولُوا هَذَا وَالسُّكُوت أجمل وَأقرب إِلَى الْإِخْلَاص وقولك كَانَ يقتات خبز الشّعير بِلَا أَدَم فكذب عَلَيْهِ ثمَّ لَا مدح فِيهِ فالرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَام الزهاد وَكَانَ يَأْكُل مَا اتّفق أكل لحم الْغنم وَلحم الدَّجَاج والحلوى وَالْعَسَل وَكَانَ يحب ذَلِك وَإِذا حضر طَعَام فَإِن اشتهاه أكل وَإِلَّا تَركه فَلَا يرد مَوْجُودا وَلَا يُكَلف مفقودا وَرُبمَا ربط الحجرعلى بَطْنه من الْجُوع وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِن رجَالًا قَالَ أحدهم أما أَنا فأصوم وَلَا أفطر وَقَالَ آخر أما أَنا فأقوم وَلَا أَنَام وَقَالَ آخر أما أَنا فَلَا أَتزوّج وَقَالَ آخر أما أَنا فَلَا آكل اللَّحْم فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لكني أَصوم وَأفْطر وأنام وأتزوج النِّسَاء وآكل اللَّحْم فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني فَكيف تظن بعلي أَنه رغب عَن سنة ابْن عَمه بل النَّقْل عَنهُ بِخِلَاف مَا أوردت وقولك فِي حَدِيثك كَانَ حمائل سَيْفه وَنَعله ليفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 فكذب ثمَّ قد كَانَ نعل سيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضَّة وَالله قد يسر ووسع عَلَيْهِم فَأَي مدح فِي أَن يعدل عَن السيور مَعَ كثرتها بالحجاز وَإِنَّمَا يمدح هَذَا عِنْد الْعَدَم كَمَا قَالَ أَبُو أُمَامَة لقد فتح الْبِلَاد أَقوام كَانَت خطم خيلهم الحبال وركبهم العلابي رَوَاهُ البُخَارِيّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ زهده لم يلْحقهُ أحد فِيهِ وَلَا سبق إِلَيْهِ وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ هُوَ الإِمَام قُلْنَا كلا المقدمتين بَاطِلَة لم يكن أزهد من أبي بكر وَلَا كل من كَانَ أزهد كَانَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل أخبرنَا عَليّ بن حَكِيم حَدثنَا شريك عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن مُحَمَّد بن كَعْب سَمِعت عليا يَقُول إِن صدقتي الْيَوْم لتبلغ أَرْبَعِينَ ألفا وَخلف عِنْد مَوته سراري وعبيدا وأملاكا ووقوفا لَكِن لم يتْرك من المَال إِلَّا سَبْعمِائة دِرْهَم وَهَذَا عمر قد وقف نصِيبه من خَيْبَر مَا علمنَا لَهُ عقارا غَيره وَمَات وَعَلِيهِ من الدُّيُون ثَمَانُون ألفا قَالَ وَكَانَ أعبد النَّاس يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَمِنْه تعلم النَّاس صَلَاة اللَّيْل ونوافل النَّهَار وَأكْثر الْعِبَادَات والأدعية المأثورة عَنهُ تستوعب الْوَقْت وَكَانَ يُصَلِّي فِي ليله ونهاره ألف رَكْعَة إِلَى أَن قَالَ وَجمع بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَتصدق وَهُوَ رَاكِع إِلَى أَن قَالَ وَأعْتق ألف عبد من كسب يَده وَكَانَ يُؤجر نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 وَينْفق على رَسُول الله فِي الشّعب قُلْنَا فِي هَذَا من الأكاذيب مَا لَا يخفى على الْعَالم ثمَّ لَا مدح فِيهِ لمُخَالفَة أَكْثَره السّنة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ ألم أخْبرك أَنَّك تَقول لأصومن النَّهَار ولأقومن اللَّيْل مَا عِشْت قَالَ بلَى قَالَ فَلَا تفعل الحَدِيث وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَليّ قَالَ طرقني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفَاطِمَة فَقَالَ أَلا تقومان تصليان فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّمَا أَنْفُسنَا بيد الله إِن شَاءَ أَن يبعثنا بعثنَا فولي وَهُوَ يضْرب فَخذه وَيَقُول (وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا) فَهَذَا دَلِيل على نَومه بِاللَّيْلِ وَأَن الرَّسُول مَا أعجبه مجادلته لَهُ وقولك وَمِنْه تعلم النَّاس إِن أردْت بعض الْمُسلمين فَهَكَذَا الْكِبَار يعلمُونَ أتباعهم وَإِن أردْت الْكل مِنْهُ تعلمُوا فَهَذَا من أسمج الْكَذِب فإخوانه من الصَّحَابَة أخذُوا عَن نَبِيّهم وَأما التابعون فخلائق مِنْهُم لم يروه ثمَّ قلت والأدعية المأثورة عَنهُ تستوعب الْوَقْت قُلْنَا عامتها مَوْضُوع عَلَيْهِ هُوَ كَانَ أجل من أَن يَدْعُو بِهَذِهِ الْأَدْعِيَة الَّتِي لَا تلِيق بِحَالهِ وَأفضل الْأَدْعِيَة المأثورة مَا ثَبت عَن الرَّسُول وَهِي بِحَمْد الله كَثِيرَة فِيهَا غنى وَأما قَوْلك يُصَلِّي ألف رَكْعَة فَبَاطِل فَهَذَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَجْمُوع صلَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَرْبَعِينَ رَكْعَة وَالزَّمَان لَا يَتَّسِع لِأَلف رَكْعَة من أَمِير الْأمة مَعَ سياستهم وَمُصَالَحَة فِي أَهله وَنَفسه إِلَّا أَن تكون صلَاته صَلَاة نقر نزه الله عليا عَنْهَا وَأما قَوْلك جمع بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فكذب كَمَا تقدم وَلَا مدح فِيهِ وَلَا يشرع لنا فعله وقولك أعتق ألف عبد من كسب يَده كذب لَا يروج إِلَّا على الجهلة بل وَلَا أعتق مائَة وَلم يكن لَهُ كسب بِيَدِهِ يقوم بِعشر هَذَا وَكَانَ مَشْغُولًا بِالْجِهَادِ وَبِغَيْرِهِ وَمَا علمناه يتجر وَلَا لَهُ صَنْعَة فَمن أَيْن هَذَا وقولك كَانَ يُؤجر نَفسه وَينْفق على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت الشّعب كذب بَين فَإِنَّهُم لم يَكُونُوا يخرجُون من الشّعب وَلَا ثمَّ من يستأجرهم وَكَانَ أَبوهُ أَبُو طَالب مَعَهم ينْفق عَلَيْهِ وَكَانَت خَدِيجَة موسرة تنْفق من مَالهَا وَكَانَ عَليّ زمن الشّعب لَهُ نَحْو من خمس عشرَة سنة أقل أَو أَكثر قَالَ وَكَانَ أعلم النَّاس قُلْنَا بل أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُ لم يكن أحد يقْضِي ويخطب ويفتي بِحَضْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَبُو بكر وَقد شكّ النَّاس فِي موت نَبِيّهم فبينه أَبُو بكر ثمَّ توقفوا فِي دَفنه فبينه أَبُو بكر ثمَّ شكوا فِي قتال مانعي الزَّكَاة فبينه بِالنَّصِّ وأوضح قَوْله (لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 آمِنين لعمر وَبَين لَهُم قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عبدا خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفسّر لَهُم الْكَلَالَة وَحمل عَليّ عَنهُ شَيْئا من الْعلم فَفِي السّنَن عَن عَليّ قَالَ كنت إِذا سَمِعت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا يَنْفَعنِي الله بِمَا شَاءَ أَن يَنْفَعنِي مِنْهُ وَإِذا حَدثنِي غَيره اسْتَحْلَفته فَإِذا حلف لي صدقته وحَدثني أَبُو بكر وَصدق أَبُو بكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من مُسلم يُذنب ذَنبا ثمَّ يتَوَضَّأ وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ ويستغفر الله إِلَّا غفر لَهُ ثمَّ قد نقل غير وَاحِد الْإِجْمَاع على أَن أَبَا بكر أعلمهم وَحَكَاهُ مَنْصُور بن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وَفِي صَحِيح مُسلم أَن الْمُسلمين كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَقَالَ إِن يطع الْقَوْم أَبَا بكر وَعمر بن الْخطاب يرشدوا وروى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لأبي بكر وَعمر إِذا اتفقتما على أَمر لم أخالفكما وَثَبت عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ إِذا لم يجد نصا أفتى بقول أبي بكر وَعمر وَثَبت فِي حق ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لَهُ اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل وَعَن ابْن أبي شيبَة أخبرنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنَا إِبْرَاهِيم أخبرنَا عَلْقَمَة عَن عمر قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمر عِنْد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي الْأَمر من أُمُور الْمُسلمين وَأَنا مَعَه وَفِي هِجْرَة الرَّسُول وخوفه لم يصحب غير أبي بكر وَلم يبْق مَعَه يَوْم بدر فِي الْعَريش غَيره وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ كنت جَالِسا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أقبل أَبُو بكر آخِذا بِطرف ثَوْبه حَتَّى أبدى عَن رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما صَاحبكُم فقد غامر فَسلم وَقَالَ إِنَّه كَانَ بيني وَبَين ابْن الْخطاب شَيْء فأسرعت إِلَيْهِ ثمَّ نَدِمت فَسَأَلته أَن يغْفر لي فَأبى عَليّ وَإِنِّي أَتَيْتُك فَقَالَ يغْفر الله لَك يَا أَبَا بكر ثَلَاثًا ثمَّ إِن عمر نَدم فَأتى منزل أبي بكر فَلم يجده فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 يتمعر حَتَّى أشْفق أَبُو بكر وَقَالَ أَنا كنت أظلم يَا رَسُول الله مرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْكُم فقلتم كذبت وَقَالَ أَبُو بكر صدقت وواساني بِنَفسِهِ وَمَاله فَهَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي فَهَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي فَمَا أوذي بعْدهَا قَالَ البُخَارِيّ غامر سبق بِالْخَيرِ وَقَالَ غَيره غامر خَاصم وَقد سَأَلَ الرشيد مَالك بن أنس عَن منزله أبي بكر وَعمر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ منزلتهما مِنْهُ فِي حَيَاته كمنزلتهما مِنْهُ بعد مماته وَلم يحفظ لأبي بكر قَول يُخَالف نصا فَهَذَا يدل على غَايَة البراعة وَالْعلم وَأما غَيره فَلهُ أَقْوَال مُخَالفَة للنصوص لكَونهَا لم تبلغهم وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَ فِي الْأُمَم قبلكُمْ محدثون فَإِن يكن فِي هَذِه الْأمة أحد فعمر وَفِي الصَّحِيحَيْنِ رَأَيْت كَأَنِّي أتيت بقدح فِيهِ لبن فَشَرِبت حَتَّى أَنِّي لأرى الرّيّ يخرج من أظفاري ثمَّ ناولت فضلي عمر قَالُوا مَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ الْعلم وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بكر بن عَمْرو عَن مشرح بن عاهان عَن عقبَة بن عَامر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر حسنه التِّرْمِذِيّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كَانَ أَبُو بكر أعلمنَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ عَليّ لَا يبلغنِي أَن أحدا فضلني على أبي بكر وَعمر إِلَّا جلدته حد المفتري وَقد روى عَن عَليّ من نَحْو ثَمَانِينَ وَجها أَنه قَالَ على منبره خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَعمر وَقَالَ البُخَارِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير حَدثنَا سُفْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 حَدثنَا جَامع بن شَدَّاد حَدثنَا مُنْذر الثَّوْريّ عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ قلت لأبي يَا أَبَة من خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا بني أَو مَا تعرف فَقلت لَا فَقَالَ أَبُو بكر قلت ثمَّ من قَالَ ثمَّ عمر قَالَ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقضاكم عَليّ وَالْقَضَاء مُسْتَلْزم للْعلم وَالدّين قُلْنَا لم يَصح لَهُ إِسْنَاد تقوم بِهِ الْحجَّة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمكُم بالحلال وَالْحرَام معَاذ أصح مِنْهُ وَالْعلم بالحلال وَالْحرَام أعظم وحديثك لم يروه أحد فِي السّنَن الْمَشْهُورَة وَلَا المساند الْمَعْرُوفَة لَا بِإِسْنَاد صَحِيح وَلَا ضَعِيف وَإِنَّمَا جَاءَ من طَرِيق من هُوَ مُتَّهم وَقَول عمر عَليّ أقضانا وَالْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ فصل الْخُصُومَات فِي الظَّاهِر مَعَ جَوَاز أَن يكون الحكم فِي الْبَاطِن بِخِلَافِهِ كَمَا صَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّكُم تختصمون إِلَيّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه شَيْئا فَلَا يَأْخُذهُ فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار فقد أخبر سيد الْقُضَاة أَن حكمه لَا يحل حَرَامًا وَلَا يحرم حَلَالا وَحَدِيث أَنا مَدِينَة الْعلم وَعلي بَابهَا أَضْعَف وأوهى وَلِهَذَا إِنَّمَا يعد فِي الموضوعات وَإِن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ وَبَين أَن سَائِر طرقه مَوْضُوعَة وَالْكذب يعرف من نفس مَتنه فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ مَدِينَة الْعلم وَلم يكن لَهَا إِلَّا بَاب وَاحِد وَلم يبلغ الْعلم عَنهُ إِلَّا وَاحِد فسد أَمر الْإِسْلَام وَلِهَذَا اتّفق الْمُسلمُونَ على أَنه لَا يجوز أَن يكون الْمبلغ عَنهُ الْعلم وَاحِدًا بل يجب أَن يكون المبلغون أهل التَّوَاتُر الَّذين يحصل الْعلم بخبرهم للْغَائِب وَخبر الْوَاحِد لَا يُفِيد الْعلم بِالْقُرْآنِ وَالسّنَن المتواترة وَإِذا قَالُوا ذَلِك الْوَاحِد الْمَعْصُوم يحصل الْعلم بِخَبَرِهِ قيل لَهُم فَلَا بُد من الْعلم بعصمته أَولا وعصمته لَا تثبت بِمُجَرَّد خَبره قبل أَن تعرف عصمته لِأَنَّهُ دور وَلَا نثبت بِالْإِجْمَاع فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 لَا إِجْمَاع فِيهَا ثمَّ علم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْكتاب وَالسّنة قد طبق الأَرْض وَمَا انْفَرد بِهِ عَليّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسير قَلِيل وَأجل التَّابِعين بِالْمَدِينَةِ هم الَّذين تعلمُوا فِي زمن عمر وَعُثْمَان وَتَعْلِيم معَاذ للتابعين وَلأَهل الْيمن أَكثر من تَعْلِيم عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَقدم عَليّ على الْكُوفَة وَبهَا من أَئِمَّة التَّابِعين عدد كشريح وَعبيدَة وعلقمة ومسروق وأمثالهم قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم احْتج الرافضة بِأَن عليا رَضِي الله عَنهُ كَانَ أَكْثَرهم علما قَالَ وَهَذَا كذب وَإِنَّمَا يعرف علم الصَّحَابِيّ بِكَثْرَة رِوَايَته أَو بفتاويه وَكَثْرَة اسْتِعْمَال الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ فَنَظَرْنَا فوجدناه قد اسْتعْمل أَبَا بكر على الصَّلَاة أَيَّام مَرضه بِمحضر من عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَأبي والكبار وَهَذَا خلاف استخلافه عليا إِذْ غزا لِأَن ذَلِك كَانَ على النِّسَاء وَذَوي الْأَعْذَار فَقَط فَوَجَبَ ضَرُورَة أَن نعلم أَن أَبَا بكر أعلم بِالصَّلَاةِ وَهِي عَمُود الْإِسْلَام وَأَيْضًا فَاسْتَعْملهُ على الصَّدقَات وعَلى الْحَج فصح أَنه أعلم من جَمِيع الصَّحَابَة بذلك وَهَذِه دعائم الْإِسْلَام ثمَّ وَجَدْنَاهُ اسْتَعْملهُ على الْبعُوث فصح أَن عِنْده من أَحْكَام الْجِهَاد مثل مَا عِنْد سَائِر من اسْتَعْملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبعُوث إِذْ لَا يسْتَعْمل إِلَّا عَالما بِالْعَمَلِ فَعِنْدَ أبي بكر من علم الْجِهَاد كَالَّذي عِنْد عَليّ وَسَائِر أُمَرَاء الْبعُوث لَا أقل وَإِذا صَحَّ التَّقَدُّم لأبي بكر على عَليّ وَغَيره فِي الْعلم وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج وساواه فِي الْجِهَاد فَهَذِهِ عُمْدَة للْعلم وَكَانَ شَدِيد الْمُلَازمَة للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشاهد فَتَاوِيهِ وَأَحْكَامه أَكثر من مُشَاهدَة على لَهَا فصح ضَرُورَة أَنه أعلم بهَا فَهَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 بقيت من الْعلم بَقِيَّة إِلَّا وَأَبُو بكر الْمُقدم فِيهَا والمشارك وَأما الرِّوَايَة وَالْفَتْوَى فَتوفي أَبُو بكر بعد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ وَنصف وَلم يحْتَج إِلَى مَا عِنْده لِأَن رَعيته صحبوا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله وَقد روى عَنهُ مائَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا وَجُمْلَة فَتَاوَى وَعلي روى لَهُ خَمْسمِائَة وَسِتَّة وَثَمَانُونَ حَدِيثا لكَونه عَاشَ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثِينَ سنة وَكثر لِقَاء النَّاس لَهُ واحتاجوا إِلَى علمه لذهاب جُمْهُور الصَّحَابَة وسألوه بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَة والكوفة وبصفين فَإِذا نسبنا مُدَّة أبي بكر من حَيَاته وأضفنا تقري عَليّ الْبِلَاد بَلَدا بَلَدا وَكَثْرَة سَماع النَّاس مِنْهُ إِلَى لُزُوم أبي بكر موطنه وَأَنه لم تكْثر حَاجَة من حواليه إِلَى الرِّوَايَة عَنهُ ثمَّ نسبنا عدد حَدِيثه من عدد حَدِيثه وفتاويه من فَتَاوِيهِ علم كل ذِي حَظّ من علم أَن الَّذِي عِنْد أبي بكر من الْعلم أَضْعَاف مَا كَانَ عِنْد عَليّ مِنْهُ وبرهان ذَلِك أَن من عمر من الصَّحَابَة عمرا قَلِيلا قل النَّقْل عَنهُ وَمن طَال عمره مِنْهُم كثر النَّقْل عَنهُ وَعمر مَا برح بِالْمَدِينَةِ بل جَاءَ إِلَى الشَّام وَقد روى لَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا وَذَلِكَ نَحْو مِمَّا روى عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَلكنه مَاتَ قبل عَليّ بِسبع عشرَة سنة وَخلق من عُلَمَاء الصَّحَابَة أَحيَاء بعد فَكل مَا زَاد حَدِيث عَليّ على حَدِيث عمر تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا فِي هَذِه الْمدَّة وَلم يزدْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيح إِلَّا حَدِيث أَو حديثان وفتاوى عمر موازية لفتاوى عَليّ فِي أَبْوَاب الْفِقْه فَإِذا نسبنا مُدَّة من مُدَّة وضربنا فِي الْبِلَاد من ضرب فِيهَا وأضفنا حَدِيثا إِلَى حَدِيث وفتاوى إِلَى فَتَاوَى علم كل ذِي حس علما ضرويا أَن الَّذِي كَانَ عِنْد عمر من الْعلم أَضْعَاف مَا كَانَ عِنْد عَليّ ثمَّ نَظرنَا عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لتأخرها رَوَت أَكثر من ألفي حَدِيث وَكَذَلِكَ ابْن عمر وَأنس وَوجدنَا أَبَا هُرَيْرَة روى نَحْو خَمْسَة آلَاف مُسْند وثلاثمائة مُسْند ولإبن مَسْعُود ثَمَانمِائَة ونيف وَله ولعائشة ولإبن عمر من الْفَتَاوَى أَكثر مِمَّا لعَلي لتأخر حياتهم وَكَذَا لإبن عَبَّاس أَزِيد من ألف وَخَمْسمِائة حَدِيث وَلَا يُحْصى مَاله من الْفَتَاوَى وَالتَّفْسِير وَغير ذَلِك فَبَطل قَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الرافضة نعم قد اسْتعْمل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا أَيْضا وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا عَالما وَاسْتعْمل معَاذًا وَأَبا مُوسَى على الْيمن قَالَ وَكَانَ فِي غَايَة الذكاء شَدِيد الْحِرْص على التَّعَلُّم ملازما للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصغر إِلَى أَن مَاتَ فَيُقَال من أَيْن علم أَنه أذكى من أبي بكر وَعمر وأرغب فِي الْعلم مِنْهُمَا وَأَن استفادته من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر مِنْهُمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي علمهما أَحَادِيث وَمن ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَأَيْت النَّاس يعرضون عَليّ وَعَلَيْهِم قمص مِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا دون ذَلِك وَعرض عَليّ عمر وَعَلِيهِ قَمِيص يجره قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ الدّين وَقَالَ ابْن مَسْعُود لما مَاتَ عمر إِنِّي لأحسب أَن هَذَا بِتِسْعَة أعشار الْعلم وشارك النَّاس فِي الْعشْر الْبَاقِي قَالَ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعلم فِي الصغر كالنقش فِي الْحجر فَتكون عُلُوم عَليّ أَكثر من غَيره لحُصُول الْقَابِل الْكُلِّي وَالْفَاعِل التَّام فَيُقَال هَذَا من فضول الحَدِيث فَإِن هَذَا مثل سَائِر مَا قَالَه لَيْسَ من كَلَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة قد