الكتاب: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) المحقق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت الطبعة: الرابعة، 1397 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ابن رجب الحنبلي الكتاب: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) المحقق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت الطبعة: الرابعة، 1397 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] خرج البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاذ رديفه على الرحل فَقَالَ يَا معَاذ قَالَ لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك قَالَ يَا معَاذ قَالَ لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك قَالَ مَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرمه الله النَّار قَالَ يَا رَسُول الله أَلا أخبر بهَا النَّاس فيستبشروا قَالَ إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 يتكلوا فَأخْبر بهَا معَاذ عِنْد مَوته تأثما وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عتْبَان بن مَالك رضى الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 أَو أبي سعيد بِالشَّكِّ أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَأَصَابَتْهُمْ مجاعَة فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنطع فبسطه ثمَّ دَعَا بِفضل أَزْوَادهم فَجعل الرجل يَجِيء بكف ذرة وَيَجِيء الآخر بكف تمر وَيَجِيء الآخر بكسرة حَتَّى اجْتمع على النطع من ذَلِك شَيْء يسير فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبركَةِ ثمَّ قَالَ خُذُوا فِي أوعيتكم فَأخذُوا فِي أوعيتهم حَتَّى مَا تركُوا فِي الْعَسْكَر وعَاء إِلَّا ملؤوه فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وفضلت فضلَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقى الله بهما عبد غير شَاك فيهمَا فيحجب عَن الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من عبد قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إِلَّا دخل الْجنَّة قلت وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ وَإِن زنى وَإِن سرق قلت وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ وَإِن زنى وَإِن سرق ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَة على رغم أنف أبي ذَر قَالَ فَخرج أَبُو ذَر وَهُوَ يَقُول وَإِن رغم أنف أبي ذَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه قَالَ عِنْد مَوته سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حُرْمَة الله على النَّار وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه قَالَ عِنْد مَوته سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَأَن الْجنَّة حق وَالنَّار حق أدخلهُ الله الْجنَّة على مَا كَانَ من الْعَمَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وَفِي هَذ 1 الْمَعْنى أَحَادِيث كَثِيرَة يطول ذكرهَا وَأَحَادِيث هَذَا الْبَاب نَوْعَانِ = أَحدهمَا مَا فِيهِ أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ دخل الْجنَّة وَلم يحجب عَنْهَا وَهَذَا ظَاهر فَإِن النَّار لَا يخلد فِيهَا أحد من أهل التَّوْحِيد الْخَالِص وَقد يدْخل الْجنَّة وَلَا يحجب عَنْهَا إِذا طهر من ذنُوبه بالنَّار وَحَدِيث أبي ذَر مَعْنَاهُ أَن الزِّنَى وَالسَّرِقَة لَا يمنعان دُخُول الْجنَّة مَعَ التَّوْحِيد وَهَذَا حق لَا مرية فِيهِ لَيْسَ فِيهِ أَنه لَا يعذب عَلَيْهِمَا مَعَ التَّوْحِيد وَفِي مُسْند الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله نفعته يَوْمًا من دهره يُصِيبهُ قبل ذَلِك مَا أَصَابَهُ الثَّانِي مَا فِيهِ أَنه يحرم على النَّار وَهَذَا قد حمله بَعضهم على الخلود فِيهَا أَو على نَار يخلد فِيهَا أَهلهَا وَهِي مَا عدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 لدرك الْأَعْلَى فَأَما الدَّرك الْأَعْلَى يدْخلهُ خلق كثير من عصاة الْمُوَحِّدين بِذُنُوبِهِمْ ثمَّ يخرجُون بشفاعة الشافعين وبرحمة أرْحم الرَّاحِمِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِن الله تعإلى يَقُول وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأخْرجَن من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَقَالَت طَائِفَة من الْعلمَاء المُرَاد من هَذِه الْأَحَادِيث أَن لَا إِلَه إِلَّا الله سَبَب لدُخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار ومقتض لذَلِك وَلَكِن الْمُقْتَضِي لَا يعْمل عمله إِلَّا باستجماع شُرُوطه وَانْتِفَاء موانعه فقد يتَخَلَّف عَنهُ مُقْتَضَاهُ لفَوَات شَرط من شُرُوطه أَو لوُجُود مَانع وَهَذَا قَول الْحسن ووهب ابْن مُنَبّه وَهُوَ الْأَظْهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وَقَالَ الْحسن للفرزدق وَهُوَ بدفن امْرَأَته أَنه ماأعددت لهَذَا الْيَوْم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُنْذُ سبعين سنة قَالَ الْحسن نعم العده لَكِن ل لَا إِلَه الإ الله شُرُوطًا فإياك وَقذف المحصنة وَقيل لِلْحسنِ إِن أُنَاسًا يَقُولُونَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة فَقَالَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَأدى حَقّهَا وفرضها دخل الْجنَّة وَقَالَ وهب بن مُنَبّه لمن سَأَلَهُ أَلَيْسَ لَا إِلَه إِلَّا الله مِفْتَاح الْجنَّة قَالَ بلَى وَلَكِن مَا من مِفْتَاح إِلَّا لَهُ أَسْنَان فَإِن جِئْت بمفتاح لَهُ أَسْنَان فتح لَك وَإِلَّا لم يفتح لَك وَفِي هَذَا الحَدِيث إِن مِفْتَاح الْجنَّة لَا إِلَه إِلَّا الله خرجه الإِمَام أَحْمد بِإِسْنَاد مُنْقَطع وَعَن معَاذ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سَأَلَك أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الْيمن عَن مِفْتَاح الْجنَّة فَقل شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَيدل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رتب دُخُول الْجنَّة على