الكتاب: الفقه الأكبر (مطبوع مع الشرح الميسر على الفقهين الأبسط والأكبر المنسوبين لأبي حنيفة تأليف محمد بن عبد الرحمن الخميس) المؤلف: ينسب لأبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه (المتوفى: 150هـ) الناشر: مكتبة الفرقان - الإمارات العربية الطبعة: الأولى، 1419هـ - 1999م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الفقه الأكبر أبو حنيفة النعمان الكتاب: الفقه الأكبر (مطبوع مع الشرح الميسر على الفقهين الأبسط والأكبر المنسوبين لأبي حنيفة تأليف محمد بن عبد الرحمن الخميس) المؤلف: ينسب لأبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه (المتوفى: 150هـ) الناشر: مكتبة الفرقان - الإمارات العربية الطبعة: الأولى، 1419هـ - 1999م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَيَان أصُول الْإِيمَان أصل التَّوْحِيد وَمَا يَصح الِاعْتِقَاد عَلَيْهِ يجب ان يَقُول آمَنت بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 والبعث بعد الْمَوْت وَالْقدر خَيره وشره من الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والحساب وَالْمِيزَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَالْجنَّة وَالنَّار وَذَلِكَ كُله حق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وحدانية الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى وَاحِد لَا من طَرِيق الْعدَد وَلَكِن من طَرِيق انه لَا شريك لَهُ لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد لَا يشبه شَيْئا من الْأَشْيَاء من خلقه وَلَا يُشبههُ شَيْء من خلقه لم يزل وَلَا يزَال بأسمائه وَصِفَاته الذاتية والفعلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الصِّفَات الذاتية والفعلية اما الذاتية فالحياة وَالْقُدْرَة وَالْعلم وَالْكَلَام والسمع وَالْبَصَر والارادة وَأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وَغير ذَلِك من صِفَات الْفِعْل لم يزل وَلَا يزَال بصفاته وأسمائه لم يحدث لَهُ صفة وَلَا اسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 صِفَات الله أزلية لم يزل عَالما بِعِلْمِهِ وَالْعلم صفة فِي الْأَزَل وقادرا بقدرته وَالْقُدْرَة صفة فِي الْأَزَل ومتكلما بِكَلَامِهِ وَالْكَلَام صفة فِي الْأَزَل وخالقا بتخليقه والتخليق صفة فِي الْأَزَل وفاعلا بِفِعْلِهِ وَالْفِعْل صفة فِي الْأَزَل وَالْفَاعِل هُوَ الله تَعَالَى وَالْفِعْل صفة فِي الْأَزَل وَالْمَفْعُول مَخْلُوق وَفعل الله تَعَالَى غير مَخْلُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 القَوْل فِي الْقُرْآن وَصِفَاته فِي الْأَزَل غير محدثة وَلَا مخلوقة وَمن قَالَ إِنَّهَا مخلوقة أَو محدثة اَوْ وقف اَوْ شكّ فيهمَا فَهُوَ كَافِر بِاللَّه تَعَالَى واالقرآن كَلَام الله تَعَالَى فِي الْمَصَاحِف مَكْتُوب وَفِي الْقُلُوب مَحْفُوظ وعَلى الألسن مقروء وعَلى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام منزل ولفظنا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وكتابتنا لَهُ مخلوقة وقراءتنا لَهُ مخلوقة وَالْقُرْآن غير مَخْلُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن حِكَايَة عَن مُوسَى وَغَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَعَن فِرْعَوْن وابليس فَإِن ذَلِك كُله كَلَام الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُم وَكَلَام الله تَعَالَى غير مَخْلُوق وَكَلَام مُوسَى وَغَيره من المخلوقين وَالْقُرْآن كَلَام الله تَعَالَى فَهُوَ قديم لَا كَلَامهم وَسمع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَلَام الله تَعَالَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وكلم الله مُوسَى تكليما} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وَقد كَانَ الله تَعَالَى متكلما وَلم يكن كلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقد كَانَ الله تَعَالَى خَالِقًا فِي الْأَزَل وَلم يخلق الْخلق فَلَمَّا كلم الله مُوسَى كَلمه بِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ لَهُ صفة فِي الْأَزَل وَصِفَاته كلهَا بِخِلَاف صِفَات المخلوقين يعلم لَا كعلمنا وَيقدر لَا كقدرتنا وَيرى لَا كرؤيتنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَيتَكَلَّم لَا ككلامنا وَيسمع لَا كسمعنا وَنحن نتكلم بالآلات والحروف وَالله تَعَالَى يتَكَلَّم بِلَا آلَة وَلَا حُرُوف والحروف مخلوقة وَكَلَام الله تَعَالَى غير مَخْلُوق وَهُوَ شَيْء لَا كالأشياء وَمعنى الشَّيْء الثَّابِت بِلَا جسم وَلَا جَوْهَر وَلَا عرض وَلَا حد لَهُ وَلَا ضد لَهُ وَلَا ند لَهُ وَلَا مثل لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 القَوْل فِي الصِّفَات وَله يَد وَوجه وَنَفس كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن من ذكر الْوَجْه وَالْيَد وَالنَّفس فَهُوَ لَهُ صِفَات بِلَا كَيفَ وَلَا يُقَال إِن يَده قدرته اَوْ نعْمَته لِأَن فِيهِ إبِْطَال الصّفة وَهُوَ قَول أهل الْقدر والاعتزال وَلَكِن يَده صفته بِلَا كَيفَ وغضبه وَرضَاهُ صفتان من صِفَات الله تَعَالَى بِلَا كَيفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 القَوْل فِي الْقدر خلق الله تَعَالَى الْأَشْيَاء لَا من شَيْء وَكَانَ الله تَعَالَى عَالما فِي الْأَزَل بالأشياء قبل كَونهَا وَهُوَ الَّذِي قدر الْأَشْيَاء وقضاها وَلَا يكون فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة شَيْء الا بمشيئته وَعلمه وقضائه وَقدره وَكتبه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَلَكِن كتبه بِالْوَصْفِ لَا بالحكم وَالْقَضَاء وَالْقدر والمشيئة صِفَاته فِي الْأَزَل بِلَا كَيفَ يعلم الله تَعَالَى فِي الْمَعْدُوم فِي حَال عَدمه مَعْدُوما وَيعلم انه كَيفَ يكون إِذا أوجده وَيعلم الله الْمَوْجُود فِي حَال وجوده وَيعلم انه كَيفَ فناؤه وَيعلم الله الْقَائِم فِي حَال قِيَامه قَائِما وَإِذا قعد فقد علمه قَاعِدا فِي حَال قعوده من غير ان يتَغَيَّر علمه اَوْ يحدث لَهُ علم وَلَكِن التَّغَيُّر وَالِاخْتِلَاف يحدث عِنْد المخلوقين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مَا فطر الله عَلَيْهِ النَّاس خلق الله تَعَالَى الْخلق سليما من الْكفْر وَالْإِيمَان ثمَّ خاطبهم وامرهم ونهاهم فَكفر من كفر بِفِعْلِهِ وإنكاره وجحوده الْحق بخذلان الله تَعَالَى إِيَّاه وآمن من آمن بِفِعْلِهِ وَإِقْرَاره وتصديقه بِتَوْفِيق الله تَعَالَى إِيَّاه ونصرته لَهُ أخرج ذُرِّيَّة آدم من صلبه فجعلهم عقلاء فخاطبهم وَأمرهمْ بِالْإِيمَان ونهاهم عَن الْكفْر فأقروا لَهُ بالربوبية فَكَانَ ذَلِك مِنْهُم إِيمَانًا فهم يولدون على تِلْكَ الْفطْرَة وَمن كفر بعد ذَلِك فقد بدل وَغير وَمن آمن وَصدق فقد ثَبت عَلَيْهِ وداوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَلم يجْبر أحدا من خلقه على الْكفْر وَلَا على الْإِيمَان وَلَا خلقه مُؤمنا وَلَا كَافِرًا وَلَكِن خلقهمْ أشخاصا وَالْإِيمَان وَالْكفْر فعل الْعباد وَيعلم الله تَعَالَى من يكفر فِي حَال كفره كَافِرًا فَإِذا آمن بعد ذَلِك علمه مُؤمنا فِي حَال إيمَانه وأحبه من غير أَن يتَغَيَّر علمه وَصفته وَجَمِيع أَفعَال الْعباد من الْحَرَكَة والسكون كسبهم على الْحَقِيقَة وَالله تَعَالَى خَالِقهَا وَهِي كلهَا بمشيئته وَعلمه وقضائه وَقدره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الطَّاعَات محبوبة لله والمعاصي مقدورة غير محبوبة والطاعات كلهَا كَانَت وَاجِبَة بِأَمْر الله تَعَالَى وبمحبته وبرضائه وَعلمه ومشيئته وقضائه وَتَقْدِيره والمعاصي كلهَا بِعِلْمِهِ وقضائه وَتَقْدِيره ومشيئته لَا بمحبته وَلَا برضائه وَلَا بأَمْره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 القَوْل فِي عصمَة الْأَنْبِيَاء والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كلهم منزهون عَن الصَّغَائِر والكبائر وَالْكفْر والقبائح وَقد كَانَت مِنْهُم زلات وخطايا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 القَوْل فِي الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمُحَمّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَبِيبه وَعَبده وَرَسُوله وَنبيه وَصفيه ونقيه وَلم يعبد الصَّنَم وَلم يُشْرك بِاللَّه تَعَالَى طرفَة عين قطّ وَلم يرتكب صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة قطّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 المفاضلة بَين الصَّحَابَة وَأفضل النَّاس بعد النَّبِيين عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر بن الْخطاب الْفَارُوق ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان ذُو النورين ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب المرتضى رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 لَا يكفر مُسلم بذنب مَا لم يستحله عابدين ثابتين على الْحق وَمَعَ الْحق نتولاهم جَمِيعًا وَلَا نذْكر أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله إِلَّا بِخَير وَلَا نكفر مُسلما بذنب من الذُّنُوب وَإِن كَانَت كَبِيرَة إِذا لم يستحلها وَلَا نزيل عَنهُ اسْم الْإِيمَان ونسميه مُؤمنا حَقِيقَة وَيجوز ان يكون مُؤمنا فَاسِقًا غير كَافِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ذكر بعض من عقائد اهل السّنة وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ سنة والتراويح فِي ليَالِي شهر رَمَضَان سنة وَالصَّلَاة خلف كل بر وَفَاجِر جَائِزَة وَلَا نقُول إِن الْمُؤمن لَا تضره الذُّنُوب وَلَا نقُول إِنَّه لَا يدْخل النَّار وَلَا نقُول إِنَّه يخلد فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَإِن كَانَ فَاسِقًا بعد ان يخرج من الدُّنْيَا مُؤمنا وَلَا نقُول إِن حَسَنَاتنَا مَقْبُولَة وسيئاتنا مغفورة كَقَوْل المرجئة وَلَكِن نقُول من عمل حَسَنَة بِجَمِيعِ شرائطها خَالِيَة عَن الْعُيُوب الْمفْسدَة وَلم يُبْطِلهَا بالْكفْر وَالرِّدَّة والأخلاق السَّيئَة حَتَّى خرج من الدُّنْيَا مُؤمنا فَإِن الله تَعَالَى لَا يضيعها بل يقبلهَا مِنْهُ ويثيبه عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَمَا كَانَ من السَّيِّئَات دون الشّرك وَالْكفْر وَلم يتب عَنْهَا صَاحبهَا حَتَّى مَاتَ مُؤمنا فَإِنَّهُ مُؤمن فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى إِن شَاءَ عذبه بالنَّار وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَلم يعذب بالنَّار أصلا والرياء إِذا وَقع فِي عمل من الْأَعْمَال فَإِنَّهُ يبطل أجره وَكَذَلِكَ الْعجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 آيَات الْأَنْبِيَاء وكرامات الْأَوْلِيَاء حق والآيات ثَابِتَة للأنبياء والكرامات للأولياء حق واما الَّتِي تكون لأعدائه مثل ابليس وَفرْعَوْن والدجال فِيمَا رُوِيَ الْأَخْبَار أَنه كَانَ وَيكون لَهُم لَا نسميها آيَات وَلَا كرامات وَلَكِن نسميها قَضَاء حاجاتهم وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى يقْضِي حاجات اعدائه استدراجا لَهُم وعقوبة لَهُم فيغترون بِهِ ويزدادون طغيانا وَكفرا وَكله جَائِز مُمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 رُؤْيَة الله فِي الْآخِرَة وَكَانَ الله تَعَالَى خَالِقًا قبل ان يخلق ورازقا قبل ان يرْزق وَالله تَعَالَى يرى فِي الْآخِرَة وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وهم فِي الْجنَّة بأعين رؤوسهم بِلَا تَشْبِيه وَلَا كَيْفيَّة وَلَا يكون بَينه وَبَين خلقه مَسَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 تَعْرِيف الْإِيمَان وَالْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار والتصديق وإيمان أهل السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يزِيد وَلَا ينقص من جِهَة الْمُؤمن بهَا وَيزِيد وَينْقص من جِهَة الْيَقِين والتصديق والمؤمنون مستوون فِي الْإِيمَان والتوحيد متفاضلون فِي الْأَعْمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 علاقَة الْإِسْلَام وَالْإِيمَان والاسلام هُوَ التَّسْلِيم والإنقياد لأوامر الله تَعَالَى فَمن طَرِيق اللُّغَة فرق بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَلَكِن لَا يكون إِيمَان بِلَا اسلام وَلَا يُوجد إِسْلَام بِلَا إِيمَان وهما كالظهر مَعَ الْبَطن وَالدّين اسْم وَاقع على الْإِيمَان وَالْإِسْلَام والشرائع كلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 معرفتنا بِاللَّه تَعَالَى نَعْرِف الله تَعَالَى حق مَعْرفَته كَمَا وصف نَفسه فِي كِتَابه بِجَمِيعِ صِفَاته وَلَيْسَ يقدر اُحْدُ ان يعبد الله حق عِبَادَته كَمَا هُوَ أهل لَهُ وَلكنه يعبده بأَمْره كَمَا امْرَهْ بكتابه وَسنة رَسُوله وَيَسْتَوِي الْمُؤْمِنُونَ كلهم فِي الْمعرفَة وَالْيَقِين والتوكل والمحبة والرضاء وَالْخَوْف والرجاء وَالْإِيمَان فِي ذَلِك ويتفاوتون فِيمَا دون الْإِيمَان فِي ذَلِك كُله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 شَفَاعَة الْأَنْبِيَاء وَالْمِيزَان والحوض وَالله تَعَالَى متفضل على عباده عَادل قد يُعْطي من الثَّوَاب أَضْعَاف مَا يستوجبه العَبْد تفضلا مِنْهُ وَقد يُعَاقب على الذَّنب عدلا مِنْهُ وَقد يعْفُو فضلا مِنْهُ وشفاعة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام حق وشفاعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُؤْمِنين المذنبين وَلأَهل الْكَبَائِر مِنْهُم المستوجبين الْعقَاب حق ثَابت وَوزن الْأَعْمَال بالميزان يَوْم الْقِيَامَة حق وحوض النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الْجنَّة وَالنَّار لَا تفنيان وَالْقصاص فِيمَا بَين الْخُصُوم بِالْحَسَنَاتِ يَوْم الْقِيَامَة حق وَإِن لم تكن لَهُم الْحَسَنَات فَطرح السَّيِّئَات عَلَيْهِم حق جَائِز وَالْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان لَا