تعلمُوا الْقُرْآن وَالسّنَن مَعَ الْكبر فيسر الله ذَلِك عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ على فَمَا كمل الْوَحْي حَتَّى صَار لعَلي نَحْو من ثَلَاثِينَ سنة وَإِنَّمَا حفظ أَكثر ذَلِك فِي كبره وَقد اخْتلف فِي حفظه لجَمِيع الْقُرْآن وَهَذَا أَبُو هُرَيْرَة قد حفظ فِي أَكثر من ثَلَاث سِنِين مَا لم يحفظه غَيره قَالَ وَأما النَّحْو فَهُوَ وَاضعه قَالَ لأبي الْأسود الْكَلَام كُله ثَلَاثَة أَشْيَاء اسْم وَفعل وحرف وَعلمه وُجُوه الْإِعْرَاب قُلْنَا لَيْسَ هَذَا من عُلُوم النُّبُوَّة وَإِنَّمَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 علم مستنبط وَلم يكن فِي زمن الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة لحن فَلم يحْتَج إِلَيْهِ فَلَمَّا سكن عَليّ الْكُوفَة وَبهَا الأنباط رُوِيَ أَنه قَالَ لأبي الْأسود الدؤَلِي ذَلِك وَقَالَ لَهُ انح هَذَا النَّحْو كَمَا أَن غَيره استخرج لِلْخَطِّ الشكل والنقط وعلامة الْمَدّ والشد وَنَحْوه للْحَاجة وكما استخرج الْخَلِيل الْعرُوض قَالَ وَالْفُقَهَاء كلهم يرجعُونَ إِلَيْهِ قُلْنَا هَذَا كذب فَلَيْسَ فِي الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلَا غَيرهم من يرجع إِلَى فقهه أما مَالك فَعلمه عَن أهل الْمَدِينَة وَأهل الْمَدِينَة لَا يكادون يَأْخُذُونَ بقول عَليّ بل مادتهم من عمر وَزيد وَابْن عمر وَغَيرهم وَأما الشَّافِعِي فَإِنَّهُ تفقه أَولا على المكيين أَصْحَاب ابْن جريج وَابْن جريج أَخذ عَن أَصْحَاب ابْن عَبَّاس ثمَّ قدم الشَّافِعِي الْمَدِينَة وَأخذ عَن مَالك ثمَّ كتب كتب أهل الْعرَاق وَاخْتَارَ لنَفسِهِ وَأما أَبُو حنيفَة فشيخه الَّذِي اخْتصَّ بِهِ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان صَاحب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَإِبْرَاهِيم صَاحب عَلْقَمَة وعلقمة صَاحب ابْن مَسْعُود وَأخذ أَبُو حنيفَة عَن عَطاء بِمَكَّة وَعَن غَيره وَأما أَحْمد بن حَنْبَل فَكَانَ على مَذْهَب أَئِمَّة الحَدِيث أَخذ عَن هشيم وَابْن عُيَيْنَة ووكيع وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم وَاخْتَارَ لنَفسِهِ وَكَذَا فعل ابْن رَاهَوَيْه وَأَبُو عبيد وقولك إِن الْمَالِكِيَّة أخذُوا علمهمْ من عَليّ وَأَوْلَاده فكذب هَذَا الْمُوَطَّأ لَيْسَ فِيهِ عَن عَليّ وَأَوْلَاده إِلَّا الْيَسِير وَكَذَلِكَ الْكتب وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد جُمْهُور مَا فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 عَن غير أهل الْبَيْت وقولك إِن أَبَا حنيفَة قَرَأَ على الصَّادِق كذب فَإِنَّهُ من أقرانه مَاتَ جَعْفَر قبله بِسنتَيْنِ وَلَكِن ولد أَبُو حنيفَة مَعَ جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي عَام وَلَا نَعْرِف أَنه أَخذ عَن جَعْفَر وَلَا عَن أَبِيه مَسْأَلَة وَاحِدَة بل أَخذ عَمَّن كَانَ أسن مِنْهُمَا كعطاء بن أبي رَبَاح وَشَيْخه الْأَصْلِيّ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وجعفر بن مُحَمَّد كَانَ بِالْمَدِينَةِ وقولك إِن الشَّافِعِي أَخذ عَن مُحَمَّد بن الْحسن فَمَا جَاءَهُ الشَّافِعِي إِلَّا وَقد صَار إِمَامًا فجالسه وَعرف طَرِيقَته وناظره وَألف فِي الرَّد عَلَيْهِ وَفِي الْجُمْلَة فَهَؤُلَاءِ لم يَأْخُذُوا عَن جَعْفَر مسَائِل وَلَا أصولا وَلَكِن رووا عَنهُ أَحَادِيث يسيرَة رووا عَن غَيره أضعافها وَلم يكذب على أحد مَا كذب على جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق مَعَ بَرَاءَته مِمَّا كذب عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 فنسب إِلَيْهِ علم البطاقة والهفت والجدول واختلاج الْأَعْضَاء والجفر وَمَنَافع الْقُرْآن والرعود والبروق وَأَحْكَام النُّجُوم والقرعة والإستقسام بالأزلام والملاحم قَالَ وَعَن مَالك أَنه قَرَأَ على ربيعَة وَرَبِيعَة على عِكْرِمَة وَعِكْرِمَة على ابْن عَبَّاس وَابْن عَبَّاس تلميذ عَليّ قُلْنَا هَذِه كذبة مَا أَخذ ربيعَة عَن عِكْرِمَة شَيْئا بل عَن سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد كَانَ يرجع فِي علمه إِلَى عمر وَزيد وَأبي هُرَيْرَة وقولك عَليّ تِلْمِيذه ابْن عَبَّاس بَاطِل فَإِن رِوَايَته عَن عَليّ يسيرَة وغالب أَخذه عَن عمر وَزيد وَكَانَ يُفْتِي فِي أَشْيَاء بقول أبي بكر وَعمر وينازع عليا فِي مسَائِل قَالَ وَأما علم الْكَلَام فَهُوَ أَصله وَمن خطبه تعلم النَّاس وَكَانَ النَّاس تلاميذه قُلْنَا هَذَا كذب وَلَا فَخر فِيهِ فَإِن الْكَلَام الْمُخَالف للْكتاب وَالسّنة قد نزه الله عليا عَنهُ فَمَا كَانَ فِي الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين أحد يسْتَدلّ على حُدُوث الْعَالم بحدوث الْأَجْسَام وَيثبت حُدُوث الْأَجْسَام بِدَلِيل الْأَعْرَاض وَالْحَرَكَة والسكون وَأَن الْأَجْسَام مستلزمة لذَلِك بل أول مَا ظهر هَذَا الْكَلَام من جِهَة جعد بن دِرْهَم والجهم بن صَفْوَان بعد الْمِائَة الأولى ثمَّ صَار إِلَى عَمْرو بن عبيد وواصل بن عَطاء وهما لما تكلما فِي إِنْفَاذ الْوَعيد وَفِي الْقدر صَار ذَلِك وَهَذَا إِلَى أبي الْهُذيْل العلاف والنظام وَبشر المريسي وَهَؤُلَاء المبتدعة وَلَيْسَ فِي الْخطب الثَّابِتَة عَن عَليّ شَيْء من أصُول الْمُعْتَزلَة الْخَمْسَة وقدماء الْمُعْتَزلَة لم يَكُونُوا يعظمون عليا بل كَانَ فيهم من يَشكونَ فِي عَدَالَته ويقفون وَيَقُولُونَ فِي أهل الْجمل فسق إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا بِعَينهَا والشيعة القدماء يثبتون الصِّفَات ويقرون بِالْقدرِ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 صرح مِنْهُم هِشَام بن الحكم بالتجسيم وَثَبت عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه سُئِلَ عَن الْقُرْآن فَقَالَ لَيْسَ بخالق وَلَا مَخْلُوق وَلكنه كَلَام الله وَلَا ريب أَنا أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ كَانَ تلميذا لأبي عَليّ الجبائي لكنه فَارقه وَرجع عَنهُ وَأخذ الحَدِيث وَالسّنة عَن زَكَرِيَّا ابْن يحيى السَّاجِي وَذكر فِي المقالات أَنه مُعْتَقد مَذْهَب السّلف لَا كَمَا فعلت أَنْت وَأَصْحَابك إِذْ جمعتم أخس الْمذَاهب مَذْهَب الْجَهْمِية فِي الصِّفَات وَمذهب الْقَدَرِيَّة فِي أَفعَال الْعباد وَمذهب الرافضة فِي الْإِمَامَة والتفضيل فَتبين أَن مَا نقل عَن عَليّ من الْكَلَام فَهُوَ كذب عَلَيْهِ وَلَا مدح فِيهِ وأبلغ مِمَّا افتريت على عَليّ أَن هَؤُلَاءِ القرامطة والإسماعيلية ينسبون قَوْلهم إِلَى عَليّ وَأَنه أعطي علما بَاطِنا مُخَالفا للظَّاهِر وَقد ثَبت عَنهُ أَنه قَالَ وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة مَا عهد إِلَيّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا لم يعهده إِلَى النَّاس إِلَّا مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة إِلَّا فهما يؤتيه الله عبدا فِي كِتَابه وَلَا يُوصف مَا قد كذب على أهل الْبَيْت حَتَّى أَن اللُّصُوص العشرية يَزْعمُونَ أَن مَعَهم كتابا من عَليّ بِالْإِذْنِ لَهُم فِي السّرقَة كَمَا زعمت الْيَهُود الخيابرة أَن مَعَهم كتابا من عَليّ بِإِسْقَاط الْجِزْيَة أفبعد هَذَا ضلال وَمِمَّا يَقُوله الباطنية المنتمون إِلَى عَليّ يجْعَلُونَ مُنْتَهى الْإِسْلَام وغايته هُوَ الْإِقْرَار بربوبية الأفلاك وَأَنَّهَا مُدبرَة للْعَالم وَأَنه لَيْسَ وَرَاءَهَا صانع لَهَا ويجعلون هَذَا بَاطِن دين الْإِسْلَام الَّذِي بعث بِهِ مُحَمَّد وَأَنه أَلْقَاهُ على عَليّ وألقاه عَليّ إِلَى الْخَواص حَتَّى اتَّصل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَهُوَ عِنْدهم الْقَائِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَبَنُو عبيدهم مُلُوكهمْ الَّذين استولوا على الْمغرب ثمَّ على مصر أَكثر من مِائَتي سنة وصنف فيهم القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب وَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار بن أَحْمد وَالْقَاضِي أَبُو يعلى وَالْغَزالِيّ وَابْن عقيل وَأَبُو عبد الله الشهرستاني وكشفوا أستارهم وَأَصْحَاب الألموت مِنْهُم وَسنَان من دعاتهم وشعارهم الظَّاهِر الرَّفْض وباطن أَمرهم الزندقة والإنحلال وَكَانَ من أعظم مَا بِهِ دخل هَؤُلَاءِ على المفسدين وأفسدوا الدّين هُوَ طَرِيق الشِّيعَة لفرط جهلهم وأهوائهم وبعدهم من دين الْإِسْلَام وَلِهَذَا وصوا دعاتهم أَن يدخلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 على الْمُسلمين من بَاب التَّشَيُّع وصاروا يستعينون بِمَا عِنْد الشِّيعَة من الأكاذيب والأهواء وَيزِيدُونَ هم على ذَلِك مَا ناسبهم من الإفتراء حَتَّى فعلوا فِي أهل الْإِيمَان مَا لم يَفْعَله عَبدة الْأَوْثَان والصلبان قَالَ وَعلم التَّفْسِير إِلَيْهِ يعزى لِأَن ابْن عَبَّاس كَانَ تِلْمِيذه فِيهِ قَالَ ابْن عَبَّاس حَدثنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي تَفْسِير الْبَاء من اسْم الله من أول اللَّيْل إِلَى آخِره قُلْنَا هَذَا كذب صراح وَهَذَا يرويهِ من يُؤمن بالمجهولات من جهلة الصُّوفِيَّة كَمَا يروون أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر يتحدثان وَكنت كالزنجي بَينهمَا وينقلون عَن عمر أَنه تزوج بِامْرَأَة أبي بكر ليسألها عَن عمله فِي السِّرّ فَقَالَت كنت أَشمّ مِنْهُ رَائِحَة الكبد المشوية وَهَذَا من أبين الْكَذِب وَإِنَّمَا تزوج بِامْرَأَة أبي بكر أَسمَاء بنت عُمَيْس بعده عَليّ وَقد أَخذ ابْن عَبَّاس عَن عدد كَبِير من الصَّحَابَة وَأخذ التَّفْسِير عَن ابْن مَسْعُود وَعَن طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَا يعرف بأيدي الْأمة تَفْسِير ثَابت عَن عَليّ وَمَا ورد عَنهُ من التَّفْسِير فقليل وَأما مَا ينْقل أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ الصُّوفِي فِي حقائق التَّفْسِير عَن جَعْفَر الصَّادِق فكذب عَلَيْهِ قَالَ وَعلم الطَّرِيقَة إِلَيْهِ مَنْسُوب فَإِن الصُّوفِيَّة إِلَيْهِ يسندون الْخِرْقَة قُلْنَا الْخرق مُتعَدِّدَة أشهرها خرقتان خرقَة إِلَى عمر وخرقة إِلَى عَليّ فخرقة عمر لَهَا إِسْنَاد إِلَى أويس الْقَرنِي وَإِلَى أبي مُسلم الْخَولَانِيّ وَأما المنسوبة إِلَى عَليّ فإسنادها إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ والمتأخرون يصلونها إِلَى مَعْرُوف الْكَرْخِي وَمن بعده مُنْقَطع فَإِنَّهُم تَارَة يَقُولُونَ إِنَّه صحب عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا وَهَذَا بَاطِل قطعا ومعروف كَانَ مُنْقَطِعًا بِبَغْدَاد وَعلي بن مُوسَى كَانَ فِي صُحْبَة الْمَأْمُون بخراسان ومعروف أسن من عَليّ وَلَا نقل ثِقَة أَنه اجْتمع بِهِ أَو أَخذ عَنهُ شَيْئا بل وَلَا يعرف أَنه رَآهُ وَلَا كَانَ وَالله مَعْرُوف بوابه وَلَا أسلم على يَدَيْهِ وَأما إسنادها الآخر فَيَقُولُونَ إِن مَعْرُوفا صحب دَاوُد الطَّائِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 وَهَذَا أَيْضا لَا أصل لَهُ وَلَا عرف أَنه رَآهُ وَفِي إِسْنَاد الْخِرْقَة أَيْضا أَن دَاوُد الطَّائِي صحب حبيبا العجمي وَهَذَا أَيْضا لم يعرف لَهُ حَقِيقَة وفيهَا أَن حبيبا العجمي صحب الْحسن الْبَصْرِيّ وَهَذَا صَحِيح فَإِن الْحسن كَانَ لَهُ أَصْحَاب كَثِيرُونَ مثل أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَيُونُس بن عبيد وَعبد الله بن عَوْف وَمثل مُحَمَّد بن وَاسع وَمَالك بن دِينَار وحبِيب العجمي وفرقد السبخي وَغَيرهم من عباد الْبَصْرَة وفيهَا أَن الْحسن صحب عليا وَهَذَا بَاطِل مَا جالسه قطّ وَمَا روى أَن عليا دخل الْبَصْرَة فَأخْرج الْقصاص من جَامعهَا إِلَّا الْحسن كذب بَين بل مَا طلب الْحسن الْعلم إِلَّا بعد وَفَاة عَليّ مَعَ أَنه رَأْي عُثْمَان يخْطب وَقد أفرد ابْن الْجَوْزِيّ تأليفا فِي مناقبه وأوهى من هَذَا نِسْبَة لِبَاس الفتوة إِلَى عَليّ بِإِسْنَاد مظلم يعلم بُطْلَانه وَلَهُم إِسْنَاد آخر بالخرقة إِلَى جَابر مُنْقَطع سَاقِط وَقد علمنَا قطعا أَن الصَّحَابَة لم يَكُونُوا يلبسُونَ مريدهم خرقَة وَلَا يقصون شعروهم وَلَا فعله التابعون بل جالسوا الصَّحَابَة وتأدبوا بآدابهم كل طَائِفَة أخذُوا عَمَّن فِي بلدهم من الصَّحَابَة فَأخذ أهل الْمَدِينَة عَن عمر وَأبي وَزيد وَأبي هُرَيْرَة وَلما ذهب عَليّ إِلَى الْكُوفَة كَانَ أَهلهَا قد تخْرجُوا فِي دينهم بإبن مَسْعُود وَسعد وعمار وَحُذَيْفَة وَأخذ أهل الْبَصْرَة عَن عمرَان ابْن حُصَيْن وَأبي مُوسَى وَأبي بكرَة وَابْن مُغفل وَخلق وَأخذ أهل الشَّام دينهم عَن معَاذ وَأبي عُبَيْدَة وَأبي الدَّرْدَاء وَعبادَة بن الصَّامِت وبلال فَكيف تَقول إِن طَرِيق أهل الزّهْد والتصوف مُتَّصِل بِهِ دون غَيره وَكتب الزّهْد كَثِيرَة جدا مثل الزّهْد للْإِمَام أَحْمد والزهد لإبن الْمُبَارك ولوكيع بن الْجراح ولهناد بن السّري وَمثل كتب أَخْبَار الزهاد كحلية الْأَوْلِيَاء وَصفَة الصفوة فِيهَا خبر كثير عَن الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وتابعيهم بِإِحْسَان وَلَيْسَ الَّذِي فِيهَا لعَلي أَكثر مِمَّا فِيهَا لأبي بكر وَعمر ومعاذ وَابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَأبي ذَر وَأبي أُمَامَة وأمثالهم من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 قَالَ وَأما علم الفصاحة فَهُوَ منبعه حَتَّى قيل كَلَامه فَوق كَلَام الْمَخْلُوق وَدون كَلَام الْخَالِق قُلْنَا لَا ريب أَنه كَانَ من أَخطب الصَّحَابَة وَكَانَ أَبُو بكر خَطِيبًا وَكَانَ عمر خَطِيبًا وَكَانَ ثَابت بن قيس خَطِيبًا بليغا وَلَكِن كَانَ أَبُو بكر يخْطب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حُضُوره وغيبته وَنَبِي الله سَاكِت يقره على مَا يَقُول وَقد خطب أَبُو بكر يَوْم السَّقِيفَة فأبلغ حَتَّى قَالَ عمر كنت قد هيأت مقَالَة أعجبتني فَلَمَّا أردْت أَن أَتكَلّم قَالَ أَبُو بكر على رسلك فَكرِهت أَن أغضبهُ وَكنت أداري مِنْهُ بعض الحدة فَتكلم فَكَانَ هُوَ أحلم مني وأوقر وَالله مَا ترك من كلمة أعجبتني فِي تزويري إِلَّا قَالَ فِي بديهته مثلهَا أَو أفضل مِنْهَا وَقَالَ أنس بن مَالك خَطَبنَا أَبُو بكر وَنحن كالثعالب فَمَا زَالَ يثبتنا حَتَّى صرنا كالأسد وَكَانَ ثَابت بن قيس يُسمى خطيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أَن حسان بن ثَابت شَاعِر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ زِيَاد بن أَبِيه من أَخطب الْعَرَب وأبلغهم حَتَّى قَالَ الشّعبِيّ مَا تكلم أحد فَأحْسن إِلَّا تمنيت أَن يسكت خشيَة أَن يسيء إِلَّا زيادا كَانَ كلما أَطَالَ أَجَاد أَو كَمَا قَالَ الشّعبِيّ وَكَانَت عَائِشَة من أَخطب النَّاس وأفصحهم حَتَّى كَانَ الْأَحْنَف بن قيس يتعجب من بلاغتها وَقَالَ مَا سَمِعت الْكَلَام من مَخْلُوق أفحم وَلَا أفْصح مِنْهُ من عَائِشَة وَكَانَ ابْن عَبَّاس من أَخطب النَّاس والبلغاء فِي الْعَرَب جمَاعَة قبل الْإِسْلَام وَبعده وَعَامة هَؤُلَاءِ لم يَأْخُذُوا من عَليّ شَيْئا وَإِنَّمَا الفصاحة موهبة من الله وَلَا كَانَ عَليّ وَلَا هَؤُلَاءِ يتكلفون الأسجاع وَلَا التَّجْنِيس الَّذِي يُسمى علم البديع بل يخطبون بطباعهم وَلَا يقصدون سجعا وَإِنَّمَا حدث هَذَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 الْمُتَأَخِّرين وتكلفوا لَهُ وتتبعوه فقولك إِنَّه منبع الفصاحة مُجَرّد دَعْوَى بل أنصح النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَت الفصاحة التشدق فِي الْكَلَام والتقعير وَلَا البلاغة التَّجْنِيس والسجع بل البلاغة بُلُوغ الْمَطْلُوب بأتم عبارَة فَيجمع صَاحبهَا بَين تَكْمِيل الْمعَانِي الْمَقْصُودَة وَبَين تبيينها بِأَحْسَن وَجه ثمَّ غَالب الْخطب الَّتِي يَأْتِي بهَا صَاحب نهج البلاغة كذب على عَليّ وَعلي أَعلَى قدرا من أَن يتَكَلَّم بذلك الْكَلَام وَلَكِن هَؤُلَاءِ وضعُوا أكاذيب وظنوا أَنَّهَا مدح فَلَا هِيَ صدق وَلَا هِيَ لَهُ مدح وقولك إِن كَلَامه فَوق كَلَام الْمَخْلُوق كَلَام مَلْعُون فِيهِ إساءة أدب على الرَّسُول وَهَذَا مثل مَا قَالَ ابْن سبعين هَذَا كَلَام يشبه بِوَجْه مَا كَلَام الْبشر وَهَذَا ينْزع إِلَى أَن يَجْعَل كَلَام الله مَا فِي نفوس الْبشر وَلَيْسَ هَذَا من كَلَام الْمُسلمين وَأَيْضًا فالمعاني الصَّحِيحَة الَّتِي تُوجد فِي كَلَام عَليّ مَوْجُودَة فِي كَلَام غَيره لَكِن صَاحب نهج البلاغة وَأَمْثَاله أخذُوا كثيرا من كَلَام النَّاس فجعلوه من كَلَام عَليّ وَمِنْه مَا يحْكى عَن عَليّ أَنه تكلم بِهِ وَمِنْه مَا هُوَ كَلَام حق يَلِيق بِهِ أَن يتَكَلَّم بِهِ وَلَكِن هُوَ فِي نفس الْأَمر من كَلَام غَيره وَفِي كتاب الْبَيَان والتبيين للجاحظ كَلَام كثير مَنْقُول عَن غير عَليّ وَصَحب نهج البلاغة يَأْخُذهُ ويلصقه بعلي وَهَذِه الْخطب المنقولة فِي كتاب نهج البلاغة لَو كَانَت كلهَا عَن عَليّ من كَلَامه لكَانَتْ مَوْجُودَة قبل هَذَا المُصَنّف منقولة عَن عَليّ بِالْأَسَانِيدِ وبغيرها فَإِذا عرف من لَهُ خبْرَة بالمنقولات أَن كثيرا مِنْهَا بل أَكْثَرهَا لَا يعرف قبل هَذَا علم أَن هَذَا كذب وَإِلَّا فليبين النَّاقِل لَهَا فِي أَي كتاب ذكر ذَلِك وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الَّذِي نَقله عَن عَليّ وَمَا إِسْنَاده وَإِلَّا فالدعوى الْمُجَرَّدَة لَا يعجز عَنْهَا أجد وَمن كَانَت لَهُ خبْرَة بِمَعْرِِفَة طَريقَة أهل الحَدِيث وَمَعْرِفَة الْآثَار وَالْمَنْقُول بِالْأَسَانِيدِ وَتبين صدقهَا من كذبهَا علم أَن هَؤُلَاءِ الَّذين ينقلون مثل هَذَا عَن عَليّ من أبعد النَّاس عَن المنقولات والتمييز بَين صدقهَا وكذبها قَالَ وَقَالَ سلوني قبل أَن تفقدوني سلوني عَن طرق السَّمَاء فَإِنِّي أعلم بهَا من طرق الأَرْض فَنَقُول لَا ريب أَن عليا لم يكن يَقُول هَذَا بِالْمَدِينَةِ بَين سادة الصَّحَابَة الَّذين يعلمُونَ كَمَا يعلم وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لما صَار إِلَى الْعرَاق بَين قوم لَا يعْرفُونَ كثيرا من الدّين وَهُوَ الإِمَام الَّذِي يجب عَلَيْهِ أَن يعلمهُمْ ويفقههم وَقَوله أَنا أعلم بطرق السَّمَاء إِن كَانَ قَالَه فَمَعْنَاه أعلم بِمَا يَتَقَرَّبُون بِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْعِبَادَة وَالْجنَّة وَالْمَلَائِكَة مَا لَا أعلمهُ فِي الأَرْض لَيْسَ مُرَاده أَنه صعد بِبدنِهِ إِلَى السَّمَاء هَذَا لَا يَقُوله مُسلم وَهَذَا كَأَنَّهُ مَوْضُوع وَلَا يعرف لَهُ إِسْنَاد وَقد تضل بِهِ الغلاة الَّذين يَعْتَقِدُونَ نبوته فيحتجون بِهَذَا بل وَكثير من الْعَوام والنساك يَعْتَقِدُونَ فِي بعض الشُّيُوخ نَحْو هَذَا قَالَ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الصَّحَابَة فِي مشكلاتهم ورد عمر فِي قضايا كَثِيرَة قَالَ فِيهَا لَوْلَا عَليّ لهلك عمر فَيُقَال مَا رَجَعَ الصَّحَابَة إِلَيْهِ فِي شَيْء من دينهم بل كَانَت النَّازِلَة تنزل فيشاور عمر عليا وَعُثْمَان وَابْن عَوْف وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَأَبا مُوسَى وَجَمَاعَة حَتَّى كَانَ يدْخل ابْن عَبَّاس مَعَهم مَعَ صغر سنه وَهَذَا مِمَّا أَمر الله بِهِ الْمُؤمنِينَ ومدحهم عَلَيْهِ بقوله (وَأمرهمْ شُورَى بَينهم) وَلِهَذَا كَانَ رَأْي عمر وَحكمه وسياسته من أَسد الْأُمُور وَقد أجَاب ابْن عَبَّاس عَن مشكلات أَكثر مِمَّا أجَاب عَليّ بِكَثِير لطول مدَّته وَاحْتَاجَ النَّاس إِلَى علمه وَكَانَ عمر يشاورهم مَعَ أَنه