الْأَعْمَال الصَّالِحَة فِي كثير من النُّصُوص كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي أَيُّوب أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة فَقَالَ تعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وَتصل الرَّحِم وَفِي صيحيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رجلا قَالَ يارسول الله دلَّنِي على عمل إِذا عملته دخلت الْجنَّة قَالَ تعبد الله لاتشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَتُؤَدِّي الزكاه الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان فَقَالَ الرجل وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيد على هَذَا شَيْئا وَلَا أنقص مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سره أَن ينظر إِلَى رجل من أهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى هَذَا وَفِي الْمسند عَن بشير بن الخصاصية قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا بَايعه فَاشْترط عَليّ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن أقيم الصَّلَاة وَأَن أؤدي الزَّكَاة وَأَن أحج حجَّة الْإِسْلَام وَأَن أَصوم شهر رَمَضَان وَأَن أجاهد فِي سَبِيل الله فَقلت يَا رَسُول الله أما اثْنَتَيْنِ فوَاللَّه لَا أطيقهما الْجِهَاد وَالصَّدَََقَة فأنهم زَعَمُوا أَنه من ولى الدبر فقد بَاء بغضب من الله فَأَخَاف إِن حضرت تِلْكَ جشمت نَفسِي وكرهت الْمَوْت وَالصَّدَََقَة فوَاللَّه مَالِي إِلَّا غنيمَة وَعشر ذود هن رسل أَهلِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وحمولتهن قَالَ فَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده ثمَّ حركها ثمَّ قَالَ فَلَا جِهَاد وَلَا صَدَقَة فَبِمَ تدخل الْجنَّة إِذا قلت يارسول الله أُبَايِعك فَبَايَعته عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن الْجِهَاد وَالصَّدَََقَة شَرط فِي دُخُول الْجنَّة مَعَ حُصُول التَّوْحِيد وَالصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَنَظِير هَذَا ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ففهم عمر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ امْتنع من عُقُوبَة الدُّنْيَا بِمُجَرَّد ذَلِك فتوقفوا فِي قتال مَانع الزَّكَاة وَفهم الصّديق أَنه لَا يمْتَنع قِتَاله إِلَّا بأَدَاء حُقُوقهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فاذا فعلوا ذَلِك منعُوا مني دِمَاءَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله وَقَالَ الزَّكَاة حق المَال وَهَذَا الَّذِي فهمه الصّديق قد رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَرِيحًا غير وَاحِد من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عمر وَأنس وَغَيرهمَا وَأَنه قَالَ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَقد دلّ على ذَلِك قَوْله تعإلى {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فَخلوا سبيلهم} كَمَا دلّ قَوْله تعإلى {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فإخوانكم فِي الدّين} على أَن الْأُخوة فِي الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 لَا تثبت إِلَّا بأَدَاء الْفَرَائِض مَعَ التَّوْحِيد فان التَّوْبَة من الشّرك لَا تحصل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ فَلَمَّا قرر أَبُو بكر هَذَا للصحابة رجعُوا إِلَى قَوْله ورأوه صَوَابا فاذا علم أَن عُقُوبَة الدُّنْيَا لَا ترفع عَمَّن أدّى الشَّهَادَتَيْنِ مُطلقًا بل يُعَاقب باخلاله بِحَق من حُقُوق الْإِسْلَام فَكَذَلِك عُقُوبَة الْآخِرَة وَقد ذهب طَائِفَة إِلَى أَن هَذِه الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة أَولا وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَانَت قبل نزُول الْفَرَائِض وَالْحُدُود مِنْهُم الزُّهْرِيّ وَالثَّوْري وَغَيرهمَا وَهَذَا بعيد جدا فان كثيرا مِنْهَا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 بِالْمَدِينَةِ بعد نزُول الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَفِي بَعْضهَا أَنه كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك وَهِي فِي آخر حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَؤُلَاء مِنْهُم من يَقُول فِي هَذِه الْأَحَادِيث إِنَّهَا مَنْسُوخَة وَمِنْهُم من يَقُول هِيَ محكمَة وَلَكِن ضم إِلَهًا شَرَائِط ويلتفت هَذَا إِلَى أَن الزِّيَادَة على النَّص هَل هِيَ نسخ أم لَا وَالْخلاف فِي ذَلِك بَين الْأُصُولِيِّينَ مَشْهُور وَقد صرح الثَّوْريّ وَغَيره بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة وَأَنه نسخهَا الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَقد يكون مُرَادهم بالنسخ الْبَيَان والإيضاح فان السّلف كَانُوا يطلقون النّسخ على مثل ذَلِك كثيرا وَيكون مقصودهم أَن آيَات الْفَرَائِض وَالْحُدُود تبين بهَا توقف دُخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار على فعل الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمَحَارِم فَصَارَت تِلْكَ النُّصُوص مَنْسُوخَة أَي مبينَة مفسرة ونصوص الْحُدُود والفرائض ناسخة أَي مفسرة لِمَعْنى تِلْكَ مُوضحَة لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَقَالَت طَائِفَة تِلْكَ النُّصُوص الْمُطلقَة قد جَاءَت مُقَيّدَة فِي أَحَادِيث أخر فَفِي بَعْضهَا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصا وَفِي بَعْضهَا مُسْتَيْقنًا وَفِي بَعْضهَا يصدق لِسَانه وَفِي بَعْضهَا يَقُولهَا حَقًا من قلبه وَفِي بَعْضهَا قد ذل بهَا لِسَانه وَاطْمَأَنَّ بهَا قلبه وَهَذَا كُله إِشَارَة إِلَى عمل الْقلب وتحققه بِمَعْنى الشَّهَادَتَيْنِ فتحقيقه بقول لَا إِلَه إِلَّا الله أَن لَا يأله الْقلب غير الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا واستعانة وخضوعا وإنابة وطلبا وتحقيقه بِأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أَلا يعبد الله بِغَيْر مَا شَرعه