تفنيان أبدا وَلَا يفنى عِقَاب الله تَعَالَى وثوابه سرمدا وَالله تَعَالَى يهدي من يَشَاء فضلا مِنْهُ ويضل من يَشَاء عدلا مِنْهُ وإضلاله خذلانه وَتَفْسِير الخذلان ان لَا يوفق العَبْد إِلَى مَا يرضاه وَهُوَ عدل مِنْهُ وَكَذَا عُقُوبَة المخذول على الْمعْصِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 عَذَاب الْقَبْر وَلَا يجوز ان نقُول إِن الشَّيْطَان يسلب الْإِيمَان من العَبْد الْمُؤمن قهرا وجبرا وَلَكِن نقُول العَبْد يدع الْإِيمَان فَحِينَئِذٍ يسلبه مِنْهُ الشَّيْطَان وسؤال مُنكر وَنَكِير حق كَائِن فِي الْقَبْر وإعادة الرّوح إِلَى الْجَسَد فِي قَبره حق وضغطة الْقَبْر وعذابه حق كَائِن للْكفَّار كلهم ولبعض عصاة الْمُؤمنِينَ حق جَائِز وكل شَيْء ذكره الْعلمَاء بِالْفَارِسِيَّةِ من صِفَات الله عز اسْمه فَجَائِز القَوْل بِهِ سوى الْيَد بِالْفَارِسِيَّةِ وَيجوز ان يُقَال (بروىء خد) أَي عز وَجل بِلَا تَشْبِيه وَلَا كَيْفيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 معنى الْقرب والبعد وَلَيْسَ قرب الله تَعَالَى وَلَا بعده من طَرِيق طول الْمسَافَة وقصرها وَلَكِن على معنى الْكَرَامَة والهوان والمطيع قريب مِنْهُ بِلَا كَيفَ والعاصي بعيد مِنْهُ بِلَا كَيفَ والقرب والبعد والإقبال يَقع على المناجي وَكَذَلِكَ جواره فِي الْجنَّة وَالْوُقُوف يين يَدَيْهِ بِلَا كَيْفيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 القَوْل فِي تفاضل آيَات الْقُرْآن وَالْقُرْآن منزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْمَصَاحِف مَكْتُوب وآيات الْقُرْآن فِي معنى الْكَلَام كلهَا مستوية فِي الْفَضِيلَة وَالْعَظَمَة الا ان لبعضها فَضِيلَة الذّكر وفضيلة الْمَذْكُور مثل آيَة الْكُرْسِيّ لِأَن الْمَذْكُور فِيهَا جلال الله تَعَالَى وعظمته وَصِفَاته فاجتمعت فِيهَا فضيلتان فَضِيلَة الذّكر وفضيلة الْمَذْكُور ولبعضها فَضِيلَة الذّكر فَحسب مثل قصَّة الْكفَّار وَلَيْسَ للمذكور فِيهَا فضل وهم الْكفَّار وَكَذَلِكَ الْأَسْمَاء وَالصِّفَات كلهَا مستوية فِي العظمة وَالْفضل لَا تفَاوت بَينهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أَبنَاء رَسُول الله وَبنَاته وقاسم وطاهر وَإِبْرَاهِيم كَانُوا بني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفَاطِمَة ورقية وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم كن جَمِيعًا بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا أشكل على الْإِنْسَان شَيْء من دقائق علم التَّوْحِيد فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ ان يعْتَقد فِي الْحَال مَا هُوَ الصَّوَاب عِنْد الله تَعَالَى الى ان يجد عَالما فيسأله وَلَا يَسعهُ تاخير الطّلب وَلَا يعْذر بِالْوُقُوفِ فِيهِ وَيكفر إِن وقف وَخير الْمِعْرَاج حق من رده فَهُوَ مُبْتَدع ضال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أَشْرَاط السَّاعَة وَخُرُوج الدَّجَّال ويأجوج ومآجوج وطلوع الشَّمْس من مغْرِبهَا ونزول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام من السَّمَاء وَسَائِر عَلَامَات يَوْم الْقِيَامَة على مَا وَردت بِهِ الْأَخْبَار الصَّحِيحَة حق كَائِن وَالله تَعَالَى يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الشَّرْح الميسر للفقه الأبسط الْمَنْسُوب لأبي حنيفَة رِوَايَة أبي مُطِيع الْبَلْخِي عَن أبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الْمُقدمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ روى الإِمَام أَبُو بكر بن مُحَمَّد الكاساني عَن أبي بكر عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن احْمَد السَّمرقَنْدِي قَالَ أخبرنَا أَبُو الْمعِين مَيْمُون بن مُحَمَّد بن مَكْحُول النَّسَفِيّ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن على الكاشغري الملقب بِالْفَضْلِ قَالَ أخبرنَا ابو مَالك نصران بن نصر الْخُتلِي عَن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد الغزال عَن أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْفَارِسِي حَدثنَا نصير بن يحيى الْفَقِيه قَالَ سَمِعت أَبَا مُطِيع الحكم بن عبد الله الْبَلْخِي يَقُول من أصُول أهل السّنة وَالْجَمَاعَة سَأَلت أَبَا حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنهم الْفِقْه الْأَكْبَر فَقَالَ الا تكفر احدا من اهل الْقبْلَة بذنب وَلَا تَنْفِي احدا من الْإِيمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَأَن تَأمر بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر وَتعلم ان مَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وان مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَلَا تتبرأ من اُحْدُ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَلَا توالي أحدا دون اُحْدُ وان ترد امْر عُثْمَان وَعلي إِلَى الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 أفضل الْفِقْه وتعريف الْإِيمَان وأركانه وَقَالَ ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ الْفِقْه فِي الدّين لأَفْضَل من الْفِقْه فِي الْأَحْكَام وَلِأَن يتفقه الرجل كَيفَ يعبد ربه خير لَهُ من ان يجمع الْعلم الْكثير قَالَ أَبُو مُطِيع قلت فَأَخْبرنِي عَن أفضل الْفِقْه قَالَ ابو حنيفَة ان يتَعَلَّم الرجل الايمان بِاللَّه تَعَالَى والشرائع وَالسّنَن وَالْحُدُود وَاخْتِلَاف الْأمة واتفاقها قَالَ قلت فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان فَقَالَ حَدثنِي ابْن مرْثَد عَن يحيى بن يعمر قَالَ قلت لِابْنِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَخْبرنِي عَن الدّين مَا هُوَ قَالَ عَلَيْك بِالْإِيمَان فتعلمه قلت فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان مَا هُوَ فَأخذ بيَدي فَانْطَلق الى شيخ فأقعدني الى جنبه فَقَالَ إِن هَذَا يسْأَل عَن الْإِيمَان كَيفَ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فَقَالَ وَالشَّيْخ كَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ابْن عمر كنت الى جنب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا الشَّيْخ معي إِذْ دخل علينا رجل حسن اللمة متعمما نحسبه من رجال الْبَادِيَة فتخطى رِقَاب النَّاس فَوقف بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا الْإِيمَان قَالَ شَهَادَة ان لَا اله الا الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وتؤمن بملائكته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَكتبه وَرُسُله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَالْيَوْم الآخر وَالْقدر خَيره وشره من الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فَقَالَ صدقت فتعجبنا من تَصْدِيقه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ جهل اهل الْبَادِيَة فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا شرائع