الكتاب: تميز الصدق من المين في محاورة الرجلين المؤلف: سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان بن مصلح بن حمدان بن مسفر بن محمد بن مالك بن عامر الخثعمي , التبالي , العسيري , النجدي (المتوفى: 1349هـ) المحقق: عبد العزيز بن عبد الله الزير آل حمد الناشر: دار العاصمة - السعودية الطبعة: الأولى، 1415هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تميز الصدق من المين في محاورة الرجلين سليمان بن سحمان الكتاب: تميز الصدق من المين في محاورة الرجلين المؤلف: سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان بن مصلح بن حمدان بن مسفر بن محمد بن مالك بن عامر الخثعمي , التبالي , العسيري , النجدي (المتوفى: 1349هـ) المحقق: عبد العزيز بن عبد الله الزير آل حمد الناشر: دار العاصمة - السعودية الطبعة: الأولى، 1415هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من سُلَيْمَان بن سحمان إِلَى الْأَخ عبد الله بن الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن سلمه الله تَعَالَى وهداه آمين سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أما بعد فقد وقفت على جَوَاب حُسَيْن الَّذِي أرسل إِلَيْكُم وتأملته فَلم يكن فِيهِ شَيْء مِمَّا وَقع النزاع فِيهِ بل حاد عَن ذَلِك وَصدر كَلَامه بِالْكَذِبِ على مُحَمَّد بن حسن المرزوقي وَأَنا أذكر لَك مَا فِي كَلَام أَخِيك من الْكَذِب على المرزوقي وَمَا فِيهِ من الْخَطَأ والغلط وَالوهم فَإِن بَان لَك مَا ذكرته واتضح لديك كذبه على المرزوقي وغلطه ووهمه فَالْوَاجِب الرُّجُوع إِلَى الْحق وَعدم التَّعَدِّي على المرزوقي وبهته بِمَا لَيْسَ فِيهِ وتبيين غلط أَخِيك وَإِن أشكل عَلَيْك شَيْء من كَلَامي وَلم يَتَّضِح لَك فأعرضه على الْمَشَايِخ فَإِن كَانَ حَقًا فَالْوَاجِب قبُول الْحق وَإِن كَانَ خطأ رجعت إِلَى الْحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أما كذبه على المرزوقي فَإِنَّهُ زعم أَنه أورد على الشَّيْخ عبد الله ابْن عبد اللَّطِيف وعَلى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وَعلي سؤالا هَذَا نَصه مَا قَول عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمة الْمُوَحِّدين فِي رجل يَقُول فِي الْجَهْمِية وَفِي القبورية المنكرين لتوحيد الذَّات وَالصِّفَات وَالْعِبَادَة لما سُئِلَ عَنْهُم قَالَ إِن فِي تكفيرهم قَولَانِ وَيَقُول فِي أهل دبي وَفِي أهل أبي ظَبْي وَفِي الإباضية فِي زَمَاننَا لما سُئِلَ عَنْهُم قَالَ هم مُسلمُونَ لم تقم عَلَيْهِم الْحجَّة وَهَذَا فِيهِ من الْكَذِب على المرزوقي مَا يُعلمهُ كل من وقف على كَلَام المرزوقي فَإِنَّهُ تصرف فِيهِ وَزَاد وَنقص وسؤال المرزوقي عندنَا بقلمه وَقد ذكره فِي رسائله الَّتِي طبعها فَلَا يُمكن مَعَ ذَلِك قبُول تصرفه وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ وَالنَّقْص مِنْهُ وَهَذَا نَص مَا قَالَ المرزوقي مَا قَول عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمة الْمُوَحِّدين فِي إِمَامَة رجل يَقُول فِي الْجَهْمِية والقبورية كأكثر أهل دبي وَأبي ظَبْي فيهمَا قَولَانِ وأنهما لم تبلغهما الْحجَّة وَأَن الإباضية فِي زَمَاننَا لما سُئِلَ كَيفَ تشبهنا بهم قَالَ مُسلمُونَ هَذَا لَفظه فأجبناه على هَذَا السُّؤَال بِمَا هُوَ مَعْلُوم مَشْهُور من كَلَام الْعلمَاء فَكَانَ كَلَامه وسؤاله فِي إِمَامَة رجل لَا يكفر الْجَهْمِية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والقبورية كأكثر أهل دبي وَأبي ظَبْي الَّذين قد قَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة ووضحت لَهُم المحجة وهم جهمية صرف معطلة للصانع عَن علوه على خلقه واستوائه على عَرْشه وَعَن الإباضية الَّذين كَانُوا بالسَّاحل من عمان من أهل هَذَا الزَّمَان فَزعم حُسَيْن أَن فِي هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية قَوْلَيْنِ للْعُلَمَاء وَهَذَا كذب فَإِنَّهُ لم يكن سُؤَاله عَن الْجَهْمِية مُطلقًا وَلَا عَن الْخَوَارِج الَّذين كَانُوا فِي زمن الصَّحَابَة لِأَن الإباضية فرقة مِنْهُم فَالْكَلَام فِي هَؤُلَاءِ كَالْكَلَامِ فِي أُولَئِكَ وَأورد أَيْضا سؤالا على الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف وَهَذَا نَصه قَالَ السَّائِل مَا قَول عُلَمَاء الْمُسلمين فِي رجلَيْنِ تنَازعا فِي السَّلَام على الرافضة إِلَى آخِره فَهَذَا حق وَهُوَ كَمَا ذكر إِلَّا أَنه كذب على المرزوقي وافترى عَلَيْهِ أَنه قَصده بِهَذَا السُّؤَال وَأَنه نازعه فِيهِ وَهَذَا السُّؤَال إِنَّمَا وَقع النزاع فِيهِ بَينه وَبَين ابْن عثيمين لم يكن بَينه وَبَين حُسَيْن فِيهِ نزاع وَلَا كَلَام وَلَا قَصده بِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تشيين المرزوقي بِمَا لم يقلهُ فَكَانَ هَؤُلَاءِ أَحَق بقوله {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مُبينًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من رمى مُسلما بِمَا لَيْسَ فِيهِ سقَاهُ الله من ردغة الخبال) عصارة أهل النَّار وَأما قَوْله إِنَّمَا النزاع بَيْننَا وَبَينه فِي مَسْأَلَة لم يذكرهَا فِي سؤالاته لعدم ورعه وتقواه وخوفه من الله فِي صنف من الْجَهْمِية كَرجل قَرَأَ الْقُرْآن وَهُوَ عَامي لَا يعرف مَعَاني الْقُرْآن وَكَانَ عِنْده عُلَمَاء يعظمهم ويظن أَنهم عُلَمَاء بمعاني الْقُرْآن وأمناء على أَحْكَامه وحدوده فَيَقُولُونَ نعم الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى وَلَكِن مَعْنَاهُ كَذَا وَكَذَا مِمَّا لَا يعرف مَعْنَاهُ فأضله هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَة الْكفَّار بموافقتهم لَهُ على ظَاهر الْآيَة وَلم يدر الْمِسْكِين أَنهم قد خالفوا مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَأَصْحَابه والتابعون وَجَمِيع أهل السّنة وَالْجَمَاعَة من إِثْبَات مَا أثْبته الله لنَفسِهِ وأثبته لَهُ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات فَقُلْنَا هَذَا الصِّنْف لَا يكفرون حَتَّى تُقَام عَلَيْهِم الْحجَّة لأَنهم عوام لم يفهموا مَعَاني الْقُرْآن وَلم يكن لَهُم معرفَة واطلاع بالتفاسير وَلَا بمنازعة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لعلمائهم الَّذين أضلوهم فَقَالَ مُحَمَّد بن حسن الْمَذْكُور هَذَا الصِّنْف كفار وَمن لم يكفرهم فَهُوَ كَافِر مثلهم إِلَى آخر كَلَامه فَأَقُول كل هَذَا كذب على المرزوقي وَإِنَّمَا أَرَادَ الرُّجُوع عَن قَوْله الأول فَلم يحسن فَأتى بِصُورَة كَلَام يُخَالف مَا ذكره أَولا بقلمه من الْكَلَام الَّذِي وَقع النزاع بَينهمَا فِيهِ وَلَيْسَ النزاع فِي هَذَا الْكَلَام الْأَخير وَهَذَا نَص مَا ذكره أَولا بقلمه ليتبين لَك أَنه حاد عَنهُ إِلَى هَذَا الْكَلَام الْأَخير قَالَ مَا يَقُول الشَّيْخ بن الشَّيْخ بن الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن عبد الرَّحْمَن فِي أنَاس تنازعوا فَقَالَ بَعضهم الْجَهْمِية كفار وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بقول بعض الْعلمَاء من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر وَقَالَ الْآخرُونَ أما قَوْلكُم الْجَهْمِية كفار فَهَذَا حق إِن شَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الله وَنحن نقُول ذَلِك وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة كَمَا ذكر ذَلِك الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن رَحمَه الله فِي كِتَابه فتح الْمجِيد شرح كتاب التَّوْحِيد فِي الْكَلَام على أول بَاب من جحد شَيْئا من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وكما ذكره الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَيْضا فِي جَوَابه عَن شُبْهَة الجهمي ابْن كَمَال الْمَذْكُور فِي مَجْمُوعَة التَّوْحِيد وكما ذكره ابْن الْقيم رَحمَه الله فِي الكافية الشافية بقوله (وَلَقَد تقلد كفرهم خَمْسُونَ فِي ... عشر من الْعلمَاء فِي الْبلدَانِ) وَأما قَوْلكُم وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر فَهَذَا بَاطِل مَرْدُود لما ذكره هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام من تَكْفِير الْجُمْهُور من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة للجهمية وَعدم تَكْفِير البَاقِينَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لَهُم أفيجوز تَكْفِير من لم يكفرهم من الْعلمَاء الْمَذْكُورين أَو غَيرهم مَعَ ذَلِك وَهل رَأَيْتُمْ أحدا من الْأمة كفر هَؤُلَاءِ الْعلمَاء الَّذين لم يكفروا الْجَهْمِية أما ورد فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) وَأَنْتُم كَفرْتُمْ أمة من الْعلمَاء وَمن الْمُسلمين أما يَتَّقُونَ الله وَمَعَ هَذَا الْبَيَان يَا شيخ مُحَمَّد لم يفهموا أَو لم يرجِعوا بل فتنُوا وافتتنوا وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَقَالُوا لَهُم أَيْضا فِي الْجَواب وَأما قَول بعض الْعلمَاء من لم يكفر الْمُشْركين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر فَهَذَا حق وَنحن نعتقده بِحَمْد الله لَكِن هَذَا فِيمَن أجمع عُلَمَاء الْإِسْلَام على كفره وَأما من اخْتلفُوا فِيهِ فَلَا يُقَال فِيمَن لم يكفره ذَلِك إِذْ يلْزم مِنْهُ تَكْفِير طَائِفَة من عُلَمَاء السّلف من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَمن تَبِعَهُمْ مِمَّن سكت عَن تكفيرهم من عوام الْمُسلمين وَفِيه الْوَعيد الشَّديد وَالنَّهْي الأكيد وَمَعَ هَذَا كُله لم يفهموا لكَوْنهم من الْعَوام وَلَهُم مَقَاصِد سوء لَا يُمكن بَيَانهَا فِي هَذَا السُّؤَال إِلَى آخر كَلَامه فَهَذَا السُّؤَال يُخَالف مَا ذكره فِي هَذَا الْكَلَام الْأَخير وَفِيه التَّصْرِيح بِأَن النزاع الْوَاقِع فِيهِ وَفِي الْجَهْمِية مُطلقًا لَا فِي صنف مِنْهُم وَالْكَلَام الْأَخير لم يذكر المرزوقي فِيهِ نزاعا وَلَا سَأَلَ عَنهُ أصلا مَعَ مَا فِيهِ من الْخَطَأ والغلط كَمَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِذا تحققت أَن كَلَامه هَذَا يُخَالف مَا ذكره أخيرا تبين لَك كذبه على المرزوقي وتعمده لذَلِك وَأَنه أَرَادَ الرُّجُوع عَن قَوْله الأول فَلم يحسن أَو لم يرد الرُّجُوع وَلكنه غالط بِهَذَا وَأما خَطؤُهُ فِي هَذَا السُّؤَال فَاعْلَم أَن النزاع فِي الْجَهْمِية مُطلقًا لم يكن فِي صنف مِنْهُم كَمَا زَعمه فِي قَوْله الْأَخير فَزعم أَن جُمْهُور أهل السّنة وَالْجَمَاعَة يكفرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الْجَهْمِية وَأَن البَاقِينَ لَا يكفرونهم فصح أَن لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة عِنْده فيهم قَوْلَيْنِ طَائِفَة يكفرونهم وهم الْجُمْهُور وَطَائِفَة لَا يكفرونهم وَقد كَانَ من الْمَعْلُوم أَن الْعلمَاء لم يَخْتَلِفُوا فِي تَكْفِير الْجَهْمِية وَأَنَّهُمْ ضَلَالَة زنادقة بل قد ذكر من صنف فِي السّنة