أعلم مِنْهُم وَكَثِيرًا مَا كَانُوا يرجعُونَ إِلَى قَوْله كالعمريتين والعول وَغَيرهمَا فَإِن عمر وَهُوَ أول من أجَاب فِي زوج وأبوين اَوْ امْرَأَة وأبوين بِأَن للْأُم ثلث الْبَاقِي وَاتبعهُ أكَابِر الصَّحَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 وأكابر الْفُقَهَاء كعثمان وَابْن مَسْعُود وَعلي وَزيد وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وخفي قَوْله على ابْن عَبَّاس فَأعْطى الْأُم الثُّلُث وَوَافَقَهُ طَائِفَة وَقَول عمر أصوب وقولك رد عمر فِي قضايا كَثِيرَة قَالَ فِيهَا لَوْلَا على لهلك عمر فَهَذَا لَا يعرف أَن عمر قَالَه إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة إِن صَحَّ ذَلِك وَقد كَانَ عمر يَقُول نَحْو هَذَا كثيرا لمن هُوَ دون عَليّ قَالَ للْمَرْأَة الَّتِي عارضته فِي الصَدَاق رجل أَخطَأ وأصابت امْرَأَة وَأما قَوْلك معرفَة القضايا بالإلهام بِمَعْنى أَنه من ألهم أَنه صَادِق حكم بذلك بِمُجَرَّد الإلهام فَلَا يحل الحكم بِهَذَا فِي دين الْإِسْلَام وَلَو كَانَ الإلهام طَرِيقا كَانَ الرَّسُول أَحَق من قضى بِهِ وَكَانَ الله يُوحى إِلَيْهِ من هُوَ صَاحب الْحق فَلَا يحْتَاج إِلَى بَيِّنَة فَإِن قلت مَعْنَاهُ أَنه يلهم الحكم الشَّرْعِيّ فَهَذَا أَيْضا لَا بُد فِيهِ من دَلِيل شَرْعِي وَقد ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قد كَانَ قبلكُمْ فِي الْأُمَم محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي أحد فعمر وَمَعَ هَذَا فَلم يكن يجوز لعمر أَن يحكم بالإلهام وَلَا يعْمل بِمُجَرَّد مَا يلقِي فِي قلبه حَتَّى يعرض ذَلِك على الْكتاب وَالسّنة فَإِن وَافقه قبله وَإِن خَالفه رده وَأما مَا ذكره من الْحُكُومَة فِي الْبَقَرَة الَّتِي قتلت حمارا فَلم يذكر لَهُ إِسْنَادًا وَلَا نعلم صِحَّته بل الْأَدِلَّة الْمَعْلُومَة تدل على إنتفائه قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جرح العجماء جَبَّار فالحيوان من بقرة أَو شَاة أَو حمَار إِذا كَانَ يرْعَى فِي المراعي الْمُعْتَادَة فأفلتت نَهَارا من غير تَفْرِيط حَتَّى دخلت على زرع فأفسدته لم يكن على صَاحبهَا ضَمَان بِالْإِجْمَاع فَإِنَّهَا عجماء ومالكها لم يفرط وَإِن خرجت لَيْلًا ضمن عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَذهب أَبُو حنيفَة وَابْن حزم إِلَى أَنه لَا يضمن قَالَ وَكَانَ أَشْجَع النَّاس وبسيفه ثبتَتْ قَوَاعِد الْإِسْلَام وتشيدت أَرْكَان الْإِيمَان كشف الكروب عَن وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يفر كَمَا فر غَيره إِلَخ وَالْجَوَاب لَا ريب فِي شجاعته وَنَصره لِلْإِسْلَامِ وَقَتله جمَاعَة لَكِن مَا هَذَا من خَصَائِصه بل شَاركهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 فِيهِ عدَّة وَأَشْجَع النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ثَبت من حَدِيث أنس وَفِيه وَلَقَد فزع أهل الْمَدِينَة يَوْمًا فَانْطَلق نَاس قبل الصَّوْت فَتَلقاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاجعا وَقد سبقهمْ إِلَى الصَّوْت وَهُوَ على فرس لأبي طَلْحَة عرى فِي عُنُقه السَّيْف وَهُوَ يَقُول لم تراعوا وَفِي الْمسند عَن عَليّ قَالَ كُنَّا إِذا اشْتَدَّ الْبَأْس اتقينا برَسُول الله فَيكون أقربنا إِلَى الْعَدو والشجاعة قُوَّة الْقلب والثبات عِنْد المخاوف أَو شدَّة الْبَطْش وإحكام صناعَة الْحَرْب وَمَعَ هَذَا فَمَا قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أبي بن خلف وَمن فرط شجاعته أَن أَصْحَابه انْهَزمُوا يَوْم حنين وَهُوَ رَاكب بغلة لَا تكر وَلَا تَفِر وَيقدم عَلَيْهَا إِلَى نَاحيَة الْعَدو ويسمي نَفسه وَيَقُول (أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب) وَإِذا كَانَت الشجَاعَة الْمَطْلُوبَة من الإِمَام شجاعة الْقلب فَلَا ريب أَن أَشْجَع الصَّحَابَة أَبُو بكر فَإِنَّهُ بَاشر الْأَهْوَال الَّتِي كَانَ الرَّسُول يُبَاشِرهَا من أول الْإِسْلَام وَلم يجبن وَلَا جزع بل يقدم على المخاوف ويقي الرَّسُول بِنَفسِهِ ويجاهد بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ وبماله وَلما كَانَ مَعَ الرَّسُول فِي الْعَريش يَوْم بدر قَامَ نَبِي الله يَدْعُو ويستغيث بربه وَيَقُول اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد فِي الأَرْض وَجعل أَبُو بكر يَقُول لَهُ يَا رَسُول الله كَفاك مُنَاشَدَتك رَبك إِنَّه سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك وَهَذَا يدل على كَمَال يقينه وثباته وَلَا نقص على الرَّسُول فِي إستغاثته بربه بل ذَلِك كَمَال لَهُ فالإلتفات إِلَى الْأَسْبَاب صَحَّ فِي التَّوْحِيد ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابا تقدح فِي الْعقل والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع فعلى الرَّسُول أَن يُجَاهد وَيُقِيم الدّين بِكُل مُمكن بِنَفسِهِ وَمَاله ودعائه وتحريضه الْمُؤمنِينَ والإستنصار بِاللَّه والإستعانة بِهِ أعظم الْجِهَاد وَأعظم أَسبَاب النَّصْر وَهُوَ مَأْمُور بذلك وَالْقلب إِذا غَشيته الهيبة والمخافة والتضرع قد يغيب عَن شُهُود مَا يُعلمهُ ومقام أبي بكر دون هَذَا وَهُوَ معاونة الرَّسُول والذب عَنهُ وإخباره بِأَنا واثقون بنصر الله وَالنَّظَر إِلَى جِهَة الْعَدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 هَل قَاتلُوا بعد وَلما مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عظمت النَّازِلَة واضطربوا إضطراب الأرشية فِي الطوى الْبَعِيدَة القعر وطاشت الْعُقُول ووقعوا فِي نُسْخَة الْقِيَامَة وَكَأَنَّهَا قِيَامَة صغرى مَأْخُوذَة من الْقِيَامَة الْكُبْرَى وارتدت الْأَعْرَاب وذلت الحماه فَقَامَ الصّديق بقلب ثَابت الجأش قد جمع لَهُ الصَّبْر وَالْيَقِين وَأخْبرهمْ بِأَن الله اخْتَار لنَبيه مَا عِنْده وَقَالَ لَهُم من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّد قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت ثمَّ تَلا (وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا وسيجزي الله الشَّاكِرِينَ) فَكَأَن النَّاس لم يسمعوها ثمَّ خطبهم فثبتهم وشجعهم وبادر إِلَى تَنْفِيذ جَيش أُسَامَة وَأخذ فِي قتال الْمُرْتَدين مَعَ إشارتهم عَلَيْهِ بالتربص حَتَّى كَانَ عمر مَعَ فرط شجاعته يَقُول لَهُ يَا خَليفَة رَسُول الله تألف النَّاس وَهَذَا بَاب وَاسع وَأما الْقَتْل فَلَا ريب أَن غير عَليّ من الصَّحَابَة قتل أَكثر مِنْهُ من الْكفَّار فَإِن من نظر الْمَغَازِي والسيرة وأمعن النّظر عرف ذَلِك فالبراء بن مَالك أَخُو أنس قتل مائَة رجل مبارزة سوى من شرك فِي دَمه وَأما خَالِد بن الْوَلِيد فَلَا يُحْصى عدد من قَتله وَقد انْكَسَرَ فِي يَده يَوْم مُؤْتَة تِسْعَة أسياف وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل نَبِي حواريا وحواري الزبير وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوت أبي طَلْحَة فِي الْجَيْش خير من فِئَة وَقَالَ ابْن حزم وجدناهم يحتجون بِأَن عليا كَانَ أَكثر الصَّحَابَة جهادا وقتلا وَالْجهَاد ثَلَاثَة أَقسَام أَعْلَاهَا الدُّعَاء إِلَى الله بِاللِّسَانِ وَثَانِيها الْجِهَاد عِنْد الْيَأْس بِالرَّأْيِ وَالتَّدْبِير الثَّالِث الْجِهَاد بِالْيَدِ فَوَجَدنَا الْجِهَاد الأول لَا يلْحق فِيهِ أحد بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر فَإِن أكَابِر الصَّحَابَة أَسْلمُوا على يَد أبي بكر وَأما عمر فَإِنَّهُ حِين أسلم عز الْإِسْلَام قَالَ ابْن مَسْعُود مَا زلنا أعزة مُنْذُ أسلم عمر فقد انْفَرد الشَّيْخَانِ بالجهادين اللَّذين لَا نَظِير لَهما وَلَا حَظّ لعَلي فِي هَذَا أصلا وَأما الرَّأْي والمشورة فخالص لأبي بكر وَعمر بَقِي الثَّالِث فَكَانَ أقل عمل الرَّسُول لَا عَن جبن وَوجدنَا عليا لم ينْفَرد بِالسَّبقِ فِيهِ بل شَاركهُ فِيهِ غَيره شركَة الْعَنَان كطلحة وَالزُّبَيْر وَسعد وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَمصْعَب بن عُمَيْر وَسعد بن معَاذ وَسماك أبي دُجَانَة وَوجدنَا أَبَا بكر وَعمر قد شركاه فِي ذَلِك بحظ وَإِن لم يلحقا بحظوظ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا ذَلِك لشغلهما بالأفضل من مُلَازمَة الرَّسُول ومؤازرته وَقد بعثهما على الْبعُوث أَكثر مِمَّا بعث عليا وَمَا نعلم لعَلي بعثا إِلَّا إِلَى بعض حصون خَيْبَر ففتحه فصل وقولك إِنَّه بِسَيْفِهِ ثَبت قَوَاعِد الْإِسْلَام وتشيدت أَرْكَان الْإِيمَان فكذب بَين لكل من عرف أَيَّام الْإِسْلَام بل سَيْفه جُزْء من أَجزَاء كَثِيرَة جدا من أَسبَاب تثبيت قَوَاعِد الْإِسْلَام وَكثير من الوقائع الَّتِي ثَبت الله بهَا الْإِسْلَام لم يكن لسيفه فِيهَا أثر وَكَانَ سَيْفه يَوْم بدر سَيْفا من سيوف كَثِيرَة وغزوات الْقِتَال كلهَا تسع وَبعد الرَّسُول لم يشْهد حَرْب فَارس وَلَا الرّوم وَلَا شَيْئا من تِلْكَ الْمَلَاحِم المهولة وَكَانَ نَصره فِي مغازيه تبعا لنصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحروبه الْكِبَار فِي خِلَافَته الْجمل وصفين والنهروان فَكَانَ منصورا لِأَن جَيْشه كَانَ أَكثر عددا من المقاتلين لَهُ وَمَعَ ذَلِك فَمَا استظهر على أهل الشَّام بل كَانَ وهم كفرسى رهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وقولك مَا انهزم قطّ فَهُوَ فِي ذَلِك كَأبي بكر وَعمر وَجَمَاعَة لم يعرف لوَاحِد مِنْهُم هزيمَة وَإِن كَانَ قد وَقع شَيْء خَفِيف خَفِي وَلم ينْقل فَيمكن أَن عليا وَقع مِنْهُ مَا لم ينْقل يَوْم حنين وَيَوْم أحد وقولك وطالما كشف الكروب عَن وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعْوَى كَاذِبَة من عِبَارَات الطرقية بل مَا علمنَا كشف كربَة وَاحِدَة بل وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر نعم دفع أَبُو بكر عَنهُ لما أَرَادَ الْمُشْركُونَ أَن يضربوه ويقتلوه بِمَكَّة فحال بَينهم وَبَينه وَجعل يَقُول {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله} حَتَّى ضربوا أَبَا بكر ووقاه طَلْحَة يَوْم أحد بِيَدِهِ حَتَّى شلت وَكَانَ يَقُول نحرى دون نحرك يَا رَسُول الله أما أَن يكون الْمُشْركُونَ أحاطوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خلصه مِنْهُم عَليّ بِسَيْفِهِ أَو أَبُو بكر فَهَذَا لم يَقع وَلَكِنَّك طالعت فِيمَا أَحسب الْغَزَوَات الَّتِي للْقصَاص أَو تنقلات الْأَنْوَار للبكري مِمَّا هُوَ من جنس سيرة البطال وعنترة وَأحمد الدنف وَهَذِه الأخلوقات الَّتِي يكتريها صبيان الْكتاب ليتمرنوا فِي الْقِرَاءَة ويطير النّوم عَنْهُم لفرط مَا فِيهَا من السخف والإفك قَالَ وَفِي غَزْوَة بدر كَانَ لعَلي سبع وَعِشْرُونَ سنة فَقتل من الْمُشْركين سِتَّة وَثَلَاثِينَ رجلا وَحده وهم أَكثر من نصف المقتولين وشرك فِي البَاقِينَ فَيُقَال هَذَا من الْكَذِب الْبَين بل قد ثَبت فِي الصَّحِيح قتل جمَاعَة لم يُشْرك على فِي قَتلهمْ مِنْهُم أَبُو جهل وَعقبَة بن أبي معيط وَعتبَة بن ربيعَة وَأبي بن خلف ونقلوا أَن عليا قتل يؤمئذ نَحْو الْعشْرَة قَالَ يَوْم أحد انهزم النَّاس كلهم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا عليا وَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفر أَوَّلهمْ عَاصِم بن ثَابت وَأَبُو دُجَانَة وَسَهل بن حنيف وَجَاء عُثْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 بعد ثَلَاثَة أَيَّام فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد ذهبت فِيهَا عريضة وتعجبت الْمَلَائِكَة من ثبات على فَقَالَ جِبْرِيل لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا على وَقتل على أَكثر الْمُشْركين فِي هَذِه الْغُزَاة وَكَانَ الْفَتْح على يَدَيْهِ وروى قيس بن سعد عَن عَليّ قَالَ أصابني يَوْم بدر سِتّ عشرَة ضَرْبَة وَسَقَطت إِلَى الأَرْض فَجَاءَنِي رجل فأقامني وَذكر الحَدِيث وَأَن الرجل جِبْرِيل فَيُقَال هَذَا الرجل مَا يستحي من الله وَلَا يراقبه فِي نقل هَذِه الأكاذيب الَّتِي لَا تنْفق إِلَّا على الْبَقر كَقَوْلِه وَقتل عَليّ أَكثر الْمُشْركين وَكَانَ الْفَتْح فَأَيْنَ قتل الْمُشْركين وَأَيْنَ الْفَتْح بل كَانَت غَزْوَة أحد على الْمُسلمين لَا لَهُم كَمَا قَالَ تَعَالَى (أَو لما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة قد أصبْتُم مثليها قُلْتُمْ أَنى هَذَا قل هُوَ من عِنْد أَنفسكُم) هزم الْمُسلمُونَ الْعَدو أَولا وَكَانَ نَبِي الله قد وكل بثغر الْجَبَل الرُّمَاة وَأمرهمْ أَن لَا يبرحوا فَلَمَّا إنهزم الْمُشْركُونَ طلبت الرُّمَاة الْغَنِيمَة فنهاهم أَمِيرهمْ عبد الله بن جُبَير فَلم يطيعوه وكر الْعَدو عَلَيْهِم من ظُهُورهمْ وَصَاح الشَّيْطَان قتل مُحَمَّد فاستشهد يَوْمئِذٍ نَحْو السّبْعين وشج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكسرت رباعيته وهشمت الْبَيْضَة على رَأسه وَدخلت حلقتا المغفر فِي وجنته حَتَّى قَالَ كَيفَ يفلح قوم فعلوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله فَنزلت (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم) وَلم يبْق مَعَه يؤمئذ غير إثني عشر رجلا مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَطَلْحَة وَسعد وَقتل حوله جمَاعَة وَقَالَ رَئِيس الْمُشْركين اعْل هُبل اعْل هُبل يَوْم بِيَوْم بدر يَعْنِي أَخذنَا بالثأر وَلم يقتل يؤمئذ من الْمُشْركين إِلَّا بضعَة عشر رجلا وَلم يجرح عَليّ يؤمئذ وَلَا أَقَامَهُ جِبْرِيل فَأَيْنَ الْإِسْنَاد بِهَذَا وَفِي أَي كتب الموضوعات هُوَ وقولك إِن عُثْمَان جَاءَ بعد ثَلَاث كذب آخر وقولك إِن جِبْرِيل قَالَ لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار كذب آخر فَإِن ذَا الفقار لم يكن لعَلي بل كَانَ لأبي جهل غنمه الْمُسلمُونَ يَوْم بدر فَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ تنفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيْفه ذَا الفقار يَوْم بدر وَهُوَ الَّذِي رأى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْم أحد قَالَ رَأَيْت فِي سَيفي ذِي الفقار فَلَا فَأَوَّلْته فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 يكون فِيكُم وَرَأَيْت أَنِّي مردف كَبْشًا فَأَوَّلْته كَبْش الكتيبة وَرَأَيْت أَنِّي فِي درع حَصِينَة فَأَوَّلْته الْمَدِينَة وَرَأَيْت بقرًا تذبح فبقر وَالله خير وَالله خير أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد فِي مُسْنده قَالَ وَفِي غزَاة الْأَحْزَاب أَقبلت قُرَيْش وَمن مَعهَا فِي عشرَة آلَاف ونزلوا من فَوق الْمُسلمين وَمن تَحْتهم فَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمُسْلِمين وهم ثَلَاثَة آلَاف وَعمِلُوا الخَنْدَق وَركب عَمْرو بن عبد ود وَعِكْرِمَة بن أبي جهل ودخلا من مضيق فِي الخَنْدَق وطلبا المبارزة فَقَامَ عَليّ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه عَمْرو فَسكت ثمَّ طلب المبارزة ثَانِيًا وثالثا وَيقوم عَليّ فَأذن لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا عَمْرو كنت عَاهَدت الله تَعَالَى أَن لَا يَدْعُوك قرشي إِلَى إِحْدَى خلتين إِلَّا أجبْت إِلَى وَاحِدَة مِنْهُمَا وَأَنا أَدْعُوك إِلَى الْإِسْلَام قَالَ لَا حَاجَة لي بِهِ قَالَ فأدعوك إِلَى النزال قَالَ مَا أحب أَن أَقْتلك ثمَّ نزل وتجاولا فَقتله عَليّ وَانْهَزَمَ عِكْرِمَة ثمَّ انهزم الْمُشْركُونَ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل عَليّ عمرا أفضل من عبَادَة الثقلَيْن يُقَال قد طرزت الْقِصَّة بعدة أكاذيب مِنْهَا أَنه لما قتل عمرا انْهَزمُوا وَهَذَا كذب بَارِد فَإِنَّهُم مَا انْهَزمُوا بل بقوا محاصرين الْمُسلمين حَتَّى خبب بَينهم نعيم بن مَسْعُود الْغَطَفَانِي وَأرْسل الله عَلَيْهِم الرّيح وَالْمَلَائِكَة فترحلوا (ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرا وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال) فَتبين أَن الْمُشْركين مَا ردهم الله بِقِتَال وَلَا هَزَمَهُمْ الْمُسلمُونَ والْحَدِيث الَّذِي روات بِهِ كذب بِيَقِين وحاشا الرَّسُول من هَذِه المجازفة أَيكُون قتل وَاحِد أفضل من عبَادَة الْإِنْس وَالْجِنّ فَمَا بَقِي لمن قتل أَبَا جهل وصناديد قُرَيْش الَّذين فعلوا بِنَبِي الله الأفاعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وَعَمْرو مَا عرف لَهُ شَرّ ينْفَرد فِي عَدَاوَة الرَّسُول قَالَ وَفِي غزَاة بني النَّضِير قتل عَليّ رامي قبَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَهْم وَقتل بعده عشرَة وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ قُلْنَا وَهَذَا من الْكَذِب الْوَاضِح فَإِن بني النَّضِير هم الْيَهُود الَّذين نزلت فيهم سُورَة الْحَشْر بِالْإِجْمَاع وقصتهم قبل أحد وَكَانَ الْمُسلمُونَ قد حاصروهم وَقَطعُوا نَخْلهمْ وَلم يخرجُوا من حصونهم حَتَّى يُقَال انْهَزمُوا ثمَّ صَالحُوا على الْجلاء فأجلاهم الرَّسُول أفما تقْرَأ السُّورَة وتتدبرها وحملوا من أَمْوَالهم مَا اسْتَقَلت بِهِ إبلهم إِلَّا السِّلَاح وَكَانَ الرجل مِنْهُم يخرب بَيته عَن نجاف بَابه فيضعه على بعيره فَخَرجُوا إِلَى خَيْبَر وَالشَّام قَالَ وَفِي غَزْوَة السلسلة جَاءَ أَعْرَابِي فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن جمَاعَة قصدُوا أَن يكبسوا عَلَيْهِ الْمَدِينَة فَقَالَ من للوادي فَقَالَ أَبُو بكر أَنا فَدفع إِلَيْهِ اللِّوَاء وَضم إِلَيْهِ سَبْعمِائة فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم قَالُوا ارْجع إِلَى صَاحبك فَإنَّا فِي جمع كثير فَرجع فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من للوادي فَقَالَ عمر أَنا فَبَعثه فَفعل كَالْأولِ فَقَالَ فِي الْيَوْم الثَّالِث أَيْن عَليّ فَدفع إِلَيْهِ الرَّايَة فَمضى فَلَقِيَهُمْ فَقتل مِنْهُم سِتَّة أَو سَبْعَة وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَأقسم الله بِفعل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ (وَالْعَادِيات ضَبْحًا) قُلْنَا وَهَذَا أَيْضا من الْبَاطِل فَلَا وجود لهَذِهِ الْغَزْوَة أصلا بل هِيَ من جنس غزاوت الطرقية الَّذين يحكون الأكاذيب الْكَثِيرَة كسيرة عنترة والبطال وَقد إعتنى بأيام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُرْوَة وَالزهْرِيّ وَابْن إِسْحَاق ومُوسَى بن عقبَة وَأَبُو معشر السندي وَاللَّيْث بن سعد وَأَبُو إِسْحَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 الْفَزارِيّ والوليد بن مُسلم والواقدي وَيُونُس بن بكير وَابْن عَائِذ وأمثالهم وَمَا أَبقوا دقا وَلَا جلا وَلَا غثا وَلَا ثمينا وَمَا ذكرُوا هَذِه الْغَزْوَة وَلَا نزلت فِيهَا (وَالْعَادِيات) بل نزلت بِالْإِجْمَاع بِمَكَّة بل الْمَشْهُور عَن عَليّ فِي التفاسير أَنه قَالَ العاديات إبل الْحجَّاج وعدوها من مُزْدَلِفَة إِلَى منى وَكَانَ ابْن عَبَّاس وَالْأَكْثَرُونَ يفسرونها بِالْخَيْلِ الَّتِي تغزو فِي سَبِيل الله قَالَ وَقتل من بني المصطلق مَالِكًا وَابْنه وسبى كثيرا من جُمْلَتهمْ جوَيْرِية قُلْنَا هَذَا من أَخْبَار الرافضة الَّتِي لَا إِسْنَاد لَهَا وَلَو وجد للشَّيْء من أخبارهم إِسْنَاد فإمَّا أَن تكون ظلمات ومجاهيل أَو عَن كَذَّاب أومتهم فَإِنَّهُ لم ينْقل أحد أَن عليا فعل هَذَا فِي غَزْوَة بني المصطلق وَلَا سبي جوَيْرِية بنت الْحَارِث وَهِي لما سبيت كاتبت على نَفسهَا فَأدى عَنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعتقت من الْكِتَابَة وَأعْتق النَّاس السَّبي لأَجلهَا وَقَالُوا أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وغزاة خَيْبَر كَانَ الْفَتْح فِيهَا على يَده دفعت إِلَى أبي بكر فَانْهَزَمَ ثمَّ إِلَى عمر فَانْهَزَمَ وعالج عَليّ بَاب الْحصن فاقتلعه وَجعله جِسْرًا على الخَنْدَق وَكَانَ الْبَاب يغلقه عشرُون رجلا وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اقتلعه بِقُوَّة جسمانية بل بِقُوَّة ربانية وَكَانَ فتح مَكَّة على يَدَيْهِ بواسطته قُلْنَا لم تفتح خَيْبَر كلهَا فِي يَوْم بل كَانَت حصونا مفرقة بَعْضهَا فتح عنْوَة وَبَعضهَا صلحا ثمَّ كتموا مَا صَالحهمْ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصاروا محاربين وَلم ينهزم أَبُو بكر وَلَا عمر وَقد روى أَن عليا اقتلع الْبَاب أما كَونه يغلقه عشرُون رجلا وَأَنه جعل جِسْرًا فَلَا أصل لَهُ وَأما فتح مَكَّة فَلَا أثر لعَلي فِيهِ أصلا إِلَّا كباقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 الصَّحَابَة وَالْأَحَادِيث المتوافرة فِي غَزْوَة الْفَتْح تبين هَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد يؤمئذ على الميمنة وَالزُّبَيْر على الميسرة وَأَبا عُبَيْدَة على السَّاقَة وبطن الْوَادي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة ادْع لي الْأَنْصَار فَدَعَاهُمْ فَجَاءُوا يهرولون فَقَالَ هَل ترَوْنَ أوباش قُرَيْش قَالُوا نعم قَالَ انْظُرُوا إِذا لقيتموهم غَدا أَن تحصدوهم حصدا وأكفأ بِيَدِهِ وَوضع يَمِينه على شِمَاله وَقَالَ مَوْعدكُمْ الصَّفَا قَالَ فَمَا أشرف لَهُم يَوْمئِذٍ أحد إِلَّا أناموه قَالَ فَصَعدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّفَا وَجَاءَت الْأَنْصَار فأطافوا بالصفا فجَاء أَبُو سُفْيَان فَقَالَ يَا رَسُول الله أبيدت خضراء قُرَيْش لَا قُرَيْش بعد الْيَوْم فَقَالَ من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن ألْقى السِّلَاح فَهُوَ آمن وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ وَيَوْم حنين خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عشرَة آلَاف فعانهم أَبُو بكر وَقَالَ لن نغلب الْيَوْم من كَثْرَة فَانْهَزَمُوا وَلم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا تِسْعَة من بني هَاشم وَابْن أم أَيمن وَكَانَ عَليّ بَين يَدَيْهِ فَقتل من الْمُشْركين أَرْبَعِينَ وانهزموا قُلْنَا هَذَا كذب مفترى فَهَذِهِ المسانيد وَالسير والتفاسير مَا ذكر فِيهَا أَن أَبَا بكر عانهم وَاللَّفْظ الَّذِي قَالَه بعض الْمُسلمين لن نغلب بعد الْيَوْم من قلَّة لم يقل من كَثْرَة وقولك بَقِي مَعَه تِسْعَة بَاطِل بل قَالَ ابْن إِسْحَاق بَقِي مَعَه نفر من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأهل بَيته فَثَبت مَعَه أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَالْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان وَرَبِيعَة ابْنا الْحَارِث وَأُسَامَة وأيمن وقولك إِن عليا قتل بَين يَدَيْهِ أَرْبَعِينَ كذب مَا قَالَ هَذَا أحد يعْتد بِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الْبَراء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل يَوْمئِذٍ عَن بغلته ودعا واستنصر وَهُوَ يَقُول (أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا أبن عبد الْمطلب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 اللَّهُمَّ أنزل نصرك قَالَ الْبَراء وَكُنَّا إِذا احمر الْبَأْس نتقي بِهِ وَكَانَ الشجاع منا الَّذِي يحاذيه يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلمُسلم من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ لما غشوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل ثمَّ قبض قَبْضَة من التُّرَاب واستقبل بِهِ وُجُوههم فَقَالَ شَاهَت الْوُجُوه فَمَا خلق الله مِنْهُم إنْسَانا إِلَّا مَلأ عَيْنَيْهِ تُرَابا بِتِلْكَ القبضة فَوَلوا مُدبرين فصل قَالَ الْخَامِس إخْبَاره بِالْغَيْبِ والكائن قبل كَونه أخبر أَن طَلْحَة وَالزُّبَيْر لما استأذنا فِي الإعتمار قَالَ مَا تريدان الْعمرَة وَإِنَّمَا تريدان الْبَصْرَة وَكَانَ كَمَا قَالَ وَأخْبر وَهُوَ جَالس بِذِي قار يُبَايع يأتيكم من قبل الْكُوفَة ألف رجل لَا يزِيدُونَ وَلَا ينقصُونَ يبايعونني على الْمَوْت فَكَانَ كَذَلِك آخِرهم أويس الْقَرنِي وَأخْبر بقتل ذِي الثدية وَأخْبر بقتل نَفسه الشَّرِيفَة وَأخْبر ابْن شهريار اللعين بِقطع أربعته وصلبه فَفعل بِهِ مُعَاوِيَة ذَلِك وَأخْبر ميئم التمار بِأَنَّهُ يصلب عَاشر عشرَة وَأرَاهُ النَّخْلَة الَّتِي يصلب عَلَيْهَا فَوَقع كَذَلِك وَأخْبر رشيدا الهجري بصلبه فصلب وَأَن الْحجَّاج يقتل كميل بن زِيَاد وَأَن قنبرا يذبحه الْحجَّاج فَوَقع فَقَالَ للبراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 ابْن عَازِب إِن ابْني الْحُسَيْن يقتل وَلَا تنصره فَكَانَ كَذَلِك وَأخْبر بِملك بني الْعَبَّاس يسر لَا عسر فِيهِ لَو اجْتمع عَلَيْهِم التّرْك والديلم والسند والهند على أَن يزيلوا ملكهم لما قدرُوا حَتَّى يشذ عَنْهُم مواليهم وأرباب دولتهم ويسلط عَلَيْهِم ملك من التّرْك يَأْتِي عَلَيْهِم من حَيْثُ بَدَأَ ملكهم لَا يمر بِمَدِينَة إِلَّا فتحهَا وَلَا ترفع لحربه راية إِلَّا نكسها الويل ثمَّ الويل لمن ناوأه فَلَا يزَال كَذَلِك حَتَّى يظفر ثمَّ يدْفع ظفره إِلَى رجل من عِتْرَتِي يَقُول بِالْحَقِّ وَيعْمل بِهِ وَكَانَ الْأَمر كَذَلِك حَيْثُ ظهر هلاكو من نَاحيَة خُرَاسَان فَيُقَال أما الْإِخْبَار بِبَعْض المغيبات فَيَقَع مِمَّن هُوَ دون عَليّ من الصلحاء وَغَيرهم مِمَّن لَا يصلح للْإِمَامَة وَأَبُو هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة وَغَيرهمَا كَانُوا يحدثُونَ بأضعاف ذَلِك وَأَبُو هُرَيْرَة بِسَنَدِهِ وَحُذَيْفَة يسْندهُ مرّة وَتارَة لَا يسْندهُ فَمَا أخبر بِهِ هُوَ أَو غَيره قد يكون مِمَّا سَمعه من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد يكون مِمَّا كوشف بِهِ عَليّ وَعمر وَفِي الزّهْد لِأَحْمَد بن حَنْبَل والحلية لأبي نعيم وكرامات الْأَوْلِيَاء لإبن أبي الدُّنْيَا والخلال واللالكائي جملَة من ذَلِك عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَمَا أوردهُ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 عَليّ فَلَا نسلم صِحَّته وَمِنْه مَا يعرف كذبه فَإِن هلاكو مَا دفع ظفره إِلَى علوي وَمِمَّا يبين أَن عليا مَا كَانَ يعلم المستقبلات أَنه كَانَ فِي خِلَافَته وحروبه يظنّ أَشْيَاء فيتبين لَهُ الْأَمر بِخِلَاف ظَنّه فَلَو عرف أَنه يجْرِي مَا جرى من قتل النَّاس وَلم يحصل الْمَقْصُود لما قَاتل فَإِنَّهُ كَانَ لَو لم يُقَاتل أعز وأنصر وَلَو علم أَنه إِذا حكم الْحكمَيْنِ يحكمان بِمَا حكما بِهِ لم يحكمهما فَأَيْنَ علمه بالكوائن بعده وَأَيْنَ كشفه الكرب عَن وَجه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَيْفِهِ حَتَّى ثَبت قَوَاعِد الدّين وَهُوَ مَعَ جَيْشه الَّذين هم تسعون ألفا لم يظفر بِمُعَاوِيَة بل الرافصة تَدعِي فِيهِ الشَّيْء ونقيضه فتغلو فِيهِ حَتَّى يَقُولُوا بعصمته وَأَنه لَا يَقع مِنْهُ سَهْو وَأَنه يعلم المغيبات وَمَا يقنعون لَهُ بِمَا أعطَاهُ الله من الشجَاعَة حَتَّى يحملوه مَا لَا يطيقه بشر وَلَا يقبله عقل عَاقل بإفتراء الطرقية ثمَّ يذكرُونَ عَجزه عَن مقاومة أبي بكر مَعَ عدم مَال أبي بكر وَقلة رِجَاله وَكَذَلِكَ فَلْيَكُن التَّنَاقُض وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى (هُوَ الَّذِي أيدك بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَألف بَين قُلُوبهم) فأيده الله بِالْمُؤْمِنِينَ كلهم عَليّ وَغَيره وَمِمَّا يبين أَنه لم يكن يعلم المستقبلات قَوْله (لقد عجزت عجزة لَا أعْتَذر ... سَوف أَكيس بعْدهَا وأستمر) (وَأجْمع الرَّأْي الشتيت الْمُنْتَشِر ... ) وَكَانَ يَقُول ليَالِي صفّين يَا حسن مَا ظن أَبوك أَن الْأَمر يبلغ هَذَا لله در مقَام قامه سعد بن مَالك وَعبد الله بن عمر إِن كَانَ برا إِن أجره لعَظيم وَإِن كَانَ إِثْمًا إِن خطره ليسير وتواتر عَنهُ أَنه كَانَ يتململ من إختلاف أَصْحَابه ورعيته عَلَيْهِ وَقد دلّ الْوَاقِع على أَن رَأْي وَلَده حسن من ترك الْقِتَال كَانَ أَجود وأنفع للْأمة وَقد قعد عَن الْقِتَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 مثل سعد وَسَعِيد وَابْن عمر وَمُحَمّد بن مسلمة وَزيد بن ثَابت وَعمْرَان بن حُصَيْن وَجَمَاعَة ودلتهم النُّصُوص على الْقعُود ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَتَكُون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم وَلَكِن ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا مَعَ أَن عليا لم يكفر أحدا مِمَّن قَاتله حَتَّى الْخَوَارِج الَّذين كفروه وَلَا سبى لَهُم ذُرِّيَّة وَكَانَ يترضى عَن طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَيَدْعُو على مُعَاوِيَة وَعَمْرو من غير أَن يكفرهما فصل قَالَ السَّادِس أَنه كَانَ مستجاب الدُّعَاء دَعَا على بشر بن أَرْطَأَة أَن يسلبه الله عقله فخولط ودعا على الْعيزَار بالعمى فَعمى ودعا على أنس لما كتم شَهَادَته بالبرص فبرص وعَلى زيد بن أَرقم بالعمى فَعمى قُلْنَا هَذَا مَوْجُود فِي الصَّحَابَة وَالصَّالِحِينَ فَلَا يُنكر لعَلي وَكَانَ سعد بن أبي وَقاص لَا تخطيء لَهُ دَعْوَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لَهُ اللَّهُمَّ سدد رميته وَاجِب دَعوته والبراء بن مَالك كَانَ يقسم على الله فيبر قسمه كَمَا فِي الصَّحِيح إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لَأَبَره مِنْهُم الْبَراء بن مَالك وَقد بارز مائَة مبارزة والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ نَائِب رَسُول الله ثمَّ نَائِب أبي بكر على الْبَحْرين مَشْهُور بإجابة الدُّعَاء قَالَ وروى الْجُمْهُور أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج إِلَى بني المصطلق فَنزل بِقرب وَاد وعر وَهَبَطَ جِبْرِيل وَأخْبرهُ أَن طَائِفَة من كفار الْجِنّ قد إستنبطوا الْوَادي يُرِيدُونَ كَيده فَدَعَا بعلي وَأمره بنزول الْوَادي فَقَتلهُمْ فَيُقَال عَليّ أعظم من هَذَا وإهلاك الْجِنّ لمن هُوَ دونه لَكِن هَذَا من الأكاذيب الْمَعْلُومَة بِالضَّرُورَةِ وَلم يُقَاتل أحد من الْإِنْس الْجِنّ وَهُوَ من جنس قِتَاله للجن ببئر ذَات الْعلم وَهَذِه الموضوعات لَا تروج علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 نعم تروج عَليّ إخوانك أهل الجرد وجزين وَعلي أرفع قدرا من أَن تثبت لَهُ الْجِنّ وَقد سَأَلَ شيعي الْمُحدث أَبَا الْبَقَاء خَالِد بن يُوسُف النابلسي عَن قتال عَليّ الْجِنّ فَقَالَ أَنْتُم معشر الشِّيعَة أما لكم عقل أَيّمَا أفضل عنْدكُمْ عمر أَو عَليّ قَالَ بل عَليّ فَقَالَ إِذا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لعمر مَا رآك الشَّيْطَان سالكا فجا إِلَّا سلك فجا غير فجك فَإِذا كَانَ الشَّيْطَان يهرب من عمر فَكيف يُقَاتل بنوه عليا وَقد روى ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات حَدِيثا طَويلا فِي محاربته الْجِنّ وَأَنه كَانَ عَام الْحُدَيْبِيَة وَأَنه حاربهم ببئر ذَات الْعلم من طَرِيق مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر السامر حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد السكونِي حَدثنَا عمَارَة بن يزِيد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي يحيى بن عبيد الله بن الْحَارِث عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما توجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة أصَاب النَّاس عَطش وحر فَنزل الْجحْفَة فَقَالَ من يمْضِي فِي نفر بِالْقربِ فيردون بِئْر ذَات الْعلم وأضمن لَهُم الْجنَّة فَذكر حَدِيثا طَويلا فِيهِ أَنه بعث رجلا فَفَزعَ من الْجِنّ وَرجع ثمَّ آخر فَرجع ثمَّ أرسل عليا فَنزل الْبِئْر وملأ الْقرب بعد هول شَدِيد وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الَّذِي هتف بك من الْجِنّ هُوَ سَمَّاعَة بن غراب الَّذِي قتل عَدو الله مسعرا شَيْطَان أصنام قُرَيْش قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَهَذَا مَوْضُوع والمفيد وَمُحَمّد بن جَعْفَر والسكوني مجروحون قَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ وَعمارَة يضع الحَدِيث فصل قَالَ وَرُجُوع الشَّمْس لَهُ مرَّتَيْنِ إِحْدَاهمَا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم روى جَابر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وَأَبُو سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل يناجيه وتوسد فَخذ عَليّ فَلم يرفع رَأسه حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فصلى عَليّ الْعَصْر إِيمَاء فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَبِي الله قَالَ لَهُ سل الله يرد عَلَيْك الشَّمْس لتصلي الْعَصْر قَائِما فَدَعَا فَردَّتْ الشَّمْس وَصلى وَأما الثَّانِيَة فَلَمَّا أَرَادَ أَن يعبر الْفُرَات بِبَابِل إشتغل كثير من أَصْحَابه بِبَعْض دوابهم وَصلى لنَفسِهِ فِي طَائِفَة من أَصْحَابه الْعَصْر وَفَاتَ كثيرا مِنْهُم فتكلموا فِي ذَلِك فَسَأَلَ الله رد الشَّمْس فَردَّتْ ونظمه السَّيِّد الْحِمْيَرِي فَقَالَ (ردَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْس لما فَاتَهُ ... وَقت الصَّلَاة وَقد دنت للمغرب) (حَتَّى تبلج نورها فِي وَقتهَا ... للعصر ثمَّ هوت هوى الْكَوْكَب) (وَعَلِيهِ قد ردَّتْ بِبَابِل مرّة ... أُخْرَى وَمَا ردَّتْ لخلق مغرب) قُلْنَا علمنَا اليقيني بِفضل عَليّ لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى هَذَا الْكَذِب فَأَما رد الشَّمْس لَهُ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد ذكره طَائِفَة بِلَفْظ آخر كالطحاوي وَالْقَاضِي عِيَاض وَغَيرهمَا وعدوا ذَلِك من معجزات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن الحذاق يعلمُونَ أَن هَذَا لم يكن والْحَدِيث فِي ذَلِك ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات من طَرِيق عبيد الله بن مُوسَى عَن فُضَيْل ابْن مَرْزُوق عَن إِبْرَاهِيم بن الْحسن عَن فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوحى إِلَيْهِ وَرَأسه فِي حجر عَليّ فَلم يصل الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ فِي طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولك فاردد عَلَيْهِ الشَّمْس قَالَت أَسمَاء فرأيتها غربت ثمَّ رَأَيْتهَا طلعت بعد مَا غربت قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَهَذَا مَوْضُوع بِلَا شكّ وَقد إضطربوا فِيهِ فَرَوَاهُ سعيد بن مَسْعُود الْمروزِي عَن عبيد الله ابْن مُوسَى عَن فُضَيْل عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عَن أَسمَاء نَحوه وفضيل بن مَرْزُوق ضعفه يحيى وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان يروي الموضوعات ويخطيء على الثِّقَات قَالَ أَبُو الْفرج وَهَذَا الحَدِيث مَدَاره على عبيد الله بن مُوسَى عَنهُ وَعَن ابْن عقدَة أخبرنَا أَحْمد بن يحيى الصُّوفِي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 ابْن شريك حَدثنِي أبي عَن عُرْوَة بن عبد الله بن قُشَيْر قَالَ دخلت على فَاطِمَة بنت عَليّ بن أبي طَالب فَحَدثني أَن عليا وَذكر حَدِيث رُجُوع الشَّمْس قَالَ أَبُو الْفرج وَهَذَا بَاطِل أما ابْن شريك فَقَالَ أَبُو حَاتِم واهي الحَدِيث وَأَنا لَا أتهم بِهَذَا الإ ابْن عقدَة فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا يحدث بمثالب الصَّحَابَة قَالَ ابْن عدي سَمِعت أَبَا بكر بن أبي غَالب يَقُول ابْن عقدَة لَا يتدين بِالْحَدِيثِ كَانَ يحمل شُيُوخًا بِالْكُوفَةِ على الْكَذِب يُسَوِّي لَهُم نسخا وَيَأْمُرهُمْ أَن يرووها وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ رجل سوء وَقد روى دَاوُد بن فَرَاهِيجَ عَن أبي هُرَيْرَة وَدَاوُد ضعفه شُعْبَة قلت لم يَصح أَن دَاوُد حدث بِهِ رَوَاهُ يزِيد النَّوْفَلِي عَنهُ وَهُوَ واه وَعَن يزِيد ابْنه يحيى وَهُوَ ضَعِيف فَإِن قيل فِي الصَّحِيحَيْنِ رد الشَّمْس لبَعض الْأَنْبِيَاء قُلْنَا مَا ردَّتْ لَهُ وَلَكِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 تَأَخّر غُرُوبهَا وبورك لَهُ فِي النَّهَار وَطول النَّهَار وقصره قد يختفي وَإِنَّمَا علمنَا وقوفها ليوشع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّصِّ فَإِن ثَبت نَص قُلْنَا بِهِ فَلَا مَانع من ذَلِك لَكِن الشَّأْن هَل وَقع الْحَادِث الْعَظِيم أَن الشَّمْس غربت ثمَّ طلعت وَمَا نَقله أهل التَّوَاتُر كَمَا نقلوا إنشقاق الْقَمَر ونطق بِهِ الْقُرْآن ثمَّ إِن يُوشَع كَانَ مُحْتَاجا إِلَى ذَلِك لِأَن الْقِتَال كَانَ محرما عَلَيْهِ بعد الْغُرُوب لأجل مَا حرم الله عَلَيْهِم من الْعَمَل لَيْلَة السبت وَأما أمتنَا فَلَا حَاجَة بهم إِلَى ذَلِك فَإِن الَّذِي فَاتَتْهُ الْعَصْر إِن كَانَ مفرطا لم يسْقط ذَنبه إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَمَعَهَا يَسْتَغْنِي عَن رد الشَّمْس وَإِن لم يكن مفرطا كالنائم وَالنَّاسِي فَلَا ملام عَلَيْهِ فِي صلَاتهَا بعد الْغُرُوب ثمَّ نفس غرُوب الشَّمْس يخرج الْوَقْت الْمَضْرُوب للصَّلَاة فالمصلى بعد ذَلِك لَا يكون مُصَليا فِي الْوَقْت وَلَو عَادَتْ وطلعت بعد غُرُوبهَا حصل بغروبها إفطار الصَّائِم وَصَلَاة الْمُسلمين الْمغرب فَبعد طُلُوعهَا أيبطل صَوْم الصَّائِم وَصلَاته وَهَذَا تَقْدِير مَا لم يُوجد وَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد فَاتَتْهُ الْعَصْر يَوْم الخَنْدَق وصلاها قَضَاء هُوَ وَكثير من أَصْحَابه وَمَا سَأَلَ الله أَن يرد لَهُ الشَّمْس وَقد دَعَا على من شغله عَنْهَا وتألم لذَلِك فَإِن كَانَت الشَّمْس احْتَجَبت قبيل الْغُرُوب بغيم ثمَّ انكشفت فَيمكن فلعلهم ظنُّوا أَنَّهَا غربت ثمَّ كشفت الْغَمَام عَنْهَا وَلِهَذَا الْخَبَر إِسْنَاد آخر رَوَاهُ جمَاعَة عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك أخبرنَا مُحَمَّد بن مُوسَى القطري عَن عون بن مُحَمَّد عَن أمه أم جَعْفَر عَن جدَّتهَا أَسمَاء بنت عُمَيْس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع رَأسه فِي حجر عَليّ فَلم يحركه حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 اللَّهُمَّ إِن عَبدك عليا احتسب نَفسه على نبيه فَرد عَلَيْهِ شرقها قَالَت أَسمَاء فطلعت حَتَّى وقفت على الْجبَال وَالْأَرْض فَقَامَ عَليّ فَتَوَضَّأ وَصلى الْعَصْر ثمَّ غَابَتْ الشَّمْس وَذَلِكَ بالصهباء فِي غَزْوَة خَيْبَر عون بن مُحَمَّد هُوَ ابْن الحنيفة وَأمه هِيَ ابْنة مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي طَالب والخبرمنكر وَعون وَأمه ليسَا مِمَّن يعرف حفظهم وعدالتهم وَلَا من المعروفين بِنَقْل الْعلم وَلَا يحْتَج بِحَدِيثِهِمْ فِي أَهْون الْأَشْيَاء فَكيف فِي مثل هَذَا وَلَا فِيهِ سَماع الْمَرْأَة من أَسمَاء بنت عُمَيْس فلعلها سَمِعت من يحكيه عَن أَسمَاء فَذَكرته وَهَذَا المُصَنّف ذكر عَن ابْن أبي فديك أَنه ثِقَة وَعَن القطري أَنه ثِقَة وَلم يُمكنهُ أَن يذكر عَمَّن بعدهمَا أَنه ثِقَة وَإِنَّمَا ذكر أنسابهم وَمُجَرَّد الْمعرفَة