الله على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد جَاءَ هَذَا الْمَعْنى مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَرِيحًا أَنه قَالَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصا دخل الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قيل مَا إخلاصها يَا رَسُول الله قَالَ أَن تحجزك عَمَّا حرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الله عَلَيْك وَهَذَا يرْوى من حَدِيث أنس بن مَالك وَزيد بن أَرقم وَلَكِن إسنادهما لَا يَصح وَجَاء أَيْضا من مَرَاسِيل الْحسن بِنَحْوِهِ وَتَحْقِيق هَذَا الْمَعْنى وإيضاحه أَن قَول العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله يَقْتَضِي أَن لَا إِلَه لَهُ غير الله وإلآله هُوَ الَّذِي يطاع فَلَا يعْصى هَيْبَة لَهُ وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عَلَيْهِ وسؤالا مِنْهُ وَدُعَاء لَهُ وَلَا يصلح ذَلِك كُله إِلَّا لله عز وَجل فَمن أشرك مخلوقا فِي شَيْء من هَذِه الْأُمُور الَّتِي هِيَ من خَصَائِص الآلهيه كَانَ ذَلِك قدحا فِي إخلاصه فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله ونقصا فِي توحيده وَكَانَ فِيهِ من عبودية الْمَخْلُوق بِحَسب مَا فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 من ذَلِك وَهَذَا كُله من فروع الشّرك وَلِهَذَا ورد إِطْلَاق الْكفْر ولاشرك على كثر من الْمعاصِي الَّتِي منشؤها من طَاعَة غير الله أَو خَوفه أَو رجائه أَو التَّوَكُّل عَلَيْهِ وَالْعَمَل لأَجله كَمَا ورد إِطْلَاق الشّرك على الرِّيَاء وعَلى الْحلف بِغَيْر الله وعَلى التَّوَكُّل على غير الله والإعتماد عَلَيْهِ وعَلى من سوى بَين الله وَبَين الْمَخْلُوق فِي الْمَشِيئَة مثل أَن يَقُول مَا شَاءَ الله وَشاء فلَان وَكَذَا قَوْله مَالِي إِلَّا الله وَأَنت وَكَذَلِكَ مَا يقْدَح فِي التَّوْحِيد وَتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة والرقى الْمَكْرُوهَة وإيتان الْكُهَّان وتصديقهم بِمَا يَقُولُونَ وَكَذَلِكَ اتِّبَاع هوى النَّفس فِيمَا نهى الله عَنهُ قَادِح فِي تَمام التَّوْحِيد وكماله وَلِهَذَا أطلق الشَّرْع على كثير من الذُّنُوب الَّتِي منشؤها من هوى النَّفس أَنَّهَا كفر وشرك كقتال الْمُسلم وَمن أَتَى حَائِضًا أَو امْرَأَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 دبرهَا وَمن شرب الْخمْرَة فِي الْمرة الرَّابِعَة وَإِن كَانَ ذَلِك لَا يُخرجهُ عَن الْملَّة وَلِهَذَا قَالَ السّلف كفردون كفر وشرك دون شرك وَقد ورد إِطْلَاق الآله على الْهوى المتبع قَالَ الله تعإلى {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ هُوَ الَّذِي لَا يهوى شَيْئا إِلَّا رَكبه وَقَالَ قَتَادَة هُوَ الَّذِي كلما هوي شَيْئا رَكبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَكلما اشْتهى شَيْئا أَتَاهُ لَا يحجزه عَن ذَلِك ورع وَلَا تقوى وَرُوِيَ من حَدِيث أبي أُمَامَة باسناد ضَعِيف مَا تَحت ظلّ سَمَاء إِلَه يعبد أعظم عِنْد الله من هوى مُتبع وَفِي حَدِيث أخر لَا تزَال لَا إِلَه إِلَّا الله تدفع عَن أَصْحَابهَا حَتَّى يؤثرون دنياهم على دينهم فاذا فعلوا ذَلِك ردَّتْ عَلَيْهِم وَيُقَال لَهُم كَذبْتُمْ وَيشْهد لذَلِك الحَدِيث الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعس عبد الدِّينَار تعس عبد الدِّرْهَم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش فَدلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 2 - هَذَا على أَن كل من أحب شَيْئا وأطاعه وَكَانَ غَايَة قَصده ومطلوبه ووالي لأَجله وعادى لأَجله فَهُوَ عَبده وَكَانَ ذَلِك الشَّيْء معبوده وإلآهه وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا أَن الله تعإلى سمي طَاعَة الشَّيْطَان فِي مَعْصِيَته عبَادَة للشَّيْطَان كَمَا قَالَ تعإلى {ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان} وَقَالَ تعإلى حاكيا عَن خَلِيله ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَبِيهِ {يَا أَبَت لَا تعبد الشَّيْطَان إِن الشَّيْطَان كَانَ للرحمن عصيا} فَمن لم يتَحَقَّق بعبودية الرَّحْمَن وطاعته فانه يعبد الشَّيْطَان بِطَاعَتِهِ لَهُ وَلم يخلص من عبَادَة الشَّيْطَان إِلَّا من أخْلص عبودية الرَّحْمَن وهم الَّذين قَالَ فيهم {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} فهم الَّذين حققوا قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَخْلصُوا فِي قَوْلهَا وَصَدقُوا قَوْلهم بفعلهم فَلم يلتفتوا إِلَى غير الله محبَّة ورجاء وخشية وَطَاعَة وتوكلا وهم الَّذين صدقُوا فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وهم عباد الله حَقًا فَأَما من الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله بِلِسَانِهِ ثمَّ أطَاع الشَّيْطَان وهواه فِي مَعْصِيّة الله ومخالفته فقد كذب فعله قَوْله وَنقص من كَمَال توحيدة بِقدر مَعْصِيّة الله فِي طَاعَة الشَّيْطَان والهوى {وَمن أضلّ مِمَّن اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله} و {وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله} فيا هَذَا كن عبد الله لَا عبد الْهوى فان الْهوى يهوي بِصَاحِبِهِ فِي النَّار {أأرباب متفرقون خير أم الله الْوَاحِد القهار} تعس عبد الدِّرْهَم تعس عبد الدِّينَار وَالله لَا ينجو غَدا من عَذَاب الله إِلَّا من حقق عبودية الله وَحده وَلم يلْتَفت إِلَى شَيْء من الأغيار من علم أَن معبوده الله فَرد فليفرده بالعبودية {وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} كَانَ بعض العارفين يتَكَلَّم على أَصْحَابه على رَأس جبل فَقَالَ فِي كَلَامه لَا ينَال أحد مُرَاده حَتَّى ينْفَرد فَردا بفرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 فانزعج واضطرب حَتَّى رأى أَصْحَابه أَن الصخور قد تدكدكت وَبَقِي على ذَلِك سَاعَة فَلَمَّا أَفَاق فَكَأَنَّهُ نشر من قَبره قَول لَا إِلَه إِلَّا الله تَقْتَضِي أَن لَا يحب سواهُ فان الآله