الكتاب: معنى لا إله إلا الله المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: 794هـ) المحقق: علي محيي الدين علي القرة راغي الناشر: دار الاعتصام - القاهرة الطبعة: الثالثة، 1405هـ/ 1985م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- معنى لا إله إلا الله - الزركشي الزركشي، بدر الدين الكتاب: معنى لا إله إلا الله المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: 794هـ) المحقق: علي محيي الدين علي القرة راغي الناشر: دار الاعتصام - القاهرة الطبعة: الثالثة، 1405هـ/ 1985م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وصل اللَّهُمَّ على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم الْحَمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد ذُو المناقب الحميدة وعَلى آله وَأَصْحَابه مَا دَار الزَّمَان بسيطة ومديده وَبعد فَهَذِهِ فَوَائِد جمة وفرائد يعْنى بهَا ذُو الهمة غالبها أبكار أبكار عزيزة الْوُجُود رخيصة الأسعار تتَعَلَّق بِكَلِمَة لَا إِلَه إِلَّا الله علقتها فِي لَيْلَة أقلقني فِيهَا رائد الْفِكر وتشعبات النّظر لَيْسَ لي فِيهَا سمير غير المحبرة والسراج وَلَا أنيس غير الْفِكر الْوَهَّاج هَذَا وبحره شَدِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الأمواج سريع الْأزْوَاج إِلَى أَن أَسْفر الصُّبْح فأعلن بالابتهاج وأنتجت مقدماته أشرف الإنتاج فسرت من عَالم الأفكار إِلَى عَالم الاستبصار واستغفرت الْعَزِيز الْغفار ورتبته على فُصُول الأول لَا نَافِيَة للْجِنْس مَحْمُولَة فِي الْعَمَل على نقيضها إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَاسْمهَا مُعرب ومبني فيبنى إِذا كَانَ مُفردا نكرَة على مَا كَانَ ينصب بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَسبب بنائِهِ تضمنه معنى الْحَرْف وَهُوَ من الاستغراقية يدل على ذَلِك ظُهُورهَا فِي قَول الشَّاعِر (فَقَامَ يذود النَّاس عَنْهَا بِسَيْفِهِ ... وَقَالَ أَلا لَا من سَبِيل إِلَى هِنْد) وَقيل بني لتركبه مَعهَا تركيب خَمْسَة عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَعَن السيرافي والزجاج أَن حَرَكَة لَا رجل وَنَحْوه حَرَكَة إِعْرَاب وَإِنَّمَا حذف التَّنْوِين تَخْفِيفًا وَيدل على ذَلِك الرُّجُوع إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 هَذَا الأَصْل فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه (أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... يدل على محصلة تبيت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن التَّقْدِير أَلا تروني رجلا وَإِن لم يكن مُفردا وأعني بِهِ الْمُضَاف والمشبه بِهِ أعرب نصبا نَحْو لَا خيرا من زيد الثَّانِي لَا هَذِه تخَالف إِن من أوجه أَحدهَا أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات بِخِلَاف إِن الثَّانِي أَن اسْمهَا إِذا لم يكن عَاملا كَمَا فِي لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُ يبْنى وَقد تقدم السَّبَب فِي عِلّة بنائِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الثَّالِث أَن ارْتِفَاع خَبَرهَا عِنْد إِفْرَاد اسْمهَا نَحْو لَا رجل قَائِم بِمَا كَانَ مَرْفُوعا بِهِ قبل دُخُولهَا لَا بهَا وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَخَالفهُ الْأَكْثَرُونَ وَلَا خلاف بَين الْبَصرِيين أَن ارتفاعه بهَا إِذا كَانَ عَاملا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الرَّابِع أَن خَبَرهَا لَا يتَقَدَّم على اسْمهَا وَلَو كَانَ ظرفا أَو مجرورا الْخَامِس أَنه يجوز إلغاؤها إِذا تَكَرَّرت نَحْو لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَك فتح الاسمين ورفعهما والمغايرة بَينهمَا السَّادِس أَنه يكثر حذف خَبَرهَا إِذا علم نَحْو {قَالُوا لَا ضير} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَتَمِيم لَا تذكره حِينَئِذٍ الثَّالِث اعْلَم أَن لَا لفظ مُشْتَرك بَين النَّفْي وَهِي فِيهِ على قسمَيْنِ قسم تَنْفِي مَعَه الْجِنْس فتعمل عمل إِن كَمَا تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وَقسم تَنْفِي فِيهِ الْوحدَة وتعمل حِينَئِذٍ عمل لَيْسَ وَبَين النَّهْي وَالدُّعَاء فتجزم فعلا وَاحِدًا قلت هَكَذَا ادّعى جمَاعَة من النَّحْوِيين أَن لَا العاملة عمل لَيْسَ لَا تكون إِلَّا نَافِيَة للوحدة لَا غير ورد عَلَيْهِم بِنَحْوِ قَوْله (تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَلَا هَذِه العاملة عمل لَيْسَ تخَالف لَيْسَ من وُجُوه أَحدهَا أَن عَملهَا قَلِيل الثَّانِي أَن ذكر خَبَرهَا قَلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الثَّالِث أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات خلافًا لِابْنِ جني وَعَلِيهِ قَول النَّابِغَة (وحلت سَواد الْقلب لَا أَنا بَاغِيا ... سواهَا وَلَا عَن حبها متراخيا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَعَلِيهِ بنى المتنبي قَوْله (إِذا الْجُود لم يرْزق خلاصا من الْأَذَى ... فَلَا الْحَمد مكسوبا وَلَا المَال بَاقِيا) وَقد ترد لَا زَائِدَة تَقْوِيَة للْكَلَام نَحْو {مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا أَلا تتبعن} {مَا مَنعك أَلا تسْجد} وتوضحه الْآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الْأُخْرَى {مَا مَنعك أَن تسْجد} الرَّابِع إِذا عرف أَن لَا فِي كلمة الْإِخْلَاص نَافِيَة للْجِنْس فإله اسْمهَا وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا وَاسْمهَا فِي مَحل رفع بِالِابْتِدَاءِ وَلَا عمل لَهَا فِي الْخَبَر وَمذهب الْأَخْفَش أَن اسْمهَا فِي مَحل رفع وَهِي عاملة فِي الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الْخَامِس قَول لَا إِلَه إِلَّا الله قدر فِيهِ الْأَكْثَرُونَ خبر لَا محذوفا فَقدر بَعضهم الْوُجُود وَبَعْضهمْ لنا وَبَعْضهمْ بِحَق قَالَ لِأَن آلِهَة الْبَاطِل مَوْجُودَة فِي الْوُجُود كالوثن وَالْمَقْصُود نفي مَا عدا إِلَه الْحق وَنَازع فِيهِ بَعضهم وَنفى الْحَاجة إِلَى قيد مُقَدّر محتجا بِأَن نفي الْمَاهِيّة من غير قيد أَعم من نَفيهَا بِقَيْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَالتَّقْدِير أولى جَريا على الْقَاعِدَة الْعَرَبيَّة فِي تَقْدِير الْخَبَر وعَلى هَذَا فَالْأَحْسَن تَقْدِير الْأَخير لما ذكر ولتكون الْكَلِمَة جَامِعَة لثُبُوت مَا يَسْتَحِيل نَفْيه وَنفي مَا يَسْتَحِيل ثُبُوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 السَّادِس ذكر بَعضهم أَن إِلَّا فِي كلمة الشَّهَادَة بِمَعْنى غير وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} ثمَّ بقول الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 (وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان) فَإِنَّهُ لَو حمل إِلَّا على الِاسْتِثْنَاء الصَّرِيح لم يكن اللَّفْظ بِالْكَلِمَةِ الشَّرِيفَة توحيدا مَحْضا فَإِن تَقْدِير الْكَلَام لَا إِلَه مُسْتَثْنى عَنهُ الله فَلَا يكون نفيا لآلهة لَا يسْتَثْنى عَنْهَا الله وَهَذَا لَيْسَ بتوحيد وَهَذَا الْقَائِل مُنَازع فِي هَذَا الْفَهم وَإِجْمَاع الْعلمَاء على أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 يُفِيد التَّوْحِيد الْمَحْض وَإِطْلَاق الشَّارِع لَهَا غير مُقَيّدَة بِقَيْد لَا سِيمَا فِي مَوضِع الْبَيَان وَالتَّفْسِير دَلِيل قَطْعِيّ على أَنه صَرِيح فِيهِ وَأما حمل الْآيَة على معنى غير فَظَاهر لِأَنَّهَا مَرْفُوعَة نعتا لآلهة لَا أَن المُرَاد بهَا الِاسْتِثْنَاء إِذْ المُرَاد نفي الْمَعِيَّة لانْتِفَاء التمانع الْمَنْفِيّ لانْتِفَاء غير الله تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي أوردهُ المتكلمون فِي صُورَة التَّقْسِيم الْمُسَمّى عِنْدهم برهَان الْخلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَأما مَجِيء كلمة التَّوْحِيد بإلا فلأدائها معنى الْوحدَة وَتَقْدِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 لَفْظَة غير فِي الْآيَة لوُجُوب نفي مُدبر لَهما إِلَّا وَاحِد وَوُجُوب أَن لَا يكون ذَلِك الْوَاحِد إِلَّا الله تَعَالَى وَحده قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن قلت لم وَجب الْأَمْرَانِ قلت لعلمنا أَن الرّعية لتفسد بتدبير الْملكَيْنِ لما يحدث بَينهمَا من التغالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَالِاخْتِلَاف وَهُوَ معنى مَا أردنَا بِانْتِفَاء التمانع السَّابِع قَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين تصور الْإِثْبَات مُتَقَدم على تصور النَّفْي بِدَلِيل إِمْكَان تصور الْإِثْبَات مُجَردا عَن تصور الْعَدَم دون الْعَكْس فَمَا مُوجب مُخَالفَته فِي كلمة الشَّهَادَة وَأجَاب بِأَن نفي الوجوبية عَن الْغَيْر ثمَّ إِثْبَاتهَا لله تَعَالَى آكِد من الْإِثْبَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَأهل الْمعَانِي يَقُولُونَ إِنَّمَا بدا بِالنَّفْيِ لِأَن النَّفْي تَفْرِيغ الْقلب فَإِذا كَانَ خَالِيا كَانَ أقرب إِلَى ارتسام التَّوْحِيد فِيهِ وإشراق نور الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَفِي كَلَام بَعضهم أَنه إِنَّمَا بَدَأَ بِالنَّفْيِ لتطهير الْقلب من الأغيار وصقل جوهره لاستجلاء الْأَنْوَار وَحُصُول الْأَسْرَار وَقُوَّة الْأَبْصَار وَهَذَا أشبه بمعارف الصُّوفِيَّة وأليق بمعاني الْأَسْرَار الربانية الثَّامِن قَول لَا إِلَه إِلَّا الله فِيهِ خاصيتان إِحْدَاهمَا أَن جَمِيع حروفها جوفية لَيْسَ فِيهَا من الْحُرُوف الشفهية للْإِشَارَة إِلَى الْإِتْيَان بهَا من خَالص جَوْفه وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْقلب لَا من الشفتين الثَّانِيَة انه لَيْسَ فِيهَا حرف مُعْجم بل جَمِيعهَا متجردة عَن النقط إِشَارَة إِلَى التجرد عَن كل معبود سوى الله تَعَالَى التَّاسِع قَول لَا إِلَه إِلَّا الله أَي على هَذِه الصِّيغَة الْخَاصَّة الجامعة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات ليدل على حصر الإلهية لله تَعَالَى فَإِن الْجمع بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات أبلغ صِيغ الْحصْر وَقد ثَبت الْعلم الضَّرُورِيّ بالاكتفاء بِهَذِهِ الْكَلِمَة الشَّرِيفَة فِي إِثْبَات التَّوْحِيد لله تَعَالَى من غير نظر إِلَى وَاسِطَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات وَلَا انضمام لفظ آخر إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 لَكِن هَل إفادتها لهَذَا الْإِثْبَات بِوَضْع لغَوِيّ أَو شَرْعِي أَو أَنَّهَا إِنَّمَا تفِيد نفي شركَة إِلَه آخر فَأَما إِثْبَات الإلهية لله تَعَالَى فَإِنَّهُ مَعْلُوم بِالْعلمِ الضَّرُورِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الْحَاصِل فِي الطباع لكل عَاقل وَعند هَذَا الْقَائِل الْمَقْصُود بالإثبات ثُبُوت صفة مدح لله تَعَالَى وَادّعى بَعضهم أَن هَذَا الْإِثْبَات حصل بِالْقَرِينَةِ مَعَ اللَّفْظ والقرينة حُصُول الْعلم بِأَن الْمَطْلُوب من الْخلق على أَلْسِنَة الرُّسُل إِثْبَات التَّوْحِيد فَدلَّ بِالْقَرِينَةِ على أَن النَّاطِق بِالشَّهَادَةِ إِنَّمَا يُرِيد هَذَا الْمَعْنى وَهَذَا يقرب من القَوْل بِأَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي لَيْسَ إِثْبَاتًا متمسكا بِأَن الْأَلْفَاظ مَوْضُوعَة للدلالة على الْأَحْكَام الذهنية لَا على الْأُمُور الخارجية وَالْحق أَن خطاب الْمُكَلّفين بِهَذِهِ الْكَلِمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الشَّرِيفَة وتكليفهم إِيَّاهَا لَيْسَ إِلَّا لإِثْبَات إلهية الله تَعَالَى وَحده لاكتفاء الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا من غير اعْتِبَار لفظ زَائِد عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَلَوْلَا إفادتها التَّوْحِيد لوَجَبَ بَيَان الْوَاجِب الزَّائِد عَلَيْهَا فَإِن التَّوْحِيد هُوَ الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ من بعثة الرُّسُل واتفاق الْخَاصَّة والعامة سلفا وخلفا أَن مدلولها إِثْبَات التَّوْحِيد وإطلاقهم عَلَيْهَا كلمة التَّوْحِيد إِجْمَاع مِنْهُم فدعوى زَائِد على ذَلِك تشغيب على الشَّرْع بالمصطلحات الجدلية وَهُوَ غير مُعْتَبر وَلَا جَائِز وَقد اسْتدلَّ أَيْضا على عدم الْوَاسِطَة بِأَن النكرَة بعد لَا لنفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْعَام فتفيد نفي كل آلِهَة ف إِلَّا بعْدهَا لإِثْبَات ضِدّه وَهُوَ بثوت الإلهية لله تَعَالَى وَهَذَا ظَاهر وَأنْشد (وَلَيْسَ يَصح فِي الأفهام شَيْء ... إِذا احْتَاجَ النَّهَار إِلَى دَلِيل) الْعَاشِر سوى الزَّمَخْشَرِيّ بَين لَا إِلَه إِلَّا الله وَبَين مَا من إِلَه إِلَّا الله لِأَن كل وَاحِدَة من الجملتين اشْتَمَل الْكَلَام مِنْهَا على نفي وَإِثْبَات وَمن الْمُؤَكّدَة للنَّفْي الْمُسْتَغْرق فِي إِحْدَى الجملتين ملفوظ وَالْأُخْرَى تَضَمَّنت الْجُمْلَة مَعْنَاهَا وَالظَّاهِر أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ابلغ وَلِهَذَا اختيرت فِي الْأَغْلَب وَسَببه أَن لَا أقعد بِالنَّفْيِ الْعَام الْمَقْصُود هَهُنَا من مَا أَلا ترى أَن الْمَقْصُود من لَا نفي الذوات بِدَلِيل حذف خَبَرهَا كثيرا إِيذَانًا بِأَن الْغَرَض الِاسْم لَا الْخَبَر وَلَا يُمكن أَن يحذف خبر مَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِالنَّفْيِ فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُود فِي بَاب كلمة التَّوْحِيد نفي ذَات إِلَه سوى الله تَعَالَى كَانَت لَا أقعد بذلك وَأَيْضًا فَإِن الْحَرْف الَّذِي هُوَ من إِذا حذف وَضمن الِاسْم مَعْنَاهُ وَركب مَعَ لَا كَانَ أبلغ من بِنَاء الْحَرْف لِأَن التَّضْمِين يصير الِاسْم دَالا على الِاسْتِغْرَاق وَدلَالَة الِاسْم أمكن من دلَالَة الْحَرْف ثمَّ التَّرْكِيب يحدث زِيَادَة لَا تكون قبله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 إِلَه إِلَّا الله لِأَن كل وَاحِدَة من الجملتين اشْتَمَل الْكَلَام مِنْهَا على نفي وَإِثْبَات وَمن الْمُؤَكّدَة للنَّفْي الْمُسْتَغْرق فِي إِحْدَى الجملتين ملفوظ وَالْأُخْرَى تَضَمَّنت الْجُمْلَة مَعْنَاهَا وَالظَّاهِر أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ابلغ وَلِهَذَا اختيرت فِي الْأَغْلَب وَسَببه أَن لَا أقعد بِالنَّفْيِ الْعَام الْمَقْصُود هَهُنَا من مَا أَلا ترى أَن الْمَقْصُود من لَا نفي الذوات بِدَلِيل حذف خَبَرهَا كثيرا إِيذَانًا بِأَن الْغَرَض الِاسْم لَا الْخَبَر وَلَا يُمكن أَن يحذف خبر مَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِالنَّفْيِ فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُود فِي بَاب كلمة التَّوْحِيد نفي ذَات إِلَه سوى الله تَعَالَى كَانَت لَا أقعد بذلك وَأَيْضًا فَإِن الْحَرْف الَّذِي هُوَ من إِذا حذف وَضمن الِاسْم مَعْنَاهُ وَركب مَعَ لَا كَانَ أبلغ من بِنَاء الْحَرْف لِأَن التَّضْمِين يصير الِاسْم دَالا على الِاسْتِغْرَاق وَدلَالَة الِاسْم أمكن من دلَالَة الْحَرْف ثمَّ التَّرْكِيب يحدث زِيَادَة لَا تكون قبله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْحَادِي عشر استغراق الْمُفْرد أَكثر تناولا لأفراد الْمُسَمّى من استغراق الْجمع بِدَلِيل صِحَة لَا رجال فِي الدَّار إِذا كَانَ فِيهَا رجل أَو رجلَانِ دون لَا رجل فَإِنَّهُ لَا يصدق إِذا كَانَ فِيهَا رجل أَو رجلَانِ وَمن هُنَا يظْهر لطف قَوْله تَعَالَى حاكيا عَن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي وَهن الْعظم مني} وَلم يقل الْعِظَام قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ (إِنَّمَا وحد الْعِظَام لِأَن الْوَاحِد هُوَ الدَّال على معنى الجنسية وقصده إِلَى أَن هَذَا الْجِنْس الَّذِي هُوَ عَمُود الْبدن وَبِه قوامه قد أَصَابَهُ الوهن وَلَو جمع لَكَانَ قصد إِلَى معنى آخر وَهُوَ أَنه لم يهن مِنْهُ بعض عِظَامه وَلَكِن كلهَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان هُنَا أَمر يَنْبَغِي أَن يتفطن لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 النَّاظر وَهُوَ أَن لفظ التَّمْر أَحْرَى باستيعاب الْجِنْس من التمور فَإِن التَّمْر يسترسل على الْجِنْس لَا بِصِيغَة لَفظه والتمور ترده إِلَى تخيل الوحدان ثمَّ الِاسْتِغْرَاق بعده بِصِيغَة الْجمع قَالَ شارحوه يُرِيد أَن الْمُطلق يُطلق لفظ التَّمْر بِإِزَاءِ الْمَعْنى المكمل للآحاد والتمور يلْتَفت فِيهِ إِلَى الوحدان فَلَا يحكم فِيهِ على الْحَقِيقَة بل على أفرادها إِذا عرفت هَذَا فَلَا يخفى عَلَيْك لطف نفي الْمُفْرد فِي كلمة الشَّهَادَة الثَّانِي عشر لفظ إِلَه فِي كلمة الشَّهَادَة نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي فَيعم بِلَا شكّ وَالْمَقْصُود أَن قَوْلهم النكرَة إِذا كَانَت فِي سِيَاق النَّفْي للْعُمُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 لَيْسَ على إِطْلَاقه فقد اتّفق الأدباء والأصوليون على أَن قَوْلنَا لَا رجل فِي الدَّار بِالرَّفْع لَا يُفِيد الْعُمُوم بل يُقَال لَا رجل فِي الدَّار بل اثْنَان مَعَ أَنه نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي وَاتفقَ النَّاس أَيْضا على أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 قَوْلنَا لَيْسَ كل حَيَوَان إنْسَانا وَلَيْسَ كل عدد زوجا كَلَام صَادِق وَلَيْسَ للْعُمُوم مَعَ أَنه نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي وَلَا يُمكن أَن يضْبط مَحل النزاع بِأَن النكرَة إِذا بنيت مَعَ لَا لِأَن قَوْلنَا مَا جَاءَك من أحد وَلَيْسَ فِي الدَّار أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 للْعُمُوم مَعَ عدم الْبناء فَيبقى ضبط مَحل النزاع مُشكلا وَالْجَوَاب أَنا نقُول مَتى كَانَت النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي فَهِيَ للْعُمُوم مَا عدا هَاتين الصُّورَتَيْنِ وَسبب اسْتثِْنَاء هَاتين الصُّورَتَيْنِ بَين أما الأولى فَلِأَن المُرَاد بهَا نفي الْمَاهِيّة الْكُلية بِقَيْد الْوحدَة لَا بِقَيْد التتبع فِي جملَة الْمحَال فَلَا جرم حسن أَن يُقَال لَا رجل فِي الدَّار بل اثْنَان أما إِذا بنيت النكرَة مَعَ لَا فَلَا لِأَنَّهُ جَوَاب لمن قَالَ هَل من رجل فِي الدَّار فَقيل لَهُ لَا رجل فِي الدَّار أَي لَا وَاحِد من أحاد مَا ذكرته كَائِن فِي الدَّار وتضمن من هُوَ سَبَب بِنَاء اسْمهَا مَعهَا كَمَا تقدم وَأما هَهُنَا لما قدر الْبناء دلّ على عدم سَببه وَهُوَ تضمن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فَيكون إِخْبَارًا مستأنفا لَا جَوَابا وَأما الصُّورَة الثَّانِيَة فَلِأَنَّهَا سلب الحكم عَن العمومات وَتَقْرِيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أَنا نتوهم أَن قَائِلا قَالَ كل عدد زوج فَأثْبت حكم الزَّوْجِيَّة على الْعُمُوم فقصدنا أَن نرفع هَذِه الْمُوجبَة الْكُلية وَيَكْفِي فِي رفع الْمُوجبَة الْكُلية السَّلب عَن فَرد من أفرادها وَلذَلِك كَانَت السالبة الْجُزْئِيَّة نقيض الْمُوجبَة الْكُلية فَنحْن سالبون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 لحكم الْكُلية لَا حاكمون بالسلب لأفراد الْكُلية فَحَيْثُ ادعينا أَن النكرَة للْعُمُوم هُوَ حَيْثُ يكون الحكم بالسلب لأفراد النكرَة لَا حَيْثُ يكون الحكم مُسَاوِيا لجزء كل أفرادها بل هَذِه سالبة جزئية الثَّالِث عشر زعمت الْحَنَفِيَّة أَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي إِنَّمَا عَمت بطرِيق الِالْتِزَام لَا بالمطابقة وَالْمَقْصُود بِالنَّفْيِ إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى الْكُلِّي بِالْوَضْعِ فَيلْزم من نَفْيه نفي جزئياته بطرِيق الِالْتِزَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَالْحق أَن الْعَرَب وضعت اللَّفْظ للْحكم بالسلب على كل وَاحِد من تِلْكَ الجزيئات وَاللَّفْظ يدل على ذَلِك مُطَابقَة وَيرد على الْحَنَفِيَّة أَن الِاسْتِثْنَاء يرد على العمومات فعلى رَأْيهمْ لَا يكون من جنس الْمَنْطُوق بِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقَة الْكُلية على زعمهم وعَلى رَأينَا يكون من جنس الْمَنْطُوق لِأَن الْمَنْطُوق هُوَ السالبة الْكُلية وَالْأَصْل فِي الِاسْتِثْنَاء أَن يكون مُتَّصِلا مخرجا لما يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ مُطَابقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الرَّابِع عشر النكرَة المنفية كَمَا فِي كلمة الشَّهَادَة