بِنسَب الرجل لَا توجب أَن يكون حَافِظًا ثِقَة قلت وَلَفظ ابْن المطهر من أَن عليا صلاهَا للْوَقْت مَا علمت أحدا رَوَاهُ وَأما رد الشَّمْس لعَلي بِبَابِل فَهَذَا من أباطيل الرافضة قَالَ وَزَاد المَاء بِالْكُوفَةِ وخافوا الْغَرق فَركب عَليّ بغلة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس مَعَه فَنزل عَليّ على شاطيء الْفُرَات فصلى ودعا وَضرب صفحة المَاء بقضيب فغاض المَاء وَسلم عَلَيْهِ كثير من الْحيتَان وَلم ينْطق الجزي فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أنطق الله لي مَا طهر من السّمك وأصمت مَا أخرسه وأنجسه وأبعده قُلْنَا أَيْن إِسْنَاد هَذَا وَإِلَّا فمجرد الحكايات يقدر عَلَيْهِ كل أحد وَلَا يَعْنِي شَيْئا ثمَّ هُوَ بَاطِل وَلَو وَقع لتوفرت الدَّوَاعِي والهمم على نَقله ثمَّ السّمك كُله طَاهِر مُبَاح اجْمَعُوا على حلّه فَكيف يُقَال إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الله أنجسه أفنحرم مَا احل الله بِمثل هَذِه الخرافة ونقول نطق السّمك لَيْسَ هُوَ مَقْدُورًا لَهُ عَادَة بل من الخوارق فَالله أنطق مَا أنطق مِنْهُ بقدرته وَمَا بَقِي فعلى الأَصْل أَن لَو كَانَ ذَلِك وَقع فَأَي ذَنْب للسمك وَقد قُلْنَا إِن عليا أجل قدرا من أَن يحْتَاج إِلَى هَذِه الموضوعات قَالَ وروى جمَاعَة أَن عليا كَانَ يخْطب على مِنْبَر الْكُوفَة فَظهر ثعبان فرقي الْمِنْبَر وَخَافَ النَّاس وَأَرَادُوا قَتله فَمَنعهُمْ عَليّ فخاطبه ثمَّ نزل فَسَأَلَ النَّاس عَنهُ عليا فَقَالَ هُوَ حَاكم الْجِنّ التبست عَلَيْهِ مَسْأَلَة فأوضحتها لَهُ وَكَانَ أهل الْكُوفَة يسمون الْبَاب الَّذِي دخل مِنْهُ بَاب الثعبان فَأَرَادَ بَنو أُميَّة إطفاء هَذِه الْفَضِيلَة فنصبوا على ذَلِك الْبَاب قَتْلَى كَثِيرَة مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى سمي بَاب الْقَتْلَى فَيُقَال من هُوَ دون عَليّ تحْتَاج الْجِنّ إِلَيْهِ وتستفتيه وَهَذَا مَعْلُوم قَدِيما وحديثا فَإِن كَانَ هَذَا وَقع فقدره أجل من ذَلِك وَإِن لم يكن وَقع لم ينقص فَضله بذلك وَلَكِن أئمتك الْمُعْتَزلَة تنكر كرامات الْأَوْلِيَاء وَمن جحد وُقُوعهَا من صالحي الْأمة فقد كَابر وَلَكِن أكْرم النَّاس عِنْد الله أَتْقَاهُم وَإِن لم تقع لَهُ كَرَامَة قَالَ والفضائل إِمَّا نفسانية أَو بدنية أَو خارجية وأمير الْمُؤمنِينَ جمع الْكل فَجمع الزّهْد وَالْعلم وَالْحكمَة فَهَذِهِ النفسانية وَجمع الْعِبَادَة والشجاعة وَالصَّدَََقَة فَهَذِهِ الْبَدَنِيَّة وَأما الخارجية كالنسب فَلم يلْحق فِيهِ وَتزَوج بابنة سيد الْبشر سيدة نسَاء الْعَالمين وَقد روى أَخطب خوارزم بِإِسْنَادِهِ على جَابر قَالَ لما تزوج عَليّ فَاطِمَة زوجه الله إِيَّاهَا من فَوق سبع سماوات وَكَانَ الْخَاطِب جِبْرِيل وَالشُّهُود مِيكَائِيل وإسرافيل فِي سبعين ألفا فَأوحى إِلَى شَجَرَة طوبي انثري مَا فِيك من الدّرّ والجوهر فَفعلت والتقطه الْحور الْعين قُلْنَا الْأُمُور الْخَارِجَة عَن نفس الْإِيمَان وَالتَّقوى لَا يحصل بهَا فضل عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 الله بمجردها قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا لَا فضل لعربي على عجمي إِلَّا بالتقوى وَسُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكْرم النَّاس قَالَ أَتْقَاهُم قيل لَيْسَ عَن هَذَا نَسْأَلك فَقَالَ يُوسُف نَبِي الله ابْن نَبِي الله ابْن نَبِي الله خَلِيل الله فإبراهيم أكْرم على الله من يُوسُف وَأَيْنَ مَا بَين أبويهما فَلَيْسَ فِي بني آدم من حَيْثُ النّسَب مثل يُوسُف وَإِذا فَرضنَا إثنين أَحدهمَا أَبوهُ نَبِي وَالْآخر أَبوهُ كَافِر وتساويا فِي التَّقْوَى وَالطَّاعَة من كل وَجه كَانَت درجتهما فِي الْجنَّة سَوَاء وَلَكِن أَحْكَام الدُّنْيَا بِخِلَاف ذَلِك فِي الْإِمَامَة والزوجية والشرف وَتَحْرِيم الصَّدَقَة وَنَحْو ذَلِك وَالْخَيْر فِي الْأَشْرَاف أَكثر مِنْهُ فِي الْأَطْرَاف قَالَ الله تَعَالَى (إِن الله اصْطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على الْعَالمين) وَقد قَالَ أَيْضا (وَلَقَد أرسلنَا نوحًا وَإِبْرَاهِيم وَجَعَلنَا فِي ذريتهما النُّبُوَّة وَالْكتاب فَمنهمْ مهتد وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ) وَقَالَ (إِنَّه لَيْسَ من أهلك إِنَّه عمل غير صَالح) كَمَا أَنْت رَاء فِي العلوية العَبْد الصَّالح والمسرف على نَفسه دَعْنَا من ذَا أما هَؤُلَاءِ الْيَهُود المغضوب عَلَيْهِم من أَوْلَاد الْأَنْبِيَاء قَالَ الله تَعَالَى (واخشوا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِد عَن وَلَده وَلَا مَوْلُود هُوَ جَازَ عَن وَالِده شَيْئا إِن وعد الله حق) وَنحن إِذا قُلْنَا الْعَرَب أفضل من الْعَجم فلكثرة مَا فِي الصِّنْف من الْخَيْر وَالتَّقوى والمحاسن الَّتِي هِيَ فيهم أَكثر مِنْهَا فِي غَيرهم وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره قَالَ لَا فضل لعربي على عجمي وَلَا لعجمي على عَرَبِيّ وَلَا لأبيض على أسود وَلَا لأسود على أَبيض إِلَّا بالتقوى النَّاس من آدم وآدَم من تُرَاب وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قد أذهب عَنْكُم عبِّيَّة الْجَاهِلِيَّة وَفَخْرهَا بِالْآبَاءِ النَّاس رجلَانِ مُؤمن تَقِيّ وَفَاجِر شقي وَنحن لَا ننازع أَن عليا فِي الدرجَة الْعليا من الْكَمَال وَإِنَّمَا النزاع فِي أَنه أكمل من الثَّلَاثَة وأحق بِالْإِمَامَةِ مِنْهُم وَلَيْسَ فِيمَا ذكره مَا يدل على ذَلِك وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 الْبَاب للنَّاس فِي طَرِيقَانِ مِنْهُم من يَقُول إِن تَفْضِيل بعض الْأَشْخَاص على بعض عِنْد الله لَا يعلم إِلَّا بالتوقيف فَإِن حقائق مَا فِي الْقُلُوب ومراتبها عِنْد الله مِمَّا اسْتَأْثر الله بِهِ فَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بِخَبَر الصَّادِق وَمِنْهُم من يَقُول قد يعلم ذَلِك بالإستدلال وَأهل السّنة يَقُولُونَ إِن كلا من الطَّرِيقَيْنِ إِذا أعطي حَقه من السلوك دلّ على أَن كلا من الثَّلَاثَة أكمل من عَليّ أما الطَّرِيق التوقيفي فالنص وَالْإِجْمَاع وَالْإِجْمَاع على أَفضَلِيَّة أبي بكر وَعمر اتّفقت عَلَيْهِ الْأمة سواكم والتوقيف فقد مر عدَّة نُصُوص بذلك وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر الَّذِي هُوَ أصدق من برأَ الله فِي زَمَانه أَنه قَالَ كُنَّا نقُول وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ أفضل الْأمة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر ثمَّ وَعمر وَفِي لفظ ثمَّ يبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُنكره وَأما عُثْمَان فَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء كَانَ عُثْمَان أعلم بِالْقُرْآنِ من عَليّ وَعلي أعلم بِالسنةِ وَعُثْمَان أعظم جهادا بِمَالِه وَعلي اعظم جهادا بِنَفسِهِ وَعُثْمَان أزهد فِي الرياسة وَعلي أزهد فِي المَال وسيرة عُثْمَان أرجح وَهُوَ أسن من عَليّ ببضع وَعشْرين سنة وأجمت الصَّحَابَة على تَقْدِيمه على عَليّ فَثَبت أَنه أفضل قَالُوا عَليّ أفضل لِقَرَابَتِهِ قُلْنَا حَمْزَة من أكبر السَّابِقين وَهُوَ أقرب نسبا وروى أَنه سيد الشُّهَدَاء فَيكون أفضل قَالُوا فِي عُثْمَان فعل وَفعل وَولي أَقَاربه وأسرف فِي الْعَطاء قُلْنَا إجتهاد عُثْمَان فِي ذَلِك أقرب إِلَى الْمصلحَة فَإِن الْأَمْوَال أخف خطرا من الدِّمَاء فَلهَذَا كَانَت خِلَافَته هادئة سَاكِنة كَثِيرَة الْجِهَاد والفتوحات الْكِبَار كَثِيرَة الْفَيْء وَلكنهَا لَا تقَارب خلَافَة من قبله وَالَّذين خَرجُوا عَلَيْهِ فسقوه وَالَّذين خَرجُوا على عَليّ كفروه وَلَا خير فِي الطَّائِفَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 الْفَصْل الرَّابِع فِي إِمَامَة بَاقِي الإثني عشر قَالَ لنا فِي ذَلِك طرق أَحدهَا النَّص وَقد توارثته الشِّيعَة فِي الْبِلَاد خلفا عَن سلف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للحسين هَذَا إِمَام ابْن إِمَام أَخُو إِمَام أَبُو أَئِمَّة تِسْعَة قائمهم اسْمه كإسمي وكنيته كنيتي يمْلَأ الأَرْض عدلا وقسطا كَمَا ملئت جورا وظلما وَالْجَوَاب هَذَا أَولا كذب على الشِّيعَة فَإِن هَذَا لم تقله إِلَّا شرذمة من الشِّيعَة وَأَكْثَرهم يكذب بِهِ مثلنَا والزيدية بأسرها تكذب هَذَا وهم أَعقل الشِّيعَة وأعلمهم وخيارهم والإسماعيلية يكذبُون بِهِ والشيعة نَحْو من سبعين فرقة وَإِنَّمَا هَذَا من إختلاق الْمُتَأَخِّرين وضع لما مَاتَ الْحسن بن عَليّ العسكري وَتكلم بغيبة ابْنه مُحَمَّد بعد موت الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمائتين وَخمسين سنة وعلماء السّنة ونقلة الْآثَار الَّذين هم أَضْعَاف أَضْعَاف الشِّيعَة يعلمُونَ أَن هَذَا كذب على الرَّسُول قطعا ويباهلون على ذَلِك ثمَّ من شَرط التَّوَاتُر حُصُول من يَقع بِهِ الْعلم من الطَّرفَيْنِ وَالْوسط وَقبل موت الْحسن العسكري لم يكن أحد يَقُول بإمامة المنتظر وَإِنَّمَا كَانَ المدعون يدعونَ النَّص على عَليّ أَو على نَاس بعده أما دَعْوَى النَّص على الإثني عشر وَهَذَا الْخلف فِي الْحجَّة الْمَعْدُوم آخِرهم فَهَذَا لَا نَعْرِف أحدا قَالَه مُتَقَدما وَلَا نَقله ناقل فَأَيْنَ دعواك التَّوَاتُر بل الْمُتَوَاتر مَا جَاءَ فِي فَضَائِل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَقيل إِن أول مَا ظَهرت الشِّيعَة الإمامية المدعية النَّص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 فِي أَوَاخِر أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين إفترى ذَلِك عبد الله بن سبأ وطائفته وَالَّذِي علمناه من حَال أهل الْبَيْت علما لَا ريب فِيهِ أَنهم لم يَكُونُوا يدعونَ أَنهم مَنْصُوص عَلَيْهِم كجعفر الصَّادِق وَأَبِيهِ وجده زين العابدين على بن الْحُسَيْن وَأَبِيهِ وَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر ابْن سَمُرَة سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يزَال أَمر النَّاس مَاضِيا عَزِيزًا مَا وليهم إثنا عشر رجلا ثمَّ تكلم بِكَلِمَة خفيت عَليّ فَسَأَلت أبي عَنْهَا فَقَالَ كلهم من قُرَيْش فَلَا يجوز أَن يُرَاد إثنا عشر الرافضة فَإِن عِنْد الرافضة أَنه لم يقم أَمر الْأمة فِي مُدَّة أحد من هَؤُلَاءِ بل مَا زَالَ أَمر الْأمة فَاسِدا يتغلب عَلَيْهِ الظَّالِمُونَ بل الْكَافِرُونَ وَأهل الْحق أذلّ من الْيَهُود وَأَيْضًا فعندهم أَن ولَايَة المنتظر دائمة إِلَى آخر الدَّهْر قَالَ وَعَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرج فِي آخر الزَّمَان رجل من وَلَدي اسْمه كإسمي كنيته كنيتي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جوارا فَذَلِك هُوَ الْمهْدي فَنَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 الْأَحَادِيث الَّتِي تحتج بهَا على خُرُوج الْمهْدي صَحِيحَة رَوَاهَا أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْهَا حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم لطول الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يخرج رجل من أهل بَيْتِي يواطيء اسْمه إسمي وَاسم أَبِيه اسْم أبي يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت جورا وظلما وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أم سَلمَة وَفِيه الْمهْدي من عِتْرَتِي من ولد فَاطِمَة وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق أبي سعيد وَفِيه يملك الأَرْض سبع سِنِين وَعَن عَليّ أَنه نظر إِلَى الْحسن فَقَالَ سيخرج من صلبه رجل يُسمى بإسم نَبِيكُم يُشبههُ فِي الْخلق وَلَا يُشبههُ فِي الْخلق يمْلَأ الأَرْض قسطا فاما حَدِيث لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى ابْن مَرْيَم فضعيف فَلَا يُعَارض هَذِه الْأَحَادِيث وفيهَا كَمَا ترى أَن اسْمه مُحَمَّد ابْن عبد الله فَهُوَ ر على من يزْعم أَنه المنتظر مُحَمَّد بن الْحسن ثمَّ هُوَ من ولد الْحسن لَا من ولد الْحُسَيْن وَادعت الباطنية أَنه هُوَ الَّذِي بنى المهدية وَإِنَّمَا هُوَ دعِي وَهُوَ من ولد مَيْمُون القداح فَادعوا أَن ميمونا هَذَا هُوَ ابْن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الَّذِي تنتمي إِلَيْهِ الإسماعيلية وهم كفار ركبُوا مَذْهَبهم من مَجُوسِيَّة وفلسفة وصابئة صنف جمَاعَة فِي مخازيهم كإبن الباقلاني وَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار وَالْغَزالِيّ وَهَذَا مُحَمَّد بن عبد الله بن تومرت الْبَرْبَرِي عمل لَهُ نسبا إِلَى الْحسن بن عَليّ وتلقب بالمهدي وَادّعى الْعِصْمَة وَابْن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الله لقب بالمهدي للْحَدِيث قَالَ قد بَينا أَنه يجب فِي كل زمَان إِمَام مَعْصُوم وَلَا مَعْصُوم غير هَؤُلَاءِ إِجْمَاعًا الْجَواب منع الْمُقدمَة الأولى كَمَا مر ثمَّ لَا إِجْمَاع فِي غَيرهم ثمَّ نقُول بِالْمُوجبِ فَهَذَا الْمَعْصُوم الَّذِي تَدعُونَهُ فِي وقتنا هَذَا وَله من أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ سنة وَمَا ظهر لَهُ أثر بل آحَاد الْوُلَاة وقضاة الْبر أَكثر تَأْثِيرا مِنْهُ فَأَي مَنْفَعَة للوجود بِمثل هَذَا لَو كَانَ مَوْجُودا كَيفَ وَهُوَ مَعْدُوم فَأَي لطف حصل لكم بِهِ وَأي مصلحَة نَالَتْ الْأُمَم قَدِيما وحديثا بِهِ فَمَا زَالَ مفقودا عنْدكُمْ ومعدوما عندنَا وَلَا حصل بِهِ نفع أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 الْفَصْل الْخَامِس تخرصات الشِّيعَة فِي إِمَامَة الصّديق والفاروق وَذي النورين قَالَ إِن من تقدمه لم يكن إِمَامًا لوجوه قُلْنَا بل كَانُوا أَئِمَّة صالحين للْإِمَامَة فتح الله بهم الْبِلَاد والأقاليم وَكَانُوا خلفاء راشدين وَمَا خَالف فِي هَذَا مُسلم سواكم معشر الرافضة وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا نقطع بذلك وَلَا يُمكن أَن يُعَارض لَا بِدَلِيل ظَنِّي وَلَا قَطْعِيّ أما القطعيات فَلَا يتناقض مُوجبهَا ومقتضاها وَأما الظنيات فَلَا تعَارض قَطْعِيا وَجُمْلَة ذَلِك أَن كل مَا يُورِدهُ القادح فَلَا يَخْلُو عَن أَمريْن إِمَّا نقل لَا نعلم صِحَّته أَو لَا نعلم دلَالَته على بطلَان إمامتهم وَأي المقدمتين لم يكن مَعْلُوما لم يصلح لمعارضة مَا علم قطعا وَإِذا نَفينَا الإعتراض على إمامتهم بِالْقطعِ لم يلْزمنَا الْجَواب على الشُّبْهَة المفصلة فَإِن بَينا وَجه فَسَاد الشُّبْهَة كَانَ زِيَادَة علم وتأييدا للحق فِي النّظر والمناظرة قَالَ فَمِنْهَا قَول أبي بكر إِن لي شَيْطَانا يَعْتَرِينِي فَإِن اسْتَقَمْت فَأَعِينُونِي وَإِن زِغْت فقوموني وَمن شَأْن الإِمَام تَكْمِيل الرّعية فَكيف يطْلب مِنْهُم الْكَمَال قُلْنَا الْمَأْثُور أَنه قَالَ إِن لي شَيْطَانا يَعْتَرِينِي يَعْنِي الْغَضَب فَإِذا إعتراني فاجتنبوني لَا أوثر فِي أبشاركم وَقَالَ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت الله فَإِذا عصيت فَلَا طَاعَة لي عَلَيْكُم وَهَذَا القَوْل من أفضل مَا مدح بِهِ يخَاف عِنْد الْغَضَب أَن يعتدي على أحد وَفِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يقْضِي القَاضِي بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان فَأمر الْحَاكِم باجتناب الحكم حَال الْغَضَب وَالْغَضَب يعتري بني آدم كلهم حَتَّى قَالَ سيد ولد آدم إِنَّمَا أَنا بشر أغضب كَمَا يغْضب الْبشر مُتَّفق عَلَيْهِ وَلمُسلم أَن رجلَيْنِ دخلا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأغضباه فلعنهما وسبهما وَذكر الحَدِيث فَمن عصى أَبَا بكر وأحرجه جَازَ لَهُ تأديبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 كَمَا أَن من عصى عليا فأغضبه جَازَ لَهُ تأديبه وَفِي الصَّحِيح عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ قَالُوا وَأَنت يَا رَسُول الله قَالَ وَأَنا إِلَّا أَلا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير وَفِي الصَّحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِهِ وَقَوله فَإِن زِغْت فقوموني من كَمَال عدله وتقواه وإنصافه وقولك وَمن شَأْن الإِمَام تَكْمِيل الرّعية فَكيف يطْلب مِنْهُم التَّكْمِيل قُلْنَا لَا نسلم لَا يكملهم وَلَا يكملونه بل يتعاونون على الْبر وَالتَّقوى وَإِنَّمَا التَّكْمِيل من الله الْغَنِيّ بِنَفسِهِ الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى أحد وَقد كَانَ الرَّسُول يشاور أَصْحَابه وَيعْمل برأيهم وَقَالَ وَمِنْهَا قَول عمر كَانَت بيعَة أبي بكر فلتة وقِي الله شَرها فَمن عَاد إِلَى مثلهَا فَاقْتُلُوهُ وَهَذَا يُوجب الطعْن قُلْنَا إِنَّمَا لفظ عمر الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ بَلغنِي أَن قَائِلا مِنْكُم يَقُول لَو قد مَاتَ عمر بَايَعت فلَانا فَلَا يغترن امْرُؤ أَن يَقُول إِنَّمَا كَانَت بيعَة أبي بكر فلتة فتمت أَلا وَإِنَّهَا كَانَت كَذَلِك وَلَكِن وقى الله شَرها وَلَيْسَ مِنْكُم من تقطع إِلَيْهِ الْأَعْنَاق مثل أبي بكر فصل قَالَ وَقَوله تَعَالَى (لَا ينَال عهدي الظَّالِمين) أخبر تَعَالَى أَن عهد الْإِمَامَة لَا يصل إِلَى الظَّالِم والظالم كَافِر لقَوْله تَعَالَى (والكافرون هم الظَّالِمُونَ) وَلَا شكّ أَن الثَّلَاثَة كَانُوا كفَّارًا يعْبدُونَ الْأَصْنَام إِلَى أَن ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَوَاب أَيهَا الرويفضي المغتر من وُجُوه أَحدهَا أَن الْكفْر الَّذِي يعقبه الْإِيمَان لم يبْق على صَاحبه مِنْهُ ذمّ فَإِن الْإِسْلَام يجب مَا قبله وَهَذَا مَعْلُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 بالإضطرار من الدّين وَلَيْسَ كل من ولد على الْإِسْلَام بِأَفْضَل مِمَّن أسلم بِنَفسِهِ وَإِلَّا لزم أَن يكون أفضل من الصَّحَابَة وَقد ثَبت أَن خير النَّاس الْقرن الأول الَّذين بعث فيهم الرَّسُول وسائرهم أَسْلمُوا بعد الْكفْر وهم أفضل بِلَا شكّ مِمَّن ولد على الْإِسْلَام وَلِهَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ يجوز على الله أَن يبْعَث نَبيا مِمَّن آمن بالأنبياء قَالَ تَعَالَى (فَآمن لَهُ لوط) وَقد قَالَ شُعَيْب (قد افترينا على الله كذبا إِن عدنا فِي ملتكم بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا) ثمَّ إِنَّه إِذْ نبيء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن أحد من قُرَيْش مُؤمنا لَا كثير وَلَا صَغِير وَإِذا قيل عَن رِجَالهمْ إِنَّهُم يعْبدُونَ الْأَصْنَام فصبيانهم كَذَلِك عَليّ وَغَيره فَإِن قيل كفر الصَّبِي لَا يضرّهُ قيل وَلَا إِيمَان الصَّبِي مثل إِيمَان الرجل فالرجل يثبت لَهُ حكم الْإِيمَان بعد الْكفْر وَهُوَ بَالغ وَالصَّبِيّ يثبت لَهُ حكم الْكفْر وَالْإِيمَان وَهُوَ دون الْبلُوغ والطفل بَين أَبَوَيْهِ الْكَافرين يجْرِي عَلَيْهِ حكم الْكفْر فِي الدُّنْيَا بِالْإِجْمَاع فَإِذا أسلم قبل الْبلُوغ فَهَل يجْرِي عَلَيْهِ حكم الْإِسْلَام قبل الْبلُوغ على قَوْلَيْنِ للْعُلَمَاء بِخِلَاف الْبَالِغ فَإِنَّهُ يصير مُسلما إِذا أسلم بِالْإِجْمَاع ثمَّ لَا يُمكن الْجَزْم بِأَن عليا مَا سجد لصنم وَكَذَا الزبير فَإِنَّهُ أسلم وَهُوَ مراهق فَمن أسلم بعد كفره واتقي وآمن لم يجز أَن يُسمى ظَالِما فَقَوله تَعَالَى (لَا ينَال عهدي الظَّالِمين) أَي ينَال الْعَادِل دون الظَّالِم فَإِذا قدر أَن شخصا كَانَ ظَالِما ثمَّ تَابَ وَصَارَ عادلا تنَاوله الْعَهْد وَصَارَ ممدوحا بآيَات الْمَدْح لقَوْله (إِن الْأَبْرَار لفي