الكتاب: آكام المرجان في أحكام الجان المؤلف: محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقيّ الحنفي، أبو عبد الله، بدر الدين ابن تقي الدين (المتوفى: 769هـ) المحقق: إبراهيم محمد الجمل الناشر: مكتبة القرآن - مصر - القاهرة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- آكام المرجان في أحكام الجان الشِّبْلي الكتاب: آكام المرجان في أحكام الجان المؤلف: محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقيّ الحنفي، أبو عبد الله، بدر الدين ابن تقي الدين (المتوفى: 769هـ) المحقق: إبراهيم محمد الجمل الناشر: مكتبة القرآن - مصر - القاهرة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله خَالق الْإِنْس وَالْجنَّة وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تكون لمن تدرع بهَا أوقى جنه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الدَّاعِي إِلَى الْجنَّة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أولى الْبَأْس والنجدة صَلَاة يعظم بهَا عَلَيْهِم الْمِنَّة وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا يقوم بِالْفَرْضِ وَالسّنة كَمَا علم الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ وأسنه وَبعد فَهَذَا كتاب جَامع لذكر الْجِنّ وأخبارهم وَمَا يتَعَلَّق بأحكامهم وآثارهم وَكَانَ السَّبَب فِي تصنيفه ونسخه على هَذَا المنوال الْغَرِيب وترصيفه مذاكرة وَقعت فِي مَسْأَلَة نِكَاح الْجِنّ وإمكانه ووقوعه وضاق الْمجْلس عَن تقريرها وَتَحْقِيق المباحث فِيهَا وتحريرها ثمَّ رَأَيْت أَن هَذِه الْمَسْأَلَة تَقْتَضِي مُقَدمَات الأولى تَقْرِير وجود الْجِنّ خلافًا لكثير من الفلاسفة وجماهير الْقَدَرِيَّة وكافة الزَّنَادِقَة وَغَيرهم وَفَسَاد قَول من أنكر وجودهم الثَّانِيَة تَقْرِير أَن لَهُم أجساما مشخصة رقيقَة أَو كثيفة تتطور وتتشكل فِي صور شَتَّى ليمكن الوقاع ويتأتى لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَصَوَّر بَين جسمين مماسين وَيتَفَرَّع على هَذَا ذكر تحيزهم وأكلهم وشربهم وتناكحهم فِيمَا بَينهم لِأَن جسم الْحَيّ لَا بُد لَهُ من تحيز وَتَنَاول مَا هُوَ سَبَب لنموه وبقائه وَبَقَاء جنسه بالتوالد الثَّالِثَة بَيَان تكليفهم خلافًا للحشوية وَذَلِكَ لِأَن من جوز النِّكَاح بَين الْإِنْس وَالْجِنّ أما أَن يشْتَرط فِي نِسَائِهِم الْإِيمَان أَو أَن يكن من أهل الْكتاب لِأَن مَا اشْترط فِي حل النِّسَاء الآدميات أولى أَن يشْتَرط فِي الجنيات لِأَن الْقَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 بِجَوَاز نكاحهم لَا يفرق وَيتَفَرَّع على ذَلِك ذكر بعثة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم وَقبل بعثته إِلَيْهِم بِمَاذَا كَانُوا مكلفين هَل بعث إِلَيْهِم نَبِي مِنْهُم كَمَا يَقُوله الضَّحَّاك وَغَيره وَقطع بِهِ أَبُو مُحَمَّد بن حزم أَو كَانَ فهم نذر مِنْهُم لَيْسُوا رسلًا عَن الله تَعَالَى وَلَكِن بثهم الله تَعَالَى فِي الأَرْض فَسَمِعُوا كَلَام رسل الله عز وَجل الَّذين هم من بني آدم وعادوا إِلَى قَومهمْ من الْجِنّ فأنذروهم وَهَذَا قَول جَمَاهِير الْعلمَاء من السّلف وَالْخلف وَهَذَا كَمَا سمع النَّفر من الْجِنّ الْقُرْآن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعادوا إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا انا سمعنَا كتابا أنزل من بعد مُوسَى وَكَانَ هَذَا قبل دَعْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُم واجتماعهم بِهِ وَيتَفَرَّع على تكليفهم ثوابهم على الطَّاعَة وعقابهم على الْمعْصِيَة وَدخُول كافرهم النَّار ومؤمنهم الْجنَّة عِنْد بعض الْعلمَاء وَيتَفَرَّع على كل مُقَدّمَة مسَائِل تتأتى وتتفتح لَهَا أَبْوَاب شَتَّى يتشبث بَعْضهَا بأذيال بعض وينخرط فِي عقد سلكها دُرَر لَا يكَاد نظمها ينفض ويستطرد فِي غُضُون ذَلِك نكت وأخبار وعيون وَأَحَادِيث مروية عَنْهُم لَا تَنْتَهِي وَلِحَدِيث الْجِنّ شجون فاستخرت الله فِي إبراز هَذَا التصنيف وإحراز كثير مِمَّا ورد عَنْهُم فِي هَذَا التَّأْلِيف وَجَعَلته جَامعا لمهم أحكامهم حاويا لأحوالهم فِي رحلتهم ومقامهم رَافعا لستورهم دافعا لما يتطورون عَلَيْهِ من الكيد فِي صُدُورهمْ كاشفا لضمائرهم كاشفا لمناورهم ورتبت على كل مقطع بوابا وَفتحت لكل مطلع بَابا وضمنته مائَة وَأَرْبَعين بَابا وَقد يزِيد على ذَلِك بِمَا ينخرط فِي هَذِه المسالك من التوابع الَّتِي يتَعَيَّن إيرادها والفصول الَّتِي لَا يحسن إفرادها وسميته آكام المرجان فِي أَحْكَام الجان وَبِاللَّهِ استعيذ من الشَّيَاطِين ونزعاتهم وَبِه استعين على مَرَدَة الْجِنّ وطغاتهم وبقدرته أدفَع سطوة شرورهم وبعزته أدرأ فِي نحورهم وبذكره أتحصن من كيدهم وبقوته أوهن مَا قوى من أَيْديهم هُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الْبَاب الأول فِي بَيَان إِثْبَات الْجِنّ وَالْخلاف فِيهِ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابه الشَّامِل اعلموا رحمكم الله أَن كثيرا من الفلاسفة وجماهير الْقَدَرِيَّة وكافة الزَّنَادِقَة أَنْكَرُوا الشَّيَاطِين وَالْجِنّ رَأْسا وَلَا يبعد لَو أنكر ذَلِك من لَا يتدبر وَلَا يتشبث بالشريعة وَإِنَّمَا الْعجب من إِنْكَار الْقَدَرِيَّة مَعَ نُصُوص الْقُرْآن وتواتر الْأَخْبَار واستفاضة الْآثَار ثمَّ سَاق حَملَة من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة وَقَالَ أَبُو قَاسم الْأنْصَارِيّ فِي شرح الْإِرْشَاد وَقد أنكرهم مُعظم الْمُعْتَزلَة وَدلّ إنكارهم اياهم على قلَّة مبالاتهم وركاكة دياناتهم فَلَيْسَ فِي إثباتهم مُسْتَحِيل عقلى وَقد دلّت نُصُوص الْكتاب وَالسّنة على اثباتهم وَحقّ على اللبيب المعتصم بِحَبل الدّين أَن يثبت مَا قضى الْعقل بِجَوَازِهِ وَنَصّ الشَّرْع على ثُبُوته وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني وَكثير من الْقَدَرِيَّة يثبتون وجود الْجِنّ قَدِيما وينفون وجودهم الْآن وَمِنْهُم من يقر بوجودهم وَيَزْعُم أَنهم لَا يرَوْنَ لرقة أجسامهم ونفوذ الشعاع فِيهَا وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّمَا لَا يرَوْنَ لأَنهم لَا ألوان لَهُم ثمَّ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والتمسك بالظواهر والآحاد تكلّف منا مَعَ إِجْمَاع كَافَّة الْعلمَاء فِي عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على وجود الْجِنّ وَالشَّيَاطِين والاستعاذة بِاللَّه تَعَالَى من شرورهم وَلَا يراغم مثل هَذَا الِاتِّفَاق متدين متشبث بمسكه من الدّين ثمَّ سَاق عدَّة أَحَادِيث ثمَّ قَالَ فَمن لم يرتدع بِهَذَا وَأَمْثَاله فَيَنْبَغِي أَن يتهم فِي الدّين ويعترف بالانسلال مِنْهُ على أَنه لَيْسَ فِي إِثْبَات الشَّيَاطِين ومردة الْجِنّ مَا يقْدَح فِي أصل من أصُول الْعقل وَقَضِيَّة من قضاياه وأكبر مَا يستروحون إِلَيْهِ خطور الْجِنّ بِنَا وَنحن لَا نراهم وَلَو شَاءَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أبدلت لنا أَنْفسهَا وَإِنَّمَا يستبعد ذَلِك من لم يحط علما بعجائب المقدورات وَقَوْلهمْ فِي الْجِنّ يجرهم الى انكار الْحفظَة من الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام وَمن انْتهى بهم الْمَذْهَب الى هَذَا وضح افتضاحه قلت وَإِنَّمَا طويت ذكر مَا اورده إِمَام الْحَرَمَيْنِ من الْآيَات وَالْأَخْبَار لِأَن ذَلِك يأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَبْسُوطا فِي كل بَاب بِحَسبِهِ وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن عبد الْجَبَّار الْهَمدَانِي أعلم ان الدَّلِيل على اثبات وجود الْجِنّ السّمع دون الْعقل وَذَلِكَ أَنه لَا طَرِيق لِلْعَقْلِ إِلَى إِثْبَات أجسام غَائِبَة لِأَن الشَّيْء لَا يدل على غَيره من غير ان يكون بَينهمَا تعلق كتعلق الْفِعْل بالفاعل وَتعلق الاعراض بالمحال أَلا ترى أَن الدّلَالَة لما دلّت على حَاجَة الْفِعْل فِي حُدُوثه الى الْفَاعِل وَحَاجته فِي كَونه محكما الى كَون فَاعله قَادِرًا عَالما وَكَونه قَادِرًا عَالما يقتضى كَونه حَيا وَكَونه حَيا لَا آفَة بِهِ يقتضى كَونه سميعا بَصيرًا فَدلَّ الْفِعْل على أَن لَهُ فَاعِلا وَأَنه على أَحْوَال مَخْصُوصَة على مَا ذكرنَا بَينهمَا من التَّعَلُّق قَالَ وَلَا يعلم اثبات الْجِنّ باطرار أَلا ترى أَن الْعُقَلَاء الْمُكَلّفين قد اخْتلفُوا فَمنهمْ من يصدق بِوُجُود الْجِنّ وَمِنْهُم من كذب ذَلِك من الفلاسفة والباطنية وَإِن كَانُوا عقلاء بالغين مأمورين منهيين وَلَو علم ذَلِك باضطرار لما جَازَ أَن يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِك بل لم يجز ان يشكوا فِيهِ لَو شككهم فِيهِ مشكك أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن يخْتَلف الْعُقَلَاء فِي أَن الارض تَحْتهم وَلَا أَن السَّمَاء فَوْقهم وَلَا يجوز أَن يشكوا فِي ذَلِك لَو شككهم فِيهِ مشكك وَفِي اخْتلَافهمْ فِي اثبات الْجِنّ وَالْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ دلَالَة على أَنه لَا يجوز أَن يعلم اثبات الْجِنّ ضَرُورَة ثمَّ قَالَ وَالَّذِي يدل على اثباتهم آي كثير فِي الْقُرْآن تغنى شهرتها عَن ذكرهَا وَأجْمع أهل التَّأْوِيل على مَا يذهب اليه من اثباتهم بظاهرها وَيدل أَيْضا على اثباتهم مَا علمناه باضطرار من ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتدين بإثباتهم وَمَا روى عَنهُ فِي ذَلِك من الْأَخْبَار وَالسّنَن الدَّالَّة على اثباتهم أشهر من ان يشْتَغل بذكرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فصل قَالَ الشَّيْخ ابو الْعَبَّاس بن تَيْمِية لم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي وجود الْجِنّ وَجُمْهُور طوائف الْكفَّار على إِثْبَات الْجِنّ أما اهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فهم مقرون بهم كإقرار الْمُسلمين وَإِن وجد فيهم من يُنكر ذَلِك فَكَمَا يُوجد فِي بعض طوائف الْمُسلمين كالجهمية والمعتزلة من يُنكر ذَلِك وَإِن كَانَ جُمْهُور الطَّائِفَة وأئمتها مقرون بذلك وَهَذَا لِأَن وجود الْجِنّ تَوَاتَرَتْ بِهِ اخبار الانبياء عَلَيْهِم السَّلَام تواترا مَعْلُوما بالاضطرار وَمَعْلُوم بالاضطرار أَنهم أَحيَاء عقلاء فاعلون بالإرادة مأمورون منهيون لَيْسُوا صِفَات وأعراضا قَائِمَة بالانسان أَو غَيره كَمَا يزعمه بعض الْمَلَاحِدَة فَلَمَّا كَانَ أَمر الْجِنّ متواترا عَن الانبياء عَلَيْهِم السَّلَام تواترا ظَاهرا يعرفهُ الْعَامَّة والخاصة لم يُمكن طَائِفَة من طوائف الْمُؤمنِينَ بالرسل أَن ينكرهم فالمقصود هُنَا ان جَمِيع طوائف الْمُسلمين يقرونَ بِوُجُود الْجِنّ وَكَذَلِكَ جُمْهُور الْكفَّار كعامة أهل الْكتاب وَكَذَلِكَ عَامَّة مشركى الْعَرَب وَغَيرهم من أَوْلَاد سَام والهند وَغَيرهم من أَوْلَاد حام وَكَذَلِكَ جُمْهُور الكنعانيين واليونانيين وَغَيرهم من أَوْلَاد يافث فجماهير الطوائف تقر بِوُجُود الْجِنّ بل يقرونَ بِمَا يستجلبون بِهِ معاونة الْجِنّ من العزائم والطلاسيم سَوَاء كَانَ ذَلِك سائغا عِنْد أهل الْأَيْمَان أَو كَانَ شركا فَإِن الْمُشْركين يقراون من العزائم والطلاسم والرقى مَا فِيهِ عبَادَة للجن وتعظيم لَهُم وَعَامة مَا بأيدي النَّاس من العزائم والطلاسم والرقى الَّتِي لَا تفقه بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهَا مَا هُوَ شرك بالجن وَلِهَذَا نهى عُلَمَاء الْمُسلمين عَن الرقى الَّتِى لَا يفقه بِالْعَرَبِيَّةِ مَعْنَاهَا لِأَنَّهَا مَظَنَّة الشّرك وَإِن لم يعرف الراقي أَنَّهَا شرك وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رخص فِي الرقى مَا لم تكن شركا وَقَالَ من اسْتَطَاعَ ان ينفع أَخَاهُ فَلْيفْعَل وَقد كَانَ للْعَرَب ولسائر الْأُمَم من ذَلِك أُمُور يطول وصفهَا وَأُمُور وأخبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الْعَرَب فِي ذَلِك متواترة عِنْد من يعرف أخبارهم من عُلَمَاء الْمُسلمين وَكَذَلِكَ عِنْد غَيرهم وَلَكِن الْمُسلمين أخبر بجاهلية الْعَرَب مِنْهُم بجاهلية سَائِر الْأُمَم فصل وَلم يُنكر الْجِنّ الا شرذمة قَليلَة من جهال الفلاسفة والأطباء وَنَحْوهم أما أكَابِر الْقَوْم فالمأثور عَنْهُم إِمَّا الْإِقْرَار بهم وَإِمَّا أَن يحْكى عَنْهُم قَول فِي ذَلِك وَأما الْمَعْرُوف عَن أبقراط أَنه قَالَ فِي بعض الْمِيَاه إِنَّه ينفع من الصراع لست أَعنِي الصرع الَّذِي يعالجه أَصْحَاب الهياكل وَإِنَّمَا أَعنِي الصرع الَّذِي تعالجه الْأَطِبَّاء وَأَنه قَالَ طبنا مَعَ طب أهل الهياكل كطب الْعَجَائِز مَعَ طبنا وَلَيْسَ لمن أنكر ذَلِك حجَّة يعْتَمد عَلَيْهَا تدل على النَّفْي وَإِنَّمَا مَعَه عدم الْعلم إِذا كَانَت صناعته لَيْسَ فِيهَا مَا يدل على ذَلِك كالطبيب الَّذِي ينظر فِي الْبدن من جِهَة صِحَّته ومرضه الَّذِي يتَعَلَّق بمزاجه وَلَيْسَ فِي هَذَا تعرض لما يحصل من جِهَة النَّفس وَلَا من جِهَة الْجِنّ وَإِن كَانَ قد علم من طبه ان للنَّفس تَأْثِيرا عَظِيما فِي الْبدن أعظم من تَأْثِير الْأَسْبَاب الطبية وَكَذَلِكَ للجن تَأْثِير فِي ذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم أهـ وَهُوَ البخار الَّذِي تسميه الْأَطِبَّاء الرّوح الحيواني المنبعث من الْقلب الساري فِي الْبدن الَّذِي بِهِ حَيَاة الْبدن فصل قَالَ ابْن دُرَيْد الْجِنّ خلاف الْإِنْس وَيُقَال حنه اللَّيْل وأحنه وحن عَلَيْهِ وغطاه فِي معنى وَاحِد إِذا ستره وكل شَيْء استتر عَنْك فقد جن عَنْك وَبِه سميت الْجِنّ وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسمون الْمَلَائِكَة جنا لاستتارهم عَن الْعُيُون وَالْجِنّ وَالْجنَّة وَاحِد وَالْجنَّة مَا واراك من السِّلَاح قَالَ والحن بِالْحَاء زَعَمُوا أَنهم ضرب من الْجِنّ قَالَ الراجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 (يلعبن أحوالي من حن وحن ... ) قَالَ ابو عمر الزَّاهِد الحن كلاب الْجِنّ وسفلتهم وَقَالَ الْجَوْهَرِي الجان ابو الْجِنّ وَالْجمع جينان مثل حَائِط وحيطان والجان إيضاحية بَيْضَاء قلت وَقد وَقع فِي كَلَام السُّهيْلي فِي النتائج ان الْجِنّ تشْتَمل على الْمَلَائِكَة وَغَيرهم مِمَّا اجتن عَن الْأَبْصَار فَإِنَّهُ قَالَ وَمِمَّا قدم للفصل والشرف تَقْدِيم الْجِنّ على الْإِنْس فِي أَكثر الْمَوَاضِع لِأَن الْجِنّ تشْتَمل على الْمَلَائِكَة وَغَيرهم مِمَّا اجتن عَن الابصار قَالَ الله تَعَالَى {وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا} وَقَالَ الاعشى ... وسخر من جن الملائك سَبْعَة ... قيَاما لَدَيْهِ يعْملُونَ بِلَا أجرل ... فَأَما قَوْله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} وَقَوله تَعَالَى {لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان} وَقَوله تَعَالَى {وَأَنا ظننا أَن لن تَقول الْإِنْس وَالْجِنّ على الله كذبا} فَإِن لفظ الْجِنّ هَهُنَا لايتناول الْمَلَائِكَة بِحَال لنزاهتهم عَن الْعُيُوب وَأَنه لَا يتَوَهَّم عَلَيْهِم الْكَذِب وَلَا سَائِر الذُّنُوب فَلَمَّا لم يتناولهم عُمُوم اللَّفْظ لهَذِهِ الْقَرِينَة بَدَأَ بِلَفْظ الْإِنْس لفضلهم وكمالهم وَقَالَ ابْن عقيل إِنَّمَا سمي الْجِنّ جنا لاستجنانهم واستتارهم عَن الْعُيُون مِنْهُ سمي الْجَنِين جَنِينا وَالْجنَّة للحرب جنَّة لسترها والمجن مجنا لستره للمقاتل فِي الْحَرْب وَلَيْسَ يلْزم بِأَن ينتقص هَذَا بِالْمَلَائِكَةِ لِأَن الْأَسْمَاء المشتقة لَا تنَاقض أَلا ترى أَن الخابئة سميت بذلك لاشتقاقها من الخبئ وَأَنه يخبأ فِيهَا وَلَا يُقَال يبطل بالصندوق فَإِنَّهُ يخبأ فِيهِ وَلَا يُسمى صندوقا وَالشَّيَاطِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 العصاة من الْجِنّ وهم ولد إِبْلِيس والمردة أعتاهم وأغواهم وهم أعوان إِبْلِيس ينفذون بَين يَدَيْهِ فِي الأغواء كأعوان الشَّيَاطِين قَالَ الْجَوْهَرِي كل عَاتٍ متمرد من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالدَّوَاب شَيْطَان قَالَ جرير ... أَيَّام يدعونني الشَّيْطَان من غزل ... وَهن يهوينني إِذْ كنت شَيْطَانا ... وَالْعرب تسمي الْحَيَّة شَيْطَانا قَالَ يصف نَاقَته ... تلاعب مثنى حضرمي كَأَنَّهُ ... تعمج شَيْطَان بِذِي خروع قفر ... وَقَوله تَعَالَى {طلعها كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين} قَالَ الْفراء فِيهِ ثَلَاثَة أوجه احدها ان يشبه طلعها فِي قبحه برءوس الشَّيَاطِين لِأَنَّهَا مَوْصُوفَة بالقبح وَالثَّانِي أَن الْعَرَب تسمى بِهِ بعض الْحَيَّات والشيطان نونه أَصْلِيَّة قَالَ امية ... أَيّمَا شاطن عَصَاهُ عكاه ... ثمَّ يلقى فِي السجْن والأغلال ... وَيُقَال أَيْضا إِنَّهَا زَائِدَة فَإِن جعلته فيعالا من قَوْلهم شيطن الرجل صرفته وَإِن جعلته من تشيطن لم تصرفه لِأَنَّهُ فعلان وَقَالَ ابو الْبَقَاء الشَّيْطَان فيعال من شطن يشطن إِذا بعد وَيُقَال فِيهِ شاطن وتشيطن وَسمي بذلك كل متمرد لبعد غوره فِي الشَّرّ وَقيل هُوَ فعلان من شاط يشيط إِذا هلك فالمتمرد هَالك بتمرده وَيجوز ان يكون سمي بفعلان لمبالغته فِي إهلاك غَيره وَقَالَ القَاضِي ابو يعلى الشَّيَاطِين مَرَدَة الْجِنّ وأشرارهم وَكَذَلِكَ يُقَال فِي الشرير مارد وَشَيْطَان من الشَّيَاطِين وَقد قَالَ تَعَالَى {شَيْطَان مارد} وَقَالَ الْجَوْهَرِي شطن عَنهُ بعد وأشطنه ابعده وَقَالَ ابْن السّكيت شطنه يشطنه شطنا إِذا خَالف عَن نِيَّة وَجهه وبئر شطون بعيدَة القعر وَنوى شطون بعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَقَالَ ابْن دُرَيْد زعم قوم من اهل اللُّغَة أَن اشتقاق ابليس من الابلاس كَأَنَّهُ إبلس أَي يئس من رَحْمَة الله وإبلس الرجل إبلاسا فَهُوَ مبلس إِذا يئس قلت وَهَذَا يدل على أَن إِبْلِيس إِنَّمَا سمي بِهَذَا الِاسْم بعد لعن الله تَعَالَى إِيَّاه وَقد روى ابْن ابي الدُّنْيَا وَغَيره عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ اسْم إِبْلِيس حَيْثُ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة عزازيل وَكَانَ من الْمَلَائِكَة ذَوي الأجنحة الْأَرْبَعَة ثمَّ إِبْلِيس بعد وَعَن ابي الْمثنى قَالَ كَانَ اسْم ابليس نائل فَلَمَّا أَسخط الله تَعَالَى سمي شَيْطَانا وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ لما عصى إِبْلِيس لعن وَصَارَ شَيْطَانا وَعَن سُفْيَان قَالَ كنية إِبْلِيس ابو كدوس وَقَالَ ابو الْبَقَاء وإبليس اسْم أعجمي لَا ينْصَرف للعجمة والتعريف وَقيل هُوَ عَرَبِيّ واشتقاقه من الإبلاس وَلم ينْصَرف للتعريف وَلِأَنَّهُ لَا نَظِير لَهُ فِي الاسماء وَهَذَا بعيد على أَن فِي الْأَسْمَاء مثله نَحْو إخريط وإحفيل وإصليت قَالَ ابو عمر بن عبد الْبر الْجِنّ عِنْد أهل الْكَلَام وَالْعلم بِاللِّسَانِ منزلون على مَرَاتِب فَإِذا ذكرُوا الْجِنّ خَالِصا قَالُوا جني فَإِن أَرَادوا أَنه مُمكن يسكن مَعَ النَّاس قَالُوا عَامر وَالْجمع عمار فَإِن كَانَ مِمَّن يعرض للصبيان قَالُوا أَرْوَاح فَإِن خبث وتعزم فَهُوَ شَيْطَان فَإِن زَاد على ذَلِك فَهُوَ مارد فَإِن زَاد على ذَلِك وقوى امْرَهْ قَالُوا عفريت وَالْجمع عفاريت وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الْبَاب الثَّانِي فِي ابْتِدَاء خلق الْجِنّ قَالَ ابو حُذَيْفَة اسحاق بن بشر الْقرشِي فِي الْمُبْتَدَأ حَدثنَا عُثْمَان حَدثنَا الْأَعْمَش عَن بكير بن الْأَخْنَس عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط الْقرشِي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ خلق الله تَعَالَى بني الجان قبل آدم بألفي سنة أهـ أخبرنَا جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ وَكَانَ الْجِنّ سكان الأَرْض وَالْمَلَائِكَة سكان السَّمَاء وهم عمارها لكل سَمَاء مَلَائِكَة وَلكُل اهل سَمَاء صَلَاة وتسبيح وَدُعَاء فَكل سَمَاء فَوق سمائهم أَشد عبَادَة وَأكْثر دُعَاء وَصَلَاة وتسبيحا من الَّذين تَحْتهم فَكَانَت الْمَلَائِكَة عمار السَّمَاء وَالْجِنّ عمار الأَرْض أهـ وَقَالَ بَعضهم عمروا الارض الفي سنة وَقَالَ بَعضهم اربعين سنة وَقَالَ اسحاق قَالَ ابو روق عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ خلق الله سوميا ابو الْجِنّ وَهُوَ الَّذِي خلق من مارج من نَار قَالَ تبَارك وَتَعَالَى تمن قَالَ أَتَمَنَّى أَن نرى وَلَا نرى وَأَن نغيب فِي الثرى وَأَن يصير كهلنا شَابًّا فَأعْطِي ذَلِك فهم يرَوْنَ وَلَا يرَوْنَ وَإِذا مَاتُوا غَيَّبُوا فِي الثرى وَلَا يَمُوت كهلهم حَتَّى يعود شَابًّا يَعْنِي مثل الصَّبِي يرد الى أرذل الْعُمر قَالَ وَخلق الله تَعَالَى آدم فَقيل لَهُ تمن قَالَ فتمنى الْجَبَل فَأعْطِي الْجَبَل وَقَالَ إِسْحَاق حَدثنِي جُوَيْبِر وَعُثْمَان بإسنادهما أَن الله تَعَالَى خلق الْجِنّ وَأمرهمْ بعمارة الارض فَكَانُوا يعْبدُونَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ حَتَّى طَال بهم الأمد فعصوا الله عز وَجل وسفكوا الدِّمَاء وَكَانَ فيهم ملك يُقَال لَهُ يُوسُف فَقَتَلُوهُ فَأرْسل الله تَعَالَى عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 جندا من الْمَلَائِكَة كَانُوا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا كَانَ يُقَال لذَلِك الْجند الْجِنّ فيهم إِبْلِيس وَهُوَ على أَرْبَعَة آلَاف فهبطوا فأفنوا بني الجان من الأَرْض وأجلوهم عَنْهَا وألحقوهم بجزائر الْبَحْر وَسكن إِبْلِيس والجند الَّذين كَانُوا مَعَه الأَرْض فهان عَلَيْهِم الْعَمَل وأحبوا الْمكْث فِيهَا حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحاق عَن حبيب بن أبي ثَابت أَو غَيره أَن إِبْلِيس وَجُنُوده أَقَامُوا فِي الأَرْض قبل خلق آدم أَرْبَعِينَ سنة حَدثنَا إِدْرِيس الأودي عَن مُجَاهِد قَالَ إِبْلِيس كَانَ على سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا وسلطان الأَرْض وَكَانَ مَكْتُوبًا فِي الرفيع عِنْد الله تَعَالَى أَنه قد سبق فِي علمه أَنه سَيجْعَلُ خَليفَة فِي الأَرْض فَوجدَ ذَلِك إِبْلِيس فقرأه وَأبْصر دون الْمَلَائِكَة فَلَمَّا ذكر الله عز وَجل للْمَلَائكَة أَمر آدم عَلَيْهِ السَّلَام اخبر إِبْلِيس الْمَلَائِكَة أَن هَذَا الْخَلِيفَة الَّذِي يكون تسْجد لَهُ الْمَلَائِكَة وَأسر ابليس فِي نَفسه أَنه لن يسْجد لَهُ أبدا وَأخْبر الْمَلَائِكَة أَن الله تَعَالَى يخلف خَليفَة يسفك دِمَاء وَأَنه سيأمر الْمَلَائِكَة فيسجدون لذَلِك الْخَلِيفَة قَالَ فَلَمَّا قَالَ الله عز وَجل {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} حفظوا مَا كَانَ قَالَ لَهُم ابليس قبل ذَلِك فَقَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} الْآيَة وَأَخْبرنِي مقَاتل وجويبر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما أَرَادَ الله عز وَجل أَن يخلق آدم قَالَ للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} وَذَلِكَ أَنهم أَحبُّوا الْمكْث فِي الأَرْض واستخفوا لِلْعِبَادَةِ فِيهَا قَالَ ابْن عَبَّاس لم يعلمُوا الْغَيْب لكِنهمْ اعتبروا أَعمال ولد آدم بأعمال الْجِنّ فَقَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} اه كَمَا أفسدت الْجِنّ ويسفك الدِّمَاء كَمَا سفكت الْجِنّ وَذَلِكَ إِنَّهُم قتلوا نَبيا لَهُم يُقَال لَهُ يُوسُف وَأخْبرنَا جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الله تَعَالَى بعث اليهم رَسُولا فَأَمرهمْ بِطَاعَتِهِ وَأَن لَا يشركوا بِهِ شَيْئا وَأَن لَا يقتل بَعضهم بَعْضًا فَلَمَّا تركُوا طَاعَة الله تَعَالَى وَقتلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا} الْآيَة فَرد عَلَيْهِم قَوْلهم وَأخْبرهمْ أَنهم لم يبلغُوا عنصر علم الله تَعَالَى فِي آدم عَلَيْهِ السَّلَام فخافت الْمَلَائِكَة أَن يَكُونُوا قد عصوا الله تَعَالَى فِيمَا ردوا عَلَيْهِ فلاذوا بالعرش يطوفون بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ من ذَلِك وَبقول الله عز وَجل {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} وَاعْلَم أَن آدم هُوَ خَليفَة الأَرْض وَولده عمارها وسكانها وَأَنْتُم عمار السَّمَاء وَأخْبرنَا ابْن جريج قَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فتكلموا يَعْنِي بِمَا هُوَ كَائِن من خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ الله تَعَالَى لَهُم {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} {وَأعلم مَا تبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون} فَأَما الَّذين كتموا فَلَمَّا قَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فَرَجَعُوا بِمَا قد سَمِعت ليخلق الله تَعَالَى رَبنَا مَا شَاءَ فوَاللَّه لَا يخلق رَبنَا خلقا إِلَّا كُنَّا أكْرم عَلَيْهِ وَأعلم مِنْهُ فَلَمَّا أسجدهم لآدَم قَالُوا هُوَ أكْرم على الله تَعَالَى منا غير أَنا أعلم مِنْهُ فَلَمَّا أنبأهم بِأَسْمَائِهِمْ علمُوا أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام أعلم مِنْهُم قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي ربيع الْأَبْرَار أَبُو هُرَيْرَة يرفعهُ إِن الله تَعَالَى خلق الْخلق أَرْبَعَة أَصْنَاف الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وَالْجِنّ وَالْإِنْس ثمَّ جعل هَؤُلَاءِ عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الْمَلَائِكَة وجزء وَاحِد الشَّيَاطِين وَالْإِنْس وَالْجِنّ ثمَّ جعل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الشَّيَاطِين وَوَاحِد الْجِنّ وَالْإِنْس ثمَّ جعل الْجِنّ وَالْإِنْس عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الْجِنّ وَوَاحِد مِنْهُم الْإِنْس قلت فعلى هَذَا يكون نِسْبَة الْإِنْس من الْخلق كنسبة الْوَاحِد من الْألف وَنسبَة الْجِنّ من الْخلق كنسبة التِّسْعَة من الْألف وَنسبَة الشَّيَاطِين من الْخلق كنسبة التسعين من الْألف وَنسبَة الْمَلَائِكَة من الْخلق كنسبة التسْعمائَة من الْألف وَالله اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الْبَاب الثَّالِث فِي أَن أصل الْجِنّ النَّار كَمَا أَن أصل الْإِنْس الطين قَالَ الله تَعَالَى {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم} وَقَالَ تَعَالَى {وَخلق الجان من مارج من نَار} وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْلِيس {خلقتني من نَار وخلقته من طين} وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار الدَّلِيل على هَذ السّمع دون الْعقل وَذَلِكَ لِأَن الْجَوَاهِر كلهَا قد دلّ الدَّلِيل على أَنَّهَا متماثلة لِأَن كل وَاحِد مِنْهَا يسد مسد الآخر وَيقوم مقَامه فِي الصّفة الَّتِي تخصه إِذا كَانَ على مثل صفته وَهَذَا هُوَ حد المثلين وَإِنَّمَا تخْتَلف صفاتهما وهيئتهما لأغراض تخص بَعْضهَا دون بعض وَإِذا صَحَّ هَذَا فَالله قَادر على أَن يفعل مَا شَاءَ من التَّأْلِيف وَيُوجد من الألوان وَسَائِر الْأَعْرَاض ويركب مَا شَاءَ من ذَلِك تركيبا يحْتَمل الْأَعْرَاض المحتاجة إِلَى تركيب مَخْصُوص كالحياة الَّتِي يحْتَاج فِي وجودهَا إِلَى تركيب مَخْصُوص وَالْعلم إِلَى بنية الْقلب وَكَذَلِكَ الْإِرَادَة وَمَا جرى هَذَا المجرى وَإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا دلّ على أَن لَا طَرِيق لنا إِلَى أَن نعلم ان الله عز وَجل خلق اصل الْجِنّ من قبيل جَوْهَر مَخْصُوص دون قبيل آخر من جِهَة الْعقل وَلَا نعلم ذَلِك أَيْضا باضطرار لِأَن ذَلِك لَو علم باضطرار لم يَقع اخْتِلَاف فِي اثباتهم لِأَن الْعلم بِمَا خلقُوا مِنْهُ فرع على الْعلم بِأَنَّهُم مخلوقون وَلَا يجوز أَن يعلم الْفَرْع باضطرار وَيعلم الأَصْل باكتساب لِأَن مَا يعلم باكتساب يجوز أَن يجهل وَمَا يعلم باضطرار لَا يجوز أَن يجهل مَعَ كَمَال الْعقل وَبطلَان هَذَا يدل على أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 لَا يجوز أَن يعلم أصل الْجِنّ مَا هُوَ باضطرار للِاخْتِلَاف فِي إثباتهم فقد بَان أَن ذَلِك لَا يعلم باضطرار كَمَا لَا يعلم باكتساب من جِهَة الْعقل فان قيل كَيفَ تَجْعَلُونَ فِي قَول إِبْلِيس {خلقتني من نَار} دلَالَة مَعَ أَنه يجوز أَن يكذب فِي ذَلِك أَو يَظُنّهُ وَلَا يكون لَهُ بِهِ علم قيل لَهُ مَوضِع الدّلَالَة من ذَلِك قَول الله تَعَالَى ولولم يكن الْأَمر على مَا قَالَ لما ترك الله تَكْذِيبه لِأَن ترك تَكْذِيب الْكَاذِب مِمَّن لَا يجوز عَلَيْهِ الْخَوْف وَالْجهل قَبِيح اهـ قَالَ وَبِهَذَا بِعَيْنِه احْتج شُيُوخنَا على الْمخبر بالاستطاعة بقول الْجِنّ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام {أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين} فَزعم أَن قوى على الْإِتْيَان بِعَرْشِهَا قبل أَن يفعل الْإِتْيَان فَلم يَجْعَل قَول الجنى دَلِيلا على ذَلِك وَإِنَّمَا جعلُوا سكُوت سُلَيْمَان على تَكْذِيبه وَالْإِنْكَار عَلَيْهِ حجَّة لِأَنَّهُ لَو لم يكن قَادِرًا على الْإِتْيَان بِهِ لم يدع الْإِنْكَار عَلَيْهِ وَإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا بَطل الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور بِأَن صِحَة مَا تقدم ذكره على أَنا لَا نعلم خلافًا بَين الْمُسلمين فِي ذَلِك وَلَا يشك أَن هَذَا كَانَ من دين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قيل فِي النَّار من اليبس مَا لَا يَصح وجود الْحَيَاة فِيهَا والحياة فِي وجودهَا تحْتَاج إِلَى رُطُوبَة كَمَا تحْتَاج إِلَى بنية مَخْصُوصَة وَإِلَى الرّوح الَّتِي هِيَ النَّفس المتردد عِنْد شيخكم أبي هَاشم إِن كَانَ شيخكم أَبُو عَليّ يجوز وجود الْحَيَاة مَعَ عدم النَّفس وَيَقُول إِن أهل النَّار لَا يتنفسون وَإِذا صَحَّ هَذَا فالرطوبة لَا بُد مِنْهَا فِي وجود الْحَيَاة وَكَذَلِكَ البنية فَكيف يَصح لكم مَا قُلْتُمْ فَهَلا لديكم هَذَا على أَن الله تَعَالَى أَرَادَ بقوله {خلقناه من قبل من نَار السمُوم} غير مَا ذهبتم اليه وَإِن الْآيَة لَيست على ظَاهرهَا قيل لَهُ إِن الامر وَإِن كَانَ على مَا ذكرت فَإِن الله تَعَالَى قَادر على أَن يفعل رُطُوبَة فِي تِلْكَ النَّار بِمِقْدَار مَا يَصح وجود الْحَيَاة فِيهَا لِأَن مجاورة المَاء وَالنَّار لَا تستحيل يدلك على هَذَا المَاء المسخن فَإِنَّهُ إِنَّمَا يسخن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 أَجزَاء من النَّار تتخلل فِي خلل المَاء فَلهَذَا مَتى قَامَ فِي الْهَوَاء رقت أَجزَاء النَّار وَفَارَقت المَاء وَعَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْبُرُودَة أَلا ترى أَن البخار الَّذِي يرْتَفع مِنْهُ صعد إِنَّمَا يكون ذَلِك لارْتِفَاع أَجزَاء النَّار لِأَن أجزاءها خَفِيفَة والخفيف هُوَ مَا فِيهِ اعْتِمَاد صعدا وَالْمَاء ثقيل لِأَن فِيهِ اعْتِمَادًا سفلا فالبخار وَإِن كَانَ فِيهِ أَجزَاء من الرُّطُوبَة فَإِن أَكثر مَا فِيهِ أَجزَاء النَّار فلغلبتها عل الاجزاء الرّطبَة ترْتَفع مَعهَا وَتصير حكم الاجزاء المائية فِي لطافتها حَتَّى ترفعها أَجزَاء النَّار كالقطن وَمَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا ترفعه النَّار بصعودها فَدلَّ على صِحَة مَا ذَهَبْنَا اليه من مجاورة المَاء وَالنَّار على هَذَا السَّبِيل الَّذِي بَيناهُ وَإِذا صحت هَذِه الْجُمْلَة لم يمْتَنع إِحْدَاث الله تَعَالَى أَجزَاء من الرُّطُوبَة فِي خلل النَّار حَتَّى يَصح وجود الْحَيَاة وَلَيْسَ فِي البنية وَلَا فِي الرّوح لَهُم تعلق لِأَن النَّار تحْتَمل البنية وَكَذَلِكَ تحْتَمل مجاورتها الرّيح وَالروح هُوَ الْهَوَاء للنار قَالَ فَإِن قيل إِذا لم يجوزوا لُغَة اسْتثِْنَاء الشَّيْء من غير جنسه أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول عِنْدِي عشرَة دَرَاهِم إِلَّا ثوبا وَمَا شاكله فَكيف يجوز اسْتثِْنَاء إِبْلِيس من جملَة الْمَلَائِكَة إِذا لم يكن من جنسهم وَمن أصلهم مَعَ أَن الله تَعَالَى خاطبنا بلغَة الْعَرَب فَهَلا دلكم هَذَا على أَنه من جنس الْمَلَائِكَة وَأَن اصل الْجِنّ لَيْسَ هُوَ النَّار قُلْنَا انما جَازَ ذَلِك لما جمعهم وإياه الحكم الْمَقْصُود وَهُوَ الْأَمر بِالسُّجُود وَإِذا كَانَ هَذَا سائغا فِي اللُّغَة وَكَانَ مَشْهُورا عِنْد أَهلهَا سقط السُّؤَال وَصَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْل وَقَالَ ابو الْوَفَاء بن عقيل فِي الْفُنُون سَأَلَ سَائل عَن الْجِنّ فَقَالَ الله تَعَالَى اخبر عَنْهُم أَنهم من نَار بقوله تَعَالَى {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم} وَأخْبر أَن الشهب تَضُرهُمْ وتحرقهم فَكيف تحرق النَّار النَّار فَقَالَ الْجَواب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق اعْلَم أَن الله تَعَالَى أضَاف الشَّيَاطِين وَالْجِنّ إِلَى النَّار حسب مَا أضَاف الْإِنْسَان إِلَى التُّرَاب والطين والفخار وَالْمرَاد بِهِ فِي حق الانسان أَن أَصله الطين وَلَيْسَ الْآدَمِيّ طينا حَقِيقَة لكنه كَانَ طينا كَذَلِك الجان كَانَ نَارا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الأَصْل وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض لي الشَّيْطَان فِي صَلَاتي فخنقته فَوجدت برد رِيقه على يَدي وَلَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لقتلته أهـ وَمن يكون نَارا محرقة كَيفَ يكون رِيقه بَارِدًا وَلَا لَهُ ريق رَأْسا لَكِن كَانَ يَقُول لَهُ لِسَان وذؤابة من نَار محرقة فَعلم صِحَة مَا قُلْنَا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شبههم بالنبط وَلَوْلَا أَنهم على أشكال لَيست نَارا لما ذكر الصُّور وَترك الالتهاب والشرر انْتهى قلت هَكَذَا لَفظه وَلَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لقتلته وَهَذَا اللَّفْظ غير مَعْرُوف بل الْمَعْرُوف فِي الصَّحِيح وَالسّنَن لَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لأصبح موثقًا حَتَّى ترَاهُ النَّاس وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَقَد هَمَمْت أَن أوثقه إِلَى سَارِيَة حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ وَمِمَّا يدل على أَن الْجِنّ لَيْسُوا باقين على عنصرهم الناري قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عَدو الله تَعَالَى إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي أهـ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي عفريتا من الْجِنّ يطلبني بشعلة من نَار كلما الْتفت رَأَيْته أهـ وَبَيَان الدّلَالَة مِنْهُ أَنهم لَو كَانُوا باقين على عنصرهم الناري وَأَنَّهُمْ نَار محرقة لما احتاجوا إِلَى أَن يَأْتِي الشَّيْطَان أَو العفريت مِنْهُم بشعلة من نَار ولكانت يَد الشَّيَاطِين أَو العفريت أَو شَيْء من أَعْضَائِهِ إِذا مس ابْن آدم احرقه كَمَا يحرق الْآدَمِيّ النَّار الْحَقِيقِيَّة بِمُجَرَّد الْمس فَدلَّ على أَن تِلْكَ النَّار انغمرت فِي سَائِر العناصر حَتَّى صَار الْبرد رُبمَا كَانَ هُوَ الْغَالِب فِي بعض الأحيان إِمَّا للأعضاء نَفسهَا أَو لما تحلل من الْبدن كاللعاب كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى برد لِسَانه على يَدي وَفِي رِوَايَة حَتَّى برد لعابه وَلَا شكّ أَن الله تَعَالَى جعل الأقوات منمية للأجسام وَيكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 النمو استأصل عَن الْغذَاء على حَسبه فِي الْحَرَارَة والبرودة على اخْتِلَافهمَا فِي الرُّطُوبَة واليبوسة وَلَا شكّ أَنهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ مِمَّا نَأْكُل مِنْهُ وَنَشْرَب وَيحصل لأجسامهم بذلك نمو وَبَقَاء على حسب الْمَأْكُول فِي مأكولهم الْحَار والبارد الرطبان واليابسان فَهَذَا مَعَ التوالد قد نقلهم عَن العنصر الناري وَصَارَ فيهم الطبائع الْأَرْبَع قَالَ القَاضِي أَبُو بكر ولسنا ننكر مَعَ ذَلِك يَعْنِي أَن الأَصْل الَّذِي خلقه مِنْهُ النَّار أَن يكثفهم الله تَعَالَى ويغلظ أجسامهم ويخلق لَهُم أعراضا تزيد على مَا فِي النَّار فَيخْرجُونَ عَن كَونهم نَارا ويخلق لَهُم صورا وأشكالا مُخْتَلفَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أجسام الْجِنّ قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء الْحَنْبَلِيّ الْجِنّ أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة وَيجوز أَن تكون كثيفة خلافًا للمعتزلة فِي قَوْلهم إِنَّهُم أجسام رقيقَة ولرقتهم لَا نراهم وَالدّلَالَة على ذَلِك علمنَا بِأَن الاجسام يجوز أَن تكون رقيقَة وَيجوز أَن تكون كثيفة وَلَا يُمكن معرفَة أجسام الْجِنّ أَنَّهَا رقيقَة أَو كثيفة إِلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَو الْخَبَر الْوَارِد عَن الله تَعَالَى أَو عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكلا الْأَمريْنِ مَفْقُود فَوَجَبَ أَن لَا يَصح أَنهم أجسام رقيقَة أصلا فَأَما قَوْلهم إِن الْجِنّ إِنَّمَا كَانَت أجساما رقيقَة لأننا لَا نرَاهَا وَإِنَّمَا نرَاهَا لرقتها فَلَا يَصح لأننا قد دللنا على أَن الرقة لَيست بمانعة عَن الرُّؤْيَة فِي بَاب الرُّؤْيَة وَيجوز أَن تكون الْأَجْسَام الكثيفة مَوْجُودَة وَلَا نرَاهَا إِذا لم يخلق الله تَعَالَى فِينَا الْإِدْرَاك وَقَالَ ابو الْقَاسِم الانصاري فِي شرح الارشاد حِكَايَة عَن القَاضِي ابي بكر وَنحن نقُول إِنَّمَا برأهم من رَآهُمْ لِأَن الله تَعَالَى خلق لَهُ رُؤْيَة وَأَن من لم يخلق لَهُ الرُّؤْيَة لَا يراهم لأَنهم أجسام مؤلفة وجثث وَقَالَ كثير من الْمُعْتَزلَة إِنَّهُم أجسام رقيقَة بسيطة قَالَ القَاضِي وَهَذَا عندنَا جَائِز غير مُمْتَنع إِن ثَبت بِهِ سمع وَلَا سمع نعلمهُ فِي ذَلِك فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ يُمكن أَن يكون الْجِنّ مخلوقين من نَار مَعَ مَا علم أَن أَجزَاء النَّار وتلهبها يَقْتَضِي افْتِرَاق اجزائها وَعدم ثُبُوت بنية لَهَا قيل قد ثَبت أَن الْحَيَاة لَا تتَعَلَّق بحملة الْجِسْم وَأَن الْحَيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بهَا محلهَا وَأَنه لَو اسْتَحَالَ خلقهَا فِي الْحَيّ دون اتِّصَاله ببنية لم يحْتَج محلهَا إِلَى كَونه من بنية مَخْصُوصَة على أننا لَو قُلْنَا إِن الْحَيَاة تحْتَاج إِلَى بنية لم يمْتَنع أَن يَبْنِي الله تَعَالَى من جسم النَّار وَهِي على مَا هِيَ عَلَيْهِ من التلهب وَالْحَرَكَة أَجزَاء مؤتلفة غير متباينة فَإِن قيل كَيفَ يجوز كَونهم وَكَون الْمَلَائِكَة رقاق الْأَجْسَام مَعَ عظم قدره وَحَملهمْ الْعَرْش وقلبهم لمدن وسد جِبْرِيل مَا بَين الْخَافِقين بجناحه قيل لَا يمْتَنع أَن يخلق الله تَعَالَى فِي أجسام الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَإِن كَانُوا من نَار وريح مَا يصير بهَا إِلَى حد يحْتَمل زِيَادَة الْقدر وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار الْهَمدَانِي فصل فِي كَون اجسامهم رقيقَة ولضعف ابصارنا لَا نراهم لَا لعِلَّة أُخْرَى لَو قوي الله تَعَالَى أبصارنا أَو كثف أجسامهم لرأيناهم اعْلَم أَن الَّذِي يدل على رقة أجسامهم قَوْله تَعَالَى {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} فَلَو كَانُوا لنا مرئيين وَإِن كَانُوا بقربنا وَلَا حَائِل بَيْننَا وَبينهمْ بِحَيْثُ يوسوسون إِلَيْنَا وَكَانُوا كثافا لرأيناهم كَمَا يرونا كَمَا يرى بَعضهم بَعْضًا وَفِي علمنَا بِخِلَاف ذَلِك من حَالنَا وحالهم دَلِيل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ قَالَ وَقد ذكر شُيُوخنَا أَن الرقة أحد الْمَوَانِع من رُؤْيَة المرئيات بِشَرْط ضعف الْبَصَر كالبعد واللطافة وَلِهَذَا قَالُوا أَنه يجوز أَن نراهم إِذا قوى الله تَعَالَى شُعَاع ابصارنا كَمَا يجوز أَن نراهم لَو كثف الله تَعَالَى أجسامهم وعَلى هَذَا الْوَجْه يرى المعاين الْمَلَائِكَة دون من يحضرهُ ويرونهم الْأَنْبِيَاء جَمِيعًا ويرون الْجِنّ أَيْضا دون غَيرهم على أَنهم لَو كَانُوا كثافا لحجز الجني عَن رُؤْيَة من بحضرتنا إِذا تخَلّل فِيمَا بَيْننَا وَيكون حكمه حكم الْحَائِط وَسَائِر الْأَجْسَام الكثيفة أَنه مَتى كَانَ ذَلِك بَيْننَا وَبَين من يرَاهُ لَو حجزها حجزت ومنعت عَن رُؤْيَته وَفِي وجداننا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك فِي سَائِر الْأَوْقَات الَّتِي نجد الوسواس فِي قُلُوبنَا على طَريقَة وَاحِدَة فِي أَنه نرى مَا بحضرتنا مَا يحجز بَيْننَا وَبَينه حَائِط وحاجز من بِسَائِر الْأَجْسَام دلَالَة على صِحَة مَا ذَكرْنَاهُ من رقة الْأَجْسَام قَالَ وَقد اسْتدلَّ غير شُيُوخنَا على ان الْمَانِع من رُؤْيَة الْجِنّ هُوَ أَن الله تَعَالَى لَا يحدث فيهم من الألوان مَا لَو فعله لرأيناهم وَلَيْسَ الْمَانِع من الرُّؤْيَة الرقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار وَهَذَا لَا يَصح لوجوه مِنْهَا أَن الله تَعَالَى يراهم وَيرى بَعضهم بَعْضًا وَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا قَالُوا لما جَازَ أَن يرَوا لِأَنَّهُ جعل الْعلَّة فِي جَوَاز كَونهم مرئيين هُوَ إِحْدَاث لون مَخْصُوص فَإِذا لم يحدث لم يَكُونُوا مرئيين وَأَن يكون الله تَعَالَى أحدث هَذَا اللَّوْن فَلهَذَا رَآهُمْ وَرَأى بَعضهم بَعْضًا فَيجب أَن نراهم نَحن وَفِي عالمنا بِأَن الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك دَلِيل على بطلَان مَا ذكر من الِاسْتِدْلَال وَمِنْهَا أَنه لَا يجوز خلو الْأَجْسَام من اللَّوْن أَو ضِدّه عَن شَيخنَا أبي عَليّ فَلَا بُد من أَن يكون فيهم لون من الألوان وكل مَا يتضاد على الْجِسْم وَيدْرك بحاسة فَلَا بُد من أَن يدْرك تِلْكَ الحاسة مَا يُنَافِيهِ وبضده وَقد جعل الله تَعَالَى فِي الْجِنّ اللَّوْن الَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل ورأيناهم ثمَّ نفى هَذَا اللَّوْن بلون آخر لوَجَبَ أَيْضا على مَا قُلْنَا إِن نراهم فَإِذا كَانَ حكم كل لون هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ فِي أَنه يدْرك بالحاسة الَّتِي يدْرك بهَا هَذَا اللَّوْن وَيدْرك الْجِنّ لأَجله ثمَّ لم تخل الْأَجْسَام من الألوان كلهَا على مَذْهَب شَيخنَا أبي عَليّ وَوَجَب أَن نراهم وَفِي علمنَا باضطرار أَن الْأَمر بِخِلَاف هَذَا دَلِيل على سُقُوط هَذَا الِاعْتِرَاض وَأما على قَول أبي هَاشم فَإِنَّهُ يُجِيز خلو الْأَجْسَام من الْأَعْرَاض كثيفة كَانَت أَو رقيقَة سوى الألوان وَلَو كَانَت كثيفة لم يكن بُد من أَن يَرَاهَا الرَّائِي مَعَ عدم السواتر وَكَيف يَصح لَهُ هَذَا الِاسْتِدْلَال مَعَ هَذَا القَوْل على أَن الْجِسْم يرى وَإِن كَانَ يرى مَعَه اللَّوْن أَلا ترى أَن الرَّائِي يرى حُدُود الْجِسْم وَطوله وَعرضه وَهَذِه صِفَات الْأَجْسَام لَا صِفَات الألوان فَدلَّ على ان وجود اللَّوْن فِي الْجِسْم لَيْسَ من شَرطه كَونه مرئيا فقد بَان بِهَذِهِ الْوُجُوه بطلَان هَذَا الِاسْتِدْلَال وَأَن الدَّلِيل فِي كوننا غير رائين لَهُم إِنَّمَا هُوَ رقة أجسامهم على مَا بَينا قَالَ وَإِنَّمَا يدْرك بَعضهم بَعْضًا للطافة حواسهم وللطافة تَأْثِير فِي هَذَا الْإِدْرَاك أَلا ترى أَن الْإِنْسَان يدْرك بحدقته من الْحر وَالْبرد مَالا يُدْرِكهُ بِأَسْفَل قَدَمَيْهِ وَذَلِكَ للطاقة الحدقة وَنحن أَسْفَل الْقدَم وصلابته فَإِن قيل فِي الْحَاجة فِي رُؤْيَة اللَّطِيف إِلَى قُوَّة شُعَاع الْبَصَر فِي رُؤْيَته قيل لَهُ الَّذِي يدل على الْحَاجة إِلَى قُوَّة شُعَاع فِي رُؤْيَة اللَّطِيف لَا يحْتَاج إِلَى مثل ذَلِك فِي الكثيف أَلا ترى أَنا لَا نرى الرّيح مَا دَامَت رقيقَة لَطِيفَة فَإِذا كثفت باختلاط الْغُبَار رأيناها وَهَذَا ظَاهر فَلذَلِك قُلْنَا لَو كثف الله تَعَالَى أجسام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الْجِنّ وقوى شُعَاع أبصارنا على مَا هُوَ عَلَيْهِ من غير أَن يقوى لرأيناهم وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الْبَاب الْخَامِس فِي بَيَان أَصْنَاف الْجِنّ قَالَ أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي الْجِنّ ثَلَاثَة أَصْنَاف كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث صنف على صور الْحَيَّات وصنف على صور كلاب سود وصنف ريح طيارة أَو قَالَ هفافة ذُو أَجْنِحَة وَزَاد بعض الروَاة صنف يحلونَ ويظعنون وهم السعالى قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا الصِّنْف هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُل وَلَا يشرب إِن صَحَّ أَن الْجِنّ لَا تَأْكُل وَلَا تشرب يَعْنِي الرّيح الطيارة قلت روى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب مكايد الشَّيْطَان فَقَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن ابْن عَليّ بن الْأسود الْعجلِيّ حَدثنَا أَبُو شامة حَدثنَا يزِيد بن سُفْيَان أَبُو فَرْوَة الرهاوي حَدثنَا أَبُو منيب الْحِمصِي عَن يحيى بن كثير عَن أبي سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله تَعَالَى الْجِنّ ثَلَاثَة أَصْنَاف صنف حيات وعقارب وخشاش الأَرْض وصنف كَالرِّيحِ فِي الْهوى وصنف عَلَيْهِم الْحساب وَالْعِقَاب وَخلق الله تَعَالَى الْإِنْس ثَلَاثَة أَصْنَاف صنف كَالْبَهَائِمِ أهـ قَالَ الله تَعَالَى {لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا} الْآيَة وصنف أَجْسَادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أَرْوَاح الشَّيَاطِين وصنف فِي ظلّ الله تَعَالَى يَوْم لَا ظلّ الا ظله وَأوردهُ فِي كتاب الهواتف مُقْتَصرا على ذكر الْجِنّ فَقَط وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن جَعْفَر بن سهل العامري الخرائطي فِي كتاب هواتف الْجنان وَحدثنَا إِبْرَاهِيم بن هَانِئ النَّيْسَابُورِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 حَدثنَا عبد الله بن صَالح عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن أبي الزَّاهِرِيَّة عَن جُوَيْبِر ابْن نفير عَن ابي ثَعْلَبَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجِنّ على ثَلَاثَة اصناف صنف لَهُم أَجْنِحَة يطيرون فِي الْهَوَاء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلونَ ويظعنون قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ رَأَيْت للأعاريب من الْأَعَاجِيب فِي بَاب الْجِنّ مَا لَا يُوصف وَيَقُولُونَ من الْجِنّ جنس صورته على نصف صُورَة الانسان واسْمه شقّ وَأَنه يعرض للْمُسَافِر إِذا كَانَ وَحده وَرُبمَا أهلكه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الْبَاب السَّادِس فِي بَيَان تطور الْجِنّ وتشكلهم وَلَا شكّ ان الْجِنّ يتطورون ويتشكلون فِي صور الْإِنْس والبهائم فيتصورون فِي صور الْحَيَّات والعقارب وَفِي صور الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَفِي صور الطير وَفِي صور بني آدم كَمَا أَتَى الشَّيْطَان قُريْشًا فِي صُورَة سراقَة بن مَالك بن جعْشم لما أَرَادوا الْخُرُوج إِلَى بدر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَقَالَ لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم فَلَمَّا تراءت الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب} وكما روى أَنه تصور فِي صُورَة شيخ نجدي لما اجْتَمعُوا بدار الندوة للتشاور فِي أَمر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل يقتلوه أَو يحبسوه أَو يخرجوك كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا ليثبتوك أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين} وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من حَدِيث صَيْفِي مولى أبي السَّائِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ يرفعهُ أَن بِالْمَدِينَةِ نَفرا من الْجِنّ قد أَسْلمُوا فَإِذا رَأَيْتُمْ من هَذِه الْهَوَام شَيْئا فأذنوه ثَلَاثًا فَإِن بدا لكم فَاقْتُلُوهُ فصل قَالَ القَاضِي ابو يعلى وَلَا قدرَة للشياطين على تَغْيِير خلقهمْ والانتقال فِي الصُّور وَإِنَّمَا يجوز أَن يعلمهُمْ الله تَعَالَى كَلِمَات وَضَربا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 من ضروب الْأَفْعَال إِذا فعله وَتكلم بِهِ نَقله الله تَعَالَى من صُورَة إِلَى صُورَة فَيُقَال إِنَّه قَادر على التَّصْوِير والتخييل على معنى أَنه قَادر على قَول إِذا قَالَه وَفعله نَقله الله تَعَالَى عَن صورته إِلَى صُورَة أُخْرَى يجْرِي الْعَادة وَأما أَنه يصور نَفسه فَذَلِك محَال لِأَن انتقالها من صُورَة إِلَى صُورَة إِنَّمَا يكون بِنَقْض البنية وتفريق الْأَجْزَاء وَإِذا انتقضت بطلت الْحَيَاة واستحال وُقُوع الْفِعْل من الْجُمْلَة وَكَيف تنقل نَفسهَا القَوْل فِي تشكيل الْمَلَائِكَة مثل ذَلِك قَالَ وَالَّذِي روى أَن إِبْلِيس تصور فِي صُورَة سراقَة بن مَالك وَأَن جِبْرِيل تمثل فِي صُورَة دحْيَة وَقَوله تَعَالَى {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا} مَحْمُول على مَا ذكرنَا وَهُوَ أَنه أقدره الله تَعَالَى على قَول قَالَه فنقله الله تَعَالَى من صورته إِلَى صُورَة أُخْرَى قلت روى أَبُو بكر بن ابي الدُّنْيَا فِي كتاب مكايد الشَّيْطَان فَقَالَ حَدثنَا ابو خَيْثَمَة حَدثنَا هشيم عَن الشَّيْبَانِيّ عَن يسير بن عَمْرو قَالَ ذكرنَا الغيلان عِنْد عمر فَقَالَ إِن أحدا لَا يَسْتَطِيع أَن يتَغَيَّر عَن صورته الَّتِي خلقه الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَلَكِن لَهُم سحرة كسحرتكم فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فأذنوا حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الْآدَمِيّ حَدثنَا معن بن عِيسَى عَن جرير بن حَازِم عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الغيلان قَالَ هم سحرة الْجِنّ وَرَوَاهُ ابراهيم بن هراثة عَن جرير بن حَازِم عَن عبد الله بن عبيد عَن جَابر وَوَصله حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن يُونُس عَن الْحسن عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ أمرنَا إِذا رَأينَا الغول أَن ننادي بِالصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الباغندي حَدثنَا أَحْمد ابْن بكار بن أبي مَيْمُونَة حَدثنَا غياث عَن خصيف عَن مُجَاهِد قَالَ كَانَ الشَّيْطَان لَا يزَال يتزين لي إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فِي صُورَة ابْن عَبَّاس قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 فَذكرت قَول ابْن عَبَّاس فَجعلت عِنْدِي سكينا فتزين لي فَحملت عَلَيْهِ فطعنته فَوَقع وَله وجبة فَلم أره بعد ذَلِك وَذكر الْعُتْبِي أَن ابْن الزبير رأى رجلا طوله شبران على بردعة رَحْله فَقَالَ مَا أَنْت قَالَ إزب قَالَ وَمَا إزب قَالَ رجل من الْجِنّ فَضَربهُ على رَأسه بِعُود السَّوْط حَتَّى ناص أَي هرب (إزب بِكَسْر الْهمزَة وَإِسْكَان الزَّاي وَقد قَالَ كثير من النَّاس إِن الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ إِنَّمَا تُوصَف بِأَنَّهَا قادرة على التمثل والتصور على معنى أَنَّهَا تقدر على تخييل وَفعل مَا يتَوَهَّم عِنْده انتقالها عَن صورها فيدرك الراؤون ذَلِك تخييلا ويظنون أَن الْمرَائِي ملك أَو شَيْطَان وَإِنَّمَا ذَلِك خيالات واعتقادات يَفْعَلهَا الله تَعَالَى عِنْد فعل الْبشر للناظرين فَأَما أَن ينْتَقل أحد من صورته على الْحَقِيقَة إِلَى غَيرهَا فَذَلِك محَال فصل قد قدمنَا أَن مَذْهَب الْمُعْتَزلَة أَن الْجِنّ أجسام رقاق ولرقتها لَا نرَاهَا وَعِنْدهم يجوز أَن يكثف الله اجسام الْجِنّ فِي زمَان الانبياء دون غَيره من الازمنة وَأَن يقويهم بِخِلَاف مَا هم عَلَيْهِ فِي غير أزمانهم قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار وَيدل على ذَلِك مَا فِي الْقُرْآن الْكَرِيم من قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام إِنَّه كثفهم لَهُ حَتَّى كَانَ النَّاس يرونهم وقواهم حَتَّى كَانُوا يعْملُونَ لَهُ الاعمال الشاقة من المحاريب والتماثيل والجفان والقدور الراسيات والمقرن فِي الاصفاد لَا يكون إِلَّا جسما كثيفا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وَأما أقداره إيَّاهُم وتكثيف أجسامهم فِي غير أزمان الانبياء فَإِنَّهُ غير جَائِز لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون نقضا للْعَادَة قَالَ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي كتاب سَبَب الزهادة فِي الشَّهَادَة وَمِمَّنْ ترد شَهَادَته وَلَا تسلم لَهُ عَدَالَته من يزْعم أَنه يرى الْجِنّ عيَانًا وَيَدعِي أَن لَهُ مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 إخْوَانًا كتب إِلَى أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْحداد من أَصْبَهَان أَخْبرنِي أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن التسترِي حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب العلاف سَمِعت بعض اصحابنا قَالَ التسترِي أَظُنهُ حَرْمَلَه سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول من زعم أَنه يرى الْجِنّ أبطلنا شَهَادَته لقَوْل الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} وأنبأني مُحَمَّد بن الْفضل الْفَقِيه عَن أَحْمد بن الْحسن الْحَافِظ أَنا أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَنبأَنَا الْحسن بن رَشِيق إجَازَة قَالَ أَنا عبد الرَّحْمَن بن احْمَد الْهَرَوِيّ سَمِعت الرّبيع بن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول من زعم من أهل الْعَدَالَة أَنه يرى الْجِنّ أبطلت شَهَادَته لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} إِلَّا أَن يكون نَبيا فصل قَالَ ابو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فِي الْمقنع فِي شرح الْإِرْشَاد وَاعْلَم أَن الله تَعَالَى باين بَين الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالْإِنْس فِي الصُّور والأشكال كَمَا باين بَينهمَا فِي الصِّفَات فَمن حصل على بنية الْإِنْسَان ظَاهرا أَو بَاطِنا فَهُوَ إِنْسَان وَالْإِنْسَان اسْم لهَذِهِ الْجُمْلَة الَّتِي نشاهدها كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة} الْآيَة قَالَ أهل التَّفْسِير خلقنَا فِيهِ الرّوح والحياة وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة أمشاج نبتليه} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {قتل الْإِنْسَان مَا أكفره من أَي شَيْء خلقه من نُطْفَة خلقه فقدره ثمَّ السَّبِيل يسره ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره ثمَّ إِذا شَاءَ أنشره} وَهَذِه الْآيَات وأمثالها تدل على بطلَان قَول من قَالَ الْإِنْسَان هُوَ الرّوح بِأَن الرّوح لم تخلق من الطين وَلَا بُد من النُّطْفَة وَأَنَّهَا لَا تَمُوت على زعم قَائِله وَلَا تقبر وَلَا تنشر فَإِن قلب الله تَعَالَى الْملك إِلَى بنية الْإِنْسَان ظَاهرا وَبَاطنا خرج عَن كَونه ملكا وَكَذَلِكَ لَو قلب الشَّيْطَان إِلَى بنية الْإِنْسَان لخرج بذلك عَن كَونه شَيْطَانا وَمن النَّاس من قَالَ لَو قلب الشَّيْطَان أَو الْملك إِلَى صُورَة الْإِنْسَان ظَاهرا صَار إنْسَانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وَمن مسخ من بني إِسْرَائِيل قردة هَل خَرجُوا عَن كَونهم نَاسا بالمسخ وقلب الصُّورَة الظَّاهِر أَنه يخرج على الْقَوْلَيْنِ وَمِمَّا يدل على أَن صُورَة الْملك مُخَالفَة لصورة الْإِنْسَان قَوْله تَعَالَى {وَلَو جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا} أَي جَعَلْنَاهُ على صُورَة الْبشر ظَاهرا وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الْبَاب السَّابِع فِي بَيَان أَن بعض الْكلاب من الْجِنّ قَالَ أَبُو عُثْمَان سعيد بن الْعَبَّاس الرَّازِيّ أَنا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أَنا أَبُو الْأَحْوَص حَدثنَا سماك عَن بشر سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول وَهُوَ على مِنْبَر الْبَصْرَة إِن الْكلاب من الْجِنّ وَهِي ضعفة الْجِنّ فَمن غشيه كلب على طَعَام فليطعمه أَو ليؤخره أخبرنَا ابراهيم أَنا جرير عَن الْحسن بن عبيد الله عَن سعيد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ قَالَ عَليّ أما الْجِنّ فَمَا قد عَرَفْتُمْ هِيَ الْجِنّ أما الْجِنّ فَهِيَ الْكلاب المعيبة أخبرنَا إِبْرَاهِيم أَنا وَكِيع عَن إِسْرَائِيل وسُفْيَان عَن سماك بن حَرْب عَن بشر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْكلاب من الْجِنّ فَإِذا غشيتكم عِنْد طَعَامكُمْ فالقوا لَهُنَّ فَإِن لَهَا نفسا أخبرنَا إِبْرَاهِيم أَنا الْقَاسِم بن مَالك الْمدنِي الْكُوفِي حَدثنَا خَالِد عَن أبي قلَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْلَا أَن الْكلاب أمة لأمرت بقتلها وَلَكِن خفت أَن أبيد أمة فَاقْتُلُوا مِنْهَا كل أسود بهيم فَإِنَّهُ جنها وَقد أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مُرُور الْكَلْب الْأسود يقطع الصَّلَاة فَقيل لَهُ مَا بَال الْأَحْمَر من الْأَبْيَض من الْأسود فَقَالَ الْكَلْب الْأسود شَيْطَان فعلل بِأَنَّهُ شَيْطَان وَهُوَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الْكَلْب الْأسود شَيْطَان الْكلاب وَالْجِنّ تتَصَوَّر بصورته كثيرا وَكَذَلِكَ بِصُورَة القط الْأسود لِأَن السوَاد أجمع للقوى الشيطانية من غَيره وَفِيه قُوَّة الْحَرَارَة وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى فَإِن قيل مَا معنى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فِي الْكَلْب الْأسود إِنَّه شَيْطَان وَمَعْلُوم أَنه مَوْلُود من كلب وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الْإِبِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 إِنَّهَا جن وَهِي مولودة من الْإِبِل وَأجَاب إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على طَرِيق التَّشْبِيه لَهَا بالجن لِأَن الْكَلْب الْأسود أشر الْكلاب وأقلها نفعا وَالْإِبِل تشبه الْجِنّ فِي صعوبتها وصولتها وَهَذَا كَمَا يُقَال فلَان شَيْطَان إِذا كَانَ صعبا شريرا وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الْبَاب الثَّامِن فِي بَيَان مسَاكِن الْجِنّ قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن جَعْفَر بن حبَان الْأَصْبَهَانِيّ الْمَعْرُوف بِأبي الشَّيْخ فِي الْجُزْء الثَّانِي عشر من كتاب العظمة وَذكر بَابا فِي الْجِنّ وخلقهم حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن معدان حَدثنَا إِبْرَاهِيم الْجَوْهَرِي حَدثنَا عبد الله بن كثير حَدثنَا كثير بن عبد الله بن عَمْرو ابْن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده عَن بِلَال بن الْحَارِث قَالَ نزلنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَخرج لِحَاجَتِهِ وَكَانَ إِذا خرج لِحَاجَتِهِ يبعد فَأَتَيْته بأداوة من مَاء فَانْطَلق فَسمِعت عِنْده خُصُومَة رجال ولغطا مَا سَمِعت أحد من ألسنتهم قَالَ اخْتصم الْجِنّ الْمُسلمُونَ وَالْجِنّ الْمُشْركُونَ فسألوني أَن أسكنهم فأسكنت الْمُسلمين الجلس وأسكنت الْجِنّ الْمُشْركين الْغَوْر قَالَ الرَّاوِي عبد الله بن كثير قلت لكثير مَا الجلس وَمَا الْغَوْر قَالَ الجلس الْقرى وَالْجِبَال والغور مَا بَين الْجبَال والبحار وَهِي يُقَال لَهَا الْجنُوب قَالَ كثير وَمَا رَأَيْت أحدا أُصِيب بالجلس إِلَّا سلم وَلَا أُصِيب بالغور إِلَّا لم يكد يسلم وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم عَن أبي مُحَمَّد بن حبَان عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن معدان وَعَن سُلَيْمَان بن احْمَد حَدثنَا خَالِد بن النَّضر عَن ابراهيم بن سعد الْجَوْهَرِي عَن عبد الله بن كثير فَذكره وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي ربيع الْأَبْرَار تَقول الْأَعْرَاب رُبمَا نزلنَا بِجمع كثير ورأينا خياما وأناسا ثمَّ فقدناهم من ساعتنا يَعْتَقِدُونَ أَنهم الْجِنّ وَأَن تِلْكَ خيامهم وقبابهم وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ أَنه بلغه أَن عمر بن الْخطاب أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الْعرَاق فَقَالَ لَهُ كَعْب الْأَحْبَار لَا تخرج يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن بهَا تِسْعَة أعشار السحر وَالشَّر وفيهَا فسقة الْجِنّ وَبهَا الدَّاء العضال وَقَالَ أَبُو بكر بن عبيد فِي مكايد الشَّيْطَان حَدثنَا الْقَاسِم بن هِشَام حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن الْوَلِيد بن أبي الثائب الْقرشِي عَن أَبِيه عَن يزِيد بن جَابر قَالَ مَا من أهل بَيت من الْمُسلمين إِلَّا وَفِي سقف بَيتهمْ من الْجِنّ من الْمُسلمين إِذا وضع غذاءهم نزلُوا فتغدوا مَعَهم وَإِذا وضع عشاءهم نزلُوا فَتَعَشَّوْا مَعَهم يدْفع الله بهم عَنْهُم وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الأزرمي حَدثنَا هِشَام عَن الْمُغيرَة عَن ابراهيم قَالَ لَا تبل فِي فَم البالوعة لِأَنَّهُ إِن عرض مِنْهُ شَيْء كَانَ أَشد لعلاجه حَدثنَا أَحْمد بن يحيى بن مَالك حَدثنَا عبد الْوَهَّاب عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي الْحسن قَالَ لَا أرى بَأْسا أَن يَبُول عِنْد مثعبة وَعَن زيد بن أَرقم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن هَذِه الحشوش محضرة فَإِذا أَتَى أحدكُم الْخَلَاء فَلْيقل اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه أَن هَذِه الحشوش محضرة فَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يدْخل فَلْيقل أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث وروى ابْن السّني من حَدِيث أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذِه محضرة فَإِذا دَخلهَا أحدكُم الْخَلَاء فَلْيقل بِسم الله وروى عبد الرَّزَّاق فِي جَامعه من حَدِيث أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَذِه الحشوش محضرة فَإِذا دَخلهَا أحدكُم فَلْيقل اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث وَقَوله محضرة يَعْنِي يحضرها الْجِنّ فَإِذا قَالَ المخلي هَذَا الدُّعَاء احتجب عَن أَبْصَارهم فَلَا يرَوْنَ عَوْرَته فصل يدل على إطلاع الْجِنّ على عورات النَّاس عِنْد إتْيَان الْخَلَاء مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب أَن رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ستر مَا بَين أعين الْجِنّ وعورات أمتِي إِذا دخل أحدكُم الْخَلَاء أَن يَقُول بِسم الله أهـ قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَإِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْخَلَاء قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث أهـ وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه فَقَالَ كَانَ يَقُول بِسم الله اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث أهـ فصل وغالب مَا يُوجد الْجِنّ فِي مَوَاضِع النجسات كالحمامات والحشوش والمزابل والقمامين والشيوخ الَّذين تقرن بهم الشَّيَاطِين وَتَكون أَحْوَالهم شيطانية لَا رحمانية يأوون كثيرا إِلَى هَذِه الْأَمَاكِن الَّتِي هِيَ مأوى الشَّيَاطِين وَقد جَاءَت الْآثَار بِالنَّهْي عَن الصَّلَاة فِيهَا لِأَنَّهَا مأوى الشَّيَاطِين وَالْفُقَهَاء مِنْهُم من علل النَّهْي بِكَوْنِهَا مَظَنَّة النَّجَاسَة وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه تعبد لَا يعقل مَعْنَاهُ وَالصَّحِيح أَن الْعلَّة فِي الْحمام وأعطان الْإِبِل وَنَحْو ذَلِك أَنَّهَا مأوى الشَّيَاطِين وَفِي الْمقْبرَة أَن ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى الشّرك مَعَ أَن الْمَقَابِر تكون أَيْضا مأوى الشَّيَاطِين وَالْمَقْصُود أَن أهل الضلال والبدع الَّذين فيهم زهد وَعبادَة على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَلَهُم أَحْيَانًا مكاشفات وَلَهُم تأثيرات يأوون كثيرا إِلَى مَوَاضِع الشَّيَاطِين الَّتِي نهى عَن الصَّلَاة فِيهَا لِأَن الشَّيَاطِين تتنزل عَلَيْهِم فِيهَا وتخاطبهم بِبَعْض الْأُمُور كَمَا تخاطب الْكُهَّان وكما كَانَت تدخل فِي الْأَصْنَام وَتكلم عابدي الاصنام وتفتنهم فِي بعض المطالب كَمَا تفتن السَّحَرَة وكما يفتن عباد الْأَصْنَام الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب إِذا عبدوها بالعبادات الَّتِي يظنون أَنَّهَا تناسبها من تَسْبِيح لَهَا ولباس وبخور وَغير ذَلِك فَإِنَّهُ قد تنزل عَلَيْهِم شياطين يسمونها روحانية الْكَوَاكِب وَقد تقضى بعض حوائجهم إِمَّا قتل بَعضهم أَو إمراضه وَأما جلب بعض من يهوونه أَو إِحْضَار بعض المَال وَلَكِن الضَّرَر الَّذِي يحصل لَهُم بذلك أعظم من النَّفْع بل قد يكون أَضْعَاف أَضْعَاف النَّفْع وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الْبَاب التَّاسِع فِيمَا يمْنَع الشَّيَاطِين من الْمبيت بمنازل الْإِنْس روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن جَابر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا دخل الرجل منزله فَذكر اسْم الله عِنْد دُخُوله وَعند طَعَامه قَالَ الشَّيْطَان لَا مبيت لكم وَلَا عشَاء وَإِذا ذكر اسْم الله عِنْد دُخُوله وَلم يذكرهُ عِنْد طَعَامه يَقُول أدركتم الْعشَاء وَلَا مبيت لكم وَإِذا لم يذكر اسْم الله عِنْد دُخُوله قَالَ أدركتم الْمبيت وَالْعشَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الْبَاب الْعَاشِر فِي بَيَان القرين من الْجِنّ روى مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من عِنْدهَا لَيْلًا قَالَت فغرت عَلَيْهِ قَالَ فجَاء فَرَأى مَا أصنع فَقَالَ مَالك يَا عَائِشَة أغرت فَقلت وَمَالِي لَا يغار مثلي على مثلك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفأخذك شَيْطَانك فَقلت يَا رَسُول الله أَو معي شَيْطَان قَالَ نعم وَمَعَ كل إِنْسَان قلت ومعك يَا رَسُول الله قَالَ نعم وَلَكِن رَبِّي عز وَجل أعانني عَلَيْهِ حَتَّى أسلم وَفِي لفظ آخر أعانني عَلَيْهِ فَأسلم قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ عَامَّة الروَاة يَقُولُونَ فَأسلم على مَذْهَب الْفِعْل الْمَاضِي يُرِيدُونَ إِن الشَّيْطَان قد أسلم إِلَّا سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَإِنَّهُ يَقُول فَأسلم من شَره وَكَانَ يَقُول الشَّيْطَان لَا يسلم قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَقَول ابْن عُيَيْنَة حسن وَهُوَ يظْهر أثر المجاهدة لمُخَالفَة الشَّيْطَان إِلَّا أَن حَدِيث ابْن مَسْعُود كَأَنَّهُ يرد قَول ابْن عُيَيْنَة وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أحد مِنْكُم حد الا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة قَالُوا وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ وإياي وَلَكِن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِحَق وَفِي رِوَايَة مَا من اُحْدُ الا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ قَالُوا وَأَنت يَا رَسُول الله قَالَ وَأَنا إِلَّا أَن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَيْسَ يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَظَاهره إِسْلَام الشَّيْطَان وَيحْتَمل القَوْل الآخر وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ حَدثنَا سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن ابيه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَمَعَهُ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة قَالُوا وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ وإياي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَلَكِن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير وَقد روى أَيْضا من حَدِيث شريك بن طَارق يرفعهُ لَيْسَ أحد مِنْكُم إِلَّا وَله شَيْطَان قَالُوا وَلَك قَالَ ولي إِلَّا أَن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَأسلم رَوَاهُ الْجراح أَبُو وَكِيع والوليد بن ابي ثَوْر وَأَبُو عوَانَة فِي الآخرين عَن زِيَاد بن علاقَة عَن شريك قلت وَقد ورد إِسْلَام القرين النَّبَوِيّ صَرِيحًا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فروى الْحَافِظ أبونعيم فِي كتاب الدَّلَائِل فَقَالَ حَدثنَا ابراهيم بن مُحَمَّد ابْن يحيى النَّيْسَابُورِي وابراهيم بن عبد الله قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن حمويه بن عباد (ح) وَحدثنَا مُحَمَّد بن ابراهيم حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن الْفرج قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن أبان أَبُو جَعْفَر بِمَكَّة حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن صرمة حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضلت على آدم بخصلتين كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم وَكن أزواجي عونا لي وَكَانَ شَيْطَان آدم كَافِرًا وَزَوجته عونا على خطيئته أهـ فَهَذَا صَرِيح فِي إِسْلَام قرين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن هَذَا خَاص بقرين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُخْتَصًّا بِإِسْلَام قرينه لقَوْله فضلت على آدم بخصلتين وعد مِنْهُمَا إِسْلَام قرينه قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ فِي مُشكل الْآثَار فِي أثْنَاء كَلَام سَاقه فِي القرين وَكَانَ فِيمَا روينَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هذَيْن الْحَدِيثين مَا قد يحْتَمل ان يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَ فِي ذَلِك كمن سواهُ من النَّاس وَيحْتَمل أَن يكون كَانَ فِيهِ بخلافهم فتأملنا مَا روى فِي هَذَا الْبَاب من سوى هذَيْن الْحَدِيثين هَل فِيهِ مَا يدل على شَيْء من ذَلِك فَوَجَدنَا فَهَذَا قد حَدثنَا قَالَ حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ فَقيل وَإِيَّاك قَالَ وإياي وَلَكِن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ عَن جَابر قَالَ لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تدْخلُوا على المغيبات فَإِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ومنك يَا رَسُول الله قَالَ ومني وَلَكِن الله تَعَالَى أعانني فَأسلم أهـ ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت فقدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة وَكَانَ معي على رَأْسِي فَوجدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا راصا عَقِبَيْهِ مُسْتَقْبلا بأطراف اصابعه الْقبْلَة فَسَمعته يَقُول أعوذ بِاللَّه من سخطك وبعفوك من عُقُوبَتك وَبِك مِنْك لَا أبلغ كل مَا فِيك فَلَمَّا انْصَرف قَالَ يَا عَائِشَة أخذك شَيْطَانك فَقَالَت أما لَك شَيْطَان قَالَ من آدَمِيّ إِلَّا لَهُ شَيْطَان فَقلت وَأَنت يَا رَسُول الله قَالَ وانا ولكنني دَعَوْت الله فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأسلم قَالَ أَبُو جَعْفَر فَعرفنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنى كَسَائِر النَّاس سَوَاء وان الله تَعَالَى اعانه عَلَيْهِ بِإِسْلَامِهِ الَّذِي هداه لَهُ حَتَّى صَار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السَّلامَة مِنْهُ بِخِلَاف غَيره من النَّاس فِيمَن هُوَ مَعَه من جنسه فَإِن قَالَ قَائِل فقد روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبَاب شَيْء مِمَّا يجب أَن يُوقف على ارْتِفَاع التضارب عَنهُ وَعَما رويت مِمَّا قد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خص بِهِ من إِسْلَام شَيْطَانه لكَي يسلم مِنْهُ وَذكر فِي ذَلِك حَدِيث أَبى الْأَزْهَر الأنصارى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَخذ مضجعه من اللَّيْل قَالَ بِسم الله وضعت جَنْبي اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ من واجس شيطاني وَفك رهاني وَثقل ميزاني واجعلني فِي الندى الْأَعْلَى قيل لَهُ هَذَا عندنَا وَالله أعلم كَانَ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل إِسْلَام شَيْطَانه فَلَمَّا أسلم اسْتَحَالَ أَن يكون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يدعوا الله تَعَالَى فِيهِ بذلك مَعَ إِسْلَامه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الْبَاب الْحَادِي عشر فِي أَن الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى وَالْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون كَمَا نَفْعل قلت للنَّاس فِي أكل الْجِنّ وشربهم ثَلَاثَة أَقْوَال وتتفرع إِلَى أَرْبَعَة أَحدهَا أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَهَذَا قَول سَاقِط الثَّانِي أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَصِنْفًا لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَيشْهد لهَذَا القَوْل الْأَثر الْآتِي عَن وهب عَن كثب الثَّالِث إِن جَمِيع الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَاخْتلف أَصْحَاب هَذَا القَوْل فِي أكلهم وشربهم فَقَالَ بَعضهم أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لَا مضغ وبلع هَذَا قَول لَا ينْهض لَهُ دَلِيل وَقَالَ الْآخرُونَ أكلهم وشربهم مضغ وبلع وَهَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي تشهد لَهُ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والعمومات الصَّرِيحَة وَيدل على مضغهم وبلعهم حَدِيث أُميَّة بن مخشى من رِوَايَة أبي دَاوُد وَفِيه مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه فَلَمَّا ذكر الله تَعَالَى استقاء مَا فِي بَطْنه وَسَيَأْتِي الحَدِيث بِكَمَالِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْبَاب الْآتِي بعده وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر حَدثنَا عبد الْوَارِث بن سُفْيَان حَدثنَا قَاسم بن الاصبغ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي حَدثنَا الْمُنِيب بن وَاضح السّلمِيّ حَدثنَا الحكم بن مُحَمَّد الطغري عَن عبد الصَّمد بن معقل قَالَ سَمِعت وهب بن مُنَبّه يَقُول وَسُئِلَ عَن الْجِنّ مَا هم وَهل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون فَقَالَ هم أَجنَاس فَأَما خَالص الْجِنّ فهم ريح لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يتوالدون وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتوالدون ويتناكحون مِنْهُم السعالي والغول والقطرب واشباه ذَلِك وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن الْجِنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّاد فَقَالَ كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي يَد أحدهم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بعر علف لدوابهم وَزَاد ابْن سَلام فِي تَفْسِيره أَن البعر يعود خضرًا لدوابهم أهـ وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يستنجى بالعظم والروث وَقَالَ إِنَّه زَاد اخوانكم من الْجِنّ وَقد ثَبت نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم والروث فِي أَحَادِيث مُتعَدِّدَة فَفِي صَحِيح مُسلم وَغَيره عَن سلمَان الْفَارِس قَالَ نَهَانَا ان نستقبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل أَو نستنجي بِالْيَمِينِ أَو يستنجى أَحَدنَا بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار وَأَن نستنجي برجيع أَو عظم وَفِي صَحِيح مُسلم وَغير عَن جَابر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتمسح بِعظم اَوْ بَعرَة أهـ وَكَذَلِكَ ورد النَّهْي عَن ذَلِك فِي حَدِيث خُزَيْمَة بن ثَابت وَغَيره وَقد بَين عِلّة ذَلِك فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبت مَعَه فَقَرَأت عَلَيْهِم الْقُرْآن قَالَ فَانْطَلق بِنَا فأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزَّاد فَقَالَ لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي ايديكم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بَعرَة علف لدوابكم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تستنجوا بهما لِأَنَّهُمَا طَعَام اخوانكم أهـ وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ وَغَيره عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يحمل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إداوة لوضوئه وَحَاجته فَبَيْنَمَا هُوَ يتبعهُ بهَا قَالَ من هَذَا قَالَ أَنا أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ أبغني أَحْجَار استفضل بهَا وَلَا تأتني بِعظم وَلَا بروثة فَأَتَيْته بأحجار أحملها فِي طرف ثوبي حَتَّى وضعت إِلَى جنبه ثمَّ انصرفت حَتَّى إِذا فرغ مشيت فَقلت مَا بَال الروث والعظم قَالَ لَهُم طَعَام الْجِنّ وَأَنه حِين أَتَانِي جن نَصِيبين وَنعم الْجِنّ فسألوني الزَّاد فدعوت الله تَعَالَى لَهُم أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا بروثة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا طَعَاما أهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فصل لفظ الحَدِيث فِي كتاب مُسلم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَلَفظه كتاب أبي دَاوُد كل عظم لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ واكثر الاحاديث تدل على معنى رِوَايَة أبي دَاوُد وَقَالَ بعض الْعلمَاء رِوَايَة مُسلم فِي الْجِنّ الْمُؤمنِينَ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي حق الشَّيَاطِين قَالَ أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي وَهَذَا قَول صَحِيح تعضده الْأَحَادِيث وَهَذَا فِيهِ رد على من زعم أَن الْجِنّ لَا تَأْكُل وَلَا تشرب وتأولوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ وَيشْرب بِشمَالِهِ على غير ظَاهره وروى ابْن الْعَرَبِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى جَابر ابْن عبد الله قَالَ بَينا أَنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشى إِذْ جَاءَت حَيَّة فَقَامَتْ إِلَى جنبه فأدنت فاها من أُذُنه وَكَأَنَّهَا تناجيه أَو نَحْو هَذَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَانْصَرَفت قَالَ جَابر فَسَأَلته فَأَخْبرنِي أَنه رجل من الْجِنّ وَأَنه قَالَ مر أمتك لايستنجوا بالروث وَلَا بالرمة فَإِن الله جعل لنا فِي ذَلِك رزقا أهـ وَقد تقدم حَدِيث زيد بن جَابر قَالَ مَا من أهل بَيت من الْمُسلمين إِلَّا وَفِي سقف بَيتهمْ من الْجِنّ من الْمُسلمين إِذا وضع غداءهم نزلُوا فتغدوا مَعَهم وَإِذا وضع عشاءهم