أقوى فِي الدّلَالَة على الْعُمُوم من النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي وَلذَلِك قَالَ سيف الدّين الْآمِدِيّ فِي أبكار الأفكار إِن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي لَا تعم وَإِنَّمَا تعم النكرَة المنفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْخَامِس عشر إِذا عرفت هَذَا عرفت أَن النكرَة فِي سِيَاق الْإِثْبَات لَا تعم كَذَا أطلق جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ وَالْحق غَيره وَأَنَّهَا بِحَسب المقامات وَالَّذِي أريده هُنَا أَنه تستثنى من ذَلِك صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا إِذا كَانَت فِي سِيَاق الشَّرْط نبه عَلَيْهِ الإِمَام فِي الْبُرْهَان الثَّانِيَة إِذا كَانَت فِي سِيَاق الامتنان نَص عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ السَّادِس عشر اعْلَم أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي وَحكي عَن الْحَنَفِيَّة الْمَنْع فِي الأول وَأَنَّهُمْ أثبتوا وَاسِطَة بَين الحكم بِالنَّفْيِ وَالْحكم بالإثبات وَهُوَ عدم الحكم بِشَيْء وَاحْتج لذَلِك بِأَن الْإِثْبَات أخص من النَّفْي فَلَا يسْتَلْزم ثُبُوت الْأَعَمّ ثُبُوته فَيكون حكم الْمُسْتَثْنى مسكوتا عَنهُ وَهُوَ منقدح ظَاهر وَوَجهه بعض متكلميهم بِأَن لَا عَالم من قَوْلك لَا عَالم إِلَّا زيد يتَضَمَّن شَيْئَيْنِ الحكم بِالْعدمِ وَنفي هَذَا الْعَدَم فالاستثناء بعده يحْتَمل أَن يعود على الحكم بِالْعدمِ فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 يسْتَلْزم تحقق الثُّبُوت فَيبقى الْمُسْتَثْنى غير مَحْكُوم عَلَيْهِ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات وَهَذَا معنى الْوَاسِطَة الَّتِي أثبتوها وعورض بِأَن الِاسْتِثْنَاء يحْتَمل أَن يعود إِلَى نفس النَّفْي وَإِذا انْتَفَى النَّفْي ثَبت الْإِثْبَات قطعا ضَرُورَة ترَتّب وجود الضِّدّ على عدم الضِّدّ وَأَيْضًا بِأَن الظَّاهِر عدم وَاسِطَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات وَالْأَصْل عدم خلاف الظَّاهِر فإثبات وَاسِطَة خلاف الأَصْل وَلَهُم أَن يجيبوا بِأَن الأَصْل النَّفْي وَالْأَصْل بَقَاء الأَصْل الثَّابِت وَالْإِثْبَات فِي الْكَلِمَة مُسْتَفَاد من الْوَضع الشَّرْعِيّ والنزاع إِنَّمَا هُوَ فِي مَدْلُول الْوَضع اللّغَوِيّ وَهَذَا منقدح أَيْضا وَأما الْمثل الَّتِي تورد فِي الِاحْتِجَاج على تَقْرِير هَذِه الْقَاعِدَة فَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وَلَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور وَلَا علم إِلَّا بحياة وَدَعوى الْمُسْتَدلّ مِنْهُم أَن قَوْلهم يسْتَلْزم حُصُول الصَّلَاة وَوُجُود النِّكَاح بِمُجَرَّد حُصُول الطَّهَارَة وَالْوَلِيّ كَمَا يسْتَلْزم قَوْلنَا لَا عَالم إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 زيد ثُبُوت الْعلم لزيد وَلَيْسَ كَذَلِك قطعا فَهُوَ غير قَادِح وَقد أُجِيب فِي كتب الْأُصُول بِأَن هَذِه الصُّور شُرُوط وَإِنَّمَا لم يلْزم فِيهَا إِثْبَات الحكم الْخَارِجِي من حَيْثُ أَن الشَّرْط لَا يلْزم مِنْهُ حُصُول الْمَشْرُوط فَعدم دلَالَة هَذِه الصُّور على الْإِثْبَات لذَلِك وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن يقدر مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ وَهُوَ لَا صَلَاة إِلَّا صَلَاة بِطهُور وَلَا نِكَاح إِلَّا نِكَاح بولِي وَلَا علم إِلَّا علم بحياة وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاء من الْعلم وَالصَّلَاة وَإِلَّا لَكَانَ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا فَثَبت الْمُدعى وَهُوَ أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات السَّابِع عشر اسْم الله سُبْحَانَهُ علم وَاجِب لذاته الَّذِي تفرد بِهِ تَعَالَى فَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 يَجْعَل لغيره شركَة فِي لَفظه كَمَا لم يكن لأحد شركَة فِي مَعْنَاهُ وَعَلِيهِ تجرى صِفَاته وَهُوَ بِمَثَابَة الْعلم من حَيْثُ إِنَّه يُوصف وَلَا يُوصف بِهِ لِأَنَّهُ اسْم علم لله كأسماء الْأَعْلَام الَّتِي سمي بهَا غَيره تَعَالَى فَإِن الْأَعْلَام فِي الأَصْل وضعت للتمييز بَين المسميين وَهَذَا محَال على الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَهُوَ أَيْضا مُسْتَثْنى من الْخلاف فِي أَن أَي المعرفتين أعرف وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ اسْم الله تَعَالَى أعرف المعارف وَرُوِيَ أَنه رئي فِي الْمَنَام وَقد نَالَ خيرا كثيرا بِهَذِهِ الْكَلِمَة الثَّامِن عشر ذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن اسْم الله تَعَالَى بِمَثَابَة الِاسْم الْعلم غير مُشْتَقّ من شَيْء وَاحْتج بقوله {هَل تعلم لَهُ سميا} فَلَو كَانَ مشتقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 لَكَانَ لَهُ سمي لِأَن الْمُشْركين سموا أصنامهم آلِهَة وَهَذَا غير لَازم لِأَن الَّذِي سمى بِهِ الْمُشْركُونَ أصنامهم هُوَ مَا حَكَاهُ الله تَعَالَى بقوله {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} وَقَالَ {إِلَهكُم وإله مُوسَى} فَأَما اسْم الله فلام التَّعْرِيف اللَّازِمَة عوض عَن الْهمزَة فَلم يسم بِهِ غير الله وَلم يسْتَعْمل قطّ مُنْكرا وَقَوله تَعَالَى {هَل تعلم لَهُ سميا} أَي هَل تعلم شَيْئا يُسمى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 غَيره أَو هَل تعلم لَهُ نظيرا فِي الْخلق وَوُجُوب الإلهية وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم الِاشْتِقَاق لِاتِّحَاد الْمَعْنى فَإِن الْعَرَب قد تضع للمعنيين اسْمَيْنِ مُخْتَلفين من لفظ وَاحِد فقد قَالُوا للْبِنَاء حُصَيْن وللمرأة حصان وللشجر رزين وللمرأة رزان وَكِلَاهُمَا مُشْتَقّ من الحصانة والرزانة وَمن زعمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الْكَاذِب أَن العيوق عَاق الدبران لما سَاق إِلَى الثريا مهْرا وَهِي نُجُوم صغَار نَحْو عشْرين نجما فَهُوَ يتبعهَا أبدا خاطبا لَهَا والدبران يعوقه وَلذَلِك سموا هَذِه النُّجُوم القلاص وَعَلِيهِ انشد قَول الشَّاعِر (أما ابْن طوق فقد أوفى بِذِمَّتِهِ ... كَمَا وفى بقلاص النَّجْم حاديها) وعَلى هَذَا لَا يمْتَنع أَن يكون الله مشتقا من الألوهية وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الْمَذْهَب الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَقيل مُشْتَقّ من أَله إِذا فزع وَالله تَعَالَى مفزع كل شَيْء وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَو من أَله إِذا تحير ودهش لِأَن الْعُقُول تحار فِي بحار عَظمَة الله سُبْحَانَهُ أَن تحيط بِهِ الأفكار أَو يحده الْمِقْدَار وَفِي اشتقاقه أَقْوَال غير هَذِه التَّاسِع عشر قيل اسْم الله