نعيم) (إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين) فَمن قَالَ الْمُسلم بعد إيمَانه كَافِر فَهُوَ كَافِر بِإِجْمَاع الْأمة قَالَ وَمن ذَلِك قَول أبي بكر أقيلوني فلست بِخَيْرِكُمْ وَلَو كَانَ إِمَامًا لم يجز لَهُ طلب الْإِقَالَة قُلْنَا أَيْن صِحَة هَذَا وَإِلَّا فَمَا كل مَنْقُول صَحِيح فَإِن صَحَّ هَذَا عَنهُ لم يجز معارضته بِقَوْلِك لَا يجوز لَهُ طلب الْإِقَالَة إِذْ ذَلِك مُجَرّد دَعْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 قَالَ وَقَالَ عِنْد مَوته لَيْتَني كنت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل للْأَنْصَار فِي هَذَا الْأَمر حق وَهَذَا يدل على شكه فِي صِحَة بيعَة نَفسه مَعَ أَنه الَّذِي دفع الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة قُلْنَا أما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَئِمَّة من قُرَيْش فَهُوَ حق وَمن الَّذِي يَقُول إِن الصّديق شكّ فِي هَذَا وَفِي صِحَة إِمَامَته وَلَكِن مَا نقلته كذب عَلَيْهِ فَإِن الْمَسْأَلَة عِنْده وَعند الصَّحَابَة وَاضِحَة ظَاهِرَة وَإِن قدر أَنه قَالَه فَفِيهِ فَضِيلَة لَهُ لِأَنَّهُ لم يكن يعرف أَن الْأَئِمَّة من قُرَيْش فاجتهد فَوَافَقَ إجتهاده النَّص وَفِيه أَنه لَيْسَ عِنْده نَص من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعلي قَالَ وَقَالَ عِنْد مَوته لَيْتَني كنت تركت بَيت فَاطِمَة لم أكشفه وليتني فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة كنت ضربت على يَد أحد الرجلَيْن فَكَانَ هُوَ الْأَمِير وَكنت الْوَزير وَهَذَا يدل على إقدامه على بَيت فَاطِمَة عِنْد إجتماع عَليّ وَالزُّبَيْر وَغَيرهمَا وَيدل على أَنه كَانَ يرى الْفضل لغيره قُلْنَا لَا يقبل الْقدح إِلَّا إِذا ثَبت النَّقْل وَنحن نعلم يَقِينا أَن أَبَا بكر لم يقدم على عَليّ وَالزُّبَيْر بِشَيْء من الْأَذَى بلَى وَلَا على سعد بن عبَادَة الَّذِي مَاتَ وَلم يبايعه وَغَايَة مَا يُقَال إِنَّه كبس الْبَيْت لينْظر هَل فِيهِ شَيْء من مَال الله الَّذِي أَمر بقسمته ثمَّ رأى أَنه لَو تَركه لَهُم جَازَ والجهلة يَقُولُونَ إِن الصَّحَابَة هدموا بَيت فَاطِمَة وضربوا بَطنهَا حَتَّى طرحت أفيسوغ فِي عقل عَاقل أَن صفوة الْأمة يَفْعَلُونَ هَذَا بإبنة نَبِيّهم لَا لأمر فلعن الله من وضع هَذَا وَمن إفتعل الرَّفْض قَالَ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهزوا جَيش أُسَامَة وَكرر ذَلِك وَكَانَ فيهم أَبُو بكر وَعمر وَلم ينقذ عليا لِأَنَّهُ أَرَادَ مَنعهم من التوثب على الْخلَافَة بعده فَلم يقبلُوا مِنْهُ قُلْنَا أَيْن صِحَة هَذَا فَمن احْتج بالمنقول لَا يسوغ لَهُ إِلَّا بعد الْعلم بِصِحَّتِهِ كَيفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وَهَذَا كذب لم يكن أَبُو بكر فِي جَيش أُسَامَة أصلا بل قيل إِنَّه كَانَ فيهم عمر رَضِي الله عَنهُ وَقد تَوَاتر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اسْتخْلف أَبَا بكر على الصَّلَاة حَتَّى مَاتَ وَصلى أَبُو بكر بهم الصُّبْح يَوْم توفّي وَقد كشف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجف الْحُجْرَة فَرَآهُمْ خلف أبي بكر فسر بذلك فَكيف يُمكن مَعَ هَذَا أَن يكون من جَيش أُسَامَة الَّذين شرعوا فِي الرحيل وَلَو أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوْلِيَة عَليّ لَكَانَ هَؤُلَاءِ أعجز من أَن يدفعوا أمره ولكان جَمَاهِير الْأمة أطوع لله وَلِرَسُولِهِ من أَن يدعوا أحدا يتوثب على من نَص الرَّسُول لَهُم عَلَيْهِ ثمَّ لَو كَانَ أَرَادَ تَوليته لَكَانَ أمره بِالصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمين أَيَّام مَرضه وَلما كَانَ يدع أَبَا بكر يُصَلِّي بِهِ قَالَ وَلم يول أَبَا بكر عملا وَولي عَلَيْهِ قُلْنَا وَأي ولَايَة فَوق ولَايَة الصَّلَاة وَالْحج وَالزَّكَاة وَقد ولي جمَاعَة دون أبي بكر بِكَثِير مثل عَمْرو بن الْعَاصِ والوليد ابْن عقبَة وَأبي سُفْيَان بن حَرْب وَعدم ولَايَته لَا يدل على نَقصه وَلِأَنَّهُ كَانَ وزيره وَكَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ فِي مهمات الْأُمُور ويليه عمر قَالَ وأنفذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَدَاء سُورَة بَرَاءَة ثمَّ أنفذ عليا وَأمره برده وَأَن يتَوَلَّى هُوَ ذَلِك وَمن لَا يصلح لأَدَاء سُورَة كَيفَ يصلح للخلافة الْجَواب إِن هَذَا إفتراء مَحْض ورد للتواتر فَإِن الرَّسُول اسْتعْمل أَبَا بكر على الْحَج سنة تسع فَمَا ردة وَلَا رَجَعَ بل هُوَ الَّذِي حج بِالنَّاسِ فَكَانَ على من جملَة رَعيته إِذْ ذَاك يُصَلِّي خَلفه ويسير بسيره فالعلم بِهَذَا لم يخْتَلف فِيهِ إثنان فَكيف تَقول إِنَّه أَمر برده وَلَكِن أردفه بعلي لينبذ إِلَى الْمُشْركين عَهدهم لِأَن عَادَتهم كَانَت جَارِيَة أَن لَا يعْقد العهود وَلَا يحلهَا إِلَّا المطاع أَو رجل من أهل بَيته فَبعث عليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 بِبَرَاءَة فيالله إِذا كنت تجْهَل مثل هَذَا من أَحْوَال الرَّسُول وأيامه وَسيرَته فإيش عنْدك من الْعلم وَكَانَ السّكُون أولى بك وبأشباهك أفأملك أَن أعمى الله قَلْبك إِذْ خبثت سريرتك فَلَا تبرز بفائدة وَلَا تَأتي بِخَير وَلَكِنَّك معرق فِي الرَّفْض فَللَّه الْحَمد على الْعَافِيَة ثمَّ تَقول والإمامة متضمنة لأَدَاء جَمِيع الْأَحْكَام إِلَى الْأمة سبل الْأَحْكَام كلهَا تلقتها الْأمة عَن نبيها لَا تحْتَاج فِيهَا إِلَى الإِمَام وَإِنَّمَا الإِمَام منفذ لما شَرعه الرَّسُول وَالصديق كَانَ عَالما بعامة ذَلِك وَإِذا خَفِي عَلَيْهِ الشَّيْء الْيَسِير سَأَلَ الصَّحَابَة عَنهُ كَمَا سَأَلَ عَن مِيرَاث الْجدّة فَأخْبر أَن نَبِي الله أَعْطَاهَا السُّدس وَمَا عرف لَهُ قَول خَالف نصا وَقد عرف لعمر وَعُثْمَان من ذَلِك أَشْيَاء وَعرف لعَلي أَكثر مِمَّا عرف لَهما كَقَوْلِه إِن الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا تَعْتَد أبعد الْأَجَليْنِ وَحَدِيث سبيعة فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّهَا تحل إِذا وضعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وَقد جمع الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى كتابا فِي خلاف على وَابْن مَسْعُود وَجمع بعده مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي أَكثر من ذَلِك فَإِنَّهُ كَانَ إِذا ناظره الْكُوفِيُّونَ يحْتَج بالنصوص فَيَقُولُونَ نَحن أَخذنَا بقول عَليّ وَابْن مَسْعُود فَجمع لَهُم أَشْيَاء كَثِيرَة من قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود تَرَكُوهُ أَو تَركه النَّاس يَقُول إِذا جَازَ لكم خلافهما فِي تِلْكَ الْمسَائِل لقِيَام الْحجَّة على خلافهما فَكَذَلِك فِي سَائِر الْمسَائِل وَلَا يعرف لأبي بكر مثل هَذَا ثمَّ الْقُرْآن بلغه كل أحد عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيمْتَنع أَن يُقَال لم يصلح أَبُو بكر لتبليغه وَلَا يجوز أَن يُقَال إِن تَبْلِيغ الْقُرْآن يخْتَص بعلي فَإِن الْقُرْآن لَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد قَالَ وَمن ذَلِك قَول عمر إِن مُحَمَّدًا لم يمت وَهُوَ يدل على قلَّة علمه وَأمر برجم حَامِل فَنَهَاهُ عَليّ فَقَالَ لَوْلَا عَليّ لهلك عمر قُلْنَا قد أوردنا لَك نصوصا عدَّة فِي مكانة عمر من الْعلم فَكَانَ أعلم النَّاس بعد الصّديق وَأما كَونه ظن أَن الرَّسُول لم يمت فَهَذَا كَانَ سَاعَة ثمَّ تبين لَهُ مَوته وَعلي قد ظن أَشْيَاء ثمَّ ظَهرت لَهُ بِخِلَاف ذَلِك وَلم يقْدَح بِمثل هَذَا فِي إمامتهما وَأما الْحَامِل فَلم يدر أَنَّهَا حاملة فَنَبَّهَهُ عَليّ وَقد نزل الْكتاب بموافقة عمر فِي مَوَاضِع وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر وَلما وضع عَليّ سَرِيره أثنى عَلَيْهِ واحب أَن يلقى الله بِمثل صحيفَة عمر وَقَالَ وابتدع التَّرَاوِيح مَعَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الصَّلَاة بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَان جمَاعَة بِدعَة وَصَلَاة الضُّحَى بِدعَة فَلَا تجمعُوا فِي رَمَضَان لَيْلًا وَلَا تصلوا الضُّحَى وَخرج عمر لَيْلًا فَرَأى المصابيح فِي الْمَسَاجِد فَقَالَ مَا هَذَا فَقيل إِنَّهُم اجْتَمعُوا لصَلَاة التَّطَوُّع فَقَالَ بِدعَة ونعمت الْبِدْعَة هِيَ فَيُقَال مَا رؤى فِي الطوائف أجرأ من هَذِه الطَّائِفَة على الْكَذِب حَتَّى على نبيها بوقاحة مفرطة مَعَ فرط الْجَهْل فَأَيْنَ إِسْنَاد هَذَا وَأَيْنَ صِحَّته وأنى لَهُ صِحَة وَهُوَ للكذب إِلَّا كسير الَّذِي يعْمل مِنْهُ الْكَذِب لم يروه عَالم وَأدنى الْعلمَاء يعلمُونَ أَنه مَوْضُوع وَلَا لَهُ إِسْنَاد فقد ثَبت أَن النَّاس كَانُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 يصلونَ جمَاعَة بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَان على عهد نَبِيّهم وَثَبت أَنه صلى بِالْمُسْلِمين لَيْلَتَيْنِ اَوْ ثَلَاثًا فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الرَّابِعَة عجز الْمَسْجِد عَن أَهله فَلم يخرج إِلَيْهِم خشيَة أَن تفرض عَلَيْهِم فيعجزوا مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عَائِشَة وَخرج البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عبد القاريء قَالَ خرجت مَعَ عمر لَيْلَة رَمَضَان إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس أوزاع متفرقون يُصَلِّي الرجل لنَفسِهِ وَيُصلي الرجل فَيصَلي بِصَلَاتِهِ رَهْط فَقَالَ عمر إِنِّي لأرى لَو جمعت هَؤُلَاءِ على قاريء وَاحِد لَكَانَ أمثل ثمَّ عزم فَجَمعهُمْ على أبي بن كَعْب ثمَّ خرجت مَعَه لَيْلَة أُخْرَى وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة قارئهم فَقَالَ نعمت الْبِدْعَة هَذِه وَالَّتِي تنامون عَنْهَا أفضل من الَّتِي تقومون يُرِيد بذلك آخر اللَّيْل وَهَذَا الإجتماع لم يكن فَسَماهُ بِدعَة وَمَا هُوَ بالبدعة الشَّرْعِيَّة الَّتِي هِيَ ضَلَالَة إِذْ هِيَ مَا فعل بِلَا دَلِيل شَرْعِي وَلَو كَانَ قيام رَمَضَان جمَاعَة قبيحا لأبطله أَمِير الْمُؤمنِينَ على وَهُوَ بِالْكُوفَةِ بل روى عَنهُ أَنه قَالَ نور الله على عمر قَبره كَمَا نور علينا مَسَاجِدنَا وَعَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَن عليا دَعَا الْقُرَّاء فِي رَمَضَان فَأمر مِنْهُم رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ عشْرين رَكْعَة قَالَ وَكَانَ عَليّ يُوتر بهم وَعَن عرْفجَة الثَّقَفِيّ قَالَ كَانَ عَليّ بن أبي طَالب يَأْمر بِقِيَام رَمَضَان وَيجْعَل للرِّجَال إِمَامًا وللنساء إِمَامًا فَكنت أَنا إِمَام النِّسَاء رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَأما الضُّحَى فَرغب فِيهَا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا صَحَّ عَنهُ فِي أَحَادِيث قَالَ وَفعل عُثْمَان أمورا لَا تجوز حَتَّى أنكر عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ كَافَّة واجتمعوا على قَتله قُلْنَا وَهَذَا من جهلك وإفترائك فَإِن النَّاس بَايعُوا عُثْمَان وَمَا اخْتلف فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 بيعَته إثنان وَلَا تخلف عَنْهَا أحد كَمَا تخلف شطر النَّاس عَن بيعَة غَيره فَمن الَّذِي اجْتمع على قتل عُثْمَان هَل هم إِلَّا طَائِفَة من أولي الشَّرّ وَالظُّلم وَلَا دخل فِي قَتله أحد من السَّابِقين بل الَّذين قَاتلُوا عليا وأنكروا عَلَيْهِ أَضْعَاف أُولَئِكَ وكفرة أُلُوف من عسكره وَخَرجُوا عَلَيْهِ وَقتل فِي الآخر كَمَا قتل ابْن عمته عُثْمَان قَاتل الله من قَتلهمَا الْفَصْل السَّادِس فِي الْحجَج عَليّ إِمَامَة أبي بكر قَالَ احْتَجُّوا بِالْإِجْمَاع وَالْجَوَاب مَنعه فَإِن جمَاعَة من بني هَاشم لم يوافقوا على ذَلِك وَجَمَاعَة كسلمان وَأبي ذَر والمقداد وعمار وَحُذَيْفَة وَسعد بن عبَادَة وَزيد بن أَرقم وَأُسَامَة وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ حَتَّى أَن أَبَاهُ أنكر ذَلِك وَقَالَ من اسْتخْلف النَّاس قَالُوا ابْنك قَالَ وَمَا فعل المستضعفان إشاره إِلَى عَليّ وَالْعَبَّاس قَالُوا اشتغلوا بتجهيز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَوا أَن ابْنك أكبر مِنْهُ وَبَنُو حنيفَة كَافَّة وَلم يحملوا الزَّكَاة إِلَيْهِ حَتَّى سماهم أهل الرِّدَّة وقتلهم وسباهم فَأنْكر عَلَيْهِ عمر ورد السبايا أَيَّام خِلَافَته قُلْنَا من لَهُ أدنى خبْرَة وَسمع هَذَا جزم بِأَن قَائِله أَجْهَل النَّاس أَو من أجرأ النَّاس على الْبُهْتَان فالرافضة ذَوُو جهل وَعمي فَمن حَدثهمْ بِمَا يُوَافق أهواءهم صدقوه وَلَو كَانَ الدَّجَّال وَمن أورد عَلَيْهِم بمخالفة أهوائهم كذبوه وَلَو كَانَ صديقا وَإِن إعتقدوا صدقه قَالُوا نعم وَقَالُوا لإخوانهم إِنَّمَا نقُول هَذَا الَّذِي نقُوله مداراة وتقية للنواصب فَكيف يُرْجَى فلاح من هَذَا حَاله أم كَيفَ نؤمل عَافِيَة من هَذَا مَرضه فَلهم أوفر نصيب من قَوْله تَعَالَى (وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا اَوْ كذب بِالْحَقِّ لما جَاءَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وَلنَا إِن شَاءَ الله أوفى حَظّ من التمثل بقوله (وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ اولئك هم المتقون) أفسمع قطّ بِمثل هَذَا فقد علم كل عَالم كفر بني حنيفَة أَتبَاع مُسَيْلمَة وإرتدادهم وَهَذَا يعدهم من اهل الْإِجْمَاع وَإِنَّمَا قَتلهمْ وسباهم لإمتناعهم عَن بيعَته وَلِأَنَّهُم لم يحملوا الزَّكَاة إِلَيْهِ فنعوذ بِاللَّه من الْبُهْتَان وَنقل الهذيان وتضييع الزَّمَان فِي الرَّد على هَذَا الَّذِي هُوَ غير إِنْسَان (إِذا محاسني اللائي أدل بهَا ... كَانَت ذنوبا فَقل لي كَيفَ أعْتَذر) وَمن أعظم مَنَاقِب الصّديق قتل هَؤُلَاءِ الأرجاس وَسَبْيهمْ وَمَا قَاتلهم على منع زَكَاة بل على إِيمَانهم بمسيلمة وَكَانُوا نَحْو مائَة ألف وَالْحَنَفِيَّة سَرِيَّة عَليّ أم مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة من سَبْيهمْ فَأَما الَّذين قَاتلهم على منع الزَّكَاة فطوائف من الْعَرَب غير بني حنيفَة إستباحوا ترك الزَّكَاة بِالْكُلِّيَّةِ فَقَاتلهُمْ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا إِذا قَالَ قوم نَحن نزكي وَلَا ندفعها إِلَى الإِمَام لم يجز قِتَالهمْ فَهَلا عددت يَا فِي المتخلفين عَن بيعَة أبي بكراليهود والبربر وكسرى وَقَيْصَر فَأمر بني حنيفَة قد خلص إِلَى العذارى فِي الْخُدُور وَأَنت لَا تعي وَكتاب الرِّدَّة لسيف بن عمر مَشْهُور وَالرِّدَّة لِلْوَاقِدِي ثمَّ قَوْلك إِن عمر أنكر قتال اهل الرِّدَّة ورد عَلَيْهِم من الْبُهْتَان وَإِنَّمَا توقف مَعَ الصّديق فِي قتال مانعي الزَّكَاة فناظرة فَرجع عمر إِلَى قَوْله وَأما الَّذين سميتهم وَأَنَّهُمْ تخلفوا عَن بيعَة الصّديق فكذب عَلَيْهِم مَا تخلف إِلَّا سعد بن عبَادَة ومبايعة هَؤُلَاءِ لأبي بكر ثمَّ عمر أشهر من أَن تنكر وَأُسَامَة مَا سَار بذلك الْجَيْش حَتَّى بَايع الصّديق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَكَانَ خَالِد بن سعيد نَائِبا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ قَالَ لَا أنوب لغيره ووقد علم بالتواتر أَنه مَا تخلف عَن بيعَة الصّديق سوى سعد وَأما عَليّ وَبَنُو هَاشم فَلم يمت أحد مِنْهُم إِلَّا وَهُوَ مبايع لَهُ لَكِن قيل تَأَخَّرت بيعتهم سِتَّة أشهر وَقيل بَايعُوهُ ثَانِي يَوْم طَوْعًا مِنْهُم ثمَّ الْجَمِيع أَيْضا بَايعُوا عمر سوى سعد وَمَات سعد فِي خلَافَة عمر وَكَانَ قد رامها يَوْم السَّقِيفَة وَلم يدر أَن الْخلَافَة فِي قُرَيْش وَمَا ذكره عَن أبي قُحَافَة فَبَاطِل وَلم يكن ابْنه أسن الصَّحَابَة كَانَ أَصْغَر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَلِيل وَالْعَبَّاس أكبر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث سِنِين لَكِن الْمَأْثُور عَن أبي قُحَافَة أَنه لما قبض نَبِي الله ارتجت مَكَّة فَسمع أَبُو قُحَافَة فَقَالَ مَا للنَّاس قَالُوا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَمر جلل فَمن ولي بعده قَالُوا ابْنك قَالَ وَهل رضيت بذلك بَنو عبد منَاف وَبَنُو الْمُغيرَة قَالُوا نعم قَالَ لَا مَانع لما أعْطى الله وَلَا معطي لما منع وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت أرْسلت فَاطِمَة إِلَى أبي بكر تسْأَل مِيرَاثهَا من أَبِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وفدك وَمَا بَقِي من خمس خَيْبَر فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة وَإِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال وَإِنِّي وَالله لَا أغير شَيْئا من صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن حَالهَا الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فِي عَهده وَلست تَارِكًا شَيْئا كَانَ يعْمل بِهِ إِلَّا عملت بِهِ إِنِّي أخْشَى إِن تركت شَيْئا من أمره أَن أزيغ فَوجدت فَاطِمَة على أبي بكر فَلم تكَلمه حَتَّى توفيت وَعَاشَتْ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة أشهر فَلَمَّا توفيت دَفنهَا عَليّ لَيْلًا وَلم يُؤذن بهَا أَبَا بكر وَكَانَ لعَلي من النَّاس وَجه حَيَاة فَاطِمَة فَلَمَّا مَاتَت إستنكر عَليّ وُجُوه النَّاس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته وَلم يكن بَايع تِلْكَ الْأَشْهر فَأرْسل إِلَى أبي بكر أَن ائتنا وَلَا تأتنا ومعك أحد كَرَاهِيَة عمر فَقَالَ عمر لأبي بكر وَالله لَا تدخل عَلَيْهِم وَحدك فَقَالَ أَبُو بكر مَا عساهم أَن يَفْعَلُوا بِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 وَالله لآتينهم فَدخل عَلَيْهِم أَبُو بكر فَتشهد عَليّ ثمَّ قَالَ إِنَّا قد عرفنَا يَا أَبَا بكر فضلك وَمَا أَعْطَاك الله وَلم ننفس عَلَيْك خيرا سَاقه الله إِلَيْك وَلَكِنَّك استبددت بِالْأَمر علينا وَكُنَّا نرى أَن لنا فِيهِ حَقًا لقرابتنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يكلم أَبَا بكر حَتَّى فاضت عينا أبي بكر فَلَمَّا تكلم أَبُو بكر قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقرابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ أَن أصل من قَرَابَتي وَأما الَّذِي شجر بيني وَبَيْنكُم من هَذِه الْأَمْوَال فَإِنِّي لم آل فِيهَا عَن الْحق وَلم أترك أمرا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنعه فِيهَا إِلَّا صَنعته فَقَالَ عَليّ موعدك العشية لِلْبيعَةِ فَلَمَّا صلى أَبُو بكر الظّهْر قَامَ قَائِما على الْمِنْبَر فَتشهد وَذكر شَأْن عَليّ وتخلفه عَن الْبيعَة وعذره الَّذِي اعتذر بِهِ ثمَّ اسْتغْفر وَتشهد عَليّ فَعظم حق أبي بكر وَأَن لم يحملهُ على الَّذِي صنع نفاسة على أبي بكر وَلَا إِنْكَار عَلَيْهِ للَّذي فَضله الله بِهِ وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَن لنا فِي الْأَمر نَصِيبا فاستبد علينا بِهِ فَوَجَدنَا فِي أَنْفُسنَا فسر بذلك الْمُسلمُونَ وَقَالُوا أصبت وَكَانَ الْمُسلمُونَ إِلَى عَليّ قَرِيبا حِين رَاجع الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا ريب أَن الْإِجْمَاع الْمُعْتَبر فِي الْإِمَامَة لَا يضر فِيهِ تخلف الْوَاحِد والإثنين وَلَو اعْتبر ذَلِك لم تكن تَنْعَقِد إِمَامَة بِخِلَاف الْإِجْمَاع على الْأَحْكَام الْعَامَّة فَهَل يعْتد بِخِلَاف الْوَاحِد أَو الْإِثْنَيْنِ فَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا لَا يعْتد بخلافهما فِيهِ وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَغَيره الثَّانِي يعْتد بِخِلَاف الْوَاحِد والإثنين فِي الْأَحْكَام ثمَّ الْوَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 إِذا خَالف النَّص كَانَ خِلَافه شاذا كخلافة سعيد بن الْمسيب فِي أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا إِذا نكحت زوجا غَيره أبيحت للْأولِ بِمُجَرَّد العقد وَأَيْضًا فَلَا يشْتَرط فِي صِحَة الْخلَافَة إِلَّا إتفاق أهل الشَّوْكَة وَالْجُمْهُور قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِن يَد الله على الْجَمَاعَة وَقَالَ عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم وَمن شَذَّ شَذَّ فِي النَّار ثمَّ إجتماع الْأمة على بيعَة أبي بكر أعظم من إجتماعهم على بيعَة عَليّ فَإِن ثلث النَّاس أَو أرجح لم يبايعوه وقاتلوه وَخلق من الْكِبَار لم يقاتلوا مَعَه واعتزلوا فَإِن جَازَ الْقدح فِي الْإِمَامَة بتخلف بعض الْأمة عَن الْبيعَة كَانَ الْقدح فِي إِمَامَة عَليّ أولى بِكَثِير فَإِن قلت إِمَامَته ثبتَتْ بِالنَّصِّ فَلَا يحْتَاج إِلَى الْإِجْمَاع قُلْنَا قد مرت النُّصُوص الدَّالَّة على تَقْدِيم أبي بكر تَلْوِيحًا أَو تَصْرِيحًا مَعَ أولويته وإجماعهم على بيعَته وعَلى تَسْمِيَته خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْكَلَام فِي إِمَامَة الصّديق إِمَّا أَن يكون فِي وجودهَا وَإِمَّا أَن يكون فِي إستحقاقه لَهَا أما الأول فَهُوَ مَعْلُوم بالتواتر وإتفاق النَّاس بِأَنَّهُ تولى الْأَمر وَقَامَ مقَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَلفه فِي أمته وَأقَام الْحُدُود وَاسْتوْفى الْحُقُوق وَقَاتل الْكفَّار والمرتدين وَولى الْأَعْمَال وَقسم الْأَمْوَال وَفعل جَمِيع مَا يفعل الإِمَام بل هُوَ أول من بَاشر الْإِمَامَة فِي الْأمة وَأما إِن أُرِيد بإمامته كَونه مُسْتَحقّا لذَلِك فَهَذَا عَلَيْهِ أَدِلَّة كَثِيرَة غير الْإِجْمَاع فَلَا طَرِيق يثبت بهَا كَونه عَليّ مُسْتَحقّا للْإِمَامَة إِلَّا وَتلك الطَّرِيق يثبت بهَا أَن أَبَا بكر مُسْتَحقّ للْإِمَامَة وَأَنه أَحَق بِالْإِمَامَةِ من عَليّ وَغَيره وَحِينَئِذٍ فالإجماع لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَا فِي الأولى وَلَا فِي الثَّانِيَة وَإِن كَانَ الْإِجْمَاع حَاصِلا قَالَ وَأَيْضًا الْإِجْمَاع لَيْسَ أصلا فِي الدّلَالَة بل لَا بُد لَهُ من مُسْتَند إِمَّا عَقْلِي وَمَا فِي الْعقل مَا يدل على إِمَامَته وَإِمَّا نقلي وَعِنْدهم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ عَن غير وَصِيَّة وَلَا نَص على إِمَام فَلَو كَانَ الْإِجْمَاع متحققا لَكِن خطأ فتنتفي دلَالَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 قُلْنَا إِن أردْت بِقَوْلِك الْإِجْمَاع لَيْسَ أصلا فِي الدّلَالَة أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تجب طَاعَته لنَفسِهِ وَإِنَّمَا تجب لكَونه دَلِيلا على أَمر الله وَرَسُوله فَهَذَا صَحِيح وَلكنه لَا يضر فَإِن أَمر الرَّسُول كَذَلِك لَا تجب طَاعَته لذاته بل لِأَن من أطاعه فقد أطَاع الله فَفِي الْحَقِيقَة لَا يطاع أحد لذاته إِلَّا الله (لَهُ الْخلق وَالْأَمر) (إِن الحكم إِلَّا لله) وَإِن أردْت أَنه قد يكون مُوَافقا للحق وَقد يكون مُخَالفا فَهَذَا قدح فِي كَون الْإِجْمَاع حجَّة وَدَعوى أَن الْأمة تَجْتَمِع على الْخَطَأ كَمَا يَقُوله النظام وَبَعض الرافضة خطأ وَنحن لَا نحتاج فِي إِمَامَة الصّديق إِلَى هَذَا وَلَا نشترط لأحد فَنَقُول مَا من حكم الْإِجْمَاع إِلَّا وَقد دلّ عَلَيْهِ النَّص وَالْإِجْمَاع دَلِيل على نَص مَوْجُود وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي جَوَاز الْإِجْمَاع عَن إجتهاد لَكِن لَا يكون النَّص خافيا عَن الْكل وَخِلَافَة الصّديق من هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُ ورد فِيهِ نُصُوص تدل على أَن خِلَافَته حق وصواب وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ وَإِنَّمَا اخْتلفُوا هَل العقد بِنَصّ خَاص أَو بِالْإِجْمَاع ومستند قَوْلنَا النَّص وَالْإِجْمَاع متلازمان قَوْله تَعَالَى (كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون) عَن الْمُنكر فَهَذَا يَنْبَغِي أَنهم يأمرون بِكُل مَعْرُوف وَينْهَوْنَ عَن كل مُنكر وَالْوَاجِب وَالْمحرم دَاخل فِي ذَلِك قطعا فَيجب أَن يوجبوا كل مَا أوجبه الله ويحرموا كل مَا حرمه الله وَأَن لَا يسكتوا عَن الْحق فَكيف يجوز عَلَيْهِم التَّكَلُّم بنقيضه من الْبَاطِل فَلَو كَانَت ولَايَة أبي بكر حَرَامًا مُنْكرا لوَجَبَ عَلَيْهِم النَّهْي وَامْتنع عَلَيْهِم السُّكُوت وَلَو كَانَت طَاعَة عَليّ وتقديمه وَاجِبا لَكَانَ ذَلِك من أعظم الْمَعْرُوف الَّذِي يجب أَن يأمروا بِهِ وَقَالَ تَعَالَى (والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر) وَقَالَ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس) فَمن جعلهم الرب شُهَدَاء على النَّاس فَلَا بُد أَن يَكُونُوا عَالمين بِمَا يشْهدُونَ بِهِ فَلَو كَانُوا يحللون مَا حرم الله ويحرمون مَا أحل الله ويسقطون مَا أوجب ويوجبون مَا أسقط لما صلحوا أَن يَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَكَذَلِكَ إِذا كَانُوا يجرحون الممدوح ويمدحون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 الْمَجْرُوح فَإِذا شهدُوا بإستحقاق أبي بكر وَجب أَن يَكُونُوا صَادِقين وَكَذَا إِذا شهدُوا كلهم أَن هَذَا صَالح وَهَذَا عَاص وَجب قبُول شَهَادَتهم وَقَالَ تَعَالَى (وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم) فتوعد على إتباع غير سَبيله كَمَا توعد على مشاقة الرَّسُول فَكل مِنْهُمَا مَذْمُوم فَإِذا أصفقوا على تَحْرِيم أَو حل وَخَالفهُم مُخَالف فقد أتبع غير سبيلهم فيذم وَقَالَ (واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا) فَلَو كَانُوا فِي حَال الإجتماع كالتفرق لم يبْق فرق وَقَالَ (إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا) جعل مُوَالَاتهمْ كموالاة الله وَالرَّسُول وَالله لَا يجمع هَذِه الْأمة على ضَلَالَة وأحق النَّاس بِهَذَا الصَّحَابَة فَثَبت أَن مَا فَعَلُوهُ من خلَافَة أبي بكر حق وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أثنيتم عَلَيْهِ خيرا وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن أثنيتم عَلَيْهِ شرا وَجَبت لَهُ النَّار أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض قَالَ وَأَيْضًا الْإِجْمَاع إِنَّمَا يعْتَبر فِيهِ قَول الْكل وَهَذَا لم يحصل وَقد أجمع أَكثر النَّاس على قتل عُثْمَان قُلْنَا أجبنا على هَذَا وَإنَّهُ لَا يقْدَح فِي إتفاق أهل الْحل وَالْعقد شذوذ من خَالف وَأما عُثْمَان فَإِنَّمَا قَتله طَائِفَة قَليلَة باغية ظالمة قَالَ وكل وَاحِد يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ فَأَي عَاصِم لَهُم عَن الْكَذِب عِنْد الْإِجْمَاع قُلْنَا إِذا حصل بِالْإِجْمَاع من الصِّفَات مَا لَيْسَ للآحاد لم يجز أَن يَجْعَل حكم الْوَاحِد حكم الْإِجْمَاع فالآحاد يجوز عَلَيْهِم الْغَلَط وَالْكذب فَإِذا انْتَهوا إِلَى حد التَّوَاتُر إمتنع عَلَيْهِم الْغَلَط وَالْكذب وكل وَاحِد من اللقم لَا يشْبع وبالإجتماع يحصل الشِّبَع وَالْوَاحد لَا يقدر قتال الْعَدو فَإِذا إجتمع عدد قدرُوا فالكثرة تُؤثر قُوَّة وعلما قَالَ تَعَالَى (أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الْإِثْنَيْنِ أبعد وَمَعْلُوم أَن السهْم الْوَاحِد يكسرهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 الْإِنْسَان وبضمه إِلَى سِهَام كَثِيرَة يتَعَذَّر وَأَيْضًا فَإِن كَانَ الْإِجْمَاع قد يكون خطأ لم تثبت لَك عصمَة عَليّ فَإِنَّهُ إِنَّمَا علمت عصمته بِالْإِجْمَاع كَمَا زعمت وَأَن لَا مَعْصُوم سواهُ فَإِن جَازَ الْخَطَأ على الْإِجْمَاع أمكن أَن يكون غَيره مَعْصُوما وَإِن قد حتم فِي الْإِجْمَاع بَطل أصل مذهبكم وَإِن قُلْتُمْ هُوَ حجَّة فقد أَجمعُوا على الثَّلَاثَة قبل عَليّ قَالَ وَقد بَينا ثُبُوت النُّصُوص الدَّالَّة على إِمَامَة عَليّ فَلَو أَجمعُوا على خِلَافه لَكَانَ خطأ قُلْنَا قد تقدم بَيَان توهية كل مَا تزْعم أَنه ثَابت وأتينا بنصوص ثَابِتَة بِخِلَاف ذَلِك ثمَّ نصوصنا معتضدة بِالْإِجْمَاع فَلَو قدر خبر يُخَالف الْإِجْمَاع لعلم أَنه بَاطِل أَو لَا يدل وَمن الْمُمْتَنع تعَارض النَّص الْمَعْلُوم وَالْإِجْمَاع الْمَعْلُوم فَإِن كليهمَا حجَّة قَطْعِيَّة والقطعيات لَا يجوز تعارضها وَإِلَّا لزم الْجمع بَين النقيضين وكل نَص أَجمعت الْأمة على خِلَافه فَهُوَ مَنْسُوخ بِنَصّ آخر أما إِن يبْقى فِي الْأمة نَص مَعْلُوم وَالْإِجْمَاع بِخِلَافِهِ فَهَذَا لم يَقع فالإجماع وَالنَّص على خلَافَة الصّديق مبطلان بِالضَّرُورَةِ لما افترته الرافضة من النَّص على عَليّ قَالَ وَرووا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وَالْجَوَاب الْمَنْع من الرِّوَايَة وَمن دلالتها على الْإِمَامَة إِذْ الإقتداء بالفقهاء لَا يلْزم مِنْهُ الْخلَافَة وهما قد اخْتلفَا كثيرا فَلَا يُمكن الإقتداء بهما ثمَّ هُوَ معَارض بِمَا رَوَوْهُ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ قُلْنَا هَذَا بِكُل حَال أقوى من النَّص الَّذِي تزعمونه فَإِن هَذَا رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّص فِي عَليّ بَاطِل حَتَّى قَالَ ابْن حزم مَا وجدنَا هَذَا النَّص إِلَّا رِوَايَة واهية عَن مَجْهُول إِلَى مَجْهُول يكنى أَبَا الْحَمْرَاء لَا نَعْرِف من هُوَ فِي الْخلق وَأمره بالإقتداء بهما دَال على كَونهمَا غير ظالمين وَلَا مرتدين إِذْ من هُوَ كَذَلِك لَا يكون قدوة وَلَا يكَاد يعرف إختلاف بَين أبي بكر وَعمر إِلَّا فِي النَّادِر كالجد مَعَ الْإِخْوَة وَقِسْمَة الْفَيْء بِالسَّوِيَّةِ أَو التَّفْضِيل وإختلافهما فِي تَوْلِيَة خَالِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 وعزله فَاخْتلف إجتهادهما والْحَدِيث يُوجب الإقتداء بهما فِيمَا اتفقَا عَلَيْهِ وَحَدِيث أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ ضعفه أَئِمَّة الحَدِيث فَلَا حجَّة فِيهِ قَالَ وَذكروا لَيْلَة الْغَار وَقَوله تَعَالَى (وسيجنبها الأتقى) وَقَوله (قل للمخلفين من الْأَعْرَاب ستدعون إِلَى قوم أولى بَأْس شَدِيد) والداعي هُوَ أَبُو بكر وَكَانَ ثَانِي الْإِثْنَيْنِ فِي الْعَريش يَوْم بدر وَأنْفق مَاله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقدم فِي الصَّلَاة فَلَا فَضِيلَة لَهُ فِي الْغَار لجَوَاز أَن يستصحبه حذرا مِنْهُ لِئَلَّا يظْهر أمره وَالْآيَة تدل على نَقصه وخوره وَقلة صبره لقَوْله (لَا تحزن) فَإِن كَانَ الْحزن طَاعَة إستحال أَن يُنْهِي عَنهُ الرَّسُول وَإِن كَانَ معصة عَادَتْ الْفَضِيلَة رذيلة وَأَيْضًا فَإِن الْقُرْآن حَيْثُ ذكر السكينَة شرك مَعَ الرَّسُول فِيهَا الْمُؤمنِينَ إِلَّا هُنَا وَلَا نقص أعظم مِنْهُ وَقَوله (وسيجنبها الأتقى) فَالْمُرَاد بِهِ من أَبُو الدحداح حَيْثُ اشْترى نَخْلَة لشخص لأجل جَاره وَأما (قل للمخلفين) فَالْمُرَاد من تخلف عَن الْحُدَيْبِيَة التمسوا أَن يخرجُوا إِلَى غنيمَة خَيْبَر فمنعوا بقوله (قل لن تتبعونا) لِأَن الله جعل غنيمَة خَيْبَر لمن شهد الْحُدَيْبِيَة فمنعوا بقوله (قل لن تتبعونا) ثمَّ قَالَ (قل للمخلفين من الْأَعْرَاب ستدعون) يُرِيد سندعوكم فِيمَا بعد فَدَعَاهُمْ الرَّسُول إِلَى غزوات كَثِيرَة كمؤتة وخيبر وتبوك وَيجوز أَن يكون الدَّاعِي لَهُم أَمِير الْمُؤمنِينَ حَيْثُ قَاتل وَأما كَونه أنيسه فِي الْعَريش فَإِنَّمَا كَانَ أنسه بِاللَّه لَكِن لما عرف الرَّسُول أَنه إِن أَمر أَبَا بكر بِالْقِتَالِ يُؤَدِّي إِلَى فَسَاد حَيْثُ هرب عدَّة مرار فأيما أفضل الْقَاعِد عَن الْقِتَال أَو الْمُجَاهِد وَأما إِنْفَاقه فكذب لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ مَال فَإِن أَبَاهُ كَانَ فَقِيرا فِي الْغَايَة فَلَو كَانَ غَنِيا لكفى أَبَاهُ وَكَانَ أَبُو بكر فِي الْجَاهِلِيَّة مؤدبا وَفِي الْإِسْلَام خياطا فَلَمَّا ولوه منعُوهُ من الْخياطَة فَقَالَ إِنِّي مُحْتَاج إِلَى الْقُوت فَجعلُوا لَهُ فِي كل يَوْم ثَلَاثَة دَرَاهِم من بَيت المَال وَالرَّسُول كَانَ غَنِيا بِمَال خَدِيجَة قبل الْهِجْرَة وَبعد الْهِجْرَة لم يكن لأبي بكر شَيْء وَلَو أنْفق لنزل فِيهِ قُرْآن كَمَا نزل فِي عَليّ (هَل أَتَى) وَمن الْمَعْلُوم أَن الرَّسُول أشرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 من الَّذين تصدق عَلَيْهِم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالْمَال الَّذين يدعونَ إِنْفَاقه أَكثر فَحَيْثُ لم ينزل فِيهِ قُرْآن دلّ على كذب النَّقْل وَأما تَقْدِيمه فِي الصَّلَاة فخطأ لِأَن بِلَالًا لما أذن أَمرته عَائِشَة أَن يقدم أَبَاهَا فَلَمَّا أَفَاق نَبِي الله سمع التَّكْبِير فَقَالَ أَخْرجُونِي فَخرج بَين عَليّ وَالْعَبَّاس فنحاه عَن الْقبْلَة وعزله عَن الصَّلَاة وَتَوَلَّى هُوَ الصَّلَاة فَهَذِهِ حَال أَدِلَّة الْجُمْهُور فَلْينْظر الْعَاقِل بِعَين الْإِنْصَاف وَيَقُول طلب الْحق دون إتباع الْهوى وَيتْرك تَقْلِيد الْآبَاء والأجداد وَالْجَوَاب أَن فِي هَذَا الْكَلَام من الْبُهْتَان والقحة مَا لَا يعرف لطائفة فَلَا ريب أَن الرافضة فيهم شبه من الْيَهُود فَإِنَّهُم قوم بهت يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويريدون قلب الْحَقَائِق فهم أعظم المبتدعة ردا للحق وَتَصْدِيقًا للكذب فَأَما الْغَار ففضيلة ظَاهِرَة باهرة لقَوْله (إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن أَبَا بكر قَالَ نظرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين على رءوسنا وَنحن فِي الْغَار فَقلت لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا فَقَالَ يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بإثنين الله ثالثهما والمعية هُنَا خَاصَّة كَقَوْلِه تَعَالَى (إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى) والمعية الْعَامَّة بِالْعلمِ كَقَوْلِه تَعَالَى (وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم) قَالَ ابْن عُيَيْنَة عَاتب الله الْخلق كلهم فِي نبيه إِلَّا أَبَا بكر فَقَالَ (إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي إثنين) الْآيَة قَالَ أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي وَغَيره هَذِه الْمَعِيَّة الْخَاصَّة لم تثبت لغير أبي بكر وَفِي قَوْله (إِذْ يَقُول لصَاحبه) دَلِيل على أَن الصّديق فِي ذرْوَة سَنَام الصُّحْبَة فَإِنَّهُ صَحبه من أول مَا بعث إِلَى أَن مَاتَ كَمَا يُقَال مَا فَارقه لَا فِي الْحَيَاة وَلَا فِي الْمَمَات وَفِي الصَّحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَل أَنْتُم تاركوا لي صَاحِبي وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة قَالَت لم أَعقل أَبَوي إِلَّا وهما يدينان الدّين وَلم يمض علينا يَوْم إِلَّا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتينا فِيهِ طرفِي النَّهَار وَفِي حَدِيث صلح الْحُدَيْبِيَة الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ أَن عمر قَالَ يَا رَسُول الله أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قَالَ فَلم نعطي الدنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 فِي ديننَا إِذن فَقَالَ إِنِّي رَسُول الله وَلست أعصيه وَهُوَ ناصري قَالَ فَقلت أَو لَيْسَ كنت تحدثنا أَنا نأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى فأخبرتك أَنَّك تَأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ قَالَ فَأتيت أَبَا بكر فَقلت يَا أَبَا بكر أَلَيْسَ هَذَا نَبِي الله حَقًا قَالَ بلَى قلت أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قلت لم نعطي الدنية فِي ديننَا قَالَ أَيهَا الرجل إِنَّه رَسُول الله وَلنْ يَعْصِي ربه وَهُوَ ناصره فَاسْتَمْسك بغرزه فوَاللَّه إِنَّه على الْحق وَذكر الحَدِيث فَبِهَذَا وأشباهه إستحق أَبُو بكر أَن يُسمى صديقا وللبخاري عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيهَا النَّاس اعرفوا لأبي بكر حَقه فَإِنَّهُ لم يَسُؤْنِي قطّ وَإِذا تدبر الْعَاقِل مَا صَحَّ من الْأَحَادِيث وأمعن النّظر لَاحَ لَهُ الصدْق من الْكَذِب وَمن شرك الْحفاظ وجهابذة الحَدِيث فِي علمهمْ علم بعض مَا قَالُوهُ وَعرف بعض قدرهم وتحريهم وَإِلَّا فليسلم الْقوس إِلَى باريها كَمَا يسلم إِلَى الْأَطِبَّاء طبهم وَإِلَى النُّحَاة نحوهم وَإِلَى الصيارفة نقدهم مَعَ أَن جَمِيع أَرْبَاب الْفُنُون يجوز عَلَيْهِم الْخَطَأ إِلَّا الْفُقَهَاء والمحدثين فَلَا هَؤُلَاءِ يجوز عَلَيْهِم الإتفاق على مَسْأَلَة بَاطِلَة وَلَا هَؤُلَاءِ يجوز عَلَيْهِم التَّصْدِيق بكذب وَلَا التَّكْذِيب بِصدق فَمن تَأمل وجد فَضَائِل الصّديق كَثِيرَة وَهِي خَصَائِص لَهُ مثل (إِن الله مَعنا) وَحَدِيث المخالة وَحَدِيث أَنه أحب الرِّجَال إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحَدِيث الْإِتْيَان إِلَيْهِ بعده وَحَدِيث كِتَابَة الْعَهْد لَهُ وَحَدِيث تَخْصِيصه بِالصديقِ إبتداء والصحبة وَتَركه لَهُ وَهُوَ قَوْله فَهَل أَنْتُم تاركوا لي صَاحِبي وَحَدِيث دَفعه عَنهُ عقبَة بن أبي معيط إِذْ وضع الرِّدَاء فِي عُنُقه وَحَدِيث إستخلافه فِي الصَّلَاة وَالْحج وشأن ثباته بعد وَفَاة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإنقياد الْأمة لَهُ وَحَدِيث خِصَال الْخَيْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 الَّتِي إتفقت لَهُ فِي يَوْم ثمَّ لَهُ مَنَاقِب يشركهُ فِيهَا عمر كَحَدِيث شَهَادَته بِالْإِيمَان لَهُ ولعمر وَحَدِيث عَليّ يَقُول كثيرا مَا كنت أسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خرجت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَحَدِيث نَزعه من القليب وَحَدِيث إِنِّي أُؤْمِن بِهَذَا أَنا وَأَبُو بكر وَعمر ومناقب عَليّ على كثرتها لَيْسَ فِيهَا شَيْء خَصَائِص وللصديق فِي الصِّحَاح نَحْو عشْرين حَدِيثا أَكثر خَصَائِص فمناقبه جمة وفضائله عدَّة اسْتوْجبَ بهَا أَن يكون خَلِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون الْخلق لَو كَانَت المخالة مُمكنَة فَلَو كَانَ مبغضا لَهُ كَمَا يَقُول الرافضي لما حزن بل كَانَ يظْهر الْفَرح وَالسُّرُور فَأخْبر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله مَعَهُمَا وَهَذَا إِخْبَار بِأَن الله مَعَهُمَا بنصره وَحفظه وَمَعْلُوم أَن أَضْعَف النَّاس عقلا لَا يخفى عَلَيْهِ حَال من يَصْحَبهُ فِي مثل هَذَا السّفر الَّذِي قد عَادَاهُ فِيهِ أُولَئِكَ الْمَلأ فَكيف يصحب وَاحِدًا مِمَّن يظْهر لَهُ موالاته دون غَيره وَهُوَ عَدو لَهُ فِي الْبَاطِن هَذَا لَا يَفْعَله إِلَّا أغبى النَّاس وأجهلهم فقبح الله من جوز هَذَا على أكمل الْخلق عقلا وعلما وَقَول الرافضي يجوز أَن يستصحبه حذرا مِنْهُ لِئَلَّا يظْهر أمره فَهَذَا بَاطِل من وُجُوه عدَّة أَحدهَا أَنه قد علم بِدلَالَة الْقُرْآن موالاته ومحبته وَعلم بالتواتر الْمَعْنَوِيّ أَنه كَانَ محبا للرسول مُؤمنا بِهِ مُخْتَصًّا بِهِ أعظم مِمَّا علم من سخاء حَاتِم وشجاعة عنترة وَلَكِن الرافضة قوم بهت حَتَّى