تكفيرهم عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي جَوَاب الشَّيْخ عبد اللَّطِيف رَحمَه الله وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي بَيَان كشف الأوهام والالتباس وَأَن الْخلاف فِي نوع من جهال المقلدين لَهُم لَا فِي جَمِيعهم وَهَؤُلَاء الْجُهَّال لَيْسُوا بالجهمية الصّرْف الَّذين أجمع الْعلمَاء على كفرهم بل هم أنَاس من أَتبَاع الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من طوائف أهل الْبدع والأهواء الَّذين أَحْسنُوا الظَّن بِمن قلدوه مَعَ تمكنهم من الْهدى وَالْعلم وَمَعْرِفَة الْحق فأعرضوا عَنهُ وأحسنوا الظَّن بِمن قلدوه مِمَّن نزع من أئمتهم إِلَى مَذْهَب الْجَهْمِية وَأما الْجَهْمِية الصّرْف فَلَا خلاف فيهم وَأما قَوْله وَأما قَوْلكُم وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر فَهَذَا بَاطِل مَرْدُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 جَوَابه أَن يُقَال بل كَلَامه هُوَ الْبَاطِل الْمَرْدُود فَإِنَّهُ لم ينْقل عَن أحد من الْعلمَاء عدم تكفيرهم وَإِنَّمَا هُوَ بمفهومه وَمَفْهُومه مَرْدُود بِمَا نَقله بعض أهل السّنة وَالْجَمَاعَة عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر وَهُوَ مَنْطُوق صَرِيح يرد هَذَا الْمَفْهُوم الْفَاسِد الَّذِي لم يذكر قَائِلا بِهِ من أهل الْعلم بل هُوَ من الْكَذِب على الْعلمَاء وَقد قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب رَحمَه الله فِي نواقض الْإِسْلَام الْعشْرَة أَن من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم فَهُوَ كَافِر وَإِذا كَانَ مَا ذكره الشَّيْخ مُحَمَّد رَحمَه الله وَقَالَ بِهِ أهل الْعلم أَنه بَاطِل مَرْدُود تبين لكل منصف غلطه وخطؤه وَأَنه مُتبع لهواه بِغَيْر هدى من الله وَأما قَوْله أفيجوز تَكْفِير من لم يكفرهم من الْعلمَاء الْمَذْكُورين أَو غَيرهم مَعَ ذَلِك فَيُقَال أَولا دَعْوَى أَنه لم يكفر الْجَهْمِية بعض الْعلمَاء دَعْوَى مُجَرّدَة لم يذكر من قَالَ بِهِ من الْعلمَاء إِلَّا الْمَفْهُوم من قَول بعض الْعلمَاء وَقد كفرهم جُمْهُور الْعلمَاء أَو أَكْثَرهم وَقَول ابْن الْقيم وَلَقَد تقلد كفرهم إِلَى آخِره فَظن بمفهومه أَن من عدى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين لَا يكفرون الْجَهْمِية وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِم وَلَا شَرط وَذَلِكَ أَنه إِذا نقل بعض أهل الْعلم عَن عدد مِنْهُم نَحْو خَمْسمِائَة إِمَام أَو أقل أَو أَكثر لَا يلْزم من ذَلِك أَن البَاقِينَ لَا يكفرونهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ثمَّ إِنَّا قد ذكرنَا من نقل تكفيرهم عَن عَامَّة أهل الْعلم والأثر كَمَا ذكره شَيخنَا الشَّيْخ عبد اللَّطِيف عَن أهل السّنة فَبَطل هَذَا الْمَفْهُوم وَيُقَال ثَانِيًا فَلَو قدر أَن أحدا من الْعلمَاء لم يكفرهم لسَبَب من الْأَسْبَاب الْمَانِعَة لَهُ من تكفيرهم أمكن أَن نعتذر عَنهُ وَلَا نكفره بل نقُول أَنه مُخطئ غالط لعدم عصمته من الْخَطَأ والغلط وَالْإِجْمَاع فِي ذَلِك قَطْعِيّ وَرُبمَا كَانَ لَهُ عذر من الْأَعْذَار والأسباب الْمَانِعَة من تكفيره كَمَا ذكر ذَلِك شيخ الْإِسْلَام فِي رفع الملام عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وكما ذكره الشَّيْخ عبد الله بن الشَّيْخ مُحَمَّد رَحمَه الله فِي رسَالَته الَّتِي كتبهَا بعد دُخُول مَكَّة المشرفة لما سُئِلَ عَن ذَلِك فِي مسَائِل مَعْرُوفَة وَأما قَوْله وَأما من اخْتلفُوا فِيهِ فَلَا يُقَال فِيمَن لم يكفره ذَلِك فَيُقَال هَذَا فَرْضه وَتَقْدِيره فِي أهل الْأَهْوَاء والبدع الَّذين لم تخرجهم بدعتهم من الْإِسْلَام كالخوارج الأول وَغَيرهم من أهل الْبدع وَأما عباد الْقُبُور والجهمية فَهَؤُلَاءِ غير داخلين فيهم بل قد أجمع الْعلمَاء على تكفيرهم وَأخرج الْجَهْمِية أَكثر السّلف من الثَّلَاث وَالسبْعين فرقة وَلما سُئِلَ عَنْهُم الإِمَام عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ لَيْسُوا من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره عَنهُ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قدس الله روحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَأما قَوْله إِذْ يلْزم مِنْهُ تَكْفِير طَائِفَة من عُلَمَاء السّلف من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَمن تَبِعَهُمْ مِمَّن سكت عَن تكفيرهم من عوام الْمُسلمين وَفِيه الْوَعيد الشَّديد وَالنَّهْي الأكيد فَيُقَال لَهُ هَذَا لَا يلْزم وَلَو لزم فلازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب كَمَا ذكر ذَلِك أهل الْعلم وَقد تقدم الْجَواب عَن هَذَا قَرِيبا بل يُقَال إِنَّه مُخطئ غالط وَلَا نكفره لاحْتِمَال وجود مَانع يمْنَع من ذَلِك إِمَّا جهلا وَإِمَّا خطأ وَقد بسطنا هَذَا فِي بَيَان كشف الأوهام والالتباس بل هَذَا الْإِلْزَام من أَقْوَال أهل الْبدع المحدثة فِي الْإِسْلَام فَلَا معول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَأما مَا ذكره من سكُوت الْعَوام من الْمُسلمين فَمن الْعجب العجاب وَكَيف يَقُول هَذَا طَالب علم وَهل يكون كَلَام الْعَامَّة مِمَّا يصلح أَن يحْتَج بِهِ فِي مسَائِل الْعلم فَكيف بسكوتهم أَو تقريرهم وَأما قَوْله بل فتنُوا وافتتنوا فَأمر وَرَاء ذَلِك كُله لَا يعرفهُ إِلَّا من عرف سوء فهمه وضلال وهمه فِي هَذِه المباحث الَّتِي خَاضَ فِيهَا