تَعَالَى مَنْقُول إِلَى الِاخْتِصَاص بعد الْعُمُوم وَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 أَصله أَلا ثمَّ اخْتصَّ بِهِ تَعَالَى كالاختصاص فِي العيوق والدبران والنجم وَنَحْوهَا من الْأَسْمَاء المختصة بِالْألف وَاللَّام كالحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَالْعَبَّاس والْحَارث مِمَّا كَانَ فِي الأَصْل صفة وَذهب آخَرُونَ وَمِنْهُم الْمَازِني أَن اسْم الله تَعَالَى وَقع هَكَذَا فِي أول أَحْوَاله لَيْسَ أَصله إِلَه وَاعْترض عَلَيْهِ الرياشي فَقَالَ لم أثبت أَن يكون أَصله الْإِلَه ثمَّ خفف بِحَذْف الْهمزَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فَأجَاب بِأَنَّهُ لَو كَانَ أَصله الْإِلَه لَكَانَ مُقْتَضَاهُ فِي الْحَالين وَاحِدًا كالأناس وَالنَّاس ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام الْعَرَبِيّ اسْم فِيهِ الْألف وَاللَّام إِلَّا وهما مقدران زائدين وَإِن كَانَا لازمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَمن جِهَة الْمَعْنى بِأَن الْأَعْلَام إِنَّمَا وضعت للفصل بَين مَا تشابه وَيشْتَبه وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِن الْعلم كَأَنَّهُ مَجْمُوع صِفَات يَعْنِي أَنه وضع لترك الإطالة بِذكر الصِّفَات وَإِذا كَانَ كَذَلِك امْتنع أَن يكون الله تَعَالَى اسْم علم لِاسْتِحَالَة الشبيه والنظير لَهُ تَعَالَى قَالَ الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد السَّيِّد إِن قَالَ قَائِل إِن الصِّفَات إِنَّمَا وضعت للفصل عِنْد التشابه فَإِذا اسْتَحَالَ أَن يكون للباري تَعَالَى اسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 علم لِأَنَّهُ لَا شَبيه لَهُ فَذَلِك وَارِد فِي الصِّفَات لِاسْتِحَالَة الشبة بَينه وَبَين غَيره قيل لَهُ لَيْسَ الْغَرَض بِذكر الصِّفَات الْفَصْل بَين الموصوفين خَاصَّة بل قد ترد الصِّفَات لذَلِك وَقد ترد للمدح أَو الذَّم أَو الترحم وَإِن لم يكن إلباس وَالْفرق بَينهمَا أَن الأول حكمه أَن تجْرِي الصّفة على الْمَوْصُوف فِي إعرابه وَلَا مُخَالفَة لِأَنَّهُ لما كَانَ لَا يفهم إِلَّا مَعَ ذكر صفته صَارا كالشيء الْوَاحِد وَلأَجل هَذَا شبه سِيبَوَيْهٍ الصّفة والموصوف بالصلة والموصول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَأما الثَّانِي فَيجوز فِيهِ الإجراء وَالْقطع وعَلى هَذَا الثَّانِي تحمل صِفَات الله تَعَالَى يَعْنِي أَنَّهَا أجريت عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ للمدح لَا للتعريف ثمَّ الْألف وَاللَّام فِي اسْم الله تَعَالَى الظَّاهِر أَنَّهَا للْعهد أَي الَّذِي عهِدت لَهُ الألوهية قيل وَكَذَا فِي جَمِيع صِفَاته تَعَالَى ويستحيل كَونهَا للْجِنْس كَمَا سبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِنَّهَا للتفخيم ورد بِعَدَمِ نَظِيره فِي كَلَام الْعَرَب وَقَالَ من جعل اسْم الله علما غير مَنْقُول هما زائدتان وَهُوَ تنَاقض فَإِن حرف التَّعْرِيف لَا يُزَاد فِي الْأَعْلَام غير المنقولة إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر كَقَوْلِه (وجدنَا الْوَلِيد بن اليزيد خَليفَة ... ) وَاخْتلف فِي كَيْفيَّة دخولهما عَلَيْهِ فَقيل أَصله إلاه وَعَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْخَلِيل أَصله لاه وَفِي الْقَوْلَيْنِ تصرف تصريفي وَالْألف على الأول زَائِدَة وعَلى الثَّانِي أَصْلِيَّة وَنقل السُّهيْلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَابْن الْعَرَبِيّ فيهمَا قولا غَرِيبا وَهُوَ أَن الْألف وَاللَّام فِيهِ أَصْلِيَّة غير زَائِدَة وَاعْتَذَرُوا عَن وصل الْهمزَة بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال كَمَا يَقُول الْخَلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 فِي همزَة التَّعْرِيف ورد قَوْلهمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن ينون لفظ الْجَلالَة لِأَن وَزنه حِينَئِذٍ فعال وَلَيْسَ فِيهِ مَا يمنعهُ من التَّنْوِين فَدلَّ على أَن أل فِيهِ زَائِدَة وَمن غَرِيب مَا قيل فِيهِ إِنَّه صفة وَلَيْسَ باسم لِأَن الِاسْم يعرف الْمُسَمّى وَالله تَعَالَى لَا يدْرك حسا وَلَا بديهة فَلَا يعرفهُ اسْمه وَإِنَّمَا تعرفه صِفَاته وَلِأَن الْعلم قَائِم مقَام اسْم الْإِشَارَة وَالله تَعَالَى يمْتَنع ذَلِك فِي حَقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَقد رد الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا القَوْل بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّك تصفه وَلَا تصف بِهِ فَنَقُول إِلَه عَظِيم وَاحِد كَمَا تَقول نَبِي عَظِيم وَرجل كريم وَلَا تَقول شَيْء إِلَه كَمَا لَا تَقول شَيْء رجل وَلَو كَانَ صفة لوقع موقع صفة لغيره لَا مَوْصُوفا الْعشْرُونَ من خَواص اسْم الله تَعَالَى أَن أَسمَاء الله كلهَا صِفَات لَهُ وَهُوَ مَخْصُوص بِهِ غير صفة وَأَن أَسمَاء الله تَعَالَى كلهَا تنْسب إِلَيْهِ وَلَا تنْسب إِلَى شَيْء مِنْهَا {وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى} وَأَن غَيره من الْأَسْمَاء قد يُسمى وَإِن لم يتسم بِهِ أحد وَأَنه لَزِمته الْألف وَاللَّام عوضا من الْهمزَة وَلم يفعل ذَلِك لغيره وَأَنه اخْتصَّ فِي الْقسم بِخَاصَّة لَا تكون لغيره من أَسمَاء الله تَعَالَى وَلَا شَيْء من مخلوقاته كَقَوْلِهِم تالله لَأَفْعَلَنَّ وَهُوَ على شرفه دَلِيل وَأَنه جمع فِيهِ بَين يَا الَّتِي للنداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَاللَّام وَلم يجىء ذَلِك فِي غَيره إِلَّا مَا جَاءَ فِي ضَرُورَة الشّعْر وَأَنه حذف مِنْهُ الْألف فِي الْخط تَنْزِيها لَهُ أَن يشْتَبه بِاللات فِي الْوَقْف والخط إِذا كتبت اللات بِالْهَاءِ وَالْمَشْهُور أَنَّهَا حذفت لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَلما اخْتصَّ بِهِ هَذَا الِاسْم الْعَظِيم من الْخَواص الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ذهب ذاهبون إِلَى أَنه اسْم الله الْأَعْظَم وَقد تكلم كل ذِي فن من الْعُلُوم على هَذَا الِاسْم بِمَا لَو جمع لبلغ مَا لَا تحصره دواوين (وَمَا بلغت نفس امرىء قَالَ مبلغا ... من القَوْل إِلَّا وَالَّذِي فِيهِ أعظم) قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَق الأسفراييني هَذَا الِاسْم يدل على ذَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 مَوْصُوفَة بنعوت الْجلَال لَهُ قدرَة تصلح لاختراع مُتَعَلقَة بالممكنات وَعلم مُحِيط بالمعلومات وَإِرَادَة نَافِذَة فِي المرادات وَله الْأَمر وَالنَّهْي وَلَا تصح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ وَله صفة تجب لَهُ وَهِي اختصاصية فِي وجوده على وَجه لَا يشغل الحيز وَالْمحل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي الِاسْم والمسمى اعْلَم أَن التَّسْمِيَة عِنْد أهل الْحق ترجع إِلَى لفظ الْمُسَمّى الدَّال على الِاسْم وَالِاسْم لَا يرجع إِلَى لَفظه بل هُوَ مَدْلُول التَّسْمِيَة فَإِذا قَالَ قَائِل زيد كَانَ قَوْله تَسْمِيَة وَكَانَ الْمَفْهُوم مِنْهُ اسْما وَالِاسْم هُوَ الْمُسَمّى فِي هَذِه الْحَالة ثمَّ قد يرد الِاسْم وَالْمرَاد بِهِ التَّسْمِيَة كَمَا ترد الصّفة وَالْمرَاد بهَا الْوَصْف وَذَهَبت الْمُعْتَزلَة إِلَى التَّسْوِيَة بَين الِاسْم وَالتَّسْمِيَة وَالْوَصْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَالصّفة والتزموا على ذَلِك بِدعَة شنعاء فَقَالُوا لم يكن للباري تَعَالَى فِي الْأَزَل وصف وَلَا اسْم فالاسم وَالصّفة أَقْوَال المسميين الواصفين وَلم يكن فِي الْأَزَل قَول عِنْدهم قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمن زعم أَنه لم يكن للرب تَعَالَى فِي الْأَزَل صفة الإلهية فقد فَارق الدّين وَإِجْمَاع الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ثمَّ الدَّلِيل على أَن الِاسْم يُفَارق التَّسْمِيَة وَيُرَاد بِهِ الْمُسَمّى قَوْله سُبْحَانَهُ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَإِنَّمَا المسبح الرب تَعَالَى دون اللَّفْظ وَقَالَ {تبَارك اسْم رَبك} وَالْمعْنَى تبَارك رَبك وَقَالَ فِي ذمّ عَبدة الْأَوْثَان {مَا تَعْبدُونَ من دونه إِلَّا أَسمَاء سميتموها} وَمَعْلُوم أَن عَبدة الْأَوْثَان مَا عبدُوا أَقْوَال الذَّاكِرِينَ وَإِنَّمَا عبدُوا الْمُسَمّى بِالتَّسْمِيَةِ وَقَالَ أَبُو عبيد معمر بن الْمثنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى ثمَّ اسْتشْهد على ذَلِك بقول لبيد (إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا ... وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذر) أَي ثمَّ السَّلَام وَهَذَا فِيهِ نظر فَإِن الْعَرَب فِي نظمها ونثرها إِذا أطلقت الْكَلَام تُرِيدُ بِهِ مَا استمرت بِهِ الْعَادة بِدَلِيل إِذا أوصى بِجَارِيَة لشخص فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 يحمل على الْإِمَاء دون السفن وَلَو قَالَ قَائِل مَا من مُؤمن إِلَّا وَقد بَدَت مِنْهُ زلَّة أوسم بهَا فَلَا يوبخ وَإِن كَانَ الْمُؤمن من أَسمَاء الله تَعَالَى وَاسْتدلَّ بعض الْأَصْحَاب بقول سِيبَوَيْهٍ الْأَفْعَال أَمْثِلَة أخذت من لفظ أَحْدَاث الْأَسْمَاء إِذْ الْأَحْدَاث تصدر من المسميات دون الْأَقْوَال نَحْو الْقيام وَالْقعُود وَغَيرهمَا وَيدل عَلَيْهِ اتِّفَاق الْمُسلمين قبل ظُهُور الْبدع على أَن الرب تَعَالَى فِي أزله كَانَت لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى وَلَا يُنكر ذَلِك مُحَصل وَلم يكن فِي الْأَزَل قَول فَإِن قَالُوا لَو أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى لوَجَبَ تعدده لتَعَدد الِاسْم وَقد قَالَ تَعَالَى {وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَالسَّلَام (لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما) وَلما امْتنع التَّعَدُّد دلّ على أَن المُرَاد بِالِاسْمِ القَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قُلْنَا الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى فِي حَقِيقَته وَقد يُطلق بِمَعْنى التَّسْمِيَة توسعا وتجوزا كَمَا تقدم وَقَالَ بعض الْأَئِمَّة الِاسْم مُشْتَرك فقد يُرَاد بِهِ التَّسْمِيَة كَمَا صَار إِلَيْهِ الْمُعْتَزلَة وَقد يُرَاد بِهِ الْمُسَمّى كَمَا صَار إِلَيْهِ مَشَايِخنَا فَهُوَ مُشْتَرك ثمَّ إِطْلَاق أهل اللِّسَان يتَضَمَّن الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَكِلَاهُمَا حَقِيقَة وَهُوَ مَذْهَب الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور بن أَيُّوب قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهَذِه طَريقَة حَسَنَة جدا قريبَة من مَأْخَذ الْآدَاب وَيَنْبَغِي للصائر إِلَيْهَا الرَّد على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ صرفُوا الِاسْم إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 التَّسْمِيَة وَأبي عبيد حَيْثُ صرفه إِلَى الْمُسَمّى فَتبقى عَلَيْهِم الْحجَج الدَّالَّة على مُغَايرَة الْأَسْمَاء للمسميات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فَهَذَا وجيز مغن عَن كثير من الترهات الَّتِي صَار إِلَيْهَا الجهلة وَذَلِكَ كَقَوْلِهِم لَو كَانَ الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى لاحترق فَم من قَالَ نَارا إِذْ قَوْله نَار تَسْمِيَة لَا اسْم وكقول من لم يحصل مِمَّن ينتمي إِلَيْنَا لَو كَانَ الِاسْم غير الْمُسَمّى لما حد الْقَاذِف لِأَنَّهُ قذف الِاسْم دون الْمُسَمّى وللخصم أَن يَقُول الدَّال على الْمُسَمّى هُوَ الِاسْم والمقذوف هُوَ الْمُسَمّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ثمَّ يَقُول كل اسْم دلّ على فعل كالخالق والرازق فالأسماء هِيَ الْأَفْعَال فَهِيَ مُتعَدِّدَة وكل اسْم دلّ على الصِّفَات فَهِيَ أَيْضا مُتعَدِّدَة كالعالم والقادر إِذْ لَا يبعد التَّعَدُّد فِي الصِّفَات الْقَدِيمَة قَالُوا الرب سُبْحَانَهُ يُسمى مَوْجُودا إِلَهًا قَدِيما فَوَجَبَ أَن يَتَعَدَّد وعدوا هَذَا من أقوى عَددهمْ وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر هَذِه الْأَسْمَاء يتَعَيَّن صرفهَا إِلَى صِفَات نفسية لِأَنَّهَا زَائِدَة على الذَّات فَهِيَ الْأَحْوَال عِنْد مثبتها فيؤول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الْعدَد إِلَيْهَا والرب الْمَوْصُوف بهَا وَاحِد قَالَ الإِمَام وَهَذِه الطَّرِيقَة هِيَ المرضية عِنْد الْمُحَقِّقين وصدوا بهَا الْمُخَالفين الثَّانِي وَالْعشْرُونَ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِيمَا نَقله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الْأنْصَارِيّ عَنهُ فِي شرح الْإِرْشَاد وَالْإِمَام فِي الْإِرْشَاد إِن أَسمَاء الله تَعَالَى ثَلَاثَة أَقسَام مَا يُقَال إِنَّه هُوَ وَهُوَ كل مَا دلّت التَّسْمِيَة بِهِ على وجوده كالموجود وَالْقَدِيم وَنَحْوهمَا وَمن أَسْمَائِهِ مَا لَا يُقَال إِنَّه غَيره وَهُوَ كل مَا دلّت التَّسْمِيَة بِهِ على فعل كالخالق والرازق وَمن أَسْمَائِهِ مَا لَا يُقَال إِنَّه هُوَ وَلَا يُقَال إِنَّه غَيره وَهُوَ كل مَا دلّت التَّسْمِيَة بِهِ على صفة كالعالم والقادر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قَالَ وَذكر بعض أَئِمَّتنَا أَن كل اسْم هُوَ الْمُسَمّى بِعَيْنِه وَصَارَ إِلَى أَن الرب سُبْحَانَهُ إِذا سمي خَالِقًا ورازقا فالخالق هُوَ الِاسْم وَهُوَ الرب سُبْحَانَهُ وَلَيْسَ الْخَالِق اسْما لِلْخلقِ وَلَا الْخلق اسْما للخالق وطردوا ذَلِك فِي جَمِيع الْأَقْسَام قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والمرضي