إِن بَعضهم جَحَدُوا أَن يكون أَبُو بكر وَعمر دفنا فِي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَأَيْضًا فَمَا قَالَه هَذَا الرافضي يدل على فرط جَهله عُمُوما وخاصة بِمَا وَقع وَقت الْهِجْرَة فَإِنَّهُ اختفى هُوَ وَصَاحبه الْغَار وَعرف بذلك أهل مَكَّة وَأَرْسلُوا الطّلب من الْغَد فِي كل فج وَجعلُوا الدِّيَة فِيهِ وَفِي أبي بكر لمن أَتَى بِوَاحِد مِنْهُمَا فَهَذَا دَلِيل على علمهمْ بموالاته للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاداتهم لَهُ وَلَو كَانَ مباطنهم لما بذلوا فِيهِ الدِّيَة وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ خرج لَيْلًا لم يدر بِهِ أحد فَمَاذَا يصنع بإستصحاب أبي بكر فَإِن قيل لَعَلَّه علم بِخُرُوجِهِ قيل يُمكنهُ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 يخفى ذَلِك عَنهُ كَمَا خفى عَن سَائِر الْمُشْركين وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن أَبَا بكر اسْتَأْذن فِي الْهِجْرَة فَأمره أَن يصبر ليهاجر مَعَه وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن الْبَراء عَن أبي بكر قَالَ سرينا ليلتنا حَتَّى قَامَ قَائِم الظهيرة وخلا الطَّرِيق حَتَّى رفعت لنا صَخْرَة لَهَا ظلّ فنزلنا عِنْدهَا فسويت بيَدي مَكَانا ينَام فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ظلها ثمَّ بسطت فَرْوَة ثمَّ قلت نم يَا رَسُول الله فَنَامَ إِلَى أَن قَالَ فارتحلنا بعد الزَّوَال وَاتَّبَعنَا سراقَة بن مَالك وَنحن فِي جلد من الأَرْض فَقلت يَا رَسُول الله أَتَيْنَا فَقَالَ (لَا تحزن إِن الله مَعنا) فَدَعَا عَلَيْهِ فارتطمت فرسه إِلَى بَطنهَا فَقَالَ إِنِّي قد علمت أنكما دعوتما عَليّ فَادعوا لي ولكما أَن أرد عنكما الطّلب فَدَعَا الله فنجا فَرجع لَا يلقى أحدا إِلَّا وَقَالَ قد كفيتم مَا هَا هُنَا وَذكر الحَدِيث وَفِي البُخَارِيّ عَن عَائِشَة قَالَت فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر مُهَاجرا إِلَى الْحَبَشَة حَتَّى إِذا بلغ برك الغماد لقِيه ابْن الدغنة وَهُوَ سيد القارة فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ يَا أَبَا بكر قَالَ أخرجني قومِي فَأُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض وأعبد رَبِّي الحَدِيث بِطُولِهِ وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَ فِي الْغَار كَانَ يأتيهما بالْخبر عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر ومعهما عَامر بن فهَيْرَة فَكَانَ يُمكنهُ أَن يعلمهُمْ بِخَبَرِهِ ثمَّ لما جَاءَ الْكفَّار وَرَأى أَقْدَامهم هلا خرج إِلَيْهِم وأسلمه فَلَا مثلهَا فسبحان من أعمى بصيرتك وقولك الْآيَة تدل على نَقصه وَقلة صبره فَهَذَا تنَاقض بَينا أَنْت قَائِل استصحبه حذرا مِنْهُ لِئَلَّا يظْهر أمره إِذْ جعلته قَلِيل الصَّبْر ذاخور فبالله على أَي شَيْء تحسد لَا علم وَلَا فهم وَأعلم أَنه لم يكن فِي الْمُهَاجِرين مُنَافِق وَذَلِكَ كالمستحيل فَإِن الْعِزّ والمنعة كَانَت بِمَكَّة للْمُشْرِكين وَمن دخل فِي الْإِسْلَام تَعب بهم وآذوه بِكُل طَرِيق فَلَا يدْخل أحد فِي الْإِسْلَام إِلَّا إبتغاء وَجه الله لَا لرهبة إِذْ الرهبة من الطّرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 الآخر وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاق فِي أهل الْمَدِينَة لِأَن الْإِسْلَام فَشَا بهَا وَعز وَعلا على الشّرك فَبَقيَ أنَاس فِي قُلُوبهم زيغ وغل لم يُؤمنُوا فأسلموا فِي الظَّاهِر تقية وخوفا من السَّيْف والمهاجرون مَا أكرههم أحد وَلَا خَافُوا من الْمُسلمين بل هم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون) وَأَبُو بكر أفضلهم وَكلهمْ خاطبوه بخليفة رَسُول الله فَمن سماهم الله صَادِقين لَا يتفقون على ضَلَالَة وقولك يدل على نَقصه نعم كلنا نَاقص بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم نَدع عصمته كَمَا فَعلْتُمْ ثمَّ الله قد قَالَ لنَبيه (وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون) وَقَالَ للْمُؤْمِنين عَامَّة (وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا) وَقَالَ لنَبيه (لَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم وَلَا تحزن عَلَيْهِم) وَلَا يُنَافِي الْحزن الْإِيمَان وَمن شبه يَقِين الصّديق وَصَبره بِغَيْرِهِ من الصَّحَابَة فَهُوَ جَاهِل وَالصديق أرفع من عُثْمَان بِكَثِير فِي المناقب وَبعد ذَا فقد صَبر عُثْمَان وَثَبت ثباتا مَا مثله حاصروه وراموا طعنه وَقَتله وَهُوَ يمْنَع أنصاره ومواليه عَن حربهم إِلَى أَن ذبحوه وَهُوَ صابر محتسب موقن ثمَّ إِن قَوْله (لَا تحزن) لَا يلْزم مِنْهُ وُقُوع الْحزن وَكَذَا النَّهْي عَن كل شَيْء كَقَوْلِه (يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ) (وَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر) (فَلَا تكونن من الْجَاهِلين) وهب أَنه حزن فَكَانَ حزنه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِئَلَّا يقتل فَيذْهب الْإِسْلَام روى وَكِيع عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ لما هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ طَرِيق ثَوْر فَجعل أَبُو بكر يمشي خَلفه وَيَمْشي أَمَامه أُمَّاهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك فَقَالَ يَا رَسُول الله أَخَاف أَن تؤتي من خَلفك فأتأخر وأخاف أَن تؤتي من أمامك فأتقدم فَلَمَّا انتهيا إِلَى الْغَار قَالَ يَا رَسُول الله كَمَا أَنْت حَتَّى أقمه قَالَ نَافِع فَحَدثني رجل عَن ابْن أبي مليكَة أَن أَبَا بكر رأى جحرا فِي الْغَار فألقمه قدمه وَقَالَ يَا رَسُول الله إِن كَانَت لدغة كَانَت فِي وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَحزن الصّديق على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاحْتِمَال أَن يُؤْذِي يدل على كَمَال محبته وذبه عَنهُ وَقد أخبر الله عَن يَعْقُوب أَنه قَالَ (إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله) ثمَّ أَنْتُم تحكون عَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا من الْحزن على أَبِيهَا مَا لَا يُوصف وَأَنَّهَا اتَّخذت بَيت الأحزان وتصفونها بِمَا لَا يسوغ فالجاهل يُرِيد أَن يمدح فيقدح وَإِن قلت حزن أبي بكر على نَفسه من الْقَتْل دلّ ذَلِك على أَنه مُؤمن وَلم يكن مباطنا لقريش وَنَبِي الله قَالَ وَإِنَّا بك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ والحزن مُبَاح وعَلى ذَلِك تدل النُّصُوص وقلتم قَوْله (لصَاحبه) لَا يدل على إِيمَان وذكرتم (إِذْ يَقُول لصَاحبه وَهُوَ يحاوره) قُلْنَا لفظ الصاحب عَام وَمِنْه قَوْله (والصاحب بالجنب) لَكِن آيَة الْغَار بسياقها تدل على صُحْبَة الْمَوَدَّة والموالاة وَأما قَوْلك (فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ) فلأنهم كَانُوا إنهزموا فَلَو قَالَ (على رَسُوله) وَسكت لما دلّ الْكَلَام على نزُول السكينَة عَلَيْهِم وَأما هُنَا فَلم يحْتَج إِلَى هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ تَابعا مُطيعًا فَهُوَ صَاحبه وَالله مَعَهُمَا فَإِذا حصل للمتبوع هُنَا سكينَة وتأييد بِالْمَلَائِكَةِ كَانَ ذَلِك التَّابِع أَيْضا بِحكم اللَّازِم وَأَبُو بكر لما نعت بالصحبة الْمُطلقَة الدَّالَّة على كَمَال الْمُلَازمَة ونوه بهَا فِي أَحَق الْأَحْوَال أَن يُفَارق الصاحب فِيهَا مصحوبه وَهُوَ حَال شدَّة الْخَوْف كَانَ هَذَا دَلِيلا بطرِيق الفحوى على أَنه صَاحبه وَقت النَّصْر والتأييد والتمكين وَلِهَذَا لم ينصر الرَّسُول فِي موطن إِلَّا كَانَ أَبُو بكر أعظم المنصورين بعده وَلم يكن أحد من الصحتبة أعظم يَقِينا وثباتا مِنْهُ وَلِهَذَا قيل لَو وزن إيمَانه بِإِيمَان أهل الأَرْض لرجح كَمَا فِي السّنَن عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَل رأى أحد مِنْكُم رُؤْيا فَقَالَ رجل أَنا رَأَيْت كَأَن ميزانا من السَّمَاء نزل فوزنت أَنْت وَأَبُو بكر فرجحت بِهِ ثمَّ وزن أَبُو بكر وَعمر فرجح أَبُو بكر ثمَّ وزن عمر وَعُثْمَان فرجح عمر ثمَّ رفع الْمِيزَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 وقولك (وسيجنبها الأتقى) لَا يجوز أَن تكون الْآيَة خَاصَّة بِأبي الدحداح دون أبي بكر كَيفَ وَالسورَة مَكِّيَّة وَأَبُو الدحداح كَانَت قصَّته بِالْمَدِينَةِ بإتفاق فَإِن قَالَ أحد إِنَّهَا نزلت فِيهِ فَمَعْنَاه أَنه مِمَّن شملته الْآيَة فَإِن كثيرا مَا يَقُول بعض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ نزلت فِي كَذَا وَيكون المُرَاد أَي دلّت على هَذَا الحكم وتناولته وَمِنْهُم من يَقُول قد تنزل الْآيَة مرَّتَيْنِ بسببين وَقد ذكر ابْن حزم بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن الزبير وَغَيره أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَكَذَلِكَ ذكر الثَّعْلَبِيّ وَنَقله عَن عبد الله وَعَن سعيد بن الْمسيب وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ أعتق أَبُو بكر سَبْعَة كلهم يعذب فِي الله بِلَال وعامر بن فهَيْرَة والنهدية وابنتها وزبيرة وَأم عُمَيْس وَأمه بني المؤمل فَأَما زبيرة فَكَانَت رُومِية وَكَانَت لبني عبد الدَّار فَلَمَّا أسلمت عميت فَقَالُوا أعمتها اللات والعزى قَالَت فَهِيَ تكفر بِاللات والعزى فَرد الله بصرها وَأما بِلَال فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ مدفون فِي الْحِجَارَة فَقَالُوا لَو أَبيت إِلَّا أُوقِيَّة لبعناكه فَقَالَ أَبُو بكر لَو أَبَيْتُم إِلَّا مائَة أُوقِيَّة لَأَخَذته قَالَ وَفِيه نزلت (وسيجنبها الأتقى) إِلَى آخر السُّورَة وَأسلم وَله أَرْبَعُونَ ألفا فأنفقها فِي سَبِيل الله وَأَيْضًا فَلم يقل أحد إِن أَبَا الدحداح أتقى الْأمة بل الْعشْرَة وَغَيرهم أفضل مِنْهُ فَقَوْل من قَالَ نزلت فِي أبي بكر أصح فَإِنَّهُ أتقى الصَّحَابَة وَأكْرمهمْ عِنْد الله وَفِي الصَّحِيح مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر وَفِي البُخَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي مرض مَوته فَقعدَ على منبره وَقَالَ إِنَّه لَيْسَ أحد أَمن عَليّ فِي نَفسه وَمَاله من أبي بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لأتخذته خَلِيلًا وَلَكِن خلة الْإِسْلَام أفضل سدوا عني كل خوخة فِي الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر وَصحح التِّرْمِذِيّ عَن عمر قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي فَقلت الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا فَجئْت بِنصْف مَالِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أبقيت لأهْلك قلت مثله وأتى أَبُو بكر بِمَالِه كُله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أبقيت لأهْلك قَالَ أبقيت لَهُم الله وَرَسُوله فَقلت لَا أسابقك إِلَى شَيْء أبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 وَأما آيَة (قل للمخلفين) فقد اسْتدلَّ بهَا على خلَافَة الصّديق الشَّافِعِي والأشعري وَابْن حزم وَاحْتَجُّوا بِأَن الله قَالَ (فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة مِنْهُم فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا وَلنْ تقاتلوا معي عدوا إِنَّكُم رَضِيتُمْ بالقعود أول مرّة فاقعدوا مَعَ الخالفين (قَالُوا فَأمر الله نبيه فِي هَؤُلَاءِ بِهَذَا نعلم أَن الدَّاعِي لَهُم إِلَى الْقِتَال لَيْسَ هُوَ فَوَجَبَ أَن يكون من بعده وَلَيْسَ إِلَّا أَبَا بكر أَو عمر دعوا إِلَى قتال فَارس وَالروم وَغَيرهم أَو يسلمُونَ وَهَؤُلَاء جعلُوا الْمَذْكُورين فِي الْفَتْح هم المخاطبين فِي بَرَاءَة وَمن هُنَا صَار فِي الْحجَّة نظر وَالْفَتْح نزلت فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة بإتفاق وَبحث هُنَا شَيخنَا وَطول ودقق إِلَى أَن قَالَ فِي الْآيَة إِنَّهَا لَا تتَنَاوَل الْقِتَال مَعَ عَليّ قطعا لِأَن الله قَالَ (تقاتلونهم أَو يسلمُونَ) وَالَّذين حاربهم عَليّ كَانُوا مُسلمين بِنَصّ الْقُرْآن قَالَ الله (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا) الْآيَة فوصفهم بِالْإِيمَان مَعَ الإقتتال وَالْبَغي وَأخْبر أَنهم إخْوَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحسن وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين من الْمُسلمين فَجرى كَذَلِك وَدلّ عَلَيْهِ أَن مَا فعله السَّيِّد الْحسن كَانَ أرْضى لله من الْقِتَال وَأما مَا موهت بِهِ هذيانك ونقلك الْكَذِب الَّذِي هُوَ هجيراك وديدنك من أَمر الْعَريش فقولك هرب عدَّة مرار فِي غَزَوَاته فغزاة بدر أول مغازي الرَّسُول فَلَا غزا هُوَ وَلَا أَبُو بكر قبلهَا فَمَتَى هرب كلا لم يهرب قطّ حَتَّى يَوْم أحد مَا انهزم لَا هُوَ وَلَا عمر بل عُثْمَان تولى وَعَفا الله عَنهُ بِالنَّصِّ وَكَانَ أَبُو بكر أحد من ثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين كَمَا تقدم وَلَو كَانَ فِي الْجُبْن بِهَذِهِ المثابة لم يَخُصُّهُ الرَّسُول بِأَن يكون مَعَه فِي الْعَريش بل قَوْله للرسول إِذْ رَآهُ يستغيث بِاللَّه يَا نَبِي الله كَفاك مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك دَال على ثباته وَقُوَّة يقينه وَكَانَ هُوَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من شهد بَدْرًا مَعَ كَونهمَا لم يقاتلا فَمَا كل من قَاتل أفضل مِمَّن لم يُقَاتل فَإِن كنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 يَا رافض تصفه بالهروب مرَارًا وبالخور والفشل والفقر والإفلاس وبكونه خياطا وَكَانَ لَيْسَ بِذِي عشيرة وَلَا بَيته كبيت بني عبد منَاف وَبني مَخْزُوم وَلَا قَرِيبا من ذَاك وَلَا لَهُ عبيد وَلَا خدم فبالله لماذا خضع لَهُ السَّابِقُونَ الْأَولونَ وَبَايَعُوهُ وَقَالُوا يَا خَليفَة رَسُول الله مَا ذَاك وَالله إِلَّا النَّص فِيهِ وَلَوْلَا أفضليته عَلَيْهِم فِي نُفُوسهم كَمَا قَالَ عمر وَالله لِأَن أقدم فَتضْرب عنقِي لَا يقربنِي ذَلِك من إِثْم أحب إِلَيّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر قَالَ الرافضي واما إِنْفَاقه على الرَّسُول فكذب لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ مَال فَيُقَال من أعظم البلايا إِنْكَار الْمُتَوَاتر المستفيض الْقطعِي فَمن ذَا الَّذِي نقل من الثِّقَات أَو الضُّعَفَاء مَا زعمت أفبالوقاحة والمباهتة يُنكر جود حَاتِم وشجاعة عَليّ وحلم مُعَاوِيَة وغنى أبي بكر وفضله بل هَؤُلَاءِ لَا ذكر لَهُم فِي الْقُرْآن وَهُوَ فِيهِ نَص صَرِيح بفضله وغناه فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن مسطحًا كَانَ أَبُو بكر ينْفق عَلَيْهِ وَكَانَ أحد من تكلم فِي الْإِفْك فَحلف أَبُو بكر أَن لَا ينْفق عَلَيْهِ فَأنْزل الله قَوْله (وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يؤتو أولي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين والمهاجرين فِي سَبِيل الله وليعفوا وليصفحوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم) فَقَالَ أَبُو بكر بلَى وَالله إِنِّي لأحب أَن يغْفر الله لي فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّفَقَة وَقد اشْترى بِمَالِه سَبْعَة من الْمُعَذَّبين فِي الله وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر وَلما هَاجر استصحب مَا بَقِي من مَاله قيل كَانَت سِتَّة آلَاف وَكَانَ يتجر وقولك كَانَ مؤدبا كذب وَلَو كَانَ كَذَلِك لما شانه وَالْمَعْرُوف أَن أهل مَكَّة كَانَت الْكِتَابَة فيهم قَليلَة جدا وَلَو كَانَ أَبُو بكر معلما لَأَوْشَكَ أَن ينشأ فِي قُرَيْش خلق كثير يَكْتُبُونَ وَلَا كَانَ خياطا أَيْضا والخياطة فِي قُرَيْش نادرة لقلَّة الْحَاجة فَإِن عَامَّة ثِيَابهمْ الأزر والأردية وَلما اسْتخْلف أَرَادَ أَن يتجر لِعِيَالِهِ فَفرض لَهُ الْمُسلمُونَ من مَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 الله كِفَايَته لِئَلَّا يشْتَغل بِالتِّجَارَة عَن أعباء الْخلَافَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن أَبَا بكر لما ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ بِمَكَّة خرج مُهَاجرا حَتَّى إِذا بلغ برك الغماد لقِيه ابْن الدغنة سيد القارة وَقَالَ مثلك يَا أَبَا بكر لَا يخرج وَلَا يخرج إِنَّك تكسب المعدم وَتصل الرَّحِم وَتحمل الْكل وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق وَإِنِّي لَك لِجَار ارْجع واعبد رَبك ببلدك فَرجع بِهِ ابْن الدغنة وَطَاف فِي قُرَيْش فأجاره فَقَالُوا لَهُ مر أَبَا بكر فليعبد الله ربه فِي دَاره وَلَا يؤذنا وَلَا يستعلن بِعِبَادَتِهِ فَإنَّا نخشى أَن يفتن نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا الحَدِيث بِطُولِهِ وقولك لَو أنْفق لوَجَبَ أَن ينزل فِيهِ قُرْآن كَمَا نزل فِي عَليّ (هَل أَتَى) وَالْجَوَاب أَن حَدِيث نزُول هَل أَتَى من الموضوعات كَمَا قدمنَا وَلَو وَجب أَن ينزل قُرْآن فِي كل قَضِيَّة لَكَانَ الْمُصحف عشْرين سفرا كبارًا وقولك تَقْدِيمه فِي الصَّلَاة كَانَ من أَمر عَائِشَة فَمن بَاب الإفتراء والمكابرة وَجحد الْمُتَوَاتر فَمن نقل لَك مَا ذكرته إِسْنَاد ثَابت أم من نقل شيوخك الْمُفِيد والكراجكي وأمثالهما الَّذين تصانيفهم مشحونة بِالْكَذِبِ أفكانت صَلَاة وَاحِدَة حَتَّى يُقَال فِيهَا هَذَا وَأهل الْعلم يعلمُونَ أَن أَبَا بكر صلى بِالنَّاسِ أَيَّامًا مُتعَدِّدَة بِقرب الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة بِحَيْثُ يسمع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِرَاءَته وَلَا تخفى عَلَيْهِ إِمَامَته وتواتر أَن ذَلِك بِإِذْنِهِ والنصوص فِي ذَلِك كَثِيرَة جمة وَقد قَالَ نَبِي الله فِي مَرضه ذَلِك على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة أَنه قَالَ ادّعى لي أَبَاك وأخاك حَتَّى أكتب لَهُم كتابا فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن وَيَقُول قَائِل أَنا أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر فَهَذَا من إخْبَاره بالكوائن بعده وَلِهَذَا أعرض عَن الْكِتَابَة لأبي بكر لما علم أَن الله يجمعهُمْ عَلَيْهِ وَأَن الْمُؤمنِينَ يبايعونه وَلَا يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ لَا فِي الأول وَلَا فِي الآخر عِنْدَمَا اسْتخْلف عَلَيْهِم بعده خَيرهمْ أماتنا الله وَإِيَّاكُم على حب الْأَرْبَعَة فَإِن الْمَرْء مَعَ من أحب آخِره وَالله أعلم وَالْحَمْد لله على الْإِسْلَام وَالسّنة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وصحابته وأزواجه وَذريته الطيبين الظاهرين وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين فرغ مِنْهُ مُؤَلفه ومنتقيه من كتاب شيخ الْإِسْلَام أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية أسْكنهُ الله الْجنَّة وأجزل لَهُ الْمِنَّة فِي نَصره أَئِمَّة السّنة فِي الرَّد على ابْن المطهر الْبَغْدَادِيّ الشيعي وَالْأَصْل نَحْو من تسعين كراسة وَهَذَا الْمُنْتَقى فِيهِ كِفَايَة بِحَسب همم النَّاس وَالْأَصْل فبحسب همة الشَّيْخ تغمده الله برحمته آمين ملكه بالإبتياع الشَّرْعِيّ من فضل الله المفتقر إِلَى الله مُحَمَّد بن الْحسن الشَّافِعِي وَكَانَ الْفَرَاغ من هَذِه النُّسْخَة وتحريرها على يَد فَقير عَفْو الله تَعَالَى يُوسُف الشَّافِعِي عَفا الله عَنهُ فِي سلخ جُمَادَى الأولى عَام أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562