وَهُوَ لَا يعرفهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فصل وَأما خَطؤُهُ فِي هَذِه الرسَالَة الْأَخِيرَة فَقَوله إِنَّمَا النزاع بَيْننَا وَبَينه فِي مَسْأَلَة لم يذكرهَا فِي سؤالاته لعدم ورعه وتقواه وخوفه من الله كصنف من الْجَهْمِية كَرجل قَرَأَ الْقُرْآن وَهُوَ عَامي لَا يعرف مَعَاني الْقُرْآن وَكَانَ عِنْده عُلَمَاء يعظمهم ويظن أَنهم عُلَمَاء بمعاني الْقُرْآن وأمناء على أَحْكَامه وحدوده إِلَى آخِره فَجَوَابه أَن يُقَال وَهَذَا أَيْضا من الْكَذِب على المرزوقي فَإِن النزاع الَّذِي وَقع بَينهمَا هُوَ مَا ذكر بقلمه فِي سُؤَاله للشَّيْخ مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف أَن النزاع بَينهمَا فِيهِ لَا فِي هَذَا الْكَلَام الْأَخير وَهَذَا الْكَلَام الْأَخير الَّذِي ذكره حُسَيْن كَلَام بَاطِل مَرْدُود لم يقل بِهِ إِلَّا طَائِفَة من أهل الْبدع كَمَا سنبينه فَإِن هَذَا الصِّنْف من الْجَهْمِية هم من الَّذين اتّفقت الْأمة على تكفيرهم لأَنهم لَيْسُوا من المقلدين المتمكنين من الْهدى والمعرفة بالأسباب المتيسرة الممكنة بل هم من الأتباع المقلدين المعرضين عَن طلب الْهدى كَمَا قَالَ ابْن الْقيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 رَحمَه الله تَعَالَى فِي الطَّبَقَات الطَّبَقَة السَّابِعَة عشر طبقَة المقلدين وجهال الْكَفَرَة وأتباعهم وحميرهم الَّذين هم مَعَهم تبع يَقُولُونَ إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَلنَا أُسْوَة بهم وَمَعَ هَذَا فهم مسالمون لأهل الْإِسْلَام غير محاربين لَهُم كنساء الْمُحَاربين وخدمهم وأتباعهم الَّذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب لَهُ أُولَئِكَ أنفسهم من السَّعْي وإطفاء نور الله وَهدم دينه وإخماد كَلِمَاته بل هم بِمَنْزِلَة الدَّوَابّ وَقد اتّفقت الْأمة على أَن هَذِه الطَّبَقَة كفار وَإِن كَانُوا جُهَّالًا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إِلَّا مَا يحْكى عَن بعض أهل الْبدع أَنه لم يحكم لهَؤُلَاء بالنَّار وجعلهم بِمَنْزِلَة من لم تبلغه الدعْوَة وَهَذَا مَذْهَب لم يقل بِهِ أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين وَلَا الصَّحَابَة وَلَا التابعون وَلَا من بعدهمْ وَإِنَّمَا يعرف عَن بعض أهل الْكَلَام الْمُحدث فِي الْإِسْلَام إِلَى أَن قَالَ وَالْإِسْلَام هُوَ تَوْحِيد الله وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ وَالْإِيمَان بِرَسُولِهِ واتباعه فِيمَا جَاءَ بِهِ فَمَا لم يَأْتِ العَبْد بهَا فَلَيْسَ بِمُسلم وَإِن لم يكن كَافِرًا معاندا فَهُوَ كَافِر جَاهِل فغاية هَذِه الطَّبَقَة أَنهم كفار جهال غير معاندين وَعدم عنادهم لَا يخرجهم عَن كَونهم كفَّارًا فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الْكَافِر من جحد تَوْحِيد الله تَعَالَى وَكذب رَسُوله إِمَّا عنادا وَإِمَّا جهلا وتقليدا لأهل العناد فَهَذَا وَإِن كَانَ غَايَته أَنه غير معاند فَهُوَ مُتبع لأهل العناد وَقد أخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فِي غير مَوضِع بِعَذَاب المقلدين لأسلافهم من الْكفَّار وَأَن الأتباع مَعَ متبوعيهم فَإِنَّهُم يتحاجون فِي النَّار وَأَن الأتباع يَقُولُونَ {رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار} وَذكر آيَات نَحْو هَذِه وَهَذَا مَبْسُوط فِي الطَّبَقَات فَرَاجعه فَإِذا فهمت هَذَا فَاعْلَم أَن هَذَا الصِّنْف من جهال المقلدين غير من ذكر ابْن الْقيم أَن للْعُلَمَاء فيهم قَوْلَيْنِ وَالَّذين ذكر فيهم الْقَوْلَيْنِ هم المتمكنون من الْهدى وَالْعلم وَمَعْرِفَة الْحق بالأسباب المتيسرة ثمَّ تَأمل مَا ذكره عَن بعض أهل الْكَلَام أَنه جعلهم بِمَنْزِلَة من لم تبلغهم الدعْوَة وَهَؤُلَاء الصِّنْف من الْجَهْمِية وَغَيرهم من عباد الْقُبُور كجهمية دبي وَأبي ظَبْي قد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة فَإِن حجَّة الله على خلقه الْقُرْآن فَمن بلغه الْقُرْآن فقد بلغته الْحجَّة وَقَامَت عَلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} وَقَالَ تَعَالَى {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَقد أجمع الْعلمَاء على أَن من بلغته دَعْوَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن حجَّة الله قَائِمَة عَلَيْهِ وَلَيْسَ المُرَاد بِقِيَام الْحجَّة أَن يفهمها الْإِنْسَان فهما جليا كَمَا يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأَمره فَإِن الْكفَّار قد قَامَت عَلَيْهِ حجَّة الله مَعَ إخْبَاره بِأَنَّهُ جعل على قُلُوبهم أكنة أَن يفقهوا كَلَامه وَقد ذكرنَا هَذَا مَبْسُوطا فِي كشف الشبهتين وَفِي كشف الأوهام وَهَذَا يبين لَك خطأ أَخِيك فِي قَوْله فَقُلْنَا هَذَا الصِّنْف لَا يكفرون حَتَّى تُقَام عَلَيْهِم الْحجَّة لأَنهم عوام لم يفهموا مَعَاني الْقُرْآن وَلم يكن لَهُم معرفَة واطلاع بالتفاسير وَلَا بمنازعة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لعلمائهم الَّذين أضلوهم فَقَوله هَذَا كُله خطأ مَحْض فَإِن هَذَا لَا يشْتَرط فِي قيام الْحجَّة فَإِن قيام الْحجَّة وبلوغها نوع وفهمها نوع آخر كَمَا قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب رَحمَه الله لما سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب السَّائِل بقوله هَذَا من الْعجب العجاب كَيفَ تشكون فِي هَذَا وَقد وضحته لكم مرَارًا فَإِن