الْإِسْلَام فَقَالَ إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت لمن اسْتَطَاعَ اليه سَبِيلا والاغتسال من الْجَنَابَة فَقَالَ صدقت فتعجبنا لقَوْله بتصديقه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا يُعلمهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله وَمَا الْإِحْسَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 قَالَ ان تعْمل لله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ صدقت فَقَالَ يَا رَسُول الله مَتى السَّاعَة فَقَالَ المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل ثمَّ مضى فَلَمَّا توَسط النَّاس لم نره فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا جِبْرِيل أَتَاكُم ليعلمكم معالم دينكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 حكم من كذب بالخلق اَوْ انكر مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ قَالَ أَبُو مُطِيع قلت لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِذا استيقن بِهَذَا وَأقر بِهِ فَهُوَ مُؤمن قَالَ نعم إِذا أقرّ بِهَذَا فقد أقرّ بجملة الْإِسْلَام وَهُوَ مُؤمن فَقلت إِذا أنكر بِشَيْء من خلقه فَقَالَ لَا ادري من خَالق هَذَا قَالَ فَإِنَّهُ كفر لقَوْله تَعَالَى {خَالق كل شَيْء} فَكَانهُ قَالَ لَهُ خَالق غير الله وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَا اعْلَم ان الله فرض عَليّ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالزَّكَاة فَإِنَّهُ قد كفر لقَوْله تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} وَلقَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الصّيام} وَلقَوْله تَعَالَى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ} فَإِن قَالَ أُؤْمِن بِهَذِهِ الْآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَلَا أعلم تَأْوِيلهَا وَلَا اعْلَم تَفْسِيرهَا فَإِنَّهُ لَا يكفر لِأَنَّهُ مُؤمن بالتنزيل ومخطىء فِي التَّفْسِير الخطا فِي التاويل لَا يكفر بِهِ الْمَرْء وَالْجَاهِل فِي أَرض الشّرك لَا يكفر قلت لَهُ لَو أقرّ بجملة الاسلام فِي أَرض الشّرك وَلَا يعلم شَيْئا من الْفَرَائِض والشرائع وَلَا يقر بِالْكتاب وَلَا بِشَيْء من شرائع الْإِسْلَام الا انه مقرّ بِاللَّه تَعَالَى وبالإيمان وَلَا يقر بِشَيْء من شرائع الْإِيمَان فَمَاتَ أهوَ مُؤمن قَالَ نعم قلت وَلَو لم يعلم شَيْئا وَلم يعْمل بِهِ الا أَنه مقرّ بِالْإِيمَان فَمَاتَ قَالَ هُوَ مُؤمن تَعْرِيف أبي حنيفَة للْإيمَان وتفويض الْأَعْمَال إِلَى الله تَعَالَى وكل ميسر لما خلق لَهُ قلت لأبي حنيفَة أَخْبرنِي عَن الْإِيمَان قَالَ أَن تشهد ان لَا إِلَه الا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَتشهد بملائكته وَكتبه وَرُسُله وجنته وناره وقيامته وخيره وشره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَتشهد انه لم يُفَوض الْأَعْمَال الى اُحْدُ وَالنَّاس صائرون الى مَا خلقُوا لَهُ والى مَا جرت بِهِ الْمَقَادِير فَقلت لَهُ رَأَيْت إِن أقرّ هَذَا كُله لكنه قَالَ الْمَشِيئَة إِلَيّ إِن شِئْت آمَنت وَإِن شِئْت لم اؤمن لقَوْله تَعَالَى {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} فَقَالَ ذَلِك فِي زَعمه أَلا ترى الى قَوْله تَعَالَى {كلا إِنَّه تذكرة فَمن شَاءَ ذكره وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَوله تَعَالَى {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} هَذَا وَعِيد وَلِهَذَا لم يكفر لِأَنَّهُ لم يرد الْآيَة وَإِنَّمَا اخطأ فِي تَأْوِيلهَا وَلم يرد بِهِ تنزيلها قلت لَهُ إِن قَالَ إِن إصابتي مُصِيبَة فَسُئِلت أَهِي مِمَّا ابتلاني الله بهَا اَوْ هِيَ مِمَّا اكْتسبت أجَاب قَائِلا لَيست هِيَ مِمَّا ابتلاني الله بهَا أيكفر قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك} أَي بذنبك وانا قدرته عَلَيْهِ وَقَالَ {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} أَي بذنوبكم وَقَالَ تَعَالَى {يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء} قَالَ الا انه اخطأ فِي التَّأْوِيل وَمعنى قَوْله (يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه) أَي بَين الْمُؤمن وَالْكفْر وَبَين الْكَافِر وَالْإِيمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 كَلَامه عَن الِاسْتِطَاعَة قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن الِاسْتِطَاعَة الَّتِي يعْمل بهَا العَبْد الْمعْصِيَة هِيَ بِعَينهَا تصلح لَان يعْمل بهَا الطَّاعَة وَهُوَ معاقب فِي صرف الِاسْتِطَاعَة الَّتِي احدثها الله تعالي فِيهِ وَأمره ان يستعملها فِي الطَّاعَة دون الْمعْصِيَة قلت فَإِن قَالَ الله تَعَالَى لم يجْبر عباده على ذَنْب ثمَّ يعذبهم عَلَيْهِ فَمَا نقُول لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الرَّد على من زعم ان الله لم يخلق الشَّرّ قَالَ لَهُ هَل يُطيق العَبْد لنَفسِهِ ضرا وَلَا نفعا فَإِن قَالَ لَا لأَنهم مَجْبُورُونَ فِي الضّر والنفع مَا خلا الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة فَقيل لَهُ هَل خلق الله الشَّرّ فَإِن قَالَ نعم خرج من قَوْله وَإِن قَالَ لَا كفر لقَوْله تَعَالَى {قل أعوذ بِرَبّ الفلق من شَرّ مَا خلق} أخبر ان الله تَعَالَى خلق الشَّرّ قلت فَإِن قَالَ ألستم تَقولُونَ إِن الله شَاءَ الْكفْر وَشاء الْإِيمَان فَإِن قُلْنَا نعم يَقُول أَلَيْسَ الله تَعَالَى يَقُول {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة} نقُول نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فَيَقُول أهوَ أهل الْكفْر فَمَا نقُول لَهُ قَالَ نقُول هُوَ أهل لمن يَشَاء الطَّاعَة وَلَيْسَ بِأَهْل لمن يَشَاء الْمعْصِيَة فَإِن قَالَ إِن الله تَعَالَى لم يَشَأْ أَن يُقَال عَلَيْهِ الْكَذِب فَقل لَهُ الْفِرْيَة على الله من الْكَلَام والمنطق ام لَا فَإِن قَالَ نعم فَقل من علم آدم الْأَسْمَاء كلهَا فَإِن قَالَ الله فَقل الْكفْر من الْكَلَام ام لَا فَإِن قَالَ نعم فَقل من انطق الْكَافِر فَإِن قَالَ الله خصموا انفسهم لِأَن الشّرك من النُّطْق وَلَو شَاءَ الله لما انطقهم بِهِ قلت فَإِن قَالَ إِن الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل وَإِن شَاءَ أكل وَإِن شَاءَ لم يَأْكُل وَإِن شَاءَ شرب وَإِن شَاءَ لم يشرب قَالَ فَقل لَهُ هَل حكم الله على بني إِسْرَائِيل ان يعبروا الْبَحْر وَقدر على فِرْعَوْن الْغَرق فَإِن قَالَ نعم قل لَهُ فَهَل يَقع من فِرْعَوْن ان لَا يسير فِي طلب مُوسَى وَألا يغرق هُوَ وَأَصْحَابه فَإِن قَالَ نعم فقد كفر وَإِن قَالَ لَا نقض قَوْله السَّابِق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 بَاب فِي الْقدر قَالَ حَدثنَا عَليّ بن احْمَد عَن نصير بن يحيى قَالَ سَمِعت أَبَا مُطِيع يَقُول قَالَ ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ حَدثنَا حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن خلق احدكم يجمع فِي بطن امهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ علقَة مثل ذَلِك ثمَّ مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله اليه ملكا يكْتب عَلَيْهِ رزقه واجله وشقي ام سعيد وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره إِن الرجل ليعْمَل عمل اهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا الا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فَيَمُوت فيدخلها وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل اهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا الا ذِرَاع فَيعْمل بِعَمَل اهل النَّار فَيَمُوت فيدخلها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 بَاب فِي الْبَغي وَالْخُرُوج على الإِمَام قلت فَمَا تَقول فِيمَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر فيتبعه على ذَلِك نَاس فَيخرج على الْجَمَاعَة هَل ترى ذَلِك قَالَ لَا قلت وَلم وَقد امْر الله تَعَالَى وَرَسُوله بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَهَذَا فَرِيضَة وَاجِبَة فَقَالَ هُوَ كَذَلِك لَكِن مَا يفسدون من ذَلِك أَكثر مِمَّا يصلحون من سفك الدِّمَاء وَاسْتِحْلَال الْمَحَارِم وانتهاب الْأَمْوَال وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} قلت فنقاتل الفئة الباغية بِالسَّيْفِ قَالَ نعم تَأمر وتنهي فَإِن قبل والا قَاتلته فَتكون مَعَ الفئة العادلة وَإِن كَانَ الإِمَام جائرا لقَوْل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (لَا يضركم جور من جَار وَلَا عدل من عدل لكم أجركُم وَعَلِيهِ وزره) قلت لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مَا تَقول فِي الْخَوَارِج المحكمة قَالَ هم أَخبث الْخَوَارِج قلت لَهُ أتكفرهم قَالَ لَا وَلَكِن نقاتلهم على مَا قَاتلهم الْأَئِمَّة من اهل الْخَيْر وَعلي وَعمر بن عبد الْعَزِيز قلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فَإِن الْخَوَارِج يكبرُونَ وَيصلونَ ويتلون الْقُرْآن أما تذكر حَدِيث أبي امامة رَضِي الله عَنهُ حِين دخل مَسْجِد دمشق فَإِذا فِيهِ رُؤُوس نَاس من الْخَوَارِج فَقَالَ لأبي غَالب الْحِمصِي يَا أَبَا غَالب هَؤُلَاءِ نَاس من اهل أَرْضك فَأَحْبَبْت أَن أعرفك من هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ كلاب اهل النَّار وهم شَرّ قَتْلَى تَحت أَدِيم السَّمَاء وَأَبُو امامة فِي ذَلِك يبكي فَقَالَ ابو غَالب يَا أَبَا امامة مَا يبكيك إِنَّهُم كَانُوا مُسلمين وانت تَقول لَهُم مَا أسمع قَالَ اهؤلاء يَقُول الله تَعَالَى فيهم {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم فَفِي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ} قَالَ لَهُ أَشَيْء تَقوله برأسك ام سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي لَو لم أسمعهُ مِنْهُ الا مرّة اَوْ مرَّتَيْنِ اَوْ ثَلَاث مَرَّات الى سبع مَرَّات مَا حَدَّثتكُمُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فَكفر الْخَوَارِج كفر النعم كفر بِمَا أنعم الله تَعَالَى عَلَيْهِم قلت الْخَوَارِج إِذا خَرجُوا وحاربوا وأغاروا ثمَّ صَالحُوا هَل يتبعُون بِمَا فعلوا قَالَ لَا غَرَامَة عَلَيْهِم بعد سُكُون الْحَرْب وَلَا حد عَلَيْهِم وَالدَّم كَذَلِك لَا قصاص فِيهِ قلت وَلم ذَلِك قَالَ للْحَدِيث الَّذِي جَاءَ انه لما وَقعت الْفِتْنَة بَين النَّاس فِي قتل عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فاجتمعت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على ان من أصَاب دَمًا فَلَا قَود عَلَيْهِ وَمن أصَاب فرجا حَرَامًا بِتَأْوِيل فَلَا حد عَلَيْهِ وَمن أصَاب مَالا بِتَأْوِيل فَلَا تبعة عَلَيْهِ الا ان يُوجد المَال بِعَيْنِه فَيرد الى صَاحبه قلت إِن قَالَ قَائِل لَا اعرف الْكَافِر كَافِرًا قَالَ هُوَ مثله قلت فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 قَالَ لَا أَدْرِي ايْنَ مصير الْكَافِر قَالَ هُوَ جَاحد لكتاب الله تَعَالَى وَهُوَ كَافِر القَوْل فِيمَن يشك فِي إيمَانه قلت لَهُ فَمَا تَقول لَو ان رجلا قيل لَهُ أمؤمن انت قَالَ الله أعلم قَالَ هُوَ شَاك فِي إيمَانه قلت فَهَل بَين الْكفْر وَالْإِيمَان منزلَة الا النِّفَاق وَهُوَ اُحْدُ الثَّلَاثَة إِمَّا مُؤمن أَو كَافِر اَوْ مُنَافِق قَالَ لَا لَيْسَ بمنافق من يشك فِي إيمَانه قلت لم قَالَ لحَدِيث صَاحب معَاذ بن جبل وَابْن مَسْعُود حَدثنِي حَمَّاد عَن حَارِث بن مَالك وَكَانَ من أَصْحَاب معَاذ بن جبل الْأنْصَارِيّ فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت بَكَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 قَالَ معَاذ مَا يبكيك يَا حَارِث قَالَ مَا يبكيني موتك قد علمت ان الْآخِرَة خير لَك من الأولى لَكِن من الْمعلم بعْدك ويروى من الْعلم بعْدك قَالَ مهلا وَعَلَيْك بِعَبْد الله بن مَسْعُود فَقَالَ لَهُ أوصني فَأَوْصَاهُ بِمَا شَاءَ الله ثمَّ قَالَ احذر زلَّة الْعَالم قَالَ فَمَاتَ معَاذ وَقدم الْحَارِث الْكُوفَة إِلَى أَصْحَاب عبد الله بن مَسْعُود فَنُوديَ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ الْحَارِث قومُوا الى هَذِه الدعْوَة حق لكل مُؤمن سَمعه ان يُجيب فنظروا اليه وَقَالُوا إِنَّك لمُؤْمِن قَالَ نعم إِنِّي لمُؤْمِن فتغامزوا بِهِ فَلَمَّا خرج عبد الله قيل لَهُ ذَلِك فَقَالَ لِلْحَارِثِ مثل قَوْلهم فَنَكس الْحَارِث رَأسه وَبكى وَقَالَ رحم الله معَاذًا فَأخْبر بِهِ ابْن مَسْعُود فَقَالَ لَهُ إِنَّك لمُؤْمِن قَالَ نعم قَالَ فَتَقول إِنَّك من اهل الْجنَّة قَالَ رحم الله معَاذًا فَإِنَّهُ اوصاني ان احذر زلَّة الْعَالم وَالْأَخْذ بِحكم الْمُنَافِق قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فَهَل من زلَّة رَأَيْت قَالَ نشدتك بِاللَّه أَلَيْسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ وَالنَّاس يَوْمئِذٍ على ثَلَاث فرق مُؤمن فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَكَافِر فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ومنافق فِي السِّرّ وَمُؤمن فِي الْعَلَانِيَة فَمن أَي الثَّلَاث انت قَالَ اما إِذا ناشدتني بِاللَّه فَإِنِّي مُؤمن فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة قَالَ فَلم لمتني حَيْثُ قلت إِنِّي مُؤمن قَالَ اجل هَذِه زلتي فادفنوها عَليّ فرحم الله معَاذًا قلت لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَمن قَالَ إِنِّي من اهل الْجنَّة قَالَ كذب لَا علم لَهُ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الْمُؤمن قد يعذب بذنوبه قَالَ وَالْمُؤمن من يدْخل الْجنَّة بِالْإِيمَان فيعذب فِي النَّار بالأحداث قلت فَإِن قَالَ إِنَّه من اهل النَّار قَالَ كذب لَا علم لَهُ بِهِ قد يئس من رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَنْبَغِي ان يَقُول أَنا مُؤمن حَقًا لِأَنَّهُ لَا يشك فِي إيمَانه قلت أَيكُون إيمَانه كَإِيمَانِ الْمَلَائِكَة قَالَ نعم قلت وَإِن قصر عمله فَإِنَّهُ مُؤمن حَقًا قَالَ فَحَدثني بِحَدِيث حَارِثَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ كَيفَ أَصبَحت قَالَ أَصبَحت مُؤمنا حَقًا قَالَ انْظُر مَا تَقول فَإِن لكل حق حَقِيقَة فَمَا حَقِيقَة إيمانك فَقَالَ عزفت نَفسِي عَن الدُّنْيَا حَتَّى اظمأت نهاري وأسهرت ليلِي فَكَأَنِّي أنظر الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 عرش رَبِّي وكاني أنظر الى اهل الْجنَّة يتزاورون فِيهَا وَكَأَنِّي انْظُر الى اهل النَّار حِين يتعاوون فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبت فَالْزَمْ أصبت فَالْزَمْ ثمَّ قَالَ من سره ان ينظر إِلَى رجل نور الله قلبه فَلْينْظر إِلَى حَارِثَة ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله ادْع الله لي بِالشَّهَادَةِ فَدَعَا لَهُ بهَا فاستشهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْكفَّار يُؤمنُونَ عِنْد المعاينة قلت فَمَا بَال أَقوام يَقُولُونَ لَا يدْخل الْمُؤمن النَّار قَالَ لَا يدْخل النَّار الا كل مُؤمن قلت وَالْكَافِر قَالَ هم يُؤمنُونَ يَوْمئِذٍ قلت وَكَيف ذَلِك قَالَ لقَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا قَالُوا آمنا بِاللَّه وَحده وكفرنا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكين فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} الْآيَة قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله من قتل نفسا بِغَيْر حق أَو سرق اَوْ قطع الطَّرِيق اَوْ فجر اَوْ فسق اَوْ زنى اَوْ شرب اَوْ سكر فَهُوَ مُؤمن فَاسق وَلَيْسَ بِكَافِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَإِنَّمَا يعذبهم بالأحداث فِي النَّار ويخرجهم مِنْهَا بِالْإِيمَان قَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله من آمن بِجَمِيعِ مَا يُؤمن بِهِ الا انه قَالَ لَا اعرف مُوسَى وَعِيسَى أمرسلان هما ام غير مرسلين فَهُوَ كَافِر وَمن قَالَ لَا أَدْرِي الْكَافِر اهو فِي الْجنَّة اَوْ فِي النَّار فَهُوَ كَافِر لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا لَهُم نَار جَهَنَّم لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا} وَقَالَ {وَلَهُم عَذَاب الْحَرِيق} وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَهُم عَذَاب شَدِيد} وَقَالَ أَبُو حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 رَحمَه الله بَلغنِي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ من لم ينزل الْكفَّار منزلهم من النَّار فَهُوَ مثلهم قلت فَأَخْبرنِي عَمَّن يُؤمن وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَصُوم وَلَا يعْمل شَيْئا من هَذِه الْأَعْمَال هَل يَعْنِي إيمَانه شَيْئا قَالَ هُوَ فِي مَشِيئَة الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ رَحمَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أثر معَاذ وَقَالَ من لم يجْحَد شَيْئا من كِتَابه فَهُوَ مُؤمن قَالَ أَبُو حنيفَة حَدثنِي بعض اهل الْعلم ان معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ لما قدم مَدِينَة حمص اجْتَمعُوا اليه وَسَأَلَهُ شَاب فَقَالَ مَا تَقول فِيمَن يُصَلِّي ويصوم ويحج الْبَيْت ويجاهد فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَيعتق وَيُؤَدِّي زَكَاته غير انه يشك فِي الله وَرَسُوله قَالَ هَذَا لَهُ النَّار قَالَ فَمَا تَقول فِيمَن لَا يُصَلِّي وَلَا يَصُوم وَلَا يحجّ الْبَيْت وَلَا يُؤَدِّي زَكَاته غير انه مُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله قَالَ أَرْجُو لَهُ واخاف عَلَيْهِ فَقَالَ الْفَتى يَا ابا عبد الرَّحْمَن كَمَا انه لَا ينفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 مَعَ الشَّك عمل فَكَذَلِك لَا يضر مَعَ الْإِيمَان شَيْء ثمَّ مضى الْفَتى فَقَالَ معَاذ لَيْسَ فِي هَذَا الْوَادي اُحْدُ افقه من هَذَا الْفَتى قَالَ أَبُو حنيفَة فقاتل اهل الْبَغي بالبغي لَا بالْكفْر وَكن مَعَ الفئة العادلة وَالسُّلْطَان الجائر وَلَا تكن مَعَ اهل الْبَغي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فَإِن كَانَ فِي اهل الْجَمَاعَة فاسدون ظَالِمُونَ فَإِن فيهم أَيْضا صالحين يعينونك عَلَيْهِم وَإِن كَانَت الْجَمَاعَة باغية فاعتزلهم واخرج الى غَيرهم قَالَ تَعَالَى {ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة فتهاجروا فِيهَا} وَقَالَ أَيْضا {إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وجوب الْهِجْرَة الى الله قَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله حَدثنَا حَمَّاد بن ابراهيم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا ظَهرت الْمعاصِي فِي أَرض فَلم تطق أَن تغيرها فتحول عَنْهَا الى غَيرهَا فاعبد بهَا رَبك) وَقَالَ حَدثنِي بعض اهل الْعلم عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تحول من أَرض يخَاف الْفِتْنَة فِيهَا إِلَى أَرض لَا يخافها فِيهَا كتب الله لَهُ اجْرِ سبعين صديقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 إِثْبَات الْعُلُوّ قَالَ ابو حنيفَة من قَالَ لَا اعرف رَبِّي فِي السَّمَاء اَوْ فِي الأَرْض فقد كفر وَكَذَا من قَالَ إِنَّه على الْعَرْش وَلَا ادري الْعَرْش أَفِي السَّمَاء اَوْ فِي الأَرْض وَالله تَعَالَى يدعى من اعلى لَا من أَسْفَل لَيْسَ من وصف الربوبية والألوهية فِي شَيْء وَعَلِيهِ مَا روى فِي الحَدِيث ان رجلا اتى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأمة سَوْدَاء فَقَالَ وَجب عَليّ عتق رَقَبَة أفتجزىء هَذِه فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمؤمنة أَنْت فَقَالَت نعم فَقَالَ أَيْن الله فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 اثبات عَذَاب الْقَبْر قَالَ ابو حنيفَة من قَالَ لَا اعرف عَذَاب الْقَبْر فَهُوَ من الْجَهْمِية الهالكة لِأَنَّهُ انكر قَوْله تَعَالَى {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} يَعْنِي عَذَاب الْقَبْر وَقَوله تَعَالَى {وَإِن للَّذين ظلمُوا عذَابا دون ذَلِك} يَعْنِي فِي الْقَبْر فَإِن قَالَ أُؤْمِن بِالْآيَةِ وَلَا أُؤْمِن بتأويلها وتفسيرها قَالَ هُوَ كَافِر لِأَن من الْقُرْآن مَا هُوَ تَنْزِيله تَأْوِيله فَإِن جحد بهَا فقد كفر قَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله حَدثنِي عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (شرار أمتى يَقُولُونَ أَنا فِي الْجنَّة دون النَّار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 تَحْرِيم التألي على الله وَحدثت عَن أبي ظبْيَان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ويل للمتألين من امتي قيل يَا رَسُول الله وَمَا