هُوَ الَّذِي يطاع فَلَا يَعْصِي محبَّة وخوفا ورجاء وَمن تَمام محبته محبَّة مَا يُحِبهُ وَكَرَاهَة مَا يكرههُ فَمن أحب شَيْئا مِمَّا يكرههُ الله أَو كره شَيْئا مِمَّا يُحِبهُ الله لم يكمل توحيده وَصدقه فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ فِيهِ من الشّرك الْخَفي بِحَسب مَا كرهه مِمَّا يُحِبهُ الله وَمَا أحبه مِمَّا يكرههُ الله قَالَ الله تعإلى {ذَلِك بِأَنَّهُم اتبعُوا مَا أَسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أَعْمَالهم} قَالَ اللَّيْث عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا يشركُونَ بِي شَيْئا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 قَالَ لَا يحبونَ غَيْرِي وَفِي صَحِيح الْحَاكِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشّرك فِي هَذِه الْأمة أخْفى من دَبِيب النَّمْل على الصَّفَا فِي اللَّيْلَة الظلماء وَأَدْنَاهُ أَن تحب على شَيْء من الْجور أَو تبغض على شَيْء من الْعدْل وَهل الدّين إِلَّا الْحبّ والبغض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قَالَ الله عز وَجل {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} وَهَذَا نَص فِي أَن محبَّة مَا يكرههُ الله وبغض مَا يُحِبهُ مُتَابعَة للهوى والموالاة على ذَلِك والمعاداة فِيهِ من الشّرك الْخَفي وَقَالَ الْحسن اعْلَم أَنَّك لن تحب الله حَتَّى تحب طَاعَته وَسُئِلَ ذُو النُّون مَتى أحب رَبِّي قَالَ إِذا كَانَ مَا يبغضه عنْدك أَمر من الصَّبْر وَقَالَ بشر بن السّري لَيْسَ من أَعْلَام الْحبّ أَن تحب مَا يبغض حَبِيبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب النَّهر جوري كل من ادّعى محبَّة الله وَلم يُوَافق الله فِي أمره فدعواه بَاطِلَة وَقَالَ يحيى بن معَاذ لَيْسَ بصادق من ادّعى محبَّة الله وَلم يحفظ حُدُوده وَقَالَ رُوَيْم الْمحبَّة الْمُوَافقَة فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَأنْشد ... وَلَو قلت لي مت قلت سمعا طَاعَة ... وَقلت لداعي الْمَوْت أَهلا ومرحبا ... وَيشْهد لهَذَا الْمَعْنى أَيْضا قَوْله تعإلى {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 قَالَ الْحسن قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا نحب رَبنَا حبا شَدِيدا فَأحب الله أَن يَجْعَل لحبه علما فَأنْزل الله تعإلى هَذِه الْآيَة وَمن هَاهُنَا يعلم أَنه لَا تتمّ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا بِشَهَادَة أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَإِنَّهُ إِذا علم أَنه لَا تتمّ محبَّة الله إِلَّا بمحبة مَا يُحِبهُ وَكَرَاهَة مَا يكرههُ فَلَا طَرِيق إِلَى معرفَة مَا يُحِبهُ وَمَا يكرههُ إِلَّا من جِهَة مُحَمَّد الْمبلغ عَن الله مَا يُحِبهُ وَمَا يكرههُ بِاتِّبَاع مَا أَمر بِهِ وَاجْتنَاب مَا نهى عَنهُ فَصَارَت محبَّة الله مستلزمة لمحبة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتصديقه ومتابعته وَلِهَذَا قرن الله بَين محبته ومحبة رَسُوله فِي قَوْله تعإلى {قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ} إِلَى قَوْله {أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 كَمَا قرن طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَوَاضِع كَثِيرَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث من كن فِيهِ وجد بِهن حلاوة الْإِيمَان أَن يكون الله وَرَسُوله أحب اليه مِمَّا سواهُمَا وَأَن يحب الرجل لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَأَن يكره أَن يرجع إِلَى الْكفْر بعد أَن أنقده مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار هَذِه حَال السَّحَرَة لما سكنت الْمحبَّة قُلُوبهم سمحوا ببذل النُّفُوس وَقَالُوا لفرعون اقْضِ مَا انت قَاض وَمَتى تمكنت الْمحبَّة فِي الْقلب لم تنبعث الْجَوَارِح إِلَّا إِلَى طَاعَة الرب وَهَذَا هُوَ معنى الحَدِيث الآلهي الَّذِي خرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَفِيه وَلَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَى بالنوافل حَتَّى أحبه فاذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا وَقد قيل إِن فِي بعض الرِّوَايَات فَبِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي يبطش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَبِي يمشي وَالْمعْنَى أَن محبَّة الله إِذا استغرق بهَا الْقلب واستولت عَلَيْهِ لم تنبعث الْجَوَارِح إِلَّا إِلَى مراضي الرب وَصَارَت النَّفس حِينَئِذٍ مطمئنة بارادة مَوْلَاهَا عَن مرادها وهواها يَا هَذَا اعبد الله لمراده مِنْك لَا لمرادك مِنْهُ فَمن عَبده لمراده مِنْهُ فَهُوَ مِمَّن يعبد الله على حرف إِن أَصَابَهُ خير اطْمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَته فتْنَة انْقَلب على وَجهه خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَتى قويت الْمعرفَة والمحبة لم يرد صَاحبهَا إِلَّا مَا يُرِيد مَوْلَاهُ وَفِي بعض الْكتب السالفة من أحب الله لم يكن شَيْء عِنْده آثر من رِضَاهُ وَمن أحب الدُّنْيَا لم يكن شَيْء عِنْده آثر من هوى نَفسه وروى ابْن أبي الدُّنْيَا باسناده عَن الْحسن قَالَ مَا نظرت ببصري وَلَا نطقت بلساني وَلَا بطشت بيَدي وَلَا نهضت على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 قدمي حَتَّى أنظر على طَاعَة الله أَو على مَعْصِيَته فان كَانَت طَاعَة تقدّمت وَإِن كَانَت مَعْصِيّة تَأَخَّرت هَذَا حَال خَواص المحبين الصَّادِقين فافهموا رحمكم الله هَذَا فَإِنَّهُ من دقائق أسرار التَّوْحِيد الغامضة وَإِلَى هَذَا الْمقَام أَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته لما قدم الْمَدِينَة حَيْثُ قَالَ أَحبُّوا من كل قُلُوبكُمْ وَقد ذَكرنَاهَا ابْن اسحاق وَغَيره فان من امْتَلَأَ قلبه من محبَّة الله لم يكن فِيهِ شَيْء أفرغ من إرادات النَّفس والهوى وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الْقَائِل بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 . أروح قد ختمت على فُؤَادِي ... بحبك أَن يحل بِهِ سواكا ... فَلَو أَنِّي اسْتَطَعْت غضضت طرفِي ... فَلم أنظر بِهِ حَتَّى أراكا ... أحبك لَا ببعضي بل بكلي ... وَإِن لم يبْق حبك لي حراكا ... وَفِي الأحباب مَخْصُوص بوجد ... وَآخر يَدعِي مَعَه اشتراكا ... إِذا اشتبكت دموع فِي خدود ... تبين من بكا مِمَّن تباكى ... فَأَما من بَكَى فيذوب وجدا ... وينطبق بالهوى من قد تشاكا ... مَتى بَقِي للمحب حَظّ من نَفسه فَمَا بِيَدِهِ من الْمحبَّة إِلَّا الدَّعْوَى إِنَّمَا الْمُحب من بفنى عَن كُله وَيبقى بحبيبه فَبِي يسمع وَبِي يبصر الْقلب بَيت الرب وَفِي الأسرائيليات يَقُول الله مَا وسعني سمائي وَلَا أرْضى ووسعني قلب عَبدِي الْمُؤمن فَمَتَى كَانَ الْقلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 فِيهِ غير الله فَالله أغْنى الْأَغْنِيَاء عَن الشّرك وَهُوَ لَا يرضى بمزاحمة أصنام الْهوى الْحق غيور يغار على عَبده الْمُؤمن أَن يسكن فِي قلبه سواهُ أَو يكن فِي شَيْء مَا يرضاه ... أردناكم صرفا فَلَمَّا مزجتم ... بعدتم بِمِقْدَار التفاتكم عَنَّا وَقُلْنَا لكم لَا تسكنوا الْقلب غَيرنَا ... فأسكنتم الأغيار مَا أَنْتُم منا ... لَا ينجو غَدا إِلَّا من لَقِي الله بقلب سليم لَيْسَ فِيهِ سواهُ قَالَ الله تَعَالَى {يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} الْقلب السَّلِيم هُوَ الطَّاهِر من أدناس المخالفات فَأَما المتلطخ بِشَيْء من المكروهات فَلَا يصلح لمجاورة حَضْرَة القدوس إِلَّا بعد أَن يطهر فِي كير الْعَذَاب فَإِذا زَالَ عَنهُ الْخبث صلح حِينَئِذٍ للمجاورة إِن الله طيب لَا يقبل إِلَّا طيبا فَأَما الْقُلُوب الطّيبَة فتصلح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 للمجاورة من أول الْأَمر {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} {سَلام عَلَيْكُم طبتم فادخلوها خَالِدين} {الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين يَقُولُونَ سَلام عَلَيْكُم ادخُلُوا الْجنَّة} من لم يحرق الْيَوْم قلبه بِنَار الأسف على مَا سلف أَو بِنَار الشوق إِلَى لِقَاء الحبيب فَنَار جَهَنَّم لَهُ أَشد حرا مَا يحْتَاج إِلَى التَّطْهِير بِنَار جَهَنَّم إِلَّا من لم يكمل تَحْقِيق التَّوْحِيد وَالْقِيَام بحقوقه أول من تسعر بِهِ النَّار من الْمُوَحِّدين الْعباد المراؤون باعمالهم وأولهم الْعَالم والمجاهد والمتصدق للرياء لِأَن يسير الرِّيَاء شرك مَا نظر الْمرَائِي إِلَى الْخلق بِعِلْمِهِ إِلَّا لجهله بعظمة الْخَالِق يزور التوقيع على اسْم الْملك ليَأْخُذ البراطيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 لنَفسِهِ ويوهم أَنه من خَاصَّة الْملك وَهُوَ مَا يعرف الْملك بِالْكُلِّيَّةِ نقش الْمرَائِي على الدِّرْهَم الزائف اسْم الْملك ليروج والبهرج لَا يجوز إِلَّا على غير النَّاقِد وَبعد أهل الرِّيَاء يدْخل النَّار أَصْحَاب الشَّهْوَة وَعبيد الْهوى الَّذين أطاعوا هواهم وعصوا مَوْلَاهُم فَأَما عبيد الله حَقًا فَيُقَال لَهُم {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} جَهَنَّم تنطفئ بِنور إِيمَان الْمُوَحِّدين وَفِي الحَدِيث تَقول النَّار لِلْمُؤمنِ جز يَا مُؤمن فقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أطفأ نورك لهبي وَفِي الْمسند عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبْقى بر وَلَا فَاجر إِلَّا دَخلهَا فَتكون على الْمُؤمنِينَ بردا وَسلَامًا كَمَا كَانَت على ابراهيم حَتَّى إِن للنار ضَجِيجًا من بردهمْ هَذِه مِيرَاث وَرَثَة المحبون من حَال الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام نَار الْمحبَّة فِي قُلُوب المحبين تخَاف مِنْهَا نَار جَهَنَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 قَالَ الْجُنَيْد قَالَت النَّار يَا رب لَو لم أطعك هَل كنت تعذبني بِشَيْء أَشد مني قَالَ أسلط عَلَيْك نَارِي الْكُبْرَى قَالَت وَهل نَار أعظم مني وَأَشد قَالَ نعم نَار محبتي أسكنتها قُلُوب أوليائي الْمُؤمنِينَ ... قفا قَلِيلا بهَا عَليّ فَلَا ... أقل من نظرة أزودها فَفِي فؤاد الْمُحب نَار جوى ... أحر نَار الْجَحِيم أبردها ... فلولا دموع المحبين تُطْفِئ بعض حرارة الوجد لَاحْتَرَقُوا كمدا ... دَعوه يطفي بالدموع حرارة ... على كبد حري دَعوه دَعوه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 . سلوا عاذليه يعذروه هنيهة ... فبالعذل دون الشوق قد قَتَلُوهُ ... كَانَ بعض العارفين يَقُول أَلَيْسَ عجبا أَن أكون بَين أظْهركُم وَفِي قلبِي من الإشتياق إِلَى رَبِّي مثل الشعل الَّتِي لَا تنطفئ وَلم أر مثل نَار الْحبّ نَارا ... تزيد ببعد موقدها اتقادا ... مَا للعارفين شغل بِغَيْر مَوْلَاهُم وَلَا هم فِي غَيره وَفِي الحَدِيث من أصبح وهمه غير الله فَلَيْسَ من الله قَالَ بَعضهم من أخْبرك أَن وليه لَهُ هم فِي غَيره فَلَا تصدقه وَكَانَ دَاوُد الطَّائِي يَقُول همك عطل عَليّ الهموم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وحالف بيني وَبَين السهاد وشوقي إِلَى النّظر إِلَيْك أوبق مني اللَّذَّات وَحَال بيني وَبَين الشَّهَوَات فَأَنا فِي سجنك أَيهَا الْكَرِيم مَطْلُوب ... مَالِي شغل سواهُ مَالِي شغل ... مَا يصرف عَن هَوَاهُ قلبِي عذل مَا أصنع إِن جَفا وخاب الأمل ... مني بدل وَمِنْه مَالِي بدل ... إخْوَانِي إِذا فهمتم هَذَا الْمَعْنى فهمتم معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله صَادِقا من قلبه حرمه الله على النَّار فَأَما من دخل النَّار من أهل هَذِه الْكَلِمَة فلقله صدقه فِي قَوْلهَا فان هَذِه الْكَلِمَة إِذا صدقت طهرت الْقلب من كل مَا سوى الله وَمَتى بَقِي فِي الْقلب أثر سوى الله فَمن قلَّة الصدْق فِي قَوْلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 من صدق فِي قَول لاإله إِلَّا الله لم يحب سواهُ وَلم يرج سواهُ وَلم يخْش أحدا إِلَّا الله وَلم يتوكل إِلَّا على الله وَلم يبْق لَهُ بَقِيَّة من آثَار نَفسه وهواه وَمَعَ هَذَا فَلَا