عندنَا طَريقَة الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَإِن الْأَسْمَاء تنزل منزلَة الصِّفَات فَإِذا أطلقت وَلم تقتض نفيا حملت على ثُبُوت مُحَقّق فَإِذا قُلْنَا الله الْخَالِق وَجب صرف ذَلِك إِلَى ثُبُوت وَهُوَ الْخلق وَكَانَ معنى الْخَالِق من لَهُ الْخلق وَلَا ترجع من الْخلق صفة متحققة إِلَى الذَّات فَلَا يدل الْخَالِق إِلَّا على إِثْبَات الْخلق وَلذَلِك قَالَ أَئِمَّتنَا لَا يَتَّصِف الرب تَعَالَى فِي أزله بِكَوْنِهِ خَالِقًا إِذْ لَا خلق فِي الْأَزَل وَلَو وصف بذلك على معنى أَنه قَادر كَانَ توسعا وتجوزا الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أطلق بَعضهم النَّقْل عَن الْأَشْعَرِيّ أَن الِاسْم عين الْمُسَمّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وأوله بِأَن لفظ الِاسْم اسْم لكل لفظ دلّ على معنى فِي نَفسه غير مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة وَلَفظ الِاسْم كَذَلِك فَيكون الِاسْم اسْما لنَفسِهِ فَيكون الِاسْم عين الْمُسَمّى بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يُقَال كَون الِاسْم اسْما لمسمى من بَاب الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَأحد المتضايفين لَا بُد وَأَن يكون مغايرا للْآخر لأَنا نقُول تغاير الِاعْتِبَار كَاف فِي تغاير المضافين وَهَهُنَا الِاسْم وَإِن كَانَ عين الْمُسَمّى إِلَّا أَنه اعْتِبَار كَونه اسْما غير اعْتِبَار كَونه مُسَمّى الرَّابِع وَالْعشْرُونَ ظن كثير من النَّاس أَن الْخلاف فِي مَسْأَلَة الِاسْم هَل هُوَ الْمُسَمّى أَو غَيره أَنه لَفْظِي لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَة وَالْأَمر لَيْسَ على هَذَا الظَّن وَبَيَانه أَنَّك إِذا سميت شَيْئا باسم فالنظر فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء ذَلِك الِاسْم وَهُوَ اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ قبل التَّسْمِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَمَعْنَاهُ بعد التَّسْمِيَة وَهُوَ الذَّات الَّتِي أطلق اللَّفْظ عَلَيْهَا والذات وَاللَّفْظ متغايران قطعا والنحاة إِنَّمَا يطلقون الِاسْم على اللَّفْظ لأَنهم إِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الْأَلْفَاظ وَهُوَ غير الْمُسَمّى قطعا عِنْد الْفَرِيقَيْنِ وَالدَّال هُوَ الِاسْم عِنْد الْفَرِيقَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُسَمّى قطعا وَالْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي معنى اللَّفْظ قبل التلقيب فعلى قَوَاعِد الْمُتَكَلِّمين يطلقون الِاسْم عَلَيْهِ ويختلفون فِي أَنه الثَّالِث أَو لَا فَالْخِلَاف عِنْدهم حِينَئِذٍ فِي الِاسْم الْمَعْنَوِيّ هَل هُوَ الْمُسَمّى أَو لَا لَا فِي الِاسْم اللَّفْظِيّ وَأما النُّحَاة فَلَا يطلقون الِاسْم على غير اللَّفْظ لِأَن صناعتهم إِنَّمَا تنظر فِي الْأَلْفَاظ والمتكلم لَا يُنَازع فِي ذَلِك وَلَا يمْنَع هَذَا الْإِطْلَاق لِأَنَّهُ إِطْلَاق اسْم الْمَدْلُول على الدَّال وَيُرِيد شَيْئا آخر دَعَاهُ علم الْكَلَام إِلَى تَحْقِيقه فِي مَسْأَلَة الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وإطلاقها على الْبَارِي تَعَالَى كَمَا تقرر فِي علم الْكَلَام ولنبرز ذَلِك فِي قالب مِثَال فَتَقول إِذا قلت عبد الله أنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 النَّاقة فالنحاة يُرِيدُونَ باللقب لفظ انف النَّاقة والمتكلمون يُرِيدُونَ مَعْنَاهُ وَهُوَ مَا يفهم مِنْهُ مدح أَو ذمّ وَقَول النُّحَاة إِن اللقب ويعنون بِهِ اللَّفْظ مَا أشعر بضعَة أَو رفْعَة لَا يُنَافِيهِ لِأَن اللَّفْظ يشْعر بدلالته على الْمَعْنى وَالْمعْنَى فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْمُقْتَضِي للضعة أَو بالرفعة وَذَات عبد الله هِيَ الملقب عِنْد الْفَرِيقَيْنِ فَهَذَا تَنْقِيح مَحل الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَبِه يظْهر أَن الْخلاف فِي أَن الِاسْم الْمُسَمّى أَو غَيره خَاص بأسماء الْأَعْلَام المشتقة لَا فِي كل اسْم وَالْمَقْصُود بِهِ إِنَّمَا هُوَ الْمَسْأَلَة الْمُتَعَلّقَة بأصول الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عَادَة من يتَكَلَّم على لفظ الْجَلالَة يذكر الْخلاف فِي الِاسْم والمسمى وَرَأَيْت فِي كَلَام بعض الْمُتَأَخِّرين أَن الْخلاف مَحَله فِي غير اسْم الله تَعَالَى وَأما الله تَعَالَى فَلَا يجوز إِطْلَاق ذَلِك عَلَيْهِ بل هُوَ سُبْحَانَهُ وَاحِد فِي ذَاته وَصِفَاته كَذَلِك لَا يُقَال هَذَا هَذَا وَلَا هَذَا غير هَذَا بل نطلقه كَمَا أطلقهُ الله تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ والجاحدون علوا كَبِيرا السَّادِس وَالْعشْرُونَ قَالَ القَاضِي أَبُو بكر اعْلَم أَن أَسمَاء الله تَعَالَى توقيفية لَا تُؤْخَذ قِيَاسا واعتبارا من جِهَة الْعُقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَقد زل فِي هَذَا الْبَاب طوائف من النَّاس وَنحن بعون الله نذْكر الْمَقْصد مِنْهُ على السداد فَنَقُول مَأْخَذ أَسمَاء الله التَّوْقِيف والمعني بالتوقيف وُرُود الْإِذْن من الله تَعَالَى وكل مَا ورد فِي إِطْلَاقه إِذن أطلقناه وَمَا ورد الشَّرْع فِيهِ بِالْمَنْعِ منعناه وَمَا لم يَصح عندنَا فِيهِ إِذن بِالْإِطْلَاقِ وَلَا الْمَنْع مِنْهُ لم نقض فِيهِ بِجَوَاز وَلَا منع وَلَا تَحْلِيل وَلَا تَحْرِيم إِذْ هما حكمان لَا سَبِيل إِلَى الْقَضَاء بِوَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِالشَّرْعِ وسبيله سَبِيل الْأَحْكَام قبل وُرُود الشَّرْع ثمَّ لَا يشْتَرط فِي جَوَاز الْإِطْلَاق الْخَبَر الْقطعِي بل يكْتَفى بالْخبر الصَّحِيح ثمَّ قَالَ فِي آخر كَلَامه وَالَّذِي يجب بَسطه أَن كل لفظ مخيل موهم يُفْضِي بِظَاهِرِهِ إِلَى مَا يتقدس الرب تَعَالَى عَنهُ فَلَا يجوز إِطْلَاقه إِلَّا بثبت شَرْعِي وَكَذَا مَا صَحَّ من الْأَلْفَاظ بِأَن ورد الشَّرْع بِالْمَنْعِ مِنْهُ منعناه وَإِن لم يرد فِيهِ إِذن وَلَا منع توقفنا فِيهِ هَذَا كَلَامه وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد الْخلاف وَذهب بَعضهم أَن كل اسْم دلّ على معنى يَلِيق بِجلَال الله وَصِفَاته يَصح إِطْلَاقه على الله بِلَا تَوْقِيف لِأَن أَسمَاء الله وَصِفَاته مَذْكُورَة بِالْفَارِسِيَّةِ والتركية وَسَائِر اللُّغَات وَلم يرد شَيْء مِنْهَا فِي الْقُرْآن والْحَدِيث مَعَ إِجْمَاع الْمُسلمين على جَوَاز إِطْلَاقهَا على الله وَلِأَن الله تَعَالَى قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 {وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى فَادعوهُ بهَا} وَحسن الِاسْم بِاعْتِبَار دلَالَته على صِفَات الْمَدْح ونعوت الْجلَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وكل