نزلُوا فَتَعَشَّوْا مَعَهم يدْفع الله بهم عَنْهُم فالقائلون إِن الْجِنّ لَا تَأْكُل وَلَا تشرب إِن أَرَادوا أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون فَهَذَا قَول سَاقِط لمصادمته الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَإِن أَرَادوا أَن صنفا مِنْهُم لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون فَهُوَ مُحْتَمل غير أَن العمومات تَقْتَضِي أَن الْكل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَسَيَأْتِي فِي الْأَبْوَاب احاديث فِي أكلهم وشربهم قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار وَكَون الرَّقِيق لَا يمْتَنع أَن يكون مِمَّن يَأْكُل وَيشْرب كَمَا لَا يمْنَع كَون اللَّطِيف لطيفا عَن ذَلِك ثمَّ احْتَرز عَن إِشْكَال فَقَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون لإِجْمَاع أهل الصَّلَاة على ذَلِك وللأخبار المروية فِي ذَلِك وَلَكنَّا نقُول علتهم فِي أَنهم لَا يَأْكُلُون أَنهم أجسام رقاق وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الْبَاب الثَّانِي عشر فِي أَن الشَّيْطَان يَأْكُل وَيشْرب بِشمَالِهِ روى مُسلم وَمَالك وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يأكلن أحد مِنْكُم بِشمَالِهِ وَلَا يشربن بهَا فَإِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ وَيشْرب بهَا قَالَ وَكَانَ نَافِع يزِيد وَلَا يَأْخُذن بهَا وَلَا يعْطى وروى ابْن عبد الْبر بِسَنَدِهِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أكل أحدكُم فَليَأْكُل بِيَمِينِهِ وليشرب بِيَمِينِهِ وليأخذ بِيَمِينِهِ وليعط بِيَمِينِهِ فَإِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ وَيشْرب بِشمَالِهِ وَيُعْطى بِشمَالِهِ وَيَأْخُذ بِشمَالِهِ أهـ قَالَ أَبُو عمر فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الشَّيَاطِين يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَقد حمل قوم هَذَا الحَدِيث وَمَا كَانَ مثله على الْمجَاز فَقَالُوا فِي قَوْله إِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ أَي ان الْأكل بالشمال أكل يُحِبهُ الشَّيْطَان كَمَا قيل فِي الْحمرَة زِينَة الشَّيْطَان وَفِي الاتعاظ بالعمامة عمَّة الشَّيْطَان أَي أَن الْحمرَة وَمثل تِلْكَ الْعِمَامَة يزينها الشَّيْطَان وَيَدْعُو إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ يَدْعُو إِلَى الْأكل بالشمال وَالشرب بالشمال ويزينه قَالَ أَبُو عمر وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْء وَلَا معنى لحمل شَيْء من الْكَلَام على الْمجَاز إِذا أمكنت فِيهِ الْحَقِيقَة بِوَجْه مَا وَقَالَ آخَرُونَ أكل الشَّيْطَان صَحِيح وَلكنه تشمم واسترواح لَا مضغ وَلَا بلع وَإِنَّمَا المضغ والبلع لِذَوي الجثث وَيكون استرواحه وتشممه من جِهَة شِمَاله وَيكون بذلك مشاركا فِي المَال قَالَ أَبُو عمر أَكثر أهل الْعلم بالتأويل يَقُول فِي قَوْله الله تَعَالَى {وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} قَالُوا الْأَمْوَال الْإِنْفَاق فِي الْحَرَام وَالْأَوْلَاد فِي الزِّنَا وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الْبَاب الثَّالِث عشر فِيمَا يمْنَع الْجِنّ من تنَاول طَعَام الْإِنْس وشرابهم روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن حُذَيْفَة قَالَ كُنَّا إِذا حَضَرنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم نضع أَيْدِينَا حَتَّى يبْدَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَضَع يَده وَإِنَّا حَضَرنَا مرّة مَعَه طَعَاما فَجَاءَت جَارِيَة كَأَنَّهَا تدفع فَذَهَبت لتَضَع يَدهَا فِي الطَّعَام فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهَا ثمَّ جَاءَ أَعْرَابِي كَأَنَّمَا يدْفع فَذهب ليضع يَده فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان يسْتَحل الطَّعَام أَن لَا يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَأَنه جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَة ليستحل بهَا فَأخذت بِيَدِهَا فجَاء بِهَذَا الْأَعرَابِي ليستحل بِهِ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَن يَده فِي يَدي مَعَ يَدهَا أهـ وروى أَبُو دَاوُد عَن أُميَّة بن مخشى رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا وَرجل يَأْكُل وَلم يسم حَتَّى إِذا لم يبْق من طَعَامه إِلَّا لقْمَة فَلَمَّا رَفعهَا إِلَى فِيهِ قَالَ بِسم الله أَوله وَآخره فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه فَلَمَّا ذكر اسْم الله استقاء مَا فِي بَطْنه وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب مكايد الشَّيْطَان حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس حَدثنَا عِيسَى بن أبي فَاطِمَة الرَّازِيّ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن نفَيْل الْعجلِيّ قَالَ كنت عِنْد عَنْبَسَة بن سعيد قَاضِي الرّيّ فَدخل عَلَيْهِ ثَعْلَبَة بن سُهَيْل فَقَالَ لَهُ عَنْبَسَة مَا أعجب مَا رَأَيْت قَالَ كنت أَضَع شرابًا لي أشربه فِي السحر فَإِذا جَاءَ السحر جِئْت فَلم أجد مِنْهُ شَيْئا فَوضعت شرابًا وقرأت عَلَيْهِ يس فَلَمَّا كَانَ السحر جِئْته فرأيته على حَاله وَإِذا الشَّيْطَان أعمى يَدُور حول الْبَيْت وَرَوَاهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد ابْن الْمُنْذر الْهَرَوِيّ فِي كتاب الْعَجَائِب فَقَالَ حَدثنَا أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 حَدثنَا عِيسَى بن أبي فَاطِمَة فَذكره وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان جساس لحاس فَاحْذَرُوهُ على أَنفسكُم من بَات وَفِي يَده ريح غمر فَأَصَابَهُ شَيْء فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه أهـ وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الْبَاب الرَّابِع عشر فِي أَن الْجِنّ يتناكحون ويتناسلون قَالَ الله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} وَهَذَا يدل على أَنه يَتَأَتَّى مِنْهُم الطمث وَهُوَ الافتضاض يُقَال طمثها طمثا إِذا افتضها قَالَ ابْن جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار وَاخْتلفُوا فِي الطمث فَقَالَ بَعضهم الطمث هُوَ الْجِمَاع الَّذِي يكون مَعَه تدمية من فرج الْأُنْثَى عَن الْجِمَاع ونقول ذَلِك الدَّم من فرج الْأُنْثَى عَن الْجِمَاع هُوَ الطمث وَقَالَ آخَرُونَ الطمث هُوَ الْمس بِالْمُبَاشرَةِ وَحكى ذَلِك قَائِل عَن الْعَرَب سَمَاعا أَنَّهَا تَقول مَا طمث هَذَا الْبَعِير حَبل قطّ بِمَعْنى مَا مَسّه حَبل قطّ وَقَالَ آخَرُونَ المطث هُوَ الْحيض نَفسه قَالَ وَالْآيَة مُحْتَملَة إِلَى وَجه الثَّلَاثَة قلت الْحيض بعيد واحتماله فِي الْمس ظَاهر وَالله أعلم وَقَالَ تَعَالَى {أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني وهم لكم عَدو} وَهَذَا يدل على أَنهم يتناكحون لأجل الذُّرِّيَّة قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار الذُّرِّيَّة هم الْوَلَد والأهل ورقتهم لَا تمنع من كَانَ مَا يلده لطيفا أَلا ترى أَنا قد نرى الْحَيَوَان مَالا يتَبَيَّن للطافته إِلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَلَا يمْنَع ذَلِك من أَن يتوالدوا إِذا كَانَ مَا يتوالدونه لطيفا قَالَ الزمحشري فِي الْكَشَّاف رُبمَا رَأَيْت فِي تضاعيف الْكتب العتيقة دويبة لَا يكَاد يحدها الْبَصَر الحاد إِلَّا إِذا تحركت فَإِذا سكنت فالسكون يواريها ثمَّ إِذا لوحت لَهَا بِيَدِك حادت عَنْهَا وتجنبت مضرتها فسبحان من يدْرك صُورَة تِلْكَ وأعضاءها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الظَّاهِرَة والباطنة وتفاصيل خلقتها ويبصر بصرها ويطلع على ضميرها وَلَعَلَّ فِي خلقه مَا هُوَ أَصْغَر مِنْهَا وأصغر {سُبْحَانَ الَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا مِمَّا تنْبت الأَرْض وَمن أنفسهم وَمِمَّا لَا يعلمُونَ} قلت فَهَذِهِ الدويبة لَا تمنعها اللطافة المفرطة فسبحان الْقَادِر على كل شَيْء من التوالد {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الْبَاب الْخَامِس عشر فِي أَن الْجِنّ مكلفون بِإِجْمَاع أهل النّظر قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر الْجِنّ عِنْد الْجَمَاعَة مكلفون مخاطبون لقَوْله تَعَالَى {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} وَقَالَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره أطبق الْكل على أَن الْجِنّ كلهم مكلفون فصل قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار لَا نعلم خلافًا بَين أهل النّظر فِي الْجِنّ مكلفون وَقد حكى زرقان وغسان فِيمَا ذكرَاهُ من المقالات عَن الحشوية أَنهم مضطرون إِلَى أفعالهم وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مكلفين قَالَ وَالدَّلِيل على أَنهم مكلفون مَا فِي الْقُرْآن من ذمّ الشَّيَاطِين ولعنهم والتحرز من غوائلهم وشرهم وَذكر مَا أعد الله لَهُم من الْعَذَاب وَهَذِه الْخِصَال لَا يَفْعَلهَا الله تَعَالَى إِلَّا لمن خَالف الامر وَالنَّهْي وارتكب الْكَبَائِر وهتك الْمَحَارِم مَعَ تمكنه من أَن لَا يفعل ذَلِك وَقدرته على فعل خِلَافه وَيدل على ذَلِك أَيْضا بِأَنَّهُ كَانَ من دين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الشَّيَاطِين وَالْبَيَان عَن حَالهم وَأَنَّهُمْ يدعونَ إِلَى الشَّرّ والمعاصي ويوسوسون بذلك وَهَذَا كُله يدل على أَنهم مكلفون وَقَوله تَعَالَى {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} إِلَى قَوْله {فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك بربنا أحدا} إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات الدَّالَّة على تكليفهم وَأَنَّهُمْ مأمورون منهيون انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الْبَاب السَّادِس عشر فِي أَنه هَل كَانَ فِي الْجِنّ أَنْبيَاء قبل بعثة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جُمْهُور الْعلمَاء سلفا وخلفا على أَنه لم يكن من الْجِنّ قطّ رَسُول وَلم تكن الرُّسُل إِلَّا من الْإِنْس وَنقل معي هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن جريح وَمُجاهد والكلبي وَأبي عبيد والواحدي وَقد قدمنَا فِي أَوَاخِر الْبَاب الثَّانِي مَا ذكره اسحاق بن بشر فِي الْمُبْتَدَأ عَن ابْن عَبَّاس أَن الْجِنّ قتلوا نَبيا لَهُم قبل آدم اسْمه يُوسُف وَأَن الله تَعَالَى بعث إِلَيْهِم رَسُولا وَأمرهمْ بِطَاعَتِهِ وَقَالَ ابْن جرير حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا يحيى بن وَاضح حَدثنَا عبيد بن سُلَيْمَان قَالَ سُئِلَ الضَّحَّاك عَن الْجِنّ هَل كَانَ فيهم من نَبِي قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ألم تسمع إِلَى قَوْله تَعَالَى {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم} يَأْتِي يَعْنِي بذلك أَن رسلًا من الْإِنْس ورسلا من الْجِنّ قَالُوا بلَى ثمَّ قَالَ ابْن جرين أما الَّذين قَالُوا بقول الضَّحَّاك فَإِنَّهُم قَالُوا إِن الله أخبر أَن من الْجِنّ رسلًا أرْسلُوا اليهم قَالُوا وَلَو جَازَ أَن يكون خَبره عَن رسل الْجِنّ بِمَعْنى أَنهم رسل الْإِنْس جَازَ أَن يكون خَبره عَن رسل الْإِنْس بِمَعْنى أَنهم رسل الْجِنّ قَالُوا وَفِي فَسَاد هَذَا الْمَعْنى مَا يدل على أَن الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا بِمَعْنى الْخَبَر عَنْهُم أَنهم رسل الله تَعَالَى لِأَن ذَلِك هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْخطاب دون غَيره وَقَالَ ابْن حزم لم يبْعَث إِلَى الْجِنّ نَبِي من الْإِنْس الْبَتَّةَ قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لَيْسَ الْجِنّ من قوم الْإِنْس وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد كَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَقَالَ ابْن حزم وباليقين ندرى أَنهم قد أنذروا وأفصح أَنهم جَاءَهُم أَنْبيَاء مِنْهُم قَالَ الله تَعَالَى {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي وينذرونكم لِقَاء يومكم هَذَا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ) قلت وَيدل على مَا قَالَه الضَّحَّاك مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فَقَالَ حَدثنَا أَحْمد بن يَعْقُوب الثَّقَفِيّ حَدثنَا عبيد بن عنام حَدثنَا عَليّ بن حَكِيم حَدثنَا شريك عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس قَالَ وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ قَالَ سبع أَرضين فِي كل نَبِي كنبيكم وآدَم كآدمكم ونوح كنوح وَإِبْرَاهِيم كإبراهيم وَعِيسَى كعيسى قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ إِسْنَاده حسن قلت وَله شَاهد قَالَ الْحَاكِم حَدثنَا عبد الله بن الْحسن حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن حَدثنَا شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ فِي كل أَرض نَحْو إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ هَذَا حَدِيث على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم رِجَاله أَئِمَّة وَتَأَول الْجُمْهُور الْآيَة على مَا نقل عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَابْن جريج وَأبي عبيد بِمَا مَعْنَاهُ رسل الْإِنْس رسل من الله تَعَالَى إِلَيْهِم ورسل إِلَى قوم من الْجِنّ لَيْسُوا رسلًا عَن الله تَعَالَى بَعثهمْ الله تَعَالَى فِي الأَرْض فَسَمِعُوا كَلَام رسل الله تَعَالَى الَّذين هم من آدم وعادوا إِلَى قَومهمْ من الْجِنّ فأنذرهم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الْبَاب السَّابِع عشر فِي بَيَان أَن الْجِنّ داخلين فِي عُمُوم بعثة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي أَن الله تَعَالَى أرسل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي إِلَى أَن قَالَ وَكَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة قَالَ ابْن عقيل الْجِنّ داخلون فِي مُسَمّى النَّاس لُغَة وَقَالَ الرَّاغِب النَّاس جمَاعَة حَيَوَان ذِي كفر وروية وَالْجِنّ لَهُم فكر وروية وَالنَّاس من نَاس يقوس إِذا تحرّك وَقَالَ الْجَوْهَرِي النَّاس قد يكون من الْإِنْس وَمن الْجِنّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود وَاخْتلفت الْعلمَاء فِي الْمَعْنى المُرَاد من الْأَحْمَر وَالْأسود هُنَا فَقيل هم الْعَرَب الْعَجم لِأَن الْغَالِب على الْعَجم الْحمرَة وَالْبَيَاض وعَلى الْعَرَب الآدمة والسواد وَقيل أَرَادَ الْإِنْس وَالْجِنّ وَقيل أَرَادَ الْأَحْمَر والأبيض مُطلقًا فَإِن الْعَرَب تَقول إمرأة حَمْرَاء أَي بَيْضَاء وَيُؤَيّد قَول من قَالَ إِنَّهُم الْجِنّ إِن إِطْلَاق السوَاد على الْجِنّ صَحِيح بِاعْتِبَار مشابهتهم للأرواح والأرواح يُقَال لَهَا اسودة كَمَا فِي حَدِيث الْإِسْرَاء أَنه رأى آدم وَعَن يَمِينه اسودة وَعَن شِمَاله اسودة وانها نسم بنيه وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود لَيْلَة الْجِنّ فَغَشِيتهُ أَسْوِدَة حَالَتْ بيني وَبَينه وروى شمة بن مُوسَى من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أرْسلت إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس وَإِلَى كل أَحْمَر وأسود قَالَ ابْن عبد الْبر وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ بشيرا وَنَذِيرا وَهَذَا مِمَّا فضل بِهِ على الْأَنْبِيَاء أَنه بعث إِلَى الْخلق كَافَّة الْجِنّ وَالْإِنْس وَغَيره وَلم يُرْسل إِلَّا لمَكَان قومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَكَذَلِكَ نقل ابْن حزم وَكَثِيرًا مَا تذكر الْعلمَاء فِي تصانيفهم كَونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَبْعُوثًا إِلَى الثقلَيْن وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَاد فِي الرَّد على العيسوية وَقد علمنَا ضَرُورَة انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدعى كَونه مَبْعُوثًا إِلَى الثقلَيْن وَقَالَ الشَّيْخ ابو الْعَبَّاس بن تَيْمِية أرسل الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَمِيع الثقلَيْن الْإِنْس وَالْجِنّ وَأوجب عَلَيْهِم الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وطاعته وَأَن يحللون مَا حلل الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويحرمون مَا حرم الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن يوجبوا مَا أوجب الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويحبوا مَا أحب الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَكْرَهُوا مَا كره الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن كل مَا مَا قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة برسالة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْإِنْس وَالْجِنّ فَلم يُؤمن بِهِ اسْتحق عِقَاب الله تَعَالَى كَمَا يسْتَحق أَمْثَاله من الْكَافرين الَّذين بعث اليهم الرُّسُل وَهَذَا أصل مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين وَسَائِر الطوائف الْمُسلمين أهل السّنة وَالْجَمَاعَات وَغَيرهم قلت وَقد اخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن أَن الْجِنّ اسْتَمعُوا الْقُرْآن وَأَنَّهُمْ آمنُوا بِهِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ فِي ضلال مُبين} ثمَّ أمره أَن يخبر النَّاس بذلك فَقَالَ {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} السُّورَة بكمالها فَأمره بقول ذَلِك ليعلم الْإِنْس بأحوال الْجِنّ وَأَنه مَبْعُوث إِلَى الْأنس وَالْجِنّ وَلما فِي ذَلِك من هدى الْإِنْس وَالْجِنّ إِلَى مَا يجب عَلَيْهِم من الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْيَوْم الآخر وَمَا يجب من طَاعَة الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن تَحْرِيم الشّرك بالجن وَغَيرهم كَمَا قَالَ فِي السُّورَة {وَأَنه كَانَ رجال من الْإِنْس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقا} فَإِنَّهُ كَانَ الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 من الْإِنْس ينزل بالوادي والأودية مظان الْجِنّ فَإِنَّهُم يكونُونَ بالأودية أَكثر مِمَّا يكونُونَ بأعالي الأَرْض فَكَانَ الْإِنْسِي يَقُول أعوذ بعظيم هَذَا الْوَادي من سفهائه روى أَن حجاج بن علاظ السّلمِيّ وَالِد نصر بن حجاج الَّذِي قيل فِيهِ (أم من سَبِيل إِلَى نصر بن حجاج ... ) قدم مَكَّة فِي ركب فأجنهم اللَّيْل بواد مخوف موحش فَقَالَ لَهُ الركب قُم فَخذ لنَفسك أَمَانًا ولأصحابك فَجعل يطوف بالركب وَيَقُول ... أعيذ نَفسِي وأعيذ صحبي ... من كل جني بِهَذَا القب حَتَّى أؤوب سالما وركبي ... فَسمع قَارِئًا يقرا {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَاوَات وَالْأَرْض فانفذوا} الْآيَة فَلَمَّا قدم مَكَّة خبر كفار قُرَيْش بِمَا سمع فَقَالُوا صَبَأت يَا أَبَا كلاب إِن هَذَا يزْعم أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزل عَلَيْهِ قَالَ وَالله لقد سمعته وسَمعه هَؤُلَاءِ معي ثمَّ أسلم وَحسن إِسْلَامه وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَبنى بهَا مَسْجِدا يعرف بِهِ وَلما رَأَتْ الْجِنّ أَن الْإِنْس تستعيذ بهم زَاد طغيانهم وعتوهم وَبِهَذَا يجيبون المعزم والراقي بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء مُلُوكهمْ فَإِنَّهُ يقسم عَلَيْهِم بأسماء من يعظمونه فَيحصل لَهُم ذَلِك من الرِّئَاسَة والشرف على الْإِنْس مَا يحملهم على أَن يعطوهم بعض سؤلهم وهم يعلمُونَ أَن الْإِنْس اشرف مِنْهُم وَأعظم قدرا فَإِذا خضعت الْإِنْس لَهُم واستعاذتهم كَانَ بِمَنْزِلَة أكَابِر النَّاس إِذا خضع لأصاغرهم ليقضى لَهُم حَاجته قلت قَول النَّفر الَّذِي اسْتَمعُوا الْقُرْآن لقومهم {يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله وآمنوا بِهِ يغْفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عَذَاب أَلِيم} صَرِيح ظَاهر فِي بعثته إِلَيْهِم وانقيادهم للْإيمَان بِهِ وَقَول النَّفر {وَمن لَا يجب دَاعِي الله فَلَيْسَ بمعجز فِي الأَرْض وَلَيْسَ لَهُ من دونه أَوْلِيَاء أُولَئِكَ فِي ضلال مُبين} صَرِيح فِي أَن من لم يُؤمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجِنّ فَهُوَ كَافِر وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة والتوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الْبَاب الثَّامِن عشر فى بَيَان انصراف الْجِنّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستماعهم الْقُرْآن قَالَ ابْن إِسْحَاق لما إيس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خبر ثَقِيف انْصَرف عَن الطَّائِف رَاجعا رَاجعا إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا كَانَ بنخلة قَامَ من جَوف اللَّيْل يُصَلِّي فَمر بِهِ النَّفر من الْجِنّ ذكر الله تَعَالَى وهم فِيمَا ذكر لي سَبْعَة نفر من أهل نَصِيبين فَاسْتَمعُوا لَهُ فَلَمَّا فرغ من صلَاته ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين قد آمنُوا وَأَجَابُوا إِلَى مَا سمعُوا فَقص الله تَعَالَى خبرهم عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} إِلَى قَوْله {أَلِيم} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} إِلَى آخر الْقِصَّة من خبرهم فِي هَذِه السُّورَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ مَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجِنّ وَلَا رَآهُمْ أنطق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَائِفَة من أَصْحَابه عَامِدين إِلَى سوق عكاظ وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسل عَلَيْهِم الشهب فَرَجَعت الشَّيَاطِين إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا مَا لكم قَالُوا حيل بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسلت علينا الشهب قَالُوا مَا ذَاك إِلَّا من شَيْء حدث فاضربوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا فَمر النَّفر الَّذين أخذُوا نَحْو تهَامَة بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بنخلة عَامِدين إِلَى سوق عكاظ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن اسْتَمعُوا لَهُ وَقَالُوا هَذَا الَّذِي حَال بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا يَا قَومنَا الْآيَة فَأنْزل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 قلت وَهَذَا النَّفْي من عبد الله بن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ اسْتَمعُوا التِّلَاوَة فِي صَلَاة الْفجْر وَلم يرد بِهِ نفي الرُّؤْيَة والتلاوة مُطلقًا وَيدل عَلَيْهِ أَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} الأية قَالَ كَانُوا سَبْعَة من جن نَصِيبين فجعلهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رسلًا إِلَى قَومهمْ فَعلم أَن ابْن عَبَّاس لم ينف كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا حَيْثُ استمعوه فِي صَلَاة الْفجْر وَلم يرد نفي الْكَلَام بعد ذَلِك وَقَوله فجعلهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رسلًا إِلَى قَومهمْ دلّ على أَنه كَلمهمْ بعد ذَلِك وَلِهَذَا قَالُوا {يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله} فَدلَّ على أَنه دعاهم لما اجْتَمعُوا بِهِ قبل عودهم إِلَى قَومهمْ وَلم يرد النَّفْي أَيْضا اجْتِمَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيْلَة الَّتِي خطّ على عبد الله بن مَسْعُود خطا وَقَالَ لَهُ لَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عبد الله بن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ فِي أول مَا سَمِعت الْجِنّ قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلمت حَاله وَفِي ذَلِك الْوَقْت لم يقْرَأ عَلَيْهِم وَلم يرهم كَمَا حَكَاهُ ثمَّ أَتَاهُم دَاعِي الْجِنّ مرّة أُخْرَى فَذهب مَعَه وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن كَمَا حَكَاهُ عبد الله بن مَسْعُود وَقَالَ وَأرَانِي آثَارهم وآثار نيرانهم وَالله أعلم وَعبد الله بن مَسْعُود حفظ الْقصَّتَيْنِ جَمِيعًا فرواهما ثمَّ سَاق الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى أبي بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا سُفْيَان بن عَاصِم عَن زر عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ هَبَطُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن بِبَطن نَخْلَة فَلَمَّا سمعُوا قَالُوا انصتوا قَالُوا صه وَكَانُوا تِسْعَة أحدهم زَوْبَعَة فَأنْزل الله {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} إِلَى قَوْله {مُبين} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آذنته شَجَرَة ثمَّ سَاق الْقِصَّة الْأُخْرَى عَن عَلْقَمَة قلت لِابْنِ مَسْعُود هَل صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ مِنْكُم أحد الحَدِيث وَسَيَأْتِي وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا مَعْنَاهُ لم يقصدهم بِالْقِرَاءَةِ وعَلى هَذَا فَلم يعلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاسْتِمَاعِهِمْ وَلَا كَلمهمْ وَإِنَّمَا أعلمهُ الله تَعَالَى بقوله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَقَالَ الشَّيْخ ابو الْعَبَّاس بن تَيْمِية بن عَبَّاس كَانَ قد علم مَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن من ذَلِك وَلم يعلم مَا علمه ابْن مَسْعُود وابو هُرَيْرَة وَغَيرهمَا من إتْيَان الْجِنّ إِلَيْهِ ومخاطبته إيَّاهُم وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخبره وَبِه بذلك وَأمره أَن يخبر بِهِ وَكَانَ ذَلِك فِي أول الْأَمر لما حرست السَّمَاء وحيل بَينهم وَبَين خبر السَّمَاء وملئت حرسا شَدِيدا وَكَانَ فِي ذَلِك من دَلَائِل النُّبُوَّة مَا فِيهِ عِبْرَة وَبعد هَذَا أَتَوْهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِم وروى أَنه قَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة الرَّحْمَن وَصَارَ كلما قَالَ {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا وَلَا بِشَيْء من آلَاء رَبنَا نكذب فلك الْحَمد قَالَ عبد الله بن مَسْعُود أعلم بِقصَّة الْجِنّ من عبد الله بن عَبَّاس فَإِنَّهُ حضرها وحفظها وَابْن عَبَّاس كَانَ إِذْ ذَاك طفْلا رضيعا فقد قيل إِن قصَّة الْجِنّ كَانَ قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَت سنة إِحْدَى عشرَة من النُّبُوَّة وَابْن عَبَّاس فِي حجَّة الْوَدَاع كَانَ ناهز الِاحْتِلَام وَالله أعلم قَالَ السُّهيْلي وَفِي التَّفْسِير أَنهم كَانُوا يهودا وَلذَلِك قَالُوا {من بعد مُوسَى} وَلم يَقُولُوا من بعد عِيسَى ذكره ابْن سَلام وَكَانَ صرف الله تَعَالَى الْجِنّ قبل الْهِجْرَة بِنَحْوِ ثَلَاث سِنِين وَقيل الْإِسْرَاء وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الطَّائِف لثلاث بَقينَ من شَوَّال وَأقَام خمْسا وَعشْرين لَيْلَة وَقدم مَكَّة لثلاث وَعشْرين خلت من ذِي الْقعدَة يَوْم الثُّلَاثَاء وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثَة أشهر وَقدم عَلَيْهِ جن الْحجُون فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة من النُّبُوَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 فصل وَاخْتلف فِي عَددهمْ فَقَالَ ابْن إِسْحَاق كَانُوا سَبْعَة وَحكى ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن مُجَاهِد قَالَ كَانُوا سَبْعَة ثَلَاثَة من أهل حران واربعة من أهل نصيبن وَحكى الثَّوْريّ عَن عَاصِم عَن زر كَانُوا تِسْعَة وَعَن عِكْرِمَة قَالَ كَانُوا اثنى عشر ألفا قَالَ السُّهيْلي وَقد ذكرُوا بِأَسْمَائِهِمْ فِي التفاسير والمسندات وهم شاصر وماصر ومنشى وماشي والأحقب وَهَؤُلَاء الْخَمْسَة ذكرهم ابْن درير قَالَ وَوجدت فِي خبر حَدثنِي بِهِ أَبُو بكر بن طَاهِر الأشبيلي الْقَيْسِي عَن أبي عَليّ الغساني فِي فَضَائِل عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ بَيْنَمَا عمر بن عبد الْعَزِيز يمشي بِأَرْض فلاة فَإِذا حَيَّة ميتَة فكفنها من بفضله من رِدَائه ودفنها فَإِذا قَائِل يَقُول يَا سرق أشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَك سَتَمُوتُ بِأَرْض فلاة فيكفنك ويدفنك رجل صَالح فَقَالَ من أَنْت يَرْحَمك الله فَقَالَ رجل من النَّفر الَّذين سمعُوا الْقُرْآن من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبْق مِنْهُم إِلَّا أَنا وسرق وَهَذَا سرق قد مَاتَ وروى أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا فَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنَا يُوسُف بن الحكم الرقي حَدثنِي فياض بن مُحَمَّد الرقي أَن عمر بن عبد الْعَزِيز بَينا هُوَ يسير على بغلة وَمَعَهُ نَاس من أصحابة إِذا هُوَ بحان ميت على قَارِعَة الطَّرِيق فَنزل عَن بغلته فَأمر بِهِ فَعدل بِهِ عَن الطَّرِيق ثمَّ حفر لَهُ فدفنه وواراه ثمَّ مضى فَإِذا بِصَوْت عَال يسمعونه وَلَا يرونه لِيَهنك الْبشَارَة من الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا وصاحبي هَذَا الَّذِي دَفَنته آنِفا من النَّفر من الْجِنّ قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} فَلَمَّا أسلمنَا وآمنا بِاللَّه وبرسوله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصاحبي المدفون سَتَمُوتُ فِي أَرض غربَة يدفنك فِيهَا يَوْمئِذٍ خير أهل الأَرْض وَذكر ابْن سَلام من طَرِيق أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن أشياخه عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ فِي نفر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْشُونَ فَرفع لَهُم إعصار ثمَّ جَاءَ إعصار أعظم مِنْهُ ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 انقشع فَإِذا حَيَّة قَتِيل فَعمد رجل منا إِلَى رِدَائه فشقه وكفن الْحَيَّة بِبَعْضِه ودفنها فَلَمَّا جن اللَّيْل إِذْ امْرَأَتَانِ تَسْأَلَانِ أَيّكُم دفن عَمْرو بن جَابر فَقُلْنَا مَا نَدْرِي من عَمْرو بن جَابر فَقَالَت إِن كُنْتُم ابتغيتم الْأجر فقد وجدتموه إِن فسقة الْجِنّ اقْتَتَلُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ فَقتل عَمْرو وَهُوَ الْحَيَّة الَّتِي رَأَيْتُمْ وَهُوَ من الَّذين اسْتَمعُوا الْقُرْآن من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا مُحَمَّد بن عباد بن مُوسَى العكلي حَدثنَا مطلب ابْن زِيَاد الثَّقَفِيّ حَدثنَا أَبُو اسحاق أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا فِي سفر لَهُم وَأَن حيتين اقتتلتا فقتلت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فعجبوا من طيب رِيحهَا وحسنها فَقَامَ بَعضهم فلفها فِي خرقَة ثمَّ دَفنهَا فَإِذا قوم يَقُولُونَ السَّلَام عَلَيْكُم السَّلَام عَلَيْكُم لَا يرونهم إِنَّكُم دفنتم عمرا إِن مسلمينا وكفارنا اقْتَتَلُوا فَقتل الْمُسلم الَّذِي دفنتم وَهُوَ من الرَّهْط الَّذين أَسْلمُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا مُحَمَّد بن عياد حَدثنِي مُحَمَّد بن زِيَاد حَدثنِي أَبُو مصبح الْأَسدي حَدثنِي يحيى بن صَالح عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم عَن حُذَيْفَة بن غَانِم الْعَدوي قَالَ خرج حَاطِب بن أبي بلتعة من حَائِط يُقَال لَهُ قرَان يُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ بالمسحاء الْتفت عَلَيْهِ عجاجتان ثمَّ أنجلتا عَن حَيَّة لين الحوران يَعْنِي الْجلد فَنزل ففحص لَهُ نِسْبَة قوسه ثمَّ واراه فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل إِذا هَاتِف يَهْتِف بِهِ ... يَا أَيهَا الرَّاكِب المزجى مطيته ... أَربع عَلَيْك سَلام الْوَاحِد الصَّمد واريت عمرا وَقد ألْقى كلا كُله ... دون الْعَشِيرَة كالضرغامة الْأسد وَأَشْجَع حاذر فِي الركب منزله ... وَفِي الْحيَاء من الْعَذْرَاء فِي الْخلد ... فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ ذَاك عَمْرو بن الجومانة وَافد نَصِيبين الشامية لقِيه مُحصن بن جوشن النَّصْرَانِي فَقتله أما أَنِّي قد رَأَيْتهَا يَعْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 نَصِيبين فَرَفعهَا إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلت الله تَعَالَى أَن يعذب نهرها ويطيب ثَمَرهَا وَيكثر مطرها وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا الْحسن بن جهور حَدثنِي ابْن أبي إلْيَاس عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن عَمه عَن معَاذ بن عبد الله بن معمر قَالَ كنت جَالِسا عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان فجَاء رجل فَقَالَ أَلا أخْبرك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عجبا بَينا أَنا بفلاة كَذَا وَكَذَا إِذا إعصاران قد أَقبلَا أَحدهمَا من هَهُنَا وَالْآخر من هَهُنَا فَالْتَقَيَا فتعاركا ثمَّ تفَرقا وَإِذا أَحدهمَا أكبر من الآخر فَجئْت معتركهما فَإِذا من الْحَيَّات شَيْء مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثله قطّ كَثْرَة وَإِذا ريح الْمسك من بَعْضهَا وَإِذا حَيَّة دقيقة صفراء ميتَة فَقُمْت فَقبلت الْحَيَّات كَيْمَا أنظر من أَيهَا هُوَ فَإِذا ذَلِك من حَيَّة صفراء دقيقة فَظَنَنْت أَن ذَلِك الْخَيْر فِيهَا فلففتها فِي عمامتي ودفنتها فَبينا أَنا أَمْشِي فناداني مُنَاد وَلَا أرَاهُ فَقَالَ يَا عبد الله مَا هَذَا الَّذِي صنعت فَأَخْبَرته بِالَّذِي رَأَيْت وَوجدت فَقَالَ إِنَّك قد هديت ذَانك حَيَّان من الْجِنّ بَنو الشَّيْطَان وَبَنُو قيس الْتَقَوْا فَاقْتَتلُوا فَكَانَ بَينهم من الْقَتْلَى مَا قد رَأَيْت وَاسْتشْهدَ الَّذِي دفنت وَكَانَ أحد الَّذين سمعُوا الْوَحْي من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرِيّ عَن مطلب بن شُعَيْب حَدثنَا عبد الله بن صَالح حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن معَاذ وَسَاقه الْحَافِظ أَبُو نعيم عَن اللَّيْث بن سعد عَن عبد الْعَزِيز عَن عَمه عَن معَاذ كَمَا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنِي أَبُو الْوَلِيد الْكِنْدِيّ حَدثنَا كثير بن عبد الله أَبُو هَاشم التاحي قَالَ دَخَلنَا على أبي رَجَاء العطاردي فَسَأَلْنَاهُ هَل عنْدك علم من الْجِنّ مِمَّن بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ وَقَالَ أخْبركُم بِالَّذِي رَأَيْت وَبِالَّذِي سَمِعت كُنَّا فِي سفر حَتَّى إِذا نزلنَا على المَاء وضربنا أخبيتنا وَذَهَبت أقيل فَإِذا أَنا بحية دخلت الخباء وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 تضطرب فعمدت إِلَى إداوتي فنضحت عَلَيْهَا من المَاء فسكنت حَتَّى أذن مُؤذن بالرحيل فَقلت لِأَصْحَابِي انتظروني أعلم حَال هَذِه الْحَيَّة إِلَى مَا تصير فَلَمَّا صلينَا الْعَصْر مَاتَت فعمدت إِلَى عيبتي فأخرجت مِنْهَا خرقَة بَيْضَاء فلففتها وحفرت لَهَا ودفنتها وسرنا بَقِيَّة يَوْمنَا وليلتنا حَتَّى إِذا أَصْبَحْنَا ونزلنا على المَاء وضربنا أفنيتنا وَذَهَبت أقيل واذا أَنا بِأَصْوَات سَلام عَلَيْكُم مرَّتَيْنِ لَا وَاحِد وَلَا عشرَة وَلَا مائَة وَلَا ألف أَكثر من ذَلِك فَقلت من أَنْتُم قَالُوا نَحن الْجِنّ بَارك الله عَلَيْك فِيمَا اصطنعت إِلَيْنَا مَا نستطيع أَن نجازيك قلت مَا اصطنعت إِلَيْكُم قَالُوا إِن الْحَيَّة الَّتِي مَاتَت عنْدك كَانَ ذَلِك آخر من بَاقِي مِمَّن بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجِنّ قلت وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم فَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر أَنبأَنَا أَحْمد بن الْحُسَيْن ابْن عبد الْجَبَّار حَدثنَا بشر بن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ وَقَالَ فبه لَا وَاحِد وَلَا عشرَة وَلَا مائَة وَلَا ألفا أَكثر من ذَلِك قلت وَقد تقدم من أسمائهم مَا ذكره ابْن دُرَيْد شاصر وماصر ومنشنى وماشى والاحقب وسَاق الْحَافِظ أَبُو نعيم بِسَنَدِهِ عَن أبن إِسْحَاق قَالَ وأسماؤهم فِيمَا ذكر لي حسا ومساو شاصر وماصر وَابْن الأزب وأنين والأخصم وَاخْبَرْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَمْرو بن الحومانة الَّذِي دَفنه حاصب بن أبي بلتعة وَمِنْهُم سرق الَّذِي دَفنه عمر بن عبد الْعَزِيز وَمِنْهُم زَوْبَعَة وَعَمْرو بن جَابر المذكورون فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود فَهَؤُلَاءِ تِسْعَة مذكورون بِأَسْمَائِهِمْ وَالله اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الْبَاب التَّاسِع عشر فِي قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن على الْجِنّ واجتماعه بهم بِمَكَّة وَالْمَدينَة روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن عَلْقَمَة قَالَ قلت لِابْنِ مَسْعُود هَل صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ أحد مِنْكُم قَالَ مَا صَحبه منا أحد وَلَكنَّا كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة ففقدناه فالتمسناه فِي الأودية والشعاب فَقُلْنَا استطير أَو اغتيل فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا هُوَ جَاءَ من قبل حراء فَقُلْنَا يَا رَسُول الله افتقدناك فطلبناك فَلم نجدك فبتنا بشر لَيْلَة بَات بِهِ قوم قَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبت مَعَه فَقَرَأت عَلَيْهِم الْقُرْآن قَالَ فَانْطَلق بِنَا فأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم فَسَأَلُوهُ الزَّاد فَقَالَ لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بَعرَة علف لدوابكم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تستنجوا بهما فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ أهـ رَوَاهُ الإِمَام احْمَد وسألوه الزَّاد بِمَكَّة وَكَانُوا جن الجزيرة قلت هَذِه اللَّيْلَة غير اللَّيْلَة الَّتِي حضر أولهاابن مَسْعُود مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن تِلْكَ أعلمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذهابه إِلَى الْجِنّ وَذهب ابْن مَسْعُود مَعَه وَخط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ خطا وَغَابَ عَنهُ ثمَّ عَاد إِلَيْهِ فروى الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْحسن عبيد الله بن مُحَمَّد الْبَلْخِي بِبَغْدَاد من أصل كِتَابه حَدثنَا أَبُو اسماعيل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل السّلمِيّ حَدثنَا أَبُو صَالح عبد الله بن صَالح حَدثنِي اللَّيْث بن سعد حَدثنِي يُونُس ابْن يزِيد عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي أَبُو عُثْمَان بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ وَكَانَ رجلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 من أهل الشَّام أَنه سمع عبد الله بن مَسْعُود يَقُول إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه وَهُوَ بِمَكَّة من أحب مِنْكُم أَن يحضر اللَّيْلَة أَمر الْجِنّ فَلْيفْعَل فَلم يحضر أحد مِنْهُم غَيْرِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّة خطّ بِرجلِهِ خطا ثمَّ أَمرنِي أَن أَجْلِس فِيهِ ثمَّ أَنطلق حَتَّى قَامَ فَافْتتحَ الْقُرْآن فَغَشِيتهُ أَسْوِدَة كَثِيرَة حَالَتْ بيني وَبَينه حَتَّى مَا سمع صَوته ثمَّ انْطَلقُوا فطفقوا يَتَقَطَّعُون مثل قطع السَّحَاب ذَاهِبين حَتَّى بَقِي مِنْهُم رَهْط وَفرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْفجْر وَانْطَلق فبرز ثمَّ أَتَانِي فَقَالَ مَا فعل الرَّهْط فَقلت هم أُولَئِكَ يَا رَسُول الله فَأخذ عظما وَرَوْثًا فَأَعْطَاهُمْ زادا ثمَّ نهى أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم أَو رَوْث وَوَقع فِي بعض الرِّوَايَات قَالَ ابْن مَسْعُود سَمِعت الْجِنّ تَقول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يشْهد أَنَّك رَسُول الله وَكَانَ قَرِيبا من ذَلِك شَجَرَة فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْتُم إِن شهِدت هَذِه الشَّجَرَة أتؤمنون قَالُوا نعم فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقْبَلت قَالَ ابْن مَسْعُود فَلَقَد رَأَيْتهَا تجر أَغْصَانهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تشهدين أَنِّي رَسُول الله قَالَت أشهد أَنَّك رَسُول الله أهـ قَالَ الْبَيْهَقِيّ يحْتَمل قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح مَا صَحبه منا أحدا أَرَادَ بِهِ فِي حَال ذَهَابه لقِرَاءَة الْقُرْآن عَلَيْهِم إِلَّا أَن مَا روى فِي هَذَا الحَدِيث من إِعْلَام أَصْحَابه بِخُرُوجِهِ اليهم يُخَالف مَا روى فِي الحَدِيث الصَّحِيح من فقدهم إِيَّاه حَتَّى قيل اغتيل أَو استطير إِلَّا أَن يكون المُرَاد بِمن فقد غير الَّذِي علم بِخُرُوجِهِ وَالله أعلم قلت ظَاهر كَلَام ابْن مَسْعُود ففقدناه فالتمسناه وبتنا بشر لَيْلَة يدل على أَنه فَقده والتمسه وَبَات بشر لَيْلَة وَفِي هَذَا الحَدِيث قد علم بِخُرُوجِهِ وَخرج مَعَه وَرَأى الْجِنّ وَلم يُفَارق الْخط الَّذِي خطه لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى عَاد إِلَيْهِ بعد الْفجْر فَكيف يَسْتَقِيم قَول الْبَيْهَقِيّ أَن يكون المُرَاد بِمن فَقده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 غير الَّذِي علم بِخُرُوجِهِ وَإِذا قُلْنَا إِن لَيْلَة الْجِنّ كَانَت مُتعَدِّدَة صَحَّ معنى الْحَدِيثين وَظَاهر كَلَام السُّهيْلي أَن لَيْلَة الْجِنّ وَاحِدَة وَفِيه نظر كَمَا ترى وَالله أعلم وَلَا شكّ أَن الْجِنّ تعدّدت وفادتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَالْمَدينَة بعد الْهِجْرَة وَحضر ابْن مَسْعُود ذَلِك مَعَه بِالْمَدِينَةِ أَيْضا كَمَا سَاقه الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النُّبُوَّة فَقَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن احْمَد حَدثنَا مُحَمَّد بن عَبدة المصِّيصِي حَدثنَا أَبُو ثوبة الرّبيع بن نَافِع حَدثنَا مُعَاوِيَة بن سَلام عَن زيد بن أسلم أَنه سمع أَبَا سَلام يَقُول حَدثنِي من حَدثهُ عَمْرو بن غيلَان الثَّقَفِيّ قَالَ أتيت عبد الله بن مَسْعُود فَقلت لَهُ حدثت أَنَّك كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة وَفد الْجِنّ فَقَالَ أجل فَقلت حَدثنِي كَيفَ كَانَ شَأْنه فَقَالَ إِن أهل الصّفة أَخذ كل رجل مِنْهُم رجلا يعشيه وَتركت فَلم يأخذني أحد فَمر بِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ من هَذَا فَقلت أَنا ابْن مَسْعُود فَقَالَ مَا أخذك أحد يعشيك فَقلت لَا قَالَ فَانْطَلق لعلى أجد لَك شَيْئا قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى حجرَة أم سَلمَة فتركني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما وَدخل إِلَى أَهله ثمَّ خرجت الْجَارِيَة فَقَالَت يَا ابْن مَسْعُود إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يجد لَك عشَاء فَارْجِع مضجعك فَرَجَعت إِلَى الْمَسْجِد فَجمعت حصا الْمَسْجِد فتوسدته والتففت بثوبي فَلم ألبث قَلِيلا حَتَّى جَاءَت الْجَارِيَة فَقَالَت عبد الله بن مَسْعُود أجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاتبعتها وَأَنا أَرْجُو الْعشَاء حَتَّى إِذا بلغت مقَامي خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده عسيب من نخل فرض بِهِ على صَدْرِي فَقَالَ انْطلق معي حَيْثُ انْطَلَقت قلت مَا شَاءَ الله فَأَعَادَهَا على ثَلَاث مَرَّات كل ذَلِك أَقُول مَا شَاءَ الله فَانْطَلق وَانْطَلَقت مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا بَقِيع الفرقد فَخط بعصاه خطة ثمَّ قَالَ اجْلِسْ فِيهَا وَلَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك فَانْطَلق يمشي وَأَنا انْظُر إِلَيْهِ خلال النّخل حَتَّى إِذا كَانَ من حَيْثُ أرَاهُ ثارت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مثل الْعَجَاجَة السَّوْدَاء ففرقت فَقلت ألحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنِّي أَظن هَؤُلَاءِ هوَازن مكروا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقتلوه فأسعى إِلَى الْبيُوت فأستغيث النَّاس فَذكرت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا أَبْرَح مَكَاني الَّذِي أَنا فِيهِ فَسمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفزعهم بعصاه وَيَقُول اجلسوا فجلسوا حَتَّى كَاد ينشق عَمُود الصُّبْح ثمَّ ثَارُوا وذهبوا فَأَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أنمت بعدِي قلت لَا وَالله وَلَقَد فزعت الفزعة الأولى حَتَّى رَأَيْت أَن آتِي الْبيُوت فأستغيث حَتَّى سَمِعتك تقرعهم بعصاك وَكنت أَظن هوَازن مكروا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقتلوه قَالَ لَو أَنَّك خرجت من هَذِه الْحلقَة مَا أمنت عَلَيْك أَن يخطفك بَعضهم فَهَل رَأَيْت من شَيْء قلت رَأَيْت رجَالًا سُودًا مستدفرين عَلَيْهِم ثِيَاب بيض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُولَئِكَ وَفد جن نَصِيبين فسألوني الْمَتَاع والزاد فَمَتَّعْتهمْ بِكُل عظم حَائِل أَو رَوْثَة أَبُو بَعرَة قلت وَمَا يُغني عَنْهُم ذَلِك قَالَ إِنَّهُم لَا يَجدونَ عظما إِلَّا وجدوا عَلَيْهِ لَحْمه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَيَوْم أكل وَلَا رَوْثَة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا حبها الَّذِي كَانَ فِيهَا يَوْم أكلت فَلَا يستنجي أحد مِنْكُم بِعظم وَلَا رَوْثَة فَهَذِهِ اللَّيْلَة مَعَ الْجِنّ كَانَت بِالْمَدِينَةِ وحضرها ابْن مَسْعُود وَجلسَ فِي الخطة ببقيع الفرقد وروى الإِمَام احْمَد عَن عبد الرازق عَن أَبِيه عَن عبد الله ابْن مَسْعُود قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة وَفد الْجِنّ فتنفس فَقلت مَا لَك يَا رَسُول الله قَالَ نعيت إِلَى نَفسِي يَا ابْن مَسْعُود قلت اسْتخْلف قَالَ من قلت أَبُو بكر قَالَ فَسكت ثمَّ مضى سَاعَة ثمَّ تنفس فَقلت مَا شَأْنك بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله قَالَ نعيت إِلَى نَفسِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 يَا ابْن مَسْعُود قلت اسْتخْلف قَالَ من قلت عمر فَسكت ثمَّ مضى سَاعَة ثمَّ تنفس فَقلت مَا شَأْنك قَالَ نعيت إِلَى نَفسِي يَا ابْن مَسْعُود قلت فاستخلف قَالَ من قلت عَليّ قَالَ أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن أطاعوه لتدخلن الْجنَّة أكتعين أهـ وَهَذَا الحَدِيث لم يذكر فِيهِ أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالظَّاهِر أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ لِأَن لَيْلَة الْجِنّ بِمَكَّة لم يكن على إِذْ ذَاك فِي رُتْبَة الِاسْتِخْلَاف لِأَنَّهُ كَانَ شَابًّا حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ توفى فِي شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة عَن ثَمَان وَخمسين سنة وَقيل عَن خمس وَقيل عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ وَقد قدمنَا أَن لَيْلَة الْجِنّ كَانَت بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين فَيكون عمره إِذْ ذَاك خمس عشرَة سنة أَو أقل مِنْهَا أَو عشْرين سنة وَنقل الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر أَن مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ من الْفِيل أَو قبل ذَلِك فَيكون عمره لَيْلَة الْجِنّ دون الْعشْرين سنة فَكَانَ حِينَئِذٍ شَابًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أبي بكر وَعمر وَأَن يعد فِي جملَة من يشار على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باستخلافه مَعَ أبي بكر وَعمر فَلَا قُلْنَا الظَّاهِر أَن ذَلِك كَانَ لَيْلَة الْجِنّ بِالْمَدِينَةِ وَالله أعلم فَهَذِهِ لَيْلَة بِالْمَدِينَةِ ويؤكد ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعيت إِلَى نَفسِي وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا عِنْد قرب الْوَفَاة ثمَّ وجدت حَدِيثا رَوَاهُ أَبُو نعيم ذكر فِيهِ الِاسْتِخْلَاف وَأَن الْقِصَّة كَانَت بِأَعْلَى مَكَّة وَسَيَأْتِي ذكره وَهُوَ يشكل على مَا قُلْنَاهُ وَقد وفدوا عَلَيْهِ مرّة أُخْرَى بِالْمَدِينَةِ أَيْضا حضرها الزبير بن الْعَوام وَخط لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبهام رجله خطا وَقَالَ اقعد فِي وَسطه قَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن نجدة حَدثنَا أبي حَدثنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد حَدثنَا ابْن الْعَوام قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انْصَرف قَالَ أَيّكُم يَتبعني إِلَى وَفد الْجِنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 اللَّيْلَة فأسكت الْقَوْم فَلم يتَكَلَّم مِنْهُم أحد قَالَ ذَلِك ثَلَاثًا فَمر بِي يمشي فَأخذ بيَدي فَجعلت أَمْشِي مَعَه حَتَّى حبست عَنَّا جبال الْمَدِينَة كلهَا وأفضينا إِلَى أَرض برَاز فَإِذا رجال طوال كَأَنَّهُمْ الرماح مستدفرو ثِيَابهمْ من بَين أَرجُلهم فَلَمَّا رَأَيْتهمْ غشيتني رعدة شَدِيدَة حَتَّى مَا تمسكني رجلاي من الْفرق فَلَمَّا دنونا خطّ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبهام رجله فِي الأَرْض خطا وَقَالَ لي اقعد فِي وَسطه فَلَمَّا جَلَست ذهب عني كل شَيْء كنت أَجِدهُ من رِيبَة وَمضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيني وَبينهمْ فَتلا قُرْآنًا وبقوا حَتَّى طلع الْفجْر ثمَّ أقبل حَتَّى مر بِي فَقَالَ لي الْحق فَجعلت أَمْشِي مَعَه فمضينا غير بعيد فَقَالَ لي الْتفت وَانْظُر هَل ترى حَيْثُ كَانَ أُولَئِكَ من أحد فَقلت يَا رَسُول الله أرى سوادا كثيرا فخفض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه إِلَى الأَرْض فنظم عظما بروثه ثمَّ رمى بهَا إِلَيْهِم وَقَالَ رشد أُولَئِكَ من وَفد قوم هم وَفد نَصِيبين سَأَلُونِي الزَّاد فَجعلت لَهُم كل عظم وروثة قَالَ الزبير فَلَا يحل لأحد أَن يستنجي بِعظم وروثة وَرَوَاهُ يزِيد بن عبد ربه وَأحمد بن مَنْصُور بن يسَار عَن مُحَمَّد بن وهب بن عَطِيَّة الدِّمَشْقِي عَن بَقِيَّة عَن نمير عَن قُحَافَة عَن أَبِيه عَن الزبير فَهَذِهِ اللَّيْلَة غير لَيْلَة ابْن مَسْعُود تِلْكَ كَانَت ببقيع الفرقد وَهَذِه كَانَت نائية عَن جبال الْمَدِينَة فقد دلّت الْأَحَادِيث على تعدد وُفُود الْجِنّ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالله أعلم قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم نقُول وَالله الْمُوفق إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمر بِمَا فقد من حياطة أبي طَالب ابْتغى النَّصْر والحياطة من رُؤَسَاء قُرَيْش فَلم يجد عِنْدهم نصرا وَخرج إِلَى أَخْوَاله بِالطَّائِف فَكَانَ مَا لَقِي مِنْهُم أعظم وأوحش مِمَّا كَانَ يلقى من أهل مَكَّة فَانْصَرف كئيبا مَحْزُونا فَأرْسل الله إِلَيْهِ ملك الْجبَال مَعَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ليقوى متته فَكَانَ مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا خص بِهِ من الرأفة وَالرَّحْمَة واستظهرهم واستبقاهم رَجَاء استنقاذهم وَأَن يخرج الله تَعَالَى من أصلابهم من يوحد الله تَعَالَى فصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الله تَعَالَى إِلَيْهِ النَّفر من الْجِنّ لاستماع الْقُرْآن وآذنت بمجيئهم شَجَرَة تسخيرا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعريفا لصرف الْجِنّ إِلَيْهِ فآنسه الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَات من صرف الْجِنّ وإيذان الشَّجَرَة إِن عاقبته مختومة بالنصر وَإجَابَة النَّاس لدعوته وَدخُول الْجِنّ وَالْإِنْس فِي مِلَّته وَأَن امْتنَاع من أَبى عَلَيْهِ وَلم يجبهُ إِلَى الْإِيمَان بِهِ مرده امتحان من الله تَعَالَى لَهُ وترفيعا لدرجته لاصطباره على مَا يتَأَذَّى بِهِ من قومه وتكذيبهم لَهُ وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن كَانَ عَالما بِمَا سبق من مَوْعُود الله تَعَالَى لَهُ بالنصر وان الْعَاقِبَة لَهُ فطباع الْبشر غير خَالِيَة من الخواطر فَفعل الله تَعَالَى بِهِ مَا فعل تثبيتا لَهُ وتأسيسا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك} فَانْصَرف الْجِنّ من نَخْلَة رَاجِعين إِلَى قَومهمْ منذرين كالرسل إِلَى من وَرَاءَهُمْ من قبيلتهم من الْجِنّ وَقيل إِنَّهُم كَانُوا ثَلَاثمِائَة نفر فأنذروا ودعوا قَومهمْ إِلَى الْإِسْلَام فانصرفوا بعد مُدَّة ثَلَاثَة أشهر فجاءوه بِمَكَّة مُسلمين فواعدهم بالالتقاء مَعَهم اللَّيْل وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن طوال ليلتهم وَقطع خصومات ونزاعا كَانَ بَينهم بِقَضَائِهِ فيهم بِالْحَقِّ ائتلافا لكلمتهم وقطعا لخصومتهم وسألوه الزَّاد فزودهم الْعظم والروثة على أَن يَجْعَل الله لَهُم كل عظم حَائِل عرقا كاسيا وكل رَوْثَة حبا قَائِما فَكَانَ ذَلِك آيَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفادت الْجِنّ استبصارا فِي إسْلَامهمْ ويخبرون بهَا من وَرَاءَهُمْ من الْجِنّ ليَكُون برهانا لَهُ على صدق نبوته ودعوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ الْخط الَّذِي خطه لعبد الله بن مَسْعُود وللزبير آيَة وَدلَالَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَآمَنا بِهِ من الروعة الَّتِي غشيتهما واحترزا بِهِ ليلتهما من اختطاف الْجِنّ لَهما وَوجه مَا ذكره عَلْقَمَة أَن عبد الله بن مَسْعُود لم يكن مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ يَعْنِي أَنه لم يكن مَعَه وَقت قِرَاءَته عَلَيْهِم الْقُرْآن وقضائه فِيمَا بَينهم لقطع التَّنَازُع والخصومات لَا أَنه لم يحضر تِلْكَ اللَّيْلَة قَائِما فِي الخطة وَأَن مَا رَوَاهُ الزبير من قدومهم ووفودهم الْمَدِينَة فَجَائِز أَن نَفرا غَيرهم حَضَرُوهُ بعد الْهِجْرَة بِالْمَدِينَةِ فَحصل لَهُم مَا حصل لمن وَفد عَلَيْهِ بِمَكَّة بالحجون وَمَا رَوَاهُ عَمْرو بن غيلَان عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التقى مَعَ الْجِنّ بِالْمَدِينَةِ فمخرج على أَن يكون ذَلِك فِي طَائِفَة أُخْرَى لِأَن إِسْلَام الْجِنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ووفادتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كوفادة الْإِنْس فوجا بعد فَوْج وقبيلة بعد قَبيلَة حَسْبَمَا جرت الْعَادة فِي مثله فَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعَامل كل طَائِفَة وفدت عَلَيْهِ من تقدمهم من قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَيْهِم وتزويدهم الْعظم والروث وَقد بقى من الْجِنّ من ثَبت على كفره فَكَانُوا يعترضون للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وللمسلمين كاعتراض بقايا الْكفَّار من الْإِنْس ثمَّ سَاق عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن عفريتا من الْجِنّ تفلت إِلَى البارحة ليقطع على الصَّلَاة فأمكنني الله تَعَالَى مِنْهُ فذعته وَأَرَدْت أَن أربطه إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ كلكُمْ أَجْمَعُونَ قَالَ فَذكرت دَعْوَة أخي سُلَيْمَان {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} قَالَ فرددته خاسئا هَذِه رِوَايَة أبي بكر بن أبي شيبَة عَن شَبابَة بن سوار وَفِي رِوَايَة الإِمَام احْمَد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر فَرده الله تَعَالَى خاسئا وَفِي رِوَايَة النَّضر ابْن شُمَيْل أَن عفريتا من الْجِنّ جعل يخيل على البارحة ليقطع عَليّ الصَّلَاة فَرده الله خاسئا وَكلهمْ رَوَاهُ عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة قلت وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيث فِي تعرض الْجِنّ وَالشَّيَاطِين للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد وَفد الْجِنّ مرّة أُخْرَى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر مَكَّة وَالْمَدينَة وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم فَقَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان حَدثنَا عبد الله بن كثير بن جَعْفَر بن كثير الْأنْصَارِيّ ثمَّ الزرقي حَدثنَا كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده عَن بِلَال ابْن الْحَارِث قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَخرج لِحَاجَتِهِ وَكَانَ إِذا خرج لِحَاجَتِهِ يبعد فَأَتَيْته بأداوة من مَاء فَانْطَلق فَسمِعت عِنْده خُصُومَة رجال ولغطا لم أسمع مثلهَا فجَاء فَقَالَ بِلَال فَقلت بِلَال قَالَ أَمَعَك مَاء قلت نعم قَالَ أصبت وَأَخذه منى فَتَوَضَّأ فَقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 يَا رَسُول الله سَمِعت عنْدك خُصُومَة رجال ولغطا مَا سَمِعت أحد من ألسنتهم قَالَ اخْتصم عِنْدِي الْجِنّ الْمُسلمُونَ وَالْجِنّ الْمُشْركُونَ سَأَلُونِي أَن أسكنهم فأسكنت الْمُسلمين الجلس واسكنت الْمُشْركين الْغَوْر قلت قد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الثَّامِن فِي بَيَان مسَاكِن الْجِنّ وَذكرنَا طرقه هُنَاكَ وَقد ورد مَا يدل على أَنا ابْن مَسْعُود حضر لَيْلَة اخرى بِمَكَّة غير لَيْلَة الْحجُون فَقَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن أبي بردة البَجلِيّ حَدثنَا يحيى بن يعلى الْأَسْلَمِيّ عَن حَرْب بن صبيح حَدثنَا سعيد بن مُسلم عَن ابي مرّة الصَّنْعَانِيّ عَن ابي عبد الله الجدلي عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ استتبعني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ فَانْطَلَقت مَعَه حَتَّى بلغنَا أَعلَى مَكَّة فَخط على خطة وَقَالَ لَا تَبْرَح ثمَّ انصاع فِي الْجبَال فَرَأَيْت الرِّجَال يتحدرون عَلَيْهِ من رُؤُوس الْجبَال حَتَّى حالوا بيني وَبَينه فاخترطت السَّيْف وَقلت لَأَضرِبَن حَتَّى استنقذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذكرت قَوْله لَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك قَالَ فَلم أزل كَذَلِك حَتَّى أَضَاء الْفجْر فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا قَائِم فَقَالَ مَا زلت على حالك قَالَ لَو مكثت شهرا مَا بَرحت حَتَّى تَأتِينِي ثمَّ أخْبرته بِمَا أردْت أَن أصنع فَقَالَ لَو خرجت مَا التقيت أَنا وَأَنت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ شَبكَ أَصَابِعه فِي أصابعي وَقَالَ إِنِّي وعدت أَن تؤمن بِي الْجِنّ وَالْإِنْس فَأَما الْإِنْس فقد آمَنت بِي وَأما الْجِنّ فقد رَأَيْت وَمَا أَظن أَجلي إِلَّا قد اقْترب قلت يَا رَسُول الله أَلا تسْتَخْلف أَبَا بكر فَأَعْرض عني فَرَأَيْت أَنه لم يُوَافقهُ قلت يَا رَسُول الله أَلا تسْتَخْلف عمر فاعرض عني فَرَأَيْت أَنه لم يُوَافقهُ قلت يَا رَسُول الله أَلا تسْتَخْلف عليا قَالَ ذَاك وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره لَو بايعتموه وأطعمتموه أدخلكم الْجنَّة أكتعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ حَدثنَا ابو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبُو نصر بن قَتَادَة قَالَا أَنا مُحَمَّد بن يحيى بن مَنْصُور القَاضِي حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم البوشنجي حَدثنَا روح بن صَلَاح حَدثنَا مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ استتبعني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن نَفرا من الْجِنّ خسمة عشر بني إخْوَة وَبني عَم يأتويني اللَّيْلَة فاقرأ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَانْطَلَقت مَعَه إِلَى الْمَكَان الَّذِي أَرَادَ فَخط لي خطا واجلسني فَقَالَ لَا تخرج من هَذَا فَبت فِيهِ حَتَّى أَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ السحر فِي يَده عظم حَائِل وروثة وحممة فَقَالَ إِذا ذهبت إِلَى الْخَلَاء فَلَا تستنج بِشَيْء من هَؤُلَاءِ قَالَ فَلَمَّا أَصبَحت قلت لأعلمن علم حَيْثُ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَذَهَبت فَرَأَيْت مَوضِع مبرك سِتِّينَ بَعِيرًا أه وروى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه أبْصر زظا فِي بعض الطَّرِيق فَقَالَ مَا رَأَيْت شبههم إِلَّا الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ وَكَانُوا مستنفرين يتبع بَعضهم بَعْضًا وَقَالَ عَبَّاس الدوري حَدثنَا عُثْمَان بن عمر عَن مُسْتَمر بن الريان عَن أبي الجوزاء عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ انْطَلَقت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ حَتَّى أَتَى الْحجُون فَخط على خطا ثمَّ تقدم إِلَيْهِم فازدحموا عَلَيْهِ فَقَالَ سيد لَهُم يُقَال لَهُ وردان إِنِّي أَنا أرحلهم عَنْك فَقَالَ إِنِّي لن يجيرني من الله أحد وروى الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ أَنه كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة أَن عبد الله بن مَسْعُود يسْأَله أَيْن قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجِنّ فَكتب إِلَيْهِ أَنه قَرَأَ عَلَيْهِم بشعب يُقَال لَهُ الْحجُون فَظَاهر هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكرنَاهَا يدل على أَن وفادة الْجِنّ كَانَت سِتّ مَرَّات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الأولى قيل فها اغتيل أَو استطير وَالْتمس الثَّانِيَة كَانَت بالحجون الثَّالِثَة كَانَت باعلى مَكَّة وانصاع فِي الْجبَال الرَّابِعَة كَانَت ببقيع الفرقد وَفِي هَؤُلَاءِ اللَّيَالِي الثَّلَاث حضر ابْن مَسْعُود وَخط عَلَيْهِ الْخَامِسَة كَانَت خَارج الْمَدِينَة حضرها ابْن الزبير بن الْعَوام السَّادِسَة كَانَت فِي بعض أَسْفَاره حضرها بِلَال بن الْحَارِث وَالله أعلم وَقَالَ هِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد الْعَنْبَري عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الرَّحْمَن حَتَّى خَتمهَا ثمَّ قَالَ مَا لي أَرَاكُم سكُوتًا الْجِنّ كَانُوا أحسن مِنْكُم ردا مَا قَرَأت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة من مرّة {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} إِلَّا قَالُوا وَلَا بِشَيْء من آلَائِكَ رَبنَا نكذب فلك الْحَمد وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن جَابر وَالله اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الْبَاب الْعشْرُونَ فِي فرق الْجِنّ ونحلهم وَقد أخبرنَا الله تَعَالَى عَن الْجِنّ أَنهم قَالُوا {وَأَنا منا الصالحون وَمنا دون ذَلِك كُنَّا طرائق قددا} أَي مَذَاهِب شَتَّى مُسلمُونَ وكفار وَأهل سنة وَأهل بِدعَة وَقَالُوا {وَأَنا منا الْمُسلمُونَ وَمنا القاسطون فَمن أسلم فَأُولَئِك تحروا رشدا وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا} والقاسط الجائر يُقَال قسط إِذا جَار وأقسط إِذا عدل وَقد اسْتعْمل قسط بمعى عدل وَهُوَ قَلِيل وَقد قدمنَا أَن جن نَصِيبين كَانُوا يهودا وَلذَلِك قَالَ انْزِلْ من بعد مُوسَى وَقدمنَا أَيْضا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث حَاطِب بن أبي بلتعة ذَاك عَمْرو بن الجومانة قَتله مُحصن بن جوشن النَّصْرَانِي وَقَالَ الإِمَام احْمَد فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ حَدثنَا مطلب بن زِيَاد عَن السّديّ قَالَ فِي الْجِنّ قدرية ومرجئة وشيعة وَقَالَ حَدثنَا يُونُس فِي تَفْسِير شَيبَان عَن قَتَادَة قَوْله {كُنَّا طرائق قددا} قَالَ كَانَ الْقَوْم على أهواء شَتَّى حَدثنَا عبد الْوَهَّاب فِي تَفْسِير سعيد عَن قَتَادَة {وَأَنا منا الصالحون وَمنا دون ذَلِك كُنَّا طرائق قددا} قَالَ كَانَ الْقَوْم على أهواء شَتَّى وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي تعبد الْجِنّ مَعَ الْإِنْس جمَاعَة وفرادى قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنَا عبد الرَّحْمَن ابْن عمر والباهلي سَمِعت السّري بن اسماعيل يذكر عَن يزِيد الرقاشِي أَن صَفْوَان بن مُحرز الْمَازِني كَانَ إِذا قَامَ إِلَى تَهَجُّده من اللَّيْل قَامَ مَعَه سكان دَاره من الْجِنّ فصلوا بِصَلَاتِهِ وَاسْتَمعُوا لقرَاءَته قَالَ السّري فَقلت ليزِيد وأنى علم قَالَه كَانَ إِذا قَامَ سمع لَهُم ضجة فاستوحش لذَلِك فَنُوديَ لَا تفزع يَا عبد الله فَإنَّا نَحن إخوانك نقوم بقيامك للتهجد فنصلي بصلاتك قَالَ فَكَأَنَّهُ أنس بعد ذَلِك إِلَى حركتهم حَدثنِي الْحُسَيْن بن عَليّ الْعجلِيّ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن الْأَجْلَح عَن أبي الزبير قَالَ بَينا عبد الله بن صَفْوَان قَرِيبا من الْبَيْت إِذْ أَقبلت حَيَّة من بَاب الْعرَاق حَتَّى طافت بِالْبَيْتِ سبعا ثمَّ أَتَت الْحجر فاستلمته فَنظر إِلَيْهَا عبد الله بن صَفْوَان فَقَالَ أَيهَا الجان قد قضيت عمرتك وَإِنَّا نَخَاف عَلَيْك بعض صبياننا فانصرفي فَخرجت رَاجِعَة من حَيْثُ جَاءَت وروى سُفْيَان الثورى عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ خرج رجل من خَيْبَر فَتَبِعَهُ رجلَانِ وَأخر يتلوهما يَقُول ارجا حَتَّى أدركهما فردهما ثمَّ لحق الرجل فَقَالَ إِن هذَيْن شيطانان وشيطانان وإنى لم إزل بهما حَتَّى رددتهما عَنْك فَإِذا اتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاقرئه السَّلَام وَأخْبرهُ أَنا فِي جمع صَدَقَاتنَا وَلَو كَانَت تصلح لَهُ لبعثنا بهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا قدم الرجل الْمَدِينَة أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ قَالَ فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك عَن الْخلْوَة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْبَاب الثانى وَالْعشْرُونَ فى ثَوَاب الْجِنّ على أَعْمَالهم اخْتلف الْعلمَاء فى الْجِنّ هَل لَهُم ثَوَاب على قَوْلَيْنِ فَقيل لَا ثَوَاب لَهُم إِلَّا النجَاة من النَّار ثمَّ يَقُول لَهُم كونُوا تُرَابا مثل الْبَهَائِم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة حَكَاهُ ابْن حزم وَغَيره عَنهُ قَالَ ابْن ابي الدُّنْيَا حَدثنَا دَاوُد ابْن عمر والضبي حَدثنَا عفيف بن سَالم عَن سُفْيَان الثورى عَن لَيْث ابْن أبي سليم قَالَ ثَوَاب الْجِنّ أَن يجاروا من النَّار ثمَّ يُقَال لَهُم كونُوا تُرَابا قَالَ أَبُو حَفْص بن شاهين فى كتاب الْعَجَائِب والغرائب حَدثنَا ابو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ حَدثنَا أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي عَن يَعْقُوب الْعَمى عَن جَعْفَر ابْن ابي الْمُغيرَة عَن أبي الزِّنَاد قَالَ إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار قَالَ الله تَعَالَى لمؤمني الْجِنّ وَسَائِر الْأُمَم كونُوا تُرَابا فَحِينَئِذٍ يَقُول الْكَافِر {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّهُم يثابون على الطَّاعَة ويعاقبون على الْمعْصِيَة وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك وَذكر ذَلِك مذهبا للأوزاعي وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَنقل على الشَّافِعِي وَأحمد بن حَنْبَل فَقَالَ نعم لَهُ ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب وَهُوَ قَول اصحابهما وَأَصْحَاب مَالك وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس هَل لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب فَقَالَ نعم لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب وَقَالَ ابْن شاهين فِي غرائب السّنَن حَدثنَا عبد الله بن سُلَيْمَان حَدثنَا مُحَمَّد بن صَدَقَة الجيلاني حَدثنَا أبي حَدثنَا أَبُو حَيَاة وَهُوَ شُرَيْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ابْن يزِيد بن أَرْطَأَة بن الْمُنْذر قَالَ سَأَلت ضَمرَة بن حبيب بن صُهَيْب الزبيدِيّ هَل للجن ثَوَاب فَقَالَ نعم قَالَ أَرْطَأَة ثمَّ نزع ضَمرَة بِهَذَا الْآيَة {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره حَدثنَا أبي حَدثنَا عِيسَى بن زِيَاد ان يحيى بن الضريس قَالَ سَمِعت يَعْقُوب قَالَ قَالَ ابْن أبي ليلى لَهُم ثَوَاب يَعْنِي للجن فَوَجَدنَا تَصْدِيق قَوْله فِي كتاب الله تَعَالَى {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي بعض تعاليقه حكى عَن ابْن عبد الحكم صَاحبه مُحَمَّد بن رَمَضَان الزيات الْمَالِكِي أَنه سُئِلَ عَن الْجِنّ هَل لَهُم جَزَاء فِي الْآخِرَة على أَعْمَالهم فَقَالَ نعم وَالْقُرْآن يدل على ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا ابو الْوَلِيد حَدثنَا هَيْثَم عَن حَرْمَلَة قَالَ سُئِلَ ابْن وهب وانا اسْمَع هَل للجن ثَوَاب وعقاب قَالَ ابْن وهب قَالَ الله تَعَالَى {حق عَلَيْهِم القَوْل فِي أُمَم قد خلت من قبلهم من الْجِنّ وَالْإِنْس} إِلَى قَوْله {مِمَّا عمِلُوا} قَالَ مُحَمَّد بن رشد أَبُو الْوَلِيد القَاضِي فِي كتاب الجامعة للْبَيَان والتحصيل قَالَ اصبع وَسمعت ابْن الْقَاسِم يَقُول للجن الثَّوَاب وَالْعِقَاب وتلا قَول الله تَعَالَى {وَأَنا منا الْمُسلمُونَ وَمنا القاسطون فَمن أسلم فَأُولَئِك تحروا رشدا وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا} قَالَ ابْن رشد اسْتِدْلَال ابْن الْقَاسِم على مَا ذكر من أَن للجن الثَّوَاب وَالْعِقَاب بِمَا تلاه من قَول الله تَعَالَى اسْتِدْلَال صَحِيح بَين لَا إِشْكَال فِيهِ بل هُوَ نَص على ذَلِك والقاسطون فِي هَذِه الْآيَة الحائدون عَن الْهدى الْمُشْركُونَ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {وَأَنا منا الْمُسلمُونَ} فَفِي الْجِنّ مُسلمُونَ ويهود ونصارى ومجوس وَعَبدَة أوثان قَالَ بعض أهل التَّفْسِير فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَأَنا منا الصالحون} قَالَ يُرِيد الْمُؤمنِينَ وَمنا دون ذَلِك قَالَ يُرِيد غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْمُؤمنِينَ وَقَوله تَعَالَى {كُنَّا طرائق قددا} أَي مُخْتَلفُونَ فِي الْكفْر يهود ونصارى ومجوس وَعَبدَة أوثان وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا جَعْفَر بن أَحْمد بن فَارس حَدثنَا حميد حَدثنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن مغيث بن سمي قَالَ مَا خلق الله تَعَالَى من شَيْء إِلَّا وَهُوَ يسمع زفير جَهَنَّم غدْوَة وَعَشِيَّة إِلَّا الثقلَيْن الَّذين عَلَيْهِم الْحساب وَالْعِقَاب وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي دُخُول كفار الْجِنّ النَّار اتّفق الْعلمَاء على أَن كَافِر الْجِنّ معذب فِي الْآخِرَة كَمَا ذكر الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز كَقَوْلِه تَعَالَى {فَالنَّار مثوى لَهُم} وَقَوله تَعَالَى {وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا} وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي دُخُول مؤمنيهم الْجنَّة اخْتلف الْعلمَاء فِي مؤمني الْجِنّ هَل يدْخلُونَ الْجنَّة على أَرْبَعَة أَقْوَال احدها أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة وَعَلِيهِ جُمْهُور الْعلمَاء وَحَكَاهُ ابْن حزم فِي الْملَل عَن أبن أبي ليلى وَأبي يُوسُف وَجُمْهُور النَّاس قَالَ وَبِه نقُول ثمَّ اخْتلف الْقَائِلُونَ بِهَذَا القَوْل إِذا دخلُوا الْجنَّة هَل يَأْكُلُون فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَسَاقه مُنْذر بن سعد فِي تَفْسِيره فَقَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْحسن حَدثنَا عبد الله ابْن الْوَلِيد الْعَدنِي عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك فَذكره وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا أَحْمد بن بجير حَدثنَا عبد الله بن ضرار ابْن عمر وَحدثنَا أبي عَن مُجَاهِد أَنه سُئِلَ عَن الْجِنّ الْمُؤمنِينَ أيدخلون الْجنَّة قَالَ يدْخلُونَهَا وَلَكِن لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون يُلْهمُون من التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس مَا يجده أهل الْجنَّة من لَذَّة الطَّعَام وَالشرَاب وَذهب الْحَارِث المحاسبي إِلَى أَن الْجِنّ الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة نراهم فِيهَا وَلَا يروننا عكس مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا القَوْل الثَّانِي أَنهم لَا يدْخلُونَهَا بل يكونُونَ فِي ربضها يراهم الْإِنْس من حَيْثُ لَا يرونهم وَهَذَا القَوْل مأثور عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد حَكَاهُ ابْن تَيْمِية فِي جَوَاب ابْن مرى وَهُوَ خلاف مَا حَكَاهُ ابْن حزم عَن أبي يُوسُف وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا الْوَلِيد بن الْحسن بن أَحْمد بن اللَّيْث حَدثنَا اسماعيل بن مهرام حَدثنَا الْمطلب بن زِيَاد أَظُنهُ قَالَ عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ مسلمو الْجِنّ لَا يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا النَّار وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أخرج أباهم من الْجنَّة فَلَا يُعِيدهُ وَلَا يُعِيد بنيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 القَوْل الثَّالِث أَنهم على الْأَعْرَاف وَفِيه حَدِيث مُسْند سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى القَوْل الرَّابِع الْوَقْف وَاحْتج أهل القَوْل الأول بِوُجُوه أَحدهَا العمومات كَقَوْلِه تَعَالَى {وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين غير بعيد} وَقَوله تَعَالَى {وجنة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصا دخل الْجنَّة فَكَمَا أَنهم يخاطبون بعمومات الْوَعيد بِالْإِجْمَاع فَكَذَلِك يكونُونَ مخاطبين بعمومات الْوَعْد بطرِيق الأولى وَمن أظهر حجَّة فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} إِلَى آخر السُّورَة وَالْخطاب للجن وَالْإِنْس فامتن عَلَيْهِم سُبْحَانَهُ بجزاء الْجنَّة ووصفها لَهُم وشوقهم إِلَيْهَا فَدلَّ ذَلِك على أَنهم ينالون مَا امتن عَلَيْهِم بِهِ إِذا آمنُوا وَقد جَاءَ فِي حَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه لما تَلا علهيم هَذِه السُّورَة الْجِنّ كَانُوا أحسن ردا وجوابا مِنْكُم مَا تَلَوت عَلَيْهِم من آيَة إِلَّا قَالُوا وَلَا بِشَيْء من آلَائِكَ رَبنَا نكذب رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ الْوَجْه الثَّانِي مَا اسْتدلَّ بِهِ ابْن حزم من قَوْله {أعدت لِلْمُتقين} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى حاكيا عَنْهُم ومصدقا لمن قَالَ ذَلِك مِنْهُم {وَأَنا لما سمعنَا الْهدى آمنا بِهِ} وَقَوله تَعَالَى {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} وَقَوله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة جزاؤهم عِنْد رَبهم جنَّات عدن تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} إِلَى آخر السُّورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 قَالَ صفة تعم الْجِنّ وَالْإِنْس عُمُوما لَا يجوز الْبَتَّةَ أَن يخص مِنْهَا أحد النَّوْعَيْنِ وَمن الْمحَال الْمُمْتَنع أَن يكون الله تَعَالَى يخبرنا بِخَبَر عَام وَهُوَ لَا يُرِيد إِلَّا بعض مَا أخبرنَا بِهِ ثمَّ لَا يبين ذَلِك وَهُوَ ضد الْبَيَان الَّذِي ضمنه الله تَعَالَى لنا فَكيف وَقد نَص على أَنهم من جملَة الْمُؤمنِينَ الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا بُد الْوَجْه الثَّالِث روى مُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي تفسيريهما عَن مُبشر ابْن اسماعيل قَالَ تَذَاكرنَا عِنْد ضَمرَة بن حبيب أَيَدْخُلُ الْجِنّ الْجنَّة قَالَ نعم وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} للجنيات وَالْإِنْس للإنسيات قَالَ الْجُمْهُور فَدلَّ على تَأتي الطمث من الْجِنّ لِأَن طمث الْحور الْعين إِنَّمَا يكون فِي الْجنَّة الْوَجْه الرَّابِع قَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا اسحاق بن أَحْمد حَدثنَا عبد الله بن عمرَان حَدثنَا مُعَاوِيَة حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن عبيد عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْخلق أَرْبَعَة فخلق فِي الْجنَّة كلهم وَخلق فِي النَّار كلهم وخلقان فِي الْجنَّة وَالنَّار فَأَما الَّذِي فِي الْجنَّة كلهم فالملائكة وَأما الَّذِي فِي النَّار كلهم فالشياطين وَأما الَّذين فِي الْجنَّة وَالنَّار فالإنس وَالْجِنّ لَهُم الثَّوَاب وَعَلَيْهِم الْعقَاب الْوَجْه الْخَامِس إِن الْعقل يقوى ذَلِك وَإِن لم يُوجِبهُ وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى قد أوعد من كفر مِنْهُم وَعصى النَّار فَكيف لَا يدْخل من أطَاع مِنْهُم الْجنَّة وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحكم الْعدْل الْحَلِيم الْكَرِيم فَإِن قيل قد أوعد الله تَعَالَى من قَالَ من الْمَلَائِكَة إِنَّه إِلَه من دونه وَمَعَ هَذَا لَيْسُوا فِي الْجنَّة فَالْجَوَاب من وُجُوه أَحدهَا أَن المُرَاد بذلك إِبْلِيس لَعنه الله قَالَ ابْن جريج فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه} فَلم يقلهُ إِلَّا إِبْلِيس لَعنه الله دَعَا إِلَى عبَادَة نَفسه فَنزلت هَذِه الْآيَة فِيهِ يَعْنِي إِبْلِيس لَعنه الله وَقَالَ قَتَادَة هِيَ خَاصَّة بعدو الله إِبْلِيس لَعنه الله لما قَالَ مَا قَالَ لَعنه الله وَحَوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 شَيْطَانا رجيما قَالَ {فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم كَذَلِك نجزي الظَّالِمين} حكى ذَلِك عَنْهُمَا الطَّبَرِيّ الْوَجْه الثَّانِي أَن ذَلِك وَإِن سلمنَا إِرَادَة الْعُمُوم مِنْهُ فَهَذَا لَا يَقع من الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام بل هُوَ شَرط وَالشّرط لَا يلْزم وُقُوعه وَهُوَ نَظِير قَوْله تَعَالَى {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} وَالْجِنّ يُوجد مِنْهُم الْكَافِر وَيدخل النَّار الْوَجْه الثَّالِث أَن الْمَلَائِكَة وَإِن كَانُوا لَا يجازون بِالْجنَّةِ إِلَّا أَنهم يجازون بنعيم يناسبهم على أصح قولى الْعلمَاء وَاحْتج أهل القَوْل الثَّانِي بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن الْجِنّ أَنهم قَالُوا لقومهم {يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله وآمنوا بِهِ يغْفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عَذَاب أَلِيم} قَالُوا فَلم يذكر دُخُول الْجنَّة فَدلَّ على أَنهم لَا يدْخلُونَهَا لِأَن الْمقَام مقَام تبجح وَالْجَوَاب عَن هَذَا من وُجُوه أَحدهَا أَنه لَا يلْزم من سكوتهم أَو عدم علمهمْ بِدُخُول الْجنَّة نقيه الْوَجْه الثَّانِي إِن الله أخبر أَنهم ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين فالمقام مقَام إنذار لَا مقَام بِشَارَة الْوَجْه الثَّالِث أَن هَذِه الْعبارَة لَا تَقْتَضِي نفي دُخُول الْجنَّة بِدَلِيل مَا أخبر الله تَعَالَى عَن الرُّسُل الْمُتَقَدّمَة أَنهم كَانُوا ينذرون قَومهمْ الْعَذَاب وَلَا يذكرُونَ لَهُم دُخُول الْجنَّة كَمَا أخبر عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم أَلِيم} وَهود عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {عَذَاب يَوْم عَظِيم} وَشُعَيْب عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام {عَذَاب يَوْم عَظِيم} وَكَذَلِكَ غَيرهم وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على أَن مؤمنهم يدْخل الْجنَّة الْوَجْه الرَّابِع إِن ذَلِك يسْتَلْزم دُخُول الْجنَّة لِأَن من غفر ذَنبه وأجير من عَذَاب الله تَعَالَى وَهُوَ مُكَلّف بشرائع الرُّسُل فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة وَقد ورد فِي القَوْل الثَّالِث حَدِيث سَاقه الْحَافِظ أَبُو سعيد عَن مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ابْن عبد الرَّحْمَن الكنجرودي فِي أَمَالِيهِ فَقَالَ حَدثنَا أَبُو الْفضل نصر بن مُحَمَّد الْعَطَّار نَا أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الْأَزْهَر بِمصْر حَدثنَا يُوسُف بن يزِيد القراطيسي حَدثنَا الْوَلِيد بن مُوسَى حَدثنَا مُنَبّه عَن عُثْمَان عَن عُرْوَة بن رُوَيْم عَن الْحسن عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن مؤمني الْجِنّ لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب فسألنا عَن ثوابهم وَعَن مؤمنيهم فَقَالَ على الْأَعْرَاف وَلَيْسوا فِي الْجنَّة فَقَالُوا مَا الاعراف قَالَ حَائِط الْجنَّة تجْرِي مِنْهُ الْأَنْهَار وتنبت فِيهِ الاشجار وَالثِّمَار قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ تغمده الله تَعَالَى برحمته هَذَا مُنكر جدا وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي أَن مؤمنيهم إِذا دخلُوا الْجنَّة هَل يرَوْنَ الله تَعَالَى أم لَا قد وَقع فِي كَلَام ابْن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد الصُّغْرَى مَا يدل على أَن مؤمني الْجِنّ إِذا دخلُوا الْجنَّة لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى وَأَن الرُّؤْيَة مَخْصُوصَة بمؤمني الْبشر فَإِنَّهُ صرح بِأَن الْمَلَائِكَة لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى فِي الْجنَّة وَمُقْتَضى هَذَا أَن الْجِنّ لَا يرونه فَإِنَّهُ صرح قَالَ وَقد أحسن الله تَعَالَى إِلَى النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وأفاضل الْمُؤمنِينَ بالمعارف وَالْأَحْوَال والطاعات والإذعان ونعيم الْجنان ورضا الرَّحْمَن وَالنَّظَر إِلَى الديَّان مَعَ سَماع تَسْلِيمه وَكَلَامه وتبشيره بتأيد الرضْوَان وَلم يثبت للْمَلَائكَة مثل ذَلِك وَلَا شكّ أَن أجساد الْمَلَائِكَة أفضل من أجساد الْبشر وَأما أَرْوَاحهم فَإِن كَانَت أعرف بِاللَّه تَعَالَى وأكمل أحوالا بأحوال الْبشر فهم أفضل من الْبشر وَإِن اسْتَوَت الْأَرْوَاح فِي ذَلِك فقد فضلت الْمَلَائِكَة الْبشر بالأجساد فَإِن اجسادهم من نور وأجساد الْبشر من لحم وَدم وَفضل الْبشر الْمَلَائِكَة بِمَا ذَكرْنَاهُ من نعيم الْجنان وَقرب الديَّان وَرضَاهُ وتسليمه وتقريبه وَالنَّظَر إِلَى وَجهه الْكَرِيم وَإِن فَضلهمْ الْبشر فِي المعارف وَالْأَحْوَال والطاعات كَانُوا بذلك أفضل مِنْهُم وَبِمَا ذَكرْنَاهُ مِمَّا وعدوا بِهِ فِي الْجنان وَلَا شكّ أَن للبشر طاعات لم يثبت مثلهَا للْمَلَائكَة كالجهاد وَالصَّبْر ومجاهدة الْهوى وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وتبليغ الرسالات وَالصَّبْر على البلايا والمحن والرزايا ومشاق الْعِبَادَات لأجل الله تَعَالَى وَقد ثَبت أَنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 يرَوْنَ رَبهم وَيسلم عَلَيْهِم ويبشرهم بإحلال رضوانه عَلَيْهِم أبدا وَلم يثبت مثل هَذَا للْمَلَائكَة عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن كَانَ الْمَلَائِكَة يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون فَرب عمل يسير أفضل من تَسْبِيح كثير وَكم من نَائِم أفضل من قَائِم وَقد قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} أَي خير الخليقة وَالْمَلَائِكَة من الخليقة لَا يُقَال الْمَلَائِكَة من الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَان هَذَا اللَّفْظ مَخْصُوص بِمن آمن من الْبشر فِي عرف الشَّرْع فَلَا تندرج فِيهِ الْمَلَائِكَة لعرف الِاسْتِعْمَال فَإِن قيل الْمَلَائِكَة يرَوْنَ رَبهم كَمَا ترَاهُ الْأَبْرَار قلت يمْنَع مِنْهُ عُمُوم عُمُومه فِي الْمَلَائِكَة الْأَبْرَار انْتهى مَا ذكره قلت والبشر اسْم لبني آدم وكنية آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَبُو الْبشر كَذَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة فِي الصَّحِيح قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ يَا آدم أَنْت أَبُو الْبشر فَإِذا اسْتثْنى الْمُؤْمِنُونَ من عُمُوم قَوْله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} وَبَقِي على عُمُومه فِي الْمَلَائِكَة على مَا قَرَّرَهُ ابْن عبد السَّلَام فَحِينَئِذٍ يبْقى على عُمُومه فِي الْجِنّ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي حكم الصَّلَاة خلف الجني نقل ابْن أبي الصَّيْرَفِي الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ فِي فَوَائده عَن شَيْخه أبي الْبَقَاء العكبري الْحَنْبَلِيّ أَنه سُئِلَ عَن الْجِنّ هَل تصح الصَّلَاة خَلفه فَقَالَ نعم لأَنهم مكلفون وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل إِلَيْهِم وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي بَيَان انْعِقَاد الْجَمَاعَة بهم قَالَ الإِمَام أَحْمد حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد حَدثنَا أبي عَن ابْن اسحاق حَدثنِي أَبُو عُمَيْس عتبَة بن عبد الله بن عتبَة عَن أبي فَزَارَة عَن أبي زيد مولى عَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَهُوَ فِي نفر من اصحابه اذ قَالَ ليقمْ مِنْكُم معي رجلَانِ وَلَا يقومن معي رجل فِي قلبه من الْغِشّ مِثْقَال ذرة قَالَ فَقُمْت مَعَه واخذت إداوة وَلَا أحسبها الا مَاء فَخرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّة رَأَيْت أَسْوِدَة مجتمعة قَالَ فَخط لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطا ثمَّ قَالَ قُم هَهُنَا حَتَّى آتِيك قَالَ فَقُمْت وَمضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فرأيتهم يثورون إِلَيْهِ قَالَ فسمر مَعَهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلًا طَويلا حَتَّى جَاءَنِي مَعَ الْفجْر فَقَالَ مَا زلت قَائِما يَا ابْن مَسْعُود قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله أَو لم تقل قُم حَتَّى آتِيك قَالَ ثمَّ قَالَ لي هَل مَعَك من وضوء قَالَ فَقلت نعم ففتحت الْإِدَاوَة فَإِذا هُوَ نَبِيذ فَقَالَ رَسُول الله ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور ثمَّ قَالَ تَوَضَّأ مِنْهَا فَلَمَّا قَامَ يُصَلِّي أدْركهُ شخصان مِنْهُم فَقَالَا لَهُ يَا رَسُول الله إِنَّا نحب أَن تؤمنا فِي صَلَاتنَا قَالَ فصفهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه ثمَّ صلى بِنَا ثمَّ انْصَرف قلت لَهُ من هَؤُلَاءِ يَا رَسُول الله قَالَ هَؤُلَاءِ جن نَصِيبين جَاءُونِي يختصمون إِلَيّ فِي أُمُور كَانَت بَينهم وَقد سَأَلُونِي الزَّاد فزودتهم قَالَ فَقلت وَهل هُنَاكَ يَا رَسُول الله من شَيْء تزودهم إِيَّاه قَالَ فزودتهم الرّجْعَة وَمَا وجدوا من رَوْث وجدوه شَعِيرًا وَمَا وجدوا من عظم وجدوه كاسيا قَالَ وَعند ذَلِك نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يستطاب بالروث والعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَقَالَ أَحْمد حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أَنبأَنَا سُفْيَان عَن أبي فَزَارَة حَدثنَا أَبُو زيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما كَانَ لَيْلَة الْجِنّ تخلف مِنْهُم رجلَانِ وَقَالا نشْهد الْفجْر مَعَك يَا رَسُول الله فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَعَك مَاء قلت لَيْسَ معي مَاء وَلَكِن معي إداوة فِيهَا نَبِيذ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور فَتَوَضَّأ وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن قيس بن الرّبيع عَن أبي فَزَارَة عَن أبي زيد عَن ابْن مَسْعُود فساق حَدِيث الْخط وَقَالَ فِي آخِره ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور فَتَوَضَّأ واقام الصَّلَاة فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قَامَ إِلَيْهِ رجلَانِ من الْجِنّ فَسَأَلَاهُ الْمَتَاع فَقَالَ ألم آمُر لَكمَا ولقومكما بِمَا يصلحكم قَالُوا بلَى وَلَكِن أحببنا ان يشْهد بَعْضنَا مَعَك الصَّلَاة فَقَالَ مِمَّن أَنْتُمَا قَالَ لَا من أهل نَصِيبين فَقَالَ أَفْلح هَذَانِ وأفلح قومهما وَأمر لَهما بالروث وَالْعِظَام طَعَاما وَلَحْمًا وَنهى ان يستنجى بِعظم أَو رَوْثَة وَرَوَاهُ الثَّوْريّ وَإِسْرَائِيل وَشريك والجراح بن مليح وَأَبُو عُمَيْس كلهم عَن أبي فَزَارَة وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي وَغير طَرِيق أبي فَزَارَة عَن أبي زيد لهَذَا الحَدِيث أقوى مِنْهَا للْجَهَالَة الْوَاقِعَة فِي أبي زيد وَلَكِن أصل الحَدِيث مَشْهُور عَن ابْن مَسْعُود من طرق حسان متضافرة يشد بَعْضهَا بَعْضًا وَيشْهد بَعْضهَا لبَعض وَلم تنفرد طَرِيق أبي زيد إِلَّا فِيهَا من التوضوء بنبيذ التَّمْر وَلَيْسَ ذَلِك مَقْصُودا الْآن وروى سُفْيَان الثَّوْريّ فِي تَفْسِيره عَن إِسْمَاعِيل البَجلِيّ عَن سعيد ابْن جُبَير قَالَ تَعَالَى {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا} قَالَ قَالَت الْجِنّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ لنا بمسجدك أَن نشْهد الصَّلَاة مَعَك وَنحن ناءون عَنْك فَنزلت {وَأَن الْمَسَاجِد لله} وَذكر ابْن الصَّيْرَفِي فِي نوادره انْعِقَاد الْجَمَاعَة بالجن وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي حكم مُرُور شَيْطَان الْجِنّ بَين يَدي الْمصلى اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد بن حَنْبَل فِيمَا اذا مر جني بَين يَدي الْمصلى هَل يقطع عَلَيْهِ صلَاته ويستأنفها فروى عَنهُ أَنه يقطعهَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ وَسلم حكم بِقطع الصَّلَاة بمرور الْكَلْب الْأسود فَقيل لَهُ مَا بَال الْأَحْمَر من الْأَبْيَض من الْأسود فَقَالَ الْكَلْب الْأسود شَيْطَان الْكلاب وَالْجِنّ تتَصَوَّر بصورته كَمَا تقدم وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة لَا يقطعهَا وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ حَكَاهُمَا ابْن حَامِد وَغَيره وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عفريتا من الْجِنّ تفلت عَليّ البارحة ليقطع على الصَّلَاة يحْتَمل أَن يكون قطعهَا بمروره بَين يَدَيْهِ وَيحْتَمل أَن يكون قطعهَا بِأَن يصدر من العفريت أَفعَال يحْتَاج إِلَى دَفعهَا بِأَفْعَال تكون مُنَافِيَة للصَّلَاة فتقطعها تِلْكَ الْأَفْعَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي بَيَان الحكم إِذا قتل الْإِنْسِي جنيا قَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا أَبُو الطّيب أَحْمد بن روح حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عبد الله بن يزِيد مولى قُرَيْش حَدثنَا عُثْمَان بن عمر عَن عبيد الله ابْن أبي يزِيد عَن ابْن أبي مليكَة أَن جانا كَانَ لَا يزَال يطلع على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأمرت بِهِ فَقتل فَأتيت فِي الْمَنَام فَقيل قتلت عبد الله الْمُسلم فَقَالَت لَو كَانَ مُسلما لم يطلع على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهَا مَا كَانَ يطلع حَتَّى تجمعي عَلَيْك ثِيَابك وَمَا كَانَ يجِئ إِلَّا ليستمع الْقُرْآن فَلَمَّا أَصبَحت أمرت بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم ففرقت فِي الْمَسَاكِين وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن ابي شيبَة فِي مُصَنفه فَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن بكر السَّهْمِي عَن جَابر بن أبي مُغيرَة عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة بنت صَالِحَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا نَحوه وَقَالَ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد أَخْبرنِي أبي أَنبأَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا مُسلم عَن سعيد عَن حبيب قَالَ رَأَتْ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حَيَّة فِي بَيتهَا فَأمرت بقتلها فقتلت فَأتيت فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَقيل لَهَا إِنَّهَا من النَّفر الَّذين اسْتَمعُوا الْوَحْي من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسلت إِلَى الْيمن فابتيع لَهَا أَرْبَعُونَ رَأْسا فأعتقتهم فصل روى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من حَدِيث صَيْفِي مولى ابي السَّائِب عَن أبي سعيد رَفعه أَن بِالْمَدِينَةِ نَفرا من الْجِنّ قد اسلموا فَإِذا رَأَيْتُمْ من هَذِه الْهَوَام شَيْئا فآذنوه ثَلَاثًا فَإِن بدا لكم فَاقْتُلُوهُ وَثَبت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي السَّائِب مولى هِشَام بن زهرَة عَن أبي سعيد كَانَ فَتى منا حَدِيث عهد بعرس فخرجنا مَعَ رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الخَنْدَق فَكَانَ ذَلِك الْفَتى يسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإنصاف النَّهَار فَيرجع إِلَى أَهله فاستأذنه يَوْمًا فَقَالَ لَهُ خُذ عَلَيْك سِلَاحك فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْك قُرَيْظَة فَأخذ الرجل سلاحه ثمَّ رَجَعَ فَإِذا امْرَأَته بَين الْبَابَيْنِ قَائِمَة فَأَهوى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لكَي يطعنها فأصابته غيرَة فَقَالَت لَهُ اكفف عَلَيْك رمحك وادخل الْبَيْت حَتَّى تنظر مَا الَّذِي اخرجني فَدخل فَإِذا بحية عَظِيمَة مَنْصُوبَة على الْفراش فَأَهوى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فانتظمها بِهِ ثمَّ خرج فركزه فِي الدَّار فاضطربت عَلَيْهِ فَمَا ندرى أَيهمَا كَانَ أسْرع موتا الْحَيَّة أم الْفَتى قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس قتل الْجِنّ بِغَيْر حق لَا يجوز كَمَا لَا يجوز قتل الْإِنْس بِلَا حق وَالظُّلم محرم فِي كل حَال فَلَا يحل لأحد أَن يظلم أحدا وَلَو كَافِرًا قَالَ تَعَالَى {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على أَلا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} وَالْجِنّ يتصورون فِي صور شَتَّى فَإِذا كَانَت حيات الْبيُوت قد تكون جنيا فتؤذن ثَلَاثًا فَإِن ذهبت فِيهَا وَإِلَّا قتلت فَإِنَّهَا إِن كَانَت حَيَّة أَصْلِيَّة فقد قتلت وَإِن كَانَت جنية فقد اصرت على الْعدوان بظهورها للإنس فِي صُورَة حَيَّة تفزعهم بذلك والعادي هُوَ الصَّائِل الَّذِي يجوز دَفعه بِمَا يدْفع ضَرَره وَلَو كَانَ قتلا فَأَما قَتلهمْ بِدُونِ سَبَب يُبِيح ذَلِك فَلَا يجوز وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الْبَاب الموفى ثَلَاثِينَ فِي مناكحة الْجِنّ قد قدمنَا مناكحة الْجِنّ فِيمَا بَينهم وَهَذَا الْبَاب فِي بَيَان المناكحة بَين الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْكَلَام هُنَا فِي مقامين أَحدهمَا فِي بَيَان إِمْكَان ذَلِك ووقوعه وَالثَّانِي فِي بَيَان مشروعيته أما الأول فَنَقُول نِكَاح الْإِنْسِي الجنية وَعَكسه مُمكن قَالَ الثعالبي زَعَمُوا أَن التناكح والتلاقح قد يقعان بَين الْإِنْس وَالْجِنّ قَالَ الله تَعَالَى {وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَامع الرجل امْرَأَته وَلم يسم انطوى الشَّيْطَان إِلَى أحليله فجامع مَعَه وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِذا أَتَى الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض سبقه الشَّيْطَان إِلَيْهَا فَحملت فَجَاءَت بالمخنث فالمؤنثون أَوْلَاد الْجِنّ رَوَاهُ الْحَافِظ ابْن جرير وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نِكَاح الْجِنّ وَقَول الْفُقَهَاء لَا تجوز المناكحة بَين الْإِنْس وَالْجِنّ وَكَرَاهَة من كرهه من التَّابِعين دَلِيل على إِمْكَانه لِأَن غير الْمُمكن لَا يحكم عَلَيْهِ بِجَوَاز وَلَا بِعَدَمِهِ فِي الشَّرْع فَإِن قيل الْجِنّ من عنصر النَّار وَالْإِنْسَان من العناصر الْأَرْبَعَة وَعَلِيهِ فعنصر النَّار يمْنَع من أَن تكون النُّطْفَة الإنسانية فِي رحم الجنية لما فِيهَا من الرُّطُوبَة فتضمحل ثمَّة لشدَّة الْحَرَارَة النيرانية وَلَو كَانَ ذَلِك مُمكنا لَكَانَ ظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أَثَره فِي حل النِّكَاح بَينهم وَهَذَا السُّؤَال هُوَ الَّذِي أورد على الْمَسْأَلَة الباعثة على تأليف هَذَا الْكتاب وَالْجَوَاب من وُجُوه الأول أَنهم وَإِن خلقُوا من نَار فليسوا بباقين على عنصرهم النارى بل قد استحالوا عَنهُ بِالْأَكْلِ وَالشرب والتوالد والتناسل كَمَا اسْتَحَالَ بَنو آدم عَن عنصرهم الترابي بذلك على أَنا نقُول إِن الَّذِي خلق من نَار هُوَ أَبُو الْجِنّ كَمَا خلق آدم ابو الْإِنْس من تُرَاب واما كل وَاحِد من الْجِنّ غير أَبِيهِم فَلَيْسَ مخلوقا من النَّار كَمَا أَن كل وَاحِد من بني آدم لَيْسَ مخلوقا من تُرَاب وَقد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وجد برد لِسَان الشَّيْطَان الَّذِي عرض لَهُ فِي صلَاته على يَده لما خنقه وَفِي رِوَايَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا زلت أخنقه حَتَّى برد لعابه فبرد لِسَان الشَّيْطَان ولعابه دَلِيل على أَنه انْتقل عَن العنصر الناري إِذْ لَو كَانَ بَاقِيا على حَاله فَمن أَيْن جَاءَ الْبرد روقد بسطنا القَوْل فِي انتقالهم من العنصر الناري فِي الْبَاب الثَّالِث الَّذِي عقدناه فِي بَيَان مَا خلقُوا مِنْهُ فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إِعَادَته وَهَذَا المصروع يدْخل بدنه الجني وَيجْرِي الشَّيْطَان من ابْن آدم مجْرى الدَّم فَلَو كَانَ بَاقِيا على حَاله لأحرق المصروع وَمن جرى مِنْهُ مجْرى الدَّم وَقد سُئِلَ مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ فَقيل إِن هَهُنَا رجلا من الْجِنّ يخْطب إِلَيْنَا جَارِيَة يزْعم أَنه يُرِيد الْحَلَال فَقَالَ مَا أرى بذلك بَأْسا فِي الدّين وَلَكِن أكره إِذا وجدت امْرَأَة حَامِل قيل لَهَا من زَوجك قَالَت من الْجِنّ فيكثر الْفساد فِي الْإِسْلَام بذلك وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ أوردهُ أَبُو عُثْمَان سعيد بن الْعَبَّاس الرَّازِيّ فِي كتاب الإلهام والوسوسة فِي بَاب نِكَاح الْجِنّ فَقَالَ حَدثنَا مقَاتل حَدثنِي سعد بن دَاوُد الزبيدِيّ قَالَ كتب قوم من إِلَى مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ يسألونه عَن نِكَاح الْجِنّ وَقَالُوا إِن هَهُنَا رجلا من الْجِنّ إِلَى آخِره الْوَجْه الثَّانِي إِنَّا لَو سلمنَا عدم إِمْكَان الْعلُوق فَلَا يلْزم من عدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 إِمْكَان الْعلُوق عدم إِمْكَان الْوَطْء فِي نفس الْأَمر وَلَا يلْزم من عدم إِمْكَان الْعلُوق أَيْضا عدم إِمْكَان النِّكَاح شرعا فَإِن الصَّغِيرَة والآيسة وَالْمَرْأَة الْعَقِيم لَا يتَصَوَّر مِنْهُنَّ علوق وَالرجل الْعَقِيم لَا يتَصَوَّر مِنْهُ إعلاق وَمَعَ هَذَا فَالنِّكَاح لَهُنَّ مَشْرُوع فَإِن حِكْمَة النِّكَاح وَإِن كَانَت لتكثير النَّسْل ومباهاة الْأُمَم بِكَثْرَة الْأمة فقد يتَخَلَّف ذَلِك الْوَجْه الثَّالِث قَوْله وَلَو كَانَ ذَلِك مُمكنا لَكَانَ ظهر أَثَره فِي حل النِّكَاح هَذَا غير لَازم فَإِن الشَّيْء قد يكون مُمكنا ويتخلف لمَانع فَإِن المجوسيات والوثنيات الْعلُوق فِيهِنَّ مُمكن وَلَا يحل نِكَاحهنَّ وَكَذَلِكَ الْمَحَارِم وَمن يحرم من الرَّضَاع وَالْمَانِع فِي كل مَوضِع بِحَسبِهِ وَالْمَانِع من جَوَاز النِّكَاح بَين الْإِنْس وَالْجِنّ عِنْد من مَنعه إِمَّا اخْتِلَاف الْجِنْس عِنْد بَعضهم أَو عدم حُصُول الْمَقْصُود على مَا نبينه أَو عدم حُصُول الْإِذْن من الشَّرْع فِي نكاحهم أما اخْتِلَاف الْجِنْس فَظَاهر مَعَ قطع النّظر عَن إِمْكَان الوقاع وَإِمْكَان الْعلُوق واما عدم حُصُول الْمَقْصُود من النِّكَاح فَنَقُول إِن الله امتن علينا بِأَن خلق لنا من أَنْفُسنَا أَزْوَاجًا لنسكن إِلَيْهَا وَجعل بَيْننَا مَوَدَّة وَرَحْمَة فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء} وَقَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة وَرَحْمَة إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون} وَقَالَ تَعَالَى {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} وَالْجِنّ لَيْسُوا من أَنْفُسنَا فَلم يَجْعَل مِنْهُم أَزوَاج لنا فَلَا يكونُونَ لنا أَزْوَاجًا لفَوَات الْمَقْصُود من حل النِّكَاح من بني آدم وَهُوَ سُكُون اُحْدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الآخر لِأَن الله تَعَالَى أخبر أَنه جعل لنا من أَنْفُسنَا أَزْوَاجًا لنسكن إِلَيْهَا فالمانع الشَّرْعِيّ حِينَئِذٍ من جَوَاز النِّكَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 بَين الْإِنْس وَالْجِنّ عدم سُكُون أحد الزَّوْجَيْنِ إِلَى الآخر إِلَّا أَن يكون عَن عشق وَهوى مُتبع من الْإِنْس وَالْجِنّ فَيكون إقدام الْإِنْسِي على نِكَاح الجنية للخوف على نَفسه وَكَذَلِكَ الْعَكْس إِذْ لَو لم يقدموا على ذَلِك لآذوهم وَرُبمَا أتلفوهم الْبَتَّةَ وَمَعَ هَذَا فَلَا يزَال الْإِنْسِي فِي قلق وَعدم طمأنينة وَهَذَا يعود على مَقْصُود النِّكَاح بِالنَّقْضِ وَأخْبر الله تَعَالَى أَنه جعل بَين الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّة وَرَحْمَة وَهَذَا مُنْتَفٍ بَين الْإِنْس وَالْجِنّ لِأَن الْعَدَاوَة بَين الْإِنْس وَالْجِنّ لَا تَزُول بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّاعُون وخز أعدائكم من الْجِنّ وَلِأَن الْجِنّ خلقُوا من نَار السمُوم فهم تابعون لأصلهم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي مُوسَى قَالَ احْتَرَقَ بَيت فِي الْمَدِينَة على أَهله بِاللَّيْلِ فَحدث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشأنهم فَقَالَ إِن هَذِه النَّار إِنَّمَا هِيَ عَدو لكم فَإِذا نمتم فاطفئوها عَنْكُم فَإِذا كَانَت النَّار عدوا لنا فَمَا خلق مِنْهَا فَهُوَ تَابع لَهَا فِي الْعَدَاوَة لنا لِأَن الشَّيْء يتبع أَصله فَإِذا انْتَفَى الْمَقْصُود من النِّكَاح وَهُوَ سُكُون أحد الزَّوْجَيْنِ إِلَى الآخر وَحُصُول الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة بَينهمَا انْتَفَى مَا هُوَ وَسِيلَة اليه وَهُوَ جَوَاز النِّكَاح وَأما عدم حُصُول الْإِذْن من الشَّرْع فِي نكاحهم فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} وَالنِّسَاء اسْم للإناث من بَنَات آدم خَاصَّة وَالرِّجَال إِنَّمَا أطلق على الْجِنّ لأجل مُقَابلَة اللَّفْظ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنه كَانَ رجال من الْإِنْس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} وَقَالَ تَعَالَى {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} وَقَالَ تَعَالَى {إِلَّا على أَزوَاجهم} فأزواج بني آدم من الْأزْوَاج الْمَخْلُوقَات لَهُم من أنفسهم الْمَأْذُون فِي نِكَاحهنَّ وَمَا عداهن فليسوا لنا بِأَزْوَاج وَلَا مَأْذُون لنا فِي نِكَاحهنَّ وَالله أعلم هَذَا مَا تيَسّر لي فِي الْجَواب وَفتح الله عَليّ بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فصل وَأما وُقُوع ذَلِك فَقَالَ أَبُو سعيد عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب اتِّبَاع السّنَن وَالْأَخْبَار حَدثنَا مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ حَدثنَا أَبُو الْأَزْهَر حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنِي شيخ من نجيل قَالَ علق رجل من الْجِنّ جَارِيَة لنا ثمَّ خطبهَا إِلَيْنَا وَقَالَ إِنِّي أكره أَن أنال مِنْهَا محرما فزوجناها مِنْهُ قَالَ فَظهر مَعنا يحدثنا فَقُلْنَا مَا أَنْتُم فَقَالَ أُمَم أمثالكم وَفينَا قبائل كقبائلكم قُلْنَا فَهَل فِيكُم هَذِه الْأَهْوَاء قَالَ نعم فِينَا من كل الْأَهْوَاء الْقَدَرِيَّة والشيعة والمرجئة قُلْنَا من أَيهَا أَنْت قَالَ من المرجئة وَقَالَ أَحْمد بن سُلَيْمَان النجاد فِي أَمَالِيهِ حَدثنَا عَليّ بن الْحسن بن سُلَيْمَان ابي الشعناء الْحَضْرَمِيّ أحد شُيُوخ مُسلم حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة سَمِعت الاعمش يَقُول تزوج إِلَيْنَا جني فَقلت لَهُ مَا أحب الطَّعَام إِلَيْكُم فَقَالَ الْأرز قَالَ فأتيناه بِهِ فَجعلت أرى اللقم ترفع وَلَا أرى أحدا فَقلت فِيكُم من هَذِه الْأَهْوَاء الَّتِي فِينَا قَالَ نعم قلت فَمَا الرافضة فِيكُم قَالَ شَرنَا قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي تغمده الله برحمته هَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى الْأَعْمَش وَقَالَ ابو بكر الخرائطي حَدثنَا ابو بكر أَحْمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي حَدثنَا دَاوُد الصَّفَدِي حَدثنَا ابو مُعَاوِيَة الضَّرِير عَن الْأَعْمَش قَالَ شهِدت نِكَاحا للجن بكوني قَالَ وَتزَوج رجل مِنْهُم إِلَى الْجِنّ فَقيل لَهُم أَي الطَّعَام أحب إِلَيْكُم قَالُوا الْأرز قَالَ الْأَعْمَش فَجعلُوا يأْتونَ بالجفان فِيهَا الْأرز فَيذْهب وَلَا نرى الْأَيْدِي وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن أبي شيبَة فِي كتاب القلائد لَهُ فَقَالَ حَدثنَا أُميَّة سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان الْجوزجَاني حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش بِنَحْوِهِ وَقَالَ بكر بن ابي الدُّنْيَا حَدثنِي عبد الرَّحْمَن حَدثنَا عمر حَدثنَا ابو يُوسُف السرُوجِي قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى رجل بِالْمَدِينَةِ فَقَالَت إِنَّا نزلنَا قَرِيبا مِنْكُم فتزوجني قَالَ فَتَزَوجهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ثمَّ جَاءَت إِلَيْهِ فَقَالَت قد حَان رحلينا فطلقني فَكَانَت تَأتيه بِاللَّيْلِ فِي هَيْئَة امْرَأَة قَالَ فَبينا هُوَ فِي بعض طرق الْمَدِينَة إِذْ رَآهَا تلْتَقط حبا مِمَّا يسْقط من أَصْحَاب الْحبّ قَالَ أفتبتغينه فَوضعت يَدهَا على رَأسهَا ثمَّ رفعت عينهَا إِلَيْهِ فَقَالَت لَهُ باي عين رَأَيْتنِي قَالَ بِهَذِهِ فأومأت بأصبعها فسالت عينه وَحدثنَا القَاضِي جلال الدّين أَحْمد بن القَاضِي حسام الدّين الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ تغمده الله برحمته قَالَ سفر وَالِدي لإحضار أَهله من الشرق فَلَا جزت البيرة ألجأنا الْمَطَر إِلَى أَن نمنا فِي مغارة وَكنت فِي جمَاعَة فَبينا أَنا نَائِم إِذا أَنا بِشَيْء يوقظني فانتبهت فَإِذا بِامْرَأَة وسط فِي النِّسَاء لَهَا عين وَاحِدَة مشقوقة بالطول فارتعبت فَقَالَت مَا عَلَيْك من بَأْس إِنَّمَا أَتَيْتُك لتتزوج ابْنة لي كَالْقَمَرِ فَقلت لخوفي مِنْهَا على خيرة الله تَعَالَى ثمَّ نظرت فَإِذا بِرِجَال قد أَقبلُوا فنظرتهم فَإِذا هم كَهَيئَةِ الْمَرْأَة الَّتِي أَتَتْنِي عيونهم كلهَا مشقوقة بالطول فِي هَيْئَة قَاض وشهود فَخَطب القَاضِي وَعقد فَقبلت ثمَّ نهضوا وعادت الْمَرْأَة وَمَعَهَا جَارِيَة حسناء إِلَّا أَن عينهَا مثل عين أمهَا وتركتها عِنْدِي وانصرفت فَزَاد خوفي واستيحاشي وَبقيت أرمى من كَانَ عِنْدِي بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يستيقظوا فَمَا انتبه مِنْهُم أحد فاقبلت على الدُّعَاء والتضرع ثمَّ آن الرحيل فرحلنا وَتلك الشَّابَّة لَا تُفَارِقنِي فدمت على هَذَا ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع أَتَتْنِي الْمَرْأَة وَقَالَت كَأَن هَذِه الشَّابَّة مَا أعجبتك وكأنك تحب فراقها فَقلت أَي وَالله قَالَت فَطلقهَا فطلقتها فَانْصَرَفت ثمَّ لم أرهما بعد وَهَذِه الْحِكَايَة كَانَت تذكر عَن القَاضِي جلال الدّين فحكيتها للْقَاضِي الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن فضل الله الْعمريّ تغمده الله برحمته فَقَالَ أَنْت سَمعتهَا من القَاضِي جلال الدّين فَقلت لَا فَقَالَ أُرِيد أَن أسمعها مِنْهُ فمضينا إِلَيْهِ وَكنت أَنا السَّائِل لَهُ عَنْهَا فحكاها كَمَا ذكرتها إِلَى آخرهَا فَسَأَلت القَاضِي شهَاب الدّين هَل أفْضى إِلَيْهَا فَزعم أَن لَا وَقد ألحق القَاضِي شهَاب الدّين هَذِه الْحِكَايَة فِي تَرْجَمَة القَاضِي جلال الدّين فِي كتاب مسالك الْأَبْصَار بِخَطِّهِ على حَاشِيَة الْكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 هَل كَانَ ابوا بلقيس من الْجِنّ وَقد قيل إِن أحد أَبَوي بلقيس كَانَ جنيا قَالَ الْكَلْبِيّ كَانَ أَبوهَا من عُظَمَاء الْمُلُوك وَولده مُلُوك الْيمن كلهَا وَكَانَ يَقُول لَيْسَ فِي مُلُوك الْأَطْرَاف من يدانيني فَتزَوج امْرَأَة من الْجِنّ يُقَال لَهَا رَيْحَانَة بنت السكن فَولدت لَهُ بلقيس وَتسَمى بلقمة وَيُقَال إِن مُؤخر قدميها كَانَ مثل حافر الدَّابَّة وَلذَلِك اتخذ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الصرح الممرد من قَوَارِير وَكَانَ بَيْتا من زجاج يخيل للرائي أَنه يضطرب فَلَمَّا رَأَتْهُ كشفت عَن سَاقيهَا فَلم ير غير شعر خَفِيف ولذك أَمر بإحضار عرشها ليختبر عقلهَا بِهِ ثمَّ أسلمت وعزم سُلَيْمَان على تَزْوِيجهَا فَأمر الشَّيَاطِين فاتخذوا الْحمام والنورة وَهُوَ أول من اتخذ الْحمام والنورة وطلوا بالنورة سَاقيهَا فَصَارَ كالفضة فَتَزَوجهَا وأرادت مِنْهُ ردهَا إِلَى ملكهَا فَفعل ذَلِك وَأمر الشَّيَاطِين فبنوا لَهَا بِالْيمن الْحُصُون الَّتِى لم ير مثلهَا وهى غمدان ونينوى وَغَيرهمَا وأبقاها على ملكهَا وَكَانَ يزورها فِي كل شهر مرّة على الْبسَاط وَالرِّيح وبقى ملكهَا إِلَى أَن مَاتَ فَزَالَ بِمَوْتِهِ قَالَ أَبُو مَنْصُور الثعالبي فِي فقه اللُّغَة وَيُقَال للمتولد بَين الإنسى والجنية الخس وللمتولد بَين الآدمى والسعلاة العملوق فصل وَأما الْمقَام الثانى أهوَ مَشْرُوع أم لَا فقد روى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النهى عَنهُ وروى عَن جمَاعَة من التَّابِعين كَرَاهَته قَالَ حَرْب الكرمانى فِي مسَائِله عَن أَحْمد وَإِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى القطيعى حَدثنَا بشر بن عمر حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزهرى قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نِكَاح الْجِنّ وَهُوَ مُرْسل وَفِيه ابْن لَهِيعَة حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن الْحجَّاج عَن الحكم أَنه كره نِكَاح الْجِنّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عُرْوَة حَدَّثَنى سُلَيْمَان بن قُتَيْبَة حَدثنِي عقبَة الرومانى قَالَ سَأَلت قَتَادَة عَن تَزْوِيج الْجِنّ فكرهه وَسَأَلت الْحسن عَن تَزْوِيج الْجِنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فكرهه وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد الْقرشِي حَدثنَا بشر بن يسَار عَن عبد الله حَدثنَا أَبُو الْجُنَيْد الضَّرِير حَدثنَا عقبَة بن عبد الله أَن رجلا أَتَى الْحسن ابْن الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ يَا ابا سعيد أَن رجلا من الْجِنّ يخْطب فتاتنا فَقَالَ الْحسن لَا تزوجوه وَلَا تكرموه فاتى قَتَادَة فَقَالَ يَا ابا الْخطاب إِن رجلا من الْجِنّ يخْطب فتاة لنا فَقَالَ لَا تزوجوه وَلَكِن إِذا جَاءَ فَقولُوا إِنَّا نخرج عَلَيْك إِن كنت مُسلما لما انصرفت عَنَّا وَلم تؤذنا فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل جَاءَ الجني حَتَّى قَامَ على الْبَاب فَقَالَ أتيتم الْحسن فسألتموه فَقَالَ لكم لَا تزوجوه وَلَا تكرموه ثمَّ أتيتم قَتَادَة فسألتموه فَقَالَ لَا تزوجوه وَلَكِن قُولُوا لَهُ أَنا نخرج عَلَيْك إِن كنت رجلا مُسلما لما انصرفت عَنَّا وَلم تؤذنا فَقَالُوا لَهُ ذَلِك فَانْصَرف عَنْهُم وَلم يؤذهم وَقَالَ ابو عُثْمَان سعيد ابْن الْعَبَّاس الرَّازِيّ فِي كتاب الإلهام والوسوسة بَاب فِي نِكَاح الْجِنّ فساق مَا ذَكرْنَاهُ عَن مَالك ثمَّ قَالَ حَدثنَا أَبُو بشر بكر بن خلف حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَن الحكم أَنه كَانَ يكره نِكَاح الْجِنّ وَرَوَاهُ أَبُو حَمَّاد الْحَنَفِيّ عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَن الحكم ابْن عتيبة أَنه كره نِكَاح الْجِنّ وَقَالَ حَرْب قلت لإسحاق رجل ركب الْبَحْر فَكسر بِهِ فَتزَوج جنية قَالَ مناكحة الْجِنّ مَكْرُوهَة وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا الْفضل بن اسحاق حَدثنَا ابو قُتَيْبَة عَن عقبَة الاصم وَقَتَادَة وسئلا عَن تَزْوِيج الْجِنّ فكرهاه قَالَ وَقَالَ الْحسن خَرجُوا عَلَيْهِ نخرج عَلَيْك أَن تسمعنا صَوْتك أَو ترينا خلقك فَفَعَلُوا فَذهب وَقَالَ الشَّيْخ جمال الدّين السجسْتانِي من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة فِي كتاب منية الْمُفْتِي عازيا لَهُ إِلَى الفتاوي السراحية لَا تجوز المناكحة بَين الْإِنْس وَالْجِنّ وإنسان المَاء لاخْتِلَاف الْجِنْس وَذكر الشَّيْخ نجم الدّين الزَّاهدِيّ فِي قنية الْمنية سُئِلَ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن التَّزْوِيج بجنية فَقَالَ يجوز بِشُهُود رجلَيْنِ حم وعك لَا يجوز بِغَيْرِهِمَا قَالَ يصفع السَّائِل لحماقته قلت حم رمز أبي حَامِد وعك رمز عين الْأَئِمَّة الْكَرَابِيسِي وَهَذَا الَّذِي ذكره الشَّيْخ جمال الدّين السجسْتانِي من أَنه لَا يجوز المناكحة بَين الْإِنْس وَالْجِنّ وإنسان المَاء دَلِيل على إِمْكَان ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَقد روى أَبُو عبد الرَّحْمَن الْهَرَوِيّ فِي كتاب الْعَجَائِب مَا يدل على إِمْكَان ذَلِك ووقوعه فَقَالَ حَدثنَا أَبُو بشر عبد الرَّحْمَن بن كَعْب ابْن البداح بن سهل بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ حَدثنِي ابْن عمي عقبَة بن الزبير بن خَارِجَة بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ عَن بعض أشياخه مِمَّن يَثِق بِهِ أَنه رأى رجلا مَعَه ابْن لَهُ فنهره ذَات يَوْم وَذكر والدته فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لَا تفعل فَإِنِّي أحَدثك سَبَب هَذَا وَسبب والدته فَذكر أَنه ركب الْبَحْر فَكسر بِهِ وَسلم على لوح فَأَقَامَ بِجَزِيرَة حينا يَأْكُل من ثَمَرهَا ويأوي إِلَى شَجَرَة من اشجارها فَبينا هُوَ ذَات لَيْلَة إِذْ خرج من الْبَحْر حوار مَعَ كل وَاحِدَة درة ترمى بهَا ثمَّ تعدو فِي إثْرهَا وضوئها حَتَّى تأخذها ولهن غنغنة كأمثال الخطاطيف قَالَ فَتحَرك مِنْهُ مَا يَتَحَرَّك من الرِّجَال وهش إلَيْهِنَّ فتعرف أمورهن وآخرهن لَيْلَة وثانية ثمَّ نزل فَقعدَ فِي أصل شَجَرَة حَيْثُ لَا يرونه فَلَمَّا خرجن غَدا فِي إثرهن فَتعلق بِشعر وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَكَانَ شعرهَا يجللها فجَاء بهَا يَقُودهَا حَتَّى شدها بِأَصْل الشَّجَرَة ثمَّ وَطئهَا فَحملت مِنْهُ بِهَذَا الْغُلَام فَلم يزل يعذبها حَتَّى أَرْضَعَتْه سنة ثمَّ هم بحلها فكره ذَلِك وَقَالَ حَتَّى يبلغ الْفِطَام وَيَأْكُل وَهِي فِي خلال ذَلِك تحمل الْغُلَام فَرحا بِهِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم فَرحا أَنَّهَا قد ألفته وَأَنَّهَا لَا تَبْرَح فَحلهَا فاستغفلته وَخرجت تعدو حَتَّى القت نَفسهَا فِي الْبَحْر وَبَقِي الصَّبِي فِي يَدَيْهِ فَلم يكن باسرع من أَن مر بِهِ مركب فلوح لَهُ ففر بِهِ وَخرج إِلَى بِلَاده فَهَذِهِ قصَّة هَذَا الْغُلَام قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحسن بن عَليّ الْإِسْنَوِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ فِي جملَة مسَائِله الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أَبَا الْقَاسِم هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن الْبَارِزِيّ مَسْأَلَة هَل يجوز الزواج من الْجِنّ عِنْد الْإِرَادَة أم يمْنَع بَينه وَبَين ذَلِك إِذا أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة من الْجِنّ عِنْد فرض إِمْكَانه فَهَل يجوز ذَلِك أم يمْتَنع فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا} الْبَارِزِيّ بِأَن جعل ذَلِك من جنس مَا يؤلف فَإِن جَوَّزنَا ذَلِك وَهُوَ الْمَذْكُور فِي شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الْوَجِيز المعزي إِلَى ابْن يُونُس فتتفرع مِنْهُ أَشْيَاء مِنْهَا أَنه هَل يجبرها على مُلَازمَة الْمسكن أم لَا وَهل لَهُ منعهَا من التشكل فِي غير صُورَة الْآدَمِيّين عِنْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ لانه قد تحصل النفرة أم لَا وَهل يعْتَمد عَلَيْهَا فِيمَا يتَعَلَّق بِشُرُوط صِحَة النِّكَاح من أَمر وَليهَا وخلوها عَن الْمَوَانِع أم لَا وَهل يجوز قبُول ذَلِك من قاضيهم أم لَا وَهل إِذا رَآهَا فِي صُورَة غير الَّتِي يألفها وَادعت أَنه هِيَ هَل يعْتَمد عَلَيْهَا وَيجوز لَهُ وَطْؤُهَا أم لَا وَهل يُكَلف الْإِتْيَان بِمَا يألفونه من قوتهم كالعظم وَغَيره إِذا أمكن الاقتيات بِغَيْرِهِ أم لَا الْجَواب على السَّائِل لَا يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج من الْجِنّ امْرَأَة لعُمُوم الْآيَتَيْنِ الكريمتين قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النَّحْل {وَالله جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} وَفِي سُورَة الرّوم {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي معنى الْآيَتَيْنِ {جعل لكم من أَنفسكُم} أَي من جنسكم ونوعكم وعَلى خَلقكُم كَمَا قَالَ تَعَالَى {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} أَي من الْآدَمِيّين وَلِأَن اللائي يحل نِكَاحهنَّ بَنَات العمومة وَبَنَات الخئولة فَدخل فِي ذَلِك من هِيَ فِي نِهَايَة الْبعد كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من آيَة الْأَحْزَاب فِي قَوْله {وَبَنَات عمك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك} والمحرمات غَيْرهنَّ وَهن الْأُصُول وَالْفُرُوع وفروع أول الاصول وَأول فرع من بَاقِي الْأُصُول كَمَا فِي آيَة التَّحْرِيم فِي النِّسَاء فَهَذَا كُله فِي النّسَب وَلَيْسَ بَين الْآدَمِيّين وَالْجِنّ نسب وَأما الْجِنّ فَيجب الْإِيمَان بوجودهم وَقد صَحَّ أَنهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون وَقيل إِن أم بلقيس كَانَت من الْجِنّ وَقيل إِنَّهُم يشاركون الرجل فِي المجامعة إِذا لم يذكر اسْم الله تَعَالَى وَينزل فِي الْمَرْأَة وَهُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى {وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} وَهُوَ الْمَفْهُوم من قَوْله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَفِي الحَدِيث من سنَن ابي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه قدم وَفد الْجِنّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا مُحَمَّد إِنَّه أمتك أَن يستنجوا بِعظم أَو رَوْث أَو حممة فَإِن الله تَعَالَى جَاعل لنا فِيهَا رزقا وَفِي صَحِيح مُسلم فَقَالَ كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بَعرَة علف لدوابكم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تستنجوا بهما فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ من الْجِنّ وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ فَقلت مَا بَال الْعظم والروث قَالَ هما طَعَام الْجِنّ وَأَنه أَتَانِي وَفد جن نَصِيبين وَنعم الْجِنّ فسألوني الزَّاد فدعوت الله تَعَالَى أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا رَوْثَة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا طَعَاما قلت وَالظَّاهِر عَن الْأَعْمَش جَوَازه لأَنا قدمنَا عَنهُ أَنه حصر نِكَاحا للجن بكوثى قَالَ وَتزَوج رجل مِنْهُم إِلَى الْجِنّ وَقَوله فِيمَا صَحَّ عَنهُ تزوج إِلَيْنَا جني فَسَأَلته إِلَى آخِره دَلِيل على أَنه كَانَ جَائِزا عِنْده إِذْ لَو كَانَ حَرَامًا لما حَضَره وَقد روى عَن زيد الْعَمى أَنه قَالَ اللَّهُمَّ ارزقني جنية أَتَزَوَّجهَا قيل لَهُ يَا أَبَا الْحوَاري وَمَا تصنع بهَا قَالَ تصحبني فِي اسفاري حَيْثُ كنت كَانَت معي رَوَاهُ حَرْب عَن اسحاق اخبرني مُحرز شيخ من اهل مروثقة قَالَ سَمِعت زيد الْعمي يَقُول فَذكره وَقد قدمنَا أَن ظَاهر قَول مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ مَا أرى بذلك بَأْسا فِي الدّين يدل على جَوَازه عِنْده وَإِنَّمَا كرهه لِمَعْنى آخر هُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَكْس وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الْبَاب الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي بَيَان تعرض الْجِنّ لِنسَاء الْإِنْس قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُعَاوِيَة الْقرشِي حَدثنَا ابو عَامر الضَّرِير حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن دَاوُد بن هِنْد عَن سماك ابْن حَرْب عَن جرير بن عبد الله قَالَ إِنِّي لأسير بتستر فِي طَرِيق من طرقها وَقت الَّذِي فتحت إِذْ قلت لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ فسمعني هربذ من أُولَئِكَ الهرابذة فَقَالَ مَا سَمِعت هَذَا الْكَلَام من أحد مُنْذُ سمعته من السَّمَاء قَالَ قلت فَكيف ذَلِك قَالَ إِنِّي كنت رجلا أفد على الْمُلُوك أفد على كسْرَى وَقَيْصَر فوفدت عَاما على كسْرَى فخلفني فِي أَهلِي شَيْطَان يكون على صُورَتي فَلَمَّا قدمت لم يهش أَهلِي كَمَا يهش أهل الْغَائِب إِلَى غائبهم فَقلت مَا شَأْنكُمْ فَقَالُوا إِنَّك لم تغب قَالَ قلت وَكَيف ذَلِك قَالَ فَظهر لي فَقَالَ اختر أَن يكون لَك مِنْهَا يَوْم ولي يَوْم قَالَ فَأَتَانِي يَوْمًا فَقَالَ إِنَّه مِمَّن يسترق السّمع وَإِن استراق السّمع بَيْننَا نوب وَأَن نوبتي اللَّيْلَة فَهَل لَك أَن تجئ مَعنا قلت نعم فَلَمَّا أَمْسَى أَتَانِي فَحَمَلَنِي على ظَهره فَإِذا لَهُ معرفَة كمعرفة الْخِنْزِير فَقَالَ لي استمسك فَإنَّك ترى أمورا وأهوالا فَلَا تُفَارِقنِي فتهلك قَالَ ثمَّ عرجوا حَتَّى لَحِقُوا بالسماء قَالَ فَسمِعت قَائِلا يَقُول لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا شَاءَ لم يكن قَالَ فلحق بهم فوقعوا من وَرَاء الْعمرَان فِي غِيَاض وَشَجر قَالَ فَحفِظت الْكَلِمَات فَلَمَّا أَصبَحت أتيت أَهلِي وَكَانَ إِذا جَاءَ قلتهن فنضطرب حَتَّى يخرج من كوَّة الْبَيْت فَلم أزل أقولهن حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 انْقَطع عني حَدثنَا الْحسن بن جهور حَدثنِي ابْن ابي إلْيَاس حَدثنِي أبي عباد بن اسحاق عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ بَينا أَنا بِفنَاء دَاري إِذْ جَاءَنِي رَسُول زَوْجَتي فَقَالَ أجب فُلَانَة فاستنكرت ذَلِك فَدخلت فَقلت مَه فَقَالَت إِن هَذِه الْحَيَّة وأشارت إِلَيْهَا كنت أَرَاهَا بالبادية إِذا خلوت ثمَّ مكثت لَا أَرَاهَا حَتَّى رَأَيْتهَا الْآن وَهِي هِيَ أعرفهَا بِعَينهَا قَالَ فَخَطب سعد خطْبَة حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِنَّك قد آذيتني وَإِنِّي أقسم لَك بِاللَّه إِن رَأَيْتُك بعد هَذَا لأَقْتُلَنك فَخرجت الْحَيَّة فانسابت من الْبَيْت ثمَّ من بَاب الدَّار وَأرْسل سعد مَعهَا إنْسَانا فَقَالَ انْظُر أَيْن تذْهب فتبعها حَتَّى جَاءَت الْمَسْجِد ثمَّ جَاءَت مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرقت فِيهِ مصعدة إِلَى السَّمَاء حَتَّى غَابَتْ وَفِي الْبَاب عدَّة أَخْبَار مفرقة فِي الْأَبْوَاب الْآتِيَة حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ التَّبْوِيب كزيادة فِي كل خبر وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْبَاب الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي منع بعض الْجِنّ بَعْضًا من التَّعَرُّض لِنسَاء الْإِنْس قَالَ الْقرشِي فِي مكايد الشَّيْطَان حَدثنِي ابو سعيد الْمَدِينِيّ حَدثنِي اسماعيل بن أبي أويس حَدثنِي مُحَمَّد بن حسن حَدثنِي ابراهيم بن هَارُون ابْن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِيَاس بن البكير اللَّيْثِيّ حَدثنِي أبي عَن حسن بن حسن قَالَ دخلت على الرّبيع بنت معوذ بن عفراء أسألها عَن بعض الشَّيْء فَقَالَت بَينا أَنا فِي مجلسي إِذْ انْشَقَّ سقفي فهبط على مِنْهُ أسود مثل الْجمل أَو مثل الْحمار لم أر مثل سوَاده وخلقه وفظاعته قَالَت فَدَنَا مني يُرِيدنِي وتبعته صحيفَة صَغِيرَة فَفَتحهَا فقرأها فَإِذا فِيهَا من رب عكب إِلَى عكب أما بعد فَلَا سَبِيل لَك إِلَى الْمَرْأَة الصَّالِحَة بنت الصَّالِحين قَالَ فَرجع من حَيْثُ جَاءَ وَأَنا انْظُر إِلَيْهِ قَالَ حسن بن حسن فأرتني الْكتاب وَكَانَ عِنْدهم حَدثنِي أَبُو جَعْفَر الْكِنْدِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن صرمة الْأنْصَارِيّ عَن يحيى بن سعيد قَالَ لما حضرت عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْوَفَاة اجْتمع عِنْدهَا أنَاس من التَّابِعين فيهم عُرْوَة بن الزبير وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَأَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن فَبينا هم عِنْدهَا وَقد أُغمي عَلَيْهَا إِذْ سمعُوا نفيضا من السّقف إِذْ ثعبان أسود قد سقط كَأَنَّهُ جذع عَظِيم فاقبل يهوي نَحْوهَا إِذْ سقط رق أَبيض مَكْتُوب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من رب عكب إِلَى عكب لَيْسَ لَك على بَنَات الصَّالِحين سَبِيل فَلَمَّا نظر إِلَى الْكتاب سما حَتَّى خرج من حَيْثُ نزل حَدثنِي مُحَمَّد بن قدامَة حَدثنَا عمر بن يُونُس اليمامي الْحَنَفِيّ قَالَ حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار حَدثنِي اسحاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة قَالَ حَدثنِي أنس بن مَالك قَالَ كَانَت ابْنة عَوْف بن عفراء مستلقية على فراشها فَمَا شَعرت إِلَّا بزنجي قد وثب على صدرها وَوضع يَده فِي حلقها فَإِذا صحيفَة صفراء تهوي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى وَقعت على صَدْرِي فَأَخذهَا فقرأها فَإِذا فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 من رب لكين إِلَى لكين اجْتنب ابْنة العَبْد الصَّالح فَإِنَّهُ لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا فَقَامَ وَأرْسل بِيَدِهِ من حلقي وَضرب بِيَدِهِ على ركبتي فاستورمت حَتَّى صَارَت مثل راس الشَّاة قَالَت فَأتيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَذكرت ذَلِك لَهَا فَقَالَت يَا ابْنة أخي إِذا خفت فاجمعي عَلَيْك ثِيَابك فَإِنَّهُ لن يَضرك إِن شَاءَ الله قَالَ فحفظها الله بأبيها فَإِنَّهُ كَانَ قتل يَوْم بدر شَهِيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ فِي بَيَان حكم وَطْء الجني الأنسية هَل يُوجب عَلَيْهَا الْغسْل أم لَا ذكر فِي الفتاوي الظَّهِيرِيَّة قَالَ وَفِي صَلَاة ابْن عَبدك امْرَأَة قَالَت معي جني يأتيني فِي الْيَوْم مرَارًا وَأَجد فِي نَفسِي مَا أجد إِذا جامعني زَوجي لَا غسل عَلَيْهَا وَذكر أَبُو المعالى بن منجي الْحَنْبَلِيّ فِي كتاب شرح الْهِدَايَة لِابْنِ الْخطاب الْحَنْبَلِيّ فِي امْرَأَة قَالَت إِن جنيا يأتيني كَمَا يَأْتِي الرجل الْمَرْأَة فَهَل يجب عَلَيْهَا غسل قَالَ بعض الْحَنَفِيَّة لَا غسل عَلَيْهَا أَو كَذَا قَالَ ابو الْمَعَالِي لَو قَالَت امْرَأَة معي جني كَالرّجلِ لَا غسل عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَببه وَهُوَ الْإِيلَاج والاحتلام فَهُوَ كالمنام بِغَيْر إِنْزَال قلت وَفِيمَا قَالَه من التَّعْلِيل نظر لِأَنَّهَا إِذا كَانَت تعرف أَنه يُجَامِعهَا كَالرّجلِ فَكيف تَقول يجامعني وَلَا إيلاج وَلَا احْتِلَام وَإِذا انْعَدم السَّبَب وَهُوَ الْإِيلَاج والاحتلام فَكيف يُوجد الْجِمَاع وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي أَن المخنثين أَوْلَاد الْجِنّ قَالَ الطرطوسي فِي كتاب تَحْرِيم الْفَوَاحِش بَاب من أَي شَيْء يكون المخنث حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد القَاضِي حَدثنَا ابْن أخي ابْن وهب حَدثنِي عمي عَن يحيى عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ المخنثون أَوْلَاد الْجِنّ قيل لِابْنِ عَبَّاس كَيفَ ذَلِك قَالَ ان الله عز وَجل وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهيا أَن يَأْتِي الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَإِذا أَتَاهَا سبقه إِلَيْهَا الشَّيْطَان فَحملت فَجَاءَت بالمخنث وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الْبَاب الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ فِي حكم الْمَرْأَة إِذا اخْتَطَف الْجِنّ زَوجهَا قَالَ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا حَدثنِي اسماعيل بن اسحاق حَدثنَا خَالِد ابْن الْحَارِث حَدثنَا سعيد بن ابي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أبي نصْرَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَن رجلا من قومه خرج ليُصَلِّي مَعَ قومه صَلَاة الْعشَاء ففقد فَانْطَلَقت امْرَأَته إِلَى عمر بن الْخطاب فَحَدَّثته بذلك فَسَأَلَ عَن ذَلِك قَومهَا فصدقوها فَأمرهَا أَن تَتَرَبَّص أَربع سِنِين فتربصت ثمَّ أَتَت عمر فَأَخْبَرته بذلك فَسَأَلَ عَن ذَلِك قَومهَا فصدقوها فَأمرهَا أَن تتَزَوَّج ثمَّ أَن زَوجهَا الأول قدم فَارْتَفعُوا إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر يغيب أحدكُم الزَّمَان الطَّوِيل لَا يعلم أَهله حَيَاته قَالَ كَانَ لي عذر قَالَ وَمَا عذرك قَالَ خرجت أُصَلِّي مَعَ قومِي صَلَاة الْعشَاء فسبتني أَو قَالَ أصابتني الْجِنّ فَكنت فيهم زَمنا طَويلا فغزاه جن مُؤمنُونَ فقاتلوهم فظهروا عَلَيْهِم فَأَصَابُوا لَهُم سَبَايَا فَكنت فِيمَن أَصَابُوا فَقَالُوا مَا دينك قلت مُسلم قَالُوا أَنْت على ديننَا لَا يحل لنا سبيك فخيروني بَين الْمقَام وَبَين القفول فاخترت القفول فَأَقْبَلُوا معي بِاللَّيْلِ بشر يحدثونني وبالنهار أعصار ريح أتبعهَا فَقَالَ فَمَا كَانَ طَعَامك قَالَ كل مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ قَالَ فَمَا كَانَ شرابك قَالَ الجدف قَالَ قَتَادَة الجدف مَا لم يخمر من الشَّرَاب قَالَ فخيره عمر رَضِي الله عَنهُ بَين الْمَرْأَة وَبَين الصَدَاق قَالَ أَيْضا وَحدثنَا أَبُو مُسلم عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة بن عَمْرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ابْن دِينَار عَن يحيى بن جعدة قَالَ انتسفت الْجِنّ رجلا على عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فَلم يدروا أَحْيَا هُوَ أم مَيتا فَأَتَت امْرَأَته عمر رَضِي الله عَنهُ فَأمرهَا أَن تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ أَمر وليه أَن يُطلق ثمَّ أمرهَا أَن تَعْتَد وتتزوج فَإِن جَاءَ زَوجهَا خير بَينهَا وَبَين الصَدَاق وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْبَاب السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ فِي النَّهْي عَن أكل مَا ذبح للجن وعَلى اسمهم قَالَ يحيى بن يحيى قَالَ لي وهب استنبط بعض الْخُلَفَاء عينا وَأَرَادَ إجراءها وَذبح للجن عَلَيْهَا لِئَلَّا يغوروا مَاؤُهَا فأطعم ذَلِك أُنَاسًا فَبلغ ذَلِك ابْن شهَاب فَقَالَ إِمَّا إِنَّه قد ذبح مَا لم يحل لَهُ وَأطْعم النَّاس مَا لَا يحل لَهُم نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل مَا ذبح للجن قَالَ الطليطلي وَأَخْبرنِي يحيى بن يحيى عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل مَا ذبح للجن وعَلى اسمهم ونقلت عَن خطّ الشَّيْخ الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر الْحَنْبَلِيّ قَالَ وَقد وَقعت هَذِه الْوَاقِعَة بِعَينهَا فِي مَكَّة سِتَّة إِجْرَاء الْعين بهَا فَأَخْبرنِي إِمَام الْحَنَابِلَة بِمَكَّة وَهُوَ الَّذِي كَانَ إجراؤها على يَده وَتَوَلَّى مباشرتها بِنَفسِهِ نجم الدّين خَليفَة بن مَحْمُود الكيلاني قَالَ لما وصل الْحفر إِلَى مَوضِع ذكره خرج أحد الحفارين من تَحت الْحفر مصروعا يتَكَلَّم فَمَكثَ كَذَلِك طَويلا فسمعناه يَقُول يَا مُسلمين لَا يحل لكم أَن تظلمونا قلت أَنا لَهُ وَبِأَيِّ شَيْء ظلمناكم قَالَ نَحن سكان هَذِه الأَرْض وَلَا وَالله مَا فيهم مُسلم غَيْرِي وَقد تَركتهم ورائي مُسلمين وَإِلَّا كُنْتُم لَقِيتُم مِنْهُم شرا وَقد أرسلوني إِلَيْكُم يَقُولُونَ لَا ندعكم تمرون بِهَذَا المَاء فِي ارضنا حَتَّى تبذلوا لنا حَقنا قلت وَمَا حقكم قَالَ تأخذون ثورا فتزينوه بأعظم زِينَة وتلبسونه وتزفونه من دَاخل مَكَّة حَتَّى تنتهوا بِهِ إِلَى هُنَا فاذبحوه ثمَّ اطرحوا لنا دَمه وأطرافه وَرَأسه فِي بِئْر عبد الصَّمد وشأنكم بباقيه وَإِلَّا فَلَا نَدع المَاء بجري فِي هَذِه الأَرْض أبدا قلت نعم أفعل ذَلِك قَالَ وَإِذا بِالرجلِ قد أَفَاق يمسح وَجهه وَعَيْنَيْهِ وَيَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله أَيْن أَنا قَالَ وَقَامَ الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 لَيْسَ بِهِ قلبة فَذَهَبت إِلَى بَيْتِي فَلَمَّا اصبحت وَنزلت أُرِيد الْمَسْجِد إِذا بِرَجُل على الْبَاب لَا أعرفهُ فَقَالَ الْحَاج خَليفَة هَهُنَا قلت وَمَا تُرِيدُ بِهِ قَالَ حَاجَة أقولها لَهُ قلت لَهُ الْحَاجة وَأَنا أبلغه إِيَّاهَا فَإِنَّهُ مَشْغُول قَالَ لي قل لَهُ إِنِّي رَأَيْت البارحة فِي النّوم ثورا عَظِيما قد زينوه بأنواع الْحلِيّ واللباس وجلوا بِهِ يزفونه حَتَّى مروا بِهِ على دَار خَليفَة فوقفوه إِلَى أَن خرج وَرَآهُ وَقَالَ نعم هُوَ هَذَا ثمَّ أقبل بِهِ يَسُوقهُ وَالنَّاس خَلفه يزفونه حَتَّى خرج بِهِ من مَكَّة فذبحوه وألقوا رَأسه وأطرافه فِي بِئْر قَالَ فعجبت من مَنَامه وحكيت الْوَاقِعَة والمنام لأهل مَكَّة وكبرائهم فاشتروا ثورا وزينوه والبسوه وَخَرجْنَا بِهِ نزفه حَتَّى انتهينا إِلَى مَوضِع الْحفر فذبحناه وألقينا رَأسه وأطرافه وَدَمه فِي الْبِئْر الَّتِي سَمَّاهَا قَالَ وَلما كُنَّا قد وصلنا إِلَى ذَلِك الْموضع كَانَ المَاء يغور فَلَا نَدْرِي أَيْن يذهب اصلا وَلَا نَدْرِي لَهُ عينا وَلَا أثرا قَالَ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن طرحنا ذَلِك فِي الْبِئْر قَالَ وَكَأَنِّي بِمن أَخذ بيَدي وأوقفني على مَكَان وَقَالَ احفروا هَهُنَا قَالَ فَحَفَرْنَا وَإِذا بِالْمَاءِ يموج فِي ذَلِك الْموضع وَإِذا طَرِيق منقورة فِي الْجَبَل يمر تحتهَا الْفَارِس بفرسه فأصلحناها ونظفناها فَجرى المَاء فِيهَا نسْمع هديره فَلم يكن إِلَّا نَحْو أَرْبَعَة أَيَّام وَإِذا بِالْمَاءِ بِمَكَّة وَأخْبرنَا من حول الْبِئْر أَنهم لم يَكُونُوا يعْرفُونَ فِي الْبِئْر مَاء يردونه فَمَا هُوَ إِلَّا أَن امْتَلَأت وَصَارَت موردا قَالَ الْعَلامَة شمس الدّين وَهَذَا نَظِير مَا كَانَ عَادَتهم قبل الْإِسْلَام من تَزْيِين جَارِيَة حسناء وإلباسها أحسن ثِيَابهَا وإلقائها فِي النّيل حَتَّى يطلع ثمَّ قطع الله تِلْكَ السّنة الْجَاهِلِيَّة على يَدي من أَخَاف الْجِنّ وقمعها عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَهَكَذَا هَذِه الْعين وأمثالها لَو حفرهَا رجل عمري يفرق مِنْهُ الشَّيْطَان لجرت على رغمهم وَلم يذبح لَهُم عُصْفُور فَمَا فَوْقه وَلَكِن لكل زمَان رجال قَالَ وَهَذَا الرجل الَّذِي أَخْبرنِي بِهَذِهِ الْحِكَايَة كنت نزيله وجاره وَخيرته فرأيته من أصدق النَّاس وأدينهم واعظمهم أَمَانَة وَأهل الْبَلَد كلمتهم وَاحِدَة على صَدَقَة وَدينه وشاهدوا هَذِه الْوَاقِعَة بعيونهم وَالله الْهَادِي للحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي رِوَايَة الْجِنّ الحَدِيث قَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا الْحسن بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن زيد حَدثنَا أَحْمد بن عمر بن جَابر الرَّمْلِيّ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن طريف حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير عَن الْأَعْمَش حَدثنِي وهب بن جَابر عَن أبي بن كَعْب قَالَ خرج قوم يُرِيدُونَ مَكَّة فأضلوا الطَّرِيق فَلَمَّا عاينوا الْمَوْت أَو كَادُوا يموتون لبسوا أكفانهم واضجعوا للْمَوْت فَخرج عَلَيْهِم جني يَتَخَلَّل الشّجر وَقَالَ أَنا بَقِيَّة النَّفر الَّذين اسْتَمعُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعته يَقُول الْمُؤمن أَخُو الْمُؤمن عينه وَدَلِيله لَا يَخْذُلهُ هَذَا المَاء وَهَذَا الطَّرِيق ثمَّ دلهم على المَاء وأرشدهم إِلَى الطَّرِيق وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد حَدثنِي أبي حَدثنَا عبد الْعَزِيز الْقرشِي أَنا اسرائيل عَن السّديّ عَن مولى عبد الرَّحْمَن بن بشر قَالَ خرج قوم حجاجا فِي إمرة عُثْمَان فَأَصَابَهُمْ عَطش فَانْتَهوا إِلَى مَاء ملح فَقَالَ بَعضهم لَو تقدمتم فَإنَّا نَخَاف أَن يُهْلِكنَا هَذَا المَاء فَإِن أمامكم المَاء فَسَارُوا حَتَّى أَمْسوا فَلم يُصِيبُوا مَاء فَقَالَ بَعضهم لبَعض لَو رجعتم إِلَى المَاء الْملح فأدلجوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى شَجَرَة سمر فَخرج عَلَيْهِم رجل أسود شَدِيد سَواد الْجِسْم فَقَالَ يَا معشر الركب إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فليحب للْمُسلمين مَا يحب لنَفسِهِ وَيكرهُ للْمُسلمين مَا يكره لنَفسِهِ فسيروا حَتَّى تنتهوا إِلَى أكمة فَخُذُوا عَن يسارها فَإِن المَاء ثمَّ فَقَالَ بعضم وَالله إِنَّا لنرى أَنه شَيْطَان وَقَالَ بَعضهم مَا كَانَ الشَّيْطَان ليَتَكَلَّم بِمثل مَا تكلم بِهِ يَعْنِي أَنه مُؤمن من الْجِنّ فصاروا حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْمَكَان الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وصف لَهُم فوجدوا المَاء ثمَّ وَقد قدمنَا فِي الْبَاب الثَّامِن عشر فِي خبر الَّذِي دَفنه عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَول الجني أشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول سَتَمُوتُ بِأَرْض فلاة فيكفنك ويدفنك رجل صَالح وَقَول الآخر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصاحبي المدفون سَتَمُوتُ فِي أَرض غربَة يدفنك فِيهَا خير أهل الأَرْض وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الْبَاب الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ فِي تحمل الْجِنّ الْعلم عَن الْإِنْس وفتواهم للإنس قَالَ أَبُو بكر الْقرشِي حَدثنِي عِيسَى بن عبيد الله التَّمِيمِي حَدثنَا أَبُو ادريس حَدثنِي أبي عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ كَانَ يلتقي هُوَ وَالْحسن الْبَصْرِيّ فِي الْمَوْسِم كل عَام فِي مَسْجِد الْخيف إِذا هدأت الرجل ونامت الْعين ومعهما جلاس لَهما يتحدثون فَبينا هما ذَات لَيْلَة يتحدثان مَعَ جلسائهما إِذْ أقبل طَائِر لَهُ حفيف حَتَّى وَقع إِلَى جَانب وهب فِي الْحلقَة فَسلم فَرد وهب عَلَيْهِ السَّلَام وَعلم أَنه من الْجِنّ ثمَّ أقبل عَلَيْهِ يحدثه فَقَالَ وهب من الرجل قَالَ رجل من الْجِنّ من مسلميهم قَالَ وهب فَمَا حَاجَتك قَالَ أَو يُنكر علينا أَن نجالسكم ونحمل عَنْكُم الْعلم إِن لكم فِينَا رُوَاة كَثِيرَة وَأَنا لنحضركم فِي اشياء كَثِيرَة من صَلَاة وَجِهَاد وعيادة مَرِيض وَشَهَادَة جَنَازَة وَحج وَعمرَة وَغير ذَلِك ونحمل عَنْكُم الْعلم ونسمع مِنْكُم الْقُرْآن قَالَ لَهُ وهب فَأَي رُوَاة الْجِنّ عنْدكُمْ أفضل قَالَ رُوَاة هَذَا الشَّيْخ واشار إِلَى الْحسن فَلَمَّا رأى الْحسن وهبا وَقد شغل عَنهُ قَالَ يَا أَبَا عبد الله من تحدث قَالَ بعض جلسائنا فَلَمَّا قاما من مجلسهما سَأَلَ الْحس وهبا فَأخْبرهُ وهب خبر الجني وَكَيف فضل رُوَاة الْحسن على غَيره قَالَ الْحسن يَا وهب أَقْسَمت عَلَيْك أَن لَا تذكر هَذَا الحَدِيث لأحد فَإِنِّي لَا آمن أَن ينزله النَّاس على غير مَا جَاءَ قَالَ وهب فَكنت ألْقى ذَلِك الجني فِي المواسم فِي كل عَام فيسألني فَأخْبرهُ وَلَقَد لَقيته عَاما فِي الطّواف فَلَمَّا قضينا طوافنا قعدت أَنا وَهُوَ فِي نَاحيَة الْمَسْجِد فَقلت لَهُ ناولني يدك فَمد يَده إِلَيّ فَإِذا هِيَ مثل برثن الهر وَإِذا عَلَيْهَا وبر ثمَّ مددت يَدي حَتَّى بلغت مَنْكِبه فَإِذا مرجع جنَاح قَالَ فأغمز يَده غمزة ثمَّ تحدثنا سَاعَة ثمَّ قَالَ لي يَا أَبَا عبد الله ناولني يدك كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ناولتك يَدي قَالَ فأقسم بِاللَّه لقد غمز يَدي غمزة حِين ناولتها إِيَّاه حَتَّى كَاد يصيحني وَضحك قَالَ وهب وَكنت ألْقى ذَلِك الجني فِي كل عَام فِي المواسم ثمَّ فقدته فَظَنَنْت أَنه مَاتَ أَو قتل قَالَ وَسَأَلَ وهب الجني أَي جهادكم كَمَا أفضل قَالَ جِهَاد بَعْضنَا بَعْضًا وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن بن شكر حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى الجندي حَدثنَا صَامت بن معاد عَن عبد الرَّحْمَن بن يحيى عَن أَبِيه يحيى بن ثَابت قَالَ كنت مَعَ حَفْص الطَّائِفِي بمنى فَإِذا شيخ أَبيض الرَّأْس واللحية يُفْتى النَّاس فَقَالَ لي حَفْص يَا أَبَا ايوب أَتَرَى هَذَا الشَّيْخ الَّذِي يُفْتى النَّاس هُوَ عفريت قَالَ فَدَنَا مِنْهُ حَفْص وَأَنا مَعَه فَلَمَّا نظرت إِلَى حَفْص وضع يَده على نَعْلَيْه ثمَّ اشْتَدَّ وَتَبعهُ الْقَوْم وَجعل يَقُول يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه عفريت الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ فِي بَيَان وعظ الْجِنّ للإنس قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنَا دَاوُد بن المحبر حَدثنَا سوَادَة بن الْأسود سَمِعت أَبَا خَليفَة الْعَبْدي قَالَ مَاتَ ابْن لي صَغِير فَوجدت عَلَيْهِ وجدا شَدِيدا وارتفع عني النّوم فوَاللَّه إِنِّي ذَات لَيْلَة لفي بَيْتِي على سَرِيرِي وَلَيْسَ فِي الْبَيْت أحد وأنى لمفكر فِي أبني إِذْ ناداني مُنَاد من نَاحيَة الْبَيْت السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله يَا خَليفَة قلت وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله قَالَ فَرُعِبْت رعْبًا شَدِيدا ثمَّ قَرَأَ آيَات من آخر سُورَة آل عمرَان حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله {وَمَا عِنْد الله خير للأبرار} ثمَّ قَالَ يَا خَليفَة قلت لبيْك قَالَ مَاذَا تُرِيدُ أَن تخص بِالْحَيَاةِ فِي ولدك دون النَّاس أفأنت أكْرم على الله أم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ أبنه إِبْرَاهِيم فَقَالَ تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب أم تُرِيدُ أَن تدفع الْمَوْت عَن ولدك وَقد كتب على جَمِيع الْخلق أم تُرِيدُ أَن تسخط على الله وَترد فِي تَدْبيره خلقه وَالله لَوْلَا الْمَوْت مَا وسعتهم الأَرْض وَلَوْلَا الأسى مَا انْتفع الْمَخْلُوق بعيش ثمَّ قَالَ أَلَك حَاجَة قلت من أَنْت يَرْحَمك الله قَالَ امْرُؤ من جيرانك الْجِنّ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الْبَاب الموفي أَرْبَعِينَ فِي بَيَان تكلم الْجِنّ بالحكم والقائهم الشّعْر على أَلْسِنَة الشُّعَرَاء قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي معشر حَدثنِي أبي حَدثنِي اسحاق بن عبيد الله بن ابي فَرْوَة قَالَ إِن نَفرا من الْجِنّ تَكُونُوا فِي صُورَة الْإِنْس فَأتوا رجلا فَقَالُوا أَي شَيْء أحب إِلَيْك أَن يكون لَك قَالَ الْإِبِل قَالُوا أَحْبَبْت الشَّقَاء والعناء وَطول الْبلَاء يلحقك بالغربة ويبعدك من الْأَحِبَّة فارتحلوا من عِنْده فنزلوا بآخر فَقَالُوا أَي شَيْء أحب إِلَيْك أَن يكون لَك قَالَ العبيد قَالُوا عز مُسْتَفَاد وغيظ كالأوتاد وَمَال وبعاد فارتحلوا من عِنْده فنزلوا على آخر فَقَالُوا أَي شَيْء أحب إِلَيْك أَن يكون لَك قَالَ احب الْغنم قَالُوا أَكلَة آكل ورفلة سَائل لَا تحملك فِي الْحَرْب وَلَا تلحقك فِي النهب وَلَا تنجيك من الكرب فارتحلوا من عِنْده فنزلوا على آخر فَقَالُوا أَي شَيْء أحب إِلَيْك أَن يكون لَك قَالَ أحب الاصل قَالُوا ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ نَخْلَة غناء الدَّهْر وَمَال الضح قَالَ فارتحلوا من عِنْده فنزلوا على آخر فَقَالُوا أَي شَيْء أحب إِلَيْك أَن يكون لَك قَالَ أحب الْحَرْث قَالُوا نصف الْعَيْش حِين تحرث تَجِد وَحين لَا تحرث لَا تَجِد قَالَ فارتحلوا من عِنْده فنزلوا على آخر فَقَالُوا أَي شَيْء أحب إِلَيْك أَن يكون لَك قَالَ كَمَا أَنْتُم حَتَّى اضيفكم فَجَاءَهُمْ بِخبْز فَقَالُوا قَمح يصلح ثمَّ جَاءَهُم بِلَحْم فَقَالُوا روح تَأْكُل روحا مَا قل مِنْهُ خير مِمَّا كثر قَالَ فَجَاءَهُمْ بِتَمْر وَلبن فَقَالُوا ثَمَر النخلات وَلبن البكرات كلوا باسم الله قَالَ فَأَكَلُوا قَالُوا أخبرنَا مَا أحد شَيْء وَمَا أحسن شَيْء وَمَا أطيب شَيْء رَائِحَة قَالَ أما أحد شَيْء فضرس جَائِع يقذف فِي معاء ضائع وَأما أحسن شَيْء فغادية فِي إِثْر سَارِيَة فِي أَرض رابية وَأما أطيب شَيْء رَائِحَة فريح زهر فِي أثر مطر قَالُوا فَأخْبرنَا أَي شَيْء أحب إِلَيْك أَن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 لَك قَالَ أحب الْمَوْت قَالُوا لقد تمنيت شَيْئا مَا تمناه أحد قبلك قَالَ وَلم فَإِن كنت محسنا ضمن لي إحساني وَإِن كنت مسيئا كفاني إساءتي وَإِن كنت غَنِيا فَقبل فقرى وَإِن كنت فَقِيرا ضمن لي فقري قَالُوا أوصنا وزودنا فَأخْرج إِلَيْهِم قربَة من لبن وَقَالَ هَذَا زادكم قَالُوا أوصنا قَالَ قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله يكفيكم مَا بَين أَيْدِيكُم وَمَا خلفكم فَخَرجُوا من عِنْده وهم يحزمونه على الْجِنّ وَالْإِنْس قَالَ مُحَمَّد بن أبي معشر حَدثنِي ابو النَّصْر هَاشم بن الْقَاسِم قَالَ بَلغنِي أَن الرجل الَّذِي عَلَيْهِ نزلُوا بآخرة عُوَيْمِر ابو الدَّرْدَاء فصل يُقَال للشعراء كلاب الْجِنّ قَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم ... وَقد هرت كلاب الْجِنّ منا ... وسدينا قَتَادَة من يلينا ... وَذَلِكَ لزعمهم أَن الشَّيَاطِين تلقي الشّعْر على أَفْوَاههم وَسموا الْملقى تَابِعَة وَربا قَالَ جرير ... إِنِّي ليلقى على الشّعْر مكتهل ... من الشَّيَاطِين إِبْلِيس الأباليس ... ووسموا توابعهم بأعلام قَالُوا كَانَ للأعشى مسحل ولعمرو ابْن قطن جهنام ولبشار سنقناق وَيُقَال للخلفاء والجان جند إِبْلِيس ... وَكنت فَتى من جند إِبْلِيس فارتقت ... بِي الْحَال حَتَّى صَار إِبْلِيس من جندي ... وَيُقَال للشعر رقي الشَّيَاطِين قَالَ جرير فِي عمر بن عبد الْعَزِيز ... رَأَيْت رقي الشَّيْطَان لَا يستفزه ... وَقد كَانَ شيطاني من الْجِنّ راقيا ... وَكَذَلِكَ كل مَا يتَكَلَّم بِهِ من كَلِمَات الخلابة والتحميس قَالَ ... مَاذَا يظنّ بسلمى إِذْ يلم بهَا ... مرجل الرَّأْس ذُو بردين وضاح خَز عمَامَته حُلْو فكاهته ... فِي كَفه من رقي الشَّيْطَان مِفْتَاح ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الْبَاب الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ فِي تَعْلِيم الْجِنّ الطِّبّ للإنس قَالَ صَاحب كتاب الهواتف حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن السكن حَدثنَا مُحَمَّد بن زِيَاد الْكَلْبِيّ حَدثنَا الْعَلَاء بن برد بن سِنَان عَن الْفضل بن حبيب السراج عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن النَّضر بن عَمْرو الْحَارِثِيّ قَالَ إِنَّا كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى جانبنا غَدِير فَأرْسلت ابْنَتي بِإِنَاء لتَأْتِيني بِمَاء فابطأت علينا وطلبناها فأعيتنا فأيأسونا مِنْهَا قَالَ وَالله إِنِّي ذَات لَيْلَة جَالس بِفنَاء مظلتي إِذْ طلع على شيخ فَلَمَّا دنا مني إِذا ابْنَتي قلت ابْنَتي قَالَت نعم ابْنَتك قلت أَيْن كنت أَي بنية قَالَت أَرَأَيْت لَيْلَة بعثتني إِلَى الغدير أَخَذَنِي جني فاستطار بِي فَلم أزل عِنْده حَتَّى وَقع بَينه وَبَين فريقين من الْجِنّ حَرْب فَإِنِّي أعَاهد الله إِن ظفر بهم أَن يردني عَلَيْك فظفر بهم فردني عَلَيْك فَإِذا هِيَ قد شحب لَوْنهَا وتمرط شعرهَا وَذهب لَحمهَا وأقامت عندنَا فصلحت فَخَطَبَهَا بَنو عَمها فزوجناها وَقد كَانَ الجني جعل بَينه وَبَينهَا أَمارَة إِذا رابها ريب أَن تدخن لَهُ وَأَن ابْن عَمها ذَاك عيب عَلَيْهَا وَقَالَ جنية شَيْطَانَة مَا أَنْت بأنسية فدخنت فناداه مُنَاد مَالك ولهذه لَو كنت تقدّمت إِلَيْك لفقأت عَيْنَيْك رعيتها فِي الْجَاهِلِيَّة بحسبي وَفِي الْإِسْلَام بديني فَقَالَ لَهُ الرجل أَلا تظهر بِنَا حَتَّى نرَاك قَالَ لَيْسَ ذَاك لنا أَن أَبَانَا سَأَلَ لنا ثَلَاثًا أَن نرى وَلَا نرى وَأَن نَكُون بَين أطباق الثرى وَأَن يعمر أَحَدنَا حَتَّى تبلغ ركبتاه حنكه ثمَّ يعود فَتى قَالَ فَقَالَ يَا هَذَا أَلا تصف لي دَوَاء حمى الرّبع قَالَ بلَى قَالَ مَا رَأَيْت تِلْكَ الدويبة على المَاء كَأَنَّهَا عنكبوت قَالَ بلَى قَالَ خُذْهَا ثمَّ اشْدُد على بعض قَوَائِمهَا خيطا من عهن فشده على عضدك الْيُسْرَى فَفعل قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فكأنهما نشط من عقال قَالَ فَقَالَ الرجل يَا هَذَا أَلا تصف لنا من رجل يُرِيد مَا تُرِيدُ النِّسَاء قَالَ هَل ألمت بِهِ الرِّجَال قَالَ نعم قَالَ لَو لم يفعل وصفت لَك وَقَالَ أَيْضا حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن الحكم الْهَرَوِيّ قَالَ أَنا أَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الثَّقَفِيّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن الشّعبِيّ عَن زِيَاد بن النَّضر الْحَارِثِيّ قَالَ كُنَّا فِي غَدِير لنا فِي الْجَاهِلِيَّة ومعنا رجل من الْحَيّ يُقَال لَهُ عَمْرو بن مَالك وَمَعَهُ ابْنة لَهُ شَابة رَود فَقَالَ أَي بنية خذي هَذِه الصفحة فَأتى الغدير فأتينى من مَائه فوفاها عَلَيْهِ جَان فاختطفها فَذهب بهَا فافتقدها أَبوهَا فَنَادَى فِي الْحَيّ فخرجنا على كل صَعب وَذَلُول وسلكنا كل شعب ونقب وَطَرِيق فَلم نجد لَهَا أثرا فَلَمَّا كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب إِذا هِيَ قد جَاءَت قد عَفا شعرهَا وأظفارها فَقَامَ إِلَيْهَا أَبوهَا يلثمها وَيَقُول أَي بنية أَيْن كنت وَأَيْنَ نبت بك الأَرْض قَالَت أَتَذكر لَيْلَة الغدير قَالَ نعم قَالَت فَإِنَّهُ وافاني عَلَيْهِ جَان فاختطفني فَذهب بِي فَلم أزل فيهم وَالله مَا نَالَ مني محرما حَتَّى إِذا جَاءَ الْإِسْلَام غزوا قوما مُشْرِكين مِنْهُم أَو غزاهم قوم مشركون مِنْهُم فَجعل الله عَلَيْهِ إِن هُوَ ظفر وَأَصْحَابه أَن يردني على أَهلِي فظفر هُوَ وَأَصْحَابه فَحَمَلَنِي فاصبحت وَأَنا أنظر اليكم وَجعل بيني وَبَينه أَمارَة إِذا احتجت إِلَيْهِ أَن أولول بصوتي قَالَ فَأخذُوا بشعرها وأظفارها ثمَّ زَوجهَا أَبوهَا شَابًّا من الْحَيّ فَوَقع بَينهَا وَبَينه مَا يَقع بَين الرجل وَزَوجته فَقَالَ يَا مَجْنُونَة إِنَّمَا نشأت فِي الْجِنّ فولولت بصوتها فَإِذا هَاتِف يَهْتِف بِنَا يَا معشر بني الْحَارِث اجْتَمعُوا وَكُونُوا أَحيَاء كراما قُلْنَا يَا هَذَا نسْمع صَوتا وَلَا نرى شَيْئا قَالَ أَنا رب فُلَانَة رعيتها فِي الْجَاهِلِيَّة بحسبي وحفظتها فِي الْإِسْلَام بديني وَالله مَا نلْت مِنْهَا محرما قطّ إِنِّي كنت فِي أَرض فلَان سَمِعت نبأة من صَوتهَا فَتركت مَا كنت فِيهِ ثمَّ أَقبلت فسألتها فَقَالَت عيرني صَاحِبي أَنِّي كنت فِيكُم قَالَ أما وَالله لَو كنت تقدّمت إِلَيْهِ لفقأت عَيْنَيْهِ فتقدموا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ أَي قل اظهر لنا نكافئك فلك عندنَا الْجَزَاء والمكافأة فَقَالَ إِن أَبَانَا سَأَلَ أَن نرى وَلَا نرى وان لَا نخرج من تَحت الثرى وَأَن يعود شَيخنَا فَتى فَقَالَت لَهُ عَجُوز من الْحَيّ أَي قل بنية لي أصابتها حمى الرّبع فَهَل لنا عنْدك من دَوَاء فَقَالَ على الْخَبِير سَقَطت انظري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 إِلَى ذُبَاب المَاء الطَّوِيل القوائم الَّذِي يكون على أَفْوَاه الْأَنْهَار فَخذي سَبْعَة ألوان مِنْهُنَّ من اصفره وأحمره وأخضره وأسوده فاجعليه فِي وسط ذَلِك ثمَّ افتليه بَين أصبعك ثمَّ اعقديه على عضدها الْيُسْرَى فَفعلت فَكَأَنَّمَا نشطت من عقال وَقَالَ ابْن ابي الدُّنْيَا حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْهَرَوِيّ أَنا هشيم أَنا مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ عرض جَان لإِنْسَان مرّة وَكَانَ الَّذِي عرض لَهُ مُسلم فعولج فَتَركه وَتكلم فَقَالَ هَل عنْدك من حمى الرّبع شَيْء قَالَ نعم تعمدوا إِلَى ذُبَاب المَاء فتعقد فِيهِ خيطا من عهن ثمَّ تجْعَل فِي عضده فَهَذَا من حمى الرّبع وَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة حَدثنَا ابراهيم بن سُلَيْمَان أَبُو اسماعيل الْمُؤَدب عَن الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب قَالَ غزونا فنزلنا فِي جَزِيرَة وأوقدوا نَارا وَإِذا حجرَة كَبِيرَة فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِنِّي أرى حجرَة كَبِيرَة فلعلكم تؤذنون من فِيهَا فحولوا نيرانهم فَأتى من اللَّيْل فَقيل لَهُ إِنَّك دفعت عَن دَارنَا وسنعلمك طِبًّا نصيب بِهِ خيرا إِذا ذكر لَك الْمَرِيض وَجَعه فَمَا وَقع فِي نَفسك أَنه دَوَاء فَهُوَ دَوَاء قَالَ وَكَانَ يَوْمًا فِي مَسْجِد الْكُوفَة فَأَتَاهُ رجل عَظِيم الْبَطن فَقَالَ انعت لي دَوَاء فَإِنِّي كَمَا ترى إِن أكلت وَإِن لم آكل فَقَالَ أَلا تعْجبُونَ إِلَى هَذَا الَّذِي يسألني وَهُوَ يَمُوت فِي هَذَا الْيَوْم من ثمار فَرجع ثمَّ أَتَاهُ عِنْد وَفَاء ذَلِك الْوَقْت وَالنَّاس عِنْده فَقَالَ إِن هَذَا كَذَّاب فَقَالَ سلوه مَا فعل وَجَعه قَالَ ذهب قَالَ أَنا خوفته بذلك وَقَالَ أَبُو بكر الْقرشِي حَدثنَا يَعْقُوب ابْن عبيد حَدثنَا عَليّ بن عَاصِم عَن سوار بن عبد الله عَن أبي ياسين قَالَ كُنَّا مَعَ الْحسن قعُودا فِي الْمَسْجِد فَقَامَ فَانْصَرف إِلَى أَهله وقعدنا بعده نتحدث فِي أَصْحَابه قَالَ وَدخل بدوي من بعض أَعْرَاب بني سليم الْمَسْجِد فَجعل يسْأَل عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فَقلت لَهُ أقعد فَقعدَ فَقلت مَا حَاجَتك قَالَ إِنِّي رجل من أهل الْبَادِيَة وَكَانَ لي أَخ من أَشد قومه فَعرض لَهُ بلَاء فَلَمَّا نزل بِهِ حَتَّى شددناه فِي الْحَدِيد فَبينا نَحن نتحدث فِي نادينا إِذا هَاتِف يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَلَا نرى أحدا قَالَ فَرددْنَا عَلَيْهِم فَقَالُوا يَا هَؤُلَاءِ إِنَّا جاورناكم فَلم نر بجواركم بَأْسا إِن سَفِيها لنا تعرض لصاحبكم هَذَا فأردناه على تَركه فَأبى فَلَمَّا رَأينَا ذَلِك أحببنا أَن نعذر إِلَيْكُم يَا فلَان لِأَخِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 إِذا كَانَ يَوْم كَذَا وَكَذَا فاجمع قَوْمك وشدوه واستوثقوا مِنْهُ فَإِنَّهُ إِن يغلبكم فَلَنْ تقدروا عَلَيْهِ أبدا ثمَّ احمله على بعير فأت بِهِ وَادي كَذَا ثمَّ خُذ من بقلة الْوَادي فَرْضه ثمَّ أوجره إِيَّاه وَإِيَّاك أَن ينفلت مِنْكُم فَإِنَّهُ إِن ينفلت لن تقدروا عَلَيْهِ أبدا فاستوثقوا مِنْهُ فَقلت رَحِمك الله من يدلني على الْوَادي وعَلى هَذَا البقل قَالَ إِذا كَانَ ذَلِك الْيَوْم فَإنَّك تسمع صَوتا فَاتبع الصَّوْت فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم جمعت قومِي فَإِذا آخى لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ شدَّة وَقُوَّة فَلم نزل نعالجه حَتَّى استوثقنا مِنْهُ ثمَّ حَملته على بعير فَإِذا الصَّوْت أَمَامِي إِلَى فَلم نزل نتبع الصَّوْت وَهُوَ يَقُول إِلَى إِلَى فلَان استوثقوا مِنْهُ فَإِنَّهُ إِن ينفلت مِنْكُم فَلَنْ تقدروا عَلَيْهِ أبدا ثمَّ قَالَ اهبط هَذَا الْوَادي وَقَالُوا انخ واستوثقوا مِنْهُ فَإِذا صاحبنا لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ شدَّة وَقُوَّة فاستوثقنا مِنْهُ فَقَالَ يَا فلَان قُم فَخذ من هَذَا البقل فافعل كَذَا وَكَذَا حَتَّى فعلنَا وَهُوَ يَقُول استوثقوا مِنْهُ فَإِنَّهُ إِن ينفلت فَلَنْ تقدروا عَلَيْهِ قَالَ فَإِذا نَحن لَا نطيق صاحبنا فَجعل ينادينا استوثقوا مِنْهُ حَتَّى استوثقنا فَلَمَّا وَقع فِي جَوْفه جلا عَنَّا وَعَن نَفسه وَفتح عَيْنَيْهِ فَأقبل إِلَيْنَا فَقَالَ يَا أخي أَخْبرنِي مَا الَّذِي بلغ من أَمْرِي حَتَّى صرت إِلَى مَا أرى قَالَ قلت يَا أخي لَا تسألنا قَالَ خلوا سَبيله فأطلقوه من الْحَدِيد الَّذِي هُوَ فِيهِ قَالَ فَقلت لَهُ قد رَأَيْت الَّذِي لَقينَا مِنْهُ واخاف أَن يذهب على وَجهه قَالَ وَالله لَا يعود إِلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ فأطلقناه فَأقبل على بعد مَا أطلقناه فَقَالَ يَا أخي مَا كَانَ من أَمْرِي حَتَّى بلغ بِي مَا أرى قلت لَا تَسْأَلنِي قَالَ خلوا عَنهُ قَالَ قلت رَحِمك الله أَحْسَنت إِلَيْنَا وَلَكِن