تظنوا أَن الْمُحب مطَالب بالعصمة وَإِنَّمَا هُوَ مطَالب كلما زل أَن يتلافى تِلْكَ الوصمة قَالَ زيد بن أسلم إِن الله لَيُحِب العَبْد حَتَّى يبلغ من حبه لَهُ أَن يَقُول اذْهَبْ فاعمل مَا شِئْت فقد غفرت لَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَقَالَ الشّعبِيّ إِذا أحب الله عبدا لم يضرّهُ ذَنْب وَتَفْسِير هَذَا الْكَلَام أَن الله عز وَجل لَهُ عناية بِمن يُحِبهُ فَكلما زلق ذَلِك العَبْد فِي هوة الْهوى أَخذ بِيَدِهِ إِلَى نجوة النجَاة ييسر لَهُ التَّوْبَة وينبهه على قبح الزلة فَيفزع إِلَى الإعتذار ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى وَفِي بعض الْآثَار يَقُول الله تعإلى اهل ذكرى أهل مجالستي وَأهل طَاعَتي أهل كَرَامَتِي وَأهل معصيتي لَا أويسهم من رَحْمَتي إِن تَابُوا فَأَنا حبيبهم وَإِن لم يتوبوا فَأَنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَفِي صَحِيح مُسلم عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْحمى تذْهب الْخَطَايَا كَمَا يذهب الْكِير الْخبث وَفِي الْمسند وصحيح ابْن حبَان عَن عبد الله بن مُغفل أَن رجلا لَقِي امْرَأَة كَانَت بغيا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعل يلاعبها حَتَّى بسط يَده إِلَيْهَا فَقَالَت مَه فان الله قد أذهب الشّرك وَجَاء بِالْإِسْلَامِ فَتَركهَا وَولى فَجعل يلْتَفت خَلفه ينظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 إِلَيْهَا حَتَّى أصَاب الْحَائِط وَجهه فاخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأَمر فَقَالَ أَنْت عبد أَرَادَ الله بك خيرا ثمَّ قَالَ إِن الله إِذا أَرَادَ بِعَبْدِهِ شرا أمسك ذَنبه حَتَّى يوافى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَا قوم قُلُوبكُمْ على أصل الطَّهَارَة وَإِنَّمَا أَصَابَهَا رشاش من نَجَاسَة الذُّنُوب فرشوا عَلَيْهَا قَلِيلا من دموع الْعُيُون وَقد طهرت اعزموا على فطام النُّفُوس عَن رضَاع الْهوى فالحمية رَأس الدَّوَاء مَتى طالبتكم بمألوفاتها فَقولُوا مقَالَة تِلْكَ الْمَرْأَة لذَلِك الرجل الَّذِي دمي وَجهه أذهب الله الشّرك وَجَاء بِالْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَام يَقْتَضِي الإستسلام والإنقياد للطاعة ذكروها مِدْحَة {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} تحن إِلَى الاسْتقَامَة عرفوها اطلَاع من هُوَ أقرب إِلَيْهَا من حَبل الوريد لَعَلَّهَا تَسْتَحي من قربه وَنَظره {ألم يعلم بِأَن الله يرى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 {إِن رَبك لبالمرصاد} راود رجل امْرَأَة فِي فلاة لَيْلًا فَأَبت فَقَالَ لَهَا مَا يَرَانَا إِلَّا الْكَوَاكِب قَالَت فَأَيْنَ مكوكبها أكره رجل امْرَأَة على نَفسهَا وأمرها بغلق الْأَبْوَاب فَقَالَ لَهَا هَل بَقِي بَاب لم يغلق قَالَت نعم الْبَاب الَّذِي بَيْننَا وَبَين الله تَعَالَى فَلم يتَعَرَّض لَهَا رأى بعض العارفين رجلا يكلم امْرَأَة فَقَالَ إِن الله يراكما سترنا الله وإياكما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 سُئِلَ الْجُنَيْد بِمَ يستعان على غض الْبَصَر قَالَ بعلمك ان نظر الله أسبق من نظرك إِلَيْهِ قَالَ المحاسبي المارقبة علم الْقلب بِقرب الرب كلما قويت الْمعرفَة بِاللَّه قوي الْحيَاء من قربه وَنَظره وصّى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا أَن يستحي من الله كَمَا يستحي من رجل صَالح من عشيرته لَا يُفَارِقهُ قَالَ بَعضهم استح من الله على قدر قربه مِنْك وخف الله على قدر قدرته عَلَيْك كَانَ بَعضهم يَقُول لي مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة مَا خطوت لغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الله وَلَا نظرت إِلَى شَيْء أستحسنه حَيَاء من الله عز وَجل ... كَأَن رقيبا مِنْك يرْعَى خواطري ... وَآخر يرْعَى ناظري ولساني فَمَا أَبْصرت عَيْنَايَ بعْدك منْظرًا ... لغيرك إِلَّا قلت قد رمقاني وَلَا بدرت من فِي بعْدك لَفْظَة ... لغيرك إِلَّا قلت قد سمعاني وَلَا خطرت من ذكر غَيْرك خطرة ... على الْقلب إِلَّا عرجا بعناني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فصل فِي فَضَائِل لَا إِلَه إِلَّا الله وَكلمَة التَّوْحِيد لَهَا فَضَائِل عَظِيمَة لَا يُمكن هَا هُنَا استقصاؤها فلنذكر بعض مَا ورد فِيهَا فَهِيَ كلمة التَّقْوَى كَمَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ من الصَّحَابَة وَهِي كلمة الْإِخْلَاص وَشَهَادَة الْحق ودعوة الْحق وَبَرَاءَة من الشّرك وَنَجَاة هَذَا الْأَمر ولأجلها خلق الْخلق كَمَا قَالَ تعإلى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} ولأجلها أرْسلت الرُّسُل وأنزلت الْكتب كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} وَقَالَ تعإلى {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ من أمره على من يَشَاء من عباده أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَمَا عدد الله على عباده من النعم فِي سُورَة آيَة النعم الَّتِي تسمى النَّحْل وَلِهَذَا قَالَ ابْن عُيَيْنَة مَا أنعم الله على عبد من الْعباد نعْمَة أعظم من أَن عرفهم لَا إِلَه إِلَّا الله وَإِن لَا إِلَه إِلَّا الله لأهل الْجنَّة كَالْمَاءِ الْبَارِد لأهل الدُّنْيَا ولأجلها أعدت دَار الثَّوَاب وَدَار الْعقَاب ولأجلها أمرت الرُّسُل بِالْجِهَادِ فَمن قَالَهَا عصم مَاله وَدَمه وَمن أَبَاهَا فَمَاله وَدَمه هدر وَهِي مِفْتَاح الْجنَّة ومفتاح دَعْوَة الرُّسُل وَبهَا كلم الله مُوسَى كفاحا وَفِي مُسْند الْبَزَّار وَغَيره عَن عِيَاض الْأنْصَارِيّ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة حق على الله كَرِيمَة وَلها من الله مَكَان وَهِي كلمة من قَالَهَا صَادِقا أدخلهُ الله بهَا الْجنَّة وَمن قَالَهَا كَاذِبًا حقنت دَمه واحرزت مَاله وَلَقي الله غَدا فحاسبه وَهِي مِفْتَاح الْجنَّة كَمَا تقدم وَهِي ثمن الْجنَّة قَالَه الْحسن وَجَاء مَرْفُوعا من وُجُوه ضَعِيفَة وَمن كَانَت