الَّذِي لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة هُوَ الَّذِي حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ وَالَّذِي نَشأ ببادية بعيدَة أَو يكون ذَلِك فِي مَسْأَلَة خُفْيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 مثل الصّرْف والعطف فَلَا يكفر حَتَّى يعرف وَأما أصُول الدّين الَّتِي وضحها الله وأحكمها فِي كِتَابه فَإِن حجَّة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه الْقُرْآن فقد بلغته الْحجَّة وَلَكِن أصل الْإِشْكَال أَنكُمْ لم تفَرقُوا بَين قيام الْحجَّة وَفهم الْحجَّة فَإِن الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ لم يفهموا حجَّة الله مَعَ قِيَامهَا عَلَيْهِم إِلَى آخر كَلَامه رَحمَه الله وَإِنَّمَا يُقَال مثل هَذَا فِي الْمسَائِل النظرية الاجتهادية الْخفية الَّتِي قد يخفى دليلها على بعض النَّاس وَأما مَا يعلم بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام كعبادة الله وَحده لَا شريك لَهُ وَترك عبَادَة من سواهُ وَمَعْرِفَة علو الله على خلقه واستوائه على عَرْشه وَإِثْبَات أَسْمَائِهِ وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله فَإِن هَذَا قد وضحه الله فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله فَلَا عذر لأحد فِي الْجَهْل بذلك وَقد فطر الله على ذَلِك جَمِيع الْمَخْلُوقَات حَتَّى الْبَهَائِم قَالَ الشَّيْخ عبد الله ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب فِي جَوَاب سُؤال ورد عَلَيْهِ فَاعْلَم ألهمك الله للصَّوَاب وأزال عَنْك ظلم الشَّك والارتياب أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من الْعلمَاء أَن أهل الْبدع كالخوارج والمرجئة والقدرية وَنَحْوهم لَا يكفرون وَذَلِكَ أَن الْكفْر لَا يكون إِلَّا بإنكار مَا علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَأما الْجَهْمِية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فَالْمَشْهُور من مَذْهَب أَحْمد رَحمَه الله وَعَامة أَئِمَّة السّنة تكفيرهم فَإِن قَوْلهم صَرِيح فِي مناقضة مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل من الْكتاب وَالسّنة وَحَقِيقَة قَوْلهم جحود الصَّانِع وجحود مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه وعَلى لِسَان رَسُوله بل وَجَمِيع الرُّسُل وَلِهَذَا قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك إِنَّا لنحكي كَلَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَا نستطيع أَن نحكي كَلَام الْجَهْمِية وَبِهَذَا كفرُوا من يَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق وَأَن الله لَا يرى فِي الْآخِرَة وَأَن الله لَيْسَ على الْعَرْش وَأَنه لَيْسَ لَهُ علم وَلَا قدرَة وَلَا رَحْمَة وَلَا غضب وَلَا غير ذَلِك من صِفَاته وهم عِنْد كثير من السّلف مثل ابْن الْمُبَارك ويوسف بن أَسْبَاط وَطَائِفَة من أَصْحَاب أَحْمد لَيْسُوا من الثَّلَاث وَسبعين فرقة الَّتِي افْتَرَقت عَلَيْهَا الْأمة انْتهى وَكَذَلِكَ قَوْله فأضله هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَة الْكفَّار بموافقتهم لَهُ على ظَاهر الْآيَة فَإِن هَذَا لَا يكون عذرا لَهُ وَقد قَالَ تَعَالَى عَن هَذَا الصِّنْف من النَّاس أَنهم يَقُولُونَ {رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم {رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار} وَإِذا أنكر هَذَا الصِّنْف علو الله على خلقه فهم كفار لِأَن الله تَعَالَى فِي أَعلَى عليين وَأَنه يدعى من أَعلَى لَا من أَسْفَل وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 زعم أَن الاسْتوَاء بِمَعْنى الِاسْتِيلَاء أَو الْقُدْرَة على الْأَشْيَاء كَمَا تَقوله الْجَهْمِية فقد جحد علو الله على خلقه لِأَن الله مستول على الْأَشْيَاء كلهَا وقادر عَلَيْهَا فَلَو كَانَ مستويا على الْعَرْش بِمَعْنى الِاسْتِيلَاء وَهُوَ عز وَجل مستول على الْأَشْيَاء كلهَا لَكَانَ مستويا على الْعَرْش وعَلى الأَرْض وعَلى السَّمَاء وعَلى الحشوش والأقذار لِأَنَّهُ قَادر على الْأَشْيَاء مستول عَلَيْهِ وَإِذا كَانَ قَادِرًا على الْأَشْيَاء كلهَا وَلم يجز عِنْد أحد من الْمُسلمين أَن يَقُولُوا إِن الله مستو على الحشوش والأخلية لم يجز أَن يكون الاسْتوَاء على الْعَرْش الِاسْتِيلَاء الَّذِي هُوَ عَام فِي الْأَشْيَاء كلهَا وَوَجَب أَن يكون معنى الاسْتوَاء يخْتَص الْعَرْش دون الْأَشْيَاء كلهَا وَقد كَانَ من الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن الاسْتوَاء هُوَ الْعُلُوّ والارتفاع على الْعَرْش وعَلى جَمِيع الْمَخْلُوقَات فَمن زعم أَن الاسْتوَاء بِمَعْنى الِاسْتِيلَاء أَو غير ذَلِك من تفاسير الْجَهْمِية فقد جحد علو الله على خلقه واستواءه على عَرْشه وَلَا يَنْفَعهُ الْإِقْرَار بِلَفْظ الاسْتوَاء على الْعَرْش مَعَ جحود مَعْنَاهُ وَصَرفه عَن ظَاهره وَمَا يَلِيق بِهِ إِلَى مَا لَا يَلِيق بِهِ فَإِذا تبين لَك هَذَا علمت أَن هَذَا الصِّنْف هم جهال المقلدين للجهمية وَأَنه لَا خلاف فِي تكفيرهم وَهَذَا بِخِلَاف الْجُهَّال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 المقلدين الَّذين تمكنوا من الْعلم وَمَعْرِفَة الْحق بالأسباب المتيسرة وَلَكِن أَعرضُوا عَنهُ وأحسنوا الظَّن بِمن قلدوه وأخلدوا إِلَى أَرض الْجَهَالَة فَهَؤُلَاءِ قد ذكر ابْن الْقيم فِي الكافية الشافية أَن لأهل