بَقِي شَيْء فَأخْبرنَا بِهِ قَالَ مَا هُوَ قلت إِنَّك حِين قلت لنا مَا قلت نذرت لله تَعَالَى إِن عافى أخي أَن أحج مَاشِيا مزموما قَالَ وَالله إِن هَذَا الشَّيْء مَا إِن لنا بِهِ علم وَلَكِن أدلك اهبط هَذَا الْوَادي فأت الْبَصْرَة فاسأل عَن الْحسن بن أبي الْحسن فَاسْأَلْهُ عَن هَذَا فَإِنَّهُ رجل صَالح قَالَ أَبُو يس فَجِئْنَا إِلَى بَاب الْحسن فاستأذنت فَخرجت الْجَارِيَة ثمَّ رجعت إِلَيْهِ فَقَالَت هَذَا أَبُو يس بِالْبَابِ قَالَ قولي لَهُ فَلْيدْخلْ فَدخلت فَإِذا هُوَ فِي غرفَة أظنها من قصب وَإِذا فِي الغرفة سَرِير مرمول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 بالشريط وَإِذا الْحسن قَاعد عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد على السَّلَام فَقَالَ يَا أَبَا يس إِنَّمَا عهدي بك مِنْك مُنْذُ سَاعَة فَمَا حَاجَتك قلت يَا أَبَا سعيد معي غَيْرِي أتأذن لَهُ قَالَ نعم فَقَالَ للخادم إئذن لَهُ فَدخل إِلَيْهِ ثمَّ سلم وَقعد مَعَه فَقلت أعد حَدِيثك كَمَا حَدَّثتنِي فَأخذ فِي أَوله وَالْحسن مستقبله إِلَى قَوْله ائته أسأله فَإِنَّهُ رجل صَالح فَبكى الْحسن وَقَالَ أما الزِّمَام فَمن طَاعَة الشَّيْطَان فَلَا تزم نَفسك وَكفر عَن يَمِينك وَأما الْمَشْي فامش إِلَى بَيت الله تَعَالَى وأوف بِنَذْرِك وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ فِي اختصام الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَى الْإِنْس قَالَ ابو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن عبد الله بن دبرا الرابعي الْحَافِظ فِي كتاب الْعَجَائِب حَدثنَا أبي حَدثنَا أَبُو عبد الله احْمَد بن عَليّ الدوري أَخُو سهل الدوري سَمِعت أَبَا ميسرَة الْحَرَّانِي يَقُول اختصمت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَى مُحَمَّد بن علاثة القَاضِي فِي بِئْر بِالْمَدَائِنِ فَقَالَ ابو عبد الله فَسَأَلت أَبَا ميسرَة ظَهرت الْجِنّ لَهُ قَالَ لَا وَلكنه سمع كَلَامهم فَحكم للإنس أَن يَسْتَقُوا مِنْهَا من طُلُوع الشَّمْس إِلَى غرُوب الشَّمْس وَحكم للجن أَن يَسْتَقُوا من غرُوب الشَّمْس إِلَى طُلُوع الْفجْر قَالَ فَكَانَ إِذا استقى مِنْهَا أحد بعد غرُوب الشَّمْس رجم بِالْحِجَارَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الْبَاب الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ فِي خوف الْجِنّ من الْإِنْس قَالَ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا دَاوُد بن عمر والضبي حَدثنَا عباد بن الْعَوام أَنبأَنَا حُصَيْن عَن مُجَاهِد قَالَ بَينا انا ذَات لَيْلَة أُصَلِّي إِذْ قَامَ مثل الْغُلَام بَين يَدي قَالَ فشددت عَلَيْهِ لآخذه فَقَامَ فَوَثَبَ فَوَقع خلف الْحَائِط حَتَّى سَمِعت وقعته فَمَا عَاد إِلَيّ بعد ذَلِك قَالَ مُجَاهِد إِنَّهُم يهابونكم كَمَا تهابونهم حَدثنَا هَارُون بن عبد الله الْبَزَّار حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر حَدثنِي مُعسر بن كدام عَن شيخ أرى كَانَ يكنى أَبَا شراعة قَالَ رَآنِي يحيى ابْن الجزار وَأَنا أهاب أَن أَدخل زقاقا بِاللَّيْلِ فَقَالَ لي إِن الَّذِي تهاب هُوَ اشد مِنْك فرقا قَالَ حَدثنَا اسحاق بن ابراهيم حَدثنَا مُحَمَّد بن جَابر عَن حَمَّاد عَن مُجَاهِد قَالَ الشَّيْطَان أَشد فرقا من أحدكُم مِنْهُ فَإِن تعرض لكم فَلَا تفَرقُوا مِنْهُ فيركبكم وَلَكِن شدوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يذهب وَالله أعلم الْبَاب الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي تسخير الْجِنّ للإنس وطاعتهم لَهُم قَالَ الله تَعَالَى {وَمن الشَّيَاطِين من يغوصون لَهُ ويعملون عملا دون ذَلِك وَكُنَّا لَهُم حافظين} وَقَالَ تَعَالَى {وَحشر لِسُلَيْمَان جُنُوده من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطير فهم يُوزعُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 {وَمن الْجِنّ من يعْمل بَين يَدَيْهِ بِإِذن ربه وَمن يزغ مِنْهُم عَن أمرنَا نذقه من عَذَاب السعير يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء وغواص وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد} وَقَالَ تَعَالَى {قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك} وَفِيمَا قصّ الله تَعَالَى من أَعمال الْجِنّ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كِفَايَة قَوْله تَعَالَى {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء وغواص وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد} روى ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَن قَتَادَة يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل وَقَالَ السّديّ وَمن الشَّيَاطِين كل بِنَاء من الْبناء الَّذِي يبْنى قَوْله وغواص قَالَ قَتَادَة غواص يستخرجون الْحلِيّ من الْبَحْر وَقَالَ السّديّ الغواص الَّذِي يقوم فِي المَاء وَآخَرين مُقرنين فِي الاصفاد قَالَ قَتَادَة من مَرَدَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي وثاق وَقَالَ قَتَادَة مُقرنين فِي الأصفاد من السلَاسِل فِي أَيْديهم مصفودين مسخرين مَعَ سُلَيْمَان وَقَالَ السّديّ الأصفاد تجمع الْيَدَيْنِ إِلَى عُنُقه قَوْله تَعَالَى {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب} قَالَ السّديّ اُمْنُنْ على من شِئْت مِنْهُم فَأعْتقهُ وَقَالَ ابْن عَبَّاس قَوْله {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ} يَقُول أعتق من الْجِنّ من شِئْت وَأمْسك مِنْهُم من شِئْت وَقَالَ قَتَادَة هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِين احْبِسْ مِنْهُم من شِئْت فِي وثاقك هَذَا أَو سرح من شِئْت مِنْهُم فَاتخذ عِنْده يدا اصْنَع مَا شِئْت لَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِك قَالَ السّديّ يمن على من يَشَاء مِنْهُم فيعتقه ويمسك من يَشَاء مِنْهُم فيستخدمه لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك حِسَاب وَقَالَ شَاكر فِي كتاب الْعَجَائِب حَدثنَا مُحَمَّد بن عُمَيْر أَبُو عَزِيز حَدثنَا عمرَان بن مُوسَى بِمَكَّة حَدثنَا عَليّ بن مهْرَان حَدثنَا جرير ابْن عبد الحميد عَن سُفْيَان بن عبد الله ان عمر بن عبد الْعَزِيز سَأَلَ مُوسَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ابْن نصير أَمِير الْمغرب وَكَانَ يبْعَث فِي الجيوش حَتَّى بلغ أَو سمع وجوب الشَّمْس عَن أعجب شَيْء رَآهُ فِي الْبَحْر فَقَالَ أنتهيت إِلَى جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فَإِذا نَحن بِبَيْت مَبْنِيّ وَإِذا نَحن فِيهَا بِسبع عشرَة جرة خضراء مختومة بِخَاتم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأمرت بِأَرْبَع مِنْهَا فأخرجت وَأمرت بِوَاحِدَة مِنْهَا فنقبت فَإِذا شَيْطَان يَقُول وَالَّذِي أكرمك بِالنُّبُوَّةِ لَا أَعُود بعْدهَا أفسد فِي الارض ثمَّ نظر فَقَالَ وَالله مَا أرى بهَا سُلَيْمَان وَملكه فانساخ فِي الأَرْض فَذهب فَأمرت بالبواقي فَردَّتْ إِلَى مَكَانهَا وَقَالَ أَيْضا حَدثنَا عَبَّاس ابْن الْوَلِيد بن مزِيد البيروني حَدثنَا أبي عَن مُوسَى بن نصير وَكَانَ يَهُودِيّا من أهل الْكتاب فَأسلم فَأمر على الْمغرب فَخرج غازيا فِي الْبَحْر حَتَّى أَتَى بَحر الظلمَة واطلق المراكب على وجوهها تسير قَالَ فَسمع شَيْئا يقرع المراكب فَإِذا بحرار خضر مختمة فهاب أَن يكسر الْخَاتم فَأمر فَأخذ قلَّة مِنْهَا ثمَّ رَجَعَ فَنَظَرْنَا فَإِذا هِيَ مختمة فَقَالَ لبَعض اصحابه اقدحوها من اسفلها قَالَ فَلَمَّا أَخذ المقداح الْقلَّة صَاح صائح لَا وَالله يَا نَبِي الله لَا أَعُود قَالَ فَقَالَ مُوسَى هَذَا من الشَّيَاطِين الَّذين سجنهم سُلَيْمَان بن دَاوُد وَنفذ المقداح فِي الْقلَّة فَإِذا شخص على رجل الْمركب فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم قَالَ أَنْتُم هم وَالله لَوْلَا نعمتكم على لفرقتكم قلت ولى مُوسَى بن نصير غَزْو الْبَحْر لمعاوية وافتتح الأندلس وَجَرت لَهُ عجائب وَقيل لم يسمع فِي الْإِسْلَام بِمثل سَبَايَا مُوسَى بن نصير وكثرتهم وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ فِي دلَالَة الْجِنّ الْإِنْس على مَا يدْفع كيدهم ويعصم مِنْهُم قَالَ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا ابو عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان الْجِرْجَانِيّ حَدثنَا زيد بن الْحباب العكلي حَدثنِي عبد الْمُؤمن بن خَالِد الْحَنَفِيّ من أهل مرو أَنبأَنَا عبد الله بن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ عَن أبي الْأسود الدؤَلِي قَالَ قلت لِمعَاذ بن جبل أَخْبرنِي عَن قصَّة الشَّيْطَان حِين أَخَذته فَقَالَ جعلني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صَدَقَة الْمُسلمين فَجعلت الثَّمر فِي غرفَة قَالَ فَوجدت فِيهِ نُقْصَانا فَأخْبرت رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَان يَأْخُذهُ فَدخلت الغرفة وأغلقت الْبَاب فَجَاءَت ظلمَة عَظِيمَة فغشيت الْبَاب ثمَّ تصور فِي صُورَة ثمَّ تصور فِي صُورَة أُخْرَى فَدخل من شقّ الْبَاب فشددت إزَارِي عَليّ فَجعل يَأْكُل من الثَّمر فَوَثَبت عَلَيْهِ فضبطته فَالْتَفت يداي عَلَيْهِ فَقلت يَا عَدو الله فَقَالَ خل عني فَإِنِّي كَبِير ذُو عِيَال وَأَنا فَقير وَأَنا من جن نَصِيبين وَكَانَت لنا هَذِه الْقرْيَة قبل أَن يبْعَث صَاحبكُم فَلَمَّا بعث أخرجنَا مِنْهَا فَخَل عني فَلَنْ أَعُود عَلَيْك فخليته وَجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا كَانَ فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَادَى مناديه مَا فعل أسيرك فَأَخْبَرته فَقَالَ أما إِنَّه سيعود فعد قَالَ فَدخلت الغرفة وأغلقت على الْبَاب فجَاء فَدخل من شقّ الْبَاب فَجعل يَأْكُل من الثَّمر فصنعت بِهِ كَمَا صنعت بِهِ فِي الْمرة الاولى فَقَالَ خل عني فَإِنِّي لن أَعُود إِلَيْك فَقلت يَا عَدو الله ألم تقل إِنَّك لن تعود قَالَ فَإِنِّي لن أَعُود وَآيَة ذَلِك أَنه لايقرأ أحد مِنْكُم خَاتِمَة الْبَقَرَة فَيدْخل أحد منا فِي بَيته تِلْكَ اللَّيْلَة وَسَاقه فِي كتاب مكايد الشَّيْطَان عَن أبي سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن زيد ابْن الْحباب وَقَالَ ابو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا اسماعيل بن الْفضل الاسفاطي حَدثنَا مُوسَى بن اسماعيل حَدثنَا ابان بن يزِيد عَن يحيى بن ابي كثير عَن الْحَضْرَمِيّ ابْن لَاحق عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن أبي بن كَعْب عَن جده أبي بن كَعْب أَن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه كَانَ لَهُ جرن فِيهِ ثَمَر فَكَانَ يتعهده فَوَجَدَهُ ينقص فحرسه ذَات لَيْلَة فَإِذا هُوَ بِدَابَّة شبه الْغُلَام المحتلم قَالَ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام فَقلت مَا أَنْت جني أم إنسي قَالَ جني قَالَ قلت ناولني يدك فناولني يَده فَإِذا يَد كلب وَشعر كلب قَالَ فَقلت هَكَذَا خلقه الْجِنّ قَالَ لقد علمت الْجِنّ مَا فيهم أَشد مني قلت مَا حملك على مَا صنعت قَالَ بَلغنِي أَنَّك رجل تحب الصَّدَقَة فأحببنا أَن نصيب من طَعَامك قَالَ فَقَالَ لَهُ أبي فَمَا الَّذِي يجيرنا مِنْكُم قَالَ هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} من قَالَهَا حِين يصبح أجِير منا حَتَّى يُمْسِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَمن قَالَهَا حِين يُمْسِي أجِير منا حَتَّى يصبح فَلَمَّا أصبح أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدق الْخَبيث وَهَكَذَا رِوَايَة الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن حَرْب بن شَدَّاد عَن يحيى بن أبي كثير عَن الْحَضْرَمِيّ بن لَاحق عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن أبي ابْن كَعْب عَن جده بِهِ وَفِي الصَّحِيح حَدِيث ابي هُرَيْرَة قَالَ وكلني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحِفْظ زَكَاة رَمَضَان فَأَتَانِي آتٍ فَجعل يحثو من الطَّعَام فَأَخَذته فَقلت لأرفعنك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بِهن قلت مَا هِيَ قَالَ إِذا أويت إِلَى فراشك فاقرا هَذِه الْآيَة {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} حَتَّى ختم الْآيَة فَإِنَّهُ لن يزَال عَلَيْك حَافظ من الله تَعَالَى وَلَا يقربك شَيْطَان حَتَّى تصبح فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فعل أسيرك اللَّيْلَة قلت يَا رَسُول الله عَلمنِي شَيْئا زعم أَن الله تَعَالَى يَنْفَعنِي بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أَمرنِي أَن أَقرَأ اية الْكُرْسِيّ إِذا أويت إِلَى فِرَاشِي زعم أَنه لَا يقربنِي حَتَّى أصبح وَلَا يزَال على من الله تَعَالَى حَافظ قَالَ أما أَنه قد صدقك وَهُوَ كذوب وَقَالَ أَبُو بكر الْقرشِي فِي مكايد الشَّيْطَان والهواتف حَدثنَا اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا اسامة عَن اسماعيل بن أبي خَالِد حَدثنَا اسحاق قَالَ خرج زيد ابْن ثَابت إِلَى حَائِط لَهُ فَسمع فِيهِ جلبة فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ رجل من الْجِنّ أصابتنا السّنة فأردنا أَن نصيب من ثماركم أفتطيبونه قَالَ نعم ثمَّ خرج اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَسمع فِيهِ أَيْضا جلبة فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ رجل من الْجِنّ أصابتنا السّنة فأردنا أَن نصيب من ثماركم أفتطيبونه قَالَ نعم فَقَالَ لَهُ زيد بن ثَابت أَلا تُخبرنِي مَا الَّذِي يعيذنا مِنْكُم قَالَ آيَة الْكُرْسِيّ وَقَالَ أَيْضا حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي حَدثنِي عَليّ بن عُثْمَان اللاحقي حَدثنِي عُبَيْدَة بنت الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْوَلِيد ابيها أَن رجلا أَتَى شَجَرَة أَو نَخْلَة فَسمع فِيهَا حَرَكَة فَتكلم فَلم يجب فَقَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ فَنزل إِلَيْهِ شَيْطَان فَقَالَ إِن لنا مَرِيضا فَبِمَ تداويه قَالَ بِالَّذِي أنزلتني بِهِ من الشَّجَرَة وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن بن الْمُنْذر فِي كتاب الْعَجَائِب حَدثنَا مُحَمَّد بن عمرَان ابْن حبيب الْبَزَّار حَدثنَا الْقَاسِم بن الحكم حَدثنَا حَمْزَة بن حبيب الزيات قَالَ بَينا أَنا يحلوان فِي خَان وحدي إِذا أَنا بشيطانين قد أَقبلَا فَقَالَ أَحدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 لصَاحبه هَذَا الَّذِي يقرئ النَّاس الْقُرْآن تعال نَفْعل بِهِ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَيلك مر قَالَ فَلَمَّا دنوا مني قَرَأت هَذِه الْآيَة {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَأولُوا الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه لَا أرْغم الله إِلَّا بأنفك أما انا فَلَا أَزَال أحرسه إِلَى الصَّباح وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الهواتف حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد حَدثنِي الْحسن بن عُرْوَة حَدثنِي ابي عُرْوَة بن زيد عَن ابي الاشم الْعَبْدي ولقيته بالموصل قَالَ خرج رجل فِي جَوف اللَّيْل إِلَى ظهر الْكُوفَة فَإِذا هُوَ بِشَيْء كَهَيئَةِ الْعَريش وَإِذا حوله جمع قد أَحدقُوا بِهِ قَالَ فكمن الرجل ينظر اليهم إِذْ جَاءَ شَيْء حَتَّى جلس على ذَلِك الْعَريش فَقَالَ وَالرجل يسمع كَيفَ لي بِعُرْوَة بن الْمُغيرَة فَقَامَ شخص من ذَلِك الْجمع فَقَالَ انا لَك بِهِ فَقَالَ على بِهِ السَّاعَة قَالَ فَتوجه نَحْو الْمَدِينَة قَالَ فَمَكثَ مَلِيًّا ثمَّ جَاءَ حَتَّى وقف بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ إِلَى عُرْوَة سَبِيل فَقَالَ الَّذِي على الْعَريش ولمه قَالَ لِأَنَّهُ يَقُول كلَاما حِين يصبح وَحين يُمْسِي فَلَيْسَ إِلَيْهِ سَبِيل فَتفرق ذَلِك الْجمع وَانْصَرف الرجل إِلَى منزله فَلَمَّا اصبح غَدا إِلَى الكناس وَاشْترى جملا ثمَّ مضى حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة فلقي عُرْوَة بن الْمُغيرَة فَسَأَلَهُ عَن الْكَلَام الَّذِي يَقُوله حِين يصبح وَحين يمسى وقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ إِنِّي أَقُول حِين أصبح وَحين أمسي آمَنت بِاللَّه وَحده وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لَا انفصام لَهَا وَالله سميع عليم ثَلَاث مَرَّات وَقَالَ فِي مكايد الشَّيْطَان حَدثنِي الْحسن بن عبد الْعَزِيز الجروي حَدثنَا الْحَارِث بن مِسْكين حَدثنَا ابْن وهب حَدثنَا عبد الرَّحْمَن ابْن زيد بن أسلم قَالَ قدم رجلَانِ من اشجع إِلَى عروس لَهما حَتَّى إِذا كَانَا من نَاحيَة بِموضع ذكره إِذا بِامْرَأَة قَالَت مَا تريدان قَالَا عروسا لنا نجهزها قَالَت إِن لي بأمرها كُله علما فَإِذا فرغتما فمرا عَليّ فَلَمَّا فرغا مرا عَلَيْهَا قَالَت فَإِنِّي متعتكا فحملاها على أحد بعير بعيريهما وَجعلا يتعقبان الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 حَتَّى أَتَوا كثيبا من الرمل فَقَالَت إِن لي حَاجَة فأناخا بهَا فانتظراها سَاعَة فابطأت فَذهب احدهما فِي اثرها فَأَبْطَأَ قَالَ فَخرجت أطلب فَإِذا أَنا بهَا على بَطْنه تَأْكُل كبده فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك رجعت فركبت وَأخذت طَرِيقا واسرعت فاعترضت لي فَقَالَت لقد اسرعت قلت رَأَيْتُك أَبْطَأت فاركبي فرأتني ازفر فَقَالَت مَالك قلت إِن بَين ايدينا سُلْطَانا ظَالِما جائرا قَالَت أَفلا أخْبرك بِدُعَاء إِن دَعَوْت بِهِ عَلَيْهِ أهلكته وآخذ لَك حَقك مِنْهُ قلت مَا هُوَ قَالَ قل اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات وَمَا أظلت وَرب الارضين وَمَا أقلت وَرب الرِّيَاح وَمَا أذرت وَرب الشَّيَاطِين وَمَا أضلت أَنْت المنان بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام تَأْخُذ للمظلوم من الظَّالِم حَقه فَخذ لي حَقي من فلَان فَإِنَّهُ ظَلَمَنِي قلت فرديها على فَجعلت تردها على حَتَّى إِذا أحصاها دَعَا بهَا عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهَا ظلمتني وأكلت أخي قَالَ فَنزلت نَار من السَّمَاء فِي سوأتها فشقتها بِاثْنَتَيْنِ فَوَقَعت شقة هَهُنَا وشقة هَهُنَا قَالَ وَهِي السعلى تَأْكُل النَّاس وَأما الغول فَمن الْجِنّ تبطل وتلعب بِالنَّاسِ وتضرط وتلعب بِالنَّاسِ لَا تزيد على ذَلِك وَقَالَ فِي مكايد الشَّيْطَان حَدثنَا عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم البارودي حَدثنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام الْقصار حَدثنَا سُفْيَان عَن ابْن ابي ليلى عَن أبي ايوب الانصاري قَالَ قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الغول تدخل على من سهوة لي قَالَ إِذا رَأَيْتهَا فَقل أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ فرأيتها فأخذتها فخدعتني وَقَالَت لَا أَعُود فخليتها فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا فعل أسيرك فَقلت أُخْتهَا حَلَفت لي أَن لَا تعود فَقَالَ كذبت ستعود فعد قَالَ فأخذتها فَحَلَفت أَن لَا تعود فخليتها فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا فعل أسيرك فَقلت أَخَذتهَا فَحَلَفت أَن لَا تعود فخليتها قَالَ كذبت ستعود فَعَادَت فأخذتها فَقَالَت خل عني وأخبرك بِشَيْء إِذا قلته لم يقربك شَيْطَان فخليتها فَقَالَت اقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ قَالَ فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا فعل أسيرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فَأَخْبَرته فَقَالَ صدقت وَهِي كذوب وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن أبي احْمَد الزبيرِي عَن سُفْيَان نَحوه وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي أَحْمد الزبيرِي بِهِ وَقَالَ حسن غَرِيب والغول فِي لُغَة الْعَرَب هُوَ الجان إِذا تبدى فِي اللَّيْل حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْهَرَوِيّ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن عُثْمَان ابْن اسحاق قَالَ سَمِعت من أَب أُمِّي مَالك بن حَمْزَة بن أبي أسيد عَن أَبِيه عَن جده أبي أسيد السَّاعِدِيّ الخزرجي أَنه قطع ثَمَرَة حَائِطه فَجعله فِي غرفَة فَكَانَت الغول تخَالفه إِلَى مشْربَته فتسرق ثمره وتفسد عَلَيْهِ فَشَكا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ تِلْكَ الغول فاستمع مِنْهَا فَإِذا سَمِعت اقتحامها قَالَ يَعْنِي وجبها فَقل باسم الله أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفعل فَقَالَت يَا أَبَا أسيد اعفني ان تكلفني اذْهَبْ إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأُعْطِيك موثقًا من الله تَعَالَى لَا أخالفك إِلَى بَيْتك ولااسرق ثمرك وأدلك على آيَة تقرؤها على بَيْتك فَلَا تخَالف أهلك وتقرؤها على إناثك فَلَا يكْشف غطاؤه قَالَ فَأَعْطَتْهُ الموثق الَّذِي رَضِي بِهِ مِنْهَا وَقَالَ الْآيَة الَّتِي قَالَت أدلك عَلَيْهَا آيَة الْكُرْسِيّ ثمَّ حلت استها تضرط فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقص عَلَيْهِ قصَّتهَا حِين ولت وَلها ضريط قَالَ صدقت وَهِي كذوب وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان فرار الشَّيْطَان من عمر حَدِيث الَّذِي صرعه عمر وَفِيه قَول الشَّيْطَان للمصروع اقرا سُورَة الْبَقَرَة لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا أَيَّة تقْرَأ فِي وسط شياطين الا تفَرقُوا وَلَا تقْرَأ فِي بَيت فَيدْخل ذَلِك الْبَيْت قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حدثت عَن اسحاق بن ابراهيم حَدثنِي مُحَمَّد بن منيب عَن السّري بن يحيى عَن أبي الْمُنْذر قَالَ حجَجنَا فنزلنا فِي أصل جبل عَظِيم فَزعم النَّاس أَن الْجِنّ تسكنه فَإِذا شيخ قد أقبل من المَاء فَقلت يَا ابا شمير مَا تذكرُونَ من جبلكم هَذَا هَل رَأَيْت من ذَلِك شَيْئا قطّ قَالَ نعم أخذت يَوْمًا قوسا لي وأسهما فَصَعدت الْجَبَل على وَجل فابتنيت بَيْتا من شَجَرَة عِنْد عين من مَاء فَمَكثت فِيهِ فَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الأروى قد أَقبلت نزيل لَا تخَاف شَيْئا فَشَرِبت من تِلْكَ الْعين وربضت حولهَا فرميت كَبْشًا مِنْهَا فَمَا أَخْطَأت قلبه فصاح صائح فَمَا بَقِي فِي الْجَبَل شَيْء إِلَّا ذهب يعدو على خياله قد أخيف ذعيرا أَو ردهَا حبس الطير على أبي شمير فَوق لَهُ سَهْما مثل السّير أَبيض براق الْعين فَقتل فدَاء عد بن الاصبغ فَقَالَ لَهُ قَائِل وَيلك الا تقتله قَالَ وَيلك لَا استطيع قَالَ وَيلك لمه قَالَ لِأَنَّهُ تعوذ بِاللَّه حِين أسْند إِلَى الْجَبَل فَلَمَّا سَمِعت بذلك اطمأننت وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ فِيمَا يعْصم بِهِ من الْجِنّ ويستدفع بِهِ شرهم وَذَلِكَ فِي عشر حروز أَحدهَا الِاسْتِعَاذَة بِاللَّه مِنْهُ قَالَ الله تَعَالَى {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} وَفِي مَوضِع آخر {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميع عليم} وَفِي الصَّحِيح أَن رجلَيْنِ اسْتَبَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَحْمَر وَجه أَحدهمَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعْلم كلم لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ مَا يجد أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم الثَّانِي قِرَاءَة المعوذتين روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من الجان وَعين الْإِنْسَان حَتَّى نزلت المعوذتان فَلَمَّا نزلت أَخذ بهما وَترك مَا سواهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حسن غَرِيب الثَّالِث قِرَاءَة آيَة الْكُرْسِيّ فَفِي الصَّحِيح من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ وكلني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحِفْظ زَكَاة رَمَضَان فآتاني آتٍ فَجعل يحثو من الطَّعَام فَأَخَذته فَقلت لأرفعنك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث فَقَالَ إِذا أويت إِلَى فراشك فاقرأ آيَة الْكُرْسِيّ لن يزَال عَلَيْك من الله حَافظ وَلَا يقربك شَيْطَان حَتَّى تصبح فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدقك وَهُوَ كذوب ذَاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الشَّيْطَان الرَّابِع قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة فَفِي الصَّحِيح من حَدِيث سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبورا وَإِن الْبَيْت الَّذِي تقْرَأ فِيهِ الْبَقَرَة لَا يقربهُ الشَّيْطَان الْخَامِس خَاتِمَة سُورَة الْبَقَرَة فقد ثَبت فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ الْآيَتَيْنِ من آخر سُورَة الْبَقَرَة فِي لَيْلَة كفتاه وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله كتب كتابا قبل أَن يخلق الْخلق بألفي عَام أنزل مِنْهُ آيَتَيْنِ ختم بهما سُورَة الْبَقَرَة فَلَا يقرآن فِي دَار ثَلَاث لَيَال فَيقر بهَا شَيْطَان السَّادِس أول سُورَة حم الْمُؤمن إِلَى قَوْله {إِلَيْهِ الْمصير} مَعَ آيَة الْكُرْسِيّ فَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن أبي مليكَة عَن زُرَارَة بن مُصعب عَن سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ حم الْمُؤمن إِلَى قَوْله {إِلَيْهِ الْمصير} وَآيَة الْكُرْسِيّ حِين يصبح حفظ بهما حَتَّى يُمْسِي وَمن قرآهما حِين يُمْسِي حفظ بهما حَتَّى يصبح وَعبد الرَّحْمَن الْمليكِي وَإِن كَانَ قد تكلم فِيهِ من قبل حفظه فَالْحَدِيث لَهُ شَوَاهِد فِي قِرَاءَة آيَة الْكُرْسِيّ السَّابِع لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير مائَة مرّة فَفِي الصَّحِيح من حَدِيث سَمُرَة مولى أبي بكر عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير مائَة مرّة كَانَت لَهُ عدل عشر رِقَاب وَكتب لَهُ مائَة حَسَنَة ومحيت عَنهُ مائَة سَيِّئَة وَكَانَت لَهُ حرْزا من الشَّيْطَان يَوْمه ذَلِك حَتَّى يُمْسِي وَلم يَأْتِ أحد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أحد عمل أَكثر من ذَلِك الثَّامِن كَثْرَة ذكر الله عز وَجل فَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله تَعَالَى أَمر يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام بِخمْس كَلِمَات أَن يعْمل بهَا وَيَأْمُر بني إِسْرَائِيل ان يعملوا بهَا وَأَنه كَاد ان يبطئ بهَا قَالَ عِيسَى إِن الله أَمرك بِخمْس كَلِمَات لتعمل بهَا وتأمر بني اسرائيل أَن يعملوا بهَا فإمَّا أَن تَأْمُرهُمْ وَإِمَّا أَن آمُرهُم فَقَالَ يحيى عَلَيْهِ السَّلَام أخْشَى إِن سبقتني بهَا أَن يخسف بِي أَو أعذب فَجمع النَّاس فِي بَيت الْمُقَدّس فَامْتَلَأَ فقعدوا على الشّرف فَقَالَ إِن الله أَمرنِي بِخمْس كَلِمَات ان أعمل بِهن وآمركم أَن تعملوا بِهن أولهنَّ أَن تعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَن مثل من اشرك بِاللَّه كَمثل رجل أشترى عبدا من خَالص مَاله بِذَهَب أَو ورق فَقَالَ هَذِه دَاري وَهَذَا عَمَلي فاعمل وأد إِلَى فَكَانَ يعْمل وَيُؤَدِّي إِلَى غير سَيّده فَأَيكُمْ يرضى أَن يكون عَبده كَذَلِك وَإِن الله آمركُم بِالصَّلَاةِ فَإِذا صليتم فَلَا تلتفتوا فَإِن الله تَعَالَى ينصب وَجهه بِوَجْه عَبده فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت وآمركم بالصيام فَإِن مثل ذَلِك كَمثل رجل فِي عِصَابَة مَعَه صرة فِيهَا مسك وَكلهمْ يعجب أَو يُعجبهُ رِيحهَا فَإِن ريح الصَّائِم أطيب عِنْد الله تَعَالَى من ريح الْمسك وآمركم بِالصَّدَقَةِ فَإِن مثل ذَلِك كَمثل رجل أمسكوه فَأوثقُوا يَده إِلَى عُنُقه وقدموه ليضربوا عُنُقه فَقَالَ أَنا أفديه مِنْكُم بِالْقَلِيلِ وَالْكثير ففدى نَفسه مِنْهُم وأمركم أَن تَذكرُوا الله تَعَالَى فَإِن مثل ذَلِك كَمثل رجل خرج الْعَدو فِي أَثَره سرَاعًا حَتَّى أَتَى على حصن حُصَيْن فأحرس نَفسه مِنْهُم كَذَلِك العَبْد لَا يحرز نَفسه من الشَّيْطَان إِلَّا بِذكر الله تَعَالَى قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا آمركُم بِخمْس الله تَعَالَى أَمرنِي بِهن السّمع وَالطَّاعَة وَالْجهَاد وَالْهجْرَة وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُ من فَارق الْجَمَاعَة قيد شبر فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه إِلَّا أَن يُرَاجع وَمن دَعَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ من جثا جَهَنَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله وَإِن صَامَ وَصلى قَالَ وَإِن صَامَ وَصلى فَادعوا بِدَعْوَى الله الَّذِي سَمَّاكُم الْمُسلمين الْمُؤمنِينَ عباد الله قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَقَالَ البُخَارِيّ الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ لَهُ صُحْبَة وَله غير هَذَا الحَدِيث التَّاسِع الْوضُوء وَالصَّلَاة وهما من أعظم مَا يتحرز بِهِ لَا سِيمَا عِنْد ثوران قُوَّة الْغَضَب والشهوة فَإِنَّهَا نَار تغلي فِي قلب ابْن آدم كَمَا روى التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث ابي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا وَإِن الْغَضَب جَمْرَة فِي قلب ابْن آدم أما رَأَيْتُمْ إِلَى حمرَة عَيْنَيْهِ وانتفاخ أوداجه فَمن أحس بِشَيْء من ذَلِك فليلصق فِي الأَرْض وَفِي أثر آخر أَن الشَّيْطَان خلق من نَار وانما تُطْفِئ النَّار بِالْمَاءِ وَفِي السّنَن قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْغَضَب من الشَّيْطَان وَإِن الشَّيْطَان من النَّار وَإِنَّمَا تُطْفِئ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذا غضب أحدكُم فَليَتَوَضَّأ الْعَاشِر إمْسَاك فضول النّظر وَالْكَلَام وَالطَّعَام ومخالطة النَّاس فَإِن الشَّيْطَان إِنَّمَا يتسلط على ابْن آدم من هَذِه الْأَبْوَاب الْأَرْبَعَة فَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ النظرة سهم مَسْمُوم من سِهَام إِبْلِيس فَمن غض بَصَره لله عز وَجل أورثه الله حلاوة يجدهَا فِي قلبه إِلَى يَوْم يلقاه وَالله تَعَالَى أعلم أهـ الْبَاب السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي تَأْثِير الْقُرْآن وَالذكر فِي أبدان الْجِنّ وفرارهم من ذَلِك قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنِي يحيى ابْن اسحاق البَجلِيّ وحاتم بن أبي حوثرة عَن ابْن لَهِيعَة عَن قيس بن الْحجَّاج قَالَ قَالَ شيطاني دخلت فِيك وَأَنا مثل الْجَزُور وَأَنا فِيك الْيَوْم مثل العصفور قَالَ قلت وَلم ذَاك قَالَ تذيبني بِكِتَاب الله عز وَجل حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنِي خلف بن تَمِيم حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي اسحاق عَن أبي الأخوص عَن عبد الله قَالَ شَيْطَان الْمُؤمن مهزول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنِي مجاعَة بن ثَابت وَيحيى بن اسحاق قَالَا حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن مُوسَى بن وردان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُؤمن يضنى شَيْطَانه كَمَا يضني أحدكُم بعيره فِي السّفر حَدثنَا إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا عبد الله بن نمير عَن الْأَعْمَش عَن مَالك بن الْحَارِث عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي قَالَ خرجت وافدا إِلَى عمر رَحمَه الله وَمَعِي أَهلِي فنزلنا منزلا وَأَهلي خَلْفي فَسمِعت أصوات الغلمان وجلبتهم فَرفعت صوتي بِالْقُرْآنِ فَسمِعت وجبة شَيْء طرح فسألتهم فَقَالُوا أخذتنا الشَّيَاطِين فلعبت بِنَا فَلَمَّا رفعت صَوْتك بِالْقُرْآنِ ألقونا وذهبوا حكى ابْن عقيل فِي الْفُنُون قَالَ كَانَ عندنَا بالظفرية يَعْنِي من بَغْدَاد دَار كلما سكنها نَاس أَصْبحُوا مولى فجَاء مرّة رجل مقرئ فاكتراها وارتقبناها فَبَاتَ بهَا واصبح سالما فتعجب الْجِيرَان فَأَقَامَ مُدَّة ثمَّ انْتقل فَسئلَ فَقَالَ لما بت بهَا صليت بهَا الْعشَاء وقرأت شَيْئا من الْقُرْآن وَإِذا شَاب قد صعد من الْبِئْر فَسلم على فبهت فَقَالَ لَا بَأْس عَلَيْك عَلمنِي شَيْئا من الْقُرْآن فشرعت أعلمهُ ثمَّ قلت هَذِه الدَّار كَيفَ حَدِيثهَا قَالَ نَحن جن مُسلمُونَ نَقْرَأ وَنُصَلِّي وَهَذِه الدَّار مَا يكثر بهَا إِلَّا الْفُسَّاق فيجتمعون على الْخمر فنخنقهم قلت فَفِي اللَّيْل أخافك فتجئ نَهَارا قَالَ نعم قَالَ وَكَانَ يصعد من الْبِئْر بِالنَّهَارِ وألفته فَبَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ إِذا بمعزم فِي الدَّرْب يَقُول المرقى من الدبيب وَمن الْعين وَمن الْجِنّ فَقَالَ أَي شَيْء هَذَا قلت معزم قَالَ أطلبه فَقُمْت وأدخلته فَإِذا أَنا بالجني قد صَار ثعبانا فِي السّقف فعزم الرجل فَمَا زَالَ الثعبان يتدلى حَتَّى سقط فِي وسط المندل فَقَامَ ليأخذه ويضعه فِي الذنبيل فمنعته فَقَالَ أتمنعني من صيدي فأعطيته دِينَارا وَرَاح فانتفض الثعبان وَخرج الجني وَقد ضعف وَنحل واصفر وذاب فَقلت مَالك قَالَ قتلني هَذَا بِهَذِهِ الإسلامي وَمَا أظني أقلح فَاجْعَلْ بالك مَتى سَمِعت فِي الْبِئْر صراخا فَانْهَزَمَ قَالَ فَسمِعت فِي اللَّيْل النعي فانهزمت قَالَ ابْن عقيل وَامْتنع أحد أَن يسكن تِلْكَ الدَّار بعْدهَا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْبَاب الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ فِي السَّبَب الَّذِي من أَجله تنقاد الْجِنّ وَالشَّيَاطِين للعزائم والطلاسم كفار الْجِنّ وشياطينهم يختارون الْكفْر والشرك ومعاصي الرب وإبليس وَجُنُوده من الشَّيَاطِين يشتهون الشَّرّ ويكيدون بِهِ ويطلبونه ويحرصون عَلَيْهِ يقتضى خبث أنفسهم وَإِن كَانَ مُوجبا لعذابهم وَعَذَاب من يغوونه كَمَا قَالَ إِبْلِيس {فبعزتك لأغوينهم أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} وَقَالَ {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ لَئِن أخرتن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لأحتنكن ذُريَّته إِلَّا قَلِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ إِلَّا فريقا من الْمُؤمنِينَ} وَالْإِنْسَان إِذا فَسدتْ نَفسه أَو مزاحه يشتهى مَا يضرّهُ ويلتذ بِهِ بل يعشق ذَلِك عشقا يفْسد عقله وَدينه وخلقه وبدنه وَمَاله والشيطان هُوَ نَفسه خَبِيث فَإِذا تقرب صَاحب العزائم والأقسام وَكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذَلِك إِلَيْهِم بِمَا يحبونه من الْكفْر والشرك صَار ذَلِك كالرشوة والبرطيل لَهُم فيقضون بعض أغراضه كمن يعْطى غَيره مَالا ليقْتل لَهُ من يُرِيد قَتله أَو يُعينهُ على فَاحِشَة أَو ينَال مَعَه فَاحِشَة وَلِهَذَا كثير من هَذِه الْأُمُور يَكْتُبُونَ فِيهَا كَلَام الله تَعَالَى بِالنَّجَاسَةِ وَقد يقلبون حُرُوف {قل هُوَ الله أحد} أَو غَيرهَا بِنَجَاسَة إِمَّا دم وَإِمَّا غَيره وَإِمَّا بِغَيْر نَجَاسَة ويكتبون غير ذَلِك مِمَّا يرضاه الشَّيْطَان أَو يَتَكَلَّمُونَ بذلك فَإِذا قَالُوا أَو كتبُوا مَا ترضاه الشَّيَاطِين أعانتهم على بعض أغراضهم إِمَّا تغوير مَاء من الْمِيَاه وَإِمَّا أَن يحمل فِي الْهَوَاء إِلَى بعض الْأَمْكِنَة وَإِمَّا أَن يَأْتِيهِ بِمَال من أَمْوَال بعض النَّاس كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 تسرقه الشَّيَاطِين من أَمْوَال الخائنين وَمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ ويأتى بِهِ وَإِمَّا غير ذَلِك وَلَو سقنا فِي كل نوع من هَذِه الْأَنْوَاع من الْأُمُور الْمعينَة وَمن وَقعت لَهُ مِمَّن عَرفْنَاهُ وَمن لم نعرفه لطال ذَلِك جدا قَالَ مُحَمَّد بن اسحاق النديم فِي كتاب الفهرست فِي أَخْبَار الْعلمَاء وَأَسْمَاء مَا صنفوه من الْكتب فِي الْفَنّ الثَّانِي من الْمقَالة الثَّامِنَة زعم المعزمون والسحرة أَن الشَّيَاطِين وَالْجِنّ والارواح تطيعهم وتخدمهم وتتصرف بَين أَمرهم ونهيهم فَأَما المعزمون مِمَّن ينتحل الشَّرَائِع فَزعم أَن ذَلِك يكون بِطَاعَة الله جلّ اسْمه والابتهال اليه والإقسام على الْأَرْوَاح وَالشَّيَاطِين بِهِ وَترك الشَّهَوَات وَلُزُوم الْعِبَادَات وَأَن الْجِنّ وَالشَّيَاطِين يطيعونهم إِمَّا طَاعَة لله جلّ اسْمه لأجل الإقسام بِهِ وَإِمَّا مَخَافَة مِنْهُ تبَارك وَتَعَالَى وَلِأَن فِي خاصية اسمائه وَذكره قمعهم وإذلالهم فَأَما السَّحَرَة فَإِنَّهَا زعمت أَنَّهَا تستعبد الشَّيَاطِين بالقرابين والمعاصي وارتكاب المحضورات مِمَّا لله عز وَجل فِي تَركهَا رضَا وللشياطين فِي اسْتِعْمَالهَا رضَا مثل ترك الصَّلَاة وَالصَّوْم وإباحات الدِّمَاء وَنِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم وَغير ذَلِك من الْأَفْعَال البشرية قَالَ مُحَمَّد بن اسحاق فَأَما الطَّرِيقَة المذمومة وَهِي طَريقَة السَّحَرَة فَزعم من يُجِيز ذَلِك أَن مدخ بنت إِبْلِيس وَقيل هِيَ بنت ابْن إِبْلِيس لَهَا عرش على المَاء وَأَن المريد لهَذَا الْأَمر مَتى فعل لَهَا مَا تُرِيدُ وصل إِلَيْهَا وأخدمته من يُرِيد وقضت حَوَائِجه وَلم يحتجب عَنْهَا وَالَّذِي يفعل لَهَا القرابين من حَيَوَان نَاطِق وَغير نَاطِق وان يدع المفترضات وَيسْتَعْمل كل مَا يقبح فِي الْعقل اسْتِعْمَاله وَقد قيل أَيْضا مدح هُوَ إِبْلِيس نَفسه وَقَالَ آخر إِن مدخ تجْلِس على عرشها فَيحمل إِلَيْهَا المريد لطاعتها فَيسْجد لَهَا قَالَ مُحَمَّد بن اسحاق النديم قَالَ لي إِنْسَان مِنْهُم إِنَّه رَآهَا فِي النّوم جالسة على هيئتها فِي الْيَقَظَة وَأَنه رأى حولهَا قوما يشبهون الزط سوادية حُفَاة مشققي الأعقاب وَقَالَ رَأَيْت من جُمْلَتهمْ ابْن منذريني وَهَذَا رجل من أكَابِر السَّحَرَة قريب الْعَهْد واسْمه أَحْمد بن جَعْفَر غُلَام ابْن زُرَيْق وَكَانَ يناطق من تَحت الطست وَقَالَ الشَّيْخ ابو الْعَبَّاس احْمَد بن تَيْمِية بعد مَا حكى قَرِيبا من هَذَا وَالَّذين يستخدمون الْجِنّ بِهَذِهِ الْأُمُور يزْعم كثير مِنْهُم أَن سُلَيْمَان كَانَ يستخدم الْجِنّ بِهَذِهِ الْأُمُور فَإِنَّهُ قد ذكر غير وَاحِد من عُلَمَاء السّلف أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما مَاتَ كتبت الشَّيَاطِين كتب سحر وَكفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وجعلتها تَحت كرسيه وَقَالُوا كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يعْمل ليستخدم الْجِنّ بِهَذِهِ فطعن طَائِفَة من أهل الْكتاب فِي سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِهَذَا السَّبَب وَآخَرُونَ قَالُوا لَوْلَا أَن هَذَا حق جَائِز لما فعله سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فضل الْفَرِيقَانِ هَؤُلَاءِ بقدحهم فِي سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهَؤُلَاء باتبَاعهمْ السحر فَأنْزل الله تَعَالَى فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلما جَاءَهُم رَسُول من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم نبذ فريق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} إِلَى قَوْله {لَو كَانُوا يعلمُونَ} فَبين الله تَعَالَى أَن هَذَا يضر وَلَا ينفع إِذْ كَانَ النَّفْع هُوَ الْخَيْر الْخَالِص أَو الرَّاجِح وَالضَّرَر هُوَ الشَّرّ الْخَالِص أَو الرَّاجِح وَشر هَذَا إِمَّا خَالص أَو رَاجِح فصل قَالَ مُحَمَّد بن اسحاق يُقَال وَالله اعْلَم إِن سُلَيْمَان بن دَاوُد أول من استعبد الْجِنّ وَالشَّيَاطِين واستخدمها وَقيل أول من استعبدها على مَذَاهِب الْفرس حمشيد بن أويخهان قَالَ وَكَانَ يكْتب لِسُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمِمَّنْ استعبدهم آصف بن برخيان ويوسف بن عيصو والهرمزان بن الكردول وَالَّذِي فتح هَذَا الْأَمر فِي الْإِسْلَام أَبُو نصر أَحْمد بن هِلَال البكيل وهلال بن وصيف وَكَانَ مخدوما ومناطقا لَهُ وَله أَفعَال عَجِيبَة وأعمال حَسَنَة وخواتيم مجربة وَله من الْكتب كتاب الرّوح المتلاشية وَكتاب الْمُفَاخَرَة فِي الْأَعْمَال وَكتاب تَفْسِير مَا قالته الشَّيَاطِين لِسُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا أَخذ عَلَيْهِم من العهود وَمن المعزمين الَّذين يعْملُونَ بأسماء الله تَعَالَى رجل يعرف بِابْن الإِمَام وَكَانَ فِي أَيَّام المعتضد وطريقته محمودة غير مذمومة وَمِنْهُم عبد الله بن هِلَال وَصَالح المدري وَعقبَة الأدرعي وَأَبُو خَالِد الْخُرَاسَانِي هَؤُلَاءِ بالطريقة المحمودة وَلَهُم أَفعَال جليلة وأعمال نبيلة قلت هَذَا الَّذِي قَالَه النديم من أَن عبد الله بن هِلَال كَانَ يعْمل بالطريقة المحمودة غير صَحِيح فقد كَانَ عبد الله بن هِلَال رجلا فَاجِرًا زنديقا يتْرك الصَّلَاة تقربا إِلَى إِبْلِيس لعنهما الله تَعَالَى وَيَأْمُر الشَّيَاطِين فتلعب ببني آدم وَيجمع بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الْحَرَام وَيدل على ذَلِك مَا ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 أَبُو عبد الرَّحْمَن الْهَرَوِيّ فِي كتاب الْعَجَائِب فَقَالَ حَدثنَا يحيى بن عَليّ ابْن حسن بن حمدَان بن مزِيد بن مُعَاوِيَة السَّعْدِيّ قَالَ حَدثنِي أَحْمد بن عبد الْملك قَالَ جَاءَ رجل إِلَى عبد الله بن هِلَال الْكُوفِي وَكَانَ صديقا لإبليس وَكَانَ يتْرك لَهُ صَلَاة الْعَصْر وَكَانَت حَوَائِجه عِنْده مقضية قَالَ فجَاء رجل فَقَالَ إِن لي جارا غَنِيا وَمن أحسن النَّاس صنيعا لي وَله ابْنة حسناء فَأَنا أحسده فَأحب أَن تكْتب لي إِلَى إِبْلِيس حَتَّى يبْعَث شَيْطَانا فيخطبها قَالَ فَكتب إِلَى إِبْلِيس إِن أَحْبَبْت أَن تنظر إِلَى من هُوَ شَرّ مني ومنك فَانْظُر إِلَى حَامِل كتابي هَذَا واقض حَاجته ثمَّ قَالَ سر إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا إِن خطّ حولك خطة فَإِذا جَاءَك صَاحبك فأره الْكتاب من بعيد قَالَ فَفعل وَجعل الشَّيَاطِين يَمرونَ بِهِ حَتَّى جَاءَ شيخ على سَرِير وَأَرْبَعَة يحملونه قَالَ فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ من بعيد رفع الْكتاب فَأمر إِبْلِيس بِالْكتاب فَأخذ فَلَمَّا نظر إِلَى عنوانه قبله وَوَضعه على رَأسه فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب صرخَ صرخة رَجَعَ إِلَيْهِ من كَانَ قبله ولحقه من كَانَ خَلفه فَقَالُوا مَالك يَا سيدنَا قَالَ هَذَا كتاب صديقي يَقُول فِيهِ إِن أَحْبَبْت أَن تنظر إِلَى من هُوَ شَرّ مني ومنك فَانْظُر إِلَى حَامِل كتابي هَذَا واقض حَاجته هاتوا شَيْطَانا أَصمّ أعمى أبكم ووجهوه إِلَى بَيت ذَلِك الرجل ليخطبها فَفَعَلُوا فَإِن كَانَت هَذِه الطَّرِيقَة هِيَ المحمودة عِنْد النديم فليت شعري مَاذَا عِنْده الذميم قَالَ الْحجَّاج يَوْمًا لعَمْرو بن سعيد ابْن الْعَاصِ اخبرني عبد الله بن هِلَال صديق إِبْلِيس أَنَّك تشبه إِبْلِيس قَالَ وَمَا يُنكر الْأَمِير أَن يكون سيد الْإِنْس يشبه سيد الْجِنّ فَعجب من قُوَّة جَوَابه فصل قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أهل العزائم والإقسام يقسمون على بعض الْجِنّ ليعينهم على بعض فَتَارَة يبرون قسمه وَكَثِيرًا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك بَان يكون ذَلِك الْجِنّ مُعظما عِنْدهم وَلَيْسَ للمعزم وعزيمته من الجبرية مَا يَقْتَضِي إعانتهم على ذَلِك إِذْ كَانَ المعزم قد يكون بِمَنْزِلَة الَّذِي يحلف غَيره وَيقسم عَلَيْهِ بِمن يعظمه وَهَذَا تخْتَلف أَحْوَاله فَمن أقسم على النَّاس ليؤذوا من هُوَ عَظِيم عِنْدهم لم يلتفتوا إِلَيْهِ وَقد يكون ذَلِك منيعا فأحوالهم شَبيهَة بأحوال الْإِنْس وَلَكِن الْإِنْس أَعقل وأصدق وَأَعْدل وأوفى بالعهد وَالْجِنّ أَجْهَل وأكذب وأظلم وأغدر فالمقصود أَن أَرْبَاب العزائم مَعَ عون عزائمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 تشْتَمل على شرك وَكفر لَا تجوز الْعَزِيمَة بِهِ وَالْقسم فهم كثيرا يعجزون عَن دفع الجني وَكَثِيرًا مَا تسخر مِنْهُم الْجِنّ إِذا طلبُوا مِنْهُم قتل الجني الصارع للإنسي أَو حَبسه فيخيلون إِلَيْهِم أَنهم قَتَلُوهُ أَو حبسوه وَيكون ذَلِك تخييلا وكذبا هَذَا إِذا كَانَ يرى مَا يخيلونه صَادِقا الرُّؤْيَة فَإِن عَامَّة مَا يعرفونه لمن يُرِيدُونَ تَعْرِيفه إِمَّا بالمكاشفة والمخاطبة إِن كَانَ من جنس عباد الْمُشْركين وَأهل الْكتاب ومبتدعة الْمُسلمين الَّذين تصلهم الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَإِمَّا بِمَا يظهرونه لأهل العزائم والإقسام أَنهم يمثلون مَا يُرِيدُونَ تعزيمه فَإِذا أرَاهُ الْمِثَال أخبر عَن ذَلِك وَقد يعرف أَنه مِثَال وَقد يوهمونه أَنه نفس المرئي وَإِذا أَرَادوا سَماع كَلَام من يُنَادِيه من مَكَان بعيد مثل من يستغيث بِبَعْض الْعباد الصَّالِحين من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب وَأهل الْجَهْل من عباد الْمُسلمين إِذا اسْتَغَاثَ بِهِ بعض محبيه فَقَالَ يَا سَيِّدي فلَان فَإِن الجني يخاطبه بِمثل صَوت ذَلِك الْإِنْسِي فَإِن رد الشَّيْخ عَلَيْهِ الْخطاب أجَاب ذَلِك الْإِنْسِي بِمثل ذَلِك الصَّوْت قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس وَهَذَا وَقع لعدد كثير أعرف مِنْهُم طَائِفَة وَكَثِيرًا مَا يتَصَوَّر الشَّيْطَان بِصُورَة الْمَدْعُو الْمُنَادِي المستغاث بِهِ إِذا كَانَ مَيتا وَكَذَلِكَ قد يكون حَيا وَلَا يشْعر بِالَّذِي ناداه بل يتَصَوَّر الشَّيْطَان بصورته فيظن الْمُشرك الضال المستغيث بذلك الشَّخْص أَن الشَّخْص نَفسه أَجَابَهُ وَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَان وَهَذَا يَقع للْكفَّار المستغيثين بِمن يحسنون بِهِ الظَّن من الْأَمْوَات والأحياء كالنصارى المستغيثين بجرجس وَغَيره من قداديسهم وَيَقَع لأهل الشّرك والضلال الَّذين يستغيثون بالموتى والغائبين يتَصَوَّر لَهُم الشَّيْطَان فِي صُورَة ذَلِك المستغاث بِهِ وَهُوَ لَا يشْعر قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَأعرف عددا كثيرا وَقع لَهُم فِي عدَّة أشخاص يَقُول لي كل من الْأَشْخَاص إِنِّي لم أعرف أَن هَذَا المستغاث بِهِ والمستغيث قد رأى ذَلِك الَّذِي هُوَ على صُورَة هَذَا وَمَا اعْتقد أَنه إِلَّا هَذَا وَذكر لي غير وَاحِد أَنهم اسْتَغَاثُوا بِي كل يذكر قصَّة غير قصَّة صَاحبه فَأخْبرت كلا مِنْهُم أَنِّي لم أجب أحدا مِنْهُم وَلَا علمت باستغاثته فَقيل فَيكون ملكا فَقلت الْملك لَا يغيث مُشْركًا إِنَّمَا هُوَ شَيْطَان اراد ان يضله وَكَذَلِكَ يتَصَوَّر بصورته وَيقف بِعَرَفَات ليظن من يحسن بِهِ الظَّن أَنه وقف بِعَرَفَات وَكثير مِنْهُم يحملهُ الشَّيْطَان إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 عَرَفَات أَو غَيرهَا من الْحرم فيتجاوز الْمِيقَات بِلَا إِحْرَام وَلَا تَلْبِيَة وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ وَلَا بالصفا والمروة وَفِيهِمْ من لَا يعبر مَكَّة وَفِيهِمْ من يقف بِعَرَفَات وَيرجع وَلَا يَرْمِي الْجمار إِلَى أَمْثَال ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي يضرهم بهَا الشَّيْطَان حَيْثُ فعلوا مَا هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ فِي الشَّرْع إِمَّا محرم أَو مَكْرُوه لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا مُسْتَحبّ وَقد زين لَهُم الشَّيْطَان أَن هَذَا من كرامات الصَّالِحين وَهُوَ من تلبيس الشَّيْطَان فَإِن الله لَا يعبد إِلَّا بِمَا هُوَ وَاجِب ومستحب وكل من عبد عبَادَة لَيست وَاجِبَة وَلَا مُسْتَحبَّة وظنها وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة فَإِنَّمَا زين لَهُ الشَّيْطَان ذَلِك وَالله اعْلَم فصل يجوز أَن يكْتب للمصاب وَغَيره من المرضى شَيْء من كتاب الله عز وَجل وَذكره بالمداد الْمُبَاح وَيغسل ويسقي كَمَا نَص ذَلِك الإِمَام أَحْمد وَغَيره وَاحْتج بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكْتب لمن أَصَابَهَا الطلق كَلِمَات الكرب وآيتين من كتاب الله عز وَجل تناسب الْحَال يكْتب لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم {سُبْحَانَ الله} {رب الْعَرْش الْعَظِيم} {الْحَمد لله رب الْعَالمين} {كَأَنَّهُمْ يَوْم يرونها لم يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضحاها} {كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} قلت قدمنَا فِي الْبَاب الأول اسْتِطْرَادًا أَن عَامَّة مَا بأيدي النَّاس من العزائم والطلاسم والرقي لَا تفقه بِالْعَرَبِيَّةِ مَعْنَاهَا وَلِهَذَا نهى عُلَمَاء الْمُسلمين عَن الرقي غير المفهومة الْمَعْنى لِأَنَّهَا مَظَنَّة الشّرك وَإِن لم يعرف الراقي أَنَّهَا شرك وَمن رتع حول الْحمى أَو شكّ أَن يَقع فِيهِ وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رخص فِي الرقي مَا لم يكن شركا وَقَالَ من اسْتَطَاعَ أَن ينفع أَخَاهُ فَلْيفْعَل وَفِي التطبب والاستشفاء بِكِتَاب الله عز وَجل غنى تَامّ ومقنع عَام وَهُوَ النُّور والشفاء لما فِي الصُّدُور والوقاء الدَّافِع لكل مَحْذُور وَالرَّحْمَة للْمُؤْمِنين من الْأَحْيَاء وَأهل الْقُبُور وفقنا الله لإدراك مَعَانِيه وأوقفنا عِنْد أوامره ونواهيه وَمن تدبر من آيَات الْكتاب من ذَوي الْأَلْبَاب وقف على الدَّوَاء الشافي كل دَاء مواف سوى الْمَوْت الَّذِي هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 غَايَة كل حَيّ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء} وخواص الْآيَات والأذكار لَا ينكرها إِلَّا من عقيدته واهية وَلَكِن لَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ لِأَنَّهُ تذكرة وَتَعيهَا اذن وَاعِيَة وَالله الْهَادِي للحق الْبَاب التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي حكايات مُكَافَأَة الْجِنّ وَالْإِنْس على الْخَيْر وَالشَّر قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد حَدثنِي عبيد الله بن جرير الْعَتكِي حَدثنَا الْوَلِيد بن هِشَام الحذمي قَالَ كَانَ عبيد بن الأبرص وَأَصْحَاب لَهُ فِي سفر فَمروا بحية وَهِي تتقلب فِي الرمضاء وتلهث عطشا فهم بَعضهم بقتلها فَقَالَ عبيد هِيَ إِلَى من يصب عَلَيْهَا نقطة من مَاء أحْوج قَالَ فَنزل فَصَبَّهُ عَلَيْهَا قَالَ فَمَضَوْا فَأَصَابَهُمْ ضلال شَدِيد حَتَّى ذهبت عَنْهُم الطَّرِيق فبيناهم كَذَلِك فَإِذا هَاتِف يَهْتِف ... يَا أَيهَا الركب المضل مذْهبه ... دُونك هَذَا اليكن منا فاركبه حَتَّى إِذا اللَّيْل تولى مغربه ... وسطع الْفجْر ولاح كوكبه فَخَل عَنهُ رَحْله وسبسبه ... قَالَ فَسَار بِهِ من اللَّيْل حَتَّى طلع الْفجْر مسيرَة عشرَة بلياليهن فَقَالَ عبيد بن الأبرص ... يَا أَيهَا الْبكر قد أنجبت من غمر ... وَمن فيافي تضل الرَّاكِب الْهَادِي هلا تخبرنا بِالْحَقِّ نعرفه ... من الَّذِي جاد بالنعماء فِي الْوَادي ... فَقَالَ مجيبا لَهُ ... أَنا الشجاع الَّذِي أبصرته رَمضًا ... فِي ضحضح نازح يسرى بِهِ صادي فجدت بِالْمَاءِ لما ضن شَاربه ... رويت مِنْهُ وَلم تبخل بإنجاد الْخَيْر يبْقى وَإِن طَال الزَّمَان بِهِ ... وَالشَّر أَخبث مَا أوعيت من زَاد ... وَيدخل فِي هَذَا عدَّة آثَار مُتَفَرِّقَة فِي موَاضعهَا من هَذَا الْكتاب مِنْهَا قصَّة مَالك بن خريم وَهِي مَذْكُورَة فِي الْبَاب الموفي سِتِّينَ أَن الظباء مَاشِيَة الْجِنّ قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنِي اسماعيل بن إِبْرَاهِيم الْهَاشِمِي حَدثنِي المريمي قَالَ كنت أقنص الْحمر فَخرجت ذَات يَوْم فبنيت كوخا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الْموضع الَّذِي ترده للشُّرْب فَلَمَّا وَردت شددت سَهْما فَإِذا انا بهاتف يَقُول يَا منهلة حمرك فنفرت الْحمر كلهَا فَانْصَرَفت وَمَعِي جَارِيَة لي يُقَال لَهَا مرْجَانَة وحماران فشددتهما من وَرَاء الْحَبل وفوقت سهمي وَجَلَست أرقبهما فَلَمَّا طلعت الْحمر لم أجنح إِلَى تلبث فرميتها فصرعت حمارا مِنْهَا ثمَّ قلت ... قد فقدت حمارها منهلة ... أتبعتها سيحلة منسلة كذنب النحلة يَعْلُو الجلة قَالَ فَأَجَابَنِي مُجيب ... قد فقدت حمارها مرْجَانَة ... أتبعتها سيحلة خسانة فِي قَبْضَة عسراء فِي سريانة فَقَالَت الْجَارِيَة يَا مولَايَ قد مَاتَ وَالله أحد الحمارين وَيدخل هُنَا قصَّة جمل الْيَتَامَى وَهِي مَذْكُورَة فِي الظباء وَالله أعلم الْبَاب الموفي خمسين فِي بَيَان صرع الْجِنّ للإنس قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رَحمَه الله صرع الْجِنّ للإنس قد يكون عَن شَهْوَة وَهوى وعشق كَمَا يتَّفق للإنس مَعَ الْجِنّ وَقد يتناكح الْإِنْس وَالْجِنّ ويولد بَينهمَا ولد وَهَذَا كثير مَعْرُوف وَقد ذكر الْعلمَاء ذَلِك وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقد يكون وَهُوَ كثير وَالْأَكْثَر عَن بغض ومجازاه مثل أَن يؤذيهم بعض الْإِنْس أَو يَظُنُّوا أَنهم يتعمدون آذاهم إِمَّا ببول على بَعضهم وَإِمَّا بصب مَاء حَار وَإِمَّا بقتل بَعضهم وان كَانَ الْإِنْس لَا تعرف ذَلِك وَفِي الْجِنّ ظلم وَجَهل فيعاقبونه بِأَكْثَرَ مِمَّا يسْتَحقّهُ وَقد يكون عَن عَبث مِنْهُم وَشر ميل سُفَهَاء الْإِنْس وَحِينَئِذٍ فَمَا كَانَ من الْبَاب الأول فَهُوَ من الْفَوَاحِش الَّتِي حرمهَا الله تَعَالَى كَمَا حرم ذَلِك على الْإِنْس وان كَانَ بِرِضا الآخر فَكيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 إِذا كَانَ مَعَ كَرَاهَته فَإِنَّهُ فَاحِشَة وظلم يُخَاطب الْجِنّ بذلك ويعرفون أَن هَذَا فَاحِشَة مُحرمَة لتقوم عَلَيْهِم الْحجَّة بذلك يعلمُوا بِأَنَّهُ يحكم فيهم بِحكم الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي أرْسلهُ إِلَى جَمِيع الثقلَيْن الْإِنْس وَالْجِنّ وَمَا كَانَ من الْقسم الثَّانِي فَإِن كَانَ الْإِنْسِي لم يعلم فيخاطبون بِأَن هَذَا لم يعلم وَمن لم يتَعَمَّد الْأَذَى وَلم يسْتَحق الْعقُوبَة وَإِن كَانَ قد فعل ذَلِك فِي دَاره وَملكه عرفُوا بِأَن الدَّار ملكه فَلهُ أَن يتَصَرَّف فِيهَا بِمَا يجوز وَأَنْتُم لَيْسَ لكم أَن تمكثوا فِي ملك الْإِنْس بِغَيْر إذْنهمْ بل لكم مَا لَيْسَ من مسَاكِن الْإِنْس كالخراب والفلوات وَلِهَذَا يوجدون كثيرا فِي الخراب والفلوات ويوجدون فِي مَوَاضِع النَّجَاسَات كالحمامات والحشوش والمزابل والقمامين والمقابر وَالْمَقْصُود أَن الْجِنّ إِذا اعتدوا على الْإِنْس اخبروا بِحكم الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقيمت عَلَيْهِم الْحجَّة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونهوا عَن الْمُنكر كَمَا يفعل بالإنس لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَقَالَ تَعَالَى {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي} صدق الله الْعَظِيم الْبَاب الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ فِي دُخُول الْجِنّ فِي بدن المصروع أنكر طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة كالجبائى وأبى بكر الرازى مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الطَّبِيب وَغَيرهمَا دُخُول الْجِنّ فى بدن المصروع وأحالوا وجود روحين فى جَسَد مَعَ إقرارهم بِوُجُود الْجِنّ إِذْ لم يكن ظُهُور هَذَا فى الْمَنْقُول عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كظهور هَذَا وَهَذَا الذى قَالُوهُ خطأ وَذكر ابو الْحسن الأشعرى فى مقالات أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَنهم يَقُولُونَ إِن الْجِنّ تدخل فى بدن المصروع كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قلت لأبى إِن قوما يَقُولُونَ إِن الْجِنّ لَا تدخل فى بدن الْإِنْس قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 يَا بنى يكذبُون هُوَ ذَا يتَكَلَّم على لِسَانه قلت ذكر الدارقطنى فى الْجُزْء الذى انتقاه من حَدِيث أَبى سهل بن زِيَاد لفرقد السنحى عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن امْرَأَة جَاءَت بِابْن لَهَا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن ابنى بِهِ جُنُون وَأَنه يَأْخُذهُ عِنْد غدائنا وعشائنا فَمسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره ودعا لَهُ فتفتفه فَخرج من جَوْفه مثل الجرو الْأسود فسعى رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى فى أَوَائِل مُسْنده فتفتفه اى قيأه وسيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن قريب حَدِيث أم أبان الذى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَفِيه قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرج عَدو الله وَهَكَذَا حَدِيث أُسَامَة بن زيد وَفِيه اخْرُج يَا عَدو الله فإنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ القاضى عبد الجبار إِذا صَحَّ مَا دللنا عَلَيْهِ من رقة أجسامهم وَأَنَّهَا كالهواء لم يمْتَنع دُخُولهمْ فى أبداننا كَمَا يدْخل الرّيح وَالنَّفس المتردد الذى هُوَ الرّوح فى أبداننا من التخرق والتخلخل وَلَا يُؤدى ذَلِك إِلَى اجْتِمَاع الْجَوَاهِر فى حيّز وَاحِد لِأَنَّهَا لَا تَجْتَمِع إِلَّا على طَرِيق الْمُجَاورَة لَا على سَبِيل الْحَال وَإِنَّمَا تدخل فى أجسامنا كَمَا يدْخل الْجِسْم الرَّقِيق فى الظروف فَإِن قيل إِن دُخُول الْجِنّ فى أجسامنا إِلَى هَذِه الْمَوَاضِع يُوجب تقطيعها أَو تقطيع الشَّيَاطِين لِأَن الْمَوَاضِع الضيقة لَا يدخلهَا الْجِسْم إِلَّا ويتقطع الْجِسْم الدَّاخِل فِيهَا قيل لَهُ إِنَّمَا يكون مَا ذكرته إِذا كَانَت الْأَجْسَام الَّتِى تدخل فى الْأَجْسَام كثيفة كالحديد والخشب فَأَما إِذا كَانَت كالهواء فَالْأَمْر بِخِلَاف مَا ذكرته وَكَذَلِكَ القَوْل فى الشَّيَاطِين إِنَّهُم لَا يَتَقَطَّعُون بدخولهم فى الْأَجْسَام لأَنهم إِمَّا أَن يدخلُوا بكليتهم فبعضهم مُتَّصِل بِبَعْض فَلَا يَتَقَطَّعُون وَإِمَّا أَن يدخلُوا بعض أجسامهم إِلَّا أَن بَعضهم مُتَّصِل بِبَعْض فَلَا يتقطع أَيْضا وَهَذَا مثل أَن تدخل الْحَيَّة فى جحرها كلهَا أَو يدْخل بَعْضهَا وَبَعضهَا يبْقى خَارج الْجُحر لِأَن ذَلِك لَا يُوجب تقطعها وَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول مَا أنكرتم إِذا حصل الجنى فى الْمعدة أَن يكون قد أكلناه كَمَا إِذا حصل الطَّعَام فِيهَا كُنَّا آكلين لَهُ وَذَلِكَ لِأَن الْأكل هُوَ معالجة مَا يُوصل بالمضغ والبلع وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 كلما يحصل فى الْمعدة نَكُون لَهُ آكلين وَلَا يكون المَاء بحصوله فى الْمعدة مَأْكُولا فَإِن قيل يجوز أَن يدخلُوا فى الْأَحْجَار قيل نعم إِذا كَانَت مخلخلة كَمَا يجوز دُخُول الْهَوَاء فِيهَا فَإِن قيل فَيجب على مَا ذكرْتُمْ دُخُول الشَّيْطَان وَزَوجته فى جَوف الآدمى فينكحها فتحبل وتلد فَيكون لَهُم فِي جَوف الْوَاحِد منا أَوْلَاد قيل قد أجَاب أَبُو هَاشم عَن هَذَا السُّؤَال بِأَن ذَلِك لَا يمْتَنع فى الْأَجْسَام الرقَاق كَمَا لَا يمْتَنع ذَلِك فى الْأَجْسَام اللطاف أَلا ترى أَنه رُبمَا يجْتَمع فى الْجوف من الدُّود وَنَحْوهَا شئ عَظِيم كثير وَكَذَلِكَ الرَّقِيق من الْأَجْسَام غير مُمْتَنع هَذَا مِنْهُ قَالَ إِلَّا أَنه لَا يقطع الْولادَة عَلَيْهِم لأَنهم مختارون فَرُبمَا لم يختاروا أَن يتوالدوا فى أَجْوَاف الْإِنْس كَمَا لَا نَخْتَار نَحن أَن نتوالد فى الْأَسْوَاق والمساجد بل نَخْتَار فعل ذَلِك فى مَوَاضِع مَخْصُوصَة فَلَا يمْتَنع أَن تكون هَذِه حَالهم وَإِذا صَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ سقط هَذَا الِاعْتِرَاض قَالَ القاضى عبد الجبار بعد مَا قدم حَدِيث الشَّيْطَان يجرى من ابْن آدم مجْرى الدَّم هَذَا لَا يَصح إِلَّا أَن تكون أجسامهم رقيقَة على مُقْتَضَاهُ ونظائرذلك من الْأَخْبَار المروية فى هَذَا الْبَاب من أَنهم يدْخلُونَ فى أبدان الْإِنْس وَهَذَا لَا يجوز على الْأَجْسَام الكثيفة قَالَ ولشهرة هَذِه الْأَخْبَار وظهورها عِنْد الْعلمَاء قَالَ أَبُو عُثْمَان عَمْرو بن عُبَيْدَان الْمُنكر لدُخُول الْجِنّ فى أبدان الْإِنْس دهرى أَو يجِئ مِنْهُ دهرى قَالَ عبد الجبار وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهَا قد صَارَت فى الشُّهْرَة والظهور كشهرة الْأَخْبَار فى الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالزَّكَاة وَمن أنكر هَذِه الْأَخْبَار الَّتِى ذَكرنَاهَا كَانَ رادا والراد على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَا سَبِيل إِلَى علمه إِلَّا من جِهَته كَافِر وَمن لَا يعلم أَن المعجزات لَا يقدر عَلَيْهَا إِلَّا الله عز وَجل وَحده لم يَصح لَهُ أَن يعلم أَن الْأَجْسَام لَا يَفْعَلهَا إِلَّا الله عز وَجل وَمن لم يعلم ذَلِك لم يُمكنهُ إِثْبَات قَادر لنَفسِهِ وَلَا عَالم لنَفسِهِ وَلَا وحى لنَفسِهِ وَمن لم يُمكنهُ إِثْبَات هَذَا لم يكنه إِثْبَات فَاعل الْأَجْسَام وَإِذا لم يُمكنهُ ذَلِك وهى مَوْجُودَة لم يُمكنهُ أَن يثبتها محدثة وَإِذا لم يُمكنهُ أَن يثبتها محدثة وهى مَعَ ذَلِك مَوْجُودَة فَلَا بُد من أَن تكون قديمَة وَمن كَانَ هَذَا حَاله كَانَ دهريا أَو جَاءَ مِنْهُ دهرى على مَا قَالَ وَفَسَاد قَوْله على مَا ذَكرْنَاهُ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 هَذَا التَّرْتِيب فَهَذَا معنى قَوْله دهرى أَو يجِئ مِنْهُ دهرى وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الأنصارى وَلَو كَانُوا كثافا يَصح ذَلِك أَيْضا مِنْهُم كَمَا يَصح دُخُول الطَّعَام وَالشرَاب فى الْفَرَاغ من جِسْمه فَيجب تَصْحِيح ذَلِك وتأويله الْمس مِنْهُ عَلَيْهِ وَقَالَ قَائِلُونَ إِن معنى سلوكهم فى الْإِنْس إِنَّمَا هُوَ بإلقاء الظل عَلَيْهِم وَذَلِكَ هُوَ الْمس وَمِنْه الصرع والفزع وَذَلِكَ أَيْضا مِمَّا يَدْفَعهُ الْعقل غير أَنه ورد السّمع بسلوكهم فى الْإِنْس وَوضع الشَّيْطَان رَأسه على الْقلب وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الثانى وَالْخَمْسُونَ فى أَن حركات المصروع هَل هى من فعله أَو فعل الْجِنّ قد تقرر أَن الْمُحدث يَسْتَحِيل أَن يفعل فى غَيره فعلا ملكا كَانَ أَو شَيْطَانا أَو إنسيا بل ذَلِك من فعل المصروع بجري الْعَادة فَإِن كَانَ المصروع قَادِرًا على ذَلِك الِاضْطِرَاب كَانَ ذَلِك كسبا لَهُ وخلقا لله عز وَجل وَإِن لم يكن قَادِرًا عَلَيْهِ لم يكن مكتسبا لَهُ بل هُوَ مُضْطَر إِلَيْهِ وَلَا يمْنَع أَن يكون الله تَعَالَى قد أجْرى الْعَادة بِأَنَّهُ لَا يفعل ذَلِك الصرع وَالِاضْطِرَاب إِلَّا عِنْد سلوك الجنى فِيهِ أَو عِنْد مَسّه كَمَا فى الْأَسْبَاب المستعقبة للمسببات وَكَذَلِكَ القَوْل فِيمَا يسمع من المصروع من الْكَلَام فى تَجْوِيز كَونه كسبا لَهُ أَو مُضْطَرّا إِلَيْهِ وَإِن كَانَ هُوَ الْمُتَكَلّم دون خالقه وتجويز كَونه من كَلَام شَيْطَان قد سلكه أَو مَسّه وَأَن يكون قَائِما بِذَات الشَّيْطَان دون ذَات من هُوَ سالك فِيهِ أَو مماس لَهُ وَأكْثر النَّاس يَعْتَقِدُونَ أَنه كَلَام الجنى ويضيفونه إِلَيْهِ وَلَا دَلِيل نقطع بِهِ على أَن مَا سمع مِنْهُ كَلَام لَهُ أَو للشَّيْطَان وَإِن كَانَ كلَاما لَهُ فَإِنَّهُ من كَسبه أَو ضَرُورَة فِيهِ وَإِنَّمَا يُصَار إِلَى أَحدهمَا بتوقيف مَقْطُوع بِهِ وَمَتى كَانَ كلَاما للمصروع كَانَت إِضَافَته إِلَى الشَّيْطَان مجَازًا وَمعنى الْكَلَام أَنه كَانَ مِنْهُ وسلوكه وعَلى الْجُمْلَة أَن الْمُتَكَلّم من قَامَ بِهِ الْكَلَام لَا من فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الْكَلَام ثمَّ الْكَلَام الذى يقوم بالبشر قد يكون من فعله وَكَسبه وَقد يكون مُضْطَرّا إِلَيْهِ وَقد تقدم قَول الإِمَام أَحْمد هُوَ ذَا يتَكَلَّم على لِسَانه يعْنى لِسَان المصروع فقد جعل الْمُتَكَلّم هُوَ الجنى فَكَذَلِك الْحَرَكَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الْبَاب الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ فى حكم معالجة المصروع سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية رَحْمَة الله عَلَيْهِ عَن رجل ابتلى بمعالجة الْجِنّ مُدَّة طَوِيلَة لكَون بعض من عِنْده ناله سحر عَظِيم قَلِيل الْوُقُوع فِي الْوُجُود وتكرر السحر أَكثر من مائَة مرّة وَكَاد يتْلف المسحور ويقتله بِالْكُلِّيَّةِ مَرَّات لَا تحصى فقابلهم الرجل الْمَذْكُور بالتوجه والصد البليغ ودوام الدُّعَاء والالتجاء وَتَحْقِيق التَّوْحِيد وَأحسن بالنصر عَلَيْهِم وَكَانَ الْمُصَاب يراهم فِي الْيَقَظَة وَفِي الْمَنَام وَيسمع كَلَامهم فِي الْيَقَظَة أَيْضا فَرَآهُمْ فِي أَوَائِل الْحَال وهم يَقُولُونَ مَاتَ البارحة منا الْبَعْض وَمرض جمَاعَة لأجل دُعَاء الدَّاعِي وسموه باسمه وَكَانَ بِالْقَاهِرَةِ رجل هائل يقل وجود مثله فِي الْوُجُود يجْتَمع بهم ويطلع على حَقِيقَة حَالهم وَله عَلَيْهِم سُلْطَان باهر مَشْهُور مشهود لغيره فَسئلَ عَن حَقِيقَة مَنَام الْمُصَاب وَعَن خبر الدُّعَاء فَأخْبر بهلك سِتَّة وَمرض كثير من الْجِنّ وتكرر هَذَا نَحوا من مائَة مرّة وَتبين للرجل الدَّاعِي الْمَذْكُور أَن الله تَعَالَى قهرهم لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ يجد ذَلِك ويشهده ويعاضده منامات الْمُصَاب وسماعه فِي الْيَقَظَة ايضا وأخبار صَاحبهمْ الْمَذْكُور وَبعد ذَلِك أذعنوا وذلوا وطلبوا الْمَسْأَلَة فَهَل يجوز للرجل الدَّاعِي مواظبة الذب عَن صَاحبه الْمُصَاب الْمَظْلُوم مَعَ تحَققه هَلَاك طَائِفَة بعد طَائِفَة وَالْحَالة هَذِه أم لَا وَهل عَلَيْهِ من إثمهم شَيْء فَإِنَّهُ قد يكون بَعضهم مَعَ صياله مُسلما أم لَا وَهل يجوز لَهُ إِسْلَام صَاحبه والتخلي عَنهُ مَعَ مَا يُشَاهِدهُ من أَذَاهُ وَقرب هَلَاكه أم لَا وَهل هَذَا الْغَزْو مَشْرُوع وَعَلِيهِ شَاهد من السّنة النَّبَوِيَّة والطريقة السائغة أم لَا وَهل تشهد الشَّرِيعَة بِصِحَّة وُقُوع مثل ذَلِك كَمَا قد تحَققه السَّائِل وَغَيره من المباشرين والمصدقين أم ذَلِك مُمْتَنع كَمَا تَقوله الفلاسفة وَبَعض أهل الْبدع وَهل تجوز الِاسْتِعَانَة عَلَيْهِ بِشَيْء من صنع أهل التنجيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَنَحْوهم فِيمَا يعانونه من الْحجب وَالْكِتَابَة والبخور والأوراق وَغير ذَلِك لأَنهم يتحملون كبر ذَلِك والمصاب واهله يطْلبُونَ الشِّفَاء وَإِن كَانَ فِي ذَلِك كفر فَيكون فِي عنق صَاحبه الَّذِي بَاعَ دينه بالدنيا وَهَذَا من بَاب مُقَابلَة الْفَاسِد بِمثلِهِ أم لَا يجوز ذَلِك لأجل تَقْوِيَة طريقهم وَالدُّخُول فِي أَمر غير مَشْرُوع وَذكر السَّائِل أسئلة أُخْرَى أضربت عَن ذكرهَا وَالْجَوَاب فِي نَحْو كراسين وَفِيه بسط خَارج عَن مَقْصُود الْجَواب اقْتَضَاهُ طرد الْكَلَام وتشبث بعضه بأذيال بعض وَقد أثبت مِنْهُ ملخصه المطابق للسؤال تَلْخِيص الْجَواب يسْتَحبّ وَقد يجب أَن يذب عَن الْمَظْلُوم وَأَن ينصر فَإِن نصر الْمَظْلُوم مَأْمُور بِهِ بِحَسب الامكان وَإِذا برِئ الْمُصَاب بِالدُّعَاءِ وَالذكر وَأمر الْجِنّ ونهيهم وانتهارهم وسبهم ولعنهم وَنَحْو ذَلِك من الْكَلَام حصل الْمَقْصُود وَإِن كَانَ ذَلِك يتَضَمَّن مرض طَائِفَة من الْجِنّ أَو مَوْتهمْ فهم الظَّالِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ إِذا كَانَ الراقي الدَّاعِي المعالج لم يَتَعَدَّ عَلَيْهِم كَمَا يتَعَدَّى عَلَيْهِم كثير من أهل العزائم فيأمرون بقتل من لَا يجوز قَتله وَقد يحبسون من لَا يحْتَاج إِلَى حَبسه وَلِهَذَا قد يقابلهم الْجِنّ على ذَلِك ففيهم من تقتله الْجِنّ أَو تمرضه وَفِيهِمْ من يفعل ذَلِك بأَهْله وَأَوْلَاده أَو دوابه وأمامن سلك فِي دفع عدوانهم مَسْلَك الْعدْل الَّذِي أَمر الله بِهِ وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لم يظلمهم بل هُوَ مُطِيع لله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نصر الْمَظْلُوم وإغاثة الملهوف والتنفيس عَن المكروب بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شرك بالخالق وَلَا ظلم للمخلوق وَمثل هَذَا لَا تؤذيه الْجِنّ إِمَّا لمعرفتهم بِأَنَّهُ عَادل وَإِمَّا لعجزهم عَنهُ وَإِن كَانَ الْجِنّ من العفاريت وَهُوَ ضَعِيف فقد تؤذيه فَيَنْبَغِي لمثل هَذَا ان يحْتَرز بِقِرَاءَة المعوذات وَالصَّلَاة وَالسَّلَام وَالدُّعَاء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُقَوي الْإِيمَان يجْتَنب الذُّنُوب الَّتِي بهَا يستطيلون عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُجَاهد فِي سَبِيل الله وَهَذَا من أعظم الْجِهَاد فليحذر أَن ينصر الْعَدو عَلَيْهِ بذنوبه وَإِن كَانَ الْأَمر فَوق قدرته فَلَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا وَمن أعظم مَا ينتصر بِهِ عَلَيْهِم آيَة الْكُرْسِيّ فقد جرب المجربون الَّذين لَا يُحصونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 كَثْرَة ان لَهَا من التَّأْثِير فِي دفع الشَّيَاطِين وَإِبْطَال أَحْوَالهم مَا لَا يَنْضَبِط من كثرته وقوته فَإِن لَهَا تَأْثِيرا عَظِيما فِي طرد الشَّيَاطِين عَن نفس الْإِنْسَان وَعَن المصروع وَعَمن تعينه الشَّيَاطِين من أهل الظُّلم وَالْغَضَب وَأهل الشَّهْوَة والطرب وأرباب سَماع المكاء والتصدية إِذا قَرَأت عَلَيْهِم بِصدق والصائل الْمُتَعَدِّي يسْتَحق دَفعه سَوَاء كَانَ مُسلما أَو كَافِرًا فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَورد دون دَمه وَدون حرمته وَدون دينه فَإِذا كَانَ الْمَظْلُوم لَهُ أَن يدْفع عَن مَاله وَلَو بقتل الصَّائِل العادي فَكيف لَا يدْفع عَن عقله وبدنه وحرمته فَإِن الشَّيْطَان يفْسد عقله ويعاقبه فِي بدنه وَقد يفعل مَعَه فَاحِشَة وَلَو فعل إنسي هَذَا بإنسي وَلم ينْدَفع إِلَّا بِالْقَتْلِ جَازَ قَتله وَأما إِسْلَام صَاحبه والتخلي عَنهُ فَهُوَ مثل إِسْلَام أَمْثَاله من المظلومين وَهَذَا فرض على الْكِفَايَة مَعَ الْقُدْرَة فَإِن كَانَ عَاجِزا وَهُوَ مَشْغُول بِمَا هُوَ أوجب مِنْهُ أَو قَامَ غَيره بِهِ لم يجب وَإِن كَانَ قَادِرًا وَقد تعين عَلَيْهِ وَلَا يشْغلهُ عَمَّا هُوَ أوجب مِنْهُ وَجب عَلَيْهِ وَقَول السَّائِل هَل هَذَا مَشْرُوع فَهَذَا من أفضل الْأَعْمَال وَهُوَ من أَعمال الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ فَمَا زَالَ الْأَنْبِيَاء والصالحون يدْفَعُونَ الشَّيَاطِين عَن بني آدم بِمَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا كَانَ الْمَسِيح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يفعل ذَلِك وكما كَانَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك وَلَو قدر أَنه لم ينْقل ذَلِك لكَون مثله لم يَقع عِنْد الْأَنْبِيَاء لكَون الشَّيَاطِين لم تكن تقدر أَن تفعل ذَلِك عِنْد الْأَنْبِيَاء وَفعلت ذَلِك عندنَا فقد أمرنَا الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنصر الْمَظْلُوم وإغاثة الملهوف ونفع الْمُسلم بِمَا يتَنَاوَل ذَلِك وَفِي الصَّحِيح قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفَاتِحَة وَمَا أَدْرَاك أَنَّهَا رقية وَأذن لَهُ فِي أَخذ الْجعل وَهَذَا كدفع ظَالِم الْإِنْس من الْكفَّار والفجار وَقد يحْتَاج فِي إِبْرَاء المصروع وَدفع الْجِنّ عَنْهُم إِلَى الضَّرْب فَيضْرب ضربا كثيرا جدا وَالضَّرْب إِنَّمَا يَقع الجني وَلَا يحس بِهِ المصروع ويخبر بِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 لم يحس بِشَيْء من ذَلِك وَلَا يُؤثر فِي بدنه وَيكون قد ضرب بعصا قَوِيَّة على رجلَيْهِ نَحْو ثَلَاثمِائَة أَو أَرْبَعمِائَة ضَرْبَة وَأكْثر وَأَقل بِحَيْثُ لَو كَانَ على الْإِنْسِي تقتله وَإِنَّمَا هُوَ على الجني والجني يَصِيح ويصرخ وَيحدث الْحَاضِرين بِأُمُور مُتعَدِّدَة قَالَ الْمُجيب وَقد فعلنَا نَحن هَذَا وجربناه مَرَّات كَثِيرَة يطول وصفهَا بِحَضْرَة خلق كثير الِاسْتِعَانَة عَلَيْهِم قَالَ وَأما الِاسْتِعَانَة عَلَيْهِم بِمَا يُقَال وَيكْتب مِمَّا لَا يعرف مَعْنَاهُ فَلَا يشرع اسْتِعْمَاله إِن كَانَ فِيهِ شرك فَإِن ذَلِك محرم وَعَامة مَا يَقُول أهل العزائم فِيهِ شرك وَقد يقرءُون مَعَ ذَلِك شَيْئا من الْقُرْآن ويظهرونه ويكتمون مَا يَقُولُونَهُ من الشّرك وَفِي الِاسْتِشْفَاء بِمَا شَرعه الله تَعَالَى وَرَسُوله مَا يُغني عَن الشّرك وَأَهله والمسلمون وَإِن تنازعوا فِي جَوَاز التَّدَاوِي بالمحرمات فَلَا يتنازعون فِي أَن الشّرك وَالْكفْر لَا يجوز التَّدَاوِي بِهِ بِحَال لِأَن ذَلِك محرم فِي كل حَال وَلَيْسَ هَذَا كالمتكلم بِهِ عِنْد الْإِكْرَاه فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يجوز إِذا كَانَ الْقلب مطمئنا بِالْإِيمَان والتكلم بِمَا لَا يفهم بِالْعَرَبِيَّةِ إِنَّمَا يُؤثر إِذا كَانَ بقلب صَاحبه وَلَو تكلم بِهِ مَعَ طمأنينة قلبه بِالْإِيمَان لم يُؤثر والشيطان إِذا عرف أَن صَاحبه يستخف بالعزائم لم يساعده أَيْضا فَإِن الْمُكْره مُضْطَر إِلَى التَّكَلُّم بِهِ وَلَا ضَرُورَة إِلَى إِبْرَاء الْمُصَاب بِهِ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه قد لَا يُؤثر فَمَا أَكثر من يعالج بالعزائم فَلَا يُؤثر بل يزِيدهُ شرا وَالثَّانِي أَن فِي الْحق مَا يُغني عَن الْبَاطِل وَالنَّاس فِي هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة أَصْنَاف قوم يكذبُون بِدُخُول الْجِنّ فِي الْإِنْس وَقوم يدْفَعُونَ ذَلِك بالعزائم المذمومة فَهَؤُلَاءِ يكذبُون بالموجود وَهَؤُلَاء يكفرون بالرب المعبود وَالْأمة الْوُسْطَى تصدق بِالْحَقِّ الْمَوْجُود وتؤمن بالإله الْوَاحِد المعبود وبعبادته ودعائه وَذكره وأسمائه وَكَلَامه تدفع شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ انْتهى تَلْخِيص الْجَواب قلت قَوْله وَقد يحْتَاج فِي إِبْرَاء المصروع وَدفع الْجِنّ عَنْهُم إِلَى الضَّرْب فَيضْرب ضربا كثيرا وَقد ورد لَهُ أصل فِي الشَّرْع وَهُوَ مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أم أبان بنت الْوَازِع عَن أَبِيهَا أَن جدها انْطلق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِابْن لَهُ مَجْنُون أَو ابْن أُخْت لَهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن معي ابْنا لي أَو ابْن أُخْت لي مَجْنُونا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أَتَيْتُك بِهِ لتدعو الله تَعَالَى لَهُ قَالَ ائْتِنِي بِهِ قَالَ فَانْطَلَقت بِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الركاب فأطلقت عَنهُ وألقيت عَلَيْهِ ثِيَاب السّفر وألبسته ثَوْبَيْنِ حسنين وَأخذت بِيَدِهِ حَتَّى انْتَهَيْت بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أدنه مني وَاجعَل ظَهره مِمَّا يليني قَالَ فَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه من أَعْلَاهُ وأسفله فَجعل يضْرب ظَهره حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ وَيَقُول اخْرُج عَدو الله فَأقبل ينظر نظر الصَّحِيح لَيْسَ بِنَظَر الأول ثمَّ أقعده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين يَدَيْهِ فَدَعَا لَهُ بِمَاء فَمسح وَجهه ودعا لَهُ فَلم يكن فِي الْوَفْد أحد بعد دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفضل عَلَيْهِ وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ ضرب الجني وَإِن لم تدع الْحَاجة إِلَى الضَّرْب فَلَا يضْرب فقد روى ابْن عَسَاكِر فِي الثَّانِي من كتاب الْأَرْبَعين الطوَال حَدِيث اسامة بن زيد قَالَ حجَجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّته الَّتِي حج فِيهَا فَلَمَّا هبطنا بطن الروحاء عارضت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة تحمل صَبيا لَهَا فَسلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يسير على رَاحِلَته ثمَّ قَالَت يَا رَسُول الله هَذَا ابْني فلَان وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أبقى من خَفق وَاحِد من لدن أَنِّي وَلدته إِلَى سَاعَته هَذِه فحبس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّاحِلَة فَوقف ثمَّ أكسع اليها فَبسط إِلَيْهَا يَده وَقَالَ هاته فَوَضَعته على يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضمه إِلَيْهِ فَجعله بَينه وَبَين وَاسِطَة الرحل ثمَّ تفل فِي فِيهِ وَقَالَ اخْرُج يَا عَدو الله فَإِنِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ناولها إِيَّاه فَقَالَ خذيه فَلَنْ ترى مِنْهُ شَيْئا تكرهينه بعد هَذَا إِن شَاءَ الله الحَدِيث وَفِي أَوَائِل مُسْند أبي مُحَمَّد الدَّارمِيّ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر مَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ اخْسَأْ عَدو الله أَنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحاصل ذَلِك أَنه مَتى حصل الْمَقْصُود بالأهون لَا يُصَار إِلَى مَا فَوْقه وَمَتى احْتِيجَ إِلَى الضَّرْب وَمَا هُوَ أَشد مِنْهُ صير إِلَيْهِ وَمن قتل الصَّائِل من الْجِنّ قتل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا الجني الَّذِي كَانَ لَا يزَال يطلع فِي بَيتهَا وَحَدِيث مُجَاهِد كَانَ الشَّيْطَان لَا يزَال يتزيا لي بِابْن عَبَّاس إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة قَالَ فَذكرت قَول ابْن عَبَّاس فحصلت عِنْدِي سكينا فتز يالي فَحملت عَلَيْهِ فطعنته فَوَقع وَله وجبة فَلم أره بعد ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَقد ذَكرْنَاهُ بِسَنَدِهِ فِي الْبَاب السَّادِس وَمن ذَلِك أَحَادِيث تعرض الشَّيْطَان للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمد يَده إِلَيْهِ ولفته وذعته وَذَلِكَ مَذْكُور فِي مَوْضِعه من هَذَا الْكتاب وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن بن القَاضِي أبي يعلى ابْن الْفراء الْحَنْبَلِيّ فِي كتاب طَبَقَات اصحاب الإِمَام أَحْمد سَمِعت أَحْمد ابْن عبيد الله قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن عبي بن أَحْمد بن عَليّ العكبري قدم علينا من عكبرا فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة قَالَ حَدثنِي أبي عَن جدي قَالَ كنت فِي مَسْجِد أبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل فأنفذ اليه المتَوَكل صاحبا لَهُ يُعلمهُ أَن لَهُ جَارِيَة بهَا صرع وَسَأَلَهُ أَن يَدْعُو الله لَهَا بالعافية فَأخْرج لَهُ أَحْمد نَعْلي خشب بِشِرَاك من خوص للْوُضُوء فَدفعهُ إِلَى صَاحب لَهُ وَقَالَ لَهُ امْضِ إِلَى دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ وتجلس عِنْد رَأس هَذِه الْجَارِيَة وَتقول لَهُ يَعْنِي الجني قَالَ لَك أَحْمد أَيّمَا أحب إِلَيْك تخرج من هَذِه الْجَارِيَة أَو تصفع بِهَذِهِ النَّعْل سبعين فَمضى إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ مثل مَا قَالَ الإِمَام أَحْمد فَقَالَ لَهُ المارد على لِسَان الْجَارِيَة السّمع وَالطَّاعَة لَو أمرنَا أَحْمد أَن لَا نُقِيم بالعراق مَا أَقَمْنَا بِهِ إِنَّه أطَاع الله وَمن أطَاع الله أطاعه كل شَيْء وَخرج من الْجَارِيَة وهدأت وَرزقت أَوْلَادًا فَلَمَّا مَاتَ أَحْمد عاودها المارد فأنفذ المتَوَكل إِلَى صَاحبه أبي بكر الْمروزِي وعرفه الْحَال فَأخذ الْمروزِي النَّعْل وَمضى إِلَى الْجَارِيَة فَكَلمهُ العفريت على لسانها لَا أخرج من هَذِه الْجَارِيَة وَلَا أطيعك وَلَا أقبل مِنْك احْمَد بن حَنْبَل اطاع الله فَأمرنَا بِطَاعَتِهِ الْبَاب الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ فِي بَيَان سخرية الْجِنّ من الْإِنْس قَالَ ابو بكر مُحَمَّد بن عبيد حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله حَدثنَا عمي عَن عَمْرو بن الْهَيْثَم عَن ابيه عَن جده قَالَ خرجت أُرِيد مرقوعا حَتَّى إِذا كنت على اربعة فراسخ إِذا أَنا بصحاب يَلْعَبُونَ عِنْد عين قَرْيَة قُمْت أنظر إِلَيْهِم فَقَامَ أحدهم فَاسْتقْبل صَاحبه ثمَّ وثب الآخر على عُنُقه ثمَّ وثب آخر على عنق آخر فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك حملت الْفرس عَلَيْهِم فوقعوا يقهقهون مستلقين فَخرجت أضْرب فرسي فَمَا مَرَرْت بشجرة إِلَّا سَمِعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 تحتهَا ضحكا وَبِه إِلَى الهيتم عَن أَبِيه قَالَ خرجت أَنا وَصَاحب لي فَإِذا بامراة على ظهر الطَّرِيق فَسَأَلت أَن نحملها فَقلت لصاحبي أحملها قَالَ فحملها خَلفه قَالَ فَنَظَرت إِلَيْهَا ففتحت فاها فَإِذا يخرج من فِيهَا مثل لَهب الأتون فَحملت عَلَيْهَا فَقَالَت مَالِي وَلَك وصاحت فَقَالَ صَاحِبي مَا تُرِيدُ من البائسة قَالَ ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ الْتفت اليها ففتحت فاها فَإِذا يخرج مثل لَهب الأتون قَالَ فَحملت عَلَيْهَا فَفعلت ذَلِك حَتَّى فعلت ثَلَاث مَرَّات قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك صممت فطفرت فَإِذا هِيَ بِالْأَرْضِ فَقَالَت قَاتلك الله مَا أَشد فُؤَادك مَا رَآهُ أحد قطّ إِلَّا أَنْخَلِع فُؤَاده حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أخي الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي عمي قَالَ خرج رجل بحضرموت ففر من الغول وَهِي سَاحِرَة الْجِنّ فَلَمَّا خَافَ أَن ترهقه دخل فِي بِئْر فبالت عَلَيْهِ فَخرج من الْبِئْر فتمعط شعره وَلم يبْق عَلَيْهِ شَيْء وَالله أعلم الْبَاب الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ فِي ان الطَّاعُون من وخز الْجِنّ روى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَاء أمتِي بالطعن والطاعون قَالُوا يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ وخز إخْوَانكُمْ من الْجِنّ وَفِي كل شَهَادَة وَرَوَاهُ ابْن ابي الدُّنْيَا فِي كتاب الطواعين وَقَالَ فِيهِ وخز أعدائكم من الْجِنّ وَلَا تنَافِي بَين اللَّفْظَيْنِ لِأَن الْأُخوة فِي الدّين لَا تنَافِي الْعَدَاوَة لِأَن عَدَاوَة الْجِنّ وَالْإِنْس بالطبع وَإِن كَانُوا مُؤمنين فالعداوة مَوْجُودَة قَالَ ابْن الْأَثِير الوخز طعن لَيْسَ بنافذ والشيطان لَهُ ركض وهمز وَنَفث وَنفخ ووخز قَالَ الْجَوْهَرِي الركض تَحْرِيك الرجل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {اركض برجلك} وَفِي حَدِيث الْمُسْتَحَاضَة هِيَ ركضة من الشَّيْطَان يُرِيد الدفعة والهمز شَبيهَة بالنفخ وَهُوَ أقل من التقل وَقد نفث الراقي ينفث وينفك والنفخ مَعْرُوف والوخز الطعْن بِالرُّمْحِ وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 لَا يكون نَافِذا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ يسمون الطَّاعُون رماح الْجِنّ قَالَ الازدي لِلْحَارِثِ الْملك الغساني ... لعمرك مَا خشيت على أبي ... رماح مُقَيّدَة بني الْحمار وَلَكِنِّي خشيت على أبي ... رماح الْجِنّ أَو إياك حَار ... الْبَاب السَّادِس وَالْخَمْسُونَ فِي أَن الِاسْتِحَاضَة ركضة من ركضات الشَّيْطَان روى أَبُو دَاوُد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ من حَدِيث حمْنَة بنت جحش قَالَت كنت استحاض حَيْضَة شَدِيدَة كَثِيرَة فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أستفتيه فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي أستحيض حَيْضَة كَثِيرَة شَدِيدَة فَمَا ترى فِيهَا قد منعتني الصَّلَاة وَالصِّيَام فَقَالَ انعت لَك الكرسف فَإِنَّهُ يذهب الدَّم قَالَت هُوَ أَكثر من ذَلِك قَالَ فاتخذي ثوبا قَالَت هُوَ أَكثر من ذَلِك قَالَ فتلجمي قَالَت إِنَّمَا أثج ثجأ فَقَالَ لَهَا سآمرك بأمرين أَيهمَا فعلت فقد أَجْزَأَ عَنْك من الآخر فَإِن قويت عَلَيْهِمَا فَأَنت أعلم فَقَالَ لَهَا إِنَّمَا هَذِه ركضة من ركضات الشَّيَاطِين فتحيضين سِتَّة أَيَّام أَو سَبْعَة فِي علم الله الحَدِيث بِطُولِهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش من قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا ذَلِك عرق وَفِي رِوَايَة دم عرق انفجر وَذَلِكَ لِأَن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا ركض ذَلِك الْعرق وَهُوَ جَار سَالَ مِنْهُ الدَّم وللشيطان فِي هَذَا الْعرق الْخَاص تصرف وَله بِهِ اخْتِصَاص زَائِد على عروق الْبدن جَمِيعهَا وَلِهَذَا تتصرف السَّحَرَة فِيهِ باستنجاد الشَّيْطَان فِي نزيف الْمَرْأَة وسيلان الدَّم من فرجهَا حَتَّى يكَاد يهلكها ويسمون ذَلِك بَاب النزيف وَإِنَّمَا يستعينون فِيهِ بركض الشَّيْطَان هُنَالك وإسالة الدَّم فَكَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصدق بعضه بَعْضًا وَهُوَ الشِّفَاء والعصمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 تَعْلِيق وَبَيَان قلت وَكَذَلِكَ القَوْل فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّاعُون إِنَّه وخز أعدائكم من الْجِنّ مَعَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُدَّة كَغُدَّة الْبَعِير يخرج من مراق الْبَطن وَذَلِكَ أَن الجني إِذا وخز الْعرق من مراق الْبَطن خرج من وخزه الغدة فَيكون وخز الجني سَببا للغدة الخارجية الْبَاب السَّابِع وَالْخَمْسُونَ فِي نظرة الْجِنّ وإصابتها بني آدم بِالْعينِ الْعين عينان عين إنسية وَعين جنية وَقد صَحَّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي بَيتهَا جَارِيَة فِي وَجههَا سفعة فَقَالَ استرقوا لَهَا فَإِن بهَا النظرة قَالَ الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء وَقَوله سفعة أَي نظرة يَعْنِي من الْجِنّ يَقُول بهَا عين أصابتها من نظر الْجِنّ أنفذ من أسنة الرماح وَقَالَ الصولي يُقَال أزلقه إِذا عانه وعانه ولفعه بِعَيْنِه حَدثنَا الْفضل بن الْحباب حَدثنَا أَبُو عُثْمَان الْمَازِني سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة يَقُول يُقَال رجل معِين للَّذي أَصَابَته عين وَرجل معيون للَّذي بِهِ منظر وَلَا مخبر لَهُ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَسدي سَمِعت الرياشي يَقُول يُقَال رجل معِين ومعيون للَّذي أَصَابَته الْعين ولبعضهم ... وَقد عالجوه بالتمائم والرقى ... وَصبُّوا عَلَيْهِ المَاء من ألم النكس وَقَالُوا أَصَابَته من الْجِنّ أعين ... وَلَو علمُوا داووه من أعين الْإِنْس ... وَقَالَ أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا ابْن نمير حَدثنَا ثَوْر بن يزِيد عَن مَكْحُول عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ الْعين ويحضرها الشَّيْطَان وَالله اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الْبَاب الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ فِي قتال عمار بن يَاسر الْجِنّ قَالَ أَبُو بكر بن عبيد حَدثنَا اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا وهب ابْن جرير حَدثنَا ابي عَن الْحسن عَن عمار بن يَاسر قَالَ قَاتَلت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجِنّ وَالْإِنْس قيل وَكَيف قَاتَلت الْجِنّ وَالْإِنْس قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فنزلنا منزلا فَأخذت قربتي ودلوي لأستقي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِنَّه سيأتيك على المَاء آتٍ يمنعك مِنْهُ فَلَمَّا كنت على رَأس الْبِئْر إِذا رجل أسود كَأَنَّهُ مرس فَقَالَ وَالله لَا تستقي مِنْهَا الْيَوْم ذنوبا وَاحِدًا فأخذني وأخذته فصرعته ثمَّ أخذت حجرا فَكسرت بِهِ وَجهه وَأَنْفه ثمَّ مَلَأت قربتي فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَل أَتَاك على المَاء من أحد فَقلت نعم فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ أَتَدْرِي من هُوَ قلت لَا قَالَ ذَاك الشَّيْطَان وَقَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي الْحُسَيْن عَن حميد بن هِلَال عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب وَالله لقد قَاتل عمار بن يَاسر الْجِنّ وَالْإِنْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا هَذَا الْإِنْس قد قَاتل فَكيف الْجِنّ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَقَالَ لعمَّار انْطلق فاستق لنا من المَاء فَانْطَلق فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة عبد أسود فحال بَينه وَبَين المَاء فَأَخذه فصرعه عمار فَقَالَ لَهُ دَعْنِي وأخلي بَيْنك وَبَين المَاء فَفعل ثمَّ أَتَى فَأَخذه عمار الثَّانِيَة فصرعه فَقَالَ دَعْنِي وأخلي بَيْنك وَبَين المَاء فَتَركه فَأتى فصرعه فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك فَتَركه فوفى لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان قد حَال بَين عمار وَبَين المَاء فِي صُورَة عبد أسود وَإِن الله أظفر عمارا بِهِ قَالَ عَليّ فلقينا عمارا فَقلت ظَفرت يداك يَا أَبَا الْيَقظَان فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَذَا وَكَذَا أما وَالله لَو شَعرت أَنه شَيْطَان لقتلته وَلَكِن هَمَمْت أَن أعض بِأَنْفِهِ لَوْلَا نَتن رِيحه وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الْبَاب التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ فِي تصفيد مَرَدَة الْجِنّ فِي شهر رَمَضَان روى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ أول لَيْلَة من رَمَضَان صفدت الشَّيَاطِين ومردة الْجِنّ وغلقت أَبْوَاب النَّار فَلم يفتح مِنْهَا بَاب وَفتحت أَبْوَاب الْجنَّة فَلم يغلق مِنْهَا بَاب وينادي مُنَاد يَا باغي الْخَيْر أقبل وَيَا باغي الشَّرّ أقصر وَللَّه عُتَقَاء من النَّار وَذَلِكَ عِنْد كل لَيْلَة وروى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا جَاءَ رَمَضَان فتحت أَبْوَاب الْجنَّة وغلقت أَبْوَاب النَّار وصفدت الشَّيَاطِين وَفِي رِوَايَة إِذا جَاءَ رَمَضَان فتحت أَبْوَاب الرَّحْمَة وغلقت أَبْوَاب جَهَنَّم وسلسلت الشَّيَاطِين قَالَ عبد الله بن أَحْمد سَأَلت أبي عَن حَدِيث إِذا جَاءَ رَمَضَان صفدت الشَّيَاطِين قَالَ نعم قلت الرجل يوسوس فِي رَمَضَان ويصرع قَالَ هَكَذَا جَاءَ الحَدِيث فِي قَوْله صفدت أَي شدت وأوثقت يُقَال صفده يصفده صفدا والصفد الوثاق والصفد مَا يوثق بِهِ الْأَسير من قد وَقيد وغل والأصفاد الْقُيُود وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الْبَاب الموفي سِتِّينَ فِي أَن الظباء مَاشِيَة الْجِنّ قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنِي هِشَام بن مُحَمَّد عَن أَيُّوب بن خوط عَن حميد بن هِلَال أَو غَيره قَالَ كُنَّا نتحدث أَن الظباء مَاشِيَة الْجِنّ فَأقبل غُلَام وَمَعَهُ قَوس ونبل فاستتر بارطأة وَبَين يَدَيْهِ قطيع من ظَبْي وَهُوَ يُرِيد أَن يَرْمِي بعضه فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف لَا يرى ... إِن غُلَام عسر الْيَدَيْنِ ... يسْعَى بلبد أَو بلهزمين متخذ الأرطاة جنتين ... ليقْتل التيس مَعَ العنزين ... فَسمِعت الظباء فتفرقت حَدثنِي مُحَمَّد بن صدران الْأَزْدِيّ حَدثنَا نوح ابْن قيس حَدثنَا قيس حَدثنَا نعْمَان بن سهل الْحَرَّانِي قَالَ بعث عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ رجلا إِلَى الْبَادِيَة فَرَأى ظَبْيَة مصرورة فطاردها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 حَتَّى إِذا أَخذهَا فَإِذا رجل من الْجِنّ يَقُول ... يَا صَاحب الكنانة الْمَكْسُورَة ... خل سَبِيل الظبية المصرورة فَإِنَّهَا لضبية مضرورة ... غَابَ أبوهم غيبَة مَذْكُورَة فِي كورة لَا بوركت من كورة حَدثنِي أبي عَن هِشَام عَن مُحَمَّد أَن مَالك بن نصر الدالاني من هَمدَان قَالَ سَمِعت شَيخا لنا يذكر قَالَ خرج مَالك بن حَرِيم الدلاني فِي نفر من قومه فِي الْجَاهِلِيَّة يُرِيدُونَ عكاظ فاصطادوا ظَبْيًا وأصابهم عَطش شَدِيد فَانْتَهوا إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ أجيرة فقصدوا ظَبْيًا وَجعلُوا يشربون من دَمه من الْعَطش فَلَمَّا ذهب دَمه ذبحوه وَخَرجُوا فِي طلب الْحَطب وَكَمن مَالك فِي خبائه فأثار بَعضهم شجاعا فَأقبل منسابا حَتَّى دخل رجل مَالك فلاذ بِهِ وَأَقْبل الرجل فِي أَثَره فَقَالَ يَا مَالك اسْتَيْقَظَ فَإِن الشجاع عنْدك فَاسْتَيْقَظَ مَالك فَنظر إِلَيْهِ وَهُوَ يلوذ فَقَالَ مَالك للرجل عزمت عَلَيْك إِلَّا تركته فَكف عَنهُ وانساب الشجاع إِلَى مأمنه وَأَنْشَأَ مَالك يَقُول ... وأوصاني الْحَرِيم بعز جاري ... وأمنعه وَلَيْسَ بِهِ امْتنَاع وأدفع ضيمة وأذب عَنهُ ... وأمنعه إِذا منع الْمَتَاع فذلكم أبي عَنهُ ينحو ... لسيء مَا استجار بِهِ الشجاع وَلَا تتحملوا دم مستجير ... تضمنه أجيرة فالتلاع فَإِن لما ترَوْنَ على أمرا ... لَهُ من دون أعينكُم قناع ... فارتحلوا وَاشْتَدَّ بهم الْعَطش فَإِذا هَاتِف يَهْتِف بهم ... أَيهَا الْقَوْم لَا مَاء أمامكم ... حَتَّى تسوموا المطايا يَوْمهَا التعبا ثمَّ اعدلوا شامة فالماء عَن كثب ... عين رواء وَمَاء يذهب اللغبا حَتَّى إِذا مَا أصبْتُم مِنْهُ ريكم ... فاسقوا المطايا مِنْهُ فاملئوا القربا ... فنزلوا شامة فَإِذا هم فِي عين خرارة فِي أصل جبل فَشَرِبُوا وَسقوا هم إبلهم وحملوا ريهم حَتَّى أَتَوا عكاظ ثمَّ أقبئوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى ذَلِك الْموضع فَلم يرَوا شَيْئا وَإِذا هَاتِف يَقُول ... يَا مَال عني جَزَاك الله صَالِحَة ... هَذَا وداع لكم مني وتنسيم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 . لَا تزهدن فِي اصطناع الْخَيْر مَعَ أحد ... إِن الَّذِي يحرم الْمَعْرُوف محروم من يفعل الْخَيْر لَا يعْدم مغبته ... مَا عَاشَ وَالْكفْر بعد الغب مَذْمُوم أَنا الشجاع الَّذِي أنجبت من رهق ... شكرت ذَلِك أَن الشُّكْر مقسوم ... فطلبوا الْعين فَلم يجدوها وَالله اعْلَم حَدثنَا أَبُو بكر التَّيْمِيّ رجل من ولد أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رجلا من بني عقيل قَالَ صدت يَوْمًا تَيْسًا من الظباء فَجئْت بِهِ إِلَى منزلي فأوثقته هُنَاكَ فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل سَمِعت هاتفا يَقُول أَنا فلَان هَل رَأَيْت جمل الْيَتَامَى أَخْبرنِي صبي أَن الْإِنْسِي أَخذه قَالَ أما وَرب الْبَيْت لَئِن كَانَ أحدث فِيهِ شَيْئا لأخذن مثله فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك جِئْت إِلَى التيس فأطلقته فَسَمعته يَدعُوهُ فَأقبل نَحْو الصَّوْت وَله حنين وإرزام كلحنين الْجمل وإرزامه قَالَ أَبُو بكر التَّيْمِيّ وَأصَاب رجل قنفذا فكفأ عَلَيْهِ برمة فَبينا هُوَ على المَاء إِذْ نظر إِلَى رجلَيْنِ عريانين أَحدهمَا يَقُول واكبداه إِن كَانَ عفارا ذبح فَقَالَ الآخر ثكلت بعل عَمَّتي إِن لم أنح فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك جِئْت إِلَى البرمة وَله جلبة تحتهَا فَكشفت عَنهُ فَمر يخْطر حَدثنِي أَبُو الْحسن الْبَاهِلِيّ حَدثنِي حسان بن غَزوَان الْأَسدي حَدثنِي رقاد بن زِيَاد قَالَ حملت ظَبْيًا جنح اللَّيْل فَبَاتَ عِنْدِي فَسمِعت هاتفا يَهْتِف من اللَّيْل يَقُول ... أيا طَلْحَة الْوَادي أَلا إِن شاتنا ... أُصِيبَت بلَيْل وَهِي مِنْك قريب أحسي لنا من بَات يخْتل فرقنا ... لَهُ بهليع الواديين دَبِيب ... قَالَ فبشكتها أَي أطلقتها قَالَ وَسَأَلته عَن هليع الْوَادي قَالَ أَسْفَله وَالْفرق من الظباء مثل القطيع من الْغنم وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الْبَاب الْحَادِي وَالسِّتُّونَ فِي عبَادَة الْإِنْس الْجِنّ قَالَ الإِمَام أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي معمر قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود كَانَ نفر من الْإِنْس يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ فَأسلم النَّفر من الْجِنّ واستمسك هَؤُلَاءِ بعبادتهم فَأنْزل الله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة أَيهمْ أقرب} وَرَوَاهُ شُعَيْب عَن الاعمش وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش وَمن طَرِيق آخر عَن عبد الله بن عتبَة ابْن مَسْعُود قَالَ نزلت فِي نفر من الْعَرَب كَانُوا يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ فَأسلم الجنيون وَالْإِنْس كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَنزلت {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ} الْآيَة وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الثَّانِي وَالسِّتُّونَ فِي جَوَاز المذاكرة بِحَدِيث الْجِنّ قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي حَدثنَا الْحسن بن عَليّ حَدثنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن زُرَيْق حَدثنِي عَمْرو بن الْحَارِث حَدثنَا عبد الله بن سَالم عَن الزبيدِيّ قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن مُسلم أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ يَوْمًا لمن حضر من جُلَسَائِهِ اذْكروا شَيْئا من حَدِيث الْجِنّ فَقَالَ رجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خرجت أَنا وصاحبان لي نُرِيد الشَّام فأصبنا ظَبْيَة عضباء وأدركنا رَاكب من خلفنا وَكُنَّا أَرْبَعَة فَقَالَ خل سَبِيلهَا فَقلت لَا لعمرك لَا أخلي سَبِيلهَا فَقَالَ لربما رَأَيْتنَا فِي هَذِه الطَّرِيق وَنحن أَكثر من عشرَة فيخطف بَعْضنَا بَعْضًا فأذهلني مَا كَانَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى نزلنَا ديرا يُقَال لَهُ دير العنيف فارتحلنا وَهِي مَعنا فَإِذا هَاتِف يَهْتِف وَهُوَ يَقُول ... يَا أَيهَا الركب السراع الْأَرْبَعَة ... خلوا سَبِيل النافر المروعة مهلا عَن العضبا فَفِي الأَرْض سَعَة ... وَلَا أقل قَول كذوب إمعة ... قَالَ فخليت سَبِيلهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَعرض لَازِمَة رِكَابنَا فأميل بِنَا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 حَيّ عَظِيم فَأتى علينا طَعَام وشراب ثمَّ مضينا حَتَّى أَتَيْنَا الشَّام وقضينا حوائجنا ثمَّ رَجعْنَا حَتَّى إِذا كُنَّا فِي الْمَكَان الَّذِي ميل بِنَا إِلَيْهِ إِذا أَرض قفر لَيْسَ بهَا سفر فأيقنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنهم حَيّ من الْجِنّ فَأَقْبَلت سائرا إِلَى الدَّيْر فَإِذا هَاتِف يَهْتِف ... إياك لَا تعجل وخذها من ثِقَة ... إِنِّي أَسِير الْحَد يَوْم الحجفقة قد لَاحَ نجم واستوى بمشرقه ... ذُو ذَنْب كالشعلة المحرقة يخرج من ظلماء عسر موبقه ... إِنِّي امْرُؤ أنباؤه مصدقة ... فَأَقْبَلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ظهر ودعا إِلَى الْإِسْلَام فَأسْلمت قَالَ رجل وَأَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خرجت وَصَاحب لي نُرِيد حَاجَة لنا فَإِذا شخص رَاكب حَتَّى إِذا كَانَ منا مزجر الْكَلْب هتف بِأَعْلَى صَوته أَحْمد يَا أَحْمد الله أَعلَى وأمجد مُحَمَّد أَتَانَا بإله يوحد يَدْعُو إِلَى الْخَيْر وَإِلَيْهِ فاعمد فراعنا ذَلِك فَأَجَابَهُ صَوت عَن يسَاره يَقُول ... أنْجز مَا أوعد من شقّ الْقَمَر ... حَان لَهُ وَالله إِذْ دين ظهر ... فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام فَأسْلمت قَالَ عمر وَأَنا كنت عِنْد دريح لنا إِذْ هتف هَاتِف من جَوْفه يَا لدريح يَا لدريح صائح يَصِيح بِأَمْر فليح ورشد نجيح يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَقْبَلت فَإِذا النَّبِي صلى قد ظهر ودعا إِلَى الله فَأسْلمت قَالَ خريم ابْن فاتك وَأَنا أضللت إبِلا لي فَخرجت فِي طلبَهَا حَتَّى إِذا كنت ببارق الْعرَاق فأنخت رَاحِلَتي ثمَّ علقتها ثمَّ أنشأت أَقُول أعوذ بِسَيِّد هَذَا الْوَادي أعوذ بعظيم هَذَا الْوَادي ثمَّ وضعت رَأْسِي على جمل فَإِذا بهاتف من اللَّيْل يَهْتِف وَيَقُول ... الا فعذ بِاللَّه ذِي الْجلَال ... ثمَّ اقْرَأ آيَات من الْأَنْفَال ووحد الله وَلَا تبال ... مَا هول الْجِنّ من الْأَهْوَال ... فانتبهت فَزعًا فَقلت ... يَا أَيهَا الْهَاتِف مَا تَقول ... ارشد عنْدك أم تضليل ... فَأَجَابَنِي ... هَذَا رَسُول الله ذُو الْخيرَات ... أرْسلهُ يَدْعُو إِلَى النجَاة وَينْزع النَّاس عَن الهنات ... يَأْمر بِالصَّوْمِ وبالصلاة ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَفِي الْخَبَر زِيَادَة من غير هَذَا الطَّرِيق الْهَاتِف ظهر لَهُ وَضمن عود إبِله إِلَى أَهله وَأمره بالمضي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مضى فَدخل الْمَدِينَة وَجَاء الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فَأخْبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَال الْهَاتِف وانه مِمَّن آمن بن من الْجِنّ وَهَذِه الْقِصَّة تدخل فِي مَوَاضِع من الْكتاب مِنْهَا أَن الظباء مَاشِيَة الْجِنّ وَمِنْهَا إِخْبَار الْجِنّ بِظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا دُعَاء الْإِنْس إِلَى الْإِسْلَام وَمِنْهَا دلَالَة الْجِنّ على مَا يدْفع كيدهم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْبَاب الثَّالِث وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بمبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحراسة السَّمَاء مِنْهُم بالنجوم ذكر الزبير بن أبي بكر وَغَيره أَن إِبْلِيس كَانَ يخترق السَّمَوَات قبل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا ولد وَبعث عَلَيْهِ السَّلَام حجب عَن ثَلَاث سموات فَلَمَّا ولد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجب عَنْهَا كلهَا وقذفت الشَّيَاطِين بالنجوم وَقَالَت قُرَيْش حِين كثر الْقَذْف بالنجوم قَامَت السَّاعَة فَقَالَ عتبَة ابْن ربيعَة انْظُرُوا إِلَى العيوق فَإِن كَانَ قد رمي بِهِ فقد آن قيام السَّاعَة وَإِلَّا فَلَا وَذكر ابْن اسحاق مَا رميت بِهِ الشَّيَاطِين حِين ظهر الْقَذْف بالنجوم لِئَلَّا يلتبس بِالْوَحْي وليكون ذَلِك أظهر للحجة وأقطع للشُّبْهَة قَالَ السُّهيْلي وَالَّذِي قَالَه صَحِيح وَلَكِن الْقَذْف بالنجوم كَانَ قَدِيما وَذَلِكَ مَوْجُود فِي أشعار القدماء من الْجَاهِلِيَّة مِنْهُم عَوْف بن الخرع وَأَوْس بن حجر وَبشر بن أبي خازم وَكلهمْ جاهلي وَقد وصفوا الرَّمْي بالنجوم وأبياتهم فِي ذَلِك مَذْكُورَة فِي مُشكل ابْن قُتَيْبَة فِي تَفْسِير سُورَة الْجِنّ وَذكر عبد الرازق فِي تَفْسِيره عَن معمر عَن ابْن شهَاب انه سُئِلَ عَن هَذَا الرَّمْي بالنجوم أَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ نعم وَلكنه لما جَاءَ الْإِسْلَام غلظ وشدد وَفِي قَوْله سُبْحَانَهُ {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا} وَلم يقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 حرست دَلِيل على أَنه قد كَانَ مِنْهُ شَيْء فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا وَذَلِكَ لينحسم أَمر الشَّيَاطِين وتخليطهم ولتكون الْآيَة أبين وَالْحجّة أقطع وَإِن وجد الْيَوْم كَاهِن فَلَا يدْفع ذَلِك بِمَا أخبر الله من طرد الشَّيْطَان عَن استراق السّمع فَإِن ذَلِك التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد كَانَ زمن النُّبُوَّة ثمَّ بقيت مِنْهُ أَعنِي من استراق السّمع بقايا يسيرَة بِدَلِيل وجودهم على الندور وَفِي بعض الْأَزْمِنَة فِي بعض الْبِلَاد وَقد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكُهَّان فَقَالَ لَيْسُوا بِشَيْء فَقيل إِنَّهُم يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَلِمَةِ فَتكون كَمَا قَالُوا فَقَالَ تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق يحفظها الجني فيقرها فِي أذن وليه قر الزجاجة فيخلط فِيهَا أَكثر من مائَة كذبة ويروى قر الدَّجَاجَة بِالدَّال وعَلى هَذِه الرِّوَايَة تكلم قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل قَالَ السُّهيْلي والزجاجة بالزاي اولى لما ثَبت فِي الصَّحِيح فيقرها فِي أذن وليه كَمَا تقر القارورة وَمعنى يقرها يصبهَا ويفرغها قَالَ الراجز ... لَا تفرغن فِي أُذُنِي بعْدهَا ... مَا يسْتَقرّ فأريك فقدها ... وَقَالَ ابْن دُرَيْد يُقَال قر عَلَيْهِ دلوا من مَاء إِذا صبها عَلَيْهِ وَفِي تَفْسِير ابْن سَلام عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِذا رمى الشهَاب الجني لم يخطئه وَيحرق مَا أصَاب وَلَا يقْتله وَعَن الْحسن قَالَ يقْتله فِي أسْرع من طرفَة الْعين وَفِي تَفْسِير ابْن سَلام أَيْضا عَن أبي قَتَادَة أَنه كَانَ مَعَ قوم فَرمى بِنَجْم فَقَالَ لَا تَتبعُوهُ أبصاركم وَفِيه أَيْضا عَن حَفْص أَنه سَأَلَ الْحسن أيتبع بَصَره الْكَوْكَب فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى {وجعلناها رجوما للشياطين} وَقَالَ تَعَالَى {أولم ينْظرُوا فِي ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ كَيفَ نعلم إِذا لم نَنْظُر إِلَيْهِ لأتبعنه بصرى وَذكر ابْن اسحاق حَدِيث ابْن عَبَّاس وَفِيه كُنَّا إِذا رَأَيْنَاهُ نقُول يَمُوت عَظِيم أَو يُولد عَظِيم والْحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم وَلَفظه أَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ أَخْبرنِي رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَنْصَار أَنهم بَينا هم جُلُوس عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ رمى بِنَجْم فَاسْتَنَارَ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كُنْتُم تَقولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 إِذا رمى بِمثل هَذَا قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم كُنَّا نقُول ولد اللَّيْلَة رجل عَظِيم أَو مَاتَ رجل عَظِيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا لَا يرْمى بهَا لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِن رَبنَا تبَارك اسْمه إِذا قضى أمرا سبح حَملَة الْعَرْش ثمَّ سبح أهل السَّمَوَات الَّذين يَلُونَهُمْ حَتَّى يبلغ التَّسْبِيح أهل هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا ثمَّ يَقُول الَّذين يلون حَملَة الْعَرْش لحملة الْعَرْش مَاذَا قَالَ ربكُم فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ فيستخبر بعض أهل السَّمَاء بَعْضًا حَتَّى يبلغ الْخَبَر هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا فيخطف الْجِنّ السّمع فيقذفون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ويرمون فَمَا جَاءُوا بِهِ على وَجهه فَهُوَ حق وَلَكنهُمْ يقذفون فِيهِ وَيزِيدُونَ وَفِي هَذَا دَلِيل على مَا قدمْنَاهُ من أَن الْقَذْف بالنجوم قد كَانَ قَدِيما وَلكنه إِذْ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غلظ وشدد كَمَا قَالَ الزُّهْرِيّ ملئت السَّمَاء حرسا شَدِيدا وشهبا وَقَوله فِي آخر الحَدِيث من رِوَايَة ابْن اسحاق وَقد انْقَطَعت الكهانة الْيَوْم فَلَا كهَانَة يدل قَوْله الْيَوْم على تَخْصِيص ذَلِك الزَّمَان كَمَا قدمْنَاهُ وَالَّذِي انْقَطع الْيَوْم وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَن تدْرك الشَّيَاطِين مَا كَانَت تُدْرِكهُ فِي الْجَاهِلِيَّة الجهلاء عِنْد تمكنها من سَماع أَخْبَار السَّمَاء وَمَا يُوجد الْيَوْم من كَلَام الْجِنّ على أَلْسِنَة المجانين إِنَّمَا هُوَ خبر مِنْهُم عَمَّا يرونه فِي الأَرْض مِمَّا لَا نرَاهُ نَحن كسرقة سَارِق وخبية فِي مَكَان خَفِي أَو نَحْو ذَلِك وَأَن أخبروا بِمَا سَيكون كَانَ تخرصا وتظننا فيصيبون قَلِيلا ويخطئون كثيرا وَذَلِكَ الْقَلِيل الَّذِي يصيبون فِيهِ هُوَ مَا تَتَكَلَّم بِهِ الْمَلَائِكَة فِي الْعَنَان كَمَا فِي حَدِيث البُخَارِيّ فيطردون بالنجوم فيضيفون إِلَى الْكَلِمَة الْوَاحِدَة أَكثر من مائَة كذبة كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم وَذكر ان أول الْعَرَب فزع للرمي بالنجوم حِين رمى بهَا للقذف ثَقِيف وَأَنَّهُمْ جَاءُوا إِلَى رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ عَمْرو بن امية أحد بني علاج وَكَانَ أدهى الْعَرَب وأكثرها رَأيا فَقَالُوا لَهُ يَا عَمْرو ألم تَرَ مَا حدث فِي السَّمَاء من الْقَذْف بِهَذِهِ النُّجُوم قَالَ بلَى فانظروا فَإِن كَانَت معالم النُّجُوم الَّتِي يهتدى بهَا فِي الْبر وَالْبَحْر وتعرف بهَا الأنواء من الصَّيف والشتاء لما تصلح النَّاس فِي مَعَايشهمْ هِيَ الَّتِي يرْمى بهَا فَهُوَ وَالله طي الدُّنْيَا وهلاك هَذَا الْخلق الَّذِي فِيهَا وان كَانَت نجوما غَيرهَا وَهِي ثَابِتَة فَهَذَا الْأَمر أَرَادَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 بِهَذَا الْخلق وروى ابْن عبد الْبر من طَرِيق أبي دَاوُد بِسَنَدِهِ إِلَى الشّعبِيّ قَالَ لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجمت الشَّيَاطِين بنجوم لم تكن ترْجم بهَا قبل فَأتوا عبد ياليل بن عَمْرو الثَّقَفِيّ فَقَالُوا إِن النَّاس قد فزعوا وأعتقوا رقبتهم وسيبوا أنعامهم لما رَأَوْا فِي النُّجُوم فَقَالَ لَهُم وَكَانَ رجلا أعمى لَا تعجلوا وانظروا فَإِن كَانَت النُّجُوم الَّتِي تعرف فَهِيَ عِنْد فنَاء النَّاس وَإِن كَانَت لَا تعرف فَهِيَ من حدث فنظروا فَإِذا هِيَ نُجُوم لَا تعرف فَقَالُوا هَذَا من حدث فَلم يَلْبَثُوا حَتَّى سمعُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصل روى أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة عَن رجل من بني لَهب يُقَال لَهُ لَهب أَو أَبُو لَهب قَالَ حضرت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت عِنْده الكهانة فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي نَحن أول من عرف حراسة السَّمَاء وزجر الشَّيَاطِين ومنعهم من استراق السّمع عِنْد قذف النُّجُوم وَذَلِكَ أننا أجتمعنا إِلَى كَاهِن لنا يُقَال لَهُ خطر بن مَالك وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد أَتَت عَلَيْهِ مِائَتَان وَثَمَانُونَ سنة وَكَانَ من أعلم كهاننا فَقُلْنَا يَا خطر هَل عنْدك علم من هَذِه النحوم الَّتِي يرْمى بهَا فَإنَّا قد فزعنا لَهَا وخشينا سوء عَاقبَتهَا فَقَالَ ... عودوا إِلَى السحر ... أخْبركُم الْخَبَر ألخير أم ضَرَر ... أَو لأمن أَو حذر ... قَالَ فانصرفنا عَنهُ يَوْمنَا فَلَمَّا كَانَ من غَد وَجه السحر أتيناه فَإِذا هُوَ قَائِم على قَدَمَيْهِ شاخص فِي السَّمَاء بِعَيْنيهِ فناديناه يَا خطر يَا خطر فَأَوْمأ إِلَيْنَا أَمْسكُوا فأمسكنا فانقض نجم عَلَيْهِ من السَّمَاء وصرخ الكاهن رَافعا صَوته ... أَصَابَهُ أصابة ... خامره عِقَابه عاجله عَذَابه ... احرقه شهابه يَا ويله مَا حَاله ... بلبله بلباله عاوده خباله ... تفصمت حباله وغيرت أَحْوَاله ثمَّ أمسك طَويلا وَقَالَ ... يَا معشر بني قحطان ... أخْبركُم بِالْحَقِّ وَالْبَيَان أَقْسَمت بِالْكَعْبَةِ والاركان ... والبلد المؤتمن السدان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 . قد منع السّمع عناة الجان ... بثاقب بكف ذِي سُلْطَان من أجل مَبْعُوث عَظِيم الشَّأْن ... يبْعَث بالتنزيل وَالْقُرْآن وبالهدى وفاضل الْقُرْآن ... يبطل بِهِ عبَادَة الْأَوْثَان ... فَقُلْنَا لَهُ وَيحك يَا خطر إِنَّك لتذكر أمرا عَظِيما فَمَاذَا ترى لقَوْمك فَقَالَ ... أرى لقومي مَا أرى لنَفْسي ... إِن يتبعوا خير نَبِي الْإِنْس برهانه مثل شُعَاع الشَّمْس ... يبْعَث فِي مَكَّة دَار الْخمس بمحكم التَّنْزِيل غير اللّبْس فَقُلْنَا لَهُ يَا خطر وَمِمَّنْ هُوَ فَقَالَ والحياة والعيش إِنَّه لمن قُرَيْش مَا فِي حكمه طيش وَلَا فِي خلقه هيش يكون فِي جَيش وَأي جَيش من آل قحطان وَآل إيش فَقُلْنَا لَهُ بَين لنا من أَي قُرَيْش هُوَ فَقَالَ وَالْبَيْت ذِي الدعائم والركن والأحائم إِنَّه لمن نجل هَاشم من معشر أكارم يبْعَث بالملاحم وَقتل كل ظَالِم ثمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الْبَيَان أَخْبرنِي بِهِ رَئِيس الجان ثمَّ قَالَ الله أكبر جَاءَ الْحق وَظهر وَانْقطع عَن الْجِنّ الْخَبَر ثمَّ سكت وأغمي عَلَيْهِ فَمَا أَفَاق إِلَّا بعد ثَلَاثَة فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد نطق عَن مثل نبوة وَإنَّهُ ليَبْعَث يَوْم الْقِيَامَة أمة وَحده قَوْله اصابه إِصَابَة الثَّانِي بِكَسْر الْهمزَة وَهِي بدل من وَاو مَكْسُورَة وَالْمعْنَى أَصَابَهُ وصابه جمع وصب وَقَوله من آل قحطان هم الْأَنْصَار لأَنهم من قحطان وَآل إيش قَالَ السُّهيْلي يحْتَمل أَن يكون قَبيلَة من الْجِنّ الْمُؤمنِينَ ينسبون إِلَى إيش قلت ذكر ابْن دُرَيْد أَن بني الشَّيْطَان وَبني إيش قبيلتان من الْجِنّ ثمَّ قَالَ السُّهيْلي وَأَحْسبهُ أَرَادَ بآل إيش بني إقيش وهم حلفاء الْأَنْصَار من الْجِنّ فَحذف من الِاسْم حرفا وَقد تفعل الْعَرَب مثل هَذَا وَقد وَقع ذكر بني أقيش فِي السِّيرَة فِي حَدِيث الْبيعَة قلت وَقد وَقع ذكر بَين الشَّيْطَان وَبني أقيش فِي قصَّة وأنهما حَيَّان من الْجِنّ وَقد ذكرتها فِي أَمر الْجِنّ الَّذين سمعُوا الْقُرْآن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله والأحائم يجوز أَن يكون أَرَادَ الأحاوم بِالْوَاو فهمز الْوَاو لانكسارها والأحاوم جمع أحوام وأحوام جمع حوم وَهُوَ المَاء فِي الْبِئْر فَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَاء زَمْزَم والحوم أَيْضا إبل كَثِيرَة ترد المَاء فَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 زَمْزَم وَيجوز أَن يُرِيد بهَا الطير الَّتِي تحوم على المَاء فَيكون بِمَعْنى الحوائم وقلب اللَّفْظ فَصَارَ بعد فواعل افاعل وَالله أعلم وروى ابْن اسحاق حَدِيث عمر ابْن الْخطاب وقصته مَعَ سَواد بن قَارب وروى غير ابْن اسحاق هَذَا الْخَبَر عَن عمر وَأَن عمر مازح سوادا فَقَالَ مَا فعلت كهانتك يَا سَواد فَغَضب سَواد فَقَالَ قد كنت أَنا وَأَنت على شَرّ من هَذَا من عبَادَة الْأَصْنَام وَأكل الميتات أفتعيرني بِأَمْر قد تبت مِنْهُ فَقَالَ عمر حِينَئِذٍ الْهم غفرانك والْحَدِيث فِي صَحِيح البُخَارِيّ أخصر وَفِي الْأَلْفَاظ اخْتِلَاف وَقد روى فِي الحَدِيث زِيَادَة حَسَنَة وَهِي أَن سوادا حدث عمر أَن رئيه جَاءَهُ ثَلَاث لَيَال مُتَوَالِيَات هُوَ فِيهَا كلهَا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان فَقَالَ لَهُ قُم يَا سَواد اسْمَع مَقَالَتي واعقل إِن كنت تعقل قد بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لؤَي من غَالب يَدْعُو إِلَى الله وعبادته وأنشده فِي كل لَيْلَة من الثَّلَاث لَيَال ثَلَاثَة أَبْيَات مَعْنَاهَا وَاحِد وقافيتها مُخْتَلفَة فِي الأولى ... عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها تهوى إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا صَادِق الْجِنّ ككذابها فأرحل إِلَى الصفوة من هَاشم ... لَيْسَ قداماها كأذنابها ... وَفِي الثَّانِيَة ... عجبت للجن وإبلاسها ... وشدها العيس بأحلاسها تهوى إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا طَاهِر الْجِنّ كأنجاسها فارحل على الصفوة من هَاشم لَيْسَ ذنابا الطير من رَأسهَا ... وَفِي الثَّالِثَة ... عجبت للجن وتنفارها ... وشدها العيس بأكوارها تهوى إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا مُؤمن الْجِنّ ككفارها فارحل إِلَى الأتقين من هَاشم ... لَيْسَ ذَوُو الشَّرّ كأخيارها ... وَذكر تَمام الْخَبَر فَقَالَ لَهُ عمر هَل يَأْتِيك رئيك الْآن فَقَالَ مُنْذُ الْقُرْآن لم يأتني وَنعم الْعِوَض كتاب الله عز وَجل من الْجِنّ وَفِي آخِره شعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 سَواد إِذْ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنشده مَا كَانَ من الْجِنّ رئيه إِلَيْهِ ثَلَاث لَيَال مُتَوَالِيَات وَذكر قَوْله ... أَتَانِي نجيي بعد هدء ورقدة ... وَلم يَك فِيمَا قد بلوت بكاذب ثَلَاث لَيَال قَوْله كل لَيْلَة ... أَتَاك نَبِي من لؤَي بن غَالب فَرفعت أذيال الْإِزَار وشمرت ... بِي العرمس الوجنا هجول السباسب فَأشْهد أَن الله لَا شَيْء غَيره ... وَأَنَّك مَأْمُون على كل غَائِب وَأَنَّك أدنى الْمُرْسلين وَسِيلَة ... من الله بِابْن الأكرمين الأطايب فمرنا بِمَا يَأْتِيك من وَحي رَبنَا ... وَإِن كَانَ مِمَّا جِئْت شيب الذوائب وَكن لي شَفِيعًا يَوْم لاذو شَفَاعَة ... بمغن فتيلا عَن سَواد بن قَارب ... فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه وَقَالَ لي أفلحت يَا سَواد وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد الْقرشِي حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص مُحَمَّد ابْن الْهَيْثَم حَدثنَا عَمْرو بن عُثْمَان حَدثنَا ابو عُثْمَان بن سعيد بن كثير ابْن دِينَار حَدثنَا عبد الله بن عبد الْعَزِيز الزُّهْرِيّ حَدثنِي أخي مُحَمَّد ابْن عبد الْعَزِيز عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن أنس السّلمِيّ عَن عَبَّاس ابْن مرداس قَالَ كَانَ إِسْلَام عَبَّاس بن مرداس أَنه كَانَ فِي لقاح نصف النَّهَار إِذْ طلعت نعَامَة بَيْضَاء عَلَيْهَا رَاكب عَلَيْهِ ثِيَاب مثل اللَّبن قَالَ فَقَالَ لي يَا عَبَّاس ألم تَرَ أَن السَّمَاء بثت احراسها وَأَن الْجِنّ جرعت أنفاسها وَأَن الْخَيل وضعت أحلاسها وان الَّذِي نزل بِالْبرِّ وَالتَّقوى يَوْم الأثنين لَيْلَة الثُّلَاثَاء صَاحب النَّاقة القصوى قَالَت فَخرجت مَرْعُوبًا قد راعني مَا رَأَيْت وَسمعت حَتَّى جِئْت وثنا لنا يدعى الضمار كُنَّا نعبده ونكلم من جَوْفه فَدخلت عَلَيْهِ فكنست مَا حوله وَقمت ثمَّ تمسحت بِهِ وقبلته فَإِذا صائح يَصِيح من جَوْفه يَا عَبَّاس ... قل للقبائل من سليم كلهَا ... هلك الضمار وفاز أهل الْمَسْجِد هلك الضمار وَكَانَ يعبد مرّة ... قبل الصَّلَاة إِلَى النَّبِي مُحَمَّد ذَاك الَّذِي جا بِالنُّبُوَّةِ وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدى ... قَالَ فَخرجت مَرْعُوبًا حَتَّى جِئْت قومِي فقصصت عَلَيْهِم الْقِصَّة وَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر قَالَ فَخرجت فِي ثَلَاثمِائَة من قومِي من بني حَارِثَة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَتَبَسَّمَ ثمَّ قَالَ يَا عَبَّاس كَيفَ كَانَ إسلامك فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فسر بذلك وَأسْلمت أَنا وقومي وَقَالَ أَبُو بكر الْقرشِي حَدثنَا حَاتِم بن اللَّيْث الْجَوْهَرِي حَدثنِي سليم بن عبد الْعَزِيز الزُّهْرِيّ حَدثنِي أبي عبد الْعَزِيز بن عمرَان عَن عَمه مُحَمَّد بن عد الْعَزِيز عَن ابيه عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ لما ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَتَفت الْجِنّ على أبي قبيس وعَلى الْجَبَل الَّذِي بالحجون ... فأقسم لَا أُنْثَى من النَّاس أنجبت ... وَلَا ولدت أُنْثَى من النَّاس واحده كَمَا ولدت زهرية ذَات مفخر ... مجنبة لوم الْقَبَائِل ماجده فقد ولدت خير الْقَبَائِل أحمدا ... فَأكْرم بمولود وَأكْرم بوالده ... وَقَالَ الَّذِي على أبي قبيس ... يَا سَاكِني الْبَطْحَاء لَا تغلطوا ... وميزوا الْأَمر بعقل مضى إِن بني زهرَة من سركم ... فِي غابر الدَّهْر وَعند الْبَدِيِّ وَاحِدَة مِنْكُم فهاتوا لنا ... فِيمَن مضى فِي النَّاس أَو من بَقِي وَاحِدَة من غَيْركُمْ وَمثلهَا ... جَنِينهَا مثل النَّبِي التقى ... وروى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن عمر قَالَ مَا سَمِعت عمر يَقُول لشَيْء قطّ إِنِّي لأظنه كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يظنّ بَينا عمر جَالس إِذْ مر بِهِ رجل جميل فَقَالَ لقد أَخطَأ ظَنِّي أَو أَن هَذَا على دينه فِي الْجَاهِلِيَّة أَو لقد كَانَ كاهنهم على بِالرجلِ فدعى لَهُ فَقَالَ لَهُ عمر لقد أَخطَأ ظَنِّي أَو أَنَّك على دينك فِي الْجَاهِلِيَّة أَو لقد كنت كاهنهم فَقَالَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ اسْتقْبل بِهِ رجل مُسلم قَالَ فَإِنِّي أعزم عَلَيْك إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي قَالَ كنت كاهنهم فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ فَمَا أعجب مَا جاءتك بِهِ جنيتك قَالَ بَينا انا فِي سوق يَوْمًا جَاءَتْنِي أعرف فِيهَا الْفَزع فَقَالَت ... ألم تَرَ إِلَى الْجِنّ وإبلاسها ... ويأسها بعد إبلاسها ولحوقها بالقلاص وأحلامها ... قَالَ عمر صدق بَينا أَنا قَائِم عِنْد آلِهَتهم إِذْ جَاءَ رجل بعجل فذبحه فَصَرَخَ بِهِ صارخ لم اسْمَع قطّ صَارِخًا أَشد صَوتا مِنْهُ يَقُول يَا جليح أَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 نجيح رجل يَصِيح يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَوَثَبَ الْقَوْم فَقلت لَا أَبْرَح حَتَّى أعلم مَا وَرَاء هَذَا ثمَّ نَادَى يَا جليح أَمر نجيح رجل يَصِيح يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله قلت لَا أَبْرَح حَتَّى أعلم مَا وَرَاء هَذَا ثمَّ نَادَى يَا جليح أَمر نجيح رجل يَصِيح يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَمَا نشبت أَن قيل هَذَا نَبِي قَالَ الْبَيْهَقِيّ ظَاهر هَذِه الرِّوَايَة يُوهم أَن عمر نَفسه سمع الصَّارِخ يصْرخ من الْعجل الَّذِي ذبح وَكَذَلِكَ هُوَ صَرِيح فِي رِوَايَة عَن عمر فِي إِسْلَامه وَسَائِر الرِّوَايَات تدل على أَن هَذَا الكاهن أخبر بذلك عَن رُؤْيَته وسماعه وَالله أعلم وَقد روى الإِمَام أَحْمد عَن مُجَاهِد قَالَ حَدثنَا شيخ أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَنحن فِي غَزْوَة رودس يُقَال لَهُ ابْن عِيسَى قَالَ كنت اسوق لآل لنا بقرة فَسمِعت من جوفها يال ذريح يَا قَول فصيح رجل يَصِيح أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فقدمنا مَكَّة فَوَجَدنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة قَالَ عبد الله بن احْمَد حَدِيث غَرِيب بِإِسْنَاد جيد وروى الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ قصَّة مَازِن الطَّائِي وَأَنه كَانَ بِأَرْض عمان بقرية تدعى شمائل وَكَانَ يسدن الْأَصْنَام لأَهله وَكَانَ لَهُ صنم يُقَال لَهُ ناجر فَقَالَ مَازِن فعترت ذَات يَوْم عتيرة وَهِي الذَّبِيحَة فَسمِعت صَوتا من الصَّنَم يَقُول يَا مَازِن يَا مَازِن أقبل إِلَيّ أقبل إِلَيّ تسمع مَا لَا تجْهَل هَذَا نَبِي مُرْسل جَاءَ بِحَق منزل فَآمن بِهِ كي تعدل عَن حر نَار تشعل وقودها بالجندل قَالَ مَازِن فَقلت وَالله إِن هَذَا لعجب ثمَّ عترت بعد أَيَّام عتيرة أُخْرَى فَسمِعت صَوتا أَشد من الأول وَهُوَ يَقُول يَا مَازِن اسْمَع تسر ظهر خير وبطن شَرّ بعث نَبِي مُضر بدين الله الْأَكْبَر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر سقر قَالَ مَازِن فَقلت وَالله إِن هَذَا لعجب وَأَنه لخير يُرَاد بِي وَقد مر علينا رجل من أهل الْحجاز فَقُلْنَا مَا الْخَبَر وَرَاءَك قَالَ خرج رجل من تهَامَة يَقُول لمن أَتَاهُ أجِيبُوا دَاعِي الله يُقَال لَهُ احْمَد قَالَ فَقلت هَذَا وَالله نبأ مَا سَمِعت فسرت إِلَى الصَّنَم فَكَسرته جذاذا وشددت رَاحِلَتي ورحلت حَتَّى أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشرح الله صَدْرِي إِلَى الْإِسْلَام فَأسْلمت وأنشأت أَقُول ... كسرت ناجر أجذاذا وَكَانَ لنا ... رَبًّا نطيف بِهِ ضلا بتضلال بالهاشمي هدَانَا من ضلالتنا ... وَلم يكن دينه مني على بَال ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 . يَا رَاكِبًا بَلغنِي عمرا وَإِخْوَته ... إِنِّي لمن قَالَ رَبِّي ناجر قالى ... يَعْنِي بِعَمْرو وَإِخْوَته بن خطامة قَالَ مَازِن فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي امْرُؤ مولع بالطرب وَشرب الْخمر وبالهلوك من النِّسَاء فألحت علينا السنون فاذهبن الْأَمْوَال وأهزلهن الذَّرَارِي وَالرِّجَال وَلَيْسَ لي ولد فَادع الله أَن يذهب عني مَا أجد ويأتيني بِالْحَيَاةِ ويهب لي ولدا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهم أَبَد لَهُ بالطرب قِرَاءَة الْقُرْآن وبالحرام الْحَلَال وبالخمر ريا لَا إِثْم فِيهِ وبالعهر عفة الْفرج وأته بالحيا وهب لَهُ ولدا قَالَ مَازِن فَأذْهب الله عني كل مَا كنت أجد وأخصب عمان وَتَزَوَّجت أَربع حرائر ووهب لي حَيَّان بن مَازِن وأنشأت أَقُول ... إِلَيْك رَسُول الله حنت مطيتي ... تجوب الفيافي من عمان إِلَى العرج لتشفع لي يَا خير من وطئ الْحَصَى ... فَيغْفر لي رَبِّي فأرجع بالفلج إِلَى معشر خَالَفت فِي الله دينهم ... فَلَا رَأْيهمْ رَأْيِي وَلَا سرجهم سرجي وَكنت امْرأ بالعزف وَالْخمر مُولَعا ... حَياتِي حَتَّى آذن الْجِسْم بالنهج فبدلني بِالْخمرِ خوفًا وخشية ... وبالعهر أحصانا وحصن لي فَرجي فَأَصْبَحت همي فِي جِهَاد ونيتي ... فَللَّه مَا صومي وَللَّه مَا حجي ... قَالَ مَازِن فَلَمَّا رجعت إِلَى قومِي أنبوني وشتموني وَأمرُوا شَاعِرهمْ فهجاني فَقلت إِن هجوتهم فَإِنَّمَا أهجو نَفسِي فتركتهم وأنشأت أَقُول ... شتمكم عندنَا مر مذاقته ... وشتمنا عنْدكُمْ يَا قَومنَا حسن لَا ينشب الدَّهْر إِن بثت معائبكم ... وكلكم أبدا فِي عينا فطن شَاعِرنَا مفحم عَنْكُم وشاعركم ... فِي حربنا مبلغ فِي شَتمنَا لسن مَا فِي الصُّدُور عَلَيْكُم من منغصة ... وَفِي صدوركم الْبغضَاء والأحن ... وروى أَن مازنا لما تنحى عَن قومه أَتَى موضعا فابتنى مَسْجِدا يتعبد فِيهِ فَهُوَ لَا يَأْتِيهِ مظلوم يتعبد فِيهِ ثَلَاثًا ثمَّ يَدْعُو محقا على من ظلمه يَعْنِي إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ فيكاد يعافى من البرص وَالْمَسْجِد يدعى مبرصا إِلَى الْيَوْم قَالَ مَازِن ثمَّ إِن الْقَوْم ندموا وَكنت الْقيم بأمورهم فَقَالُوا مَا عسينا ان نصْنَع بِهِ فَجَاءَنِي طَائِفَة عَظِيمَة فَقَالُوا يَا ابْن عَم عبنا عَلَيْك أمرا فنهيناك عَنهُ فَإِذا تبت فَنحْن تاركوك ارْجع مَعنا فَرَجَعت مَعَهم فأسلموا بعد كلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَقد روى فِي معني حَدِيث مَازِن أَخْبَار كَثِيرَة مِنْهَا حَدِيث عَمْرو بن جبلة فِيمَا سمع من جَوف الصَّنَم يَا عِصَام يَا عِصَام جَاءَ الْإِسْلَام وَذَهَبت الْأَصْنَام وَمِنْهَا حَدِيث طَارق من بني هِنْد بن حرَام يَا طَارق ابْن يَا طَارق بعث النَّبِي الصَّادِق وَمِنْهَا حَدِيث وقشة فِيمَا أخبر بِهِ رئيه فَنظر إِلَى ذُبَاب بن الْحَارِث فَقَالَ يَا ذُبَاب يَا ذُبَاب اسْمَع الْعجب العجاب بعث مُحَمَّد بِالْكتاب يَدْعُو بِمَكَّة لَا يُجَاب وَغير ذَلِك مِمَّا يطول استقصاؤه وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ إِن أول خبر قدم الْمَدِينَة أَن امْرَأَة من أهل يثرب تدعى فطيمة كَانَ لَهَا تَابع من الْجِنّ فَجَاءَهَا يَوْمًا فَوَقع على جدارها فَقَالَت مَالك لَا تدخل فَقَالَ إِنَّه بعث نَبِي حرم الزِّنَا فَحدثت تِلْكَ الْمَرْأَة عَن تابعها من الْجِنّ فَكَانَ أول خبر حدث بِالْمَدِينَةِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن جَابر قَالَ أول خبر قدم الْمَدِينَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن امْرَأَة من أهل الْمَدِينَة كَانَ لَهَا تَابع فجَاء فى صُورَة طَائِر حَتَّى وَقع على حَائِط دارها فَقَالَت لَهُ الْمَرْأَة انْزِلْ نخبرك وتخبرنا قَالَ لَا إِنَّه بعث بِمَكَّة نبى منع منا الْقَرار وَحرم علينا الزِّنَا وَالله الْمُوفق الْبَاب الرَّابِع وَالسِّتُّونَ فى إِخْبَار الْجِنّ بنزول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيمة أم معبد حِين الْهِجْرَة قَالَ ابْن إِسْحَاق حدثت عَن أَسمَاء بنت أَبى بكر أَنَّهَا قَالَت لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر أَتَانَا نفر من قُرَيْش فيهم أَبُو جهل فوقفوا على بَاب أَبى بكر فَخرجت إِلَيْهِم فَقَالُوا أَيْن أَبوك يَا بنت أَبى بكر قلت لَا أدرى وَالله أَيْن أَبى قَالَت فَرفع أَبُو جهل يَده وَكَانَ فَاحِشا خبيثا فلطم خدى لطمة طرح مِنْهَا قرطى قَالَت ثمَّ انصرفوا فَمَكثْنَا ثَلَاث لَيَال لَا ندرى أَيْن وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أقبل رجل من الْجِنّ من أَسْفَل مَكَّة يتَغَنَّى بِأَبْيَات من شعر غناء الْعَرَب وَإِن النَّاس ليتبعونه يسمعُونَ صَوته وَمَا يرونه حَتَّى خرج من أَسْفَل مَكَّة وَهُوَ يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 . جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حلا خَيْمَتي أم معبد هما نزلا بِالْبرِّ ثمَّ ترحلا ... فأفلح من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد لِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ ... ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد ... قَالَت أَسمَاء فَلَمَّا سمعنَا قَوْله علمنَا حَيْثُ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن وَجهه إِلَى الْمَدِينَة لم يزدْ ابْن هِشَام فِي رِوَايَته عَن ابْن اسحاق على هَذَا وروى ابْن قُتَيْبَة الْقِصَّة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة يقصر شرح ألفاظها وفيهَا زِيَادَة مِنْهَا قَوْله ... فيال قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجارى وسؤدد سلوا اختكم عَن شَاتِهَا وإناثها ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... عَلَيْهِ صَرِيحًا صرة الشَّاة مُزْبِد فغادرها رهنا لَدَيْهَا لحالب ... يُرَدِّدهَا فِي مصدر ثمَّ مورد ... ويروى أَن حسان بن ثَابت لما بلغه شعر الجني وَمَا هتف بِهِ بِمَكَّة قَالَ يجِيبه ... لقد خَابَ قوم غَابَ عَنْهُم نَبِيّهم ... وَقدس من يسرى إِلَيْهِم ويغتدى ترحل عَن قوم فضلت عُقُولهمْ ... وَحل على قوم بِنور مُجَدد هدَاهُم بِهِ بعد الضَّلَالَة رَبهم ... وأرشدهم من يتبع الْحق يرشد وَهل يَسْتَوِي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد بِهِ كل مهتدي لقد نزلت مِنْهُ على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عَلَيْهِم بِأَسْعَد نَبِي يرى مَالا يرى النَّاس حوله ... وَيَتْلُو كتاب الله فِي كل مَسْجِد وَإِن قَالَ فِي يَوْم مقَالَة غَائِب ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْم أَو فِي ضحى الْغَد لِيهن أَبَا بكر سَعَادَة جده ... بِصُحْبَتِهِ من يسْعد الله يسْعد ... وَزَاد يُونُس فِي رِوَايَته أَن قُريْشًا لما سَمِعت الْهَاتِف من الْجِنّ أرْسلُوا إِلَى أم معبد وَهِي بخيمتها فَقَالُوا هَل مر بك مُحَمَّد الَّذِي من حليته كَذَا فَقَالَت لَا أَدْرِي مَا تَقولُونَ وَإِنَّمَا صادفني حالب الشَّاة الْحَائِل وَكَانُوا أَرْبَعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر ومولاه عَامر بن فهَيْرَة وَعبد الله بن أريقط اللَّيْثِيّ دليلهم وَلم يكن إِذْ ذَاك مُسلما وَلَا صَحَّ أَنه أسلم بعد ذَلِك وَأم معبد اسْمهَا عَاتِكَة بنت خَالِد الاشعري وَوهم ابْن هِشَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 فَقَالَ أم معبد بنت كَعْب امْرَأَة من بني كَعْب وَزوجهَا ابو معبد لَا يعرف اسْمه توفّي فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال إِن لَهُ رِوَايَة وَكَانَ منزل أم معبد بِقديد وَذكر ابْن قُتَيْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأم معبد وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ فطلبوا لَبَنًا أَو لَحْمًا يشترونه فَلم يَجدوا عِنْدهَا شَيْئا فَنظر إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم فَسَأَلَهَا هَل بهَا من لبن فَقَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك فَقَالَ أَتَأْذَنِينَ لي أَن أَحْلَبَهَا فَقَالَت بِأبي أَنْت وَأمي إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها فَدَعَا بِالشَّاة فاعتقلها وَمسح ضرْعهَا فتفاجت وَدرت واجترت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ فِيهِ حَتَّى ملأَهُ لَبَنًا وَسَقَى الْقَوْم حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم ثمَّ حلب فِيهِ مرّة أُخْرَى فَشَرِبُوا نهلا بعد نهل ثمَّ غَادَرَهُ وَالشَّاة عِنْدهَا وذهبوا وَجَاء أَو معبد وَكَانَ غَائِبا فَلَمَّا رأى اللَّبن قَالَ مَا هَذَا يَا أم معبد أَنِّي لَك هَذَا وَالشَّاة عَازِب حِيَال وَلَا حَلُوب بِالْبَيْتِ فَقَالَت لَا وَالله إِلَّا أَنه مر بِنَا رجل مبارك فَقَالَ صَفيه يَا أم معبد فوصفته بِمَا ذكره القتيبي وَورد فِي حَدِيث آخر أَن آل أم معبد كَانُوا يؤرخون بذلك الْيَوْم ويسمونه يَوْم الرجل الْمُبَارك يَقُولُونَ فعلنَا كَيْت وَكَيْت قبل أَن يأتينا الرجل الْمُبَارك أَو بعد مَا جَاءَنَا الرجل الْمُبَارك ثمَّ أَن أم معبد أَتَت الْمَدِينَة بعد ذَلِك بِمَا شَاءَ الله وَمَعَهَا ابْن لَهَا صَغِير قد بلغ السَّعْي فَمر فِي الْمَدِينَة على مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يكلم النَّاس على الْمِنْبَر فَانْطَلق إِلَى أمه يشْتَد وَقَالَ يَا أُمَّاهُ إِنِّي رَأَيْت الْيَوْم الرجل الْمُبَارك فَقَالَت لَهُ وَيحك يَا بني هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى هِشَام بن حُبَيْش الكعبي قَالَ أَنا رَأَيْت تِلْكَ الشَّاة يَعْنِي الَّتِي حلبها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهَا لتأدم أم معبد وَجَمِيع صرمها أَي أهل ذَلِك المَاء وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الْبَاب الْخَامِس وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بِإِسْلَام السعدين قَالَ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنِي أبي عَن هِشَام بن مُحَمَّد أَنبأَنَا عبد الْمجِيد بن أبي عِيسَى بن مُحَمَّد بن أبي عِيسَى بن جُبَير عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت قُرَيْش صائحا يَصِيح على أبي قبيس ... فَإِن يسلم السعدان يصبح مُحَمَّد ... بِمَكَّة لَا يخْشَى خلاف مُخَالف ... فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وأشراف قُرَيْش من السُّعُود سعد بن بكر وَسعد ابْن زيد مَنَاة وَسعد بن قضاعة فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة سمعُوا صَوته على أبي قبيص ... أيا سعد سعد الْأَوْس كن انت ناصرا ... وَيَا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا دَعَا دَاعِي الْهدى وتمنيا ... على الله فِي الفردوس ذَات رفائف ... قَالَ فَقَالُوا هَذَا سعد بن عبَادَة وَسعد بن معَاذ وَذكره أَبُو عمر ابْن عبد الْبر وَقَالَ أَبُو بكر حَدثنَا الْعَبَّاس بن هِشَام حَدثنِي هِشَام بن مُحَمَّد ابْن عبد الْمجِيد بن أبي عِيسَى قَالَ سمع بِالْمَدِينَةِ فِي بعض اللَّيْل هَاتِف يَقُول ... خير كهلين فِي بني الْخَزْرَج الغر ... يَسِيرُوا سعد بن عبَادَة المحيبان إِذْ دَعَا أَحْمد الْخَيْر ... فنالتهما هُنَاكَ السَّعَادَة ثمَّ عاشا مهذبين جَمِيعًا ... ثمَّ لقاهما المليك شَهَادَة ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 الْبَاب السَّادِس وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بِقصَّة بدر ذكر قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل أَن قُريْشًا حِين تَوَجَّهت إِلَى بدر مر هَاتِف من الْجِنّ على مَكَّة فِي الْيَوْم الَّذِي أوقع بِهِ الْمُسلمُونَ وَهُوَ ينشد بأبعد صَوت وَلَا يرى شخصه ... أزار الحنيفيون بَدْرًا وقيعة ... سينقض مِنْهَا ركن كسْرَى وقيصرا أبادت رجَالًا من لؤَي وأبرزت ... حرائر يضربن الترائب حسرا فيا وَيْح من أَمْسَى عَدو مُحَمَّد ... لقد حاد عَن قصد الْهدى وتحيرا ... فَقَالَ قَائِلهمْ من الحنيفيون فَقَالُوا هُوَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه يَزْعمُونَ أَنهم على دين إِبْرَاهِيم الحنيف ثمَّ لم يَلْبَثُوا أَن جَاءَهُم الْخَبَر الْيَقِين وَالله أعلم الْبَاب السَّابِع وَالسِّتُّونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بِقَتْلِهِم سعد بن عبَادَة ذكر ابْن عبد الْبر وَغَيره أَن سعد بن عبَادَة كَانَ تخلف عَن بيعَة أبي بكر وَخرج عَن الْمَدِينَة وَلم ينْصَرف إِلَيْهَا إِلَى ان مَاتَ بحوران من أَرض الشَّام لِسنتَيْنِ وَنصف مصتا من خلَافَة عمر وَذَلِكَ سنة خمس عشرَة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَقيل بل مَاتَ سعد بن عبَادَة فِي خلَافَة أبي بكر وَقيل سنة إِحْدَى عشرَة وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه وجد مَيتا فِي مغتسله وَقد أَخْضَر جسده وَلم يشعروا بِمَوْتِهِ حَتَّى سمعُوا قَائِلا يَقُول وَلَا يرَوْنَ أحدا ... قد قتلنَا سيد الْخَزْرَج ... سعد بن عبَادَة ورميناه بسهمين ... فَلم نخط فُؤَاده ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وَيُقَال إِن الْجِنّ قتلته وروى ابْن جريج عَن عَطاء أَنه قَالَ سَمِعت أَن الْجِنّ قَالَت فِي سعد بن عبَادَة فَذكر الْبَيْتَيْنِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ يَزْعمُونَ أَن عَلْقَمَة بن صَفْوَان وَحرب بن أُميَّة من قَتْلَى الْجِنّ قَالُوا وَقَالَت الْجِنّ ... وقبر حَرْب بمَكَان قفر ... وَلَيْسَ قرب قبر حَرْب قبر ... قَالُوا وَمن الدَّلِيل على أَن هَذَا من شعر الْجِنّ أَن أحدا لَا يقدر أَن ينشده ثَلَاث مَرَّات مُتَّصِلَة من غير تتعتع وَيقدر على تكْرَار اشق بَيت من أَبْيَات غير الْجِنّ عشر مَرَّات من غير تتعتع وَالله أعلم الْبَاب الثَّامِن وَالسِّتُّونَ فِي جَوَاز سُؤال الْجِنّ عَن الْأَحْوَال الْمَاضِيَة دون الْأُمُور الْمُسْتَقْبلَة قَالَ ابو بكر الْقرشِي حَدثنَا عبد الله بن بدر حَدثنَا يحيى بن يمَان عَن سُفْيَان عَن عمر بن مُحَمَّد عَن سَالم بن عبيد الله قَالَ أَبْطَأَ خبر عمر على أبي مُوسَى فَأتى امْرَأَة فِي بَطنهَا شَيْطَان فجَاء فَسَأَلَهَا عَنهُ فَقَالَت حَتَّى يجِئ إِلَى شيطاني فجَاء فَسَأَلته عَنهُ قَالَ تركته مؤتزرا بكساء يهنأ إبل الصَّدَقَة وَذَاكَ لَا يرَاهُ شَيْطَان إِلَّا خر لمنخره الْملك بَين يَدَيْهِ وروح الْقُدس ينْطق بِلِسَانِهِ وَقَالَ عبد الله بن احْمَد بن حَنْبَل فِي فَضَائِل الصَّحَابَة حَدثنَا دَاوُد ابْن رشيد حَدثنَا الْوَلِيد يَعْنِي ابْن مُسلم عَن عمر بن مُحَمَّد حَدثنَا سَالم ابْن عبد الله قَالَ راث على أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ خبر عمر وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة وَكَانَ بهَا امْرَأَة فِي جنبها شَيْطَان يتَكَلَّم فَأرْسل اليها رَسُولا فَقَالَ لَهَا مري صَاحبك فليذهب فليخبرني عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَت هُوَ بِالْيمن يُوشك أَن يَأْتِي فَمَكَثُوا غير طَوِيل قَالُوا اذْهَبْ فَأخْبرنَا عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُ قد راث علينا فَقَالَ إِن ذَلِك الرجل مَا نستطيع أَن ندنو مِنْهُ بَين عَيْنَيْهِ روح الْقُدس وَمَا خلق الله شَيْطَانا يسمع صَوته إِلَّا خر لوجهه وَفِي خبر آخر أَن عمر أرسل جَيْشًا فَقدم شخص إِلَى الْمَدِينَة فَأخْبر أَنهم انتصروا على عدوهم وشاع الْخَبَر فَسَأَلَ عمر عَن ذَلِك فَذكر لَهُ فَقَالَ هَذَا ابو الْهَيْثَم يُرِيد الْمُسلمين من الْجِنّ وَسَيَأْتِي يُرِيد الْإِنْس فجَاء بعد ذَلِك بعدة أَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فصل قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية أما سُؤال الْجِنّ وسؤال من يسألهم فَهَذَا إِن كَانَ على وَجه التَّصْدِيق لَهُم فِي كل مَا يخبرون بِهِ والتعظيم للسؤال فَهُوَ حرَام كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن مُعَاوِيَة بن الحكم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ إِن قوما منا يأْتونَ الْكُهَّان قَالَ فَلَا تأتوهم وَفِي صَحِيح مُسلم عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انه قَالَ من أَتَى عرافا فَسَأَلَهُ عَن شَيْء لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأما إِن كَانَ يسْأَل الْمَسْئُول ليمتحن حَاله ويختبر بَاطِن أمره وَعِنْده مَا يُمَيّز بِهِ صدقه من كذبه فَهَذَا جَائِز كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ ابْن صياد فَقَالَ مَا يَأْتِيك قَالَ يأتيني صَادِق وكاذب قَالَ مَا ترى قَالَ ارى عرشا على المَاء قَالَ فَإِنِّي قد خبأت لَك خبيئا قَالَ هُوَ الدخ قَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك فَإِنَّمَا أَنْت من إخْوَان الْكُهَّان وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ يسمع مَا يَقُولُونَ ويخبرون بِهِ عَن الْجِنّ كَمَا يسمع الْمُسلمُونَ مَا يَقُوله الْكفَّار والفجار ليعرفوا مَا عِنْدهم فَكَمَا يسمع خبر الْفَاسِق ويتبين ويتثبت فَلَا يجْزم بصدقه وَلَا بكذبه إِلَّا بِبَيِّنَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن اهل الْكتاب كَانُوا يقرءُون التَّوْرَاة ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حَدثكُمْ أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم فإمَّا أَن يحدثوكم بِحَق فتكذبوه وَإِمَّا أَن يحدثوكم بباطل فتصدقوه وَقُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ فقد جَازَ للْمُسلمين سَماع مَا يَقُولُونَهُ وَإِن لم يصدقوه وَلم يكذبوه ثمَّ سَاق حَدِيث يُرِيد الْجِنّ الَّذِي قدمْنَاهُ وَحَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْمُتَقَدّم رَأْي الْمُؤلف وتعليقه قلت لَا شكّ أَن الله تَعَالَى أقدر الْجِنّ على قطع الْمسَافَة الطَّوِيلَة فِي الزَّمن الْقصير بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك} فَإِذا سَأَلَ سَائل عَن حَادِثَة وَقعت أَو شخص فِي بلد بعيد فَمن الْجَائِز أَن يكون الجني عِنْده علم من تِلْكَ الْحَادِثَة وَحَال ذَلِك الشَّخْص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فيخبر وَمن الْجَائِز أَن لَا يكون عِنْده علم فَيذْهب ويكشف ثمَّ يعود فيخبر وَمَعَهُ هَذَا فَهُوَ خبر وَاحِد لَا يُفِيد غير الظَّن وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم غير الِاسْتِئْنَاس وَسَيَأْتِي فِي الْأَبْوَاب الْآتِيَة أَنْوَاع مِمَّا أخبروا بِهِ عقيب وُقُوعه ثمَّ تبين بعد ذَلِك وُقُوعه بِإِخْبَار الْإِنْس وَأما سُؤَالهمْ عَمَّا لم يَقع وتصديقهم فِيهِ بِنَاء على أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب فَكفر وَعَلِيهِ يحمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تأتوهم وَقَوله من أَتَى عرافا الحَدِيث وَالله أعلم الْبَاب التَّاسِع وَالسِّتُّونَ فِي شَهَادَة الْجِنّ للمؤذنين يَوْم الْقِيَامَة فِي صَحِيح البُخَارِيّ والموطأ وَغَيرهمَا من حَدِيث ابْن أبي صعصعة أَن أَبَا سعيد قَالَ لَهُ أَرَاك تحب الْغنم والبادية فَإِذا كنت فِي باديتك أَو غنمك فَأَذنت بِالصَّلَاةِ فارفع صَوْتك بالنداء فَإِنَّهُ لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَبُو سعيد سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَاب الموفي سبعين فِي نعي الْجِنّ عبد الله بن جدعَان وَفِيه قصَّة إِصَابَته الْكَنْز قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد حَدثنِي أبي حَدثنَا هِشَام بن مُحَمَّد قَالَ أَخْبرنِي مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وائلة قَالَ أَخْبرنِي شيخ من أهل مَكَّة عَن الْأَعْشَى بن إلْيَاس بن زُرَارَة التَّمِيمِي حَلِيف بني عبد الدَّار قَالَ خرجت مَعَ نفر من قُرَيْش نُرِيد الشَّام فنزلنا بواد يُقَال لَهُ وَادي عَوْف فعرسنا بِهِ فَاسْتَيْقَظت فِي بعض اللَّيْل فَإِذا أَنا بقائل يَقُول ... أَلا هلك النساك غيث بني فهر ... وَذُو الباع وَالْمجد التليد وَذُو الْفَخر ... فَقلت فِي نَفسِي وَالله لأجيبنه فَقلت ... أَلا أَيهَا الناعي أَخا الْجُود وَالْفَخْر ... من الْمَرْء تنعاه لنا من بني فهر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فَقَالَ ... نعيت ابْن جدعَان بن عَمْرو أَخا الندى ... وَذَا الْحسب القدموس والمنصب الْقَهْر ... فَقلت ... لعمري لقد نوهت بالسيد الَّذِي ... لَهُ الْفضل مَعْرُوفا على ولد النَّضر ... فَقَالَ ... مَرَرْت بنسوان يخمشن أوجبهَا ... صياحا عَلَيْهِ بَين زَمْزَم وَالْحجر ... فَقلت ... مَتى إِن عهدي فِيهِ مُنْذُ عرُوبَة ... وَتِسْعَة أَيَّام لغرة ذَا الشَّهْر ... فَقَالَ ... ثوى مُنْذُ أَيَّام ثَلَاث أَيَّام كوامل ... مَعَ اللَّيْل أَو فِي اللَّيْل أَو وضح الْفجْر ... فَاسْتَيْقَظت الرّفْقَة فَقَالُوا من تخاطب فَقلت هَذَا هَاتِف ينعى ابْن جدعَان فَقَالُوا وَالله لَو بَقِي اُحْدُ بشرف أَو عز أَو كَثْرَة مَال لبقي عبد الله بن جدعَان فَقَالَ ذَلِك الْهَاتِف ... أرى الْأَيَّام لَا تبقى عَزِيزًا ... لعزته وَلَا تبقي ذليلا ... فَقلت ... وَلَا تبقى من الثقلَيْن شغرا ... وَلَا تبقي الحزون وَلَا السهولا ... قَالَ فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فرجعنا إِلَى مَكَّة فوجدناه قد مَاتَ كَمَا قَالَ قلت عبد الله بن جدعَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم يكنى أَبَا زُهَيْر هُوَ ابْن عَم عَائِشَة الصديقة كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره صعلوكا وَكَانَ مَعَ ذَلِك شريرا لَا يزَال يجني الْجِنَايَات فيعقل عَنهُ أَبوهُ وَقَومه حَتَّى أبغضته عشيرته ونفاه أَبوهُ وَحلف أَن لَا يؤويه أبدا لما أثقله من الْغرم وَحمله من الدِّيات فَخرج فِي شعاب مَكَّة حائرا يتَمَنَّى نزُول الْمَوْت بِهِ فَدخل فِي شقّ جبل يَرْجُو أَن يكون فِيهِ مَا يقْتله ليستريح فَإِذا ثعبان عَظِيم لَهُ عينان تقدان كالسراجين فَحمل عَلَيْهِ الثعبان فأفرج لَهُ فانساب عَنهُ مستديرا بدارة عِنْدهَا بَيت فخطا خطْوَة أُخْرَى فَصَعدَ بِهِ الثعبان وَأَقْبل اليه كالسهم فأفرج لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فانساب فَوَقع فِي نَفسه أَنه مَصْنُوع فأمسكه فَإِذا هُوَ مَصْنُوع من ذهب وَعَيناهُ ياقوتتان فَكَسرهُ وَأخذ عَيْنَيْهِ وَدخل الْبَيْت فَإِذا جثث طوال على سرر لم ير مثلهم طولا وعظما وَعند رؤوسهم لوح من فضَّة فِيهِ تاريخهم فَإِذا هم رجال من مُلُوك جرهم وَآخرهمْ موتا الْحَارِث بن مضاض صَاحب الْقرْيَة الطَّوِيلَة وَإِذا عَلَيْهِم ثِيَاب لَا يمس مِنْهَا شَيْء إِلَى أنتثر كالهباء من طول الزَّمن قَالَ ابْن هِشَام كَانَ اللَّوْح من رُخَام وَكَانَ فِيهِ أَبُو نفيلة بن عبد المدان ابْن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود نَبِي الله عِشْت خَمْسمِائَة عَام وَقطعت غور الأَرْض بَاطِنهَا وظاهرها فِي طلب الثروة وَالْمجد وَالْملك فَلم يكن ذَلِك ينجيني من الْمَوْت وَتَحْته مَكْتُوب ... قد قطعت الْبِلَاد فِي طلب الثروة ... وَالْمجد قالص الأثواب وسريت الْبِلَاد قفرا لقفر ... بقناتي وقوتي واكتسابي فَأصَاب الردى سَواد فُؤَادِي ... بسهام من المنايا صعاب فانقضت شرتي واقصر جهلي ... واستراحت عواذلي من عتابي وَدفعت السفاه بالحلم لما ... نزل الشيب فِي مَحل الشَّبَاب صَاح هَل رَأَيْت أَو سَمِعت براع ... رد فِي الضَّرع مَا قرى فِي الحلاب ... وَإِذا فِي وسط الْبَيْت كوم عَظِيم من الْيَاقُوت واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة والزبرجد فَأخذ مِنْهُ مَا أَخذ ثمَّ علم على الشق بعلامة وأغلق بَابه بِالْحِجَارَةِ وَأرْسل إِلَى أَبِيه بِالْمَالِ الَّذِي خرج بِهِ يسترضيه ويستعطفه وَوصل عشيرته كلهم وسادهم وَجعل ينْفق من ذَلِك الْكَنْز وَيطْعم النَّاس وَيفْعل الْمَعْرُوف فَلَمَّا كبر وهرم أَرَادَ بَنو تَمِيم أَن يمنعوه من تبذير مَاله ولاموه فِي الْعَطاء فَكَانَ يَدْعُو الرجل فَإِذا دنا مِنْهُ لطمه لطمة خَفِيفَة ثمَّ يَقُول قُم فَأَنْشد لطمتك واطلب دِيَتهَا فَإِذا فعل أَعطَتْهُ بَنو تَمِيم من مَال ابْن جدعَان حَتَّى يرضى وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي غَرِيب الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كنت أستظل بِظِل جَفْنَة عبد الله بن جدعَان صَكَّة عمى يَعْنِي بالهاجرة قَالَ ابْن قُتَيْبَة كَانَت جفنته يَأْكُل مِنْهَا الرَّاكِب على الْبَعِير وَسقط فِيهَا صبي فغرق أَي مَاتَ وَكَانَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت قبل أَن يمدحه اتى بني الديَّان من بني الْحَارِث بن كَعْب فراى طَعَام بني عبد المدان مِنْهُم لباب الْبر والشهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَالسمن وَكَانَ ابْن جدعَان يطعم التَّمْر والسويق ويسقي اللَّبن فَقَالَ أُميَّة ... وَلَقَد رَأَيْت الفاعلين وفعلهم ... فَرَأَيْت أكْرمهم بني الديَّان الْبر يلبك بالشهاد طعامهم ... لَا مَا تعللنا بَنو جدعَان ... فَبلغ شعره عبد الله بن جدعَان فَأرْسل ألفي بعير إِلَى الشَّام تحمل إِلَيْهِ الْبر والشهد وَالسمن وَجعل مناديا يُنَادي على الْكَعْبَة إِلَّا هلموا إِلَى جَفْنَة عبد الله ابْن جدعَان فَقَالَ أُميَّة عِنْد ذَلِك ... لَهُ دَاع بِمَكَّة مشمعل ... وَآخر فَوق كعبتها يُنَادي إِلَى ردح من الشيزا عَلَيْهَا ... لباب الْبر يلبك بالشهاد ... وَفِي صَحِيح مُسلم أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ابْن جدعَان كَانَ يطعم الطَّعَام ويقري الضَّيْف فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يقل يَوْمًا رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين وروى ابْن اسحاق ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن جدعَان حلفا مَا أحب أَن لي بِهِ حمر النعم وَلَو دعيت إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت المُرَاد بِهِ حلف الفضول وَكَانَ فِي ذِي الْقعدَة قيل المبعث بِعشْرين سنة وَالله أعلم الْبَاب الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ فِي بَيَان نوح الْجِنّ على أبي عُبَيْدَة وَأَصْحَابه قَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد حَدثنِي الْعَبَّاس بن هِشَام بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن سعيد بن رَاشد مولى النخع عَن رجل من اهل الطَّائِف قَالَ لما أَبْطَأَ عَليّ عمر بن الْخطاب خبر أبي عُبَيْدَة بن مَسْعُود وَأَصْحَابه وَكَانُوا بقبس الناطف اشْتَدَّ همه وَجعل يسْأَل عَن خبرهم فَقدم رجل من أهل الطَّائِف فَحدث فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم كَانُوا بواد من أَوديَة الطَّائِف يُقَال لَهُ سهر أسمار فَسَمِعُوا نائحة يحسبون أَنَّهَا بِالْقربِ مِنْهُم فَسَمِعُوا نسَاء يَنحن وَيَقُلْنَ ... مت على الْخيرَات ميتَة خَالِد ... إِذا مَا صبرت يَوْم اللِّقَاء قدس الله معركا شهدوه ... والملا الْأَبْرَار خير ملاء ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 معركا فِيهِ ظلت الْجِنّ تبْكي ... مبسمات الْأَبْكَار بيض الدِّمَاء كم كريم مجدل غادروه ... مُؤمن الْقلب مستجاب الدُّعَاء يقطع اللَّيْل لَا ينَام صَلَاة ... وجؤارا يمده ببكاء ... ثمَّ يقلن يَا أَبَا عبيداه يَا سليطاه قَالَ الطَّائِفِي فَجعلنَا نتبع الصَّوْت فنسمع الأبيات وَمَا يقلن بعْدهَا وَنحن مِنْهُ فِي الْبعد على حَال وَاحِدَة فَقدم الطَّائِفِي على عمر فَأخْبرهُ فَكتب عمر الَّذِي سمع مِنْهُ فوجدوا أَبَا عُبَيْدَة وَأَصْحَابه قتلوا ذَلِك الْيَوْم سليطاه الْمَذْكُور فِي الندبة هُوَ سليط بن قيس الْأنْصَارِيّ كَانَ على النَّاس هُوَ وَأَبُو عُبَيْدَة بن مَسْعُود وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ فِي نوحهم على النخع لما أصيبوا يَوْم الْقَادِسِيَّة قَالَ ابْن ابي الدُّنْيَا حَدثنِي الْعَبَّاس بن هِشَام بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت أَشْيَاخ النخع يذكرُونَ قَالُوا أُصِيب النخع بالقادسية فَسَمِعُوا نوح الْجِنّ فِي وَاد من أَوديَة الْيمن وهم يَقُولُونَ ... أَلا فاسلمي يَا عكرم ابْنة خَالِد ... وَمَا خير زَاد بِالْقَلِيلِ المصرد فحيتك عني الشَّمْس عِنْد طُلُوعهَا ... وحيال عني كل ركب مُفْرد وحيتك عني عصبَة نخعية ... حسان الْوُجُوه آمنُوا بِمُحَمد أَقَامُوا لكسرى يضْربُونَ جُنُوده ... بِكُل رَقِيق الشفرتين مهند إِذا ثوب الدَّاعِي أَقَامُوا بكلكل ... من الْمَوْت مغبر العياطيل أسود ... قَالَ فَجَاءَهُمْ مَا أصَاب النخع يَوْم الْقَادِسِيَّة من الْقَتْل وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الْبَاب الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ فِي رثاء الْجِنّ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْقرشِي حَدثنِي مُحَمَّد بن عباد بن مُوسَى حَدثنِي مُحَمَّد ابْن ثَابت الْبنانِيّ عَن ابيه قَالَ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذا سركم أَن يحسن الْمجْلس فَأَكْثرُوا وَذكر عمر بن الْخطاب ثمَّ قَالَت وَالله إِنَّا لوقوف بالمحصب إِذْ أقبل رَاكب حَتَّى إِذا كَانَ قدر مَا يسمع صَوته قَالَ ... أبعد قَتِيل بِالْمَدِينَةِ اشرقت ... لَهُ الأَرْض واهتز الفضاء بأسوق جزى الله خيرا من إِمَام وباركت ... يَد الله فِي ذَاك الْأَدِيم الممزق قضيت أمورا ثمَّ غادرت بعْدهَا ... بوائح فِي أكمامها لم تفتق ... وَكنت نشرت الْعدْل بِالْبرِّ والتقى ... وحلم صَلِيب الدّين غير مروق فَمن يسع أَو يركب جناحي نعَامَة ... ليدرك مَا قدمت بالْأَمْس يسْبق أَمِين النَّبِي حبه وَصفيه ... كَسَاه المليك جُبَّة لم تمزق ترى الْفُقَرَاء حوله فِي مفازة ... شباعا رواء ليلهم لم يروق ... قَالَت ثمَّ انصرفنا فَلم نر شَيْئا قَالَ النَّاس هَذَا مزرد ثمَّ أَقبلنَا حَتَّى انتهينا على الْمَدِينَة فَوَثَبَ إِلَيْهِ أَبُو لؤلؤة الْخَبيث فَقتله فوَاللَّه إِنَّه لمسجى بَيْننَا إِذْ سمعنَا صَوتا فِي جَانب الْبَيْت لَا نَدْرِي من أَيْن يَجِيء ... ليبك على الْإِسْلَام من كَانَ باكيا ... فقد أوشكوا هلكي وَمَا قرب الْعَهْد وأدبرت الدُّنْيَا وَأدبر خَيرهَا ... وَقد ملها من كَانَ يُوقن بالوعد ... فَلَمَّا ولي عُثْمَان لَقِي مزردا فَقَالَ انت صَاحب الأبيات قَالَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا قلتهن قَالَ فيرون أَن بعض الْجِنّ رثاه وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد حَدثنَا يجيى السَّاجِي حَدثنَا عَبدة بن عبد الله حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر حَدثنَا مسعر عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن الصَّقْر بن عبد الله عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت بَكت الْجِنّ على عمر بن الْخطاب قبل أَن يقتل بِثَلَاث فَقَالَت ... جزى الله خيرا من أَمِير وباركت ... يَد الله فِي ذَاك الْأَدِيم الممزق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 . وليت أمورا ثمَّ غادرت بعْدهَا ... بوائح فِي أكمامها لم تفتق فَمن يسع أَو يركب جناحي نعَامَة ... ليدرك مَا قدمت بالْأَمْس يسْبق وَمَا كنت أخْشَى أَن تكون وَفَاته ... بكفي سليف أَزْرَق الْعين مطرق فيالقتيل بِالْمَدِينَةِ أظلمت ... لَهُ الأَرْض واهتز الفضاء بأسوق فلقاك رَبِّي فِي الْجنان تَحِيَّة ... وَمن كسْوَة الفردوس لَا تنخرق ... وَرَوَاهُ عَبَّاس الدوري عَن مُحَمَّد بن بشر فَذكره الْبَاب الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ فِي نوحهم على عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا مُحَمَّد بن عتاب ابو بكر الْأَعْين حَدثنَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل عَن عُثْمَان بن مرّة عَن أمه قَالَت لما قتل عُثْمَان بن عَفَّان ناحت الْجِنّ عَلَيْهِ فَقَالُوا ... لَيْلَة للجن إِذْ ... يرْمونَ بالصخر الصلاب ثمَّ قَامُوا بكرَة ... ينعون صقرا كالشهاب زينهم فِي الْحَيّ والمجلس فكاك الرّقاب ... الْبَاب الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ فِي نوحهم على بعض من أُصِيب بصفين قَالَ الْقرشِي حَدثنِي الْعَبَّاس بن هِشَام حَدثنِي ابْن مسعر بن كدام عَن ابيه قَالَ قتل رجل من بني عَمْرو بن عبد منَاف بن هِلَال بن عَامر مَعَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يَوْم صفّين فَسَمِعُوا نائحة من الْجِنّ وَهِي تَقول ... أَلا فاسألوا العمرين عَن صَاحب الْجمل ... فِي غير مسهام وَلَا طائش وكل يكر الركائب فِي المكاره كلهَا ... وَيعلم أَن الْأَمر مُنْقَطع الأمل ... رأى الْمُؤلف وتعليقه قلت كَانَت وقْعَة صفّين فِي سنّ سبع وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى ذكر مَا شجر بَين الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الْبَاب السَّادِس وَالسَّبْعُونَ فِي إعلامهم بوفاة عَليّ بن أبي طَالب قَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير حَدثنَا الْحَارِث بن مرّة حَدثنَا عمر بن عَامر السّلمِيّ قَالَ عَاتب صَاحب شرطة مُعَاوِيَة ابْنا لَهُ حَتَّى أخرجه من الْبَيْت ثمَّ قَامَ حَتَّى أغلق الْبَاب بَينه وَبَينه وَابْنه فِي الصّفة فأرق الْفَتى من سخط أَبِيه فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذا مُنَاد يُنَادي على الْبَاب يَا سُوَيْد فَقَالَ الْفَتى وَالله مَا فِي دَارنَا سُوَيْد حر وَلَا عبد قَالَ فانخرط لنا سنور أسود من شرجع لنا فِي الصّفة قَالَ فَأتى الْبَاب قَالَ من هَذَا قَالَ أَنا فلَان قَالَ من أَيْن جِئْت قَالَ من الْعرَاق قَالَ فَمَا حدث فِيهَا قَالَ قتل على بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ فَهَل عنْدك شَيْء تطعمنيه فَإِنِّي جوعان فَقَالَ وَالله لقد خمروا