آخر كَلَامه دخل الْجنَّة وَهِي نجاة من النَّار وَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤذنًا يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ خرج من النَّار خرجه مُسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَهِي توجب الْمَغْفِرَة فِي الْمسند عَن شَدَّاد بن أَوْس وَعبادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يَوْمًا ارفعو أَيْدِيكُم وَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فرفعنا أَيْدِينَا سَاعَة ثمَّ وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده ثمَّ قَالَ الْحَمد لله اللَّهُمَّ بعثتني بِهَذِهِ الْكَلِمَة وأمرتني بهَا ووعدتني بهَا الْجنَّة وَإنَّك لَا تخلف الميعاد ثمَّ قَالَ أَبْشِرُوا فَإِن الله قد غفر لكم وَهِي أحسن الْحَسَنَات قَالَ أَبُو ذَر قلت يَا رَسُول الله كلمني بِعَمَل يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار قَالَ إِذا عملت سَيِّئَة فاعمل حَسَنَة فانها عشر أَمْثَالهَا قلت يَا رَسُول الله لَا إِلَه إِلَّا الله من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الْحَسَنَات قَالَ هِيَ أحسن الْحَسَنَات وَهِي تمحو الذُّنُوب والخطايا وَفِي سنَن ابْن مَاجَه عَن أم هَانِئ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله لَا تتْرك ذَنبا وَلَا يسبقها علم رُؤِيَ بعض السّلف بعد مَوته فِي الْمَنَام فَسئلَ عَن حَاله فَقَالَ ماأبقت لَا إِلَه إِلَّا الله شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَهِي تجدّد مَا درس من الْإِيمَان فِي الْقلب وَفِي الْمسند أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه جددوا إيمَانكُمْ قَالُوا كَيفَ نجدد إيمَاننَا قَالَ قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَهِي لَا يعدلها شَيْء فِي الْوَزْن فَلَو وزنت بالسموات وَالْأَرْض رجحت بِهن كَمَا فِي الْمسند عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نوحًا قَالَ لِابْنِهِ عِنْد مَوته آمُرك بِلَا إِلَه إِلَّا الله فان السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع لَو وضعت فِي كفة وَوضعت لَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة رجحت بهم لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَو أَن السَّمَوَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 السَّبع وَالْأَرضين السَّبع كن فِي حَلقَة مُبْهمَة فصمتهن لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِيه أَيْضا عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ يَا رب عَلمنِي شَيْئا أذكرك وأدعوك بِهِ قَالَ يَا مُوسَى قل لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت يَا رب إِنَّمَا أُرِيد شَيْئا تخصني بِهِ قَالَ يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وعامرهن غَيْرِي وَالْأَرضين السَّبع فِي كَفه وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة مَالَتْ بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَذَلِكَ ترجح بصحائف الذُّنُوب كَمَا فِي حَدِيث السجلات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 والبطاقة وَقد خرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي الَّتِي تخرق الْحجب حَتَّى تصل إِلَى الله عز وَجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَفِي التزمذي عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله لَيْسَ لَهَا دون الله حجاب حَتَّى تصل إِلَيْهِ وَفِيه أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ عبد لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصا إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء حَتَّى تُفْضِي إِلَى الْعَرْش مَا اجْتنبت الْكَبَائِر ويروى عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا مَا من شَيْء إِلَّا بَينه وَبَين الله حجاب إِلَّا قَول لَا إِلَه إِلَّا الله كَمَا أَن شفتيك لَا تحجبها كَذَلِك لايحجبها شَيْء حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الله عز وَجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَقَالَ أَبُو أُمَامَة مَا من عبد يهلل تَهْلِيلَة فينهنها شَيْء دون الْعَرْش وَهِي الَّتِي ينظر الله إِلَى قَائِلهَا ويجيب دَعَاهُ خرج النَّسَائِيّ فِي كتاب الْيَوْم وَاللَّيْلَة من حَدِيث رجلَيْنِ من الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير مخلصا بهَا روحه مُصدقا بهَا لِسَانه إِلَّا فتق لَهُ السَّمَاء فتقا حَتَّى ينظر إِلَى قَائِلهَا من أهل الأَرْض وَحقّ لعبد نظر إِلَيْهِ أَن يُعْطِيهِ سؤله وَهِي الْكَلِمَة الَّتِي يصدق الله قَائِلهَا كَمَا أخرج النَّسَائِيّ والتزمذي وَابْن حبَان من حَدِيث أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 هُرَيْرَة وَأبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا قَالَ العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر صدقه ربه وَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنا وَأَنا أكبر وَإِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لاشريك لَهُ يَقُول الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا وحدي لَا شريك لي وَإِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد قَالَ الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا لي الْملك ولي الْحَمد وَإِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِي وَكَانَ يَقُول من قَالَهَا فِي مَرضه ثمَّ مَاتَ لم تطعمه النَّار وَهِي أفضل مَا قَالَه النَّبِيُّونَ كَمَا ورد ذَلِك فِي دُعَاء يَوْم عَرَفَة وَهِي أفضل الذّكر كَمَا فِي حَدِيث جَابر الْمَرْفُوع أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَعَن ابْن عَبَّاس أحب كلمة إِلَى الله لَا إِلَه إِلَّا الله لَا يقبل الله عملا إِلَّا بهَا وَهِي أفضل الْأَعْمَال وأكثرها تضعيفا وتعدل عتق الرّقاب وَتَكون حرْزا من الشَّيْطَان