الْعلم فيهم قَوْلَيْنِ وَتوقف عَن وَصفهم بالْكفْر وَعَن وَصفهم بِالْإِيمَان وَجزم فِي الطَّبَقَات أَنه لَا عذر لَهُم عِنْد الله وَلم يسْتَثْن إِلَّا الْعَاجِز فَقَالَ رَحمَه الله نعم لابد فِي هَذَا الْمقَام من تَفْصِيل بِهِ يَزُول الْإِشْكَال وَهُوَ الْفرق بَين الْمُقَلّد تمكن من الْعلم وَمَعْرِفَة الْحق فَأَعْرض عَنهُ ومقلد لم يتَمَكَّن من ذَلِك والقسمان واقعان فِي الْوُجُود فالمتمكن المعرض تَارِك للْوَاجِب عَلَيْهِ لَا عذر لَهُ عِنْد الله وَأما الْعَاجِز عَن السُّؤَال وَالْعلم الَّذِي لَا يتَمَكَّن من الْعلم بِوَجْه فهم قِسْمَانِ أَحدهمَا مُرِيد للهدى مُؤثر لَهُ محب لَهُ غير قَادر عَلَيْهِ وَلَا على طلبه لعدم مرشد فَهَذَا حكمه حكم أَرْبَاب الفترات وَمن لم تبلغه الدعْوَة وَالثَّانِي معرض لَا إِرَادَة لَهُ وَلَا يحدث نَفسه بِغَيْر مَا هُوَ عَلَيْهِ فَالْأول يَقُول يَا رب لَو أعلم لكل دينا خيرا مِمَّا أَنا عَلَيْهِ لدنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 بِهِ وَتركت مَا أَنا عَلَيْهِ وَلَكِن لَا أعرف سوى مَا أَنا عَلَيْهِ وَلَا أقدر إِلَّا عَلَيْهِ فَهُوَ غَايَة جهدي وَنِهَايَة معرفتي وَالثَّانِي رَاض بِمَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يُؤثر غَيره وَلَا تطلب نَفسه سواهُ وَلَا فرق عِنْده بَين حَال عَجزه وَقدرته وَكِلَاهُمَا عَاجز وَهَذَا لَا يجب أَن يلْحق بِالْأولِ لما بَينهمَا من الْفرق فَالْأول كمن طلب الدّين فِي الفترة فَلم يظفر بِهِ فَعدل عَنهُ بعد استفراغه الوسع فِي طلبه عَجزا أَو جهلا وَالثَّانِي كمن لم يَطْلُبهُ بل مَاتَ على شركه وَإِن كَانَ لَو طلبه لعجز عَنهُ فَفرق بَين عجز الطَّالِب وَعجز المعرض إِلَى آخر كَلَامه فَإِذا علمت هَذَا تبين لَك أَن هَذَا الصِّنْف من الْجَهْمِية لَيْسَ كمن تمكن من الْعلم وَمَعْرِفَة الْحق بالأسباب فأعرضوا عَنهُ وأحسنوا الظَّن بِمن قلدوه وأخلدوا إِلَى أَرض الْجَهَالَة بل هم من الصِّنْف الأول المعرضين عَن طلبه رَأْسا وَلَا هم أَيْضا كَذَلِك مِمَّن عجز عَن السُّؤَال وَالْعلم الَّذِي يتمكنون بِهِ من الْهدى والمعرفة وَالْحق لعدم المرشد إِلَيْهِ بل المرشدون لهَذَا الدّين والداعون إِلَيْهِ غير معدومين وَللَّه الْحَمد والْمنَّة فَكَانَ قَول مُحَمَّد بن حسن المرزوقي فِي تَكْفِير هَذَا الصِّنْف هُوَ الْحق وَالصَّوَاب الَّذِي لَا غُبَار عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَق بِالصَّوَابِ من حُسَيْن لما ذكرنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أما قَوْله وَقُلْنَا لَهُ قد ذهب إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَابْن الْقيم وَغَيرهم من أهل الْحق رَحِمهم الله تَعَالَى فَيُقَال هَذَا كذب وَوهم على شيخ الْإِسْلَام وَابْن الْقيم رحمهمَا الله تَعَالَى وعَلى أهل الْحق لِأَن كَلَام شيخ الْإِسْلَام وَابْن الْقيم وَغَيرهم من الْعلمَاء فِي أهل الْأَهْوَاء والبدع الَّذين لم تخرجهم بدعتهم من الْإِسْلَام وَفِيمَا يخفى دَلِيله من الْأُمُور النظرية الاجتهادية الْخفية أما ابْن الْقيم فقد ذكرنَا بعض قَوْله بِمَا أغْنى عَن إِعَادَته وَأما شيخ الْإِسْلَام فَكَلَامه فِي عدم تَكْفِير الْجَاهِل والمخطئ إِنَّمَا الْمَقْصُود بِهِ فِي مسَائِل مَخْصُوصَة قد يخفى دليلها على بعض النَّاس كَمَا فِي مسَائِل الْقدر والإرجاء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا قَالَه أهل الْأَهْوَاء فَإِن بعض أَقْوَالهم تَتَضَمَّن أمورا كفرية من رد أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة المتواترة النَّبَوِيَّة فَيكون القَوْل المتضمن لرد بعض النُّصُوص كفرا وَلَا يحكم على قَائِله بالْكفْر لاحْتِمَال وجود مَانع كالجهل وَعدم الْعلم بِنَفس النَّص أَو بدلالته فَإِن الشَّرَائِع لَا تلْزم إِلَّا بعد بُلُوغهَا وَلذَلِك ذكرهَا فِي الْكَلَام على بدع أهل الْأَهْوَاء وَقد نَص على هَذَا فَقَالَ فِي تَكْفِير أنَاس من أَعْيَان الْمُتَكَلِّمين بعد أَن قرر هَذِه الْمَسْأَلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 قَالَ وَهَذَا إِذا كَانَ فِي الْمسَائِل الْخفية فقد يُقَال بِعَدَمِ التَّكْفِير وَأما مَا يَقع مِنْهُم فِي الْمسَائِل الظَّاهِرَة الجلية أَو مَا يعلم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فَلَا يتَوَقَّف فِي كفر قَائِله انْتهى إِذا عرفت هَذَا فمسألة علو الله على خلقه من الْمسَائِل الجلية الظَّاهِرَة وَمِمَّا علم بِالضَّرُورَةِ فَإِن الله قد وضحها فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله وَهِي مِمَّا فطر الله عَلَيْهَا جَمِيع خلقه إِلَّا من اجتالته الشَّيَاطِين عَن فطرته وَاتبع هَوَاهُ وأخلد إِلَى الأَرْض وَكَلَام شيخ الْإِسْلَام إِنَّمَا يعرفهُ ويدريه من مارس كَلَامه وَعرف أُصُوله فَإِنَّهُ قد صرح فِي غير مَوضِع أَن الْخَطَأ وَالْجهل قد يغفرا لمن لم يبلغهُ الشَّرْع وَلم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة فِي مسَائِل مَخْصُوصَة إِذْ اتَّقى الله مَا اسْتَطَاعَ واجتهد بِحَسب طاقته وَأَيْنَ التَّقْوَى وَأَيْنَ الِاجْتِهَاد الَّذِي يَدعِيهِ عباد الْقُبُور والداعون للموتى والغائبين والمعطلون للصانع عَن علوه على خلقه واستواءه على عَرْشه وَنفى أسماءه وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله وَالْقُرْآن يُتْلَى فِي الْمَسَاجِد والمدارس والبيوت ونصوص السّنة