آنيتهم وَسموا عَلَيْهَا غير أَن هَهُنَا سفودا شووا عَلَيْهِ شواية لَهُم وَعَلِيهِ وضر فَهَل لَك فِيهِ قَالَ نعم قَالَ فجَاء سُوَيْد بالسفود قَالَ والسفود مُسْند فِي زَاوِيَة الْبَيْت قَالَ فغمض الْفَتى عَيْنَيْهِ فَأخذ سُوَيْد السفود فَأخْرجهُ إِلَيْهِ من ذَلِك الْبَاب قَالَ فعرقه حَتَّى سَمِعت عرقه إِيَّاه قَالَ ثمَّ جَاءَ بِهِ فأسنده على زَاوِيَة الصّفة قَالَ فَقَامَ الْفَتى فَضرب على أَبِيه الْبَاب حَتَّى أيقظه فَقَالَ من هَذَا قَالَ فلَان قَالَ أخرج إِلَى قَالَ لَا قَالَ إِنَّه حدث امْر عَظِيم قَالَ فَفتح لَهُ قَالَ فحدثه الحَدِيث قَالَ اسرج لي فأسرج لَهُ فَأتى بَاب مُعَاوِيَة فَطلب الْإِذْن حَتَّى وصل إِلَيْهِ فحدثه الحَدِيث قَالَ من سمع هَذَا قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سَمعه ابْن أَخِيك قَالَ وَهُوَ مَعَك قَالَ نعم قَالَ فَأدْخلهُ فَأدْخلهُ عَلَيْهِ فحدثه الحَدِيث قَالَ فَكتب تِلْكَ السَّاعَة وَتلك اللَّيْلَة فَكَانَ كَذَلِك وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الْبَاب السَّابِع وَالسَّبْعُونَ فِي نوحهم على الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا مُنْذر بن عمار الْكَاهِلِي أَنبأَنَا عَمْرو ابْن الْمِقْدَام أَنبأَنَا الجصاصون أَنهم كَانُوا يسمعُونَ نوح الْجِنّ على الْحُسَيْن ... مسح النَّبِي جَبينه ... فَلهُ بريق فِي الخدود أَبَوَاهُ من عليا قري ... ش وجده خير الجدود ... وَقَالَ عَبَّاس الدوري حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن عمار بن أبي عمار عَن ام سَلمَة قَالَت ناحت الْجِنّ على الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنِي سُوَيْد بن سعيد حَدثنَا عَمْرو ابْن ثَابت عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن ام سَلمَة قَالَت مَا سَمِعت نوح الْجِنّ على اُحْدُ مُنْذُ قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قتل الْحُسَيْن فَسمِعت جنية تنوح ... أَلا يَا عين فاحتفلي بِجهْد ... وَمن يبكي على الشُّهَدَاء بعدِي على رَهْط تقودهم المنايا ... إِلَى متجبر فِي الْملك عِنْد ... حَدثنِي مُحَمَّد بن عباد بن مُوسَى حَدثنَا هِشَام بن مُحَمَّد حَدثنِي ابْن حيزوم الْكَلْبِيّ عَن أمه قَالَت لما قتل الْحُسَيْن سَمِعت مناديا يُنَادي فِي الْجبَال ... أَيهَا الْقَوْم القاتلون حُسَيْنًا ... أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ والتنكيل كل أهل السَّمَاء يَدْعُو عَلَيْكُم ... من نَبِي وَمَالك وقبيل قد لعنتم على لِسَان ابْن داو ... د ومُوسَى وحامل الْإِنْجِيل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الْبَاب الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ فِي نوحهم على الشُّهَدَاء بِالْحرَّةِ قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو زيد النميري حَدثنِي أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن يحيى الْكِنَانِي حَدثنِي بعض آل الزبير قَالَ لما قتل أهل الْحرَّة هتف هَاتِف بِمَكَّة على أبي قبيس ... قتل الْخِيَار بَنو الْخِيَار ... ذَوُو المهابة والسماح الصائمون القائمون ... القانتون أولو الصّلاح المهتدون المتقون ... السَّابِقُونَ إِلَى الْفَلاح مَاذَا بواقم والبقي ... مَعَ من الجحا جحة والصباح وبقاع يثرب ويحهن ... من النوائح والصياح ... فَقَالَ ابْن الزبير لأَصْحَابه يَا هَؤُلَاءِ قد قتل أصحابكم فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون رَأْي الْمُؤلف وتعليقه قلت كَانَت وقْعَة الْحرَّة لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ على بَاب طيبَة وَاسْتشْهدَ فِيهَا خلق كثير وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَ خَليفَة فَجَمِيع من أُصِيب من قُرَيْش وَالْأَنْصَار ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ وروى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على الْحرَّة وَقَالَ ليقْتلن بِهَذَا بِهَذَا الْمَكَان رجال هم خِيَار أمتِي بعد أَصْحَابِي وَكَانَ سَببهَا أَن اهل الْمَدِينَة خلعوا يزِيد بن مُعَاوِيَة وأخرجوا مَرْوَان بن الحكم وَبني أُميَّة وَأمرُوا عَلَيْهِم عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل وَلم يُوَافق أهل الْمَدِينَة أحد من أكَابِر أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين كَانُوا فيهم فَجهز إِلَيْهِم يزِيد بن مُعَاوِيَة مُسلم بن عقبَة فأوقع بهم قَالَ السُّهيْلي وَقتل فِي ذَلِك الْيَوْم من وُجُوه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ألف وَسَبْعمائة وَقتل من أخلاط النَّاس عشرَة آلَاف قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ هَذَا خسف ومجازفة والحرة الَّتِي يعرف بهَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الْيَوْم يُقَال لَهَا حرَّة زهرَة وَعرفت حرَّة زهرَة بقرية كَانَت لبنى زهرَة قوم من الْيَهُود قَالَ الزبير فِي فَضَائِل الْمَدِينَة كَانَت قَرْيَة كَبِيرَة فِي الزَّمن الْقَدِيم وَكَانَ فِيهَا ثَلَاثمِائَة صانع وَكَانَ يزِيد قد أعذر إِلَى أهل الْمَدِينَة وبذل لَهُم من الْعَطاء أَضْعَاف مَا يُعْطي النَّاس واجتهد فِي استمالتهم إِلَى الطَّاعَة والتحذير من الْخلاف وَلَكِن أبي الله إِلَّا مَا أَرَادَ {فَالله يحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} الْبَاب التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ فِي إِخْبَار الْجِنّ بوفاة عمر بن عبد الْعَزِيز وَهَارُون الرشيد قَالَ شكر الْهَرَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن عبيد الله ابْن عَاصِم بن عمر بن عبد الْعَزِيز حَدثنِي مُؤَمل بن إياب حَدثنَا اسماعيل ابْن دَاوُد المخراق حَدثنَا الْمَاجشون قَالَ خرجت بِمَكَّة فِي لَيْلَة وَإِذا أَنا بكلب يعدو حَتَّى دخل فِي وسط كلاب فَقَالَ أتضحكن وتلعبن وَقد مَاتَ اللَّيْلَة عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ فانجفلت ومررت فحسبنا تِلْكَ اللَّيْلَة فَوَجَدنَا عمر بن عبد الْعَزِيز قد مَاتَ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي تَارِيخ نيسابور فِي تَرْجَمَة هَارُون الرشيد قَالَ سَمِعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه يَقُول سَمِعت ابراهيم بن عبد الله السَّعْدِيّ يَقُول صعدت المئذنة لأؤذن فوقفت انْتظر الصُّبْح فَإِذا شبه كلب فِي نَاحيَة الرّيّ مستقبله مثله من النَّاحِيَة الْأُخْرَى فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه سويق فَقَالَ بليق فَقَالَ إيش الْخَبَر قَالَ توفّي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَنزلت وكتبت فَإِذا هَارُون مَاتَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة قلت توفّي هَارُون بطوس لَيْلَة السبت لثلاث خلون من جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة وَمكث خَليفَة ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وشهرا وعمره سبع واربعون سنة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 الْبَاب الموفي ثَمَانِينَ فِي بكاء الْجِنّ أَبَا حنيفَة رَحمَه الله قَالَ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أبي الْعَوام السَّعْدِيّ أخبرنَا أُسَامَة بن أَحْمد ابْن اسامة أَبُو سَلمَة حَدثنَا الْحسن بن مَنْصُور النَّيْسَابُورِي حَدثنَا مُحَمَّد ابْن مَنْصُور الْملَائي حَدثنَا أَبُو عَاصِم الرقي حَدثنَا الخليجي أَن الْجِنّ بَكت أَبَا حنيفَة لَيْلَة مَاتَ وَكَانُوا يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يرَوْنَ الشَّخْص ... ذهب الْفِقْه فَلَا فقه لكم ... فَاتَّقُوا الله وَكُونُوا خلفا مَاتَ نعْمَان فَمن هَذَا الَّذِي ... يحيى اللَّيْل إِذا مَا سدفا ... وَكَانَت وَفَاة أبي حنيفَة سنة خمسين وَمِائَة بِبَغْدَاد الْبَاب الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ فِي نوحهم على وَكِيع بن الْجراح قَالَ عَبَّاس الدوري فِي تَارِيخه حَدثنَا أَصْحَابنَا عَن وَكِيع أَنه خرج إِلَى مَكَّة وَكَانُوا إِذْ ذَاك يخرجُون فِي الصَّيف فَجعل أَهله يسمعُونَ النوح فِي دَارهم وَكَانَت دَارهم قوراء كَبِيرَة فَجعلُوا لَا يَشكونَ أَن النوح من دَارهم فَاسْتَيْقَظَ عِيَاله فَجعلُوا يسمعُونَ النوح فَلَمَّا قضى النَّاس الْحَج وَقدمُوا سَأَلَهُمْ النَّاس عَن وَكِيع مَتى مَاتَ فَقَالُوا فِي لَيْلَة كَذَا وَكَذَا فَإِذا هِيَ اللَّيْلَة الَّتِي سمعُوا النوح فِيهَا قلت كَانَ وَكِيع إِمَامًا حَافِظًا واعيا للْعلم يَصُوم الدَّهْر وَيخْتم الْقُرْآن كل لَيْلَة مَعَ خشوع وورع وَكَانَ يُفْتِي بقول أبي حنيفَة وَسمع مِنْهُ كثيرا وَتُوفِّي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة وَله أَخْبَار رَحمَه الله وترجمته كَبِيرَة حكى الزَّمَخْشَرِيّ أَنه حج أَرْبَعِينَ حجَّة ورابط فِي عبادان أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَختم بهَا الْقُرْآن أَرْبَعِينَ ختمة وروى اربعة آلَاف حَدِيث وَتصدق بِأَرْبَعِينَ ألفا وَمَا روى وَاضِعا جنيه وَالله تَعَالَى اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الْبَاب الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ فِي نوحهم على الْخَلِيفَة المتَوَكل قَالَ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا عبد الله بن عَمْرو حَدثنِي المؤمل ابْن حَمَّاد الْكَلْبِيّ حَدثنِي عَمْرو بن شَيبَان قَالَ كنت لَيْلَة قتل المتَوَكل فِي منزلي بِالشَّام وَلم أعلم أَنَّهَا اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِيهَا جَعْفَر فَلم اشعر إِلَّا وهاتف يَهْتِف فِي زَوَايَا الدَّار يَقُول ... يَا نَائِم اللَّيْل فِي جثمان يقظان ... أفض دموعك يَا عَمْرو بن شَيبَان ... فَفَزِعت لذَلِك ثمَّ إِنِّي نمت فَأَعَادَ الصَّوْت فَمَا زَالَ على هَذَا ثَلَاث مرار كَأَنَّهُ يفهمني فَقلت لِلْجَارِيَةِ اعطيني دَوَاة وقرطاسا فَوَضَعته بجنبي فَانْدفع يَقُول يَا نَائِم اللَّيْل الْبَيْت ... أما ترى الْعصبَة الأنجاس مَا فعلوا ... بالهاشمي وبالفتح بن خاقَان وافى إِلَى الله مَظْلُوما فعج لَهُ ... أهل السَّمَوَات من مثنى ووحدان فالطير ساهمة والغيث منحبس ... والنيت منتقص فِي كل أبان والسعر ينْقض والأنهار يابسة ... وَالْأَرْض هامدة فِي كل أوطان وسوف تَأْتيكُمْ أُخْرَى مسومة ... توقعوها لَهَا شَأْن من الشان فابكوا على جَعْفَر وارثوا خليفتكم ... فقد بكاه جَمِيع الْإِنْس والجان ... قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنِي ميسرَة بن حسان حَدثنِي جَعْفَر ابْن مسْعدَة قَالَ كنت بسامرا بعد قتل المتَوَكل فَأريت فِي النّوم كَأَن قَائِلا يَقُول ... لقد خلوك وانصدعوا ... فَمَا ألووا وَمَا ربعوا وَلم يوفوا بعهدهم ... فتبا للَّذي صَنَعُوا أَلا يَا معشر الْمَوْتَى ... إِلَى من كُنْتُم تقعوا لنطلبها فَإِن الْقلب ... قد أودى بِهِ وجع وَلم نَعْرِف لكم خَبرا ... فقلبي حشوه الْجزع ... قَالَ فَبَكَيْت فِي نومي أَشد الْبكاء فانتبهت وَقد حفظت الأبيات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فَقَالَ لي صَاحب لي كَانَ معي مَا قصتك مَا زلت سَائِر ليلتك تبْكي فِي نومك قلت المتَوَكل على الله هُوَ جَعْفَر أَبُو الْفضل بن المعتصم بِاللَّه ابي اسحاق مُحَمَّد بن هَارُون الرشيد بن مُوسَى الْهَادِي بن مُحَمَّد الْمهْدي ابْن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور قتل فِي شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته أَربع عشرَة سنة وَعشرَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام وسنه اربعون سنة أباؤه كلهم خَليفَة وَكَذَلِكَ أَخَوَاهُ المعتز بِاللَّه وَالْمُعْتَمد على الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم الْبَاب الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ فِي بَيَان هَل الْجِنّ كلهم منظرون قَالَ ابو الشَّيْخ فِي النَّوَادِر حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا أَبُو معشر حَدثنَا عِيسَى ابْن أبي عِيسَى قَالَ بلغ الْحجَّاج بن يُوسُف أَن بِأَرْض الصين مَكَانا إِذا اخطأوا فِيهِ الأَرْض سمعُوا صَوتا يَقُول هَلُمَّ الطَّرِيق وَلَا يرَوْنَ أحدا فَبعث نَاسا وَأمرهمْ أَن يتخاطوا الطَّرِيق عمدا فَإِذا قَالُوا لكم هلموا الطَّرِيق فاحملوا عَلَيْهِم فانظروا مَا هم فَفَعَلُوا ذَلِك قَالَ فدعوهم فَقَالُوا هلموا الطَّرِيق فحملوا عَلَيْهِم فَقَالُوا إِنَّكُم لن ترونا فَقَالُوا مُنْذُ كم أَنْتُم هَهُنَا قَالُوا مَا نحصي السنين غير أَن الصين خربَتْ ثَمَانِي مرار وعمرت ثَمَانِي مرار وَنحن هَهُنَا وَرَوَاهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الْمُنْذر الْهَرَوِيّ الْمَعْرُوف بشكر فِي كتاب الْعَجَائِب فَقَالَ حَدثنَا عَبَّاس الدوري حَدثنَا مُحَمَّد بن بكار حَدثنَا ابو معشر فَذكره وَقَالَ ابْن ابي الدُّنْيَا حَدثنَا زَكَرِيَّا بن الْحَارِث بن مَيْمُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الْعَبْدي حَدثنَا معَاذ بن هِشَام عَن ابيه عَن قَتَادَة قَالَ قَالَ الْحسن الْجِنّ لَا يموتون قَالَ قلت قَالَ الله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين حق عَلَيْهِم القَوْل فِي أُمَم قد خلت من قبلهم من الْجِنّ وَالْإِنْس} قلت وَمعنى قَول الْحسن أَن الْجِنّ لَا يموتون أَنهم منظرون مَعَ إِبْلِيس فَإِذا مَاتَ مَاتُوا مَعَه وَظَاهر الْقُرْآن يدل على أَن إِبْلِيس غير مَخْصُوص بالإنظار إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأما وَلَده وقبيله فَلم يقم دَلِيل على أَنهم منظرون مَعَه وَظَاهر قَوْله تَعَالَى {فَإنَّك من المنظرين} يدل على أَن ثمَّ منظرين غير إِبْلِيس وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن مَا يدل على أَن المنظرين يهم الْجِنّ كلهم فيتحمل أَن يكون بعض الْجِنّ منظرين وَأما كلهم فَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَقد قدمنَا فِي أَمر الْجِنّ الوافدين على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبَارًا تدل على مَوْتهمْ وَكَذَلِكَ فِي غُضُون الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة وَقد صرح ابْن عَبَّاس بذلك وَأَن إِبْلِيس مَخْصُوص بالإنظار قَالَ أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة حَدثنَا الْوَلِيد حَدثنَا الْعَبَّاس بن حمدَان حَدثنَا مُؤَمل حَدثنَا اسماعيل عَن الْجريرِي عَن حبَان عَن زرْعَة ابْن ضَمرَة قَالَ قَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس أتموت الْجِنّ قَالَ نعم غير إِبْلِيس قَالَ فَمَا هَذِه الْحَيَّة الَّتِي تدعى الحان قَالَ هِيَ صغَار الْجِنّ وَقَالَ ابْن شاهين فِي غرائب السّنَن حَدثنَا عُثْمَان بن احْمَد حَدثنَا حَنْبَل ابْن اسحاق حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان حَدثنَا شُعَيْب بن هَارُون حَدثنَا فُضَيْل بن كثير بن دِينَار حَدثنَا عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الدَّهْر يمر بإبليس فيهرم ثمَّ يعود ابْن ثَلَاثِينَ وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا إِبْرَاهِيم ابْن رَاشد حَدثنَا دَاوُد بن مهْرَان حَدثنَا حَمَّاد بن شُعَيْب عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ سَأَلت الرّبيع بن أنس فَقلت أَرَأَيْت هَذَا الشَّيْطَان الَّذِي مَعَ الْإِنْسَان لَا يَمُوت قَالَ وَشَيْطَان وَاحِد هُوَ أَنه ليتبع الرجل الْمُسلم فِي الْفِتْنَة مثل ربيعَة وَمُضر قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا زَكَرِيَّاء بن الْحَارِث بن مَيْمُون الْعَبْدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 حَدثنَا معَاذ بن هِشَام عَن أَبِيه عَن قَتَادَة عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ الْجِنّ يموتون وَلَكِن الشَّيْطَان بكر البكرين لَا يَمُوت قَالَ قَتَادَة أَبوهُ بكر وَأمه بكر وَهُوَ بكرهما وَأوردهُ أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة فَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا معَاذ فَذكره وَالله أعلم حشر الْجِنّ فصل فِي حشر الْجِنّ قَالَ الله تَعَالَى {وَيَوْم نحشرهم جَمِيعًا} الْآيَة روى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ يحْشر الله تَعَالَى الْجِنّ وَالْإِنْس فِي الأَرْض الَّتِي قد مدت مد الْأَدِيم العكاظي ينفذهم الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَينزل سبط من الْمَلَائِكَة فيطوفون بالإنس وَالْجِنّ ثمَّ ينزل سبط ثَان فيطوفون بِالْمَلَائِكَةِ ثمَّ ثَالِث ثمَّ ذكر السَّادِس ذكره إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِل قَالَ وَمن صَحِيح الْأَخْبَار أَن الأَرْض إِذا زلزلت وسير جبالها فتحاول الْجِنّ النّفُوذ من أقطار السَّمَوَات فيلقون ثَمَانِيَة عشرَة صفا من الْمَلَائِكَة حراسا فيضربون وُجُوههم وَيَقُولُونَ إِلَيْكُم {لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان} قَالَ وَهَذَا الحَدِيث أوردهُ الضَّحَّاك فِي تَفْسِيره وَغَيره وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الْبَاب الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ فِي أَن إِبْلِيس هَل كَانَ من الْمَلَائِكَة قَالَ أَبُو الوفا على بن عقيل فِي كتاب الْإِرْشَاد إِن قيل لَك إِبْلِيس كَانَ من الْمَلَائِكَة أم لَا فَقل من الْمَلَائِكَة خلافًا لبَعض أَصْحَابنَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو بكر عبد الْعَزِيز لِأَن الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَقَالَ {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} وَالِاسْتِثْنَاء لَا يكون من غير الْجِنْس هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي لُغَة الْعَرَب بِدلَالَة أَنه لَا يحسن قَول الْقَائِل فتح الخبازون إِلَّا فلَانا ويريدون فلَانا الْحداد وَلَا يحسن أَن يَقُول رَأَيْت النَّاس إِلَّا حمارا وان اسْتدلَّ مستدل على جَوَازه بقول الْقَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 . وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس ... فَقل اليعافير والعيس من جنس مَا يؤنس بِهِ وَإِنَّمَا استثناهما من الإيناس لَا من غير ذَلِك لِأَنَّهُ لم يجز لغير الأنيس ذكر لَا آدَمِيّ وَلَا جني وَلَا غير ذَلِك قَالَ وَالَّذِي يدل على صِحَة هَذَا وانه من الْمَلَائِكَة أَنه لَو لم يكن مِنْهُم لما حسن لومه وسبه بامتناعه لِأَن لَهُ أَن يَقُول أمرت وَقد كَانَ مناظرا على مَا هُوَ أقل من هَذَا فَلَمَّا عدل إِلَى قَوْله {أَنا خير مِنْهُ} علم أَنه انْصَرف الْأَمر إِلَيْهِ وَلِهَذَا لَو نَادَى السُّلْطَان لَا يفتح البزازون فَفتح الخبازون لم يحسن لومهم لأَنهم لم يدخلُوا تَحت النَّهْي فَإِن قَالُوا فقد خصّه باسم فَقَالَ إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ قيل الْجِنّ نوع من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ كَمَا يُقَال الكروبيون والروحانيون والخزنة والزبانية وهم كلهم جنس وَاحِد يشْتَمل على أَنْوَاع كالآدميين زنج وعرب وعجم فَلَو قَالَ قَائِل أمرت عَبِيدِي كلهم بِالطَّاعَةِ فأطاعوا إِلَّا فلَانا فَإِنَّهُ كَانَ من الزنج فعصاني لم يدل على ان عَبده الزنْجِي لَا يُشَارك عبيده فِي الجنسية وَإِن فارقهم فِي النوعية أنْتَهى وَقَالَ أَبُو يعلى رَأَيْت فِي تعليقات أبي اسحاق بن شاقلا يَقُول سَمِعت الشَّيْخ يَعْنِي أَبَا بكر وَقد سُئِلَ عَن إِبْلِيس أَمن الْمَلَائِكَة فَقَالَ أَمر بِالسُّجُود فلولا أَن إِبْلِيس مِنْهُم مَا كَانَ مَأْمُورا قَالَ أَبُو اسحاق فَقلت أجمعنا أَن الْمَلَائِكَة لَا تتناكح وَلَا لَهَا ذُرِّيَّة وَقد كَانَ لإبليس ذُرِّيَّة دلّ على أَنه من غَيرهَا وَظَاهر كَلَام أبي بكر عبد الْعَزِيز أَنه من جملَة الْمَلَائِكَة وَقد صرح أَبُو بكر فِي كتاب التَّفْسِير أَنه من الْمَلَائِكَة وَحكى الِاخْتِلَاف فِيهِ وانه لَو لم يكن من الْمَلَائِكَة خرج عَن أَن يكون مَأْمُورا بِالسُّجُود لِأَن السُّجُود انْصَرف إِلَى الْمَلَائِكَة وَقد أجمعنا على أَنه كَانَ مَأْمُورا بِهِ وَهُوَ قَول الْأَكْثَر من الْمُفَسّرين ابْن عَبَّاس وَغَيره وَقَول ابْن مَسْعُود وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَآخَرين وَبِه قَالَ جمَاعَة من الْمُتَكَلِّمين قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ وَهُوَ مَذْهَب شَيخنَا أبي الْحسن وَظَاهر كَلَام ابي اسحاق انه لَيْسَ من الْمَلَائِكَة وَأَنه من الْجِنّ لِأَنَّهُ اعْترض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 على أبي بكر بِالدَّلِيلِ وَهُوَ قَول ابي الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لم يكن إِبْلِيس من الْمَلَائِكَة طرفَة عين قَالَ أَبُو يعلى فَإِن قيل فقد قَالَ تَعَالَى {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ قبل هَذَا إِخْبَار عَمَّا كَانَ مستترا فِيهِ من مَعْصِيّة الله عز وَجل وَمُخَالفَة أمره لِأَن اشتقاق الْجِنّ من الاستتار وَمِنْه قَوْله فِي الْجَنِين جَنِين لاستتاره فِي بطن أمه وَمِنْه سمي الْمَجْنُون مَجْنُونا لِأَنَّهُ قد ستر بالخبال عقله وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن أَبَا بكر قد ذكره فِي كتاب التَّفْسِير فِي كِتَابه عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود جعل إِبْلِيس على ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من قَبيلَة من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خزان الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا وَأما مَا احْتج بِهِ أَبُو اسحاق من أَن إِبْلِيس لَهُ الشَّهْوَة فقد حدثت لَهُ الشَّهْوَة بعد أَن مُحي من ديوانهم كَمَا حدثت الشَّهْوَة فِي هاروت وماروت بعد أَن هبطا إِلَى الأَرْض وَقيل إنَّهُمَا هويا امْرَأَة وَقد كَانَا ملكَيْنِ وَإِذا ثَبت أَنه من الْمَلَائِكَة وَأَنه محى من ديوانهم لما كَانَ مِنْهُ من الْعِصْيَان وَكَذَلِكَ هاروت وماروت انْتهى رَأْي الْمُؤلف قلت وَقد ذكر الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه قَول ابْن عَبَّاس فَقَالَ حَدثنَا الْقَاسِم بن الْحسن حَدثنَا الْحُسَيْن بن دَاوُد حَدثنِي حجاج عَن ابْن جريج قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس كَانَ إِبْلِيس من أشرف الْمَلَائِكَة وَأكْرمهمْ قَبيلَة وَكَانَ خَازِنًا على الْجنان وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ سُلْطَان الأَرْض وَبِه عَن ابْن جريج عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة وَشريك بن أبي نمر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن من الْمَلَائِكَة قَبيلَة من الْجِنّ كَانَ إِبْلِيس مِنْهَا وَكَانَ يسوس مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَدثنِي مُوسَى بن هَارُون الهمدني حَدثنَا عَمْرو بن حَمَّاد حَدثنَا أَسْبَاط بن نصر عَن السّديّ فِي خبر ذكره عَن ابي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الْهَمدَانِي عَن عبد الله بن مَسْعُود وَعَن أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل إِبْلِيس ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من قَبيلَة من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خزان الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا وَقَالَ أَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الْقرشِي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا نوح بن قيس عَن أبي يسر بن جزور عَن قَتَادَة قَالَ كَانَ إِبْلِيس عَاشر عشرَة من الْمَلَائِكَة على الرّيح قَالَ الطَّبَرِيّ حَدثنَا أَبُو كريب عُثْمَان بن سعيد حَدثنَا بشر بن عمار عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ إِبْلِيس من حَيّ من أَحيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ خلقُوا من نَار السمُوم من بَين الْمَلَائِكَة قَالَ وَكَانَ اسْمه الْحَارِث يَعْنِي بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ وَكَانَ خَازِنًا من خزان الْجنَّة قَالَ وخلقت الْمَلَائِكَة كلهم من نور غير هَذَا الْحَيّ قَالَ وخلقت الْجِنّ الَّذين ذكرُوا فِي الْقُرْآن من مارج من نَار وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يكون فِي طرفها إِذا التهبت قَالَ وَخلق الْإِنْسَان من طين فَأول من سكن الأَرْض بَنو الْجِنّ فأفسدوا فِيهَا وسفكوا الدِّمَاء وَقتل بَعضهم بَعْضًا فَبعث الله إِلَيْهِم إِبْلِيس وَمن مَعَه حَتَّى ألحقهم بجزاير البحور وأطراف الْجبَال فَلَمَّا فعل إِبْلِيس ذَلِك اغْترَّ فِي نَفسه وَقَالَ قد صنعت شَيْئا لم يصنعه أحد قَالَ فَاطلع الله على ذَلِك من قلبه وَلم يطلع عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا مَعَه قلت وَيدل على قَول ابْن شاقلا مَا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح أَن الْعَلَاء بن الْحَارِث حَدثهُ عَن ابْن شهَاب أَنه سُئِلَ عَن إِبْلِيس قَالَ إِبْلِيس من الْجِنّ وَهُوَ أَبُو الْجِنّ كَمَا أَن آدم من النَّاس وَهُوَ أَبُو النَّاس وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الْبَاب الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ فِي أَن إِبْلِيس هَل كلمة الله تَعَالَى أم لَا قَالَ ابْن عقيل ان قَالَ لَك قَائِل هَل كلم الله تَعَالَى إِبْلِيس من غير واسطه فقد اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك أَعنِي الاصوليين فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم لم يكلمهُ قَالَ وَقَالَ بَعضهم بل كَلمه وَالصَّحِيح أَنه لَا يجوز أَن يكون كلمة كفاحا وَإِنَّمَا يكون على لِسَان ملك لِأَن كَلَام الْبَارِي لمن كَلمه رَحْمَة ورضى وتكرم وإجلال أَلا ترى أَن نَبيا من الْأَنْبِيَاء فضل بذلك على سَائِر الْأَنْبِيَاء مَا عدا الْخَلِيل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمِيع الآى الْوَارِدَة مَحْمُولَة على أَنه أرسل إِلَيْهِ بِملك يَقُول فَإِن قيل أَلَيْسَ رسَالَته تَشْرِيفًا وَقد كَانَت لإبليس على غير وَجه التشريف كَذَلِك يكون كَلَامه تَشْرِيفًا لغير إِبْلِيس وَلَا يكون تَشْرِيفًا لإبليس قيل مُجَرّد الْإِرْسَال لَيْسَ بتشريف وَإِنَّمَا يكون لإِقَامَة الْحجَّة بِدلَالَة أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أرْسلهُ إِلَى فِرْعَوْن وهامان وَلَا شرف لَهما وَلَا قصد إكرامهما وإعظامهما لعلمه بِأَنَّهُمَا عدوان لَهُ وَكَلَامه إِيَّاه تَشْرِيفًا لَهُ قَالُوا لما قَالَ للْمَلَائكَة اسجدوا هَل كَانَ مُخَاطبا مَعَهم أم لَا قيل يجوز أَن يدْخل فِي عُمُوم النُّطْق وَلَا يخص بذلك بِدلَالَة أَنه سُبْحَانَهُ شرف نبيه بتخصيصه على سَائِر الْأُمَم فَلم يبلغُوا بخطاب الْعُمُوم خطابه الْخَاص وَيجوز أَيْضا حمل خطابه وَأمره بِالسُّجُود الْخَاصَّة من الْمَلَائِكَة كفاحا ولإبليس بالارسال وَيكون اللَّفْظ عَاما مُطلقًا وَالْمعْنَى مفصلا كَمَا يُقَال أَمر السُّلْطَان رَعيته بِالْخدمَةِ لزيد وَإِن كَانُوا مُخْتَلفين فِي مَرَاتِب أمره بَعضهم شافهه وَبَعْضهمْ أرسل إِلَيْهِ قَالُوا كَيفَ يَجْعَل غَضَبه عَلَيْهِ وَكَونه عَاصِيا حجَّة فِي عدم كَلَامه وَقد أخبر سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يكلم من هَذَا حَاله فَقَالَ {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ} {قَالَ اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} وَلِأَن الْكَلَام بِالْغَضَبِ وَالْعَذَاب لَا يكون تَشْرِيفًا بل انتقاما كالملك إِذا شتم خادمه وضربه وَأمر بقتْله لَا يُقَال قد أكْرمه قيل كَلَام العالي تشريف لمن يكلمهُ وَإِن كَانَ وعيدا فَلهَذَا لَا يكلم السُّلْطَان لمن غضب عَلَيْهِ ولعنه بِنَفسِهِ فَأَما السقاط والحارس فَإِنَّهُ بِكُل ذَلِك إِلَى خدمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ورعيته وَقد نبه سُبْحَانَهُ على ذَلِك وَأَن كَلَامه يشرف بِهِ الْمُخَاطب فَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا} وَهَذَا يدل على مَا ذكرت وَأما قَوْلهم وَيَوْم يناديهم فَالْمُرَاد يناديهم على لِسَان بعض مَلَائكَته إرْسَالًا بِدلَالَة الْآيَة الثَّانِيَة وَهِي قَوْله سُبْحَانَهُ {وَلَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة} وَلَو كَانَ النداء هُنَاكَ الْكَلَام لَكَانَ الْقُرْآن متناقضا وَنحن نجمع بَين الْآيَتَيْنِ فَنَقُول يناديهم بِبَعْض مَلَائكَته وَلَا يكلمهم بِنَفسِهِ وَلِهَذَا يُقَال قد نَادَى السُّلْطَان فِي الْبَلَد بِمَعْنى أَمر مناديا فَنَادَى لَا أَنه نَادَى بِنَفسِهِ وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب السَّادِس وَالثَّمَانُونَ فِي خطأ إِبْلِيس فِي دَعْوَاهُ أَنه خير من آدم عَلَيْهِ السَّلَام وتعليله بِأَنَّهُ خلق من نَار اعْلَم أَن هَذِه الشُّبْهَة الَّتِي ذكرهَا إِبْلِيس إِنَّمَا ذكرهَا على سَبِيل التعنت وَإِلَّا فامتناعه من السُّجُود لآدَم إِنَّمَا كَانَ عَن كبر وَكفر وَمُجَرَّد إباء وحسد وَمَعَ ذَلِك فَمَا أبداه من الشُّبْهَة فَهُوَ داحض لِأَنَّهُ رتب على ذَلِك أَنه خير من آدم لكَونه خلق من نَار وآدَم خلق من طين ورتب على هَذَا أَنه لَا يحسن مِنْهُ الخضوع لمن دونه وَمن هُوَ خير مِنْهُ وَهَذَا بَاطِل من وُجُوه الأول أَن النَّار طبعها الْفساد وَإِتْلَاف مَا تعلّقت بِهِ بِخِلَاف التُّرَاب الثَّانِي أَن النَّار طبعها الخفة والطيش وَالْجدّة وَالتُّرَاب طبعه الرزانة والسكون والثبات الثَّالِث أَن التُّرَاب يتكون فِيهِ وَمِنْه أرزاق الْحَيَوَان وأقواتهم ولباس الْعباد وزينتهم وآلات مَعَايشهمْ ومساكنهم وَالنَّار لَا يكون فِيهَا شَيْء من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الرَّابِع أَن التُّرَاب ضَرُورِيّ للحيوان لَا يسْتَغْنى عَنهُ الْبَتَّةَ وَلَا عَمَّا يتكون فِيهِ وَمِنْه وَالنَّار يسْتَغْنى عَنْهَا الْحَيَوَان البهيم مُطلقًا وَقد يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْإِنْسَان الْأَيَّام والشهور فَلَا يَدعُوهُ إِلَيْهَا ضَرُورَة الْخَامِس أَن التُّرَاب إِذا وضع فِيهِ الْقُوت أخرجه أَضْعَاف أَضْعَاف مَا وضع فِيهِ فَمن بركته يُؤَدِّي مَا استودعته فِيهِ إِلَيْك مضاعفا وَلَو استودعته النَّار لخانتك وأكلته وَلم تبْق وَلم تذر السَّادِس أَن النَّار لَا تقوم بِنَفسِهَا بل هِيَ مفتقرة إِلَى مَحل تقوم بِهِ يكون حَامِلا لَهَا وَالتُّرَاب لَا يفْتَقر إِلَى حَامِل فالتراب أكمل مِنْهَا لغناه وافتقارها السَّابِع أَن النَّار مفتقرة إِلَى التُّرَاب وَلَيْسَ التُّرَاب مفتقرا إِلَيْهَا فَإِن الْمحل الَّذِي تقوم بِهِ النَّار لَا يكون إِلَّا متكونا أَو فِيهِ من التُّرَاب فَهِيَ الفقيرة إِلَى التُّرَاب وَهُوَ الْغنى عَنْهَا الثَّامِن أَن الْمَادَّة الإبليسية هِيَ المارج من النَّار وَهُوَ ضَعِيف تتلاعب بِهِ الأهوية فيميل مَعهَا كَيْفَمَا مَالَتْ وَلِهَذَا غلب الْهوى على الْمَخْلُوق مِنْهُ فَأسرهُ وقهره وَلما كَانَت الْمَادَّة الْآدَمِيَّة هِيَ التُّرَاب وَهُوَ قوي لَا يذهب مَعَ الْهَوَاء أَيّمَا ذهب قهر هَوَاهُ وأسره وَرجع إِلَى ربه فاجتباه واصطفاه وَكَانَ الْهَوَاء الَّذِي مَعَ الْمَادَّة الْآدَمِيَّة عارضا سريع الزَّوَال فَزَالَ وَكَانَ الثَّبَات والرزانة اصليا لَهُ فَعَاد إِلَيْهِ وَكَانَ إِبْلِيس بِالْعَكْسِ من ذَلِك فَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى أَصله وعنصره آدم إِلَى أَصله الطّيب الشريف واللعين إِلَى أَصله الردي التَّاسِع أَن النَّار وَإِن حصل مِنْهَا بعض الْمَنْفَعَة وَالْمَتَاع فالشر كامن فِيهَا لَا يصدها عَنهُ إِلَّا قسرها وحبسها وَلَوْلَا القاسر والحابس لَهَا لأفسدت الْحَرْث والنسل التُّرَاب فالخير وَالْبركَة كامن فِيهِ كلما أثير وقلب ظَهرت بركته وخيره وثمرته فَأَيْنَ أَحدهمَا من الآخر الْعَاشِر أَن الله تَعَالَى أَكثر ذكرهَا فِي كِتَابه وَأخْبر عَن مَنَافِعهَا وخلقها وَأَنه جعلهَا مهادا وفراشا وبساطا وقرارا أَو كفات للأحياء والأموات ودعا عباده إِلَى التفكر فِيهَا وَالنَّظَر فِي آياتها وعجائبها وَمَا أودع فِيهَا وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 يذكر النَّار إِلَّا فِي معرض الْعقُوبَة والتخويف وَالْعَذَاب إِلَّا فِي مَوضِع أَو موضِعين ذكرهَا فِيهِ بِأَنَّهَا تذكرة ومتاع للمقوين تذكرة بِنَار الْآخِرَة ومتاع لبَعض أَفْرَاد النَّاس وهم المقوون النازلون بالقرى وَهِي الأَرْض الخالية إِذا نزلها الْمُسَافِر يمتع بالنَّار فِي منزله فَأَيْنَ هَذَا من أَوْصَاف الأَرْض فِي الْقُرْآن الْحَادِي عشر أَن الله تَعَالَى وصف الأَرْض بِالْبركَةِ فِي غير مَوضِع من كِتَابه خُصُوصا وَأخْبر أَنه بَارك فِيهَا عُمُوما فَقَالَ تَعَالَى {أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى أَن قَالَ {وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها} فَهَذِهِ بركَة عَامَّة وَأما الْبركَة الْخَاصَّة بِبَعْضِهَا فكقوله تَعَالَى {ونجيناه ولوطا إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} وَأما النَّار فَلم يخبر انه جعل فِيهَا بركَة أصلا بل الْمَشْهُود أَنَّهَا مذهبَة للبركات ماحقة لَهَا فَأَيْنَ الْمُبَارك فِي نَفسه الْمُبَارك فِيمَا وضع فِيهِ إِلَى مزيل الْبركَة وَمَا حَقّهَا الثَّانِي عشر أَن الله تَعَالَى جعل الأَرْض مَحل بيوته الَّتِي يذكر فِيهَا اسْمه ويسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال عُمُوما وبيته الْحَرَام الَّذِي جعله قيَاما للنَّاس مُبَارَكًا وَهدى للعاملين خُصُوصا فَلَو لم يكن فِي الأَرْض إِلَّا بَيته الْحَرَام لكفاها ذَلِك شرفا وفخرا على النَّار الثَّالِث عشر أَن الله تَعَالَى أودع الأَرْض من الْمَعَادِن والأنهار والعيون والثمرات والحبوب والأقوات وأصناف الْحَيَوَانَات وامتعتها وَالْجِبَال والرياض والمراكب البهية والصور البهيجة مَا لم يودع فِي النَّار شَيْئا مِنْهُ فَأَي رَوْضَة وجدت فِي النَّار أَو جنَّة أَو مَعْدن أَو صُورَة أَو عين خرارة أَو نهر مطرد أَو ثَمَرَة لذيذة الرَّابِع عشر إِن غَايَة النَّار أَنَّهَا وضعت خادمة لما فِي الأَرْض فَالنَّار إِنَّمَا محلهَا مَحل الْخَادِم لهَذِهِ الْأَشْيَاء فَهِيَ تَابِعَة لَهَا خادمة فَقَط إِذا استغنت عَنْهَا طردتها وأبعدتها عَن قربهَا وَإِذا احْتَاجَت إِلَيْهَا استدعتها استدعاء المخدوم لِخَادِمِهِ الْخَامِس عشر أَن اللعين لقُصُور نظره وَضعف بصيرته رأى صُورَة الطين تُرَابا ممتزجا بِمَاء فاحتقره وَلم يعلم أَن الطين مركب من أصلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 المَاء الَّذِي جعل الله تَعَالَى مِنْهُ كل شَيْء حَيا وَالتُّرَاب الَّذِي جعله خزانَة الْمَنَافِع وَالنعَم هَذَا وَلم يجِئ من الطين من الْمَنَافِع وأنواع الْأَمْتِعَة فَلَو تجَاوز نظره صُورَة الطين إِلَى مادته ونهايته لرَأى أَنه خير من النَّار وَأفضل ثمَّ لَو سلم بطرِيق الْفَرْض الْبَاطِل إِن النَّار خير من الطين لم يلْزم من ذَلِك أَن يكون الْمَخْلُوق مِنْهَا خيرا من الطين فَإِن الْقَادِر على كل شَيْء يخلق من الْمَادَّة المفضولة من هُوَ خير مِمَّن خلقه من الْمَادَّة الفاضلة فالاعتبار بِكَمَال النِّهَايَة لَا بِنَقص الْمَادَّة فاللعين لم يتَجَاوَز نظره مَحل الْمَادَّة وَلم يعبر مِنْهَا إِلَى كَمَال الصُّورَة وَنِهَايَة الْخلقَة وَالله أعلم الْبَاب السَّابِع وَالثَّمَانُونَ فِي كَيْفيَّة الوسوسة وَمَا ورد فِي الوسواس قَالَ الله تَعَالَى {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس ملك النَّاس} السُّورَة بكمالها هَذِه السُّورَة مُشْتَمِلَة على الِاسْتِعَاذَة من الشَّرّ الَّذِي هُوَ سَبَب الذُّنُوب والمعاصي كلهَا وَهُوَ منشأ الْعُقُوبَات فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فسورة الفلق تَضَمَّنت الِاسْتِعَاذَة من الشَّرّ الَّذِي هُوَ ظلم الْغَيْر لَهُ بِالسحرِ والحسد وَهُوَ شَرّ من خَارج وَسورَة النَّاس تَضَمَّنت الِاسْتِعَاذَة من الشَّرّ الَّذِي هُوَ سَبَب ظلم العَبْد نَفسه فَهُوَ شَرّ من دَاخل فالشر الأول لَا يدْخل تَحت التَّكْلِيف وَلَا يطْلب مِنْهُ الْكَفّ عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَسبه وَالشَّر الثَّانِي يدْخل تَحت التَّكْلِيف وَيتَعَلَّق بِهِ النَّهْي والوسواس فعلال من وسوس وأصل الوسوسة الْحَرَكَة وَالصَّوْت الْخَفي الَّذِي لَا يحس فيحترز مِنْهُ فالوسواس الْإِلْقَاء الْخَفي فِي النَّفس وَلما كَانَت الوسوسة كلَاما يكرره الموسوس ويؤكده عِنْد من يلقيه إِلَيْهِ كرر لَفظهَا بازاء تَكْرِير مَعْنَاهَا وَاخْتلف النُّحَاة فِي لفظ الوسواس هَل هُوَ وصف أَو مصدر على قَوْلَيْنِ وَأما الخناس ففعال من خنس يخنس إِذا توارى واختفى وَمِنْه قَول أبي هُرَيْرَة فانخنست مِنْهُ وَحَقِيقَة اللَّفْظ اختفاء بعد ظُهُور فَلَيْسَتْ لمُجَرّد الاختفاء وَلِهَذَا وصف بهَا الْكَوَاكِب وَقَوله {يوسوس فِي صُدُور النَّاس} صفة ثَالِثَة للشَّيْطَان فَذكر وسوسته أَولا ثمَّ ذكر محلهَا ثَانِيًا فِي صُدُور النَّاس وَتَأمل حكم الْقُرْآن وجلالته كَيفَ أوقع الِاسْتِعَاذَة من شَرّ الشَّيْطَان الْمَوْصُوف بِأَنَّهُ {الوسواس الخناس الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَلم يقل من شَرّ وسوسته لنعم الِاسْتِعَاذَة شَره جَمِيعه فَإِن قَوْله {من شَرّ الوسواس} نعم كل شَره وَوَصفه بأعظم صِفَاته وأشدها شرا وأقواها تَأْثِيرا وأعمها فَسَادًا وَتَأمل السِّرّ فِي قَوْله {يوسوس فِي صُدُور النَّاس} وَلم يقل فِي قُلُوبهم والصدور هِيَ ساحة الْقلب وبيته فَمِنْهُ تدخل الواردات عَلَيْهِ فتجتمع فِي الصَّدْر ثمَّ تلج فِي الْقلب فَهُوَ بِمَنْزِلَة الدهليز وَمن الْقلب تخرج الْأَوَامِر والإرادات إِلَى الصَّدْر ثمَّ تتفرق على الْجنُود وَمن فهم هَذَا فهم قَوْله تَعَالَى {وليبتلي الله مَا فِي صدوركم وليمحص مَا فِي قُلُوبكُمْ} فالشيطان يدْخل إِلَى ساحة الْقلب وبيته فَيلقى مَا يُرِيد إلقاءه إِلَى الْقلب فَهُوَ يوسوس فِي الصَّدْر وسوسته واصلة إِلَى الْقلب وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {فوسوس إِلَيْهِ الشَّيْطَان} وَلم يقل فِيهِ وَالله أعلم وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى {الوسواس} يحْتَمل أَن يفعل كلَاما خفِيا يُدْرِكهُ الْقلب وَيُمكن أَن يكون هُوَ الَّذِي يَقع عِنْد الْفِكر وَيكون مِنْهُ مس وسلوك وَذُهُول فِي أَجزَاء الْإِنْسَان ويتحفظه وَهَذَا ظَاهر كَلَام أَحْمد فِي رِوَايَة بكر بن مُحَمَّد هُوَ يتَكَلَّم على لِسَانه خلافًا لبَعض الْمُتَكَلِّمين فِي إنكارهم سلوك الشَّيْطَان فِي أجسام الْإِنْس وَزَعَمُوا انه لَا يجوز وجود روحين فِي جَسَد فَإِن قيل كَيفَ يَصح سلوكه فِي الْإِنْسَان وَتَحفظه لَهُ وَهُوَ من نَار وَمَعْلُوم أَن النَّار تحرق الْآدَمِيّ قيل النَّار لَا تحرق بطبعها وَإِنَّمَا يحدث الله تَعَالَى فِيهَا الإحراق حَالا فحالا فَيجوز أَن لَا يحدث فِيهَا الإحراق فِي حَال سلوكه فَإِن قيل يحمل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم يَعْنِي وساوسه تجْرِي مِنْهُ هَذَا المجرى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} مَعْنَاهُ حبه قيل لَو لم يدْخل فِي جَوف الْإِنْسَان لم يحس بوسوسة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يحس بِكَلَام أَو وَسْوَسَة خَارِجَة من جِسْمه إِلَّا بِصَوْت يسمعهُ بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ للشَّيْطَان صَوت يسمع فَهُوَ بِمَثَابَة حَدِيث النَّفس فَإِن قيل فَيَقُولُونَ للشَّيْطَان سَبِيل إِلَى تخبيط الْإِنْسِي كَمَا لَهُ سَبِيل إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 سلوكه ووسوسته وَإِنَّمَا يرَاهُ من الصرع والتخبط وَالِاضْطِرَاب من فعل الشَّيْطَان قيل لَا نقُول ذَلِك لما بَينا من قبل اسْتِحَالَة فعل الْفَاعِل فِي غير مَحل قدرته بل ذَلِك من فعل الله تَعَالَى مَعَه يجْرِي الْعَادة فَإِن كَانَ الْمَجْنُون قَادِرًا على ذَلِك كَانَ كسبا لَهُ وَإِن لم يكن قَادِرًا كَانَ مُضْطَرّا فصل قَالَ ابْن عقيل فَإِن قَالَ لَك قَائِل كَيفَ الوسوسة من إِبْلِيس وَكَيف وُصُوله إِلَى الْقلب قل هُوَ كَلَام على مَا قيل تميل إِلَيْهِ النُّفُوس والطبع وَقد قيل يدْخل فِي جَسَد ابْن آدم لِأَنَّهُ جسم لطيف ويوسوس وَهُوَ أَنه يحدث النَّفس بالأفكار الردية قَالَ تَعَالَى {يوسوس فِي صُدُور النَّاس} فَإِن قَالُوا فَهَذَا لَا يَصح لِأَن الْقسمَيْنِ باطلان أما حَدِيثه فَلَو كَانَ مَوْجُودا لسمع بالآذان وَأما دُخُوله فِي الْأَجْسَام فالأجسام لَا تتداخل وَلِأَنَّهُ نَار فَكَانَ يجب أَن يَحْتَرِق الْإِنْسَان قيل أما حَدِيثه فَيجوز أَن يكون شَيْئا تميل إِلَيْهِ النَّفس كالساحر الَّذِي يتوخى النفث إِلَى المسحور وَإِن لم يكن صَوتا وَأما قَوْله لَو أَنه دخل فِيهِ لتداخلت الْأَجْسَام ولاحترق الْإِنْسَان فغلط لِأَن الْجِنّ لَيْسُوا بِنَار محرقة وَإِنَّمَا هم خلقُوا من نَار فِي الأَصْل وَأما قَوْلك إِن الْأَجْسَام لَا تتداخل فالجسم اللَّطِيف يجوز أَن يدْخل إِلَى مُخَارق الْجِسْم الكثيف كالروح عنْدكُمْ أَو الْهَوَاء الدَّاخِل فِي سَائِر الْأَجْسَام وَالْجِنّ جسم لطيف فصل وَقَوله {من الْجنَّة وَالنَّاس} اخْتلف النَّاس فِي هَذَا الْجَار وَالْمَجْرُور بِمَاذَا يتَعَلَّق فَقَالَ الْفراء وَجَمَاعَة هُوَ بَيَان للنَّاس الموسوس فِي صُدُورهمْ وَالْمعْنَى {يوسوس فِي صُدُور النَّاس} الَّذين هم من الْجِنّ وَالْإِنْس أَي الموسوس فِي صُدُورهمْ قِسْمَانِ إنس وجن فالوسواس يوسوس للجني كَمَا يوسوس للإنسي وَهَذَا ضَعِيف جدا لوجوه أَحدهَا أَنه لم يقم دَلِيل على أَن الْجِنّ يوسوس فِي صدر الجني وَيدخل فِيهِ كَمَا يدْخل فِي الْإِنْسِي وَيجْرِي مِنْهُ مجْرَاه من الْإِنْسِي فَأَي دَلِيل يدل على هَذَا حَتَّى يَصح حمل الْآيَة عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الثَّانِي أَنه فَاسد من جِهَة اللَّفْظ أَيْضا فَإِنَّهُ قَالَ الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس فَكيف يبين النَّاس بِالنَّاسِ أفيجوز أَن يُقَال فِي صُدُور النَّاس الَّذين هم من النَّاس وَغَيرهم هَذَا مَالا يجوز وَلَا هُوَ اسْتِعْمَال فصيح الثَّالِث أَن يكون قد قسم النَّاس إِلَى قسمَيْنِ جنَّة وناس وَهَذَا غير صَحِيح فَإِن الشَّيْء لَا يكون قسيم نَفسه الرَّابِع أَن الْجنَّة لَا يُطلق عَلَيْهِم اسْم نَاس بِوَجْه لَا أصلا وَلَا اشتقاقا وَلَا اسْتِعْمَالا وَلَفْظهمَا يَأْبَى ذَلِك فَإِن قيل لَا مَحْذُور فِي ذَلِك فقد أطلق على الْجِنّ اسْم الرِّجَال كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنه كَانَ رجال من الْإِنْس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} فَإِذا أطلق عَلَيْهِم اسْم الرِّجَال لم يمْتَنع أَن يُطلق عَلَيْهِم اسْم النَّاس قلت هَذَا هُوَ الَّذِي غر من قَالَ إِن النَّاس اسْم للجن وَالْإِنْس فِي هَذِه الْآيَة وَجَوَاب ذَلِك ان اسْم الرِّجَال إِنَّمَا وَقع عَلَيْهِم وقوعا مُقَيّدا فِي مُقَابلَة ذكر الرِّجَال من الْإِنْس وَلَا يلْزم من هَذِه أَن يَقع اسْم النَّاس وَالرِّجَال عَلَيْهِم مُطلقًا وَأَنت إِذا قلت إِنْسَان من حِجَارَة أَو رجل من خشب وَنَحْو ذَلِك لم يلْزم من ذَلِك وُقُوع الرجل وَالْإِنْسَان عِنْد الْإِطْلَاق على الْحجر والخشب وَأَيْضًا فَلَا يلْزم من إِطْلَاق اسْم الرجل على الجني أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم النَّاس والآيات أبين حجَّة عَلَيْهِم فِي أَن الْجِنّ لَا يدْخلُونَ فِي لفظ النَّاس لِأَنَّهُ قَابل بَين الْجنَّة وَالنَّاس فَعلم أَن احدهما لَا يدْخل فِي الآخر وَالصَّوَاب وَالله أعلم أَن قَوْله {من الْجنَّة وَالنَّاس} بَيَان للَّذي يوسوس وَأَنَّهُمْ نَوْعَانِ إنس وجن فالجني يوسوس فِي صدر الْإِنْسِي والإنسي أَيْضا يوسوس إِلَى الْإِنْسِي فالموسوس نَوْعَانِ إنس وجن والموسوس إِلَيْهِ نوع وَاحِد وَهُوَ الْإِنْس وَقد قدمنَا أَن الوسوسة هِيَ الْإِلْقَاء الْخَفي فِي الْقلب وَهَذَا يشْتَرك بَين الْجِنّ وَالْإِنْس وعَلى هَذَا فتزول تِلْكَ الإشكالات وتدل الْآيَة على الِاسْتِعَاذَة من شَرّ نَوْعي الشَّيْطَان شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ وعَلى القَوْل الأول يكون الِاسْتِعَاذَة من شَرّ شَيْطَان الْجِنّ فَقَط وَقد دلّ الْقُرْآن على أَن من الْإِنْس شياطين كشياطين الْجِنّ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فصل قَالَ أَبُو بكر عبد الله بن أبي دَاوُد سُلَيْمَان السجسْتانِي حَدثنَا اسحاق بن إِبْرَاهِيم بن زيد حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا فرج عَن مُعَاوِيَة ابْن أبي طَلْحَة قَالَ كَانَ من دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أعمر قلبِي من وساوس ذكرك واطرد عني وساوس الشَّيْطَان حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عبد الْملك حَدثنَا يزِيد أَنا روح بن الْمسيب حَدثنَا عَمْرو بن مَالك عَن أبي الجوزاء عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الوسواس الخناس} قَالَ مثل الشَّيْطَان كَمثل ابْن عرس وَاضع فَمه على فَم الْقلب يوسوس إِلَيْهِ فَإِذا ذكر الله خنس وَإِن سكت عَاد إِلَيْهِ فَهُوَ الوسواس الخناس حَدثنَا اسحاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا دَاوُد حَدثنَا فرج عَن عُرْوَة ابْن رُوَيْم أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم دَعَا ربه أَن يرِيه مَوضِع الشَّيْطَان من ابْن آدم قَالَ فخلاله فَإِذا بِرَأْسِهِ مثل الْحَيَّة وَاضع رَأسه على ثَمَرَة الْقلب فَإِذا ذكر العَبْد الله خنس بِرَأْسِهِ وَإِذا ترك الذّكر مناه وحدثه قَالَ الله تَعَالَى {من شَرّ الوسواس الخناس الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس} وَحكى أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَن رجلا سَأَلَ ربه أَن يرِيه مَوضِع الشَّيْطَان مِنْهُ فَأرى جسدا ممهى يرى دَاخله من خَارجه والشيطان فِي صُورَة ضفدع عِنْد نغض كتفه حذاء قلبه لَهُ خرطوم كخرطوم الْبَعُوضَة وَقد أدخلهُ إِلَى قلبه يوسوس فَإِذا ذكر الله العَبْد خنس قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله ممهى قلب مموه مجعول مَاء فِي ر قته وشفيفه وَقيل مصفى أشبه المها وَهُوَ البلور قَالَ السُّهيْلي وضع خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد نغض كتفه لِأَنَّهُ مَعْصُوم من وَسْوَسَة الشَّيْطَان وَذَلِكَ الْموضع مِنْهُ يوسوس الشَّيْطَان لِابْنِ آدم وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحَارِث الْمقري حَدثنَا سيار ابْن حَاتِم حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا عَمْرو بن مَالك الْبكْرِيّ سَمِعت أَبَا الجوزاء يَقُول وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَن الشَّيْطَان لَازم بِالْقَلْبِ مَا يَسْتَطِيع صَاحبه يذكر الله تَعَالَى أما ترونهم فِي مجَالِسهمْ وأسواقهم يأتى على أحدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 عَامَّة يَوْمه لَا يذكر الله تَعَالَى إِلَّا حَالفا مَاله من الْقلب طرد إِلَّا قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ قَرَأَ {وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ كَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم تَقول إِن الشَّيَاطِين ليجتمعون على الْقلب كَمَا يجْتَمع الذُّبَاب فَإِن لم يذب وَقع الْفساد قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا وحَدثني الْحُسَيْن بن السكن حَدثنَا مُعلى بن أَسد حَدثنَا عدي بن أبي عمَارَة حَدثنَا زِيَاد النميري عَن أنس بن مَالك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان وَاضع خطمه على قلب ابْن آدم فَإِن ذكر الله خنس وَإِن نسي الله الْتَقم قلبه حَدثنَا أَبُو بكر بن مَنْصُور حَدثنَا ابْن عفير حَدثنِي ابْن لَهِيعَة عَن أبي قبيل أَنه سمع حَيْوَة بن شرَاحِيل من بني سريع يَقُول سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول إِن إِبْلِيس موثوق فَإِذا تحرّك فَكل شَرّ يكون بَين اثْنَيْنِ فَصَاعِدا على وَجه الأَرْض فَمن تحريكه وَرَوَاهُ أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد عَن ابْن لَهِيعَة قَالَ موثق بِالْأَرْضِ السُّفْلى وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا أَبُو سَلمَة المَخْزُومِي حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن الضَّحَّاك ابْن عُثْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان يَأْتِي أحدكُم فَيَقُول من خلقك فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى فَيَقُول من خلق الله فَإِذا وجد أحدكُم ذَلِك فَلْيقل آمَنت بِاللَّه وَرَسُوله فَإِن ذَلِك يذهب عَنهُ وَقَالَ أَبُو بكر عبد الله بن أبي الدُّنْيَا السجسْتانِي حَدثنَا سهل بن مُحَمَّد ابو حَاتِم السجسْتانِي حَدثنَا الْأَصْمَعِي حَدثنِي جرير بن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ كنت أجد من الوسواس شَيْئا فَسَأَلت الْعَلَاء بن زِيَاد فَقَالَ يَا ابْن أخي إِنَّمَا مثل ذَلِك مثل اللُّصُوص يَمرونَ بِالْبَيْتِ فَإِن كَانَ فِيهِ خير نالوه وَإِن لم يكن فِيهِ خير طَوَوْا عَنهُ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن خَلاد حَدثنَا يزِيد ابْن هَارُون أَنبأَنَا مُحَمَّد بن الْفضل عَن أَبِيه عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعوذوا بِاللَّه من وَسْوَسَة الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي بن كَعْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن للْوُضُوء شَيْطَانا يُقَال لَهُ الولهان فَاتَّقُوا وسواس المَاء وروى ابْن أبي الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ إِلَى الْحسن قَالَ شَيْطَان الْوضُوء يدعى الولهان يضْحك بِالنَّاسِ فِي الْوضُوء وَكَانَ طَاوُوس يَقُول هُوَ أَشد الشَّيَاطِين وروى ابو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُغفل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يبولن أحدكُم فِي مستحمه فَإِن عَامَّة الوسواس مِنْهُ وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن يحيى بن مَالك حَدثنَا عبد الْوَهَّاب عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن سعيد بن ابي الْحسن قَالَ كُنَّا نُحدث ان الوسواس يعتري مِنْهُ أَو قَالَ يهيج مِنْهُ قَالَ سعيد وَلَا أرى بَأْسا أَن يَبُول عَن متعبة وروى مُسلم من حَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِن الشَّيْطَان قد حَال بيني وَبَين صَلَاتي وَبَين قراءتي فلبسها على فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك الشَّيْطَان يُقَال لَهُ خنزب فَإِذا احسست بِهِ فتعوذ بِاللَّه مِنْهُ وأتفل عَن يسارك ثَلَاثًا قَالَ فَفعلت ذَلِك فأذهبه الله عني وروى مُسلم من حَدِيث قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن إِبْلِيس قد يئس أَن يعبده المصلون وَلَكِن فِي التحريش بَينهم وَفِي لفظ قد يئس أَن يعبده المصلون فِي جَزِيرَة الْعَرَب وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من طَرِيق مَاعِز التَّمِيمِي وَأبي الزبير عَن جَابر وَقَالَ احْمَد حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة عَن الْحَارِث بن قيس قَالَ إِذا أَتَاك الشَّيْطَان وَأَنت تصلي فَقَالَ أَنْت ترائي فزدها طولا وَقَالَ سعيد بن دَاوُد حَدثنَا مخلد بن الْحُسَيْن قَالَ مَا ندب الله تَعَالَى الْعباد إِلَى شَيْء إِلَّا اعْترض إِبْلِيس بأمرين مَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا ظفر إِمَّا غلو فِيهِ وَإِمَّا تَقْصِير عَنهُ وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا عمر بن شبة حَدثنِي هَارُون بن عبد الله حَدثنِي ابْن أبي حَازِم عَن أَبِيه قَالَ أَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا أَبَا حَازِم إِن الشَّيْطَان يأتيني فيوسوس إِلَى وأشده عِنْدِي أَنه يأتيني فَيَقُول إِنَّك طلقت امْرَأَتك فَقَالَ لَهُ أَبُو حَازِم أَو لم تأتني فَتُطَلِّقهَا عِنْدِي قَالَ وَالله مَا طَلقتهَا عنْدك قطّ قَالَ فاحلف للشَّيْطَان كَمَا حَلَفت لي وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الْبَاب الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ فِي إِخْبَار الوسواس بِمَا وَقع فِي قلب ابْن آدم قَالَ ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا هَارُون بن سُلَيْمَان حَدثنَا أَبُو عَامر حَدثنَا كثير بن زيد عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنظب أَن عمر بن الْخطاب ذكر امْرَأَة فِي نَفسه وَلم يبح بهَا لأحد فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ ذكرت فُلَانَة إِنَّهَا لحسنة شريفة فِي بَيت صدق قَالَ من حَدثَك بِهَذَا قَالَ النَّاس يتحدثون بِهِ قَالَ فوَاللَّه مَا بحت بِهِ لأحد فَمن أَيْن ثمَّ قَالَ بلَى قد عرفت خرج بِهِ الخناس حَدثنَا يُونُس بن حبيب حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا المستمر ابْن الريان عَن ابي الجوزاء قَالَ طلقت امْرَأَتي يَوْم الْجُمُعَة وَحدثت نَفسِي أَن اراجعها يَوْم الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَلم أخبر بذلك أحدا فَقَالَت امْرَأَتي أَنْت تُرِيدُ أَن تراجعني فَقلت إِن هَذَا لشَيْء مَا حدثت بِهِ أحدا حَتَّى ذكرت قَول ابْن عَبَّاس إِن وسواس الرجل يخبر وسواس الرجل فَمن ثمَّ يفشو الحَدِيث حَدثنِي أبي بِإِسْنَاد ذكره أَن الْحجَّاج بن يُوسُف أَتَى بِرَجُل رمي بِالسحرِ فَقَالَ أساحر أَنْت قَالَ لَا فَأخذ الْحجَّاج كفا من حصا فعده ثمَّ قَالَ لَهُ فِي يَدي كم من الْحَصَا قَالَ كَذَا وَكَذَا فَطرح الْحجَّاج الْحَصَا ثمَّ أَخذ كفا آخر وَلم يعده ثمَّ قَالَ كم فِي يَدي قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ الْحجَّاج كَيفَ دَريت الأول وَلم تدر الثَّانِي قَالَ إِن ذَلِك عَرفته أَنْت فَعرفهُ وسواسك فَأخْبر وسواسك وسواسي وَهَذَا لم تعرفه فَلم يعرفهُ وسواسك فَلم يخبر وسواسي فَلم أعرفهُ حَدثنَا مُحَمَّد بن مصطفى حَدثنَا عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا ثَابت ابْن رمادة اللَّخْمِيّ عَن جده عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنه أَمر كَاتبه أَن يكْتب كتابا فِي السِّرّ فَبَيْنَمَا هُوَ يكْتب إِذْ وَقع ذُبَاب على حرف من الْكتاب فَضَربهُ الْكَاتِب بالقلم فَانْقَطع بعض قوائمه فَخرج الْكَاتِب فَاسْتَقْبلهُ النَّاس على بَاب الْقصر فَقَالُوا كتب أَمِير الْمُؤمنِينَ بِكَذَا وَكَذَا قَالَ وَمَا علمكُم قَالُوا حبشِي أقطع خرج علينا فَأخْبرنَا فَرجع الْكَاتِب إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي أَمرتنِي ان أكتبه سرا استقبلني بِهِ النَّاس قَالَ وَمَا علمهمْ قَالَ ذكرُوا لي حَبَشِيًّا أقطع خرج عَلَيْهِم فَأخْبرهُم قَالَ هُوَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ الشَّيْطَان هُوَ الذُّبَاب الَّذِي ضربت بالقلم الْبَاب التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ فِيمَا يَدْعُو الشَّيْطَان اليه ابْن آدم وينحصر فِي سِتّ مَرَاتِب قَالَ أَحْمد حَدثنَا هَاشم بن الْقَاسِم حَدثنَا أَبُو عقيل عبد الله السقفي حَدثنَا مُوسَى بن الْمسيب عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن سُبْرَة بن أبي فَاكِهَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان قعد لِابْنِ آدم بأَطْرُقِهِ فَقعدَ لَهُ بطرِيق الْإِسْلَام فَقَالَ أتسلم وَتَذَر ذريتك وَدين آبَائِك قَالَ فَعَصَاهُ وَأسلم قَالَ وَقعد لَهُ بطرِيق الْهِجْرَة فَقَالَ أتهاجر وَتَذَر أَرْضك وَسماك وَإِنَّمَا مثل المُهَاجر كالفرس فِي الطول فَهَاجَرَ وَعَصَاهُ ثمَّ قعد لَهُ بطرِيق الْجِهَاد وَهُوَ جهد النَّفس وَالْمَال فَقَالَ تقَاتل فَتقْتل فَتنْكح الْمَرْأَة وَيقسم المَال قَالَ فَعَصَاهُ فَجَاهد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن فعل ذَلِك مِنْكُم كَانَ حَقًا على الله أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَإِن قتل كَانَ حَقًا على الله أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَإِن غرق كَانَ حَقًا على الله ان يدْخلهُ الْجنَّة وَإِن رقصته دَابَّته كَانَ حَقًا على الله أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَأما الْمَرَاتِب السِّت فَالْأولى مرتبَة الْكفْر والشرك ومعادات الله تَعَالَى وَرَسُوله فَإِذا ظفر بذلك من ابْن آدم برد أنينه واستراح من تَعبه مَعَه هَذَا أول مَا يُريدهُ من العَبْد الْمرتبَة الثَّانِيَة مرتبَة الْبِدْعَة وَهِي أحب اليه من الفسوق والمعاصي لِأَن ضررها فِي الدّين قَالَ سُفْيَان النوري الْبِدْعَة أحب إِلَى إِبْلِيس من الْمعْصِيَة لِأَن الْمعْصِيَة يُتَاب مِنْهَا والبدعة لَا يُتَاب مِنْهَا فَإِذا عجز عَن ذَلِك انْتقل إِلَى الْمرتبَة الثالثه وَهِي الْكَبَائِر على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا فَإِذا عجز عَن ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الْمرتبَة الرَّابِعَة وَهِي الصَّغَائِر الَّتِي إِذا اجْتمعت رُبمَا أهلكت صَاحبهَا كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ ومحقرات الذُّنُوب فَإِن مثل ذَلِك مثل قوم نزلُوا بفلاة من الارض فجَاء كل وَاحِد بِعُود حطب حَتَّى أوقدوا نَارا عَظِيمَة فطبخوا واشتووا فَإِذا عجز عَن ذَلِك انْتقل إِلَى الْمرتبَة الْخَامِسَة وَهِي اشْتِغَاله بالمباحات الَّتِي لَا ثَوَاب فِيهَا وَلَا عِقَاب بل عقابها فَوَات الثَّوَاب الَّذِي فَاتَ عَلَيْهِ باشتغاله بهَا فَإِن عجز عَن ذَلِك نَقله إِلَى الْمرتبَة السَّادِسَة وَهُوَ أَن يشْغلهُ بِالْعَمَلِ الْمَفْضُول عَمَّا هُوَ أفضل مِنْهُ ليستريح عَلَيْهِ الفضلة ويفوته ثَوَاب الْعَمَل الْفَاضِل فنعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان وَحزبه الْبَاب الموفي تسعين فِي بَيَان أَي أَعمال الشَّرّ أحب إِلَى إِبْلِيس قَالَ أَبُو بكر بن عبيد حَدثنَا احْمَد بن جميل الْمروزِي حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك أَنبأَنَا سُفْيَان عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ إِذا أصبح إِبْلِيس بَث جُنُوده فَيَقُول من أضلّ مُسلما ألبسته التَّاج قَالَ فَيَقُول لَهُ الْقَائِل لم أزل بفلان حَتَّى طلق امْرَأَته قَالَ يُوشك أَن يتَزَوَّج وَيَقُول الآخر لم أزل بفلان حَتَّى عق قَالَ يُوشك أَن يبر قَالَ فَيَقُول الْقَائِل لم أزل بفلان حَتَّى شرب قَالَ أَنْت قَالَ وَيَقُول الآخر لم أزل بفلان حَتَّى زنى فَيَقُول انت وَيَقُول الآخر لم يزل بفلان حَتَّى قتل فَيَقُول انت أَنْت وَقد روى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن عرش إِبْلِيس على الْبَحْر فيبعث سراياه فيفتنون بَين النَّاس فأعظم فتْنَة يَجِيء أحدهم فَيَقُول فعلت كَذَا وَكَذَا فَيَقُول مَا صنعت شَيْئا ثمَّ يَجِيء أحدهم فَيَقُول فعلت كَذَا وَكَذَا فَيَقُول مَا تركته حَتَّى فرقت بَينه وَبَين امْرَأَته فيدنيه مِنْهُ وَيَقُول نعم أَنْت وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِنَحْوِهِ قَوْلهم نعم أَنْت يروي بِفَتْح النُّون بِمَعْنى نعم أَنْت ذَاك الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 تسْتَحقّ الأكرام وبكسرها أَي نعم مِنْك وَقد اسْتدلَّ بِهِ بعض النُّحَاة على جَوَاز كَون فَاعل فعل نعم مضمرا وَهُوَ قَلِيل وَاخْتَارَ شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ الْمزي الأول وَرجحه وَوَجهه بِمَا ذكرنَا وَقَالَ الطرطوشي فِي كتاب تَحْرِيم الْفَوَاحِش حَدثنَا يزِيد ابْن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا سَلمَة بن شبيب حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن وَاقد حَدثنَا شُجَاع بن أبي نصر عَن رجل من عليلة أهل الشَّام قَالَ قَالَ سُلَيْمَان ابْن دَاوُد لعفريت من الْجِنّ وَيلك أَيْن إِبْلِيس قَالَ يَا نَبِي الله هَل أمرت فِيهِ بشي قَالَ لَا أَيْن هُوَ قَالَ انْطلق يَا نَبِي الله حَتَّى أريكه فسعى العفريت بَين يَدَيْهِ وَمَعَهُ سُلَيْمَان حَتَّى هجم بِهِ على الْبَحْر فَإِذا إِبْلِيس على بِسَاط على المَاء فَلَمَّا رأى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ذعر مِنْهُ وَفرق فَقَامَ فَتَلقاهُ فَقَالَ يَا نَبِي الله هَل أمرت فِي بِشَيْء قَالَ لَا وَلَكِن جِئْت لأسألك عَن أحب الْأَشْيَاء إِلَيْك وأبغضها إِلَى الله عز وَجل فَقَالَ أما وَالله لَوْلَا ممشاك إِلَى مَا أَخْبَرتك بِهِ لَيْسَ شَيْء أبْغض إِلَى الله تَعَالَى من أَن يَأْتِي الرجل الرجل وَالْمَرْأَة الْمَرْأَة وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الْحَادِي وَالسِّتُّونَ فِي بَيَان مَا يَسْتَعِين بِهِ الشَّيْطَان من فتْنَة ابْن آدم قَالَ أَبُو بكر بن عبيد حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه قَالَ حَدثنَا قَتَادَة عَن أبي الأخوص عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرْأَة عَورَة وَإِنَّهَا إِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان فَلَا يكون أبدا أقرب إِلَى الله تَعَالَى مِنْهَا إِذا كَانَت فِي قَعْر بَيتهَا وَرَوَاهُ عَن الْحُسَيْن بن بَحر إلاهوازي حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا همام حَدثنَا قَتَادَة عَن مُورق الْعجلِيّ عَن أبي الأخوص عَن عبد الله بن مَسْعُود نَحوه حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا حُسَيْن بن صَالح قَالَ سَمِعت أَن الشَّيْطَان قَالَ للْمَرْأَة أَنْت نصف جندي وَأَنت سهمي الَّذِي أرمي بِهِ فَلَا أخطى وَأَنت مَوضِع سري وَأَنت رَسُولي فِي حَاجَتي حَدثنَا عبيد الله بن جرير العتكى حَدثنَا هزيم بن عُثْمَان حَدثنَا سَلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ابْن مِسْكين عَن مَالك بن دِينَار قَالَ حب الدُّنْيَا رَأس الْخَطِيئَة وَالنِّسَاء حبالة الشَّيْطَان حَدَّثَنى عَبَّاس بن جَعْفَر حَدَّثَنى منتجع بن مُصعب حَدَّثَنى عبيد ابْن جريج عَن عَمْرو سَمِعت مَالك بن دِينَار يَقُول لَيْسَ شئ أوثق فى نفس إِبْلِيس من الدُّنْيَا حَدَّثَنى أَبُو حَفْص الصفار حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا شُعْبَة عَن على بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ مَا بعث الله تَعَالَى نَبيا إِلَّا لم ييأس إِبْلِيس أَن يهلكه بِالنسَاء وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر فى كتاب القلائد حَدثنَا ابْن بكير حَدثنَا أَبُو زيد حَدثنَا سهل ابْن يُوسُف عَن أبان بن صمعة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الشَّيْطَان من الرجل فى ثَلَاثَة منَازِل فى عَيْنَيْهِ وفى قلبه وفى ذكره وَهُوَ من الْمَرْأَة فى ثَلَاثَة منَازِل فى عينيها وَفِي قَلبهَا وفى عجزها وَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد القرشى حَدثنَا الْحسن بن بَحر العبدى حَدثنَا عبد الرزاق حَدثنَا معمر عَن قَتَادَة قَالَ لما هَبَط إِبْلِيس قَالَ يَا رب قد لعنته فَمَا عمله قَالَ السحر قَالَ فَمَا قِرَاءَته قَالَ الشّعْر قَالَ فَمَا كِتَابَته قَالَ الوشم قَالَ فَمَا طَعَامه قَالَ كل ميتَة وَمَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ قَالَ فَمَا شرابه قَالَ كل مُسكر قَالَ فَأَيْنَ مَسْكَنه قَالَ الْحمام قَالَ فَأَيْنَ مَجْلِسه قَالَ الْأَسْوَاق قَالَ فَمَا مؤذنه قَالَ المزمار قَالَ فَمَا مصائده قَالَ النِّسَاء حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن صبيح المروزى حَدثنَا الْحسن بن بشر بن سلم حَدثنَا الحكم بن عبد الملك عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن للشَّيْطَان كحلا ولعوقا فَإِذا كحل الْإِنْسَان من كحله ثقلت عَيناهُ وَإِذا ألعقه من لعوقه درب لِسَانه بِالشَّرِّ حَدَّثَنى أَبى أَنبأَنَا أَحْمد بن إِسْحَاق الحضرمى أَنبأَنَا عبد الواحد بن زِيَاد حَدثنَا عَاصِم الْأَحول عَن الْحسن قَالَ إِن للشَّيْطَان ملعقة ومكحلة فملعقته الْكَذِب ومكحلته النّوم عَن الذّكر حَدَّثَنى أَحْمد ابْن الْحَارِث عَن شيخ من قُرَيْش قَالَ قَالَ خَالِد بن صَفْوَان إِن الشَّيْطَان باحتياله وَنصب أحباله يخْتل بِالشُّبْهَةِ ويكابر بالشهوة فَإِذا أعيا مختالا كرّ مكابرا حَدثنَا عبد الله بن رومى حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الكريم حَدَّثَنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 عبد الصَّمد بن معقل قَالَ سَمِعت وهب بن مُنَبّه قَالَ كَانَ عَابِد من السياحين فأراده الشَّيْطَان فَلم يسْتَطع مِنْهُ شَيْئا فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَان أَلا تَسْأَلنِي عَمَّا أضلّ بِهِ بني آدم قَالَ بلَى قَالَ فَأَخْبرنِي مَا أوثق شَيْء فِي نَفسك أَن تضلهم قَالَ الشُّح والحدة وَالسكر فَإِن الرجل إِذا كَانَ شحيحا قللنا مَاله فِي عَيْنَيْهِ ورغبناه فِي أَمْوَال النَّاس وَإِذا كَانَ حديدا أدرناه بَيْننَا كَمَا يتداور الصببان الأكرة فَلَو كَانَ يحيى الْمَوْتَى بدعوته لم نيئس مِنْهُ وَإِذا هُوَ سكر اقتدناه إِلَى كل شَهْوَة كَمَا تقاد العنز بأذنها وَقَالَ أَحْمد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَطاء بن السَّائِب عَن عَمْرو ابْن مَيْمُون عَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِن الشَّيْطَان أطاف بِأَهْل مجْلِس ذكر ليفتنهم فَلم يسْتَطع أَن يفرق بَينهم فَأتى حَلقَة يذكرُونَ الدُّنْيَا فأغرى بَينهم حَتَّى اقْتَتَلُوا فَقَامَ أهل الذّكر فحجزوا بَينهم فَتَفَرَّقُوا قَالَ الْقرشِي حَدثنَا سعد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل إِبْلِيس يُرْسل شياطينه إِلَى أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيجيئوا بصحفهم لَيْسَ فِيهَا شَيْء فَقَالَ مَا لكم لَا تصيبون مِنْهُم شَيْئا فَقَالُوا مَا صَحِبنَا قوما قطّ مثل هَؤُلَاءِ قَالَ رويدا بهم عَسى أَن تفتح لَهُم الدُّنْيَا هُنَاكَ تصيبون حَاجَتكُمْ مِنْهُم وَحدثنَا يَعْقُوب بن اسماعيل أَنا حسان أَنا عبد الله يَعْنِي ابْن الْمُبَارك قَالَ أَنا عبيد الله بن موهب قَالَ سَأَلَ بعض الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام إِبْلِيس وأبداله بِأَيّ شَيْء تغلب ابْن آدم قَالَ آخذه عِنْد الْغَضَب وَعند الْهوى حَدثنَا اسحاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ إِن الشَّيْطَان يَقُول وَكَيف يغلبني ابْن آدم إِذا رضى جِئْت حَتَّى أكون فِي قلبه وَإِذا غضب طرت حَتَّى أكون فِي رَأسه تَعْلِيق وَبَيَان قلت يشْهد لصِحَّة ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رجلا قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصني قَالَ لَا تغْضب فردد مرَارًا قَالَ لَا تغْضب وَفِي الصَّحِيح أَن رجلَيْنِ اسْتَبَّا عِنْد النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى احمر وَجه أَحدهمَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ مَا يجد أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَفِي السّنَن قَالَ إِن الْغَضَب من الشَّيْطَان وَإِن الشَّيْطَان من النَّار وَإِنَّمَا تطفأ النَّار بِالْمَاءِ فَإِن غضب أحدكُم فَليَتَوَضَّأ ذكر الْمحَامِلِي فِي الْبَاب اسْتِحْبَاب الْوضُوء عِنْد الْغَضَب قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة لَا نعلم أحدا قَالَ بِهِ غَيره وَقد قَالَ تَعَالَى {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميع عليم} فالشيطان يحمل الغضبان على أَن يَقُول مَا هُوَ كَارِه لقَوْله وَغير محب لقَوْله لَكِن يَقُوله ليستريح بذلك ويبرد غَضَبه فَيدْفَع عَنهُ حرارة الْغَضَب كَمَا يقْصد المكرة أَن يستريح من ألم الْإِكْرَاه وضرره بِفعل مَا أكره عَلَيْهِ وَالله الْمُوفق الْبَاب الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ فِي أَن الشَّيْطَان مَعَ من يُخَالف الْجَمَاعَة روى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا خطب النَّاس بالجابية فَقَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ من أَرَادَ مِنْكُم بحبوحة الْجنَّة فليلزم الْجَمَاعَة فَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ أبعد ثمَّ رَوَاهُ الإِمَام احْمَد من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة قَالَ خطب عمر رَضِي الله عَنهُ النَّاس بالجابية فَذكر نَحوه وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَقَالَ ابْن صاعد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد الْجَوْهَرِي حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن يزِيد بن مردانية عَن يزِيد بن علاقَة عَن عرْفجَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَد الله على الْجَمَاعَة والشيطان مَعَ من يُخَالف الْجَمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن اسحاق بن البهلول حَدثنِي ابي حَدثنَا مُحَمَّد بن يعلى حَدثنَا سُلَيْمَان العامري عَن الشَّيْبَانِيّ عَن زِيَاد ابْن علاقَة عَن أُسَامَة عَن شريك قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَد الله على الْجَمَاعَة فَإِذا شَذَّ الشاذ مِنْهُم اختطفته الشَّيَاطِين كَمَا يختطف الذِّئْب الشَّاة من الْغنم وروى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي وَائِل عَن عبد الله وَهُوَ ابْن مَسْعُود قَالَ خطّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطا بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ هَذَا سَبِيل الله مُسْتَقِيمًا قَالَ ثمَّ عَن يَمِينه وشماله ثمَّ قَالَ هَذِه السبل لَيْسَ مِنْهَا سَبِيل إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ ثمَّ قَرَأَ {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل} وروى الإِمَام أَحْمد أَيْضا من حَدِيث معَاذ بن جبل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان ذِئْب الْإِنْسَان كذئب الْغنم يَأْخُذ الشَّاة القاصية والناحية فإياكم والشعاب وَعَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة وَالْمَسْجِد نسْأَل الله التَّوْفِيق الْبَاب الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ فِي بَيَان شدَّة الْعَالم على الشَّيْطَان روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفقيه وَاحِد أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد وَقَالَ ابْن عبيد حَدثنِي أَبُو عبد الله احْمَد بن بجير حَدثنَا عَليّ بن عَاصِم عَن بعض الْبَصرِيين قَالَ كَانَ عَالم وعابد متواخيين فِي الله فَقَالَت الشَّيَاطِين لإبليس إِنَّا لَا نقدر على أَن نفرق بَينهمَا فَقَالَ إِبْلِيس لَعنه الله أَنا لَهما فَجَلَسَ بطرِيق العابد إِذْ أقبل العابد حَتَّى إِذا دنا من إِبْلِيس قَامَ إِلَيْهِ فِي مِثَال شيخ كَبِير بَين عَيْنَيْهِ أثر السُّجُود فَقَالَ للعابد إِنَّه قد حاك فِي صَدْرِي شَيْء أَحْبَبْت أَن أَسأَلك عَنهُ فَقَالَ لَهُ العابد سل فَإِن يكن عِنْدِي علم أَخْبَرتك عَنهُ فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس هَل يَسْتَطِيع الله عز وَجل أَن يَجْعَل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال الشّجر وَالْمَاء فِي بَيْضَة من غير أَن يزِيد فِي الْبَيْضَة شَيْئا وَمن غير أَن ينقص من هَذَا شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فَقَالَ لَهُ العابد من غير أَن ينقص من هَذَا شَيْئا وَمن غير أَن يزِيد فِي هَذَا شَيْئا كالمتعجب فَوقف العابد فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس امضه ثمَّ الْتفت إِلَى اصحابه فَقَالَ اما هَذَا فقد أهلكته جعلته شاكا فِي الله تَعَالَى ثمَّ جلس على طَرِيق الْعَالم فَإِذا هُوَ مقبل حَتَّى إِذا دنا من إِبْلِيس قَامَ إِلَيْهِ إِبْلِيس فَقَالَ يَا هَذَا إِنَّه قد حاك فِي صَدْرِي شَيْء أَحْبَبْت أَن أَسأَلك عَنهُ فَقَالَ لَهُ الْعَالم سل فَإِن يكن عِنْدِي علم أَخْبَرتك فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس هَل يَسْتَطِيع الله عز وَجل أَن يَجْعَل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَالشَّجر وَالْمَاء فِي بَيْضَة من غير أَن يزِيد فِي الْبَيْضَة شَيْئا وَمن غير أَن ينقص من هَذَا شَيْئا فَقَالَ لَهُ الْعَالم نعم قَالَ فَرد عَلَيْهِ إِبْلِيس كالمنكر من غير أَن يزِيد فِي هَذَا شَيْئا وَمن غير أَن ينقص من هَذَا شَيْئا فَقَالَ لَهُ الْعَالم نعم بانتهار وَقَالَ {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} فَقَالَ إِبْلِيس لأَصْحَابه من قبل هَذَا أتيتم نسْأَل الله الْعِصْمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الْبَاب الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ فِي بكاء الشَّيْطَان على الْمُؤمن لفَوَات فتنته عِنْد الْمَوْت قَالَ الْقرشِي حَدثنَا الْقَاسِم بن هَاشم حَدثنَا ابو الْيَمَان حَدثنَا صَفْوَان عَن بعض الأشياح قَالَ الشَّيْطَان أَشد بكاء على الْمُؤمن إِذا مَاتَ من بعض أَهله لما فَاتَهُ من افتانه إِيَّاه فِي الدُّنْيَا وَقَالَ صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل رَأَيْت أبي عِنْد الْمَوْت يلهج بقوله لَا بعد لَا بعد فَقلت يَا أَبَت رَأَيْتُك تَقول لَا بعد لَا بعد فَمَا هَذَا قَالَ الشَّيْطَان وَاقِف عِنْد رَأْسِي يَقُول فتنى يَا أَحْمد وَأَنا أَقُول لَا بعد لَا بعد وروى أَبُو دَاوُد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يَقُول فِي دُعَائِهِ وَأَعُوذ بك أَن يتخبطني الشَّيْطَان عِنْد الْمَوْت نسْأَل الله التثبيت بمنه وَكَرمه الْبَاب الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ فِي تعجب الْمَلَائِكَة عِنْد خُرُوج روح الْمُؤمن ونجاته من الشَّيْطَان قَالَ عبد الله بن احْمَد بن حَنْبَل حَدثنِي شُرَيْح بن النُّعْمَان حَدثنِي عَنْبَسَة بن عبد الْوَاحِد عَن مَالك بن مغول عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع قَالَ إِذا عرج بِروح الْمُؤمن إِلَى السَّمَاء قَالَت الْمَلَائِكَة سُبْحَانَ الَّذِي نجى هَذَا العَبْد من الشَّيْطَان يَا ويحه كَيفَ نجا قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ ولكثرة فتن الشَّيْطَان وتشبثها بالقلوب عزت السَّلامَة فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى مَا يحث عَلَيْهِ الطَّبْع فَهُوَ كمداد لسفينة منحدرة فيا سرعَة انحدارها وَلما ركب الْهوى فِي هاروت وماروت لم يستمسكا فَإِذا رَأَتْ الْمَلَائِكَة مُؤمنا قد مَاتَ على الْإِيمَان تعجبت من سَلَامَته وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الْبَاب السَّادِس وَالتِّسْعُونَ فِي أَفعَال لم يسْبق إِبْلِيس إِلَيْهَا روى ابْن أبي شيبَة وَأَبُو عرُوبَة فِي أوائلهما قَالَ ابْن سِيرِين أول من قَاس إِبْلِيس وَإِنَّمَا عبدت الشَّمْس وَالْقَمَر بالمقاييس وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ قَاس إِبْلِيس وَهُوَ أول من قَاس رَوَاهُمَا ابْن جرير وَمعنى هَذَا أَنه نظر نَفسه بطرِيق المقايسة بَينه وَبَين آدم فراى نَفسه أشرف من أَدَم فَامْتنعَ من السُّجُود مَعَ وجود الْأَمر لَهُ ولسائر الْمَلَائِكَة وَالْقِيَاس إِذا كَانَ مُقَابلا للنَّص كَانَ فَاسد الِاعْتِبَار ثمَّ هُوَ فَاسد فِي نَفسه لما قدمْنَاهُ فِي الْبَاب السَّادِس والثمانين من خَمْسَة عشر وَجها وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَدِهِ قَالَ مَيْمُون بن مهْرَان سَأَلت ابْن عمر من أول من سمي الْعشَاء الْعَتَمَة قَالَ الشَّيْطَان وَذكر الْبَغَوِيّ أَنه أول من ناح وروى جَابر مَرْفُوعا أَنه أول من تغنى وَالله أعلم الْبَاب السَّابِع وَالتِّسْعُونَ فِي رنات إِبْلِيس لَعنه الله ذكر بَقِي بن مخلد فِي تَفْسِيره أَن إِبْلِيس رن أَربع رنات رنة حِين لعن وَرَنَّة حِين أهبط وَرَنَّة حِين بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَنَّة حِين أنزلت فَاتِحَة الْكتاب قَالَ والرنين والنخار من عمل الشَّيْطَان وَقَالَ ابْن دُرَيْد رن وأرن من الرنين وَهُوَ شَبيه بالحنين قَالَ الشَّاعِر ... أرن على حقب حِيَال طروقة ... كذود الْأَجِير الاربع الأشرات ... وَقَالُوا فِي بَيت رَوَوْهُ ... نبهت مَيْمُون لَهَا فَأَنا ... وَقَامَ يشكو عصبا قَدرنَا ... وَقَالَ الْأَصْمَعِي إِنَّمَا هُوَ زن أَي تقبض ويبس وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب مكايد الشَّيْطَان حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن رَاشد حَدثنَا دَاوُد بن مهْرَان حَدثنَا يَعْقُوب القمي عَن جَعْفَر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ لما لعن الله تَعَالَى إِبْلِيس تَغَيَّرت صورته عَن صُورَة الْمَلَائِكَة فَخرج فرن رنة كل رنة إِلَى يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الْقِيَامَة مِنْهَا قَالَ سعيد وَلما رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما يُصَلِّي بِمَكَّة رن رنة أُخْرَى قَالَ سعيد وَلما افْتتح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة رن رنة أُخْرَى اجْتمعت إِلَيْهِ ذُريَّته فَقَالَ إيأسوا أَن تردوا أمة مُحَمَّد إِلَى الشّرك وَلَكِن افتنوهم فِي دينهم وأفشوا بَينهم النوح وَالشعر وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا عَليّ بن أبي الْجَعْد حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار سَمِعت شَيخنَا يَقُول سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول لما خلق الله تَعَالَى إِبْلِيس نخر لَعنه الله تَعَالَى الْبَاب الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ فِي أَن عرش إِبْلِيس على الْبَحْر روى مُسلم من حَدِيث جَابر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن عرش إِبْلِيس على الْبَحْر فيبعث سراياه فيفتنون النَّاس فأعظمهم عِنْده منزلَة أعظمهم فتْنَة يجِئ أحدهم فَيَقُول فعلت كَذَا وَكَذَا فَيَقُول مَا صنعت شَيْئا ثمَّ يَجِيء أَحدهمَا فَيَقُول مَا تركته حَتَّى فرقت بَينه وَبَين امْرَأَته فيدنيه مِنْهُ وَيَقُول نعم أَنْت أَنْت وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِنَحْوِهِ من عدَّة طرق فَقَالَ حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا صَفْوَان حَدثنَا مَاعِز التَّمِيمِي عَن جَابر وَرَوَاهُ أَيْضا عَن روح عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر وَسَاقه أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَقَالَ حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة أَنبأَنَا عَليّ بن زيد عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِابْنِ صائد مَا ترى قَالَ ارى عرشا على المَاء أَو قَالَ على الْبَحْر حوله حيات قَالَ ذَاك عرش إِبْلِيس وَقَالَ سنيد فِي تَفْسِيره حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش وَحميد الْكِنْدِيّ عَن عبَادَة بن نسي عَن أبي ريحانه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن إِبْلِيس اتخذ عرشا على المَاء ووكل بِكُل رجل شَيْطَانَيْنِ وأجلهما سنة فَإِن فتناه وَإِلَّا قطع ايديهما وأرجلهما وصلبهما ثمَّ بعث لَهُ شَيْطَانَيْنِ آخَرين قَالَ الْحَافِظ ابْن مُنَبّه هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ أَبُو بكر بن عَيَّاش وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ هَذَا حَدِيث غَرِيب مُنكر لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْبَاب التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ فِي مَكَان ركز الشَّيْطَان رايته روى مُسلم من حَدِيث سلمَان قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تكونن إِن اسْتَطَعْت أول دَاخل السُّوق وَلَا آخر من يخرج مِنْهَا فَإِنَّهَا معركة الشَّيْطَان وَبهَا تركز رايته وَرَوَاهُ عَبَّاس الدوري عَن سعيد بن عَامر الضبعِي عَن عَوْف عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلَفظه فَإِنَّهَا مبيض الشَّيْطَان وَبهَا يقرب لِوَاؤُهُ الْبَاب الموفي مائَة فِي جعل إِبْلِيس كل وَاحِد من وَلَده عَن شَيْء من أمره قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد حَدثنَا بشر بن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن زيد عَن مُجَاهِد قَالَ لإبليس خَمْسَة من وَلَده قد جعل كل وَاحِد مِنْهُم على شَيْء من أمره ثمَّ سماهم فَذكر ثبر والأعور ومسؤط وداسم وزلبنور فَأَما ثبر فَهُوَ صَاحب المصيبات الَّذِي يَأْمر بالثبور وشق الْجُيُوب وَلَطم الخدود وَدَعوى الْجَاهِلِيَّة وَأما الْأَعْوَر فَهُوَ صَاحب الزِّنَا الَّذِي يامر بِهِ ويزينه وَأما مسوط فَهُوَ صَاحب الْكَذِب الَّذِي يسمع فَيلقى الرجل فيخبره بالْخبر فَيذْهب الرجل إِلَى الْقَوْم فَيَقُول لَهُم قد رَأَيْت رجلا أعرف وَجهه وَمَا أَدْرِي مَا اسْمه حَدثنِي بِكَذَا وَكَذَا وَأما داسم فَهُوَ الَّذِي يدْخل مَعَ الرجل إِلَى أَهله يرِيه الْعَيْب فيهم ويغضبه عَلَيْهِم وَأما زلنبور فَهُوَ صَاحب السُّوق الَّذِي تركز رايته فِي السُّوق وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الْبَاب الأول بعد الْمِائَة فِي حُضُور الشَّيْطَان كل شَيْء من شئون الْإِنْس روى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان يحضر أحدكُم عِنْد كل شَيْء من شَأْنه حَتَّى يحضرهُ عِنْد طَعَامه فَإِذا سَقَطت لقْمَة أحدكُم فليأخذها وليمط مَا كَانَ بهَا من أَذَى وليأكلها وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان فَإِذا فرغ فليلعق أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أَي طَعَامه الْبركَة الْبَاب الثَّانِي بعد الْمِائَة فِي حُضُور الشَّيْطَان جماع الرجل أَهله عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يَأْتِي أَهله قَالَ بِسم الله اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا فَإِنَّهُ إِن يقدر بَينهمَا ولد فِي ذَلِك لم يضرّهُ الشَّيْطَان أبدا أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ القَاضِي عِيَاض لم يحملهُ أحد على الْعُمُوم فِي جَمِيع الضَّرَر والإغواء والوسوسة وَقَالَ بعض الْعلمَاء مَا هَا هُنَا نكره لَا يجوز أَن تكون بِمَعْنى الَّذِي لِأَنَّهَا لَا تكون لمن يعقل إِذا كَانَت بِمَعْنى الَّذِي فَيكون مَعْنَاهَا شَيْء وَقَالَ ابْن جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار حَدثنَا مُحَمَّد بن عمَارَة الْأَسدي حَدثنِي سهل بن عَامر البَجلِيّ حَدثنَا يحيى بن يعلى الاسلمي عَن عُثْمَان بن الْأسود عَن مُجَاهِد قَالَ إِذا جَامع الرجل وَلم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع مَعَه فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} وَقد قدمنَا فِي الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ قَول ابْن عَبَّاس أَن الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهيا أَن يَأْتِي الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَإِذا أَتَاهَا سبقه إِلَيْهَا الشَّيْطَان فَحملت فَجَاءَت بالمخنث ذكره الطرطوشي فِي كتاب تَحْرِيم الْفَوَاحِش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الْبَاب الثَّالِث بعد الْمِائَة حُضُور الشَّيْطَان الْمَوْلُود حِين يُولد فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من بني آدم من مَوْلُود إِلَّا نخسه الشَّيْطَان فَيَسْتَهِل صَارِخًا من نخسه إِيَّاه الا مَرْيَم وَابْنهَا وَفِي رِوَايَة عِنْد مُسلم إِلَّا نخسه الشَّيْطَان فَيَسْتَهِل صَارِخًا من نخسة الشَّيْطَان وفيهَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة اقرأوا إِن شِئْتُم {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها} الْآيَة وَفِي لفظ عِنْد البُخَارِيّ كل بني آدم يطعن الشَّيْطَان فِي عَيْنَيْهِ بِأُصْبُعِهِ حِين يُولد إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم ذهب يطعن فطعن فِي الْحجاب وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صياح الْمَوْلُود حَيْثُ يَقع نزغة من الشَّيْطَان أخرجه أَبُو حَاتِم قَالَ السُّهيْلي وَلِأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يخلق من مني الرِّجَال فأعيذ من مغمزه وَإِنَّمَا خلق من نفخة روح الْقُدس قَالَ وَلَا يدل هَذَا على فضل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نزع مِنْهُ ذَلِك المغمز وملئ قلبه حِكْمَة وإيمانا بعد أَن غسله روح الْقُدس بالثلج وَالْبرد وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك المغمز فِيهِ لموْضِع الشَّهْوَة المحركة للمني والشهوات يحضرها الشَّيْطَان لَا سِيمَا شَهْوَة من لَيْسَ بِمُؤْمِن فَكَانَ ذَلِك المغمز فِيهِ رَاجعا إِلَى الْأَب لَا إِلَى الابْن المطهر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا قَالَ شقّ صَدره فَأخْرج مِنْهُ مغمز الشَّيْطَان وعلق الدَّم فنبين أَن الَّذِي التمس فِيهِ هُوَ الَّذِي يغمزه الشَّيْطَان من كل مَوْلُود وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْبَاب الرَّابِع بعد الْمِائَة فِي أَن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم وللملك لمة فَأَما الشَّيْطَان فإيعاد بِالشَّرِّ وَتَكْذيب بِالْحَقِّ وَأما لمة الْملك فوعد بِالْخَيرِ وتصديق بِالْحَقِّ فَمن وجد ذَلِك فَليعلم أَنه من الله تَعَالَى فبحمد الله تَعَالَى وَمن وجد الْأُخْرَى فليتعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان ثمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الْخَامِس بعد الْمِائَة فِي انه يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث صَفِيَّة بنت حييّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس وَرَوَاهُ غير وَاحِد من أهل السّنَن مِنْهُم الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ أوردهما بأسانيده من حَدِيث صَفِيَّة وَحَدِيث أنس وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْمَدِينِيّ حَدثنَا حسان بن إِبْرَاهِيم عَن سعيد يَعْنِي ابْن مَرْزُوق عَن محَارب بن دثار عَن ابْن عمر قَالَ كَيفَ ننجو من الشَّيْطَان وَهُوَ يجْرِي منا مجْرى الدَّم وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي كتاب الوسوسة حَدثنَا الْحُسَيْن بن مَنْصُور حَدثنَا يزِيد أَنبأَنَا سُفْيَان عَن الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ ان الشَّيْطَان ليجري فِي الأحليل ويبيض فِي الدبر وَقد قدمنَا فِي بَاب دُخُول الْجِنّ فِي بدن المصروع وَفِي بَاب الوسوسة القَوْل فِي ذَلِك وَإِمْكَان جريه وتداخل الْأَجْسَام فَلْينْظر هُنَاكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الْبَاب السَّادِس بعد الْمِائَة فِي انتشار الشَّيْطَان جنح اللَّيْل وتعرضه للصبيان فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ جنح اللَّيْل وأمسيتم فكفوا صِبْيَانكُمْ فَإِن الشَّيْطَان ينتشر حِينَئِذٍ إِذا ذهب سَاعَة من اللَّيْل فخلوهم وَأَغْلقُوا الْأَبْوَاب واذْكُرُوا اسْم الله تَعَالَى وخمروا آنيتكم واذْكُرُوا اسْم الله عز وَجل وَلَو ان تعرضوا عَلَيْهَا شَيْئا واطفئوا مصابحكم وَفِي رِوَايَة فَإِن الشَّيْطَان لَا يفتح غلقا الْبَاب السَّابِع بعد الْمِائَة فِي مَا يلهي الشَّيْطَان عَن الصّبيان قَالَ حَرْب الْكرْمَانِي حَدثنَا الْحسن بن مهْدي بن مَالك حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى حَدثنَا أَبُو عُبَيْدَة الْبَلْخِي عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّخذُوا الحمامات المقصوصات فِي الْبيُوت فَإِنَّهَا تلهي الشَّيْطَان عَن صِبْيَانكُمْ وَقَالَ حَرْب سَمِعت أَحْمد يَقُول لَا بَأْس أَن يتَّخذ الرجل فِي منزله الطُّيُور والحمامات المقصوصة يسْتَأْنس اليها فَإِن تلهى بهَا فَإِنِّي أكرهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الْبَاب الثَّامِن بعد الْمِائَة فِي نوم الشَّيْطَان على الْفراش الَّذِي لَا ينَام عَلَيْهِ أحد قَالَ الْقرشِي حَدثنَا أبي حَدثنَا هشيم عَن اسماعيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ مَا من فرَاش يكون فِي بَيت مفروشا لَا ينَام عَلَيْهِ أحد إِلَّا نَام عَلَيْهِ الشَّيْطَان قلت لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه بل إِذا فرش وَلم يسم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَخْصُوصًا بالفراش بل كل مَا لم يسم عَلَيْهِ من طَعَام أَو شراب أَو لِبَاس أَو غير ذَلِك مِمَّا ينْتَفع بِهِ فللشيطان فِيهِ تصرف وَاسْتِعْمَال إِمَّا بِإِتْلَاف عينه كالطعام وَالشرَاب وَإِمَّا مَعَ بَقَاء عينه مِمَّا ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء الْعين وَقد قدمنَا فِي الْأَحَادِيث مَا يدل على ذَلِك وَالله أعلم الْبَاب التَّاسِع بعد الْمِائَة فِي عدم قيلولة الشَّيَاطِين قَالَ عبد الله بن احْمَد كَانَ أبي ينَام نصف النَّهَار شتاء كَانَ أَو صيفا ويأخذني بذلك وَيَقُول قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قيلوا فَإِن الشَّيَاطِين لَا تقيل وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد نومَة نصف النَّهَار تزيد فِي الْعقل وَذكر قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قَالَ يلْزم من ضبطهن ضبط الصَّوْم من قَالَ وتسحر وَأكل قبل أَن يشرب الْبَاب الْعَاشِر بعد الْمِائَة فِي عقد الشَّيْطَان على رَأس النَّائِم روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكُم إِذا هُوَ نَام ثَلَاث عقد يضْرب على كل عقدَة مَكَانهَا عَلَيْك ليل طَوِيل فارقد فَإِن اسْتَيْقَظَ فَذكر الله عز وَجل انْحَلَّت عقدَة فَإِن تَوَضَّأ انْحَلَّت عقدَة فَإِن صلى انْحَلَّت عقدَة كلهَا فَأصْبح نشيطا طيب النَّفس وَإِلَّا أصبح خَبِيث النَّفس كسلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ ذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل فَقيل مَا زَالَ نَائِما حَتَّى أصبح مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ ذَاك رجل بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنه أَو قَالَ فِي أُذُنَيْهِ قلت هَذَا لمن لم يقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ أَو خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة أَو مَا يتحرز بِهِ من الشَّيَاطِين من الْقُرْآن وَأما من قَرَأَ ذَلِك فَلَا سَبِيل للشَّيْطَان عَلَيْهِ بِدَلِيل مَا قدمْنَاهُ من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على أَن من قَرَأَهَا لَا يقربهُ شَيْطَان حَتَّى يصبح والقافية الْقَفَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَالله تَعَالَى أعلم الْبَاب الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة فِي أَن الحكم الْمَكْرُوه من الشَّيْطَان روى البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي قَتَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الرُّؤْيَا من الله والحلم من الشَّيْطَان فَإِذا حلم أحدكُم الْحلم يكرههُ فليبصق عَن يسَاره وليستعذ بِاللَّه مِنْهُ فَلَنْ يضرّهُ وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا رأى أحدكُم الرُّؤْيَا يُحِبهَا فَإِنَّهَا من الله عز وَجل فيحمد الله عَلَيْهَا وليحدث بهَا وَإِذا رأى غير ذَلِك مِمَّا يكره فَإِنَّمَا هِيَ من الشَّيْطَان فليستعذ بِاللَّه من شَرها وَلَا يذكرهَا لَاحَدَّ فَإِنَّهَا لن تضره قَالَ السُّهيْلي الرُّؤْيَا عِنْد أهل الْعلم مَا يرَاهُ الْإِنْسَان فِي مَنَامه والرؤية مَا يرَاهُ بِعَيْنِه فِي الْيَقَظَة فرؤية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تكن إِلَّا لمن رَآهُ فِي حَيَاته وَأما رُؤْيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فرؤيا وَلَا تكون رُؤْيا حق لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من رَآنِي فقد رأى الْحق وَهُوَ مُشْتَرك بَين الرُّؤْيَة والرؤيا وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة أول الْكَلَام من الرُّؤْيَا وَآخره من الرُّؤْيَة قَالَ الْمَازرِيّ كثر كَلَام النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا فَقَالَ فِيهَا غير الإسلامين أقاويل كَثِيرَة مُنكرَة لما حاولوا الْوُقُوف على حقائق لَا تعلم بِالْعقلِ وَلَا يقوم عَلَيْهَا برهَان وهم لَا يصدقون بِالسَّمْعِ فاضطربت لذَلِك مقالاتهم فَمن ينتمي إِلَى الطِّبّ ينْسب جَمِيع الرُّؤْيَا إِلَى الأخلاط وَيَقُول من غلب عَلَيْهِ البلغم رأى السباحة فِي المَاء أَو مَا شابهه لمناسبة المَاء فِي طَبِيعَته طبيعة البلغم وَمن غلب عَلَيْهِ الصَّفْرَاء رأى النيرَان والصعود فِي الجو وَشبهه لمناسبة النَّار طبيعة الصَّفْرَاء وَلِأَن خفتها وإنفاذها تخيل إِلَيْهِ الطيران فِي الجو والصعود فِي الْعُلُوّ وَهَكَذَا يصنعون فِي بَقِيَّة الأخلاط وَهَذَا مَذْهَب وَإِن جوزه الْعقل وامكن عندنَا أَن يجْرِي البادي جلت قدرته الْعَادة بِأَن يخلق مثل مَا قَالُوا عِنْد غَلَبَة هَذِه الأخلاط فَإِنَّهُ لم يقم عَلَيْهِ دَلِيل وَلَا اطردت بِهِ عَادَة وَالْقطع فِي مَوضِع التجويز غلط وجهالة هَذَا لَو نسبوا ذَلِك إِلَى الأخلاط على جِهَة الِاعْتِبَار واما إِن أضافوا الْفِعْل إِلَيْهَا فَإنَّا نقطع بخطئهم وَلَا نجوز مَا قَالُوهُ إِذْ لَا فَاعل إِلَّا الله تَعَالَى ولبعض أَئِمَّة الفلاسفة تَخْلِيط طَوِيل فِي هَذَا وَكَأَنَّهُ يرى أَن صور مَا يجْرِي فِي الْعَالم الْعلوِي كالمنقوش وَكَأَنَّهُ يَدُور بدوران الأكر فَمَا حَاذَى بعض النُّفُوس مِنْهُ انتقش فِيهَا وَهَذَا أوضح فَسَادًا من الأول مَعَ كَونه تحكما بِمَا لم يقم عَلَيْهِ برهَان والانتقاش من صِفَات الْأَجْسَام وَكَثِيرًا مَا تجْرِي فِي الْعَالم والأعراض لَا تنتقش وَلَا ينتقش فِيهَا وَالْمذهب الصَّحِيح مَا عَلَيْهِ أهل السّنة وَهُوَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخلق فِي قلب النَّائِم اعتقادات كَمَا يخلقها فِي قلب الْيَقظَان وَهُوَ تبَارك وَتَعَالَى يفعل مَا يَشَاء وَلَا يمْنَع من فعله نوم وَلَا يقظة فَإِذا خلق هَذِه الاعتقادات فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ جعلهَا علما على أُمُور أخر يخلقها فِي ثَانِي حَال أَو كَانَ خلقهَا فَإِذا خلق فِي قلب النَّائِم اعْتِقَاد الطيران وَلَيْسَ بطائر فقصارى مَا فِيهِ أَنه اعْتقد امرا على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ علما وَكم فِي الْيَقَظَة مِمَّن يعْتَقد أمرا على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك الِاعْتِقَاد علما على غَيره كَمَا يكون خلق الله تَعَالَى الْغَيْم علما على الْمَطَر والجميع خلق الله وَلَكِن يخلق الرُّؤْيَا والاعتقادات الَّتِي جعلهَا علما على مَا يسر بِحَضْرَة الْملك أَو بِغَيْر حَضْرَة الشَّيْطَان ويخلق ضدها مِمَّا هُوَ علم على مَا يضرّهُ بِحَضْرَة الشَّيْطَان فينسب إِلَيْهِ مجَازًا واتساعا هَذَا الْمَعْنى بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيَا من الله عز وَجل والحلم من الشَّيْطَان لَا على أَن الشَّيْطَان يفعل شَيْئا فِي غَيره وَتَكون الرُّؤْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 اسْما لما يحب والحلم اسْم لما يكره أنْتَهى قَول الْمَازرِيّ وَحكى السُّهيْلي فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا قَول الأسفرائي أَبُو إِسْحَاق فِيمَا بلغه عَنهُ أَن الرُّؤْيَا إِدْرَاك بِجُزْء من الْقلب كَمَا أَن الرُّؤْيَة إِدْرَاك بِجُزْء من الْعين وَإِذا غشى الْقلب كُله النّوم لم ير شَيْئا فَإِذا ذهب عَنهُ النّوم أَو عَن أَكثر الْقلب كَانَت الرُّؤْيَا أصفى وَأجلى كرؤيا السحر قَالَ وَقَالَ القَاضِي الرُّؤْيَا اعتقادات يعتقدها الرَّائِي فِي النّوم وَلَيْسَت بِإِدْرَاك كإدراك الحاسة وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر ابْن فورك الرُّؤْيَا أَوْهَام يتوهمها الْمَرْء فِي حَال النّوم ثمَّ قَالَ أما قَول الأسفرائيني فقد يجوز أَن يكون فِي بعض الْأَحْوَال لَا فِي جَمِيع أَحْوَال الرُّؤْيَا فَإِن الرَّائِي قد يرى فِي الْمَنَام مَا هُوَ مَعْدُوم فِي تِلْكَ الْحَال والمعدوم لَا تتَعَلَّق بِهِ الإدراكات وَأما قَول القَاضِي اعتقادات فَحق لِأَنَّهُ قد يعْتَقد الشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقد يَعْتَقِدهُ على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ كَالَّذي يرى اللَّبن فِي النّوم فيعتقده لَبَنًا وَهُوَ عبارَة عَن الْعلم وَقد يحضر فِي حَال النّوم أَنه عبارَة عَن الْعلم وَلَيْسَ بِلَبن وَأما قَول أبي بكر هِيَ أَوْهَام فَصَحِيح وَلَيْسَ بمناقض لقَوْل القَاضِي لِأَن النَّائِم يتوهمه الشَّيْء فِي تصَوره فِي خلده ثمَّ يعْتَقد مَعَ ذَلِك التَّوَهُّم أَن الشَّيْء كَمَا يُوهِمهُ لعزوب عقله فِي النّوم فَإِذا ثاب إِلَيْهِ عقله فِي الْيَقَظَة انحل عَنهُ الِاعْتِقَاد وَعلم أَن الَّذِي توهمه لَيْسَ على الصُّورَة الَّتِي توهمها كَالَّذي يتَوَهَّم فِي الْيَقَظَة وَهُوَ فِي السَّفِينَة مَاشِيَة أَن الْبَحْر يمشي مَعَه وعقله يدْفع مَا فاجأه بِهِ الْوَهم وَلَوْلَا ذَلِك لاعتقد صِحَة مَا توهم فَإِذا عزب الْعقل تحكم الْوَهم اعتقدت النَّفس صِحَة مَا يتَوَهَّم فثم إِذا وهم إِمَّا صَادِق وَإِمَّا كَاذِب وَتمّ فِي تِلْكَ الْحَالة اعْتِقَاد تَصْدِيق الْوَهم انْتهى مَا ذكره فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا قَالَ الْمَازرِيّ وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا لن تضره فَقيل مَعْنَاهُ أَن الروع يذهب بِهَذَا النفث الْمَذْكُور وَفِي الحَدِيث إِذا كَانَ فَاعله مُصدقا بِهِ متكلا على الله جلت قدرته فِي دفع الْمَكْرُوه وَقيل يحْتَمل ان يُرِيد أَن هَذَا الْفِعْل مِنْهُ يمْنَع من نُفُوذ مَا دلّ عَلَيْهِ الْمَنَام من الْمَكْرُوه وَيكون ذَلِك سَببا فِيهِ كَمَا تكون الصَّدَقَة تدفع الْبلَاء إِلَى غير ذَلِك من النَّظَائِر الْمَذْكُورَة عِنْد أهل الشَّرِيعَة وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الْبَاب الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة فِي أَن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة أَو كَمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَة لَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي قَالَ وَقَالَ أَبُو سَلمَة قَالَ أَبُو قَتَادَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآنِي فقد رأى الْحق وَفِي رِوَايَة من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي ذهب القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب إِلَى أَن المُرَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي أَنه رأى الْحق وَأَن رُؤْيَاهُ لَا تكون أضغاثا وَلَا من التشبيهات فِي الشَّيْطَان ويعضد مَا قَالَه بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض الطّرق من رَآنِي فقد رأى الْحق إِن كَانَ المُرَاد بِهِ مَا أُرِيد بِالْحَدِيثِ الأول من الْمَنَام وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي إِشَارَة إِلَى أَن رُؤْيَاهُ لَا تكون أضغاثا وَإِنَّمَا تكون حَقًا وَقد يرَاهُ الرَّائِي على غير صفته المنقولة إِلَيْنَا كَمَا لَو رَآهُ شَيخا ابيض اللِّحْيَة أَو على خلاف لَونه أَو يرَاهُ رائيان فِي زمَان وَاحِد أَحدهمَا بالمشرق وَالْآخر بالمغرب وَيَرَاهُ وكل مِنْهُمَا مَعَه فِي مَكَانَهُ وَقَالَ السُّهيْلي رُؤْيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام رُؤْيا وَلَا تكون إِلَّا رُؤْيَة حق لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآنِي فقد رأى الْحق وَهُوَ مُشْتَرك بَين الرُّؤْيَة والرؤيا وَأما قَوْله من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة أول الْكَلَام من الرُّؤْيَا وَالثَّانِي من الرُّؤْيَة وَقَالَ آخَرُونَ بل الحَدِيث مَحْمُول على ظَاهره وَالْمرَاد أَن من رَآهُ فقد أدْركهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا مَانع يمْنَع من ذَلِك وَلَا عقل يحيله حَتَّى يضْطَر إِلَى صرف الْكَلَام عَن ظَاهره وَأما الاعتلال أَنه قد يرى على خلاف صفته الْمَعْرُوفَة وَفِي مكانين مُخْتَلفين مَعًا فَإِن ذَلِك غلط فِي صِفَاته وتخيل لَهَا على غير مَا هِيَ عَلَيْهِ وَقد يظنّ بعض الخيالات مرئيات لكَون مَا يتخيل مرتبطا لما يرى فِي الْعَادة فَتكون ذَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرئية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَصِفَاته متخيلة غير مرئية والإدراك لَا يشْتَرط فِيهِ تحديق الْأَبْصَار وَلَا قرب المسافات وَلَا كَون المرئي مَدْفُونا فِي الأَرْض وَلَا ظَاهرا عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يشْتَرط كَونه مَوْجُودا وَقد ثَبت وجوده وَتَكون الصِّفَات المتخيلة ثَمَرَتهَا اخْتِلَاف الدلالات وَقد ذكر الْكرْمَانِي فِي بَاب رُؤْيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث انه إِذا رئى فِي الْمَنَام شَيخا فَهُوَ عَام سلم وَإِذا رئى شَابًّا فَهُوَ عَام حَرْب وَكَذَلِكَ أحد جوابهم عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو رَآهُ امْرُؤ يَأْمُرهُ بقتل من لَا يحل قَتله فَإِن ذَلِك من الصِّفَات المتخيلة لَا المرئية وجوابهم الثَّانِي منع وُقُوع مثل هَذَا قَالَ الْمَازرِيّ لَا وَجه عِنْدِي لمنعهم إِيَّاه مَعَ قَوْلهم فِي تخيل الصِّفَات فَهَذَا انْفِصَال هَؤُلَاءِ عَمَّا احْتج بِهِ القَاضِي وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة اَوْ كَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَة فتأويله مَأْخُوذ مِمَّا تقدم قَالَ الْمَازرِيّ إِن كَانَ الْمَحْفُوظ فسيراني فِي الْيَقَظَة فَيحْتَمل أَن يُرِيد أهل عصره مِمَّن لم يُهَاجر اليه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ إِذا رَآهُ فِي الْمَنَام فسيراه فِي الْيَقَظَة وَيكون الْبَارِي جلت قدرته جعل رُؤْيا الْمَنَام علما على رُؤْيَة الْيَقَظَة وَأوحى إِلَيْهِ بذلك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ السُّهيْلي فِي ضمن أسئلة فِي الرُّؤْيَا كَيفَ تكون الرُّؤْيَا حَقًا وَهِي كلهَا قد يرى على صور مُخْتَلفَة مِنْهَا مَا هِيَ صُورَة لَهُ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِصُورَة لَهُ وَأجَاب بعد تَقْرِير الْكَلَام فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا وَقَالَ إِذا رأى فِي حَال النّوم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلا على غير صورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فقد رَآهُ حَقًا وَلَكِن من الرُّؤْيَا لَا من الرُّؤْيَة فَتوهم الصُّورَة أَنَّهَا صورته وَأَنَّهَا صفة لَهُ واعتقد فِي تِلْكَ الْحَال لعزوب الْعقل تَصْدِيق الْوَهم وَلم يقْدَح ذَلِك التَّوَهُّم فِي صِحَة الرُّؤْيَا كَمَا لم يقْدَح من الْيَقظَان الرَّاكِب الْبَحْر توهمه لمشي الْبَحْر فِي صِحَة رُؤْيَة الْبَحْر وَكَذَلِكَ من رأى رجلا من مَكَان بعيد جدا فتوهمه صَبيا أَو طائرا فقد رَآهُ بِعَيْنِه وَلم يقْدَح فِي صِحَة رُؤْيَته توهم الصُّورَة على غير مَا هِيَ لكنه فِي الْيَقَظَة يكذب الْوَهم فِي ذَلِك التَّوَهُّم لحُصُول الْعقل وَلَا يكذب الْعقل الْوَهم فِي حَال النّوم بل يعْتَقد صدقه لعزوب الْعقل عَن النّظر فِي الدَّلِيل فيعتقد الصُّورَة الدَّاخِلَة فِي الخيال لَا وجود لَهَا من خَارج فَإِذا اسْتَيْقَظَ انحل الِانْعِقَاد بتجديد النّظر وَبَقِي النّظر فِي تِلْكَ الصُّورَة المتوهمة فَإِن الله تَعَالَى لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 يخلقها دَاخل الخيال إِلَّا ليتعلق بهَا تَأْوِيل الرُّؤْيَا فيختلف التَّأْوِيل على حسب الصُّورَة المتوهمة الَّتِي لَا وجود لَهَا من خَارج تَعْلِيق فصل لَا شكّ أَنه لم يجز للشَّيْطَان أَن يتَمَثَّل على صُورَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأحرى أَن لَا يتَمَثَّل بِاللَّه عز وَجل وأجدر بِأَن تكون رُؤْيا الله تَعَالَى فِي الْمَنَام حَقًا وَأَن لَا يكون تَخْلِيطًا من الشَّيْطَان هَذَا على قَول طَائِفَة مِنْهُم أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ وَأما على قَول طَائِفَة أُخْرَى من الْعلمَاء فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْعِصْمَة من تصور الشَّيْطَان وتمثله إِنَّمَا هِيَ فِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ بشر تجوز عَلَيْهِ الصُّور فصرف الله عز وَجل الشَّيْطَان أَن يتَمَثَّل بِهِ لِئَلَّا تختلط رُؤْيَاهُ بالرؤيا الكاذبة وَهَذَا الْكَلَام لَهُ تَتِمَّة ذكرهَا ابْن بطال فِي شرح البُخَارِيّ اختصرتها وَمن تَأمل الْفَصْل من أَوله عرف القَوْل وضده ودله ذَلِك على معنى مَا تركته وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} بَيَان صغر الشَّيْطَان يَوْم عَرَفَة فصل فِي بَيَان صغر الشَّيْطَان ودحره وحقارته وغيظه يَوْم عَرَفَة روى مَالك فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث طَلْحَة بن عبد الله بن كريز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لم ير الشَّيْطَان يَوْمًا مَا هُوَ فِيهِ أَصْغَر وَلَا أَدْحَر وَلَا أَحْقَر وَلَا أَغيظ مِنْهُ فِي يَوْم عَرَفَة وَمَا ذَاك إِلَّا لما يرى من تنزل الرَّحْمَة وَتجَاوز الله تَعَالَى عَن الذُّنُوب الْكِبَار إِلَّا مَا رأى يَوْم بدر فَإِنَّهُ رأى جِبْرِيل يَزع الْمَلَائِكَة الْبَاب الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة فِي بَيَان طُلُوع قرن الشَّيْطَان من نجد روى البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا من حَدِيث عبد الله بن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَهُوَ على الْمِنْبَر أَلا إِن الْفِتْنَة هُنَا يُشِير إِلَى الْمشرق من حَيْثُ يطلع قرن الشَّيْطَان وَفِي رِوَايَة قَالَ وَهُوَ مُسْتَقْبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الْمشرق إِن الْفِتْنَة هَهُنَا ثَلَاثًا وَذكر نَحوه وَفِي أُخْرَى أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَقْبل الْمشرق يَقُول أَلا الْفِتْنَة هَهُنَا من حَيْثُ يطلع قرن الشَّيْطَان وَزَاد البُخَارِيّ فِي رِوَايَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي شامنا اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي يمننا قَالُوا يَا رَسُول الله وَفِي نجدنا فأظنه قَالَ فِي الثَّالِثَة هُنَالك الزلازل والفتن وَمِنْهَا يطلع قرن الشَّيْطَان فصل ذكر أهل السّير أَن قُريْشًا لما بنت الْكَعْبَة اخْتلفت فِيمَن يضع الرُّكْن وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي وَضعه بِيَدِهِ وَأَن إِبْلِيس تمثل فِي صُورَة شيخ نجدي حِين حكمُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمر الرُّكْن فصاح إِبْلِيس بِأَعْلَى صَوته يَا معشر قُرَيْش أقد رَضِيتُمْ أَن يضع هَذَا الرُّكْن وَهُوَ شرفكم غُلَام يَتِيم دون ذوى أسنتكم فكاد يثير شرا فِيمَا بَينهم ثمَّ سكنوا ذَلِك وَكَذَلِكَ لما اجْتمعت قُرَيْش للتشاور فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تمثل لَهُم إِبْلِيس أَيْضا فِي صُورَة شيخ جليل وانتسب إِلَى نجد فَأَما فِي الْكَعْبَة فتمثل نجديا لِأَن نجدا يطلع مِنْهَا قرن الشَّيْطَان كَمَا تقدم وَأما فِي وَقت التشاور فَذكر بعض أهل السّير أَن قُريْشًا لما اجْتمعت قَالَت لَا يدخلن مَعكُمْ فِي الْمُشَاورَة أحد من تهَامَة لِأَن هواهم مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانضم انتسابه إِلَى نجد لينتفي من تهَامَة إِلَى كَون قرنه يطلع من نجد فتناسب المعنيان وَقد ورد فِي حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ هَذَا الْكَلَام وقف عِنْد بَاب عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَنظر إِلَى الْمشرق يحذر من الْفِتْنَة قَالَ السُّهيْلي وَفِي وُقُوفه عِنْد بَاب عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا نَاظرا إِلَى الْمشرق يحذر من الْفِتْنَة عِبْرَة وفكر فِي خُرُوجهَا إِلَى الْمشرق عِنْد وُقُوع الْفِتْنَة تفهم الْإِشَارَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى واضمم إِلَى هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ذكر نزُول الْفِتَن أيقظوا صَوَاحِب الْحجر وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الْبَاب الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة فِي بَيَان طُلُوع الشَّمْس بَين قَرْني الشَّيْطَان روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عَمْرو بن عبسة قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَي اللَّيْل أسمع قَالَ جَوف اللَّيْل الآخر فصل مَا شِئْت فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة مَكْتُوبَة حَتَّى تصلي الصُّبْح ثمَّ أقصر حَتَّى تطلع الشَّمْس فترتفع قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني شَيْطَان فَيصَلي لَهَا الْكفَّار ثمَّ صل مَا شِئْت فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة مَكْتُوبَة حَتَّى يعدل الرمْح ظله ثمَّ أقصر فَإِن جَهَنَّم تسجر وتفتح أَبْوَابهَا فَإِذا زاغت الشَّمْس فصل مَا شِئْت فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة مَكْتُوبَة حَتَّى تصلي الْعَصْر ثمَّ أقصر حَتَّى تغرب الشَّمْس فَإِنَّهَا تغرب بَين قَرْني شَيْطَان وَيُصلي لَهَا الْكفَّار وروى مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله الصنَابحِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا ثمَّ إِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا دنت للغروب قارنها وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْأَوْقَات قَالَ ابْن عبد الْبر تَابع يحيى على قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله الصنَابحِي جُمْهُور الروَاة مِنْهُم العقبي وَغَيره وَقَالَ مطرف عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي عبد الله الصنَابحِي وَتَابعه إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع وَهُوَ الصَّوَاب وَهُوَ أَبُو عبد الله الصنَابحِي واسْمه عبد الرَّحْمَن بن غسيلة وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَلَا صُحْبَة لَهُ توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل قدومه الْمَدِينَة بِخمْس لَيَال وللعلماء فِي معنى الحَدِيث قَولَانِ أَحدهمَا أَن ذَلِك اللَّفْظ على حَقِيقَته وَأَنَّهَا تغرب وتطلع على قرن شَيْطَان وعَلى رَأس شَيْطَان وَبَين قَرْني شَيْطَان على ظَاهر الحَدِيث حَقِيقَة لَا مجَازًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 من غير تكييف لِأَنَّهُ لَا يكيف مَا لَا يرى وَحجَّة من قَالَ هَذَا القَوْل حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَهُ أرايت مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أُميَّة بن أبي الصَّلْت آمن شعره وَكفر قلبه قَالَ هُوَ حق فَمَا أنكرتم من شعره قَالُوا أَنْكَرْنَا قَوْله ... وَالشَّمْس تطلع كل آخر لَيْلَة ... حَمْرَاء يصبح لَوْنهَا يتورد لَيست بطالعة لَهُم فِي رسلها ... إِلَّا معذبة وَإِلَّا تجلد ... فَمَا بَال الشَّمْس تجلد فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا طلعت الشَّمْس قطّ حَتَّى ينخسها سَبْعُونَ ألف ملك وَيَقُولُونَ لَهَا اطلعِي اطلعِي فَتَقول لَا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك من الله عز وَجل يأمرها بالطلوع فيستقبل الضياء بني آدم فيأتيها شَيْطَان يُرِيد أَن يصدها عَن الطُّلُوع فَتَطلع بَين قرنيه فيحرقه الله تَعَالَى تحتهَا وَمَا غربت الشَّمْس قطّ إِلَّا خرت لله تَعَالَى سَاجِدَة فيأتيها شَيْطَان يُرِيد أَن يصدها عَن السُّجُود فتغرب بَين قرنيه فيحرقه الله تَعَالَى تحتهَا فَذَلِك قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا طلعت إِلَّا بَين قَرْني شَيْطَان وَلَا غربت إِلَّا بَين قَرْني شَيْطَان وَقَالَ آخَرُونَ معنى هَذَا الحَدِيث عندنَا على الْمجَاز واتساع الْكَلَام وَأَنه أُرِيد بقرن الشَّيْطَان هُنَا أمة تعبد الشَّمْس وتسجد لَهَا وَتصلي فِي حِين غُرُوبهَا وطلوعها تقصد بذلك الشَّمْس من دون الله وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره التَّشَبُّه بالكفار وَيجب مخالفتهم فَنهى عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات لذَلِك وَهَذَا التَّأْوِيل جَائِز فِي لُغَة الْعَرَب مَعْرُوف فِي لسانها لِأَن الْأمة تسمى عِنْده قرنا والأمم قرونا وَقَالَ عز وَجل {وَكم أهلكنا قبلهم من قرن} وَقَالَ تَعَالَى {وقرونا بَين ذَلِك كثيرا} وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا بَال الْقُرُون الأولى} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير النَّاس قَرْني وَجَائِز أَن يُضَاف الْقرن إِلَى الشَّيْطَان لطاعتهم لَهُ وَقد سمى الله تَعَالَى الْكفَّار حزب الشَّيْطَان وَمن حجَّة من تَأَول هَذَا التَّأْوِيل من طَرِيق الْآثَار حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عَمْرو بن عبسة السّلمِيّ الَّذِي قدمْنَاهُ وَحَدِيث أبي أُمَامَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله أعلم الْبَاب الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة فِي بَيَان مقْعد الشَّيْطَان قَالَ أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب الْأَدَب أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن صَدَقَة حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الزُّهْرِيّ حَدثنَا عمي حَدثنَا شُعْبَة عَن مُغيرَة الْعَبْسِي الْأَعْمَى عَن الشّعبِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قعُود الرجل بعضه فِي الشَّمْس وَبَعضه فِي الظل مقْعد الشَّيْطَان أخبرنَا أَحْمد حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم حَدثنَا عمي حَدثنَا شُعْبَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ بِمثل ذَلِك أخبرنَا يحيى بن جعدة حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا قُرَّة بن خَالِد عَن نفيع عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ يَقُول مقيل الشَّيْطَان بَين الظل وَالشَّمْس أخبرنَا يحيى أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب أَنبأَنَا سعيد عَن قَتَادَة كَانَ يُقَال مقْعد الشَّيْطَان بَين الظل وَالشَّمْس وَيكرهُ الْقعُود فِيهِ أَخْبرنِي أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَازِم أَن إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثهمْ أَنه قَالَ لِابْنِ عبد الله يكره أَن يجلس بَين الظل وَالشَّمْس قَالَ هَذَا مَكْرُوه أَلَيْسَ قد نهى عَن ذَلِك قَالَ إِسْحَاق ابْن مَنْصُور قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قد صَحَّ النَّهْي فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن لَو ابْتَدَأَ فَجَلَسَ فِيهِ كَانَ أَهْون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الْبَاب السَّادِس عشر بعد الْمِائَة فِي لُزُوم الشَّيْطَان القَاضِي الجائر روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله مَعَ القَاضِي مَا لم يجر فَإِذا جَار تخلى عَنهُ وَلَزِمَه الشَّيْطَان الْبَاب السَّابِع عشر بعد الْمِائَة فِي ادباره إِذا نُودي للصَّلَاة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان لَهُ ضراط حَتَّى لَا يسمع المنادين حَتَّى إِذا قضى التثويب أقبل حَتَّى يخْطر بَين الْمَرْء وَنَفسه يَقُول اذكر كَذَا وَاذْكُر كَذَا مَا لم يكن يذكر قبل حَتَّى يظل الرجل مَا يدْرِي كم صلى وَفِي رِوَايَة أَن الشَّيْطَان إِذا سمع النداء بِالصَّلَاةِ أحَال لَهُ حَتَّى لَا يسمع صَوته فَإِذا أنْتَهى رَجَعَ فوسوس وَفِي أُخْرَى إِذا أذن الْمُؤَذّن أدبر الشَّيْطَان وَله حصاص قَالَ الْجَوْهَرِي الضراط الردام ضرط يضرط ضرطا مثل خبق يخبق خبقا وَرَأَيْت فِي الجمهرة ضبط ابْن خالويه خبقا بِسُكُون الْبَاء والحصاص بِالضَّمِّ شدَّة الْعَدو وسرعته عَن الْأَصْمَعِي وَقد حص يحص حصا قَالَ حَمَّاد بن سَلمَة قلت لعاصم بن أبي النجُود مَا الحصاص قَالَ مَا رَأَيْت الْحمار إِذا صر بأذنيه ومصغ بِذَنبِهِ وَعدا فَذَلِك حصاصه قَالَ أَبُو عبيد يُقَال هُوَ الضراط فِي قَول بَعضهم قَالَ وَقَول عَاصِم أحب إِلَى وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي أَو نَحوه وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الْبَاب الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة فِي مشْيَة الشَّيْطَان فِي نعل وَاحِدَة قَالَ حَرْب حَدثنَا مُحَمَّد بن الْوَزير الدِّمَشْقِي حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن جَعْفَر بن ربيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يمشي أحدكُم فِي نعل وَاحِدَة فَإِن الشَّيْطَان يمشي فِي نعل وَاحِدَة قَالَ حَرْب وَسمعت أَحْمد يكره أَن يمشي الرجل فِي نعل وَاحِدَة كَرَاهِيَة وَاحِدَة قَالَ حَرْب حَدثنَا يحيى ابْن عبد الحميد حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي رزين عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا انْقَطع شسع أحدكُم فَلَا يمش فِي الْأُخْرَى حَتَّى يصلحها الْبَاب التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة فِي اعتزاله ابْن آدم إِذا تَلا السَّجْدَة إِذا تَلا ابْن آدم السَّجْدَة اعتزل الشَّيْطَان يبكي وَيَقُول يَا ويله أَمر ابْن آدم بِالسُّجُود فَسجدَ فَلهُ الْجنَّة وَأمرت بِالسُّجُود فأبيت فلي النَّار قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا أَبُو مُسلم عبد الرَّحْمَن بن يُونُس حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن عبيد الله بن مقسم قَالَ إِذا لعنت الشَّيْطَان قَالَ لعنت ملعنا فَإِذا استعذت مِنْهُ يَقُول قطعت ظَهْري وَإِذا سجدت يَقُول يَا ويله أَمر ابْن آدم بِالسُّجُود فأطاع وَأمر الشَّيْطَان فعصى فلابن آدم الْجنَّة وللشيطان النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 الْبَاب الموفي عشْرين بعد الْمِائَة فِي أَن التثاؤب وَالنُّعَاس والعطاس فِي الصَّلَاة من الشَّيْطَان فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني قَالَ شكي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة قَالَ لَا ينْصَرف أحدكُم حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا قَالَ أَو بكر قَالَ أَبُو بكر ابْن مُحَمَّد حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن قيس بن سكن قَالَ قَالَ عبد الله إِن الشَّيْطَان يطِيف بأحدكم فِي الصَّلَاة فَإِذا أعياه أَن ينْصَرف نفخ فِي دبره ليريه أَنه قد أحدث فَلَا ينصرفن حَتَّى يجد ريحًا أَو يسمع صَوتا وَقَالَ إِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن جَابر عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ قَالَ عبد الله إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم فِي الْعُرُوق مجْرى الدَّم حَتَّى أَنه يَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فينفخ فِي دبره ويبل إحليله ثمَّ يَقُول أحدثت فَلَا ينصرفن أحدكُم حَتَّى يجدن ريحًا أَو يسمع صَوتا أَو يجد بللا وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا مُحَمَّد بن النَّضر حَدثنَا أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ حَدثنَا قيس بن الرّبيع عَن زر عَن عبد الله قَالَ النعاس عِنْد الْقِتَال امنة من الله تَعَالَى وَالنُّعَاس فِي الصَّلَاة من الشَّيْطَان ثمَّ سَاقه عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن أبي زريرة عَن عبد الله حَدثنَا مُحَمَّد بن النَّضر الْأَزْدِيّ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن عَمْرو أَنبأَنَا زَائِدَة عَن يزِيد بن أبي ظبْيَان عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ التثاؤب والعطاس فِي الصَّلَاة من الشَّيْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي أَن العجلة من الشَّيْطَان قَالَ ابْن السّني فِي كتاب الإيجاز حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد ابْن عبد الْغفار حَدثنَا أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ حَدثنَا عبد الْمُهَيْمِن بن الْعَبَّاس ابْن سهل عَن أَبِيه عَن جده ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الأناة من الله عز وَجل والعجلة من الشَّيْطَان الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي أَن نهيق الْحمار عِنْد رُؤْيَة الشَّيْطَان روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ صياح الديكة فاسألوا الله من فَضله فَإِنَّهَا رَأَتْ ملكا وَإِذا سَمِعْتُمْ نهيق الْحمار فتعوذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ رأى شَيْطَانا الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرض الشَّيْطَان لأهل الْمَسْجِد قَالَ أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ حَدثنَا الضَّحَّاك ابْن عُثْمَان عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أحدكُم إِذا كَانَ فِي الْمَسْجِد جَاءَ الشَّيْطَان فأنس بِهِ كَمَا يأنس الرجل بدابته فَإِذا سكن لَهُ رنقه وألجمه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وانتم ترَوْنَ ذَلِك أما الْمرْفق فتراه مائلا كَذَا لَا يذكر الله وَأما الملجم ففاتح فَاه لَا يذكر الله تَعَالَى وَقَالَ أَحْمد حَدثنَا ابان حَدثنَا قَتَادَة عَن أنس أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول راصوا صفوفكم وقاربوا بَينهَا وحاذوا بَين الاعناق فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأرى الشَّيْطَان يدْخل من خلل الصَّفّ كَأَنَّهُ الْحَذف وروى ابْن السّني فِي كتاب عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة بِسَنَدِهِ عَن أبي امامة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يخرج من الْمَسْجِد تداعت جنود إِبْلِيس واجتلبت كَمَا يجْتَمع النَّحْل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 بعسوبها فَإِذا قَامَ أحدكُم على بَاب الْمَسْجِد فَلْيقل اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من إِبْلِيس وَجُنُوده فَإِنَّهَا لن تضره اليعسوب ذكر النَّحْل وَقيل أميرها والحذف بِالتَّحْرِيكِ غنم سود صغَار من غنم الْحجاز الْوَاحِدَة حذفة وَفِي حَدِيث كَأَنَّهَا بَنَات حذف الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تكبر إِبْلِيس عَن السُّجُود لآدَم ووسوسته لَهُ حَتَّى أكل من الشَّجَرَة قَالَ ابْن جرير اخْتلف السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي السَّبَب الَّذِي سَوَّلت لَهُ نَفسه من أَجله الاستكبار فروى عَن ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك أَقْوَال أَحدهَا مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك أَن إِبْلِيس لما قتل الْجِنّ الَّذين عصوا الله وأفسدوا فِي الأَرْض وشردهم أَعْجَبته نَفسه وَرَأى فِي نَفسه أَن لَهُ من الْفَضِيلَة مَا لَيْسَ لغيره وَالْقَوْل الثَّانِي من الْأَقْوَال المروية عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ ملك السَّمَاء وسائسها وسائس مَا بَينهَا وَبَين الأَرْض وخازن الْجنَّة مَعَ اجْتِهَاده فِي الْعِبَادَة فأعجب بِنَفسِهِ وَرَأى أَن لَهُ بذلك فضلا فاستكبر على ربه حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون حَدثنَا عمر بن حَمَّاد حَدثنَا أَسْبَاط عَن السّديّ فِي خبر ذكره عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الهمذاني عَن ابْن مَسْعُود عَن أنَاس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فرغ الله من خلق مَا أحب اسْتَوَى على الْعَرْش فَجعل إِبْلِيس على ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من قَبيلَة يُقَال لَهَا الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لانهم خزان الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا فَوَقع فِي صَدره كبر وَقَالَ مَا أَعْطَانِي الله تَعَالَى على هَذَا الْأَمر إِلَّا لمزية هَكَذَا حَدثنِي مُوسَى بن هَارُون وحد ثني بِهِ أَحْمد عَن خَيْثَمَة عَن عَمْرو بن حَمَّاد وَقَالَ لمزية لي على الْمَلَائِكَة فَلَمَّا وَقع ذَلِك الْكبر فِي نَفسه اطلع الله على ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ الله للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَالْقَوْل الثَّالِث من الْأَقْوَال عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول السَّبَب فِي ذَلِك أَنه كَانَ من بقايا خلق خلقهمْ الله فَأَمرهمْ الله بِأَمْر فَأَبَوا طَاعَته حَدثنِي مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن شريك عَن رجل عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الله تَعَالَى خلق خلقا فَقَالَ {اسجدوا لآدَم} فَقَالُوا لَا نَفْعل فَبعث الله عَلَيْهِم نَارا تحرقهم ثمَّ خلق خلقا آخر فَقَالَ {إِنِّي خَالق بشرا من طين} فاسجدوا لآدَم قَالَ فَأَبَوا فَبعث الله تَعَالَى عَلَيْهِم نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ قَالَ ثمَّ خلق هَؤُلَاءِ فَقَالَ {اسجدوا لآدَم} قَالُوا نعم وَكَانَ إِبْلِيس من أُولَئِكَ الَّذين أوا أَن يسجدوا لآدَم قَالَ أَبُو الْفِدَاء اسماعيل ابْن كثير هَذَا غَرِيب وَلَا يكَاد يَصح إِسْنَاده فَإِن فِيهِ رجلا مُتَّهمًا وَمثله لَا يحْتَج بِهِ وَالله أعلم وَقَالَ آخَرُونَ بل السَّبَب أَنه كَانَ من بقايا الْجِنّ الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض فسفكوا الدِّمَاء فِيهَا وأفسدوا وعصوا رَبهم فقاتلتهم الْمَلَائِكَة حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا يحيى بن وَاضح حَدثنَا أَبُو سعيد اليحمدي إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم حَدثنَا سوار بن أبي الْجَعْد عَن شهر بن حَوْشَب قَوْله كَانَ من الْجِنّ قَالَ كَانَ إِبْلِيس من الْجِنّ الَّذين طردتهم الْمَلَائِكَة فَأسرهُ بعض الْمَلَائِكَة فَذهب بِهِ إِلَى السَّمَاء حَدثنِي عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنَا أَبُو نصر أَحْمد ابْن مُحَمَّد الْخلال حَدثنَا سُهَيْل بن دَاوُد حَدثنَا هشيم أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن ابْن يحيى عَن مُوسَى بن نمير وَعُثْمَان بن سعيد عَن سعد بن مَسْعُود قَالَ كَانَت الْمَلَائِكَة تقَاتل الْجِنّ فسبي إِبْلِيس وَكَانَ صَغِيرا وَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة فتعبد مَعهَا فَلَمَّا أمروا أَن يسجدوا لآدَم سجدوا وأبى إِبْلِيس فَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأولى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ أَن يُقَال كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} ففسق عَن أَمر ربه وَجَائِز أَن يكون فسوقه عَن أَمر ربه كَانَ من أجل أَنه كَانَ من الْجِنّ وَجَائِز أَن يكون من أجل إعجابه بِنَفسِهِ لشدَّة اجْتِهَاده فِي عبَادَة ربه وَكَثْرَة علمه وَمَا كَانَ أُوتِيَ من ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَالْأَرْض وخزن الْجنان وَجَائِز أَن يكون كَانَ ذَلِك لأمر من الْأُمُور وَلَا يدْرك علم ذَلِك إِلَّا بِخَبَر تقوم بِهِ الْحجَّة وَلَا خبر بذلك عندنَا وَالِاخْتِلَاف فِي أمره مَا حكيناه ورويناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَقد قيل إِن سَبَب هَلَاكه كَانَ من أجل أَن الأَرْض كَانَ فِيهَا من قبل آدم الْجِنّ فَبعث الله تَعَالَى إِبْلِيس قَاضِيا يقْضِي بَينهم فَلم يزل يقْضِي بَينهم بِالْحَقِّ ألف سنة حَتَّى سمي حكما وَسَماهُ الله بِهِ وَأوحى إِلَيْهِ اسْمه فَعِنْدَ ذَلِك دخله الْكبر فتعظم وتكبر وَألقى بَين الَّذين كَانَ الله بَعثه اليهم حكما الْبَأْس والعداوة والبغضاء فَاقْتَتلُوا عِنْد ذَلِك فِي الأَرْض ألفي سنة فِيمَا زَعَمُوا حَتَّى أَن خيولهم تخوض فِي دِمَائِهِمْ قَالُوا فَذَلِك قَول الله {أفعيينا بالخلق الأول بل هم فِي لبس من خلق جَدِيد} وَقَول الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} فَبعث الله تَعَالَى عِنْد ذَلِك نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ قَالُوا فَلَمَّا رأى إِبْلِيس مَا نزل بقَوْمه من الْعَذَاب عرج إِلَى السَّمَاء فَأَقَامَ عِنْد الْمَلَائِكَة يعبد الله تَعَالَى فِي السَّمَاء مُجْتَهدا لم يعبده شَيْء من خلقه مثل عِبَادَته فَلم يزل مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة حَتَّى خلق الله تَعَالَى آدم فَكَانَ من أمره ومعصيته ربه مَا كَانَ فَلَمَّا أَرَادَ الله تَعَالَى إطلاع الْمَلَائِكَة على مَا قد علم من انطواء إِبْلِيس على الْكبر وَإِظْهَار أمره لَهُم حِين دنا أمره للبوار وَملكه وسلطانه للزوال قَالَ {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فَأَجَابُوهُ {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} روى عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمَلَائِكَة قَالَت ذَلِك لما كَانُوا عهدوا من أَمر إِبْلِيس وَأمر الْجِنّ الَّذين كَانُوا فِيهَا فَكَانُوا يسفكون الدِّمَاء فِيهَا ويفسدون فِي الأَرْض ويعصونك {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} فَقَالَ {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} من انطواء إِبْلِيس على التكبر وعزمه على خلاف أَمْرِي وتسويل نَفسه لَهُ بِالْبَاطِلِ واعتزازه وَأَنا مبد ذَلِك لكم لتروا ذَلِك مِنْهُ عيَانًا حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وأناس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَت الْمَلَائِكَة مَا قَالَت وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} يَعْنِي من شَأْن إِبْلِيس فَبعث الله جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الأَرْض ليَأْتِيه بطين مِنْهَا فَقَالَت الأَرْض إِنِّي أعوذ بِاللَّه مِنْك أَن تقبض مني أَو تشينني فَرجع فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ يَا رب إِنَّهَا عاذت فأعذتها فَبعث الله تَعَالَى مِيكَائِيل فعاذت مِنْهُ فأعاذها فَرجع فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَبعث اليها ملك الْمَوْت فعاذت مِنْهُ فَقَالَ وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أرجع وَلم أنفذ أمره فَأخذ من وَجه الأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وخلط فَلم يَأْخُذ من مَكَان وَاحِد وَأخذ من تربة حَمْرَاء وبيضاء وسوداء وَلذَلِك خرج بَنو آدم مُخْتَلفين فَصَعدَ بِهِ قبل التُّرَاب حَتَّى عَاد طينا لازبا واللازب الَّذِي يلتزق بعضه بِبَعْض ثمَّ ترك حَتَّى تغير وأنتن وَذَلِكَ حِين يَقُول حمأ مسنون قَالَ منتن حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا يَعْقُوب الْعمي عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بعث رب الْعِزَّة إِبْلِيس فَأخذ من آديم الأَرْض من عذبها وملحها فخلق مِنْهُ آدم وَمن ثمَّ سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض وَمن ثمَّ قَالَ إِبْلِيس {أأسجد لمن خلقت طينا} أَي هَذِه الطينة أَنا جِئْت بهَا حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا عُثْمَان بن سعيد حَدثنَا بشر بن عمَارَة عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَمر الله تَعَالَى بتربة آدم فَرفعت فخلق آدم من طين لازب من حمأ مسنون قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ مسنونا بعد التُّرَاب قَالَ فخلق مِنْهُ آدم بِيَدِهِ فَمَكثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة جسدا ملقى فَكَانَ إِبْلِيس يَأْتِيهِ فيضربه بِرجلِهِ فيصلصل أَي يصوت قَالَ فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {من صلصال كالفخار} يَقُول كالشيء المنفرج الَّذِي لَيْسَ بمصمت قَالَ ثمَّ يدْخل من فِيهِ وَيخرج من دبره وَيدخل من دبره وَيخرج من فِيهِ ثمَّ يَقُول لست شَيْئا للصلصلة ولشيء مَا خلقت وَلَئِن سلطت عَلَيْك لأهلكتك وَلَئِن سلطت على لأعصينك حَدثنَا مُوسَى بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وأناس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تَعَالَى للْمَلَائكَة {إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سويته ونفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين} فخلقه تَعَالَى بِيَدِهِ لكيلا يتكبر إِبْلِيس عَنهُ ليقول أتتكبر عَمَّا عملت بيَدي وَلم أتكبر أَنا عَنهُ فخلقته بشرا فَكَانَ جسدا من طين أَرْبَعِينَ سنة من مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة فمرت بِهِ الْمَلَائِكَة ففزعوا مِنْهُ لما رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَّدهم مِنْهُ فَزعًا إِبْلِيس فَكَانَ يمر بِهِ فيصوت الْجَسَد كَمَا يصوت الفخار يكون لَهُ صلصلة فَذَلِك حِين يَقُول {من صلصال كالفخار} وَيَقُول لأمر مَا خلقت وَدخل فِيهِ وَخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 من دبره فَقَالَ للْمَلَائكَة لَا ترهبوا من هَذَا فَإِن ربكُم صَمد وَهَذَا أجوف وَلَئِن سلطت عَلَيْهِ لأهلكنه حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون بِسَنَدِهِ قَالُوا فَلَمَّا بلغ آدم الْحِين الَّذِي يُرِيد الله عز وَجل أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح قَالَ للْمَلَائكَة إِذا نفخت فِيهِ من روحي فاسجدوا لَهُ فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح فَدخل الرّوح فِي رَأسه عطس فَقَالَت الْمَلَائِكَة قل الْحَمد لله فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ الله يَرْحَمك رَبك يَا آدم فَلَمَّا دخل الرّوح فِي عَيْنَيْهِ نظر إِلَى ثمار الْجنَّة فَلَمَّا دخل إِلَى جَوْفه اشْتهى الطَّعَام فَوَثَبَ قبل أَن يبلغ الرّوح رجلَيْهِ عجلَان إِلَى ثمار الْجنَّة فَذَلِك حِين يَقُول {خلق الْإِنْسَان من عجل} فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين قَالَ الله تَعَالَى {مَا مَنعك أَلا تسْجد إِذْ أَمرتك} قَالَ {أَنا خير مِنْهُ} لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين قَالَ الله عز وَجل لَهُ {اخْرُج مِنْهَا} فَمَا يكون لَك أَن تتكبر فِيهَا يَعْنِي فَمَا يَنْبَغِي لَك أَن تتكبر فِيهَا {فَاخْرُج إِنَّك من الصاغرين} ولبعض هَذَا السِّيَاق وَمَا قبله من حَدِيث السّديّ شَاهد من الْأَحَادِيث وَإِن كَانَ كثير مِنْهُ متلقى من الْإسْرَائِيلِيات وَقَوله تَعَالَى لإبليس اهبط مِنْهَا فَمَا يكون لَك أَن تتكبر فِيهَا وَقَوله {اخْرُج مِنْهَا} دَلِيل على أَنه كَانَ فِي السَّمَاء فَأمر بالهبوط مِنْهَا وَالْخُرُوج من الْمنزلَة والمكانة الَّتِي كَانَ نالها بِعِبَادَتِهِ وتشبهه بِالْمَلَائِكَةِ ثمَّ سلب ذَلِك فاهبط إِلَى الأَرْض مذموما مَدْحُورًا قَالَ ابْن جرير حَدثنَا كريب حَدثنَا عُثْمَان بن سعيد حَدثنَا بشر ابْن عمَارَة عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فَلَمَّا نفخ الله تَعَالَى فِيهِ يَعْنِي فِي آدم من روحه أَتَت النفخة من قبل رَأسه فَجعل لَا يجْرِي شَيْء مِنْهَا فِي جسده إِلَّا صَار لَحْمًا فَلَمَّا انْتَهَت النفخة إِلَى سرته نظر إِلَى جسده فأعجبه مَا رأى من حسنه فَذهب لينهض فَلم يقدر فَهُوَ قَول الله تَعَالَى {خلق الْإِنْسَان من عجل} وَقَوله تَعَالَى {وَكَانَ الْإِنْسَان عجولا} قَالَ ضجرا لَا صَبر لَهُ على سراء وَلَا ضراء قَالَ فَلَمَّا نمت النفخة فِي جسده عطس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 فَقَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين بإلهام الله لَهُ فَقَالَ الله تَعَالَى لَهُ يَرْحَمك الله تَعَالَى يَا آدم قَالَ ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة الَّذين كَانُوا من إِبْلِيس خَاصَّة دون الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَوَات {اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر} لما كَانَ حدث بِهِ نَفسه من كبره واغتراره فَقَالَ لَا أَسجد لَهُ وَأَنا خير مِنْهُ وأكبر سنا وَأقوى خلقا {خلقتني من نَار وخلقته من طين} يَقُول إِن النَّار أقوى من الطين قَالَ فَلَمَّا أَبى إِبْلِيس أَن يسْجد أبلسه الله أَي أيأسه من الْخَيْر كُله وَجعله شَيْطَانا رجيما عُقُوبَة لمعصيته وَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن جرير فِيهِ انْقِطَاع وَفِي السِّيَاق نَكَارَة وَقد رَجحه بعض الْمُتَأَخِّرين وَالْجُمْهُور على أَن المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ المأمورين بِالسُّجُود جَمِيع الْمَلَائِكَة لَا الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض مَعَ إِبْلِيس وَهُوَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ عُمُوم الْآيَات وَهُوَ الَّذِي يظْهر من السياقات وَيدل عَلَيْهِ الحَدِيث وَقَوله وأسجد لَك مَلَائكَته وَهَذَا عُمُوم أَيْضا قَالَ ابْن جرير حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا سَلمَة عَن مُحَمَّد بن اسحاق قَالَ فَيُقَال وَالله اعْلَم أَنه لما انْتهى الرّوح إِلَى رَأسه عطس فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ لَهُ ربه يَرْحَمك رَبك وَوَقع الْمَلَائِكَة حِين اسْتَوَى سجودا لَهُ حفظا لعهد الله الَّذِي عهد اليهم وَطَاعَة لأَمره الَّذِي أَمرهم بِهِ وَقَامَ عَدو الله إِبْلِيس فَلم يسْجد متكبرا متعظما بغيا وحسدا فَقَالَ لَهُ يَا إِبْلِيس {مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} إِلَى قَوْله {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} قَالَ فَلَمَّا فرغ الله تَعَالَى من إِبْلِيس ومعاتبته وأبى إِلَّا الْمعْصِيَة أوقع عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَأخرجه من الْجنَّة قَالَ الله تَعَالَى {فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي إِلَى يَوْم الدّين} اسْتحق هَذَا من الله تَعَالَى لِأَنَّهُ استلزم تنقصة لآدَم وازدراءه بِهِ وترفعه عَلَيْهِ مُخَالفَة الْأَمر الإلهي ومعاندة الْحق فِي النَّص على آدم على التَّعْيِين وَشرع فِي الِاعْتِذَار بِمَا لَا يجدي عَنهُ شَيْئا فَكَانَ اعتذاره أَشد من ذَنبه كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْإِسْرَاء {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} إِلَى قَوْله {وَكفى بِرَبِّك وَكيلا} قَالَ ابْن جرير حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَعَن أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما خرج إِبْلِيس من الْجنَّة حِين لعن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وأسكن آدم الْجنَّة فَكَانَ يمشي فِيهَا وحشيا لَيْسَ لَهُ زوج يسكن إِلَيْهَا فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ فَإِذا عِنْد رَأسه امْرَأَة قَاعِدَة خلقهَا الله تَعَالَى من ضلعه فَسَأَلَهَا مَا انت فَقَالَت امْرَأَة قَالَ وَلم خلقت قَالَت لتسكن إليى قَالَت لَهُ الْمَلَائِكَة ينظرُونَ مَا مبلغ علمه مَا اسْمهَا قَالَ حَوَّاء قَالُوا لم سميت حَوَّاء قَالَ لِأَنَّهَا خلقت من شَيْء حَيّ قَالَ الله عز وَجل {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغدا حَيْثُ شئتما} وَهَذَا الَّذِي سَاقه ابْن جرير من حَدِيث مُوسَى بن هَارُون منتزع من نَص التَّوْرَاة الَّتِي بأيدي أهل الْكتاب وَسِيَاق الْآيَات وظاهرها يقتضى أَن خلق حَوَّاء كَانَ قبل دُخُول آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْجنَّة كَقَوْلِه {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} وَهَذَا قد صرح بِهِ ابْن اسحاق وَذكر ابْن اسحاق عَن ابْن عَبَّاس ان حَوَّاء خلقت من ضلعه الأقصر وَهُوَ نَائِم ولثم مَكَانَهُ لحم ومصداق هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} وَقَوله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا} قَالَ ابْن جرير لما أسكن الله تَعَالَى آدم وزوجه جنته أطلق الله لَهما تبَارك اسْمه أَن يأكلا كل مَا شَاءَ أكله من كل مَا فِيهَا من ثمارها غير ثَمَرَة شَجَرَة وَاحِدَة ابتلاء مِنْهُ لَهما بذلك وليمضي قَضَاء الله فيهمَا وَفِي ذريتهما كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَيَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة فكلا من حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين فوسوس لَهما الشَّيْطَان ليبدي لَهما مَا ووري عَنْهُمَا} أكل مَا نهاهما رَبهَا عَن أكله من ثَمَر تِلْكَ الشَّجَرَة وَحسن لَهما حَتَّى أكلا مِنْهَا فَبَدَا لَهما من سوآتهما مَا كَانَ توارى عَنْهُمَا مِنْهَا وَكَانَ وُصُول عَدو الله إِبْلِيس إِلَى تَزْيِين ذَلِك مَا ذكر فِي الْخَبَر الَّذِي حَدثنِي مُوسَى بن هَارُون حَدثنَا عَمْرو بن حَمَّاد حَدثنَا اسباط عَن السّديّ فِي خبر ذكره عَن ابي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الْهَمدَانِي عَن ابْن مَسْعُود وَعَن اناس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما قَالَ الله تَعَالَى لآدَم {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغدا حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 أَرَادَ إِبْلِيس أَن يدْخل عَلَيْهِمَا الْجنَّة فمنعته الخزنة فَأتى الْحَيَّة هِيَ دَابَّة لَهَا أَربع قَوَائِم كَأَنَّهَا الْبَعِير وَهِي كأحسن الدَّوَابّ فكلمها أَن تدخله فِي فمها حَتَّى يدْخل إِلَى آدم فأدخلته فِي فمها فمرت الْحَيَّة على الخزنة فَدخلت وهم لَا يعلمُونَ مَا أَرَادَ الله تَعَالَى من الامر فَكَلمهُ من فمها فَلم ينل كَلَامه فَخرج إِلَيْهِ فَقَالَ {يَا آدم هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى} يَقُول هَل أدلك على شَجَرَة إِذا أكلت مِنْهَا كنت ملكا وَتَكون من الخالدين فَلَا تَمُوت أبدا وَحلف لَهما بِاللَّه {إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين} وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك ليبدي لَهما مَا توارى عَنْهُمَا من سوآتهما يهتك لباسهما وَكَانَ قد علم أَن لَهما سوآت لما كَانَ يقْرَأ من كتاب الْمَلَائِكَة وَلم يكن آدم يعلم ذَلِك وَكَانَ لباسهما الظفر فَأبى آدم أَن يَأْكُل مِنْهَا فتقدمت حَوَّاء فَأكلت مِنْهَا ثمَّ قَالَت يَا آدم كل فَإِنِّي قد أكلت فَلم يضرني فَلَمَّا أكل آدم بَدَت لَهما سوآتهما فطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة طفقا أَقبلَا أَي جعلا يلصقان عَلَيْهِمَا من ورق التِّين حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا سَلمَة عَن ابْن اسحاق عَن لَيْث بن أبي سليم عَن طَاوس الْيَمَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن عَدو الله إِبْلِيس عرضه نَفسه على دَوَاب الارض أَيهَا يحملهُ حَتَّى يدْخل بِهِ مَعَه حَتَّى يكلم آدم وَزَوجته فَكل الدَّوَابّ أَبى ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى كلم الْحَيَّة فَقَالَ لَهَا امنعك من بني آدم فَأَنت فِي ذِمَّتِي إِن أَنْت أدخلتني الْجنَّة فَجَعَلته بَين نابين من أنيابها ثمَّ دخلت بِهِ فكلمهما من فِيهَا وَكَانَت كاسية تمشي على أَربع قَوَائِم فأعراها الله تَعَالَى وَجعلهَا تمشي على بَطنهَا قَالَ يَقُول ابْن عَبَّاس اقتلوها حَيْثُ وجدتموها اخفروا ذمَّة عَدو الله تَعَالَى فِيهَا قَالَ ابْن جرير حدثت عَن عمار بن الْحسن حَدثنَا عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن أَبِيه عَن الرّبيع قَالَ حَدثنِي مُحدث أَن الشَّيْطَان دخل الْجنَّة فِي صُورَة دَابَّة ذَات قَوَائِم فَكَانَ يرى أَنه الْبَعِير قَالَ فلعن فَسَقَطت قوائمه فَصَارَ حَيَّة قَالَ الرّبيع وحَدثني أَبُو الْعَالِيَة أَن من الْإِبِل مَا كَانَ وَلها من الْجِنّ حَدثنَا ابْن حميد حَدثنَا سَلمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحاق عَن بعض أهل الْعلم أَن آدم حِين دخل الْجنَّة وَرَأى مَا فِيهَا من الْكَرَامَة وَمَا اعطاه الله مِنْهَا قَالَ لَو أَن لي خلدا فِيهَا فاغتنم مِنْهُ إِبْلِيس لما سَمعهَا مِنْهُ فَأَتَاهُ من قبل الْخلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 قَالَ ابْن اسحاق حدثت أَن أول مَا ابتدأهما بِهِ من كَيده إيَّاهُمَا أَنه ناح عَلَيْهِمَا نياحة حزنتهما حِين سمعاها فَقَالَا لَهُ مَا يبكيك قَالَ أبْكِي عَلَيْكُمَا تموتان فتفارقان مَا أَنْتُمَا فِيهِ من النِّعْمَة والكرامة فَوَقع ذَلِك فِي أَنفسهمَا ثمَّ أتاهما فوسوس إِلَيْهِمَا فَقَالَ {يَا آدم هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى} {وَقَالَ مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين} أَي تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تخلدان إِن لم تَكُونَا ملكَيْنِ فِي نعْمَة الْجنَّة فَلَا تموتان قَالَ الله تَعَالَى {فدلاهما بغرور} قا ل ابْن جرير حَدثنِي يُونُس أَنبأَنَا ابْن وهب قَالَ قَالَ أَبُو زيد وسوس الشَّيْطَان إِلَى حَوَّاء فِي شَجَرَة حَتَّى أَتَى بهَا إِلَيْهَا ثمَّ حسنها فِي عينهَا ثمَّ حسنها فِي عين آدم قَالَ فَدَعَاهَا آدم لحَاجَة قَالَت لَا إِلَّا أَن تَأتي هَهُنَا فَلَمَّا أَتَى قَالَت لَا إِلَّا أَن تَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة فَأكل مِنْهَا فبدت لَهما سوآتهما قَالَ وَذهب آدم هَارِبا فِي الْجنَّة فناداه ربه يَا آدم مني تَفِر قَالَ لَا يَا رب وَلَكِن حَيَاء مِنْك قَالَ يَا آدم أَنِّي أتيت قَالَ من قبل حَوَّاء يَا رب فَقَالَ تَعَالَى فَإِن لَهَا على أَن أدميها فِي كل شهر مرّة وَأَن أجعلها سَفِيهَة فقد كنت خلقتها حليمة وَأَن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها فقد كنت جَعلتهَا تحمل يسرا وتضع يسرا قَالَ أَبُو زيد وَلَوْلَا البلية الَّتِي أَصَابَت حَوَّاء لَكَانَ نسَاء الدُّنْيَا لَا يحضن وَكن حليمات وَكن يحملن يسرا ويضعن يسرا فَلَمَّا أكل آدم وحواء من الشَّجَرَة أخرجهُمَا الله من الْجنَّة وسلبهما كل ماكانا فِيهِ من النِّعْمَة والكرامة وأهبطهما وعدويهما إِبْلِيس والحية فَقَالَ تَعَالَى {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود فِي آخَرين من الصَّحَابَة وَغَيرهم من التَّابِعين فِي قَوْله تَعَالَى {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} لآدَم وحواء وإبليس والحية قَالَ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وأناس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلعن الْحَيَّة وَقطع قَوَائِمهَا وَتركهَا تمشي على بَطنهَا وَجعل رزقها فِي التُّرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الِاخْتِلَاف على جنَّة آدم فصل اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي الْجنَّة الَّتِي ادخلها آدم هَل هِيَ فِي السَّمَاء أَو فِي الأَرْض وَإِذا كَانَت فِي السَّمَاء هَل هِيَ جنَّة الْخلد أَو جنَّة أُخْرَى فالجمهور على أَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِي السَّمَاء وَهِي جنَّة المأوى لظَاهِر الْآيَات وَالْأَحَادِيث كَقَوْلِه تَعَالَى {وَقُلْنَا يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} وَالْألف وَاللَّام لَيست للْعُمُوم وَلَا لمعهود لَفْظِي وَإِنَّمَا تعود على مَعْهُود ذهني وَهُوَ المستقر شرعا من جنَّة المأوى وكقول مُوسَى لآدَم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام اخرجتنا ونفسك من الْجنَّة وروى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ واسْمه سعد بن طَارق عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الله النَّاس فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حِين تزلف لَهُم الْجنَّة فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا استفتح لنا الْجنَّة فَيَقُول وَهل اخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خَطِيئَة أبيكم وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي مَالك عَن ربعي عَن حُذَيْفَة وَهَذَا فِيهِ قُوَّة جَيِّدَة ظَاهِرَة فِي الدّلَالَة على أَنَّهَا جنَّة المأوى وَقَالَ آخَرُونَ بل الْجنَّة الَّتِي أسكنها آدم لم تكن جنَّة الْخلد لِأَنَّهُ كلف فِيهَا أَن لَا يَأْكُل من تِلْكَ الشَّجَرَة وَلِأَنَّهُ نَام فِيهَا وَأخرج مِنْهَا وَدخل عَلَيْهِ إِبْلِيس فِيهَا وَهَذَا مِمَّا يُنَافِي أَن تكون جنَّة المأوى وَهَذَا القَوْل محكي عَن أبي بن كَعْب وَعبد الله بن عَبَّاس ووهب ابْن مُنَبّه وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَاخْتَارَهُ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف وَالْقَاضِي مُنْذر ابْن سعيد البلوطي فِي تَفْسِيره وَحَكَاهُ عَن أبي حنيفَة الإِمَام وَأَصْحَابه وَنَقله أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر الرَّازِيّ عَن أبي الْقَاسِم وَأبي مُسلم الْأَصْبَهَانِيّ وَنَقله الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره عَن الْمُعْتَزلَة والقدرية وَحكى الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي الْملَل والنحل وَأَبُو مُحَمَّد بن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره وَأَبُو عِيسَى الرماني فِي تَفْسِيره وَحكى عَن الْجُمْهُور الأول وَأَبُو الْقَاسِم الرَّاغِب وَالْقَاضِي الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره فَقَالَ وَاخْتلف فِي الْجنَّة الَّتِي أسكنها يَعْنِي آدم وحواء على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا إِنَّهَا جنَّة الْخلد وَالثَّانِي أَنَّهَا جنَّة أعدهَا الله تَعَالَى لَهما وَجعلهَا دَار ابتلاء وَلَيْسَت جنَّة الْخلد الَّتِي جعلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 دَار جَزَاء وَمن قَالَ بِهَذَا القَوْل اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا إِنَّهَا فِي السَّمَاء لِأَنَّهُ أهبطهما مِنْهَا وَهَذَا قَول الْحسن وَالثَّانِي أَنَّهَا فِي الأَرْض لِأَنَّهُ امتحنهما فِيهَا بِالنَّهْي عَن الشَّجَرَة الَّتِي نهيا عَنْهَا دون غَيرهَا من الثِّمَار وَهَذَا قَول ابْن يحيى وَكَانَ ذَلِك بعد أَمر إِبْلِيس بِالسُّجُود لآدَم وَالله أعلم بصواب ذَلِك هَذَا كَلَامه فقد تضمن كَلَامه حِكَايَة ثَلَاثَة أَقْوَال وَكَلَامه مشْعر بِالْوُقُوفِ وَلِهَذَا حكى الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره أَرْبَعَة أَقْوَال وَجعل الْوَقْف هُوَ الرَّابِع وَحكى القَوْل بِأَنَّهَا فِي السَّمَاء وَلَيْسَت جنَّة المأوى عَن أبي عَليّ الجبائي وَقد أورد أَصْحَاب القَوْل الثَّانِي سؤالا يحْتَاج مثله إِلَى جَوَاب فَقَالُوا لَا شكّ أَن الله تَعَالَى طرد إِبْلِيس حِين امْتنع من السُّجُود عَن الحضرة الإلهية وَأمره بِالْخرُوجِ عَنْهَا والهبوط مِنْهَا وَهَذَا الْأَمر لَيْسَ من الْأَوَامِر الشَّرْعِيَّة بِحَيْثُ يُمكنهُ مُخَالفَته وَإِنَّمَا هُوَ أَمر قدري لَا يُخَالف وَلَا يمانع وَلِهَذَا قَالَ {فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم} وَالضَّمِير عَائِد إِلَى الْجنَّة أَو السَّمَاء أَو الْمنزلَة وأيا مَا كَانَ فمعلوم أَنه لَيْسَ لَهُ الْكَوْن قدرا فِي الْمَكَان الَّذِي طرد عَنهُ وَأبْعد مِنْهُ لَا على سَبِيل الِاسْتِقْرَار وَلَا على الْمُرُور والاجتياز قَالُوا وَمَعْلُوم من سياقات الْقُرْآن أَنه وسوس لآدَم وخاطبه بقوله {هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى} وَبِقَوْلِهِ {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة} إِلَى قَوْله {بغرور} وَهَذَا ظَاهر فِي اجتماعه مَعَهُمَا فِي جنتهما وأجيبوا عَن هَذَا بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يجْتَمع بهما فِي الْجنَّة على سَبِيل الْمُرُور لَا على سَبِيل الِاسْتِقْرَار بهَا أَو أَنه وسوس لَهما وَهُوَ على بَاب الْجنَّة أَو من تَحت السَّمَاء وَفِي الثَّالِثَة نظر وَالله أعلم وَمِمَّا احْتج بِهِ أَصْحَاب هَذِه الْمقَالة مَا رَوَاهُ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد فِي الزِّيَادَات عَن هدبة ابْن خَالِد عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن ضَمرَة عَن أبي بن كَعْب قَالَ إِن آدم لما احْتضرَ اشْتهى قطفا من عِنَب الْجنَّة فَانْطَلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا أَيْن تُرِيدُونَ يَا بني آدم فَقَالُوا إِنَّا أَبَانَا اشْتهى قطفا من عِنَب الْجنَّة فَقَالُوا لَهُم ارْجعُوا فقد كفيتموه فَانْتَهوا إِلَيْهِ فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْمَلَائِكَة وَبَنوهُ خلف الْمَلَائِكَة ودفنوه وَقَالُوا هَذِه سنتكم فِي مَوْتَاكُم قَالُوا فلولا أَن الْوُصُول إِلَى الْجنَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا آدم الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 اشْتهى مِنْهَا القطف مُمكنا لما ذَهَبُوا يتطلبون ذَلِك فَدلَّ على أَنَّهَا فِي الأَرْض لَا فِي السَّمَاء وَالله أعلم قَالُوا والاحتجاج بِأَن الْألف وَاللَّام فِي قَوْله {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} لم يتَقَدَّم مَعْهُود يعود عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَعْهُود الذهْنِي مُسلم وَلَكِن هُوَ مَا دلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام فَإِن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خلق من الأَرْض وَلم ينْقل أَنه رفع إِلَى السَّمَاء وَخلق ليَكُون فِي الأَرْض وَبهَا أعلم الرب سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَة حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالُوا وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّا بلوناهم كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} فالألف وَاللَّام لَيست للْعُمُوم وَلم يتَقَدَّم مَعْهُود لَفْظِي وانما هُوَ الْمَعْهُود الذهْنِي الَّذِي دلّ عَلَيْهِ السَّاق وَهُوَ الْبُسْتَان قَالُوا وَذكر الهبوط لَا يدل على النُّزُول من السَّمَاء قَالَ الله تَعَالَى {قيل يَا نوح اهبط بِسَلام منا} وَإِنَّمَا كَانَ فِي السَّفِينَة حَتَّى اسْتَقَرَّتْ على الجودى ونضب المَاء عَن وَجه الأَرْض أَمر أَن اهبط اليها هُوَ وَمن كَانَ مُبَارَكًا عَلَيْهِ وَقَالَ {اهبطوا مصرا فَإِن لكم مَا سَأَلْتُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة الله} وَهَذَا كثير فِي الْأَحَادِيث واللغة قَالُوا وَلَا مَانع بل هُوَ الْوَاقِع إِن الْجنَّة الَّتِي أسكنها الله آدم كَانَت مُرْتَفعَة على سَائِر بقاع الأَرْض ذَات أَشجَار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن لَك أَلا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى} أَي لَا يذل باطنك بِالْجُوعِ وَلَا ظاهرك بالعرى {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} أَي لَا يمس باطنك حر الظمأ وَلَا ظاهرك حر الشَّمْس وَلِهَذَا قرن بَين هَذَا وَهَذَا لما بَينهمَا من الْمُقَابلَة فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ من أكله من الشَّجَرَة الَّتِي نهى عَنْهَا أهبط إِلَى أَرض الشَّقَاء والتعب وَالسَّعْي وَالنّصب والكدوالنكد والابتلاء والاختبار والامتحان وَاخْتِلَاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا وتعودا وإرادات كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين} وَلَا يلْزم من هَذَا أَنهم كَانُوا فِي السَّمَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقُلْنَا من بعده لبني إِسْرَائِيل اسكنوا الأَرْض فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة جِئْنَا بكم لفيفا} وَمَعْلُوم أَنهم كَانُوا فِي الأَرْض لم يَكُونُوا فِي السَّمَاء الِاخْتِلَاف على شَجَرَة ادم فصل وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي الشَّجَرَة الَّتِي نهى آدم وحواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 عَنْهَا فَقيل هِيَ الْكَرم روى عَن ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وجعدة بن هُبَيْرَة وَمُحَمّد بن قيس وَالسُّديّ وَرَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن وَابْن مَسْعُود وأناس من الْأَصْحَاب كَذَا قَالَ السّديّ وتزعم يهود أَنَّهَا الْحِنْطَة وَهَذَا مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَالْحسن الْبَصْرِيّ ووهب بن مُنَبّه وعطية الصُّوفِي وَأبي