وكما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير فِي يَوْم مائَة مرّة كَانَت لَهُ عدل عشر رِقَاب وَكتب لَهُ مائَة حَسَنَة ومحي عَنهُ مائَة سَيِّئَة وَلم يَأْتِ أحد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أحد عمل أَكثر من ذَلِك وَفِيهِمَا أَيْضا عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَهَا عشر مَرَّات كَانَ كمن أعتق أَرْبَعَة أنفس من ولد إِسْمَاعِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا من قَالَهَا إِذا دخل السُّوق وَزَاد فِيهَا يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير كتب الله لَهُ ألف ألف حَسَنَة ومحا الله عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَرفع الله لَهُ ألف ألف دَرَجَة وَفِي رِوَايَة وَيَبْنِي لَهُ بَيت فِي الْجنَّة وَمن فضائلها أَنَّهَا أَمَان من وَحْشَة الْقَبْر وهول الْحَشْر كَمَا فِي الْمسند وَغَيره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ على أهل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْشَة فِي قُبُورهم وَلَا فِي نشورهم وَكَأَنِّي بِأَهْل لَا إِلَه إِلَّا الله قد قَامُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وَيَقُولُونَ {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} وَفِي حَدِيث مُرْسل من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك الْحق الْمُبين كل يَوْم مائَة مرّة كَانَت لَهُ أَمَانًا من الْفقر وأنسا من وَحْشَة الْقَبْر واستجلبت لَهُ الْغنى واستفرغت لَهُ بَاب الْجنَّة وَهِي شعار الْمُؤمنِينَ إِذا قَامُوا من قُبُورهم قَالَ النَّضر بن عَرَبِيّ بَلغنِي أَن النَّاس إِذا قَامُوا من قُبُورهم كَانَ شعارهم لَا إِلَه إِلَّا الله وَقد خرج الطَّبَرَانِيّ حَدِيثا مَرْفُوعا ان شعار هَذِه الْأمة على الصِّرَاط لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَمن فضائلها أَنَّهَا تفتح لقائلها أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ كَمَا فِي حَدِيث عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ بعد الْوضُوء وَقد خرجه مُسلم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَأَن الْجنَّة حق وَالنَّار حق أدخلهُ الله من أَي أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية شَاءَ وَفِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قصَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 مَنَامه الطَّوِيل وَفِيه قَالَ وَرَأَيْت رجلا من أمتِي انْتهى إِلَى أَبْوَاب الْجنَّة فأغلقت الْأَبْوَاب دونه فَجَاءَتْهُ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فتحت لَهُ الْأَبْوَاب وأدخلته الْجنَّة وَمن فضائلها أَن أَهلهَا وَأَن دخلُوا النَّار بتقصيرهم فِي حُقُوقهَا فأنهم لَا بُد أَن يخرجُوا مِنْهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله عز وَجل وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وكبريائي وعظمتي لأخْرجَن مِنْهَا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله قَالَ إِن نَاسا من أهل لَا إِلَه إِلَّا الله يدْخلُونَ النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَيَقُول لَهُم عَبدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 اللات والعزى مَا أغْنى عَنْكُم قَول لَا إِلَه إِلَّا الله فيغضب الله لَهُم فيخرجهم من النَّار فَيدْخلُونَ الْجنَّة وَمن كَانَ فِي سخطه يحسن فَكيف يكون إِذا مَا رَضِي لايسوي بَين من وَحده وَإِن قصر فِي حُقُوق توحيدة وَبَين من أشرك بِهِ قَالَ بعض السّلف كَانَ ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول اللَّهُمَّ لَا تشرك من كَانَ يُشْرك شَيْئا بِمن كَانَ لَا يُشْرك بك كَانَ بعض السّلف يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إِنَّك قلت عَن أهل النَّار أَنهم {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وَنحن نقسم بِاللَّه جهد أَيْمَاننَا ليبْعَثن الله من يَمُوت اللَّهُمَّ لَا تجمع بَين أهل الْقسمَيْنِ فِي دَار وَاحِدَة كَانَ أَبُو سُلَيْمَان يَقُول إِن طالبني ببخلي طالبته بجوده وَإِن طالبني بذنوبي طالبته بعفوه وَإِن أدخلني النَّار أخْبرت أهل النَّار أَنِّي أحبه ... مَا أطيب وَصله وَمَا أعذبه ... وَمَا أثقل هجره وَمَا أصعبه وَفِي السخط والرضى ماأهيبه ... الْقلب يُحِبهُ وَإِن عذبه ... وَكَانَ بعض العارفين يبكي طول ليله وَيَقُول إِن تعذبني فَإِنِّي لَك محب وَإِن ترحمني فَأَنِّي لَك محب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 العارفون يخَافُونَ من الْحجاب أَكثر مِمَّا يخَافُونَ من الْعَذَاب قَالَ ذُو النُّون خوف النَّار عِنْد خوف الْفِرَاق كقطرة فِي بَحر لجي كَانَ بَعضهم يَقُول إلهي وسيدي ومولاي لَو أَنَّك عذبتني بِعَذَابِك كُله كَانَ مَا فَاتَنِي من قربك أعظم عِنْدِي من الْعَذَاب قيل لبَعْضهِم لَو طردك مَا كنت تفعل فَقَالَ ... إِذا أَنا لم أجد من الْحبّ وصلا ... رمت فِي النَّار منزلا وَمَقِيلا ثمَّ أزعجت أَهلهَا بندائي ... بكرَة فِي عرصاتها وَأَصِيلا معشر الْمُشْركين ناحوا على من ... يَدعِي أَنه يحب الجليلا لم يكن فِي الَّذِي ادَّعَاهُ محقا ... فجزاه بِهِ الْعَذَاب الطويلا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 إخواني اجتهدوا الْيَوْم فِي تَحْقِيق التَّوْحِيد فانه لَا يُنجي من عَذَاب الله إِلَّا إِيَّاه مَا نطق الناطقون إِذْ نطقوا أحسن من لَا إِلَه إِلَّا الله ... مَا نطق الناطقون إِذْ نطقوا ... أحسن من لَا إِلَه إِلَّا هُوَ تبَارك الله ذُو الْجلَال وَمن ... أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ من لذنوبي وَمن يمحصها ... غَيْرك يَا من لَا إِلَه إِلَّا هُوَ جنان خلد لمن يوحده ... أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ نيرانه لَا تحرق من ... يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أقولها مخلصا بِلَا بخل ... أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71