المتألون قَالَ الَّذين يَقُولُونَ فلَان فِي الْجنَّة وَفُلَان فِي النَّار) وَحدثت عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تَقولُوا أمتِي فِي الْجنَّة وَلَا فِي النَّار دعوهم حَتَّى يكون الله يحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة) قَالَ وحَدثني أبان عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَقُول الله عز وَجل لَا تنزلوا عبَادي جنَّة وَلَا نَار حَتَّى اكون انا الَّذِي احكم فيهم يَوْم الْقِيَامَة وانزلهم مَنَازِلهمْ) قلت فَأَخْبرنِي عَن الْقَاتِل وَالصَّلَاة خَلفه فَقَالَ الصَّلَاة خلف كل بر وَفَاجِر جَائِزَة فلك أجرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَعَلِيهِ وزره قلت أَخْبرنِي عَن هَؤُلَاءِ الَّذين يخرجُون على النَّاس بسيوفهم فيقاتلون وينالون مِنْهُم قَالَ هم أَصْنَاف شَتَّى وَكلهمْ فِي النَّار قَالَ روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (افْتَرَقت بَنو إِسْرَائِيل اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة وَسَتَفْتَرِقُ أمتى ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهم فِي النَّار الا السوَاد الْأَعْظَم) قَالَ وحَدثني حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمن أحدث حَدثا فِي الْإِسْلَام فقد هلك وَمن ابتدع بِدعَة فقد ضل وَمن ضل فَفِي النَّار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وجوب لُزُوم الْقُرْآن حَدثنَا مَيْمُون عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ان رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله عَلمنِي قَالَ (فَاذْهَبْ فتعلم الْقُرْآن ثَلَاث ثمَّ قَالَ لَهُ فِي الرَّابِعَة اقبل الْحق مِمَّن جَاءَك بِهِ حبيبا كَانَ اَوْ بغيضا وَتعلم الْقُرْآن ومل مَعَه حَيْثُ مَال) قَالَ وَحدثنَا حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يَقُول إِن شَرّ الْأُمُور محدثاتها وكل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار وَقَالَ الله تَعَالَى {فألهمها فجورها وتقواها} وَقَالَ الله تَعَالَى لمُوسَى على سيدنَا وَنَبِينَا وَعَلِيهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {فَإنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بَاب الْمَشِيئَة قلت هَل أَمر الله تَعَالَى بِشَيْء وَلم يَشَأْ خلقه وَشاء شَيْئا وَلم يَأْمر بِهِ وخلقه قَالَ نعم قلت فَمَا ذَلِك قَالَ امْر الْكَافِر بِالْإِسْلَامِ وَلم يَشَأْ خلقه وَشاء الْكفْر للْكَافِرِ وَلم يَأْمر بِهِ وخلقه قلت هَل رَضِي الله شَيْئا وَلم يَأْمر بِهِ قَالَ نعم كالعبادات النَّافِلَة قلت هَل أَمر الله تَعَالَى بِشَيْء وَلم يرض بِهِ قَالَ لِأَن كل شَيْء امْر بِهِ فقد رضيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 قلت يعذب الله الْعباد على مَا يرضى اَوْ على مَا لَا يرضى قَالَ يعذبهم الله على مَا لَا يرضى لِأَنَّهُ يعذبهم على الْكفْر والمعاصي وَلَا يرضى بهَا قلت فيعذبهم على مَا يَشَاء اَوْ على مَا لَا يَشَاء قَالَ بل يعذبهم على مَا يَشَاء لَهُم لِأَنَّهُ يعذبهم على الْكفْر والمعاصي وَشاء للْكَافِرِ الْكفْر وللعاصي الْمعْصِيَة قلت هَل امرهم بِالْإِسْلَامِ ثمَّ شَاءَ لَهُم الْكفْر قَالَ نعم قلت سبقت مَشِيئَته أمره اَوْ سبق أمره مَشِيئَته قَالَ سبقت مَشِيئَته امْرَهْ قلت فمشيئة الله لَهُ رضى ام لَا قَالَ هُوَ لله رضى مِمَّن عمل بمشيئته وبرضاه وطاعته فِيمَا امْر بِهِ وَمن عمل خلاف مَا امْر بِهِ فقد عمل بمشيئته وَلم يعْمل بِرِضَاهُ وَلكنه عمل مَعْصِيَته ومعصيته غير رِضَاهُ قلت يعذب الله الْعباد على مَا يرضى قَالَ يعذبهم على مَا لَا يرضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 من الْكفْر وَلَكِن يرضى ان يعذبهم وينتقم مِنْهُم بتركهم الطَّاعَة واخذهم بالمعصية قلت شَاءَ الله للْمُؤْمِنين الْكفْر قَالَ لَا وَلَكِن شَاءَ للْمُؤْمِنين الْإِيمَان كَمَا شَاءَ للْكَافِرِينَ الْكفْر وكما شَاءَ لأَصْحَاب الزِّنَى الزِّنَى وكما شَاءَ لأَصْحَاب السّرقَة السّرقَة كَمَا شَاءَ لأَصْحَاب الْعلم الْعلم وكما شَاءَ لأَصْحَاب الْخَيْر الْخَيْر لِأَن الله شَاءَ للْكفَّار قبل ان يخلقهم ان يَكُونُوا كفَّارًا ضلالا قلت يعذب الله الْكفَّار على مَا يرضى ان يخلق ام على مَا لَا يرضى ان يخلق قَالَ بل يعذبهم على مَا يرضى ان يخلق قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ يعذبهم على الْكفْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَرَضي ان يخلق الْكفْر وَلم يرض الْكفْر بِعَيْنِه قلت قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} فَكيف يرضى ان يخلق الْكفْر قَالَ يَشَاء لَهُم وَلَا يرضى بِهِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ خلق ابليس فَرضِي ان يخلق إِبْلِيس وَلم يرض نفس إِبْلِيس وَكَذَلِكَ الْخمر والخنازير فَرضِي ان يخلقهن وَلم يرض أَنْفسهنَّ قلت لماذا قَالَ لِأَنَّهُ لَو رَضِي الْخمر بِعَينهَا لَكَانَ من شربهَا فقد شرب مَا رَضِي الله وَلكنه لَا يرضى الْخمر وَلَا الْكفْر وَلَا إِبْلِيس وَلَا افعاله وَلكنه رَضِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت أَرَأَيْت الْيَهُود حَيْثُ قَالُوا {يَد الله مغلولة غلت أَيْديهم} رَضِي الله لَهُم ان يَقُولُوا ذَلِك قَالَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 بَاب آخر فِي الْمَشِيئَة إِذْ قيل لَهُ أَرَأَيْت لَو شَاءَ الله ان يخلق الْخلق كلهم مُطِيعِينَ مثلا الْمَلَائِكَة هَل كَانَ قَادِرًا فَإِن قَالَ لَا فقد وصف الله تَعَالَى بِغَيْر مَا وصف بِهِ نَفسه لقَوْله تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} وَقَوله تَعَالَى {هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} فَإِن قَالَ هُوَ قَادر فَقل أَرَأَيْت لَو شَاءَ الله ان يكون ابليس مثل جِبْرِيل فِي الطَّاعَة اما كَانَ قَادِرًا فَإِن قَالَ لَا فقد ترك قَوْله وَوصف الله تَعَالَى بِغَيْر صفته فَإِن قَالَ لَو انه زنى اَوْ شرب اَوْ قذف أَلَيْسَ هُوَ بِمَشِيئَة الله قيل نعم فَإِن قَالَ فَلم تجر عَلَيْهِ الْحُدُود قيل لَا يتْرك مَا امْر الله بِهِ لِأَنَّهُ لَو قطع غُلَامه كَانَ بِمَشِيئَة الله وَذمَّة النَّاس وَلَو اعْتقد حُدُوده عَلَيْهِ وَكِلَاهُمَا وجدا بِمَشِيئَة الله وَقد عمل بِمَشِيئَة الله تَعَالَى لَكِن من عمل بِمَشِيئَة الْمعْصِيَة فَإِنَّهُ لَيْسَ بهَا رضَا وَلَا عدل فِي فعله وَقَوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فَلم تجر عَلَيْهِ الْحُدُود سُؤال فَاسد على أصلهم لأَنهم لَا يثبتون مَشِيئَة الله تَعَالَى فِي كثير من الْمعاصِي فَلَا تلْزمهُ الْحُدُود الا على فعله جَمِيعًا مثل شرب الْخمر وَقد فعلهَا بِمَشِيئَة الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 بَاب الرَّد على من يكفر بالذنب قلت أَرَأَيْت لَو ان رجلا قَالَ من أذْنب ذَنبا فَهُوَ كَافِر مَا النَّقْض عَلَيْهِ فَقَالَ يُقَال لَهُ قَالَ الله تَعَالَى {وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضبا فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فَهُوَ ظَالِم مُؤمن وَلَيْسَ بِكَافِر وَلَا مُنَافِق وإخوة يُوسُف قَالُوا {يَا أَبَانَا اسْتغْفر لنا ذنوبنا إِنَّا كُنَّا خاطئين} وَكَانُوا مذنبين لَا كَافِرين وَقَالَ الله تَعَالَى لمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} وَلم يقل من كفرك ومُوسَى حِين قتل الرجل كَانَ فِي قَتله مذنبا لَا كَافِرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِيمَان قَالَ وَإِذا قَالَ انا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى يُقَال لَهُ قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} فَإِن كنت مُؤمنا فصل عَلَيْهِ وَإِن كنت غير مُؤمن فَلَا تصل عَلَيْهِ وَقَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} الْآيَة قَالَ معَاذ رَضِي الله عَنهُ من شكّ فِي الله فَإِن ذَلِك يبطل جَمِيع حَسَنَاته وَمن آمن وتعاطى الْمعاصِي يُرْجَى لَهُ الْمَغْفِرَة وَيخَاف عَلَيْهِ من الْعقُوبَة قَالَ السَّائِل لِمعَاذ رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الشَّك يهدم الْحَسَنَات فَإِن الْإِيمَان أهدم واهدم للسئيات قَالَ معَاذ رَضِي الله عَنهُ وَالله مَا رَأَيْت رجلا أعجب من هَذَا الرجل يسْأَل امسلم انت فَيَقُول لَا أَدْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فَيُقَال لَهُ قَوْلك لَا ادري أعدل ام جور فَإِن قَالَ عدل فَقَالَ أَرَأَيْت مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا عدلا أَلَيْسَ فِي الْآخِرَة عدلا فَإِن قَالَ نعم فَقل اتؤمن بِعَذَاب الْقَبْر وَنَكِير وَنَكِير وبالقدر خَيره وشره من الله تَعَالَى فَإِن قَالَ نعم فَقل لَهُ أمؤمن أَنْت فَإِن قَالَ لَا أَدْرِي فَقل لَهُ لَا دَريت وَلَا فهمت وَلَا أفلحت قلت وَمن قَالَ إِن الْجنَّة وَالنَّار ليستا بمخلوقتين فَقل لَهُ هما شَيْء اَوْ ليستا بِشَيْء وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَخلق كل شَيْء} وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} وَقد قَالَ الله تَعَالَى {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا} فَإِن قَالَ إنَّهُمَا تفنيان فَقل لَهُ وصف الله نعيمهما بقوله {لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} وَمن قَالَ إنَّهُمَا تفنيان بعد دُخُول اهلهما فيهمَا فقد كفر بِاللَّه تَعَالَى لِأَنَّهُ انكر الخلود فيهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 بَاب فِي الصِّفَات قَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يُوصف الله تَعَالَى بِصِفَات المخلوقين وغضبه وَرضَاهُ صفتان من صِفَاته بِلَا كَيفَ وَهُوَ قَول اهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَهُوَ يغْضب ويرضى وَلَا يُقَال غَضَبه عُقُوبَته وَرضَاهُ ثَوَابه وَنصفه كَمَا وصف نَفسه أحد صَمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد حَيّ قيوم قَادر سميع بَصِير عَالم يَد الله فَوق أَيْديهم لَيست كأيدي خلقه وَلَيْسَت جارحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَهُوَ خَالق الْأَيْدِي وَوَجهه لَيْسَ كوجوه خلقه وَهُوَ خَالق كل الْوُجُوه وَنَفسه لَيست كَنَفس خلقه وَهُوَ خَالق كل النُّفُوس {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} قلت أَرَأَيْت لَو قيل أَيْن الله تَعَالَى فَقَالَ يُقَال لَهُ كَانَ الله تَعَالَى وَلَا مَكَان قبل ان يخلق الْخلق وَكَانَ الله تَعَالَى وَلم يكن أَيْن وَلَا خلق كل شَيْء وَهُوَ خَالق كل شَيْء فَإِن قيل بِأَيّ شَيْء شَاءَ الشائي المشيء فَقل بِالصّفةِ وَهُوَ قَادر يقدر بِالْقُدْرَةِ وعالم يعلم بِالْعلمِ وَمَالك يملك بِالْملكِ فَإِن قيل أَشَاء الْمَشِيئَة وَقدر بِالْمَشِيئَةِ وَشاء بِالْعلمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بَاب فِي الْإِيمَان فَإِن قيل أَيْن مُسْتَقر الْإِيمَان يُقَال معدنه ومستقره الْقلب وفرعه فِي الْجَسَد فَإِن قيل هُوَ فِي أصبعك فَقل نعم فَإِن قيل فَإِن قطعت أَيْن يذهب الْإِيمَان مِنْهَا قَالَ فَقل الى الْقلب فَإِن قَالَ هَل يطْلب الله من الْعباد شَيْئا فَقل لَا إِنَّمَا هم يطْلبُونَ مِنْهُ فَإِن قَالَ مَا حق الله تَعَالَى عَلَيْهِم فَقَالَ ان يعبدوه وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا فَإِذا فعلوا ذَلِك فحقهم عَلَيْهِ ان يغْفر لَهُم ويثيبهم عَلَيْهِ فَإِن الله تَعَالَى يرضى عَن الْمُؤمنِينَ لقَوْله تَعَالَى {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} ويسخط على ابليس وَمعنى قَوْله تَعَالَى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} فَهُوَ وَعِيد مِنْهُ وَقَوله تَعَالَى {وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى} أَي بصرناهم وَبينا لَهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَقَوله تَعَالَى {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} فَهُوَ وَعِيد وَقَوله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} أَي ليوحدوني وَلَكِن كلهَا بِتَقْدِير الله تَعَالَى خَيرهَا وشرها حلوها ومرها وضرها ونفعها وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا أفأنت تكره النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين} وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة وكلمهم الْمَوْتَى وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا مَا كَانُوا ليؤمنوا إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لجعل النَّاس أمة وَاحِدَة وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك} أَي بمشيئته {وَلذَلِك خلقهمْ} وَقَالَ تَعَالَى {اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} أَي بِقدر الله سُبْحَانَهُ وَقَالَ شُعَيْب صلوَات الله على نَبينَا وَعَلِيهِ قد افترينا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الله كذبا إِن عدنا فِي ملتكم بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا وَمَا يكون لنا ان نعود فِيهَا الا ان شَاءَ الله رَبنَا وسع رَبنَا كل شَيْء علما على الله توكلنا رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وانت خير الفاتحين) وَقَالَ نوح على نَبينَا وَعَلِيهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون} قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من عبادنَا المخلصين} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسدا ثمَّ أناب} وَالله اعْلَم تمّ الْفِقْه الأبسط لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَصلى الله وَسلم على من لَا نَبِي بعده سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه اجمعين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167