النَّبَوِيَّة مَجْمُوعَة مدونة مَعْلُومَة الصِّحَّة والثبوت فَلَيْسَ فِي كَلَام شيخ الْإِسْلَام وَابْن الْقيم رحمهمَا الله مَا يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ حُسَيْن أَخُوك لِأَن كَلَامهمَا فِي عدم التَّكْفِير بالمكفرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 قوليها وفعليها إِنَّمَا هُوَ فِي مسَائِل مَخْصُوصَة مِمَّا قد يخفى دَلِيله من الْأُمُور الْخفية والنظرية الاجتهادية لَا فِي الْأُمُور الظَّاهِرَة الجلية الْمَعْلُومَة بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام وفيمن لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة وكلامنا وَكَلَام المرزوقي إِنَّمَا هُوَ فِي جهمية دبي وَأبي ظَبْي وَفِي أباضيه أهل هَذَا الزَّمَان من أباضية سَاحل عمان الَّذين هم بَين أظهر الْمُسلمين وَقد بلغتهم الدعْوَة وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة فالمغالطة بالْكلَام فِي غَيرهم من أَتبَاع الْجَهْمِية الْجُهَّال المقلدين والأباضية الْمُتَقَدِّمين الَّذين هم فرقة من الْخَوَارِج تلبيس وتمويه على من لَا يدْرِي حَقِيقَة الْحَال وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْكَلَام والنزاع فِي أهل الْأَهْوَاء والبدع إِنَّمَا الْكَلَام فِي الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور وَأما الْجَهْل وَالْخَطَأ فِي غير مَا علم بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام فَكَلَام شيخ الْإِسْلَام فِي ذَلِك مَعْرُوف مَشْهُور وَمن تَأمل كَلَام شيخ الْإِسْلَام وجده يصله بِمَا يفصل النزاع وَيبين المُرَاد بِأَنَّهُ لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة الرسالية الَّتِي من خالفها كَانَ كَافِرًا تَارَة وفاسقا أُخْرَى أَو يكون ذَلِك فِي الْأُمُور الَّتِي قد يخفى دليلها على بعض النَّاس وَلذَلِك يذكر هَذَا فِي الْكَلَام على بدع أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الْأَهْوَاء الَّتِي لم تخرجهم بدعتهم من الْملَّة كالخوارج والقدرية والمرجئة وَغَيرهم أَو كَالَّذي نَشأ ببادية بعيدَة أَو كَانَ حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ وكالذي أَمر أَهله إِذا مَاتَ أَن يحرقوه ويذروه فِي الْبَحْر فَإِن هَذَا وَإِن كَانَ قد شكّ فِي قدرَة الله فَإِنَّهُ كَانَ موحدا لَيْسَ من أهل الشّرك فقد ثَبت من طَرِيق أبي كَامِل عَن حَمَّاد عَن ثَابت عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة (لم يعْمل خيرا قطّ إِلَّا التَّوْحِيد) فَمن كَانَ مُؤمنا بِاللَّه وَرَسُوله بَاطِنا وظاهرا لكنه اجْتهد فِي طلب الْحق فَأَخْطَأَ أَو غلط أَو جهل أَو تَأَول فَإِن الله تَعَالَى يغْفر لَهُ خطأه كَائِنا من كَانَ سَوَاء كَانَ فِي الْمسَائِل النظرية والعملية ومنشأ الْغَلَط أَن هَؤُلَاءِ لما سمعُوا كَلَام الشَّيْخ رَحمَه الله فِي بعض أجوبته يَقُول بِعَدَمِ تَكْفِير الْجَاهِل والمجتهد الْمُخطئ والمتأول ظنُّوا أَن هَذَا يعم كل خطأ وَجَهل واجتهاد وَتَأْويل وأجملوا وَلم يفصلوا وَهَذَا خطا مَحْض فَإِنَّهُ لَيْسَ كل اجْتِهَاد وَجَهل وَخطأ وَتَأْويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 يغْفر لصَاحبه وَأَنه لَا يكفر بذلك فَإِن مَا علم بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام كالإيمان بِاللَّه وَرَسُوله وَبِمَا جَاءَ بِهِ لَا يعْذر أحد بِالْجَهْلِ بذلك فقد أخبر الله سُبْحَانَهُ بِجَهْل كثير من الْكفَّار مَعَ تصريحه بكفرهم وَوصف النَّصَارَى بِالْجَهْلِ مَعَ أَنه لَا يشك مُسلم فِي كفرهم ونقطع أَن أَكثر الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْيَوْم جهال مقلدون ونعتقد كفرهم وَكفر من شكّ فِي كفرهم وَقد دلّ الْقُرْآن على أَن الشَّك فِي أصُول الدّين كفر وَالشَّكّ هُوَ التَّرَدُّد بَين شَيْئَيْنِ كَالَّذي لَا يجْزم بِصدق الرَّسُول وَلَا كذبه وَلَا يجْزم بِوُقُوع الْبَعْث وَلَا عدم وُقُوعه وَنَحْو ذَلِك كَالَّذي لَا يعْتَقد وجوب الصَّلَاة وَلَا عدم وُجُوبهَا أَو لَا يعْتَقد تَحْرِيم الزِّنَا وَلَا عدم تَحْرِيمه وَذَلِكَ كفر بِإِجْمَاع الْعلمَاء وَلَا عذر لمن كَانَ حَاله هَكَذَا لكَونه لم يفهم حجج الله وبيناته لِأَنَّهُ لَا عذر لَهُ بعد بُلُوغهَا وَإِن لم يفهمها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 كَمَا تقدم بَيَانه فالشخص الْمعِين إِذا صدر مِنْهُ مَا يُوجب كفره من الْأُمُور الَّتِي هِيَ مَعْلُومَة بِالضَّرُورَةِ مثل عبَادَة غير الله سُبْحَانَهُ وَمثل جحد علو الله على خلقه وَنفي صِفَات كَمَاله ونعوت جَلَاله الذاتية والفعلية وَمَسْأَلَة علمه بالحوادث والكائنات قبل كَونهَا فَإِن الْمَنْع من التَّكْفِير والتأثيم بالْخَطَأ وَالْجهل فِي هَذَا كُله رد على من كفر معطلة الذَّات ومعطلة الربوبية ومعطلة الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ومعطلة إِفْرَاده تَعَالَى بالإلهية والقائلين بِأَن الله لَا يعلم الكائنات قبل كَونهَا كغلاة الْقَدَرِيَّة وَمن قَالَ بِإِسْنَاد الْحَوَادِث إِلَى الْكَوَاكِب العلوية وَمن قَالَ بالأصلين النُّور والظلمة فَإِن من الْتزم هَذَا كُله فَهُوَ أكفر وأضل من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَهل أوقع الاتحادية والحلولية فِيمَا هم عَلَيْهِ من الْكفْر البواح والشرك الْعَظِيم والتعطيل لحقيقة وجود رب الْعَالمين إِلَّا خطأهم فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي اجتهدوا فِيهِ فضلوا وأضلوا عَن سَوَاء السَّبِيل وَهل قتل الحلاج بِاتِّفَاق أهل الْفَتْوَى على قَتله إِلَّا ضلال اجْتِهَاده وَهل كفر القرامطة وانتحلوا مَا انتحلوه من الفضائح الشنيعة وخلع ربقة الشَّرِيعَة إِلَّا باجتهادهم فِيمَا زَعَمُوا وَهل قَالَت الرافضة مَا قَالَت واستباحت مَا استباحت من الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَئِمَّة الاثنا عشر وَغَيرهم ومسبة أَصْحَاب رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأم الْمُؤمنِينَ إِلَّا باجتهادهم فِيمَا زَعَمُوا فَلَيْسَ كل اجْتِهَاد وَخطأ وَجَهل مغْفُور لَا يكفر وَلَا يؤثم فَاعله وَهَذَا على سَبِيل التَّنْبِيه وَإِلَّا فالمقام يحْتَمل بسطا أَكثر من هَذَا وَأما الْفُصُول الَّتِي ذكرهَا فَهِيَ مِمَّا لَا إِشْكَال فِيهِ وَلَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهَا مَعْرفَتهَا واعتقادها بل الْعَمَل بهَا مَعَ ذَلِك وَأما من جحد شَيْئا من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَمَا ذكر عَلَيْهِ من كَلَام الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن فِي فتح الْمجِيد فَحق وَلَيْسَ الْكَلَام فِي كفر الْجُحُود إِنَّمَا النزاع فِي كفر الْإِعْرَاض وَمن قَامَ بِهِ هَذَا الْوَصْف من اتِّبَاع الْجَهْمِية وَعباد الْقُبُور وَفِي كفر من لم يكفر الْمُشْركين أَو شكّ فِي كفرهم وَفِي أباضية أهل هَذَا الزَّمَان الَّذين هم على مَذْهَب الْجَهْمِية فِي بعض الْأَقْوَال وعَلى مُعْتَقد عباد الْقُبُور فَإِن رَجَعَ عَن كَلَامه الأول وَكتب مَا ينْقضه وَيُخَالِفهُ مِمَّا عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة بَين أَن كَلَامه الأول خطأ فَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب وَهُوَ أخونا وَإِن لم يرجع عَن كَلَامه الأول فَنحْن نبرأ إِلَى الله مِمَّن خَالف الْحق وَاتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ الحبيب المصافيا وَأما تناقضه فَإِنَّهُ ذكر فِي كَلَامه الأول بِخَط يَده وَأما قَوْلكُم وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر فَهَذَا بَاطِل مَرْدُود إِلَى آخِره وَقَالَ فِي قَوْله الْأَخير بقلمه بعد أَن ذكر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي تَكْفِير الْجَهْمِية وَأَن من لم يكفرهم فَهُوَ مثلهم قَالَ فَانْظُر رَحِمك الله مَا ورد عَن الْأَئِمَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فِي تَكْفِير الْجَهْمِية وَأَنه لَا يشك مُسلم عَاقل فِي تكفيرهم فَهَذِهِ عقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَللَّه الْحَمد والْمنَّة انْتهى فَتَأمل هَذَا ثمَّ تَأمل قَوْله وَهل رَأَيْتُمْ أحدا من الْأَئِمَّة كفر هَؤُلَاءِ الْعلمَاء الَّذين لم يكفروا الْجَهْمِية أما ورد فِي الحَدِيث (من كفر مُسلما فقد كفر) وَأَنْتُم كَفرْتُمْ أمة من الْعلمَاء وَمن الْمُسلمين وَإِذا كَانَ يعلم أَن هَذِه عقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَأَن من لم يكفر الْجَهْمِية فَهُوَ مثلهم فلأي شَيْء يَقُول وَأما قَوْلكُم وَالَّذِي مَا يكفرهم كَافِر فَهَذَا بَاطِل مَرْدُود ولأي شَيْء لم يُصَرح بِالرُّجُوعِ عَن هَذَا إِذا كَانَ يعلم أَنه خلاف عقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَأما غلطه فِي الْأَلْفَاظ فكقوله فِي فصل حكم الدَّار وَهَذَا أَمر عَام يَدُور مَعَ معلوله حَيْثُ وجد فِي أَي بلد وَأهل الْعلم لَا يعبرون بِهَذَا اللَّفْظ بل يَقُولُونَ وَالْحكم يَدُور مَعَ علته وجودا وعدما لَا مَعَ معلولة لِأَن مَعْلُول الْعلَّة غير الْعلَّة وَالْحكم هُوَ الْمَعْلُول فَكيف يَدُور الحكم مَعَ نَفسه وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ إِلَّا أهل الْبدع الَّذين يَقُولُونَ إِن الْعلَّة هِيَ الْمَعْلُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ثمَّ اعْلَم وفقك الله لما يُحِبهُ ويرضاه أَنه لَيْسَ الْمَقْصُود بِهَذَا الْكَلَام الِانْتِصَار للمرزوقي على أَخِيك وَلَا لِأَنَّهُ اعْترض عَليّ وهجاني إِنَّمَا الْمَقْصُود بَيَان الْحق ورد الْبَاطِل على من قَالَ بِهِ كَائِنا من كَانَ وَلِأَن أَخَاك قَالَ فِي رسَالَته فرحم الله رجلا وقف لنا على زلَّة وهفوة فأرشدنا إِلَى الْحق فَإِن الْحق ضَالَّة الْمُؤمن يَأْخُذهُ حَيْثُ وجده فَهَذَا مِمَّا نبيه عَلَيْهِ فَإِن رَجَعَ إِلَى الْحق فَالْحَمْد لَهُ رب الْعَالمين وَإِن لم يرجع وَتَمَادَى فِي الْبَاطِل فقد قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة بِالْبَيَانِ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَصلى الله على مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا السلسلة السلفية للرسائل والكتب النجدية 7 الرسَالَة الثَّالِثَة فتييان تتعلقان بتكفير الْجَهْمِية وَأَن الصَّلَاة لَا تصح خلف من لَا يكفر الْجَهْمِية ومسائل أخر لكل من الشَّيْخ الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن عبد اللَّطِيف آل الشَّيْخ 1280 - 1329 هـ الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الله بن عبد اللَّطِيف آل الشَّيْخ 1265 1339 هـ الشَّيْخ الْعَلامَة سُلَيْمَان بن سحمان الفزعي الْخَثْعَمِي 1266 1349 هـ تَحْقِيق الْفَقِير إِلَى الله عبد الْعَزِيز بن عبد الله الزير آل حمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151