مَالك ومحارب بن دثار وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ وهب الْحبَّة مِنْهَا فِي الْجنَّة ككلى الْبَقر وَالْخبْز مِنْهُ أَلين من الزّبد وَأحلى من الْعَسَل وَقَالَ الثَّوْريّ عَن حُصَيْن عَن أبي مَالك هِيَ النَّخْلَة وَقَالَ ابْن جريج عَن مجعد هِيَ التينة وَبِه قَالَ قَتَادَة وَابْن جريج وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة كَانَت شَجَرَة من أكل مِنْهَا أحدث وَلَا يَنْبَغِي فِي الْجنَّة حدث وَقَالَ أَحْمد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن شُعْبَة عَن أبي الضَّحَّاك عَن أبي هُرَيْرَة سمعته يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا شَجَرَة الْخلد وَكَذَا رَوَاهُ أَيْضا عَن غنْدر وحجاج عَن شُعْبَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده عَن شُعْبَة أَيْضا بِهِ قَالَ غنْدر قلت لشعبة هِيَ شَجَرَة الْخلد قَالَ لَيْسَ فِيهَا شكّ تفرد بِهِ احْمَد وَهَذَا الْخلاف قريب وَقد أبهم الله تَعَالَى ذكرهَا وتعيينها وَلَو كَانَ فِي ذكرهَا مصلحَة تعود إِلَيْنَا لعينها لنا كَمَا فِي غَيرهَا تَعْلِيق فصل بَقِي مِمَّا يُنَبه عَلَيْهِ فِي هَذِه الْقِصَّة على سَبِيل الطَّرْد وَإِن يكن من شَرط كتَابنَا قَوْله تَعَالَى {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ ابْن عَبَّاس هِيَ هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي يتعارف النَّاس بهَا إِنْسَان ودابة وَأَرْض وَسَهل وجبل وبحر وجمل وحمار وَأَشْبَاه ذَلِك من الْأُمَم وَغَيرهَا وَقَالَ مُجَاهِد علمه اسْم الصحفة والفدر حَتَّى الفسوة والفسية وَقَالَ مُجَاهِد علمه اسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 كل دَابَّة وكل طير وكل شَيْء وَكَذَا قَالَ سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة وَغير وَاحِد وَقَالَ الرّبيع علمه أَسمَاء الْمَلَائِكَة وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد علمه أَسمَاء ذُريَّته وَالصَّحِيح أَنه علمه أَسمَاء الدَّوَابّ وأفعالها مكبرها ومصغرها كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَذكر البُخَارِيّ هَهُنَا مَا رَوَاهُ هُوَ وَمُسلم من طَرِيق سعيد وَهِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجْتَمع الْمُؤْمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ لَو اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبنَا فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ أَنْت أَب الْبشر خلقه الله بيد واسجد لَك مَلَائكَته وعلمك أَسمَاء كل شَيْء فتعليمه أَسمَاء كل شَيْء أحد التشريفات الْأَرْبَع وَالثَّانِي خلقه لَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة وَالثَّالِث نفخه فِيهِ من روحه وَالرَّابِع امْر مَلَائكَته لَهُ بِالسُّجُود وَكَذَا قَالَ لَهُ مُوسَى لما تناظرا وَكَذَا يَقُول لَهُ أهل الْمَحْشَر وَالله أعلم الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان تعرض الشَّيْطَان لحواء قَالَ الإِمَام احْمَد حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا عمر بن ابراهيم حَدثنَا قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما ولدت حَوَّاء طَاف بهَا إِبْلِيس وَكَانَ لَا يعِيش لَهَا ولد فَقَالَ سميه عبد الْحَارِث فَإِنَّهُ يعِيش فَسَمتْهُ عبد الْحَارِث فَكَانَ ذَلِك من وَحي الشَّيْطَان وَأمره فَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه فِي تفاسيرهم وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كلهم من حَدِيث عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث بِهِ قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حسن غَرِيب لانعرفه إِلَّا من حَدِيث عمر بن ابراهيم وَرَوَاهُ بَعضهم عَن عبد الصَّمد وَلم يرفعهُ فَهَذِهِ عِلّة قادحة فِي الحَدِيث أَنه روى مَوْقُوفا على الصَّحَابِيّ وَهَذَا أشبه وَالظَّاهِر أَن هَذَا من الْإسْرَائِيلِيات وَهَكَذَا روى مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس وَالظَّاهِر أَنه متلقى عَن كَعْب وَذَوِيهِ وَقد فسر الْحسن قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 بِخِلَاف هَذَا فَلَو كَانَ عِنْده عَن سَمُرَة مَرْفُوعا لما عدل عَنهُ إِلَى غَيره وَالله أعلم وَأَيْضًا فَالله تَعَالَى إِنَّمَا خلق آدم وحواء ليكونا أصل الْبشر وليبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء فَكيف كَانَت حَوَّاء لَا يعِيش لَهَا ولد كَمَا ذكر فِي هَذَا الحَدِيث إِن كَانَ مظنونا والمظنون بل الْمَقْطُوع بِهِ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطأ وَالصَّوَاب وَقفه وَالله أعلم وَقد ذكر الإِمَام أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير فِي تَارِيخه إِن حَوَّاء ولدت لآدَم أَرْبَعِينَ ولدا فِي عشْرين بَطنا قَالَه ابْن اسحاق وَالله أعلم وَقيل مائَة وَعشْرين بَطنا فِي كل بطن ذكر وَأُنْثَى أَو لَهُم قابيل واخته قليما وَآخرهمْ عبد المغيث وَأُخْته ام المغيث ثمَّ انْتَشَر النَّاس بعد ذَلِك وكثروا وامتدوا فِي الأَرْض ونموا وَذكر أهل التَّارِيخ أَن آدم لم يمت حَتَّى رأى من ذُريَّته أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده أَرْبَعِينَ ألف نسمَة وَالله أعلم وَقَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا} إِلَى قَوْله {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} فَهَذَا تَنْبِيه بِذكر آدم أَولا ثمَّ استطراد إِلَى الْجِنْس وَلَيْسَ المُرَاد بِهَذَا ذكر آدم وحواء بل لما جرى ذكر الشَّخْص استطرد إِلَى الْجِنْس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} وَمَعْلُوم أَن رجوم الشَّيَاطِين لَيست هِيَ أَعْيَان مصابيح السَّمَاء وَإِنَّمَا استطرد من شخصها إِلَى جِنْسهَا وَالله أعلم الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لنوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة قَالَ أَبُو بكر بن عبيد حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار قهرمان آل الزبير حَدثنَا سَالم ابْن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ لما ركب نوح السَّفِينَة رأى فِيهَا شَيخا لم يعرفهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 قَالَ لَهُ نوح مَا أدْخلك قَالَ دخلت لأصيب قُلُوب أَصْحَابك فَتكون قُلُوبهم معي وأبدانهم مَعَك قَالَ نوح اخْرُج يَا عَدو الله فَقَالَ خمس أهلك بِهن النَّاس وسأحدثك مِنْهُنَّ بِثَلَاث وَلَا أحَدثك بِاثْنَتَيْنِ فَأوحى إِلَى نوح لَا حَاجَة بك إِلَى الثَّلَاث مره يحدثك بالثنتين فَإِن بهما أهلك النَّاس وَقَالَ هما الْحَسَد وبالحسد لعنت وَجعلت شَيْطَانا رجيما والحرص أَبَاحَ لآدَم الْجنَّة كلهَا فَأَصَبْت حَاجَتي مِنْهُ بالحرص قَالَ وَلَقي إِبْلِيس مُوسَى فَقَالَ يَا مُوسَى أَنْت الَّذِي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وَأَنا من خلق الله أذنيت فَأَنا أُرِيد أَن أَتُوب فاشفع لي عِنْد رَبك عز وَجل أَن يَتُوب على فَدَعَا مُوسَى ربه فَقيل يَا مُوسَى قد قضيت حَاجَتك فلقي مُوسَى إِبْلِيس فَقَالَ قد أمرت أَن تسْجد لقبر آدم ويتاب عَلَيْك فاستكبر وَغَضب وَقَالَ لم أَسجد لَهُ حَيا أأسجد لَهُ مَيتا ثمَّ قَالَ إِبْلِيس يَا مُوسَى إِن لَك حَقًا بِمَا شفعت لي رَبك فاذكرني عِنْد ثَلَاث ولأهلك إِلَّا فِيهِنَّ اذْكُرْنِي حِين تغْضب فَإِن وحيي فِي قَلْبك وعيني فِي عَيْنَيْك وأجرى مِنْك مجْرى الدَّم اذْكُرْنِي حِين تلقى الزَّحْف فَإِنِّي أُتِي ابْن آدم حِين يلقى الزَّحْف فأذكره وَلَده وَزَوجته وَأَهله حَتَّى يولي وَإِيَّاك أَن تجَالس امْرَأَة لَيست بِذَات محرم فإنى رسولها إِلَيْك وَرَسُولك إِلَيْهَا وَقَالَ ابْن عبيد حَدثنِي اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا جرير عَن الاعمش عَن زِيَاد بن الْحصين عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ لما رست السَّفِينَة سفينة نوح إِذا هُوَ بإبليس على كوثل السَّفِينَة فَقَالَ لَهُ نوح وَيلك قد غرق اهل الأَرْض من أَجلك قد أهلكتهم قَالَ لَهُ إِبْلِيس فَمَا أصنع قَالَ لَهُ تتوب قَالَ فسل رَبك عز وَجل هَل لي من تَوْبَة فَدَعَا نوح ربه فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن تَوْبَته أَن يسْجد لقبر آدم فَقَالَ لَهُ نوح قد جعلت لَك تَوْبَة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ أَن تسْجد لقبر آدم قَالَ تركته حَيا وأسجد لَهُ مَيتا وَحدثنَا الْقَاسِم بن هَاشم حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس الْبَزَّاز الْحِمصِي حَدثنَا عبد الله بن وهب عَن اللَّيْث قَالَ بَلغنِي لِأَن إِبْلِيس لَقِي نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس يَا نوح اتقِي الْحَسَد وَالشح فَإِنِّي حسدت فَخرجت من الْجنَّة وشح آدم على شَجَرَة وَاحِدَة منعهَا حَتَّى خرج من الْجنَّة وَذكر بَعضهم ويروى عَن ابْن عَبَّاس أَن أول مَا دخل السَّفِينَة من الطُّيُور الدرة وَآخر مَا دخل من الْحَيَوَانَات الْحمار وَدخل إِبْلِيس مُتَعَلقا بذنب الْحمار وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما أَرَادَ ذبح وَلَده وَفِيه تعين الذَّبِيح قَالَ عبد الرازق أَخْبرنِي معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} قَالَ أَخْبرنِي الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَنه اجْتمع أَبُو هُرَيْرَة وَكَعب فَجعل أَبُو هُرَيْرَة يحدث كَعْبًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل كَعْب يحدث أَبَا هُرَيْرَة عَن الْكتب فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل نَبِي دَعْوَة مستجابة وَإِنِّي خبأت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ كَعْب أَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ نعم قَالَ فَقَالَ كَعْب فدَاء لَهُ أبي وَأمي أَفلا أخْبرك عَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى ذبح وَلَده اسحاق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّيْطَان إِن لم أفتن هَؤُلَاءِ عِنْد هَذِه لم أفتنهم أبدا قَالَ فَخرج إِبْرَاهِيم بِابْنِهِ ليذبحه فَذهب الشَّيْطَان فَدخل على سارة فَقَالَ أَيْن يذهب إِبْرَاهِيم بابنك قَالَت ذهب بِهِ لِحَاجَتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ لم يغد بِهِ لحَاجَة إِنَّمَا ذهب بِهِ ليذبحه قَالَت وَلم يذبحه قَالَ يزْعم أَن ربه أمره بذلك قَالَت قد أحسن إِن أطَاع ربه فَخرج الشَّيْطَان فَقَالَ لإسحاق أَيْن يذهب بك أَبوك قَالَ لبَعض حَاجته قَالَ إِنَّه لم يذهب بك لِحَاجَتِهِ وَلكنه يذهب بك ليذبحك قَالَ وَلم يذبحني قَالَ يزْعم أَن الله أمره بذلك قَالَ فوَاللَّه إِن كَانَ الله أمره بذلك ليفعلن فَتَركه وَذهب إِلَى إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَيْن غَدَوْت بابنك قَالَ إِلَى حَاجَة قَالَ فَإنَّك لم تغد بِهِ لحَاجَة إِنَّمَا غَدَوْت بِهِ لتذبحه قَالَ وَلم أذبحه قَالَ تزْعم أَن الله أَمرك بذلك قَالَ فوَاللَّه لَئِن أَمرنِي بذلك لَأَفْعَلَنَّ فَتَركه ويئس أَن يطاع فَلَمَّا أسلما قَالَ قَتَادَة سلما الْأَمر لله وتله للجبين قَالَ قَتَادَة أضجعه للجبين وناداه {أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين وفديناه بِذبح عَظِيم} قَالَ الزُّهْرِيّ فَأوحى الله إِلَى اسحاق أَن ادْع فلك دَعْوَة مستجابة قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 معمر قَالَ الزُّهْرِيّ فِي غير حَدِيث كَعْب قَالَ رب أَدْعُوك أَن تَسْتَجِيب لي أَيّمَا عبد من الْأَوَّلين والآخرين لقيك لَا يُشْرك بك شَيْئا أَن تدخله الْجنَّة تَعْلِيق وَبَيَان فصل قَول كَعْب لما رأى ابراهيم ذبح وَلَده اسحاق وَقَوله ذهب إِلَى سارة فَقَالَ أَيْن يذهب إِبْرَاهِيم بابنك يدل على أَن الذَّبِيح هُوَ اسحاق وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن عمر بن الْخطاب وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَعبد الله ابْن مَسْعُود وَأنس بن مَالك وابي هُرَيْرَة وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِيهِ عَن عَليّ ابْن أبي طَالب وَقَالَ بِهِ من التَّابِعين غير كَعْب سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَالقَاسِم ابْن بره ومسروق وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة ووهب بن مُنَبّه وَعبيد بن عُمَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن زيد وَأَبُو الْهُذيْل وَالزهْرِيّ وَالسُّديّ وَهُوَ اخْتِيَار ابْن احْمَد ابْن حَنْبَل وَقَالَ السُّهيْلي لَا شكّ هُوَ اسحاق وَقَالَت طَائِفَة اخرى هُوَ اسماعيل وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عَبَّاس وَالْحسن بن أبي الْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ وروى أَيْضا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَقد بسطت الْأَدِلَّة من الْجَانِبَيْنِ والأجوبة فِي كتابي المرسوم بقلادة النَّحْر ضمنته تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الاعلى الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا فرج بن فضَالة عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن انْعمْ قَالَ بَيْنَمَا مُوسَى جَالس فِي بعض مجالسه إِذْ أقبل إِبْلِيس وَعَلِيهِ برنس لَهُ يَتلون فِيهِ ألوانا فَلَمَّا دنا مِنْهُ خلع الْبُرْنُس فَوَضعه ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ السَّلَام عَلَيْك يَا مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى من أَنْت قَالَ إِبْلِيس قَالَ فَلَا حياك الله مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت لأسلم عَلَيْك لمنزلتك من الله ومكانتك مِنْهُ قَالَ مَاذَا الَّذِي رَأَيْت عَلَيْك قَالَ بِهِ اخْتَطَف قُلُوب بني آدم قَالَ فَمَاذَا إِذا صنعه الْإِنْسَان استحوذت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 عَلَيْهِ قَالَ إِذا أَعْجَبته نَفسه واستكبر عمله وَنسي ذنُوبه وأحذرك ثَلَاثًا لَا تخل بِامْرَأَة لَا تحل لَك فَإِنَّهُ مَا خلا رجل بِامْرَأَة لَا تحل لَهُ إِلَّا كنت صَاحبه دون أَصْحَابِي حَتَّى أفتنه بهَا وَلَا تعاهد الله عهداإلا وفيت بِهِ فَإِنَّهُ مَا عَاهَدَ الله اُحْدُ عهدا إِلَّا وَكنت صَاحبه حَتَّى أَحول بَينه وَبَين الْوَفَاء بِهِ وَلَا تخرجن صَدَقَة إِلَّا أمضيتها فَإِنَّهُ مَا أخرج رجل صَدَقَة فَلم يمضها إِلَّا كنت دون أَصْحَابِي حَتَّى أَحول بَينه وَبَين الْوَفَاء بهَا ثمَّ ولى وَهُوَ يَقُول يَا ويله ثَلَاثًا علم مُوسَى مَا يحذر بِهِ بني ادم حَدثنِي الْقَاسِم بن هَاشم عَن إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث عَن فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ حَدثنِي بعض أشياخنا أَن إِبْلِيس جَاءَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ يُنَاجِي ربه عز وَجل فَقَالَ لَهُ الْملك وَيلك مَا ترجو مِنْهُ وَهُوَ على ذَلِك الْحَال يُنَاجِي ربه قَالَ أَرْجُو مِنْهُ مَا رَجَوْت من أَبِيه آدم وَهُوَ فِي الْجنَّة وَقد قدمنَا فِي تعرض الشَّيْطَان لنوح عَلَيْهِ السَّلَام قصَّة لإبليس مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنه سَأَلَهُ الدُّعَاء لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَأَن مُوسَى دَعَا ربه فَقيل يَا مُوسَى قد قضيت حَاجَتك وَإِن إِبْلِيس حذر مُوسَى ثَلَاثًا كَمَا حذره هُنَا ثَلَاثًا الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لذِي الكفل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا قبيصَة حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عبد الله بن الْحَارِث فِي ذِي الكفل قَالَ قَالَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء لمن مَعَه هَل مِنْكُم من يكفل لي لَا يغْضب وَيكون معي فِي درجتي وَيكون بعدِي فِي قومِي فَقَالَ شَاب من الْقَوْم أَنا ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّاب انا فَلَمَّا مَاتَ قَامَ الشَّاب بعده فِي مقَامه فأتاء إِبْلِيس ليغضبه فَقَالَ الرجل اذْهَبْ مَعَه فجَاء فَأخْبرهُ أَنه لم ير شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَأرْسل مَعَه آخر فجَاء فَقَالَ لم أر شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَأَخذه بِيَدِهِ فانفلت مِنْهُ فَسمى ذَا الكفل لِأَنَّهُ كفل ان لَا يغْضب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الْبَاب الموفي ثَلَاثِينَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره حَدثنَا أبي حَدثنَا مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل حَدثنَا حَمَّاد أَنبأَنَا عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس أَن الشَّيْطَان قَالَ يَا رب سَلطنِي على أَيُّوب قَالَ الله تَعَالَى قد سلطتك على مَاله وَولده وَلم أسلطك على جسده فَنزل وَجمع جُنُوده فَقَالَ لَهُم قد سلطت على أَيُّوب فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا ثمَّ صَارُوا مَاء فَبَيْنَمَا هم بالمشرق إِذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إِذا هم بالمشرق فَأرْسل طَائِفَة مِنْهُم إِلَى زرعه وَطَائِفَة إِلَى إبِله وَطَائِفَة إِلَى بقره وَطَائِفَة إِلَى غنمه وَقَالَ إِنَّه لَا يعتصم مِنْكُم إِلَّا بِالصبرِ فَأتوهُ بالمصائب بَعْضهَا على بعض فجَاء صَاحب الزَّرْع فَقَالَ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على زرعك نَارا فَأَحْرَقتهُ ثمَّ جَاءَ صَاحب الْإِبِل فَقَالَ لَهُ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل إِلَى إبلك عدوا فَذهب بهَا ثمَّ جَاءَ صَاحب الْغنم فَقَالَ لَهُ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على غنمك عدوا فَذهب بهَا وَتفرد هُوَ لِبَنِيهِ فَجَمعهُمْ فِي بَيت أكبرهم فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت الرّيح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فجَاء الشَّيْطَان إِلَى أَيُّوب بِصُورَة غُلَام فِي أُذُنَيْهِ قرطان قَالَ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك جمع بنيك فِي بَيت أكبرهم فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت ريح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فَلَو رَأَيْتهمْ حِين اخْتلطت دِمَاؤُهُمْ بطعامهم وشرابهم فَقَالَ أَيُّوب لَهُ فَأَيْنَ كنت أَنْت قَالَ كنت مَعَهم قَالَ وَكَيف انفلت قَالَ انفلت قَالَ ايوب أَنْت الشَّيْطَان ثمَّ قَالَ أَيُّوب أَنا الْيَوْم كهيئتي يَوْم ولدتني أُمِّي فَقَامَ فحلق رَأسه ثمَّ قَامَ يُصَلِّي فرن إِبْلِيس رنة سَمعهَا أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض ثمَّ قرح إِلَى السَّمَاء فَقَالَ أَي رب إِنَّه قد اعْتصمَ فسلطني عَلَيْهِ فَإِنِّي لَا استطيعه إِلَّا بسلطانك قَالَ قد سلطتك على جسده وَلم أسلطك على قلبه قَالَ فَنزل فَنفخ تَحت قَدَمَيْهِ نفخة فرج مَا بَين قَدَمَيْهِ إِلَى قرنه فَصَارَ قرحَة وَاحِدَة وَألقى على الرماد حَتَّى بدا بَطْنه فَكَانَت امْرَأَته تسْعَى عَلَيْهِ حَتَّى قَالَت لَهُ أما ترى يَا أَيُّوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 قد وَالله نزل بِي من الْجهد والفافة مَا إِن بِعْت قروني برغيف فأطعمك أدع الله أَن يشفيك قَالَ وَيحك كُنَّا فِي النعماء سبعين عَاما فاصبري حَتَّى نَكُون فِي الضراء سبعين عَاما فَكَانَ فِي الْبلَاء سبع سِنِين وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد حَدثنَا سوار بن عبد الله الْعَنْبَري حَدثنَا مُعْتَمر بن سلمَان عَن لَيْث عَن طَلْحَة بن مصيرف قَالَ قَالَ إِبْلِيس مَا أصبت من أَيُّوب شَيْئا أفرح بِهِ إِلَّا إِنِّي كنت إِذا سَمِعت أنينه علمت أَنِّي قد أوجعته حَدثنَا فُضَيْل ابْن عبد الْوَهَّاب حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن ابْن وهب بن مُنَبّه عَن أَبِيه قَالَ قَالَ إِبْلِيس لامْرَأَة أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أَصَابَكُم مَا أَصَابَكُم قَالَت بِقدر الله تَعَالَى قَالَ فاتبعيني فَأَتْبَعته فأراها جَمِيع مَا ذهب مِنْهُم فِي وَاد فَقَالَ اسجدي لي وأرده عَلَيْكُم فَقَالَت إِن لي زوجا أستأمره فاخبرت أَيُّوب فَقَالَ أما آن لَك أَن تعلمي ذَاك الشَّيْطَان لَئِن بَرِئت لأضربنك مائَة جلدَة الْبَاب الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضة ليحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد أخبرنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْعَنْبَري حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد بن حنيش عَن وهب بن الْورْد قَالَ بلغنَا أَن الْخَبيث إِبْلِيس تبدى ليحيى بن زَكَرِيَّا فَقَالَ إِنِّي أُرِيد أَن أنصحك قَالَ كذبت أَنْت لَا تنصحني وَلَكِن أَخْبرنِي عَن بني آدم قَالَ هم عندنَا على ثَلَاثَة أَصْنَاف أما صنف مِنْهُم فهم أَشد الْأَصْنَاف علينا نقبل عَلَيْهِ حَتَّى نفتنه ونستكن مِنْهُ ثمَّ يتفرغ للاستغفار وَالتَّوْبَة فَيفْسد علينا كل شَيْء أدركنا مِنْهُ ثمَّ نعود لَهُ فَيَعُود فَلَا نَحن نيأس مِنْهُ وَلَا نَحن ندرك مِنْهُ حاجتنا فَنحْن من ذَلِك فِي عناء وَأما الصِّنْف الآخر فهم فِي أَيْدِينَا بِمَنْزِلَة الكرة فِي أَيدي صِبْيَانكُمْ نتلقفهم كَيفَ شِئْنَا قد كفونا أنفسهم وَأما الصِّنْف الآخر فهم مثلك معصومون لَا نقدر مِنْهُم على شَيْء قَالَ يحيى على ذَلِك هَل قدرت مني على شَيْء قَالَ لَا إِلَّا مرّة وَاحِدَة فَإنَّك قدمت طَعَاما تَأْكُل فَلم أزل أشهيه إِلَيْك حَتَّى أكلت مِنْهُ أَكثر مِمَّا تُرِيدُ فَنمت تِلْكَ اللَّيْلَة فَلم تقم إِلَى الصَّلَاة كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 كنت تقوم إِلَيْهَا فَقَالَ لَهُ يحيى لَا جرم لَا شبعت من طَعَام أبدا قَالَ لَهُ الحَدِيث لاجرم لَا نصحت نَبيا بعْدك وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنِي عَليّ بن مُسلم حَدثنَا سيار حَدثنَا جَعْفَر حَدثنَا ثَابت البنائي قَالَ بلغنَا أَن إِبْلِيس ظهر ليحيى بن زَكَرِيَّا فَرَأى عَلَيْهِ معاليق من كل شَيْء فَقَالَ يحيى يَا إِبْلِيس مَا هَذِه المعاليق الَّتِي أرى عَلَيْك قَالَ هَذِه الشَّهَوَات الَّتِي أصبت بِهن ابْن آدم قَالَ فَهَل لي فِيهَا من شَيْء قَالَ رُبمَا شبعت فنقلناك عَن الصَّلَاة ونقلناك عَن الذّكر قَالَ فَهَل غير ذَلِك قَالَ لَا وَقَالَ لله على أَن لَا أملأ بَطْني من طَعَام أبدا قَالَ إِبْلِيس وَللَّه على أَن لَا أنصح مُسلما أبدا لعنة الله عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا مُحَمَّد ابْن يحيى الْمروزِي حَدثنَا عبد الله بن خيبق قَالَ لَقِي يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام إِبْلِيس فِي صورته فَقَالَ لَهُ يَا إِبْلِيس أَخْبرنِي مَا أحب النَّاس إِلَيْك وَأبْغض النَّاس إِلَيْك قَالَ أحب النَّاس إِلَيّ الْمُؤمن الْبَخِيل وأبغضهم إِلَيّ الْفَاسِق السخي قَالَ يحيى وَكَيف ذَلِك قَالَ لِأَن الْبَخِيل قد كفاني بخله وَالْفَاسِق السخي أَتَخَوَّف أَن يطلع الله عَلَيْهِ فِي سخاه فيقبله ثمَّ ولى وَهُوَ يَقُول لَوْلَا أَنَّك يحيى لم أخْبرك وَالله أعلم الْبَاب الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي لقِيه عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد حَدثنَا الْفضل بن مُوسَى الْبَصْرِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن بشار قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول لَقِي عِيسَى ابْن مَرْيَم إِبْلِيس فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس أَنْت الَّذِي بلغ من عظم ربوبيتك أَنَّك تَكَلَّمت فِي المهد صَبيا وَلم يتَكَلَّم فِيهِ أحد قبلك قَالَ بل الربوبية وَالْعَظَمَة للإله الَّذِي أنطقني ثمَّ يميتني ثمَّ يحييني قَالَ فَأَنت الَّذِي بلغ من عظم ربوبيتك أَنَّك تحيي الْمَوْتَى قَالَ بل الربوبية لله الَّذِي يميتني وَيُمِيت من أَحييت ثمَّ يحييني قَالَ وَالله إِنَّك لإله فِي السَّمَاء وإله فِي الأَرْض قَالَ فَصَكَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام بجناحه صَكَّة فَمَا تناهى دون قرن الشَّمْس ثمَّ صَكه أُخْرَى فَمَا تناهى دون الْعين الحامية ثمَّ صَكه صَكَّة فَأدْخلهُ بحار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 السَّابِعَة فأساحه فِيهَا حَتَّى وجد طعم الحمأة فَخرج مِنْهَا وَهُوَ يَقُول مَا لَقِي أحد من أحد مَا لقِيت مِنْك يَا ابْن مَرْيَم حَدثنَا اسحاق بن اسماعيل وَعَمْرو بن مُحَمَّد قَالَا حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو ابْن دِينَار عَن طَاوس قَالَ لَقِي الشَّيْطَان عِيسَى ابْن مَرْيَم فَقَالَ يَا ابْن مَرْيَم إِن كنت صَادِقا فَارق على هَذِه الشاهقة فألق نَفسك مِنْهَا فَقَالَ وَيلك ألم يقل الله يَا ابْن آدم لَا تختبرني بهلاكك فَإِنِّي أفعل مَا أَشَاء حَدثنِي شُرَيْح بن يُونُس حَدثنَا عَليّ بن ثَابت عَن خطاب بن الْقَاسِم عَن أبي عُثْمَان قَالَ كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُصَلِّي على رَأس جبل فَأَتَاهُ إِبْلِيس فَقَالَ أَنْت الَّذِي تزْعم أَن كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر قَالَ نعم قَالَ ألق نَفسك من الْجَبَل وَقل قدر عَليّ قَالَ يَا لعين الله يختبر الْعباد لَيْسَ للعباد أَن يختبروا الله عز وَجل حَدثنِي الْحسن بن عبد الْعَزِيز الجروي حَدثنَا ابْن مسْهر حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نظر إِلَى إِبْلِيس فَقَالَ هَذَا ركون الدُّنْيَا إِلَيْهَا خرج وَإِيَّاهَا سَأَلَ لَا أشركه فِي شَيْء مِنْهَا وَلَا حجر أَضَعهُ تَحت رَأْسِي وَلَا أكون فِيهَا ضَاحِكا حَتَّى أخرج مِنْهَا حَدثنَا الْحسن حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة عَن أبي سَلمَة عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن ابْن حليس قَالَ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الشَّيْطَان مَعَ الدُّنْيَا ومكره مَعَ المَال وتزيينه عِنْد الْهوى واستمكانه عِنْد الشَّهَوَات وَرَوَاهُ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن إِدْرِيس عَن حَيْوَة بن شُرَيْح عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن ابْن حليس من قَوْله وتزيينه عِنْد اللَّهْو الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فسمعناه يَقُول أعوذ بِاللَّه مِنْك ثمَّ قَالَ ألعنك بلعنة الله وَبسط يَده ثَلَاثًا كَأَنَّهُ يتَنَاوَل شَيْئا فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قُلْنَا يَا رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قد سمعناك تَقول فِي الصَّلَاة شَيْئا لم نسمعك تَقوله قبل ذَلِك ورأيناك بسطت يدك قَالَ إِن عَدو الله إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي فَقلت أعوذ بِاللَّه ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قلت ألعنك بلعنة الله التَّامَّة فَلم يسْتَأْخر ثَلَاث مَرَّات ثمَّ أردْت أَن آخذه وَالله لَوْلَا دَعْوَة أخينا سُلَيْمَان لأصبح موثقًا فلعب بِهِ ولدان أهل الْمَدِينَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان عرض لي فَشد عَليّ ليقطع الصَّلَاة عَليّ فأمكنني الله مِنْهُ فذعته وَلَقَد هَمَمْت أَن أوثقه إِلَى سَارِيَة حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ فَذكرت قَول سُلَيْمَان {وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} فَرده الله خاسئا وَقد روى النَّسَائِيّ على شَرط البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَأَخذه فصرعه فخنقه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي وَلَوْلَا دَعْوَة سُلَيْمَان لأصبح موثقًا حَتَّى يرَاهُ النَّاس وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث ابي سعيد وَفِيه فَأَهْوَيْت بيَدي فَمَا زلت أخنقه حَتَّى برد لعابه أُصْبُعِي هَاتين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَ الْحسن بن شادان أخبرنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق حَدثنَا يحيى ابْن جَعْفَر أَنبأَنَا ثَابت حَدثنَا اسحاق بن مَنْصُور أَنبأَنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِي الشَّيْطَان فَأَخَذته فخنقته حَتَّى أَنى لأجد برد لِسَانه على يَدي فَقَالَ أوجعتني أوجعتني فتركته وَقَالَ أَحْمد بن الْحسن بن الْجَعْد حَدثنَا مُحَمَّد ابْن بكار حَدثنَا خديج حَدثنَا أَبُو اسحاق عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد مر عَليّ الْخَبيث فَأَخَذته فخنقته خنقا شَدِيدا حَتَّى قَالَ أوجعتني وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا بشر بن الْوَلِيد حَدثنَا عُثْمَان بن مطر عَن ثَابت عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا بِمَكَّة فجَاء إِبْلِيس فَأَرَادَ أَن يطَأ عُنُقه فلفحه جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بجناحه لفحة فَمَا اسْتَقَرَّتْ قدماه حَتَّى بلغ الْأُرْدُن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي عفريتا من الْجِنّ يطلبني بشعلة نَار كلما الْتفت رَأَيْته فَقَالَ جِبْرِيل أَلا أعلمك كَلِمَات تقولهن فتطفئ شعلته ويخر لفيه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى فَقَالَ جِبْرِيل قل أعوذ بِوَجْه الله الْكَرِيم وبكلمات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَمن شَرّ مَا ذَرأ فِي الأَرْض وَمن شَرّ مَا يخرج مِنْهَا وَمن فتن اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن طوارق اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا طَارق يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن بَين فِي الحَدِيث الأول الِاسْتِعَاذَة من الشَّيْطَان ولعنه بلعنة الله وَلم يسْتَأْخر بذلك فَمد يَده إِلَيْهِ وَبَين فِي الحَدِيث الثَّانِي أَن مد الْيَد كَانَ لخنقه لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَفعته وَهَذَا دفع لعداوته بِالْفِعْلِ وَفِيه الخنق وَبِه اندفعت عداوته فَرده الله خاسئا وَأما الزِّيَادَة وَهُوَ ربطه إِلَى السارية وَهُوَ من بَاب التَّصَرُّف الملكي الَّذِي تَركه لِسُلَيْمَان فَإِن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَصَرَّف فِي الْجِنّ كتصرفه فِي الْإِنْس التَّصَرُّف عبد رَسُول الله يَأْمُرهُم بِعبَادة الله تَعَالَى وطاعته لَا يتَصَرَّف لأمر يرجع إِلَيْهِ وَهُوَ التَّصَرُّف الملكي فَإِنَّهُ كَانَ عبدا رَسُولا وَسليمَان نَبِي ملك وَالْعَبْد الرَّسُول أفضل من النَّبِي الْملك كَمَا أَن السَّابِقين المقربين أفضل من عُمُوم الْأَبْرَار أَصْحَاب الْيَمين وَالدَّلِيل على أَن العَبْد الرَّسُول أفضل من النَّبِي الْملك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض عَلَيْهِ أَن يكون نَبيا ملكا أَو عبدا رَسُولا فَاخْتَارَ أَن يكون عبدا رَسُولا وَلَا يخْتَار لنَفسِهِ إِلَّا مَا هُوَ الْأَفْضَل فِي نفس الْأَمر وَقَوله فَمَا زلت اخنقه حَتَّى برد لعابه وَقَوله حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي فَهَذَا فعله فِي الصَّلَاة وَهُوَ مِمَّا احْتج بِهِ الْعلمَاء على جَوَاز مثل هَذَا فِي الصَّلَاة وَهُوَ كدفع الْمَار وَقتل الأسودين وَالصَّلَاة حَالَة الْمُسَابقَة وَقد تنَازع الْعلمَاء فِي شَيْطَان الْجِنّ إِذا مر بَين يَدي الْمُصَلِّي هَل يقطع الصَّلَاة على قَوْلَيْنِ هما قَولَانِ فِي مَذْهَب أَحْمد وَقد تقدم هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي عقدناه لهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي فرار الشَّيْطَان من عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وصرعه إِيَّاه روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ اسْتَأْذن عمر على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده نسْوَة من قُرَيْش يكلمنه وَفِي رِوَايَة يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صَوته فَلَمَّا نزل على رَسُول الله آيَة الْحجاب أذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر فَدخل عمر مستأذنا وَالنَّبِيّ يضْحك فَقَالَ عمر أضْحك الله سنك يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي مَا يضحكك قَالَ عجبت من هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كن عِنْدِي فَلَمَّا سمعن صَوْتك ابتدرن الْحجاب قَالَ عمر فَأَنت يَا رَسُول الله أَحَق أَن يهبن ثمَّ قَالَ عمر أَي عدوات أَنْفسهنَّ أتهبنني وَلَا تهبن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَ نعم أَنْت أفظ وَأَغْلظ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيه يَا ابْن الْخطاب وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا لقيك الشَّيْطَان سالكا فجا إِلَّا سلك فجا غير فجك وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض مغازيه فَلَمَّا انْصَرف جَاءَت جوَيْرِية سُودًا فَقَالَت إِنِّي كنت نذرت إِن ردك الله سالما أَن أضْرب بَين يَديك بالدف وأتغنى فَقَالَ لَهَا إِن كنت نذرت فاضربي وَإِلَّا فَلَا فَقَالَت نذرت فَجَلَست تضرب فَدخل أَبُو بكر وَهِي تضرب ثمَّ دخل عَليّ وَهِي تضرب ثمَّ دخل عُثْمَان وَهِي تضرب ثمَّ دخل عمر فَأَلْقَت الدُّف تَحت استها وَقَعَدت عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان ليخاف مِنْك يَا عمر أَنِّي كنت جَالِسا وَهِي تضرب فَدخل أَبُو بكر وَهِي تضرب ثمَّ دخل عَليّ وَهِي تضرب ثمَّ دخل عُثْمَان وَهِي تضرب فَلَمَّا دخلت أَنْت يَا عمر القت الدُّف وَجَلَست عَلَيْهِ وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فسمعنا لَغطا وَصَوت صبيان فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا حبشية تدفن وَالصبيان حولهَا فَقَالَ يَا عَائِشَة تعالي فانظري فَجئْت فَوضعت لحيي على منْكب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلت أنظر إِلَيْهَا مَا بَين الْمنْكب إِلَى رَأسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فَقَالَ لي أما شبعت قَالَت فَجعلت أَقُول لَا لأنظر منزلتي عِنْده إِذْ طلع عمر قَالَت فانفض النَّاس عَنْهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأنظر إِلَى شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس قد فروا من عمر قَالَت فَرَجَعت وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد قَالَ أَخْبرنِي عِكْرِمَة بن عمار عَن عَاصِم قَالَ حَدثنِي زر قَالَت سَمِعت عبد الله يَقُول خرج رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلقي الشَّيْطَان فاشتجرا فاصطرعا فصرعه الَّذِي من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الشَّيْطَان أَرْسلنِي أحَدثك حَدِيثا عجيبا يُعْجِبك قَالَ فَأرْسلهُ قَالَ فَحَدثني قَالَ لَا قَالَ فاتخذا الثَّانِيَة فاصطرعا فصرعه الَّذِي من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَرْسلنِي فلأحدثك حَدِيثا يُعْجِبك فَأرْسلهُ فَأرْسلهُ فَقَالَ حَدثنِي فَقَالَ لَا قَالَ فاتخذا الثَّالِثَة فصرعه الَّذِي من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جلس على صَدره وَأخذ بإبهامه يلوكها فَقَالَ أَرْسلنِي قَالَ لَا أرسلك حَتَّى تُحَدِّثنِي قَالَ سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا آيَة تقْرَأ فِي وسط شياطين إِلَّا تفَرقُوا وَلَا تقْرَأ فِي بَيت فَيدْخل ذَلِك الْبَيْت شَيْطَان قَالُوا يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن فَمن ذَلِك الرجل قَالَ فَمن تَرَوْنَهُ إِلَّا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فَقَالَ حَدثنَا جَعْفَر الصَّائِغ حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بِنَحْوِهِ وَالله أعلم الْبَاب الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان لَقِي الشَّيْطَان حَنْظَلَة بن أبي عَامر غسيل الْمَلَائِكَة قَالَ ابْن عبيد حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنِي قدامَة بن مُحَمَّد الخشرمي حَدثنِي مُحَمَّد بن حَفْص وَكَانَ من خِيَار أهل الْمَدِينَة عَن صَفْوَان ابْن سليم قَالَ يتحدث أهل الْمَدِينَة أَن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الغسيل لقِيه الشَّيْطَان وَهُوَ خَارج من الْمَسْجِد فَقَالَ تعرفنِي يَا ابْن حَنْظَلَة فَقَالَ نعم فَقَالَ من أَنا قَالَ أَنْت الشَّيْطَان قَالَ فَكيف علمت ذَاك قَالَ خرجت وَأَنا أذكر الله فَلَمَّا بدأت أنظر إِلَيْك فشغلني النّظر إِلَيْك عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ذكر الله فَعلمت أَنَّك الشَّيْطَان قَالَ صدقت يَا ابْن حَنْظَلَة فاحفظ عني شَيْئا أعلمكه قَالَ لَا حَاجَة لي بِهِ قَالَ تنظر فَإِن كَانَ خيرا قبلت وَإِن كَانَ شرا رددت يَا ابْن حَنْظَلَة لَا تسْأَل أحدا غير الله سُؤال رَغْبَة وَانْظُر كَيفَ تكون إِذا غضِبت قلت غسيل الْمَلَائِكَة هُوَ حَنْظَلَة بن أبي عَامر وَاسم أبي عَامر عَمْرو وَقيل عبد عَمْرو بن صَيْفِي اسْتشْهد يَوْم اُحْدُ فروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله فِي صحاف الْفضة بِمَاء المزن بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قَالَ ابْن اسحاق فَسَأَلت امْرَأَته فَقَالَت كَانَ جنبا فَسمع الْهَاتِف فَخرج وَامْرَأَته هِيَ جميلَة بنت أبي بن سلول أُخْت عبد الله وَكَانَ ابتنى بهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَت عروسا عِنْده فرأت فِي النّوم تِلْكَ اللَّيْلَة أَن بَابا فِي السَّمَاء قد فتح لَهُ فدخله ثمَّ أغلق دونه قَالَت فَعلمت أَنه ميت من هَذِه فدعَتْ رجَالًا حِين أَصبَحت من قَومهَا فأشهدتهم على الدُّخُول بهَا خشيَة أَن يكون فِي ذَلِك نزاع ذكره الْوَاقِدِيّ وَذكره غَيره أَنه التمس فِي الْقَتْلَى فوجدوه يقطر رَأسه مَاء وَلَيْسَ بِقُرْبِهِ مَاء تَصْدِيقًا لما قَالَه الرَّسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي هَذَا دَلِيل لما ذهب أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ إِلَيْهِ أَن الشَّهِيد إِذا كَانَ جنبا يغسل الْبَاب السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان إغواء الشَّيْطَان قَارون قَالَ أَبُو بكر الْقرشِي حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس حَدثنَا أَحْمد ابْن أبي الْحوَاري قَالَ سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان وَغَيره قَالَ تبدى إِبْلِيس لقارون قَالَ وَقد كَانَ قَارون أَقَامَ فِي جبل أَرْبَعِينَ سنة يتعبد فِيهِ قد فاق بني اسرائيل فِي الْعِبَادَة قَالَ فَبعث إِلَيْهِ بشياطين لَهُ فَلم يقدروا عَلَيْهِ فتبدى لَهُ فَجعل يتعبد مَعَه وَجعل قَارون يفْطر وَهُوَ لَا يفْطر وَجعل هُوَ يظْهر من الْعِبَادَة مَا لَا يقوى عَلَيْهَا قَارون قَالَ فتواضع لَهُ قَارون قَالَ لَهُ إِبْلِيس قد رضيت بِهَذَا يَا قَارون لَا تشهد لبني إِسْرَائِيل جَنَازَة وَلَا جمَاعَة قَالَ فأحذره من الْجَبَل حَتَّى أدخلهُ الْبيعَة قَالَ فَجعلُوا يحملون إِلَيْهِمَا الطَّعَام قَالَ فَقَالَ لَهُ قد رَضِينَا بِهَذَا صرنا كلا على بني إِسْرَائِيل قَالَ فَأَي شَيْء الرَّأْي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 قَالَ نكسب يَوْمًا ونتعبد بَقِيَّة الْجُمُعَة قَالَ نعم ثمَّ قَالَ لَهُ بعد قد رَضِينَا بُد أَن لَا نتصدق وَلَا نَفْعل قَالَ فَأَي شَيْء الرَّأْي قَالَ نكسب يَوْمًا ونتعبد يَوْمًا فَلَمَّا فعل ذَلِك حبس عَنهُ وَتَركه وَفتحت على قَارون الدُّنْيَا نَعُوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان وشره الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان حُضُور الشَّيْطَان مجمع قُرَيْش بدار الندوة للتشاور فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقبيحه آراءهم وتصويبه رَأْي أبي جهل قَالَ ابْن اسحاق لما رَأَتْ قُرَيْش أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَت لَهُ شيعَة وَأَصْحَاب من غَيرهم بِغَيْر بلدهم وَرَأَوا خُرُوج أَصْحَابه من الْمُهَاجِرين إِلَيْهِم عرفُوا أَنهم قد نزلُوا دَارا وَأَصَابُوا سَعَة فحذروا خُرُوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرفُوا أَنه قد أجمع لحربهم فَاجْتمعُوا لَهُ فِي دَار الندوة وَهِي دَار قصي بن كلاب الَّتِي كَانَت قُرَيْش لَا تقضي أمرا إِلَّا فِيهَا يتشاورون فِيهَا مَا يصنعون فِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خافوه فَحَدثني من لَا أتهم من أَصْحَابنَا عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد بن جبر أبي الْحجَّاج وَغَيره مِمَّن لَا أتهم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما اجْتَمعُوا لذَلِك واتعدوا أَن يدخلُوا دَار الندوة ليتشاوروا فِيهَا فِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غدوا فِي الْيَوْم الَّذِي اتعدوا لَهُ وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يُسمى يَوْم الرَّحْمَة فاعترضهم إِبْلِيس فِي صُورَة شيخ جليل عَلَيْهِ بت لَهُ فَوقف على بَاب الدَّار فَلَمَّا رَأَوْهُ وَاقِفًا على بَابهَا قَالُوا من الشَّيْخ فَقَالَ شيخ من أهل نجد سمع بِالَّذِي اتعدتم لَهُ فَحَضَرَ مَعكُمْ ليسمع مَا تَقولُونَ وَعَسَى أَن لَا يعدمكم مِنْهُ رَأيا وَنصحا قَالُوا أجل فَادْخُلْ فَدخل وَقد اجْتمع فِيهَا أَشْرَاف قُرَيْش من بني عبد شمس عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف طعيمة بن عدي وَجبير بن مطعم والْحَارث ابْن عَمْرو بن نَوْفَل وَمن بني عبد الدَّار بن قصي النَّضر بن الْحَارِث بن كلدة وَمن بني أَسد بن عبد الْعُزَّى أَبُو البخْترِي بن هِشَام وَزَمعَة بن الْأسود وَحَكِيم ابْن حزَام وَمن بني مَخْزُوم أَبُو جهل بن هِشَام وَمن بني سهم نبيه ومنبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ابْنا الْحجَّاج وَمن بني جمح أُميَّة بن خلف وَمن كَانَ مِنْهُم وَمن غَيرهم مِمَّن لَا يعد من قُرَيْش فَقَالَ بَعضهم لبَعض إِن هَذَا الرجل قد كَانَ من أمره مَا قد رَأَيْتُمْ وَأَنا وَالله لَا نَأْمَن من الْوُثُوب علينا بِمن قد اتبعهُ من غَيرنَا فاجمعوا بِهِ رَأيا قَالَ فتشاوروا ثمَّ قَالَ قَائِل مِنْهُم احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيد واغلقوا عَلَيْهِ بَابا ثمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ مَا اصاب اشباهه من الشُّعَرَاء الَّذين كَانُوا قبله زُهَيْر والنابغة من مضى مِنْهُم من هَذَا الْمَوْت حَتَّى يُصِيبهُ مَا أَصَابَهُم فَقَالَ الشَّيْخ النجدي لَا وَالله مَا هَذَا لكم بِرَأْي وَالله لَئِن حبستموه كَمَا تَقولُونَ ليخرجن أمره من وَرَاء الْبَاب الَّذِي أغلقتم دونه إِلَى أَصْحَابه فَلَا يُوشك أَن يثبوا عَلَيْكُم فينتزعوه من أَيْدِيكُم ثمَّ يكاثروكم حَتَّى يغلبوكم على أَمركُم مَا هَذَا لكم بِرَأْي فانظروا فِي غَيره فتشاوروا ثمَّ قَالَ قَائِل مِنْهُم نخرجهُ من بَين ظهرنا فننفيه من بِلَادنَا فَإِذا خرج عَنَّا فوَاللَّه مَا نبالي أَيْن ذهب وَلَا حَيْثُ وَقع إِذا غَابَ عَنَّا وفرغنا مِنْهُ أَصْلحنَا أمرنَا وَآلِهَتنَا كَمَا كَانَت فَقَالَ الشَّيْخ النجدي وَالله مَا هَذَا لكم بِرَأْي ألم تروا حسن حَدِيثه وحلاوة مَنْطِقه وغلبته على قُلُوب الرِّجَال بِمَا يَأْتِي بِهِ وَالله لَو فَعلْتُمْ ذَلِك مَا أمنت أَن يحل على حَيّ من الْعَرَب فيغلب بذلك عَلَيْهِم من قَوْله وَحَدِيثه حَتَّى يبايعوه عَلَيْهِ ثمَّ يسير بهم اليكم حَتَّى يطأكم بهم فَيخرج أَمركُم من أَيْدِيكُم ثمَّ يفعل بكم مَا أَرَادَ فأروا فِيهِ رَأيا غير هَذَا قَالَ فَقَالَ أَبُو جهل بن هِشَام وَالله إِن لي لرأيا مَا أَرَاكُم وقفتم عَلَيْهِ بعد قَالُوا وَمَا هُوَ يَا أَبَا الحكم قَالَ أرى أَن تَأْخُذُوا من كل قَبيلَة فَتى شَابًّا جلدا نسيبا وسطا ثمَّ نعطي كل فَتى مِنْهُم سَيْفا صَارِمًا ثمَّ يعمدوا إِلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَة رجل وَاحِد فيقتلوه فنستريح مِنْهُ فَإِنَّهُم إِذا فعلوا ذَلِك تفرق دَمه فِي الْقَبَائِل جَمِيعًا فَلَا تقدر بَنو عبد منَاف على حَرْب قَومهمْ جَمِيعًا فرضوا منا بِالْعقلِ فعقلناه لَهُم قَالَ يَقُول الشَّيْخ النجدي القَوْل مَا قَالَ الرجل هَذَا الرَّأْي لَا أرى غَيره فَتفرق الْقَوْم على ذَلِك وهم مجمعون لَهُ فَأتى جِبْرِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تبيت اللَّيْلَة على فراشك الَّذِي كنت تبيت عَلَيْهِ قَالَ فَلَمَّا كَانَت عتمة من اللَّيْل اجْتَمعُوا على بَابه يَرْصُدُونَهُ حَتَّى ينَام فيثبوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكانهم قَالَ لعَلي بن أبي طَالب نم على فِرَاشِي وتوشح ببردي هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْأَخْضَر فنم فِيهِ فَإِنَّهُ لن يخلص إِلَيْك شَيْء تكرههُ مِنْهُم وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينَام فِي برده ذَلِك إِذا نَام فَحَدثني يزِيد بن زِيَاد عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ لما أَجمعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جهل بن هِشَام فَقَالَ وهم على بَابه إِن مُحَمَّدًا يزْعم أَنكُمْ إِن بايعتموه على أمره كُنْتُم مُلُوك الْعَرَب والعجم ثمَّ إِن بعثتم من بعد موتكم جعلت لكم جنان كجنان الْأُرْدُن وَإِن لم تَفعلُوا كَانَ لَهُ فِيكُم ذبح ثمَّ بعثتم بعد موتكم فَجعلت لكم نَارا تحرقون فِيهَا قَالَ وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ حفْنَة من تُرَاب فِي يَده ثمَّ قَالَ نعم أَنا أَقُول ذَلِك أَنْت أحدهم وَأخذ الله أَبْصَارهم عَنهُ فَلَا يرونه فَجعل ينثر التُّرَاب على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو هَذِه الْآيَات {يس} إِلَى {فهم لَا يبصرون} وَلم يبْق رجل إِلَّا وَقد وضع على رَأسه تُرَابا وَانْصَرف إِلَى حَيْثُ أَرَادَ أَن يذهب فَأَتَاهُم آتٍ مِمَّن لم يكن مَعَهم فَقَالَ وَمَا تنتظرون هَهُنَا قَالُوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قد خيبكم الله قد وَالله خرج عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا ترك أحدا مِنْكُم إِلَّا وضع على رَأسه تُرَابا وَانْطَلق لِحَاجَتِهِ فَمَا ترَوْنَ مَا بكم قَالَ فَوضع كل رجل مِنْهُم يَده على رَأسه فَإِذا عَلَيْهِ تُرَاب ثمَّ جعلُوا يتطلعون فيرون عليا على الْفراش متشحا بِبرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولُونَ وَالله إِن هَذَا لمُحَمد نَائِما عَلَيْهِ برده فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا فَقَامَ عَليّ عَن الْفراش فَقَالُوا وَالله لقد صدقنا الَّذِي كَانَ حَدثنَا فَكَانَ مِمَّا أنزل الله تَعَالَى من الْقُرْآن فِي ذَلِك {وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا ليثبتوك أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين} وَقَول الله تَعَالَى {أم يَقُولُونَ شَاعِر نتربص بِهِ ريب الْمنون قل تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعكُمْ من المتربصين} تَعْلِيق وَبَيَان فصل قد قدمنَا فِي بَيَان طُلُوع قرن الشَّيْطَان من نجد الْمَعْنى الَّذِي تمثل من اجله الشَّيْطَان فِي صُورَة شيخ نجدي وَهُوَ أَن قُريْشًا قَالُوا لَا يدْخل مَعَهم فِي الْمُشَاورَة أحد من أهل تهَامَة لِأَن هواهم مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسم ابْن اسحاق من المشيرون الَّذين أشاروا غير أبي جهل فَقَالَ ابْن سَلام الَّذِي أَشَارَ بحبسه هُوَ أَبُو البخْترِي بن هِشَام وَالَّذِي أَشَارَ بِإِخْرَاجِهِ ونفيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 هُوَ أَبُو الْأسود ربيعَة بن عُمَيْر اُحْدُ بني عَامر بن لؤَي وَأما وقوفهم على بَابه يتطلعون فيرون عليا وَعَلِيهِ برد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيظنونه إِيَّاه فَلم يزَالُوا كَذَلِك قيَاما حَتَّى اصبحوا فَذكر بعض أهل السّير السَّبَب الْمَانِع لَهُم من التقحم عَلَيْهِ فِي الدَّار مَعَ قصر الْجِدَار وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا جَاءُوا لقَتله فَذكر فِي الْخَبَر أَنهم هموا بالولوج عَلَيْهِ فصاحت امْرَأَة من الدَّار فَقَالَ بَعضهم لبَعض وَالله إِنَّهَا لسبة فِي الْعَرَب أَن يتحدث عَنَّا إِنَّا تسورنا الْحِيطَان على بَنَات الْعم وهتكنا ستر حرمنا فَهَذَا الَّذِي أقامهم فِي الْبَاب حَتَّى أَصْبحُوا ينتظرون خُرُوجه ثمَّ طمست ابصارهم عَنهُ حِين خرج وَفِي قِرَاءَة الْآيَات من سُورَة يس من الْفِقْه التَّذْكِرَة بِقِرَاءَة الْخَائِفِينَ لَهَا اقْتِدَاء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد روى الْحَارِث بن اسامة فِي مُسْنده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر فِي فضل يس أَنَّهَا إِن قَرَأَهَا خَائِف أَمن أَو جَائِع شبع أَو عَار كسى أَو عاطش سقى أَو سقيم شفى حَتَّى ذكر خلالا كَثِيرَة وَالله أعلم الْبَاب الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان صُرَاخ الشَّيْطَان من رَأس الْعقبَة وَقت الْبيعَة بيعَة الرضْوَان قَالَ ابْن اسحاق بن عَاصِم حَدثنَا عمر بن قَتَادَة أَن الْقَوْم لما اجْتَمعُوا لبيعة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَبَّاس بن عبَادَة بن نَضْلَة الْأنْصَارِيّ أَخُو بني سَالم بن عَوْف يَا معشر الْخَزْرَج هَل تَدْرُونَ علام تُبَايِعُونَ هَذَا الرجل قَالُوا نعم قَالَ إِنَّكُم تبايعونه على حَرْب الْأَحْمَر وَالْأسود من النَّاس فَإِن كُنْتُم ترَوْنَ إِذا نهكت أَمْوَالكُم مُصِيبَة وأشرافكم قتلا كَذَا استلمتموه فَمن الْآن فَهُوَ وَالله إِن فَعلْتُمْ خزي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِن كُنْتُم ترَوْنَ أَنكُمْ وافون لَهُ مِمَّا دعوتموه إِلَيْهِ على نهب الْأَمْوَال وَقتل الاشراف فَخُذُوهُ فَهُوَ وَالله خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالُوا نَأْخُذهُ على مُصِيبَة الْأَمْوَال وَقتل الْأَشْرَاف فَمَا لنا بذلك يَا رَسُول الله إِن نَحن وَفينَا قَالَ الْجنَّة قَالُوا ابْسُطْ يدك فَبسط يَده فَبَايعُوهُ قَالَ ابْن اسحاق فبنوا النجار يَزْعمُونَ أَن أَبَا أُمَامَة أسعد ابْن زُرَارَة كَانَ أول من ضرب على يَده وَبَنُو عبد الاشهل تَقول بل الْهَيْثَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ابْن النيهان قَالَ ابْن اسحاق وحَدثني معبد بن كَعْب فِي حَدِيثه عَن أَخِيه عبد الله بن كَعْب عَن أَبِيه كَعْب بن كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ أول من ضرب على يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَراء بن معْرور تَعْلِيق وَبَيَان قلت وَقد ذكرت ذَلِك فِي كتابي الموسوم بمحاسن الْوَسَائِل إِلَى معرفَة الْأَوَائِل قَالَ كَعْب فَلَمَّا بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صرخَ الشَّيْطَان من رَأس الْعقبَة بأنفذ صَوت مَا سمعته قطّ يَا أهل الحباحب هَل لكم فِي مذمم وَالصبَا مَعَه قد اجْتَمعُوا على حربكم قَالَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا أزب الْعقبَة هَذَا ابْن أزنب قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال ابْن أزيب أتسمع أَي عَدو الله لأفرغن لَك قَالَ ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارفضوا إِلَى رحالكُمْ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس بن عبَادَة ابْن نَضْلَة وَالله الَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِن شِئْت لنميلن على أهل منى غَدا بأسيافنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تُؤمر بذلك وَلَكِن ارْجعُوا إِلَى رحالكُمْ فَإِن رَجعْنَا إِلَى مضاجعنا فنمنا عَلَيْهَا حَتَّى أَصْبَحْنَا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْهِ جلة من قُرَيْش حَتَّى جَاءُونَا فِي مَنَازلنَا فَقَالُوا يَا معشر الْخَزْرَج إِنَّه قد بلغنَا أَنكُمْ جئْتُمْ إِلَى صاحبنا هَذَا تستخرجونه من بَين أظهرنَا وتبايعونه على حربنا وَإنَّهُ وَالله مَا من حَيّ من الْعَرَب أبْغض إِلَيْنَا أَن تنشب الْحَرْب بَيْننَا وَبينهمْ مِنْكُم قَالَ فانبعث من هُنَاكَ من مُشْركي قَومنَا يحلفُونَ بِاللَّه مَا كَانَ من هَذَا شَيْء وَمَا علمناه قَالَ وَصَدقُوا لم يعلمُوا قَالَ وبعضنا ينظر إِلَى بعض قَالَ ثمَّ قَامَ الْقَوْم وَفِيهِمْ الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَعَلِيهِ نَعْلَانِ لَهُ جديدان قَالَ فَقلت لَهُ كلمة كَأَنِّي أُرِيد أَن أشرك الْقَوْم بهَا فِيمَا قَالُوا يَا ابا جَابر أما نستطيع أَن نتَّخذ وَأَنت سيد من سَادَاتنَا ثمَّ نَعْلي هَذَا الْفَتى من قُرَيْش قَالَ فَسَمعَهَا الْحَارِث فخلعهما من رجلَيْهِ ثمَّ رمى بهما إِلَى وَقَالَ وَالله لينتعلهما قَالَ يَقُول جَابر مَه أحفظت وَالله الْفَتى فأردد إِلَيْهِ نَعْلَيْه قَالَ قلت وَالله لَا أردهما فأل وَالله صَالح وَالله لَئِن صدق الفأل لأسلبنه قَالَ ابْن اسحاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر انهم اتوا عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ابْن أبي بن ساول فَقَالُوا لَهُ مثل مَا ذكر كَعْب من القَوْل فَقَالَ لَهُم وَالله ان هَذَا الْأَمر جسيم مَا كَانَ قومِي ليفتاتوا على بِمثل هَذَا وَمَا عَلمته كَانَ فانصرفوا عَنهُ قَالَ وتفرق النَّاس مني فتصنت الْقَوْم الْخَبَر فوجدوه قد كَانَ وَخَرجُوا فِي طلب الْقَوْم فأدركوا سعد بن عبَادَة بإذاخر وَالْمُنْذر بن عمر وأخا بني سَاعِدَة وَكِلَاهُمَا قد كَانَا تغيبا فَأَما الْمُنْذر فأعجز الْقَوْم وَأما سعد فَأَخَذُوهُ وربطوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقه بشسع رَحْله ثمَّ أَقبلُوا بِهِ حَتَّى أدخلوه مَكَّة يضربونه ويجذبونه بحمته وَلم يزل يعذب فِي الله حَتَّى نما الْخَبَر على يَد ابي البخْترِي بن هِشَام إِلَى جبر ابْن مطعم والْحَارث بن حَرْب بن أُميَّة وَكَانَ بَينه وَبَينهمَا جوَار وَكَانَ يجير لَهما تجارتهما ويمنعهما أَن يظلما بِبَلَدِهِ قَالَ فجَاء فخلصا سَعْدا من أَيْديهم فَانْطَلق وروى أَبُو الْأَشْهب عَن الْحسن قَالَ لما بُويِعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى صرخَ الشَّيْطَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا أَبُو لبينى قد أنذر بكم فَتَفَرَّقُوا تَعْلِيق وَبَيَان فصل قَوْله بأنفذ صَوت هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقَيده أَبُو بَحر عَن أبي الْوَلِيد بأبعد صَوت والجباجب يَعْنِي منَازِل منى قَالَ السُّهيْلي وَأَصله أَن الأوعية من الْأدم كالزنبيل وَنَحْوه يُسمى جبجبة فَجعل الْخيام والمنازل لأَهْلهَا كالأوعية وأزب الْعقبَة كَذَا تقيد فِي هَذَا الْموضع وَقَالَ ابْن مَاكُولَا أم كرز بنت الأزب بن عَمْرو بن بكيل من هَمدَان جدة أم الْعَبَّاس أمه عقيلة وَقَالَ لَا يعرف الأزب فِي الْأَسْمَاء إِلَّا هَذَا وإزب الْعقبَة وَهُوَ اسْم شَيْطَان قَالَ السُّهيْلي وَوَقع فِي غَزْوَة أحد إزب الْعقبَة بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي وَفِي حَدِيث ابْن الزبير مَا يشْهد لَهُ حِين رأى رجلا على برذعة رَحْله طوله شبر فَقَالَ مَا أَنْت قَالَ إزب قَالَ وَمَا إزب قَالَ رجل فَضَربهُ على رَأسه بِعُود السَّوْط حَتَّى باض أَي هرب وَقَالَ يَعْقُوب فِي الْأَلْفَاظ الإزب الْقصير وَحَدِيث ابْن الزبير ذكره القتبي فِي الْغَرِيب فَالله أعلم أَي الضبطين أصح وَقَالَ السُّهيْلي فِي يَوْم اُحْدُ الله أعلم هَل الأزب أَو الإزب شَيْطَان وَاحِد أَو اثْنَان وَابْن أزيب فِي رِوَايَة ابْن هِشَام يجوز أَن يكون فعيلا من الإزب والأزيب والبخيل وأزيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 اسْم ريح من الرِّيَاح الْأَرْبَع والأزيب الْفَزع أَيْضا والأزيب الرجل المتقارب الْمَشْي وَهُوَ على وزن أفعل قَالَه صَاحب الْعين وَيحْتَمل أَن يكون ابْن أزيب من هَذَا أَيْضا وَأما الْبَخِيل فأزيب على وزن فعيل لِأَن يَعْقُوب حكى فِي الْأَلْفَاظ أمرأ أزيبة وَلَو كَانَ على وزن أفعل فِي الْمُذكر لَكَانَ فِي الْمُؤَنَّث على وزن زيباء إِلَّا أَن فعيلا فِي أبنية الْأَسْمَاء عَزِيز وَقد قَالُوا فِي ضهياء وَهِي الَّتِي لَا تحيض من النِّسَاء فعلى وَجعلُوا الْهمزَة زَائِدَة قَالَ السُّهيْلي وَهِي عِنْدِي فعيل لِأَن الْهمزَة فِي قِرَاءَة عَاصِم لَام الْفِعْل فِي قَوْله عز وَجل {?} {يضاهئون} والضهيا من هَذَا لِأَنَّهَا تضاهي الرجل أَي تشبهه وَيُقَال فِيهِ ضهياء بِالْمدِّ فَلَا إِشْكَال أَنَّهَا للتأنيث على لُغَة من قَالَ ضاهيت بِالْيَاءِ وَقد يجوز أَن تكون أزيب وأزيبة مثل أرمل وأرملة فَلَا يكون فعيلا وَقَوله وَكَانَ عَلَيْهِ نَعْلَانِ جديدان النَّعْل مُؤَنّثَة وَلَا يُقَال جَدِيدَة فِي الفصيح من الْكَلَام وَإِنَّمَا يُقَال ملحفة جَدِيد لِأَنَّهَا فِي معنى مجدودة أَي مَقْطُوعَة فَهِيَ من بَاب كف خضيب وَامْرَأَة قَتِيل قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَمن قَالَ جَدِيدَة فَإِنَّمَا أَرَادَ معنى حَدِيثَة أَي بِمَعْنى حَادِثَة وكل فعيل بِمَعْنى فَاعل تدخله التَّاء فِي الْمُؤَنَّث وَالله أعلم الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان حُضُور الشَّيْطَان وقْعَة بدر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَقَالَ لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم فَلَمَّا تراءت الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب} قَالَ ابْن اسحاق حَدثنِي مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبد الله ابْن أبي بكر وَيزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة بن الزبير وَغَيرهم من عُلَمَائِنَا عَن ابْن عَبَّاس كل قد حَدثنِي بعض الحَدِيث فَاجْتمع حَدِيثهمْ فِيمَا سقت من حَدِيث بدر قَالَ لما سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي سُفْيَان مُقبلا من الشَّام ندب الْمُسلمين اليهم وَقَالَ هَذِه عير قُرَيْش فِيهَا أَمْوَالهم فاخرجوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 إِلَيْهَا لَعَلَّ الله ينفلكموها فَانْتدبَ الْمُسلمُونَ فخف بَعضهم وَثقل بَعضهم وَذَلِكَ أَنهم لم يَظُنُّوا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقِي حَربًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حِين دنا من الْحجاز يتجسس الْأَخْبَار وَيسْأل من يلقى من الركْبَان حَتَّى قيل لَهُ إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتنْفرَ أَصْحَابه لَك وأميرك فحذر عِنْد ذَلِك فاستأجر ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فَبَعثه إِلَى مَكَّة وَأمره أَن يَأْتِي قُريْشًا ويستنفرهم إِلَى أَمْوَالهم ويخبرهم أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عرض لَهَا فِي أَصْحَابه فَخرج ضَمْضَم سَرِيعا إِلَى مَكَّة فَصَرَخَ بِبَطن الْوَادي وَاقِفًا على بعيره وَقد جدع بعيره وحول رَحْله وشق قَمِيصه يَقُول يَا معشر قُرَيْش اللطيمة اللطيمة أَمْوَالكُم مَعَ أبي سُفْيَان قد عرض لَهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَصْحَابه لَا أرى أَن تدركوها الْغَوْث الْغَوْث فتجهز النَّاس سرَاعًا فَكَانُوا بَين رجلَيْنِ إِمَّا خَارج وَإِمَّا باعث مَكَانَهُ رجلا وأوعيت قريس فَلم يتَخَلَّف من أَشْرَافهَا أحد الا أَبُو لَهب بن عبد الْمطلب قد تخلف وَبعث مَكَانَهُ الْعَاصِ بن هِشَام بن الْمُغيرَة وَكَانَ قد لَاطَ لَهُ بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم كَانَت لَهُ عَلَيْهِ أفلس بهَا فاستأجره على أَن يجْرِي عَنهُ بَعثه وتخلف أَبُو لَهب قَالَ ابْن اسحاق وحَدثني عبد الله بن أبي نجيح بن أُميَّة بن خلف وَقد أجمع على الْقعُود وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا ثقيلا فَأَتَاهُ عقبَة بن أبي معيط وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد فِي قومه بمجمرة يحملهَا فِيهَا نَار وهجم حَتَّى وَضعهَا بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا عَليّ استجمر فَإِنَّمَا أَنْت من النِّسَاء فَقَالَ قبحك الله وقبح مَا جِئْت بِهِ قَالَ ابْن اسحاق وَلما فرغوا من جهازهم وَأَجْمعُوا السّير ذكرُوا ماكان بَينهم وَبَين بني بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة بن الْحَارِث فَقَالُوا إِنَّا نخشى أَن يَأْتُونَا من خلفنا فتبدى لَهُم إِبْلِيس فِي صُورَة سراقَة بن مَالك بن جشم الْكِنَانِي المدلجي وَكَانَ من أَشْرَاف بني كنَانَة فَقَالَ أَنا جَار لكم من أَن تَأْتيكُمْ كنَانَة من خلفكم بِشَيْء تكرهونه فَخَرجُوا سرَاعًا وَذكر ابْن عقبَة وَابْن عَائِذ فِي هَذَا الْخَبَر وَأَقْبل الْمُشْركُونَ وَمَعَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة سراقَة فَحَدثهُمْ أَن بني كنَانَة وَرَاءَهُمْ قد أَقبلُوا لنصرهم وَأَنه لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم قَالَ ابْن اسحاق وَعُمَيْر بن وهب والْحَارث بن هِشَام هُوَ الَّذِي راى إِبْلِيس حِين نكص على عَقِبَيْهِ عِنْد نزُول الْمَلَائِكَة وَقَالَ {إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ} فَلم يزل حَتَّى أوردهم ثمَّ أسلمهم فَفِي ذَلِك يَقُول حسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 . سرنا وَسَارُوا إِلَى بدر لحينهم ... لَو يعلمُونَ يَقِين الْعلم مَا سَارُوا دلاهما بغرور ثمَّ أسلمهم ... إِن الْخَبيث لمن وَالَاهُ غرار ... وَذكر غير ابْن اسحاق أَن الْحَارِث بن هِشَام تشبث بإبليس وَهُوَ يرى أَنه سراقَة بن مَالك فَقَالَ إِلَى أَيْن يَا سراق أَيْن تَفِر فلكمه لكمة طَرحه على قَفاهُ ثمَّ قَالَ {إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين} قَالَ السُّهيْلي ويروى أَنهم رَأَوْا سراقَة بِمَكَّة بعد ذَلِك فَقَالُوا لَهُ يَا سراقَة أخرمت الصَّفّ وأوقعت فِينَا الْهَزِيمَة فَقَالَ وَالله ماعلمت بِشَيْء من أَمركُم حَتَّى كَانَت هزيمتكم وَمَا شهِدت وَمَا علمت فَمَا صدقوه حَتَّى أَسْلمُوا وسمعوا مَا أنزل الله فِيهِ فَعَلمُوا أَنه كَانَ إِبْلِيس تمثل لَهُم وَقَول اللعين {إِنِّي أَخَاف الله} لِأَن الْكَافِر لَا يخَاف الله إِلَّا أَنه لما رأى جنود الله تنزل من السَّمَاء فخاف أَن يكون الْيَوْم الْموعد الَّذِي قَالَ الله سُبْحَانَهُ فِيهِ {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين} وَقبل أَيْضا إِنَّمَا خَافَ أَن تُدْرِكهُ الْمَلَائِكَة لما رأى من فعلهَا بحزبه الْكَافرين وَذكر قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل أَن قُريْشًا حِين تَوَجَّهت إِلَى بدر مر هَاتِف من الْجِنّ على مَكَّة فِي الْيَوْم الَّذِي أوقع بهم الْمُسلمُونَ وَهُوَ ينشد بأنفذ صَوت وَلَا يرى شخصه ... أزار الحنيفيون بَدْرًا وقيعة ... سينقض مِنْهَا ركن كسْرَى وقيصرا أبادت رجَالًا من لؤَي وأبرزت ... خرائد يضربن الترائب حسرا فياويح من أَمْسَى عَدو مُحَمَّد ... لقد جَار عَن قصد الْهدى وتحيرا ... فَقَالَ قَائِلهمْ من الحنيفيون فَقَالُوا هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَزْعمُونَ أَنهم على دين إِبْرَاهِيم الحنيف ثمَّ لم يَلْبَثُوا أَن جَاءَهُم الْخَبَر الْيَقِين وَقد بوبنا على هَذِه الأبيات فِيمَا تقدم لمناسبة ذَلِك الْموضع بالأخبار واعدناها فِي هَذَا الْبَاب لتعلقها بِقصَّة بدر وَلَيْسَ الْغَرَض هَا هُنَا إِلَّا ذكر إِبْلِيس وتبديه لقريش دون سِيَاق الْغَزْوَة بكمالها إِذْ لَيْسَ مَوْضُوع هَذَا الْكتاب إِلَّا ذكر الْجِنّ وَالشَّيَاطِين بَقِي مِمَّا يتَعَرَّض إِلَى ذكره قَوْله تَعَالَى {وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ وَيذْهب عَنْكُم رجز الشَّيْطَان} قَالَ السُّهيْلي كَانَ الْعَدو قد أحرزوا المَاء دون الْمُسلمين وحفروا الْقلب لأَنْفُسِهِمْ وَكَانَ الْمُسلمُونَ قد أَحْدَثُوا واجنب بَعضهم وهم لَا يصلونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 إِلَى المَاء فوسوس الشَّيْطَان لَهُم أَو لبَعْضهِم وَقَالَ تَزْعُمُونَ أَنكُمْ على الْحق وَقد سبقكم أعداؤكم إِلَى المَاء وَأَنْتُم عطاش وتصلون بِلَا وضوء وَمَا ينْتَظر أعداؤكم إِلَّا أَن يقطع الْعَطش رِقَابكُمْ وَتذهب قواكم فيتحكموا فِيكُم كَيفَ شَاءُوا فَأرْسل الله السَّمَاء فَحلت عزاليها فتطهروا وَرووا وتلبدت الأَرْض لأقدامهم وَكَانَت رمالا وسبخات فتثبتت فِيهَا أَقْدَامهم وَذهب عَنْهُم رجز الشَّيْطَان ثمَّ نهضوا إِلَى أعدائهم وحازوا الْقلب الَّتِي كَانَت لِلْعَدو فعطش الْكفَّار وَجَاء النَّصْر من عِنْد الله وَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْضَة من الْبَطْحَاء وَرَمَاهُمْ بهَا فَمَلَأ عُيُون جَمِيع الْعَسْكَر فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} وَالله الْهَادِي للحق الْبَاب الموفي اربعين بعد الْمِائَة فِي بَيَان صُرَاخ الشَّيْطَان يَوْم أحد قَالَ مُحَمَّد بن سعد لما رَجَعَ من حضر بَدْرًا من الْمُشْركين إِلَى مَكَّة وجدوا العير الَّتِي قدم بهَا أَبُو سُفْيَان بن حَرْب مَوْقُوفَة فِي دَار الندوة فمشت اشراف قُرَيْش إِلَى أبي سُفْيَان وَقَالُوا نَحن طيبو الْأَنْفس أَن تجهزوا بِرِبْح هَذِه العير جَيْشًا إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو سُفْيَان فَأَنا أول من أجَاب إِلَى ذَلِك وَبَنُو عبد منَاف فَبَاعُوهَا فَصَارَت ذَهَبا وَكَانَت الف بعير وَخمسين ألف دِينَار فَسلم إِلَى أهل العير رُؤُوس أَمْوَالهم وأخرجوا أرباحهم وَكَانُوا يربحون فِي تِجَارَتهمْ لكل دِينَار دِينَارا قَالَ ابْن اسحاق ففيهم كَمَا ذكر لي أنزل الله تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا يُنْفقُونَ أَمْوَالهم ليصدوا عَن سَبِيل الله} إِلَى قَوْله {يحشرون} فاجتمعت قُرَيْش لِحَرْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأحابيشها وَمن اطاعها من قبائل كنَانَة وَأهل تهَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 قَالَ ابْن سعد وَكتب الْعَبَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخْبِرهُمْ كُله فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن الرّبيع بِكِتَاب الْعَبَّاس قَالَ ابْن اسحاق وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ألف من أَصْحَابه حَتَّى إِذا كَانُوا بِالسَّوْطِ بَين الْمَدِينَة وَأحد انْخَذَلَ عَنهُ عبد الله بن أبي بِثلث النَّاس وتعبى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعمِائة رجل وتعبأت قُرَيْش وَهِي فِي ثَلَاثَة آلَاف رجل وَمَعَهُمْ مِائَتَا فرس قَالَ ابْن عقبَة وَلَيْسَ فِي الْمُسلمين فرس وَاحِد وَقَالَ الْوَاقِدِيّ لم يكن مَعَ الْمُسلمين يَوْم أحد من الْخَيل إِلَّا فرس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرس لأبي بردة قَالَ ابْن اسحاق وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يَأْخُذ هَذَا السَّيْف بِحقِّهِ فَقَامَ إِلَيْهِ رجال فأمسكه عَنْهُم ثمَّ قَامَ أَبُو دُجَانَة سماك بن حَرْب فَقَالَ وَمَا حَقه يَا رَسُول الله قَالَ أَن تضرب بِهِ حَتَّى ينحني قَالَ أَنا آخذه بِحقِّهِ فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَكَانَ أَبُو دُجَانَة رجلا شجاعا يختال عِنْد الْحَرْب إِذا كَانَت وَحين رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبختر قَالَ إِنَّهَا لمشية يبغضها الله إِلَّا فِي مثل هَذَا الْيَوْم وَقَالَ ابْن هِشَام حَدثنِي غير وَاحِد أَن الزبير بن الْعَوام قَالَ وجدت فِي نَفسِي حِين سَأَلت السَّيْف فمنعته واعطاه أَبَا دُجَانَة فَقلت وَالله لأنظرن مَا يصنع فاتبعته فَأخذ عِصَابَة لَهُ حَمْرَاء فعصب رَأسه فَقَالَت الْأَنْصَار أخرج أَبُو دُجَانَة عِصَابَة الْمَوْت وَهَكَذَا كَانَ يَقُول إِذا عصب بهَا فَجعل لَا يلقى أحدا إِلَّا قَتله قَالَ ابْن اسحاق وَقَاتل مُصعب بن عُمَيْر دون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قتل وَكَانَ الَّذِي قَتله ابْن قميئة اللَّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع إِلَى قُرَيْش فَقَالَ قتلت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قتل مُصعب أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَة عليا وَقَالَ ابْن سعد قتل مُصعب فَأخذ اللِّوَاء ملك فِي صُورَة مُصعب وَحَضَرت الْمَلَائِكَة الْهَزِيمَة لَا شكّ فِيهَا قَالَ وصرخ صارخ يَعْنِي لما قتل مُصعب بن عُمَيْر أَلا إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قتل قَالَ الرَّاوِي فانكفأنا وانكفأ الْقَوْم علينا بعد أَن أصبْنَا أَصْحَاب اللِّوَاء حَتَّى مَا يدنوا مِنْهُ أحد من الْقَوْم قَالَ ابْن سعد فَلَمَّا قتل أَصْحَاب اللِّوَاء انْكَشَفَ الْمُشْركُونَ منهزمين لَا يلوون وَنِسَاؤُهُمْ يدعونَ بِالْوَيْلِ وتبعهم الْمُسلمُونَ يضعون السِّلَاح فيهم حَيْثُ سَارُوا وَثَبت أَمِير الرُّمَاة عبد الله بن جُبَير فِي نفر يسير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 دون الْعشْرَة مَكَانَهُ وَانْطَلق بَاقِي الرُّمَاة يتبعُون الْعَسْكَر وَحمل خَالِد بن الْوَلِيد وتبعة عِكْرِمَة بن أبي جهل وحملوا على من بَقِي من الرُّمَاة فَقَتَلُوهُمْ وَقتلُوا أَمِيرهمْ عبد الله بن جُبَير وانتفضت صُفُوف الْمُسلمين ونادى إِبْلِيس أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قتل وَاخْتَلَطَ الْمُسلمُونَ فصاروا يقتلُون على غير شعار وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي عَن قوسه حَتَّى صَار شظايا وَيَرْمِي بِالْحجرِ وَثَبت مَعَه عِصَابَة من أَصْحَابه أَرْبَعَة عشر رجلا سَبْعَة من الْمُهَاجِرين فيهم أَبُو بكر الصّديق وَسَبْعَة من الْأَنْصَار حَتَّى تحاجزوا وروى البُخَارِيّ لم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا اثْنَي عشر رجلا قَالَ أَبُو طَلْحَة وَكَانَ يَوْم بلَاء وتمحيص أكْرم الله فِيهِ من أكْرم بِالشَّهَادَةِ من الْمُسلمين حَتَّى خلص الْعَدو إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن اسحاق فَحَدثني حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك قَالَ كسرت ربَاعِية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وشج وَجهه فَجعل الدَّم يسيل على وَجهه فَجعل يمسح الدَّم وَيَقُول كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم فَأنْزل الله تَعَالَى {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} وَذكر ابْن اسحاق قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سمع الصَّارِخ يصْرخ بقتْله هُوَ إزب الْعقبَة هَكَذَا قيد فِي هَذَا الْمَوْضُوع بِكَسْر الْهمزَة وَإِسْكَان الزَّاي وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قَالَ السُّهيْلي وَيُقَال للموضوع الَّذِي صرخَ مِنْهُ الشَّيْطَان جبل عينين وَلذَلِك قيل لعُثْمَان أفررت يَوْم عينين وعينان أَيْضا بلد عِنْد الجيزة وَبِه عرف خُلَيْد بن عينين الشَّاعِر قَالَ ابْن هِشَام وَوَقع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أُصِيب فِي حُفْرَة من الْحفر الَّتِي عَملهَا أَبُو عَامر فَأخذ عَليّ ابْن أبي طَالب بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَفعه طَلْحَة بن عبيد الله حَتَّى اسْتَوَى قَائِما ومص مَالك بن سِنَان الْخُدْرِيّ وَالِد أبي سعيد الدَّم من وَجهه ثمَّ أزدرد دَمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن عِيسَى بن صلحة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح نزع إِحْدَى الحلقتين من وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَقَطت ثنيته ثمَّ نزع الْأُخْرَى فَسَقَطت ثنيته الْأُخْرَى فَكَانَ سَاقِط الثنيتين قَالَ ابْن اسحاق وَكَانَ أول من عرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهَزِيمَة وَقَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 النَّاس قتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكر ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ كَعْب بن مَالك قَالَ عرفت عَيْنَيْهِ يزهران من تَحت المغفر فناديت بِأَعْلَى صوتي يَا معشر الْمُسلمين أَبْشِرُوا هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن اسْكُتْ فَلَمَّا عرف الْمُسلمُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهضوا بِهِ ونهض مَعَهم نَحْو الشّعب وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر والْحَارث بن الصمَّة فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى فَم الشّعب خرج عَليّ حَتَّى مَلأ درقته من المهراس فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشْرب مَه فَوجدَ لَهُ ريحًا فعافه وَلم يشرب مِنْهُ وَغسل عَن وَجهه الدَّم وصب على رَأسه وَهُوَ يَقُول اشْتَدَّ غضب الله على من أدْمى على وَجه نبيه وَذكر عمر مولى غفرة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر يَوْم أحد قَاعِدا من الْجراح الَّتِي أَصَابَته وَصلى الْمُسلمُونَ خَلفه قعُودا وَلما أنصرف أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه نَادَى أَن مَوْعدكُمْ بدر للعام الْقَابِل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل من أَصْحَابه نعم هُوَ بَيْننَا وَبَيْنكُم موعد تَعْلِيق وَبَيَان قلت غَزْوَة أحد فِي شَوَّال فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة وَأما غَزْوَة بدر الْموعد فَفِي ذِي الْقعدَة فِي السّنة الرَّابِعَة وَهِي الْغَزْوَة الصُّغْرَى من غزوات بدر وَهِي ثَلَاث الأولى فِي ربيع الأول فِي السّنة الثَّانِيَة وتعرف بغزوة طلب كرز ابْن جَابر وَكَانَ أغار على سرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّانيَِة وَهِي الْعُظْمَى فِي شهر رَمَضَان فِي السّنة الثَّانِيَة أَيْضا وَالثَّالِثَة هِيَ الصُّغْرَى الْمَذْكُورَة نقل ذَلِك شَيخنَا الْعَلامَة أَبُو الْحسن المارديني الْحَنَفِيّ فِي مُخْتَصر السِّيرَة رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 خَاتِمَة فِي التحذر من فتن الشَّيْطَان ومكائده قَالَ ابو الْفرج بن الْجَوْزِيّ رَحمَه الله أعلم أَن الْآدَمِيّ لما خلق ركب فِيهِ الْهوى والشهوة ليجتلب بذلك مَا يَنْفَعهُ وَوضع فِيهِ الْغَضَب لتدفع بِهِ مَا يُؤْذِيه واعطى الْعقل كالمؤدب يَأْمُرهُ بِالْعَدْلِ فِيمَا يجتلب ويجتنب وَخلق الشَّيْطَان محرضا لَهُ على الْإِسْرَاف فِي اجتلابه واجتنابه فَالْوَاجِب على الْعَاقِل أَن يَأْخُذ حذره من هَذَا الْعَدو الَّذِي قد أبان عداوته من زمن آدم وَقد بذل نَفسه وعمره فِي إِفْسَاد أَحْوَال بني آدم وَقد أَمر الله بالحذر مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين إِنَّمَا يَأْمُركُمْ بالسوء والفحشاء} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {وَيُرِيد الشَّيْطَان أَن يضلهم} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّه عَدو مضل مُبين} وَقَالَ تَعَالَى {إِن الشَّيْطَان لكم عَدو فاتخذوه عدوا} وروى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عِيَاض بن حَمَّاد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب ذَات يَوْم فَقَالَ فِي خطبَته إِن رَبِّي عز وَجل أَمرنِي أَن أعلمكُم مَا جهلتم مِمَّا عَلمنِي فِي يومي هَذَا كل مَال نحلته عبَادي حَلَال وَإِنِّي خلقت عبَادي حنفَاء كلهم وَأَنَّهُمْ أَتَتْهُم الشَّيَاطِين فأضلتهم عَن دينهم وَحرمت عَلَيْهِم مَا أحللت لَهُم وأمرتهم أَن يشركوا بِي مَا لم أنزل بِهِ سُلْطَانا ثمَّ إِن الله تَعَالَى نظر إِلَى أهل الأَرْض فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَّا بقايا من أهل الْكتاب وَقَالَ عبد الله بن احْمَد حَدثنِي عَليّ بن مُسلم حَدثنَا سيارة حَدثنَا حَيَّان الْجريرِي حَدثنَا سُوَيْد القتادي عَن قَتَادَة قَالَ إِن لإبليس شَيْطَانا يُقَال لَهُ قبقب يجمه أَرْبَعِينَ سنة فَإِذا دخل الْغُلَام فِي هَذَا الطَّرِيق قَالَ لَهُ دُونك إِنَّمَا كنت أجمك لمثل هَذَا أجلب عَلَيْهِ وأفتنه وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد سَمِعت سعيد ابْن سُلَيْمَان يحدث عَن الْمُبَارك بن فضَالة عَن الْحسن قَالَ كَانَت شَجَرَة تعبد من دون الله فجَاء إِنْسَان إِلَيْهَا فَقَالَ لأقطعن هَذِه الشحرة فجَاء ليقطعها غَضبا لله فَلَقِيَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة إِنْسَان فَقَالَ مَا تُرِيدُ قَالَ أُرِيد أَن أقطع هَذِه الَّتِي تعبد من دون الله قَالَ إِذا أَنْت لم تعبدها فَمَا يَضرك من عَبدهَا قَالَ لأقطعنها فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَان هَل لَك فِيمَا هُوَ خير لَك لَا تقطعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَلَك دِينَارَانِ كل يَوْم إِذا أَصبَحت عِنْد وِسَادَتك قَالَ فَمن لي بذلك قَالَ أَنا لَك فَرجع فَأصْبح فَوجدَ دينارين عِنْد وسادته ثمَّ أصبح فَلم يجد شَيْئا فَقَامَ غَضبا ليقطعها فتمثل لَهُ الشَّيْطَان فِي صورته فَقَالَ مَا تُرِيدُ قَالَ أُرِيد قطع هَذِه الشَّجَرَة الَّتِي تعبد من دون الله قَالَ كذبت مَا لَك إِلَى ذَلِك سَبِيل فَذهب ليقطعها فَضرب بِهِ الأَرْض وخنقه حَتَّى كَاد يقْتله قَالَ أَتَدْرِي من أَنا أَنا الشَّيْطَان جِئْت أول مرّة غَضبا لله فَلم يكن لي سَبِيل فخدعتك بِالدِّينَارَيْنِ فتركتها فَلَمَّا جِئْت غَضبا للدينارين سلطت عَلَيْك خَاتِمَة صَالِحَة وَهِي خَاتِمَة الْكتاب وَإِذا انْتهى الْكَلَام بِنَا إِلَى هُنَا فلنعوذ أَنْفُسنَا بِمَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ بِهِ الْحسن وَالْحُسَيْن وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن فَيَقُول أُعِيذكُمَا بِكَلِمَة الله التَّامَّة من كل شَيْطَان وَهَامة وَمن كل عين لَامة ثمَّ يَقُول هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيم يعوذ اسماعيل واسحاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي الهامة وَاحِد الْهَوَام وَيُقَال هِيَ كل نسمَة تهتم لسوء واللامة الملمة وَإِنَّمَا قَالَ لَامة ليُوَافق لفظ هَامة فَتكون بذلك أخف على اللِّسَان فنعوذ بِاللَّه من همزات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وسلما تَسْلِيمًا كثيرا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299