اسْم دلّ على هَذِه الْمعَانِي كَانَ اسْما حسنا فَيجوز إِطْلَاقه على الله تمسكا بِهَذِهِ الْأَدِلَّة وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي الْأَلْفَاظ إِلَّا رِعَايَة الْمَعْنى فَإِذا كَانَت الْمعَانِي صَحِيحَة كَانَ الْإِطْلَاق جَائِزا وَفِي الْمَسْأَلَة مَذْهَب ثَالِث ذهب إِلَيْهِ الْغَزالِيّ رَحمَه الله وَهُوَ أَن إِطْلَاق الِاسْم على الله لَا يجوز إِلَّا بالتوقيف وَأما إِطْلَاق الصِّفَات عَلَيْهِ فَلَا يتَوَقَّف على التَّوْقِيف فَفرق بَين الِاسْم وَالصّفة وَقَالَ اسْمِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 مُحَمَّد واسمك أَبُو بكر فَهَذَا من بَاب الْأَسْمَاء وَأما الصِّفَات فَمثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وصف الْإِنْسَان بِكَوْنِهِ طَويلا فَقِيها وَكَذَا وَكَذَا لِأَن وضع الِاسْم فِي حق الْوَاحِد منا سوء أدب فَفِي حق الله أولى وَأما ذكر الصِّفَات فِي حَقنا بالألفاظ الْمُخْتَلفَة فَهُوَ جَائِز من غير منع فَكَذَا فِي حق الْبَارِي تَعَالَى السَّابِع وَالْعشْرُونَ ادّعى بعض الْمَشَايِخ الْفُضَلَاء أَن لَا لنفي الْأَبَد وَلنْ إِلَى وَقت وَعكس بَعضهم هَذَا الْمَعْنى وهم الْمُعْتَزلَة وَزَعَمُوا أَن لن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 تفِيد النَّفْي الأبدي وَاسْتَدَلُّوا بذلك على نفي الرُّؤْيَة فِي قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 لمُوسَى {لن تراني} نَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَنْهُم فِي الشَّامِل ورد عَلَيْهِم بقوله تَعَالَى للْيَهُود {فتمنوا الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} ثمَّ أخبر عَن عَامَّة الْكَفَرَة أَنهم يتمنون الْمَوْت فِي الْآخِرَة فَيَقُولُونَ {يَا ليتها كَانَت القاضية} يَعْنِي الْمَوْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 قلت وَالْحق أَن لَا وَلنْ مَعًا لمُجَرّد النَّفْي عَن الْأَفْعَال المستقبلية والتأبيد وَعَدَمه يؤخذان من دَلِيل آخر خَارج عَنْهُمَا وَإِن استدلوا على أَن لن للتأبيد بقوله تَعَالَى {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا} و {لن يخلقوا ذبابا} عورضوا بقوله تَعَالَى {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} و {وَلَا يؤوده حفظهما} و {وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ للتأبيد وَقد اسْتعْملت فِيهِ لَا دون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 لن فَهَذَا يدل على أَنَّهُمَا لمُجَرّد النَّفْي والتأبيد وَعَدَمه مستفادان من دَلِيل آخر والزمخشري من الْمُعْتَزلَة نَص فِي كِتَابه الأنمودج على أَن لن تفِيد التَّأْبِيد وَنَصّ فِي الْكَشَّاف على أَنَّهَا تفِيد تَأْكِيد النَّفْي وَكِلَاهُمَا دَعْوَى بِلَا دَلِيل لما ذكرنَا وَلَو كَانَت للتأبيد لم يُقيد منفيها بِالْيَوْمِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا} ولكان ذكر الْأَبَد فِي قَوْله {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} تَكْرَارا وَالْأَصْل عَدمه وَقد صرح الزَّمَخْشَرِيّ بِأَن لَا لَا تفِيد النَّفْي الأبدي بل تَنْفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 فعلا مُسْتَقْبلا دخل عَلَيْهِ حرف التَّنْفِيس بِخِلَاف لن وَهَذَا الْمَعْنى وَإِن كَانَ يُشِير إِلَيْهِ كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي تمثيله بسيفعل فَإِنَّمَا قصد الزَّمَخْشَرِيّ بذلك تَوْطِئَة لقاعدة اسْتِحَالَة الرُّؤْيَة فِي الْآخِرَة كَمَا تقدم وَالْآيَة إِنَّمَا يَنْفِي ظَاهرهَا حُصُول الرُّؤْيَة معاقبا للسؤال أَو فِي الدُّنْيَا فَإِن السُّؤَال إِنَّمَا توجه نَحْو ذَلِك وَالْجَوَاب إِنَّمَا يكون مطابقا للسؤال وَلذَلِك لم يُؤَكد النَّفْي فِيهِ بالأبدية وأحيل على النّظر إِلَى تجلي الْآيَات للجبل الثَّامِن وَالْعشْرُونَ قَالَ بعض أهل الْبَيَان إِن لن لنفي الْقَرِيب وَلَا لنفي الْبعيد عكس مقَالَة الزَّمَخْشَرِيّ وَعلله بِأَن الْأَلْفَاظ مشاكلة للمعاني وَالنَّفس يَمْتَد فِي ألف لَا أَكثر من لن فاقتضت بعدا زَائِدا على لن يَعْنِي بِهِ أَنَّهَا لما اخْتصّت بِزِيَادَة مد اخْتصّت بِزِيَادَة مُدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَهَذَا كَمَا قيل فِي ثمَّ إِنَّهَا لما اخْتصّت بِزِيَادَة فِي لَفظهَا على الْفَاء اخْتصَّ مَعْنَاهَا بِزِيَادَة المهلة دون الْفَاء لِأَن كَثْرَة الْحُرُوف مؤذنة بِكَثْرَة الْمَعْنى وبحسب المذهبين أولُوا الْآيَتَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} {وَلَا يتمنونه أبدا} وَوجه القَوْل الثَّانِي الْبَيَانِي أَن {وَلَا يتمنونه} ... جَاءَ بعد الشَّرْط فِي قَوْله تَعَالَى {إِن زعمتم أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله من دون النَّاس فتمنوا الْمَوْت} وحرف الشَّرْط يعم كل الْأَزْمِنَة فقوبل ب لَا ليعم مَا هُوَ جَوَاب لَهُ أَي مَتى زَعَمُوا ذَلِك فِي وَقت مَا فَقل لَهُم {فتمنوا الْمَوْت} و {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ} جَاءَ بعد قَوْله {قل إِن كَانَت لكم الدَّار الْآخِرَة عِنْد الله خَالِصَة} أَي إِن كَانَت قد وَجَبت الدَّار الْآخِرَة فتمنوا الْمَوْت الْآن استعجالا للكون فِي دَار الْكَرَامَة الَّتِي أعدهَا الله تَعَالَى لأوليائه وأحبابه وعَلى وفْق هَذَا القَوْل جَاءَ قَوْله تَعَالَى {لن تراني} التَّاسِع وَالْعشْرُونَ ليتذكر الْعَالم بمعاني الْكَلم مَا أثْبته هُنَا من الْكَلَام فِي حرفي النَّفْي وَبَقِي من حُرُوف النَّفْي لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وليعلم أَنَّهُنَّ وَإِن كن أَخَوَات فِي الِاشْتِرَاك فِي النَّفْي لكنهن أَخَوَات علات تتباين فِي نِسْبَة النَّفْي بِأَسْبَاب وعلامات فَنقل سِيبَوَيْهٍ أَن لم حرف نفي ل فعل وَلنْ حرف نفي ل سيفعل وَلَا لنفي ل يفعل يَعْنِي بذلك أَن لَا مَوْضُوعَة لنفي الْفِعْل الْمُسْتَقْبل مُطلقًا وَقد ينفى بهَا الْمَاضِي عِنْد التكرر نَحْو قَوْله {فَلَا صدق وَلَا صلى} وَعند التَّعْظِيم كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا اقتحم الْعقبَة} وَعند الدُّعَاء كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (لَا اسْتَطَعْت) وَمَا هُوَ بِلَفْظ الدُّعَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 كَقَوْلِه لَا كَبرت سنك وَمَا هُوَ مُتَرَدّد بَين معنى الدُّعَاء وَالنَّفْي كَقَوْلِه لَا صَامَ وَلَا أفطر يَعْنِي من صَامَ الدَّهْر وَلنْ تَأتي لتأكيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 نفي الْمُسْتَقْبل كَمَا مر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الَّذِي إرْسَاله رَحْمَة وَقَوله حِكْمَة وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158