الكتاب: شرح المحرر في الحديث مؤلف الأصل: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي (المتوفى: 744هـ) الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير   دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير   [الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 64 درسا] ---------- شرح المحرر في الحديث - عبد الكريم الخضير عبد الكريم الخضير الكتاب: شرح المحرر في الحديث مؤلف الأصل: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي (المتوفى: 744هـ) الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير   دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير   [الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 64 درسا] ـ[شرح المحرر في الحديث]ـ مؤلف الأصل: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي (المتوفى: 744هـ) الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير [الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 64 درسا] بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الصلاة (1) باب: فرض الصلاة الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: كتاب: الصلاة باب: فرض الصلاة عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم. وعن بريدة بن الحَصيب الحُصيب، الحصيب. وعن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي والحاكم، وصححاه. وقال هبة الله الطبري: هو صحيح على شرط مسلم. كمل الباب كله. وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين، بين المغرب والعشاء. رواه مسلم. وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) قال: "فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" متفق عليه. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])) رواه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا يثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسير له، فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان وجه الصبح عرسنا، فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس، قال: فكان أول من استيقظ منا أبو بكر، وكنا لا نوقظ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- من منامه إذا نام حتى يستيقظ، ثم استيقظ عمر، فقام عند نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى إذا استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال: ((ارتحلوا)) فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس، فذكر حديث النوم عن الصلاة، وفيه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة)) قال: فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى. رواه أبو داود وقال: ولم يذكر أحد الأذان في حديث الزهري إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر. وأبان العطار عن إيش؟ عن عمر. عن معمر. وأبان العطار عن معمر. وقد ذكر مسلم الحديث من رواية يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وقال فيه: "وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح" ولم يذكر الأذان. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب: الصلاة لما أنهى الشروط التي هي في الأصل متقدمة على المشروط ثنى بذكر الصلاة التي هي المقصد والغاية والتي من أجلها اشترطت تلك الشروط، فقال -رحمه الله-: كتاب: الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 والكتاب تقدم الحديث عنه في كتاب الطهارة، وقلنا في ذاك: إن الكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً وقلنا: إن المادة تدور في أصلها على الجمع، ومنه تكتب بنو فلان، والكتيبة لجماعة الخيل، والكتابة بالقلم لاجتماع الحروف والكلمات، وكتاب مضاف والصلاة مضاف إليه، والمبتدأ محذوف تقديره هذا، كتاب خبره والصلاة مضاف إليه، والأصل في الكتاب أنه يضم أبواب، والباب يضم فصول، والفصول تندرج تحتها مسائل، وقد توجد ترجمة في كتاب ولا باب تحته، توجد ترجمة بالأبواب ولا كتاب فوقها، وقد يقال: كتاب وتحته فصول، والأمر في ذلك واسع؛ لأنه مجرد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن الترتيب في عرف أهل العلم أن يبدأ بالكتاب، ثم الباب، ثم الفصل، ثم المسائل تندرج في الفصول على سبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى. والكتاب الفرعي داخل تحت كتاب أصلي، ف كتاب الصلاة من ضمن كتاب المحرر، كما أن كتاب بدأ الوحي وقلنا: إنه كتاب على ما جاء في بعض النسخ، وأكثره على أنه ليس بكتاب، كتاب الإيمان، كتاب العلم، يعني من كتب كتاب صحيح البخاري. باب: فرض الصلاة فرض الباب تقدم الكلام فيه، وأنه في الأصل لما يدخل منه، ويخرج معه في المحسوسات، وهو اصطلاح لأهل العلم، ومن باب الحقيقة العرفية عند أهل العلم يسمون ما يندرج تحته فصول ومسائل يسمونه باب. باب فرض، الفرض هو الواجب عند الجمهور، وإن كان لفظه أقوى من لفظ الواجب لغة ومعنىً، إلا أنهم جعلوه بإزاء الواجب، وفرق بينهما الحنفية، وجعلوا الفرض لما ثبت بدليل قطعي، والواجب لما ثبت بدليل ظني. باب: فرض الصلاة باب فرض الصلاة والمراد بالفرض هنا الوجوب لا أنه في وقت فرضها، فلو كان المراد في وقت فرضيتها لأورد حديث الإسراء، لكنه في الأحاديث الآتية يذكر ما يدل على وجوبها وفرضيتها، والصلاة في الإسلام شأنها عظيم، فهي ثانية الأركان بعد الشهادتين، وبها يحقن الدم. باب: فرض الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أول ما فرضت الصلاة، في الحديث -حديث عائشة-: أول ما فرضت الصلاة ركعتين، هل المراد به كما هنا حكمها الشرعي الوجوب المتأكد المتعين؟ بهذا قال الحنفية، مع أنه ينخرم عليه مذهبهم؛ لأنهم لا يرون القصر فرض، وإنما يرونه واجب، والجمهور على أن أول ما فرضت يعني قدرت الصلاة ركعتين؛ لأن القصر ليس بواجب عندهم، فأول ما فرضت، وهنا باب فرض الصلاة المراد به عند الحنفية الوجوب، وعند غيرهم التقدير، فالفرض كما يطلق على الوجوب يطلق أيضاً على التقدير، والفرائض في قسم التركات الفروض المقدرة للورثة، وذكرنا أن الصلاة ثانية أركان الإسلام كما في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي حديث عبد الله بن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ... )) إلى آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 والصلاة يتفق الصحابة على أن تركها كفر، في كلام عبد الله بن شقيق كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، ويقصد بذلك الصحابة، فالصلاة كما أشرنا شأنها عظيم، وجاء في النصوص تعظيمها، والتحذير والتهديد الأكيد بالنسبة لمن تركها، ولذا أورد المؤلف -رحمه الله تعالى- حديث جابر في مسلم يقول: "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) " ((بين الرجل)) وتدخل فيه المرأة؛ لأن النساء يدخلن في عموم خطاب الرجال إلا فيما دل الدليل على اختصاص الرجال به، والنساء شقائق الرجال في هذا، فالصلاة مفروضة على النساء كما هي مفروضة على الرجال، وإذا قيل بكفر تارك الصلاة شمل الرجال والنساء ((بين الرجل)) والرجل يطلق على المكلف، فدل على أن غير المكلف لا يدخل في مثل هذا الوعيد وإن أمر بها، إذا أتم سبع سنين وضرب عليها إذا أكمل عشر سنين، إلا أنه لا يدخل في مثل هذا النص؛ لأنه لم يجر عليه قلم التكليف ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) فإذا ترك الصلاة دخل في حيز الشرك وفي حيز الكفر، إذا ترك الصلاة دخل في حيز الشرك، صار مشركاً يشمله عموم قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] بهذا نعلم أن استدلال من استدل بهذه الآية على عدم كفر تارك الصلاة فيه ما فيه؛ لأن الحديث يدل على أن الذي يترك الصلاة مشرك، كما أن الذي يصلي ولو لم ينطق بالشهادة مسلم حكماً؛ لأن أهل العلم يقولون: فإن صلى فمسلم حكماً، يعني يحكم بإسلامه، الأصل أن الناس يقاتلون كما أمر بذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) افترضنا أن شخصاً من الكفار ما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وإنما دخل مع المسلمين وصلى، نقول: هذا مسلم حكماً، فإن أتى بما يناقض الإسلام فهو مرتد؛ لأنه لم يبق على كفره الأصلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 في المساجد القريبة من المدارس تجد بعض سائقي الأسر ممن ينقل الأولاد أو البنات إذا جاء والمساجد قد فتحت وفيها التكييف وخارج المسجد فيه الشمس، فتجد هذا السائق ولو لم يكن مسلماً يدخل إلى المسجد، وإذا أقيمت الصلاة صلى معهم؛ لأنه لن يُترك يدخل المسجد ولا يصلي، فماذا نقول عن مثل هذا؟ هذا حاصل، هل نقول: إن هذا مسلم حكماً، أو يقبل قوله إذا قال: إنه صلى لمجرد الدخول في المسجد؟ لأنه الفرق بين المسألتين بين أن يكون كافر أصلي أو يكون مرتد واضح، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . العلماء يقولون: فإن صلى فمسلم حكماً، وذلكم لأن الصلاة تتضمن الشهادة، فماذا نقول عن مثل هذا؟ هذا متصور أو غير متصور؟ متصور، ونوقش بعضهم قيل له: أنت مسلم؟ قال: بابا مسلم، يعني الكفيل، الكفيل مسلم، وما دخل للمسجد إلا من أجل حرارة الجو خارج المسجد، فهل نقول: إن هذا مسلم حكماً لأنه صلى وليس لنا إلا الظاهر، أو نقبل دعواه إذا ادعى؟ أو نقول: إذا قامت القرينة القوية على صدقه قبل قوله وإلا فلا؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . إحنا ما لنا إلا الظاهر، رأيناه واقف مع الناس ويركع ويسجد هذه الصلاة الشرعية، ما لنا إلا الظاهر، هل نؤاخذه بصلاته هذه، ونقول: إنه مسلم، فإن فعل ما يناقض فهو مرتد يجب قتله؟ ((من بدل دينه فاقتلوه)) أو نقول: هو باقٍ على كفره وعلى عهده والعقد الذي دخل به؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 يعني لو دخل وقت المغرب أو وقت العشاء تضعف القرينة في دعواه عدم إرادة الصلاة، لكن لو دخل الظهر حين يقوم قائم الظهيرة، الشمس لا يطاق الجلوس فيها في الصيف، وصلى مع الناس تقوى القرينة على صدقه، وحينئذٍ لا يحكم بإسلامه من أجل هذا، إذا قال: أنا والله دخلت من أجل حر الشمس، مسألة ظاهرة وإلا ما هي بظاهرة يا إخوان؟ لأن العلماء يقولون: إن صلى فمسلم حكماً، يعني يؤاخذ، فلو ارتد بعد ذلك يقتل ((من بدل دينه فاقتلوه)) لأنه مسلم، وإذا ادعى أنه دخل من أجل حر الشمس، وصلى مع الناس؛ لأنه لا يمكن أن يدخل المسجد ويجلس بدون صلاة، المسلمون ما يمكنونه من هذا، وإن وجد التساهل حقيقة في بعض الجهات وجد من ينام في المسجد ولا يوقظ للصلاة، وجد، وهذا مع التساهل العام الذي اجتاح بلدان المسلمين، والله المستعان، فإذا قامت القرينة القوية الدالة على صدقه أنه إنما دخل إلى المسجد وصلى مع الناس هروباً من الشمس قبلت دعواه، وإلا فالأصل أنه مسلم حكماً، وليس لنا إلا الظاهر. ((بين الرجل وبين الشرك)) فالذي لا يصلي مشرك، ويدخل في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] وهذا ليس داخل في المغفرة، والحديث مع الآية دليل على كفر تارك الصلاة. ((أو الكفر)) (أو) هذه للشك، يعني هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل وبين الشرك أو قال: بين الرجل وبين الكفر؟ وفي بعض الروايات بالواو ((بين الرجل وبين الشرك والكفر)) والواو تأتي بمعنى (أو) وكما أن (أو) تأتي بمعنى الواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ((ترك الصلاة)) الترك يبحث في هذا اللفظ الترك يعني عدم الإتيان بالصلاة، وهل يطلق على من ترك فرضاً واحداً بأنه تارك للصلاة، أو لا بد أن يترك فروض، ويفرق بين من لا يصلي ألبتة وبين من يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟ والترك مصدر ترك يترك تركاً، والفاعل تارك، والفعل بهذه الصيغة ينطبق على من تركها مرة واحدة؛ لأن الترك يحصل بمرة واحدة، لكن لو قيل: تراك صيغة مبالغة، أو تروك اتجه القول بأنه لا يكفر بتركها مرة واحدة، فماذا عن من يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟ نقول: مثل هذا بحسب ما يختم له به، فإن ختم له بفعلها فهو مسلم، وإن ختم له بتركها فهو تارك، والذي يترك فرض واحد كافر، وإذا تعمد إخراج الصلاة عن وقتها ولو فرض واحد فإنه حينئذٍ لا يقضي؛ لأنه بهذا كفر. والصلاة لا تصح قبل دخول وقتها، كما أنها لا تصح بعد خروجه إذا تركت عن عمد فلا تقضى، وابن حزم نقل على هذا الاتفاق، مع أن من أهل العلم من نقل الاتفاق على خلافه، بمعنى أنه لو تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وفي نيته أن يصلي إذا خرج وقتها كمن يضبط المنبه على الدوام، يضبط الساعة على السابعة ويقول: إذا قام للدوام صلى الفجر، ومعروف أن هناك فتوى تداولها الناس أنه يكفر بهذا، يعني ممن يعتد بقوله من أهل العلم، وهذا جار على الإجماع الذي نقله ابن حزم. وأما ما نقله غيره من أنه يجب عليه قضاؤها اتفاقاً، وهذه من المسائل النادرة التي ينقل الاتفاق على طرفيها، القول بعدم القضاء اتفاق نقله ابن حزم، والقول بالقضاء وبوجوبه اتفاق نقله بعضهم، وقالوا: إنه إذا أُمر المعذور بقضاء الصلاة فلأن يؤمر من لا عذر له من باب أولى، هذا إذا كان عازماً على قضائها بعد خروج وقتها، يعني ما في نيته الترك المطلق، وإنما يقول: إذا انتبهت إلى الدوام صليت، لا شك أن هذا مرتكب موبقة من الموبقات، وعلى خطر عظيم، لكن الكفر شأنه عظيم أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 أما بالنسبة لمن تركها جاحداً لوجوبها فالإجماع على أنه يكفر بدون تردد؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، وأما من أقر بوجوبها اعترف بها، لكنه يتركها تهاوناً وكسلاً، فالأدلة الصحيحة الصريحة دلت على كفره، وقال جمع من أهل العلم أنه لا يكفر، مستدلين بقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] والصلاة دون الشرك، وعرفنا من خلال هذا الحديث أن ترك الصلاة شرك؛ لأن الحد الفاصل بين المسلم والمشرك الصلاة، الحديث نص في هذا، وهو مخرج في مسلم: ((بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة)) فإذا ترك الصلاة صار مشركاً، فدخل في الآية، وفي الحديث: ((أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) وهل يتصور أن يوجد في قلب من يترك الصلاة ذرة من إيمان؟ لأنه إذا صار مشركاً بدلالة الحديث هل يكون في قلبه شيء من الإيمان؟ لا، لأنه لو قلنا بهذا للزمنا أن نقول: من وقر الإيمان في قلبه ولم ينطق بالشهادة، ما حكمه مسلم وإلا كافر؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ولم ينطق بالشهادة، ما نطق بالشهادة ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) كافر بلا شك، كافر هذا محل اتفاق أنه إذا لم ينطق فهو كافر، المسألة مسألة كلها حكم فيما يظهر للناس، أما ما بين العبد وبين ربه الله -جل وعلا- يتولاه، ولسنا بمكلفين في بما في قلوب الناس، لكن افترض أنه قال: لا إله إلا الله، وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان بالنسبة لنا مسلم، لكن إذا امتنع ولم ينطق بالشهادة فهو كافر، فإذا حكمنا بكفره مع ما في قلبه من إيمان يدعيه؛ فلأن نحكم بكفره إذا ترك الصلاة؛ لأنه مشرك بالنص، وما في القلب لا شك أن الإيمان في الأصل محله القلب، والتقوى هاهنا، لكن ما الذي يدري الناس عما في القلب إلا ما يظهر من قول أو فعل، ولذا جعل أهل العلم الإيمان مركب من ثلاثة أجزاء، هذا قول أهل السنة قاطبة، اعتقاد وقول وفعل، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، هذا هو الإيمان، فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فلا إيمان، يعني إذا كان مجرد دعوى، إنسان يدعي أنه مؤمن، وما نطق بالشهادتين يقبل وإلا ما يقبل؟ لا يقبل، إذا أقر ونطق ولم يعمل عمل ألبتة هذا أيضاً لا تقبل دعواه؛ لأن الإيمان مركب من الثلاثة، والعمل جنسه كما يقرر أهل العلم شرط لصحة الإيمان، هذا بالنسبة لمن تمكن من العمل فلم يعمل. أما من لم يتمكن، لم يتمكن من العمل فمثل هذا لو شهد أن لا إله إلا الله ثم مات أو قتل انتهى هذا مسلم، ما أحد يعترض عليه. ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وعن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وتعريف جزئي الجملة يدل على إيش؟ على الحصر؟ ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وهذا فيه دلالة على أن تارك الصلاة كافر كالذي قبله، فالمرجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة كافر، والناس إلى وقت قريب لا يصدقون أن مسلماً يدعي الإسلام ويترك الصلاة، ووجد الآن في صفوف المسلمين بكثرة -لا كثرهم الله- من يترك الصلاة، وفي القرن السابع شخص من المغاربة يقول: إن الخلاف في حكم تارك الصلاة افتراضي، يعني مسألة فقهية مجردة افتراضية كما يقال في الفرائض توفي زيد عن ألف جدة، افتراض وليس بواقع؛ لأنه لا يتصور أن مسلماً يدعي الإسلام ويترك الصلاة، ثم قال: إلا إن كان هذا في آخر الزمان حينما لا يقال: الله الله، يعني بعد خروج الدجال، وبعد العلامات الكبرى احتمال، هذا يدل على إيش؟ يدل على أن الصلاة ما كان أحد يدعي أنه مسلم ويقدم على تركها؛ لأن هذا الذي تكلم من أهل العلم. وحكم تارك الصلاة حكم المرتدين يجب قتله ردة على القول بكفره، وحد على القول بعدم كفره، وهذا معروف عند الشافعية والمالكية، وأما بالنسبة للحنفية فإنهم يقولون: لا يقتل، إنما يحبس ويضيق عليه حتى يصلي أو يموت، وكثير من المسلمين -نسأل الله العافية- الصلاة لا وزن لها عنده حتى على مذهب أبي حنيفة، يحبس حتى يموت، هذا الأمر ليس بالسهل. وبعض من لا يرى القتل يقول: ما نفذ على مر التاريخ قتل شخص ترك الصلاة، ما نفذ، نقول: ما نفذ لأنه لم يقع، بدليل كلام المغربي هذا الذي سقناه، لا يتصور مسلم يترك الصلاة، لكن لما خف الدين كله بجملته خف أعظم أركانه، وصار الناس يتساهلون في مثل هذا الأمر، حتى وجد في بيوت المسلمين من لا يصلي. ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) يقول -رحمه الله-: "رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي والحاكم، وصححاه". "وقال هبة الله الطبري" المعروف باللالكائي: "هو صحيح على شرط مسلم" في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 هبة الله الطبري: أحياناً يذكر الشخص بما لم يشتهر به، يعني لو قال: قال اللالكائي عرفه الناس، وعرفوا كتابه، لكن هبة الله الطبري يوقع طالب العلم في إشكال؛ لأنه قد لا يعرفه بهذه النسبة، وأحياناً يقال: قال الرازي، ثم طالب العلم لا يدري من الرازي؟ لأنه منسوب إلى الري، وأحياناً يريد بذلك أبا حاتم مثلاً، وقد شهر بكنيته، فالاقتصار على الرازي لا يكفي؛ لأنه وإن كان الكلام يحدد المقصود، لكن فيه تعمية، وفيه توعير على الطالب، لو قال: قال أبو حاتم الرازي، ما وقع في لبس؛ لأن بعض الطلاب لا يستطيع أن يحدد المطلوب من خلال السياق، ومن النبهاء من يستطيع، لكن قال الرازي فيه توعير؛ لأنه منسوب إلى بلد كبير، فلا يدرى من هو؟ هل هو الرازي أبو حاتم؟ هل هو الفخر الرازي؟ هل هو أبو بكر الرازي الجصاص؟ ولذا ينبغي أن يذكر الشخص بأخص أوصافه الذي اشتهر بها بين أهل العلم، ولو قال: قال هبة الله، قال اللالكائي يكفي. وكذلك الكتب لو تقول: قال في الزاد، وتنقل من زاد المعاد هذا لا شك أن فيه على الطالب تعسير وتوعير، أو تقول: قال في الزاد وتقصد زاد المسير، هذا أيضاً ما اشتهر بين الناس بهذا، فينبغي أن يعتنى بمثل هذه الألفاظ، وكم من وهم حصل بمثل هذا، قال أبو حاتم والمسألة لغوية تجد الطالب يترجم لأبي حاتم الرازي مثلاً، قال أبو حاتم والكلام منقول في صحيح ابن حبان، هو ابن حبان، قال أبو حاتم، والمسألة لغوية أبو حاتم السجستاني وهكذا، فطالب العلم ينبغي أن يكون نبيه لمثل هذه الأمور، كما أن من يكتب ينبغي ألا يوعر الطريق على طالب العلم فيحدد بدقة، وكم من وهم حصل بمثل هذا، وذكرت أكثر من مرة أن باحثاً بل باحثة نقلت عن تفسير القرطبي قوله: "ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مراراً يقول" وترجمت لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن ابن القيم يكثر من هذا الأسلوب، ابن القيم في منصفاته دائماً يقول: سألت شيخنا أبا العباس، وقد يقول مراراً، فيقع اللبس، والقرطبي التلميذ المفسر قبل شيخ الإسلام، فلا بد من الانتباه لمثل هذه الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 هناك أمور لا تخفى على آحاد المتعلمين، لكن يقع فيها بعضهم بالخطأ، في صحيح البخاري في حديث أبي موسى "الهرج" بلغة الحبشة: القتل، قال أبو موسى: الهرج بلغة الحبشة القتل، ويترجم لأبي موسى المديني اللي في القرن السادس، والكلام في صحيح البخاري، والراوي أبو موسى يفسر هذه الكلمة، وهو أبو موسى الأشعري، فلا المؤلف الكاتب يترك القارئ في حيرة، ولا القارئ يهجم على الكلمة من غير روية، كثيراً ما يقال في كتب اللغة: قال الليث، ثم يترجم لليث ابن سعد، ما له علاقة الليث ابن سعد في كتب اللغة، فعلى طالب العلم أن ينتبه لمثل هذه الأمور. "قال هبة الله الطبري" ... اتصل واحد من الباحثين يقول: أبا الحسن الزازان لم أجد له ترجمة، قلت له: أين وقفت على هذا الاسم؟ قال: في مغني المحتاج الجزء كذا، صفحة كذا، ذهبت إلى الكتاب فإذا بالطابع أخطأ، وضع النقطتين بعد النون، فقرأها القارئ الزازان، وهو بدون ألف ونون، أبو الحسن الزاز: إن كذا، تبع الكلام، تبع كلامه، وهذا يحصل، يعني يحصل مثل ما يحصل في الإيهام والتوعير الذي ذكرناه يحصل أيضاً في علامات الترقيم، وقلنا: إن من حقق مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب في قسم الحديث جاء إلى حديث اقتناء الكلب، من اقتنى كلباً غير ما استثني نقص من أجره كل يوم قيراط، رواه مسلم، وفي رواية ووضع نقطتين له قيراطان، كيف له قيراطان؟ وقال: إن هذه الرواية لم تثبت، ولا توجد في صحيح مسلم، ولا كذا ولا كذا، وهي في رواية له يعني لمسلم ضع النقطتين بعدها، قيراطان يعني ينقص من أجره قيراطان، فعلى طالب العلم أن يكون منتبهاً لمثل هذه الأمور. "هو صحيح على شرط مسلم" ... ابن القيم أيضاً في كتاب حكم تارك الصلاة قال: إسناده على شرط مسلم، وأطال العلماء في بيان معنى شرط الشيخين، والمعتمد عند المتأخرين أن المراد بشرطهما رجالهما، فهذا الحديث مروي برجال خرج لهم الإمام مسلم -رحمه الله-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ثم قال: "وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب" يعني في الخندق، في غزوة الخندق، يوم الأحزاب، يوم تحزب الناس على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحاصروا المدينة: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين، بين المغرب والعشاء. ((شغلونا)) يعني ألهونا عن الصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر، وجاء التنويه بها في قول الله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] والعطف عطف الخاص على العام يدل على الاهتمام بشأن الخاص والعناية به، فالصلاة الوسطى لها شأن، صلاة العصر، والحديث نص في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ومع ذلك الخلاف في المراد بها بين أهل العلم ذكروا ثمانية عشر قولاً في المراد بالصلاة الوسطى، قد يقول قائل: كيف تبلغ الأقوال والصلوات خمس؟ كيف تبلغ ثمانية عشر قولاً والصلوات خمس؟ يعني افترض أن واحد قال: الفجر، مجموعة قالوا: الفجر، وآخرون قالوا: الظهر، فريق ثالث قال: المغرب، العصر، إلى آخر الصلوات الخمس، فالأقوال تكون خمسة، لا، هناك أقوال مركبة، وهناك أقوال مبهمة، الصلاة الوسطى هي الصلوات المفروضة، الصلاة الوسطى صلاة الجمعة، الصلاة الوسطى صلاة مبهمة لا بعينها كإبهام ليلة القدر، وإبهام ساعة الجمعة، وإبهام الأسماء الحسنى، وشعب الإيمان، وما أشبه ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 المقصود أن الأقوال يعني يعجب الإنسان حينما تتنوع وتكثر إلى هذه العدة في صلوات خمس، والخلاف في ليلة القدر بلغت الأقوال فيه إلى خمسين قولاً، خمسين قول، وذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فلا يستغرب أن يكون في الصلاة الوسطى ثمانية عشر قولاً، والصلوات خمس، لكن منهم من قال: هي صلاة الفجر؛ لأنها تقع بين صلاتين ليليتين، وصلاتين نهاريتين، فهي متوسطة بين صلوات الليل وصلوات النهار، ومنهم من قال: هي الظهر؛ لأنها متوسطة بين طرفي النهار بين صلاتي طرفي النهار، ومنهم من قال: هي العصر وهو المرجح بالنص كالذي معنا، ومنهم من قال: هي المغرب؛ لأن عدد ركعاتها متوسطة بين الثنتين وبين الأربع، ومنهم من قال: العشاء؛ لأنه تقدمها صلاتان من صلوات المساء، ويعقبها صلاتان. وعلى كل حال العدد المركب من مجموع فردي كل واحد من أفراده يصح أن يكون الأوسط، يعني مثل هذا يعني لو قدر أن الأعداد ثلاثة، فالثاني هو الأوسط؛ لأنه يتقدمه الأول والثالث، الأول أوسط لأنه تقدمه واحد ويتلوه واحد، لا سيما مع الدوران كالصلوات الخمس. فمثل هذه لا ينظر فيها إلى ما تقدم وما تأخر؛ لأن كل هذه الصلوات إن شئت تقدمها قلت: تقدمها أربع صلوات صحيح، العشاء تقدمها أربع صلوات، وإن قلت: إنه يتلوها أربع صلوات صحيح، وإن قلت: تقدمها صلاتين، ويتلوها صلاتين صحيح، فالمعول في مثل هذا على النص، يعني النص الصحيح الصريح يدل على أنها العصر، وجاء في تعظيمها وشأنها من النصوص الصحيحة ما يؤهلها لأن تكون بهذه المثابة. ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ بيوتهم وقبورهم ناراً)) هذا فيه الدعاء على الكفار، ويقول التابعي: أدركنا الصحابة وهم يدعون على اليهود والنصارى، كما في موطأ الإمام مالك، ففيه الدعاء على الكفار، وقاتل الله اليهود ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) فالدعاء في النصوص عليهم كثير. ((ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) بعض الناس إذا سمع من يدعو على الكفار قال: ادع لهم بالهداية، هدايتهم مطلوبة، وعليك أن تبذل الأسباب لهدايتهم، لكن دعائك عليهم لا سيما من تعدى شره إلى المسلمين شرعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 " ((ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء" بين العشاءين هل المراد أنه صلاها بين صلاتي المغرب والعشاء أو بين وقتي المغرب والعشاء؟ صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء، يعني بين وقتيهما أو بين صلاتيهما؟ يعني صلى المغرب، ثم صلى العصر، ثم صلى العشاء، أو نقول: إنه لما دخل وقت المغرب وصار الآن بين دخول وقت المغرب، وبين دخول وقت العشاء صلى العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . بين الوقتين بدليل ثم صلى بعدها المغرب في الرواية الأخرى. النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلاة عن وقتها، قوله: ((شغلونا)) هل يؤخذ منه أنهم لما شغلوه نسيها -عليه الصلاة والسلام-، فيدخل في حكم الناسي، أو أنه أخرها مع علمه بتأخيرها؛ لأنه انشغل بهم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني مع العلم بخروج وقتها، هذا هو الظاهر. لماذا لم يصل النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الخوف في وقتها؟ وهل يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها لأي ظرف من الظروف؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ هنا يعني في مثل هذا في حال حرب تؤخر عن وقتها أو تصلى صلاة خوف على أي حال كان؟ تصلى صلاة الخوف. كيف أخرها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ طالب:. . . . . . . . . ما شرعت، يعني غزوة ذات الرقاع بعد غزوة الأحزاب صحيح وإلا لا؟ أو قبل؟ الأكثر من المؤرخين على أن غزوة ذات الرقاع قبل غزوة الأحزاب، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في ترتيب الغزوات جعل غزوة ذات الرقاع بعد غزوة الأحزاب، ورجحه ابن القيم، فدل على أن صلاة الخوف لم تشرع في يوم الخندق والأحزاب. من أهل العلم من يرى أنه لا مانع أن تكون غزوة ذات الرقاع قبل الأحزاب، وتشرع صلاة الخوف في السفر، وتأخير الصلاة عن وقتها كما في غزوة الأحزاب تكون في الحضر، فعلى هذا لا تصح صلاة الخوف في الحضر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلاة يوم الأحزاب ولم يصل صلاة الخوف لأنه في الحضر بدون سفر، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 والاحتمال قائم، لكن عامة أهل العلم على أنه ما نسي، يعني عن قصد أخرها، وقد انشغل بهم، انشغل بهم عنها، لا شك أن الوقت شرط لصحة الصلاة، والاحتياط له احتياط للشرط الذي ينبني عليه صحة الصلاة، مع أن صلاة الخوف يحصل فيها من الخلل ما هو نظير الشرط، يحصل فيها خلل، قد تترك أركان من أجلها، قد يكتفى بركعة، قد ينصرف المصلي المأموم الطائفة التي صلت بعد الصلاة وذهبت للحراسة قد ينصرفون إلى غير جهة القبلة وينشغلون بالعدو وهم في صلاة، فيحصل من الخلل في الصلاة في صلاة الخوف نظير ما يحصل من تأخير الصلاة عن وقتها، لكن الخلل المبني على دليل ليس بخلل. هذا الخلل إذا كان له ما يدل له من فعله -عليه الصلاة والسلام- لا يسمى خلل، فهل الأحوط للصلاة أن تؤخر كما أخرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتصلى بعد خروج وقتها على هيئة كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها؟ أو يقال: تصلى على أي حال كان في وقتها؟ لأن عندنا من أهل العلم من يرى أن صلاة الخوف لا تفعل في الحضر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلاة يوم الأحزاب وصلاها على صفتها الكاملة، ولم يصل صلاة خوف مع أن صلاة الخوف تقدمت في قول الأكثر على غزوة الأحزاب، ومنهم من يقول: إنها تأخرت فتصلى صلاة الخوف في كل غزوة ولو كانت داخل البلد. طيب صلاة الخوف المتبوع من صائل أو من سبع يريد قتله يصلي صلاة خوف وإلا ينتظر حتى يصل إلى المكان ولو فات وقتها؟ نعم؟ يعني شغله صائل، شغله سبع يؤخر إلى أن يصل إلى الأمان إلى المكان الآمن أو يصلي صلاة خوف بالإيماء وهو يجري؟ ماذا يصنع؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . المطلوب يعني مثل صلاة الخوف، على كل حال على القول المرجح أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد يوم الأحزاب فتشرع صلاة الخوف في كل حالة فيها الخوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 هل الخوف المتوقع المتوهم يبرر التنازل عن بعض أركان الصلاة وشروطها أو لا؟ شخص يخاف أن يخرج بالليل للوضوء، وما في شيء، يعني يمكن يذهب ويتوضأ ويرجع ما في شيء، ولا هناك ما يدل من القرائن على وجود ما يسيء إليه، لكن بعض الناس جبل على الخوف والهلع، لا يستطيع أن يخرج في الظلام، وقل مثل هذا فيمن يتوقع هل يتنازل من أجل هذا الخوف المتوهم عن الشروط والأركان أو ينتظر؟ يعني هل لا بد أن يكون الخوف من واقع، يعني يسمع زئير الأسد مثلاً، أو عواء الذئب ولا يستطيع أن يخرج من بيته أو من خيمته ليتوضأ، هذا يتيمم وإلا ما يتيمم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؛ لأن هذا لا يستطيع، لكن بعض الناس جبل على الخوف، فمثل هذا يكفي هذا التوهم، أو لا بد من أن يكون واقعاً؟ من أهل العلم من يقول: يكفي مثل هذا التوهم، وهذا التوهم قد يبلغ ببعض الناس أشد من الخوف أو المخوف المتيقن عند بعض الناس، بعض الناس مجرد ما يخرج من الباب يكاد يجن. الآن بسبب هذه النعم التي نعيشها من الإضاءة، فالليل والنهار سواء عند الناس، كان الليل ظلام دامس لا يستطيع أن يخرج إلا ومعه من يجرئه على الخروج، فبعض الناس لو خرج في وقت الظلام جن، وذيول هذه المسألة وبحوثها تكثر، بحيث لو أمر الصبي بالخروج إلى صلاة الصبح فجن بسبب ذلك، أو خيف عليه من ذلك، المسألة يعني تحتاج إلى استرسال، فالخوف المتوقع عند بعض الناس لا شك أنه عذر، بعض الناس ما يجرؤ يخرج، لو يجزم أنه ما في شيء ما يجرؤ، فمثل هذا مثل المخوف المجزوم به عند آخرين، بل قد يكون أشد. " ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين" يعني بين وقتي المغرب والعشاء، ثم بعدها صلى المغرب ثم العشاء "رواه مسلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 في بعض الروايات في يوم الأحزاب أكثر من صلاة، صلوات أخرها عن وقتها، وهنا شغلوه عن الصلاة الوسطى، وسيأتي في الحديث الذي يليه حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن عمر جاءه يوم الخندق جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) يعني إلى الآن بعد ما غربت الشمس "فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" هذا موافق للحديث السابق، لكن بعض الروايات تدل على أنه أخر صلوات وليست بصلاة، وكلها في هذه الوقعة، في هذه الغزوة، ولا شك أن هذه الغزوة استمرت أيام، ففي بعض الأيام أخر صلاة واحدة، وفي بعض الأيام أخر أكثر من صلاة. هنا يقول في حديث جابر: أن عمر جاءه يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش؛ لأنهم صاروا سبباً في تأخير الصلاة إلى الوقت وقت الاضطرار بعد أن اصفرت الشمس بالنسبة لعمر، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، يعني إنه إنما صلاها قبيل غروب الشمس "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) " يعني إلى الآن بعد غروب الشمس "قال: فقمنا إلى بطحان" مكان منبسط مملوء بالبطحاء والحصباء "فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" وصلاتهم هذه الصلاة بعد خروج وقتها قضاء وإلا أداء؟ نعم على رأي أو على اصطلاح أهل العلم أن الصلاة التي يؤتى بها بعد خروج وقتها تسمى قضاء، ولو كان التأخير لعذر، فالصائم تقضي الصوم وهي معذورة، بل ممنوعة من الأداء فيسمى قضاء، ففعل العبادة بعد خروج وقتها قضاء. "متفق عليه". "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] رواه مسلم. وفي لفظ: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ((إذا رقد)) يعني نام ((أحدكم)) يعني من الرجال أو من النساء ((عن الصلاة أو غفل عنها)) نسيها حتى خرج وقتها ((فليصلها إذا ذكرها)) وفي رواية: ((لا كفارة لها إلا ذلك)) يعني فلا يلزم من تركها معذوراً حتى خرج وقتها إلا فعلها على هيئتها ((فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])) يعني لذكرك إياي، فإذا ذكرتني ذكرت صلاتك، أو لذكرك إياها، فإنك إذا ذكرتها فقد ذكرتني. ((فليصلها إذا ذكرها)) وهذا أمر، اللام لام الأمر، ((إذا ذكرها)) يعني فوراً، فيجب قضاء الفوائت فوراً، ولا يجوز التأخير بحال ((من نسي الصلاة ثم ذكرها فليصلها إذا ذكرها)) لمجرد الذكر يصليها في أي وقت كان، ولو كان وقت نهي، ولو كان في الوقت المضيق من أوقات النهي؛ لأن النهي لا يتناول الفرائض خلافاً للحنفية، فإن النهي أيضاً يتناول الفرائض على ما سيأتي في حديث نومه -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة. ((فليصلها إذا ذكرها)) يعني على هيئتها ((ولا كفارة لها إلا ذلك)) لا يلزمه أن يكفر لا بمال ولا بصلاة، يعني لا يلزمه أن يصليها مرتين، وهذا يدل على ضعف ما يروى من أنه يصليها إذا ذكرها، ويصليها إذا كان من الغد في وقتها، وضعفه ظاهر. ((فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])) ثم قال: رواه مسلم. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا يثبت" لأنه من رواية حفص بن عمر بن أبي العطاف، وهو ضعيف جداً، منكر الحديث. ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) لكنه يشهد له الحديث السابق، وإذا كان هذا الحديث ضعفه شديد فيبقى ضعيف ولا يرتقي؛ لأن راويه منكر الحديث، ويكتفى بما قبله عنه، قال: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا يثبت؛ لأنه من رواية حفص بن عمر المذكور، وهو منكر الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 قال: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال" عمران بن حصين الصحابي المعروف الذي لما مرض سلمت عليه الملائكة عياناً، وكان يسمع التسليم من الملائكة، ثم اكتوى كما في الصحيح، لما اكتوى -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- انقطع التسليم، فندم على ذلك فعاد التسليم، فهو من جلة الصحابة -رضي الله عنه وأرضاه-. "قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسير له فأدلجنا ليلنا" الإدلاج والادّلاج سير الليل، ويستوي في ذلك أوله وآخره، ومنهم من يقول: الإدلاج سير أول الليل، والإدِّلاج سير آخره. "حتى إذا كان وجه الصبح عرسنا" والتعريس هو النزول آخر الليل للنوم، عرسنا، ومن ذلكم نهى عن التعريس على قارعة الطريق، يعني النوم آخر الليل في قارعة الطريق؛ لأن قارعة الطريق يلقى فيها ما يبقى من أزواد أو مخلفات ممن يطرق هذا الطريق فتكثر الهوام حوله، بحثاً عما يلقى، نهى عن التعريس على قارعة الطريق، وبعض المترجمين ترجم هذا النص بأن التعريس المراد به العرس الذي هو الزواج، فلا يكون على قارعة الطريق، إنما يكون في قصور الأفراح وفي الاستراحات، ما يكون في قارعة الطريق وهذا يؤكد أن المترجم لا بد أن يكون ثقة على علم باللغتين التي يترجم منها ويترجم إليها {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ} [(75) سورة الزمر] قال: غير منتعلين، يعني بعض المترجمين يقع في مضحكات لجهله باللغة التي يترجم منها. "عرسنا فغلبتنا أعيننا" يعني ناموا، ومعلوم أن المسافر إذا كان يسافر طول الليل مع النهار السابق، ثم نزل آخر الليل في وقت مناسب لا حر شديد مقلق، ولا برد شديد مؤذي في الغالب أنه يسترسل، وتغلبه عينه فينام، ويستغرق في نومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 "فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس" بزغت يعني طلعت، حتى بزغت الشمس يعني طلعت، قال: "فكان أول من استيقظ منا أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، وكنا لا نوقظ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- من منامه إذا نام حتى يستيقظ هو بنفسه" ما يوقظونه هيبة له -عليه الصلاة والسلام-، حتى يستيقظ بنفسه "ثم استيقظ عمر" عمر -رضي الله تعالى عنه- عنده من الجرأة، وعنده من القوة بما لا يخالف الشرع، ما أيقظ النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يوقظ "فقام عند نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يكبر، ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأن أبا بكر منعه من ذلك أن هذا نوع من الإيقاظ، هذا نوع من الإيقاظ، وكانوا لا يوقظونه، وعمر -رضي الله تعالى عنه- ما رأى هذا النوع من الإيقاظ، إنما أراد أن يذكر الله -جل وعلا-، ثم إذا إن انتبه النبي -عليه الصلاة والسلام- من تلقاء نفسه فهو مطلوب. "حتى استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال: ((ارتحلوا)) فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة" متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 النبي -عليه الصلاة والسلام- نام في آخر الليل بعد تعب شديد، وقد وكل أمر الإيقاظ إلى بلال، لكن بلالاً نام كذلك، وأخذ بنفسه الذي أخذ بنفس النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قال هو عن نفسه -رضي الله عنه وأرضاه-، فالنبي نام -عليه الصلاة والسلام-، وثبت عنه أنه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، ونومه في هذه السفرة إنما هو من أجل أن يسن ويشرع، كما أنه نسي في الصلاة ليسن، وإلا كيف نعرف أحكام السهو لو لم يقع منه -عليه الصلاة والسلام-؟ كيف يطيب لإنسان بال، ويهنأ له حال إذا نام عن صلاته أعظم أركان الإسلام إلا أن له عزاءً فيما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن بعض الناس إذا فاته شيء من الخير ولو دون الصلاة لو أقل شأن من الصلاة تضيق به الأرض ذرعاً، ويتقطع أساً وحزناً، لكن إذا عرف أن أكمل الخلق وأشرف الخلق نام عن الصلاة صار له في ذلك العزاء، لكن ليس في هذا مستمسك ولا دليل لمن يضيع الصلوات وينام عن الصلوات، بل لا بد من بذل الأسباب، وانتفاء الموانع، ما يسهر الليل فإذا بقي شيء يسير ربع ساعة نصف ساعة نام ثم استغرق في نومه حتى يخرج الوقت لا، لا يجوز له ذلك، إذا نام إذا اضطر إلى النوم في مثل هذه الحالة لأمر شغله عن النوم في أول الليل عليه أن يجعل من يوقظه، إما من آدمي يوكله بذلك، أو آلة تكون سبباً في إيقاظه، فلا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع، ما يقول: والله أشرف الخلق نام عن الصلاة، النائم مرفوع عنه القلم، نقول: نعم النائم مرفوع عنه القلم، لكن أنت بسببك ضيعت الصلاة، فإذا وجدت الأسباب، وانتفت الموانع، ونمت مع ذلك، النائم مرفوع عنه القلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى" النعاس والنوم "عرس" يعني نام في آخر الليل "فذكر حديث النوم عن الصلاة، وفيه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة)) " وفي رواية: ((هذا مكان حضر فيه الشيطان)) فمثل هذا ينبغي أن يتحول الإنسان عن المكان الذي فاتته فيه الصلاة؛ لأنه حضر فيه شيطان، كما في هذا النص، وقد يقال: إن الإخبار عن حضور الشيطان من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي يدري، وأما غيره فلا يدري حضر شيطان أو لم يحضر شيطان، لكن إن تيسر أن ينتقل بأن كان نام في غرفة فليصل في غرفة أخرى إتباعاً لما جاء: ((تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة)) هذا يدل على أنه إذا لم يكن هناك مشقة في الانتقال من المكان أنه هو الأصل. "قال: فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى". ((تحولوا عن مكانكم)) الحنفية قالوا: إن هذا التحول في هذا الحديث وقوله: ((ارتحلوا بنا)) فسار بنا، نعم كلها من أجل أن يخرج وقت النهي، هذا عند الحنفية؛ لأنهم استيقظوا عند بزوغ الشمس. في الروايات الأخرى في بعضها قال: "لم يوقظهم إلا حر الشمس" فهذا دليل على أن وقت النهي قد ارتفع انتهى، فتحولهم عن هذا المكان لا ليخرج وقت النهي، وإنما هو للعلة التي أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي أنه مكان أصابتهم فيه غفلة، وحضر فيه الشيطان. قال: "فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى" أذن فالأذان كما يطلب للإعلام بدخول الوقت يطلب أيضاً لإقامة للصلاة للاجتماع إلى الصلاة، لا سيما إذا كثر الجمع، وكانوا في مكان لم يؤذن فيه، فالحديث يدل على أنه يؤذنون ولو خرج الوقت. "فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى" رواه أبو داود، وقال: ولم يذكر أحد الأذان في حديث الزهري إلا الأوزاعي، وأبان العطار عن معمر" ويكفي في هذا رواية الأوزاعي لثبوته، فالأذان ثابت، إذا استيقظ الإنسان في مكان ما فيه أحد أذن يعني خارج البلد، وهم أكثر من واحد يجتمعون إلى الصلاة فليؤذن لهم أحدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 "وقد ذكر مسلم الحديث من رواية يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وقال فيه: "وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح ولم يذكر الأذان" يعني كونه لم يذكره يونس، وقد ذكره الأوزاعي فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، وثبوت اللفظ في طريق من الطرق وعدم نقله في بعض الطرق لا يعني أنه لم يقع، فالمتجه أنه يؤذن للصلاة الفائتة إذا فعلت في مكان لم يؤذن فيه، لا سيما إذا كانوا جماعة كما هنا، أما الواحد لا يلزمه الأذان، سواءً كان في الوقت أو بعد الوقت. إذا استيقظ النائم وبقي من الوقت ما لا يكفي للطهارة، وفعل الراتبة وفعل الفريضة، استيقظ وبقي على وقت صلاة الصبح ربع ساعة، وعليه غسل إن اغتسل طلعت الشمس، إن تيمم أدرك الصلاة في الوقت، هذا تقدم لنا في كتاب الطهارة، وأن الإمام مالك يعظم من شأن الوقت، والجمهور يعظمون شأن الطهارة، فيتوضأ ويصلي على طهارة كاملة ولو خرج الوقت، ولذا الإمام مالك قدم الوقوت في موطئه على الطهارة، وشيخ الإسلام كلامه قد يشم منه الميل إلى قول مالك -رحمه الله-، والجمهور على أنه يتوضأ ويصلي بطهارة كاملة ولو خرج الوقت، ولا يلام في هذا، هذا بالنسبة للطهارة لأنها شرط. بقي من الوقت ما لا يكفي إلا ركعتين، هل نقول: يصلي الفريضة أو يصلي النافلة قبل الفريضة؟ نعم؟ منهم من يقول: أن يصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) تصلي النافلة ثم الفريضة؛ لأنه صار وقتها، وهو معذور في تأخيرها، ولكن المحافظة على الفريضة أولى من المحافظة على النافلة بلا شك، فيدرك الفريضة في وقتها، ثم يقضي النافلة بعد ذلك هذا هو المتجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 انتبه شخص استيقظ شخص لو افترضنا أن أبا بكر استيقظ قبل طلوع الشمس بخمس دقائق بحيث يمكنه أن يتوضأ ويأتي بركعة قبل طلوع الشمس، هل يلزمه أن يؤدي الصلاة في وقتها ثم يوقظ الآخرين؟ أو يوقظ الآخرين ويصلون جماعة وهذا وقتها؟ يعني من استيقظ قبل طلوع الشمس بحيث يتمكن من أدائها قبل خروج وقتها، لكنه تفوته الجماعة أو ينتظر الجماعة ولو فات الوقت؟ هنا تعارض الشرط مع الواجب، والشرط مقدم على الواجب، وحينئذٍ يصلي في الوقت، ولا ينتظر الجماعة؛ لأن الوقت أهم من الجماعة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني الشرط أهم من الواجب؛ لأن الشرط لا يصح المشروط إلا به، والواجب نعم يأثم بتركه، لكن ليس هذا باختياره، والمسألة مسألة تعارض بين واجب وشرط، فمسألة المفاضلة بين العبادات مسألة مهمة في غاية الأهمية؛ لأن الإنسان أحياناً يضيق عليه الوقت عن فعل أكثر من شيء واحد من أشياء مطلوبة، فكيف يفعل؟ كيف يفاضل بين هذه العبادات؟ والمفاضلة بين العبادات موجودة في رسالة علمية مطولة ومفصلة وجيدة أيضاً بهذا العنوان: "المفاضلة بين العبادات" لأن كثير من الناس قد يصعب عليه التوفيق في مثل هذه الأمور، يعني دخل المسجد الحرام مثلاً وبينه وبين الأمام مفازة إن ذهب إلى الإمام فاته من الصلاة ما فاته، وإن صلى في أول مكان يدخل فيه من المسجد أدرك الصلاة كاملة، وحافظ على صلاته من مرور المارة بين يديه بعد سلام الإمام، وأدرك الصلاة على الجنازة إن كان، هذه مسائل وفضائل تحتاج إلى موازنة، وقد يضيق نظر كثير من طلاب العلم في الموازنة بين هذه العبادات، والرسالة التي أشرت إليها فريدة في بابها وجيدة، يحسن بطالب العلم أن يقتنيها، ويطلع عليها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (2) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما حكم الأذان والإقامة في السفر؟ سيأتي في باب الأذان حكمهما -إن شاء الله تعالى-، ومشروعيتهما ثابتة في السفر كالحضر. يقول: ما الدليل القطعي؟ وما الدليل الظني؟ ذكرنا بالأمس أن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب، ويقولون: إن الفرض ما دل عليه الدليل القطعي، والواجب ما دل عليه الدليل الظني، ويرون أن ما كانت الحجة ثابتة بكتاب الله -جل وعلا- أو بمتواتر السنة فهو قطعي، وما كان بآحاد السنة فهو ظني، هذا كلامهم، وما في الكتاب وصريح السنة المتواترة هو قطعي الثبوت بلا شك، وقد تكون دلالته ظنية؛ لئلا يقال: إن صلاة العيد يستدل الحنفية على وجوبها بقوله -جل وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] والثبوت قطعي، لكن الدلالة على صلاة العيد ظنية، فهم لا يقولون بفرضيتها، وإنما يقولون بوجوبها، ويطردون هذا الاصطلاح ولو خالف اللفظ الشرعي، فتكون الحقيقة الاصطلاحية عندهم مخالفة للحقيقة الشرعية، ففي حديث ابن عمر: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، وهم يقولون: واجبة وليست بفريضة. (أو) في الحديث الأول ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر)) هل هي للشك من الراوي؟ نعم هي للشك يعني هل قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل والشرك ترك الصلاة أو قال: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، هذا المتجه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما قال أحد اللفظين، وتردد الراوي في ذلك، وقلنا: إن (أو) تأتي بمعنى الواو، وربما عاقبت الواو كما في الألفية. يقول: حديث: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) يقول: إن الصلاة المنسية إذا صلت في غير وقتها تصلى أداء ألا يدل حديث .... ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 القاعدة عند أهل العلم أن ما صلي في الوقت أو ما فعل في الوقت فهو الأداء، وما فعل بعد الوقت فهو القضاء، وإذا ارتفع الإثم واللوم فالخلاف لفظي، فالمرأة الحائض تقضي الصوم ويسمى قضاء بعد خروج رمضان وهي معذورة وحيضتها ليست بيدها، فإذا ارتفع الإثم فلا إشكال -إن شاء الله تعالى-. على ما يعود الضمير في قوله: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة))؟ يعني بيننا وبين المكلفين من الرجال والنساء الصلاة، فمن تركها منهم فقد كفر. هل (أل) في قوله: ترك الصلاة للعموم فلا يكفر إلا بتركها جميعاً، وقد قال شيخ الإسلام: ما يزال المسلمون يصلون على من يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟ الصلاة تطلق ويراد بها الواحدة فردة، وتطلق ويراد بها الجميع وإن كانت (أل) في الأصل للجنس، فهي من صيغ العموم، وعمومها ليس في أفرادها، فلو قيل بالعموم الذي تقتضيه (أل) لقلنا: إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة عموم الصلوات بما في ذلك الفرائض والنوافل العامة والخاصة، وهذا لم يقل به أحد، إنما المراد بالصلاة الصلوات الخمس، فالعموم من هذه الحيثية لا يقتضي أن يترك جميع الصلوات، فلو ترك صلاة واحدة وليس في نيته قضاؤها ومات على ذلك دخل في الحديث ترك الصلاة، وقلنا: إن ترك اسم الفاعل منه تارك، واسم الفاعل بهذه الصيغة يطلق على من ترك مرة واحدة بخلاف صيغ المبالغة، حينما يقال: تراك أو تروك. يقول: هل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليلة التي نام فيها حتى طلعت الشمس نام عن صلاة الوتر أيضاً؟ هذا مسكوت عنه، لم يذكر في الروايات. يقول: هل علي شيء إذا سمعت الأذان وأنا نائم ثم تكاسلت؟ وأنا نائم يعني في مكان النوم، يعني لم يقم من مكانه وإلا لو كان نائم ما سمع الأذان؟ ثم تكاسلت ونمت وصليتها بعد ما استيقظت من النوم بعد خروج وقتها، فهل علي شيء؟ نعم إذا سمعت الأذان يلزمك الإجابة، فإذا نمت فأنت آثم، قد يجلس الإنسان بعد سماع الأذان في فراشه يتمطى ويتثاءب ويتكاسل، لكنه يهب للصلاة في وقتها مع الجماعة، فمثل هذا ترك الأفضل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 يقول: حدثني رجل أنه حينما يذهب لصلاة الفجر فإذا وصل إلى باب الدار يتوهم ويخاف خوفاً شديداً، وقد عاشرته ورأيت خوفه حتى أنه لا يسمح بإغلاق الإضاءة عند النوم، فما حكم تركه لصلاة الفجر جماعة؟ على كل حال إذا غلب على ظنه أنه يصاب في عقله بسبب هذا الخوف الشديد، والهلع الشديد ولم يجد من يؤنسه في الطريق، فمثل هذا يعفى عنه ويعذر، لكن مع ذلك عليه أن يسعى لإزالة هذا الخوف؛ لأنه لا يسلم من خلل في اليقين والتوكل. يقول: هل يجوز لي أن أجمع بين صلاتين جمع تقديم مثلاً المغرب والعشاء إذا خشيت أن أنام ويفتوني وقت صلاة العشاء لشدة التعب والنوم، وأنا غير مسافر مقيم في بلدي؟ لا يجوز لك الجمع ما دمت مقيماً معافى في بلدك، وإنما تصلي المغرب وتنشغل بعض الوقت حتى يدخل وقت العشاء، ثم تصليها مع الجماعة، ثم تنام، وبإمكانك أن تفعل هذا إن عجزت فلك أن تنام وتكل الإيقاظ لأحد يوقظك، أما الجمع من غير خوف ولا مطر ولا سفر مثل هذا معروف حكمه عند أهل العلم، الصلاة كتاب مفروض، مفروض محدد في أوقاتها. يقول: ما رأيكم في كتاب "كفاية المستقنع لأدلة المقنع" للمرداوي؟ هو حكمه حكم كتب أحاديث الأحكام، وهو نافع. يقول: هل هناك فرق بين من يقول: العمل شرط لصحة الإيمان، ومن يقول: جنس العمل شرط لصحة الإيمان، ومن يقول: الأعمال جزء من الإيمان؟ أهل السنة يرون أن العمل أمر لا بد منه، وهو البرهان الفعلي على صحة ما في القلب، فهو شرط للصحة، لكن المراد جنسه، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فإذا لم يعمل قط مثل هذا لا برهان على صدق دعواه، من عمل برهن على صدق دعواه على ما في قلبه من إيمان، ولكن ليس جميع الأعمال شرطاً في صحة الإيمان، والفرق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة أن جميع الأعمال بالنسبة للمعتزلة التي يفسق بتركها شرط لصحة الإيمان، فعندهم الذي يترك الواجب أو يرتكب المحرم من الكبائر هذا ليس بمؤمن، وعند أهل السنة مؤمن بإيمانه، فاسق بما ارتكب من ترك لواجب أو فعل محظور، هذا الفرق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 ابن حجر في فتح الباري قرر أن قول المعتزلة أن الأعمال شرط لصحة الإيمان، وأهل السنة يقولون: العمل شرط كمال بالنسبة للإيمان، هنا شرط صحة، وهناك شرط كمال، والصواب أنه شرط صحة؛ لأن الكمال ينافي الاشتراط، لفظ الكمال ينافي الاشتراط، فالكلام فيه تنافر لفظي ومعنوي، والشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: إن من قال: إن العمل شرط كمال فهو مرجئ؛ لأن الكمال ليس بواجب فضلاً عن أن يكون شرطاً، تنافر لفظي ومعنوي حينما نقول: شرط كمال؛ لأن الشرط يترتب عليه على تركه عدم المشروط، والكمال لا يترتب عليه ولا التأثيم؛ لأن المصالح إما أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية كمالية، فالشروط والأركان من القسم الأول؛ لأنه يترتب عليها انتفاء المشروط، والواجبات من القسم الثاني، والمستحبات من القسم الثالث، فعلى هذا إذا قلنا: كمال صار من قبيل المستحبات، لا من قبيل الواجبات، فضلاً عن أن يكون من قبيل الضروريات. الذين قالوا بأنه شرط، وقالوا كمال أيضاً قالوا: إطباق سلف هذه الأمة على إدخال العمل في مسمى الإيمان ينبغي أن يكون شرطاً، وللتفريق بين قول أهل السنة وقول المعتزلة قالوا: كمال وليس بشرط صحة؛ لأنه يفهم من كونه شرط صحة أنه يخرج بجزء من أجزائه من الإيمان، يعني لو ترك أي عمل واجب يفسق بتركه، أو ارتكب محظور يفسق بفعله، يكون انتهى، خرج من الإيمان على قول المعتزلة، فاللتفريق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة قالوا: إن المعتزلة يقولون: شرط صحة، وأهل السنة يقولون: شرط كمال، وهذا ما قرره ابن حجر في فتح الباري. الصواب أنه شرط صحة، لكن الفرق بين قول أهل السنة وبين قول المعتزلة أنهم يرون أن جميع الأعمال شرط صحة أعني المعتزلة، وبينما أهل السنة يرون جنس العمل يعني الذي لا يعمل شيئاً ألبتة هذا ليس عنده دليل وبرهان على ما وقر في قلبه من إيمان، كما أنه لا يحكم بإيمانه ما لم يتلفظ، وعرفنا بالأمس في حديث في الحديث الأول ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) دليل على أن ترك الصلاة شرك، فهو داخل في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] التي يستدل بها من يقول بعدم كفر تارك الصلاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 ألا يستدل من قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] تأخير صلاة الخوف إلى بعد خروج الوقت إذا استيقن الأمن بعد الوقت؟ يستدل بالآية على عدم التأخير؛ لأنها فرضت في أوقاتها، فيستدل بالآية على عدم التأخير. يقول: لماذا أقسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعمر بقوله: ((والله ما صليتها))؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أقسم في مناسبات كثيرة، وحلف من غير استحلاف، والحلف مشروع على الصدق في الأمور المهمة، لكنه إذا كانت الأمور غير مهمة فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، أما إذا كانت الأمور شرعية ومهمة يقسم عليها ولا إشكال. هل يؤخذ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ارتحلوا)) جواز تأخير الصلاة الفائتة؟ نعم إذا علمنا أن المكان حضر فيه الشيطان، إذا علمنا ومن أين لنا أن نعلم؟ هل يجوز للشخص إعطاء ابن أخيه من زكاة ماله؟ نعم يجوز له أن يعطي ابن أخيه من زكاة ماله؛ لأن نفقته ليست واجبة عليه. يقوم بعض الأشخاص يذبح ذبائح بنية الصدقة، ثم يوزعونها على أصدقائهم المقتدرين مالياً، فهل هذا الفعل صحيح؟ إن ذبحوها بنية يعني من غير نذر، ومن غير إلزام، ومن غير وجوب، لهم أن يتصرفوا فيها، وتكون من باب الهدية لا من باب الصدقة؛ لأن الصدقة إنما هي للفقراء والمساكين. وهل للمقتدر مالياً الأخذ منها؟ إن كانت من الصدقة فليتنزه عنها؛ لأنه أوساخ الناس، وإن كانت هدية فليقبلها. يقول: قلتم: هل في قلب تارك الصلاة مثقال ذرة من إيمان، لم أفهم الإجابة حتى يزول الإشكال بين الآية والحديث؟ أقول: ما دام أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قرر أن تارك الصلاة مشرك؛ لأنه أزال الحاجز بينه وبين الشرك دخل في الآية، والشرك والإيمان لا يجتمعان، أعني الشرك الأكبر أما بالنسبة للشرك الأصغر فمعروف أنه لا يخرج صاحبه من الإيمان. من ترك صلاة واحدة هل يعتبر كافراً؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 يعني تركها لا بنية قضائها، فهو بذلك عند جمع من أهل العلم ونقل عليه الإجماع ابن حزم أنه كفر، وعلى هذا لا يلزم بالقضاء؛ لأن قضاؤها إياها لا يفيده، وبعضهم يظن أن عدم أمره بالقضاء تخفيف عليه، لا، لا، هو تشديد عليه، كما أن اليمين الغموس ليس لها كفارة، لا يكفر من حلف يمين غموس، أو قتل قتل عمد، ليس لها كفارة، وليس هذا من باب التخفيف عليه، وإنما هو من باب التشديد عليه. هل يجوز لمن يجد بعض الأوجاع ويشك أنها سحر أن يفكه بسحر؟ ولو تحقق أنه مسحور لا يجوز له أن يفك السحر بالسحر؛ لأنه معين على الشرك، وقد يباشر الشرك بنفسه، والشرك لا يعفى عنه، فالضرورة لا تبيح مثل هذا الشرك، إنما ينشر بالأدعية والرقى الشرعية. ذكرت أن العمل شرط صحة، والعلماء يقولون: كلمة شرط صحة خطأ لا يجوز؛ لأن الشرط يسبق المشروط، بل هو من حقيقة ماهيته ... إلى آخره. على كل حال العلماء كلهم تواطئوا حتى شيخ الإسلام وغيره يقولون: شرط، وهم يتساهلون في دقة العبارة، وإلا ما كان داخل الماهية عند أهل العلم ويؤثر في صحتها يسمونه ركن، وما كان خارج الماهية يسمونه شرط، كشروط الصلاة وأركانها، وإذا قلنا: شرط أو ركن فالأمر لا يختلف. يقول: هل قاعدة الخوف مطردة في جميع الأعمال مثل الدعوة إلى الله والجهاد والإغاثة للمسلمين حين النكبات وغير ذلك، وترك هذه الأعمال بحجة الخوف أم لا؟ على كل حال عندنا عزائم، وعندنا رخص، فارتكاب المأمورات مع ما يهدد الإنسان من خوف أو خطر هذا هو العزيمة، والترخص بالترك إذا خشي على نفسه هذه رخصة شرعية، وارتكاب العزائم لمن يتحمل النتائج أفضل عند أهل العلم، وارتكاب العزائم أفضل، لكن الذي لا يتحمل الآثار، بل قد يحصل له أعظم من الترك فيما لو فعل وعرض نفسه لفتنة أو بلية أو امتحان مثل هذا يترخص. هل دم الاستحاضة ظاهر أو نجس؟ هو نجس بلا إشكال. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره: باب: مواقيت الصلاة عن عبد الله بن عمر أن نبي الله -صلى الله .... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 ابن عمرو، عن عبد الله بن عمرو، ما في واو عندك؟ عن عبد الله بن عمرو أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان)). وفي لفظ: ((وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق)) رواه مسلم. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" متفق عليه. وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه والنسائي وأبو حاتم وابن حبان، ورواه الطحاوي ولفظه: ((أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: أعظم لأجوركم)). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)) متفق عليه. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" وفي رواية: "إلى قباء" متفق عليه. وفي رواية البخاري: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه. وعن رافع بن خديج قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" متفق عليه. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)) وفي رواية: "لولا أن يشق" رواه مسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وعن سيار بن سلامة، قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: "كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة". وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس مرتفعة، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس" متفق عليه. يكفي، بركة، حسبك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: مواقيت الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 المواقيت جمع ميقات وهو الوقت المحدد لهذه الصلوات المفروضة، وجاء في ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] يعني مفروضاً في الأوقات التي جاءت مجملة في القرآن، مبينة مفصلة في السنة، جاء إجمالها في القرآن، وجاء تفصيلها بالسنة، فأول ما جاء التفصيل والتبيين في السنة في حديث جبريل حينما أم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الصلاة في يومين أمه في اليوم الأول في أوائل الأوقات، وفي اليوم الثاني أمه في أواخرها، وجاء أيضاً بيانها في حديث من جاء يسأل عن أوقات الصلاة، فقال له: أقم، فصلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يومين، صلى في اليوم الأول في أوائل الأوقات، وفي اليوم الثاني في أواخرها، وقال: الوقت ما بين هذين، وجاء أيضاً تفصليها في حديث عبد الله بن عمرو المذكور في صدر الباب وغيره مما ذكره المؤلف، وكان على المؤلف أن يذكر حديث إمامة جبريل؛ لأنه أول أحاديث المواقيت، نعم فيه مخالفة ومعارضة لبعض ما جاء في أحاديث الباب، لكن لا يعني أن ذكر الخبر أنه يلزم منه أن يرجح جميع ما فيه؛ لأن حديث إمامة جبريل متقدم، وننظر ما بينه وبين حديث عبد الله بن عمرو من اتفاق أو اختلاف. في الحديث الأول يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر)) " يعني وقت صلاة الظهر ((إذا زالت الشمس)) زالت يعني مالت، زالت الشمس يعني مالت إلى جهة المغرب، وصار لها ظل يعني قدر زائد على فيء الزوال، إذا زالت الشمس، زالت وهو وقت الدلوك المذكور في قول الله -جل وعلا-: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] يعني زوالها، والزمخشري في الأساس، أساس البلاغة قال: إن وقت الزوال يسمى دلوك؛ لأن الشمس في وقته قوية جداً، إذا نظر إليها الناظر تؤمله عينه، فيحتاج إلى دلكها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 ((وقت الظهر إذا زالت الشمس)) هذه بدايته ((وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر)) يعني أوله إذا زالت الشمس، ونهايته إذا كان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر وقت العصر، ظل الرجل إلى جهة المشرق بعد زوال الشمس إن كان بقدر طوله طول الشاخص، سواءً كان رجل أو جدار أو عصى أو ما أشبه ذلك يعني مما له ظل، فقد انتهى وقت صلاة الظهر، ما لم يحضر وقت العصر، هذه بدايته وهذه نهايته، وفي قوله: ((ما لم يحضر وقت العصر)) دليل على أنه لا اشتراك بين وقتي صلاة الظهر والعصر، ما في اشتراك، يعني ينتهي وقت الظهر قبل دخول وقت صلاة العصر، يعني من غير فاصل، وفي حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله، فذهب من ذهب من المالكية إلى أن هناك وقت مشترك يصلح أن يكون لصلاة الظهر أداءً، ويصلح أن يكون للعصر أداءً، يعني بقدر أربع ركعات، هذا مشترك، تصلى فيه الظهر أداء، وتصلى فيه العصر أداء، ويدل عليه حديث إمامة جبريل -عليه السلام-؛ لأن مفهومه أنه صلى به العصر في اليوم الأول، والظهر في اليوم الثاني في وقت واحد حينما صار ظل الشيء كطوله، وهنا في حديث عبد الله بن عمرو وهو حديث مفصل مبين مفسر، يقول: ((ما لم يحضر العصر)) فدل على أنه لا اشتراك، فإما أن يقال: حديث عبد الله بن عمرو أصح؛ لأنه في مسلم، وحديث إمامة جبريل ليس في واحد من الصحيحين، فيرجح حديث عبد الله بن عمرو أو يقال: على سبيل الجمع أنه صلى به الظهر، يعني فرغ من صلاة الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء كطوله، فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، وشرع في صلاة العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء كطوله فلا اشتراك، وهذا أفضل، الجمع أولى من الترجيح ((وصار ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)) يعني أول الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله ((ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)) يعني من مصير ظل الشيء كطوله إلى أن تصفر الشمس، هذا ما عليه الجمهور أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 الشيء كطوله، ويبدأ بعد ذلك مباشرة وقت العصر. الحنفية يقولون: إن وقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، من مصير الشيء مثليه، ومنهم من يقول: أن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه فيدخل وقت العصر، ومنهم من يقول: إنه ينتهي عند مصير ظل الشيء مثله، ويكون الوقت ما بين المثل والمثلين ليس بوقت لا للظهر ولا للعصر، والعصر يبدأ على القولين من مصير ظل الشيء مثليه، هم يؤخرون العصر من أجل هذا، ويستمر الوقت إلى اصفرار الشمس، وهذا وقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فيستمر إلى غروب الشمس، وهو أداء إلى غروبها، أداء ما لم تغرب الشمس فهو أداء، لكن التأخير إلى وقت الاصفرار لا شك أنه فيه ما فيه، وقد أثم بعض العلماء من يؤخر إلى وقت الاصفرار من غير حاجة ولا ضرورة، وجاء في الحديث: ((من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وجاء أيضاً ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن وقت صلاة العصر ينتهي بغروب الشمس، وهنا ((ما لم تصفر الشمس)) هو محمول على وقت الاضطرار. ما الذي حمل الحنفية أن يقولون: إن وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثليه؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 أولاً: من لفظ العصر فقد ذكر محمد بن الحسن في موطئه أن العصر إنما سميت عصر لأنها تعتصر، ويضيق عليها الوقت، وإذا قلنا: إنها من مصير ظل الشيء مثله صار وقتها طويلاً، وأيضاً حديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من العصر إلى غروب الشمس -إلى آخر النهار- بدينارين)) فاليهود مثلهم من عمل إلى نصف النهار، والنصارى مثلهم مثل من عمل في وقت الظهر، والمسلمون مثلهم مثل من عمل من وقت العصر إلى غروب الشمس، فاحتج اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، يعني اليهود من خلال هذا الحديث حجتهم ظاهرة؛ لأن الوقت من أول النهار إلى زوال الشمس أطول من وقت العصر بلا إشكال، لكن النصارى حينما احتجوا وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، دل على أن وقت صلاة الظهر ينبغي أن يكون أطول من وقت صلاة العصر، واستدلوا بهذا الخبر المجمل، وتركوا المفصلات، علماً بأن الخبر المجمل لا دليل فيه من وجهين: الأول: أن من أهل العلم من قال: إنهم احتجوا مجتمعين، فوقت اليهود مع وقت النصارى أطول من وقت المسلمين، هم احتجوا مجتمعين صحيح وإلا ما هو صحيح؟ هذه الإجابة واضحة وإلا ما هي واضحة؟ واضحة. الأمر الثاني: أنه لو كان الاحتجاج على جهة الانفراد احتجاج اليهود لا إشكال فيه، احتجاج النصارى لو نظرنا إلى وقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله، ووقت العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس صار وقت الظهر أطول في كل زمان ومكان، أطول، وبرهان ذلك الواقع، يعني لو نظرنا إلى وقت دخول وقت الظهر الآن يدخل وقت الظهر من اثني عشر وكم؟ وخمسة وعشرين، نعم، اثنا عشر وثمانية وعشرين إلى ثلاث وأربعة وأربعين، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق، من اثنا عشر ونصف إلى أربع إلا ربع كم؟ ثلاث ساعات وربع، هذا وقت الظهر، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق كم؟ ثلاث وأربعة وأربعين يدخل وقت صلاة العصر، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه إلى سبع؟ طالب: ثلاث ساعات و .... ثلث. طالب:. . . . . . . . . إلى ثلث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 طالب:. . . . . . . . . كم قلنا هناك؟ من ثمان وعشرين وإلا خمس وعشرين؟ طالب:. . . . . . . . . طيب إلى أربعة وأربعين؟ طالب:. . . . . . . . . ثلاثين. طالب:. . . . . . . . . ويش لون صار؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . إيه على هذا الحساب أطول، صار أطول بثلاث دقائق. طالب:. . . . . . . . . لا لا هو مجرب ومختبر من خلال التقويم أنه أطول باستمرار، يعني في كل مكان وفي كل زمان، لكن كيف طلع؟ وهم يقولون: نحن أكثر عملاً، فينبغي أن يكون الظهر أطول من العصر، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، ما هو بعيد أن يكون فيه شيء من التقدم أو التأخر، لكن مع ذلك هو مجرب ومختبر، وأهل العلم أيضاً قالوا ذلك، نصوا عليه، نصوا على أنه في كل زمان ومكان الظهر أطول، وبينهما ما يقرب من ثلث ساعة، لكن يعاد النظر في مثل هذا. المقصود أن هذا الحديث المجمل كيف يعدل عن الأحاديث الصريحة المبينة المفسرة إلى مثل هذا؟ حتى هذا لو قدرنا أن العصر فيه أطول، أو هما متساويان لا يتم الاستدلال به مع وجود النصوص الصحيحة الصريحة المبينة المفسرة، ما زلت أنا ما أنا مقتنع من هذا التقويم؛ لأننا جربناه مراراً، التقويم اختبرناه في فصول السنة كلها. على كل حال عندنا النصوص صحيحة وصريحة ومفسرة ومبينة في بيان وقت العصر. ((ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق)) يعني من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، والمراد بالشفق هو الشفق الأحمر، والدليل على ذلك اللغة، فقالوا: ثوب أحمر كالشفق، وقال ابن عمر وهو من أهل اللسان: الشفق الحمرة، فمن يقول: إن الشفق هو البياض الذي يعقب الحمرة عنده أن الوقت يستمر أحياناً إلى منتصف الليل، يعني عندما تكون السماء صحو وليس فيه قمر، يعني في آخر الشهر، والسماء صحو يمتد الشفق الأبيض إلى منتصف الليل الذي هو نهاية وقت صلاة العشاء، فلا يكون للمغرب وقت محدد، فالمرجح أن المراد بالشفق هو الأحمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وقت صلاة المغرب يمتد مقدار ساعة ونصف، يعني أطول ما يكون ساعة ونصف في ليالي الشتاء، وفي ليالي الصيف عند قصر الليل يكون ساعة وثلث هذه المدة وقت أداء لصلاة المغرب عند الجمهور، ويرى الشافعية أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد مضيق جداً بقدر فعلها وما يطلب لها من طهارة وستارة ونحو ذلك، يعني بمقدار ربع ساعة لا يزيد على ذلك، لا يزيد على ربع ساعة، بدليل أن جبريل -عليه السلام- صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- المغرب في اليوم الأول حين وجبت الشمس، وصلى به المغرب في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه المغرب في اليوم الأول، فدل على أن وقتها واحد، ليست له بداية ونهاية كغيره من الأوقات، وإنما وقت واحد يبدأ من غروب الشمس، ويستمر بما يكفي لأدائها، مع ما يشترط لها هذا قول الشافعية، والجمهور يستدلون بهذا الحديث، وما جاء في معناه، وقلنا: إن هذا الحديث أرجح من حديث إمامة جبريل؛ لأنه في الصحيح، وهو أيضاً متأخر عنه. ((ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط)) يعني من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل الأوسط، هذا وقت صلاة العشاء، ينتهي بنصف الليل، ووصف النصف بكونه أوسط لوقوع المنتصف هذا في وسط الليل لا لأن الليل ينقسم إلى طرفين ووسط؛ لأن الأوسط -كما قلنا في الوسطى- إنما يكون في الأعداد الفردية فالثلاثة لها طرفان ووسط وأوسط، الخمسة فيها أطراف وفيها وسط، لكن الاثنين؟ نصف أول ونصف ثاني؟ هل في نصف أوسط إلا أن نهاية النصف الأول يقع في وسط الليل، فقيل له: أوسط، يعني أوسط الليل، فوقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وفي حديث إمامة جبريل أنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة العشاء عندما غاب .. ، بعدما غاب الشفق في اليوم الأول وفي اليوم الثاني في ثلث الليل، بعد مضي ثلث الليل، ويقال في هذا ما قيل في سابقه أن حديث عبد الله بن عمرو أرجح، وحديث إمامة جبريل أيضاً متقدم، فالصواب أن وقت العشاء ينتهي بمضي نصف الليل؛ لأن هذا الحديث واضح ومبين ومفسر وليس بمجمل ولا يخفى معناه، وحديث: ((ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من يؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى)) يدل على أن وقت العشاء يستمر إلى طلوع الفجر، لكنه حديث عام خُص بهذا الحديث، حديث عام خصصه هذا الحديث، وعمومه ليس بمحفوظ بدليل أن صلاة الفجر ينتهي وقتها على ما سيأتي بطلوع الشمس، ولا يستمر إلى وقت صلاة الظهر، فدل على أن هناك وقت لا يصلح لشيء من الصلوات أداءً من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، ومن طلوع الفجر إلى منتصف النهار. ((ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)) يعني من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، طلوع الفجر والمراد به الفجر الصادق؛ لأن هناك فجر كاذب معترض، وهناك الفجر الصادق، الفجر الكاذب المستطيل الذي شبهوه بذنب السرحان، أما بالنسبة للفجر الصادق الذي ينفجر في السماء معترضاً، من هذا الوقت يبدأ وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس انتهى وقت صلاة الفجر. وجاء في الحديث الصحيح: ((من أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) على ما سيأتي، يأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-. ((ما لم تطلع الشمس)) فوقتها يمتد من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومقداره في الغالب بمقدار وقت صلاة المغرب، يعني في الوقت المعتدل يكون وقت صلاة المغرب بمقدار صلاة الفجر، يعني ساعة وقريب من النصف، أما إذا زاد الليل، زاد وقت صلاة المغرب قليلاً على وقت صلاة الفجر وإذا زاد النهار زاد وقت صلاة الصبح على وقت صلاة المغرب قليلاً، والزيادة والنقص تتراوح بين خمس إلى عشر دقائق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 ((فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة)) لأنه وقت نهي ومضيق أيضاً، وقت نهي ووقت نهي مغلظ مضيق لا ينبغي أن يفعل فيه شيء من الصلوات غير الفرائض؛ لأن الفرائض غير داخلة في النهي على ما سيأتي ((فإنها تطلع بين قرني شيطان)) وإذا طلعت الشمس سجد لها من يعبدها، فنهينا عن الصلاة في هذا الوقت؛ لئلا نشابه عباد الشمس. "وفي لفظ: ((وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس)) " يعني من مغيب الشمس ((ما لم يسقط الشفق)) وهذا الحديث في صحيح مسلم. ثم قال -رحمه الله تعالى-: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" فالنساء كن يشهدن الجماعة، ويسمعن الخير، ويسمعن الحديث، ويصلين خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء النهي عن منعهن عن شهود الجماعة ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) فجاء النهي عن منعهن، لكن على المرأة إذا أرادت أن تصلي مع الرجال مع الناس في المسجد فعليها أن لا تصير مثار فتنة، فعليها أن تخرج تفلة، كما كان نساء الصحابة يخرجن تفلات لا يعرفن، وكأنهن الغربان، ومع ذلك يخرج بعض النساء إلى الصلاة في المساجد في أبهى حلة وزينة مع الطيب الذي يلفت الأنظار -نسأل الله العافية- فهذه مأزورة غير مأجورة آثمة بلا شك، وإذا خرجت المرأة متطيبة فهي زانية -نسأل الله السلامة والعافية-، ونرى مظاهر التبرج كاسيات عاريات في أقدس البقاع في المطاف، فعلى النساء وعلى أولياء أمور النساء أن يتقوا الله -جل وعلا- في مولياتهم، وإذا كانت المرأة بهذه المكانة من السفه فعلى وليها أن يأطرها، وأن يأخذ على يدها، وتجد الخلل يعني في التصور أن يؤتى إلى مثل هذه الأماكن بالتبرج وإظهار الزينة والتكسر والتثني ومزاحمة الرجال والتعطر، والحضور مع سائق أجنبي، يعني ظلمات بعضها فوق بعض، وبيتها خير لها، يعني لو جاءت على صفة مجيء نساء المؤمنات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بيتها خير لها، وتصر إلا أن تأتي بهذه الصورة، فمثل هذه التي تأتي بهذه الكيفية لا بد من أطرها على الحق، إما أن تأتي بشكل غير مثير، لا تكون فتنة للرجال تفتن أو يفتن بها، وكم حصل من قضايا بسبب خروج النساء على هذه الكيفية حتى إلى صلاة التهجد، واستدرجت حتى أنها وقعت في حبائل الشياطين، وهي السبب في ذلك، ولا تبرأ من عهدة من استدرجها، بل هي السبب الأول، والمرأة في هذا الباب أدخل وأوغل من الرجال، ولذلكم في باب الزنا -نسأل الله السلامة والعافية- قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ} [(2) سورة النور] فقدمت المرأة؛ لأنها هي التي تثير الرجل، وإثارة الرجل للمرأة أقل بكثير من إثارة المرأة للرجل، بينما في باب الأموال يقدم الرجال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [(38) سورة المائدة] فتنتبه النساء، وعليهن أن يتقين الله -جل وعلا-، وعلى الرجال أن يكونوا من النباهة والحيطة والحذر، يعني ولا يقتضي هذا أن يكون الإنسان شكاك في زوجته وفي بناته لا، هذا غير مطلوب، لكن من غيرته على نسائه أن يحفظهن، وأن لا يخرجن إلا بصحبته، ووجد بعض القضايا التي يندى لها الجبين في أقدس بقعة على وجه الأرض، ونشاهد ويشاهد غيرنا من تصرفات بعض النساء شيء لا يليق بالمسلمة -نسأل الله العافية-. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" متلفعات يعني متلفلفات متجللات بأكسيتهن، والأكسية كانت من الخشونة بحيث تمنع ظهور تفاصيل الجسم، تمنعه حتى مع وجود الريح والهواء الشديد، وكانت العباءات الموجودة قبل ثلاثين سنة وأربعين سنة كالخيام، يعني مع وجود الريح ما يبين شيء ألبتة؛ لأنها سميكة، الآن لا يخفى شيء مما تحت هذه العباءات بالنسبة لكثير من النساء، ففرق بين التلفع في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعلى مر العصور إلى وقت قريب إلى أن فتحت الدنيا على الناس، وصاروا ينظرون إليها، ويتباهون بها، ويقلد بعضهم بعضاً، إلى وقت قريب إلى ثلاثين سنة وأربعين سنة شيء مدرك كانت العباءات من المتانة والسماكة والخشونة بحيث لا يرى ما تحتها ولا التفاصيل، لا يرى إلا بالنسبة لطول القامة حتى الحجم ما يبين، يعني ما يعرف أن هذه المرأة سمينة أو نحيفة، لا، مثل الخيمة، والآن انظر ترى شيء مقلق، حتى أن كثير من الصالحين ينظر في مصالحه وخسائره، يعني بالحسابات الدقيقة، ينظر هل يأتي إلى هذه الأماكن أو لا يأتي؟ يعني هل يرجع بأجر أو يرجع بإثم؟ ما صارت الآن النساء في مكان معزول، تزاحم الرجال في الأبواب، وقد تصلي في الطريق، وإذا سجدت تبان أمور شيء ما يمكن التحدث به، نعم على الرجال أن يغضوا الأبصار، لكن أيضاً على النساء ألا تكون مثار فتنة، يعني إذا خرجت بهذه الصفة لا شك أنها آثمة متبرجة، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا رأيتموهن فالعنوهن، فإنهن ملعونات)) كيف تدعي أنها جاءت تطلب الأجر من الله -جل وعلا-، ولو كانت على الصفة المذكورة في الحديث بيتها خير لها، ويصر كثير من النساء إلا أن تصلي مع المسلمين، نعم بعض النساء إذا صلت وحدها ما تضبط صلاتها، وتتأثر بقراءة الإمام، وتصلي على الجنائز، هذه مبررات يعني مقبولة، لكن عليها أن تتقي الله -جل وعلا- في نفسها، وفي غيرها من المسلمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 "متلفعات بمروطهن" ونرى الآن الأمر يزداد، يزداد سواءً حتى أن كثير من النساء الآن صارت تجلس في أماكن الرجال، ومرور النساء بين يدي الرجال حدث ولا حرج، وكأنه شيء مرتب ومقصود، وكل هذا من خطوات الشيطان، والشيطان يريد إفساد هذه العبادة التي هي أعظم العبادات على المسلمين، والله المستعان، وهن حبائل الشيطان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء، والمرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان. "ثم ينقلبن" يشهدن مع النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الفجر "ثم ينقلبن" يعني يرجعن "إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" يعني ما زال الظلام مختلط بضوء الصبح، فهذا الغلس هو اختلاط الظلام بنور الصبح فلا يعرفن، وهذا دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يبادر بصلاة الصبح، يبادر بها في أول وقتها، فإذا انصرف الناس ما يعرف بعضهم بعضاً، والنساء لا يعرفن، لا يعرفهن أحد من الغلس، يعني لا محارم ولا غير المحارم، ما يعرفهن أحد، حتى الرجل ما يعرف زوجته من الغلس، فهذا فيه دليل على أن السنة المبادرة بصلاة الصبح، لكن ينبغي أن يجب التحقق من طلوع الصبح على ما سيأتي في الحديث الذي يليه. يخرجن ويشهدن صلاة الفجر، وقد يشهدن صلاة العشاء وصلاة المغرب أكثر من شهودهن لصلاة الظهر والعصر؛ لأن الظلام لا يمكن الرجال من تحقيق النظر فيهن، فهن يخرجن في هذه الأوقات لوجود الظلام، قد يقول قائل: إن الفتنة والخطر على النساء في خروجهن في النهار أسهل من خروجهن بالليل، نقول: إذا وجدت الفتنة أو ظنت الفتنة لا يجوز حينئذٍ أن يخرجن لا بليل ولا نهار، لكن إذا أمنت الفتنة فخروجهن في الليل أستر لهن. "متفق عليه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 "وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه -يعني الترمذي والنسائي وأبو حاتم وابن حبان-، ورواه الطحاوي، ولفظه: ((أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: لأجوركم)) " هذا لا ينافي الحديث السابق؛ لأن المراد به الإسفار والإصباح ((أصبحوا)) متى يقال: أصبح وأسفر؟ إذا دخل في الصباح وإذا دخل في الإسفار، ليس معنى هذا أنه يسفر جداً، لا، إذا تأكد من طلوع الصبح ودخل في الصلاة في أول وقت دخول وقت الصبح يقال له: أصبح، يعني دخل في هذا الوقت، يقال: أصبح وأمسى، إذا دخل في وقت الصباح أو دخل في وقت المساء، كما أنه جاء في خطبته -عليه الصلاة والسلام- أنه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، يعني أتاكم العدو في وقت الصباح أو أتاكم العدو في وقت المساء، فقوله: ((أصبحوا)) يعني صلوا الصبح في وقتها، إذا دخل وقتها صلوها ((فإنه أعظم لأجوركم أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، وصححه أيضاً والنسائي وأبو حاتم وابن حبان، ورواه الطحاوي ولفظه: ((أسفروا بالفجر، فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: لأجوركم)). والحديث له طرق يدل على أن له أصلاً، وأقل أحواله أنه حسن، لكن المراد به التحقق من طلوع الصبح؛ لئلا يسمع أحد الحديث السابق فتحمله شدة المبادرة أن يصلي الصلاة قبل طلوع الصبح، تحمله الأحاديث الواردة في مبادرته -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي صلاة الصبح قبل دخول وقتها، فقيل لهم: أسفروا وأصبحوا، يعني لا بد من التحقق من طلوع الفجر، من طلوع الصبح، وعلى كل حال الحديث هذا معناه عند جمهور أهل العلم، وإن حمله الحنفية على أن المستحب في صلاة الصبح تأخيرها حتى يسفر جداً؛ لهذا الحديث، ومعنا من الحديث ما هو أصح منه وأقوى مما يدل على أن المبادرة بها أفضل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 ثم قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا)) " عندنا صلاة الصبح السنة المبادرة بها، وصلاة الظهر أيضاً السنة المبادرة بها، لكن ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) يعني من حرها ((واشتكت النار إلى ربها)) وقالت: إنه أكل بعضها بعضاً، فقالت: ((أي رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها -جل وعلا- بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر)) يعني نفس الصيف ((وأشد ما تجدون من الزمهرير)) وهو نفس الشتاء. إذا وجدنا شدة الحرارة في الصيف فهو من فيح جهنم، من نفس الصيف، وإذا وجدنا شدة البرد في الشتاء فهو من نفس النار -نسأل الله السلامة والعافية-، فإنه من زمهريرها، فإذا وجدت شدة الحر المقلقة التي تمنع من حضور القلب في الصلاة، أو تؤذي المصلين في خروجهم لها في شدة الهاجرة في شدة الحر، فإنه حينئذٍ السنة أن نبرد، يعني نبرد إبراداً تترتب عليه آثاره، يزول فيها شدة الحر، فلا يكفي أن نبرد نصف ساعة أو ساعة ما يزول شدة الحر إلا أن نبرد جداً بحيث إذا خرج المصلي لصلاة الظهر لا يتأذى بحر الشمس، يكون للحيطان ظل يكفيه، أما إذا خرجنا في أول الوقت حتى بعد مضي نصف ساعة أو ساعة من الزوال قد يتعرض الإنسان للهب الشمس وحرها، فالإبراد من أجل ذلك. ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) والأمر بالإبراد لئلا يتأذى المصلي بشدة الحر؛ ولئلا ينشغل عن صلاته بما يقلقه من شدة الحر، وهذا من باب المحافظة على الصلاة، نعم في حكمه أيضاً في حكم شدة الحر شدة البرد، إذا اشتد البرد مثلاً بحيث لا يستطيع الإنسان أن يخرج إلى الصلاة في شدة البرد مثلاً يقال له: ينتظر، وقل مثل هذا إذا توضأ وأراد أن يتدفأ مثلاً إلى أن يزول شدة البرد؛ لأنه لو خرج بعد الوضوء مباشرة تضرر فيقال له: انتظر أيضاً، وإن فعل ذلك قبل دخول الوقت وتجهز للصلاة من أول وقتها فهو أفضل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 ((إذا اشتد الحر فابردوا)) دليل على أن وقت الظهر أو صلاة الظهر ينبغي أن يبادر بها، يعني في الظروف العادية يبادر بها كالفجر في أول وقتها، وأما إذا اشتد الحر فالإبراد رفقاً بالمصلين، وحفاظاً على الصلاة والإقبال عليها ((فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها)) اشتكت بلسان المقال أو بلسان الحال؟ طالب:. . . . . . . . . نعم الأصل الحقيقة؛ لأنه يقول: ((فقالت)) وإن كان القول يطلق ويراد به الفعل، لكن الأصل في القول النطق، ((فقالت: رب)) يعني يا ربي، كما في الصحيحين وغيرهما، ويحذف حرف النداء، كما تقول: ربنا تقبل منا، يحذف بكثرة ((رب أكل بعضي بعضاً)) نار تلظى يأكل بعضها بعضاً ((فأذن لها -جل وعلا- بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف)) يعني فتحة تتنفس منها في الشتاء، فيخرج هذا البرد الشديد من أثر ذلك النفس، وفتحة تتنفس فيها أو من قبلها في الصيف. من المحسوسات أنه إذا اشتد برد المكيف مثلاً في غرفة تنفس تفتح شيء من النافذة أو شيء من الباب من أجل أن يحصل شيء من النفس، وتخف البرودة الشديدة، مع أنه لا مقارنة ولا مناسبة، وشيء لا يخطر على البال، فيما أعد في جهنم لأهلها -نسأل الله السلامة والعافية-، كما أنه في الجنة أيضاً وما أعد لأهلها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فالإنسان يسمع هذه النصوص، وهي في مواقيت الصلاة، وذهنه منصرف إلى الإبراد بالصلاة، ويغفل عما في الحديث من المعاني، فينبغي أن ننتبه؛ لأن هذا كلام من لا ينطق عن الهوى ((فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف)). وعلى هذا إذا أدركنا نفس الصيف نستعيذ بالله -جل وعلا- من حر جهنم، وإذا أدركنا نفس الشتاء فإننا نستعيذ بالله من زمهرير جهنم. ثم بعد ذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" وفي رواية: "إلى قباء" متفق عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 "يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" يعني الشمس مرتفعة وحية معناهما واحد، وبيضاء نقية أيضاً مما يدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- يصليها في أول وقتها، ولا يؤخرها إلى أن تصفر، إنما يصليها في أول وقتها. "وفي رواية البخاري: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه" يعني أربعة أميال سبعة كيلو، والسبعة كيلو تحتاج في المشي على الأقدام إلى كم؟ الكيلو يحتاج إلى عشر دقائق إلى سبعين دقيقة، ساعة وربع، أو ساعة وعشر دقائق، وتبقى بيضاء نقية مرتفعة حية، يدل على أنه يصليها في أول وقتها، والحنفية يؤخرونها إلى مصير ظل الشيء مثليه؛ لأدلة إجمالية لا مستمسك فيها، ويتركون مع ذلك الأدلة الصحيحة الصريحة. قال: "وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال ونحوه" قدرناها بسبعة كيلو، سبعة كيلو تحتاج إلى سبعين دقيقة على الأقل؛ لأن الكيلوات إذا قدرنا الكيلو الواحد بعشر دقائق فيمكن الكيلو الأخير يحتاج إلى ربع ساعة؛ لأن مشي الإنسان في أوله ليس مثل مشيه في آخره، إذا تعب يعني طال الزمان بالنسبة للمسافة، وعلى كل حال تأخير الصلاة أكثر من ساعة، ومع ذلك الشمس حية مرتفعة بيضاء نقية فيه دلالة صريحة على أن صلاة العصر تصلى في أول وقتها، فعندنا الصبح بغلس في أول وقته الظهر في أول وقتها ما لم يشتد الحر، العصر أيضاً الحديث دليل على أنها تصلى في أول وقتها. "وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" ومعروف أن موضع النبل قريب وإلا بعيد؟ بعيد، بعيد يعني احتمال لو أن النبل رمي يصل إلى ذلك الجدار الذي هو وراء الشارع، فكونه يبصر موقع النبل من ذلك الجدار دليل على أن الظلام ما دخل إلى الآن، إسفار يعني ما زال الضحاح -ضحاح الشمس- باقي، وأثرها باقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" يعني موضع وقوع السهم إذا رماه، ومعروف أنه إنما يقع بعيداً، فكون الإنسان يبصر البعيد الصغير دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصليها في أول وقتها حينما تسقط الشمس، حينما تغيب الشمس. متفق عليه. فعندنا من الصلوات الفجر والظهر والعصر والمغرب دلت الأدلة على أن الأفضل أن تصلى في أوائل الأوقات، ما لم يعرض عارض كشدة الحر بالنسبة للظهر. ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل" يعني أكثر الليل أو كثيره؟ "أعتم" يعني دخل في العتمة والعتمة الظلام "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" و (ذات) لفظ مقحم يعني زائد بحيث لو حذف لا يتأثر الكلام، وأعتم يعني دخل في العتمة التي هي الظلام ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، الأصل أن العامة هو الأكثر، يعني حينما تقول: وبهذا قال عامة أهل العلم، يعني أكثرهم، لكنه هنا يراد به كثير لا الأكثر، ذهب كثير من الليل، بدليل أن وقت صلاة العشاء ينتهي قبل أن يذهب عامة الليل، بمعنى أكثر الليل؛ لأنه ينتهي بمنتصف الليل، فعلى هذا عامة الليل إنما هو كثيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 "ونام أهل المسجد، ثم خرج فصلى" ثم خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- عليهم، فصلى، فقال مبيناً أن صلاة العشاء يستحب تأخيرها، فقال: ((إنه لوقتها)) يعني إن هذا الوقت الذي تأخرنا إليه هو وقتها، يعني التأخير هو وقتها ((لولا أن أشق على أمتي)) وفي رواية: ((لولا أن يشق)) يعني لولا أن أشق أنا، تحصل المشقة بسبب تأخيري، أو لولا أن يشق التأخير على الأمة لأخر إلى هذا الوقت، وعلى هذا السنة في صلاة العشاء التأخير، أن تؤخر إلى ثلث الليل، وقد صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلاة العشاء في ثلث الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخرها كثيراً، يعني في أكثر من مناسبة يؤخر صلاة العشاء فدل على أن تأخيرها أفضل بخلاف غيرها من الصلوات، لكن إذا وجد عارض مثلاً من نوم أو شبهه، وقدمت في أول وقتها صار أفضل بالنسبة لهؤلاء؛ لأن الشرع يلاحظ حال المكلفين، فيجعل الأفضل هو الأرفق بهم، كما هو الحال في شأن الجمع في السفر مثلاً الأفضل -وكذلك الصيام- الأفضل هو الأرفق بالمسافر، فإذا كان الأرفق بالمصلين الصلاة في أول وقتها لما ناله من تعب وعناء وطلب المعيشة في النهار، فيكون حينئذٍ أكثر، وهو غالب فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولكن إذا لم يترتب على ذلك مشقة على المصلين فإن تأخيرها أفضل، وعلى هذا لو كان مجموعة جماعة من الصحب في رحلة أو نزهة، أو ما أشبه ذلك أو في سفر، وتواطئوا من غير مشقة عليهم أن يؤخروا صلاة العشاء حينئذٍ يصيبون السنة. اللهم صل على محمد. معنا أسئلة: يقول: لدينا في فرنسا في أغلب المدن مساجد صغيرة مستعارة من طرف السلطات الفرنسية مع أن السلطات تستطيع استرجاعها متى شاءت، فهل هي في هذه الحالة ينطبق عليها أحكام المساجد، وتصلى فيها تحية المسجد، أو تسمى مصلى، ويكتفى فيها بالرواتب الخاصة، خاصة أن بعضها لا تقام فيه الجمعة؟ ليس من شرط المسجد أن تقام فيه الجمعة، لكن إذا أخذ المكان معالم المسجد، وجد فيه محراب، ووجد فيه منارة، وهيئ للصلاة، وترك الناس يصلون فيه من غير نكير، فهو مسجد له أحكامه، وإلا فهو مصلى كسائر الأماكن، لا يأخذ حكم المصلى فلا تحية له، وتدخله الجنب والحائض من غير نكير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 هذا يقول: سؤالي ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث الشاذ؟ وهذا سؤال جاء من البرازيل، واسم العضو رود ريجو، يقول: ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث الشاذ؟ ابن الصلاح ذكر أن الشاذ والمنكر بمعنى واحد، وهو ما تضمن مخالفة، سواءً كان المخالف ثقة أو ضعيف، والذي حرره الشافعي -رحمه الله- أن الشاذ ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه. وذو الشذوذ ما يخالف الثقه ... فيه الملأ فالشافعي حققه فإن كانت مخالفته لمن هو أوثق منه يعني معارضة الراوي لمن هو أوثق منه تتضمن المخالفة لا شك أن الجماعة أولى بالحفظ من الواحد، وإن كان الراوي ممن لا يحتمل تفرده فأيضاً مجرد تفرده ولو لم يكن لديه عنه مخالفة أو لا يتضمن مخالفة، فإنه يطلق عليه الشاذ، وقد يطلق عليه المنكر. هذا يقول: كنت في مقهى الإنترنت، ثم نادتني واحدة لأرى ما يجري في الماسنجر تبعها، ثم رأيت رجل عريان لها، ثم صورت، ثم أرسلناها له؛ ليمتنع، هل أنا غلطان؟ نعم أنت غلطان من أمور: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 أولاً: دخولك مثل هذه الأماكن التي يعرض فيها مثل هذا الخنا لا شك أنه غلط، ولا يجوز بحال أن ترى مثل هذه الصور، ولا تعرض نفسك للفتنة، ثم بعد ذلك تندم ولات ساعة مندم، فنظرك إلى مثل هذه الصور محرم، ثم إقدامك على التصوير محرم أيضاً، فمثل هذه الآلات من استطاع الاستغناء عنها فليفعل، وهو الأصل؛ لأن هذه المحدثات الغالب فيها شر، وقد يعرض على الإنسان ما لا يريده، وقد يفتن الإنسان وهو لا يشعر، لكن لا ينكر أن فيها خير، وأنها صارت وسيلة تحصيل لبعض الناس الذين لا يستطيعون الحضور عند الشيوخ، وليست لديهم القدرة في أن يقتنوا من الأشرطة ما يغنيهم عن هذه الآلات، وإلا فالإنسان الذي يستطيع الحضور والمثول بين يدي الشيوخ لا حاجة له بمثل هذه المحدثات، وإذا تيسر له أن يشتري من الأشرطة والمتون ما يسمع الشروح ويفرقها على هذه المتون فهي أفضل له من مثل هذه الأماكن، علماً بأنه في مقهى ليس بصدد طلب علم ولا شيء، فالمسألة من أصلها ممنوعة، لكن قد يكون الإنسان أمام الشبكة يستمع إلى درس، ثم يعترضه ما يعترضه مثل هذا فيه الضدان، فإن كان الشر فيه أكثر هذا لا يجوز بحال، وإن كانت المصلحة راجحة، ويستطيع دفع الشر فليدفعه بقدر الإمكان، وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء. هذا يقول: ما المراد بالمتابعات والشواهد؟ الحديث لا يخلو إما أن يروى من طريق واحدة، أو من طرق، عن صحابي واحد، أو عن جمع من الصحابة، فإن كان عن صحابي واحد من طريق واحدة فهذا هو الفرد، فإذا بحث في دواوين الأحاديث المعروفة، ووجد له عن غير هذا الصحابي ما يشهد له فهو الشاهد، وإن وجد عن الصحابي نفسه من طريق رواة آخرين فهو المتابعات، والمتابعة إن كانت للشيخ فهي التامة، وإن كانت لمن فوقه فهي الناقصة. هذه تقول: ذكرتم في الدرس السابق أنه لو قال شخص من الكفار: لا إله إلا الله، ثم صلى نقول عنه: مسلم حكماً. إذا صلى هو مسلم حكماً ولو لم ينطق بالشهادة، يعني يعامل في الظاهر معاملة المسلمين، مسلم حكماً، يعني يعامل معاملة المسلمين في الظاهر، والباطن يتولاه الله -جل وعلا-. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 من كان له أقارب يتهاونون في الصلاة، فكيف يكون التعامل معهم علماً بأنه يقوم بنصحهم وتذكيرهم، ولكن لا يستجيبون؟ عليه أن يستمر في النصح والتذكير بالموعظة الحسنة، بالرفق واللين، بالنصوص بالآثار الرادعة، بالترغيب، بالترهيب، وحينئذٍ يستفيدون -إن شاء الله تعالى-، وإذا أيس منهم يهجرهم. الحديث الوارد عندما قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة العصر بين العشاءين، يظهر من ذلك أنه لا بد من الترتيب في قضاء الصلوات. لا بد من الترتيب في قضاء الفوائت. تقول: ماذا لو كان الوقت ضيقاً ولا يتسع إلا للصلاة الحالية، فهل يلزم الترتيب هنا؟ أهل العلم يقولون: يجب الترتيب، ولا يسقط الترتيب إلا بنسيانه، فإذا نسي أنه فاتته الفجر، تذكر أنه فاتته الظهر والعصر والمغرب، ثم صلاها ثم تذكر أن الفجر أيضاً فائتة يسقط الترتيب حينئذٍ؛ لأنه ناسي، ويسقط أيضاً بخشية فوات وقت الاختيار للحاضرة، بفوات وقت الاختيار للحاضرة، فتقدم الحاضرة ثم يصلى ما بعدها أو ما قبلها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (3) تابع: باب: مواقيت الصلاة الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: هل وقت صلاة الظهر ينتهي ببلوغ ظل الرجل كمثله مطلقاً أم بعد فيء الزوال، وذلك أنه إذا كان الأول فإنه سيخرج بعد وقت يسير من دخوله؟ إذا حسبنا فيء الزوال في الدخول فلنحسبه في الخروج، لا سيما وأنه في بعض البلدان يمتد طويلاً. يقول: نحن في محافظة تابعة لجيزان، وقد لاحظت في مثل هذه الأيام أنه يؤذن لصلاة الظهر قبل زوال الشمس، فأصبحت أتأخر عن دخول المسجد حتى يزول الظل، ويفوتني السنن والرواتب لها، فما هو الواجب علي خاصة أن هذا في جميع مساجد تلك المحافظة؟ أولاً: لا بد من التأكد هل هم بالفعل يؤذنون قبل الوقت أو لا؟ فإن كانوا يؤذنون قبل الوقت فينكر عليهم، وتبلغ الجهات حتى ينتظروا إلى أن يدخل الوقت؛ لأنهم يغررون بالناس من أصحاب الأعذار الذين يصلون في بيوتهم، يصلون قبل الوقت، وهذا لا يجوز، فإن تأكدت بعد ذلك وجدت أنهم مصيبون فعليك أن ترجع عن رأيك. يقول: ما الفرق بين أكثر الوقت وبين كثير الوقت؟ هذا في تأخير صلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل، ونعرف أن العلماء إذا قالوا: وبهذا قال عامة أهل العلم، المراد به أكثرهم، لكن هل المراد بالنسبة لوقت صلاة العشاء أنه ذهب عامة الليل يعني أكثره، والمرجح أنه ينتهي بنصف الليل؟ لا، نعم تبيت بمنى حتى يذهب عامة الليل يعني أكثر الليل لا بأس، لكن تؤخر صلاة العشاء حتى يذهب عامة الليل يعني أكثره، والمرجح أن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل، فالمراد بالعامة هنا الكثير لا الأكثر، يعني الكثير لا يصل إلى النصف، الثلث كثير، فكثير لا يصل إلى النصف، والأكثر يتعدى النصف. هل إذا اشتد البرد في الشتاء من الزمهرير جاز تأخير وقت الصلاة، أو ترك صلاة الجماعة؛ لأن الغالب أن البرد الشديد يطول وقته؟ على كل حال كل ما يحول بين الإنسان وبين إقباله على ربه في صلاته، ويذهب الخشوع عنه تؤخر الصلاة من أجله في الوقت كالطعام وكالاحتقان، وما أشبه ذلك. يقول: ما حكم الصبغ بالحناء والكتم ويميل إلى السواد؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 إذا رآه الرائي وقال: أسود يحرم، وإذا رآه الرائي يختلف عن الأسود فلا بأس به، كان أبو بكر -رضي الله عنه- يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر -رضي الله تعالى عنه- يخضب بالحناء الصرف. هل يكتفى لمعرفة دخول الوقت بالتقويم، وكذلك الساعات التي يظهر فيها وقت دخول الصلاة؟ التقويم كثر الكلام حوله، وأنه متقدم في بعض الأوقات، وفي بعض الأماكن على الوقت، وخرج أناس تبرعوا واحتسبوا وراقبوا الأوقات واختلفوا أيضاً، فمن لجان رسمية أقرت ما في التقويم، وهناك من احتسب من طلاب العلم، وقرروا أنه يتقدم، وعلى كل حال الاحتياط مطلوب، فما دام يتقدم تؤخر الصلاة حتى يذهب الوقت المشكوك فيه، لكن إبطال صلوات الناس الذين يصلون على التقويم والفتوى جارية عليه لا وجه له ما دامت الفتوى عليه. وكذلك الساعات التي يظهر فيها وقت دخول الصلاة؟ هي مضبوطة على التقويم، الساعات مضبوطة على التقويم، وفيما سبق على ما سيأتي في كونه -عليه الصلاة والسلام- يقرأ من الستين إلى المائة في صلاة الصبح، يقدرون بالصناعات دخول الأوقات، يقدرونها بالصناعات، فيقدرونها بالحِرف والأعمال، وكل يقدر بحرفته، فالصانع الذي اعتاد أن يصنع بين صلاة الظهر والعصر ماسة زي هذه، ويفرغ منها، كل ما انتهى من ماسة في كل يوم دخل وقت العصر عنده، هكذا يقول الفقهاء؛ لأن الأعمال أشبه ما تكون بالاطراد، وكذا من كانت له قراءة اعتاد أن يقرأ خمسة أجزاء في الساعة، وبين الظهر والعصر ثلاث ساعات مثلاً، إذا قرأ خمسة عشر جزءاً خلاص انتهى، دخل وقت العصر، وهذا قرره الفقهاء وذكروه؛ لأنه ما يتسنى لكل إنسان أن ينظر إلى هذه العلامات بنفسه، وقد يكون منفرداً لا أحد يدله على ذلك، وقد لا يحسن، ومع ذلك إذا كانت هذه عادته فليحتط للصلاة دخولاً وخروجاً. يقول: قيل في الدرس في شأن النساء ((إذا رأيتموهن فالعنوهن)) لم أفهم ذلك. الدرس الماضي فيه مسألة: خروج النساء متبرجات، والمتبرجات جاء النص بلعنهن، لكنه على سبيل الإجمال لا على سبيل التعيين، ما يقال: فلانة متبرجة لعنها الله، لا، وإنما على سبيل الإجمال، كما يلعن الشارب، ويعلن السارق، لعن الله السارق، ومع ذلك ما يقال: فلان سرق لعنه الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 يقول: كيف يصنع من يعيش في دول مثل الدول الإسكندنافية مع مواقيت الصلاة، وهي تمر عليهم الشهور وهم في نهار، والشهور وهم في ليل؟ على كل حال إذا وجدت العلامات التي علقت بها أوقات الصلوات دخولاً وخروجاً فالعمل عليها، ولو تأخر بعضها وتقدم بعضها، يعني لو كان غروب الشمس يتأخر خمس ساعات، والشفق يغيب لنصف ساعة، نقول: نعم صلاة المغرب حينما تغيب الشمس، وصلاة العشاء حينما يغيب الشفق، ولو كان بين الوقتين نصف ساعة، وبين الوقتين الآخرين خمس ساعات أو ست ساعات، إذا وجدت العلامات فالعمل عليها، ولا عبرة بطول الوقت وقصره، لو قدر أن الشفق الأحمر يغيب بعد مغيب الشمس خمس ساعات، ست ساعات وقت العشاء ما يدخل إلا بمغيب الشفق، لكن لو قدر أنه مثل ما سأل يقول: تمر عليهم الشهور وهم في نهار، والشهور وهم في ليل، هؤلاء يقدرون قدر الصلاة، يقدرون للصلاة قدرها، كما جاء في أيام الدجال يوم كسنة، يقولون: ماذا نصنع يا رسول الله؟ قال: ((اقدروا)) وحينئذٍ يقدر للصلاة قدرها، كم بين صلاة الفجر وصلاة الظهر في أقرب بلد لهم من بلدان المسلمين الذين لهم العلامات ظاهرة وواضحة، ومن أهل العلم من يرى أنهم يرتبطون بمكة التي هي أم القرى، لكن كونهم يرتبطون بأقرب بلد كدخول الشهر وخروجه هذا أولى. يقول: بالنسبة للعن المعين فقد رجح الإمام البلقيني وابن حجر -رحمهما الله- في الفتح جواز لعن المعين. النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في قنوته: ((اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً)) ونزل قول الله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(128) سورة آل عمران] وهؤلاء الذين لعنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- كفار، فالكافر يجوز لعنه، أما بالنسبة للمسلم ولو ورد النص بلعن جنسه لا يجوز لعنه بشخصه ومفرده، أما الكافر لا سيما من تعدى ضرره على المسلمين مثل هذا لا مانع من لعنه -إن شاء الله تعالى-، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية لا تخلو سنة من السنوات إلا ويلعن بعض الكفار الذين يؤذون المسلمين. يقول: حكم من جامع بعد إحرامه بالعمرة وقبل تمامها؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 يعني قبل الشروع فيها؛ لأنه قبل تمامها يحتمل أنه ما قصر فقط، ما حلق رأسه، ويحتمل أن يكون بين الطواف والسعي، ويحتمل أن يكون قبل الطواف، فإن كان قبل الطواف لا شك أن العمرة فاسدة، وهو آثم إذا تعمد ذلك وقصده مع العلم بالحكم آثم، وعليه أن يذبح شاة، ويحرم بالعمرة من جديد، ويأتي ببدلها. يقول: ما حكم اللعب بالألعاب الإلكترونية مثل البلستيشن؟ وما حكم مشاهدة الرسوم المتحركة يعني أفلام الكرتون؟ اللعب بالألعاب الإلكترونية هذه إذا كان فيها صور فتمنع؛ لأن مشاهدة الصور والتصوير حرام فمشاهدته حرام، اللهم إلا إذا ترجحت المصلحة في درس علمي، أو ما أشبه ذلك، فالعلماء يتسامحون في مثل هذا، أما إذا كانت لا مصلحة من ورائها إلا العبث وتضييع الوقت، فيبقى الحكم أنه لا يجوز، والألعاب الإلكترونية هذه إذا ترتب عليها جعل فهي محرمة؛ لأن السبق محرم إلا فيما استثني، وإن خلت من ذلك وخلت من الألفاظ البذيئة والبغضاء والشحناء وتضييع الأوقات والغفلة عن ذكر الله وعن الصلاة، على كل حال إذا وجدت هذه الأمور فعلة تحريم الخمر موجودة، فهي محرمة، وإذا خلت من ذلك كله فأقل الأحوال الكراهة الشديدة. ما حكم مشاهدة الرسوم المتحركة يعني أفلام الكرتون؟ مثل ما قلنا يعني مر هذا قال: هذه صورة إنسان، فهي صورة على كل حال، حتى ولو كانت كرتونية، فهي تصوير، ما دام فيها وجه وفيه عينان وفيه فم وأنف هذه صورة. يقول: كيف يفعل طالب العلم لمتابعة أحوال الأمة، وما يكاد لها من الداخل والخارج وهو جزء من فقه الواقع؟ يعني لا يمنع طالب العلم أن يسمع الأخبار التي لا محظور فيها، لا موسيقى ولا صور نساء، بل ولا صور إن أمكن، إن أمكن أن يستمع الأخبار من الإذاعات التي لا موسيقى فيها ولا صور، أو من الصحف التي لا تصوير فيها يطلع على أحوال المسلمين، إن لم يتمكن من ذلك يسأل المطلعين، ماذا حصل اليوم ليحمل الهم، الذي لا يهتم بأمور المسلمين على خطر، فعليه أن يهتم لأمورهم، ويسعى في نفعهم بقدر إمكانه. هل تنصحون بحفظ نظم مطول في أصول الفقه؟ وما هو؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 نضم جمع الجوامع للسيوطي نظماً جامع، إلا أنه طويل يحتاج إلى أوقات، لا سيما من كانت حافظته ضعيفة لا تسعفه، فينصرف عنه إلى نظم الورقات؛ لأنه سهل وميسر وسلس ونظم ماتع جداً، أما نظم مراقي السعود فهو على أهميته واشتهاره لا سيما بعد مجيء الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- إلى بلد الحرمين اشتهر وانتشر وصار له شأن عند طلاب العلم إلا أنه عسر، نظم عسر يحتاج إلى مشقة في حفظه، فلذا المرجح عندي نظم الورقات. هذا ظرف ما كتب عليه شيء، ويبدو بعد أنه ما عليه شيء، مغلق بإحكام، وما كتب عليه شيء، ما ندري ما في جوفه أيضاً، لا فيه ورقة، وظننته مثل ما قال الطنطاوي -رحمه الله- يقول: سائلة تسأل وأحرجتني مراراً ألا أذكر اسمها فهل تعرفون اسمها؟ هي لم تذكر اسمها. هذه امرأة تطلب مساعدة. يقول: ما حكم التصوير بالفيديو والكاميرا العادية؟ التصوير تصوير بأي آلة كانت، إذا كان من ذوات الأرواح فهو محرم. يقول: من ابتلي بذنب يعود له كل فترة، وهو أمام الناس من الصالحين، كيف السبيل للخلاص من هذا الذنب؟ على كل حال يتذكر أنه يعصي الرب -جل وعلا- الذي خلقه وأوجده ورزقه، وأسدى إليه النعم، ورتب على الذنوب العقوبات، وحد لسرقة ثلاثة دراهم قطع اليد، وأنه شديد العقاب، فعليه أن يراقب الله -جل وعلا- ليكون باطنه كظاهره. يقول: أنا شاب -ولله الحمد- أحافظ على الصلوات الخمس، ولكن الشيطان يجلب لي الوساوس والأفكار في الصلاة على الرغم من أني أحاول الخشوع في الصلاة، لكن بدون جدوى، وأحافظ أيضاً على صيام ثلاثة أيام من كل شهر. عليك أن تفرغ نفسك في وقت الصلاة، وأن تأتي إليها بعد انتهاء أعمالك التي تشغلك، وأن تقبل على صلاتك، وأن تعرف أنك تناجي الله -جل وعلا-، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. يقول: طفت ولم يكن كل طوافي جاعل الكعبة عن يساري، فهل يبطل طوافي إذا كنت جاهلاً؟ الطواف إذا كان في طواف الحج أو طواف عمرة يعني ركن لنسك فعليك أن تعيده، لا سيما إذا كثر ذلك، أما إذا كان يسير كالخطوة مثلاً، فمثل هذا يتجاوز عنه، أما إذا كان طواف نفل فلا تعود إلى مثل هذا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 يقول: عندنا في بلادنا مصر بعض المساجد يؤخرون الصلاة صلاة الفجر بساعة من الأذان، فهل يجوز ذلك أم هذا مخالف للسنة؟ السنة التغليس بصلاة الفجر في أول وقتها، بعد التأكد من دخول الوقت، لكن إذا روعي المأموم في ليل قصير مثلاً، ورأى المأموم أنه يتأخر، واتفقوا على ذلك، ولم يكن على غيرهم مشقة، فالتأخير من أجل المأمومين كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يراعيه، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم تأخروا أخر. يقول: وقت صلاة الفجر هل الأذان متقدم بربع ساعة، كما أن هذه المسألة مصدر جدال بين طلبة العلم بحيث أنه يترتب عليها مسائل كثيرة؟ ذكرنا أن من طلاب العلم من انتدب ذلك وراقبوا طلوع الفجر، وقرروا أنه يطلع بعد التقويم، بعضهم يقول: بربع ساعة، وبعضهم يقول: عشر دقائق، وبعضهم يقول: خمس، واختلفوا في ذلك اختلافاً كبيراً، ومن بلد إلى بلد يختلف المقصود أن هذا مثار جدال، وخرجت اللجان الرسمية، وقرروا أنه مطابق للتقويم، يعني مطابق للتقويم، اللجنة الرسمية التي انتدبها الشيخ ابن باز، وكتب في الصحف أن التقويم مطابق، وبعض الإخوان الذين نحسبهم من أهل التحري والتثبت راقبوا طلوع الصبح ووجدوه قبل الوقت، وعلى كل حال الفتوى على التقويم حتى تنقض، فعامة الناس عموم المسلمين تبرأ ذمتهم إذا صلوا على التقويم، لكن ما دام الكلام هذا موجود، وله حظ من النظر ينبغي للأئمة أن يؤخروا الصلاة بعد التقويم بنصف ساعة من أجل أن يتمكن الناس من الصلاة في وقتها. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: "كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر، والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس. متفق عليهما. وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل)) رواه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) متفق عليه. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)) والسجدة إنما هي الركعة. رواه مسلم. كيف عندك متفق عليه الذي قبله؟ طالب: إي نعم يا شيخ. متفق عليه أو عليهما؟ متفق عليه. حديث أبي هريرة: ((من أدرك ركعة)). متفق عليه إيه يا شيخ. عليه، نعم. وعن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تضيف -أي تميل- الشمس للغروب" رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه. ولمسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)). وعن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليهما بعد العصر؟ فقالت: "كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها. قال إسماعيل بن جعفر: "تعني داوم عليها" رواه مسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه. وقال بعض المصنفين الحذاق: "رواه مسلم" وهو وهم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي" ضمير الفصل هنا لا بد منه؛ لأنه لا يجوز العطف على ضمير الرفع المتصل إلا بفاصل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 "دخلت أنا وأبي على أبي برزة" نضلة بن عبيد أو عبيد بن نضلة "الأسلمي، فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال" الآن سيار من رجال الكتب الستة، يعني سيار مترجم في كتب رجال الكتب الستة، ترجم التقريب، لكن ماذا عن أبي سلامة؟ يترجمون له؛ لأنه من رجال السند أو لا يترجم له؟ لأنه في القصة في المتن لا في السند، وهل لضعفه أثر، لو كان ضعيفاً وجاء في مثل هذه الصورة له أثر وإلا ما له أثر؟ لأن مثل هذا يوقع بعض الطلاب في وهم، لو قال: عن فلان أن فلاناً دخل على فلان، عن سيار بن سلامة هذا ما فيه إشكال ثقة، لو قدر أنه قال: دخلت أنا وفلان الضعيف، فسأل الضعيف صحابياً عن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فأجابه الصحابي كما هنا له أثر في صحة الحديث أو ضعفه؟ لا أثر له؛ لأنه ليس من رجال الإسناد، ولا يترتب على ضعفه أو على ثقته تصحيح ولا تضعيف، إنما هو مذكور في القصة، دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، يعني الحديث متفق عليه على أبي برزة الأسلمي واسمه نضلة بن عبيد أو عبيد بن نضلة، وقد يقول قائل: كيف صحابي مشهور له أحاديث ويختلف في اسمه؟ نقول: هذه العادة وهي الجادة فيمن اشتهر بالكنية يضيع الاسم، كما أن من اشتهر بالاسم تضيع الكنية، الناس ليس لهم أن يحفظوا إلا ما يسمعون، وما يتردد على أسماعهم يحفظونه، فإذا كثر واشتهر الرجل بكنيته ضاع اسمه، كأبي برزة، وأبي هريرة وغيرهما من الصحابة والتابعين والأئمة، وإذا اشتهر بالاسم الكنية تخفى على كثير من المتعلمين، قتادة مثلاً قتادة لو استفتينا الإخوان كم نسبة من يعرف كنيته؟ نعم؟ لأنه اشتهر باسمه، قتادة، مجاهد، وغيرهما ممن اشتهر بالاسم لا تكاد الكنية تحفظ، ولذا يختلف في كنى بعضهم إلى عشرة أقوال، قيل: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: كذا وكذا وكذا؛ لأنه اشتهر بالاسم، وهذا ممن اشتهر بالكنية فاختلف في اسمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 "فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ " يعني الصلوات الخمس، كيف كان يصليهما؟ "فقال: كان يصلي الهجير" السؤال عن الكيفية والجواب عن الأوقات، كيف كان يصلي؟ يعني الجواب المطابق أن يكون ببيان كيفية الصلوات، لكن لعل أبا برزة في وقت لا يهتم الناس فيه بالأوقات، فرأى أن الصلاة كيفيتها لا تخفى عليه مثل خفاء الأوقات، فأجابه بذكر الأوقات، أو لعله فهم بقرينة أنه يسأل عن الأوقات. "كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى" الهجير يعني صلاة الهجير، الواقعة في هذا الوقت في الهاجرة أي: شدة الحر، وهي الظهر، التي تدعونها الأولى، لا شك أن الظهر هي الصلاة الأولى، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم هي أول صلاة صلاها جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الصلاة، فهي الأولى من هذه الحيثية، وإلا إذا قلنا: إن الصبح في النهار قلنا: إن الأولى الصبح والثانية الظهر، وعلى كل حال الأولى لا خلاف في كونها الظهر هنا. "حين تدحض الشمس" أي: حين تزول عن وسط السماء وكبد السماء، حين يعني وقت، يعني بعد الزوال مباشرة. "ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية" يعني في أول وقتها كذلك، بيضاء نقية مرتفعة كما تقدم في الأحاديث "والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب" سيار نسي ما قال أبو برزة في المغرب، ومع ذلك بين في الأحاديث الأخرى "حين تغيب الشمس" "وكان يستحب أن يؤخر العشاء" استحباباً شرعياً "أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة" وهذا اسم يطلقه الأعراب على صلاة العشاء على ما سيأتي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 الآن في كلام حول تأخير صلاة العشاء ليطول المغرب، وتقضى فيه الحوائج كلها، وبعد العشاء يكون النوم، وهذا موافق حقيقة لنصوص كثيرة، منها: كان يستحب أن يؤخر العشاء، ومنها: كان يكره الحديث بعدها، فإذا قضيت الأعمال كلها بين العشاءين طبقت هذه السنن، لكن على ألا يكون ذلك على سبيل الإلزام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ألزم أحداً بذلك، والنظر في هذه المسألة على أن يكون إلزام للناس، ولا يمكن ضبط الناس في مثل هذه الأمور إلا بالإلزام، يعني كون الوقت يفتح لمدة ثلاث ساعات أو أربع ساعات، يعني من مغيب الشفق يؤذن من يؤذن، ثم بعد ذلك ينتظر من أراد تأخير الصلاة إلى ساعتين أو ثلاث كما يدرس أو يطرح، لا شك أن مثل هذا يكون فيه شيء من الفوضوية، فإذا سئل هذا فاتح المحل يقول: أنا والله صليت مع اللي أذنوا أول الوقت، وإذا سئل من فتح محله في أول الوقت يقول: أنا أريد التأخير لأصلي ثم أنام وهكذا، ثم بعد ذلك لا يمكن ضبط الأمور، فإما أن يؤطر الناس على أول الوقت كما هو الآن، أو تؤخر الصلاة بالنسبة للجميع كما يطرح ويدرس، وفي هذا ما فيه؛ لأن كثير من الناس عنده أعمال في النهار كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم-، وانتظارهم إلى الوقت الذي تؤخر فيه الصلاة فيه مشقة عليهم، وعلى كل حال مثل هذا الاقتراح له وعليه، فيه إصابة استحباب تأخير صلاة العشاء، وفيه أيضاً القضاء على السهر؛ لأن الناس يقضون حوائجهم بعد صلاة المغرب؛ لأنه يطول ثلاث ساعات أو أكثر، فالمسألة تحتاج إلى دراسة مستفيضة وواعية، وينظر فيها إلى المحاسن والمآخذ. "وكان يستحب أن يؤخر العشاء" لكن لو اجتمع مجموعة من الناس في سفر أو في نزهة أو ما أشبه ذلك واتفقوا على أنهم يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو ما يقرب من نصفه كان أفضل. "التي تدعونها العتمة" هذا كلام الصحابي -رضي الله عنه-، ويريد أن يبرأ من عهدة هذه التسمية، إذا أراد الإنسان أن يبرأ من شيء نسبه إلى غيره، كما يقول الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل الذي يقال له ابن علية؛ لأنه يكره أن ينسب إلى أمه، فإذا أراد أن يبرأ من شيء نسبه إلى غيره، قال: "التي تدعونها العتمة". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 "وكان -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها" يعني صلاة العشاء؛ لأنه يكون سبباً للنوم عنها، فمن جاء محتاجاً إلى النوم ما يكفيه مدة ساعة أو نصف ساعة، فإما أن يستغرق فتفوته الصلاة أو لا يستغرق فيتكدر ويتنكد في نومه. "وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها" الحديث بعد صلاة العشاء مكروه، ومع ذلك حصل منه -عليه الصلاة والسلام- أنه سمر يعني سهر للعلم، وترجم عليه الإمام البخاري: باب السمر في العلم، فيستثنى من ذلك ما فيه مصلحة، السهر الذي في مصلحة، تحصيل علم، أو إيناس ضيف مثلاً من باب إكرامه، أو الحديث مع أهله بشيء لا يعوقه عن تحصيل مصالحه الأولى والأخرى، أما إذا كان السمر يترتب عليه الحيلولة دون قيام الليل مثلاً فهذا يكره كراهية شديدة، وإذا كان يحول دون صلاة الصبح فهذا يحرم، السهر الذي يؤدي إلى تفويت صلاة الصبح هذا حرام بلا شك، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، إذا كان الحديث بعدها من باب المباح فهذا تتجه الكراهة إليه، أما إذا كان الحديث في استغلال الوقت في أمر محرم فلا شك في تحريمه، وعامة الناس على مثل هذا، كثير من الناس بل أكثرهم يسهرون في مشاهدة أفلام، ويسهرون على سماع أغاني، وقد يستمعون لغيبة ونميمة، وما أشبه ذلك، وهذا لا شك في تحريمه، وذكر أهل العلم في كراهية الحديث بعدها والسهر أنه ينبغي أن ينام الإنسان خاتماً أعماله بالصلاة، ولذا كان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إذا تكلم بعد صلاة العشاء صلى ركعتين ثم نام. "وكان ينفتل" يعني ينصرف "من صلاة الغداة -التي هي الصبح- حين يعرف الرجل جليسه" حين يعرف الرجل جليسه، يعني يتضح له الذي بجواره فيرى ملامح وجهه فيعرفه، وهذا يدل على أنه يبادر بصلاة الصبح، إذا كان ينصرف من الصبح والمسألة مسألة معرفة؛ لأنه لو كانت المسألة وضوح وإسفار ما يحتاج أن يقال مثل هذا الكلام "حين يعرف الرجل جليسه" يعني إذا كان المسألة معرفة واضحة بحيث لا يخفى عليه شيء من تجاعيد وجهه، ما يحتاج إلى أن يقول: "حتى يعرف جليسه". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 "ويقرأ بالستين إلى المائة" من ستين آية إلى مائة آية، دليل على أنه يدخل فيها في أول الوقت بغلس، يصليها في أول وقتها بعد أن يتأكد من دخول الوقت، وبعد أن تصلى الراتبة يدخل في صلاة الصبح، ثم يقرأ فيها بالستين إلى المائة، والتقدير هذه عادتهم؛ لأنه ليس لديهم ساعات، أو أمور تضبط بدقة ما يحصل، لكنهم كل يقدر بما اعتاد، منهم من يقول: رمية حجر أو حلب ناقة أو نحر الجزور، أو يقرأ بكذا، أو يصنع كذا، كلها تقريبية، يقدرون؛ لأنهم ليس عندهم شيء يدلهم على ما يريدون بدقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 "يقرأ بالستين إلى المائة" هذه القراءة بقراءة -عليه الصلاة والسلام-، وكانت قراءته -عليه الصلاة والسلام- مداً، فهو يرتل، لكنه أحياناً يرتل أكثر من المعتاد، وأحياناً يقلل، فكان يقرأ بالسورة حتى تظن أنها أطول من السورة التي هي أطول منها، فالترتيل درجات، وأيضاً الآيات متفاوتة، بعض الآيات أضعاف أضعاف آيات أخرى، وعندنا سورة المائدة جزء وورقة إلا ربع، ومع ذلك آياتها مائة وعشرين، نعم كم آيات المائدة؟ عندكم المصحف؟ مائة وعشرين، والشعراء نصف جزء وآياتها مائتان وكم؟ ثمان عشرة، يعني أكثر بمائة آية تقريباً، وهي أقل من نصفها، فهل الآيات التي يقرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالستين إلى المائة من مثل آيات المائدة، أو مثل آيات الشعراء أو الصافات مثلاً أو الرحمن؟ لا شك أن الآيات متفاوتة وقراءة الستين من المائدة تحتاج من الوقت أضعاف ما يحتاجه قراءة الستين أو المائة من الشعراء مثلاً، والمراد بمثل هذا إذا أطلق الأوساط، يعني آيات متوسطة، وهل يقرأ بهذا المقدار في الركعة الواحدة أو في الركعتين؟ احتمال، كان يقرأ بالستين إلى المائة احتمال، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في صلاة الصبح آلم السجدة، وسورة الإنسان، وقرأ بسور أخرى، قرأ بسورة المؤمنون، وقرأ بأطول، وقرأ بأقل، المقصود أنه ليست هناك حد محدد من الآيات للقراءة في الصلاة، بل السنة أن يقرأ أحياناً كذا، وأحياناً كذا، وثبت عنه أنه قرأ بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [(1) سورة الزلزلة] في الركعتين في صلاة الصبح، ومع ذلك السنة أن تطول القراءة في صلاة الصبح، ولذا جاء تسميتها بقرآن الفجر، ولاستماع قراءة صلاة الصبح شأن عظيم، وهي صلاة مشهودة، ومن أراد أن يقف على شيء من ذلك فليطالع طريق الهجرتين لابن القيم، ولا شك أن لها تأثيراً في القلب؛ لأنها بعد راحة، وهذا لمن كان على الجادة، على الفطرة ينام بالليل وينتبه لصلاة الصبح، ويتدبر ما يقرأ، ويقرب من الإمام، وصلاة الصبح تطول فيها القراءة كما قالت عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة". ثم قال -رحمه الله تعالى-: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة" يعني في أول وقتها، وعرفنا أنه إذا اشتد الحر فالسنة الإبراد، وتقدم هذا ((إذا اشتد الحر فابردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم)). "والعصر والشمس مرتفعة" وتقدم أنه يصلي العصر والشمس بيضاء نقية في كبد السماء مرتفعة، ويذهب الذاهب إلى العوالي أو إلى قباء، وفي بعض الروايات ويعود والشمس مرتفعة، فدل على أنه يصليها في أول وقتها كما تقدم. "والمغرب إذا وجبت" يعني الشمس إذا وجبت يعني سقطت، والوجوب السقوط، والوجوب السقوط {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا} [(36) سورة الحج] يعني إذا سقطت، إذا وجبت يعني غابت بكاملها. "والعشاء" يدل على أن المغرب تعجل كالعصر والظهر "والعشاء أحياناً وأحياناً" يعني أحياناً يعجلها، وأحياناً يؤخرها تبعاً للأرفق بالمصلين، وهذا من يسر هذا الدين، ومن شفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه وبأمته "العشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل" فلا يحبسهم، إذا رآهم اجتمعوا عجل، بادر بأداء الصلاة "وإذا رآهم أبطؤوا" يعني تأخروا عن المجيء إليها أخر الصلاة حتى يكتمل العدد. قد يقول قائل: إنه إذا رآهم اجتمعوا وعجل فاتت الصلاة بعض الناس إلا إن كان المراد إذا اجتمعوا كلهم، فهذا لا يترتب عليه شيء، لكن إن رآهم اجتمعوا يعني جلهم، ثم تأخر من تأخر منهم هذا يترتب عليه أنه تفوته الصلاة، وقل مثل هذا في العكس إذا رآهم أبطؤوا، إن رآهم تأخروا كلهم بمعنى أنه لم يحضر للمسجد أحد، ثم جاءوا بعد ذلك بوقت واجتمعوا أخر الصلاة إلى أن يجتمعوا، لكن لو قدر أنه اجتمع كلهم إلا أفراد وترتب على ذلك أنه تفوتهم الصلاة، أو تأخروا وتقدم مجموعة منهم تقدم اثنين ثلاثة خمسة وتأخر الباقي، هل تؤخر الصلاة من أجلهم فيتضرر هؤلاء الذين تعجلوا، تقدموا؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 ظاهر العبارة أنه إذا رآهم اجتمعوا كلهم، أو رآهم أبطؤوا -تأخروا- كلهم، لكن إذا تقدم بعضهم وتأخر بعضهم من الذي يراعى ويلاحظ؟ هل يلاحظ الجالس في بيته أو الذي جاء إلى المسجد؟ لا شك أن من جاء إلى الصلاة هو أولى بالمراعاة والعناية، وإذا كان التأخير وملاحظة من تأخر لا يضر بمن تقدم وتعجل، فمثل هذا يراعى فيه من تأخر، وقل مثل هذا في الإمام في الركوع ينتظر الداخل، الإمام في الركوع إذا سمع الداخل، فمن باب الإحسان إليه ليدرك الركعة، وقد تكون الركعة الأخيرة فيدرك الجماعة، يترتب عليه أنه يطول على المأمومين من أجل انتظار هذا الداخل، فإذا لم يشق على المأمومين انتظر وإلا فلا؛ لأن من تقدم أولى بالمراعاة ممن تأخر. "وإذا رآهم أبطؤوا أخر" يعني لو جاء الإمام إلى صلاة العشاء بعد الأذان بثلث ساعة كما هو المقرر بعشرين دقيقة، ثم ما وجد في المسجد إلا واحد أو اثنين، والجماعة إذا سلم وجدهم صفين، هل نقول لمثل هذا: تأخر حتى يجتمع الجميع ولو شق على الموجودين هم على خير ما داموا ينتظرون الصلاة على خير، وقد يكون بعضهم يقرأ القرآن يستفيد، لكن مثل هذا يترتب عليه أن هؤلاء الذين اعتادوا التأخر يتأخرون زيادة، يعني ينتظرهم عشر دقائق ما أقام إلا بعد نصف ساعة، من الغد لن يحضروا إلا بعد الإقامة، لن يحضروا إلا بعد الإقامة، ولذا يرى بعض المشايخ أن الإقامة لا تكون بالمكبر؛ لأن الناس يرتبطون بها، فمن كان من عادته التأخير يؤخر ولو تأخر الإمام، هذا هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، فعلى هذا الإمام لا ينظر في مصلحته الخاصة؛ لأن بعض الناس ينظر على مصلحته الخاصة عنده مشوار بعد الصلاة يعجل، عنده ضيوف قبل الصلاة يؤخر، هذا لا ينظر الإنسان إلى مصلحته، بل عليه أن ينظر إلى المصلحة العامة ولا يشق على المأمومين؛ لأن من شق على الناس شق الله عليه. "والصبح" يعني يصلي الصبح "والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس" بغلس، وهو اختلاط ظلمة الليل بضوء الصبح، بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر، الصبحَ منصوب، الصبح منصوب وإلا مرفوع؟ يجوز رفعه وإلا ما يجوز؟ طالب: يجوز. والصبحَ النصب على إيش؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 طالب:. . . . . . . . . معطوف على المنصوب "يصلي الظهر" أو منصوب بفعل مقدر يفسره المذكور المشتغل بالضمير يسمونه اشتغال "ويصلي الصبح"، "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها بغلس، متفق عليهما" يعني الحديث هذا والذي قبله. "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل)) رواه مسلم" هم يسمونها .. ، الأعراب يسمونها العتمة، وما زال هذا الاسم موجود عند بعض الأعراب، الاسم العتمة موجود، ونتعتم يعني نسهر أيضاً موجود، العتمة الظلام يسهرون في الظلام، فالأعراب يسمون العشاء العتمة، واسمها الشرعي العشاء، فعلى هذا لا ينبغي أن تغلب الحقائق العرفية على الحقائق الشرعية، بل المعول على الحقائق الشرعية، بعض الجهات يسمون المغرب العشاء، والعشاء يسمونها الأخير، صلينا العشاء يعني المغرب، صلينا الأخير يعني العشاء الآخرة، هذا موجود في بعض الجهات من نجد، ولا ينبغي أن تغلب مثل هذه التسميات العرفية على التسميات الشرعية، ومفهوم قوله: ((لا تغلبنكم)) أنه لا مانع من الإطلاق أحياناً، إنما المنهي عنه الغلبة بحيث لا يطلق عليها إلا هذا، ولذا جاء أعتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعشاء، وجاء أيضاً لفظ العتمة في بعض النصوص، المقصود أن المنهي عنه أن يغلب على هذا الاسم بحيث لا تعرف إلا به. ((لا تغلبنكم الأعراب)) ولا ناهية، والفعل متصل بنون التوكيد الثقيلة، وفي الأصل مجزوم بلا الناهية، والباء عندكم مجزومة وإلا مفتوحة؟ يعني لو لم يكن فيه النون لا تغلبْكم الأعراب، وهنا قال: ((لا تغلبنكم)) مفتوحة، يعني مبنية على الفتح، لماذا؟ لاتصاله بنون التوكيد، والمضارع إذا اتصل بنون التوكيد يبنى على الفتح، إذا اتصل بنون التوكيد شريطة أن تكون مباشرة، ليس هناك فاصل بينها وبين الفعل، ثم ليكونن، هذا إيش؟ مبني على الفتح وإلا غير مبني ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن)) هذا إيش فيه؟ مبني على الفتح؟ لا، لماذا؟ لأن النون غير مباشرة، فيه فاصل، الفاصل واو الجماعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 ((لا تغلبنكم الأعراب)) الأعراب: جمع أعرابي ((على اسم صلاتكم)) دليل على أن التسميات الشرعية ينبغي أن يهتم بها، ويعتنى بها؛ لأنه يرتب عليها أحكام، فإذا غلب عليها ونسيت اختلت هذه الأركان وهذه الأحكام، تختل هذه الأحكام، فمن صار عنده التداول لهذه الأسماء بالاصطلاحات العرفية لا شك أنه يقع في خلل، فيما يترتب على ذلك من أحكام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 ضربنا مثال في مناسبات بالمحروم، المحروم حقيقته العرفية عند الناس الذي عنده الأموال الطائلة لكنه لا ينفق على نفسه من هذه الأموال، فهل نقول: إن مثل هذا له نصيب في الزكاة {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] هذه حقيقة عرفية، لكن هل هذه الحقيقة الشرعية؟ لا، ليست هي الحقيقة الشرعية، فإذا مشينا على الحقيقة العرفية وقعنا في مثل هذا الخطأ، وصرفنا الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام في غير مصرفها أعطيناها غني، ونحن نعلم أنه غني، لكن لو لم نكن نعلم أنه غني، سأل وهو غني ولا نعرف، وغلب على الظن صدقه مثل: "لعله يستعف بها ولعله يستغني بها ويرعوي" وعلى هذا لا بد من معرفة الاصطلاحات الشرعية، وكل ما قرب الاصطلاح العرفي سواءً كان العام أو الخاص عند أهل العلم من الاستعمالات الشرعية كان أولى، ولذا تجدون في الاصطلاحات العرفية الخاصة عند أهل العلم نوع من الاختلاف مع الاصطلاحات الشرعية والحقائق الشرعية، تجدون في كل علم نوع اختلاف، لكن أولاها بالاهتمام والقبول ما قرب من الاصطلاح الشرعي، قد يكون للفظة أكثر من حقيقة شرعية كالمفلس مثلاً له أكثر من حقيقة شرعية، جاء الشرع بأكثر من معنى أنه من لا درهم له ولا متاع، ممن يحجر عليه في أمواله هذا مفلس، ومن وجد متاعه عند رجل قد أفلس هذا المراد به، والمفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال أيضاً مفلس، فالحقيقة الشرعية إما أن تكون واحدة للفظ واحد، أو تكون أكثر من حقيقة للفظ واحد، والأكل والشرب له أكثر من حقيقة شرعية، الأصل فيه في الحقائق الثلاث اللغوية والعرفية والشرعية أنه إدخال الطعام إلى الجوف بواسطة الفم، وإدخال الشراب إليه بواسطة الفم، هذا الأكل والشرب، لكن ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) لو حملناه على هذه الحقيقة لقلنا: إنه غير مواصل؛ لأنه يأكل حقيقة، فهناك أكل حقيقته غير هذه الحقيقة، وهو اصطلاح شرعي، فيكون للطعام والشراب أكثر من حقيقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء)) يعني اسمها الشرعي العشاء ((وهم يعتمون بالإبل)) فلهذا جاءت التسمية لهذه الصلاة في هذا الوقت بالعتمة؛ لأنها تصلى في هذا الوقت الذي يعتمون فيه. رواه مسلم. "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) ". ((من أدرك)) من أمكنه أن يفعل ركعة كاملة بركوعها بقيامها وركوعها وسجدتيها من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، يعني أدرك وقتها، وصار فعله لها في الوقت أداءً، إذا أدرك ركعة كاملة فقد أدرك، وأقل من ركعة لا يسمى صلاة، يعني من أدرك ركعة كاملة من النافلة قبل إقامتها هذا لا يقطعها؛ لأنه أتى بركعة كاملة تسمى صلاة فليتمها، أما إذا لم يصل ركعة كاملة فإنه لم يدرك هذه الصلاة فليقطعها. ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس)) عرفنا أن وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، لو صلى ركعة قبل طلوع الفجر وركعة بعد طلوع الفجر أدرك وإلا ما أدرك؟ صلاته صحيحة وإلا لا؟ صلاته باطلة؛ لأنه دخل فيها قبل دخول الوقت، وحينئذٍ تنقلب نافلة، فعليه أن يأتي بالفريضة بعد ذلك. العكس صلى ركعة في الوقت، ثم خرج الوقت طلعت الشمس أدرك الصبح، معنى أدرك الصبح جاء مفسراً في بعض الروايات عند البيهقي وغيره: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس ثم أضاف إليها أخرى فقد أدرك الصبح)) لا يعني هذا أنه يكتفي بركعة ويكون مدركاًَ للصبح، لا لم يقل بهذا أحد، وهذا الفهم باطل؛ لأن جاء تفسير الحديث بالروايات الأخرى: ((وأضاف إليها أخرى قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) وحينئذٍ يكون فعلها أداء في الوقت؛ لأنه أدرك، ومنهم من يقول: قضاء، ومنهم من يقول: ما أدركه في الوقت أداء، ركعة أداء وركعة قضاء، وهذا هو الجاري على القاعدة، لكن الحديث يدل على أنه أدرك الصلاة أداءً فقد أدرك الصبح، ما قال: أدرك الركعة، أدرك الصبح يعني كاملة أداءً في وقتها، وهذا من فضل الله -جل وعلا- على هذا المدرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 ((ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) مثلها، أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس، ثم أضاف إليها ثلاث ركعات فقد أدرك العصر، يعني مثل هذا ألا يمكن أن يقال: إن الحكم للغالب؟ يعني أدرك في الوقت الغالب صلى ثلاث ركعات في الوقت، وركعة خارج الوقت الحكم للغالب أدرك الوقت، إذا صلى ركعة وثلاث ركعات خارج الوقت نقول: يقضي قضاء الآن؛ لأن الحكم للغالب، أو نقول: لا، النص يدل على خلاف ذلك، وهذا من فضل الله -جل وعلا- أن جعله مدركاً لوقت الصلاة. ((ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وصارت في وقتها أداءً إلا أنه لا يجوز له أن يؤخر الصلاة إلى هذا الوقت؛ لأن وقت الاختيار ينتهي باصفرار الشمس، أما إذا شغل عنها وهناك عذر قهري حمله على هذا التأخر إلى أن قرب وقت مغيب الشمس، ثم أدرك من الوقت ركعة كاملة ثم غربت الشمس فإنه حينئذٍ يكون قد أدرك الوقت، ولو كان غالب. . . . . . . . . بعد خروج الوقت، وهذا من فضل الله -جل وعلا- على عباده. طلوع الشمس يكون بخروج أي جزء منها ولو بجزء يسير؛ لأنها يصح أن يقال: طلعت، ومغيبها لا يكون إلا بمغيب كاملها، وقرنها طرفها الأعلى، فإذا بان طرفها الأعلى في الطلوع يصح أنها طلعت، وإذا غاب طرفها الأعلى يصح أن نقول: إنها غابت. "متفق عليه". من أدرك الإدراكات بالنسبة للصلاة منها: إدراك تكبيرة الإحرام، وإدراك الركوع، وإدراك الركعة، وإدراك الجماعة، وإدراك الجمعة، وإدراك الوقت، فإدراك تكبيرة الإحرام بما يكون؟ تكبيرة الإحرام بما تدرك؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني بمجرد إذا كبر فكبروا؟ يعني لو كبر الإمام وبيدك السواك تتركه، أو تتسوك ثم تكبر؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب: بالوقوف بالصف. مباشرة، يعني على هذا لو كان السواك بيدك ما تتسوك. طالب:. . . . . . . . . غيره. طالب:. . . . . . . . . بتمامها أو بالبداية بها؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 منهم من يقول: بالفراغ من الفاتحة، ويدل لهذا بقول بلال: "لا تسبقوني بآمين" والقول الجاري على القواعد عند أهل العلم أنه إذا شرع في الفاتحة وشرع في الركن الذي يلي تكبيرة الإحرام انتهى الركن الأول، الركن الأول تكبيرة الإحرام، والثاني الفاتحة، فإذا شرع في الركن الثاني انتهى الأول، فلا يكون مدركاً لتكبيرة الإحرام بعد شروع الإمام في الفاتحة. إدراك الركوع يكون بالتكبير -بتكبيرة الإحرام-، ثم للانتقال من القيام إلى الركوع، وإن تركه مكتفياً بتكبيرة الإحرام على أن ينوي تكبيرة الإحرام، وأدخل التكبيرة الصغرى في الكبرى؛ لأن التداخل في مثل هذا معروف عند أهل العلم، فإذا كبر للإحرام أو ينويهما معاً، ثم انحنى هصر ظهره، ووافق الإمام في جزء من الركوع، يعني ركع والإمام راكع، لا يعني أنه ركع والإمام يرفع، ولو تأخر في قوله: سمع الله لمن حمده، لا يدرك الركوع؛ لأن العبرة بالفعل لا بالقول، فإذا أدرك الإمام وانحنى معه ووافقه في جزء من هذا الركوع فإنه يكون مدركاً للركوع، وبه تدرك الركعة. والجماعة استدل بهذا الحديث من يقول: إن الجماعة لا تدرك إلا بركعة، وأقل من ركعة لا يسمى صلاة، أقل من ركعة لا يسمى صلاة، وهذا ما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، فإذا أدرك الركوع في الركعة الأخيرة أدرك الجماعة، وإذا فاته الركوع فاتته الجماعة، فهو في حكم المنفرد، وأكثر العلماء على أن الجماعة تدرك بإدراك جزء منها، ولذلك في كتب الحنابلة من كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس. وقل مثل هذا في إدراك الوقت، عند جمع من أهل العلم أن من أدرك جزءاً من الصلاة ولو تكبيرة الإحرام قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها، أو قبل خروج الوقت في غيرهما من الصلوات فإنه يكون مدركاً للوقت، لكن الحديث نص في أنه لا يدرك الوقت إلا بإدراك ركعة. يكثر السؤال عمن جاء والإمام رافع من الركعة الأخيرة، هل يدخل معه أو ينتظر جماعة أخرى؛ ليكون مدركاً لها بيقين؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 حديث: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) يدل على أنه يدخل ولو في التشهد، لا سيما على قول من يقول: إن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء من الصلاة، أما من يقول: إن صلاة الجماعة لا تدرك إلا بركعة، ويغلب على ظنه أنه يلحق بجماعة أخرى، فيكون مدركاً لها بيقين فهؤلاء يقولون: ينتظر؛ ليدرك الجماعة بيقين. ثم قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها" ... بقي عندنا إدراك الجمعة، نعم انتهينا من إدراك تكبيرة الإحرام والركوع وبه تدرك الركعة والجماعة بقي الجمعة. الجمعة حتى عند من يقول: إن الجماعة تدرك بأقل جزء قبل سلام الإمام لا يقول بأن الجمعة تدرك بأقل من ركعة، لا بد أن يصلي مع الإمام ركعة كاملة، ثم يضيف إليها أخرى؛ ليكون مدركاً للجمعة، أما إذا فاتته الركعة الثانية ولو أدرك بقيتها فإنه حينئذٍ يصليها ظهراً. ويفرعون على هذا مسائل كثيرة منهم من يقول: العبرة بالإمام، فإذا رفع الإمام من الركعة الثانية انتهت الجمعة، فمن جاء بعد ذلك يصليها ظهر، ولو أدرك مع الإمام ما أدرك، ومنهم من يسترسل ويقول: إذا أدركت مع من أدرك الجمعة ركعة تصلها جمعة، يعني لو أن شخصاً فاته ركعة أدرك الجمعة بالركعة الثانية، ثم قام ليقضي فأدركت هذه الركعة معه تصلي جمعة، ثم قمت لتقضي هذه الركعة التي فاتتك وأنت أدركت جمعة يأتي معك من يصلي جمعة وهكذا، لكنه قول ضعيف، فالعبرة بالإمام، والجمعة والجماعة منوطة به. بعد هذا يقول: "وعن عائشة -رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك من العصر سجدة)) " هذه حجة من يقول: إن الركعة أو الجماعة أو الوقت .. ، من يقول: إن الجماعة والوقت تدركان بإدراك سجدة ولو فات الركوع، فإذا جاء والإمام ساجد أدرك الجماعة في الركعة الأخيرة، وإذا أدرك سجدة من الوقت فقد أدرك الوقت، لكن هل يتصور إدراك سجدة من غير إدراك الركوع؟ نعم يعني من يستدل بأن المراد إدراك أي جزء، يعني لو كبر تكبيرة الإحرام ثم غابت الشمس فهو مدرك للعصر، مستدل بإدراك سجدة، هل يتم استدلاله بهذا؟ لا يتم، لماذا؟ لأن الركوع قبل السجود، فمن أدرك السجدة فقد أدرك الركعة بيقين؛ لأن الركوع قد وقع قبله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 ((من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدركها)) والسجدة إنما هي الركعة. وهذه الجملة منهم من يقول: إنها من أصل الحديث، من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إنها مدرجة من كلام الراوي، وعلى كل حال الراوي أدرى بما روى، ويرد الركوع ويراد به السجود، كما أنه يرد السجود ويراد به الركوع. هنا السجدة إنما هي الركعة {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] هل يتصور أن يدخلون سجداً أو ركعاً؟ ركعاً، يدخلونه وهم ركوع لا سجود؛ لأن من سجد لا يستطيع أن يدخل الباب، إنما يدخله راكعاً منحنياً، {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] يعني في سجدة ص هل نقول: إنها ركوع فقط "خر راكعاً" أو هي سجدة؟ نعم؟ سجود وإلا ركوع؟ سجود بلا شك، وعلى هذا يرد السجود ويراد به الركوع، والعكس. "والسجدة إنما هي الركعة" والحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق، وهو أن من أدرك من وقت صلاة الفجر ركعة كاملة فإنه حينئذٍ يكون مدركاً. إذا قلنا: إن من أدرك سجدة فقد أدرك ركعة لا محالة، وهذا ما يدل عليه الحديث الثاني حديث عائشة، لكن ماذا عن حديث أبي هريرة؟ هل نستطيع أن نقول: إن الذي كبر للإحرام قبل خروج الوقت ووقف وقرأ، ثم ركع إذا أدرك الركوع في الجماعة أدرك الركعة، لكن هنا إذا أدرك الركوع هل يكون مدركاً للوقت أو لا؟ أو لا بد أن نقول: إن الركعة هي كاملة، بقيامها، بركوعها، بسجدتيها، بأذكارها، لا بد أن يدركها كاملة؛ ليكون مدركاً للوقت؛ لأن أقل ما تطلق عليه الصلاة ركعة كاملة. بعد هذا أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة نتركها للغد؛ لأنها تحتاج إلى شيء من التفصيل والوقت انتهى، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (4) تابع: باب: مواقيت الصلاة الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما رأيكم في كتاب أخلاق العلماء للآجري -رحمه الله-؟ هذا كتاب طيب ونفيس، وفيه نقول بالأسانيد عن الأئمة فيما يختص بهذا الشأن وهو الأخلاق والآداب التي ينبغي للعالم والمتعلم أن يتحلى بها. يقول: وبالنسبة لتحقيق دار أضواء السلف؟ أنا ما قرأت هذا التحقيق، وإنما قراءتي في الطبعة القديمة. يقول: في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "والشمس مرتفعة حية" ما وجه إعراب حية؟ حية حال كونها حية، والشمس مرتفعة هذه الجملة انتهت، وحية حال. يقول: طرحت خلال اليومين المنصرمين المساهمة في مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية السهم بعشرة ريال، والمدينة لم تقم بعد، فهل يجوز الاكتتاب بأسهما أم لا؟ وإذا اعتبرنا كما يقال: إن قيمة الأسهم تعتبر رأس المال الذي تقام به المدينة، ومن ثم تشغيلها، فهل يجوز بيع وشراء أسهما عند فتح باب التداول؛ لأن المساهمات الموجودة غالباً يفتح باب التداول بعد الاكتتاب بشهرين أو ثلاثة تزيد أو تنقص مع أن المشروع لم يبدأ نشاطه بعد؟ هذه الأسهم .. ، أما بالنسبة لهذا المشروع على وجه الخصوص فأهل الشأن وأهل الاختصاص يقولون: إنه لا يسلم من إيداع واختلاط في أول أمره، قبل أن يشتغل، فمثل هذا لا يجوز المساهمة فيه. وقوله: فهل يجوز الاكتتاب بأسهمها؟ عرفنا أنه إذا كان مختلطاً من أول أمرها لا يجوز الاكتتاب فيها ولا المساهمة فيها. هل يجوز بيع وشراء أسهمها عند فتح باب التداول؛ لأن المساهمات الموجودة غالباً يفتح باب التداول بعد الاكتتاب بشهرين أو ثلاثة تزيد أو تنقص مع أن المشروع لم يبدأ نشاطه بعد؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 الشركات التي لا تزاول أمراً محرماً التي يجوز المساهمة فيها إذا كان عملها عمل هذه الشركة مباحاً، ومعلوم للمتعاقدين، والشريك أو المساهم شريك في جزء مشاع من هذه الشركة، وهذا الجزء مباح العقود، هذا المساهمة فيها لا يقال: بأنها حرام، وإن كان عموم الأسهم لا تسلم من شبهة، لكن بيعها وشراؤها إذا صارت أعيان، أما إذا كانت دراهم قبل أن تكون أعيان، وقبل أن يبدأ تبدأ الشركة نشاطاتها ومعاملاتها فإنه لا يجوز بيع الأسهم ولا شراؤها؛ لأنه بيع دراهم بدراهم، أنت دفعت عشرة، لك عشرة أريم من هذه الشركة فأنت تبيعها بعشرين أو ثلاثين عشرة بعشرين ربا، لكن إذا تحولت هذه الأموال إلى عروض تجارة يجوز بيعها حينئذٍ بأكثر أو أقل. يقول: ما الراجح فيمن أتى والجماعة في الجلسة الأخيرة؟ هل يدخل معهم ليدرك فضل الجماعة الأولى أم ينتظر جماعة أخرى؟ ذكرنا هذا فيما مضى، وأن إدراك الجماعة بيقين لا يكون إلا بإدراك ركعة، أما من أدرك أقل من ركعة فإنه لا يدرك الجماعة على قول جمع من أهل العلم، وإن أدركها على قول بعضهم، فإن كان يغلب على ظنه وجود جماعة أخرى يدركها بيقين فلينتظر، أو لينتقل إلى مسجد آخر يدرك فيها الجماعة ممن عرف بالتأخر، أما إذا غلب على ظنه أنه لا يدرك جماعة أخرى فليصل مع هذه الجماعة رجاء حصول الأجر على القول الآخر، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) علماً بأنه جاء في سنن أبي داود: أن من خرج من بيته يريد الجماعة، ثم فاتته الجماعة فله مثل أجرهم، يعني هذا ما لم يتعمد التأخير، حصل له مانع يمنعه وأخره عن إدراك الجماعة بيقين هذا يرجى له الأجر. يقول: ماذا يفعل من اكتتب الآن في مشروع مدينة الملك بعد علمه بالتحريم؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 عليه أن يسحب أمواله؛ لأن الإشكال كبير في مثل هذه المساهمات إذا تبين للإنسان أنها محرمة، أو تاب بعد علمه بأنها محرمة، الإشكال كبير أنه هل يجوز بيعها على غيره؟ هذا تعاون على الإثم والعدوان، هل يستطيع أن يسحب أمواله؟ لا يستطيع، الشركة نفسها لا تشتري الأسهم، إنما تبيع على طرف ثالث، والطرف الثالث لا يجوز له أن يشتري، فإذا بعت عليه شيء لا يجوز بيعه فتعاونت معه على الإثم والعدوان، والمسألة مشكلة جداً، فعلى الإنسان أن يتحرى. يقول: قضمت ظفري وقطعته، وأنا محرم للعمرة، ولم أتحلل بعد من عمرتي، فهل علي شيء؟ علماً أني كنت ناسياً. إذا كنت ناسي ما عليك شيء. يقول: هل يصح شيء في أن المعصية في مكة بمعصيتين أي ضعف الذنب والسيئة خارج مكة؟ لم يثبت في هذا شيء، وإنما أهل العلم يقررون أن الذنب معظم، العقوبة تعظم على من عصى في المكان المفضل، أو الزمان المفضل. هل السمر في مذاكرة العلم يدخل في كراهة الكلام بعد العشاء؟ لا، لا يدخل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه حدث. ما الراجح في إدراك الجماعة؟ ذكرناه هذا. ألا يتعارض قوله: "ينفتل من القراءة حين يعرف الرجل جليسه" مع الحديث السابق: "لا يعرفهن أحد من الغلس"؟ لا، ما في تعارض؛ لأن الرجل يعرف كاشف وجهه، أما المرأة لا تعرف؛ لأنها متحجبة. ما حكم من كان عليه دين في مواد مخدرة كالدخان والخمر؟ هذه ليست أموال، فلا قيمة لها، لكن إذا كان قصده من الاستدانة من هذه المواد المحرمة، ثم بيعها بعد ذلك وأخذ قيمتها، ثم يماطل صاحبها ويقول: هذه لا يجوز، تؤخذ منه القيم، ولا تدفع إلى صاحبها، وإنما تكون من نصيب بيت المال، فعليه أن يدفعها إلى ولي الأمر. يقول: هل جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة كان لعارض؟ وما هو الحرج الذي كان لا يريده النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته؟ الحرج هو المشقة، ولا شك من وجود الحرج في ذلك الوقت، ولذلك قال ابن عباس: "أراد ألا يحرج أمته" لأنه لو صلى كل صلاة في وقتها لوقعوا في حرج. هل إذا كان الرجل لديه مثلاً ضيوف في البيت وهم جماعة، فهل يشرع لهم أن يصلوا في البيت؟ وهل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 إذا كانوا يسمعون النداء فلا بد من إجابة المؤذن، لا بد من الإجابة، والصلاة حيث ينادى بها، فلا تجوز الصلاة في البيوت ولو كانت جماعة. أما الجمع من غير المسافر فإنه لا يجوز، ولا إخال السؤال على ما هو واضح منه: وهل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟ هم إذا كانوا غير مسافرين لا أحد يقول بأنهم يجمعون، لكن إذا كانوا مسافرين والسفر ليس بجاد بهم، يعني أقاموا عند هذا المضيف وهم مسافرون، جاءه ناس ضيوف مسافرون، وجلسوا عنده، وأرادوا أن يجمعوا، أخروا المغرب حتى يجمعوها مع العشاء، هم مسافرون، لكنهم في الوقت، في وقت الصلاة لم يجد بهم السفر هم في بيت مضيفهم، كأني فهمت هذا من السؤال، وإلا ما يمكن أن يسأل، هل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟ نقول: ليس لهم أن يجمعوا، لكن إذا كانوا مسافرين بالفعل، وفي وقت الصلاة هم مقيمون عند هذا الرجل الذي ضيفهم في حال استضافته إياهم، فإن كانوا يسمعون النداء لا بد من إجابة المؤذن، وإن كانوا لا يسمعوا لهم أن يجمعوا ولو لم يجد بهم السفر. يقول: يسأل عن أحسن نسخة محققة للكتب التالية: "العدة حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام". الطبعة السلفية التي أشرف عليها الشيخ علي الهندي -رحمه الله-. طرح التثريب للعراقي وولده؟ الطبعة الأولى طبعة لجنة التأليف والنشر طيبة فيها أخطاء يسيرة تدرك. سبل السلام للصنعاني. فيه طبعات كثيرة، أشهرها ثلاث: طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا طبعة طيبة بالجملة ليس فيها تخريج ولا عزو، لكنها مصححة، وفيه أيضاً طبعة الشيخ طارق عوض الله طيبة، وطبعة صبحي الحلاق، وعليها تعليقات وتخاريج مطولة، وهي طيبة إلا أنها فيها بعض الأخطاء، هذه الطبعات الثلاث هي أجود طبعات الكتاب. يقول: بما أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما يقرره أهل العلم، إذا لم تكن العلة مركبة، وهذا ينطبق على حديث أبي هريرة، وفيه الإبراد بصلاة الظهر، فيقال: ما دامت المكيفات موجودة في المساجد بحيث لا تؤثر الحرارة على المصلي، ولا يشعرون بها حتى في حال البعد عن المسجد، فإنه يركب سيارة ويصل إلى المسجد فلا يعمل بهذا الحديث؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 لا شك أن الحكم في مثل هذا يدور مع علته، لا سيما وأنها منصوصة، إذا كانت العلة منصوصة دار الحكم معها، وهي منصوصة، لكن يبقى أنه ليس كل الناس ينطبق عليهم هذا الكلام، وليس جميع المساجد تكييفها كافي، ولا جميع البلدان فيها مكيفات، فالحكم باقٍ. الأمر الثاني: أنه لو وجد التكييف في المسجد وكافي ما كل الناس عندهم سيارات، فلا شك أن الحكم باقٍ. يقول: يبتعد المرء كثيراً عن أماكن التصوير والمصورين سواءً كان ذلك بالفيديو أو الكاميرا، لكننا ابتلينا بالتصوير في داخل المسجد أثناء الدورات العلمية بالكاميرا وبالفيديو، فماذا نعمل؟ وما هو واجبنا تجاه هذا الأمر؟ إذا كانت المصلحة راجحة في حضورك هذه الدورة، والإفادة من هذه الدورة، فابتعد عن أماكن التصوير، وإذا كانت المصلحة مرجوحة، والفائدة يعني لا تستحق ارتكاب مثل هذا المحظور فلا تحضر، علماً بأنه قد يقول قائل: إن ما عند الله لا ينال بسخطه، وما دام ترى تحريم هذا النوع فلا تحضر؛ لأن ما عند الله لا ينال بسخطه، والإشكال أنه يوجد التصوير حتى في الحرم، الآن الكاميرات تصور من غير نكير بين الناس، لكن إلى الله المشتكى، وإلى وقت قريب نرى الكاميرات تكسر في الحرم وفي خارجه، وفي المشاعر تكسر، وأدركنا شيء من ذلك. يقول: ما أفضل تفسير وأيسر، وهل تنصحني بتفسير الجلالين؟ أفضل تفسير وأيسر من المختصرات ذكرنا مراراً أن تفسير الشيخ ابن سعدي نافع وسهل لطالب العلم المبتدئ إذا انضم له تفسير توفيق الرحمن لدروس القرآن، وأما تفسير الجلالين فهو فيه صعوبة على الطالب المبتدئ، وفيه مخالفات عقدية، فيؤجل إلى أن يقرأ التفسير المذكور، أعني تفسير ابن سعدي مع تفسير الشيخ فيصل. هل التثويب في أذان الفجر في الأول أو في الثاني؟ وما صحة حديث ابن عمر في ذلك؟ التثويب هو في الأذان الثاني من الأذانين المعروفين، لكنه بالنسبة للأذان والإقامة، والإقامة تسمى أذان يكون في الأول، وهو الثاني بالنسبة للأذانين، وما جاء في سنن النسائي من أن التثويب في الأول مقبول، لا إشكال فيه، لكن المراد بالأذان الأول هو الأذان، والثاني بالنسبة له هو الإقامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 يقول: إذا دخل المصلي الصلاة في الوقت وأطال القراءة ولم يركع إلا بعد خروج الوقت، فهل يكون مدركاً للصلاة؟ إذا لم يكن مدركاً ركعة كاملة في الوقت لم يكن مدركاً للصلاة. يقول: لو تطهر إنسان ثم لبس خفيه، ثم أراد أن يجدد الوضوء، فهل تبتدئ المدة بعد هذا المسح أو لا تبتدئ المدة إلا بعد مسح الحدث؟ المدة المحددة يوم وليلة، يعني خمس صلوات، فمتى مسح بدأت المدة، ومنهم من يقول: إن التجديد لا عن حدث لا يحسب، فكأنه لم يمسح، وعلى كل حال الأحوط أن تحتسب المدة من أول مسح. نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو يوم وليلة. ذكر أن أحد الصحابة كان لا ينام حتى يصلي فلم أسمع أهو عمر أم ابن عمر؟ هو ابن عمر، عبد الله بن عمر. يقول: ما حكم وضع آيات قرآنية أو أدعية أو أذكار أو أذان نغمة في الجوال، فقد عمت به البلوى؟ فما قولكم؟ لا شك أن وضع مثل هذا فيه امتهان لما أمر بتكريمه من القرآن والأذكار والأدعية، هذا امتهان، وقد يحدث مثل هذا في الأماكن التي لا يجوز فيها الذكر. يقول: هل المسافر تسقط عنه الجمعة؟ وإذا سقطت عنه هل يصليها ظهر أربع ركعات أو يقصر ركعتين ويجمعها مع صلاة العصر؟ المسافر ليس عليه جمعة، لكن إن حضرها أجزأته، وهي أفضل بالنسبة له، وإذا لم يصلها جمعة لكونه مسافر فإذا صلاها ظهر وقصرها ركعتين وجمع إليها العصر له ذلك. يقول: كيف يتم حساب نصف الليل؟ وما هو المعتمد؟ هل هو طلوع الفجر أو غروب الشمس؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 هذا ما في تقابل بينهما، الليل يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإذا كانت الشمس تغرب في السابعة وأربع دقائق، ويطلع الفجر في الرابعة والنصف مثلاً، يعني إذا حسبنا من سبع إلى أربع ونصف عندك خمس ساعات وأربع ساعات ونصف يعني كم؟ تسع ونصف، تسع ساعات ونصف، إذا قسمتها على اثنين يصير خمس ساعات إلا ربع، إذا أضفتها إلى السابعة يكون نصف الليل في الثانية عشرة إلا ربع، هذا بالنسبة لهذا الحديث، لكن هناك ما يقتضي حساب الليل من صلاة العشاء، لا من غروب الشمس، وذلكم في مثل حديث قيام داود، ينام نصف الليل، هل ينام من غروب الشمس أو من صلاة العشاء؟ نعم ينام من صلاة العشاء، فينام نصف الليل من صلاة العشاء، وبهذا الحساب يكون نصف الليل في قيام داود يعادل الثلث الأخير من الليل في الحساب العادي من غروب الشمس، وأشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية. يقول: إذا ذُكر النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يصح أن يقول: الشخص اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ لا بأس، ويش المانع؟ إذا ذكر يصلي عليه وعلى آله وصحبه. يقول: أحرمت أنا وزوجتي من الميقات للعمرة، وعندما بدأنا بالطواف في الشوط الثالث أخبرتني زوجتي أنها ما زالت تلبس النقاب، ونسيت أن تخلعه، ولم يكن معها أثناء الطواف شيئاً تلبسه بدل النقاب، فأكملنا الطواف والسعي بهذه الصورة، وهي ما زالت متنقبة، ثم قصرت، سؤالي ما هو الواجب عليها الآن؟ إذا لم يكن معها ما تحتجب به، وتغطي به وجهها إلا هذا النقاب فإنها تلبسه على هيئة لا يشبه النقاب، إذا جعلت أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، أو رفعت ما على العينين إلى جهة الأعلى، أعلى الوجه انتهى ما صار نقاب، إذا غطى العينين ما صار نقاب، وعلى كل حال الباعث على مثل هذا كله النسيان في الأول، ثم الجهل في الثاني. يقول: في بعض المساجد يوضع أمام المصلين لوحة كبيرة جداً، فيها أذكار ما بعد الصلاة، فما رأيكم؟ إذا لم تشغل المصلين أثناء صلاتهم فلا بأس -إن شاء الله تعالى-. هذا كلام ما هو بواضح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 يقول: هذا من البرازيل، يقول: كثير من الإخوة هنا في بلاد الكفار يعملون طول النهار، والعمل ما يسمح بأداء الفريضة في الوقت بحيث لا يستطيعون أن يصلوا إلا الجمع بين الصلوات في بيوتهم مثلاً تذهب الظهر والعصر والمغرب بسبب العمل، ثم يصلون الصلوات جمعاً في بيوتهم، فما هو الحال؟ إذا كانوا مقيمين فلا يجوز لهم بحال أن يعملوا مثل هذا العمل، بل عليهم أن يصلوا كل صلاة في وقتها، والعمل الذي يعوق بين المرء وبين صلاته هذا عمل لا خير فيه يترك. تقول: ذكرتم في الدرس السابق عن صلاة الجمعة، فمن أدرك الركوع الثاني أدركها، وإن لم يدركه ولو جلس مع الإمام للتشهد، فإن فاتته يصليها ظهراً، هل لكم أن توضحوا لنا، وبورك فيكم؟ نعم من أدرك الركعة الثانية بإدراك ركوعها فإنه يضيف إليها أخرى، وتكون حينئذٍ جمعة، أما إذا رفع الإمام من الركوع الثاني قبل أن يدخل المسبوق في الصلاة، فليدخل مع الإمام، ويأتي بأربع ركعات بنية الظهر. يقول: ما حكم تركيب الرموش الاصطناعية؟ هل تدخل في مسألة وصل الشعر؟ نعم حكمها حكم الباروكة التي توضع على الرأس، والحكم يشمله ما جاء في الوصل. أنا أعمل في شركة عالمية وممتازة من ناحية المزايا -ولله الحمد-، وأنا أؤدي عملي بإتقان، ومن أفضل الموظفين، ورؤسائي في العمل راضين عن أدائي، مشكلتي أني كلما لقيت فرصة أخرج من العمل أستغلها بشرط ألا تؤثر في سير العمل، وبصراحة أنا أترك كثير من العمل وممشي العمل زي ما يقول .... ما أدري والله كلام عامي. على كل حال يذكر أنه متقن لعمله، لكنه يخل بالوقت، يخرج ويترك العمل، هو لا يترك عمل مؤجل، يعني لا يخرج وعنده وعمل، إنما هو يتقن العمل على الوجه المطلوب، ولا يترك عمل إلى الغد، ويخرج في أثناء الدوام، ما يجد فرصة للخروج إلا ويخرج، فإن كان هذا بالاتفاق مع من يملك من أهل الصلاحيات من أهل العلم، فالأمر لا يعدوهم، وإلا فالأصل أنه إنما تعوقد معه على العمل في إنجازه، وعلى الوقت معاً، الدوام من الساعة كذا إلى الساعة كذا، ملك للشركة، لا يجوز أن تترك منه ولا لحظة إلا بإذنهم. هذه تسأل تقول: ما معنى قول من يقول: يفترقن قدراً ويفترقن شرعاً؟ كيف؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 يعني قد يكون الشيء مكتوب قدراً، فيحصل للإنسان وهو منهي عنه شرعاً أو العكس يكون مأمور بالشيء شرعاً، لكنه لم يكتب له قدر، فلا يحصل منه. ما حكم صلاة التسبيح؟ وهل هي واجبة على كل مسلم؟ وكيف نؤديها أفيدونا؟ صلاة التسبيح ضعيفة، القول الصحيح فيها أنها ضعيفة. يقول: ما هي أسس اختيار الزوجة الصالحة؟ وعلى ماذا أركز إذا اخترتها؟ تركز على الدين؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)). حيث أنني بحثت كثيراً ولم أجد زوجة صالحة، فأكثرهن لا يبالين بالحجاب الشرعي، ولا يلتزمن به، فهل أتزوج أي امرأة، وبعد ذلك ألزمها بالحجاب، والنساء في بلدي كما ذكرت لك حالهن، وادعوا لي يا شيخ ... ؟ الله يرزقه الزوجة الصالحة، لكن عليه أن يسعى للحصول على زوجة صاحبة دين، والمسألة مسألة نسبية يعني إذا ما وجد، فلا بد أن يتنازل عن بعض الشروط، ثم بعد ذلك يشترط عليها إذا لم يكن إلا الحجاب يشترط عليها أن تحتجب قبل إبرام العقد. كيف يتقي الإنسان ربه في السر والعلن؟ إذا استحضر عظمة الرب -جل وعلا-، وعظم الذنب الذي يقترفه، وأن لذة هذا الذنب إن كانت فيه لذة، لا تكون شيئاً إذا قورنت بإثم هذا الذنب، وعقوبة هذا الذنب، فإن الإنسان يراقب الله -جل وعلا-، والمسألة تحتاج إلى جهاد. يقول: ذكرتم أن السنة تأخير صلاة العشاء إلى منتصف الليل، يعني تأخيرها إلى مضي قدر من الليل، وليكن الثلث، أو أكثر منه، ما لم يصل إلى النصف؛ لأنه في النصف ينتهي وقتها إذا أخرها إلى منتصف الليل خرج وقتها، إنما يصليها قبل ذلك، فكيف يتم حسابها؟ يتم الحساب من النظر من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، النظر إلى الوقت كامل، ثم يقسم على اثنين. يقول: عندنا إذا أرادت المرأة أن تلقي محاضرة، وتفيد أخواتها فلا بد من تصريح من الأوقاف، ولا تلقي هذا الدرس إلا في المسجد في المكان المخصص للنساء، ويحدد يوم معين، يجتمع فيه النساء، ويأتين من مناطق شتى، فماذا تعمل المرأة إذا أتاها العذر الشرعي، فقد تقع في حرج مع النساء اللاتي يأتين من مناطق شتى؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 يعني هذه المرأة الملقية التي حدد لها اليوم المحدد وحضر الناس من أجلها، ثم جاءها العذر الشرعي، جاءها الدورة الشهرية، هذه تحرص أن يكون التحديد موافق لأيام طهرها. يقول: ذكرت في شرح: "متلفعات" ما يجب على المرأة أن تراعيه في احتشامها عند خروجها، يقول: في زمننا هذا الذي يختلط فيه الحابل بالنابل كيف يمكن أن نطبقه إذا كانت هناك بعض الوزارات التابعة للحكومة تشترط على المرأة نزع نقابها هذا خارج المملكة؟ على كل حال إذا وجد مثل هذا والإلزام بالمعصية فالعزلة، إذا كان لم يكن هناك مندوحة عن مقارفة المعصية فالعزلة، إذا أمرت بنزع حجابها فلتترك العمل. تقول: قرب موعد زواجي، فماذا تنصحونني؟ وهل من وصايا منكم يمكنني أن أنتفع بها في ديني ودنياي؟ وهل يجوز لي جمع صلاة المغرب والعشاء في ليلة الزواج؟ حيث أنني سمعت الكثير من الأخوات من طالبات العلم يفتين بهذا، فهل يجوز؟ أما بالنسبة للنصائح فعليها أن تتأدب بالآداب الشرعية المتعلقة بالزوجة، وما يجب عليها تجاه زوجها، وأما بالنسبة لجمع المغرب والعشاء ليلة الدخول فهذا لا يجوز بحال، ما دام السبب المقتضي للجمع غير قائم فإنه لا يجوز، الصلاة كتاب موقوت، يعني مفروض في الأوقات، فلا يجوز تأخير صلاة المغرب عن وقتها، أو تقديم صلاة العشاء عن وقتها إلا لمبرر شرعي كسفر أو مرض أو برد شديد أو مطر، وما أشبه ذلك، أما الزواج فليس بمبرر، وأما من يفتي بذلك فهو مفتي مع الجهل، فهؤلاء يضلون بأنفسهم، ويضلون غيرهم. وكيف يكون الزواج على الطريقة الشرعية وفق السنة النبوية؟ وهل من كتاب يفيدنا في هذا الجانب؟ فيه آداب الزفاف للشيخ الألباني -رحمه الله-. ويا ليت لو تقيمون محاضرة تتحدثون فيها عن الزواج؛ لأننا نحتاجها في وقت اختلط فيه الحلال والحرام، ولا نعرف نميز بين الحق والباطل، والآن وقت إجازة، وتكثر الأعراس. يعني شرح كتاب النكاح من كتب العلم، سواءً كانت في الحديث أو في الفقه، أو في آيات النكاح من كتب التفسير كل هذا نافع، فإذا خصص أوائل الإجازات الصيفية لإقراء ودراسة وتدريس هذه الكتب انتفع الناس بها -إن شاء الله تعالى-. مقروء إلى آخر الباب؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" ثلاث ساعات: الساعة هي المقدار المحدد من الزمان، لكنه قد يطول وقد يقصر، قد يكون أكثر من الساعة الفلكية، وقد يكون دونها، والساعات هذه المذكورة في الحديث من أوقات النهي المضيقة حدودها ما بين عشر إلى ربع ساعة، ما بين عشر دقائق إلى ربع ساعة، هذه الساعات المشار إليها، والساعات في التبكير للجمعة قد تزيد على الساعة الفلكية، فتصل على ساعة وعشر دقائق مثلاً، أو ساعة وربع وقد تنقص. ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: أن الساعات الخمس في التبكير للجمعة إنما هي ساعات لطيفة بعد الزوال، يعني بين الزوال ودخول الإمام، يعني قد تكون الساعة إذا كان الإمام يدخل بعد الزوال بعشر دقائق صارت الساعة دقيقتان، ساعات لطيفة، يعني قليلة جداً وقتها يسير، ولذا المرجح قول جمهور أهل العلم، وأن الساعات تبدأ من ارتفاع الشمس، يعني من طلوع الشمس وارتفاعها، وخروج وقت النهي، هذه الساعات التي يمكن أن تسمى ساعات، وهي التي فيها ما فيها من مشقة على ما رتب عليه هذا الأجر العظيم، فمن جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، الساعة الأولى ساعة وقد تزيد بحيث، من ذهب إلى صلاة الجمعة بعد طلوع الشمس لا شك أنه مجاهد لنفسه، لا سيما وأننا نرى كثير من الناس حتى من طلاب العلم من يتأخر إلى قرب دخول الإمام، وقد يتأخر إلى ما بعد دخول الإمام، فلا شك أن التقدم إلى الجمعة يحتاج إلى جهاد، والأجر المرتب عليه لا يناسبه ما يذكر عن مالك، إنما من ذهب من طلوع الشمس إلى الجمعة هذا الذي كمن قرب بدنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 قد يقول قائل: أنا إذا ذهبت أتعلم آية من القرآن، أو أقرأ آية من القرآن فكأنما حصلت على ناقة كوماء، وآيتين على ناقتين، يقول: أجلس في بيتي ولا أتقدم إلى الجمعة، وبدلاً من أن أقرأ أذهب لأحصل على أجر بدنة أقرأ ألف آية، وكأنما حصلت على ألف بدنة كوماء، يمكن أن يقال هذا وإلا ما يقال؟ يعني إذا قارنا بين الأحاديث، ونظرنا بعضها إلى بعض، لكن هل هذا القول متجه وإلا غير متجه؟ طالب: لا. لماذا؟ طالب: لأنه قال: من أتى المسجد .... طيب يقول: أنا أروح المسجد الذي جنبنا ما في زحام ولا فيه بعد، وأجلس إلى أن يقرب دخول الإمام وأروح، فبدلاً من أن أقدم بدنة واحدة أحصل على هذه البدنات الكوماوات يرد وإلا ما يرد؟ طالب: يرد. يعني ما في فرق بين أن تدفع، تقدم، وبين أن تأخذ، يعني كونك تحصل على بدنة كوماء لأنك تعلمت آية وبدنتين وثلاث وعشر ومائة وألف ولا يحصل لك إلا واحدة في التبكير إلى الجمعة، هذا أنت تنفقه في سبيل الله، والبدنات التي تحصل عليها من خلال تعلمك للقرآن هذا تكسبه، مكاسب، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، لو كسبت الدنيا كلها ركعتي الفجر أفضل منها، فهناك فرق وإلا ما في فرق؟ يعني فرق بين أن تبذل وبين أن تأخذ، فلا إشكال هنا أبداً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" نصلي يشمل الفريضة، المقضية، والمؤداة، مقضية بالنسبة للصبح، ومؤداة بالنسبة للعصر في آخر وقتها، ويشمل أيضاً قضاء الفوائت، ويشمل الرواتب ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتي الطواف وركعتي الإحرام، وصلاة الاستخارة وغيرها مما له سبب، ويشمل صلاة التطوع المطلق، ويشمل الكسوف والجنازة كلها تسمى صلاة، والخلاف في السجود، سجود التلاوة وسجود الشكر، هل يسمى صلاة فيدخل في النهي أو لا يسمى صلاة فلا يدخل، فالمقصود أن الحديث بعمومه يشمل هذه كلها، يشمل الفرائض، لكن الفرائض مستثناة بدليل ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) الفرائض مستثناة، فلا تدخل في هذا، وإن كان رأي الحنفية أن الفرائض داخلة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما استيقظ من نومه أخر صلاة الصبح حتى خرج وقت النهي؛ لأنهم انتقلوا من المكان، وعرفنا أن العلة علة التأخير لا لخروج وقت النهي، وإنما هو لأنه مكان حضر فيه الشيطان، وإلا فوقت النهي قد ارتفع؛ لأنه لم يوقظهم إلا حر الشمس، وحينئذٍ تكون الفرائض مستثناة من هذا العموم ((فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) في أي وقت كان سواءً كان وقت نهي أو غير وقت نهي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 "ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" دفن الميت وإن كان بعضهم يحمله على صلاة الجنازة التي يعقبها الدفن، لكن النص ظاهر في أنه في الدفن، فلا تدفن الجنازة إذا صلي عليها بعد الصبح مثلاً، ثم وصلوا إلى القبر وهو جاهز ولا يبقى إلا إدخالها فيه، وقت بزوغ الشمس، أو صلوا عليها بعد العصر مثلاً، ولم يصلوا إلى المقبرة إلى قرب غروب الشمس في الوقت المضيق، فإنها لا تدفن حتى تغرب الشمس، وفي المسألة الأولى لا تدفن حتى ترتفع الشمس، وأيضاً قل مثل ذلك في حينما يقوم قائم الظهيرة، فالنهي في هذه الأوقات عن شيئين، عن الصلاة بجميع ما تحتمله هذه الكلمة إلا الفرائض على ما تقدم، وعن دفن الأموات، فهذه ثلاثة أوقات مضيقة: "حين تطلع الشمس بازغة" يعني طالعة، بازغة مصدر مؤكد، تطلع الشمس بازغة "حتى ترتفع قيد رمح" قيد رمح يعني ترتفع عن مستوى سطح الأرض بمقدار رمح، ويقدر هذا بعشر دقائق أو ما بين العشر إلى ربع ساعة؛ لأن طول النهار وقصره له دور في ذلك، ففي الصيف يزاد في المدة، وفي الشتاء تكون المدة عشر دقائق. "حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة" حينما يشتد الحر في منتصف النهار، وفي وقت الزوال قبيل الزوال حتى تزول، يقوم قائم الظهيرة؛ لأن الشمس إذا صارت في كبد السماء في وسط السماء كأنها واقفة، فإذا زالت مالت إلى جهة المغرب حلت الصلاة، وهذا أيضاً مدته كما تقدم من عشر دقائق إلى ربع ساعة. "وحين تتضيف" يعني تميل "الشمس للغروب حتى تغرب" وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، يعني تميل، الشمس تبدأ بالميلان إلى الغروب، وذلك قبل غروبها بنحو ما تقدم. هذه الساعات الثلاث هي الأوقات المضيقة التي ينهى فيها عن الصلاة، وينهى فيها عن دفن الأموات. "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه. ولمسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 هذان وقتان يضافان إلى ما تقدم من طلوع الصبح، أو من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ومن صلاة العصر حتى تغرب، هذا الوقتان الموسعان، وتلك الأوقات الثلاثة المضيقة، يمكن اختصار الأوقات الخمسة إلى ثلاثة أو لا يمكن؟ يعني من أوتي جوامع الكلم ما قال: إن الأوقات ثلاثة، ولا ساقها مساقاً واحداً فقال: الأوقات خمسة، لماذا؟ نعم؟ للاختلاف في الأحكام، فالأوقات الثلاثة المضيقة ينهى فيها عن أمرين: عن الصلاة وعن دفن الأموات، وفي الوقتين الموسعين النهي عن الصلاة فقط، فأيهما أشد في النهي؟ المضيقة أو الموسعة؟ المضيقة؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً: لماذا لا تكون الأوقات ثلاثة من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس يستثنى من ذلك الفريضة وراتبتها، ومن حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس تكون ثلاثة، قيل: التفريق من أجل أن الأوقات المضيقة أشد في النهي بخلاف الوقتين الموسعين، ولذا ينهى في الأوقات المضيقة عن أمرين، ولا ينهى في الوقتين الموسعين إلا عن شيء واحد، حتى قال بعض أهل العلم: إن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين إنما هو من أجل ألا يسترسل المصلي فيستمر في صلاته حتى يصلي في الوقت الموسع، الشمس تطلع بين قرني شيطان، فإذا خرجت وبان قرنها سجد لها من يعبدها، وإذا غابت أو تضيفت للغروب سجدوا لها كالمودعين، وأما بالنسبة لمنتصف النهار فإنه وقت تسجر فيه النار، نسأل الله السلامة والعافية. المقصود أن هذه الثلاث تختلف في الأحكام عن الوقتين الموسعين. ((لا صلاة بعد الصبح)) الصبح يحتمل أن يكون طلوعه يعني طلوع الفجر، ويحتمل أن تكون الصلاة من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ((ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) وهذا مثله، يعني من بعد دخول وقت العصر إلى غروب الشمس احتمال، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس احتمال، لكن الاحتمال الثاني يؤيده رواية: ((لا صلاة بعد صلاة العصر)) فما قبل صلاة العصر تباح فيه الصلاة ولو أخر الصلاة، لو أذن على أربع إلا ربع وما أقيمت الصلاة إلا خمس له أن يتنفل في هذه الساعة والربع، لكن إذا صلى انتهى الوقت؛ لأن النهي يبدأ من الصلاة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 ((ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) أما بالنسبة لصلاة العصر فالوقت مرتبط بها، وأما بالنسبة لصلاة الفجر فالخلاف قائم، جاء ما يدل على إرادة الصلاة، وجاء ما يدل على إرادة الوقت؛ لأنه جاء: ((إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر)) فدل على أنه وقت نهي، ولا يستثنى من ذلك إلا ركعتا الفجر حتى جعله بعضهم وقتاً سادساً، يعني من طلوع الفجر إلى صلاة الفجر هذا وقت، وهو أخف الأوقات؛ لأنه يصلى فيه راتبة الفجر، من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وقت موسع تقضى فيه راتبة الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من يقضي راتبة الصبح بعدها، رأى رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: ((أأصبح أربعاً؟ )) قال: إنه لم يصل الركعتين، فأقره، فتقضى فيه راتبة الصبح، كما أنها تقضى أيضاً بعد ارتفاع الشمس، فإذا أخرها إلى أن ترتفع الشمس كان أولى ليصليها في وقت لا نهي فيه لا موسع ولا مضيق، كما أنه يقضى الوتر بعد ارتفاع الشمس في الضحى، ولا يقضى بعد طلوع الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى وتره إلى السحر؛ لأنه انتهى وتره إلى السحر. "من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح" هذا وقت لا صلاة فيه إلا ركعتا الفجر، ركعتي الصبح، وجاء التخفيف لهذه الصلاة، حتى كانت تقول عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " لأنه يخففها، ولا يتصور أنه يخفف هذه الصلاة ويصلي غيرها، هذا وقت نهي، لكنه أخف من غيره. ((بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس)) هذا أيضاً وقت نهي إلا أنه أخف من المضيق؛ لأن النهي فيه عن الصلاة، وأقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها. إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، هذا وقت مضيق، وهو مقصود لذاته، فالمنع فيه منع غاية، لا منع وسيلة، بخلاف الذي قبله على ما قرره ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما أن الوقت الموسع أمره أخف بكثير من الوقت المضيق. "حينما تطلع الشمس حتى ترتفع" هذا الوقت المضيق، وهو الأول من الأوقات في حديث عقبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 "حينما يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس" أيضاً وقت مضيق، وجاء استثناء الجمعة من هذا النهي، جاء فيه إلا الجمعة، يعني فإنه ليس فيها وقت نهي، ولكن الخبر ضعيف، استثناء الجمعة ضعيف، ومن أهل العلم من يرى أن الجمعة لا تسجر فيها النار في ذلك الوقت، فهو من خصائصها، ويدعم ذلك بأن الصحابة -رضوان الله عليهم- يأتون إلى الجمعة، ولا يزالون يصلون حتى يدخل الإمام، فدل على أن الجمعة ليس فيها وقت نهي. "من صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب" هذا وقت موسع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قضى فيه راتبة الظهر حينما شغل عنها على ما سيأتي في حديث أبي سلمة، أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليها قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها" قال إسماعيل بن جعفر: تعني داوم عليها. فالوقت الموسع بعد صلاة الصبح أقر من قضى الراتبة، والوقت الموسع بعد صلاة العصر قضى هو -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر؛ لأنه شغل عنها، إلا أنه جاء في بعض طرق الحديث ما يدل على أنها من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وأن غيره لا يقضي ما فاته من النوافل في وقت النهي، يعني بعد صلاة العصر، وأما صلاة الصبح فعرفنا ما فيها، أقر من قضى، فيجوز قضاؤها بعد الصلاة، وأما بالنسبة لقضاء النوافل بعد صلاة العصر فلا؛ لأن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-. أبي سلمة أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، وجاء نحوه من حديث أم سلمة، ثم أثبتهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً داوم عليه، يداوم عليه، فأثبتها، وذكرنا أنه جاء ما يدل على اختصاصه بذلك -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 "وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف)) " عبد مناف هذا هو الجد الرابع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وتخصيصهم بالنداء لأنهم هم الذين لهم السيطرة على البيت، وهم أهل المنع والحل والعقد في ذلك المكان. ((يا بني عبد مناف)) فإذا مُنعوا من منع الناس فغيرهم من باب أولى. ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) يعني الطواف لا يمنع منه أحد، وتبعاً للطواف الصلاة بعده، فإذا لم نمنع من المقدمة لا نمنع من النتيجة، إذا لم نمنع من أول الأمر، فإننا لا نستطيع أن نمنع من آخره. ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) فدل على أن الطواف لا منع فيه في وقت من الأوقات، لا يشمله النهي، وإن جاء ما يدل على أنه صلاة، إلا أنه شبيه بالصلاة من بعض الوجوه دون بعض ((الطواف بالبيت صلاة)) وتقدم هذا والكلام فيه لأهل العلم كثير، منهم من ضعفه، ومنهم من أثبته، فكونه مشبه بالصلاة لا يعني أنه صلاة من جميع الوجوه، فلا تشمله أحاديث النهي، فإذا طاف بهذا البيت فإنه يصلي ركعتي الطواف على خلاف في ذلك بين أهل العلم في ذوات الأسباب أية ساعة شاء من ليل أو نهار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 طيب ماذا عن الطواف والإمام يخطب؟ يعني ما تشاهدون ناس يطوفون والإمام يخطب؟ حال الخطبة يجب الإنصات، وتحرم الحركة من مس الحصى فقد لغا، إذا قلت لصاحبك: أنصت فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له، هل نقول: إن مجرد الدوران مع الإنصات للخطبة كافي ويحصل بذلك الطواف واستماع الخطبة، أو نقول: إن الطواف أشد من مس الحصى، وأشد من قولك لصاحبك أنصت؟ فهل يمنع من يطوف أو لا يمنع؟ أو نفرق بين من جاء من أجل الجمعة فيلزمه الإنصات، ومن جاء من أجل العمرة فليؤد عمرته ويصلي بعد ذلك ظهر، أو إن أدرك من الجمعة شيء صلاها وإلا فلا؟ يعني هل كون الناس يطوفون هذا إقرار من أهل العلم، ويتركونهم يرونهم يطوفون من غير نكير هذا يدل على جواز ذلك، أو أن هذا تقصير، أو أنه لا يستطيع أحداً أن يقول لهم: لا تطوفوا كمن تكلم لا يقال له: أنصت؟ لكن ما بُين الحكم قبل ذلك، فماذا عن هذه المسألة وهي مسألة قائمة؟ المسألة تحتاج إلى جواب، شخص دخل المسجد ما وجد مكان يصلي فيه، قال: بدلاً من أن أقف أطوف ماذا نقول له؟ أو شخص ابتلي بنعاس أثناء الخطبة فقال: بدلاً من أن أجلس وأنام أطوف من أجل أن يذهب النوم؟ نعم ماذا نقول؟ يمنع الطواف أثناء الخطبة وإلا ما يمنع؟ أثناء الخطبة يمنعون وإلا قبل تبين لهم الأحكام؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 الخطيب إذا كلمهم لا إشكال في ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلم وسمع من تكلم، إذاً لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار، يعني سكوت الناس بما في ذلك الخطباء لعل السبب في هذا الحديث: ((لا تمنعوا)) لعل السبب فيه هذا الحديث كما أن عدم منع النساء من غشيان المساجد مع اقتراف بعض المخالفات سببه: ((لا تمنعوا)) "عباد الله لا تمنعوا إماء الله بيوت الله" فإذا وجد مثل هذا يحصل عند الإنسان توقف؛ لأنه فيه يكون في مخالفة صريحة للنهي، مع وجود المخالفة من الطرف الآخر أنت ما يهمك إلا نفسك، يعني مثل لو قام سائل، سلم الإمام فقام هذا السائل، وشغل الناس عن أذكارهم يتجه منعه وإلا ما يتجه؟ إيه، لكن بعض الناس يقول: أنا مخاطب بقوله -جل وعلا-: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] يقوم يشغل ما يشغل ما لي دعوة؛ لأن بعض هذه الأمور مثل ما معنا، ومثل منع النساء من المساجد، ومثل منع السائل، كل هذا ينتابه أمران، له مصالح وعليه مفاسد، فالإنسان أحياناً يتحرج من مثل هذه المضايق، فتجده لا ينكر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تمنعوا أحداً طاف أية ساع شاء من الليل والنهار)) يقول: أنا مخاطب بهذا، وكونه آثم أو غير آثم أنا ما لي دعوة، كما أنه إذا وجد من يتحدث بجوارك، ماذا تقول له؟ تستطيع أن تقول: أنصت؟ ما تستطيع أن تقول: أنصت، وهذا أمر بمعروف ما تستطيع، وهو منكر وأنت مأمور بتغيير المنكر، ومع ذلك لا تستطيع أن تقول له: أنصت، فمثل هذه المضايق يحصل فيها مثل هذا. ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من الليل والنهار)) جاء بهذا الحديث ليبين أن الطواف لا يأخذ حكم الصلاة، فيطوف الطائف في وقت النهي، وإذا طاف فللطواف لكل أسبوع ركعتان، يصليهما بعده، إما أن يصليهما مباشرة في وقت نهي أو غيره على قول من يقول بفعل ذوات الأسباب أو يتأخر حتى يخرج وقت النهي. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه، وقال بعض المصنفين الحذاق: "رواه مسلم" وهو وهم" ويريد بذلك المجد ابن تيمية في المنتقى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 إذا عرفنا هذا عرفنا أوقات النهي، وأن منها المضيق ومنها الموسع، منها ما فيه تشديد، ومنها ما فيه تخفيف، وعرفنا أن الفرائض مستثناة على ما تقدم، بقي النوافل سواءً كانت مطلقة أو ذات سبب: أما بالنسبة للنوافل المطلقة فلا قائل بها من أهل العلم إلا على قول الظاهرية، وأن هذه الأحاديث منسوخة، يرون أن هذه الأحاديث منسوخة، وأما غيرهم فيرون المنع على خلاف بينهم في النهي، هل هو للتحريم كما هو الأصل أو للكراهة لما دخل العمومات من المخصصات؟ فالأحاديث تتناول جميع الصلوات، يعني كسفت الشمس في الوقت المضيق، أو كسفت بعد صلاة العصر مثلاً، كسفت بعد صلاة العصر نصلي وإلا ما نصلي؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله، وصلوا)) وعامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة وذات سبب، وأوجبها أبو عوانة، أما على القول بوجوبها فلا إشكال، لكن الكلام على القول باستحبابها. النوافل المطلقة ما فيها إشكال، يعني ما يجلس بعد صلاة العصر يصلي مع الجماعة ثم يأتي بركعتين هذا وقت نهي بالاتفاق، ولا يقول به أحد من أهل العلم، يتنفل نفل مطلق. الكلام في ذوات الأسباب كتحية المسجد، وهذه علم صارت على ذوات الأسباب، وركعتي الطواف، وركعتي الوضوء، وركعتي الإحرام عند من يقول بهما، والاستخارة وغيرها. دخل المسجد بعد العصر، دخل المسجد قبيل أذان المغرب بخمس دقائق، سواءً دخل في وقت موسع أو في وقت مضيق، توضأ بعد صلاة العصر يصلي ركعتي الوضوء أو لا يصلي؟ جاء إلى المحرم بعد العصر يصلي ركعتي الإحرام أو لا يصلي عند من يقول بهما؟ أراد أن يستخير في أمر يفوت في العصر، أو بعد صلاة الفجر هل نقول: تصلي ركعتي استخارة أو نقول: انتظر؟ الأئمة الثلاثة والمذاهب الثلاثة جمهور أهل العلم الحنفية والمالكية والحنابلة يقولون: لا يصلى في هذه الأوقات شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب، ولو كانت ذات سبب لا يصلى شيء من التطوعات، ولو كانت من ذات الأسباب. الشافعية يقولون: تصلى ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 شيخ الإسلام ومن يقتدي به ممن أثار القول في الأيام المتأخرة في السنوات الأخيرة صاروا يرددون في أجوبتهم وفي فتاويهم يقولون: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، هذا قول الشافعية، وهذا كلام شيخ الإسلام، وبهذا يقول من يفتي بقوله، أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام. الطرف الثاني: وهم الجمهور يقلبون الدعوى، يقلبون المسألة يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، أولئك يقولون: أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة في هذه الصلوات، والطرف الثاني وهم الجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام فلا نصلي. يعني أيهما أولى بالقبول؟ الدعوى واحدة، كل من الطرفين يزعم العموم والخصوص، فالجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، فلا نصلي ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ونصليها في الأوقات الأخرى، الطرف الثاني الشافعية ومن يرجح قولهم يقولون: لا، أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، والخاص مقدم على العام. يتركب من القولين وحجتيهما أن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، إن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، من أجل أن نقول: الخاص مقدم على العام، سواءً في هذا الطرف أو في الطرف الثاني، نقول: عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، بمعنى أن أحاديث النهي أعم من وجه، أعم في الصلوات، وأخص في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب أعم في الأوقات وأخص بالصلوات، فبينهما عموم وخصوص وجهي، إذا كان التعارض بين النصوص من هذه الحيثية، من حيث العموم والخصوص الوجهي فإننا حينئذٍ لا نستطيع أن نرجح إلا بمرجح خارجي، نأتي بمرجح خارجي؛ لأن الكفتين مستويتان، يعني دعوى الجمهور نظير دعوى الشافعية من حيث العموم والخصوص، فلا نستطيع أن نرجح، نحتاج إلى من يرجح قول الجمهور، فيكون هو الراجح أو يرجح قول الشافعية فيكون هو الراجح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 الجمهور رجحوا قولهم بأن الحظر مقدم على الإباحة، يعني دخلت المسجد في العصر عندك حديث يأمرك وحديث ينهاك، حديث يأمرك أن تصلي ركعتين، وحديث ينهاك أن تصلي، المنع مقدم على الإباحة وعلى الفعل حتى عند الشافعية أيضاً، الحظر مقدم على الإباحة، فعلى هذا المرجح قول الجمهور من هذه الحيثية، وكون الحظر مقدم على الأمر فضلاً عن الإباحة ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) فيه ثنيا، ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) يعني ما في استثناء، وإذا دخلنا في وقت النهي وقد نهانا الشرع عن أن نصلي فإننا لا نستطيع أن نصلي، نعم الإنسان ليس بموثق، لا يستطيع أن يركع، لا، لكنه ممنوع الاستطاعة شرعية هنا، ممنوع من أن يصلي، فهو لا يستطيع أن يصلي ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) هنا لا نستطيع؛ لأن الشارع نهانا أن نصلي، بهذا يرجح قول الجمهور، الشافعية ومن معهم يقولون: ما قلتموه صحيح ووجيه ولا إشكال فيه، لكن عموم ذوات الأسباب محفوظ، بمعنى أنه لم يدخله مخصص، وعموم أحاديث النهي مخصوص، والعموم إذا دخله الخصوص ضعف، أولاً: لا يتناول ما خصص بلا إشكال، ويضعف فيما عداه، وقال بعضهم: إنها تبطل دلالته إذا خصص، لكن هذا القول ليس بصحيح، تبقى دلالته فيما لا يدخله التخصيص، أو فيما لم يدخله التخصيص، فعمومه وضعف، وما دام عموم أحاديث النهي ضعف لدخول المخصصات، وعموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ، إذاً عموم هذا أقوى من عموم هذا، فيرجح عليه، فنفعل ذوات الأسباب. نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نبي نقول هذا كله -إن شاء الله-، هذا مع النهاية -إن شاء الله تعالى-. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 فما الراجح من القولين؟ نقدم ما أشار له الأخ، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قال: باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وصلى عمر -رضي الله تعالى عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني أنه طاف بعد الصبح وما صلى مباشرة؛ لأن الوقت وقت نهي، انتظر حتى يخرج الوقت وطاف بذي طوى، بالزاهر، بعد أن ارتفعت الشمس، وأورد تحت الباب أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) فدل على أن الإمام البخاري يرى أن أوقات النهي لا يصلى فيها شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 نعود إلى ما قررناه سابقاً، وهو أن لمذهب الجمهور ما يرجحه، ولمذهب الشافعية ما يرجحه؛ لأننا نحتاج إلى مرجح خارجي، وهذه مرجحات خارجية، فما الراجح؟ يعني إذا قلنا: بركعتي الوضوء مثلاً أو صلاة الاستخارة أو حتى تحية المسجد وقد أمرنا بها، هل تقوى مثل هذه الأوامر -إن وجدت مع أن بعضها توجيهات وإرشادات- يعني في حديث بلال النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع خشخشته في الجنة، قرع نعليه في الجنة، فقال: إنه ما توضأ إلا صلى ركعتين، يعني هل مثل هذا يقوى على معارضة قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) وثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن؟ يقوى وإلا ما يقوى؟ يعني إذا قلنا: تحية المسجد فيها: ((فلا يجلس حتى يصلي)) فإن مثل صلاة الاستخارة مثلاً تقوى على أن تصلى في وقت نهي فيه عن الصلاة؟ تقوى؟ لا شك أن هذه متفاوتة، يعني تحية المسجد أقوى بكثير من صلاة الاستخارة، وأقوى من ركعتي الوضوء، وأقوى من ركعتي الإحرام، وأما بالنسبة لركعتي الطواف فهذه لا إشكال فيها تأخيرها جائز وسائغ عند أهل العلم، تؤخر حتى يخرج الوقت، ويش المانع؟ تؤخر فلا يحصل التعارض، وعلى هذا يعني المسألة من المضايق، يعني بعض الناس من آحاد الطلاب يقول: صل ذوات الأسباب والخاص مقدم على العام، وهو يضحك يقرر مثل هذا الكلام! ونحن نجد من أهل العلم من إذا وجد من يصلي في الأوقات حرفه بيده عن القبلة؛ لأن النهي .. ، من يعارض النهي الشرعي؟ فلا هذا ولا هذا، لا نقول بالتشديد في هذا ولا في هذا، والمسألة محتملة، وهي من عضل المسائل كما قرر أهل العلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 أما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما واسع، يعني من صلى لا ينكر عليه، ومن جلس ولم يصل لا ينكر عليه؛ لأن هذا عنده أمر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وذاك عنده نهي، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، لكن في الأوقات المضيقة؟ الأوامر في هذه الصلوات لا تقوى على معارضة حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" وهي أيضاً أوقات قصيرة، ماذا على الإنسان لو انتظر حتى تخرج هذه الأوقات؟ وبعض أهل العلم يقول: لا تدخل المسجد في هذه الأوقات تعرض نفسك للحرج، إن جلست خالفت، وإن صليت خالفت، لا تدخل المسجد في هذا الوقت، ومنهم من يقول: ادخل المسجد واستمر قائم، استمر واقف من أجل ألا تقع في الحرج. وعلى كل حال مثل ما ذكرنا في الأوقات المضيقة المتجه عدم الصلوات فيها، وفي الوقتين الموسعين الأمر فيه سعة، وللاجتهاد مندوحة، فمن صلى فلا إشكال، ومن ترك فلا إشكال؛ لأن النهي عن الصلاة في الوقتين نهي وسائل كما قرر ذلك ابن رجب وابن عبد البر، وأما بالنسبة للأوقات المضيقة فهي مقصودة لذاتها، ومشابهة الكفار فيها ظاهرة، فلا يصلى فيهما، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (5) باب: الأذان الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: هل تجوز الصلاة أمام المرآة؟ لا شك أن من يصلي أمام المرآة أنه ينشغل بما أمامه، يشتغل بنفسه، ويشتغل بما وراءه مما تبديه له المرآة، فهذه تأخذ حكم الزخرفة والنقوش التي تلهي المصلي، فهي تشغله عن صلاته. نراك تصلي تحية المسجد بعد العصر فهل معنى هذا أن رأيك أنها تصلى ذوات الأسباب في الأوقات المنهي عنها؟ وهل ترى أن أجر مائة ألف صلاة في المسجد الحرام فقط؟ أما صلاة تحية المسجد فقد فصلناه بالأمس، وقلنا: إنه في الأوقات الموسعة والشمس بيضاء نقية مثل هذا الوقت لا مانع من أن يصلي تحية المسجد، مع أنه لو تركها عملاً بأحاديث النهي هذا له وجه، فالمسألة قابلة للنظر، أما بالنسبة للأوقات المضيقة فلا. وأما ثبوت أجر مائة ألف صلاة في المسجد الحرام فهي في الحرم كله. يقول: بالنسبة لمن يقول: النهي مقدم على الأمر في مسألة تحية المسجد في حديث: ((فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) أليس هذا نهي عن الجلوس؟ لكنه أمر بالركعتين، هو من هذه الحيثية أمر. يقول: ما القول الصحيح في التكبيرة الأخيرة من صلاة الجنازة؟ التكبيرات الخلاف القديم في عددها معروف من ثلاث إلى تسع، ثم استقر الأمر على الأربع، ونقل عليه اتفاق بعد الخلاف الطويل، فالتكبيرات أربع يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وإن قرأ معها سورة قصيرة فلا بأس، ثم يصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الثانية، وفي الثالثة يدعو للميت، وفي الرابعة يسلم بعدها وإن شغلها بدعاء "اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم" هذا قيل به. هل يكبر في الشوط الأخير من الطواف؟ إن كان في بدايته، في بداية الشوط السابع هذا ما فيه خلاف كغيره من الأشواط، وإن كان في نهايته فهو المترجح عندي أيضاً أنه يكبر في نهاية الطواف، فكلما حاذى الحجر كبر -عليه الصلاة والسلام-، ويشير، كبر، وأيضاً جابر -رضي الله عنه- يقول: "كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 القول الصحيح في رفع اليدين على التأمين لدعاء الإمام في خطبة الجمعة؟ لا ترفع اليدين إلا في حال الاستسقاء، إذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة ترفع اليدان. ما معنى: ((الأنبياء أولاد علات))؟ أولاد علات كما جاء في الحديث الصحيح، يعني أن أبوهم واحد وهو الأصل، أصل الأديان وهو التوحيد والعقيدة واحد، وأمهاتهم متباينة، يعني شرائعهم متفاوتة، فأولاد العلات الأخوة لأب. يقول: ما الذي يدل على تقسيم الأوقات في النهي من ثلاث كما في النص إلى خمس؟ النصوص الأخرى جمع بعضها إلى بعض، فعقبة يقول -رضي الله تعالى عنه-: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" فهذه الثلاثة الأوقات المضيقة المشددة، وفيه أيضاً ما جاء في الأحاديث الأخرى من نهي بعد صلاة العصر وبعد الصبح فتكون خمسة، ومنهم من يجعل ما قبل صلاة الصبح سادساً فيجعلها ستة، والسبب في هذا التقسيم لإمكان التداخل، مع إمكان التداخل، السبب فيه أن هذه الأوقات متفاوتة في الشدة والخفة. طالب:. . . . . . . . . يعني هؤلاء يصلون جماعة وهؤلاء جماعة؟ طالب:. . . . . . . . . سبحان الله إقامة جماعة في وقت واحد في مكان واحد، يعني في آن واحد محرمة عند أهل العلم، لا تجوز، وما شرعت الجماعة إلا للقضاء على مثل هذه الاختلافات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 فحديث عقبة قال: "ثلاث ساعات" وفي الأحاديث الأخرى أضيفت أوقات أخرى، فالتقسيم مع إمكان التداخل لما ذكرنا من أنها متفاوتة في التشديد والتخفيف، في الطول والقصر، فهذا هو السبب في عدم التداخل، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يذكر رقماً وعدداً، ثم يزيد عليه، يأتيه الخبر بالزيادة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) مع أنه ثبت أنه تكلم في المهد أكثر من ثلاثة، جاءت نصوص أخرى تدل على أنه تكلم في المهد أكثر من العدد المحصور، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر بالحصر ثم يزاد، وعلى كل حال مثل هذا الحصر إذا جاءت الزيادة بعده لا تؤثر عليه، وبعض الشراح أساء الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "في هذا الحصر نظر" هو ينظر في كلام من؟ في كلام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، لا شك أن هذه إساءة أدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما التقسيم فتبعاً لما جاءت به النصوص. يقول: ما أول وقت صلاة الجمعة؟ وما آخر وقتها؟ أول وقتها عند الجمهور بعد الزوال، وقت صلاة الظهر، وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر، هذا قول الجمهور، وعند الحنابلة أن الوقت يبدأ أوله من بداية وقت صلاة العيد من انتهاء وقت النهي إلى آخر وقت صلاة الظهر، وأدلة الفريقين مبسوطة وستأتي -إن شاء الله- في كتاب الجمعة، إلا أن من أوضحها أنهم ينصرفون من الجمعة وليس للحيطان ظل، مع أنه محمول عند الجمهور على أنها ليس لها ظل يتسع للجميع، إنما لها ظل قد يستظل به الواحد أو الاثنين، لكن لا يستظل به الجميع، يعني ظل يستوعب الجميع، فهذا دليل على أنها تفعل في أول وقتها. يقول: كسفت الشمس بعد العصر أتصلى أم ماذا؟ مثل ما ذكرنا سابقاً إن كان الوقت في سعة والشمس بيضاء نقية فلا مانع من أن تصلى، وإذا ضاق الوقت فلا. عامل يعمل في إنشاء طريق فاحتيج إلى زرع لغم حتى تتفتت الصخور، فانفجرت الألغام إلا واحد، فانتظروا له وقت ولم ينفجر فحرك أحد العمال الصخرة فانفجر اللغم وقضى عليه، فما الحكم في ذلك من حيث غسله؟ وهل يضمن المتطوع الذي يعمل الطريق؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 يغسل ويكفن ويصلى عليه كغيره، وإن أعطي حكم الهديم والغريق وما أشبه ذلك؛ لأنه يقول: وهل هو شهيد؟ إن أعطي حكمهم فإنه شهيد آخرة لا شهيد دنيا، يفعل به كسائر الناس، وأمره إلى الله -جل وعلا-. يقول: هل الخوف من إزاغة القلب عن الحق تدخل في الخوف من مكر الله؟ هل هو في الخوف؟ تدخل في الخوف من مكر الله؟ يعني الوارد في مكر الله هو الأمن، والوارد في مثل هذا القنوط، يكون القنوط من رحمة الله، لكن هذا ليس من هذا، إنما الخوف من إزاغة القلب وسوء الخاتمة هذا ديدن سلف هذه الأمة، هذا ديدن السلف، يخافون من سوء العاقبة ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) ابن القيم -رحمه الله- يقول: والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفرانِ لكن خوفي أن يزيغ القلب ... عن تحكيم هذا الوحي والقرآنِ يقول: لكن خوفي أن يزيغ القلب ... عن تحكيم هذا الوحي والقرآنِ ورضىً بآراء الرجال وخرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمنِ فمازال سلف الأمة يخافون من سوء العاقبة. هل يشرع رفع اليدين أثناء دعاء خطيب الجمعة؟ قلنا: إنه لا يشرع إلا في حال الاستسقاء إذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة شرع رفع اليدين. هل يجوز تأخير الصلاة والخروج عن وقتها في حال من الأحوال؟ لا يجوز إلا لعذر كسفر أو مرض، أو ما أشبه ذلك. يقول: الطائف أثناء الخطبة هل نقول: إنه آثم مع قوله: لا تمنعوا؟ أما من جاء لسماع الخطبة لا شك أن الطواف أشد من مس الحصى، وأشد من قول الشخص لصاحبه أنصت، هذا من جاء لسماع الخطبة، أما من جاء لأداء العمرة ولا ينوي صلاة الجمعة، ولا ينوي سماع خطبة، فهذا يدخل فيه: ((لا تمنعوا)). هل يجب على الحائض نقض رأسها عند الاغتسال أم لا؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عائشة بنقضه، ولم يأمر أم سلمة، وهذا تقدم واستظهرنا سابقاً أن التفريق بينهما لا لأن هذا غسل جنابة وذاك غسل حيض، إنما هو لأن عائشة شابة المظنة في شعرها أنه كثير، وأم سلمة كبيرة في السن المظنة أن شعرها خفيف، لا يحتاج إلى نقض، فنقضه لا شك أنه أولى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 يقول: هل يجوز التحدث في يوم الجمعة والإمام يخطب إذا كان لا؟ إذا كان إيش؟ يعني لا يسمع؟ إذا كان لا، أو إذا كان الجواب: لا، فماذا أفعل؟ لأنه قال: فماذا أفعل؟ هل يجوز التحدث في يوم الجمعة والإمام يخطب إذا كان الجواب: لا، فماذا أفعل؟ نقول: أنصت علماً أن في التحدث أنه يشغل المصلين؟ على كل حال من تكلم فلا جمعة له، إذا قال لصاحبه أمره بمعروف أنصت فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. يقول: ما رأيكم في أسهم المدينة الاقتصادية حيث إن المساهمين وضعوا أموالهم في فوائد ربوية في البنوك، ثم تضم مع أسهم المكتتبين فتصبح شركة مختلطة؟ الذي قرره أهل الخبرة والمعرفة أنها مختلطة؛ لأن المؤسسين والمساهمين الكبار الأوائل وضعوا أموالهم في البنوك، ثم بعد ذلك تخلط هذه الأموال مع أموال المساهمين، ومنهم من يقول: إن المساهم لا علاقة له بأموال التأسيس، لكن إذا خُلطت أموال التأسيس مع مالك، وصار حكمها واحداً، صار حكمها حكم الشركات المختلطة. بعض الإخوان يشكو من انقطاع الدرس والأصل فيه أنه شهري. هو لا شك أن المماطلة حاصلة، لكن هي المسألة بعد أيضاً تخضع لظروف، قد لا أتمكن من الحضور كل شهر، ولعل الله ييسر في أوقات لاحقة أن نتمكن من الوفاء بالوعد. يقول: في عدم جواز الصلاة والدفن في الأوقات الثلاثة "وقت الظهيرة إلا صلاة الجمعة" ما المقصود بعبارة الشارح؟ إلا صلاة الجمعة، صلاة الجمعة فريضة لا تدخل في وقت النهي، وهي بعد خروج وقت النهي، إن كان القصد إلا يوم الجمعة لأنه لا نهي فيه كما جاء في الخبر وإن كان ضعيفاً، وعليه عمل الصحابة أنهم يصلون في الوقت المضيق حتى يدخل الإمام، فممكن، وإلا فالعبارة قلقة. يقول: من دخل المسجد وجلس على كرسي أو شيء مرتفع يكون داخلاً في النهي عن الجلوس قبل أداء التحية؟ نعم لأنه جلس، ولا يستثنى من ذلك إلا الخطيب إذا رقي على المنبر، واستقبل الناس وسلم عليهم، ثم خطب وانشغل بالخطبة، ويمكن أن يدرج في حكمه المدرس إذا دخل ومباشرة صعد على الكرسي وألقى الدرس، يأخذ حكمه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 يقول: كيف يكون النهي في الحديث عن الصلاة وقبر الموتى بعد الفجر حتى طلوع الشمس والعمل الآن في المقابر أنهم يدفنون الموتى في هذا الوقت وغيره، ولا يتقيدون بالنهي؟ ليس النهي عن دفن الموتى بعد صلاة الفجر، إنما النهي بعد أن تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، يعني في الأوقات الثلاثة المضيقة، لكن لو كانت المقبرة بعيدة، ولا وصلوا إليها إلا مع وقت طلوع الشمس، نقول: لا يجوز لهم أن يدفنوا في هذا الوقت، ينتظرون عشر دقائق ربع ساعة حتى ترتفع الشمس ثم يدفنوه. يقول: ما هو الاعتبار في رفع اليدين عند القيام للركعة الثالثة أهي الركعة الثالثة للإمام أم الثالثة للمأموم إذا كان مسبوقاً؟ إنما هي الثالثة للمأموم؛ لأن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته. بقية الأسئلة في نهاية الدرس إن كان في وقت. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في محرره: باب: الأذان عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم. وعن مالك بن الحويرث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)) متفق عليه. وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يعمل ليضرب به للناس. ليضرب، ليضرب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 ليضر به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى! قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت، فقال: ((إنها لرؤيا حق -إن شاء- الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك)) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلله الحمد)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وروى الترمذي بعضه وصححه، وزاد أحمد: "فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة" قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر، قال البخاري: لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديث الأذان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 وعن أبي محذورة -رضي الله عنه-: أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله" كذا رواه مسلم، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وذكروا التكبير في أوله أربعاً، وفي رواية أحمد في آخره: والإقامة مثنى مثنى: لا يرجْع. لا يُرجِّع. لا يرجِّع. وروى الترمذي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبعة عشرة كلمة. سبع. سبع عشرة كلمة، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعن محمد بن سيرين عن أنس قال: "من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم. رواه ابن خزيمة في صحيحه، والدارقطني. وعن أنس قال: "لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة" متفق عليه، وزاد البخاري: "إلا الإقامة". وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالاً يؤذن، فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح" متفق عليه. ورواه أبو داود وفيه: "فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر" وفي رواية أحمد والترمذي: "رأيت بلالاً يؤذن ويدور وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعاه في أذنيه" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولابن ماجه: فاستدار في أذانه، وجعل إصبعيه في أذنيه. يكفي بركة، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: الأذان وبعض الناس يمد الهمزة فيقلب المعنى فيقول: الآذان، الآذان جمع أذن التي هي محل حاسة السمع، فهي مقصورة الأذان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 والأذان هو الإعلام، الأذان في الأصل هو الإعلام، فإن كان في أول الوقت قلنا: إنه الإعلام بدخول وقت الصلاة، وإن كان في أثنائه لقرب الصلاة لمن أراد تأخيرها وأذانه لا يشوش على الناس فإنه يكون حينئذٍ الإعلام لقرب أداء الصلاة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما ناموا عن صلاة الفجر حتى خرج وقتها أذنوا، أما بالنسبة للبلدان التي يحصل فيها التشويش على الناس فالأذان لا بد أن يكون في أول الوقت؛ لأنه تترتب عليه أحكام، والمعذورون في البيوت يغترون بالأذان إذا تقدم عن الوقت أو تأخر عنه، وتلتبس عليهم بعض الأحكام، وتبطل عليهم بعض العبادات، فإذا تأخر الأذان عن وقته بالنسبة لصلاة الصبح في رمضان استمر الناس يأكلون حتى يؤذن، وقد يأكلون بعد طلوع الصبح، وإذا تقدم بالنسبة للمغرب أكلوا قبل غروب الشمس، فلا بد أن يكون الأذان مع دخول الوقت، ولو قدر أن الإمام مثلاً رأى المصلحة في تأخير الصلاة في وقت من الأوقات أو لظرف من الظروف، فإنه يؤذن للصلاة في وقتها التي ترتب عليها الآثار والأحكام الشرعية، وإذا أراد تأخير الصلاة يؤخرونها لا مانع من تأخير العشاء في رمضان نصف ساعة أو ساعة أو أكثر ما لم يخرج وقتها إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك ما لم يشق على الناس، لكن الأذان ينبغي أن يكون في وقته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 ولا شك أن المصلحة راجحة في تأخير صلاة العشاء في رمضان؛ ليتمكن الناس من أكل ما يحتاجون إليه بعد الصيام، وأخذ شيء من الراحة، ولا يكون هذا نوم، لكنه استرخاء وراحة بعد الصيام، واستقبال للعبادات اللاحقة بنشاط كقيام الليل، هذا جيد، لكن ينبغي أن يكون الأذان في وقته؛ لأن هناك أناس لديهم عذر عن حضور الجماعة، والأحكام مترتبة على دخول الوقت، وبعض الجهال -وقد حصل- في رمضان يصلي العشاء في وقتها المعتاد، بعد مضي ساعة ونصف، يعني كما تصلى في شعبان أو شوال، يعني كما يؤذن لها بعد غروب الشمس بساعة ونصف يقيم لصلاة العشاء ثم يصلي من التراويح تسليمتين أو ثلاث، ثم يكون الأذان الرسمي قد حل، ثم يؤذن للصلاة، هذا تأذين مبتدع ذا؛ لأنه بعد الفراغ من الصلاة، فيريد أن يخرج مع جماعته في المسجد قبل الناس، ويتحايل على الأمر المرتب على المصلحة من قبل ولي الأمر، فلا يؤذن إلا في وقت أذان الناس، يعني بعد مضي ساعتين من غروب الشمس، يعني بعد نصف ساعة من دخول الوقت، هذا لا شك أنه يدل على جهل، بل جهل مركب، يصلي الصلاة في أول وقتها، ولا ينتظر إلى التوجيه في تأخيرها مدة نصف ساعة، ثم بعد ذلك إذا صلى الفريضة أربع ركعات، وصلى من التراويح تسليمتين أو ثلاث يكون الأذان الرسمي قد حل، فيؤذن للصلاة في هذا المسجد الذي أديت فيه الفريضة وهذا حصل، وهذا جهل بلا شك، ولو أن الأذان بقي في محله في وقته في أول الوقت، ثم بعد ذلك لا تقام الصلاة إلا بعد مضي نصف ساعة أو ساعة، حسب ما يراه الإمام من اجتهاد مبني على المصلحة، مصلحة الناس، لكن قد يقول قائل: ما ذنب المؤذن يقال له: تقدم وأذن، المؤذن لا يضره -إن شاء الله- المؤذن في الوقت نظراً للمصلحة العامة؛ لأن الناس يتعلقون بهذا الأذان، وهذه حكمة مشروعيته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 فالأذان إنما شرع لجمع الناس، فإذا تعارف الناس أن الصلاة تؤخر في هذا الوقت لظرف من الظروف ولأمر من الأمور عرفوا ذلك، وبلغ بعضهم بعضاً، وصارت عادة مطردة، ما يمنع أن يقدم الأذان ولا تقام الصلاة إلا بوقتها؛ لأن من الناس من لا يعرف دخول الوقت، وقد يترتب على ذلك في رمضان من يؤخر صلاة المغرب إلى قبيل أذان العشاء، وأذان العشاء في رمضان يتأخر عن وقته نصف ساعة، فيكون قد صلاها بعد خروج وقتها؛ لأنه اعتاد أن الوقت أن الأذان على الوقت. المقصود أنه لو كان الأذان في وقته، والصلاة تؤخر حسب ما تقتضيه المصلحة، والسنة فيها -أعني صلاة العشاء- التأخير. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 "عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم" المؤذنون جاء في فضلهم ما جاء منها هذا الحديث، بل من أصحها ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) والمؤذن يشهد له يوم القيامة كل من سمع صوته من مدر وحجر، ولذا يختلف أهل العلم في المفاضلة بين الأذان والإمامة، فمن رأى هذه النصوص مما لم يرد نظيره في الإمامة رجح الأذان، ومن رأى أن الإمامة وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يثبت عنه أنه أذن قال: الإمامة أفضل؛ لأن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل، وماذا عن الجمع بينهما هل يشرع أو لا يشرع؟ أن يكون الشخص الواحد مؤذن وإمام في آن واحد، وهذا قد يتسنى ممكن، هل نقول: إنه يحصل على فضل الأذان وفضل الإمامة؟ أما إذا وجدت المشاحة من أكثر من شخص يريد أذان، وأكثر من شخص يريد الإمامة، فلا يمكن شخص من الأمرين معاً، بل يمكن من أحدهما، أما إذا لم يوجد ففضل الله واسع، وحينئذٍ يحصل له أجر الإمام وأجر المؤذن، والأجور الواردة في النصوص هي مرتبة على من لم يأخذ على عمله أجراً، الذي يؤذن حسبة، والذي يصلي بالناس حسبة، أما من يأخذ الأجر فهذا لا يدخل في مثل هذه النصوص، لو قدر أن إنسان جاء ليؤذن للناس، أو يصلي بالناس محتسب الأجر من الله -جل وعلا- ثم بعد ذلك فرض له من بيت المال جُعل أو ما أشبه ذلك أو إعانة هذا لا يؤثر عليه إن لم يكن هو قصده وهمه، إن لم يكن ذلك قصده وهمه هذا لا يؤثر عليه، لكن نرى في أوساط الناس من اتخذ الإمام والمأذنة حرفة بحيث يطلب الفئة الأعلى، أنا لا أؤذن في هذا المسجد؛ لأنه فئة جيم، أذن في مسجد آخر، فئة ألف أكثر أجر، ثم بعد ذلك ينظرون إلى مسألة البيت، بيت الإمام وبيت المؤذن وهذا أوسع، وهذا أنظف، يعني صارت الأمور مرتبطة بالدنيا -نسأل الله العافية-، والله المستعان. المقصود أن هذه النصوص التي تدل على فضل الأذان إنما هي لمن لا يأخذ على أذانه أجراً، من أذن حسبة، ثم إن جاءه ما جاءه من جُعل من بيت المال لم يقصده، ولم يكن هو الدافع له ولا الناهز فإن هذا لا يؤثر عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) ومن مقتضى طول العنق أنه يشرف على ما لا يشرف عليه غيره، ويسلم مما لا يسلم منه غيره، حينما العرق يلجم الناس على حسب أعمالهم هذا المؤذن طال عنقه ويسلم من ذلك، وهذا شرف، ومنهم من يقول: إنه يطول عنقه ليرى ما أعد له قبل غيره، ومنهم من يقول: الضبط بكسر الهمزة ((المؤذنون أطول الناس إعناقاً يوم القيامة)) يعني أنهم يسيرون العنق، والعنق ضرب من السير الشديد، فهم يجرون جرياً، والناس يمشون مشياً. على كل حال كلها أقوال ومفاد الحديث ذكر فضل المؤذنين، وجاء في الخبر وهو ضعيف: ((من أذن ثنتي عشرة سنة لم تمسه النار)) لكنه خبر ضعيف. والقرطبي ذكر أخبار وآثار وأحاديث جلها لا يثبت في تفسيره في أول موضع ذكر فيه الأذان في القرآن، أين؟ في المائدة؟ {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [(58) سورة المائدة] هذا أول موضع يذكر فيه الأذان. ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) قد يكون من الناس الذين فضل عليهم المؤذنون ممن هم أفضل منهم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، يدخل في الناس الأنبياء والشهداء والعلماء والصالحون يدخل في هذا سائر الناس، فهل معنى هذا أنهم يختصون بهذه الخصيصة دون غيرهم ممن يفضلهم؟ نعم هل نقول: إن المؤذنين أطول الناس بما فيهم الأنبياء؟ نعم؟ المؤذن يبلغ الناس كلمة التوحيد، ويدعو الناس إلى أفضل العبادات، فله فضيلة، وله مزية، وله شرف، لكن هل يقتضي ذلك أنه أشرف من غيره، ويختص بهذه الخصيصة دون غيره؟ أطول؛ لأنه قد يكون في غيرهم طول، في غيرهم من الشهداء والصالحين والعلماء وقبلهم الأنبياء في أعناقهم طول، لكن هؤلاء –أعني المؤذنين- بما فيهم من متعلمين وعامة لأن الأذان لا يقتصر على المتعلمين، هل نقول: إن هؤلاء العامة الذين لا يحسنون ولا قراءة القرآن أطول أعناقاً من سائر الناس بما فيهم الأنبياء والشهداء والصالحين؟ أو نقول: إن الناس عام يراد به الخصوص وإلا فالأصل العموم؟ أو نقول: إن المراد العموم وهم أطول الناس أعناقاً، ويختصون بهذه الخصيصة دون من سواهم، وكون الإنسان يختص بشيء لا يعني أنه أفضل من غيره من كل وجه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 المؤذن أطول عنق من الإمام، لكن الإمام جاء فيه من الفضائل ما لا يلحقه به المؤذن، الأنبياء منازلهم معروفة، الشهداء منازلهم معروفة، العلماء أيضاً منازلهم ودرجاتهم في الدنيا والآخرة معروفة، ولا يعني هذا أنهم أفضل منهم من كل وجه، يعني من هذا الوجه نعم، أما من عداهم من وجوه كثيرة جداً جداً لا يفضلونهم، ويقرر أهل العلم أن التفضيل من وجه لا يقتضي التفضيل من كل وجه، فأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم -عليه السلام-، هل يعني هذا أنه أفضل من محمد؟ لا، ما قال بهذا أحد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أول من تنشق عنه الأرض وأول من يبعث نقول: أول من تنشق عنه يوم القيامة، فإذا قام فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، يقول: ما أدري هل بعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور، يعني أنه ما صعق أصلاً، ولا يعني هذا أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-، فكون المؤذنين أفضل من هذه الحيثية لا يعني أنهم أفضل من غيرهم من كل وجه. ((أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) وهذا الحديث في صحيح مسلم. ثم قال: "وعن مالك بن الحويرث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)) " مالك بن الحويرث جاء مع مجموعة إلى المدينة، ولازموا النبي -عليه الصلاة والسلام- أيام، ورأوا أفعاله، وسبروا صلاته وعباداته وشمائله، ثم انصرفوا إلى أهلهم، وذكر مالك بن الحويرث من صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يذكره غيره، أرادوا الانصراف فأوصاهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) ما ذكر مفاضلة بينهم، يؤذن كذا وإلا فكذا وإلا فكذا، كما ذكر في الإمامة، يؤذن أحدكم أي شخص منكم، لكن يلاحظ في الأذان تحقيق الهدف الذي من أجله شرع بأن يكون المؤذن صيتاً، وأن يكون ندي الصوت على ما سيأتي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 ((فليؤذن لكم أحدكم)) لو وجد مثلاً مجموعة فيهم شخص أبح أو ألثغ هل يدخل في قوله: ((أحدكم))؟ إنما المأذنة لها شروط واعتبارات؛ لأنها شرعت لحكمة لا بد من تحقق هذه الحكمة، فالألثغ يغير الحروف، والأبح لا يبلغ من حوله فضلاً عن من بعد عنه فلا يصلح، ولا بد أن يكون ثقة، والثقة لا بد منها؛ لأنه بالنسبة للمؤذن مخبر، مخبر للناس عن دخول الوقت، فإذا لم يكن ثقة لا يعتمد على خبره، والثقة كما تكون في دينه تكون أيضاً في معرفته بالأوقات، لا بد أن يكون ممن يعرف الأوقات. ((وليؤمكم أكبركم)) هم جاءوا ومكثوا عند النبي -عليه الصلاة والسلام- مدة وانصرفوا، جاءوا جميعاً وانصرفوا جميعاً، إذاً ما تلقوه من النبي -عليه الصلاة والسلام- قريب من السواء، ما حفظوه من القرآن قريب من السواء، إسلامهم ومجيئهم في وقت واحد، ورجوعهم في وقت واحد، إذاً لا يتجه إليهم ((يؤم الناس أقرؤهم)) هم متساوون في القراءة، معروف أنهم جاءوا جميعاً ورجعوا جميعاً، وأخذوا شيء واحد من النبي -عليه الصلاة والسلام- على قدر واحد، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، هم لا يتفاوتون في هذا، إنما يتفاوتون .. ، وإسلامهم واحد، يتفاوتون في شيء واحد وهو السن، بعضهم أكبر من بعض، ولذا قال: ((وليؤمكم أكبركم)) لأن التفاوت بين الناس حينما يتشاحون حول الإمامة مرده إلى حديث أبي مسعود البدري ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) ولو كان أصغرهم ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) ((فأكبرهم سناً)) وفي رواية: ((سلماً)) يعني إسلاماً، المقصود أن هذه هم تساووا في هذه الأمور، ولم يبق إلا السن، ولذا قال: ((وليؤمكم أكبركم)) ولا شك أن الكبر كبر السن له دخل مدخل شرعي في التقديم، وجاء في الحديث الصحيح: ((كبر، كبر)) فالكبير أولى من الصغير ممن هو دونه في السن في كثير من الأمور. "متفق عليه". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 "وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه" ومضى في الوضوء عبد الله بن زيد بن عاصم، وهذا غير هذا، ووهم من جعلهما واحداً، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: ليس له إلا هذا الحديث، مع أن الحافظ ابن حجر في التلخيص أثبت له حديثين غير هذا الحديث، فصارت مروياته ثلاثة، يعني حديث في الصدمة: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) عند النسائي، وحديث في تقسيم الشعر، شعر النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن له أكثر من حديث، ومن أثبت حجة، من حفظ حجة على من لم يحفظ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 "وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يعمل؛ ليضرب به للناس لجمع الصلاة" الصلاة فرضت ليلة الإسراء، وكان الناس في مكة عددهم قليل، ينفذهم الخبر بسرعة، ويجتمعون ويصلون، لكن لما هاجروا إلى المدينة وكثروا احتاجوا على شيء ينبههم ويجمعهم للصلاة، فجاءت الاقتراحات، فقال بعضهم: لو اتخذنا ناقوساً، فقيل: الناقوس للنصارى، وقال بعضهم: لو اتخذنا بوقاً، فقالوا: البوق لليهود، واقترح بعضهم أن يتخذ نار توقد عند دخول الوقت يراها الناس، فقالوا: النار للمجوس، فلا شك أن كل شيء فيه مشابهة للكفار لا يجوز اتخاذه، لا سيما في أمور العبادات، الأمر عام للعبادات والعادات، لكن أمر العبادة أشد وأعظم، ولذا كون الإنسان يشابه النصارى فيتخذ ناقوس في جيبه يصحبه معه، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا تصحبه، بل نهى أن تصحبه رفقة فيها جرس، يضرب الناقوس في سائر الأحوال، يعني الإنسان في بيته أو في سوقه أو منفرد أو عنده جماعة تضرب هذه النواقيس في جيوب المسلمين هذا لا شك أن هذا محرم، لكن أين هذا كونه في عبادة! يعني إما يطوف أو يصلي أو يقرأ القرآن أو ما أشبه ذلك، والناقوس يرن في جيبه، هذه مشكلة، وبعض الساعات في المساجد تصدر أصوات في بيوت الله مثل النواقيس، وبعض نغمات الجوال مثل النواقيس وتسمعها في المطاف، وتسمعها في الصف في الصلاة، وتسمعها في المساجد، ولا شك أن استعمال المعازف والمزامير محرم في كل حال، لكن يشتد التحريم إذا كان في عبادة، فيكف يتخذ من أجل العبادة؟ فيدعى الناس به، ويعلم الناس بدخول الوقت بالناقوس، هذا للنصارى، والبوق لليهود، والنار للمجوس، فتفرقوا من غير اتفاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 عبد الله بن زيد بن عبد ربه هذا كأنه أهمه هذا الشأن، فلما نام طاف به طائف، يقول: "طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: ندعو به إلى الصلاة" يعني تحقيقاً للاقتراح السابق، ندعو به إلى الصلاة "قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ " يعني أفضل من ناقوس النصارى، شيء تتفرد به هذه الأمة "فقلت: بلى! قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر" يعني بتربيع التكبير من غير ترجيع. عبد الله بن زيد فيه التربيع وليس فيه ترجيع، حديث أبي محذورة الآتي في مسلم بتثنية التكبير مع الترجيع، وفي غيره في المسند والسنن تربيع التكبير والترجيع، المقصود أن هذا الحديث وهو الأذان المدني الذي رآه عبد الله بن زيد بتربيع التكبير. قال: "تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر" والقرن بين التكبيرتين لا شك أنه أرجح من إفراد كل تكبيرة، فيقول المؤذن: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، بدليل حديث: إجابة المؤذن، فقال: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، تقول: الله أكبر الله أكبر)) بينما في الشهادتين أفردهما ((فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، تقول: أشهد أن لا إله إلا الله)) ولم يجمع بينهما، فالمرجح قرن التكبيرتين الأولى والثانية، ثم الثالثة مع الرابعة. "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله" تقول: الله أكبر بهذا اللفظ، والألف أو الهمزة الأولى في لفظ الجلالة همزة وصل، فلا تقطع إلا مع بداية الكلام، ولا تمد لئلا تنقلب استفهام، ولا تشبع الضمة في لفظ الجلالة؛ لئلا يتولد عنها حرف زائد الواو، ولا تمد همزة أكبر؛ لئلا تنقلب أيضاً استفهام، ولا تمد الباء، فيقال: أكبار، كما نص على ذلك أهل العلم؛ لأن أكبار كأسباب جمع كبر كسبب وهو الطبل، كما في كتب اللغة، فينقلب المعنى. "أشهد أن لا إله إلا الله" بعض الناس حتى من طلاب علم نسمع من يقول: أشهد أنّ لا إله إلا الله، أشهد أنّ لا إله إلا الله، وهي بهذا اللفظ أشهد أنْ لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 "أشهد أنّ محمداً رسول الله" أشهد أن لا إله حق أو معبود بحق إلا الله -جل وعلا-؛ لأن الآلهة المعبودة بغير حق الذي هي مجرد أسماء لا حقيقة لها كما قال -جل وعلا- موجودة، لكن المعبود بحق هو الله -جل وعلا-. "أشهد أن محمداً رسول الله" هذه شهادة لنبي الله محمد -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة، وبعض المؤذنين بل كثير من العامة يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله، بفتح الجزأين، واللغة الصحيحة الفصيحة: أشهد أن محمداً رسولُ الله، وإن وجد في لغية عند بعض العرب من ينصب الجزأين، من مدخولي (أن) لكن الكلام الشرعي إنما يحال على اللغة الفصيحة المشهورة لغة قريش. "حي على الصلاة، حي على الصلاة" يعني تعالوا هلموا إلى الصلاة "حي على الفلاح" مثلها، والفلاح كلمة جامعة للفوز والسعادة في الدنيا والآخرة؛ لجميع أسباب ذلك، ولذا يقال: لا يوجد كلمة تغني عنها، أو كلمة تدل بمفردها على المراد، كما قالوا في النصيحة. "حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" يعني لا معبود بحق إلا الله -جل وعلا-. "ثم استأخر عني غير بعيد" ليكون هناك فاصل بين الأذان والإقامة، فاستأجر عنه غير بعيد "ثم قال: ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة" يعني للإقامة "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" فجمل الأذان على حديث عبد الله بن زيد كم؟ سبع عشرة، وجمل الإقامة كم؟ إحدى عشرة؟ كم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 الأذان كم؟ خمس عشرة: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله" خمس عشرة، الجمل خمس عشرة، ويأتي أكثر من ذلك، وجمل الإقامة كم؟ إحدى عشرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة، إلا الإقامة، فالأذان شفع، والإقامة وتر، يستثنى من ذلك في الإقامة الإقامة، وهل يستثنى في الأذان شيء؟ كلمة التوحيد وتر، كلمة التوحيد في آخره وتر. قد يقول قائل: إن الإقامة فيها شفع غير الإقامة الله أكبر، الله أكبر، نعم هذا فيه حجة أيضاً لمن يقول: بقرن التكبير، ليكون التكبيرتان كالواحدة. "قال: فلما أصبحت" قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه: "فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت في الرؤيا، فقال: ((إنها لرؤيا حق)) " قد يقول قائل: إن هذا أمر شرعي، فكيف نبني حكم شرعي على رؤيا؟ وهل الرؤى يبنى عليها أحكام شرعية؟ الجواب: لا، لا يبنى عليها أحكام شرعية، فالدين كامل بوفاته -عليه الصلاة والسلام-، والمعول في ذلك على نصوص الكتاب والسنة، لا على الرؤى والمنامات والأحلام والأضغاث، لا، لكنها اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((إنها لرؤيا حق)) فأقرها فاكتسبت الشرعية من هذا الإقرار. ((إن شاء الله)) هل هذا شك أو تحقيق؟ هل هذا تعليق أو تحقيق؟ تحقيق هذا، فالتأكيد بـ (أن) واللام منه -عليه الصلاة والسلام-، ((إنها لرؤيا حق)) هذا يدل على أنه لم يتردد في ذلك ((فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به)) قد يقول قائل: إن عبد الله بن زيد صاحب الشأن أولى من بلال بالأذان، لماذا لم يتخذ هو المؤذن؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر العلة ((فإنه أندى صوتاً منك)) وهل يمكن أن يجد عبد الله بن زيد في نفسه شيء على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قال: ((ألقه على بلال))؟ لا يمكن؛ لأنه ليس هذا من عادة الصحابة أن يجدوا في أنفسهم شيء مما قضى الله ورسوله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 ((فإنه أندى صوتاً منك)) هذه العلة، فهي تدل على أن هذا مطلوب في المؤذن أن يكون صيتاً مع نداوة. "فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في بيته فخرج يجر رداءه" لينظر ماذا حصل؟ يعني أول أذان يسمعه، يمكن للاجتماع من أجل حرب، هو ما يدري عن هذا قبل، فخرج يجر رداءه، والعادة أن مثل هذا يكون فزع "ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى" خرج يجر رداءه ليخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رأى مثل ذلك "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلله الحمد)) " حيث تواطأت الرؤيا على مثل هذا وهو حق. "رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وروى الترمذي بعضه وصححه" وعلى كل حال حديث عبد الله بن زيد في الأذان صحيح. "وزاد أحمد: "فكان بلال مولى أبي بكر" بلال بن رباح مولى أبي بكر "يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي الرواتب في بيته، ويتأخر إلى قرب الإقامة، حتى يدعوه بلال إلى الصلاة "ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" في من الأسئلة من يقول: هل الأفضل للإمام أن يتقدم إلى الصلاة، ويأتي مع الأذان، ويكتب له ما رتب على ذلك من الأجور كغيره، أو الإمام يتأخر حتى يؤذن بالصلاة كفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نقول: إن كان ينشغل في هذه المدة بعبادة من صلاة أو تلاوة أو تحضير علم أو ما أشبه ذلك، فكونه لا يحضر إلا مع الإقامة اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- فهو على خير على كل حال، وإن كان لا ينشغل بعبادة فالتقدم إلى الصلاة أفضل بلا شك، مع ما يحصل مع ذلك من عبادات. "فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم" لأنه إذا صلى ركعتي الصبح اضطجع على جنبه الأيمن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 قال: "فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" لأنه كما تقدم الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يوقظ، بل يترك حتى يستيقظ كما تقدم في قصة نومهم عن الصلاة. "فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" ثم بعد ذلك أدخلت هذه الكلمة في التأذين بإقراره -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا يقول قائل من المبتدعة: إن لنا أن نزيد من الأذكار ما يوقظ الناس، وفي البلدان الأخرى يوجد من المؤذنين بعض البدع، منها ما يدخل في أثناء الأذان، ومنها ما يوجد قبله في مكانه، ومنها ما يوجد بعده في مكانه، ولا يجوز الزيادة على ما جاء عن الشرع في أمور العبادات لا تجوز الزيادة، فتجد في بعض الجهات: "حي على خير العمل" هذه بدعة فضلاً عن من يقول: أشهد أن علياً ولي الله، وبعض الجهات يذكرون الله بأذكار في أثناء الأذان، لا شك أن إدخالها في أثنائها -وإن كانت ذكر مطلق- يدخل ذلك في حيز البدعة؛ لأن السامع يظنها من جمل الأذان، وقد يتوسع الناس في ذلك، وقد يأتي على الناس أزمان يقولون: سمعناها في عهد فلان من المشايخ، وما أنكر، فتثبت سنة وهي في الحقيقة بدعة، فلا يجوز الزيادة على جمل الأذان الواردة الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، إنما يؤخذ بجميع ما ورد، مما صح وثبت، وإذا ثبت في حديث عبد الله بن زيد ما لم يثبت في حديث أبي محذورة أو العكس نأخذ بالجميع، لكن لا نلفق بين الأذانين أذاناً واحداً، بل نجعله من اختلاف التنوع، نؤذن بهذا أحياناً، ونؤذن بهذا أحياناً، لا مانع، أما أن نجمع بين ما جاء في حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي محذورة، والأحاديث الأخرى على ما سيأتي ونسوقها مساقاً واحداً لا شك أن مثل هذا تلفيق غير مرضي، كما يقال في صيغ الاستفتاح أو في صيغ التشهد أو ما أشبه ذلك، مما جاء مما هو من قبيل اختلاف التنوع. "قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 "قال البخاري: لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديث الأذان" وعرفنا أن الحافظ ابن حجر في التلخيص قال: فيه نظر، فإن له عند النسائي وغيره حديثاً غير هذا في الصدمة، وعند أحمد في قسمة النبي -عليه الصلاة والسلام- شعره وأظفاره إلى آخره، فله أكثر من حديث، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. هذه أسئلة من الإنترنت من الداخل والخارج. هذا يقول: ما حكم الرسوم المتحركة إذا كانت هادفة، يقول: مثل قناة المجد للأطفال؟ وما رأيكم في قناة المجد بشكل عام فيما تقدم؟ الرسوم المتحركة إذا كانت تضاهي ما فيه روح من إنسان أو حيوان تأخذ حكمه، فلا تجوز، إذا كانت تضاهي بحيث إذا رآها الإنسان قال: هذا إنسان، أو هذا دب، أو هذا كلب، أو هذا حمار، لا شك أنها تأخذ الحكم فلا تجوز، والتصوير كما ذكرنا مراراً أنه بجميع أشكاله وآلاته داخل في التحريم. يقول: وما رأيكم في قناة المجد بشكل عام فيما تقدم؟ أولاً: السلامة لا يعدلها شيء، كون الإنسان يخلو بيته من هذه الآلات وهذه المحدثات هذا هو الأصل، السلامة لا يعدلها شيء، ويبقى أن من ترجحت عنده المصلحة أو خشي مفسدة من أولاده ومن تحت يده من بنات وبنين وزوجة، وما أشبه ذلك خشي عليهم من أن ينفلتوا عليه، وينظروا في أمور مجمع على تحريمها، فلا شك أن ارتكاب أخف الضررين مقرر في الشرع، فإذا عجز الإنسان عن الصمود لمن تحت يده، فارتكاب أخف الضررين معروف عند أهل العلم. يقول: وردت أحاديث فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرك في صلاته، وورد أيضاً أنه كان يلتفت في صلاته، وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان يجهز جيشه وهو في الصلاة، ألا ترى أن هذا متعارض مع الأحاديث الدالة على وجوب الخشوع، لا سيما وأن كلمة العلماء أطبقت على وجوب الخشوع وعدم الالتفات أفتنا ولك الأجر؟ أما ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يلحظ في صلاته، فقد كان هذا بعينه، وقد نظر إلى الشعب مرة خشية من قدوم عدو، فمثل هذا الالتفات عند أهل العلم مكروه، لكن الكراهة تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم، فالالتفات مكروه، الالتفات بالعنق لا بالبدن، والانحراف عن القبلة هذا مبطل للصلاة، أما بالعنق فهذا مكروه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 وما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- إنه من هذا النوع، وكانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزل قول الله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فسكتوا فكونه يتحرك أو يلتفت هذا لا يؤثر، إنما هو مكروه عند أهل العلم، وإذا احتيج إليه جاز كمن يحك محل يحتاج إلى حك من بدنه هذا ما يقول أحد بأنه ممنوع. وروي عن عمر أنه كان يجهز جيشه في الصلاة هذا تقدم الكلام عليه في مسألة التشريك في العبادة. ألا ترى أن هذا متعارض مع الأحاديث الدالة على وجوب الخشوع، لا سيما وأن كلمة العلماء –يقول-: أطبقت على وجوب الخشوع؟ أنا أقول: كلمة العلماء الجمهور على أن الخشوع سنة، وأوجبه من أوجبه كابن رجب والغزالي وبعض العلماء، لكن كون العلماء أطبقوا على وجوب الخشوع هذا ليس بصحيح، نعم الخشوع لب الصلاة، وهو الذي يترتب عليه الأثر، وهو الأصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قام إلى صلاته يسمع في صدره كأزيز المرجل من الخشوع، على كل حال الكلام هذا ليس بدقيق. ثم بعد ذلك سائلة تقول: ما أفضل المختصرات في العقيدة لدراستها؟ ذكرنا في مناسبات أن أفضل المختصرات التي يبدأ بها الأصول الثلاثة والقواعد الأربع، كشف الشبهات، كتاب التوحيد، الواسطية، هذه يبدأ بها، فإذا أتقنت يرتقي الطالب إلى كتب الطبقة التي تليها، كالحموية والتدمرية والطحاوية والسفارينية وسلم الوصول وغيرها من الكتب التي صنفت في هذا الشأن. وهل توصون الطالب المبتدئ بدراسة المختصرات؟ ليس للطالب المبتدئ إلا المختصرات. ودلونا -بارك الله فيكم- على جميع المختصرات من كل فن؟ هذا يحتاج إلى مزيد من الوقت، وفيه أشرطة معروفة ومتداولة. وهل يؤخذ بتصحيح وتضعيف علماء الحديث المعاصرين إذا خالف المتقدمين؟ الأصل المتقدمون، والمتأخرون عالة عليهم، لكن ينظر في تصحيحهم إن كان جارٍ على القواعد، وكلمة المتقدمين غير متفقة على تصحيح أو على تضعيف، فللرأي في مثل هذا نظر. يقول: ما الصحيح في مسافة القصر والجمع إذا صليت المغرب وأنا مسافر؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 الصحيح في مسافة القصر والجمع أولاً: منهم من يعمل بالإطلاق الوارد في النصوص فلا يحدد مسافة ولا مدة، ومنهم -وهم الأكثر- على تحديد المسافة والمدة وهو قول الجمهور، ولا شك أنه أحوط للعبادة وأضبط لها. إذا صليت المغرب وأنا مسافر في مسجد على الطريق، وعندما قمت لأصلي العشاء قصراً جاءت جماعة تصلي المغرب فدخلت معهم بنية العشاء، فهل أقصر العشاء أم أتم؟ المتجه في مثل هذه الحالة الإتمام. وهذا يسأل سؤال كبير عريض طويل. كيف يكون إصلاح السريرة وإخلاص الأعمال فقد ابتلينا بقسوة القلوب، فنرجو منكم كلمة تروي بها غليلنا ... ؟ لا أنفع للإنسان المسلم وطالب العلم على وجه الخصوص من قراءة القرآن على الوجه المأمور به، والإكثار من ذكر الله، والإكثار من نوافل العبادة وأدائها على الوجه الشرعي الذي تترتب عليه آثاره. هل التجشؤ أو التثاؤب له ذكر معين؟ لا أعرف لهما ذكر معين. يقول هنا: هل يجوز شراء العرائس للبنات الصغيرات لتلعب بها؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 العرائس إن كانت كما جاء في النصوص من أن البنات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهن عائشة يتخذن العرائس من العهن، وجاء توضيحها في كتب الشروح أنها عبارة عن وساد كبير في رأسه وساد صغير، ليس فيها أكثر من هذا، يعني العرائس في السابق هي قريبة من هذه الصورة، ولا شيء أكثر من ذلك، ما في شيء هنا ولا في شيء هنا، هذه العرائس التي يتمرنون عليها، يتمرن عليها البنات، أما العرائس الموجودة في الأسواق الآن فهي من أشد التصوير مضاهاة لخلق الله، والذي في تقديري أنها هي الصور المجسمة المجمع عليها، وتزيد عما ذكره أهل العلم من الصور المجسمة أن فيها مشابهة كبيرة لخلق الله، ومضاهاة يعني شيء من الدقة بحيث تكون المشابهة أقوى مما كان ذي قبل بحيث إذا أضجعت أغمضت عينيها، وإذا أجلست فتحت عينيها، إذا حركت ابتسمت، وإذا صفق لها أو ضرب لها على شيء رقصت، وتدور وبيدها مكبر تغني وترقص، هل هذه من العرائس التي كانت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! لا والله ليست منها، بل هذا هو التصوير المجمع على تحريمه، وبعض الناس يركب شيء على شيء، يركب شيء يجعله لشيء آخر، فالمرأة إذا ألبست ثوب رجل لا تنقلب رجل، والعكس، والعبرة بحقائق الأمور لا بأسمائها. يقول: ما حكم اللباس القصير للبنات وأعمارهن ثمان أو تسع سنوات؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 لا يجوز، أهل العلم يتسامحون في السبع فما دون، بالنسبة للعورات يتسامحون في السبع فما دون للذكور والإناث، مع أن السبع فما دون هذا مرده إلى الفتنة وتعلق الرجال بها، فإذا وجد من يتعلق بها من الرجال لا سيما في أوقاتنا التي نعيشها وذوات السبع بل ذوات الخمس أحياناً تضاهي بنت عشر قبل سنين، فالعبرة بما يثير الفتنة عند الرجال، وأما أم تسع هذه امرأة، وليست بطفل، وعائشة تقول: إذا بلغت البنت تسعاً فهي امرأة، وهذه لا يجوز بحال أن تلبس القصير، علماً بأن من كانت في السنة الأولى أو الثانية أو الثالثة المتجه ألا تلبس القصير؛ لتتربى على الحشمة؛ لأنه ما في فرق بين ثلاث وأربع، تستمر أربع، وإذا جاءت الرابعة قالوا: ما زالت طفلة، الخامسة ويش الفرق بينها وبين أربع؟ إلى أن تصل إلى حد تستمري فيه هذا الأمر، وما وجد مثل هذه المناظر التي يندى لها الجبين بين نساء كبار من تبرج إلا التساهل في أول الأمر، ولو أطر الناس على الحشمة والستر من أول الأمر ما تساهلوا في آخره، والذي يتساهل في أول الأمر في الغالب أنه لا يعان على الأطر في آخر الأمر. يقول: إذا دخل إنسان حلقة علم فهل يجلس للاستماع أم يصلي ركعتين تحية المسجد؟ أما إذا كان في غير وقت النهي فليصل الركعتين، وإذا كان في وقت نهي وتردد هل يفعل لا سيما الموسع أو لا يفعل فليرجح الجلوس. يقول: امرأة من عادتها الوضوء كل وقت إذا انتقضت طهارتها، ولو لم يكن وقت صلاة، وأحياناً تصلي ركعتي الوضوء، وأحياناً لا تصلي، فهل تعتبر مخالفة للسنة إذا لم تصل ركعتي الوضوء؟ لا ليست مخالفة للسنة إنما هذا خلاف الأولى. وكذا بكثرة وضوئها ولو لم يكن وقت صلاة؟ ينبغي أن يكون المسلم باستمرار على طهارة إذا لم يشق عليه ذلك، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (6) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: هل تجزئ صلاة النافلة إذا دخل وقت الصلاة الأخرى، فمثلاً صلاة سنة المغرب بعد أذان العشاء؟ إذا شغل عنها الإنسان يقضيها بعد خروج وقتها، وإلا لو خرج الوقت انتهى وقتها، وفعله لها بعد خروج الوقت قضاء، فإن كان قد شغل عنها فيقضيها. ما القول الراجح في صلاة الكسوف والخسوف؟ نقل النووي الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة، مع أن الأمر: ((فإذا رأيتموهما فصلوا)) وأبو عوانة في مستخرجه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، وعلى كل حال هي سنة مؤكدة، والتأثيم يحتاج إلى نص قاطع بعد قوله: "هل علي غيرها؟ " قال: ((لا إلا أن تتطوع)) هذه حجة الجمهور. وكيف يقضي الصلاة من فاتته الركعة الأولى من الأربع ركعات؟ يعني من صلاة الكسوف أربع الركوعات، الركعة تدرك بالركوع الأول، فإذا فات الركوع الأول فاتت الركعة بكاملها، وتقضى على صفتها. ما هي المصارف التي تصرف فيها الأموال المكتسبة من أسهم محرمة؟ وهل يجزئ صرفها في المساجد وقضاء الديون؟ هذه أموال خبيثة تصرف في مصارف خبيثة في مجاري، في دورات مياه، وما أشبه ذلك، ووضعت في أعلاف لدواب ونحوها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كسب الحجام خبيث)) ثم قال: ((أطعمه ناضحك)) تصرف في أعلاف المواشي أو المصارف الخبيثة كدورات المياه والمجاري وشبهها. هل يجوز صرفها في المساجد؟ لا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقضاء الديون كذلك، قضاء الديون صح نعم هو أخف من الأكل؛ لكنه يبقى مع ذلك أن المحرم لا تقضى به الديون، إنما تقضى به أموال الشبهة، شيخ الإسلام يقول: مال الشبهة تقضى منه الديون، أما صريح التحريم فلا. هل الدرس مستمر شهرياً؟ وما هو وقت الدرس؟ الأصل أنه على الاتفاق الأول شهري، لكن قد لا تمكن الظروف من الوفاء. يقول: كيف نجمع بين قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] ((وتجاوز عن أمتي ما حدثت به)) هل يدخل فيه حديث النفس؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 1 الظن أقوى من حديث النفس، وهو احتمال راجح، فإذا وصل إلى حد الظن يعني مجرد ما يتردد بالنفس، فهذا فما دونه من الخاطر والهاجس هذا كله معفو عنه. مثال: إذا شخص ظن في شخص آخر سوءاً، ومفهوم قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] اجتنبوا كثير فمعناه أن قليلاً من الظن لا يجتنب، لا سيما إذا دلت القرائن المؤيدة لهذا الظن وقويت فإن مثل هذا لا يجتنب. يقول: ذكرت لفظ "جنس العمل" وقد قال بعضهم: إن أول من ابتدعه الشيخ سفر الحوالي، وما رأيكم في ... إلى آخره. شيخ الإسلام قرر أن جنس العمل شرط في صحة الإيمان في كتاب الإيمان، المجلد السابع من مجموع الفتاوى. يقول: نريد تكثيف الدروس في مكة، فالدروس لنا قليلة جداً بالنسبة للرياض. هذا أمر عادي أن تكون قليلة بالنسبة للرياض؛ لأن الرياض مساحته كبيرة جداً، وسكانه أكثر بكثير، وتوافر أهل العلم أيضاً فيه أكثر، علماً بأن الدروس يعني بالنسبة للحرم في دروس -ولله الحمد-، المشايخ الموجودين فيهم كثرة، وأساتذة الجامعة والقضاة، لكن قد لا يجدون من يلح عليهم، ويحملهم المسئولية. هل يجوز لمن استودع مبلغاً من المال للصدقة هل يجوز أن يأخذ شيئا ًمنه مع نية الضمان للحاجة؟ الأصل أنها أمانة لا يجوز أن يتصرف فيها، لكن إذا غلب على ظنه أو جزم برده وقت الحاجة إليه بدلاً من أن يبقى دون أن يستفاد منه لا سيما في أمور طارئة يحتاج شيء وفي جيبه مائة ريال مثلاً للصدقة أعطيها ليتصدق بها على فقير، وعنده في حسابه مائة ريال، ما يلزم أن يقول: اذهب اصرف مائة ريال، واترك هذه التي في جيبك، أنفق هذه المائة، وبعد ذلك عوضها في أقرب وقت، أما من كان ليس لديه وفاء فإن هذا يحرم عليه أن يتصرف؛ لأنه يعرض هذه الصدقة للخطر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 يقول: كان أبي مريضاً مرضاً خطيراً وأجرى عملية على الأمعاء، وفتحت له فتحة في جنبه، تخرج منها النجاسات في كيس باستمرار، فوجدته توقف عن الصلاة؛ لأنه رأى أن النجاسة تخرج باستمرار، فأمرته بالصلاة على حاله، فيصلي صلوات كثيرة بلا طهارة، ثم علمت أنها لا تسقط عليه لحديث المستحاضة، فأتيته بحجر يتيمم به؛ لأنه كان ملازماً للفراش، فماذا عليه بالنسبة للصلوات التي صلاها بلا طهارة ماء ولا تيمم بناءً على ما أفتيته به؟ إن كنت ممن تبرأ الذمة بتقليده فلا شيء عليه، وإن كنت ممن لا تبرأ الذمة بتقليده فعليك أن تتقي الله -جل وعلا-، وهو يعرف ذلك أنك ممن لا تبرأ الذمة بتقليده عليه أن يقضي هذه الصلوات، وعليه أن يتطهر حسب الإمكان، وأما إيقاف النجاسة فحكمه حكم من حدثه دائم يصلي ولو خرجت النجاسة. يقول: ألا يمكن أن نجمع بين حديث عائشة -رضي الله عنها- وقولها: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" إلى أن قالت: "لا يعرفهن أحد من الغلس" وحديث: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم)) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين أن الإمام يجب أن يراعي حال الناس، فتارة يصلي الفجر بغلس، وتارة يصبح بها، وذلك بحسب طول الليل وقصره، خصوصاً في أوقات الصيف والشتاء لرفع المشقة عن الناس، حيث يطول الشتاء ويقصر الصيف، فيصلي شتاءً بغلس، وصيفاً يصبح بها؟ على كل حال كل هذا وهذا يدل على أنه يبادر بها في أول وقتها، إنما قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أسفروا)) ((أصبحوا)) هذا يدل على التأكد من دخول الصبح؛ لأنه ما دام يصليها بغلس، وجاء في صلاته في مزدلفة أنه صلاها قبل وقتها، قد يظن ظان أنه لا مانع أن تصلى قبل دخول وقتها؛ فلئلا يتطرق مثل هذا الفهم قال: ((أصبحوا)) و ((أسفروا)). يقول: وقت الدرس مناسب جداً لأن البعض يكون في مناطق بعيدة جداً عن مكة على خمسمائة كيلو، أنا منهم، وعندما تأتينا الرسائل بوجود درس نتقطع حزناً وألماً؛ لأننا غير موجودين بمكة لظروف تعيين المدرسين في شتى مناطق المملكة، ونطلب من إخواننا الصبر والاحتساب على الوقت، والله المستعان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 يريد أن يقتصر الدرس على الصيف فقط في مثل هذه الأيام من كل سنة، أسبوعين، عشرة أيام يكون فيها ستين حديث مثلاً، فيحتاج الكتاب إلى كم؟ إلى عشرين سنة، يحتاج إلى عشرين سنة، على كل حال المسألة تسديد ومقاربة، ومن فاته شيء فالتسجيل موجود، وأيضاً مسألة الاستفادة من الآلات من الإنترنت وغيره ممكنة، فإذا أضيف إلى مثل هذا الدرس درسين مثلاً درس في الفصل الأول، ودرس في الفصل الثاني يكون ثلاثة أيام بثلاثة أيام يمشي الكتاب -إن شاء الله-. يقول: تقرر الأذان من النبي -صلى الله عليه وسلم- برؤية عبد الله بن زيد، فهل من تأصيل شرعي موجز لمسألة تعبير الرؤى والأحلام، لا سيما مع انتشارها في هذه الأيام بكثرة؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 ما يسمع ويشاهد في هذه الأيام من اتخاذ بعض الناس التعبير مهنة يتكسب من ورائها، ويتفرغ لها، ومثل هذا الرقية، التعبير له أصل شرعي، والرقية لها أصل شرعي، لكن ما عرف في عهد سلف هذه الأمة من يتفرغ لهما، فالعمل الذي له أصل شرعي لا يمكن منعه بالكلية، لكن يمكن ترشيده وتصحيحه، فالرقية لها أصل، وليس معناها أن الإنسان يجلس يتكسب من ورائها، ويترك الأعمال، ويعطل نفسه ويعطَل ولا يستفاد منه، هذا لا أصل له في هذه الملة، وكذلك الرؤى، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى الصبح التفت إلى الصحابة وقال: ((هل رأى أحد منكم رؤيا؟ )) لكنه معصوم، هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لم يفعله لا أبو بكر ولا عمر، ويحتجون بأن ابن سيرين عرف بتعبير الرؤى، إذا كان أبو بكر -رضي الله عنه- أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أصبت في شيء وأخطأت)) فحصل منه الصواب من وجه، والخطأ من وجه، فكيف يظن بمن دونه أنه لا يخطئ؟ ومن نصب نفسه للإجابة على كل رؤيا فقد رشح نفسه أنه لا يخطئ، وقد زكى نفسه في هذا الباب، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا-، وهناك أشياء أحلام أضغاث لا تؤول، ولا أول لها ولا آخر، بل وجد من عبر بعض الرؤى المختلقة، مختلقة لا حقيقة لها، فتراهن اثنان، وقال: نبي نسأل فلان عن رؤيا وهي لا حقيقة لها، يختلقونها هم، يقولون: رأينا كذا وكذا، فما تأويلها؟ فأولها لهم، فمثل هذا لا شك أنه استرسال ممنوع. يقولون: إن ابن سيرين عرف بتعبير الرؤى، أقول: ما أثر عن ابن سيرين في هذا الباب في جميع عمره قد يتصدى له بعض الأشخاص في يوم واحد، ويتعاونون مع الهاتف، في الهاتف الذي بأجرة، ويسلبون الناس بهذا الطريقة، ولا شك أن هذا من أكل أموال الناس بالباطل. هل المراد بسماع الأذان الضابط في هذا أن يكون بدون مكبر؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 نعم أن يكون بدون سبب يوصل الصوت، وبدون مانع يمنع منه، المسألة مفترضة بدون مكبر، وبدون سيارات ومصانع وإزعاج وهدم وبنيان، وصخب ولغط، لو كان بدون مكبر الذي في هذا الشارع ما يسمع الأذان، وما هو عنه إلا عشر خطى، ما يسمع الأذان، بدون مكبر مع هذه الموانع، فالمسألة منظور إليها أن تكون بدون أسباب مبلغة من مكبرات وغيرها، وبدون موانع، ومن كان على المسجد مسافة كيلوين فقط يسمع الأذان الطبيعي بدون مكبر وبدون موانع فلا يغلق الإنسان النوافذ، ويشغل المكيفات، ويعمد إلى أنواع من المكيفات لها أصوات يقول: أنا والله ما أسمع النداء. هذا يقول: تضطرني زوجتي للحلف بالله شفاهية، أو على المصحف بعدم فعل بعض الأمور، فمثلاً الزواج عليها، أو فعل بعض الأمور التي يضمر السائل نيته فعلها، فما حكم ذلك الحلف؟ وما هي الكفارة؟ تضطرك زوجتك بالحلف بالله ألا تتزوج عليها أو ألا تفعل كذا، إذا حلفت وفي نيتك أن تفعل هذا لا كفارة له، أعظم من أن يكفر، وإن كان في نيتك ألا تفعل، ثم رأيت الخير والمصلحة في فعلك ما حلفت عليه، فكفر عن يمينك، وائتِ الذي هو خير. هذه من الإمارات تقول: في بعض الأحيان نقلد أصوات بعض المؤذنين فيما بيننا، فهل يجوز لنا ذلك ونحن نساء؟ نعم بعض النساء تقلد بعض أصوات المقرئين، فتقول: هل هذا من التشبه بالرجال؟ أولاً: تقليد الصوت له أكثر من مغزى، قد يكون من باب الإعجاب بالشخص نفسه، وقد يكون من باب الإعجاب بصوته، هذا الذي لا يختص به الرجال؛ لأن القرآن يشترك فيه الرجال والنساء، وتحسين الصوت مطلوب من الجميع، وأداء القرآن على الوجوه المعتبرة عند أهل العلم، وعلى الوجه المأمور به شرعاً يشترك فيه الرجال والنساء، فليس هذا من باب التشبه، لكن إن كان تقليد هذا الرجل إعجاباً بشخصه فيمنع من هذه الحيثية، وإن كان من باب الاستخفاف به؛ لأن بعض الناس يقلد بعض القراء وبعض المؤذنين وكذا من باب التندر به، ومثل هذا لا شك أنه من المنهي عنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 قد يختلف الأذان عن قراءة القرآن؛ لأن المرأة ليس عليها أذان، فإذا قرأت القرآن تتعبد به بقراءة شخص أعجبتها قراءته؛ لأنه على الجادة فمثل هذا لا شيء فيه، لكن إذا أذنت مثل أذان الحرم، أو مثل أذان كذا أو كذا، والمرأة ليس عليها أذان فمثل هذا إن سلم من عيب المؤذن أو شينه وهو التندر بصوته، أو الإعجاب بشخصه فهو خلاف الأولى. انتشر الآن وضع بعض المقاطع من الأذان في بعض البرامج، فهل يجوز؟ وهل يجوز تشغيل الأذان في غير وقت الأذان؟ أما الأذان الكامل بجمله الكاملة لا يجوز وضعه في أي برنامج؛ لأنه قد يُرفع هذا الأذان في غير وقته الشرعي، ولغير القصد الشرعي من دخول الوقت، أو قرب الصلاة، فهذا يمنع؛ لأنه لو أن إنساناً أذن بعد الصلاة، سلم الإمام ثم قام شخص فأذن في غير وقته، قلنا: هذه بدعة، أما وضع بعض جمل الأذان لا الأذان بكامله ولا على ترتيبه من أجل أن يكون بديلاً عن النغمات أو غيرها، أو لأنه ذِكر، فهذا الأمر فيه أسهل، لكن يبقى أنه لو وضع منبه ينبه الإنسان أن يذكر الله كلما غفل أفضل من هذا، وهناك أصوات تصدرها الجوالات لا محظور فيها. ما الدليل على تحريم النظر إلى الصور؟ وهل كان النظر إلى الأصنام محرم وهي صور؟ وجزاكم الله خيراً؟ أولاً: النظر إلى الأصنام نظر إلى حجر، فهل إساف يثير النساء؟ وهل نائلة تثير الرجال؟ مجرد حجر منصوب. طالب:. . . . . . . . . هي صور وتماثيل؛ لكن هل هي من الدقة بحيث تثير الناظر؟ أبداً. النظر إلى الصور العلة فيها هي العلة في تحريم النظر إلى الأشخاص بحقائقهم، والأمر بغض البصر بالنسبة للمرأة كالأمر بغض البصر بالنسبة للرجل. يقول: في بلادنا متنزهات مختلطة، فوالدتي تصر على أن نخرج مع أخواتي للترفيه عن أنفسنا إلى هذه المتنزهات، وهي مختلطة، فهل يجوز أن أذهب معهم؟ وإذا لم أذهب والدتي تغضب علي، وقد تشتمني وتدعو علي؟ اختلاط الرجال بالنساء وتعريض النساء لأن يفتتن بهن النساء والعكس هذا أمر محرم؛ لأنه يؤدي إلى محرم، والطاعة بالمعروف، فإذا أمر الإنسان بما حرم الله عليه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 ماذا يعمل الإنسان حتى لا تكون الدنيا أكبر همه، حيث فتحت علينا هذه الدنيا، وانشغلنا بها؟ فهل من نصيحة توجهونها؟ على الإنسان أن ينظر إلى الهدف الذي خلق من أجله، الإنسان والإنس إنما خلق لتحقيق العبودية، فعليه أن يسعى لتحقيق هذا الهدف، مع أنه لا ينسى نصيبه من الدنيا، فلا يسترسل في أمور دنياه حتى ينسى ما خلق من أجله. يقول: هل الخروج في سبيل الله بدعة أم سنة أم جائز؟ الخروج في سبيل الله إن كان القصد به إلى الجهاد، إلى الحج، إلى العمرة، إلى طلب العلم هذا سنة، أما الخروج إلى المباحات ... ، أيضاً الخروج إلى الدعوة، الدعوة ضرب من الجهاد، لكن تحديد وقت معين كما حدد لموسى مثلاً أربعين يوم، أو كما كان يتعبد النبي -عليه الصلاة والسلام- يتحنث في غار حراء، هذه بدع، هذه لا شك أنها بدع، لا أصل لها في الشرع، إنما يخرج كيفما اتفق، يخرج يدعو إلى الله، ومتى انتهت مهمته يرجع، يخرج إلى الجهاد متى انتهت مهمته يرجع، يخرج إلى الحج متى أدى الفريضة رجع، هذه كلها في سبيل الله، ولطلب العلم متى أخذ نصيبه وما يحتاجه من العلم يرجع {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ} [(122) سورة التوبة] هذه أمور مشروعة، لكن يحدد له نخرج ثلاثة أيام من أجل كذا، نخرج أربعين يوم من أجل كذا، هذا كله بدعة لا أصل له في الشرع، هذا إذا كان المقصود منه تأصيل هذه المسألة شرعاً بتحديد أربعين ليلة بالنسبة لموسى، أو التحنث في الغار، أو ما أشبه ذلك، أما إذا كانوا حددوا مدة السفر نسافر لمدة شهر من أجل أن يرتبوا أمورهم، عند بعضهم أعمال بعد ما يعود، فيحتاج إلى أن يحدد وقته، والله أنا أروح لمكة لمدة أسبوع أعتمر وأتعبد هناك، يقال: بدعة وإلا لا؟ لا، ليرتب أموره، لكن لو تعبد بهذه المدة قلنا: ابتدعت، لو تعبد بها قلنا: ابتدعت. يقول: إذا كانت المرأة تصلي لوحدها، فهل تقيم الصلاة؟ وكذا إذا أمت أخواتها؟ المسألة خلافية بالنسبة للمرأة في الأذان والإقامة، والخلاف في الأذان أقوى، بمعنى أنه لا يلزمهم الأذان، وجمع من أهل العلم يرون أنه لا إقامة عليها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 يقول: وهل تجهر بالإقامة؟ ثم تقول: في بعض البلدان الإسلامية يكون الأذان عبر المسجل يعني يكون تسجيل، فكيف يكون الترديد معهم؟ الأذان لا يخلو إما أن يسمع من صوت المؤذن مباشرة بدون واسطة، هذا هو الأصل فيه، وهو الذي يردد وراءه، ويقول مثل ما يقول المؤذن، أو يكون بواسطة آلة إما راديو وإلا مسجل وإلا .. ، فإن كان المسموع بالراديو مثلاً حي على الهواء، الآن المؤذن يؤذن بالفعل، فأنت تردد وراءه؛ لأنه مثل مكبر الصوت، أما إذا كان تسجيل، هذا أذان سجل ويردد، هذا ما يردد خلفه. يقول: أختي تقدم بها العمر، وإذا جاءها المعدد ترفض الزواج منه؛ لأنها تخاف أن يجور في حقها، فهل يجوز لها أن ترد المعدد لهذا السبب؟ وما نصيحتكم للنساء عامة حول هذا الأمر، والتساهل في الرفض والقبول للخاطب في بداية العمر؟ على كل حال إذا ردت المعدد لأن عندها من الغيرة على نفسها ما تخشى أن تضيع به حقوق الزوج، أو تبغي على غيرها هذا مبرر؛ لكن لتعلم أن المسألة عرض وطلب، يعني إذا فاتها مثل هذا المعدد، لا سيما إذا تقدم بها العمر من تأمل أن يأتيها؟ فإذا خشيت أن تبقى بلا زوج تقبل ولو معدد، وإذا لم تخش ذلك والأمر إليها إذا كانت مكلفة عاقلة رشيدة، تزن الأمور بموازين الشرع، علماً بأنه إذا جاء الكفؤ لا يجوز رده إلا بمبرر، فإذا خشيت أن تزداد غيرتها على زوجها فيحصل من وراء ذلك الظلم والبغي على غيرها فلها أن ترفض؛ لأن هذا مبرر شرعي، فعلى المرأة أن تتحين الفرص لئلا تفوت. يقول: يوجد على شبكة الإنترنت مجموعة من الرافضة، ينشرون معتقداتهم عن طريق الفتيات، لكي يوقعوا الشباب الغافل، وللأسف فقد ترفض الكثير من الشباب، فما قول فضيلتكم؟ إيه. طالب:. . . . . . . . . لا، المرسل محب الله تعالى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 على كل حال الدعوة كل يزاولها، والنصرانية لها من يدعو لها، ومدعومة بقوة، والتشيع له من يدعو له، ومدعوم بقوة، وأهل السنة يدعون، وهناك دعاة على أبواب جهنم، فليحذر الإنسان من الاستجابة لهم، ولهم طرقهم ووسائلهم وإغراءاتهم، الدعوة إلى النصرانية وإلى غيرها ودعوة المسلمين إلى الشك في دينهم وللانسلاخ منه هذه قديمة، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ولا يعرض نفسه لهذه الأمور، فإذا كان ليست لديه القوة العلمية بحيث يستطيع الرد على هؤلاء لا يجوز له بحال أن يسمع شبهاتهم. يقول: حكم لبس النساء لعباءة الفراشة حتى انتشرت بين النساء الصالحات، فصاروا يلبسونها؟ الفراشة هي مثل العباءة المخصرة من وجه، وشكلها من بعيد مثل العباءة الواسعة، بحيث إذا رفعت المرأة يديها صارت بقدر يديها، إلا أنها خيطت على قدر الجسم، وترك الباقي لا قيمة له، يهتز لا قيمة له، فلكونها تصف الجسم وتحدده هي في حكم المخصرة التي يقول أهل العلم بتحريمها؛ لأنها تكشف وتفصل الجسم. هذه أيضاً أم فيصل تقول: هي مقصرة جداً في قراءة وتلاوة القرآن، وأنها منشغلة عنه، ولا يوجد عندها وقت، فكل وقتي يذهب بخدمة زوجي والأولاد، فماذا تنصحونني؟ وإذا فاتت السنن الرواتب بعذر هل تقضى؟ أما بالنسبة لتلاوة القرآن فإنها لا تعوق عن أي عمل من أعمال الدنيا أو أعمال الآخرة، فالمسلم إذا صلى صلاة الصبح وجلس ينتظر طلوع الشمس، وهو ليس لديه أي عمل في هذا الوقت، إلا إن كان يريد النوم فهذا حرمان، فإذا جلس ينتظر الصبح، وقرأ ورده وحزبه اليومي في هذا الوقت كفاه، يقرأ أربعة أجزاء ليقرأ القرآن في سبع، وهذا أمر ميسور ومتيسر لكل أحد، لكن الحرمان، وبعض الناس يرى أن قراءة القرآن على الفراغ، على الفرغة، يعني إن تقدم إلى الصلاة قبل الإقامة بخمس دقائق عشر دقائق قرأ وإلا فلا، تجده يمر عليه اليوم واليومان والثلاثة ما فتح المصحف هذا محروم بلا شك، فإذا ضيع القرآن ماذا يبقى له. وأما انشغالها في خدمة زوجها وأولادها فهذه هي وظيفتها الطبيعية، هذه وظيفتها الأصلية، فعليها أن تهتم بها، لكن مع ذلك لا تنسى الدين الذي من أجله خلقت. إذا فاتت السنن الرواتب بعذر هل تقضى؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 نعم إذا شغل عنها الإنسان يقضيها في غير أوقات النهي، إلا راتبة الصبح القبلية فإنه يقضيها بعد الصلاة. يقول: هل يجوز للرجل أن ينظر لخطيبته أكثر من مرة إذا لم تكفه النظرة الأولى؟ وما العمل إذا كان أهلها يرفضون النظر إليها في المرة الثانية؟ وهل يجوز لي أن أكلمها واسألها بحضور وليها؟ إذا عزم الإنسان على خطبة فتاة فهل يجوز له أن ينظر إليها دون أهلها؟ أما بالنسبة للنظر فهو شرعي، وجاء الأمر به، والمصالح المترتبة عليه لا شك أنها ملموسة ومحسوسة، لكن ليس معنى هذا أن يتفكه بالنظر إلى بنات المسلمين، يأتي أول مرة يقول: والله ما انتبهت أعيد النظر، ثم يأتي ثالثة يقول: والله ما حطيت بالي، أعيد النظر، لا، لا، النظر مرة واحدة، وعليه أن ينتبه لكل شيء، وإذا لم يتمكن يقول: تعاد مرة ثانية في نفس المجلس، إذا استحيا ولم يتمكن من النظر، أو استحت هي وأطرقت، وما تمكن من نظرها لا مانع من أن تدعى ثانية، أما كلما عنَّ له أن ينظر إليها قال لوالدها: أنا ما تمكنت أو نسيت؛ لأن بعضهم إذا خرج من البيت نسي الملامح، تقرر أنت الآن في وقتك قرر. يجوز له أن ينظر إليها من غير علمها إذا عزم على التقدم إلى أهلها وخطبتها، ويجوز له أن ينظر إليها إذا لم يكن بعلمها يتخبأ لها في مكان بحيث لا يخلو بها، كما قال جابر: "كنت أتخبأ لها" فلا يلزم علمها ولا علم والدها. أم سهلة السلفية من فرنسا تقول: ما هي الأمور المعينة على طلب العلم الشرعي؟ الأمور المعينة على طلب العلم الشرعي أولاً: استحضار النية الصالحة الخالصة لله -جل وعلا-، واستحضار النصوص التي تحث على طلب العلم، وتبين منزلة العلم، وأهل العلم، هذه لا شك أنها معينة على الطلب، وسائق حادي إليه، ثم بعد ذلك التماس الطريق على الجادة المعروفة عند أهل العلم يسهل أيضاً التحصيل. يقول: بما أننا الآن في شهر رجب من الأشهر الحرم، فهل لكم أن تذكرونا بعظم هذا الشهر، حيث يكثر فيها وفي غيرها من الشهور التساهل والتهاون عند كثير من الناس من المعاصي والمنكرات، وانتشار البدع كالعمرة الرجبية وغيرها فنرجو ... إلى آخره؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 لا شك أن شهر رجب وسائر الأشهر الحرم أشهر معظمة شرعاً، فلا يجوز للإنسان أن يظلم نفسه فيها، أو يظلم غيره، فعليه أن يكثر مما شرع الله له ولا يبتدع، لكن عليه أن يكف عن المعاصي، والكف عن المعاصي مطلوب في كل وقت، لكنه يزداد تأكده في مثل هذه الأشهر الحرم. وأما بالنسبة للعمرة في رجب فقد قال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في الصحيح: "إن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب" وأنكرت عليه عائشة -رضي الله تعالى عنها- وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر أربع عمر، وجميع هذه العمر كان ابن عمر معه فيها، وأنه لم يعتمر في رجب قط. وقفنا على حديث أبي محذورة؟ طالب: أيوه يا شيخ. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي محذورة" واسمه أوس كما قال ابن عبد البر وغيره، وابن أوس ابن مسبر "-رضي الله تعالى عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان: الله أكبر الله أكبر" يعني بالتثنية، الله أكبر الله أكبر، جاء في حديث عبد الله بن زيد: بتربيع التكبير من غير ترجيع. أولاً: أبو محذورة خرج مع فتية من قريش بعد فتح مكة إلى حنين، فسمعوا المؤذن يؤذن، فصاروا يقلدونه استخفافاً واستهزاءاً، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- أذانهم، وقال: إن فيهم شاب صوته جميل وندي ائتوني به، أو ائتوني بهم، فأذنوا أمامه، فلما أذن أبو محذورة قال: ((اجلس)) فمسح على رأسه وبرك عليه، وعلمه الأذان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان" ألقاه إليه بنفسه، وليس في هذا أدنى عيب ولا ضير أن الكبير يعلم الصغار، تجد بعض الناس يؤتى له بمن يلقن الشهادة ليدخل الإسلام فيقول: روح لمدير المكتب يلقنك، ويكتب المعلومات وأنا أختم، هذا حرمان هذا، كثير من الكبار يأنف من تلقين الصبيان القرآن، نعم قد يكون وقته والاستفادة منه من قبل الكبار أكثر من إفادة الصغار، لكن مع الأسف أننا لا نجد إلا في القليل النادر من يعلم القرآن من الكبار، يعني هل تجدون شيخ من الكبار جالس ليعلم الناس القرآن؟ أو يقول: القرآن حفظ وتلاوة واستماع وتقويم، يتقنه بعض الشباب أكثر من الكبار ويتولونه، ويتفرغ الكبار للعلم ومسائل العلم العظام، أنا أقول: لا أعظم من القرآن، ما نعرف أن أحد من حملة الشهادات يجلس لإقراء الناس القرآن إلا ما ذكر عن بعض الأساتذة في الأحساء، وهذه لا شك أنها مما يحمدون عليها، ويشكرون عليها، أما الكبار يتفرغون للتفسير والحديث والفقه والعقيدة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علم أبا محذورة الأذان، ما قال يا بلال علمه الأذان. "إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان، الله أكبر الله أكبر" بالتثنية، بدل التربيع الذي في حديث عبد الله بن زيد، ولذا ينصون الرواة في حديث عبد الله بن زيد بتربيع التكبير بغير ترجيع؛ لأن في حديث أبي محذورة التثنية والترجيع، ليكون أذان بلال مختلفاً عن أذان أبي محذورة. "الله أكبر الله أكبر" بالتثنية "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين" هذا الترجيع، يأتي بالشهادتين بصوت منخفض، ثم يرجع إليهما بصوت مرتفع، هكذا علم النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا محذورة، فالترجيع مشروع، وهو نوع من أنواع الأذان، فليكن أذان عبد الله بن زيد نوع، وأذان أبي محذورة نوع، والاختلاف بينها كاختلاف التنوع، مثل دعاء الاستفتاح، ومثل صيغ التشهد وما أشبه ذلك، فيقال هذا أحياناً وهذا أحياناً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 منهم من يقول: إن الترجيع ليس بمشروع، وإنما ألقاه على أبي محذورة ليقول الشهادتين مع خفض الصوت وبتدبر منه من أجل أن يتمكن الإسلام من قلبه؛ لأنه الآن جديد، دخل في الإسلام الآن؛ لأنه قبل قليل كان يستهزئ، يؤذن استهزاء بالمؤذن، من أجل أن يتمكن الإسلام من قلبه، قال: تأتي بالشهادتين بصوت منخفض ثم ترفع صوتك بهما تكميلاً للأذان وإتماماً له، لكن استمر أبو محذورة على هذا، يؤذن في المسجد الحرام هكذا بالترجيع، فالترجيح مشروع. يأتي بالشهادتين سراً، ثم يأتي بهما علانية، هل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله سراً، ثم يرفع صوته، أو يقول الجمل الأربع: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يرفع صوته بالجمل الأربع؟ الحديث يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، يعني الجمل الأربع، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيقول ... إلى آخره، فيأتي بالجمل الأربع سراً، ثم يأتي بها جهراً، وبعض الروايات تدل على أنه يأتي بأشهد أن لا إله إلا الله مرتين سراً، ثم يرفع بهما صوته، ثم يقول: أشهد أن محمداً رسول الله سراً مرتين، ثم يجهر بهما مرتين. حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، ألله أكبر ألله أكبر ... إلى آخره، كمثل حديث عبد الله بن زيد، وليس فيه اختلاف بينه وبين حديث عبد الله بن زيد إلا تربيع التكبير مع تثنيته هنا، وعدم الترجيع في حديث عبد الله بن زيد والترجيع في حديث أبي محذورة، وقلنا: إن مثل هذا من باب اختلاف التنوع. "كذا رواه مسلم، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وذكروا التكبير في أوله أربعاً" والقصة واحدة، فهل نقول: إن التكبير مثنى وإلا رباع؟ القصة واحدة في صحيح مسلم مثنى بتثنية التكبير، وفي مسند الإمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بتربيع التكبير كحديث عبد الله بن زيد، وهل نجعل حديث عبد الله بن زيد شاهد لرواية الإمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه أو ليس بشاهد؟ يصلح أن يكون شاهداً؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 حديث آخر، هو حديث آخر، قصة أخرى، إنما النظر في رواية مسلم مع رواية أحمد وأصحاب السنن، فهل نقول: إن ما في الصحيح أرجح أو نقول: ما في المسند والسنن زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، وقد يكون الراوي نسي، وترك تكبيرتين، وحفظها غيره؟ فإن نظرنا إلى الترجيح فلا شك أن ما في الصحيح أرجح، علماًَ بأن القاضي عياض أشار إلى أن بعض روايات مسلم فيها تربيع التكبير، فيها تربيع التكبير، وعلى هذا يكون الترجيح في حديث أبي محذورة، التكبير أربع وإلا اثنتين؟ أربع، إذا ثبت ما قاله القاضي عياض فالتربيع مطلوب، وحينئذٍ يقال: زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة بلا شك في مثل هذا. "وفي رواية: وذكروا التكبير في أوله أربعاً، وفي رواية أحمد في آخره: والإقامة مثنى مثنى، لا يرجِّع" الإقامة لا ترجيع فيها، إنما الترجيع إنما هو في الأذان. قوله: في رواية أحمد: والإقامة مثنى مثنى، وقد أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو لما ذكر في رواية أحمد التكبير أربع فالإقامة مثنى لعله يقصد بذلك التكبير في أول الإقامة وفي ... هاه؟ آخرها، التكبير مثنى مثنى، يعني التكبير في أول الأذان أربع، وفي آخره وفي آخر الحديث الإقامة مثنى مثنى يقصد بذلك التكبير الذي الحديث عنه، وإلا فالأصل أن الإقامة وتر؛ لأن بلال أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، ومع ذلك لا يرجع. "وروى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان تسع عشرة كلمة" علم أبا محذورة الأذان تسع عشرة كلمة، كيف يكون الأذان تسع عشرة كلمة؟ التكبير أربع، والشهادتان كم؟ ثمان مع الترجيع، أربع وثمان ثنتي عشرة، نعم؟ والحيعلتان أربع، كم؟ ست عشرة، والله أكبر الله أكبر سبع عشرة، والختام بكلمة التوحيد تسع عشرة، رواية الترمذي تشهد لرواية أحمد وأن التكبير أربع. "علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة" كيف تكون الإقامة سبع عشرة كملة؟ "وقال: هذا حديث حسن صحيح" والإقامة بدون ترجيع، كيف تكون الإقامة سبع عشرة كلمة؟ كيف؟ طالب:. . . . . . . . . وفي ترجيع؟ طالب: لا بدون ترجيع. إذا كان بدون ترجيع تنقص، تصير ثلاث عشرة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 كيف توجه هذه الراية الإقامة سبع عشرة كلمة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . التكبيرات أربع بدون ترجيع مع إيش؟ طالب:. . . . . . . . . مع "قد قامت الصلاة" يعني تكون الإقامة على صورة أذان عبد الله بن زيد، والأذن ... طالب:. . . . . . . . . لكن يقول: علمه، علم أبا محذورة، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف نوجه؟ عرفنا كيف نوجه الأذان تسع عشرة، لكن كيف نوجه الإقامة سبع عشرة؟ وقال: هذا حديث حسن صحيح. طالب: مثل أذان أبي محذورة وزيادة "قد قامت الصلاة" مثل أذان عبد الله بن زيد، وزيادة في "قد قامت الصلاة". لا، أذان عبد الله بن زيد بزيادة "قد قامت الصلاة"، لكن كيف علم أبا محذورة أذان عبد الله بن زيد؟ ما يتجه، وقلنا: إن تعليمه لأبي محذورة يختلف عما رآه عبد الله بن زيد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مو قلنا: إن الأذان تسع عشرة؟ طالب:. . . . . . . . . يعني كالأذان سواءً بسواء، كأذان أبي محذورة إلا أنه حذف الترجيع، وأضيفت "قد قامت الصلاة" ظاهر هذا، يعني كأذانه التسع عشرة، حذف الترجيع أربع جمل، وأضيف "قد قامت الصلاة" لكن هذا يختلف مع أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة على ما سيأتي. "وعن محمد بن سيرين عن أنس قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم" رواه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني" والحديث صحيح "من السنة" إذا قال الصحابي: "من السنة" فهو مرفوع؛ لأنهم لا يريدون بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-. قول الصحابي: من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ من السنة يعني المأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقدم لنا أن بلال رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ذات غداة فقيل له: إنه نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر، يعني بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، فصارت من السنة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الصلاة حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، النوم فيه خير وإلا ما فيه خير؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . والصلاة يعني أفعل التفضيل هنا على بابها أو ليست على بابها؟ الأعرابي لما سمع هذا الكلام قال: جربناهما، يعني جرب النوم وجرب الصلاة، هذا من جهله، أقول: هل أفعل التفضيل هنا على بابها، بمعنى أن النوم فيه خير، ولو كان عن الصلاة أو نقول: أفعل التفضيل ليست على بابها، كما في قول الله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] فالنار شر محض، لا خير فيها، يعني الشاطبي في الموافقات قال: في الدنيا لا يوجد خير من كل وجه، أو شر من كل وجه، إنما ذاك في الآخرة، الجنة خير من كل وجه، والنار شر من كل وجه، ثم أورد أن التفاوت في النار في دركاتها، فالذي في أعلاها وضعه خير من الذي في أسفلها، هل نقول هذا؟ أو أنه في عذاب يشغله عن أشد الناس عذاباً فهو في شر دائم؟ يعني كلام الشاطبي في الموافقات حينما قال: إنه لا يوجد في الدنيا خير من كل وجه ولا شر من كل وجه، يعني أنت افترض أن إنسان جلس صلى الصبح في جماعة، وجلس ينتظر الشمس يذكر الله إلى أن أصبح، هل فاته شيء من الخير، وفوات الخير بالنسبة له شر وإلا ما هو بشر؟ نعم فاته أبواب كثيرة من أبواب الخير، لكن أدرك ما أمر به، فهو على خير أعظم، وإذا فعل شراً أو معصية فهو في شر بلا شك، لكنه فاته شرور أعظم منه، فهو من هذه الحيثية فيه خير من وجه، لكن هل النصوص الشرعية تدل على ملاحظة مثل هذه الأمور أو لا؟ " هذه الأمور لا ينظر إليها ألبتة، ما تقول: أنا والله جالس في المسجد أقرأ القرآن وغيري يكسبون أمور الدنيا وهي خير، وأنا ضيعت، فأنا لست في خير محض، لا، أنت في خير محض على كل حال، فهنا إذا كان الصلاة خير من النوم الذي في ضمنه تفويت الصلاة، هل نقول: فيه خير أو ما فيه خير؟ لأن خير الدنيا إذا قورن بخير الدين يلغى، لا ينظر إليه. وكل كسر فإن الدين جابره ... وما لكسر قناة الدين جبرانُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 فلا ينظر إلى ما يفوته من أي أمر من الأمور، ما دام على خير وجه إليه والتزم به، وعلى كلٍ من كل وجه نقول: الصلاة خير من النوم، ولا نقول: إنه يستعين بهذه النومة على عبادات أخرى، أبداً؛ لأن كل عبادة في وقتها أفضل من غيرها ولو كانت سنة، فالصلاة على كل حال خير من النوم. يقول: "رواه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني". "وعن أنس قال: لما كثر الناس" ... قرأت هذا؟ "وعن أنس قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء" وهذا تقدم ذكره في الكلام على حديث عبد الله بن زيد "بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً" فقالوا: النار للمجوس، والناقوس للنصارى، والبوق لليهود، فنام عبد الله بن زيد فرأى الأذان، طاف بي طائف وأنا نائم رجل، فقال: تقول: الله أكبر، يعني بيده ناقوس، فقلت: أتبيع الناقوس؟ قال: ما تفعل به؟ قال: ننادي به للصلاة، قال: أدلك على ما هو خير منه؟ تقول: الله أكبر الله أكبر ... إلى آخره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 الحديث فيه طي واختصار طويل، تذاكروا وانصرفوا على غير اتفاق، يعني اقتراحات ما قبلت، وانصرفوا على غير اتفاق، ورأى عبد الله بن زيد الرؤيا، ووافقه على ذلك عمر -رضي الله تعالى عنه-، فألقى الأذان على بلال، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" يأتي بالأذان شفعاً بتربيع التكبير على ما تقدم، والعدد أربعة شفع، وتثنية الشهادة، ثم تثنية الشهادة الثانية، ثم الحيعلتين شفع، ثم بعد ذلك لا إله إلا الله وتر، فالغالب شفع، وقطع الأذان على وتر لا شك أنه له أصول شرعية، ولا يخل بقوله: "يشفع الأذان" أن يكون جملة من جمله وتر؛ لأن الحكم للغالب، فغالب الأذان شفع، ويوتر الإقامة، بمعنى أن جمل الإقامة وتر على أن التكبير في أول الإقامة وفي آخرها شفع، لكن إذا قلنا بقرن التكبير صار حكم الجملتين جملة واحدة، ولذا لم يستثن من جمل الإقامة إلا الإقامة، كما في رواية البخاري وزاد: إلا الإقامة، يعني لفظ الإقامة، قال: "ويوتر الإقامة إلا الإقامة" فهل هذا الاستثناء استثناء الشيء من نفسه؟ جاء زيد إلا زيد، يوتر الإقامة إلا الإقامة، يوتر الإقامة المقصود بذلك جمل الإقامة، إلا الإقامة يعني لفظ الإقامة؛ ولأنه هو المقصود بلفظه، منها جاء شفعه للتأكيد، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، وإذا قال الصحابي: أمر فلان أو أمرنا أو نهينا لا شك أن حكمه الرفع؛ لأن الآمر والناهي هو من له الأمر والنهي، وهو من له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال ذلك الصحابي بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعصر، يعني في عهد معاوية مثلاً، وقد مر عليه الخلفاء الراشدون كلهم، فقوله: أمرنا في مسألة شرعية حكمها الرفع؛ لأن الأمر إنما يتجه وينصرف إلى من له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا سيما إذا كانت المسألة شرعية، وإذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالرفع مقطوع به، ولا خلاف فيه، لكن دلالته على الأمر كدلالة افعلوا، قول جماهير العلماء، وهم حجة ملزمة، كما لو قال: اشفع الإقامة أو أشفع الأذان وأوتر الإقامة، دلالة هذه كدلالة هذه؛ لأن الصحابة أعرف الناس بمدلولات خطاب الشرع، وقال من قال: إن هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 لا يكون حجة حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأنه قد يسمع كلام يظنه أمر أو نهي وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، لكن هذا الكلام لا قيمة له؛ لأن إذا تُرك مثل هذا، تُرك فهم الصحابة الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهم أعرف الناس بلغته، وبمقاصد شريعته فمن يؤخذ قوله؟ فلا شك أن هذا قول مردود مرذول. إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) على ما سيأتي، فالآمر له هو الله -جل وعلا-. "متفق عليه، وزاد البخاري: "إلا الإقامة" يعني لفظ: "قد قامت الصلاة". قال: "وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالاً يؤذن، قال: فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح" عون بن أبي جحيفة عن أبيه، ما الداعي لذكر عون؟ يعني يقال: عن أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: رأيت بلالاً يؤذن، جرت عادة أصحاب المختصرات الاقتصار على الصحابي فقط، لكن قد يحتاجون إلى ذكر التابعي إذا كان لذكره فائدة في الخبر، يعني يترتب عليه الذكر إما أن يكون سائل للصحابي، أو جرى له قصة مع الصحابي في الخبر، لا بد من ذكرها، يذكرونها، الآن لو قال: عن أبي جحيفة وهو وهب بن عبد الله السوائي، قال: رأيت بلالاً يؤذن فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وفي قوله: "عن أبيه" أنا لا أرى داعي هنا لذكر التابعي، إنما يكفي ذكر أبي جحيفة. في البلوغ ذكر التابعي وإلا ما ذكره؟ طالب:. . . . . . . . . ما ذكر التابعي. "أنه رأى بلالاً يؤذن فجعلت" هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب "فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمنياً وشمالاً" يلتفت يمنة ويسرة "يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح" متفق عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 "ورواه أبو داود، وفيه: "فلما بلغ حي على الصلاة، حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر" يعني استدار برأسه، وعلى هذا تحمل روايات الاستدارة، ولم يستدر يعني ببدنه، ما استدار إلى جهة اليمين ولا إلى جهة الشمال ببدنه، وإنما لوى عنقه فقط، ويقول في الحيعلتين: حي على الصلاة، حي على الصلاة مرة ثانية على اليمين، والشمال: حي على الفلاح مرتين، أو يقول -كما قال بعضهم-: حي على الصلاة يمنياً، حي على الصلاة شمالاً، ثم بعد ذلك مثل ذلك حي على الفلاح، فإما أن يأتي بحي على الصلاة الجملتين كلاهما إلى جهة اليمين، أو يقول الجملتين كليهما إلى جهة ... ، ثم يقول: حي على الفلاح الجملتين كلتيهما إلى جهة الشمال، أو يقول هذه واحدة وهذه واحدة، وبكل منهما قال جمع من أهل العلم. على كل حال هو يلوي عنقه يميناً وشمالاً ولا يستدير ببدنه، والفائدة من ذلك أن يسمع من على يمينه ومن على شماله؛ ليكون أبلغ في تبليغهم صوته، أعني من جهة اليمين ومن جهة ... ، لكن ماذا عن الخلف؟ الأصل أن الأذان أمام، لكن اللي خلفه لا نصيب لهم في ذلك؟ لهم نصيب وإلا ما لهم نصيب؟ يستدير إلى الخلف؟ نقول: لا، لكن في المكبرات لو وضعت السماعات على الجهات كلها ليسمع الجميع ما في إشكال وتبقى الاستدارة ولي العنق والالتفات يمنياً وشمالاً، فمع هذه المكبرات العلة معروفة؛ لكي يسمع من عن اليمين ومن عن الشمال، مع هذه المكبرات العلة ترتفع، بل قد يتحقق ما هو خلاف العلة، فإذا قال: حي على الصلاة انتهى، يضعف الصوت، وإذا قال: حي على الفلاح ضعف الصوت، فهل نقول: يستمر الحكم مع ارتفاع العلة أو نقول: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 هناك أحكام ثبتت لعلة، ارتفعت العلة وبقي الحكم، يعني من ذلك الرمل في الطواف، ارتفعت العلة وبقي الحكم، الخوف في قصر الصلاة في السفر ارتفعت العلة وبقي الحكم، فهل هذا منها؟ نقول: يبقى الحكم ولو ارتفعت العلة؟ أو نقول: الحكم يدور مع علته؟ أما إذا كان الحكم لا يتأثر بالعلة مع ارتفاعها فيبقى الحكم كالرمل وقصر الصلاة، لكن إذا كان يتأثر الحكم مع بقاء العلة يتأثر ضعف، العلة الآن ارتفعت، ارتفعت العلة، وما يكفي أنها بس مجرد ارتفعت، بل أثر وجود الحكم ضعف زائد في العلة، فهل نقول: يلتفت وإلا ما يلتفت؟ أو نقول: الأصل الأذان الشرعي، وفيه الالتفات، وفيه وضع الأصبعين في الأذنين، سواءً وجدت تحققت العلة أو ارتفعت أو نقصت ما علينا إلا من تطبيق الشرع؟ ماذا نقول؟ يلتفت المؤذن وإلا ما يلتفت؟ أما إن أمكنه أن يدور بمكبره يأخذ اللاقط ويلتفت، ويجمع بين الأمرين هذا هو الأصل، لكن هل ننظر إلى الحكم أو ننظر إلى العلة في مثل هذا؟ إذا نظرنا إلى الحكم التفتنا ولو زالت العلة، ولو نقصت ولو ضعفت، وإذا نظرنا إلى العلة قلنا: ما يلتفت. أحياناً إذا وجد الصوت القوي في سائر جمل الأذان إلا حي على الصلاة حي على الفلاح بمعنى أنه ضعف صوت المؤذن انتبه الناس؛ ليش انقطع صوته؟ قد يكون الأذان بصوت واحد، بنغمة واحدة، وعلى مستوى واحد ما يلفت النظر؛ لأن الناس ألفوه، فإذا قال: الله أكبر الله أكبر، وكمل الأذان، ثم قال: حي على الصلاة، فصاروا ما يسمعون انتبهوا، قال: ترى يؤذن الآن؛ لأن بعض الأمور وجودها مؤثر، وبعضها فقدها مؤثر، الآن المزارعون ينامون على صوت الآلات المستمرة، ينامون، ثم بعد ذلك إذا انقطعت انتبهوا مع أن الأصل أن النوم مع عدم الصوت، فقد يكون انقطاع الصوت والالتفات وضعف الصوت يجذب الأنظار، فهل نرتبط بالحكم أو نرتبط بالعلة؟ أقول: إذا أمكن الجمع بين الأمرين هذا هو الأصل، بمعنى أنه يستطيع أن يشيل المكبر هذا ويجعله في يديه ويلتفت يميناً وشمالاً وينتهي الإشكال، ولا يرد مثل هذا الكلام في الجملة، لكن إذا كان ثابت ما يمكن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 وهل بالإمكان أن يتقدم المؤذن إذا أراد أن يقول: حي على الصلاة يتقدم شمالاً؛ ليكون قريباً منه إذا التفت، ويميناًَ قد يكون قريباً منه إذا التفت شمال ليحقق الحكم؛ لأن تحقيق الحكم لا بد منه، فالالتفات شرعي وبحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وكون العلة ترتفع أو تضعف هذا عاد ليست بمثابة قوة الحكم، والذي عندي أنه يلتفت مهما كان الأثر مترتب على ذلك، كما أنه يستمر يؤذن ولو انطفأ الكهرباء، يستمر يؤذن ما يقول: أنا والله الآن في مكان ما يسمعون، كمل الأذان. "ورواه أبو داود وفيه: "فلما بلغ حي على الصلاة، حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً، ولم يستدر" يعني ببدنه كاملاً، وإنما يستدير برأسه وعنقه. "وفي رواية لأحمد والترمذي: "رأيت بلالاً يؤذن ويدور وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه" نعم يدور برأسه لا ببدنه الذي نفي في الرواية السابقة "وأصبعاه في أذنيه" وهما السبابتان، ومنهم من يقول: هما الإبهامان، ويدخل طرف الأصبعين في أذنيه، وليس المقصود جميع الأصبعين تدخل في الأذن، إنما هذا من إطلاق الكل وإرادة البعض {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [(7) سورة نوح]. هذا يقول: ألا نقول: العلة تعبدية؛ لأنه لو كانت العلة هي إيصال الصوت لأمر بالتفات في جميع الأذان؟ لا، هو الأصل أنه يؤذن مستقبل القبلة؛ لأنها أشرف الجهات، فلا ينسى من عن يمينه وعن شماله، بحيث يدعوهم إلى الصلاة وإلى الفلاح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 فجعل أطراف السبابتين في الأذنين كذلك شرعي كالالتفات؛ ليتضافر في ذلك السمع والبصر، يعني من رآه على هذه الكيفية قال: إنه يؤذن؛ لأن وجود المؤذن في المنارة لا يتعين منه الأذان، فإذا سمع، الأصم ما يسمع، إذا رآه الأصم وقد وضع أصبعيه في أذنيه عرف أنه يؤذن، وقد يطلع للمنارة لصيانة أو لرؤية شيء أو ما أشبه ذلك، لأمر طارئ، فلا يتعين أن تكون طلوعه على المنارة، أو رقية للمنارة للأذان، فإذا رآه الأصم وقد وضع أصبعيه في أذنيه جزم أنه يؤذن، وبعض المؤذنين، بل مع الأسف بعض القراء يضع يديه على أذنيه هكذا، وهذا لا تتأدى به السنة، ما تشاهدون كثير من المؤذنين يضع كذا؟! وبعض القراء يفعل هذا! ووضع الأصبعين في الأذنين لا شك أنه أجمع للصوت؛ ليكون المنفذ واحد فيكون أقوى. "أتتبع فاه هاهنا وهاهنا" هذا من حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- كأبي جحيفة، يتتبعون المؤذن في أقواله وفي أفعاله؛ ليتمكنوا من الاقتداء والائتساء؛ لأنه يؤذن بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-. هذا يقول: هل نقول: إن الأذان شعيرة دينية يجب أن تظهر للناس ولو كانت المكبرات موجودة أم أن المكبرات تلغي ظهور المؤذن؟ يعني يريد أن يؤذن المؤذن على أعلى مكان في المسجد ومعه المكبر، نقول: الارتفاع إنما هو لأجل ارتفاع الصوت، وإذا وجد المكبر يكون صوته واحد. "وفي رواية لأحمد والترمذي: رأيت بلالاً يؤذن ويدور، وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعاه في أذنيه" وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وابن ماجه: "فاستدار في أذانه، وجعل إصبعيه في أذنيه" استدار في أذانه عرفنا أن الاستدارة إنما هي للرأس ولي العنق بدون البدن؛ لأنه نفيت الاستدارة في أحاديث أخرى. "وعن أبي محذورة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر نحواً من عشرين رجل" رجل إعرابها؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش يصير مرفوع وإلا مجرور وإلا منصوب؟ طالب:. . . . . . . . . عشرين رجلاً، ويش عندكم أنتم؟ طالب:. . . . . . . . . رجلاً، إيه لأن عندنا عشرين رجلٍ، الكلام ليس بصحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 "أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا" هؤلاء الفتية الذين خرجوا من بينهم أبو محذورة، خرجوا بعد فتح مكة إلى حنين، سمعوا المؤذن فأذنوا، يقلدون صوته، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- أذانهم فأعجبه أذان واحد منهم لا يعرفه، فأمرهم أن يؤذنوا "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة، فعلمه الأذان" مثل ما تقدم، مسح على رأسه وبرك عليه، فعلمه الأذان. "وروى الدارمي في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وهذا تقدم الإشارة إليه في الحديث السابق". قال: "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى" وجاء في الحديث: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى)) فيه مشروعية اتخاذ أكثر من مؤذن، ويؤذنون إما على التعاقب كل واحد يؤذن وقت، وبالنسبة للفجر الذي له أذانان يؤذن كل واحد منهما وقت، يؤذن الأول والثاني يؤذن للثاني أو العكس، المقصود أن هذا أمر مشروع أن يتخذ أكثر من مؤذن. ابن أم مكتوم الأعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، يعني لا يؤذن حتى يقال له: دخل الصباح، وليس معنى أنه أوغل في الصبح ((فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبح)) لا بد أن يخبر بالصباح؛ لأن الصباح ودخول الوقت إنما يدرك بالبصر، مما يفقده ابن أم مكتوم، فلا بد أن يقال له ذلك، بخلاف بلال فإنه يدرك الصبح بنفسه، فلا يحتاج إلى أن يقال له: أصبحت، فهو يؤذن الأذان الأول لصلاة الصبح قبل دخول الوقت الذي هو لإيقاظ النائم، وأما الأذان الثاني الذي به تحل الصلاة ويحرم الأكل بالنسبة للصائم فهو أذان ابن أم مكتوم، وليس معنى قوله: أصبحت أصبحت أنه بان الصبح بياناً بحيث يكون من أكل فيه أكل في الصبح أو أكل في النهار إنما يقال له: دخل الوقت، كما أن الأذان الآن لا يؤذن المؤذن حتى ينظر في التقويم؛ لأنه ليست له وسيلة إلا هذا، ابن أم مكتوم أعمى ليست له وسيلة إلا أن يخبر بدخول وقت صلاة الصبح. قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" متفق عليه". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 "وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة" رواه مسلم" بغير أذان ولا إقامة فالنداء لصلاة العيد بدعة، واستروح بعضهم ومال إلى أنه ينادى لها كما ينادى لصلاة الكسوف، الصلاة جامعة؛ لأنها صلاة طارئة مثل صلاة الكسوف، لكن الأدلة تدل على أنه لم يكن ليؤذن لها ولا ينادى لها، والفرق بينها وبين صلاة الكسوف أن الكسوف يحصل فجأة، فيحتاج الناس إلى أن يدعو إلى الصلاة، وأما العيد فإنه يعرف قبل دخول وقته، فلا يحتاج أن ينادى له، ومن نادى له بلفظ الأذان المعروف للصلوات الخمس، أو لصلاة الكسوف فإنه دخل في حيز البدعة، فابن عباس وجابر قالا: "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" لا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا في عهد أبي بكر ولا عمر ولا غيرهم ممن أدركوا. والحديث الثاني يقول جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العيدين" مراراً كثيرة "لا مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة" فمن أذن لصلاة العيد أو أقام لها فإنه قد ابتدع في دين الله ما لم يسبق له شرعية. "رواه مسلم". "وعن أبي قتادة" في حديث طويل فيه النوم عن الصلاة الذي تقدم وفيه: "ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم" ثم أذن بلال بأمره -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن الصلاة يؤذن لها ولو خرج وقتها، لا سيما إذا كانوا جمع يحتاجون إلى أن يعلموا بالاجتماع للصلاة كهذا الجمع. هذا إذا كانوا في مكان لم يؤذن فيه، أما إذا كانوا في بلد أذن فيه فأذان البلد يكفي. "ثم أذن بلال بالصلاة" ولذا قال العلماء: إن الأذان ليس لدخول الوقت فقط، ليس لمجرد الإعلام بدخول الوقت، وإنما هو إضافة إلى ذلك للاجتماع من أجل الصلاة. "ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتي" إيش؟ إيش عندك؟ طالب: الغداة. لا "ركعتي، ثم صلى الغداة". طالب: ركعتين بالنون. ركعتين؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 اللتين هما ركعتي الراتبة راتبة الصبح، صلى الراتبة، أذن ثم أقام، ثم صلى الراتبة ثم صلى الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يوم، يعني صلى كأنه صلى الصلاة في وقتها، صلى الركعتين الراتبة المتأكدة القبلية التي لم يكن يتركها -عليه الصلاة والسلام- سفراً ولا حضراً، ثم صلى صلاة الغداة، وعلى هذا لو استيقظ قبل خروج الوقت بما يكفي لصلاة ركعتين فقط هل يصلي الراتبة أو يصلي الفريضة في وقتها لأنها أهم؟ لو صلى الراتبة خرج الوقت، فهل يصلي الفريضة ليدرك الوقت، أو نقول: الوقت بدأ من الآن ويرتب، يصلي الركعتين ثم يصلي الفريضة؟ من أهل العلم من يقول: ما دام الوقت بدأ من الآن فيصلي مرتباً، والأصل في الراتبة أنها قبل الفريضة، لكن المعروف في نصوص الشرع وقواعده، وقول جماهير أهل العلم أن الفريضة أولى من النافلة ((وما تقرب إلي أحد بأحب إلي مما افترضته عليه)) فتقدم الفريضة ليدرك الوقت، ثم تقضى النافلة. "فصنع كما يصنع كل يوم" كل يوم يجهر بالصلاة، وحينئذٍ يجهر بهذه الصلاة ولو صلاها في النهار، يجهر بها، فالقضاء يحكي الأداء، فإذا كانت الصلاة جهرية وقضيت في غير وقت جهرها يجهر بها، وإذا كانت الصلاة سرية فقضيت بالليل يسر بها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (7) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: نرجو منكم تخريج حديث: "كنا نطوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة"؟ هذا مخرج في المسند بإسناد حسن من حديث جابر -رضي الله عنه-، حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح. يقول: ما رأيكم في جواز فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمكروه؟ فعله .. ، أمره -عليه الصلاة والسلام- بالشيء ثم تركه لهذا الأمر صرفاً منه -عليه الصلاة والسلام- للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، ونهيه عن الشيء ثم فعله له صرفاً منه -عليه الصلاة والسلام- من التحريم إلى الكراهة، هذا صارف، ويبقى الكراهة، فعله -عليه الصلاة والسلام- يكون صارفاً، والكراهة في حق الأمة أما في حقه -عليه الصلاة والسلام- بصفته مشرع ومبين عن الله -جل وعلا-، فهذا هو الأفضل في حقه، كونه يفعل ما ينهى عنه لبيان أن هذا النهي لا للتحريم وإنما هو لمجرد الكراهة هذا صارف، ثم هذا الصارف بالنسبة لغيره يكون مكروه، وفعله له -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- هو الأفضل في حقه؛ لأنه مبين عن الله -جل وعلا-، ولا يتم البيان إلا بمثل هذا. يقول: ما رأيكم في القاعدة التي قررها الشوكاني في نيل الأوطار والسيل الجرار وغيرهما، ومفادها أنه إذا تعارض قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله حكمنا باختصاص الفعل به، وعموم القول للأمة دونه. هذه القاعدة صحيحة، لكنها يخرج عنها مسائل، وهي ما إذا كان اللائق به -عليه الصلاة والسلام- في هذا الفعل أقوى مما يليق بأمته -عليه الصلاة والسلام-، وبيان ذلك في تعارض نهيه -عليه الصلاة والسلام- عن استقبال القبلة بغائط أو بول، مع فعله لذلك مستدبراً الكعبة، نهى عن الاستقبال والاستدبار مع أنه فعل الاستدبار في البنيان، قالوا: فعله خاص به، على هذه القاعدة يكون فعله خاص به، والنهي يتجه إلى الأمة، نقول: احترام القبلة كمال وإلا نقص؟ كمال، كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فلا يندرج تحت هذه القاعدة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه" هل نقول: إن هذا خاص به لأنه فعل والأمر للأمة؟ أو نقول: إن ستر العورة كمال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به؟ هل يندرج تحت هذه القاعدة؟ ما يندرج، فالقاعدة في الجملة مقبولة، وهي إلى الضابط أقرب منها إلى القاعدة، هي إلى الضابط أقرب؛ لأنها تنخرم بأمور منها ما ذكرنا. يقول: ما حكم من ذهب لساحر للعلاج؟ وماذا نفعل معه إذا علمنا بذلك؟ من ذهب إلى الساحر لا يخلو إما أن يصدقه أو لا، فإن لم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد، فالأمر خطير جد خطير، المسألة شرك، ما هي المسألة معصية من المعاصي تحت المشيئة، لا {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] فمن ذهب إلى الساحر علمنا أن أمره دائر بين أمرين: إما أن يصدق أو لا يصدق؟ ولا شك أن الذهاب إلى السحرة للعلاج، وإفتاؤهم بالجواز إقرار للشرك، وتشريع لعمل السحرة، وبدلاً من أن يكون الساحر مجرماً أثيماً يكون محسناً، وبلغني منذ ثلاثة أيام أنه انتدب بعض الناس تأثراً بهذه الفتوى لتعلم السحر من أجل أن يحسنوا على الناس فيفكوا عنهم السحر -نسأل الله السلامة والعافية-. يقول: هل يمكن أن نحسن حديث ونعلل هذا التحسين بأن العلماء قبلوه واحتجوا به؟ لا يلزم، الطريق الذي وقفت عليه من طريق رجال ضعفاء، وضعفه بين وظاهر يحكم عليه بالضعف، وعمل العالم وفتواه ليست تقوية للخبر، كما أن تركه للخبر ليس تضعيفاً له، فقد يكون عمله بمقتضى الخبر لنصوص أخرى، لقواعد عامة، وتركه له قد يكون لعلة خفيت عليك، أو لأنه لم يقف عليه ولم يصله هذا الخبر، فلا يقال بهذا لا طرداً ولا عكساً، فحديث أبي أمامة: ((أن الماء طهور لا ينجسه شيء)) هذا صحيح حديث أبي سعيد وغيره والاستثناء ((إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)) الحكم مجمع عليه، الحكم بالإجماع أن ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه أنه نجس، لكن لا اعتماداً –استناداً- على هذه الرواية؛ لأنها ضعيفة باتفاق الحفاظ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 ألا يكون مراد البخاري بقوله: "لا يُعرف" أي لا يثبت ولا يصح كما هو قول الزهري وابن المنذر؟ يعني في عبد الله بن زيد راوي الأذان قال البخاري: لا يعرف له إلا هذا الحديث، وأثبت غيره حديثين، فكون البخاري ينفي أولاً: المثبت مقدم على النافي، ثم ينظر في المثبت إن كان مما يثبت استدرك على الإمام -رحمه الله تعالى-، وإن كان مما لا يثبت لا يتم الاستدراك، إن كان يثبت عند غيره ولا يثبت عنده أيضاً لا يستدرك عليه؛ لأنه لا يلزم باجتهاد غيره؛ لأنه لا يثبت عنده. يقو ل: ما مقدار مد لفظ الجلالة في الأذان؟ هل هو ست حركات أم أكثر تعظيماً للاسم؟ ويسمونه مد التعظيم، ما الصواب في ذلك؟ وهل يمد في البسملة تعظيماً كذلك؟ جاء في وصف قراءته -عليه الصلاة والسلام- أنها كانت مداً، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم، فكان يمد، أما مقدار الحركات بالنسبة لغير القرآن أما القرآن فمدوده معروفة ومضبوطة عند أهل العلم على خلاف بينهم في مقدار المدود، لكن غير القرآن هو متروك، مما ترك، فإذا ترك يجوز المد ما لم يخرج الكلمة عن معناها، أو يترتب عليه زيادة حروف أو يخرج بذلك إلى التمطيط أو التلحين المنهي عنه. يقول: أفتت بعض هيئات الإفتاء في إحدى البلدان العربية بطلب من الحكومة بتوحيد الأذان في البلد على أذان واحد، ويمد الصوت إلى جميع مساجد البلد بمكبرات صوت تصل إليها، فما حكم ذلك؟ إذا كان الصوت صوت مؤذن، ويبلغ من في البلد كلهم يكفي، إذا كان يبلغ من في البلد كلهم فهذا كافي، لكن الأصل أن كل مسجد ينادى به للصلاة، ولذا جاء في الخبر في الحث على صلاة الجماعة حيث ينادى بها، يعني في المساجد، ففي كل مسجد ينادى بالصلاة من قبل المؤذن، هذه هي الجادة المعروفة على مر السنين في عهود المسلمين، وهو مما تواتر تواتر العمل والتوارث، فهذا التصرف غير لائق. إذا لم يوجد مؤذن وهذا يندر أن يكون في بلد ولا يوجد مؤذن، في شح في المؤذنين، وهذا أندر، المقصود أن مثل هذا إذا احتيج إليه، ووجد مسجد مجاور لمسجد آخر وركبت عليه السماعات فيكتفى بمؤذن واحد ممكن هذا عند الحاجة، أما عند عدمها فالأصل أن لكل مسجد مؤذن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 هذا يطلب من الإخوان الدعاء أن يثبته الله على دينه، ويقوي قلبه بالإيمان، وأن يرزقه حفظ الكتاب والسنة والعلم النافع، ويصرف عنه الشهوات المحرمة، وكل ما لا يرضي الله -جل وعلا-، يقول: فنحن في زمن فتنة. نعم يدعون لك الإخوان -إن شاء الله تعالى-، اسأل الله -جل وعلا- أن يثبتك، وأن ينيلك ما سألت، ومع ذلك عليك أن تبذل الأسباب. يقول: إذا أتينا لصلاة العصر، وكانت هناك جنازة فاتتنا صلاة العصر وحضر وقت الجنازة، ماذا نقدم صلاة الجنازة أم صلاة العصر؟ علماً بأن الجنازة تحمل سريعاً، كما يوجد في مساجد المملكة؟ جميع الصلوات إذا دخلت المسجد وقد صلوا الفريضة وقدمت الجنازة للصلاة عليها فبادر بالصلاة على الجنازة؛ لأن وقت الفريضة متسع، وهذه ضاق وقتها ترفع، فعليك أن تصلي الجنازة، ثم تصلي الفريضة. يقول: ما صحة حديث: لعن الدنيا، وهل هذه العبارة "الدنيا ملعونة"؟ رواه الترمذي وحسنه، وبعض أهل العلم يقدح فيه، وعلى كل حال ما في ما يمنع من صحته، وقد حسنه جمع من أهل العلم، ومن ضعفه وجه؛ لأن للكلام فيه مجال. هل هذه العبارة حديث: ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم))؟ نعم هو خبر مرفوع، لكن في ثبوته نظر. تقول: من النساء من تقدم بهن السن يرفضن من يتقدم لخطبتهن، بحجة أنهن يردن طلاب علم راسخين، ولو تقدم لهن من هو مستقيم، ويرضى حاله ودينه، ما توجيهكم؟ إذا تقدم من يرضى دينه وأمانته وخلقه لا يجوز رده بحال، وقد تعاقب المرأة التي ترد مثل هذا، قد تعاقب بأن لا يتقدم لها بعده إلا من لا ترضاه ثم في النهاية تقبل، وأما كونها تطلب طالب علم هذا لا شك أنه مطلب طيب؛ لأنه يعينها على أمر دينها ودنياها، ويتعاون معه على البر والتقوى، لكن إذا لم يتقدم طالب علم راسخ، تريد راسخ! الإشكال أن بعض الأخوات يسمعن كلام أهل العلم، وكلام طلاب العلم من خلال الدروس والأشرطة فيخيل إليهن أنهم فوق منزلة التابعين، يعني يضاهون الصحابة، ما عندهم إشكالات، ولا عندهم خلافات ولا منازعات ولا .. ، بيوتهم قريبة جداً من بيوت غيرهم، المشاكل الموجودة في البيوت متقاربة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 نعم أهل العلم لهم دور في القضاء على بعض المشاكل بالحكمة والسياسة، لكن قد يوجد بعض أهل العلم من جبل على سرعة الغضب، ثم بعد ذلك لا يكون في فرق بينه وبين غيره إلا إذا انجلى عنه هذا الغضب، فالإشكال أن بعض الأخوات يقدمن على من ينتسب إلى العلم من يسمع قوله يظن فيه أنه على خلاف واقعه، ثم إذا تقدم لخطبتها أو لمحت أو أوصت له، ثم تزوجها صدمت، أهل العلم كغيرهم من أبناء جنسهم، ومن أبناء جيلهم، المشاكل متقاربة، والبيوت مملوءة، وبيوت النبوة فيها المشاكل، هي تظن أنها إذا جاءت إلى بيت طالب العلم هذا أنها تتم السعادة عندها، ولن ترى المشاكل بعد ذلك، هذا الكلام ليس بصحيح، وكم من الأخوات من صدمت، بل بعضهن حصل لها نكسة بسبب أنها تزوجت طالب علم توقعت من حاله أنه ما بينه وبين الجنة إلا خيط رقيق، وهذا الكلام ليس بصحيح، ظروف الناس واحدة، ومطالب النساء متقاربة، الشباب أيضاً في البيوت متقاربون، نعم للعالم وطالب العلم دور في التوجيه، لكن قد لا يجاب، قد لا يستطيع أن يؤثر على بيته؛ لأن الهداية والقلوب بيد الله -جل وعلا-، ثم إذا جاءت هذه طالبة العلم التي ملأت نفسها بالآمال ثم بعد ذلك تحبط، وبعضهن حصل لهن نكسة، فعليها أن تتثبت، وعليها أن تتأكد قبل أن تقدم، وعليها أن تستصحب أن هذا العالم أو طالب العلم بشر مثل غيره، له ظروفه، وله حاجاته ومطالبه، يعني بعض طالبات العلم ممن أشرب قلبها حب العلم والقراءة والخير والفضل والعبادة والصيام والقيام والتعبد تعجب أن هذا العالم يطلب منها ما يطلبه الشخص العادي، يطلب منها أن تتجمل، يطلب منها أن يعني تتبعل له كغيره، تتعجب أنها ما جاءت لهذا العالم إلا للعلم، وجاءت للعبادة، وكيف يطلب مثل هذا؟! لا هو كغيره يعني، فكثير من طالبات العلم بهذه المثابة، وبعضهن حصل له شيء من التغير، فننصح الأخوات أن يتأكدن أن العلماء وطلاب العلم بشر، والمشاكل في بيوتهم موجودة مثل بيوت الناس، نعم لهم دور في التوجيه، لهم دور في النصح، لهم أيضاً دور في التعليم والتربية، وقد يستفيد منهم أبعد الناس أكثر مما يستفيده أهل بيوتهم، وليس هذا فشل في طريقتهم وتعاملهم أبداً، إلا لأن النتائج بيد الله -جل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 وعلا-، قد يبذل العالم لولده، قد يبذل لزوجته، قد يبذل لابنته، قد يبذل لأقاربه، لكن النتائج بيد الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] ومع ذلك هو في الناس مؤثر، وفي بيته التأثير ما هو بظاهر، لكن ما يتهم بأنه قصر، قد يكون بذل، وفي شريط اسمه: الأسرة والعلم أكدت على هذه المسألة، وبسطتها بالأمثلة. هذا زائر يقول: الآن في الجوالات نغمة طفل يبكي ومعه آهات، وتقطع في الصوت شبيه بالموسيقى، وليس بموسيقى، وإنما هو عبارة عن تلاعب بالأصوات من برنامج الكمبيوتر، فهل هذا يعتبر من المحرمات؟ وهل هذه المقولة صحيحة: "كل ما يشبه الحرام فهو حرام" ومن قال به، وما صحة حديث: لبس النعلين وأنت جالس؛ لأن بعض الشباب يتشددون في اللبس وهم جلوس؟ هذه الأصوات المجتمعة نعرف أن الآلات الموسيقية محرمة، والنغمات الموسيقية صدر فيها فتوى من اللجنة الدائمة بالتحريم، فبعض الناس يتحايل يقول: هذه ليست نتيجة آلات، ولا أصوات آلات، إنما هو اختلاط أصوات، نقول: العبرة بالتأثير، إذا كان لاختلاط هذه الأصوات تأثير في نفس السامع مثل تأثير الآلات فالحكم لا يختلف، وأما حديث لبس النعلين وأنت جالس فهو صحيح، وأما التشديد في ذلك فلا، لا يشدد في ذلك؛ لأن المسألة تدور مع العلة إن خشي أن يسقط إذا لبس وهو قائم تعين عليه أن يجلس، وإلا فالمسألة مسألة أولى، وخلاف الأولى. نقف على هذا الحد في الأسئلة. نعم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وروي عن جابر ... روى، روى عن جابر، روى يعني مسلم، نعم. طالب: سم يا شيخ. روى عن جابر يعني مسلم، راوي الحديث السابق. وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. هل في جميع الطبعات روي بالياء؟ نعم؟ طالب: نعم يا شيخ بالألف المقصورة. فيها نقطتين وإلا ما في؟ طالب:. . . . . . . . . ومضبوط بضم الراء وإلا؟ طالب: لا، ما هو مضبوط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 إيه الصواب روى، حتى أنا عندي روي بالياء لكن الصواب روى؛ لأنه في صحيح مسلم، وما خرجه بعد ذلك، ما قال: رواه مسلم، نعم، فهو من رواية مسلم من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال: روي عن جابر هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يجري على قواعد أهل العلم أن يصدر الحديث المروي في صحيح مسلم بصيغة التمريض، والمؤلف من أهل الحديث، يعرف مثل هذه الأمور، نعم. عفا الله عنك. وروي. روى، روى. وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة" رواه مسلم. وفي رواية لأبي داود: "بإقامة واحدة لكل صلاة، ولم ينادِ في الأولى، ولم يسبح على إثر واحدة منهما"، وفي رواية: "ولم ينادِ في واحدة منهما". وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) قال: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" متفق عليه. وعنه: "أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" رواه أبو داود، وذكر علته، وقال ابن المديني والترمذي: هو غير محفوظ، وقال الذهلي: هو شاذ مخالف لما رواه الناس عن ابن عمر، وقال مالك: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر من ينادي بها إلا بعد أن يحل وقتها". وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) متفق عليه. وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)) رواه البخاري، ورواه النسائي وابن حبان والبيهقي: ((المقام المحمود)) بالتعريف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)) رواه مسلم. وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص إيش؟ وروى. وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)). وعن عثمان بن أبي العاص أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم، وقال: على شرط مسلم، وفي رواية: "أن آخر ما عهد إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً" رواه ابن ماجه والترمذي حسنه. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 "وروى عن جابر" يعني مسلماً راوي الحديث السابق، روى مسلم عن جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث الطويل، المخرج في مسلم وفي غيره، الذي ضبطه وأتقنه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، فسبر الحجة ووصفها كما رأى من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى رجوعه إليه، فهي حجة متكاملة، واعتنى بها أهل العلم، وشرحت في مصنفات مستقلة، وجمعت طرق الحديث أيضاً في أجزاء فالعناية بهذا الحديث عناية بحج النبي -عليه الصلاة والسلام-، امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذوا عني مناسككم)) وأهل العلم كما شرحوه ضمن صحيح مسلم شرحوه أيضاً على جهة الاستقلال، فالحديث في غاية الأهمية، وهو منسك متكامل لحجة صحيحة، لكن يبقى أن هناك مسائل من مسائل الحج تؤخذ من غيره، فالمحظورات توجد فيه وإلا ما توجد؟ توجد المحظورات في هذا الحديث؟ ما توجد، فتؤخذ هذه المحظورات من نصوص أخرى، لكن من أراد أن يبين الحج الصحيح واعتمد على هذا الحديث، وعول عليه، فجابر -رضي الله عنه- أتقن الحجة أيما إتقان، ولذا يرجح كثير من أهل العلم ما جاء في حديث جابر على ما جاء في غيره، وإن كان في البخاري أو متفق عليه؛ لأن جابراً تميز بهذا الوصف الدقيق والمتابعة الدقيقة لحجة النبي -عليه الصلاة والسلام-. قال: "وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" دفع من عرفة لما غربت الشمس، لما غربت الشمس دفع من عرفة، واحتاج إلى النزول في الطريق ليقضي حاجته، فقال له أسامة: الصلاة، فقال: ((الصلاة أمامك)) يعني حتى نصل إلى المزدلفة، جمع، ولا تخفى المشقة الحاصلة للناس لو صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في الطريق، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد التيسر على الناس، وجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء بمزدلفة التي هي اسمها: جمع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 "أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" وهذا أرجح ما ورد في الباب "بأذان واحد وإقامتين" ورد في البخاري ما يخالفه، ورد في الصحيحين ما يخالفه، لكن هذا أرجح ما في الباب عند أهل العلم، يؤذن للأولى، ثم يقام للأولى، ثم يقام للثانية بأذان واحد وإقامتين، فالمجموعات، الصلوات المجموعة يؤذن للأولى، ويقام لكل صلاة، وكذلك الفوائت، إذا فاتت صلوات أو نسيت صلوات من قبل جماعة في مكان لا يؤذن فيه، فإنه يؤذن للأولى، ويقام لكل صلاة. "بأذن واحد وإقامتين". "وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً" لأنها لا تقصر "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في السفر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار" وشذ من قال بأنها تقصر، هذا قول شاذ لا يلتفت إليه، والإجماع على خلافه، فهو مردود مرذول. "صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين" العشاء تقصر، والسنة القصر في مثل هذه المواطن على خلاف بين أهل العلم على ما سيأتي في بابه -إن شاء الله تعالى- هل الجمع والقصر من أجل السفر أو من أجل النسك؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه مسافر، فيجمع ويقصر الصلاة، وأما من كان غير مسافر لا سيما من كان من أهل مكة وما قرب منها مما لا يبلغ مسافة القصر ما أثر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أتموا كما قاله في المسجد الحرام: ((أتموا فإنا قوم سفر)) وسيأتي بحث المسألة في مكانها -إن شاء الله تعالى-. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 "والعشاء ركعتين بإقامة واحدة" هذا لا يتفق مع حديث جابر إلا إذا قلنا بإقامة واحدة لكل صلاة، لكن هذا خلاف الظاهر؛ لأنه لو أراد لكل صلاة لبين، ومثل هذا لا يحتاج إلى بيان، بإقامة واحدة لو أراد لكل صلاة لأن الذهن لا ينصرف إلى غيره، هل يمكن أن يقال بأكثر من إقامة لكل صلاة؟ من أجل أن يقال: بإقامة لكل صلاة؟ بإقامة واحدة كلمة واحدة هل يتصور أنها إقامتان لكل صلاة؟ لا شك أن الحمل على هذا خلاف الظاهر، وإن كان ممكناً للجمع بين الحديثين، وهو أولى من الترجيح؛ لأن الكل في الصحيح، بإقامة واحدة، ولا يمنع أن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سمع إقامة ولم يسمع الأخرى، لكثرة الناس؛ ولبعده من مكان النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي قربه من يقيم الصلاة، هذا ما سمع، وجابر سمع الإقامتين فذكرهما. "وفي رواية لأبي داود: "بإقامة واحدة لكل صلاة" هذا تفسير لرواية مسلم، وهذا يرجح القول بأن مراد ابن عمر بإقامة واحدة يعني عن كل صلاة، بدليل الرواية الأخرى علماً أنه لو لم تأتِ هذه الرواية لصح الحمل على أن ابن عمر لم يسمع الإقامة الثانية؛ لكثرة من حضر، والمثبت مقدم على النافي، وجابر -رضي الله عنه- حرص أتم الحرص على ضبط هذه الحجة، ثم نقلها بدقة. "ولم ينادِ في الأولى" وهذه رواية شاذة، تفرد بها شبابة بن سوار دون أصحاب ابن أبي ذئب، وهم عشرة من الحفاظ ما ذكروا هذه اللفظة، هذه الجملة "لم ينادِ في الأولى" فهي شاذة غير محفوظة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 "ولم يسبح" يعني لم يصلِ النافلة "على إثر واحدة منهما" لم يصل النافلة على إثر واحدة منهما، يعني لم يفصل بين صلاة المغرب وصلاة العشاء بسبحة، يعني سنة، نافلة، كما أنه لم يعقب صلاة العشاء بنافلة، حتى بالغ بعض أهل العلم وقال: إن ليلة الجمع لا يشرع فيها قيام الليل حتى الوتر؛ لأن جابراً يقول: "نام حتى أصبح" يعني ولم يصل شيئاً من الصلوات، لكن النصوص الأخرى تدل على أنه لم يترك الوتر سفراً ولا حضراً، وكون الإنسان يلزم النبي -عليه الصلاة والسلام- أو العالم أو من يقتدى به ليبين أفعاله لا يعني أنه لا يغفل، فقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ووجه ورخص ولم ينقل، مما فات الصحابي -رضي الله عنه وأرضاه-، ونقله غيره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 وعلى كل حال الوتر لا يترك سفراً ولا حضراً، كما جاء في الروايات المفسرة، نعم ينبغي للإنسان أن ينام في هذه الليلة؛ لأن أمامه في يوم النحر أعمال كثيرة من أعمال الحج، وهي تحتاج إلى جهد فيترتب عليها مشقة إذا سهر، لكن بعض الناس إذا تغير عليه المكان ما نام، فيحتاج إلى سهر، يأرق في منامه، هل نقول: تأهب للنوم، واجلس في فراشك حتى يطلع الصبح ولا تصنع شيئاً؟ أو نقول: العلة معقولة، النوم والراحة من أجل الاستعداد ليوم النحر، يوم الحج الأكبر، فإذا لم يتيسر واستطعت أن تستفيد إما بعلم أو نوافل قيام ليل وما أشبه ذلك، أو دعوة وتوجيه، أو مدارسة علم، أو مؤانسة أصحاب في حدود المباح؟ هذا ما في ما يمنع منه -إن شاء الله تعالى-، أما إذا تيسر النوم بعض الناس -ما شاء الله- أول ما يضع رأسه في أي مكان، وعلى أي وضع ينام، وبعض الناس إذا تغير الفراش ما يمكن ينام، فمثل هذا له توجيهه، وهذا له توجيهه، وقد شاهدنا مجموعة من الأفارقة جاءوا إلى مكان في مزدلفة منحدر، فناموا فيه، وهل الرؤوس أعلى أو أسفل؟ أسفل، يعني شيء مستغرب جداً، يعني بعض الناس إذا تغيرت الوسادة المخدة هذه يعني زادت قليلاً أو نقصت ما ينام عن المعتاد، وهؤلاء ناموا في منحدر رؤوسهم أسفل، فالناس أجناس، والناس لا شك أنهم .. ، من الناس من يتكيف على أي وضع يكون، هذا إذا أمكن هذا طيب جيد، إذا كان على أي حال يكون يزاول أعماله العادية هذا طيب، وبعض الناس ما يمكن يجلس على مكان خشن وإلا فيه قساوة، لا بد أن يكون على مكان مريح، وبعض الناس إذا انخفضت درجة الحرارة أو زادت قليلاً ما ارتاح، وبعض الناس ينام في الشمس، وينام في الظل لا فرق، لا شك أن الذي يتكيف على مثل هذه الظروف أفضل له؛ ليأخذ راحته ويزاول أعماله العادية ولا يتأثر في سفر ولا حضر، فعلى الإنسان .. ، يعني النعمة لا تدوم، يتصور الإنسان أن الكهرباء مثلاً في يوم من الأيام فُقد، هل معناه أننا لا ننام؟ هذا واقعنا ما ننام، لكن هذا الذي ينبغي؟ لا. جاء الأمر بتمعددوا، اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، فلا شك أن الظروف لا تتيسر للإنسان في كل وقت، وفي كل ظرف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 عرفنا أن جملة "لم يناد في الأولى" شاذة، تفرد بها شبابة بن سوار دون الرواة عن ابن أبي ذئب، وعدتهم عشرة من الحفاظ، كما بين ذلك أهل العلم "ولم يسبح" يعني لم يتنفل على إثر واحدة منهما، وفي رواية: "ولم يناد في واحدة منهما" وهذه .. ، "ولم يناد في الأولى" هذه شاذة "لم يناد في واحدة منهما" وفي حديث جابر "بأذان واحد وإقامتين" فهذه إذا عورضت برواية جابر، ورواية جابر أرجح فهي المحفوظة، ويحكم على هذه بأنها شاذة كسابقتها، أو يقال: إنه لم ينادِ يعني لم يسمع النداء، الراوي ابن عمر ما سمع النداء، كما أنه لم يسمع الإقامة للثانية، لكن يبعد أنه يسمع إقامة واحدة ولا يسمع النداء، هذا بعيد؛ لأن النداء في الأصل أو في الغالب أرفع صوتاً من الإقامة، اللهم إلا أن يكون في وقت النداء في مكان بعيد جداً يتطلب الماء للوضوء، ثم بعد ذلك قرب فسمع الإقامة الاحتمال قائم، وعلى كل حال حديث جابر لا يرجح عليه شيء، فالراجح أنه في مثل هذا الظرف في وقت الجمع ينادى للأولى، ينادى نداء واحد، ولكل صلاة إقامة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) " صلاة الصبح لها أذان أول ولها أذان ثاني، فائدة الأذان الأول وهو قبل دخول الوقت ليرجع القائم ليتناول السحور، ويستيقظ النائم ((ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم)) هذه فائدة النداء الأول، ويكون قبل دخول الوقت، والثاني بعد دخول الوقت ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا)) ((لا يمنعنكم أذان بلال)) ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) قال: وكان رجلاً أعمى، قال هذا مدرج، ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" يعني دخلت في الصباح، لا يعني أنك أوغلت فيه، بمعنى أن الناس يأكلون حتى يوغلوا في الصبح، وينتشر الصبح انتشاراً بيناً ظاهراً، لا؛ لأن طلوع الصبح هو الفاصل، وأذان ابن أم مكتوم الأذان الثاني هو الذي يحرم الطعام؛ لأنه مع الصبح، فإذا قيل له: أصبحت أصبحت، انتهى وقت الأكل، وحلت الصلاة، وعلى هذا ينبغي أن يتخذ مؤذنين، أن يتخذ الإمام مؤذنين للمسجد، لا سيما صلاة الصبح، لا سيما في رمضان، حتى نازع بعضهم في مشروعيته في غير رمضان، لكن ما المانع إذا كان الناس تعودوا على الأذان، وأن الأذان الأول يستيقظون به لصلاتهم، لصلاة الليل، وسحور من أراد أن يصوم؟ فالعلة قائمة وهي موجودة، وإلا فظاهر الحديث: ((كلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) أن هذا في رمضان؛ ولذا ترك الأذان الأول في كثير من المساجد إلا في رمضان، والعلة قائمة في غير رمضان، فإذا أذن عند الحاجة أذان قبل دخول الوقت بساعة أو بنصف ساعة من أجل أن يستيقظ النائم، ويصلي ما كتب له قبل طلوع الفجر، أو يتناول السحور قبل طلوع الفجر إذا أراد الصيام فالمشروعية قائمة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 أهل العلم يقولون بقبول خبر الأعمى فيما يدرك بالبصر، والناس يعتمدون على ابن أم مكتوم، ويكفون عن الأكل وهو أعمى، والصبح يدرك بالبصر، لكن ابن أم مكتوم يدركه بواسطة غيره، فأذان الأعمى صحيح، وإن كان شرط الأذان معرفة الأوقات، والأوقات مدارها على الرؤية البصرية، إذا وجد عنده ثقة ينبهه على دخول الوقت فإن أذانه صحيح، وخبره مقبول. "متفق عليه". "وعنه" يعني ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال في الثاني: وعنه، وفي الأول مع أن الذي قبله عن ابن عمر، قال: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، ثم قال: وعن ابن عمر، ما قال: "وعنه" ثم في الثالث قال: "وعنه" لو قال في الثاني: "وعنه" لالتبس أن يكون عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، يعني عن راوي الحديث السابق، وعرفنا أن التابعي في مثل هذا لا يحتاج إليه، وعادة أهل المختصرات أنهم لا يذكرون التابعي إلا إذا كان له دور في الخبر، محاورة بينه وبين الصحابي لا يمكن إدراكها إلا بذكره. ثم قال: "وعنه" يعني عن ابن عمر صحابي الحديث السابق "أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" يعني نفسه، وكان عبداً لأبي بكر -رضي الله عنه-، هذا بيان السبب الذي من أجله كونه أذن قبل طلوع الفجر، وعلى كل حال الخبر شاذ؛ لأنه مخالف للحديث الذي قبله، وهو أقوى منه، متفق عليه، بلال يؤذن بليل، بقوله -عليه الصلاة والسلام-، وبإقراره -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بلالاً يؤذن بليل)) وهنا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، فرجع فنادى ألا إن العبد نام، لا داعي لهذا؛ لماذا؟ لأنه كان ينادي بليل بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما المعنى في كونه يقال له: ارجع فنادي ألا إن العبد نام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 ينادي بليل، ثم بعد ذلك إذا حان وقت الصلاة ينادى لها مرة ثانية، يعني ما المقصود من الصلاة هذه التي في هذا الخبر؟ المغرب أو العشاء أو الفجر؟ نعم؟ الفجر بلا شك، والفجر ينادى لها قبل وقتها كما في الحديث السابق المحفوظ المتفق عليه، فما الداعي إلى قول: ألا إن العبد نام ثم يرجع فيؤذن؟ يعني هذا التعليل لا مبرر له، يعني ينادي قبل طلوع الفجر على مقتضى الحديث السابق، ثم إذا طلع الفجر أصبح حينئذٍ ينادى لها ثانية، فلا داعي لمثل هذا، والحديث شاذ. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "رواه أبو داود، وذكر علته" والعلة أنه من رواية حماد بن سلمة، ولم يضبطه؛ لأنه حصل له تغير. "رواه أبو داود، وذكر علته، وقال ابن المديني والترمذي: هو غير محفوظ" إذا كان غير محفوظ فهو إيش؟ شاذ "وقال الذهلي: هو شاذ مخالف لما رواه الناس عن ابن عمر" من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن بلالاً يؤذن بليل)). "وقال مالك" الإمام نجم السنن -رحمه الله-: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر" يقول مضعفاً لهذا الحديث: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر "فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها" لا يجوز أن يؤذن لصلاة الظهر قبل الزوال، ولا يجوز أن يؤذن لصلاة المغرب قبل غروب الشمس وهكذا، أو العشاء قبل مغيب الشفق، أو العصر كذلك قبل دخول وقتها لا يجوز بحال، أما الصبح فثبت أن بلالاً كان يؤذن بليل "فلم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها" وينادى لصلاة الصبح قبل وقتها إذا كان هناك أكثر من مؤذن، واحد يؤذن قبل دخول الوقت والثاني يؤذن على الوقت؛ لأن معرفة الوقت بالنسبة للمعذورين في بيوتهم أمر لا بد منه؛ لأنه لا يتمكن الناس في بيوتهم من معرفة الوقت إلا بالأذان، فلا بد من وجود من يؤذن على الوقت، مع وجود من يؤذن قبل الوقت. فالخلاصة أن هذا الحديث شاذ غير محفوظ، مخالف لما هو أرجح منه من حديث ابن عمر المتفق عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 يذكر عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن عبداً له يقال له: مسرور أو مسعود، أذن بليل، فقال له: ارجع فقل: ألا إن العبد نام، أذن قبل الوقت فقال له: ارجع، فهذا الموقوف على عمر -رضي الله عنه-، وهم فيه حماد بن سلمة فرفعه، فرفعه خطأ، فالموقوف أقوى. ثم قال بعد ذلك: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) " ((إذا سمعتم)) فالأمر مرتب على السماع، فالذي لا يسمع المؤذن، أو يسمع تشويش مؤذن، يعني يسمع كلام من بعيد يعرف أنه أذان، ولا يتبين الجمل، يعرف أن المؤذن يؤذن، ويسمع الصوت، لكن لا يتبين الجمل، فمثل هذا لا يجيب، يعني يتوقع أنه قال: الله أكبر فيقول: الله أكبر، يعني ما سمع؛ لأن الجواب معلق بالسماع، ولو أن الأصم راقب المؤذن، ويعرف أنه قال: الله أكبر الله أكبر ثم سكت، يعرف ماذا قال، لكنه لا يسمع الإجابة مرتبة على السماع ((إذا سمعتم فقولوا)) مفهومه إذا لم تسمعوا إما لبعد عنه، أو لخلل في السمع فإنكم لا تقولون مثل ما يقول المؤذن. ((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) المماثلة هنا من أي وجه؟ يعني هل المماثلة تقتضي المطابقة؟ بمعنى أننا نماثله في كل ما قاله من جمل وحروف ومستوى رفع الصوت، ومقدار المدود؟ يعني هل المماثلة مطلوبة من كل وجه؟ أو نقول: إن المماثلة في الجمل، قال: الله أكبر الله أكبر، فقولوا: الله أكبر الله أكبر؟ ولا يعني أن المؤذن يستغرق خمس دقائق في الأذان أننا نستغرق الخمس الدقائق في جمله، بمعنى أننا نمدها لتستوعب الخمس الدقائق، ولو كانت إجابتنا له بدقيقة واحدة كفى، يعني إذا مد المؤذن ست حركات، أو أكثر كما هو معمول به في الحرمين وغيرهما، الأذان أحياناً يستوعب خمس دقائق، والإنسان المجيب يمكن يجيبه في أقل من دقيقة، إذا قال: الله أكبر الله أكبر ومد صوته ورفع صوته بذلك ومد حروف المد، ثم أجبته بقولك: الله أكبر الله أكبر، كفى، هذه مماثلة، وإن لم تكن مطابقة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 ((فقولوا)) فقولنا بعد قوله، لكنه عطف بالفاء، مما يقتضي التعقيب المباشر، يعني مباشرة بدون فاصل، ما قال: ثم قولوا، فعلى هذا إذا كان أذان المؤذن خمس دقائق وأنت تقرأ القرآن، وبإمكانك في خلال الخمس الدقائق تقرأ ربع جزء، وتجيب المؤذن في أثناء قراءتك، أو تؤجل الإجابة إلى آخر جملة، وتختم معه، إذا قال: الله أكبر الله أكبر وسكت تبدأ بالأذان، تبدأ بالإجابة أنت، ثم إذا قال: لا إله إلا الله تكون قد وصلتها، ثم تقولها وتدعو بالذكر المذكور، يكفي وإلا ما يكفي؟ لا ما يكفي؛ لأننا تأخرنا عنه، والعطف بالفاء ((إذا سمعتم فقولوا)) مجرد ما يسكت من قوله: الله أكبر الله أكبر، تقول: الله أكبر الله أكبر قبل أن يشرع فيما يليه، على ما سيأتي تفصيله في الحديث الذي يليه ((فقولوا)) العطف بالفاء، وبعض الناس وهذا نفعله أحياناً، وإن كان لا يتم به المقصود، يعني يبقى عليك في السورة شيء يسير تريد أن تكمل قبل الإقامة، وتستغل هذه الخمس الدقائق بالقراءة، فتقرأ والمؤذن يؤذن وأنت تجيبه إما تبعاً أو تؤجل الأذان إلى أن يقرب من النهاية فتنتهي معه، هذا لا يتم به الامتثال؛ لأن العطف بالفاء، وعلى هذا إذا كان الإنسان يقرأ فهل نقول: إن قراءة القرآن أفضل من إجابة المؤذن كل حرف عشر حسنات؟ وهنا ((حلت له شفاعتي)) أيهما أفضل؟ الشفاعة أفضل وإلا كل حرف عشر حسنات؟ المتابعة أفضل؛ لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لأنه حلت له شفاعته أو لأنه ذكر خاص يفوت يقدم على الذكر العام؟ نعم ذكر خاص يفوت، وإلا فالقرآن أعظم الكلام، يعني من كان يقرأ القرآن كأنما يخاطب الله -جل وعلا-، فمن هذه الحيثية؛ لأنه ذكر خاص ومحدد بزمن يفوت يقدم على غيره من الأذكار العامة ولو كانت أفضل، ولذا التسبيح في الركوع والسجود أفضل من التلاوة، وأفضل من الذكر غير التسبيح، وإن كان التهليل أفضل منه، أفضل من التسبيح، لكن مع ذلك كل ذكر في مكانه أفضل من غيره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 قال: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة)) " وينبغي أن يكون هذا الحديث بعد الحديث الذي يليه، " ((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)) " الأصل أن هذا الحديث يأتي بعد الأحاديث المفسرة لإجابة المؤذن؛ لأنها تلي إجابة المؤذن. ((من قال حين يسمع النداء)) حين، يعني وقت يسمع النداء، يعني قبل الفراغ منه، هذا ما يفيده حين؛ لأن الحين الوقت، والوقت أن يكون في أثنائه لا بعده، لكن قوله في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ((ثم)) ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة)) العطف بـ (ثم) يقتضي أنه بعد ما يفرغ من الإجابة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-. ((من قال حين يسمع النداء)) يعني حين يفرغ من السماع والإجابة، قال بعد ذلك: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة)) أصل (اللهم) يا الله، فحذفت، حذف حرف النداء؛ ليكون لفظ الجلالة صدر الكلام، فلا يتقدم بين يديه، اللهم وعوض عن ياء النداء الميم. ((اللهم رب هذه الدعوة التامة)) (اللهم ربَ) بدل من (الله) أو منادى ثاني، اللهم يا رب هذه الدعوة التامة لا مانع، رب هذه الدعوة التامة هذه الدعوة التامة التي هي الأذان بجمله، لا شك من تمامه وكماله واشتماله على أعظم الأذكار. ((رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة)) القائمة باعتبار ما كان أو ما سيكون؟ ما سيكون، يعني ستقوم، ((والصلاة القائمة آت)) آت بالمد أعطِ، {رَبَّنَا آتِنَا} [(200) سورة البقرة] أعطتنا، وأما ائتِ بالقصر فهي من أتى بمعنى جاء، وآتِ من آتى بمعنى أعطى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 ((آت محمداً الوسيلة والفضيلة)) آت محمداً يذكر باسمه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يكون هذا من جنس نداء الأعراب يا محمد {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [(4) سورة الحجرات] يقولون: يا محمد يا محمد، فلا ينبغي أن ينادى باسمه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا ليس بنداء، يعني فرق بين المواجهة وبين الخبر، والحديث عن الشيء، يعني لو سألك شخص ما اسم أبيك؟ وأخبرته باسمه مجرد محمد مثلاً يختلف عن مخاطبتك له بقولك: يا محمد، هذا لا شك ظاهر الفرق. ((الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً)) هذه الوسيلة مما يتوسل به -عليه الصلاة والسلام- من الدعوات التي يلهمها، يلهم إياها ليؤذن له بالشفاعة العظمى، والفضيلة والمنزلة العالية على غيره -عليه الصلاة والسلام-، ((وابعثه مقاماً محموداً)) المقام المحمود {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] فهي منزلة لا تحصل إلا لواحد. ((مقاماً محموداً)) بالتنكير، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عسى أن أكون هو)) ((أرجو أن أكون هو)) لهذا الواحد ((وابعثه مقاماً محموداً)) هذه الرواية بالتنكير، وروى النسائي وابن حبان والبيهقي: ((المقام المحمود)) بالتعريف، أيهما أولى؟ التنكير، أولاً: لوروده في البخاري، وقبل ذلك وروده في القرآن، إيش؟ {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] بالتنكير، وأيضاً التنكير فيه ما ليس في التعريف من التعظيم، فالتنكير أولى بلا شك من وجوه. ((الذي وعدته)) نطلب هذه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود مع أن الله -جل وعلا- وعده إياه، وهو لا يخلف الميعاد، هل يحتاج إلى سؤالنا؟ الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، وجاءت في بعض ألفاظ الخبر: ((إنك لا تخلف الميعاد)) وهذه يختلف فيها أهل العلم، منهم من يقول: إنها زيادة ثقة فتكون مقبولة، ومنهم من يقول: إنها غير محفوظة؛ لأن أكثر الرواة على خلافها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، وقد وعده ذلك، فلماذا نطلب له هذه الوسيلة والفضيلة؟ قد يكون تحقيق هذا الوعد من أسبابه دعاء أمته له بهذا الدعاء، يعني الله -جل وعلا- قدر له هذه المنزلة، ووعده إياها، وجعل من الأسباب التي تتحقق به هذا الوعد هذا الدعاء، علماً بأن فائدة هذا الدعاء للداعي أكثر منه للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قال: ((حلت له شفاعتي)) فنحن نذكر هذا الذكر لا شك أنه من باب الوفاء لمن دلنا على هذا الهدى، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن باب المصلحة الخاصة لكل إنسان بعينه ((حلت له شفاعتي يوم القيامة)) فعلى كل حال لا يقول قائل: إنه ما دام الوعد لا يخلف فلماذا ندعو؟ من الأصل لماذا تدعو؟ لماذا تتعبد وأنت محكوم عليك وأنت في بطن أمك، منزلتك معروفة، وهل أنت شقي وإلا سعيد وإلا غني وإلا فقير؟ لماذا تسعى؟ ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) والأمور مسببات مربوطة بأسباب، ولا بد أن تنفذ هذه الأسباب. "رواه البخاري". يقول: ((حلت له شفاعتي يوم القيامة)) النبي -عليه الصلاة والسلام- له شفاعات، منها ما هو خاص به، ومنها ما له ولغيره، فالشفاعة العظمى خاصة به -عليه الصلاة والسلام-، خاصة به، فالناس يأتون إلى آدم ليخلصهم من هول الموقف فيعتذر بأنه أكل من الشجرة، ثم يأتون إلى نوح فيعتذر بأنه استعجل دعوته، ثم يأتون إلى إبراهيم فيذكر الكذبات الثلاث كلها في ذات الله، ثم يأتون إلى موسى فيذكر ما اقترفه -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم-، ثم يأتون إلى عيسى ولا يذكر ذنباً، ثم يقول: ائتوا محمداً، فيأتون إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول: ((أنا لها، أنا لها)) فيسجد ويلهم بمحامد، ثم يقال له: ارفع رأسك، وسل تعطى، فيسأل الشفاعة، ويخلصوا من الموقف، وهذه عامة لجميع الخلائق مسلمهم وكافرهم، وله شفاعات أيضاً: شفاعته في عمه، وشفاعته في أهل الكبائر من أمته، وإن كان الوعيدية ينازعون في بعض الشفاعات التي تقتضي إخراج بعض مرتكبي الكبائر من النار؛ لأن الخوارج والمعتزلة يقضون عليهم بالخلود في النار، ولا شك أن هذه الشفاعة تقضي على مذهبهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 "وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر)) " هذا استدل به من يقول: إن الأفضل قرن التكبيرتين، كل جملتين من التكبير تقرن مع أختها. ((فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله)) ومثله إذا قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا مخصص لقوله: ((فقولوا مثل ما يقول)) يعني إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تقولوا مثله، مثل ما يقول كبقية الجمل حي على الصلاة؛ لأن هذا ليس بذكر، إنما هو نداء إلى الصلاة، والمجيب لا يستفيد من ندائه لأنه لا يجهر، والمؤذن يستفاد من ندائه حي يعني هلموا إلى الصلاة، وأما من يجيبه فلا يستفاد من ندائه إلى الصلاة، وإنما هو منادى وليس بمنادي، فإذا نودي لهذا الأمر العظيم هذا الذي لا يستطيع بمفرده إلا بإعانة الله -جل وعلا- أظهر عجزه وفقره بقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول لنا ولا قوة ولا قدرة إلا بإعانة الله -جل وعلا-، وهذا اعتراف بالعجز والضعف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني هذا المتجه أن المؤذن إذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أهل العلم من يستروح أنه يجمع بين الحديثين بمعنى أنه يقول ما يقوله المؤذن عملاً بالأحاديث العامة ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) منها حي على الصلاة، قولوا مثل ما يقول، ثم بعد ذلك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لتجمع بين العام والخاص، ونظير ذلك قول الشافعية: فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، مع قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يعني نقول مثل ما يقول الإمام ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقول: سمع الله لمن حمده، فنقول: سمع الله لمن حمده اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ونقول: ربنا ولك الحمد؛ لقوله: فقولوا: ((ربنا ولك الحمد)) والجمهور على خلافه أن التسميع خاص بالإمام والمنفرد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد؛ لأنه قال: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا)) يعني مباشرة، فإذا كان المأموم يقول: ربنا ولك الحمد بعد ما ينقطع صوت الإمام من قوله: سمع الله لمن حمده، فمتى يقول: سمع الله لمن حمده؟ يقولها أثنا قول الإمام سمع الله لمن حمده؟ يعني إن قالها بعد انقطاع صوت الإمام ما تأتى العطف بالفاء، ولذلك في الجمل كلها قال: إذا كبر فكبروا، إذا ركع فاركوا، إذا فعل فافعلوا إلا إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد. وهنا ((إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله)). الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 إذا ثوب في صلاة الصبح وقال: الصلاة خير من النوم، مقتضى قوله: ((فقولوا مثل ما يقول)) أن نقول: الصلاة خير من النوم، ومنهم من يقول: إن حكمها حكم الحيعلة نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه إذا قال: الصلاة خير من النوم هل هو مجرد خبر أو خبر يتضمن النداء إلى الصلاة؟ يتضمن النداء إلى الصلاة، فكان بمثابة قوله: حي على الصلاة فنقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما نقول حينما يقول: حي على الصلاة نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه وإن كان خبراً إلا أنه يتضمن الدعاء والنداء إلى الصلاة، فحكمه حكم الحيعلة، ويستروح بعض الفقهاء قول: "صدقت وبررت" لأنها ليست بذكر، بمعنى أنه يثاب عليه مثل حي على الصلاة، ليس بذكر، أما بقية الجمل فهي أذكار يثاب عليها. فقول: الصلاة خير من النوم خبر، والخبر يحتمل الصدق والكذب، فهل هذا صدق وإلا كذب؟ صدق، إذاً نقول: صدقت وبررت، هذا استرواح وميل من بعض الفقهاء، لكن أرجح الأقوال أن يقال مثل ما يقول المؤذن؛ لأن هذا العموم ما خص منه إلا حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإذا قال: الصلاة خير من النوم نقول: الصلاة خير من النوم امتثالاً لقوله: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)). ((ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر)) الجمل جمل التكبير كم؟ كأنها أربع، لكن هل جمل التكبير في آخر الأذان أربع وإلا اثنتين؟ اثنتين بالاتفاق، بالإجماع، وهذا الحديث في مسلم ((ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر)) أربع مرات، قال: الله أكبر، الله أكبر، مرتين، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . مرتين؟ طالب:. . . . . . . . . مرتين فقط؟ لا عندنا قال: ((ثم قال: الله أكبر الله أكبر)) والمحقق يقول: ليس في (ب) وهي زيادة موافقة لما في صحيح مسلم، في نسخة ثالثة؟ وين النسخة الصفراء فيها؟ طالب:. . . . . . . . . معك؟ لا هذه فيها كم؟ طالب:. . . . . . . . . اثنتان، هذه الجادة، ولعل الناسخ سبق نظره إلى التكبير في أول الأذان؛ لأنه في أول الأذان ما ذكر إلا اثنتين، كم ذكر عندكم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 يعني سبق نظر، نظر إلى الجمل فسبق نظره إلى ما كان في أول الأذان. على كل حال هذا أمر متفق عليه، وأن الأذان في أوله على ما جاء في حديث أبي محذورة اثنتين، وعلى ما جاء في حديث عبد الله بن زيد أربع، وأما في آخره فالاتفاق على أنهما اثنتان. ((ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله)) يكتفي بهذا أو يقول: وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؟ نعم يكتفى بمثل ما يقول المؤذن لا إله إلا الله ((قال ذلك من قلبه)) لا بد من الاستحضار، وكثير من المسلمين وبعض طلبة العلم يذكر هذه الأذكار بلسانه فقط، وهل تترتب الآثار على ذكر اللسان دون مواطأة القلب؟ نعم الجمهور لا، لا بد من التواطؤ بين اللسان والقلب، وابن حجر يقول: الأجور المرتبة والآثار المرتبة على مجرد القول تثبت بالقول، من قال كذا فله كذا، يثبت؛ لأنه قال، يصدق أنه قال، ويكون أجر حضور القلب قدر زائد على ذلك، قدر زائد على ذلك، وعلى كل حال المواطأة لا بد منها؛ لأن الذكر باللسان فقط مع الغفلة إذا كان ناقص، ذكر ناقص، رواه مسلم وروى، وإن كان في بعض النسخ: روي، حتى ضبطت بضم الراء وكسر الواو، رُوي، بهذا الضبط، والصواب روى يعني مسلماً فالحديث مخرج في مسلم، فلا يحق لأحد أن يقول: روي، والحديث مخرج في صحيح مسلم؛ لأن أهل العلم ينصون أن الحديث الصحيح لا يصدر بصيغة التمريض، كما أن الضعيف لا يصدر بصيغة الجزم، والمؤلف إمام في هذا الباب، يراعي مثل هذه الاصطلاحات، فلا شك أن مثل هذا من تصرف الطابع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 "وروى" يعني مسلماً "عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي)) " يعني إذا قلنا: لا إله إلا الله صلينا على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً)) يصلي عليه عشر، وهذا من فضل الله -جل وعلا- وكرمه أن الشيء من العبادات يضاعف، والحسنة بعشر أمثالها، والصلاة بعشر صلوات، والمفروضات خمس بخمسين وهكذا، لكن يأبى بعض الأشقياء وبعض المحرومين إلا أن تكون آحاده غالبة لعشراته، بعض الناس تزيد آحاده على عشراته فيفرط في ما يؤجر عليه، ويستكثر مما يأثم به، لا شك أن هذا خذلان. قال: ((ثم سلوا الله لي الوسيلة)) يعني بالذكر المفصل في السابق ((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة ... )) إلى آخره. ((فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)) بعضهم يقول: إن هذه المنزلة هي إجلاسه -عليه الصلاة والسلام- مع الرب -جل وعلا- في العرش، وهذا جاء ما يدل عليه، لكن فيه كلام كثير لأهل العلم هذه المنزلة، ونكتفي بما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، هي منزلة عالية مناسبة للبشر للمخلوقين، وهي أعلى منزلة في الجنة، لا تنبغي أن تكون إلا لواحد فقط، لا تقبل الشركة، ويرجو -عليه الصلاة والسلام- أن يكون هو، والله -جل وعلا- قد وعده هذا المقام المحمود، وهذه المنزلة العالية الرفيعة ((فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)). قال: "وعن عثمان بن أبي العاص أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) " عثمان بن أبي العاص ثقفي، وطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكون إماماً لقومه، والأصل أنها إمامة صلاة بدليل قوله: ((واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً)) لا أنها إمارة، وإن كان اللفظ محتملاً إلا أن الظاهر من اللفظ أنها إمامة صلاة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 وطلب الإمامة؛ لأنها عمل مما يقصد به وجه الله، ويتعبد به، فهو من أمور الآخرة، ولا مانع أن يطلب الإنسان الإمامة، لا سيما إذا استحضر في ذلك أنها تعينه على أمور دينه، تضبط له أوقاته، وترتب له حياته؛ لأن الذي .. ، مع الظروف التي نعيشها كثير من الشباب ممن ليس بإمام أحياناً تفوتهم الصلاة، لكن إذا كان إمام ما تفوته الصلاة، فإذا طلب الإمامة لهذا القصد، يقول: من أجل أن أحافظ على الصلاة، ومن أجل أن أحفظ القرآن، وأراجع حفظي، هذه مقاصد حسنة، لا لأجل الأجر المرتب عليها، ولا لأجل البيت والمسكن، مسكن الإمام، فلا يجوز للإمام أن يتقدم للإمامة من أجل الراتب، أو من أجل البيت، أو ما أشبه ذلك، إنما يتقدم للانتفاع والنفع، لينتفع بنفسه وينفع غيره، ثم ما جاءه بعد ذلك من رزق من بيت المال لا يؤاخذ عليه، لكن إذا كان هو الدافع له، الدافع له هذا الأجر فلا، ولذا قال: ((أنت إمامهم)) وليس هذا من باب سؤال الإمارة؛ لأن الإمارة من أمور الدنيا ليست من أمور الآخرة، فأمور الآخرة تطلب ليستعان بها على السير إلى الله -جل وعلا-، وأما أمور الدنيا فلا تسأل الإمارة، والمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل. فقال: ((أنت إمامهم)) أجابه إلى طلبه ((واقتد بأضعفهم)) يعني عندك مجموعة من الشباب طلاب علم ثلاثة صفوف مثلاً، وعندك من كبار السن اثنين أو ثلاثة، الشباب لا مانع أن تصلي بهم، صلاة المغرب بالأعراف أو صلاة العشاء بسورة أخرى، وأحياناً تقرأ الطور وأحياناً .. ، لكن هؤلاء كبار السن الضعاف لا شك أنه يشق عليهم مثل هذا التطويل فهم المنظور إليهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 ((واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) فأمر المؤذن موكول إلى الإمام؛ لأنه قال له: ((اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) فهو موكول إلى الإمام، كما في هذا الحديث، أو موكول إلى من وكله الإمام، هنا هل عثمان بن أبي العاص اكتسب هذا الحق في اتخاذ المؤذن لأن الإمام أحق من غيره في اتخاذ المؤذن، أو لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أتخذ مؤذناً)) وكل الأمر إليه؟ وعلى هذا إذا قلنا بالأول أن كل إمام يرشح مؤذناً، وإذا قلنا بالثاني أنه ليس للإمام أن يرشح مؤذناً إلا إذا فوض إليه الأمر من قبل ولي الأمر، قال: اتخذ مؤذناً، رشح أنت من شئت، عين من شئت لا مانع. ((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) لا يأخذ أجرة، لا يأخذ راتب، ما يقول: لا أذن إلا بكذا، وكان المؤذنون يحتسبون، يؤذن الواحد خمسين سنة، ستين سنة ما يأخذ أجر، اللهم إلا إذا فرض له من قبل بعض المحسنين من أوقاف وأشباهها كذا صاع من التمر أو صاع من البر، أو ما أشبه ذلك هذه طريقته؛ لأنه يتفرغ للمسجد، فلا يأخذ على ذلك أجراً، أما ما يعطاه جعلاً وتعاوناً معه على أمور دنياه هذا طيب، من باب التعاون على البر والتقوى، ولا يدخل هذا في النهي المذكور في الحديث. " ((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم، وقال: على شرط مسلم" والحديث صحيح "وفي رواية: أن آخر ما عهد إليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً" وهذه الرواية وإن كان معناها صحيح إلا أنها من حيث الصناعة ضعيف؛ لأن فيها عنعنة الحسن البصري، وفيها أشعث بن سوار مضعف، والمعنى صحيح؛ لأن الخبر السابق صحيح ((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه ابن ماجه والترمذي حسنه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذه أسئلة من الإنترنت. يقول: شخص سافر إلى جيزان، ومكث بها عشرة أيام، فعلى قول الجمهور هو مقيم، ثم إنه خرج إلى قرية تبعد أربعين كيلو، وعاد في نفس اليوم، فهل يأخذ حكم المسافر أو المقيم؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 هذا السفر الذي رجع فيه في نفس اليوم، والمسافة لا تبلغ المسافة التي قررها أهل العلم، هذا لا يخرم عليه الإقامة. يقول: بعض الإخوة يأخذ الكتب المحققة ويأخذ النص الأصلي للكتاب، ويزيل عنه حواشي المحقق ويضعه في الإنترنت، فينزله الناس في أجهزتهم هل هذا جائز؟ وهل يقال: إن الكتب الشرعية حقوقها محفوظة؟ أما حفظ الحقوق العلم في الأصل مشاع للناس كلهم، لكن إذا تعب شخص وخسر أموال على عمله في كتاب ينبغي ألا يهدر حقه، فمتى استوفى حقه الذي خسر عليه صار حكمه حكم غيره. يقول: ما هي أفضل طبعات كتاب تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي وكذلك عون المعبود؟ أفضل الطبعات بالنسبة لهذين الكتابين الطبعات الهندية، فعون المعبود في أربعة مجلدات، وتحفة الأحوذي في خمسة. هذه امرأة من الكويت تقول: نزل هذه الأيام نوع من النعل للنساء يشبه نعل الرجال الزبيرية مع اختلاف اللون والطريقة، فهل إن شريناه ولبسناه نعد من التشبه بالرجال؟ إذا كانت هذه النعال بحيث إذا رآها الناس قالوا: هذه نعال الرجال فلا يجوز، هذا تشبه، وإن كان فيها ما يجعلها تختلف عن نعال الرجال فإذا رآها الرائي قال: هذه نعل نساء، فينتفي حينئذٍ التشبه، ولا بأس بها -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (8) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: هل يوجب للمؤذن حين الأذان متجهاً للقبلة؟ يعني هل يجب عليه أن يستقبل القبلة حال الأذان؟ الأذان على مر العصور والمؤذنون يفعلونه، وهم على جهة القبلة، يلتفون يميناً وشمالاً على ما تقدم في الحيعلتين، ولكن لو أدي الأذان بجمله، وأدى الغرض منه بحيث سمعه الناس بالجمل المأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أجزأ، وعلى هذا ليس بشرط. ثم سأل ثانياً فقال: هل يوجب للمؤذن أن يكون على طهارة أثناء الأذان؟ لا، لا يلزم أن يكون على طهارة، لكن عدم الطهارة كونه يؤذن وهو محدث، لا سيما إذا كان الأذان داخل المسجد يترتب عليه خروج من المسجد بعد الأذان، وهذا جاء فيه من خرج فقد عصا أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا ينبغي أن يكون محتاطاً لنفسه، بحيث لا يحتاج إلى الخروج، أما إذا اضطر إليه فلا مانع. يقول: حديث أبي محذورة السابق هل المقصود من إيراد المصنف له هنا أفضلية الصوت الحسن للأذان؟ وهل يقدم ندي الصوت على الأفقه والأكبر سناً؟ نعم يقدم الندي الصوت الذي يحسن ويتقن الأذان، ويعرف الأوقات، هذه شروط المؤذن، ولا يشترط أن يكون فقيهاً؛ لأنه ليس في الأذان من الأحكام مثل ما في الصلاة التي قد تطرأ على الإمام بحيث يكون بعضها مبطل للصلاة وهو لا يشعر. يقول: هل يقال: اللهم ربنا ولك الحمد بعد انتهاء الإمام من قول: سمع الله لمن حمده؟ نعم، بعد قول الإمام سمع الله لمن حمده يقال مباشرة بعد انقطاع نفسه: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد، أربع صيغ معروفة عند أهل العلم. ومتى يرفع المأموم رأسه من الركوع؟ هل إذا انتهى الإمام من قوله؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 1 على كل حال إذا كان الإمام يقرن القول بالفعل بمعنى أن قوله: سمع الله لمن حمده مقترن برفعه من الركوع فإذا انقطع صوته، وإذا عرف من عادته -مع أنه لا ينبغي- أنه لا يقول: سمع الله لمن حمده حتى يعتدل، أو يقول: سمع الله لمن حمده قبل أن يستتم، فمثل هذا الذي يراه يقتدي بالفعل، والذي لا يراه يقتدي بالقول. أنا أريد طلب العلم، فبماذا تنصحني؟ هناك أشرطة ومحاضرات في هذا الشأن يرجع إليها؛ لأن هذا سؤال طويل. يقول: أشكلت علي قاعدة: أن ما كان سببه موجوداً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يفعله فهو بدعة مع الخطوط في الصفوف في المساجد ونحوها. ما قام سببه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعله لا شك أن هذا اختراع لا سيما إذا كان عبادة أو متعلق بعبادة، إذا قام سببه ولم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو بدعة، لكن قد يقوم السبب في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- والسبب موجود، لكنه أقوى من السبب الذي كان في عهده -عليه الصلاة والسلام-، مثل المثال الذي ذكره الخطوط هذه التي في المساجد، السبب موجود في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في عصرنا زادت الحاجة إليه، فالسبب قوي، قوي على ما كان عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، في عهده -عليه الصلاة والسلام- المسجد صغير يرى طرفه من يمينه ومن شماله، ويبصر الأبعد مثل ما يبصر الأدنى، ويقومهم -عليه الصلاة والسلام- كما يقوم السهام، علماً بأن الأرض لم تكن مفروشة، والخط فيها ينتهي بسرعة تراب، إذا خط في تراب وداسه الناس بأقدامهم انتهى، فلا يحقق الأثر المطلوب، وأما في عهدنا فانظر إلى مصليات العيد التي ليس فيها خطوط، الصفوف مستديرة كاستدارتها على الكعبة، الصفوف مستديرة، وأحياناً تكون متعوجة كثيراً، والإمام لا يمكنه أن يحيط بهم، والناس لا يكفيهم أن يقال: استووا، اعتدلوا، تراصوا، ما يكفيهم هذا، ولا يرعوون ولا ينتبهون، فمثل هذا الحاجة داعية، وهي أدعى منها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالمسألة فيها أخف، لكن لو كان السبب متحد، قوته الآن مثل قوته في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: بدعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 يقول: لو قال قائل: إن النهي في قوله: ((لا تمنعوا)) -يعني إماء الله بيوت الله- واقع للأمراء من المنع، ويبقى النهي عن الصلاة كما هو عن المصلين؟ كيف؟ يعني المسئول أو ولي الأمر لا يمنع، وولي أمر المرأة المباشر له أن يمنع على كلامه هو؛ لأنه هو الذي يقدر مصلحته ومفسدته، كأنه يقول بهذا، والخطاب هنا ما يوجد ما يخصصه بأحد دون أحد، بل هو خطاب لكل من يتأتى منه الخطاب، بمن يستطيع المنع، سواءً كانت ولايته عامة أو خاصة. أو يقصد لا تمنعوا أحداً طاف؟ لأنه ما كمل، قال: لا تمنعوا، يمكن لا تمنعوا أحداً طاف، ممكن؟ لا تمنعوا واقع للأمراء من المنع، ويبقى النهي عن الصلاة كما هو عن المصلين؟ يعني يتجه الأمر في ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة)) لأن السؤال الثاني كأنه يقرب المطلوب، ويبقى واقع للأمراء من المنع، ويبقى النهي عن الصلاة كما هو عن المصلين، يبقى النهي يعني في أوقات النهي على حاله محفوظ، والأمراء لا يمنعون، لكن إذا اتجه النهي للفرد من الناس فالمنهي عنه من قبيل المنكر الذي على من رآه أن ينكره، وأولى الناس بالإنكار ولاة الأمر؛ لأنهم هم الذين يستطيعون الإنكار بمراتبه كلها، فيبقى أيضاً الأمر: ((لا تمنعوا)) النهي متجه لبني عبد مناف، وفي ضمنه يدخل غيرهم. وهل قوله: ((وصلى أية ساعة)) يدل على عدم المنع لأي صلاة، أو هو خاص بركعتي الطواف فإن الواو لا تقتضي الترتيب؟ على كل حال المسألة هذه سبق بحثها، وفعل النوافل في أوقات النهي لا يحتاج إلى إعادة. يقول: من خشي على نفسه الوقوع في الزنا فاستمنى فهل يأثم؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 الاستمناء عند أهل العلم المحرر والمقرر أنه محرم لأنه تعدي، كما في قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(5 - 7) سورة المؤمنون] وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أرشد الذي لا يستطيع الباءة أن يصوم، ولو كان هناك حل غير الصيام لأرشد إليه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا خشي على نفسه الوقوع في الزنا يبقى هو محرم وممنوع، لكن ارتكاب أخف الضررين لا شك أنه أمر مقرر شرعاً، لكن لا يدل على جوازه، يفعله ويستغفر الله ويتوب إليه، هذا إذا لم يكن ثم خيار بين الأمرين. علماً أن مثل هذا السؤال سببه تعريض النفس للفتنة، فلا يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للفتن، إذا كان يخشى من الوقوع في الزنا، وليس بيده أمر ولا نهي لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، فمثل هذا لا يغشى المحافل والمجامع التي يوجد فيها مثل هذه الفتن. وهل يخرج من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [(5) سورة المؤمنون]؟ نعم يخرج كما قرره أهل العلم، المفسرون كلهم قالوا هذا، وعبارة الزاد عند الحنابلة يقولون: "من استمنى بيده لغير حاجة عزر" فدل على أنه محرم، والحاجة هي الوقوع في الزنا ترفع عنه التعزير. يقول: النار تسجر عند قائم الظهيرة على أي توقيت؟ أو أنها تسجر باستمرار؛ لأن زوال شمسنا توسط شمس غيرنا، أفتونا ... إلى آخره؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 يقال في مثل هذا ما يقال في النزول في الثلث الأخير من الليل، يعني على الإنسان الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -عليه الصلاة والسلام- نبياً ورسولاً أن ينظر إلى خطاب الشرع كأنه موجه إليه دون غيره، فيمتثل، أنت ما عليك إلا من نفسك، والبلد الذي تعيش فيه، ما تقول: والله وقت النزول الإلهي الآن في البلد الفلاني مثلاً في الهند أو في السند، أنا أتعرض لهذه النفحات الإلهية الآن، لا لا، أنت ما عليك إلا من بلدك، وهذه الأمور التي قد لا تحيط بها بمجرد عقلك وتفكيرك اتركها، وإذا استرسلت وراء هذه الإشكالات وهذه الشبهات قد يحصل عندك شيء من التردد من قبول ما جاءنا عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فعليك أن تنظر إلى نفسك، كأنك أنت المخاطب وأنت المعني بهذا الحديث، وبلدك وما عدا ذلك اتركه لغيرك. وما تصدر مثل هذه الأسئلة إلا بعد أن تصوروا ما يتعلق بالله -جل وعلا- على ضوء ما تصوروه عن المخلوق، وإذا كان بعض المخلوقات لا ندرك ما جاء في شرعنا عنها ككون الشمس تدور في فلكها، تجري في فلكها، تغيب عن قوم، وتطلع على أقوام وهكذا، ومع ذلك تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة، في آخر كل ليلة بالنسبة لمن؟ وهل تغادر فلكها الذي تجري فيه أو لا تغادره؟ هذا فوق مقدورك، عليك أن ترضى وتسلم. يقول: الحديث: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)) وحديث آخر: ((قوم إذا خلوا إلى محارم الله انتهكوها)). الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 لا شك أن المجاهر مستخف بمحارم الله، فلا شك أن مثل هذا جرمه عظيم، وأولئك الأقوام الذين إذا خلوا إلى المحارم انتهكوها لكونهم يظهرون للناس أنهم على قدر كبير من النسك، فإذا خلوا بالمحارم انتهكوها، أما بالنسبة لمن لا يظهر للناس خلاف باطنه، ويفعل المعاصي في السر، فإن مثل هذا أمره أخف من المجاهر بلا شك، فإذا كان الإنسان يظهر للناس تجده يحدث بهذا الحديث، ويجعله موضوع لمحاضرات أو لدروس ويذم من إذا خلا بالمحارم انتهكها وهو يفعل؛ لأنه يظهر للناس خلاف ما عليه حقيقته، يعني قريب من هذا في حديث الأعمال بالنيات: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) وهذا لا شك أنه سيق مساق الذم، لكن هل يذم من سافر إلى بلد من البلدان لطلب في الرزق؟ يذم وإلا ما يذم؟ ما يذم، بحث عن زوجة في بلده فما وجد، فهاجر إلى بلد ليتزوج، لكن الذم حينما يظهر للناس أنه إنما هاجر لله ورسوله، وهو في الحقيقة إنما هاجر للدنيا أو المرأة التي يتزوجها، يعني لو أن إنساناً عنده غرفة في هذا المسجد أو في غيره وفيها تمر وفيها ماء، وفيها أدوات القهوة والشاي، وما أشبه ذلك، وجالس في المسجد، فاحتاج إلى الأكل في وقت أذان المغرب، أو انتهى من قراءته وهو يجيب المؤذن لصلاة المغرب أكل تمرات وشرب ماء، يلام وإلا ما يلام؟ أكل مباح، ولا أظهر للناس أنه صائم، لكن لو مد السماط هنا وجلس واتكأ على سارية وجلس يقرأ لما قرب الأذان، قرب إلى السماط والناس يدخلون ويش يظنون به الناس؟ وكل من دخل قال: تفضل يا أبو فلان، تفضل، على شان اللي ما شافه يشوفه، هذا يظهر للناس أنه صائم، وهو ما هو بصائم، يعني هل مثل هذا مثل الذي اختفى في غرفته وانتهى من قراءته ليجيب المؤذن، فوجد نفسه محتاجاً إلى الأكل فأكل، ما في أحد يمنعه من الأكل، لكن إذا أظهر للناس سواءً كان بقوله أو بفعله أنه متلبس بأمر غير واقع هذا هو الذي يذم ويلام، فإذا أظهر للناس أنه من أتقى الناس وأورعهم، فإذا خلا بالمحارم انتهكها هذه المشكلة، وكثير ممن يتصدى لتعليم الناس وإرشادهم، وأنا منهم قد يفهم من حاله ومن كلامه أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 هناك أمور يفعلها مما يحث عليها، أو أمور يتركها مما يحذر منه، وهو واقع فيها، فهل نقول لمثل هذا: كف؟ نعم إن أمكن ألا يخالف القول الفعل هذا هو الأصل {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [(3) سورة الصف] لكن إذا كان المسألة في السنن يحث الناس على قيام الليل، أو يحث الناس على الصيام، صيام النوافل، أو يحث الناس على حفظ القرآن، أو يحث الناس على طلب العلم، وألا يضيعوا أوقاتهم، ويضيع أوقات، هذا يختلف عمن ينتهك المحارم، يعني المسألة الحث على نوافل، ولو لم يفعلها، وحث على ترك مكروهات ولو اقترفها، حث على حفظ الوقت ولو ضيع بعض وقته؛ لأن الجهة منفكة، لكن يحث على ترك المحرمات ويرتكب محرمات هنا قف، مع أن أهل العلم يقررون أنه ليس من شرط الآمر والناهي أن يكون معصوماً، فيأمر بالمعروف ولو تركه، وينهى عن المنكر ولو ارتكبه، وله أجر هذا، وعليه إثم هذا، ويقررون أن الجهة منفكة، اللهم إلا إذا كان أمره أو نهيه مقترن بما يدل على الاستخفاف، شخص في يده سيجارة ويشوف واحد يدخن، يقول: يا أخي لا تدخن الدخان حرام، هذا ويش يفهم منه؟! أو اثنان على كرسي حلاق يحلقون لحاهم -الحلاق يحلق لحاهم- يلتفت واحداً منهم يقول: يا أخي حلق اللحية حرام هذا مقترن بالاستخفاف بلا شك، لكن لو كان مبتلى بالدخان وفي غير ارتكابه لهذه المعصية، يعني في وقت لا يدخن فيه، وقال: يا أخي من النصيحة أهل العلم يقررون أن الدخان حرام، وهو مضر بالصحة، ولو كان يدخن، لا يشترط، لكن يبالغ الأشعرية في انفكاك الجهة، فيقررون مسألة من أغرب المسائل، فيقولون: يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، هذا أمر وهذا أمر، يرتكب محرم، لكن لا يرتكب اثنين، نقول: هذا استخفاف؛ لأن غض البصر ما طلب إلا من أجل الفرج، الفرج يصدق ذلك ويكذبه، فننتبه لمثل هذه الأمور فإنها من الدقائق الخفية، والإنسان حينما يحاسب نفسه، وقد قال في الدرس مثل هذا الكلام، وإذا خلا يعني فرط في كثير من الأمور يجد في نفسه حرج كبير؛ لأن النفس على ما عودت، والإنسان الذي تعود على الهزل، يعني يضيع كثير من أوقاته، وعنده شيء من الخير، لكن يبقى أن من يأمر الناس بشيء يقبح به الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 أن يخالف، والله المستعان. يقول: هل صحيح أن الدعاء بأمور الدنيا في صلاة الفريضة يبطلها؟ نعم عند الحنابلة يقررون أنه لا يدعو بأمور الدنيا، فلا يقول في سجوده ولا بعد انتهائه من التشهد في المواطن التي مظنة لإجابة الدعاء: اللهم ارزقني زوجة جميلة، أو دابة هملاجة، أو داراً واسعة، أو ما أشبه ذلك، مع أن الإطلاق في النصوص يدل على أنه لا يمنع من ذلك شيء، يدعو ثم يتخير من المسألة ما شاء، فلا يبطلها -إن شاء الله تعالى-. وهذا يقول: هل يشرع الأذان في أذني المولود؛ لأننا سمعنا الحديث الوارد وهو ضعيف، ولو كان ضعيف فهو يشرع؟ على كل حال محسن الحديث، الحديث محسن، فلو أذن في أذنه ليسمع كلمة التوحيد من أول ما يسمع فهذا له وجه عند أهل العلم. هذا يقول: ما هي أفضل طبعات تحفة الأحوذي وعون المعبود؟ قلنا مراراً: إن الطبعة الهندية لعون المعبود أربعة مجلدات، تحفة الأحوذي خمسة هذه أفضل الطبعات؛ لأن ما جاء بعدها مأخوذ منها، ولكونها بالحرف الفارسي هي باللغة العربية لكن الحرف فارسي، الذين طبعوا الكتاب بعد ذلك لا يعرفون كيف يقرؤون الحرف الفارسي، فوقعوا في أخطاء من هذه الحيثية. هل يجوز زيارة مدائن صالح للعظة؟ على كل مثل هذه المواضع لا يدخلها الإنسان إلا باكياً، وإذا لم يحصل هذا فليجتزها بسرعة. أم سهلة السلفية من فرنسا تقول: ما هي أفضل الطرق للمرأة حتى تجتهد في طلب العلم؟ النساء شقائق الرجال، فالأمور المحفزة للرجل هي نفسها الأمور المحفزة للمرأة، فإذا نظرت فيما أعد الله تعالى للعلماء من منازل ودرجات في الدنيا والآخرة، فلا شك أنها سوف تسعى في تحصيله -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما هو ضابط النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟ عامة أهل العلم على أن الأصل في النهي التحريم، إلا إذا وجد صارف يصرفه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 يقول: جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتتح الصلاة بالتكبير، وفي آخر الحديث ذكر فيه رواية: وإذا قام من الركعتين رفع يديه وكبر" السؤال إذا صلى رجل مع إمام وفاتته ركعة، وقام الإمام إلى الثالثة، والمأموم تحسب له الثانية، هل يرفع يديه هو أم هذا هو للإمام والذي بدأ الصلاة معه؟ وهل إذا قام الإمام للرابعة والمأموم للثالثة يرفع يديه؟ لأن هذا الإشكال يقع. هذا فرع من مسألة وهي ما يدركه المسبوق، هل هو أول صلاته أو آخر صلاته؟ الحنابلة والحنفية يقولون: هو آخر صلاته، وعلى هذا إذا قام الإمام للثالثة والمأموم مسبوق بركعة يرفع يديه إذا قام الإمام للثالثة من التشهد الأول؛ لأن ما يدركه آخر صلاته، وقول المالكية والشافعية هو المرجح أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، فعلى هذا المأموم لا يرفع يديه إلا إذا قام من ثانيته هو إلى الثالثة، ولو كانت بالنسبة للإمام يقوم إلى الرابعة. ما حكم لبس الخاتم والسلسال للرجال؟ أما السلسال هذا لا شك في تحريمه؛ لأنه تشبه بالنساء؛ لأنه من الحلية التي تتزين بها النساء، وجاء لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وأما لبس الخاتم فلبسه النبي -عليه الصلاة والسلام-، واتخذه حينما قيل له: إن فارس لا يقرؤون الكتاب إلا مختوماً، فمن أهل العلم من يرى سنتيه مطلقاً، ومنهم من يراه لصاحب الحاجة لمن يحتاج إليه، قاضي أو أمير أو صاحب مؤسسة يحتاج إلى ختم معاملات، أو ما أشبه ذلك، أو عالم يفتي، فإذا أفتى وضع الختم، على كل حال من يحتاجه يتجه إليه الاستحباب، ومن عداه فلا. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر: باب: شروط الصلاة عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد)) رواه مسلم. وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك)) قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)) قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: ((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وإسناده ثابت إلى بهز، وهو ثقة عند الجمهور. وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: كنت جالساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أما صاحبكم فقد غامر)) الحديث، رواه البخاري. وروى عن أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قاعداً في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاها". وعن صفية بنت الحارث عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: على شرط مسلم، وصفية وثقها ابن حبان، وقد روي موقوفاً ومرسلاً، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، ولفظه: ((لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار)). يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: شروط الصلاة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 الشروط جمع شرط، كما أنها تجمع على أشراط، فشروط الصلاة وشروط الساعة وأشراطها يعني ما يتقدمها، والشرط عند أهل العلم، الشرط عند أهل العلم ما يعدم المشروط عند عدمه، يعني ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، فمن شروط الصلاة الطهارة يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم؛ لأن الإنسان قد يتوضأ ولا يصلي، وقد يتوضأ ويصلي، لكنه إذا لم يتوضأ فإنه الصلاة حينئذٍ تكون معدومة، فالشرط مؤثر يبطل ما اشترط له بعدمه، ومثله الركن، وهو جانب الشيء الأقوى، فعدمه مؤثر، يؤثر البطلان، فالشرط والركن يشتركان في كون كل منهما مؤثراً، فكل من الشرط والركن تبطل الصلاة بعدمه، يعني مع الاستطاعة، أما إذا لم يستطع فاتقوا الله ما استطعتم ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) على كل حال هذا في حق المستطيع، أما من عجز عن شرط أو عن ركن فإنه لا يطالب به، من عجز عن شيء من الشرط، أو شيء من الركن فإنه يأتي بما يستطيع، إذا كان المستطاع مما يطلب شرعاً، إذا كان المستطاع مطلوب شرعاً، أما إذا كان المستطاع لا يطلب مثله في الشرع، وإنما وجوده في الشرط وجود اتفاق لا اشتراط، ولا أثر له في العبادة، فمثل هذا لا يؤتى به، إنسان لا يستطيع أن يستعمل الماء الذي يستطيع أن يستعمل الماء عليه أن يبذل الأسباب للحصول إليه، الذي لا يستطيع استعمال الماء هل نقول: يجب عليك أن تسعى للحصول إليه؛ لأن الذي يستطيع يسعى إلى الحصول إليه؟ الذي لا يستطيع القراءة قراءة الفاتحة، وهي ركن هل يلغى عنه القيام؟ لا يلغى؛ لأن القيام مطلوب، لكن هل يطالب بتحريك شفتيه؛ لأن القارئ يحرك شفتيه؟ لا يطالب؛ لأن تحريك الشفتين غير مطلوب وهكذا، وقد يلتبس بعض هذه الأمور ببعض عند بعض الطلاب، يعني الحلق من واجبات النسك، الأصلع مثلاً الذي لا شعر في رأسه ولا شعرة واحدة منهم من قال: يمر الموسى على رأسه؛ لأن هذا مقدور عليه، لكن الصواب أنه لا حاجة إليه هذا عبث، ومجرد إمرار الموسى ليس بمطلب شرعي، إنما وجوده وجود اتفاقي؛ لأن الواجب الشرعي يتطلبه، فننتبه لمثل هذه الأمور. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 ولا شك أن الشرط مؤثر، والركن فقده مؤثر، وكلاهما يؤثر بطلان ما اشترط له، أو ما كان جزءاً منه، والشرط كما يقرر أهل العلم خارج الماهية، والركن داخل الماهية؛ لئلا يقال: لماذا نقسم إلى شروط وأركان نسوقها مساقاً واحداً؟ لا، الشروط تكون خارج الماهية، والأركان أجزاء الماهية داخلة فيها، ولذا من الفوائد المترتبة على الخلاف بين الحنفية والجمهور في تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام شرط عند الحنفية، وعند الجمهور ركن؛ لأنها عند الجمهور داخل الماهية، وعند الحنفية خارج، قد يقول قائل: ويش الفرق؟ ما الفرق بينهما ما دام على القولين إذا لم يأت بتكبيرة الإحرام الصلاة باطلة؟ لماذا نفرق بين هذا وهذا؟ نقول: الفروق فوائد الخلاف ذكرها أهل العلم، أنه لو كبر وهو حامل نجاسة مثلاً، ومع نهاية التكبير وضعها، صلاته صحيحة عند الحنفية؛ لأن حمله للنجاسة خارج الصلاة، وباطلة عند الجمهور لأنه حمل النجاسة داخل الصلاة، وغير ذلك، يعني لو قلب نيته من نفل إلى فرض، أو العكس معروف مسائل معروفة نأتي إليها -إن شاء الله تعالى- في وقتها، في باب صفة الصلاة. هذا يقول: ذكرتم بأن الشرط يجمع على شروط أو أشراط، وقد قرأت في المعجم بأن أشراط جمع شَرَط، يعني كسبب وأسباب، والشروط جمع شرط، والشرط بمعنى العلامة، والشرط يفيد الإلزام. الشرط بالتسكين قد يكون تخفيفاً للشرَط، وإلا ما في أحد يقول: إن خروج الدجال شَرَط، وأشراط الساعة معروفة. وهنا يقول: قرأت في المعجم بأن الأشراط جمع شَرَط؟ هل أحد يقول بأن طلوع الشمس من مغربها شَرَط؟ أم نقول: تجمع على أشراط أشراط الساعة؟ أو أن الأصل شَرَط ثم خفف كشرط الصلاة؛ لأن المتحرك يخفف بالتسكين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 نعم عندنا سبب وأسباب، لكن هل تستطيع أن تخفف سبب؟ نعم لا تستطيع، لكن شَرَط تستطيع أن تخففها بالتسكين، فننتبه لمثل هذه الأمور، وإذا أردنا أن نرجع لتقرير مثل هذه المسائل ما نكتفي بمرجع واحد، ولا نكتفي بمصدر مختصر، لا بد أن نستوعب ونستقصي، وهناك أشياء تلتقط من المعاجم الكبيرة لا بالمراجعة؛ لأن المراجعة قد يكون ذهنك منصب على ما تريد، لكن سرد الكتب المطولة مثل لو قرئ مثلاً تهذيب اللغة أو صحاح الجوهري، أو الكتب التي ألفها مؤلفها وهو مرتاح منبسط، يعني ما في ذهنه عصر العبارات؛ لأن الكتب المعصورة قد لا تجد فيها الفائدة التي تريد، مثل الكتب التي ألفت ابتداءً، فتجد مثل هذه التحف، وهذه النفائس يلتقطها بعض أهل العلم ويفردونها، مثل الحريري في درة الغواص، يعني التقط أمور من كتب اللغة يعني الباحث قد لا يجدها بنفسه، لو كان يراجع كتب اللغة باستمرار، اللهم إلا إذا كان صاحب استقراء، وله قراءة جرد يجرد فيها الكتب، ويدون فيها مثل هذه الطرائف، على أنه إن وفق في بعضها وخولف في بعضها لكن المقصود أنه كتاب نفيس مع شروحه، فنهتم بمثل هذه الأمور ولا نلغي؛ لأن الواحد يسأل يقول: إنك ذكرت أن طلب علم اللغة أمر ضروري لطالب العلم، نقول: لا علم إلا بلغة، ما في علم إلا باللغة؛ لأن الكتاب والسنة إنما هما باللغة، وقد يقول طالب علم أننا نشوف كثير من شيوخنا اللحن في كلامهم كثير، وما ضرهم علماء، هل يعني هذا أنهم لا يعرفون اللغة إذا لحنوا؟ قد يعرف اللغة، ويستفيد من اللغة فائدة عظيمة جداً جداً وهو يلحن؛ لأن المستفاد من تعلم اللغة أمران: تقويم العبارة، وصيانة اللسان عن اللحن، وهذا إذا قلنا: اللغة النحو، وهو باب أو فن من فنون اللغة، وعدتها اثنا عشر علماً، يعرفها أهل العناية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 الذي يدرس اللغة قد يقول قائل: والله أنا مشيت على الجادة، حفظت الأجرومية، وقرأت شروحها، وسمعت الأشرطة، ثم القطر، ثم الملحة وشروحها، ثم الألفية وانتهيت ولساني أعوج، ألحن كثير، نقول: ما في ما يمنع، في شخص تعلم العلم وهو كبير، وهو من البادية، فحفظ الأجرومية والقطر والألفية وما أدري ويش؟ قلت له أنا: ورا لسانك الآن إلى الآن أعوج؟ قال: والله إني قرأت الأجرومية والقطر والألفية وما بقي للساني إلا الزرادية، يا الله يا الله ما في فائدة. مثل هذا يعني هل نقول: إن مثل هذا ما استفاد من اللغة؟ يستفيد من تعلم اللغة أمران، قد يجتمعان، وقد يستفيد من واحد ويتخلف الثاني، يستفيد تقويم اللسان، وهذا الذي يستفيد الفائدة المرجوة الذي يطبق، إما خطيب وإلا ملازم للقراءة، ومداوم القراءة على الشيوخ الذين يقومون له العبارات، أو معلم، أو ما أشبه ذلك، هذا حقيقة يحتاج إلى تطبيق. الأمر الثاني مما يستفيده: معرفة المعاني؛ لأن المعاني مرتبة على معرفة اللغة، سواءً كانت بمفرداتها أو بمبانيها وصرفها أو بإعرابها وتغيير الحركات حسب العوامل، يستفيد، يعرف الفاعل من المفعول، من الحال، من التمييز، وهذه كلها لها .. ، تؤثر في المعاني، فإذا فاته تقويم اللسان ما فاته الثاني، ولذلك يقول: أنا يائس من معرفة .. ، لا ما في يأس. شخص كبير تعلم، يقرأ في العربية، يحضر الدروس، مرة قلت له: أعرب، قال: جاء الزيدان، جاء فعل ماضٍ، والزيدان فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف، قلت له: لا المائة، كبير سن، يعني ما يفرق بين الألف والألِف، فننتبه يعني اللغة أمر لا بد منه، فطالب العلم ما يمكن يمشي بدون لغة، وإذا كان خطيب بعد يلحن بعد مشكلة. ولا يمنع من أننا نسمع بعض الشيوخ الكبار يقعون في اللحن؛ لأنه أحياناً ينتبه الإنسان للمعنى ويغفل عن اللفظ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 شروط الصلاة: الشروط المضافة إلى العبادات أو المعاملات منها ما يشترطه الشرع لها كشروط الصلاة، وشروط البيع، ومنها ما يشترطه الإنسان لنفسه، سواءً كان في العبادة كالحج، أو في المعاملة يشترطه لحظ نفسه، وهذه تسمى .. ، أو في عقد النكاح الزوج يشترط، أو الزوجة تشترط، هذه شروط في العبادة أو المعاملة، فالأول من وضع الشرع، والثاني من وضع الخلق "وإن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللته به الفروج" والمراد هنا الشروط التي يشترطها الشارع لصحة هذه العبادة التي هي الصلاة، الشارع اشترط شروط، لكن هل نص على أنها شروط، أو قال: شروط الصلاة تسعة مثلاً، أو أن العلماء حصروها وجمعوها حسب مدلولات النصوص بالاستقراء؟ يعني يقول قائل: هات لي من الكتاب والسنة أن شروط الصلاة تسعة؟ ما تجد، هل نص على .. ، قال الرسول: شروط الصلاة تسعة؟ أو قال: ستر العورة شرط من شروط الصلاة؟ الصيغ التي جاءت في النصوص يفرق بينها أهل العلم بأن هذا شرط، وهذا ركن، وهذا واجب، وهذا سنة، وليس ذلك على سبيل التشهي، إنما هو بضم بعض النصوص إلى بعض، ميزت هذه الأمور من شرط إلى ركن إلى واجب إلى سنة، وإلا ما يوجد ما يدل على أن ستر العورة شرط باللفظ، لكن لا يقبل الله، ما يوجد على أن الطهارة شرط إلا ما جاء في النص من أن الله -جل وعلا- لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، ولا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ... إلى آخره، على ما سيأتي في المراد بنفي القبول، يراد به نفي الصحة، أو نفي الكمال، أو نفي الثواب المرتب، أو غير ذلك مما سيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-. فالشروط سبيلها الاستنباط من النصوص التي تفيد انتفاء العبادة، ولو وجدت صورتها، الشروط النصوص التي تنفي الحقيقة الشرعية للعبادة ولو وجدت صورتها العرفية ((صل فإنك لم تصل)) قد يقول قائل: صلى، نراه وقف وركع وسجد هذه صلاة، فحقيقتها الشرعية غير موجودة ولو وجدت صورتها الظاهرة. من يعدد لنا شروط الصلاة؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 الحصر قولهم: "شروط الصلاة تسعة" مفيد جداً؛ لأنك إذا عرفت أنها تسعة فعددت وعددت خمسة تقول: باقي أربعة لازم تحاول تستذكرها، إذا جئت بسادس تقول: باقي ثلاثة، إذا جئت بسابع تقول: باقي اثنين وهكذا، إن استذكرت وإلا راجعت كتب أهل العلم لتكميلها، فالعدد الإجمالي نافع، وجاءت به النصوص ((اجتنبوا السبع الموبقات)) ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) المقصود أن الحصر بالعدد ثابت بالنصوص، وفائدته ما ذكرنا من أنه عند الاستذكار يعرف ما بقي، فإذا عدد من شروط الصلاة قال .. ، الثلاثة المعروفة هذه عندنا: الإسلام والعقل والتمييز. طالب:. . . . . . . . . استقبال القبلة، وستر العورة، ودخول الوقت، واجتناب النجاسة، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . النية، بقي، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . النية، النية انتهينا منها، غيرها. طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . الطهارة واجتناب النجاسة اثنان، فهي تسعة، ودخول الوقت قيل، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الإسلام والعقل والتمييز الثلاثة هي شرط لكل عبادة. قال -رحمه الله-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) متفق عليه، واللفظ لمسلم" وجاء في مسلم من حديث ابن عمر: ((لا تقبل صلاة بدون طهور، ولا صدقة من غلول)). ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) هذا حديث أبي هريرة، وفي آخره: سئل أبو هريرة عن الحدث ((إذا أحدث)) يحتمل أن يكون أحدث في الدين، ابتدع مثلاً، إذا أحدث في الدين مثلاً هل يقال له: توضأ لأن النص يتناولك؟ أو نقول: إن المراد بالحدث ما فسره به الصحابي؟ ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: "فساء أو ضراط" وليس بحاصر؛ لأن الأحداث منها الحدث الأصغر، وفيه الفساء والضراط، وما هو أشد من ذلك من البول أو الغائط، أو غيرهما من النواقض التي تقدمت، هذا أحدث، إذا أحدث ((حتى يتوضأ)) الغاية هي وجود الوضوء، والمراد به الوضوء الشرعي على ما تقدم بيانه. ((لا يقبل الله صلاة أحدكم)). هذا يطلب ذكر الشروط؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 قلنا: الإسلام والعقل والتمييز والطهارة من الحدث، الطهارة من الخبث، واستقبال القبلة، وستر العورة، والنية، ودخول الوقت، تسعة. ((لا يقبل الله)) (لا) نافية وإلا ناهية؟ نافية، بدليل أن الفعل بعدها إيش؟ طالب:. . . . . . . . . مرفوع، نفي القبول هنا ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) نفي القبول هنا يراد به نفي الصحة؛ لماذا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه؛ لماذا لا نقول: إن المراد نفي الصحة في قوله: ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) أو ((من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)). طالب:. . . . . . . . . نعم؛ لأنه متعلق بأمر مبطل، وهو شرط، وكذلك لو تعلق النفي للقبول بأمر مخل كالجزء الركن مثلاً، لكن إذا تعلق بأمر خارج لا علاقة له بالصلاة أتى كاهن أو عراف فلم يصدقه لم تقبل له صلاة، هل إتيان الكائن له أثر في الصلاة؟ يعني هل هو جزء من أجزائها، أو اختلال شرط من شروطها؟ ما لها علاقة، ومن هذا قول الله -جل علا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفاده أن الله لا يقبل عمل فاسق؛ لأنه غير متقٍ، والحصر يدل، مفهوم الحصر يدل على هذا، لكن هل قال أحد من أهل العلم: إن الفاسق يجب عليه إعادة الصلاة، أو إعادة الصيام، أو إعادة الحج؟ ما قاله أحد من أهل العلم. إذاً النفي نفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، وذلكم لما قاومه من ارتكاب المحظور؛ لأنه يستحق ثواب على هذه العبادة، لكنه أيضاً ارتكب محظور يقاوم هذا الثواب فلا يحصل له. فالنهي ومثله النفي، بل أبلغ منه النفي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو جزئها المؤثر كالركن فإنه يدل على البطلان مع التحريم، أما إذا عاد إلى أمر خارج عن الصلاة أو عن شرطها أو عن جزئها فإنه لا يؤثر، يعني تصح العبادة مع ارتكاب التحريم، ارتكاب الإثم، يعني فرق بين من يصلي وقد ستر عورته بحرير مثلاً، أو صلى وعليه عمامة حرير، العمامة لا أثر لها، سواءً وجدت أو فقدت، لكن السترة لو فقدت؟ فعاد النهي إلى ذات الشرط حينئذٍ إلى شرط العبادة تبطل، لكن لو صلى وعليه عمامة حرير، أو بإصبعه خاتم ذهب صلاته صحيحة، مع أنه ارتكب إثم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 والظاهرية المعروف من مذهبهم أنهم يبطلون العبادة بأي ارتكاب لأي محظور فيها، صلى عليه خاتم ذهب صلاته باطلة، صلى في مسجد مزخرف صلاته باطلة، ولهم في هذه المسألة العجائب. ((لا يقبل الله)) قلنا: إن هذا نفي صحة؛ لأنه يتجه إلى أمر مخل وهو شرط من شروط الصلاة، قد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام يلزم عليه الدور، كيف؟ يلزم عليه الدور، كيف يلزم الدور على قولنا: إن النفي هنا اتجه إلى صحة العبادة؟ لأنه متجه إلى شرطه، ونحن ما عرفنا الشرط إلا بهذا النص، إحنا ما عرفنا أن الطهارة شرط إلا بمثل هذا النص، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يلزم عليه دور وإلا ما يلزم عليه؟ نقول: إن ((لا يقبل)) نفي صحة، لماذا؟ لأنه متجه إلى شرط من شروط الصلاة، متعلق بشرط من شروط الصلاة، طيب ما عرفنا أن هذا شرط إلا بقوله: ((لا يقبل الله)) الدور يعني ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه، يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم؟ لماذا لا نقول: إن عدم إتيان الكاهن شرط من شروط الصلاة مثل ما قلنا هنا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . أنت عرفت الشرط من غير هذا الحديث؟ طالب:. . . . . . . . . الآن قلنا: إن النفي هنا يتجه إلى الصحة؛ لماذا؟ لأنه متعلق بشرط من شروط الصلاة، ومتى عرفنا أن الحدث شرط من شروط الصلاة إلا بهذا الحديث، وما جاء في معناه، الكلام ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ كيف نتخلص من هذا الدور؟ الدور يجب انتفائه وإلا معناه ما ننتهي، نعم. يعني إحنا عرفنا أن الطهارة شرط من غير هذا الحديث؟ طالب:. . . . . . . . . مثل إيش؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 إيه، نعم يعني مفاد الكلام أننا إذا عرفنا أن الطهارة شرط لصحة الصلاة قبل ورود هذا الخبر، إذا عرفنا أنها شرط من شروط الصلاة قبل ورود هذا الخبر خلاص انتهى الإشكال، إذا تقرر عندنا أن الطهارة بنصوص أخرى شرط من شروط الصلاة، ثم ورد من مثل هذا الخبر حملناه على انتفاء الصحة، لكن لو لم نعرف، ما ورد في هذا الباب إلا هذا الحديث؟ لا شك أنه يلزم عليه الدور، وأنه لا فرق بين ((لا يقبل الله صلاة أحكم إذا أحدث)) ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) وكل هذه شروط، إذا لم يكن في الباب إلا هذه النصوص. ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) الغاية وجود الشرط وهو الوضوء، فتقدم أيضاً في كتاب الطهارة ما يدل على اشتراطها، وأنها شرط لصحة الصلاة، وأنها من أقوى الشروط، والخلاف بين أهل العلم في كونها أقوى من الوقت أو الوقت أقوى منها؟ وهذا تكرر مراراً، فلا نحتاج إلى إعادته. ((أحدكم)) أحد مفرد مضاف يفيد العموم، ولا يستثنى من ذلك إلا ما خصه الدليل ممن لا يجد الماء، فإنه يعدل عن الوضوء إلى البدل، أو لا يستطيع استعمال الماء، أو كان حدثه دائم لا ينقطع، أو ما أشبه ذلك هذا يستثنى من هذا العموم. ((لا يقبل الله صلاة أحدكم)) وصلاة مفرد أيضاً مضاف، صلاة أحدكم مفرد أيضاً مضاف فيفيد العموم، فيدخل فيه جميع الصلوات الفرائض والنوافل، جميع ما يسمى صلاة لا تقبل إلا بالوضوء، يعني مع القدرة عليه، وإذا لم يقدر عليه فبدله التيمم. شخص وجد جماعة يصلون، وهو على غير طهارة فيريد أن يدرك الجماعة تيمم فصلى معهم، صلاته صحيحة وإلا لا؟ ليست بصحيحة لتخلف الشرط. شخص وجد جماعة يصلون على جنازة، فإذا ذهبت يتوضأ رفعت الجنازة وفاته الأجر، يتيمم ويصلي وإلا لو فاتت لا بد أن يتوضأ؟ لا تقبل هذه الصلاة حتى يتوضأ، لا بد أن يتوضأ وإلا يكفي التيمم؟ هناك أمور تفوت، شخص بقي على طلوع الفجر خمس دقائق، إذا توضأ انتهى وقت الوتر، يقول: أتيمم وأدرك والوتر أصله سنة، وعلى كل حال أنا كسبان كسبان، نقول: لا، لا بد أن تتوضأ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 شيخ الإسلام -رحمه الله- بالنسبة لصلاة الجنازة يقول: هذه الصلاة بهذه الطهارة الناقصة أفضل من عدمها، فيتيمم إذا خشي رفع الجنازة قبل أن يتوضأ، وإلا فالأصل أن هذا الحديث: ((لا يقبل الله صلاة)) مفرد أضيف فيفيد العموم، جميع ما يسمى صلاة، والخلاف في مثل سجدة التلاوة وسجدة الشكر هل تسمى صلاة أو لا تسمى صلاة؟ فمن يسميها صلاة يقول: لا بد أن يتوضأ، لا بد أن يكون على طهارة، ومن يقول: هي ليست بصلاة؛ لأن ما كان أقل من ركعة فإنه لا يسمى صلاة، يقول: لا يحتاج إلى وضوء، وهل يتيمم أو لا يتيمم؟ لا يتيمم، ما دام ليس بصلاة، إذاً لا يشرع له وضوء ولا تيمم، لكن إن توضأ إن تيسر له أن يتوضأ ليخرج من الخلاف؛ وليكن سجوده على طهارة وهو أكمل لا بأس. قد يقول قائل مثلاً: إذا كانت الطهارة أكمل لسجود التلاوة وسجود الشكر؛ لماذا لا يكون التيمم أكمل؟ لأنها في ذكر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم لرد السلام، هل نقول: يتيمم ويسجد أو لا يتيمم؟ يقرأ القرآن عن ظهر قلب، أو بلغه أمر يسر فسجد للتلاوة أو للشكر، الذي يقول: ليس بصلاة لا يلزمه لا بوضوء ولا تيمم ولا ببدله، لكن إذا كان الوضوء أكمل ليذكر الله -جل وعلا- على طهارة فالتيمم مثله، وقد تيمم النبي -عليه الصلاة والسلام- لرد السلام، فهل نقول: يشرع التيمم إذا أراد أن يسجد أو لا يحتاج؟ يشرع ولا ما يشرع؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 إيه؛ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم لرد السلام، وهذا أقرب إلى العبادة من رد السلام، إذا كانت العلة أنه أراد ألا يذكر الله إلا على طهارة ولو ناقصة وهي التيمم، هل نقول: إنه يتيمم ليسجد؟ لا سيما وأن من أهل العلم من يشترط الطهارة للسجود، ومثل ما قال شيخ الإسلام إن صلاة الجنازة بالتيمم أفضل من عدمها، مثل هذه الأمور التي تفوت قد يتسامح في كثير مما يُطلب لها، يعني إذا قلنا مثلاً: إن الساحات ليست من المسجد، والصلوات الفرائض لا يصح اقتداء المأموم بالإمام فيها إلا إذا اتصلت الصفوف، فشخص سلم من الفريضة وخرج، في نهاية الساحة صلي على جنازة، هل نقول: ادخل إلى المسجد وصل معهم، ولو فاتت الصلاة، أو نقول: كبر في مكانك وصل وأحسن من لا شيء؟ هذه الأمور نحتاجها يومياً، يعني رجل سلم من الصلاة، واحتاج الدورة أو على موعد مستعجل فيه، فخرج لما وصل إلى نهاية الساحة البلاط الأبيض قال الإمام: الله أكبر على جنازة، إن دخل مرة ثانية إلى المسجد رجع إلى المسجد فاتت الصلاة، وإن صلى في الساحة وقلنا: إنها ليست من المسجد ولا يصح الاقتداء إلا إذا اتصلت الصفوف، قلنا: يلزمك تدخل المسجد، فهل الصلاة في هذا المكان والاقتداء بالإمام في مكان لا يصح الاقتداء به في الفريضة .. ، هل نقول: إن عدم تفويت صلاة الجنازة في هذا المكان أفضل من تفويتها؟ والإنسان إن ما كسب ما خسر، لكن يبقى أن المسألة دين وشرع وعبادات، لا بد أن تفعل على الوجه الشرعي، أحياناً يستروح الإنسان في مثل هذه المسائل إلى أقوال أخرى، تجد من أهل العلم من يصحح الصلاة في الساحة، يقول: على هذا القول نصلي الجنازة، يعني نحتاط للفريضة وندخل في المسجد، لكن الجنازة نفعلها أحسن من لا شيء، ونعمل بهذا القول، ولو كان مرجوح عندنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 فالاستحسان في مثل هذا الباب قد يفعله كثير من أهل التحري؛ لأنه يفرط في قيراط، والقيراط مثل جبل أحد، ولا شك أنه يحز في النفس، الناس يصلون على عشر جنائز وأنت مدبر، إما أن تقول: لست على طهارة، أو أنا خارج المسجد، فمثل هذه الأمور لا شك أن الحريص يجد حرج كبير، وقد يفعلها على وجه ناقص شرعاً، وهذا ما جعل شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: يتيمم ولو كان الماء بقربه إذا خشي رفع الجنازة. "متفق عليه، واللفظ لمسلم" يكون للبخاري إذا كان اللفظ لمسلم يكون له المعنى. ثم قال -رحمه الله-: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الرجل)) " لا ينظرُ وإلا لا ينظرْ؟ طالب:. . . . . . . . . هذا ما يبين فيه الإعراب، ما يبين فيه، لكن لا يفضي، هذا الذي يبين فيه الإعراب، الفرق بين النفي والنهي، نعم هذا الذي يبين فيه، الآن نستطيع أن نقول (لا) هذه ناهية ينظر؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . يفضي؟ ولماذا لا يكون الأول نهي والثاني نفي؟ أو أن الاتساق أولى؟ إن كانت نواهي فالكل نواهي، وإن كانت نفي فالكل نفي، ولا يعدل عن الاختلاف -اختلاف الجمل- إلا لنكتة، وما في شيء يدل على الاختلاف هنا، المقصود أنه هنا يحتمل أن يكون نهياً، وأن يكون نفياً، والنفي هنا أظهر وأبلغ أيضاً؛ لأنه إذا جاء النهي، أو جاء النفي ويراد به النهي صار أبلغ من النهي الصريح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة)) عورة الرجل عند أهل العلم أنها من السرة إلى الركبة، والمرأة .. ، هذا بالنسبة للرجل عند الرجل ((ولا المرأة إلى عورة المرأة)) والمرأة عورتها عند بعض العلماء كالرجل عند الرجل، من السرة إلى الركبة، وقال بهذا جمع من أهل العلم، ولكن النصوص تدل على أن عورتها عند المرأة كعورتها عند محارمها، عند أبيها وأخيها وعمها وخالها ووالد زوجها وابن زوجها، يعني ما يظهر غالباً بدليل آية النور وآية الأحزاب؛ لأن النساء نسقن على المحارم، لأن النساء نسقن على المحارم، فعورة المرأة عند المرأة هي ما تظهره لأبيها وأخيها وعمها وخالها، قد يقول قائل: إن النساء قد يظهرن لآبائهن أشياء مثل ما قيل أو أشد من السرة إلى الركبة، نقول: العبرة بأوساط الناس، ومن سلمت فطرهم، أما من اجتالتهم شياطين الإنس أو شياطين الجن فصاروا يظهرون للمحارم، بل لغير المحارم من الرجال من العورات ما لا يظهر عند الأسوياء للمحارم هؤلاء لا عبرة بهم؛ لأنه يوجد بعد في البلدان الأخرى تظهر المرأة التي تنتسب إلى الإسلام في بلاد الإسلام ما لا يجوز أن تظهره لمحارمها، هل نقول: هذه عبرة وإلا ليست ... ؟ هذه ليس بعبرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 كما أن أهل التشديد والوسوسة هؤلاء أيضاً لا عبرة بهم، فالعبرة بأوساط الناس الذين هم في الأصل على الفطرة، فماذا كانت تظهر المرأة عند أبيها وعند أخيها في وقت المهنة، تظهر طرف الساعد مع الكف، وأسفل الساق مع القدم، والشعر يظهر، وما عدا ذلك ما يوجد امرأة في سلف هذه الأمة تظهر أكثر من ذلك، قد يكون هناك ظرف معين أرادت أن تركب جمل، وإلا أرادت أن تركب، فبدا منها ما لا يبدو، فمثل هذا .. ، أو كانت خائفة، أو لأي ظرف من ظرف غير عادي هذا لا يقاس عليه، الظروف غير العادية لا تتخذ أدلة، العبرة بالظروف العادية، كما سيأتي في كشف الفخذ بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلا أهل العلم في ذلك، فالظروف غير العادية لا عبرة بها، يعني مثل ما قيل: إن المرأة لا يشرع لها السعي بين العلمين يعني تسعى سعياً شديداً لا يشرع لها، قالوا: إن السعي إنما مشروعيته بسبب امرأة، سعت بين العلمين، جرت جرياً شديداً، لماذا لا تدخل المرأة دخولاً أولياً في المشروعية؛ لأن السبب امرأة؟ والسبب دخوله في النص قطعي؟ نقول: الظرف ليس بعادي، جريها لا للتعبد، إنما جريها من أجل أن تطلع لتنظر من أتى مضطرة إلى مثل هذا الجري ومثل هذا السعي، كما أن المرأة لو تبعها سبع أو صائل تسعى وتجري ولو بدا منها ما بدا، فقد ينكشف منها ما ينكشف في مثل هذه الظروف ولا ينكشف في الظروف العادية. وفي المحشر يحشر الناس حفاة عراة الرجال والنساء؛ لأن الأمر أشد من ذلك، يعني هل يقال مثلاً للمرأة التي تبعها سبع يريد أن يأكلها، أو لص أو مجرم يريد أن ينتهكها، نقول: لا، ما يجوز يخرج منها شيء؟ ظرف غير عادي، فمثل هذا يتجاوز عنه، وفي المحشر الأمر أعظم من ذلك. فالمقصود أن مثل الظروف الطارئة لا تحمل عليها النصوص، فمن تبدي للرجال الأجانب ولو ادعت الإسلام ولو كانت مسلمة؛ لأن مثل هذا كبيرة من الكبائر، وموبقة من الموبقات، ودليل على تساهل شديد، ورقة في الديانة؛ لكن ما يلزم أن هذا كفر، لا، تدعي الإسلام وتظهر ما تظهر، تعصي، ومثل هذه ليست بعبرة، ومثل هذا لا يخضع للأعراف، مثل هذا لا يخضع للأعراف؛ لأن فيه نصوص، وما فيه نصوص لا يخضع للأعراف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 يقول أهل العلم: إن اللباس عرفي، تعارف الناس في هذا البلد أن النساء تلبس الأبيض، ويخضع للعرف، والنساء تفصيلهن على هذه الطريقة، تفصل على هذه الطريقة، لكن ما ترتكب محرم، لا تلبس شفاف ولو لبسه الناس، ولا تلبس ضيق يبين المحاسن ولو لبسه الناس، ومثل ذلك الرجال لا يسبل ولو كان عرف الناس يسبلون؛ لأن هذا فيه نص، وما عدا ذلك يخضع للعرف اللي ما فيه نص. ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل)) وعرفنا أن جماهير أهل العلم على أن العورة من السرة إلى الركبة، وسيأتي ما في الركبة والفخذ، ولعلنا الكلام في هذا الحديث طويل نرجئه إلى الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (9) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة)) " بدأنا بشرح الحديث في الأمس، وقلنا: إن المرجح عند أهل العلم أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وأن عورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها، وأما عند الرجال فكلها عورة، وكلام أهل العلم في التفاسير وشروح الحديث وكتب الفقه معروف. ((ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد)) يقول ابن سيدة في المحكم: أفضى فلان إلى فلان أي وصل إليه، ابن سيدة هذا من أئمة اللغة، له المحكم والمحيط الأعظم، وله أيضاً في فقه اللغة: المخصص. يقول: أفضى فلان إلى فلان وصل إليه، وتقدم حديث: ((من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر)) معناه أنه المس من غير حائل، من دون حائل. المقصود هنا: ((ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد)) معناه أنه لا تمس بشرته بشرته. ((ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد)) يعني لا تمس بشرتها بشرتها إلا ما استثني كالمصافحة مثلاً، والمعانقة عند القدوم من سفر ونحوه، هذه أمور مستثناة، أما أن يمس من بشرته من بشرته ما يثير شهوته فلا، والحديث حسم لباب الفتنة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 1 ((ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد)) بل لا بد أن يكون هناك حائل، والمقصود من الحديث أنه لا يحصل بينهما مباشرة بدون ستر، وإذا كان الثوب الواحد لا يكفي للحيلولة بين الماس والممسوس، فإنه أيضاً لا يجوز ذلك، ومع الأسف أنه يوجد التساهل الكثير في مثل هذا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أن يفرق بين الأطفال إذا بلغوا العشر، يفرق بينهم في المضاجع، وتجد في الأماكن أحياناً في المساجد، وأحياناً قد يكون من أناس معتكفين، أو جاءوا لعبادة، تجد بينهم من الالتصاق ما لا يقره عقل ولا نقل، نعم الحائل موجود، لكن هل يمنع الحائل من ثوران الشهوة بالنسبة لمن في قلبه مرض؟ وحسم المادة هذه أمر لا بد منه، فعلى الإنسان أن يستتر، وأن يحتاط لنفسه ولغيره، لا يفتتن ولا يفتن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 2 ((ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد)) بمعنى أنه إذا كان الثوب الواحد لا يمنع من الوقوع في الفتنة التي تحصل من المباشرة بدون حائل فإنه لا يكفي، وعلى هذا يمنع كل ما أثار الشهوة بين الجنسين، أو بين الجنس الواحد؛ لأنه مع مسخ الفطر قد تحصل الفتنة بين رجل ورجل، وبين امرأة وامرأة، ومع الأسف أنه يذكر من هذا الشيء الكثير، ويذكر في التجمعات النسائية شيء لا يخطر على البال من النظرات، وبعض التصرفات التي لا تحصل في الغالب إلا من الرجال إلى النساء أو العكس، فمثل هذا لا بد من الاحتياط فيه، وبعض من يفتي بأن عورة المرأة عند المرأة كعورة الرجل عند الرجل فتح باب في زمن عرف الناس فيه بالتساهل، فتجد النساء في المناسبات هي أفتيت بأن تستر ما بين السرة إلى الركبة، لكن هل تكتفي بهذا؟ وبالفعل هل هذا يكفي؟ إخراج الصدر والساقين وغيرهما ألا يثير فتنة النساء؟ لأن بعض النساء مثار فتنة حتى للنساء، فمثل هذه إذا كانت تثير فتنة تؤمر بالاحتجاب حتى عن النساء، ومع الأسف أنه يوجد من النساء من تتبذل للنساء غير المسلمات مجاراة لهن؛ لأن غير المسلمين لا يتحفظون عن إبداء العورات، فتجد هذه تبدي ما تبديه تلك مجاراةً لها؛ ولتظهر بمظهر كما تزعم أو يزعم الناس بمظهر حضاري، وهذا كله لا شك أنه تخلف، أما الحضارة على حقيقتها هي في الاتباع، وقيادة الدنيا بقال الله وقال رسوله، كما فعل الصحابة -رضوان الله عليهم-، تلك السيادة التي دان لهم بها العرب والعجم في نصف قرن من الزمان، شرق الأرض وغربها في أقل من نصف قرن، والآن مع ما نرى من مظاهر ترى ما لنا سيادة، السيادة تكاد تكون معدومة في كثير من الدول التي ليست هي كما يقولون الدول العظمى؛ لأن من شأن الدنيا تسلط القوي على الضعيف، وإذعان الضعيف للقوي، واقتداء المغلوب بالغالب، إذاً أين السيادة؟ إذا كان الإنسان ما يرفع رأسه ويقول: إنني من المسلمين، وإذا كان يمد يده ليعينه أعداؤه أين السيادة؟ وإذا وقعت لنا مشكلة أخذنا نناشد العالم وصناع القرار من الكفار، لا نكتفي بأن نستثير همم المسلمين لا، بل لا نطلب هذا استشعاراً منا بالضعف، فالحضارة بقيادة الأمم والشعوب بقال الله وقال رسوله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 "رواه مسلم". ثم قال: "وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ " يسأل ما الشيء المباح إبداؤه من العورات؟ وما الشيء الممنوع من العورات؟ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ وكأنه يقصد العورة التي يجب حفظها، وكأنها أمر مقرر، العورة أمر مقرر لغة وشرعاً وعرفاً؛ لأنه قال: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ يعني مقتضى السؤال أن يقول: ابدوا كذا، وأخفوا كذا. فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((احفظ عورتك)) دليل على أن العورة معروفة ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)) فدل على أن ما عدا الزوجة وما ملكت اليمين بالنسبة للرجل أو الزوج بالنسبة للمرأة على كل من الأطراف أن يحفظ عورته باستثناء الزوجة وما ملكت اليمين، فهذه له أن يرى منها وترى منه ما لا يراه غيره، وهل لها أو له أن يرى العورات المغلظة؟ نعم له ذلك، قد يقول قائل: إنه خلاف الأدب، وجاء في الخبر تقول عائشة: "ما رأى مني ولا رأيت منه" لكن الحديث فيه كلام، وإذا جاز الجماع فما دونه أسهل، فمجرد النظر أمره أخف، فلا يستثنى من ذلك إلا الزوجة أو ما ملكت اليمين، ويبقى من عدا ذلك على المنع، حتى من أقرب قريب، وبعض الناس يوجد عنده الأب كبير السن والأم كبيرة السن فيحتاج الأب إلى خدمة، والأم تحتاج إلى خدمة، فلا تستطيع أن تخدمه ولا يستطيع أن يخدمها، فيضطرون إلى خدمة الآباء والبنات تضطر إلى خدمة الأمهات، أو يستقدم خادم ليخدم الأب، وخادمة تخدم الأم، وتطلع على العورات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4 لا شك أن الضرورات تقدر بقدرها، والطبيب يباح له من أجل العلاج ما لا يباح لغيره، ولذا يقول أهل العلم: "ولطبيب مسلم نظر ولمس ما تدعو إليه الحاجة" قالوا: حتى الفرج، المقصود أن الضرورات تقدر بقدرها، وبعض الناس يتساهل في هذا الأمر، أمه تستطيع خدمة الأب، لكن من باب بره بأمه أو بر البنت بأمها تخدم أباها وتطلع على عورته أو العكس، وكل هذا لا يجوز؛ لأن ما دامت الأم قادرة فهي المسئولة عن هذا الأمر، والأب إذا كانت الأم لا تستطيع خدمته يستخدم له من يجوز له النظر إليه، تأتي خادمة ويعقد عليها، وترتفع المحرمية وتخدمه، ويوجد من يقبل مثل هذا الأمر، لكن أحياناً يمنع من ذلك الغيرة، غيرة الأبناء على أبيهم من أجل أمهم، فتجدهم يقولون: نستقدم ولا نعقد، هذا لا يحل الإشكال؛ لأنها أجنبية منه، وهو أجنبي عنها. فالمقصود أنه لا يجوز الاطلاع على العورات إلا من استثني الزوجة وما ملكت اليمين، والضرورات تقدر بقدرها. "قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ " يعني مختلطون "قال: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)) " يعني كأن هذه العبارة: "القوم بعضهم في بعض" هناك اختلاط لا يمكن الانفكاك منه كالمشاعر مثلاً غير المهيأة، الناس ليلة جمع، ويحتاجون إلى قضاء الحاجة، وفي مثل هذا عليه أن يحرص إن استطعت ألا يراها فلا يرينها، وبعض الناس في محافل الناس ما دام في بلد لا يعرف يتوسع، ويتداولون مثل هذا الكلام، ما دام ما يعرفك أحد فكيف تتحفظ عنه؟ وتجدون من النساء حتى بين الرجال تقضي حاجتها، يعني في الأماكن إذا كان القوم بعضهم في بعض، يعني في مثل ليلة مزدلفة ما وجد، أو اضطر إلى ذلك والدورات عليها سراوات تحتاج إلى ساعات، فمثل هذا يجب عليه أن يحتاط لنفسه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 ((إن استطعت ألا يراها أحد فلا يرينها)) واستدل بعضهم بالتعليق على الاستطاعة من قال بأن ستر العورة مستحب؛ لأنه علق بالاستطاعة، يعني كأن فيه ثنيا، لكن هل يفهم أحد من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) أن الأمر للاستحباب مطلقاً؟ لا، التعليق بالاستطاعة مقرر شرعاً في نصوص كثيرة، نصوص الكتاب {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] إذاً التقوى ليست بواجبة؛ لأنها علقت بالاستطاعة. قال بعضهم باستحباب ستر العورة للتعليق بالاستطاعة، ورد بأنه مستطاع لكل أحد إلا في ظروف خاصة، وفي هذه الظروف يبقى أنه على الأصل في التحريم، والمانع من الإثم هو عدم القدرة وعدم الاستطاعة، ورد بأنه مستطاع لكل أحد فهو شرط، كما يقول أهل العلم: شرط تهييج وإلهاب؛ لأنه ما دام الناس يستطيعون حفظ العورات إذاً كيف يفرطون فيها؟ شرط تهييج وإلهاب كما في علم البيان، يذكر بعض الأمور من أجل التهييج، يعني إثارة الغيرة في نفس الإنسان، وأن مثل هذا أمر لا بد منه متحتم إلا في حالة عدم استطاعتك، يعني في غياب وعيك لا تستطيع أو لا تجد، فعلى هذا ستر العورة واجب. ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)) يعني حتى في المواطن التي يختلط بعض الناس ببعض، والظروف الحرجة الصعبة ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)). "قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ " ما عنده أحد، في مكان ليس عنده أحد، يعني في بيته بمفرده والأبواب مغلقة، وما في أحد "فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: ((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 استدل الإمام البخاري -رحمه الله- على جواز التكشف في الخلوة في الغسل على وجه الخصوص بقصة موسى وأيوب، موسى -عليه السلام- نزع ثوبه فاغتسل وهرب الحجر بالثوب وضعه على حجر فهرب به، فتبعه فصار يضربه ثوبي حجر، ثوبي حجر، من أجل أن يطلع بنو إسرائيل على سلامته مما وصفوه به، وأيوب -عليه السلام- اغتسل عرياناً، فأرسل الله عليه رجلاً من جراد -جراد من ذهب- فغفل، فصار يجمع ويقول: "اللهم لا غنى بي عن بركتك" المقصود أنه إذا كان الإنسان خالياً ما عنده أحد، واحتاج إلى خلع ثيابه من أجل الغسل البخاري يستدل بذلك على الجواز، وعموم قوله: فإذا كان أحدنا خالياً؟ ((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه)) يشمل هذه الصورة، أنه لا يغتسل عريان ولو كان منفرداً، لكن في قصة موسى وأيوب ما يدل على الجواز، كما قال الإمام البخاري. ((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) فلا تكشف العورة. وقال أبو عبد الله البوني: إن المراد بقوله: ((أحق أن يستحيى منه)) أي: فلا يعصى، يعني هذا الجواب أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بقاعدة عامة ((أحق أن يستحيى منه)) في كل شيء، في هذه المسألة وفي غيرها، فلا يعصى بالتعري ولا بغيره، وهو كلامه في الجملة جيد، يعني فلا يعصى بما في ذلك التعري الذي جاء النهي عنه. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وإسناده ثابت إلى بهز، وهو ثقة عند الجمهور" أولاً: بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري أبو عبد الملك قال ابن حجر: صدوق من السادسة، مات قبل الستين، علق له البخاري وخرج له الأربعة، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، أبو عبد الملك، صدوق من السادسة، مات قبل الستين، يعني مع أبي هريرة مات؟ يعني مات مع أبي هريرة سنة 59هـ؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا مات قبل الستين، يعني قبل سنة ستين، هو من السادسة، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . من له تعامل مع التقريب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 نعم يعني قبل الستين ومائة، ابن حجر ما يذكر المئات، إذا ذكر الطبقات ما ذكر المائة، معلوم من السادسة وين؟ الله المستعان، يعني ومائة، قبل الستين ومائة، وعلق له البخاري، خرج له البخاري تعليقاً، وروى له الأئمة الأربعة، ووالده حكيم؛ لأن الحديث عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أبوه حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، صدوق من الثالثة، وعلق له البخاري نفس الحديث الذي رواه عن ولده، وخرج له الأربعة، وجده معاوية بن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة، ومات بخراسان، فإذا كان بهز بن حكيم قال فيه ابن حجر: صدوق، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وهو ثقة عند الجمهور" لكن بهز صدوق، وأبوه صدوق، وكأن ابن حجر حكم عليه بصدوق بناءً على الخلاف في مرويات هذه السلسلة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، خلاف بين أهل العلم معروف، والقول المتوسط أنها مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من قبيل الحسن، وتقدم الكلام فيها، فإذا كان حديثه من قبيل الحسن، هل يقال فيه: ثقة؟ يقال فيه: صدوق؛ لأن هذه المرتبة مناسبة لهذه المرتبة، فسبب الخلاف في بهز بن حكيم كلام بعض أهل العلم فيه، وأنه لا يصل إلى مرتبة الثقة، فحديثه من قبيل الحسن، والكلام في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إنما هو الخلاف في عود الضمير على ما تقرر سابقاً، والترجيح بين السلسلتين بين عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده معروف، يعني لو ورد حديث من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وورد حديث آخر يعارضه ويخالفه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، فماذا نرجح؟ بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مخرج في الصحيح تعليقاً، يعني لا في الأصول، في أصول الكتاب التي هي مقاصده، مخرج في البخاري تعليقاً، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما خرج له في الصحيح لا في الأصول ولا في التعاليق، لكن الترمذي سأل البخاري -رحمه الله- عن حديث أظنه التكبير في صلاة العيد، فقال: وحديثه أصح شيء في الباب، فقوله: أصح شيء في الباب تمسك بها من رجح حديث عمرو بن شعيب، وتخريج البخاري لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ولو تعليقاً، لا شك أنه يعطيه قوة، وعلى كل حال هما في مرتبة الحسن إذا ثبت الإسناد إلى عمرو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 وإلى بهز، ولذا قال المؤلف: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه النسائي الترمذي حسنه" وإلا الخلاف المعروف، وإسناده ثابت إلى بهز، نحتاج إلى هذه الكلمة من أجل أنه إن لم يثبت إلى بهز فالتضعيف بسبب آخر، قال: وهو ثقة عند الجمهور، يعني عند الأكثر، وفيه كلام لبعضهم، هو الذي جعل ابن حجر ينزل مرتبته من الثقة إلى الصدوق. في بعض النسخ: ((والله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) والمفضل عليه معروف سواء ذكر أو لم يذكر، أحق أن يستحيى منه من كل أحد. ثم قال -رحمه الله-: "وعن أبي الدرداء -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أما صاحبكم فقد غامر)) " الحديث، وفيه .. ، وهو مختصر هنا، ولذا قال: الحديث على النصب، يعني اقرأ الحديث، أو أكمل الحديث. ((أما صاحبكم فقد غامر)) والشاهد منه "آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته". أولاً: المغامر في قوله: ((فقد غامر)) في الأصل الملقي بنفسه في الغمرة، وغمرة الشيء شدته ومزدحمه، الجمع غمرات، والمراد بالمغامرة هنا المخاصمة أخذاً من الغِمر أو الغَمر أو الغُمر، هذا من المثلث، ولكل واحد من الثلاثة معناه، وهو مذكور في مثلث قطرب، من يحفظ المثلثة؟ طالب:. . . . . . . . . ويش يقول؟ طالب:. . . . . . . . . يعني هنا ماذا يكون؟ طالب:. . . . . . . . . بالفتح؟ طالب:. . . . . . . . . الغَمر؟ طالب:. . . . . . . . . طيب والغِمر؟ طالب:. . . . . . . . . والغُمر؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 نعم، إذاً هنا نقول: لأنه من الحقد، المخاصمة سببها الحقد، إذاً هو بكسر الغين، أخذاً من الغِمر الذي هو الحقد والبغض، والحديث يدل على أن الركبة ليست عورة؛ لإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث لم ينكر عليه، أخذ منه أن الركبة ليست بعورة، أخذاً من الغمر الذي هو الحقد والبغض، والحديث يدل على أن الركبة ليست عورة؛ لإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث لم ينكر عليه، هذا قال به بعض أهل العلم، النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه أبدى عن ركبته ولم ينكر عليه، لكن الظروف الخاصة مثل هذا الظرف جاء مخاصم ومشاجر ومسرع، هل يؤخذ منه سريان الحكم في الظروف العادية؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- في السعي سعى سعياً شديداً حتى بدت إيش؟ ركبتاه، فمثل هذه الظروف لا يحمل عليها الظروف العادية، ولذا الحديث الذي يليه، روى عن أبي موسى، يقول: الأول رواه البخاري، والثاني روى عن أبي موسى يعني البخاري: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قاعداً في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها" وهذا أيضاً فيه دليل لمن يقول بأن الركبة ليست بعورة كالشافعي، وأجاب عنه من قال بأنها عورة بأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء، وتغطيته عن عثمان دليل على أنها عورة، النبي -عليه الصلاة والسلام- حسر عن ركبته، وفي رواية غير الصحيح الفخذ، لكن رواية الصحيح البخاري: الركبة. فدخل أبو بكر ما غطى، ثم دخل عمر فلم يغط، ثم دخل عثمان غطاها، لما دخل عثمان غطاها، فقيل له في ذلك، قالت له عائشة أو غيرها، قال: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ )) فهل في مثل هذا دليل على أن الركبة ليست بعورة أو ليس فيه دليل؟ ومثل ما قلنا: إن أبا بكر جاء مسرعاً مغامراً مخاصماً الظرف ليس بعادي، نعم ليست بعورة مغلظة بحيث تنكر، إنما هي عورة، وجاء بالنص عند الدارقطني وغيره ((عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة)) ودخول الغاية محل خلاف بين أهل العلم، وإخراجها أيضاً معروف. الحديث هذا المكان فيه ماء، فيلزم من ذلك رفع الثوب، لكن هل يلزم منه رفع الثوب إلى الركبة؟ لنفرق بين الظرف الخاص والظروف والحياة العادية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 أولاً: هذه النصوص يستدل بها من يقول: إن الركبة ليست بعورة، ودليله واضح، لكن يجيب من يقول: بأنها عورة بمثل ما قلنا: إن أبا بكر جاء مخاصماً مشاجراً ظرفه ليس بالعادي كسعيه -عليه الصلاة والسلام-، وكونه -عليه الصلاة والسلام- دخل القاعد في مكان فيه ماء يستلزم رفع الثوب، ثم غطاه لما دخل عثمان حياءً من عثمان، وإلا فالأصل أن مثل هذا لا يغطى؛ لأنه لم يغطه عن أبي بكر وعمر، فالدلالة واضحة لمن قال بأن الركبة ليست بعورة، ومن قال -وهم الأكثر-: إن الركبة داخلة في العورة قالوا: إن هذه أمور حاجية تقدر بقدرها، مع أنهم يتفقون على أن الركبة ليست مغلظة. ثم قال -رحمه الله-: "وعن صفية بنت الحارث عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) " نفي القبول كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) يراد به نفي الصحة؛ لأن النفي متعلق بأمر مؤثر في الصلاة، يعني عدمه مؤثر في الصلاة؛ لأنه شرط من شروطها، فيحمل على نفي الصحة، ويأتي نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العمل، كما تقدم تقريره بالأمس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 ((لا يقبل الله صلاة حائض)) يعني من بلغت سن المحيض لا الملابسة بالحيض، يعني التي اتصفت بها، يعني أنها حائض بالفعل، يعني بعبارة اليوم يعني عليها الدورة، ليست هي المطلوبة؛ لماذا؟ لأن الحائض ممنوعة من الصلاة، بل يحرم عليها أن تصلي، فالمراد بالحائض هنا من بلغت سن المحيض، ويفسر ذلك رواية ابن خزيمة: ((لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار)) يعني كلفت، بلغت سن المحيض، يعني سبق لها أن حاضت، فصارت في عداد المكلفين، هذه لا يجوز لها أن تصلي بغير خمار، أما من لم تبلغ سن التكليف ولو ناهزت، يعني بنت عمرها إحدى عشر أو اثنتا عشرة أو ثلاث عشرة أو أربع عشرة لم تحض، هذه لها أن تصلي بغير خمار، لكن تنشئة البنت على الستر من أول الأمر هو مطلوب كأمرها بالصلاة، وأمرها بالصلاة أمر لما تتطلبه الصلاة من وضوء وستارة وغير ذلك، يعني ما نفهم من هذا أننا نقول: البنت أم عشر وتصلي حاسرة عن شعرها؛ لأن أمرها بالصلاة للتمرين والتأديب، فتمرن على كل ما تطلبه الصلاة، لكن مسألة الرد وعدم القبول إنما هو بالنسبة للمكلفين، فلا يقبل الله صلاة من كلفت إلا بخمار، وهو ما يغطي الرأس. قال ابن سيدة: الخمار النصيف، وجمعه أخمرة وخمر، وجمعه أخمرة وخمر، فمما يشترط لصحة صلاة المرأة تغطية الرأس، وإذا أمرت بتغطية الرأس فبقية البدن من باب أولى، والمرأة الحرة كلها عورة، أما بحضرة الأجانب فلا إشكال أنها كلها عورة، وأما بالنسبة للصلاة إذا كانت خالية فمحل خلاف بين أهل العلم، منهم من يستثني الوجه فقط، وهو المعروف عند الحنابلة يستثنون الوجه فقط يكشف إذا كانت خالية، والحرة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، ورواية في المذهب يرجحها شيخ الإسلام الكفين أيضاً، لا يلزم سترهما في الصلاة، بل يكشفان كالوجه، ومذهب الحنفية القدمان أيضاً يكشفان، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى قول الحنفية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 وعلى كل حال الاحتياط أن تغطي المرأة جميع بدنها، أما إذا كانت بحضرة من يجب الحجاب عنه هذا لا إشكال فيه، أما إذا كانت خالية فلا تبدي إلا وجهها، وإن أبدت كفيها فالأمر فيه سعة، والقدمان محل خلاف قوي بين أهل العلم، إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين كما سيأتي في حديث أم سلمة، فالقدمان يغطيان، لكن لو صلت امرأة وقالت: أنا والله ما دريت أن القدم تغطى، فقوله: "ظهور قدميها" يدل على أن بطون القدمين لا يلزم تغطيته، فيدل على أن القدم فيها شيء من السعة، ومذهب أبي حنيفة في هذا واضح، فمن صلت وهي كاشفة عن قدميها ثم سألت لا تؤمر بالإعادة، أما من سألت قبل الصلاة يقال: غطي، والأحوط أن تغطي كل شيء إلا الوجه. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: على شرط مسلم" وعلى كل حال الحديث مصحح عند أهل العلم "وصفية وثقها ابن حبان" يعني التابعية الراوية عن عائشة -رضي الله عنها-، "وقد روي موقوفاً ومرسلاً" الآن المقابلة بين الوقف والإرسال، يعني كل النسخ كذا موقوفاً ومرسلاً؟ طالب:. . . . . . . . . هل هناك تقابل بين الوقف والإرسال أو التقابل بين الوقف والرفع والوصل والإرسال؟ أو أنه اجتمع فيه الأمران؟ اجتمع فيه علتان الوقف والإرسال؟ "وروي موقفاً ومرسلاً ورواه ابن خزيمة في صحيحه، ولفظه: ((لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار)) " وعلى كل حال الحديث مصحح عند أهل العلم، والعمل عليه عندهم، أنه لا بد أن تصلي بالخمار فتغطي رأسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 ثم قال: "وعن أيوب عن نافع" أيوب بن أبي تميمة السختياني "عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: ((يرخين شبراً)) قالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: ((فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه)) " انظروا كيف يتعامل مع أصحاب التحري والاحتياط للدين بخلاف أصحاب التعري والتساهل في أمور الدين، يعني بدأ بها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأخف، ما بدأ بالأشد؛ لأنه يعرف أنه لو قال: أرخيه ذراع زادت؛ لأنها حريصة على الستر، فبدأ معها بالأقل ((ترخيه شبراً)) لكن الآن لو تأتي امرأة تسأل يبدأ معها بالشبر وإلا بالذراع أو أكثر من الذراع؟ وليت الأمر يستقر على مجرد الستر، ولا شك أن هذا هذه طريقة وأسلوب نبوي متبع، يعني مطرد عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا كان السائل أو المسترشد عنده شيء من التحري يبدأ به من الأقل؛ لئلا يزيد ويرتفع، وإذا كان عنده شيء من التساهل أطره على ما أوجب الله عليه، فعبد الله بن عمرو بن العاص جاء متحمس يبي يقرأ القرآن في كل ليلة، فقال له: ((اقرأ القرآن في شهر)) لأنه لو وافق على ليلة أو على ليلتين أو على ثلاث من أول الأمر لا شك أن عبد الله بن عمرو لن يترك المصحف، ويمكن يختم في اليوم مرتين أو أكثر، لو بدء به مما طلب، لكن مثل هذا يبدأ معه بالأخف، فقال له: ((اقرأ القرآن في شهر)) قال: إنه يستطيع أكثر من ذلك، ((اقرأ القرآن مرتين في الشهر)) قال: يستطيع أكثر من ذلك، ((اقرأ القرآن في عشر)) قال: إنه يستطيع أكثر من ذلك، قال: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) فبدأ بالأخف، لكن لو جاء شخص من طلاب العلم وقال: إنه لا يفتح المصحف إلا في رمضان، قلنا له: عثمان يختم في كل ليلة، والشافعي يختم مرتين، مرة بالنهار ومرة بالليل، وفلان وفلان، وعددنا له من هؤلاء الذين يحملونه على أن يستحيي من الله -جل وعلا- أن يهجر كلامه، وإن كنا لا نريد أن يفعل مثل فعل عثمان، ولا مثل فعل الشافعي، ولا مثل فعل يقرأ القرآن في يوم، لكن إذا قلت له: اقرأ القرآن في يوم عله أن يقرأه في أسبوع، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم كالطبيب يعالج الناس بما يناسبهم وينفعهم، فإذا كان موجوداً في مجتمع تغلب عليه الشدة لا شك أنه يبدأ بهم بالأسهل؛ لأنه لو بدأ بهم بالأشد زادوا، وإذا كان في مجتمع غالبه مرجئة يتساهلون، ولا يرون العمل من الإيمان مثل هؤلاء يبدأ بهم بالأشد، يعني لا يعامل المرجئة مثل ما يعامل الخوارج، فأولئك تلقى إليهم نصوص الوعد، وهؤلاء تلقى إليهم نصوص الوعيد، يعالجون بهذا وهؤلاء يعالجون بهذا، ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ... ، قالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: ((يرخين شبراً)) فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن؛ لأنه لو نزل شبر على الأرض مع المشي لا بد أن يخرج شيء، والآن مع الأسف أن النساء جل النساء الآن فوق الكعب وعلى الجوانب فتحات، إذا مشت تخرج إلى الركبة، الفتحة أنزل من الركبة، لكن مع ضرورة المشي أن يرتفع الثوب، ومع الأسف أيضاً أنا صرنا كأننا بتصرفاتنا نقر مثل هذه الأمور، يعني إذا كان علامة مدرسة بنات وضعنا الصور التي تدل على العلامة هذه، يعني في اللوحات الإرشادية، يعني أمامك مدرسة بنات أمامك مدرسة أولاد وضعنا صور البنات بالقصير هذا شيء مشاهد، وصور الأولاد إذا كانت مدرسة أولاد بالطويل المسبل، وكأننا بهذا نقر من يفعل هذا الأمر، وكذلك في دورات المياه، وكذلك تجد أمور كأن فيها إقرار لهذا الشيء، وإن لم يكن مقصوداً، لكن ينبغي أن يكون الحق والحقيقة والمظهر والمخبر سواء، لا نقول هذا الكلام ثم إذا جئنا بدعاية أو بشيء خرجنا عن طورنا، أمامك مدرسة أولاد تجعل الولد ثوبه هذا على سبيل التنزل أننا نحتاج إلى مثل هذه الأمور، وإلا لسنا بحاجة إلى مثل هذه اللوحات، يعني أمامك مدرسة أولاد، أمامك مدرسة بنات يكفي، كتابة، لكن إنما هو التقليد ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)) ولسنا بحاجة إلى شيء من هذا، وإذا ابتلينا بمثل هذا لا نقر المنكر، على أن التصوير معروف أنه حرام، لكن قد يقول قائل: إنه تصوير ما بان فيه شيء، ما في وجه، ما فيه إلا بقية الجسم، والثوب هذا يدل على أنها مدرسة بنات، واللباس هذا يدل على أنه مدرسة أولاد، نقول أيضاً على سبيل التنزل: لسنا بحاجة، لكن إذا فعلتم ذلك طبقوا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 السنة، والله المستعان؛ لأن النشء ينشأ على مثل هذا ويستمريه، ويعرف أن هذا لباس امرأة، وذاك لباس رجل، المسبل لباس رجل، والقصير لباس امرأة، ينشأ الفتيان على هذا، فلا يصير في قلوبهم شيء من الإنكار له. وهنا تقول لما قال لها شبر، قالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: ((فيرخينه ذراعاً، لا يزدن على ذلك)) لأنه لو زاد على الذراع صار خطر عليها أن تسقط أو تتعثر، ومع ذلكم الذيل لا يحيط بالبدن أو بالأقدام من جميع الجهات، الأقدام مستورة بلا شك، لكنه من الأمام لا يرخى لئلا يحصل تعثر، إنما الذيل يكون كما هو بطبيعته الذيل في الخلف، وأدركنا النساء وهن يجرجرن الذيول، وعلى الغانيات إيش؟ جر الذيول. كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيولِ المرأة تسحب ثوبها وراءها ذراع، وهذا شيء أدركناه، كان معروف عند المسلمين، ثم بعد ذلك صاروا يتدرجون ويقلدون، وانتهينا إلى ما وصل إليه الحد، والله أعلم ما يكون في المستقبل، نسأل الله -جل وعلا- أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يرجعهم إليه. "رواه النسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح، وقد روي عن نافع عن أم سلمة، وعنه عن صفية عن أم سلمة، وعنه عن سليمان عن أم سلمة" المقصود أنه من حديث أم سلمة، يروى من طرق متعددة، وبعضهم يجعل مثل هذا إعلال، لكنها طرق يعضد بعضها بعضاً، ولذا هو صحيح عند أهل العلم. ((من جر ثوبه خيلاء)) الإسبال جاء فيه هذا الحديث الشديد: ((ثلاث لا ينظر الله إليهم، ولا يكلمهم)) منهم من جر ثوبه خيلاء، وفي الحديث هنا: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) والخيلاء: بضم الخاء المعجمة ممدود فعلاء، والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر والخيلاء معانيها متقاربة، يقال: خال واختال اختيالاًَ إذا تكبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 ((من جر ثوبه خيلاء)) في الحديث الآخر: ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) هذا مقيد بالخيلاء وذاك مطلق، ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) ولو بدون خيلاء، وهذا: ((من جر ثوبه خيلاء)) وأبو بكر لما سمع هذا الوعيد الشديد قال: إنه يسترخي أحد جانبي إزاره، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنك لا تفعله خيلاء)) لست ممن يفعله خيلاء، فهذه تزكية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر؛ لأن الخيلاء والكبر من أعمال القلوب، لا يستطيع إنسان أن يزكي أحد، ولا يزكي نفسه، بل نهي عن ذلك، وإذا وجد من يجر ثوبه ويقول: إنه لا يفعله خيلاء، قلنا: هذا الكلام ليس بصحيح، فليس لنا إلا الظاهر، والباطن الله -جل وعلا- يتولى السرائر، وكلامك عن نفسك تزكية، وقد نهيت عنها، فعليك أن ترفع ثوبك. هنا الحديث مقيد، وحديث: ((ما أسفل من الكعبين)) مطلق، وقال بعضهم: إن المطلق يحمل على المقيد، فإذا برئ الإنسان وسلم من الخيلاء والكبر فإنه يجوز له ذلك، لكن بالنظر إلى القواعد، قواعد حمل المطلق على المقيد نجد أنه لا يمكن حمل المطلق على المقيد هنا؛ لماذا؟ للاختلاف في الحكم والسبب، وإذا اختلف الحكم والسبب فلا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، الحكم مختلف هناك في النار، وهنا: ((لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) الحكم أشد، مناسب لما اقترن بمجرد الإسبال إذا اقترن معه الخيلاء، إذا اقترن مع الإسبال الخيلاء فالحكم أشد، فجاء حكم يناسب، إذا كان مجرد إسبال من غير خيلاء فحكمه مناسب ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) والمراد بذلك ليس الثوب، وإنما هو ما يقابله من بدن الإنسان، ما يقابل هذا القدر الزائد من بدن الإنسان. ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه)) فيه إثبات النظر لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 أدخل المؤلف هذا الحديث في شروط الصلاة لأن من أهل العلم من يرى أن من ارتكب مثل هذه المعصية فإنها تؤثر على صلاته، وجاء في المسألة حديث لكنه ضعيف، رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- رجلاً مسبلاً يصلي فقال له: ((أعد وضوءك)) ولما توضأ قال: ((صل)) فسئل؟ قال: لأنه مسبل، فعلى هذا صلاته تكون باطلة لو صح الخبر؛ لكان الخبر لم يصح، فتجرى القواعد، وجاء النهي عن الإسبال والوعيد الشديد لكن النهي خارج عن الصلاة، فالإسبال مما يستعمل داخل الصلاة وخارج الصلاة، فالنهي ليس عائد إلى ذات الصلاة ولا إلى شرطها؛ لأن القدر الزائد على ما تستر به العورة ليس من شرطها، فهو لأن الخارج كالعمامة، فالصلاة صحيحة مع الإثم الشديد الثابت والوعيد الأكيد بهذا النص وغيره، فصلاة المسبل صحيحة مع التحريم؛ لأن النهي إنما يعود إلى أمر خارج عن الصلاة. بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل وفخذه خارجة، فقال: ((غط فخذك، فإن فخذ الرجل من عورته)) رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو يعلى والترمذي، ولفظه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الفخذ عورة)) وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الطحاوي، وأبو يحيى مختلف فيه، وثقه ابن معين في رواية" يعني في رواية الدارمي، أما في رواية الدوري التي هي من أكبر الروايات قال: في حديثه ضعف "وثقه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ليس بالقوي" أبو يحيى القتات الكوفي اسمه زادان، وقيل: دينار، وقيل: مسلم، وقيل: يزيد، وقيل: زبان، وقيل: عبد الرحمن، أقوال كثيرة في اسمه كعادة من اشتهر بالكنية يضيع الاسم. قال ابن حجر: لين الحديث، ومتى يحكم ابن حجر على راوٍ بأنه لين؟ متى يحكم ابن حجر عليه أنه لين؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يكون إيش؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 هو حكم عليه بالتقريب بأنه لين؛ لماذا؟ ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، إذاً هذا حديثه قليل، وليس فيه كلام لأهل العلم قوي يترك حديثه من أجله، ومع ذلك لم يتابع إذاً لين، وهذه القاعدة التي قعدها ابن حجر عليها مناقشات ومؤاخذات كثيرة، وبسطناها في مناسبات كثيرة، لا داعي لتكرارها، المقصود أنه هنا أبو يحيى القتات اختلف فيه، منهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، فحديثه ليس بشديد الضعف. "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل وفخذه خارجة، فقال: ((غط فخذك، فإن فخذ الرجل من عورته)) " ويشهد له الأحاديث التي أشار إليها الإمام البخاري -رحمه الله-. وقال البخاري: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الفخذ عورة)) يعني حديث ابن عباس له ما يشهد له من حديث جرهد ومحمد بن جحش عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: ((الفخذ عورة)) فعندنا ثلاثة أحاديث كلها تنص على أن الفخذ عورة، من قوله -عليه الصلاة والسلام-، حديث ابن عباس الذي تقدم، وجرهد بن رزاح الأسلمي، مدني، له صحبة، وكان من أهل الصفة، مات سنة إحدى وستين، ومحمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جده، زينب بنت جحش عمته أخت أبيه عبد الله بن جحش، هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام- يروى من هذه الطرق، وهو بها يكون صحيحاً لغيره، بمجموعها يكون صحيحاً لغيره. وقال أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه" هذا الكلام تابع لكلام البخاري، وقال أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه"، ثم قال البخاري: وحديث أنس أسند، يعني أقوى إسناداً؛ لأنه مخرج في الصحيح، أصل معتمد عليه في البخاري، بل في الصحيحين فهو أسند، يعني أقوى إسناداً، وحديث جرهد أحوط، حتى يخرج من اختلافهم. الأحاديث الثلاثة الواردة عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش كلها نص على أن الفخذ عورة، وحديث أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو انحسر" وفرق بين حسر وانحسر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 حتى يخرج من اختلافهم، وقد روي حديث ابن عباس من وجه آخر عن طاوس عنه. وعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما دخل القرية قال: ((الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)) قالها ثلاثاً. رواه البخاري ومسلم، وفي روايته، يعني في رواية مسلم "فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-" قال المؤلف: فلفظ مسلم "انحسر" لا حجة فيه على أن الفخذ ليس بعورة؛ لأن كون الشيء ينكشف بنفسه لا من فعل المكلف لا يدل على الجواز، ولفظ البخاري محتمل. يعني إذا سلمنا بأن انحسر لا من فعل ولا قصد المكلف ليس فيه حجة هذا الكلام صحيح، لكن ماذا عن لفظ البخاري: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الإزار أو حسر الإزار عن فخذه"؟ نعم؟ ولفظ البخاري محتمل، يعني لفظه محتمل وإلا دلالته محتملة؟ لفظه غير محتمل، لكن دلالته على المراد حينما حسر لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- راكب، وأحياناً الراكب يتضايق من الثوب، الراكب على الدابة يتضايق من الثوب، فيحسر عن شيء من ثوبه ليرتاح، الآن من أراد أن يجلس على كرسي ألا يحتاج إلى رفع شيء من ثوبه من جهة الخلف ليرتاح ليتصرف براحة؟ من ركب مرتبة السيارة وهي في غاية الراحة يحتاج إلى مثل هذا، من جلس على مجلس أثير في مجلسه يحتاج إلى أن يحسر عن شيء من ثوبه ليرتاح، فيكف بمن ركب على دابة؟! يحتاج إلى مثل هذا، والظرف ظرف جهاد، فلا يحمل عليه ما في الظروف العادية، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الفخذ عورة)) مقدم على مثل هذه الأخبار المحتملة، فالمرجح أن الفخذ عورة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 منهم من يستروح إلى أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الفخذ عورة)) من كلامه بالنسبة للأمة، تكليف للأمة، وأما كون -عليه الصلاة والسلام- حسر عن فخذه هذا بالنسبة له، يدل على الخصوصية، وذكرنا مراراً أنه ما دام تغطية العورة كمال فكل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به من غيره، يعني إذا كان تغطية العورة تكريم لبني آدم وهو كمال بالنسبة لهم إذ لم يكونوا مثل الحيوانات، كما يطالب بعض المفتونين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بهذا الكمال، وإذا كانت العورة مما يستحيى من إبدائه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- من أشد الناس حياءً، وما رئيت عورته -عليه الصلاة والسلام- لا في جاهلية ولا في إسلام. "عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ" راكب الدابة يحتاج إلى مثل هذا، وأنتم ترون الدابة مرتفعة جداً، فلا بد من انحسار شيء من هذا، إذا أراد الإنسان أن يركب السيارة وهي أقل من ذراع عن الأرض، إذا رفع رجله انكشف شيء من ساقه، فكيف بمن ركب دابة ليرتاح عليها؛ لأن اللباس لا شك أنه يشد على لابسه، فيحتاج إلى أن ينفس عن نفسه شيئاً، وقد ينكشف بعض ما لا يجوز انكشافه في حال الرخاء، وبعضهم يقول: الفخذ عورة يعني في الصلاة، وليس بعورة خارج الصلاة، وهذا قال به بعضهم، والأصل العموم، الفخذ عورة عورة، يعني في الصلاة وفي خارج الصلاة هذا الأصل. قال المؤلف: "فلفظ مسلم لا حجة فيه" ما دام انحسر بنفسه لا حجة فيه، كما لو كان الإنسان يصلي فأطارت الريح إزاره، ثم رده قريباً مثل هذا لا يد له بذلك، أو شيئاً من إزاره حتى بدت بعض عورته يعيده سريعاً، ولا يؤثر في صلاته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 المقصود أن لفظ: "انحسر" كما هي رواية مسلم لا دليل فيها، ولا حجة فيها، ولفظ البخاري محتمل الدلالة لا اللفظ، اللفظ واضح ولا يحتمل، لكن دلالته على المراد وأن الفخذ ليست بعورة محتمل، وقلنا: إن هذا الظرف مما يحتاج إليه. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) رواه البخاري، وعنده: عاتقيه وعاتقه أيضاً" ((لا يصلي أحدكم في الثوب)) وهو ما يستر به البدن من قميص أو إزار أو غيرهما. ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) العاتق ما بين الكتف وأصل العنق، هذا هو العاتق ما بين الكتف وأصل العنق، شيء نكرة في سياق النفي فتعم القليل والكثير، يعني من صلى بسروال صفيق يستر العورة وعليه فنيلة ذات الخيط الرقيق الذي على العاتق يكفي وإلا ما يكفي؟ قوله: ((شيء)) ((ليس على عاتقه منه شيء)) يعني لو أن إنسان وضع حبل على عاتقه يقال له: شيء وإلا لا؟ فالعلاق الذي تمسك به هذه الفنيلة تدخل في شيء ((ليس على عاتقه منه شيء)) فمقتضى التنكير في سياق النفي جواز مثل هذا وأنه يكفي. "ورواه البخاري ومسلم وعنده: عاتقيه وعاتقه أيضاً" ولا فرق بين الروايتين؛ لأن عاتقه ((ليس على عاتقه)) مفرد مضاف فيشمل الاثنين، فيكون على العاتقين منه شيء، كثير ممن يصلي وهو محرم تجده مبدياً عاتقه الأيمن؛ لأنه يطوف كذلك، فيظن أنه يستمر إلى أن يحل من عمرته، وإذا أراد أن يصلي لا بد أن يستر العاتقين. أهل العلم يطبقون على أن عورة الرجل في الصلاة من السرة إلى الركبة، ولا يذكرون العاتق، لماذا؟ الحديث في الصحيحين، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . حديث جابر الذي بعده، لكن هل كون حديث جابر ما فيه دلالة على ستر العاتق ينفي دلالة حديث: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد))؟ لا، لا تعارض بينهما؛ لأن عدم الذكر، أو حديث آخر مستقل لا يدل على ما دل عليه هذا الدليل لا ينفي أن يكون الوجوب يؤخذ من هذا الدليل، أهل العلم لا يذكرون ستر العاتق في الستر، هاه؟ لماذا؟ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 لأن الستر الذي يذكرونه من السرة إلى الركبة شرط لصحة الصلاة، وأما هذا مجرد وجوب لا يدخل في الشرط، يعني لو صلى وليس على عاتقه شيء وستر من السرة إلى الركبة صلاته صحيحة، لكنه آثم، لكنه آثم وصلاته صحيحة، ففرق بين ما يذكر من الستر اشتراطاً وبين ما يجب فعله في الصلاة، يعني بعض الناس يقول: لا يلزم ستر العاتق؛ لأن العلماء لا يذكرونه في شروط الصلاة، نقول: ليس بشرط صحيح، لكنه يجب أن تستر العاتق، ونظير ذلك من يوجب الغسل، الغسل للجمعة من يوجبه هل يوجبه اشتراطاً لصحتها أو يوجبه بمعنى أنه يأثم إذا تركه وصلاته صحيحة؟ صلاته صحيحة، ما أحد يبطل صلاته إذا لم يغتسل، لكنه يأثم بترك هذا الواجب، وهنا نقول: ما في أحد يبطل الصلاة إذا لم يستر العاتق، لكنه يأثم بترك هذا الواجب، والفرق ظاهر يا إخوان. ثم قال بعد ذلك: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أسفاره، فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي وعليَّ ثوب واحد، فاشتملت به وصليت إلى جانبه، فلما انصرف قال: ((ما السُرى يا جابر؟! )) " يعني هذا الخروج بعد هزيع من الليل في آخر الليل، ما الذي دعاك إليه؟ لأن الأصل في هذا الوقت أن الإنسان يلزم رحله، سواءً كان سفر وإلا حضر، يلزم رحله، إما أن ينام أو يصلي أو .. ، ومع الأسف أننا نجد والله شيء مؤسف جداً أن نجد في الساعة الثانية أو الثانية والنصف أو الثالثة أو الواحدة نساء بدون محارم شابات يتنقلن ويتجولن في الشوارع، بل بين المطاعم وبين الأسواق وبين .. ، فأين أولياء الأمور؟! النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما السُرى يا جابر؟! )) يستنكر عليه أن يخرج في مثل هذا الوقت. "فأخبرته بحاجتي" نعم إذا كانت هناك حاجة داعية لمثل هذا لا بأس، يعني شباب وشابات يتجولون ويتسكعون في الشوارع في آخر الليل! والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما السُرى يا جابر؟! )) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 "فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت" لأنه صلى إلى جانبه ائتم به -عليه الصلاة والسلام- "فلما فرغت قال: ((ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ )) " يعني تلفلف بالثوب، لكنه لم يستر به جميع بدنه، وإن ستر عورته "فقلت: كان ثوب -يعني ضاق- قال: ((إن كان واسعاً فالتحف به)) " أي: اجعله لحافاً يشمل جميع البدن إذا كان واسع، لأن تغطية جميع البدن لا شك أنه أكمل، والله -جل وعلا- يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] ((إذا كان واسع فالتحف به)) غط به جميع بدنك. ((وإن كان ضيقاً فاتزر به)) يعني اجعله إزاراً يغطي أسفل البدن، يغطي العورة إذا كان ضيق، واترك أعالي البدن؛ لأن أمره أخف، إذا كان لا يستوعب، إذا كان لا يستوعب فاتزر به، أي: اجعله إزاراً، فالحديث فيه دليل على وجوب ستر العورة، بل على اشتراطها، مع قوله -جل وعلا-: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] أي عند كل صلاة، والزينة اللباس. ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن من صلى عرياناً فصلاته باطلة. {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] يوجد بعض الناس من يأتي إلى صلاة الفجر على وجه الخصوص بقميص يستحيي أن يستقبل به أقل ضيوفه شأناً، ويريد أن يمثل بين يدي الرب في أعظم موقف بين يدي الله -جل وعلا- بمثل هذا الثوب، والله -جل وعلا- يقول: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] فلا ينبغي للإنسان ولو صحت الصلاة وأجزأت بالقميص، لكن ينبغي أن نأخذ الزينة في الصلاة. "رواه البخاري بهذا اللفظ، ورواه مسلم ولفظه: ((إن كان واسعاً فخالف بين طرفيه)) " ليشمل الأعلى والأدنى ((وإن كان ضيقاً فاشدده على حقوك)) الحقو: معقد الإزار، وفي حديث غسل بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- زينب قالت أم عطية: فأعطانا حقوه، وتريد به الإزار، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 ((فاشدد به على حقوك)) وفي الأحاديث السابقة كلها ما يدل على وجوب ستر العورة، بل على اشتراطها في الصلاة، وأن على الإنسان أن يراعي هذا الأمر في الصلاة وفي خارجها، وأن لا يتساهل به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول هذا من الإمارات أو تقول: نرى الآن كثرة الأقوال في المسائل، واختلاف العلماء فما واجبنا نحن طلبة العلم تجاه هذه الخلافات؟ إن كان طالب العلم متأهلاً للنظر في هذه الأقوال بأدلتها فعليه أن يعمل بما يترجح له، ويدين الله به، وإن كان في حكم العامي ليست لديه الأهلية فلينظر إلى الأعلم والأتقى والأورع والأدين فيقلده لتبرأ ذمته بذلك. وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع هل ورد حديث صحيح يفيد أن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية؟ جاء حديث: ((أحب العربية لثلاث)) ومنها: "أن العربية لغة أهل الجنة" لكن الحديث فيه كلام. إذا لبست المرأة من حلي أخواتها أو ملابسهن لتبدوا أمام النساء أن لديها الكثير، هل يعتبر ذلك من التشبع بما لم يعطَ؟ نعم هذا هو عين التشبع، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، أما إن استعارت ثوباً مناسباً لا لتلبس به ولا تدلس على الناس أنها فوق واقعها لتخرج به متوسطة الحال؛ لئلا يستقذرها الناس هذا لا شيء به، وجاء في الحديث: ((لتلبسها أختها من جلبابها)). يقرأ بعض طلبة العلم كتب الحديث والمتون العلمية بترتيل وتلحين فهل في ذلك بأس؟ لا بأس به -إن شاء الله تعالى- ما لم يقلد به كتاب الله -جل وعلا-، فتطبق عليه أحكامه، يعني أحكام التجويد والمدود، أما تحسين الصوت الذي ينشط للسامع هذا لا شيء فيه. هل تشرع زيارة المساجد السبعة التي في المدينة؟ زيارتها بدعة، قصدها للزيارة بدعة، وليست مساجد، ولا تقام فيها الصلاة، وهدم بعضها الآن، وأقيم مكانها مسجد يرجى أن يكون معلماً وجامعاً نافعاً ينتفع به الناس. ما هو القول الفصل في حكم الختان للإناث؟ وما الذي ترجحونه أنتم؟ الختان بالنسبة للإناث مكرمة، فعلى هذا الأفضل أن تختتن المرأة، الأفضل لها والأحظى لها عند زوجها والأنظر أن تختتن، لا على سبيل الوجوب كالرجال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 هل يجوز العمل في البنوك الربوية بحيث أنه لا يباشر ما يتعلق بالربا، إنما عمله فقط كأن يكون الرد على الهاتف وغيره؟ هذا هو التعاون على الإثم والعدوان، فلا يجوز بحال. كيف نحصل على كلب صيد إذا قلنا: يحرم بيعه وشراؤه ولم نجد من يهدينا إياه؟ وهل يجوز اقتناء كلب الصيد في البيت إذا كان لا مكان آخر لدي أضعه فيه؟ على كل حال استثني كلب الصيد من التحريم، ومثل هذا الذي لا يجوز بيعه وتباح منفعته للحاجة كالصيد يقولون: إن المشتري لا شيء عليه، يعني يجوز بالنسبة للمشتري المحتاج، ولا يجوز للبائع. ما قولكم في حكم زواج المسيار؟ زواج المسيار المرأة تتنازل عن شيء من حقوقها مع اكتمال الشروط والأركان، وبحضور الولي والشهود، زواج لا ينقصه شيء إلا أنه قريب إلى السر، وفيه إعلان من جهة، فيه إخبار لأقارب الزوجة من ولي وشهود، وما أشبه ذلك، فمجرد التنازل عن بعض الحقوق تتنازل المرأة عن بعض حقوقها، والأمر لا يعدوها، لكن يبقى أنه لا يشبه بالسفاح، أو لا يلبس على الناس؛ لأن بعض الناس لا يعطي اسمه الصحيح، لا للعاقد ولا للولي ولا للمرأة هذا لا يجوز بحال. ما الحكم في رجل يصلي فذرعه القيء فقاء؟ ما الحكم لو كان كثيراً ولو كان قليلاً؟ على كل حال القيء الفاحش نجس ومبطل للطهارة، ومبطل للصلاة، فعليه أن يخرج من صلاته، ويغسل ما أصابه، ويتوضأ ويستأنف الصلاة، أما لو كان دسعة يسيرة، ووضعها في منديل، أو بصقها عن يساره، فحكمه حكم حينئذٍ المخاط. السحاق من أين جاءت هذه التسمية؟ واضح أنه من مسألة مأخوذة من أصل المادة الذي هو السحق والفرك والحك، ويحصل فيه شيء من هذا. وما الحكم في هؤلاء هل هو حد اللواط؟ لا، ليس بحد اللواط، لكنه يعزر عليه تعزير بالغ. والسؤال الثالث: ما حكم من أفطر متعمداً في نهار رمضان؟ حكمه لا يقضيه صيام الدهر، وإن صامه من حيث الإثم، وإلا فيجب عليه القضاء إن كان بأكل أو شرب، وإلا القضاء والكفارة إن كان بجماع. هل يخلد في النار من قتل نفسه؟ لا، لا يخلد في النار إلا الكفار، من مات على الإسلام وحكم بإسلامه فإن مآله إلى الجنة ولو عذب بقدر ذنوبه، لكن مآله إلى الجنة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (10) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن أبي مسلمة سعيد بن زيد قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" متفق عليه. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] فمر رجل من بني سلمة ... سلِمة، سلِمة. من بني سلِمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. رواه مسلم. وعن عثمان الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وتكلم فيه أحمد، وقواه البخاري. وعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه. وفي رواية للبخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة". وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "إنا كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة]. حافظوا، حافظوا؟ {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" متفق عليه، وليس في البخاري: "ونهينا عن الكلام". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 1 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة)) قال ابن شهاب: وقد رأيت رجالاً من أهل العلم يسبحون ويشيرون. متفق عليه. ولم يقل البخاري: ((في الصلاة)) ولا ذكر قول ابن شهاب. وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل، وابن حبان والنسائي وعنده: وقال يعني: يبكي، وقد وهم في هذا الحديث من قال: أخرجه مسلم. والله أعلم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" متفق عليه" النعال هي المعروفة مما يقي القدم من الحفاء بمباشرة الأرض والحصى، وهي ما دون الكعبين، كل ما دون الكعبين يقال له: نعل، وما غطى الكعبين يقال له: خف، وحكم الخفين في هذا حكم النعلين، يصلى فيهما، بل جاء الأمر بذلك بمخالفة اليهود، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في نعلين، ثم جاءه جبريل يأمره بخلعهما لما فيهما من الأذى، فثبت الأمر فثبتت المشروعية من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم والمسلم عموماً أن يقتدي به في ذلك، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ديدنه الصلاة في النعلين. يثبت الاقتداء بفعل ذلك أحياناً، لا سيما وأن أماكن الصلوات المعدة لها من المساجد قد تتأثر بالنعلين وما يلصق بالنعلين، وهذه لا شك أنها أموال، وتعريضها للأذى في النعلين إتلاف لها، لكن إذا لم يكن المكان مفروشاً فالصلاة في النعلين أقل أحوالها الاستحباب، أما إذا عارض ذلك ما هو موجود الآن من المساجد النظيفة، وما في أسواق المسلمين وشوارعهم من القذى والأذى، فيُفعل ذلك أحياناً ليتم الاقتداء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 2 قد يقول قائل: لماذا لا يصلى بالنعلين دائماً ولو كانت مفروشة، والإنسان يفعل ما أمر به من تنظيف النعال بالدلك ((إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب))؟ فيدلكهما عند باب المسجد ويدخل فيهما ويصلي، لكن الدلك لا يزيل كل ما في النعل، وما في الخف من الأذى مما يباشر به نعله بالأرض، فيعلق بها شيء من الأذى، وقد يعلق بها شيء من النجاسات، والفرش وضعه يختلف بلا شك عن التراب؛ لأن التراب إذا أصابته نجاسة يكفي أن يراق عليه ماء، لكن تطهير الفرش كتطهير غيره مما يصاب بالنجاسة غير التراب، يعني تطهير التراب يكفي فيه أن يرش، أن ينضح عليه الماء، يرش عليه الماء، يهراق عليه الماء، والأمر الثاني أن التراب يشرب الماء، ولا يمكث فيه طويلاً، فيعود المكان يابساً بخلاف الفرش، لو أريق عليه الماء وغسل غسلاً تاماً فلا شك أنه يمكث فيه، تمكث فيه رائحته، مما يؤثر على المصلين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 بالنسبة للحرمين مثلاً في الأماكن غير المفروشة، قد يقول قائل: لماذا لا يكون حكمها حكم المساجد يدخل فيها بالنعال ويصلى بالنعال؟ لأنها غير مفروشة ولا تتأثر، لا سيما الأماكن غير المفروشة، أما المفروش لا شك أنه يتأثر، وحينئذٍ يجتنب مثل هذا اتقاءً لإتلاف المال، يلزم عليه لو أن الناس دخلوا المساجد في نعالهم لزم من ذلك أن تغير الفرشاة باستمرار، بينما لو حفظت من هذا واكتفي بالقدم المجردة مكث الفرش سنين، أما الأماكن غير المفروشة فلا شك أن السنة أن يصلى فيها بالنعال، ولكن لو وجد تشويش مثل ما هو الآن، لو أحد دخل بنعليه في المسجد الحرام أنكر الناس عليه قاطبة، وقد يستدلون لهذا الإنكار بقول الله -جل وعلا-: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [(12) سورة طه] وهذا أقدس منه، فإذا أمر بخلع النعلين بالوادي المقدس فخلع النعلين في المسجد الحرام يعني من باب أولى لأنه أقدس؛ لأن العلة التقديس، وهذا أقدس هذا المكان، إذاً يكون من باب هاه؟ القياس الجلي، مفهوم الموافقة، نعم؟ والقياس هنا يتأتى أو لا يتأتى؟ يعني الوادي نُص عليه، والحرم مسجد كغيره من المساجد، فهل يلحق .. ؟ لا شك أنه مكان مقدس، لكن هل يلحق بالمساجد باعتباره مسجد؟ وسماه الله -جل وعلا- مسجداً {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(1) سورة الإسراء] فهو مسجد، فهل يلحق بالمساجد من هذه الحيثية، أو يلحق بالوادي المقدس لأنه حرام ومقدس؟ والتحريم تقديس، كونه حراماً تقديس، فماذا نستعمل من أنواع الأقيسة هنا؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . صوتك ما هو بواضح ترى. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 مفهوم الموافقة؟ لا نحن نتردد بين أمرين، هل نلحقه بالمساجد باعتباره مسجد كما في نص القرآن؟ والمساجد يدخل فيها بالنعال ويصلى فيها بالنعال، وعرفنا أن الكلام في المكان غير المفروش، أما ما يترتب عليه تلف لمال كالفرشاة، أو مما يلصق به هذا الأذى والقذر، ونرى النظافة تعمل باستمرار في المسجد الحرام، فإذا وقع شيء في غير المفروش أمره سهل، وغسله وتنظيفه سهل، فهل نلحقه بالمساجد باعتباره مسجداً، أو نلحقه بالواد المقدس الذي أمر بخلع النعلين باعتباره حرام والتحريم يعني التقديس؟ نستعمل في هذا من أنواع الأقيسة قياس الشبه، إيش معنى قياس الشبه؟ يعني تردد فرع بين أصلين فيلحق بأقواهما شبهاً، كثير من الناس يمنع من الدخول، ويستنكر بشدة أن يدخل الإنسان بنعاله في المسجد الحرام، ويستدل بالآية: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [(12) سورة طه] فهل لاستدلاله وجه؟ ونقول: إنه به أشبه؟ أو نقول: إنه مسجد من المساجد يدخل فيه بالنعال كغيره من المساجد؟ ويصلى فيه بالنعال هذا إذا استثنينا القسم المفروش؛ لأن الفرش يتلفه النعال والخفاف، وإتلاف المال جاءت النصوص بمنعه، وذكرنا أيضاً وجوه منها: أن الأذى والقذر يثبت في الفرش أكثر مما يثبت على الأرض، أو على البلاط، وما أشبه ذلك، وأيضاً تبقى الرائحة ولو غسل، والناس يسجدون عليها، ويتأذون بالروائح الكريهة، حتى أنه وجد من الناس من يترك المساجد للرائحة التي تعلق بالفرشاة، بالفرش هذه، لكن هؤلاء ليسوا بعبرة، والطعن في حجاج بن أرطأة لما تخلف عن الصلاة في بعض الأوقات لما لاعتبار أنه يصلي بجنبه من فيه رائحة، أو لا يتنظف، أو ما أشبه ذلك، ورمي ما رمي به من الكبر بسبب ذلك، هذا ليس بمبرر، لكن أيضاً من قبلنا ومن قبل الطرف الثاني عليه أن يرعى حرمة حقوق المساجد، وأمر الناس ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف، لا بد من هذا؛ لأنها أقدس البقاع، فهل شبه المسجد الحرام بالمساجد أقوى أو بالوادي أقوى؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 لا شك أن وجوه الشبه بالمساجد أقوى من وجه شبهٍ واحد بالوادي، شبهه بالوادي التقديس وهو التطهير، ووجوه الشبه مع المساجد أكثر من وجه، فهو في حكم المساجد، فعلى هذا لو كان المسجد الحرام، أو المسجد النبوي ما في فرشاة فيه تراب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في النعلين في المسجد النبوي، فعلى هذا حكمه حكم المساجد، والاستدلال بالوادي فيه ضعف. "أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" وجاء الأمر بالصلاة في النعال مخالفة لليهود، فعلى هذا أقل الأحوال الاستحباب، فليحرص طالب العلم على أن يصلي في نعليه حيث لا إشكال ولا إثارة، يعني إذا صلى في بيته مثلاً نافلة، أو صلى مع مجموعة في سفر أو نزهة، أو ما أشبه ذلك يصلي في نعليه تطبيقاً للسنة. النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالنعلين، فأخبره جبريل بأن فيهما أذى، فخلعهما، وبنى على ما مضى من صلاته، فعلى هذا لو تذكر الإنسان أن في شيء مما يلبسه نجاسة، أثناء صلاته يكتفي بخلعه، ويبني على ما مضى، لكن إذا لم يتمكن من خلعه إلا بانكشاف العورة يقطع صلاته؛ لأن انكشاف العورة مبطل للصلاة على ما تقدم. ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] " كان يصلي نحو بيت المقدس، لما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، ثم تشوف النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل من جهة بيت المقدس إلى المسجد الحرام، فأمر بذلك، فنسخت القبلة الأولى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} [(144) سورة البقرة] يعني قبل الهجرة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، الصلاة فرضت قبل الهجرة، فكان يصلي في المسجد الحرام، ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فيتجه إلى بيت المقدس، ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، لما هاجر لا يتمكن من ذلك، لا يستطيع أن يجعل الكعبة مستحيل جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فصار يصلي إلى بيت المقدس هذه المدة، ثم بعد ذلك نسخ التوجه إلى بيت المقدس، وجاء الأمر: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة]. التشوف منه -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل نزل الأمر تحقيقاً لهذه الرغبة، فكان يتشوف إلى أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام بعد أن أيس من إسلام أهل الكتاب، وإلا كان في أول الأمر يرغب في مشابهتهم تأليفاً لهم، ثم لما أيس منهم منع من المشابهة، كما في فرق الشعر، بل حرم مشابهتهم، وهذا كان من باب التأليف إلى أن ييأس، إلى أن يأس -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا يقال مثلاً للدعاة أن يؤلفوا الناس في دعوتهم حتى يحصل اليأس، وهذا يقال أيضاً بالنسبة لأصحاب المعاصي والجرائم والمنكرات، الأصل الهجر، يعني يهجروا، لكن إذا كان التأليف وعدم الهجر أجدى، فالمسألة مسألة علاج، فإذا لم يُجد التأليف رجع إلى الأصل. فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] اللام في {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} تأكيد، والنون أيضاً نون التأكيد، فاجتمع في ذلك أكثر من تأكيد {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} والفعل نوع إيش؟ الفعل؟ {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 مضارع مبني، والمضارع قد يكون في الحال، وقد يكون في الاستقبال، فعطف عليه الأمر بالفاء مع أنه كان الأمر {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} يعني في المستقبل قد تكون المدة قريبة أو بعيدة، لكن فولي دل على أن الأمر جاء مباشرة بعد هذا الوعد {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] يعني جهة المسجد الحرام، الشطر: الجهة، وبهذا يستدل الجمهور في مسألة الاستقبال أن الجهة كافية، ويؤيده ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) والشافعية يقولون: المتعين إصابة عين الكعبة، الجمهور يقولون: يكفي الشطر يعني الجهة، وعند الشافعية يتعين التوجه إلى عين الكعبة، وهل هذا بالإمكان لمن بعد عنها؟ ليس بالإمكان، بل هذا مما يستحيل، يستحيل أن تجزم بأن هذا الاتجاه متجه إلى عين الكعبة، بخلاف محرابه -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما عداه من الأماكن يستحيل، وهذه مشقة عظيمة، فكيف يتنصل الشافعية من هذه المشقة؟ كيف يتنصلون من هذه المشقة؟ يعني لو أريد حقيقة الكلام لا شك أن هذا عنت، ولا يمكن أن يتحقق، ولا يمكن أيضاً لو كان متحققاً لا على سبيل القطع واليقين، يعني لو أن إنساناً اجتهد ووافق عين الكعبة، ما الذي يدله على أنه أصاب عينها؟ ما في ما يدل؛ لأنه ليس مؤيد بوحي، ما في ما يدله، إذاً هذا القول فيه عنت ومشقة، يتنصلون من هذا بأن يكتفوا في ذلك بغلبة الظن أنه أصاب عين الكعبة، وحينئذٍ يكون الخلاف لفظياً. {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] شطر يستدل بهذا من يقول: إن المصلي ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده، والأخذ للقول الأول من الآية ظاهر أنه ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أنه ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع له، وأحفظ لنفسه من التشتيت حتى قال بعضهم: إنه يسن له إذا خشي التشتيت أن يغمض عينيه؛ لئلا يتشتت ذهنه فيجتمع، ولا شك أن النظر إلى موضع السجود يجمع القلب، وأما إغماض العينين فقد ذكر أنه فعل اليهود. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] هنا آية قطعية نسخت التوجه إلى بيت المقدس، والتوجه إلى بيت المقدس ثبت بالسنة، لكنها سنة مقطوع بها، فقطعي ينسخ قطعي، سنة مقطوع بها، فالقطعي هنا نسخ القطعي. "فمر رجل من بني سلِمة" وسلمة بكسر اللام النسبة إليها سلَمي بفتح اللام، وهكذا في كل ما كسر ثانيه كالنمر يقال بالنسبة إليه: النمَري، جابر بن عبد الله السلَمي، ابن عبد البر النمَري، إذا كان الثاني مكسور يفتح؛ لئلا تتوالى الكسرات، وبعضهم يصر ويؤكد أن يقول: الملِكي، نسبة إلى الملك، ولا يقول: الملَكي وهذا خطأ، بل الصواب ملَكي، يقول: صاحب السمو الملَكي مثلاً، أو هذا شماغ ملكي، أو أي شيء ينسب إلى الملك يقال له: ملَكي كسلَمي ونمري. "فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر" وقد صلوا ركعة، وبقيت عليهم الأخرى "فنادى" وهم في الصلاة "ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة" هذا خبر واحد، وهو مخرج في الصحيح، مالوا كما هم، وتحولوا عن القبلة المقطوع بها إلى قبلة أخرى بخبر واحد، فعلى كلام الأصوليين الظني لا ينسخ القطعي، وكلام الجمهور السنة لا تنسخ القرآن، لكن هنا سنة نسخت سنة، يعني هذا ينقل "ألا أن القبلة قد حولت" خبر واحد نسخت به السنة القطعية، وعند الأكثر أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، والظن لا ينسخ القطعي، وهنا استداروا كما هم، مالوا كما هم نحو القبلة، هذا الخبر احتفت به القرينة، فأفاد القطع، والقرينة ما يعرفه الصحابة كلهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- متشوف إلى تحويل القبلة، وأن الله -جل وعلا- يجيب ما يطلبه نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فهذه قرينة كما قال أهل العلم تجعل الخبر الواحد يرتقي إلى إفادة القطعية، فالأصل في خبر الواحد عندهم أنه لا يفيد إلا الظن، يعني الاحتمال الراجح؛ لأن هذا الواحد أو المجموعة الذين لم يصلوا إلى حد التواتر هؤلاء وإن كانوا ثقات حفاظ إلا أن احتمال الخطأ وارد، وما دام احتمال النقيض وارداً فإن الخبر لا يرقى إلى إفادة القطعية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 المقصود أن الخبر الواحد إذا احتفت به قرينة يفيد القطع على القول المحرر في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب وابن حجر وجمع غفير من أهل العلم، أنه إذا احتفت به القرينة أفاد القطع، وهذا منه، وابن رجب قرر هذه المسألة بأوضح بيان في شرح البخاري. "فنادى ألا إن القبلة" ألا تنبيه، (إن) هذه حرف التوكيد مع النصب "القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة" الذي يدل على معرفتهم بتشوف النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل إلى جهة القبلة، إلى جهة الكعبة هنا مثل هذا الحديث "ألا إن القبلة قد حولت" إلى أين؟ يعني ما استداروا إلى جهة الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال أو إلى أي جهة، أو استفهموا، هم يعرفون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد ويحب ويتشوف إلى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فلما قيل لهم بعض الخبر فهموا الباقي، فهذا يؤيد ما عندهم من قرينة. "ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كما هم" وجاء في بعض الروايات والقصة حصلت أكثر من مرة، فمسجد قباء في صلاة العصر، وبني سلمة في صلاة الفجر، استداروا كما هم، وقبلوا هذا الخبر لما احتف به من قرينة "فمالوا كما هم" يعني مثل وضعهم، كما كانوا عليه، الإمام يتقدمهم، والصف يلوونه "نحو القبلة" يعني جهة الكعبة. "رواه مسلم". "وعن عثمان الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وتكلم فيه أحمد، وقواه البخاري" وعلى كل حال المرجح تصحيحه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) هذا من فضل الله -جل وعلا- على هذه الأمة، ومن يسر هذه الشريعة وسهولتها وسماحتها؛ لأن هذا الأمر في غاية الحرج والضيق لو لم يرد مثل هذا النص، لكن جاء الأمر بهذه السعة ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) وهذا خطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمتها ممن تكون القبلة بالنسبة له ما بين المشرق والمغرب، كمن كان على أو في جهة الشمال كالمدينة بالنسبة لمكة، أو جهة الجنوب، يعني المدينة والشام بين المشرق والمغرب، واليمن وما والاها من جهة الجنوب أيضاً قبلتهم بين المشرق والمغرب، لكن أهل المشرق؟ أهل المشرق قبلتهم على هذا الحديث تكون بين الشمال والجنوب، ومثلهم من كان في جهة المغرب بالنسبة لمكة، فإن قبلته ما بين الشمال والجنوب. يذكرون عن ابن المبارك: "أن ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق" كيف يكون بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق؟ الكلام صحيح وإلا غير صحيح؟ يمكن توجيهه وإلا ما يمكن؟ هم وجهوه أهل العلم وجهوه، يعني يقصد بالمشرق جهة العراق وما والاها، ولا يقصد بذلك المشرق الواقع بالنسبة لمكة نصاً كنجد والبحرين، وما أشبهها نص، هذا لا يمكن أن يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة بالنسبة لهم، ولا المغرب نصاً، لكن من كان في هذه الجهة يقال له: مشرق، وقبلته بين المشرق والمغرب، فلا يريد بذلك المشرق الذي هو مسامت إلى جهة الشرق بالنسبة لمكة، وإنما يريد من كان واقعاً في المشرق إلا أنه في جهة ليست مسامتة لمكة، وعلى هذا يترجح قول الجمهور بأن المراد في الاستقبال الجهة. والقبلة لها علامات يستدل بها المسافر، وإذا كان الانحراف يسيراً فالأمر فيه سعة، ولذا حينما نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن استقبال القبلة ببول أو غائط، لا يكفي في ذلك الانحراف اليسير الذي لا يؤثر في الصلاة، بل لا بد من انحراف كثير مؤثر في الصلاة لا يصح معه الاستقبال. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 إذا صلى إلى غير القبلة، اجتهد وصلى إلى غير القبلة، بذل وسعه وهو من أهل النظر والاجتهاد في هذا أو أخبره ثقة إن كان ليس من أهل النظر بأنها هذه هي القبلة، ثم صلى، ثم تبين له أنه ليس على القبلة صلاته ليست على القبلة، أهل العلم يفرقون بين الصحاري والقفار والبلدان، يقولون: البلدان ليست محل اجتهاد؛ لأنه بإمكانه أن يذهب إلى مسجد وينظر المحراب، أو يستقصي الخبر من أهل البلد، أهل المعرفة والخبرة به، فيصل إلى اليقين، وأما من كان في البراري والقفار والصحاري وفي الأسفار فهذا يكفيه اجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد، أو خبر الثقة إن كان ليس من أهل الاجتهاد، ممن يعرف العلامات، وبعضهم يكلف المصلي ويلزمه بغير لازم، فيأمره إذا اشتبه عليه الأمر أن يصلي إلى جهات أربع، إلى الأربع الجهات، فيكون بذلك قد أصاب القبلة، نظير ما يقولون فيما إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة فإنه حينئذٍ يصلي بعدد النجسة ويزيد صلاة لتكون صلاته بثوب طاهر يقيناً، وهذا يصلي صلوات حتى يجزم بأنه أصاب القبلة، لكن لو قلنا بهذا هل نكتفي بأربع صلوات؟ نعم؟ ما نكتفي، إنما نقول له: صل في هذا المكان الذي يسعك مقدار ذراع، ثم انتقل إلى ذراع ثانٍ بجواره إلى أن تصلي على دائرة، وما قال بهذا أحد من أهل العلم، لكنه لا يحصل اليقين إلا بهذا، أما أن يصلي إلى أربع الجهات، نعم على هذه السعة في هذا الحديث قد يصيب. يقول: عندي لبس في حديث: ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا)) هل هذا لأهل المدينة؟ فكيف يكون هذا الحديث؟ هل نبول إلى جهة القبلة .... أم يحصل خلط عند بعض الناس في المراد بالقبلة؟ القبلة هي جهة الاستقبال في الصلاة، تجدون في نجد مثلاً يقولون: مكانه في القبلة، ويريدون بذلك الجهة الغربية، الجهة الغربية هي القبلة عندهم؛ لأنها قريبة منها، قريبة من هذا، فيحصل لبس، فإذا قيل: في جهة الغرب ولو كان في جدة، وقلنا: القبلة وطردنا ما كان عند أهل نجد مثلاً وقلنا: في جهة القبلة ونريد بذلك الغرب، اضطرب عندنا الأمر، فالقبلة بالنسبة لأهل جدة غير القبلة بالنسبة لأهل نجد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 وهنا يقول: حديث: ((ولكن شرقوا أو غربوا)) هذا خطاب أيضاً لأهل المدينة؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا القبلة في جهة الجنوب بالنسبة لهم، وهو مثل هذا الحديث؛ لأن بعض النصوص تخرج خاصة يقصد بها البلد وفي معناه غيرهم، فينظر إلى الجهات الأخرى، فيكون ما بين الشمال والجنوب قبلة لأناس آخرين. واستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، لا تصح إلا به، ولذا أردف الحديث بقوله: "وعن عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وفي رواية البخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في المكتوبة". إذا تقرر أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة فهل يحرم من لا يتمكن من الاستقبال؟ إذا لم يستطع الاستقبال فلا شك أنه معذور كمريض مثلاً على سرير لا يستطيع أن يتحرك إلى جهة القبلة، والسرير أيضاً مربوط بكهرباء، وما أشبه ذلك لا يستطيع أن يحركه ولا يُحرك، مثل هذا يصلي على حسب حاله. في مثل هذه الصورة التي ذكرها المؤلف في حديث عامر بن ربيعة قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" هذا كما شرحته الرواية الأخرى في النافلة، يصلي حيث توجهت به راحلته، وعلى هذا تكون قبلته الجهة التي يتوجه إليها "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" يعني المسافر من مكة إلى الرياض تكون قبلته إلى جهة الشرق، ومكة في ظهره، وكل مسافر منتقل من مكة تكون القبلة في ظهره، إما إلى جهة الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال، وما أشبه ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 "في رواية البخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" هنا: "حيث توجهت به" وهنا "قبل أي وجه توجه" ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة، يعني المسافر لا يحرم من التنفل، وهذا من التيسير، من تيسير الله على عبادة، وفتح المجالات لهم أن يتطوعوا وهم في أسفارهم؛ لأنه قد لا يتيسر لهم مزاولة ما كانوا يزاولونه في حال الاستقرار ففتح لهم هذا الباب من أبواب التطوع، فيتنفلون على الراحلة، وهذا معلوم أنه في السفر، فهل الحضر حكمه .. ؟ أحياناً يكون الإنسان في السيارة، وفي مشوار طويل، لكنه داخل البلد، وبإمكانه أن يصلي، ويومئ برأسه ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، عمله -عليه الصلاة والسلام- إنما هو في السفر، فهل يقاس عليه الحضر؟ لا سيما وأن الناس في هذه الأزمان يمضون أوقات طويلة، وقد يكون وقت الراتبة يفوت، فهل يتنفل في سيارته وفي مشواره إلى جهته التي يريد؟ يعني التوسيع في النفل قد يعطي شيء من السعة في هذا، وأن له أن يصلي، أو مثلاً جاء من سفر، ودخل البلد وضاق الوقت على الوتر، ويريد أن يصلي بجماعته في المسجد مثلاً، وإذا نزل ما تمكن من الوصول إلى المسجد قبل الإقامة، ودخل البلد ويحتاج إلى نصف ساعة مثلاً إلى أن يصل الحي الذي يريد، فهل يوتر وهو في السيارة أو لا؟ مثل ما قلنا: إذا خشي أن يفوت الوتر لا يوجد -إن شاء الله- ما يمنع من أن يوتر، وهو في السيارة حيث توجهت به استناداً إلى مثل هذا الخبر، والوتر يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- على الراحلة، وهو من أقوى الأدلة بالنسبة لمن يقول بأن الوتر سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه يفعله على الراحلة، ولم يكن يصلي المكتوبة على الراحلة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 جهته وقبلته حيث توجهت به راحلته، فمادام على الجهة والخط والسمت الذي تسير به الراحلة إلى مقصده فصلاته صحيحة، لكن لو طرأ إليه أمر من الأمور فانحرف يميناً وشمالاً عن جهته التي يريد، هو ماشي في الطريق وإلى جهة اليمين أو الشمال محطة بنزين واحتاج إلى بنزين، أو احتاج إلى أن يشتري شيء، أو يشترى له شيء من محل الأغذية البقالة، وما أشبه ذلك، فانحرف يميناً أو شمالاً، هل نقول: إن جهته حيث توجهت به يعني إلى جهة قصده، ويكون بذلك قد انتقل من جهته إلى غيرها لأمر طارئ؟ هو ماشي على الخط، الخط واضح مستقيم إلى جهته، وهو يصلي فجأة نظر إلى الإنبير إنبير البنزين وجده نازل وهذه محطة عن جهة اليمين، وافترض أنها بعيدة كيلو مثلاً، وتغيرت جهته، هل نقول: إنها تغيرت قبلته أو لا؟ حيث توجهت به، وهنا قبل أي وجه توجه، هل نقول: إن المراد بالجهة هذه حيث توجهت به إلى مراده الأصلي، أو يدخل فيه ما يطرأ عليه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني لو أن إنساناً يصلي إلى جهة القبلة ثم طرأ له ما طرأ فغير اتجاهه، صلاته تبطل وإلا ما تبطل؟ تبطل، هذا دل الحديث على أن قبلته حيث توجهت به، فإذا انحرف يميناً أو شمالاً عن وجهته كما لو كان إلى جهة القبلة فانحرف عنها يميناً أو شمالاً، أو نقول: ما دامت القبلة الأصلية متعذرة فجميع الجهات بالنسبة إليه سواء، فلا يضر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . تعذرت، متعذرة، فهل نقول: إن الجهات بالنسبة إليه سواء، فسواء اتجه يميناً أو شمالاً أو على الجهة التي توجه إليها؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الأصل أن قبلته الجهة التي توجه إليها، هو متجه من مكة إلى الرياض هذه قبلته، جهة الشرق، ثم طرأ له وهو يصلي أن يزور صديقاً له في بلد في جهة اليمين أو الشمال فانحرف، نقول: تغيرت القبلة بالنسبة له أو نقول: إن الجهات بالنسبة له سواء؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما يتطلبه الطريق أصالة هذا ما فيه إشكال، يعني الخط متعرج يروح يمين شمال هذه قبلته، هذه جهته، لكن غير هذه القبلة، غير هذه الوجهة حيث توجهت به غيّرها، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 الآن عندنا القبلة الأصلية إلى جهة الكعبة وهذه بدل، فهل نقول: ما دام الجهة الأصلية ما تيسرت فالكل بالنسبة له سواء؟ أو نقول: ليس له إلا البدل الشرعي؟ يعني نظير ذلك عندنا الوضوء بالماء بدله التراب، التيمم بالتراب، لو قال: أنا ما عندي ماء، والتراب يلوث، وأنا عندي شيء أفضل من التراب لكن ليس بماء، ينظف، هل نقول: ما دام تعذر عنه الماء الأصلي، الطهارة الأصلية فالبقية بالنسبة له سواء، أو عنده البديل الشرعي؟ طالب:. . . . . . . . . التيمم بديل شرعي، والوجهة التي في ذهنه لما شرع في الصلاة هي البديل الشرعي بالنسبة للكعبة، وما يطرأ عليها بعد ذلك كما يطرأ على القبلة الأصلية، وقيل بهذا أنه لا يجوز له أن ينحرف يمين ولا شمال، قبلته حيثما توجهت به راحلته. والقول الآخر: أنه ما دام تعذرت القبلة الأصلية فجميع الجهات بالنسبة إليه سواء، وعلى القول الأول أنه يلزم البدل حيث توجهت به راحلته يعني وجهته الأصلية التي يريدها أنه لا بد أن ينهي الصلاة، أو يترك الانحراف يميناً أو شمالاً. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وفي رواية البخاري "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" ويكون إيماؤه بالسجود أخفض من إيمائه بالركوع، وإذا كان على سيارة مثلاً، راكب سيارة ومتجه والطريق فيه سيارات أخرى، وفيه أخطار، وقد ينوبه أو ينتابه شيء يعرضه للخطر، ففي حال الركوع بالإمكان أن ينظر إلى جهته التي توجه إليها، وينظر ويتقي بذلك الخطر، وأما بالنسبة للسجود الذي هو أخفض من الركوع يعني هل يلزم في السجود أن يسجد على طبلون السيارة والركوع يكون أرفع فيعرض نفسه للخطر؟ أو نقول: يومئ بركوع يشعر بأنه خالف جهة الاعتدال، والسجود أخفض منه وإن لم يمنعه من النظر؟ المقصود أن يكون أخفض من الركوع، والركوع يكون مخالف لهيئة الاعتدال، ولذا بعضهم يرى أن الصلاة على السيارة خطر، وأنها ليست مثل الدابة، وليست مثل الراحلة، وإذا قلنا بأنه يكتفى بإيماء يختلف فيه كل حال عن غيرها فلا خطر في ذلك -إن شاء الله تعالى-، هذا بالنسبة لقائد السيارة، أما بالنسبة للراكب هذا ما عنده مشكلة، وكلما قربت الصلاة من الحقيقة من الأصل هذا هو المطلوب، يعني الراكع بإمكانه أن يسجد سجود قريب من الحقيقي، يعني قريب من الأصلي، فعلى هذا لا يجوز له أن يخل بهذا وهو يستطيعه. بالنسبة للاستقبال حال الاستفتاح، يعني جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استقبل القبلة يفتتح الصلاة، ثم بعد ذلك حيثما توجهت به، لكن هذا الحديث أقوى منه، ولم يذكر فيه الاستقبال، فهل نقول: إن هذا الحديث مقيد بالحديث الذي يدل على الاستقبال حال الاستفتاح، أو نقول: تلك صورة وهذه صورة وهذا أصح وأقرب إلى التيسير؟ لأنه قد يشق الاستقبال، والمسألة إنما حصل فيها هذا التخفيف من أجل التيسير على المكلفين، وتكليفهم بالاستقبال حال الاستفتاح فيه عسر ومشقة، لا سيما في بعض الأوقات في وقت زحام، يعني أنت في خط سريع وفي سيارات عن يمينك وشمالك كيف تستقبل؟ فالتكليف بالاستقبال على كل حال منافٍ لما شرع له هذا الحكم، وهو التطوع على الراحلة حيثما توجهت به. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 "ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة" دل على أن الفرائض يحتاط لها أكثر مما يحتاط للنوافل، فالنوافل مبناها على التخفيف، ويحتاط الإنسان للمكتوبة بحيث يخرج من عهدتها بيقين، ويتساهل على ضوء ما جاء عن الشرع عن المبلغ عن الله -جل وعلا- ولا يزيد على ذلك؛ لئلا يدخل في حيز الابتداع، فالمكتوبة لا تصح من القادر إلا حال قيامه لا بد أن يصلي قائماً، ولذا جاء في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) فعلقه بالاستطاعة، وجاء في الحديث الصحيح: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وهذا محمول على النافلة فتصح النافلة من قعود بخلاف الفريضة، هذا بالنسبة للمستطيع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يختم صلاته أحياناً بالليل بركعتين وهو جالس، مع أنه يستطيع القيام، فدل على أن النافلة أخف من الفريضة في مثل هذا، والحمل على النافلة دل عليه سبب الورود، سبب ورود الحديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فسببه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة، يعني فيها حمى، فوجدهم يصلون من قعود، فقال: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنهم يستطيعون وهي نافلة؛ لأنه وجدهم يصلون، ولا يصلون الفريضة حتى يحضر -عليه الصلاة والسلام-، فالنافلة لا شك أنها في بعض الأحكام تختلف عن الفريضة، ويبقى ما عدا ذلك ما عدا الوارد على الأصل، يعني ما يتسامح الإنسان فيصلي النافلة على وجه غير مجزئ ويقول: هذه نافلة، أو يثبت نافلة بخبر لا يثبت ويقول: نتساهل في قبول الخبر لأنه في نافلة، في فضيلة من الفضائل، ولو كان في الفرائض شددنا، ففرق بين الكيفية وبين الثبوت، الثبوت يتعلق به السنة والابتداع، فإن كان الخبر ثابتاً صار العمل سنة، وإن كان غير ثابت فالعمل بدعة، وأما بالنسبة لما ثبت، ثبت أصل العبادة ثم تساهلنا في أداء هذه العبادة تبعاً لنص ورد كصلاة على الراحلة، أو الصلاة من قعود وما أشبه ذلك، فإننا حينئذٍ نكون متبعين لا مبتدعين، ففرق بين أن نثبت النافلة بخبر لا يثبت ونقول: نتساهل لأن النوافل يتساهل بها؛ لأننا ندخل في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 هذا في حيز البدعة، نعمل بعمل شرعي نتدين به ولم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة هذه بدعة، ولا نقول: إن هذه نافلة نتساهل فيها، نعم تتساهل في كيفية أدائها إذا ثبتت بما ثبت، فالتساهل لا بد أن يكون له أصل. بعض الناس إذا صف للفريضة احتاط لها ولم يتحرك، وإذا صلى النافلة أداها على أي وجه وتساهل تساهل شديد، بحيث تكون صلاته كالعابث، هل هذا يسوغ أو لا يسوغ؟ هل نقول: إننا نتساهل في النافلة لأنها نافلة؟ وعلى كل حال هي ربح ورأس المال الفريضة، نحرص عليه ونفرط في النافلة؟ لا أبداً، لا بد أن تؤدى العبادة سواءً كانت نافلة أو فريضة على وجه شرعي، وإلا نكون بذلك قد ابتدعنا. ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" متفق عليه، وليس في البخاري: "ونهينا عن الكلام". "إن كنا" (إن) هذه مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن كما يقول أهل العلم، و "كنا لنتكلم" اللام للتأكيد، "لنتكلم في الصلاة" جنس الصلاة ويشمل الفريضة والنافلة، كانوا يتكلمون؛ لأن الكلام جائز في أول الأمر، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، الحاجة في تقسيم أهل العلم قسيم للضرورة، كما أنها قسيم للتحسين والكمال، فهل المراد بالحاجة في الحديث ما اصطلح عليه أهل العلم من التقسيم الثلاثي؟ كانوا يتكلمون بحاجة، يعني لا يتكلمون بأشياء تكميلي، تحسيني، وإذا تكلموا بالحاجة فالضرورة من باب أولى، وإذا نسخ الكلام من أجل الحاجة فينسخ الكلام من أجل التحسين من باب أولى، لكن لا يلزم منه نسخ الكلام في حال الضرورة، واضح الكلام وإلا ما هو بواضح؟ لأن عندنا الحاجة "يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" قسيم للضرورة والتحسين والكمال، فالنسخ يتناول المنصوص عليه، ويتناول الأدنى من باب أولى، لكنه لا يتناول الأعلى، أو نقول: إن الحاجة أعم وأشمل من أن تكون ضرورة أو حاجة أو تكميل فينسخ الجميع؟ واضح يا الإخوان وإلا ما هو بواضح؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" قلنا: العلماء ذكروا أن الحاجة قسيم للضرورة والتحسين، الكمال، فالضرورة ما لا تثبت بدونه الحياة، والحاجة تثبت بدونها الحياة، لكن مع المشقة، والتحسين لا أثر له في ذلك، لا مشقة في تركه، فهل المراد بالحاجة الحاجة الاصطلاحية أو أنها أعم من أن تكون الحاجة الاصطلاحية فتشمل الجميع؟ وعلى هذا النسخ هنا النسخ {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يتناول الضرورة وإلا ما يتناولها؟ تكلم إنسان لإنقاذ غريق يتناول وإلا ما يتناول؟ إن قلنا: إن الحاجة أعم من أن تكون ضرورة قلنا: يتناول، فلا كلام، والمراد بالكلام المنسوخ كلام الناس. ((إن في الصلاة لشغلاً)) ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس)) وكانوا يتكلمون، يكلم أحدنا صاحبه، وهل يتناول الكلام بالذكر غير المقصود؟ وإنما الصلاة شرعت لذكر الله، فإذا كان غير مقصود الذكر هل يكون من كلام الله أو من كلام الناس؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . أيوه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني لمصلحة الصلاة، لكن لو جاء شخص وهو يريده في هذا الوقت دخل عليه، فقال: {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [(40) سورة طه] تكلم بالقرآن، لكن هل هو يقصد قرآن؟ هل هو يقصد الذكر؟ وهل مثل هذا الكلام من مصلحة الصلاة؟ فهل تبطل الصلاة به أو لا تبطل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 "يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" لو كبر للصلاة ونسي أن يقول لأهله: جهزوا الغداء، ثم قال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] صلاة صحيحة وإلا غير صحيحة؟ لا يصلح فيها كلام الناس وهذا كلام من؟ كلام الله -جل وعلا-، لكن هل هو مقصود به كلام الله أو مقصود به مخاطبة الناس بما يتداولونه من كلام؟ ودخل الولد ويريد أن .. ، أو الأخ وما أشبه ذلك وهو يريد .. ، {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [(40) سورة طه] وليس هذا لمصلحة الصلاة قطعاً، لكن لو كان لمصلحة الصلاة فتح على الإمام سبحان الله، سجد، سبحان الله قام، سبحان الله ركع، ما يدري ويش يسوي؟ يقال له: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [(77) سورة الحج] مثلاً، فهل يلحق القرآن غير المقصود بكلام الناس؟ لأن هذا هو مراد المتكلم، أو نقول: إن عدوله من قوله: أحضروا الغداء أو جهزوا الغداء إلى لفظ قرآني عدوله من هذا إلى هذا يدل على أنه وإن كان القصد الأصلي غير القرآن لكنه أراد القرآن معه؛ لئلا تبطل صلاته؟ ترى مسائل كثيرة، وتحصل باستمرار فنحتاج إليها. "يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" نسخ الكلام بالحاجة أي حاجة كانت، وتبقى الضرورة إنقاذ غريق، أو ما أشبه ذلك، كما سيأتي في باب الخشوع و"اقتلوا الأسودين" وما أشبه ذلك، يأتي مزيد تفصيل لهذا، لكن يبقى أن الضرورات تقدر بقدرها، فقد لا تدخل الضرورة إلا إذا طالت، فتقطع الصلاة ويستأنف، وأما ما كان من حاجة أو تحسين أو كمال فهو داخل في النسخ بلا شك، والكلام في الحاجة بالقرآن، بحاجته هو بالقرآن، بحيث لا يقصد بذلك التلاوة، هل نقول: إنه لم يقصد التلاوة؟ فحكمها حكم كلام الناس، أو نقول: إنه ما عدل عن كلامه العادي إلى اللفظ القرآني إلا لأنه يقصد أن يتكلم بالقرآن؟ ومسألة الكلام بالقرآن في غير الصلاة مثلاً يعني وجد في كتب الأدب كثير، وأن الأصمعي لقي امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، كلما سألها أجابت بآية، ولا شك أن مثل هذا امتهان للقرآن، والقرآن لم ينزل لأجل هذا، فهذا لا يجوز. الظاهر أن الإخوان ما هم مشاركين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 إذا كبر لراتبة الظهر مثلاً، وقال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] يخاطب ولده، بدل من أن يقول: أحضر الغداء، قال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] ويقول: أنا والله ما تكلمت بكلام الناس هذا كلام الله، يفرق بين ما كان لمصلحة الصلاة فلا أثر له على الصلاة، وما كان لا لمصلحة الصلاة فالمتجه أنه مثل كلام الناس؛ لأنه لا يريد بذلك كلام الله -جل وعلا-. "حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} " جميعها، الصلوات الخمس " {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] " على وجه الخصوص، وهذا من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، والصلاة الوسطى تقدم أن المرجح هي صلاة العصر. {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] (قوموا) الصلاة يقام لها، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة]. {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] والقنوت له معان عديدة منها: السكوت، ومنها: الدعاء، ومنها: طول القيام، والسياق يدل على أن المراد بالقنوت السكوت؛ لأنه قال: "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" لما نزلت هذه الآية نزل تحريم الكلام في الصلاة، فمما يبطل الصلاة الكلام، الضحك، والأكل والشرب، كل هذه مبطلات. الإشارة المفهمة هل تلحق بالكلام أو لا تلحق به؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، يعني في صلاة الكسوف أشارت إلى السماء فقالت: آية، فأشارت برأسها: أن نعم، فهذه إشارات مفهمة لا تبطل بها الصلاة، لكن لو كثرت صار شخص يصلي وأمامه جمع من الصم ويشرح لهم درس كامل، وهو يصلي، نقول: إشارة مبطلة وإلا غير مبطلة؟ أما قلنا: إن الإشارة لا تبطل الصلاة هذه إشارات. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 ولذا لا نطلق أن نقول: الإشارة لا تبطل الصلاة، لكن الإشارة المحتاج إليها إذا قلت فيكون حكمها حكم الحركة، أما إذا كثرت قال: والله أنا أستغل الوقت أنا بصلي وأشير إلى ها الصم وأعلمهم مجموعة يكون في آخر المسجد وهم قدامه، ويشير لفلان وعلان ويشرح لهم درس كامل ويقول: ما يؤثر، هل يمكن جمع بين هذه الإشارات المفهمة بالنسبة لهم وبين إطالة القراءة؟ يقول: أنا أتهجد طويلاً طويلاً، أنا أقرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران بركعة وأدرس هؤلاء المساكين اللي جالسين بالإشارة، يتسنى له أن يقرأ ما يريد مع كثرة هذه الإشارات؟ حافظ ضابط متقن، لكن بعض الإشارات تتعلق بالفم واللسان، فهذه تقطع القراءة، ومع ذلك إذا كثرت هذه الإشارات أبطلت الصلاة، ولو كانت في الأصل معفو عنها، لكن الإشارة مرة مفهمة مثل إشارة عائشة للكسوف كسوف الشمس لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-. "أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" مسألة الأمر بالسكوت هل هو نهي عن الكلام من باب قول العلماء: الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ "أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" ولذا ليس في البخاري: "نهينا عن الكلام" لأنه من لازم الأمر بالسكوت النهي عن الكلام، فالجمع بينهما إنما هو من باب التوكيد، وإلا أمر بالسكوت من لازمه النهي عن الكلام، والأمر بالشيء نهي عن ضده، يعني إذا لم يكن له إلا ضد واحد، أما إذا كان له أضداد يتناول جميع الأضداد أو ضد واحد ويبقى الباقي؟ تراجع هذه المسألة يا إخوان. ثم قال بعد ذلك: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة)) " ((من نابه شيء في صلاته فليسبح)) يعني يقول: سبحان الله، والرجال يسبحون ينزهون الله -جل وعلا-، فإذا أخطأ الإمام يسبح الرجال، ويصفق النساء، والتصفيق يكون بضرب إحدى اليدين بالأخرى، سواءً كان ببطونها أو بظهورها، المقصود أنه الصوت الذي يحدث من ضرب إحدى اليدين بالأخرى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 التسبيح تنزيه للرجال وصوتهم لا مانع ولا أثر له في الصلاة في مثل هذه الحالة، بينما النساء .. ، وهذا من شدة الاحتياط للنساء الوارد في النصوص وإلا فالأصل أن المرأة كيف تعدل عن التسبيح وهو ذكر إلى التصفيق وهو في الأصل عبث؟ إلا لأن صوتها مؤثر في الرجال، وعلى هذا لو كانت المرأة بين نساء يصلين في مسجد، والمرأة الإمامة أخطأت، فهل نقول: إن العلة ارتفعت فترجع إلى الأصل وهو الذكر أو نقول: إن اللفظ يشمل جميع الحالات؟ نعم يشمل جميع الحالات. عرفنا أن الرجل الذي لا إشكال فيه يسبح، ويدخل فيه الصبيان؛ لأنهم في حكم الرجال في هذا يسبحون، ويفتحون على الإمام بالصوت، والمرأة وفي حكمها الصغيرة وإن كان الرجل في الغالب يطلق على المكلف الكبير، والمرأة إنما تكون لمن بلغت تسع فأكثر، لكن المقصود به الجنس، تصفق. الخنثى ماذا يصنع؟ والمقصود به المشكل، الخنثى المشكل يسبح وإلا يصفق؟ أو يجمع بينهما؟ أو لا يفعل شيئاً لأنه ليس برجل ولا أنثى؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أنت افترض أنه في مجموعة من الخناثى لا كثرهم الله في زاوية المسجد قيل لهم: أنتم لا تصلون مع الرجال ولا مع النساء صلوا في زاوية، فاخطأ الإمام، ويش يسوون؟ يصفق؟ أو نقول: يدخل في عموم ((من نابه شيء في صلاته فليسبح))؟ يدخل في ((من نابه)) ولم يخرج من ذلك إلا النساء وهذا ما يخرج، يدخل في عموم ((من نابه)) ماذا نقول؟ طالب:. . . . . . . . . يصفق تغليباً لجانب أو احتياطاً لجانب الحظر؟ يعني المرأة ممنوعة من التسبيح، وهل الرجل ممنوع من التصفيق؟ وهذا يجرنا إلى مسألة أخرى وهي حكم التصفيق خارج الصلاة، دعونا من الصلاة، في الصلاة يصبح الرجل، وتصفق المرأة، ولذا نص على ذلك: ((في الصلاة)) وماذا عن خارج الصلاة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 {عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] فالمكاء الصفير، والتصدية التصفيق، بعض أهل العلم يقول: إن من أعجبه شيء يصفق، وكون الكفار صلاتهم عند البيت التصدية التصفيق هذا نقول: إنه فعله على جهة الإعجاب لا على جهة التعبد، قاله بعض من يعتد بقوله من أهل العلم، لكن هل لمثل هذا الكلام وجه؟ وأحاديث التشبه كثيرة، والتشبه في الظاهر يؤدي إلى التشبه في الباطن. أعياد المشركين هل يجوز مشابهتهم بها؟ قالوا: إذا صفق للإعجاب .. ، هناك ما يفعلونه على جهة التعبد، وهذا يفعله على جهة الإعجاب، الذي يصنع أعياد الكفار إنما يفعلها على جهة الإعجاب، وهذا من أعظم أبواب التشبه، نعم قد يكون المصفق معجب بأمر آخر غير عبادة الكفار، والذي يفعل هذه الأعياد إنما إعجابه بعبادتهم. أنت افترض أن شخص فعل عيد من أعياد اليهود والنصارى مكره، أو جامل، أو لمصلحة دنيوية، معهم في تجارة، وقالوا لهم: سووا عيد، وسوى معهم، وهو في قلبه يبغضهم ويبغض أعيادهم، يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز بحال، فالمشابهة ممنوعة على أي وجه كانت. ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء)) يعني منع النساء من التسبيح، وهذا يستدل به من يرى أن صوت المرأة عورة، وهذا قول معتبر عند جمع من أهل العلم، ولذا تمنع من الأذان، وتمنع من التلبية برفع الصوت، وتمنع من أمور كثيرة؛ لأن صوتها عورة، وآخرون يرون أن صوت المرأة ليس بعورة، وإنما نهي عن الخضوع فيه، فلا تخضعن بالقول، الخضوع فيه هو الممنوع، المثير، وبعض النساء صوتها خضوع شاءت أم أبت، لا تستطيع أن تتنصل عنه، فمثل هذا تمنع من مخاطبة الرجال لما يترتب على ذلك من الفتنة. "قال ابن شهاب: "وقد رأيت رجالاً من أهل العلم يسبحون ويشيرون" يسبحون إذا نابهم شيء، ويشيرون عند الحاجة إشارة مفهمة لا تكثر. "متفق عليه، ولم يقل البخاري: ((في الصلاة)) ولا ذكر قول ابن شهاب" وهذا من دقة المؤلف -رحمه الله تعالى- حيث يبين هذه الفروق. ثم قال: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 "وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" البكاء من خشية الله لا شك أنه دليل على خشوع وخضوع، والخشوع لب الصلاة، ودليل على استحضار لهذا العمل العظيم، وما يذكر فيه من أذكار وتلاوة، وما أشبه ذلك، فلا شك أنه كمال. "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز" الأزيز: ما يسمع من الصوت المتدارك كأصوات غليان القدر وما أشبهه. "كأزيز المرجل" المراد به القدر الذي أرجل على النار، يعني نصب عليها، فإذا كان فيه شيء يطبخ لا شك أنه يتحرك. "كأزيز المرجل من البكاء" النبي -عليه الصلاة والسلام- أخشى الناس وأتقاهم وأعلمهم بالله، فيحصل له مثل هذا، وكثير من الناس مع الأسف الشديد أنه يدخل الصلاة ويخرج منها وكأن شيئاً لم يكن، وحينئذٍ لا يخرج منها إلا بشيء يسير من أجرها، وقد يخرج منها ولا أجر له، ويخرج الإنسان من صلاته بربعها، بنصفها، بعشرها، كل هذا حسب ما يستحضره من صلاته، وليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، كثير من الناس بل من طلبة العلم لا يعقل من صلاته إلا الشيء اليسير، والله المستعان. فهذه صفته -عليه الصلاة والسلام-، وصفة من يقتدي به ويتبعه بأن يكون لصدره أزيز فيه اضطراب، وفيه حركة كأزيز المرجل من البكاء لما يستحضر من عظمة من وقف بين يديه. وبعض الناس تجده لا يبكي إلا إذا سمع صوت القارئ، فلا يبكي في السجود ولا في غيره من حالات الصلاة، وهذا له وجه، لا شك أن القرآن مؤثر، لكن بعض الناس يبكي إذا كان الصوت صوت القارئ جميل ومؤثر، ولا يبكي إذا كان صوت القارئ خلاف ذلك، فهل بكاؤه من أجل القرآن أو من أجل الصوت؟ يعني تقرأ سورة الواقعة يقرأها شخص فيبكي، يقرأها آخر كأنها ليس بقرآن لا يتأثر به، فهل نقول: إن هذا الذي تأثر تأثر بالصوت المجرد أو تأثر بالقرآن أو تأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ لأنه لما قرأها الآخر ما كأنها قرآن عنده، ما تأثر بذلك إطلاقاً، وقرأها فلان من الناس فبكى وتأثر، مثل هذا البكاء نافع وإلا غير نافع؟ ينفع وإلا ما ينفع؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 فتح المصحف وقرأ الواقعة وكأنه يقرأ جريدة، وسمع قراءة فلان من الناس فبكى، وسمع قراءة فلان من الناس ما كأنه يقرأ، هل التأثر بالصوت أو بالقرآن المجرد، أو بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ يعني ينفع وإلا ما ينفع؟ ينفع، ولذا أمرنا بتحسين الصوت، وبتزيين القرآن بأصواتنا، أمرنا بذلك ولولا أن له أثر وتأثير في السامع لما أمرنا بتزيينه، المسألة واحد ما يختلف، لكن يبقى أن القرآن مؤثر بذاته، وما يحصل من التأثر بالنسبة للصوت فهذا قدر زائد، ولهذا يلام من يسمع القرآن بصوت شخص متوسط الصوت ولا يتأثر يلام، لكن من تأثر أكثر مع تحسين الصوت لا شك أنه متأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؛ لأن بعض الناس يفرق يقول: الذي يتأثر بصوت فلان ولا يتأثر بصوت فلان والمقروء واحد هذا لم يتأثر بالقرآن، إنما تأثر بالصوت المجرد، نقول: لا يا أخي هذا الصوت لو قرئ به غير القرآن ما تأثر ولا أثر، فدل على أنه تأثر بالقرآن. بعض الناس يخرج من صلاته كما دخل، ولا أثر لها في حياته، ولا تنهاه عن فحشاء ولا منكر، ولو أديت على الوجه المشروع لنهته، ولترتبت عليها آثارها، ومع ذلك يزعم أن هذه الصلاة تكفر ذنوبه. يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: إن هذا الذي يخرج من صلاته بعشرها، أو ما يقرب من ذلك هذه الصلاة إن كفرت نفسها فيكفي، فعلى الإنسان أن يحرص أن تكفر ذنوبه أن يأتي بالعبادات المكفرات على الوجه المأمور به، وعلى الوجه المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. "يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" بعض الناس نسمعه سواءً كان إمام أو مأموم يتأثر ويبكي ويرفع صوته بالبكاء، هذا إذا كان مغلوب يعني لا يستطيع أن يتحكم بنفسه هذا لا يلام، وبعض الناس يتأثر تأثر آني، بمعنى أنه يقرأ القرآن، إمام يقرأ القرآن فيقرأ آية وعيد فيبكي، ومجرد ما يتجاوز هذه الآية يعود كما كان قبل قراءتها ما نوع هذا البكاء؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 البكاء المؤثر في القلب وفي النفس يستمر، ما ينتهي بسرعة، وعمر -رضي الله تعالى عنه- أحياناً يزار إذا قرأ في ورده، أو في حزبه من الليل شيء مؤثر وردد وبكى، وغيره كثير من السلف إذا تأثر وبكى في القرآن يزار من الغد، مريض، وبعضهم يقطع الصلاة، لا يستطيع إكمال الصلاة، ويستمر في بكائه، ونشاهد الآن ممن يسمع القرآن أو يقرأ القرآن يقرأ أول الآية فيبكي لأنه مؤثر، آخر الآية الصوت غير صافي، ثم الآية التي تليها كأن شيئاً لم يكن، فمثل هذا لا شك أن الذي يغلب على الظن أن تأثره بالقرآن ضعيف، وأثره ضعيف، وإلا لو كان تأثره حقيقي ما صار هذا وضعه، وفي صلاة التهجد في رمضان الماضي في المسجد الحرام صلى أمامي شخص فبكى بكاءً أزعج كل من حوله، بكاء شديد جداً جداً، يعني ما رأيت له نظيراً أزعج كل من حوله، فلما سلم الإمام من الصلاة قال لجاره: ما هذه؟ قال: هذه ثلاجة، يعني اللي يوضع فيها الشاي هذه، قال: لا يا أخي قل: ترمس، قال: لا، ثلاجة، ورفعت أصواتهم وكادوا أن يتضاربوا بالأيدي، أين التأثر بالقرآن؟ يعني هذه التصرفات تدل على أن القلوب مسلوبة يعني، يبكي بكاء شديد أزعج الناس بالبكاء في الصلاة، ومجرد ما سلم السلام عليكم ورحمة الله إيش هذه يا أخي؟ قال: ثلاجة، قال: ثلاجة وهي تحفظ الحار؟ قل: ترمس، قال: لا ثلاجة، قال: ترمس، قال: زمزمية واحد قدامهم، قال: لا يا أخي ما يوضع فيها زمزم ولا شيء، المهم وحصلت هوشة بينهم، فلا شك أن القلوب مسلوبة، يعني واللي خلفهم الآن اللي ما فعل شيء لا هذا ولا هذا ليس بأمثل منهم، والله المستعان، لكن يدل على أن القلوب مدخولة يعني، فيها شيء، أثرت عليها المكاسب، أثرت عليها المطاعم، رانت عليها الذنوب، فعلى الإنسان أن يسعى لإصلاح قلبه، والله المستعان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 "رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل" الشمائل النبوية كتاب معروف، وهذا من شمائله -عليه الصلاة والسلام- أنه يتأثر "وابن حبان والنسائي، وعنده: وقال: يعني يبكي، وقد وهم في هذا الحديث من قال: أخرجه مسلم. والله أعلم" هذه المسألة حقيقة تحتاج إلى وقفة طويلة وهي التأثر والبكاء، التأثر بالقرآن والبكاء في تلاوته لا شك أن هذا شأن الصالحين، وشأن من يستحضر، وبعضهم يزيده التأثر بالقرآن إلى حد يفقد فيه وعيه، إلى حد يصل إلى أن يموت، فهل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يبكي، ولم يحصل له غشي، وما فقد وعيه، ولا مات أحد من الصحابة، فهل نقول: بأن هذا تصنع، ولم يمكن أن يحصل مثل هذا؛ لأنه لم يحصل لأكمل الخلق وأشرف الخلق، أو نقول: إنه يحصل وقد حصل لجمع من التابعين ومن بعدهم؟ يحصل وإلا ما يحصل؟ ابن سيرين كأنه ينكر هذا، ولذا ذكره عنه الذهبي في السير أنه يقول: إن من يحصل له مثل هذا التصرف يغمى عليه، يصيبه الغشي، وقد يصرح فيموت هذا ضعه على جدار، واقرأ القرآن إن سقط فهو صادق، يقول: يختبر، والذي يغلب على الظن أن ابن سيرين ما يصدق مثل هذه التصرفات، لكن ما المانع من تصديقها؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 إن كان المانع منها أنه لم يحصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق فهذا موجه، النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق، وأحضرهم تعظيماً لهذا القرآن، فهو يستحضر ذلك دائماً يستشعر عظمة هذا القرآن، ولا شك أن القرآن قوي وثقيل {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] لا شك أنه ثقيل، لكن هذا الثقيل نزل على قلب قوي يحتمل هذا الثقيل، فهو يستشعر هذه العظمة وهذا الثقل؛ لكن القلب قوي يتحمل، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم- فهم يستشعرون ثقل هذا القرآن وعظمة هذا القرآن بقلوب تحتمل، انتهى الجيل الأول عصر الصحابة، ثم جاء الجيل الثاني عصر التابعين، وما زال استحضار واستشعار عظمة القرآن موجودة، التابعون يستشعرن هذه العظمة وهذه القوة، لكن قلوبهم أضعف من قلوب الصحابة، من قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته، فيحصل لهم ما يحصل ما في توازن، فحصل لهم ما حصل من هذا النوع، وقد وجد من هو أضعف من ذلك فمات مثلاً. قالوا: زرارة بن أوفى سمع القارئ في صلاة الصبح يقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] فمات، في رواية: هو القارئ، والرواية الأخرى سمع الإمام، المقصود أنه سمع هذه الآية فمات. خلف بعد أولئك خلوف، القرآن في قوته والقلوب في ضعفها، لكن استشعار هذه العظمة، واستشعار هذه القوة انتهى، يعني كما هو حالنا الآن، سمعتم أحداً سمع القرآن ومات وإلا أغمي عليه؟ ما نسمع أبداً. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 الآن قوله -جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] هل هذه الآية تحرك شعرة عند طلاب العلم فضلاً عن العامة الذين لا يعرفون معناها؟ تحرك شعرة، والله أننا نمر بها ما كأنها قرآن، فالقرآن بقوته والقلوب على ضعفها، ومع ذلك استشعار هذه العظمة انتهى إلا ما شاء الله، التيئيس ما هو بوارد، لكن إلا ما شاء الله؛ لأننا نعايش هذه الأمور بأنفسنا ومن حولنا وما سمعنا أحداً حصل له شيء من هذا، أو مرض بسبب تلاوة آية، بل كثير من المصلين لا يشعر أنه يصلي حتى يبكي الإمام ينتبه أنه في الصلاة، أو يحصل خطأ وينبه الإمام عليه، وإلا الأمور ماشية بانسياب هو في أعماله وأشغاله وتدبيره لأموره، ومع ذلك الإمام ماشي والصلاة تنتهي والآمال كبيرة، والله -جل وعلا- فضله لا يحد، لكن مع سوء العمل ينبغي أن نخاف، لا نوسع الآمال، بل لا بد من تحسين العمل. قد يبكي الإنسان في الصلاة الإمام يبكي ومن معه يبكون من أجل القراءة وهو يبكي لأمر آخر، يتذكر مصيبة مثلاً هذا إن غلب على أمره وبكى من غير قصد هذا معذور، وقد يبكي لأمر شرعي، لكنه غير ما أبكى الإمام ومن مع الإمام، يعني نفترض أنه يصلي في المسجد الحرام في الدور الثاني، والناس يطوفون في ليالي العشر يطوف بعضهم في بعض فيستشعر الموقف العظيم فيبكي، والإمام يصلي يقرأ بالقرآن ويبكي، هذا يبكي على شيء وذاك يبكي على شيء، هذا تشريك، لكن هل هو تشريك محمود وإلا مذموم؟ نعم محمود بلا شك؛ لأن استشعار هذا الموقف والبكاء من أجله لا شك أنه شرعي، مؤثر في القلب، ويدل على قلب حي، لكن يبقى أن الإقبال على ما هو بصدده من الصلاة أولى. اللهم صل على محمد ... هذا يقول: أنا أنوي الذهاب إلى العمرة هذا العام -إن شاء الله تعالى- وهذه أول مرة لي، وأريد أن أعرف كيفية استلام الحجر الأسود، وإذا كان هناك زحام فكيفية الإشارة، فهل هي الإشارة باليدين أم بواحدة؟ وهل أشير وأنا صدري أمام الحجر، أم وأنا أطوف بجانبه؟ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 أولاً: بالنسبة للتقبيل في هذه الأيام ليس بمتيسر، لكن إن تيسر فالإنسان يضع فمه على الحجر من غير صوت، فإن لم يتيسر أشار إليه، إن استلمه بيده فهو البديل للتقبيل، إن لم يتيسر فليشر إليه بيده اليمنى، قائلاً: الله أكبر، ويكبر كلما حاذاه. هل يجوز أن أصلي المغرب والعشاء من أجل العمل؟ لا لا يجوز أن تجمع بين الصلاتين من أجل العمل، بل تصلي كل صلاة في وقتها. هل يجوز التسمية بأسماء الملائكة مثل جبريل؟ لا مانع منه -إن شاء الله تعالى-. يقول: في يوم العقد عندنا في عرفنا -هذا في الإمارات- يقوم الرجل بإلباس زوجته الشبكة أمام النساء هل يجوز؟ لا يجوز أن يوجد بين نساء أجانب، والشبكة لا شك أنها وافدة من الأعداء من الكفار فهي تقليد. هذه تقول: إن زوجها ينظر إلى القنوات الفضائية، وينظر إلى النساء، ونصحته ما يسمع لكلامي، علماً أن ظاهره الصلاة، ومحافظ على الصلاة في جماعة، وقلت له: إن لم تخرج هذه القنوات من البيت سأرحل عند أهلي، ولم يعرني أي اهتمام، هل أتركه وأخرج من المنزل؟ إذا خفت على نفسك من التأثر بهذه القنوات أو على ولدك فلا مانع من أن تخرجي وتتركيه، وإذا لم تخافي على نفسك فلا شك أن المحافظة على مثل هذا الزوج الذي يحافظ على الصلوات مع إدمان النصح والتوجيه أولى. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فليخرجن تفلات)) ما معنى هذا اللفظ؟ يعني غير متبرجات بلباس يكون فيه من الابتذال ما لا يصرف الأنظار إليها. وبينوا لنا ما هو الحجاب الشرعي الذي تخرج به؟ تخرج متحجبة مستترة بدون إبداء أي شيء من زينتها لا من بدنها ولا من لباسها المشتمل على الزينة. يقول: نشاهد البعض من الناس يقصر ثوبه ويطيل السروال، كذلك من يطيل الأكمام، فهل هذا داخل في الإسبال؟ أما إطالة السروال فهي داخلة في الإسبال الذي جاءت فيه النصوص، وأما إطالة الأكمام فكان كمه -عليه الصلاة والسلام- إلى الرسغ، فإذا زاد على ذلك صار إسبال؛ لكنه لا يأخذ حكم إسبال الثوب والإزار، وما في حكمهما؛ لأنه لم يرد فيه وعيد. هل يجوز الترديد خلف الأذان المسجل؟ لا، لا يردد خلفه؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن)) وهذا تسجيل ليس بمؤذن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32 زادت الأسئلة. يقول: معي بعض الإخوة يستمعون لدرسكم، وأنا أترجم لهم الآن -هذا من البرازيل- ولهم بعض الأسئلة علماً أن منهم جدد. الأسئلة هي: في مكاني الذي أدرس لا أجد مكان لأصلي المغرب والعشاء، فهل يجوز أن أصلي في كنيسة موجودة في الجامعة؟ لا، لا تصلي في الكنيسة، إنما تصلي في أي مكان طاهر، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)). وما هو الاختلاط المحرم؟ المراد به الاختلاط مع ما يثير الفتنة مع التبرج، وأما وجود الرجال والنساء في الأماكن العامة كالمساجد والأسواق فمع الاحتياط لكل من الطرفين، ومع أمن الفتنة فهي موجودة في أسواق المسلمين، لكن يجب أن تجتنب المرأة كل ما يثير الفتنة، والأصل بالنسبة للمرأة القرار في البيت، والله -جل وعلا- يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] ولا تخرج إلا لحاجة، ومع ذلك تخرج تفلة لا تثير، لا تفتن ولا تُفتن. هل يجوز للكفار أن يدخلوا في المسجد، ويشاهدوا الصلاة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ربط ثمامة بن أثال وهو كافر قبل أن يسلم في المسجد، فإذا رجي إسلامه ليطلع على أحوال المسلمين وما بينهم من تراحم وتواد، وهو يشهد هذه الشريعة وغلب على الظن إسلامه فلا يمنع من الدخول. وإذا أرادوا أن يصلوا معنا هل نسمح؟ إذا أسلموا يصلون، وإن صلوا معكم فهم مسلمون حكماً. ما معنى الآية: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن]؟ الاستطاعة معروفة، الذي يستطيعه الإنسان ويقدر عليه عليه أن يفعله مما أمر به، والذي لا يستطيعه ولا يقدر عليه فهو فوق طاقته وليس بمطالب به. يقول: صليت خلف إمام جاهل، فكان حاله أنه لم يجهر في الصلاة الجهرية، فقال أحد المأمومين له: اجهر بالصلاة فما حكم قائل هذه العبارة لإمام كان جاهلاً بالحكم وجاهلاً أنه ما كان ينبغي له أن يسبح؟ ماذا يصنع؟ أولاً: الجهر في الصلاة الجهرية سنة، ما لم يكن عادة وديدن، فإنه يكون مبتدع، أما إذا لم يجهر وسُبح به هذا الأصل، وإن قيل له: اجهر من قبل جاهل لا يعرف الحكم فمعذور بجهله -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما رأيكم في إحياء ليلة النصف من شعبان حيث أن بعض أئمة السلف مثل الإمام مكحول ورد أنه كان يحييها؟ فما هو الراجح في المسألة؟ جميع ما ورد في ليلة النصف من شعبان لا أصل له، ولا يثبت به عمل، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (12) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما حكم المكاسرة في الأسواق بين المرأة والبائع؟ يقصد بالمكاسرة المماكسة، يعني محاولة الزبون تخفيض السعر. يقول: تذهب إلى السوق فيقول لك البائع: هذا بعشرة مثلاً، فتقول له: لما هذا كله قلل، ومن مثل هذا الكلام فهل هذا جائز؟ وهل تعتبر السلعة المبيوعة حلالاً أو حراماً؟ وأحياناً يقلل البائع من السعر تحت ضغط المشتري، وأحياناً يقلل من نفسه برضاه، فما حكم الحالتين؟ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 1 الأصل في هذه المسألة أن البائع يأخذ ربحاً مناسباً لا يزيد في السعر بحيث يظلم الناس ويشق عليهم، وإذا عرف أن الناس يبيعون بأسعار مناسبة متقاربة مقاربة، فإذا حصلت المماكسة بشيء يسير فإن هذا لا يضر، لكن الإشكال من الطرفين قد تجد صاحب سلعة يقول لك: بألف، وتذهب إلى محل ثاني في موقع آخر يقول لك: بمائة، فمثل هذا لا شك أنه لعب على الناس وخداع، وقد حضرت شخصاً معه أسطال من العسل ثلاثة فقال له الزبون: بكم؟ قال: الواحد بسبعمائة، والجميع بألفين، يعني نزل مائة، قال الزبون: من خمسة، بخمسة عشر ريالاً الثلاثة، فرق شاسع أضعاف مضاعفة، فماذا تتصورون؟ ما ذهب الزبون إلا بها بخمسة عشر ريالاً، وبعض الناس يبرر لنفسه مثل هذه الزيادة، ويقول: لو عرضتها بثمن بخس ما اشتريت؛ لأن الناس يستدلون على جودة السلعة بقيمتها، فلو تأتي المرأة إلى محل القماش مثلاً، ويقول صاحب القماش: المتر بعشرة ريالات، قالت: هذا رديء ما يصلح، لكن لما يقول: بثلاثمائة ريال تشتري يصير جيد، وهذا هو الحاصل في أسواق المسلمين مع الأسف، وقصص من هذا النوع كثيرة جداً، شخص جالس في محل جاءت امرأة قالت: كم المتر؟ قال: مائتين وخمسين، فقالت: لعله يصير بمائتين، وافق على المائتين، أخذت ثلاثة أمتار بستمائة ريال، الجالس هذا معه في الكيس نفس القماش من محل ثاني، قال: أنا أخذت ثلاثة أمتار بخمسة وأربعين ريال بدل ستمائة ريال، قال: أنت أخذت بخمسة عشر، تبي متر بعشرة من عندي، تبي بعشرة أعطيتك، لكن لو أقول لها: بعشرة، بخمسة عشر ما اشترت، لكن هل هذا مبرر لرفع السعر بها وظلم الناس بهذه الطريقة؟ هذا ليس مبرر أبداً، هذا أكل أموال الناس بالباطل، يعني عشرة أضعاف القيمة، وأهل العلم يعدون الثلث غبن ترد به السلعة، فمثل هذا موجود في أسواق المسلمين مع الأسف، وهذه حجته، لكن لو عرض السلعة بخمسة عشر، وقال المشتري: بأربعة عشر أو ثلاثة عشر وماكس بهذه الحدود ما في ما يمنع، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول لجابر: ((أتراني ماكستك لآخذ جملك)) المقصود أن المماكسة بالمعقول، التفاوت اليسير بين طلب البائع وطلب المشتري هذا مغتفر ويوجد يعني، وبعض الناس من المشترين من طبعه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 2 المماكسة، يعني ما يصلح أن تقول له: هذا الكتاب بعشرين ريال مباشرة، هو مماكس مماكس، يعني لو تقول له: بريال، قال: اجدع، لو تقول له: بريال قال: لا، نزل، يصير طبع عنده، عادة جرى عليها، ولا تجود نفسه بأخذ السلعة بأول ما يذكر، فلا بد من ملاحظة هذا من البائع، فعليه أن يرفق بإخوانه المسلمين، وأيضاً المشتري لا يلح، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((رحم الله امرأً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى)) فلا بد من تبادل مثل هذا الشعور بين المسلمين، أما أن يرفع المشتري عشرات الأضعاف، والبائع يرفع .. ، والمشتري يخفض أضعاف مضاعفة من قيمة السلعة، لا، لا، لا يصلح هذا ولا هذا. بالنسبة إذا كانت المماكسة من المرأة لا شك أن المرأة عليها من الستر والصيانة والاحتراز والاحتياط ما لا يوجد مثله على الرجل، فعليها أن تنظر في قيمة السلعة بقدر الحاجة، تكلم صاحب المحل إذا لم يوجد من يقضي لها حاجتها بكم هذا القماش؟ بصوت عادي لا خضوع فيه، فإذا قال: بعشرة إن أعجبها وإلا تنصرف؛ لأن الأخذ والرد مع الباعة لا شك أنه يفتح أبواب ومجال للشيطان، وإذا كثر الإمساس قل الإحساس، يعني يوجد نساء خراجات ولاجات في أحكام الرجال، برّزات يسمونها أهل العلم، ما الذي دعاهم إلى أن يقولوا مثل هذه العبارات في حق هؤلاء النسوة؟ من كثرة ما يرون، فعلى المرأة أن يكون خروجها من بيتها بقدر الحاجة، فإذا وجد من يكفيها فلا تخرج، إذا خرجت تخرج بالضوابط والحدود الشرعية، ثم بعد ذلك إذا كلمت إذا احتاجت الكلام مع الرجال فليكن الكلام من غير خضوع {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] وأيضاً بقدر الحاجة، وإن انصرفت عنه من غير مماكسة، وسألت المحل الآخر حتى تجد السعر المناسب فهو أولى. يقول: أحياناً يقلل البائع من السعر تحت ضغط المشتري؟ على المشتري أن يكون سمحاً كما أن على البائع أن يكون سمحاً، لكن إذا قلل بطوعه واختياره فالأمر لا يعدوه. وأحياناً يقلل من نفسه برضاً فما حكم الحالتين؟ البيع صحيح، لكن ينبغي أن يكون الطرفان على ما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- من السماحة والتيسير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 3 يقول: قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً تارة، وتارة يقرأ فيها جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فركع، سؤالنا كيف يكون التوفيق بين هذا القول وبين الأثر الذي ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))؟ هذا الأمر لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الشفع بعده، فمثل ركعتين خفيفتين لا تؤثر في جعل الوتر في آخر الليل، وقل مثل هذا لو أوتر قبل أن ينام، كما أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة، أوصاني خليلي بثلاث: "وأن أوتر قبل أن أنام" فإذا انتبه من ليله وصلى ما كتب له، فإن هذا وإن كان قد خالف حديث: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) لأن هذا أمر إرشاد، وليس بأمر وجوب وإلزام، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعده، فإذا قام من الليل وصلى ما كتب له شفعاً ولا يوتر، وبهذا يكون قد عمل بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن لم يكن آخر صلاته بالليل وتراً. يقول: ما حكم تغيير المكان بعد قضاء الفريضة وذلك لأداء السنة؟ هل ورد فيها فضل؟ ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- قال: ويُذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، فعلى هذا لم يثبت في تغيير المكان -مكان الفريضة- من أجل صلاة النافلة لم يثبت فيها شيء، لكن أهل العلم يستحبونه من باب أن هذه المواطن التي صلى فيها، المواضع المتعددة التي صلى فيها أنها تشهد له يوم القيامة من هذا الباب {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [(12) سورة يس] وهذا من آثارهم، فهم من هذه الحيثية يستحبون تغيير المكان، وإلا فالحديث لم يصح. يقول: نصحتم بألا يحفظ طالب العلم نظمين في علم واحد، فإذا أردت دراسة المصطلح، وكانت الحافظة قوية وتسعف، فأردت أن أحفظ الألفية، ولكن لا بد من التدرج، فكيف أصنع عند دراسة البيقونية في البداية واللؤلؤ المكنون وقصب السكر والمنظومات التي تكون دراستها قبل الألفية، أأستفيد من الشرح فقط وأفهمه ولا أتعرض لحفظ المتون اقتصاراً على الألفية فيما بعد أم كيف؟ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 4 هذا الذي تسعفه الحافظة، ويستطيع أن يميز بين هذه المنظومات عند الحاجة، وهذا ترى فيه شيء من الصعوبة، هذا الذي يستطيع لا مانع أن يحفظ، لكن عموم طلاب العلم يتشوشون، يحصل عندهم تشويش، إذا أراد أن يذكر بيتاً من الألفية تقدمه بيت من البيقونية، وإذا أراد بيت من البيقونية جاءه من نظم النخبة وهكذا، فلا يستطيع التمييز بينها بدقة، وهذا حصل لنا ولغيرنا، لكن الذي عنده من الحفظ، من الضبط والإتقان بحيث لا يختلط عليه الأمر، فهذا نور على نور، طيب، ينفع مثل هذا، لكن أنا أقول: في بداية الأمر من أراد أن يتدرج في علم المصطلح يقرأ البيقونية مع شروحها ويفهمها، ثم بعد ذلك يقرأ النخبة مع شروحها المطبوعة والمسجلة، ثم بعد ذلك اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، كل هذه ما تكلف شيء ما تأخذ وقت، يعني البيقونية يمكن يفهمها في يوم أربعة وثلاثين بيت، والنخبة مع شرحها تحتاج إلى أسبوع مثلاً، وابن كثير يحتاج إلى عشرة أيام، ما تؤخر، ثم إذا فهم هذه المصاعد التي تجعله في مستوى حفظ الألفية وفهم الألفية يقتصر حفظه على الألفية، ألفية العراقي. يقول: ما حكم من ترك الركوع والطمأنينة عمداً؟ من ترك ركناً بطلت الركعة التي تركه منها، يقول أهل العلم: ومن شك في ترك ركن فكتركه، لما سجد شك هل ركع وإلا ما ركع؟ هذا كأنه لم يركع، فمثل هذا تبطل الركعة وتقوم مقامها الركعة التي تليها. يقول: هل يجمع الإنسان بين نوعين من دعاء الاستفتاح أم يكتفي بدعاء واحد؟ وهل للنوافل دعاء استفتاح أم ما ورد خاص بصلاة الليل؟ أما الجمع بين نوعين من أدعية الاستفتاح فقد ورد الجمع بين: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) وجزء من حديث علي -رضي الله عنه-، لكن الأكثر على أنه لا يجمع بين اثنين، كما أنه لا يجمع بين تشهدين، وذكرنا بالأمس أن الاختلاف في صيغ دعاء الاستفتاح وصيغ التشهد أنه من اختلاف التنوع، وعلى هذا يستفتح في هذه الصلاة بكذا، ويستفتح في الصلاة الثانية بكذا وهكذا، ويستعمل جميع ما ورد، ويجعل ما ورد في صلاة الليل بالليل، وما ورد في صلاة النهار أو مطلقاً يجعله للفرائض وغيرها من النوافل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 يقول: هل يصح سنة الوضوء مع سنة الظهر القبلية أو سنة المغرب مثلاً؟ وهل يجوز لي أن أجمع بين نافلة وصلاة الاستخارة؟ التداخل هنا ممكن، يعني توضأ وصلى تحية المسجد تتداخل، توضأ وصلى راتبة الظهر القبلية تتداخل، ممكن تتداخل، ما في إشكال؛ لأن هذه نوافل، نعم؟ طالب: الأجر. الأجر إذا قصد يحصل -إن شاء الله تعالى-. وهل يجوز لي أن أجمع بين صلاة نافلة وصلاة الاستخارة؟ صلاة الاستخارة مقصودة لذاتها، ولما يجيء بعدها من دعاء، فالذي عندي أنها لا تدخل في غيرها. يقول: أشتكي من كثرة الأكل، وكما تعلمون أن كثرة الأكل مذموم، وحاولت كثيراً التقليل منه ولمدة طويلة، ولكن ما استطعت، يقول: وإن فعلت فكنت أقلل لفترة وجيزة لا تتجاوز الأسبوعين، ثم أعود إلى ما كنت عليه، فما نصيحتكم؟ الإشكال أن كثرة المأكولات التي وجدت في عصرنا ولم تكن موجودة قبلنا، والتفنن في إعداد الأطعمة يجعل الإنسان يسرف في الأكل، والمشكلة أن هذه الشكوى كثيرة يعني، أناس عاشوا مدد متطاولة على نمط من الأكل، ثم انفتحت الدنيا، وتنوعت المأكولات، وتمن الناس، ثم صاروا يأكلون ما لا يأكلونه قبل، ولا شك أن كثرة الأكل مذموم، ويعوق عن تحصيل مصالح عظيمة كما يقول أهل العلم: "البطنة تذهب الفطنة" ولهذا أثر على الحفظ، وأثر على العبادة، وأثر على اجتماع القلب، وكثرة الأكل من الصوارف والصواد التي تصد الإنسان عن الإقبال على الله -جل وعلا-، ومن أسباب غفلة القلب، من أسباب الغفلة. ذكر ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين أن كثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الخلطة، وكثرة الكلام، وكثرة الاستماع بما لا ينفع كل هذه تأثيرها على القلب كأنها فُرج أو فتحات يتنسم منها القلب المجتمع، يعني أنت تصور أنك وضعت طيب في مكان ومغلق محكم الإغلاق يحتفظ به مدة طويلة، لكن لو كثرة هذه الفتحات في هذا المكان يستمر هذا الطيب وإلا ما يستمر؟ هذه كأن القلب يتنفس من خلالها في تضييع ما جُمع، فعلى الإنسان أن يقلل من هذه الأمور. يقول: أنا أعمل وراتبي من حق من؟ أهو من حق الأم أم من حق الأب؟ فإن أبي يأخذه ولا يعطيني منه شيء؟ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 للأب أن يأخذ من مال ولده ما لا يضر به، أما ما يضر به فلا، فمال الولد والولد يملك ملك تام مستقر في مقابل عمله، لكن إن احتاج الأب أخذ منه ما لا يضره، وما يزيد عن حاجته الأصلية وحاجة زوجته وحاجة ولده، وحاجة خادمه إن وجد، فإذا زاد عن ذلك شيء ويحتاجه الأب، ولا يتضرر الولد بأخذه جاز له ذلك. هذا يقول: نرجو التنبيه على النساء حول إزعاج الأطفال؟ نعم حصل بالأمس إزعاج، فنرجو ألا يتكرر. الأمر الثاني: التنبيه على عدم وجود درس غداً العصر؟ ما في درس. يقول: وإن إطالة درس الأمس واليوم بدلاً منه. يعني أمس الدرس قريب من ساعتين إلا ربع، واليوم يكون مثله أو يزيد -إن شاء الله-، حسب ما ينشط له من قبل الطلاب؛ لأني أقرأ في وجوه بعض الطلاب التعب، البارحة لمست هذا، وبعض الإخوان قاموا، وعلى كل حال أنا واحد منكم ومثلكم، قد يتطرق .. ، يدب إلي التعب والملل أكثر منكم، لكن على الجميع أن يصبر ويحتسب، ومعروف أن هذا خلاف ما تهواه النفس، يعني بالإمكان أن يجلس الإنسان مع أقرانه وأحبابه، وواضع رجل على رجل، وهذه سالفة تروح وهذه قصة، وهذه نكتة وهذه كذا، ويمضي الليل بدون فائدة، لكن لا شك أن الجلوس في مثل هذا المكان لهذا الهدف الطيب لأخذ العلم قال الله وقال رسوله ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله)) وأهل العلم يقررون أن العلم الشرعي إنما هو لخدمة كتاب الله، ((ويتدارسونه بينهم إلا حفت الملائكة وغشيتهم الرحمة ... )) إلى آخره، المقصود أن مثل هذا يحتاج إلى أطر للنفس؛ لأنه خلاف ما تهواه النفس وتشتهيه. الأسئلة التي جاءت بالأمس واليوم يعني فيها كثرة، وتأخذ الوقت والوقت ضيق، فعلنا نكمل ما نستطيع إكماله من الأحاديث، إن بقي وقت للأسئلة وإلا ترجأ إلى وقت يكون أطول -إن شاء الله تعالى-. لأن هذا يقول: ما المرجح في مسألة الانتقال في النية من مساوٍ لمثله ... لأني شفت مساوٍ وسبق لساني. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب صفة الصلاة في الحديث الثالث: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 "وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة" شرحنا هذا "قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض)) " تلاحظون في نصوص الكتاب والسنة جمع السماوات وإفراد الأرض {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [(164) سورة البقرة] السماوات سبع، جاء التنصيص عليها في القرآن، لكن الأرضين؟ {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] هل هو في العدد وإلا في إيش؟ يعني ما في نص قطعي يدل على أن الأرضين سبع، لكن في مثل حديث: ((لو أن السماوات السبع، والأرضين السبع في كفة)) ((لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة)) هذا دليل على أن الأرضين سبع {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] يستدل به على أن الأرضين سبع، ولذلك ما تجدون الجمع في مثل هذا {لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [(79) سورة الأنعام] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [(164) سورة البقرة] فتجمع السماوات، والأرض مفردة. من أهل العلم من يقول: تجمع السماوات تعظيماً لها، والأرض تفرد ويراد بها الجنس، جنس الأرضين، وهي دون السماوات في منزلة، ومنهم من يقول: إن السماوات تجمع للإفادة من السماوات السبع كلها، وأما الأرضين السبع فلا يستفاد إلا من الأرض التي عليها الناس، ما يستفيدون إلا من الأرض الأولى. وجاء عن ابن عباس: أن الأرضين السبع في كل واحدة منها مثل ما في الأرض التي نعيش عليها، الأرض الأولى، حتى أن فيها محمد كمحمدكم، وموسى كموساكم، وعيسى كعيساكم، يعني صورة طبق الأصل للأرض التي نعيش عليها، هذا يذكر عن ابن عباس بسند جيد، لكن ليس له ما يؤيده من كتاب ولا سنة، فلعله مما تلقي عن بني إسرائيل، مما لا يصدق ولا يكذب، لكن هل يتصور أن محمد -عليه الصلاة والسلام- تكرر سبع مرات في كل أرض من الأرضين السبع؟ هذا يبعده المعقول، ولا يوجد ما يشهد له من المنقول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 ((حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين)) والرواية الأخرى: ((وأنا أول المسلمين)) كما في الآية: ((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي)) النفس أعم من أن تكون الذات التي هي الجسد أو الروح، فهو ظالم لنفسه لذاته المشتملة على الجسد والروح. ((واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) هذا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تعليماً لأمته. ((فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) انتهينا من شرح هذا كله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 ثم بعد ذلك: ((واهدني لأحسن الأخلاق)) الخلق الحسن له شأن في الإسلام، وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، والوصية النبوية لمن جاء يستوصي من النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((لا تغضب)) قال: أوصني، قال: ((لا تغضب)) وذلكم لأن حسن الخلق يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فتجد الإنسان الحسن الخلق محبوب عند الناس، مقبول بما يوجههم به، ويرشدهم إليه، بينما سيء الخلق ما يقبل منه شيء، ولذا جاء الأمر بأن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وسيء الخلق ما يعرف الحكمة، ولا يعرف الحسن من القول، فعلى الإنسان إن كان مجبولاً على حسن الخلق من الحلم والأناة والرفق أن يحمد الله -جل وعلا- على هذا الخلق، وإن كان مجبولاً على ضده أن يتخلق، والعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، الإنسان إذا أطر نفسه على خلاف ما تشتهيه أعين على ذلك، ولذلك لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) هل يستطيع الرجل أن يقول: لا أستطيع؟ ما يمكن، يعني بيدك وإن كنت يعني جبلت على الغضب لكن بالتدريج، تتحلم، وأكثر ما يعانيه المرضى من سوء الخلق؛ لأن الطبيب قد يحجب الإنسان عن الأكل، ويحجبه عن أشياء كثيرة، لكن إذا قال له: لا تغضب، وهو مجبول على سوء الخلق يعني مثلاً ضغط الدم مما يؤثر فيه أثر بالغ الغضب، فإذا قيل للمريض: لا تغضب، قال: أنا والله ما أستطيع، لازم أغضب، وأدنى شيء يثيرني، نقول: أنت إن كنت تريد الصحة فلا تغضب، وإن كنت تريد خير الدنيا والآخرة فاعمل بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) فالحلم بالتحلم. ((واهدني لأحسن الأخلاق)) ((إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)) وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 ((لا يهدي لأحسنها إلا أنت)) من بيده الهداية؟ الله -جل وعلا-، هداية القبول والتوفيق بيد الله -جل وعلا-، أما هداية الدلالة والإرشاد فهي بيد محمد -عليه الصلاة والسلام- وغيره من الأنبياء وأتباعهم إلى قيام الساعة، يدلون الناس على الخير ويهدونهم إليه، لكن القبول والتوفيق من الله -جل وعلا-، وقد يكون بعض الناس سبب في هداية الشخص لأحسن الأخلاق، تجدون بعض الناس بالمصاحبة تجدوه خلقه سيء، ثم إذا صحب شخصاً خلقه حسن تأثر به والعكس، لو كان الخلق حسن ثم صحب شخص سيء الخلق تأثر به، حتى البهائم تؤثر، الغلظة والجفاء في الفدادين رعاة الإبل؛ لأن الإبل مجبولة على الجفاء، فيتأثر صحابها بها، بينما راعي الغنم يتأثر بها في الهدوء واللين وحسن الخلق، إذا كانت البهائم تؤثر فكيف بالجليس الصالح؟! يعني بعضهم يقول: إذا كانت الإبل جبلت على هذا، والغنم جبلت على .. ، وهذا استنباط، مجرد استنباط، ويطرحوه للنقاش، جبلت على اللين، يعني الغنم ليست كالإبل وهذا واضح، يقول: هل نقيس على هذا مثلاً السيارات الكبيرة تجعل صاحبها سيء الخلق مثلاً، السيارات الصغيرة يعني أخف منها أو شيء من هذا؟ الظاهر أن هذا ما له أثر؛ لأن الشيء الذي يؤثر ما جبلت عليه، السيارات الكبيرة يمكن أنها جبلت على الرفق أكثر من الصغيرة؛ لأن ما في طبلونها من السرعة إلا شيء ما يجعل الإنسان يطيش ويتهور مثل السيارات الصغيرة، بعض الناس يستروح يقول: إن الشاحنات الترلات مثل الإبل، كبار فتأخذ حكمها، ما يظهر هذا، والواقع يشهد أن بعض السيارات الصغيرة بأيدي هؤلاء الشباب الطائشين يمشون سرعة هائلة، ويؤذون الناس بقيادتهم أكثر من أصحاب السيارات الكبيرة، وعلى كل حال هذا مجرد استرواح وطرحه للنقاش ما يمنع أن يطرح. ((واصرف عني سيئها)) يعني الإنسان مع كونه يروض نفسه على حسن الخلق، وترك سيء الأخلاق، ومع ذلك يستعين بالله -جل وعلا-، وأهل العلم يوصون الشخص إذا كان كثير الغضب، وعنده شيء من سوء الخلق عليه أن يتمرن ويتخلق، ومع ذلك يكثر من الاستغفار، وهذا يذكر عن حذيفة -رضي الله عنه-. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 ((واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) يعني لا يملك صرف سيء الأخلاق إلا الله -جل وعلا-، وعلى الإنسان أن يكثر من دعاء موسى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [(25 - 26) سورة طه] شرح الصدر مهم، وهناك وسائل تعين وأسباب تعين على شرح الصدر، وقد بينها ابن القيم في مناسبات من كتبه، وابن رجب أيضاً تكلم عنها، فعلينا أن نحرص عليها. ((لبيك وسعديك)) لبيك تثنية لبى، وأصلها بالنون لبين، وحذفت النون للإضافة. نوناً تلي الإعراب أو تنويناً ... مما تضيف احذف كطور سينا فالنون حذفت للإضافة ومعنى ((لبيك)) من لبى بالمكان أي أقام به، فيكون المعنى حينئذٍ: أنا مقيم على طاعتك، وإجابة أمرك، إقامة بعد إقامة؛ لأن لبيك تثنية، وسعديك كذلك، إسعاداً بعد إسعاد لأوامرك، واجتناب نواهيك، أو سعادة بعد سعادة تحصل لي بامتثال أوامرك، واجتناب نواهيك. ((والخير كله في يديك)) خزائن الأمور كلها بيد الله -جل وعلا-، الخير كله بيد الله -جل وعلا-، والمحتاج يأتي إلى التاجر والتاجر عنده خير، والمراد بالخير المال {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] يعني مال، هذا التاجر عنده خير؛ لأن عنده مال، فيأتي الفقير ويدفع له ما يدفع به حاجته، ويأتيه آخر فلا يعطيه شيئاً، هل نقول: إن هذا التاجر أعطى ومنع، أو أن الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع؟ الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع، هو الذي أعطى زيد ومنع عمرو، وأما التاجر فهو وسيلة وسبب في إيصال هذا الخير إلى هذا المعطى، وسبب في حرمان من مُنع، والمعطي هو الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) وأما الخلق فهم أسباب يجري الله على أيديهم ما ينفع، وقد يجري على أيديهم ما يضر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 ((والخير كله في يديك)) وفي هذا إثبات لليدين لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته ((والشر ليس إليك)) يعني الشر لا ينسب إليك، إما على سبيل الاستقلال دون أن يضاف الخير إليه، ويكون هذا من باب الأدب {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ} [(10) سورة الجن] أريد بني للمجهول {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] أضيف إلى الله -جل وعلا-، فمن حسن الأسلوب والأدب ألا يضاف الشر إليه، وحينئذٍ لا يقال: يا خالق العقارب والحيات مثلاً تدعو ربك في سجودك يا خالق العقارب والحيات، نعم هو خالق العقارب والحيات، لكن هل مثل هذا مما يخص به الرب -جل وعلا-؟ يعني من باب الأدب في الأسلوب؟ {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] لما ذكر الشر بني الفعل للمجهول، ولما ذكر الخير أظهر الفاعل، وهو الرب -جل وعلا-، وهذا من باب تحسين وتلطيف الأسلوب والأدب في الأسلوب، وإلا الله -جل وعلا- خلقكم وما تعملون، وفي أعمالكم ما هو خير، وفي أعمالكم ما هو شر، يعني شخص لدغته حية فمات من الذي قدر عليه هذه المصيبة؟ نعم الرب -جل وعلا-، الرب -جل وعلا- هو الذي قدر عليه هذه المصيبة، وهي شر بالنسبة لهذا الشخص إلا أنها لا يمكن أن يقال: في أفعال الله -جل وعلا- ما هو شر محض، ما يمكن، لا يمكن أن يقال: هذا شر محض، قد يقول قائل مثلاً: لماذا تخلق العقارب والحيات؟ ولماذا .. ؟ ملك من الملوك شك في الحكمة من خلق الذباب، قال: ما الفائدة من خلق الذباب؟ فجالس واحد من جلسائه قال: ليذل الله به الجبابرة، تطرده عن وجهك ويرجع، وأصل التسمية من ذُب فآب، يعني طرد ورجع، وما يذر الجبابرة إلا مثل هذه الحشرات الصغيرة التي يظن أنه مسيطر على أعاظم الأمور، ثم تبتليه هذه الذبابة، ليس فيها شر محض، إنما فيها خير وفيها شر، يلدغ الإنسان فيحمد الله -جل وعلا- ويسترجع فترفع منازله، وتكفر سيئاته هذا خير عظيم، تلدغه حية فيموت ويكون الله -جل وعلا- قد حجبه عن شر، ولذلكم الخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 ((أنا بك وإليك)) يعني وجودي وقوامي وقوتي بك، يعني مستعيناً بك، وكائنة بك، يعني بسببك، وإليك مرجعي ومآلي. ((تباركت وتعاليت)) التبارك، تبارك بهذه الصيغة لا تجوز إلا لله -جل وعلا-، والبركة هي ما يوجده الله -جل وعلا- في بعض أفعاله ومخلوقاته، فمن المخلوقات ما فيه بركة، ومنها ما ليس فيه بركة، وأظهر البركة الحسية في محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعظم الناس بركة، والله -جل وعلا- تبارك وتعالى وتعاظم، لا يجوز أن يقال: تبارك زيد، أو تبارك علينا، كما يقوله بعض العامة، لكن قد يكون في الإنسان بركة لما يرى من أثره في الناس، هذه بركة تعدت، والله -جل وعلا- هو الموجد لهذه البركة، ولذا لا يجوز التبرك بالمخلوقين؛ لأن هذه البركة لا تتعدى بنفسها، البركة خاصة بمن جعل الله -جل وعلا- فيه البركة الحسية وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يتبرك بغيره، ولا بآثار غيره، وبعض الناس مفتون بهذه البدعة، يتمسح بالجمادات التي لا تنفع ولا تضر، يعني باب من حديد صنعه الصانع، وباعه على شخص، لا يدري أيجعله باباً لمسجد أو باب لحمام، ثم يأتي من يأتي من يتمسح بهذا الباب، وأنتم تشاهدون في الحرم من يتمسح ويتبرك -نسأل الله العافية- يطلب البركة من غير الله -جل وعلا-. وامرأة من بعض الجهات تتمسح بالمقام، قلنا: هذا حديد لا ينفع ولا يضر، فقالت: عندكم ما ينفع لكن عندنا ينفع -نسأل الله العافية-، والله بالحرف تقول هذا الكلام، عندنا ينفع، يعني دينكم غير ديننا؟! إن كان ديننا واحد فالذي في ديننا أن مثل هذا لا ينفع، وإن كان لكم دين آخر فابحثوا عن مكان آخر، والله المستعان. ((تباركت وتعاليت)) من العلو، والله -جل وعلا- يثبت له العلو المطلق بأنواعه، علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات، فهو عال على خلقه، بائن منهم، مستوٍ على عرشه. ((أستغفرك وأتوب إليك)) السين والتاء للطب، يعني أطلب المغفرة منك يا رب، وأتوب إليك، والمغفرة من الغفر وهو الستر، والمراد بذلك ستر الذنوب، ويكون سترها بمحوها، وأتوب إليك، وأرجع إليك مما اقترفت من ذنوب ومعاصي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 "وإذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت)) " لك ركعت {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(162) سورة الأنعام] الصلاة لله -جل وعلا- فأجزاؤها له، ومنها الركوع ((اللهم لك ركعت)) هذا جزء من الصلاة التي هي لله رب العالمين. ((وبك آمنت)) يعني لا بغيرك، والإيمان عند أهل السنة قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، هذه أجزاؤه الثلاثة: قول وعمل واعتقاد. ((ولك أسلمت)) آمنت وأسلمت، نحتاج إلى أن نقول: أسلمت مع قولنا: آمنت؟ لأن الإسلام يدخل في الإيمان، نحتاج إلى أن نقول: بك آمنت ولك أسلمت؟ ما يكفي أن نقول: بك آمنت ويدخل فيه الإسلام؟ أهل العلم يقررون أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وهنا اجتمعا إذاً يفترقان، فالإسلام غير الإيمان هنا، ويحمل الإيمان على العقائد، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويحمل الإسلام على أعمال الجوارح، كما في حديث جبريل -عليه السلام- حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان. ((خشع لك سمعي وبصري)) الخشوع والخضوع ويكون كل منهما في القول والجوارح، ومن أهل العلم كصاحب القاموس من يفرق بينهما، بأن يكون الخشوع باللسان والخضوع للجوارح، لكن يرد عليه بقوله -جل وعلا-: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] فدل على أن الخضوع أيضاً يكون بالقول. ((خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) يعني جميع أطرافي خشعت لله -جل وعلا-، والخشوع سواءً كان خشوع السمع أو خشوع البصر أو خشوع المخ والعظم والعصب مطلوب لا سيما في الصلاة، والجمهور على أن الخشوع سنة، تصح الصلاة بدونه، لكن هو لب الصلاة وخلاصتها، وأوجبه جمع من أهل العلم كابن القيم وابن رجب، وقبلهما الغزالي في الإحياء، وأطال الكلام عليه، ما الذي دعا الجمهور أن يقولوا: إن الخشوع سنة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 عمل قلبي، ومع ذلك الذي لا يذهب من صلاته إلا بعشرها؛ لأن المراد بالخشوع حضور القلب، وبقدر حضور القلب يدرك من صلاته ما يدرك، فإذا لم يخشع في صلاته ولم يذهب من أجرها إلا بالعشر هل نقول: الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ صحيحة، لكن الأجر المرتب عليها قل بقدر حضور القلب، فإذا كان حضور القلب بنسبة تسعة إلى عشرة، والصلاة صحيحة يعني شريطة أن يأتي بالشروط والأركان والواجبات، نعم إذا جاء بهذه ولم يحضر قلبه، يعني لم يخشع فيها الخشوع المطلوب في الصلاة بحيث لم يستحضر منها إلا لم يعقل منها إلا العشر، ولا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: إن صلاته باطلة، وإنما قال: ((ليس له من صلاته إلا ما عقل)) والباطلة لا ثواب فيها أصلاً، والذي له عشرها صلاته صحيحة؛ لأن الباطلة لا أجر فيها، فأهل العلم ينظرون إلى هذه المسألة من هذه الزاوية، يقولون: الذي لا يستحضر من صلاته إلا العشر هذا خاشع وإلا غير خاشع؟ نعم؟ في الغالب ليس بخاشع، ليش خاشع وهو ما ذهب إلا بعشر الأجر؟ يعني ما استحضر من صلاته إلا العشر، ومع ذلك صلاته صحيحة ومجزئة ومسقطة عن الطلب، وإن كان أجرها وأثرها المرتب عليها قليل، ومع الأسف أن كثير من المسلمين يصلي بأقل من هذه النسبة، ومنهم من يصلي بهذه النسبة، ومنهم من يصلي بأعلى بأعظم، ولذلك لا تجدون الأثر المرتب على الصلاة موجود في حياة المسلم {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] تجد المسلم يصلي ويسرق، يصلي ويكذب، يصلي ويغتاب، يصلي ويفعل، وين الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ الصلاة المراد بها الصلاة التي تؤدى على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فيها الإخلاص التام لله -جل وعلا-، وفيها المتابعة التامة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حصل هذان الوصفان ترتبت الآثار، وما دام ما يخرج من الصلاة إلا بعشر أجرها، والصلوات الخمس كفارات لما بينهن، لكن هل يتصور أن الصلاة التي لم يخرج منها صاحبها إلا بالعشر بالربع تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ شيخ الإسلام يقول: هذه إن كفرت نفسها بركة، يكفي، والله المستعان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 على كل حال على الإنسان أن يستحضر مثل هذه الأمور، ويخشع في صلاته، وبجميع أطرافه، يعني هل يتصور أن القلب يخشع والأطراف تتحرك؟ نعم؟ لا القلب الملك، هو الذي يدبر هذه الأطراف، لو خشع حقيقة ما تحركت الأطراف، ويذكر عن عمر -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه، ويذكر في المرفوع لكنه لا يصح، المقصود أن مثل هذا الأمر على طالب العلم أن ينتبه له، ويكون قدوة وأسوة للناس. طالب: ما التلازم بين الطمأنينة والخشوع؟ بينهما ارتباط من جهة باعتبار أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، إذا فقدت فقد معها الخشوع من باب أولى، لكن قد يطمئن ولا يخشع، نعم قد يطمئن وقلبه سارح؛ لأن الطمأنينة إنما هي في الأفعال. "وإذا رفع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد)) " وقد يقول: ربنا لك الحمد بدون اللهم، وقد يجمع بين اللهم والواو فيقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وقد يقول: ربنا ولك الحمد بدون اللهم، فالصيغ أربع. ((اللهم ربنا ولك الحمد)) وهذه ثابتة في البخاري وغيره، وإن نفاها ابن القيم؛ لكنها في الصحيح. ((اللهم ربنا لك الحمد)) كما هنا ((ربنا لك الحمد)) دون اللهم والواو و ((ربنا ولك الحمد)) دون اللهم، وهي أربع صيغ، ويقولها كل مصلٍ، ربنا ولك الحمد يقولها كل مصلٍ، وأما سمع الله لمن حمده التي تقال قبلها، فإنما يقولها الإمام والمنفرد، ولا يقولها المأموم، المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ويقولوها الإمام أيضاً، ويقولها المنفرد، وسيأتي تفصيل هذا في الأحاديث اللاحقة -إن شاء الله تعالى- خلافاً للشافعية الذين يقولون: إنه يجمع بينهما كل مصلٍ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: سمع الله لمن حمد ربنا ولك الحمد، وهو القدوة وهو الأسوة، لكنه قدوة باعتباره إمام في هذه الصورة، لأنه يأتي في الحديث: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فوظيفة الإمام قول سمع الله لمن حمده، وأيضاً يقول: ربنا ولك الحمد مع المأمومين، كما أنه ((إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين)) والإمام يقول: آمين، أما المأموم فلا يقول: سمع الله لمن حمده. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17 ومنهم -من أهل العلم- من يرى أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ولا يقول: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد ولا يقول: سمع الله لمن حمده، لكن عرفنا أنه يجمع بينهما الإمام والمنفرد، ويقول الإمام: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وسيأتي مزيد بسط لهذه -إن شاء الله تعالى-. ((ملء السماوات، وملء الأرض)) يعني مثل ما تقدم السماوات جمع، والأرض مفرد ((وملء ما بينهما)) يعني لو قدر أن الحمد جسم فإنه حمد عظيم، عظيم كبير الحجم جداً، يملأ السماوات ويملأ الأرض، ويملأ ما بينهما. ((وملء ما شئت من شيء بعد)) يعني مما نعرفه ومما لا نعرفه كالكرسي والعرش مثلاً، يملأ كل شيء هذا الحمد. "وإذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت)) " مثل ما تقدم أن السجود كالركوع جزء من الصلاة التي هي لله -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(162) سورة الأنعام] والسجود جزء منها، فالصلاة لله، والسجود أيضاً لله -جل وعلا- لا يجوز أن يصرف لغيره كالصلاة، يعني لا يجوز أن يصلي لأحد، ولا يجوز أن يركع لأحد، ولا يجوز أن يسجد لأحد، يعني من سجد لغير الله -جل وعلا- أشرك الشرك الأكبر، من ركع لغير الله -جل وعلا- فقد أشرك الشرك الأكبر، كمن صلى لغير الله -جل وعلا-. ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت)) يعني كما تقدم. ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) يعني ما سجد إلا الوجه؟ أو ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم))؟ سجد الوجه، سجدت اليدان، سجدت الركبتان، سجدت أطراف القدمين، كلها ملامسة للأرض، لكن باعتبار أن الوجه أشرف ما في الإنسان اقتصر عليه، فإذا سجد الأشرف تبعه ما دونه. ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) وهو الله -جل وعلا-، فتبارك الله أحسن الخالقين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 ((وشق سمعه وبصره)) السمع أضيف إلى الوجه، والبصر أضيف إلى الوجه، ولذا العينان تغسلان مع الوجه، لكن هل السمع لما أضيف إلى الوجه من الوجه؟ الأذنان من الوجه أو من الرأس؟ العينان من الوجه بلا شك لكن الأذنان؟ استدل بهذا الحديث من قال: إن الأذنين من الوجه، تغسلان مثل ما يغسل الوجه؛ لأنه قال: ((وشق سمعه)) سمع إيش؟ لأنه قال: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه)) يعني سمع الوجه، الإضافة هنا للوجه، يعني الاستدلال من هذا الحديث ظاهر؛ لكن هل يراد يعني لما سجد الوجه الذي هو أشرف ما في الإنسان قد تكون الإضافة والنسبة للمجاورة، يعني النسبة في الأصل أنها حقيقية، لكن قد تكون النسبة للمجاورة، والأذنان مجاورتان للوجه فنسبتا إليه، وتجدون في نسب كثير من الرواة فلان بن فلان الخياط مثلاً، وإذا بحثت ما وجدته خياط، لكن كان يجلس عند الخياطين، فالنسبة مجاورة، ليست نسبة حقيقية، فلان كذا ينسب إلى قبيلة من القبائل، نزل عندهم وجاورهم فنسب إليهم، فالمجاورة ينسب إليها، فالنسبة تكون لأدنى مناسبة ((لأنتن صواحب يوسف)) يقوله لبعض أمهات المؤمنين الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ما علاقتهن بيوسف لينسبن إلى صحبته؟ لأدنى مناسبة، صدر منهن فعل يشبه من وجه ما صدر من النسوة صواحب يوسف. المقصود أن النسبة قد تكون للمجاورة، ومنها قوله: ((وشق سمعه وبصره)). ((تبارك الله أحسن الخالقين)). الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 "ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) " يعني ما تقدم من ذنوبي، وما سلف منها في أول عمري، ((وما أخرت)) يعني ما تأخر منها، وما وجد منها في آخر عمري، وليس معنى هذا الذنوب المتأخرة عن هذه الدعوة، يعني إذا قلت هذا الكلام في صلاة العشاء ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) هل معنى ما قدمت ما صدر قبل هذه الصلاة، وما أخرت ما يأتي بعد هذه الصلاة؟ يعني تستغفر من ذنب لم يحدث، أو تستغفر لذنوبك المتقدمة والمتأخرة يعني القديمة والجديدة؟ إذا قيل مثلاً: هذا قول جمع من العلماء المتقدمين والمتأخرين، هل معنى هذا أن المتأخرين ما بعد جو؟ هل يلزم منه العلماء ما بعد .. ؟ لا أبداً، ما يقول أحد هذا، إنما هم ممن عاش في الزمن القديم، وممن تأخر وجوده إلى الزمن المتأخر، فحينما تقول: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، اغفر لي يعني ذنب وقع يحتاج إلى دعاء مغفرة، فالذنوب المتقدمة والمتأخرة كلها واقعة. ومنهم من يقول: إن المراد بالذنوب المتقدمة ما حصل وتقدم على هذه الصلاة، والذنوب المتأخرة ما يأتي بعد هذه الصلاة، يعني إن حصل مني ذنب فاغفره لي {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [(2) سورة الفتح] فالمتقدم ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية)) فمن هذا يعني يكفر الذنوب التي حصلت بالفعل، وما لم يحصل من الذنوب إن حصل، يكون بهذا الشرط، وهذا له وجه. ((اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت)) وما أسررت يعني ما عملته خفية، وما أعلنت يعني ما أظهرته وعملته علناً، وما أسرفت يعني ما زدت فيه على القدر المطلوب شرعاً. ((وما أنت أعلم به مني)) لأن الإنسان قد يعمل السيئة والخطيئة ويعرف أنه عملها، فيستغفر منها، وقد يقع في معاصي لا يشعر بها، ولا يعلمها، وقد يظنها حسنات، فهذا مما الله -جل وعلا- أعلم به من العبد ((وما أنت أعلم به مني)) قد يشرك الإنسان شركاً يعرفه، وشرك يخفى عليه، وكفارة ذلك أن يقول: ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)). الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 ((وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)) الله -جل وعلا- بيده أزمة الأمور كلها. تقدم زيد في الأعمال الصالحة وتأخر عمرو، من الذي قدم زيد ومن الذي أخر عمر؟ الله -جل وعلا-، تقدم في بعض الأوصاف وتأخر هذا في بعض الأوصاف، المقدم والمؤخر هو الله -جل وعلا-، أيضاً تقدم هذا في وفاته، تقدم في وجوده، تأخر في وفاته إلى آخره، كل هذا بيد الله -جل وعلا-، لا يستطيع الإنسان أن يتصرف في شيء من هذا " ((أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)) رواه مسلم". يقول ابن حجر: في رواية له أن ذلك في صلاة الليل، وهذا أشرنا إليه في درس الأمس، وقال الصنعاني: لم نجده في مسلم، يعني ما نص مسلم أن هذا في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم حديث علي هذا في قيام الليل، ويكفي هذا؛ لأن مسلم دقيق في وضع الأحاديث، حينما وضع الحديث بين أحاديث قيام الليل دل على أن هذا الكلام إنما يقال في صلاة الليل. وقد نقل الحافظ في التلخيص عن الشافعي وابن خزيمة أنه يقال في المكتوبة، وهو أيضاً عند ابن حبان أنه في الصلاة المكتوبة، ولا مانع أن يقال في الصلاة المكتوبة، ويقال في صلاة الليل، ومع ذلك يقوله غير الإمام؛ لأن فيه طول، فقد يشق على المأمومين، ويقوله الإمام الذي يعرف من رغبة المأمومين في الإطالة ما يعرف. ثم بعد ذلك قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر" كبر تكبيرة الإحرام، وتقدم أنها ركن عند الجمهور وعند الحنفية شرط، وعرفنا فائدة الخلاف. "إذا قام في الليل كبر قائلاً: الله أكبر، ثم يقول بعد ذلك: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) " سبحان مصدر سبح يسبح تسبيحاً وسبحان مثل غفران، والمعنى التسبيح التنزيه، يعني أنزه الرب -جل وعلا- عن كل ما لا يليق به، ((وبحمدك)) الواو هذه عاطفة، والتقدير وبحمدك سبحتك، سبحانك وبحمدك سبحتك، كما قال الزجاج، فهي عاطفة تكون الواو حينئذٍ عاطفة. ((وتبارك اسمك)) يعني البركة في اسمك في ذكره، يعني والاسم مفرد مضاف، مفرد مضاف اسمك، وإذا أضيف المفرد دل على إيش؟ العموم، فالمراد هنا جميع أسماء الله -جل وعلا- مباركة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 ((وتعالى جدك)) تعالى يعني تعاظم قدرك، وتعالى جدك، والجد يأتي بمعنى العظمة، ويأتي أيضاً بمعنى القدر، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، وقال بعض المفسرين في تفسير سورة الجن في قول الله -جل وعلا-: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [(3) سورة الجن] قال بعض المفسرين: إن هؤلاء الجن جهلة، يعني أول يدخلون في الإسلام الآن ما يعرفون شيء عن الإسلام، وظنوا أن للرب جداً، تعالى الله عن هذا القول، ووصفوا هذا الجد، الجد الذي هو أبو الأب، قال بعض المفسرين: إنهم جهال، لا يعرفون عن الله -جل وعلا- ما يقتضي تعظيمه عن مثل هذا الوصف، أنهم ظنوا أن له جداً كغيره، تعالى الله عما يقولون، أو عما قيل، لكن هذا القول ليس بشيء، لماذا؟ لأن القرآن نزل مؤيداً له، وبحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف يسوغ مثل هذا الكلام؟! هذا وجد في كتب التفسير، لكن كيف يسوغ بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول مثل هذا الكلام ولا ينكره! وينزل القرآن بذكره من غير تفنيد؟ هذا لا يمكن، هذا قول لا حظ له من النظر. ((ولا إله غيرك)) يعني لا معبود بحق سواك يا الله، وإن عبد معه غيره، لكنه ليس بحق، معبودات باطلة {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [(98) سورة الأنبياء]. "ثم يقول: ((الله أكبر كبيراً)) " يعني بعد دعاء الاستفتاح هذا يقول: الله أكبر كبيراً، وجاء عن ابن مسعود أيضاً ((والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً)) لكن هذا المعروف عن ابن مسعود في تكبيرات صلاة العيد لا في هذا الموضع. على كل حال هذا موجود في حديث أبي سعيد، وحديث أبي سعيد فيه كلام لأهل العلم نذكر شيئاً منه عند كلام المؤلف. "ثم يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) " لماذا؟ لأنه يريد أن يقرأ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] هذا الأمر يشمل القراءة في الصلاة وخارج الصلاة. ((أعوذ بالله السميع العليم)) أعوذ يعني التجئ وأعتصم بالله -جل وعلا- ((السميع العليم)) الموصوف بهاتين الصفتين، والمسمى بهذين الاسمين السمع والعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22 ((من الشيطان الرجيم)) الشيطان إما من شطن إذا بعُد، أو من شاط إذا احترق ((الرجيم)) والمقصود به إبليس اللعين، ومن يتبعه من شياطين الإنس والجن؛ لأن (أل) جنسية هذه، الرجيم المرجوم. ((من همزه ونفخه ونفثه)) من همزه الهمز هو من الكيد كما يقول بعض أهل العلم، أو أنه هاه؟ إيش؟ طالب:. . . . . . . . . الصرع، نعم الصرع. ((ونفخه)) النفخ والنفث النفخ بلا ريق، والنفث مع الريق، لكنه دون التفل، ويراد بذلك الوسوسة والسحر والشعر والأمور التي تجري على ألسنة الشياطين، وفي أفعالهم يستعاذ بالله من الشيطان، وجميع أفعاله المؤثرة على الإنسان بقدرة الله -جل وعلا-. منهم من يقول: الهمز الموتة وقد .. ، الشيطان يصرع الإنسان وقد يزيد في ذلك فيقتله، حصل هذا لبعض أهل العلم في التراجم، يذكرون أن الشياطين أو الجن قتلوه، وقد جاء في وفاة سعد بن عبادة أنه بال في جحر فقتله الشياطين. نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده والقصة معروفة فيها ضعف، على كل حال يستعاذ من الشياطين، والاستعاذة مطلوبة قبل قراءة القرآن، والصيغة الواردة ما جاء في هذا الحديث وغيره: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) ولو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [(98) سورة النحل] ما فيه السميع العليم، يعني من قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم امتثل الأمر، ومن زاد السميع العليم فله ذلك؛ لأنها جاءت بها بعض النصوص {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [(200) سورة الأعراف] نعم فإذا زاد السميع العليم لا بأس -إن شاء الله تعالى-، وإن اقتصر على أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفاه. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه من رواية جعفر بن سليمان، وقد احتج به مسلم عن علي بن علي الرفاعي، وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23 "وقال الترمذي: وقد تكلم في إسناده، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي" علي بن علي معروف بإيش؟ بالعبادة، رجل عابد، رجل صالح، وهذا النوع من الرواة الذين يصرفون جل أوقاتهم للعبادة لا بد أن يقع في حديثهم ما يقع؛ لأنهم يغفلون عن تحفظ الأحاديث بالعمل، ينصرفون إلى .. ، وكثير هذا في العباد، لكن لا يؤثر على العابد الذي عنده قوة حافظة، يتذكر بها ما شاء متى شاء، لكن مع ذلك من الناس من حافظته أقل، لكنه يكثر المراجعة، ويديم النظر في مروياته، هذا يضبط ويتقن، إذا غفل عن ذلك، إذا غفل إلى العبادة مثلاً لا شك أنه على حساب العلم، لكن على هذا ينبغي أن يكون العالم وطالب العلم عنده شيء من التوازن، لا يصرف جهده إلى العبادة فينصرف عن العلم، ولا يصرف جهده إلى العلم بحيث ينسى العبادة، فيكون عنده شيء من التوازن، فتُكلم في علي بن علي من أجل هذا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 كان يحيى بن سعيد القطان يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وقال أبو داود: هذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن -رحمه الله تعالى- يعني حينما يقال: رحمه الله وهو رجل متكلم فيه يدل على أنه يستحق أن يترحم عليه، لماذا؟ لأن عنده من العبادة ما عنده، ولذلك تجدون بعض الناس مثلاً النووي مثلاً قد يكون الراوي ضعيف، وإذا ترجم به أشاد به لأنه عابد؛ لأن كل إنسان ينظر إلى الناس مما يميل إليه، تجد هذا الراوي تكلم عليه ابن حجر، ويتكلم عليه النووي، النووي ينظر إليه من زاوية العمل، وابن حجر ينظر إليه من زاوية العلم، فتجد لو كان من أعبد الناس وعنده شيء من الضعف ابن حجر يشير إلى أنه عابد، لكن ما يشيد به مثلما يشيد به النووي، بينما لو كان حافظ من الحفاظ ومنزلته في العبادة أقل تجد النووي يشير إلى أنه حافظ مجرد إشارة ويمشي، فكل إنسان ينظر إلى هذه الأمور حسب ميله، يعني هذا الظاهر يعني لو تقرأ في تراجم الرواة عند النووي غير ما تقرأ لابن حجر، ابن حجر ينظر إليه من حيث الضبط والحفظ والإتقان، يعني من حيث ما يثبت حديثه ويضعفه، النووي لا، الرجل عابد يقدر لأمثال هؤلاء هذه العبادة عنده، فيشيد بهم، فحينما يقول: الرجل متكلم فيه، يقولون: هو عن علي بن علي -رحمه الله تعالى-، فالناس يساقون إلى الدعاء لمثل هذا، ولا شك أن العالم العابد الناس تثق به ثقة مطلقة، وتجري الدعوات على ألسنتهم شعروا أو لم يشعروا، وعمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة أخذ من بني أمية من أقاربه ومعارفه ما منحوه، وما أقطعوا من أراضي ممن منحهم من قبله، فجاء شخص إلى من بعد عمر بن عبد العزيز هشام؟ نعم؟ فقال: سليمان الذي قبل عمر بن عبد العزيز أعطاني أرضاً، فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها، قال: يا أخي الذي أعطاك الأرض ما قلت: رحمه الله، والذي أخذها تقول: رحمه الله؟ قال: ويش بيدي الناس كلهم تقول هذا، كلهم يقولون هذا، فلا بد أن يجري الله -جل وعلا- على ألسنة الناس من الثناء لمن يستحق الثناء شاءوا أم أبوا، والله المستعان، والناس شهداء الله في أرضه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 "قال: الوهم من جعفر" يعني ليس من علي بن علي، إنما هو من جعفر بن سليمان، وعلى كل حال الحديث له طرق تجعله مقبولاً. ثم قال: "وعن عبدة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة كبر، ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)) يعني الاستفتاح بهذا اللفظ وارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرفوعاً من حديث أبي سعيد، ووارد من قول عمر -رضي الله عنه-، أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". الموقوف على عمر ذكره مسلم في صحيحه، والمرفوع عرفنا ما فيه من الكلام، المرفوع فيه كلام لأهل العلم، مضعف بسبب ما قيل في علي بن علي، وفيه وهم أيضاً من قبل نعم؟ جعفر بن سليمان، وحديث عمر يرويه عبدة أن عمر، يرويه عبدة لا يرويه عن عمر، إنما عبدة يقول: أن عمر -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" هذا ينبني على كون عبدة أدرك عمر أو لم يدركه؟ إن كان أدرك عمر فهو يحكي قصة أدركها، وإن كان لم يدرك عمر فهو يحكي قصة لم يدركها، وعلى كل حال الخبر في صحيح مسلم. يقول: "ذكره مسلم في صحيحه لأنه سمعه مع غيره" يعني عبدة سمعه مع غيره، المقصود أن عمر كان يجهر بها ويعلمها الناس، فلكثرة من يرويها عن عمر مسلم -رحمه الله تعالى- لكثرة من يرويها عن عمر، واستفاضة هذا اللفظ عن عمر اكتفى الإمام مسلم بهذه الاستفاضة عن تطبيق الشرط، وإلا فعبدة لم يدرك عمر، ولم يسمع منه، إنما رآه رؤية، مجرد رؤية لا يثبت بها اتصال. وليس هو على شرطه؛ لأن شرط مسلم المعاصرة، وهو بسنة أو سنتين هذا معاصر لمن مات بعد ذلك مباشرة؟ لا تكفي مثل هذه المعاصرة، إنما المعاصرة مع إمكان السماع، وهنا السماع غير محتمل، نعم رآه رؤية. يقول: "وليس هو على شرطه، فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه إنما رآه رؤية" كذا عندكم؟ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 طالب: رواه رواية. لا هين سهل هذا، يقول: " فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه، إنما رآه رؤية". طالب:. . . . . . . . . لا لا، هي رآه رؤية، ما نقول: رواه رواية، سهل هذا، ما هو الإشكال هنا، الذي لم يدرك الابن عبد الله بن عمر يقال: إنه لم يدرك عمر؟ الذي لم يسمع من عبد الله بن عمر يقال: إنه لم يدرك عمر، وقد عاش عبد الله بن عمر بعد أبيه خمسين سنة؟ نحتاج إلى أن نقول: إنه لم يدرك عمر؟ نحتاج؟ ما نحتاج؛ لأن هنا مفاوز، والذي ينص عليه ما يحتاج إليه، يعني مما يحتمله السياق، ولذا في نيل الأوطار يقول: "وعبدة لا يعرف له سماع من عمر، وإنما سمع من عبد الله بن عمر، ويقال: رأى عمر رؤية" يعني الذي رأى عمر يشك في سماعه من ابن عمر؟ نعم؟ لأن ابن عمر عاش بعد أبيه خمسين سنة، فلا يشك في سماعه منه، وعنكم يقول: "فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه" يعني إذا قلنا: لم يسمع من ابن عمر فمن باب أولى لم يسمع من أبيه ولم يدركه، إنما رآه رؤية، يعني رأى عمر رؤية، والرؤية لا يثبت بها اتصال، ولا تثبت بها المعاصرة، ولذلك صغار الصحابة مثل محمد بن أبي بكر لا يقال له: صحابي؛ لأنه لما توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- صغير جداً، عمره ثلاثة أشهر وأيام. "وقد روى الدارقطني بإسناده عن الأسود عن عمر أنه كان يقول هؤلاء الكلمات، وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر" قال المروزي من أصحاب الإمام أحمد: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر؛ لأن عمر جهر به على المنبر، وعلمه الصحابة، فيرجحه الإمام أحمد "وقد روي فيه من وجوه ليست بذاك" يعني روي فيه مرفوع من وجوه ليست بذاك القوي، يعني فيها ضعف، أما الموقوف على عمر فصحيح. هذا نوع من أنواع الاستفتاح، ونوع الذي جاء في حديث علي، ونوع جاء في حديث أبي هريرة: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي ... )) إلى آخره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 أنواع الاستفتاحات محفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم أن يحفظها، يحفظ ما ثبت منها، ويقول هذا أحياناً، ويقول هذا أحياناً، ويقول ما جاء في صلاة الليل في صلاة الليل، وما لم يذكر فيه صلاة الليل يقال في الصلوات كلها. "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير" يستفتح يعني يبتدئ الصلاة بالتكبير، فيقول: الله أكبر، وهذه التكبيرة هي تكبيرة الإحرام التي هي ركن من أركان الصلاة، لا تنعقد إلا بها، وعلى هذا لا يوجد أي كلام من أجل الصلاة قبل التكبير، يقصد إلى مصلاه ويقول: الله أكبر، ولا يتكلم بكلام قبل هذا، لا يقول: نويت أن أصلي صلاة كذا أربع ركعات، فرض الوقت، خلف الإمام، أو مثل ما يقال من الألفاظ المبتدعة وهذه لم تثبت، ولم تذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا عن صحابته ولا عن التابعين، لا بإسناد صحيح ولا حسن ولا ضعيف، بل هي بدعة، فالنية القصد، مجرد القصد هذه نية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28 "يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءةَ بالحمدُ لله رب العالمين" الحمدُ مرفوع على الحكاية، يعني ويستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، يستدل بهذا من لا يرى الاستفتاح ولا يرى التعوذ ولا البسملة، الله أكبر الحمد لله رب العالمين؛ لأن الحديث: "يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" وهذا معروف عند المالكية أنه لا استفتاح، ولا تعوذ، ولا بسملة، والجمهور يرون الاستفتاح، وقد دلت الأدلة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يقول بين التكبير والقراءة دعاء الاستفتاح، ويتعوذ ويسمي، طيب ماذا عن هذا الحديث: "يستفتح القراءة"؟ فهل دعاء الاستفتاح قراءة؟ دعاء الاستفتاح ليس بقراءة، فهو يستفتح القراءة وإذا كان يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين لا منافاة بين أن يوجد الاستفتاح قبل القراءة، والقراءة إنما تفتتح بالحمد، يوجد الاستفتاح ويوجد التعوذ من أجل القراءة، يوجد الاستفتاح؛ لأنه ليس بقراءة، فلا ينفيه هذا الحديث، ويوجد التعوذ الذي هو من أجل القراءة عند إرادة القراءة، كما ثبت في الآية والأحاديث، ويبسمل، ويكون المراد بالحمد لله رب العالمين هذه الجملة علم على هذه السورة، يعني اسم الفاتحة: الحمد لله رب العالمين بما فيها البسملة عند من يقول بأن البسملة آية من آيات الفاتحة كالشافعي على الخلاف بين أهل العلم، هل البسملة آية من الفاتحة أو ليست بآية؟ هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية من أي سورة؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ خلاف بين أهل العلم. والبسملة بعض آية من سورة النمل إجماعاً، وليست بآية في أول التوبة إجماعاً أيضاً، وما عدا ذلك من السور خلاف، منهم من يقول: إنها آية من كل سورة، ومنهم من يقول: هي آية من سورة الفاتحة فقط، ومنهم من يقول: هي آية في القرآن كله نزلت للفصل بين السور. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29 فالذي يقول: إن البسملة آية من الفاتحة نعم يفتتح القرآن بسورة الحمد بما فيها البسملة، والذي يقول: إنها ليست بآية من الفاتحة يقول: حكمها حكم الاستعاذة، فالاستفتاح ليس بقرآن ولا بقراءة، يستفتح القراءة بالحمد فلا ينفي أن يستفتح، يتعوذ لإرادة القراءة كما أمر، والبسملة أيضاً ثبتت أنه كان يبسمل قبل السور، المقصود أن مثل هذا لا ينفي الاستفتاح ولا التعوذ ولا البسملة؛ لأنه ورد نصوص مفسرة مفصلة تبين أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يستفتح ويتعوذ ويبسمل قبل قراءة الفاتحة. "وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه" يشخص رأسه يعني يرفع رأسه، يعني لا يرفع رأسه هكذا، لم يشخص رأسه {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] يعني ترتفع، ولم يصوبه، يخفض رأسه، بل يكون الرأس بمستوى الظهر، لا يشخصه بمعنى يرفعه، ولا يصوبه يعني يخفضه، ومنه قيل للمطر: الصيب، لماذا؟ لأنه ينزل في الأرض ((اللهم اجعله صيباً نافعاً)) يعني نازلاً ينفع الأرض -إن شاء الله تعالى-. "ولم يصوبه، ولكن بين ذلك" يعني يكون باستواء الظهر "وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً" يعني لا بد من الطمأنينة في هذا الركن، وحتى يعود كل فقار إلى مكانه على ما تقدم "وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً" وفي هذا رد على من لا يرى الطمأنينة في هذين الركنين، وفصلنا هذا بالأمس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 "وكان يقول في كل ركعتين التحية" التحية هل المراد بها السلام عليكم؟ {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ} [(86) سورة النساء] تحية أهل الإسلام، تحية أهل الجنة إيش؟ السلام عليكم، هل يقول: السلام عليكم؟ إذا صلى ركعتين قال: السلام عليكم؟ ما المراد بالتحية هنا؟ التحيات "وكان يقول في كل ركعتين التحية" قد يقولها بعد ركعة، قد يقول التحية بعد ركعة، لكن الغالب أن الصلاة لا تقل عن ركعتين، فإذا كانت من ركعتين، أو أربع بين كل ركعتين، بعد كل ركعتين تحية، إذا كانت ثنائية أو رباعية كان بين كل ركعتين تحية، لكن إذا كانت ركعة واحدة، والصلاة قد تكون ركعة كالوتر مثلاً يقول فيها التحية، إذا كانت ثلاثية يقول بعد الركعتين التحية، ويقول بعد الثالثة التحية، فالحديث خرج مخرج الغالب. "وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى" وكان يفرش رجله اليسرى فيجلس عليها، وينصب رجله اليمنى "وكان ينهى عن عقبة الشيطان" فسرت عقبة الشيطان بأن يلصق إليتيه على الأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويرسل يديه على الأرض، يعني كما يفعل الكلب، وهذا هو الإقعاء المنهي عنه. "وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" هكذا على الأرض وهو ساجد، الذراعين، يجعل الذراعين على الأرض، هذا منهي عنه، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وجاء تفسيره بالكلب أيضاً، وكان يختم الصلاة بالتسليم، يفتتحها بالتكبير، ويختتمها بالتسليم، فالتكبير ركن، تكبيرة الإحرام، وكذلك التسليم ركن على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به عند الجمهور خلافاً للحنفية أنه إذا فرغ من التشهد فقد تمت صلاته كما في حديث ابن مسعود ويأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-. "رواه مسلم". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) " يعني فلا يتقدم عليه ولا يفتأت عليه، ولا يتأخر عنه تأخراً بيناً ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ليقتدى به، ويفعل مثل أفعاله ((ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا)) إذا كبر للإحرام أو غيرها من تكبيرات الانتقال كبروا، والمقصود إذا فرغ من التكبير فكبروا، ولا يوافق في التكبير يكون تكبير الإمام مع تكبير المأموم، لا، إنما يكبر الإمام، فإذا فرغ من التكبير يكبر المأموم. ((وإذا ركع فاركعوا)) إذا شرع في الركوع فاركعوا، إذا شرع في الركوع وليس المراد بالشروع الهوي، لا، يعني بدأ بالركوع فعلاً ((فاركعوا)) وعرفنا أنه إذا كبر فكبروا يعني فرغ، وإذا ركع شرع، وإذا قام إلى الصلاة أراد القيام وهكذا، فالفعل الماضي يأتي للفراغ من الفعل، والشروع فيه، وإرادة الفعل. ((وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ((فقولوا: اللهم ربنا)) يعني عندكم مكرر اللهم اللهم؟ طالب: لا واحدة، واحدة يا شيخ. يعني ما في الثانية بين قوسين؟ طالب: لا لا، واحدة فقط بين قوسين. اللهم اللهم، كتب مرتين، هذا خطأ قطعاً. ((اللهم ربنا لك الحمد)) وعرفنا الصيغ الواردة في هذه الجملة، اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد كما هنا، اللهم ربنا ولك الحمد كما في البخاري، وهي التي قال ابن القيم: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، ويستدرك عليه وليس بمعصوم، ربنا ولك الحمد، ربنا لك الحمد. ((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)) هذا الأصل، صل قائماً، يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة المفروضة، لا تصح الصلاة من قعود بالنسبة للقادر على القيام، أما بالنسبة للنافلة فتصح النافلة، لكن ليس له من الأجر إلا النصف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 وعرفنا أن النص ((صلى قائماً فصلوا قياماً)) هذا يشمل الفرض والنفل ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) يشمل الفرض والنفل، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) محمول على النافلة، وحديث عمران بن حصين محمول على الفريضة. النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند البيهقي دخل المسجد والمدينة محمة، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنها نافلة؛ لأنهم ما يصلون قبل حضوره الفريضة، ودل على أنه بالنسبة للقادر على القيام تصح صلاته، لكن على النصف نعم؛ لأنهم تجشموا القيام فقاموا أما العاجز عن القيام أجره كامل في الفريضة والنافلة. ((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس عن يساره، وأكمل الصلاة جالساً -عليه الصلاة والسلام-، وهم من قيام، كيف نوفق بين حديث مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد صلى قاعداً وهم قيام وهذا الحديث: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))؟ وأجمعون تأكيد للواو في صلوا، وجاء أجمعين منصوب على الحال، حال كونكم أجمعين، أي مجتمعين. ((صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) وصلى في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- قاعداً وهم من قيام، فمن أهل العلم من يرى أن مثل هذا النص منسوخ، منسوخ بما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، فقد صلى قاعداً وهم يصلون قياماً، والآخر ينسخ المتقدم هذا قول الأكثر، مالك ما يرى صحة الإمامة خلف القاعدة، لا من قيام ولا من قعود، هذا قول المالكية، صلاة المأموم خلف القاعد باطلة فيبحث عن غيره. الحنفية والشافعية يقولون: تصح إمامة القاعد، لكن يصلي القادر على القيام من المأمومين قياماً، وهذا الحديث منسوخ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 الحنابلة يقولون: لا، الحديث محكم، كيف نوفق بين هذا الحديث وبين صلاته في مرضه -عليه الصلاة والسلام- قاعد والمأمومين من قيام؟ قالوا: نحمل هذا الحديث على حالة، وهي: إذا ما صلى إمام الحي، إذا افتتح، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً، إذا صلى إمام الحي، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها فإنهم يصلون خلفه من قعود، إمام الحي وتبدأ الصلاة؛ لأن الصلاة في مرضه -عليه الصلاة والسلام- ابتدأت من قعود وإلا من قيام؟ طالب: من قيام. من قيام؛ لأن الذي صلى بهم أول الأمر أبو بكر قائم، فالصلاة ابتدأت من قيام، والحديث لا يشمله هذا، يحمل على ما إذا ابتدأت من قعود، وأن يكون الإمام إمام الحي، أما إذا ابتدأها غيره من قعود فلا يصلى وراءه، يبحث عن غيره، أو يصلون خلفه قياماً، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة من قعود لعلة يرجى برؤها، نأتي بشخص مقعد ونقدمه بيننا أمامنا يعني ميئوس منه مقعد، أو أقطع الرجلين يجلس يصلي جالساً، نأتي بمثل هذا لنترخص به ونصلي من قعود! لا، مثل هذا إن صلى لميزة واضحة لا نصلي من قيام، والأصل أن مثل هذا لا يصلي؛ لئلا يقع الناس في الحرج ((كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم)) الصلاة خلف القاعد من قيام فيها مشابهة لفارس والروم، فمثل هذا لا يصلي، لكن إن كانت له مزية تجعله يؤم الناس لفضله وعلمه وإمامته يصلي بالناس، يصلون من قيام؛ لأن العلة لا يرجى برؤها، فإذا ابتدأ الإمام -إمام الحي- الصلاة من قعود لعلة يرجى برؤها فإنهم يصلون خلفه من قعود ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) أما إذا افتتحت الصلاة من قيام فلا. إذا كان الإمام غير إمام الحي فلا، إذا كانت العلة لا يرجى برؤها فلا، وبهذا يوفق بين النصين، مذهب الحنفية والشافعية الحديث منسوخ، فالقاعد لا يجوز له أن يقعد .. ، ومذهب المالكية يقولون: القاعد لا يصلى خلفه، والحنابلة يقولون بهذه القيود، يصلي الناس جلوس مثل الإمام، وإذا اختل شرط من هذه الشروط فإنهم يصلون من قيام، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (13) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود" متفق عليه. وللبخاري عن نافع أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. وعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده" فعل مثل ذلك. رواه مسلم، وفي رواية له: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه". وروى عن وائل بن حجر أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وضعهما حيال أذنيه، ثم التحف ثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما ثم كبر فركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه". وروى ابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره". يكفي، بركة، حسبك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في صفة الصلاة. يقول -رحمه الله-: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 1 "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة" يعني مع تكبيرة الإحرام، يرفع يديه حذو يعني مقابل منكبيه، تثنية منكب، وهو مجتمع رأس العضد مع الكتف، يرفعهما حذو منكبيه، وهذه السنة متفق عليها بين الأئمة رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام قول عامة أهل العلم، لم يخالف فيها أحد من الأئمة المعتبرين في هذا الموضع، وخالف بعضهم في المواضع اللاحقة، فالأئمة الأربعة كلهم على رفع اليدين في هذا الموضع، وأما بالنسبة للموضعين مع الركوع والرفع منه فيقول بهذا بقية الأئمة عدا الحنفية، وفي الموضع الرابع إذا قام من الركعتين وهو قول الشافعية، ولا يقول به الحنابلة على ما سيأتي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 2 "كان يرفع يديه حذو منكبيه" في الرواية أو الحديث الآخر يقول: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه" "حذو منكبيه" يعني مقابل منكبيه، مقابل مجتمع العضد مع الكتف، والرواية الأخرى إلى فروع أذنيه، فمنهم من يقول: إن المصلي مخير، إما أن يرفع ويبالغ في الرفع إلى فروع الأذنين، أو يخفض قليلاً إلى أن يساوي أو يحاذي المنكبين، ومنهم من يقول: إنه منتهى الرفع إلى فروع الأذنين، بمعنى أن أطراف الأصابع تحاذي فروع الأذنين، وظهور الكفين تحاذي المنكبين، وأنتم ترون المصلين مع الأسف بما فيهم ممن ينتسب إلى طلب العلم يتساهل في هذه السنة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبوتاً قطعياً، يتساهل فيها إما أن لا يرفع أو يرفع رفعاً يشبه العبث مجرد تحريك لليدين، لا يحاذي بهما ولا سرته، بس مجرد تحريك هكذا، وهذا لا يكفي، هذا عبث هذا، فلا بد من معرفة السنة ليتم الاقتداء والامتثال ((صلوا ما رأيتموني أصلي)) ثم بعد ذلك لا بد من تطبيق السنة، ولا بد من فقه لهذا التطبيق، نجد بعض طلاب العلم يتساهل في تطبيق السنة، ويعرف السنن، لكنه لا يحرص على التطبيق، وقد يوجد من هو متخصص في السنة، ويعلم السنة، ومع ذلك يتساهل في التطبيق، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة وهو القدوة، وقد أمرنا أن نصلي كما وصف لنا، كما وصفت لنا صلاته -عليه الصلاة والسلام-، والصلاة إذا لم تؤدَ على الوجه الشرعي امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فإنها لا تؤدي الثمرة المرتبة عليها، ولا تحصل الآثار المترتبة عليها، كثير من المسلمين يصلي، لكن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر؛ لماذا؟ لأنه لا يأتي بها على الوجه الشرعي، في الحركات الظاهرة المقدور عليها، فكيف بالأعمال الباطنة التي قد يعجز عنها كثير من الناس، ويشكو منها كثير من المصلين، تجده إذا أراد أن يرفع يديه حرك يديه مجرد تحريك، هذا ليس بشيء، هذا عبث هذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع يديه حذو منكبيه، وسمعنا الروايات الأخرى، وستأتي إلى فروع أذنيه، فلا يكفي أي رفع، بل لا بد من الرفع على الصفة والوجه الشرعي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 "إذا افتتح الصلاة" يعني إذا كبر تكبيرة الإحرام، يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، الأصل أن يكون الرفع مقترن بالتكبير؛ لأنه علامة عليه وإشارة، يستدل بها من لا يسمع التكبير، فيشترك في رؤية الإمام وسماع الإمام وتضافر على الدخول في الصلاة أكثر من دليل، يستدل به المصلي المقتدي بإمامه، فالذي يسمع يسمع التكبير، والذي لا يسمع يرى رفع اليدين وهكذا، فالأصل أن يكون الرفع مقترن بالتكبير، يبدأ معه بداية ونهاية، لكن إن قدمه قليلاً، أو تأخر قليلاً هذا لا يضر عند أهل العلم، لكن مع ذلك الأصل أن الرفع علامة على التكبير، تكبيرة الإحرام التي هي ركن من أركان الصلاة على ما تقدم عند الجمهور، وأشرنا سابقاً إلى أن تكبيرة الإحرام عند الحنفية شرط من شروط الصلاة، وعرفنا الفوائد المرتبة على الخلاف. "وإذا كبر للركوع" هذا هو الموضع الثاني من مواضع رفع اليدين في الصلاة، إذا كبر للركوع رفع يديه، "وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك" وصفة الرفع في الركوع والرفع منه غير مبينة في الحديث، ما فيه: وإذا كبر للركوع رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، والظاهر أنه إحالة على الصفة السابقة، ولا تحتاج إلى ذكر، يكفي ذكر الكيفية في موضع واحد، ويحال عليه المواضع الأخرى، فيكون الرفع في جميع المواضع حذو منكبيه، ويكرر العابث الذي يحرك يديه مجرد حركة هذا العبث في هذه المواضع، وبعض الناس لا يرفع بهذه السنة رأساً مع أنه لا إشكال عنده في ثبوتها، ولا في مشروعيتها، وتجده يصلي كأن الأمر لا يعنيه. هذه المواضع الثلاثة عرفنا أن الحنفية يقولون بالموضع الأول، والأئمة الثلاثة يقولون في الموضعين أيضاً، فيجمع لهم ثلاثة مواضع، والشافعية يقولون بالموضع الرابع الآتي في الخبر الذي يليه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 رفع اليدين سنة عند جماهير أهل العلم، ونقل على ذلك الإجماع، نقله النووي وغيره، مع أنه نُقل الوجوب بالنسبة للرفع مع تكبيرة الإحرام النووي نقل الإجماع على أنه سنة، ونقل الوجوب عن الحميدي شيخ البخاري وعن السياري من أئمة الشافعية، فالنووي نقل الإجماع ونقل الوجوب، نقل الإجماع على الاستحباب، ونقل الوجوب عن بعضهم، أحمد بن سيار السياري من أئمة الشافعية، نقل قوله النووي في شرح المهذب، وفي شرح مسلم، مع أنه نقل الإجماع على الاستحباب، فهل في هذا تعارض بين نقله الإجماع ونقله القول بالوجوب؟ لأنه هو النقل الخلاف، نقل الإجماع ثم نقل الخلاف؟ أو أن القائل بالوجوب قائل بالاستحباب وزيادة؟ فكأن الجماع على المشروعية، يعني هل يؤثر القول بالوجوب على القول بالاستحباب لكي نجمع بين القولين، ولا نقول: إن النووي اضطرب في هذا؟ أو نقول: إن المخالف جاء بعد أن انعقد الإجماع فلا عبرة بقوله فكأنه لم يعتبره؟ هذا موجود في كلامه في صفحة واحدة كلام النووي. طالب:. . . . . . . . . كيف اتفاق؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، النووي رأيه رأي الجمهور في أن الإجماع اتفاق جميع المجتهدين، يعني ما هو مثل ابن جرير الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، لا، قوله معروف أنه يرى أن الإجماع قول الكل، فهل يؤثر قول من قال بالوجوب على الإجماع على الاستحباب؟ أو نقول: إن القول بالوجوب استحباب وزيادة لا يؤثر عليه؟ كأنه قال: أجمعوا على المشروعية، والمشروعية يندرج فيها الوجوب والاستحباب، أو نقول: إن هذا من تساهل النووي في نقل الإجماع؟ أو نقول: إن هذا خلاف حادث بعد أن اتفق الأئمة على الاستحباب فلا عبرة به كأنه لم يوجد؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 يعني الاستحباب أعم من أن يكون الاستحباب الاصطلاحي، نعم أعم من أن يكون الاستحباب الاصطلاحي منهم من قال هذا، أن الاستحباب لا ينافي الوجوب؛ لأنه استحباب وزيادة، وعلى كل حال النووي له من هذا مسائل عديدة ينقل الإجماع ثم ينقل الخلاف، يعني نقل الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة، مع أن أبا عوانة في صحيحه قال: باب وجوب صلاة الكسوف، قد يقول قائل: إن النووي لم يستحضر كلام أبي عوانة، لكن هنا استحضر المخالف، ونقل الإجماع على استحباب عيادة المريض مع أن البخاري في صحيحه يقول: باب وجوب عيادة المريض، يعني إذا قلنا: إنه غاب عنه قول أبي عوانة فإننا لا نتصور أن يغيب عنه ما ترجم به الإمام البخاري من وجوب عيادة المريض، وعلى كل حال النووي له مواطن من هذا النوع، وهذا من تساهله -رحمه الله-، من تساهله في نقل الإجماع. "وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك" يعني كذلك تشمل الرفع وصفة الرفع، رفعهما كذلك أيضاً. "وقال: سمع الله لمن حمد ربنا ولك الحمد" إذا رفع من الركوع الرسول -عليه الصلاة والسلام- يجمع بين الذكرين، سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وهذا في حق الإمام والمنفرد ظاهر، في حق الإمام والمنفرد في الجمع بين الذكرين ظاهر، لكن المأموم ماذا عنه هل يجمع بينهما؟ بمعنى أنه إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، يقول المأموم: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل؟ بهذا قال الشافعية، والأكثر على أنه إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده قال المأموم: ربنا ولك الحمد، فالإمام يجمع بينهما، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 وفي الحديث السابق: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، وهذا مما يختص به الإمام، وأفعاله -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة وغيرها وهو الأصل أنه هو القدوة وهو الأسوة، لكن قد يفعل الفعل باعتباره مكلف من المكلفين -عليه الصلاة والسلام-، فيقتدي به جميع المكلفين، ويفعل الأمر باعتباره إمام، فيقتدي به الأئمة فقط، الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما دخل المسجد لصلاة الجمعة وصعد المنبر هل يقتدي به المأمومون فيجلسون بدون صلاة؟ يعني ما ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى حينما دخل لصلاة الجمعة قبل الصلاة، وأمر الداخل ((قم فصلِ ركعتين)) فعله باعتباره إمام يقتدي به الأئمة في هذا، فأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- لها عدة اعتبارات: منها: ما يقتدي به الجميع، ومنها ما يقتدي به الأئمة، ومنها ما يقتدي به القضاة مثلاً، ومنها ما يقتدي به الحكام، فلا يلزم أن يكون -عليه الصلاة والسلام- .. ، وكل موضع له ما يدل له، والأصل الاقتداء، لكن إذا وجد ما يعارض مثل ما عندنا فننزل مثل هذه الصورة على الأئمة، كما صنع -عليه الصلاة والسلام- حينما دخل المسجد لصلاة الجمعة، صعد المنبر ما عرف أنه صلى ركعتين، وأمر الداخل أن يصلي ركعتين، يعني هل لقائل أن يقول: لا تصلِ ركعتين لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى ركعتين، نعم نقول للإمام: لا تصلِ ركعتين، ثم بعد ذلك إذا أردنا الاستطراد فهل الدرس مثل خطبة الجمعة؟ يعني الشيخ يدخل المسجد ويأتي إلى الكرسي ويلقي الدرس ولا يصلي ركعتين، أو يختلف الحكم؟ هذه محل نظر يعني، تحتاج إلى نظر. "وقال: سمع الله لمن حمده" فيه إثبات السمع لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كسائر صفاته الثابتة في الكتاب والسنة. "ربنا ولك الحمد" هذه صيغة من الصيغ الأربع، وكلها ثابتة: ربنا ولك الحمد، بالواو دون اللهم، وثبت الجمع بينهما في صحيح البخاري، وإن نفاه ابن القيم في زاد المعاد، اللهم ربنا ولك الحمد، والصيغة الثالثة: ربنا لك الحمد، بدون الواو وبدون اللهم، والصيغة الرابعة تمام القسمة، اللهم ربنا لك الحمد، باللهم دون الواو. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 "وكان لا يفعل ذلك في السجود" يعني لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، إذا هوى للسجود لا يرفع يديه، وبهذه الجملة الثابتة في الصحيحين حكم على حديث: "كان يرفع يديه مع كل خفض ورفع" بالشذوذ؛ لمخالفته لهذه الرواية المتفق عليها، كان يرفع يديه مع كل خفض ورفع، وقالوا: اللفظ المحفوظ: "كان يكبر مع كل خفض ورفع" مع أن منهم من أثبتها كالشيخ أحمد شاكر، يقول: الرواية صحيحة وثابتة، وكان يفعل ذلك أحياناً، لكن قوله: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" لا شك أنه أصح وأكثر، فهي مقدمة، والرواية الثانية محكوم عليها بالشذوذ. "وكان لا يفعل ذلك في السجود" في الرواية الأخرى: "إذا هوى للسجود" متفق عليه. "وللبخاري عن نافع أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه" إذا قام من التشهد الأول وإذا قام، وننتبه للفظة: قام من الركعتين رفع يديه، وهذا هو الموضع الرابع ويقول به الشافعية، وهو ثابت في الصحيح. "ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-" ومعلوم أن هذا لا يقول به الحنابلة، مع ثبوته في الصحيح؛ لماذا؟ لأن الإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر، البخاري -رحمه الله تعالى- ترجح عنده الرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والإمام أحمد ترجح عنده الوقف على ابن عمر، فماذا يصنع طالب العلم في مثل هذا الاختلاف بين هذين الإمامين العظيمين؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 المثبت مقدم على النافي، هذه ليست قاعدة مطردة؛ لأنه إذا كان مع النافي زيادة علم خفيت على المثبت مع أن الأصل أن المثبت معه زيادة العلم، فإذا كان مع النافي أيضاً زيادة على ما عند المثبت بأن يكون علم ما عند المثبت من زيادة، وعنده علم بنفيها، فإنه يقدم النافي، يعني لو أن شخصاً، أو إماماً من الأئمة، أو من علماء الجرح جرح راوياً بأنه قتل فلاناً، نعم هذا مثبت، والثاني وثقه؛ لأنه لم يقتل فلاناً، نقول: المثبت مقدم على النافي، لكن إذا قال المثبت: قتله يوم الخميس، وقال النافي: صلى بجوار المدعى قتله يوم الجمعة، صار معه زيادة أكثر من المثبت، فهذه القاعدة نعم يحكم بها أهل العلم، لكنها ليست مطردة. الإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن الخبر موقوف على ابن عمر، والإمام البخاري حكم برفعها، الأئمة معروف قولهم في مثل هذا الاختلاف بين الرفع والوقف، منهم من يحكم للرفع مطلقاً، ويقول: إنها زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ويطلقون هذا القول، وهذا معروف في قواعد المتأخرين، ومنهم من يحكم بالوقف لأنه المتيقن، والرفع مشكوك فيه؛ والصواب عند أهل العلم أنه لا هذا ولا هذا، لا يحكم بحكم مطرد، وإنما العمل في مثل هذا بالقرائن، لكن ليس هذا لآحاد المتعلمين، إنما هو للمتمكنين، الذين يعرفون القرائن، ويعرفون كيف يحكمون بها. المقصود أن هذا الخلاف من هذين الإمامين الترجيح بالنسبة لطالب العلم في مثل هذا دونه خرط القتاد؛ لأن طالب العلم ما عنده أكثر من أن البخاري أثبت الرفع والإمام أحمد نفى، أثبت الوقف، ليس عنده أكثر من هذا، طالب العلم، فالحنبلي المقتدي بالإمام أحمد المقلد يقول أهل العلم: يلزمه قبول قوله، والذي يتبع الأئمة ولديه حظ من النظر يستطيع أن يرجع بين الأقوال، ليس بملزم بقول أحمد، ولا بقول غيره، إنما يعمل بما يترجح عنده إذا كان أهلاً للنظر. في مثل هذا الخلاف هل نستطيع أن ننصب الخلاف هنا كسائر المسائل بين هذين الإمامين، أو نقول: إن المسألة محسومة؟ هذه مسألة تعرضنا لها مراراً، يعني إذا وجد خلاف بين البخاري وأحمد، خلاف بين البخاري وأبي حاتم، خلاف بين مسلم وأبي زرعة وهكذا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 نقول: إذا كان خلاف البخاري أو مسلم خارج الصحيحين فهما إمامان من الأئمة كغيرهم، يعني لو أن البخاري أثبت الرفع فيما نقله عنه الترمذي في سننه، قلنا: ندان، البخاري وأحمد رجح بينهما، ولك أن ترجح قول أحمد، ولك أن ترجح قول البخاري، لكن ما دام الترجيح في صحيح البخاري الذي تلقته الأمة بالقبول يكون حينئذٍ ليس محل للنظر، نرجح ما في صحيح البخاري على كل أحد كائناً من كان، يعني فرق بين أن يرجح البخاري فيما ينقل عنه خارج الصحيح، وبين ما دونه في الصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول، واكتسب القطعية من هذا التلقي، ولو كان قول البخاري مما نقل عنه، نقله عنه الترمذي أو غيره، قلنا: إمامان، والنظر جارٍ بين الأئمة، ونرجح بين أقوالهم، لكن ما دام الترجيح في صحيح البخاري فالمسألة كما قيل: قطعت جهيزة قول كل خطيب، خلاص ما دام في البخاري ليس لنا نظر، ولا بد من صيانة الصحيحين بقدر الإمكان، فالمرجح في هذا الرفع، ونقول: ترفع اليدان في الصلاة في أربعة مواضع، عند تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع منه، وإذا قام من الركعتين، وقوله: وإذا قام من الركعتين رفع يديه، نستحضر ما رددناه مراراً من أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، كما هو الأصل، يطلق ويراد به الشروع، يطلق ويراد به إرادة الفعل، فقوله: "وإذا قام من الركعتين رفع يديه" هل نقول على الأصل: إنه إذا قام فرغ من القيام فلا يرفع يديه حتى يستوي قائماً، أو نقول: شرع في القيام فيرفع يديه مع الانتقال، يرفع يديه أثناء القيام، أو نقول: إذا أراد القيام فيرفع يديه قبل أن يقوم وهو جالس ثم يقوم؟ واللفظ محتمل، لكن الأصل في الفعل أنه إذا فرغ ولا نحتاج إلى التأويلين الآخرين إلا إذا وجدنا معارض، فهل يوجد معارض لهذا؟ لأنكم ترون وسمعتم عن بعض الأئمة أن اليدين ترفع أثناء الجلوس، ثم يقوم، ما رأيتم هذا؟ لا موجود، كله بناءً على هذه الاحتمالات، يعني التكبيرة للقيام هي تكبيرة انتقال، الأصل أن التكبير الصوت يواكب ويتمشى مع الحركة مثل الركوع والرفع منه، مثل السجود والرفع منه، هذا الأصل، والرفع للدلالة علامة على هذا الانتقال، فالقول الثاني له وجه كسائر مواطن الرفع أنه أثناء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 الانتقال، والفعل يقتضي أنه إذا قام، إذا استتم قائماً رفع يديه، وهذا هو الأصل في الفعل الماضي، الفعل الماضي أنه إذا فرغ من الفعل رفع يديه، والاحتمالان الآخران يحتاج إليهما متى؟ عند التعارض، إذا دخل الخلاء هل يذكر الله إذا دخل الخلاء؟ وجد المعارض، فحمل على إرادة الدخول، ((إذا ركع فاركعوا)) هل نستطيع أن نقول: اركعوا إذا أراد الركوع قبل أن يركع؟ لا، هل نستطيع أن نقول: إذا فرغ من الركوع اركعوا؟ إذا فرغ من الركوع، يعني قام منه فرغ منه وقام منه؟ لا، تفوت الركعة، إذاً إذا شرع في الركوع اركعوا. ومثل هذا يحتاج إلى التأمل والنظر في كل نص بعينه، وهنا لا معارض لإجراء الفعل الماضي على أصله، وحينئذٍ يكون الرفع إذا قام من الركعتين، يعني إذا استتم قائماً، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم يقول: لو قلنا بالوقف على ابن عمر وهو صحابي مؤتسي صحابي معروف بحرصه على السنة هل نقول: إنه موقوف بمعنى أنه لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بوجه من الوجوه؟ أو نقول: إن هذا موقوف، لكنه في عبادة توقيفية لا يمكن أن يفعله ابن عمر من تلقاء نفسه؟ لو لم ترد صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عن ابن عمر لقلنا: له حكم الرفع، لكن نقلت صلاته -عليه الصلاة والسلام- من جمع من الصحابة، ولم يذكروا هذا، فهذه تعد مخالفة عند أهل العلم فيكون له حكم الرفع، كما كان يرفع يديه يعني ابن عمر في تكبيرات الجنازة، يقال: هذا موقوف عن ابن عمر، وكثير من أهل العلم لا يعمل به؛ لأنه موقوف، وهو معارض بكلام ابن عباس -رضي الله عنهما-، وإن كان المرجح عندي صنيع ابن عمر؛ لأنه له ما يؤيده من المرفوع، وإن كان ضعيفاً. طالب:. . . . . . . . . لا، يأخذون بقول إمامهم، خلاص ما يراه مرفوع ما عمل به. طالب:. . . . . . . . . أصول إمامهم، لكن إذا ترك الإمام هذا الأصل يفعلونه هم؟ لا ما يفعلونه. "ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-". ثم قال -رحمه الله-: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 "وعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه" إذا كبر وهناك إذا افتتح الصلاة، فالتكبير هنا هو تكبيرة الافتتاح التي هي تكبيرة الإحرام، رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، والكلام هنا في كبر مثل الكلام في قام هل المراد به إذا شرع، أو إذا أراد، أو إذا فرغ؟ وقلنا: إن الأصل في الفعل الماضي الفراغ منه، ولذلك يقال: ماضي، وهنا يقرر أهل العلم أن الأصل في الرفع أنه للدلالة على الذكر القولي، فيكون مقترناً به، فهذا هو المرجح عند أهل العلم. "حتى يحاذي بهما أذنيه" ويجيزون التقدم والتأخر اليسر "حتى يحاذي بهما أذنيه" هناك "منكبيه" رواية: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه" ويختلف الرفع أحياناً، فيكون إلى فروع الأذنين، ويكون إلى الأذنين، ويكون إلى المنكبين، والجمع الذي أبداه الإمام الشافعي -رحمه الله- أن أطراف الأصابع إلى فروع الأذنين، وظهور الكفين إلى المنكبين، يجمع بين هذه الروايات، ومنهم من يقول: إنه اختلاف تنوع للإنسان أن يرفع إلى فروع الأذنين، وله أن يخفض إلى الأذنين، وله أن يخفض إلى المنكبين، والأمر في هذا واسع. "وفي رواية له: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك" رواه مسلم، وفي رواية له: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه". "وروى -يعني مسلم- عن وائل بن حجر أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر" رفع يديه حين دخل في الصلاة، ودخوله في الصلاة بالتكبير، يفتتح الصلاة بالتكبير. "وضعهما حيال أذنيه" يعني مقابل أذنيه "ثم التحف ثوبه" يعني غطى به يديه، ولعل هذا كان في وقت برد، فقد جاء وائل بن حجر في وقت فيه برد، فرأى الناس يصلون وعليهم جل الثياب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 "فالتحف ثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى" تحت الثوب وإلا خارج الثوب؟ شوف الجملة التي بعدها، نعم داخل الثوب، يقول: ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، داخل الثوب، بدليل: "فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما" طيب كيف رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما وضع يده اليمنى على اليسرى وهي داخل الثوب؟ وضعهما حيال أذنيه، ثم التحف ثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أن أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني الكفين كانتا خارج الثوب؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ألا يمكن أن يعرف مثل هذا تحت الثياب؟ لا سيما الثوب الذي له طرفان، يمكن أن .. ، أنت افترض المسألة أنه يلتحف بمثل أو ما يقارب البشت المشلحة عندنا معروف وإلا ما هو معروف؟ ويداه داخل هذه الجبة أو هذا البشت، ويقبض اليمنى باليسرى من تحت البشت وتشوف يعني واضح ما هو .. ، يمكن معرفة هذا وإن كان داخل الثوب، ويمكن أن يتصرف في الثوب ليكون مقبوضاً باليد من الطرفين باليدين من الطرفين وتوضع اليمنى على اليسرى، يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن، يعني ما نتصور أن الثوب مثل الخيمة بحيث يختفي ما تحتها فلا يُرى منه ولا يُعرف كيفية الداخل فيه، لا، إنما يمكن أن يُعرف القبض من وراء الثوب، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، وفي هذا مشروعية القبض، قبض اليد اليسرى باليمنى، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، الكف على الكف أو على الرسغ، وهذا معروف عند جماهير أهل العلم، ويخالف فيه المالكية، يعني رأي المالكية في هذا وينسبونه إلى الإمام -رحمه الله- أعني القول بالإرسال، وبعضهم يجعل هذا يندرج في قوله: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] نعم مدح وإلا ذم؟ ذم، فلا شك أن هذا القول مرجوح، وقبض اليد اليسرى باليمنى أمر معروف في السنة، وثابت ومستفيض، وعليه الأئمة قاطبة، والمالكية ينسبون لإمامهم القول بالإرسال، مع أنه موجود عند كثير من أئمة المالكية أهل الأثر، أهل الاقتداء مسألة القبض. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 ومنهم من يبرر للإمام مالك هذا إن صح عنه من يبرر للإمام مالك مسألة الإرسال أنه لما ضرب -رحمه الله- صار لا يستطيع أن يقبض اليسرى باليمنى، فاقتدي به، وصار فعلاً له بمثابة القول، نعم يحتج به من يقتدي بالإمام مالك، والعبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى كل حال الإمام مالك نجم السنن، لا يتصور منه أن يخالف سنة ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بمعارض راجح عنده، إذا وجد المعارض الراجح قد تثبت السنة ويوجد لها معارض، ثم يترك العمل بها، أو يكون عمل أهل المدينة على خلاف هذه السنة، كما هو معروف عنده -رحمه الله-، وإلا فهو إمام من أئمة المسلمين. "ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر" فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر "فركع" العطف بـ (ثم) الأصل فيه أنه مع الترتيب التراخي، فكأنه رفع يديه قبل أن يركع بمدة، لكن الروايات كلها تدل على أن التكبير أو أن الرفع مع التكبير، يقول: "ثم رفعهما ثم كبر" وهذا للترتيب الذكري لا للترتيب الزمني، كما هو معروف فركع، في بعض النسخ: فرفع، "فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه" فلما قال رفع يدل على أن الرفع مقترن بقوله: سمع الله لمن حمده، فلما سجد سجد بين كفيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 يسجد على الكفين كما تقدم في السجود على الأعضاء السبعة، ولا بد من مباشرة الكفين المسجود عليه، والمراد بالكفين الراحة مع بطون الأصابع، وبعض الناس يسجد على الأصابع، على أطراف الأصابع، وبعضهم يسجد على بطون الأصابع ويرفع الكفين، وبعضهم يسجد على جموعه، إيش جموعه هذه؟ الجُمْع اليد إذا كانت مضمومة، فيضم أصابعه ويسجد عليهم، وبعضهم كالعاجن، يسجد كالعاجن هكذا، وكل هذا لا يجزئ، بل لا بد من السجود على الأعضاء السبعة التي منها الكفين، ولا بد من السجود على بطون الكفين، "فلما سجد سجد بين كفيه" بمعنى أنه يجعل الكفين بإزاء الوجه، مع التجافي الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يؤخر الرأس عن اليدين، ومنهم من يضم اليدين إلى الآخر بإزاء الركبتين، ويجعل الرأس متقدم عليهما، ولكن السنة في هذا الحديث: "فلما سجد سجد بين كفيه -عليه الصلاة والسلام-". ثم بعد هذا يقول: "وروى ابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووضع يده اليمنى على يده اليسرى" وهذا هو القبض الذي أشرنا إليه "على صدره" وهذا لا شك أنه أصح من خبر علي -رضي الله عنه-: "من السنة وضع الكف على الكف تحت السرة" هذا مضعف عند أهل العلم، ومنهم من يبالغ فيجعل اليدين المقبوضتين على النحر، ويستدل لهذا بقوله -جل وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] أي ضع يديك على النحر، وهذا لا شك أنه إنجاع –إبعاد- في الاستدلال، والمراد بالنحر نحر الهدي والأضاحي، الصلاة صلاة عيد الأضحى، والمراد بالنحر نحر الهدي والأضاحي. "وضع يده اليمنى على اليسرى على صدره" وهذا أصح من وضع اليدين على السرة أو تحت السرة. والحديث -أعني حديث وائل بن حجر- عند ابن خزيمة لا يسلم من مقال عند أهل العلم، لكن له ما يشهد له مما يدل على أن له أصلاً، وهو أصح مما ورد من وضع اليدين تحت السرة، نعم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة، قال: أحسبه قال: هنية، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) متفق عليه، واللفظ للبخاري. يكفي، يكفي. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسكت بين التكبير والقراءة" كان هذه تدل على الاستمرار، كان يسكت بين التكبيرة والقراءة "إسكاتة، قال: أحسبه قال: هنية" يعني إسكاتة يسيرة ليست بطويلة، يقرأ فيها دعاء الاستفتاح، كما بين في هذا الحديث، وكونها يسيرة ترد قول من يقول: إنه يجمع بين دعاء الاستفتاح الوارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بصيغ متعددة، فلو كان يجمع بينها لكانت الإسكاتة طويلة. وفي الصحيح: "أرأيت سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) من حديث أبي هريرة. "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسكت بين التكبيرة والقراءة إسكاتة، قال: أحسبه قال: هنية، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" التفدية شرعية، جاءت بها النصوص، فسمعها النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه، وفدى النبي -صلى الله عليه وسلم- سعداً بأبويه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 "فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" يعني لو قالها إنسان في الوقت الحاضر بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- وفداه بأمه وأبيه لا سيما إذا سمع من يقدح فيه -عليه الصلاة والسلام-، أو يسخر منه، أو من سنته لكان ذلك مشروعاً، وليس المراد بفداء بدنه وجسده، وإنما فداء سنته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد مات -عليه الصلاة والسلام-، فتقدم النفس فداءً لعرضه، وفداءً لسنته دون من يتطاول عليه، ومع الأسف أننا نجد من جلدتنا ومن يتكلم بألسنتنا يتطاول على السنة دون رادع، فضلاً عن الكفار الذين نالوا منه ووصفوه بأبشع الأوصاف، وصوروه بأقبح الصور -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن مثل هذا يحز في نفوس المسلمين، ومن لم يرفع بذلك رأساً فليراجع نفسه، لكنه مع ذلك نجزم أن فيه الخير، أن فيه المصلحة راجحة، يعني لا نتمناه ولا نرضاه، لكن {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم} [(11) سورة النور] إذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- موجهة له في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، ويقول الله -جل وعلا-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [(11) سورة النور] فكذلك ما حصل ليس بشر من جميع الوجوه، بل الذي ترتب عليه ترتب مصالح كبرى، فكثير من المسلمين لا يعرف عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلا الاسم، ولا يعرف كيف يقتدي به، ولا يعرف كيف يأتسي به، ولا يعرف أن في نفسه له قدر -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما وجد هذا التطاول على النبي -عليه الصلاة والسلام- ظهر ما في النفوس من مكنون حياله وتجاهه ومن محبة صادقة، وإن كانت هذه المحبة إذا لم تكن مقرونة بالاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، بالإتباع الصحيح فإنها تكون نظرية أثرها يكون ضعيفاً، وإلا فالأصل أن على المسلم أن يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحب من نفسه، ولذلك لما قال عمر -رضي الله عنه-: إني والله لأحبك من كل شيء إلا من نفسي، قال: ((بل ومن نفسك يا عمر)) قال: ومن نفسي، قال: ((الآن يا عمر)). الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 يعني بعض الناس هذه أمور قلبية، يعني التصرف فيها في غاية الصعوبة، يعني لا تملك بسرعة، إنما الذي يقررها ويوطنها العمل الصحيح، يعني أنت بلحظة يمكن ينقلب البغض أو عدم المحبة التامة إلى المحبة التامة، يعني عمر في لحظة قال: ومن نفسي، قال: ((الآن يا عمر)) هل هذه دعوى من عمر؟ نعم؟ لأن مثل هذه المحبة إنما تنمو وتزداد بالتدريج، هل نقول: إنه ما يمكن في لحظة يكون عندك هذا نسبة الحب فيه سبعين بالمائة، ثم ينتقل مباشرة إلى مائة بالمائة؟ يعني الحب أثر من آثار العمل، فهو تابع له، وكل ما كثر اقتداؤك بالنبي -عليه الصلاة والسلام- زادت محبتك له، فقول عمر: "حتى من نفسي" هذا ما جاء من فراغ، لم يجئ من فراغ، وإنما جاء من تمام اقتداء وائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن بعض الناس قد يقول هذا الكلام والله أعلم ما في النفس، والمواقف هي التي تبين مثل هذه الأمور وتدل عليها، تجد الإنسان يقرأ من المدائح النبوية ليل نهار ويجعلها هجيراه، ويرددها أكثر مما يردد القرآن، وإذا جاء أدنى موقف يتطلب تقديم مراد الرسول -عليه الصلاة والسلام- على مراده تجده لا يستطيع تحقيقه، هذه دعوى، المطلوب من كل مسلم أن يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 وقد يقول قائل -وهذه المسألة من المضايق، من مضايق الأنظار- قد يقول قائل: أنا لماذا أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أرسله الله -جل وعلا- رحمة للعالمين، وبواسطته يعني بما نزل من الله -جل وعلا- على عباده بواسطته لأن الواسطة مقبولة فيما نزل لا فيما صعد، نفرق بين هذا وهذا، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- واسطة بيننا وبين الله -جل وعلا- فيما نزل منه لا فيما يصعد منا إلى الله -جل وعلا-، فليس بيننا وبينه واسطة، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ نعم، كونه واسطة والخير إنما أتانا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام- يجعلنا نحبه هذه المحبة، فلماذا أحببناه في حقيقة الأمر؟ حينما يقول: ((حتى من نفسك)) ((حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) يعني حتى من النفس كما في حديث عمر، قد يقول قائل: أنا ما أحببت الرسول إلا من أجل نفسي؛ لأنه دلني على الطريق الصحيح فنجوت بسببه، أحببته، فتعود المسألة إلى أنني إنما أحببت الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أجلي، لا من أجله هو، صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ وبهذه الحالة يكون الإنسان أحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسه، يعني هل الإنسان مطالب بالمحبة الجبلية أو بالمحبة الشرعية التي يترتب عليها آثارها؟ بالمحبة الشرعية، ويوضحها ويحققها الاختلاف بين مرادك ومراد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إن قدمت مرادك على مراد الرسول -عليه الصلاة والسلام- فأنت تحب نفسك أكثر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا قدمت مراده على مرادك فأنت تحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسك؛ لأن المحبة محلها القلب، إنما تظهر بظهور آثارها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 مثال يوضح هذا: تقديم مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس في حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانطبق عليهم، وعجزوا عن الخروج، فتوسلوا بأعمالهم الصالحة، فكان منهم الرجل البار الذي يأتي باللبن إلى أبيه وقد نام فينتظره حتى يستيقظ، والصبية يتضاغون من الجوع، الآن سقت مساق مدح وإلا ذم؟ مدح، لو نظرنا إليها بالمنظار الشرعي، وقلنا: ما ذنب هؤلاء الصبية ينتظرون هذا الشيخ الكبير حتى يستيقظ؟ لو سكب لهم في إناء وأعطوا نصيبهم، وانتُظر الشيخ الكبير حتى يستيقظ، هل في هذا مخالفة؟ ما فيه مخالفة إجراء طبيعي، بل أهل العلم في باب النفقات يقدمون الأولاد على الوالدين في الحكم، لكن لماذا سيقت هذه القصة مساق المدح؟ لأن فيها تقديم مراد الله ومرد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس، النفس لا شك أنها تميل إلى الأولاد أكثر من ميلها إلى الآباء والأمهات، هذا معروف والنفس مجبولة على هذا، ولذلك لما حصل الحريق الذي قبل عشر سنوات في منى، سأل شخص أنه حصل الحريق ومعه أبوه ومعه أطفال صغار، أبوه مقعد، فحمل الأطفال الصغار وهرب بهم، واحترق الأب في الخيمة، ولا بد أن يحترق هذا وإلا هذا، المسئول عن هذه المسألة بكى بكاء شديداً كيف تقدم صبية صغار على أبيك الذي حقه عليك أعظم الحقوق بعد حق الله -جل وعلا-؟! لا شك أن في مثل هذه المواطن يتبين ما في القلوب، فتفدية النبي -عليه الصلاة والسلام- باللسان أو قراءة المدائح أو حتى الشمائل أو الصلوات البدعية التي تذكر في كثير من أقطار العالم الإسلامي، وقفنا على بعض هذه الكتب مطبوع بالذهب، وهي لا يشهد لها لا عقل ولا نقل، مملوءة بالموضوعات، ومع ذلك يدعون محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران] المعول على الاتباع، إن اتبعت فأنت حاب ومحبوب، وليس العبرة وليس الشأن في أن تحب الشأن والله كل الشأن أن تُحَب، سهل على الإنسان أن يقول: والله أنا أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ثم إذا جاء موقف محك خرجت النتيجة صفر، كم من إنسان يدعي اليقين ويدعي الثبات، وإذا تكلم أثر في الناس، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 ثم في المحك لا شيء، إذا نزلت به المصيبة ونزل به كرب ضاع كل شيء من هذا الكلام النظري، والله المستعان. "فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" يعني أفديك بأبي وأمي يا رسول الله "إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " أسكت إسكاتاً، وهو مصدر، وفي الرواية الأخرى: "أرأيت سكوتك" وهو مصدر سكت يسكت سكوتاً، "بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " فيقول: "قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) " يعني أقول دعاء الاستفتاح، وفي هذا رد على المالكية الذين لا يرون مشروعية دعاء الاستفتاح. "قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب)) " هل المطلوب أن توجد الخطايا لكن يكون مكانها بعيداً عني، أو أن لا توجد الخطايا أصلاً؟ أولاً: الرسول -عليه الصلاة والسلام- معصوم، معصوم فنسبة الخطايا إليه إنما هي ليقتدى به في هذا الذكر وإلا فهو معصوم. الأمر الثاني: أن الإنسان حينما يطلب المباعدة بينه وبين خطاياه، يعني لو كان اللفظ: اللهم باعد بيني وبين الخطايا ظاهر، يعني ألا تقع أصلاً، لكن ظاهر قوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) يعني التي وقعت مني ((كما باعدت بين المشرق والمغرب)) وليس هذا مراد، وإنما المراد أن يحال بينه وبين الخطايا أن لا تقع، وإذا وقعت أن يمحى أثرها بالمغفرة ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)) ونسبة الخطايا إلى النفس في هذا الحديث إنما هي باعتبار أن لو فعلها، لكنه يدعو أن يحال بينه وبين الخطايا فيكون بعيداً عنها، وتكون بعيدة عنه كبعد المشرق والمغرب، والبعيد هذه المسافة لا يتصور أن يقع. ((كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) فالدعاء الأول قبل وقوع هذه الخطايا، والثاني بعد وقوعها، بعد وقوعه في هذه الخطايا، بعد مقارفة هذه الخطايا ((اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) الدنس يظهر في الثوب الأبيض أكثر من غيره من الألوان، الثوب الأبيض هو الذي يظهر فيه الأثر سريعاً، بينما الألوان الأخرى قد لا يظهر الأثر، وقد يظهر ضعيفاً، فاختير الثوب الأبيض لأنه يظهر فيه الأثر أكثر من غيره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 21 يعني أهل العلم ذكر ابن حجر وغيره في فتح الباري أن رجيع الذباب يقع على الثوب الأبيض أسود، وعلى الأسود أبيض، يعني هذا أمر نادر ما يعول عليه في مثل هذا، يعني لا نقول: إنه ما في فرق بين الأبيض والأسود، هذا أمر نادر لا يحكم به، لكن غالب الدنس يظهر في الأبيض أكثر من غيره من الألوان. ((اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) يعني بالغسل والتنظيف بالمزيلات. ((اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) الآن قدم التنقية قبل الغسل، في الدعاء للميت: ((اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) تقديم وتأخير، أيهما أولى؟ طالب:. . . . . . . . . أيوه. طالب:. . . . . . . . . طيب ونقه؟ أيهما أولى أن يقدم التنقية قبل الغسل أو يقدم الغسل قبل التنقية؟ طالب:. . . . . . . . . ((اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) أيهما أولى؟ طالب:. . . . . . . . . التنقية أولى؛ لأنه من باب التحلية قبل التخلية، أو التخلية قبل التحلية؟ نعم التخلية قبل التحلية، يعني لو عندك هذا الجدار فيه كتابات بألوان مختلفة، وتريد أن تزيل هذه الكتابات أنت تصبغه قبل أن تزيل تلك الكتابات، أو تزيل الكتابات قبل الصبغ؟ يعني تخلية قبل التحلية صح وإلا لا؟ وهذا هو الموافق لما عندنا. وفي دعاء الميت: ((اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا)) فإما أن نقول: إن الواو لا تقتضي الترتيب، ولا يمنع أن يكون المقام مطرد، أو نقول: إن هذا بالنسبة للحي وذاك بالنسبة للميت، والأمر فيه سعة. ((اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) يقول أهل العلم المناسبة بين الخطايا وبين هذه الأمور الماء والثلج والبرد أن الخطايا لها حرارة مؤثرة في القلب، فيناسبها المنظفات الباردة بالماء والثلج والبرد، هكذا يقول أهل العلم أن لها حرارة مؤثرة في القلب فيناسب غسلها بالأمور الباردة التي تبرد بالماء والثلج والبرد، لكن لو كان على يدك مادة دسمة تحتاج إلى إزالة فأيهما أبلغ إزالتها بالماء الحار أو البارد؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 22 أنت متى تعرف أن هذه المادة زالت؟ إذا خشن، إذا خشن المحل، ولذلك يقولون: الضابط في الاستنجاء عود خشونة المحل، والخشونة تكون مع الماء البارد أو مع الماء الحار؟ مع البارد أشد؛ لأن الجسد ينكمش فيصير فيه تجعيدات فيكون الإزالة فيه أسرع، بينما الماء الحار قد ينبو عن بعض المواطن لملوستها، هذا ظاهر يعني، إذا غسلت بماء بارد تحس أنه جاف، نعم بينما الحار انسيابي على البدن، فالبدن ينكمش مع الماء البارد، فيكون أثر المنظف فيه أقوى، بخلاف الماء الحار الذي يناسب على البدن من غير انكماش، وحينئذٍ لا يتمكن من غسله وتنظيفه على الوجه المطلوب. ((اللهم اغسل خطاياي بالماء)) وهو المعروف ((والثلج)) وهو الماء المتجمد البارد شديد البرودة، وأما البرد فهو ما ينزل مع المطر أو دونه من الغمام، وكلها معروفة. وهذا نوع من أنواع الاستفتاحات الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهو في الصحيحين، ومن أنواع الاستفتاحات المشهورة المستفيضة: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعال جدك" وهذا في الصحيح موقوف على عمر -رضي الله عنه-، وعلمه الناس على المنبر، والمفاضلة بين الاستفتاحين ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، فليرجع إليه، وعلى كل حال هذا مقطوع برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو في الصحيحين فهو من أرجح أنواع الاستفتاحات. ومن أنواع الاستفتاحات ما يكون في الفريضة، ومنها ما يكون في النافلة، ومنها ما يكون في صلاة الليل، وغير ذلك مما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام-، مما يجمعها كتب السنة، ولا وجه لقول من قال: إنه يجمع بين هذه الاستفتاحات كلها فيستفتح بها، وحينئذٍ يطول الوقت على من أراد أن يستفتح بها، والسكتة هنية كما في هذا الحديث، يعني يسيرة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . واستحق أبو سعيد الجعل، وعلى كل حال أخذ الأجرة على الرقية جائزة بهذا الحديث: ((وإن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 23 أما اشتراط البراءة من المرض فهذا لا يسوغ لا من الراقي ولا من المسترقي، بل على الجميع أن يعتقد أن الرقية سبب، وأن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، الراقي ليس بيده شيء، إنما هو متسبب، والرقية سبب، والشفاء بيد الله -جل وعلا-. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا لو هو مسلّم ما اشترط النجحان. طالب:. . . . . . . . . على كل حال مثل هذا إذا دل الدليل على شيء لا يتعدى الدليل. يقول: الذي لم يدرك من صلاة الجماعة إلا السجود من الركعة الأخيرة هل أدرك الجماعة؟ عند أكثر أهل العلم يكون مدركاً للجماعة بإدراك أي جزء منها، ومن أهل العلم من يرى أنه لا يدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة، وأن الصلاة لا تطلق إلا على ركعة، وما دون ركعة لا يقال له: صلاة. يقول: وإذا لم يدرك الجماعة هل له أن يقلبها إلى نفل ويصلي ركعتين ثم يذهب يصلي مع جماعة أخرى من بداية الصلاة؟ إذا غلب على ظنه أنه يدرك جماعة أخرى فلا ينبغي له أن يدخل مع جماعة يشك في إدراكها، هذا إذا غلب على ظنه وإذا لم يغلب على ظنه فليصل مع الجماعة صلاة تأدية لما أمر به: ((إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) ويكون له -إن شاء الله- من الأجر بقدر ما أدركه، وإذا وجد جماعة أخرى وصلى معهم صارت له نافلة، وأجره على الله -جل وعلا-. يقول: نريد نصيحة في الذي يسمع النداء ثم يتأخر حتى تقام الصلاة أو يفوته شيء منها؟ على كل حال له أن يتأخر إلى أن تقام الصلاة، وجاء عن بعض الصحابة أنهم يتأخرون، لكن مع ذلك: ((لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله)) وقال بعض السلف: إن الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها رجل سوء، يعني ما يأتي إلا بعد الأذان هذا رجل سوء، وشتان بين هذا وذاك، وعلى كل حال الوجوب في صلاة الفريضة جماعة حيث ينادى بها، فإذا أدركها سقط عنه الوجوب، وبقي الزائد في حيز الاستحباب، لكن طالب العلم ينبغي أن يكون قدوة للناس، يعني لا يعرف بالتأخر، وإن عرف بالتقدم فهو المأمل والمرجو من طالب العلم. لو تجمع الأسئلة. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك .... الجزء: 12 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (14) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يسأل عن جلسة الاستراحة وحكمها؟ سنة ثابتة من فعله -عليه الصلاة والسلام- بحديث مالك بن الحويرث، وجاءت في بعض طرق حديث أبي حميد، وأمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- المسيء في صلاته، فهي سنة مطلقاً، وما يقوله ابن القيم -رحمه الله- أنها سنة لمن احتاج إليها، فأقول: إن الحاجة قد تدعو إلى تركها لا إلى فعلها، الإنسان إذا ثقل وبدن تكون حاجته إلى تركها أدعى من حاجته إلى فعلها، واعتبروا بكبار السن أو من في ركبتيه شيء من الألم تجده أول ما ينهض من السجود يرفع مؤخرته، ولا يثني رجله، فالحاجة تدعو إلى تركها لا إلى فعلها. يقول: في حديث وائل بن حجر قال المصنف: "وضعهما حيال أذنيه" والذي في مسلم: "وصف همام حيال أذنيه" فما هو الصحيح؟ الصحيح الذي في الأصل؛ لأن هذا فرع، وعلى كل حال اللفظة الواضع هو النبي -عليه الصلاة والسلام- حيال أذنيه، إلى فروع أذنيه، وإلى أذنيه، وحذاء منكبيه، كلها ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-. ما أفضل تحقيق لشرح النووي على مسلم؟ النووي على مسلم طبع مراراً قديماً وحديثاً، طبع في الهند في مجلدين قبل مائة وخمسين سنة، ثم طبع بعدها مراراً، وفي الهند خمس أو ست طبعات، وطبع في مصر مستقلاً بالمطبعة الكستلية التي يعتمد عليها الشيخ أحمد شاكر، ثم طبع بعد ذلك بحاشية القسطلاني مراراً على الطبعة الخامسة والسادسة والسابعة، وطبع أيضاً على هامش مسلم في المطبعة الميمنية أكثر من مرة، وطبع مفرداً بعد ذلك في المطبعة المصرية في ثمانية عشر جزءاً، وهذه طبعة جيدة فيها أغلاط يسيرة يدركها القارئ، وعلى كل حال الطبعات كثيرة ومتوافرة، أما الطبعات الحديثة والصف الجديد الذي يدعى فيه التحقيق فلم أقتني منها شيئاً، وعندي أن الطبعة المصرية بثمانية عشر جزءاً مناسبة، والطبعة البولاقية على هامش إرشاد الساري الطبعة الخامسة والسادسة أيضاً جيدة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 1 يقول: شخص اشترى بضاعة من الخارج وعليها شعار العلامة الأصلية، وهي مزيفة، ولم يتعمد ذلك، فماذا عليه علماً أنه باع منها وبقي منها كمية؟ إذا باع منها والذي يراه أنها هي الأصلية يعني ما عنده أدنى شك فيها هذا ما عليه شيء، لكن إن أمكن أن يخبر المشتري بذلك ويخيره فهذا هو الأصل، وإن كان اشترى ومضى ما عليه شيء، وما بقي من ذلك لا بد من الإخبار بأنها ليست أصلية. يقول: متى نرى شرح التجريد مطبوعاً؟ الآن كمل منه كتاب بدء الوحي والإيمان والعلم، ويتوقع أن يكون ما نجز منه في مجلدين، لكن الطبع يحتاج إلى وقت، يحتاج إلى مراجعة، ويحتاج إلى إعادة نظر من جديد، فيحتاج إلى وقت، والأشرطة الآن تنزل -إن شاء الله- كتاب الإيمان ينزل قريباً. يقول: مذهب الأحناف عدم المشروعية لرفع اليدين في الصلاة، فهل عندهم دليل؟ هم يرون رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وما عدا ذلك لا يرون الرفع، وعندهم حديث ضعيف، وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رفع يديه مع الإحرام، ولم يعد إلى ذلك، يعني أنه لم يرفعهما بعد، لكنه حديث ضعيف. يقول: ما التحقيق في مسألة الحلف بالقرآن؟ القرآن كلام الله، وإن كان القرآن يطلق ويراد به المقروء الذي هو كلام الله، ويطلق ويراد به القراءة التي هي صوت المخلوق، وهي مخلوقة لله -جل وعلا- كالقارئ، فإذا أريد به القراءة لا يجوز الحلف به، وإذا أريد به المقروء الذي هو كلام الله وصفة الله فالحلف بصفة من صفات الله جائز، كالحلف به، وكثير ما نسمع من يحلف بآيات الله، فإن كان مراده بآيات الله القرآن فلا بأس؛ لأنها صفة من صفاته من كلامه، وإن كان بها ما هو أعم من ذلك، من آياته الليل والنهار، والشمس والقمر، كلها من آيات الله، فهذه مخلوقات لا يجوز الحلف بها. ما حكم صلاة المرأة منفردة خلف الصف مع وجود صفوف نساء؟ أنس -رضي الله عنه- يقول: "صلى بنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- صففت أنا واليتيم خلفه، والعجوز من ورائنا" فدل على أن المرأة لها أن تنفرد. يقول: هل من بأس في تقبيل يد الوالد والعالم والأخ الكبير؟ لا بأس في ذلك ثبت فيه ثلاثة أحاديث. ما أفضل شروح المحرر؟ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 2 المحرر ليس له شرح مكتوب مطبوع، في شرح ناقص لا أذكر اسم صاحبه متقدم، لكن لا يحضرني الآن، وهو لا وجود له، ولم يطبع. يقول: هل ورد حديث تدل على رفع اليدين إلى شحمة الأذنين؟ ألا يقال .... ؟ على كل حال إلى أذنيه يشمل هذا، قوله: إلى فروع أذنيه أعلى من ذلك، وإلى أذنيه يشمل إلى شحمة الأذنين أو إلى منتصف الأذنين؛ لأن الأذن تطلق على أعلاها وأوسطها وأدناها. ألا يقال: إن التحاف النبي -صلى الله عليه وسلم- بثوبه في الصلاة يدل على مشروعية أو جواز الالتحاف بالشماغ حال الصلاة؟ نعم عند الحاجة إذا احتيج إلى ذلك لشدة برد أو حر لا بأس. أليس لكم درس غداً يوم الجمعة؟ لا، غداً ما في درس، الدرس في جدة -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما أحسن تحقيق لكتاب أحكام القرآن لابن العربي؟ طبعة الحلبي الأولى بتحقيق البجاوي طيبة. الاستفتاح بقوله: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل فاطر السماوات والأرض ... )) إلى آخره. هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لافتتاح صلاة الليل. يقول: دليل الطالب لنيل المآرب، ودليل الطالب لنيل المطالب، أحدهما متن، أهما متن واحد خرجا باسمين مرة بهذا ومرة بذاك، أم هما متنان مختلفان؟ دليل الطالب أصل لنيل المآرب، وقد يوجد على بعض النسخ لنيل المطالب، على كل حال الدليل معروف كتاب واحد مطبوع مراراً، ومشروح بشروح مختلفة. يقول: أو تقول هذه امرأة من الإمارات: ما هي أفضل طبعة لتفسير القرطبي؟ عندي الطبعة الثانية من طبعات دار الكتب المصرية هي أفضل الطبعات مخدومة على نسخ كثيرة، بعض الأجزاء على ثلاثة عشر نسخة، وأقل الأجزاء طبع عن ثمان نسخ، فهي نسخة طبعة متعوب عليها، وفيها إحالات على ما تقدم وما تأخر، نعم ينقصها تخريج الأحاديث، فيؤخذ من الطبعات المتأخرة. هل تنصحون طالب العلم قراءة تفسير البحر المحيط لأبي حيان؟ البحر المحيط تفسير نافع وماتع ونفيس، لكنه حشاه بالأعاريب المتعددة، وبيان الوجوه الجائزة من ذلك والممنوعة، وما جاء في لغة العرب، المقصود أنه أطال في جانب العربية، فالمتخصص باللغة العربية أو له ميل إليها يستفيد منه كثيراً. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 3 يقول: شخص حلف على زوجته بالطلاق أمام امرأة وفتاة بألا تدخل البيت، فهل يقع اليمين إن دخلت إلى بيته مع العلم أنه كان في حالة غضب؟ حلف على زوجته بالطلاق أمام امرأة وفتاة ويش معنى هذا؟ يعني من أجل البينة والشهادة وإلا من أجل إيش؟ بأن لا تدخل البيت، يعني يمنعها من دخول بيته هو أو بيت غيره؟ السؤال فيه إبهام. شخص حلف على زوجته بالطلاق أمام امرأة وفتاة بألا تدخل البيت، فهل يقع اليمين إن دخلت إلى بيته؟ البيت بيته هو، هو المحلوف عليه وإلا غيره؟ مع العلم بأنه كان في حالة غضب. رأي شيخ الإسلام أنه إذا كان المقصود بالطلاق الحث أو المنع فإن حكمه حكم اليمين، لكن السؤال يحتاج إلى مزيد استفصال. هذا سبق الجواب عنه: النووي هل به تصوف؟ وهل هو متأثر بالقوم أو شيء من ذلك؟ عرفنا أن النووي من العباد كما هو معروف، إضافة إلى ما عنده من علم فهو عابد، ولذلك تجد ميله واتجاهه إلى هذا النوع، إلى النوع الذي عنده شيء من العبادة، ولذا إذا ترجم لأحد سواءً كان من الرواة أو من أهل العلم يشيد به من هذه الحيثية، وتجد الفرق الكبير بين تراجم ابن حجر للرواة، وبين تراجم النووي للرواة، ابن حجر يشيد بضبطهم وحفظهم وإتقانهم، والنووي يشيد بعباداتهم، فلا شك أن لديه ميل إلى هذا الأمر، وله تأثر بهم فيما ينقله عنهم، وشيخ الإسلام أيضاً ينقل عن كبارهم ممن ليس لديه شطحات كبيرة، ينقل عن أبي سليمان، وعن أبي يزيد البسطامي وغيرهم، وكلامه ليس كله باطل، في كلامه حق كثير، فيستفاد منه بقدر الإمكان، كما يفعل شيخ الإسلام وابن القيم. هذه تقول: إذا لم أقرأ دعاء الاستفتاح في صلاتي فهل علي شيء؟ دعاء الاستفتاح سنة تركه لا يؤثر في الصلاة. هذا يقول: لم أسمع ما قاله الشيخ عن وضع اليدين عند الرفع من الركوع؟ هو إلى الآن ما جاء الحديث عنه، وإن كان الأصل فيه القبض كما هو الشأن قبل الركوع؛ لأنه يقول: "ثم رفع حتى يعود كل فقار إلى مكانه" ومكانه القبض. يقول: هل صحيح ما ورد في شأن صلاة التوبة البعض يستدل بحديث: ((ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له))؟ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 4 قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] يشهد لهذا الخبر. صفة هذه الصلاة؟ صلاة ركعتين كصلاة النافلة وصلاة الصبح لا مزيد على ذلك. يقول: هل تقضى صلاة فريضة فائتة والخطيب يخطب يوم الجمعة؟ نعم تقضى؛ لأنها أهم من تحية المسجد التي أمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- والإمام يخطب. والأسئلة كثيرة، والوقت ضيق لعله يتيسر لها مناسبة ثانية، وعندنا أسئلة من الدروس السابقة أيضاً تحتاج إلى وقت، نسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد. سم. بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الأمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) وفي رواية: ((بفاتحة الكتاب)) متفق عليه. وروى ابن حبان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" وقد أُعل. وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. رواه البخاري. وروى مسلم: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" وقد ضعف الخطيب وغيره رواية مسلم بلا حجة. وفي لفظ لأحمد والنسائي وابن خزيمة والدارقطني: "فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم". وفي لفظ لابن خزيمة والطبراني: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأبو بكر وعمر" زاد ابن خزيمة: في الصلاة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 5 وعن نعيم المجمر قال: "صليت وراء أبي هريرة -رضي الله عنه- فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] قال: آمين، وقال الناس: آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس من الاثنتين قال: الله أكبر، ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه النسائي. ورواه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطيب وصححوه، وقد أعل ذكر البسملة. وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "كنا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الفجر فقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان والدارقطني، وقال: إسناده حسن، وصححه البخاري، وتكلم فيه أحمد وابن عبد البر وغيرهما، وهو من رواية ابن إسحاق. قف على هذا، قف. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) وفي رواية: ((بفاتحة الكتاب)) متفق عليه. ((لا صلاة)) نافية للجنس ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) والتقدير هل يمكن نفي وجود الصلاة الظاهرة؟ لا يمكن إنما يمكن نفي الصلاة الشرعية، أما الصلاة بصورتها الظاهرة قد توجد، كما في حديث المسيء ((صل فإنك لم تصل)) يعني لو قال: صليت ما كذب، ما قيل له: كذبت ما صليت، لكن الصلاة المنفية هي الصلاة الشرعية المجزئة المسقطة للطلب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 6 ((لا صلاة)) لأن التقدير هنا إما أن يقدر لا صلاة صحيحة، فتنفى حقيقة الصلاة الشرعية، أو لا صلاة كاملة والكمال لا شك أنه يصح النفي معه إلا أنه أبعد عن الحقيقة من الصحة، ولذا يختلفون في المقدر هنا، فالجمهور على أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به، بهذا الركن، فيصح عندهم التقدير أو يتعين التقدير عندهم بنفي الصحة، والذين يقولون كالحنفية: بأن الصلاة تصح ولو لم تقرأ الفاتحة، يقولون: لا صلاة كاملة، وعلى كل حال الحديث دليل على أن الصلاة غير صحيحة إذا لم يقرأ فيها بأم القرآن، والمرجح عند أهل العلم أنها ركن من أركان الصلاة، وقال بعضهم: هي شرط من شروط الصلاة، بعضهم يقرر أنها شرط؛ لأن الصلاة تنتفي بانتفائه، وهذه حقيقة الشرط. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 7 وهل من فائدة تترتب على الخلاف بين من يقول: إنها ركن وهم الأكثر، وبين من يقول: إنها شرط؟ ذكرنا هذا في تكبيرة الإحرام، وأن الجمهور على أنها ركن، والحنفية يقولون: شرط، وإذا توجه قول الحنفية مع أن الراجح قول الجمهور في تكبيرة الإحرام من حيث انطباق الشرط على تكبيرة الإحرام أو عدم انطباقه؛ لأن الشرط خارج الماهية كما يقولون، والركن داخل الماهية، وباعتبار أن تكبيرة الإحرام هي أول ما يبدأ به في الصلاة للحنفي أن يقول: إنه ما بعد دخلت الصلاة، فتكون التكبيرة خارج الصلاة، فهل يمكن أن يقال تبعاً لتعريف الشرط وأنه خارج الماهية: لا صلاة، قراءة الفاتحة شرط على هذا التعريف؟ يعني هل قراءة الفاتحة داخل الصلاة أو خارج الصلاة؟ يعني إذا سلمنا بأن تكبيرة الإحرام خارج الصلاة على سبيل التنزل، فهل نستطيع أن نسلم أن قراءة الفاتحة خارج الصلاة؟ لا، لا يمكن أن يقول قائل، حتى من يقول: إنها شرط لا يمكن أن يدعي أنها خارج الصلاة، وإنما هي داخل الصلاة، فالصحيح أنها ركن من أركان الصلاة، وهل هناك فائدة تترتب على قولنا: شرط، أو قولنا: ركن، في قراءة الفاتحة؟ عرفنا هناك فوائد تترتب على قول الحنفية أنها شرط أعني تكبيرة الإحرام، وقول الجمهور أنها ركن، ذكرنا الفوائد في وقتها، لكن هل من فائدة تترتب على الخلاف؟ هل يرتب على الخلاف في قراءة الفاتحة أنها ركن أو شرط يترتب عليه فائدة؟ ما يترتب عليه فائدة، بل هو خلاف لفظي؛ لأن مؤدى الشرط والركن واحد، لا تصح الصلاة إلا به. ((لا صلاة لمن)) (من) موصول، والموصول من صيغ العموم ((لم يقرأ بأم القرآن)) وفي رواية: ((بفاتحة الكتاب)) التي هي الحمد لله رب العالمين إلى آخرها (ومن) هذه من صيغ العموم، ونفي الصحة هنا يتجه إلى كل مصلٍ بما في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق؛ لأنه يصح دخوله في عموم (من) ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) فكل مصلٍ لا يقرأ بفاتحة الكتاب لا صلاة له، فيدخل في ذلك مثل ما ذكرنا الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 8 أما استعمال (من) على عمومها، وحفظها من التخصيص، فقال به أبو هريرة -رضي الله عنه-، والإمام البخاري، ورجحه الشوكاني، وأن كل مصلٍ لا تصح صلاته إلا إذا قرأ الفاتحة، فعلى هذا المسبوق الذي يدرك الركوع لا يدرك الركعة حتى يقرأ بفاتحة الكتاب، عند من ذكرنا: أبو هريرة، البخاري، وهو المرجح عند الشوكاني، وجمع من أهل العلم، لكن هؤلاء هم الذين أبرزوا القول ونصروه، ولا شك أن دخول المسبوق ظاهر في عموم (من) فهل هذا العموم محفوظ أو غير محفوظ؟ الذين قالوا: إن المسبوق لا تلزمه قراءة الفاتحة استدلوا بحديث أبي بكرة، وأنه جاء والنبي -عليه الصلاة والسلام- راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، ودعا له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) ولم يأمره بقضاء تلك الركعة، وعلى هذا يعول الجمهور في أن المسبوق لا تلزمه قراءة الفاتحة، أخرجنا المسبوق بهذا النص، بقي عندنا الإمام والمأموم والمنفرد، الإمام والمأموم الإمام والمنفرد الجمهور على أنها ركن في حقهم، وتتعين الفاتحة في القراءة، خالف في هذا الحنفية فقالوا: عليه أن يقرأ بما تيسر، وتعيين الفاتحة بهذا الحديث قراءة ما تيسر ثبت بالقرآن، قراءة ما تيسر {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [(20) سورة المزمل] ثبتت بالقرآن، وتعيين الفاتحة ثبت بالسنة، وعندهم مثل هذا الزيادة من السنة على ما في القرآن عندهم نسخ، والظني لا ينسخ القطعي عندهم، فالمتعين قراءة القرآن، ولا تتعين الفاتحة، ومنهم من يقول بوجوبها، لكن لا تبطل الصلاة بتركها، ومنهم من يقول باستحبابها، هذا بالنسبة للإمام والمنفرد، ومن باب أولى المأموم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 9 الإمام والمنفرد ركن في حقهما عند الأئمة الثلاثة خلافاً للحنفية، وأما بالنسبة للمأموم فاندراجه في عموم (من) ظاهر، فتتعين الفاتحة في حقه ولو قرأ إمامه، وهذا المعروف عند الشافعية، وهو المرجح لأحاديث الباب، ويرى غيرهم أن المأموم لا قراءة عليه مطلقاً، ومنهم من يقول: إنه لا قراءة عليه فيما يجهر به الإمام، وإذا قرأ فأنصتوا على ما سيأتي {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وهذا يشمل الصلاة وخارج الصلاة. على كل حال يستدل الشافعية على وجوب القراءة على المأموم بعموم حديث الباب، وأنه لا يوجد ما يخرجه من هذا العموم كما يوجد ما يخرج المسبوق، والمعروف عند المذاهب الأخرى أن المأموم لا قراءة عليه مطلقاً. وجاء في الخبر: ((قراءة الإمام قراءة لمن خلفه)) وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، ومنهم من يفرق بين الصلاة الجهرية والسرية؛ لعموم الأمر بالإنصات، إذا قرأ فأنصتوا {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] والأحاديث في هذه المسألة متعارضة وكثيرة، والاستدلال من الطرفين طويل جداً، لكن المرجح أن قراءة الفاتحة ركن في حق كل مصلٍ عدا المسبوق؛ لوجود ما يخرجه من عموم الحديث، وأما من عداه فيتجه إليه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) وسيأتي ما يخصص الفاتحة من الأمر بالاستماع ((ما لي أنازع القرآن لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)) سيأتي كل هذا، لكن الخلاصة أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمأموم والمنفرد، ولا يخرج من هذا العموم إلا المسبوق. ((بأم القرآن)) التي هي فاتحة الكتاب كما في الرواية التي تليها، وهي الحمد لله رب العالمين، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك في الأحاديث اللاحقة، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم، ويطلق عليها الصلاة؛ لأهمية قراءتها في الصلاة، وأن الصلاة لا تصح إلا بها، ففي صحيح مسلم: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) قسمت الصلاة والمراد بالصلاة هنا سورة الفاتحة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 10 "وروى ابن حبان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" وهذا يؤيد التأويل الذي ذكرناه أنه لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. يقول المؤلف: "وقد أعل" يريد لفظ: "لا تجزئ" أعل، واللفظ المحفوظ: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وأما قوله: "لا تجزئ" لفظ أعل لتفرد زياد بن أيوب بهذه اللفظة، وكأنه رواها بالمعنى وإلا فهو ثقة، لكن خالفه جماعة الرواة بلفظ: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهو الصحيح وهذا هو الإعلال. "وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر" وسيأتي في رواية مسلم: "وعثمان"، "كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" رواه البخاري" وفي لفظ: "كانوا يفتتحون الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين". "كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" التكبير لا بد منه، وجاء ما يدل على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، فكيف يفتتحون الصلاة؟ المراد يفتتحون القراءة وإلا فالصلاة تستفتح بالتكبير، وبعد التكبير دعاء الاستفتاح كما سبق "أرأيت سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول؟ " وكل هذا مطوي في هذه الرواية، والاستعاذة والبسملة ثم الحمد لله رب العالمين، والمقصود بذلك السورة، فلا يتم الاستدلال به على عدم قراءة بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن المراد قراءة السورة. "رواه البخاري، وروى مسلم: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة، ولا في آخرها" "يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" هذا معروف في الصحيحين، ولا مطعن فيه ولا إشكال، ومعروف أن هذا بعد التكبير والاستفتاح الذي تقدم ذكره في الأحاديث الصحيحة. الإشكال في قوله: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" وهذا في صحيح مسلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 11 قال: وقد ضعف الخطيب وغيره رواية مسلم بلا حجة، وفي لفظ لأحمد والنسائي وابن خزيمة والدارقطني: "فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" وأيضاً في لفظ لابن خزيمة والطبراني: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبو بكر وعمر" زاد ابن خزيمة: "في الصلاة". فعندنا الرواية الأولى المخرجة في البخاري كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، ورواية مسلم: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" في أول قراءة يعني قبل الفاتحة، ولا في آخرها، إما أن يقال: هذا مبالغة في النفي، وإلا آخر القراءة ما فيها بسملة، وإنما يقال مثل هذا مبالغة في النفي، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الكسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) ما في أحد من المشركين ولا من غيرهم قال: إن الشمس تنكسف لحياة فلان أو علان، إنما قالوا: تنكسف الشمس لموت فلان، وقالوا: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فما في أحد قال: إن الشمس تنكشف لحياة، إنما يذكر المقابل للمبالغة في النفي، وهنا قال: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها". الخطيب ضعف هذا الحديث بلا حجة، كما يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-، هذا الحديث المحفوظ منه يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، هذا متفق عليه، ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها قرر جمع من أهل العلم أن هذا من فهم الراوي، فهم الراوي للخبر أنهم إذا كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، فما الذي قبل الاستفتاح؟ إذا افتتح الشيء بشيء يدل على أنه لا شيء قبله؛ لأن الافتتاح هو الأول، أولية مطلقة، فهم الراوي من قوله: "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها، ومثل به الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- لعلة المتن، وقال: وعلة المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله الجزء: 13 ¦ الصفحة: 12 الراوي فهم من قوله: "يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنه ما قبل الحمد لله رب العالمين أي شيء، أي كلام، فهذا يدل على نفي البسملة، فنفاها صراحة بناءً على فهمه، وأعل الخبر بسبب التصريح بما هو مجرد فهم من الراوي. وعلة المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله يقول المؤلف: "وقد ضعف الخطيب وغيره رواية مسلم بلا حجة". الأصل أن ما في الصحيح صحيح، كيف تضعف وهي في الصحيح؟ لا شك أنه إن أمكن حملها على وجه يصح وجمع بينها وبين الروايات الأخرى بلا تكلف ولا تعسف تعين ذلك صيانة للصحيح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 13 الحافظ ابن حجر -رحمه الله- حمل رواية: "لا يذكرون" على لا يجهرون التي تليها، أو كانوا يسرون، فحمل قوله: "لا يذكرون" جهراً، والذي يسر به كأنه غير مذكور بالنسبة للسامع، السامع يسمع ما يسر به، فكأنه قال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها جهراً، وأما سراً فلم يتعرض له الراوي، وحينئذٍ هذه الرواية مستقيمة مع الروايات الأخرى، فيمكن التوفيق بين هذه الرواية التي أعلت، كما يقول المؤلف: بلا حجة، ويوفق بينها وبين الروايات الأخرى بأن النفي هنا متجه إلى عدم الجهر، لا يذكرون، لا يجهرون، كانوا يسرون، وهذا واضح بالنسبة للذي لا يسمع يصح النفي عنده، في الصلاة السرية التي لا تسمع، لا يسمع شيء من الإمام لو نفى أحد أنه ما قرأ باعتبار أنه ما سمع، ما قرأ، لو قال واحد: إن الإمام قرأ بعد الفاتحة، الفاتحة متقررة بالنص، لا يستطيع أحد أن ينفي القراءة مع أنها ثبتت بالنص، ولو كانت سراً نعم يعني لو قال: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الظهر ما قرأ الفاتحة، ولله ما سمعناه، إذاً ما قرأ الفاتحة، يتجه هذا؟ ما يتجه؛ لأنه قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) لكن لو ادعى مدع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو الإمام بعد الفاتحة قرأ سورة معينة وهو ما سمعها صح نفي هذا الإثبات، لو قال قائل ممن لم يسمع ولا كلمة من الإمام: إن الإمام قرأ سورة والضحى بعد الفاتحة، فقال الذي بجواره: أبداً ما قرأها، بناءً على أنه ما سمع شيء، يتجه النفي حينئذٍ، ولذا جمع ابن حجر بين قوله: "لا يذكرون" وبين الأحاديث التي تثبت البسملة أنهم لا يجهرون، وما لا يجهر به مما لا يسمع يمكن نفيه، ومع تأويل عدم الجهر، فكانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً. "وفي لفظ لأحمد والنسائي وابن خزيمة والدارقطني: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" وهذه رواية مفسرة يتعين المصير إليها في مثل هذا الموطن الذي فيه النصوص المتعارضة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 14 "وفي لفظ لابن خزيمة والطبراني: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبي بكر وعمر" وهذا نص في الموضوع، مخرج عند ابن خزيمة والطبراني وغيرهما من أهل العلم، لكنه من رواية الحسن البصري بالعنعنة، وهو معروف بالتدليس، فهو مضعف، ويغني عن هذه الرواية الرواية التي قبلها "كانوا لا يجهرون" مفهوم لا يجهرون أنهم يسرون. "زاد ابن خزيمة: في الصلاة". ومسألة الجهر بالبسملة والإسرار بها لا شك أن أحاديث الإسرار أكثر وأصرح وأصح، وجاء ما يدل على البسملة، وجاء ما يدل على أنها آية من آيات الفاتحة، المقصود أن الجهر والإسرار مسألة خلافية بين أهل العلم، الأكثر فيما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يسر بها، وكذلك أبو بكر وعمر، وهذا هو المرجح عند الحنابلة والحنفية، وأما بالنسبة للمالكية ما الذي عند المالكية؟ بالنسبة للبسملة؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا يذكرون لا سراً ولا جهراً، لا بسملة ولا تعوذ ولا استفتاح، الله أكبر الحمد لله رب العالمين، وقد يستدل لهم بالحديث المتفق عليه: "كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" واستفتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين لا ينفي الاستفتاح بالبسملة، بل لا ينفي الاستفتاح بدعاء الاستفتاح والتعوذ والبسملة على ما تقدم مما يثبت مما ذكر في دروس سابقة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 15 الحنفية والحنابلة قالوا: يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وهذا أكثر فيما روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويرى الشافعية الجهر بالبسملة، وأن حكمها حكم الفاتحة، حكم البسملة حكم الفاتحة إذا جهر بالفاتحة جهر بها، وإذا أسر بالفاتحة أسر بها، ويذكر من الخلاف الشاذ في المسألة قول من يقول: إن البسملة تقرأ جهراً مطلقاً سواءً أسر بالفاتحة أو جهر بها، ومثل هذه الأقوال الشاذة إنما تصدر رد فعل، لرد فعل تكون قوية لظرف أو مناسبة، يعني مثل ما ذكر عن الحسن البصري في التكبير المقيد، التكبير المقيد من فجر يوم عرفة ذُكر عن الحسن البصري أن المسبوق إذا سلم الإمام وأخذ يكبر التكبير المقيد كبر معه قبل أن يقضي ما فاته، لا شك أن هذه ردة فعل، وإلا الكلام ما هو بصحيح، لكن بعض الأقوال وبعض المناسبات والظروف في المناظرات وإلجاء المناظر إلى مثل هذه الأقوال لا شك أنها .. ، لكن ينبغي أن يكون العالم والمتعلم قيادته بيد النص، ما عليه من أحد خالف أو وافق، عليه أن يكون معوله على النص، أما القول بأنه يجهر بالبسملة سواء أسر بالقراءة أو جهر هذا قد يخرج على أنه ردة فعل، أو عناد لمن قال: إنه يسر بها مطلقاً أو لا يذكرها مطلقاً، فهذا القول لا حظ له من النظر، يعني غاية ما يقال: إنها آية من الفاتحة كما يقول الشافعية، فحكمها حكم الفاتحة، يسر بها إن سر بالفاتحة، ويجهر بها إن جهر بالفاتحة، وهذه المسألة مفرعة عن البسملة، وهل هي آية من الفاتحة فقط، أو آية من كل السور عدا براءة، أو ليست بآية مطلقة؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 16 مسألة كبرى خلافية بين أهل العلم، والكلام فيها طويل، وفيها مؤلفات ومصنفات لجمع من أهل العلم للخطيب كتاب، ولابن عبد البر كتاب، وللذهبي كتاب، جمع من أهل العلم صنفوا في المسألة، لكن يجمع أهل العلم على أن البسملة بعض آية في سورة النمل، هذا محل إجماع لا خلاف فيه، كما أنهم يجمعون على أنها ليست بآية في أول التوبة، والخلاف فيما عدا ذلك في مائة وثلاث عشرة سورة، هل هي آية من كل سورة فتكون مائة وثلاث عشرة آية من القرآن؟ أو ليست بآية مطلقاً؟ أو آية من الفاتحة فقط؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ محل خلاف بين أهل العلم، والذي يرجحه شيخ الإسلام أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، ولا تتعدد بتعدد مواضعها. مسألة الجهر والإسرار بالبسملة هذه من المسائل الخلافية التي لا تستدعي مخالفة للإمام، بمعنى أنك إذا عرفت أن هذا الإمام يجهر بالبسملة، وأنت لا ترى الجهر بالبسملة هل يقتضي هذا أنك لا تصلي وراءه؟ لا، ليست من المخالفات المخلة بالصلاة، ولذا جاء في رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن الإمام المجدد في رسالته إلى أهل مكة، قال: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" لأن عدم الطمأنينة مخل بالصلاة، والخلل يتعدى إلى صلاة المأموم، هل يفهم من هذا أن الحنفية كلهم لا يطمئنون في الصلاة؟ لا، لكن إذا وجد حنفي لا يطمئن في صلاته لا نصلي وراءه، لكن إذا وجد حنفي يطمئن في صلاته نصلي وراءه، ما بيننا وبينهم شيء، مسائل اجتهادية والحمد لله، لكن إذا كان الاجتهاد يؤدي إلى خلل في صلاة المأموم لا يصلي وراءه، وأما بالنسبة للجهر بالبسملة فلا أثر له في صلاة المأموم فيصلى وراءه. هناك أمور ينتابها النظر الطويل في صلاة من يرى نقض الطهارة بلحم الإبل مثلاً خلف من لا يرى النقض، هذه المسألة محل نظر لأهل العلم، منهم من يقول: لا يصلي وراءه؛ لأن صلاته باطلة بالنسبة له، فلا يصلي وراءه، ومنهم من يقول: ما دام تصح صلاته تصح إمامته، وهو صادر عن اجتهاد، إما بنفسه أو بتقليد من تبرأ الذمة بتقليده كالأئمة الثلاثة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 17 يكثر السؤال من قبل مأمومين يصلون خلف إمام سريع في القراءة، فتجده في الركعة الثالثة والرابعة لا يتمكن المأموم من الإتيان بالفاتحة كاملة، إذا قرأ نصف الفاتحة أو أكثر الفاتحة ركع الإمام، وبين أن يتم قراءة الفاتحة ويترتب على ذلك عدم الاقتداء بالإمام والتأخر عنه، وقد تفوته الركعة، وقد يضطر إلى أن يقرأ في ركوعه وهذا حرام، جاء النهي عن القراءة راكعاً أو ساجداً، أو يركع مع الإمام ولو لم تتم الفاتحة بالنسبة له. أما بالنسبة من حصل له ذلك من غير سابق علم فهذا حكمه حكم المسبوق إذا ركع الإمام يركع، ولو لم يكمل الفاتحة، حكمه حكم المسبوق، يسقط عنه ما لم يدركه، وأما من كان عنده سابق علم أن هذا الإمام مطرد صنيعه أنه لا يمكن المأمومين من قراءة الفاتحة فمثل هذا لا يمكن من الإمامة، فإن قدر على إزالته وإلا فليبحث عن إمام آخر، لا ينبغي أن يكون المصلي في غالب أحواله مسبوقاً، وأما من يرى أن قراءة الإمام قراءة لمن خلفه الأمر عنده سهل. ثم بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن نعيم المجمر" نعيم بن عبد الله المجمر، وقد تشدد الميم مجمّر؛ لأنه كان يجمر يعني يطيب المسجد النبوي في كل جمعة فوصف بذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 18 قال: "صليت وراء أبي هريرة -رضي الله عنه- فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن" وظاهر اللفظ يدل على أنه جهر بالبسملة؛ لأنه قال: "فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، حتى إذا بلغ: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] قال: آمين، وقال الناس آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس من الاثنتين قال: الله أكبر، ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده" " والذي نفسي بيده" فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأما قول الشراح: روحي في تصرفه، هذا من لازم القول، ولا يقبل ممن يشك في إثباته للصفة، أما من عرف عنه أنه يثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته وقال مثل هذا الكلام الكلام صحيح، ما في أحد ليس في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إذا قال ذلك هروباً من إثبات الصفة رد عليه، بل الحديث صريح، كما في نصوص الكتاب والسنة من إثبات اليد الحقيقية لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته. "ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومراده في جميع ما ذُكر، ما يقال: في الغالب كما يقول بعضهم، في الغالب أشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني في غالب التصرفات، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يجهر بالبسملة، وهذا لا شك أنه من أدلة من يقول بالجهر بالبسملة، وإذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يجهر أحياناً بالآية في صلاة الظهر أو العصر فلا مانع أن يجهر بالبسملة أحياناً، وحينئذٍ يكون دليل للجهر بالبسملة في بعض الأحيان؛ لأنه ورد ما يدل على أنه يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين. "رواه النسائي ورواه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطيب وصححوه، وقد أعل ذكر البسملة" يقول المؤلف في تنقيح التحقيق: وقد اعتمد أكثر من صنف في الجهر يعني بالبسملة على هذا الحديث، وليس هو صريح في الجهر، يقول: وقد ذكرناها، يقول: وقد أجيب عنه بعشرة أوجه ذكرناها في مواضع أخر، قلت: نقلها الزيلعي في نصب الراية فأنظرها ... إلى آخره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 19 أجيب عن التصريح بالجهر بالبسملة، وأعل ذكر البسملة هنا لأنه مخالف لما نقله أنس مع ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- من عدم ذكر البسملة، ومن التصريح بعدم ذكرها، يعني بالمفهوم وبالمنطوق، وأنس لا شك أنه قريب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أبي بكر وعمر، خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، ولزم أبا بكر وعمر قريب منهم، فنفيه مقدم على غيره، ولذا أعل ذكر البسملة، ولا شك أنه من خلال النظر في النصوص الثابتة من عند الطرفين أن عدم الجهر أرجح من الجهر، وأن أحاديث الجهر بالبسملة غاية ما فيها أنه يجهر بها أحياناً. ثم قال -رحمه الله-: "وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: كنا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) " لا شك أن الجهر بالقراءة يشوش على القارئ، يشوش على المصلي، وبعض الناس لا يستطيع أن يقرأ ألبتة إذا وجد ما يشوش عليه. "قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب)) " وهذا الحديث مصحح، وله شواهد تدل على صحته. يقول: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان والدارقطني، وقال: إسناده حسن، وصححه البخاري، وتكلم فيه أحمد وابن عبد البر وغيرهما، وهو من رواية ابن إسحاق" وهذا النص مخصص لما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [(204) سورة الأعراف] قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)) ومخصص لقوله: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) التي صححها مسلم في صحيحه على ما سيأتي، ولا شك أن الخاص مقدم على العام. قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها)) الخلاصة أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة الركن الثاني أو الثالث؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الثالث؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 20 الثاني أو الثالث؟ أول ما يذكرون من الأركان: القيام مع القدرة، تكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، فهي الركن الثالث، وعدوا الأركان أربعة عشر، من يذكرها؟ القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، الركوع، الرفع منه، السجود على الأعضاء السبعة، الجلسة بين السجدتين، السجود الثاني، الرفع منه، الطمأنينة في جميع الأركان، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . التشهد الأخير، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتسليمتان، وبعضها محل خلاف بين أهل العلم هل تعد ركن أو تعد واجبة؟ سيأتي تفصيلها وبيانها -إن شاء الله تعالى-. ونقف على حديث أبي موسى. طالب:. . . . . . . . . ويش هي؟ طالب:. . . . . . . . . ثم ترك؟ طالب:. . . . . . . . . ترك قراءة الفاتحة؟ طالب:. . . . . . . . . لا وجه له. يقول: ما حكم صلاة التسابيح؟ صلاة التسابيح ضعيفة، وما جاء فيها ضعيف. اللهم صل وسلم .... طالب:. . . . . . . . . يذكرون بسم الله؟ طالب:. . . . . . . . . هو مبالغة في النفي، أو بالنسبة للسورة التي تلي الفاتحة. يقول: أنيس الساري بتخريج أحاديث فتح الباري؟ هذا هو اللي طبع أخيراً؟ ما بعد اقتنيت الكتاب، ولا أستطيع الحكم عليه. منهاج التحصيل ونتائج التأويل في شرح المدونة ومشكلاتها؟ ما أدري والله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه. ويش معك؟ طالب:. . . . . . . . . هذا إعلان عن المحاضرة الظاهر أنهم جابوا إعلانات؟ طالب:. . . . . . . . . إيه ما يحتاج أن أقرأها. طالب: أقرأ أنا يا شيخ؟ اقرأ، الله يعينك. طالب: هذا إعلان للإخوان عن درس غداً -إن شاء الله- للشيخ عبد الكريم الخضير في تفسير سورة النصر في جامع الأمير سلمان بن عبد العزيز في جدة، بعد صلاة المغرب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 21 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (15) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبنا فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، فقال: ((إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا)) رواه مسلم، وصححه الإمام أحمد، وتكلم في قوله: ((إذا قرأ فأنصتوا)) أبو داود والدارقطني وأبو علي النيسابوري وغيرهم. وقد روي من حديث أبي هريرة، وصححه مسلم، وتكلم فيه غير واحد. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزيني منه، قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) قال: يا رسول الله هذا لله فمالي؟ قال: ((قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني)) فلما قام قال: هكذا بيده، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط البخاري. وقد قصر من عزاه إلى ابن الجارود فقط. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه. وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي رواية البخاري: "وكان يطول الأولى من صلاة الفجر، ويقصر في الثانية". الجزء: 14 ¦ الصفحة: 1 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نحرز قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... نحزر، نحزر. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نحزر قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة: آلم تنزيل السجدة، وحرزنا قيامه في الأخريين .... حزرنا، حزرنا. فحزرنا قيامه في الآخرين. في الأُخريين. فحزرنا قيامه في الآخرين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الآخرين من الظهر، وفي الآخرين من العصر. أُخريين. وفي الأخريين من العصر على قدر النصف من ذلك. وفي رواية: بدل آلم تنزيل السجدة قدر ثلاثين آية، وفي الآخرين ... أخريين، تثنية أخرى أخريين. وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، وفي العصر في الركعتين الأوليين، وفي كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك" رواه مسلم. وعن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان. قال سليمان: كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل، رواه ابن ماجه والنسائي، وهذا لفظه، وهو أتم، وإسناده صحيح. وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة" رواه أبو داود. وعن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالطور في المغرب" وفي بعض روايات حديث جبير: "فكاد قلبي أن يطير" متفق عليه. بركة، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي موسى -رضي الله تعالى عنه-" وهو أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبنا فبين لنا سنتنا". الجزء: 14 ¦ الصفحة: 2 النبي -عليه الصلاة والسلام- بلغ البلاغ المبين، وبين البيان التام الكافي الشافي، وسنته -عليه الصلاة والسلام- كلها بيان لما أجمل في القرآن، فلم يترك بياناً لمستبين، ولا بلاغاً لمستبلغ، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ولا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كثيراً ما يخطب في المناسبات وغيرها، يبين ما ينبغي أن يفعل، وما ينبغي أن يترك، وبيان ما أجمل هي وظيفته -عليه الصلاة والسلام-. قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبين لنا سنتنا" السنة هي ما يضاف إليه -عليه الصلاة والسلام-، وهي أعم من المندوب، فيدخل فيها كل ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. "وعلمنا صلاتنا" الذي في القرآن منها الأمر بها وبإقامتها، وإجمال ما فيها من ركوع وسجود، ونحو ذلك على سبيل الإجمال، وبيانها تفصيلاً إنما جاء في السنة من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ومن فعله -صلى الله عليه وسلم-، وأيد ذلك بقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فلا اجتهاد لمجتهد من غير نص، بل الاجتهاد فيما يحتمله النص موجود بين أهل العلم، أما أن يجتهد عالم فيقرر مسألة من مسائل الصلاة ليس لها أصل من السنة من بيانه -عليه الصلاة والسلام- فلا. وعلمنا صلاتنا بقوله وفعله "فقال: ((إذا صليتم فأقيموا صفوفكم)) " يعني إذا صليتم في جماعة؛ لأن الصفوف إنما تكون في الجماعة، والواحد لا يقال له: صف. ((إذا صليتم)) يعني جماعة ((فأقيموا صفوفكم)) يعني وسووها، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يهتم لهذا الأمر، وهو تسوية الصف؛ لأنه من تمام الصلاة ((سووا صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) هذا وعيد مما يدل على أن تسوية الصفوف واجبة، وإلا كانت من تمام الصلاة كذلك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 3 وما جاء في حديث: ((إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج)) فإن هذا الحديث لا أصل له كما قرر ذلك أهل العلم، لكن الأمر بتسوية الصفوف، واهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان يسويها كما تسوى القداح، ويلتفت يميناً وشمالاً حتى إذا عرف أنهم فقهوا عنه، فإذا رجل قد بدا صدره، فزجره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((سووا صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) المقصود أن تسوية الصف أمر واجب، والمسئولية في الدرجة الأولى على المصلي والإمام، الإمام لا بد أن يهتم بهذا الأمر، وكثير من الأئمة مع الأسف كأن الأمر لا يعنيه، وإذا دخل إلى الصلاة كأنها مجرد إسقاط واجب أعني الإمامة، يؤدي هذه الصلاة ولا يهمه ما يتعلق بالمأموم، وبعضهم إذا دخل المسجد -وهذا موجود ولله الحمد وبكثرة بين طلبة العلم- كأنه لا شغل له ألبتة إلا هذه الصلاة، والناس يفرقون بين هذا وهذا، ويعرفون، والله المستعان. تسوية الصفوف لا شك أن الأئمة يتفاوتون، النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر، وأمره ليس كأمر، غيره، وغيره يأمر بأمره -عليه الصلاة والسلام- فيلتزم قوله، وبحسب موقع الإمام بين هؤلاء المأمومين، وفي مجتمعه ينبغي أن يكون أسلوبه، فالشاب لا يزجر المأمومين زجراً شديداً بحيث يجعلهم ينفرون منه، ويخالفونه، ويتعمدون خلافه، وجد من بعض الأئمة وهو صغير في السن يأمر كبار السن بالزجر، مثل هذا ليس من الحكمة ولا من المصلحة، بل تجد حظوظ النفس تظهر في مثل هذا، في مثل هذه الحال، فتجده يخالف صراحة وعلانية، بل بعضهم سمع يدعو على الإمام، فلا بد من الأسلوب المناسب الذي يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 4 ووجد شيخ كبير السن بالعصا يُقوّم الناس، يضربهم ضرب، ويقول: كان عمر بن الخطاب يضرب الناس بالدرة، هل هذا أسلوب؟ ليس هذا بأسلوب، هذا لا يجدي مع الناس، هذا يورث الشحناء والبغضاء، وكثرة الكلام والمصادمة والمعاندة والمخالفة، ووجد هذا في هذا المسجد، في مسجد الشيخ الكبير، الإشارة ليست لهذا المسجد، لا، هذا الذي يضرب الناس بالعصا ورأيته أنا، يقول: كان عمر بن الخطاب يضرب الناس بالدرة، كيف يضرب الناس بالدرة؟ عمر بن الخطاب غير، وبالمناسبة يعني هذه أمور لا بد أن ينتبه لها الإخوان وطلاب العلم، التربية تحتاج إلى أسلوب، شاب في العشرين وفي الخامسة والعشرين يلقي درساً، ثم إذا رأى شخص متشاغل أو ينعس قال له: قم، ولو كانت لحيته بيضاء، قم أعد ما قلت، بين الناس وبين .. ، هذا يمكنه جاء للبركة، ليس من طلاب العلم، شيخ كبير السن جاء ليحضر مجلس العلم، فيقال له بهذا الأسلوب، وقد حصل، فلما قيل للشاب قال: الشيخ ابن عثيمين يقيم الناعس والغافل، الناس منازل، يقبل من الشيخ ولا يقبل منك، ويقبل من عمر الدرة ولا تقبل من فلان أو علان، فالناس منازل، وينبغي بل يجب على الإنسان أن ينظر في منزلته بين الناس، وأمر فلان ليس كأمر فلان، وإن كان الكل شرع، لكن كيف يؤدى هذا الشرع، ويبلغ الناس؟ بأسلوب تترتب عليه مصالحه، بأسلوب يكون مقبولاً عند الناس، أما أن يقوم الصفوف بالعصا هذا ليس بمقبول إطلاقاً، مهما علت منزلة صاحبه. ((فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم)) هذا إجمال، أحدكم جاء بيانه في حديث أبي مسعود البدري: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) إلى آخر ما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- من المرجحات لإمامة الأولى والأحق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 5 ((ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا)) فإذا كبر التكبيرة الأولى للإحرام كما تقدم، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها ((فكبروا)) يعني فليقع تكبيركم بعد تكبيره، فإذا فرغ من تكبيره فكبروا، الصلاة لا تنعقد إلا بهذه التكبيرة، ثم بعد ذلك إذا كبر للركوع فكبروا، إذا كبر للسجود فكبروا، إلى آخر الصلاة، ولتكن أفعال المأموم بعد أفعال إمامه، وأقوله بعد أقواله، لكن هناك ما ينبغي أن يشترك فيه الإمام والمأموم، وإن كان فعل المأموم في بدايته بعد بداية الإمام لا أن فعله يقع بعد فراغ الإمام، كما تقدم مراراً أن الفعل الماضي يطلق ويراد به إرادة الشيء، يطلق ويراد به الفراغ منه، ويطلق ويراد به الشروع فيه، فإذا كبر فكبروا، يعني إذا فرغ من التكبير، إذا ركع فاركعوا، إذا شرع في الركوع لا أنه إذا فرغ من الركوع، لا. ((وإذا قرأ فأنصتوا)) وهذا هو الشاهد من الحديث في هذا الموضع " ((وإذا قرأ فأنصتوا)) رواه مسلم، وصححه الإمام أحمد بن حنبل، وتكلم في قوله: ((إذا قرأ فأنصتوا)) أبو داود والدارقطني وأبو علي النيسابوري وغيرهم". هذه اللفظة مخرجة في صحيح مسلم، وهي موافقة لقوله -جل علا-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وعمومها يشمل مع عموم الآية يشمل جميع القراءة، وأن المأموم ينصت ولا يقرأ إذا قرأ الإمام لا الفاتحة ولا غير الفاتحة، وهذا الحديث مع الآية حجة من يقول: إن المأموم لا تلزمه قراءة الفاتحة، لا سيما في الصلاة الجهرية، وحديث عبادة الذي تقدم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) عمومه يشمل قراءة الفاتحة بالنسبة لكل مصلٍ الإمام والمأموم والمنفرد خلا المسبوق، على ما تقرر في دروس مضت، عمومه يشمل كل مصلٍ في الجهرية وفي السرية. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 6 هذه الجملة: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) اختلف في ثبوتها، وتكلم فيها جمع من الحفاظ، وحكموا عليها بالشذوذ؛ لأن عامة الرواة لم يذكروها، تفرد بها سليمان التيمي، وهو ثقة، فمن قبلها قال: زيادة ثقة غير مخالفة، ومن ردها حكم عليها بالشذوذ، قال: لو كانت محفوظة لجاءت من غير طريقه ((إذا قرأ فأنصتوا)) وعلى كل حال الإشكال في مثل هذه اللفظة من بعض لا أقول: جميع أهل العلم من بعض العلماء، لا سيما أتباع المذاهب ممن له يد في الحديث وعلومه، يتكلم على هذه الجملة منطلقاً من مذهبه الفرعي، فإذا كان ممن يرجح إمامه عدم القراءة خلف الإمام قال: محفوظة وصحيحة، وتجدون في التخريج من يقوي هذه اللفظة، كلهم تجدون أئمتهم ممن يقول بعدم القراءة خلف الإمام، والذي يقول بوجوب القراءة على كل مصلٍ لا سيما الفاتحة إماماً كان أو مأموماً جهرية كانت الصلاة أو سرية تجده يقول: هذه اللفظة غير محفوظة، مع أن الأصل أن العالم يستدل بالنص لا للنص، لا يستدل للنص، إنما يستدل بالنص، يعني مثلاً حديث السجود كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" والحديث الآخر: "وليضع يديه قبل ركبتيه" تجد علماء الشافعية في الجملة يصححون حديث البروك، ويجعلونه أرجح من حديث أبي هريرة، في المذاهب الأخرى يرجحون حديث أبي هريرة لأن مذاهبهم هكذا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 7 المسألة مسألة يعني خفية ودقيقة، لا يتهم أهل العلم بمثل هذا، لكن قد يشم مثل هذا، ولا دليل يبرئ ولا دليل يوجب التهمة، لكن في الجملة أهل العلم أهل ورع وأهل دين، لكنهم هذه مذاهبهم، ووجدوا ما يستدلون له من أمر محتمل، لا يفهم من هذا أن جميع أهل العلم هذا ديدنهم، لا، أقول: قد يوجد من أتباع المذاهب من يستروح ويميل إلى ترجيح ما يؤيد مذهبه، وهذه الأحاديث الأمر فيها واضح، فعلى طالب العلم أن يتجرد، أن ينظر في حكم النص قبل أن ينظر في المذهب، نعم قد يكون كثير من طلاب العلم تفقهوا على كتب الفروع قبل أن يعرفوا كتب السنة، قبل أن يتمكنوا في السنة، ثم بعد ذلك يستصحبون ما عرفوه من أحكام في الصغر، ولا شك أن لهذا أثر، هذا له أثر كبير في توجه طالب العلم، فعليه أن يتوازن وأن يتجرد، ويجعل القائد والسائق والحادي هو النص، والأئمة كلهم تبع لهذه النصوص، فإذا قلنا: إن هذه الكلمة غير محفوظة لماذا؟ لأن سائر الرواة لم يذكروها، ولو كانت ثابتة لذكروها وتواطئوا عليها، ومن يقول: بأنها ثابتة ومحفوظة يقول: زيادة ثقة، والزيادة من الثقة لا سيما إذا لم تقتضِ مخالفة مقبولة، وهذا -أعني مبحث زيادة الثقة- في مثل هذا الموضع من مضايق الأنظار، ويحتاج في الترجيح في الحكم على اللفظة بكونها محفوظة أو غير محفوظة يحتاج إلى إمام عارف، يشم الحديث، يعرف الثابت من غيره، يعمل بالقرائن، متمكن، حافظ، يجمع أحاديث الباب وهكذا، ولا يتسنى لكل طالب علم أن يقول: إن هذه الكلمة غير محفوظة، تكلم فيها أبو داود والدارقطني وغيرهم، وهي موجودة في صحيح مسلم، كتاب تلقته الأمة بالقبول، ونص مسلم على تصحيحها، وهي أيضاً من حديث أبي هريرة، كما قال المؤلف، وقد روي من حديث أبي هريرة وصححه مسلم، وتكلم فيه غير واحد، صححه مسلم ولم يخرجه، وقيل له: حديث أبي هريرة صحيح؟ قال: نعم، قيل: لم لم تخرجه؟ قال: إنه لم يخرج كل حديث صحيح، وترك من الصحاح أكثر خشية الطول، وليس كل حديث صحيح وضعته هاهنا، وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 8 نعود إلى أصل المسألة وهي الأمر بالإنصات ((إذا قرأ فأنصتوا)) مع الآية، مع حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) في هذه الآية وهذا الحديث عموم وفيه خصوص، وفي حديث عبادة عموم، وأيضاً فيه خصوص، عموم حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهذا يشمل كل مصلٍ، سواءً كان إمام أو مأموم أو منفرد أو مسبوق، وخرج المسبوق بحديث أبي بكرة، يشمل كل مصلٍ إلا أنه خاص بفاتحة الكتاب، والآية مع ما معنا من حديث أبي موسى: ((إذا قرأ فأنصتوا)) عمومه في القراءة، يعني في الفاتحة وغيرها، وخصوصه بالمأموم، فبينهما عموم وخصوص وجهي، ظاهر وإلا غير ظاهر؟ كيف نصنع؟ إذا خصصنا حديث عبادة بهذا الحديث قلنا: إن المأموم لا يقرأ، وإذا خصصنا هذا الحديث بحديث عبادة قلنا: فاتحة الكتاب لا تدخل في قوله: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) لأنها مستثناة من حديث عبادة، وهل تخصيص هذا أولى من تخصيص ذاك؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أيهما أولى بالتخصيص؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب: حديث عبادة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 9 أولاً: حديث عبادة محفوظ، ما تكلم فيه أحد من العلماء، متفق على صحته، وهذه الجملة من هذا الحديث مختلف فيها، وأما الآية يعني الحديث نص في الصلاة، وأما الآية فهي عامة في الصلاة وخارج الصلاة، فعمومها أوسع، وتخصيصها أولى وأقرب، يؤيد حديث عبادة، وأنه خاص بفاتحة الكتاب، والقراءة هنا المأمور بالإنصات فيها عامة ما جاء ما يدل على استثناء الفاتحة من القراءة خلف الإمام ((ما لي أنازع القرآن، لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)) وفي رواية: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) وعلى كل حال المتجه أن المأموم يقرأ فاتحة الكتاب، سواء قرأ الإمام أو لم يقرأ، في السرية والجهرية، هذا هو الأقرب، وإن كانت المسألة من عضل المسائل، والأئمة الكبار اختلفوا فيها اختلافاً كبيراً، وبالنسبة للكلام الذي قلنا في أول الأمر أن من أهل العلم من يجعل النصوص خادمة لمذهبه، والأولى أن يجعل المذهب خادم للنصوص، يعني يوجد في بعض كلام المتفقهة الذين لهم يد في هذا العلم في علم الحديث، يعني تجد مثلاً توجيه الحديث في التلخيص -تلخيص الحبير- غير توجيه الحديث في نصب الراية مثلاً، وإذا كان الإنسان ابن بيئته ولبيئته من التأثير في الأمور العامة والعادية فإن المذاهب لا بد أن تؤثر في أربابها، لكن يحرص طالب العلم أن يكون إمامه وقائده النص. في مثل هذه الجملة التي اختلفوا فيها في حديث ما يقال بعد الوضوء: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) أو ما يقال بعد إجابة المؤذن: ((إنك لا تخلف الميعاد)) هذه اختلف فيها مثل ما اختلف في الجملتين، وبالنسبة لقوله: ((إنك لا تخلف الميعاد)) أثبتها الألباني، وأثبتها الشيخ ابن باز -رحمه الله-، والشيخ ابن عثيمين قلد، قلد فيها، قال: ما دام أثبتها الشيخ ابن باز وهو أعرف منا بالحديث نسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 10 كلام يعني يحمد عليه الشيخ بلا شك، لكن كيف وقد نفاه جمع من الأئمة الكبار، فالتقليد في مثل هذا الباب أيضاً فيه صعوبة، من تقلد؟ يعني إذا اقتنعت بمثل الشيخ الألباني أو مثل الشيخ ابن باز، فماذا عن صنيع الإمام يحيى بن معين، أو أبي حاتم الرازي وغيرهم من أئمة الإسلام، أو الدارقطني، الكبار الفحول، يعني لو افترضنا أن هذه خرجت في صحيح مسلم، وسئل عنها الإمام البخاري مثلاً فلم يثبتها؟ يعني طالب العلم يقع في حيرة، لكن عليه أن يتدرج في هذا العلم، ويجمع مثل هذه الألفاظ التي اختلف فيها مما لا يمكن لطالب العلم المتوسط أن يقطع فيها بشيء يجمعها ويدرسها بتأنٍ، ويجمع طرق هذه الأحاديث، وينظر أقوال أهل العلم فيها، وما رجحوه في هذه الألفاظ، وهذا الذي يدعو إليه بعض طلاب العلم في هذا الوقت، وهو التجديد في هذا العلم، ومضاهاة المتقدمين، والعمل بأحكام المتقدمين، لكن أقول: دون هذا بالنسبة لطالب العلم المتوسط دونه خرط القتاد، ليس الأمر بالسهل، يعني بحيث يلقى على آحاد الطلاب، إذا تمكن طالب العلم هذا فرضه، لكن يبقى أن مثل هذه الألفاظ يتكلم فيها أبو داود والدارقطني وجمع من أهل العلم، ويصححها مسلم وأحمد، وتجد من أهل العلم الكبار والصغار من يرجح هذا، ومنهم من يرجح هذا، والنتيجة القول الفصل فيها للأئمة الحفاظ الكبار، وليس لطالب العلم المتوسط إلا أن يقول: خرجه مسلم في صحيحه، وقد تلقته الأمة في القبول، ولا كلام لنا مع هذا. يعني حديث في البخاري: ((ولا تنتقب)) يعني المحرمة، تكلم أبو داود في هذه اللفظة، تكلم أبو داود في لفظة "ولا تنتقب" يعني لا تلبس النقاب، فرجحها بعض المعاصرين؛ لماذا؟ لأن مفهوم لا تنتقب المحرمة أن غير المحرمة تنتقب، اللفظة في البخاري، أن غير المحرمة تنتقب، والنقاب يفتي أهل العلم بتحريمه، لكن هل بمثل هذا يحكم على مثل هذه الألفاظ؟ الجزء: 14 ¦ الصفحة: 11 أولاً: إذا حررنا معنى النقاب خرجنا من الحرج، ولا نحتاج إلى أن نضعف لفظة في صحيح البخاري، يعني استروحنا إلى قول أبي داود من أجل ألا نعارض الفتوى برواية في البخاري، لا تنتقب مفهومه أن غير المحرمة تنتقب، والعلماء يقولون: النقاب حرام، النقاب ليس بحرام، لكن السفور حرام، لكن النقاب ليس بحرام، ويش معنى النقاب؟ نقب صغير يخرج منه سواد العين، هذا حرام وإلا ليس حرام؟ هذا ليس بحرام، لكن إن زاد عليه ولا مليم واحد، ولا مليمتر واحد، يعني عُشر السنتيمتر من البشرة سفور، فلا يدخل النقاب الموجود الآن الذي يظهر نصف الوجه، أو ثلث الوجه، أو ربع الوجه، أو أي شيء يسير من الوجه، فلا نحتاج إلى أن نضعف لفظة في صحيح البخاري من أجل هذا، فنحرر الكلمة قبل كل شيء في اللغة وفي الاصطلاح والاستعمال الشرعي في العهد النبوي ثم بعد ذلك نحكم، فلا تكون الغيرة التي ينطوي عليها كل مسلم، وهم متفاوتون في هذه الغيرة، الغيرة موجودة عند المسلمين وعند بعضهم هي أشد من بعض، لا يحملهم الغيرة على أن يضعفوا أحاديث، بل لا بد أن يتعاملوا مع الأحاديث الصادرة عمن لا ينطق عن الهوى، ومن هو أشد غيرة منهم أن يتعاملوا تعامل صحيح، يليق بهذه النصوص، فمثل هذه الأمور لا بد من الاهتمام بها، والعناية بشأنها. ثم قال: "وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً" معناه ولا فاتحة الكتاب، هذا الكلام صحيح؟ يمكن أن يوجد مسلم لا يستطيع أن يتعلم الفاتحة؟ "إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني" نعم يوجد من كبار السن من المسلمين من يتعانى حفظ قصار السور ولا يستطيع؛ لأن الحافظة ضعيفة مع كبار السن كونه ما انتبه ولا التفت لهذا الأمر إلا بعد أن تقدمت به السن، يعني في عهده -عليه الصلاة والسلام- هذا مقبول؛ لأنه يسلم وهو كبير سن، ثم يحاول أن يحفظ من القرآن شيئاً لا يستطيع، ولذلك أنزل القرآن على سبعة أحرف مراعاة لمثل هذا، إذا كان لا يستطيع هذه اللفظة يأتي بمرادفها، المقصود أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئاً، نكرة في سياق النفي تعم الفاتحة وغير الفاتحة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 12 "فعلمني ما يجزيني منه" (من) هذه تبعيضية؟ نعم؟ إذا قلنا: تبعيضية قلنا: يجزيك منه الفاتحة؛ لأنها من القرآن، إذا قلنا: ما يجزيني، يجزئني ويكفيني منه من القرآن لعلمه الفاتحة؛ لأن الذي علمه ليس من القرآن، هي أذكار، هي الباقيات الصالحات لكن ليست بقرآن بهذه الصيغة، فقوله: فعلمني ما يجزيني، يعني يغنيني ويجزئني عنه، فـ (من) هذه بمعنى (عن) لأنه أخبر أن القرآن لا يستطيع شيئاً منه، فعلمه ما يجزئه عن شيء، أو ما تيسر من القرآن. "قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) " الباقيات الصالحات غراس الجنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، يقول أهل العلم: إذا كان ترابها المسك الأذفر فما كنزها؟! ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) العجز المذكور وعدم الاستطاعة منه ما هو حقيقي، ومنه ما هو حكمي، حقيقي بأن لا يستطيع تعلم الفاتحة، أنفق عليها الأوقات، وكلما حفظ له آية نسي أخرى، وإذا راجعها ما في شيء، هذا حقيقي، لكن الذي يصلي خلف إمام لا يسكت في صلاته، وهو لا يستطيع أن يقرأ والإمام يقرأ، ألا يوجد من الناس من لا يستطيع القراءة إذا وجد من يشوش عليه؟ لا يستطيع أن يقرأ ولا الفاتحة خلف الإمام إذا كان يقرأ، فكيف يصنع مثل هذا؟ الجزء: 14 ¦ الصفحة: 13 العجز الحقيقي وجدنا ما يجزئه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا يجزئه، عاجز حقيقي، لكن العاجز الحكمي الذي لا يستطيع أن يقرأ ولا آية خلف الإمام هل يوجه بمثل هذا؛ لأنه عاجز عن القراءة عجزاً حكمياً؟ أو نقول: إذا عجز عن الفاتحة عجز عن هذا؟ لأن الكلام المترابط الذي رتب بعضه على بعض قد لا يستطيع أن يأتي به، لكن جمل متناثرة كلما سنحت له فرصة قال: جملة، تغافل عن قراءة الإمام، ثم قال: سبحان الله، ثم بعد قليل قال: الحمد لله، يستطيع، لكن لا يستطيع أن يقول: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ... ، المقصود هل يوجه العاجز عجزاً حكمياً عن قراءة الفاتحة؛ لأنه لا يستطيع أن يقرأ خلف إمام يجهر؟ وهذا المعروف على القول بأن المأموم تلزمه القراءة على كل حال، ولو جهر إمامه، وهو الذي رُجح سابقاً، إذا عجز عن قراءة الفاتحة عجزاً حكمياً يوجه إلى مثل هذا أو لا؟ نعم؟ أولاً: هل في هذا الحديث ما يدل على أنهم خلف الإمام؟ "إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزيني منه، قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ... )) إلى آخره، هذا ليس فيه ما يدل على أنه في حال كونه مأموماً، انتبهوا يا الإخوان، تروا المسألة تحتاج إلى شيء من الانتباه، أولاً: هذا ليس بمأموم، احتمل أن يكون مأموم، واحتمل أن يكون غير مأموم، والمأموم جاء في حقه: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)) ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) فدل على أن المأموم حال كونه مأموماً لا يقرأ إلا الفاتحة، والنفي يشمل البدل الموجود في هذا الحديث، فإذا عجز المأموم عن قراءة الفاتحة سواء كان ممن لا يستطيع القراءة حال قراءة الإمام، أو لم يستطع إكمال الفاتحة لسرعة الإمام مثلاً، نقول: هذا حكمه حكم المسبوق، واضح وإلا ما هو بواضح؟ فالمأموم لا يقول مثل هذه الأذكار خلف الإمام، إن استطاع أن يقرأ الفاتحة وإلا فحكمه حكم المسبوق. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 14 إذا عجز يسقط، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، بعض الناس لا يستطيع ألبتة، تجده يقرأ في سورة من القرآن حفظها كما يحفظ الفاتحة، ثم يتحرك شيء ينسى، لا يدري أين وقف؟ ما هو موجود هذا بين الناس؟ موجود بكثرة، نعم يختلف من شخص إلى شخص، وعموم من حفظ سراً بينه وبين نفسه يكون هذا ديدنه وهذه عادته، إذا تحرك أدنى شيء نسي كل شيء؛ لماذا؟ لأنه ما عود الأذن سماع القرآن، وإذا تضافر على حفظ القرآن السمع والبصر والفؤاد ثبت ورسخ، لا يؤثر فيه مثل هذه الحركات، ولذلك تجدون الحفاظ ما يؤثر عليه من يقرأ عن يمينه أو عن شماله أو عن كذا، وبعض الناس من تعود الحفظ سراً تجده لأدنى شيء لو جهر من بجانبه في الصلاة بكلمة واحدة، أو تحرك باب، أو دخل إلى الصلاة شخص في حركة أو جلبة ضاع ما يدري من أين يبدأ؟ ولا من أين ينتهي؟ وهذا موجود. قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) وهذه هي غراس الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم -عليه السلام- قال لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: ((أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)). ((ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) هذه كنز من كنوز الجنة، فليحرص طالب العلم على هذه الكلمات، وليكن لسانه رطباً بمثل هذه الكلمات، وليكن من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً، و ((سبق المفردون)). وعلى كل حال فوائد الذكر كثيرة، ذكر منها ابن القيم ما يقارب المائة في مقدمة الوابل الصيب. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 15 "قال: يا رسول الله هذا لله فمالي؟ " كيف لله -عز وجل-؟ من المستفيد إذا قال المسلم: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله))؟ من المستفيد؟ نفسه؛ لأنه يقول: هذا لله فما لي؟ يعني هذه الأمور ذكر لله، وتمجيد لله، وتنزيه لله، أنا أريد شيئاً وإن كنت أستفيد من هذا الذكر، ومن هذا التمجيد، ومن هذا التسبيح والتحميد، يستفيد منه المسلم، لكن يريد ما هو أخص من ذلك، وهو الدعاء المباشر، وهذا أعني الذكر من دعاء العبادة، وهو يريد دعاء المسألة، يعني مباشر له، يريد رحمة، يريد رزق، يريد عافية، يريد هداية، يريد ما يريد من أمور الدنيا، وجاء في خبر: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) فالاشتغال بهذه الأذكار وعلى رأسها قراءة القرآن يعطى القارئ، ويعطى الذاكر أعظم ما يعطى السائل، لكن الإنسان لا يستغني عن السؤال بحال، لا يستغني عن سؤال الله -جل وعلا- ((الدعاء هو العبادة)) وفي حديث: ((مخ العبادة)) لا يستغنى عنه بحال، وإن كان الذكر شأنه عظيم، فأيضاً الدعاء له شأن عند الله -جل وعلا-، وإذا دعا الإنسان فلا بد أن يجاب، ما لم يكن ثم مانع، ولا يلزم أن يجاب بنفس ما سأل، قد يجاب بنفس ما سأل، وقد يدفع عنه من الشر أعظم مما سأل، وقد يدخر له في القيامة أعظم مما سأل، إنما الإجابة لا بد منها إذا لم يكن ثم مانع، يكون السائل الداعي هو المتسبب في هذا المانع لا غيره، وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب، هذه موانع، كيف يستجاب لمثل هذا؟ أما إذا تجرد عن الموانع فلا بد أن يجاب {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر]. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 16 "قال: فمالي؟ قال: ((قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، وأهدني)) " متى يقول مثل هذه الدعوات؟ عرفنا أنه يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر بدلاً عن القراء، فهل يقول بعدها: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، وأهدني في القيام؟ لأن السياق يدل على هذا، لكن ركن القيام القراءة فقط، وركن الركوع التعظيم، والسجود التنزيه مع الإكثار من الدعاء على ما سيأتي، فموضع الدعاء من الصلاة السجود وبين السجدتين، وبعد الفراغ من التشهد، هذه مواضع الدعاء في الصلاة، وأما بالنسبة للقيام فذكره القراءة، وما بعد الركوع من القيام ذكره معروف على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. المقصود أن هذا الدعاء ظاهر الحديث يدل على أنه يقوله بعد الأذكار السابقة هذا الظاهر، والنصوص الأخرى تدل على أن القيام ذكره القرآن، أو ما يقوم مقامه من الأذكار، وأما الدعاء فمحله السجود، ((فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) على ما سيأتي، وبين السجدتين محل دعاء، وبعد الفراغ من التشهد أيضاً ليتخير من المسألة ما شاء، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. "فلما قام قال: هكذا بيده" من الذي قام وقال؟ هذا الرجل، ماذا قال بيده؟ وقبضها؟ يعني "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير)) " يعني هل يمكن أن يصور ما قال بيده؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ملء اليد من الخير، هل له ارتباط من قوله: بيده؟ فلما قام قال بيده، قال هكذا بيده "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير))؟ " وكيف تملأ اليد؟ ما وضع اليد إذا أريد ملؤها؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . هكذا نعم، أو باليدين كلتيهما إذا قلنا: إن المراد باليد ما يشمل اليدين على كل حال هو مبهم، وتعيينه لا يؤثر عدم معرفته، لا يؤثر عدم معرفة التعيين إلا أن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير)) يدل على أنه بسطها كمن يريد ملأها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 17 يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط البخاري، وقد قصر من عزاه إلى ابن الجارود فقط" من الذي اقتصر على عزوه إلى ابن الجارود؟ نعم؟ أحد معه المنتقى للمجد؟ أو الإلمام لابن دقيق؟ من الذي عزاه إلى ابن الجارود؟ على كل حال يراجع، إما المنتقى للمجد ابن تيمية، أو الإلمام لابن دقيق. التقصير في العزو له صور، قد يكون الحديث في كتاب أعلى فيعزى إلى كتاب أنزل، هذا تقصير، لكن من التقصير ما هو مقبول، ومنه ما هو مردود، فإذا كان الحديث في موطأ الإمام مالك، ومن طريقه خرجه الإمام البخاري فقال المخرج: رواه البخاري، هذا نزول وتقصير، لكن هل هذا التقصير مخل أو غير مخل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مخل وإلا غير مخل؟ طالب:. . . . . . . . . غير مخل؛ لأنه ما دام وجد في البخاري انتهى الإشكال، لكن لو كان الحديث في البخاري، ومن طريقه خرجه البيهقي أو البغوي في شرح السنة، فاقتصر إلى عزوه إلى البيهقي أو البغوي في شرح السنة، هذا تقصير لكنه مخل، هذا تقصير، والاقتصار على بعض المراجع إذا عزي الحديث إلى الصحيحين، ولو ترك ما عداهما، الأثر المترتب على مثل هذا يسير؛ لأنه إذا ثبت الخبر لا نحتاج إلى حشد من المخرجين، كما يفعل من يخرج الحديث من ثلاثين أو أربعين مصدراً، مع أنه في الصحيحين، لكن إذا كان الحديث في الكتب الستة، واقتصر على عزوه إلى أبي داود والترمذي مثلاً وترك البخاري ومسلم، لا شك أن هذا تقصير مخل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 18 أما إذا كان في السنن الأربعة مع المسند في الخمسة مثلاً، وذكر أنه مخرج عند أبي داود والترمذي، وترك مثلاً النسائي وابن ماجه هذا تقصير، لكنه ليس الخلل فيه كما لو ترك أحد الصحيحين، إذا كان الحديث في الكتب المشهورة في الكتب الستة في الموطأ في المسند، ثم بعد ذلك يعزى إلى فوائد تمام أو جزء فلان أو علان، وتترك هذه الكتب لا شك أن هذا إغراب غير مرضي من بعض طلاب العلم، وهو موجود، تجد بعض طلاب العلم لهم عناية بالأجزاء والفوائد والمعاجم، ويتركون الأهم في هذا الباب كالصحيحين وغيرهما، تجد بعض طلاب العلم لا عناية له بالبخاري، ثم بعد ذلك يعنى بالأحاديث الغرائب، ولا شك أن هذا ليست بعلامة توفيق، التوفيق أن يبدأ الإنسان بالمهم، بالأهم. وبالمهم المهم ابدأ لتدركه ... وقدم النص والآراء فاتهمِ لا بد أن تبدأ بالأهم، وإلا ماذا يعني أن يبدأ الإنسان بجزء الألف دينار، أو بجزء بيبي، أو ما أشبه ذلك، ويترك الأحاديث الصحيحة التي عليها مدار الإسلام في الكتب الخمسة، أو في الصحيحين، أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا خلل في المنهجية عند طالب العلم. "قصر من عزاه إلى ابن الجارود فقط". الجزء: 14 ¦ الصفحة: 19 ثم قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) " إذا أمن فأمنوا، يعني إذا قال: آمين، فقولوا: آمين، مقتضى التركيب والعطف بالفاء التي تقتضي التعقيب أن الإمام يقول: آمين، ثم بعد ذلك المأموم يقول: آمين، فهل هذا هو المقصود وهذا هو المطلوب؟ ((فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) كيف تكون الموافقة وقد تخلف المأموم عن الإمام؟ أو المخاطب بهذا المأموم فقط دون الإمام؟ الموافقة لتأمين الملائكة ألا تطلب من الجميع؟ من الإمام والمأموم؟ كيف تكون موافقة الملائكة مع أن الإمام يقول: آمين قبل المأموم؟ هذا يبينه الحديث الآخر: ((فإذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقولوا: آمين)) وبمجموع الحديثين يدل على أن كلاً من الإمام والمأموم يقول: آمين، خلافاً لمن يقول: إن الإمام لا يقول: آمين، عملاً برواية أو بحديث: ((فإذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقولوا: آمين)) كما قالوا في: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)). الجزء: 14 ¦ الصفحة: 20 ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) يدل على أن التأمين يشترك فيه الإمام والمأموم، لكن هذا الحديث يدل على أن تأمين المأموم متأخر عن تأمين الإمام، والحديث الآخر: ((إذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقولوا: آمين)) يدل على أن المأموم يقول: آمين بمجرد فراغ الإمام من قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] مع أن آمين مشروعة لكل مصلٍ، يعني تأمين الإمام مأخوذ من هذا الحديث، وموافقة الإمام للمأموم في التأمين مأخوذ من الحديث الثاني، يعني إذا كان المأموم يقول: آمين متى؟ إذا قال الإمام: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] الإمام متى يقول: آمين؟ بعد ما يقول: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] يقول: آمين، إذاً هما يشتركان في الوقت، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة من الإمام أو المأمومين غفر له ما تقدم من ذنبه، والموافقة تكون في الوقت، وعلى هذا ينظر في عدد المدود في آمين، الموافقة لا بد أن تكون من جميع الوجوه المحتملة في الوقت بداية ونهاية، وفي الاستحضار؛ لأن آمين دعاء بمعنى: اللهم استجب، والدعاء لا يستجاب من قلب غافل، فلا بد من الاستحضار، والموافقة في الوقت لا يتأخر ولا يتقدم، وأيضاً الخشوع وحضور القلب، كل هذا له أثر في غفران ما تقدم من ذنبه. آمين: هكذا بالمد، هذه هي اللغة الفصحى، وهي الأشهر من بين اللغات، فقد قيل: بالقصر: أمين، وقيل: بتشديد الميم: آمّين، يعني قاصدين بذلك وجه الله تعالى، لكن القراء كلهم على المد مع التخفيف. ((غفر له ما تقدم من ذنبه)). طالب:. . . . . . . . . في إيش؟ طالب:. . . . . . . . . في إيش؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا مع الإمام، إذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] ثم قال: آمين، قل معه، مجرد ما يقال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] قل: آمين، مثل ما يفعل الناس اليوم، واضح. طالب:. . . . . . . . . لا لا، وشو لون أمن معه؟ نفس الشيء. طالب:. . . . . . . . . أيوه. طالب:. . . . . . . . . وأنت معه. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 21 إيه خلاص، هذا الصحيح، يعني لا تنتظر إلى أن يفرغ الإمام من قوله: آمين، كما هو مقتضى الحديث -حديث الباب- ((إذا أمن فأمنوا)) مقتضاه مثل ((إذا كبر فكبروا)) إذا فرغ فكبروا، لكن يحمل على المعنى الثاني، وهو أنه إذا شرع فأمنوا معه. ((غفر له ما تقدم)) (ما) نكرة، أو من ألفاظ العموم، تشمل جمع ما تقدم من ذنبه، وعلى هذا يكون الذنب المغفور شامل للكبائر والصغائر، هذا مقتضى العموم غفر له ما تقدم من ذنبه، وهذا سياق امتنان، يزيد في العموم والشمول. ((غفر له ما تقدم من ذنبه)) فليحرص الإنسان، ولا يغفل عن التأمين، ولا يتراخى بحيث يفوته التأمين، وجاء عن بلال أنه قال: "لا تسبقني بآمين" فلا شك أن هذا فضل عظيم من الله -جل وعلا-، وإن قال جمع من أهل العلم: إن المراد ما تقدم من ذنبه يعني من الصغائر، وأما الكبائر فلا بد لها من توبة، وجاء القيد في بعض النصوص في غير هذا الموضع، ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن من الذنوب ما لم تغش كبيرة)) أو ((ما ارتكبت كبيرة)) فعلى كل حال الكبائر في قول جمهور أهل العلم لا بد من التوبة، والتخلص منها بالتوبة، وأما بالنسبة للصغائر فتكفر بمثل هذا، وفضل الله واسع لا يحجر فضل الله، ولا يجزم بأن الكبائر لا تكفر بمثل هذا، لكن مع ذلك على من ارتكب الكبيرة أن يتوب إلى الله -جل وعلا-. "متفق عليه". الجزء: 14 ¦ الصفحة: 22 "وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين" في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر يقرأ بفاتحة الكتاب وسورتين، سورتين في كل ركعة أو في الركعتين؟ في الركعتين، لو أراد في كل ركعة ماذا يقول؟ يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، يعني أولاً: اقتران السورتين بفاتحة الكتاب يدل على إيش؟ على أنهما في الركعتين؛ لأن فاتحة الكتاب تقرأ في الركعتين، ولو أراد ركعة واحدة لقال: وسورتين سورتين، نعم؟ يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين سورتين، كما يقول: توضأ مرة مرة، مرتين مرتين، وهذا لتعدد الأعضاء، ولو كان المراد لعضو واحد لقال: توضأ مرتين، المقصود أن هذا أمر ظاهر، وهو أن في كل ركعة سورة، ولا يمنع من أن تجمع السور، فيقرأ في كل ركعة أكثر من سورة، فقد أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يقرأ بسورة الإخلاص مع السورة، فلا يوجد ما يمنع من قراءة سورتين في ركعة واحدة، وقد صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعة واحدة بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، فجمع السور في ركعة واحدة ما فيه إشكال جائز، دلت عليه هذه النصوص، لكن هنا يقرأ بفاتحة الكتاب وسورتين في كل ركعة سورة، وهذا ظاهر السياق. "ويسمعنا الآية أحياناً" يعني في الصلاة السرية يسمعهم الآية أحياناً، فدل على أن الإسرار والجهر لا على سبيل الوجوب، بل العلماء يطلقون الكراهة، إذا جهر بالسرية، أو أسر بالجهرية، والصلاة صحيحة، وينبغي أن يعلم أنه ما لم يكن ذلك ديدناً للمصلي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 23 حينما يطلقون الكراهة من جهر في سرية، أو عكس كره، الكراهة هذه ليست مطلقة، فإذا فعل ذلك أحياناً كره، لكن إذا كان ديدنه هذا لا يصلي صلاة ظهر إلا ويجهر، ولا يصلي صلاة صبح إلا ويسر، نقول: هذا مبتدع، وليس حكم فعل الشيء أحياناً مثل فعله باستمرار، يعني الوتر عند الإمام أحمد سنة، لكن من داوم على تركه فهو رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته، ففعل الشيء أحياناً لا سيما إذا كان لبيان الجواز غير فعله باستمرار، فالأصل الاقتداء، فكان يجهر بالصبح والمغرب والعشاء، ويسر بالظهر والعصر، لكنه يسمعهم الآية أحياناً. "وكان يطول الركعة الأولى من الظهر" بحيث يذهب الإنسان بعد الإقامة ويتوضأ ويرجع فيدرك الركعة، يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية، يعني تقصيراً نسبياً بالنسبة للأولى، ولا يعني أنه ينقرها، لا، "ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب فقط" ويأتي ما يدل على أنه قد يقرأ في الركعتين الأخريين على النصف مما كان يقرأه في الركعتين الأوليين. يقول: "متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي رواية البخاري: "وكان يطول الأولى من صلاة الفجر، ويقصر في الثانية" وهذا أيضاً تقصير نسبي، وأيضاً تطويل نسبي، لا يمل المأموم ولا يفتن المأموم عن صلاته، بل لا بد من مراعاة المأموم وملاحظته، كما أن التقصير نسبي لا يصل إلى حد يخل بالصلاة أو بالقراءة. قراءة السورة بعد الفاتحة سنة عند جماهير أهل العلم، والواجب إنما هو الفاتحة، أو ما تيسر عند الحنفية على ما تقدم، والمرجح قول الجمهور، وأن الفاتحة متعينة، لا بد منها، وما زاد وما تيسر فهو قدر زائد على الفاتحة الجمهور على أنه سنة، ومن أهل العلم من أوجب مع الفاتحة سورة ولو قصيرة، أو ما تيسر من القرآن؛ لأن المسيء أمر بذلك، وعلى كل حال قول عامة أهل العلم هو المعتمد. طالب:. . . . . . . . . لا ما تسقط. طالب:. . . . . . . . . العاجز له حكمه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 24 "يطول الأولى من صلاة الفجر" صلاة الفجر سمتها الطول، ولذا جاء في حديث: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" ولذا سميت قرآن {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] المراد به صلاة الفجر الذي يجتمع فيها الملائكة، واقتصر على القراءة منها لأنها أطول أركانها وأجزائها. ثم قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نحزر" يعني نقدر "قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر" لأنهم لا يسمعون القراءة، والذي لا يسمع يقدر، لكن لو كانوا يسمعونها لقالوا: كان يقرأ آلم تنزيل، في حديث صلاة الكسوف مما يستدل به من يقول: إن صلاة الكسوف سرية في حديث صلاة الكسوف في حديث ابن عباس يقول: "فقام قياماً طويلاً قرأ نحواً من سورة البقرة" هذه يستدل بها من يقول: إن قراءة صلاة الكسوف سرية، لكن لا يمنع أن يكون عدم سماعه للقراءة البعد من مكان الإمام، وأما الإمام فقد جهر وسمعه من سمعه، وجاء الجهر بصلاة الكسوف عن عدد من الصحابة، الذي لا يسمع يقدر، وهكذا في صلاة الظهر والعصر تقدر. "كنا نحزر قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر: آلم تنزيل السجدة" في الركعتين الأوليين قدر آلم تنزيل السجدة، يعني هل يقرأ قدر آلم تنزيل في الركعتين أو في الركعة الواحدة؟ "وحرزنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على قدر النصف من ذلك، وفي رواية: بدل آلم تنزيل السجدة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين: قدر خمس عشرة آية" هل قراءة هذا المقدار في كل ركعة أو في الركعتين؟ في كل ركعة ثلاثين آية من الركعتين الأوليين، ومن الأخريين خمس عشرة آية في كل ركعة، أو نقول: إنه في الركعتين الأوليين يقرأ ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين يقرأ خمس عشرة آية؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 25 هذا الظاهر، هذا هو الظاهر أنه يطيل القراءة في صلاة الظهر أطول من القراءة في صلاة العصر، ويطيل القراءة في الركعتين الأوليين أكثر من إطالة القراءة في الركعتين الأخريين. "قدر آلم تنزيل السجدة" يعني تقرأ آلم تنزيل السجدة في ركعة في صلاة الظهر، ثم يقرأ في الركعة الثانية قريباً منها، ثم في الأخريين قدر النصف من ذلك، كما جاء تفسيره في الرواية الأخرى قدر خمس عشرة آية. "وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر" يعني خمس عشرة آية في كل ركعة "وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك" يعني سبع آيات، ثمان آيات، والقاعدة في صلاته -عليه الصلاة والسلام- أن كل ركن أو كل ركعة تكون أطول من التي بعدها، كما في قوله: كان يطول الأولى من صلاة الفجر، ويطول الأولى من الظهر، ويقصر الثانية وهكذا، وجاء في صلاة الكسوف التدرج، قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً دون الركوع الأول، وهكذا بقية الصلاة، فصلاته -عليه الصلاة والسلام- متدرجة أولها أطولها، ثم بعد ذلك يخفف تدريجياً. هذا مقتضى ما جاء في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ليس بمطرد، إنما هذا هو الغالب، وقد يطول الثانية شيئاً يسيراً أطول من الأولى، يعني سبح والغاشية أيهما أطول؟ الغاشية أطول بسطر واحد، ما في فرق يسوى، نعم، الجمعة والمنافقون متقاربتان إلا أن الثانية أطول من الأولى بسطر، يعني ليست هذه قاعدة مطردة لا يحاد عنها، بل قد تقتضي القراءة الزيادة في الركعة الثانية؛ لأنه ركع في الأولى في عشرين آية مثلاً، لما أراد أن يركع في خمس عشرة آية وجد القصة مترابطة ويمكن يختل المعنى إذا ركع فأطالها، وزاد فيها، فالمقاطع هي التي تحكم الإمام، لكن ينبغي أن يدخل الإمام على بينة، وأن الأولى أطول من الثانية هذا الأصل. طالب:. . . . . . . . . إيه، لكن ما يضر هذا، ما يضر، عكس هذا. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 26 إذا فعله أحياناً ما يخالف السنة؛ لأنه فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في أحوال نادرة، وإن كان الأصل أن يكون التدرج في الركعات، وكذلك السجدات، بعض الأئمة يلاحظ عليه أنه يطيل آخر سجدة من الصلاة، وهذا لاحظناه من أئمة حتى من شيوخ كبار تجده يطيل آخر سجدة، ومقتضى التدرج في التخفيف من صلاته -عليه الصلاة والسلام- يقتضي أن آخر سجدة هي أخف السجدات، أليس ملاحظ أن بعض الأئمة يطيل السجدة الأخيرة؟ وكأنه بذلك يصلي صلاة مودع، يعني يودع الصلاة، وكأنه غفل في سجداته الأولى فأراد أن يعوض، ويكثر من الدعاء في سجدته الأخيرة؛ لأن بعض الناس يغفل في أثناء صلاته، ثم إذا انتبه أراد أن يعوض، وعلى كل حال هذا لا يؤثر، لكن لا يكون عادة ولا ديدناً. الركعتين الأخريين من صلاة الظهر والعصر معروف أنه في الركعتين الأوليين يقرأ الفاتحة، ويقرأ معها سورة أو أكثر. في الركعتين الأخريين في هذا الحديث ما يدل على أنه يقرأ مع الفاتحة سورة، أو شيء من القرآن بقدر نصف ما يقرأ في الركعتين الأوليين، بقدر ما يقرأ في الركعتين الأوليين، وجاء ما يدل على عدم القراءة فيهما وهو الأصل، لكن هذا يفعل أحياناً. "آلم تنزيل السجدة" قلنا: إن السياق يحتمل أن تكون في الركعتين، ويحتمل أن تكون في الركعة الواحدة، وليس المقصود السورة بذاتها، وإنما المقصود قدرها، ولذا قال في الرواية الأخرى: قدر ثلاثين آية، فماذا عن قراءة السورة في الركعتين في فجر الجمعة وفي غيره من الأوقات؟ لأنه جاء هنا سؤال: يقول: منهم من يقول: إن تجزئة سورة السجدة في الفجر يوم الجمعة بدعة؟ فهل هذا صحيح؟ الجزء: 14 ¦ الصفحة: 27 المعروف عند أهل العلم أنهم يقولون: لا تتم السنة بهذا، السنة أن يقرأ في الركعة الأولى في فجر الجمعة سورة آلم تنزيل السجدة، في الركعة الثانية سورة الإنسان {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] لكن إن قرأ إحدى السورتين في الركعتين لا تتم بذلك السنة، ولا يتم بذلك الامتثال، لن هل يدخل في ذلك في حيز الابتداع، أو نقول: إنه قرأ ما تيسر كما أمر؟ أما إن كانت قراءته لهذه السورة في فجر الجمعة في الركعتين يريد بذلك الاقتداء والائتساء، وأن هذا يتم به؟ نقول: لا، لا بد أن تقرأ السورة كاملة في الركعة الأولى، وقسمها في الركعتين لا تتأدى به السنة، أما كونه يدخل في حيز الابتداع بمثل هذا فلا أيضاً؛ لأنه فعل ما أمر به، أمر أن يقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر، وقد فعل، اللهم إلا إذا تعبد بذلك، واتخذه عادة وديدناً، مثل هذا يتجه القول بمثل هذا. طالب:. . . . . . . . . ما تتأدى بها السنة، اللهم إلا في صلاة أخرى. طالب: في الفجر. فجر الجمعة وإلا غيره؟ طالب: فجر الجمعة. لا، هذا ما تتأدى به السنة. يقول: سمعنا من بعض طلبة العلم الذين صُرح لهم بإلقاء الدروس يقول: إن من -لعل المراد- يبصق في منديل، ووضعه في النفاية التي داخل المسجد، يقول: فإن هذا ينطبق عليه الحديث، وأنها خطيئة، فهل هذا صحيح؟ أما إذا كانت في قبلة المصلين فيتجه مثل هذا، أما إذا كانت في مؤخرة المسجد، أو في زاوية منه فلا يتجه. يقول: وأيضاً أنه يقول -وينسب لشيخ من الشيوخ-: يجوز إهداء القربات للميت كقراءة القرآن، ورد على الآية التي في سورة النجم أنه من سعي أبيه هذا الابن؟ على كل حال إهداء الثواب أمر معروف عند أهل العلم، وهو قول الجمهور، وأن من فعل قربة، وأهدى ثوابها إلى من شاء من حي أو ميت فإنه يصل هذا قول الأكثر. وهذا يختلف عن النيابة عن الغير في القربات، هذا يقتصر فيه على الوارد، فلا يصلي أحد عن أحد، وورد بعض العبادات التي تقبل النيابة مثل الحج مثلاً، يحج عن أبيه، يحج عن أمه، أما ما عدا ذلك فإنه لا يصلي أحد عن أحد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 28 في صيام النذر إذا مات وعليه صوم نذر، ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) هذا أيضاً جاءت فيه النيابة، أما إهداء القربة إذا قرأ القرآن مثلاً، وانتهى من قراءته، وأهدى ثواب هذه التلاوة لفلان من الناس حي أو ميت قريب أو بعيد، هذا يقول جمهور أهل العلم أنه يصل -إن شاء الله-. هذه ظلمات بعضها فوق بعض. هناك شخص يعمل في المملكة، وخطيبته في إيطاليا، ووجدت له عملاً مناسباً هناك بضعف الراتب، ولكن التأشيرة لا يأخذها إلا إذا خفف من لحيته، وهي كثة، وفعله هذا يكون مرة واحدة، وأما بعد دخوله البلد فلا يتعرضون له، وأمه وأبوه أمروه بهذا، بل غضبوا عليه يوم أن رفض، فما توجيهكم؟ وهل تستحبون له العمل في إيطاليا بدل مكة إرضاءً لوالديه، وهو رجل سلفي من باكستان؟ على كل حال الذهاب والسفر إلى بلاد الكفر معروف حكمه عند أهل العلم، والإقامة أيضاً معروف حكمها، والهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام واجبة إلى قيام الساعة، فكيف بالعكس؟! وإذا انضاف إلى ذلك محرمات أخرى زاد الطين بلة، فلا أرى له أن يصنع ما ذكر، ولو أغضب والديه؛ لأن الطاعة بالمعروف، وهذا ليس من المعروف. من لم يسمع تأمين الإمام أو أن الإمام لا يجهر بالتأمين ويسمع القراءة؛ لأن الصلاة السرية لا يشرع فيها الجهر بالتأمين، ولا يتابع الإمام على قراءته في السرية، فإذا كان يسمع {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فإنه بمجرد قول الإمام {وَلاَ الضَّالِّينَ} يؤمن المأموم. يقول: هل يلزم في تسوية الصفوف إلصاق الرجل برجل الذي بجنبك، أم تكفي المقاربة بينهما فقط؟ أولاً: الإنسان عليه أن يأخذ من الصف ما يكفيه فقط دون زيادة ولا نقصان، والمحاذاة كما تكون بالأقدام تكون أيضاً بالمناكب، وبعض الناس يظن أن المصافة وإلصاق الكعب بالكعب يكفي، تبعاً لذلك تجده يباعد ما بين قدميه مباعدة فاحشة هذا خلل في الصف، ولا يكفي إلصاق القدم بالقدم، بل لا بد من المحاذاة بالقدم وبالمنكب، بمعنى أنه لا يأخذ من الصف أكثر من حجمه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 29 الأصل ألا يزيد ولا ينقص يحاذي بالقدم والمنكب، وكان الصحابة لشدة امتثالهم لهذا الأمر يلصقون الكعب بالكعب، والقدم بالقدم، لكن إذا وجد من ينفر من ذلك، وتتأثر صلاته بذلك، ووجدته إذا قربت منه أبعد، مثل هذا لا تضيق عليه؛ لأن الناس يتفاوتون في مثل هذا، بعض الناس عنده حساسية لا يستطيع أن يصبر على أحد يمس رجله، أو ما أشبه ذلك. على كل حال المقصود من إلصاق القدم بالقدم هو المبالغة في التراص الذي لا يؤثر على صلاة المأموم الآخر، وكما أن المحاذاة بالقدم مطلوبة كذلك المحاذاة بالمنكب، ولا ينحل الإشكال بتوسيع ما بين القدمين. يقول: بعض المتبرعين للإعلانات عن المحاضرات والدروس الشرعية يكتب في الإعلان طُبع برعاية فلان أو شركة فلان بدون عنوان أو رقم هاتف؟ لا بعضهم يذكر عنوان ورقم هاتف، ولا شك أنه إذا كان هو الساعي لذلك الشركة هي التي تسعى لذلك، وهي التي توزع الإعلانات في المساجد هذا لا شك أنه من سؤال الدنيا، لكن إذا سعي إليها من قبل من همه الدرس وليس همه البحث عن الدنيا، إذا كان همه الدرس، وطلب من شركة أن تدعم هذا الإعلان، ويكون على نفقتها وذكرت، وأعلن في المسجد من همه الدرس لا همه التجارة فإنه حينئذٍ لا إشكال فيه، وما من شيء إلا وله دعاية، هذه المناديل لها دعاية، ماذا نصنع بها؟ لكن هل هذه الشركة جاءت بهذه المناديل إلى المسجد، وقالت من أجل الترويج لهذا، أو أن أهل المسجد هم الذين أحضروه؟ فالأمور بمقاصدها، فإن كانت الشركة هي التي تسوق منتوجاتها وتجارتها في المسجد لا يجوز، وإن كان من يحرص على الدروس ومن يروج للدروس هو الذي أتى بهذه الإعلانات والإعلانات التبعية ثبتت تبعاً لذلك فلا إشكال -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل الثلاثين آية التي ذكرت في الحديث تحسب من الفاتحة؟ لا، هي بقدر آلم تنزيل، وبقدر سورة الملك. يقول: ما المقصود من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تسبقني بالتأمين؟ الجزء: 14 ¦ الصفحة: 30 ليس الرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي يقول هذا الكلام، إنما الذي يقوله بلال؛ لأنه يقيم في موضع بعيد عن الصف، فإذا أقام في مكانه الذي أذن فيه، ثم حضر إلى الصف احتمال أن يفوته التأمين، تقرأ الفاتحة قبل وصوله إلى مكانه في الصف فهو يقول: لا تسبقني بآمين. يقول: إذا كان النص واضحاً، وكان هناك من يفسره بعدة تفسيرات، فما هو الصحيح من ذلك؟ أرجو التوضيح. هذه التفسيرات للنص أولاً يرجع فيها إلى لغة العرب، وقد يوجد في لغة العرب من التفسير لهذا النص أكثر من قول، فالذي يحدده السياق من هذه المعاني هو المطلوب، ولذا يقول أهل العلم: إنه لا يتكلم في غريب القرآن أو في غريب الحديث من له يد في اللغة فقط، بل لا بد أن يكون من أهل القرآن، ومن أهل الحديث؛ ليعرف ما يدل عليه السياق، يعني لا يكتفى بلغوي يأتي إلى غريب القرآن أو غريب الحديث، نعم يعرف معنى هذه الكلمة، بل معاني هذه الكلمة، لكن ما الذي يحدد له أن المطلوب في هذا النص هو هذا المعنى، لا بد أن يكون عنده علم بالكتاب والسنة، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 31 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (16) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان ... فلان هذا: واحد من الإخوان يقول: بحثت المراد بقول أبي هريرة في حديث بكير: بفلان، فوجدت ثلاثة أحاديث، عند أبي هريرة ما كان أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم سُليم، يعني أنس بن مالك، وهذا في المسند. حديث أبي الدرداء: يقول: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صاحبكم، يعني معاوية. وحديث أنس ابن مالك: قال: ما صليت خلف أحد أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان، وكان الأمير هو عمر بن عبد العزيز، هذا في المسند، فأيهما المراد؟ الأقرب أن يكون الأول لأنه من حديث أبي هريرة، ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم سليم، وهو أنس بن مالك، وهذا في المسند. قول أبي الدرداء ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صاحبكم يعني معاوية، رواه الطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح إلا فلان ... إلى آخره. المقصود أن كون المراد معاوية بقول أبي هريرة: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" يعني معاوية أولاً: ليس من حديث أبي هريرة، والتقدير تقدير الشبه يختلف من شخص لشخص، فكونها أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حد ظن أبي الدرداء لا يلزم منه أن يكون أشبه على تقدير أبي هريرة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 1 أما ما روي عن أنس في المسند، قال: ما صليت خلف أحد أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان، وكان الأمير هو عمر بن عبد العزيز، هذا ليس بوارد أصلاً؛ لماذا؟ لأن عمر بن عبد العزيز ولد سنة ستين أو واحد وستين، وأبو هريرة مات سنة تسعة وخمسين، فلا يمكن أن يراد بكلام أبي هريرة ألبتة. المحتمِل حديث أبي الدرداء، لكن ما جاء من طريق أبي هريرة نفسه من أن المراد به أنس بن مالك هذا هو الأقرب. يقول: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" هذه كناية عن الرجل، كما أن فلانة كناية عن المرأة، ويؤتى بالكناية في مثل هذا حينما يخشى الإنسان على نفسه، أو على المتحدث عنه، أو يترجح عنده أن التكنية أولى من التصريح، وقد يكون لشيء في النفس، وهنا لا يظن أن يكون السبب شيء في النفس، وإن كانت النفوس قد تعتمد مثل هذا؛ لأنه ليس فيه كذب، وليس بممنوع ألا يصرح بالاسم، لكن كما قالت عائشة -رضي الله عنه-: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين العباس وآخر، أو ورجل" تعني بذلك علي -رضي الله عنه-، ما صرحت باسمه؛ لأن في نفسها شيئاً لا يؤثر، لما استشاره النبي -عليه الصلاة والسلام- في حادثة الإفك أشار بقوله: النساء غيرها كثير، هذا لا شك أنه يوجد في النفس ما يوجد، لكن هل ارتكبت محظور بسبب ما في النفس، أو تركت واجب بسبب ما في نفسها؟ أبداً، لما قتل عثمان جاء الناس يستشيرونها فأشارت بعلي -رضي الله عنه وأرضاه-، يعني ما منعها ما في نفسها أن تنصح النصيحة الواجبة، وأن تكتم الحق، ما حملها ذلك على أن تكتم الحق الواجب بيانه، فالتكنية لها فوائد، لو أن شخصاً أفتى بفتوى مناسبة ومحررة ومقررة، وأراد الإنسان إشاعتها بين الناس، لكن عليه ضرر في التصريح باسم هذا المفتي، يقول: أفتى بعض أهل العلم، ما في ما يمنع؛ لان المقصود إيصال الفائدة كما هنا "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" وقد يصرح به في موضع آخر كما في المسند، صرح بابن أم سُليم يعني أنس. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 2 "قال سليمان" سليمان بن يسار، أحد الفقهاء السبعة، موضحاً وجه الشبه بين صلاة هذا المبهم، وبين صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: "كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين" لأنه يقرأ في الركعة الأولى أو في الأوليين على ما تقدم بـ (آلم التنزيل) بقدر (آلم التنزيل) الرواية الأخرى مقدار ثلاثين آية في كل ركعة، هذا تطويل بالنسبة للركعتين الأخريين، سواءً قلنا: إنه لا يزاد فيهما على الفاتحة، أو قلنا: إنه يقرأ فيهما على النصف مما يقرأ في الركعتين الأوليين "ويخفف العصر" لأن الأوليين منها بمقدار الأخريين من صلاة الظهر على ما تقدم في الحديث الذي قبله. "ويقرأ في المغرب بقصار المفصل" أولاً: المفصل يبدأ عند الجمهور من (ق) وقال بعضهم: يبدأ من الحجرات. سمي المفصل بهذا الاسم لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، يبدأ من (ق) وهذا قول الأكثر؛ لأن التسبير والتقسيم -تقسيم القرآن- على أسباع، الذي ذُكر عن الصحابة في سنن أبي داود وغيره، في اليوم الأول ثلاث، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة، وفي السادس ثلاث عشرة، وفي السابع المفصل، فإذا قلنا في اليوم الأول: البقرة وآل عمران والنساء، وفي الثاني المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، وهكذا، صار نصيب اليوم السابع يبدأ من (ق) نزر يسير من أهل العلم قالوا: يبدأ من الحجرات، وكأنهم عدوا الفاتحة، قالوا: في اليوم الأول ثلاث: الفاتحة والبقرة وآل عمران، والثاني النساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال، ثم يقف في اليوم السادس عند الحجرات، لكن يختل التوازن بهذا التقسيم، يكون بعضها أطول من بعض طولاً واضحاً، يعني يكون في اليوم الأول أربعة إلا ربع، وفي الثاني كم؟ خمسة ونصف، فيكون هناك فرق واضح، وإن كان بين .. ، حتى على الترتيب الأول، اليوم الأول خمسة وربع، والثاني خمسة وورقة، والثالث إلى آخره أربعة، وقد تنقص يسيراً. المقصود أن هذا هو سبب الخلاف، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذكر في فضائل القرآن أن الأكثر على أن المفصل يبدأ من (ق) وفي تفسير سورة (ق) ذكر أن من أهل العلم من يرى أن المفصل يبدأ من الحجرات. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 3 المقصود أنه يقرأ في المغرب بالقصار، بقصار المفصل، وتقسيم المفصل إلى ثلاثة أقسام: طوال، وأوساط، وقصار إن قلنا بالترتيب فقد تأتي السورة الطويلة بعد السورة القصيرة، فمثلاً إذا قلنا: بأن الطوال، ثم الأوساط، ثم القصار مترتبة على حسب ترتيبها في المصحف، قلنا: ماذا نعد الانفطار، ثم المطففين بعدها، وهي أطول منها بكثير؟ والانفطار قبلها، المطففين من الطوال تعد إذا قلنا بالانتقاء، يعني ننظر إلى الواقع في السور الطويلة والقصيرة، سواءً تقدمت أو تأخرت، فليست الانفطار بمنزلة المطففين، ولا بمنزلة الفجر التي بعدها بسور، والقصر والطول لا شك أنه يدل على أن المغرب تخفف، والعشاء يتوسط فيها، والفجر تطول فيها القراءة، كما جاء في الحديث، حديث عائشة: "وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة". يقرأ في المغرب بقصار المفصل، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في المغرب بالأعراف، وقرأ فيها بالمرسلات، وقرأ فيها بالطور، وقرأ فيها بالطور، وقرأ فيها بأوساط، وقرأ فيها بقصار. فقوله: "يقرأ في المغرب بقصار المفصل" وزيد بن ثابت أنكر على مروان التزامه القراءة في المغرب بالقصار، أنكر عليه، فكيف نوجه قول سليمان: "ويقرأ في المغرب بقصار المفصل"؟ إن قلنا: نحمل هذا على الغالب على أن لا يكون ديدن للإمام أن يقرأ بالقصار في المغرب مستمراً اتجه؛ لأنه خالف النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا الاطراد المذكور هنا بأنه قرأ سور طويلة، وسورة الأعراف إذا رتلت تأتي على جميع الوقت، وقت المغرب، وقد صلى بها أحد المشايخ، فما فرغ من الصلاة حتى دخل وقت العشاء، نعم على طريقة السرد، الهذ، يمكن أن يؤتى بها مع الصلاة بأقل من نصف ساعة، للضابط المتقن. على كل حال يجب أن يحمل مثل هذا الكلام مع أن فيه كلام لأهل العلم في ثبوته، والأكثر على أنه حسن، يعني مقبول، واعتمده جمع من أهل العلم الحنابلة مشوا على هذا قالوا: يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء من أوساطه، وأضافوا إليها الظهر والعصر، وجعلوا صلاة الصبح بالطوال، طوال المفصل. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 4 إذا حمل هذا على الغالب استقام، ويكون قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأعراف وبالطور وبالمرسلات وبالصافات أحياناً، كل هذا لبيان الجواز، جواز الإطالة. "ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل" ولا شك أن الطول والقصر والتوسط أمور لا يمكن تحديدها بترتيب السور، مثل ما أسلفت، وإن كان بعضهم حددها، وجعل القصار من الضحى، والأوساط من إيش؟ نعم؟ طالب: من النازعات. من (ق) إلى (عم) هذه الطوال. طالب: من النازعات. إلى آخر عم طوال، ومن النازعات إلى عم تكون أوساط، لكن إذا قلنا هذا يمكن سورة البينة تعادل بعض الأوساط، مثل الطارق مثلاً، ومثل الانفطار تعادلها البينة، والذي ينبغي أن يقال في مثل هذا أنه لا يحدد على الترتيب، بل ينظر إلى السورة نفسها، هل هي طويلة أو قصيرة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 5 "يقرأ في الصبح بطوال المفصل" يعني جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في صلاة الصبح بـ (إذا زلزلت) في الركعتين، في صلاة الصبح بـ (إذا زلزلت) وهي من الأوساط على هذا، وحجمها يعادل حجم بعض القصار، يعني عدد آيها وحروفها، وهذا لبيان الجواز، وأنه لا مانع أن يقرأ في يوم أو في أيام بالقصار لظرف من الظروف، أو لبيان الجواز، الناس بعد صلاة التهجد في ليالي العشر إذا جاءوا إلى صلاة الصبح، وقد أحيوا الليل، بعد تعب وسهر، ينبغي أن يخفف عنهم، ولا يقول قائل: كيف نخفف في فريضة من أجل إقامة نافلة؟ لأن بعض الناس يقول: العناية بالفريضة أولى من العناية بالنافلة، نخفف صلاة التهجد، ونأتي بصلاة الصبح على وجهها، لكن هذا أمر يفوت، استغلال العشر يفوت، أفضل وأشرف ليالي العام، وفيها ليلة خير من ألف شهر، وأما بالنسبة لصلاة الصبح فالخلل في أمر مستحب، يعني القدر الزائد على الواجبات والأركان والشروط هذا كله مستحب، فالتقليل من هذا المستحب لهذا الظرف الذي يفوت لا يجعلنا ننظر إلى المسألة بأننا قدمنا النفل على الفرض، وإلا كثير من طلاب العلم يستشكل الإمام يصلي صلاة التهجد ثلاث ساعات مثلاً، والناس يتعبون لا سيما في هذه الأوقات التي لا ينامون فيها، ثم بعد ذلك يصير على حساب -كما زعموا- صلاة الصبح، صلاة الصبح جاء تخفيفها، قرأ فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- بـ (إذا زلزلت) في الركعتين، وذلك إما أن يقال لبيان الجواز، أو يقال: لظرف من الظروف، يمكن أن يكون متعباً، وفي بعض طرق الحديث أنه كان مسافراً، على كل حال الخلل لم يتطرق إلى الواجبات؛ ليقال: إن إطالة صلاة التهجد على حساب الفرض. "رواه ابن ماجه والنسائي وهذا لفظه، وهو أتم، وإسناده صحيح" إسناده صحيح، وفيه من وصف بصدوق، فالحكم عليه بالحسن أقرب. الحديث الذي يليه يقول -رحمه الله تعالى-: الجزء: 15 ¦ الصفحة: 6 "وعن ابن إسحاق" محمد بن إسحاق المطلبي إمام أهل المغازي، إمام في هذا الباب في المغازي وفي السير، لكنه في الحديث فيه ضعف، وإن كان بعضهم قد توسط في أمره، وقال فيه: صدوق، وعلى كل حال وصف بالتدليس فلا بد أن يصرح بالتحديث، ومدح أهل العلم لابن إسحاق في المغازي، واعترافهم بإمامته فيها هذا يدل على أن الإنسان قد يكون ثقة في باب، وفيه كلام في باب آخر، من أمثلة ذلك ابن إسحاق، إمام في المغازي والسير، وفي الحديث فيه ضعف، من ذلكم أيضاً عاصم ابن أبي النجود، إمام في القراءة، وفي الحديث فيه كلام، من ذلكم الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، إمام في الفقه، وفي الحديث أيضاً فيه كلام، وكونه فيه كلام في هذا الباب لا يؤثر على إمامته في الباب الآخر، فقد يضبط الإنسان ما هو بصدده، ويغفل عما عداه، وإذا اتجه الإنسان إلى أمر من الأمور ضبطه وأتقنه، وإذا غفل عن شيء من الأشياء دخل فيه أو عليه فيه الدخل، فكون أبي حنيفة فقيهاً لا يؤثر في فقهه واستنباطه ودقة نظره أن يكون في حديثه شيء، وإن كان مبنى الفقه على الحديث، وظهر هذا في بعض اجتهاداته -رحمه الله-، واجتهادات أتباعه، وعلى كل حال إمامته في الفقه لا ينازع فيها، لا ينازع فيها أحد، وعاصم بن أبي النجود القارئ المشهور المتقن باتفاق أهل العلم للقراءة، الضابط لها، المبرز فيها، هو عند أهل الحديث فيه كلام، ولا أثر لهذا الكلام في قراءته ألبتة، مثل ما ذكرنا أن الإنسان قد يضبط شيئاً ويعتني به، ومن شدة عنايته به يغفل عن أبواب أخرى. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 7 الآن كثير من القضاة تجدهم في أبواب القضاء الدعاوى والبينات وما يتعلق بالقضاء تجدهم أئمة في هذا الباب، يضبطونه ويتقنونه، لا سيما من تقدمت به السن في القضاء، لكن في الأبواب الأخرى لانشغالهم عنها بهذا العمل العظيم قد يكون عندهم شيء من الخلل، أيضاً المدرس مثلاً، مدرس العلم الشرعي تجد عنايته وضبطه للعبادات أكثر من ضبطه للجنايات مثلاً، فاهتمامه بالعبادات والمعاملات جاء على حساب بعض الأبواب، وبعض الناس يهتم بمسائل المال والاقتصاد، ويكون هذا على حساب أبواب أخرى وهكذا، وبعض الناس يعرف بضبط مسائل الحج، عطاء إمام في هذه المسائل، لكن تجده في أبواب أخرى قد يوجد من هو فوقه في هذه الأبواب. على كل حال الذي دعا إلى هذا الكلام أن بعض المبتدعة طعن في عاصم بن أبي النجود، وقال: كيف يعتمد على قراءة من وصفه أهل الحديث بأن في حفظه شيئاً، وهذا مثل ما قلنا: ابن إسحاق إمام لا يجارى في المغازي، وفي الحديث منهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، حتى قال مالك، ماذا قال؟ طالب: دجال. دجال من الدجاجلة، لكن التوسط بين أقوال أهل العلم؛ لأنه وجد من رفع من شأنه، ووجد من أنزله عما يستحق، فوصفه بأنه صدوق قول معتبر عند أهل العلم، ومع ذلك مدلس، لا بد أن يصرح، وهنا ما صرح، ولذا حكم على حديثه بالضعف. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 8 ألا يُذكر عن بعض الناس أنه يتقن الفرائض، علم المواريث إتقاناً بحيث أن يقل أن يوجد له نظير، فإذا سألته عن بعض مسائل الصلاة كان شأنه فيها أقل، لماذا؟ لأنه اهتم في هذا الباب، وهكذا، فإذا اهتم الإنسان لباب من أبواب الدين ضبطه وأتقنه، وإذا غفل عن شيء دخل عليه الدخل، تجد من الأئمة الذي يحفظون القرآن، والقرآن محفوظ بين الدفتين، وضبطه أيسر من ضبط السنة، أيسر من ضبط السنة، فكثير من أهل العلم يضبط القرآن، ويتقن القرآن إتقاناً لا يمكن أن يخل فيه بحرف، أو بشكل أو بضبط، بينما تجده في السنة أقل؛ لأن السنة بحر محيط، الإحاطة بها فيه عسر، والعكس نادر جداً، يعني لا تجد من أئمة الحديث من يحفظ مئات الألوف من الأحاديث لا يحفظ القرآن ولا يضبطه، يندر جداً، ولذا لما جاءوا إلى ترجمة ابن أبي شيبة قالوا: إمام حافظ ثقة ضابط إلا أنه لم يحفظ القرآن، هذا نادر جداً، يعني ما يمكن أن ينوه على آخر أنه لم يحفظ القرآن وهو حافظ للسنة، لكن العكس ممكن، القرآن مضبوط بين الدفتين كثير من شباب المسلمين يحفظه في القديم والحديث، لكن السنة دون حفظها خرط القتاد، فتجد الضابط للقرآن يصعب عليه أن يحفظ البلوغ إذا صارت حافظته متوسطة، لكن مع ذلك يحفظ القرآن بكل سهولة وبكل راحة. أنا أريد أن أقرر أن كلام أهل العلم في عاصم بن أبي النجود بالنسبة للحديث ورواية الحديث وضبط الحديث لا يتطرق إلى قراءته بوجه من الوجوه؛ لأن مثل هذه المسائل تثار وتشوش على الناس، فلا بد من تفنيدها. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 9 "وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" تقدم مراراً أن ما يروى بهذه السلسة مختلف فيه بين أهل العلم، فمن مصحح ومن مضعف، وقول المتوسطين أنه حسن إذا صح الطريق إلى عمرو، وهنا لم يصح؛ لأن فيه عنعنة ابن إسحاق، والذين ضعفوا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ذكرنا السبب مراراً، لكن قالوا: مرد ذلك إلى الاختلاف في عود الضمير في جده؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فالجد إن عاد إلى عمرو فجده محمد، فيكون الخبر مرسلاً، وإن عاد الضمير إلى شعيب فالجد عبد الله بن عمرو، لكن شعيباً لم يسمع من عبد الله بن عمرو على قول، وإن كان بعضهم يثبت سماعه، وجاء التصريح في رواية عند النسائي وغيره لا لهذا الحديث، لكن من روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، فتعين مرجع الضمير إلى شعيب، وأن جده عبد الله بن عمرو، وقد سمع من جده عبد الله بن عمرو في قول كثير من أهل العلم، الحديث ضعيف لهذه العلة. "أنه قال: "ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة" هذا كلام عبد الله بن عمرو إن صح الخبر "ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة" وسنه يؤهله لمثل هذا، وملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- يؤهله لمثل هذا، على مر السنين مرة يقرأ بـ (ق) ومرة بالذاريات ومرة بكذا لا على الترتيب، ما يلزم أن يكون مرتباً. "رواه أبو داود". الجزء: 15 ¦ الصفحة: 10 "وعن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالطور في المغرب" وفي بعض روايات حديث جبير: "فكاد قلبي أن يطير" وفي بعضها: "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" وهذا الحديث متفق عليه، جبير بن مطعم لما جاء في فداء الأسرى بعد غزوة بدر لم يكن مسلماً، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، سورة الطور مؤثرة لا سيما من يتدبر ويفقه المعاني مؤثرة كاد قلبه أن يطير وهو كافر، ومع الأسف أن بعض المسلمين أو كثير من المسلمين وبعض طلاب العلم تقرأ سورة الطور ولا كأن شيئاً قد حصل، لا تحرك ساكناً، وكافر كاد قلبه أن يطير {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} [(82) سورة المائدة] بأي شيء؟ لماذا صاروا أقرب إلى المسلمين مودة؟ في الآية التي تليها: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ} [(83) سورة المائدة] فكيف بالمسلم الذي تقرأ عليه الآيات التي لو أنزلت على جبل لرأيته متصدعاً، ومع ذلك تقرأ هذه الآيات وهذه السور على المسلمين في الصلوات ويقرؤونها في النوافل، ويقرؤونها في القراءة -قراءة القرآن-، ولا كأن شيئاً حصل، ولا شك أن هذا سببه ما ران على القلوب، الحسن البصري يقول: "ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: في الصلاة، وعند قراءة القرآن، والذكر، فإن وجدته وإلا فاعلم أن الباب مغلق" طيب الباب مغلق نجزم بأن الباب مغلق، لكن نرجع، وجدنا الباب مغلق ونرجع وإلا نحاول؟ نقول: خلاص ما دام مغلق ما في فائدة؟ أو نحاول فتح الباب؟ نحاول فتح الباب بلا شك، وإلا كل إنسان يجد من نفسه هذا الأمر، والله ما كأننا إلا نقرأ في صحيفة، نقرأ القرآن ولا يحرك ساكناً، نصلي ونخرج كما دخلنا، نخرج من الصلاة بلا شيء، لا بالعشر ولا بما دونه، وقد لا ينتبه الإنسان أنه يصلي إلا إذا حصل شيء يثيره لأمر خارجي لا داخلي، نصلي وراء الإمام ولا نعلم أننا نصلي في صلاة التهجد إلا إن بكى الإمام أو بكى أحد، تحركت القلوب، وعرفنا أننا نصلي، وإلا فالقلوب سارحة غافلة، وقل مثل هذا في الجزء: 15 ¦ الصفحة: 11 تلاوة القرآن أحياناً يبدأ الإنسان بالسورة ويختمها ما عرف كيف قرأ؟ ولا يدري هل فتح ورقة وإلا ورقتين؟ وإذا تحرك شيء لا يدري هل هو في الصفحة اليمنى أو اليسرى؟ هذا هو الواقع، يعني لو كابر الإنسان وغالط ما ينفع؛ لأنك تتعامل مع من يعلم السر وأخفى، لو تظاهرت أمام الناس أنك خاشع أو متخشع أو شيء من ذلك مثل هذا لا يجدي، بل يضر ولا ينفع. هذا كافر جاء في فداء الأسرى فكاد قلبه أن يطير، وتحمل هذه السنة حال كفره، ثم أداها بعد أن أسلم، وقبلها الناس منه، وخرجت في الصحيحين وغيرهما، فدل على أن الشروط إنما تطلب للأداء لا للتحمل، فيصح تحمل الكافر، يصح تحمل الصبي، تحمل الفاسق صحيح، لكن حال الأداء لا بد أن تكون الشروط مكتملة. والطور من طوال المفصل، فدل على أن قراءته لقصار المفصل في صلاة المغرب لا على جهة الاستمرار، وليس ذلك بديدن له -عليه الصلاة والسلام-، وإنما خرج عنه، وإن كان هو الغالب من أحواله. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. قال المؤلف -رحمه الله-: وعن فليح قال: حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيه قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما، ووتر يديه، فتجافى عن جنبيه، قال: ثم سجد، فأمكن أنفه وجبهته، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه، حتى فرغ، ثم جلس، فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه" رواه أبو داود، وروى الترمذي بعضه وصححه. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الستارة، والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: ((أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) رواه مسلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 12 وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) متفق عليه. وعن ثابت عن أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، قال: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه: كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" متفق عليه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، غير أنه قال: "من المثنى بعد الجلوس" وفي المتفق عليه عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)). وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" رواه مسلم، وله من حديث ابن عباس نحوه. يكفي، يكفي. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 15 ¦ الصفحة: 13 "وعن فليح قال: حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة" جمع من الصحابة اجتمعوا "فتذاكروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وأبو حميد كما في الحديث الصحيح في عشرة من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفَ صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهم يتذاكرونها، وهم يتدارسونها؛ لأنهم أمروا بأن يصلوا كما كان يصلي -عليه الصلاة والسلام-، والعلم مظنة للنسيان، والحفظ كما يقول أهل العلم خوان، فلا بد من المذاكرة، لا بد من مذاكرة العلم ليثبت، وهذه سنة مندرسة لا تجد من طلبة العلم من يجتمع الخمسة والستة والعشرة يجتمعون يتذاكرون في باب من أبواب الدين؛ ليذكر بعضهم بعضاً، وليذكر بعضهم بعضاً ما خفي عليه، هؤلاء صحابة اجتمعوا، أبو حميد الساعدي وأبو أسيد، وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة، ذكروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإنسان مع طول العهد ينسى ويهم؛ لكنهم تذاكروا ليذكر بعضهم بعضاً. "فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يقول هذا على سبيل الإخبار، ومن أجل أن يفقه عنه ما يقول، لا على سبيل التكبر والاغترار "أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عرفنا أن الإنسان قد يقول مثل هذا الكلام من أجل أن يحفز همة السامع، تجد في كلام الأئمة العلماء المحققين كابن القيم وغيره من يغري بكلامه، ويقول: عليك بهذا الكلام، علك ألا تجده في مصنف آخر ألبتة، لا يقول ذلك تكبراً ولا تشبعاً، وإنما يقوله من باب الإغراء بهذا الكلام لينتفع به، وقد يقوله من يترفع به على غيره، لكن الناس على ما ذكرنا سابقاً مقامات، هل يظن بمثل ابن القيم أن يترفع بمثل هذا الكلام، أو يتكثر به، أو يتزيد به؟ لا يظن به مثل هذا، والقرائن هي التي تحدد وترجح هذا أو ذاك. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 14 "أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفيه قال: "ثم ركع" يعني المؤلف اقتصر من الحديث على ما يناسب المقام، انتهى المؤلف من القيام وفرض القيام والقراءة الذي يليه الركوع، فاحتاج من حديث أبي حميد لأنه تقدم بعضه، واحتاج منه إلى: "ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه" يعني في مثل هذا السياق، أو في مثل هذا الموضع يحسن مثل هذا، لكن إنسان يريد أن يشرح حديث أبي حميد في درس أو في محاضرة أو يقرأه على الجماعة وكذا، ثم يقول: "ثم ركع" يبدأ من قوله: "ثم ركع"؟ لا، ما يمكن، لا بد أن يأتي بالحديث كاملاً. تقطيع الحديث عند أهل العلم جائز، ويصنعه الإمام البخاري كثيراً، يقطع الحديث الواحد الطويل في مواضع كثيرة حسب ما يقتضيه المقام، شريطة ألا يكون المذكور له تعلق بالمحذوف، بحيث يتوقف فهمه عليه، أو المحذوف يكون استثناءاً مثلاً، أو يكون شرطاً، لا يجوز حذفه لأن في هذا تضليل للناس. "ثم ركع، فوضع يديه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما" يمسك ركبتيه بيديه، وهذه هي السنة، وأما بالنسبة للتطبيق فهو منسوخ كانوا يفعلونه، ثم نهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالتطبيق منسوخ، والتطبيق جمع اليدين هكذا، ووضعهما بين الفخذين، هذا منسوخ، والسنة وضع اليدين على الركبتين كأنه قابض عليهما. طالب:. . . . . . . . . إيه، هكذا نعم. طالب:. . . . . . . . . لا لا على الركبتين، هذا متى؟ طالب:. . . . . . . . . في الركوع نعم، أما في الجلوس لا، يختلف، لا يقبضهما في الجلوس. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 15 "ووتر يديه" يعني جعل يديه كالوتر في القوس، الوتر في القوس مستقيم وإلا منحني؟ مستقيم، إذاً يجعل يديه مستقيمتين، وإذا كانتا يداه معتدلتين خلقة فإن ظهره سوف يكون مستوياً، لكن إن كان في يديه طول ووتر يديه أو فيهما قصر لا يتحقق وصف الركوع المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يسوي ظهره، ولم يصوب رأسه ولم يشخصه، وكما جاء في وصفه أنه لو صب الماء على ظهره لاستقر، هذا إذا كانت اليدان معتدلتين في الطول، أما إذا كانتا طويلتين فعلى هذا يرتفع ظهره، وإن كانتا قصيرتين نزل ظهره، وهذا كله خلاف السنة، وحينما يقال: وتر يديه الملاحظ في مثل هذا غالب الناس، غالب الناس أن اليدين مساوية، أو متناسقة مع البدن، ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، هذا الغالب، لكن إن وجد من في يديه طول لا يلزم أن يتر يديه؛ لئلا يختل الركوع، وإن وجد فيهما قصر كذلك؛ لئلا يختل الركوع؛ لأن في الركوع الظهر هو الملاحظ، الملاحظ الظهر في الركوع صح وإلا لا؟ نعم لو افترضنا أنه وضع يديه على جنبيه وهو راكع أو أرسل يديه في الهواء يصح الركوع وإلا ما يصح؟ نعم يصح، لكن لو قبض يديه، قبض ركبتيه بيديه ولا حنى ظهره، أو حناه على وجه لا يستقيم يتأثر الركوع، وفي حديث في صفة ركوعه -عليه الصلاة والسلام-: "ثم هصر ظهره" يعني ثناه. "ووتر يديه، فتجافى عن جنبيه" يعني لم يلصق يديه بجنبيه، تجافى عن جنبيه، قال: "ثم سجد، فأمكن أنفه وجبهته" يعني من الأرض على ما سيأتي في حديث: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة -وأشار إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين)). الجزء: 15 ¦ الصفحة: 16 "ونحى يديه عن جنبيه" يجافي، نحى يديه عن جنبيه، وجاء أيضاً أنه يرفع ظهره عن فخذيه، وبطنه عن فخذيه، فالمجافاة سنة، وهي سنة مع الإمكان، أما مع عدمه بحيث يتعدى أذاه لو أراد تحقيق هذه السنة لأثم، لو قال: المجافاة سنة ثم جافى يديه، وآذى من على يمينه وعلى شماله في الصف، يعني الإمام يستقل بالمكان ويتفرد به، فيطبق ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المأموم في حال التراص، وفي حال المصافة لا يستطيع أن يجافي إلا مع الأذى، والأذى لا شك أنه لا يجوز، ولا يحرص على سنة في مقابل ارتكاب محظور، وبعض الناس قد يعرف السنة، ويحرص على تطبيق السنة لكنه لا يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ وهذا في مواضع من الصلاة يرى الخلل في تطبيق السنة من بعض الإخوان، مما يترتب عليه أذى للمصلين. "ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه" حذو: مقابل منكبيه، بإزاء منكبيه، كما في رفعهما عند تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الركوع، والرفع منه ... إلى آخره. "ووضع كفيه حذو منكبيه" وجاء في بعض الروايات: أنه يسجد بين يديه، هذا أيضاً مثل الرفع، رفع اليدين كما تقدم جاء فيه حذو منكبيه، يعني مقابل المنكبين هكذا، وجاء أيضاً إلى فروع أذنيه، وهكذا وضع اليدين حال السجود. "ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه" وفي الحديث -في حديث عائشة-: "حتى يعود كل فقار إلى مكانه" وتقدم "حتى فرغ" يعني هذا بين السجدتين رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه، حتى فرغ يعني من دعائه وجلسته. يقول: "ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه حتى فرغ، ثم جلس" يعني حتى فرغ من إيش؟ من السجود، نعم "ثم جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته" اليمنى، نعم ينصب اليمنى، وظهرها إلى القبلة هكذا، واليسرى يفرشها ويجلس عليها، وهذه الجلسة في ما بين السجدتين، وفي التشهد الأول، فيما بين السجدتين هذا الافتراش وفي التشهد الأول، وجاء في حديث ابن عباس أنه نصب رجليه وقال: هي السنة، لكن السنة ليست محصورة في هذا؛ لما جاء في الأدلة الأخرى من الافتراش. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 17 "وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه" أشار بإصبعه، الآن الجلوس هذا هل هو بين السجدتين أو بعد السجدتين للتشهد؟ طالب:. . . . . . . . . اللفظ محتمل، وبين السجدتين موضع دعاء، والدعاء يناسبه الإشارة بالإصبع وتحريكها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرفع أصبعه، ويدعو بها، لكن أهل العلم حكموا على الإشارة بين السجدتين بالشذوذ، ومنهم من أثبتها، والمسألة محل خلاف بين أهل العلم، وأما بالنسبة للتشهد وسيأتي -إن شاء الله تعالى- بالنسبة للتشهد جاء يحركها، وجاء الإشارة بها وقت الشهادة ووقت الدعاء، وهذا بحث سيأتي -إن شاء الله تعالى-. وأما الإشارة بالأصبع بين السجدتين فإثباته محل خلاف بين أهل العلم، قد يأتي ما يبسط فيه القول -إن شاء الله تعالى- مع الإشارة في التشهد. "رواه أبو داود، وروى الترمذي بعضه وصححه". "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الستارة، والناس صفوف خلف أبي بكر" يعني في مرضه -عليه الصلاة والسلام-، حينما أناب عنه أبا بكر ليصلي بالناس، فكشف الستارة "والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: ((أيها الناس)) " ظاهر الكلام أنه قال ذلك وهم يصلون، ظاهر ذلك أنه قال: ((أيها الناس)) وهم يصلون "كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: ((أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له)) " يعني خطاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((أيها الناس)) هل هو للناس وهم صفوف خلف أبي بكر، فيكون الكلام هذا في أثناء الصلاة؟ وهل يخاطب المصلي بما يشوش عليه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هذا هو الظاهر من اللفظ، قال: "كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: ((أيها الناس)) " لأن فقال تقتضي التعقيب، لكن لو قال: ثم قال: أيها الناس لقلنا: إنه انتظر حتى سلموا من صلاتهم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 18 ((أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له)) الصالحة والصادقة هذه من الوحي، جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وأول ما بدء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة، وفي رواية: الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ((يراها المسلم)) بنفسه له ((أو ترى له)) يراها غيره له ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) وهذا هو الشاهد من الحديث؛ لأن الحديث عن الركوع والسجود، القرآن فرض القيام، أو ذكر القيام، وأما بالنسبة للركوع والسجود فالتنزيه، الأصل فيه سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، ثم بعد ذلك ما يأتي من قوله: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء)). ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن)) والناهي له هو الله -جل وعلا- ((أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) وعلى هذا فلا يجوز قراءة القرآن في حال الركوع ولا في حال السجود، وأطلق بعضهم التحريم، وهو مقتضى النهي، وإن حمله بعضهم على الكراهة، لكن إن كان القرآن لا يراد به التلاوة، وإنما هو دعاء فيدعو به في السجود؛ لأنه دعاء وليس بتلاوة، ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) وبعضهم يرى بطلان الصلاة إذا قرأ في حال الركوع، أو في حال السجود. وبعض الناس إذا شرع في سورة خلف الإمام ثم ركع الإمام وبقي من السورة آية أو آيتين أو ما أشبه ذلك تجده يتمهما في حال الركوع، ثم ينوي الركوع، وهذا داخل في النهي، مجرد ما تهوي للركوع أو تهوي للسجود اقطع القراءة، لا يجوز أن تقرأ وأنت راكعاً أو ساجداً ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) يعني حال كوني راكعاً أو ساجداً. ثم جاء بالفاء التفريعية: ((فأما الركوع)) وأما تفصيل ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-)) سبحان ربي العظيم يكررها، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، وسبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، على ما سيأتي. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 19 ((وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) الركوع عظموا فيه الرب، فقولوا: سبحان ربي العظيم، وجاء في سنن أبي داود ((وبحمده)) في الركوع السجود سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده. طالب:. . . . . . . . . لحظة، لحظة. ((وبحمده)) واستنكرها أبو داود، وقال الإمام أحمد: أنا لا أقولها، وفيها كلام لأهل العلم، وينبغي حينئذٍ الاقتصار على سبحان ربي العظيم في الركوع، سبحان ربي الأعلى في السجود. ((أما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-)) ولا يضر الدعاء الخفيف؛ ليكن الغالب التعظيم؛ والدعاء اليسير لا يضر؛ لأنه في الحديث الذي يليه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)) هذا دعاء، يعني قوله: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب)) لا ينفي الدعاء اليسير، وأما السجود فقولوا: سبحان ربي الأعلى، كما جاء لما نزل قول الله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] قال: ((أجعلوها في سجودكم)). ((فاجتهدوا في الدعاء)) يعني أكثروا وألحوا في الدعاء أثناء السجود؛ لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ((فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) قمِن وقمَن بكسر الميم وفتحها، أي حري وجدير وخليق بأن يجاب لكم؛ لقربكم منه -جل وعلا-، والقرب لله -جل وعلا- صفة ثابتة بالأدلة الصحيحة على ما يليق بجلاله وعظمته، ومع ما لا يتنافى مع علوه واستوائه على عرشه. فقمِن وقمَن حري وجدير أن يستجاب لكم. يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن ... . . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . بعده؟ طالب:. . . . . . . . . وهي بوصل ما قمن ... وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمَن قمن بالفتح لتتم المقابلة مع الزمن، وهي لغة معروفة. وهنا: ((فقمن)) يعني حري وجدير أن يستجاب لكم "رواه مسلم". الجزء: 15 ¦ الصفحة: 20 "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) يتأول القرآن" تقول: يتأول القرآن، يعني لما نزل قول الله -جل وعلا-: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [(1) سورة النصر] كان كثيراً ما يقول في صلاته في ركوعه في سجوده، وفي خارج صلاته أيضاً ((سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)) يتأول سورة النصر "متفق عليه". "وعن ثابت عن أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا" أنس بن مالك خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو من أقرب الناس إليه، ملازم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو حري وجدير وقمن أن يضبط صلاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- "إني لا آلو" يعني لا أقصر، بل أجتهد أن أصلي بكم، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، وهذا يرجح أن المراد بقول أبي هريرة: فلان أنس بن مالك. "كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، قال: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي" وهذه السنة مهجورة من القدم، ولذا يقول أنس: يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، يدل على أنهم لا يطيلون القيام بعد الرفع من الركوع، وهذا موجود في بعض المذاهب، وفي بعض الأمصار، تجده مجرد ما يتحرك حركة يسيرة يشعر بها أنه انتقل من الركوع يسجد، وكذلك بين السجدتين، الوافدون من المشرق يصنعون هذا بكثرة، تجده مجرد ما يشعر نفسه أنه انتقل من الركوع يهوي إلى السجود، وفي هذا مخالفة لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-. "كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي" يعني من طول هذا القيام. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 21 "وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" وإذا أطال الإمام ركن من الأركان لا شك أن المأموم يظن بإمامه النسيان، وإذا أطال السجود أحياناً تجد بعض المأمومين يرفع رأسه لعله لم يسمع التكبير، نعم هذا واضح، بعض الناس يفعل هذا يستعجل، أو يظن الإمام قد نسي أنه في صلاة، واستغرق في سجوده أو في قيامه أو بين السجدتين، النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه صفة صلاته يطيل الأركان، يطيل هذه الأركان. "متفق عليه". "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم" يعني تكبيرة الإحرام، فلا تجوز تكبيرة الإحرام قبل استتمامه قائماً، وتقدم حكمها، وأنها ركن عند الجمهور، وشرط عند الحنفية. "ثم يكبر حين يركع تكبيرة الانتقال، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع" وهذه ما عدا تكبيرة الإحرام من تكبيرات الانتقال والتسميع وكلها واجبات عند الحنابلة، وسنن عند غيرهم "ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد" وربما قال: ربنا لك الحمد، وربما قال: اللهم ربنا لك الحمد، وربما قال: اللهم ربنا ولك الحمد، خلافاً لابن القيم الذي قال: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، مع أنه ثابت في صحيح البخاري، فالصيغ أربع، ربنا ولك الحمد، ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد. يقول -عليه الصلاة والسلام-: " ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) " يدل على أن الإمام يجمع بين قول: سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد، خلافاً لمن قال: إن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده فقط، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد فقط، عملاً بحديث: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) مع أن هذا لا ينفي أن يقول الإمام: ربنا ولك الحمد، لكنه ينفي أن يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، وإن كان عند الشافعية أنه يجمع بينهما كل مصلٍ، بمعنى أنه كل مصلٍ يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 22 والحنفية يقولون: يقول الإمام: سمع الله لمن حمده فقط، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد فقط، وغيرهم يقولون: الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكذلك المنفرد، وأما المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده. ففي الحديث الجمع بينهما، فالذي يقول: إن الأصل الاقتداء كما يقوله الشافعية، و ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وهذا خطاب للجميع للإمام والمأموم والمنفرد يدل على أن كل مصلٍ يجمع بينهما، هذا دليل من يقول بأنه يجمع بينهما كل مصلٍ بما في ذلك المأموم، لكن الذين قالوا: إن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده يستدلون بقوله: فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فالعطف بالفاء لا يترك فرصة لأن يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، والذين قالوا: إن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد يرد عليهم بحديث الباب. "ثم يكبر حين يهوي ساجداً" حينما يسجد يكبر "ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها" يعني في جميع صلاته في الركعات كلها "ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" يكبر عرفنا أنه يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام ومع الركوع ومع الرفع منه، وحينما يقوم من الثنتين بعد التشهد الأول، بعد الجلوس. "متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، غير أنه قال: "من المثنى بعد الجلوس" يعني بدلاً من الثنتين بعد الجلوس، من المثنى بعد الجلوس. "وفي المتفق عليه عنه" يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق -أو نفس الحديث- قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)) " بزيادة اللهم، ودون الواو مع أن الواو ثابتة في صحيح البخاري: ((فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) يعني لا يتأخر المأموم عن قول: اللهم ربنا لك الحمد تأخراً يفوته هذا الأجر، وهذا الثواب العظيم، بل بمجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، يقول المأموم: اللهم ربنا لك الحمد. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 23 ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد)) " يعني بعد أن يقول: سمع الله لمن حمده حين الركع، قال: اللهم ربنا لك الحمد، وهذا يأتي به كل مصلٍ ((ملء السموات والأرض)) يعني لو قدر أن الحمد أجرام محسوسة لملأت السماوات والأرض ((ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)) وجاء في بعض الروايات: ((وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد)) يعني غير السماوات والأرض وما بين السماوات والأرض، وهذا يعني كثرة هذا التحميد لله -جل وعلا- من قبل المصلي. ((أهلُ الثناء والمجد)) أو أهلَ الثناء والمجد، إما أن يكون منادى مع حذف حرف النداء، منادى مضاف فهو منصوب، أهل الثناء والمجد، أو يكون خبر لمبتدأ محذوف هو أهلُ الثناء والمجد. ((أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد)) هذا الكلام أحق، يعني أفعل تفضيل من الحق ما قال العبد؛ لأنه تحميد وتمجيد لله -جل وعلا-، وتعظيم له بهذا الحجم، وبهذا المقدار، أحق ما قال العبد، يعني المطيع لربه الممتثل لأمره ((وكلنا لك عبد)) الناس كلهم عبيد لله -جل وعلا- ((اللهم لا مانع لما أعطيت)) الذي يقدره الله -جل وعلا-، ويكتبه للإنسان لا يستطيع أحد منعه، مهما بلغ من القوة والجبروت، لا يستطيع أن يمنع شيئاً كتبه الله -جل وعلا-. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 24 ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) ((واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)) ولو أن الإنس والجن اجتمعوا على أن يمنعوا شيئاً كتبه الله -جل وعلا-، أو قدره عليك لن يستطيعوا، ولو أرادوا وبذلوا ما استطاعوا مجتمعين على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك فإنهم حينئذٍ لا يستطيعون، والناس والخلق إنما هم أسباب، إنما هم مجرد أسباب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم، والله هو المعطي)) فقد يدخل الإنسان لأمر من الأمور في غاية من الأهمية، وقد ضمن من دخل عليه أنه يستجيب، ثم يخرج صفر اليدين، لا لشيء، أو لا لأن الأمر غير مهم، مهم، وقد بذل هذا الرجل أضعاف ما يتوقع منه في أقل من هذا، أحياناً يدخل الإنسان وهو على يأس تام من تنفيذ هذا الأمر، ثم يكون الله -جل وعلا- قد كتب قضاؤه على يد هذا السبب من الناس {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] فالمال مال الله، فإذا دخلت في أمر من الأمور المهمة على تاجر فإنك لا تضمن منه أن يعطيك، وإذا كان أقل منه فلا تتوقع أن يردك؛ لأن الله -جل وعلا- هو القاسم، وهو المعطي وهو المانع. ((لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) الجد الحظ، فمهما كان حظ الإنسان، مهما كان له من الحظ فإن حظه لا ينفعه ولا يغنيه من الله -جل وعلا-، فأزمة الأمور كلها بيديه، ولا يقال: إن فلان حظيظ، وإلا فلان تعيس، أو ليس له حظ، لا، المعطي والمانع هو الله -جل وعلا-، وقلوب العباد كلها بين أصبعين من أصابعه. ((ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) الجد الحظ، وقال بعضهم: هو بكسر الجيم الجِد، الجد يعني الهمة والنشاط والحزم لا ينفع صاحبه إذا لم يكن الله -جل وعلا- قد وفقه. إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده الاجتهاد ما ينفع، والحظ لا ينفع وحده، لا بد من إعانة الله -جل وعلا- وتوفيقيه. يقول: "رواه مسلم، وله من حديث ابن عباس نحوه" الأسئلة كثيرة، نأتي على شيء منها، وغداً معروف أنه ليس فيه درس؛ لأنه في محاضرة بجدة، غداً ما في درس. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 25 يقول: ما حكم الدراسة المختلطة في دول وذكر بعض الدول التي منها العربية وغير العربية؟ على كل حال الاختلاط بين الجنسين محرم، وذريعة إلى فساد كبير، وأمر لا يقر لا شرعاً ولا عقلاً، وأثره على الدين وعلى التحصيل حتى في أمور الدنيا أثره بالغ، وضرره ظاهر، والله المستعان، فلا يجوز بحال، وإذا لم يتمكن الإنسان من طلب العلم الشرعي الواجب إلا بما حرم الله -جل وعلا- فلا يجوز له أن يرتكب هذا المحرم؛ لأن ما عند الله لا ينال بسخطه. هذا من المغرب يقول: أنا عندي رغبة في الزواج عمري حالياً واحد وعشرين سنة، وليس عندي وظيفة ما الحكم في ذلك؟ ليعلم أن الأرزاق بيد الله -جل وعلا-: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(32) سورة النور] وكم من شخص تزوج وهو فقير لا يملك شيئاً، ثم فتح الله عليه أبواب الرزق، وعلى كل حال هذا ليس بعائق، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لمن خطب المرأة الواهبة: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) يعني هل يتوقع أن هذا عنده وظيفة وعنده دخل؟! هو جاء لم يجد ولا خاتم من حديد، ما وجد إلا إزاره الذي على عورته، فأراد أن يشقه بنصفين، قال: لا ما يحتاج؛ لأنه لا يستفيد منه ولا تستفيد هي، وعلى كل حال الفقر ليس بعيب ولا يرد عن الزواج. يقول: أنا مستقيم لهذا العام ولله الحمد، وأريد النصيحة؟ على كل حال عليك بأسباب الثبات على دين الله، بهجر الأشرار، وعدم العود إليهم، وعدم تذكرهم، وعدم غشيان مجالسهم، وعليك بصحبة الأخيار الذين يعينونك على الثبات. يقول: كثير من طلاب العلم أهملوا جانب الدعوة الفردية بالموعظة الحسنة، مما ترك فراغاً كبيراً في الساحة، وأصبح العامة يتخبطون في الأخذ من المنابع الآسنة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 26 على كل حال من كانت لديه القدرة لنفع الناس عليه أن ينفع {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(1 - 2) سورة العصر] هذا الأصل بعد هذا القسم إن الإنسان جنس الإنسان لفي خسر، في خسارة، وليست خسارة يسيرة من أمور الدنيا لا، خسارة الآخرة -نسأل الله السلامة والعافية- ولم يستثنَ من ذلك إلا {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [(3) سورة العصر] أما من عدا هؤلاء فإنهم في خسران -نسأل الله السلامة والعافية-، فعلى الإنسان أن يبلغ ما سمع ((ليبلغ الشاهد الغائب)) عليه أن يبلغ ما يعرفه من العلم، وعليه أن ينصح فالدين النصيحة. يقول: هناك هجمة في بعض الدول العربية، على كتب وأشرطة علمائنا الأفاضل أمثال ابن باز وابن عثيمين والفوزان وغيرهم، ويقولون: إنهم مبتدعة، فهل هناك كلمة حول هذا الأمر؟ على كل حال هؤلاء معروف أنهم من أئمة أهل السنة في هذا العصر، ومع ذلك المبتدع يرى المتمسك بالكتاب والسنة مبتدع، ما من طائفة إلا وترمي غيرها بالبدعة، والعبرة بما وافق الكتاب والسنة، والمسألة مسألة مدافعة ومجاهدة وبقدر المستطاع، بالقدر الذي يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة، وهؤلاء ليس مثلنا من يسأل عنهم، وإنما على الإنسان أن يجتهد في نشر العلم قدر استطاعته، وإذا كان بلده لا يرضى بمثل هذه الأسماء، فلا مانع أن يستفاد من علمهم من غير إضافة لهم، يعني كما فعل شارح الطحاوية حينما نقل النقول الكثيرة عن شيخ الإسلام وابن القيم ولم يعزُ إليهما، ما عزا إلى شيخ الإسلام ولا ابن القيم، ومع ذلك أكثر الكتاب مأخوذ من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلا أنه في وقت كان يحارب فيه كتب هذين الإمامين، فنقل منهما، وأفاد الناس منهما من غير تصريح، والمداراة في مثل هذا، والترويج بمثل هذه الطريقة أمر معروف. يقول: رجل احتار في ثلاثة أمور، وصلى صلاة الاستخارة مرتين، ولم يتضح له شيء، فماذا يفعل؟ يكرر الاستخارة حتى قال أهل العلم: إنها تكرر سبعاً. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 27 يقول: كيف بابن عباس لا يحرص على السنة في ارتكابه محظور -هذه كتابة رديئة سقيمة جداً- يقول: هذا قولك، فكيف بابن عباس في الحديث الصحيح: كان ابن عباس يزاحم على الركنين زحاماً شديداً، ما رأيت أحداً من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك؟ الذي نعرف أنه ابن عمر، أنه كان يزاحم على الحجر حتى يخرج الدم من أنفه، حتى يرعف، وهذا اجتهاده، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذه المزاحمة. يقول: هل السجود على الأعضاء السبعة واجب أو مستحب؟ هو ركن من أركان الصلاة على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. هذه المسائل تحتاج إلى درس كامل. هذا يسأل عن تسوية الصفوف، وهذا أجبنا عن السؤال بحروفه بالأمس. هل اليسار الأقرب أفضل من اليمين الأبعد؟ لا شك أن اليمين أفضل من اليسار في الجملة، لكن إذا كثر الناس في جهة اليمين فقد جاء في حديث: ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)) والحديث فيه مقال، ولا بد من توسط الإمام. ما حكم صلاة من صلى في ساحات المسجد الحرام مع خلو الحرم؟ على كل حال إذا احتيج إليها في أوقات الزحام، احتيج إليها، واتصلت الصفوف صحت الصلاة، وإلا فالأصل أنها خارج المسجد، ومنهم من يقول: إذا كان مجرد ما يرى المأمومين يكفي، لكن لا شك أن هذا تساهل يؤدي إلى تعطيل المسجد. من صلى في المصابيح مع وجود أماكن خالية في الصحن؟ كل ما قرب من الإمام أفضل، لكن إذا صلى داخل المسجد غير فذ خلف صف فإن صلاته صحيحة. هل يستغني طالب العلم بكتاب إكمال المعلم عن كتاب المعلم؟ القاضي عياض ذكر كلام المازري في المعلم، بل ذكر ما يحتاج إليه، وبعضه رأى أنه ليس بحاجة إليه، ولا حاجة لطالب العلم فيه، والأولى أن تستكمل السلسلة، يقتني طالب العلم الأصل المعلم، ثم إكمال المعلم، ثم إكمال الإكمال، ثم مكمل الإكمال، وهكذا سلسلة كاملة مع شرح النووي، وشرح القرطبي، وعله أن يظفر من جميعها بشرح كافي. يقول: أريد جواباً شافياً كافياً حول تقليد بعض الناس لبعض القراء المعاصرين كأئمة الحرم وغيرهم لا سيما وأننا نسمع لهم كثيراً فنتأثر بصوتهم؟ الجزء: 15 ¦ الصفحة: 28 أما التأثر والتقليد من غير قصد فهذا لا إشكال فيه، التقليد إذا كان من قصد فإن كان سببه الإعجاب بهذا الصوت، وأنه كما تأثر به يريد أن ينقل التأثر إلى غيره فهذا أيضاً مقصد صحيح، وإذا كان المقصود مجرد التقليد والمحاكاة دون هدف صحيح فلا، وينظر في تقليد النساء لأصوات الرجال، ويكثر سؤال النساء، تقول: أنا أريد أن أقلد الإمام الفلاني في القراءة؛ لأنه يعجبها، فهل هذا من التشبه بالرجال؟ نقول: لا، الأصوات هذه مشتركة، أداء القرآن مشترك بين الرجال والنساء، وليس فيه تقليد، ليس للرجال صوت، أو قراءة تخصهم أو أداء يخصهم دون النساء ولا العكس. لعلنا نكتفي بهذا لضيق الوقت، والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 29 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (17) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال الإمام بن عبد الهادي في محرره: وعن شُريك عن عاصم بن ... شَريك، شَريك. وعن شَريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط مسلم، وقال الترمذي: حسن غريب، وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم. وقال الدارقطني: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به، وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة. وعن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه، والنسائي والترمذي، ولفظه: ((يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل)) وقال: حديث غريب، ومحمد وثقه النسائي، وقال البخاري: لا يتابع عليه، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا. وقال البخاري: وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه، وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعاً. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر)) متفق عليه، ولفظه للبخاري. وعن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" متفق عليه. وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) رواه مسلم. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 1 وعن وائل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه" رواه البيهقي والحاكم، وقال: على شرط مسلم. بركة، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب صفة الصلاة من كتاب الصلاة يقول: "وعن شريك" وهو القاضي النخعي، معروف عند أهل العلم بسوء الحفظ، طعن فيه بسوء حفظه، وأخرج له مسلم متابعة، ولم يعتمد عليه، وكما يقول أهل العلم: إنه ممن لا يحتمل بتفرده، لا يحتمل تفرده. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 2 "عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر" وائل بن حجر حفظ لنا من صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يدل على أنه اعتنى بها، واهتم بها، بل إنه جاء من أجلها "-رضي الله عنه- قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" وكلام أهل العلم في هذا الحديث معروف، مع الحديث الذي يليه حديث أبي هريرة: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) والمؤلف أشار إلى بعض ما قيل في الحديثين، وكلام أهل العلم في الحديثين في ثبوتهما، وفي دلالتهما، وفي رجحان أحدهما على الآخر كثير ولن ينحسم؛ لأنه خلاف بين أئمة، وهو محتمل، لكن الذي لا يرتضى صنيع بعض المحققين تصحيح أحد الحديثين وتضعيف الآخر؛ لأن إمامه يقول بما صححه، يصحح تبعاً لإمامه، يعني عرف المذهب ثم صحح وضعف، والأصل أن يعرف الدليل ثم يتبع، ولذلك تجدون الذين يحققون البلوغ أو المحرر أو غيرهما من كتب أحاديث الأحكام، تجد بعضهم يحكم على حديث وائل بأنه ضعيف، وعلى حديث أبي هريرة أنه صحيح؛ لأن إمامه يرى العمل بحديث أبي هريرة، ولا يرى العمل بحديث أبي وائل، وبعضهم بالعكس يصحح حديث وائل، ويضعف حديث أبي هريرة؛ لأن إمامه يعمل بحديث وائل، ولا يعمل بحديث أبي هريرة، وهذه طريقة ليست مرضية، أن تكون الأدلة تابعة للمذاهب، هذه طريقة ليست مرضية، إنما المذهب يجب أن يكون تابعاً للدليل هذا الأصل، هذا إذا كان أهلاً للنظر، أما إذا لم يكن المحقق أهلاً للنظر فإنه حينئذٍ يقلد أهل العلم، ويذكر ما قيل في الحديثين، أو يذكر الحديثين بإسناديهما، يقول: هذا الحديث رواه فلان بإسناده، ويبرأ من عهدته إذا لم يكن أهلاً للتصحيح والتضعيف، أما إذا كان متأهلاً فلا يجوز له بحال أن يضعف تبعاً لإمام، أو يصحح تبعاً لإمام قال به من حيث الاستدلال. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 3 الحديث الأول: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" حديث وائل "رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه" وحديث أبي هريرة أخرجه الثلاثة، ومن الغريب أن نجد من يرجح حديث وائل على حديث أبي هريرة؛ لأن هذا خرجه الأربعة، وذاك خرجه الثلاثة، لا يلزم من هذا الرجحان أبداً، يعني الترجيح بكثرة الرواة ليس هذا محله، وقد يوجد حديث يتفرد به أبو داود أقوى من حديث يخرجه الخمسة تبعاً لنظافة الإسناد وصحته، وعدم المخالفة، فليس الترجيح هنا له وجه ألبتة، وكم من حديث خرجه النسائي أنظف إسناد مما يخرجه غيره ولو اجتمعوا، وقد يخرج أبو داود حديث يكون مرجحاً على ما رواه أبو داود وغيره من الخمسة، أو الترمذي أو غيره، وقد يوجد في المسند حديث لم يخرجه الأربعة ويكون مرجحاً على ما خرجه الخمسة، فليس هذا محل الترجيح، نعم إذا خرجه الشيخان أو أحدهما يرجح، أما من عداهم فمخرجاتهم أو ما يخرجونه قابل للرجحان والمرجوحية تبعاً لإسناده. "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" الحديثان هما متضادان متعارضان إلا على كلام ابن القيم بالقول بالقلب، وعلى هذا الخطابي قال: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة، وابن حجر قال: حديث أبي هريرة أصح من حديث وائل، وحديث وائل له شاهد من حديث أنس، وحديث أبي هريرة له شاهد من حديث ابن عمر، موقوفاً ومرفوعاً على ما سيأتي، فهما حديثان قريبان من التكافؤ إلا أن الكفة قد ترجح مع حديث أبي هريرة. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 4 من حيث العمل نسب العمل بمضمون حديث وائل للجمهور، ونسب العمل بمقتضى حديث أبي هريرة لأهل الحديث، وكون القول بمقتضى حديث أبي هريرة ينسب لأهل الحديث يدل على أنه هو الراجح عندهم، من أهل العلم من ضعف الحديثين، وحينئذٍ يكون المصلي مخيراً بين تقديم الركبتين أو اليدين؛ لأنه لم يثبت في الباب شيء، ومنهم من يصحح الحديثين، ويقول أيضاً: هو مخير، ومنهم من يقول: إن حديث وائل من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذلك من قوله، وفعله يدل على أنه خاص به، إذا عارض الفعل القول يكون الفعل محمول على أنه خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- والقول لأمته، ومنهم من يقول: إن حديث وائل ناسخ لحديث أبي هريرة، ومنهم من يقول بالعكس، أقوال كثيرة في المسألة، أقوال متعددة في المسألة. يقول: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط مسلم" بناءً على أن مسلماً خرج لشريك، لكنه خرج له متابعة ولم يخرج له أصالة، فلا يكون على شرطه، إنما الذي على شرطه إذا خرج له معتمداً عليه، محتجاً به، وإلا فكلام أهل العلم في حفظه معروف سيء الحفظ، ثم بعد ذلك اختلط وازداد سوؤه. "وقال الترمذي: حسن غريب" والترمذي يحسن مثل هذا الإسناد؛ لأن تحسينه يستروح بعض من له عناية بالصناعة أنه لا يرقى إلى درجة الحسن، وقد حسن أحاديث ضعيفة كثيرة فيها ما هو انقطاع ظاهر، وفيها ما في بعض رواته كلام واضح لأهل العلم. "حسن غريب، وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم" وهذا قبل اختلاطه. "وقال الدارقطني: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به" يعني ممن لا يحتمل تفرده، ولا يحسن ما تفرد به. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 5 "وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة" متنه ما فيه إشكال، يعني جاري على الطبيعة "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" بحيث ينزل إلى الأرض ما هو الأقرب فالأقرب، ينزل الركبتين الأصل أن القدمين في الأرض، ثم ينزل الركبتين وهما أقرب إلى الرجلين، ثم ينزل اليدين، وهما أقرب إلى الركبتين، ثم الوجه، الجبهة مع الأنف، هذا أمر طبيعي ومعتاد بالنسبة لمن أراد الجلوس، وإذا نهض رفع يديه، معلوم أنه يرفع رأسه قبلها، قبل يديه، يرفع رأسه، ثم يديه قبل ركبتيه، ثم الركبتين، يعني عكس النزول. وهذا يعمل به جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية وقول للشافعي، وهو المعروف عند الحنابلة، وإن كان هناك رواية عن أحمد تقول بخلافه. كلام أهل العلم قال: "وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً" يعني همام تابع شريك لكنه مرسل "وشريك كثير الغلط والوهم" يعني الذي وصله شريك وهمام أرسله هل يكون شاهد مقوي أو يعل به؟ حديث شريك حينما رواه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل موصول، وهمام رواه عن عاصم عن أبيه مرسلاً، ولم يذكر وائل "وشريك كثير الغلط والوهم". الآن عندنا تعارض الوصل مع الإرسال، فأحياناً يكون المرسل مقوي للموصول، وأحياناً يكون المرسل يعل به الموصول، وإشارة ابن عبد الهادي في قوله: "وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم" يدل على أنه يعل خبر شريك برواية همام. ننتبه لمثل هذا؛ لأنه قال: "روى همام عن عاصم هذا مرسلاً" يعني المرسل يقبل الانجبار، وشريك سيء الحفظ يقبل الانجبار، فإذا ضممنا هذا إلى هذا قلنا: بحسنه، لكن إردافه -إرداف المؤلف- لقوله: "روى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم" يريد أن يعل رواية شريك برواية همام، وأن الأصح فيه أنه مرسل. وقال الدارقطني: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 6 لم يحدث به عن عاصم غير شريك، وقد قال: "وروى همام عن عاصم" كيف يقول: لم يحدث به عن عاصم غير شريك وقدم أن قال: وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً؟ يعني لم يروه عن عاصم غير شريك موصولاً، وإن رواه عنه همام مرسلاً، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به. وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة. لما له مما يقويه من شاهد من حديث أنس، وفعل عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، وهذا العمل منسوب لجمهور أهل العلم، حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة. قال: "وعن محمد بن عبد الله بن حسن" بن علي بن أبي طالب، معروف بالنفس الزكية، وثقه النسائي وغيره "عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه والنسائي والترمذي، ولفظه: ((يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل)) وقال: حديث غريب" الترمذي "ومحمد وثقه النسائي" محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية، "وقال البخاري: لا يتابع عليه" يعني لا يوجد له من يتابعه عليه في روايته، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟ كونه لا يتابع عليه، وقد وثق، النسائي وثقه مع أنه متشدد يكفي، هذا يحتمل تفرده، فلا نحتاج إلى متابع، بينما شريك نحتاج إلى متابع، وهذا لا نحتاج إلى متابع، وقول البخاري: لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟ هذا لا يقدح؛ لأنه لم يجزم بعدم سماعه، وهذا كاف عند الجمهور في الاتصال؛ لأنه لم يعرف بتدليس، والمعاصرة ثابتة، عند الجمهور هذا كافي، احتمال مع إمكان في السماع هذا يكفي عند الجمهور، والذي قرره الإمام مسلم. "وقال البخاري -يعني في صحيحه-: وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه" هذا من فعله، موقوف عليه، وهو ثابت عنه أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعاً بإسناد لا بأس به، وهذا هو الشاهد الذي أشار إليه ابن حجر، حيث قال: وهو أصح من حديث وائل، يعني حديث أبي هريرة، فإن له شاهداً من حديث ابن عمر الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 7 يقول: "إذا سجد أحدكم" ذاك من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهذا من قوله، ومعروف أن الفعل عند أهل العلم لا عموم له، وإن كان الأصل الاقتداء والائتساء، فيقال: لا عموم له إذا عورض، وهذه قاعدة عند جمع من أهل العلم أنه إذا تعارض القول والفعل فإنه يرجح القول، ويكون الفعل محمولاً على الخصوصية، لكن هذا ليس بمطرد كما تقدم لنا في نهيه عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط، مع أن ابن عمر رآه في بيت حفصة يقضي حاجته مستدبراً الكعبة مستقبلاً بيت المقدس، وقالوا: هذا من فعله وذاك من قوله، فيكون خاصاً به، وقررنا هنالك أن كل فعل يتضمن كمالاً، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، واستدبار الكعبة بالبول أو بالغائط أكمل أو عدمه أكمل؟ عدمه أكمل، فكيف نقول: إن الأمة مطالبة باحترام الكعبة، وتعظيمها والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطالب؟ هو أولى بالكمال من هذه الأمة، ونظيره ما قيل في الفخذ عورة ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس: حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه، قالوا: إن كشف الفخذ خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والأمر للأمة، نقول: ستر الفخذ أكمل من كشفه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، وتقدم تقرير هذا كله، وأن كون فخذه انحسر وهو على الدابة، لا يعني أن هذا يقضي على الدوام والاستمرار في حال الاختيار، عند الركوب لا بد أن يبدو شيء، ثم بعد ذلك يغطى. وليس هذا محل تقرير المسألتين، هنا ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) عرفنا قول من يضعف الحديثين، وقول من يصحح الحديثين، ويجعل المكلف مختار، وكأن هذا هو ما يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، فإذا ضعفنا الحديثين، قلنا: مخير؛ لأنه لا يثبت في الباب شيء، وإذا صححنا الحديثين فهنا نهي، ((فلا يبرك)) فهل يكون مع هذا النهي تخيير؟ ((وليضع)) أمر، هل يكون مع هذا الأمر تخيير على حد سواء؟ فلا. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 8 ابن القيم -رحمه الله- حاول أن يوفق بين الحديثين، فقال: إن أول الحديث ما فيه إشكال، ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) الإشكال في آخره؛ لأنه مضاد لأوله، ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) لأن البعير إذا برك وضع يديه قبل ركبتيه، هذا لا ينازع فيه أحد إلا شخص ما رأى البعير، البعير إذا برك يقدم أمامه على خلفه، والتصوير مطابق لمن يضع يديه قبل ركبتيه في الصورة، ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال: انقلب على الراوي، وإلا فالأصل: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) والمقلوب نوع من أنواع علوم الحديث معروف، ووقع القلب في بعض الأحاديث، وإن أمكن التوجيه فالقلب خلاف الأصل؛ لأن الراوي إما أن يحكم بثقته وضبطه، أو يحكم بضعفه، وعدم الاحتجاج به، إذا حكم بضعفه فالتضعيف من قبله، ما في إشكال، ما نحتاج إلى أن نقول: مقلوب، نقول: الخبر ضعيف؛ لأن فيه فلان وهو ضعيف، لكن العبرة فيما إذا كان الراوي ثقة، كيف نوهم هذا الراوي الثقة مع إمكان حمله على وجه يصح؟ يعني كتب علوم الحديث تمثل للمقلوب بما خرجه مسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الحديث في الصحيحين: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) وهذا الأصل أن الإنفاق باليمين، وقالوا: حديث مسلم مقلوب، كيف يتصدق بشماله ويخفي هذه الصدقة عن يمينه؟ نقول: ممكن، أولاً: لأن هذا الرجل كثير الإنفاق، ينفق أحياناً عن يمينه، وأحياناً عن شماله، وأحياناً من خلفه، وأحياناً من أمامه، مبالغة في الإخفاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وغيره ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه. والإخفاء قد يتطلب الإنفاق بالشمال بحيث يكون عنده عن يمينه أناس جلوس، ويأتيه فقير من جهة الشمال، فيعطيه بشماله بحيث لا يعلم من هو على يمينه، فإذا أمكن رفع توهيم الراوي الثقة تعين. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 9 ابن القيم حكم على الراوي بأنه وهم في هذا الحديث، وأنه انقلب عليه، نعم المقلوب يوجد، هناك أحاديث لا يمكن الجواب عنها. ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال ابن القيم: مقلوب، وصوابه: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) منهم من قال للخروج من هذا المأزق: إن ركبتي البعير في يديه، ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) على ركبتيه؛ لأن ركبتي البعير في يديه، إذا برك برك على ركبتيه؛ لأنها في يديه، فلا يبرك المصلي على ركبتيه، لكن الصورة متكاملة وإلا غير متكاملة؟ يعني إذا وافقت من وجه خالفت من وجه، أنكر ابن القيم -رحمه الله- أن تكون ركبتي البعير في يديه، مع أنه ثابت في اللغة، وجاء ما يدل عليه من بعض النصوص، فلا داعي ولا وجه لإنكاره. هل نرجح كلام ابن القيم ليتسق آخر الحديث مع أوله؟ أو نضعف الحديث لأنه مقلوب ولا نقبله ونرجع إلى الحديث الأول؟ أو نرجح الحديث بما يشهد له من حديث ابن عمر، وننصرف عن الحديث الأول لأنه مرجوح؟ أو نقول بالنسخ كما قال بعضهم؟ وأورده الحازمي في الناسخ والمنسوخ، وأورد الجعبري في رسوخ الأحبار، له كتاب في الناسخ والمنسوخ اسمه: رسوخ الأحبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وأن هذا الحديث منسوخ بالذي قبله، وبعضهم من يعكس يقول: الحديث الذي قبله منسوخ بهذا الحديث، وهذا يدل على أن التاريخ معلوم وإلا مجهول؟ مجهول، ولا يمكن القول بالنسخ إلا إذا عرف التاريخ. الذي يحل الإشكال في هذا الحديث، الحديث الأول ما في إشكال من حيث المعنى، الإشكال في ثبوته، الحديث الثاني إشكاله في معناه، والذي يحله أن نعرف معنى البروك. جاء البروك على الركبتين في نصوص كثيرة، في كتاب العلم من صحيح البخاري لما قام الصحابي وقال: من أبي؟ فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- فبرك عمر -رضي الله عنه- بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على ركبتيه، وبوب عليه الإمام البخاري: باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث، برك على ركبتيه، إذاً ما معنى برك لينحل عندنا الإشكال؟ الجزء: 16 ¦ الصفحة: 10 أولاً: مشابهة الحيوانات ممنوعة في الصلاة، وفي خارج الصلاة، النهي عن بروك البعير كما هنا، والنهي عن التفات الثعلب، وتحريك اليدين عند السلام كأذناب خيل شمس، وتدبيح الحمار، والتفات الثعلب، ونقر الغراب، وانبساط الكلب، كلها منهي عنها، فنحن منهيون عن مشابهة البعير فيما نهينا عنه من مشابهة الحيوانات. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 11 إذا رجعنا إلى معنى البروك إلى الآن مستعمل، إذا جاء الإنسان تعبان أو مريض، ثم أراد أن يجلس، ثم نزل على الأرض بقوة قيل: برك، والبعير يقال له: برك، يعني في كتب اللغة ولو رجعنا إلى سورة يوسف ماذا يقول المفسرون في معنى حصحص؟ {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [(51) سورة يوسف] يقولون: حصحص البعير وبرك البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، فلا يبرك كما يبرك البعير، فيثير الغبار، ويفرق الحصى ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) يعني مجرد وضع، وحينئذٍ ما يكون فيه لا قلب ولا تناقض ولا تعارض ولا شيء؛ لأن مجرد الوضع لا يعني بروك، ولذا يفرق أهل العلم بين وضع المصحف على الأرض وإلقاء المصحف على الأرض، يعني مجرد وضع المصحف على الأرض هكذا بحيث لا يسمع له صوت، ولا غبار، ولا حصى ولا شيء، يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز عند أهل العلم، وضع المصحف على الأرض جائز، لكن إلقاؤه هكذا هذا خطير عظيم إذا اقترن بالاستخفاف كفر، يعني فرق بين مجرد وضع اليدين، وبين البروك كما يبرك البعير في تقديم اليدين، الصورة فيها مشابهة من وجه ومخالفة من وجه، لكن لا يلزم من التشبيه المطابقة من كل وجه، فإذا وضع يديه مجرد وضع هذا ما برك مثل بروك البعير، إذا نزل على الأرض بقوة على يديه، قلنا: برك مثل ما يبرك البعير، وإذا وضع ركبتيه قبل يديه إذا وضع، إذا وضع ركبتيه قبل يديه مجرد وضع كما في حديث وائل: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه" هذا ما فيه مشابهة، لكن إذا نزل على الأرض بقوة على ركبتيه وخلخل البلاط كما تسمعون أحياناً، هذا نقول: برك مثل ما يبرك الحمار، المطلوب في الصلاة كلها الطمأنينة، المطلوب تحقيق الطمأنينة، وبهذا يرفع الإشكال في الحديث، وهذا لازم لكل من يقول بتصحيحه، كل من يقول بتصحيح الحديث من الأئمة؛ لأنه صححه جمع من الأئمة كلهم يلزمهم أن يقولوا بهذا القول، وإلا فالمقلوب من قسم الضعيف. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 12 هذا واحد من الإخوان أحضر هذه قبل أن أحضر، وكأنه يعرف ما سأقوله؛ لأن هذه المسألة تكررت في كتب كثيرة، وقررنا فيها مثل ما سمعتم، وأطلنا فيها في بعض المناسبات، ذكر هذه ذكر فيها آثار تدل على العمل بحديث وائل من قبل جمع من أهل العلم، وهذا لا ننكره هو منسوب إلى الجمهور، لكن الذي يهمنا أن حديث أبي هريرة أرجح من حديث وائل؛ لأن حديث وائل تفرد به من لا يحتمل تفرده، وحديث أبي هريرة تفرد به من يحتمل تفرده، وحديث وائل له شاهد، وحديث أبي هريرة له شاهد، فالحديث الأول حديث وائل نسب العمل به إلى الجمهور، والحديث الثاني نسب العمل به لأهل الحديث، بغض النظر عمن عمل بالحديثين، كل إنسان مطالب بما يترجح عنده. أخونا هذا أورد بعض الآثار عن السلف في العمل بهذه الأدلة: روى ابن أبي شيبة عن الأسود أن عمر كان يقع على ركبتيه. عن نافع عن ابن عمر أنه كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه ويرفع، هذا عند ابن أبي شيبة، والمعروف عند البخاري عن نافع كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه وهذا أثبت. قال: رأيت ابن سيرين يضع ركبتيه قبل يديه، كان أصحاب عبد الله إذا انحطوا للسجود وقعت ركبهم قبل أيديهم. وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم. قال ابن أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 13 على كل حال هذا جمع طيب في الجملة، لكن مثل هذا ما يخفى، هذا ذكر الشوكاني أكثر منه، وغيره من الشراح، ذكروا أكثر مما ذكر في هذه الورقة، وما زال الأمر على ما قررنا من أننا إذا فهمنا معنى البروك ارتفع الإشكال، ولا قلب ولا شيء، لكن الناس لا سيما ممن له عناية بابن القيم وكتب ابن القيم، وابن القيم أوتي بيان، وأوتي اطلاع واسع، فإذا قرر شيئاً تجده يهجم على القلب قبل غيره، ثم بعد ذلك يغلق المنافذ خلاص "إذا قالت حذام فصدقوها" وأعظم منه شيخ الإسلام إذا قال كلام خلاص ما نقبل معه شيء، ولسنا مطالبين بالاقتداء لا بشيخ الإسلام ولا بأحمد ولا بابن القيم ولا بغيرهم مع أنهم أئمة من الأولياء الصالحين، ومن العلماء العاملين الربانيين، وما عرفنا العلم إلا عن طريقهم، وما تعلمنا إلا على كتبهم، لا يعني هذا أننا نتنقصهم، لكن هذا دين، فالذي يترجح عنده شيء يعمل به. والمسألة يعني طرقناها مراراً وكررناها، فلا داعي لتكرار ما ذكر في مناسبات أخرى، فهذا لعله يكفي في كشف المراد. ثم بعد ذلك يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده على أنفه-)) " الإشارة تكون بـ (على) أو (إلى) أشار على الباب أو أشار إلى الباب؟ نعم إلى، ولكنه عدي بـ (على) ليضمن المعنى أمّر بيده على أنفه، أو مر بيده على أنفه. ((أن أسجد على سبعة أعظم)) أولاً: "أُمرت" فعل مبني للمجهول، والفاعل محذوف للعلم به؛ لأنه هو الله -جل وعلا-، إذا لا آمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- في القضايا الشرعية إلا الله -جل وعلا-، ويحذف الفاعل للعلم به {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [(28) سورة النساء] الخالق معلوم. ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) الآمر معلوم، (سُرق المتاع) حذف للجهل به، وقد يحذف للخوف منه (ضُرب زيد) أو (ظُلم زيد) المتكلم لا يستطيع أن يقول: ظلم الأمير زيداً، يخاف منه، وقد يكون لتعظيمه، وقد يكون لتحقيره، وقد يكون لأمور كثيرة، وهنا للعلم به، فالآمر هو الله -جل وعلا-، إذ لا آمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- في القضايا الشرعية إلا الله. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 14 في رواية: "أمرنا" ((أمرت)) المأمور هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي حكمه أمته؛ لأن المسألة مسألة شرعية، ونحن مأمورون بالاقتداء به والائتساء به، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر لأمته، وأمرنا له ولأمته -عليه الصلاة والسلام-، والتعبير عن فعل الأمر: "اسجدوا على سبعة أعظم" أو المضارع المقترن بلام الأمر، صيغة الأمر المقتضية للوجوب: (افعل) أو المضارع المقترن بلام الأمر، التعبير عن صيغة الأمر باسم الأمر أو بلفظه: ((أمرت)) هو بمثابة فعل الأمر، كأنه قال: اسجدوا على سبعة أعظم، أو اسجد يا محمد على سبعة أعظم، وخالف داود الظاهري وبعض المتكلمين فقالوا: هذه الصيغة لا تحمل على الأمر، وهذا الخلاف في: "أمرنا ونهينا" إذا قال الصحابي: "أمرنا" أو قال: "نهينا" يقول داود الظاهري وبعض المتكلمين: لا يدل على الأمر ولا على النهي حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأنه قد يسمع شيئاً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، وهذا القول واهٍ، يعني إذا شككنا في فهم الصحابة فمن يفهم الدين بعدهم؟ أولاً: لغاتهم لم تتغير، هم عرب أقحاح، والأمر الثاني: أنهم عايشوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية. هنا اللفظ للنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يقول: ((أمرت)) هل نقول: إنه لا يستفاد من الأمر حتى ينقل اللفظ الإلهي؟ لا، لو قلنا بهذا لما قبلنا حديثاً نبوياً حتى ينقل لنا اللفظ الإلهي، فمثل هذا لا يدخل في الخلاف. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 15 ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) سبعة أعظم، وكل واحد من هذه السبعة يشتمل على أعظم، يشتمل على أعظم، يعني اليد إلى الكف عظم واحد وإلا عظام؟ عظام، كم فيها من عظم يمكن فصله عن الثاني؟ أعداد كبيرة يمكن تزيد على العشرين، المقصود أن أعظم إجمالية، وفي كل عظم منها أعظم، ولولا البيان التفصيل بعد الإجمال لقلنا: إنها سبعة أعظم لو سجد بيد واحدة كفت؛ لأن فيها أكثر من سبعة أعظم، هنا قال: ((على سبعة أعظم)) إجمال، ثم بعد ذلك فصلها وبينها، والإجمال له فائدة، كثيراً ما يأتي بالعدد المحصور: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) نحتاج إلى مثل هذا العدد عند الضبط والحفظ؛ لأنه لو قال: اسجدوا على أعظم هي ثم عددها الاحتمال في أن ينسى بعض الرواة بعضها، والإنسان إذا أراد أن يحفظ الحديث نسي بعضها، لكن إذا عرفها سبعة، أخذ يعددها، واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، إذا كملت السبعة عرف أنه ضبط الخبر، لو لم يكن فيه العدد المجمل احتمال أنه يعد ستة احتمال يعد خمسة وينسى الباقي. موسى -عليه السلام- أرسل في تسع آيات، كيف نعد التسع؟ يعني لو قيل: موسى أرسل بآيات، يمكن يعد الواحد اثنتين، ثلاث، خمس، ما يكمل التسع، لكن تسع، لا بد أن تكون تسع، فمن يعد لنا التسع نشوف هي مضبوطة وإلا لا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . العصا واليد. طالب:. . . . . . . . . السنين. طالب:. . . . . . . . . الضفادع. طالب:. . . . . . . . . الدم. طالب:. . . . . . . . . القمل. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . انشقاق البحر هذا من أجل أن يؤمن فرعون؟! تسع آيات؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، هذا من أجل أن يغرق. طالب:. . . . . . . . . الجراد، أيوه. طالب:. . . . . . . . . تعدهم من جديد؟ شوف فائدة التسع كونها تسع لا بد أن تحضر تسع، في واحدة يمكن ما تدرك اللي هي الطمس {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [(88) سورة يونس]. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 16 المقصود أن فائدة العدد المجمل من أجل أن تضبط، لولا هذا العدد المجمل ما ندري تسع وإلا عشر وإلا خمس؟ إلا بطريق الاستقراء بحيث يستقرئ العالم المطلع الذي هو من أهل الاستقراء التام، ثم يحصر لنا من أجل نتبعه في الحصر، فمثلاً أركان الصلاة أربعة عشر، ما جاء فيه نص أنها أربعة عشر، لكن بطريق الاستقراء حصرت بهذه الأركان، فأنت إذا أردت أن تراجع أركان الصلاة تستحضر أنها أربعة عشر وهكذا، هذه فائدة ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)). ((على الجبهة)) على الجبهة وهذا بدل بعض "وأشار بيده على أنفه" يعني أمر بيده على أنفه؛ ليبين أن الجبهة والأنف عظم واحد ... في شيء؟ طالب:. . . . . . . . . يقول: ((على الجبهة)) وأشار بيده على أنفه؛ ليبين أن الجبهة والأنف عضو واحد، ولا بد من السجود على هذا العظم الأول الذي هو الجبهة والأنف، وعلى هذا لا يجزئ السجود على الجبهة فقط، أو على الأنف فقط، لا يجزئ السجود على الجبهة فقط، ولا على الأنف فقط، ومنهم من قال كالحنفية: إن سجد على الجبهة أجزأ، وأبو حنيفة يقول: إن سجد على أنفه فقط أجزأ؛ لأنه يجوز السجود على بعض العضو، يعني لو سجد على راحتيه فقط ورفع أصابعه السجود صحيح، والخلاف فيما إذا سجد على الأصابع دون الراحة، لو سجد على إصبعين من أصابع رجله وارتفعت البقية عن الأرض يجزئه، وعلى كل حال هذا القول ضعيف، والتنصيص عليهما على الجبهة والأنف يدل على أنه لا بد من السجود عليهما. ((واليدين)) والمراد باليدين الكفان، وهذا فيما إذا أطلقت اليد يراد بها الكف، وإن كانت اليد تشمل ما بين أطراف الأصابع إلى المنكب كلها يقال لها: يد، وأما إذا قيدت فمعلوم أن المقيد يقضي على المطلق {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وأما إذا أطلقت كما في آية التيمم وهنا والسرقة فإن المراد الكفان. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 17 ((واليدين)) واليد المراد بها الكف، والسجود على الذراع منهي عنه، الذي هو انبساط الكلب، والكف تشمل الراحة وتشمل الأصابع، وكثير من الشباب تجده يسجد على الأصابع فقط، يعني إذا سجد على الراحة يصعب عليه أن يرفع الأصابع وإن كان ممكناً، لكن يسجد على الأصابع دون الراحة، والأصل في الكف الراحة باطن اليد، هذا الأصل، والأصابع تبعاً لها، ومنهم من يسجد على الجُمْع، الجمع ويش معناه؟ ضم الأصابع إما هكذا أو هكذا، هذا موجود، هذا لم يسجد على اليد، هذا السجود ليس بصحيح، هذا سجوده ليس بصحيح. ((والركبتين)) معروفتان. ((وأطراف القدمين)) أطراف القدمين إذ لا يمكن السجود على القدمين، وإنما الممكن الأطراف، يعني الأصابع، بطون الأصابع، وتكون متجهة إلى القبلة؛ لكن لو عكس سجد على ظهورها أجزأ؛ لأنه صح أنه سجد على أطراف القدمين. ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) مباشرة هذه الأعظم إلى الأرض، أو مباشرتها الأرض والسجود على حائل يتفاوت من عظم لآخر، أما بالنسبة للركبتين فلا بد من سترهما إذ هما من العورة، ولا يجوز كشفهما، وأطراف القدمين في حال لبس الخفين يستران، يجوز سترهما، واستشكل بعضهم إيراد البخاري لحديث المسح على الخفين بين أحاديث السجود، استشكل بعضهم، كيف يورد البخاري حديث من أحاديث المسح على الخفين في صفة الصلاة في كيفية السجود؟ أورده ليبين أنه لا يلزم كشف القدمين؛ لأنه له أن يمسح خمسة الأوقات يوم وليلة، ويمر عليه أكثر من صلاة، يمر عليه في هذه المدة أكثر من صلاة، فيجوز ستر القدمين، وأما الركبتين فيجب سترهما. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 18 بقي الوجه واليدان، الستر أو الحائل المنفصل يجيزونه بلا كراهة، فتسجد على بساط، على فراش، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسجد على الخمرة، هذا بالنسبة للمنفصل، أما بالنسبة للمتصل فيطلقون الكراهة، يعني أراد شخص أن يسجد فوضع طرف الشماغ وسجد عليه هذا مكروه، وضعه، وضع طرفي الشماغ على يديه هذا مكروه عند أهل العلم، لكنه جاء ما يدل على جوازه عند الحاجة لشدة حر أو لشدة برد، في السنن وغيرها، وأهل العلم يقولون: إن الكراهة تزول بأدنى حاجة، يعني شدة برودة المسجود عليه، أو شدة حرارته هذه حاجة، لكن إذا كان الفرش أو المسجود عليه تنبعث منه روائح، والناس يتفاوتون في قبول هذه الرائحة، كثير من الناس يسجد ولا عنده مشكلة يقبل مثل هذه الرائحة، وبعض الناس لا يقبلها، هذا إذا كانت هذه الرائحة تسبب عنده إشكال، يعني بعض روائح الفرش الجديدة تولد حساسية في الصدر مثلاً، هذا نقول: حاجة، لكن إذا كانت لا تضره هذه ليست بحاجة، قد نقول: إنها أدنى حاجة؛ لأنه يتأذى منها، والكراهة تزول عند أهل العلم بأدنى حاجة، فيضع طرف الشماغ ويسجد عليه، مع أنه لو تواضع وقبل مثل هذه الرائحة إلا إذا كانت تحول دونه ودون الخشوع، إذا كان لا يخشع في صلاته، فإنه حينئذٍ المحافظة على الخشوع الذي قال جمع من أهل العلم بوجوبه أولى من المحافظة على هذا المكروه. قد يحتاج إلى رفع عضو، أو عظم من هذه الأعظم، ساجد فاحتاج إلى حك شيء من بدنه بيده بحركة لا تطول يرفعها ثم يعيدها، وقد يسجد فتلسعه بعوضة في قدمه فيحتاج أن يحك هذه القدم بالأخرى، ثم يعيدها قالوا: مثل هذا لا يؤثر؛ لأن العبرة بغالب السجود. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 19 ((ولا نكفت الثياب والشعر)) نكفت نضم الثوب بعضه إلى بعض، أو نضم الشعر بحيث نلفه بعضه على بعض، ولا نقبضه، وعلى هذا تصرف كثير من المصلين بالبشت العباءة، إذا أراد أن يسجد ضم بعضها إلى بعض، بالشماغ، وكثير من الناس يعبث بالشماغ، إذا اختلف وضعه أي اختلاف حرك الشماغ، إذا كبر واسى الشماغ، إذا ركع، إذا رفع من الركوع احتاج إلى أن يضم الشماغ وهكذا، هذا يقول: ((ولا نكفت الثياب والشعر)) يعني لا نضم بعضها إلى بعض، وأما المشلح فحدث ولا حرج؛ لأنه إذا سجد وترك المشلح هذا أو العباءة على هيئتها فإنها تتفرق يميناً وشمالاً فيسجد عليها من بجانبه يمنة ويسرة، فهو يحتاج أن يضمها هذا داخل في الحديث، ولا الشعر أيضاً، لا يضم الشعر ولا يعقد، بل يترك على هيئته مسترسلاً، وكذلك ما في حكمه. "متفق عليه، ولفظه للبخاري". ثم قال: "وعن عبد الله بن بحينة" مالك بن بحينة، أكثر ما يقال: عن عبد الله بن بحينة، أبوه مالك ابن القشب، وأمه بحينة، ولذا تجدون ابن بحينة فيها ألف، الأصل لو كان بحينة جده لقال: عبد الله بن مالك بن بحينة تجدون ابن هذه مجرورة؛ لأن الأصل مجرور عبد، لو كانت الصيغة: حدثنا عبدُ الله بنُ مالك بنُ بحينة؛ لأن ابن في الموضعين تابعة لعبد الله، والثانية ليست تابعة لمالك، يعني لو قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن الخطاب؛ لأن كل واحدة تابعة لما قبلها، لكن الذي عندنا تابعة لما قبل الذي قبلها، ولذلك تثبت فيها الألف؛ لأنها ليست بين متوالدين، وليست تابعة للذي قبلها، إنما تابعة للذي قبل الذي قبلها، فلو كانت الصيغة: حدثنا عبد الله بنُ مالك ابنُ بحينة؛ لأن بحينة أم عبد الله، ومثله عبد الله بن أبي ابن سلول، سلول أمه. "-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى فرج بين يديه، حتى يبدو بياض إبطيه" في بعض الروايات: "إذا صلى يجنح بين يديه" وجنح، وفي رواية: خوى، أي نحى، وهذه مجافاة "بين يديه حتى يبدو" يروى في بعض الروايات، وفي بعضها: نرى بياض إبطيه، وفي رواية: وضح، وهو بياض إبطيه. "كان إذا صلى فرج" جنح، خوى، يعني نحى يديه عن جنبيه "حتى يبدو" أو يرى أو نرى "بياض إبطيه" ووضح إبطيه. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 20 المجافاة سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، هذه صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مشروع فيما دلت عليه الأدلة بالنسبة للإمام والمنفرد، أما بالنسبة للمأموم مع الجماعة فإنه لا يشرع له ذلك، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا صلى يعني يصف حالته وهو إمام أو منفرد، إذ لم يكن مأموماً -عليه الصلاة والسلام-، ومجافاة المأموم تؤذي من بجانبه عن يمينه وعن شماله، وقلنا مراراً: أن معرفة السنة أمر لا بد منه؛ لتقع العبادة التي من أجلها خلق على مراد الله، وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لا بد من معرفة السنة، ولا بد من تطبيق السنة، لا تكفي المعرفة، ونحن نرى بعض طلاب العلم يصلي صلاة بعض صلاة العوام أفضل منه، يعرف السنة، لكن لا يطبق السنة، وبعض طلاب العلم يعرف السنة ويطبق السنة لكنه لا يفقه كيف يطبق السنة، فلا بد من فقه تطبيق السنة، فتجده إذا سمع بمثل هذا الحديث آذى المصلين، تجده يجافي ويفرج بين يديه بين اثنين والمطلوب التراص في الصف؛ لأنه قد يقول قائل: إن هذا الإشكال يحله التباعد بين الناس، لكن هذا معارض بما هو أقوى منه وهو التراص في الصف، ولا يتحقق التراص في الصف مع هذه المجافاة، فإذا تراصوا وأراد أحد أن يجافي فإنه لا بد أن يؤذي من عن يمينه ومن عن شماله، والأذى لا يجوز، فلا يفعل مسنون، ويرتكب محظور، وهذا الذي يؤكد عليه، وهو فقه تطبيق السنة. "فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" ومعلوم أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يلبس الإزار والرداء، ومع الرداء يرى بياض الإبط، ولو ستر المنكب، إذا ستر المنكب يرى بياض الإبط؛ لأنه لا يلزم من ستر المنكب ستر ما تحته ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء)) وفي رواية: ((ليس على منكبه منه شيء)) المقصود أنه لا بد من ستر المنكب كما تقدم لنا في ستر العورة، وليس هو من العورة، لكن لا بد من ستره، يجب سترة، فيأثم الذي يصلي وهو كاشف للمنكب، لكن صلاته صحيحة؛ لأنه ليس بشرط، يعني مثل غسل الجمعة عند من يقول بوجوبه الصلاة صحيحة، لكنه آثم بتركه الواجب. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 21 "يرى بياض إبطيه" هذا إذا صلى بالرداء، أما إذا صلى بالقميص الذي من لازمه الكم فإنه ينستر الإبط، ولا يلزم من قوله: "حتى يبدو بياض إبطيه" ألا يكون الإبط عليه شعر؟ لأن البياض يلوح من وراء الشعر حتى في عادي الناس، البشرة البيضاء تبدو من وراء الشعر، وإن استنبط بعضهم من هذا الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شعر في إبطيه، وهذا من خواصه، لكن إن لم يدل دليل غير هذا فلا دليل فيه، فبياض الإبطين يبدو إذا حلق الشعر، وقد يبدو مع وجود الشعر، والناس يتفاوتون في هذا الشعر قلة وكثرة، مع أن البشرة البيضاء لا يحجبها الشعر إلا إذا كان كثيفاً. جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان أبيض، وأنه كان أزهر اللون، وكان في صدره شعر، كان دقيق المسربة، والمسربة شعر الصدر كما في الشمائل. "حتى يبدو بياض إبطيه" وهذا سببه المبالغة في المجافاة "متفق عليه". "وعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) " يعني على الأرض ضع كفيك، إما محاذية لأذنيك كالرفع، أو لمنكبيك كما جاء، وكل هذه صفات ثابتة، إما محاذية لفروع الأذنين كالرفع، أو لأطراف الأذنين، أو للمنكبين. ((فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) ارفع مرفقيك عن فخذيك، وهذا لا يلزم منه مجافاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخاطب البراء وهو مأموم، ما قال: جافي، إنما قال: ((ارفع مرفقيك)) يعني عن فخذيك، ولا يلزم منه المجافاة. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 22 يرفع مرفقيه لئلا يعتمد على فخذيه، يكون معتمد على يديه، ومعتمد على جبهته؛ لأنه لو وضع مرفقيه على فخذيه لكان اعتماده على الفخذين، وليس اعتماده على اليدين والوجه، مع أنه إذا احتاج إلى ذلك بحيث يكون مريضاً لا يستطيع أن يستقل بيديه ووجهه في السجود، واحتاج إلى الاستعانة بالفخذين يستعين بهما، وجاء الترخيص في ذلك في سنن أبي داود وغيره، وكذلك لو طال السجود مثلاً وتعب من رفع المرفقين، ووضع الجبهة على الأرض، يضع الجبهة على الأرض لا محالة، ولا يمكن رفعها عنها، لكن إذا رفع مرفقيه عن فخذيه اعتمد على الجبهة، فإذا وضع المرفقين على الفخذين خف الحمل على اليدين وعلى الجبهة، فإذا احتاج إلى ذلك فجاءت الرخصة له بذلك. "رواه مسلم". ثم قال: "وعن وائل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع فرج بين أصابعه" يعني كأنه قابض لركبتيه، يفرج بينهما، كأنه قابض لركبتيه، وهذا يدل على .. ، مع ما في بعض الروايات من التصريح بقبض الركبتين، يدل على نسخ التطبيق، وهو جمع اليدين ووضعهما بين الفخذين، وابن مسعود -رضي الله عنه- ما علم بالناسخ واستمر عليه، لكن التطبيق منسوخ. "كان إذا ركع فرج بين أصابعه، ووضعهما على ركبتيه كأنه قابضهما، وإذا سجد ضم أصابعه" ضم الأصابع لتكون متجهة إلى القبلة، إذا سجد ضم أصابعه؛ لأنه لو فرقها انحرفت عن جهة القبلة يميناً وشمالاً، وقل مثل هذا في الرجلين حال الوقوف في الركوع، وفي أصابع اليدين حال السجود كلها تتجه إلى جهة القبلة. "وإذا سجد ضم أصابعه" رواه البيهقي والحاكم، وقال: على شرط مسلم" رواه البيهقي والحاكم ورواه أيضاً ابن خزيمة، كلهم عن طريق هشيم عن عاصم بن كليب عن علقمة بن وائل عن أبيه به، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ... إلى آخره. وكلهم قالوا: عن هشيم عن عاصم، وهشيم معروف بالتدليس. وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ هشيم مدلس وقد عنعن، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، يقول الحاكم، لكن عنعنة هشيم إذا قبلت في مسلم فإنها لا تقبل في خارجه، ولكن الحديث له شواهد ترفعه إلى مرتبة الحسن، فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 23 هذا يقول: ما الحكمة. . . . . . . . . أنت شوف جارك هذا لو يكتب لنا البيتين جزاه الله خير، اكتب البيتين. يقول: ما الحكمة في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بنقل حمى المدينة إلى الجحفة وهي ميقات للحج؟ أولاً: الجحفة كان سكانها من اليهود في وقت الدعوة النبوية، وكانت الدعوة قبل تحديدها ميقاتاً للحج. يقول: ما تقولون في حديث يقال في أثناء الوضوء وهو قول: "رب اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي"؟ لم يثبت خبر صحيح لذكر يقال: أثناء الوضوء إلا البسملة على خلاف في ثبوتها في أوله، وقول التشهد في آخر الوضوء. يقول: نريد توجيه ونصيحة لشخص اتخذه بعض الناس قدوة لهم وذلك لثقتهم به؟ أولاً: لا يخلو إما أن يكون بالفعل ثقة قدوة للناس إن كان بالفعل قدوة فعليه أن يتقي الله في نصح هؤلاء الذين يقتدون به، وعليه أيضاً أن يظهر نفسه بالمظهر المناسب له، لا يتشبع بما لم يعط، يغتر بمن يتبعه، ثم بعد ذلك يجعل من نفسه إماماً يقتدى به وليس الأمر كذلك، إنما ينزل الإنسان منزلته، ويعرف قدره، بحيث لا يتزيد ولا ينقص من قدره بحيث يقتدى به في ما يمكن الاقتداء به، ولو وجه الناس إلى من هو أولى منه بالاقتداء لا سيما من عمدته ومعوله على النص. يقول: هل بالإمكان تنبيه الأخوات على خفض أصواتهن لما يحدثونه من تشويش على أنفسهن، وعلى غيرهن؟ أظن يسمعون هذا الكلام. يقول: هل من الكفت إرجاع طرفي الشماغ إلى الخلف حال القيام؟ نعم إنما يترك على طبيعته، يسترسل يميناً وشمالاً. يقول: لم نفهم المتصل والمنفصل؟ يقصد الحائل. المتصل مثل الشماغ، متصل بالمصلي، والمنفصل يأتي بسجادة بنصف سجادة بحيث تسع يديه مع وجهه أو لرجليه أو لركبتيه إذا كان فيهما ألم، هذا منفصل ولا بأس به، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسجد على الخمرة التي تتسع ليديه وجبهته، ولا يجوز السجود على ما يقتصر على الجبهة لمشابهة المبتدعة. يقول: من يسجد والمصحف في يده فيسجد على جنب يده الأيمن؟ لا بد أن يسجد على الأعضاء السبعة، وإن كان الخلاف بين أهل العلم أنه هل هو صلاة أو ليس بصلاة، لكنه سجود، وأمرنا أن نسجد. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 24 يقول: سجد شخص أمامي وهو يلبس البنطال، فظهر منه أعلى إليته فأمرته بإعادة الصلاة، فما حكم أمري له بالإعادة؟ نعم أنت محق في هذا؛ لأنه خرجت عورته. يقول: بماذا تنصح طالب العلم بالدراسة في جامعة أم القرى أم في الجامعة الإسلامية مع العلم أني لا أحمل الجنسية السعودية؟ التخصصات الشرعية في الجامعة، جامعة أم القرى، أو الجامعة الإسلامية، أو جامعة الإمام كلها متقاربة. يقول: صليت صلاة القيام ليلة التختيم في رمضان على غطاء الصرف الصحي المجاري، وذلك لعدم وجود مكان خارج الحرم، فما حكم ذلك؟ إذا كان المقصود الصرف الصحي الذي ينبعث من محلات قضاء الحاجة النجسة فإن كان هذا الحائل محكم، الغطاء محكم بحيث لا يتطرق إليه نجاسة، ولم يكن فيه نجاسة من الأصل ولو يبست، إذا أمن من ذلك، إذا كان طاهراً فهو مثل السقف، وإذا كان المجاري هذه فيها مياه طاهرة فلا تشكل. يقول: ما هي أفضل طبعات المحرر؟ هذه التي في أيدينا بتحقيق الشيخ سليم الهلالي جيدة، تخريجه موسع. وهل عليه شروح؟ عليه بعض الشروح المسجلة، وبعض التعليقات لبعض المحققين. يقول: توفي طفل منذ ثلاثين سنة ولم يصل عليه؛ لأنه دفن بطريقة غير نظامية؛ لأن إجراءات الدفن معقدة، فدفن ولم يصل عليه، بسبب جهل أهله في ذلك الوقت، السؤال: هل يصلى عليه فإن كان الجواب نعم، فكيف يصلى عليه علماً أنه لا يعرف موضع دفنه بالتحديد؟ ولكن تعلم المقبرة؟ أفيدونا في هذا. إذا لم يعلم قبره على التحديد فلو صلي عليه صلاة غائب كفى، علماً بأن الحاضر. . . . . . . . . لا يصلى عليه، لكن للحاجة لا يعرف مكانه. يقول: ما حكم تشمير الأكمام؟ أي كم الثوب في الصلاة ألا يدخل في النهي؟ نعم داخل، كل ما خرج عن طبيعة الثوب أو الشعر بحيث ذهب به يميناً أو شمالاً، أو إلى أعلى أو إلى خلف عن طبيعته هذا كفت. يقول: نرجو تحديد موعد الدرس بالساعة والدقائق حتى نلحق الدرس بحكم انشغالنا بتدريس القرآن. الخامسة إلا ربع يمكن، يمكن يبدأ في الخامسة إلا ربع، وينتهي في السادسة والربع. هذا عن العذر بالجهل. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 25 المسألة يعني تكلم فيها أهل العلم كثيراً، وأن الرجل الذي أو الشخص الذي لم يبلغه شيء من هذا الدين لا بد أن يبلغ به، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] فإذا بلغته الحجة، وبلغه الدليل إن كان أعجمياً لا بد أن يفهم بالعربية؛ لأن النصوص عربية، وإذا كان في حكم الأعجمي من العرب الذين لا يفهمون النصوص، وإن كانوا عرباً فهؤلاء أيضاً يوضح لهم وجه الحجة، لكن زوال المانع من قبول الحجة ليس بشرط. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 26 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (18) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ذكرت أن القلب في الحديث نوع من أنواع الضعيف، وقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه في حديث أنه يبقى في النار فضل مكان فيخلق الله خلقاً فيدخلهم النار، وقد أكد كثير من العلماء أن هذا الحديث مقلوب، فهل يمكن أن نقول: إن في صحيح البخاري أحاديث ضعيفة؟ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 1 قد يوجد مثل هذا النوع، ويكون مرده إلى وهم الراوي الثقة، وهذا لا يقدح في أصل الصحة بالنسبة للصحيح مثل ما جاء في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهو محرم من حديث ابن عباس، وابن عباس قريب من ميمونة خالته، ومع ذلك وهم ابن عباس؛ لأن ميمونة نفسها تقول: "تزوجني النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حلال" وكذلك أبو رافع السفير بينهما، فالوهم من الراوي والخطأ لا يسلم منه أحد؛ لأنه ليس المفترض في راوي الصحيح أو من أجمع على توثيقه أنه معصوم، مالك نجم السنن ألا يحتاج إلى أن يبحث في عدالته؟ اكتفوا واستغنوا بشهرته عن البحث في عدالته، ومع ذلك وقع له شيء من الوهم، فالوهم من الراوي لا يقدح في أصل الصحة، وثبوت الخبر إليه، ولا شك أن مثل هذا الكلام يشكل على بعض طلاب العلم الذين لا يدركون مثل هذه الحقائق، لكن إذا أمكن حمل ما جاء عن الراوي الثقة على وجه صحيح تعين، وإذا لم يمكن فما بد من أن يقال: إن الراوي وهم، ابن عباس وهم، ويش المانع؟ وعائشة استدركت على الصحابة، وللزركشي مصنف في هذا، وابن عمر يقول: اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، وهذا في الصحيح، وعائشة تقول: ما اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في رجب قط، مثل هذه الأوهام من طبيعة البشر، لا بد أن تقع، ليس معنى هذا أن هذا قدح في الراوي، نعم إذا كثر الوهم في حديث الراوي يرد حديثه، لكن إذا وقع منه الخطأ والخطأين والثلاثة هذا لا إشكال فيه، والدفاع عن الصحيحين بقدر الإمكان هي وظيفة العالم والمتعلم؛ لأن الناس إذا تطاولوا على الصحيحين الذين أجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول حتى قال بعض أهل العلم: إنه لو حلف حالف بالطلاق أن جميع ما في الصحيح صحيح لم يحنث. طالب:. . . . . . . . . تلقي، هذا التلقي بالقبول وحده كافي، نعم هناك أحاديث تكلم فيها بعض الحفاظ، وهذا منها ولا يقدح هذا في الصحيح، ويبقى البخاري أصح كتاب بعد القرآن. يقول: هل كفت الثوب والشعر خاص بالرجال أم بالرجال والنساء؟ لا هو عام للجميع؛ لأن النساء شقائق الرجال، ويبقى أن المرأة إذا خشيت من انكشاف شيء من بدنها فإنها تلف نفسها بملاءتها وعباءتها. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 2 يقول: ما الذي ترجح العمل به بين حديث وائل بن حجر وحديث أبي هريرة؟ الظاهر أن كلامي واضح في هذا؛ لأنه جاء أكثر من سؤال، فشككت في أنني رجحت أو لم أرجح، وهذه يعاني منها كثير من طلاب العلم، ويقولون: إنك لا ترجح في بعض المسائل، ما أدري هل يفهمون الطريقة التي أسلكها؟ الحكم الذي أؤكد عليه، وأركز عليه، ويكون محور الكلام هذا هو الراجح عندي، ثم ما عدا ذلك قد أشير إلى قول قوي بدليله؛ لكن لا يعني هو الراجح، المقصود أن المرجح عندي أن يهوي الإنسان ويسجد على يديه، وتعرفون هذا من خلال التوجيه. على ماذا يحمل النهي في قوله: ((ولا نكفت))؟ هذا نفي، ويراد به النهي، والأصل في النهي التحريم، لكن الجمهور على أنه للكراهة. يقول: ما اسم الفراش الذي يتسع للوجه واليدين أثناء السجود وكان يسجد عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ اسمه الخمرة. يقول: نرى بعض المصلين يصلون على الكراسي وأحوالهم الصحية مختلفة؟ صحيح بعض الناس لا يهتم كثيراً بصلاته، فتجده يلتمس العذر لنفسه بأدنى سبب، ويقول: الدين يسر، نعم الدين يسر، لكن القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا به، الصحابة مع حرصهم -رضوان الله عليهم- يؤتى بالرجل يهادى بين رجلين للصلاة، والواحد منا لأدنى سبب يتذرع في ترك الجماعة، وقد يصلي على وضع لا تصح معه الصلاة، ويبرر لنفسه أنه متعب، سهر البارحة فلا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بمشقة، فتجده يؤخر الصلاة أو يصلي على وضع لا تصح معه الصلاة من جلوس ونحوه. من الوقائع التي حصلت شخص بالفعل مريض ونصحه الأطباء بأن يكثر من المشي، فإذا قيل له: لماذا لا تصلي مع الجماعة في المسجد؟ قال: مريض، وهذا التقرير، فإذا خرج الناس من بيوتهم بعد صلاة العشاء بساعة مثلاً وجدوه يجوب الحارة يميناً وشمالاً؛ لأن الطبيب نصحه أن يمشي، فهو يترك الجماعة لأنه مريض، ويمشي بتوصية الطبيب، طيب المشي لماذا لا يكون إلى المسجد؟ ومثل ما ذكر الأخ أحوالهم مختلفة. يقول: ما الكيفية الصحيحة للصلاة في الحالات التالية: من يستطيع القيام والسجود، ولكن لا يستطيع ثني رجليه بين السجدتين وفي التشهد؟ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 3 مثل هذا يلزمه القيام، ويلزمه السجود ويجلس بين السجدتين على كرسي، ما في ما يمنع. من يشق عليه القيام فقط. من لا يستطيع القيام يصلي جالس ويأتي ببقية الأركان. من يشق عليه الركوع فقط. مثل هذا يقف ويومئ للركوع وإذا كان لا يشق عليه السجود يسجد. من يشق عليه القيام للركعة الثانية؟ بمعنى أنه إذا جاء قبل أن يجلس بإمكانه أن يكبر ويقف، لكن إذا جلس ما استطاع أن يقوم، مثل هذا يؤدي ما يستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. من يشق عليه وضع جبهته على الأرض هل يضع كفيه؟ إذا كان لا يستطيع أن ينحني للسجود بحيث يقرب من مباشرة الأرض إذا كان وضعه لا يتغير بين السجود وبين الجلوس بين السجدتين هذا لا يضع يديه على الأرض؛ لأن وضع اليدين من الأعضاء السبعة التي أمرنا بالسجود عليها، لكن الأصل في هذا كله سجود الوجه ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) فإذا لم يتمكن من وضع الوجه، أو ما يقرب منه بحيث يكون إلى السجود أقرب، فإن هذا لا يلزمه أن يضع يديه، وإن كان بعضهم يرى أنه يأتي بما يستطيع، يأتي بما يستطيع إذا كان مشروعاً، إذا كان ما يستطيعه مشروعاً ليس سبباً أو ليس وسيلة للمشروع، يعني يأتي بالمقدور عليه، إذا كان مطلوباً لذاته، ووضع اليدين من الأعضاء السبعة التي هي مطلوبة فيضعها على الأرض، هذا قول بعضهم، وإذا كان المقدور عليه ليس مطلوباً لذاته وإنما هو مطلوب لغيره كتحريك اللسان بالقراءة ممن لا يستطيع القراءة هذا لا يلزمه تحريك اللسان، وإمرار الموسى على الرأس، رأس الأصلع في الحج هذا لا يلزم. يقول: هل الذي على الكرسي في حكم القائم أو في حكم الجالس؟ هذه مسألة في غاية الأهمية مهمة جداً، هل هو في حكم القائم أو في حكم الجالس؟ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 4 هذه يحتاج إليها عند الدخول إلى المسجد، بعض الناس إذا دخل في وقت نهي وتحرج في الصلاة وترك الصلاة لوجود ما يأمره ووجود ما ينهاه، جلس على كرسي أو على شيء مرتفع، وقال: إنه لم يجلس، نعم الجلوس الأصل فيه مباشرة الأرض الذي هو القعود، وأما بالنسبة للجلوس على الكرسي فهو منزلة بين المنزلتين، وهذه يحتاجها أيضاً من تكون له دروس مثلنا بالعصر، ويصلي خارج المسجد، ثم يأتي إلى المسجد، فهل يجلس على الكرسي ويؤدي الدرس من دون تحية، أو يؤدي التحية ثم يجلس باعتباره جالس؟ إذا نظرنا إلى الخطيب يوم الجمعة من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه يأتي ويصعد المنبر ويجلس، يجلس على المنبر، ولا يصلي ركعتين فحكمه .. ، والمسألة مسألة ما زالت مسألة بحث يعني ليس مقطوعاً بها، حكمه حكم المدرس الذي يأتي ويجلس على الكرسي ويعلم الناس، ولو قيل: إن استغلال الوقت بهذا الدرس أولى من استغلاله بالركعتين لما بُعد، المقصود أن مثل هذه تحتاج إلى مزيد عناية وبحث؛ لأننا نجد بعض الناس يدخل في الوقت في النهي، ثم بعد ذلك يجلس على التكأة التي توضع للمصلين ويقول: أنا ما جلست فلا تلزمني تحية المسجد، علماً بأنه إذا ترجح عنده أنه لا يصلي التحية يجلس "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا ... إلى آخره" وتقدم بحث المسألة، وبعضهم يتأثم ويقول: يستمر واقف حتى يخرج وقت النهي، لا يصلي لأنه وقت نهي، ولا يجلس لأنه منهي عن الجلوس، وبعضهم يقول: لا يدخل المسجد في هذا الوقت لوجود التعارض، لكن المسألة مسألة ترجيح، من ترجح عنده شيء وله سلف من الأئمة يعمل به والحمد لله، يعني إذا كان الوقت وقت واسع وقت نهي واسع مثل الدخول بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر مباشرة والشمس بيضاء نقية مثل هذا لو صلى ركعتين ما في إشكال؛ لأن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين من باب نهي الوسائل وليس الغايات، إنما لئلا يستمر فيصلي في وقت النهي المغلظ. يقول: ذكرتم بالأمس أن طالب العلم -والله ما أدري هذه لا وإلا إيش؟ - قال: يحسن الطريقة للتطبيق السنة نرجو الطريقة المثلى .... ؟ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 5 أي سنة؟ لأن الكلام في عموم السنة، يعني يحرص طالب العلم على معرفة السنة، ويحرص على تطبيق السنة، ويحرص على أن يفقه كيفية هذا التطبيق. نعم هذه الآيات التسع من نظم شيخنا الشيخ عبد الله بن عقيل، كتبها لنا الأخ في بيتين، يقول: يد والعصا والجراد وقملٌ ... ضفادع دمٌ والسنين وطوفانُ وتاسعها نقص الثمار ... فهذه لموسى علامات كبار وبرهانُ علامات كبار يدل على أن فيه علامات أخرى لكنها صغار، والعلماء حينما يريدون أن يفصلوا هذه التسعة لا يتفقون، لوجود غير هذه التسع، فمنهم من يذكر شيء ولا يذكر الآخر، فمما ذكره بعضهم الطمس، الطمس على أموالهم {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [(88) سورة يونس] فذكروا الطمس ولم يذكروا الطوفان، مع أنه منصوص عليه، والطوفان ذكر المفسرون أنه ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين لمدة سبعة أيام؛ لأن السامع هكذا مجرداً يسمع بالطوفان مع أنه منصوص عليه يسمع بالطوفان فقد يستغرب؛ لأن الطوفان اشتهر آية لنوح -عليه الصلاة والسلام- في إغراق قومه. على كل حال هذه الآيات التسع ومعها غيرها، لكن الشيخ خرج من الآيات الأخرى بقوله: علامات كبار، يدل على أن هناك علامات أخرى دونها، مع أن بعض المفسرين يرى أن من العلامات مما تركه الشيخ أكبر من بعض ما ذكره الشيخ، والأمر فيه سعة. هذا سؤال متقارب مع هذا يقول: من أراد أن يحفظ الصحيحين هل يحفظ من اللؤلؤ والمرجان أم من الجمع بين الصحيحين للشيخ يحيى؟ وهذا يقول: هل ترون لمن حفظ الصحيحين بجمع الشيخ يحيى -وفقه الله- وحفظهما حفظاً قريباً من المتقن هل ترون أن يحفظ البلوغ أو المحرر خصوصاً أن الألفاظ مختلفة والمعنى متقارب، وإعادة الحفظ صعب كما تعلمون خصوصاً لمن أراد الإتقان؟ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 6 أولاً: في كتب أحاديث الأحكام كالمنتقى والمحرر والبلوغ والإلمام وغيرها من كتب أحاديث الأحكام ما لا يوجد في الصحيحين، وطالب العلم بأمس الحاجة إليها، فإذا حفظ .. ، هم يتجوزون يقولون: أراد يحفظ الصحيحين وهم يريدون الاختصار؛ لأن حفظ الصحيحين يقتضي حفظ البخاري كامل بمتونه وألفاظه وأسانيده وصيغه صيغ الأداء وتراجمه وآثاره الموقوفة والمقطوعة، يعني من أوله إلى آخره ما بين دفتيه، هذا من أراد أن يحفظ البخاري، وكذلك من أراد أن يحفظ مسلم، لكن من أراد أن يقتصر على المتون المجردة غير المكررة فهذا على خير عظيم، لكن لا يقارب ولا يداني من حفظ الأصول؛ لأن في الأصول مما حذفه المختصرون مما هو طالب العلم بأمس الحاجة إليه؛ لأن هناك أقوال للصحابة والتابعين قد لا يفهم بعض الأخبار إلا بها، والذي اختصر الكتاب استفاد فائدة عظيمة بلا شك، وعلمه بما حذف كعلمه بما أثبت، هذا المعروف من الاختصار، ولذا نقول: إن من أعظم وسائل التحصيل لطالب العلم الاختصار، فإذا أراد أن يحفظ البخاري أو يحفظ مسلم بنفسه يختصر البخاري ويختصر مسلم، يقوم هو بالاختصار، هذا إذا أراد أن يحفظ مختصراً، وإذا كانت حافظته تسعفه لحفظ الكتب بكمالها فهذا هو الغاية، وإذا كانت الحافظة لا تسعفه لا لحفظ الأصول ولا لحفظ المختصرات، وهذا موجود يعاني منه كثير من طلاب العلم، فطريقته في التفقه من كتب السنة هي الطريقة التي كررناها مراراً بالجمع بين كتب السنة هو يجمع بين كتب السنة، ويجعل المحور صحيح البخاري، فيأتي إلى الحديث الأول وإن كان هذا أمر مكرور، لكن أقول: كررناه مراراً ومله بعض الإخوان، لكن بعض الإخوان ما سمعه. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 7 أقول: يجمع بين الكتب الستة، والحمد لله كل شيء مخدوم، وكل شيء متيسر، لكن لا يعتمد على الآلات، لا يقول: والله أنا أستخرج الحديث من صحيح مسلم وأضيفه إلى البخاري من خلال البرامج الكمبيوترية والحواسب، لا؛ لأنه ما يستفيد، كأنه جمعه غيره، لكن إذا وقف على الحديث الأول من صحيح البخاري وجمع جميع الألفاظ والأسانيد والتراجم في صحيح البخاري، وجمعها في موضع واحد، سردها مرتبة سبعة مواضع، ثم نظر في صحيح مسلم وقف عليه بنفسه، ونقل ألفاظه وأسانيده، ثم بعد ذلك سنن أبي داود، ثم بعد ذلك الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه. بهذه الطريقة وأقول: الجاد يحتاج إلى خمس سنوات للجمع بين الكتب الستة بهذه الطريقة، لكن أنا كفيل بأن يكون طالب العلم على خبرة ودراية تفصيلية للكتب الستة خلال الخمس سنوات، والخمس سنوات مثل ما رأيتم مضت وما سوينا شيء، بل مضى عشر، بل مضى عشرون أو أكثر كل واحد يمني نفسه أن يطلب العلم، وأن يطلب الحديث، وأن يتفقه من الحديث، ومع ذلك مكانه ما سوى شيء، فأقول: الذي لا تسعفه حافظته للحفظ يستعمل هذه الطريقة، وبيتعب لا شك أن هذه الطريقة متعبة وشاقة، ولكن العلم لا يثبت إلا بالتعب، ما ينحفر في القلب إلا بالتعب، أما مجرد مسح ضوئي كما يفعل بعض الناس، ويمنيهم من يقوم ببعض البرامج التدريبية من البرمجة العصبية يقول: أبداً أنا كفيل بأنك إذا التحقت بهذه البرامج إلى آخرها أن تحفظ البخاري في يوم، بس مجرد إمرار مسح ضوئي وبعد ذلك يكون البخاري في رأسك، هذا لو كان خيراً لسبقونا إليه، أهل العلم كابدوا وجاهدوا في كذا وصبروا على الشدائد، شدائد التحصيل والطلب، ولا يمكن أن يحصل هذا العلم الذي هو رفعة في الدنيا والآخرة إلا بتعب، وإلا لو كان يسيراً لصار الناس كلهم علماء، كل شخص يتمنى أن يكون عالم؛ لأن الجهل نقص والعلم كمال، ولا أحد يطلب لنفسه النقص، إلا أن الكسل والخمول والصوارف وكون هذا العلم مما يوصل إلى الجنة، والجنة حفت بالمكاره، هذا مكروه لدى النفوس لأنه جد، والجد لا تطيقه النفوس، لكن مع ذلك ما في علم إلا بتعب، ولا يستطاع العلم براحة الجسم. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 8 يقول: وهل الأولى البلوغ أو المحرر؟ أرجو أن تجيبوا على هذا السؤال؛ لأن الحاجة إليه ماسة، واعذرونا لأنكم مللتم من هذه المسألة؟ صحيح كررناها مراراً، أقول: لو أن طالب العلم يعنى بالزوائد، ورأيت بعض الإخوان فعلها، زوائد البلوغ على المحرر، يعني يكون الأصل المحرر، وهو الأصل بالفعل لأنه أقدم، ومع ذلك كلام ابن عبد الهادي على الأحاديث أمتن من كلام ابن حجر على الأحاديث، وهو في العلل أمكن من ابن حجر في العلل، ومع ذلك نقول: يجعل الأصل المحرر، ويضيف إليه زوائد البلوغ. يقول: هل يحفظ من اللؤلؤ والمرجان أم من الجمع بين الصحيحين للشيخ يحيى؟ على كل حال كلاهما مفيد ونافع، لكن أنا أفضل أن يجمع بين الصحيحين بنفسه إذا أراد الاقتصار على الصحيحين. يقول: رجل مسافر صلى الظهر خلف جماعة يصلون صلاة حضر، وأدرك معهم التشهد الأخير، هل يقضي الصلاة صلاة سفر ركعتين فقط، أم يقضي أربع ركعات لحديث: ((إنما جعل))؟ يقضي أربع ركعات؛ لأن من صلى خلف مقيم لزمه الإتمام. يقول: ما رأيكم في كتاب جامع شروح الموطأ الذي جمعه الدكتور عبد الله التركي؟ هو جمع بين ابن العربي وشرحي ابن عبد البر، ولو أضاف لهما المنتقى لبلغ في ذلك الغاية؛ لأن المنتقى له وزونه عند المالكية، الباجي فقيه من فقهاء المالكية، وفيه ما لا يوجد في غيره، حتى لا يوجد في كتب ابن عبد البر نفسه. يقول هذا: أحد الطلاب يصوركم بالجوال؟ أقول: أنا لا أبيحه، ولا أحلله، والموعد الله؛ لأني أرى ذلك محرماً. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره: وعن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححه، وهذا لفظ أبي داود والحاكم. وعند الترمذي وابن ماجه: ((واجبرني)) بدل ((وعافني)). وعند ابن ماجه أيضاً: ((وارفعني)) بدل ((واهدني)). الجزء: 17 ¦ الصفحة: 9 وقال الترمذي: غريب، ورواه بعضهم عن كامل أبي العلاء مرسلاً، وقد وثق كاملاً ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وروى هذا الحديث ولفظه: ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني واهدني)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) ". وهذا الحديث مخرج عند أبي داود والترمذي والحاكم، وفيه زيادات، وفيه أيضاً نقص، وكامل أبو العلاء راويه وثقه ابن معين، وقدح فيه النسائي قال: "ليس بالقوي" وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به" وعلى هذا فالحديث حسن، يعني القول الوسط في حكمه أنه حسن. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين إذا نهض من سجدته الأولى وجلس بينهما، والجلسة بين السجدتين ركن من أركان الصلاة كما هو معلوم، وذكرها الدعاء ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) وعند الترمذي: ((واجبرني)) بدل ((عافني)) وعند ابن ماجه: ((وارفعني)) بدل ((واهدني)). وينظر في إسناد الترمذي وإسناد ابن ماجه لثبوت اللفظين، فإن كان إسنادهما مما يثبت به الخبر فيزاد هذان اللفظان على ما جاء في الأصل: ((اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) ((واجبرني وارفعني)) تكون سبع، وهذا الدعاء عند الجمهور سنة، ويوجب الحنابلة مثل الدعاء بالمغفرة، سؤال المغفرة كما أن التسبيح في الركوع والسجود واجبان عند الحنابلة، التشهد الأول واجب عندهم، التكبيرات تكبيرات الانتقال واجبة، وكل هذه الأمور سنن عند الجمهور. "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول بين السجدتين" كان معروف أنها تدل على الاستمرار، هذا الأصل فيها، وإن جاء استعمالها في المرة الواحدة، وجاء استعمالها في الغالب، لكنها هنا تدل على الاستمرار. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 10 "كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) " ((اللهم)) أصلها يا الله، يا الله حذف حرف النداء، وعوض عنه بالميم المشددة، يا الله اغفر لي، هذا دعاء بالمغفرة، وهي الستر، ستر الذنب ومحو أثره. ((وارحمني)) أيضاً دعاء بالرحمة، وإذا غفر للإنسان غفر له ما ارتكبه من آثام، وطلب الرحمة ليفوز بدخول الجنان؛ لأن الجنة لا تدرك بالعمل ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فالمغفرة تمحو أثر الذنب المقتضي للعقاب، ودخول الجنة إنما هو برحمة أرحم الراحمين، والحصول على منازلها ودرجاتها إنما هو بالأعمال، يعني إذا دخلها برحمة الله استفاد من أعماله التفاوت في الدرجات. ((واهدني)) والهداية كما هو معلوم تنقسم إلى هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول، والدلالة والإرشاد هي لأنبياء الله، ومن يقوم مقامهم من الدعاة إلى الحق، يهدون الناس ويدلونهم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] وأما هداية التوفيق والقبول فليست إلا لله -جل وعلا- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص]. ((وعافني)) نعم سؤال العافية جاء فيه نصوص كثيرة، والمراد بالعافية معافاة الدين، ومعافاة البدن، فالعافية في الدين أن يحفظك الله -جل وعلا- من المخالفات الكبيرة والصغيرة، العقدية والعملية، ومعافاة البدن بأن يحفظ بدنك وقلبك من الانحراف عن التوسط؛ لأن الصحة المراد بها الاعتدال، وهي بين انحرافين ارتفاع وانخفاض، والأمراض الحسية معلومة، الأمراض الحسية انحرافها عن الاعتدال بالارتفاع والانخفاض، خذ مثلاً الضغط إن ارتفع مشكل، وإن انخفض مشكل، والعافية في الاعتدال، خذ السكري مثلاً إن انخفض مشكل، وإن ارتفع مشكل، والعافية في الاعتدال وهكذا. وكذلك سلامة القلب من الشهوات والشبهات، إنما هي في الاعتدال لا في الإفراط ولا في التفريط، فتسأل الله -جل وعلا- أن يعافيك في دينك، في علمك، في بدنك، في جميع قواك، في مالك، وإن كان بعضها يمكن إدخالها مع بعض، لكن التنصيص على بعض الأمور إنما هو للاهتمام به. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 11 ((وارزقني)) وارزقني الرزق هو ما يسوقه الله -جل وعلا- للمخلوق، وقد كتب له بعد أن أمضى مائة وعشرين يوماً، كتب له رزقه، ولا يمكن أن يزيد ولا ينقص، فطلب الرزق المكتوب قد يقال: إنه من باب تحصيل الحاصل، لكنه ليس الأمر كذلك، فالدعاء سبب، والذين يقولون بأن الدعاء لا ينفع؛ لأن الأمور كتبت وانتهت أيضاً الأسباب الأخرى لو عطلوها لحكم عليهم بالجنون وهي مكتوبة، يعني بعض المتصوفة يقول: لا فائدة من الدعاء؛ لأنه إن كان مكتوباً لا بد من حصوله، وإن كان غير مكتوب فلن يحصل مهما دعيت. أجاب ابن القيم في أوائل الجواب الكافي المعروف بالداء والدواء قال: "إذا قيل لأحدهم: لماذا تتزوج؟ قال: أريد الولد، قال: إن كان الولد مكتوب بيحصل، وإن كان ما هو مكتوب فلن يحصل، لماذا تتزوج؟ " الرزق مكتوب بلا شك، لكنه مكتوب مع أسبابه، والإنسان مأمور بالدعاء، ولا يدري ما في الغيب ((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) أنت مكتوب بعد شقي وإلا سعيد، تقول: ما أعمل؟ ((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) وبذل السبب لا بد منه، ولذا جاء في الحديث: ((لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير)) تجلس في أوكارها أو تغدو وتروح؟ تغدو وتروح، تبذل الأسباب، يعني فبذل السبب لا ينافي التوكل، بذل السبب لا ينافي التوكل، فعلى الإنسان أن يبذل السبب، ولن يحصل إلا ما أراد الله -جل وعلا-، وما قدره وقضاه، وابذل السبب؛ لأنك مأمور به، وسئل الإمام أحمد عن قوم من أهل اليمن زعموا أنهم يتوكلون على الله -جل وعلا-، ويحجون بدون أسباب ولا أرزاق ولا مئونة، قال: هؤلاء توكلهم على المخلوقين، يتكففون الناس وإلا يموتون، وعمر يقول: إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وإن كان بعضهم استدرك على هذا بأن السماء أمطرت على أيوب وإلا داود ذهب؟ أيوب نعم، أمطرت عليه ذهب، ومع ذلك يبقى أن الأصل أنها لا تمطر ذهباً ولا فضة، نعم خوارق العادات والكرامات هذه لا تنكر، يعني من استحق الكرامة قد يجد الذهب بين يديه من غير سبب، لكن يجلس حتى يجد الذهب! يجلس في بيته حتى يجد الذهب! هذا خلل في العقل، فترك الأسباب خلل في العقل، والاعتماد على الأسباب خلل في الديانة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 12 الرزق هو ما يكتبه الله -جل وعلا- لابن آدم، ويصل إليه مدة حياته، سواءً كان من حلال أو من حرام، كله رزق، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن كسب الحرام ليس برزق، وورد عليهم كما ذكر القرطبي وغيره أن صبياً لو سرقه لصوص من ولادته، سرقه لصوص فصاروا يطعمونه مما يسرقونه، ثم مات على رأي المعتزلة أنه ما استوفى من رزقه شيء ألبتة، ولا شك أن ما يصل الإنسان رزق على كل حال، ويبقى أنه إن كان من حله وصرف في حله يكون مما يؤجر عليه، أو يكون سبباً لشقائه وعذابه في دنياه وأخراه. وعند الترمذي وابن ماجه: ((واجبرني)) بدل ((وعافني)) وأقول: لا مانع من أن تثبت الألفاظ السبعة شريطة أن ينظر في سند الترمذي وابن ماجه. ((واجبرني)) الجبر يكون للكسر، وكسر كل شيء بحسبه، وهو نقصه، فجبر كسر العظم معروف انفصال بعض أجزائه، وجبره بالجبائر المعروفة الحسية، كسر المال بنقصانه بالخسائر فيجبر، جبر الخاطر مثلاً بانكسار النفس إذا انكسرت النفس يجبر الخاطر، كسر الدين بنقصه بالمخالفة. وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران فالإنسان يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر كسره أياً كان، سواء كان في بدنه، أو في ماله، أو في ولده، أو في دينه، أو في غيره، والجبر يكون للخلل في الإنسان عموماً في أعماله، في أقواله، في تركيبه، ودم الجبران معروف لخلل وقع في النسك، فالإنسان يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل فيه، فإن كان فيه ضعف في بدنه يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل، إن كان هناك ضعف في عقله يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبره في هذا المجال، إذا كان هناك ضعف في فهمه يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل وهذا الضعف، إن كان هناك ضعف في حافظته مثلاً وهو طالب علم، ويعاني أشد المعاناة من الحفظ يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 13 ((وارفعني)) يعني يطلب من الله -جل وعلا- أن يرفع منزلته في الدين وفي الدنيا، في الدنيا وفي الآخرة أيضاً، وتكون الرفعة في الدنيا والآخرة بالعلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] والرفع أيضاً يكون بالقرآن ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)) فيسلك الأسباب المقتضية لهذا الرفع. يقول: "وقد وثق كاملاً ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به" وروى هذا الحديث، يعني ابن عدي، نعم، أو روي هذا الحديث ولفظه، لو قال: روي هذا الحديث كان قال: بلفظ، لكن روى هذا الحديث ولفظه: ((اللهم اغفر لي)). طالب:. . . . . . . . . ابن عدي هو آخر مذكور، آخر مذكور ابن عدي ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني)) كرواية الترمذي وابن ماجه ((وعافني)) يعني جمع بينهما، يعني بخلاف رواية الترمذي وابن ماجه ((وارزقني واهدني)) كم الجمل؟ ((اغفر لي وارحمني واجبرني)) ست نعم وترك ((أرفعني)). سم. قال -رحمه الله-: وعن مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً" رواه البخاري. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته" يعني بعد الركعة الأولى وقبل الثانية، وبعد الثالثة وقبل الرابعة "لم ينهض حتى يستوي قاعداً" رواه البخاري". مالك بن الحويرث وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلى معه أوقات وراقبه في صلاته، ونقل ما رآه، فكان مما نقله هذه الجلسة التي أطلق عليها العلماء جلسة الاستراحة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 14 يقول: "عن مالك بن الحويرث الليثي -رضي الله عنه- أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته" عرفنا أنه في وتر، يعني بعد الركعة الأولى وبعد الثالثة، والأولى والثالثة وتر، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض إلى التي بعدها إلى الشفع إلى الثانية والرابعة حتى يستوي قاعداً، هذه مثل ما ذكرنا يسميها أهل العلم جلسة الاستراحة، وقالوا: إنها ليستريح بها المصلي، ورتبوا على ذلك أنها لا تفعل إلا إذا دعت الحاجة إليها، إذا احتاج الإنسان إلى الراحة، بدليل أنه لم يذكرها من ذكر من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما ذكرها إلا مالك بن الحويرث، مع أنها جاءت في بعض طرق حديث أبي حميد، عند أبي داود في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأشار إليها ابن القيم، وكذلك جاء في بعض طرق حديث المسيء، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بها كما في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 15 أشار البخاري أو في كلام البخاري ما يشير إلى أنها فيها ما فيها، هذه الرواية، وعلى كل حال هذا رأي البخاري، وما دامت ثابتة عنده من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي حميد، وثبتت في بعض طرق حديث المسيء، وماذا نريد أكثر من هذا؟ يعني كون الفعل لا ينقل من قبل بعض الرواة، وينقل من قبل بعضهم، يعني لا يتفق الرواة على نقله، هل نهدر السنة بمثل هذا؟ لو جمعنا جميع أفعال الصلاة وجدنا أن بعض الرواة أخل بشيء وذكره غيره، يعني هل يوجد من جمع من الصحابة الذين صلوا خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- الألوف المؤلفة من الفرائض هل اتفقوا على نقلها على هيئة واحدة من أولها إلى آخرها؟ لا، نقل بعضهم ما لا ينقله الآخر، وترك بعضهم ما جزم بأن غيره أدى عنه وضيفة التبليغ؛ لأن المسألة مسألة تبليغ علم، تبليغ دين، حمل علم وتبليغه لمن يأتي، وقد أمروا بالتبليغ ((بلغوا عني)) ((صلوا ما رأيتموني أصلي)) ولا يتم هذا لمن يأتي بعد الصحابة إلا عن طريق الصحابة، فإذا ثبت الحكم بمن تقوم به الحجة كفى، وإلا فالشرط المشترط والمشترك بين جميع الأعمال النية، ولم تثبت إلا عن عمر -رضي الله عنه- نقول: لماذا لم يذكرها أبو هريرة؟ لماذا لم يذكرها ابن عمر؟ لماذا لم يذكرها ابن عباس؟ لماذا لم يذكرها ابن مسعود؟ إذا ثبت الحكم بنقل من تقوم الحجة بنقله كفى، ومالك بن الحويرث صحابي، وحديثه في البخاري، ونقل عنه أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً. وأيضاً جاء في حديث المسيء جاء نقل هذه الجلسة في حديث المسيء، وجاءت أيضاً في حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 16 منهم من يقول: إن مالك بن الحويرث جاء سنة تسع عام الوفود، بعد ما كبر النبي -عليه الصلاة والسلام- وثقل فاحتاج إليها، وهذا كلام ابن القيم، وأن من احتاج إليها تسن له، ومن لا يحتاج إليها لا تسن له، والأصل هو الاقتداء والائتساء بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والذي نقرره خلاف ما ذهب إليه ابن القيم الآن كثير من أهل العلم يقول: جلسة استراحة، وابن القيم يقول: إن احتاج إليها. أنا أقول: إن الحاجة تدعو إلى تركها أكثر من أن تدعو إلى فعلها، وهذا أمر مجرب ومشاهد، يعني كبير السن هل الأفضل له أن يثني رجليه ويجلس، ثم يقوم للثانية أو الأفضل له أن يشمر للثانية بدون جلوس؟ هذا الأفضل له، المريض بالروماتيزم وغيره هل الأفضل له أن يثني رجليه ويجلس بين الركعتين أو الأفضل أن يقوم مباشرة للثانية؟ أن يقوم مباشرة للثانية، جربتم أنتم إذا مشيتم مسافات طويلة، ثم جلستم قليلاً ثم قمتم، هل هذا أفضل وإلا مواصلة السير أفضل؟ هذه لا تفيد ولذلك تجلس، تسميتها بجلسة الاستراحة من أجل تقرير هذا الكلام، وهذا الكلام ليس بصحيح ليست استراحة، هي زيادة تكليف وليست بتخفيف، فالمرجح أنها سنة مطلقاً يفعلها كل مصلٍ. المسيء هل يحتاج إلى جلسة استراحة، وهو إنما أتي من العجلة؟ المسيء ما أوتي إلا من ترك الطمأنينة وترك الطمأنينة زيادة في النشاط، وكونه يؤمر بها هل نقول: إنه محتاج إليها؟ أو نحتاج إلى أن نضعف الرواية من أجل أن نقرر أن مالك بن الحويرث جاء في آخر حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نستفيد من كونه جاء في آخر حياته -عليه الصلاة والسلام- أنها فعل متأخر، قد يكون ناسخ لجميع الروايات التي لم تذكرها على فرض أنها تدل على عدمها، فالمقرر أنها سنة مطلقاً، وأوجبها بعض من المتأخرين، أما من المتقدمين ما أوجبها أحد، بعض المتأخرين الذين لهم عناية بالسنة وحرص على تطبيق السنة أوجبوها، وإلا فلا يعرف ممن تقدم أنه أوجبها. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 17 الإمام والمنفرد ما في إشكال يجلس بعد أن يقوم من الأولى إلى الثانية ومن الثالثة إلى الرابعة، ماذا عن المأموم وهو لا يدري عن إمامه هل يفعلها أو لا يفعلها؟ أو يدري عن إمامه هو يفعلها أو لا يفعلها؟ أما إذا كان يعرف أن الإمام يفعل هذه الجلسة فيجلس، إذا كان لا يدري عن حاله هل يجلس أو لا يجلس؟ يجلس، إذا كان يدري أنه لا يرى جلسة الاستراحة يجلس وإلا ما يجلس؟ يجلس؛ لأنها لا تتضمن مخالفة، ونفعلها ويفعلها غيرنا ويقومون مع الناس، يعني ما فيها مخالفة، كما لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين، نقول: لا ترفع يديك لأن الإمام ما يرى رفع اليدين وهذه مخالفة للإمام؟ ليست مخالفة. بقيت مسألة وهي أن الإمام متى يكبر؟ إذا كان يجلس للاستراحة متى يكبر؟ إن كبر بعد نهوضه من السجود وجلس هذه الجلسة، ونحن ننازع في تسميتها جلسة استراحة، جلس هذه الجلسة فلا شك أن كثير من المأمومين يسبقونه، وإن أخر التكبير إن أخر التكبير بعد فعلها لا سيما وأنها لا تأخذ شيء يعني بس مجرد ما يثني يديه يستوي قاعداً ثم يقوم مباشرة، ولذلك لم يشرع فيها ذكر، وليس لها تكبير خاص، فهي جلسة خفيفة اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، والذي يقول: بأنها ليست بمشروعة يقول: ليس لها تكبير، لو كانت مشروعة لشرع لها تكبير انتقال، ولو كانت مشروعة لشرع لها ذكر، هي جلسة خفيفة لا ذكر لها ولا تكبير، والأولى أن يؤخر التكبير حتى ينهض من القيام؛ لأن التكبير للانتقال، التكبير للانتقال من الهوي إلى السجود إلى الوقوف، وهو في هذه المدة كاملة يصح في جميع أجزائه، إذاً يكبر إذا ثنى رجليه واستوى قاعداً، ثم نهض للقيام يكبر؛ لئلا يوقع المصلين في حرج. نعم. قال -رحمه الله-: وعن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" رواه أحمد والدارقطني، وصححه الحاكم، وأبو جعفر وثقه غير واحد، وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً، وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيء الحفظ. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 17 ¦ الصفحة: 18 "وعن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أولاً: أبو جعفر الرازي اسمه: عيسى بن ماهان ضعفه الجمهور. "عن الربيع بن أنس" تابعي ثقة "عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن راويه أبا جعفر عيسى بن ماهان الرازي ضعيف عند الجمهور، وحسنه ابن حجر، وكلام أهل العلم الذي نقله المؤلف في أبي جعفر يقول: "وثقه غير واحد، وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً، وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيء الحفظ. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير" ولعل توثيق من وثقه يرجع فيه إلى الديانة والصدق، وتضعيف من ضعفه إلى الحفظ والضبط والإتقان، فهو ضعيف إذا اختل شرط الحفظ والضبط والإتقان ضعف الراوي، ولذا الجمهور على تضعيفه. الحافظ ابن حجر حسن الحديث، لكنه ضعف أبا جعفر الرازي، ووصفه بأنه سيء الحفظ في التقريب، وأيضاً أطال في تضعيفه في التلخيص تلخيص الحبير، المقصود أن تحسين ابن حجر لهذا الحديث تساهل منه، ولعل هذا سببه تأثير المذهب، يعني هذا الكلام لا يطرد في كل حديث، وفي كل شخص، لكن الحديث ضعفه ظاهر، فكيف يحسنه وفيه هذا الراوي الذي ضعفه هو بنفسه؟! فكيف يحسنه وقد ضعفه؟ قال: سيء الحفظ يهم كثيراً، والجمهور على تضعيفه، النسائي يقول: ليس بالقوي، ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير، هو من أهل الصدق لا شك، لكنه سيء الحفظ، فتضعيفه من قبل حفظه، فالذي يترجح ضعف الخبر. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 19 ابن حجر -رحمه الله- في كلامه على الرجال وهذه مسألة أشرنا إليها مراراً قد يختلف حكمه على الراوي في التقريب عن حكمه عليه في التلخيص، عن حكمه عليه في الفتح، على سبيل المثال ابن لهيعة مثلاً في أكثر من موضع من فتح الباري ضعفه مطلقاً، وفي موضع حسن حديثاً روي من طريقه، ووصفه بالتقريب بأنه صدوق يهم كثيراً، أو صدوق له أوهام، مثل هذا الاضطراب في أحكام الحافظ على هذا الراوي، لا شك أن له محامل، يعني الحديث الذي حسنه، يعني ليس مما ينكر عليه، ولم يتضمن المخالفة فحسنه، وإن كان الأصل في الراوي أنه ضعيف؛ لأن الراوي قد يضبط أحياناً، وإن وصف بسوء الحفظ، فمثل هذا يلاحظ، فمثلاً قال في فتح الباري: عبيد الله بن الأخنس ثقة، وهو من رواة البخاري، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وفي التقريب قال: صدوق يخطئ، يعني فرق بين الحكمين. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 20 مسألة تغير الاجتهاد عند العالم مسألة معروفة، مسألة الغفلة والذهول والنسيان أيضاً مما جبل عليه الإنسان، ويبقى أن للحافظ -رحمه الله- مع أنه ثاقب النظر ليس بالإنسان العادي، ثاقب النظر، يعني حينما وثقه في فتح الباري نظراً لروايته هذه التي هي محل الدرس ومحل الشرح، وهي في البخاري حديث لا إشكال فيه، صحيح ما يمكن أن يقدح فيه بوجه من الوجوه، وانتبه إلى قول ابن حبان يخطئ فنفاه في هذا الموضع، لكنه حينما حكم عليه في التقريب هل غفل عن كونه من رواة الصحيح وقد رمز له برمز الصحيح؟ ما غفل عن كونه من رواة الصحيح، لكنه نظر إلى رواية في الصحيح مع رواياته في الدواوين الأخرى؛ لأن الراوي حينما يحكم عليه ينظر فيه إلى الأقوال النظرية من أهل العلم، ما قال فيه أهل العلم؟ أهل العلم يبلغون النقاد يمكن في عشرين قول للنقاد، ينظر في هذه الأقوال النظرية، ويوازن بينها مع ملاحظة مواقع الاستعمال في المرويات، فينظر إلى الراوي وما قيل فيه من كلام نظري، وينظر إليه من ناحية التطبيق العملي في مروياته، فقد يوثقه في موضع؛ لأن الحديث الذي رواه هذا صحيح لا إشكال فيه، بل مخرج في البخاري، وينظر إليه من زاوية أخرى بحيث يلاحظ مواقع الاستعمال من الأئمة في حكمهم على أحاديثه، وفي مقدار ضبطه لهذه الأحاديث وهذه المرويات، فلا بد من تضافر الأمرين، ولذا لا ينفك الحكم على الراوي عن الحكم على المروي والعكس، لا ينفك، وإن كان الأصل في كتب تخريج ودراسة الأسانيد ينظر فيها إلى المرويات، لكن كتب الرجال المجردة ينظر فيها إلى حال الراوي بغض النظر عن المرويات، وهذا كلام أشرنا إليه في عند الكلام على لفظ مقبول عند ابن حجر، مقبول ولين، ابن حجر يقول: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، هذه في مقدمة التقريب، ثم حكم على بعض الرواة بمقبول، وحكم على بعضهم بلين، وكلهم يندرجون في هذه القاعدة، فهل معنى هذا أن من قال فيه: مقبول وجد متابع لجميع مروياته ابن حجر على شان يحكم عليه بأنه مقبول، والذي حكم عليه بأنه لين لم يتابع على جميع مروياته؟ ما يظن هذا، ولذا هذه القاعدة لا بد من إعادة النظر الجزء: 17 ¦ الصفحة: 21 فيها، ومقبول معروف أنه بحث في رسائل دكتوراه يمكن خمس رسائل. على كل حال هذا محل نظر، وهو إشكال، والإشكال لا يزال قائماً، هذا الحديث ضعيف لما عرفنا من حال راويه أبي جعفر الرازي. والمحقق يعني ذكر في تخريج الحديث أربع ورقات، ثمان صفحات وأطال، وعلى كل حال الخلاصة أنه ضعيف، على فرض ثبوته على رأي الحافظ ابن حجر أنه حسن حمله بعضهم "ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" قال: المراد بالقنوت طول القيام، ومن معاني القنوت طول القيام، ومن خصائص صلاة الفجر أنها تطول فيها القراءة، وجاء في حديث عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في الحضر، وأقرت في السفر، إلا المغرب فإنه وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يطيل القراءة في صلاة الصبح، وهذا من معاني القنوت، هذا على فرض ثبوته. لكن قد يشكل على هذا أنه جاء ملحقاً بحديث: "قنت شهراً يدعو على أقوام من العرب، ثم تركه، وأما الصبح فما زال يقنت حتى فارق الدنيا" فالمراد بالقنوت هنا الدعاء لا طول القيام، وعلى كل حال الحديث لا يثبت، ليس بصحيح. يقول: هناك من يقول: إن جلسة الاستراحة فيها فائدة طبية من حيث رجوع الدم إلى موضعه العادي بخلاف إذا ما رفع مباشرة فإن هذا يؤثر على الصحة، فما قولكم؟ على كل حال الأطباء يقررون أن السجود من أنجع الأدوية بالنسبة للمخ، من أنفع الأدوية للمخ السجود، ثم بعد ذلك لا شك أنه في حال الانحناء الدم يتركز في المناطق السفلى النازلة في الرأس وما حواليه، ثم إذا اعتدل منه مثل ما ذكر الأخ أنه يرجع الدم إلى موضعه العادي، بخلاف إذا ما رفع مباشرة، فإن هذا يؤثر على الصحة فما قولكم؟ لكن مع ذلك إذا قام؟ هل المقصود بهذا رجوعه التدريجي بحيث يرجع من الانحناء والانحدار بحيث يتركز في الرأس وما حوله، ثم بعد ذلك في حال هذه الجلسة يكون الدم فيه شيء من التوازن إلى وسط البدن، ثم بعد ذلك إذا شمر وقام اعتدل الدم، وإن خف من الجهات العليا على كل حال المسألة طبية، لكن الحكم في هذا للنصوص الشرعية. يقول: سجود التلاوة أثناء الصلاة هل يشرع له جلسة الاستراحة؟ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 22 وكذلك الوتر، الوتر إذا أوتر بعدد ثلاث، خمس، سبع، تسع، فيجلس أو لا يجلس؟ على كل حال بين ركعتي وتر وشفع جلسة استراحة، يسمونها استراحة، هذه الجلسة مشروعة سواءً كانت في الفرائض أو في النوافل، أما بالنسبة لسجدة التلاوة فتحتاج إلى نظر؛ لأنها ليست بركعة كاملة، وهي بعد ركعة كاملة، يعني النصوص التي جاءت فيها بعد ركعة كاملة، يعني بعد سجدتين. سم. قال -رحمه الله-: وعن سعد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، فكانوا يقنتون بالفجر؟ قال: أي بني محدث" رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وسعد: روى له مسلم، وأبوه طارق: صحابي معروف، ولا وجه لقول الخطيب: في صحبة طارق نظر. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سعد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين" فالخمس سنين متعلقة بصلاته خلف علي -رضي الله عنه- نحو قريب من خمس سنين، يعني ما كملت الخمس، وأما صلاته خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان فعقود. "فكانوا يقنتون بالفجر؟ " يسأل، يعني أكانوا يقنتون في الفجر؟ "فقال: أي بني محدث" وهذا بيان للحكم بعلته، يعني أنه محرم، بدعة، ما دام محدث فهو بدعة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 23 "فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث" والمراد بالمنفي هنا والمحدث الاستمرار عليه، والتتابع من غير فاصل، كما هو المختار عند الشافعية، الشافعية يرون القنوت في صلاة الصبح باستمرار من غير فصل، لكن إذا دعت إلى ذلك حاجة من نازلة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب، وقنت يدعو لبعض المستضعفين في الفجر وغير الفجر، فليس المنفي ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قنوت النوازل، وإما المنفي والموصوف بأنه محدث بدعة، لم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، المراد به الاستمرار من غير سبب، الاستمرار على القنوت وتخصيص صلاة الصبح من غير سبب، وهذا معارض للحديث السابق: "ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" وهذا الحديث صحيح، هذا الحديث حديث سعد بن طارق صحيح، وذاك ضعيف، فالمحكوم عليه بأنه محدث الاستمرار، وهو بدعة، وإذا كان بدعة أولاً: التنصيص على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ لبيان أن هذا الحكم مستمر لم ينسخ، ثبت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني ثبت عدمه بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاقتصار على هؤلاء أنهم هم الذين يحتج بهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأصل، وهو القدوة والأسوة، وهو الذي أمرنا بالاقتداء بالخلفاء الراشدين من بعده. "أي بني محدث" والشافعية يرون القنوت في صلاة الصبح طول العام وغيرهم من أهل العلم لا يرونه، لا يرون مثل هذا القنوت، وعلى هذا لو صلى مالكي أو حنبلي أو حنفي خلف شافعي وقنت في صلاة الصبح وقلنا: بدعة محدث، يتابع وإلا ما يتابع؟ نعم إذا كان بدعة يتابع على بدعة وإلا ما يتابع؟ هل يتابع على بدعة وإلا ما يتابع؟ الجزء: 17 ¦ الصفحة: 24 في رسالة الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ويقنت في صلاة الصبح، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" لأن الحنفي أخل بركن مبطل للصلاة، بينما هذا زاد ذكراً مشروعاً في الجملة، يعني دعاء وفي الصلاة، وجهر بالبسملة، والجهر قد يستعمل فيما يسر به، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمعهم الآية أحياناً في الصلاة السرية، فلا يضر الجهر يعني بالبسملة، وجاء ما يدل عليه كما تقدم، فمثل هذه المتابعة لا تضر، وعلى هذا إذا كانت المتابعة على أمر محدث أي بدعة، مثل هذا القنوت جاء القنوت للنوازل، يعني أصل المسألة موجود، وإذا توسعنا في النازلة فالأمة من نازلة إلى نازلة، فالذي يقنت باستمرار له وجه؛ لأن الأمة ما زالت في نوازل، لكن ماذا عن الذي يدعو بعدما يختم القرآن في صلاة شفع لا في وتر ولا في صلاة صبح؟ يتابع وإلا ما يتابع؟ هذا لم يرد ما يدل عليه أصلاً، يعني القنوت في صلاة الصبح وغيرها من الفرائض عند النوازل هذا مقرر شرعاً، واستدل الشافعية: "فأما الصبح فلا زال يقنت حتى فارق الدنيا" على الاستمرار، وحسنه بعضهم فله شيء من الأصل، وإن كان مرجوحاً، لكن له أصل بناءً على من أثبت الحديث وحسنه، فالعمل الذي له أصل ولو كان مرجوحاً، هذا المتابعة فيه أخف مما لا أصل له ألبتة، ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- بما فيهم ابن أم عبد، بما فيهم ابن مسعود تابعوا عثمان على الإتمام، وأنهم لا يرونه القصر هو الراجح وهو الأفضل، ومع ذلك تابعوه، وقال ابن مسعود: "الخلاف شر" فيما له أصل محتمل، وإن كان مرجوحاً، أما ما لا أصل له ألبتة فإذا قلنا: الخلاف شر فيما لا أصل له ألبتة أغرقنا في البدع واتبعنا المبتدعة، ونقول: الخلاف شر، وهذا ليس بصحيح، ولا تتميز السنة من البدعة إلا بالحسم في هذا المجال في هذا الباب، ما نقول: الخلاف شر ونقتدي بمن يعمل بدع لا أصل لها، لكن ما وجد له أصل ولو كان مرجوحاً نقول: الخلاف شر، إذا كانت المسألة اجتهادية في الترجيح نقول: الخلاف شر، أما ما لا أصل له ألبتة فلا متابعة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 25 يقول: الأئمة في المغرب جلهم يقنتون في الصباح باستمرار، والمغاربة كما هو معروف مذهبهم من فقه مالكي، فما هو مستندهم من فعلهم هذا؟ لعلهم يقنتون من أجل النوازل، والأمة ما زالت من نازلة إلى نازلة على ما سيأتي. يقول: "يا أبتي إنك صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يخاطب الأب بقول: يا أبتي أو يا أبي، بخلاف من يخاطب أباه باسمه المجرد أو بكنيته؛ لأن الخطاب بـ (يا أبتي) أو الأخ يا أخي، أو الصغير يا ابن أخي، أو يا ابن عمي أو كذا فيه خطاب بما يدل على الصلة بين المخاطب والمخاطب، أما شخص يقابل أخاه ويقول: يا أبا فلان، أو يقابل عمه ويقول: يا أبا فلان، أو يقابل أباه ويقول: يا أبا فلان، هذا يدل على أن الصلة فيها شيء من الخلل؛ لأنه ما الفرق بين العم مثلاً بدلاً من أن يقول: يا عمي كما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، يا أبتي كما يقول إبراهيم -عليه السلام-، والخطاب بما يدل على الصلة بين المخاطب والمخاطَب، أما إذا قال: يا أبا فلان، ما الفرق بينه وبين جيرانه الذين يشاركونه في هذه الكنية؟ أو بعيد الناس زميله في عمله، أو في محل تجاري يا أبا فلان، يعرف أنه أبو محمد يا أبو محمد، ما في فرق. اسمع من ابن أخيك، شيء من الألفة تدل على قرب بينهم "يا أبتي" إبراهيم -عليه السلام- يقول له وهو مشرك "يا أبتي" ((يا عم قل: لا إله إلا الله)) فهنا يقول: "يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا في الكوفة نحواً من خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني" هناك يا أبتي، نداء بعيد، ولعل في هذا بعد مكانة، وهنا أي بني نداء قريب جداً، ولعل هذا قرب من القلب يدل على الحنو والعطف "أي بني محدث". "رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وسعد روى له مسلم، وأبوه طارق صحابي معروف، ولا وجه لقول الخطيب: في صحبة طارق نظر" على كل حال كون الحديث يدل على أن هذا أمر مبتدع والشافعية تبعاً لإمامهم يقنتون بما في ذلك أئمتهم كالبيهقي والخطيب ومن دونهم كابن حجر ومن بعده، لا شك أن هذا قد يوجد في أنفسهم ما يوجد، والمذهب لا شك أنه مؤثر، مؤثر على النفس شاء الإنسان أم أبى، نعم. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 26 قال -رحمه الله-: وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" متفق عليه. قال الله -رحمه الله-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" هؤلاء العرب منهم رعل وذكوان وغيرهم، وبني لحيان في قصة القراء السبعين الذين أرسلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم قتلوهم، ولا شك أنها واقعة مؤثرة، فدعا عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن بردت المصيبة بعد شهر، فترك الدعاء، وهذا متفق عليه بلا إشكال، وهذا يدل على القنوت في النوازل، والذي قنت النبي -عليه الصلاة والسلام-. والحنابلة عندهم أنها إذا نزلت بالمسلمين نازلة غير الطاعون فإن الإمام يقنت في الفرائض الخمس، والإمام يعني الإمام الأعظم، ومن ينيبه الإمام الأعظم، ومن يأذن له الإمام الأعظم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي قنت، قنت شهراً، وفي حكمه من يتولى إمامة المسلمين، ومع ذلك هذه الأمور التي هي محض تعبد الأصل فيها الاقتداء، فيقنت المسلمون في الفرائض أئمتهم وغيرهم ما لم يحصل منع مبني على مصلحة، فالأمر معلق بالإمام إذا كان هناك منع معلق بمصلحة، وعلى كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي قنت، وفي حكمه الإمام الأعظم كما يقول الحنابلة، ومن يفوض له الإمام هذه المسألة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 27 ومنهم من يقول: إن هذه المسألة مسألة عبادة لا دخل للمخلوق فيها، والاقتداء الأصل فيه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا أحس الإمام بأن هناك من يتخطى ومن يتعدى، وهناك من ليس بأهل أن يترك له هذا الأمر، ووجد من بعض الأئمة من يعتدي في الدعاء مثلاً، من يوقع الناس في حرج، يعني ما أدري ما تداوله بعض الناس هل هو حقيقة -ولا يبعد أن يكون حقيقة- أو نكتة؟ قال: منع بعض الناس من القنوت في بعض النوازل، وقيل له: الحمد لله المجال مفتوح، ادع في السجود، فلما سجد استدعى المكبر وقربه وقنت وهو ساجد، يعني مثل هذا ما يترك له مثل هذا الأمر، لا شك أن مثل هذا يسيء، ويتعرض لإبطال الصلاة، وعلى كل حال الأمر منوط بالإمام كما قرره الحنابلة، ومع ذلك يقول: يقنت الإمام في النوازل إلا الطاعون لأنه شهادة. نعم. قال -رحمه الله-: وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" رواه الخطيب في القنوت بإسناد صحيح، وروى ابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة. يقول: "وعنه" يعني راوي الحديث السابق وهو أنس بن مالك خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم" فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- للمستضعفين الذين لم يستطيعوا الهجرة، فقال: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد)) وهذا في الصحيح "أو دعا على قوم" يعني على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، دعا على قوم ودعا لقوم، وهذا ثابت، أصله في الصحيح، قنت بعد الركوع شهراً يدعو على أحياء من العرب، وهنا دعا على قوم، ودعا أيضاً للمستضعفين في الصحيح أيضاً ((اللهم أنج الوليد بن الوليد)) وهذا الحديث رواه الخطيب في كتاب القنوت له، بإسناد صحيح "وروى ابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة" والجملتين الأولى والثانية لها أصول تدل عليها في الصحيح، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 28 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (19) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ذكرت في حديث وائل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ركع فرج بين أصابعه، وذكرتم أنه نسخ التطبيق، نرجو التوضيح. يعني إذا ركع كأنه قابض على ركبتيه، يفرج يقبض ركبتيه، يفرج بين أصابعه، وهذا هو الناسخ، والمنسوخ هو التطبيق، بمعنى أنه يطبق إحدى يديه على الأخرى، ويضعهما بين فخذيه، أو بين ركبتيه، هذا التطبيق منسوخ. يقول: هل يلزم في السجود أن تكون جميع الأصابع متجهة إلى القبلة؟ هذا ليس بلازم، لكنه هو السنة. وهل تكون القدمان متلاصقة أو متفرقة، أو متلاصقة عند الأصابع، مفرقة من الأعلى؟ الأصل المجافاة، الأصل في الصلاة المجافاة، بما في ذلك الرجلين، لكن جاء ما يدل على أن الرجل تلصق بالأخرى، جاء ذلك صريحاً في صحيح ابن خزيمة، وجاء ما يفهم منه ذلك في الصحيح وغيره، من قول عائشة: "إن يدي وقعت على قدميه". يقول: ما رأيكم في أن يكون الدرس بجامع الشيخ ابن باز؟ هذا جربناه وقل العدد، قل الحضور، فأعدناه إلى هذا المسجد. يقول: ما زال يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ألا يصح أن نقول: إن المراد به أنه كلما حصلت نازلة قنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ولم يترك القنوت عند النوازل؟ هذا تخصيص بدون مخصص، إلا أنه قد يسلك مثل هذا عند أهل العلم للتوفيق بين النصوص المتعارضة على أن الحديث ضعيف، والقنوت للنوازل لا يختص بصلاة الصبح. يقول: من يعتقد بدعية القنوت في الفجر، وصلى خلف من يقنت، فماذا يفعل وقت القنوت؟ مقتضى المتابعة أن يؤمن على دعائه، وهو وإن كان محدث إلا أن له ما يدل عليه؛ فليس بقول باطل من كل وجه، لكن هو قول مرجوح. يقول: في الحديث من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم إني اتخذتُ عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته ... )) الحديث، مع نهيه عن اللعن، وأن المؤمن ليس بلعان. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 1 النهي عن اللعن بالنسبة لمن لا يستحق اللعن، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) والمؤمن ليس بلعان، يعني ليست هذه صفة ... ، لعان هذه صيغة مبالغة، يعني يلعن عند كل شيء، فليس بلعان، لكن من استحق اللعن، ودلت النصوص على لعنه يلعن، لا سيما الأجناس، جنس الشارب، جنس السارق، لعن الله السارق، لعن الله الشارب، لعن الله المتبرجات، فالعنوهن، هذا أمر، المقصود أن اللعن الذي تقتضيه النصوص لا إشكال فيه، ولا يجعل المسلم لعان إذا ائتمر ما أمر به ((فالعنوهن فإنهن ملعونات)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما يلعن هذا الشخص يراه مستحقاً لهذا اللعن، ثم بعد ذلك طلب من الله -جل وعلا- في العهد الذي اتخذه معه أن يجعل هذه اللعنة أو هذه الشتمة أو هذه الأذية لا سيما إذا حصل شيء بالنسبة لمن لا يستحقه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم فإنها تبدل برحمة. يقول: دعاء ختم القرآن هل له أصل؟ يعني في الصلاة لا أصل له، وفي خارج الصلاة له أصل من فعل أنس بن مالك وغيره. يقول: لماذا لا تناصحون أئمة الحرمين في عدم الدعاء لختم القرآن؟ أئمة الحرمين اعتمدوا على فتوى من هيئة كبار العلماء، وهم معذورون في هذا. يقول: قرأت بعض العبارات للسلف: كقول وكيع فيما أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد: "المريسي لعنه الله يهودي أو نصراني" وما رواه عبد الله بن أحمد في السنة عن شاذ بن يحيى أنه لعن المريسي ونحوه من هذه العبارات، هل في هذا مشروعية لعن الكافر المعين؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 2 على كل حال اللعن ينبغي ألا يكون المسلم لعاناً، والإمام أحمد كما في الأحكام السلطانية وغيرها سئل عن يزيد فسبه سباً شديداً، وقال له عبد الله: ألا تلعنه؟ فقال: وهل عهدت أباك لعاناً؟! يعني ما ينبغي أن يكثر اللعن ولو على مستحقه، ولكنه إذا لعن من يستحق لا يلام، وتجد الحافظ ابن كثير وغيره من المؤرخين إذا ذكروا بعض هؤلاء لعنوهم، ابن كثير مكثر من هذا بالنسبة لمن يستحق من الظلمة ممن يؤذي المسلمين، ومن بدعه مكفرة ومغلظة ودعاة إلى بدعهم، ولا شك أن هذه العبارات الموجودة في كتب السلف، في كتب السنة المسندة القديمة كالسنة لعبد الله بن الإمام أحمد هذه لعنوا فيها من لعنوا من المبتدعة؛ لأنه وقت نشأة هذه البدع، وذلك للتنفير منها ومن أهلها، وابن المبارك كما نقله ابن القيم -رحمه الله- لما قيل له: إن فلاناً طلبت منه زوجته الخلع فرفض، توسلت إليه بكل ما يمكن، وتوسطت بالوسائط فلم تنجع، ولم يطلقها، ولم يفارقها، فذهبت إلى من أفتاها بأن ترتد؛ لتبين منه إذا ارتدت، فقال: من أفتى بهذه الفتوى فهو كافر، حتى قال: "من رضي بهذه الفتوى فهو كافر" هم يشددون وقد لا يقصدون حقيقة الأمر، لا سيما في وقت نشوء مثل هذه البدع، وهذه الحيل التي يتحايل بها على طمس الشريعة. ما الوسائل الشرعية والمادية التي تقوي الحافظة؟ وهل بالإمكان أن يصير الغبي من أهل النظر أفيدونا؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 3 على كل حال هذه ملكات، وهذه غرائز، منها ما هو ثابت، ومنها ما هو مكتسب، منها ما لا يقبل الزيادة، ومنها ما يقبل، ولكل غريزة جهتان، جهة ثابتة، وجهة مكتسبة، الثابت هذا، هذا لا يزيد، وهو قابل للنقص تبعاً لنقص أجزاء الإنسان وأبعاضه، وأما بالنسبة للمكتسب فإنه يقبل الزيادة، فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، قد يجبل الإنسان على الحلم، وقد يجبل على الغضب، فمن جبل على الغضب وتحلم يكتسب الحلم، كما أن الجاهل إذا تعلم اكتسب العلم، والحافظة يمكن زيادتها بمتابعة الحفظ؛ لأنها إذا أهملت الحافظة ضعفت، وتحتاج إلى شحذ، تحتاج إلى متابعة، فطالب العلم عليه أن يتابع ولا يهمل الحافظة؛ لئلا تدثر وتضعف، الحافظة مع الوقت تضعف، هذا هو القول المقرر عند عامة من كتب في هذا الباب، إلا أن الماوردي يقول في أدب الدنيا والدين أنها لا تختلف الحافظة في أول العمر ولا في أثنائه ولا في آخره، وهذا قول مصادم للواقع. يقول: إن الموانع من الحفظ تكثر، فيكون صعوبة المحفوظ لوجود الموانع، وإلا فالحافظة هي هي، ما تغيرت وهذا الكلام ليس بصحيح، فالبصر يضعف، والسمع يضعف، الحافظة تضعف، العقل أيضاً يصل الإنسان إلى حد الاختلاط تدريجياً إلى أن يختلط، وهذا دليل مادي حسي على ضعفه. أما قوله: هل بالإمكان أن يصير الغبي من أهل النظر؟ على كل حال مثل هذا عليه أن يحفظ ما يستطيع، وأن يحرص على فهم ما يحفظ ويقرأ، ولن يدرك إلا ما كتبه الله له. يقول: أعمل في مدينة جدة، وبإذن المدير أنصرف من العمل بعد صلاة الظهر قبل نهاية الدوام بساعة، فما حكم ذلك علماً بأن في الإدارة موظفين يقومون بالعمل، ولا في ذلك ضرر على مصلحة العمل، ولا مصالح الناس، وذلك لبعد منزلي في مكة المكرمة؟ فهل أتصدق من الراتب عن تلك الساعة؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 4 هذا المدير إذا كان يملك، وأوتي من الصلاحيات ما يجعله يأذن لك، وكنت مؤدياً لعملك على الوجه الذي تستحق به هذه المكافأة، وإلا فالأصل أنك أجير من الثامنة أو السابعة والنصف إلى الثانية والنصف، الأصل أنك أجير لا يجوز أن تنصرف، ولا تقول: أنصرف وأتصدق ما ينفع؛ لأن هذا إقدام على معصية، الصدقة فيما إذا حصل من غير قصد، فأنت تتصدق بمقابله، أما إذا قصدت ذلك فلا، وعلى كل حال ينظر في هذا المدير، وينظر أيضاً في العامل إذا كان يؤدي من السابعة والنصف إلى صلاة الظهر عمله بهمة ونشاط، وقد يزيد عما طلب، واستحق أن يكافأ على ذلك بالانصراف بعد الصلاة فهذا له وجه. يقول: كيف يكون وضع القدمين أثناء السجود؟ هل تكون مضمومة أم لا؟ مثل ما ذكرنا. ماذا ترى في جلسة الإقعاء التي بين السجدتين؟ يعني التي يقول عنها ابن عباس: هي السنة؟ يعني تفعل أحياناً في الجلسات الخفيفة بين السجدتين، أو جلسة الاستراحة أحياناً، لا مانع من ذلك. يقول: هل في مسك القرآن الكريم أثناء القراءة باليد اليسرى شيء؟ وإذا كان ما فيه شيء، وأنكر علي أحد، ماذا أقول له؟ الأصل أن اليد اليسرى طاهرة، لكن اليمنى أولى منها في حمل المصحف، لكن إذا تعب من حمله باليمنى وراوح بينها وبين اليسرى، أو مسكه باليدين هذا ما فيه إشكال، لكن تجد بعض الناس بيده مصحف وبيده حذاء الثانية، يمسك المصحف بالشمال والحذاء باليمين، هذا غير لائق. هل إذا صلى الرجل مكشوف الرأس مكروه؟ ليس بمكروه، إلا أنه إذا كان من الزينة في بلد من البلدان فينبغي ألا يصلي مكشوف الرأس {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف]. يقول: ما صحة الحديث القدسي: ((كلكم ضال إلا من هديته))؟ هذا حديث أبي ذر الطويل القدسي، المخرج في الصحيح، في صحيح مسلم، وما فيه إشكال. وما المقصود بالهدى في القرآن، في قوله: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [(108) سورة يونس]؟ {فَمَنِ اهْتَدَى} [(108) سورة يونس] يعني أطاع الله -جل وعلا- فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه. يقول: القصد ماذا يفعل وقت القنوت مع العلم أنهم يقنتون سراً؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 5 إذا كانوا يقنتون سراً وهو لا يرى القنوت فإنه إذا انتهى الذكر المشروع بعد الرفع من الركوع فإنه يكرر قول: لربنا الحمد، لربنا الحمد، كما جاء بذلك الحديث. يقول: لماذا حكموا على الحديث الذي في مسلم لابن عمر إذا قعد في الصلاة .... ؟ هذا سيأتي، حديث ابن عمر سيأتي. يقول: نرى في بعض الجوامع أنهم يؤذنون الجمعة ثلاثة مرات: الأولى الساعة الحادية عشرة صباحاً، والثاني: قبل طلوع الإمام على المنبر، والثالث كما هو معلوم بعد السلام. هذا موجود ثلاث مرات؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب: يمكن مع الإقامة. لا لا، هو يقول: الثالث: كما هو معلوم بعد السلام يعني سلام الإمام. طالب: يؤذن في الحرم قبل أن يطلع الإمام بخمس دقائق. بس مرتين، ما هي بثلاث. طالب: هم يزيدون. من الذي يزيد؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، لا، هذه بدعة، ولولا أن الأذان الأول مما شرعه عثمان -رضي الله عنه- ورأى المصلحة فيه لقيل فيه: إنه بدعة، لكن عثمان خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء به فهو سنة، بشهادة النبي -عليه الصلاة والسلام- لعثمان. يقول: لدي موهبة الشعر -ولله الحمد- وقد وفقني الله في تسخيرها في الذب عن الدين والدعوة والأمر بالمعروف، لكني في نفسي شيء من التعمق في دراسته، والإكثار من حفظه، فما موقف الشرع من الشعر في هذه الحالة؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 6 الشعر كلام -كما يقول أهل العلم- حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وإذا سخر في الذب عن الدين والدعوة والأمر بالمعروف هذا كما هو حال حسان بن ثابت شاعر النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يذب عنه بين يديه، وينشد بين يديه، ولا ينكر عليه، ولا شك أن العلماء أيضاً تتابعوا على نظم العلوم، وهذا أيضاً فيه نفع عظيم، تتابعوا أيضاً على نظم الوعظ والرقائق من القصائد الزهديات، ونفع الله بها نفعاً عظيماً، لكن ينبغي ألا يكون الشعر على حساب النصوص، لا يكون الشعر على حساب القرآن والسنة، وجاء في ذمه في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)) يعني يمتلئ شعر بحيث لا يستوعب شيء آخر، فإذا امتلأ بالشعر ما كان للكتاب والسنة نصيب، أما إذا كان نصيبه من الكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم، وما يعين على فهم الكتاب والسنة وافر، فلا مانع أبداً، بل يطلب منه أن يقرض الشعر ليذب به عن الدين، ويدعو به إلى الله -جل وعلا-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينظم العلوم أيضاً على ما جاء عن علماء هذه الأمة. يقول: بعض أهل العلم كل الصلاة ذكر من تكبير وسلام وغيره ما عدا جلسة الاستراحة هل الأفضل تركها؟ لا، هذا ما استطاع أن يعبر بكلام أهل العلم الذين لا يرون جلسة الاستراحة، هم يقولون: لو كانت مشروعة لكان لها ذكر، كسائر الأفعال، ولها تكبير في أولها وآخرها، فدل على أنها ليست بمشروعة، لعله يريد هذا، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، ما دام ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله وفعله فلا كلام لأحد. يقول: من كان لديه نسخة المحرر بتحقيق المرعشلي هل يكتفي بها أم يشتري نسخة الشيخ سليم؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 7 قلنا: إن نسخة الشيخ سليم الهلالي أفضل من غيرها، ومعلوم أن الكتب تطبع مراراً، والطبع لا ينتهي، قد يحقق مرة بعد تحقيق الشيخ، وقد يكون أفضل منه وأخصر، والله أعلم، والكتب تطبع .. ، بعض الكتب يطبع عشرين ثلاثين مرة، ولا شك أنه في اقتناء جميع الطبعات إرهاق لطالب العلم، مهما بلغ يعني من القدرة المادية، والمكان المستوعب فإنه لا بد أن يعجز في يوم من الأيام، لا شك أن الاعتناء بالطبعات الصحيحة التي تولاها أهل العناية والدقة هذا أمر مطلوب، لكن أول ما ظهر نسخة غير صحيحة أو نسخة وسط، فما الذي يدري طالب العلم أنه يطبع مرة ثانية محقق وقد يكون بحاجة لهذا الكتاب؟ يشتري هذه النسخة، فإذا اشتراها وظهر غيرها، إن كان فيها تعليقات له، حضر بها دروس وعلق عليها يحتفظ بها، وإن كانت لا مزية لها يتصرف فيها، ويشتري النسخة الصحيحة، وهناك كتب كبيرة جداً يعني فتح الباري لو كل طبعة ظهرت ولها مزية على غيرها اقتناها طالب العلم احتاج أن يجعل مكتبة خاصة لفتح الباري، نعم لأن الكتاب يطبع بين ثلاثين جزء إلى ثلاثة عشر أو أربعة عشر جزء، وإذا احتجنا إلى عشر نسخ نحتاج إلى كم من المجلدات؟ نحتاج إلى ثلاثة دواليب أو أربعة بس لفتح الباري، أحياناً الطبعات أكثر يعني طبع الكتاب حدود إلى الآن أكثر من عشر طبعات. يقول: ما ضابط المعصية للإلحاد في الحرم؟ المخالفة؛ لأن كلمة إلحاد نكرة في سياق الشرط، فهي عامة للكبيرة والصغيرة، فالذنوب معظمة في البلد الحرام، ولذلك جاءت الجملة الشرطية متعقبة لاستواء الناس فيه {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ} [(25) سورة الحج] يعني من رأى أن له مزية على غيره في هذا البلد الحرام هذا نوع من الإلحاد، فإذا كان مقيماً معتكفاً في المسجد، ورأى بادياً يريد أن يصلي فرض يمشي ثم .. ، قال: قم هذا مكاني، أنا، هذا إلحاد، نسأل الله العافية، والذين يضايقون الناس بالحجز، ويوكلون بعض السفهاء الذين همهم الأجرة يحجزون عنهم، ويضاربون الناس هذا أيضاً فيه إلحاد. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 8 الإلحاد هو مجرد الميل، لا يعني أنه خرج من الدين بالكلية كما هو العرف في كلمة ملحد، لا، المقصود به الخروج عن الجادة، عن الصراط المستقيم سواءً كبر أو صغر، ويوجد من يحسن ويفطر الناس في رمضان، وتجد المائدة من أول الصف إلى آخره عشرات الأمتار، وقد يكون له أكثر من مائدة، بحيث يفطر عنده ألف شخص، وهو لا يحضر هذه المائدة يوكل بها، يوكل بها من يؤذي الناس، وهذا موجود، ورأينا المنازعات والمشاغبات، بل المضاربة رأيناها، تجد إنسان تعبان جاء من بعيد ونائم، يقول له: قم، قبل الأذان بساعة أو ساعة ونصف، أو بعد صلاة العصر مباشرة، باقي على أذان المغرب ثلاث ساعات، ثم بعد ذلك كلمة كلمتين ثم مضاربة، يعني على الإنسان إذا أراد أن ينيب أحد ينيب من يمثله، وإذا كان الإنسان يرجو ما عند الله -جل وعلا- فلا يكون سبباً في أذية الناس كما تقدم في فقه تطبيق السنن، يعني عليه أن يجلب المصالح بما لا يحقق أدنى مفسدة، أما إذا وجدت المفاسد فدرء المفاسد -كما يقول أهل العلم- مقدم على جلب المصالح. يقول: ما رأيكم في الأشرطة التي تحذر من الرافضة المحتوية على أصواتهم التي يذكرون بها سب عائشة في عرضها كثيراً، هل توزع هذه الأشرطة لمصلحة التحذير من هؤلاء القوم، علماً بأنها ممزوجة من التحذير من هذا الكلام؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 9 أولاً: ناقل الكفر ليس بكافر، وإذا كان شرهم وضررهم لا يتبين إلا بهذا فهذا أمر لا بد منه، والقرآن أيضاً نقل كلام الكفار، نقل قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] فمثل هذا لا بأس به، وإن كان يعني في السابق السلف يحذرون من نقل كلام المبتدعة، ولو كان للرد عليه؛ لأن فيه نشر له، يعني نظرنا على سبيل المثال منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية تضمن جميع منهاج الكرامة، لكنه يذكر السطر والسطرين، ويرد عليهم بعشرين ثلاثين خمسين صفحة أحياناً، فهذا شيء مغمور في جانب الرد، لكن لو نشر منهاج الكرامة في جزء، وعلق عليه تعليقات خفيفة، قلنا: هذا نشر للكتاب ولو كان فيه رد؛ لأن هذا الرد لا يكفي، ولذا أخطأ من نشر الكتاب، نشر منهاج السنة في طبعته الأولى المصرية، ليست القديمة البولاقية ما فيها شيء، الطبعة الثانية المحققة بتحقيق رشاد سالم -رحمه الله-، في طبعته الأولى حقق منهاج الكرامة كامل، وطبعه في صدر الكتاب، وأخطأ في هذا، ثم بعد ذلك حذفه من الطبعات التي تليها. يقول: ما هي أفضل طبعة لصحيح البخاري متوفرة في المكتبات؟ الآن المصورة عن الطبعة السلطانية هي أفضل الطبعات، وفيها أيضاً الفروق التي أثبتها اليونيني على نسخته فهي أفضل، والآن خرجت مرقمة ومفهرسة والإحالات، وفيها أيضاً تخريج، يعني إحالة على الكتب الستة فهي مخدومة. سم. بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتاب المحرر: وعن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وهو مما ألزم الشيخان تخريجه، ورواه البيهقي، وزاد فيه في بعض رواياته بعد واليت: "ولا يعز من عاديت". الجزء: 18 ¦ الصفحة: 10 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبابة. وفي رواية: وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام. رواه مسلم. وروى عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى. يكفي، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما-" يعني بعد أن ذكر القنوت -قنوت النوازل- ناسب أن يذكر القنوت في الوتر، وإلا فالأصل أن هذا الحديث يؤخر إلى صلاة التطوع في الوتر. "وعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوتر" كلمات يراد بها الجمل، فالجملة يطلق عليها كلمة. . . . . . . . . . ... وكلْمة بها كلام قد يؤم يعني قد يقصد، يقصد بالكلمة الكلام، وكلمة التوحيد: لا إله إلا الله يعني جملة، وأصدق كلمة قالها الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... . . . . . . . . . قول لبيد، فالمقصود بالكلمات هنا جمل ودعوات، وكل دعوة بجملة مستقلة. "أقولهن في قنوت الوتر" في قنوت الوتر، الوتر محل للقنوت، وعلى خلاف بين أهل العلم في ثبوته، فمنهم من لا يثبته ألبتة؛ لأنه ما حفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت في الوتر، ومنهم من يقول: القنوت في وتر رمضان فقط، ومنهم من يقول: في النصف الأخير من رمضان، كما كان بعض السلف يفعله، ومنهم من يقول: إنه مشروع مطلقاً في الوتر، وعليه يدل حديث الباب. "كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت" اللهم أصلها يا الله، حذفت ياء النداء، وعوض عنها بالميم المشددة. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 11 "اهدني فيمن هديت" يعني اجعلني من ضمن المهديين الذين مننت عليهم بالهداية، ووفقتهم لقبول ما جاء عنك على لسان نبيك -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الهداية هنا يراد بها هداية التوفيق، أما الدلالة فقد حصلت، الدلالة والإرشاد حصلت، وإن كانت بحسب بلوغها للشخص، حصولها نسبي، لا يمنع أن يقول الإنسان: اللهم اهدني، يعني دلني على ما يخفى عليه مما يكون سبباً لهداية التوفيق، فينضوي في ذلك الهدايتان؛ لأن الدلالة والإرشاد حصلت على أبلغ وجه وأكمله من الله -جل وعلا-، وبلغ الرسول -عليه الصلاة والسلام- ذلك البلاغ المبين، لكن بلوغ هذا المُبلّغ إلى كل فرد فرد من المكلفين يتفاوتون فيه تفاوتاً عظيماً، ولذلك ينبغي لطالب العلم إذا استشكل عليه مسألة وبحثها أن يدعو بالدعاء المأثور في صلاة الليل، ما كان يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك)) يعني دلني على الصواب في هذه المسألة؛ لأنه قد تكون جميع الأدلة بين يدي طالب العلم، قد تكون جميع الأدلة، جميع أدلة المسألة بين يديه، وجميع الأقوال لأهل العلم مبسوطة بين يديه، ومع ذلك لا يستطيع الترجيح، لا لتقصيره، استقصى، بل قد يكون لقصوره، وقد يكون من أذكى الناس وأعرفهم وأعلمهم بالمقدمات الموصلة للنتائج الصحيحة، ومع ذلك يستغلق عليه الوصول إلى القول الراجح في مسألة من المسائل، فهو يطلب الهداية لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فالهداية بجميع أنواعها تدخل في قوله: "اللهم اهدني فيمن هديت". الجزء: 18 ¦ الصفحة: 12 "وعافني فيمن عافيت" المعافاة من خير ومن أجمع ما يسأله المسلم ربه -جل وعلا-، وجاء من حديث أبي بكر وغيره سؤال العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة؛ لأن العافية -كما تسمعون مراراً- لا يعدلها شيء، العافية في البدن يتحقق للإنسان أن يهنأ بعيشه في هذه الدنيا، العافية في الدين تكون سبباً لوصوله إلى مرضاة الله وجناته، العافية في العقل، العافية في العلم، يسأل الله -جل وعلا- أن يعافيه في جميع ذلك، فلا يتتبع الشواذ، ولا يزيغ عن الجادة، فيكون معافى من هذه الأمور، وقد يعرض الإنسان نفسه في القول في مسألة لم يسبق إليها، فيقتدى بها، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها، ولذا يكرر أهل العلم: العافية لا يعدلها شيء، والسلامة لا يعدلها شيء. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 13 "عافني فيمن عافيت" يعني من ضمن من عافيت، والعافية قلنا: إنها شاملة لكل ما تطلب له، ومن ذلك عافية البدن، وإذا كانت العافية معناها ألا يصاب بما يخرجه عن حيز الاعتدال في الصحة، فإن إخراجه عن حيز الاعتدال خير له، المصائب لا شك أنها خير للمسلم، فإنها تكفر الذنوب، وتحُت الذنوب كما تحت الشجرة ورقها، وتحط الخطايا، فكيف يسأل الإنسان زوال ما هو خير له؟! وإذا مرض سأل الله الشفاء، وبذل الأسباب للشفاء، والمرض لا شك أنه مكفر، وهذا مثل ما جاء في الحديث: ((لا تسألوا لقاء العدو)) وإن كان فيه الشهادة التي هي من أعظم المطالب بالنسبة للمسلم، وفيها أعظم تكفير للذنوب، وتكفر كل شيء إلا الدين، ومع ذلك لا يسأل، فالإنسان لا يسأل المصيبة، ولا يسأل البلية، ولا يسأل الفتنة؛ لأنه لا يدري ما النتيجة؟ لا يدري، يمكن يسأل الله لقاء العدو ثم بعد ذلك ينحرف، ويقتل على غير هدى، نسأل الله العافية، وقد يسأل البلاء ولا يصبر عليه، فيكون ذلك وبالاً عليه، فسؤال مثل هذا لا يجوز، والعافية مطلوبة، عافية البدن مطلوبة؛ لماذا؟ لأن بها تتحقق العبودية، الإنسان لا يستطيع أن يطلب الله -جل وعلا- على الوجه المطلوب إلا إذا عافاه في بدنه، لكنه إذا ابتلاه أعظم له الأجر، وكفر عنه الذنوب، فإذا كان سؤاله العافية من أجل أن يحقق العبودية التي من أجلها خلق هذا مطلوب، أيضاً إذا سأل الله العافية وفي نيته من سؤال العافية تحقيق العبودية إضافة إلى الشكر على هذه العافية فلا شك أنه على خير عظيم، يعني الإنسان جرب كيف يكون مزاجه وهو يصلي سليم معافى ومزاجه ونفسيته وهو يصلي على شيء من التعب، هو مأجور على هذا التعب، لكن تحقيق العبودية إنما يكون تمامه مع العافية، وليس من يصلي وهو قائم كمن يصلي وهو جالس، يعني لولا المبرر لولا العذر لولا المرض قلنا: صلاة الفريضة باطلة، إذاً العافية أكمل، هذا هو الأصل، لكن إذا حصل المرض، وحصلت المصيبة وصبر عليها الإنسان أجر عليها، وكفرت بها خطاياه وذنوبه؛ لأن هذا موطن فيه شيء من الإشكال، وأورده ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي، كيف يسأل ويدعى بكشف المرض الذي هو خير للمسلم؟ يعني المسلم مثل خامة الزرع كما جاء الجزء: 18 ¦ الصفحة: 14 في الحديث الصحيح، كخامة الزرع، يعني سهل تقلبه الرياح وتسفه مرة كذا ومرة كذا، تميله عن حيز الاعتدال الذي هو تمام الصحة، بينما الكافر مثل الأرزة ثابت معتدل إلا أنه إذا انتهت مدته وآل أمره إلى شر عظيم نسأل الله العافية بخلاف المسلم، هذه الرياح التي تسفه يميناً وشمالاً تكفر خطاياه حتى يوافي ليس عليه خطيئة، فلا شك أن طلب العافية بالنسبة للمسلم حسب ما يقر في قلبه، إن كان طلب العافية ليعبد الله -جل وعلا- على مراده، وشَكَر هذه النعمة لا شك أنه على خير عظيم، لكن إن طلب العافية ليتقوى بها على أمر من أمور الدنيا، فليس له إلا ما نوى، إن طلب العافية ليتقوى بها على معصية هذا أيضاً ليس له إلا ما نوى، وهذا إلى الاستخفاف بالله -جل وعلا- أقرب منه إلى الدعاء والانكسار بين يديه. يقول: هل تكفير الذنوب بسبب المصيبة يشترط الصبر والاحتساب؟ الأكثر على هذا، على أن الذي لا يصبر لا أجر له ولا تكفير لذنوبه، مع أن النصوص جاءت تحث على الصبر على جهة الاستقلال، وجاءت تحث على الصبر مع المرض {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ} [(156) سورة البقرة] ... إلى آخره. وجاءت أيضاً جاءت المصائب، وإثبات الأجور عليها غير مقترن بصبر، وهذا ما جعل بعض أهل العلم يرجح أن التكفير للذنوب يحصل بمجرد المصيبة صبر أو لم يصبر، وهذا اختيار ابن حجر، وأجر الصبر قدر زائد على ذلك، وفضل الله واسع. "وتولني فيمن توليت" إذا تولاه الرب -جل وعلا- بعنايته، وأحاطه بها فلن يستطيع أحد أن يوصل إليه شيء من الأذى. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 15 "وبارك لي فيما أعطيت" الله -جل وعلا- أعطى ورزق، وأعطى كل إنسان ما هو خير له، وإن كان فيما يظهر للناس أن هذا التفاوت بين الناس في الأرزاق بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء، وبعضهم متوسط الحال، فالله -جل وعلا- هو المعطي، والعبد إنما هو قاسم، والمال مال الله ليس لأحد {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ} [(33) سورة النور] لكن ما الذي يدري هذا الفقير أنه لو اغتنى لضل بسبب هذا المال؟ {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6 - 7) سورة العلق] فبعض الناس الفقر خير له، ولا يدري ما المصلحة والخيرة؟ الخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-. "بارك لي فيما أعطيت" قد يقول: أنا ما أُعطيت شيء على شان يبارك أو ما يبارك، مع أن مثل هذا مأمور بأن ينظر إلى من دونه، لا أن ينظر إلى من فوقه، وذلك لأن النظر إلى من فوقه، كما هو حال كثير من الناس اليوم يجعل الإنسان يزدري نعمة الله عليه، يقول: أنا ما أعطيت شيء، فعلى الإنسان أن ينظر إلى من دونه في أمر الدنيا. "بارك لي فيما أعطيت" وتجد الإمام في القنوت يقول: "وبارك لنا فيما أعطيت" بعض الناس يقول: أنا ما أعطيت شيء على شان .. ؛ لأنه ازدرى نعمة الله عليه؛ لأنه لم ينظر إلى من دونه، تجد هذا الإنسان الذي يقول: ما أعطيت عنده زوجة، وعنده أولاد، وعنده طعام، وعنده بيت، لكن الإشكال أن نظره طافح إلى فلان الغني، فلان الثري، فلان صاحب القصور، فلان صاحب السيارات، فلان صاحب المناصب، هذا الذي جعله يقول مثل هذا الكلام، لكن لو نظر إلى أناس ينامون على الأرصفة، وأناس على السرر في المستشفيات، وناس من ذو عقود معوقون لا يستطيعون الحراك لشكر الله -جل وعلا- على ما أولاه وأعطاه من نعم، وما يدريه أنه لو زادت عليه هذه النعم لضل بسببها، ولشقي بها، يمكن يشقى بها في دنياه قبل آخرته. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 16 "وبارك لي" يعني اجعل البركة فيما أعطيتني قليلاً كان أو كثيراً، اجعل فيه البركة، وإذا حلت البركة فحدث ولا حرج، ولو كان شيء يسير، يعني لو ولد واحد يجعل فيه البركة خلاص يملأ عليك الدنيا كلها، لكن عندك عشرين ولد بدون بركة هؤلاء شقاء، لو عندك درهم واحد مبارك انتفعت به، ونفعت به غيرك، لو عندك المليارات بدون بركة لصارت وبال عليك، ولذا يطلب منك أن تقول: "وبارك لي فيما أعطيت". "وقني شر ما قضيت" الله -جل وعلا- يقضي على عباده، وقدر عليهم المقادير قبل أن يخلقهم، وقدر عليهم ما يسرهم وما يتضررون به، وما يسوؤهم، لكن ليعلم المرء أنه لا يوجد شر محض ((والشر ليس إليك)) إنما هذا الشر الذي قدر عليك ووقع بك هو بالنسبة لك خير وعجب من أمر المؤمن إن أمره كله خير، إن ابتلي فصبر كان خيراً له، وإن عوفي فشكر كان خيراً له، فأمر المسلم كله خير، وفي قوله: "وقني شر ما قضيت" هذا يطلب قبل حصوله، قبل حصول المقضي، لكن بعد حصوله هذا مما يُدفع به، وهناك ما يرفع به بعد حصوله، يرفع بالدعاء أيضاً، وبذل الأسباب الشرعية والحسية، ومع الصبر والاحتساب الذي يترتب عليه الأجر العظيم. "فإنك تقضي ولا يقضى عليك" القضاء والقدر كله لله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- هو الذي يقضي، وهو الذي يقدر {وَقَضَى رَبُّكَ} [(23) سورة الإسراء] والقضاء والقدر إنما هو لله وحده -جل وعلا-، وما يكون من وسائط وأسباب ووسائل من المخلوقين فإنما هم مجرد وسائط يؤدون للخلق ما أعطاهم الله -جل وعلا-، وليس لهم من ذلك شيء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) فالله -جل وعلا- هو الذي يقضي ولا يقضى عليه، هو الذي يتصرف في خلقه ولا يتصرف فيه أحد. "إنه لا يذل من واليت" من كان ولياً لله -جل وعلا- رفعه الله -جل وعلا- بحيث لا يستطيع أحد إذلاله، أولياء الله -جل وعلا- العزة لهم، فلا يستطيع أحد أن يذلهم، وجاء بعد هذه الجملة عند البيهقي: "ولا يعز من عاديت" عدو الله -جل وعلا- ذليل، سواء كان عدو معاداة تامة بالكفر والجحود، أو فيه شيء مما يغضب الله -جل وعلا- من الفسق والمعاصي والفجور فهي ذل على صاحبها. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 17 يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "فإنهم وإن طقطقت بهم البراذين، وهملجت بهم البغال، فإن ذل المعصية لا يفارقهم" يعني مهما ظهروا به من مظهر من أبهة وتعالي وارتفاع على الناس، فإن هذا هم في حقيقة أمورهم في شقاء وذل، وتجد الإنسان وإن كان مطاعاً مهاباً بجيوشه وبعدته وعتاده إلا أنه ذليل لأحقر حراسه؛ لأن هذا الحارس الذي عند الباب يستطيع أن يمكن العدو الذي يقتله، ولذلك يقول بعض أهل العلم: إن الملوك عبيد لعبيدهم، فهل هذا ملك يتشبث به؟! والله المستعان. وإذا عرفنا الجزاء الأوفى عند الله -جل وعلا- لآخر من يدخل الجنة ويخرج من النار أن يتمنى مُلك أعظم ملك في الدنيا، فيقال: لك مثله، ومثله، ومثله، وعشرة أمثاله "هذا وأدناهم وما فيهم دني" هذا يمكن أدنى أهل الجنة منزلة، عشرة أمثال ملك ذي القرنين، أو هارون الرشيد، أو أعظم ملك في الدنيا، ويأتي من يملك حفنة من الناس، أو شبر من الأرض، ويسوم الناس سوء العذاب، ويترفع عليهم ويتعالى، وإذا وقع الذباب على أنفه ما استطاع أن يصنع شيئاً، والله المستعان. "إنه لا يذل من واليت" وفي رواية البيهقي: "ولا يعز من عاديت". "تباركت ربنا وتعاليت" والفعل بهذه الصيغة لا يصرف إلا لله -جل وعلا-، يقال: فلان مبارك لما يرى من أثره المنتشر المتعدي؛ لكن لا يقال: تبارك فلان، لا، هذا خاص بالله -جل وعلا-، وتعالى أي: ارتفع، فله العلو المطلق بأنواعه: علو القدر، وعلو الذات، وعلو القهر، كل أنواع العلو لله -جل وعلا-. يقول: "رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وهو مما ألزم الشيخان تخريجه" الأصل في مثل هذا الإلزام الذي يلزم هو الدارقطني في الغالب؛ لأن له الإلزامات، وأيضاً صنيع الحاكم في المستدرك نوع من الإلزام، صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وأنا أخرج أحاديث احتج بمثلها الشيخان، المقصود أن هذا الإلزام الذي يظهر أنه من الدارقطني، وأنا ما وفقت عليه، لكن يراجع؛ لأنه قال: "وهو مما ألزم الشيخان تخريجه" وللحافظ الدارقطني الإلزامات، وله أيضاً التتبع. يقول: "ولا يُعز من عاديت" بضم الياء أم بفتحها؟ لا، هو من (عز) الثلاثي يَعِز. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 18 يقول: "ورواه البيهقي، وزاد فيه في بعض رواياته بعد واليت: "ولا يعز من عاديت" ويكثر القلب في هاتين الجملتين من بعض الأئمة الذين لا يستحضرون قلوبهم أثناء الدعاء، سمعناها كثيراً مقلوبة، ولا شك أن هذا خلل، يعني لو قصد أبطل الصلاة. قال بعد ذلك: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بإصبعه بالسبابة" قدم اليسرى في الذكر لأنها ليس لها متعلق، تقدم اليسرى وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى انتهت، انتهى ما يتعلق باليسرى، لكن لو قدم اليمنى بمتعلقاتها، ثم أخر اليسرى على الآخر قد يتركها بعض الرواة؛ لأنه ليس لها ما يذكر بها، والكلام إذا طال قد يترك بعض الأمر المهم فيه، يعني تجد مثلاً من يذكر: "قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعهم إلى يوم الدين- ينسى "وسلم" كما فعل مسلم، مع أنه لا يتم الامتثال بالصلاة فقط، فإذا أطال الكلام نسي الشيء اليسير، لكن لو قال: وصلى الله وسلم إلى آخره ما نسيها، ولذلك يقدم الشيء المختصر خشية أن ينسى؛ لأنه ليس له متعلقات. "وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى" وانتهت، هذا وضع اليسرى ممدودة الأصابع، أو كأنها مرسلة يعني بعض أطراف الأصابع مرسلة على الركبة. "على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى" لو انتهى الحديث عند هذا قلنا: وضع اليدين واحد؛ لكن في قوله: "وعقد ثلاثة وخمسين" وهذه طريقة حسابية شرحها بالتفصيل الحافظ ابن حجر، ونقله الصنعاني في سبل السلام بالتفصيل يعني من واحد إلى ألف بالأصابع، لكن مع ذلك بل الألوف؛ لأن كل أصبع له مهمة، وكل لوية من لويات الأصبع أيضاً تدل على عدد معين، وعلى كل حال مثل هذه الطريقة مهجورة، ولذلك لا تجد من يعتني بها، حتى من يشرح هذا الحديث من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين لا يهتم لبيانها؛ لأنها مهجورة، إلا بقدر ما يوضح الصورة التي عندنا. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 19 "وعقد ثلاثة وخمسين" في شرح النووي على مسلم يقول: شرطه عند أهل الحساب، شرط ثلاث وخمسين عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر، كيف؟ يضع طرف الخنصر على البنصر هكذا، لكن هل هذه مراده في الصورة؟ في التشهد مرادة؟ يقول: "شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر وليس ذلك مراداً هنا، بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة هكذا على الراحة، ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين، يقبض الإصبعين، فهو قبض أصابعه كلها، مقتضى الصورة في الرواية الثانية توضحها. "أشار بإصبعه بالسبابة" وفي رواية: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام" يعني قبض الأصابع كيف يقبض الأصابع؟ هكذا، وأشار بالإصبع، وفي بعض الأحاديث في بعض الروايات، وفي بعض الأحاديث أنه حلق بإبهامه مع الوسطى، وأشار بالسبابة، السبابة هي التي تلي الإبهام كما في بعض الروايات، هي السبابة وهي السباحة، فسبابة لأن الذي يسب غيره يستعملها، وهي سباحة هي التي يسبح بها. "وأشار بإصبعه بالسبابة" وفي رواية: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام" رواه مسلم" والروايات كلها صحيحة، واختلافها اختلاف تنوع، يعني مرة يفعل هكذا يضم الأصابع، ومرة يحلق بالإبهام والوسطى. "رواه مسلم". "وروى عن عبد الله" وروى مسلم أيضاً "عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه" يعني جاء في القعود في الصلاة الافتراش بأن يفترش اليسرى وينصب اليمنى، وجاء أيضاً من حديث ابن عباس السنة الإقعاء نصب القدمين، وجاء أيضاً التورك، بإدخال الرجل اليسرى تحت ساقه اليمنى، وجاء أيضاً هذه الصورة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، هذه صورة، لكنها شاقة على كثير من الناس، يعني البدين لا يستطيع أن يصنعها، نضو الخلقة ممكن. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 20 على كل حال من أهل العلم من يقول: إن بين هذه معناها تحت لتتفق الروايات ويكون هذا هو إيش؟ التورك المعروف، ومنهم من حكم عليها بمخالفة الرواة، وحكم عليها بالشذوذ، لكنها صورة مستقلة، يعني وواضحة وليس فيها مخالفة، مقتضى ذلك أن من يستطيع أن يفعلها فيفعلها أحياناً، والذي لا يستطيع {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يفعل الصور الأخرى. "وفرش قدمه اليمنى" كيف فرش قدمه اليمنى؟ إيش معنى يفرشها؟ يعني مثل فرش اليسرى في الافتراش في التشهد الأول مثلاً، فيجعلها تتجه إلى جاره، أصابعها إلى جاره من يمينه، أو يفرشها إلى الداخل بحيث يجعلها تحته؟ أكثر الرواة في صورة الافتراش تكون اليمنى منصوبة، وعلى كل حال الحديث في صحيح مسلم، ولا شك أن مثل هذه الصور وإن كان فيها شيء من المشقة على بعض الناس، فالذي لا تشق عليه يفعلها؛ لأنها ثابتة، والاختلاف في مثل هذا لا يضر. "ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى" كما تقدم في الحديث السابق. "ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى" هكذا؟ نعم، وضع إبهامه على إصبعه الوسطى، وهذه أيضاً صورة. "وأشار بإصبعه السبابة" وهذا موجود في الحديثين، أشار بإصبعه، هذه الإشارة جاء فيها التحريك، وجاء فيها لا يحركها، وجاء فيها يحركها يدعو بها، ولذا تباينت الأنظار من أهل العلم، فمنهم من يقول: لا تحرك للنفي، ومنهم من يقول: يستمر في تحريكها؛ لأنه كما جاء مقمعة الشيطان، أو مقرعة الشيطان، كأنه يضربه بعصا، ومنهم من يقول: يحركها يدعو بها، فيرفعها وقت الدعاء فقط، إذا أراد أن يدعو حركها، ولا شك أن الشهادة موطن من مواطن الرفع، الشهادة: أشهد ألا إله إلا الله موطن من مواطن الرفع، ولذا لما رفع المصلي إصبعيه جاء في الحديث: ((أحد، أحد)) ومثل هذا الكلام إنما يقال لمن رفع إصبعيه وقت الشهادة، فقيل له: "أحد" لأن هذا يخالف التوحيد، رفع إصبعين يخالف التوحيد، فعلى هذا ترفع الإصبع مع لفظ الشهادة، ووقت الدعاء مع الدعاء. وهذا في التشهد لا إشكال فيه، فماذا عن رفع السبابة بين السجدتين؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 21 يقول هذا السائل: لماذا حكم العلماء على الحديث الذي في مسلم عن ابن عمر إذا قعد في الصلاة ... الحديث الذي يدل على قبض الأصابع بين السجدتين بالشاذ؟ هذا عندنا حديث: "إذا قعد في التشهد" الحديث الأول، حديث ابن عمر: "إذا قعد في التشهد" فإذا جاء رواية أيضاً: "إذا قعد في الصلاة" فهي محمولة على التشهد، وإن كان القعود أعم من أن يكون للتشهد، إذا قعد في الصلاة لفظ عام، والتشهد خاص، وهذا لا يقتضي تخصيص كما هو مقرر عند أهل العلم أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص. الشأن هنا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة" وفيه: "وأشار بإصبعه" هذا يشمل جميع القعود، فعلى هذا الجلسة بين السجدتين تحرك فيها الإصبع ويشير بالسبابة، للتشهد تحرك فيها الإصبع ويشير بالسبابة، للاستراحة أيضاً وهي يشملها قعد في الصلاة، وهذه قعدة يشير بإصبعه، لكن لم يحفظ ذكر ولا دعاء لجلسة الاستراحة، ومعلوم أن التحريك ليس بأصل، وإنما هو تابع، وليس بأصل، فرفع اليدين تابع للتكبير، فإذا جاء الإنسان والإمام راكع واكتفى بتكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع يرفع مرة وإلا مرتين؟ مرة واحدة؛ لأن الرفع تابع للتكبير، وهنا جلسة الاستراحة ليس فيها ذكر، وعلى هذا ليس فيها تحريك. السائل يقول: ما الذي جعل العلماء يحكمون على الحديث الذي في صحيح مسلم "إذا قعد في الصلاة" الذي يدل على قبض الأصابع بين السجدتين بالشاذ مع أنه لم تخالف الرواية حديثاً آخر؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 22 مثل هذا الكلام من يقوله؟ من يقول مثل هذا الكلام؟ نعم حكم بعض أهل العلم على هذه الرواية بالشذوذ، وقالوا: إن اليد في الجلسة بين السجدتين تبسط، اليمنى كاليسرى، وليس فيها تحريك، وهذا خاص بالتشهد، وحكموا على الرواية بالشذوذ، وهي في صحيح مسلم، لكن الذي يقول مثل هذا الكلام يقول ليس فيها مخالفة؟ يقولها أمثالنا الذين تعلموا على طريقة المتأخرين، وما وصلوا إلى حد يعلون الأحاديث والروايات بالقرائن، يعني الذي حكم عليها بالشذوذ إمام من الأئمة الحافظ الكبار الذين يحكمون على الحديث بشمه، ما يحتاجون إلى أن ينظروا في المخالفة وعدم المخالفة، يعرف أن هذه اللفظة ثابتة أو غير ثابتة من غير أن تكتمل الصورة بين يدي غيره. فتجدهم يحكمون على لفظ بالشذوذ، مثلاً في الذكر الذي يقال بعد الأذان: ((وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد)) ومثل: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) بعد الوضوء، هذه فيها مخالفة وإلا ما فيها مخالفة؟ هذه يوجد ما يدل عليها من القرآن، فما فيها مخالفة، لكنها في هذا الموضع الذي يشترط المخالفة للحكم بالشذوذ يقول: مقبولة، زيادة ثقة فهي مقبولة، ويطلق القول بزيادة الثقة يقول: ما فيها إشكال، لا فيها مخالفة، وزيادة ثقة مقبولة، وبعضهم يحكي على هذا الاتفاق مثل الحاكم، يحكون على هذا الاتفاق. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 23 لكن الأئمة الكبار حكموا على بعض هذه الألفاظ بالشذوذ، وليس لنا في مثل هذا المجال إلا أن نسلم إذا كنا مبتدئين، أو ننظر إذا كنا من أهل النظر ونرجح، ولو بالقواعد العامة، أو نرجح باعتبار القائلين؛ لأنه قد يلجأ إلى الترجيح باعتبار القائل، فإذا كان الذي حكم عليها بالشذوذ متشدد مثلاً، حكم عليها أبو حاتم بالشذوذ، حكم عليها أحمد وابن معين والبخاري بأنها محفوظة نرجح باعتبار القائلين، وإذا استطعنا أن نصل إلى ما وصلوا إليه -ودون ذلك خرط القتاد- فهو فرضنا؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين، لكن إذا كان الشيخ ابن باز على عنايته منذ أكثر من ستين سنة خلال عمره بالسنة، والألباني كذلك لا يستطيعون أن يرجحوا بمثل هذا إلا على قواعد، فتجده يقول: إنك لا تخلف الميعاد ويقول مثل هذا، حتى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في ((إنك لا تخلف الميعاد)) قال: إن الشيخ ابن باز يقولها فنقلده، فمثل هذه الأمور القوس تعطى باريها، يعني ما يقال في مثل هذا الكلام في مقابل أئمة كبار يحكمون على الأحاديث بالقرائن، يعني على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، ما نقول: إنها ما تضمنت مخالفة كيف نحكم عليها بالشذوذ؟ يعني الحكم بالشذوذ لوجود المخالفة هو الذي جرى عليه المتأخرين، وهو الذي يطبقون عليه، وهو الذي مشى عليه الإمام الشافعي. وذو الشذوذ ما يخالف الثقه ... فيه الملأ فالشافعي حققه الجزء: 18 ¦ الصفحة: 24 لكن الأئمة الكبار ما يطالبون بمثل هذا، حكم عليه أحمد بالشذوذ إذاً نقول: كيف شاذ وهو ما فيه مخالفة؟ ما هو بأمثالنا من طلاب العلم يواجهون الأئمة بمثل هذا الكلام، وأيضاً ليس من الأدب أيضاً مع الفريق الآخر أن يتهجم على أئمة علماء ناصحين مخلصين، أن يقول: والله ما أدركوا من علم الحديث شيء، أدركوا خيراً عظيماً، لكن خفي عليهم هذه المسألة وليكن، من الذي لا يخفى عليه شيئاً، من الذي لا تخفى عليه خافية؟ هو الله -جل وعلا-، حتى الأئمة الكبار المتقدمون لا يتفقون على مثل هذا، بعضهم يقول: شاذة، وبعضهم يقول: محفوظة، فأنت أيها طالب العلم الذي تريد أن تحاكي المتقدمين من تقلد من هؤلاء الأئمة الذي قال: محفوظة وإلا الذي قال: شاذة؟ مثل هذه الأمور تحتاج إلى صبر، تحتاج إلى تأني، وتحتاج إلى روية، ما تحتاج إلى جزاف، يحكم بحكم عام مطرد وإلا يخطأ الأئمة، كل هذا يحتاج إلى إعادة نظر. سم. قال -رحمه الله-: وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) متفق عليه، واللفظ للبخاري. وله أيضاً قال: كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام)). كمل، كمل. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 25 وعن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وعن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: ((التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) رواه مسلم. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله" ... الحديث، رواه النسائي والدارقطني وصحح إسناده. وقال عمر -رضي الله عنه-: "لا تجوز صلاة إلا بتشهد" رواه سعيد وغيره. يكفي، بركة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان" السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان" وفي الرواية الأخرى يقول: "كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده" وهذه لا بد منها من تقديمها هذه الزيادة؛ لأن الرد عليهم يقتضيها. "فالتفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله هو السلام)) " يعني فلا تسلموا عليه، والرواية المقدمة ليس فيها السلام على الله، الرواية الثانية: "كنا إذا كنا في الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قلنا: السلام على الله من عباده" فرد عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إن الله هو السلام)) يعني فلا تسلموا عليه، يعني ليس بحاجة إلى أن تدعو له بالسلامة، أو تحيوه بهذه التحية. ((إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي)) التحيات جمع تحية، والصلوات جمع صلاة، وبسطها يحتاج إلى وقت، يعني شرحها يحتاج إلى مزيد من الوقت؛ لأنها مختلف فيها الصلوات هل هي الفرائض؟ هل هي النوافل؟ هل هي الدعوات الصلوات اللغوية أو الصلوات الشرعية المعهودة؟ والتحيات جنسها وجميعها كلها لله -جل وعلا-. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 26 ((السلام عليك أيها النبي)) السلام كذا بـ (أل) ويعرف في هذا الموضع لأنه متعبد بلفظه، و (عليك) بالخطاب وإن لم يكن موجوداً أثناء هذا الخطاب، يعني نقول نحن بعد أربعة عشر قرناً: ((السلام عليك أيها النبي)) مع بعدنا عنه -عليه الصلاة والسلام- بلفظ الخطاب، كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هذا اللفظ متعبد به، وهذا في حياته وبعد مماته؛ لأنه حتى في حياته وخلفه -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يواجه بمثل هذا الخطاب إذا قلنا: إن المراد به الخطاب؛ لأنهم يقولونه سراً، وجاء عن ابن مسعود أن هذا يقال في حياته، وأما بعد مماته فيقال: "السلام على النبي ورحمة الله وبركاته" فهذا اجتهاد من ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه-، لكن عامة أهل العلم بما في ذلكم عمر -رضي الله عنه- حيث علم الناس التشهد على المنبر بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: السلام عليك أيها النبي، ومع ذلك حضره جمهور الصحابة، ولم يخالفه ولم يعارضه منهم أحد، فتبقى هذه الصيغة، ولا يلزم من الخطاب حقيقة الخطاب، يعني قد يعجبك طعام مثلاً فتقول لصاحبك: هذا الطعام إذا أكلت منه لا تشبع منه، وهو يقصد نفسه، قد يكون صاحبه هذا لا يستسيغ هذا الطعام، لكنه يقصد بذلك نفسه، فلا يريد حقيقة الخطاب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سلم عليه من في المشرق أو في المغرب رد الله روحه فرد -عليه السلام-، وهناك أيضاً من الملائكة من يبلغ النبي -عليه الصلاة والسلام- السلام. ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) بدأ بتمجيد الله -جل وعلا- وتحميده، ثم بعد ذلك ثنى بالسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن حقه أعظم من حق النفس، وهو مقدم على النفس فضلاً عن الغير، ولا يؤمن أحد حتى يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أعظم من حبه لنفسه، وحقه على المسلمين أعظم من أي حق فلذلك يقدم. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 27 ((السلام علينا)) "إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه" ((وعلى عباد الله الصالحين)) يعني من المتقدمين والمتأخرين، من الحاضرين والغائبين، كل عبد صالح لله تقدم زمانه أو تأخر يدخل في هذا السلام، ويدعى له، وعلى هذا فليحرص الإنسان على أن يكون صالحاً؛ ليدخل في دعوات المسلمين، مؤدياً لحقوق الله وحقوق عباده. ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) ((فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض)) وإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب وهذا منه ماذا تقول الملائكة؟ ((ولك بمثله)) تصور الأجر والفضل العظيم من خلال هذه الجملة، والمصلي يصلي في اليوم مراراً، ويقولها تكراراً، ومع ذلك لا يلقي لها بالاً، فهل يترتب أثرها عليها؟ من قالها وهو غافل، يعني قالها بدأ بالتشهد وما عرف إلا وقت السلام، ما أفاق إلا وقت السلام، يحرص الإنسان على أن يعقل صلاته، وليس له من صلاته إلا ما عقل. ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)) والشهادتان شرحتا في مواضع كثيرة، ولا داعي لأن نكرر ما ذُكر مراراً. ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) يعني بعد أن يفرغ من التشهد، ويسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- ويصلي عليه، يتخير من الدعاء أعجبه إليه، سواء كان من أمور الدنيا أو من أمور الدين، وليحرص على الجوامع، جوامع الكلم، ويحرص على ما هو بأمس الحاجة إليه الأهم فالأهم، لا يشتغل في هذه المواضع التي هي من أماكن إجابة الدعاء بالأمور التافهة، يجعل همته أعلى، فيجعل الآخرة نصب عينيه، وما يهمه من أمر دنياه أيضاً يدعو به، ومنهم من قال: إن الدعاء في هذا الموطن بأمور الدنيا لا يجوز، بل قال بعضهم: إنه يبطل الصلاة، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لعموم قوله: ((ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به)) وهذا عام لأمور الدين وأمور الدنيا وأمور الآخرة. "متفق عليه، واللفظ للبخاري". الجزء: 18 ¦ الصفحة: 28 وله أيضاً قال: "كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام)) " يعني لو أن المؤلف قدم هذه الرواية لكان أولى، وعلى كل حال هذا تشهد ابن مسعود، ويرجحه كثير من أهل العلم على غيره من التشهدات، وهو مروي عن أصحابه، ولا يختلفون فيه، وهو أيضاً مروي عن غيره من الصحابة، وهو مرجح عند أحمد وغيره، على تشهد ابن عباس الآتي، وعلى غيره من التشهدات، لكن مثل هذا الاختلاف في هذه الصيغ شأنه شأن الاختلاف في دعاء الاستفتاح، الاختلاف فيه اختلاف تنوع وليس باختلاف تضاد، نعم لو كان هناك تضاد لقلنا بالترجيح؛ لأن الذي اختار تشهد ابن مسعود رجحه، وألغى ما عداه، الذي اختار تشهد ابن عباس رجحه وألغى ما عداه، وقل مثل هذا في التشهدات الأخرى، لكن المرجح عند شيخ الإسلام ابن تيمية أنه من باب اختلاف التنوع، فمرة يتشهد بتشهد ابن مسعود، ومرة يتشهد بتشهد ابن عباس، ولذا أردفه بقوله: "وعن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وعن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" يعني يهتم بالتشهد -عليه الصلاة والسلام- كما يهتم بالقرآن، يهتم به، بحفظه من قبل الصحابة بلفظه؛ لأنه متعبد به كالقرآن. "كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: ((التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً)) " إيش عندكم يقول: عبده ورسوله؟ طالب: رسول الله. ويش عندك؟ طالب: رسول الله. الطبعة عندك رسول الله؟ طالب: إي نعم. إيه لا عندنا: ((عبده ورسوله)) والذي في صحيح مسلم: ((وأشهد أن محمداً رسول الله)) وهذا مما يختلف فيه تشهد ابن عباس عن تشهد ابن مسعود، وفيه أيضاً التحيات المباركات ... إلى آخره. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 29 بعض أهل العلم يرى أن يلفق من هذه التشهدات تشهد واحد، فتؤخذ الزوائد من تشهد ابن عباس وتوضع في تشهد ابن مسعود، لكن هذا ليس بصحيح، الأولى أن يقال: إن هذا اختلاف تنوع وليس فيه تضاد، فيقال هذا تارة وذاك تارة أخرى. "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد" وجاء أيضاً الأمر به، ((إذا تشهد أحدكم فليقل)) فهذا دليل على أن التشهد واجب وفريضة، وبالنسبة للتشهد الأول من أهل العلم من يرى أنه سنة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تركه نسياناً، وجبره بسجود السهو، ولو كان واجباً لما كفى فيه سجود السهو، وهو واجب عند الحنابلة، وجمع من العلماء أنه واجب، لكنه يجبر بسجود السهو. التشهد الثاني أيضاً يختلف فيه أهل العلم، وهو عند الحنابلة ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا به، ومن أجل ذلك قال المؤلف: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله" وهي رواية من روايات الحديث السابق. "رواه النسائي والدارقطني، وصحح إسناده" ولا شك أن إسنادها صحيح. "وقال عمر -رضي الله عنه-: لا تجوز صلاة إلا بتشهد" رواه سعيد وغيره" لكن إسناده ضعيف، وعلى كل حال الذي قبله يغني عنه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 30 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (20) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما المرجح عندكم في الإشارة بالسبابة في جميع الجلسات في الصلاة؟ أما جلستي التشهد الأول والثاني الأمر واضح، وليست هي محل الخلاف، والإشارة تكون عند الشهادة يرفع الإصبع عند الشهادة؛ لأنها علامة على الشهادة، وتحرك أثناء الدعاء، هذا بالنسبة للتشهد، وأما بالنسبة للجلسة بين السجدتين، جلسة الاستراحة ليس فيها شيء من هذا، وضع اليد اليمنى مثل وضع اليد اليسرى، توضع على الفخذ، وأما بالنسبة لمحل الخلاف الذي هو بين السجدتين فجاء ما يدل عليها وما يشملها مع غيرها من أنواع الجلسات، ويتمسك به من يجري هذه الأحاديث على ظاهرها ويصححها؛ لأنها جاءت في الصحيح، ويعمل بها، والمبتدئ أمثالنا ممن لا يعرف القدح بالقرائن فمثل هذا ليس له إلا أن يعمل بما بلغه، فيعمل بمثل هذه، ومن قلد بعض المتقدمين الذين عللوا هذه الروايات، وحكموا بشذوذها فالأمر إليه، ولذلك قيل هذا وهذا، وعلى كل حال الأمر فيه سعة بالنسبة للجلسة بين السجدتين، ولا شك أن رفع الإصبع علامة أيضاً على الدعاء كما هو الشأن في الخطبة وغيرها، يحركها يدعو بها، فهو إشارة إلى الدعاء، وموطن الدعاء لو حركت فيه الإصبع من أجله لكان له وجه. هذا يقول: نرجو بيان إشكال كثير من طلاب العلم في مسألة التصحيح والتضعيف، وهم غير متخصصين في علم الحديث، ما العمل بالنسبة لهم في تقليد الأئمة في هذا الشأن؟ فهل يلتزمون عمل المتقدمين أم المتأخرين؟ وهل يصح لهم الأخذ بحكم العلماء في حديث وتركه في حديث آخر؟ الجزء: 19 ¦ الصفحة: 1 هؤلاء مسألة التخريج وجمع الطرق يمكن لا تصعب عليهم، يمكن هذا أمر لا يصعب عليهم؛ لأن الآلات الآن تخدم، وأيضاً الكلام على الرجال من خلال كتب الرجال قد لا يشق عليهم، لكن الكلام في الترجيح، الترجيح بين أقوال الأئمة الذين لهم أكثر من قول في الرجل الواحد، هذا يشق عليهم، وأيضاً أقوال الأئمة في الحكم على الأحاديث، فإذا صحح إمام، وضعف إمام، كيف يعمل مثل هذا؟ هذا ليس في مقدوره إلا أن ينقل أقوال أهل العلم، ويترك الباقي لمن يستطيع أن يرجح، يستوي في ذلك الكلام في الرجال والكلام على الأحاديث، فهذا يقرب المادة، ويجمع المادة لمن تأهل للترجيح. يعني قد يقول قائل: المفترض أن مثل هؤلاء الذين ليسوا من أهل الاختصاص أن لا يدخلوا في هذا الباب؛ لأن من دخل في شيء لا يحسنه قد يفسد أكثر مما يصلح، نقول: هذا إذا اعتمدوا الترجيح وهم ليسوا بأهل له قد يفسدون أكثر مما يصلحون، لكن إذا جمعوا مادة يستفيد منها من تأهل نقول: هذا أمر جيد، ولا يحرمون من هذا العلم. يقول: ذكرتم أنكم وصلتم في التفسير إلى سورة يس؟ نعم في تفسير القرطبي وصلنا إلى سورة يس. ولكن لم تفرغ في أشرطة، فهل لديكم نية في تفريغها؟ فإننا طلبة العلم بأمس الحاجة لما لأهمية التفسير لطالب العلم، نسأل الله ... إلى آخره. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 2 أما بالنسبة لتفسير القرطبي فأمضينا فيه الآن خمسة عشر عاماً، ووقفنا على الجزء الخامس عشر، اللي في سورة يس، وكانت الطريقة عندنا أننا لا نرتضي التسجيل، حتى ولا الإعلان ولا غيره، هذا أول الأمر، ثم بعد ذلك كثرت الضغوط، فأدخل التسجيل، وبدأ التسجيل أظن من سورة هود، قبلها ما في تسجيل، ومع ذلك التعليق على تفسير القرطبي ليس معناه أنه تفسير مفصل وموضح، ويحل إشكالات، ويجمع أقوال، لا لا، تفسير بقدر الحاجة؛ لأنه تفسير مطول، يعني إذا طول التعليق على هذا التفسير معناه أنه ما ينتهي أبداً، فالمؤلف قام بهذه التفصيلات، ومجرد يعني توفيق بين أقوال، أو تضعيف قول، أو توجيه قول، وما أشبه ذلك، يعني التعليقات ليست مطولة، كما هو شأن تفسير الجلالين مثلاً، يعني استطال الإخوان تفسير القرطبي قبل خمس سنوات، وقالوا: لعلنا نعدل إلى تفسير مختصر، فبدأنا بتفسير الجلالين، وأخذنا سنة ونصف في ورقة من البقرة، في الفاتحة وورقة واحدة من البقرة، فهذا الذي يحتاج إلى تفصيل، ويحتاج إلى تطويل، ويحتاج إلى توضيح، مزيد توضيح، وزيادة أقوال وترجيح، أما بالنسبة للقرطبي فما أظن يعني .. ، يعني لو فرغ منه فوائد فقط، يعني يسمع طالب العلم الشريط، ويذكر فوائد هذا الشريط، سواءً كانت من أصل التفسير أو من التعليق هذا جيد، أما أن يفرغ كل شيء! فالقرطبي يعني معروف أنه في كم ورقة؟ إذا قلنا: عشرين مجلد في مائتي صفحة، أو تزيد أحياناً إلى ثلاثمائة، يعني خمسة آلاف صفحة، يعني إذا فرغ كيف يكون؟ فأقول: التفريغ لعله يقتصر فيه على فوائد التفسير، سواءً كانت من الأصل أو من التعليق، ويكون هذا -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما العمل في الأخذ بفقه حديث يصححه البعض ويضعفه البعض الآخر بالنسبة لغير المهتمين بهذا؟ وهل يلزمنا الأخذ بحكم عالم واحد؟ الجزء: 19 ¦ الصفحة: 3 غير المهتمين يعني غير المختصين الذين لديهم أهلية لفهم هذا العلم، والوصول إلى الأقوال الراجحة من أقوال أهل العلم في الرواة وفي الأحاديث، هذا حكمه حكم العامي فرضه التقليد، تقليد الأئمة، وبالنسبة للتصحيح والتضعيف لا شك أنها من الوسائل التي يثبت بها الحديث، أو لا يثبت، ثم بعد ذلك ثبوت الحديث وعدمه ينبني عليه الحكم المستنبط من هذا الحديث، فهو يقلد في الحكم لا في التصحيح والتضعيف؛ لأن هذه الوسائل لا تعني العامي ومن في حكمه، العامي ومن في حكمه بصدد سؤال أهل العلم عن الحكم الشرعي، وأما وسائل ثبوت الحكم، وكيفية استنباط الحكم هذا لا يعني العامي، إنما يسأل أهل العلم فيما يشكل عليه فيما هو بصدد العمل به الذي هو الحكم، فإذا سأل طالب العلم المبتدئ إلا إذا كان يريد أن يتعلم من هذا العالم، أما إذا كان يريد أن يعمل فيكفيه أن يسأل عن الحكم، ثم بعد ذلك إذا سأل عن دليله من أجل التعلم، ثم إذا سأل عن الدليل سأل عن ثبوته وعدمه، وعن رجاله ورواته هذه دراسة ما هو بسؤال لأهل العلم. بعض أهل العلم يرون أن السترة واجبة، ورأيت بعض طلبة العلم إذا انتهى الإمام من صلاته قام ليكمل الصلاة -يعني المسبوق- فإذا لم يجد سترة أمامه تقدم حتى يجد سترة، فما حكم ذلك؟ أولاً: الذي يقضي ما فاته حكمه حكم المنفرد، ولعل القول بوجوب السترة على المنفرد هذا حكمه، لكن قد يفرق بين المنفرد ابتداءً الذي يبحث عن السترة قبل أن يدخل في الصلاة هذا قد يقال بلزومها بالنسبة له على القول بوجوبها، وإلا فجماهير أهل العلم على أنها مستحبة ليست بواجبة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت في الصحيح أنه صلى إلى غير جدار، يقول ابن عباس: يعني إلى غير سترة، والأوامر التي جاءت في اتخاذ السترة لا شك أنها مصروفة بمثل هذا الحديث من الوجوب إلى الاستحباب. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 4 المسبوق إذا قام ليقضي حكمه حكم المنفرد، ويؤثر على صلاته ما يؤثر على صلاة المنفرد، فإذا مر بين يديه شيء ممن يقطع الصلاة قطعها؛ لأنه منفرد في هذه الحالة، فإذا بحث عن سترة إذا كانت قريبة منه يصل إليها بخطوة ونحوها هذا قد يقال له: تقدم إلى هذه السترة، أو يمنياً أو شمالاً، أما إذا كانت تتطلب عملاً كثيراً فلا. يقول: حديث الحسن بن علي الذي ذكره ابن عبد الهادي أنه مما ألزم الشيخان بإخراجه رواه الحاكم، وقال: الحديث أشهر من أن يذكر إسناده وطرقه، رجعنا إلى الأخبار الصحيحة في الآداب مما لم يخرجه الشيخان؟ أصل تأليف المستدرك إلزام للشيخين؛ لأنه يخرج أحاديث احتج بمثلها الشيخان، فهو مستدرك على الصحيحين، وهذه ليس فيها يعني مما يدل على الإلزام إلا ما يدل عليه عموم الكتاب، وإلزام الدارقطني أقوى من إلزام الحاكم، سماها إلزامات، وذاك سماه استدراك. هل يدعو في التشهد الأول أم في التشهد الأخير قبل السلام؟ نعم جاء ما يدل على ما سيأتي من رواية مسلم أنه في التشهد الأخير. يقول: ما رأيك في مؤلفات الشيخ علي الطنطاوي خاصة ما يتعلق بالأدب؟ الشيخ علي -رحمة الله عليه- فقيه، معروف أنه فقيه حنفي، تولى القضاء مدة طويلة جداً، تولى التدريس، فهو عالم شرعي، إضافة إلى عنايته التامة في الأدب، وأيضاًَ دفاعه عن الفضيلة، ودفاعه عن الدين وأهل الدين هذا أمر معروف، كتاباته في الصحف المصرية وغيرها أمر يشهد له بذلك، يعني أمر لا يحتاج إلى استدلال، فهو محسوب على أهل العلم من جهة، وعلى الأدباء من جهة أخرى، فطالب العلم لا سيما مذكرات الشيخ علي فيها فوائد علمية كثيرة، وفيها متعة لطالب العلم، يستجم بها طالب العلم، وفيها أيضاً طرائف وأخبار وغرائب، فهو خير من يقرأ له من الأدباء. يقول: إذا أطال الإمام في الجلسة بين السجدتين فهل يجوز لي الدعاء بغير الوارد؟ نعم هو موطن دعاء، لكن من أهل العلم من قال: إنه يقتصر على الوارد ويكرره، ومنهم من قال: الأمر فيه سعة، إذا أتى بالوارد وأتى بدعاء مطلق لا يتعبد به في هذه الجلسة. هل قبض اليمنى في التشهد له ثلاث صفات أم صفتان؟ الجزء: 19 ¦ الصفحة: 5 ذكر بعضهم أنها خمس صفات، لكن منها ما يدخل في بعض، فمنها قبض الأصابع كلها، ومنها ما يجعل فيه الإبهام على الأصابع الثلاثة، ومنها التحليق، ومنها ما يجعل الإبهام في باطن السبابة. هل قال العلماء بأنه يجوز أن يمر المار بين يدي المصلي في الحرم خاصة؟ أولاً: جاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في الحرم من غير سترة، ومن غير جدار، ويمرون بين يديه، وجاء عنه أنه يقطع الصلاة ثلاثة: المرأة والحمار والكلب، وجاء أن من استتر عليه أن يدفع من أراد أن يجتاز بين يديه، ولا شك أن أيام المواسم وأيام الزحام فيها مشقة عظيمة على المصلي وعلى المار، والمشقة عند أهل العلم تجلب التيسير، فإذا لم يستتر ليس له أن يدفع، وإذا استتر دفع، وإذا استتر فإنه يدفع، وليس للحرم في أيام السعة مزية على غيرهن، لا بد أن يستتر، ولا بد أن يدفع على الخلاف في حكم السترة، لكن إذا مرت المرأة في وقت السعة بينه وبين سترته يعيد صلاته، أما في أوقات الزحام وأوقات المواسم فإن هذا يستدل بصلاته -عليه الصلاة والسلام- من غير سترة، والناس يمرون بين يديه، والناس يدخل فيهم الرجل والمرأة. يقول: ألا يستدل على مشروعية الإشارة بالسبابة بين السجدتين بحيث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس بين السجدتين قبض أصابعه وأشار بالسبابة، رواه أحمد، وصححه ابن خزيمة؟ نعم هذا من أدلة من يقول بهذا، لكن ليعلم أن الروايات الدالة على الإشارة في الجلسة بين السجدتين تكلم فيها كثير من الحفاظ، وعلى كل حال الأمر فيه سعة، مثل ما قلنا: الذي لا يستطيع أن يغوص على المعاني التي من أجلها تكلم الحفاظ الكبار، وعمل بالقواعد -قواعد المتأخرين- وقلدهم الأمر فيه سعة. يقول: صاحب سيارة صدم حمامة غير متعمد ولم تمت، ولكن انكسر أحد جناحيها، وغالباً والحالة هذه أنها ستموت، فما الحكم في حقه؟ الجزء: 19 ¦ الصفحة: 6 جاء في قتل الصيد في الحرم وحال الإحرام التقييد بالتعمد {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ} [(95) سورة المائدة] وهذا يدل على أن غير المتعمد لا شيء عليه، لكن عامة أو جمهور أهل العلم يرون أن عليه الجزاء؛ لأنه إتلاف، وهذا من ربط الأسباب بمسبباتها، فلا يشترط فيه العمد ولا غيره، وأن العمد وصف كاشف، وأنه هو الصفة الغالبة لمن أراد أن يصطاد في الحرم أو في حال الإحرام، يعني حكمه على الغالب، وليس بقيد، فيه إتلاف، وفيه أيضاً ربط للسبب بالمسبب، الإثم يرتفع إذا لم يكن عمد، وتبقى الكفارة كما هو الشأن في قتل النفس المعصومة خطأ من غير عمد عليها آثارها المترتبة، لكن الإثم مرتفع، واللفظ أو القيد واضح من الآية، يعني من قال بأنه لا شيء عليه الدلالة ظاهرة من الآية. يقول: لقد هممت على اختصار المبدع لابن مفلح لنفسي، لكي أضبط المذهب الحنبلي بأدلته، فما توجيهكم؟ ذكرنا مراراً أن الاختصار اختصار الكتب من أعظم ما يعين على التحصيل، وهذا منها إذا اختصر المبدع يعني بدلاً من أن يكون في عشرة مجلدات اختصره في مجلدين، ونقل ما يحتاج إليه من الشرح على المتن يكون عمله جيد، ويضبط المذهب بهذه الطريقة. يقول: هل يُنكر على بدأ بالسلام -التحية- بقوله: سلام الله عليكم أو عليك ورحمته وبركاته، بدلاً من السلام عليك؛ لأن البعض يمنع من ذلك، ويقول: الله هو السلام فكيف تقول: سلام الله؟ السلام اسم من أسماء الله -جل وعلا-، وهو أيضاً دعاء بالسلامة على المسلم عليه، وأهل العلم يقولون: يخير في السلام بين تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، فسواءً كان بالتعريف أو بالتنكير يحصل المقصود، ولا شيء في ذلك أبداً -إن شاء الله تعالى-. يقول: حديث ابن مسعود: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفي بين كفيه، استدل به على مشروعية المصافحة بالكفين، فهل هذا الاستدلال صحيح؟ هذا ليس بصحيح؛ لأن هذه ليست تحية، وإنما هي من باب أن يعتني ابن مسعود بما يعلمه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وينتبه له. يقول: ما حكم التسبيح بالسبحة؟ وما قول الجمهور فيه؟ الجزء: 19 ¦ الصفحة: 7 الأصل أن التسبيح يكون بالأنامل؛ لأنها المستنطقة، كما جاء في الحديث، فيسبح الإنسان بأنامله، وقد وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين إلى ذلك، ولكنه لمن ينكر عليها، ولم يعنف عليها تسبيحها بالحصى، فمن أطلق الكراهة له وجه، ومن قال: إنها خلاف الأولى أيضاً له وجه آخر. يقول: ما أفضل طبعة لجامع الترمذي؟ أما بالنسبة لما تولاه الشيخ أحمد شاكر الجزء الأول والثاني فهذه طبعة لا مزيد عليها، وأما الثلاثة الأخيرة فلا قيمة لها، لا سيما الرابع والخامس، وطبعة بشار أشار إليها. وهل في طبعة بشار عواد يوجد فيه سقط في بعض الأحاديث؟ بعضهم يقولون: إن فيها سقطاً، أنا ما قابلتها على غيرها، لكن عناية الدكتور واضحة، وهو من أهل العناية والإتقان والضبط، فيستفاد منها مع طبعة الشيخ أحمد شاكر. يقول: ما هي أفضل طبعة لمصنف ابن أبي شيبة؟ هل هي طبعة محمد عوامة؟ المصنف طبع بالهند منه خمسة أجزاء قديمة، ثم أكمل بعد ذلك قبل خمسة وعشرين سنة، أو ثلاثين سنة، وهذه طبعة معروف أن فيها سقط، وفيها تحريف، وفيها خلط عجيب، ثم بعد ذلك طبع في بيروت مراراً، اعتماداً على هذه الطبعة الهندية، وهي طبعات سيئة، ثم حقق من قبل بعض الإخوة من طلاب العلم، الجمعة واللحيدان تحقيق لا بأس به في الجملة، لكن لم يبلغا فيه الغاية، لكنها أفضل من الطبعة الهندية بكثير، ثم حققه الدكتور محمد عوامة، وتحقيقه جيد في الجملة إلا أنه قد يتصرف من غير أصل، وهذا لا شك أنه خلل في التحقيق، وإلا فضبطه للمتون، وأيضاً تعليقاته فيها فوائد، والآن بعض المشايخ يحققه، وجمع له نسخ، ويقول: إنه فرغ منه أو قارب، ويطبع منه أجزاء، وذكر لنا أشياء تدل على أن طبعته أفضل من جميع الطبعات، واستدرك على بقية الطبعات، وهو مظنة للتجويد، يعني الشيخ سعد الشذري مظنة للتجويد في مثل هذا، وله عناية أيضاً على أن تخصصه في الفقه وأصوله وما يتعلق به، إلا أنه له عناية بالسنة، وهذا من توفيق الله له، أن يضم إلى الفقه العلم بالسنة. يقول: ما أهمية هذين الكتابين؟ وما أفضل طبعة لهما: الحاوي الكبير للماوردي؟ الجزء: 19 ¦ الصفحة: 8 هذا الكتاب على اسمه كتاب كبير، وعمدة عند الشافعية، ومؤلفه الماوردي إمام من أئمتهم، فهو كتاب مرجع لمعرفة الأحكام الفقهية في هذا المذهب، ويشير إلى الأقوال الأخرى، لكنه عمدة عند الشافعية، ويمكن أن يعول عليه في نسبة الأقوال لهذا المذهب، فهذه أهميته من هذه الحيثية، وهو أيضاً محقق في رسائل جامعية في جامعة أم القرى، لكن لا أدري ماذا طبع منه؟ طبع منه بعض الرسائل، لكنه لم يكمل، وطبع كاملاً في بعض المطابع التجارية التي لا تعتني بالتحقيق. المفهم شرح تلخيص مسلم للقرطبي يقول: ما أهميته؟ وما أفضل طبعة له؟ وأهميته بين شروح مسلم؟ المفهم أولاً: ليس بشرح لصحيح مسلم الأصل، وإنما هو شرح للتلخيص تلخيص القرطبي، لا تلخيص المنذري، القرطبي اختصر مسلم وشرحه بالمفهم، والقرطبي المراد به أبو العباس شيخ أبي عبد الله صاحب التفسير، شيخه، وأهميته الكتاب مهم جداً باعتبار أنه يعنى بفقه المالكية وفيه أيضاً من مسائل تخريج الفروع وربطها بالأصول هذا أيضاً يفيد كثيراً طالب العلم، وعلى كل حال صحيح مسلم فيه إشكالات كثيرة جداً لا تنحل إلا بجمع جميع الشروح، يعني البخاري قد تقول: أكتفي بفتح الباري؛ لكن جميع شروح مسلم المطبوعة لا تعادل فتح الباري في حل الإشكالات، وكشف الغوامض، وما أشبه ذلك، فطالب العلم صاحب العناية يجمع هذه الكتب كلها بما فيها المفهم. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: الجزء: 19 ¦ الصفحة: 9 وعن فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) ثم دعاه فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه -جل وعز- والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بعد بما شاء)) رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي، والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي موضع: على شرطهما، وفي لفظ بعضهم: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)). وعن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) عندك إبراهيم؟ ((كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد)) لا، كما صليت؟ ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد)) ما عندك آل في الثانية كما باركت؟ ((كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)) رواه مسلم، ورواه أحمد والدارقطني والحاكم بنحوه، وعندهم: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وهذه الزيادة تفرد بها ابن إسحاق، وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث فزال ما يخاف من تدليسه، وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم. يكفي، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 19 ¦ الصفحة: 10 "وعن فضالة بن عبيد" فضالة قالوا: على زنة سحابة، يعني بالتخفيف "قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) ثم دعاه، فقال له أو لغيره" (أو) هذه للشك، فقال له وهو أولى من غيره على كل حال، المقصود أن الراوي يحفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال، قال هذا الكلام: ((إذا صلى أحدكم)) فلا يدري أواجه به هذا الرجل أو قال لغيره: ((إذا صلى أحدكم ... )) إلى آخره، فهذا شك منه، ولعله نسي لطول العهد وشبهه. "سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته" الأصل أن الذي يسمع هو ما يجهر به، فهل الدعاء في الصلاة مما يجهر به أو مما يسر به؟ يعني قوله: "سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" دل على أن الرجل جهر في دعائه. أولاً: هل هذا الرجل الذي يدعو إمام أو مأموم أو منفرد؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 11 يعني الظاهر أنه منفرد؛ لأنه ليس بإمام بحضوره -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، وليس بمأموم إذ الأصل أن يصلي خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قيل: بأنه خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسمعه يدعو بهذا الدعاء وهو خلفه لما انصرف من صلاته قال له ما قال، اللفظ محتمل المقصود أنه جهر في دعائه بحيث سمعه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جهروا بالفاتحة، وراءه -عليه الصلاة والسلام- وشوشوا عليه، وقال: ((ما لي أنازع القرآن؟ )) فالقريب يسمع ولو لم يكن جهراً مثل جهر الإمام، ويحتمل أن يكون هذا الرجل كبير السن، وضعيف سمع، وعادة كبار السن مع ضعف السمع أنهم يجهرون، يعني يسمع من بجواره من عن يمينه من عن شماله، يسمع قراءته، يسمع تسبيحه، يسمع دعاؤه، وهذا موجود في كبار السن؛ لأن سمعه ضعيف، فيريد أن يسمع نفسه، ويجزم بأنه دعا أو تكلم أو قرأ، أو ما أشبه ذلك، يعني تسمعون الكبار إذا أرادوا أن يتحدثوا رفعوا أصواتهم، وينقمون على الشباب حينما يتكلمون بكلام اللي يسمعونه فيما بينهم، ثم بعد هم لا يسمعون، يعني كأنهم يتناجون دونهم، فلعل هذا بهذه المثابة، إما لكبر سنه، أو لضعف سمعه رفع صوته بالدعاء، فسمعه النبي -عليه الصلاة والسلام-. "سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني ظاهر أن هذا في التشهد، أن دعاءه هذا في التشهد، ولم يقرأ التشهد الذي فيه التمجيد والتحميد، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يدعو في صلاته، والصلاة يعني جاءت مع الدعاء، يدعو في صلاته وإلا لو لم يقل، أو لو قال: رجلاً يصلي لم يمجد الله، قلنا: احتمال أن تكون الصلاة لغوية وهي دعاء، أو لو قال: يدعو ما في إشكال أنه الدعاء المعروف من غير صلاة، لكن يدعو في صلاته الدعاء هو المعروف، والصلاة هي الصلاة الشرعية، ولا يمكن حملها على الصلاة اللغوية؛ لأنه يدعو في دعائه، ما يجي. "يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى" لم يقرأ التحيات التي سبق الحديث عنها، فيها تحميد، وفيها تمجيد لله تعالى، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 12 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) " أراد أن يستغل الصلاة بالدعاء، لكن الدعاء لا بد له من مقدمات ووسائل يتوسل بها إلى القبول من الله -جل وعلا-، فالإنسان إذا دعا يتوسل إلى الله -جل وعلا- بتحميده وتمجيده، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-. هل يمكن أن يقال: إن هذا الرجل يدعو في صلاته في السجود لم يمجد الله ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو بين السجدتين؟ هل يمكن أن يقال هذا؟ لكن ترتيب الدعاء في هذا الحديث، ترتيب الأمور في هذا الحديث، تمجيد، ثم صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم دعاء، هذا يدل على أنه في التشهد كما بينته الأحاديث السابقة واللاحقة، أما الدعاء في السجود جاء فيه الإجمال: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولم يشر في حديث من الأحاديث لا تمجيد ولا صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك تقدم أن الدعاء بالجمل الخمس أو السبع بين السجدتين ليس فيها تمجيد، وليس فيها صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلم يبق إلا الدعاء الذي في آخر الصلاة ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) ويقدم قبل ذلك التحميد والتمجيد في التحيات، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الإبراهيمية التي ستأتي، ثم بعد ذلك يدعو. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 13 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) " وكذا لو دعا خارج الصلاة فإنه يتوسل إلى الله -جل وعلا- بتحميده وتمجيده، ويثني بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويختم بها خارج الصلاة كما هو معروف، وجاءت به النصوص، لكن نجد بعض الناس في دعاء القنوت مثلاً وهو مما يشمله مثل هذا تجده يكون التمجيد طويل جداً، ولا شك أن في مثل هذا توسل إلى الله -جل وعلا- بما يحبه من حمده والثناء عليه، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعضهم يطيلها بصيغ متعددة، بعضها ثابت، وبعضها غير ثابت، ثم يترتب على ذلك إطالة الدعاء بحيث يشق على المأمومين، فلو اقتصر من التمجيد على ما يكفي، وينطبق عليه هذا الأمر، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بصيغة مأثورة، ثم بعد ذلك يدعو بجوامع الكلم، ولا يطيل على الناس. بعد هذا في القنوت في الدعاء ترفع اليد، لكن أثناء التمجيد ترفع اليد وإلا ما ترفع باعتباره وسيلة إلى الدعاء؟ الأصل أن رفع اليدين في الدعاء، يعني تسمعون الأئمة في المسجد الحرام مثلاً بعضهم يستغرق في التمجيد وقت وفي غير المسجد الحرام، يأخذ بحمد الله والثناء عليه وذكر أوصافه ونعمه وتعدادها، ثم بعد ذلك يصلي على النبي، متى يبدأ رفع اليدين؟ من أول ما يشرع بالتمجيد أو من الدعاء؟ هل نقول: إن الوسيلة لها حكم الغاية؟ وهي مقدمة بين يدي الدعاء فترفع اليد من شروع الإمام بالتمجيد، أو نقول: إن رفع اليدين خاص بالدعاء فلا ترفع اليد إلا في الدعاء ووقت التمجيد تكون على وضعها في الصلاة مقبوضة، فإذا بدأ بالدعاء شرع بالدعاء رفع يديه سواءً كان الإمام أو المأموم الذي يؤمن؟ الأظهر أن علاقة رفع اليدين إنما هي بالدعاء فلا ترفع اليد إلا في وقت الدعاء. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 14 "ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((عجل هذا)) " فعلى هذا الإنسان الذي يدعو الله -جل وعلا- بأي أمر من الأمور سواءً كان من أمور دينه أو دنياه، فيقدم بهذه المقدمة بتحميد وتمجيد وصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويتوسل إلى الله -جل وعلا- بما يقربه منه وبما يحبه، والتوسل بالأعمال الصالحة أيضاً ثابت في حديث الثلاثة، لكن هل يشرع مثل هذا في الصلاة؟ أو في القنوت مثلاً؟ الصلاة يحتاط للدعاء فيها أكثر مما يحتاط في غيرها؛ لأنها توقيفية الصلاة، وقد يسترسل الإنسان في بعض الأمور التي تكون سبباً في إبطالها، في إبطال الصلاة وهو لا يشعر؛ لأن بعض الأدعية التي تجري على ألسنة بعض الأئمة هي جملة خبرية، لا علاقة لها بالدعاء ولا بالثناء ولا بالتمجيد، بل بعضهم يذكر من المقدمات، ما لا صلة له بالصلاة ولا بالدعاء، فهذا مظنة لأن تبطل صلاته وصلاة من ورائه بهذا السبب، فعلى الإنسان أن يحتاط لمثل هذا، لا يعرض صلاته للبطلان ولا صلاة من رواءه. بعضهم يأتي بألفاظ صحفية: "اللهم عليك بأعداء دينك" هذا صحيح "الذين يصطادون في الماء العكر" الذين يفعلون ويفعلون، يسترسل كأنه يقرأ في صحيفة، هذا لا علاقة له بالصلاة ولا بالدعاء، ولا مما يتوسل به لقبول الدعاء، هذا خبر هذا، هذا مبطل للصلاة، ومع ذلك سُمع، فالتوسع في مثل هذا غير مرضي، فالصلاة توقيفية ومظنة، ولا يصلح فيها كلام الناس، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-. "ثم دعاه فقال له أو لغيره" هو أولى الناس بتوجيه الخطاب لأنه هو السبب، سبب ورود الخبر، هو السبب، فهو أولى من غيره بأن يوجه له هذا الكلام، وأيضاً من سمع لئلا يقتدي به أيضاً له مزيد عناية كالقائل؛ لأنه لو لم يقل له النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا فمن سمعه يقتدي به؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقره، فالقائل أولى الناس الذي هو سبب الورود، وكذلك من سمع، ثم بقية الأمة لأن هذا شرع. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 15 "فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم)) " إذا صلى قلنا: إن الفعل الماضي يطلق ويراد به إذا أراد ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) يعني إذا أراد الدخول {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، يعني يطلق الفعل ويراد به إرادته، كما أنه يطلق الفعل ويراد به الشروع فيه ((إذا ركع فاركعوا)) ويطلق ويراد به الفراغ منه ((إذا كبر فكبروا)). ((إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتمجيد ربه)) المقصود بالصلاة هنا الدعاء، والدعاء في الصلاة من باب أولى؛ لأنه هو سبب الورود، في سبب الورود يدعو في صلاته، فإذا صلى يعني دعا، والمراد به الدعاء في الصلاة كما نص عليه في سبب الورود ودخول السبب في النص -على ما يقول أهل العلم- قطعي، نعم هو فرد من أفراد العام لا يقصر عليه، لكن دخوله في النص قطعي، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فقوله: ((إذا صلى)) يعني إذا دعا، لكن الدعاء في الصلاة أولى ما يعتنى به في هذا الأمر. ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه)) في بعض النسخ: ((بتحميد)) التمجيد مرتبة ثالثة بالنسبة للتحميد مرتبة ثالثة، كيف؟ ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله قال الله: حمدني عبدي)) الحمد لله رب العالمين ((فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي)) فهذه مرتبة ثالثة ليس التحميد معناه التمجيد، وليس التحميد أيضاً معناه الثناء، فالحمد غير الثناء، والثناء غير التمجيد بدلالة حديث أبي هريرة في الصحيح. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 16 ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه -جل وعز- والثناء عليه)) في بعض النسخ: ((بالتحميد والثناء)) فدل على أن الثناء غير التحميد وغير التمجيد، ودلالة حديث أبي هريرة ظاهرة على هذا، وإن كان أكثر الشراح وأكثر المفسرين يفسرون الحمد بأنه الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية الجميلة الاختيارية، المقصود أن الثناء غيره، فالتحميد كما قال ابن القيم في الوابل الصيب: "ذكر المحامد" يعني التي يحمد بها الرب -جل وعلا- "مع حبه وتعظيمه، والثناء: هو تكرار المحامد" الثناء تكرار المحامد، كما قرر ذلك أيضاً ابن القيم في الوابل الصيب. ((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بعد بما شاء)) ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني هذا من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، فهل هو الذي قال -صلى الله عليه وسلم- أو غيره؟ وإذا وجد الاسم المجرد للنبي -عليه الصلاة والسلام- في كتاب مؤلف من كتب أهل العلم هل تزاد الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-، أو يترك كما هو، ويصلي الإنسان عليه في نفسه بدلاً من أن يتصرف في كتب الناس؟ الجزء: 19 ¦ الصفحة: 17 قال: ((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)) يعني هل يظهر أن هذه من صنيعه -عليه الصلاة والسلام-؟ هل يظهر أنها من قوله -عليه الصلاة والسلام-، أو مما قالها الرواة لأنهم مأمورون بهذا؟ كلما ذُكر مأمور المسلم أن يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام-، الظاهر أنها من غيره، ثم إذا كانت من غيره هل هو عمل مقبول أو غير مقبول؟ باعتبار أنها مزيدة في النص أو مزيدة في الكتاب سمع رسول الله رجلاً هل لأحد أن يقول: "صلى الله عليه وسلم" في كتاب ألفه صاحبه على هذه الكيفية، أو نقول: إن هذا تصرف في الكتب ولا يجوز؟ قالوا: إن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- والترضي على الصحابة قالوا: هذا من باب الدعاء، وليس من باب الرواية، باب الرواية يلتزم فيها بما ذكر، ولا تجوز الزيادة عليها، سواءً كانت رواية كلام الشارع أو كلام غيره، لكن إذا كان من باب الدعاء هذا ما فيه ما يمنع، وأهل العلم إذا زادوا في أنساب غير شيوخهم يأتون بكلمة هو، حدثنا قتيبة قال: حدثنا فلان غير منسوب، يقول المؤلف هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، فيميزون في الأصل. يقول: ألا يحمل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحدكم)) على الصلاة الشرعية بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام- في آخر الحديث: ((ثم يدعو بما شاء)) فهنا ذكر الدعاء، فقوله: إذا صلى أي الصلاة الشرعية. ما الذي يمنع من إرادة الصلاة الشرعية؟ هو إذا صلى في الصلاة الشرعية، يعني إذا دعا في الصلاة الشرعية، لكن كلمة صلى هنا المراد بها إذا دعا، لماذا؟ لأنه لو قلنا: إذا صلى الصلاة الشرعية فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي معناه أنه إذا قال: الله أكبر يبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، هل يمكن أن يقال هذا؟ إذا كبر يستفتح ثم يقرأ الفاتحة، ولا يصلي على النبي ولا شيء، لكنه إذا دعا في الصلاة الشرعية يبدأ بما ذُكر في الحديث. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 18 ((ثم يدعو بعد بما شاء)) يعني إذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- التشهد الذي مضى والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- التي ستأتي يدعو بما شاء، بادئاً بما ورد: ((فليستعذ بالله من أربع)) على ما سيأتي أيضاً، ثم يختار من الأدعية ما شاء. "رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي والترمذي وصححه، وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي موضع: على شرطهما، وفي لفظ بعضهم: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)) " ما الفائدة من هذا اللفظ الذي أورده المؤلف بعد الأول؟ هناك: ((فليبدأ بتحميد ربه -عز وجل-، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-)) فيه حكم زائد وإلا ما فيه؟ يعني ما الفائدة من إيراد المؤلف لهذه الرواية لهذا اللفظ: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه))؟ اللهم إلا إذا كان لحظ الفرق بين تمجيد وتحميد، إذا كان لحظ هذا مع أنه في الموضعين ورد باللفظين، بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصلي، اللام هذه لام التعليل أو لام الأمر؟ فليبدأ لام الأمر هذه ما فيها إشكال؛ لأنها ساكنة بعد الفاء على الجادة، وجزمت الفعل فليبدأ لام الأمر، ثم ليصلي عندكم بالياء أو بدون ياء؟ طالب: بدون ياء. كيف بالياء؟ طالب: بدون ياء. بدون ياء أي طبعة؟ طالب:. . . . . . . . . نعم عندنا بالطبعة المفضلة عندنا بالياء، لكنه خطأ؛ لأنها لام الأمر، ولام الأم هنا تتقضي حذف هذه الياء، ثم ليصل، ومثله الأمر اللهم صل بدون ياء، وتجدون في بعض اللوحات التي تذكر الناس يكتبون اللهم صلي بالياء خطأ؛ لأن الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، ومضارعه يجزم بحذف هذه الياء. على النبي -صلى الله عليه وسلم-. "وعن أبي مسعود الأنصاري" عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، نسب إلى بدر لأنه سكنها ولم يشهدها في قول الجمهور، مع أن البخاري أثبته فيمن شهد بدراً في صحيحه، وأثبته مسلم في الكنى ممن شهد بدراً، لكن الأكثر على أنه لم يشهد بدراً، وإنما سكنها فنسب إليها. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 19 "عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة" سيد الخزرج "ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد" والد النعمان بن بشير، بشير بن سعد قال: "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله" يعني في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] صلوا أمر، وسلموا "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله" أولاً: السؤال نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((لا تسألوني)) وكانوا يحبون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ممن لم يسمع مثل هذا النهي، فيسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيستفيدون من سؤاله، يتحرجون من السؤال، بشير بن سعد لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله" سكت في الغالب كراهية لهذا السؤال أو لكونه ينتظر الجواب من الوحي، كثيراً ما يسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سئل، فإما أن يكون لكراهية السؤال أو لانتظاره الوحي؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، أو ليربي من يفتي بعده على عدم العجلة بالجواب؛ لأننا نسمع من يسأل فيجيب قبل أن ينتهي السؤال، هذا يحتاج إلى تربية، لا بد أن يسمع السؤال كاملاً، ويتأمل السؤال، ويستفصل إذا كان هناك شيء يستدعي الاستفصال، وأما العجلة فقد أوقعت كثير ممن يفتي في حرج عظيم، يسأل سائل يقول: إن ولدي يضربني، فما توجيهكم حفظكم الله؟ فقال: إن تأديب الابن أمر شرعي، وجاءت به النصوص، انقلبت المسألة، الولد هو الذي يضرب الأب، فالجواب أن تأديب الابن .. ، كأن الابن فهم أن تأديب الابن لأبيه أمر شرعي، هذا سببه إيش؟ سببه العجلة، وعدم التريث، وعدم فهم السؤال، وعدم استكمال السؤال، فكثيراً ما يسكت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولعله يعني مما يستفاد من هذا السكوت عدم العجلة في الجزء: 19 ¦ الصفحة: 20 الفتوى إلا بعد التأمل والنظر، والعجلة أوقعت كثيراً من المفتين في حرج عظيم مثل هذا نسأل الله العافية، وهناك أسئلة يعني سمعناها وسمعها غيرنا مضحكة يعني، جوابها جاء لا يمت إلى السؤال بأدنى صلة، وسببه كل هذا لأن المفتي استعجل من سُئل استعجل في الجواب. "فسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)) " يعني من نصوص أو نص سابق، أو عُلمتم، النبي -عليه الصلاة والسلام- علم أصحابه السلام، فتعلموا ويجوز أن يقال: علمتم وعُلّمتم، وجاءت الرواية بهذا وهذا. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 21 "رواه مسلم، ورواه أحمد والدارقطني والحاكم بنحوه، وعندهم: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وهذه الزيادة تفرد بها ابن إسحاق وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث فزال ما يخاف من تدليسه، وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم" فائدة هذه الزيادة "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ إذا صلينا عليك امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- في صلاتنا، فالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة فرد من أفراد العام المأمور به في آية الأحزاب "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" فرد من أفراد المأمور به في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" يعني دعونا لك بهذا اللفظ الذي أمرنا به في الصلاة، فهي فرد من أفراد العام، فلا يقصر العام عليه، يعني التنصيص على فرد من أفراد العام لا يقتضي القصر، يعني معنى هذا أنه يتم الامتثال امتثال الأمر بغير هذا اللفظ، يعني يتم الامتثال بهذا اللفظ وبغيره، وإلا لزمنا لو قصرنا العام على فرد من أفراده وهو ما جاء في هذا النص للزمنا أن نقول كلما سمعناه -عليه الصلاة والسلام- أن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد ... إلى آخره، ولا يتم الامتثال إلا بهذا، لكن هذا المذكور هنا إذا صلينا عليك في صلاتنا، فهو فرد من أفراد العام المأمور به، ولا يقتضي الحصر ولا القصر عليه، فيتم امتثال الآية بهذه الصيغة في هذا الموضع إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا، ويتم الامتثال أيضاً خارج الصلاة بقولنا: "صلى الله عليه وسلم" وهذا صنيع الأمة، والأئمة من عصره إلى يومنا هذا كلهم يقولون: صلى الله عليه وسلم، إلى أن جاء من تأثر ببعض البيئات كالصنعاني والشوكاني وصديق حسن خان، فقالوا: إنه لا يتم الامتثال حتى تضيف الآل على جميع الأحوال، نقول: لا، هذا فرد من أفراد المأمور به، والتنصيص على بعض الأفراد لا يقتضي التخصيص، وهو أيضاً في موضع خاص. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 22 فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فلا يلزم خارج الصلاة أن نقول: اللهم صل على محمد وآله، إذا قلت: صلى الله عليه وسلم كما هو صنيع الأئمة تم الامتثال في الآية؛ لأن الآية ليس فيها أكثر من هذا: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [(56) سورة الأحزاب] فإذا قلت: صلى الله عليه وسلم انتهى الإشكال وامتثلت، بينما يقول الصنعاني والشوكاني ويتبعهم صديق كما هي العادة تأثراً بالبيئة التي عاشوا فيها: لا بد أن تقول: وآله وإلا تأثم، ما تم الامتثال، وتبعاً لذلك قالوا: إن جميع العلماء الذين لا يقولون: وآله، يعني الأئمة -أئمة الإسلام كلهم- يعني هل تجدون في كتب الحديث وآله أو صلى الله عليه وسلم؟ بدءاً من الأئمة من أولهم من مالك إلى آخرهم، الذين ألفوا وكتبهم موجودة في أيدينا ما فيها ما ذُكر، ولا بحثوا هذه المسألة في روايتهم لهذا الحديث ولا لغيره، إنما قصروا هذه الصيغة "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" قالوا: لا، هؤلاء العلماء تركوا الصلاة على الآل مداراة للحكام؛ لأن بني أمية لا يرضون بالصلاة على الآل، أولاً: جميع المؤلفين ليسوا في عصر بني أمية إنما هم في عصر بني العباس وهم من الآل، ليسوا في عصر بني أمية، إنما هم في عصر بني العباس، فكيف يدارون آل البيت في الصلاة على الآل؟ قالوا: لا، إن هذا من باب: اقتلني ومالكاً، واقتل مالكاً معي، هذا كلام يقابل في مقابل هذه النصوص في تجهيل وتضليل أئمة الإسلام كلهم، وأنهم واطئوا الحكام وتركوا الصلاة على الآل؟ لا، بني العباس من الآل حتى قال القائل في مجلس المنصور وهو من الآل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء} [(69) سورة النحل] قال: يخرج من بطونها يعني من بطون آل البيت يتزلف للمنصور، فقال واحد من العوام الحاضرين: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون آل البيت، يعني بنو العباس من آل البيت، يعني كيف يمالئ مالك وأحمد والبخاري ومسلم، أئمة المسلمين كلهم يمالئون آل البيت .. ، هذا كلام ليس بصحيح؛ ولنعرف أن هذا يعني قصر العام على فرد من أفراده ليست طريقة علمية، ولذا يلزمنا أن نقول في قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم الجزء: 19 ¦ الصفحة: 23 مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) أننا ما نستعد بغير الرمي، لا، هذا فرد من أفراد العام، لا نستعد إلا بالرمي، معنى هذا لا نستعد بشيء الآن؛ لأن الرمي لا يفيد بعد. ففي صلاتنا نأتي بهذه الصلاة ولا يجزئ غيرها، خارج الصلاة يتم الامتثال بقولنا: صلى الله عليه وسلم، وليس معنى هذا أننا نقلل من شأن الآل، لا أبداً الآل هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المسألة علمية تقرر على قواعد أهل العلم، الآل وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهم حق علينا، يعني المتبع للنبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، وإلا غير المتبع ليس من آله، كما قال الله -جل وعلا- في ولد نوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [(46) سورة هود] وأيضاً الصحابة لهم حق عظيم، يعني لو قلنا: صلى الله عليه وآله وسلم وقلنا: إن المراد بالآل الأتباع شمل الصحابة، لكن ماذا يعني أننا نقتصر على هذا اللفظ ونترك اللفظ الصريح الذي يدخل الصحابة؟ لأننا إذا قلنا: وآله فقط نازعنا من نازعنا، وقال: أنتم أشبهتم بعض الطوائف التي لا يترضون على الصحابة، بل يلعنون الصحابة، لماذا لا نأتي بلفظ صريح يدخلهم؟ فإذا زدنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- أضفنا الآل نضيف الصحابة، يعني الآل لهم حق علينا، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، أيضاً الصحب لولا الصحابة ما وصلنا دين، كيف يصل الدين إلى التابعين من غير واسطة الصحابة؟ المكثرون من الصحابة قلة منهم من آل البيت، والبقية ممن عداهم من غيره، فالدين ما وصل إلى الأمة من التابعين فمن بعدهم إلى قيام الساعة إلا بواسطة الصحابة، فلهم بذلك علينا حق عظيم، فإذا أضفنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- مما يتم الامتثال بدونه فليكن أولى من نضيف الصحابة؛ لأن حقهم علينا عظيم، وكذلك الآل لا يبخس حقهم، وهذه ميزة أهل السنة والجماعة أنهم يتوسطون في أمورهم كلها، فهم في هذين البابين وسط بين الرافضة وبين النواصب، فيعترفون بما للآل من حق، ويعترفون بما للصحب من حق، ولا نشبه هؤلاء ولا نشبه هؤلاء. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 24 فالصلاة داخل الصلاة، إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا بهذه الصيغة، حتى أنهم قالوا: لا يجوز أن تقول: اللهم صل على سيدنا محمد؛ لماذا؟ لأن هذا اللفظ متعبد به، فلا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه، إلا ما جاء في بعض الروايات دون بعض، يعني كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، شيخ الإسلام يقول: ما ثبت الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم، مع أنه ثابت في الصحيح، وهذا يدلنا على أن الإنسان مهما بلغ من العلم والاطلاع والحفظ والإتقان والضبط وسعة في المحفوظ والإطلاع أنه لن يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] يعني كما نفى ابن القيم قال: لم يثبت الجمع بين اللهم والواو في قول: اللهم ربنا ولك الحمد، مع أنه ثابت في الصحيح، يعني قد يعتذر لشيخ الإسلام ولابن القيم أن النسخ التي بأيديهم على رواية ليس فيها الجمع؛ لأن روايات الصحيح مختلفة يوجد في بعضها ما لا يوجد في الآخر، وعلى كل حال هم بشر، يعني أئمة وكبار وأهل علم وعمل، لكن مع ذلك ليسوا بمعصومين. "ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد)) " الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من فسرها بالرحمة، ومنهم من فسرها بالثناء عليه بالملأ الأعلى كما ذكره البخاري عن أبي العالية. ((وعلى آل محمد)) ويختلفون في الآل، وبين ذلك ابن القيم -رحمه الله- في جلاء الأفهام، وذكر الخلاف والأدلة، لكنها في موضع قد يترجح قول، وفي موضع آخر قد يترجح قول، فهنا جاء في بعض الروايات أزواجه وذريته، فيدخل فيهم الأزواج، وجاء في بعض النصوص ما يدل على أنهم من تحرم عليه الصدقة، وجاء في بعض النصوص ما يدل على أنهم أتباعه على دينه، المقصود أن أولى ما يفسر به الحديث بالحديث، الرواية بما جاء الحديث الواحد بما جاء في بعض رواياته، الحديث بما جاء في حديث آخر، لكن إذا جاء في رواية أخرى فهي أقرب إليها من غيرها، مثل ما جاء في أزواجه وذريته. على كل حال آل محمد مختلف فيهم كما قال أهل العلم، ويشمل الأتباع، ويشمل الأزواج، ويشمل الذرية، ويشمل من تحرم عليهم الصدقة، فالمسألة على الخلاف المعروف بين أهل العلم. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 25 ((كما صليت على آل إبراهيم)) وثبت أيضاً: ((كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) الكاف هذه من يقول: إنها كاف التشبيه، يعني صلي عليه صلاة كصلاة على إبراهيم قالوا: كيف يشبه فيكون المشبه أقل من المشبه به، ومعلوم أن منزلة محمد -عليه الصلاة والسلام- أعظم من منزلة إبراهيم؟ هذا إشكال قائم عند أهل العلم، قالوا: إن هذه الكاف كاف تعليل، وليست بكاف تشبيه، ويش معنى تعليل؟ يعني لو قال الوالد لولده: أعطني كما أعطيت ولدك، الولد صغير وأعطي ريال مثلاً أو خمسة، هل يظن بالوالد أنه يقول: أعطني ريال أو أعطني خمسة؟ أو من حيث المبدأ أنت أعطيته الآن فأعطني، ولا يلزم أن يكون القدر واحد، يعني إذا أعطى الولد ريال ثم جاء الأب قال: أنت تعطي أولادك وتتركني وما أدري إيش؟ أعطني كما أعطيت ولدك، ليس المقصود به نفس المقدار، إنما للعلة التي وجدت، العلة أنك بدأت بالإنفاق؛ لأنه يقول له أبوه من يوم عشرين من الشهر: أعطني يا ولدي، أعطني يا ولدي، قال: انتظر حتى يطلع الراتب، حتى نستلم آخر الشهر، جاء في يوم من الأيام وأعطى أولاده، طيب أولادك ما انتظرت آخر الشهر، ولا انتظرت الراتب، أعطني كما أعطيتهم، ولا يعني هذا أن تعطيني نفس المقدار، ما يلزم منه هذا، إنما العطية بقدر الحاجة، ومثله لو قالت الأم، ومثله لو قالت الزوجة، ما يلزم أن تعطى بقدر ما أعطي الولد، أو ما أعطيت البنت، أو ما أشبه هذا. ((وبارك على محمد)) البركة هي الزيادة في كل شيء، الزيادة في منزلته -عليه الصلاة والسلام-، الزيادة في علمه الذي بثه وبلغه لأمته، الزيادة في عمله وعمل أمته -عليه الصلاة والسلام- التي هي في الحقيقة له من الأجر مثل ما لهم بسببها. ((وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين)) يعني كما نشرت ذكرهم، وزدت من فضلهم بحيث استفاض ذلك، واشتهر بين العالمين، فصار لنبيه -عليه الصلاة والسلام- أكثر مما حصل لإبراهيم وما حصل لآل إبراهيم. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 26 ((إنك حميد مجيد)) حميد فعيل، ومجيد كذلك، حميد فعيل بمعنى فاعل، يعني حامد، فالله -جل وعلا- حامد، وهو أيضاً فعيل بمعنى مفعول يعني محمود، محمود بكل لسان، فالحمد منه وله -جل وعلا-، والمجيد المجد الشرف، وله منه الغاية -جل وعلا-. ((والسلام كما قد علمتم)) فيما تقدم "رواه مسلم" إلى آخره، انتهينا من هذا الحديث؛ لأن الزيادة هذه شرحت. سم. وقال -رحمه الله-: وعن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي لفظ له: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع)). يكفي، يكفي. هذا يقول: ألا يمكننا القول بأن الكاف في قوله: ((كما صليت)) إنما هي لتشبيه الفعل بالفعل، مثل ما ورد في حديث: رؤية الله في الجنة، فليس هناك تشبيه لله بالقمر؟ يعني تشبيه رؤية برؤية، لا المرئي بالمرئي، قررنا مراراً في هذا الدرس وفي غيره أن التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، بل إذا وجد التشبيه من وجه كفى، كما في تشبيه الرؤية بالرؤية، وكما في تشبيه البروك الذي ذكرناه ببروك البعير، ومثل التشبيه أيضاً تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، ومثل تشبيه أول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، فما في أحد يقول: إن أول زمرة تدخل الجنة في الاستدارة للتشبيه من كل وجه، إذ لا يوجد في القمر عينان ولا أنف ولا فم، هل نقول: إن أهل الجنة بدون هذه الأشياء؟ لا، التشبيه من وجه دون وجه، وهذا الكلام له وجه أيضاً. فالتشبيه ((كما صليت)) يعني في الاشتهار والانتشار، لا في القدر المذكور، ثم بعد ذلك يؤول إلى ما قررناه سابقاً. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 27 "وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) " طلب أبي بكر هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه هذا الدعاء ليكون جامعاً من جوامع الأدعية، وإلا فقد دعا في صلاة المغرب من غير أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني في صلاة المغرب في الركعة الثالثة بعد قراءة الفاتحة يقول: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران] وكما قال أهل العلم القرطبي وغيره قالوا: إن المغرب وتر النهار، والوتر فيه قنوت، فهذا الدعاء في هذه الآية بمنزلة القنوت في الوتر، والخبر موقوف على أبي بكر -رضي الله عنه-، وخرجه الإمام مالك في الموطأ بسند صحيح. هنا قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) " "في صلاتي" يعني في موطن الدعاء من الصلاة، كالسجود مثلاً، وبين السجدتين، وفي آخر الصلاة بعد التشهد، وهذا هو الأقرب لترتيب العلماء، العلماء كلهم يجعلون هذا بعد الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيجعلونه في آخر الصلاة. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 28 "قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) " ليس في هذا مستمسك للمبتدعة بوصف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بالظلم بإقراره، الرافضة يقولون: ظالم، ظلم فاطمة يقولون هذا، ويقررونه، ويجعلونه من شر الناس بسبب هذا، ويقولون: هو اعترف على نفسه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجهه إلى هذا الدعاء لأنه ظالم، لكن ما يكتفون بكونه ظالم فقط، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتني به يوجهه إلى هذا الدعاء لأنه مظنة قبول، لا، يخرجونه من الملة بالكلية، ويجعلونه من شر الناس -نسأل الله السلامة والعافية-، وكون الإنسان يعترف على نفسه بالتقصير هذه من المناقب وإلا من المثالب؟ منقبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يلزم الاستغفار، هل نقول: لأنه مذنب -عليه الصلاة والسلام-؟ هذه من المناقب، هذا من الاعتراف وهضم النفس، ولذلك تجدون في منهاج الكرامة لابن المطهر هذا الذي يسمونه ابن المنجس، الذي رد عليه شيخ الإسلام، يقول: أي فرق بين قول عمر: ليتني كنت كبشاً سمنني أهلي فذبحوني وأكلوني، أي فرق بين قول هذا وبين قول الكافر يوم القيامة: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [(40) سورة النبأ] ما يفرقون بين كون .. ، لكنه الهوى، هذا الهوى، وإلا لعلي -رضي الله عنه وأرضاه- اعترافات مثل هذه، يعني من هضم النفس والانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، ورؤية خلاف الأولى بالنسبة لهؤلاء لأنهم قد يقعون فيما هو خلاف الأولى، قد يقعون في مكروه، لكنه بالنسبة لهؤلاء شيء عظيم. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 29 ((ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) نعم هذا بالنسبة لهؤلاء السادة لا شك أنه كبير كما يقول أهل العلم: "حسنات الأبرار سيئات المقربين" يعني لما يكتفي الأبرار بالجلوس بعد صلاة الصبح، ثم صلاة ركعتين، وينصرفون إلى أعمالهم هذه بالنسبة للمقربين كما يقول ابن القيم في طريق الهجرتين هذا لا شيء بالنسبة لهم؛ لأن المقربين ينصرفون بغير صلاة من المسجد بعد انتشار الشمس؛ لماذا؟ لأنهم ينصرفون إلى عبادات أخرى، هم ملازمون للعبادة، بينما الأبرار يلزمون العبادة وقت، ثم ينصرفون إلى أمور دنياهم، فأبو بكر لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا)) لا شك أن هذا بالنسبة له، وأما بالنسبة لغيره خيراً عظيماً وليس بظلم، وأينا لم يظلم نفسه؟ والظلم نسبي، قد تكون ظالماً لنفسك إذا نمت عن صلاة الفجر، تكون ظالم لنفسك إذا نمت عن قيام الليل، قد تكون ظالم لنفسك إذا قمت عما اعتده من قيام طويل في الليل، فالظلم نسبي، فيكون بترك الواجب وبفعل المحظور، ويكون بترك المندوب، وبفعل المكروه، ويكون أيضاً بالنسبة لبعض الناس بفعل خلاف الأولى، ومثلنا في بعض المناسبات ولعله في هذا الدرس الناس يتفاوتون، فإذا التفت الإمام بعد السلام ورأى شخصين فاتهما على ركعة وركعتين، ينظر إلى أحدهما مسروراً مبتهجاً، وينظر إلى الثاني بشيء من الغضب؛ لماذا؟ لأن هذا الذي فاته ركعة الحمد لله أنه جاء يصلي مع الجماعة هذه نعمة خير عظيم، لكن الثاني طالب علم ويقتدى به، كيف يفوته ركعة من الصلاة؟! ما جاء مع الأذان أو قبل الإقامة، وأدى الرواتب، الناس منازل، فأبو بكر ظلمه الكثير هذا بالنسبة لغيره من أعظم القربات؛ لأن الظلم أينا لم يظلم نفسه، يعني لو أن الإنسان فعل مباح إذا نظرنا إلى أن هذا الوقت الذي فعل به هذا المباح يمكن أن يصرفه بفعل طاعة، نقول: ظلم نفسه، حيث أضاع وقته والعمر عبارة عن .. ، الإنسان كله وجوده عبارة عن عمره وأنفاسه لحظاته التي يكتسب بها ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، يعني نقول هذا وإلا أهل السنة -الحمد لله- عاد ما يشكل عليهم، ما في أدنى إشكال عند أهل السنة لكن مثل هذا يمكن الآن مع وصول القنوات الجزء: 19 ¦ الصفحة: 30 ووصول الشبهات إلى بيوت عوام المسلمين يشكل على بعض العامة. ((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) لا شك أن المغفرة بيد الله -جل وعلا-، وليس هناك واسطة بين العبد وبين ربه إلا في الشفاعة المثبتة، وأما ما عداها فليس هناك واسطة، وليس هناك صكوك غفران، كما هو عند النصارى، وبعض المبتدعة عندهم نظير صكوك الغفران، بعض الطوائف المبتدعة تأتي بمبلغ من المال وتدفعه إلى رئيسهم، ثم بعد ذلك يضمن لك، وهذا شبيه بفعل النصارى. ((فاغفر لي مغفرة من عندك)) بحيث لا أحتاج إلى غيرك " ((وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه" والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 31 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (11) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صفة الصلاة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد -عليه السلام- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) فصلى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وعن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو حميد الساعدي: "أنا كنت أحفظكم لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته" رواه البخاري. وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً)) والأرضَ، السماوات والأرضَ منصوب. نعم. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 1 قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من أول المسلمين)). وأنا، وأنا. أول يا شيخ. إما من المسلمين أو أول المسلمين، يعني الجمع بينهما في سياق واحد خطأ، نعم الجمع بينهما في سياق واحد خطأ، فإما أن يقال: وأنا من المسلمين كما هو الواقع، أو يقال: وأنا أول المسلمين كما في القرآن، نعم. ((وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)) وإذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) وإذا رفع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد)) وإذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)) ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: الله أكبر كبيراً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه من رواية جعفر بن سليمان، وقد احتج به مسلم عن علي بن علي الرفاعي وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 2 وقال الترمذي: وقد تكلم في إسناده كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وقال أبو داود: هذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي بن الحسن -رحمه الله-، والوهم من جعفر. وعن عبدة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ذكره مسلم في صحيحه؛ لأنه سمعه مع غيره، وليس هو على شرطه، فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه إنما رواه. رآه، رآه. إنما رآه رؤية. وقد روى الدارقطني بإسناده عن الأسود عن عمر أنه كان يقول هؤلاء الكلمات. وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر، وقد روى فيه من وجوه ليست بذاك. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةِ بالحمد لله رب العالمين. القراءةَ. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةَ بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم. رواه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. يكفي، بركة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صفة الصلاة الجزء: 20 ¦ الصفحة: 3 يعني ما ورد في وصفها من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قوله، فقد صلى -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الكاملة التي أمر بإقامتها، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فلا بد أن يكون عمل المسلم موافقاً لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، فعلى المسلم أن يعنى بها، ويهتم بها، ومع الأسف أننا قد نجد من طلاب العلم من يعرف السنة، ويعرف صنيعه -عليه الصلاة والسلام-، ويعرف ما جاء من قوله في بيان وصفة هذه الصلاة، ثم بعد ذلك لا يكترث ولا يهتم، ووجدنا من طلاب الحديث بل من معلمي الحديث من لا يهتم بها، يدرس هذه الأحاديث ثم بعد ذلك إذا صلى تجد عليه ملاحظات، بدءاً من التكبير إلى التسليم، يعني الحركات كثير من الناس يغفل عن الصلاة وهذا خلل لا شك، وقد يتحرك كحك جلده، أو ما أشبه ذلك، أو يعبث بثوبه أو بساعته، أو ما أشبه ذلك هذه غفلة لا شك، وعلى الإنسان أن يهتم بصلاته، لكن يعرف أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صفة معينة للتكبير ولرفع اليدين، وصفة للركوع، وصفة لوضع القدمين، سواءً كانت في حال القيام أو في الجلوس أو في السجود، ثم بعد ذلك لا يطبق مثل هذه الأمور مع أن تطبيقها ميسور، ولو اعتاد ذلك لاستمر عليه، لكن تجد عدم الاهتمام، وبعض الناس يحرص على السنة، ويطبق السنة، هذا بالنسبة لمن يجهل السنة عليه أن يتعلم، ثم بعض الناس يحرص على تعلم السنة فيتعلم، ويحرص على التطبيق فيطبق، لكنه لا يفقه كيف يطبق هذه السنة، فتجده يحرص على المجافاة، ويجافي يديه عن جنبيه، وإن كان وسط صف مزدحم، ثم بعد ذلك يسيء إلى من بجانبه أو بجانبيه هذا جهل بفقه التطبيق، هو فقه وطبق، لكن كيف يطبق في صف متراص؟! إذا صلى إماماً أو صلى منفرداً يجافي، أو وجد فرصة للمجافاة يجافي، لكن مع ذلك إذا لم يجد فرصة كيف يجافي؟ لا يمكن أن يفعل ذلك إلا بأذية من بجانبيه، وقل مثل هذا في بعض السنن في إلصاق القدمين مثلاً، تجد بعض الناس يزاحم مزاحمة شديدة بحيث يسعى إلى إبطال صلاة من بجانبه سواءً كانت إبطالاً حسياً أو معنوياً، يعني خلل في خشوعها والالتفات إليها، وبعض الناس من حرصه يطأ رجل الجزء: 20 ¦ الصفحة: 4 من بجانبه، ويظن أن السنة لا تتحقق إلا بهذا، هذا خلل، هذا خطأ في فقه التطبيق، على الإنسان أن يرفق بنفسه ويرفق بغيره؛ ليكون قدوة لغيره، فدين الله بين الغالي والجافي من الناس من لا يكترث مع علمه بالسنة، ومن الناس من يحرص الحرص الشديد على التطبيق حتى يخرج عن السنة، فلا بد أن ننظر إلى مثل هذه الأمور بدقة، ونعلم أن الدين وسط بين الغالي والجافي بعض الناس لا تستطيع أن تسحب رجلك من تحت رجله، وهذا حاصل يا الإخوان، كل هذا الدافع إليه الحرص ما يُشك في مثل هذا، لكن هذه ليست هذه هي السنة، المقصود أن علينا أن نتفقه في دين الله ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ثم بعد ذلك علينا إذا فقهنا أن نطبق، لا يكون علمنا كالشجر الذي لا ثمرة عليه، مجرد زينة يتزين به في المجالس، فإذا جاء التطبيق تخلف، إنما العلم يراد للعمل، فننتبه لهذا، ورأينا ممن هو متخصص في السنة ويدرس السنة في الأقسام الشرعية، ومع ذلك إذا كبر رفع يديه رفعاً يشبه العبث، وإذا جلس إما للتشهد أو بين السجدتين جلس جلسة لم يرد بها نص، افترش بالعكس فرش اليمنى ونصب اليسرى، هذا موجود أو جعل الرجلين خارجتين عن بدنه وأجلس مقعدته على الأرض أو العكس، أو أطلع الرجلين من جهة اليمين أو الشمال، هذا موجود مع الأسف، وكل هذا يدل على عدم اكتراث وعدم اهتمام، فعلينا أن نهتم لصلاتنا هذه التي هي رأس مال المسلم بعد الشهادتين، وليس للإنسان إلا ما عقل، والعمل إذا لم تتم المتابعة فيه رد على صاحبه؛ لأن المتابعة شرط للقبول، فإذا تعلمنا مثل هذا الباب علينا أن نطبق، وأهل العلم ما قصروا، ألفوا في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكتبوا وسجلت لهم الأشرطة، وكل له اجتهاد، وقد يكون اجتهاد هذا يخالف اجتهاد هذا، لكن الأمر الذي يتفق عليه لا بد من فعله، وما يؤيده النص لا بد من فعله، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للمسيء: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) كما في الحديث الأول يقول -رحمه الله-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الرجل عُرف بالمسيء في صلاته، واسمه: خلاد الجزء: 20 ¦ الصفحة: 5 بن رافع، وحديثه أصل في هذا الباب، أصل في صفة الصلاة، حتى قال بعض العلماء: إن جميع ما فيه واجب، وما لم يذكر فيه ليس بواجب، جميع ما ذكر فيه واجب لأنه جاء بصيغة الأمر، وما ليس فيه ليس بواجب لأنه في مقام البيان في وقت الحاجة ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان ما يخرج عن هذا الحديث أو ما وجد في غيره واجباً لبينه لهذا المسيء الجاهل المحتاج إلى البيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز مع أنه قد يأتي أوامر زائدة على ما تقدم، يكون في وقت الإرشاد لهذا المسيء هذا هو الواجب، ثم يزاد على ذلك بما جاء بعده من نصوص، وهذا هو المتجه لأنه وجد واجبات في الصلاة لم تذكر في حديث المسيء، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء الرجل" وعرفنا اسمه "فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد -عليه السلام-" رد النبي -عليه الصلاة والسلام- -عليه السلام- "فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) " ما قال: إني صليت يا رسول الله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يراه، ومطلع عليه، وهو يعرف ذلك، ما قال: إني صليت. ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) فالمنفي هنا لم تصلِ الحقيقة الشرعية للصلاة، أما لو يقول قائل: إنه صلى صلاة صورة الصلاة موجودة ركع وسجد إنما حقيقة الصلاة الشرعية منتفية، فنفاها عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- ((فإنك لم تصل)) فصلى ثم جاء مرة ثانية، فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا لا يكتفى بالسلام الأول إذا غاب الإنسان ثم رجع إلى مكانه وفيه أناس يسلم عليهم. "فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام-" هل رد -عليه السلام- أو ما رد؟ في المرة الأولى رد، فرد -عليه السلام-، في الموضع الثاني لا بد من الرد، لا بد من رد التحية إما بأحسن منها أو بمثلها على الأقل، والأدلة تدل على أنه رد -عليه الصلاة والسلام- وإن لم ينقل، وقد يوجد في بعض الروايات الرد صريحاً. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 6 المقصود أن مثل هذا لا يدل على أن الإنسان إذا سلم ثانية ما يرد عليه؛ لأنه في الأولى صرح، فرد -عليه السلام- في الثانية، فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نقل أنه رد في هذه الرواية، لكن لا يعني أنه لم يرد حقيقة؛ لأن ما ثبت بالنصوص وسكت عنه في بعض المواضع يحمل على أنه حصل، يعني مثل ما سبق أن ذكرناه من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءته أم هانئ وهو يغتسل، فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((من؟ )) قالت: أم هانئ، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) من أهل العلم من يقول: إنه ما رد السلام عليها، إنما اكتفى بقوله: ((مرحباً)) ومالوا إلى أن هذه تكفي في رد التحية، وسلمت فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- ورضي عنها، فقال: ((مرحباً بابنتي)) وما قال: وعليك السلام، فمن أهل العلم من يرى أن مرحباً تكفي في رد التحية، والأصل أنه رد -عليه الصلاة والسلام- لأن أقل الأحوال أن ترد، وردها يكون بلفظها {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] يعني أقل الأحوال أن ترد بمثلها. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 7 "فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) ثلاثاً" ردده ثلاثاً؛ لماذا؟ يعني صلى أول مرة فأمر بالإعادة، ثم صلى ثانية فأمر بالإعادة، ثم صلى ثالثة ثم عُلّم، بعد أن قال: "والذي بعثك في الحق ما أحسن غير هذا فعلمني" هل يظن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعرف واقع هذا الرجل وأنه لا يحسن الصلاة لما صلى أمامه مرة ومرتين وثلاث أيضاً؟ ما علمه حتى قال: "والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني" التكرار هذا والترديد من أجل إيش؟ من أجل أن يرسخ ويثبت التعليم في نفسه ليكون له ولغيره، يعني على سبيل المثال لو أن مديراً في دائرة أمر الناسخ أن ينسخ خطاب، فجاء الخطاب من الناسخ إلى المدير فيه خاء معجمة أو جيم فكتبها الناسخ حاء بدون نقطة، إما فوقية أو تحتية من اليسير على المدير أن يأخذ القلم الأسود ويضع هذه النقطة، لكن أفضل من هذا أن يقول: أعيدوه إلى الناسخ ليضع النقطة بنفسه؛ لماذا؟ من أجل أن يهتم لغيره من الخطابات، فإذا كان هذا في أمور الدنيا فكيف بأمور الدين؟ لا بد أن يغرس العلم في نفوس الناس بمثل هذه الطريقة، ردده النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً، هل المقصد من هذا أن يعذبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويكلفه ويؤخر عليه، ويأخذ جزءاً من وقته بغير فائدة؟ ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) الفائدة المرجوة عظمى وجلى ثلاث مرات من أجل إيش؟ خلاص لن يخطئ بقية عمره، الأمور التي تؤخذ بسهولة تفقد بسهولة، لكن الأمور التي تؤخذ بمعاناة لا تفقد، وهكذا ينبغي أن يكون التعليم ينشأ عن شيء من المعاناة، ولذا يوصى طلاب العلم أن يهتموا بالكتب بالمتون المتينة الصعبة التي في معاناتها كلفة ومشقة لا لذات المشقة، وإنما العلم يثبت بهذه الطريقة، يعني هناك كتب أُلفت للعوام وللمثقفين يفهمونها كتبت بأسلوب سهل، لكن لا ينبغي أن يربى عليها طالب علم، النبي -عليه الصلاة والسلام- ردده ثلاثاً: ((صلِ فإنك لم تصلِ)). الجزء: 20 ¦ الصفحة: 8 "فقال: والذي بعثك في الحق ما أحسن غيره فعلمني، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء)) " وقمت هنا أردت القيام، كما في قول الله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام؛ لأن الفعل -وهذا مر بنا مراراً- الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ منه، ويطلق ويراد به الشروع فيه لا الفراغ منه، كما سيأتي في الحديث، حديث أبي مسعود: ((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ ((إذا ركع فاركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع لا إذا فرغ منه، فعندنا {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردت القيام، إذا أردت الصلاة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] يعني أردت القراءة، يطلق الفعل الماضي ويراد به الإرادة، ويطلق ويراد به الشروع في الفعل ((إذا ركع فاركعوا)) على ما سيأتي، هل معناه إذا أراد الركوع؟ نعم؟ هل معناه إذا أراد الركوع؟ يعني ركع قبله مجرد إرادته؟ لا ليس المراد به إذا أراد الركوع، وليس المراد به إذا فرع من الركوع كما هو الأصل في الماضي، إنما يراد به إذا شرع في الركوع، يعني بدأ الركوع، وليس المراد به إذا شرع في الهوي إلى الركوع، يعني باشر الركوع اركع. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 9 حديث مصحح عند جمع من أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- زوج رجلاً بخاتم من حديد، ذكره الحافظ، وقال: إنه جزء من حديث الواهبة، زوج رجلاً بخاتم من حديد، وقال: إنه جزء من حديث الواهبة، هل يصح مثل هذا الكلام؟ النبي زوجه بالخاتم أو قال: ((التمس ولو خاتماً)) فقال: لم أجد ولا خاتماً من حديد، هل يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- زوجه بخاتم؟ نعم؟ إنما زوجه بما معه من القرآن، لا بد من حمل اللفظ على وجه يصح، أراد أن يزوجه على خاتم من حديد؛ ليستقيم الكلام؛ لأن الخبر مصحح، وهو جزء من حديث الواهبة، لكن لا يمكن أن يصح إلا أن يحمل على الإرادة، أراد أن يزوجه بخاتم من حديد، وهنا: ((إذا قمت إلى الصلاة)) يعني إذا أردت القيام هل معنى هذا أننا إذا سمعنا الإقامة كل واحد معه إداوة ويتوضأ في الصف بعد ما يقوم إلى الصلاة؟ هل يقول بهذا أحد؟ لا يمكن، وإن كانت الآية وجهت {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] يعني من النوم {فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] ليس المراد منها إذا قمتم في الصف، على كل حال هذا تقدم. يقول: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء)) أسبغ الوضوء أمر، المقام مقام تعليم للصلاة، والوضوء شرط من شروطها. ((ثم استقبل القبلة)) أيضاً شرط من شروط الصلاة، بقية الشروط التسعة تحتاج إلى تنبيه أو لا تحتاج إلى تنبيه؟ المقام مقام بيان قال له: أسبغ الوضوء، يعني شخص صلى هذه الصلاة الباطلة ألا يتوقع أنه لا يحسن الوضوء؟ وأما بقية الشروط فإنه مسلم، إسلام وعقل وتمييز هذا موجود، ستر العورة تُرى، يعني هذا ساتر عورته بلا شك؛ لأنه لو لم يستر عورته لنبهه النبي -عليه الصلاة والسلام-، النية، ما جاء إلا ليصلي هذه هي النية قصد الصلاة، بقي استقبال القبلة الوضوء منصوص عليه، بقي دخول الوقت، يعني هل صلى قبل الوقت أو هذه نافلة؟ مثل هذا الاحتمال قائم أنها نافلة، ما تحتاج إلى دخول وقت، بدليل أنهم لا يفرطون بالصلاة خلفه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا صلى منفرد. إزالة النجاسة الأصل أنها عدمية لا ينص عليها إلا إذا وجدت. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 10 ((أسبغ الوضوء)) خفي عليه ما يرى الناس يفعلونه وهو الصلاة، فلأن يخفى عليه إسباغ الوضوء وإتمامه وإكماله من باب أولى، فالصلاة لا تقبل بغير طهور. ((ثم استقبل القبلة)) أمره بإسباغ الوضوء ظاهر؛ لأن شخصاً لا يحسن أن يصلي الاحتمال القوي أنه لا يحسن أن يتوضأ، لكن ماذا عن ((ثم استقبل القبلة)) هل رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى غير القبلة فقال له: استقبل القبلة؟ وإن كان رآه يصلي مستقبلاً القبلة فهذا مثل ستر العورة رآه ستر عورته ما نص عليها. ((ثم استقبل القبلة فكبر)) لماذا نص على استقبال القبلة دون ستر العورة ودون بقية الشروط؛ لماذا؟ هل نقول: إن هذا الشخص صلى إلى غير القبلة؟ نعم وإن كان في مسجد فقد يذهل الإنسان من هيبة من أمامه ويصلي إلى غير القبلة، وحصل ثلاث مرات، أو أربع من دخل المسجد ونحن في درس مثل هذا فصلى إلى جهة الشرق لا إلى القبلة، ما هو بشخص واحد أربعة أشخاص، يعني قد يغفل الإنسان وهو يصلي ثم ينبه، فمثل هذا ألا ينبه من أول الأمر؟ وإذا قلنا: مثل هذا ينبه من أول الأمر لماذا ما نبه على الخلل في صلاته من أول الأمر من الركوع؟ لأنه لم يطمئن لا في قيامه ولا في ركوعه ولا .. ، على كل حال مثل هذا يترك كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى ينتهي ثم يُعلم ليرسخ كما تقدم، وأما بالنسبة لاستقبال القبلة فما أدري ما سبب التنصيص عليها. ((فكبر)) والمراد بالتكبير هنا المأمور به تكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، ولا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، وعند الحنفية التكبير شرط، تكبيرة الإحرام شرط وليست بركن، الجمهور الأئمة الثلاثة وأتباعهم يقولون: ركن من أركان الصلاة، والحنفية يقولون: شرط، والفرق بين القولين، ثمرة الخلاف، له ثمرة وإلا ما له ثمرة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب: لو تركه .... لو ترك التكبير تصح الصلاة وإلا ما تصح؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . عند من؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا الشرط لو ترك الوضوء تصح؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 11 يعني يفرق بينهما أن الشرط خارج الماهية، والركن داخل الماهية، لكن هل لهذا الخلاف من ثمرة تبطل الصلاة إذا ترك التكبير عند الجمهور وعند الحنفية، تبطل الصلاة، إذاً ما الفائدة؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لا ما يستطيع، يعني يستطيع أن يتوضأ في البيت ويأتي إلى المسجد؛ لأن الوضوء شرط خارج الماهية فهل يستطيع أن يكبر في البيت ويجي يصلي كالوضوء؟ لا، لا يجيزون الفصل بين التكبيرة والصلاة، وإن كانت خارج الماهية، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . بعد إيش؟ طالب:. . . . . . . . . على القولين، لا بد من الإعادة على القولين، حتى عند الحنفية لا بد من الإعادة، الشرط خارج الماهية والركن داخل الماهية. يقولون: من فوائد الخلاف لو افترضنا أن هذا الجرم متنجس، ثم حمله المصلي بيده قائلاً: الله أكبر، وضعه مع نهاية التكبير، الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ عند الجمهور؟ طالب:. . . . . . . . . عند الجمهور؟ طالب: لا ما تصح ... باطلة؛ لأنه حمل النجاسة في داخل الصلاة، وعند الحنفية الصلاة صحيحة لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، أيضاً لو كبر ثم بعد مع نهاية التكبير غير النية من فرض إلى نفل أو العكس، يعني هذه أمور وإن كانت سريعة إلا أنها متصورة، فغير النية عند الجمهور إن غير المفترض المنفرد نيته إلى نفل في وقت متسع يجوز، لكن لا يجوز العكس، عند الحنفية يجوز هذا وهذا لأن تكبيرة الإحرام شرط تصلح للفرض وتصلح للنفل مثل الوضوء، فإذا غير نيته مع نهاية التكبير صح عند الحنفية ولم يصح عند الجمهور. على كل حال تكبيرة الإحرام بهذه المثابة لا تصح الصلاة إلا بها، سواءً قلنا: ركن وهو المتجه، أو قلنا: شرط كقول الحنفية فلا تصح الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام. وصفتها أن يقول: الله أكبر، بهذا اللفظ فلا تصح بغيره، لا يصح أن يقال: الله الأعظم، الله الأجل، الله الكبير، حتى لو قال: الله الكبير ما صحت، لا بد أن يأتي بهذا اللفظ: الله أكبر. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 12 ((فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) هذا الإجمال ما تيسر يصدق بالفاتحة، ويصدق بسورة الإخلاص، ويصدق بغيرهما، ويصدق بآيات من سورة، هذا ما تيسر، لكن هذا المجمل بُيّن بحديث عبادة بن الصامت الآتي: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) هل نقول: إن السبب في توجيه المسيء إلى ما تيسر معه من القرآن دون التنصيص على الفاتحة مراعاة لحاله أنه إذا كان بهذه المثابة من الجهل فقد يصعب عليه إلزامه بالفاتحة، فيترك الاختيار له، اقرأ ما تيسر معك، وفي حكمه من يصعب عليه تعلم الفاتحة، وأهل العلم يقولون: إن من صعب عليه تعلم الفاتحة ويحفظ غيرها يقرأ بمقدارها من القرآن، وإذا عجز عن القرآن لا الفاتحة ولا غير الفاتحة فإنه يجزئه الذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، إذا عجز عن تعلم الفاتحة. طيب عجز لأنه كبرت سنه مع غفلة في صباه عن التعلم فمعروف كبار السن يصعب عليهم الحفظ، فقد يعجز عن الفاتحة ويحفظ غيرها، وقد يعجز عن الفاتحة وغيرها، مثل هذا يوجه إلى الذكر، إذا كان العجز لا بسبب عدم الحفظ فهل يوجه إلى الذكر وإلا لا؟ هو حافظ الفاتحة، وقد يكون حافظاً للقرآن كاملاً، لكنه عجز أن يقرأ الفاتحة، وهذا يحصل خلف الإمام إذا كان يجهر في قراءته، على المأموم أن يقرأ يعني المرجح أن الفاتحة ركن في الصلاة لكل مصل إلا المسبوق على ما سيأتي في حديث عبادة -إن شاء الله تعالى-. خلف الإمام بعض الناس لا يستطيع أن يقرأ، يستطيع أن يقرأ وإلا ما يستطيع؟ بعض الناس ما يستطيع القراءة، إذا شوش عليه بأدنى تشويش ارتج عليه، مثل هذا نقول له: سبح واحمد وهلل بدلاً عن الفاتحة التي لم تستطعها وإلا لا؟ عرفنا أن الفاتحة لها بدل عند العجز، يقال له: اقرأ ما تيسر من القرآن ما دام عجزت عن الفاتحة، عجزت عن شيء من القرآن سبح وكبر وهلل واحمد الله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 13 شخص يقول: أنا خلف الإمام، أنا حافظ القرآن كاملاً، لكن خلف الإمام لا أستطيع أن أقرأ، وهذا النوع موجود وليست دعوى هذا صحيح، بعض الناس ما يستطيع يقرأ، إذا شوش عليه، هل نقول: عليك بالبدل وهو التسبيح والتحميد والتهليل؟ أو نقول: ما دمت مأموماً فلا تفعل إلا بفاتحة الكتاب: ((ما لي أنازع القرآن)) ((علكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) فعلى هذا لا يوجه إلى البدل ولو عجز عن قراءة الفاتحة، يكون عجزه عن قراءة الفاتحة كعجزه عن القيام يسقط عنه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، المسألة متصورة وإلا ما هي متصورة؟ ((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)) تكبيرة الإحرام ركن، إسباغ الوضوء والمراد به الوضوء المجزئ شرط لصحة الصلاة، وإسباغه القدر الزائد عن الواجب مستحب كالغسلة الثانية والثالثة، واستقبال القبلة شرط، وتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، قراءة القرآن في الصلاة ركن، لا سيما الفاتحة عند الجمهور، والخلاف فيها سيأتي في حديث عبادة -إن شاء الله تعالى-. ((ثم اركع)) الركوع ركن من أركان الصلاة ((حتى تطمئن راكعاً)) الطمأنينة في جميع الأركان ركن من أركان الصلاة، والطمأنينة هي السبب في كونه لم يصل، في بطلان صلاته، وصحت نفي الصلاة وإن كانت الصورة موجودة؛ لأنه لم يطمئن في صلاته، ولذلك نبه على الطمأنينة في جميع الأركان. ((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع)) يعني من الركوع. طالب: أحسن الله إليك يا شيخ المراد بالطمأنينة ... ؟ سيأتي أنه حتى يعود كل فقار إلى مكانه، يطمئن ويأتي في حديث أبي حميد: ثم هصر ظهره، لم يرفع رأسه لم يشخص رأسه ولم يصوبه، المقصود أنه يتمكن من التسبيح ولو مرة بطمأنينة، يعني يأتي بأقل الواجب. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 14 ((ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)) وبعض من ينتسب إلى مذهب الإمام أبي حنيفة هل يعتدلون قياماً أو مجرد ما يرفع رأسه من الركوع يهوي إلى السجود؟ وكذلك بين السجدتين؟ وهل الإمام يصحح مثل هذه الصلاة؟ نعم يذكر في مذهب أبي حنيفة في كتب متأخريهم أن الطمأنينة ليست بركن، لكن هل يعني كونها ليست بركن أن النقر جائز عند الإمام؟ والمناظرة التي حصلت بين يدي محمود بن سبكتكين بين شافعي وحنفي محمود كان حنفياً وبعد المناظرة صار شافعياً؛ لأن الشافعي وأظنه القفال جاء بجلد ميتة غير مدبوغ، به قطع من اللحم والشحم، فوضعه فوق ظهره فانهالت عليه الحشرات، الذبان وغير الذبان، قبل ذلك توضأ بنبيذ والنبيذ حلو تجتمع عليه الحشرات، ثم جاء بهذا الجلد، ثم بعد ذلك نقر نقرتين ولم يقرأ فاتحة ولا غير الفاتحة إنما قال: الله الأعز، دو سبز وركع، من غير تكبير ولا غيره، ثم نقر ركعتين، ثم بعد ذلك في آخر صلاته أحدث، بهذه الطريقة استطاع أن يحول السلطان من مذهب أبي حنيفة على مذهب الشافعي، لكن هذه الأمور مجتمعة هل يصححها أبو حنيفة أو غير أبي حنيفة ممن له أدنى ذرة من تدين؟ لكن هذه إلزامات، ولازم المذهب ليس بمذهب، وبعضهم يريد أن يجعل هذه الصورة من الصلاة أفضل من غيرها، يقول: توضأ بنبيذ صاحب دائرة معارف القرن العشرين يقول: نعم توضأ بنبيذ ثم ماذا؟ النبيذ فيه كحول والكحول مطهر زيادة على تطهير الماء ويش المانع؟ وأخذ يفصل في هذه الصورة، المقصود أن هل الإمام أبو حنيفة حينما يذكر عنه أن الطمأنينة ليست بركن أن مثل هذه الصلاة تصح؟ لا يمكن أن يقوله أبو حنيفة، أبو حنيفة أتقى لله من أن يقول مثل هذا الكلام وأورع، الرجل عابد، يعني ليس بإنسان عادي، يعني ليس بفقيه مجرد. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 15 هذه الإلزامات يجعلها بعض المتعصبة -متعصبة المذاهب- تحرف الناس إلى مذهبه، وإلا ففي مثل هذه المناظرة لا داعي لها، يعني إذا مر قول لإمام من العلماء من أهل العلم خلاف الدليل، أو خلاف الصواب ينبه عليه، أما أن تُجمع مساوئ مذهب من المذاهب، وتفرد على حدة مثل هذه الصلاة هذا لا يجوز بحال، يعني هذا غمط الناس، أين المحاسن في مذهب أبي حنيفة؟! وكل مذهب له وعليه، يعني في أقوال راجحة وفي أقوال مرجوحة، يعني لو جمعت الأقوال المرجوحة في مذهب مالك مثلاً، وجمعت الأقوال المرجوحة في مذهب أبي حنيفة والأقوال المرجوحة في مذهب الشافعي، والأقوال المرجوحة في مذهب أحمد، وذكرت مع كل قول من هذه الأقوال المرجوحة الدليل الصحيح الذي يدل على خلاف ما ذهبوا إليه معناه أنك زهدت الناس في هؤلاء الأئمة، زهدتهم يتبعون من؟ يعني هل يستقيم للعامي أن يتفقه من النصوص؟ العامي فرضه التقليد، لا بد أن يتبع إمام تبرأ الذمة بتقليده، فإذا أبرزت مساوئ المذهب الحنفي مع مساوئ المذهب المالكي وصنفت في مجلد، معنى هذا تنفير من الأئمة، ومثل هذا يقال في المصنفات التي عم نفعها، وفيها شيء من الملاحظات. يعني على سبيل المثال فتح الباري أو تفسير القرطبي أو شرح النووي أو غير ذلك فيها مخالفات عقدية، لكن لو أبرزت هذا مجلد وهذا مجلد وهذا مجلد حشي عليها وعلق عليها وطلعت في مجلدات معناه أننا نصرف الناس عن كتب العلم النافعة، لكن لا يمنع أنك تقرأ القرطبي وتعلق عليه، تقول: هذا الكلام مخالف لما عليه سلف الأمة وأئمتها، وتعلق على فتح الباري، وتعلق على النووي، الحق أولى من هؤلاء، لكن إبراز مثل هذه الأمور لآحاد الطلبة لا شك أنه يصرف هؤلاء الطلاب عن هذه الكتب النافعة، ثم بعد ذلك ما الذي يسلم لنا، نعم إذا كان هناك كتاب ضرره أكثر من نفعه على طلاب العلم مثل هذا يحذر منه، ويش المانع أن يصنف في اعتزاليات الزمخشري؟ لأن طالب العلم لو من حين بدأ يطلب العلم إلى أن مات ما رجع إلى تفسير الزمخشري ما يضره شيء، ولا ينقصه من العلم شيء، وقل مثل هذا في الرازي، والكتب التي ضررها أكثر من نفعها، بينما الكتب النافعة، وفيها ملاحظات ما تبرز مساوئها بهذه الطريقة. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 16 الذي جرنا إلى الكلام ((حتى تطمئن راكعاً)) وما يذكر عن الحنفية أن الطمأنينة ليست بركن، ولذا نجد بعض أتباع أبي حنيفة لا سيما من العامة من الوافدين من شرق آسيا من البلاد الشرقية من المسلمين تجدهم على هذه الطريقة إذا رفع رأسه من الركوع سجد مباشرة، بل لا يكمل الرفع، في أثناء الرفع يسجد، وكذلك بين السجدتين. في رسالة الشيخ عبد الله ابن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال الشيخ -رحمه الله-: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ويقنت في صلاة الصبح، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" يعني فرق بين هذا وهذا، يعني صلاة هذا الشافعي صلاته صحيحة، وله أدلته، وإن كان القول مرجوح، لكن ما يمكن تبطل الصلاة بمثل هذا، بينما الطمأنينة ركن تبطل الصلاة بتركها. ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) الآن ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) يعني بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية حتى تطمئن ساجداً ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) طيب ما هذه الجلسة؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني تمت السجدتان وبعدهما جلسة، هل نقول: إن هذه جلسة التشهد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين له ركعة واحدة، ثم قال له: ((افعل ذلك في صلاتك كلها)) على كل حال أصل المحرر ليس فيه هذه الجملة، لكنها زيادة من نسخة من النسخ، وهي موافقة لما في الصحيح، وحديث المسيء في باب في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري فيه التنصيص على جلسة التي يسميها بعض العلماء الاستراحة، وفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- فدل على أنها سنة مطلقاً. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 17 أما القول بأنها تفعل إذا احتيج إليها فالحاجة إلى تركها أقوى من الحاجة إلى فعلها، يعني الإنسان إذا كبر وبدن قد يحتاج إلى تركها ما يحتاج إلى فعلها لأنها زيادة كلفة وزيادة عناء، تعرفون كبار السن والذين في ركبهم شيء من المرض أو الألم لا يستطيع أن يثني رجليه، فتجده من السجود فوراً يقوم، لا يستطيع أن يجلس، وإذا جلس بين السجدتين فبكلفة ومشقة، فإذا قيل له: أنت احتجت الآن لجلسة الاستراحة استرح بعد السجدة، هذه زيادة تكليف عليه، فالحاجة إلى تركها أدعى من الحاجة إلى فعلها، مع المرض، مع الحاجة، مع كبار السن، فالقول بأنها تفعل عند الحاجة إليها لا وجه له، وقد ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام- من حديث مالك بن الحويرث، وثبتت في حديث المسيء، وثبتت أيضاً في بعض طرق حديث أبي حميد، كما نص على ذلك ابن القيم وابن حجر في التلخيص، فالقول بها أنها سنة مطلقاً. ((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) يعني هل يقال في الركعة الثانية: يكبر تكبيرة الإحرام لأنه قال له: كبر؟ طالب:. . . . . . . . . لا، تكبيرة الإحرام إنما هي لافتتاح الصلاة، ولم يقل أحد بأنها لكل ركعة، إنما الذي يفصل بين الركعتين الأولى والثانية تكبيرة الانتقال، يكبر كان يكبر -عليه الصلاة والسلام- عند كل خفض ورفع، هذه تكبيرة الانتقال. ((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) كبر تكبيرة الإحرام عند الشروع في الصلاة، ثم اقرأ ما تيسر معك في الركعة الأولى والركعة الثانية والركعة الثالثة والركعة الرابعة، فلا تجزئ قراءة الركعة الأولى عن الثانية والثالثة إلى آخره؛ للأمر هنا: ((افعل ذلك في صلاتك كلها)) ثم اركع في الركعة الثانية كما ركعت في الركعة الأولى، وفي الثالثة كما ركعت في الركعتين إلى آخره، ثم ارفع كذلك، ثم اسجد كذلك إلى آخر الصلاة. ((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. ثم قال -رحمه الله-: الجزء: 20 ¦ الصفحة: 18 "وعن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-" فذكرنا، أنه فذكرنا، كيف؟ كيف تستقيم العبارة؟ عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي –عليه الصلاة والسلام-. طالب: تداخل يا شيخ. إيه، لكن كيف يتفق "فذكرنا" متكلم "أنه كان"؟ أنه كان، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان، يعني هل القائل: إنه كان نفسه محمد بن عمرو بن عطاء ليصح أن يقول: فذكرنا؟ من القائل: إنه كان جالساً؟ نعم؟ الراوي عنه؟ الراوي عنه لا يمكن أن يقول: فذكرنا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يصير تلفيق هذا، يضطرب الكلام بهذه الطريقة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، نريد أن نتعامل مع النص الذي معنا، خل الروايات الثانية الصريحة اللي ما فيها إشكال، نريد كيف نستقيم مثل هذا السياق الذي ساقه ابن عبد الهادي وهو إمام، إمام محدث ما يأتي بمثل هذا عبثاً. تعرفون شيئاً يقال له: التجريد؟ شيء يقال له: التجريد؟ لا أعني التجريد الصريح، لا، تجريد، نعم، يجرد من نفسه شخصاً يتحدث عنه، فكأن المتحدث هو محمد بن عمرو بن عطاء جرد من نفسه شخصاً أنه كان جالساً مع نفر تحدث عنه بأنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: فذكرنا صلاة النبي وهو المتحدث أولاً وآخراً. نظير ذلك ما ثبت في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- رهطاً وسعد جالس، فقلت: ما لك عن فلان يا رسول الله إني لأراه مؤمناً؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أو مسلماً؟ )) أعطى رهطاً وسعد جالس، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطاً وسعد جالس، يعني سعد جرد من نفسه شخص آخر يتحدث عنه، فقلت: ما لك عن فلان؟ وهنا نفس الكلام عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فذكرنا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال أبو حميد الساعدي: "أنا كنت" عندنا مضبوطة "أحفَظُكم" ما إعرابها؟ نعم؟ الجزء: 20 ¦ الصفحة: 19 طالب:. . . . . . . . . خبر كان وإلا خبر أنا؟ أنا أحفظكم، أو أنا كنت أحفظَكم، والجملة خبر أنا، يعني لو قال: أنا أحفظُكم انتهى الإشكال تصير (أحفظكم) خبر (أنا) مرفوع، وإذا أقحمت كنت هنا كما هو وأردناها خبر لكان، قال: كنت أحفظكم، وقد تزاد (كان) فتكون مزيدة، وقد تزاد مع اسمها، ولذلك لو حذفت "كنت" لاستقام الكلام "أنا أحفظكم" وعلى هذا فيجوز فيه الرفع والنصب، الرفع على أنها خبر (أنا) و (كان) مع اسمها زائدة، والنصب على أنها خبر (كان)، والجملة من (كان) واسمها وخبرها خبر (أنا). "أحفظكم لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر" يعني للإحرام "جعل يديه حذو منكبيه" حذو يعني مقابل، حذو منكبيه يعني مقابل منكبيه، والمنكب مجتمع رأس العضد مع الكتف "وإذا ركع" يعني هذه صورة، حذو منكبيه، وجاء الرفع إلى فروع أذنيه، جاء في رواية يعني في حديث آخر: إلى فروع أذنيه، إذا كبر رفع يديه إلى فروع أذنيه. أيهما أعلى رواية أبي حميد هنا أو الحديث الثاني؟ الثاني إلى فروع أذنيه، يعني أعلى أذنيه، بل في بعض الأحاديث أنه حاذى بأصبعيه أذنيه، وهذا منتهى الرفع، فكيف نجمع بين هذا الحديث وغيره؟ منهم من يقول: هذا اختلاف تنوع، يعني إذا رفع إلى المنكبين جاء في السنة، وإن رفع أعلى من ذلك جاء بالسنة، وإن فعل هذا مرة أو هذا مرة فقد جاء في السنة، ومنهم من يقول: نجمع بين الأحاديث بأن نجعل ظهور الكفين حذو المنكبين، وأطراف الأصابع حذو فروع الأذنين، وبهذا تجتمع النصوص. رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، الأصل أن الرفع مقارن للتكبير، يبدأ معه وينتهي معه، فإن رفع قبل التكبير أو بعده فما الحكم؟ قال، رفع يديه كذا ثم قال، لما وضعهم قال: الله أكبر، أو قال: الله أكبر ثم رفع يديه، الأصل أن التكبير الرفع يقارن التكبير، كما أن التكبير للركوع والتكبير للسجود، والتكبير للقيام من السجود يقارن الفعل هذا الأصل لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه؛ لأنه للانتقال، فما معنى كونه يسبق الانتقال أو يتأخر عنه؟! إنما شرع من أجله فيكون مقارناً له. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 20 السنة أن يكون الرفع مقارناً، وأما إذا كبر قبل أن يرفع أو رفع قبل أن يكبر فأهل العلم قد يتسامحون في شيء من هذا على ألا يتأخر أحدهما عن الآخر تأخراً طويلاً. على كل حال هذا الرفع المقارن لتكبيرة الإحرام سنة عند جماهير أهل العلم، الأئمة الأربعة كلهم يقولون بأنه سنة، وقال من أهل العلم كالحميدي وبعض العلماء قالوا بوجوبه، داود الظاهري، والحميدي يقولون بوجوب الرفع هذا، وهذا من الموضع بالذات يتفق فيه الحنفية مع الجمهور، فيقولون باستحبابه باختلاف المواضع الأخرى التي يستحبها الجمهور على خلاف بينهم في تفاصيلها على ما سيأتي، وأما الحنفية فلا يرون الرفع في غير هذا الموضع. "جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه" وجاء في رواية: "حتى كأنه قابضهما" ومع ذلك يمد يديه كالوتر؛ لأن بعض الناس وهو راكع تشوفه مرة فاحج يديه هكذا، ومرة ضامها، المهم أنه يمدها كالوتر يعني باعتدال. "وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره" يعني ثناه، هصر ظهره في استواء من غير تقويس، يمد ظهره معتدل هكذا، وجاء في بعض الأحاديث عند ابن ماجه وغيره "حتى لو صب الماء على ظهره لاستقر" -عليه الصلاة والسلام- يعني ما في تقويس، ويكون الرأس في سمت الظهر على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة. "ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه" الفقار عظام الظهر التي يقال لها: خرز الظهر، كل فقرة تعود إلى مكانها، ولا يمنع أن يراد بالفقار هنا المفاصل، فيعود كل فقار كل مفصل، كل عضو إلى مكانه، وبهذا مع الأدلة الأخرى التي يأتي ذكرها يُحتج لمن يقول بأن اليد اليمنى توضع على اليسرى، واليسرى على الصدر بعد رفع الرأس من الركوع، يعني الاعتدال من الركوع، وهذا سيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-. "حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما" إذا سجد وضع يديه بجانبي الوجه والأصابع مضمومة إلى جهة القبلة غير مفترش، يعني غير واضع لليدين على الأرض، غير واضع للذراعين على الأرض، وهذا افتراش السبع المنهي عنه على ما سيأتي. "ولا قابض" يعني ولا ضامهما إلى جنبه، بل مجافٍ لهما إلى جنبه. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 21 "وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما" والقبض كما يطلق على ضم اليدين إلى الجنبين يطلق أيضاً على قبض الأصابع، اللفظ لا يحتمل؟ ما يحتمل هذا؟ غير مفترش ولا قابضهما" قابض اليدين هل المراد باليدين التي جاء بيانه في قوله: "وإذا سجد وضع يديه" ما المراد باليدين؟ الكف، إذا قيل: "ولا قابضهما" يعني قابض الكف الأصابع، وإذا قلنا: ولا قابضهما، واليد كما تطلق على الكفين تطلق على الذراعين أيضاً، فيكون المراد بالقبض هنا قبض اليدين إلى الجنبين. "ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة" وكل عضو منه يمكن استقبال القبلة به، هذا هو الأصل كاليدين والرجلين إضافة إلى أن البدن كله مع في استقبال القبلة. "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله" في الركعتين كيف في الركعتين؟ في الركعتين يعني بعد الفراغ من الركعتين، والمقصود بذلك التشهد الأول أو بين السجدتين؟ فما الذي يخصص الركعتين؟ "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" يعني جلس مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى وهذا بين السجدتين، وفي الجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة، وأيضاً في التشهد الأول، هذه صفة الجلوس، وجاء من حديث ابن عباس ويذكر عن العبادلة أنهم ينصبون القدمين، ويجعلون اليدين على العقبين، ويسميه بعض أهل العلم هذا إقعاء، لكن جاء عن ابن عباس أنه السنة، فعلى هذا لو فعل أحياناً، من فعله أحياناً أصاب السنة، ويكون الغالب في جلوسه على هذه الصفة "جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" وبعض الناس يعكس، نعم بعض الناس لا يستطيع لأنه تعود هذه الطريقة، فيبست رجليه على هذا الأمر، أو حصل له حادث أو كسر أو شيء من هذا لا يستطيع هذا معذور، ما يقال: تكسر رجله مرة ثانية على شان تعدل لهذه الجلسة، هذا معذور الذي لا يستطيع، لكن الإشكال في الذي يستطيع ولا يفعل مع علمه بهذه الصفة. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 22 "جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة" يعني في التشهد الأخير "قدم رجله اليسرى" يعني فأدخلها تحت ساقه اليمنى، أو بين ساقه وفخذه إن أمكن ذلك على ما جاء في سنن أبي داود، لكن الأكثر على الصفة الأولى يقدم رجله اليسرى، فيجعلها تحت ساقه اليمنى ونصب الأخرى، نصب اليمنى وقعد على مقعدته، وهذا يعرف عند أهل العلم بالتورك، فالتشهد الأول افتراش، والتشهد الثاني تورك، وهذا قول الحنابلة عملاً بهذا الحديث المفصل، الحنفية ما عندهم شيء اسمه تورك، الجلسات كلها افتراش، يستوي ذلك بين السجدتين وللتشهد الأول والثاني، المالكية يتورك في التشهدين عكس الحنفية، الشافعية عندهم الجلوس كله افتراش إلا في تشهد يعقبه سلام، يوافقون المالكية من وجه ويوافقون الحنابلة من وجه، كيف يوافقون المالكية؟ متى يوافق الشافعية المالكية؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم في التشهد الذي يعقبه سلام، يعني سواءً كانت صلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، يتورك في صلاة الصبح يتورك في الظهر، يتورك في المغرب، ومعنى قوله: "يعقبه سلام" أنه إذا كان عليه سجود سهو يتورك وإلا ما يتورك؟ ما يتورك؛ لأن التشهد لا يعقبه سلام، ولو كان تشهد ثاني، وبهذا يختلفون مع الحنابلة في التشهد الثاني الذي يعقبه سجود سهو، ويتفقون معهم في التشهد الثاني الذي لا يعقبه سجود سهو، وإنما يعقبه سلام. "رواه البخاري". كلام طويل في حديث علي. يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة" أي صلاة هذه؟ يقول الحافظ في البلوغ: "في رواية لمسلم" الحديث رواه مسلم في الجملة، وفي رواية له: أن ذلك في صلاة الليل، يعني هذا الاستفتاح إنما هو في صلاة الليل، وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر في البلوغ. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 23 وقال الصنعاني: لم نجده في مسلم، يعني لم نجد التنصيص على أن ذلك في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم الحديث حديث علي هذا في قيام الليل، فهل مقتضى السياق سياق الخبر في أثناء أحاديث قيام الليل أن يكون هذا الاستفتاح خاص بصلاة الليل كما في: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل))؟ يعني لو أن شخصاً أراد أن يستفتح لصلاة الظهر، فقال: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، قلنا: هذا جاء في صلاة الليل، ولو استفتح بهذا قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) لأن مسلماً وضع الحديث في أحاديث صلاة الليل، ومسلم دقيق في ترتيبه، ولذلك جزم الحافظ أن هذا في صلاة الليل، ومجرد عمله وصنيع مسلم في وضعه هذه الخبر في أثناء أحاديث صلاة الليل كأنه نطق؛ لأنه دقيق -رحمه الله-، ولذا قال الحافظ: وفي رواية له أن ذلك في صلاة الليل، لكن الصنعاني قال: لم نجده في مسلم، يعني التنصيص بالقول أن هذا في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم حديث علي هذا في قيام الليل، وقد نقل الحافظ ابن حجر في التلخيص عن الشافعي وابن خزيمة أنه يقال في المكتوبة، يعني في البلوغ قال: نص مسلم على أن هذا في صلاة الليل، وفي البلوغ نقل عن الشافعي وابن خزيمة أن هذا الاستفتاح يقال في المكتوبة، لكن طول هذا الاستفتاح وسكوت النبي -عليه الصلاة والسلام- بين التكبير وبين القراءة هنيهة على ما سيأتي في حديث أبي هريرة، يعني قليل ما يحتمل كل هذا الكلام، وهذا يرجح أن هذا الاستفتاح إنما هو في صلاة الليل التي من شأنها الطول، والإنسان بمفرده يصنع ما يشاء، يطيل أو يختصر الأمر إليه، يفعل الأرفق به، لكن إذا كان إمام عليه ملاحظة المأمومين، ودعاء الاستفتاح الذي هذا من صيغه، ومن صيغه ما سيأتي: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) ومن صيغه ما جاء في حديث أبي هريرة: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) وله صيغ أخرى، سنة عند الجمهور وليس بواجب، وليس بسنة عند مالك -رحمه الله- على ما سيأتي، على ما سيأتي الاستفتاح ليس بسنة عند مالك، وعند الجمهور سنة، وجاءت الاستفتاحات عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على صيغ متعددة، والاختلاف فيها اختلاف تنوع، وليس باختلاف تضاد، ولذا لا ينبغي الترجيح بين هذه الاستفتاحات الجزء: 20 ¦ الصفحة: 24 الثابتة الواردة والاقتصار على واحد منها، وإلغاء ما عداه، فيأتي بهذا أحياناً، ويأتي بهذا أحياناً، على ما سيأتي في صيغ التشهد -إن شاء الله تعالى-. قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) يعني وجه وجهه إلى الجهة التي أمر الله بها، وجاء في الحديث: ((إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصق تلقاء وجهه)) لماذا؟ لأن الله تلقاء وجهه، ولا يعني هذا أن الله -جل وعلا- بين الإمام والمحراب، أو بين المأموم والإمام، لا أبداً، لكن الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، لكنه تكريماً لهذه الجهة، وتوجيه الوجه معناه توجيه القصد لله -جل وعلا- مخلصاً بذلك بقلبه وقالبه، فوجهه وجميع بدنه متجه إلى هذه الجهة التي جاء الأمر بها، وقلبه معلق بربه -جل وعلا-، ملتفت إلى صلاته التي هي الصلة بين العبد وربه. ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) ابتدأ خلقهما، يعني خلقهما {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(1) سورة فاطر] يعني خالق السماوات والأرض، مبدع السماوات والأرض. ((حنيفاً)) يعني حال كوني حنيفاً، فحنيفاً حال، وفاعله وصاحب الحال، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . وجهت، صاحب الحال الفاعل، فاعل وجهت، صحيح {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [(95) سورة آل عمران] صاحب الحال؟ إبراهيم، نعم؟ إبراهيم موقعه من الإعراب مضاف إليه، يجوز الإتيان بالحال من المضاف إليه، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مطلقاً وإلا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم. ولا تجز حالاً من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [(4) سورة يونس]. أو كان جزء ما له أضيفا ... . . . . . . . . . قطعت يد زيد قائماً. . . . . . . . . . ... أو مثل جزئه فلا تحيفا مثل الجزء، الملة مثل الجزء {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [(95) سورة آل عمران]. ((وما أنا من المشركين)) الحنيف والحنف والأحنف المادة كلها تدل على الميل، فالأحنف الذي رجله مائلة، والحنيف والأحنف الذي مال، مال عن إيش؟ مال عن الشرك وأهله ((حنيفاً وما أنا من المشركين)). الجزء: 20 ¦ الصفحة: 25 {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [(162 - 163) سورة الأنعام] يعني كما جاء في آخر سورة الأنعام {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} [(162) سورة الأنعام] صلاتي وذبيحتي {وَمَحْيَايَ} [(162 - 163) سورة الأنعام] كله، المحيا كله، والممات كله، يعني جميع التصرفات ينبغي أن تكون على مراد الله -جل وعلا-، جميع تصرفات الإنسان ينبغي بل على المسلم أن تكون على مراد الله -جل وعلا-، فحياته كلها لله، ومماته لله، لله رب العالمين، لا شريك له، لا يلتفت إلى أحد سواه، ولا يصرف شيئاً مما لا يجوز صرفه إلا لله -جل وعلا-. ((لا شريك له، وبذلك أمرت)) أمره الله -جل وعلا- بذلك ((وأنا من المسلمين)) التوجيه سواءً كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أو غيره ممن يقول هذا الذكر، نعم هو من المسلمين حقيقة، وإذا قلنا: إن الإسلام دين الأنبياء كلهم ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أول المسلمين، وإذا قلنا: إن الإسلام المراد به هذه الشريعة التي جاء بها النبي -عليه الصلاة والسلام-، صار محمد -عليه الصلاة والسلام- أول المسلمين، لكن ماذا عن أتباعه؟ هل الأولى أن يقول المسلم: وأنا أول المسلمين أو وأنا من المسلمين؟ وهل تغير الصيغ الثابتة المتعبد بها من أجل مثل هذا؟ أو نتلو اللفظ المتعبد به كما هو؟ يعني للمسلم أن يقول: وأنا أول المسلمين وهو في الحقيقة ليس بأول المسلمين لكن هو متعبد بهذا اللفظ، يعني في القرآن تقول: وأنا أول المسلمين، يجوز لك أن تغير، تقول: ما أنا بأول المسلمين إذاً أغير؟ لا يجوز، فهل تغير في مثل هذا الحديث؟ نعم جاء في بعض الروايات: ((وأنا من المسلمين)) وأما على الرواية الأخرى: ((وأنا أول المسلمين)) كما في الآية {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [(163) سورة الأنعام] يكون المراد بذلك اتباع لفظ القرآن. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 26 ((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)) أنت الملك، الملك اسم من أسماء الله -جل وعلا-، كما جاء في آخر الحشر وغيرها ملك ومليك {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [(55) سورة القمر] {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [(26) سورة آل عمران] {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [(16) سورة غافر] فالملك من أسمائه الحسنى. ((لا إله إلا أنت)) إقرار واعتراف بشهادة التوحيد، نفي لكل إله يدعى ويعبد من دون الله -جل وعلا-، وإثبات للعبودية لله -جل وعلا- خاصة. ((لا إله إلا أنت، أنت ربي)) اعتراف ((وأنا عبدك)) انكسار بين يدي الله -جل وعلا- ((ظلمت نفسي)) هذا يقوله المعصوم -عليه الصلاة والسلام- ((ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) منهم من يقول: إن مثل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يقوله قصداً لذلك؛ لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فليس بحاجة إلى مثل هذا، وإنما المراد تعليم الأمة، ومنهم من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل مثل هذا من باب التواضع، وإلا فهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إن ذنوب الأنبياء المعصومين إنما هي فعلهم خلاف الأولى. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 27 ((وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) أبو بكر -رضي الله عنه- على ما سيأتي طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- دعاءً يقوله بعد الفراغ من التشهد، فأرشده النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: ((رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي ... )) إلى آخره، المبتدعة يقولون: هاه أبو بكر ظالم لنفسه ظلم كثير وليس بقليل، ويقول هذا المعصوم -عليه الصلاة والسلام- الذي يعرف حال أبي بكر، وأخبر الناس به، يقول: قل يا أبا بكر: ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، فهو ظالم لنفسه، والظالم لنفسه لا يؤمن أن يظلم غيره، نقول: ماذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ظلمت نفسي واعترفت بذنبي))؟ هل يقال مثل هذا في حق النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! أو نقول: هذا تواضع وهضم للنفس؟ نقول: تواضع وهضم للنفس، والظلم متفاوت تفاوتاً بيناً وواضح وظاهر، يبدأ من الشرك الأكبر {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] إلى الظلم اليسير في وضع الشيء في غير موضعه، فالظلم قد لا ينفك منه أحد، اليسير منه وضع الشيء في غير موضعه ظلم، فعلى الإنسان أن يطلب من الله -جل وعلا- أن يغفر له هذا الظلم، وإن كان يسيراً، فإذا طلبه النبي -عليه الصلاة والسلام- فلأن يطلبه أبو بكر من باب أولى؛ ولأن يطلبه من دون أبو بكر من باب أولى، وهذه منقبة لأبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-. ((ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) في أحد يستطيع أن يغفر لأحد؟ أبداً، ((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) وبعض الملل وبعض المذاهب يعطون صكوك غفران يسمونها، فالذي يدفع الرسوم يعطى مثل هذا الصك، وهذا موجود عند بعض الملل الخارجة عن ملة الإسلام، وموجود مع الأسف عند بعض من ينتسب إلى الإسلام من أصحاب البدع الكبرى المغلظة التي في حقيقتها مخرجة عن الإسلام، لكن هم يدعون الإسلام ويتجهون إلى قبلتنا، ومع ذلك عندهم مثل هذه البدع المغلظة. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 28 ((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) ما جاء أبو بكر ولا عمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- ليغفر لهم {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ} [(64) سورة النساء] استغفروا منك وإلا من الله -جل وعلا-؟ يعني طلبوا المغفرة منك يا محمد أو من الله -جل وعلا-؟ المغفرة لا يملكها إلا الله -جل وعلا-. ((وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت)) لعلنا نقف على هذا لأن الإخوان بدأت عليهم آثار الملل، وبدؤوا ينصرفون، لكن ما شرح فيه بركة -إن شاء الله-. نقف على هذا؛ لأن الأخلاق تحتاج، وبقية الحديث يحتاج إلى تفصيل، والحديث الذي يليه له صلة به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 29 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (21) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: أنا الآن في غير بلدي، وعلي قضاء عشرين يوماً من رمضان الماضي، والنهار طويل جداً في هذا البلد، فهل يجوز لي تأخير الصيام إلى شوال حتى أرجع وأقضيه في بلدي؟ ما دام مسافر، والمسافر يجوز له الفطر في رمضان، فإن كان تأخيرك للقضاء عن تفريط منك فعليك بالمبادرة، فتصوم هذه الأيام قبل رمضان، وإن كان من غير تفريط والقضاء يشق عليك في السفر، فلو أخرتها وأطعمت مع صيام كل يوم مسكين على قول أكثر أهل العلم، ومع ذلك لو لم تطعم على رأي الإمام البخاري ومن يرجح قوله فالأمر فيه سعة، لكن إن كان ذلك ناشئ عن تفريط، وأخرت القضاء إلى هذه الأيام حتى إذا ضاق الوقت وجد لك المبرر الشرعي بالفطر فأنت حينئذٍ أنت المفرط، فعليك أن تقضي قبل دخول رمضان، وإن كان تأخير القضاء لا لتفريط فأنت لو أخرت لا سيما لو كان الصيام يشق عليك كما ذكرت في السؤال النهار طويل جداً في هذا البلد، فإذا أخرت فتطعم مع كل يوم مسكين على مقتضى قول أكثر العلماء. يقول: ما أفضل كتاب في أسباب النزول؟ هناك كتب في أسباب النزول منها للواحدي والسيوطي وغيرهما. وهل هناك كتاب موسع في هذا الباب؟ المفسرون الذين معولهم على الأثر يذكرون هذه الأسباب كالطبري وابن كثير والبغوي وغيرهم، فلا يكتفى بكتاب واحد، فإذا أراد طالب العلم الاستيعاب فعليه أن يقرأ ما كتب في هذا المجال، ويضم إليه ما يزيده المفسرون. يقول: هل الصف المقابل للإمام في الحرم يعتبر من الصف الأول؟ الجزء: 21 ¦ الصفحة: 1 الصف الأول هو الذي يلي الإمام مباشرة، وما كان بإزائه ومحاذاته من الجهات الأخرى، وأما من يتقدم على الصف المحاذي للإمام في غير جهته فهذه أقرب ما تكون لصفوف الحاجة، مثل الصف عن يمين الإمام إذا لم يجد مكاناً، أو الصلاة في الدور الأعلى، أو الدور الأسفل المحاذي للإمام، هذه كلها صفوف حاجة؛ لأن الأصل أن المأموم يكون خلف الإمام حقيقة أو حكماً، فلا يكون أقرب إلى الكعبة، لكن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، فتكون هذه صفوف حاجة، علماً بأن الاستدارة حول الكعبة من الجهات كلها إنما وجدت في عصر متأخر عن عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى قيل: إن أول من أمر بذلك ابن الزبير في ولايته؛ لأنه كثر الناس، فكانت الجهة الواحدة لا تستوعبهم. ما حكم تبديل الكنائس إلى مساجد؟ وهل هناك كتب مخصصة لهذا الموضوع، أو ذكرت هذه المسألة؟ نعم الكتب التي ألفت في الرد على النصارى، وأحكام أهل الذمة ذكروا هذا، فابن القيم ذكر، شيخ الإسلام أيضاً ذكر وغيرهما من العلماء ذكروا مثل هذه المسألة، فتبديل الكنائس إلى مساجد هذا خير بلا شك. يقول: لو وجدت كافراً يمارس عبادته هل لي أن أمنعه أو أضيق عليه سواء في بلادنا أو غيرها؟ الذي لك أن تدعوه إلى الصواب، تدعوه إلى الإسلام، أو أقل الأحوال أن يكف عن المجاهرة بعبادته المخالفة للإسلام، بالطريقة المناسبة، بالأسلوب المحقق للمصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة. ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟ وهل حكمها حكم التصوير الفوتوغرافي؟ نعم التصوير الذي يثبت الصورة بحيث يمكن استعراضها ورؤيتها من غير وجود المصَّور هذا كله تصوير، التصوير الذي يحتفظ به هذا تصوير بأي آلة كان. وما رأيك بمن يقول من أجاز الفيديو فإنه لا بد أن يجيز الفوتوغرافي؟ لا فرق بينهما. يقول: إذا ترجح عند شخص مسألة معينة، ولكن قلبه مطمئن لخلاف ما ترجح عنده، فما العمل؟ الجزء: 21 ¦ الصفحة: 2 إن كانت طمأنينة القلب سببها الاحتياط، ترجح عنده أن هذا العمل جائز، لكن القول بمنعه قول معتبر عند أهل العلم، ويقول به أئمة، فكونه ينكف عن هذا العمل ولو كان جائزاً عنده هذا هو الأولى والأحرى به، لكن إذا كان العكس إذا ترجح عنده أن الأمر محرم، والقول الآخر القول بالجواز قول من يعتد بقوله من أهل العلم نقول حينئذٍ: لا يجوز لك أن تعمل بخلاف ما تعتقده؛ لأن الاحتياط له شأن عند أهل العلم. ما حكم التسبيح بالمسبحة؟ هذا سئل عنه بالأمس، وقلنا: إنها من أهل العلم من أطلق أنها بدعة، مقتضى هذا أن تكون محرمة، ومنهم من أطلق الكراهة، ومنهم من قال: هي خلاف الأولى، والمعول في ذلك على حديث أم المؤمنين حيث سبحت بالحصى فأرشدها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن تسبح بالأنامل، والعلة في ذلك أنها مستنطقة، المقصود أن أقل الأحوال أن تكون خلاف الأولى، والكراهية لها وجه. يقول: لو تاب صاحب الذنوب توبة نصوحاً هل يحاسب على توابع المعصية بعد أن تاب منها؟ إن كانت توابعها متعلقة بالمخلوق فمن تمام التوبة، التوبة من المعصية نفسها ومن توابعها أن يتحلل من هذا المخلوق الذي هذه التبعة له، أو هذه المظلمة له، وإن كانت بالنسبة للخالق فهي تبعاً له، فالتوبة إذا كانت بشروطها وقبلت عند الله -جل وعلا- محاها ومحا أثرها. هذا يقول: في المغرب والجزائر الأئمة يقنتون دوماً في صلاة الصبح لا للنازلة كما قلت، بل هذا مذهبهم، ولست أدري ما مستندهم في ذلك؟ وهذا منذ زمن طويل. المغرب والجزائر الغالب أنهم مالكية، والمعروف في قنوت صلاة الصبح أنه عند الشافعية، فإن كان هناك قول للمالكية يقول بالقنوت فهم تبع له، وإلا فهذا من التأثر بالمذاهب الأخرى. ما حكم من أخطأ في القراءة -هذا السؤال- ما حكم من أخطأ في القراءة؟ يعني في الصلاة أو خارج الصلاة؟ على المسلم عموماً أن يتعلم القراءة الصحيحة، لا سيما ما يتعلق بالقرآن، وإذا صلى فلا يقرأ إلا ما يتقن، لا يقرأ قراءة يجرب بها، هل تمشي معه أو ما تمشي؟ لا، إنما يقرأ ما يتقن. أفضل محقق لكتب ابن القيم؟ الجزء: 21 ¦ الصفحة: 3 ما يوجد محقق حقق كتب ابن القيم كلها، وإنما كل كتاب حققه أكثر من واحد، يحكم حينئذٍ على أفضل هؤلاء المحققين. هل يجوز أن أقدم هدية لزوجي بمناسبة مرور سنة على زواجنا؟ هذا ليس من فعل المسلمين، وإنما هو من فعل الكفار، ففعل مثل هذا تشبه بهم. ولو كررت هذا الفعل سنوياً أيجوز؟ لا؛ لأنه يكون في حكم العيد. لست أعده عيداً، ولكنه فرح وتقدير وتعبير عن الشكر. سواء اعتبرته هذه المرأة عيداً أو لم تعتبره عيداً فهو عيد على كل حال؛ لأن العيد لما يعود ويتكرر. ما رأيكم في كتاب كفاية المستقنع من أدلة المقنع، أو ما يسمى بالانتصار في أحاديث الأحكام للمرداوي، فالكتاب يشبه كتاب المحرر، وأيهما تفضلون؟ على كل حال ابن عبد الهادي أمكن في الحديث، وتعقيباته على الأحاديث وأحكامه وعلله، وما ينقله عن الأئمة يحرص عليها طالب العلم أشد الحرص، فالمحرر أفضل منه. هذه تقول: الذكر الوارد بين السجدتين قلتم: إن (كان) تدل على الاستمرار، وأهل العلم يقيدونها بـ (غالباً) وقد جاء استعمالها في مرة واحدة، وكان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني واهدني)). هذا يكثر منه، فغالب ما يقول مثل هذا. والذكر الوارد من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه يقول بين السجدتين: ((رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي)) ثلاثاً، فهل يلازم المصلي الأول أم ينوع بين الاثنين؟ على كل حال إذا كرر اغفر لي ثلاثاً كفى، وإن جاء بالخمس الجمل أو السبع على ما تقدم فهو أكمل. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين يا رب العالمين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي لفظ له: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع)). الجزء: 21 ¦ الصفحة: 4 وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) فقال له قائل: ما أكثرُ ما تستعيذ من المغرم. أكثرَ، أكثرَ. ما أكثرَ ما تستعيذ من المغرم فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)) متفق عليه، واللفظ للبخاري. يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم)) " إذا تشهد يعني فرغ من التشهد، إذا فرغ من التشهد، وفرغ بعد ذلك من الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الإبراهيمية التي سبقت في درس الأمس، وجاء ما يدل على أن المراد بالتشهد هو التشهد الآخر كما في اللفظ الذي يشير إليه المؤلف بعد ذلك، فالدعاء محله التشهد الأخير لا الأول؛ لأن الأول مبني على التخفيف، حتى جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- وهو في التشهد الأول أنه كأنه على .. ، على إيش؟ الرُضف أو الرْضف، على الضبطين يعني الحجارة المحماة، مما يدل على أنه يستعجل في هذا، وإن كان الحديث فيه ما فيه، يعني تكلموا فيه عند أهل العلم. على كل حال التشهد الأول مبناه على التخفيف، فالدعاء إنما يكون بعد التشهد الأخير. ((فليستعذ بالله)) والسين والتاء للطلب، يعني فليطلب الإعاذة من الله -جل وعلا-، أو بالله -جل وعلا- والطلب من الله، واللام لام الأمر ((فليستعذ بالله من أربع)) يطلب من الله -جل وعلا- أن يعيذه من هذه الأربع. اللام هذه لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وقال به الظاهرية، وطاوس بن كيسان من جلة التابعين أمر ابنه أن يعيد الصلاة كما في صحيح مسلم لما لم يستعيذ من هذه الأربع، أمره أن يعيد الصلاة، فدل على أنها واجبة عنده، وعامة أهل العلم على أنها سنة، وليست بواجبة، وإن كان الأصل في الأمر الوجوب. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 5 ((فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم)) من عذاب جهنم، جاءت الاستعاذة من النار، ومن عذابها في نصوص كثيرة. ((ومن عذاب القبر)) كذلك إثبات عذاب القبر هو الذي عليه عامة من يعتد بقوله من أهل العلم، وقول أهل الحق من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والأحاديث فيه تبلغ حد التواتر، وإثبات عذاب القبر بالكتاب والسنة، من أدلته: قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [(46) سورة غافر] هذا في البرزخ، في القبر {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [(46) سورة غافر] هذا بعد البعث. المقصود أن من أهل العلم من استدل أيضاً بقوله -جل وعلا-: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [(21) سورة السجدة] منهم من يقول: إن هذا العذاب في الدنيا، ومنهم من يقول: المراد به عذاب القبر، ولم يعرف إنكار عذاب القبر إلا عند المعتزلة الذين لا يثبتون عذاب القبر، وأما أهل السنة فإنهم مجمعون عليه، والنصوص فيه قطعية. ((ومن فتنة المحيا والممات)) يعني جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر بقبرين وقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير)) وجاء في صحيح مسلم: ((لولا أن تدافنوا)) وفي وراية: ((لولا ألا تدافنوا لأسمعتكم)) فلا مجال للتردد في إثباته. قال: ((ومن فتنة المحيا والممات)) فتنة المحيا ما يتعرض له الإنسان أثناء حياته، وقد يفتن وهو لا يشعر {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [(126) سورة التوبة] وأحياناً يفتن أكثر من ذلك. فتنة المحيا ما يتعرض له حال حياته، والممات عند مماته، عند مماته يتعرض لفتنة من الشيطان ليختم له بالسوء. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 6 ((ومن شر فتنة المسيح الدجال)) وأي فتنة أعظم من فتنته، وأخوف ما خافه النبي -عليه الصلاة والسلام- فتنته، ومعه المغريات من الترغيب والترهيب، وجاء في أخباره الشيء الكثير، لكن هل التعوذ المطلوب من فتنته أو من شر فتنته؟ نعم؟ الحديث: ((ومن شر فتنة المسيح الدجال)) وبعض الروايات ما فيها شر: ((وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)) هل نقول: إننا نقيد المطلق بالمقيد بشر، أو نقول: يعمل به على إطلاقه؟ فيتعوذ من فتنة المسيح الدجال مطلقاً، يعني كون الإنسان يتعرض لفتنة المسيح الدجال هل الأفضل أن يتعرض لها ولو ثبت على الحق أو ألا يتعرض أصلاً؟ هو ما في شك أن الذي يثبت تمر به الفتن، تمر به المحن ويثبت هذا أفضل بلا شك، لكن ما الذي يدري الإنسان أنه يثبت؟ فيقتصر على شرها، أو أنه إذا وقي شر الفتنة فمعناه أنه يثبت، فيكتب له خيرها دون شرها. ((ومن شر فتنة المسيح الدجال)) والنصوص الأخرى مطلقة ليست مقيدة بالشر، بل لعموم فتنته خيرها وشرها، كون الإنسان يقيه الله -جل وعلا-، ويعيذه من شر الفتنة هذا لا شك أنه ناجي، وكونه يعيذه من الفتنة كلها يستعيذ بالله من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، ولذلك يستعيذ من فتنة المحيا والممات، ترى من فتنة المحيا النساء، الأزواج، والأولاد، والأموال، فهل معنى هذا أنه يستعيذ من شر فتنة أو من فتنة الأموال والأولاد والزوجات؟ كأنه يقول: اللهم لا ترزقني مالاً ولا ولداً ولا زوجة لأنها فتنة، إذا قلنا بالإطلاق، وإذا قلنا: إنه يستعيذ من شرها فهو يريد المال، يريد الزوجة، يريد الأولاد؛ لكنه شرهم يتقيه، ويسأل الله -جل وعلا- أن يقيه شرهم. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 7 الكلام يحتاج إلى تأمل يا الإخوان، يحتاج إلى تأمل؛ لأن من فتنة المحيا {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [(14) سورة التغابن] المقصود أنها فتن، هذه فتنة المحيا فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة لكنها فتنة، هل يستعيذ بالله منها أو من شرها؟ هل يستعيذ بالله منها بحيث يقيه الله -جل وعلا- الأموال والأولاد والزوجات، أو يستعيذ بالله من شرها؟ لأن طلب هذا مطلوب ((تزوجوا)) ((تكاثروا)) هذا مطلوب، يعني إذا نص على شر فتنة المسيح الدجال، فماذا عن فتنة المحيا والممات؟ هل يستعاذ بالله من شرها وعموم الفتن؟ عموم الفتن يعني كم شخص سمع يتمنى أن لو لم يدرك هذه الفتن التي نعيشها، فهل كون الإنسان يقبض قبل هذه الفتن أفضل، أو كونه يوجد في هذه الفتن ويجاهد ويصبر ويحتسب ويخفف منها بقدر ما يستطيع أيهما أفضل؟ يعني الأفضل كونه لا يدرك الفتن، أو الأفضل كونه يدرك الفتن ويساهم في تخفيفها أو القضاء عليها؟ الثاني أفضل بلا شك، لكن من يضمن؟ الكلام على من يضمن؛ لأنه قد يكون بهذه النية ثم إذا جاءته الفتن ما ثبت ولا صبر بل انحرف، ولذا جاء الإطلاق ((من فتنة المحيا والممات)) لكن ماذا عن فتنة المسيح الدجال؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 8 ومن هذا الدجال، من هذا أيضاً الفتن، ما يدعو الله -جل وعلا- أن يحييه حتى تأتي فتن فيساهم في تخفيفها والقضاء عليها، هذا أمر مفروغ منه، لكن التنصيص على شر فتنة المسيح الدجال، هل نقول: إن فتنة المسيح الدجال كلها شر فالتنصيص عليه وعدم التنصيص واحد كما جاء في الحديث الثاني؟ لكن ماذا عن الذي شقه الدجال بنصفين، نشره بالمنشار، ثم أعاده، ثم كذلك وثبت على .. ، هل هذا أفضل له أو الأفضل أن يوقى شر هذه الفتنة ولا يدخل فيها؟ نعم الكلام للعموم لعموم الناس، الأصل أن يسأل الله -جل وعلا- فتنة المسيح الدجال بشرها وما ينجم عن هذا الشر من خير، نعم لأنه قد ينجم من هذا الشر خير لهذا الذي يثبت ويصبر، لكنه في الجملة شر، يعني ما تعرض له من أذى شر، فيكون التنصيص على شر فتنة المسيح الدجال كالتعميم مثل اللفظ المطلق، ويكون حينئذٍ وصف كاشف لا مفهوم له؛ لأنه ليس معناه أن تتعوذ من شر فتنة المسيح الدجال أن تتمنى خير فتنة المسيح الدجال، يعني لا يفهم منه هذا، يعني هذا من باب التنظير، يعني إذا قرأنا حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) هل مفهوم هذا الحديث أن من لم يتفقه في الدين أن الله -جل وعلا- أراد به شراً؟ أو أنه قد لا يريد به الخير، لكن لا يريد به الشر أيضاً؛ لأن الشر والخير ضدان أو نقيضان؟ طالب: نقيضان. نعم يعني ما في واسطة لا شر ولا خير؟ طالب: لا يوجد. وقلنا في مناسبات يمكن في هذا الدرس في حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) عامي من عوام المسلمين لا يقرأ ولا يكتب ما عنده من الفقه شيء، لا يقرأ القرآن ولا غير القرآن، لكنه محافظ على الواجبات، وتارك للمحرمات، ورزق أموال وهو يضرب بهذه الأموال في جميع أبوب الخير، هل نقول: إن هذا أراد الله به شراً لأنه لم يتفقه في الدين، أو أن من تفقه في الدين أراد الله به خيراً وليس معنى هذا أنه أراد بغيره شراً؟ ونقول مثل هذا يعني من باب المقابل إن فتنة المسيح الدجال كلها شر، والمطلق مثل المقيد فيستعيذ بالله منها كلها. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 9 متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي لفظ له: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر)) يعني الأخير ((فليتعوذ بالله من أربع)) فالأدعية كلها في آخر الصلاة ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) يعني في آخر الصلاة. ثم قال: "وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر)) " هذا تقدم: ((وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)) وهذا أيضاً جاء في الحديث السابق: ((وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات)) وهذا أيضاً يشتريك فيه هذا الحديث مع السابق ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) هذه زيادة على ما جاء في الحديث السابق ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) المأثم ما يترتب وما ينشأ عنه الإثم، والمغرم هو الغرم وهو الدين. "فقال له قائل: ما أكثرَ ما تستعيذ من المغرم" أفعال تفضيل يعني كثيراً ما تستعيذ بالله -جل وعلا- من المغرم، فيما السبب في ذلك؟ "فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب)) " الرجل إذا غرم حدث فكذب، ويعد ويخلف، قد يحتاج إلى أن يكذب من أجل فك التضييق عليه، الغارم الدائن قد يأتي إلى هذا المدين، ثم يضغط عليه من أجل أن يسدد، فيقول: أنا بصدد بيع بعض الأمتعة وسوف أسدد، فيكذب عليه ما عنده أمتعة، ليس عنده شيء يباع، والغارم لم يرض، ولم يمتثل قول الله -جل وعلا-: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] وشدد عليه وضيق عليه، فاحتاج إلى أن يكذب مثل هذا الكذب، ويحتاج أن يعد فيخلف، إذا جاء رأس الشهر سددت، فإذا جاء رأس الشهر ما عنده شيء. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 10 ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)) كذبه من أجل أن يصرف الغارم أو الغريم، ووعده من أجل أن يصرفه، ولذا جاء التقييد بالمماطلة بكون المماطل واجد ((لي الواجد ظلم)) مفهومه أن غير الواجد ليس بظلم، بل هو معذور، فإذا غرم ولا يستطيع السداد فإنه قد يضطر إلى الكذب، وقد يضطر إلى إخلاف الوعد، وهو في ذلك معذور؛ لأنه إن صدقه ضيق عليه، وإن لم يعده ضيق عليه أيضاً، فيحتاج إلى مثل هذا، وإذا وعده وعداً مقروناً بالمشيئة خرج من عهدته، فقال: إن شاء الله، ثم جاء آخر الشهر والله ما شاء الله أني أقضيك، خرج من عهدته، فإذا وعده وعداً مقروناً بالمشيئة فإن هذا فيه مندوحة. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 11 بعضهم تحايل على الغريم أو الغارم الدائن لأنه يطلق غارم وغريم في الطرفين، فعيل بمعنى فاعل، أو بمعنى مفعول، تحايل من أجل إثبات الإعسار، فلما جاءه الدائن قال: موعدك القاضي يوم السبت، فذهبوا إلى القاضي فادعى الدائن بالدين، فلان الماثل بين يديك لي في ذمته مبلغ كذا، قال: ما تقول؟ يعني المدعى عليه، قال: صحيح، لكن أطلب منه النظرة إلى أن أبيع أرضي الفلانية وبستاني والعمارة التي في شارع كذا، والاستراحة التي في بلد كذا، قال: أنظره، المسألة شهر ما يضرك -إن شاء الله-، والمال كبير خليه يبيع، قال: يا شيخ يكذب، والله ما عنده استراحة، ولا عنده عمارة، ولا عنده أرض، ولا عنده مزرعة، ولا عنده شيء، أبد، قال المدعى عليه: هذا الذي أريده، أثبت الإعسار بشهادته، هو الذي يشهد أني معسر، حدث وكذب ووعد وأخلف، كله من أجل أن يثبت الإعسار بشهادة الغريم، فهذا أمر مشاهد وملاحظ يعني الإنسان قد يكون من خيار الناس يعني من طلاب العلم، بل من أهل العلم ويحصل له مثل هذا، من أجل أن ينصرف صاحبه، ويقول: هذا ذنب مضطر إليه، وأتوب إلى الله منه، وهذا ينصرف من أمامي الآن الساعة، وتنفرج -إن شاء الله-، فهذا هو الذي يجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من التعوذ بالله من المأثم أو المغرم، ولا شك أن الدين شأنه عظيم، هم بالليل، وذل في النهار، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا على صاحبكم)) يعني المدين حتى ضمن الدين، والشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، فهذا الذي جعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله من المأثم والمغرم. يقول: "متفق عليه، واللفظ للبخاري". التعوذ بالله -جل وعلا- من هذه الأربع، والزيادة عليها في الحديث الثاني، هل يستعمل المصلي الأول أو يستعمل الثاني أو يلفق بينهما؟ يستعمل الثاني باعتباره أكمل؟ أو اللفظ الأول باعتباره أول ما حفظ مثلاً، ثم يضيف إليه الأدعية الأخرى الواردة وغير الواردة مما يتخيره من المسألة؟ الأمر في هذا واسع، وليحرص المصلي على الوارد. سم. قال -رحمه الله-: الجزء: 21 ¦ الصفحة: 12 وعن وائل بن حجر قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". في بركاته الثانية؟ طالب: إي نعم، الثانية فيها بركاته. نعم هي موجودة في بعض النسخ، يقول: في سين وميم زيادة وبركاته بعد التسليم الثانية، نعم. رواه أبو داود بإسناد صحيح. إذا انتهى المصلي من التشهد، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم استعاذ بالله من هذه الأربع، وتخير من المسألة ما شاء فإنه حينئذٍ يسلم، والسلام ركن عند الجمهور وليس بركن عند الحنفية، بل إذا انتهى من التشهد فقد تمت صلاته على ما جاء في حديث ابن مسعود، وفيه كلام لأهل العلم. المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ منه ولا صلاة واحدة أنه خرج منها بغير سلام، وقال: ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) فالسلام ركن عند جمهور أهل العلم على خلاف بينهم هل الركن التسليمة الأولى فقط أو التسليمتان معاً؟ معروف عند الحنابلة أن التسليمتين كلاهما ركن، ولا تتم الصلاة إلا بالتسليمة الثانية، وعند غيرهم التسليمة الأولى كافية، والثانية مستحبة. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 13 صيغة السلام جاء في هذا الحديث حدث وائل بن حجر الذي حفظ من صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ، وبلغ في نصوص تقدمت قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله" السلام جاء من حديث بضعة عشر صحابياً، وكلها ليس فيها: "وبركاته" كلها: "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله" جاء في حديث وائل زيادة: "وبركاته" وحديثه مصحح عند أهل العلم، يعني من حيث الصناعة لا إشكال فيه، صحيح، لكن هل تعد هذه مخالفة أو تعد زيادة؟ بضعة عشر صحابياً ينقلون السلام من لفظه -عليه الصلاة والسلام- دون قوله: "وبركاته" ووائل بن حجر جاءت أيضاً من حديث ابن مسعود، لكن ما يسلم، وهذا الحديث مصحح، فهل يقال: إن هذه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ووائل حفظ ما لم يحفظه غيره، أو يقال: إنها مخالفة؟ فتكون حينئذٍ شاذة لست بمحفوظة، أو نقول: زيادة وحفظ وائل بن حجر ما لم يحفظه غيره من الصحابة؟ أو نقول: تنوع، مرة يقول كذا، ومرة يقول كذا؟ ها يا الإخوان؟ يعني مقتضى قول من يقول بقبول زيادة الثقة مطلقاً أن يعمل بهذه؛ لأنها زيادة غير منافية، والأئمة الذين يحكمون على هذه الزيادات بالشذوذ لندرة من ينقلها في مقابل الجمع، ومر بنا لهذا نظائر، تجد الكتاب أحياناً يعلون مثل هذه الرواية، طيب فيها مخالفة؟ ما فيها مخالفة، بل هي زيادة، ومن أهل العلم من ينقل الاتفاق على قبول زيادة الثقة كالحاكم وغيره، والمتأخرون لهم كلام كثير في هذا، لكن جمهورهم على قبول الزيادة. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 14 لكن الشأن في كون الإنسان يتفرد بشيء دون غيره، يعني الروايات في الصحيحين وغيرهما ليس فيها "وبركاته" هذه الزيادة "وبركاته" في سنن أبي داود، فماذا يقال عن مثل هذا؟ وله نظائر سبقت، لكن الحكم بحكم عام مطرد في مثل هذه المسائل ليس من عمل الكبار، المتأخرون لهم أحكام مطردة في مثل هذا، لكن الأئمة أئمة هذا الشأن ليس لهم حكم عام مطرد، فأحياناً يحكمون عليها بالشذوذ ولو تضمن مخالفة، إذا كان راويها ممن لا يحتمل تفرده مثلاً، أو غلب على ظنهم بالقرائن أن هذا الراوي الذي يحتمل تفرده لم يضبط ولم يحفظ في هذه الرواية. طالب العلم أمام مثل هذه المضايق كيف يصنع؟ هل يقول إذا سلم: وبركاته أو لا يقول؟ الخلاصة يعني خلاصة الكلام يعني دعنا من المقدمات السابقة هذه لا يدركها كثير من طلاب العلم، بل جل طلاب العلم لا يدركون مثل هذا، يعني مثل طبيب باكستاني دخل عنده شيخ مصري، الطبيب الباكستاني لحيته كثة، وشيخ تخصصه بالفقه والأصول يعني حليق، فقال له الطبيب: أين الحية يا شيخ؟ قال الشيخ: اللحية سنة، قال: أنا ما يعرف سنة ما سنة، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ فهذه الأمور حقيقة يعني هذه العلل الخفية التي يحكم بها الأئمة، وقد لا يتفقون على الحكم الواحد، يعني مع ذلك لا يتفقون على الحكم الواحد، قد يلوح للإمام أحمد من القرائن ما يدل على أن هذه اللفظة ليست محفوظة، بينما أبو حاتم يحكم بأنها محفوظة أو العكس، فمثل هذه الأمور لا شك أن طلاب العلم دون تحقيقها خرط القتاد، يحتاجون إلى مدد متطاولة، ومران طويل حتى يستطيعوا أن يحكموا على مثل هذه الأمور. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 15 الخلاصة يعني هل المصلي يقول: وبركاته أو لا يقول؟ نعم؟ يعني لو قالها أحياناً باعتبار أن الغالب من أحواله -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يقولها؛ لأن كل من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكرها إلا وائل بن حجر، ورواية عن ابن مسعود، فلو قالها أحياناً مرة بالشهر مثلاً، لا سيما إذا كان منفرداً لكن النص في الإمام؛ لأنه يقول: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يسلم" أما بالنسبة للمنفرد فهذا ما يحصل فيه إشكال، المأموم قد يقال: إنه إذا زادها خالف إمامه، لكن الزيادة في الأقوال يحتمل فيها أكثر من الزيادة في الأفعال. الإمام والحديث في الإمام؛ لأنه يقول: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وإذا زادها تشوش المأموم، لكنه تشويش لا يؤثر على صلاته، يعني ما هو مثل التشويش الحاصل بسجود السهو مثلاً قبل السلام أو بعده، قد يحصل شيء من التشويش في مسائل فيها تشويش، لكن مثل هذا ما فيه إلا أنه قد يستغرب، ثم إذا سلم ورأى الإمام ونبه الإمام على أن هذه اللفظة ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأننا نقولها أحياناً ينتهي الإشكال، ينتفي، وهذا هو الأقرب، نعم. قال -رحمه الله-: وعن وراد كاتب المغيرة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) متفق عليه. الجَد، الجَد. ((ذا الجَد منك الجد)) متفق عليه. وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهلل بهن دبر كل صلاة" رواه مسلم. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 16 وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من ... من أن ((من أن أرد إلى أرذل العمر)) أردَ، أُردَ. ((من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، ومن عذاب القبر)) رواه البخاري. وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)). عند ياء؟ عندك ياء، تباركت؟ نعم ((يا ذا الجلال والإكرام)). قال الوليد بن مسلم: فقلت للأوزاعي كيف الاستغفار؟ قال: تقول: "أستغفر الله" رواه مسلم. مرة واحدة. سم يا شيخ؟ استغفر الله، استغفر الله. مرة واحدة. وروى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)). وعن معاذ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده، وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك)) إني، إني؟ لأحبك. نعم. ((أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي. وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) رواه النسائي والرواياني ... الروياني، الروياني. والروياني وابن حبان والدارقطني في الأفراد، والطبراني، وهذا لفظه، ولم يصب في ذكره في الموضوعات. ولم يصب من ذكره. ولم يصب من ذكره في الموضوعات، فإنه حديث صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 21 ¦ الصفحة: 17 "وعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة" مكتوبة يعني مفروضة، المكتوبة هي المفروضة، ويخرج بذلك النوافل، فلا يقال بعد النوافل هذا الذكر، والمراد بالمكتوبة الخمس، وهل يدخل في المكتوبات الواجبات عند بعض أهل العلم دون بعض، يعني صلاة الجنازة مثلاً فرض كفاية تدخل في المكتوبة؟ صلاة العيد عند الحنفية واجبة تدخل في المكتوبة؟ صلاة الوتر عندهم تدخل في المكتوبة؟ الظاهر أنه لا يدخل في هذا إلا الصلوات الخمس، مثل ما قيل في دعاء الاستفتاح، دعاء الاستفتاح في حديث أبي هريرة: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " يعني هل هذا يشمل الجنازة فيه دعاء استفتاح؟ أو أن المراد بالصلاة الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود الفرائض والنوافل؟ هنا في دبر كل صلاة مكتوبة يعني مفروضة، وكون صلاة العيد واجبة، وصلاة الوتر واجبة عند الحنفية، لا يعني أنها مفروضة، فيختص هذا الذكر بالصلوات الخمس. ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) لا إله إلا الله كلمة التوحيد، متضمنة للنفي والإثبات، ((وحده)) حال مؤول بنكرة منفرداً ((لا شريك له)) مؤكدة لجملة النفي من كلمة التوحيد ((له الملك، وله الحمد)) يعني لا لغيره؛ لتقديم المتعلق، تقديم الجار والمجرور لا شك أنه يدل على القصر والاختصاص، مثل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] ((له الملك)) يعني لا لغيره ((وله الحمد)) لا لغيره ((وهو على كل شيء قدير)) هذه الجملة من العموم المحفوظ، كما يقرر أهل العلم، بحيث لم يستثن منه شيء، ولم يخرج منه صورة من الصور، والمفسرون وعلى رأسهم الطبري في أوائل تفسير سورة الملك قال: إنه على ما يشاء قدير، وفي تفسير الجلالين وغيره: "وهو على كل شيء يشاؤه قدير" والتقييد بالمشيئة لا شك أن مفهومه أن الذي لا يشاؤه لا يقدر عليه، وهذا المفهوم باطل. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 18 جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] وجاء أيضاً في حديث: آخر من يدخل الجنة: ((فإني على ما أشاء قادر)) في صحيح مسلم، هذا يشكل وإلا ما يشكل؟ هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ يعني أهل العلم يقررون على أن الله -جل وعلا- كما قال: على كل شيء قدير، وهذا من العموم المحفوظ، تقييد القدرة بالمشيئة مفهومه أن الذي لا يشاؤه معناه أنه لا يقدر عليه، لا يقدر إلا على ما يشاؤه، وهذا المفهوم باطل بالاتفاق، لكن استعمله أهل العلم مثل الطبري، وكثير من المفسرين قيدوه بالمشيئة، لكن لا إشكال في كلام أهل العلم، يرد، سهل، يعني رده سهل، الإشكال في مثل قوله: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] وفي قوله في الحديث الصحيح في صحيح مسلم: ((فأنا على ما أشاء قادر)) هل نقول: إن مثل هذا وصف كاشف لا مفهوم له؟ وجاء بعض القيود ما هو ملغى الاعتبار، حتى في نصوص الكتاب والسنة، يعني يقول أهل العلم: لا مفهوم له، وهذا متجه في مثل هذا: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] يعني لو أكل الربا ضعف واحد يجوز وإلا ما يجوز؟ ما يجوز {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] لو استغفرت لهم واحد وسبعين أو سبعمائة مرة يغفر لهم وإلا ما يغفر؟ فيكون مفهوم الحديث ملغى. ((فإني على ما أشاء قادر)) من أهل العلم من يقول: إن هذا في الأمر الذي انتهى لا في المستقبل، يجوز لأنه شاءه وقدره وانتهى، فما في إشكال، الإشكال في المستقبل الذي تتعلق به القدرة مستقبلاً، هل يعلق بالمشيئة؟ هذا لا يجوز بحال {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] تكون المشيئة مرتبطة بالجمع لا بالقدرة، وهذا تأويل من بعض أهل العلم، أبداه بعض المفسرين وهو جيد، فالمشيئة ارتبطت بالجمع لا بالقدرة، فالقدرة مطلقة من المشيئة. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 19 ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) الله -جل وعلا- هو المعطي لا غيره، والمخلوق الذي بيده المال، بيده شيء من مال الله الذي آتاه إنما هو قاسم، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) فالذي يعطي في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، والذي يمنع في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، ومن الأمثلة المحسوسة تجد الرجل الغني الباذل المحتسب المتلمس لمواضع الإنفاق يدخل عليه من عنده مشروع خيري فيبذل له ما يبذل من المال، ثم يدخل عليه آخر بمشروع أعظم وأظهر فائدة، ثم يقول: والله ما كتب الله شيء، ما عندنا شيء، من الذي أعطى الأول ومنع الثاني؟ هو الله -جل وعلا-، وإلا لو كانت بيد هذا الذي يحتسب الأجر لقدم الثاني على الأول، فالله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع. ((لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد)) صاحب الحظ، ولا ينفع صاحب الحظ منك حظه، جده، يعني حظه لا ينفع، ولا يغنيه عنك ولا منك حظه ولا جده ولا غناه ولا قوته ولا بأسه ولا أعوانه، ولا أنصاره، لا ينفع من الله أحد، فإذا نزل أمر الله، وجاء وقت قضائه فإنه لا راد لما قضاه. قال: "متفق عليه". "وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" حين يسلم، يعني مباشرة، فور ما يسلم يقول: لا إله إلا الله، وسيأتي ما جاء في الاستغفار، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله)) ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) قبل أن ينصرف، فهذه مقدمة، الاستغفار مقدم، وما يتلوه، ثم بعد ذلك يقول: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله)) لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة. ((لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن)) هذه الأذكار ثابتة في الصحيحين وغيرهما ((لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون)). الجزء: 21 ¦ الصفحة: 20 "وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهلل بهن دبر كل صلاة" يعني دبر كل صلاة كما جاء القيد في حديث المغيرة "مكتوبة". "رواه مسلم". "وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة" يعني يعلمهم قراءتها، يعلم أولاده قراءتها ولفظها وحفظها، والمداومة عليها، ويقول: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن)) " البخل منع ما يجب أداؤه من الزكوات والنفقات وغيرها. ((وأعوذ بك من الجبن)) يقابل البخل الجود والكرم، فإذا عوذ من البخل فلأنه مذموم، ويقابله الجود والكرم مقابل المذموم ممدوح، لكن بالضوابط الشرعية؛ لأن كل صفة من هذه الصفات فيها الطرفان والوسط. . . . . . . . . . ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم فالبخل مذموم، والإسراف مذموم، وبينهما الجود والكرم والإنفاق بعقل هذا هو الشرعي. ((أعوذ بك من الجبن)) وهو عدم الإقدام في الوقت الذي يطلب فيه الإقدام في الجهاد مثلاً وفي غيره من الأمور التي يطلب لها مثل هذا، يقابله الشجاعة، فإذا كان الجبن مذموماً فالشجاعة ممدوحة، لكن بضوابطها الشرعية. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 21 ((وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر)) العمر -عمر الإنسان- له مراحل، قبل أن يخرج من بطن أمه وبعد أن يخرج في الطفولة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة، ثم أرذل العمر {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [(70) سورة النحل] وتصرفاته مزيج من تصرفات الصبيان والمجانين، لا يعرف ما ينفعه ولا يضره، وتصرفاته ليست كتصرفات الصبي التي لا يدري ما وراءها، لكنه يرجى، أما إذا رد إلى أرذل العمر، فإنه لا يرجى، التصرفات من الصغير مقبولة، ولو كانت غير معقولة، لكنها مقبولة، يعني صبي يأخذ جمرة ويضعها في فيه مقبولة، لكن شايب كبير في التسعين من عمره يأخذ جمرة، هذه ليست مقبولة، يتكلم بكلام يهذي بكلام، أو يخلط في كلامه هذا غير مقبول، لكن الصبي الطفل الصغير من أجمل ما يكون إذا قال كلمات غير مترابطة أو .. ، يعني في بداية عمره مقبولة، ولذا لا يقال: إن أرذل العمر موجود حتى في الصبا، يعني تصرفات الكبير جداً مثل تصرفات الصبي الصغير؛ لماذا يقال: هذا أرذل وذاك؟ لا ليس بأرذل، الطفولة مقبولة، التصرفات فيها مقبولة، ولذا يرجى أن يكمل الصبي، وتكمل تصرفاته، لكن إذا رُد إلى أرذل العمر في آخره يؤس من رجائه، ولذلك تعوذ من أن يرد الإنسان إلى أرذل العمر. ((وأعوذ بك من فتنة الدنيا)) الدنيا فتنة، تفتن الإنسان عن دينه، وينشغل بها عن دينه، والفتنة منها الفتن العظمى الكبرى التي قد تصل بالإنسان إلى أن ينسلخ من دينه بالكلية، ووجد مثل هذا كثير على مر التاريخ، وجد أيضاً من ينفتن بأمور يترك فيها واجبات، ويرتكب محرمات، ووجد ما هو دون ذلك، حتى الانشغال بالشيء عما خلق من أجله، ولو كان مباحاً فتنة، والكساء الذي أهداه أبو جهيم للنبي -عليه الصلاة والسلام- أعاده إليه، وقال: ((كاد أن يفتنني)) عليه الصلاة والسلام، يعني كاد أن يشغلني عن صلاتي، والأموال والأولاد والزوجات فتنة يعني تشغل. ((ومن عذاب القبر)) وهذا تقدم "رواه البخاري". "وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً" إذا انصرف من صلاته يعني سلم قبل أن يستقبل المأمومين بوجهه. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 22 "استغفر ثلاثاً" يعني طلب المغفرة بلفظ: ((أستغفر الله، أستغفر الله)) كما قال الأوزاعي وهو من رواة الحديث. "استغفر ثلاثاً" يعني طلب المغفرة ثلاثاً، ويشرع بعد كل عبادة الاستغفار لجبر الخلل الواقع في هذه العبادة، "وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام)) " ((اللهم أنت السلام)) هذا من أسمائه الحسنى السلام، السالم من كل عيب، ومن كل نقص ((ومنك السلام)) التسليم والسلامة لخلقك ((تبارك)) بعضهم يقول: "وتعاليت" لكنها لم تثب. ((ذا الجلال والإكرام)) بدون ياء، وهذه رواية محفوظة في الصحيح وغيره، مع أنه جاء بالياء، ياء النداء، يا ذا الجلال، وإثباتها وحذفها سيان، يعني سواء قال: يا ذا الجلال أو قال: ذا الجلال. "قال الوليد بن مسلم: فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال تقول: أستغفر الله، أستغفر الله" يعني بلفظ: أستغفر الله، لكن لو قال بدل: أستغفر الله أطلب الله المغفرة، أو اللهم اغفر لي؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا انصرف استغفر ثلاثاً، وطلب المغفرة: اللهم اغفر لي هذا استغفار، لكن الراوي فسر هذا الاستغفار في هذا الموضع: أستغفر الله، أستغفر الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحفظ عنه في المجلس الواحد أكثر من مرة يستغفر الله، قال: ((إنه ليغان على قلبي حتى إني أستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)) المقصود أن هذا الاستغفار مطلوب من كل أحد، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله فغيره من باب أولى. وجاء في الحديث: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن ضيق مخرجاً ... )) إلى آخره. وجاء عن حذيفة أنه كان جبل على شيء من الشدة في الخلق، فوجهه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الاستغفار أن يكثر من الاستغفار، فمن جبل على حرارة الطبع، أو كثرة الكلام، وكثرة الخصومات، وشيء من هذا عليه أن يلزم الاستغفار، والاستغفار مطلوب منه ومن غيره. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 23 ترتيب الأذكار التي مرت، يعني مات في يقول كذا، ثم يقول كذا، ثم يقول كذا، ونجد المصلي عموماً، وهذا يجده كل إنسان من نفسه رتبها ترتيباً في أول الأمر، واستمر عليه، فهل يلام على هذا الترتيب؟ يعني جاء بترتيب لم يرد به الشرع، وقدم وأخر على حسب ما حفظ في أول الأمر، نعم ما جاء ما يدل على أنه يُقدم يقدم، وما يؤخر يؤخر، لكن في الأثناء من هذه الأذكار وغيرها مما جاءت به السنة؛ لأن الإنسان حتى في ذكره اليومي تجده يرتب ترتيب ما عليه دليل، لكنه لو أخل به قد يرتبك وينسى، لكنه مشى عليه، يعني جاءت أذكار في الصباح والمساء، ودخول البيت والخروج منه ومسجد وغيره، أذكار كثيرة يعني، ورتب عليها أجور عظيمة، تجد المسلم رتبها في أول الأمر، واستمر على هذا الترتيب، يعني أذكار الصباح رتبها في نفسه واستمر عليه، وما جاء ترتيبها في النصوص، هل يلام على هذا الترتيب؟ نقول: إنك وضعت هذا الترتيب من تلقاء نفسك بدون دليل؟ أو نقول: إنه هذا الترتيب يعينه على استحضارها؛ لأنه لو قدم وأخر في يوم كذا وفي يوم كذا قد ينسى بعضها، لكنه بهذا الترتيب الذي لا يتعبد به، ولا يعتقد أنه عبادة بهذا النسق المعين هذا لا يلام عليه، ولذلك تجدون الأدعية في مثلاً القنوت تجدها مرتبة طول الشهر أو طول السنة عند الإنسان مرتبة، كونه يرتبها يسهل عليه استحضارها، لا أنه يتعبد بهذا الترتيب، وأنه لا يجوز التقديم والتأخير أبداً، فهذا يخفف، وإلا فالأصل أن الترتيب الترتيب من قبل الشارع، ولا يمشي على ترتيب معين، ولذلك كتب الأذكار تجدونها مرتبة، وإن كان بعضهم يرتب على غير ما يرتب غيره، لكن مع ذلك هو رتبها وسلسلها ليجعل القارئ يسلسلها كما سلسلها، لكنه لا يستند إلى دليل في هذا الترتيب، لكنه لا يتعبد بهذا الترتيب أيضاً، فلا يلام على هذا. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 24 "وروى -يعني مسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله تعالى دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) ". ((من سبح الله تعالى دبر كل صلاة)) الدبر كما يقرر أهل العلم من اللغويين وغيرهم أنه قد يكون متصلاً كدبر الدابة، وقد يكون منفصلاً، ولذا جاء في النصوص ما يجعله أهل العلم في آخر الصلاة كدبر الدابة، وجاء في النصوص ما يجعله أهل العلم بعد الفراغ منها، وشيخ الإسلام له رأي في المسألة، وهو أنه يقول: أن ما كان من دعاء فإنه يكون في آخر الصلاة قبل الفراغ منها، ما دام متصلاً بربه لم ينصرف عنه، والأذكار تكون بعد الصلاة، هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-، مع أنه جاء أنه إذا انصرف من صلاته قال: ((رب قني عذابك يوم تبعث عبادك)) وهذا دعاء ويكون بعد الانصراف، الاستغفار دعاء، يعني طلب المغفرة دعاء، ومع ذلك يقوله المصلي بعد انصرافه من الصلاة، فالقاعدة ليست مطردة، فالصلاة فيها أذكار وبعد الصلاة فيه أدعية، إلا أن الغالب يعني الذي جمعوا، ما فيه وقت محدد أن الإنسان من الأدعية يتخير قبل ما يسلم؛ لأنه مظنة إجابة، والأذكار تكون بعد الصلاة، لا سيما ما جاء في أذكار الصلاة وغيرها. ((من سبح الله تعالى دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) فقال: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ((وحمد الله ثلاثاً وثلاثين)) ثم بعد الثلاث والثلاثين قال: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله ((وكبر الله ثلاثاً وثلاثين)) فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثلاثاً وثلاثين ((ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... )) إلى آخره، فيجعل التسبيح متتابع، والتحميد متتابع، والتكبير متتابع، ثم يختم المائة بلا إله إلا الله ... إلى آخره. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 25 وجاء ما يدل على المزج بين الجمل الثلاث، فيقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، جاء في حديث فقراء المهاجرين حينما جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: "ذهب أهل الدثور بالأجور ... إلى آخره، فقال: ((تسبحون وتحمدون وتكبرون الله ثلاثاً وثلاثين)) فهذا فيه مزج، وجاء أيضاً في روايات أخرى، المقصود أن المسلم مخير بين أن يفرد التسبيح، ويفرد التحميد، ويفرد التكبير، وبين أن يمزج الجمل الثلاث في ثم يقول في تمام المائة: لا إله إلا الله ... وهذا على التخيير، وإن فعل هذا مرة وهذا مرة كان أكمل. ((وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)). يعني ما يعلو البحر، ما يعلو فوق الماء من الزبد، ولكثرته شبهت به هذه الذنوب الكثيرة التي تمحوها هذه الأذكار. وجاء أيضاً: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) وأهل العلم يختلفون في هذه الخطايا هل تشمل الكبائر أو لا تشملها؟ المسألة معروفة عند أهل العلم، ولكن الجمهور على أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، أو رحمة أرحم الراحمين، وأما الصغائر فتكفرها مثل هذه الأذكار والصلوات الخمس والعمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان، واجتناب الكبائر مكفر للصغائر عند أهل العلم. "وعن معاذ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك)) " أقسم له وهو الصادق المصدوق، لكنه من باب التأكيد، وجاء بـ (إن) حرف توكيد ونصب، واللام أيضاً لام تأكيد وليست نافية، يعني لو قال: والله إني لا أحبك هذه مشكلة هذه، هذا نفي قلب للمعنى، كما سمع إمام يصلي بالناس فقال: ثم لا تسألن يومئذٍ عن النعيم، هذا قلب، هذا مبطل للصلاة، ففرق بين هذا وهذا. ((والله إني لأحبك)) وفي هذا منقبة لمعاذ بن جبل، وهو من النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمحل الأسنى كما هو معلوم. ((أوصيك يا معاذ)) لكن هل هذا خاص بمعاذ؟ لا ليس خاصاً به، الخطاب موجهاً له، لكنه له ولغيره، لأن هذا المطلوب من معاذ مطلوب لغيره. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 26 ((يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) ودبر هنا ((لا تدعن)) يعني لا تتركن الفعل المصدر ودع ((لينتهين أقوام عن ودعهم)) مستعمل، وتدع الفعل المضارع مستعل و ((دع ما يريبك)) فعل الأمر مستعمل، لكن الماضي أميت ودع، استغني عنه بترك، وإن كان جاء في الشواذ {ما ودَعَك ربك}. ((يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) المكلف المسلم من الجن والإنس خلق لتحقيق العبودية، والعبودية فيها تكليف بالأوامر والنواهي، وهو بحاجة ماسة إلى عون الله -جل وعلا-. وإذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده لا بد من عون الله -جل وعلا-، ولذلك قال: ((اللهم أعني)) أصلها يا الله أعني يطلب العون والمساعدة من الله -جل وعلا-؛ لأن هذه التكاليف فيها ما تكرهه النفوس، والجنة حفت بالمكاره، فإذا لم يكن عون من الله -جل وعلا- لهذا المصلي فإنه حينئذٍ لا يستطيع أن يصنع شيئاً. ((أعني على ذكرك)) والذكر من أيسر الأمور، يعني لا يحتاج إلى كلفة، لا يحتاج إلى عناء، لا يحتاج إلى إشعال مصابيح ولا كهرباء، ولا أن تجلس على الأرض، ولا أن تتوضأ ولا شيء، تذكر الله بلسانك وأنت على أي حال كنت، هذا ما فيه أدنى كلفة، لكن إذا لم تتحقق المعونة من الله -جل وعلا- فإن المرء يصعب عليه هذا الذكر، وإن كان سهلاً ميسراً، فتجد كثيراً من الناس من السهل عليه أن يتحدث الساعات بالقيل والقال، لكن يصعب عليه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غراس الجنة، فيطلب من الله -جل وعلا- أن يعينه على الذكر، ولا يقول هذا أمر سهل ما نحتاج إلى أن نطلب العون، نطلب العون في الأمور العظيمة التي تشق علينا. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 27 انظر ترى، شوف أكثر الناس محروم من هذه اللذة لذة الذكر والاتصال بالله -جل وعلا-، وأيضاً الشكر شكر النعم أمره وشأنه عظيم {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] يعني في مقابل الشكر {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} فلا بد من سؤال الله الإعانة على الذكر والشكر وعلى حسن العبادة ما قال وعلى عبادتك قال: ((وعلى حسن عبادتك)) فالشأن في تحسين وحسن العبادة، وليس الشأن في كثرة العبادة {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [(7) سورة هود] ما قال أكثر، فالمعول على حسن العبادة لا على كثرتها، فيسأل الله -جل وعلا- أن يعينه على حسن العبادة. "رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه والنسائي" والحديث صحيح. في الحديث الأخير يقول: "وعن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)) " الآن الدبر هذا يمكن أن يختلف فيه، هل هو في أثناء الصلاة أو بعدها؟ يعني يقرأ آية الكرسي قبل أن يسلم أو بعد أن يسلم؟ بعد أن يسلم، وكذلك أكثر الأذكار التي تقدمت موضعها بعد السلام. ((من قرأ آية الكرسي)) هذا آية الكرسي النص، بل الرواية فيها صحيحة: ((وقل هو الله أحد)) تباينت فيها الأنظار. طالب:. . . . . . . . . من قرأ آية الكرسي ما في، ما في قل هو الله أحد؟ ما عندكم؟ طالب: لا، عندي قل هو الله أحد. لا، هي ثابتة في النسخ الأصلية كلها، ويش الطبعة اللي معك؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، هي موجودة، لكن قلت: زيادة قل هو الله أحد رواها الطبراني فيه. قال بعد ذلك: زيادة قل هو الله أحد رواها الطبراني، حدثنا إلى آخره قلت: إسناده ضعيف جداً؛ لأن فيه محمد بن إبراهيم ... إلى آخره. المقصود أن آية الكرسي ثابتة ما فيها إشكال، والخلاف الطويل بين أهل العلم في ثبوت قل هو الله أحد، كذلك قراءة المعوذتين ما فيه إشكال صحيح، قل هو الله أحد هي محل الإشكال، فمن مصحح ومن مضعف، ومن أهل العلم من حكم عليها بأنها موضوعة، لا أصل لها. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 28 ((دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) يعني مجرد أن يموت يدخل الجنة، لن يحول دونه ودخول الجنة إلا أن يموت، فإذا مات دخل، يعني لم يمنعه من دخول الجنة كما يقدر أهل العلم إلا عدم الموت. يقول: "رواه النسائي والروياني وابن حبان والدارقطني في الأفراد، والطبراني وهذا لفظه، ولم يصب من ذكره في الموضوعات، فإنه حديث صحيح". أما بالنسبة لآية الكرسي فالأمر مسلم، أما قل هو الله أحد ففيها كلام لأهل العلم، ولا شك أن في رواتها من هو مضعف، محمد بن إبراهيم بن العلاء ضعيف عند أهل العلم، وعلى كل حال الجمهور الذين يعملون بالضعيف في مثل هذا يثبتون، ويقولون مثل هذا. وعلى كلٍ يقول: لم يصب من ذكره في الموضوعات، ويقصد بذلك ابن الجوزي، وانتقد ابن الجوزي في إدخال بعض الأحاديث الضعيفة كثير من الأحاديث الضعيفة التي لا تصل إلى حد الوضع، وبعض الأحاديث الحسنة، بل بعض الأحاديث الصحيحة، بل أدخل حديثاً في صحيح مسلم في الموضوعات، وأدخل حديثاً في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر في الموضوعات، فلم يصب، وضرره بهذا الصنيع كبير، كضرر الحاكم في مستدركه، في تساهله في تصحيح بعض الموضوعات، هذا حكم على بعض الأحاديث الصحيحة بالوضع، وذاك حكم على بعض الأحاديث الموضوعة بالصحة، والضرر الحاصل بصنيعهما واحد، هما عملان متضادان متقابلان، التساهل في التصحيح والتساهل في الحكم في الوضع، ولذا يقول الحافظ العراقي: وأكثر الجامع فيه إذ خرج ... لمطلق الضعف عنى أبا الفرج يعني ابن الجوزي، مطلق الضعف يجعله موضوع، تعدى ذلك حكم بعض الأحاديث حسنة بأنها موضوعة، تعدى ذلك بعض الأحاديث الصحيحة حكم بأنها موضوعة، والضرر الحاصل بصنيعه مثل الضرر الحاصل بصنيع الحاكم سواء بسواء؛ لماذا؟ لأن الحاكم يجعل الأمة تعمل بأحاديث لا أصل لها، وهذا يحرم الأمة من أحاديث صحيحة، فالضرر واحد، فحرمان الأمة من أحاديث صحيحة نظير كونهم يعملون بأحاديث لا أصل لها؛ لأن العمل والترك كله دين، إما أن تترك دين مشروع فيأتيك الخلل من هذه الحيثية، أو تعمل بشيء لا أصل له فيأتي الخلل من هذه الحيثية. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 29 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (22) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته ... وين؟ لحظة، باب أمور مستحبة. عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال ... الترجمة، الترجمة. باب: أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- قائماً يحدث الناس، فأدركت من قوله: ((ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) رواه مسلم، وقصر من عزاه إلى أبي داود وحده. وعن أبي جهيم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) قال أبو النضر: "لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" متفق عليه. وفي بعض روايات البخاري: ((ماذا عليه من الإثم؟ )). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة، فتوضع بين يديه فيصلي إليها، والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء" متفق عليه. وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك عن سترة المصلي؟ فقال: ((مثل مؤخرة الرحل)) رواه مسلم. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 1 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاه، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد، وكذلك ضعفه الشافعي وغيره، وصححه ابن المديني وغيره، وقال ابن عيينة: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث، وقال البيهقي: لا بأس بهذا الحديث في هذا الحكم. وعن أبي سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وهو حديث مختلف في إسناده، وروي مرسلاً. يكفي، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم الصلاة هي مجموعة أقوال وأفعال، منها ما هو أركان لا تصح بدونها، ومنها ما هو شروط تطلب لها خارجها، لا تصح مع القدرة عليها إلا بها، ومنها أمور واجبات تركها عن عمد مؤثر يبطلها، وتركها عن سهو يجبر كما يقرر أهل العلم بسجود السهو، ومنها أمور مستحبة، لا تبطل الصلاة بتركها، ولا يلزم لها سجود سهو، ومع ذلك من تركها عن عمد فهو محروم، حرم أجرها، ولن يصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبذلك أمر: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحافظ على المستحبات فضلاً عن الواجبات والأركان. هناك أيضاً أمور مكروهة، هناك أمور محرمة مؤثرة في الصلاة، إن كانت مناقضة لمقتضى الصلاة مؤثرة في ذاتها في شيء مؤثر فيها كشرط أو ركن هذه لا تصح الصلاة معها، المنهيات عند أهل الظاهر كل نهي يقتضي التحريم، وكل تحريم يقتضي البطلان، هذا أمر مفروغ منه، لكن عند الجمهور إذا كان هذا النهي يعود إلى ذات الصلاة، إلى ذات المنهي عنه فلا شك أن هذا مبطل، كذلك إذا عاد النهي إلى شيء مؤثر كالشرط والركن، فإن هذا أيضاً يقتضي البطلان؛ لأن المورد واحد، على ما يطلب وعلى ما يحذر وينهى عنه. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 2 أما إذا عاد هذا النهي إلى أمر خارج هذا لا يؤثر ولو اقترن به الإثم بأن كان محرماً، لكنه حينئذٍ لا يؤثر في الصلاة، الصلاة صحيحة. هناك أمور مكروهة لا تقتضي البطلان، ولا يلزم منها الإثم، وإنما فاعلها محروم، حرم من أجر الترك، من أهل العلم من يرى أن كل فعل مخالف فيه سواء كان محرماً أو مكروهاً فإنه يخرج العمل من حيز الاقتداء إلى حيز الابتداع، كل عمل في الصلاة أو في غيرها من العبادات جاء النهي عنه، سواء كان النهي نهي تحريم، أو نهي تنزيه كراهة، فإنه يخرج العمل من الاتباع إلى الابتداع، فكل المكروهات في الصلاة بدع عنده على هذا الحد وهذا التقرير، لكن فرق بين عمل يتعبد به مما لم يثبت له شرعية هذا بدعة، ولو كانت خفيفة، وبين ما لا يتعبد به، رجل تحرك في صلاته مكروه، رجل فرقع أصابعه مكروه، رجل اختصر أو تمطى أو فعل من المكروهات، لكن هل يتعبد بهذا؟ هل يتعبد بمثل هذه الأعمال؟ لا يتعبد بها، هذا يكفي في حقه الكراهة، أما الابتداع فلا. أهل العلم يقولون: بالنسبة للجهر والإسرار في الصلاة، الصلاة الجهرية إذا أسرها أو جهر في السرية قالوا: كُره، إن أسر في جهرية أو جهر في سرية قالوا: كُره، نعم كره إذا فعل ذلك نادراً، لكن إذا كان ديدنه ذلك يصلي الصبح باستمرار وهو إمام سرية، ويصلي الظهر باستمرار جهرية، نقول: هذا مبتدع، يعني إطلاق أهل العلم للكراهة في هذا الموضع لا يعني أن من اتخذ ذلك ديدناً أن يكون هذا حكمه، لا، إنما من فعله مرة أو خالف مرة أو شيء أو نحو المرة اليسيرة اثنتين أو ثلاث هذا يقال في حقه الكراهة، لكن إذا كان ديدنه ذلك إذا صف بالناس في صلاة الصبح قرأ سراً، وإذا صلى بهم الظهر قرأ جهراً هذا مبتدع، هذا نقول: مبتدع، فيفرق بين من كان ديدنه ذلك ومن يفعل ذلك أحياناً. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 3 الأمر الثاني: أنه ليس كل عمل مكروه ملازم للبدعة، وإنما البدعة فيما يتعبد به، لو كان يتعبد بالتمطي أو الاختصار على ما سيأتي أو بفرقعة الأصابع، أو ما أشبه ذلك، أو تشبيك الأصابع إذا كان يتعبد بذلك فهو مبتدع، لو قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سلم من الصلاة في قصة ذي اليدين شبك بين أصابعه، ولا فرق بين أن يشبك قبل السلام أو بعده، ما في فرق، نقول: ابتدعت؛ لأنه جاء النهي عن التشبيك. أمور مكروهة في الصلاة، في للظرفية، يعني في أثناء الصلاة، لكن لو فعل هذه المكروهات قبل شروعه في الصلاة؟ جاء النهي عن التشبيك قبل الصلاة: ((إذا توضأ في بيته وأحسن وضوءه وخرج فهو في صلاة)) حكماً فلا يفعل هذه المكروهات ما دام ينتظر الصلاة لأنه في صلاة. وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم، والمراد بالمكروهة هنا الكراهية الاصطلاحية التي يؤجر على تركها ولا يأثم بفعلها. قال -رحمه الله تعالى-: "عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل" يتناوبون الأعمال، كما كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وصاحب له من الأنصار يتناوبون العمل، كل واحد يدخل يوم ويزود الآخر بما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- "وعقبة بن عامر -رضي الله عنه- يقول: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي" يعني يتناوبونها، فكان في ذلك اليوم نوبة عقبة بن عامر "فروحتها بعشي" يعني بادرت بإرجاعها إلى أماكنها وإلى أهليها، وهذا كان موجوداً إلى وقت قريب، مواشي الناس من إبل وبقر وغنم تسرح، ويذهب بها الراعي في الصباح، ويرجعها في المساء، هذا موجود إلى وقت قريب، إلى أن منع الناس من اقتناء المواشي في البيوت، نظراً لما يترتب عليها كما يزعمون من أضرار بيئية، يقولون: يترتب عليها أضرار بيئية وروائح، ولا أدري هل أضرارها أشد أو عوادم السيارات والمصانع؟ لكن الله المستعان. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 4 يقول: "فروحتها بعشي" يعني بادرت بإرجاعها إلى أهليها "فأدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- قائماً يحدث الناس" كما هي عادته -عليه الصلاة والسلام- يحدث والصحابة يتلقون، وهذه هي الطريقة الأصلية في التلقي، السماع من لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- يحدث الناس وهو أقوى وجوه التحمل "فأدركت من قوله" يعني فاتني شيء من حديثه؛ لكني أدركت من قوله: ((ما من مسلم يتوضأ)) (ما) نافية و (من) زائدة للتأكيد (مسلم) نكرة في سياق النفي فتعم، ويدخل في ذلك المسلمة؛ لأن خطاب الرجال يتوجه إلى النساء، فيما لم يدل الدليل على تخصيص الرجال به أو النساء، المقصود أن دخول النساء في هذا ظاهر. ((ما من مسلم)) يعني ومسلمة ((يتوضأ)) وضوءاً شرعياً كاملاً صحيحاً مسبغاً، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ ((فيحسن وضوءه)) يكمل الوضوء، ويأتي به على الوجه المشروع من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير إساءة، فلا يزيد على المشروع ولا ينقص عن المشروع أيضاً، فيحسن وضوءه، يأتي به على الوجه الصحيح، كما شرح وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل عثمان وغيره من الصحابة. ((ثم يقوم فيصلي)) يعني هذا القيام غير الصلاة؟ غير القيام إلى الصلاة؟ أو أنه كان قاعداً للوضوء ثم يقوم؟ والقيام إلى الصلاة قبل القيام في الصلاة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] وهنا قيام بعد الوضوء، وهناك قيام قبل الوضوء {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] هذا قيام قبل الوضوء، وهذا قيام بعد الوضوء، وهناك قيام في الصلاة، هذا قيام إلى الصلاة، والقيام إلى الصلاة منه ما هو قبل الوضوء كما في الآية، ومنه ما هو بعد الوضوء كما في الحديث ((فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين)). الجزء: 22 ¦ الصفحة: 5 ((فيصلي ركعتين)) هل لهذا مفهوم بمعنى أنه لو صلى ركعة واحدة يحصل له الوعد المذكور الظاهر؟ لا، لكن لو صلى أربعاً أو صلى ثلاثاً وتراً، أحسن وضوءه، ثم أوتر بثلاث، يعني يزيد على الركعتين كونه ينقص من الركعتين هذا لا يتجه بالنسبة في حقه الوعد المذكور ((إلا وجبت له الجنة)) إذا نقص، كما قالوا في حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) دخل بعد صلاة العشاء وقال: أنا أصلي واحدة ثم أجلس، وتر، نقول: لا تكفي، وإن كان بعضهم يقول: إن جنس الصلاة يكفي، وبعضهم يتوسع في هذا كما ذكر النووي في الأذكار أنه إذا لم ينشط للصلاة يكفيه الذكر، وهذا الكلام لا يتم به الامتثال، وإن كان الذكر من أفضل الأعمال، لكن الامتثال لا يتم به. هذا يصلي ركعتين واحدة لا يترتب عليها الوعد المذكور في الحديث، وأكثر من واحدة يترتب وإلا ما يترتب؟ الظاهر نعم؛ لأنه أتى بالمطلوب وزيادة، ولا يقال: إن هذه زيادة على القدر المحدد شرعاً؛ لأنه لم يأت بالحصر، الأمر الثاني: أن الصلاة خير مستكثر منه، وجاء في الحديث: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فيحصل له الأجر المرتب في الحديث على الركعتين والزيادة خير. ((فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه)) الإقبال بالوجه يعني بأن لا يلتفت عن سمت القبلة، والالتفات معروف أنه بالوجه فقط من مكروهات الصلاة، وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، وأما الإقبال بقلبه فلا ينصرف عن صلاته بقلبه من شروعه فيها إلى سلامه منها، في رواية: ((لا يحدث فيهما نفسه)) لا يحدث نفسه، بمعنى أنه يغلق جميع المنافذ منافذ الشيطان التي يحاول أن يسرق صلاته من قبلها، أو شيء من صلاته من قبلها، فيطرد الهواجس والخواطر، وحديث النفس فضلاً عما فوق ذلك. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 6 ((يقبل عليهما بقلبه)) لكن هل هذا الأمر بالسهل الهين على كثير من المسلمين الذي نعيش أوضاعهم وظروفهم؟ الواحد يتحدث عن نفسه، أظن ضبط ركن واحد بهذه الصفة وهذه الكيفية فيه صعوبة، ركن واحد من أركان الصلاة، والله المستعان، كثير من الناس يصلي وهو لا يدري أنه يصلي، يدخل في صلاته ويخرج منها كما دخل، وهذا ليس له من صلاته إلا ما عقل، كما جاء في الحديث: ((ليس له من صلاته إلا ما عقل)) يعني بعض الناس بدون مبالغة لا يعقل من صلاته شيئاً. يعني الإنسان مر عموم الناس الهواجس والخطرات ويسافر ويروح ويجي، وذكرت لكم مرة قصة شخص دخل في مسجد مشيد وكبير فلما صف جنب المؤذن وراء الإمام نظر فإذا المسجد ما فيه منبر، فأخذ يخطط هذا الآن ليس بجامع مسجد، والمسجد مؤهل كبير ونظيف ومجهز صار يخطط ليكون جامعاً، فنظر فإذا عن يمين المحراب غرفة، قال: هذه الغرفة تصلح بأن تكون يعني منبر بعد التعديلات تصلح تكون منبر، يعني توضع فيها درجات تسقف، ويقول: الغرفة فيها أثاث، انتهت الصلاة وأنا أنقل الأثاث من الغرفة، يعني أمور -سبحان الله- يهيأ للإنسان يعني ما لا يخطر على البال، يعني شخص يقول: إنه حاول مراراً أن يحدث وهو في الصلاة، حاول أن يحدث، هذا يعقل أنه في صلاة؟ لا يعقل أنه في صلاة، يعني فما بالك بما دون ذلك، يعني الخطرات هذه تقضي على عبادة الإنسان، وعلى الإنسان أن يقاومها بقدر استطاعته، وأن يروض نفسه على التلذذ بالصلاة وبالمناجاة، ويكون له نصيب من عمل السر في خلوته؛ لأن الإنسان إذا ما تعرف على الله في حال رخائه لن يُعرف في حال شدته. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 7 والحسن البصري -رحمه الله تعالى- يقول: "ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: في الصلاة والتلاوة والذكر" يقول: "إن وجدته وإلا فاعلم أن الباب مغلق" لكن لو كل واحد راجع نفسه في هذه الأبواب الثلاثة يجد وإلا ما يجد؟ يعني الإنسان ما يضحك على نفسه، لا بد من محاسبة إن وجدت قلبك وإلا فاعلم أن الباب مغلق، هل تقول: إن الباب مغلق وفرصة أنه مغلق نرجع؟ يعني لو أن الإنسان -إنسان ما هو بحريص على الصلاة- جاء إلى المسجد ووجد المسجد مغلق للصيانة قد يفرح بهذا الإغلاق صحيح وإلا لا؟ لكن الحريص على الصلاة يغتم لهذا، الأول الذي فرح بإغلاق المسجد هل يفرح إذا وجد المدرسة مغلقة في يوم الامتحان لأنه تأخر؟ لا والله، ورأينا الطلبة يبذلون كل الأسباب والوسائل من أجل أن يمكنوا من الامتحان، فلماذا لا تبذل مثل هذه الأسباب وأعظم من أجل أن يتمكن من أداء الصلاة جامعة مع المسلمين؟! تجد الإنسان يعتذر لنفسه بأدنى الأعذار، بأدنى سبب يعتذر لنفسه، لكن إذا حضر ووقف بين يدي ربه -جل وعلا-، وقام إلى صلاته عليه أن يعقل صلاته، وأن يعرف من يناجي، وأن الأجر مرتب على ما يعقل من صلاته، الإنسان الذي لا يجد قلبه في الصلاة ولا في التلاوة ولا في الذكر عليه أن يسعى لصلاح قلبه وإحياء قلبه، ومعالجة أدواء القلب. وأعظم ما يؤثر على القلب ويصرفه عن هذه العبادات الفضول والخلطة، فضول الأكل، فضول النوم، فضول الكلام، فضول السمع، فضول البصر، الخلطة كما قرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- من أضر الأشياء على القلب، لا سيما مخالطة من لا تنفع مخالطته، فضلاً عمن مخالطتهم تضر. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 8 ((مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) يعني هل هذا دليل من أدلة مشروعية سنة الوضوء؟ يعني هاتان الركعتان شرعتا من أجل الوضوء أو الوضوء شرع من أجلهما؟ لأنه جاء في معناه أحاديث ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال)) وفي رواية: ((ثم صلى ركعتين)) في الصحيح ((لا يحدث بهما نفسه إلا دخل من أي أبواب الجنة الثمانية)) يعني هل هاتان الركعتان من أجل الوضوء أو الوضوء من أجل الركعتين؟ نعم؟ لأن عندنا الوضوء له ركعتان كما جاء في حديث بلال لما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- خشخشته سأله عن السبب، فقال: "ما توضأت إلا وصليت ركعتين" هما ركعتا الوضوء، مشروعية سنة الوضوء بحديث بلال مفروغ منها، لكن هل هذا مما يستدل به لمشروعية سنة الوضوء؟ نريد أن ننظر المسألة بمسألة أخرى، يعني أهل العلم يقررون أن ركعتي الوضوء سنة بحديث بلال، لكن هل من أدلة سنة الوضوء هذا الحديث؟ نعم الذي يظهر أن الوضوء من أجل الصلاة، وليست الصلاة من أجل الوضوء. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 9 نظير ذلك الرجل الصحابي الذي يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] بعد السورة، وسأله النبي -عليه الصلاة والسلام- عن السبب في ذلك قال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، فقال: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) هل نقول بمشروعية قراءة سورة الإخلاص بعد السورة التي بعد الفاتحة، أو قبل ذلك؟ هل التنظير مطابق بين حديث بلال وبين حديث الذي يقرأ سورة الإخلاص بعد السورة؟ لأن هذا الموضوع ترون في غاية الأهمية يا إخوان، يعني هل يكفي في المشروعية أن يثبت العمل عن صحابي، ويقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون مشروعاً للجميع؟ أو نقول: إن هذا كما قال بعض أهل العلم: هذا مشروع وليس بسنة في قراءة سورة الإخلاص، بينما ركعتا الوضوء سنة، ويا ليت الإخوان ينتبهون لمثل هذه المسائل، ترى في غاية الأهمية، يعني هل المشروعية لعموم الناس تثبت بمثل هذا؟ هل القصتان متطابقتان؟ هل التنظير مطابق وإلا لا؟ الآن لو نظرنا مشروعية سنة الوضوء إن قلنا: ثبتت بهذا الحديث وما جاء في معناه انتهى الإشكال، وإذا قلنا: إنها لم تثبت إلا بحديث بلال قلنا: إنها نظير قصة الذي يقرأ سورة الإخلاص، فإذا قلنا: سنة الوضوء سنة قلنا: إن قراءة سورة الإخلاص سنة، يعني هل ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد كل وضوء؟ لأن القائل بأن قراءة سورة الإخلاص مشروع وليس بسنة يقول: ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه أقر ومدح وأثنى على من يقرأ، السياق سياق مدح، كما أن السياق في قصة بلال في الركعتين بعد الوضوء سياق مدح. من يقول: إن سنة الوضوء يمكن أن تؤخذ من مثل هذا الحديث هذا ما عنده مشكلة، هذا ما يرد عليه هذا الإشكال، لكن الذي يقول: إن هذا الوضوء من أجل الصلاة، وليست الصلاة من أجل الوضوء، نقول: هذا لا يدل على ركعتي الوضوء، هذا وعد بالجنة على أمر مركب من وضوء حسن، وصلاة كاملة، فلا يدل على سنية ركعتي الوضوء. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 10 يبقى لنا في مشروعية صلاة سنة الوضوء حديث بلال وقصة بلال، سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- ما تصنع؟ قال: أصنع كذا، ما توضأت إلا صليت، فرتب عليه أنه يدخل الجنة بهذا العمل، وذاك: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) لكن قد يقول قائل: وهو نظر له حظ أن يقول: حبه أدخله الجنة، حبه إياها أدخله، ما قال قراءتك إياها أدخلك الجنة، لكن بما يتمثل الحكم بمجرد الحب القلبي من غير أن يقرأ، يتلو، يعمل بها، الحب له مظاهر، فمن لازم الحب أن يقرأ، لا سيما وأن السياق سياق قراءة. في أحد عنده إشكال في هذا وإلا زيادة إيضاح؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أنا أسألكم الآن، أنتم سمعتم ما عندي، وأنا أسمع منكم قبل، نعم؟ طالب: رأيك أنت في المسألة يا شيخ. لا، أنا الآن طرحت ما عندي، خلينا نشوف ويش عند الإخوان قبل ثم بعد ذلك نشوف؟ وتعرفون طريقتنا في الشرح أنها كلها حوار يعني، وأكثرها خواطر ترد أثناء الشرح، يعني مثل هذا لو رجعت إلى الشروح كلها ما وجدت هذا الكلام، إنما خواطر يجر بعضها إلى بعض، ثم نخرج بالنتيجة. الذي يلفت الانتباه في مثل هذه المواضع أن من أهل العلم من يقول: سنة الوضوء سنة، لكن قراءة سورة الإخلاص ليس بسنة، ويش الفرق بين قصة بلال وقصة الذي يقرأ سورة الإخلاص؟ يعني إذا كان القصد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قرأ سورة الإخلاص، فهو ما عرف عنه أنه كلما توضأ صلى ركعتين، وإذا كان بلال مدح بالركعتين بعد الوضوء فذاك مدح أيضاً بقراءة سورة الإخلاص، وحبه لسورة الإخلاص. طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . لا لا، هذه المسألة ثانية، مسألة منفكة، الصحابي يقرأ سورة الإخلاص بعد السورة التي بعد الفاتحة، ولماذا؟ سأله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما الذي دعاك إلى هذا؟ )) قال: أحبها لأنها صفة الرحمن، قال: ((حبك لها أدخلك الجنة)) وقال لبلال: صلاة الركعتين بعد الوضوء أدخلك الجنة، ويش الفرق؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 11 يعني تنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ يعني إذا قلنا بمشروعية سنة الوضوء بحديث بلال أنا قبل ذلك ناقشت الحديث حديث الباب لو كان يدل على سنة الوضوء انتهى الإشكال من أصله، لكن قلنا: إن الوضوء من أجل الصلاة، المسألة في الاستنباط دقيقة يا الإخوان. طالب: شيخ -عفا الله عنك- ما يحمل حديث عقبة على حديث بلال؟ لا، لا لا، هذا قال: ثم يقوم فيصلي. طالب: لكن يكون هذا عام وهذاك أدق ... لا لا، قلنا وذكرنا أولاً هل الوضوء من أجل الصلاة، أو الصلاة من أجل الوضوء؟ لأن الصلاة ركز عليها مقبلاً عليهما بوجهه بقلبه ووجهه، فالصلاة هي المؤثرة في الباب، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، لكن أنا أقول: إذا كان المقصود بحديث بلال الصلاة من أجل الوضوء، والرجل الذي يقرأ السورة الإخلاص بعد الفاتحة لحبه إياها وحبه إياها أدخله الجنة، وبلال صلاة الركعتين أدخله الجنة، والسياق سياق مدح في الموضعين، والقصتان متشابهتان، نعم لو وجدنا دليل قولي أو فعلي عنه -عليه الصلاة والسلام- يدل على مشروعية ركعتي الوضوء غير حديث بلال، قلنا: لا، هذه تترجح بمرجح آخر، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ثم ذكر .... ما يفرق، ما يفرق. اللي عنده فرق بين المسألتين يبديه جزاكم الله خيراً؛ لأن المسألة يعني إذا قلنا بمشروعية سنة الوضوء بحديث بلال نقول: بسنية قراءة سورة الإخلاص بقصة الصحابي، أما أن نقول: هذا مشروع وليس بسنة وهذا سنة، ونجعله أيضاً من ذوات الأسباب التي تصلى في أوقات النهي، يعني لها قوة ولها وزون، مثل ركعتي تحية المسجد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . وأيضاً توضأ ألوف المرات ولا صلى ركعتين. طالب:. . . . . . . . . أكمل، أكمل. طالب: يا شيخ: الصلاة مشروعة والوضوء مشروع. القراءة .. ، ثلث القرآن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص]. طالب:. . . . . . . . . والصلاة بعد الوضوء لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، الوضوء من أجل الصلاة، يعني مثل ما تصلي فريضة أنت تتوضأ من أجل الفريضة ما تصلي الفريضة من أجل الوضوء، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 12 أقر الأمرين الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومدحهم والسياق سياق مدح في القصتين. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . طيب على المحبة يعني واحد يحب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] يحبه الله ولو ما صلى ولو ما قرأ، يعني مجرد الحب، المجرد يعني حب، حب أولى ما يدخل في هذا الحب أولى ما يدخل في هذا حبك إياها أدخلك الجنة، هذا عام في الصلاة وغيرها، ودخول سبب الورود قطعي في النص، وورود السبب في الصلاة، فدخول قراءته في الصلاة قطعي، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ طالب: حديث بلال يا شيخ ورد فيه المداومة والاستمرار عليه. وهذا كلما قرأ، هذا واضح أنه كلما قرأ سورة قرأ قل هو الله أحد. على كل حال المسألة مسألة بحث، ولا أحد ينكر على من قرأ سورة الإخلاص بعد السورة بهذا النص التقريري الصحيح الصريح المسوق سياق المدح، لكن الإشكال حينما نقول: إن هذا مشروع وليس بسنة وهذا سنة، بس، وإلا ما في أحد يبي ينكر على من قرأ سورة الإخلاص بعد، ما في أحد يقول: بدعة أن تقرأ سورة الإخلاص بعد السورة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قرأها، بس أنا أريد أن المتماثلين يكون حكمهما واحداً، والتفريق بين المتماثلات ليس مما يرد به شرع. طالب:. . . . . . . . . لا لا، لا لا، هو يقول: ما توضأت وضوءاً إلا صليت ركعتين، فهما ركعتا الوضوء، ما هو بوضوء الصلاة، ركعتا الوضوء، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، طيب أهل العلم يثبتون مشروعية سنة الوضوء، يقولون: سنة لكل أحد بقصة بلال؛ لأن بلال فعلها وداوم عليها، ورئي في الجنة من أجلها، ومدحه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال للرجل الآخر: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) هل نقول: إن الحب من غير قراءة مجرد حب، والحب يتفاوت فيه الناس قد يحصل حب لفلان يدخله الجنة وحب لا يدخله الجنة؛ لأنه أقل في المرتبة، وقد يقرأ الإنسان سورة الإخلاص في الصلاة وهو لا يحبها، ليس معنى أنه يحبها مجرد شعور قلبي فقط، الكلام على الآثار المترتب على هذا الحب. طالب:. . . . . . . . . السنة معروفة عند أهل العلم، عند أهل الحديث، وعند الفقهاء والأصوليين، تعريفها معروف. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 13 طالب:. . . . . . . . . لا، لا فيها نص هذه، هذه فيها نص. طالب:. . . . . . . . . شوف الآن وجبت له الجنة بالأمرين، لكن الملاحظة هنا الصلاة: ((فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه)) يعني التنصيص على الصلاة، ومعروف أن الوضوء وسيلة وليس بغاية، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أنا ما عندي شك أن حبه لسورة الإخلاص أعم من أن يكون في الصلاة وخارج الصلاة، لكن هذا العموم سبب الورود يدخل فيه دخول قطعي عند أهل العلم، يعني إذا كان يقرأها في الصلاة ثبت له الوعد، نعم؟ طالب: .... والسبب في ذلك أن الوضوء أمر يفعله الرسول ويصلي به .... بغير العام، لكن الأمر الثاني أتى الرجل بأمر مختلف ما توعد عليه الصحابة، وهم يرفعون أمره للرسول، وكان الرجل في موقف دفاع عن نفسه، فدافع عن نفسه أنه يحب هذه السورة. . . . . . . . . ويش الفرق؟ يعني لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- بلال. طالب:. . . . . . . . . معروف، معروف، شرط من شروط الصلاة. طالب: والكل يتوضأ وتوضأ الرسول ... طيب لكن هل صلى ركعتين؟ طالب: هذا الرجل أتى بأمر يخالف ما اعتاده. لكن هل صلى ركعتين بعد الوضوء الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ طالب:. . . . . . . . . لا، ما عرف عنه أنه صلى ركعتين، ولا عرف عن غير بلال أبداً، وثبتت الشرعية بحديث بلال، لا لو تأملت المسألة عرفت غير هذا، وعلى كل حال المسألة مسألة بحث، ولا أحد ينكر على من يقرأ سورة الإخلاص بعد، وجمع السور معروف أيضاً، لو قرأ غير سورة الإخلاص، لكن الكلام على المداومة على سورة الإخلاص، بعضهم يقول: مشروع وليس بسنة، وسنة الوضوء سنة، هذا ثبت بهذا وهذا ثبت بهذا، فأنا أطلب الفرق، وعلى كل حال المسألة مسألة ترى غير مؤثرة إلا أننا نريد أن نجعل النظائر في الشرع حكمها واحد، يعني حينما يقول: مشروع وليس بسنة، إيش معنى مشروع؟ يعني مباح لا يؤجر ولا .. ، ويش معنى مشروع وليس بسنة؟ يؤجر وإلا ما يؤجر؟ هذه سنة يا أخي شئنا أم أبينا سنة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني ركعتا الوضوء ما هي بسنة؟ طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 14 على كل حال المسألة يعني تحتاج إلى مزيد فهم، تحتاج إلى دقة في الفهم، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني ما أدري على شان أنه ما فعلها أحد غير هذا الرجل، ولو كانت مما يسن لعمت في الناس، لا يستطيع أن يقول: بدعة، أو ليس بمشروع؛ لأنه إقرار نبوي، المسألة ثبت بإقراره -عليه الصلاة والسلام-. يقول: ((إلا وجبت له الجنة)) وجبت يعني استحق بسبب هذا الفعل الجنة؛ لأن الجنة وجوبها معلوم أنه لا يجب على الله من المخلوق شيء، وإنما هو شيء أوجبه الله على نفسه فضلاً وكرماً وجوداً منه لأهل عبادته، ومعلوم أنها سبب، سبب قد يترتب الأثر والمسبب عليه، وقد يتخلف لوجود مانع أو معارض. والله -جل وعلا- لا يجب عليه شيء، وإنما شيء أوجبه على نفسه كهذا، وشيء حرمه على نفسه كالظلم فضلاً منه وجوداً وكرماً، خلافاً لما تقوله المعتزلة. "رواه مسلم، وقصّر من عزاه إلى أبي داود وحده" نعم الحديث مخرج في صحيح مسلم. قال: "وعن أبي جهيم عبد الله بن الحارث بن الصمة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار)) " وليس له في الصحيحين إلا هذا الحديث، وحديث: "أقبل النبي -عليه الصلاة والسلام- من نحو بئر جمل" في حديث التيمم، حديث التيمم الذي هو معلق في صحيح مسلم، وموصول في البخاري. "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) " لو حرف امتناع لامتناع، امتنع الوقوف لامتناع العلم، امتنع الوقوف وقوف المار لامتناع علمه بما عليه. ((لو يعلم المار بين يدي المصلي)) يعني بينه وبين سترته إن كانت، أو بين يديه ولو لم يكن هنك سترة قريباً منه. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 15 ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) في النهاية في الآخر قال: وفي بعض روايات البخاري: ((ماذا عليه من الإثم)) رواية العمدة للحافظ عبد الغني قال: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم)) وانتقده ابن حجر في فتح الباري انتقده، يقول: لأن رواية: ((ماذا عليه من الإثم؟ )) تفرد بها الكشميهني وهو ليس من أهل العلم، يعني من رواة الصحيح، يعني ليس من الحفاظ، فانتقد صاحب العمدة ومع ذلكم وقع فيما انتقده في البلوغ، ذكرها ابن حجر في البلوغ الآن الحافظ ابن حجر انتقد صاحب العمدة؛ لأن قوله: ((ماذا عليه من الإثم؟ )) هذه في رواية ليست من الروايات المعتمدة في الصحيح، يعني تفرد بها أبو الهيثم الكشميهني هذا ليس من الحفاظ، مع أنه أثنى عليه في بعض المواضع ابن حجر، ومع ذلك أوردها في البلوغ، مثل هذا الانتقاد والوقوع في نفس ما انتقد هذا يجعل طالب العلم حينما يريد بيان الحق والنقد أن يكون هدفه الحق، لا نقول: إن ابن حجر أراد أن يعيب صاحب العمدة، لا، ليس هذا المراد، ليس هذا هو المراد، كلا، لكن في الغالب أن الإنسان إذا انتقد وقصده بذلك النيل بغض النظر عن ابن حجر، أنا لا أتكلم عن ابن حجر الآن، أتكلم في عموم النقد، وعندي نظائر، في عموم النقد، إذا كان النقد غير متجرد فإن الناقد لا بد أن يقع، وأنا لا أتحدث عن ابن حجر بخصوصه، ابن حجر انتقد كثيراً، ولا وقع له مثل هذا، لكن وقع له هفوة؛ لأن العصمة ليست لأحد، ابن حجر كغيره، يصيب ويخطئ، لكن عموماً كون ابن حجر يقع منه هفوة أو هفوتين أو ثلاث أو عشر أو مائة في كتاب مثل فتح الباري أو عشر أو أقل من ذلك مثل بلوغ المرام هذا ما يؤثر. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 16 لكن أنا أعرف شخصاً يدور بكتاب محقق على القاعات، ويستخرج أغلاط هذا المحقق من قاعة إلى قاعة، افتحوا صفحة كذا انظروا في صفحة كذا، اسمعوا ما يقول، وهو يحقق الكتاب نفسه، فخرج تحقيقه أسوأ عشرات المرات من التحقيق الذي ينتقده، وصار تحقيقه لا يكاد يستفاد منه، فعلى الإنسان إذا أراد أن ينتقد أحداً أن يجرد القصد لله -جل وعلا-، ثم لبيان الحق، والله المستعان، يعني هناك أشياء قد تقع بين أهل العلم لأنهم ليسوا بمعصومين تقع حتى أمور نفسية، يعني من يحللها نفسياً يرى أنها فيها شيء من القدح حتى في الإخلاص، يعني لما ينقل عالم صفحة أو صفحتين من كتاب ولا يشير إليه إلا إذا أراد أن ينتقده، لا يشير إليه، ما يقول: قال فلان، إنما ينقد الصفحة والصفحتين ثم إذا وجد محل للانتقاد انتقد، ومع ذلك نجد في ثنايا هذا الكلام من رجع عنه المؤلف الأصلي لأنه خطأ، ولا انتقده الثاني، رجع عنه، وبين في موضع آخر من الكتاب، فعلى الإنسان أن يجرد القصد لله -جل وعلا-، وأن يكون تكون همته وصول الحق سواء كان عن طريقه أو عن طريق غيره. قال: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) وفي الرواية الأخرى: ((من الإثم)) وهي التي انتقدها ابن حجر ووقع فيها ((لكان أن يقف)) من حيث المعنى المعنى صحيح ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) يعني من حيث المعنى معروف أنه من الإثم، ماذا عليه يعني من الإثم، ولا يقصد به ماذا له من الأجر، لا، إنما ماذا عليه من إثم. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 17 أحياناً يحصل خلط بسبب علامات الترقيم: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) وينتهي ثم يضع علامة ترقيم، فيسرح الذهن كل مسرح ماذا عليه من إيش؟ الحذف من أسباب التعميم، أو من وسائل التعميم، من الإثم، من الذم، من العذاب، من كذا من كذا ... إلى آخره، لكن أحياناً تقدم علامة الترقيم فينقلب المعنى، يعني جاء في حديث مقتني الكلب الذي يقتني الكلب غير ما استثني ((ينقص من أجر كل يوم قيراط)) رواه مسلم، هذا متن محقق، رواه مسلم، وفي رواية له: ((قيراطان)) وجاء المحقق ووضع النقطتين في رواية نقطتين وفتح قوس قال: ((له قيراطان)) إيش يعني له قيراطان؟ من الأجر وإلا من الإثم؟ له يعني أجر، والسبب في ذلك كونه قدم النقطتين، والأصل وفي رواية له يعني لمسلم ((قيراطان)) يعني ينقص قيراطان بدل قيراط، فمثل هذه الأمور لا شك أنها مما يؤثر في فهم الكلام، وحذف التمييز لا شك أنه من مسببات التعميم في الكلام. ((لكان أن يقف أربعين)) حذف الجار والمجرور هنا ((ماذا عليه؟ )) يعني من الإثم أو من العذاب أو من الذم والمقت نعم بجار ومجرور، التمييز هنا ((لكان أن يقف أربعين)) هنا حذف التمييز أربعين إيش؟ أربعين ثانية؟ أربعين دقيقة؟ أربعين ساعة؟ أربعين يوماً؟ شهراً؟ عاماً؟ التمييز محذوف. ((خيراً له من أن يمر بين يديه)) قال أبو النضر الراوي: "لا أدري قال: أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة" هل نقول: إن الحذف حذف التمييز لتنوع أفعال وأحوال الناس بعض الناس يحب أن يقف أربعين يوماً خير من أن يقطع، وبعضهم لأن يقف أربعين شهراً خير له من أن يقطع، وبعضهم خير له أن يقف أربعين سنة من أن يقطع. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 18 لا شك أن أحوال الناس وظروفهم، كما يقول بعض أهل العلم حينما يقررون أحوال المار بين يدي المصلي أحوال المار بين يدي المصلي يقولون: إن كان المصلي قد استتر والمار له مندوحة فالإثم على المار، إن كان المصلي لم يستتر لم يتخذ سترة، والمار ليست له مندوحة فالإثم على المصلي، بقيت صورتان يكون الإثم فيهما مشترك، هل نقول: إنه في بعض الصور يحب أن يقف أربعين يوماً، وبعض الصور من شدة عذابه يحب أن يقف أربعين شهراً بعض الصور من شدة عذابه التي لا تأويل لها ولا مسوغ يحب أن يقف أربعين سنة؟ يعني حذف التمييز لا شك أنه أوقع في مثل هذا التردد، أربعين يوماً أو شهراً أو سنة، وقد يكون للحذف فائدة، وهي إرادة التعميم، وقد تكون لإرادة التهويل؛ ليكون أشد في الزجر، يقف أربعين احتمال أن يكون يقف أربعين يوماً؛ لكنه حذف ليظن السامع أنها أربعين خريفاً، أو أربعين سنة، فيكون الزجر في حقه أشد وآكد. ((من أن يمر بين يديه)) يعني بين يديه بينه وبين سترته، أو بين يديه قريباً منه ولو لم يستتر. قال أبو النضر الراوي: "لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" متفق عليه، وفي بعض روايات البخاري: ((ماذا عليه من الإثم)). في التعليق يقول: قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري: "قد وقع في بعض نسخ البخاري ومسلم أيضاً: ((ماذا عليه من الإثم)) وهي غير محفوظة، وذكر ابن عبد البر: أن هذه اللفظة في رواية الثوري عن سالم أبي النضر: وقد وقعت في كتاب ابن أبي شيبة من رواية الثوري مدرجة بلفظ: يعني: من الإثم، فدل على إنها من قول بعض الرواة وتفسير للمعنى، يعني ليست من أصل الحديث، فحذفت يعني، قد يؤتى بيعني مثلاً ثم تحذف، يحذفها بعض الرواة، فتكون من أصل الخبر، والإدراج لا سيما تفسير بعض الألفاظ كثير، واقع في النصوص كثيراً كما في تفسير التحنث بالتعبد، قال: يتحنث وهو التعبد، هذا إدراج من الزهري، لكن مثل هذا إذا حذف ما يدل على الإدراج يصعب الحكم بالإدراج إلا من خلال جمع الروايات، وطرق الخبر، وبها يتبين المدرج من الأصل. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 19 وهذا يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي، وأما بالنسبة لدفع المار بين يدي المصلي فإن هذا إنما يكون في حال الاستتار، إذا استتر: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ... )) إلى آخره، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أيوه؟ طالب:. . . . . . . . . أحياناً يكون الحديث في الأصل، ما ذكر التمييز، يعني ما ذكر المتعلق الذي هو الجار والمجرور، يعني تقصد أيهما؟ طالب:. . . . . . . . . أربعين اللي هي التمييز يوماً أو سنة أو شهراً، هذا المقصود، هو الآن لا ندري؛ لأن الرواية المذكورة: ((ماذا عليه)) أو كان أبو النضر يقول: لا أدري، يشك أبو النضر، وهو من رواة الحديث، أبو النضر يشك هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا أو كذا أو كذا، ومن ورع أهل الحديث أنه إذا وقع الشك حذفوه، لماذا؟ لأن المشكوك فيه لا يجوز إثباته بمجرد الشك. قال: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها" أمر بالحربة أن توضع بين يديه يعني سترة فيصلي إليها، والسترة كما تكون بالحربة تكون أيضاً بالسهم، تكون بالعصا، تكون بمؤخرة الرحل كما سيأتي، المقصود أنها شيء يستدل به على أن هذا يصلي فلا يمر بين يديه، وأما ما يقوله الفقهاء من أن السترة فائدتها منع النظر من تجاوز المصلى، ومنع من أراد أن يمر دونها، نعم منع من أراد أن يمر دونها هذا صحيح، لكن هل تحجب النظر من النظر عما وراءها؟ لو كانت جدار نعم، لو كانت جدار تمنع، لكن إذا كانت حربة أو سهم فليستتر ولو بسهم سئل عن السترة، قال: ((كمؤخرة الرحل)) كل هذا لا يمنع، والمصلي عليه أن ينظر في موضع سجوده ولا يتجاوز ذلك؛ لأنه بتجاوزه يتشتت، ويسرح الذهن، ويتابع المرئيات والمارة لا سيما إذا كان في مكان مطروق، فمثل هذا لا شك أن السترة لمنع من أراد أن يجتاز بينها وبين المصلي. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 20 "كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها، والناس وراءه" يعني وليس لهم سترة ولا حراب ولا غير ذلك، فالمأموم سترته سترة إمامه، ومنهم من يقول: إن الإمام سترة لمن خلفه، يعني إما أن نقول: سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو نقول: إن الإمام سترة لمن خلفه، هل هناك فرق بين الأمرين؟ ما الفرق؟ طالب:. . . . . . . . . بين الإمام وسترته، إذا قلنا: إن سترة الإمام سترة لمن خلفه تتأثر صلاة المأموم، نعم، وإذا قلنا: إن الإمام سترة لمن خلفه، قلنا: تأثرت صلاة الإمام ولم تتأثر صلاة المأموم. في حديث ابن العباس أنه جاء والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، جاء على حمار أتان في بعض الروايات، فنزل عنها وصلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومرت بين يدي الصف، وفي هذا أنها مرت بين يدي الصف، وليس فيه أنها مرت بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو الإمام، فمرور من يمر ممن نُص على أنه يقطع الصلاة كالحمار لا يؤثر في صلاة المأموم، وإنما أثره في صلاة الإمام أو المنفرد، أما المأموم فسترة الإمام أو الإمام سترة له. "فيصلي إليها والناس وراءه" خلفه يصلون "وكان -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك في السفر" طيب في الحضر؟ نعم؟ إما في المسجد أو في البيت، في المسجد يصلي إلى الجدار -عليه الصلاة والسلام-، وفي بيته يصلي كذلك إلى الجدار أو إلى السرير، وعائشة معترضة بين يديه -عليه الصلاة والسلام-؛ لضيق المكان، فتمد رجليها فإذا سجد غمزها، إذا أراد أن يسجد غمزها وكفت رجليها، وبهذا استدركت عائشة على حديث: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب)) قالت: كنت معترضة بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا سجد غمزني، فترى أن المرأة لا تقطع الصلاة. الحمار أخرجه من أخرجه في حديث ابن عباس، وعرفنا الجواب عنه، أنه مر بين يدي المصلين، ولم يمر بين يدي الإمام ولا منفرد. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 21 حديث عائشة عائشة ليست مارة وإنما هي قارة، ويفرقون بين المار والقار، يعني لو صلى إلى شخص جالس أو نائم ما نقول: إنه مر بين يديه، سواءً كان رجلاً أو امرأة، فالقار ليس حكمه حكم المار، فاستدراك عائشة -رضي الله عنها-، واستدراك من يقول: إن الحمار لا يقطع الصلاة في حديث ابن عباس يمكن الجواب عنهما، فيبقى حديث الثلاثة، وأنه ((يقطع الصلاة ثلاثة: المرأة والحمار والكلب)) وعائشة كأنها تستكف من أن تقرن النساء بالحمر والكلاب، ومعها ما تستدل به على فهمها، وإن أمكن الجواب عنه؛ لكنها ما جاءت من فراغ، إنما جاءت من فهم، ومن نص انطلقت منه على حسب فهمهما، وإن لم توافق عليه، ويأتي بقية الكلام في السترة، وما يتعلق بها، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 22 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (23) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: هل يوجد جزء مطبوع في الذين دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة قديم أو حديث؟ قد ذكر الشهاب الخفاجي شارح الشفاء أنه يوجد جزء في ذلك. وهل للشيخ بكر أبو زيد -شفاه الله- شيء في هذا الباب؟ والله ما أعرف شيء في هذا، لكن الشراح يذكرون بعضهم في أثناء الشروح، كما ذكروا الذين أردفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث لما أردف الفضل ذكروا ممن أردفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- جملة، وفي هذا أيضاً مؤلف لابن منده، جمع فيه ما يزيد على ثلاثين، وعلى كل حال من تتبع وجد؛ لأن أهل العلم لهم عناية في هذه الأمور. يقول: أيهما أفضل لطالب العلم بذل المجهود أم عون المعبود أم لا يغني أحدهما عن الآخر؟ عون المعبود أفضل من بذل المجهود؛ لأن عون المعبود صاحبه صاحب أثر، ويعنى بالسنة، ويرجح تبعاً للسنة، وأما بذل المجهود فهو حنفي يرجح مذهبه. يقول: ما رأيكم في شرح ابن العربي المالكي على موطأ مالك الذي سماه: السالك أو المسالك في شرح موطأ مالك؟ طبع مؤخراً في دار الغرب، لكني لم أطلع عليه اطلاعاً يكفي للحكم عليه. هذا يقول: ما رأيكم في كتاب الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد؟ الجزء: 23 ¦ الصفحة: 1 ترتيب جيد، وقرّب المسند، لكنه بدون تكرار وبدون أسانيد، وطالب العلم بأمس الحاجة إلى التكرار والأسانيد لمعرفة الطرق، وكيف يجبر بعضها ببعض، وهو ما فعله ابن عروة في الكواكب الدراري، حيث رتب المسند على صحيح البخاري، جاء كتاباً بديعاً الآن يشرع في طبعه، اطلعنا على أجزاء منه، كتاب آية، قمة في الترتيب والتنظيم، ومن له عناية بصحيح البخاري لا يستغني عن هذا الترتيب، ترتيب ابن عروة، التراجم هي تراجم البخاري، والآثار هي آثار البخاري، ثم بعد ذلك يذكر من الأحاديث ما في البخاري، وما يزيده الإمام أحمد -رحمه الله-، قارئ البخاري يحتاج إلى معرفة الطرق، وإن كان كل ما في صحيح البخاري صحيح، لكن يبقى أنه قد يستغلق شيء، أو يستشكل شيء لفظة مبهمة مستغلقة، راوي مهمل، صيغة أداء تحتاج إلى بيان، حلها في ترتيب المسند، لكن مع الأسف أن الكواكب الدراري فيه خروم في أثنائه، أيضاً الشيخ عبد الله القرعاوي رتب المسند في كتابه المحصل، طبع في خمسة وعشرين جزءاً ترتيب جميل جيد لا بأس به، ذكر الأسانيد والمكررات. يقول: ما رأيكم في مؤلفات وتحقيقات عبد الفتاح أبو غدة؟ عبد الفتاح أبو غدة له تحقيقات وله تعليقات، وله نقول يعني يغوص عليها من خلال اطلاعه على الكتب، لكن الرجل كما هو معروف لا يسلم من الشوب، شوب البدعة، وإن كان تعليقاته فيها فوائد، ونقوله فيها فوائد، وحقيقة لا يذكر فيه أكثر من غلوه في شيخه الكوثري، يغلو فيه غلواً، الكوثري جهمي، يحط على السلف، وعلى أئمة الإسلام، والله المستعان. يقول: هل المسبوق تسقط عنه السترة؛ لأنه يغتفر في النهايات ما لا يغتفر في البدايات؟ المسبوق حكمه حكم المنفرد، لكن قد لا يتيسر له سترة؛ لأنه ممنوع من الحركة أثناء الصلاة، فيحتاط لنفسه، يحتاط لنفسه بقدر الإمكان، وعلى ما قرره أهل العلم أن السترة ليست بواجبة، جمهور أهل العلم على أنها ليست بواجبة، والأمر فيه سعة. يقول: أخذت أموالاً من أناس بغير حق، والآن أريد السداد منهم من توصلت إليه، ومنهم من تعذر ذلك، سؤالي: هل يجوز أن أنفق مال من تعذر الوصول إليهم على إخوتي، أو بعضهم علماً بأنهم مساكين، وليسوا فقراء، وجزاكم الله خيراً؟ الجزء: 23 ¦ الصفحة: 2 هذه يتصدق بها، والأجر لأصحابها، بنية أن الأجر لأصحابها، وأنه متى ما حصل عليهم دفع إليهم أموالهم، يتصدق عليهم بنية الرجوع، وإخوانه هؤلاء الذين لا تلزمه نفقتهم، إن كانت تلزمه نفقتهم فلا، الذين لا تلزمه نفقتهم هؤلاء تصرف لهم الزكاة، ويصرف لهم من هذا المال، ما دام الوصف محقق. يقول: هو رجل مبتلى باحتقان في البروستات، وهذا المرض عند الكشف يحتاج الطبيب أن يولج شيئاً في الدبر، ويتحسس البروستات، وأخبروني أن هذا الأمر لا بد منه، فتركت الأمر، ولكن الأذى الذي يصيبني من المرض، والأهم كثرة إلحاح الوالدة حتى أنها قالت: إذا لم تذهب إلى الطبيب أغضب عليك، فهل إذا ذهبت إلى الطبيب أسمح له بإيلاج شيء في الدبر، علماً بأنه الجزء الأهم كما فهمت للعلاج، والتأكد من الحالة أم أمتنع ولو أدى ذلك إلى ترك العلاج؟ على كل حال مثل هذا عند الحاجة عند التطبب لا بأس به، يجوز عند أهل العلم لطبيب مسلم نظر ولمس ما تدعو إليه الحاجة، قالوا: حتى الفرج وباطنه. يقول: ألا ترى أن وقت الدرس قصير، والمسائل كثيرة، ونود بسطها، فلماذا لا يزاد في وقت الدرس حتى يكون بعد المغرب، بل حتى بعد العشاء، ونستغل وجودك هنا، ونقطع مسائل كثيرة، وأبواب أكثر من المحرر، أرجو وأتمنى أن تحقق طلبنا، فنحن في أمس الحاجة إلى فهم المسائل وطرقها، نسأل الله -عز وجل- ... هو الأصل يعني لو أن وقت الدرس صار بعد صلاة العشاء لأن الليل طويل، بدلاً من أن يكون أقل من ساعة ونصف يزاد فيه إلى أن يكون يعني أقل تقدير ساعتين، وأظن أكثر من ساعتين يصير الدرس ممل، الأخ هذا يبيه العصر والمغرب حتى العشاء، لكن أكثر من ساعتين الدرس ممل بالتجربة، لا بالنسبة للطالب ولا للشيخ، لكن هذه المرة عاد انتهت، والأيام القادمة -إن شاء الله- يراعى فيها هذا. يقول: هل السترة في الحرم فيها تخصيص أو كباقي المساجد؛ لأنه يغتفر تحقق السترة فيها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير سترة، والناس يطوفون بين يديه، ولا شك أن المشقة تجلب التيسير، يعني إذا أراد الإنسان أن يستتر ويمنع الناس شق عليه ذلك، لكن يتقي المرأة بقدر الإمكان. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 3 يقول: هل صحيح أن نقول: فعل الذي يقرأ الفاتحة لم ترد به نصوص بحيث أنه يقرأ في ختام السورة التي بعد الفاتحة سورة أخرى بشكل دائم، وإنما الصلاة بعد الوضوء سواءً كان الوضوء للصلاة أو العكس لها فضل، جاءت به النصوص، ولذلك قيل: بأنه سنة، ولماذا أصلاً لا نقول: إنه سنة ختم السورة بسورة أخرى خاصة، وأن بعضهم توسع، وجعل غير سورة الإخلاص داخلة في حكمها؟ على كل حال المسألة بسطناها بالأمس، ومثل هذا نفس الكلام الذي كررناه بالأمس. يقول: لماذا لم يذكر البخاري حديث الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في كتاب الصلاة، وذكرها في كتاب الأنبياء؟ لأن المقصود منها أعم مما في الصلاة، يعني امتثال الأمر في سورة الأحزاب يشمل داخل الصلاة وخارج الصلاة، وما كان في داخل الصلاة فهو فرد من أفرادها، نعم الصلاة الإبراهيمية داخل الصلاة، وما عدا ذلك خارج الصلاة وهو أكثر، والبخاري -رحمه الله- قد تبحث عن حديث يغلب على ظنك أنه في موضع معين ثم لا تجده، وقد يجعله في موضع في غاية الغرابة والبعد، حتى أن بعض الكبار حكم على أحاديث أن البخاري لم يروها، وقد رواها في غير مواضعها، يعني مثل حديث ضباعة بنت الزبير في الاشتراط: ((حجي واشترطي)) يعني ما يوجد في كتاب الحج، ولا في كتاب الإحصار، ولا في كتاب الفوات، وإنما أودعه في كتاب النكاح؛ لقوله في الخبر: "وكانت تحت المقداد". يقول: جاء في رواية ابن خزيمة والبزار في حديث: ((لو يعلم المار)) أنها أربعين خريفاً، وصححها ابن حجر، فعدم ذكركم للرواية دليل على أن فيها نظر؟ لا، لا ما يدل على هذا أبداً، وما نتركه إما لعدم الاطلاع عليه أو للغفلة. يقول: أنا مقيم في المملكة لمدة طويلة، هل القصر فيه تحديد للزمن أو مرهون أو يبقى مرهوناً بالسفر؛ لأنني أترك النوافل والرواتب؟ الجزء: 23 ¦ الصفحة: 4 على كل حال جمهور أهل العلم على التحديد، على تحديد المدة، وإن كانت أدلتهم لا تنهض على الإلزام، لكنها من باب الاحتياط للدين، الصلاة عمود الإسلام، وترتب على القول بالإطلاق، وجهل كثير من المسلمين حتى من بعض طلبة العلم، معنى الإطلاق جعلهم يضيعون الصلاة والصيام والجمع والقصر وغير ذلك، فتجد الخلل تطرق إلى عباداتهم من هذه الحيثية، ويأتي -إن شاء الله- تقريره في الكتاب. يقول: من هم السلف الذين يحتج بأقوالهم في فهم الكتاب والسنة؟ السلف الذين جاء مدحهم: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) ابن حجر يحدد بسنة مائتين وعشرين، يعني إلى أن كثرت البدع وظهرت، وعلى هذا يكون مدة القرن ما يقرب من أو مدته سبعين عام، سبعين سنة، سبعين سنة مدة القرن على هذا التحديد، ومنهم من يقول: إن القرن أربعين سنة، والأكثر على أن القرن مائة سنة، لكنه في الحديث لا شك أن القرن هم القوم المتشابهون في السن، المتقاربون فيه، والمتوسط السبعون. يقول: الإعلان عن الدرس لم يحصل حسب علمي حتى رسائل الجوال لم تصل هذه المرة، آمل حث المنسقين للدرس الإعلان عنه بشكل كافي؟ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم وأورد حديث عقبة بن عامر، وفيه الاستحباب -استحباب الإقبال- على الله -جل وعلا- في صلاته بقلبه ووجهه، وفي مضمونه الخشوع، وأدخله تحت هذه الترجمة بناءً على أن الخشوع مستحب، وسنة عند الجمهور، عند جمهور أهل العلم أن الخشوع مستحب، وأوجبه بعضهم، ونصر الوجوب ابن رجب -رحمه الله-، وأيضاً الغزالي في إحياء علوم الدين نصره، وأطال في تقريره، وإيراد المصنف -رحمه الله- لهذا الحديث في الأمور المستحبة يدل على أنه جار على قول الجمهور. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 5 وأيضاً إيراد أحاديث السترة يدل على أن المصنف يختار أن السترة سنة وليست بواجبة، وهذا أيضاً قول عامة أهل العلم، وجاء الأمر بها: ((ليستتر أحدكم ولو بسهم)) تمسك به من قال بالوجوب، وبقية الأحاديث تدل على أن هذا الأمر مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب، منها: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، كما في حديث ابن عباس، ويقول: يعني إلى غير سترة، وأيضاً: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره، فأراد أحدهم أن يجتاز)) إذا صلى يدل على أن السترة ليست بواجبة؛ لأن السياق قوله: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) قد يقول قائل: إن الاستدلال بهذا الحديث في صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب استدلال بالدلالة الفرعية لا الدلالة الأصلية؛ لأن الحديث ما سيق لبيان حكم السترة، وإنما لبيان الأمر بالدفع، يعني النصوص فيها دلالات أصلية سيق النص من أجلها، وهناك دلالات فرعية لم يسق النص من أجلها، يعني في هذا الحديث هل يبين النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم السترة؟ ويقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستر)) مثل حديث: ((إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحي)) الجمهور يقولون: إن الأضحية سنة بدليل هذا الحديث، فالحديث رد التضحية إلى إرادة المضحي، وهذا لا يدل على وجوبها، لكن هل الحديث سيق لبيان حكم الأضحية أو لبيان المنع من الأخذ من الشعر والبشر في العشر حتى يضحي؟ هذه دلالته الأصلية، أما تلك فدلالته الفرعية، والدلالة الأصلية والفرعية الأصلية هي محل النظر الأول، وبها يستدل أو يستنبط الحكم من الحديث، وأما الدلالة الفرعية فلا شك أن لها حظ من النظر، الشاطبي يقول: "إذا لم يسغ الحديث من أجلها فلا يستدل بها" وأهل العلم يستنبطون من الحديث الواحد المسائل الكثيرة، منها ما يدل الحديث عليه صراحة، ومنها ما يفهم من الحديث، ومنها ما يشم من الحديث يعني من بعد، وكل هذا يستدل به أهل العلم، لكن الدلالة الأصلية هي الأصل، والفرع أيضاً مرعية إذا لم تكن معارضة بما هو أقوى منها، إذا لم تكن معارضة بما هو أقوى منها، يعني لا ترد مطلقاً ولا تقبل مطلقاً، يعني من الدلالات الفرعية يعني قول جابر في حجة النبي الجزء: 23 ¦ الصفحة: 6 -عليه الصلاة والسلام- أنه نام حتى أصبح، هل الحديث سيق لبيان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يوتر مثلاً، أو لم يقم الليل؟ لا، أيضاً ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) هل الحديث سيق لبيان أن الحائض تقرأ القرآن؟ وإن احتج بعضهم بهذا الحديث عليه، هذا دلالة فرعية، لكن الحديث ما سيق من أجلها، ولولا المعارض يمكن أن يستدل بها، يعني استدلال الحنفية على أن وقت صلاة الظهر يمتد إلى مصير ظل كل شيء مثليه، وقول الجمهور إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، استدلالهم بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم)) حديث في الصحيح ((كمثل رجل استأجر أجيراً إلى الزوال بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى المغرب بدينارين، فقال أهل الكتاب: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) ولا يكون هذا إلا إذا كان وقت الظهر أطول من وقت العصر؛ ليتم احتجاج النصارى؛ لأن الذين عملوا إلى الزوال هو مثل اليهود، والذين عملوا إلى العصر هم النصارى، والذين عملوا من العصر إلى المغرب هم المسلمون بدينارين، احتج اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، ولا يتم الاستدلال والاحتجاج إلا إذا قلنا: إن وقت الظهر أطول من وقت العصر، وعند الحنفية لا يكون أطول إلا إذا صار إلى أن يكون ظل كل شيء مثليه، وهذا الكلام ليس بصحيح، أولاً: الحديث ما سيق لهذا الأمر، وفي الباب نصوص صحيحة صريحة، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مسلم، وغيرها من الأحاديث تدل على أن وقت الظهر إلى مصير ظل كل شيء مثله. الأمر الثاني: أن وقت الظهر أطول من وقت العصر في كل زمان ومكان، حتى على القول أنه ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، المقصود أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) لا يتم به صرف ليستتر أحدكم، إنما الصارف حديث ابن عباس: "صلى إلى غير جدار" يعني إلى غير سترة. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 7 قال: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك عن سترة المصلي؟ فقال: ((مثل مؤخرة الرحل)) " الرحل: الذي يوضع على الراحلة ويركب عليه، له مقدمة يستمسك بها الراكب، وله مؤخرة يستند إليها، وهي مقدرة عند أهل العلم بثلثي ذراع، يعني قريب من أو تزيد قليلاً عن ثلاثين سنتيمتر، ولا يتم التحديد بمؤخرة الرحل لا طولاً ولا عرضاً؛ لأنه جاء أيضاً التحديد بالحربة والسهم والعصا، وما أشبه ذلك. ثم بعد هذا قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا)) " يدل على أن الشيء المذكور في الجملة الأولى له جرم، أكبر من العصا، أعرض أو أطول؛ لأنه قال: ((فإن لم يجد فلينصب عصا)) والعصا في حكم السهم والحربة. " ((فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد" مثل به ابن الصلاح للمضطرب في علوم الحديث ذكره مثالاً للمضطرب، وقال: إنه يروى من عشرة أوجه، كلها مختلفة، ولا يمكن الترجيح بينها لينتفي الاضطراب، فهو مضطرب، والحديث فيه علة أخرى، فيه الجهالة لأبي عمرو ابن حريث فهو مجهول، وجده أيضاً أبو عمرو محمد بن حريث وجده حريث أيضاً مجهول، فهو ضعيف لعلتين: الاضطراب الذي لا يمكن معه الترجيح، والجهالة، فالحديث ضعيف. ابن حجر -رحمه الله- في النكت على ابن الصلاح تمكن من ترجيح بعض الوجوه على بعض، فانتفى عنده الاضطراب، لكنه غفل عن الجهالة؛ لأنه قد تنتفي علة لكن تبقى العلة الأخرى، ولذا قال في البلوغ: "ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن" لما تمكن من نفي الاضطراب بترجيح بعض الوجوه حكم عليه بالحسن؛ لكنه مع ذلك فيه جهالة راوييه. يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد" يعني كما قال ابن الصلاح، ولذلك ضعفه الشافعي وغيره، وصححه ابن المديني وغيره. نقل عن الإمام أحمد أيضاً تصحيحه، لكنه لا يثبت عند كثير من أهل العلم. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 8 وقال ابن عيينة: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث، وقال البيهقي: لا بأس به في هذا الحكم. يعني هذا الحكم لا يحتاج فيه إلى شيء من القوة مثل ما يحتاج إلى الأحاديث القوية في الأحكام، أصل السترة مستحبة عند الجمهور، وهو إما أن يصلي إلى خط، أو إلى غير شيء، فكونه يصلي إلى خط أفضل من كونه يصلي إلى غير شيء، ولذلك قال: لا بأس به في هذا الحكم، فالخط أولى من عدمه، يعني من هذه الحيثية، باعتبار أن السترة ليست بواجبة، والصلاة إلى خط أفضل من لا شيء. وعلى كل حال الحديث ضعيف، لا يصل إلى درجة الحسن، وقول سفيان بن عيينة "لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث" يدل على أنه يضعفه، وقول البيهقي: لا بأس به في هذا الحكم من هذه الحيثية، أن هذه فضيلة من الفضائل، ليس بواجب من الواجبات، وأيضاً نظروا إلى أن الصلاة إلى شيء أحسن من لا شيء، والخط يذكّر المصلي ويذكر المار، فالأمر فيه سعة على كلام البيهقي، وإلا فالحديث ضعيف. الخط الذي يخط منهم من يقول: يمتد إلى الأمام كالعصا كأن أمامه عصا، ومنهم من يقول: طولاً أو عرضاً كالجنازة، وذكر عن أحمد أنه يقول: كالمحراب كالهلال، وعلى كل حال الحديث مثل ما قلنا: ضعيف. منهم من يلحق بالخط طرف السجادة، أو الخطوط التي في فرش المساجد، هذه الخطوط بمثابة الخط الذي أشير إليه بالحديث، طرف السجادة كذلك، لكن مع ذلك نعود إلى أصل المسألة وهو أن الحديث ضعيف لا يثبت به حكم. قال: "وعن أبي سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني قول الصحابي: يبلغ به، ينميه، روايةً، يرويه، يرفعه، كل هذا حكمه الرفع. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 9 قال: " ((إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها)) " هل هذا أمر بالسترة أو أمر بالدنو إلى السترة؟ نعم هو ليس بأمر بالسترة، وإنما هو أمر بالدنو منها؛ لأنه قال: ((إذا صلى إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) إذا كان بعيداً لا شك أن البعد يجرئ ويغري من أراد المرور، وأنتم شاهدتم وحصل لكم الصلاة في المسجد الحرام إذا دنوت من الجدار، أو من السارية ما اجترأ أحد أن يمر بين يديك إلا شخص قاصد للإفساد كما يصنع بعض النساء الوافدات ممن عرف بالبدع، تقصد أن تمر بين المصلي وسترته ولو قرب منها، وتتحين الغفلة والفرصة فتمر، ورجالهم كذلك، لكن في الغالب أنك إذا دنوت تستطيع الرد، ولا يجرؤ أحد أن يمر بينك وبين سترتك إلا إنسان في نيته الإفساد، الغافل يمكن رده. أما إذا ابتعد عن سترته فإن حكم السترة يسري إلى ثلاثة أذرع من موضع قدميه، فإذا مر دون ثلاثة أذرع مر بين يدي المصلي، وإذا كان أكثر من ثلاثة أذرع فإنه لا يكون ماراً بين يدي المصلي، ولا يُدفع حينئذٍ. ((لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) سواءً كان ذلك من شياطين الجن، وجاء في الكلب الأسود أنه شيطان أو كان من شياطين الإنس الذين يريدون التشويش على المصلين. يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وهو حديث مختلف في إسناده، وروي مرسلاً" على كل حال الحديث الراجح في أمره أنه صحيح، والموصول أصح من المرسل وأرجح، فهو المعتمد. في السترة حديث أبي سعيد: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله)) وفي رواية: ((فإن معه القرين)) ليقاتله، يعني يدفعه بالأسهل، بالأخف، ثم بالأشد، وليس معنى هذا أنه يقتله، يحمل معه آلة القتل وكل من أراد أن يجتاز بين يديه أزهق روحه، لا، الكلام ليس بصحيح، نعم يقتل الحية والعقرب، لكن لا يقتل معصوماً، وليس معنى ((فليقاتله)) بالسب والشتم كما قال بعضهم، مثل: ((قاتل الله اليهود)) يعني لعنهم، وهنا: ((فليقاتله)) يعني يسبه ويشتمه، هذا الكلام ليس بصحيح، وإن قاله بعضهم. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 10 المقصود أنه يدفع ويرد، إن اندفع بالإشارة فذلك المطلوب، وإلا بالدفع اليسر، وإلا بأشد منه، لكن لا يصل الأمر إلى القتل؛ لأن المقاتلة تختلف عن القتل، ولا يكون ذلك أيضاً بالسب والشتم كما قال بعضهم. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهي أن يصلي الرجل مختصرا" رواه البخاري هكذا" يعني لفظه: "نهي" بالبناء للمجهول "ورواه مسلم: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومر بنا مراراً أن قول الصحابي: نهينا، أو أمرنا أنه مرفوع؛ لأنه في المسائل -مسائل الدين- والأحكام إنما الأمر والنهي لمن جعل الله له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال ذلك بعد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-: قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ فهو مرفوع وإن قال بعضهم كأبي بكر الإسماعيلي يقول: هذا لا يكون مرفوعاً حتى يذكر اللفظ النبوي؛ لاحتمال أن يسمع كلاماً يظنه أمراً أو نهياً، وهو ليس في الحقيقة أمر ولا نهي، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية من غيرهم، فإذا لم يعرف الصحابة مدلولات الألفاظ النبوية من يعرفها بعدهم؟ والدين إنما جاءنا من قبلهم، وفهمهم مقدم على فهم غيرهم، فحكمه الرفع عند عامة أهل العلم، هذا إذا قال: نهينا أو أمرنا، أما إذا قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا كما في رواية مسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" صرح الصحابي بالناهي، وكذلك إذا صرح بالآمر فهو مرفوع قطعاً، ولا خلاف في رفعه، لكن خالف ... الخلاف في المسألة الأولى، وهي ما إذا لم يصرح الصحابي بالآمر ولا الناهي، قال: أمرنا أو نهينا، قال الإسماعيلي وجمع من أهل العلم قالوا: إنه ليس له حكم الرفع؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يمكن أن يكون أمرهم أبو بكر، أمرهم عمر، أمرهم أمير من الأمراء، رجل أمره أبوه، أو من له حق عليه، هذا إذا لم يصرح بالآمر والناهي، والجمهور على أنه مرفوع؛ لأن الأحكام إنما تتلقى من النبي -عليه الصلاة والسلام- أوامرها ونواهيها، هذا إذا لم يصرح بالآمر. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 11 أما إذا صرح بالآمر والناهي كما في رواية مسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مرفوع قطعاً عند الجميع، لكن دلالته على الانكفاف في النهي أو الائتمار بالأمر خالف فيها داود الظاهري، وبعض المتكلمين، وقالوا: قد يظن الصحابي الكلام النبوي مشتملاً على أمر أو نهي وهو في الحقيقة لا يدل على الأمر والنهي حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، وهنا يقال: إن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية فالكلام هذا ليس بصحيح. "نهي أن يصلي الرجل مختصراً" وكذلك المرأة، نهي أن يصلي الرجل مختصراً يعني أن يضع يديه على خاصرتيه في الصلاة، يضع الرجل يديه على خاصرتيه، وجاء التعليل في حديث عائشة: إن هذا فعل اليهود، فالنهي عنه للتشبه، وبعضهم يستنبط علة يقول: إن هذا صنيع الشيطان، وذكر حديث: ((المختصرون على منابر من نور)) من أهل العلم من يفسر هذا الحديث باختصار القراءة وتخفيف القراءة، لكن العلة المنصوصة هي ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- أن هذا فعل اليهود، ((المختصرون على منابر من نور)) هذا الحديث لا يعرف في الكتب المعروفة، ولذا تداوله الشراح، فلا أصل له، وإن حمله بعضهم على أنهم الذين يستعملون المخصرة التي هي العصا يعتمدون عليها لطول القيام في الليل، لكن ما دام الحديث لا يعرف له أصل فلا نحتاج إلى تأويله إلا من أجل التوفيق بينه وبين حديث الباب. وعلى كل حال الاختصار هو وضع اليدين على الخاصرة هذا صنيع اليهود. قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إدخال الحديث هذا في الأمور المستحبة والمكروهة يدل على أن النهي هنا عند المؤلف للكراهة. قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) متفق عليه" لا شك أن الأمر في ((فابدؤوا)) يدل على استحباب الفراغ مما يشوش على بال المصلي وقلبه، إذا قدم العشاء والإنسان نفسه تتوق إليه فإنه يفرغ منه. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 12 ((فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) لأن هذا ينافي الخشوع في الصلاة، والخشوع سنة عند الجمهور، وما ينافيه عندهم مكروه، فإذا بدأ بالصلاة والقلب منشغل بالعشاء انتفى الخشوع، وصار الأمر عند المؤلف هنا: ((فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) ابدؤوا للاستحباب، الظاهرية يقولون: للوجوب، فإن بدأ بالصلاة بطلت الصلاة. وقوله: ((قبل أن تصلوا المغرب)) يشير إلى رواية تدل على أن هذا في حق الصائم، إذا قدم العشاء وأحدكم صائم فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب، وذلك لأن الصائم حاجته إلى الطعام أشد، وانحصار الوقت عنده في هذه المدة اليسيرة بين الأذان والإقامة بالنسبة لصلاة المغرب أظهر من غيره؛ لأن غير الصائم يقال له: قدم يا أخي، قدم طعامك، لكن إذا لم يتم نضجه مثلاً إلا في هذا الوقت وهو محتاج إليه، فحكمه حكم الصائم، أما إذا قصد تأخير الأكل والطعام إلى قرب الصلاة صار ديدنه هذا، هذا لا يجوز؛ لماذا؟ لأنه يترتب عليه ترك الواجب، وهو الصلاة مع الجماعة حيث ينادى بها، لكن إذا كان الإنسان محتاجاً إليه، ونفسه تتوق إليه كصائم، أو في حكم الصائم ممن لا يتيسر له الطعام لعدم نضجه، أو لعدم الحصول عليه إلا في هذا الوقت فالعلة سارية، يعني بعض الناس يقصد ويبحث عما يترخص به في ترك الجماعة مثلاً، فيجعل تقديم الطعام قرب الإقامة، ويتعلل بمثل هذا الحديث، أو يأكل مما نهي عن الأكل منه، مع حضور الجماعة كالأطعمة التي تنبعث منها الروائح الكريهة، ويقول: إن هذا عذر في ترك الجماعة، لا يكون عذراً إلا إذا كانت هناك حاجة داعية له، أما أن يعتذر به، ويتوصل به إلى ترك ما أوجب الله فإن هذه هي حيل اليهود التي يتوصلون بها إلى ترك الواجبات، أو ارتكاب المحرمات، وأما عند الحاجة للاستشفاء ذكر له البصل علاج، أو الثوم علاج، وأكله ليستشفي به فهذا عذر، أما أن يأكل من أجل أن يترك الصلاة هذا لا شك أنه تحايل على إسقاط ما أوجب الله عليه، وهذا ما ارتكبته اليهود. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 13 وهنا إذا كان يقصد أن يقدم الأكل قبيل الإقامة من أجل ألا يخرج إلى المسجد، ويصلي مع الناس هذا تحايل لإسقاط الواجب، وهذا صنيعه هذا حرام عليه، أما إذا وقع اتفاقاً إما أن يكون صائماً مثلاً، ونفسه تشتاق إلى الطعام وتتوق إليه، وإذا صلى انشغل باله، لا شك أن هذا مأمور بأن يبدأ به قبل الصلاة ليتوفر لصلاته ويقبل عليها بعد أن فرغ، وقل مثل هذا في مسائل أمور الدنيا، يعني على الإنسان أن يأتي بالصلاة على الوجه المطلوب، ويقبل عليها بقلبه ووجهه، فلا يجعل هناك من الصوارف ولو صوارف القلب يجعل شيئاً منها قريب من الصلاة، يجعل شيء من هذه الصوارف قريب من الصلاة، بل عليه أن يتفرغ لصلاته بقلبه وقالبه، ولا شك أن هذا منافٍ للخشوع، والخشوع مثل ما قلنا الجمهور على أنه مستحب، ولذا لو صلى قبل أن يتعشى وانشغل بعشائه صلاته صحيحة، خلافاً للظاهرية الذين يبطلون الصلاة في هذه المسألة، وما يشاركها في العلة، يبطلون الصلاة لأدنى نهي، أو لأدنى مخالفة أمر، يعني إذا لم يصل ليلة جمع صلاة الصبح مع الإمام بطل حجه وبطلت صلاته أيضاً، وهذا لا يقوم بظاهريتهم، أما عامة أهل العلم الذين لديهم النظر في النصوص وفي القواعد العامة وفي مقاصد الشريعة لا يقولون مثل هذا الكلام. قال -رحمه الله-: الجزء: 23 ¦ الصفحة: 14 "وعنه" يعني أنس بن مالك "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه -عز وجل-، فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه أيضاً، وفي لفظ للبخاري: ((عن يساره أو تحت قدمه)) " ((إذا كان أحدكم في الصلاة ... فلا يبزقن)) مفهومه أنه إذا لم يكن في الصلاة فليبزق، لكن دل الدليل على أنه لا يجوز أن يبصق في المسجد ولو كان خارج الصلاة، فلا يبصق في حال الصلاة ولو خارج المسجد، ولا يبصق في المسجد ولو كان خارج الصلاة، وهنا ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه -عز وجل-)) سواءً كان في المسجد أو خارج المسجد، بل إن بعضهم طرد هذا في الصلاة وخارج الصلاة في المسجد وخارج المسجد كالنووي مثلاً، فلا يبصق بين يديه يعني تلقاء وجهه، ولا عن يمينه يعني لا إلى جهة القبلة ولا عن يمينه في الصلاة وخارج الصلاة في المسجد وخارج المسجد. قال: ((ولا عن يمينه، ولكن عن شماله أو تحت قدمه)) جاء التعليل ((فإن الله تلقاء وجهه)) وأيضاً القبلة جاء التعليل بها في بعض الأحاديث، وعن يمينه ملك ((ولكن)) يعني يبزق ((عن شماله تحت قدمه)) وعرفنا أن هذا خارج المسجد؛ لأن البصاق في المسجد خطيئة، يعني سواءً كان يصلي أو لا يصلي، سواءً كان عن يمينه أو عن شماله، على أي حال كان، البصاق في المسجد خطيئة، أما في الحديث فهو بالنسبة للصلاة خارج المسجد. ((فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)) يعني تحت قدمه اليسرى. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 15 الرواية الأخرى: ((عن يساره أو تحت قدمه)) يبصق عن يساره أو تحت قدمه، طيب قد يقول قائل: إذا كانت العلة في النهي عن البصاق عن جهة اليمين لأن فيها ملك، الجهة الشمال أيضاً فيها ملك، الذي يكتب الحسنات عن جهة اليمين، والذي يكتب السيئات عن جهة اليسار؟ هل نقول: إن هذا التكريم خاص بملك اليمين الذي يكتب الحسنات وأما بالنسبة لملك السيئات لا خصوصية له في هذا فيبصق عن اليسار ولو كان الملك عن يساره؟ أو نقول: إن هذا في الصلاة؟ لا يبصق عن يمينه لأنه في الصلاة، يباشر حسنات، وملك السيئات إما أن ينتقل إلى جهة اليمين حال الصلاة، أو أنه لا يوجد لعدم وجود الداعي، هذا قاله بعض الشراح؛ لماذا؟ لأن الإشكال الوارد ((فلا يبصق عن يمينه؛ لأن عن يمينه ملكاً، ولكن عن يساره)) أوردوا عليه أيضاً أن على اليسار ملك، فقالوا: إن التكريم خاص بملك اليمين الذي يكتب الحسنات، والنص دليل على أنه يبصق عن يساره، ولو كان فيه ملك الشمال الذي يكتب السيئات، فهذه من خصوصيات ملك اليمين، لكن ملك اليمين وملك الشمال كلاهما من الملائكة الذين لهم المنزلة عند الله -جل وعلا-، ولا يعني كونه يكتب السيئات أن منزلته أقل، لكن أمامنا نص صحيح صريح، ولا بد من البصاق، يعني ليس الإنسان مخير في البصاق وعدمه هذه حاجة لا بد من دفعها، وعرفنا أن تلقاء وجهه جهة القبلة، وأيضاً عن يمينه ملك، وجهة اليمين مشرفة، وجهة اليسار لا شك أنها أقل من جهة اليمين في الشرف في نصوص، وفي مواضع كثيرة من الأحكام الشرعية، يعني إذا استنجى بشماله نقول: إن ملك الشمال ممتهن في هذه الحالة؟ هذه أمور لا بد منها، وإذا كان الخيار بين جهتين في أمر لا بد منه فليكن التكريم لجهة اليمين دون جهة الشمال. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 16 هنا مسألة وهي: أن الإنسان يحمل معه المناديل للبصاق والمخاط وما في حكمهما، هل نأخذ من هذا الحديث أن المناديل ما دامت نظيفة لم تستعمل تكون في الجهة اليمنى في الجيب الأيمن، فإذا استعملت نقلت إلى الجيب الأيسر، أو نقول: يستعملها ويردها إلى جهة اليمين؟ يعني ماذا نستفيد من هذا الحديث؟ أو نعكس نجعل النظيفة في الشمال والمستعملة في اليمين؟ الذي يشم من الحديث ويفهم من الحديث ويستنبط من الحديث في تكريم جهة اليمين أن تكون المناديل النظيفة في جهة اليمين، فإذا استعملت في هذه المستقذرات تنقل إلى جهة الشمال، قد يقول قائل: لماذا لا تجعل في جهة الشمال كلها النظيفة وغير النظيفة؟ نقول: لا بد من التمييز بينها، والتفريق بين النظيف وغير النظيف من أجل أن يستعمل ما يمكن استعماله، ويرمى ما يستغنى عنه، وعلى كل حال هذا من الأدب الإسلامي الرفيع الذي تميزت به هذه الشريعة، تراعي الأحوال والظروف والأفعال من المكلفين، ومما يؤدب عليه غير المكلف أيضاً، ويربى عليه مثل هذه الأمور، يعني بعض الناس لا يلاحظ مثل هذه الآداب فتجده يبصق في أي مكان، طريق عام وإلا خاص، في مجلس، في كذا، وبعض المصلين بل بعض الأئمة قد يحصل من إمام وقد حصل إذا التفت إلى الناس أخرج المنديل، وأخذ بأعلى أو بأقوى ما يستطيع، والأصوات قد تنقل في المكبرات قبل أن يغلق المكبر، والحي كله يسمع، لا شك أن هذا خلاف الأدب، يعني على الإنسان أن يستخفي، يخفي هذه الأمور بقدر الإمكان، بقدر استطاعته إلا إذا عجز؛ لأن هذه الأمور نصت على أشياء، وفي ضمنها وثناياها أمور أيضاً أخرى، هل معنى هذا أننا نمنع عن البزاق عن جهة اليمين ونأخذ المنديل في وجوه الناس وبأعلى الصوت؟! لا، يستخفي بهذا الإنسان بقدر استطاعته. بعضهم يفتح زجاج السيارة ويرمي ما في فمه أو في أنفه وتصل إلى زجاجات السيارات الأخرى، وقد تصل إلى مشاة أو شيء من هذا، هذا يحصل وإلا ما يحصل؟ يحصل، ولا شك أن هذا سوء أدب، وأسوأ منه بعض المدخنين -هداهم الله- يقصد ويتعمد أن ينفث الرائحة القبيحة الضارة في وجوه الناس، يقصد هذا القصد بعضهم، هذا أشد -نسأل الله العافية-. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 17 يقول: " ((لكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه أيضاً، وفي لفظ للبخاري: ((عن يساره أو تحت قدمه)) " وعرفنا أن هذا لا يكون في المسجد، أما إذا احتيج إلى ذلك في المسجد فإن كانت معه المناديل فبها ونعمت، وإن لم تكن ففي ثوبه، ثم يفرك بعضه ببعض، يعني مثل طرف الشماغ أو ما أشبه ذلك، لكن يتأكد أنه شماغه؛ لأنه حصل في الصلاة، احتاج لمثل هذا وهو في الصلاة ومعه مناديل، مسك طرف الشماغ وإذا شماغ جاره، أقول: مثل هذه الأمور ينبغي أن تدرس بعناية؛ لأن هذا الأدب هو الذي يزرع المودة والمحبة بين الناس، والإخلال به هو الذي يجعل النفرة والفرقة والاختلاف والشحناء والبغضاء بين الناس. هذا الذي استعمل شماغ الجار اضطر أن يقطع الصلاة وينصرف؛ لأن المسألة على نفوس الناس ليست هينة، وقل مثل هذا في أمور أخرى من الآداب، إذا عطس، إذا كح، إذا شيء يخمر وجهه، وبعض الناس يعطس أو يكح ويصل الرذاذ إلى آخر المجلس، وأهل العلم يقولون: إذا شربت في الإناء وتنفست فيه منهي عن التنفس في الإناء، فأراد أحد أن يشرب منه لا بد أن تخبره أنك تنفست فيه وإلا يكون هذا غش، شوف الحرص عند أهل العلم في تطبيق ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هذا الحد، إذا نفخت في طعام وجاء سائل بقيت منه بقية وجاء سائل لا بد أن تخبره أنك نفخت فيه لأنه يتقذر، نعم قد تترجح المصلحة عنده أن يأكل لمسيس الحاجة إليه، لكن مثل هذه الأمور لا بد من مراعاتها. يقول -رحمه الله تعالى-: الجزء: 23 ¦ الصفحة: 18 "وعن معيقيب" وهو ابن أبي فاطمة الدوسي "قال: ذكر النبي أو ذُكر للنبي -عليه الصلاة والسلام- المسح في المسجد" يعني الحاجة إلى المسح في المسجد، مسح الحصا، الآن المساجد مفروشة ما تحتاج إلى هذا، بعض مساجد القرى وبعض البلدان ليست مفروشة فيها حصا، وقد يحتاج إلى المسح في الفلوات والصحارى أو في الأماكن غير المفروشة؛ لأن الإنسان قد يحتاج للصلاة في الصحراء، ويكون في مصلاه حصا أو يكون زرع أو شوك يحتاج إلى تسويته، عليه أن يسويه قبل الدخول في الصلاة، لا شك أن هذا ينافي الخشوع في الصلاة، تصلي على حصا أو تصلي على مكان حار أو شديد البرودة أو فيه شوك، أو ما أشبه ذلك هذا ينافي الخشوع، فعلى المصلي أن يبذل ما يحقق الخشوع قبل الدخول في الصلاة، لكن إذا دخل وفي المسجد حصا. "ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسح في المسجد -يعني الحصا- قال: ((إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة)) متفق عليه" يعني امسح مرة واحدة، وإن تركت فهو أفضل، إن اضطررت إلى المسح لأن الحصا مؤذي، ونسيت التسوية وإصلاحه قبل الدخول في الصلاة مرة واحدة امسح، وما عدا ذلك فلا، وهذا مرده إما في العلة المذكورة في الحديث الثاني، أو لأن المسح أكثر من واحدة إكثار من الحركات المنافية للخشوع في الصلاة ((إن كنت لا بد فاعلاً)) إن اضطررت إلى ذلك ((فواحدة)) يعني فامسح واحدة، يعني مرة واحدة. "متفق عليه". "وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصا، فإن الرحمة تواجهه)) " هذه العلة، الحديث الذي قبله، حديث معيقيب هذا ليس فيه التعليل، وهو متفق عليه، في الصحيحين، حديث أبي ذر ضعيف عند أهل العلم لكن له شاهد الذي هو الحديث السابق، فيحسن به، بالشاهد، وتبقى العلة فإن الرحمة تواجهه لا يوجد ما يشهد لها في حديث معيقيب تبقى ضعيفة، وأما النهي عن المسح واحدة أو دع، هذه موافقة لما جاء في حديث معيقيب، فهو وإن كان سندها ضعيف إلا أن لها ما يشهد لها فهي حسنة. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 19 "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصا، فإن الرحمة تواجهه)) " يعني إذا كانت تواجهه يعني تنبع من موضع سجوده وتواجهه تقابله، فإذا مسح موضع السجود كأنه مسح معه الرحمة، والعلة ضعيفة، يعني سندها ضعيف، والنهي عن المسح مفهوم من حديث معيقيب، وأيضاً اللفظ الثاني في لفظ لأحمد: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل شيء، حتى سألته عن مس الحصا، فقال: ((واحدة)) يعني مرة واحدة، امسح مرة واحدة أو دع، اترك، وذلكم لأن المسح حركة، والحركة ممنوعة في الصلاة، على الإنسان أن يسكن في صلاته ولا يتحرك إلا لحاجة، وهذه حاجة، لكن أكثر من مرة نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها، والعلة المذكورة: ((فإن الرحمة تواجهه)) هذه عرفنا أن إسنادها ضعيف؛ لأن راويها أبو الأحوص مجهول العين، لم يرو عنه غير الزهري، ووصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول، والمقبول عنده من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، اللين ضعيف، فهذا إذا سلم، إذا خلا حديثه من المتابعة أو الشاهد فإن حديثه يضعف لأنه لين، إذا توبع صار حديثه مقبولاً، وجزء من حديثه متابع عليه، له ما يشهد له، وجزء منه لا يتابع عليه فجزؤه حسن، وجزء منه لا سيما التعليل ((فإن الرحمة تواجهه)) لم يتابع عليها فهو ضعيف. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 20 قال: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وفي لفظ لأحمد: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصا، فقال: ((واحدة أو دع)) " يعني مس الحصا مرة واحدة في الصلاة، ومن مس الحصا أثناء الخطبة فقد لغا، أيهما أولى بالمراعاة الصلاة أو الخطبة؟ الصلاة أو الخطبة؟ نعم الصلاة بلا شك، الصلاة أولى بالمراعاة من الخطبة، طيب الصلاة أذن لك أن تمسح واحدة وفي الخطبة إذا مسحت فقد لغوت ومن لغا فلا جمعة له، يعني هل نأخذ من هذا الحديث أن الخطبة أولى بالمراعاة من الصلاة، أو نقول: إن الصلاة المسلم في الأصل يحتاط لها، الأصل في المسلم أنه يحتاط لصلاته، ولا يعرضها للبطلان لأنه يعرف أهميتها وقيمتها، والخطبة قد تطول، وقد يرى أنه لا يستفيد، وقد يتطرق إليه ملل، أو شيء من ذلك فهو بصدد ألا يحتاط لهذه الخطبة، ومع النصوص الشديدة في شأن الخطبة والإنصات وعدم الحركة وعدم قول: اسكت، أنصت، وعدم مس الحصا، ومع ذلك تجد من يخالفه؛ لأن الخطبة شأنها في نفوس المسلمين أقل من شأن الصلاة، وإذا وجد في النفس ما يردع لا شك أن الإنسان قد يترك إلى الوازع النفسي، وأما إذا لم يوجد ما يردع من الوازع النفسي فإنه لا بد من التشديد، يعني مثل ما قلنا: إن الصلاة المسلم يحتاط لها أكثر من الخطبة، فجاء في الخطبة يعني جاء في الصلاة نصوص كثيرة، لكن بالنسبة لمس الحصا هل ما جاء في الصلاة مثل ما جاء في الخطبة أو أقل؟ أقل، يعني امسح مرة واحدة، لكن الخطبة إذا مس الحصا فقد لغا، أقول: إذا وجد في النفس وازع يزع عن عمل ما، فإن الإنسان قد يترك لهذا الوازع، وإذا لم يوجد فيها وازع فإن الإنسان تأتيه النصوص وتشدد عليه لعدم الوازع. نظير ذلك جاء في بر الوالدين نصوص كثيرة متواترة قطعية من الكتاب والسنة، وجاء التشديد في هذا الباب لكن جاء تشديد الوالدين في حرصهم على أولادهم جاء شيء وإلا ما جاء؟ جاء شيء يسير؛ لماذا؟ لأن فيه وازع، ما في أحد يبي يترك ولده يجوع إطلاقاً، لو جاع هو ما جاع الولد، لكن قد يوجد من الأولاد من يترك أمه تجوع، فلذلك جاء من النصوص في مراعاة حقوق الوالدين أكثر مما جاء في مراعاة حقوق الأولاد؛ لأن في النفوس من الوازع ما يكفي لصيانة الأولاد، والعناية بهم. ما يمدينا نقرأ الحديث الذي بعده. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 21 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (24) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) متفق عليه. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) رواه الترمذي وصححه. وعن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة -يعني صلاة الصبح- فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي ويلتفت إلى الشعب" رواه أبو داود والحاكم وصححه. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)) رواه البخاري. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) رواه مسلم. وروي عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء وهم في الصلاة، فقال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم)). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم، ولم يقل: ((في الصلاة)). الجزء: 24 ¦ الصفحة: 1 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 24 ¦ الصفحة: 2 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) " ((أما يخشى)) أما يخاف الذي يسابق الإمام فيرفع رأسه قبل إمامه في ركوعه أو سجوده، يرفع رأسه من الركوع، أو يرفع رأسه من السجود قبل الإمام، يعني يسابق الإمام؛ لأن صلاة المأموم مرتبطة بإمامه ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمد فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا)) ... إلى آخره، فأعمال المأموم مرتبة على أعمال إمامه هذا الأصل، وهي معطوفة على أعمال الإمام بالفاء التي تقتضي الترتيب كما أنها تقتضي التعقيب، فكما أنه لا يجوز للمأموم أن يسابق الإمام، ولا يوافق الإمام، لا يجوز له أيضاً أن يتأخر كثيراً عن الإمام؛ لأن العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب، يعني عقب فعل إمامه يفعل، إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا ... إلى آخره، كلها معطوفة بالفاء، فلا يجوز للمأموم أن يكبر قبل إمامه، فإن كبر قبل إمامه تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، وإذا سابقه كبر قبله في غير تكبيرة الإحرام فجمع من أهل العلم يرون أن الصلاة باطلة، وهو رواية معروفة في مذهب الإمام أحمد، ومنهم من يقول: الصلاة صحيحة مع الإثم، ولذا جاء في الحديث: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) ما قال: لا صلاة له، أو أن صلاته باطلة، الإثم ثابت؛ لأن هذا وعيد، والوعيد لا يكون إلا على فعل محظور، أو ترك واجب، فدل على أنه حرام، ويأثم فاعله، لكن الأكثر على أن الصلاة لا تبطل أخذاً من هذا الحديث: ((أما يخشى أحدكم)) يعني المصلين ((إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) يمسخ رأسه على بدنه الإنساني يعني المسخ يكون للرأس فقط، رأس حمار على بدن إنسان، وهذا المسخ حقيقي عند الأكثر وهو الأصل؛ لأن الأصل إرادة الحقيقة، ومنهم من يقول: يمسخ رأسه رأس حمار يجعل تفكيره وتصرفاته مثل تفكير الحمار وتصرفات الحمار؛ لأنه ما الذي يعجله ولن ينصرف قبل إمامه؟ ما الذي يجعله يرفع رأسه قبل الإمام ولن ينصرف قبله؟ إلا الجزء: 24 ¦ الصفحة: 3 أن فيه شبه مما تؤول حاله إليه وهو الحمار، يرفع رأسه ولا يبالي بشيء، فجوزي بأن يمسخ رأسه إما حقيقة فيجعل مثل رأس الحمار على بدن الإنسان، أو معنىً فيجعل تفكيره وتصرفاته مثل تفكير الحمار وتصرفاته، وهو أبلد الحيوانات على الإطلاق، ولا شك أن هذه بلادة، مسابقة الإمام بلادة من المصلي وإلا ما الذي يستفيده من مسابقة الإمام؟! ((أو يجعل صورته صورة حمار)) يعني يمسخ بالكامل، و (أو) هذه إما أن تكون للشك، يعني هل قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو قال: أو يجعل صورته صورة حمار؟ للشك، أو للتقسيم بعضهم تجعل صورته يجعل رأسه رأس حمار على بدن إنسان، وبعضهم يمسخ بالكامل، وأيهما أسهل؟ أن يمسخ بالكامل حمار، أو يمسخ رأسه ويبقى بدنه بدن إنسان؟ يعني يمسخ بالكامل أسهل من أن يمسخ رأسه فقط؟ أسهل؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كلها صعبة، وكلها شديدة على الإنسان، لكن عموماً يعني إذا نظرنا إلى الصورة إنسان يمشي بين الناس ورأسه رأس حمار هذا عظيم بين الناس، هذا أمر لا يطاق، لكن إذا مسخ حمار وعاش مع الحمير، وقد يكون هذا المسخ كفارة لما حصل منه، ولذا يقرر أهل العلم أن مسخ الأبدان أسهل من مسخ القلوب، يعني بينما أنت ترى فلان من الناس في صفوف طلاب العلم ويعد من خيارهم ويشار إليه بالبنان، ثم بعد ذلك ينتكس ويبقى على صورته، لكنه مع ذلك قلبه ممسوخ منكوس، نسأل الله العافية. وابن القيم -رحمه الله- لما ذكر المسخ وكثرته في هذه الأمة في آخر الزمان، قال: يكون في طائفتين، ذكر الحكام الظلمة الذين يحكمون بأهوائهم ويظلمون الناس، وذكر منهم العلماء الذين يغيرون الدين باجتهاداتهم الباطلة تبعاً لأهوائهم ومصالحهم، لا شك أن مسخ القلب يعيش بين الناس وفلان، وقال فلان، وقال الشيخ فلان، وفعل فلان وهو ممسوخ، نسأل الله العافية، ويقرر أهل العلم أن هذا أشد مما لو مسخت صورته؛ لأن مسخ الصورة قد يكون كفارة لما حصل منه. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 4 وذكر ابن القيم -رحمه الله- أنه في آخر الزمان يمضي الاثنان إلى معصية، يمضيان إلى معصية، فيمسخ أحدهما خنزيراً، والثاني ما يمسخ، لكن ماذا يصنع؟ يرجع يقول: الحمد لله الذي سلمت؟ وإلا يستمر إلى معصيته؟ قال: يستمر إلى معصيته، هذا ممسوخ القلب -نسأل الله العافية-، لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، ممسوخ هذا، يقول ابن القيم: هذا أشد من الذي مسخ بدنه -نسأل الله السلامة والعافية-، إن لم يتدارك بلطف من الله، وتوبة نصوح، التوبة تهدم ما كان قبلها، فإذا أخذ درساً وعبرة وعظة من زميله وتاب إلى الله وأناب لا شك أن التوبة تهدم ما كان قبلها. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 5 يقول: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) وفي هذا ما يقوله أهل العلم من تحريم المسابقة، ووجوب المتابعة، ويبقى مسألة الموافقة، يعني يركع مع الإمام، ويرفع مع الإمام، هو ما جاء فيه الوعيد مثل المسابق، ولم يمتثل المتابعة: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) فهو معه كأنه نصب نفسه إمام معه، فلا شك أن فعله لا يجوز، وإن اختلفوا في الحكم عليه بالتحريم إلا أنه لا يبطل الصلاة اتفاقاً، فليحذر الإنسان المسابقة والمتابعة والتأخر عن الإمام، يعني بعض الناس إذا سجد الإمام ورفع من السجود تجده يتابع السجود إلى قرب السجدة الثانية، وبعضهم لا ينهض إلا إذا سجد للثانية، ويستغل هذا الوقت في الدعاء امتثالاً للتوجيه النبوي إن أحدكم أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) ((وأما السجود فأكثروا فيه الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) لكن هل هذا مبرر أن يتأخر عن الإمام؟ أو يقف والإمام راكع ليكمل قراءته؟ وهذا يحصل، أما إذا أكمل قراءته أثناء الركوع فهذا جاء النص بتحريمه والنهي عنه، نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فلا يكمل وهو راكع، يقول: لا، أكمل وأنا واقف ثم ألحق، وبعضهم من حرصه وشدة حرصه يقول: أخشى أن تفوت الركعة أركع وأكمل، كل هذا لا يجوز ((فإذا ركع فاركعوا)) فلا تتأخر عن الإمام ولا تتقدم عليه، ولا توافقه، بل اجعل نفسك متابعاً له؛ لأن أفعال المأموم عطفت على أفعال الإمام بالفاء التي تقتضي الترتيب والتعقيب. "متفق عليه". الجزء: 24 ¦ الصفحة: 6 ثم قال: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) " الالتفات لا شك أن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة كما تقدم، والانحراف عن القبلة مخل بهذا الشرط، فإذا حدد الإنسان جهة القبلة، وصلى إلى هذه الجهة وهذا فرض البعيد عن الكعبة، فرضه استقبال الجهة عند الجمهور، فإذا انصرف عنها يميناً أو شمالاً فإن كان ببدنه بطلت صلاته؛ لأنه أخل بشرط، وإن كان برأسه فقط فهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، لكنه لا يقتضي البطلان، وقد حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- للحاجة، ولذا يطلق أهل العلم الكراهة في الالتفات، بالنسبة للالتفات يطلقون الكراهة، والقاعدة عندهم أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، لكن إذا لم يوجد حاجة؟ هو اختلاس، يعني سرقة يأخذها الشيطان من صلاته خفية، خلسة ((يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) وهل يرضى لعدوه أن يأخذ شيئاً من صلاته؟ لا، العاقل لا يرضى بهذا {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [(6) سورة فاطر] يعني يصعب على الإنسان أن يسرق الولد من متاعه شيئاً، الولد يصعب عليه، وين راح؟ ما راح بعيد؛ لأن الولد إن ما سرق أعطيته أنت، فالمسألة يعني ليست بصعبة، لكن صعباً عليك أن يسرق من مالك، فكيف بغيره؟! فكيف بالعدو؟! وإذا كان هذا في متاع الدنيا فكيف إذا كان بزاد الآخرة؟ إذا صعب عليك أن يسرق شيء من زادك الدنيوي فكيف يهون عليك أن يسرق من قبل أعداء أعدائك وألدهم شيئاً من زادك الموصل إلى الدار الآخرة. ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري. "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني)) " هذا يقوله لأنس لأنه صغير عنده، خدمه وهو ابن عشر سنين. ((يا بني إياك والالتفات في الصلاة)) تحذير، احذر الالتفات في الصلاة ((فإن الالتفات في الصلاة هلكة)) يعني مهلك لصاحبه، كما أن من سرق متاعه فلم يبق منه شيء فإنه يعرض للهلاك، لا سيما إذا كان من الضروريات. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 7 ((فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) ((فإن كان لا بد)) يعني أمر يحتاج إليه، بعض الناس كثرة الالتفات من طبعه، تجده مثل الثعلب دائماً يمين يسار، ويتبع نظره أي شيء، لو يطير ذباب أتبعه بصره، يعني عادي أنه يتلفت، جُبل على هذا، هذا الذي يقال له: ((فإن كان لا بد ففي التطوع)) وعلى أن الحديث ضعيف يعني، الحديث فيه ضعف، ولا شك أن الاحتياط للفريضة أشد من الاحتياط للنافلة، وإن كان الفرض والنفل عند أهل العلم كلها شرع من عند الله -جل وعلا-، لا يجوز أن يتصرف فيها إلا على مقتضى نظر الشارع، لكن الشارع خفف في أمر النافلة دون الفريضة، فالفريضة لا تصح من قعود مع القدرة على القيام؛ لأن القيام مع القدرة ركن من أركان الفريضة، بينما النافلة صحيحة تصح من قعود ولو كان قادراً على القيام، وصلاته على النصف من أجر صلاة القائم. أيضاً النافلة تصح على الراحلة، والفريضة لا تصح إلى غير ذلك من الفروق، فشأن النافلة أسهل من شأن الفريضة بهذه النصوص، لكن لا يعني هذا كما يقول بعضهم: إن النافلة أمرها أسهل فتثبت بما لا تثبت به الفريضة، إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: لا تثبت فريضة إلا بحديث صحيح أو حسن، لكن نافلة أمرها سهل، الشرع خفف في أمر النافلة فليخفف في طريق ثبوتها، هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنك تقول على الله وعلى رسوله ما لم يقل، إذا أثبت شرع -لأن النفل شرع- لا بد أن يكون طريق الثبوت في النافلة مثله في الفريضة، لكن تأدية النافلة أخف من تأدية الفريضة على مقتضى ما جاء عن الشرع. ((فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) رواه الترمذي وصححه. يقول المؤلف: "وصححه" لكن النسخ المعتمدة ليس فيها تصحيح، إما تحسين مع الغرابة، حسن غريب، وبعض النسخ فيها صحيح غريب، بعض النسخ فيها صحيح غريب، ومعروف أن الحكم على الحديث بأنه غريب من قبل الترمذي، لا شك أنه لمز، فيه ضعف، وعلى كل حال الحديث فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، فالحديث لا يثبت. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 8 قال: "وعن سهل بن الحنظلية قال: "ثوب بالصلاة" ثوب: التثويب يطلق على الأذان، ويطلق أيضاً على "الصلاة خير من النوم" ويطلق على الإقامة، والمراد هنا الإقامة، يعني أقيم للصلاة، يعني صلاة الصبح "فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو يلتفت إلى الشعب" لأنه أرسل فارساً إلى الشعب من الليل ليحرس، فصار يلتفت إلى الشعب، يعني هل جاء الحارس هذا؟ هذا الفارس جاء؟ أو جاء شيء من قبله؟ ولا شك أن هذه حاجة، والالتفات بالوجه فقط مكروه عند أهل العلم، والكراهة تزول بأدنى حاجة، ومثل هذا الخبر يدل على ما قاله جمهور أهل العلم أن الالتفات مكروه وليس بحرام، الالتفات بالوجه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جعل يصلي الصبح وهو يلتفت إلى الشعب. "رواه أبو داود والحاكم وصححه" والحديث صحيح. جاء مدح أبي بكر أنه كان لا يلتفت في صلاته، يعني من مناقبه -رضي الله عنه- أنه لا يلتفت في صلاته، في مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي مات فيه لما خرج من حجرته التفت الصحابة ينظرون إليه وهم في صلاتهم، فهذا أيضاً من الصوارف، وإلا ما الذي أخبرهم أنه خرج من حجرته، وتأخر أبو بكر وفعلوا ما فعلوا، هذه من الصوارف التي تصرف ما جاء في الالتفات من التحريم إلى الكراهة، وعرفنا أن هذا التفات بالوجه فقط. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 9 مدح أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- أنه لا يلتفت في صلاته، يعني من مناقبه أنه لا يلتفت في صلاته، يعني بعض الناس لا شك أن عندنا الالتفات يعني ما هو معروف نادر، بينما يوجد في مجتمعات كثيرة عادي، تجد من الشرق والغرب من كل جهة يتلفتون عادي في الصلاة، وعندنا يعني من عظائم الأمور، لكن تجد عندهم أمور عظيمة وعندنا سهلة كثرة الحركة، يعني في مجتمعنا معروفة يعني الحركة في الصلاة يحك يده، يحك رأسه، يزين شماغه سهل يعني عندنا، لا شك أنها مخلة بالصلاة، لكن العادات والأعراف طاغية حتى في أمور العبادة، تجد الإنسان .. ، يتعودون أنهم يتلفتون ولذلك نستعظم هذه الأمور، ويلتفت يمين وشمال ويش يزين ذا؟ هذا يصلي وإلا يعبث وإلا .. ، وبالمقابل ينظرون إلينا هذه النظرة إذا تحركنا، يعني حتى أن بعض من عرف بالعلم تجده يتحرك في صلاته، يميد يميناً وشمالاً، ويحك ويعدل الشماغ، ويزين المرزام، ويناظر الساعة، حتى أنه تعدى بعض الأعراب على شيخ من الكبار، لكن هذه التصرفات التي لا يعقلها الإنسان، ولا يستطيع التحكم فيها، هذه لها حكم آخر يعني، هذا سحب الشيخ قال: أنت تلعب بالصلاة خلي يصلي واحد أفضل منك؛ لماذا؟ لأننا ما عودنا أنفسنا على القنوت والسكوت في الصلاة، مع أنه يوجد -ولله الحمد- من طلاب العلم من أطر نفسه على هذا، ليس هذا بحكم عام، لكن هذا موجود على كل حال، موجود، فأقول: هذا الالتفات الذي يتهاون به كثير من الأقطار عندنا له شأن، فإذا مدح أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- أنه لا يلتفت في صلاته، في مجتمعنا نقول: هذه ما هي بمنقبة، أطفالنا ما يتلفتون، فكيف بالصديق أفضل الأمة بعد نبيها يمدح بأنه لا يلتفت في صلاته، نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- جعل يلتفت إلى الشعب وأبو بكر -رضي الله عنه- لا يلتفت، مهما دعت الحاجة إلى ذلك، بل لو دعت إليه الضرورة ما التفت، وهنا يمدح به؛ لأن الالتفات الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- كمال أو لبيان الجواز؟ لبيان الجواز؛ لأنه خلاف الأصل، فهو في حقه -عليه الصلاة والسلام- كمال وتشريع، لكن في حق غيره ما يقول: والله أنا ألتفت لبيان الجواز مثل شاب جالس والناس يصلون على الجنازة، يقول: لئلا الجزء: 24 ¦ الصفحة: 10 يظن وجوبها، شاب صغير في الثانوية، يقول: لئلا يظن وجوبها، فعمله صارف من الوجوب إلى الاستحباب، فالكمال في حقه -عليه الصلاة والسلام- ما فعل وهو التشريع، السهو في حقه -عليه الصلاة والسلام- كمال، والنسيان ينسى ليشرع؛ لكن في حق غيره نقص، ولذا مدح أبو بكر أنه لا يلتفت في صلاته؛ لأن الإنسان أول ما يسمع هذه المنقبة من مناقب أبي بكر يقول: أطفالنا ما يلتفتون في الصلاة فضلاً عن الكبار، نقول: نعم الرسول -عليه الصلاة والسلام- التفت للحاجة، وهو في حقه تشريع وكمال، لكنه في حق غيره نقص، فأبو بكر لا يتطرق إليه هذا النقص بحال من الأحوال ولو اضطر، يعني حاله كحال من سقط السقف وهو يصلي ما التفت بعض الناس، ويذكر عن عروة أنه قطعت رجله وهو يصلي ما تأثر، وبعضهم إذا أريد منه أمر صعب يعني عملية جراحية في بدنه أو شيء قال: دعوني أصلي؛ لأن في الصلاة شغل عن غيرها، فهذا وجه كون أبي بكر وكنا نستشكل يعني هذا أبو بكر يمدح بأنه لا يلتفت، كنا نستشكل هذا فهذه من مناقبه -رضي الله عنه وأرضاه- بينما غيره إذا دعت الحاجة التفت ولا شيء في ذلك. "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان قرام لعائشة -رضي الله عنها-" القرام: ستر، ستار تستر به نافذة، سهوة، فتحة، خوخة، فتحة في الجدار تستره بهذا القرام، وشأن الستور عند سلف هذه الأمة ليس بالسهل، فأبو الدرداء وسلمان وغيرهما إذا دعوا إلى وليمة فوجدوا الستور رجعوا مع أن الوليمة تجب إجابتها، كما حصل في وليمة ابن عمر، وجدوا ستور رجعوا، وهذه ستور للجدران، وأما القرام التي سترت به عائشة جانب بيتها الذي فيه النافذة هذا تدعو إليه الحاجة عن الشمس والريح وغيرها، وهذا ما زال مستعمل إلى الآن، يعني النوافذ تستر؛ لأن الأنوار مزعجة لكثير من الناس، بل بعضهم لا يستطيع أن ينام في النور، فإذا ستر وأغلقت الأنوار لا شك أن هذه حاجة، لكن ستر الجدران هذا الذي ذمه السلف. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 11 قرام: ستار، منهم من يقول: إنه رقيق، ومنهم من يقول: إنه خشن، المقصود أنه ستار سترت به جانب بيتها "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أميطي)) " يعني أزيلي ((عنا)) هذا القرام، يعني هذا الستار ((فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)) هذه التصاوير هل هي لذوات أرواح أو لأشياء غير ذوات الأرواح؟ لأن العلة -علة الإزالة- كونها تعرض له في صلاته، والقرام الذي فيه التصاوير امتنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من دخول البيت حتى قطع وجعل وسائد، وهنا الذي يظهر -والله أعلم- أن التصاوير هذه ليست لذوات الأرواح، فإنها تعرض له في صلاته فتشغله عنها، تشغله عن صلاته، وفي خميصة أبي جهم لما أهداه الخميصة، وصلى بها، ولها خطوط وأعلام قال: ((كادت أن تفتني في صلاتي، ردوها على أبي جهم، وأتوني بأنبجانيته)) كساء لا فيها خطوط ولا أعلام ولا شيء، ما تفتن، وأما الخميصة فيها أعلام، وفيها خطوط كادت أن تفتن النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي جعلت قرة عينه في الصلاة، فمثل هذه المشغلات وهذه الملهيات ينبغي أن تبعد عن موضع الصلاة، ونجد في المساجد الآن هذه الزخرفة في الحيطان أمام المصلين وفي الفرش موجودة زخارف، يعني إبداع لوحات فنية موجودة في فرش المساجد، يعني رأيناها ورأيتموها، والمساجد أشبهت المتاحف الآن، والله تريد تتفرج ما عندك أفضل من مسجد فلان وموجود، يعني مع الأسف أن القائم عليها طلاب علم، والذين نفذوها طلاب علم، يعني كون المنفذ عامي ما يعرف وعليه إذا نبه أن يتنبه، فكيف إذا تولى التنفيذ طلاب علم يرجون ما عند الله -جل وعلا-، والذي يعمر المسجد يرجو عند الله -جل وعلا-، يمتثل النصوص، ومع ذلك يقع في محظورات، تشغل الناس عن صلاتهم، بعض الناس يعمد إلى قطعة واحدة تنسج له بالملايين من أجل أن تكون بحجم المسجد، وما الفائدة من هذا؟ لا فائدة، اللهم إلا إشغال المصلين وتحدث الناس، يعني إن كان الهدف والقصد أن يقال: والله فلان جاء بقطعة من الفرش لم توصل بوصلة كلها قطعة واحدة، هذه حقيقة مرة يعني، لا يجوز أن يلتفت لها المتعبد بحال، ولذا نجد بعض الناس إذا جاء ليقضي أفضل أيام أو أفضل الليالي في العام في العشر الأواخر من رمضان يجاور الجزء: 24 ¦ الصفحة: 12 ويطلب يقول: والله الآن أنا أنتظر لن أسافر اليوم لأني ما وجدت فندق خمس نجوم إلى الآن، فإذا فرغ شقة وإلا جناح وإلا شيء سافرت، ألا يدري هذا أن هذا كله على حساب القلب، وحضور القلب، مسكن دون مسكن، شيء يؤويك ويظلك هذا المطلوب؛ لأن الدنيا ليست هدف ولا غاية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] الهدف تحقيق العبودية، وأما الدنيا فهي وسيلة {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] أما أن تكون الدنيا هي الهدف وهي الغاية، إذا صف الإنسان في صلاته لا يعقل منها شيء، كل هذا من أجل اتباع دنياه، يفكر في سكنه، يفكر في ماله، يفكر في ولده، ولا نصيب لصلاته من قلبه شيء، تجد فرش المساجد يعني بالاستقراء أكثرها باللون الأحمر، وفيه الصفرة الذي يقول عمر: "ولا تحمروا ولا تصفروا" والحيطان وغيرها كلها يعني قريبة من هذا، يعني على الإنسان إذا أراد أن يفعل أو يزاول عملاً شرعياً أن يحرص على كماله، المساجد في تركيا متاحف، والزوار أول ما يذهب بهم السياح إلى المساجد، وأثر المذهب الحنفي عليهم ظاهر؛ لأن الجمهور يمنعون الزخرفة، والحنفية يقولون: إذا زخرف الناس بيوتهم بيت الله يزخرف، لا يزدرى بيت الله من بين بيوت الناس، وشخص من طلاب العلم ذهب إلى تركيا للنظر في المخطوطات، يقول: وجدت مسجد مفتوح، وإذا فيه شيخ معمم ولحية وطلاب أمامه، قلت: فرصة نسمع العلم، وإنه ما في علم، الشيخ لا يتكلم، والطلاب ما معهم كتب ولا شيء، فإذا بهم يصورون مشهد تمثيلي، ولا وجدوا أجمل من هذا المسجد، ما في أجمل من هذا المسجد، صحيح في مساجد في تركيا وفي مصر وفي غيرها من البلدان أشبه ما تكون بالمتاحف، تباهى الناس بعمارة المساجد، وفي بلادنا أيضاً ظهرت هذه الظاهرة، يعني فالمأمول والمرجو ممن يتبرع أن يشترط على المنفذ أن يتابع بنفسه، وعلى طالب العلم أن يتقي الله -جل وعلا- في هذه الأمور، لا يكون اهتمامنا بالمظاهر، فإذا جاءت المخابر ما وجدنا شيء، والله المستعان. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 13 يقول: ((أميطي عنا قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي)) وإدخال هذه الأحاديث من الالتفات، ومثل المسابقة، ومثل غيرها في المكروهات لا شك أن المناسبة ظاهرة، لكنه بالنسبة للمسابقة الكراهة لا شك أنها كراهة تحريم، والوعيد الشديد في أن يجعل الله رأسه رأس حمار هذا يدل على التحريم، ولا يكفي فيه الكراهة، وأما بالنسبة للالتفات فهو للكراهة، كذلك أيضاً المشغلات والملهيات التي تعوق دون تحصيل الخشوع عند الجمهور مكروهات وليست بمحرمة؛ لأن الخشوع نفسه ليس بواجب عندهم، أما من يقول بوجوبه فالذي يمنع من تحقيقه محرم. قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) " ((لا صلاة بحضرة طعام)) تقدم أنه إذا قدم العشاء فيبدأ بالصلاة صلاة المغرب قبله، يعني ولو أدى ذلك إلى فوات الصلاة، لا سيما إذا كانت نفسه تتوق إليه، كما جاء في بعض الروايات: ((وهو صائم)) إذا كانت النفس تتوق إليه، ويعوق البداءة في الصلاة عن تحقيق لب الصلاة الذي هو الخشوع فإنه يقدم على العشاء، وعرفنا أن هذا لا يجوز أن يكون وسيلة وحيلة للتهرب مما أوجب الله على المسلم من ترك الجماعة في المسجد حيث ينادى بها، لكن إذا وجد هذا مرة أو مرات يسيرة ووجد الداعي فالحديث صريح في هذا. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 14 قال: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) ((لا صلاة بحضرة طعام)) الطعام يطلق على النضيج، ويطلق أيضاً على النيئ، يعني هل لصاحب محل يبيع مواد غذائية والمحل مملوء بالأطعمة أن يستدل بهذا الحديث؟ له أن يستدل؟ عنده طعام حاضر طعام عنده؟ لا ليس له أن يستدل، وإنما المقصود بالطعام النضيج الذي يقدم للآكل المحتاج إليه، المتشوف له، الذي يعيق عن تحقيق لب الصلاة، وإلا سمعنا ما هو أغرب من هذا استدلال ببعض النصوص في غير مواضعها، يستدلون بالنصوص ويكتبون ويتكلمون في وسائلهم عن أمور لا يفهمها عاقل من النص فضلاً عن عالم، فضلاً عن سالف، ولا يمنع أن يوجد بعد من يقول بأن أصحاب المواد الغذائية لا يصلون إلا إذا فرغوا من أعمالهم؛ لأنهم بحضرة طعام، يعني لها نظائر في الجرائد تكتب من سخافات من يريد إضلال الناس، وتضييع الناس، والقنوات مليئة بمثل هذا. على كل حال المقصود بالطعام النضيج المقدم يعني إذا قدم كما في الحديث السابق، والنصوص الأخرى إذا قدم، والنفس تشتاق إليه، والرجل صائم، أو جائع إثر عمل وتعب، فإنه حينئذٍ لا صلاة بحضرة طعام، لكن إذا صلى ونفسه تشتاق إليه وعاقه عن الخشوع صلاته عند الجمهور صحيحة، وعند الظاهرية صلاته باطلة. ((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) البول والغائط، يعني لا يكون حاقن وإلا حاقب، محصور بالبول أو الغائط، مثل هذا لا يعقل من صلاته شيئاً، بعض الناس يحمل على نفسه تحصيلاً للجماعة، مع أن خروجه من المسجد ونقض الوضوء والوضوء ولو ترتب على ذلك أن الجماعة تنتهي أفضل بكثير من أن يصلي على هذه الحالة، بحيث لا يعقل من صلاته شيئاً، أو يعقل شيئاً يسيراً، أما الذي لا يصل به الحد إلى أن يعوقه دون تحقيق الخشوع فإن هذا يصلي، المدافعة هنا لا شك أن لها معنى، الدفع من وجه واحد لا يدخل في هذا، يعني فيه ما يدعو إلى الذهاب إلى مكان نقض الوضوء إلى الدورة، نقض الوضوء فيه، لكن يستطيع دفعه، لكن المسألة في المدافعة إذا وجدت من الطرفين الأخبث يدفع وهو يدفع هكذا وهكذا، بحيث تكون سجال بينهما، فيذهب الخشوع الذي هو لب الصلاة، أما إذا أمكن الدفع فلا إشكال يصلي. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 15 ((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) الأخبثان البول والغائط. يلحق بالطعام والأخبثين كل ما يشوش ويرجى زواله في الوقت؛ لأن هناك أمور مشوشة، لكن لا يرجى زوالها دائمة هذه يصلي على حسب حاله، لكن ما يرجى زواله يلحق بالطعام والأخبثين، يعني برد شديد لا يعقل من صلاته شيء، وبإمكانه أن يحضر ما يستدفئ به، أو حراً شديد في شمس حارقة لا يعقل من صلاته شيئاً إذا صلى فيها، وينتظر إلى أن يصلي في مكان يعقل صلاته، ويخشع فيها، يعني لو افترضنا أنه في الصيف امتلأ المسجد، وامتدت الصفوف إلى الشمس، فإذا صلى بالشمس ما عقل من صلاته شيئاً، نقول: ينتظر حتى يفرغ المسجد، ويصلي في مكان مناسب. مسائل يعني لو نستطرد فيها ما انتهت، يعني لو قدر أن الإنسان صلى في الصف الأول وعن يمين الإمام لكن في مكان لا يرتاح فيه، هو يؤذيه التكييف مثلاً، وصار بطرف الصف، وجاء مثلاً مغتسلاً، أو لم يحتط لنفسه، فإذا صف في يمين الصف، الصف الأول تأذى بهذا المكيف وأثر على صلاته، ملاحظةً للمكان الفاضل، ولو ذهب إلى شمال الصف ذهب هذا المؤذي وهذا المؤثر نقول: المحافظة على الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من المحافظة على ما يرتب على مكانها، هذا مقرر عند أهل العلم، المحافظة على الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من المحافظة على الفضل المرتب على مكانها، فإذا أمكن الطائف أن يطوف بجوار البيت لكنه زحام شديد ما يعقل من طوافه شيء، وإذا أبعد عن البيت تمكن أن يطوف بخشوع ويعقل طوافه ويحصيه، ولا شك أن القرب من البيت أفضل يقرر أهل العلم أن البعد هنا أفضل محافظة على الأجر المرتب على العبادة نفسها، وهذا أمر مقرر عند أهل العلم، فإذا كان المكان في يمين الصف والصف الأول مكان غير مريح سواءً كان بالنسبة لتأثير الجو، أو تأثير المؤثرات المحدثة، أو الصوت مزعج مثلاً، يعني المكبر صوته في أذنه قريب منه جداً، وفي مكان آخر يمكن أن يرتاح في صلاته ويهدأ ويؤدي الصلاة على الوجه المطلوب، نقول: ينتقل عن هذا المكان، وفروع هذه المسألة كثيرة جداً. يقول -رحمه الله تعالى-: "وروي عن جابر" روى روي خطأ؛ لأنه في مسلم عطفاً على الحديث السابق "وروى عن جابر بن سمرة" عندكم روي؟ الجزء: 24 ¦ الصفحة: 16 طالب:. . . . . . . . . روي؟ طالب: روى. إيه لأن عندنا روي خطأ بنقطتين. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 17 "وروى عن جابر" يعني مسلماً "عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء وهم في الصلاة، فقال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) " رفع البصر إلى السماء خارج الصلاة ما فيه إشكال، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب رفع البصر إلى السماء، والمقصود بذلك خارج الصلاة، وقول الله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(17) سورة الغاشية] وسكت، ولكن لو جاء بالآية التي بعدها نعم أصرح في الدلالة على المقصود، فإما أن يقال: إن الإمام البخاري -رحمه الله- على عادته في الاستدلال بالبعيد وترك الظاهر القريب، وإلا في قوله -جل وعلا-: {وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(18) سورة الغاشية] دلالة صريحة على المطلوب، والنظر إلى الإبل إما أن يقال: إن البخاري أراد أن تكمل الآية التي بعدها، أو يقال: إن البخاري استدل بالنظر إلى الإبل والحث عليه النظر إلى السماء؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الإبل وهي قائمة ضرورة ينظر إلى السماء، إن الإنسان إذا نظر إلى ما فوقه ينظر إلى السماء، وإن كان نظره الأصلي إلى الإبل إلا أنه ضرورة أن ينظر، من ضرورة نظره إلى الإبل أن ينظر إلى السماء، وهذه يستعملها البخاري كثيراً، يعني يترجم بترجمة فيها نص صحيح صريح قد أورده في موضع آخر ويتركه، ويأتي بأمر بعيد ليشحذ همة طالب العلم إلى جمع طرق الخبر الذي يدل على هذا، أو إلى استيعاب ما في خارج صحيحه مما ليس على شرطه، وتصرفات البخاري في هذا كثيرة، يأتي بالأمر الغريب الأمر البعيد مع أنه بإمكانه أن يأتي بشيء دلالته صريحة وواضحة على المراد، وكل هذا من أجل أن يعتني طالب العلم لأنه إذا بحث عن المطابقة بين الحديث وترجمته وجد فيها بُعد، ثم إذا بحث في الكتب الأخرى وجد ما هو أقرب من ذلك، والبخاري قد يشير إلى رواية من رواية الحديث فيها صراحة، وقد تكون على شرطه، وقد تكون أوردها في موضع آخر، وقد تكون في غير كتابه عند غيره، على شرط غيره، لكنه يريدك أن تبحث في الحديث بجميع طرقه عنده أو عند غيره؛ لتصل إلى مراده. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 18 ((لينتهين أقوام)) اللام واقعة في جواب قسم مقدر والله لينتهين، ينتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ((لينتهين أقوام)) وأقوام فاعل ((يرفعون)) أقوام يرفعون جملة يرفعون حال وإلا وصف؟ نعم وصف، نعت؛ لماذا؟ لأن الأقوام نكرة، والجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال. ((لينتهين أقوام)) أقوام جمع قوم، والقوم يدخل فيه الرجال والنساء، ما لم ينص على النساء، ويعطفن على القوم {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ} {وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء} [(11) سورة الحجرات] النساء ما تدخل في القوم في الآية، لكنها هنا تدخل؛ لأن القوم يشمل الرجال والنساء إلا إذا عطف النساء، عرف أن العطف للمغايرة، أو يقال في الآية: إن النساء داخلات في القوم، والقوم عام في الرجال والنساء، وعطف عليه النساء من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وذلكم لأن السخرية في مجتمع النساء أكثر؛ لأن السخرية في مجتمع النساء أكثر، ولذلك عطفن على القوم مع أنهن داخلات فيهن. ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)) أما خارج الصلاة ما في إشكال للاعتبار، للاتعاظ، هذا مطلوب، للتفكر مطلوب {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [(190) سورة آل عمران] فالتفكر مطلوب، ومن ذلك النظر في السماء. "رافعي أبصارهم" قوماً رافعي أبصارهم، رافعي وصف لأبصر، أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقوام رافعي أبصارهم، رافعي وصف لقوماً، وهو مضاف، ولذلك حذفت النون، الأصل رافعين أبصارهم، فلما أضيف إلى الأبصار حذفت النون. نوناً تلي الإعراب أو تنويناً ... مما تضيف احذف كطور سينا فالنون هنا محذوفة للإضافة، رافعي أبصارهم ... إلى آخره. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 19 قال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) أو لا ترجع إليهم بمعنى أنها تختطف أبصارهم، وهذا وعيد مرتب على رفع البصر إلى السماء، والمؤلف أدخل الحديث في المكروهات، والفقهاء يقولون: يكره رفع البصر إلى السماء، وهذا وعيد، ولا شك أن الوعيد إنما يكون بارتكاب محظور، فالذي يظهر أن رفع البصر إلى السماء محرم لثبوت هذا الوعيد. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم ولم يقل: ((في الصلاة)) ". ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان)) المؤلف آثر رواية الترمذي لأنها هي التي فيها الدلالة على ما ترجم به، المكروهات في الصلاة، وأما رواية مسلم ليس فيها في الصلاة، فالتثاؤب في الصلاة وفي خارج الصلاة من الشيطان، هل نقول: إن ذاك مطلق وهذا مقيد في الصلاة، والمطلق يحمل على المقيد، ويكون التثاؤب خارج الصلاة ليس من الشيطان، لكن هل الكظم مطلوب في الصلاة وخارج الصلاة أو خاص بالصلاة؟ نعم مطلوب في الصلاة وخارج الصلاة، فالتثاؤب من الشيطان، والتنصيص على الصلاة للاهتمام بها، والعناية بشأنها، ولشدة حرص الشيطان على هذا العمل الذي يفوت الخشوع في الصلاة من قبل المصلي، الشيطان يحرص على هذا، يحرص على هذا في الصلاة أكثر من غيره، وإلا فالتثاؤب كله من الشيطان، ولكن التنصيص على الصلاة لا يعني أن التثاؤب خارج الصلاة ليس من الشيطان. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 20 التثاؤب وهو فتح الفم في مقدمات النوم في حال التعب من الشيطان، ويحرص الشيطان على كثرته بالنسبة للمصلي، والنفوس تتجاوب في هذا، يعني إذا وجد في مجلس إنسان يتثاءب يتثاءب غيره وإلا ما يتثاءب غيره؟ يتثاءب غيره، ولذا يقال: من فطنة القرود المدربة أن يؤتى بها إلى محل تجاري لا تستطيع أن تسرق وصاحبها ينظر إليها، صاحب المحل صاحي نائم كل الليل، يراقب متجره، فيؤتى بقرد مدرب يجعل يتثاءب أمام هذا الشخص، ثم بعد ذلك يتثاءب فيسرق ما يشاء ويهرب، على كل حال هذه طريقة الشيطان لسرقة الصلاة، وسرقة العبادات عموماً تجد الإنسان إذا فتح المصحف نام، بعض الناس إذا فتح المصحف نام، وبعضهم إذا أخذ يذكر الله في مكان نام، إذا استمع للخطبة نام، إذا استمع لدرس نام، لا شك هذه سرقات من الشيطان، فعلى الإنسان أن يراغم الشيطان، أولاً: يبذل الأسباب التي تعينه على النشاط، وتطرد أسباب النوم والغفلة، ثم بعد ذلك يكون على يقظة من عدوه، وتجد بعض الناس المغرب يتثاءب؛ لأنه في درس، ثم إذا صلى العشاء وجاء القيل والقال إلى هزيع من الليل انتهى النوم، لو يذهب إلى الفراش ما نام، فلا شك أن هذا اختلاس من عبادات المسلم، سواء كانت في الصلاة، في التلاوة، في الذكر، في استماع العلم، في استماع الخطبة، كل هذا على المسلم أن يطرده عن نفسه، لكن إذا كان سببه التعب والنوم وهو بحاجة إلى النوم حينئذٍ يؤمر بأن ينام؛ لئلا يذهب يدعو لنفسه فيدعو عليها، لكن بعض الناس يقول: هذا عادتي ديدني إذا صفيت جاء النوم، إذا فتحت المصحف جاء النوم أروح أنام؟ نقول: لا يا أخي ما دام هذا ديدنك وعادتك جاهد؛ لأن النوم علاج لمن يحتاج النوم، أنت بحاجة إلى النوم باستمرار، هذا ليس بطبيعي لا بد أن تعالج، وغالب ما يكون العلاج بالحجامة، وقد يعطى منشطات، وقد يسعى ويبذل في مسألة الأكل والشرب، والفضول ما يعينه على النشاط. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 21 قال: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم)) يعني يكظم يغلق فمه بقدر استطاعته، ولو أن يضع يده على فمه، وهذا فيما إذا كان بغير صوت، وبعض الناس يصدر منه صوت هاه، ثم بعد ذلك يضحك الشيطان، وجاء النهي عن هذا، فعلى الإنسان أن يكظم ما استطاع، وهذا أمر معلق بالاستطاعة، فمعنى الكظم حبسه وتقليله بقدر الاستطاعة. "رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم ولم يقل: ((في الصلاة)) " وإنما ذكرت الصلاة في رواية الترمذي للاهتمام بها، والعناية بشأنها، وكذلك سائر العبادات وهذا أمر مجرب، الإنسان إذا فتح المصحف جاءه النوم، إذا جلس في مجلس يذكر الله جاءه النوم إلا إذا كان هذا عادة له، ويرتاح بهذا الأمر، إذا كان يرتاح بهذا الأمر فإنه لا يتطرق النوم إليه سبيلاً، كما هو شأنه وعادته في أموره الأخرى، يعني بعض الناس تجده متعب ومرهق وسهران الليل في ليل الصيف، لكنه مدعو عند صاحب له أو عزيز عليه بعد صلاة الصبح، ما نام إلا ساعة، والجو حار، ومع ذلك لا يتطرق النوم إليه، ومن اعتاد الجلوس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس ولو لم ينم الليل كله، ذهب إلى صلاة الصبح ما نام، يجلس في مكانه يقرأ ورده وحزبه من القرآن إلى وقت عادته لا يتطرق إليه النوم؛ لأنه اعتاد هذا، ولو صلى الصبح وذهب إلى فراشه ما جاءه النوم إلا على العادة، فعلى الإنسان أن يقتطع من وقته شيئاً لربه لعبادته، ولا يجعل الأمور حسب التيسير إن تقدم إلى المسجد قرأ، وإن لم يتقدم لم يقرأ، فتمضي عليه الأيام والشهور ما فتح المصحف، وأوراده على حسب مزاجه وفراغه، لا، هذه أمور شرعية على الإنسان أن يأخذها من سنام وقته لا من فضوله، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 22 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (25) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير هذا يقول: هل يسلم من النفاق من يذكر الله كثيراً، وله نصيب وافر من أعمال السر؟ من صفة المنافقين أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، فالذي يذكر الله كثيراً هذا في الغالب بريء من النفاق إن لم يكن ذكره مراءاة للناس، على كل حال إذا كان له نصيب وافر من عمل السر مما يقربه إلى الله -جل وعلا-، فهذا الذي يغلب على الظن أنه -إن شاء الله- بريء من النفاق. أفضل الذكر؟ في الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) ثم بعد ذلك الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما جاء الحث عليه من تكرار لبعض الأذكار، وترتيب الأجر العظيم والثواب الوفير عليها. يقول: ما القول الصحيح في أخذ ما زاد على القبضة من اللحية؟ وهل العمل عليه أم الأولى إطلاقها؟ الأولى إطلاقها امتثالاً لما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله وفعله ووصفه. يقول: هل يعد التفسير المظهري من تفاسير الصوفية؟ وهل عقيدة مؤلفه سليمة من الانحراف؟ الكتاب عندي منذ أكثر من ربع قرن، ومع ذلك ما راجعت فيه ولا آية، فلا أستطيع الحكم عليه. يقول: ما أفضل طبعة لمسند الإمام أحمد؟ أفضل طبعة كاملة هي بتحقيق الشيخ الأرنؤوط ومن معه، اللي هي طبعة الشيخ ابن تركي، الخمسين مجلد، هذه أفضل طبعة على الوجود إلى الآن، ولا تسلم يعني من انتقاد؛ لكنها أفضل الموجود. يقول: لفظ "العظيم" هل ورد مقروناً مع الاستغفار في السنة: "استغفر الله العظيم"؟ يعني بعد السلام بين الراوي المراد من الاستغفار قال: تقول: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، فقط. يقول: لأن هناك من يقول: بأن زيادة العظيم لا تثبت، ويبدع القول بها؟ نعم إذا أضافها على ذكر وارد في محل خاص في وقت خاص لا شك أن الزيادة على الوارد على المشروع ابتداع، أما في الأذكار المطلقة لا مانع -إن شاء الله تعالى-. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 1 يقول: أين أجد ترجمة وافية للكرماني شارح البخاري؟ مترجم في الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر، وفي شذرات الذهب، وفي غيرها من الكتب التي ترجمت للقرن الثامن. يقول: ما رأيكم في العوامل المائة بشرح الشيخ خالد الأزهري؟ العوامل المائة للجرجاني هذه من أنفع ما يفيد طالب العلم في العربية، بعد قراءة الآجرومية، بعد قراءة الآجرومية وشروحها والعناية بها، يقرأ العوامل هذه، ويفيد منها، وشرح الشيخ خالد الأزهري طيب. يسأل عن شرح التصريف الملوكي لابن يعيش، وهل يكفي في هذا الفن؟ ما أدري والله، لكن الشافية مع شرحها للرضي من أنفع ما يقرأ في التصريف. وهل هناك ما هو أجود منها؟ هذا الذي ذكرتُ هو أجود كتب الصرف. هل تقدم دراسة الصرف على النحو أم العكس؟ هما قرينان، يعني النحو أسهل فيبدأ بمبادئه قبل، ثم يثنى بالصرف، قبل أن يقرأ في كتب الطبقة الثانية من كتب النحو. يقول: هناك رجل أعطى زكاة ماله لشخص كي يوزعها على الفقراء، فقام الوكيل واشترى بها مواد غذائية بدون علم صاحب الزكاة، فما الحكم في هذا الأمر؟ هو إن كان نائباً عن المزكي فلا يجوز له أن يتصرف في المال، إذا كان نائباً عن الغني المزكي، ولا يجوز له أن يؤخرها عن يومها أو الذي يليه أو ثلاثة أيام على الأكثر، أما إذا كان نائباً عن الفقراء، الفقراء وكلوه لقبض الزكوات لهم فهو يفعل الأصلح لهم. هل للمرأة أذان وإقامة؟ لا، ليس عليها أذان ولا إقامة. وهل تنكر على من رأتها تفعل هذا؟ وكيف يكون هذا؛ لأن امرأة رأت إحدى النساء فقالت لها: ليس للمرأة أذان ولا إقامة، قالت: أريد دليلاً على هذا؟ الفقهاء يقولون: ليس عليها أذان ولا إقامة، فرق بين أن يكون لها، وبين أن يكون عليها، يعني لا يلزمها ولا يجب عليها أذان ولا إقامة، لكن لو فعلت ما ينكر عليها، بحيث تسمع نفسها، وإن تركت فهو الأولى. يوجد بخارج هذا المسجد جهاز آلي ينادي بالذكر الوارد لدخول المسجد هل في وضعه في بوابات المساجد محذور؟ وهل يجزئ عن الإنسان عند النسيان؟ لا يجزئ عن الإنسان، هو مجرد مذكر للإنسان، ووجوده من أجل التذكير لا بأس به -إن شاء الله تعالى-، لكن كونه يجزئ عن الإنسان عند النسيان لا. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 2 يقول: هل ثبت أن وقت نزول المطر وقت استجابة للدعاء؟ نعم جاء في الخبر ما يدل عليه. ويقول: حاج طاف في المسعى الجديد هل يجزئه؟ أهل العلم مختلفون في هذا، وإلى الآن ما بعد تحرر لي شيء من أقوالهم. هل يتعوذ من الشيطان إذا تثاءب استدلالاً بقول الله -جل وعلا-: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(200) سورة الأعراف]؟ نعم إذا تكرر ذلك فأراد أن يطرد الشيطان بالاستعاذة له ذلك. يقول: إنسان أتاه بلغم في الصلاة هل يأخذ منديل ثم يوجه رأسه إلى اليسار ويتفل، أم يكفي تلقاء وجهه؟ لا، كأنه يتفل بين رجليه، كأنه يتفل بين قدميه، يطأطئ رأسه ويتفل في المنديل. يقول: التزمت منذ فترة فهل علي قضاء ما فاتني من الصلوات، أو أن التوبة تجب ما قبلها، كذلك الصيام؟ إذا كنت تترك الصلاة بالكلية فلا قضاء عليك، لا صلاة ولا صيام ولا شيء، وإن كنت تصلي وتترك وتحصي ما تترك فعليك القضاء إذا كان لا يشق عليك، إذا لم يكن كثيراً كثرة تشق عليك فأنت تقضي ما فاتك، وكذلك الصيام. هل إذا نقصت السترة عن ثلثي ذراع في طولها مثل كرسي المصحف تجزئ؟ نعم تجزئ؛ لأن ما جاء في قدرها متفاوت، مما يدل على أنه ليس بمقصود. يقول: هل للمرأة أن تجهر بالصلاة الجهرية إذا لم يكن أحد يسمعها؟ إذا لم يكن هناك أحد يسمعها أو تصلي في بيتها، في قعر بيتها، ورأت أن الصلاة بين الجهر والإسرار أنفع لقلبها، وأطرد للغفلة والسهو، وأعون على التذكر والتفكر فهو أفضل في حقها، وما جاء: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [(110) سورة الإسراء] يشمل النساء إذا لم يكن بحضرة الرجال. يقول: من العلماء ذكر أن رص القدمين أثناء السجود ليس من السنة، وذلك لورود هذه الصفة في صحيح ابن خزيمة فقط دون غيره. الوارد في هذا قول عائشة: "ووقعت يدي على قدميه" دل على أنهما ملصقتان، والذي يقول: بأنه لا يشرع يقول: إن الأصل التجافي، والرص ينافي هذا التجافي، لكن الذي يظهر أن السنة أن يلصق قدميه إحداهما بالأخرى أثناء السجود. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 3 اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال المؤلف -رحمه الله-: باب: سجود السهو عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي -قال محمد: وأكثر ظني أنها العصر- ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ... أقصرت الصلاة أو أقُصرت ضبط بضبطين، نعم. أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا اليدين، فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) قال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" متفق عليه وهذا لفظ البخاري. وفي لفظ له في آخره: فربما سألوه: ثم سلم، فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، وفي بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك، ورواه أبو داود، وفيه: فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القوم فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فأومأوا: أي نعم، قال أبو داود: ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد، وفي رواية لأبي داود: كبر ثم كبر وسجد، وانفرد بها حماد بن زيد أيضاً، وفي لفظ له قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك. وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام رجل يقال له: الخرباق وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس، فقال: ((أصدق هذا؟ )) قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم". حتى انتهى، حتى انتهى عندك. طالب: سم يا شيخ. وخرج غضبان يجر رداءه. حتى انتهى. حتى انتهى إيش؟ إلى الناس. إلى؟ إي نعم. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 4 وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود، والترمذي وحسنه والحاكم وقال: على شرطهما، وقال البيهقي: تفرد بهذا الحديث أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم. وعن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى سجدتي السهو المرغّمتين". المرغمتين. سمى سجدتي السهو المرغمتين، رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، وفي إسناده ضعف. وعن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال إبراهيم: زاد أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ أحَدَث. أحَدَث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، قال: فثنى رجليه واستقبل القبلة، فسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) متفق عليه. وفي لفظ للبخاري: ((فليتم عليه ثم يسلم، ثم ليسجد سجدتين)) وفي لفظ لمسلم: ((فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين)) وله عن عبد الله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام. وعن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم الصلاة سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس، قبل أن يسلم وسجد الناس، مكان ما نسي من الجلوس" متفق عليه. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 5 وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم. متفق عليه. ولم يقل مسلم: "بعد ما سلم". وعن عبد الله بن جعفر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم، وقال البيهقي: إسناد هذا الحديث لا بأس به. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: سجود السهو باب سجود السهو، وبعض من ألف في أحاديث الأحكام يضيف والتلاوة والشكر، باب سجود السهو وسجود التلاوة وسجود الشكر، والمؤلف -رحمه الله تعالى- اقتصر على سجود السهو لأنه هو المتعلق بالصلاة، أما سجود التلاوة فمتعلق بالقراءة، وسجود الشكر متعلق بتجدد النعم. يقول -رحمه الله تعالى-: باب: سجود السهو السهو والغفلة والنسيان معانيها متقاربة، والسهو المراد به هنا الذي يسبب الزيادة أو النقصان من الصلاة أو الشك فيها، الزيادة والنقصان والشك. قال -رحمه الله-: "عن محمد بن سيرين" باب سجود السهو من إضافة المسبب إلى سببه، فالسبب هو السهو والمسبب هو السجود. قال: "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" العشي: هو النصف الثاني من النهار، ويراد بإحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر، وجاء بهذا اللفظ إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر. قال هنا: "قال محمد -وهو ابن سيرين الراوي عن أبي هريرة-: "وأكثر ظني العصر" وجاء في بعض الروايات عند مسلم العصر من دون شك، قال: "وأكثر ظني أنها العصر" والحكم لا يختلف سواءً كانت الظهر أو العصر. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 6 "صلى" هذه الصلاة إما الظهر وإما العصر أو العصر بدون شك، وهي إحدى صلاتي العشي، صلاها ركعتين، صلى ركعتين ثم سلم، وحينئذٍ بقي عليه ركعتان، يعني الإنسان ينسى ركعة أو يزيد ركعة، لكن ينسى ركعتين هذا سهو شديد، لكنه في هذه الحالة هو الكمال في حقه -عليه الصلاة والسلام- لأنه تشريع، ولو لم ينسَ النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يسهُ لوقع الناس في حرج عظيم؛ لأن النسيان والسهو والغفلة لا يعرى منها أحد من البشر، فلو لم يحصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لوقع الناس في حرج شديد، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- لو لم تفته صلاة الصبح يعني خرج وقتها وهو نائم، فماذا عن حال أهل التحري؟! لو لم يحصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- والحيطة والحرص إذا فاتته صلاة الصبح لا سيما إذا خرج وقتها، يصابون بغم شديد، لكن إذا ذكروا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق وأعلم الخلق وأخشى الناس لله -جل وعلا- هان عليهم الأمر، وإن كان ليس بالهين، ويفرق حينئذٍ بين أن يحتاط الإنسان لصلاته، ثم تفوته بعد تمام الاحتياط ببذل الأسباب وانتفاء الموانع، وبين أن يفرط، إذا فرط التبعة لاحقة له ولو كان نائماً، يعني رفع القلم عن ثلاثة منهم النائم حتى يستيقظ، ليس معنى هذا أنه يبذل الأسباب للفوات، لفوات الصلاة والنوم عنها، بأن يسهر مثلاً، ولا يترك أحداً يوقظه، لا يكل أمر الإيقاظ إلى أحد، هذا لا شك أنه ملوم ومفرط، لكن إذا بذل الأسباب نام مبكراً ووكل أمر الإيقاظ إلى أحد، أو جعل منبهاً ينبهه للصلاة فلم يستيقظ في هذه الحالة لا يلام ((رفع القلم عن ثلاثة)). "صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد" الرسول -عليه الصلاة والسلام- وقر في نفسه شيء، لكن ما هذا الشيء؟ سها عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يدركه، فقام إلى خشبة في مقدم المسجد، وفي بعض الروايات: "وشبك بين أصابعه". الجزء: 25 ¦ الصفحة: 7 "فوضع يده عليها" على الخشبة "وفيهم" يعني في القوم المأمومين "أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" لما رأيا عليه من علامات الاستنكار للوضع، مما وقر في قلبه أن الصلاة فيها خلل، لكن ما هذا الخلل؟ استثبت الناس، وأبو بكر وعمر أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهما وزيراه ومستشاراه في الأمور العامة، لا سيما ما يتعلق بالدين، هابا أن يكلماه، والهيبة هذه جعلت له -عليه الصلاة والسلام- ونصر بالرعب مسيرة شهر، بعض الروايات مسيرة شهرين، الهيبة له -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان ليس بصاحب بطش، بل هو أحسن الناس خلقاً -عليه الصلاة والسلام-، لكنها هيبة التمسك بالدين علماً وعملاً، وهكذا حال من يرث الميراث النبوي بقدر إرثه من العلم والعمل تكون الهيبة له في قلوب الناس، وتجد بعض أهل العلم عرف بدماثة الخلق، ومع ذلك يهابه الناس هيبة عظيمة، وذلك إنما يكون بقدر الإرث النبوي من العلم والعمل، وهذا مشاهد ومجرب، كم من سؤال بيتناه لنسأل عنه بعض أهل العلم، ثم إذا ذهبنا نسيناه، نحن نكرره ونردده، وقد يكون معنا أكثر من سؤال ننسى بعض ونذكر بعض، كل هذا من هيبة أهل العلم الذين يقتفون الأثر النبوي. قال: "فهابا أن يكلماه" وكم رأينا من المسئولين الكبار من يعرق جبينهم في الليالي الشاتية إذا قابلوا المحققين من أهل العلم. "وفيهم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس" أو سُرعان الناس أهل العجلة الذين ينتظرون السلام ليخرجوا بسرعة، هؤلاء سرعان الناس، ولكل قوم وارث، تجد الآن انظر إلى الأبواب بعد السلام مباشرة تجدها مكتظة بالسرعان. "فقالوا: أقصرت الصلاة؟ " يناجي بعضهم بعضاً، أقصرت الصلاة؟ عندهم خبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى إلا ركعتين، لكن الزمن زمن تشريع، احتمال أن تكون الصلاة ردت إلى أصلها "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في الحضر، وأقرت في السفر" فاحتمال أن تكون ردت إلى أصلها ركعتين. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 8 "فقالوا: أقصرت الصلاة؟ " يعني ما جاء في ذهن واحد منهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء السرعان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي، وإلا لو تطرق إلى أذهانهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي ما خرجوا؛ لأنه يذكر فيذكر أو يذكر بنفسه ثم يتم صلاته، هؤلاء جزموا بأن الصلاة قصرت، ردت إلى أصلها ركعتين. "ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا اليدين" يصفه ويلقبه بذي اليدين، في يديه طول، وهو غير ذي الشمالين، وقال الزهري: هما واحد ذو اليدين هو ذو الشمالين، ووهمه أهل العلم. المقصود أن الذي عندنا ذو اليدين، واسمه الخرباق، الخرباق بن عمرو أو عمر "فقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أنسيت أم قصرت؟ " أو قصُرت "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لم أنس ولم تقصر)) " يريد أن يتأكد أنسيت أم قصرت؟ فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) يعني هذا على غلبة ظنه، أما كونها تقصر فهذا حكم شرعي مجزوم به أنها لم تقصر، وأما نفي النسيان فبناء على غلبة الظن، فللإنسان أن ينفي على غلبة ظنه، بل له أن يحلف على مقتضى غلبة ظنه، كما قال المجامع في رمضان: "والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا" هل عنده إحصاء دقيق ونظر أكيد في جميع بيوت المدينة، وما بين لابتيها أنه لا يوجد بيت أفقر منهم، إنما هذا على غلبة ظنه، وحلف ولم ينكر عليه ولم يلزم بكفارة. فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نفى على غلبة ظنه ((لم أنس ولم تقصر)). "قال: بلى" ذو اليدين "قال: بلى، قد نسيت" لأن الأول قصرت الصلاة حكم شرعي لا يمكن أن يكون إلا من قبله -عليه الصلاة والسلام- وقد نفاه، إذاً ما في قصر، وما دام ما فيه قصر والاستقراء يدل على أن ما حدث في الصلاة سببه أحد أمرين النسيان أو القصر انتفى واحد فتعين الثاني، انتفى القصر الذي نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حكم شرعي تعين الثاني، لماذا لما قال: ((لم أنس ولم تقصر)) وهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، ونفى حصول القصر وحصول النسيان لماذا أثبت النسيان وأضرب عن القصر؟ لماذا؟ الجزء: 25 ¦ الصفحة: 9 لأن القصر تبليغ عن الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم عن الخطأ فيه، ما يمكن أن يقول: لم تقصر وقد قصرت، لكن النسيان؟ الواقع يدل على أن النبي كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)) فترك المجزوم به المقطوع به المنفي شرعاً على لسان المعصوم وهو القصر وهو أنه لم يحصل، وأبقى الممكن وهو النسيان؛ لأنه لما قال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) قال: بلى قد نسيت، أولاً: الاستقراء حصر الأمر في شيئين القصر والنسيان، انتفى القصر لنفي النبي -عليه الصلاة والسلام- له، وهو شرع ينتفي بنفيه؛ لأنه معصوم في التبليغ، وبقي النسيان المحتمل، فقال: بلى قد نسيت، واستثبت من الصحابة -رضوان الله عليهم- " ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) " قالوا: نعم "فأومأوا أي: نعم" وفي رواية: فقالوا: نعم. "أومأوا" يعني إشارة، وعلى هذا لم يتكلموا وإنما أشاروا إشارة مفهمة، وفي الرواية الأخرى: فقالوا: نعم، ويمكن حملها على الإشارة؛ لأن القول كما يكون باللسان باللفظ يكون بالفعل أيضاً، فقال بيديه هكذا. الإمام إذا غلب على ظنه شيء هل يرجح بقول واحد أو لا بد من مرجح؟ الإمام قال: لم أنس ولم تقصر جازم، فهل رجع إلى قول واحد، أو لا بد من مرجح؟ في حال الشك يرجع إلى قول واحد؛ لأن الشك مستوي الطرفين عنده، فيرجع إلى المرجح الواحد، لكن في حال غلبة الظن أو الجزم واليقين لا يكفي واحد، ولذلك قال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فأومأوا أي: نعم، ما الذي حصل بعد ذلك؟ فصلى ركعتين، استقبل القبلة فنهض إلى الثالثة "صلى ركعتين ثم سلم" يعني بعد التشهد، يعني أكمل صلاته بالركعتين الأخريين والتشهد ثم السلام، ثم كبر "فسجد مثل سجوده" الذي يسجده في الصلاة داخل الصلاة، مثل سجوده، وهذه المثلية تقتضي المطابقة بالقول والفعل، بمعنى أن الوقت والطول واحد مثل سجود الصلاة، والقول أيضاً يشمل سجود السهو ما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اجعلوها في سجودكم)) سبحان ربي الأعلى، فإذا سجد للسهو يقول: سبحان ربي الأعلى. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 10 "فسجد مثل سجوده أو أطول" لئلا يقول قائل: إن السجود في الصلاة ركن وهذا جبران، لا يساوي الركن فيكفي مجرد مسمى السجود نومئ أو ننقر السجود نقر؟ لا، نقول: مثل سجوده أو أطول. "ثم رفع رأسه -عليه الصلاة والسلام- فكبر ثم وضع رأسه فكبر" يكبر للانتقال لهذا السجود، كما أنه يكبر التكبيرة الأولى التي هي بمثابة تكبيرة الإحرام لهذا السجود، ثم يكبر حين ينهض، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين ينهض، ثم يسلم "ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" يعني ثم سلم كما في الروايات الأخرى. "متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ له" يعني البخاري في صحيحه في آخره "فربما سألوه ثم سلم" يعني فربما سألوه؛ لأن هذه الرواية الأولى ما فيها ثم سلم، فربما سألوه يعني عن السلام فأجابهم بقوله: ثم سلم، والمسئول هنا الراوي أبو هريرة، فيقول: نبئت أن عمران بن حصين إما أبو هريرة أو محمد بن سيرين الراوي عنه "فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم" سيأتي في حديث عمران بن حصين مما حكم بشذوذه أنه قال: ثم تشهد، ثم سلم، يعني بعد أن سجد للسهو تشهد ثم سلم، كما سيأتي في الحديث الثالث. وفي بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك، يعني إحدى صلاتي العشي شك، إما الظهر وإما العصر شك، لكنه قال: في بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك. قال: "ورواه أبو داود، وفيه: فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القوم فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فأومأوا: أي نعم" إيماء دون كلام، وحصل الكلام من ذي اليدين ومن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حصل الكلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن ذي اليدين في أثناء الصلاة، في منتصف الصلاة، ولهذا يقول أهل العلم: إن الكلام إذا كان لمصلحة الصلاة عند من يظن الفراغ منها يعني إذا كان يظن أن الصلاة قد انتهت وفرغ منها، والكلام لمصلحتها فإنه لا يؤثر. "قال أبو داود: ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد" غيره يقول: فقالوا: نعم، وهذا كلام، كما أنه يمكن حمل الرواية الأخرى على الأولى، وأن القول كما يكون بالقول يكون بالفعل كما في قوله: فقال بيديه هكذا، يعني ضرب بهما الأرض. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 11 "وفي رواية لأبي داود: "كبر ثم كبر وسجد" كبر ثم كبر وسجد، لكن هذه الرواية شاذة كما قرر ذلك أهل العلم، إيش معنى كبر؟ كبر تكبيرة الإحرام، ثم كبر تكبيرة السجود ثم سجد، كبر ثم كبر وسجد، يراد من هذه الرواية أن التكبيرة الأولى تكبيرة إحرام، والثانية تكبيرة السجود، ولكن هذه الرواية شاذة كما قرر ذلك أهل العلم. "وانفرد بها حماد بن زيد أيضاً، وفي لفظ له -يعني لأبي داود- قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك" إما بوحي أو بخبر من يقطع بخبره، يعني اجتماع الصحابة على ذلك، ومع ذلك فهذه الزيادة ضعيفة جداً؛ لأن في إسنادها محمد بن كثير الصنعاني وهو ضعيف. قال في الحديث الثاني: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات" في حديث أبي هريرة: صلى ركعتين وهي مترددٌ فيها هل هي العصر أو العصر والظهر أو الظهر متردد فيها، وجاء رواية تدل على العصر دون شك. في حديث عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر -وهي في صحيح مسلم- فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام رجل يقال له: الخرباق، الخرباق هذا اسمه، ولقبه ذو اليدين، وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، يعني قال: إنك سلمت عن نقص، هل يمكن أن يقال له في هذه الصورة قصرت الصلاة أم نسيت؟ يمكن؟ لأن القصر لا يكون إلى ثلاث ركعات، القصر يكون إلى ركعتين كما في الرواية الأولى أو الحديث الأول، لكن لا يكون قصر إلى ثلاث ركعات، ولذلك قال: ذكر له صنيعه، يعني ما قال: أقصرت الصلاة أو نسيت، إنما قال له: صليت ثلاث ركعات، وخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، من الذي خرج؟ النبي -عليه الصلاة والسلام-، خرج غضبان يجر رداءه، وهكذا إذا حزبه أمر أو حدث حادث كما في الكسوف خرج -عليه الصلاة والسلام- يجر رداءه يظن أنها الساعة، وفي وقتنا يخرجون للفرجة والتنزه لرؤية الكسوف، والله المستعان. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 12 خرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، فقال: ((أصدق هذا؟ )) يعني ذا اليدين، قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم، صلى ركعة تمام صلاته الرباعية سلم من ثلاث فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم، وليس فيها تشهد بعد سجود السهو. رواه مسلم. يعني في هذا أنه إذا سلم عن نقص فإن السجود يكون بعد السلام، والعلماء يختلفون في موضع السجود، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . بعد السلام، السجود يكون بعد السلام، إذا سلم عن نقص كما في هذا سلم عن نقص منهم من يقول: إن السجود كله -سجود السهو كله- قبل السلام؛ لأنه من تمام الصلاة، متمم للصلاة، وما كان كذلك فحكمه حكم الصلاة يكون قبل سلامها في أثنائها. ومنهم من يقول: إن سجود السهو كله بعد السلام؛ لماذا؟ لأنه قدر زائد على الصلاة فيكون بعد السلام منها. ومنهم من يقول: إذا كان السجود لنقص في الصلاة كان قبل السلام، وإن كان لزيادة كان بعد السلام، إذا كان لنقص كان قبل السلام لجبر هذا النقص، وإذا كان لزيادة كان بعد السلام لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان، وهذا قول مالك. الأول وهو أن السجود كله قبل السلام هذا معروف عند الشافعية، والثاني بعد السلام معروف عند الحنفية، والتفريق بين الزيادة والنقص معروف عند المالكية، ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله-. منهم من يرى أن السجود كله قبل السلام إلا فيما ورد، وذلك في صورتين: الأولى: ما جاء في حديث ذي اليدين وهو السلام عن نقص، إذا سلم عن نقص فرق بين أن يكون السجود لنقص وبين أن يكون السلام عن نقص. الآن في قصة ذي اليدين زيادة وإلا نقص؟ طالب: نقص. زيادة في الصلاة وإلا نقص في الصلاة؟ طالب:. . . . . . . . . زيادة، هو سلم عن نقص، في السلام الأول عن نقص، لكن لما أتمها وأتى بالركعتين صار في صلاته زيادة، زيادة السلام الأول، وزيادة الكلام والقيام والقعود والاتكاء على الخشبة كل هذا زيادة في الصلاة، فهذه زيادة في الصلاة فتكون بعد السلام، وهذا من أدلة من يقول: إن السجود للزيادة مطلقاً يكون بعد السلام، وللنقص يكون قبله، ففرق بين أن نقول: سلم عن نقص، وأن نقول: الصلاة مشتملة على زيادة، ففي حديث ذي اليدين سلم عن نقص وفيها زيادة. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 13 التفريق وهو رأي المالكية إذا كان السجود لزيادة كان بعد السلام، وإذا كان لنقص كان قبل السلام، وعرفنا السبب والعلة. ومنهم من يرى وهو القول الرابع الاقتصار على موارد النصوص، فيكون السجود كله قبل السلام إلا فيما ورد فيه النص، فيما ورد فيه النص في مسألتين: الأولى: السلام عن نقص كما في قصة ذي اليدين، والثاني: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، فإنه يسجد بعد السلام. قال بعد ذلك ... مع أنهم يتفقون على أنه لو كان سجوده باستمرار قبل السلام أو بعد السلام باستمرار أن الصلاة صحيحة، وأن السجود مجزئ مطلقاً سواءً كان قبل السلام أو بعده، لكن الكلام في الأفضل. قال: "وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء". طالب:. . . . . . . . . عن خالد .... طالب:. . . . . . . . . في المسائل يأتي بعد في نهاية الكلام. "وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد" يعني بعد سجود السهو صلى بهم، وهذه رواية للحديث الذي قبله، الحديث حديث عمران بن حصين، وهذا أيضاً حديث عمران بن حصين "صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقال رجل يقال له الخرباق ... إلى آخره، قال في الأخير: "ثم سلم ثم سجدتين ثم سلم" الرواية الثانية تقول: "فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" فالرواية الأولى ليس فيها تشهد بعد سجود السهو، وجميع ما ورد في الباب ليس فيه تشهد إلا في هذه الرواية لحديث عمران، وهي رواية شاذة. "ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وقال: على شرطهما، وقال البيهقي: تفرد بهذا الحديث أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه" وهذه من أخطائه، فالرواية شاذة، ولا تشهد بعد سجود السهو؛ لأنها مخالفة لرواية الأكثر، رواية الأرجح، الرواية التي قبلها في صحيح مسلم، حديث عمران في صحيح مسلم وليس فيه تشهد، الرواية رواية أشعث بن عبد الملك الحمراني، وهو متكلم فيه عند أهل العلم، وهذه من أخطائه، محسوبة من أخطائه. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 14 "قال البيهقي: تفرد بهذا الحديث" يعني بهذه الزيادة التي فيها التشهد بعد سجود السهود "تفرد بها أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه". ثم قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كن ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم". يقول -رحمه الله تعالى: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته)) " إذا شك إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ صلى ركعة أو ركعتين؟ صلى ثلاث أو أربع؟ يبني على المتيقن وهو الأقل؛ لأن الشك لا يرفع اليقين، والواحدة متيقنة، والثانية مشكوك فيها في الصورة الأولى، الركعتان متيقنتان، والثالثة مشكوك فيها في الصورة الثانية والثلاث متيقنة، والرابعة مشكوك فيها في الصورة الثالثة، فالشك لا يرفع اليقين يبني على الأقل؛ لأنه المتيقن، هو يجزم أنه صلى ركعتين، لكن تردد في الثالثة فيبني على اليقين حينئذٍ. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 15 وقلنا: إن كنتم تذكرون في الوضوء: تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ تردد في غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ الجادة قاعدة المذهب وهي الموافقة للقاعدة العامة كما هنا أنه يبني على الأقل، فيجعلهما غسلتين، يزيد ثالثة، والذي رجحناه في وقته واستظهرناه أنه يبني على الأكثر، والفرق بين الصورتين ظاهر؛ لأن التردد في الصلاة بين أمرين بين ركعتين أو ثلاث إن قلنا يأخذ بالأقل وزاد في الصلاة زيادة عن غير عمد وجبرها بسجود السهو على مقتضى الحديث فقد أتى بما طلب منه، وإن بنى على الأكثر عرض صلاته للبطلان، بأن صلى الثنائية أو صلى الثلاثية ركعتين، أو صلى الرباعية ثلاثاً، هنا يعرض صلاته للبطلان، لكن في الوضوء؟ إذا تردد هل غسل اثنتين أو ثلاث؟ وقلنا: تبني على الأكثر اجعلها ثلاث، افترض أنها صارت اثنتين ما الذي يصير؟ يبطل الوضوء؟ الوضوء صحيح وشرعي، توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتين مرتين، لكن إذا قلنا: تبني على الأقل وتزيد افترض أنك تعديت المشروع؛ لأنك بين أمرين، إما أن توافق المشروع أو تخرج عنه ولا ثالث لهما، يعني في حال التردد وهما على حد سواء، الشك أنت إما أن تكون وافقت الشرع بأن زدت ثالثة فوقعت موقعها، ويكون وضوءاً شرعياً، أو تكون زدت رابعة وخرجت عن حيز السنة إلى البدعة، ووضوؤك صحيح فيما لو بنيت على الأكثر، بينما صلاتك لو بنيت على الأكثر صلاتك حينئذٍ باطلة، تبطل صلاتك إذا لم تكن وافقت ما في نفس الأمر، ولن تستطيع موافقة ما في نفس الأمر لأن هذا غيب، فأنت في الصلاة إذا لم توافق ما في نفس الأمر وهذا دونه الاستحالة، لا يمكن أن توافق ما في نفس الأمر وأنت شاك إلا إذا فيما بعد لو قال لك: إنك صليت، لو خلفك مجموعة من الناس جالسين وضبطوا صلاتك، ثم بعد ذلك قالوا لك: صليت ركعتين، أما في غير هذه الحالة ما يمكن. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 16 المقصود أن هذه المسألة ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن)) وهو الأقل؛ لأنه لو بنى على الأكثر احتمال أن تكون صلاته ناقصة فتكون باطلة، لكن في الوضوء احتمال أن يكون عدد الغسلات ناقصاً فيكون الوضوء باطل وإلا صحيح؟ صحيح وشرعي، لكن إذا قلنا: يبني على الأقل ويزيد احتمال أن يخرج عن المشروع فيدخل في حيز الابتداع. قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك)) يلغي الشك ((وليبن على ما استيقن)) وهو الأقل ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم)) طيب في الصورة الثانية من مواضع السجود بعد السلام قالوا: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، وهنا تردد وبنى على اليقين وسجد قبل السلام، وقالوا: إذا بنى الإمام على غالب ظنه سجد بعد السلام، ما الفرق بينهما؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . بخلاف الشك، يعني هنا شك تردد مستوي الطرفين، وهناك غالب ظن، يعني تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ واستمر عنده التردد، لم يترجح عنده شيء، يبني على الأقل، لكن قال: صليت اثنتين أو ثلاث، لكن غلب على ظنه أنها ثلاث يستمر خلاص، ما يبني على الأقل في هذه الحالة، يبني على غالب ظنه، والظن يترجح لأن غلبة الظن لا تعطي يقيناً، لكن كيف يصل غلبة الظن في هذه الحالة إلى اليقين؟ في صورة ما إذا كان إماماً ولم يسبح به أحد، إذا كان إمام ولم يسبح به أحد، فعدم تسبيحهم وموافقتهم لهم يجبر هذا النقص، فيكون كالمتيقن، فيبني على غالب ظنه وحينئذٍ يسجد للسهو بعد السلام. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 17 قد يقول قائل: إن الناس قد يوافقون الإمام ولو كانوا ألف في حال الغفلات، يعني قبل سنتين يعني في فورة الأسهم صلى إمام صلاة الظهر وجهر بالناس في القراءة وأمنوا؛ لأنهم كلهم منشغلين بما هم بصدده، يعني يصلون في صالة بنك، وهم يشاهدون الشاشات أمامهم كلهم وهم يصلون، ولما سلم احتمال سلم الثانية أو لم يسلم قام السرعان إلى الشاشات كما نشاهده في المسارعة لتقبيل الحجر إذا سلم الإمام، وبالفعل حصل، جهر في صلاة الظهر وأمنوا، وسمع من يقول: آمين وهو ساجد، يعني حينما يقول أهل العلم: إن سكوت المأمومين يجبر هذا النقص، يعني نقص الظن عن اليقين؛ لأن الظن للاحتمال الراجح، واليقين الذي لا يحتمل النقيض، فإذا كان وراءه جماعة وما سبحوا يعني ترجح هذا الظن الغالب، ففرق بين مسألتنا ومسألة عمل الإمام بغالب ظنه. قال: ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم)) الصورة الثانية التي ذكرناها: إذا بنى الإمام على غالب ظنه يعني ترجح عنده أحد الأمرين، فإنه يسجد للسهو بعد السلام. ((فإن كان صلى خمساً شفعن له)) يعني في الصلاة الرباعية تردد هل صلى ثلاث أو أربع؟ قلنا: يطرح الشك ويبني على المتيقن وهو ثلاث يأتي برابعة، واحتمال أن تكون هذه الرابعة خامسة، وهاتان السجدتان يشفن صلاته؛ لأنهما بمثابة ركعة، يشفعن صلاته، لكن لو كان يوتر بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع ثم تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث وطرح الشك ثم بعد ذلك زاد ركعة فاحتمال أن يكون صلى ثلاثاً أو صلى أربعاً في حال الوتر حينما أراد أن يوتر بثلاث أو خمس تردد بين ركعتين أو ثلاث، قلنا: يطرح الشك، ويبني على ما استيقن، ثم بعد ذلك يسجد سجدتين قبل أن يسلم، نعم فإن كان صلى أربعاً وهو يريد أن يوتر بثلاث أوترن له صلاته؛ لأن عندنا شفعن له صلاته؛ لأن الصلاة شفع، إذا كان صلى أربعاً وهو يريد الوتر بثلاث أو صلى ستاً وهو يريد الوتر بخمس سجد سجدتين قبل أن يسلم أوترن له صلاته؛ لأنه يطلب وتر ما يطلب شفع. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 18 ((وإن كان صلى إتماماً لأربع)) في هذه الصورة أو خمساً في الوتر ((كانتا ترغيماً للشيطان)) والترغيم ورغم أنفه يعني لصق أنفه بالرغام كغراب، رغام هو التراب، ومنهم من يقول: التراب المبتل، الطين، لصق أنفه بالطين ترغيماً له ((ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم. قال بعد ذلك: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى سجدتي السهو المرغمتين" يعني هل هذا حديث مستقل؟ يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم من الأيام قال: عليكم بالمرغمتين، قالوا: وما المرغمتان؟ قال: السجدتان للسهو، سماهما مرغمتان؟ أو قال: المرغمتان سجدتا السهو، أو أن ابن عباس أخذه من الحديث السابق، وما جاء في معناه؟ ((كانتا ترغيماً للشيطان))؟ يحتمل، والحديث في أصله ضعف، لكن له ما يشهد له من الحديث السابق، يعني حديث ابن عباس رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، وفي إسناده ضعف. على كل حال حديث ابن عباس ضيف، لكن له شاهد من حديث أبي سعيد الذي قبله ((كانتا ترغيماً للشيطان)) فهما مرغمتان للشيطان، فسماهما مرغمتين، سجدتي السهو مرغمتين، إما أن يكون ابتداءً سماهما كذلك، يعني جاء بسجود السهو كمبتدأ وأخبر عنهما بأنهما المرغمتان، أو أن هذه التسمية فهمت من الحديث السابق؟ وعلى كل حال الحديث السابق في صحيح مسلم، وهما ترغمان الشيطان إرغاماً للشيطان، فحديث أبي سعيد الخدري يشهد لحديث ابن عباس في هذه التسمية، وسواءً قلنا: إن حديث ابن عباس مستقل، يعني سمع ابن عباس النبي -عليه الصلاة والسلام- يسميهما كذلك، أو أنه في ضمن الحديث السابق، ما دام أخبر عنهما أنهما ترغيماً للشيطان فهما مرغمتان. أرغم يرغم ترغيماً، هذا المصدر ((ترغيماً للشيطان)) والمصدر يؤخذ منه اسم الفاعل واسم المفعول، فالسجدتان مرغمتين اسم فاعل، والشيطان مرغم اسم مفعول، والفعل أصل المادة أرغم، والمصدر الترغيم، فاشتقاقاتها يمكن استعمالها فيما ذكره ابن عباس، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. يقول: ما معنى الحديث مع السند؟ إيش الحديث؟ مفهوم هذا وإلا؟ لا بد من .... هو يقول: نرجو توضيح ذلك. وأنا أقول: أرجو توضيح ذلك. طالب: يا شيخ -أحسن الله إليك- الذي يسجد قبل الصلاة في موضع يسجد له بعد الصلاة؟ ما عليه شيء. طالب: حتى في المواضع ... ؟ حتى في المواضع يتفقون على هذا إلا أنه خلاف الأولى .... الجزء: 25 ¦ الصفحة: 19 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (26) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما حكم توزيع مثل هذه المنشورات؟ يعني مشتملة على أدعية وأذكار بعضها له أصل، وبعضها لا أصل له. ما حكم توزيع هذه المنشورات بدون ذكر أي مصدر من الكتاب والسنة، وتبادلها في الجوالات؟ الخبر هذا بطوله بهذا الترتيب لا أصل له، لكن قد يوجد لبعض مفرداته ما له أصل، وهو بهذا السياق الكامل لا يجوز سياقه على أنه مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا تجوز نسبته إليه بهذا الترتيب، لكن بعض مفرداته صحيحة ولها أصل، وكثير منها لا أصل له. يقول: ماذا يفعل المسبوق إذا سلم الإمام وسجد للسهو بعده هل يتابعه أم يقضي؟ يتابع الإمام يسجد للسهو معه. هل قيام الإمام للركعة الثالثة في التراويح يبطل صلاته؟ وكيف نجيب عن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي عن أربع فلا تسأل عن حسنهن وطولهن؟ الفقهاء يقولون: عملاً بحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يقولون: إذا قام إلى ثالثة في التراويح فكقيامه إلى ثالثة في الفجر، هذه ركعة باطلة؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، وأما ما جاء في حديث عائشة: "أنه يصلي أربعاً فلا تسأل" يعني بسلامين، ثم يستريح، ولذا سمي التراويح، ثم يصلي أربعاً بسلامين فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، لكن إذا أراد أن يوتر بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع فله أن يجمعها بسلام واحد؛ لأن هذا وتر، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بخمس، بسبع، بتسع، وذكر عنه أنه أوتر بثلاث يعني بسلام واحد. يذكر بعض أهل العلم أنه إذا سجد الإمام للسهو قبل السلام فإن المصلي يسجد معه، ثم إذا قضى ما عليه وكان سهو الإمام قد أدركه المسبوق فإنه يسجد للسهو مرة أخرى؛ لأن السجود الأول في غير محله؟ الجزء: 26 ¦ الصفحة: 1 لا، لا يسجد، يكفيه السجود الأول، لكن لو سها فيما يقضيه من صلاته، وقد سجد مع الإمام السهو الأول، مقتضى قول أهل العلم: ومن سها مراراً كفاه سجدتان، أن سجوده مع الإمام يكفي، ولا يحتاج أن يسجد مرة ثانية، ونظير ذلك فيما لو سها في صلاته ثم سجد للسهو، ثم سها بعد السهو، بأن قام وجاء بزيادة ركعة يسجد ثانية للسهو أو يكفيه سجدتان؟ يكفيه سجدتان عند أهل العلم. يقول: حفظ الحديث مع الراوي والسند ما معنى السند مثال ذلك جزاكم الله خيراً؟ يعني في الحديث الأول في صحيح البخاري حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) يرويه البخاري عن طريق شيخه الإمام عبد الله بن الزبير الحميدي، قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) فالسند الرواة، هذه السلسلة التي يذكرها المحدث بدءاً بشيخه وانتهاءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- هذا هو السند، والمتن هو المقول للنبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: من خلال الأحاديث في سجود السهو كيف يكون سجود السهو؟ ما الراجح في ذلك؟ ذكرنا بعض الصور، وبعض أقوال أهل العلم، ويأتي تتمتها -إن شاء الله- في درس اليوم. يقول: أشكل عليَّ تفسير قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ} [(20) سورة الرحمن]؟ بين البحرين المالح والحلو برزخ، حاجز، لا يبغي أحدهما على الآخر، لا يختلط لا يمتزج المالح بالحلو، ولا بالعكس، فبينهما برزخ، وإن كان غير مرئي ومنظور إلا أنه لا يختلط هذا بهذا، وقد يوجد في بعض البحار عين تنبع من أسفله حلوة وهو مالح، فالذي أمسك هذا عن هذا هو الله -جل وعلا-، كما أنه يمسك أنهار الجنة ويجعلها تجري بغير أخدود. أنهارها في غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضانِ ما حكم الدعاء بدون رفع اليدين قبل الصلاة أو في أوقات الإجابة؛ لأنه لا يريد أن يراه أحد؟ الجزء: 26 ¦ الصفحة: 2 على كل حال إذا سجد في سجوده يدعو، وهذا من مواطن الإجابة، وإذا دعا خارج الصلاة فالأصل أن يرفع يديه، وفي المسألة ما يقرب من مائة حديث في رفع اليدين في الدعاء، وجمعت في رسائل، وفي أجزاء من قبل أهل العلم. هذا يسأل عن سؤال طرح قديماً، ثم نسي بعد ذلك، حينما أذعن الناس للنظريات في قوله -جل وعلا-: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [(16) سورة نوح]. في يقول أهل العلم للظرفية، فيهن نوراً، جعل القمر فيهن يعني أنه مظروف بالنسبة للسماوات، وهذا قول جماهير المفسرين، وإذا كان الأمر كذلك فلن يستطيع أحد الوصول إلى القمر، وإذا كان المراد "فيهن" يعني نوره فيهن، فعلى كل حال المسألة قابلة للنظر، وكلام أهل العلم في هذا واضح. فهل القمر في السماوات السبع أم هو في السماء الدنيا؟ وما صحة الصعود على سطح القمر؟ هم ادعوا ذلك وصدقهم الناس، ثم وجد من يكذب منهم، من الأمريكان والروس من يكذب هذه النظريات. يقول: هل ورد في السنة قول: الله أكبر بعد السلام من الصلاة؛ لأننا نسمع بعض المصلين وخاصة من الجنسية الباكستانية يقولون: الله أكبر بعد الصلاة مباشرة؟ دليل ذلك ومستمسك من يبدأ بالتكبير قول ابن عباس: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بالتكبير" والمراد به الذكر الذي يجهر به بعد السلام، ما هو أعم من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير. يقول: نريد شرحاً وافياً للصلاة في أوقات النهي؟ هذه مسألة طرقناها مراراً، ومرت علينا في الكتاب، وبسطت من أرادها يراجع الأشرطة التي سجلت فيها. يقول: ما هي الطبعة المحققة التي توصون بها للكتب التالية: الموطأ للإمام مالك؟ الموطأ معروف أنه روايات كثيرة، أشهرها رواية يحيى بن يحيى الليثي، وكانت مطبوعة قديمة في مصر مع بعض الشروح، ثم طبعت بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ثم طبعت بتحقيق بشار عواد معروف، وهناك تحقيقات كثيرة لهذه الرواية، واعتمادنا في شرح الكتاب على تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وإن كان بشار أبدى بعض الملاحظات على هذه الطبعة كملاحظاته على تحقيقه لسنن ابن ماجه. على كل حال هي في الجملة جيدة، طبعة محمد فؤاد عبد الباقي للموطأ جيدة. المدونة للإمام مالك؟ الجزء: 26 ¦ الصفحة: 3 طبعت المدونة قديماً بمصر في المطبعة الخيرية في أربعة مجلدات، ثم طبعت في ستة عشر جزءاً في مطبعة الساسي وكلاهما جيد، هما طبعتان جيدتان الطبعات القديمة، ثم بعد ذلك طبع بمطبعة الكليات الأزهرية بتحقيق محمد زهري النجار وهي دون ... لا غلط هذا الأم للشافعي. المقصود أن المدونة طبعت قديماً بالمطبعة الخيرية ومطبعة الساسي، وكلاهما طيب يعتمد عليه. أحكام الأحكام لابن دقيق العيد؟ من أراده مفرداً فعليه بمطبعة أنصار السنة بتحقيق الشيخ أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي، ومن رجع إليه مع حاشية الصنعاني فالمطبعة السلفية في أربعة مجلدات بتحقيق الشيخ علي الهندي -رحمه الله-، هاتان الطبعتان ممتازتان يعني، يبقى أن الطبعة المنيرية لأحكام الأحكام لابن دقيق العيد فيها أغلاط فلا يعتمد عليها. يقول: ما رأيكم في كتاب الأم بتحقيق رفعت فوزي المطبوعة بدار الوفاء؟ وهل هناك أجود منها؟ المعروف أن أفضل الطبعات لكتاب الأم هي طبعة بولاق، هي طبعة جيدة ومتقنة، ويعتمد عليها من قبل طالب العلم، أما الطبعات الحديثة أعرف منها طبعة الذي أشرت إليها قريباً الكليات الأزهرية تحقيق محمد زهري النجار يعني دون طبعة بولاق، وأما ما بعدها من الطبعات فلم أطلع عليه. يقول: نريد من فضيلتك أهم كتاب معتمد في كل مذهب من المذاهب الأربعة؟ التفصيل في هذا مع طبعات هذه الكتب موجود في أشرطة سميت: "كيف يبني طالب العلم مكتبته". يقول: هل ذي طوى هو ما يسمى الآن جرول، كما قال لي بعض الكبار في السن؟ كتب المناسك تقول: إن المراد بذي طوى هو الزاهر وليس بجرول. يقول: أيهما أولى بالابن أن يكون قريباً من والده في نفس المدينة ويباشر خدمته أم يشتغل ببعض القرب متعدية النفع حتى لو اضطر إلى الإقامة في مدينة أخرى، لا سيما وأنه من كسب أبيه، وسينال والده من البر الشيء العظيم؟ الجزء: 26 ¦ الصفحة: 4 على كل حال هذا راجع إلى الأب، فإن كان والده يرضى ببعده عنه نظراً لما يقوم به من أعمال يرجو ثوابها فالأمر إليه، وإن كان لا يرضى فلا، الله -جل وعلا- امتن على الوليد بن المغيرة بالبنين، بكثرتهم أو بكونهم شهود عنده؟ {وَبَنِينَ شُهُودًا} [(13) سورة المدثر] يعني الأب تكون فائدته إذا كان ابنه بعيداً عنه أقل، والأب في الجملة أو الأب هذا الأصل فيه أنه يحب أن يرى ابنه في كل وقت يراه حوله؛ لأن فائدة الابن إعانة الأب، وإذا كان بعيداً عنه تعذرت هذه الإعانة، فعليه أن يكون قريباً من والده ولو قل نفعه المتعدي إلا إذا كان أبوه من يشجعه على هذا، ويشد من أزره، ويرى أن هذا أفضل وأنفع للطرفين فالأمر لا يعدوه. هذا يقول: في حالة السجود تكون الكوفية على الجبهة -الكوفية يعني الطاقية وما في حكمها- فهل يزيله أو لا بأس به؟ أهل العلم يقولون: إن السجود على المتصل بالمصلي مكروه، لكن كما قرر أهل العلم أن الكراهة تزول لأدنى حاجة، فإذا احتيج أن يسجد عليها لكون موضع السجود لا يمكن من الخشوع وحضور القلب، إما لشدة حرارة أو شدة برودة، أو وجود ما يؤذي في المكان المسجود عليه فلا مانع -إن شاء الله تعالى-. يقول: ممكن أن تشرح لي البيت الذي جمع وفيات الأئمة الأربعة؟ فنعمانهم قن وطعق لمالك ... وللشافعي در ورام لابن حنبل هذا على حساب الجُّمل المعروف عند أهل العلم، يعني تكتب الحروف الأبجدية أبجد هوز حطي كلماً صعفس ... إلى آخره، ثم تقطعها كل حرف بمفرده إلى أن تتم الثمانية وعشرون حرفاً، ثم تجعل العشرة الأولى للآحاد إلى العشرة، واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة ... إلى آخره، ثم العشرة الثانية للعشرات، ثم البقية للمئات. يقول: هناك سؤال خارج الموضوع -رجاء الإجابة يا شيخ- وهو في ألفية العراقي هل يمكن أن نقول: إنه كان الأولى على العراقي الترضي على الصحابة والآل، كما قال: . . . . . . . . . ... على نبي الخير ذي المراحم لأنه يترتب عليه عقيدة، الرجاء تصويبي في هذا الاستشكال؟ الجزء: 26 ¦ الصفحة: 5 على كل حال الأكمل أن يردف الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بآله وأصحابه هذا الأكمل، لكن الامتثال امتثال الأمر إنما يتم بقولك: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، فلا شك أن ما أشرت إليه هو الأكمل، لكن لما لم يحصل لا إشكال ولا استشكال -إن شاء الله تعالى-. يقول: انتشر في الآونة الأخيرة من يدخل بالجوال في المسجد ويزعج المصلين بمعازفه، فهل يجوز أن يعاقب إمام المسجد من يسمع منه ذلك، بأن يتصدق بمال أو يصوم؟ وإن كان الجواب: لا، فكيف نحل هذه المشكلة؟ هذه المشكلة لا شك أنها معضلة وليست مشكلة فقط، ونسمعه في المتلزَم، نسمعه في المطاف، نسمعه والناس يصلون، والناس يطوفون، والناس سجود في العشر الأواخر يرجون ليلة القدر ونسمع هذا، وبعضهم يتركه، بناءً على أن إقفاله مخل بالصلاة، على كل حال هذه مشكلة، ويتذرع كثير من الناس بأنها مما عمت به البلوى، وحصل الإنكار بكثرة وبقوة وبشدة في أول الأمر، ثم أيس الناس وتركوه؛ لماذا؟ لأن الإنكار في كثير من الأحوال لا قيمة له، فكثير ممن يستعمل هذه الآلات على هذه النغمات المحرمة من الأعاجم، تجد إمام المسجد يتكلم، بعض الجماعة -جزاهم الله خير- يتكلمون، لكن دون جدوى، فأيس الناس وتركوه، ولذلك قل أن تجد من ينكر، كانوا في أول الأمر إذا سمعوا فزعوا تكلموا، تكلم أكثر من واحد، ثم بعد ذلك صار الصوت يتضاءل ويخفت إلى أن انتهى في كثير من الأحيان، وعلى هذا لا بد من الإنكار؛ لأن هذا منكر ومعلن لا بد أن يكون إنكاره أقوى منه حتى يزول، ولا بد من التواصي على ذلك. أما العقوبات التي يذكرها يعني يتصدق بمال أو يصوم هذه لا يملكها إمام المسجد، الإمام له أن يعزر، وأما من عداه ليس المراد به إمام المسجد، إنما إمام المسلمين ولي الأمر هو الذي له أن يعزر، وأما من عداه فلا. يقول: ما حكم السجود بالقفازات للرجل ولا يسجد على يديه مجردة؟ هذا مثل ما قلنا في الكوفية أو الطاقية، هذا متصل يكره السجود عليه، لكن إذا وجد ما يدعو إلى ذلك انتفت الكراهة. يقول: ما حكم لبس القلنسوة والعمامة السوداء في غير وقت جهاد، وهل فيها تشبه بالرافضة؟ الجزء: 26 ¦ الصفحة: 6 على كل حال الأصل في العمامة النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس العمامة، فمن أهل العلم من يرى أنها سنة اتباعاً له -عليه الصلاة والسلام- واقتداءً به، ومنهم من يقول: إنها تبعاً للباس والألبسة عرفية، فإذا كانت من عرف البلد وإلا فلا. الأسئلة كثيرة، ومع ذلك تؤجل إن وجد لها وقت وإلا ينظر لها وقت آخر -إن شاء الله تعالى-، وبقي من أحاديث الباب أربعة أحاديث، لا بد من إكمالها في سجود السهو. أظن الباب قرئ كاملاً. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -قال إبراهيم: زاد أو نقص-" يعني شك إبراهيم النخعي الراوي عن علقمة عن ابن مسعود هل قال ابن مسعود: زاد النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته أو نقص منها؟ "فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ " يعني لوقوع الخلل إما الزيادة وإما النقصان، أحدث في الصلاة شيء؟ وهذا من أدب السؤال، ومن أدب التعامل مع الغير، ألا ترى إلى قوله -عليه الصلاة والسلام- للذي دخل المسجد قال له: ((هل صليت ركعتين؟ )) فإذا وجد ما يُستنكر يستفهم عنه قبل الإنكار، كم من واحد وقع في إشكال خصومة مع من يُنكر عليه بسبب المباشرة في الإنكار، ما يدريك لعل له عذر، يعني رأيت شخصاً يصلي جالساً الفريضة، وعليه علامات القوة والنشاط، ما تقول له: قم فصل قائماً، تقول: لماذا؟ عسى ما شر على ما يقول العوام، لماذا تصلي جالساً؟ سلامات، ثم يبدي لك ما عنده، فإذا أبدى ما عنده وكان فيه ما ينكر وجهته إلى القول الصحيح والفعل الصحيح، أما تقول: قم صلاتك باطلة تصلي جالساً وأنت نشيط، وما يدريك أنه نشيط؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه يدخل، فجلس فقال له: هل صليت ركعتين؟ ما قال: صل ركعتين، وهذا لا شك أنه أدب شرعي رفيع؛ لأن الإنكار بطريق السؤال مقبول خفيف على النفس. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 7 لو تذهب إلى شيخ سمعت عنه أنه أفتى بقول شاذ مثلاً، وتقول له: فتواك غير صحيحة، أفتيت بقول شاذ، بقول مرجوح، هذا في الغالب لا يستجيب لك؛ لأن النفس لها حظوظ، وفي الغالب أن صاحبها يراعيها، لكن لو قلت: ما رأيك في كذا وبقول كذا؟ ثم إذا عرفت أنه بالفعل أفتى بكذا، ما رأيك في القول الآخر؟ وهل تعرف له دليلاً؟ وهل هو راجح أو مرجوح؟ يناقشه في القول الآخر، ثم بعد ذلك إذا أصر ناقشه في قوله؛ لأن النفوس لا سيما في أوقاتنا وأزماننا مدخولة، والحق ثقيل، يعني لو أن الإنسان خالف آية أو حديث صحيح صريح في الدلالة يصعب عليه أن يقبل منك الاستدراك ولو بالآية والحديث الصحيح، ولو كان ممن ينتسب إلى العلم؛ لأن النفوس الآن ما صارت تقبل الحق بسهولة، الحق ثقيل ومر، والانتصار للنفس جبلي، فعلى هذا على الإنسان أن يسلك المسلك المناسب، يدخل إلى قلب المخاطب أولاً، ثم يقول ما شاء، يعني بعض أهل العلم ممن هم مرجع تجد بعضهم إذا جاءه بعض الشباب ولد عندهم بعض الأمور التي يستنكرونها، ويطلبون من الشيخ تغييرها يأتون بأسلوب غير مناسب، ثم الشيخ قد لا يوفق في احتوائهم، وإزالة ما في نفوسهم، وتخفيف ما عندهم؛ لأن الداعي لهم على مثل هذا الكلام هو الغيرة، وكل مطالب بما يناسبه على الطالب أن يحترم هذا الشيخ، ويبلغه بالمنكر بالأسلوب المناسب، ويطالبه بالأسلوب المناسب، على الشيخ أيضاً أن يحتوي هذا الشاب هذا الغيور ويوجهه بالأسلوب المناسب، فإذا احتواه بالأسلوب المناسب ولج إلى قلبه يملي عليه ما شاء، المسألة تهون بعد هذا الأمر، لكن الإشكال كله في الوسائل، في وسيلة التبليغ من قبل الشاب، وفي الرد من قبل الشيخ، يعني الشباب إذا جاءوا من أجل أمر رأوه منكراً ودماؤهم تغلو، تغلي دماؤهم وتفور غيرة لله، وعلى محارم الله يأتون إلى الشيخ بأسلوب قوي، وقد يبادرونه بـ (اتق الله يا شيخ) هذا الأسلوب ما هو مناسب، لكن الشيخ أيضاً عليه أنه إذا قيل له: اتق الله يتقي الله، هو مخاطب وهم مخاطبون، ولا يؤاخذهم بما تكلموا به من أسلوب غير مناسب، فعليه أن يؤدي ما عليه، ثم بعد ذلك الشيخ يدعو لهم ويرحب بهم، ويعرف أنه ما جاء بهم إلا الغيرة، ويوافقهم على بعض ما الجزء: 26 ¦ الصفحة: 8 يقولون؛ لأن بعض الشيوخ نظراً لما يشاع ويذكر وبعض النماذج من الشباب لا شك أنهم أساءوا إلى بعض، تجده ما عنده استعداد يسمع، نقول: لا بد أن تسمع، أنت الآن صلة بين هؤلاء الذين لا يصلون إلى ولاة الأمر، وبين ولاة الأمر الذين يسمعون لك، أنت عليك كفل من المسئولية، بلغك هذا المنكر لا بد من إنكاره، أو إقناعهم أنه ليس بمنكر، لكن لا بد من التلطف في الخطاب من الجانبين. وهنا يقول: "فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ " يعني هل هناك تشريع جديد يقتضي أن تكون الصلاة الرباعية ثلاث أو الثلاثية أربع؟ لأنه ما يدرى هل زاد أو نقص؟ "قال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه" يعني بعد أن استقبل المأمومين بوجهه بعد السلام، وقيل له ما قيل "ثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم" زاد أو نقص؟ إما زاد سجدة، أو نقص واجب كالتشهد الأول مثلاً يكفيه حينئذٍ أن يستقبل القبلة ويسجد سجدتين ويسلم، لكن إن كان نقص ركعة لا بد من الإتيان بها، إن كان نقص ركعة أو سجدة أو ركن من أركان الركعة لا بد من الإتيان به. "ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به)) " هذا التبليغ الذي يجب عليه، ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)) وجاء النهي في صحيح البخاري عن قول: نسيت آية كذا، ولكن ليقل: أنسيت أو نسيت، يعني في الأمور العادية، في غير القرآن تقول: نسيت، لكن في القرآن على وجه الخصوص تقول: نُسيت أو أنسيت؛ لئلا تدخل في قول الله -جل وعلا-: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طه] لكنك أنسيت. ((فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) ليتحرى الصواب، وتحري الصواب إن كان الخلل بشك وتردد يبني على ما استيقن، يأخذ بالأقل لأنه المتيقن، وإن كان فيه غلبة ظن فإنه يعمل بغالب ظنه ويسجد للسهو، في الصورة الأولى يسجد قبل السلام، في الصورة الثانية يسجد بعد السلام. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 9 "متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: ((فليتم عليه ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)) " إذا تحرى الصواب وبنى على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام ((ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)). "وفي لفظ لمسلم: ((فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين)) وله عن عبد الله -يعني لمسلم- عن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام" بعد السلام سجد سجدتي السهو بعد السلام؛ لأنه حينئذٍ بنى على غالب ظنه وتحرى الصواب يسجد حينئذٍ بعد السلام. قال: "وعن عبد الله بن بحينة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في صلاة الظهر وعليه جلوس" يعني للتشهد الأول "قام في صلاة الظهر وعليه جلوس" يعني صلى ركعتين ثم قام ولم يجلس للتشهد الأول، "فلما أتم صلاته سجد سجدتين، يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجد الناس معه، مكان ما نسي من الجلوس" إذا نسي التشهد الأول وقام إلى الثالثة يقول أهل العلم: إن كان لم يستتم قائماً فإنه حينئذٍ يجب عليه الرجوع ليأتي بهذا الواجب، إن كان قد استتم قائماً كره الرجوع، وإن شرع في القراءة حرم الرجوع، والسجود إذا كان لم يستتم قائماً إنما شرع في القيام ولم يستتم هذا لا يحتاج إلى سجود سهو. إن استتم قائماً وكره له الرجوع هذا يسجد للسهو، سواء استمر في قيامه كما هو الأصل، أو رجع مع الكراهة فإن هذا لا يعفيه عن سجود السهو، وكذلك من باب أولى إذا شرع في القراءة وحرم عليه الرجوع وترك التشهد الأول والجلوس له، فإنه يسجد للسهو قبل السلام، كما في حديث عبد الله بن بحينة. الحديث دليل على أن التشهد الأول والجلوس له من واجبات الصلاة، وليس من الأركان ولا من السنن المستحبات؛ لماذا؟ لأنه لو كان ركناً ما أجزأ عنه سجود السهو، لا بد من الإتيان به، ولو كان مستحباً لما لزم فيه سجود السهو، ما لزم فيه سجود السهو. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 10 قال: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم" هذا الحديث مع حديث ابن مسعود الذي قبل الذي قبله، صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال إبراهيم: زاد أو نقص هل هو في قصة واحدة أو في قصتين؟ يعني في الطريق الأول إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود الشك، زاد أو نقص، في الثاني: وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، جزم بالزيادة، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، متفق عليه، وهناك في الطريق الأول: ((ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)) ((فليتم ما عليه ثم ليسجد سجدتين)) لا يمكن أن يتم إلا بالسلام، كلاهما في الحديثين، في حديثي ابن مسعود في القصتين، أو هما قصة واحدة؛ لأنه في الأولى بالشك زاد أو نقص، والثانية من غير شك زيادة، صلى الظهر خمساً. "قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم" يعني هل هذا الحديث يجري على قول من يقول: إن سجود السهو كله قبل السلام إلا في صورتين إلا في صورتين: أولاهما إذا سلم عن نقص كما في قصة ذي اليدين، والثانية: إذا بنى على غالب ظنه وتحرى، تحرى الصواب كما في حديث ابن مسعود الأول. الحدث الثاني لابن مسعود هل هو يضيف صورة ثالثة أو هو دليل من يقول: إن السجود للزيادة هو بعد السلام مطلقاً؟ يعني حديث ابن مسعود الأخير زاد خامسة هل هو زيادة صورة ثالثة لمن يقول: إن السجود بعد السلام في صورتين، وما عداه قبل السلام؟ أو هو يقرر قول من يقول: إن السجود عن الزيادة يكون بعد السلام، وعن النقص يكون قبل السلام كما يقوله مالك ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله-؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يقرر القول الثالث قول مالك، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 26 ¦ الصفحة: 11 لا يملك إلا أن يسجد بعد السلام؛ لماذا؟ لأنه سلم، صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ أكيد أنه سلم، يعني هل قيل له ذلك قبل أن يسلم أو بعده؟ نعم الذي يغلب على الظن أنه بعد ما سلم، أما قبل السلام فالتسبيح، لكن إذا سلم يكلم المأموم ويكلمه المأموم بناءً على أن الصلاة قد تمت، كما حصل في حديث ذي اليدين، الكلام ما أثر في الصلاة؛ لماذا؟ لأنها على ظن التمام، فمن تكلم في صلاته ظاناً أنها قد انتهت صلاته لا تبطل. هنا قالوا له: أزيد في الصلاة؟ قال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، وهنا كونه سجد بعد السلام لأنه لا خيار له في ذلك، ما يمكن أن يسجد قبل السلام في مثل هذه الصورة، لكن لو تذكر أنه صلى خمساً أو ذكر قبل أن يسلم أنه صلى خمساً، فمقتضى قول مالك أن السجود أيضاً يكون بعد السلام، ومقتضى قول من يقول: إن السجود كله قبل السلام إلا في صورتين أن يكون السجود قبل السلام، فهل في هذا الحديث ما يؤيد القول بأن السجود للزيادة بعد السلام مطلقاً، أو يؤيد قول من يقول: إن السجود بعد السلام إنما يكون في صورتين؟ وهذه الصورة لا ترد؛ لأنه ليس في وسعه إلا أن يصنع هذا، كما لو نسي التشهد الأول، يعني لو نسي التشهد الأول وقام وكمل الثالثة والرابعة وسلم ثم لما سلم قيل له: نسيت التشهد الأول، متى يسجد بعد السلام؛ لأنه الآن ما في خيار، وتبعاً لذلك هل نقول: إن السجود لترك التشهد الأول بعد السلام نظراً لحدوث مثل هذه الصورة، أو نقول: قبل السلام؟ هو قبل السلام لحديث عبد الله بن بحينة، لكن لو حصل أنهم ما نبهوه إلا بعد أن سلم لا خيار له أن يسجد إلا بعد السلام، وهذه الصورة في حديث ابن مسعود قد لا ترد على من يخصص السجود بعد السلام في الصورتين فقط. "متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم" الحديث متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم، من الذي قال: بعد ما سلم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . بعد ما سلم كذا؟ طالب:. . . . . . . . . كل الطبعات كذا؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 26 ¦ الصفحة: 12 إيه لأن السياق عندنا خطأ، لا بد منها؛ لأنه لما يقول: متفق عليه ولم يقل: بعد ما سلم، يقال للمؤلف: من أين أتيت بقولك: بعد ما سلم؟ ولما قال: ولم يقل مسلم: بعد ما سلم، يكون المؤلف اعتمد رواية البخاري، ونبه على ما في رواية مسلم من مخالفة. بعد هذا يقول: "وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته)) " أولاً: الحديث ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن مسافع، وهو مجهول الحال، لم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً، في إسناده عبد الله بن مسافع مجهول الحال، لم يذكر فيه جرح ولا تعديل، يعني يذكر في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وفي تاريخ البخاري ولا يذكرون فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقاعدة الشيخ أحمد شاكر أن مثل هذا ثقة، إذا لم يذكر فيه جرح وتعديل يكون ثقة عند البخاري وعند ابن أبي حاتم، وكثيراً ما يقول: ذكره البخاري في تاريخه ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو ثقة، يقوله الشيخ أحمد شاكر، وأحياناً يقول: وهذه أمارة توثيقه. لكن الكلام ليس بصحيح، قد يذكره البخاري ولا يستحضر فيه وقت كتابته جرح ولا تعديل يبقى أنه مجهول، وقد يُذكر في كتاب الجرح والتعديل بدون جرح ولا تعديل، ويكون كما نص ابن أبي حاتم في المقدمة أنه قال: "وقد أذكر الرجل ولا أذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً علي أن أقع له أو فيه جرحاً أو تعديلاً" يعني كأنه بيض له، فقول الشيخ أحمد شاكر ضعيف في هذا، والصواب أنه مجهول، يكون مجهول الحال إذا لم يُذكر فيه جرح ولا تعديل. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 13 هذا عبد الله بن مسافع، وفيه أيضاً ما قاله المؤلف أنه من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، قالوا: وقد روى له مسلم، مصعب بن شيبة يقول الحافظ في التقريب: لين الحديث، يعني لا بد له من متابع وإلا فلا يقبل حديثه، والضابط في مثل هذا أن لا يكون له من الحديث إلا القليل، ولا يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، قال: فإن توبع فمقبول وإلا فلين، طيب مصعب بن شيبة هذا قال المؤلف: روى له مسلم، ولا شك أن هذا توثيق عملي، تخريج أحد الشيخين لحديث الراوي توثيق عملي، لا سيما إذا كان الخبر يدور عليه، يعني لم يتابع عليه، ومثل هذا يخرج له مسلم في الشواهد، يخرج له مقرون لا يخرج له أصل، المقصود أن الحديث ضعيف. "وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)) " يعني تقدم لنا أن من تردد في صلاته وشك هل صلى كذا أو صلى كذا؟ يبني على اليقين، وهنا ما فيه تعرض للبناء على الأقل أو على الأكثر، وإنما فيه التنصيص على أن السجود بعد السلام، وعلى كل حال الحديث ضعيف لا يعارض به ما تقدم. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 14 يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم" يعني التنصيص على الراوي مصعب بن شيبة وترك عبد الله بن مسافع، وهو أشد ضعفاً منه، لا شك أن هذا قصور في الحكم من المؤلف، والأصل أن يورد العلة الأقوى، يعني قد يكون في الحديث علل، ثلاث علل، أربع علل، خمس علل، لكن لا تستوعب في التخريج، فيقتصر على بعضها، على الناقد أن يذكر أقوى هذه العلل إن لم يستوعب العلل عليه أن يذكر أقواها؛ لأنه إذا اقتصرنا على مصعب بن شيبة، وقلنا: إنه لين، وجدنا له متابع خلاص قبلنا الحديث، لكن يبقى علل أخرى، لو اقتصر المؤلف على عبد الله بن مسافع وهو مجهول الحال، ووجدنا ما يرفع هذه الجهالة، هل نحتاج إلى الكلام في مصعب؟ يعني إذا وجدنا ما يرفع الجهالة عن عبد الله بن مسافع، وجدنا توثيق له، يبقى الكلام في مصعب، فالعلل إذا كانت متداخلة يقتصر على أقواها، وإذا كانت متباينة لا بد من ذكرها، وهذا يذكرنا في حديث الخط في السترة الذي تقدم، مثلوا به للمضطرب، ابن الصلاح مثل به للمضطرب، ويستحضر الباحث أن هذا الحديث مضطرب يروى على نحو عشرة أوجه مختلفة، فإذا أمكنه الترجيح ونفي الاضطراب، إذا لم يذكر فيه إلا الاضطراب إذا لم يذكر فيه إلا الاضطراب، وتمكن الباحث من الترجيح، ونفي الاضطراب مباشرة، يبي يقول: الحديث حسن، كما فعل ابن حجر، قال: ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حديث حسن، لكن لو ذكرت العلة الأخرى وهي: أن أبو عمرو أو أبو محمد عمرو بن حريث، أو أبو عمرو محمد بن حريث، يعني روي على أوجه كثيرة، فيه ضعف، فيه جهالة، يعني ما يكفي أن ينتفي الاضطراب، لا بد أن تنتفي العلة الأخرى، يعني كما تقدم الحديث ابن حجر صب جل همه على نفي الاضطراب وانتفى عنده، وغفل عن تضعيف بعض رواته، ولا شك أن الاقتصار على بعض العلل يوقع في مثل هذا، كما تقدم للحافظ. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 15 قال: "من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم" يعني أن الباحث حينما يسمع هذا الكلام يقول: متكلم فيه ثم ماذا إذا تكلم فيه وقد خرج له مسلم؟ أقل أحوال الحديث أن يكون حسناً، لكن لو أن المؤلف -رحمه الله تعالى- أشار إلى العلل الأخرى، وتضافرت هذه العلل على تضعيفه، لا بد أن يبحث ما يرفع جميع هذه العلل ليثبته، وإلا من خلال النظرة العابرة في كلام المؤلف يقول: من رواية مصعب بن شيبة وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم، ثم ماذا إذا تكلم فيه من تكلم وقد خرج له مسلم؟ لكن لو وجدت العلل الأخرى ما يمكن يتجه مثل هذا الكلام؛ لأنه إن لم يضعف بهذه العلة ضعف بغيرها. "وقال البيهقي: إسناد هذا الحديث لا بأس به" لماذا؟ لأن تضعيفه من أجل مصعب بن شيبة وقد خرج له مسلم يمكن أن ينازع في سبب هذا التضعيف؛ لأن كلام من تكلم وقد خرج له في الصحيح لا شك أن النفوس تميل إلى الإثبات، يعني ثبوت الخبر بهذا الراوي الذي خرج له مسلم وإن مس بنوع من التجريح هذه مسألة. المسألة الثانية: أن البيهقي لا شك أنه اطلع على العلة الأخرى وهي جهالة حال عبد الله بن مسافع، ولعله يرى أن مجهول الحال إذا لم يروِ ما يخالف به أو يعد من المنكرات أو الشواذ ما يشذ به أن روايته تكون مقبولة، وهذا منهج عند بعض المحدثين كابن حبان مثلاً. لعله رأى في مثل هذا الحديث لما اشتمل عليه من حكم قد يكون فيه نوع مخالفة ونوع موافقة؛ لأنه ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين)) ما فيه أنه يبني على اليقين ويزيد ركعة، أو أنه يتحرى الصواب، ومعلوم أنه إذا تحرى الصواب وغلب على ظنه؛ لأن الشك والظن فيهما نوع تداخل ونوع تباين، قد يطلق الشك ويدخل فيه الظن، ففي القاعدة اليقين لا يزول بالشك، قالوا: يدخل في الشك غلبة الظن، يدخل في الشك هنا غلبة الظن، فمن تيقن أنه أحدث مثلاً ثم غلب على ظنه أنه توضأ بعد الحدث يكفي وإلا ما يكفي؟ يكفي أنه غلب على ظنه أنه توضأ أو نقول: إن اليقين أنه أحدث؟ نعم عندهم في القاعدة من فروعها أنه لا يكفي، فاليقين لا يزول بالشك، وأدخلوا فيه غلبة الظن، لا يكفي غلبة الظن في مثل هذا، ما دام تيقن أنه أحدث لا بد أن يتيقن أنه توضأ. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 16 ((من شك في صلاته)) ثم تردد في ذلك وبنى على الأقل لأنه المتيقن، وزاد رابعة إن تردد هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فليسجد سجدتين بعد ما يسلم، وهذا في هذه الصورة يؤيد قول المالكية، وإن كان الشك المراد به ما هو أعم من مجرد غلبة الظن وتحرى فليسجد سجدتين بعد ما يسلم، وهذا يكون متفق مع الرواية السابقة. اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم ... نكمل الأسئلة، أسئلة الإنترنت. هنا يقول: أنا طالب في الهند، وعندنا نحن الطلاب العرب إشكالية في اتباع السعودية أو الهند بالنسبة لرمضان أو الأعياد أو غيرها من الأيام الهامة في السنة أفتونا؟ على كل حال بالنسبة للرؤية، رؤية الهلال على الخلاف بين أهل العلم في مسألة اتحاد المطالع واختلاف المطالع، فالذي يقول باتحاد المطالع ما في إشكال، يتبع البلد الذي يعتمد المقدمات الشرعية، ويعمل برؤية الهلال أياً كان في أي بلد، في أي جهة من الدنيا، هذا على القول باتحاد الطالع، وعلى القول باختلاف المطالع ينظر إلى البلد الذي هو فيه إن كانت مقدماته شرعية وإلا فينظر إلى أقرب بلد يعمل بالمقدمات الشرعية والوسائل الشرعية. من يحدث وضوءاً حال طهره ليصلي هل يشمله الحديث في هذه النكتة التي ذكرتم؟ ما أدري لعله يقصد الصلاة صلاة سنة الوضوء، إنما يحدث هو على وضوء فيتوضأ ليصلي الصلاة التي جاء الترتيب عليها، أقبل عليها بقلبه ووجهه وجبت له الجنة، إذا توضأ ليصلي هذه الصلاة حصل له ما ذكر -إن شاء الله تعالى-. إذا صليت الجهرية سرية وأنا ناسي وقال أحد المصلين: سبحان الله وجهرت، هل أسجد للسهو؟ لا، لا تسجد للسهو. يقول: في حديث: ((إذا قدم العشاء فابدءوا بالعشاء قبل أن تصلوا المغرب)) هل هو مسوغ إذا كان المرء يصوم نافلة اثنين وخميس والمغرب صلاة لا ينتظر وقت بين الأذان والإقامة يؤخر صلاة الجماعة ويجلس يأكل مثلاً شاب صغير السن وجائع، هذا ما فهمته أمس، لكن تكرار هذا الأمر أليس خطأ؟ هو صام نافلة لكنه يتأخر عن الفريضة لأجل طعام الإفطار أفيدونا ... إلى آخره. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 17 على كل حال إذا قدم العشاء سواءً كان صائماً أو غير صائم والنفس تتوق إليه، ودخوله في الصلاة من غير أن يكسر هذه النهمة بحيث ينشغل بعشائه وطعامه وجوعه عن صلاته هذا يقدم الأكل، وإذا كان تقديمه الصلاة لا يؤثر على خشوعه وإقباله على صلاته هذا يقدم الصلاة. يقول: متى تستأنفون درس شرح ألفية العراقي -رحمه الله تعالى-؟ على كل حال يحدد في وقته ويعلن عنه، الآن ما بقي فيه إلا الشيء اليسير -إن شاء الله تعالى- وتكمل. رجل نذر أن يصلي ألف ركعة وصيام شهرين متتابعين فصام الشهرين ولم يقو على صلاة ألف ركعة في الشهرين، كيف يعمل؟ يصلي هذه الألف ركعة على مدى عمره حسب استطاعته. يقول: هل العمرة واجبة؟ وما دليل ذلك من الكتاب والسنة؟ هل على أهل مكة عمرة؟ العمرة يختلف فيها أهل العلم، والقول المرجح أنها واجبة ((حج عن أبيك واعتمر)) وجاء الأمر بإتمامها كإتمام الحج، وهذا دليل وجوبها عند أهل العلم. يقول: هل على أهل مكة عمرة؟ ليس لهم عمرة؛ لأن العمرة الزيارة، وأهل البلد لا يزورون بلدهم هذا من جهة، الأمر الثاني: أن قوله: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] هل هو يعود إلى التمتع أو يعود إلى الهدي المرتب على التمتع؟ مسألة خلافية، منهم من يقول: إن التمتع ليس لأهل مكة؛ لأنهم لا عمرة عليهم، والضمير يعود على هذا، ومنهم من يقول: إن لهم أن يتمتعوا ويعتمروا لكن لا يلزمهم هدي. يقول: تقدمت أختي لزميلتها في الكلية قبل ثمانية أشهر لخطبتها لي، وأخبرتها برغبتنا في ذلك، وقبل أسبوع كررنا عليهم، فأخبرونا أنه في هذه الفترة بعد أن كلمتهم أختي تقدم لهم شاب وخطب عندهم، وهم لا يريدونه، ولا يرغبون فيه، والبنت لا تريده، ولم يردوا عليه إلى الآن، فهل علي إثم؟ وهل خطبة على خطبة المسلم مع العلم أن أختي كلمتها قبل أن يتقدم لهم هذا الشخص؟ ما دام تقدمتم عليه فالظاهر أنكم أحق بها منه، الأمر الثاني: أنه ما باب الاحتياط ما دام تجزمون أنهم لا يريدونه يردونه صراحة ثم تقدم، وهذا أحوط، وإلا لو تقدمت مرة ثانية، وأنت تعرف أنك تقدمت قبله، وهم لا يريدونه لا شيء عليك -إن شاء الله تعالى-. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 18 يقول: هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ أذكار الصباح والمساء؟ نعم تقرأ الأذكار ما لم تكن من القرآن، أما إذا كانت هذه الأذكار من القرآن كآية الكرسي والمعوذتين وغيرهما فإنها لا تقرأها عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أنها تقرأ؛ لأنه لا يراد بها التلاوة، وإنما يراد بها الذكر. إذا نسي الإمام التشهد الأول واعتدل في القيام ثم رجع هل صلاته صحيحة؟ نعم صلاته صحيحة، لكن يكره الرجوع إذا لم يشرع في القراءة. قال: ما هي مسافة القصر في السفر؟ ومتى تحتسب؟ منهم من يرى أن السفر مطلق، وبالإطلاق جاءت النصوص من الكتاب والسنة، ولكن يرد في ذلك إلى العرف ليتحقق الوصف المؤثر الذي هو السفر، فمرد ذلك إلى العرف، لكن الأعراف متباينة ومتفاوتة، وكثير من البلدان ليس فيها عرف معين، مما تسبب في تضييع العبادات من الصلاة والصيام وغيرهما، فلذا رجح جمع من أهل التحقيق مذهب الجمهور في التحديد، سواءً كان ذلك في المسافة أو في المدة. يقول: هل الذهاب إلى مكة يعتبر سفر ويجوز القصر فيه؟ لا أدري من أين؟ الذهاب إلى مكة من أين؟ هل جدة تعتبر ميقات؟ ليست بميقات إلا لمن حاذت ميقاته كأهل سواكن من السودان. من أين يحرم أهل جدة بالعمرة؟ من حيث أنشئوا من بيوتهم من جدة. إنسان في جدة نوى الحج ولم يلبس ثياب الإحرام إلا في مكة ماذا عليه؟ عليه أن يلبس ثياب الإحرام من حيث أنشأ، من حيث أنشأ من جدة، وحينئذٍ يلزمه هدي عند جمهور أهل العلم. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 19 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (27) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صلاة التطوع عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)) رواه مسلم. وفي رواية لأحمد وأبي داود من رواية عبد الله بن حبشي الخثعمي قال: ((طول القيام)). وعن ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: ((سل)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أو غير ذلك؟ )) قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) رواه مسلم. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعة لا يدخل فيها على النبي -صلى الله عليه وسلم-. ساعة. وكانت ساعة لا يدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها. وساعة. . . . . . . . . وكانت ساعة لا يدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها. حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ لمسلم قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين" وفي رواية لهما: "وركعتين بعد الجمعة في بيته. وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة. رواه البخاري. وعنها قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر. متفق عليه، واللفظ للبخاري. ولمسلم: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)). الجزء: 27 ¦ الصفحة: 1 وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة)) وفي رواية: ((تطوعاً)) رواه مسلم. وقد رواه الترمذي وصححه والنسائي وفيه: ((أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر)) قال النسائي: ((قبل الصبح)) وذكر ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء. وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب. وعن عاصم بن ضمرة عن علي -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً)) رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة في صحيحه والترمذي وقال: حسن غريب، ووهى أبو زرعة رواته. يكفي، حسبك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة التطوع وذلك بعد ما أنهى الكلام على صلاة الفريضة أردف ذلك بصلاة التطوع. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 2 والصلاة مضى تعريفها، وهي مضافة على التطوع من إضافة المصدر إلى مفعوله، والأصل صلاة المرء أو صلاة المسلم التطوع، والتطوع تفعّل، والأصل في هذه الصيغة أنها تحتاج إلى شيء من الاكتساب، وشيء من المشقة، من تفعل، مثل التكسب في الارتزاق يحتاج إلى شيء من المعاناة، والتطوع هو فعل الطاعة، فعل الطاعة هذا الأصل فيه، سواءً كانت واجبة أو مستحبة، ولكن العرف الخاص حمل هذه اللفظة على ما عدا الواجبات من النوافل والمستحبات، ويجمع أهل العلم على أن الصلوات الخمس فرائض، وكذلك الجمعة إلا في خلاف شاذ لا يلتفت إليه، ويختلفون فيما عدا ذلك كصلاة الكسوف والوتر والعيدين وتحية المسجد، فالخلاف معروف بين أهل العلم، فأما بالنسبة لتحية المسجد قد مضى الحديث فيها، وأن من أهل العلم من أوجبها، وعامة أهل العلم على أنها مستحبة، وصلاة الكسوف نقل النووي -رحمه الله تعالى- الإجماع على أنها سنة، وقال أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، وترجم في صحيحه فقال: باب وجوب صلاة الكسوف، وصلاة العيد يختلف أهل العلم في حكمها، فمنهم من يقول: سنة كما هو المعروف عند المالكية، ومنهم من يقول بوجوبها كالحنفية، ومنهم من يقول بأنها فرض كفاية كالحنابلة وقول للشافعية، هذا بالنسبة لصلاة العيد، وصلاة الكسوف مضى الحديث فيها، والوتر جماهير أهل العلم على أنه سنة، وأوجبه الحنفية للأمر به، والأمر محمول على الاستحباب عند جمهور أهل العلم على ما سيأتي تقرير ذلك كله -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه كان -عليه الصلاة والسلام- يصليه على الراحلة، وكان لا يفعل ذلك في المكتوبة، فدل على أن الوتر ليس مكتوباً، ليس بواجب، وإن جاء الأمر به على جهة الاستحباب والندب. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 3 التطوع من أهل العلم من يرى أن التطوع بالصلاة أفضل الأعمال بعد الفرائض ((الصلاة خير مستكثر منه)) ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) ومنهم من يرى أن النفع المتعدي أفضل من نوافل العبادات الخاصة، فيقدمون التطوع بالجهاد لأن فيه النفع العام للإسلام والمسلمين، ثم يليه التطوع بالعلم تعلماً وتعليماً، وعلى هذا لو أن إنساناً انشغل عن بعض النوافل من صلاة أو صيام أو حج انشغل بجهاد كان الجهاد في حقه أفضل، ولو أنه انشغل أو اشتغل بتعلم العلم وتعليم العلم لكان هذا أفضل في حقه، لكن الشريعة جاءت بتنوع العبادات، وطلبت من المسلم أن يضرب من كل واحدة منها بسهم، تنوع العبادات من مقاصد الشرع، فلا يليق بطالب علم أن ينصرف إلى طلبه أو معلم أن ينصرف لتعليم العلم وينشغل عن بقية النوافل؛ لأن هذه النوافل وهذه التطوعات سواءً كانت من الصيام أو الصدقة أو الصيام أو الحج كلها مما يعين على طلب العلم وتحصيله، والانفكاك بين هذه العبادات غير متصور إلا في حال ضيق الوقت، وعند الشح في الوقت ينبغي أن يفاضل بين هذه العبادات وإلا ففي حال السعة على المسلم أن يضرب بسهم وافر من جميع أنواع العبادات، ولا يقتصر على العلم، ويقول: أطلب العلم ليل نهار، ثم بعد ذلك لا يتسنى له أن يصلي ركعتين في وقت فراغه، أو يصوم يوماً من أيام الدهر نافلة ((ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). الجزء: 27 ¦ الصفحة: 4 وقل مثل هذا في جميع العبادات في الجملة أهل العلم يكادون يتفقون على أن العبادات التي يتعدى نفعها أفضل من العبادات التي يقصر نفعها على صاحبها، مع أننا لو نظرنا إلى أركان الإسلام لوجدنا أن الشهادتين والصلاة هما الركنان الأول والثاني مع أن نفعهما قاصر على الشخص، والركن الثالث هو الزكاة التي يتعدى نفعها، فهذه القاعدة ليست على إطلاقها، ومع ذلك قد يعرض لبعض العبادات المفوقة ما يجعلها فائقاً بالنسبة لبعض الأشخاص وبالنسبة للأوقات والأماكن، فالقول بالتفضيل المطلق يحتاج إلى تقييد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل عن أفضل الأعمال ويجيب بأجوبة مختلفة؛ لأن الأجوبة تختلف باختلاف أحوال السائلين، فدل على أنه قد يندب للإنسان أن يتفرغ لطلب العلم، ويقال له: لا تصم نافلة، لما يتميز به من مؤهلات تؤهله أن يكون من المراجع لهذه الأمة، ومن العلماء الذين يرفعون الجهل عنها، ويقومون بحق الله في هذا العلم العظيم، ومنهم من يقال له: التفت إلى الصيام، ومنهم من يقال: التفت إلى الصدقة والنفقات، كل إنسان بحسب حاله، فإذا وجد الشخص الذي لديه الأهلية التامة لحمل العلم يقال له: اتجه إلى العلم، أفضل لك من نوافل العبادات الأخرى، وإذا كانت الأدوات عنده أقل، وقد يتعب في تحصيل العلم، وقد لا يدرك شيئاً يستحق ما يبذل فيه من وقت على أنه قد ضمن له الأجر ولو لم يحصل علماً ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) ومع ذلك إذا وجد من هذا النوع من أدواته متوسطة أو أقل من المتوسط ويرجى نفعه في أبواب أخرى من أبواب الدين يوجه إليه، ويقال: هذا أفضل في حقك، إذا وجدنا شخصاً ضعيف البنية هل نقول له: إن الجهاد أفضل في حقك؟ أو نقول: طلب العلم لا سيما إذا لحظنا عليه شيء من الذكاء، وشيء من الحفظ والفهم؟ كل إنسان يوجه إلى ما يناسبه. وعلى هذا القول بالإطلاق إن أفضل العبادات كذا يحتاج إلى مزيد عناية، والنظر في الأحوال المحتفة بالشخص والمكان والزمان، والله المستعان. باب: صلاة التطوع يقول -رحمه الله تعالى-: الجزء: 27 ¦ الصفحة: 5 "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عنهما" لأنه هو وأبوه مسلمان، فيترضا عنهما "قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)) رواه مسلم، وفي رواية لأحمد وأبي داود من رواية عبد الله بن حبشي الخثعمي قال: ((طول القيام)) ". أفضل الصلاة طول القيام، وقد يفسر القنوت بالقيام لأن للقنوت معاني، له أكثر من معنى، فهل يمكن أن يقال: أفضل الصلاة طول القنوت يعني الدعاء دعاء القنوت المعروف؟ يعني خير ما تفسر به السنة السنة، والحديث رواية أحمد وأبي داود بإسناد جيد لا بأس به، فيفسر به القنوت المذكور في حديث جابر، فيكون المراد بالقنوت في حديث جابر هو القيام المذكور في رواية عبد الله الخثعمي. الحديث دليل على أن تطويل القيام أفضل الصلاة، ومفهومه أن طول القيام أفضل من طول الركوع والسجود، طيب هذا طول القنوت وطول القيام هل يختص بالنافلة والتطوع أو يشمل الفريضة؟ لأنه جعله في صلاة التطوع، المؤلف ذكر الحديث في صلاة التطوع، ولم يذكره في صلاة الفريضة، هذا إذا كان المصلي فريضة إمام فقد جاء الأمر بالتخفيف، أما إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بالصحابة، وصلى بهم الصلاة المتوسطة هذا في غالب أحواله، وقد يطيل أحياناً، وقد يخفف لأمر عارض، أما بالنسبة للمنفرد إذا صلى فليطول لنفسه ما شاء، وعرف عنه -عليه الصلاة والسلام- تطويل صلاة النافلة، ولذا الطول يناسب النافلة والحديث عنه يناسب النافلة، ولذا أدرجه المؤلف في صدر صلاة التطوع في أول الباب. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 6 صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، يعني أكثر من خمسة أجزاء في ركعة واحدة، وقام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، وهذا يؤيد ما جاء في هذا الحديث من طول القيام وطول القنوت، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- كان قيامه وركوعه وسجوده قريباً من السواء، فلا يتصور أن إنساناً يقرأ في ركعة خمسة أجزاء ينقر الركوع والسجود، فإذا أطال القيام وأطال القنوت يطيل الركوع والسجود إلا إذا كان لا يطيق ذلك؛ لأن بعض الناس قد يطيل القيام، ولكنه لا يطيل الركوع، قد يطيل القيام لكنه لا يطيل السجود، وبعض الناس بالعكس، يطيل الركوع، يستطيع إطالة الركوع السجود لكنه لا يستطيع أن يطيل القيام و {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة]. إذا عرف هذا فقد اختلف أهل العلم في المفاضلة بين طول القيام، وفيه حديث الباب: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) الذي هو القيام، وليس فيه مستمسك لمن يطيل القنوت في الوتر ويكثر الدعاء، ويكرر ويمل ويشق على المأمومين استدلالاً بهذا الحديث؛ لأن المراد بالقنوت هنا ما فسره الحديث الآخر وهو القيام. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 7 أيهما أفضل طول القيام وفيه حديث الباب أو السجود و ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))؟ أيهما أفضل؟ من أهل العلم من فضل طول القيام لورود هذا الحديث، ومنهم من فضل طول السجود ليقرب من ربه، وليسأل ربه ما شاء، فقمن أن يستجاب ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) وبعض الناس يستروح إلى طول القيام؛ لأنه يتلذذ بالقراءة، ويستمتع بها، ويخفف بقية الصلاة، وبعضهم بالعكس تجده حريص على الدعاء، وهذا يوجد عند بعض المسلمين تجده حريص على الدعاء ويطيله ويكثره، ويطيل السجود تبعاً له، ويخفف القيام إما لقلة محفوظه، أو لثقل القرآن عليه، يعني بعض الناس الله -جل وعلا- يسر القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(17) سورة القمر] لكن هذا بالنسبة لكثير من الناس لا، الذي لم يتجاوز مرحلة المجاهدة ليصل إلى التلذذ بالقرآن، فالقرآن عليه ثقيل، وهذا موجود في بعض طلاب العلم، تجده يمر عليه اليوم واليومان والثلاثة ما فتح المصحف، وبعض طلاب العلم يحرص حرصاً شديداً على أن يحفظ القرآن، ولا شك أن هذا خير عظيم، لكنه إذا حفظه وضمن حفظه هجره، وهذا نسأل الله العافية جاء ذمه يعني هجر القرآن، فعلى الإنسان أن يكون متوازناً في عبادته. من فضل طول القيام لحديث الباب أو فضل طول السجود مع تخفيف القيام أو العكس لحديث: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) على كل حال يستدل بهذين الحديثين، ومنهم من يوفق بين هذه الأحاديث فيقول: القيام أفضل؛ لأن ذكره أفضل وهو القرآن، والسجود أفضل لما جاء فيه؛ لأنه أقرب إلى الخضوع والتذلل والانكسار والانطراح بين يدي الله -عز وجل-، بخلاف القيام، والنتيجة إذا كان هذا أفضل بذكره وهذا أفضل بهيئته نعود إلى مسألة التوازن، فيأخذ من طول القيام لفضل الذكر، ويأخذ من طول السجود لفضل الحال والهيئة. قال -رحمه الله-: الجزء: 27 ¦ الصفحة: 8 "وعن ربيعة بن كعب الأسلمي" وقد يقال له: ربيعة بن مالك، وقد ينسب إلى أبيه أحياناً وإلى جده، هو ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- "قال: كنت أبيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا من فقراء المسلمين من أهل الصفة، يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يبيت عنده، يقول: "كنت أبيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" والصيغة تدل على الاستمرار، يبيت عنده باستمرار، هذا الأصل في هذه الصيغة لكنها جاءت للدلالة على الفعل ولو مرة واحدة، على كل حال الصيغة تدل على أنه قريب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يبيت عنده فيأتيه بوضوئه وحاجته. "كنت أبيت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-" بهذه المثابة وهو القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيأتيه بوضوئه الماء الذي يتوضأ به، وحاجته يعني ما يحتاج إليه "فقال لي: ((سل)) " يعني من باب المكافأة، ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له)). "فقال لي: ((سل)) " وهي مخففة من اسأل، وجاءت في القرآن مخففة، وجاءت أيضاً على أصلها (واسأل). " ((سل)) فقال: أسألك مرافقتك في الجنة" ما قال: اسأل البستان الفلاني، أو الأرض الفلانية، أو الوظيفة الفلانية، همم القوم تختلف عن همم كثير من المسلمين في عصرنا وما قبله بدهور، لكن ماذا سأل؟ قال: أسألك الأرض المجاورة للمسجد في المنطقة المركزية؟ لا، الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وهكذا ينبغي أن تكون في عرف أوليائه. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 9 "أسألك مرافقتك في الجنة" شيء عظيم يسأل الجنة، هو صحابي جليل يفعل الواجبات، ويترك المحرمات، ويخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو حري وخليق بأن يدخل الجنة، ولا نجزم لأحد بشيء، لكن سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- مرافقته، وهل يلزم من مسألته مرافقته أن يكون معه في درجته، أو يكون في مسمى الجنة وعمومها، ولا يلزم أن يكون معه، لكن المرافقة تدل على المنزلة، ما قال: أسألك الجنة، أو تسأل الله لي الجنة، أولاً: النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يملك -عليه الصلاة والسلام- أن يدخله الجنة؛ لأن هذا لله -جل وعلا-، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل ربه، ويشفع لمثل هذا أن يدخل الجنة، وله الجاه العظيم عند الله -جل علا- أن يشفعه في هذا وأمثاله، لكن لا يملك تلقائياً أن يدخل أحداً الجنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فهو يسأل مرافقته في الجنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو له، لكن هل يكفي أن يعتمد الإنسان على دعاء غيره من غير بذل سبب منه؛ لأن ترتب الأمور أو ترتب الآثار على أعمالها أو ترتب المسببات على أسبابها لا بد من توافر سبب وانتفاء مانع، ولا يمكن أن يحصل الإنسان على ما يريد بسبب غيره دون أن يبذل جهداً من نفسه؛ لأنه مأمور بأوامر ومنهي عن نواهي، وجاءت خصال موصلة إلى الجنة، لكن من فعلها تضمن له الجنة ولو ارتكب مانع أو قصر في واجب؟ قد يكون أهم من هذا الذي هو سبب في دخول الجنة ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) لكن هل ينال هذه الفضائل من ينام عن الصلوات؟ هذا بذل هذه الأسباب وموعود بالمغفرة، لكن لا بد من انتفاء الموانع، ولا بد من بذل الأسباب المعينة. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 10 ولذلك قال: "فقال: ((أو غير ذلك؟ )) " أما تسأل غير هذا؟ أليس حاجة أيسر من هذه؟! لأنه لو قال: الأرض الفلانية قال: خذ "قلت: هو ذاك" يعني ما عندي غير هذا، ما عندي غير الجنة، الهمة محددة، وهي دخول الجنة، ومن لازمها النجاة من النار، وإذا دخل الجنة تنعم بنعيمها الذي أعظمه رؤية الباري -جل وعلا-، التلذذ برؤية الله -جل وعلا-، وما يتبع ذلك من النعيم المقيم، وفي ضمنه النجاة من العذاب الأليم الأبدي السرمدي. "قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) " فالكثرة مطلوبة، والسجود كناية عن الصلاة، يعني أكثر من الصلاة، ومن لازم الصلاة السجود ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وهذا يدل على أنه لا حد محدد للركعات التي يتطوع بها الإنسان من النوافل المطلقة في ليل أو نهار، ما في حد محدد: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وكلما كان أكثر كانت الإجابة أقرب. الكثرة -كثرة السجود- هل تنافي طول السجود؟ نعم؟ تنافي وإلا ... ؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 27 ¦ الصفحة: 11 لأن الكثرة يراد بها في العدد، والطول في الوقت، فهل الأفضل أن يسجد سجدة واحدة في خمس دقائق، أو يسجد خمس سجدات في خمس دقائق؟ في الحديث يقول: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) لأنه أثر عن بعض السلف أنه يتطوع في اليوم والليلة بعدد كبير وكثير من الركعات، منهم من يتطوع بثلاثمائة ركعة، وإذا اعتبرنا الركعة بدقيقة في أقل ما يجزئ فيحتاج إلى خمس ساعات متواصلة، وذكر ابن المطهر الحلي الرافضي في كتاب: منهاج الكرامة عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يتطوع في اليوم والليلة بألف ركعة، لكن شيخ الإسلام قال: الوقت لا يستوعب، لكن ثلاثمائة كما يذكر عن الإمام أحمد -رحمه الله- وعن غيره من السلف، الحافظ عبد الغني المقدسي ثلاثمائة، هل هذا هو الأفضل أو الأفضل أن يصلي بدل الثلاثمائة أقل لكن على طريقة أطول، بدلاً من أن يصلي الركعة بدقيقة يصليها بثلاث دقائق، وبدلاً من الثلاثمائة يصلي مائة، وصفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- هي الطول، والحديث يدل على الكثرة، ولعلنا نعود إلى ما ذكرناه وقررناه سابقاً أن على كل إنسان أن يفعل ما يناسبه ويميل إليه، ليأتي إلى هذه العبادة وهو منشرح الصدر، فبعض الناس ميله إلى التخفيف مع الكثرة، وبعضهم ميله إلى التطويل مع التقليل، وكل إنسان يفعل الأرفق به، وما يعينه على لزوم هذه العبادات الذي يعينه على لزومها، لو قيل للإنسان: صل مائة ركعة، يمكن يصلي يوم ولا يصلي يوم ثاني، يعني بالتدريج، يصلي ما كتب له حسب ما يتيسر، وحسب فراغه، وحسب نشاطه يصلي، ولكن لا ينسى هذه الوصية: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)). قوله: ((بكثرة السجود)) يدل على أنه لا حد محدد لا يزاد عليه ولا ينقص في صلاة التطوع، سواءً كانت بالليل أو بالنهار، وسيأتي في حديث عائشة أنه -عليه الصلاة والسلام- ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة، ويأتي ما فيه مع استحضار هذا الحديث -إن شاء الله تعالى-. "رواه مسلم". الجزء: 27 ¦ الصفحة: 12 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات" يعني يمكن أن يقال: إنه حفظ هذه العشر من مرة واحدة فلا يدل على لزوم العشر، أو أنه من تكررها حفظها ابن عمر؟ لا سيما وأنه يوجد ما يخالف هذا الحديث في العدد، حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات، وهل الذي يحفظ القول أو الفعل؟ يعني هل رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلها أو سمعه يحث عليها؟ يعني الحفظ خاص بالقول أو يعم القول والفعل؟ يعم القول والفعل. "حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها" وسيأتي في حديث أم المؤمنين أنها أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، ويأتي أيضاً ما يدل على أنها أربع ركعات قبل الظهر، وأربع ركعات بعدها، وعلى هذا تكون الرواتب المتعلقة بالفرائض الخمس عشر على حديث ابن عمر، أو اثنتا عشرة، أو أربعة عشرة. والحكمة من شرعيتها أنها يرقع بها الخلل التي في الفرائض، فأول ما يحاسب عليه العبد من دينه الصلاة، فإن وجدت تامة فقد أفلح وأنجح، وإن وجدت ناقصة قال الله -جل وعلا-: ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟ )) من أجل أن يكمل النقص من التطوع، وهكذا في جميع العبادات إذا وجد خلل في الفرض يكمل من التطوع، فالصلاة المفروضة يكمل نقصها من التطوعات، هذا يجعل المسلم يحرص على التطوع؛ لأن النقص والخلل والسهو والغفلة أمور ملازمة للإنسان مهما بذل وحرص على الكمال، فإن الخلل لا بد أن يقع؛ فليحرص على ما يكمل به هذا النقص، وهذا الخلل من الرواتب المذكورة ومن غيرها؛ لأنها قد لا تفي هذه الرواتب برفع الخلل الواقع في الفريضة وقل مثل هذا في الزكاة، ومثل هذا في الصيام في الحج وغيرها. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 13 وهنا مسألة يكثر السؤال عنها، وهي أن من استؤجر على عمل موظف، سواءً كان في وظيفة إدارية عادية يحصل منه خلل، يحصل منه خلل في وقت الدوام، تفريط، ثم يقول بعد ذلك: أنا آخذ بعض العمل لأشتغل به في البيت نكمل النقص، ويوجد هذا في المعلمين، ولا سيما بعض الشيوخ الذين يعلمون العلم الشرعي فتجده مدرس تفسير وإلا مدرس حديث وإلا مدرس قرآن وإلا مدرس عقيدة أو غيرها من التخصصات، تجده في عمله الوظيفي عنده شيء من التقصير والتفريط، تجده يتراخى، يعرف أن المحاضرة دخلت فيمر على فلان في مكتب فلان أو على وكيل وإلا عميد وإلا رئيس قسم وإلا شيء ويأخذ عنده بيالة شاي ولو تأخر خمس دقائق أو شيء من هذا، أو في أثناء الدرس تجده يتشاغل بأمور مفضولة على حساب الواجب، ثم يقول بعد ذلك: أنا عندي دروس في المغرب في آخر النهار، أنا عندي نفع وبذل لعله يرقع هذا من هذا، هذه وجهة نظر. وبعضهم تجده يحرص على أداء الواجب المحاضرة من أولها إلى آخرها جادة في صميم المنهج، لكن ليس له بذل غير ذلك، أيهما أفضل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الثاني أو الأول؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 27 ¦ الصفحة: 14 أولاً: الكمال لا يمكن أن يتصور أو يتوقع من أحد، وإذا كان للإنسان بذل قدر زائد على الواجب فلا بد أن يكون له تبعات، وهذه التبعات قد تؤثر على العمل الأصلي، وإذا نظرنا إلى النوعيات التي تستفيد منه في العمل الأصلي وفي العمل التطوعي، تجده يحضر عنده في العمل الأصلي من يستفيد ومن لا يستفيد، إضافة إلى أن العمل الأصلي فيه ما يدعو إلى شيء من الخلل، يعني أخذ الحضور مثلاً، معاتبة طالب نائم وإلا منشغل وإلا كذا، هذه مطلوبة من المدرس، لكنها على حساب العمل يعني، بينما عمله التطوعي تجده صافي لطلاب ينتفعون، ما جاءوا إلا للانتفاع والنية والإخلاص فيه أقرب، لكن مع ذلك مهما بذل يجب عليه أن يسعى لإبراء ذمته من عمله الأصلي الذي يأخذ عليه أجراً، يجب عليه أن يسعى لإبراء ذمته، لكن إذا حصل خلل من غير قصد ولا تفريط، ثم كان له عمل تطوع بذل في غير الوقت الأصلي فإنه على الجادة على القاعدة، يكمل له العمل الأصلي -إن شاء الله تعالى-، لكن لا يقول: أنا ما عندي طلاب في الجامعة، طلاب يعني ولو عشرة بالمائة طلاب علم، فأوفر الجهد والتحضير والاهتمام لدروس المسجد، نقول: لا يا أخي، أنت عملك الأصلي هو الذي تأخذ عليه أجراً، إذا كنت لا تطيق الجمع بين الأمرين فلا يجوز لك أن تفرط في العمل الذي تأخذ عليه أجراً، وإن نازعتك نفسك وعجزت عن المقاومة ففي مجالات أخرى يعني، بإمكانك أن تستقيل أو تتقاعد أو .. ، ثم تتجه إلى ما تراه أنفع. على كل حال القاعدة مطردة، العمل التطوعي يكمل منه العمل الواجب، وهذه هي الحكمة من مشروعية هذه النوافل، في حديث ابن عمر عشر ركعات وفي حديث أم المؤمنين اثنتي عشرة ركعة، فإذا جمعنا هذه الركعات العشر مع الفرائض السبع عشرة نحتاج إلى تكميل الأربعين إلى ثلاث عشرة، ابن القيم -رحمه الله- يقول: "من طرق الباب أربعين مرة يوشك أن يفتح له" "كيف؟ سبع عشرة الفرائض، وثنى عشرة الرواتب وإحدى عشرة صلاة الليل، كم يكون المجموع؟ يكون المجموع أربعين، وإذا قلنا: إن الرواتب عشر على حديث ابن عمر يحتاج في صلاة الليل أن يصلي ثلاث عشرة، وهي ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيح. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 15 "حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات" خفي عليه ما زاد في حديث أم المؤمنين، من الركعتين اللتين قبل صلاة الظهر، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فالمرجح أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة، ركعتين قبل الظهر، وفي حديث أم المؤمنين أربع ركعات على ما سيأتي، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، لم تذكر العصر لأنه لا راتبة لها، فالظهر لها راتبة قبلية وبعدية، ووقت الراتبة القبلية من دخول الوقت إلى الشروع في الصلاة، والبعدية من الفراغ من الصلاة، وأذكارها إلى خروج الوقت، وقد تقضى القبلية بعد الصلاة وبعد الراتبة البعدية لأنها مقضية مقضية، فإذا أخرت يعني جاءوا ناس يصلون صلاة الظهر فاتته الراتبة، صلى الظهر ثم يصلي ركعتين الراتبة البعدية، ثم بعد ذلك يقضي الراتبة القبلية الأربع ركعات أو الركعتين على ما جاء في حديث ابن عمر وأم المؤمنين؛ لماذا؟ لأنه لو قدم الراتبة القبلية لصارت الراتبة البعدية قضاء، فتؤدى المؤداة قبل المقضية، فالظهر لها راتبة قبلية وبعدية، طيب العصر؟ العصر ما ذكرت في الحديث؛ لأنها ليس لها سنة راتبة، ليس لصلاة العصر سنة راتبة، وجاء الحث على ما سيأتي على أربع ركعات قبل العصر، وسيأتي الكلام فيها، وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر لما شغل عنها بعد صلاة العصر، وهو وقت نهي، وجاء ما يدل على اختصاصه بذلك؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، فالآن عندنا الصلاة الأولى أي الصلوات؟ نعم؟ الظهر، جاءت تسميتها في النصوص الصلاة الأولى؛ ولماذا صارت أولى؟ طالب:. . . . . . . . . أول صلاة صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- مع جبريل حينما علمه الأوقات، فالظهر هي الأولى، والثانية العصر، الأولى لها راتبة قبلية وبعدية، والعصر ليس لها راتبة لا قبل ولا بعد. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 16 "وركعتين بعد المغرب في بيته" تنصيص، فراتبة المغرب الأفضل أن تكون في البيت، وسئل الإمام أحمد أيجزئ صلاة راتبة المغرب في المسجد؟ قال: أرجو، يعني في إجزائها شك، النبي -عليه الصلاة والسلام- واظب على فعلها في البيت، لكن كثير من الناس لا يتيسر له أن يذهب إلى البيت بعد صلاة المغرب، قد يكون مرتبط بعمل، مرتبط بدرس في المسجد، أو بعمل في جهة من الجهات، أو على موعد مع فلان أو فلان، أو يذهب إلى محله وتجارته، فهل الأفضل له أن يصليها في المسجد؟ أما إذا كان عنده درس في المسجد فلا خيار، يعني يصليها في المسجد، لكن إذا كان له محل تجارة أو عمل وظيفي يذهب إليه بعد صلاة المغرب أو مدعو عند صديق أو قريب هل يصليها في المسجد أو يصليها في محله في متجره في محل وظيفته في بيت من دعاه؟ طالب:. . . . . . . . . الأفضل أن يصليها في محله في تجارته في دكانه في مكتبه في المحل الذي دعي إليه للضيافة مثلاً، أو يصليها في المسجد؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني ما البديل للبيت؟ هل نقول: إن الدكان في ملكه شبيه بالبيت، أو نقول: إنه محل عام يدخل ويخرج منه فهو شبيه بالمسجد؟ لأن الصلاة في البيت شرعت لحكم، منها: أولاً: أنه أخفى عن أعين الناس، ومنها: من أجل أن يقتدي به النساء والأطفال، ويتعلمون الصلاة من صلاته في بيته، فعلى هذا إذا لم يتيسر له أن يصليها في بيته يصليها في المسجد، وإذا كان على موعد وخشي أن يتأخر عليه فأراد أن يصليها على رحلته يستغل الطريق يصليها على راحلته وإلا لا؟ طالب:. . . . . . . . . ماشية، إذا هو واقف يصلي في المسجد، وهو ماشي الدوام باقي عليه خمس دقائق ما في فرصة أنه يصلي في المسجد، يصلي في الطريق في السيارة وإلا ما يصلي؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى على الدابة في الحضر، إنما صلاها في السفر، لكن إذا خشي فواتها أو تضييعها في مثل هذا ألا يتجه أن يقال له: النفل مبني على التخفيفـ، له أن يصليها في سيارته على دابته استغلالاً للوقت؛ لئلا يضيع شيء من الواجب، ولا تضيع الراتبة أيضاً. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 17 صلى بجواري أمس في المسجد الحرام صلاة الجمعة شخص، فلما سلم قام وصلى تسليمتين، ولا صلى على الجنائز، يقول: لا بد أن أصلي هذه الركعات لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر عنه أنه كان يصلي بعد الجمعة أربع ركعات على ما سيأتي، يعني إذا كان في المسجد، فهل يفرط في صلاة الجنازة من أجل هذه الركعات الأربع؟ جنائز، وهذا يدخل في باب المفاضلة بين العبادات وهو أمر مهم، هل نقول لمثل هذا: صل على الجنائز وصل الصلوات هذه لئلا يفوتك دوامك لأنه عسكري، والأمر عندهم أشد من المدنيين، صلها على السيارة تلحق، تحصيلاً لهذه القراريط بعدد الجنائز التي يصلى عليها، أو نقول: إن هذه من الأمور المستثناة شرعاً فلا يعارض بها الدوام؟ يعني الدوام هل واحد من الموظفين وقع عقد وفيه استثناء وقت الصلاة؟ ما في أحد يوقع على هذا، لكنه مستثنى شرعاً، إذا أذن تطبق القلم وتمشي تصلي، ولا أحد يستطيع أن يعارضك في هذا، وأنت في وسط الدوام، هذا مستثنى شرعاً، فهل مما يستثنى أيضاً ما يلتحق بهذه الفرائض من نوافلها، يعني ولو أدى ذلك إلى التأخر، يعني هذه أمور عملية يحتاجها الناس كلهم، كل من هو مرتبط بعمل يحتاج مثل هذه المسائل. الفريضة مستثناة شرعاً لكن النافلة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . أولى من النافلة، النافلة راتبة ونص عليها ومحفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يخل بها، فهل هي مما يلتحق بالفرائض؟ طيب أذكار الصلاة تقول: العمل أولى؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما هي بسيطة يا أخي تأخذ عند بعض الناس وقت، تأخذ وقت عند بعض الناس، وهو بالإمكان أن يقولها وهو في طريقه، لكن الأصل أنها مرتبطة بالصلاة بمكانها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها وهو جالس، هذه الأمور لا شك أنها مستثناة شرعاً، وليس لأحد أن يطالب، يعني يقول: لماذا تأخرت خمس دقائق؟ صليت الراتبة يلام على ذلك وإلا ما يلام؟ لا يلام على ذلك. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 18 وركعتين بعد المغرب في بيته ما نص على البيت في راتبة الظهر القبلية ولا البعدية مما يدل على أنها في المسجد، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلها في المسجد، ولو فعلها في بيته لعموم حديث: ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) لكان أفضل، لكن يبقى أن التنصيص على ركعتي المغرب في البيت يدل على أهمية صلاتها في البيت. وكذلك ركعتين بعد العشاء في بيته "وركعتين قبل صلاة الصبح" ركعتين قبل صلاة الصبح في بيته أيضاً، ترك التنصيص على البيت في ركعتي الصبح لظهور أمرها، ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها في المسجد، يصلي التهجد ثم يضطجع وقد ينام، فإذا أذن بلال بالصلاة صلى الركعتين ثم اضطجع، وسيأتي حكم الاضطجاع بعد الركعتين حتى يؤذنه بلال بالصلاة، فكان يصلي الركعتين في بيته، وقد يتعارض فعل هاتين الركعتين في البيت مع التبكير إلى الصلاة والقرب من الإمام والصف الأول وميامن الصفوف، يكون هناك تعارض، فما الذي يقدم؟ هل يصلي ركعتي الفجر في بيته ونقول: أفضل ولو فاتك الصف الأول ولو بعدت عن الإمام لا سيما إذا كان المسجد بعيداً؟ أو نقول: أقرب من الإمام وصف في الصف الأول قريب منه واستمع لقراءته وبكر للصلاة واقرأ ما كتب لك قبل الصلاة ويكون بمجموع هذه الفضائل أفضل مما لو صلاها في بيته؟ الأصل الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فما فعله -عليه الصلاة والسلام- هو الأكمل، فيصلي الركعتين في بيته، ثم يأتي إلى الفريضة. "وركعتين قبل صلاة الصبح" أولاً: بعد طلوع الصبح يبدأ وقت النهي، فإذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الصبح فقط، فلو صلاها في بيته وجاء إلى المسجد ووجد الصلاة ما أقيمت يصلي ركعتين اللي هي تحية المسجد؛ لأن الوقت موسع، ونازع بعضهم في كونه من أوقات النهي، وأن النهي يبدأ من الصلاة كالعصر، لكن المرجح أن النهي يبدأ قبل الصلاة من طلوع الصبح. "وركعتين قبل الصبح" ومعلوم أنها في البيت "وكانت ساعة" وكانت هذه الساعة ساعة "لا يدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها أحد" يصلي فيها هاتين الركعتين، ويضطجع على شقه الأيمن حتى يؤذن للصلاة من قبل المؤذن. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 19 "حدثتني حفصة" من الذي يقول: حدثتني؟ ابن عمر وهو إيش؟ أخوها "حدثتني حفصة بنت عمر أم المؤمنين -رضي الله عنهما-: أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين" هما راتبة الصبح "متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ لمسلم، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين" هذا يدل على أن النهي يبدأ من طلوع الفجر، وعلى هذا إذا طلع الفجر فلا صلاة غير هاتين الركعتين، وذكر عن بعض الصحابة أنه كان يقضي الوتر في هذا الوقت، لكن لا كلام لأحد معه -عليه الصلاة والسلام- الذي انتهى وتره إلى السحر، يعني قبل طلوع الفجر، وإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، وعلى هذا من فاته الوتر يقضيه إذا خرج وقت النهي بارتفاع الشمس. "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين" خفيفتين حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " تعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مبالغة في التخفيف، يصلي ركعتين خفيفتين، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " وتخفيف ركعتي الفجر هو السنة، وسيأتي ما يقرأ فيهما. "وفي رواية لهما -يعني للبخاري ومسلم يعني من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" يعني متصلة بحديثه السابق، نعم؟ متصلة بحديثه السابق، فقوله: حفظت من النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر ركعات: ركعتين وركعتين وركعتين وركعتين وركعتين، هذه عشر، ثم قال: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" كم يكون المجموع؟ يكون المجموع ثنتي عشرة، العشر، وركعتين بعد الجمعة، العد الإجمالي يختلف مع العد التفصيلي، يقول: حفظت من النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر ركعات، ثم عد ثنتي عشر ركعة، فقوله: "عشر ركعات" يعني المتكررة في كل يوم، يعني ما يتكرر في كل يوم، وأما الجمعة فلا تتكرر، فلا تحسب مع العد الإجمالي. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 20 "ركعتين بعد الجمعة" وجاء ما يدل على أنها أربع ركعات، وجاء ما يدل على أنها ست، ابن القيم -رحمه الله- يجمع بين هذه الروايات بأنه إن صلاها في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في البيت صلاها ركعتين، ولذا قال: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" والجمعة ليست لها راتبة قبلية، ليست كالظهر. إفراد الركعتين بعد الجمعة في بيته ألا يمكن أن يشملها ما تقدم ركعتين بعدها، يعني بعد الظهر، ويكتفى عن إفراد الجمعة؟ أو نقول: إن الجمعة وقت مستقل كالصبح؟ ولذا لا تجمع ولا يجمع إليها، لا تجمع مع العصر ولا تجمع العصر معها، فهي وقت مستقل، ولذلك أفردت راتبتها، وإلا لو كانت قائمة مقام الظهر، أو هي الظهر والخطبتان عن الركعتين الأوليين لما احتاج إلى التنصيص إلى قوله: "وركعتين بعد الجمعة في بيته. قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة" رواه البخاري" هذا لا شك أنه يدل على تأكد الأربع قبل صلاة الظهر، وهي التي جاء فيها: "أربع ركعات بعد الزوال لا يرد الدعاء بعدها" وأما ركعتي الصبح فالتأكيد عليها جاء في أحاديث منها أنه كان لا يدعها سفراً ولا حضراً. "وعنها" يعني عن عائشة -رضي الله عنها- "قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر" متفق عليه، واللفظ للبخاري" يذكر عن الحسن البصري أنه أوجب ركعتي الفجر، ولكن عامة أهل العلم على أنها سنة، من الرواتب ومؤكدة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن ليدعها لا في سفره ولا حضره كالوتر، ولم يكن على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على هاتين الركعتين. "متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) " وهذا أيضاً يدل على تأكدها. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 21 ((خير من الدنيا وما فيها)) يعني النفوس معلقة بالدنيا وزخرفها وأعناق الناس تشرئب إليها وإلى أربابها وأصحابها، بغض النظر عن هاتين الركعتين، وما هو أهم من هاتين الركعتين من الفرائض، يعني هل نظرة عموم الناس إذا رأوا رجلاً ثرياً يمتطي سيارة فاخرة، يعني يدخل في قلوبهم من الهيبة مثل ما يدخل قلوبهم من شخص لا تفوته تكبيرة الإحرام؟ لا، وعلى هذا لو أن شخص أدرك ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح لو عرضت عليه الدنيا يوافق وإلا ما يوافق؟ يعني لو قيل له: هذا ألف أو مليون بها الركعتين، ألا يمكن أن يقول: نأتي بركعتين بدقيقتين غير هاتين الركعتين؟! والمليون متى يجمع؟ يعني هذا في حسابات الناس العادية، هذا في حساباتهم العادية، لكن ومع ذلك: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) بما فيها من الأموال كلها، ومن المتع كلها، ومن زينتها وزخرفها، وجميع ما يستمتع به الناس ويستلذون به كله لا يعادل ركعتي الفجر، والدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، لكن هل الناس يقدرونها قدرها، بل العكس وجد من يعبدها من دون الله، وجد من يعبد الدرهم والدينار، وجد من يعبد الوظيفة، وجد من يعبد المركز الاجتماعي وغير ذلك، وحب الشرف، وحب المال، هذه من أعظم ما يقضي على دين المرء: ((وما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لهما من حب الشرف والمال لدين المسلم)) يعني التهالك على حب الشرف، وحب المال، حب الرئاسات، حب الجاه هذا هو الذي أهلك الناس، وتجد بعض الناس متماثل مستقيم قبل أن يملك شيء من الدنيا، أو قبل أن يحصل له شيء من المنصب أو الجاه، ثم بعد ذلك تجده يتنازل شيئاً فشيئاً إلى أن يفقد أغلى ما يملك، وبعض طلاب العلم نسوا القرآن، نسوه، حفظوه ثم نسوه؛ لماذا؟ لأنهم اشتغلوا، إما بمساهمات عقارية أو أسهم أو غيرها، تجده يلتحق بهذه الأعمال ثم ينسى نفسه، وينسى ربه، وينسى دينه، وينسى أسرته، كم تقدر الكارثة والخسارة إذا نسي القرآن بعد أن حفظه؟ أو صلى صلاة لا يعقل منها شيء، أو فرط فيما أؤتمن عليه من أسرة من زوجة من أولاد من بنين وبنات، وعمل ووظيفة واجبة، يفرط فيها من أجل حطام الدنيا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ركعتا الفجر خير من الجزء: 27 ¦ الصفحة: 22 الدنيا وما فيها)) يعني لو أن شخصاً جاء قبل صلاة الصبح مع الأذان وبإمكانه الوقت يستوعب إلى هاتين الركعتين وعشر ركعات بخمس تسليمات، ثم صلى ركعتين، وجاء قال واحد: هذا مليون، قال: هات، نصلي غيرهن، ثم صلى ركعتين، وقال الثاني كذلك، والثالث والخامس قال: تقضى بعد صلاة الصبح أو بعد طلوع الشمس، كل هذا لا يعدل شيئاً عند الله -جل وعلا-. وهل يؤثر في النية -في نية الإنسان-؟ لأن بعض الناس من باب الفضول إذا حج شخص قال: كم تبيع علي الحجة؟ خسرت خمسة آلاف أعطيك مائة ألف، ثم قال: لا مانع، وهو يريد أن يختبره، هل يؤثر على نيته بعد الفراغ من العبادة أو لا يؤثر؟ نعم؟ إذا كان الندم على المعصية توبة، فالندم على العبادة بعض الناس يحج وإذا رجع من الحج قال: ليتني ما حجيت، والله تعبنا تعب شديد، ليتني ما حجيت ها السنة، هذا لا شك أنه يخدش في العمل، فكيف بالمساومة في أمور الدنيا؟! لأنه يوجد في فضول الناس، فضول عوام الناس وقد يوجد عند بعض الملتزمين كم تبيع علي حجك؟ كم تبيع علي صيامك؟ كم؟ كل هذا من العبث بالدين والدنيا كلها لا شيء بالنسبة لهاتين الركعتين، فما بالكم بما هو أعظم منهما مما افترض الله على الإنسان؟! والله المستعان. سعيد بن المسيب جاءه من يخطب ابنته لابن الخليفة، ويقول له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، قال: كيف؟ قال: ابن الخليفة يخطب البنت، جاءتك الدنيا بحذافيرها، قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فما ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟! الدنيا كلها ما في يد الخليفة وما في أيدي الناس، وما في أيدي الملوك في سائر الأقطار كله لا يزن عند الله جناح بعوضة، ماذا يقص لسعيد بن المسيب الذي يعرف حقيقة الدنيا ويعرف حقيقة الآخرة؟! ماذا يقص له من هذا الجناح؟ لكننا في غفلة، نحن في غفلة عما خلقنا له، والله المستعان. قال -رحمه الله-: الجزء: 27 ¦ الصفحة: 23 "وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى)) " أم حبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية واسمها: رملة، تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي بالحبشة مهاجرة بعد أن ارتد زوجها، وجاء ما يدل على أن أبا سفيان جدد العقد للنبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن أسلم على الكلام الذي عرف وذكره أهل العلم في الطعن في حديث التجديد، ولكن لا يمنع ما دام في صحيح مسلم، لا يمنع أن يجدد العقد، وإن كان العقد صحيحاً سارياً من باب جبر الخاطر؛ لأنه كبير قوم، ويرى أن ابنته أخذت من غير إذنه وقهراً عنه، لا يمنع أن يعطى مثل هذا جبراً لخاطره، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن)). "-رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة)) وفي رواية: ((تطوعاً)) " التطوع يخرج الفرض؛ لأن من اقتصر على الفرائض يقول: أنا صليت ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة وزدت خمس ألا يحصل لي هذا الوعد يبنى لي بيت في الجنة، الرواية تقول: ((تطوعاً)) والتطوع لا يكون إلا بعد أداء الفريضة. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 24 ((من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة)) وهذا يدل .. ، الصيغة ((من صلى)) ((بني)) هل تدل على الملازمة أو أنه في كل يوم يبنى له بيت في الجنة؟ جواب الشرط بني مرتب على صلى، جواب الشرط بني له بهن بيت في الجنة مرتب على من صلى، فإذا صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، ثم إذا صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، قد يقول قائل: في كل يوم يبنى للمسلم بيت في الجنة؟ أو يكفيه أنه إذا لزم هذه الثنتي عشر الركعة يبنى له بيت واحد في الجنة ولو طول عمره؟ وماذا عما لو أخل في بعض الأيام؟ إذا قلنا: إنه للملازمة والدوام والاستمرار إذا أخل ولو في يوم من الأيام ما حصل له بيت في الجنة، وإذا قلنا: إن فضل الله واسع، وما عنده لا يمكن أن يحد، رتبنا الجواب على الشرط، وقلنا: إنه بمجرد ما يصلي ثنتي عشرة ركعة يبنى له البيت في الجنة، وفضل الله واسع، يعني ولا يقال: الإنسان يعمر مائة سنة وفيها كم من يوم؟ السنة ثلاثمائة وخمسين، وعشرين سنة سبعة آلاف، إذا ضربتها في متوسط العمر مثلاً السبعين احذف منها الخمس عشرة قبل البلوغ يبقى خمس وخمسين اضرب السبعة آلاف في ثلاثة عشرين ألف، كم يبنى له؟ حدود عشرين ألف بيت، يقول: وين المساحة التي بتأخذ كل واحد عشرين ألف بيت؟ أولاً: عموم الناس كثير منهم لا يحافظ على هذه الصلوات رغم ما ورد في فضلها، الأمر الثاني: أن آخر من يدخل الجنة، يخرج من النار ويدخل الجنة آخرهم ماذا أعد له في الجنة؟ يقال له: تمن، فتنقطع به الأماني ما يعرف المسكين، فيقال: أيرضيك أن يكون لك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ فيقول: إي وربي، فيقال: هو لك ومثله ومثله وعشرة أمثاله، هذا آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار، عشرة أمثال أعظم ملك في الدنيا، تصور ملك هارون الرشيد، عشرة أمثاله لآخر من يخرج من النار ويدخل الجنة، يعني نتكاثر عشرين ألف بيت أو ثلاثين ألف بيت؟! فما عند الله لا يحد وخزائنه ملأى، لا تغيظها النفقة، يعني ماذا أنفق منذ أن خلق الخليقة؟ يده سحاء الليل والنهار، وفي الحديث القدسي: ((لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد وسألوا فأعطى كل واحد مسألته ما نقص من ملكه شيء)) الجزء: 27 ¦ الصفحة: 25 لكن على الإنسان أن يبذل، يسمع مثل هذه الأمور ويفرط، يسمع أحاديث الترغيب فيها الأمور العظيمة التي لا يمكن أن تقدر بحساباتنا ويفرط، ويسمع بالمقابل الأهوال الشديدة ويفرط أيضاً فيترك الواجبات ويفعل المحرمات، وصنيعه صنيع المكذب، لكن الشهوة غلبته والكسل ففرط في جنب الله، ثم يجد جزاءه يوم لا ينفع مال ولا بنون. "رواه مسلم، وقد رواه الترمذي وصححه، والنسائي وفيه" الحديث الإجمالي: ((من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بيت في الجنة)) هذا مجمل، فصل في رواية الترمذي والنسائي فقيل: ((أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها)) وهو مطابق لحديث ابن عمر وشاهد له في الجملة إلا فيما يتعلق بما قبل صلاة الظهر ففي حديث ابن عمر ركعتين وفي حديث أم حبيبة أربع. ((أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر)) قال النسائي: ((قبل الصبح)) والفجر صلاة الفجر وصلاة الصبح إلا أن قوله: قبل الصبح يحتمل أن يكون قبل طلوعه، لكن رواية الترمذي مفسرة. "وذكر ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء" لكن هذه الرواية خطأ، شاذة غير محفوظة، فالمحفوظ أنها بعد العشاء وليست قبل العصر. ثم قال -رحمه الله-: "وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار)) " في حديثها الأول: ((أربع قبل الظهر وركعتين بعدها)) وفي حديثها الثاني: ((أربع قبل الظهر وأربع بعدها)) فهل نقول: إن الرواتب عشر كما جاء في حديث ابن عمر؟ أو ثنتي عشرة كما جاء في الرواية الأولى من حديث أم حبيبة، أو في حديثها الثاني أربع قبل الظهر وأربع بعدها فتكون الرواتب أربع عشرة؟ منهم من يرجح حديث ابن عمر، وهذا هو المشهور عند الحنابلة أن الرواتب عشر، ومنهم من يرجح حديث أم حبيبة فيقول: إن الراتب اثنتا عشرة عملاً بالزيادة، وأما أربع قبل الظهر وأربع بعدها فالذي يظهر أن الأربع بدلاً من الثنتين بعد الظهر ليست من الرواتب؛ لأنه في حديثها الآخر ركعتين، في حديث ابن عمر ركعتين بعد الظهر. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 26 ((حرمه الله على النار)) يعني منعه وحجبه عن دخولها، والمحرم هو الممنوع ((حرمه الله على النار)) فماذا يكون مآله؟ الجنة. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب". ثم قال: "وعن عاصم بن ضمرة عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات" وجاء أيضاً في الحديث الذي يليه: ((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر)) "أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين" فيدل على أن هذه الأربع تكون بسلامين. "رواه أحمد والترمذي وحسنه، وعاصم بن ضمرة هذا تكلم فيه أهل العلم" فوثقه جمع وضعفه تكلم فيه آخرون، قال: "وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة". المعلق محقق الكتاب سليم الهلالي هو جيد معروف بالتحقيق في هذا المجال، لكن علق على قوله: "وثقه أحمد" قال: إن كان يعني ابن حنبل فلم أر هذا التوثيق صريحاً عنه، نعم قال عنه كما في إكمال تهذيب الكمال: عاصم عندي حجة، وأي توثيق أعظم من هذا وأقوى منه؟ إن كان يعني ابن حنبل فلم أر هذا التوثيق صريحاً عنه، نعم قال عنه: عاصم عندي حجة، هذا توثيق وإلا لا؟ حجة أعظم من ثقة، وأي تصريح فوق هذا؟! "وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة" يقول المعلق: كابن المبارك والجوزجاني وابن حبان، وأين هؤلاء ممن تقدم من أحمد وابن المديني وابن خزيمة، تكلم فيه ابن المبارك، تكلم فيه الجوزجاني وابن حبان، هؤلاء لا يعدلون بالأئمة كأحمد وابن المديني، فأقل الأحوال أن يكون الحديث حسناً. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 27 هذه الأربع الركعات قبل صلاة العصر ليست من الرواتب، بل هي من النوافل المطلقة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها لينال هذه الدعوة: ((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر)) فلا يفرط فيها إلا محروم؛ لأن من من المسلمين يستغني عن رحمة الله؟ نعم ليست من الرواتب كما هو الشأن في الأربع قبل الظهر، أو كراتبة المغرب البعدية أو راتبة العشاء أو غيرها من الرواتب، ليست بمثابتها لكنها مشروعة، والفرق بين الرواتب وغيرها من النوافل المطلقة أن الرواتب آكد، ولذا منها ما يلزم ويلازم في السفر والحضر كركعتي الصبح، ومنها ما المرجح تركه في السفر كبقية الرواتب، فما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يلازم في سفره إلا الوتر وركعتي الصبح، فلم يكن يتركهما سفراً ولا حضراً، وجاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ترك الرواتب، وقوله: "لو كنت مسبحاً لأتممت" يعني أن المسافر الرخصة الإلهية في حقه أنه يتخفف من بعض الفريضة الرباعية تقصر ولا تتم، فكونه لا يتنفل أرفق به وأقرب إلى مقاصد الشرع لما يشتمل عليه السفر من المشقة، لكن الرواتب المطلقة السنن النوافل المطلقة غير الرواتب هذه لو استكثر منها الإنسان باعتبار أن ما جاء وما ورد إنما هو في الرواتب دون المطلق فلو استكثر منه الإنسان كل ركعة بأجرها، وليحرص الإنسان على لزوم هذه الرواتب، ولزوم الإكثار من التعبد في الحضر؛ لأنه إذا مرض أو سافر يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، فإذا كان في حال الصحة وفي حال الإقامة مفرط، فماذا يكتب له في السفر؟ ماذا يكتب له في حال السفر؟ لا شيء، اللي ما يعمل في الحضر ما يكتب له في السفر؛ لأنه يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، فإذا مرض إن كان له سابقة في حال صحته فإنه يكتب له ما كان يعمله في تلك الحال. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 28 يعني نظير ذلك يعني في أمورنا العادية والاختبارات لأن التنظير لا سيما في هذه الأيام يرسخ، مع الاختبارات بعض الجهات تقسم الاختبار إلى قسمين شفوي وتحريري، فيختبر بنصف الدرجة على التحريري والنصف الثاني على الشفوي، بعض الناس يختبر الشفوي ويضيق الوقت على التحريري أو يريد المدرس أن يتخفف؛ لئلا يصحح الأوراق الكثيرة فيعطي يقول: خلاص الذي لا يريد الاختبار التحريري نضاعف له درجة الشفوي، لأن المسألة نظام لا بد أن يختبر تحريري، فيخير الطلاب يقول: الذي لا يريد أن يختبر التحريري نضعف له الدرجة، واحد من الطلاب قال: أنا لا أريد التحريري، أنا يكفيني ضاعف لي الدرجة، ويصر على المدرس، والمدرس يقول: ليس من مصلحتك، اختبر تحريري أفضل لك، يقول: لا لا، ضاعف لي الشفوي، يصر عليه وهو آخذ صفر في الشفوي، مثل الذي يفرط في النوافل في وقت الحضر وفي وقت الصحة صار آخذاً صفر، وماذا يكتب له إذا مرض أو سافر؟ لا يكتب له شيء، فعلى الإنسان أن يغتنم العمر، يغتنم الشباب، يغتنم الصحة، يغتنم الفراغ، ليكتب له من بعد إذا احتاج إلى شيء من ذلك إذا فيه عنده رصيد ينفعه إذا مرض أو سافر أو ضعف أو عجز، والله المستعان. ((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر)) وهي بسلامين كما يدل له قوله: "يفصل بينهن بالتسليمة على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين". "رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة في صحيحه والترمذي وقال: حسن غريب، ووهى أبو زرعة رواته" وهى أبو زرعة رواته، وابن خزيمة صححه، وحسنه الترمذي، وعلى كل حال المتجه أنه حسن. يقول: ما معنى ما جاء في ساعة الجمعة من قوله: وهو قائم يصلي؟ هل هذا وصف بأن يكون قائم أو يصلي؟ وكذلك لو دخل الإنسان المسجد قبل المغرب هل يأخذ حكم أنه في صلاة، أم لا بد أن يصلي العصر ويمكث في المسجد إلى صلاة المغرب؟ على كل حال "قائم يصلي" منهم من يقول، هو وقت نهي على كل حال، ساعة الاستجابة في آخر ساعة من الجمعة هي وقت نهي، ويكون معنى قوله: قائم يصلي إما أن نقول: المراد بالصلاة الصلاة اللغوية يعني يدعو أو ينتظر الصلاة، والذي ينتظر الصلاة هو في صلاة ما دام ينتظرها. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 29 ما صحة حديث: ((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر))؟ أقل أحواله الحسن. يقول: هل ركعتي الوضوء وقراءة قل هو الله أحد بعد السورة مع الفاتحة سنة في الصلاة؟ هي هذه المسألة التي بحثناها في الدورة السابقة، وقلنا: إن من يثبت أن ركعتي الوضوء سنة لا بد أن يثبت أن قراءة قل هو الله أحد سنة. يقول: إذا وجد لدى شخص بعض الملاحظات وبعض التحذيرات من بعض العلماء الأجلاء فهل نقوم نحن كطلبة علم بتحذير الشباب منه؟ الخطأ لا يعالج بالخطأ، فإذا كان لديه نفع ينتفع منه بقدر الإمكان، ومع ذلك تسدى إليه النصيحة، فالدين النصيحة. هل يجوز للمسلم إذا نذر أن يذبح شاة أن يأكل منها؟ على حسب ما نواه، فإن كان نواها للفقراء فلا يجوز له أن يأكل منها، وإن نوى مجرد الذبح وأنه يدخل في المنذور عليهم فلا مانع على حسب نيته. يقول: موسوعة زغلول في أطراف الحديث وذيلها ما رأيكم فيها؟ نافعة، مرتبة على الحروف، وفيها جمع جيد من الأحاديث، وإن كانت ليست من الدقة بالمحل المرجو، لكنها ينتفع منها طالب العلم. وما هي أهم الكتب في معرفة طرق الحديث في الكتب الستة؟ أهم الكتب تحفة الأشراف. ما هي الكتب الجامعة للمسائل الفقهية؟ إن أردت من كتب الفقهاء فهناك المغني والمجموع والمحلى، جامعة مسائل كثيرة جداً، وإن أردت فقه السلف ففي كتب السنة من الجوامع والمصنفات وغيرها. يقول: الجمع بين الحديث الصحيح عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يبقى على رأس مائة ممن هو على وجه الأرض اليوم)) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- وبين حديث فاطمة بنت قيس وكون الدجال موجوداً في زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وسيبقى؟ أولاً: إذا كان المقصود به حديث الجساسة، وهو حديث صحيح في صحيح مسلم فلا تعارض بين الحديثين، فالحديث ينص على أنه لا يبقى على وجه الأرض ممن هو على ظهرها، أما من كان في البحر كما جاء في حديث الجساسة فلا يدخل في هذا الحديث، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 30 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (28) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذا يقول: كيف يجاب عمن قال: إنه لا يشترط الجمع بين الصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الواو في الآية لا تدل إلا على مطلق الجمع، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة]؟ يعني هل هذا إشكال؟ يعني هذا الكلام يرد لو قيل: إن السلام لا يصح إلا بعد الصلاة، قيل: إن الواو لا تدل على الترتيب، وإنما هي لمطلق الجمع، لو قال أحد: إنه لا يجوز يعني يقال: سلم الله وصلى عليه لأنه هكذا جاء في الآية الصلاة مقدمة على السلام، فحينما يقول: إن الواو لا تدل إلا على مطلق الجمع إنما يريدون به رد من يقول: إنها تقتضي الترتيب، هي لا تقتضي الترتيب، وإنما هي لمطلق الجمع، ولو كان الكلام هذا في آية الوضوء، وأن الواو لا تقتضي الترتيب، وإنما هي لمطلق الجمع كان له وجه، على أن الترتيب جاء من أدلة أخرى، لكن الكلام ليس في محله هنا، لا يشترط الجمع بين الصلاة والسلام، ومن اشترط الجمع بين الصلاة والسلام؟ قال من قال كالنووي: إنه يكره إفراد الصلاة عن السلام أو العكس في انتقاده للإمام مسلم حينما أفرد الصلاة دون السلام في مقدمة صحيحه، قال: يكره، ما قال: يحرم ولا يجوز ولا يجزي، لا، ما قال هذا، وأهل العلم لا يطلقون الكراهة كما أطلقها النووي، بل يرون أن من كان هذا ديدنه لا يتم امتثاله للآية، والآية أقل أحوالها الاستحباب، وأما من كان يصلي أحياناً ويسلم أحياناً ويجمع بينهما أحياناً فلا تتجه الكراهة في حقه. هذا يقول: ما صحة هذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضيها اللهم شفعه ... ؟ الجزء: 28 ¦ الصفحة: 1 المعروف أن هذا في جامع الترمذي في قصة الأعمى الذي وجهه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة)) والحديث ضعيف عند أهل العلم، لا تقوم به حجة. يقول: الذي يصلي أربع ركعات قبل الظهر وبعدها أربعاً هل الشرط هنا المحافظة عليها أم ماذا؟ معلوم أنه جاء في حديث ابن عمر أنهما ركعتان قبلها وركعتان بعدها، وفي حديث أم المؤمنين أم حبيبة أربع ركعات قبلها وركعتان بعدها، وفي حديثها الآخر أربع ركعات وأربع ركعات، هذا يدل على التنوع، فلو أن إنساناً فعل هذا مرة وهذا مرة وهذا مرة لكان أصاب السنة. يقول: أحياناً يبقى وقت على إقامة الفجر إن صليت فيه السنة لم أدرك تكبيرة الإحرام، وأحياناً لا أدرك الركعة الأولى علماً أني أخرج من البيت قبل الإقامة، فهل أصلي السنة أم أستفيد من الوقت في الطريق؟ يعني إذا غلب على ظنك أنه يفوتك شيء من الصلاة فلا شك أن الفريضة أهم من النافلة، وإذا كان يغلب على ظنك أنك إذا صليت النافلة في البيت أدركت الصلاة كاملة فهذه هي السنة. يقول: أرجو تبيين صحة ما ثبت في أويس القرني وهل هناك من تكلم فيما ورد في أويس من الأئمة المتقدمين؟ أولاً: قصته في صحيح مسلم وليس لأحد كلام مع ما في الصحيحين؛ لأن الأمة تلقتهما بالقبول، وإذا تطاولنا على الصحيحين فماذا يبقى لنا؟! يقول: ما صحة قول معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: عليكم بالعلم فإن طلبه عبادة، وتعلمه لله خشية، وبذله لأهل ... يقول: وتعليمه لمن لا يعمله صدقة، والبحث عنه جهاد، ومذاكرته تسبيح؟ هذا الحديث واهي مرفوعاً لا يصح ولا يثبت، وأما بالنسبة لكونه من قول معاذ فهو ضعيف على كل حال، أما رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصح. هل يشترط في مسائل الاعتقاد أن تكون مسائل إجماع؟ أما ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها فلا يجوز البحث فيه، يسلم ولا يناقش من حيث ثبوته، أما من حيث معناه فيقتفى في ذلك بفهم السلف، وأما ما جاء عنهم من اختلاف معتبر فلمن لديه أهلية النظر أن ينظر ويرجح في أقوالهم لا بد أن يكون الخلاف معتبراً. هل ثبت شيء في فضل أربع ركعات قبل الزوال؟ الجزء: 28 ¦ الصفحة: 2 أربع ركعات بعد الزوال التي يجاب بعدها الدعاء، وأما قبل الزوال فهي صلاة الضحى، وسيأتي الكلام فيها -إن شاء الله تعالى-. يقو: ما رأيك في كتاب فتح الباري مع تعليقات البراك؟ الكلام في فتح الباري معروف إذا كان الرأي في الكتاب أو في الطبعة؟ إذا كان الطبعة التي عليها تعليق شيخنا الشيخ عبد الرحمن البراك فهي طبعة طيبة بتحقيق نظر الفريابي من أفضل الطبعات، لكنها لم تصل إلى حد الكمال الذي يرضى به صاحب التحقيق، والكتاب ما زال بمزيد حاجة إلى عناية، وجمع نسخ خطية؛ لأنهم لم يعتمدوا على نسخ خطية، وتعليقات البراك لا شك أنه علق على مسائل لم يستوعب ما في الكتاب، كما أن الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- لم يستوعب، وفيه مسائل كثيرة لم يعلق عليها. طابع الكتاب انتقى مسائل من الكتاب وعرضها على الشيخ عبد الرحمن وعلق عليها، يعني ما قرأ الكتاب كاملاً على الشيخ. أفضل طبعة لتحفة الأشراف؟ وهل يوجد كتاب في الأطراف غيره؟ أطراف الغرائب والأفراد لابن طاهر، وهناك أيضاً أطراف المسند للحافظ ابن حجر، وأطراف المسانيد الثمانية والعشرة، المقصود أن هناك كتب أطراف كثيرة، وأنفسها كتاب تحفة الأشراف، وأفضل طبعة له هو طبع مرتين الأولى الطبعة الهندية، وهي نفيسة وعليها اعتمادنا ومعولنا؛ لأنها أول طبعة للكتاب، ثم بعد ذلك جاءت طبعة الشيخ الدكتور بشار عواد وهي جيدة فيها عناية، وفيها ترقيم جيد. يقول: هل من صلى الرواتب عشراً خطأ أم هذا من قبيل اختلاف التنوع؟ أقول: لو فاضل الإنسان وغاير بين هذه الأعداد فيوم صلى عشر، ويوم صلى اثنتي عشرة، ويوم صلى أربع عشرة، أصاب السنة -إن شاء الله-. يقول: من صام الاثنين والخميس من كل شهر ولم ينوِ بها صيام ثلاثة أيام من كل شهر تجزئ؟ تجزئ نعم؛ لأنه صام الثلاثة وزيادة. يقول: عن العلماء المتأولين في باب الأسماء والصفات مع موافقتهم لأهل السنة والجماعة في أبواب الاعتقاد الأخرى، هل يدخلون في مسمى أهل السنة والجماعة؟ الجزء: 28 ¦ الصفحة: 3 يعني مسمى أهل السنة والجماعة يطلق بإطلاقات، يعني في باب الأسماء والصفات لا يمكن أن يسموا من أهل السنة والجماعة، يعني في باب القدر يسمون من أهل السنة والجماعة، في باب الصحابة يسمون من أهل السنة والجماعة، يعني في مقابل الرافضة، في باب أهل البيت يسمون من أهل السنة والجماعة في مقابل النواصب وهكذا، أما بالإطلاق فلا. وعلى كل حال هم متفاوتون، فمثل الرازي وهو منظر في هذا الباب، ومؤسس ومؤصل يختلف حكمه عن حكم النووي الذي تلقى المذهب من غير نظر ولا روية ولا .. ، فأقره كما هو، هذا يختلف عن ذاك، والله المستعان، ولا أعذر النووي في هذا، لكنني لا أقول: إنه مثل الرازي. يقول: أنا أحفظ قصار السور وأقرأ في قيام الليل هل هذا العمل صحيح أفيدونا؟ وإذا طولت السجود أكثر من القيام؟ لا مانع أن تطول السجود؛ لأنه: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) لأنك لا تقرأ كثيراً من القرآن بل تقرأ ما تيسر منه من قصار السور هذا العمل صحيح ولا إشكال فيه، لكن إن أطلت القيام ولو بواسطة القراءة من المصحف أحياناً تطيل القيام، وأحياناً تطيل السجود، وأحياناً تطيل هذا وهذا، وأحياناً تخفف، هذا كله عمل صحيح، وعليك أن تفعل الأرفق بك لئلا تمل، فإن الله لا يمل حتى تملوا. يقول: هل يمكن أن تندرج أربع ركعات بعد الطهر التي ثوابها التحريم عن النار بنية ركعتين بعد الظهر المجموعة في حديث ابن عمر وأم حبيبة وأن ثوابها بناء بيت ... ؟ نعم؛ لأنها ركعتان وزيادة. يقول: ورد عدد من الآيات في ذكر القيام مع السجود مثل: {سُجَّدًا وَقِيَامًا} [(64) سورة الفرقان] {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [(218 - 219) سورة الشعراء] ولعل الحكمة هي التي ذكرتموها. أن أفضل ما في الصلاة القيام الذي هو طول القنوت والسجود وهو أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وقد يعبر عن الشيء .. ، هنا المراد بها الصلاة في الآيتين، المراد بها الصلاة بجملتها بما في ذلك الركوع والجلوس، إضافة إلى القيام والسجود، لكن قد يعبر عن الشيء ببعضه الأهم. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 4 يقول: بالنسبة للسنة بعد الظهر هل تكون ست ركعات ركعتين للسنة الراتبة وأربع ركعات بالنسبة لحديث أم حبيبة؟ لا، تتداخل هي أربع. يقول: ما هي صفة السنة فيمن صلى قبل الظهر أربعاًَ؟ هل هي متصلة دون فصل؟ لا، يفصل بينهما بسلام. وقفنا على حديث أنس. طالب: نعم يا شيخ على حديث أنس. على حديث أنس؟ سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" رواه مسلم. وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة. رواه البخاري وابن حبان، وزاد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل المغرب ركعتين. وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها- سئلت عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلي العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" رواه أبو داود، وفي سماع زرارة من عائشة نظر. وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف في الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ متفق عليه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص]. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 5 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [(136) سورة البقرة] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران] رواهما مسلم. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن. رواه البخاري. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب صحيح. وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله الاضطجاع لا أمره به. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه. وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري. وقال أحمد في رواية الميموني وغيره عنه: إسناده جيد. وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ. وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم. وقال الدارقطني: الصحيح ذكر صلاة الليل دون ذكر النهار. يكفي، حسبك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 28 ¦ الصفحة: 6 "وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نصلي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" وهذا الأسلوب يقال له: التقرير، وهو نوع من أنواع السنن؛ لأن السنة ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير، فثبتت هذه السنة قبل صلاة المغرب بتقريره -عليه الصلاة والسلام-، والحديث الذي يليه فيه الأمر بهذه الصلاة قبل صلاة المغرب. قال: "قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" وتقريره -عليه الصلاة والسلام- تشريع بخلاف تقرير غيره؛ لأنه يعتريه ما يعتريه، ولو كان من أفضل الناس وأعلم الناس وأتقى الناس، لا ينسب إليه حكم شرعي بأننا نراه رأى كذا ولم ينكره، أو فعل بحضرته كذا ولم ينكر، بهذا يُرد على من يستدل على تحليل بعض الأمور لأننا رأينا الشيخ فلاني حضر كذا ولم ينكر، فالتقرير شرع إذا كان من النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يمكن أن يقر على باطل ولا يقر على خطأ، أما غيره فتقريره يحتمل أنه سكت درءاً لمفسدة، أو خوفاً على نفسه، أو جلباً لمصلحة أعظم، فلا يكون بذلك التقرير شرعياً، لا يكون التقرير شرعياً، أما تقريره -عليه الصلاة والسلام- فهو أحد أوجه السنن التي ترفع إليه -عليه الصلاة والسلام-، ما أثر عنه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، أوصافه -عليه الصلاة والسلام- سنة، شرع، والمقصود بذلك الأوصاف الاختيارية، أما الأوصاف الإجبارية كونه ربعة هل نقول: السنة أن يكون الإنسان ربعة؟ نعم؟ هل يمكن أن يقال هذا؟ لا، هذا ليس بيد الإنسان، أما المقصود بالصفة التي تنسب إلى الشرع ويقتدى به -عليه الصلاة والسلام- فيها إنما هي الصفات الاختيارية، التي يستطيع الإنسان فعلها ويستطيع تركها. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 7 "وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة" الأمر بها من المعلوم أن صلاة المغرب تسن المبادرة بها، بمجرد ما يغيب القرص، ويتأهب الإنسان للصلاة السنة أن يبادر بها، ولذا صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني في أول وقتها، ما صلى في اليوم الأول في أول الوقت، والثاني في آخر الوقت كما فعل في الصلوات الأخرى، فتسن المبادرة بها، ولذا يرى الشافعي وجمع من أهل العلم أنه ليس لها إلا وقت واحد. هذه السنة، وهذه المبادرة بصلاة المغرب قد يقول قائل: إنه لا يشرع للإنسان أن يتشاغل بعبادة أخرى، عليه أن يبادر بها، فلا يتنفل ولا يصلي لئلا يسبب ذلك تأخير في صلاة المغرب، فجاءت السنة التقريرية والقولية، فأمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا قبل المغرب)) وفي الأخير: كراهية أن يتخذها الناس سنة. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 8 الأمر كما هو معروف الأصل فيه أنه للوجوب، وقد يصرف عن الوجوب إلى الاستحباب، وقد يرد الأمر ويراد به الإباحة، لا سيما إذا كان بعد حظر، فالأمر هنا لا يراد به التقرير، السنة كغيرها من السنن التي جاء الحث عليها كالركعتين بعدها، والركعتين بعد العشاء، والركعتين قبل الفجر والرواتب، والصلاة قبل العصر وغيرها من السنن، هذه لئلا يظن أنه لا يجوز التنفل قبلها؛ لاستحباب المبادرة بها، وجاء هذا الأمر متعقباً لذلك الحث على تعجيل صلاة المغرب؛ لئلا يظن أنه لا يجوز الصلاة قبلها، فجاء هذا الأمر، ولذا قال في الأخير: "كراهية أن يتخذها الناس سنة" يعني كراهية أن يتخذها الناس سنة إيش معنى الأمر أجل؟ لأن الإنسان قد يرى في هذا شيء من التناقض على ضوء ما عرفه من القواعد التي تعينه على التعامل مع النصوص هذا أمر، وأقل الأحوال أن يكون مستحباً، فكيف يقال: "كراهية أن يتخذها الناس سنة"؟ الحكمة والعلة ما ذكرنا أن المغرب تسن المبادرة بها، فخشية أن يظن بعض الناس أنه لا يجوز الاشتغال بغيرها قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) يعني كأنه إذن في أن يصلى قبل صلاة المغرب ولو تأخرت صلاة المغرب قليلاً؛ لأن مثل هذا التأخر لا يضر، ولا يعوق عن تحصيل الصلاة في أول وقتها، ولا عن المبادرة بها، فدل على أن هذا الأمر ليس من أجل أن تتخذ سنة كغيرها من السنن التي جاء الحث عليها، وإنما هي لإزالة .. ، وإنما الأمر جاء لإزالة لبس، وإلا مثل ما ذكرنا قد يقول قائل: أمر ((صلوا قبل صلاة المغرب)) وأقل الأمر الاستحباب، فكيف يقول: "كراهية أن يتخذها الناس سنة؟ " يعني سنة راتبة، كما جاء في حديث ابن عمر وأم حبيبة وغيرهما. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 9 "رواه البخاري وابن حبان" لكن ابن حبان زاد: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل المغرب ركعتين" هذه الزيادة عند ابن حبان من فعله -عليه الصلاة والسلام-، يعني ثبتت بتقريره وثبتت بقوله، لكنها لم تثبت بفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هذه الزيادة عند ابن حبان محكوم عليها عند أهل العلم بالشذوذ، وأما السنة التقريرية والقولية فهما ثابتتان في الصحيحين، فالتقريرية في صحيح مسلم، والأمر في صحيح البخاري، وأما بالنسبة لزيادة ابن حبان من فعله -عليه الصلاة والسلام- الذي يرى بعض أهل العلم إثباتها، وأن هذه السنة ثبتت بقوله وفعله وتقريره، وتضافرت عليها أنواع السنن، هذا لو ثبتت زيادة ابن حبان، لكنها محكوم عليها بالشذوذ. ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها-" زرارة في نسبته أبي، ابن أبي أوفى وإلا ابن أوفى؟ طالب:. . . . . . . . . هي موضوعة بين قوسين، وليست في بعض النسخ، لكن الصواب؟ ما في أحد معه التقريب وإلا شيء؟ موجود التقريب عندكم؟ طالب:. . . . . . . . . هاته؛ لأنه وضعها بين قوسين، وقال: ليس في باء، وماذا عن بقية النسخ؟ طالب:. . . . . . . . . عندك يا أخ؟ طالب:. . . . . . . . . يعني وضعها بين قوسين؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . من إيش؟ طالب:. . . . . . . . . ويش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب: يقول: وفي رواية زرارة عن أوفى عن سعد بن هشام هي المحفوظة. ما لقيته؟ طالب:. . . . . . . . . ويش يقول؟ طالب:. . . . . . . . . ورواية زرارة بن أبي أوفى. نمشي على هذا حتى نجد غيره، أنا اللي في حفظي غير هذا بدون أبي. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 10 قال: "وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها- سُئلت عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" معلوم أنه إذا صلى العشاء صلى ركعتين في بيته، وهنا تقول: "كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" رواه أبو داود، وفي سماع زرارة من عائشة نظر" هو لم يسمع من عائشة، فالخبر منقطع، ويبقى أن الراتبة ركعتان فقط بعد العشاء، ولا يمنع أن يزيد على ذلك كما جاء في حديث ابن عباس ما شاء الله أن يزيد، لكن ليس على سبيل الثبوت، وليست براتبة أربع ركعات، وإنما هي ركعتان على ما تقدم، والخبر ضعيف للانقطاع بين زرارة وعائشة، ولذا يقول المؤلف: "وفي سماع زرارة من عائشة نظر". يقول: "أخرجه أبو داود من طريق بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى به" المعلق. طالب:. . . . . . . . . عندك عندك، هي نسخة الهلالي اللي معك؟ طالب:. . . . . . . . . شوف رقم (319) عندك عندك الحديث. طالب:. . . . . . . . . في الحاشية، ما هو بيعلق على الحديث برقمه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم ضعيف أخرجه أبو داود من طريق بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى به، بدون أبي، فيه أبي أوفى؟ طالب:. . . . . . . . . قلت: وهذا سند ضعيف لانقطاعه، قال المزي في تهذيب الكمال: روى عن عائشة أم المؤمنين، والمحفوظ أن بينهما سعد بن هشام. على كل حال الخبر منقطع، وفيه أيضاً بهز بن حكيم، وكلام أهل العلم فيه معلوم. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 11 قال -رحمه الله-: "وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف الركعتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ " هاتان الركعتان هما راتبة الصبح، وهما من الرواتب المؤكدة أكثر من غيرهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرص عليهما ويداوم عليهما سفراً وحضراً، ويذكر عن الحسن البصري القول بوجوبهما، وهما خير من الدنيا وما فيها، لكن مع ذلك هما ركعتان خفيفتان؛ لأنه قد يقول قائل: ما دامت هذان الركعتان خيراً من الدنيا وما فيها لماذا لا نطيلها؟ نطيل هاتين الركعتين ليكون هناك مقابل لهذا الفضل العظيم، نقول: لا، المقابل هو الاقتداء، والعمل إنما يكون تقويمه حسب الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- الاقتداء به. النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، ومثلهما تخفيف الركعتين إذا دخل المصلي والإمام يخطب الجمعة يصلي ركعتين وتجوز فيهما يعني خففهما، فهاتان السنتان السنة فيهما التخفيف، وهذا قول عامة أهل العلم، وأن هذا هو المشروع في هاتين الركعتين، والحنفية يرون تطويل هاتين الركعتين، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. مبالغة في التخفيف، لكن مع استيفاء الأركان والواجبات، ليس معنى هذا أن هاتين الركعتين تنقران كنقر الغراب، لا، أو يتساهل في الواجبات أو الأركان ليس هذا معنى التخفيف، وإما التخفيف مع التمام، والإجزاء ولا يكون الإجزاء إلا بفعل الأركان والواجبات. قد يتخفف من بعض السنن، لكن الأركان والواجبات لا بد من الإتيان بها، ولو اقتضى ذلك شيء من التطويل النسبي؛ لأن الذي يأتي بالأركان والواجبات لا بد أن تستغرق معه وقت، وقولها: "حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ " لا بد من قراءة أم الكتاب؛ لأنها ركن من أركانها، وتردد عائشة في قراءتها إنما هو من باب المبالغة في تخفيف هاتين الركعتين، وبعد ذلك يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص، أو بآية البقرة وآية آل عمران، على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 12 هاتان الركعتان ركعتا الفجر هذه صفتهما التخفيف، ويصلي هاتين الركعتين في بيته كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ولو اقتضى ذلك التأخر عن المبادرة بعد الأذان مباشرة؛ لأن المبادرة المأمور بها مبادرة إجمالية لا يخل بها ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقتدي به المسلم فيه؛ لأن النظر لا بد أن يكون واسعاً شاملاً للنصوص كلها، فلا ننظر إلى نص ونترك نصوص أخرى، فأفضل الصلاة صلاة داود على ما سيأتي ينام نصف الليل، هل نقول: إنه ينام نصف الليل من مغيب الشمس؟ الليل يبدأ من غروب الشمس، فكونه ينام نصف الليل هل يقتضي ذلك أن يكون من غروب الشمس؟ لا، على ما سيأتي، ينام نصف الليل الذي يتاح فيه النوم، ويبادر إلى الصلاة حينما يسمع النداء، لكن بعد أن يؤدي ما جاء في النصوص الأخرى كهاتين الركعتين، ثم إذا جاء إلى المسجد وهناك بقية من وقت والوقت وقت كراهة يصلي تحية المسجد؛ لأن وقت الكراهة في هذا موسع وليس بمضيق، تفعل فيه ذوات الأسباب. الاضطجاع بعد هاتين الركعتين سيأتي الكلام فيه. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 13 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] " قرأ سورتي الإخلاص ليفتتح نهاره بالإخلاص، بالإقرار والاعتراف بالتوحيد بأنواعه، كما تقرأ هاتان السورتان في آخر الصلاة، في آخر ركعتين من قيام الليل في الوتر بعد سبح يقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] على ما سيأتي، تقرءان أيضاً في ركعتي الطواف، وفي ركعتي المغرب على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وليستا بحتم، ولم يكن فعلهما ديمة منه -عليه الصلاة والسلام-، أحياناً يقرأ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] وقرأهما في ركعتي الطواف كما في حديث جابر في صحيح مسلم في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه في بعض الروايات قدم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] على {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] لكن الأصل تقديم الأول في القرآن، وعلى هذا جاء أكثر الروايات، قرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص]. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 14 ثم بعد ذلك حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [(136) سورة البقرة] الآية التي في البقرة، وهذه لا اختلاف فيها في الروايات، آية البقرة لا اختلاف فيها، إنما الرواة والروايات اختلفت في قراءة آية آل عمران، آل عمران فيها ثلاث آيات كلها ختمت بقوله: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران] لكن (آمنا بالله) في آية أو في آيتين؟ آية (52) شوف المصحف عندك آية (52) من سورة آل عمران. نعم؟ {فَلَمَّا أَحَسَّ} [(52) سورة آل عمران]. طالب: {قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران]. هل المقصود هذه الآية؟ شوف أربعة وستين. طالب:. . . . . . . . . أربعة وستين، وأربعة وسبعين؟ طالب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(64) سورة آل عمران]. لكن ما فيها آمنا، (آمنا بالله). طالب:. . . . . . . . . شوف الآية التي في أول الصفحة (61). طالب:. . . . . . . . . طيب ما المقصود في الآية الثانية التي في آل عمران؟ لأن قوله: {آمَنَّا بِاللهِ} [(52) سورة آل عمران] يدل على أنها {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} وأكثر الروايات على {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء} [(64) سورة آل عمران] أربعة وستين. طيب الآية الأخيرة في آخر الجزء ألا تغني عن آية البقرة لأني أريد أن أتوصل إلى شيء أعطني المصحف. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 15 {قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [(84) سورة آل عمران] يعني ألا تغني هذه عن آية البقرة؟ هو قرأ آية البقرة وقرأ آية آل عمران، هل المراد بآية آل عمران هذه أو {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [(64) سورة آل عمران] أو {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} [(52) سورة آل عمران] نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو جاء هذا وهذا، قوله: {آمَنَّا بِاللهِ} [(52) سورة آل عمران] يدل على أنها {فَلَمَّا أَحَسَّ} [(52) سورة آل عمران] وفي صحيح مسلم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [(64) سورة آل عمران] نص عليها، فالقراءة قراءة آيتين من سورتين هذا ثابت بهذا الحديث، فلو قرأ الإنسان في الركعة الأولى آية من سورة وآية من سورة هذا ما فيه إشكال، ومشروعيته مأخوذة من هذا الحديث، لكن لو قرأ آية من سورة وآية أخرى ليست التي بعدها من نفس السورة، قرأ آية الكرسي في الركعة الأولى، و {آمَنَ الرَّسُولُ} [(285) سورة البقرة] ... إلى آخر السورة في الركعة الثانية. طالب: من باب أولى يا شيخ. كيف من باب أولى؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 28 ¦ الصفحة: 16 إيه لأن بعضهم يستنبط من هذا أنه لا يجوز الإخلال بالترتيب في سورة واحدة، فإذا قرأ بآية من سورة، وأراد أن يقرأ من نفس السورة لا ينتقل إلى غير التي بعدها؛ لأنه هنا قرأ .. ، بإمكانه أن يقرأهما من سورة واحدة، شوف صفحة (21) مع (61) {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ} [(136) سورة البقرة] وهنا {قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} [(84) سورة آل عمران] وهنا {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [(59) سورة المائدة] يعني الفروق يسيرة يعني ما تخل بالمعنى المطلوب الذي من أجله شرعت قراءة هذه الآية في هذا المكان، وليس للإنسان أن يعترض على ما ورد، لكن المسألة مسألة تقرير حكم شرعي، نقول: ما دام قرأ بآية البقرة مع إمكانه أن يقرأ بآية آل عمران لتكون الآيتين معاً من سورة آل عمران، فلماذا يفرق آيتين من سورتين ويترك آيتين من سورة واحدة؟ إلا لأنه عند بعضهم هو الذي استنبط هذا أنه لا ينبغي أن يقرأ من سورة شيئاً ويقرأ من السورة الأخرى شيئاً آخر، يقرأ من السورة نفسها آية أخرى غير تابعة لها، يعني يفصل، يعني أنت افترض أنه قرأ آية الكرسي في الركعة الأولى، ثم في الركعة الثانية قرأ آخر السورة: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يعني الإشكال فهم وإلا ما فهم؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ يعني هذا الاستنباط قريب وإلا بعيد؟ لأن بعضهم يقول: لو كان قراءة آيتين غير متتابعتين في ركعتين من سورة واحدة لو كان سائغاً لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لقرأ الآيتين من آل عمران، ما قرأ آية من البقرة وآية من آل عمران، وفي آل عمران ما يقوم مقامها. نقول: مثل هذا وإن كان يعني الاستدلال فيه شيء من البعد، والأصل في هذه الأمور التوقيف، وعموم قوله: ((ثم اقرأ بما تيسر)) يدل على أنه لا مانع من أن يقرأ آيات ولو كانت غير متتابعة من سورة واحدة، لكنه في القراءة الواحدة في الركعة الواحدة لا يجوز له أن يفعل هذا، يعني لا يجوز له في ركعة واحدة أن يقرأ آية الكرسي ثم يقرأ آخر السورة، لا يجوز. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 17 في ليلة من ليالي رمضان قبل صلاة التراويح قام شخص من الدعاة وتكلم عن قصة موسى مع بنتي صاحب مدين، والفوائد المستنبطة من هذه القصة، وأطال فيها، ثم أشار إلى الإمام وقال: لو قرأت القصة من سورة القصص، والإمام يقرأ في صلاة التراويح بعد سورة القصص، بعدها بجزأين أو ثلاثة، فقرأ هذه القصة من سورة القصص في صلاة التهجد، قرأ هذه القصة كاملة من سورة القصص، ثم شرع في قراءته التي وقف عليها، مثل هذا لا يسوغ، مثل هذا في ركعة واحدة لا يسوغ بحال؛ لأن هذا يخل بالترتيب، وترتيب الآيات توقيفي، يعني إذا اختلف الناس في ترتيب السور وأنه يجوز التقديم والتأخير عند بعضهم من غير كراهة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، ومنهم من يقول: يكره الإخلال بالترتيب الذي أجمع عليه الصحابة ووافق العرضة الأخيرة، مثل صنيع هذا الإمام الذي أشار إليه هذا الشخص من الدعاة لا يسوغ؛ لأنه إخلال بترتيب الآيات والترتيب توقيفي، لكن لو قرأ القصة في سورة القصص لموسى مع بنتي صاحب مدين في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية قرأ ما وقف عليه في قراءته ما في إشكال، هذا لا إشكال فيه. أسأل الإخوان هل لقول من قال: إنه لا تقرأ آيات غير متتابعة من سورة واحدة في ركعتين، عرفنا أنه في ركعة واحدة لا يسوغ إطلاقاً، لكن في ركعتين لو قرأ آية الكرسي ثم قرأ آخر السورة في الركعة الثانية من السورة نفسها؟ استنبط بعضهم من هذه القراءة للنبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعتي الفجر أن مثل هذا غير سائغ، ولو كان سائغاً لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجعل الآيتين من آل عمران، ولكن مثل هذا الاستدلال قد لا يكون من القوة بحيث يمنع القراءة التي أشار إلى منعها، يعني الاستدلال هو مجرد استرواح وميل، وليس بنص قاطع في المسألة يمنع من أجله قراءة آيات غير متتابعة في ركعتين. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 18 قلنا: إنه في الرواية الأخرى وهي في صحيح مسلم النص على {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [(64) سورة آل عمران] آية (64) {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران] ... إلى آخره، وسواءً قرأ بسورتي الإخلاص أو بهاتين الآيتين على الروايتين فالأمر في ذلك واسع، وله أصل. طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . إيه بعضهم ينظر إلى التناسب يقرأ في الركعة الأولى {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [(34) سورة النازعات] وفي الركعة الثانية: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} [(33) سورة عبس] ينظر إلى التناسب بين الآيات، ويقرأ في الركعة الأولى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [(1) سورة القيامة] وفي الركعة الثانية: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [(1) سورة البلد] بعضهم يستروح إلى هذا وليس له أصل، لكنه داخل في عموم ما تيسر، يعني لا يتعبد بأن هذا مطلوب شرعاً، وأن له خصيصة، وأن له ميزة، لا، إلا إذا ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما كونه يقرأ وهذا اتفاقاً من غير اعتقاد أنه أفضل من غيره هذا ما فيه إشكال. قال -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن. رواه البخاري" يعني يضطجع حتى يؤذنه بلال بالإقامة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أحيا ليله، وإن لم يكن الليل كله؛ لأنه كما جاء أنه لم يحفظ عنه أنه أحيا ليلة كاملة، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر اجتهد، وشد المئزر، وطوى الفراش، وفارق أهله واعتزلهم، لكنه لم يحفظ عنه أنه قام ليلة كاملة، لكنه يقوم حتى تتفطر قدماه، فيضطر إلى شيء من الراحة، وأحياناً يضطجع قبل الفجر، وفي حديث الباب: يضطجع بعد الفجر. "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن" هذا من فعله -عليه الصلاة والسلام- في البخاري، فماذا عن الأمر بالاضطجاع في الحديث الذي يليه؟ الجزء: 28 ¦ الصفحة: 19 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) " يعني في الركعتين قبل صلاة المغرب ثبت القول وثبت التقرير ولم يثبت الفعل، وهنا في الاضطجاع ثبت الفعل والخلاف في الأمر بالاضطجاع في الحديث الثاني في حديث أبي هريرة يأتي الكلام فيه. فمن فعله -عليه الصلاة والسلام- لا إشكال في ثبوته؛ لأنه في البخاري، والأمر بالاضطجاع محل خلاف، وحكم جمع من الحفاظ بعدم ثبوت الأمر به: ((فليضطجع)). يقول شيخ الإسلام: أخطأ فيه عبد الواحد بن زياد، فهو خطأ، وإن استروح بعضهم ومال إلى ثبوت الخبر، ومنهم محقق الكتاب يقول: صحيح، وأجلب عليه بكل ما أوتي من اطلاع على المصادر والمراجع، ورد على من ضعفه. على كل حال الخبر من حيث الإسناد يمكن تصحيحه، لكن من حيث المتن والأمر في ذلك أولاً وآخراً لطلاب العلم أو للأئمة في مثل هذا؟ للأئمة ليس لطلاب العلم. قال: " ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله للاضطجاع لا أمره به" أو بها، الضجعة. الآن عندنا تكلم فيه أحمد والبيهقي، وشيخ الإسلام قال: إنه غلَط، تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلِط فيه، وأيضاً أئمة كبار قالوا بتضعيفه، وأنه خطأ من راويه عبد الواحد بن زياد، وعبد الواحد بن زياد وإن كان يحتج به لكنه مع ذلك لا يمنع أن يخطئ كما أخطأ غيره، أخطأ مالك، ووهم ابن عباس، يعني في الرأي لا في الرواية، قد يهم الراوي في الرأي، لكن الصحابي يهم في رواية؟ كلهم عدول ثقات، ضابطون، لكن قد يهم في الرأي يكون فهمه كما أخبر ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهي خالته وهو محرم، وهمه الأئمة لأن ميمونة نفسها قالت: إنه تزوجها وهو حلال. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 20 على كل حال مثل هذا التضعيف لا يكفي فيه مجرد النظر في الإسناد، فقد يخطئ الراوي وإن كان مقبولاً في الجملة، لا سيما إذا عارضه من هو أكثر أو أوثق منه وأحفظ، ومع ذلك حكم الإمام البخاري بوصل: ((لا نكاح إلا بولي)) مع أن ممن أرسله شعبة وسفيان، فلا يعني أن الحافظ الضابط يكون قوله مقبولاً باطراد مقدماً على غيره باستمرار، بل قد تدل القرائن على أن غيره حفظ ما لم يحفظه، أو ضبط ما لم يضبطه، وعلى كل حال الحديث مختلف فيه هذا الاختلاف، والسنة ثابتة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، مطرداً، كان يضطجع -عليه الصلاة والسلام-، وهنا يقول: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) السنة ثابتة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وأما الأمر فمختلف فيه، والأمر يفيد تأكد هذه السنة ولا يدل على الوجوب. الناس في هذه السنة أو بإزائها اختلفت أقوالهم وتباينت، فمنهم من يراها بدعة، كما ذكر عن ابن عمر، وكان يحصب من يضطجع، ومنهم من يراها واجبة، بل شرط لصحة صلاة الفجر كابن حزم، يقول: إذا لم يضطجع صلاته باطلة، وهو نظير قوله فيما إذا لم يصل الصبح يوم النحر مع الإمام فإن حجه ليس بصحيح، حديث عروة بن مضرس من صلى صلاتنا هذه، أو شهد صلاتنا هذه، يقول: إذا لم يشهدها مع الإمام حجه ليس بصحيح. وهنا يقول: إذا لم يضطجع قبل صلاة الصبح فصلاة الصبح باطلة، طيب كيف يصحح؟ كيف يصلي صلاة صحيحة عند ابن حزم؟ صلى ركعتي الصبح ولم يضطجع وصلى صلاة الفجر إذاً عليه أن يعيد ركعتي الفجر، ثم يضطجع بعدها، ثم يصلي الصبح؛ لتكون الصلاة صحيحة عند ابن حزم، ولا شك أن هذا قول باطل، لا حظ له من النظر، عامة أهل العلم يرون أنه إن صلاها في بيته اضطجع، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، وإن صلاها في المسجد فلا، وهو الذي كان ابن عمر يحصب من اضطجع، يعني في المسجد. يقول: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله للاضطجاع لا أمره به". الجزء: 28 ¦ الصفحة: 21 يقول: هنا أعله الإمام أحمد، نقل ابن عبد البر في التمهيد عن الأثرم قوله: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر؟ فقال: ما أفعله أنا، فإن فعله رجل .. ثم سكت، كأنه لم يعبه إن فعله، قيل له: لما لم تأخذ به؟ قال: ليس فيه حديث يثبت، ولعله يقصد الأمر به، وإلا الفعل فهو ثابت، وذكر أبو بكر الأثرم من وجوه عن ابن عمر أنه أنكره، وقال: إنها بدعة، وقد ادعى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بطلان هذا الحديث، فقال ابن القيم في زاد المعاد: سمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر به، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه. ثم قال بعد ذلك: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل" يعني يسأل عن حكمها أو عن كيفيتها أو عن عددها؟ "سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) " يعني ركعتين ركعتين، وهذا أسلوب حصر، وليست ثلاث ثلاث، ولا أربع أربع، ولا خمس خمس، إنما هي مثنى مثنى، ولذا يقول أهل العلم: إنه لو قام إلى ثالثة في صلاة الليل كالتراويح فكأنما قام إلى ثالثة في فجر، يعني يجب عليه أن يرجع إلى التشهد. ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) ((فإذا خشي أحدكم الصبح)) هذا يدل على أن صلاة الليل والوتر إنما ينتهي وقتهما بطلوع الصبح. ((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) فهم بعضهم أن الوتر بواحدة لا يشرع إلا لمن خشي الصبح فيصلي واحدة، أما إذا لم يخش الصبح فلا يصلي واحدة، مع أنه سيأتي ما يدل على الوتر بواحدة، وعلى هذا يكون هذا تحديد للوقت لا للعدد، إذا خشي كون الوقت ينتهي بطلوع الصبح، ولذا جاء في الحديث: "وانتهى وتره إلى السحر". ((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 22 هذا بالنسبة لصلاة الليل لا يجز الزيادة على ركعتين إلا إذا أراد أن يوتر بثلاث أو خمس أو سبع أو تسع، فله أن يجمعها بسلام واحد فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بالثلاث وبالخمس وبالسبع وبالتسع، لا يجلس إلا في آخرها في الثلاث والخمس والسبع، وأما بالنسبة للتسع فيجلس بعد الثامنة لا يسلم، ثم يسلم بعد التاسعة، ويكون هذا مخصوصاً من حديث الباب: ((صلاة الليل مثنى مثنى)). ((توتر له ما قد صلى)) تقدم في سجود السهو أنه إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ يبني على الأقل المتيقن، ثم يسجد سجدتين يشفعن له صلاته، يعني إن كانت صلاته صحيحة تامة كانتا ترغيماً للشيطان، وإن كانت زائدة شفعن له صلاته، يعني إن كان صلى الظهر خمس هاتان الركعتان شفعن له صلاته، وهنا الركعة واحدة توتر له، فإذا شك هل صلى أراد أن يوتر بسبع مثلاً ثم صلى ركعتين أو ثلاث فتردد، قلنا: يبني على الأقل، فإذا سلم احتمال أن يكون سلم عن سبع واحتمال أن يكون سلم عن ثمان، فيركع فيسجد سجدتين إن كانت الصلاة سبعاً كانتا ترغيماً للشيطان، وإلا شفعن له صلاته أو أوترن له صلاته؟ أوترن له صلاته، يعني هناك المطلوب الشفع فتكون سجدتا السهو شفاً لصلاته، وهنا المطلوب الوتر فتكون السجدتان وتراً لصلاته. توتر له ما قد صلى. خلونا نشوف زرارة هذا. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 23 زرارة بضم أوله ابن أوفى، ما في أبي، ما أدري يعني لا توجد في بعض النسخ ويضيفونها بين قوسين من دون الرجوع إلى المراجع، زرارة بن أوفى العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين، ثم معجمة أبو حاجب البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة، مات فجأة في الصلاة، يعني في صلاة الصبح سمع الإمام يقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] فمات فجأة، والآية لها شأن عظيم عند أرباب القلوب الحية، لكن نقرأها كما نقرأ قام زيد أو ضرب زيد عمراً، لا فرق، وبعضهم يقول: زرارة بن أوفى هل أول مرة يسمع هذه الآية؟ لماذا ما مات أول ما سمعها؟ وما قرأ هذه الآية قبل ذلك؟ لماذا لم يمت عند قراءتها؟ نقول: يا أخي هذا يمكن يجري على قول من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأما القول المعتمد عند أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص فيصل إلى الغاية في بعض الأوقات كما هنا وقد ينقص، فلا تؤثر مثل هذه الآية تأثيرها فيما أثرته حينما زاد. قال -رحمه الله تعالى-: "وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري" ثم ضعفه بعضهم، فهل نقول: إن تصحيح البخاري هنا يقضي على تضعيف غيره؟ الإمام أحمد ضعف الحديث وابن معين ضعف الحديث، وشيخ الإسلام ابن تيمية ضعف الحديث، فهل نقول: إنه لا نظر لأحد مع الإمام البخاري، وهذه مسألة ذكرتها أكثر من مرة، وأن قول الإمام البخاري لا يعارض بقول أحد كائن من كان إذا كان في صحيحه، أما إذا كان خارج الصحيح فقوله كقول غيره، يعني ليس بأرجح من قول الإمام أحمد أو قول ابن معين أو قول غيرهما من الأئمة فلا نخلط؛ لأنه قد يقول قائل: ما دام صححه البخاري ليش ننظر في قول غيره؟ نقول: لو قال: أخرجه البخاري سلمنا، ما عارضناه بتضعيف أحد كائناً من كان، لكن صححه البخاري، سأله الترمذي أو سأله فلان، وقال: صحيح، أو صححه في تاريخه، لا، نقول: قوله كقول غيره من الأئمة، لماذا القدسية؟ لأي شيء؟ هل هي للبخاري؟ لا، القدسية لكتابه الذي تلقته الأمة بالقبول، وهو أصح كتاب عندنا بعد كتاب الله -جل وعلا-. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 24 "وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) " الحديث السابق المتفق عليه ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لماذا لم يخرج البخاري ومسلم النهار، صلاة الليل والنهار، لماذا أعرض البخاري ومسلم عن هذه اللفظة؟ هل هي لأن فيها علة فتركاها؟ أو لكونهما لم يستوعبا الصحيح، وإنما اقتصرا على ما هو في المرتبة العليا منه؟ يعني هل يمكن أن تعل رواية أحمد وأبي داود وغيرهما من الأئمة بعدم تخريج الشيخين لها لا سيما إذا كانت جزء من حديث مخرج في الصحيح؟ أما إذا كان حديث مستقل ما خرجه البخاري هذا ما فيه إشكال؛ لأن البخاري ومسلماً نصا على أنه ليس كل حديث صحيح خرجاه في كتابيهما، وإنما تركا من الصحيح ما هو أكثر خشية الطول، خشية أن تطول هذه الكتب، فلا يعترض على حديث في أبي داود أو في المسند لأنه لم يخرجه البخاري، هذا لا يرد، لكن لفظة خرج البخاري جملة الحديث سواها لماذا أعرض عن هذه اللفظة؟ أو خرج مسلم الحديث دونها لماذا أضرب عن هذه اللفظة؟ نعم قد لا تكون على شرطه، وإن صححها خارج صحيحه لكنها ليست على شرطه في صحيحه، وهذا لا يقدح فيها، وهنا: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) طيب مقتضى الحديث أنك لا تتنفل بأكثر من ركعتين في الليل هذا لا إشكال فيه؛ لأن الخبر في الصحيحين، أما في النهار تصلي أربع ركعات قبل الظهر أو قبل العصر بسلام واحد، أو صلاة الضحى تصليها أربع بسلام واحد؟ لأن هذه اللفظة لم تثبت، وإذا لم تثبت فمفهوم قوله: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) أن صلاة النهار تجوز الزيادة فيها على اثنتين، وإذا صححنا هذه اللفظة وقلنا: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)). الجزء: 28 ¦ الصفحة: 25 النسائي نص على أن هذه اللفظة خطأ، الإمام أحمد كذلك، يحيى بن معين كذلك، شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع من الحافظ نصوا على أنها خطأ، وأزيد فأقول: أن فيه ظرف غير الليل والنهار؟ نعم؟ فلماذا نقول: صلاة الليل والنهار؟ لماذا لا نقول: الصلاة مثنى مثنى؟ يعني التنصيص على الليل في رواية الصحيحين المتفق عليها تخرج النهار لأنه في قسيم؛ لكن إذا قيل: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، هل فيه قسيم يخرج بهذا الحصر؟ ليس فيه قسيم، لو أريد ذلك لقيل: الصلاة مثنى مثنى. المعلق -وفقه الله- أجلب على هذه الرواية وصححها، ورد بقوة على كل من ضعفها، ولا شك أنه من أهل العناية وأهل الخبرة وأهل الدراية في هذا الباب، لكن قوله لا يعارض به قول الأئمة. يقول هنا: "رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري" يعني هل تضافُر هذه الكتب على تخريج هذه الرواية دليل على قوتها؟ إذا كانوا يستدلون على قلة التخريج في دواوين الإسلام لا سيما إذا استقل به من كثرت عنده الضعاف على توهين الرواية، يعني لو استقل به ابن ماجه مثلاً استروحنا وملنا إلى ضعفه، لكن أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري، كونهم كلهم يخرجونه هل يدل على قوته أو لا؟ لا يدل على قوته؛ لماذا؟ لأنهم لم يشترطوا الصحة، بل يجمعون الصحيح والضعيف والحسن، بل قد يخرجون شديد الضعف. وقال أحمد في رواية الميموني وغيره عنه: إسناده جيد. وهناك في رواية الأثرم: ضعف. "وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ، وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم" وتقدم بنا مراراً أنه إذا اختلف في رفع الحديث ووقفه فالحكم في هذا لإيش؟ للقرائن؟ الحكم للقرائن؛ لأن من أهل العلم من رجح الرفع مطلقاً لأنه زيادة ثقة، ومنهم من رجح الوقف مطلقاً لأنه هو المتيقن، والرفع مشكوك فيه، ومنهم من حكم للأكثر، ومنهم من حكم للأحفظ، لكن الأئمة ليس عندهم قاعدة مطردة يحكمون بالوقف أو بالرفع أو بالوصل أو بالإرسال مطلقاً، بل يكلون الأمر للقرائن، وهذا إنما يكون للراسخين في هذا الشأن. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 26 "وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ، وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم، وقال الدارقطني: الصحيح ذكر صلاة الليل دون ذكر النهار" والدارقطني إمام يعني له شأن في العلل كالنسائي، يرون أن هذه اللفظة خطأ، وأحمد اختلف القول عنه، مرة جود الإسناد، ومرة حكم بالضعف وتجويد الإسناد لا يعني قوة المتن، يعني كونه قال: إسناده جيد، هل يعني أنه محفوظ؟ يلزم أن يكون محفوظ؟ لا يلزم، ولذا قال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ. الخلاصة أن من يقول بثبوت هذه الرواية يقول: إن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، لا تجوز الزيادة عليهما على الركعتين، لا في ليل ولا في نهار، إلا ما دل الدليل عليه من الفرائض والوتر، وما عدا ذلك يبقى على كونه مثنى مثنى، وإذا قلنا: صلاة الليل مثنى مثنى مفهومه أن صلاة النهار تجوز الزيادة فيها على الركعتين. طالب:. . . . . . . . . إذا قلنا بصحة "والنهار" قلنا: لا تجوز الزيادة على ركعتين، بعضهم يرجح قبول هذه الزيادة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى أربع ركعات يسلم بينهن، وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب، ركعتين بعد العشاء، ركعتين قبل الفجر، كلها ركعتين ركعتين، ولو كانت الزيادة جائزة لزاد، لماذا اقتصر على ركعتين؟ لأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، لكن ليس في هذا ما يدل على الحصر؛ لأن مجرد الفعل لا يدل على الحصر، ولا على أن الزيادة لا تجوز إذا وجد ما يدل عليها. المعلق أطال في توثيق الراوي، أطال في توثيق راويه علي بن عبد الله الأزدي البارقي؛ لأنه علق على قول النسائي في المجتبى: "وهذا الحديث عندي خطأ" قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وعلي بن عبد الله الأزدي البارقي ثقة. لكن هل التخطئة تدور مع توثيق الراوي وتضعيفه أو لدلالات أخرى خارجة تدل على أن هذا الراوي الثقة حفظ وضبط أو أخطأ؟ أما كون الراوي ليس بثقة ضعيف فهذا يضعف الخبر من أجله مباشرة، وهذا لآحاد طلاب العلم، لكن الإشكال فيما إذا كان الإسناد كله ثقات، وحكم بعض أهل العلم بأن هذا الراوي الثقة أخطأ، يعني إذا جئنا بشيء من أخطاء الإمام مالك، أخطأ في لفظة في اسم راوٍ من الرواة. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 27 . . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر خالفه الأئمة كلهم يقولون: عمرو، هل نبحث لتقرير هذا الخطأ في ترجمة مالك، وأنه ثقة أو غير ثقة؟ نعم، يعني إذا أردنا أن نرجح مثلاً ابن عثمان هذا عمرو وإلا عمر؟ مالك يعرفه بشخصه، ويشير إلى بيته، وغيره من الأئمة يعرفونه، ومالك نجم السنن، ولا يحتاج إلى أن ترجع إلى المصادر لتعرف ثقة مالك أو غيره؛ لأن الشهرة والاستفاضة في هذا كافية. وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية كـ (مالك) نجم لسنن يعني إذا أردنا أن ننظر في ترجمة ابن عثمان هذا هل هو عمر أو عمرو؟ يعني ننظر في ترجمة مالك هل هو ثقة أو ليس بثقة لنقول: إن مالك ثقة فكلامه صحيح؟ لا نحتاج إلى أن نرجع، لكن الكلام في هل هناك قرائن دلت على أن الإمام مالك أخطأ؟ فمالك يخطئ، حفظ عنه أخطاء وهو نجم السنن، وغيره أخطأ، ولا يوجد معصوم، لكن كوننا نصحح أخبار يُذكر فيها مالك وغيره من الأئمة الثقات بناء على غلبة الظن، ولذا لا يقطعون بثبوت ما يرويه الثقة لأنه قد يخطئ، لكنه صحيح يجب العمل به، فكون المحقق -وفقه الله- يعلق على كلام النسائي: "وهذا الحديث عندي خطأ" هو ما قال: ضعيف لضعف علي بن عبد الله الأزدي البارقي لتقول: لا، صحيح لأن علي بن عبد الله الأزدي ثقة، قال: خطأ، وقد يخطئ وهو ثقة، يعني لا يخفى عليه أمر علي بن عبد الله الأزدي لنقول: هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وعلي بن عبد الله الأزدي البارقي ثقة، يعني مثل ما ذكرنا في خطأ مالك لا نبحث في ترجمة مالك هل هو ثقة أو غير ثقة؟ يعني الإمام النسائي -رحمه الله- ما يعارض في كون البارقي هذا ثقة، لكن مع كونه ثقة يخطئ، وهذا هو المدار في المسألة، يعني هل الضعف جاء من قبل تضعيف بعض رواته، أو لكون بعض رواته أخطأ وهو ثقة، نعم وهذا أمر لا يدركه طلاب العلم، وهذا الذي نؤكد عليه مراراً، وأن هذا لا يمكن أن يتداوله طلاب العلم فيما بينهم إنما هو للأئمة الذين وصلوا إلى حد يعرفون ما صح وما لم يصح، وما يمكن أن ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما لا يمكن أن ينسب، وإن كان رواته ثقات، وقد يكون محفوظاً وإن كان في رواته بعض الطعن. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 28 ثم قال: قال علاء الدين مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال: "ولما ذكره ابن خلفون في كتاب الثقات قال: هو ثقة، قاله أحمد بن صالح وغيره" نعم كون الراوي ثقة يعني مظنة لأن يكون ضبط الخبر، وهذا هو الأصل، لكن قد يأتي ويرد على خلاف الأصل مما يدل له الإجماع على أنه لا يوجد معصوم إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-. ثم قال: "قال ابن عدي في الكامل: وثقه ابن حبان والعجلي ومسلم والبيهقي، وقال ابن عدي في الكامل: ليس له كثير حديث، وهو عندي لا بأس به، وقال الذهبي: وقد احتج به مسلم، ما علمت لأحد فيه جرح وهو صدوق، وقال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ" يعني مع هذه التوثيقات خلص الحافظ ابن حجر في التقريب أنه صدوق ربما أخطأ، وكأن الحافظ -رحمه الله- استحضر هذه الرواية، وبعض الروايات التي حصل فيها شيء من الخطأ. ابن عمر -رضي الله عنهما- هو الراوي للحديث يقول سعيد بن جبير: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يصلي أربعاً لا يفصل بينهن إلا المكتوبة. يقول البيهقي في الخلافيات: وهذا الحديث صحيح رواته ثقات، احتج مسلم بعلي بن عبد الله البارقي الأزدي، والزيادة من الثقة مقبولة، يعني زيادة لفظة: "والنهار". ثم نقل كلام من قوى هذه الرواية وشدها وكلها تدور على توثيق الراوي البارقي. يقول: وأما قول النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ فيرد بقوله نفسه في السنن الكبرى: هذا إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، يعني هل يمكن أن يرد على النسائي في قوله: خطأ بقوله في السنن الكبرى: هذا إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي؟ أو هذا يؤيد كلامه؟ يؤيد كلامه، هذا يؤيد كلامه ما يخالفه، ولا يرد عليه بكلامه من نفسه. يعني علينا أن نفهم تصرفات الأئمة ومغازي كلامهم ومقاصدهم. وقوله: وأما قول النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ فيرد بقوله نفسه في السنن الكبرى: إسناده جيد، هذا إسناد جيد بلا شك، يعني من حيث ثقة الرواة والاتصال جيد، لكن الإشكال كله في هل ضبط راويه وأداه على الوجه الصحيح كما سمعه أو أخطأ فيه؟ ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، فهذا يؤيد كلامه في أن راويه أخطأ فيه. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 29 قلت: لم يخالفوا البارقي أصحاب ابن عمر، وإنما زاد عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، مع أن التذكير بأن الصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهار مثنى مثنى كما تقدم، فهذا ينفي المخالفة، ويؤيد قول من صحح الحديث. صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهار مثنى مثنى؛ لأنها ركعتين، صلى ركعتين بعد كذا، وركعتين بعد كذا، وصلى ركعتين، هل هذا يقتضي أن الجمع بين أربع ركعات لا يجوز، يعني مجرد فعله؟ لا سيما إذا قلنا: إن هذه الزيادة خطأ، وأن مفهوم صلاة الليل مثنى مثنى، أن صلاة النهار تخالف صلاة الليل؟ وبهذا أيضاً نرد على من أعل هذا الزيادة بالشذوذ كالإمام الدارقطني، فإنه قال في العلل: ذكر النهار فيه وهم، وممن أعله الإمام يحيى بن معين، يعني إذا أعله الإمام أحمد على طالب العلم أن يتوقف، إذا وافقه يحيى بن معين يزداد في التوقف، إذا قال الدارقطني: ذكر النهار وهم، عليه أن يعيد النظر، وكلما زاد واحد من الأئمة الكبار الجبال وليس معنى هذا أننا يعني أخونا المحقق -وفقه الله- يعني له خبرة وله معرفة وله دراية وله يد في هذا الباب، لكن كلما أورد كلام من أئمة رد عليه بهذه السهولة. وبهذا نرد على من أعل، ترد على الدارقطني! يعني رديت على النسائي، رديت على أحمد، رديت على شيخ الإسلام حتى نرد على الدارقطني؟ الذي أعله بالشذوذ فإنه قال: ذكر النهار وهم، وممن أعله الإمام يحيى بن معين، فقال ابن عبد البر في التمهيد: وكان يحيى بن معين يخالف أحمد في حديث علي الأزدي ويضعفه ولا يحتج به، ويذهب مذهب الكوفيين في هذه المسألة، ويقول: إن نافعاً وعبد الله بن دينار وجماعة رووا هذا الحديث عن ابن عمر ولم يذكروا فيه: "والنهار". الجزء: 28 ¦ الصفحة: 30 في كلام طويل يعني على من يتصدى لتحقيق كتب أهل العلم أن يتعامل معه بالأسلوب المناسب، وأيضاً من باب ذكر الفضل لأهله المحقق يعني من أهل الخبرة والدراية، وله يد، وله جود في هذا المجال، وله أيضاً احترام وتقدير لأهل العلم فلا يكاد يذكر أحداً إلا ويقول: -رحمه الله-، ويتعامل معهم معاملة مناسبة، لكن أنا لفت نظري أنه تتبع هؤلاء الأئمة ويرد به على كذا، ويرد على فلان، ثم يرد على الدارقطني، ويرد على .. ، هذا أسلوب في تقديري لا يناسب في تجاه هؤلاء الأئمة، وإن كان يعني له رأيه، ولا يعترض عليه لا سيما وأنه من أهل هذا الشأن. بقي أن أقول: وكذا تقدم الرد على من زعم أن شعبة لم يرفعه إلى آخره .. ، وبقي أن أقول: لقد ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- الحديث في مجموع الفتاوى فقال: وقد ضعف أحمد وغيره من العلماء حديث البارقي، ولا يقال: هذه زيادة من الثقة فتكون مقبولة لوجوه: الأول: أن هذا متكلم فيه. الثاني: أن ذلك إذا لم يخالف الجمهور، وإلا فإذا انفرد عن الجمهور ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره ... إلى آخره. وفيما قاله أحمد -رحمه الله- نظر، أما قوله: وقد ضعف أحمد وغيره من العلماء حديث البارقي فمردود بقول الإمام أحمد نفسه كما نقل المصنف عنه من رواية الميموني: إسناده جيد، وقلنا: إن كلمة إسناده جيد لا تعارض التضعيف. وكذا ذكره عنه ابن رجب الحنبلي في فتح الباري، بل ذكر ابن رجب أن الإمام أحمد في روايته عنه توقف في حديث الأزدي، وهذه أيضاً لا تعارض التضعيف. ومردود أيضاً بتصحيح الحفاظ بعده كالإمام البخاري والخطابي والبيهقي والنسائي في أحد قوليه، النسائي يعني في قوله في السنن الكبرى حينما قال: إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، هذا ما يمكن أن يرد به على أحد. والنسائي في أحد قوليه، والحاكم والنووي وابن الملقن وغيرهم، وأما رده بأن يكون الحديث صحيحاً بناءً على أنه زيادة ثقة؛ لأن علياً البارقي متكلم فيه فغير صحيح؛ لأن علياً لم يتكلم فيه أحد بجرح، ابن حجر ماذا قال؟ صدوق يخطئ، أو ربما أخطأ، المقصود أنه له أخطاء. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 31 والعلة الثانية إذا لم يخالفه الجمهور يقول: تقدم الرد عليها، وجملة القول: إن الحديث صحيح بلا ريب، وتتأكد صحته بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لصلاة التطوع في النهار مثنى مثنى، وبفعل ابن عمر كما تقدم. ثم بقي بعد ذلك اختلاف وجهات النظر نظر الحافظ في قبول زيادة البارقي، فمن قبلها صحح الحديث ومن لا فلا، والله أعلم. ختام طيب يعني بالنسبة للأئمة والتفويض بالنسبة لمن صحح ومن ضعف، لكنه بعد أن رد على هؤلاء الكبار الجبال. وقلنا: إنه من حيث المتن: ((صلاة الليل والنهار)) قلنا: إنه لا قسيم لليل والنهار، يعني حينما يقال: ((صلاة الليل مثنى)) له قسيم النهار يخرج بذلك، لكن صلاة الليل والنهار هل يوجد قسيم لينص على الليل والنهار؟ لا، وإنما يقال: الصلاة مثنى مثنى، لو أريد الصلاة بعمومها في الليل والنهار لقيل: الصلاة مثنى مثنى. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) ". ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)) هذا بالنسبة للأشهر، وأما بالنسبة لعموم الصيام فقد جاء ((أفضل الصيام صيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً)) وسيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام -إن شاء الله تعالى-. ((وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) لأنها مشهودة، وفي آخر الليل، في جوف الليل النزول الإلهي ووقت من أوقات إجابة الدعاء هل من سائل؟ هل من داع؟ هل من مستغفر؟ لا شك أن هذا يجعل هذا الوقت أفضل من غيره فيحرص عليه، ومع الأسف الحرمان ظاهر لكثير من المسلمين، بل لبعض ممن ينتسب إلى العلم، تجده يبتلى بالسهر ويسهر إلى وقت متأخر من الليل، فإذا أراد أن يصلي عجز، قيد، ما الذي قيده كثرة القيل والقال، يعني لو أحيا ليله بعبادة مثلاً تعلم علم، مدارسة قرآن كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل في رمضان يعان على قيام الليل، لكن قيل وقال، مباح يجره إلى مكروه، وقد يجره إلى محرم، والوقت إذا طال صار للشيطان فيه نصيب، ما لم يكن مشغولاً بذكر الله، وما يعين على ذكره. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 32 ((وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) رواه مسلم، ورواه النسائي من رواية شعبة مرسلاً. ولكنه موصول عند مسلم فهو صحيح، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذا يقول: قرأت حديثاً كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الدنيا لأربعة: رجل رزقه الله علماً ومالاً فهو أفضلهم منزلة، ورجل رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهما في المنزلة سواء)). ويش لون؟ لكنه مع ذلك يتمنى أن لو كان له مال فلان فيصنع مثل ما صنع فلان فهما في المنزلة سواء. وكان عبد الله بن المبارك جمع بينهما والجهاد، والليث كان تاجراً، هل الجمع أفضل إذا رأى الإنسان الاستطاعة أو التفرغ للعلم كما هو عمل العلماء وأقوالهم؟ على كل حال الأصل التفرغ لما خلق له الإنسان، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، لكن عليه أن يسعى في تحصيل ما يعينه على تحقيق هذا الهدف، ونعم المال الصالح للرجل الصالح، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب. كيف الجمع بين حديث ابن عمر وحديث أم حبيبة؟ في حديث ابن عمر الرواتب عشر ركعات، وفي حديث أم حبيبة ثنتا عشرة، وقلنا: إن هذا إما أن يؤخذ بالأكثر فيدخل فيه حديث ابن عمر، وهذا إذا فعله الإنسان لا شك أنه أحوط، وإن فعل هذا أحياناً وفعل هذا تارة فلا بأس -إن شاء الله تعالى-. هل تفعل الأربع ركعات قبل الظهر بتسليمتين؟ نعم جاء النص على أنه يسلم بينهما. يقول: إن فاتتني ركعتا الفجر فمتى أقضيها؟ إن قضيتها بعد أذكار الصلاة ففي السنة التقريرية ما يدل على أنها تقضى بعد الصلاة، وإن أخرتها إلى أن يخرج وقت النهي وصليتها قبل صلاة الضحى كان ذلك قضاء مناسباً. يقول: تفوتني بعض الأحيان بعض النوافل الراتبة فمثلاً أقضي راتبة المغرب بعد العشاء، فهل عملي صحيح؟ أهل العلم يقولون: إن الراتبة تنتهي بخروج الوقت، ينتهي وقتها بخروج الوقت، وكثيراً ما يقولون: سنة فات محلها، لكن لو صلى بعد راتبة العشاء الركعتين صلى ركعتين من باب التعويض والازدياد من الأجر في مقابل ما فاته من أجل تضييع الراتبة كان له وجه. يقول: أين موضع نظري بين السجدتين؟ هل على السبابة أم موضع السجود؟ الجزء: 28 ¦ الصفحة: 33 على موضع السجود وإذا كان في التشهد وأخذ يحركها يرمي بطرفه إليها إلى السبابة، ومنهم من يقول: ينظر إلى تجاه وجهه كما قال الإمام مالك: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] والأكثر على أنه ينظر موضع سجوده؛ لأنه أعون على الخشوع. يقول: يوجد مستشفى يعطي كرت تخفيض قيمته مائة ريال تستفيد منه لتخفيض الكشف عند الطبيب والتحاليل والأشعة ولمدة عام، وإذا لم يستخدم ينتهي بعد عام كامل، فما الحاكم؟ يقصد الحكم، الحكم في شراء هذا الكرت المائة معلومة، ومقابلها معلوم وإلا مجهول؟ مجهول، إذاً هذا هو التأمين بعينه. يقول: ذكرتم أنه إذا أتى موعد الصلاة في وقت العمل مسموح لنا شرعاً أن نتوقف عن العمل، ونذهب إلى الصلاة، ماذا عن المعلمين الذين يُدرّسون وقت صلاة الظهر؟ أولاً: بعض الموظفين يفرح بمثل هذا الكلام، وأنه بمجرد ما يسمع: الله أكبر يترك العمل ويذهب إلى المسجد، وبقية الأوقات لا يذهب إلا بعد الإقامة إذا كان في بيته وبين أولاده، هذا استغلال لمثل هذا الكلام، ولا شك أن الأصل الشرعي موجود، لكن يبقى أن على الإنسان أن يحرص على براءة ذمته، ولا يكون براءة الذمة في مقابل العمل، وإذا لم يكن ثم عمل لم يحرص على إبراء الذمة، يكون هذا الظاهر منه التنصل من العمل لا المبادرة إلى الصلاة. أما بالنسبة للمعلمين الذين يدرسون وقت صلاة الظهر الأصل أنه متى سُمع النداء كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن أم مكتوم: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فعليهم أن يتوقفوا عن التدريس، وأن تجعل مواعيد الدروس في غير وقت الصلاة، وينتهي الدرس مع الأذان، ويستأنف الذي بعده بعد الصلاة. يعني كثيراً ما يسأل عن الجمع، الجمع بين الصلاتين؛ لماذا؟ والله المحاضرة تستوعب الوقتين، تستوعب من الأذان إلى أن يخرج الوقت، ولا نستطيع أن نترك المحاضرة طيب، يعني الدين هو الذي يُخضَع لهذا الدراسة، الدراسة إن كانت من أجل الدين فالصلاة عمود الدين، وإن كانت الدراسة من أجل الدنيا فلا خير في دنيا تعوق عن تحصيل الدين، والله المستعان. يسأل عن الجمع لأن المدرس ما يمكنه من الصلاة وقت الدرس، هذا ليس بكلام، يخرج مهما ترتبت الآثار، ولا يخرج الصلاة عن وقتها ... الجزء: 28 ¦ الصفحة: 34 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (29) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يسأل عن كتاب التمييز للإمام مسلم، هل هو مطبوع؟ وهل هناك شروح عليه؟ مع أني بحثت عنه ولم أجده؟ الموجود منه مطبوع، القطعة الموجودة منه مطبوعة، وعليه شروح مسجلة لبعض المشايخ. يقول: ما كيفية عقد التسبيح باليد؟ عقد التسبيح هو عد هذه التسبيحات وغيرها من الأذكار بالأصابع، بالأنامل، فإن شئت أن تجعل إبهامك على العقد مع كل ذكر سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وإن شئت ألا تجعله، المقصود من ذلك هو ضبط العدد، وإذا قلت: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر من غير وضع الإبهام على هذه العقد فلا يمنع من ذلك -إن شاء الله تعالى-؛ لأن المقصود ضبط العدد؛ لئلا يزاد على المشروع. يقول: هل يمكن الجمع بين حديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبين حديث عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر يعني يقال: إذا صلى في البيت صلى أربعاً، وإذا صلى في المسجد صلى ركعتين. النظر يقتضي خلاف ذلك، وإن كانت رواية عائشة تدل على صنيعه في البيت، ورواية ابن عمر تدل على المسجد، لكن القاعدة أن البيت أفضل فتكون المضاعفة في المسجد أفضل كما في الجمعة إذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وإذا صلى في البيت صلى ركعتين. يقول: صلاة المضطجع على النصف من صلاة القاعد، فهل تطوع المضطجع يصح؟ وما كيفيته؟ ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) سواءً كان يطيق القيام ويستطيعه أو لا يستطيعه هذا في النافلة، وأما الفريضة فلا تصح إلا من قيام مع القدرة، النافلة أمرها أخف، فإذا تعب من الصلاة، وأراد أن يصلي وهو مضطجع وإن كان قادراً على القعود فلا مانع من ذلك، لكن يستقبل القبلة ويومئ بركوعه وسجوده، ويكون له ربع الأجر، نصف النصف. مع ضيق الوقت وكثرة المشاغل، فبماذا تنصحون بحفظ عمدة الأحكام أو بلوغ المرام؟ مع كثرة الوصية به، أو المحرر مع العلم أني ليس بقوي الحفظ مع كثرة مشاغلي في الحياة اليومية؟ الجزء: 29 ¦ الصفحة: 1 أولاً: العمدة كل أحاديثها صحيحة، فيحرص عليها طالب العلم، والبلوغ فيه أحاديث لا توجد في العمدة مما يحتاجه طالب العلم، والمحرر فيه أحكام وتنبيهات على الأحاديث، وبيان لبعض العلل لا توجد في البلوغ، فلو أن طالب العلم أراد أن يجمع بين هذه الكتب في مصنف واحد، ويذكر زوائد كل واحد على الثاني فبهذه المعاناة تثبت هذه الفوائد. يقول: هل هناك نص يدل على أن المسافر لا يصلي السنن الرواتب عدا ركعتي الصبح؟ مفهوم قوله: "وكان لا يتركها سفراً ولا حضراً" أنه يترك غيرها في السفر، مع أنه يلازمها في الحضر، إذاً السفر لا يحافظ عليها بل يتركها، وما أثر عن ابن عمر: "لو كنت مسبحاً لأتممت". يقول: أنا طالب علم أطلب العلم منذ فترة، ولكني أتعب في حفظ المتون لكثرتها ولقلة الوقت، ولكني في الفهم والتلخيص جيد. الزم، الذي يتيسر لك ويسهل عليك الزمه، لخص الكتب واشرحها من الكتب الأخرى، وحاول أن تفهم جملها. يقول: سمعنا ترجيحكم لألفية العراقي على السيوطي مع أن ألفية العراقي يوجد في بعضها أبيات خلل، وبعض المعاصرين أصلحها، وأثبت ما أصلحه في المتن. أولاً: إدخال الإصلاح في المتن هذا خطأ وتعدي على الكتاب، الإصلاح من أراد أن يصلح فليصلح خارج المتن، يعلق يقول: كذا قال الناظم، ولو قال كذا لكان أولى، كما يقوله كثير من الشراح، إذا تعرضوا لشرح النظم. يقول: هل الحاكم في مستدركه سود كتابه لينقحه ثم عاجلته المنية كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وبذلك وقع في المستدرك من الأحاديث الضعيفة والواهية وغيرها؟ نعم هو حرر الربع الأول أكثر من ثلاثة الأرباع، ولذا تجدون الربع الأول أمتن من بقية الكتاب، ولعل هذا هو السبب. يقول: رجل تزوج ثلاث نساء وابن عم الزوجة الثالثة تزوج ابنة الرجل، أبناؤهم هل يحرمون على زوجة جدهم لأمهم وابنة عم أبيهم؟ إيش دخل هذا بهذا؟ متصورة المسألة؟ رجل تزوج ثلاث نساء هذا لا بد من الاستفصال، السائل لا بد أن يحضر، بهذا الاختصار لا يمكن الجواب. يقول: توفي أبي -رحمه الله- فهل يلزمني تسميته في نيتي عند فعل العمل الصالح أم لا؟ علماً أنني من كسبه وبالتالي كل أعمالي تكتب له. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 2 هو السبب في وجودك، ولا شك أنك من كسبه، وله أجر على نيته في وجودك، ولكن الدعاء له وتخصيصه بالدعاء هذا هو المأثور ((أو ولد صالح يدعو له)) فلا بد من الزيادة على السبب في إيجادك، لا بد من أن تخصه بأعمال صالحة. صلاة النافلة في البيت هل تشمل بيت الوالد أو بيت الجار المراد زيارته بعد الفرض؟ أما بيت الوالد فهو بيت، وكذلك بيت الولد من باب أولى. لفظ بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هل الباء هنا للقسم؟ لا، ليست للقسم، متعلقة بمحذوف تقديره: أفديك بأبي وأمي. التسمية عند الوضوء. مختلف في ثبوت الحديث فيها، وأكثر أهل العلم على تضعيفه. يقول: يقول بعض العلماء بجواز ذكر الإنسان بما يكره من باب الشكوى والفتيا؟ إذا كان ذلك بغير قصد الغيبة استنباطاً من بعض الأحاديث، يعني حديث امرأة أبي سفيان قالت: رجل شحيح، يعني يذكر الرجل بما فيه لا يزاد عليه، وهذا البيان للحاجة، الحاجة تدعو إلى ذلك، فاستثني من تحريم الغيبة من ذكر الإنسان بما يكره في حال غيبته أمور منها هذا الشكوى، الفتيا، الجرح بالنسبة للرواة والشهود، كل هذا مستثنى لمصلحة راجحة. أم نذرت إذا شفى الله ابنتها أن تذبح كل سنة ذبيحة، وشفى الله ابنتها، وأصبحت تذبح كل سنة إلى أن ماتت، وقبل موتها أوصت ابنتها بهذا العمل إلى السنتين الماضيتين تعسر عليها؟ لا، التكليف انقطع بوفاتها، فلا يلزم النذر بعد وفاتها، يكفي ما ذبحته في حياتها. يقول: هل تقرير الصحابي في الحجية كتقرير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، تقرير الصحابي ليس بحجة؛ لأنه قد يسكت لمصلحة راجحة لا لبيان الجواز كتقريره -عليه الصلاة والسلام-، وإذا اختلف في قوله الصريح هل هو حجة أو ليس بحجة فالتقرير لا يختلف فيه. يقول: ما حكم حلق أو تخفيف الشعر المسمى بالخنفقة -هي العنفقة- الواقع فوق اللحية وتحت الشفتين؟ هي من اللحية فلا يجوز التعرض لها. صحة حديث: ((اللهم أجرني من النار)) الذي نقوله بعد صلاة الفجر والمغرب؟ الحديث ضعيف. هل ترك دعاء الاستفتاح تخفيفاً أفضل وأقرب للسنة، أم ذكر دعاء الاستفتاح كالفريضة وبقية النوافل؟ الجزء: 29 ¦ الصفحة: 3 لعله يقصد في راتبة الفجر، السائل لعله يقصد في راتبة الفجر؛ لأنه يقول: كالفريضة وبقية النوافل؛ لأن راتبة الفجر سنة الفجر ركعتي الفجر يسن تخفيفها، حتى قالت عائشة: "لا أدري أقرأ بأم الكتاب أم لا" يقرأ كل ما تطلب قراءته، لكنه لا يزيد على الاستفتاح، أخصر الاستفتاحات مثلاً، ولا يزيد على ما شرعت قراءته من سورة الإخلاص أو الآيتين المذكورتين. يقول: نريد مثالاً على الأوصاف الاختيارية للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني الشمائل مليئة من الأمثلة منها الاختياري، ومنها الاضطراري والإجباري، يعني ما يتعلق بأوصافه الخُلقية كلها اختيارية، وما يتعلق بأوصافه الخَلقية كلها إجبارية. يقول: نجد بعض الخطباء إذا انتهى من خطبته ودخل في الصلاة قرأ بآيات لها علاقة بموضوع الخطبة علماً أن هذا الفعل يتكرر مع كل خطبة، فما حكم هذا الفعل؟ لو قرأ هذه الآيات في الخطبة واقتصر على ما تشرع وتسن قراءته في صلاة الجمعة، أو في صلاة العيد كان أتبع للسنة. أرجو إعطائي مثلاً يشرح لي علم أصول الفقه؛ لأن أكثر المصنفات تشرح كلاماً طويلاً بينما لو كان هناك مثال لاتضح المقال؟ يعني يريد في كتاب يهتم بالأمثلة أو نورد له مثال؟ وعلى أي مسألة تورد؛ لأن أكثر المصنفات تشرح كلاماً طويلاً، ويش تشرح كلام يعني بدون أمثلة؟ كتب الأصول كلها فيها أمثلة. يقول: ما هي السنة لمن جاء مبكراً يوم الجمعة هل يطيل في الصلاة أو يكثر منها أو يكثر من القرآن؟ كلها عبادات فاضلة، وكلها فعلها الصحابة وسلف هذه الأمة، والتنوع مطلوب. هل يجوز لي أن أفتح على إمام أخطأ في قراءته، وأنا لست بمأموم وراءه، علماً بأن ذلك بعد الصلاة، وهم جماعة ثانية؟ لك ذلك، لك أن تفتح عليه لا سيما إذا لم يوجد من يفتح عليه. يقول: هل تخصص سنة الاضطجاع بما إذا صليت سنة الفجر في البيت؛ لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ نعم ولا تفعل في المسجد؛ لأن ابن عمر كان يحصب من يفعلها. هل قال أحد بوجوب تحية المسجد من أصحاب القرون المفضلة؟ لا أعلم أحداً قال بذلك، وعامة أهل العلم على استحبابها، ووجد من يقول من المتأخرين. هذا يقول: هل يجوز لي أن أقص من شعر حاجبي لأنه طويل؟ الجزء: 29 ¦ الصفحة: 4 إذا كان يؤذيك وينزل إلى العينين وتتأذى به ويقذرك به الناس فلا مانع وإلا فلا. هل رفع اليدين للدعاء بين الخطبتين مشروع؟ أما بالنسبة أثناء الخطبة فليس بمشروع إلا إذا استسقى الخطيب، إذا استسقى الخطيب يرفع يديه، ويرفع المأمومين أيديهم، وأما بين الخطبتين فالأمر فيه سعة. يقول: هل يقال: إنه عندما يكون الجهاد فرض عين أن طلب العلم أفضل من دفع العدو الصائل؟ لا، لا يمكن أن يقال هذا، لا يمكن أن يقال مثل هذا، ولو قيل بمثل هذا لضاعت حقوق الناس، حقوق الأفراد وحقوق الأمة، دفع الصائل لا بد أن يدفع. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون الركعتين اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة. رواه مسلم. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 5 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك)) قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) متفق عليه، ولفظه للبخاري، وفي لفظ لهما: ((أنت رب السماوات والأرض)) ((بدل لك ملك السماوات والأرض)) وفي آخره: ((أنت إلهي لا إله إلا أنت)) وفي لفظ لمسلم: ((أنت قيام السماوات والأرض)) وللنسائي في آخره: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)). وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ ليلة فقال: ((سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) رواه البخاري. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه. وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وعاصم مختلف فيه، ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله: بعد ذكره، وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم. وعن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) رواه أحمد، وحجاج غير محتج به، ولم يسمعه من عمرو. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 6 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر)) رواه البيهقي بإسناد صحيح. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) متفق عليه. وعن أبي سلمة -رضي الله عنه- قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة: يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح" رواه مسلم. وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالليل؟ فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتي الفجر" رواه البخاري. وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "لا يسلم إلا في آخرهن". وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها" رواه مسلم. وعنها قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم. وروى عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)). الجزء: 29 ¦ الصفحة: 7 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو إذا ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به، وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)). حسبك، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة" لأرمقن يعني لأتتبعن وأرصدن؛ لماذا؟ لماذا يتتبع صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرصدها ويتابعه في جميعها؟ ليعمل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو القدوة وهو الأسوة، فعلى المسلم أن يقتدي به ويأتسي، وقد انتهت الاقتداء بأفعاله مباشرة بموته -عليه الصلاة والسلام-، ولم يبق إلا العمل بما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل. "لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة" يعني في هذه الليلة؛ لأنه سمع أحاديث رأى أن في بعضها ما يخالف بعضاً، والأمر كذلك على ما سيأتي في صلاة الليل. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 8 "فصلى ركعتين خفيفتين" كان يفتتح صلاته -عليه الصلاة والسلام- صلاة الليل بهاتين الركعتين الخفيفتين، فمن اعتبرهما قال: أوتر بثلاث عشرة، ومن لم يعتبرهما كما في حديث عائشة قال: أوتر بإحدى عشرة، لا يزيد على إحدى عشرة، وكأن هاتين الركعتين المتميزتين بالخفة لا تلحقان بقيام الليل؛ لأن صفة قيام الليل الطول، كما قالت عائشة: "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" وهنا يقول: "ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين" تأكيد "ثم صلى ركعتين وهما دون الركعتين اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" يعني صلى الركعتين الأوليين خفيفتين، ثم صلى الركعتين الأوليين اللتين بعد الخفيفتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين، يعني هما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين طويلتين وهما دون اللتين قبلهما ... إلى آخره. فصلاته -عليه الصلاة والسلام- متدرجة أولها أطولها، وهكذا في صلاة الفريضة تكون الركعة الأولى أطول من الثانية، وجاء في صلاته للكسوف أنه كبر فقام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة، ثم ركع، ركع ركوعاً طويلاً ثم رفع فقرأ، وقام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً دون الركوع الأول ثم رفع، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم على هذه الصفة، وكل ركن من أركانها دون الذي قبله، هذه القاعدة في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، ونجد بعض الأئمة يخالف هذه السنة، تجده يقرأ في الأولى سورة، ثم يقرأ في التي تليها سورة أطول منها، يعني لا يرد على هذا الشيء اليسير، يعني الفرق إذا كانت الثانية أحياناً مماثلة للركعة الأولى، أو أزيد منها بشيء يسير، فمثلاً سبح والغاشية، الغاشية أطول من سبح بشيء يسير، والمعوذتان متساويتان، لكن هذه الجادة عنده -عليه الصلاة والسلام-، أن الأولى سواءً كانت في الفريضة أو في النافلة أطول من التي بعدها، ولذا قال ... ، فإذا اعتبرنا صلى ركعتين خفيفتين من التهجد صارت ثلاث عشرة كما قال الصحابي، وإذا لم نعتبر صارت إحدى عشر كما قالت عائشة. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 9 "ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين" هذا تأكيد "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" هما طويلتان طويلتان بالفعل، لكنهما دون اللتين قبلهما "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" هما طويلتان لكنهما دون الثالثة والرابعة "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" الخامسة والسادسة "ثم صلى ركعتين ... " إلى آخره "ثم أوتر" أوتر بكم؟ إذا قلنا: ثلاث عشرة أوتر بواحدة وإلا بثلاث؟ في حديث عائشة أوتر بثلاث، وهنا الحصر ثلاث عشرة، يحدد لنا العدد، لكن على اعتبار الركعتين أو عدم اعتبار الركعتين، إذا اعتبرنا الركعتين الخفيفتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم يكون حينئذٍ أوتر بواحدة، وإذا قلنا: إنه لم يعتبر هاتين الركعتين الخفيفتين يكون أوتر بثلاث، فيكون الحديث مطابقاً لحديث عائشة -رضي الله عنه- لأنه قال: "ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة". والوتر كما يطلق على الواحدة يطلق على الثلاث ويطلق على الخمس ويطلق على السبع ويطلق على التسع، كلها وتر، وهو ما يقابل الشفع. الفردي من الأعداد وتر، والزوجي من الأعداد شفع، وقوله: "ثم أوتر" هذا الحصر يدل على ثلاث عشرة بدون زيادة، فإن كان اعتبر الركعتين الخفيفتين يكون أوتر بواحدة، وإن لم يعتبر الركعتين الخفيفتين وأنها كالاستفتاح للصلاة يكون أوتر بثلاث ليطابق حديث عائشة. "رواه مسلم". الجزء: 29 ¦ الصفحة: 10 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد" يتهجد، والتهجد جاء الحث عليه في نصوص الكتاب والسنة {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [(16) سورة السجدة] {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] يعني ويش ارتباط التعقيب هذا بالتهجد بالقيام؟ يدل على أن الذي لا نصيب له من قيام الليل يكون نصيبه من العلم الحقيقي النافع المثمر بقدر نصيبه من هذه الصفة التي هي دأب الصالحين، يكون نصيبه من العلم المثمر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] ومع الأسف أن هذه الصلاة من أثقل الأشياء على النفس؛ لأنها إما أن يكون الإنسان نائماً فيصعب عليه القيام، أو يكون قائماً مستيقظاً فلا يعان إن لم يكن استيقاظه في طاعة، إذا كان سهره في طاعة فإنه يعان؛ لأنه إذا نظر في أمره لماذا سهر ليله؟ سهر لدراسة العلم وتحفظ العلم وفهم العلم، وهذا أشق من الصلاة، فيعان على الصلاة، سهر لقراءة القرآن، سهر في أمر من أمور المسلمين العامة يعان على قيام الليل، أما إذا سهر في القيل والقال، وفيما لا ينفع بل قد يضر فإن هذا التجربة أثبتت أن مثله لا يعان. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 11 "إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن)) " هذا الذكر هل هو ذكر استفتاح أو قبل الدخول في الصلاة؟ إذا قام من الليل يتهجد، اللفظ يحتمل أنه بعد دخوله في الصلاة، ويحتمل أنه إذا أراد الصلاة قام من الليل قبل أن يشرع في الصلاة ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض)) فمن ذكره قبل شروعه في صلاته فقد أحسن، ومن جعله استفتاحاً لصلاته فقد أحسن. ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن)) يعني أنت القائم بهن، ولولاك سبحانك وتعاليت لما قام شيء من ذلك. ((ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن)) حجابه النور {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(35) سورة النور]. ((أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق)) وما يعبد من دونك فهو الباطل ((ووعدك الحق)) الذي لا يخلف ((ولقاؤك حق)) الذي لا شك فيه ولا مرية، ((وقولك حق)) وهو الصدق الذي لا يعتريه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يعتريه كذب ولا شك، ((والجنة حق، والنار حق)) وكل هذا اعتقاد أهل الحق ((والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق)) لا بد من الإيمان بهذه الأمور ((ومحمد حق)) لا بد من الإيمان به على جهة التفصيل، وإن كان الإيمان بالنبيين قبله تفصيلاً فيما فصل وإجمالاً فيما أجمل ((والساعة حق)) لا ريب فيها، ولا يعلم متى تكون إلا الله -جل وعلا-، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني مبالغ في إخفائها حتى عن نفسه -جل وعلا-. ((لك أسلمت وبك آمنت)) لك أسلمت واستسلمت بجوارحي وأقوالي وأفعالي وإراداتي ((وبك آمنت)) صدقت وأيقنت ((وعليك توكلت)) وفوضت جميع أموري إليك لا على غيرك ((وإليك أنبت)) لك رجعت ((وبك خاصمت)) يعني جعلت عدتي في خصومتي ما توجهني به من نصوصك من الكتاب أو السنة ((بك خاصمت)) وخاصمت أيضاً من يشككني فيك. ((وإليك حاكمت)) {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} [(57) سورة الأنعام] {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [(65) سورة النساء]. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 12 ((فاغفر لي)) هذا تحميد وتمجيد كله بين يدي هذا الدعاء ((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)) وحري بدعاء يقدم له بهذا التحميد والتمجيد على ما تقدم ((إذا دعا أحدكم ربه فليحمده وليمجده)). ((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك)) قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) متفق عليه، ولفظه للبخاري" عبد الكريم أبو أمية هذا؟ التقريب موجود؟ طالب:. . . . . . . . . هاته. وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) لأن عبد الكريم بن أبي المخارق كنيته أبو أمية وهو ضعيف، وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) ومقتضى ترتيب المؤلف أن هذه اللفظة موجودة في لفظ البخاري. "متفق عليه، ولفظه للبخاري، وفي لفظ لهما: ((أنت رب السماوات والأرض)) " يقول: عبد الكريم بن أبي المخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة، أبو أمية المعلم البصري، نزيل مكة، واسم أبيه قيس، وقيل: طارق، ضعيف، له في البخاري زيادة -التي عندنا-، له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس في الذكر عند القيام، قال سفيان: زاد عبد الكريم فذكر شيئاً، وهذا موصول وعلم له المزي علامة التعليق، وليسه هو معلقاً، وله ذكر في مقدمة مسلم، وما روى له النسائي إلا قليلاً، من السادسة أيضاً، مات سنة ست وعشرين، وقد شارك الجزري في بعض المشايخ، فربما التبس على من لا فهم له. يعني تعقيب المؤلف بقوله: "متفق عليه، ولفظه للبخاري" أن هذه اللفظة في البخاري، والذي نعرف أن عبد الكريم بن أبي المخارق أبا أمية هذا معروف ضعفه، ولذلك نص عليه الحافظ هنا، كلامه جيد، يعني التنصيص على هذه الزيادة يرفع هذا اللبس من قرب وإلا الرجوع إلى المصادر يبين، لكن في مثل الدرس ينفعنا كثيراً هذا. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 13 قال: عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية المعلم البصري نزيل مكة واسم أبيه قيس، وقيل: طارق، ضعيف، له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان؛ لأنه قال: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) قال سفيان: زاد عبد الكريم فذكر شيئاً، وهذا موصول، وعلّم له المزي علامة التعليق، وليسه هو معلقاً؛ لأنه ماذا قال؟ وزاد؛ لأنه قال: قال سفيان، هل هو بالسند المتقدم فيكون موصولاً أو استئناف كلام قال سفيان لا علاقة له بالسند المتقدم فيكون معلقاً. الحافظ يرى أنه موصول؛ لماذا؟ هاه؟ هو موصول بالسند المتقدم على رأي ابن حجر، لكنه معلق على رأي المزي، علّم عليه علامة التعليق؛ لماذا؟ لأن القاعدة عند ابن حجر: أنه إذا أردف القول أردف الخبر المتصل بالقول بدون الواو، فيكون حينئذٍ بالسند المتقدم، وحيث يريد التعليق يأتي بالواو؛ لأنه لو أراد التعليق لقال: وقال سفيان، هذه القاعدة عند ابن حجر، والحافظ المزي -رحمه الله- قال: إنه معلق، يعني ليس بالسند المتقدم. ما الحكم في مثل هذا؟ يعني هل نرجح كلام ابن حجر أو كلام المزي؟ في هذا الموضع على وجه الخصوص يعني ابن حجر ظهر له بالاستقراء قال: وحيث يريد التعليق يأتي بالواو، والعيني قال: لا دليل على ذلك، يأتي بواو أو ما يأتي بواو هو معلق على كل حال، ولا فرق، والقاعدة وإن كانت يعني ظهرت لابن حجر بالاستقراء والتتبع، وهو من أعرف الناس بالصحيح، لكن لها ما يخرمها حتى عند ابن حجر. هنا ما المرجح قول ابن حجر وإلا قول المزي؟ ما الذي نرجحه في هذا الموضع دعونا من المواضع الأخرى؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . قول من؟ طالب:. . . . . . . . . المزي؛ لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . إيه؛ لأن البخاري يتساهل في التعاليق، ولا يتساهل في الأصول، فكون الزيادة تذكر عن هذا الراوي الضعيف يدل على أن البخاري أوردها على جهة التعليق، فالبخاري يتساهل في المعلقات، ولا يتساهل في الأصول، فالمرجح هنا قول المزي -رحم الله الجميع-. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 14 "وفي لفظ لهما" يعني للبخاري ومسلم: ((أنت رب السماوات والأرض)) بدل: ((لك ملك السماوات والأرض)) وفي آخره: ((أنت إلهي لا إله إلا أنت)) وفي لفظ لمسلم: ((أنت قيام)) بدل قيم، وجاء في آية الكرسي: (القيوم) فهو قيوم وهو قيام وهو قيم. ((أنت قيام السماوات والأرض)) وللنسائي في آخره: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)). هذا الذكر بهذه الألفاظ المختلفة التي بعضها في البخاري فقط، وبعضها في الصحيحين، وبعضها في مسلم، وبعضها عند النسائي، وبعضها عند ابن ماجه، إذا أردنا أن نقول هذا الذكر نلفق بين هذه الروايات وإلا نرجح بين هذه الألفاظ؟ نرجح وإلا نلفق؟ يعني في وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر حينما سأله دعاء يدعو به في صلاته، قال: ((رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) نقول: كثيراً كبيراً؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، افترض أنه ما يختلف. طالب:. . . . . . . . . نأتي باللفظين معاً؟ يعني هل نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال اللفظين أو قال أحدهما؟ طالب:. . . . . . . . . يعني مثل ما عندنا الألفاظ كثيرة، والاختلاف موجود، منها ما في الصحيحين، ومنها ما تفرد به البخاري، ومنها ما تفرد به مسلم، ومنها ما عند النسائي، وفيها ما هو عند ابن ماجه. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 15 الأصل أن نرجح ولا نلفق، الأصل الترجيح في مثل هذا إلا إذا كان المحفوظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله في مناسبات متعددة، وبعض الرواة حفظ ما لم يحفظه غيره، فنجمع بين رواياتهم، أما إذا قال: ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)) نرجح ما في الصحيح على ما في ابن ماجه، أيضاً ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) عند النسائي وعند ابن ماجه: ((إلا بك)) ((أنت قيام)) هذه عند مسلم، وفي الصحيحين: ((قيم)) أو نقول: ما في القرآن أصح ونقول: أنت قيوم؟ يعني هل في هذا مجال للنظر وإلا ما في مجال؟ نعم؟ يعني هل لنا أن نغير هذه اللفظة ونقول: اللهم لك الحمد أنت قيوم كما جاء في آية الكرسي؟ أو نقول: في الصحيحين: ((أنت قيم)) وإن كان في مسلم: ((قيام)) وإن كان في آية الكرسي (قيوم) لأن كل موضع له ما يخصه، كل موضع له ذكر يقتصر فيه على أصح ما ورد فيه، وما يمكن أن يضاف إليه مما لا يعارضه، يعني لو فرضنا أن هناك جملة ما حفظها الرواة عند هؤلاء، وحفظت عند غيرهم مما لا تعارض مما لا يوجد بديل لها في هذه الروايات نضيفها، نقول: من حفظ حجة من لم يحفظ، وقد يعلل بعض أهل العلم مثل هذه اللفظة بأنه ما تركها البخاري ومسلم أو أعرضوا عنها إلا لما فيها، لكن مثل هذه الأمور يعني التي توجد يعني نكرر أنت قيام أنت قيوم؟ لا ما يمكن. قال -رحمه الله-: "وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ ليلة فقال: ((سبحان الله)) " تنزيه لله -جل وعلا- ((ماذا أنزل؟ )) الضمير يعود إلى الله -جل وعلا- ((ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ )) والنبي -عليه الصلاة والسلام- يرى مواقع الفتن بين البيوت كمواقع النبل ((ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ )) نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ((ماذا أنزل من الخزائن؟ )) من الخزائن من الأجور، من الأرزاق، شيء عظيم لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا-، فعلينا أن نتقي الفتن، ونتعرض لهذه الخزائن. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 16 ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) يعني زوجاته -عليه الصلاة والسلام- ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم] والرجل يقوم من الليل يوقظ زوجته إن أبت نضح في وجهها الماء والعكس، كل واحد يحرص على صاحبه، ويتمنى له ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) للتعرض لهذه الخزائن. ((يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) نسأل الله العافية، تجدها كاسية عليها فاخر الثياب، وهي عارية في الحقيقة؛ لأن هذه الثياب وإن كانت من أغلى الثياب قيمة، ومن أجملها لكنها لا تستر، والواقع يشهد بذلك، وإذا كانت عارية في الدنيا، وإن كانت في عرف الناس كاسية فكيف تكون يوم القيامة؟ عارية يوم القيامة. من العلماء من يقول: رب كاسية في الدنيا من نعم الله عارية عن شكرها، لكن لما رأينا ورأى غيرنا ما حصل في عصرنا هذا لا يمكن أن يوجد الذي في عصرنا من التبرج والتبذل والتفسخ لا يمكن أن يوجد في العصور المتقدمة، وتأباه الفطر السليمة، وما وجد في بلدان المسلمين حتى اختلطوا بغيرهم بواسطة الاستعمار، ثم بعد ذلك الغزو بكافة آلاته، يعني تعجب من امرأة جاءت لتصلي في أقدس بقعة، وتجدها كاسية عارية، يرى ما تحت الثياب -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا من الفتن، فعلى المسلمة أن تبدأ بنفسها، وعلى ولي أمرها إن لم تنصع لأوامر الله أن يأطرها على الحق، ولا يقال: هذا تدخل في شؤونها، لا، هذا شأنه هو، هذا عرضه، هذه مسئوليته، راع عنها، راع عليها، ومسئول عنها. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 17 ((يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) يعني تبرج الجاهلية الأولى نراه في مواطن العبادة، نرى تبرج الجاهلية الأولى، القرطبي في تفسيره يقول: "ومن مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين" يعني هذا يوجد عند نساء المسلمين وإلا لا؟ هذا الكثير الغالب، هذا هو الكثير الغالب، قد لا تجد قميص غير مشقوق من الجانبين، ثم يتدرجون الناس، بعضهم يكتفي بالشبر، وبعضهم يزيد -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا الشبر إذا تعرضت لطلوع أو نزول ارتفع، وكانت النساء تركب الإبل ولا يرى منها شيء، والآن إذا طلعت أو نزلت نزلة خفيفة ظهر ما يحرم ظهوره، وما تحرم رؤيته على غير المحارم، فكيف إذا ركبت السيارة مثلاً؟! والله المستعان. "رواه البخاري". "وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه" هذه وصية من المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو بن العاص ولغيره، يعني إذا كانت المواجهة لعبد الله فغيره في حكمه. ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان)) فلان ما الذي يغلب على الظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سماه أو لم يسمه؟ وهل الأفضل في مثل هذا أن يسمى أو لا يسمى؟ الرواة كلهم تواطئوا على عدم ذكر اسمه، لكن هل سماه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يا عبد الله لا تكن مثل زيد كان يقوم الليل فترك قيام الليل؟ الرواة لم يذكروه ستراً له، فهل سماه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لم يسمه؟ الجزء: 29 ¦ الصفحة: 18 يعني لو أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يمثل بمجهول لقال: لا تكن كمن كان يقوم الليل فترك قيام الليل، يأتي بصيغة إبهام الموصول، أما فلان فهو محدد شخص بعينه، والتكنية عنه لا شك أنها للستر عليه من جهة، لكن هل يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ستر عليه؟ لأن بعضهم يأخذ من مثل هذا النص الستر على أهل المخالفات ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) هذا مفروغ منه، لكن هل المصلحة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- أن يستر عليه لا سيما أنه فعل فعلاً أو ترك مندوباً، يعني ما يذم به في الجملة ولا يقدح به، إنما ترك الأفضل وترك المندوب وتسميته من قبله -عليه الصلاة والسلام- تجعل فلان هذا يراجع نفسه، ولن يترك قيام الليل بعد هذا، بينما لو أخفي وستر عليه يعني الستر عليه فيما بعد هذا ما فيه إشكال، لكن الكلام في لفظه -عليه الصلاة والسلام-، نحن ما عندنا إلا هذا اللفظ مثل فلان، لكن ما الذي يتجه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: لا تكن مثل فلان، لو أراد الإبهام لقال: لا تكن كمن كان يقوم الليل فترك قيام الليل، والتسمية لا شك أن فيها حث لعبد الله من جهة، وحث لهذا الشخص الذي كان يقوم الليل ثم تركه، لا سيما والمسألة في فضيلة من الفضائل. يعني ما يقال: لا تكن مثل زيد كان عفيفاً فصار فاجراً، هذا ما يمكن أن يقال، لكن ما يمنع أن تقول: والله فلان كان يتقدم إلى المسجد فصار يتأخر ما يأتي إلا قبيل الإقامة مثلاً، فإذا سمع فلان بادر، هذه نصيحة له ولغيره، لكن الذم الذي يأثم به هو القدح فيه بما يقدح فيه. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 19 قد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام يسوؤه، يعني لو مثلاً قلنا: تنصح لك طالب علم أو شيخ يوجه له واحد من طلابه النابهين يقول: لا تكن مثل عبد الله أو عبد العزيز مثلاً لا يعتني بعلم العربية، هو طالب علم ويعتني بالكتاب والسنة، لكنه أهمل هذا الجانب من العلم من العلوم المهمة، لا تكن مثل زيد لا يهتم بالعربية، أو كان يهتم بالعربية ثم تركها، هذا فيه قدح؟! يعني في تسميته شيء؟ هل في تسميته شيء؟ هذا يجعل الموجه إليه الكلام يهتم أكثر، ويجعل الثاني أيضاً يرجع إلى ما ترك، فالاستدلال بالستر عليه من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- أولاً: لم يسم في رواية من الروايات، وقلنا: عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو أراد الإبهام لجاء بلفظ الإبهام كمن كان يقوم كذا، وهذا الذي يظهر، وإن كان الشراح قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سماه، لكن السياق والواقع يظهر -والله أعلم- أنه بدلاً من أن يقول: لا تكن كمن كان يقوم مثل فلان أنه سماه، لكن الرواة تركوه ستراً عليه. ووجد أناس سماهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعيانهم فتركهم الرواة، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- سمى بعض المنافقين لحذيفة فترك تسميتهم، وكان عمر يقول: هل سماني لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ لأن التسمية من قبله -عليه الصلاة والسلام- فيها فائدة، وأما من جهة غيره ولا يظن به أنه يتشفى بعرضه، أو يتنقص أو يفعل كذا، لا أبداً، لا سيما إذا كان الترك أو الفعل الذي ذكر هو من باب التشجيع لا من باب القدح، هو من باب التشجيع، هو يشجع عبد الله بن عمرو ((لا تكن مثل فلان)). الجزء: 29 ¦ الصفحة: 20 قال في حق عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-، ويخلط بعضهم بين هذا الحديث وبين حديث عبد الله بن عمر: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، فكان بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، يعني هل قالها بحضرته أو بغيبته؟ يحتمل أنه حاضر أو غائب ونقل إليه، ثم امتثل ابن عمر، ابن عمر سريع الامتثال -رضي الله عنه وأرضاه-، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) فكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" هذا مقتضى كونك غريب أو عابر سبيل. ((لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) وفي هذا حث لعبد الله بن عمرو، وفي طيه حث لمن ترك قيام الليل إلى أن يعود إلى قيام الليل، في شيء؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يتصرفون، إيه، إذا رأوا الستر على فلان ما المانع؟ لا سيما وأنه لا يترتب على ذكره فائدة، انتهت الفائدة من الحديث، فلان خلاص سمع هذا الحديث وامتثل، الرواة ما لهم علاقة كثير من الرواة يبهمون، ثم إذا فتشت في الطرق الأخرى وجدت التسمية، وكتب المبهمات مملوءة، المستفاد ثلاث مجلدات لابن الحافظ العراقي، المبهمات موجودة، في القرآن موجود مبهمات، ثم بعد ذلك تفسر في السنة أو في الآثار، وهنا يأتي بطريق مبهم وفي طريق آخر مسمى، لا سيما إذا لم يترتب على ذكره فائدة. قال -رحمه الله-: "وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب" وتقدم نظير هذا الإسناد في رقم (315). "عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات" وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة" وعرفنا من تكلم فيه كابن المبارك والجوزجاني وابن حبان. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 21 وهنا قال: "عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وعاصم مختلف فيه" هناك قال: وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، وهنا قال: وعاصم مختلف فيه "ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم" يعني اختلف كلامه على عاصم وإلا ما اختلف؟ نعم فيه نوع اختلاف، قال هناك: عاصم .. ، لما قدم التوثيق وذكر الأئمة الذين وثقوه كأنه يستروح إلى قوته، وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، وهنا: "عاصم مختلف فيه ولقد أبعد" يعني كأنه يستدل لضعفه "ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج للضعيف والثقة والمتروك والمتهم" يعني اختلفت لهجة المؤلف في كلامه على عاصم في الموضع الأول وفي الموضع الثاني. أولاً: الحديثان لهما شواهد لا الأول ولا الثاني، وأقل الأحوال أن يكون الأول والثاني كلاهما من قبيل الحسن، وكثرة الطرق تدل على أن للحديث أصلاً، ما الذي جعل المؤلف -رحمه الله تعالى- يجعل الكلام في هذا الموضع في عاصم أقوى منه في الموضع الأول؟ لأن العلماء إذا نظروا في أحوال الرواة ينظرون إلى المرويات مع رواتها، وهناك يروي حديث: "يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم" ... إلى آخره، هذا الحديث حسن، وما فيه إشكال؛ لأنه جاء الحث، له ما يشهد له: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)) وهنا فيه الأمر: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) والنصوص تدل على أن الوتر ليس بواجب، ومقتضى الأمر الوجوب. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 22 ((يا أهل القرآن)) المراد بهم المسلمون، الذين يتدينون بتعظيم القرآن، والعناية بالقرآن ((أوتروا)) يعني صلوا صلاة الوتر، وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب، وقال بوجوبه الحنفية، قال بوجوب الوتر الحنفية، وعامة أهل العلم على أنه مستحب ليس بواجب، وسيأتي ما يدل على الاستحباب، ومن أظهر الأدلة على أنه ليس بواجب كون النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاه على راحلته، وكان -في نفس الحديث- لا يفعل ذلك في الفريضة، فدل على أن الوتر ليس بواجب، ليس من الفريضة. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 23 ((أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر)) منهم من يقول: إن الأمر مصروف للاستحباب بالعلة، العلة يعني من نفس الحديث مصروف، الله وتر يحب الوتر، هذه العلة تدل على استحباب الوتر، يعني لو أكلت مثلاً تمر تقطع على وتر، واحدة، ثلاث، خمس، سبع؛ لأن الله وتر يحب الوتر، وهكذا في جميع الأفعال، لكن إذا تعارضت هذه العلة مع نصوص أخرى، احتجت منديل تنظف ما يحتاج إلى تنظيف فما كفى، احتجت ثاني انتهى، تأخذ ثالث وإلا ما تأخذ؟ أو نقول: إن هذا من باب إضاعة المال؟ في الاستجمار قال: ((أبغني ثالثاً)) ائت بثالث، ولا يجزئ إلا ثلاثة؛ لأن هذا إزالة نجاسة، بقاؤها مؤثر في الصلاة، لكن إزالة مخاط مثلاً، أو ما أشبهه، أو عصرت حبة وإلا بثرة وما انتهت بمنديل واحد طلبت ثاني، تطلب ثالث بعد أن انتهت؟ تقول: إن الله وتر يحب الوتر؟ أو نقول: هذا معارض بنهى عن إضاعة المال؟ يعني ولو كان شيئاً يسير لكنه مال، يعني العلة تدل على الاستحباب: ((فإن الله وتر يحب الوتر)) هذا في عموم الأشياء، الله وتر يحب الوتر، لكن إذا عورضت هذه المحبة بكراهية من الله -جل وعلا-: ((ويكره قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) أما إذا كان المال له شأن وله وقع فهذا لا شك في منعه، ولا يلزم في ذلك الوتر إذا كان له أثر، أما إذا لم يكن له أثر مثل المنديل وما أشبهه فالمتجه عندي أنه لا يستحب الوتر في مثل هذا، بل يبقى كما هو ليستفاد منه في أمر آخر؛ لأنه مال مهما قل، لكن من قال: إن الله وتر يحب الوتر والاستجمار ثلاث، وما أشبه ذلك يمكن أن يوجه، فالعلة بمحبة الوتر من قبله -جل وعلا- تدل على أن الوتر مستحب، وليس بواجب وإن جاء بصيغة الأمر. "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب" يستروح بعض طلاب العلم، بل بعضهم وضع دراسة على جامع الترمذي فيما قال فيه: حديث حسن غريب، وأنه بمثابة ضعيف، وأن كل ما يقول فيه: حديث حسن غريب أنه ضعيف، ولكن كل حديث يقوى بشواهده يعني بطريقه هذا يمكن أن يقال: ضعيف، لكن مع ذلك بشواهده يصل إلى درجة الحسن. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 24 "وعاصم مختلف فيه، ولقد أبعد من قوى هذا الحديث" يعني إذا كنا نقوي الراوي ومن ورائه ما يرويه بتخريج البخاري لهذا الراوي، وفلان خرج له البخاري، يعني جاز القنطرة، فلان خرج له مسلم، فهل نقوي راوٍ أو مرويه بكونه يخرج له الحاكم في المستدرك؟ لا؛ لماذا؟ لأنه يخرج للضعفاء، بل يخرج لشديدي الضعف، بل قد خرج لمن رمي بالوضع، يعني كما نقول: خرج له ابن ماجه، أو خرج له الترمذي يتقوى بتخريج الترمذي أو ابن ماجه؟ لا، خرج ابن ماجه لمن وصف بوضع الحديث، وكذلك الترمذي، المصلوب خرج له الترمذي وضاع. "ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك" بعض الناس بعض أهل العلم إذا خرج الحديث قال: خرجه الحاكم في صحيحه؛ لأنه مستدرك على الصحيحين، فمن باب التجوز أن يقال: صحيح الحاكم، لكن الواقع يشهد بأن فيه أحاديث كثيرة جداً جداً ضعيفة، بل فيه أحاديث موضوعة، وفيه أحاديث أمثل منها حسنة، وفيه الصحيح. قال: "فإنه يخرج للضعيف والثقة" الضعيف يعني ليس بشديد الضعف، ويخرج للثقة، وهذا هو الأصل في كتابه، وهو شرطه الذي اشترطه في مقدمة صحيحه، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، لكن هذا من وجهة نظره، وفيه من الضعيف الشيء الكثير. "فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك" شديد الضعف الذي لا يستفاد من وجوده ولا من روايته، لا يتقوى ولا يقوى به، والمتهم كذلك شديد الضعف، والمتهم حديثه يقال له: متروك، فالحديث متروك، والراوي متهم، ومتى يتهم الراوي بالكذب؟ إذا كان يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، ما يقال له: متهم، يقال له: كذاب أو يكذب أو وضاع أو دجال على حسب مرتبته، ويتهم بالكذب إذا كان يزاول الكذب، يكذب في أحاديثه مع الناس، ولم يعرف عنه أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه مظنة لأن يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيتهم به، وإذا تفرد بحديث يخالف فيه القواعد العامة، والنصوص المعروفة من نصوص الشرع يتهم راويه الذي يدور عليه بالكذب. قال -رحمه الله-: الجزء: 29 ¦ الصفحة: 25 "وعن الحجاج بن أرطأة" وهو ضعيف أيضاً "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) رواه أحمد، وحجاج بن أرطأه ضعيف، لا يحتج به، ولم يسمعه من عمرو" والخلاف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده معروف عند أهل العلم، والذي يراه كثير من أهل التحقيق أنه إذا صح السند إليه أن حديثه حسن، لكن السند لم يصح إليه فهو ضعيف، ولكن له شواهد، ذكرها المحقق، وأطال في تقوية الحديث، وحكم عليه بأنه صحيح، وهو في الحقيقة لا يصل إلى درجة الصحيح، بل هو حسن لغيره. قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) والصلوات المفروضة كما هو معلوم خمس، وهن خمسون من حيث الأجر، ((لا يبدل القول لدي)) كما في حديث الإسراء، لا يبدل، كيف يزاد والقول لا يبدل؟ نعم؟ لا يزاد في الفرض على خمس، من صلاة الجمعة وصلاة الكسوف والصلوات الواجبة والعيد، الجمعة من الخمس؛ لأن في يوم الجمعة خمس لا تزيد، لكن بالنسبة لصلاة العيد وصلاة الكسوف على ما سيأتي الكلام فيهما، هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) يعني غير الخمس، فالنصوص تدل على ألا فرض غير الخمس، وهنا ((زادكم صلاة وهي الوتر)) والزيادة هذه قد تكون واجبة كما يقول الحنفية، وقد تكون مستحبة كما هو قول جماهير أهل العلم. قال: "وحجاج غير محتج به ولم يسمعه عن عمرو". ثم قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير)) " من إيش؟ طالب:. . . . . . . . . اضبطوها؛ لأن المعنى يختلف، حمْر والحُمُر؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . حمْر جمع أحمر، وحُمُر جمع حمار. طالب:. . . . . . . . . بالسكون حمْر، والمحقق ضبطها بالضم من حُمْر، طيب النَعم وإلا النِعم؟ طالب:. . . . . . . . . والمحقق ضبطها بإيش؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 29 ¦ الصفحة: 26 يعني انقلب المعنى رأساً على عقب، النِعم جمع نعمة، أي نعمة حمراء؟ أو المقصود النَعم وهي الأنعام وحمرها أفضلها عند العرب؟ هي خير من أفضل المقتنيات عند العرب ((ألا وهي الركعتان قبل الفجر)) وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هي خير من الدنيا وما فيها)) فإذا كانت أفضل المقتنيات فلتكن خير من الدنيا وما فيها، وبهذا يلتئم الحديثان. "رواه البيهقي بإسناد صحيح" والمحقق قال: حسن؛ لأن فيه عمر بن محمد بن بَجير أو بُجير، حافظ، يقول: كبير صدوق، وفيه أيضاً العباس بن الوليد شيخه الخلال صدوق، ولا يرقى بمثل هذا الإسناد إلى الصحة، رواه البيهقي بإسناد صحيح، فهو حسن ليس بصحيح. قال: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) " هذا الأمر متفق عليه، جاء في الخبر أن من كان يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فليجعل صلاته في آخر الليل؛ لأن صلاة آخر الليل مشهودة، ومع ذلك يجعل آخر صلاته في آخر الليل هو الوتر، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) هذا الذي يغلب على ظنه أنه يقوم من آخر الليل، لكن الذي لا يضمن ولا يغلب على ظنه ولا يؤنس من نفسه أنه يقوم آخر الليل يوتر قبل أن ينام، وقد جاء في حديث أبي هريرة: أوصاني خليلي -عليه الصلاة والسلام- بثلاث، وأن أوتر قبل أن أنام؛ لماذا؟ لأنه قد لا يضمن القيام في آخر الليل، فإذا أوتر أو إذا صلى في أول الليل وأوتر، ثم تيسر له القيام في آخر الليل الحديث يدل على أنه يصلي وإلا ما يصلي أصلاً؟ لأنه ختم صلاته بالوتر ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني مقتضى هذا الحديث أنه ما دام أوتر أنه لا صلاة بعد الوتر، فعلى هذا لا يصلي، لكن ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بعد الوتر، فعلى هذا من أوتر قبل أن ينام ثم استيقظ من الليل بين أمرين أو ثلاثة أمور: إما ألا يصلي امتثالاً لهذا الحديث، أو يصلي اغتناماً للوقت؛ لأن آخر الليل مشهود، وجاء الحث عليه ووقت النزول الإلهي فيقع في مخالفة هذا الحديث، لكن الإشكال يرتفع إذا عرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر على ما سيأتي. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 27 يبقى النظر في هل يبقى على وتره الأول ولا يوتر ثانية؛ لأنه سيأتي حديث: ((لا وتران في ليلة)) أو ينقض الوتر الأول بصلاة ركعة في بداية صلاته ثم يصلي ما كتب له ثم يوتر؟ وهذا كان يفعله ابن عمر، ينقض الوتر الأول وقال به بعض العلماء، لكن حديث: ((لا وتران في ليلة)) يرد هذا التصرف، يرد هذا الفعل؛ لأنه يكون حينئذٍ أوتر ثلاث مرات. ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) ويأتي توضيح الحديث في أحاديث لاحقة -إن شاء الله تعالى- لها ارتباط به. "وعن أبي سلمة -رضي الله عنه-" أبو سلمة من؟ ابن عبد الرحمن، أبو سلمة بن عبد الرحمن، التابعي -رحمه الله- "قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة" وفي حديثها الصحيح: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" فيتجه النفي نفي الزيادة على الغالب الكثير أنه يصلي إحدى عشرة، وقد ثبت عنه أنه صلى ثلاث عشرة، وثبت عنه أنه صلى أكثر، وهنا من حديث عائشة، ما يقال: إن عائشة ما حفظت إلا إحدى عشر، حفظت أيضاً كان يصلي ثلاث عشرة ركعة. "يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس" وهذا فيه ما يوضح الأمر في قوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) وأنه للاستحباب، وأنه لا يمنع من الصلاة بعد الوتر "ثم يصلي ركعتين وهو جالس" ويوضح أيضاً المراد بقولها: "ما زاد" أو ما كان يزيد في رمضان ولا غيره ... إلى آخره أن هذا هو الكثير الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 28 "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يعني جاء تفصيلها ثمان ركعات يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، يعني بسلامين، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، فكونها تقول: أربع لأنه يصلي ركعتين طويلتين ثم يسلم، ثم يصلي طويلتين ثم يسلم، ثم يرتاح، يفصل؛ لأنها قالت: "ثم يصلي أربعاً" ولذا يستحب أهل العلم هذه الاستراحة، وهذه الراحة بعد أربع ركعات، ثم بعد أربع ركعات؛ لأنها صلاة طويلة، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، وهناك قال: طويلتين، طويلتين طويلتين، فهو يحتاج إلى راحة، وسميت التراويح بهذا الاسم لأنهم يرتاحون بعد كل تسليمتين. "يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يحتمل أنها ثمان ركعات بسلام واحد، لكن حديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يرد هذا الفهم كما أنه يرد فهم من قال: إنه يصلي أربع بسلام واحد؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، نعم إذا أراد أن يوتر بثلاث بسلام واحد يوتر بخمس بسلام واحد، يوتر بتسع بسلام واحد، على ما سيأتي هذا وتر، ويخفى على كثير حتى من طلاب العلم التفريق بين التهجد والوتر. يقول أهل العلم: أكثره إحدى عشرة، يعني حتى في كتب الفقهاء الذين يرون صلاة التراويح عشرين يقولون: أكثره إحدى عشرة، ويسن التراويح وهي عشرون ركعة، كيف أكثره إحدى عشرة، والتراويح عشرون؟ يعني توجد في كتاب واحد هذا الكلام، يعني أقله ركعة وأدنى الكمال ثلاث وأكثره إحدى عشرة، ثم يأتون إلى الصلوات والتهجد وصلاة التراويح، منهم من يقول: عشرون، ومنهم من يقول: ست وثلاثون، ومنهم من يقول: أربعون، كيف وأكثره إحدى عشرة؟ لأن هذه صلاة نفل مطلق تهجد، وهذا وتر. "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين الليل والإقامة" المقصود بين الأذان والإقامة بعد انتهاء الليل بالأذان وبين الإقامة من صلاة الصبح، وهذه ركعتا الفجر. طالب:. . . . . . . . . بين النداء؟ ويش عندكم؟ طالب:. . . . . . . . . كلكم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش عندك؟ طالب: الليل. إيه، لا غلط هذا، حتى معناها ما فيه إشكال، لكن الكلام في الثابت. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 29 الليل ينتهي بالنداء، يعني من حيث المعنى ما في إشكال، لكن العبرة بالثابت. "رواه مسلم". الجزء: 29 ¦ الصفحة: 30 "وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالليل؟ فقالت: "سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر" عائشة قالت: إن صلاته بالليل سبع، وقالت: صلاته بالليل تسع، وصلاته بالليل إحدى عشرة، صلاته بالليل ثلاث عشرة، وكل هذا جائز، وينبغي النظر والتوازن بين الكمية والكيفية، فإذا أطال القيام والركوع والسجود يقلل الركعات، وإذا خفف القراءة وخفف القيام والركوع والسجود يكثر من الركعات، والقيام يحسب بالوقت لا بالعدد، بدليل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [(2) سورة المزمل] المقصود أن قيام الليل حسابه بالوقت، فإذا قمت ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات حسب ما يتيسر لك، هذا الظرف من الزمان إن صليت فيه ثلاث ركعات طويلة، أو خمس ركعات طويلة دون الثلاث أو سبع طويلة دون الخمس أو تسع طويلة دون السبع، لكنها تستوعب الوقت، يعني هل يتصور أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إحدى عشرة ركعة حينما قرأ الفاتحة بعد الفاتحة البقرة والنساء وآل عمران في الركعة الأولى، وركع نحواً من قيامه، وسجد نحواً من قيامه، هل يتصور؟ هذه الركعة لا يكفيها ساعة ولا ساعتين، هذه الركعة لا يكفيها ساعتان، يعني خمسة أجزاء وزيادة مع الركوع الطويل مع السجود الطويل بالترتيل لا يكفيها ساعتين، فهل يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إحدى عشرة على هذه الصفة؟ لا، لا يمكن، مستحيل، الوقت لا يستوعب، وقد ثبت عنه أنه في صحيح البخاري صلى سبع، وصلى تسع، وصلى إحدى عشرة، وأوتر بثلاث على ما سيأتي، صلى ثلاث، وصلى ثلاث عشرة، في المسند ما يدل على أنه صلى خمس عشرة، فالمسألة مسألة وقت، فهل نقول: إن من لزم الإحدى عشرة أفضل مطلقاً من غيره؟ نعم إذا لزم الإحدى عشرة وهي أكثر أحواله -عليه الصلاة والسلام- بهذه الكمية مع الكيفية التي جاءت صفتها من صلاته -عليه الصلاة والسلام- نقول: نعم أكمل وأفضل هذا الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام-، مع أنه إذا نوع صلى في ليلة ثلاث طويلة طويلة، أو صلى خمس طويلة، أو سبع طويلة، أو تسع أو صلى إحدى عشرة، أو خفف وصلى ثلاث عشرة، أو زاد على ذلك ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) إذا قال: أنا لا أحفظ إلا المعوذتين الجزء: 29 ¦ الصفحة: 31 ولا أقرأ في المصحف، ماذا نقول له؟ كرر، صلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ولو إلى مائة ركعة بالمعوذتين ويش المانع؟ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، وجاء: ((فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)) وفيه أيضاً ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) كثرة، إيش معنى كثرة؟ الكثرة في العدد، مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- الأعداد المتفاوتة، فدل على أنه لا حد في صلاة الليل، لا للأعلى، وأما بالنسبة للأدنى فواحدة، وهذا أدنى ما يطلق عليه الوتر، والثلاث أدنى الكمال، على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى-. قال -رحمه الله-: "وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة)) " يعني ليس للمسلم وهذا نفي يراد به النهي في ليلة واحدة، قد يقول قائل: إن المغرب وتر، وفي آخر الليل في آخر الصلاة وتر هذان وتران، نقول: المغرب وتر النهار، وليس وتر الليل، وإن وقعت في الليل؛ لأنه جاء في حديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" فلا يقال: إن المغرب ترد أنها وتر، وآخر الصلاة بالليل وتر فنقع في المنفي هنا، وهو في الحقيقة منهي عنه ((لا وتران)) يعني لا يوتر أحدكم وترين في ليلة واحدة، و (لا) هذه نافية، نافية للجنس وإلا نافية للوحدة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . النافية للجنس يبنى ما بعدها على الفتح، وهنا: وتران، يعني لو فتحنا لقلنا: لا وترين، نعم؟ هنا إيش فيه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . (لا إله) مبني على الفتح (إلا الله) نعم؟ طالب:. . . . . . . . . على لغة من يلزم المثنى الألف، أو يقال: مرفوع بمقدر لا يكون وتران في ليلة، أو لا يوجد وتران في ليلة، وهذا النفي يراد به النهي، النفي وهذا يراد به النهي، فلا يجوز أن يوتر المرء مرتين، وبهذا يرد على من قال بنقض الوتر، بأن يصلي إذا قام من الليل يصلي ركعة تنقض وتره الأول كما أثر عن ابن عمر، فعلى هذا إذا أوتر في أول الليل فإنه إذا تيسر له القيام في آخره فإنه يصلي ما تيسر له ولا يوتر بعده ثانية، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 32 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (30) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: كيف تعالج نفسك بطاقة الشفاء الموجودة في أسماء الله الحسنى، اكتشف الدكتور إبراهيم كريم أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وبواسطة أساليب القياس الدقيقة داخل جسم الإنسان، واكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين في جسم الإنسان، واستطاع الدكتور إبراهيم بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية داخل جسم الإنسان، وبعد أبحاث استمرت ثلاث سنوات توصل إلى ما يلي: الأذن: اسم الله السميع، يعني تضع يدك على أذنك وتقول: السميع، العظام: اسم الله النافع، العمود الفقري: الجبار، الركبة: الرءوف، الشعر: البديع، قشرة الشعر: جل جلاله، العضلات ... إلى آخره. يقول: ويشير الدكتور إلى أن أول شخص تجرى عليه الأبحاث حيث عالج عينيه من الالتهاب، وانتهى باسم النور والبصير والوهاب، وخلال عشر دقائق تم الشفاء، وأزيل احمرار العين، ويلاحظ أن نفس أسماء الله الحسنى تستخدم للوقاية، وقد اكتشف أن طاقة الشفاء تتضاعف عند تلاوة آيات الشفاء الست بعد التسبيح بأسماء الله وهذه الآيات الست: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [(14) سورة التوبة] {وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [(57) سورة يونس] {فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [(80) سورة الشعراء] {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [(44) سورة فصلت]. يقول: طريقة العلاج وضع اليد على الألم وذكر التسبيح المذكور. التسبيع، هو كتبها بالحاء التسبيح، ولعله يريد التسبيع، يعني سبع مرات. ويكرر ذلك حتى يأذن الله ويزول الألم، نرجو التعليق على هذا الورقة، والتي انتشرت بين أوساط المسلمين. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 1 لا شك أن مثل هذه الورقة وهذه الدعوى سوف تلقى قبولاً بين الناس؛ لأن الناس يهمهم أمر الشفاء والعلاج، ويتشبث المريض بأدنى سبب، وجعل هذه الأمور سبباً ولم يرد في النص كونها سبباً، ولا سبق إليه من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا أهل القرون المفضلة ولو كان خيراً لسبقونا إليه، قد يقول بعضهم: إن هذا من الأسباب التجريبية التي إذا جربت ونفعت صارت سبباً كغيرها من أنواع العلاج، لكن هذا علاج بنصوص، نصوص شرعية، نعم يقول الله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [(180) سورة الأعراف] أنت تتوسل إلى الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى، وتدعو الله -جل وعلا- أن يشفيك من غير أن تخصص شيئاً لم يخصصه الله -جل وعلا- ولا رسوله، فالتخصيص يحتاج إلى تنصيص، هذا من جهة، الأمر الثاني: أن الأسماء الحسنى نعم هذه كيفية حصرها والمراد التسعة والتسعين كيفية حصرها لا يثبت، يعني التنصيص على التسعة والتسعين جاء: ((إن لله -جل وعلا- تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحد)) هذا في الصحيح، لكن تعيينها عند الترمذي وغيره لا يثبت، فالتعيين أو التخصيص بهذه الأسماء دون غيرها فيه شيء من التحكم. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 2 قد يقول قائل: إن الناس جربوا آيات لأنواع من الأمراض فشفوا بإذن الله، ويكون هذا من باب الإثبات بالتجربة على ما يقولون، لكن الأصل في هذا الباب أعني في باب العلاج بالنص أما عموم الرقى أمرها واسع ما لم تكن شركاً، وتخصيص كل اسم من أسماء الله -جل وعلا- أو آية من الآيات ينتزع منها الإنسان مناسبة لهذا المرض هذا يحتاج إلى دليل، وإن كان ابن القيم -رحمه الله- قد يفعل مثل هذا، وذكر في القسم الطب من زاد المعاد ذكر آيات، وذكر أشياء يقول: إنها مجربة جربت وخصصها لبعض الأمراض وبعض الأوجاع، لكن الأصل أن الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يتوسع في مثل هذا {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] (من) هذه بيانية وإلا تبعيضية؟ من يقول: إنها بيانية يقول: كل القرآن على حد سواء، كله شفاء، يعني بإمكانه أن يقرأ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [(1) سورة المسد] على مريض ويشفى، هذا إذا قلنا: إن (من) بيانية، وإذا قلنا: إنها تبعيضية فآيات الرقية غير آيات الأحكام، وآيات الأحكام غير آيات المواعظ والقصص، يعني بعض الإخوان اجتهد ودعي لرقية شخص مريض وعرف عنه ارتكاب بعض المحرمات، يعني يتساهل في شرب الخمر، يتساهل في الزنا -نسأل الله السلامة والعافية-، وعنده بعض المنكرات الكبائر، فقرأ عليه آية الفرقان وينفث عليه، ويقرأ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [(68) سورة الفرقان] ثم ينفث عليه، هذا لا يريدها رقية، إنما يريدها موعظة له، الرجل على فراش الموت لعله أن يتوب، فهذه التصرفات لا شك أنها ليست مرضية؛ لأن هذا يعني وإن كان الهدف طيب، لكن الهدف لا يبرر أن يرتكب أمر غير مشروع، وجاء بالنصوص التي تحرم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [(90) سورة المائدة] نصوص كلما لوحظ على هذا الشخص جاء بنص ونفث عليه به، ولا شك في أن قصد هذا الراقي طيب ومعروف بالرقية، لكنه استغل الظرف الموجود بالموعظة، نقول: مثل هذا الجزء: 30 ¦ الصفحة: 3 القصد الطيب لا يبرر إلى الغاية التي يريد أن يصل إليها، فالدعوة لها شأن، والرقية والعلاج له شأن. يقول: عندي بعض الإشكالات، قلتم في حديث ابن عباس أمس أن المرجح قول المزي في زيادة عبد الكريم أبي أمية -ما هو ابن أمية- أن رواية سفيان معلقة؛ لأن الرجل ضعيف، والبخاري يتساهل في التعاليق ولا يتساهل في غيرها، يقول: شيخنا أليست تعاليق البخاري بصيغة الجزم صحيحة أم أن صحتها تنتهي إلى الراوي وما بعده فبحسبه؟ نعم الجزم بصحتها إلى علقت عنه، ويبقى النظر فيمن أبرز ولو جزم بها، يعني صحتها إلى من نسبت إليه، ثم بعد ذلك النظر فيما أبرز. أم أن صحتها تنتهي إلى الراوي وما بعده فبحسبه؟ ثم ألا يرجح قول ابن حجر أنها تابعة للحديث الذي قبله ألا يرجح ذلك الشواهد والمتابعات لهذه الرواية مما جعل البخاري يرويه عن عبد الكريم مع ضعفه، ولهذا نظائر في كتابه؟ خلونا نشوف التقريب، ما أدري ويش رمز ابن حجر؟ هذا هو؟ في ترجمة عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية حتى ابن حجر في التقريب مع كونه يقول: هذا موصول، مع كونه يقول: موصول الرمز خ. ت، خت، يعني تعليقاً، الرمز؛ لأن ابن حجر يرمز للرواة الذين يذكرهم من رجال الكتب الستة برمز من خرج لهم في كتابه، فقال: خاء تاء، خرجه البخاري تعليقاً، إضافة إلى أن اختيار المزي أنه معلق. قلتم في حديث: ((لا وتران في ليلة)) ألا يحتمل أن تكون نافية للجنس، وأن نصبها بالألف على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع الأعاريب ألا ينفي كون الاسم (لا) مثنى، والتثنية تنافي الجنسية وتعين الوحدة كقولنا: لا رجل في الدار بل رجلان؟ نعم صحيح، كلامه صحيح. بقي في الباب أحاديث عدتها ثلاثة عشر أو أربعة عشر، نأتي على نهايتها في درس الغد -إن شاء الله تعالى-. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 4 لكن الذي يشكل أنه غداً يفتتح المؤتمر، وسوف يكون كما كان في غيره من المؤتمرات تكون الطرق الموصلة إلى المكان المراد قد يكون فيها صعوبة ووعورة، فلو حرصنا على إنجاز الباب، ويكون هذا الدرس عن درسين تلافينا المشقة الحاصلة؛ لأن كثير من الإخوان يمكن لا يصل إلى الدرس، مثل درس مضى في جامع المهاجرين، الإخوان ما وصلوا؛ لأن فيه مؤتمر، وغداً يفتتح المؤتمر الظهر ما ندري عاد ويش يصير؟ هم من يومين والشوارع فيها شيء من التنظيم، فلعلنا نأتي على بقية الباب، وتعفوننا ونعفيكم أيضاً من الحضور خشية المشقة درءاً للمشقة، وخشية أن يبقى في الباب شيء، وإذا وقفنا على الباب الذي يليه: باب سجود التلاوة والشكر نكون قد وفينا بما قررنا -إن شاء الله تعالى-. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر: وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "ولا يسلم إلا في آخرها". آخرها وإلا آخرهن؟ سم يا شيخ. آخرها وإلا آخرهن؟ لا في آخرها. نعم. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها" رواه مسلم. وعنها -رضي الله عنها- قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم. وروى عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أولُه)). أولَه، أولَه. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 5 ((فليوتر أولَه، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به، وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" متفق عليه، ولفظه للبخاري، وروى مسلم نحوه من حديث أبي الدرداء، وأحمد والنسائي نحوه من حديث أبي ذر. وعن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه، فقال: ((من هذه؟ )) فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرتَه. أجرتُه. أنه قاتل رجلاً أجرتُه فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أجرتُ من أجرتِ يا أم هانئ)) قالت أم هانئ: وذلك ضحى" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن زيد بن أرقم أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) رواه مسلم. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 6 وروى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله. وله عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ قالت: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه". وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسْبحها. أسَبحها. لأسبحها. نعم يعني لأصليها. وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. رواه مسلم أيضاً. وعن مورق قال: "قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر قال: لا. قلت: فالنبي؟ قال: لا إخاله" رواه البخاري. وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به)) قال: ويسمي حاجته. رواه البخاري، ورواه الترمذي عن الشيخ الذي رواه عنه البخاري، وعنده: ((ثم أرضني به)) وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 30 ¦ الصفحة: 7 "وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "لا يسلم إلا في آخرهن". الجزء: 30 ¦ الصفحة: 8 يعني بسلام واحد، وهذا إذا أوتر بثلاث، إذا أوتر بثلاث قرأ بالركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] وربما أضاف إليها المعوذتين كما جاء في بعض الأحاديث أنه كان يوتر بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] والمعوذتين، يعني في الركعة الأخيرة، إذا أوتر بثلاث يقرأ بهذه السور الثلاث، وإذا أوتر بخمس يزيد عليها سورتين في الأولى والثانية، وإذا أوتر بسبع يزيد أربع سور أو ما تيسر من القرآن في الركعات الأربع، وإذا أوتر بتسع يزيد على ذلك ست لتكون قراءة هذه السور الثلاث في الركعات الثلاث الأخيرة، فإذا أوتر بثلاث فلا إشكال، وإذا أوتر بخمس زاد في الركعتين الأوليين غير هذه السور، وهكذا إذا أوتر بسبع أو تسع لتكون هذه السور الثلاث مما يختم به قيام الليل، فالوتر هو آخر قيام الليل، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) كما تقدم، والتزام هذه السور في الغالب اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو السنة، وإذا أخل بها أحياناً لئلا يظن تعينها وتحتمها لا سيما للأئمة الذين يؤمون الناس في قيام رمضان، لو تركوها في بعض الليالي؛ لئلا يظن بعض العامة أنها حتم لازم كالفاتحة، وقد ظن ذلك بعضهم، فلما قرأ الإمام بسورة بدل سبح فتح عليه بعضهم، قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] لأنه يظن أن قراءة هذه السور الثلاث لازمة، ولذا ينبغي ألا يربى الناس على عدم ترك السنن أحياناً لئلا يظن وجوبها، كقراءة السجدة في صلاة الصبح من يوم الجمعة، جاء رجال الحسبة إلى بعض الفلاحين ووجدوهم يشتغلون يعملون وقت الصلاة، فقالوا لهم: الجمعة، قالوا: لا اليوم ما هو بجمعة؛ لماذا؟ ما سجد الإمام، والشيخ الألباني -رحمه الله- ذكر أنه قُدم لصلاة الصبح في يوم الجمعة فقرأ من أول سورة الكهف، فلما بلغ ما يوازي السجدة من سورة آلم السجدة سجد بعض الناس تلقائياً، آلياً، فترك السنن من أجل هذه الهدف وهذا المقصد سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك بعض ما يأمر به من الجزء: 30 ¦ الصفحة: 9 أجل ألا يتعود الناس مثل هذا الأمر فيشبهوه بالواجبات، فإذا قرأ سبح، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] في غالب الليالي يكون طبق السنة، وإذا ترك ذلك في بعض الليالي لا سيما إذا كان إماماً فإنه يكون قد طبق السنة، وحصل ما هو أعلى منها؛ لئلا يظن غير الواجب واجباً كما ذكرنا. قراءة سورتي الإخلاص في الوتر في آخره، وفي ركعتي الصبح على ما تقدم، وفي ركعتي الطواف، وفي بعض الصلوات كركعتي راتبة المغرب مثلاً، كل هذا من أجل أن يفتتح ويختتم أعماله بإخلاص، فركعتا الصبح هما أول الأعمال في اليوم، وركعتي المغرب هما أول الصلوات بعد الفريضة بالنسبة لليل، والوتر ختام صلاة الليل. وبالنسبة لركعتي الطواف أبدى بعضهم مناسبة وهي أنه لما طاف بهذا البيت وهو من الحجارة قد يخيل لبعض الناس أن هذه الحجارة لها شأن، أو لها شيء من حقوق الرب -جل وعلا-؛ لأنه يطاف بها وتعظم، فقراءة سورتي الإخلاص تنفي هذا الوهم. "لا يسلم إلا في آخرهن" الحنابلة يقولون: أدنى الكمال بالنسبة للوتر ثلاث ركعات بسلامين، وهنا يقول: "لا يسلم إلا في آخرهن" نعم جاء التشبيه تشبيه الوتر بصلاة المغرب، فلا يجلس بعد الثانية كما يجلس بعد الثامنة إذا أوتر بتسع يجلس بعد الثامنة، لكن إذا أوتر بثلاث لا يجلس بعد الثانية؛ لئلا يشبهها بصلاة المغرب، وكذلك إذا أوتر بخمس، أو أوتر بسبع لا يجلس إلا في آخرهن. لكن إن سلم من ركعتين، ثم جاء بالثالثة عملاً بحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) كان له وجه، ويختاره جمع من أهل العلم. "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة" حديثها السابق: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يوتر بكم؟ ثلاث عشرة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر؟ طالب: ثلاث. يعني بثلاث، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام ... إلى آخره. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 10 وسبق أيضاً حديث الوتر بثلاث عشرة، وافتتاحه بركعتين خفيفتين، حديث زيد بن خالد: "لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين ... إلى آخره، ثلاث عشرة ركعة، فإما أن تعد الركعتان ويكون الوتر خمس، أو لا تعد الركعتان الخفيفتان، فإما أن يبدأ بركعتين خفيفتين ويصلي ثمان لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، ثم يصلي ركعتين بعد ذلك جالساً، أو يصلي كما في الحديث الذي معنا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة، يوتر من ذلك بخمس، يعني يصلي ثمان فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 11 يعني إذا أمكن الجواب عن الحديث الأول وما جاء في الإجمال أنه كان يصلي ثلاث عشرة أمكن الجواب عنه والجمع بينه وبين حديث: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا غيره عن ثلاث عشرة بأن الركعتين الأوليين لا تحتسبان من صلاة الليل، وكذلك ما يصلي في آخره غير محتسبة، فكيف نصنع بهذه الرواية؟ في صحيح مسلم: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يعني الثمان لا تسأل عن حسنهن وطولهن كما جاء في حديثها الآخر، ثم يوتر بخمس، هل نستطيع أن نقول: إنه يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين، أو يصلي ركعتين بعد الوتر؟ لأنهم لما أرادوا أن يوفقوا بين حديثها الذي كان غالباً ما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- إحدى عشرة، وما كان يزيد عليه في رمضان ولا في غيره، حاولوا أن يوفقوا بينه وبين الأحاديث الأخرى، كان يفتتح في صلاة الليل بركعتين خفيفتين فهذه لا تعد في الحساب، وتبقى الإحدى عشرة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، وأوتر صلى إحدى عشرة، ثم صلى ركعتين جالساً، لكن كيف نجيب عن هذا؟ هل في ركعتين خفيفتين في أوله؟ هل فيه ركعتين صلاهما وهو جالس؟ ما في، إذاً الصلاة بثلاث عشرة ثابتة عن عائشة -رضي الله عنها-، وهي التي ثبت عنها أنه لا يزيد على إحدى عشرة، فيحمل حديث لا يزيد على إحدى عشرة أن هذا غالب أحواله، بدليل أنها هي روت ثلاث عشرة، بحديث لا يمكن الجواب عنه، يعني إذا أجبنا عن الحديثين السابقين لا نستطيع أن نقول: إنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة يأتي بركعتين خفيفتين، ثم يصلي ست لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس، هل نستطيع أن نقول هذا؟ لا، كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ويوتر من ذلك بخمس، وعادته -عليه الصلاة والسلام- أنه يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس، في حديثها الآخر: ثم يوتر بثلاث. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 12 "لا يجلس في شيء إلا في آخرها" تعني آخر الخمس، يعني في آخر الوتر لا في آخر الثلاث عشرة؛ لأنه يفصلها كما جاء في الحديث المفسر يصلي أربعاً والأربع بسلامين؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر إما بثلاث وإما بخمس، ولو أوتر بسبع بعد ذلك الوتر بابه مفتوح يعني إلى الإحدى عشرة. "رواه مسلم". "وعنها قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" يعني استقر وتره في آخر الليل، وغايته طلوع الفجر على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة. يعني نظير ذلك اعتكف النبي -عليه الصلاة والسلام- في العشر الأول، ثم اعتكف في العشر الأواسط، ثم استقر اعتكافه في العشر الأخيرة من رمضان، وهنا: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل قبل أن ينام، ومن أوسطه بعد أن نام شيئاً ثم انتبه فصلى وأوتر، ثم بعد ذلك نام، ومن آخره فانتهى وتره إلى السحر" يعني وقت النزول الثلث الأخير من الليل انتهى وتره إلى السحر، وهو وقت الاستغفار بعد الوتر يستغفر المصلي الموفق، وجاء مدح المستغفرين بالأسحار. "متفق عليه، واللفظ لمسلم". الجزء: 30 ¦ الصفحة: 13 جاء مدح قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم الثلث، ثم ينام السدس، السدس الأخير الذي نامه واقع في حيز الثلث الأخير الذي هو وقت النزول الإلهي وإلا غير واقع؟ يعني هل الأفضل أن ينام السدس الأخير أو يتعرض للنفحات الإلهية؟ قال: ((أفضل القيام قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس)) هذا مفضل بالنص، لكن أيضاً جاء الحث على التعرض لرحمة الله في الثلث الأخير بما فيه السدس الأخير؛ لأننا إذا قلنا: يقوم من نصف الليل كقيام داود نصف قيامه في غير وقت النزول، لا سيما إذا اعتبرنا الليل من غروب الشمس، لكن إذا اعتبرنا الليل من صلاة العشاء؛ لأنه لا يتمكن من النوم نصف الليل إلا من صلاة العشاء، فيكون الليل محسوباً من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، يعني من صلاة العشاء افترض من الساعة التاسعة مثلا ًنام والأذان الرابعة يعني سبع ساعات، اقسم السبع على اثنين، يعني ينام من تسع إلى اثنا عشر ونصف، ثم يقوم ثلثي ما تبقى وينام ثلثه، إذا قام من الليل في الساعة الثانية عشرة والنصف كم يبقى على أذان الصبح؟ ثلاث ساعات ونصف، إذا حسبنا الليل في حديث النزول من غروب الشمس، وفي حديث مدح قيام داود من صلاة العشاء تطابق الحديثان، فصار نصف الليل بالنسبة لقيام داود موافق لثلثه في حديث النزول؛ لماذا؟ لأننا حسمنا ساعتين بعد غروب الشمس، من غروب الشمس على صلاة العشاء، هذا ليس من الليل على حديث قيام داود، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يحتاج إلى إعادة؟ طيب. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 14 الآن إذا حسبنا الليل من سبع إلى أربع وعشر صار عندنا كم الليل؟ تسع ساعات وعشر دقائق، نصفه يبدأ أربع ساعات ونصف من سبع يبدأ من إحدى عشر ونصف، وإذا حسبناه من صلاة العشاء على قيام داود يبدأ من اثني عشر ونصف الذي هو الثلث، هل يمكن أن نحسب نصف الليل في قيام داود من مغيب الشمس؟ ما يمكن، مستحيل، لا يمكن أن ينام أحد من غروب الشمس فتفوته صلاة المغرب والعشاء، إنما ينام ما يمكنه فيه النوم، وهو من صلاة العشاء، فإذا حسبنا هذا المقدار من صلاة العشاء إلى طلوع الصبح، وقارناه بالليل في الأعراف كلها، في عرف أهل الهيئة، وفي عرف المتشرعة، وفي عرف عامة الناس أنه يبدأ من غروب الشمس، فإذا حسبناه من غروب الشمس ثلثي الليل إلى اثنا عشر ونصف وحسبنا نصف الليل من صلاة العشاء إلى اثنا عشر ونصف تطابق النصف مع الثلثين، فيكون القيام على مدح قيام داود -على قيام داود- موافق للنزول الإلهي، لكن يبقى أنه إذا نام قام من نصف الليل إلى .. ، اللي هو ثلث الليل الحقيقي، وبقي السدس يكون نام في وقت السحر الذي هو وقت الاستغفار، وأيضاً هو جزء من وقت النزول الإلهي، فمدحه على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه أفضل القيام يؤثر وإلا ما يؤثر؟ النوم مؤثر وإلا غير مؤثر؟ نقول: من قام على قيام داود يكفيه وهو أفضل القيام، إذا أراد أن يقوم من نصف الليل يكفيه، ثم بعد ذلك نام بنية الاستعانة على وظائف اليوم التالي هو في عبادة، لكن الإشكال من يسهر نصف الليل، ثم يسهر ثلثه، ثم ينام سدسه هنا الإشكال، كما هو حالنا ووضعنا الآن، يعني هذا حال كثير من الناس حتى من طلبة العلم، يعني بدلاً من أن ينام نصف الليل يسهر نصف الليل، وبعض الناس ينام بعد نصف الليل، لكن بعضهم لا، يضيف إليه الثلث يسهر، فإذا بقي على الصبح ساعة قال: أنام، وأقوم قبل الأذان فأوتر، هذا يضحك على نفسه، هذا لا شك أنه ما أوجد الأسباب ولا سعى في انتفاء الموانع للقيام، فمثل هذا إذا احتاج إلى مثل هذا السهر عليه أن يوتر قبل أن ينام وإلا سوف يفوته الوتر، كما سيأتي في حديث من خاف ألا يقوم من آخر الليل، مع أن السهر مذموم، مكروه، يكره النوم قبلها والحديث بعدها، يعني صلاة العشاء، الجزء: 30 ¦ الصفحة: 15 وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه سهر في مصالح الأمة، وفيما ترجحت مصلحته، فلا يمنع السهر بإطلاق، والسهر في العلم أفضل من النوم، السهر في العلم، وباب: السمر في العلم كما في صحيح البخاري هذا أفضل من النوم، لكن يبقى أن السهر في القيل والقال هو المكروه. "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) " يقال: أصبح أي دخل في الصبح، كما يقال: أظلم دخل في الظلام، وأتهم دخل في تهامة، وأنجد وهكذا. ((تصبحوا)) هو مضارع أصبح ((قبل أن تصبحوا)) يعني تدخلوا في وقت الصبح، فإذا دخل وقت الصبح انتهى وقت الوتر، وعلى هذا إذا طلع الصبح قبل أن يوتر الإنسان خلاص انتهى وقته، إن كان مفرطاً يقول: خلاص انتهى وقته، فإن قضاه لا سيما إذا كان معذوراً في فواته قضاه ما بعد طلوع الشمس إلى زوالها على أن يقضيه شفعاً لا وتراً، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نام عن وتره صلى في الضحى ثنتي عشرة ركعة، على ما سيأتي. إذا شرع في الوتر وفي نيته أن يوتر بتسع، شرع فيه ثم سمع المؤذن دليل على أنه طلع الصبح خرج وقت الوتر يكمل وتره، لكن بأقل ما يمكن، إذا كان ما أتم ركعة يوتر بركعة، إن كان أتم ركعة وشرع في الثانية يوتر بثلاث، ويكون وتره أداءً، ما دام كبر قبل طلوع الصبح يكون أداء، كما لو كبر في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، أو كبر في صلاة العصر قبل غروبها. "وروى -يعني مسلم- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله)) " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل إما لكون نومه ثقيلاً لا يستطيع إذا نام ما استطاع أن يقوم، أو لكونه احتاج إلى السهر، أو لكونه مريضاً، أو مثقلاً بما يدعوه إلى الإخلاد إلى الراحة مثل هذا يوتر من أول الليل. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 16 ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع)) يعني غلب على ظنه ((أن يقوم آخره فليوتر آخره)) لكن هناك طمع غلبة ظن مؤيدة، وهناك غلبة ظن بل هي وهم ليست بغلبة ظن، يتوهم الإنسان وتسول له نفسه وتمنيه أنه يقوم ولا يقوم، وما ذلكم إلا لأنه فرط في بذل الأسباب وانتفاء الموانع، فالذي سهر السهر الطويل، ويمني نفسه فينام ساعة، ثم يقول: إنه يقوم ليوتر هذا وهم، وليس بغلبة ظن، ولا طمع حقيقي. ((ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة)) تشهدها الملائكة ((وذلك أفضل)) لا شك أن صلاة آخر الليل أفضل، أفضل الصلاة الصلاة في جوف الليل بعد المكتوبة؛ لأنها مشهودة، والبال فارغ من أعمال الدنيا وأشغالها، ومن هواجسها ووساوسها وخطراتها، يكون الإنسان قد ارتاح بدنه، وارتاح ذهنه، وتفرغ لهذه العبادة. "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) " يعني يشهد له ما تقدم ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) وانتهى وتره إلى السحر، وهنا الحديث بهذا اللفظ مضف. ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) يعني جاء عن بعض السلف أنه يقضي الوتر ما بين طلوع الصبح وصلاة الفجر، لكن مع هذه النصوص لا يمكن أن يقال بأنه يقضى بعد طلوع الصبح، والحديث بهذا اللفظ ضعيف عند أهل العلم، لكن له شواهد كثيرة. على كل حال قضاء الوتر من فاته الوتر بعضهم يفرق بين من فاته تفريطاً، ومن فاته من غير تفريط، فمن فاته من غير تفريط يقضي، ومن فاته مفرطاً فأنه لا يقضي كما يقول بعضهم في الفرائض، بعضهم يقول: الفريضة إذا فاتت عن عمد وإصرار فإنه لا يقضيها. ونقل ابن حزم على ذلك الإجماع، مع أنه نقل الإجماع على ضده أنها تقضى، ولو فرط ولو تعمد، نقل الإجماع على أنها تقضى، وهو قول عامة أهل العلم أنها تقضى، فإذا أمر غير مفرط بالقضاء فلأن يؤمر المفرط من باب أولى. يقول: "رواه الترمذي". الجزء: 30 ¦ الصفحة: 17 يقول: " ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير" يعني سليمان بن موسى راوي هذا الحديث عنده مناكير "وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" طيب يقول: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، قول البخاري وهو شيخ للترمذي: "عنده مناكير" ألا يستدرك به على قوله: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه؟ أو البخاري ليس بمتقدم بالنسبة له؟ أو لم يطلع على قوله؟ الترمذي يعتمد قول البخاري، ويقلده ويسأله عن الرواة وعن الأحاديث، فهل قوله: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه يستدرك عليه بقول البخاري: عنده مناكير؟ أو نقول: إن البخاري ليس بمتقدم بالنسبة له هو شيخه؟ والمتقدمين من هم في طبقة شيوخ البخاري فمن فوقهم؟ أو أن الترمذي ما اطلع على قول البخاري؟ نقول: هذا أو ذا؟ طالب: العبارة من كلام ابن عبد الهادي وإلا من كلام الترمذي يا شيخ؟ وين؟ طالب: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه؟ الذي يظهر أنه من كلام الترمذي، عندك فاصل. طالب:. . . . . . . . . ويش يقول؟ طالب: كلام الترمذي يقول: وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ. ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه. طالب: هذا بس هذا كلام الترمذي؟ مفصول عندك؟ طالب: إيه مفصول بين قوسين يا شيخ، بين علامة تنصيص. يعني حتى لو قلنا من كلام ابن عبد الهادي، يعني إذا كان من كلام ابن عبد الهادي ما له وجه إطلاقاً؛ لأن البخاري بالنسبة له متقدم، ويستحيل أن نقول: إنه لم يطلع عليه لأنه نقله، يعني كونه من كلام الترمذي أسهل. على كل حال سواءً كان من كلام الترمذي أو من كلام ابن عبد الهادي هو مستدرك بقول البخاري: "عنده مناكير" وقول النسائي: "ليس بالقوي" يعني قول النسائي لا يمكن أن يستدرك به على الترمذي؛ لماذا؟ لأن الترمذي قبل النسائي، لكن يستدرك به على كلام ابن عبد الهادي، لا سيما وقد نقله، هذا مما يؤيد أن الكلام للترمذي. عندك الترمذي؟ طيب. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 18 "وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" على كل حال هو مختلف فيه، وقول البخاري: عنده مناكير لا شك أنه وإن كان عند غيره ليس بشديد إلا أنه بالنسبة لاصطلاح البخاري -رحمه الله- يعني لورعه قد يقول هذه الكلمة كما يقول: تكلموا فيه، أو فيه نظر، يعني البخاري عفيف في العبارة، فتدل على أنه فيه خلل. "وقول النسائي: ليس بالقوي" يعني ضعيف، إن كان ليس بالقوي ضعيف "وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" على كل حال هو بهذا اللفظ مضعف عند أهل العلم، الحديث بهذا اللفظ مضعف عند أهل العلم، وإن كان معناه صحيحاً له ما يشهد له. "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به". الجزء: 30 ¦ الصفحة: 19 قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر)) " هو داخل في عموم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) العموم يشمل، والخصوص: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) مفهومه أنه إذا تكره عمداً يعني هل لقوله: ((من نام عن صلاة أو نسيها)) مفهوم أنه إذا تركها عمداً لا يصليها؟ هل له مفهوم؟ ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) مفهومه أنه إذا تركها عمداً أنه لا يصليها إذا تاب؟ يمكن أن يستدل بهذا، يمكن، لكن الحديث حديث الباب هو جارٍ على عموم حال المسلم، أنه لن يترك الصلاة إلا نسياناً أو عن نوم، لن يترك الصلاة عمد ما دام وصف الإسلام لازماً له، ولذا بعض المغاربة في القرن السابع يقول: إن الخلاف في كفر تارك الصلاة خلاف نظري، لا يمكن أن يكون له وجود في الواقع، الخلاف في حكم تارك الصلاة هو خلاف نظري لا يمكن أن يتصور له وجود في الواقع، اللهم إلا إذا كان في آخر الزمان، في أيام الدجال، أو في .. ، كيف لو رأى حال المسلمين اليوم؟ كنا نسمع الفتاوى الشديدة قبل ثلاثين سنة، فلان يسأل يقول: ولده يتأخر عن الصلاة فيجاب بأن هذا الولد لا خير فيه، هذا يطرد، ولا يجوز مجالسته، ويجب هجره، وكان لائق في ذلك العصر؛ لأن هذا أسلوب من أساليب التأديب، والولد إذا عومل بهذه المعاملة تاب وأناب ورجع، أين يذهب؟ لكن الآن إذا قيل: يطرد من البيت وين يروح؟ يتلقفه ألف شيطان؛ لأن الناس في ذلك الوقت غايتهم غروب الشمس، يمكن يدبر نفسه والشمس طالعة، لكن إذا غابت الشمس وين يروح؟ لا هناك بيوت تستوعب، البيوت بقدر أهلها، ولا هناك استراحات ولا متنزهات، ولا شيء، تغيب الشمس يرجع إلى أهله على أي ذنب كان، يأتي تائباً منيباً وإلا ما يُفتح له، لكن اليوم تقول له: لا يجي؟! تطرده من البيت؟! تلقفه ألف شيطان، واستراحات ومتنزهات وأسفار في الداخل والخارج ولا رقيب ولا .. ، يروح كيفما شاء، والليل أفضل من النهار لمثل هؤلاء، يعني لا يظن أن هذه المدنية وهذا الترف وانفتاح الدنيا التي نعيشها خير من كل وجه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، لكن أخشى أن تفتح الجزء: 30 ¦ الصفحة: 20 عليكم الدنيا فتنافسوها كما فتحت على من قبلكم، وتهلككم كما أهلكتهم)) والله المستعان. ((من نام عن الوتر أو نسيه)) لأنه لا يتصور أن مسلم لا سيما طالب علم يبي يترك الوتر عن عمد فضلاً عن أن يترك الفرض ((فليصل إذا أصبح)) ومعلوم أنه إذا أصبح حتى ترتفع الشمس هو في وقت نهي لا يصلى فيه إلا فريضة الوقت صلاة الصبح وراتبتها، وما عدا ذلك لا يصلى فيه، فمتى يقضى الوتر؟ يقضى كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى، فاته الوتر فصلاه ضحى ثنتي عشرة ركعة. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به" والحديث له شواهد تشهد لمعناه، وأما لفظه فضعيف ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، أنا ذهب نظري إلى الحديث الذي قبله. يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة" لماذا؟ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو مضعف، وأخوه عبد الله ثقة. ثم قال الإمام المؤلف: "وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به" وعلى كل حال النووي حسنه في المجموع، ولا يقل عن درجة الحسن. يقول: "وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح فلم يوتر فلا وتر له)) " ويش معنى لا وتر له؟ لأنه خرج وقته، ولا يمكن أن يصليه على هيئته وتراً وإنما يصليه شفع. نظير ذلك من ذبح أو من أدى زكاة الفطر بعد الصلاة هي صدقة من الصدقات، لكن هل هي زكاة فطر؟ لا، ليست بزكاة فطر؛ لأنه فات محلها، لكنها صدقة له أجرها، وهنا: من فاته الوتر ولا يمكن أن يأتي به على صفته لا وتر له، وإنما له أجر الصلاة التي صلاها، وهي بالنسبة للوتر قضاء، وليس القضاء كالأداء، وهذا معنى النفي في قوله: ((لا وتر له)). "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" متفق عليه، واللفظ للبخاري، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند مسلم، ومن حديث أبي ذر عند أحمد والنسائي". فالحديث مروي عن ثلاثة من الصحابة كلهم أوصاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الثلاثة؛ للدلالة على أهميتها. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 21 "أوصاني خليلي" حبيبي، والخلة أعظم درجات المحبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)) فكيف يقول أبو هريرة: خليلي؟ يعني الممنوع أن يتخذ الرسول -عليه الصلاة والسلام- غير ربه خليلاً، ولا يمنع أن يتخذ خليل -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن أعظم أنواع المحبة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، هي لله -جل وعلا- ((ولكن الله اتخذني خليلاً)). "بثلاث" يعني بثلاث خصال "لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر" والحسنة بعشر أمثالها، كأنه صام الدهر كله، وجاء تبيينها إجمالها في مسلم وتبيينها في السنن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وإن صام ثلاثة أيام فرقها من الشهر بأن صام الاثنين الأول والثاني والثالث صح في حقه أنه صام ثلاثة أيام من كل شهر. "وصلاة الضحى" صلاة الضحى المنسوبة لوقتها، فوقتها الضحى، وهو من ارتفاع الشمس وخروج وقت النهي إلى زوال الشمس، وإن كان الأفضل أن تؤخر حتى ترمض الفصال على ما سيأتي. "ونوم على وتر" فينام قبل أن يوتر؛ لأنه لا يثق من نفسه أنه يقوم في آخر الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عرف ذلك من عادته وحالته فأوصاه أن يوتر قبل أن ينام، وهذا فيه دليل على استحباب صلاة الضحى، وقد تباينت فيها الأقوال، وتباينت فيها الأخبار والآثار، على ما سيأتي في حديث عائشة أنه صلى وأنه لم يصل -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك في حديث ابن عمر وصلاة الضحى جاءت وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لثلاثة من صحابته بها، وجاء في الحديث الصحيح: ((يصبح على سلامى كل أحد منكم صدقة)) يعني المفاصل ثلاثمائة وستين مفصل، كل مفصل عليه صدقة، لكن إن تصدق أجزأ، وإن نفع بنفع متعد يصلح بين الناس هذه صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، يعني الحمد لله فرض علينا أشياء وأوجب علينا أشياء، وندبنا إلى أشياء، وجعل لنا الحلول السهلة الميسرة. تسبح ثلاثمائة وستين تسبيحة تنتهي، تحمد الله ثلاثمائة وستين أو تكبر، تذكر الله ثلاثمائة وستين تنتهي، ((ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) فهذا دليل على فضل صلاة الضحى وأن شأنها عظيم. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 22 "متفق عليه، واللفظ للبخاري، وروى مسلم نحوه من حديث أبي الدرداء وأحمد والنسائي نحوه من حديث أبي ذر". "وعن أم هانئ" بنت أبي طالب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح سنة ثمان فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه، قلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((من هذه؟ )) فقلت: أم هانئ" يعني أنا أم هانئ "فقالت: أم هانئ -بنت أبي طالب- فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) " يعني ولم ينقل في طريق من الطرق أنه رد عليها السلام، قالت: السلام عليك يا رسول الله، قال: من هذه؟ قالت: أم هانئ؟ قال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولا نقل في طريق من الطرق أنه قال: وعليك السلام يا أم هانئ، فمن أهل العلم من يرى أنه يجزئ مرحباً عن رد السلام لهذا الحديث، وسلمت فاطمة بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام- عليه، فقالت: السلام عليك يا أبت، فقال: ((مرحباً بابنتي)) وهذا جعل بعض أهل العلم يقول: إن مرحباً تكفي، والله -جل وعلا- أمر برد السلام، نحيي بأفضل منها أو نردها على الأقل، فهل مرحباً أفضل من وعليكم السلام؟ نعم؟ أو توازيها؟ لا، لا توازيها، ولذا يرى بعضهم أنه لا بد من رد السلام، وإذا زيد مرحباً كان زيادة فضل، وكونه لم ينقل لا يعني أنه لم يقع، والحكم يثبت بنص واحد، ولا يلزم أن تتضافر النصوص على نقله، يعني في مواضع كثيرة ينقل السلام ولا ينقل رده. يعني الملائكة لما قالوا لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وعلى نبينا {فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [(25) سورة الذاريات] في سورة الذارايات، في الحجر {فَقَالُواْ سَلامًا} [(52) سورة الحجر] ما قال: سلام، نعم ما رد، هل معنى هذا أنه لم يرد أو يكفي النقل في موضع واحد عن بقية المواضع؟ يكفي، ولذلك من قال: السلام عليكم، تقول: وعليكم السلام فإذا زدت مرحباً كانت زيادة فضل، خلافاً لمن يقول: إن مرحباً تجزئ عن رد السلام، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات وذلك ضحى، فمنهم من يقول: إن هذه صلاة الضحى لأنها وقعت في وقت الضحى، ومنهم من يقول: إن هذه صلاة الفتح. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 23 "قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي" هو أخوها الشقيق علي بن أبي طالب "زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرته" رجل من المشركين أجارته أم هانئ، فأراد علي أن يقتله لأنه مشرك ما أسلم "زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً أجرته فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أجرت من أجرت يا أم هانئ)) " الآن يستطيع علي أن يقتله؟ لا يستطيع، وفي الحديث الصحيح: ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) وإجارة الواحد والاثنين تكون للواحد من المسلمين حتى المرأة، أما الإجارة على سبيل العموم فهذه إنما هي للإمام فقط، الإجارة على العموم إنما هي للإمام، وأما إجارة الواحد والاثنين فهي لآحاد المسلمين ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) يعني حتى المرأة تجير كما في هذا الحديث، ومنهم من يقول: إن المرأة لا تجير؛ لأن إجارتها إنما أجيزت بإجارة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قال: ((أجرت من أجرت يا أم هانئ)). "قالت أم هانئ: وذلك ضحى" متفق عليه، واللفظ لمسلم". "وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء" زيد بن أرقم رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء "فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل" يعني لو تأخروا عن أول النهار، صلاة الضحى تبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح خروج وقت النهي إلى الزوال، لكن كلما تأخرت كانت أفضل. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 24 "أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) " يعني الموظف والطالب قبل أن يخرج إلى عمله خشية أن تضيع عليه صلاة الضحى يصلي ركعتين؛ لأن وقت النهي قد ارتفع، أو نقول: الأفضل تنتظر حتى ترمض الفصال وتصلي صلاة الضحى في العمل؟ لا، نقول: تصليها في أول وقتها ولا تضيع شيء من العمل الموكول إليك، اللهم إلا إذا كان هناك فرصة تتاح لك نظاماً أن تترك العمل فيها وتصلي هاتين الركعتين، يعني كما هو شأن الطلاب لديهم فرص بين الدروس وبين المحاضرات يستطيع أن يصلي الضحى، فالأفضل أن يؤخروها، وابن القيم -رحمه الله- لما ذكر حال الأبرار وحال المقربين ذكر حالهم في طريق الهجرتين ذكر أن الأبرار إذا ارتفعت الشمس جلسوا في مصلاهم الذي صلوا فيه الصبح حتى ترتفع الشمس، ثم يصلون ركعتين وينصرفون، وأما بالنسبة للمقربين وهم أفضل منهم يقول: "يجلسون حتى ترتفع الشمس، ثم ينصرفون إن شاءوا صلوا، وإن شاءوا لم يصلوا" لأنهم إذا انصرفوا ينصرفون إلى عبادات، وأولئك ينصرفون إلى أعمال، أولئك إن لم يصلوا في مكانهم ما صلوا الضحى، والمقربون إن ما صلوا في مكانهم صلوا في الوقت الفاضل حين ترمض الفصال. "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) " صلاة الأوابين هم التوابون الرجاعون إلى الله -جل وعلا-، المحاسبون لأنفسهم النادمون على ما فرط منهم حين ترمض يعني يصيبها حر الرمضاء من شدة الحر وقوة الشمس، الفصال جمع فصيل، وهو ولد الناقة الذي فصل عنها بالفطام، ولا يتحمل مثل ما تتحمل أمه، أو يتحمل الجمل الكبير، لا، لكنه يتحمل أكثر من بني آدم، يعني إذا أصابتهم حر الرمضاء فقد حان وقت صلاة الضحى الأفضل، وهي صلاة الأوابين. "رواه مسلم". الجزء: 30 ¦ الصفحة: 25 "وروى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله" فيه إثبات صلاة الضحى من فعله -عليه الصلاة والسلام-، إضافة إلى ما تقدم في حديث أم هانئ، هناك في حديث أم هانئ: صلى ثمان، ولذا يقولون: إن أكثرها ثمان ركعات، وهنا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله ست، ثمان، عشر، أكثر. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 26 "وله عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ قالت: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه" يعني يجيء مسافر، وقد تخفف من كثير من السنن في السفر إذا جاء مجرد ما يصل وينقطع عنه الوصف المقتضي للتخفيف يصلي "إلا أن يجيء من مغيبه" فهنا نفت عائشة أنه كان يصلي الضحى إلا لمناسبة وهي المجيء من السفر، وأثبتت في الحديث الذي قبله أنه كان يصلي أربعاً، وفي حديثها اللاحق قالت: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط" يعني الإثبات منقول، والنفي منقول، وتقول: "وإني لأسبحها" يعني لأصليها، يعني عائشة تخالف فعله -عليه الصلاة والسلام-؟ كونها ما رأت ما رأت، لكن لا يعني كونها ما رأت أنه ما صلى، بل قد يكون ثبت عندها أنه صلى بخبر غيرها، وهذا لا ينفي أنها ما رأت، ولذلك قالت: وإني لأسبحها، ولو لم يبلغها شيء من فعله -عليه الصلاة والسلام-، لا يمكن أن تخالفه وأن تفعل شيئاً لم يفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يقول قائل: إن هذه معاندة، ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، كيف؟ يعني هذه مصادمة، لكن كونها ما رأت لا يعني أنه لم يفعل، ولا يعني أنه لم ينقل إليها عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه فعل، ولذلك عملت بخبر من أخبرها عنه -عليه الصلاة والسلام- فقالت: "وإني لأسبحها" وذكرت العلة التي من أجلها كان يترك صلاة الضحى "وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" النبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورحمته ورأفته بأمته يترك الشيء خشية أن يفرض عليهم، وندم -عليه الصلاة والسلام- على دخول الكعبة لئلا يشق على أمته؛ لأن من رأى أو علم أو سمع أنه -عليه الصلاة والسلام- دخل الكعبة يحرص أشد الحرص على أن يدخل ثم يلحق الناس بذلك الضرر والمشقة. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 27 "وعن مورق قال: قلت لابن عمر -رضي الله عنهما-: أتصلي الضحى؟ قال: لا" ابن عمر الصحابي المقتدي المقتفي المؤتسي بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- العادية فضلاً عن الشرعية تصلي الضحى؟ قال: لا، "قلت: فعمر؟ " يعني: أباه "قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا" يعني لا يصلون الضحى "قلت: فالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا إخاله" يعني ما أظنه كان يصليها؛ لماذا؟ لأنه لو كان يصليها لصلاها أبو بكر، ولو كان يصليها لصلاها عمر، فعدم صلاة أبي بكر وعمر صلاة الضحى غلب على ظن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يصليها، وهذه النصوص فيها الإثبات وفيها النفي، ولذا يختلف أهل العلم في صلاة الضحى، وذكر ابن القيم -رحمه الله- فيها ستة أقوال، منهم من يرى أنها سنة مطلقاً، حديث عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى، حديث أبي هريرة أوصاني خليل -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الضحى، حديث أبي ذر، حديث أبي الدرداء ((يصبح على سلامى كل أحد منكم صدقة ... ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) ألا يكفي هذا في تقرير شرعية صلاة الضحى؟ يكفي وإلا ما يكفي؟ طالب: بلى. يقابل ذلك، يعني بهذه الأحاديث قال من قال: بسنية صلاة الضحى مطلقاً، ومنهم من قال: إنها تفعل إذا وجد سبب مناسب، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها يوم الفتح للمناسبة، ويصليها إذا قدم من مغيبه لمناسبة، ولا يواظب عليها، ولا يداوم عليها، وحمل على ذلك أحاديث النفي. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 28 ومنهم من يرى أنها لا تصلى مطلقاً، وأنها بدعة، وعلى كل حال ما دام ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة التي حفظ فيها رواتها ما حفظوا من النصوص التي تدل على طلبها واستحبابها، ومن أثبت حجة على من نفى، فالمرجح أنها سنة مطلقاً، وعلى المسلم أن يحافظ عليها؛ لتكون كفارة لما يلزمه من شكر هذه المفاصل، المفاصل هذه وجودها في البدن لا يقدر قدرها ولا يعرف قيمتها إلا من تصلب عنده أصبع، أنت تصور أن عندك إصبع ما ينثني واقف دايم، فضلاً عن كون الركبة متصلبة، أو كون اليد متصلبة، أو الظهر هذه نعم تحتاج إلى شكر، وكل مفصل منها يحتاج إلى كفارة، صدقة، والصدقات متنوعة والأبواب واسعة -ولله الحمد- وميسورة، لكن يجزئ ويغني عن ذلك كله ركعتان تركعهما من الضحى. جاب الترمذي؟ طالب:. . . . . . . . . ويش يقول؟ طالب:. . . . . . . . . قال أبو عيسى: "وسليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، وروي عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا وتران بعد صلاة الصبح)) وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي ... إلى آخره، ليس من كلام الترمذي صار من كلام ابن عبد الهادي، لكن مما يستغرب أن ابن عبد الهادي يقول: لم نر أحداً تكلم فيه من أهل العلم، والبخاري يقول: عنده مناكير، والنسائي يقول ما يقول، وهو الذي ينقل هذا الكلام، هذا غريب يعني. بعد هذا ختم المؤلف -رحمه الله تعالى- صلاة التطوع بصلاة الاستخارة، قال -رحمه الله-: الجزء: 30 ¦ الصفحة: 29 "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة" الاستخارة: طلب الخيرة، طلب خير الأمرين من الإقدام أو الإحجام، طلب خير الأمرين؛ لأن السين والتاء للطلب، طلب خير الأمرين من الإقدام على الأمر أو عن الإحجام عنه، أردت أن تتزوج تصلي صلاة الاستخارة، أردت أن تشتري هذا البيت تصلي صلاة الاستخارة، تشتري هذه السيارة تصلي صلاة الاستخارة، أما الواجبات فلا خيرة لأحد فيها، وأما المستحبات فإذا أراد أن يوازن واستغلق عليه الأمر، وأراد أن يطلب من الله -جل وعلا- خير الأمرين له، هذا الأمر واسع، لكن يبقى أن الاستخارة شرعية، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن. يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور" كلها، في الأمور، يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، في الأمور يعني الأمور المهمة أو في جميع الأمور؟ يعني (أل) هذه استغراقية وإلا عهدية؟ اللي يظهر أنها في جميع الأمور. "يعملنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن" يعني يحفظهم إياها حرفاً حرفاً، كما علم ابن مسعود التشهد. "كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر)) " إذا هم، والهم مرتبة من مراتب القصد يسبقها الخاطر والهاجس وحديث النفس، ثم الهم ثم العزم، إذا هم استخار، ثم عزم. ((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)) وهي سنة قائمة بنفسها، تسمى ركعتا الاستخارة، فهل تدخل في غيرها من السنن؟ يعني جاء للصلاة فأدى ركعتين هما راتبة هذه الصلاة، ولتكن صلاة الصبح، صلى ركعتي الصبح تكفي عن ركعتي الاستخارة، أو نقول: هما ركعتان مقصودتان لذاتهما؟ لأنه يقول: ((فليركع ركعتين من غير الفريضة)) هما سنة كونها لا تدخل في صلاة الصبح لا تدخل في صلاة الصبح، هل يعني هذا أنها لا تدخل في راتبة الصبح؟ الأولى أن تفردا، لا راتبة الصبح ولا تحية مسجد ولا غيرها، هما ركعتان قائمتان، لكن كون تحية المسجد تدخل في ركعتي الاستخارة ظاهر. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 30 ((من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك)) يعني أطلب متوسلاً بعلمك خير الأمرين، فلا علم لي أنت الذي تعلم العواقب والخير المرتب على أحد الأمرين. ((وأستقدرك بقدرتك)) أطلب القدرة منك يا الله -جل وعلا- ((وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر)) انكسار وتوسل إلى الله -جل وعلا- بعلمه وقدرته، وانطراح بين يديه ((فإنك تقدر ولا أقدر)) اعتراف بالعجز ((وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب)) بعد هذه التوسلات يقول: ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي)) يعني في ديني ودنياي ((في عاجل أمري وآجله)) كما في الرواية الأخرى ((وعاقبة أمري)) أو قال: ((عاجل أمري وآجله)) يعني عاجلاً وآجلاً، في الدنيا والآخرة، إن هذا الأمر يعينني على أمر الدين والدنيا ((إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) أو قال: ((عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي)) فاقدره يعني: اكتبه لي ويسره لي؛ لأنه قد يقدر الشيء للإنسان لكن مع شيء من العسر، إذا استخار من أجل الزواج من فلانة، وعلم الله أن فيها خير له يطلب منه أن يقدرها له، وأن يكتبها من نصيبه، ثم بعد ذلك ييسرها له؛ لأنه قد يكون فيها خير له، وتكتب له وتقدر له لكن يطلب عليها أمور متعسرة، مهر غالي مرتفع، فتكون متعسرة، وقال: ((ويسره لي، ثم بارك لي فيه)) يعني إذا حصلت عليه كتبته لي وقدرته لي يسرته لي بارك لي فيه، فأنا لا أستغني عن بركتك، اللهم لا غنى بي عن بركتك، كما قال من؟ أيوب لما نزل عليه الجراد من الذهب أخذ يجمع يحثو، فعوتب في ذلك، فقال: اللهم لا غنى بي عن بركتك. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 31 ((وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) أو قال: ((في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به)) يعني إذا تعلق بفلانة يريدها زوجة ثم يستخير ويرى أن الخير في تركها فلا تكتب له، ولا تيسر له، لكن قد يستمر متعلقاً بها، فتتكدر عليه حياته، ولذلك قال: ((فاصرفه عني)) لا تعلقه بي ((واصرفني عنه)) لا تعلقني به لأنه كونك أنت تصرف ترتاح من جهة، لكن كون الطرف الثاني لا يصرف يؤذيك ويقلقك، يرسل إليك الوسائط ويحرجك، أو يتأثم بسببك، وتتكدر عليه حياته، وهذا من النصح، ما يقول: علقها بي واصرفني عنها؛ لأن الإنسان يضع نفسه بهذه المنزلة؛ لأنه ليس الشأن أن تحِب الشأن أن تُحَب؛ لأنه قد تحب وتعذب بما تحب، لكن إن صارت المحبة من الطرفين تمت السعادة، وهنا إذا كان الانصراف من الطرفين تمت الراحة ((فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان)) يعني في أي امرأة كانت، في أي دار كانت، في أي سارة أو دابة كانت. ((ثم أرضني به)) لأنه قد يستخير في الزواج بفلانة التي ذكرت عنده ومدحت ووصفت بأوصاف فائقة من الخلق والعلم والدين والجمال، وكل ما يطلبه الإنسان في الزوجة، ثم استخار فلم تقدر له وصرف عنها، وصرفت عنه، ثم خطب أخرى أو ذكرت له أخرى أقل منها بكثير، ثم استخار ووجه إلى هذه الأقل، يطلب مع ذلك الرضا؛ لئلا يذكر تلك في يوم من الأيام إذا نظر إلى هذه. قال: " ((واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به)) قال: ويسمي حاجته" هنا قال: "ويسمي حاجته" وهناك قال: ((ثم ليقل)) يصلي يركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل، يعني بعد السلام؛ لأن العطف بـ (ثم). طالب: تراخي. بعد السلام تراخي، يسمي حاجته بعد ما ينتهي وإلا أثناء الدعاء؟ لأنه لو كان بعد الفراغ من الدعاء لقال: ثم يسمي حاجته كما قال: ((ثم ليقل)) لكنه أثناء الدعاء ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)) يعني شرائي هذا البيت، أو شرائي هذه السيارة، أو زواجي بفلانة، أو كذا ((خير لي في ديني)) ... إلى آخره، يسمي حاجته أثناء الدعاء. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 32 "رواه البخاري، ورواه الترمذي عن الشيخ الذي رواه عنه البخاري، وعنده: ((ثم أرضني به)) " بهمزة القطع؛ لأنه إذا حصل الرضا تمت الراحة؛ لأنه قد ينصرف الإنسان لأمر من الأمور، ثم يعود إذا لم يرض، " ((ثم أرضني به)) وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)) " ثم ارضني بهمزة وصل التي في الأصل، وعند الترمذي ((ثم أرضني)) بهمزة قطع، وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)) بالتضعيف، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ومثل ما ذكرنا درس الغد يعني تعفوننا منه، ونعفيكم منه. هنا يقول: بالنسبة لقوله: قائم يصلي ألا يصرف قوله: قائم بمعنى من كون المقصود انتظار الصلاة؟ هذا ذكرناه، وذكره بعض أهل العلم، ذكره الراوي لما قيل له: إن هذا ليس بوقت صلاة آخر صلاة، قال: من ينتظر الصلاة فهو في صلاة، يعني كأنه قائم يصلي، ومنهم من قال: إن الصلاة المراد بها الصلاة اللغوية وهي الدعاء، وهذا سبق أن أشرنا إليه. يقول: لدي صديق هندي مسلم ووجدت معه كتاب فيه أذكار لم أسمع بها، يجلس يقرأ فيها كل ليلة، ولم أجد فيها ما نحن نفعله من أذكار الصباح والمساء، يذكر فيها الحسن والحسين -رضي الله عنهما- كثيراً، فهل تكون هذه شيعية أم لا؟ يعني تخصيص الحسن والحسين لا شك أنه من دون غيرهم من الصحابة فيه شم رائحة التشيع، وعلى كل حال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، على كل حال لا أحد يتكلم فيهما، هما سيدا شباب أهل الجنة، وسبطا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانتاه، ولا أحد يتكلم فيهما، لكن تخصيصهما من دون غيرهما من أبي بكر وعمر وخيار الصحابة يعني يدل على أن هناك توجه. يقول: هل السفر لصلاة على جنازة في مكة من السفر المنهي عنه؟ لا، هذا مثل سفر البر، وسفر الصلة، وسفر زيارة المريض، وما أشبه ذلك فهي من حقوق المسلم. يقول: بالنسبة لفضل الجلوس بعد الفجر إلى شروق الشمس. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 33 هناك فرق بين شروق وإشراق، ما الفرق بينهما؟ الشروق هو البزوغ، والإشراق هو الانتشار انتشار النور، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [(69) سورة الزمر] وفي التقويم عندكم الشروق وليس الإشراق، فالتوقيت على البزوغ، فلا بد من انتظار الإشراق لا الشروق، وبعض الناس ينظر إلى التقويم وينظر إلى الساعات، ثم إذا حان الوقت قام يصلي وهو في وقت النهي الذي هو وقت البزوغ، وهنا يقول: إلى شروق الشمس يعني إلى إشراقها. هل يحصله من انشغل لعارض بعد صلاة الفجر خارج المسجد، ثم أدرك الوقت قبل شروق الشمس؟ لا، إذا خرج عن مصلاه انتهى، اللهم إلا إذا خرج من المسجد لمصلحة راجحة، أدركته الصلاة وهو في طريقه إلى درس، فصلى في هذا المسجد، ثم ذهب إلى المسجد الذي فيه الدرس خشي على الفريضة أن تفوت هذا يحصل له الأجر -إن شاء الله تعالى-. يقول: ذكر بعض أهل العلم أن حديث: ((بني له بيت في الجنة)) أن البيت واحد، ولكن ليس بيت من صلى يوماً واحداً من الأيام كمن يحافظ عليها، فبيت الأول على قدر صلاته، وبيت الثاني على قدر صلاته، وهذا ملاحظ الآن فليس البيت الشعبي كالبيت المسلح، وليس البيت المسلح كالفيلا وليست كالقصر وليست القصور بعضها كبعض؟ على كل حال عندنا جواب مرتب على شرط من فعل فله كذا، وإذا تحقق الشرط تحقق الجواب، ولا شك أن الجواب يتعدد بتعدد الشرط، وهذا هو الظاهر من اللفظ. الحديث: ((اللهم أجرني من النار)) ضعيف بتقييده بعد صلاة الصبح والمغرب؟ وهكذا وقع السؤال، السؤال عن قول: ((اللهم أجرني من النار)) سبعاً بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الصبح هذا مضعف عند أهل العلم. يقول: أما مطلقاً فصحيح وصححه الشيخ الألباني؟ لأن الدعوة صحيحة. ما رأيكم في من وهب صوتاً جميلاً، وأراد أن يخدم الإسلام بصوته، وذلكم بحداء بعض المنظومات العلمية مع الأخذ بالضوابط الشرعية في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً. المنظومات العلمية إذا أديت بصوت يسهل فهمه وحفظه مع أنه يعين السامع على الاستمرار هذا لا شك أنه لا إشكال فيه. من صلى قبل أذان الظهر بخمس دقائق أربع ركعات بسلام واحد بحجة أن هذه سنة، وأن وقت النهي قد فات؟ لا الزوال لا يتم بخمس دقائق. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 34 يقول: نرجو توفير ميكرفونات عالية الجودة مع السماعات حتى يكون الصوت واضحاً جيداً؟ يقول: في الجزائر سائقو الشاحنات تفرض عليهم الشركة توقيت محدد بحيث يقلع قبل الفجر بساعة ويصل في الوقت المحدد له، وهذا الوقت يكون وقت الصلاة، وقد خرج بحيث تطلع الشمس، وهذا ما يفرض عليه ألا يقف في الطريق حتى يتسنى له الوصول في الوقت المحدد، علماً أن الطريق سريع ولا يستطيع تجنب حافة الطريق والصلاة، فماذا يفعل؟ عليه أن يقف للصلاة ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها، ولا شك أنهم يطلبون الرزق، والرزق إنما يطلب من الله، وما عند الله لا ينال بسخطه، ولو اتفقوا على ذلك لأذعنت الشركة. يقول: شاب متزوج في فرنسا وله إمكانيات الهجرة من حيث المال والأمور الأخرى التي تساعده على السكن في بلاد المسلمين، لكن والداه يرفضون ذلك ويلحون عليه في البقاء؛ لأنهم ليس لديهم سواه، وهو الذي يقوم بشأنهما وخدمتهما، فهل له أن يطيعهما؟ أم ماذا يفعل؟ كأن هذا الساكن في فرنسا وهو من المسلمين ولديه إمكانية الهجرة إلى بلاد المسلمين تجب عليه الهجرة، يجب عليه أن يهاجر، لكن معارضة وجوب الهجرة مع وجوب البر لا شك أنه تعارض بين واجبين، وإن كان والداه يتضرران بفقده ضرراً بالغاً فبقاؤه عندهما مع إمكانه المحافظة على دينه وعضه على دينه فمثل هذا لو بقي عندهما فيتجاوز عنه -إن شاء الله تعالى-. ما الراجح في صلاة ركعتين بعد العصر؛ لأن هناك من يقول: إنها سنة مهجورة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) وكونه صلى راتبة الظهر بعد العصر جاء ما يدل على أنها خاصة به. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 35 يقول: أمي تشتغل في مدرسة في إحدى الدول، وتسكن في المدن، والبيت يبعد عن مكان عملها خمسون كيلو، ولها ابن واحد فقط يوصلها إلى عملها، ويرجعها يومياً من عملها، ونحن قد من الله علينا بالإسلام، ولكن في إحدى الأيام مرض الابن الذي يوصلها إلى مكان عملها، وهي تريد أن تذهب وليس فقط، ولكن لديها شغلاً هناك مهم وافق اليوم الذي مرض فيه الابن مرضاً شديداً جداً، وبطبع نظام الدولة لا تمانع من سياقة المرأة للسيارة، فهل تذهب مع السائق غير المسلم أو غير المؤتمن أو أنها تسوق بنفسها؟ مثل هذه تذهب مع مجموعة من النساء، الرفقة من النساء لأنه ليس بسفر، خمسين كيلو ليس بسفر، والمحظور الخلوة. يقول: أنا طالب سعودي مبتعث في إحدى البلاد الغربية، ولي مدة لا تقل عن شهر، وأصلي الصلاة في وقتها، لكن هل يجوز لي أن أقصر الصلاة؟ هذه المدة عند جماهير أهل العلم إقامة وليست بسفر. يقول: متى تستأنفون شرح ألفية العراقي؛ لأنني من المتابعين للشرح عن طريق موقع البث الإسلامي المباشر؟ وعلم الله ... إلى آخره. شرح ألفية العراقي الآن ما بقي إلا أقل من الربع، والذي يغلب على الظن أننا لن نتمكن من إكماله إلا بين العيدين -إن شاء الله تعالى-. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 36 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (31) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: سجود التلاوة والشكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) رواه مسلم. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها. رواه البخاري. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر: {الم * تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] متفق عليه، ولفظه للبخاري. وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم-: {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] فلم يسجد فيها. متفق عليه، ولفظه للبخاري أيضاً. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ {النَّجْمِ} [(1) سورة النجم] وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، رواه البخاري وقال: كان ابن عمر يسجد على غير وضوء. وعن خالد بن معدان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين)) رواه أبو داود في المراسيل، وقال: وقد أسند هذا ولا يصح. وعن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سجدنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الانشقاق] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] رواه مسلم. وعن علي -رضي الله عنه- قال: أنا أتعجب من حدبي لا يسجد في المفصل" رواه الحاكم بإسناد صحيح. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 1 وعن البراء -رضي الله عنه- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه، إلا رجل ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه، قال البراء: فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، وصفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: ((السلام على همَدان، السلام على همَدان)) رواه البيهقي، وقال ... الميم ساكنة. ((السلام على همْدان، السلام على همْدان)) رواه البيهقي، وقال: أخرج البخاري صدر هذا الحديث، ولم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه. وعن أبي عون الثقفي عن رجل لم يسمه أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أتاه فتح اليمامة سجد، رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتاب الفتوح. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: سجود التلاوة والشكر سجود التلاوة من إضافة المسبب إلى سببه، وكذلك ما عطف عليه، فهذا السجود سببه التلاوة، وأيضاً العطف على نية تكرار العامل، فكأنه قال: باب سجود التلاوة وسجود الشكر، فالسجود الثاني سببه أيضاً الشكر. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 2 سجود التلاوة المقصود بالتلاوة تلاوة آيات السجدة، وليس مطلق التلاوة؛ لأنك تقرأ الفاتحة ولا تسجد، تقرأ البقرة ولا تسجد، تقرأ آل عمران ولا تسجد، وتقرأ من القرآن تسعة أجزاء إلا ربعاً ثم تسجد في نهاية سورة الأعراف في الموضع الأول من مواضع سجود التلاوة، فالمراد بالتلاوة شيء خاص وهو ما فيه سجدة؛ لأن مقتضى الإضافة أن يسجد عند كل تلاوة، وهذا ليس بمراد قطعاً، وإنما السجود إنما هو إذا قرئت آية سجدة، نعم قد يقرأ ثم يركع، لكن ليس هذا هو المراد، إذا انتهى من قراءته ركع، لكن السجود هنا المضاف للتلاوة عند مرور آية فيها سجدة، وكذلك الشكر سجود الشكر عند ما تتجدد نعمة أو تندفع نقمة، يسجد المسلم شكراً لله تعالى عند تجدد النعم، وإلا فلا يزال المسلم يتقلب في نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، فلو قيل بالشكر عند أي نعمة لم يزل المسلم ساجداً لله -جل وعلا-؛ لأن نعمه لا تنقطع، ولذا قالوا في الشكر أنه لا ينقطع؛ لأن النعم لا تنقطع، وكل نعمة تحتاج إلى شكر، إذاً لا يزال المسلم شاكراً، وهذا لا إشكال فيه، وإن لزم عليه التسلسل؛ لأن هذه النعمة تحتاج إلى شكر، والشكر نعمة يحتاج إلى شكر وهكذا، ولا يمتنع التسلسل في مثل هذا، لكن لا يقال بأنه كل ما وجد الشكر يوجد السجود، لا، وإنما هو عند النعم المتجددة، وأما النعم المطردة الدائمة فلا؛ لأنه يلزم على ذلك أن يكون المسلم في حال سجود دائماً، ومعلوم أن المسلم وحياة المسلم فيها وظائف متعددة، فإذا تجدد نعمة بهذا القيد نعمة بالميزان الشرعي. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 3 أقول: المراد بالنعم النعم بالميزان والتقدير الشرعي، وأيضاً النعم حسبما تقدره الفطر السليمة الموافقة للشرع؛ لأن بعض الناس قد يحصل له شيء وهو في تقديره نعمة، وهو في الحقيقة والواقع نقمة ليس بنعمة قد يحصل على سبب ييسر له معصية، هذا ليس بنعمة هذا نقمة، ييسر له معصية قد تتيسر له معصية فيظنها نعمة إن تيسرت له هذه الفعلة، فلا يجوز سجود الشكر حينئذٍ، لا يجوز، سمعتم ما سئل عنه كثيراً من السجود إذا تحقق هدف بالنسبة للاعب الكرة، وحصل هذا يسجدون، وأفتاهم من أفتاهم، لكن هذه ليست بنعم، إنما النعم التي تعين على طاعة الله -جل وعلا-، أو النعم التي هي من محض الطاعة، أو ما يعين على الطاعة مما هو نعمة بالفعل في الميزان الشرعي، قد يقول قائل: إن هذه اللعبة التي يفعلونها ويزاولونها قد تكون مما يعين على قوة البدن ونشاطه وإعداده لجهاد الأعداء، لكن كما قال: "لو كان خيراً لسبقونا إليه" سبقنا إليه الأخيار، خيار هذه الأمة الذين هم أحرص الناس على إعلاء كلمة الله، وليس الهدف فيما يظهر ومن خلال تصرفاتهم في هذه الرياضات التي يزاولونها الإعداد والاستعداد للجهاد، نعم قد تعين على صحة البدن وقوته ونشاطه، لكن الأمور بمقاصدها، ولا بد أن تكون أيضاً الوسائل شرعية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] ((ألا إن القوة الرمي)) على كل حال السجود في مثل هذه الحالة ليس بمشروع، بل أفتى بعض الكبار بأنه مبتدع، ولا يجوز بحال، ونشرت الفتوى في الصحف، يعني نشر هذا ونشر هذا، يعني هذا ليس بسر. باب: سجود التلاوة عرفنا أن المراد بالتلاوة ما فيه آية سجدة، وفي القرآن بضع عشرة سجدة، منهم من قال: هي خمس عشرة سجدة، اعتداداً بسجدتي الحج و (ص) والمفصل، إذا جمعت هذه السجدات: في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم وفي الحج سجدتان، وفي النمل، وفي الفرقان، وأيضاً طالب:. . . . . . . . . (ص) نعم. لا قبلها (آلم السجدة) نعم، ثم (ص) ثم فصلت، ثم سجدات المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، هذه خمس عشرة. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 4 ومنهم من يرى أنها أربع عشرة، ويرى أن سجدة ص ليست من عزائم السجود على ما سيأتي، وإنما هي سجدة شكر، ومنهم من يرى أنها إحدى عشرة سجدة، فلا يعتد بسجدة (ص) ولا المفصل، ومنهم من يرى أنها أربع عشرة فيعتد بسجدة (ص) ولا يعتد بسجدة الحج الثانية، ويأتي ذكر هذه السجدات فيما بعد، هذا السجود سنة، سواءً كان سجود التلاوة أو سجود الشكر سنة عند عامة أهل العلم، وقال بوجوبه الحنفية، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى قول الحنفية، الحنفية يقولون: واجب وليس بفرض؛ لأن الواجب عندهم ما ثبت بدليل ظني، والفرض ما ثبت بدليل قطعي، لكن الأمر بالسجود ثبت بالقرآن، فهل يقال مثل هذا ظني؟ ولماذا لم يقل الحنفية أنه فرض لأنه ثبت بالقرآن؟ نعم النص ثبت بالقرآن من حيث الثبوت قطعي، لكن دلالته على المراد ظنية كدلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] على وجوب صلاة العيد الثبوت قطعي لكن الدلالة ظنية عندهم، شيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه يميل إلى قول الحنفية وأن السجود واجب. السجود يرى أكثر أهل العلم على أنه صلاة يلزم له ما يلزم للصلاة؛ لأنه جزء من الصلاة، فحكمه حكم الصلاة، وعلى هذا يفتتح بتكبير ويختتم بتسليم، ويشترط له جميع شروط الصلاة، ومنهم من يرى أنه ليس بصلاة، وأن أقل ما يطلق عليه الصلاة ركعة كاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها هذه صلاة، وما دون ذلك لا يسمى صلاة، ولذا كان ابن عمر يسجد على غير طهارة، علقه البخاري عنه، وهل نقول: إذا كان ابن عمر يسجد على غير طهارة أن جميع شروط الصلاة لا تلزم يسجد إلى غير القبلة؟ يسجد عارياً؟ يسجد متلبس بنجاسة؟ يسجد .. ، القرآن يقرأه غير الجنب على أي حال من أحواله، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ما لم يكن جنباً، فهل نقول: إنه يسجد على أي حال تبعاً للقراءة ما لم يكن جنباً؟ الجزء: 31 ¦ الصفحة: 5 على كل حال اشتراط الطهارة وغيرها من شروط الصلاة لا يوجد ما يدل عليه إلا أن هذه السجدة جزء من الصلاة فتأخذ حكمها عند أكثر أهل العلم، والذي يقول: إنه لا يشترط يستأنس بكون ابن عمر سجد على غير طهارة، وأنه لا يوجد ما يدل على اشتراط ما يشترط للصلاة من الشروط المعروفة، ويتفرع على هذا السجود في وقت النهي، سجود التلاوة في وقت النهي، الذي يقول: صلاة فإن قال بوجوب سجود التلاوة سجد في وقت النهي؛ لأن أحاديث النهي لا تتناول الواجبات، إنما هي في النوافل على أن الحنفية الذين يقولون بوجوب سجود التلاوة يرون أن الواجبات لا تفعل في أوقات النهي، فمن طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح تصح وإلا ما تصح؟ تبطل عندهم، فعلى هذا على قياس مذهبهم أنها لا تسجد وإن كانت واجبة؛ لأن النهي يتناول الواجبات كما يتناول النوافل، الذي يقول: إنه ليس بصلاة هذا ما عنده إشكال إلا أننا ينبغي أن نتنبه لأمر دقيق جداً في هذه المسألة، وهو أن النهي عن الصلاة في أوقات النهي لأن المشركين يرقبون الشمس، فيسجدون لها عند طلوعها وعند غروبها سجود ما هو بصلاة مجرد سجود؛ فلماذا لا يمنع السجود سجود التلاوة لترتفع المشابهة؟ أنتم معي وإلا ما أنتم معي؟ الذي يقول: السجود ليس بصلاة ما عنده مشكلة يسجد، يسجد في وقت النهي، والذي يقول أيضاً: إن ذوات الأسباب -وهي ذات سبب- حتى وإن قال: إنها صلاة فذوات الأسباب مخصصة من أحاديث النهي هذا ما عنده مشكلة، يسجد في وقت النهي، لكن الذي يقول: إن سجود التلاوة ليس بصلاة فلا يتناوله أحاديث النهي: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وهذه ليست بصلاة ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) ... إلى آخره، الأحاديث كلها تنص على الصلاة وهذه ليست بصلاة، لكن إذا نظرنا إلى العلة التي من أجلها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات قلنا: هو سجود المشركين، وهذه مشابهة لهم، يعني قد تكون الصلاة كاملة بما فيها من قيام وركوع وسجود أبعد من مشابهة المشركين من السجدة المفردة؛ لأن المشركين إذا طلعت الشمس ما يركعون ولا يقرؤون يخرون سجداً، ونظير هذا السعي الشديد بين العلمين الجزء: 31 ¦ الصفحة: 6 بالنسبة للمرأة الفقهاء يقولون: المرأة لا تسعى؛ لماذا؟ خشية أن تتكشف ويظهر شيء من عورتها، لكن إذا نظرنا إلى أن السبب الأصلي في مشروعية السعي امرأة فلماذا لا تسعى المرأة؟ لماذا لا تسعى؟ ولماذا نسجد في وقت النهي؟ العلة لأن السجدة المفردة ليست بصلاة، والنهي إنما جاء عن الصلاة، لكن علة النهي الأصلية إنما هي من أجل من مشابهة من يسجد سجدة مفردة، وإذا سجدنا للتلاوة شابهناهم. الآن عرفنا المسألتين؟ على قول من يقول: بأنها ليست بصلاة وتسجد في كل وقت وبدون شروط، يعني ألا يشكل عليه أن سبب النهي عن الصلاة في أوقات النهي مشابهة المشركين، وهم إنما يفعلون سجدة، وإذا صلينا صلاة كاملة كنا أبعد عن مشابهة المشركين في حالة ما إذا صلينا سجدة واحدة، النصوص تقول: ((لا صلاة)) والسجدة ليست بصلاة، هذا انتهينا منه وفرغنا منه، وقول وجيه، يعني لأن النصوص لا يدخل فيها السجدة المفردة، فتسجد في أي وقت، لكن إذا نظرنا إلى العلة الأصلية وهو النهي عن مشابهة المشركين؛ لأنهم يرقبون الشمس إذا طلعت سجدوا، وإذا غربت سجدوا، فإذا سجدنا في هذا الوقت تمت المشابهة بدقة، فما المخرج؟ وقل مثل هذا في سعي المرأة، السعي إنما شرع بين العلمين؛ لأن الأصل فيه أن امرأة سعت بين هذين العلمين، فلماذا لا تسعى المرأة؟ يعني أليس دخول السبب في النص قطعي؛ لماذا لا يقال: بأن سعي المرأة قطعي والنهي عن سجود التلاوة في أوقات النهي قطعي؟ في مخرج وإلا ما في؟ يعني إذا رأينا امرأة تسعى بين العلمين العادة جرت بأننا نقول: لا، المرأة ما عليها سعي، امشي مشياً، من يجيب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أيوه؟ طالب:. . . . . . . . . بمفردها؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني لو أمنت المفسدة ولا يوجد من ينظر إليها، أغلقت أبواب المسعى، وقيل لها: يا الله اسعي، مشروع وإلا غير مشروع؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 7 لكن قبل ذلك هل سعي أم إسماعيل تعبد أو رغبة أو رهبة؟ يعني إذا وجد مخوف سبع من السباع، فجرت امرأة خوفاً على نفسها من هذا السبع، أو رغبة في إدراك شيء يفوت فجرت، تمنع وإلا ما تمنع؟ نعم؟ ما تمنع يقال: يمكن تتكشفين؟ يخشى أن تتكشف؟ ما تمنع؛ لأن هذا ليس من باب التعبد، إنما هي شفقة على ولدها أن يهلك، فهي تبحث عمن يحمل الماء والطعام لتسقي ولدها خشية أن يموت فهي راغبة أو راهبة، فإذا حصل مثل هذا الظرف لامرأة خشيت على نفسها فهربت، أو رغبت في تحصيل أمر يفوت فسعت وجرت ما تلام، ويبقى أن الحكم المحكم عندنا أن لا تبدي المرأة شيئاً من زينتها، وما كان سبباً في إبداء الزينة فالوسائل لها أحكام الغايات، يبقى أن المرأة لا تسعى في المسعى، وإن كان السبب امرأة؛ لأن المرأة لم تتعبد بهذا السعي، وإنما جرت في هذا المكان رغبة أو رهبة، رغبة وطمعاً فيمن معهم ماء، أو رهبة وخوفاً على ولدها من أن يموت، هذا انتهينا منه هذا، حله سهل، لكن السجدة هل نكتفي بأننا نقول: إن النصوص التي جاءت بالنهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة كلها نصت على الصلاة، والسجدة المفردة ليست بصلاة بغض النظر عن المشابهة وعدم المشابهة؟ نعم إذا لحظنا العلة وجدنا أن العلة تنطبق على السجدة المفردة أكثر من انطباقها على الصلاة، كيف نجيب؟ أو نقول: النصوص نهتنا عن الصلاة وهذه ليست بصلاة بغض النظر عن كونها مشابهة أو غير مشابهة، وهل مثل هذا الحكم مما يدور مع علته وجوداً وعدماً أو أن هذا الحكم شُرع لعلة، فثبت الحكم وارتفعت العلة. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 8 الرمل في الطواف شرع لعلة؛ لأنه في عمرة القضاء اجتمع كفار قريش من جهة الحطيم، وقالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالرمل إغاظة لهم، ونفياً لما اعتقدوه، هل يوجد من يقول: إن فلان أو علان أو المسلمون يأتون إلى مكة وهم مرضى فنرمل في الطواف إغاظة لهم؟ ارتفعت العلة، القصر في السفر أصل مشروعيته الخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفعت العلة وبقي الحكم هل نقول في مثل هذا -أعني سجود التلاوة- ارتفعت العلة وبقي الحكم أو العلة قائمة؟ أو نقول: إذا كان في وقت نهي لا تسجد يا أخي الأمر فيه سعة، هذه سنة ولا تشابه المشركين بالسجود، فيقوى قول من يقول: إن سجود السهو كغيره من ذوات الأسباب لا يسجد في أوقات النهي، لا تفعل في أوقات النهي، وهذه المسألة تقدمت، يعني بحثناها فيما تقدم، لا سيما وأن أهل العلم ينصون على أن السبب دخوله في النص قطعي، فالسجود هو السبب في النهي، إذاً دخوله في النص قطعي. الخلاصة: إذا قرأنا القرآن بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الصبح لا سيما إذا قرب غروب الشمس إذا تضيفت للغروب، أو قرب بزوغ الشمس وطلوعها نسجد وإلا ما نسجد؟ إذا ما سجدت قال لك واحد: والله هذه ما هي بصلاة، السجدة المفردة ليست بالصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة)) فالمنفي الصلاة، وإذا سجدت قال لك من يمنع: أنت الآن أشبهت المشركين، أنا أوافقك أنها ليست بصلاة لكنها سجود، والمشركون يسجدون للشمس، أو لما يقارنها من شيطان، الخلاصة نسجد وإلا ما نسجد؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نسجد؟ لأنها ليست بصلاة؟ طالب:. . . . . . . . . ويش لون .... طالب:. . . . . . . . . لا ما يصلح، يعني اترك الآية، لا تقرأ الآية في هذا الوقت، يعني مثل ما قيل بالنسبة للصلاة في أوقات النهي، أحد يقول: لا تدخل المسجد في هذا الوقت، وبعضهم يقول: ادخل واستمر قائم لا تجلس، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يصلون ركوع وسجود؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 9 عرفنا أنه ليس بصلاة، وأن أقل الصلاة ركعة، ومع ذلك دخوله في النص عن النهي .. ، عن الصلاة قطعي، لأننا إنما نهينا عن الصلاة في هذا الوقت لعدم مشابهة من يسجد للشمس، فإذا سجدنا أشبهناهم أكثر ممن يصلي صلاة كاملة التي جاء النهي عنها، تفكرون بحل؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا ما يشترط قصد، لا لا، لا اللي يقصد يكفر إجماعاً، لا لا ما يشترط قصد، المشابهة فقط، لا لا القصد لو حصل قصد انتهى الإشكال، لو حصل قصد كفر من يسجد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يصليها إذا ذكرها، ولو في هذا الوقت لكن هذه الفريضة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) معناه أنه يتم صلاته يأتي بركعة وتكون صلاته كاملة، وفي الوقت أداء ((ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فيصليها في هذا الوقت، الفريضة مفروغ منها إلا عند الحنفية يقولون: يقطعها إذا طلعت الشمس، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . سجود الشكر ما فيه إشكال يؤخر، لكن أنت تقرأ قرآن، تترك الآية كما قال بعضهم، أو تترك القراءة تقول: نقف على هذه الآية وإذا انتهى وقت النهي نستأنف؟ تترك آية؟ طالب:. . . . . . . . . إذا ما سجدت، قال لك واحد: والله يا أخي الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة)) وهذه ليست بصلاة، المشابهة حاصلة ومنطبقة يعني تمام الانطباق على السجود المفرد. طالب:. . . . . . . . . يعني النهي عن الصلاة ذات القيام والقراءة والركوع والسجود كله من أجل السجود، فكيف بالسجود المفرد الذي يشابه المشركين من كل وجه مطابقة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . معروف مذهب الحنابلة أنه لا يسجد في أوقات النهي، هذا معروف عند الحنابلة، وهو مما ينبغي أن يكون مذهباً لجميع من يمنع فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وهو قول الجمهور، لكن يعتري السجود ما لا يعتري ذوات الأسباب من كون السجود المفرد ليس بصلاة عندهم، هذا الذي يعتريه، وإلا عند من يقول: إنه صلاة حكمه حكم النافلة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 10 يعني مثل ما رجحنا سابقاً أن الوقتين الموسعين أمرهما أيسر، والأوقات الثلاثة المضيقة هي التي يتحرى فيها أكثر من غيرها. اللي وراه؟ طالب:. . . . . . . . . نفس الكلام، هذا هو الذي رجحناه بالنسبة للصلاة لذوات الأسباب هذا الذي رجحناه سابقاً. طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . نفس اللي قلناه في ذوات الأسباب. هذا السجود سواءً كان للتلاوة أو للشكر عرفنا أنه سنة عند عامة أهل العلم، وقال بوجوبه الحنفية، وذكره كذكر سجود الصلاة لعموم: ((اجعلوها في سجودكم)) سبحان ربي الأعلى، هذه ذكر السجود، وعرفنا فيما تقدم أن لفظ: ((وبحمده)) لفظة منكرة، فيما ذكره أبو داود في سننه، وحكم عليها جمع من الحفاظ بأنها منكرة. إذا زاد هل يدخل في ذلك الدعاء الذي جاء الحث عليه في السجود: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) يتناوله هذا اللفظ سجود التلاوة وسجود الشكر. بقي من الأذكار ما يخص هذا السجود، جاء عند الترمذي أن صحابياً جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: رأيت كأني -يعني في النوم- أقرأ، فسجدتُ فسجدت شجرة، يعني بعض الناس ما يستوعب مثل هذا الكلام، سجدت شجرة فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها أجراً، وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، يقول الصحابي: فسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول ذلك. هذا لا شك أن في لفظه غرابة، وقال الترمذي: حسن غريب، وبعض من له عناية بالترمذي يقول: إن الترمذي إذا اقتصر على لفظ: "حسن" من دون إضافة "صحيح" فالحديث عنده ضعيف، لا سيما إذا اقترن بذلك لفظ: "غريب". على كل حال هذا الخبر وهذا الذكر عند الجمهور الذين يرون العمل بالضعيف في فضائل الأعمال، وهذا منها ما فيه مشكلة، ما فيه إشكال، والذي يقول: حسنه الترمذي ويعتمد على تحسين الترمذي أيضاً هذا ما عنده إشكال، وهو ذكر حسن في الجملة. يقول -رحمه الله تعالى-: الجزء: 31 ¦ الصفحة: 11 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي)) " يندب نفسه ((يقول: يا ويلي)) وفي لفظ: ((يا ويله)) وكلاهما في الصحيح، يقول: ((يا ويلي)) كما هنا أو يقول: ((يا ويله)) والمعنى واحد، لكن من باب الأدب أن لا يضيف الإنسان إلى نفسه لفظاً شنيعاً أو قبيحاً، إذا حكاه عن غيره كما قالوا: "هو على ملة عبد المطلب" يعني هل أبو طالب قال: "هو على ملة عبد المطلب؟ " لا، نسبه إلى نفسه، لكن الرواة يتحاشون أن ينسبون هذا القول القبيح الشنيع إلى أنفسهم، ومثله: ((يا ويله)) وإلا فالأصل أنه قال (الشيطان): ((يا ويلي)) هذا إذا لم يوقع في لبس، أما إذا أوقع في لبس فلا بد من التصريح باللفظ، قصة ماعز كل الرواة يقولون: قال ماعز: "إني زينت" ما قالوا: إنه زنى؛ لئلا يظن أن هذا لفظ ماعز، وحينئذٍ لا يلزم التصريح وإضافة الفعل إلى النفس لإقامة الحد، كلهم يقولون: "إني زنيت" الرواة كلهم؛ لأن هذا يترتب عليه لو جيء بقوله: "إنه زنى" لترتب عليه درء الحد؛ لأنه لم يصرح بإضافته إلى نفسه، وأما في مثل هذا فلا داعي لأن ينسب الشر إلى نفسه، واللفظ القبيح إلى نفسه، مع أنه لو نسبه إلى نفسه فالحاكي لا يأخذ حكم القائل، وحاكي الكفر ليس بكافر. ((أمر ابن آدم بالسجود فسجد)) يعني أمرنا بالسجود سواءً كان في الصلاة أو في التلاوة، أو في غيرهما من أنواع السجود ((فسجد)) يعني امتثل، والذي يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي هذا هو التقي له الجنة ((فله الجنة)). الجزء: 31 ¦ الصفحة: 12 ((وأمرت بالسجود)) يعني لآدم ((فأبيت)) {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} [(34) سورة البقرة] ((فلي النار)) لأنه عصى ورفض الأمر الإلهي ((فهو في النار)) ومعصيته بترك واجب، أُمر به وهو السجود، وآدم {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [(121) سورة طه] عصى بإيش؟ إذا كان إبليس معصيته بترك واجب فآدم معصيته بارتكاب محظور، وأيهما أشد معصية آدم أو معصية إبليس؟ معصية إبليس أشد، ويطرد القول بأن ترك المأمور أعظم وأشد من فعل المحظور شيخ الإسلام ابن تيمية، نظراً إلى معصية أدم ومعصية إبليس، يقول: إبليس عصى بترك مأمور، وآدم عصى بارتكاب محظور، ومعصية إبليس أشد، لكن معصية إبليس بترك المأمور اقترنت بكبر وغرور وإصرار، ومعصية آدم حفت بانكسار وتوبة، ففرق بين هذا وهذا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ونسيان نعم، فرق بين هذا وهذا، ولذا لا يسوغ إطلاق القول بأن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور مطلقاً كما يقول شيخ الإسلام، ولا قول الإمام أحمد ومن يقول بقوله من أكثر أهل العلم بأن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور؛ لأن ترك المأمور فيه خيار، وارتكاب المحظور لا خيار فيه، ترك المحظور مقدور عليه، وأما فعل المأمور قد يكون مقدوراً عليه وقد يكون معجوزاً عنه، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما فيه خيار، يعني قد يقول قائل مثلاً: عندنا شخصان واحد حالق للحيته، والآخر لحيته بيضاء كالثغامة ولا يغيرها، أيهما أشد معصية؟ الحالق مرتكب لمحظور، وذاك تارك لمأمور ((غيروه)) نعم؟ مع أن ممن يرجح قول شيخ الإسلام لا يغير، فهل نقول: إن حلق اللحية باعتبارها ارتكاب محظور أسهل من ترك المأمور الذي هو التغيير بالشيب؟ لا يمكن أن يقول بهذا أحد إطلاقاً. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 13 ولذا المقرر في مثل هذه المسألة أن ينظر إلى كل متعارضين على حدة، يعني أنت الآن لا تستطيع أن تفعل المأمور إلا بارتكاب المحظور أو العكس، نقول: وازن، فاضل بينهما، أيهما أشد؟ فبعض المأمورات قطعاً أشد من كثير من المحرمات، وبعض المحرمات أشد بكثير من كثير من المأمورات، فلا يسوغ القول بإطلاق هذا ولا هذا، لا يسوغ القول بإطلاق هذا ولا هذا، بل تنظر عند التعارض وتفاضل بين هذا المحظور، يمكن تتجاوز بعض المحظورات بصدد تحقيق أمر عظيم من أمور الدين، لكن بالعكس أيضاً إذا تعارض واجب من الواجبات مع كبيرة أو موبقة من الموبقات لا شك أنك لا بد أن تضحي إذا لم يمكن الجمع بأحدهما، ولا شك أن المسألة مقررة عند التعارض، ما هو في حال السعة تقول: والله أنا أمرت بصلاة الجماعة أنا أسهل من كثير ممن يفعل كذا أو يفعل كذا، وتقول: ترك المأمور أسهل من فعل المحظور، تقول: أنا ما أصلي مع الجماعة ليش؟ والله ناس يشربون الخمر بعد وهذا محظور وأنا ترك مأمور أسهل، لا المسألة فيما إذا تعلق بك أنت، واضطررت إلى أحد أمرين، ولم تستطع التوفيق بينهما الآن وازن؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام فإذا سمع الخلاف عند شيخ الإسلام هان عليه ارتكاب المحظورات، وإذا سمع قول غيره هان عليه ترك المأمورات، لا، لا هذا ولا هذا، هذه حدود الله فلا تعتدوها، فلا تقربوها، لكن عند التعارض ما استطعت أن توفق بينهما لا بد أن تضحي بأحدهما، وارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، كما هو معروف. "رواه مسلم". الجزء: 31 ¦ الصفحة: 14 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها، رواه البخاري" سجدة (ص) {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] " داود -عليه السلام- لما جاءه الخصمان وفزع منهم، تسوروا المحراب، أمور مفزعة، وهو يصلي، فخر راكعاً، والمراد بالركوع هنا السجود {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركعاً، فالسجود يأتي بمعنى الركوع، والركوع يأتي بمعنى السجود ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح فقد أدرك الصبح)) وفي رواية: ((من أدرك سجدة)) قال الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، فالركوع يأتي ويراد به السجود، والعكس: {خَرَّ رَاكِعاً} [ص: 24] يعني ساجداً، هذه السجدة من داود لا شك أنها سجدة توبة أو سجدة شكر، كما يقول أهل العلم، سجدها داود شكراً، وسجدها النبي -عليه الصلاة والسلام-. "وقد رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يسجد فيها" امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [(90) سورة الأنعام] سجدها مما يدل على أنه يشرع السجود فيها، وليست من عزائم السجود، يعني لست من السجدات المؤكدة كغيرها من سجدات القرآن، وبعضهم يسميها سجدة شكر، على خلاف بينهم هل تسجد في الصلاة أو لا تسجد؟ هل تسجد سجدة (ص) في الصلاة أو لا تسجد؟ عند الحنابلة لا تسجد، بل العكس لو سجد بعضهم يبطلها، يبطل الصلاة؛ لأنها ليست سجدة تلاوة إنما سجدة شكر، وليست من العزائم، يعني أمرها أوسع، يعني لو سجد ما في إشكال يعني خارج الصلاة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سجد، ولو تركت السجود لا إشكال في ذلك؛ لأنها ليست من العزائم، وأما في الصلاة فتتقى بقدر الإمكان؛ لأن من أهل العلم من يبطل الصلاة بسجدة (ص)، ولو سجد أحد ما ثرب عليه؛ لعموم: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها" فهي من سجدات التلاوة، سواءً كانت شكر أو سجد من العزائم، وهي ليست من العزائم كما نص على ذلك حديث الباب. "رواه البخاري". الجزء: 31 ¦ الصفحة: 15 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر {الم * تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] متفق عليه، واللفظ للبخاري" يعني فيسجد، ويسجد في الصلاة مما يدل على مشروعية سجود التلاوة، ومشروعيته في الصلاة أيضاً. قال -رحمه الله-: "وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] فلم يسجد فيها". هذه أولى سجدات المفصل، وهي سجدات معتبرة عند الحنابلة والحنفية والشافعية، سجدات المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، المالكية لا يرون السجود في المفصل، وهو قول الشافعي القديم، أما قوله الجديد فسجدات المفصل الثلاث معتبرة، والمفصل كما هو معروف يبدأ من (ق) إلى آخر القرآن، أو الحجرات على خلاف بين أهل العلم، على كل حال الأكثر على أنه من (ق) والسجدات داخلة يعني على جميع الأقوال. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 16 "قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم-" فيه فضل لزيد بن ثابت ومزية كون النبي -عليه الصلاة والسلام- استمع لقراءته، قرأ "سورة النجم فلم يسجد فيها" متفق عليه، ولفظه للبخاري" والحديث الذي يليه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ (النجم) " هل فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ نعم؟ فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ قال: ولم يسجد فيها، والحديث الذي يليه كلاهما في البخاري، سجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنجم، هل نقول: إن الإنسان مخير له أن يسجد وألا يسجد؟ أو نقول: إن عدم السجود من صوارف الأمر؟ من أدلة الجمهور الصارفة للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وعلى كل حال حديث زيد بن ثابت لم يسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن زيداً لم يسجد، والمستمع تبع للقارئ، فإذا سجد القارئ سجد المستمع، ولذا يقول أهل العلم: "يسجد المستمع دون السامع" إذا كان القارئ يصلح أن يكون إماماً له، يعني نفترض أن القارئ خلف المستمع يسجد وإلا ما يسجد؟ خلفه، قارئ يقرأ في آخر المسجد والمستمع في مقدمته؟ مقتضى قولهم إذا كان يصلح أن يكون إماماً له أنه لا يسجد، لو كان القارئ امرأة يسجد وإلا ما يسجد؟ إذا كان يستمع من شريط مسجل وإلا مذياع وإلا .. ، يسجد وإلا ما يسجد؟ لا يسجد؛ لأنه لا يصلح أن يكون إماماً له. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 17 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ {النَّجْمِ} وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس" ابن عباس من صغار الصحابة السجود هذا كان بمكة وإلا بالمدينة؟ بمكة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مات وابن عباس يناهز الاحتلام، يعني لما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- بمكة وعمر ابن عباس ثلاث سنوات فأقل، فهذا المجزوم به أنه من مراسيل ابن عباس، وأكثر ما يرويه ابن عباس من هذا القبيل لأنه صغير، حتى قرر الغزالي في المستصفى أنه لا يروي مباشرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث فقط، لكن ابن حجر يقول: جمعت ما صرح فيه ابن عباس بالسماع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بالرؤية فبلغ من ذلك أربعين حديثاً، منها الصحيح والحسن، يعني من الصحيح والحسن، يعني مما صرح فيه ابن عباس بالسماع أو الرؤية، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أربعين حديث، الغزالي يقول: أربعة أحاديث، يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي؟ لا، فرق بين حافظ وبين من بضاعته -بشهادته على نفسه- مزجاة، صرح الغزالي بأن بضاعته من الحديث مزجاة، وقد يصرح بعض أهل العلم أن بضاعته مزجاة من باب التواضع، فهل قول الغزالي من باب التواضع؟ وكيف نعرف أن هذا تواضع أو حقيقة؟ الواقع، يعني الغزالي يستشهد بموضوعات، أحاديث موضوعة، وأما الأحاديث الضعيفة والواهية فحدث ولا حرج، الإحياء مملوء منها، وبالفعل بضاعته مزجاة، لكن قد يقول إمام من أئمة المسلمين: إن بضاعته مزجاة، لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك، فلا يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي، لكن لو أبدا الغزالي وجهاً عند الشافعية وعارضه ابن حجر قلنا: نعم يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي؛ لأنه أمكن منه في فقه الشافعية. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 18 "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ (النجم) " يعني سورة النجم "وسجد معه المسلمون" هذا ما فيه إشكال، هذا الأصل أنهم يقتدون به ويأتسون به -عليه الصلاة والسلام- "والمشركون" الحديث رواه البخاري، هل يقال: إن السبب في ذلك قصة الغرانيق؟ قصة الغرانيق باطلة، ومصادمة لأصل العصمة التي يتفق عليها أهل العلم في التبليغ، فهي باطلة، وإن رأى ابن حجر مثلاً .. ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوردها في مختصر السيرة، وابن حجر قال: إن لها طرق يقوي بعضها بعضاً، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن ثقتنا بابن حجر يعني معارضة بما هو أعظم منها، وعصمة النبي -عليه الصلاة والسلام- المجمع عليها فيما يتعلق بالتبليغ، هذه مصادمة للعصمة، كونهم سجدوا نعم أعجبوا بنظم القرآن، والإنسان إذا أعجب بشيء تصرف على مقتضى هذا الإعجاب ولو كان مما يخالفه في قرارة نفسه، يعني قد تأخذ الإنسان الحال، ويغلب على أمره في بعض التصرفات، لأنه جاءه أمر لا يستطيع رده، فهؤلاء المشركون الذين سجدوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن المؤثر فيهم هو هذا الكلام، كلام الله الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 19 "والجن" ويش يدري ابن عباس أن الجن سجدوا؟ رآهم؟ قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره بذلك، وإلا فلا سبيل له إلى معرفة ذلك "والإنس" يعني ممن حضر من عطف العام على الخاص من المسلمين والمشركين والجن والإنس، أحياناً يؤتى ببعض الألفاظ لتأكيد العموم، ولو لم يكن له حقيقة ولا وجود، لما مات إبراهيم انكسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) ما في أحد قال: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، لكن من باب تتميم العموم والشمول، وإلا ما في أحد قال: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، أيضاً قوله: "فلم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها" هل في أحد قال: إن البسملة تقرأ في آخر القراءة؟ نعم؟ أقول: قد يؤتى ببعض الألفاظ لتأكيد العموم والشمول المنفي، فلا يوجد أحد يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في آخر القراءة، نعم هناك من قال: تقرأ البسملة في أول القراءة، فالنفي نفي القراءة في آخر أو البسملة في آخر القراءة إنما هو لتأكيد الشمول المنفي، مثل: ((ولا لحياته)) ما في أحد قال: إنه للحياة تنكسف الشمس، قد يكون من أظلم الناس، من الجبابرة يعني إذا كانت الشمس على حد زعم أهل الجاهلية أنها تنكسف لموت عظيم، يعني مقتضى ذلك أنها تنكسف لولادة ظالم مثلاً فتنكسف لولادة ظالم، لكن ما أحد قال بهذا من المشركين، ولا يعرف ظلمه إلا بعد تحققه ... إلى آخره، المقصود أن مثل هذا والجن والإنس يعني من باب تتميم .. ، الجن قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: إن الجن سجدوا، وفيهم المسلم والمشرك، فهم مثل الإنس، وأما عطف الإنس على الجن فمن باب تتميم الشمول المثبت. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 20 "رواه البخاري وقال -يعني البخاري في صحيحه تعليقاً-: "كان ابن عمر يسجد على غير وضوء" وهذا مثل ما أشرنا إليه سابقاً معلق عن ابن عمر، وهو يرى أن سجود التلاوة ليس بصلاة، فلا يشترط له ما يشترط للصلاة، لكن إذا أراد الإنسان أن يسجد، وفي نفسه شيء من هذا السجود، والخلاف عنده معتبر عند من يقول: إنه صلاة أو ليس بصلاة فقرأ آية سجدة، هل نقول: إذا كان عندك شيء من التردد هذا إذا كان يرى أنه صلاة لا بد أن يتوضأ، وإذا جزم بأنه ليس بصلاة كما كان ابن عمر يسجد على غير وضوء، لكن إذا قال: والله أئمة قالوا: إنه صلاة، فكوني أصلي بغير وضوء، ولا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، هل نقول: إزالة لهذا الشك الذي في نفسك تيمم؟ يعني شيخ الإسلام يقول: إن صلاة الجنازة إذا خشي الإنسان أن ترفع الجنازة يتيمم، ولو كان بحضرة الماء، ولو لم يكن فاقداً للماء يتيمم، فهل نقول لمثل هذا تيمم واسجد ليزول ما في نفسك؟ أو نقول: إما هذا وإما .. ، إما صلاة أو غير صلاة، ما في نصف حل، لكن أحياناً قوة الخلاف تورث التردد في النفس، وهذا كل إنسان يجده من نفسه، فإذا وجد مثل هذا التردد هل نقول له: تيمم أو لا؟ ابن عمر كان يسجد على غير وضوء، هل نستطيع أن نقول لمثل هذا أنت لست بأحرص من ابن عمر، وهذا في حال التردد، يعني المسألة إذا جزم بأنها صلاة لا بد أن يتوضأ، لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وإذا جزم بأنه ليس بصلاة يصلي يسجد على غير وضوء، كما كان ابن عمر يفعل، لكن إذا قال: أئمة فلان وفلان وفلان قالوا: صلاة، وحصل عنده شيء من التردد هل يكتفى في مثل هذه الصورة بالتيمم ليرفع هذا التردد؟ والترجيح قد يكون بالقشة عند أهل العلم، يعني بأدنى شيء يحصل به الترجيح، يعني الذين لا يرون العمل بالضعيف مطلقاً يرجحون به، أو نقول: إنك فعلت فعلاً لا دليل عليه من الشرع، فإما كذا وإما كذا، يتيمم وإلا ما يتيمم؟ لأن الناس ثلاثة: شخص يترجح عنده أنه صلاة هذا يلزمه الوضوء بدون إشكال، وشخص يجزم بأنه ليس بصلاة فهذا لا يلزمه شيء كما كان ابن عمر يسجد على غير وضوء، وشخص يتردد وهذا موجود في النفوس، لا سيما بعض أهل التحري، أهل التحري يصعب عليه الترجيح في كثير الجزء: 31 ¦ الصفحة: 21 من المسائل، يحصل عنده التردد لأدنى شيء، ويهاب الترجيح في المسائل العلمية، ويهاب أهل العلم وأقوال أهل العلم، مثل هذا هل يقال له: تيمم لترفع ما في نفسك؟ أو نقول: إن هذا عمل ليس عليه دليل شرعي فهو بدعة؟ من سجد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في سورة النجم من المسلمين وغيرهم هل يتصور أنهم كلهم على طهارة مع كثرتهم؟ لا، بعيد أن يكونوا كلهم على طهارة، الأمر الثاني: لم ينقل أن كل واحد منهم تيمم، فالذي يترجح عنده أنه ليس بصلاة هذا لا يتيمم كما كان ابن عمر يفعل، والذي يترجح عنده أنه صلاة فإنه يلزمه الوضوء، ولا واسطة بينهما. مسألة صلاة الجنازة التي يقول شيخ الإسلام أنه إذا خشي أن ترفع أنه يتيمم هل نقول: إن هذه الصلاة بطهارة ناقصة مع وجود الأصل؟ يعني إذا لم يوجد الأصل الطهارة كاملة، إذا وجد الأصل فهذه الطهارة لا اعتبار لها، لكن هل نقول: إن الصلاة على هذا الوجه الناقص أفضل من عدمها؟ فنقول: تيمم وأدرك الصلاة، أو نقول: صلاة ليس عليها أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا قيمة لها؟ هاه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . حتى يتوضأ. طالب:. . . . . . . . . إيه لكن يقول هذا: أنا كسبان كسبان، ما علي خسارة، أنا أتيمم وأصلي أفضل من لا شيء، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . ما في دليل على التيمم في مثل هذه الصورة، لكن هل نقول: إن قبلت وإلا ما خسرت شيء؟ النفي موجود ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) وهذه صلاة بالإجماع، ما هي مثل سجود التلاوة محل خلاف بين أهل العلم، وإن كان بعض النصوص لا يتناولها، يعني لا يتناول صلاة الجنازة مثل دعاء الاستفتاح، "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول)) " ما في دعاء استفتاح، ما تدخل في بعض النصوص. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 22 توقيف بلا شك ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) لكن من قال بهذا القول هو من أحرص الناس على تحقيق القاعدة المأخوذة من حديث عائشة، وأشد الناس على البدع والمبتدعة، لكنه ليس بمعصوم، فهل نقول: إذا كنت لست على طهارة اجلس؟ قد يقول قائل مثل هذا فيما إذا دخل المسجد وهو على غير طهارة، هل الخيار بين أن يجلس أو يصلي بتيمم؟ هو الآن يتعبد بعبادة لم تشرع، عبادة غير مشروعة؛ لأن الصلاة بغير طهارة ليست بشرعية حتى أن الحنفية قالوا: إذا صلى بغير طهارة مع علمه بالحدث الأمر عظيم عندهم، يعني بعضهم يطلق الكفر لأنه مستخف مستهزئ هذا إذا صلى على غير طهارة، لكن لا يظن بمن قال: إنه يتيمم إذا خشي أن ترفع هذا ليس بمستهتر، إنما هو من باب الحرص على تحصيل الأجر، وكم من مريد للخير لا يصيبه، أو لم يصبه. قال -رحمه الله- ... وإلا نقف على هذا كم الساعة؟ لعلنا نقف على حديث خالد بن معدان، وننظر في بعض الأسئلة. يقول: هل أذكار المساء تكون بعد صلاة العصر مباشرة أو بعد الغروب؟ هي جاء ذكر الأذكار في كثير من النصوص مقرونة بطلوع الشمس وقبل غروبها، فلو كانت بعد صلاة الصبح وقبل غروب الشمس سواء كان بعد صلاة العصر أو كلما تأخر يكون أولى ما لم تغرب الشمس. يقول: أحد طلبة العلم ممن يشار إليه بالبنان قال في إحدى محاضراته: إن هناك فتوى شرعية للنساء بجواز ممارسة الرياضة داخل الأندية، واعتبرها تنشيط للجسد من مطالب الشريعة الإسلامية، مركزاً على الالتزام بالضوابط الشرعية، وأكد على وجوب الانفتاح في الخطاب الديني الموجه إلى هذه الفئة، فهل وافقه الصواب في قوله؟ وكيف نرد على من يدعو ... ؟ الجزء: 31 ¦ الصفحة: 23 لا شك أن مثل هذا فتح باب شر على المسلمين، وكلمة ضوابط شرعية قيود شرعية هذه كلها لا قيمة لها؛ لأنها تضبط الضوابط على الورق، ثم عند التطبيق قد تطبق في أول الأمر، ثم يتنازل عنها شيئاً فشيئاً، ولا شك أن هذه خطوات الشيطان التي حذرنا منها في آيات من القرآن، ومن نظر إلى واقع المرأة المسلمة في البلدان المجاورة رأى أن الأمر في أوله إنما حصل بهذا التدرج، ضوابط شرعية، ثم بعد ذلك والله هذا فيه تعسف، وهذا لا دليل عليه، وهذا يعوق عن تحصيل المقصود، الضوابط تعيق عن تحصيل المقصود، وعلى كل حال لا شك أن هذه من خطوات الشيطان، والله المستعان. يقول: هل يمكن إثبات صفات الله -عز وجل- بالأحاديث التي رأى فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- ربه في رؤيا منامية؟ نعم رؤيا الأنبياء وحي. هل يستدل بقصة داود في شأن الخصمين على جواز التمثيل؟ لا يستدل بذلك؛ لأن الذي امتحنه هو الله -جل وعلا-، ومشروعية هذا التمثيل بالنص، وما عداه يبقى على أنه داخل في حيز الكذب لمخالفته الواقع. هذا يقول: هل يسجد سجود التلاوة في أوقات النهي أم لا؟ الجزء: 31 ¦ الصفحة: 24 هذا الذي طولنا فيها، وكأنه ما استقر عنده شيء، وكثير من الإخوان يعتب على الطريقة في التعليم بمثل الأسلوب الذي نسلكه، وأننا نثير مسائل وإشكالات، ونطيل فيها وفي النهاية لا تحسم، المقصود أنه يسجد وإلا ما يسجد يعني في النهاية؟ أنا أقول: أنا بين يدي طلاب علم وطريقتنا ليست تلقين، وإنما هي تعليم، وليست تلقين، إحنا ما إحنا بنلقن مسائل، لسنا مع طلاب مبتدئين وصغار نلقنهم أحكام تلقين، لا، أنا في هذه المسائل افرض أني أتيت بمسألة وحسمتها لكن نظائرها ما الذي يحسمها؟ أنت خذ الطريقة، تعلم على هذه الطريقة وأنت بدورك أيضاً عليك كفل من البحث، أنت ما أنت بطالب مرحلة متوسطة أو ثانوية تقبل تلقين، لا، كان نأخذ متن صغير ونقول: أحفظوه يا الإخوان ونحلل ألفاظه وننتهي، أنا لا ألقن الطلاب، أنتم تعرفون هذا، وجاء كثير من هذه الأسئلة الراجح الراجح، طيب الراجح قد يلوح اليوم، يعني من خلال الكلام الكثير الذي قلناه قد يستروح الإنسان إلى قول، وافترض أنك رجحت وهو مال إلى غيره، وهو أهل لهذا الميل وهذا الاسترواح، فالمسألة ما هي مسألة معينة نطلب فيها راجح، لا، نحن نشرح طريقة للتعلم ثم التعليم، وطالب العلم ينبغي أن يكون محور أساس في العملية التعليمية، يعني المعلم مهم، الكتاب مهم، طالب العلم أيضاً ركن من أركان العملية التعليمة، لا بد أن يبحث بنفسه ويصل إلى القول الراجح بنفسه، إذا عجز بحث وما استطاع حينئذٍ له حل، فكثير من الإخوان يقول: والله فلان دروسه فيها شيء من السعة والاستطرادات، لكن في النهاية ما في قول راجح، لا في قول راجح، يعني في كثير من المسائل تسمعون القول الراجح، لكن في بعضها تترك الحرية لطالب العلم، وإذا رأيتم التأليف عند أهل العلم تجدهم يؤلفون للمتوسطين من غير ترجيح، الموفق لما ألف العمدة ألفها على القول الراجح عنده، وهذا مناسب للمبتدئين، لكن لما ألف المقنع للمتوسطين ما رجح، يأتي بروايتين مطلقتين، لما ألف لمن فوقهم مثل الكافي ما رجح، أطلق الروايات وهكذا، فطالب العلم عليه نصيب يعني في بعض أهل العلم حتى من المتقدمين يجعل على طالب العلم أكثر العبء، كيف يتربى طالب علم وهو يتلقى أحكام جاهزة؟ ما يتربى الجزء: 31 ¦ الصفحة: 25 إطلاقاً، الراجح في كذا الراجح في كذا ينتهي الإشكال، وبدل من هذه الدروس التي يتعب عليها تذكر الأقوال الراجحة في مجلد واحد، ويبث بين طلاب العلم، ويقال: هذه آراء فلان واختياراته، ما ينفع هذا، هذا ما يربي لنا طلاب علم، يعني يعول عليهم في المستقبل أن يعلموا الناس، ولا يتوقع أن جميع من يحضر يكون معلم فيما بعد، ويكون متأهل، قد تأتي الشواغل، وقد تأتي الصوارف وينصرف إلى غير العلم، لكن نحن نحتاج إلى نخبة من طلاب العلم، ولو عشرة بالمائة ممن يحضر يحملون هذا العلم فيما بعد. فقوله: هل يسجد في أوقات النهي أو لا يسجد؟ قلنا في الأخير: إن الأوقات المضيقة ينبغي أن يتحاشاها الإنسان، والأوقات الموسعة الأمر فيها سعة، مثل ما رجحنا في ذوات الأسباب. يقول: هل هناك دليل يشترط وجوب إذن الإمام للجهاد؟ نعم، جاء في النصوص أنه جاء يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد، فقال: ((أحي والداك؟ )) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد)) جاء يستأذن في الجهاد وأنه اكتتب في كذا، فقال: ((الحق بامرأتك)) المقصود أن الإذن لا بد منه، وإلا تكون المسألة فوضى. هل من السنة في السيارة أن يقدم الذكور على الإناث في مقدمة السيارة أم لا ولو كانت الأم؟ يعني هناك نصوص تدل على تقديم الرجال على النساء، ونصوص تدل على تقديم الكبار على الصغار، ونصوص تدل على أن من سبق إلى شيء يعني من المباحات فهو أحق به كالمجالس. يقول: هل وردت السنة بقول: سم لمن ناداه رجل؟ ومما هي مشتقة؟ قالوا: إنها مشتقة من سمعاً وطاعة، هكذا قالوا، وأما بالنصوص ما أعرف نص فيه سم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 26 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (32) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن خالد بن معدان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين)) رواه أبو داود في المراسيل، وقال: وقد أسند هذا ولا يصح. هذا الحديث مرسل، والمرسل ضعيف، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لأنه مرسل، لكن له شاهد من حديث عقبة بن عامر، وفي إسناده أيضاً ضعف، إلا أنه يتقوى به المرسل، فهو حديث حسن بالطريقين حديث حسن؛ لأن مما يتقوى به المرسل مجيئه من وجه آخر، يرويه غير رجال الإسناد الأول اللي هو المرسل، والصحابي عقبة بن عامر يروي هذا الحديث والطريق إليه غير طريق المرسل بسند آخر يختلف عنه تماماً، وهو وإن كان فيه ابن لهيعة، وفيه مشرح بن هاعان كلاهما فيه كلام لأهل العلم، لكنه لا يصل إلى درجة الضعف الشديد الذي لا يرتقي، فهو شاهد لحديث الباب فيرتقي به إلى درجة الحسن. يقول: "وعن خالد بن معدان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين)) " ويقول: بسجدتي سورة الحج كما تقدم المالكية والشافعية والحنابلة خلافاً للحنفية الذين يرون أن الثانية ليست بسجدة، إنما هي أمر بالصلاة ذات الركوع والسجود. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 1 كون سورة الحج تفضل على القرآن يعني على غيرها من السور بهاتين السجدتين لا يعني أنها أفضل سورة في القرآن، فأعظم سورة في القرآن الفاتحة، وسورة الإخلاص ثلث القرآن، وكون الشيء يوجد له ميزة أو خصيصة أو يرجح من وجه لا يعني أنه أرجح من سائر الوجوه، وهذا على القول بأن القرآن يتفاضل، وهو الذي نصره شيخ الإسلام، وهو الذي تدل عليه النصوص، أعظم آية، أعظم سورة وهكذا، وإن كان بالنسبة لقائله وهو الله -عز وجل- واحد، وكله كلام الله -جل وعلا-، لكنه يتفاوت ويتفاضل كما دلت على ذلك النصوص، باعتبار المحتوى والمضمون، فمحتوى ومضمون سورة الإخلاص بما دلت عليه من التوحيد الذي هو أشرف معلوم أعظم من محتوى السورة التي قبلها {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [(1) سورة المسد]. ومن أهل العلم من يرى عدم التفضيل بين سور القرآن وآياته، لكن النصوص والأحاديث الصحيحة ترد عليه. كون سورة الحج فضلت على سائر السور على سائر القرآن بسجدتين لا يعني أنها أفضل من غيرها، كما أن كون إبراهيم -عليه السلام- أول من يكسى يوم القيامة لا يعني أنه أفضل من محمد، فكون بعض الأشياء يمتاز بميزة أو بمنقبة أو بخصيصة لا يعني أنه أفضل من غيره مطلقاً، يعني في هذا الباب، في باب السجود هي فضلت على غيرها بسجدتين في أوائلها وفي آخرها، في أوائلها سورة في الصفحة الثالثة في الوجه الثالث، وفي الصفحة الأخيرة سجدة أخرى عند الجمهور، والحنفية لا يقولون بسجدة الحج الثانية، ويختلف عدد السجدات باعتبار هذه السجدة الثانية وعدم اعتبارها كما أنه يختلف العدد باعتبار سجدة (ص) على ما تقدم وعدم اعتبارها، ويختلف أيضاً العدد باعتبار سجدات المفصل وعدم اعتبارها مما مر ذكره بالأمس. قال -رحمه الله-: "وعن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سجدنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الانشقاق] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] رواه مسلم". الجزء: 32 ¦ الصفحة: 2 رواه مسلم فدل على أن السجدتين في المفصل ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما ثبت السجود في سورة النجم فسجدات المفصل ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- خلافاً لمن لا يرى السجود فيها، وهو قول المالكية والقول القديم للإمام الشافعي، ومن عداهم يقول بسجود سور المفصل الثلاث على ما تقدم الخلاف فيه. قال: "وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: أنا أتعجب" من إيش؟ ويش عندك؟ طالب:. . . . . . . . . "أتعجب من حدثني لا يسجد في المفصل". كذا عندك؟ طالب:. . . . . . . . . النسخة التي معنا وهي معتنىً بها، يقول: في جميع الأصول: "حدبي" "وأنا أنا أتعجب من حدبي لا يسجد في المفصل" وفي المستدرك: "حدثني" وهو الأصل، لكن المستدرك الإشكال فيه أن النسخة المطبوعة بالهند، وما تفرع عنها من طبعات لا يوثق به؛ لأنها كثيرة التصحيف والتحريف. يقول: "أنا أتعجب من حدثني لا يسجد في المفصل" والذي في جميع الأصول لكتاب المحرر: "وأنا أتعجب من حدبي لا يسجد في المفصل" ويش معنى الحدبي؟ أنا أتعجب من حدثني أو ممن حدثني لا يسجد في المفصل هذا واضح معناه، ولعل الطابع لكتاب المستدرك التبس عليه المعنى فلم يفهم معناها، فقال: هي في صورة حدثني، أو يمكن من بعض النُسّاخ، المقصود أنه في المستدرك: "من حدثني" وفي جميع أصول المحرر: "من حدبي" يبقى ما معنى حدبي؟ قد يقول قائل: لماذا لا تكون لا حدبي ولا حدثني؟ من حديثي يعني يعتني بالحديث والرواية، ويقتفي أثر النبي -عليه الصلاة والسلام- كأنه قال: من أثري لا يسجد في المفصل، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- ذلك. حدبي ويش معناها؟ ما فسرت عندكم؟ طالب: شيخ ما يمكن يكون اسم الرجل؟ هاه؟ طالب: ما يمكن يكون اسم الرجل؟ لا لا ما يظهر، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . ما أسمع. طالب:. . . . . . . . . جدي؟ احتمال، احتمال أن تكون لأن الصورة قريبة، فنحتاج إلى أن نرجع .. ، في قاموس وإلا شيء؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني محدودب الظهر من كثرة السجود، في كتاب هنا؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 32 ¦ الصفحة: 3 لا يسجد في المفصل، والسبب في ذلك أن السجود في المفصل في السور الثلاث كله ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 4 يقول: "رواه الحاكم بإسناد صحيح" لكن كيف يكون الإسناد صحيحاً وقد رواه الحاكم من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن علي؟ هو موقوف على كل حال، هو من قول علي -رضي الله عنه-، لكن لا يصل إلى درجة الصحيح فهو حسن للكلام المعروف في حفظ عاصم، يعني بالنسبة للحديث لا بالنسبة للقرآن، فهو إمام فيه؛ لماذا؟ لأننا نسمع من يتكلم في قراءته، ويلمز من يعتمد قراءة عاصم، وقد تكلم فيه من قبل أهل الحديث، ومر بنا مراراً في مناسبات أن حفظ بعض العلوم التي يتجه إليها الإنسان بكليته سهل، بينما حفظه لبقية العلوم التي لا يلتفت إليها قد يصعب عليه، يعني يسهل على بعض الناس الذي له عناية بالشعر أن يحفظ القصائد الطويلة؛ لأنه يهوى هذا الشعر، لكن لو وجه إلى حفظ القرآن عجز والعكس، كثير من طلاب العلم يحفظ القرآن ويتقنه ويجوده، لكن حفظه للسنة أو لغيرها أقل بكثير، ولا سيما أن القرآن يمكن ضبطه، وهو ميسر ومسهل {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] لكن السنة مع انتشارها وسعتها وكثرتها الإحاطة بها دونها خرط القتاد، بل تفلتها باعتبار كثرة رواتها، وكثرة طرقها على كثير من المتعلمين حاشا الأئمة الحفاظ، فإنه في غاية الصعوبة، وقد يكون الشخص إماماً في باب ويتكلم فيه في أبواب، الإمام أبو حنيفة الإمام الأعظم عند السواد الأعظم من المسلمين إمام في الفقه والاستنباط، لكنه بالنسبة للرواية متكلم فيه، ابن إسحاق إمام أهل المغازي متكلم في روايته، وهكذا نجد من يتخصص في علم يتقنه ويضبطه، لكن إذا تكلم في علوم أخرى حصلت منه الأخطاء، وضُعّف بسببها، وهذا أمر مشاهد في المتقدمين والمتأخرين؛ لأن الإنسان إذا اهتم بشيء ضبطه وأتقنه، إذا التفت إليه وكانت له به حاجة فإنه يضبطه ويتقنه، في حديث اقتناء الكلب: ((من اقتنى كلباً نقص من أجره كل يوم قيراط)) إلا ما استثني، كلب صيد، أو ماشية، أو زرع، قال ابن عمر: "وكان أبو هريرة صاحب زرع" بعض المفتونين والذين يلتقطون مثل هذه الألفاظ، قال: إن ابن عمر يطعن في أبي هريرة، وما دام صاحب زرع كأن هذه الجملة أقحمها أو هذه الكلمة أقحمها وحاشا أبا هريرة أن يتقول على الجزء: 32 ¦ الصفحة: 5 النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، لكن أبو هريرة صاحب زرع، يهمه مثل هذا اللفظ فيضبطه ويتقنه ويحفظه، بينما غيره الذي لا يحتاج إليه قد لا يحفظه، وضربنا مثل لأن هذه كثيراً ما تثار مثل الكلام في عاصم، مثل الكلام في بعض الأئمة ليطعن فيما يتقنه بما لا يتقنه، ذكرنا هنا في هذا المسجد لو جاء شخص وألقى محاضرة عن مرض من الأمراض، وذكر الأسباب، وقد تصل إلى عشرين، ثم ذكر أنواع من العلاج والحمية يفصلها إلى خمسين مثلاً المصاب بهذا المرض لن يفوته شيء هل يفرط بشيء من هذه الأدوية والعلاجات والحمية، وما يتعلق بذلك؟ لا يمكن، يعض عليها بالنواجذ، لن يفوته شيء منها؛ لماذا؟ لأنه محتاج إليها، بينما الأكثر الذين ليس لديهم حاجة ولم يصابوا بهذا المرض تجدهم يفرطون في كثير منها، فإذا سألت الواحد أعطاك واحد أو اثنين أو خمسة من العشرين بينما ولو كان أضعف الناس حافظة المحتاج المريض بهذا المرض لو كان أضعف الناس حافظة تجده يضبط كل ما قيل؛ لأن النفس مشرئبة إلى معرفة العلاج، مستروحة متشوفة إلى هذا العلاج فتجده يصادف من قلبه المحل المكين. فالإنسان إذا احتاج إلى شيء لا شك أنه يضبطه ويتقنه، أصحاب المهن كل يتقن في مهنته ما يتقن، وبعضهم لو تدخل شخص ولو كان من العلماء في بعض الأبواب طبيب مثلاً من أمهر الأطباء تدخله مكتبة شرعية، ثم إذا خرج تقول له: ويش فيها من الكتب؟ كم يضبط من كتاب؟ يمكن يضبط كتاب أو كتابين قرأ أسمائهم وكذا، لكن لو تدخل طالب علم شرعي لا سيما إذا كانت له عناية بالكتب يمكن يفصل لك المكتبة واحداً واحداً ويذكر لك العدد، وكم تسوى من القيمة؛ لأنه صاحب اهتمام، صاحب شأن. في الحديث الذي يليه يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 32 ¦ الصفحة: 6 "وعن البراء -رضي الله عنه- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالداً" يأمره بالرجوع، بالقفول إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "ومن كان معه، إلا رجل ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع علي" يعني أحب أن يتخلف ويجلس مع علي -رضي الله عنه- "فليعقب معه، قال البراء: فكنت ممن عقب معه" يعني جلست معه "فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي، وصفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بعد ما سلم من صلاته قرأ عليهم الذين خرجوا إليهم "كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت همدان جميعاً" القبيلة كاملة، وإذا كانت بإهمال الدال -بالدال المهملة- فهي ساكنة الميم القبيلة، بخلاف همَذان بلد، اللي منها البديع وغيره "فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً" وهذا هو الشاهد من الحديث في الترجمة، وهو سجود شكر "ثم رفع رأسه فقال: ((السلام على همدان، السلام على همدان)) " لأنهم أسلموا من غير قتال ولا عناء ولا كلفة، فسلم عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتين، يقول المؤلف: " رواه البيهقي" يعني بتمامه، وإلا فأصله في البخاري، يعني دون قصة إسلام همدان وسجود الشكر. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 7 قال: "رواه البيهقي، وقد أخرج البخاري صدر هذا الحديث، ولم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه" لأن الرواة الذين أخرج البيهقي الحديث من طريقهم خرج لهم البخاري في صحيحه، فالحديث أصله في البخاري، وبقيته صحيح على شرطه؛ لأن الرواة مخرج لهم في الصحيح، إلا أنه في الإسناد أبو إسحاق السبيعي، وهو معروف بالتدليس وقد عنعن، قد يقول قائل: إن الحديث على شرط البخاري، البخاري فيه أبو إسحاق معنعن من غير تصريح، فإذا وجدنا في البيهقي رواية أبي إسحاق بالعنعنة مثل ما وجدنا في البخاري، يعني المؤلف قال: سجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه؛ لأن الرواة الذين أخرج الحديث البيهقي من طريقهم كلهم في الصحيح حتى أبي إسحاق بالعنعنة موجودة في الصحيح، فهو على شرطه، لكن هل عنعنة أبي إسحاق مقبولة أو لا بد أن يصرح بالتحديث؟ وإذا قلنا: لا بد أن يصرح بالتحديث هل هذا في جميع المصنفات أو يستثنى من ذلك ما جاء في الصحيحين؟ فمعنعنات الصحيحين محمولة على الاتصال؛ لماذا؟ لأنهم قالوا: إنها وجدت مصرح بها في المستخرجات وغيرها، ولا شك أن الثقة بالصحيحين، وتلقي الأمة لهذين الكتابين بالقبول يجعلنا نتجاوز مثل هذا في الصحيحين بخلاف ما إذا وجدنا نظيره في غيرهما. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 8 كلام المؤلف مستقيم وإلا غير مستقيم؟ وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه، على شرط البخاري، نعم البخاري يخرج لأبي إسحاق وإن لم يصرح بالسماع، وهو في البيهقي عن أبي إسحاق بالعنعنة، وأبو إسحاق مدلس، فهو على شرطه من حيث الظاهر، في الصورة، لكن من حيث حمل معنعنات الصحيحين على الاتصال عند أهل العلم يجعل ما جاء في غير الصحيحين بالعنعنة يتوقف فيه حتى يوجد التصريح من هذا المدلس، يعني في مسلم كثير من حديث أبي الزبير عن جابر بالعنعنة، وأبو الزبير مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، فهل يقال: فيما خرجه مسلم من طريقه لا بد من التصريح؟ أبداً، كفانا المؤونة البخاري ومسلم، وأما إذا وجد مثل هذا في كتاب لم تشترط فيه الصحة، أو اشترطت فيه الصحة لكن لم تطبق كالصحاح غير الصحيحين، فإنه لا بد من التصريح، ولذا تجدون المحقق يقول: ضعيف بهذا التمام، يعني مسألة الشكر وما يتعلق بها سجود الشكر لا توجد في البخاري، وأما ما يوجد في البخاري فهذا لا إشكال فيه، طيب إذا كان الحديث في غير الصحيحين الحديث في البيهقي أو عند أبي داود أو الترمذي أو النسائي أو في المسند، وأصله في الصحيح يكفي أن يكون أصله في الصحيح؟ يكفي أو لا يكفي؟ نعم؟ نعم الذي في الصحيح منه صحيح، والزيادة التي لا توجد في الصحيح نعم لا يحكم لها بالصحة، وإنما تدرس ويحكم عليها بما يليق بها، وقد يقول قائل: إن كون أصل الحديث في الصحيح وأعرض صاحب الصحيح عن هذه الزيادة التي ذكرها غيره إعراض البخاري ومسلم عن بعض الألفاظ، أو بعض الجمل في بعض الأحاديث ويوردها غيرهم بعضهم يطعن في هذه الزيادة بمجرد إعراض البخاري أو مسلم عنها، وبعضهم يقول: لا، هذه زيادة والزيادة إن كان راويها ثقة فهي مقبولة، وعلى كل حال هذه من المسائل التي لا يحكم بها من حيث النظر لا في المتن ولا في الإسناد، وإنما النظر فيها للقرائن، القرائن المرجحة لثبوت هذه الزيادة وعدم ثبوتها، المقصود أن الشاهد من الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بلغه إسلام همدان سجد شكراً، ولا شك أن هذه نعمة، وبهم يتقوى الإسلام، ويكثر سواد المسلمين، فهي نعمة حاصلة متجددة تقتضي الشكر، والشكر يعبر عنه بالسجود. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 9 "وعن أبي عون الثقفي عن رجل لم يسمه أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أتاه فتح اليمامة سجد" عن رجل لم يسمه هذا راوٍ يسمونه مبهم، مبهم وإلا مهمل وإلا مجهول؟ عن رجل لم يسمه؟ مبهم، والمهمل؟ لو قال: عن محمد ولم ينسبه، ولم يتميز من غيره صار مهملاً، عن رجل لم يسمه، مجهول لو قال: عن محمد بن عبد الله الأنصاري، وهو لم يروِ عنه إلا واحد صار مجهول العين، وإن روى عنه ثاني فأكثر ولم يضعف صار مجهول الحال، وهنا المهمل ألا يدخل في حيز الجهالة من باب أولى؟ المبهم هنا؟ يعني إذا كان محمد مهمل، ومحمد بن عبد الله الأنصاري يروي عنه شخص واحد مجهول، فكيف برجل لم يسم؟ هذا أدخل في باب الجهالة، وسمي مجهول الذات، لا مجهول العين، ولا مجهول الحال، أشد، مجهول الذات. "أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أتاه فتح اليمامة سجد" فتح اليمامة كان بقتل مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، لا شك أن هذه نعمة من نعم الله -جل وعلا- أن قتل هذا الطاغية، سجد شكراً لله -جل وعلا-، لكن الخبر ضعيف؛ لأن فيه رجل لم يسم. "ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتاب الفتوح" والمحقق يقول: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، فهل المراد الفتوح من كتاب المصنف، أو أن الفتوح كتاب مستقل؟ هو مخرج في المصنف، والمؤلف يقول: رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتاب الفتوح، فهل الفتوح كتاب مستقل؟ أو كتاب من كتب المصنف له؟ يعني لو قيل: رواه البخاري في الأدب، واتفق أن الحديث مخرج في الأدب من صحيح البخاري وفي الأدب المفرد، حينئذٍ يكون ما في إشكال، وللبخاري كتاب في الأدب المفرد، وكتاب الأدب من الصحيح، ولا يمنع أن يكون لابن أبي شيبة كتاب اسمه: الفتوح، وأن يكون الفتوح كتاباً من كتب المصنف، وهذا يحتاج إلى مراجعة، أحد عنده القاموس وإلا المعجم؟ من أين جيء بهذا؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب: من كتاب العين يا شيخ. ما في غيره؟ طالب:. . . . . . . . . يقول: حدبي له معنيان: الناقة التي بدت حراقيفها، وبدا عظم ظهرها، والأرض التي ارتفعت، يعني احدودبت، نعم وحينئذٍ يكون الحدبي هو الذي أجهد نفسه في العبادة، فأشبه الناقة التي بدا عظم ظهرها من العجاف. سم. نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 32 ¦ الصفحة: 10 إلا أن يكون رجل مقدر. نعم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صلاة الجماعة عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه. وفي حديث أبي سعيد: ((بخمس وعشرين درجة)) رواه البخاري. وفي حديث أبي هريرة: ((بخمس وعشرين جزءاً)) متفق عليه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عِرقاً سميناً ... عَرقاً، عَرقاً سميناً بفتح العين. عفا الله عنك. والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء. رواه البخاري وهذا لفظه، ولمسلم وليس عنده: ((أو مرماتين حسنتين)). وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه. ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن)). وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) رواه مسلم. وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشىً فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه. وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أعل بالوقف. يكفي، يكفي. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 11 هذا القاموس يقول: الحدب محركة، خروج الظهر ودخول الصدر والبطن، حدِب كفرح، وأحدب واحدودب وتحادب وهو أحدب وحدب، وحدور في صبب كحدب الموج والرمل. مثل ما تقدم ما في شيء، الأحدب عرق مستبطن عظم الذراع، والحديبية والحديباء إلى آخره، ما في جديد، القاموس ما في جديد. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة الجماعة صلاة الجماعة يعني الصلاة في الجماعة ومع الجماعة، وفيها أحاديث كثيرة، أورد المصنف منها قدراً لا بأس به، وهي مستوعبة في كتب السنة، والجماعة أقلها اثنان، واثنان فما فوقهما جماعة، واختلف العلماء بعد اتفاقهم على مشروعيتها في حكمها، فمنهم من يرى أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى وحده مع قدرته على الصلاة مع الجماعة فصلاته ليست بصحيحة، وسيأتي حديث ابن عباس: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) وهذا يقول به داود الظاهري، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنهم من يرى أن صلاة الجماعة واجبة على كل قادر مستطيع من الأحرار الرجال المكلفين، واجبة وليست بشرط، بمعنى أنه إذا صلى منفرداً فإنه يأثم وصلاته صحيحة، ومنهم من يرى أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت الإثم عن الباقين، صار بحكمهم سنة، ومنهم من يرى أنها سنة مطلقاً، وأدلة هذه الأقوال تأتي ضمن أحاديث الباب. من القرآن استدل من قال بوجوبها بأنها لم تسقط في حال الخوف، وحصل التسامح في أركان من أركان الصلاة وشروط ولم يتسامح في ترك الجماعة {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء] ... إلى آخره، فلولا أن الجماعة واجبة لما أهدر بسببها هذه الواجبات من أركان وشروط، وتجوز وتسومح في مبطلات، فدل هذا على أهمية الجماعة {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] يعني إذا كانت الجماعة لا تسقط عن المسلمين في أحلك الظروف في حال الخوف فلئلا تسقط في حال الأمن من باب أولى. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 12 {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] استدل به بعضهم على وجوب الصلاة مع الجماعة، استدل به بعضهم {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] على وجوب صلاة الجماعة، لكن يرد عليه أمر مريم بهذا {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] فهل نقول: إن الجماعة واجبة عليها؟ اللفظ واحد إذا أوجبنا الجماعة بقوله -جل وعلا-: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] قلنا: إن الجماعة واجبة على مريم، ولا شك أن هذا يحتاج إلى إثبات، والأصل أن المرأة ليس عليها جماعة في شرعنا، في شرع من قبلنا ما ندري عنهم، فإذا أوجبنا الجماعة بهذه الآية بآية البقرة أوجبنا الجماعة على مريم بآية آل عمران، وحينئذٍ يتم الاستدلال أو لا يتم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هذه امرأة {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] نقول في شرعهم؟ نقول: في شرعهم تجب الجماعة على مريم؟ أقول: دلالة اللفظ في قوله: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] على وجوب صلاة الجماعة كدلالتها في قوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نقول: استدل بآية البقرة {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] من استدل بها على وجوب صلاة الجماعة، ولا إشكال عندنا في الدلالة، الإشكال فيما يرد على هذه الدلالة من قوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] لأن اللفظ واحد يعني دلالتها على الجماعة كدلالة {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] على الجماعة. طالب:. . . . . . . . . هل نقول: إن في شرع من قبلنا الجماعة واجبة على النساء كوجوبها على الرجال؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يا الإخوان نقدر نمشي آية البقرة مثل ما مشاها غيرنا، لكن نريد ألا يُدخل علينا بشيء، ولا يُنقض حكمنا بشيء، ولا يُورد علينا شيء. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 13 طالب: حديث عائشة .... هاه؟ طالب: حديث عائشة. . . . . . . . . هو بيجي عندنا ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) بيجي أنهن لا يمنعن، لكن بيوتهن خير لهن، والكلام في وجوب الجماعة على النساء {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] كما قيل: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] ما هو بالإشكال في كونها تحضر الجماعة، وتصح صلاتها مع الجماعة، لا، المسألة في وجوب الجماعة على النساء في شرع من قبلنا، أما في شرعنا فالأمر مقطوع به أن الجماعة لا تجب على المرأة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لو قلنا: إن آية البقرة تتناول الرجال والنساء لعموم الخطاب وشموله، ولو جاء بلفظ التذكير يدخل فيه النساء، ثم نقول: إن النساء خصصن بالسنة هذا أمر سهل يعني، لكن الكلام {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] أمر لامرأة أن تركع مع الراكعين هل يجب عليها صلاة جماعة؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود أن دلالتها على الجماعة كدلالة {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] على الجماعة. طالب:. . . . . . . . . {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران] نعم؟ طالب:. . . . . . . . . صحيح. طالب:. . . . . . . . . ولو في بيتها؟ تركع مع الراكعين مع بعدها عنهم؟ طالب:. . . . . . . . . أنت إذا قلت: خرجت مع فلان، ويش يفهم من هذا؟ طالب:. . . . . . . . . صح أنا معك، لكن إذا قلت: خرجت مع فلان، يعني أنت خرجت إلى جهة اليمين أنت خرجت إلى المدينة وهو خرج إلى اليمن، أنت خرجت معه وإلا ما خرجت؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . عندنا ورد ما يدل على عدم الوجوب، وأن بيتها خير لها، لكن {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران]؟ طالب:. . . . . . . . . حتى في شرع من قبلنا: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران]؟ طالب:. . . . . . . . . مثل قوله: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] نفس الشيء. طالب: يا شيخ ما تأخذ على أنه في وقت تأخذ من أوقات الصلاة. . . . . . . . .؟ الجزء: 32 ¦ الصفحة: 14 إذا قلنا مثل هذا قال الذي يقول بالسنية: أنا بصلي بالبيت وأركع مع الراكعين هم يصلون في المسجد وأنا أصلي بالبيت، وأكون ركعت مع الراكعين، صح وإلا لا؟ طالب: صحيح. نفس الشيء، إحنا عندنا من الأدلة ما يكفي، لكن هذا مما استدل به بعض أهل العلم، ونريد دليل لا يورد عليه إيراد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نقول: شرعنا يختلف عن شرع من قبلنا، ونقول: إن دلالة آية البقرة على وجوب صلاة الجماعة كدلالة آية آل عمران على وجوب الجماعة على مريم، وينتفي الإيراد من أصله، ويكون ذاك شرع من قبلنا، وشرعنا لا يوجب الجماعة على المرأة. طالب:. . . . . . . . . لا ما يلزم، قد تكون معتكفة في المسجد ولا تصلي مع الجماعة ولا تلام. طالب:. . . . . . . . . لا قد تعتكف امرأة في المسجد ولا تلزمها صلاة الجماعة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . وهذا اللي خايفين منه، إحنا خايفين من هذا الفهم؛ لأن قوله: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] يقول: ما يلزم يصلي مع الجماعة، يصلي موافقاً لهم في الصورة في الوقت، في كذا، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الدلالة في هذه الآية كدلالتها بالحرف في الآية الأخرى، فإذا كانت آية البقرة تدل على وجوب الجماعة آية آل عمران تدل على وجوب الجماعة، هذا بالنسبة للرجال في شرعنا، وذاك بالنسبة للنساء في شرع من قبلنا. طالب:. . . . . . . . . إذا ما قلنا: إنها مأمورة بهذه الآية قلنا: لسنا مأمورين بتلك الآية. طالب:. . . . . . . . . يعني عندنا نصوص ستأتي نصوص يعني كثيرة في وجوب صلاة الجماعة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أيوه. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . مثل زكوا مع المزكين. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لكن هذه المرأة تركع مع الناس لا بد أن تركع مع الناس، تصلي مع الناس، هل المقصود الركوع وحده أو الصلاة؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود المأمور به الركوع فقط أو الصلاة؟ طالب: الصلاة. الصلاة، إذاً صل مع المصلين، وأنت صل مع المصلين. طالب: إيه، لكن الأمر واو الجماعة .... الجزء: 32 ¦ الصفحة: 15 كيف؟ طالب: يقصد أنه الأمر للمفرد وهذا أمر للجماعة .... أعرف، فهمت كلامه، أعرف ما في شيء. طالب:. . . . . . . . . لو قيل: اركع مع الراكعين ما تصلي مع الجماعة تقول: أنا أمرت وحدي؟ طالب:. . . . . . . . . لكن ما يصلي مع الجماعة الواحد ذا؟ طالب:. . . . . . . . . خلاص انتهى الإشكال، ما في فرق يا أخي أبداً، لو في تفسير القرطبي. طالب: ما أدري، ما هو موجود، خليني أشوفه. هاه؟ طالب:. . . . . . . . . خطاب المرأة تركع مع الراكعين كما خوطبنا أن نركع مع الراكعين. طالب:. . . . . . . . . أقول: اللفظ واحد كوننا على ما تخمر في أذهاننا أن المرأة غير مطالبة نفسر الآية، والرجل مطالب نفسر الآية على فهمنا لا ما يكفي يا أخي، ما يكفي، لا بد أن يكون القائد النص، ما هو بما استقر في الذهن، ثم نأتي بالنصوص على فهمنا ما يصلح هذا، لا لا. قال -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه. ((صلاة الجماعة)) يعني اثنين فأكثر ((أفضل من صلاة الفذ)) يعني الواحد الفرد ((بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه. وفي حديث أبي سعيد: ((بخمس وعشرين درجة)) رواه البخاري. وفي حديث أبي هريرة: ((بخمس وعشرين جزءاً)) متفق عليه. والجزء والدرجة بمعنى واحد، والاختلاف في العدد السبع والعشرين والخمس والعشرين تكلم فيه أهل العلم كثيراً، مع أنهم قالوا: إن الدرجة والجزء يفسرها ما جاء في بعض الروايات بخمس وعشرين صلاة، يعني خمسة وعشرين ضعف، كأن هذا صلى مرة وهذا صلى خمس وعشرين مرة، مع أنه لو صلى المنفرد خمس وعشرين مرة، أعاد الصلاة خمس وعشرين مرة يحصل له أجر الجماعة وإلا ما يحصل؟ لا يحصل؛ لأن الإعادة بدعة، الإعادة من غير مبرر بدعة، فيأثم بها، ويكون هذا الأمر قد فاته مما لا يستطيع استدراكه. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 16 سبع وعشرين وخمس وعشرين قالوا: إن السبع والعشرين تفرد بها ابن عمر، مع أنه جاء عنه بخمس وعشرين، كحديث أبي سعيد وأبي هريرة، والاختلاف في العدد جعل بعض أهل العلم قال: إن العدد لا مفهوم له، إنما المقصود أن صلاة الجماعة تفضل بأضعاف كثيرة على صلاة الفذ من غير تحديد لاختلاف العدد، ومنهم من التمس مما لا يدل عليه دليل إنما هو لمجرد رفع الاختلاف، فقال: السبع والعشرين للبعيد عن المسجد، والخمس والعشرين للقريب منه، ومنهم من قال: السبع والعشرين لمدرك الصلاة كلها مع الجماعة، والخمس والعشرين لمدرك بعضها، ومنهم من قال: السبع والعشرين للأعلم الأخشع، والخمس والعشرين لمن كان حاله بضد ذلك، طيب هذا الذي جاء إلى المسجد مع النداء وجلس ينتظر الصلاة وذاك الشخص الذي تأخر ولم يأت إلا بعد الإقامة ولم يدرك إلا ركعة بينهما تفاوت كبير، لكن افترض أن هذا المتقدم إلى الصلاة ما عقل من صلاته إلا العشر، لما كبر تكبيرة الإحرام جاءته الوساوس والخواطر والهواجس فلم يعقل من صلاته إلا العشر، والذي لم يدرك إلا ركعة أقبل على الصلاة بكليته وأتقنها واستحضرها من أولها إلى آخرها، يعني هناك وجوه كثيرة للتفاضل والتفضيل كثيرة، لا يعني أن الإنسان تقدم إلى الصلاة وحضر مع الجماعة من أولها أنه ضمن أنه أفضل من غيره، الذي جاءه متأخراً، ومع ذلك هو مطالب بأمور أخرى يحضر من أول الصلاة، بل من النداء، وينتظر الصلاة ليكون في صلاة، ومع ذلك إذا دخل في صلاته يقبل عليها ليحصل له الأجر كاملاً. ((بخمس وعشرين درجة)) أو ((بخمس وعشرين جزءاً)) الجزء هو الدرجة كما فسرته أو فسره الحديث الآخر. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 17 هذا الحديث يستدل به من يقول بأن الجماعة سنة وليست بواجبة؛ لأن صلاة الجماعة اشتركت مع صلاة الفرد بوصف وهو الفضل، فاق أحدهما الآخر في هذا الفضل، فصلاة الجماعة فاقت صلاة الفذ بهذا العدد واشتركا في الفضل، ولو كانت صلاة الجماعة واجبة لما ترتب على تركها فضل، نقول: هذا الكلام يمكن أن يورد على من يشترط الجماعة؛ لأننا إذا قلنا: إن الجماعة شرط صارت الصلاة دون جماعة باطلة، ولا فضل فيها ألبتة، فيرد عليه الفضل المثبت في هذا الحديث، لكن إذا قلنا: إن صلاة الجماعة واجبة، يأثم بتركها مع أن له فضل لصلاته بمفرده، له فضل من جهة، وعليه وزر من جهة، فالجهة منفكة، يعني هذا يرد على قول الظاهرية أن كل محظور يترتب عليه بطلان، بطلان المنهي عنه، لكن ما يرد على قول الجمهور أنه قد يأتي النهي ولا يقتضي البطلان إلا إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه أو جزئه المؤثر الركن مثلاً، فإنه يبطل ببطلان هذا الركن، أو ببطلان ذلك الشرط، لكن شخص صلى في بيته أو في محله وعند هؤلاء الذين يقولون بأن صلاة الجماعة واجبة يقولون: له أجر على هذه الصلاة، له فضل، لكن فضل صلاة الجماعة أعظم بخمسة وعشرين ضعفاً، ويبقى أنه ترك ما وجب عليه فيأثم، فالصلاة صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، ويترتب عليها ثوابها بقدر ما يعقل منها، إلا أنه أثم بتركه ما أمر به من الجماعة من أقوى أدلة من يقول بأن صلاة الجماعة سنة هذا الحديث مع حديث عتبان، أنه استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن يصلي في بيته لأنه كبرت سنه وعمي، فأذن له النبي -عليه الصلاة والسلام- وزاره وصلى في بيته مكاناً يتخذه مسجداً، مع أنه جاء في حديث ابن أم مكتوم على ما سيأتي أنه استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو رجل أعمى وشاسع الدار، وفي طريقها هوام وأشجار ووادي وليس له قائد يلائمه، فأذن له، فلما انصرف، قال: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) مع أنه أذن لعتبان، عتبان لا يسمع النداء، ومكانه بعيد عن مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني أكثر من كيلوين؛ لأنه بين المسجد وبين قباء، تقدم أن تعرضنا لهذه المسألة في أي حديث؟ لعلنا أعجلناك؟ نعم؟ تقدم هذا حديث الجزء: 32 ¦ الصفحة: 18 تكلمنا عليه وعرفنا المسافة التي بينه وبين مسجده -عليه الصلاة والسلام-، ولا فارق بينه وبين ابن أم مكتوم إلا أنه لا يسمع النداء، وابن أم مكتوم يسمع النداء، فلو قال ابن أم مكتوم: إنه لا يسمع النداء لعذره النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عذر عتبان. نعم. في باب أسباب الغسل "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على باب عتبان فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أعجلنا الرجل ... )) إلى آخره، نعم في بني سالم، وحينئذٍ لا يسمع النداء، الحديث رقم (111). عرفنا وجه استدلال من يقول بأن الجماعة سنة من هذا الحديث؟ لأننا نحتاج إلى أن نرجع إليه مرة ثانية؛ لأنه أثبت لمن صلى بمفرده فضلاً، أخذ ذلك من أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل تقتضي أن يكون هناك شيئان اشتركا في وصف وهو الفضل، فاق أحدهما الآخر فيه، من صلى في الجماعة فاق من صلى بمفرده في هذا الفضل، لكنهما اشتركا في الفضل، فكيف يكون له فضل وقد ارتكب محرماً؟ نقول: هذا الإيراد يرد على من يقول باشتراط الجماعة، وأنها لا تصح صلاة الفذ مع قدرته على الجماعة، أما من يقول بالوجوب فلا تعارض بين الوجوب وبين الصحة، فتصح صلاة الفذ مع الإثم، تصح صلاته ويترتب عليها أجرها مع الإثم، أجرها بقدر ما عقل منها، فيها فضل عظيم، لكنه آثم بترك ما أوجب الله عليه. قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " الواو واو القسم ((والذي نفسي بيده)) هو الله -جل وعلا-، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كثير من الشراح يقول: روحي في تصرفه، فراراً من إثبات اليد لله -جل وعلا- عند بعضهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، وهو الصادق المصدوق. يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حلف في نحو ثمانين موضعاً، وهذا منها. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 19 ((والذي نفسي بيده لقد هممت)) الواو واو القسم ((الذي نفسي بيده)) مقسم به، مجرور بالواو، لقد اللام واقعة في جواب القسم (قد هممت) هذا هو جواب القسم، (قد) حرف تحقيق؛ لأنها دخلت على (هممت) على الماضي. ((لقد هممت)) قالوا: الهم هو العزم، وقيل: دونه، الهم من مراتب القصد التي ذكرناها مراراً مرت بنا. مراتب القصد خمسٌ هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا يليه هم فعزم كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا الجزء: 32 ¦ الصفحة: 20 ((لقد هممت أن آمر بحطب)) آمر بحطب من أجل إيش؟ فأحرق عليهم بيوتهم ((أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال)) يعني آتيهم في بيوتهم على غرة؛ لأنهم يجزمون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الوقت منشغل بالصلاة، وخالف إلى فلان إذا أتاه من حيث لا يحتسب على غرة ((ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم)) وفي بعض الروايات: ((لا يشهدون الصلاة)) يعني لا يحضرون إلى الصلاة في المسجد ((لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) هذا مما استدل به من يقول بوجوب صلاة الجماعة؛ لأن الحديث تضمن عقوبة، ولا عقوبة إلا على ارتكاب محظور، أو ترك مأمور واجب فدل على وجوبها، جاء النهي عن التعذيب بالنار، منهم من يقول: إن الحديث قبل النهي، ومنهم من يقول: إن هذا خاص بالمتخلفين عن الجماعة ((أحرق عليهم بيوتهم)) الذين يقولون بعدم وجوب صلاة الجماعة لا شك أن الحديث فيه شدة على المتخلفين، وأي شيء أعظم من أن يُجمع الحطب وينوب في الصلاة التي هي قرة عين النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يحرق عليهم بيوتهم، يعني الإنسان لا يجلد جلدة واحدة إلا لارتكابه محظور، فكيف يحرق عليه بيته بما فيه؟ لكن الذين يقولون بعدم الوجوب يقولون: إن هذا مجرد هم ولم ينفذ، الهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، وإذا جاز له فعل ما أقسم عليه وهو التحريق دل على أن الموجب لهذا التحريق، والسبب الذي من أجله هم النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على أن شأنه عظيم، وأنه ترك واجب وارتكاب محظور، قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل، الجواب عنه بأنه جاء التعليل في بعض الروايات: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) يعني ممن لا تجب عليهم الجماعة، وهل يقال في مثل هذا: إنهم منهم كما سئل -عليه الصلاة والسلام- عن الجيش يبيت وفيهم النساء والذراري فقال: ((هم منهم))؟ يعني هم معهم ومنهم على الكفر، لكن هم بمفردهم لا يجوز قتلهم، وإذا تحصنوا بهم أو تترسوا بهم قتلوا معهم، لكن هنا هل يقال: النساء والذراري في البيوت هم منهم؟ لا، لا يقال: هم منهم؛ لأن هذا لا يجب عليهم، الصلاة لا تجب عليهم. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 21 قالوا: لو كانت صلاة الجماعة واجبة ما تركها النبي -عليه الصلاة والسلام-، يأمر رجل يؤم الناس ويترك الصلاة، ونقول: إن الصلاة واجبة؟ نقول: إنه ما ترك الجماعة -عليه الصلاة والسلام- لأنه سوف ينطلق برجال معهم حزم من حطب، وسوف يصلي بهم، إذاً صلى الجماعة، وكثيراً ما يسأل من قبل رجال الحسبة أنهم إذا انشغلوا بمحاصرة منكر يخشى من فواته، وترتب على ذلك فوات الجماعة نقول: يصلون جماعة؛ لأن هذا المنكر يفوت، لكن لو ترتب على ذلك فوات الوقت أو الجمعة، نقول: صلوها دفعات، كل اثنين يصلون جميعاً، على كل حال المنكر لا سيما الذي يفوت لا بد من مبادرته قبل أن يفوت، لا سيما إذا كان يترتب عليه ضرر على الآخرين، فلو خلا رجل بامرأة ليزني بها، أو برجل يريد قتله هذا لا بد من الحيلولة دونه ودون منكره، ولو ترتب على ذلك فوات الصلاة مع الجماعة، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- ينطلق برجال لا يقال: إنه يترك الجماعة فكيف نستدل بفعله على وجوب الجماعة؟ نقول: لا، إنه يترك الجماعة إلى جماعة. ((ثم أخالف إلى رجال)) يعني لا يشهدون الصلاة ((فأحرق عليهم بيوتهم)) والذي جعله يعدل عما أقسم عليه -عليه الصلاة والسلام- هو ما جاء في بعض الروايات: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) قال بعضهم: إن هذا في حق المنافقين، لا في حق من يتخلف عن الصلاة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 22 الجواب: أن المنافقين قد أعرض عنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن معاقبتهم، واكتفى منهم بالظاهر؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؛ طيب النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل المرتد، قتل الزاني المحصن؛ لماذا لا يقال: لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ بينما لو قتل أحد من المنافقين قال الناس: إن محمد يقتل أصحابه؟ وانظروا إلى الواقع، انظروا إلى واقع الناس اليوم، يعني لو حصل مضايقة أو مؤاخذة لشخص مستقيم هل يقوم معه الناس؟ من الذي سوف يقول: إن محمد يقتل أصحابه؟ هل يقوله المسلمون؟ لا، يقوله الكفار، لكن إذا حصل لأحد من أهل الخير والفضل والاستقامة مضايقة من سجن أو غيره هل يتحدث الناس أن المسلمين يقتلون أصحابهم، ويضيقون على أصحابهم؟ لن يتحدثوا بهذا أبداً؛ لأن الأمر لا يهمهم، لكن لو حصلت هذه المضايقة لشخص من المنافقين، أو شخص من أهل الشر والفساد تحدثت المنظمات والهيئات العالمية حقوق الإنسان وما حقوق .. ، وما أشبه الليلة بالبارحة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رجم الزاني المحصن، ولا في أحد بيقول: إن محمد يقتل أصحابه، وقتل المرتد، لكن لو قتل أحداً من المنافقين لوجدت المنظمات ويش تقول؟ نعم هذا الحاصل، ولكل قوم وارث؛ لئلا يقول مثلاً: إن محمداً يقتل أصحابه وقتل هذا ماعز راح، رجم؛ ليش ما قال الناس: إن محمداً يقتل أصحابه؟ لا لا، يعني إذا نظرنا إلى حقائق الأمور بعين البصيرة وجدنا أن لكل قوم وارث، الذين تكلموا في ذلك الوقت هم الذين يتكلمون اليوم. ((والذي نفسي بيده)) كذلك قسم آخر لأهمية الأمر، وعظم شأنه ((لو يعلم أحدهم)) هؤلاء المتخلفين لو يعلم ((أنه يجد عرقاً سميناً)) هو العظم إذا كان عليه لحم، وألذ أجزاء اللحم ما كان معه عظم. ((أو مرماتين حسنتين)) يعني إذا اختلط العظم بالسمن، وكان سميناً بالشحم، وكان على عظم صار أطعم ما في أجزاء البهيمة. ((أو مرماتين حسنتين)) المرماتين ما بين ضلعي الشاة، في بعض الشروح ظلفي، لكن الظلفين ما بينهن شيء، ليس بين الظلفين شيء، لكن ما بين الضلعين لا شك أنه من ألذ أنواع اللحم. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 23 ((أو مرماتين حسنتين)) من الشراح من يقول: إن المرماتين ما يرمى به، وهو السهم لو وجد من هذا النوع شيء حسن لشهد العشاء، يعني لو وجد ما يدفعه من أمور الدنيا لأقبل عليه، لكنه عما ينفعه في آخرته غافل، " ((أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم وليس عنده: ((أو مرماتين حسنتين)) " ((أو مرماتين حسنتين)) ليست عند مسلم، وإنما هي لفظة البخاري. طيب كثير من الشراح استروحوا ومالوا إلى أن هذا في حق المنافقين، وليس في حق غير المنافقين؛ لأنه لا يتصور أن يتخلف من غير المنافقين عن الصلاة من يستطيع الحضور إليها، وإذا وجد شيئاً من أمور الدنيا أقبل عليه، يعني ما بين الضلعين أو العظم الذي عليه لحم، هل هذا هو الذي يدفع المسلم لحضور الصلاة؟ يعني بعضهم يرجح أنه في المنافقين، لكن حتى على القول بأن المراد بالحديث المنافقون هل التحريق في الحديث من أجل النفاق، أو من أجل التخلف عن الصلاة؟ من أجل عدم شهودهم الصلاة، يعني حتى على القول بأن المراد بالحديث المنافقون وجه الاستدلال على وجوب صلاة الجماعة ظاهر، حتى على القول بأنهم المنافقون؛ لماذا؟ لأن التحريق وهذا التعذيب الذي تضمنه وهذه العقوبة التي تضمنها هذا الحديث إنما هو على عدم شهود الصلاة لا على النفاق، فدل على وجوب شهود الصلاة مع الجماعة. هذا يقول: ما معنى قول صاحب الزاد في كتاب الصلاة: "باب الإمامة ولا تصح صلاة فاسق ككافر؟ ما قال كذا، ولا تصح صلاة فاسق ككافر لم يقل هذا "ولا تصح خلف فاسق ككافر" يعني الصلاة لا تصح خلف فاسق ككافر، يعني لا تصح إمامة الفاسق عند الحنابلة، وجاء في الحديث وهو ضعيف: ((ولا فاسقٌ مؤمناً)) على كل حال هذا القول مرجوح. يقول: ومن المعلوم أن أهل السنة والجماعة يرون الصلاة خلف البر والفاجر، ومن لم ير ذلك فهو مبتدع؟ لا، القول بأن إمامة الفاسق لا تصح هذا قول معروف عند أهل العلم، لكن الجمع والأعياد والجهاد تصح خلف كل من له ولاية ولو كان فاسقاً، ولو كان فاجراً. يقول: ما حكم رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في التفسير؟ منقطعة. ما حكم من صلى أربع ركعات سنة الظهر بتشهد واحد؟ الجزء: 32 ¦ الصفحة: 24 تقدم الكلام في رواية: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) فإذا ثبتت فإن الصلاة لا تصح الأربع إلا بسلامين، وإذا لم تثبت فالأمر فيه سعة -إن شاء الله-. ما حال حديث: ((الكمأة من المن، وهي شفاء للعين))؟ وهو في الصحيح. وما معنى الكمأة؟ الكمأة نوع من أنواع اللي يسمونه الفقع، الذي يخرج في أيام الربيع. يقول: ما هو الضابط الصحيح لحديث: ((زادك الله حرصاً ولا تَعُد)) أو تُعِد أو تَعْدُ؟ هذه تأتي -إن شاء الله- في موضعها قريباً -إن شاء الله تعالى-. ما معنى حديث: "إن امرأتي لا ترد يد لامس"؟ منهم من قال: إن هذه كناية عن تساهلها في العرض، وإن لم يصل إلى حد يكون فيه الحد، وإلا لو كان الأمر كذلك لعد ديوثاً، ولأمر بفراقها إن لم ترتدع. يقول: هل نقول: إن صلاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- لراتبة الفجر في البيت ثم الذهاب إلى المسجد إن هذا الفعل خاص بالأئمة فقط دون المأمومين؛ لأن الواجب في حق المأمومين هو المبادرة إلى الصف الأول والتبكير إلى الصلاة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لو تعلمون ما في النداء)) ... إلى آخر الحديث؟ لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قدوة وأسوة للجميع، لكن من أفعاله ما يفعله باعتباره مشرعاً عاماً فيقتدي به كل مسلم، ومن أفعاله ما يفعله باعتباره إماماً في الصلاة فيقتدي به الأئمة، ومن أفعاله ما يفعله باعتباره سلطاناً وإماماً أعظم فيقتدي به الأئمة وولاة الأمر، ومثل هذا يمكن الجمع بين ما جاء من فعله وبين ما جاء من قوله من الحث على التبكير إلى الصلاة بأن يصلي ركعتي الصبح في بيته، ثم يضطجع، ثم يذهب إلى المسجد مبادراً مبكراً، ولا يلزم منه أن يضطجع حتى يستأذن للإقامة، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومثله صلاة الجمعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يخرج إلا للخطبة، لا يقول قائل: أنا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ما أخرج إلا مع الإمام مع الخطبة، نقول: لا، أنت مأمور بالمبادرة. يقول: لدينا جماعة في المسجد إذا تقابلوا في كل الفريضة في المسجد يتصافحون، فما حكم ذلك؟ الجزء: 32 ¦ الصفحة: 25 يعني إذا دخلوا المسجد تصافحوا بعد أن افترقوا ما في ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، لكن وهم جلوس، لا، لكن إذا التقى المسلم بأخيه فصافحه جاء ما يدل عليه. مؤذن يسأل عن وضع السجادة لحجز مكان له؛ لأنه قد يخرج للوضوء أو خدمة المسجد؟ المؤذن ما دام هو أول الناس حضوراً ووصولاً إلى المسجد فهو أحق بالمكان الذي يختاره، أحق بأفضل مكان، ثم إذا قام عنه وخرج ليعود إليه قريباً فهو أحق به، لكن إذا أذن وخرج إلى بيته، ثم جاء مع الإقامة هذا ليس بأحق بالمكان، لكن إذا قام عنه ليعود إليه قريباً فهو أحق به، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب: يا شيخ لو حجز المكان ورجع إلى الخلف؟ ما في بأس ما دام موجود في المسجد ما في إشكال. طالب: عمال النظافة في المسجد يأخذون الأحذية ويضعونها في مكان وبعضهم يأخذها .... ؟ لا لا، ما يجوز، ما تحل لهم. طالب: وجد مال في الحرم وتصرف بها .... يضمن، يضمن إذا صرف شيء. طالب:. . . . . . . . . لا لا يضمن، يردها إلى مكان الودائع ... الجزء: 32 ¦ الصفحة: 26 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (33) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يسأل يقول: ما القول الصحيح في سجود الشكر؟ هل يعمل به أم لا؟ نعم يعمل به، عند تجدد نعمة يسجد الإنسان شكراً لله -عز وجل-. السؤال الثاني: هل الأفضل لطالب العلم أن يتخصص في فن معين أو يجمع جميع الفنون إذا كان عنده أهلية؟ نعم الأولى أن يتفنن ويأخذ من كل فن ما يحتاج إليه، هذا الأولى؛ لأن الصورة تكون عنده واضحة، أما إذا تخصص في فن معين، وأراد أن يفهم ما يريده من نصوص الكتاب، أو من نصوص السنة صار فهمه من وجهة نظر واحدة، ينظر إليها بعين واحدة، ولا بد من تعدد الأنظار، يعني الذي يتخصص في الحديث مثلاً كيف يتعامل مع النصوص وهو لا يعرف علوم الحديث؟ قد يعرف علوم الحديث لأنه تخصص في الحديث، يعني قد يتخصص في متون السنة، وقد يتخصص في الشروح، وقد يتخصص في الرواية، وقد يتخصص في الدراية، لكن نفترض أنه جمع بين هذه الأمور كلها، كيف يتعامل مع النصوص على طريقة أهل العلم عند التعارض؟ لا يحسن التعامل معها إلا إذا عرف أصول الفقه وقواعد الفقه وطرائق الفقهاء في التعامل مع النصوص من خلال مصنفاتهم، قد تمر عليه آية أو حديث تشتمل على مسألة عقدية كيف يتعامل معها ويعرف الموافق والمخالف ما لم يأخذ قسطاً كافياً من علم العقيدة؟ كيف يتعامل مع النصوص من تخصص مثلاً في الفقه وليست لديه الأهلية التامة فيما يتعلق بعلوم العربية وعلوم الآلة، لا بد من التفنن، لا بد من الأخذ من كل علم ما يكفيه لفهم نصوص الكتاب والسنة، وإلا فالأصل الكتاب والسنة، وما عدا الكتاب والسنة فهي وسائل لفهم الكتاب والسنة. يقول: ما هي أفضل الطبعات في تحقيقات الكتب التالية: تفسير البغوي: أظن طبعة طيبة المحققة هي أفضل الطبعات من حيث الصحة، هذا من حيث الصحة، وأما بالنسبة لأندر الطبعات وأنفس الطبعات، فهي طبعة المنار التي طبعت مع تفسير ابن كثير. فتح القدير للشوكاني: الجزء: 33 ¦ الصفحة: 1 أنا معولي على الطبعة الأولى الحلبية الأولى، وأما التحقيقات والطبعات الجديدة التي ادعي تحقيقها فطبع أكثر من مرة، لكن لا أعرف عنها شيئاً. الدر المنثور: كذلك أنا عندي الطبعة الميمنية الأولى، وأحسب أن طبعة الدكتور عبد الله التركي جيدة فيما قيل لي، وإلا ما راجعتها أنا. شرح الكوكب المنير لابن النجار: هذا طبع طبعه الشيخ محمد حامد الفقي مطبعة أنصار السنة، وهذه الطبعة مثال لأبشع صور التحقيق، الخطأ والصواب حوالي سبعين صفحة، جدول الخطأ والصواب، وفي موضع واحد سقط أكثر من مائتي صفحة، طبعت فيما بعد، قد يقول قائل: إن النسخة التي اعتمد عليها ناقصة، نعم ناقصة، لكن ما يطبع الكتاب بهذه الطريقة، لا يمكن أن يطبع الكتاب بهذه الطريقة، لا بد من البحث عن نسخة كاملة، يعني الكتاب بأخطائه أشبه ما يكون بالطلاسم، وبعض الأخطاء مؤثرة في الحكم، ومضللة للطلاب، تسقط (لا) النافية، فيكون الكلام مثبتاً بعد أن كان منفياً، على كل حال طبعة الجامعة جامعة أم القرى في أربعة مجلدات جيدة في الجملة، عليها أشياء يسيرة، لكنها طيبة. توضيح الأفكار للصنعاني: طبعه الشيخ محي الدين عبد الحميد في مطبعة السعادة في مجلدين، وعلق عليه بتعليقات طيبة لا تسلم من الأخطاء اليسيرة وهي نافعة. أسد الغابة لابن الأثير: طبع في المطبعة الوهبية قبل مائة وأربعين سنة، في خمس مجلدات، ثم طبع بعد ذلك في مطبعة الشعب، وعليه تحقيقات وتعليقات جيدة. الإصابة: طُبع قديماً في الهند في كلكتا، ثم طبع مراراً بمصر، ثم طبعه البجاوي، وعليه تعليقات وتصويبات ومفهرس، يفيد طالب العلم في الفهرسة، الجزء الثامن فهارس. تهذيب التهذيب لابن حجر: طبع قديماً في الهند، طبعة فيها أخطاء كثيرة، لكن مازال الناس يعولون عليها، وما تفرع عنها، يعني ما طبع عنها، قد يجتهد بعض الناشرين ويصحح بعض الأشياء، لكن مازال الكتاب بحاجة إلى عناية، وهو قيد التحقيق على نسخة الحافظ ابن حجر. يقول: هل أدرك فضيلة الجماعة إذا صليت مع زوجتي في المنزل؟ الجزء: 33 ¦ الصفحة: 2 الصلاة حيث ينادى بها، يعني في المساجد، فلا يجوز الصلاة في البيت مع القدرة على الصلاة في المسجد، لا سيما إذا كان يسمع النداء، لكن إذا فاتته الصلاة مع الجماعة، وصلى مع زوجته هذا أفضل من أن يصلي وحده. هل تلزمني الجماعة إذا كنت مسافراً أو في غير بلدي؟ لا تلزمك إلا إذا سمعت النداء، فعليك أن تجيب. هل الأفضل في العقيقة دعاء الناس إليها أم غير ذلك؟ إن وزعت أثلاثاً كما يقول أهل العلم يأكل ثلثاًَ، ويتصدق بثلث، ويهدي ثلثاً كان هذا أفضل وأطيب، لكن إذا طبخت ودعي إليها الأقارب ومن يحتاج إلى الأكل منها من الفقراء، وبعض الأصحاب، وجمع عليها الشمل في مثل هذه الصورة جيدة هذا لا بأس به -إن شاء الله-. هل تغني طبعة الدكتور بشار على تحفة الأشراف عن طبعة عبد الصمد لأنها غير موجودة؟ يعني طالب العلم لو جمع بين الطبعتين كان أولى لأنه في كل واحدة ما لا يوجد في الأخرى، لكن إذا لم يجد إلا إحداهما فالذي يفوته شيء يسير ليس بكثير. حديث عتبان بن مالك الذي رخص به -صلى الله عليه وسلم- الصلاة في داره أليس عتبان -رضي الله عنه- يقيم في الجماعة لقومه، وذلك في سياق الحديث ظاهر؟ عتبان أراد أن يصلي في بيته، وأراد من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي في مكان يتخذه مصلى. ما هو القول في أجر مائة ألف صلاة؟ هل هي كل حدود الحرم أم هو خاص بالمسجد فقط؟ لا، هي في جميع الحرم، وهذا قول جمهور أهل العلم، لكن الصلاة في المسجد لها مزايا أيضاً، كثرة الجماعة والقدم والصلاة على الجنائز يحرص عليها طالب العلم. إيش وقفت عليه؟ طالب: حديث عبد الله بن عمر. ((لا تمنعوا))؟ طالب: إيه. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه، ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)). الجزء: 33 ¦ الصفحة: 3 وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) رواه مسلم. وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه. وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه، والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أُعل بالوقف. وعن نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وروى أبو داود من حديث ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرة. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سئل عن الثوم؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى، وهو غلام شاب، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟ )) قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام لم يصل فليصليا معه ... فصليا، فصليا معه. ((فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 4 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟ )) قال: نعم، قال: ((فأجب)) رواه مسلم. يكفي، يكفي، بركة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 33 ¦ الصفحة: 5 "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه، ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)) " في قوله: ((لا تمنعوا إماء)) النهي هذا موجه إلى أولياء الأمور من الزوج والأب، ومن ولي أمر امرأة فإنه يتوجه إليه الخطاب، فالزوج لا يجوز له أن يمنع زوجته، والأب لا يجوز له أن يمنع ابنته، والأخ لا يجوز له أن يمنع أخته، وإذا توجه الخطاب إليهم عرفنا أن المرأة ليس لها أن تخرج من بيتها إلا بإذن ولي أمرها الذي يتجه إليه الخطاب في هذا الحديث: ((لا تمنعوا)) لأنه لو لم يكن له شأن لما توجه النهي إليه، كيف يقال: لا تمنع وهو في الأصل ليس له أن يمنع؟ فلولا أنه في الأصل له أن يمنع لما توجه إليه النهي بـ ((لا تمنعوا)) فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وإذا لم تكن متزوجة فلا تخرج إلا بإذن أبيها؛ لأنه هو ولي أمرها، وهو مالك أمرها، وهو الذي يقوم على مصالحها، وهو الذي يكفها ويكف عنها عما يشينها ويدنسها، وعارها عار له، وعرضها عرض له، فاتجه النهي إلى ولاة الأمور، فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته إذا أرادت الخروج إلى المسجد، والإماء جمع أمة، والمراد بها المرأة، وهل يدخل في هذا الأمة الرقيقة، فلا يجوز لسيدها أن يمنعها أو أن هذا في الأحرار اللواتي أمرهن في الخدمة أقل من أمر الأرقاء؛ لأن الرقيقة مشغولة بخدمة سيدها، وإذا كان للسيد أن يمنع الرقيق من حضور ما يفوت مصلحته فلأن يمنع الرقيقة التي لا تجب الجماعة عليها أصلاً من باب أولى، فهل يقول: إن الإماء داخلات في النص الرقيقات أو أن هذا في الحرائر؟ الأمة كالعبد مشغولان بخدمة السيد، وخفف ورخص لهم في بعض الواجبات؛ لئلا يترتب على ذلك تفويت حق السيد. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 6 ((لا تمنعوا إماء الله)) إماء الله جمع أمة، ودخول الرقيقة في اللفظ واضح، لكن هل المقصود الإماء بمعنى الرقائق أو النساء بدليل الرواية الثانية: ((لا تمنعوا النساء)) والنساء يشمل الأحرار والرقيقات، فهل للسيد أن يمنع الأمة من الخروج إلى المسجد إذا ترتب على ذلك تفويت مصلحة أو خشي مفسدة، هذا لا إشكال فيه، كما أن له أن يمنع زوجته إذا ترتب على ذلك ضرر، تضييع للأولاد مثلاً، ولا يوجد من يحضنهم، له أن يمنعها؛ لأن هذا مبرر، وجمهور أهل العلم على أن النهي للتحريم أو للكراهة؟ ((لا تمنعوا)) الأصل فيه التحريم، لكن باعتبار أن خروجها لأمر ليس بواجب حمله الجمهور على الكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، والصارف من التحريم إلى الكراهة، ما الصارف؟ قلنا: إن الخروج ليس لأمر واجب وإنما هو لأمر .. ، هل هو مستحب؟ الجماعة مستحبة بالنسبة للنساء أو مباحة؟ مباحة؛ لأنه يقول: ((وبيوتهن خير لهن)) ولو قيل: إن خروج المرأة للمسجد خلاف الأولى لما بعد لقوله: ((وبيوتهن خير لهن)). الجزء: 33 ¦ الصفحة: 7 ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) نعم يترتب على ذلك: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) يترتب على حضور المرأة إلى المسجد بعض المصالح تسمع الذكر، تسمع قراءة الإمام، تضبط صلاتها؛ لأن بعض الناس يضبط الصلاة مع الجماعة، ولا يضبطها إذا صلى منفرداً، تتشجع للقيام مثلاً؛ لأن الإنسان إذا كان بمفرده قد لا يتشجع له، هناك مصالح مرتبة على حضور الجماعة، لكن بيتها خير لها؛ لأن الأصل أن المرأة مأمور بالقرار: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] هذا هو الأصل، والخروج للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، وليست المرأة مهنتها ووظيفتها البروز والخروج، وإنما البروز على خلاف الأصل، ولذا يقال في بعض النساء: إنها برزة، ويش معنى برزة؟ يعني تخرج، ولو كان وصفاً غالباً لما قيل: برزة، ما يقال للرج: برزة؛ لأن الأصل فيه الخروج أن يخرج من بيته، لكن امرأة برزة الأصل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] لكن إذا كانت تخرج بكثرة قيل لها: برزة، ولا شك أن الحاجة مستثناة إذا وجد حاجة والحاجة تقدر بقدرها، بمعنى أنها لا يجوز أن تخرج أكثر من قدر الحاجة، وقد توسع الناس في خروج النساء وتساهل الناس فيه، وترتب على ذلك مضار ومفاسد لا تحصى، صارت العادة عند المرأة أن تخرج، ونزع عنها ما كان يعهد منها من حياء، وعهدنا النساء قبل ثلاثين سنة يعني قبل أن تفتح الدنيا عهدنا النساء يلزمن الجدران، حتى إذا ما وصلت البيت فإذا العباءة فيها أثر الجدار، والآن يتوسطن الطريق، والرجل هو الذي يحيد يميناً أو شمالاً، وتتكلم المرأة بكل طلاقة وصفاقة، تتكلم على الرجال، والرجل أحياناً يستحيي أكثر من المرأة، وما ذلكم إلا لأنه كثر الإمساس فقل الإحساس، وخير مال المرأة ألا ترى الرجال ولا يرونها. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 8 أذن للنساء أن يخرجن للصلاة تفلات غير متطيبات وغير متزينات، لا يلفتن أنظار الرجال، ولا يثرن الغرائز، فلا يفتن ولا يُفتن، لكن الواقع كذلك؟ لا والله، ويستدل بعض دعاة الاختلاط إلى ما يحصل في بيت الله الحرام بجوار الكعبة، فالمرأة تطوف مع الرجال، لكن من قال: إن الصورة الموجودة الآن شرعية مع هذا التبرج، ومع قلة الحياء؟! يستدل بها إذا كانت شرعية، أما غير الشرعي لا يستدل به، يعني المرأة بكامل زينتها وتلبس من الملابس وقد تتطيب، وتتكلم مع الآخرين مع رفع الصوت، ويستدل بهذا على جواز الاختلاط؟ أبداً، الشرع ما يقر مثل هذا، يعني كون الناس تساهلوا، تساهل النساء، تساهل أولياء الأمور، وتساهل أهل الغيرة في الإنكار، إنكار مثل هذه المظاهر حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه، فليس في هذا مستمسك ولا دليل لمن يقول بالاختلاط، ولو كانت الصورة الشرعية الموجودة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وفي صدر هذه الأمة ما قال أحد مثل هذا الكلام؛ لأنه لم يوجد اختلاط بمثل هذه الصورة إلا في هذا المكان الذي يستشعر فيه عظمة الرب من تعظيم الشعائر، والهم بالمعصية في هذا المكان يؤاخذ عليه ويعاقب عليه بخلاف غيره، فكيف يقاس غيره عليه؟! ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)). وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)). الجزء: 33 ¦ الصفحة: 9 لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متطيبة متعطرة، وإذا خرجت من بيتها متطيبة فهي إيش؟ زانية، نسأل الله العافية، وأوجب عليها أهل الظاهر الغسل، ولا شك أن الطيب يلفت الأنظار، وإذا كان هذا المتعلق بحاسة الشم، وهي أضعف من حاسة البصر فكيف بما هو أشد من ذلك من التبرج، يلبسن ألبسة رقيقة تكشف ما تحتها، نعم على الرجل أن يغض البصر، ليس هذا بمبرر أن يرسل الإنسان بصره في النساء، لا، وكل واحد له ما يخصه من خطاب الشرع، يحرم على المرأة أن تتبرج، ويحرم على الرجل أن يرسل بصره، ولا شك أن على النساء الكفل الأعظم من هذا الشأن؛ لأنهن مباشرات للتبرج، متسببات لإغراء الرجال، فعليهن إثم المباشرة وإثم التسبب، وعلى الرجل إثم مباشرة إرسال بصره، وما يعقب ذلك مما هو أشد منه، فعلى الإنسان أن يتقي الله، لا سيما إذا جاء لعبادة، يعني تعجب من هذا الاضطراب، وهذه الازدواجية التي يعيشها كثير من الناس، تجده يأتي إلى مكان العبادة، تأتي إلى المسجد مع سائق بدون محرم إلى صلاة التهجد، تأتي متبرجة، تأتي متعطرة، تأتي بمنكرات يستشرفها الشيطان ويغري بها، والرجل يحضر إلى هذه الأماكن المقدسة المعظمة المشرفة ومع ذلك يرتكب محرمات، والإنسان إذا أراد أن يقدم إلى مثل هذه المواطن عليه أن يحاسب نفسه، هل هو في سفره هذا مأجور أو مأزور؟ وقد يكون مأجوراً من جهة ومأزوراً من جهة، لكن أيهما الغالب؟ ولا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا كان لا يستطيع أن يقصر بصره ويغض بصره فإنه حينئذٍ لا يجوز له أن يعرض نفسه للتهم والفتن، فمثل هذا يجلس في بيته، لا يقول: يصلي في بيته، يصلي في مكان ليس فيه فتنة، فالواجب لا بد من الإتيان به ولا يتعذر بشيء، هذا بالنسبة للواجب، وأما المندوب فله ذلك، ولذا لما قال من قال: {ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [(49) سورة التوبة] يقول: إذا رأينا بنات بني الأصفر لن نصبر، قيل له: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [(49) سورة التوبة] لماذا؟ لأنه يتعذر بهذا المظنون في مقابل أمر واجب، لكن في مقابل أمر مستحب له ذلك، يحاسب نفسه ويقول: أنا والله لا أستطيع، ولا أستطيع أن أتحمل إثم في مقابل كسب، ومثل هذا لمن يريد الجزء: 33 ¦ الصفحة: 10 الإنكار ويغشى الأسواق من أجل الإنكار إذا كان يتأثر بهذه المناظر لا يجوز له أن يغشى هذه الأماكن، لكن إذا استطاع أن ينكر من غير أن يتأثر هذا مأمور به، ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) وهو مأجور على هذا. ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) يعني من باب أولى ألا تتبرج، والمقصود من ذلك كله ألا تغري الرجال بها وتفتن الرجال. يقول القرطبي فيما ذكرناه سابقاً من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين، ولو بحثت في أسواق المسلمين تبحث عن قميص ما فيه شق من الجانبين تعبت، كما أنك لو بحثت عن ملابس أطفال مناسبة شرعية ما تجد، أو ملابس ليس فيها صور ما تجد، هذه غربة، وهذه مسئولية من ولاه الله أمر مراقبة هذه الأمور في المداخل، لا يجوز إدخال ما فيه محظور، وهي مسئولية أيضاً من يباشر استيراد هذه الملابس، يعني قد يقول قائل: إن الشق يسير شبر، لكن مع المشي يزيد مع ركوب السيارة أو الدابة ما يبقى شيء مخفي، إذا أرادت أن تطلع على شيء مرتفع أو تنزل خرج أكثر من ذلك، ولا شك أن هذه من خطوات الشيطان، ومن تقليد الكفار والتشبه بهم، والله المستعان. عرفنا أن المرأة لا يجب عليها جماعة، وأن الجماعة خاصة بالرجال، لكن إذا حضرت الجماعة أجزأتها الصلاة، وبيتها خير لها. قال -رحمه الله-: الجزء: 33 ¦ الصفحة: 11 "وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم)) " جاء في الحديث أن بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا إلى جوار المسجد فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) يعني ألزموا دياركم تكتب آثاركم، فأعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى، المكفرات كثرة الخطى إلى المساجد، وكل خطوة حسنة، ويحط بها سيئة، فرق بين من يقدم إلى المسجد من عشر خطوات وبين من يقدم منها إلى المسجد من عشرين أو خمسين أو مائة خطوة، فالأبعد ممشى هو الأعظم أجراً، والأجر على قدر النصب، لكن ليعلم أن الممشى هذا إنما يرتب عليه الأجر إذا احتيج إليه من أجل الصلاة، فالمشقة لذاتها ليست مطلوبة شرعاً، المشقة لذاتها ليست من مطالب الشرع، لكن إذا اقتضتها عبادة ترتب عليها الأجر، وإذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما قريب والثاني بعيد تسلك القريب أو البعيد؟ القريب هذا الأصل؛ لأن سلوكك البعيد ليس من متطلبات الصلاة، وإلا بالإمكان أن يدور الإنسان حول الحي، وبدلاً من أن يصل بعشرين خطوة يصل بألف خطوة، لكن هذا ليس مطلوب، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني، وبالإمكان إذا أراد الحج من نجد يذهب إلى الشرقية ثم يمسك جهة الشرق، ثم الشمال، ثم الغرب ويأتي، وبدلاً من أقل من ألف كيلو يمشي خمسة آلاف كيلو، من أجل الأجر، نقول: ما لك أجر، إلا بقدر ما تتطلبه هذه العبادة من بيتك إلى موضع العبادة، وما زاد على ذلك فليس فيه أجر. ((أبعدهم إليها ممشى)) لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى التي رتب عليه الأجور ((فأبعدهم)) أبعدهم إليها ممشى ثم يليه من دونه، ثم يليه من دونه. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 12 ((والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام)) ينتظر الصلاة والمراد بذلك صلاة العشاء وغيرها من الصلوات، لكن قوله: ((أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) هذا بالنسبة لصلاة العشاء؛ لأن النوم يكون بعد العشاء، وفي وقتنا هذا لو قيل بأن المراد بالصلاة صلاة الفجر ما بعد؟ لأن أكثر الناس اليوم يسهرون إلى صلاة الفجر، ثم يصلون وينامون، وبعضهم قد لا ينتظر الإمام؛ لأنه تعب من السهر، وهناك مساجد يعني في المنطقة الشرقية مساجد يمكثون بين الأذان والإقامة خمس وأربعين دقيقة صلاة الصبح، والليل قصير في الصيف، والجو حار، والناس يسهرون، ثم يحصل مشاكل، سمعنا كثير من الشكاوى والإشكالات في المسجد يدخل على أنه يبي يصلي جاء موقت على الإقامة خمس وعشرين دقيقة، ثم يقال له: انتظر ثلث ساعة بعد، هذا الثلث الساعة من أشق الأوقات على مثل هذا، لكن لو يعلم الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام؛ لأن هذا في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، وذاك استعجل وفوت أجر صلاة الجماعة وانتظار الصلاة الذي هو الرباط، وهو في صلاة مادام ينتظر الصلاة، ففوت على نفسه أجراً عظيماً. قال: " ((والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام)) يعني ولو تأخر ((أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) " أعظم أجراً يدل على أن الذي صلى قبل الإمام ثم نام له أجر، وهو مقتضى أفعل التفضيل "أعظم أجراً" أن له أجر، لكن الذي انتظر الإمام وصلى معه أعظم منه أجراً، ذاك له أجر لكن الذي انتظر الإمام أعظم، وهذا هو معنى حديث: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)) يعني صلاة الفذ فيها أجر، لكن صلاة الجماعة أفضل منها على ما تقدم، ولا يعني هذا أن صلاة الجماعة ليست بواجبة؛ لأنه استدل به من يقول باستحباب صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة سنة لأن له أجر، نقول: نعم له أجر، لكن عليه وزر، والجهة منفكة، له أجر الصلاة، وعليه وزر ترك الجماعة. "وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه". الجزء: 33 ¦ الصفحة: 13 "وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أُعل بالوقف" يعني من كلام ابن عباس. أولاً: هشيم مدلس وقد عنعن هنا عن شعبة. وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ يعني ممن رمي بالتدليس، هشيم مرمي بالتدليس، لكن الحديث له طرق يصل بها إلى درجة الصحيح. "عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس" فيه تعارض الرفع مع الوقف، لكن الذي رفعه أئمة حفاظ فقولهم مقدم على قول من وقفه، وقد يروى الحديث مرفوعاً، ينشط بعض الرواة فيرفعه، وقد لا ينشط في وقت من الأوقات فيوقفه على الصحابي، ولا يكون ذلك مؤثراً فيه؛ لأنه روي على الوجهين. على كل حال الحديث صحيح: ((من سمع النداء فلم يأته)) فلا صلاة له إلا من عذر، هذا دليل وحجة من يقول بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة عند القدرة على الحضور إليها، الجماعة شرط لصحة الصلاة، وعرفنا أنه قول داود، ويميل إليه، بل يرجحه شيخ الإسلام وابن القيم، يرون أن الذي لا عذر له فلم يصل مع الجماعة فإنه صلاته باطلة، والقول الثاني: أن الجماعة واجبة وليست بشرط، والثالث: أنها واجبة على الكفاية، والرابع: أنها سنة، وعرفنا أن الراجح من هذه الأقوال أنها واجبة على ما تقدم في حديث الهم بالتحريق، وأيضاً حديث ابن أم مكتوم وسيأتي. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 14 ((فلا صلاة له)) إذا قلنا: إن الحديث صحيح فالنفي هنا: ((لا صلاة له)) الأصل أن النفي يتجه إلى حقيقة الصلاة، وإن لم يتجه -إن لم يمكن اتجاهه- إلى الحقيقة كما في قوله: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) اتجه إلى الحكم، يعني لم تصلِ حكماً، نفياً للحقيقة الشرعية، إذا انتفت الحقيقة اللغوية أو الحقيقة العرفية ثبتت الحقيقة الشرعية، فيكون المنفي هنا حقيقتها الشرعية، يعني لا صلاة له على الخلاف بين أهل العلم، إما صحيحة يعني مجزئة، فتكون حينئذٍ صلاته باطلة، أو فلا صلاة كاملة، والكمال منه الكمال الواجب، ومنه الكمال المستحب، فالذي يقول: لا صلاة مجزئة هؤلاء هم من يقول باشتراط الجماعة للصلاة، والذين يقولون: لا صلاة كاملة الكمال الواجب هم الذين يقولون بوجوب صلاة الجماعة من غير اشتراط، والذين يقولون: لا صلاة كاملة الكمال المستحب المندوب هم الذين يقولون بأن صلاة الجماعة مستحبة، وعرفنا أن الراجح من هذه الأقوال بأن صلاة الجماعة واجبة لكنها ليست بشرط للصحة. قال: "وعن نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان" بضجنان جبل قالوا: قريب من مكة "في ليلة باردة" برداً يشق معه الحضور إلى الجماعة، ثم قال: "صلوا في رحالكم" ثم قال، ظاهره أنه بعد تمام الأذان بما فيه حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم قال: "صلوا في رحالكم" فكأنه دعاهم إلى الصلاة ثم قال: "صلوا في رحالكم" هذا ما جعل ابن عباس يقول لمؤذنه إذا بلغت حي على الصلاة حي على الفلاح قال: صلوا في رحالكم؛ لتكون بديل عن حي على الصلاة حي على الفلاح، ويش ما معنى حي على الصلاة حي على الفلاح وهم يصلون في بيوتهم في منازلهم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم تكون العزيمة حي على الصلاة وهي الأصل، يعني أن الذي لا يتضرر ولا يشق عليه الحضور ويرتكب العزيمة هذا هو الأصل، من يشق عليه الحضور فله الرخصة "صلوا في رحالكم" لأنه استشكل. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 15 "فأخبرنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر مؤذناً يؤذن" يعني أذاناً تاماًَ "ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر" استشكل أن يقال: حي على الصلاة حي على الفلاح، صلوا في رحالكم، نقول: الأصل والعزيمة حي على الصلاة حي على الفلاح، لكن من يشق عليه ارتكاب العزيمة فله رخصة أن يصلي في رحله، ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة، فالبرد القر الشديد القارس، الذي يشق على المصلين {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] "صلوا في رحالكم" المطيرة إذا كان المطر يشق معه الحضور إلى الجماعة إلى المسجد "صلوا في رحالكم". "في السفر" الباردة أو المطيرة في السفر هذا قيد مؤثر وإلا غير مؤثر؟ أو غالب أن المشقة إنما تكون في السفر مع المطر والبرد؟ لا شك أنه في السفر أشد منه في الحضر، لكن إذا وجدت المشقة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، أراد ألا يحرج أمته، فإذا وجد الحرج ووجدت المشقة وجد الحكم، ولم يكن ذلك مرتبطاً بالسفر إلا أنه الغالب أن تكون هذه المشقة في السفر، والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض، وقل أن يوجد المتوسط، وتجدون في أيام المطر مساجد تجمع ومساجد لا تجمع، مع أن هذه السنة "صلوا في رحالكم" قد أميتت، ما نسمعها، بل ما سمعناها في العمر كله، مؤذن يقول: "صلوا في رحالكم" مع أنها هي السنة أفضل من الجمع، من جمع الصلاتين، مع أن الجمع له مبرر، لكن هذا أفضل من الجمع "صلوا في رحالكم" لكن ماذا عن شخص جمع أو صلى برحله، ثم خرج إلى محله إلى تجارته يسوغ الجمع في هذه الصورة؟ جمع الصلاتين ثم خرج إلى نزهة واستراحة مع زملائه، أو إلى محله التجاري أو .. ، تجد بعض الناس يتذرع بأدنى شيء، فيجمع مع عدم المشقة، وتجد الناس يشق على نفسه وعلى غيره، وتوجد المشقة العظيمة التي لا تحتمل ومع ذلك يصر على عدم الجمع، ودين الله وسط بين الغالي والجافي. هنا يقول: ألا صلوا في الرحال، هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر، يعني إذا وجد المبرر يصلي الناس في رحالهم في بيوتهم. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 16 متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. "وروى أبو داود من حديث ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة والقرة". بالليلة المطيرة يعني إذا وجد فيها المطر، والغداة يعني صلاة الصبح إذا وجد البرد الشديد، والقرة شديد البرد، والقر مقابل الحر، وهو البرد الشديد، فإذا وجد هذا المبرر فإنه ينادى بالصلاة في الرحال، والخبر فيه ابن إسحاق، رواه بالعنعنة وهو مدلس، لكنه شاهد أو طريق من طرق الحديث الذي قبله، يعني متابع له، يرتفع بالمتابع السابق. قال -رحمه الله-: وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سئل عن الثوم؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. ((من أكل من هذه الشجرة)) يعني الثوم، ومثله البصل، وجاء في الحديث: ((من أكل ثوماً أو بصلاً)) ومثله الكراث، وأشد منه الدخان. ((فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) وقد يقول قائل: هذه رخصة لمن أكل الثوم، ولمن أكل البصل، ولم شرب الدخان ألا يصلي مع الجماعة! ترى شخص عند باب المسجد يدخن، تقول له: صل؟ يقول: والله أنا ممنوع من دخول المسجد؛ لأني أؤذي المصلين وأؤذي الملائكة، دخولي يؤذي المصلين ويؤذي الملائكة فلا أدخل أصلي، ويتذرع بمثل هذا، ويظن أن هذا رخصة، لا، هذه عقوبة، منعه من المسجد عقوبة، لو كان يعي ما يقول، يعني أنت افترض أنك في مجلس زيد من الناس، في بيت زيد من الناس فقيل لك: يا فلان اخرج، ويش يكون موقفك؟ فكيف إذا منعت من بيت الله؟ لكن الموازين مختلة، الموازين ليست شرعية، يتذرع بأكل الثوم أو البصل أو شرب الدخان ليترك صلاة الجماعة، نقول: أنت معاقب محروم من دخول بيت الله، وإذا كان يحز في نفسك أن تمنع من دخول بيوت الناس، فكيف إذا منعت من بيت الله؟ وما شعورك إذا أقبلت إلى مدرستك أو جامعتك من أجل الاختبار وأوصد دونك الباب، ويش موقفك؟ نعم؟ ويش موقفك إذا وجدت الباب مغلق والطلاب يختبرون؟ يعني الاختبار أهم من الصلاة عندك؟ الجزء: 33 ¦ الصفحة: 17 ((من أكل من هذه الشجرة)) جاء تسميتها بالخبيثة، أو وصفها بالخبيثة، ومع ذلك هي حلال وليست بحرام، وإن قال ابن حزم بتحريم أكل الثوم والبصل، لكن سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم: أحرام هما؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) فيبقى أن الإنسان إذا وجدت الحاجة لأكل الثوم والبصل لعلاج يعني ذكر له الثوم مثلاً علاج، ولا سبيل إلى علاج ولا بد منه، ولا بديل عن الثوم يأكل ثوم، ويكون حينئذٍ معذور في ترك الجماعة، يعني نظير فيما لو مرض يوم الامتحان معذور يعطى عذر، ويختبر مرة ثانية، هذا عذر إذا كان محتاج إليه، أما أكله بدون حاجة فلا شك أنه يترتب عليه الحرمان العظيم من دخول المسجد، والحرمان مركب، العلة مركبة من شقين، وهي الأذى في المسجد ((فلا يقربن مسجدنا)) لا يصلي معنا فلا يؤذنا، مركبة من أمرين: الأذى والمسجد، فلو أكل مجموعة من الناس الثوم خارج المسجد نقول: لا يصلون جماعة؟ كلهم أكلوا ثوم؟ أو نقول: لا يأكلون ثوم لأن الجماعة قائمة؟ العلة مركبة من أمرين: ((فلا يقربن مسجدنا)) وأمر بإخراجه من المسجد الأمر الثاني: الأذى، فلو اتفق جماعة على أكل الثوم خارج المسجد في رحلة أو نزهة فأكلوا جميعاً ثوم وصلوا فلا إشكال. لو دخل بمفرده وقد أكل الثوم بالمسجد، وأراد أن يصلي ركعتين نقول: اخرج عن المسجد؟ مع عدم وجود الأذى، ما يوجد من يتأذى به، نقول: هذا شق العلة، وأعظم من ذلك الحدث في المسجد مثلاً، جالس في المسجد عرض له ريح هل يرسل هذه الريح أو لا يرسلها؟ إذا وجد من يتأذى وفي المسجد لا يجوز بحال مثل الثوم بل أشد، لكن إذا وجدت الحاجة ولا يوجد من يتأذى؟ في حديث أبي هريرة: ((فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) قال ابن العربي في العارضة: وفيه جواز إرسال الريح في المسجد للحاجة، يعني قد يقول قائل: إن ما جاء في حديث أبي هريرة مغلوب، يعني ليس بطوعه واختياره، والمغلوب لا حكم له، فإذا كان مختاراً لا يجوز له ذلك، لكن مع ذلك ابن العربي يقول: يجوز إرسال الريح في المسجد للحاجة، أما إذا وجد من يتأذى فإنه لا يجوز؛ لأنه أشد من الثوم والبصل. قال -رحمه الله تعالى-: الجزء: 33 ¦ الصفحة: 18 "وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى" يعني بمسجد الخيف، صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح بمنى، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، لكن العلة جاءت في الحديث مركبة، يعني الملائكة تتأذى من المصلي وهو في بيته يمنع؟ ما يمنع، والملائكة الكتبة يتأذون في كل وقت ولو لم يصل، فلا يمنع بجزء العلة، يعني يمنع بالعلة مركبة. "وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى وهو غلام شاب، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو برجلين لم يصليا" في آخر المسجد، لما انصرف النبي -عليه الصلاة والسلام- رآهما لم يصليا "فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما" تضطرب وترجف خوفاً ووجلاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- له هيبة عظيمة، وبقدر الإنسان من الإرث النبوي بقدر ما عند الإنسان من الإرث النبوي تحصل له هذه الهيبة، ولذا نجد بعض أهل العلم له هيبة عظيمة بقدر ما عنده من العلم والعمل، هيبة ليس بذي سلطان، وليست لديه قوة، بل قد يكون أضعف الناس جسماً، قد يكون أعمى فيهاب، نقول: هذا بقدر إرثه من النبوة في العلم والعمل تكون هذه الهيبة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- نصر بالرعب، ورأينا بعض أهل العلم من لا حول له ولا قوة ولا طول ضعيف من كل وجه، ومع ذلك إذا جاءه المسئولون الكبار ترعد فرائصهم، والعرق يتصبب منهم في الليالي الشاتية، النبي -عليه الصلاة والسلام- مهيب، وكذلك من يرثه علماً وعملاً، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هذا لما عنده من قوة، أو لضعف الشخص الذي يهابه، لكن ما تجد شخص على مستواه يهابه، بل يوجد من هو أعلى مستوى في أمور الدنيا يهاب ممن بالنسبة لا شيء عنده من أهل العلم ومن طلاب العلم، يعني بعض الشيوخ تزور في نفسك عشرة أسئلة، فإذا وصلت نسيت خمسة أو ستة كلها من هيبة الشيخ، بل قد يكون الشيخ من أحسن الناس خلقاً، ومن أضعفهم تركيباً ما في ما يدعو إلى هيبته، لكن هذا الحاصل. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 19 "جيء بهما ترعد فرائصهما" لحمة بين المنكب وبين .. ، في جنب البدن، ترتجف عند حصول أمر مخوف، "فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟ )) " لأن الذي يجلس والناس يصلون لا شك أنه ارتكب منكر، ترك الصلاة منكر، فلا يبادر بالإنكار حتى يعرف ما عند مرتكب المنكر من عذر، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى الداخل إلى المسجد، ثم جلس سأله: ((هل صليت ركعتين؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصل الركعتين)) لا بد أن يسأل قبل. " ((ما منعكما أن تصليا معنا؟ )) قالا: قد صلينا في رحالنا" يعني في منازلنا "قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتم في رحالكم، ثم أدركتم الإمام لم يصل فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) " يعني التي صليتم في رحالكم هي الفريضة والتي صليتموها مع الإمام لكما نافلة، سواءً كانت الصلاة الأولى جماعة أو فرادى، أنت استعجلت وصليت هذا الفرض، والثانية نفل. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 20 يكثر السؤال عن المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، والجنائز تحضر قبل الصلاة بوقت قبل الصلاة، لا سيما صلاة العصر تحضر قبل الصلاة، ثم يأتي من يأتي بطريقه من الدوام إلى بيته ولا ينتظر الصلاة مع الجماعة باقي، باقي مدة، يقول: أصل إلى البيت وأصلي العصر، ويتوفر لي الوقت ولا أنتظر في هذا المسجد البعيد عن بيتي، فيفتات على الإمام وعلى الميت وعلى أهله فيصلي على الجنازة وينصرف، هذا يحصل ويكثر السؤال عنه، وواقع يعني ما هو بافتراض، يأتون من الدوام ثم يمرون المسجد الذي فيه الجنائز ويصلون على الجنائز وينصرفون إلى بيوتهم قبل الزحام إن كان هناك زحام ويتوفر لهم الوقت، والذي يبي ينام بعد العصر يطول له الوقت وهكذا، نقول: هذا افتيات، الفريضة هي الصلاة الأولى، والثانية نافلة، فكونه يفوت على هذا الميت كثرة من يشفع له في الفريضة ويفوت على الإمام بدلاً من أن تكون صلاته هي الواجبة تكون نافلة، وحينئذٍ لا يجوز أن يصلى في هذه الصورة قبل الإمام، لا يصلى عليه قبل الإمام؛ لأنه قال هنا: فإنها لكم نافلة، يعني الأولى هي الفريضة، والثانية نافلة، فإذا صليت الصلاة الأولى هي الفريضة والثانية نافلة، مقتضى ذلك أن من صلى على الجنازة قبل غيره ولو كان منفرداً هي الفريضة، والتي بعدها هي النافلة، وحينئذٍ يكون افتيات على الميت وعلى الإمام إمام المسجد وعلى .. ، فليس له أن يصلي قبل الإمام. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 21 ((إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام لم يصل فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) احتمال أن يكونا صليا جماعة في المنزل، واحتمال أن يكون صلى كل واحد منهما في منزله في الغداة، فليس فيه دليل على عدم الجماعة؛ لأنه احتمال، ولا يقاوم النصوص المحكمة التي لا احتمال فيها، هذه الصلاة -صلاة الصبح- وفيها إعادة صلاة الصبح وما بعد الصبح وقت نهي ((لا صلاة بعد الصبح)) والثانية نافلة، فكيف يتنفل في وقت النهي؟! هذا من أدلة من يقول بجواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ لأنها ذات سبب، ووجود الجماعة سبب لإعادة الصلاة كما في هذا الحديث، وهي في وقت نهي إذاً ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، وعرفنا فيما تقدم أن هذا من أوقات النهي الموسعة، ولا إشكال حينئذٍ في أن تعاد الصلاة. لو جاء إلى المسجد والجماعة تأخروا في صلاة الصبح أسفروا جداً، يعني لكونهم على مذهب من يرى الإسفار، والصلاة أديت الواجبة وبقيت النافلة في الوقت الضيق، هل يشمل هذا الحديث ما إذا ضاق الوقت أو أنه خاص بصلاته -عليه الصلاة والسلام-؟ الصورة الحاصلة وصلاة من يصلي في الوقت الذي يصلي فيه بغلس في الوقت الموسع، أو نقول: إن اللفظ ما فيه تفصيل؟ نعم الواقع النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بغلس، فهل يشمل ما جاء في الحديث الصورة فيما إذا لو أخرت صلاة الصبح إلى أن ضاق وقتها؟ صارت في الوقت المضيق؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . ظاهر الخبر يشمله، لكن واقع القصة إنما وقعت في الوقت الموسع. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . ما يقصر العام، لكن عندنا معارض "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن: حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع". "رواه أبو داود". منهم من يقول: إن الصلاة الفريضة هي التي مع الجماعة، والأولى هي النافلة، ومنهم من يقول: يصلي صلاة موقوفة لا يدرى هي الفريضة أو النافلة؟ بل الله -جل وعلا- يكتب ما شاء، والحديث صريح في أن الأولى هي الفريضة والثانية نافلة. وجاء عند أبي داود، لكنه ضعيف أن الأولى هي النافلة والثانية هي الفريضة. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ الجزء: 33 ¦ الصفحة: 22 طالب:. . . . . . . . . الأصل في الأمر الوجوب ((إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام فصليا معه)) الأصل فيه الوجوب، لكن كونها نافلة كيف يقال: يجب أن تصلي نافلة؟ يجب عليك أن تصلي نافلة؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . ويش لون؟ طالب:. . . . . . . . . هو إذا لم يصل ترتب على ذلك أمور: منها أنه يساء به الظن؛ لماذا لم يصل مع الإمام؟ وأيضاً ما يوجد في ذلك من البغضاء والشحناء وتفرق الكلمة، وغير ذلك مما شرعت الجماعة لأجله. نعم هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ الأصل في الأمر الوجوب، لكن كونها نافلة صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد؟ " جاء في بعض الروايات: أنه ابن أم مكتوم، واسمه عبد الله في رواية الأكثر، وفي رواية: عمرو، المقصود أنه رجل أعمى من خيار الصحابة، ومن فضلائهم عاتب الله -جل وعلا- نبيه فيه، ومن أجله وبسببه في سورة عبس، هو الرجل الأعمى الذي أشير إليه في السورة، واستخلفه النبي -عليه الصلاة والسلام- على المدينة أكثر من مرة. "رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد" في بعض الروايات: إنه ليس لي قائد يلائمني، يعني يلازمني. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 23 "فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له" لأن العذر وجيه أعمى وبعيد شاسع الدار، وفي طريقه هوام وسباع، وليس له قائد يلائمه، هذا عذر في ترك الجماعة "فرخص له، فلما ولى دعاه" يعني مع وجود العذر في شيء آخر ما هو؟ "فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟ )) قال: نعم، قال: ((فأجب)) " وفي رواية: ((لا أجد لك رخصة)) فدل على أن حضور المسجد هو العزيمة ومع وجود العذر خوف أو مرض كما جاء في حديث ابن عباس: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)) قيل: وما العذر؟ قال: ((خوف أو مرض)) نعم هذا عذر، لكن إذا كان يسمع النداء فعليه أن يجيب ((لا أجد لك رخصة)) مما يدل على وجوب صلاة الجماعة، وإذا لم يعذر هذا الأعمى البعيد الشاسع الدار الذي ليس له قائد يلائمه وفي مخاطر وهوام، فكيف يعذر الصحيح السليم القريب الذي لا يحتاج إلى من يقوده، وليس لديه خوف ولا مرض، كيف يعذر من هذه حاله ولا يعذر هذا الأعمى إذا كان يسمع النداء؟! أما إذا كان لا يسمع النداء فمفهوم الحديث أنه لا يلزمه الحضور، وسماع النداء من غير أسباب للإسماع ولا موانع، يعني المفترض أن يكون النداء بالصوت العادي بدون مكبر صوت، ولا يوجد موانع لا يدخل الغرفة ويغلق النوافذ ويشغل المكيف ويقول: أنا لا أسمع النداء، هذا مانع. أيضاً من الموانع الأصوات التي تنتج من السيارات أو الطائرات أو المصانع أو غير ذلك هذه لا تمنع من سماع النداء وإن لم يسمع، وعلى هذا فالنداء بالصوت العادي وبدون موانع يمكن من مسافة كيلوين، يعني أكثر من كيلوين الصوت العادي لا يسمع، فعلى هذا من كانت المسافة بينه وبين المسجد كيلوين مثلاً وسمع صوت المؤذن بالمكبر لصلاة الصبح مثلاً لأن الجو هادئ يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم؟ أكثر من كيلوين، يعني كيلوين ونصف؟ طالب: ما يلزم. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 24 لأنه لولا المكبر ما سمع، بينه وبين المسجد كيلو واحد وهو بجوار مصنع أو هو في مصنع يشتغل مع وجود هذا المانع يلزمه الإجابة؛ لأنه لولا هذا المانع لسمع النداء، ولو قيل: إنه إذا لم يسمع مطلقاً لا يلزمه النداء لقلنا: بالإمكان أن يجعل الإنسان في أذنه شيء يمنعه من السماع، وقلنا: إن الأصم لا تلزمه الإجابة ولو كان بطرف المسجد، لكن المسألة مفترضة في أمور عادية بدون أسباب ولا موانع، لا مكبرات صوت موجودة ولا موانع من أصوات مزعجة موجودة. بعض الناس وهو مسافر يسمع النداء ويقول: المسافر لا تلزمه جمعة ولا جماعة فلا يصلي، عموم الخبر ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب)) يشمل، يشمله إلا إذا كان هناك مشقة فالمشقة تجلب التيسير، أو كان هناك ما يفوت، هناك ما يفوت إذا ذهب إلى المسجد، هناك ما يخشى عليه، فالأعذار كثيرة ذكرها الفقهاء، ونحن نرى التوسع في هذه الأعذار، تجد العمارة فيها خمسة من الحراس أو ستة كلهم لا يصلون مع الجماعة في المسجد ويسمعون النداء، بل تجد من حراس المسجد من لا يشهد الجماعة، الآن في المساجد الكبيرة لا سيما في الحرمين مثلاً هناك حراس، عساكر كثر لا يصلون مع الجماعة، هل هذا مبرر؟ نعم كانت الأمور لا تحتاج إلى مثل هذا، والأمن موجود، لكن الآن يخشى من حوادث، ومن أشياء، ومن تصرفات، وقد وقع، فهذا أمر لا بد منه، لكنه يقدر بقدر الحاجة، الشخص الذي يرى أنه قدر زائد على المطلوب، أو أن مهمته لا تفوت بالصلاة يصلي مع الجماعة، مثل الشخص الذي يجلس عند الحجر الأسود والناس يصلون ويش يخشى عليه؟ هل يخشى أن يسطى على الحجر مثل ما فعل القرامطة ويحمل ويذهب به؟ أو يخشى من زحام الناس وتراصهم؟ الناس يصلون الآن، هناك توسع حقيقة غير مرضي، وللمسألة أصل، يعني للمسألة أصل ما في شك أن الحراسة مطلوبة كما هو الشأن في صلاة الخوف، يعني إذا وجد المبرر فلا مانع، لكن يكون بقدر الحاجة، الشخص الذي يرى أنه إن ما وكل إليه لا يفوت بالصلاة مع الجماعة مثل هذا لا يجوز له أن يترك الجماعة، والشخص الذي يرى أن ما وكل إليه من أمر يفوت بفعله الصلاة مع الجماعة هذا مبرر في ترك الجماعة. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 25 يقول: زوجتي تلح علي دائماً للذهاب بها إلى الحرم للصلاة فيه لعظم الأجر هناك، وتقول: لما تمنعني منه؟ ماذا قولكم؟ ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) هذا الأصل، لكن إذا كنت تتضرر بذلك إذا كان لك أشغال أخرى بعد الصلاة وتعوقك عن تحصيلها فلك أن تعتذر بهذا. كيف توجه حديث الرضاعة في الكبر "قالت: له لحية، قال: أرضعيه"؟ هذا خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وتقول عائشة -رضي الله عنه-: بأن رضاع الكبير يحرم مطلقاً استدلالاً بحديث سالم مولى أبي حذيفة، والجمهور على أنه لا رضاعة بعد الحولين. يقول: عرضت علي وظيفتين إحداهما في المدينة والأخرى في الرياض، ما الأفضل لي بالنسبة لطلب العلم؟ في كل خير، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. يقول: النوم بعد العشاء مرغب فيه؟ كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها -عليه الصلاة والسلام-، مرغب فيه من الشرع، والسهر من غير فائدة منهي عنه، فكيف توجه حال الناس اليوم في هذا الزمان حيث قلبت فيه الأمور؟ لا شك أن حال الناس قلب للسنن الإلهية، وهو خلاف الأصل، لكن إذا كان السهر على فائدة فلا مانع منه، والسمر في طلب العلم ترجم عليه البخاري في صحيحه، وأورد ما يدل عليه من السنة. يقول: بعض المعتكفين في المساجد يحضر إليهم طعام يحتوي على بصل وثوم ويتم تناوله في المسجد هل يجوز هذا الأمر؟ إذا كان هناك فترة يزول بها الأثر قبل الصلاة اللاحقة فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى- مع أنه في الجملة ينبغي أن يتقى، ينبغي لا أقول يجب إلا إذا حضرت الصلاة مع الجماعة. يقول: لو تركت النزول في مصعد العمارة ونزلت بالدرج، هل هذا تكلف في تحصيل الخطوات؟ على كل حال إذا كان النزول أنفع لك من حيث الصحة فهذا هو الأصل، وإذا وجد ما ييسر لك النزول وهو أنفع لك وأيسر فلا شك أن تركه من باب تعذيب النفس، والله عنه غني. يقول: على ماذا يحمل فعل بعض السلف من حجهم ماشين مع قدرتهم على الركوب؟ وهل الحج يختلف عن الصلاة في قضية قصد المشقة؟ الجزء: 33 ¦ الصفحة: 26 المشقة ليست مطلوبة لا في الحج ولا في غيره، لكن بعض أهل العلم يفضل المشي لأنه قدم في قوله -جل وعلا-: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} يعني ماشين قدم {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] يعني ركبان، فكونه قدم في الآية قال بعضهم: إن الحج ماشياً أفضل، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- حج راكباً جعل بعض أهل العلم يرجح الحج راكباً، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل -عليه الصلاة والسلام-. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك. طالب: صليت في مسجد ثم رجعت إلى الحي وهم ما زالوا يصلون .... أنت تبي تدخل المسجد وإلا تروح بيتك؟ طالب: أروح البيت. ادخل بيتك ولا عليك، لكن تجي المسجد لا، صل معهم ... الجزء: 33 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (34) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: إذا تكلم أحد بعد الخطيب يوم الجمعة فلا تستمع له هل هذه المقالة للإمام أحمد؟ وما حكم ذلك؟ لا أدري هل قال الإمام أحمد ذلك أو لا؟ لكن الكلام والإمام يخطب خطبة الجمعة حرام، ودلت عليه النصوص الصريحة الصحيحة. يقول: هل ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأذكار التي بعد الصلاة من التسبيح والتكبير والتحميد عشر مرات؟ نعم، يسبح ويكبر ويحمد عشراً عشراً، لكن المائة أكثر، يعني ما جاء في المائة أكثر، يسبح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هذا أكثر. يقول: هل رمي النفايات والحيوانات الميتة على طريق الناس يدخل في حديث: ((اتقوا الملاعن))؟ إذا كانت نجسة فحكمها حكم البول والغائط، وإذا كانت مجرد قذر وأذى فلا شك أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ووضعها إذا كان إماطتها صدقة فوضعها خطيئة. يقول: ما أهم الكتب المتعلقة بعلوم الحديث؟ وهل يلزم طالب العلم المبتدئ الاهتمام بهذه الكتب؟ الكتب المتعلقة بعلوم الحديث كثيرة جداً للمتقدمين والمتأخرين منها المختصر، ومنها المتوسط، ومنها المبسوط، ذكرت بشيء من التفصيل مع مميزاتها في مناسبات كثيرة، لكن هذا يقول: هل يلزم طالب العلم المبتدئ الاهتمام بهذه الكتب؟ نعم علوم الحديث كغيره من العلوم يهتم به في جميع طبقات التحصيل، يهتم به المبتدئ والمتوسط والمنتهي والمبتدئ له كتب، والمتوسط له كتب، والمنتهي كذلك، وهذه تراجع في مظانها. يقول: ما المقصود في الجرح التعديل؟ وما مقدار أهميته لطالب العلم؟ هذا الذي كتب السؤال لو كانت له عناية بعلوم الحديث ما سأل هذا السؤال، المقصود بالجرح والتعديل، جرح الرواة وتعديلهم، وأهميته لطالب العلم تكمن في توقف التصحيح والتضعيف عليه. يقول: لو طلبت المرأة الخروج إلى المسجد فبين لها زوجها أن صلاتها في بيتها خير لها، وأقنعها حتى عزفت عن الذهاب هل هذا يعد منعاً؟ الجزء: 34 ¦ الصفحة: 1 هذا لا يعد بمنع إنما هذا توجيه بالنص، وإذا وجه الإنسان بالنص وامتثل النص خلاص، صارت الاستجابة لله ورسوله. من أراد العمرة أي أنه نوى العمرة في مكة وليس هو من أهلها فما العمل؟ يخرج إلى أدنى الحل فيحرم بالعمرة ويأتي بها، حكمه كحكم أهل مكة إذا كان في مكة، وأما قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حتى أهل مكة من مكة)) فهذا في الحج وليس بالعمرة، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أرادت عائشة أن تعتمر أعمرها أخوها عبد الرحمن من التنعيم، ولو كان يتناول المعتمر لما خرجت، ولما شق النبي -عليه الصلاة والسلام- على نفسه وعلى أصحابه في انتظارها. يقول: سؤالي إذا صلى المسلم جالساً فهل يومئ بجذعه مع رأسه أم برأسه فقط، وكذا من صلى على الراحلة؟ نعم يومئ بجسده، يخفض بدنه قليلاً في الركوع، ويزيد عليه في السجود مع الرأس. يقول: إن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل وقضاهن للبواقي، نرجو التوضيح؟ الجزء: 34 ¦ الصفحة: 2 الأصل أن البكر إذا تزوجها على غيرها يقيم عندها سبعاً، والثيب يقيم عندها ثلاثاً، والفرق واضح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لأم سلمة: ((ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك)) فالإشكال الذي يرد في مثل هذا إذا جلس عندها سبعاً، فهل يجلس عند البواقي سبعاً أو يحسم الثلاث؟ "سبعت لك ثم سبعت لنسائي" هل يحسم الثلاث باعتبار أن الثلاث مستحقة لها بالعقد وبالدخول، ثم يقسم لنسائه القدر الزائد على ذلك أربعاً أربعاً؟ هذا هو مقتضى النظر، لكن مفهوم الحديث ثم سبعت لنسائي أنه بعد ذلك يقسم سبعاً سبعاً لكل واحدة منهن، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني باعتبارها تستحق الثلاث فأرادت أن يسبع لها يجلس عندها سبعاً كالبكر، ثم يقسم لنسائه البواقي، يجلس عند كل واحدة منهن أربع ليالي أو سبع؟ نعم؟ الثلاثة مستحقة لها، الثلاث الليالي مستحقة لها، فهل تحسم من السبع أو يقال: يقسم بينهن بالسوية سبع لها فسبع لسائر النساء كما جاء في الحديث، يعني مقتضى النظر أن تحسم الثلاث؛ لأنها مستحقة لها، ثم يقسم لباقي النساء أربعاً أربعاً، أربع ليالي أربع لكل واحدة منهن، ثم يعود إليها، لكن مقتضى الخبر: ((ثم سبعت لنسائي)) أنه يقيم عند هذه المرأة التي تزوج بها، وهي ثيب يقيم عندها سبع ليالي، ثم يقسم لسائر نسائه سبعاً سبعاً، وهذا هو مقتضى الخبر. يقول: نود لو خصصتم لنا درس إضافي في فن علوم الآلة القصيرة يكون محفزاً ومنشطاً لطلاب العلم؟ على كل حال كتب المختصرات في أكثر العلوم موجودة مشروحة ومسجلة بإمكان طالب العلم أن يسمعها. في أسئلة طويلة وتحتاج إلى شيء من التفصيل ومزيد من البيان كل سؤال يحتاج إلى درس. يقول: هل يجوز للنساء زيارة القبور مع الضوابط الشرعية؟ الجزء: 34 ¦ الصفحة: 3 لا، لا يجوز للمرأة أن تزور القبور؛ لأن النهي واللعن ثابت، والأمر: ((فزورها)) أمر بعد الحظر هذا للرجال، وأخرج النساء منه ((لعن الله زوارات القبور)) وقال بعضهم بأن هذا صيغة المبالغة بالتضعيف بالتشديد يدل على التكرار والإكثار فيفهم منه أن الزيارات القليلة اليسيرة لا تدخل في اللعن، لكن لا شك أن ما منع بالجملة منع بالأفراد؛ لأن النهي إذا اتجه إلى شيء يتجه إلى جملته وأفراده كما هنا، لا سيما إذا كانت العلة في الأفراد موجودة كوجودها في الجمع. نهى عن بيع المحفلات ما هي المحفلات؟ هي المصراة التي يحبس فيها اللبن حتى تعرض للبيع، فيظن المشتري أنها كثيرة اللبن. يقول: ما الفرق بين التدليس والعيب؟ التدليس هو إخفاء العيب وإظهار السلعة على وجه لا عيب فيها. يقول: إذا قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: قال أحمد في صحيحه فمن يقصد؟ يعني إذا قال الإمام مسلم في صحيحه: قال أحمد، وأحمد هو الراوي عن الجلودي راوي الصحيح، أحياناً كتب المتقدمين يذكر الراوي عن المؤلف، وقد يذكر الراوي عن الراوي، وهذه نادرة يعني وجدت مرات يسيرة في صحيحه، وهي مشكلة بلا شك عند من يقرأ وهو لا يعرف حقيقة الحال، لكن هذا هو المراد. يقول: لو تشرحون كتاب مطولاً في أصول الفقه؟ عجزنا عن المحرر. . . . . . . . .، المحرر يحتاج إلى سنين طويلة. يقول: نرجو توجيه الطلاب بحصر الأسئلة في موضوع الدرس؟ يقول: لعل ((سبعت لنسائي)) أي يُكمل لهن سبعاً على ما مضى من الثلاث لهن؟ كيف مضى من الثلاث لهن؟ يعني إن كان تزوج منهن الثيب، وأقام عندها ثلاثاً يُكمل لها أربعاً تكملة للثلاث التي قسم لها لما دخل بها، لكن ماذا عما لو كان بعضهن أبكار وسبع لهن يعني ما يقسم لهن شيء؟ مقتضى هذا أن البكر الذي قسم لها سبع ما لها شيء. يقول: هل يجوز لمن أتى حاجاً أو معتمراً أن يخرج إلى الحل ويأتي بعمرة لغيره مع أن الصحابة لم يثبت عنهم ذلك غير عائشة -رضي الله عنها-؟ يكفي قوله: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) واعتمرت عائشة -رضي الله عنها- بإذنه -عليه الصلاة والسلام- بعد عمرتها التي مع حجها. يقول: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ... الجزء: 34 ¦ الصفحة: 4 هذا في حديث اليوم -إن شاء الله تعالى-. يقول: من أين أخذت العلة المركبة في منع من أكل الثوم؟ يعني جاء التنصيص على الأذى وعدم قربان المسجد، فصارت العلة مركبة من الأذى وقربان المسجد، فإذا وجد الأذى خارج المسجد، يعني صلوا جماعة في غير المسجد، في رحلة، في نزهة، في بيت مثلاً فاتتهم الصلاة، شخص وصف له الثوم مثلاً علاج، وأراد أن يصلي في بيته، وقال لأحد أولاده: تصدق علي، يُمنع؟ ما يمنع، حتى يأتي ويقرب المسجد، وإذا دخل المسجد وليس فيه من يتأذى هذا جزء العلة، كما قالوا في إرسال الريح عند الحاجة. يقول: هل قول ابن رجب في شرح العلل: "إن حديث ابن أم مكتوم في الجماعة لم يقل به أحد من أهل العلم" مسلّم؟ لا، ليس بمسلّم؛ لأن الحديث ثابت وصحيح، ولا إشكال فيه، ولا ناسخ له. يقول: هل يقتصر في التسبيح باليد اليمنى فقط أم بكلا اليدين؟ جاء في سنن أبي داود ما يدل على أن التسبيح يعقد باليمين، وفيه ضعف، لكن الأصول العامة تشهد له، الأصول العامة وأن اليمين تستعمل في مثل هذا، في ما يحترم، والذكر محترم فيعقد باليمين. يقول ابن قدامه في العمدة: "إلا بنات العمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء وأمهاتهن محرمات" ويش لون؟ إلا بنات العمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء وأمهاتهن محرمات إلا البنات والربائب وحلائل الآباء ... ؟ لا لا، ما يمكن يأتي بمثل هذا الكلام، فلينقل بدقة، أو ليحضر الكتاب. هل أكل الثوم والبصل في العموم مكروه؟ نعم مكروه؛ لأنه يصد عما طلب شرعاً، فإذا لم يكن ثم حاجة فأهل العلم يطلقون الكراهة وليس بحرام، وقد صرح النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك في الحديث الصحيح. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره: الجزء: 34 ¦ الصفحة: 5 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده: فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه. أجمعون عندك؟ أجمعون وإلا أجمعين؟ لأنه جاءت هذه وهذه، وكلها في الصحيح، لكن اللي في الكتاب؟ طالب: أجمعون. في الكتاب أجمعين. طالب: عندنا قيل: أجمعون. في نسخة يعني في (طاء) يقول: أجمعون. وعن البراء -رضي الله عنه- أنهم كانوا يصلون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه. متفق عليه، واللفظ لمسلم. نعم في اللفظ: أجمعين أو أجمعون على ما سيأتي في إعرابه على الوجهين، يقول: فصلوا قعوداً أجمعين، هذا الذي أثبته في الأصل، قال في طاء: "وسنن أبي داود: أجمعون" وكلاهما صحيح، هذا ما فيه إشكال من حيث الصحة، لكن ما دام المؤلف يقول: رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه الأصل أن يثبت اللفظ الموافق لما في سنن أبي داود، وعلى ما قرأه الشيخ. نعم. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: ((تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) رواه مسلم. وعن زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجيرة بخصفة أو حصير، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، قال: فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً، فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 6 وعن جابر -رضي الله عنه- قال: صلى معاذ لأصحابه العشاء، فطول عليهم، فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [(1) سورة الشمس] و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل])) متفق عليه، واللفظ لمسلم أيضاً: وفي لفظ له: فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت، فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يُسمع الناس، فلو أمرت عمر، قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يُسمع الناس فلو أمرت عمر، فقالت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم مكانك، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" متفق عليه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. ولم يقل البخاري: ((والصغير)). الجزء: 34 ¦ الصفحة: 7 وعن عمرو بن سلمة الجُرمي قال ... الجَرْمي، الجَرْمي. الجَرَمي. جرْمي، بالسكون جرْمي. الجرْمي قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يغري في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت واقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقاً، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لمَّا كنت ... لِمَا. لِما أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟! فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص، رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين، وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين. وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "ولا يؤم الغلام حتى يحتلم". وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) وفي رواية: سناً بدل سلماً. رواه مسلم. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم أيضاً. يكفي، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 34 ¦ الصفحة: 8 "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) " (إنما) أداة حصر كأنه قال: ما جعل الإمام لشيء من الأشياء إلا ليؤتم به، ويقتدى به. ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هذه وظيفة الإمام ((فإذا كبر)) تكبيرة الإحرام أو عموم التكبير فيشمل تكبيرات الانتقال ((فكبروا)). ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا)) الفاء هذه تفريعية، تفريع على ما تقدم، الكلام الأول قاعدة كلية، يتفرع عنها هذه الأجزاء من التكبير والركوع والسجود والأذكار وغيرها. ((فإذا كبر فكبروا)) العطف بالفاء عطف فعل المأموم على فعل الإمام بالفاء يدل على أنه يقع عقبه مباشرة، فيتضمن منع المسابقة والموافقة والتأخر عنه، ما قال: فإذا كبر ثم كبروا، لا، فإذا كبر فكبروا، يعني إذا انقطع صوته بالتكبير كبروا، العطف بالفاء يقتضي التعقيب، وحينئذٍ لا تجوز المسابقة، فإذا كبر قبل الإمام تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته اتفاقاً، لكن إذا حصلت المسابقة بغير تكبيرة الإحرام فمن أهل العلم من يبطل الصلاة كالمسابقة بتكبيرة الإحرام، ومنهم من يقول: الصلاة صحيحة مع الإثم، وجاء في الحديث الصحيح: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار)) يعني وعيد شديد، وبعض الناس يحسب لمثل هذا الوعيد ألف حساب، لكن لو جاء الأمر والنهي المجرد عن مثل هذا الوعيد الله غفور رحيم، لكن لو سلم الناس وبينهم شخص رأسه رأس حمار، هذه وقعت الطامة الكارثة الكبرى المسخ، مع أن أهل العلم يقررون أن مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، مسخ البدن عقوبة في الدنيا حصلت يمكن تكون كفارة، لكن ماذا عن مسخ القلوب؟ بحيث يرى الحق باطلاً والباطل حقاً -نسأل الله العافية-، وافتضح كثير ممن يتصدى لتوجيه الناس من خلال وسائل الإعلام؛ لأنه ممسوخ وهو لا يشعر، يأتي بكلام قد يخرج به من الدين وهو لا يشعر، والله المستعان. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 9 يصعب على الإنسان، يصعب على الجميع يعني لو وجد في جماعة يصلون لما سلموا وجدوا شخص رأسه رأس حمار، ما شعورهم وهم يرتكبون النواهي ويتركون الأوامر مع كل ارتياح! لكن إذا وجدت العقوبة في البدن أفاق الناس ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) يستدل بهذا من يقول: إن الصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأنه ما قال: صلاته باطلة أو عليه الإعادة، اكتفى بالعقوبة فقط. ((فإذا كبر فكبروا)) تكبيرة الإحرام تقدم أنها ركن من أركان الصلاة عند جمهور أهل العلم، والحنفية يقولون: شرط، وعرفنا ما بين القولين من فروق وفوائد مرتبة على الخلاف، وتقدم هذا في صفة الصلاة. ((كبر فكبروا)) معنى هذا أنه يقع تكبير المأموم بعد تكبير إمامه، لا قبله ولا معه ولا يتأخر عنه، وبعض الناس لا سيما إذا كان ساجداً يتأخر عن الإمام، ولا شك أن الباعث على ذلك الدعاء والإلحاح فيه ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) تجده يدعو يدعو إلى أن يقرب من السجدة الثانية، ولا يلحق بالإمام هذا مخالف؛ لأن أفعال المأموم عطفت على أفعال الإمام بالفاء التي تقتضي التعقيب، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . حتى على جبهته نعم إيه؛ لأن الأصل أن الذكر التكبير للقيام وللهوي تكبيرات الانتقال إنما وضعت للدلالة على الأفعال، فتكون مقارنة لها، ومقتضى ((كبر فكبروا)) يعني إذا ركع فاركعوا سيأتي، وإذا سجد فاسجدوا متى؟ سيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- الحين. ((ولا تكبروا حتى يكبر)) مفهوم الجملة الأولى جملة الشرطية منطوقها أنه إذا كبر فكبروا، ومفهومها أن المأموم لا يكبر حتى يكبر إمامه، وهذا هو منطوق الجملة الثانية، فمنطوق الجملة الثانية مؤكد لمفهوم الجملة الأولى. ((ولا تكبروا حتى يكبر)) فهي جملة تأكيدية، يعني كون المأموم لا يكبر حتى يكبر الإمام مأخوذ من مفهوم الجملة الأولى الشرطية، وهو منطوق الجملة الثانية، فالجملة الثانية مؤكدة لمفهوم الجملة الأولى. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 10 ((وإذا ركع فاركعوا)) إذا ركع إذا كبر فكبروا معناه إذا فرغ من التكبير فكبروا، كما هو الأصل في الفعل الماضي الفعل الماضي للدلالة على الحدث الذي وقع في الزمن الماضي وانتهى، فإذا فرغ الإمام من التكبير فكبروا، لكن قوله: ((وإذا ركع فاركعوا)) هل نقول: معناها إذا فرغ من الركوع فاركعوا كما قلنا في إذا كبر فكبروا؟ لا؛ لأن الفعل الماضي ذكرنا مراراً في مناسبات في دروس متقدمة يأتي ويراد به الفراغ من الفعل وهذا هو الأصل، ولذلك سمي ماضياً، ويأتي ويراد به الشروع في الفعل، ويأتي ويراد به إرادة الفعل، فإذا {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) يعني إذا أراد الدخول. ((وإذا ركع فاركعوا)) هل المراد به إذا أراد الركوع اركعوا؟ نعم؟ إذا أراد الركوع؟ أبداً، معنى هذا أننا نركع قبله، هل يراد به الفراغ من الفعل؟ لا، معناه أننا لا نركع حتى يرفع من الركوع، إنما المراد به الشروع في الفعل، يعني إذا ركع بأن حنى ظهره وثناه وهصره ووضع يديه على ركبتيه مجرد ما يحصل ذلك اركعوا، يعني إذا شرع في الركوع اركعوا. ((إذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع)) إذا ركع فاركعوا مثل ما يقال في الجملة السابقة، وأن فعل المأموم يقع بعد فعل إمامه لا يتقدم عليه ولا يوافقه، ولا يتأخر عنه. ((ولا تركعوا حتى يركع)) وهذه الجملة مؤكدة لمفهوم الجملة السابقة. ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) يعني رفع من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده ((فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، والحديث يدل على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 11 وأهل العلم يختلفون فيمن يقول الجملة الأولى والجملة الثانية، فيرى الشافعية أن كل مصلٍ يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد؛ لأنها ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لكن مقتضى قوله: ((إذا قال ... فقولوا)) أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم لا يقولوها؛ لأنه قال: ((فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) فعطف فعل المأموم على فعل الإمام بالفاء، فدل على أنه لا يقال بينهما شيء، مجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده فإن المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، لكن هل يقول الإمام بعد قوله: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد؟ ثبتت هذه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته إمام، فالإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمنفرد يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وكذلك يقولها كل مصلٍ من إمام ومأموم ومنفرد. طيب لماذا لا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده وقد ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- بصفته إماماً، وعطف فعل أو قول المأموم على قول الإمام بالفاء، فدل على أنه لا واسطة بينهما بمجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، ومثله الإمام والمنفرد، فقوله: اللهم ربنا ولك الحمد هذه يقولها كل مصلٍ، ويستقل الإمام بقوله: سمع الله لمن حمده، وهذا هو المعروف عند الحنابلة الجمع بينهما بالنسبة للإمام والمنفرد، وأما بالنسبة للمأموم فإنه لا يقول: سمع الله لمن حمده خلافاً للشافعية، والحنفية يقولون: الإمام له ذكر والمأموم له ذكر، الإمام له ذكر يختص به "سمع الله لمن حمده" كما أن للمأموم ذكراً يختص به وهو قوله: "اللهم ربنا ولك الحمد" ولا يقولها الإمام، وهو مقتضى الترتيب هنا، لكن ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقول: ((اللهم ربنا لك الحمد)) إلى آخر الذكر الذي تقدم. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 12 ((اللهم ربنا لك الحمد)) وردت بصيغ أربع، هنا يقول: ((اللهم ربنا لك الحمد)) بإثبات اللهم بدون واو، وثبت الجمع بينهما في البخاري: ((اللهم ربنا ولك الحمد)) خلافاً لابن القيم الذي يقول: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، وثبت أيضاً بحذف اللهم والواو: ((ربنا لك الحمد)) وبحذف اللهم وإثبات الواو: ((ربنا ولك الحمد)) فهي أربع صيغ. ((وإذا سجد فاسجدوا)) يعني مثلما قيل في ((وإذا ركع فاركعوا)) بحيث يقع السجود بعد شروع الإمام فيه، سجود المأموم يقع بعد شروع الإمام فيه إذا مكن جبهته وأعضائه السبعة من الأرض هوى المأموم للسجود من غير تأخر ولا مسابقة ولا موافقة. ((وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد)) وهذه الجملة كسابقتيها مؤكدة لمفهوم الجملة السابقة. ((وإذا صلى قائماً)) يعني كما هو الأصل في الفريضة ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) الأصل أن يصلي قائماً. ((فصلوا قياماً)) إذا صلى قائماً فصلوا قياماً؛ لأن الإمام جعل ليؤتم به ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) وهذا تفريع عن القاعدة السابقة ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) وجاء التنصيص على العلة في قيام المأموم خلف إمامه وأنها مشابهة فارس والروم الذين يقومون على كبرائهم. ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه. أجمعين ((صلوا قعوداً أجمعين)) حال، و"أجمعون" تأكيد للضمير، ضمير الجمع الذي هو الواو في "فصلوا" فمن حيث الإعراب لا إشكال في كونها أجمعين أو أجمعون؛ لأنها إن كانت أجمعين فهي حال، وإن كانت أجمعون فهي تأكيد لضمير الجمع في فصلوا. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . أيوه. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب:. . . . . . . . . يؤول، يؤول. والحال إن عُرف لفظاً فاعتقد ... تنكيره معنىً "كوحدك اجتهد" الجزء: 34 ¦ الصفحة: 13 صلاة الإمام من قعود أولاً: رأي المالكية أنها لا تصح إمامة القاعد، ولا يصح الاقتداء به لا من قيام ولا من قعود، انتهينا من هذا المذهب، وجاء فيه حديث، لكنه متفق على ضعفه، الحديث الذي معنا صحيح، وهو معارض بحديث متأخر عنه سيأتي، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، وهذا في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، مما جعل الشافعية والحنفية يقولون: إن الحديث منسوخ، حديث الباب: ((صلوا قعوداً أجمعين)) هذا منسوخ؛ لأن العمل إنما يكون على مقتضى آخر الأمرين منه -عليه الصلاة والسلام-، وقوله هذا منسوخ بفعله، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً يقتدي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر، هل يقول قائل: إن أبا بكر قائم والناس كلهم جلوس؟ نعم؟ ما يمكن، الناس من قيام. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 14 الإمام أحمد -رحمه الله- يعمل بحديث الباب: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) طيب والحديث الثاني وهو المتأخر؟ يحمل هذا على حال وذاك على حال، فيقول: إذا افتتح إمام الحي -بهذه القيود- أن يفتتح إمام الحي يبتدئ الصلاة يفتتحها إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها، ما يجاء بإمام حي مقعد، شخص مقعد يقال: صلِ بنا، نعينك إمام على شان نرتاح، تصير صلواتنا كلها من قعود، نقول: لا، هذا ما يرجى برؤه، ولا يعين ولا يقدم من الأصل إذا لم يكن إمام الحي ثابت، لكن إمام الحي يصلي بالناس عمره كله قائم، فأصيب بعلة يرجى برؤها، وافتتح الصلاة من قعود فإن المأمومين يصلون خلفه قعوداً؛ لأنهم صلوا خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، أرادوا القيام فأشار إليهم أن يجلسوا، والحديث الذي معنا ((فصلوا قعوداً أجمعين)) بهذه القيود: أن تفتتح الصلاة فلا يدخل الحديث اللاحق؛ لأن الصلاة افتتحها أبو بكر من قيام، الأمر الثاني: أن أبا بكر ليس هو إمام الحي، وإنما الإمام هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فالصلاة لم تفتتح من قعود ولم يفتتحها الإمام إمام الحي، فلا تدخل في القيود التي ذكرها الإمام أحمد، والعلة يرجى برؤها، إذا كان يرجى برؤها، أما يؤتى بشخص مقطوع الرجلين، أو يؤتى بشخص علته لا يرجى برؤها ويقال: صلِ بالناس، هذا قد يفعله بعض الناس، يأتي به ليترخص به، يتحايلون، والناس للتنصل من التكاليف يتفننون في الحيل، في مزدلفة رأيت باص فيه خمسون راكباً، ومعهم عجوز واحدة، جاءوا ليترخصوا بها، نعم يتفننون، يعني يأتي بمقعد ويقول: صلِ بنا على شان نصلي .. ((فإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) لا، لا بد أن تكون العلة يرجى برؤها، وليس لأي شخص إنما هو لإمام الحي الراتب، ويفتتح الصلاة من قعود، والعلة يرجى برؤها، حينئذٍ ينطبق على الحديث، من أين أتينا بهذه القيود في حديث الباب؟ ما في ما يدل عليها، ليس فيه ما يدل عليها، لكن هذه القيود أُتي بها لئلا يتعارض حديث الباب مع الحديث اللاحق، فالإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن الحديث محكم، وأنه يعمل به بهذه القيود، والمالكية يقولون: لا تصح إمام القاعد مطلقاً، ولا يجوز الائتمام به لا من قيام ولا الجزء: 34 ¦ الصفحة: 15 من قعود، والحنفية والشافعية يقولون: منسوخ، حديث الباب منسوخ بحديث الذي حصل في آخر أيامه -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي. "وعن البراء -رضي الله عنه- أنهم كانوا يصلون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: ((سمع الله لمن حمده)) لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض، ثم نتبعه" يعني لا بد أن يتم السجود، لا يوافق الإمام فيهوي المأموم للسجود مع هوي إمامه، وهو مقتضى قوله: ((فإذا سجد فاسجدوا)). "لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه" متفق عليه، واللفظ لمسلم". ولا شك أنه يحصل مخالفات كثيرة من الأئمة ومن المأمومين، بعض الأئمة ينقطع صوته قبل أن يتحرك، يقول: سمع الله لمن حمده وهو راكع، فيسبق وبعضهم يقول: ألله أكبر وهو واقف قبل أن يسجد فيسبق إلى السجود، والمسابقة بين المأمومين موجودة بكثرة، لكن سبب ذلك الجهل، وإلا ما الفائدة من المسابقة؟ العبرة بمخالفة الإمام الذي في الأصل أن يكون عالم بأحكام الصلاة، ومتحمل للخلل الذي يقع بسببه في صلاة المأمومين، فكونه ينقطع صوته قبل أن يتحرك هذا يجعل المأمومين يسابقونه، أو على أقل الأحوال يوافقونه، المتحري يوافق وغيره يسابق، وقد يكون للآلات -هذه المكبرات- دور في مثل هذا، تجده يقول: الله أكبر ينقطع صوته من أجل لو هوى إلى السجود أو كبر أثناء هويه للسجود ضعف صوته، فهو يلاحظ ضعف الصوت على حساب خلل صلاة المأمومين، والأصل أن هذه الأذكار إنما وضعت للدلالة على الانتقال، فتكون مقارنة للأفعال، هذا الأصل، وما عدا ذلك يوقع المأموم في المخالفة. "فإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده" يعني نرفع من الركوع ونقول: اللهم ربنا ولك الحمد على ما تقدم "ولم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه" الآن إذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً جواب إذا رفع، جوابه إذا رفع رفعنا، ثم لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه، وهذا فيه معنى ما تقدم. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 16 "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً" تأخراً والتأخر نسبي، لا يظن به التأخر الذي يزاوله كثير من المسلمين، ويفعله بعض المنتسبين إلى العلم وطلب العلم، يتأخرون ويتلومون ويترددون حتى إذا سمعوا الإقامة خرجوا إلى الصلاة، هذا تأخر نسبي، يعني يوجد في السلف من يقول: إن الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها إنه رجل سوء، يعني ما يأتي إلى المسجد حتى يسمع الأذان، فالتأخر نسبي، رأى شيئاً من التأخر اليسير عما عهد عليه أصحابه، فحثهم على التقدم "فقال لهم: ((تقدموا)) " أمر ((تقدموا فائتموا بي)) الأمر هذا للوجوب أو للاستحباب؟ هذا للوجوب ((تقدموا فائتموا بي)) نعم إدراك الجماعة والجماعة واجبة، لكن الجماعة تدرك بركعة، فالتقدم إلى الصلاة من أولها لا شك أنه من أفضل الأعمال، والمحافظة عليها من أولها والتقدم إليها، وانتظار الصلاة، وإدراك تكبيرة الإحرام كل هذا له شأن، لكن القول بالتأثيم لو جلس إلى أن بقي ركعة واحدة يأثم وإلا ما يأثم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . مخالفة تقدموا، لكن تقدم نسبي، نعم؟ ((ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) هذا وعيد، لكن يتأخرون عن إيش؟ إذا قلنا: إن الجماعة واجبة، والجماعة تدرك بركعة فما زاد عن الركعة واجب وإلا ليس بواجب؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 34 ¦ الصفحة: 17 واجب لتدرك الجماعة لأنها واجبة، لكن ما زاد على الركعة، يعني لو تأخر إلى أن يبقى ركعة واحدة آثم وإلا غير آثم؟ يقول: أنتم تقولون: صلاة الجماعة واجبة وتقولون أيضاً بالإجماع: من أدرك ركعة أدرك الجماعة، يعني الخلاف فيما دون الركعة لو أدرك أي جزء من الصلاة، يعني يقول الحنابلة: "ومن كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس" يقول: أنا أدركت الجماعة وأنتم تقولون: الجماعة واجبة، وما زاد على ذلك ليس بواجب، خلوه على الخلاف نقول: أدرك ركعة كاملة يأثم إذا تأخر إلى أن .. ؟ الأصل أنه لا يأثم، يعني مقتضى القواعد الشرعية أنه ما يأثم، ما دام جاء بالواجب لا يأثم، يبقى ما عدا ذلك مندوب، ولا إثم في تركه، لكن كون الإنسان يعرف بالتأخر، ونفسه تعتاد ذلك، والتأخر لا نهاية له، التأخر قد يتأخر هذه المرة عن تكبيرة الإحرام، ثم يتأخر عن الركعة الأولى، ثم يتكاسل عن الثانية، وهكذا يستدرج، كما قيل في: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده)) يعني يستدرج حتى يسرق ما تقطع به اليد، وهذا أيضاً إذا تأخر واعتاد التأخر ((ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) والجزاء من جنس العمل، فعلى الإنسان أن يأخذ بالعزيمة، وأن يأخذ ما أوتي بقوة لا بتراخي؛ لأن النفس ميالة إلى الكسل، فإذا تراخى وعود نفسه على هذا التراخي وتعذر وتلوم وأتى بالأعذار من خلال الأقوال فإنه سوف يجد نفسه لا محالة مؤخراً، كما أن من اعتاد الكذب ومن اعتاد الصدق، لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً؛ لأن المسألة بالتعود والتدريج إذا النفس مرنت على هذا الأمر واعتادته صار من طبعها، صار من تركيبها، وهذا يمكن مر بالجميع، يعني الإنسان إذا فاته صلاة في يوم افترض أنه فاته ركعة من صلاة الصبح لا بد أن يفوته ركعات من الصلوات اللاحقة إلا إذا ندم على ما فاته واهتم للمستقبل، فإنه يعان عليه حينئذٍ، أما إذا فاتته من غير اكتراث، وقال: أدركت الجماعة لا بد أن يعاقب بفوات ركعات من الصلوات اللاحقة. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 18 ((تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم)) يعني ممن يأتي بعد وفاتي يقتدون بالصحابة الذين رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، يصلي فصلوا كما رأوه ((وليأتم بكم من بعدكم)) يعني في الزمن، أو من بعدكم في المكان؛ لأن بعض الناس من المأمومين لا يرى الإمام، وإنما يرى الصفوف المتأخرة، الصف الأول يرى الإمام فيقتدي بالإمام، الصف الثاني لا يرى الإمام فيقتدي بالصف الأول وهكذا، فيكون كل صف بمثابة الإمام لمن خلفه، وبهذا قال بعض العلماء، يقولون: إذا أدركت الصف الذي قبلك لم يرفع من الركوع أدركت الركعة؛ لأنه بالنسبة لك إمام، ويفهم من هذا الحديث ((وليأتم بكم من بعدكم)) يعني في المكان من خلفكم، فكل صف بمثابة الإمام للصف الذي يليه، وهذا في حالة ما إذا لم يسمع الإمام ولم ير، هذا قال به جمع من أهل العلم، لكن المقرر أنه إذا رفع الإمام انتهت الركعة لجميع المأمومين، انتهت الركعة بالنسبة لجميع المأمومين، وقوله: ((ليأتم بكم من بعدكم)) يعني إذا رأوكم بمثابة المبلغ حال ركوع الإمام لا حال فراغ الإمام من الركوع، والإنسان إنما يعمل بما يبلغه، ما تسمع صوت الإمام ولا ترى شخصه رأيت الذي أمامك ركع الذي أمامك كلهم ركعوا وركعت نعم صلاتك صحيحة، وأدركت الركعة، وأما بالنسبة للواقع هل الإمام ركع أو رفع؟ ما لك دعوة؛ لأنك إنما تكلف بما يبلغك، نعم إذا سمعت الصوت أو رأيت الصورة أنت مطالب بمتابعة الإمام، لكن أحياناً تكثر الجموع، ولا يوجد من يبلغ صوت الإمام، ولا توجد آلات، هل نقول: لا يقتدي بالإمام إلا من يراه؟ لا، يقتدي بالإمام وإذا رفع الناس رفع معهم، بغض النظر عن واقع الإمام؛ لأنه لا يكلف إلا ما يدرك بسمعه، ببصره، بحواسه. ((فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) والجزاء من جنس العمل {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت]. "رواه مسلم". الجزء: 34 ¦ الصفحة: 19 "وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجيرة" يعني حجرة صغيرة "بخصفة أو حصير" يعني محوطة بحاجز من سعف النخل حصير، يعني محصور، يعني منسوج بعضه على بعض "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذه الحجيرة يخلو بها للصلاة والذكر، وينقطع بها عما يشغله "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيها" يصلي فيها يعني في هذه الحجيرة، قال: "فتتبع إليه رجال" يعني جاء رجال يتتبعون فعله؛ ليقتدوا به، ويأتموا به -عليه الصلاة والسلام- "وجاءوا يصلون بصلاته" قال: "ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم" يعني في ليلة من ليالي رمضان جاء أناس فصلوا بصلاته -عليه الصلاة والسلام-، فلما كان من الليلة القابلة كثر الجمع، وجاء عدد أكبر من الذي جاء البارحة فصلوا بصلاته، ثم لما جاءت الثالثة أو الرابعة كثروا حتى غص المسجد بهم، يعني ازدحموا في المسجد "فلم يخرج إليهم -عليه الصلاة والسلام- خشية أن تفرض عليهم" وهنا يقول: "جاءوا يصلون بصلاته" لا شك أن الصلاة خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل، والصلاة خلف الأعلم والأخشع لا شك أنها أفضل من الصلاة خلف الجاهل أو الغافل الساهي قال: "ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب" يعني ارتفاع الأصوات قد يكون بسبب الكثرة، يعني تدخل المسجد الجامع وفيه عشرة صفوف قبل دخول الإمام تجد أصوات مرتفعة بالنظر إلى مجموعها لا بالنظر إلى أفرادها، فبالمجموع ترتفع الأصوات، وهذا يمكن تخريجه مع النهي عن رفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام- يعني مجموع الأصوات لا يعني ارتفاع الأفراد، لا يعني ارتفاع أصوات الأفراد هذا يمكن تخريجه، لكن ماذا عن حصبوا الباب؟ الجزء: 34 ¦ الصفحة: 20 جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا يقرعون بابه -عليه الصلاة والسلام- بالأظافر، إذا أرادوا الاستئذان عليه، وهنا حصبوه، يعني بحصيات صغيرة، ولا شك أن هذا قد يكون فيه ما فيه مما يخل بالأدب معه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذه الحصيات الصغيرة إذا قلنا: إنها غاية في الصغر بحيث تكون قريبة من القرع بالأظافر الذي كانوا يفعلونه فيمكن تخريجه على هذا. "فخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً" يعني مما يدل على .. ، هذا الغضب يدل على إيش؟ يدل على أن ارتفاع الأصوات مع حصب الباب شرعي وإلا غير شرعي؟ غير شرعي، إنما رفعوا أصواتهم وحصبوا الباب والداعي إلى هذا ما الداعي إليه؟ حرصهم على الخير، يعني لماذا جاءوا؟ ليصلوا بصلاته، الداعي إليه حرصهم على الخير، لكن هل يكفي نية الخير وقصد الخير عن إصابته؟ لا يكفي، ولذا قول من يقول: إن الوسائل أو الغايات تبرر الوسائل هذا الكلام ليس بصحيح، لا بد أن تكون الغاية شرعية والوسيلة شرعية، ولذا خرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً، وهم الذين أغضبوه. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 21 "فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم)) " يعني هل الغضب بسبب التصرفات من رفع الأصوات وحصب الباب؟ أو لما رأى من حرصهم الذي يتسبب عنه فرض هذه الصلاة التي هي في الأصل نافلة؟ ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك بني إسرائيل كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) ((وأعظم الناس جرماً من سأل عن شيء فحرم بسببه)) وهنا: "فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم)) " النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الليلة الأولى والثانية والثالثة على اختلاف الرايات، ثم احتجب عنهم بعد ذلك خشية أن تفرض عليهم صلاة التراويح التي سميت فيما بعد صلاة التراويح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما تركها رغبة عنها، وما تركها من أجل أن الجماعة لا تشرع فيها، وإنما تركها خشية أن تفرض عليهم، ولذا لما أُمنت هذه الخشية في عهد عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورأفته بأمته يخشى عليهم مثل هذا، فإذا فرض عليهم قد يعجزون عنه، فيأثمون بسبب ذلك، وهم في الأصل في سعة؛ فلماذا يضيقون على أنفسهم؟! وهذا هو الذي أثار الغضب عنده -عليه الصلاة والسلام-. النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل الكعبة ندم خشية أن يحرص الناس على دخولها فتلحقهم بذلك المشقة؛ لأن كل مسلم يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، والأمثلة والنظائر لهذا كثيرة؛ لأنه قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على أشياء ولم يفعلها، مثال ذلك قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي)) ومع ذلك ما اعتمر في رمضان -عليه الصلاة والسلام-؛ ليكون في الأمة شيء من التوازن؛ لأنه لو اجتمع الحث مع عمرته -عليه الصلاة والسلام- في رمضان كيف يكون الحال حال المسلمين في هذه الأماكن في هذه الأوقات؟! إذا تضافر القول مع الفعل لكن إذا وجد القول وجد من يقتدي به ويمتثل، لم يوجد الفعل وجد من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، فيحصل بذلك التخفيف والتنفيس، لكن لو تضافر الفعل مع القول لاقتتل الناس على الاقتداء في هذه الأماكن، وأنتم ترون الزحام الذي يحصل في رمضان في المسجد الحرام. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 22 ((ما زال بكم صنيعكم)) يعني من الحرص على هذه الصلاة خلفي ((حتى ظننت أنه سيكتب عليكم)) يعني ستفرض عليكم هذه الصلاة، ستفرض عليكم وتأثمون بتركها ((فعليكم بالصلاة في بيوتكم)) يعني صلاة النوافل صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، والمصالح العظيمة المترتبة على الصلاة في البيوت أولاً: عدم تشبيهها بالقبور ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)) والأمر الثاني: الاقتداء، متى يتعلم النساء والصبيان الصلاة إذا لم يصل صاحب البيت في منزله؟ الصلاة في البيت لا سيما الرواتب راتبة المغرب وراتبة العشاء وراتبة الصبح والتهجد هذه يقتدي به ما في البيت من نساء وذرية، ويحسنون الصلاة قبل وجوبها بالنسبة للصبيان والنساء متى يتعلمن الصلاة؟ لأن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وإذا أردت المثال فانظر إلى الأعمى كيف يرفع يديه إذا أراد أن يكبر، هل هو مثل المبصر؟ يختلف؛ لأن التعليم بالفعل والمشاهدة لا شك أنه أبلغ من أن يقال له: أرفع يديك، طيب كيف ترفع يديك؟ تفرق؟ تجمعهما؟ يعني قد يحصل من النصوص القدر المجزئ، لكن الصورة الكاملة التي توارثتها الأمة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في كيفية الرفع لا تدرك إلا بالمشاهدة. تجد بعض العميان يعاني في المصافة معاناة شديدة، لا سيما إذا كان صاحب حرص على براءة ذمته، تجده كل شوية لامس الجار، إذا ركع لمس ركبته، وإذا سجد حط يده على شيء من بدنه، إذا جلس لمس ركبة الجار، مما يدل على أن التعليم بالفعل له أثره الكبير في ثبوت العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وصلى لهم -عليه الصلاة والسلام- من أجل .. ، التعليم على المنبر ليروه كيف يصلي -عليه الصلاة والسلام-؟ الجزء: 34 ¦ الصفحة: 23 ((فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) أما بالنسبة للمكتوبة فحيث ينادى بها في المساجد ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) يعني حيث ينادى بها، وهذا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في مسجده الذي فيه المضاعفة الصلاة بألف صلاة، وأشار إليه ((صلاة في مسجدي هذا)) والصلاة في بيوت المدينة بالنسبة للنوافل أفضل من الصلاة في المسجد، حتى قال بعض أهل العلم: إن المضاعفات إنما هي في الصلوات المفروضة لا في النوافل، قد يقول قائل مثلاً: إن بيوت مكة وهي داخل الحرم فيها مضاعفة، فإذا صلينا في البيت أفضل من المسجد، لكن في المسجد النبوي المضاعفة في المسجد، قال: ((في مسجدي هذا)) فكيف يقال: إن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد الذي فيه المضاعفة والمضاعفة خاصة بالمسجد؟ نقول: نعم هذا كلام من لا ينطق عن الهوى وهو في المدينة ((فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) فإما أن يقال على ما قال بعض أهل العلم: إن المضاعفات في الفرائض أو يقال: إن المضاعفات في بيوت المدينة بالنسبة للنوافل حاصلة كمضاعفة الفريضة في المسجد، تكون صلاة في بيت بالمدينة أفضل من ألف صلاة في ما عداها، هذا بالنسبة للنوافل، وأما الفرائض فالمضاعفة في مسجدي هذا. "متفق عليه، واللفظ لمسلم". والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش فيها؟ طالب:. . . . . . . . . نعم يقول: صلاة التراويح صلاة التهجد في رمضان هل هي أفضل في البيت؟ الجزء: 34 ¦ الصفحة: 24 عموم الحديث يشملها، ويفعل ذلك بعض أهل العلم؛ لأن الصلاة في البيت أفضل من جهة؛ ولأن صلاتهم في بيوتهم أطول من صلاة الإمام في المسجد؛ لأن الإمام إذا صلى في المسجد صلاة التراويح أو صلاة التهجد فإنه يخفف بخلاف ما إذا صلى الإنسان لنفسه فليطول لنفسه ما شاء، وهم يفعلون ذلك لهذين الأمرين، لكن قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، فتكون صلاة النافلة في المسجد أفضل من أجل أن يقتدي به الناس؛ لأنه لو صلى الفريضة في رمضان صلاة العشاء وخرج فالناس يقتدون به يخرجون، ما يدرون إلى أين يذهب؟ قد يتركون الصلاة، ويقولون: لو كانت الصلاة مؤكدة ما خرج الشيخ وخلاها، وهو بيخرج إلى ما هو أفضل منها، من صلاته في بيته من جهة؛ ولأنه يطول لنفسه ما شاء، فبعض أهل العلم يرجح أن تكون صلاة الليل في رمضان في المسجد أفضل من الصلاة في البيت ليقتدى به؛ ولئلا يظن به ظن سوء. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ... الجزء: 34 ¦ الصفحة: 25 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (35) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: كيف الطريقة المثلى لضبط وحفظ كتاب المحرر، علماً بأنني أعتبر نفسي مبتدئاً؟ المحرر كغيره من المتون، فإذا بدأ الإنسان في التعلم على الجادة عند أهل العلم سهل عليه المحرر وغير المحرر، إذا كان حفظ الأربعين وحفظ العمدة، ثم بنى عليهما ما فوقهما من الكتب سواءً كان البلوغ أو المحرر، فالضبط سهل يعني، يحفظ في كل يوم خمسة أحاديث، ثم يراجعها من الغد، ويضيف إليها مثلها، وإذا كانت حافظه أكثر يحفظ عشرة، وإذا كانت أقل يحفظ حديثين أو ثلاثة. يقول: جماعة المسجد يقدمونني إلى الصلاة إذا لم يكن هناك إمام، ولكني إذا تقدمت إلى الإمامة يأتيني الخوف والشعور أني لست بحافظ للسور التي أقرأها، علماً بأنني أحفظها مثل اسمي، فهل هذا يقدح في الإخلاص؟ وما العلاج لذلك؟ هذا أمر فطري، الإنسان إذا ما تعود على شيء يهابه، ويخاف منه ويخجل، يعتريه الخجل والوجل والخوف إذا لم يعتد ذلك، ثم يزول هذا شيئاً فشيئاً، هذا يزول بالتدريج، لكن إذا كانت هذه حاله ينوب عن الإمام في الشهر مرة أو مرتين هذا لن يزول عنده الخوف، حتى يصير إماماً معتاداً، أو ينوب عن إمام يسافر سفراً طويلاً لمدة شهر مثلاً بهذه الطريقة يزول -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في سفره أنه يصلي من الليل؟ نعم ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يكن يدع الوتر ولا ركعتي الصبح لا في السفر ولا في الحضر. هل من السنة أن يضل الشخص مغطياً لرأسه ولا يكشفه للناس؟ على كل حال الرأس ليس من العورة بالنسبة للرجل، لكنه من كمال المروءة والأدب ألا يبرز إلى الناس مكشوف الرأس، لا سيما إذا كانت عادتهم تغطية الرأس. يقول: من صلى بين رافضيين هل يعتبر في حكم المنفرد خلف الصف؟ هؤلاء حكمهم حكم السواري، يعني إن أمكن ألا تصلي بينهم فهو أفضل، وإن صليت فالحكم حكم السارية للحاجة لا بأس -إن شاء الله-. يقول: ماذا يفعل من نسي سجود السهو؟ الجزء: 35 ¦ الصفحة: 1 نسي سجود السهو إن لم تطل المدة يأتي به، وإن طالت المدة فيعذر في تركه -إن شاء الله- ما دام ناسياً. يقول: هل الأفضل لمن أراد أن يصوم شعبان أن يصومه كاملاً أم يفطر آخر يومين أم نصفه؟ لا يجوز تقدم رمضان بيوم أو يومين هذا أمر مقر ومفروغ منه، والحديث فيه صحيح، بقي الحديث الآخر: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) هذا يقويه بعض أهل العلم، ولكنه معارض بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)) مفهومه أن التقدم بثلاثة أيام أو أكثر لا بأس به، ومن كان له صوم يعتاده فلا مانع من أن يصومه في النصف الثاني من شعبان، ومن عليه صوم من رمضان سابق فلا مانع من أن يصومه في آخر شعبان. يقول: ما المقصود بحديث: ((من صام يوماً في سبيل الله))؟ الإمام البخاري جعل هذا الحديث في أبواب الجهاد، باب الصوم في سبيل الله، ويريد به الجهاد، يعني وضعه في أبواب الجهاد، وجمع من أهل العلم يرون أن المراد بـ ((في سبيل الله)) مبتغياً بذلك وجه الله. يقول: ما حكم من أخر تكبيرة الانتقال من السجود إلى أن استتم قائماً؟ لا شك أنه أساء وخالف السنة، لكن لا شيء عليه. هل يعفى عن يسير النجاسات مع ضرب مثال؟ من النجاسات ما يعفى عن يسيره، ومنها ما لا يعفى عن يسيره، فالدم مثلاً عند من يقول به، والمذي عند من يقول بنجاسته يعفى عن يسيره، لكن بالنسبة للبول مثلاً قالوا يعني نازع الشافعية والحنابلة عما لا يدركه الطرف، فيما لا يدركه الطرف هل يعفى عنه أو لا؟ يقولون: كرؤوس الإبر؛ لأن نجاسة البول شديدة، واتقاؤه واجب. يقول: في الحديث: ((لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)) يعني أبا طالب، يقول: وجاء في كتاب التوحيد: لولا الكلب لسرق الدار، أو سرقت الدار، كيف الجواب؟ الجزء: 35 ¦ الصفحة: 2 لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سبب في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، قد مات كافراً والكافر لا يغفر له، كما نص على ذلك في القرآن والسنة {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] ولكنه بشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وضع في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، ولولا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا حرف امتناع لوجود، يعني لولا وجود شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لكان عمه أبو طالب في الدرك الأسفل من النار. قد يقول قائل: إن أبا طالب مشرك، ومعلوم أن المشركين في النار بلا شك، هذا أمر مقطوع به، لكن الذين في الدرك الأسفل من النار هم المنافقون، فهل هو مشرك أو منافق؟ هو مشرك بلا شك؛ لأنه يظهر الشرك، يعني ما يبطن الشرك ليقال: منافق، فهو مظهر للشرك فهو مشرك، والدرك الأسفل من النار للمنافقين، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ طيب كيف يجاب عنه؟ لا شك أن البلاغ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] وبقدر هذا البلاغ تقوم الحجة، وأي بلاغ أبلغ مما وصل إلى أبي طالب منه -عليه الصلاة والسلام-، فقد قامت عليه الحجة بأجلى صورها، واعترف بأحقية هذا الدين، وأنه حق، وأن محمد صادق، ومع ذلك ما أسلم، فهذا يختلف حكمه عن عموم المشركين الذين بلغتهم الحجة مع شيء من الخفاء، أو مع عدم وضوح في الصورة عندهم، لكن هذا الصورة عنده مثل الشمس في رابعة النهار. ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا لولا المذمة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحاً بذاك مبينا نسأل الله السلامة والعافية، فمثل هذا الذي ليس له أدنى شيء يستمسك به؛ لماذا لا يكون في الدرك الأسفل من النار؟ قد يقول قائل: إنه خدم الدين وخدم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، نقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] لا قيمة له، ومع ذلكم شفع فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخفف عنه العذاب بسبب هذه الشفاعة. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 3 "لولا الكلب لسرقت الدار" لولا الكلب ماذا صنع الكلب؟ هل هو سبب مؤثر أو غير مؤثر؟ نعم؟ ليس بسبب، يعني هو كونه نبح هل معنى أنه خلّص الدار من السرقة؟ نبح الكلب فخاف السارق وهرب، هذا ليس بسبب، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- سبب، وفرق بين هذا وهذا، وحينئذٍ يقال: إن أبا طالب انتفع بالسبب، وأصحاب الدار انتفعوا عنده لا به، يعني فرق بين كلام الأشعرية الذين يقولون: إن الأسباب لا تنفع، وأن النفع يكون عندها لا بها، وبين كلام أهل السنة أن النفع يكون بها لا لذاتها، يعني لا تؤثر بذاتها كما يقول المعتزلة، لكنها يحصل بها نفع؛ لأن الله -جل علا- جعل فيها هذا النفع، فكون السراق يفرون إذا سمعوا صوت الكلب فتسلم الدار من السرقة لا بالكلب وإنما عند وجوده؛ لأنه لو لم يوجد مثلاً ووجد صوت غير صوت الكلب، أو انتبه صاحب الدار من غير صوت، فهذا السبب حقيقة غير مؤثر بخلاف الأسباب المؤثرة التي جعل الله فيها التأثير باطراد. طالب:. . . . . . . . . إيه، لكن هل في النصوص ما يدل على أن غير المنافقين لا يشاركونهم؟ ما في ما يدل، إنما هي للمنافقين في الأصل، لكن قد يبلغ المشرك من الظلم والجور مثل فرعون مثلاً، وما أكثر من يشبه فرعون؛ لماذا لا يستحقون هذه الدركة من دركات النار؟ لا سيما وأن أبا طالب ما فيه أدنى لبس ولا خفاء، وكأنه آمن بقلبه حينما قال: "ولقد علمت" وكفر وعاند وأصر وأبى أن ينطق بكلمة التوحيد. يقول: إذا قرأ الإمام سورة في آخرها سجدة وسجد هل إذا رفع يركع أم لا بد أن يقرأ ثم يركع؟ لا، إن قرأ فهو آمن من اللبس، يعني يخشى من اللبس؛ لأنه إذا رفع من السجدة وقام إلى الركوع قد يسجد بعض الناس، إذا كبر للقيام ثم كبر للركوع قد يسجد بعض الناس، ودفعاً لهذا اللبس إذا قرأ آية أو آيتين من السورة التي بعدها أو من .. ، كان أفضل ليندفع هذا اللبس. يقول: ذكرتم الوقت المضيق كم مدته ومتى يبدأ؟ الجزء: 35 ¦ الصفحة: 4 يعني بالنسبة لارتفاع الشمس من بزوغها إلى ارتفاعها، يعني فأطول أيام النهار لا يصل إلى ربع ساعة، وفي أقصرها قد يصل إلى عشر دقائق، ترتفع، لمدة عشر دقائق ترتفع الشمس، وكذلك الغروب إلا أنها إذا اصرفت الشمس ازدادت الكراهة، وما زالت الشمس بيضاء نقية فالوقت متسع، فإذا اصفرت الشمس زادت الكراهة ثم إذا تضيفت للغروب في آخر ربع ساعة مثل وقت البزوغ هذا، وكذلك إذا قام قائم الظهيرة، يعني إذا كانت الشمس في كبد السماء حتى تزول. هل السواك باليد اليسرى أو اليمنى؟ عامة أهل العلم حتى قال شيخ الإسلام قال: "لا أعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين" مع أنه قيل به، وجده المجد ابن تيمية يقول بالتسوك باليمين، والسبب في ذلك هل هو من باب التعبد المحض، أو فيه شوب التنظيف وإزالة الوسخ؟ فإذا قلنا: إنه تعبد محض قلنا باليمين، وإذا قلنا: إنه إزالة وسخ وقذر فإنه يكون حينئذٍ بالشمال، مع أنه كان يعجبه -عليه الصلاة والسلام- التيمن في طهوره وتنعله وترجله وسواكه، لكن المراد بالتيمن هنا البداءة بالشق الأيمن من الفم لا باليد اليمنى. طالب:. . . . . . . . . هو مثل ما قلنا في طلوع الشمس إذا كان النهار أطول وإذا كان النهار أقصر يعني يتفاوت هذا، لكن ربع الساعة كافي. هذا عنده سؤال أيضاً ثالث يقول: ما القول الصحيح في سدل اليدين أو قبضهما بعد الرفع من الركوع؟ الصحيح أن اليدين تقبضان بعد الرفع من الركوع، وفي صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا رفع إذا قام من الركوع ظل قائماً حتى يعود كل فقار إلى مكانه، ومكانه المقصود به الأقرب، وهو ما قبل الركوع، وجاء أيضاً في حديث وائل بن حجر ما يدل عليه. ما قولكم في إطالة الدعاء في قنوت الوتر؟ وما هو الضابط؟ الضابط الحاجة، يعني إذا وجد حاجة إلى أدعية معينة يؤتى بها، وإلا فالأصل أن الإمام ينتقي جوامع الأدعية بحيث لا يشق على المأمومين. إذا جاء الفعل الماضي في القرآن مخبراً عن المستقبل، فماذا يعني ذلك كما في قوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [(22) سورة الفجر]؟ يعني تحقق الوقوع {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [(1) سورة النحل]. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 5 هل هناك دروس يوم الخميس والجمعة؟ ليس فيها دروس. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره: وعن جابر -رضي الله عنه- قال: صلى معاذ لأصحابه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بـ (الشمس وضحاها) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل])) متفق عليه، واللفظ لمسلم أيضاً: وفي لفظ له: فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت، فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر؟ قال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقالت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم مكانك، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. متفق عليه. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 6 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولم يقل البخاري: ((والصغير)). وعن عمرو بن سلَمة الجُرمي قال: سلِمة الجَرْمي، الجرْمي. الجرْمي قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يغري في صدري ... يقر. يغر في صدري. يقر بالقاف. بالقاف؟ يقر من القرار. عندنا بالغين. أو يقر. فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تَلُوم بإسلامهم الفتح .. تَلوم يعني تتأخر. تلَوم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت واقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقاً، فقال: ((صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لِما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟! فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين، وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين. وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "ولا يؤم الغلام حتى يحتلم". الجزء: 35 ¦ الصفحة: 7 وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة، سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) وفي رواية: "سناً" بدل سلماً. رواه مسلم. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم أيضاً. يكفي، يكفي، بركة. هذا قرأناه أمس. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر" وهو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري "-رضي الله تعالى عنه- قال: صلى معاذ لأصحابه العشاء" صلى معاذ لأصحابه وفي الحديث الآخر: "صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" واللام بمعنى الباء. "صلى معاذ بأصحابه" وهنا يتجه أن يقال: إنه صلى لأجلهم، وإلا فقد كان صلى خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني إبدال الباء باللام هنا له وجه؛ لأنه صلى لأصحابه هو صلى بهم بلا شك إماماً بهم، وصلى أيضاً من أجلهم، وإلا فقد كان صلى خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان معاذ يصلي العشاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في مسجده، ثم يأتي إلى أصحابه فيؤمهم ويصلي بهم، وهذا من أقوى أدلة من يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، أما بالنسبة لصلاة المتنفل خلف المفترض فالخلاف فيها أضعف، يعني الخلاف في صلاة المفترض خلف المتنفل يعني موجود عند أهل العلم، ومنصور عند كثير منهم، لكن صلاة المتنفل خلف المفترض هذه لا إشكال فيها، والأدلة عليها كثيرة، هذا الحديث مما يستدل به من يقول بصلاة المفترض خلف المتنفل، والدلالة فيه واضحة. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 8 الحنابلة عندهم أن المفترض لا يصلي خلف المتنفل؛ للاختلاف في النية، مع أن الاختلاف في النية يدخل في قوله: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)) أو الاختلاف الذي تجب مراعاته الاختلاف في الأفعال والأقوال دون النيات؛ لأنه فصّل في الحديث: ((إذا كبر فكبروا)) ((إذا ركع فاركعوا)) ((إذا قال: سمع الله)) ((إذا سجد فاسجدوا)) ... إلى آخره، يعني فصّل ما يجب فيه الموافقة، وأما النيات فلا تعرض لها؛ لأن الموافقة والمخالفة المقصود بها من حيث الظاهر؛ ولذا يصح أن يصلي الظهر خلف من يصلي العصر على هذا القول، وإلا فالمسألة واحدة عند الحنابلة، لا يصلي مفترض خلف متنفل، ولا من يصلي الظهر خلف من يصلي العصر ولا العكس؛ للاختلاف في النية، ولذا الجمهور يلزمون من يصلي من المسافرين -قل جماهير أهل العلم يعني ما يعرف مخالف إلا الشعبي ونفر يسير- من يأتم بمقيم من المسافرين يلزمه الإتمام لوجوب الموافقة في الظاهر، وأما بالنسبة للباطن في النيات فهذا الحديث وما جاء في معناه لا يدل على وجوب الموافقة فيه، وإن كان عموم: ((فلا تختلفوا عليه)) يشمل، لكن التفصيل في الحديث يدل على أن الموافقة وعدم الاختلاف إنما يكون في الأفعال والأقوال لأن التفصيل جاء في الأقوال والأفعال. المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه الإتمام، وإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، طيب إذا ائتم بمقيم والصورة واحدة مسافر نام عن صلاة العشاء فوجد الناس يصلون الصبح، صح أنه ائتم بمقيم، لكن هل يلزمه الإتمام أو لا؟ مسافر دخل المسجد لصلاة العشاء يريد أن يصلي ركعتين وائتم بمقيم وجد الناس يصلون تراويح، يصلون ركعتين يلزمه الإتمام أو لا يلزمه؟ طيب قولهم: إن ائتم بمقيم هذا مقيم، يعني هل المنظور له الإمام أو الصلاة؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الأمران؟ طالب:. . . . . . . . . إذا قلنا: الأمران يلزمه الإتمام، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 9 نعم المنظور له الصلاة ((فلا تختلفوا عليه)) وصح أن من يصلي العشاء خلف من يصلي الصبح هذا مسافر وهذا مقيم ومثله إذا دخل لصلاة الظهر ووجد الإمام يصلي الجمعة، هل نقول: تصلي جمعة وتسقط عنك الظهر أو تصلي ظهر؟ الجمعة أفضل، لكن يلزمه إذا صلى الجمعة ألا يجمع معها العصر، وإن صلاها بنية الظهر جمع معها العصر، هذا الفرق. من أوجه المخالفة بين الإمام والمأموم -وهذا لو كان في درس أمس كان أولى لكن ما يمنع أننا نأتي به- إذا خالف الإمام فترك سنة من السنن، ما رفع يديه لتكبيرة الإحرام أو للركوع أو للرفع منه، فلا تختلفوا عليه نقول: ما نرفع أيدينا؟ ما نرفع أيدينا لأن الإمام خالف؟ لا، العبرة بالسنة، ومن خالفها فلا عبرة به. وهذه مسألة أيضاً يكثر السؤال عنها وهو إذا كان الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة والمأموم يراها، نقول: يجلس جلسة الاستراحة، ولا يكون في هذا إخلال بالمتابعة؛ لأن العبرة بالسنة لا بمن ترك السنة. "صلى معاذ لأصحابه العشاء فطول عليهم" معروف الحنابلة لا يجيزون مثل هذا؛ لأن صلاة المفترض خلف المتنفل لا تصح. وعند أبي العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة ... وقد كان صلى الفرض خلف محمدِ الجزء: 35 ¦ الصفحة: 10 "فطول عليهم" طول عليهم في القراءة، وفي بعض الروايات: أنه قرأ سورة البقرة "فانصرف رجل منا" انصرف رجل أتى إلى المسجد ومعه ناضحان، النواضح هي الإبل التي يستقى عليها الماء "فصلى" "فانصرف رجل منا" يعني انفرد، نوى الانفراد وصلى، وإن كان اللفظ يحتمل أنه قطع صلاته وصلى منفرداً "فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ -رضي الله عنه-" ولا شك أن مثل هذا التصرف إذا لم يعرف سببه قطع العمل {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] هذا لا يجوز بدون سبب ولا مبرر، يعني من دخل في التطوع يقال له: المتطوع أمير نفسه أو يقال له: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد]؟ يعني إذا صام يوم تطوع هل يقال له: أنت حر لأدنى سبب تفطر ولو من غير سبب؟ المتطوع أمير نفسه، أو نقول: لا، ما دام شرعت في العبادة لا يجوز لك أن تقطعها للنهي عن إبطال العمل؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، وهذا باستثناء الحج والعمرة إذا دخل فيهما لزمه الإتمام {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] وما عداهما يدخل فيه هذا الخلاف، يدخل في الخلاف. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 11 هذا الذي انصرف لهذا المبرر مسكين يستقي طول النهار، وخاف على نواضحه أن تضل وتضيع عليه، فقطع الصلاة، أو نوى الانفراد، واللفظ يحتمل "فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ" فمعاذ استعظم هذا الأمر، مسلم يقطع الصلاة بعد أن دخل فيها! "فقال: إنه منافق" هذا الوصف الشنيع الذي أطلقه معاذ، وجاء نظيره في نصوص "دعني أضرب عنق هذا المنافق" في حديث عتبان: ذكروا فلان وقالوا: منافق، نفسه مع المنافقين، فرد عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل عاقبهم؟ لا شك أن هذا يؤذي من اتهم بهذا، لكن الحق لا يعدوه، يعني لو طالب بحقه قال: أنا لست بمنافق، فأريد حقي من هذا؟ أو يقال: إنه يكتفى بما يستحقه من عقوبة في الآخرة؟ لأنه إذا قال الإنسان لأخيه: يا كافر إن لم يكن مستحقاً لها لا شك أن المسألة يعني فيها إثم عظيم، هل يقال: إن مثل هذه الأمور لا تدخل فيما يتعلق بالقذف ولو لم يكن بصريح القذف أو بلفظه أو بحده إنما تعزير، مثل لو قال: يا حمار، أو يا كلب، يعزر على هذا، لكن لو قال: يا منافق يعزر وإلا ما يعزر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هذا الأصل، لكن الأمر لا يعدوه، يعني وهذا حق آدمي إن طالب به عزر حسب ما يراه الإمام، لكن ما في مطالبة، وإذا كان الدافع لهذه الكلمة الغيرة يغتفر وإلا ما يغتفر؟ يعني ما جاء في النصوص كلها الدافع فيها الغيرة، دعني أضرب عنق هذا المنافق؛ لأنه قد يكون سبب الإطلاق اللبس، يعني أطلقه مع تأويل سائغ، هذا ليش ترك الصلاة؟ لماذا ترك الصلاة وانفرد؟ يعني في تقدير عموم الناس لا شك أنها مخالفة، لكن السبب ظاهر، والعذر واضح، رجل يستقي على نواضحه النهار، ويريد النوم، ثم تفتتح سورة البقرة، ولذا شدد النبي -عليه الصلاة والسلام- على معاذ. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 12 "فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره ما قال معاذ" من قوله له: إنه منافق "فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ )) " يعني تكون سبباً في فتنتهم، تُترك الصلاة من أجلك ومن أجل تطويلك؟! ولو لم تترك الصلاة بالكلية تترك الجماعة هذه فتنة، يعني صرف الناس عن الخير، عن الصلاة بالكلية، أو عن الصلاة في الجماعة هذه فتنة، هذا فتن للناس عن هذه الصلاة. ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ)) بسور متوسطة ((بـ (الشمس وضحاها) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأ ْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل])) هذه السور متوسطة، ليست من طوال المفصل، ولا من قصاره، سور متوسطة، هذه يحتملها الناس كلهم، حتى المريض يحتملها، والصغير وصاحب الحاجة يحتمل، لكن صاحب الحاجة المسكين الذي خشي على شيء من ماله أن يضيع أو على ولده، أو كان مريضاً، أو صغيراً لا يحتمل طول القيام يُقرأ بسورة البقرة! هذا بالنسبة للفريضة التي هي مطلوبة من جميع المكلفين، أما بالنسبة للنافلة، أو الإنسان يصلي لنفسه يطول ما شاء، النبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، وصلى بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، لكن قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بصلاة المغرب بالأعراف، وصلى بالطور، صلى بالصافات، صلى بـ (ق) و (اقتربت) صلى بسور طويلة، وصلى في صبح الجمعة بـ (آلم) السجدة وسورة الإنسان. أولاً: لم يكن عمله -عليه الصلاة والسلام- التطويل باستمرار، ولا يمنع أن يطول الإمام إذا رأى في المأمومين شيء من النشاط، وأنهم لا يكرهون ذلك، على أن لا يتخذ ذلك عادة، فالأعراف قرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة واحدة لبيان أن مثل هذا العمل شرعي وجائز إذا انتفت العلة ((فإن فيهم الصغير والكبير والمريض وذا الحاجة)) وإذا وجد مجموعة يرغبون في التطويل يطول بهم الإمام، ما في ما يمنع، والأدلة على ذلك ما ذكرنا من قراءة السور الطوال. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 13 وأيضاً كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بهذه السور، يقرأ بالصافات، ويقرأ بالأعراف، ويقرأ بكذا، ويقول لمعاذ: فاقرأ بالشمس وضحاها، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] ... إلى آخره، هذا أسلوب من أساليب العلاج الشرعي، فإذا رأيت شخصاً يطيل الصلاة تأمره أن يقرأ مثل هذه السور، وإذا وجدت شخصاً ينقر الصلاة ما تقول له: اقرأ هذه السور، تقول: قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأعراف، قرأ بالصافات من أجل إيش؟ أن تعالج ما عنده من خلل، من الأصل عنده تخفيف ونقر للصلاة تقول له: اقرأ بالشمس وضحاها؟! يمكن يقسمها في ركعتين، يقول: امتثلت؛ لأنه من الأصل هو ميال إلى التخفيف، بينما لو وجدت شخص ميال إلى التثقيل والتشديد تعالجه بمثل هذه السور، وهكذا جاءت النصوص الشرعية إذا وجد شخص عنده غلو وتشدد تورد عليه نصوص الوعد من أجل إيش؟ أن تكسر ما عنده من حرارة، وإذا وجدت مرجئاً أو متساهلاً تعالجه بنصوص الوعيد، تعالجه بنصوص الوعيد، وهكذا جاءت النصوص للتكافؤ ولعلاج أوضاع الناس، سواءً كانت مجتمعات أو أفراد. عبد الله بن عمرو يقوم الليل كله، ويقرأ القرآن في يوم، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) شهر يعني كل يوم جزء، قال: أطيق أكثر من ذلك، ويش الجزء؟ قال: ((اقرأ مرتين في الشهر)) قال: نطيق أكثر من ذلك، قال: ((ثلاث مرات في الشهر)) يعني يبدأ بمثل عبد الله بن عمرو لأنه مندفع بالأسهل، ثم قال له في النهاية: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) مع أنه حث على الإكثار من القراءة، كل حرف عشر حسنات، هل في هذا تعارض؟ ما في تعارض، لو كان شخص هاجر للقرآن متى تقول له: اقرأ القرآن في شهر؟ عثمان يقرأ القرآن في ركعة يا أخي وين أنت؟ أقول: المقصود أن مثل هذا العلاج الشرعي ينبغي أن يواجه كل شخص بما يناسبه، والحمد لله عندنا النصوص كفيلة بمعالجة جميع الأمراض. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 14 لما قرأ سورة البقرة وانصرف هذا الرجل الذي تعب النهار كله في سقاية الماء على هاتين الدابتين، قال له: اقرأ بـ (الشمس وضحاها) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل]. قال: "متفق عليه، واللفظ لمسلم أيضاً: وفي لفظ له: فانحرف رجل فسلم" انحرف رجل فسلم، ما قلنا: احتمال أن يكون قطع صلاته واحتمال أن يكون نوى الانفراد؟ نعم الآن النص قال: فسلم، سلم طيب أقيمت الصلاة وأنت في النافلة ما أتممت ركعة كاملة تقطع الصلاة بسلام أو بدون سلام؟ نعم؟ لأنه قال: فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده. "وفي لفظ له -يعني لمسلم-: فانحرف رجل فسلم" وهذه يحتاجها كل إنسان، يكبر للنافلة ثم تقام الصلاة، خلاص ينوي قطع الصلاة ويلتحق بهم أو يسلم؟ مقتضى هذا أنه قال: فسلم، ثم صلى وحده وانصرف. هذا فعل صحابي وليس من علمائهم ولا من مشاهيرهم، يكفي في الاحتجاج به، أو نقول: إنه في وقت التنزيل؟ نعم في وقت التنزيل لو لم يكن مشروعاً لأُنكر عليه، فعلى هذا من أقيمت الصلاة وهو في أول النافلة يسلم ثم يلتحق بهم. "ثم صلى وحده وانصرف " قد يقول قائل: هذا الرجل فوت على نفسه سبع وعشرين درجة، ويكون في ذمة الله حتى يصبح، فوت سبعة وعشرين درجة على شان نواضح من أجل الدنيا؟! يعني من نعم الله أن جاءت مثل هذه النصوص، وإلا فالدنيا بحذافيرها لا تقوم بركعتي الصبح النافلة ليست الفريضة، لكن هذا تشريع للأمة إلى قيام الساعة، يعني لبين الأعذار الذي يجوز الانصراف بسببها من الصلاة، والانفراد. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت ... الحديث -الحديث الذي يلي هذا- حديث أبي هريرة، والأولى أن يكون بعد حديث جابر. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 15 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولم يقل البخاري ... " هذه هي العلة، علة الأمر في التخفيف ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف)) إذا ائممت الناس فاقرأ بهذه السور القصيرة والمعنى واحد، والعلة؟ ((فإن فيهم الصغير)) الذي لا يحتمل، والكبير الذي ضعفت قواه من الكبر، والضعيف نضو الخلقة الذي لا يثبت طويلاً، والمريض الذي يخشى عليه أن يسقط ويقع ((فإذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) يعني من غير أحد. طيب، دخل وقت صلاة الصبح فقال: ما دام النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) أنا أريد أن أقرأ عشرة أجزاء في صلاة الصبح، أطول كيف أشاء ما معي أحد، له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ يعني ولو خرج الوقت؟ له أن يطول ما شاء ولو خرج الوقت؟ إذا أدرك ركعة أدرك الوقت، لكن إذا لم يدرك ركعة، طول الصلاة قرأ القرآن كامل، الركعة الأولى أخذت ثلاث ساعات أربع ساعات، وخرج الوقت، نقول: لا، أنت ما أدركت ركعة، وعلى هذا فوت الوقت، لكن في حال ما لو إذا أدرك ركعة ثم خرج الوقت نقول: أدركت الوقت، وتدخل في: ((فليصلِ كيف شاء)) لكن ليست هذه السنة، لكن هذا الأصل الذي معنا الحديث أصل في كونه يطول كيف يشاء إذا صلى وحده، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 16 النافلة ما فيها إشكال، حتى لو صلى معه غيره يطول، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى معه من صلى حذيفة وغيره وطول بالنسبة للنافلة، وابن عباس وغيرهم لكن بالنسبة للفريضة إذا صلى وحده كيف شاء يشمل النافلة والفريضة، والحديث في الفريضة ((إذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) إذا أدرك ركعة كاملة من الوقت أدرك الوقت، وحينئذٍ تكون صلاته قضاء وإلا أداء؟ أداء، طيب إذا صارت أداء كلها أداء هذا القول المرجح عند أهل العلم، ولو كان بعضها خارج الوقت، ومنهم من يقول: ما أدركه في الوقت أداء، وما لم يدركه في الوقت قضاء، ثم جاء شخص وائتم به في الركعة الثانية بعد خروج الوقت، على القول بأن الصلاة كلها أداء نقول: هذا أدرك وإلا ما أدرك؟ ما أدرك، ولو كانت صلاة الإمام أداء، ولا شك أن مثل هذا خلاف يعني كونها كلها أداء خلاف القواعد المعروفة المقررة عند أهل العلم، لكنه على طريقة الانعطاف، مثل إيش؟ مثل من نوى صيام النفل من النهار، جاء الساعة التاسعة إلى البيت وقال: عندكم فطور؟ قالوا: ما عندنا، قال: أنا إذاً صائم، يكتب له الصيام من أول النهار وإلا من أثنائه؟ من أول النهار، والنية تنعطف حينئذٍ. يقول: الذي يسلم حينما سمع الإقامة يجلس إذا كان قائماً حتى يسلم؟ لا، يسلم وهو قائم كالجنازة. طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . حكاية هذه. طالب:. . . . . . . . . ما جاء به، ومثله الشمس، والشمس. طالب:. . . . . . . . . عندك والشمس وضحاها، نفسها. طالب:. . . . . . . . . لا، أحياناً يشكل الزيادة ما هو بالنقص، هاه؟ الذي يشكل الزيادة ما هو بالنقص، النقص سهل يعني، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو حذف واو القسم معروف، هو حذف واو القسم هنا، لكن حذف واو القسم كما حذف الكلمات التي بعدها، نعم، لكن الإشكال في الزيادة، يعني في حديث هرقل: "ويا أهل الكتاب". طالب:. . . . . . . . . على كل حال الزيادة مشكلة، الزيادة ما هي بمثل النقص. طالب:. . . . . . . . . ينصرف إذا وجد مبرر ينصرف، إذا حس بمغص وإلا شيء ينصرف، يخفف ويمشي، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إذا أدرك ركعة. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 17 لكن عموم الحديث عموم، الحديث ما فيه إشكال، لكن هل هو الأفضل أو غير الأفضل؟ هذه مسألة ثانية، لكن من أدرك عموم ((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)). طالب:. . . . . . . . . لكن الأصل في الحديث عموم، لكن هل هو الأفضل يعرض صلاته للخطر؟ طالب:. . . . . . . . . لا شك أنه إذا قصد ذلك وتحراه تحرى طلوع الشمس وتحرى غروبها أشبه المشركين، إذا كان قد تحرى، إذا كان تحري، لكن إذا كان من غير تحري فأدرك الوقت. طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . هو معروف من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت. طالب:. . . . . . . . . يعني على الخلاف في أوائل الأوقات وأواخرها، هل ينتهي وقت صلاة العصر باصفرار الشمس أو بالغروب؟ ما لم تغرب الشمس في حديث عبد الله بن عمرو، ما لم تغرب الشمس. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . حديث عبد الله بن عمرو في مسلم، عندنا عندنا، مر بنا مراراً. طالب:. . . . . . . . . ما هو عندك؟ طالب:. . . . . . . . . عندك رقم كم؟ طالب:. . . . . . . . . ما لم تصفر الشمس، لكن محل إجماع أن الوقت يمتد وقت الاضطرار إلى غروب الشمس. طالب:. . . . . . . . . إيه، لكن وقت الاختيار ينتهي، إيش معنى اختيار؟ يلزم عليه إثم؟ يعني مثل ما قالوا في وقت صلاة العشاء، ووقت .. ، الأوقات كلها يعني في أوقات اختيار وأوقات اضطرار. طالب:. . . . . . . . . ولو كان وقت اضطرار لكنه وقت للصلاة يكون أداء ما يكون قضاء، ما يكون قضاء حتى تغرب الشمس. طالب:. . . . . . . . . مسألة الإثم مسألة ثانية، لكن الوقت يمتد إلى غروب الشمس، وتكون أداء إلى غروب الشمس. طالب:. . . . . . . . . ويش يقول؟ طالب:. . . . . . . . . معروف هذا، هذا محفوظ هذا. طالب:. . . . . . . . . يقطع؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يكملها يضيف إليها أخرى كما جاء في البيهقي وغيره ((فليضف إليها أخرى)) يعني ما هو معناه فقد أدرك الصلاة أو أدرك الوقت إنه خلاص يسلم من ركعة، فليتم يعني يكملها، يأتي بركعة في الصبح، ويأتي بثلاث في العصر، ومع ذلك كلها أداء. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 18 يعني إذا اصفرت الشمس بطلت صلاته؟ طالب:. . . . . . . . . طيب اضطرار لكنها في الوقت، ما لم تغرب الشمس فهو وقت. ((فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليطول كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) ولا شك أن النفوس تتعلق بأمور الدنيا، وصاحب الحاجة تعلق قلبه بحاجته، فلا يشغل بالتطويل فيصرف عن صلاته ويفتن عنها. وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) ولم يقل البخاري: ((والصغير)) هذه من فوارق الروايات. بعد ذلك أو قبله حديث عائشة -رضي الله عنها-، والأولى أن يضم إلى الحديث السابق، حديث أبي هريرة؛ لقوله: ((فإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) وهنا صلى قياماً، في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) النبي -عليه الصلاة والسلام- ثقل وصعب عليه الخروج من بيته إلى المسجد، لا شك أن هذا عذر. ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة كالعادة، كالمعتاد إذا حان وقت الإقامة جاء يستأذن هل يقيم وإلا لا؟ "فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) " وهو أولى الناس بالصلاة بعده -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه أفضل الأمة بعد نبيها، وإن جاء في الحديث الثاني: ((أقرأكم أبي)) وسيأتي في حديث: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) ويأتي ما بينه وبين إمامة أبي بكر مع أن أبياً أقرأ منه. " ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف" لا يتحمل مثل هذا الموقف، ورجل بكاء، أسيف "وإنه متى يقم مقامك" (متى) هذه شرطية (متى أضع العمامة تعرفوني). "إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر" طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . متى يقم. طالب:. . . . . . . . . لا يسمع الناس. طالب:. . . . . . . . . كثير، كثير، الشكل غلط، الشكل غلط. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 19 "لا يسمع الناس" هل هذا بالفعل هو الدافع لعائشة أن تقول للرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام؟ لأنه رجل أسيف؟ لا؛ لأن من يقوم مقام الرجل الكبير بعده يحصل في نفوس الناس عليه، يتشاءم به الناس، فخشيت أن يحصل في قلوب المؤمنين لأبي بكر شيء من هذا الأمر، يعني الذي يخلف الرجل العظيم مثلاً بحيث يكون بينهما بون كبير شاسع لا شك أنه يتعرض للقالة، الثاني، ولذا يقولون: فلان أتعب من بعده، فهي خشيت أن يتخذ الناس ويكون في قلوبهم شيء من النفرة؛ لأنه قام مقام النبي -عليه الصلاة والسلام-. "إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فقلت لحفصة" بنت عمر من أمهات المؤمنين "قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقالت له" وهل القصد عند حفصة هو القصد والدافع عند عائشة؟ لا، الدافع عند حفصة -والله أعلم- بما في القلوب، لكن التعقيب ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) يدل على أن الظاهر غير مراد، وأن هناك شيء في خفايا القلوب. عائشة خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر، وحفصة ماذا؟ رجت، ما خشيت، رجت أن تكون منزلة أبيها عالية، يعني لا عائشة خشيت ألا يسمع الناس ولا حفصة خشيت هذه الخشية؛ بدليل: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) يعني ما قال: والله أنا أبو بكر صحيح رجل أسيف، لكن مع ذلك وإن كان أسيف يصلي بالناس؛ لأنه أولى الناس. "فقالت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) " صواحب يوسف أظهرن خلاف ما يبطن، بدءاً من امرأة العزيز التي قدمت ما قدمت للنساء، هل تريد إكرام النساء؟ أو تريد أن تطلعهن على عذرها إذا رأين يوسف -عليه السلام-؟ الجزء: 35 ¦ الصفحة: 20 ((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر)) إصرار على أبي بكر؛ لأنه أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وأمره والتنصيص عليه والتأكيد عليه في الإمامة في الصلاة إشارة وقرينة على إمامته بعده -عليه الصلاة والسلام- في أمور الدنيا، لا يوجد نص صريح، لكن التفضيل في نصوص كثيرة، وأنه أفضل الأمة، وخير الأمة بعد نبيها، والتأكيد على إمامته في الصلاة حتى قال من قال: رضيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟! ويزعم من يزعم الوصية لعلي مع أن علياً -رضي الله عنه- صح عنه أنه قال: "ما خصنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء" إلا ما استثناه وذكره، وليس منها الإمامة، ما قال: مروا عليناً فليصلِ بالناس ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)). "قالت: فأمروا أبا بكر فصلى بالناس" امتثل -رضي الله عنه وأرضاه-، ما قال: أنا رجل أسيف ما أسمع الناس، وما قال: أنا ما تعودت الإمامة فأخجل، ومع الأسف أنه وجد ويوجد من طلاب العلم من تصلى الجمعة ظهر وهو موجود إذا تخلف الإمام، تصلى ظهر وهو موجود، طالب علم حافظ متخصص بالعلم الشرعي بالقرآن أو بالسنة ويصلون ظهر وهو موجود، بعض الناس يتعين عليه إذا لم يوجد غيره وهو قادر على ذلك، نعم الذي ما اعتاد تكون الأمور ثقيلة عليه، لكن الأمور المجزئة المسقطة للواجب والطلب يتقنها طلاب العلم عموماً، وأقول لطلاب العلم: عليكم أن تهتموا وأن تحتاطوا لمثل هذه المواقف، لا بد أن يؤهل الإنسان نفسه لهذا، مسجد مملوء بالمصلين فيه المئات يصلون ظهر بعد مضي ساعة من الوقت، وفي هذا المسجد أكثر من عشرين من خريجي الجامعات الشرعية؟ كارثة هذه. " ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) فصلى بالناس" ما في تردد "قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين" يهادى بين رجلين، كان الصحابة أيضاً إذا مرضوا كان الواحد منهم يهادى بين الرجلين، ما قال: فرصة مثل ما نقول إذا وجد أدنى سبب فرح بهذا العذر ليتخلف عن الجماعة، ولا تتصور شعور كثير من الناس إذا جمع بين الصلاتين على شان ما يأتي يصلي مرة ثانية. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 21 "فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه" عرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام-، دخل المسجد من خلال حركة المشي، أو ما تلفظ به من ذكر ونحوه "سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر" ذهب هل المقصود به الذهاب المعروف؟ يكون هذه من أفعال؟ طالب:. . . . . . . . . لا، ذهب يتأخر، أنشأ يخطب، من أفعال الشروع. "ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم مكانك" يعني لا تتأخر، بعض الأحاديث فيها ما يدل على أنه تأخر "وما كان لابن أبي قحافة أن .. " هذا كلامه في بعض الروايات: "أن يصلي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أو ما جاء في معناه، نعم يستدل به من يقول بتقديم الاحترام على امتثال الأمر، ويتوسعون في هذا، تجده يبتدع عبادة يزعم أنها من باب الاحترام والتعظيم للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ويخالف أوامره الصريحة، هذا كله بحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وبإقراره -عليه الصلاة والسلام- اكتسب الشرعية من الإقرار، فمن أين يكتسب الإنسان الذي يخالف النصوص الشرعية ويزعم أنه يحترم ويزعم أنه يحب .. ؟ من أين يكتسب الشرعية بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-؟ لأن هذه شبهة عندهم، فيرون أن الاحترام مقامه أعظم، التعظيم مقامه أعظم من مسألة الأمر والنهي، كيف تعصي وتقول: إنك تعظمه وتحترمه؟! لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيعُ "قم مكانك" يعني اثبت في مكانك "فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر" عن يساره، وهذا مقام الإمام، وفي هذا ما يدل على جواز القيام بجوار الإمام، ولو كانت هناك صفوف يعني يأتي شخص ما يجد مكان في المسجد، يصلي فذ خلف الصف أو يصلي بجوار الإمام؟ يصلي بجوار الإمام صلاته صحيحة، ولا يصلي فذاً. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 22 "قالت: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً" ولما صلى بهم في داره جالساً قاموا أشار إليهم: أن اجلسوا، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين، وهذا تقدم، ويعارضه هذا الحديث، وهو متأخر عنه، وعرفنا المذاهب في هذه المسألة، المالكية يرون عدم صحة إمامة القاعد لا من قيام ولا من قعود، ما يصلى خلفه، والحنفية والشافعية يرون أنه يصلى خلف القاعد من قيام فقط، عملاً بهذا الحديث، وهو ناسخ للحديث السابق، والإمام أحمد يقول: يمكن الجمع بينهما، فإذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها صلوا قعوداً، وإذا افتتحت الصلاة من قيام كما هنا افتتحها أبو بكر من قيام فإنهم يصلون خلفه قياماً، والقيود التي ذكرها الإمام أحمد استحسنها كثير من أهل العلم. "وأبو بكر قائماً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" الأصل أن القدوة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو الإمام، لكن القاعد ما يراه المأموم، إنما يرون القائم مثلهم، وأبو بكر قائم مثلهم "وصوته -عليه الصلاة والسلام- ضعيف لا يبلغهم، وصوت أبي بكر يبلغهم" وفي هذا استحباب اتخاذ من يبلغ الصوت عند ضعفه، ويقوم مقامه هذه المكبرات، ولا داعي للجمع بين المكبرات ومن يبلغ؛ لأن التبليغ قدر زائد على الحاجة، ومع الأسف أنك تجد في مساجد ما يصلي فيها ولا نصف صف، وتجد المكبرات على أعلى درجاتها، وقد يتخذون من يبلغ الصوت. في بعض البلدان التي فيها من المسلمين يقول شخص: أنا صليت في مسجد ما فيه إلا أنا والإمام، أقيمت الصلاة ما أدري من أين أقيمت؟ وإذا ركع بلغ، وإذا رفع بلغ، نبحث، يوم سألت الإمام وين المؤذن اللي يبلغ؟ قال: شوفه في غرفة هناك، غرفة زجاجية هناك في آخر المسجد، إشكال، إشكال كبير يعني، مثل هذه التصرفات وبعض الشباب، بعض الناس يمرض إذا صلى في بعض المساجد، ترفع المكبرات على أعلى درجاتها، وما في أدنى مبرر، ومؤثرات على شان إيش؟ والله المستعان. اللهم صلِ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . إلا. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 23 يقول السائل: إن أبا بكر كان إماماً ثم صار مأموماً، ولا إشكال في هذا كما في مسألة الاستخلاف والعكس الإمام يمكن أن يصير مأموم. طالب:. . . . . . . . . يعني الإمام تأخر عن المأمومين كلهم في تكبيرة الإحرام؟ الإمام تأخر والإجماع منعقد على أنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على الإمام في تكبيرة الإحرام، الصورة القريبة من هذه في حال الاستخلاف، هل يجوز أن يستخلف المسبوق أو لا يجوز؟ نفسها، نفس الصورة اللي معنا، مسبوق كبر بعد إمامه بمدة بركعة أو ركعتين ثم طرأ للإمام ما يقتضي الاستخلاف الذين معه كلهم لا يقرؤون إلا هذا الشخص المسبوق يقدم وإلا ما يقدم؟ هو مسبوق حتى في تكبيرة الإحرام، نفس الصورة هذه، هو مسبوق بتكبيرة الإحرام، الحديث يدل على جواز مثل هذه الصورة. طيب اثنان جماعة في مسجد ودخل ثالث ودفع المأموم إلى الأمام وأكمل الصلاة، إمام في اليسار ومأموم في اليمين دخل شخص بعدهما فدفع المأموم إلى الإمام، أو سحب الإمام خلف وأكمل الثاني، الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . ما استخلفه الإمام، أقول: مثل هذه الصورة لا تجوز ابتداءً، يعني ما يقال بها ابتداءً، لكن إذا وقعت؟ إذا وقعت صلوا وانتهوا، نقول: كون المأمون يصير إمام أو في حال الاستخلاف صحيح، والإمام يكون مأموم في صلاة أبي بكر صحيحة، فتصحح من أجل الحاجة، لا سيما إذا صلوا وانتهوا وتفرقوا يمكن أن تخرج على وجه صحيح، أما ابتداءً فلا. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يصلون، يكملون صلاتهم وهو يكمل، يصلي بهم على هيئة صلاة الإمام. طالب:. . . . . . . . . من هو؟ طالب:. . . . . . . . . هذا الظاهر إيه. اللهم صل على محمد ... طالب:. . . . . . . . . ويش لون؟ طالب:. . . . . . . . . لا عموماً عموماً، شيء في النفس يجدونه إذا إنسان خلف شخص كبير لا شك أن الناس لا يتحملون ... الجزء: 35 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (36) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ذكر القرطبي -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى في ذكر مريم: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] أنه قد يكون شرْعٌ لهم أي أنها تصلي مع الجماعة، قال: قد يكون المعنى افعلي كفعلهم في الصلاة. ثم قال: وهنا مسألة قد جاءت أحاديث في فضل مريم -عليها السلام- فمثلاً قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد)) وقد جاء: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران)) يقول: فهذا وصف لمريم بكمالها، وأنها مستثناة من نقص النساء، فلما كان حالها حال كمال مثل الرجل أمرت بالصلاة معهم، فهي أفضل من النساء فكأنها صارت بمنزلة الرجال، والله أعلم. يقول: ما هي الطريقة السهلة لتعلم علم الفرائض؟ وهل تقرأ كتب المعاصرين أم كتب المتقدمين؟ تعلم الفرائض إما أن يكون على طريقة القرآن بالتبويب والتصنيف والتقسيم على الوارثين، أو يكون على طريق الأنصباء كما فعل صاحب الرحبية، وهو فعل كثير ممن صنف في علم الفرائض، وعلم الفرائض علم محدود يمكن الإحاطة به، فمن تعلمه على طريقة القرآن وصنف أبوابه على الوارثين، وذكر نصيب الأولاد من الذكور، ثم الإناث، ثم الوالد ثم الوالدة، ثم الزوج والزوجة وهكذا، وأحوال الإرث بالنسبة لكل واحد منهما، هذه طريقة القرآن، وهي طريقة سهلة. والطريقة الثانية: تصنف وقد صنفت كتب على الأنصباء، فذكروا أصحاب الثلثين، ثم الثلث، ثم السدس، ثم النصف، ثم الربع، ثم الثمن، ثم العصبة، ثم ذوي الأرحام، وهكذا، وعلى كل حال الجاري عند أهل العلم تعليم الفرائض على منواله هي طريقة الرحبية المنظومة الرحبية مائة وسبعين بيت، أحاطت بعلم الفرائض في الجملة مع شروحها، فهي نافعة جداً على اختصارها وسهولة نظمها. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 1 كتب المعاصرين وكتب المتقدمين لا تختلف كثيراً بالنسبة لهذا الفن، إلا أن كتب المعاصرين قد وضحت بجداول، فإذا قرأ الرحبية مع شرح من شروحها للمتقدمين وأتقنها، ثم نظر في كتب المعاصرين استفاد كثيراً. يقول: من آتاه الله حفظاً فحفظ القرآن والمتون هل يحفظ كتب أهل العلم الكبيرة إذا قرأها أم أنه يحدد في الكتاب ويحفظ ما حدده؟ إذا كانت الحافظة تسعف، لكن لا يضيع نفسه بحفظ كتاب كبير بحيث يعوقه عن النظر في كتب أخرى، يقتصر في حفظه على المتون، وينظر في الشروح والحواشي ويستفيد منها. ما حكم شراء الذهب من المحلات عن طريق الشبكة أو بالتقسيط؟ شراء الذهب لا بد أن يكون يداً بيد، ولا ينفع التقسيط هذا ربا، ولا الشيك، ولا السحب بالبطاقة لأنه يتأخر، يعني يتأخر انتقاله إلى البائع، والشيك ولو كان مصدقاً لا يكفي، بل لا بد أن يكون يداً بيد. إذا طهرت الحائض في وقت العصر فهل تلزمها صلاة الظهر مع العصر أم لا يلزمها سوى العصر فقط؟ قول الجمهور أنها تلزمها صلاة الظهر مع العصر؛ لأن وقت العصر وقت للصلاتين في حال من الأحوال فتلزمها من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أنه لا يلزمها إلا التي طهرت في وقتها. أما بالنسبة ... يقول: نرجو التفصيل في هذه المسألة لأنه كثر النزاع بين الأخوات من باب الحرص يفتين من باب الاحتياط؟ نعم الاحتياط في هذا مطلوب؛ لأنه قول معتبر عند أهل العلم. هذا من استراليا يقول: هذا السؤال من زميل لي، وهو في استراليا معي، زوجته حامل، وتراجع مستشفى، وأعطوها بعض الفيتامينات، سمع زميلي عن تلك الفيتامينات أن فيها مشتقات من الخنزير -أجلكم الله- فاتصل بالشركة هنا في استراليا وسألهم عما إذا كان يحتوي ذلك الدواء على المشتقات الخنزيرية، وأخبروه أن نعم بها مشتقات من الخنزير، سألهم لما لا تكتبوا هذا على العلبة؟ قالوا: هذا نظام عالمي في مصانع الأدوية أنها غير ملزمة كغيرها من شركات الأغذية والمشروبات أن تكتب المواد المشتقة في التصنيع، بل يقول صاحبي: إنه سمع أن حتى بعض الكبسولات إن لم يكن كلها التي في السعودية تحتوي على هذه المادة الجلاتين، وهي مادة رئيسة لصناعة غلاف الكبسولة. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 2 هذا السؤال: هل يلزمنا في المستقبل أن نتصل بالشركات دائماً لنسألها هل يحتوي الدواء على مشتقات خنزيرية أم لا؟ لأن الصيدلي لا يعرف، وهم مجمعون أن الشركة لا يلزمها كتابة ذلك كما هو لا يلزم شركات أغذية أخرى، علماً أننا -ولله الحمد- محافظين لا نستسيغ أكله ومشتقاته أبداً. لا شك أنه إذا غلب على الظن أو حتى وجد الشك أنه يوجد مادة محرمة في أي مأكول أو مشروب فإنه لا بد من التثبت من ذلك، وأقل ما فيه اتقاء الشبهة، أما إذا غلب على الظن يتعين السؤال عنه، بل يجب اجتنابه إذا غلب على الظن أن فيه شيء مما حرم الله -جل وعلا-، ولم يجعل الله شفاء أمة محمد فيما حرم عليها. يقول: هل إذا رزقت بمولود أسجد لله شكراً؟ نعم تسجد لله شكراً لا سيما إذا كان بعد انقطاع طويل أو بعد عقم، أو بعد يأس أو شيء من ذلك، أما إذا كانت الولادات متتابعة فلا يتجه مثل هذا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . تدخل إيش؟ طالب:. . . . . . . . . لا ما دامت الأصل المادة موجودة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . استحالة إلى إيش؟ طالب:. . . . . . . . . المهم أن التركيب موجود، يعني الاستحالة مثل كلب وقع في مملحة فصار ملح ما ترى كلب، أنت ترى ملح في لونه وطعمه وشكله هذه استحالة، أما كونه انتقل وصُنّع من مادة إلى مادة ما يكفي. هل حديث: ((إن الملائكة لا تدخل بيت فيه جنب))؟ نعم صحيح، هذا من الجزائر. وهذا أيضاً من الجزائر يقول: لدي سؤالان: الأول: أنا أسكن مع أخي يدعو إلى الفرق الصوفية، ماذا أفعل؟ أفيدونا بارك الله فيكم. عليك أن تتعلم العقيدة الصحيحة، وتعرف عن الصوفية ما يجب إنكاره، ثم بعد ذلك تنكر على أخيك باللين والرفق، وتدعوه إلى الحق، عل الله أن يهديه على يديك. والسؤال الثاني: أنا أطلب العلم بمفردي، أحفظ المتون، وأستمع إلى الأشرطة، وهل هذه الطريقة تخرج طالب علم قوي؟ هذه إذا لم يوجد غيرها نعم تخرج، لكن إذا وجد من يُجلس عليه من أهل العلم ويُمثل بين يديه فإنها لا تغني، بل لا بد من الأخذ عن الشيوخ مباشرة. ما حكم السفر إلى بلاد الكفر للسياحة إذا كان الإنسان محصناً ومعه وزوجته؟ الجزء: 36 ¦ الصفحة: 3 الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام واجبة، فكيف بالانتقال من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر من غير ضرورة؟! يقول: عندي سؤال خارج عن موضوع الدرس هذا من الجزائر: وهو أني أشرف في دورة حفظ القرآن الكريم، وكنت أعرض الحفظة، وفي ختام هذه الدورة سيقام حفل لتكريمهم، وسيشتمل هذا الحفل على التصوير، وعرض مسرحيتين وأناشيد، فهل يجوز لي الحضور مع أن حضوري معتبر نسبياً، فما نصيحتكم؟ لا يا أخي لا تحضر، إن حصل أن تنكر عليهم ويزال المنكر بسببك هذا هو الأصل، لكن إذا لم تستطع إزالة المنكر فلا تحضر. أعمل أحياناً في الصيد البحري، وأخرج للصيد في قارب صغير من الصباح المبكر إلى قرابة وقت المغرب، ولضيق المكان واضطراب البحر أضطر أحياناً لصلاة الفريضة جالساً، فهل الأولى أن أصلي الظهر والعصر كل صلاة في وقتها جالساً، أو أؤخر صلاة الظهر وأصليها جمعاً مع العصر للإتيان بركن القيام، وهذا بعد خروجي من البحر في المساء، أفيدونا؟ نقول: يا أخي لا يجوز لك أن تؤخر الصلاة عن وقتها وأنت مقيم صحيح لهذا العذر، بل لك أن تؤخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها، يعني إذا نزلت البحر من صلاة الصبح إلى آخر وقت الظهر كافي هذا، ثم تصليها في وقتها، ثم تصلي العصر في وقتها. هذا من الهند يقول: هل نحصل على ثواب مجلس الذكر ونحن نستمع لكم في الهند؟ إن شاء الله تعالى، هذا إذا لم يتيسر الحضور فإن الحضور المتاح حول هذه الآلات المأمونة الضرر، المرجوة النفع يرجى أن يحصل به الثواب -إن شاء الله تعالى-. يقول: اسأل في المسبوق لو كانت ركعة فاتته هل أقرأ سورة الفاتحة فقط، وإن كانت اثنتين هل أفعل الشيء نفسه يعني سورة الفاتحة فقط؟ أنت ما أدركته مع الإمام هو أول صلاتك، وما تقضيه بعد سلام الإمام هو آخر صلاتك، فإن فاتتك ركعة فالتي تقضيها بالنسبة لك هي الرابعة، تقرأ الفاتحة فقط، وإن زدت عليها فحسن، لكن ليست كالركعتين الأوليين، ومثل هذا لو فاتك ركعتان من صلاة الرباعية فما أدركته مع الإمام تقرأ فيه الفاتحة، وإن تيسر تقرأ معها سورة فهو الأصل، وإن لم تدرك ذلك فأنت معذور. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 4 تقول: أنا امرأة صليت الصلاة في المتنزه حينما رأيت النساء يصلين حول هذا الاتجاه في القبلة، فلما انتهيت رأيت أناس يصلون بخلاف قبلتي التي صليت عليها، فسألت فقيل: إن صلاتك عكس القبلة، فأعدت الصلاة، ثم بعد إعادتي للصلاة اتضح أن صلاتي الأولى هي الصحيحة، فما حكم صلاتي هل أعيدها؟ لا، لا تعيدين؛ لأن الصلاة الأولى ما دامت هي الصحيحة هي الفريضة. ما هو العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة؟ من أهل العلم من يرى أن الأربعين هم العدد المحدد لصلاة الجمعة لكن الخبر الوارد في ذلك ضعيف، والصواب أنه لا عدد. يقول: ما حكم الابتداء بالقراءة في الركعة الثانية من قوله: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [(44) سورة القلم]؟ الأولى أن المصلي يختار في تقسيم السورة ما يتم به المعنى، فإذا تم المعنى انتقل إلى معنى جديد يستأنف به الركعة الثانية. ما حكم تقليد القراء في هذا النوع، وقد انتشر في مقطع سورة الفاتحة بقراءة الأولى بقراءة قارئ، والثانية بقراءة قارئ، والثالثة بنفس القارئ الأول وهكذا؟ إن كان المقصود بالقراء الذين يقرؤون القرآن على القراءات المعروفة عند أهل العلم السبع أو العشر فالتلفيق غير مرضي عند أهل العلم، بل على الإنسان أن يقرأ بقراءة واحدة من أول القرآن إلى آخره، وإذا أراد أن يقرأ بقراءة أخرى فلا يلفق بين قراءته، فكيف بصلاة واحدة يقرأ آية على قراءة عاصم، والآية الثانية على ورش، والثالثة على قالون، هذا تلفيق، والأصل أن القراءة تكون واحدة، ولا يلفق بين القراءات، لكن لو قرأها مرة السورة كاملة بقراءة قارئ والثانية بقراءة قارئ آخر لا بأس، ما لم يحدث تشويش؛ لأن هذه القراءات كلها صحيحة وثابتة ومتواترة. ما حكم الألبسة التي يوجد بها الهيكل الخارجي لبعض الحيوانات مثل الفراشة والعصفور من غير تحديد لأعضائه بحيث من يراها يعرف أنها فراشة من شكلها، لكن دون رسم ملامح الوجه ولا جزئيات الأعضاء؟ الأولى اتقاء هذه الرسومات لذوات الأرواح، والصورة لا تتحقق إلا برسم الوجه الواضح. يقول: ما الفرق بين التطريز والحاشية؟ الجزء: 36 ¦ الصفحة: 5 التطريز ما يكون في ثنايا الأقمشة، والحاشية ما يكون في أطرافها. هذا من الإمارات يقول: لقد تلعثمت الليلة في قراءة الفاتحة في الركعة الأخيرة من صلاة العشاء، وأعدت الآية التي تلعثمت فيها، ولكن الإمام ركع قبل أن أكمل فركعت معه هل علي شيء الآن؟ لا، لا شيء عليك؛ لأنك لم تفرط، فأنت في حكم المسبوق. يقول: من أبو عبيدة الوارد ذكره وأقواله كثيرة في كتب الغريب والتفسير؟ أبو عبيدة هو معمر بن المثنى اللغوي المشهور المعروف، وأبو عبيد القاسم بن سلام. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمرو بن سلمة الجرْمي قال: كنا بماء" بماء يعني في مكان فيه ماء مورد "ممر الناس" يعني مكان مطروق، يمرون معه ذهاباً وإياباً من وإلى المدينة "ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان" والماء في الغالب يجذب الناس، يجعل المارة المسافرين يرتادونه ذهاباً وإياباً. "وكان يمر بنا الركبان" جمع راكب، كما يجمع الراكب على ركب، مثل صحب وصاحب "فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ " يعني ما خبر الناس؟ وما بال الناس؟ "ما هذا الرجل؟ " يسألون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله" يزعم هذا يحتمل أن يكون ممن لم يصدقه، وهذه عبارة تستعمل غالباً في الخبر المشكوك فيه، وقد تستعمل في القول المحقق وقد يقوله من يصدق النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها تأتي بمعنى "يقول" وكثيراً ما يقول سيبويه في كتابه: زعم الكسائي ويوافقه، يعني قال الكسائي، وليست محققة في الكلام المظنون أو المشكوك فيه، بل تأتي لهذا وهذا. "يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى الله إليه بكذا" بكذا ثم يقرأ هذا المخبر ما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الصبي عمرو بن سلمة يحفظ من أول ما يسمع، من أول مرة؛ لأن حافظته قوية، وهو بممر الناس، فإذا سئل هذا الوارد وهذا الوافد عما أوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يزعم أن الله أوحى إليه كذا فيذكر سورة أو آيات من سورة فيسمعها هذا الصبي فيحفظها. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 6 "فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقر في صدري" في بعض ألفاظ الصحيح "يغري في صدري" وإذا أغري الإنسان بالشيء حفظه واهتم به "فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلَوم بإسلامهم الفتح" يتأخرون بإسلامهم ينتظرون الفتح، فإن غلب على قومه وتبعوه تبعهم الناس، وإن لم يغلب عليهم وغلبوه أراحوا الناس منه على حد زعمهم "وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق" لأنه قليل العدة قليل العدد من الأتباع بالنسبة لقومه، فإذا انتصر عليهم دل ذلك على أنه مؤيد من الله -جل وعلا-، وهذا علامة صدقه. "فلما كانت وقعة الفتح وقد ظهر على قومه، ودخلوا في دين الله أفواجاً، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم" يعني تقدم عليهم "فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً" لكن هذا بعد الفتح ولو كان قبل الفتح لكان أفضل؛ لأن الآن ما بقي لأحد حجة "جئتكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً، فقال: ((صلوا صلاة كذا في حين كذا)) " يعني في مواقيت الصلاة، صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ((وصلوا صلاة كذا في حين كذا)) صلاة الظهر مثلاً من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله ((فإذا حضرت الصلاة)) ودخل وقتها ((فليؤذن أحدكم)) بدون شرط إلا أنه ينبغي أن يكون الأرفع صوتاً والأندى؛ لأن المقصود من الأذان الإعلام بدخول الوقت، وكلما كان الصوت أرفع كان أبلغ وأكثر تبليغاً لمن بعد. ((فليؤذن أحدكم)) فالأذان لا يشترط له شرط، لا أن يكون قارئاً، ولا أن يكون عالماً، ولا أن يكون كبيراً، ولا صغيراً، ولذا قال: ((أحدكم)). ((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) الإمامة لها شروط، الأذان ليس له شروط، أهل العلم يشترطون أن يكون ثقة؛ لأن غير الثقة لا يهتم بالأوقات، ومع كونه ثقة يعني متدين وعارف بالأوقات أن يكون صيتاً؛ لأن هذا هو المقصود من الأذان، وكونه لا ينص عليه في قوله: ((أحدكم)) لا يعني أنه لا اعتبار له. ((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) وسيأتي في حديث ابن مسعود: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) وسيأتي ما فيه من كلام لأهل العلم. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 7 " ((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني" لماذا؟ لأن حافظته قوية، وينتبه لما يلقى فيسمع من الوافدين ويحفظ. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 8 يقول: "فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لِما كنت أتلقى من الركبان" يعني على ما مضى شرحه "فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين" التمييز شرط للإمامة بالإجماع؛ لأن غير المميز لا يعقل ما يفعل، والتمييز يحصل بفهم الخطاب، ورد الجواب عند أهل العلم، هذا بالنسبة لأفراد الناس، وأما بالنسبة للعموم فبسبع سنين؛ لأننا أمرنا أن نأمر الصبي بالصلاة لسبع سنين فدل على أن السبع وقت تمييز للعموم، أما بالنسبة للأفراد فقد يميز الصبي لخمس، وقد يميز لأربع، وقد لا يميز لعشر، فالأمور الخاصة ينظر فيها إلى الأحوال الخاصة، والأمور العامة ينظر فيها إلى العموم، يعني ما يحصل بها التمييز للعموم، ما يقال: والله ولدك مميز وهو ابن خمس سنين خليه يصلي معك اطلع به معك لأنه مميز، أو ابن ست سنين اذهب به إلى المسجد، وأمره بالصلاة، لا تأمره إلا إذا أكمل سبع سنين، ولا يقال: والله ولدك أبو عشر سنين ما ميز لا يصلي مع الناس، لا، ما يلزم العموم ينظر فيه ما يحصل به التمييز العمومي وهو سبع سنين، في الغالب سبع سنين الصبيان كلهم ميزوا، يندر من يتقدم، ويندر من يتأخر، لكن للخصوص؟ ما نقول: والله هذا الصبي ابن سبع سنين تصح إمامته مثل عمرو بن سلمة؛ لأن عمرو بن سلمة ميز لست سنين، وهذا ابن سبع لكن ما ميز، لكن يؤمر بالصلاة؛ لماذا يؤمر بالصلاة؟ ولو ادعى أبوه أنه لم يميز، ولو كانت حقيقته أنه لم يميز؛ لئلا يتذرع بعدم التمييز بعض الآباء، تجد صبيان يلعبون عند باب المسجد عمر الواحد منهم عشر سنين هذا لازم يدخل، يُضرب إذا لم يصلِ، قد يقول أبوه: إنه لم يميز، نقول: لا، هو يضرب عليها لعشر، ويؤمر لسبع على سبيل العموم؛ لئلا يتذرع بهذه الذريعة من يهمل أولاده عن الصلاة، يعني أولادك الآن يدرسون ليش ما يصلون؟ قال: والله ما ميزوا، يعني تعجب في هذا الأمر يقول لك: والله ما ميز، لكن ليش يميز في المدرسة؟ ليش ما تأخر عن الدراسة حتى يميز؟ يعني تجد في شباب المسلمين ثلاثين سنة مثلاً لا يصلي، ولا يُعرف في المسجد، ومتزوج وموظف ومعه سيارة، تقول لأبيه .. ، والله مسكين هذا، وهذا الحاصل، يقول لك: مسكين، احمد ربك على العافية، طيب خذ السيارة إذا صار مسكين، لا الجزء: 36 ¦ الصفحة: 9 يدهس الناس في طريقه، كيف يغش به بيت من بيوت المسلمين ويزوج من بناتهم وهو مجنون على حد زعمك؟! أو إذا جاء الدين قلت: مجنون، وإذا جاءت أمور الدنيا صار من أعقل الناس؟! يعني هذه مسائل واقعية، فكون الناس يؤمرون، كون الصبيان يؤمرون كلهم لسبع لئلا يتذرع بالتمييز من يريد أن يتساهل بتربية أولاده على الفضل والدين، ويمرنهم على ذلك؛ لأن بعض الناس لا يهتم بأمر الصلاة، ولا يريد أن يشق عليه إذا كان يلهو أو يلعب ليش يقطع عنه اللعب، وإذا كان يتابع مسلسل وإلا شيء وعمره ثمان سنوات مسكين والله ما ميز، لكن خليه يتأخر عن الدراسة تشوفون مميز وإلا غير مميز؟ على كل حال الأمر العمومي ينظر فيه التمييز العمومي وهو سبع، والأمور الخاصة ينظر فيها إلى ما يميز به كل شخص بنفسه، ولذا الإمامة هنا لابن ست سنين أو سبع سنين، يصح سماع الحديث من المميز، وحدد جمهور أهل العلم التمييز بالنسبة للسماع بخمس سنين؛ لماذا؟ لأن محمود بن الربيع كما في صحيح البخاري عقل المجة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين، وفي راية: ابن أربع سنين، هذا ميز، لكن هل كل الصبيان يميزون لخمس أو لست أو لسبع؟ ولذا الصواب أن صحة السماع تبدأ من التمييز، وتمييز كل إنسان بحسبه، فقد يميز لخمس، وقد يميز لست، وقد يميز لسبع، وقد لا يميز أبداً. يقول ابن الصلاح: "ومن لا يبلغ حد التمييز فإنه لا يسمع لحديثه ولو بلغ الخمسين" فالأمور الخاصة يعني التعليم يعلم كل إنسان إذا ميز، واستطاع أن يتحمل العلم، وبالنسبة للصلاة المطلوبة من الجميع يؤمر بها لسبع، ولو ميز قبل ذلك لا يؤمر، ولو تأخر تمييزه عن السبع لا بد أن يؤمر ما لم يكن مجنوناً، قد يقول قائل: إن الأمور لا تنضبط بالنسبة للتعليم إذا رددناه إلى التمييز الخاص، أما بالنسبة للتعليم في المساجد على طريقة أهل العلم في صدر هذه الأمة فهذا ممكن ضبطه، يكتبون لابن خمس سنين: سمع، العلماء إذا أرادوا أن يكتبوا في الطباق أسماء من حضر الدرس وسمع الكتاب: سمع فلان وفلان وفلان بما فيهم ابن خمس سنين لأنه مميز، وأما من لم يبلغ الخمس فيقال: حضر، ولا يقال: سمع؛ لأن الخمس هي الحد عند الأكثر. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 10 الآن التعليم باعتباره إلزامي وباعتباره لجميع الناس أخذ منحى الأمر العام كالصلاة، الناس يجدون في الصفوف الأولى طلاب متفاوتين منهم من يستوعب لمرة، ومنهم من لا يستوعب أصلاً، لكن بالنسبة للتعليم الحالي والمقصود به رفع الأمية في القراءة والكتابة بغض النظر عن العلم لا سيما التعليم العام ما فيه إشكال يدخل ولو كان فهمه ضعيفاً، ويخرج مع غيره، وإن كان بعضهم يصلح أن يكون أستاذاً لبعض وهم في صف واحد، ولذا نقول: من الظلم للأذكياء أن يحشروا مع الأغبياء، ويخرجون في سن واحدة، يعني الشيخ حافظ الحكمي -رحمة الله عليه- التحق بمدرسة الشيخ عبد الله القرعاوي سنة ستين، وألف سلم الوصول ومعارج القبول سنة اثنين وستين، فمثل هؤلاء العباقرة الذين يمكن أن يخرج الواحد جامعي بخمس سنين، بل فوق مستوى الجامعي، يحشر مع طالب غبي فدم، يمكن لو درس خمسين سنة ما فهم شيء! ثم في النهاية يخرجون كلهم لاثنين وعشرين سنة أو ثلاث وعشرين سنة! هذا لا شك أن فيه ظلم للأذكياء، ولذا تجدون النبوغ قليل ونادر؛ لماذا؟ لأن هذا كبت، ما دام بينتظر مثل زميله ليش يكلف نفسه؟ لماذا يكلف نفسه؟ ولذا لو صنف الطلاب يعني يجعل سنة مثلاً يدرسون فيها، ومن خلالها يصنفون، تعليم ينتهي بخمس سنوات، تعليم ينتهي بعشر سنوات، تعليم ينتهي بخمس عشرة سنة، تعليم بعشرين سنة، ويش المانع؟ يصنف الطالب إلى أربعة أقسام، وما في شك أن هذا متعب بالنسبة للجهات المسئولة عن التعليم، لكن مردوده طيب، يعني يخرج في الأمة نابغين ونبهاء، لكن هذا النابغة إذا حشر مع الأغبياء تحطم، تجده يتضايق من الدرس بمضي خمس دقائق؛ لماذا؟ لأن المدرس يكرر من أجل أن يفهم هذا الغبي، طيب الثاني؟ الجزء: 36 ¦ الصفحة: 11 والإشكال أنه لو قيل: من فهم يطلع من الفصل على شان ما يتضايق كلهم يقولون: فهمنا ويطلعون، صحيح يعني المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، الآن مضى على التعليم عندنا أكثر من سبعين سنة التعليم النظامي، وعلى وتيرة واحدة، ويلاحظ فيه الضعف المستمر، يعني كان الخريجون في السابق أقوى من الخريجين الآن، كله من أجل ملاحظة هؤلاء الأغبياء، وتدنى التعليم إلى مستواهم، والمفترض أن يرفع مستواهم إلى الأعلى، لا يدنى الأعلى إلى الأدنى. هذا ابن ست سنين يحفظ، هذا لو جاء عندنا يخلى في مؤخرة الفصل مثل غيره، واسمه عمرو بعد يمكن بيصير في أواخر الفصل. أقول: هذه المسألة لا بد من إعادة النظر فيها، فلا يحشر أذكى الناس مع أغباهم، الآن عنده كبار من قومه أبوه موجود؛ ليش ما يصلي؟ لأنه ما حفظ مثل الابن، يقول: لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، التمييز محل إجماع لصحة الإمامة فغير المميز لا يصلح أن يكون إماماً مهما كان سنه، وبعضهم يشترط البلوغ للإمامة، وهذا جارٍ على قول من يقول بعدم صحة صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن صلاة الصبي غير المكلف نفل وليست بواجبة، والصواب صحة إمامة المميز، والحديث نص صحيح صريح في ذلك. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 12 "وكانت علي بردة" يعني لا يملك غيرها، بردة قصيرة "وكنت إذا سجدت تقلصت عني" يعني ارتفعت، أنتم ترون بعض الإخوان الذين يقصرون الثياب إذا ركع خرج باطن الركبة، وإذا سجد خرج أكثر من ذلك، فعلى الإنسان أن يهتم بذلك، وأسوأ من ذلك اللباس المفصول من النصف، أما بالنسبة للرجال فالبنطلون وما فوقه اللي يسمونه البلوزة ما أدري ويش يسمونه؟ وكذلك بالنسبة للمرأة كذلك التنورة والبلوزة تنكشف إذا لم يكن عليها غيرها، يرتفع القميص الأعلى، وينكشف بعض العورة، وقد ينزل الأسفل في السجود، لا سيما إذا كان ضيقاً، فعلى الإنسان أن يهتم لأن هذا موضع عورة تبطل به الصلاة، ومع الأسف جاءنا سؤال من بلد من البلدان في جامعة من الجامعات يصلي الطلاب والطالبات جميعاً، تقول بعض الطالبات: إنها إذا سجدت انكشف ظهرها، يعني مقدمات غير شرعية يريدون لها نتائج شرعية، مثل هذا له حل؟ ليس له حل، هذا لا يجوز مع النساء فضلاً عن الرجال، هذا تبطل به الصلاة مع النساء فكيف مع الرجال؟ يعني أمور مضطربة، يعني غربة مستحكمة، المقدمات من أصلها ممنوعة فيكف بالنتائج؟ يعني هذا ما يخفى على عوام المسلمين مثل هذا الأمر، ثم بعد ذلك تزعم أنها طالبة علم، وتسأل هذا السؤال، والله المستعان. "وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت" يعني ارتفعت "تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي " لأن النساء يصلين خلف الرجال "ألا تغطون عنا است قارئكم!؟ " يعني دبره، ولعلها تجوزت في الإطلاق، والمراد ما يقرب من ذلك وإلا لو خرج دبره بطلت صلاته. "فاشتروا" يعني قطعة قماش "فقطعوا لي قميصاً" يعني يغطي العورة المطلوب سترها في الصلاة "فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" صبي يفرح بمثل هذا، بل الكبير يفرح في أوقات الشدة والضيق، والناس إلى أن فتحت الدنيا عليهم يفرحون بمثل هذا، وما كان عند أحدهم إلا قميص واحد، ثوب واحد يغسله ويجلس ينتظر، يعني قبل أن تفتح الدنيا قبل خمسين أو ستين سنة موجود هذا، وهو موجود في بعض بلدان المسلمين الآن. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 13 "فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين" لكن الذي في البخاري: ابن ست أو سبع سنين، ولعل مرد ذلك إلى التقدير، يعني قُدر، قَدر سنه بكذا، مرة يقول: ست، ومرة يقول: سبع، ومرة يقول: ثمان؛ لأنهم ليست لهم عناية بالتواريخ تحديداً كما هو شأن اليوم في المواليد في المستشفيات بالساعة، وكانوا يحددون بالوقائع، متى ولد؟ ولد يوم حج فلان، متى حج فلان؟ الله أعلم، ما يدرى متى حج فلان، واحد ولد في منتصف رمضان، لكن من أي سنة ما يدري، أو ولد سنة -يعني بالوقائع- سنة الوقائع المعروفة مثلاً: سنة التربة مثلاً، أو سنة المليداء، أو سنة الجراب، هذا وقائع حصلت في الجزيرة، أو سنة الغرقة مثلاً، فهم يحددون بالوقائع من غير تحديد للسنة بعينها، الوقائع هذه معروفة مؤرخة، ضبطت بالتواريخ، لكن كون هذا المولود سنة كذا، ما يدرى في أولها، أو في آخرها، مما يتأثر به العمر، لا سيما وأن بعض الفقهاء يقول -وهذا موجود عند الحنابلة-: فإن بلغ في أثنائها، كيف يعرف أنه بلغ في أثناء الصلاة؟ "فإن بلغ في أثنائها، أو في وقتها المتسع أعاد" المسألة تحتاج إلى ضبط بالساعة على شان تعرف أنه بلغ في أثناء الصلاة أو في وقتها، وذلك في تمام خمس عشرة سنة إذا لم يسبق البلوغ بالإنزال أو الإنبات، فكانوا ماشيين على التقدير، فلان ولد .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، ما عندهم تواريخ، ثم بعد ذلك استمر الناس على طريقة العرب، يعني من عنده شيء من العلم تجد يضبط مواليد أولاده على كتبه، ورأينا كثيراً كتب مستعملة من أهل العلم تركات في يوم كذا ولد -على الكتاب- لي ولد أسميته فلان وهكذا، أهل العلم يضبطونه، أما عامة الناس فلا ضبط. هذا يقول: ست سنين، سبع سنين، ثمان سنين، كله على سبيل التقدير، المقصود أنه مميز؛ لأن التمييز شرط لصحة الإمامة بالإجماع. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 14 طيب مصافة ابن ست سنين كونه يكون صف معك في الصف هو لم يؤمر بالصلاة أصلاً، إنما يؤمر بالصلاة إذا أكمل سبع سنين، بعض الناس يأتي بطفل عمره سنتان أو ثلاث ويجعله في الصف يؤذي الناس ولا يصلي، لا شك أن هذه إساءة، ومكانه فرجة ولو شغله؛ لأن وجوده مثل عدمه، لكن ابن سبع سنين مصافاته صحيحة على ما سيأتي؛ لأنه مأمور بالصلاة، فماذا عن ابن ست سنين؟ هل نقول: إن هذا صلح أن يكون إمام فمن باب أولى أن يصاف؟ أو نقول: إن كان مميزاً ورأينا منه علامات ضبط الصلاة تصح مصافاته، وإن كان دون سبع؟ أو نقول كما قال بعضهم: إنها لا تصح المصافاة إلا لابن سبع؛ لأنه لم يؤمر بالصلاة قبل ذلك؟ وعلى كل حال بعض الناس يسيء، يأتي بصبي طفل ويؤذي المصلين، وقد يتعدى ويعبث بالمصاحف وهذا موجود، وقد يمزق وأبوه ينظر إليه ولا ينكر عليه، أمام الصف الأول مصاحف يتقدم الطفل يأخذ هذا ويرمي هذا، وأبوه خاشع على حد زعمه، لما تقدم الابن قليلاً إلى المروحة هي جنب المصاحف قطع صلاته فوراً وذهب إليه لئلا تؤذيه، سبحان الله المصحف يُعبث به وأبوه ينظر لا يحرك ساكناً، وخشي عليه من المروحة تصيبه بأذى فيقطع صلاته! الأصل ألا يحضر مثل هذا إلى المسجد، هذا إذا حضر مع أمه لا بأس، النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع بكاء الصبي، لكن يحضر مع الأب ويشغل المصلين، لا؛ لأن الأم لو جلست له ولا صلت مع الناس ما فيه إشكال، الجماعة لا تلزمها، تسمع الذكر ودعوة المسلمين وقراءة القارئ، وتنشغل بولدها ما في .. ، لكن الأب الذي تلزمه الجماعة، ومن أغرب ما رأيت هنا في المسجد الحرام شخص جاء بطفل لصلاة الجمعة ويبكي منذ أن دخل إلى أن انتهت الخطبة، فأقيمت الصلاة وجلس الأب يسكت الولد، ما صلى مع الناس، الجمعة ما صلاها مع الناس على شان يسكته، ليش تجيبه يا أخي من الأصل؟ ويحصل من هذا الشيء الكثير، يعني أمور مقلقة، وكون الطفل يحضر مع أمه هذا لا إشكال فيه، لكن مع الأب ويؤذي المصلين الذين صلاة الجماعة عليهم واجبة، أما الأم يعني لو انشغلت به أثناء الصلاة ما في إشكال لأنها تصلي بعد ذلك، فيحصل تصرفات من بعض الآباء، ويظن أن هذا من خدمة أهله، وفي حاجة أهله، هذا ما هو بصحيح، يعني شخص الجزء: 36 ¦ الصفحة: 15 يصلي مع الناس فيسمع صبيه مع أمه يبكي، ثم يطل عليها من خلال الحاجز ويأخذ الولد، يعني أمور والله ما تحصل من عاقل، يأخذ الولد ويسكته ويغير له ويرجعه لأمه، تحصل هذه من شخص جاء ليمثل بين يدي الله -جل وعلا-! يعني الأصل أن الأم في بيتها بيتها خير لها، يعني تنقلب الأمور كله من كثرة الدك على حقوق المرأة، وأن الرجل ظالم، وأنه كذا، يبي يظهر للناس مظهر أنه ما ظلم، وأنه قائم بحقوقه على أفضل وجه، والذي أجزم به أن هذا إذا خلا بزوجته من أشد الناس أذية لها؛ لأن هذه ردود فعل، ما تحصل من فراغ مثل هذه الأمور، وإلا لو كان سوياً مستقيماً معها في الخلوة لكان مستقيماً معها في الجلوة، لكن هذه ردت فعل حصلت من تقصير معه، يعني بين الناس يأخذ الطفل من أمه ويغير له أمام الرجال ويرجعه لأمه، يسكته وبعدين .. ، هذه ما هي بوظيفته، هذا قلب للفطر، والله المستعان. فالأم لها مهمة لا يستطيع الرجل القيام بها، والأب له مهمة لا تستطيع الأم القيام بها، والمسئولية مشتركة، لكن كل عليه أن يقوم بدوره، فإذا قام الرجل بدور الأم لا شك أنه سوف يقصر بدوره، والله المستعان. "وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين". ثم بعد هذا قال: "وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" هذا الخبر رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "لا يؤم الغلام حتى يحتلم" موقوف على ابن عباس لكنه ضعيف، بل ضعيف جداً؛ لأن في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى شيخ الإمام الشافعي وهو متفق على ضعفه، بل قال الحافظ في التقريب: متروك، فلا يلتفت إليه. ثم قال بعد ذلك: "وعن أبي مسعود -رضي الله عنه-" أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري نسبة إلى بدر لأنه سكنها ولم يشهد غزوة بدر في قول الجمهور، ولو قال البخاري: إنه شهدها، لكن عامة أهل العلم على أنه لم يشهدها، وإنما نسب إليها لأنه سكنها "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) " القومَ مفعول به مقدم، وأقرؤهم فاعل مؤخر، تأخير الفاعل حكمه؟ تأخير الفاعل وتقديم المفعول هنا حكمه جائز وإلا واجب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 36 ¦ الصفحة: 16 واجب؛ لماذا؟ لأنه يشتمل على ضمير يعود على متأخر لفظاً ورتبة. وشاع نحو: خاف ربه عمر ... وشذ نحو: زان نوره الشجر مثل هنا. ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) الأقرأ هل هو الأحفظ كما تقدم في حديث عمرو بن سلمة، يعني الأكثر حفظ، أو الأجود قراءة؛ لأن الناس حيال القرآن يتفاوتون، قد يكون بعضهم يحفظ القرآن كاملاً وهو كثير الخطأ فيه، كثير اللحن والتحريف والتصحيف، ومنهم من حفظه قليل لكنه مجود ومتقن، ومنهم من يجمع بين الأمرين، ومنهم من يحفظ القليل مع التصحيف والتحريف، ولا شك أن المطلوب الجمع بين تجويد القراءة مع كثرة الحفظ، هذا أولى الناس بالإمامة. ثم إذا تعارض التجويد مع كثرة المحفوظ فالوجه المأمور به في القراءة هو التجويد والترتيل والتدبر هذا هو الوجه المأمور به، فإذا عورض هذا الوجه المأمور به بكثرة محفوظ مع الإخلال بما أمر به، فلا شك أن الوجه المأمور به هو المنظور إليه والملاحظ، فإذا كان يحفظ جزءاً متقناً مجوداً يتدبر فيه أفضل ممن يحفظ جزأين على غير هذه الصفة؛ لأننا أمرنا بالترتيل، أمرنا بالتدبر، لا شك أن القراءة من غير تدبر ولا ترتيل محصلة لأجر الحروف، يعني كل حرف عشر حسنات، لكن القراءة بالتدبر والترتيل هي التي تترتب عليها الثمرة من الأمر بالقراءة، قراءة القرآن على الوجه المأمور به كما يقول شيخ الإسلام يحصل بها من الإيمان واليقين والطمأنينة والمعرفة والعلم ما لا يحصل بغيرها. فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ فالتدبر شأنه عظيم، فإذا وجد من هذه حاله، من يتأثر في نفسه، ويؤثر في سامعه فهو أولى من غيره، وإن كان أكثر منه حفظاً. يقول ابن القيم -رحمه الله-: "أهل القرآن هم أهل العناية به وقراءته وتدبره وترتيله وتعلمه وتعليمه ولو لم يحفظوه" وليس في هذا تقليل لشان الحفظ، لا، لكنه لفت واهتمام بشأن أهمله كثير من طلاب العلم بما فيهم الحفاظ. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 17 ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) والمراد أحفظهم مع ضبطه وإتقانه وتجويده وتدبره، هذا أولى الناس بالإمامة، وقال به جمع من أهل العلم، وهو المؤيد بهذا الحديث وبالحديث السابق، ومنهم من يرى أن الأفقه أولى بالإمامة من الأقرأ؛ لماذا؟ يقولون: لأن ما يحتاج إليه في الصلاة من القراءة محدود، وما يحتاج إليه من الفقه في الصلاة غير محدود، فقد يعرض للإمام في صلاته شيء لا يستطيع معه التصرف إذا لم يكن فقيهاً ولو كان حافظاً للقرآن، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم أبا بكر في الصلاة مع قوله: ((أقرؤكم أبي)) والحديث: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) جاء على الغالب من حال الصحابة أن الأقرأ هو الأفقه، إذ لا يوجد قارئ غير فقيه؛ لماذا؟ لأن طريقتهم في تعلم القرآن أنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، فكان الأقرأ في عصر الصحابة هو الأفقه، لكن لو تخلف أحد الأمرين، إما أن يكون أقرأ غير أفقه أو أفقه غير أقرأ قالوا: يقدم الأفقه، وهذا قول أكثر أهل العلم، مع أن حديث الباب يرده؛ لماذا؟ لأنه قال: ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) يعني أكثر فقه الصلاة يوجد في القرآن وإلا ما يوجد؟ لا يوجد في القرآن، فقه الصلاة أكثره لا يوجد في القرآن وإنما يوجد في السنة، فأعلمهم بالسنة هو الأفقه، وفي الحديث: ((أعلمهم بالسنة)) الذي يساوي الأفقه -فقه الصلاة- مؤخر عن الأقرأ، يعني يمكن يتجه قول الأكثر في تقديم الأفقه لو لم ترد هذه الجملة، فالأعلم بالسنة وأحكام الصلاة غالبها في السنة، فالأعلم بالسنة هو الأفقه، فكأنه في الحديث قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فالأفقه" وهنا الأعلم بالسنة مؤخر عن الأقرأ. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 18 ((فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) قد يقول قائل: إن التقديم بالقرآن حينما يتفاضل القراء فأقرؤهم هو الأولى، طيب إذا تساووا القراء فيرجح صاحب السنة الأعلم بالسنة، وهذا هو المفهوم من الحديث، فالمنظور إليه في الحديث قراءة القرآن وإتقان القرآن هذا بالدرجة الأولى، ولم يتعرض في الحديث بين قارئ غير فقيه وفقيه غير قارئ، إنما في الحديث الأقرأ، هذا بالدرجة الأولى، لكن وجد أكثر من أقرأ، عندنا عشرة حفاظ كلهم مجودون ومتقنون، يفاضل بينهم بالسنة، وليست حينئذٍ السنة مرتبة ثانية، وإنما هي مرجح عند التفاضل، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه في الحديث يقول: ((فإن كانوا في القراءة سواء)) المسجد يصلي فيه مائة، لكن منهم عشرة حفاظ على مستوى واحد يرجح بالسنة؛ لأنه يحتاج في صلاته إلى أحكامها، وهي موجودة في السنة، وعلى هذا فلو وجد شخص أميز منهم في القراءة فهو مقدم من غير نظر إلى وصف آخر. ((فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) هذا أيضاً مرجح، هجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الصحابة اختلفوا في هجرتهم، فمنهم من هاجر قبله، ومنهم من هاجر معه، ومنهم من هاجر بعده، فالأقدم هو الأولى بالإمامة إذا تساووا في القرآن والسنة. ((فإن كانوا في الهجرة سواء)) يعني هاجروا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- معاً فأقدمهم سلماً، وليس المراد الهجرة المقصورة على الهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل إلى آخر الزمان، من هاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام قبل غيره فهو أولى بالإمامة ممن تأخرت هجرته عند التساوي. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 19 ((فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً)) يعني إسلاماً، أقدمهم إسلاماً، يعني هل الأولى التفضيل بقدم الإسلام أو بقدم الهجرة؟ في الحديث الأولى الهجرة؛ لأن إسلام الشخص مع إقامته في بلاد المشركين ينجيه هذا الإسلام إذا كان معذوراً، ويعفيه من وجوب الهجرة إذا كان من المستضعفين، لكنه مهما كان ومهما بلغ لن يكون بمنزلة من أقام بين المسلمين وفي بلاد المسلمين، ولذا لم تُجوّز الحيلة بنص قرآني إلا في الهجرة {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فيجب عليه أن يهاجر ولو احتال على الهجرة، فجعل الهجرة أولى بالتقديم ممن تقدم إسلامه وأقام بين أظهر المشركين. ثم قال: ((ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه)) هذا مستثنى مما تقدم، يعني رجل في بيته في مكانه في مقره لا يتقدم عليه إلا بإذنه ((ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) والإمام السلطان له الأولوية المطلقة، وفي حكمه من ينيبه، فإمام الحي المعين من قبل السلطان لا شك أنه نائب عن السلطان لا يجوز أن يفتات عليه، ومن ولي على عموم المساجد مثلاً له صلاحية السلطان وأحقية السلطان في هذا؛ لأن هذا الأمر وكل إليه فلا يفتات عليه، فهو نائب السلطان في هذا. ((ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) يعني ما يوضع له في مكان جلوسه من شيء يجلس عليه، لا يأتي الزائر والضيف يجلس عليه إلا أن يأذن له، ويؤثره به. في بعض الروايات: بدلاً سلماً سناً، يعني الأكبر، ولا شك أن السن له مدخل في التقديم شرعاً في أمور العبادات وفي العادات، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) يبدأ الكبير لما جاء عبد الرحمن بن سهل انطلق يتكلم لما قتل أخوه بخيبر، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) لأن حويصة أكبر منه. ثم بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم". الجزء: 36 ¦ الصفحة: 20 ((ليلني منكم)) ليكن الأقرب مني ومن الإمام في الصلاة ((أولو الأحلام)) أصحاب العقول والألباب ((والنهى)). ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) هؤلاء هم الأولى بالقرب من الإمام ((ثم الذين يلونهم)) والصحابي فهم أن هذه الأحقية يستحقها الكبير مطلقاً، مع أنها معارضة بـ ((من سبق إلى شيء فهو أحق به)) والذي في الحديث ليس المراد منه طرد الصغار عن أماكنهم القريبة من الإمام بقدر ما فيه من حث للكبار على التقدم إلى الصلاة، يعني لو وجدت شاب خلف الإمام، ثم جاء رجل كبير عاقل حازم هل من حقه أن يقيم هذا الشاب عن مكانه ويجلس مكانه لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى))؟ نعم الصحابي فهم ذلك، وأقام الصغير وأجلس الكبير، لكن عمومات النصوص الأخرى تدل على أن المفهوم من الحديث حث الكبار على التقدم، وإلا فالأصل أن من سبق إلى شيء مباح فهو أحق به. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 21 وينص أهل العلم على أنه ليس للوالد أن يقيم ولده فيجلس مكانه ليس له ذلك؛ لأنه سبق إلى أمر مباح متاح شرعاً له أن يجلس فيه، وبعض كبار السن يتصرف مع بعض الشباب ما يحصل منه مردود عكسي، وكم من شاب نفر من المسجد ومن الصلاة مع الجماعة، بل قد يترك الصلاة بالكلية لبعض تصرفات كبار السن، يتكلم عليه، ويتهجم عليه، ويسبه ويقيمه في النهاية من مكانه فيجلس فيه، هذه لها مردود ولو كان صغير السن، الصغار يفهمون، كثير من الكبار أظنهم ما يفهمون، هم يفهمون، ولا ينسون، تمكث معه هذه الحادثة إلى آخر عمره إذا حصل مثل هذا التصرف، وإذا صار سبباً في ترك الصلاة في المسجد أثم بذلك، وإن كان المباشر لا يعذر، إذا حصل لك قضية في المسجد شخص تعدى عليك أو الإمام تكلم عليك أمام الناس هل معنى هذا أنك تترك ما أوجب الله عليك؟ تعذر في هذا لأن الإمام .. ، تقول: ما أصلي في هذا المسجد وهذا الإمام موجود؟! لا شك أنك إذا تركت فهو متسبب آثم، وأنت مع ذلك مباشر عليك الإثم، إثم تركك الجماعة، فيجتمع التسبب والمباشرة، وكل عليه نصيبه من هذا، وكم من قضية حصلت من أناس معروفين يتصرف تصرف مع صبي يظنه لا يفهم، ثم يترك الصلاة، أو مع شخص في عقله .. ، لا يقال: مجنون لا تلزمه الصلاة، ويقال: هذا أمره أهون ما هو مشكل، لا، لكنه أحمق، يتصرف معه بعض التصرفات التي تجعله يترك الصلاة، نقول: هذا المتسبب آثم، وعليه أن يدرس تصرفاته والآثار المترتبة عليها، والمباشر عليه الإثم كله، كامل إثمه، ما ينقص من إثم ذلك شيء؛ لأنهم ولوا، ويحصل من بعض الأئمة تصرفات، ويصف نفسه مصف عمر يقول: عمر يقيم الصفوف بالدرة، تجده يضرب الناس بالعصا، يجعل نفسه مثل عمر هذا شاهدناه موجود، شخص كبير السن له أكثر من ستين سنة في الإمامة، وحصل مشاكل مع المصلين، وما زال. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 22 المقصود أن مثل هذه الأمور التي تنفر بعض الناس الإمام والمتصرف عليه كفل منها، والإنسان محاسب على ما يفعل سواءً كان متسبباً أو مباشراً، يقيم الناس بالعصا! هذا ليس لك، ونظيره شاب جلس على كرسي في محاضرة، شاب في العشرينات، وشخص كبير السن نعس أو شيء قال: قم، قم، يسأله ويجيب، ما زلت يا أخي إلى الآن ما بعد حصرمت على شان تزبزب، ويقول: إن الشيخ فلان يفعل هذا، يعني هل يقبل من هذا الشاب ما يقبل من الشيخ الكبير؟ وهل يقبل من هذا الإمام ما كان يصنعه عمر وهو خليفة المسلمين؟ بعض الناس يسمع بعض الناس فينزلها في غير منزلتها، وفي غير موضعها، قم شايب أكبر من جده يسأله ويخجله بين الناس، شاب ما زال في المرحلة الجامعية، يصف نفسه مع إمام من أئمة المسلمين، يقولون: إنه إذا لحظ على إنسان غفلة وإلا شيء قم، مثل هذا الإمام الذي قلنا: إن عمر يقيم الناس بالدرة، ويعدل الصفوف بالدرة، يعني تصرفات تقبل من شخص لكن ما تقبل من آخر، والناس منازل. ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) يعني أولو الأحلام والنهى عليهم أن يعرفوا مكانهم ومنزلتهم في الإسلام ليتقدموا إلى الصلاة ليكونوا قدوات، وإذا حصل من الإمام خلل في الصلاة ذكروه أولى من الصبيان، فهذا حث لهم على التقدم. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 23 ((ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) المراد بها الهيشات والهوشات في الأصل الخصومات وارتفاع الأصوات، وهذا غير مقبول في الأسواق فكيف بالمساجد؟! ارتفاع الأصوات وكثرة اللغط والفتن التي تحصل في الأسواق لا تنقلوها إلى مساجدكم، وهذا يحتمله اللفظ، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بهيشات الأسواق من يحصل منهم هذا اللغط، ومن يحصل منه كثرة الأصوات واللغط هم ضد أولي الأحلام والنهى؛ لأن أولي الأحلام والنهى لا يحصل منهم لغط ولا أصوات، يتصفون بالحلم والرزانة والعقل، وأما هيشات الأسواق وما يحصل منهم فإن هؤلاء لا يمكنون من القرب من الإمام، لا بطردهم من هذا المكان كما قلنا في الأسواق، وإنما بقطع الطريق عليهم بتقدم أولي الأحلام والنهى، وكثيراً ما نجد من هذه صفته من أهل اللغط وارتفاع الأصوات تجده في مقدمة المسجد، يتقدم مع الأذان أو قبل الأذان، وتجد كلامه من صلى تحية المسجد أو الراتبة إلى الإقامة وهو في القيل والقال، يعني شيوخ كبار سن يتقدمون إلى الصلاة، ثم ينشغلون بفلان وعلان، وحصل بعض المواقف الطريفة يتكلمون ومكبر الصوت قد نسيه المؤذن ما أقفله، وكلامهم الذي يضحك منه الصبيان يصل إلى البيوت، هناك أمثلة ونماذج، لكن الله المستعان. فالإنسان الذي تقدم إلى المسجد يرجو ما عند الله -جل وعلا- كيف يطلق لسانه بالغيبة والنميمة؟! يعني إذا كان لا يقرأ القرآن يستغل الوقت بالذكر، ينتظر الصلاة وهو الآن في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، فعليه أن يستغل الوقت بالذكر إذا كان لا يحسن قراءة القرآن، وإذا كان يقرأ القرآن يشغل وقته بقراءة القرآن، أما الانشغال بالقيل والقال وسفاسف الأمور والأمور التي لا تعنيه و ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)). الجزء: 36 ¦ الصفحة: 24 اثنان في مقدمة المسجد يسمونها روضة المسجد تقدما إلى الصلاة مع الأذان، فجاء شاب وصف جنب واحد منهما، وعليه ثوب جديد من ألبسة الشتاء، فلمسه الشيخ الكبير اللي جنبه وقال لصاحبه: ترى ها الشاب ما يعرف القماش، تراه يمكن مضحوك عليه، قالوا له: صوف وهو ما هو بصوف، وانتهى الوقت على هذا الثوب ها المسكين ذا، يمكن مرفوع عليه سعره على أنه صوف وهو ما هو بصوف، يعني من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه في عموم الأحوال في بيتك وفي سوقك فكيف إذا تقدمت إلى المسجد؟! وهذا أسهل من مسألة الغيبة والنميمة والكلام في أعراض الناس، والاستطالة في أعراضهم، وإذا تقدموا كثير منهم يتكلم في الإمام، وقل من يسلم من الأئمة من أمثال هؤلاء، يعني لا يُجحد أن في عوام المسلمين خير كبير وفضل وفضلهم ظاهر، وتقدمهم إلى الصلوات وحرصهم على الخير هذا موجود، لكن مع هذا الحرص ينبغي أن يستغل الوقت بما ينفع، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . الطبعة الهندية. طالب:. . . . . . . . . الهندية، طبع بالهند مصور أظن دار الكتاب العربي خمسة مجلدات. طالب:. . . . . . . . . هذا إذا كنت تعرف قراءة الخط الفارسي، ما هو باللغة الفارسية لغة عربية، لكنها بالخط الفارسي. طالب:. . . . . . . . . ومثلها عون المعبود، كلها مطبوعات في الهند، لكن إذا لم تستطع فالطبعات الموجودة الطبعة السلفية بالمدينة فيها أغلاط لكن زين، لا بأس ... الجزء: 36 ¦ الصفحة: 25 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (37) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: في مسألة انتهاء وقت العصر يقول: الإجماع منعقد على أنه بغروب الشمس، والجمهور على أن للعصر وقتاً موسعاً ووقتاً مضيقاً، وأن من أوقع العصر ما بين الاصفرار وقبل غروب الشمس فإنه آثم وملام ومقصر؛ لحديث: ((تلك صلاة المنافقين يقعد أحدهم حتى إذا كانت الشمس بين قرني الشيطان)) وجاء في حديث أبي هريرة في المواقيت قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس)) رواه الترمذي وأحمد، في هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمرو حرمة تأخير صلاة العصر إلى قبل الغروب لوصف النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعل المنافقين والنفاق محرم، فدل أن هذا الفعل لا يجوز، وأن صلاة العصر وقتها إلى الاصفرار لمن ليس لديه عذر، أما من كان له عذر فوقت العصر على غروب الشمس، وجاء في موطأ مالك أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، وجاء في آخره: "والعصر والشمس بيضاء نقية قبل أن يدخلها صفرة". هذا الكلام الذي دعا إليه مع الكلام الذي حصل في وقت الدرس عدم فهم المراد من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء)). الجزء: 37 ¦ الصفحة: 1 قال أهل العلم: إنه لو طول في القراءة حتى أخرج الصلاة عن وقتها أنها تكون أداء، حتى أخرجها، ويش معنى طولها حتى أخرجها عن وقتها؟ افترض أنه صلى العصر بعد دخول الوقت مباشرة هل هذا أخرها إلى الاصفرار أو صلاها في الوقت المختار؟ لكنه بدلاً من أن يقرأ ورقة قرأ عشرة أجزاء إلى أن خرج الوقت، ليس المراد بذلك أن تؤخر إلى آخر وقتها ثم يصلى باقيها بعد أن يخرج الوقت، هذا الكلام كله الذي دعا إليه، والذي حصل في الدرس كله الذي دعا إليه عدم فهم المراد من قول أهل العلم أخذاً من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أن له أن يطول لنفسه حتى يخرجها عن وقتها، وعموم ((فليطول لنفسه ما شاء)) يعني لو قال: أنا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأصلي لوحدي، ولا يوجد من يشق عليه التطويل فأقرأ في الركعة الأولى البقرة والنساء وآل عمران، خمسة أجزاء تحتاج إلى .. , في قراءته -عليه الصلاة والسلام- إلى أقل تقدير ساعتين، تحتاج إلى ساعتين هذه ركعة واحدة، وقد شرع في صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله، من دخول الوقت، ثم استمر وطول لنفسه ما شاء، هو ما راقب اصفرار الشمس، ولا أخر الصلاة إلى وقت الاضطرار، هو من أول وقتها شرع فيها، وامتثالاً لقوله: ((فليطول لنفسه ما شاء)) طول، يلام وإلا ما يلام؟ ما يلام، هذا مراد أهل العلم، ما هم بيقولون: انتظر إلى قرب غروب الشمس أو إلى وقت الاصفرار ثم صل ركعة قبل غروب الشمس وثلاث ركعات بعدها، هذا يرد فيه حديث: ((من أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر)) يعني أدرك وقت العصر، لكن كونه معذور أو غير معذور هذه مسألة أخرى، كونه آثم أو غير آثم هذه مسألة ثالثة، المسألة المرتبة على قوله: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أن يشرع في صلاة العصر أو صلاة الظهر أو أي صلاة من الصلوات ثم يستمر فيها إلى أن يخرج وقتها، يبدأ فيها في وقت الاختيار يصف مع الناس، أو يقول: فاتتني الصلاة الآن جيت الآن الساعة كم؟ أربع وربع وجدت الناس طالعين من صلاة العصر، ولا في جماعة يشق عليهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) فيقرأ مثلما قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- خمسة أجزاء في الركعة الجزء: 37 ¦ الصفحة: 2 الأولى، هذا هو مراد أهل العلم حينما يتكلمون في هذه المسألة أخذاً من هذا الحديث: ((فليطول لنفسه ما شاء)). بقي مسألة وهي أنه إذا طول لنفسه ما شاء، أو صار معذوراً فأخر الصلاة إلى آخر وقتها فصارت ركعة في الوقت، والثانية وما يليها خارج الوقت، أهل العلم يقولون: كلها أداء، طيب لو جاء شخص واقتدى به في الركعة الثانية التي هي خارج الوقت، الإمام يصلي أداء لكن المأموم؟ المأموم صلاته كلها خارج الوقت إذاً هي أداء، فيصح أن يقال في صلاة واحدة في وقت واحد أحدهما يؤدي والثاني يقضي. يقول: هل الأفضل قبل خطبة الجمعة الصلاة والتطويل في القراءة والركوع والسجود يعني أو الذكر وقراءة القرآن؟ يعني ما يقابلها من أعمال الخير، الصحابة -رضوان الله عليهم- يأتون إلى الجمعة مبكرين منهم من يقرأ، ومنهم من يصلي، ومنهم من لا يزال يصلي حتى يدخل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأمر في هذا واسع، وقيام الليل الأصل فيه الصلاة، لكن إذا استغل بعض الوقت في الذكر والتلاوة فهو قيام. يقول: من يستغفر في قلبه بدون ذكر اللسان؟ هذا ليس بذكر، ولا يترتب عليه أحكام الذكر، وإنما هو تفكر، وهو مطلوب. ما معنى حديث: ((تابعوا بين الحج والعمرة))؟ وما رأيكم في الذي ينكر على الذي يحج كل سنة؟ المتابعة بين الحج والعمرة بأن يحج كل سنة، والعمرة يكررها، حسب ما يتيسر له ولا يشق عليه، ولا يعوقه عن فضائل أعظم منها أجراً. والذي ينكر على الذي يحج كل سنة هذا لا شك أنه مخالف لما جاء في فضل الحج والإكثار منه و ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). وفي الحج الماضي في إحدى الصحف ذُكر أعرابي من شمال المملكة حج سبعاً وتسعين حجة، أظن ما له نظير في التاريخ، سبع وتسعين حجة مائة إلا ثلاث، عمره مائة وثلاثون سنة، وكانت أمنيته أن يكمل المائة، فالله المستعان. يقول: هل الأفضل رفع الذكر بعد الصلاة على كل حال؟ يعني رفع الصوت نعم يرفعون أصواتهم بالذكر، وبهذا يعلم الفراغ من الصلاة، كنا نعلم أو نعرف فراغه بالتكبير. يقول: إنسان صلى بالناس وهو إمام وهو جالس على الكرسي، فلما أراد الركوع قام وركع، فهل للمأمومين أن يصلوا جلوساً؟ لا، ليس لهم أن يصلوا جلوساً. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 3 التكبير عند جلسة الاستراحة هل هو عند الجلوس لها أم عند القيام للركعة؟ هي للانتقال، للانتقال إلى القيام. إنسان لبس الإحرام وقبل أن يلبي مات فهل يغسل ويكفن؟ إذا نوى الدخول في النسك فإنه يأخذ حكم من مات وهو محرم، وإذا كان لبس الإحرام وقبل أن ينوي الدخول في النسك فهو ما زال حلالاً، أما كونه يغسل يغسل نعم، يغسل ويكفن لكن لا يغطى رأسه ولا وجهه، ولو نوى الدخول في النسك. يقول: هل يشترط لجهاد الدفع إذن الوالدين أو إذن الإمام؟ هذا حكمه حكم الصائل يدفع بكل وسيلة ممكنة. يقول: إذا غزى الكفار بلاد المسلمين فهل يتعين الجهاد ويصبح فرض عين؟ من تعيُن الجهاد عند أهل العلم في ثلاث صور: إذا استنفره الإمام، وإذا حضر بين الصفين، وإذا دهمهم العدو، فإنه حينئذٍ يتعين في هذه الثلاث الصور. يقول: في شرح كتاب عمدة الأحكام يقول: ذكرت في شرحك على كتاب عمدة الأحكام أن الصلاة في ثوب الحرير باطلة فهل مثل ذلك ينطبق على الثوب المغصوب أو المسروق ونحوهما؟ الصلاة في ثوب الحرير إذا كان شرط من شروط الصلاة، بمعنى أنه سترت به العورة، وستر العورة شرط من شروط الصلاة سواءً كان حريراً أو مغصوباً أو مسروقاً، المقصود أن النهي اتجه إلى شرط العبادة، فإن العبادة حينئذٍ تكون باطلة؛ لأنه فرق بين أن يتجه النهي إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو إلى جزئها المؤثر كالركن، أو إلى أمر خارج عن ذلك، فإذا اتجه النهي إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو إلى جزئها المؤثر فإن الصلاة حينئذٍ أو العبادة تكون باطلة، أما إذا عاد إلى أمر خارج فإن الصلاة تكون صحيحة مع التحريم، فرق بين أن يستر العورة بثوب حرير أو مغصوب أو مسروق وبين أن يلبس عمامة حرير أو مسروقة أو مغصوبة؛ لأن العمامة لا أثر لها في الصلاة، أو يلبس خاتم من ذهب صلاته صحيحة. هل يكفي المرأة في غسل الجنابة مسح رأسها وخاصةً إذا كانت تجد مشقة في غسله وقت البرد؟ لا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر، ولا يلزم نقضه إذا وصل بدون النقض. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 4 يقول: صار لي حادث سيارة بسيارتي وهي مؤمن عليها، ولم أكن أعلم أن التأمين يقوم بإصلاحها، فهل يجوز لي أجعل أحد يصدمها متعمد لكي أقوم بتصليح الصدمة القديمة والجديدة، أم هذا احتيال عليهم؟ هذا لا يجوز بحال، الكلام في الصدمة الجديدة، أما الصدمة القديمة هذه لا يختلف فيها، الكلام في الصدمة الجديدة هل يجوز لك أن تصلحها من خلال التأمين؟ إذا كان الخطأ عليك لا يجوز بحال، وإذا كان الخطأ من غيرك عليك وهو مؤمن فأنت تطالبه بإصلاحها، ويكون هو خصمك، كونه يصلحها من جيبه أو من جهة من الجهات التي أمن عليها هذا لا يعنيك. يقول: إذا علم المأموم بنجاسة ثوب الإمام ماذا يعمل؟ وهل يجوز له إخباره يعني بكلام يسير كما حصل من ذي اليدين؟ إذا علم المأموم بنجاسة ثوب الإمام، وطهارة الثوب شرط لصحة الصلاة، وإذا بطلت صلاة الإمام فجمع من أهل العلم يقول: تبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا بد من أن يخبر كما أخبر جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- بما في حذائه -عليه الصلاة والسلام- من الأذى. يقول: إنسان دخل مع إمام في صلاة المغرب وهو ناوٍ أن يصلي العشاء قصراً؛ لأنه مسافر وقد صلى المغرب من قبل، فدخل مع الإمام بنية العشاء قصراً وجمعاً، وكان مسبوقاً بركعة، فعندما سلم الإمام سلم معه، فهل فعله صحيح؟ فعله ليس بصحيح، في هذه الصورة يلزمه الإتمام. يقول: ما السنة في الرد على الذي يعطس في تشميت العاطس أكثر من ثلاث مرات؟ يدعى له بالشفاء، ويخبر أنه مزكوم، ويدعى له بالشفاء. هذا يقول: نرجو أن يقتصر على شرح الحديث وتخريجه وعدم الخوض في أمور العامة حتى لا يحصل شحناء وبغضاء من بعض طلبة العلم ويترتب عليه حدوث فجوة بين طلبة العلم وعوام الناس، وما يترتب عليه من ترك التناصح وترك الزيارة، ونرجو الزيادة في الشرح لأن الوقت يذهب، وما قطعنا في الشرح ما تتم به الحاجة، يقول: كلامنا هذا عن حب ورغبة في زيادة النفع وتحصيل الفائدة. هذا يقصد الاستطرادات التي فيها التنبيه على بعض الأخطاء سواءً كانت بين طلبة العلم أو من عوام الناس، ما أدري هل هذه رغبة للجميع وإلا رغبة فرد؟ هذه رغبة من الجميع وإلا رغبة فرد؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 37 ¦ الصفحة: 5 هذا الذي نعرفه أن الإخوة كلهم يبغون هذا، أنا ما أدري كيف تحصل شحناء من هذا وترك الزيارة والتناصح وما أدري ويش؟ ويش لون؟ يقول: أورد البخاري -رحمه الله- حديث: ((من أدرك السجدة الأولى من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته)) نرجو توضيح دلالة المفهوم من هذا الحديث؟ هذا الحديث يفسره الرواية الأخرى: ((من أدرك ركعة)) ولما أورد الإمام مسلم الحديث باللفظين: "ركعة" و"سجدة" قال: قال الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، فمن أدرك ركعة كاملة من صلاة الصبح أو من صلاة العصر فقد أدرك الصبح وأدرك العصر، ومفهومه أن من لم يدرك ركعة فإنه لا يدرك الوقت. الركعة تطلق ويراد بها السجدة {وَخَرَّ رَاكِعاً} [ص: 24] وهو راكع وإلا ساجد؟ ساجد. طالب:. . . . . . . . . لا، يتم الصلاة لكن ما يدرك. يقول: الصلاة في المسجد النبوي الشريف .. ، لأنني سمعت من أحد المشايخ بأنها بمائتين وخمسين صلاة، وذكر حديثاً أظنه في موطأ مالك ... ، ما رأيكم في قول من قال: إن المسافر ... انتهى هذا. لكن مائتين وخمسين صلاة؟! هي بألف صلاة، الصلاة في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. ما رأيكم في قول من قال: إن المسافر يترخص في السفر إذا قطع أربعين كيلو؛ لحديث: ((لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة يوم وإلا ومعها ذو محرم))؟ هذا رأي الإمام البخاري مسيرة يوم واحد، والجمهور على أنها مسيرة يومين ثمانين كيلاً. يقول: لماذا لا يقال بانفكاك الجهة في الصلاة في الثوب الحرير؟ الجهة غير منفكة لأنك تتعبد بمحرم، يعني لو تركت هذا المحرم بطلت صلاتك، لكن لو تركت العمامة ما بطلت صلاتك، فرق بين هذا وهذا، فالجهة ليست منفكة. سافر شخص إلى مدينة من مدن المملكة وحدد موعد الرجعة هل يقصر الصلاة أو يجمعها مع العلم أن معه جماعة من أصحابه؟ إذا كانت المدة تزيد على أربعة أيام فأكثر أهل العلم على أنه لا يترخص. هذا يطلب الدعاء لأخيه المريض بمرض سرطان القولون يرجو الدعاء له؟ نسأل الله له الشفاء العاجل. انتهى المقروء؟ طالب: انتهى يا شيخ. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 6 اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف)) رواه أحمد وأبو داود النسائي وابن حبان البستي، والحذف بالتحريك: غنم سود صغار من غنم الحجاز، الواحدة حذفة، قاله الجوهري. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) رواه مسلم. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه" متفق عليه. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم، فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا" متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى به وبامرأة فجعله عن يمينه، والمرأة خلفه. وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) رواه البخاري، وفي رواية لأحمد وأبي داود: أن أبا بكرة جاء رسول الله ... جاء. أن أبا بكرة جاء رسول الله ... جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع. أن أبا بكرة جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ((أيكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ )) فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زادك الله حرصاً فلا تعد)). وعن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة. رواه أحمد وحسنه، وأبو داود وهذا لفظه، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 7 وقال ابن المنذر: ثبّت الحديث أحمد وإسحاق، وقال أبو عمر بن عبد البر: في إسناده اضطراب. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: ((صلِ ما أدركت، واقضِ ما سبقك)) ورواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: ((وما فاتكم فاقضوا)). وقد وهم بعض المصنفين في قوله: إن لفظ القضاء مخرج في الصحيحين، وقال أبو داود: قال يونس الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري: ((وما فاتكم فأتموا)) وقال ابن عيينة: عن الزهري وحده: ((فاقضوا)) وقال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، ولا أعلم من رواها عن الزهري غيره، وفي قول أبي داود ومسلم نظر، فإن أحمد رواها عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وقد رويت من غير وجه عن أبي هريرة، وقال البيهقي: والذين قالوا: فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة -رضي الله عنه-، فهو أولى، والتحقيق أنه ليس بين اللفظين فرق، فإن القضاء هو الإتمام لغة وشرعاً. والله أعلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم)) " أمر بالتراص في الصف، وسد الخلل والفرج، وقال بعض أهل العلم بوجوبه، بوجوب التراص في الصف ((ألا تصفون كما تصف الملائكة)) وهم يتراصون في الصف. ((وقاربوا بينها)) قاربوا بين الصفوف، التراص يكون في الصف الواحد، والمقاربة بين الصفوف بألا يكون الصف الثاني بعيداً عن الصف الأول، يعني بقدر الحاجة، والمسافة بين الصف الأول والثاني المتر كافي، أو متر وشيء يسير، أما أن يجعل هناك مسافة بعيدة عن الصفين مخالف للمقاربة بينها. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 8 ((وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق)) في رواية: ((بالمناكب)) الأعناق: جمع عنق، وهو معروف الرقبة، والمنكب: المجتمع بين مفصل الكتف والعضد، والمحاذاة تكون بالبدن كله، بالرجلين والركبتين والمناكب؛ لأن بعض الناس يظن أن المحاذاة تكون بالرجلين فقط، مع أنه قد تكون الرجل ملصقة بالرجل ومع ذلك يوجد فجوة في الصف، بعض الناس يظن أن الحل لمسألة الفرج في الصفوف أن يباعد ما بين رجليه، لا، المحاذاة كما تكون بالأقدام والأكعب تكون أيضاً بالمناكب والأعناق. قد يقول قائل: شخص طويل كيف يحاذي منكبه وعنقه بشخص قصير؟ ألا يتصور هذا؟ يمكن المحاذاة؟ يعني ليس المقصود الحرفية، المقصود ما يتضمنه معنى المحاذاة، المقصود به البدن كله، لا يجعل فجوة لا من أسفل ولا من أعلى، وحينئذٍ يكون الإنسان قد أخذ من الحيز من الصف بقدره من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن النقص يؤثر على صلاته، يؤذيه، يعني لو حصل تراص لا يمكن الإنسان من الخشوع هذا خلل في الصلاة؛ لأن معنى ((رصوا صفوفكم)) هل معناه انضغطوا في الصف بحيث لا يدري الإنسان ماذا يصلي؟ بل يتمنى الفراغ من الصلاة؟ ليس المراد هذا أبداً، إنما المراد ما يحقق عدم الفرج التي تكون مكاناً للشياطين. ((وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف)) يعني في الفجوات والفرج التي تكون في الصف ((كأنها الحذف)) الحذف يقول المؤلف: "غنم سود صغار من غنم الحجاز الواحدة حذفة، قاله الجوهري" يعني موجودة الآن بهذا الاسم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . بهذا الاسم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، حتى بعض الشراح يقول: إنه يؤتى بها من اليمن، كأنها غنم جبلية يعني. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . قالوا: إنها من غنم الحجاز، والحجاز يمتد "الواحدة حذفة، قاله الجوهري" والحديث رواه أحمد وأبو داود النسائي وابن حبان، وهذا يدل على تسوية الصفوف ورصها، بمعنى أنه لا يوجد فيها فرج تمكن الشيطان من تخلل الصفوف مما يحدث وسوسة للمصلين، وخللاً في صلاتهم. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 9 قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) " يعني أفضل صفوف الرجال أولها، الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخر صف، وشرها وأقلها أجراً لبعده عن الإمام؛ ولأنه ناشئ عن التأخر عن الصلاة، ناشئ عن التأخر عن الإجابة، والأول ناشئ عن المبادرة بالإجابة، والقرب من الإمام لا شك أن له أثراً في المأموم، لا سيما في الصلوات الجهرية، لا سيما في صلاة الفجر، فإنها مشهودة وقراءتها مشهودة. ((خير صفوف الرجال أولها)) وبعض الناس يأتي قبل الإقامة ويجلس في آخر المسجد حتى إذا أقيمت الصلاة صار في الصف الرابع أو الخامس، وبإمكانه أن يصف في الصف الأول، يصف في الصف الأول بإمكانه. وهنا مسألة يسأل عنها كثيراً فيما إذا كان في آخر المسجد درس، فهل الأولى القرب من المعلم الذي يشرح الدرس مما يدل على رغبة في تحصيل العلم للقرب من منبعه ومصدره، أو يذهب إلى الصف الأول لا سيما وهو يسمع الدرس من خلال المكبر؟ لو افترضنا أن الدرس هناك، واستمر الدرس إلى إقامة الصلاة، هل نقول للطالب: اقرب من الدرس، كلما قربت من الشيخ كان أفضل، وهذا أدل على الحرص في طلب العلم أو نقول: حصل الصف الأول والعلم يصلك وأنت في مكانك من خلال المكبر؟ هذه مسألة يقع السؤال عنها كثيراً، فبعض الطلاب يجلس من أول الأمر في الصف الأول، ويترك الشيخ في مكانه في آخر المسجد، أو أقل الأحوال إذا أذن بادر بالذهاب إلى الصف الأول وترك الدرس، وأبعد عن المعلم، وإن كان يسمع الدرس من خلال المكبر، وقد يكون الأبعد عن الشيخ أوضح في السماع من القريب منه؛ لأن السماعات تكون على حيطان المسجد. هذه يسأل عنها كثيراً، ومناسبتها هذا الحديث، هل نقول: اترك الدرس وابعد عن الشيخ ولو اقتضى الأمر ألا يكون عنده أحد؟ لأننا إذا قلنا بهذا امتثل جميع الطلاب، وذهبوا إلى الصف الأول، وتركوا الشيخ يتكلم وحده. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 10 فهل نقول: إن الجلوس بالقرب من الشيخ في حلقة الدرس أولى من المبادرة إلى الصف الأول، أو نقول: أذهب إلى الصف الأول وخير صفوف الرجال أولها، ولو ترتب على ذلك أن تبعد عن الشيخ؟ أحياناً يكون في المسجد مكان أرفق بالمصلي لا سيما مع الحاجة مما يترتب عليه ترك الصف الأول، الصف الأول مثل هذا المسجد ما فيه تكأة يتكي عليها، وقد يكون هناك كبار سن يحتاجون إلى أن يتكئوا، والاتكاء مطلوب من الجميع سواءً من الكبار أو من الصغار، لو قال: هذا ما فيه تكأة أذهب إلى آخر المسجد ولو ترتب على ذلك أني أترك الصف الأول؛ لأن هذا مما يعينني على طول المكث في المسجد، هل نقول له: اذهب واتكأ، أو نقول له: في مثل هذه الصورة يحق لك أن تحجز مكان في الصف الأول وتتكئ في آخره؟ إذا كان موجود في داخل المسجد له أن يحجز مكان وإلا ليس له أن يحجز؟ له أن يحجز، ولو ترتب عليه أن يخرج من المسجد ليعود إليه قريباً هو أحق بالمكان من غيره. مسألة أخرى: وهي أنه إذا صلى ومكث في مصلاه يذكر الله إلى أن ترتفع الشمس كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، يعني ما زالت الملائكة تصلي عليه وتدعو له، هل المراد به المكان الذي أدى الصلاة فيه، أو أن المسجد كله مكان للصلاة؟ لا سيما إذا كان غير المكان الذي صلى فيه أرفق به وأعون له على الطاعة؟ قد لا يتحمل البقاء والمكث في مصلاه، وهو بحاجة إلى أن يتكئ مما يعينه على المكث، نقول: إذا كان أرفق به فلا يضر -إن شاء الله تعالى-. ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)) لو قال قائل: إن الصف الأول يترتب عليه الانشغال عن الصلاة، والصف الثاني والثالث يتفرغ الإنسان فيه إلى الصلاة، الصف الأول فيه انشغال عن الصلاة؛ لأن جدران المسجد منقوشة، ومزخرفة فينشغل بها المصلي، وإذا صلى في الصف الثاني ما رأى هذه النقوش وهذه الزخارف، أو الثالث أو الأخير مثلاً، أيهما أفضل؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الصف الأول، لكن الأثر المرتب على العبادة نفسها ... طالب:. . . . . . . . . الجزء: 37 ¦ الصفحة: 11 جاهد نفسه، وينظر في محل السجود، لكن أحياناً لا يستطيع، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى بالخميصة خميصة أبي جهيم قال: ((كادت أن تفتنني)) وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((اذهبوا بها وآتوني بإنبجانية أبي جهيم)) يعني ما فيها خطوط ولا أعلام، لكن هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام-! يعني إذا كان هناك فضل مرتب على العبادة نفسها، وفضل مرتب على مكانها أو زمانها فأيهما أولى بالمحافظة؟ ما رتب على العبادة نفسها؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، والمرجوح ما يجعله راجحاً. ((خير صفوف الرجال أولها)) يعني هذا في الجملة ((وشرها آخرها)) يعني أقلها فضلاً آخرها، فتُتم الصفوف الأول فالأول، ولا يصف في الثاني وفي الأول فسحة أو فرجة، لا بد أن تُسد. ((من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)) أنت في الصف الثاني وجدت فرجة في الصف الأول أردت أن تصلها لتحصل على هذه الدعوة تتقدم إليها، لكن ما الذي يترتب على تقدمك؟ أنك قطعت الصف الثاني، فالوصل مأمور به، والقطع منهي عنه، وأيهما أولى ارتكاب المحظور أو ترك المأمور؟ طالب: لا يقطع بشيء منهما. هو لا يقال بقاعدة مستمرة، وإن كان الأكثر يطلقون أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور؛ لأن فعل المأمور مقرون بالاستطاعة، وارتكاب المحظور ما فيه مثنوية، هنا أنت ترتب على فعلك صلة للصف، وقطع لصف، هل نقول: إنك تستحق الدعوة بالصلة وتستحق الدعوة عليك بالقطع؟ لأنه ترتب على فعلك الأمران. يا الله يا الإخوان أجيبوا؟ طالب: القطع حاصل يا شيخ، القطع حاصل في الصف الأول أو الثاني كونه يسد الأول أفضل. نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نعم اجتمع الأمر والحظر فنرجح بينهما، نقدم الحظر يعني ما تقدم الصف الأول. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب: أقدم الصف واللي ورائي يقدم ويسده. هذا صحيح، لكن نريد من خلال قواعد منضبطة في الأوامر والنواهي، نريد قاعدة منضبطة تمشي مع الأوامر والنواهي، وقواعد أهل العلم للتعامل مع النصوص، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 37 ¦ الصفحة: 12 نعم لا يشرع إتمام الصف الثاني أو الشروع في الصف الثاني حتى يتم الأول، يعني المسألة مفترضة فيمن كان في الصف الأول ورجع إلى الثاني هذا قطع صف، هذا قطع صف، والثاني ما دام فيه فرجة ولا يوجد من يسدها ليس مأمور بسدها، إنما مأمور إتمام الصفوف الأول فالأول، فلا يتجه مثل هذا الكلام، ويقال: إنه ارتكب محظور، لا، هو ارتكب مأمور، والمحظور الثاني وظيفة غيره، وظيفة من يأتي بعده، وإلا لقلنا: إن الإنسان يلزمه أن يصلي في أول صف يقف فيه، وهو الآخر، وهو مخالف لحديث: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)). الجزء: 37 ¦ الصفحة: 13 ((وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) أولاً: بالنسبة لآخر صفوف الرجال لما يترتب عليه من أنه تأخر عن تلبية وإجابة النداء، ولما فيه من القرب من النساء اللواتي يصلين خلف الرجال، وهذه العلة موجودة في الصف الأول بالنسبة للنساء وهي القرب من الرجال، والنظر إليهم، والافتتان بهم، وسماع أصواتهم، فأين دعاة الاختلاط من هذه النصوص؟ يقولون: الاختلاط موجود في العبادات، النساء يصلين مع الرجال، يعني هذا التحذير من القرب من الرجال في هذا الموطن الذي الأصل فيه أن الرجل والمرأة على حد سواء، جاءوا لأداء عبادة، مقبلين بقلوبهم إلى الله -جل وعلا-، هل يقاس على هذا أماكن تهيأ للالتصاق بين الرجال والنساء، وإتاحة الفرص لهم في الحديث، وعقد العلاقات والصداقات في كرسي واحد، تجلس معه مدداً متطاولة في الدراسة، أو في العمل، أو في غيرهما؟ هل هذا مثل ما يكون في مواطن العبادات؟ لا والله، ولا يقول بهذا إلا مفتون، وإلا فما معنى: ((خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) هذا إذا كان النساء يصلين خلف الرجال من غير فاصل، ومعلوم ما جاء في النصوص الأخرى من القيود على خروج المرأة إلى المسجد، يخرجن تفلات، متلفعات بمروطهن، مجتنبات للزينة والطيب، وكل ما يثير الرجال، بينما إذا قُرر الاختلاط كما هو الحاصل في بعض الأقطار، أو في سائر الأقطار في التعليم، وفي العمل، وفي غيرها، إذا قُرر فكل من الطرفين يسعى لجذب الآخر، هذا هو الحاصل، يسعى لجذب الآخر، وهذا مردوده السيئ على الدين والدنيا على حد سواء، وإن كانت الخسارة والكارثة إنما هي خسارة الدين، لكن أيضاً على حد زعمهم أن هذا أنفع وأوفر بدلاً من أن يجعل مصانع للرجال ومصانع للنساء، مدارس للرجال ومدارس للنساء يكون أوفر، من أين أوفر؟ يعني إذا تصور قرية فيها عشرة طلاب وعشر طالبات وقيل: بدلاً من أن يؤتى بمدرس ومدرسة يؤتى بمدرس أو مدرسة قد يتصور أن يكون هذا أوفر، لكن ماذا عن الملايين من الطلاب والطالبات الذي لا يكفي ألوف مؤلفة من المعلمين والمعلمات؟! يعني كيف يكون هذا أوفر مع إمكان أن الفصل من كل وجه وفي كل مجال مما يترتب عليه خير الدنيا والآخرة، ونحن نعيش في نعمة بسبب هذا الفصل، الجزء: 37 ¦ الصفحة: 14 والكوارث والفساد الأخلاقي والمادي حتى على أمور الدنيا الضرر ظاهر، حتى على مسيرة العمل والدراسة ظاهر في الاختلاط، ودول الكفر تفكر جادة بفصل الجنسين عن بعض؛ لأنها جربت من الويلات، جربوا ما ترتب على الاختلاط من ضياع وفساد وإهدار للجهود والطاقات فيما لا ينفع، وهم يفكرون جادين في فصل الرجال عن النساء، وهم يغبطوننا، كثير منهم لا يصرح بهذا خشية أن نستمسك بما أمرنا به شرعاً. ((وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) هذا إذا كن خلف الرجال، لكن إذا كان النساء في مكان مستقل لا يرين الرجال، ولا يرونهن، هل نقول: إن خير الصفوف أولها والقرب من الإمام والقرب من الإمامة إذا اتخذت إمامة للنساء؟ عموم الحديث يشمل، وإن كانت العلة واضحة في أن كون خير صفوف النساء آخرها من أجل الابتعاد عن الرجال، لكن عموم الحديث يشمل فيما إذا كان هناك حاجز أو لم يكن، وأن المرأة تصلي في الصف المتأخر أفضل مطلقاً. "رواه مسلم". "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" وهي التي بات فيها عند خالته ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وابن عباس في ذلك الوقت ابن عشر سنين؛ لأن سنه عند موته -عليه الصلاة والسلام- يناهز الاحتلام، يقارب الثالثة عشرة "فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي" أدارني من ورائه "فجعلني عن يمينه" من ورائي يده من ورائي، وأدارني من ورائه حتى جعلني عن يمينه، وهذا هو الموقف بالنسبة للمأموم الواحد مع الإمام، يكون عن يمينه ولا يكون عن يساره، فإذا صلى الواحد مأموماً عن يسار الإمام وتركه الإمام حتى فرغ من صلاته فهل صلاته صحيحة أو باطلة؟ الأكثر على أن صلاته باطلة، ليست بصحيحة، وصححها بعض أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر أو ما قال لابن عباس: استأنف، وابن عباس إن كان قد كبّر .. ، إن كان لم يكبر هذا ما فيه إشكال، وإن كان قد كبر فأول صلاته معفو عنها للجهل، فيعذر الجاهل في مثل هذا، بينما من يعرف أن موقف المأموم الواحد يمين الإمام فإنه لا تصح صلاته عند أكثر أهل العلم. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 15 المأموم الواحد إذا صف عن يمين الإمام يكون بحذائه مساوياً له، كما يكون في الصف؛ لأنه هو مع الإمام صف، وحينئذٍ لا بد من المحاذاة، وقال بعض الشافعية يتأخر المأموم عن الإمام قليلاً، ولم يذكروا على ذلك دليلاً، اللهم إلا إن منزلة الإمام في الأصل التقدم على المأموم، هذا في الأصل أن الإمام يتقدم على المأموم، فإذا كان واحد يتقدم عليه يسيراً استصحاباً للأصل، وإلا فلا يوجد دليل يدل على أن المأموم يتأخر عن الإمام، والأصل في مثل هذه الحالة المصافة كالاثنين خلف الإمام. "متفق عليه". "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم" أم سليم دعته -عليه الصلاة والسلام- إلى طعام، فأكل من الطعام، ثم صلى في بيتها، يقول أنس: "فعمدت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بالماء، فصلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-" في بيت أم سليم أم أنس "فقمت ويتيم خلفه" يعني هذه الرواية فيها العطف على ضمير الرفع المتصل من غير فاصل، والأصل أن يقول: فقمت أنا، وجاء في بعض الروايات: فقمت أنا، على الأصل. وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد هنا يقول: "فقمت ويتيم" الأصل أن يقال: فقمت أنا، للفصل بين الضمير، ضمير الرفع المتصل وما عطف عليه. "ويتيم خلفه" يعني خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا صحة مصافة الصغير؛ لأن اليتيم لا يطلق إلا على الصغير، ولا يتم بعد احتلام، فتصح مصافة الصبي المميز، ويرى بعض أهل العلم أنها لا تصح لأن صلاته نافلة، وحينئذٍ يكون وجوده قدر زائد على هذه الصلاة التي هي فريضة، يعني تصح مصافاته في النافلة، لكن ما تصح في الفريضة، وهذه الصلاة التي صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، ولا شك أن ما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة هذا الأصل. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 16 "فقمت ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا" قال: "فصففت أنا واليتيم من ورائه" في بعض الروايات: "والعجوز من ورائنا" فدل على أن المرأة تصف خلف الرجال ولا تصاف الرجل، فإن صفت مع الرجال كما يحصل كثيراً في المسجد الحرام، يحصل كثير امرأة تصف بين الرجال، أو مجموع من النسوة يكن صفاً مع الرجال، يكملن صف الرجال، أو رجل يأتي متأخر جاهل ويصف مع النساء، يختلف أهل العلم فيما إذا صفت المرأة مع الرجل على ثلاثة أقوال، منهم من يبطل صلاة الاثنين، فالرجل بالنسبة للرجال فذ يصلي خلفهم، والمرأة صلت بجوار رجل، وبعضهم يفرق بين أن يكون أجنبياً أو من محارمها، والأصل في صف المرأة أن تكون خلف الرجال، فصفت في غير صفها فكأنها تقدمت عليهم، ومنهم من يقول: تبطل صلاة الرجل لأنه في حكم الفذ، ومنهم من يقول: تبطل صلاة المرأة، وعلى كل حال موقف المرأة من الصفوف خلف الرجال ولو كانت واحدة، فإنها تصلي خلفهم، فإذا صلت بجانب محرمها صلت المرأة بجانب محرمها ما صلت ورائه، وأنس محرم لأمه بلا شك؛ لماذا لم تصف ورائه؟ كثير من أهل العلم يقول: إذا صلت بجانب محرمها فإن صلاتها صحيحة، هو صلاته صحيحة. إذا فاتت الرجل الصلاة مع الجماعة، ورجع إلى بيته، وأراد أن يصلي هو وزوجته هل الأفضل أن تصف بجانبه أو تصف ورائه؟ نعم؟ ورائه، قال: "وأم سليم خلفنا" هذا الأصل، لكن إن صفت بجانبه وهو محرم لها وهي محرم له فيرجى أن لا بأس بذلك، لكن الأصل أنها خلفه. "متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى به" يعني بأنس "وبامرأة فجعله عن يمينه والمرأة خلفه" هنا في هذه الحادثة بدون اليتيم الذي ذُكر في الرواية السابقة، بدون اليتيم واسمه: ضميرة، فجعله عن يمينه والمرأة خلفه، فدل على أن المرأة تصف خلف الرجال، وأنه لا مانع من أن تصلي فذة فردة خلف الصف بخلاف الرجل. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 17 "وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((زادك الله حرصاً)) " يعني ما الذي دعاه إلى أن يركع قبل الصف هو الحرص على إدراك الصلاة، فدعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بزيادة الحرص ((ولا تعد)) يعني الحرص من غير هذا النوع، الحرص على إدراك الصلاة، لكن من غير هذا النوع، لا تعد إلى مثل هذا الفعل فتركع دون الصف، أو لا تعد إلى التأخر عن الصلاة، أو لا تعد إلى الإسراع إلى الصلاة، ولذا قال في الرواية الأخرى -هذه الرواية للبخاري- وفي رواية لأحمد وأبي داود: "أن أبا بكرة جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ((أيكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصلاة؟ )) فقال أبو بكرة: أنا" يحتمل أن يكون سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مشيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يرى من ورائه كما يرى من أمامه في الصلاة، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زادك الله حرصاً)) يعني على ما ينفعك من أمور دينك ((ولا تعد)) لمثل هذا العمل، وفي رواية: ((لا تُعِد)) لأن صلاتك صحيحة، وفي رواية: ((فلا تَعْدُ)) لأن العدو خلاف السكينة والوقار الذي أمر به على ما سيأتي. أبو بكرة أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو راكع فركع دون الصف فلحق به، وفي هذا دليل على سقوط قراءة الفاتحة عن المسبوق، وهو قول جماهير أهل العلم، أن المسبوق تسقط عنه الفاتحة، وذهب أبو هريرة والبخاري والشوكاني وبعض أهل العلم إلى أن المسبوق لا تسقط عنه الفاتحة، بل لا بد أن يأتي بها، فإذا أدرك الإمام راكع فاتته الركعة؛ لأنه لم يأتِ بالفاتحة، يصلي كما يصلي الإمام ثم بعد يأتي بالركعة، ودليل الجمهور هذا الحديث، وهو صريح في الدلالة على سقوط الفاتحة عن المسبوق، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما في رواية تدل على أنه أمر بالإعادة. طالب:. . . . . . . . . إيه الأصل أنه ما أعاد، لو في شيء لبين. قال -رحمه الله-: الجزء: 37 ¦ الصفحة: 18 "وعن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة" وفي هذا بطلان صلاة الفذ، الذي يصلي وحده خلف الصف؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره أن يعيد الصلاة، وفي بعض الروايات: انتظره حتى سلم فقال له: استقبل صلاتك، يعني أعد صلاتك. "رواه أحمد وحسنه، وأبو داود وهذا لفظه، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن، وقال ابن المنذر: ثبّت الحديث أحمد وإسحاق" ولا شك أن الحديث صحيح وثابت، وأما الاضطراب الذي قاله ابن عبد البر يقول: في إسناده اضطراب، فانتفى الاضطراب بترجيح بعض الروايات، والمحقق خرج الحديث وذكر روايات الحديث وأسانيده في عشر من الصفحات خمس ورقات، أطال في تخريجه، وأجاد وفقه الله، فيرجع إليه، فعلى كل حال الحديث ثابت. عمل بهذا الحديث بعض العلماء، وهو صريح في الدلالة على بطلان صلاة الفذ خلف الصف، من أهل العلم -ولعلهم الأكثر- من يرى صحة صلاة الفذ خلف الصف، استدلالاً بأن الإمام يصلي منفرد في صف بمفرده، والمرأة صلت خلف الصف، وأبو بكرة رجع دون الصف، هذه أدلة من يقول بصحة صلاة الفذ خلف الصف، وهل يصلح واحد منها لمعارضة الحديث؟ قالوا: الإمام يصلي بمفرده في صف فليكن الآخر مثل الإمام، قياس مع الفارق، هذا موقفه الشرعي بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وتقريره، هذا موقف الإمام، وأما بالنسبة لأبي بكرة فلم يصلِ ركعة فذاً، وأقل من ركعة لا يقال له: صلاة، وأما بالنسبة لموقف المرأة فالمرأة معزولة عن الرجال بنصوص السنة المتكاثرة المتظاهرة، فلا تصف مع الرجال، لكن لو كان صفوف من النساء وجاءت امرأة وصلت فذة وراء النساء، هل يقال: إن صلاتها باطلة كما يقال لرجل صلى خلف الرجال فذاً: باطلة؟ أو نقول: إن هذا خاص بالرجال؟ صلاة الرجل فذ خلف الصف ينافي المشروعية لصلاة الجماعة، والرجل مأمور بصلاة الجماعة، بينما المرأة لو نافى المشروعية من صلاة الجماعة فالمرأة أصلاً ليست مأمورة بصلاة جماعة، فلا تقاس على الرجل في مثل هذا. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 19 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة)) " هذا يدل على أن الإقامة تسمع، فلا مانع من أن تسمع سواءً كانت بالصوت العادي أو بمكبر الصوت؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم الإقامة)) ما قال للمؤذن إذا أقمت الصلاة فأخفض صوتك بقدر ما تسمع الحاضرين؛ لئلا تكون عوناً للكسالى في تأخرهم عن الصلاة، بل قال: ((إذا سمعتم الإقامة)) فدل على أن الإقامة تسمع، وحينئذٍ لا مانع من الإقامة بالمكبر ليكون عوناً على هؤلاء الكسالى للحضور إلى الصلاة؛ لأنه إذا لم يسمع الإقامة يفاجأ بالناس قد صلوا، وهو كسلان، كسلان من الأصل، يعني هل يتصور أنه إذا لم يسمع الإقامة يبي يبادر ويبكر؟ لا، فلنكن عوناً له على إدراك الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم الإقامة)) فدل على أن الإقامة تسمع، ولو كان من المقاصد ألا يسمع من خارج المسجد لقيل للمؤذن: أخفض صوتك، لا تسمع هؤلاء الكسالى فتعينهم على كسلهم، لا، قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة)) مشي، ولا تأتوها وأنتم تسعون ((وعليكم بالسكينة والوقار)) التؤدة والطمأنينة وعدم الإسراع من أجل أن الإنسان إذا تطهر في بيته وخرج إلى الصلاة فهو في صلاة، فلا يأتي في مسيره إلى الصلاة بما يخالف الصلاة من الطمأنينة والسكينة والوقار، وأيضاً السرعة في المشي تقلل الخطى إلى المسجد، وللمصلي إذا مشى إلى الصلاة بكل خطوة حسنة، بكل خطوة يخطوها حسنة، ويحط عنه خطيئة، وأيضاً إذا أسرع في طريقه إلى الصلاة دخل إلى الصلاة وأثر البهر وتردد النفس يشغله عن الخشوع، بينما إذا جاء إلى الصلاة بسكينة ووقار دخل فيها مقبلاً عليها خاشعاً. ((وعليكم بالسكينة والوقار)) التؤدة الطمأنينة، وبعض الناس إذا جاء إلى الصلاة يكثر من الالتفات، ويكثر من التصرفات التي تلاحظ عليه، ومن الكلام بما لا ينفع، يعني هو مأمور بأن لا يأتي بما يخالف الصلاة من تشبيك الأصابع مثلاً؛ لأنه في صلاة ما دام يقصد الصلاة. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 20 ((وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا)) لما يترتب على الإسراع من تقليل الخطى، وثوران النفس، والدخول في الصلاة مع الانشغال بتسكين هذا النفس، وعدم الإقبال على الصلاة. ((فما أدركتم فصلوا)) ما أدركتم مع الإمام فصلوا ((وما فاتكم فأتموا)). ((ما أدركتم فصلوا)) ((إذا أتيتم والإمام على حال فاصنعوا كما يصنع الإمام)) "ما أدركتم" (ما) من صيغ العموم سواءٌ كان أكثر من ركعة أو ركعة كاملة أو أقل من ركعة، ما أدركتموه فصلوا، وما فاتكم فأتموا، الذي تدركونه مع الإمام قل أو كثر صلوه، وهنا يسمى إدراك، وبهذا يستدل من يقول -وهم الأكثر-: على أن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها ولو كان أقل من ركعة، وفي كتب الحنابلة: "من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس" أدرك أي جزء، وبهذا يقول الشافعية وجمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الصلاة لا تدرك إلا بما يسمى صلاة، وهي ركعة كاملة، وهذا ما يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-. وعلى هذا إذا دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل مع الإمام أو ينتظر جماعة أخرى؟ لا سيما إذا كان يغلب على ظنه أنه يدرك أو أنه يحضر إلى المسجد جماعة أخرى الذي يقول: إن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة يقول: ينتظر، والذي يقول: تدرك بإدراك أي جزء منها كما في قوله: ((فما أدركتم)) وهو قول الأكثر يقول: يدخل مع الإمام ((وإذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) وهذا شامل لأي جزء من الصلاة، ولعل هذا هو الأظهر. ((وما فاتكم)) يعني صلاه الإمام قبل دخولكم معه في الصلاة ركعة أو ركعتين أو ثلاث ((فأتموا)) وعلى هذا أكثر الروايات، وجاء بدلاً من ((فأتموا)) ((فاقضوا)) كما يشير إليها المؤلف فيما بعد، وبهذه الرواية التي عليها الأكثر: "فأتموا" يكون ما يدركه مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، وهذا قول المالكية والشافعية، والحنفية مع الحنابلة يقولون: إن ما يدركه مع المأموم هو آخر صلاته، وما يقضيه بعد ذلك هو أول صلاته لرواية: ((فاقضوا)). الجزء: 37 ¦ الصفحة: 21 قال: "متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: ((صلِ ما أدركت واقضِ ما سبقك)) " اقضِ يعني تأتي بما سبقك على صفته، والقضاء يحكي الأداء، على هذا على رواية: ((فأتموا)) إذا وجدت الإمام في الركعة الثالثة من صلاة رباعية تكبر وتستفتح للصلاة، وتستعيذ وتبسمل ثم تقرأ الفاتحة وتركع مع الإمام الركعة الأولى بالنسبة لك، ثم تصلي الرابعة معه، وهي الثانية بالنسبة لك، ثم إذا سلم الإمام تأتي بالثالثة والرابعة، لكن على القول الثاني تصلي الثالثة لك مع ثالثة الإمام، والرابعة بالنسبة لك هي الرابعة بالنسبة للإمام، ثم إذا سلم الإمام تقوم لتأتي بالركعة الأولى والثانية ((وما فاتكم فاقضوا)) ((واقضِ ما سبقك)) لكن رواية: ((فأتموا)) أكثر. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ورواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: ((وما فاتكم فاقضوا)) وقد وهم بعض المصنفين" وهو ابن الجوزي في التحقيق، التحقيق يعني في أدلة مذهب الحنابلة، التحقيق جمع فيه ابن الجوزي وهو من الحنابلة أدلة المذهب، واختصره ابن عبد الهادي في التنقيح. "وقد وهم بعض المصنفين في قوله: إن لفظ القضاء مخرج في الصحيحين" والمؤلف عزاه لأحمد، نعم مخرج في الصحيحين "وقال أبو داود: قال يونس الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري" جمع "يونس وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب عن الزهري ((وما فاتكم فأتموا)) وقال ابن عيينة واحده: عن الزهري: ((فاقضوا)) ". ولذا قال مسلم: أخطأ ابن عيينة؛ لماذا؟ لأنه خالف الأكثر، الأكثر من الرواة عن الزهري قالوا: ((فأتموا)) ويرويه ابن عيينة فقط عن الزهري ((فاقضوا)) ولذا قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، ولا أعلم رواها عن الزهري غيره. وفي قول أبي داود ومسلم نظر، فإن أحمد رواها عن عبد الرزاق، يعني ابن عيينة تابعه عليها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، تابعه يعني تابع ابن عيينة معمر عن الزهري، وعلى هذا يكون قد روي اللفظ على الوجهين عن معمر، عن معمر روي عنه عن اللفظين، وقد رويت من غير وجه عن أبي هريرة. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 22 "وقال البيهقي: والذين قالوا: "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة" هذه مرجحات، الكثرة يرجح بها، الحفظ يرجح به، ملازمة الشيخ مرجح، وعلى هذا فالمرجح من الروايتين: ((فأتموا)) وتبعاً لذلك يكون ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته "قال: فهو أولى، والتحقيق" يعني هذا من حيث الأثر، بقي من حيث النظر، من حيث المعنى، قال: "والتحقيق أنه ليس بين اللفظين فرق، فإن القضاء هو الإتمام لغة وشرعاً، والله أعلم". {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} [(200) سورة البقرة] هل معناه أنه فاتكم النسك ثم قضيتموه بعد وقته؟ لا، إنما أديتموه في وقته، فالقضاء بمعنى الأداء {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [(12) سورة فصلت] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] هل معناه إذا قضيت بعد وقتها أو بعد سلام الإمام منها؟ لا، ليس المراد ذلك، وإنما المراد به التمام نفسه، وعلى هذا المرجح فيما يدركه المسبوق سواءً كان في جميع الصلوات، في الصلوات الخمس، في صلاة الكسوف، في صلاة الجنازة كلها ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه بعد سلام إمامه هو آخر صلاته، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . نعم لو كان معذوراً ... طالب:. . . . . . . . . من يصلي خلف الصف يؤمر بالإعادة. طالب:. . . . . . . . . لو صلى خلف الصف يؤمر بالإعادة كما أمره النبي -عليه الصلاة والسلام-. طالب:. . . . . . . . . ولو كان جاهل ولو لم يجد مساغاً، إذا لم يجد مساغاً واستطاع أن يتقدم ويصلي بجوار الإمام له ذلك، جاء الاختلاج الذي هو يسحب واحد من الصف هذا ما جاء فيه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وهو اعتداء لهذا المختلَج، اعتداء عليه، وتفويت لأجر التقدم عليه. طالب: ينتظر حتى يأتي أحد. حتى يأتي أحد. طالب:. . . . . . . . . ولو انتهت الصلاة. طالب: طيب يا شيخ بالنسبة للنساء في رمضان والزحام الذي يصير على الصحن، هل تبطل صلاة الواحد وهو يصلي مع الحريم؟ الجزء: 37 ¦ الصفحة: 23 على كل حال أوقات المواسم، وما يترتب عليها من خلل هذه معفو عنها عند عامة أهل العلم، حتى يسجد الرجل على ظهر أخيه في أوقات الزحام. طالب:. . . . . . . . . نعم يقول: "صلى أنس واليتيم خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- والعجوز من ورائهم" هذا في نافلة، النوافل منها ما تشرع له الجماعة مطلقاً كالتراويح والكسوف هذه تشرع لها الجماعة مطلقاً، وبقية النوافل تباح الجماعة لكن لا على سبيل الاستمرار، ابن عباس صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، ابن مسعود صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، حذيفة صلى مع النبي، أنس صلى مع النبي نوافل، وصلى بعتبان نافلة، لكن لا على سبيل الاستمرار والدوام ... الجزء: 37 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (38) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: هل تأثم الأم إذا منعت ولدها من الذهاب إلى المسجد؛ لأنه كلما ذهب إليه جلس يلعب ثم يعود إلى البيت، بعكس البيت فإنها تراقبه على الوضوء والصلاة؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 1 ولي الأمر مأمور أن يأمر الولد بالصلاة إذا أتم سبع سنين، ويضربه عليها لعشر، ثم إن الصلاة في المسجد لا شك أنها تعود هذا الصبي وتمرنه على الصلاة مع الجماعة، والنظر فيما يفعله الكبار أثناء أداء الصلاة، ويعرف أحكام الصلاة من خلال أفعالهم، وهذه مصالح كبرى، لكن قد تكون هذه المصالح معرفة لمفاسد أو معارضة بمفاسد في أثناء طريقه في الذهاب إلى المسجد والإياب منه، ولذا نجد بعض الأخيار لا يلحق ولده في حلقات التحفيظ؛ لماذا؟ يقول: لأنه في طريقه إلى المسجد وفي أثناء وجوده في المسجد يتعرف على شباب وهؤلاء الشباب في بيوتهم مخالفات ومنكرات لا توجد عندنا، وقد يذهب معهم إلى بيوتهم بعد الدرس ويتعلل بأن الدرس تأخر، وحصل من هذا أشياء كثيرة، ولا شك أن الخير الموجود مشوب، وفيه دخن .... يعني خير كثير ولله الحمد، لكن يعتريه ما يعتريه حتى الدراسة النظامية فيها ما فيها من تلاقح أفكار الطلاب بعضهم مع بعض، تجد أسرة محافظة ليس في بيتها شيء من المخالفات يجلس ولدهم مع ولد أسرة أخرى عندهم أشياء كثيرة من المخالفات، ثم يتعلم منه ما يتعلم، فالواجب على كل حال في مثل هذه الظروف التسديد والمقاربة، عليك ألا تمنع ابنك من الخير، وعليك أن تراقبه لئلا يتضرر بمجالسة الآخرين، فإن أمكن أن تذهب معه إلى المسجد، ويرجع معك، تصحبه معك ذهاباً وإياباً إلى المسجد هذا هو الكمال، سواءً كان من أجل الصلاة أو من أجل حفظ القرآن، هذا هو الكمال، على أن مسائل الضغط الآن الموجود من بعض الناس قد لا يتيسر هذا لكثير من الناس؛ لأن بعض الناس يسخر له الولد بحيث يسهل قياده، وبعض الناس يتمرد ولده، وغلق الأبواب وإقفالها دون الأولاد ما هو متصور الآن، يعني لو أغلقته لئلا يخرج لن تغلقه إذا أراد الدراسة إلا لشخص يقول: أنا لا أحتاج ولا إلى الدراسة، وهذا لا يمكن، هذا صعب. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 2 أما بالنسبة إلى الصلاة فجاء عن بعضهم أنه لو أن أمه أمرته بالذهاب لصلاة الفجر فجن؛ لأن الظلام مؤثر على الأطفال، بل قد يؤثر على بعض الكبار، هل تأثم الأم أو لا تأثم؟ وهذا عكس مسألتنا، يعني إذا كان الولد من النوع اللي يخاف فألزمته أمه كما تفعل في المدرسة تخرجه من الباب وتغلق الباب دونه ليذهب قهراً إلى المدرسة، لو فعلت هذا بالنسبة للصلاة؟ وبعض الأمهات عندهن من الحرص ما يصل إلى هذا الحد، فجن الولد هل تأثم أو لا تأثم؟ هي فعلت ما أمرت به شرعاً فلا إثم عليها، لكن عليها أيضاً أن تنظر في عواقب الأمور، وتنظر في تركيب الولد وفي استعداده، وإذا كان يحتاج إلى من يؤنسه إلى المسجد فإنه لا بد أن يوجد له من هذا النوع، حتى لو انتظر الوالد، انتظر الجار، انتظر الأخ ينتظر ما في إشكال، فالمسألة مسألة تعويد وتمرين، فإذا كانت المفسدة المترتبة على هذا التعويد وعلى هذا التمرين أرجح، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وحينئذٍ الضغط عليه بالذهاب إلى المسجد، يكون في بعض الأوقات التي لا ضرر فيها دون بعض؛ لأن صلاة هذا الطفل من أصلها سنة، وذهابه إلى المسجد قدر زائد أيضاً سنة كذلك، فإذا كان يتضرر بذلك ضرراً بالغاً، ومثل ما قُرر في مسألة تعارض الأوامر مع النواهي، صلاة الجماعة مأمور بها، وهي واجبة على المكلفين، الأحرار من الرجال، واجبة عليهم، لكن إذا كان في طريقه إلى هذا المسجد معصية كبرى تزيد في ضررها على تحقيق الأجر المرتب على الجماعة فإنه حينئذٍ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا كانت هناك أعذار يعذر فيها عن ترك الجماعة فليكن هذا منها، لكن على كل حال على الإنسان ألا يتشبث بأوهام ما لم يكن هذا الأمر محققاً بالنسبة للطفل, فإنه لا يتذرع به، أما كونه يخشى عليه فهذا لا يكفي. يقول: ذُكر بالأمس قول الحنفية والحنابلة أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته وما يقضيه هو أول صلاته فهل يتفرع على هذا القول أن المسبوق لا يستفتح وأنه يتورك؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 3 نعم، يصنع كما يصنع في آخر صلاته، وإذا قام إلى أولها فإنه يصنع ما كان يفعله في أول صلاته إلا التشهد الأخير فإنه في آخر الصلاة وهو المسبوق بالسلام؛ لئلا يقال: لماذا لا يسلم بعد؟ إذا انتهى من الركعة الرابعة التي أدركها يسلم لأن هذه أخر صلاته، ثم يأتي بما سبق به، وهذا لم يقل به أحد. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . لا، لا لا، لا اصطلاح حادث، هذه مصطلحات حادثة. رجل صلى ركعتين سنة، وفي الركعة الأولى سجد ولم يركع واستمر وسجد للسهو هل عمله صحيح؟ لا، ليس بصحيح، ركعته باطلة، ركعته التي لم يركع فيها باطلة. هل يسار الصف الأقرب أفضل من اليمين الأبعد؟ على كل حال توسط الإمام مطلوب، ولا يهجر يسار الصف، اليمين مرغب فيه، لكن اليسار لا يهجر، وجاء في حديث عند ابن ماجه وغيره، وفيه ضعف: ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)) لكنه مضعف عند أهل العلم، ويبقى أن توسط الإمام مطلوب، وإلا لو قيل بأن اليمين أفضل مطلقاً لكان المحراب في نهاية الصف من جهة اليسار من أجل أن يكون المأموم كله يمين. يقول: هل يراعى في الدخول إلى منزل أو إلى مكان معين اليمين فاليمين أم الأكبر سناً؟ يبدأ بالأيمن فالأيمن، هذا إذا ترتبوا، أما إذا لم يترتبوا فكبر كبر. هذه ورقة فيها اثنا عشر سؤالاً: يقول: هل قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [(204) سورة الأعراف] شامل للصلاة وخارجها أم لا؟ علماً بأن عامة كتب التفسير تخص وجوب الإنصات في الصلاة والخطبة؟ اللفظ عام وإن كان المورد خاص، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيجب الإنصات في سماع القرآن. هل لكتاب المحرر ميزة على البلوغ والمنتقى؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 4 نعم، أحكام ابن عبد الهادي كأنها أقعد من أحكام ابن حجر والمجد، فهو إمام في هذا الباب ومعلل، يعني ابن حجر حافظ، وله يد طولى في الحديث وعلومه، لكن ابن عبد الهادي معلِل، يعني على طريقة أهل العلم الراسخين، ولا يعني هذا أنه طعن في ابن حجر، لا، لكن كتابه دون المحرر من هذه الحيثية، لكنه فوقه من حيث الزيادات، ودقة الترتيب، أما بالنسبة للمنتقى فكما هو معلوم ثلاثة أضعاف الكتابين، ثلاثة أضعاف البلوغ، وثلاثة أضعاف المحرر، فهو مفيد بهذه الزيادات التي يحتاجها طالب العلم مما لا يجده في المحرر والبلوغ. هل من مختصر في الفقه له عناية بالدليل غير متقيد بالتزام مذهب معين؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 5 بالنسبة للمتأهل الذي لديه أهلية النظر في الأدلة هذا لا يكفيه كتاب مختصر، وغير المتأهل لا ينصح بكتاب غير ملتزم بالمذهب، بل لا بد أن يكون أول الأمر على جادة واحدة، ثم بعد ذلك إذا تأهل ينظر في الأدلة ويرجح ما يراه راجحاً من حيث الدليل، أما التزام أو غير التزام بمذهب معين بالنسبة للمبتدئ هذا لا يصلح، كثير .. ، أشوف بعض الإخوان لهم عناية في كتاب الشوكاني الدرر البهية، يعني من بداية الأمر، ثم بعد ذلك يقرؤون في شرحه أو في الروضة الندية، نقول: لا يصلح هذا لطالب مبتدئ، هذا يضيع الطالب المبتدئ، لكن طالب منتهي ينظر في الأدلة له ذلك، والكتاب لا يلتزم بمذهب معين، ولذلك تجدون فيه ما لم يقل به أحد من الأئمة إلا نادراً في هذين الكتابين، كما أن في فتاوى شيخ الإسلام -رحمه الله- ما خالف فيه جماهير أهل العلم حتى نسب فيه إلى خرق الإجماع، ومع هذا فطالب العلم المبتدئ لا يصلح له هذا المنهج، عليه أن يتفقه على مذهب معين، وليأخذ كتاب معتمد في أي مذهب من المذاهب، نحن لا نلزم بمذهب الحنابلة ولا غيرهم، يعني ليأخذ مثلاً المنهاج للنووي، أو زاد المستقنع، أو مختصر خليل أو غيرها من المتون، فيأخذ هذا المتن يتصور مسائله، يستدل لهذه المسائل، يعني يفهم هذه المسائل أولاً ويتصورها، ثم يستدل لهذه المسائل، ويعرف من وافق وخالف بالأدلة ويكون فقيه بعد هذا، يكون هذا كأنه خطة بحث، لا أنه دستور ملزم لا يحاد عنه ليست الدعوة إلى هذا أبداً، لكن كتاب يكون على منهج واضح بين، يعني معتمد عند أهل العلم. هل تجوز سرقة السارق وظلم الظالم؟ لا، لا تجوز سرقة السارق، ولا ظلم الظالم، الأول سارق، والثاني سارق أيضاً، والأول ظالم وظالمه ظالم، فالسرقة لا تجوز بحال، والظلم لا يجوز بحال، لكن إن عني بالسرقة هذه مسألة الظفر مثلاً مسألة الظفر سرق منه سلعة تقدر بألف، ثم ظفر له بسلعة تقدر بألف فسرقها منه، هذه يسميها أهل العلم مسألة الظفر التي لا يستطيع أن يقيم عليها دعوى، وهي مسألة مختلف فيها. هل على طالب العلم أن يعتني بطبعات الكتب أم أن هذا فضول علم؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 6 لا شك أن الطبعات التي من خلالها يُعرف الطبعة الصحيحة من السقيمة المصححة من المصحفة هذه مهمة بالنسبة لطالب العلم؛ لأنه قد يعتمد لجهله بذلك على طبعة فيها تصحيف وتحريف فلا يهتدي إلى الصواب، فعليه أن يعرف من الطبعات هذا القدر الذي يعينه على قراءة العلم على مراد المؤلفين، وكم من إنسان ضاع بسبب سوء الطباعة، أما القدر الزائد من ذلك بحيث يفني عمره بمعرفة الطبعات التي تكون قدراً زائد على تحقيق النسخة الصحيحة هذا لا شك أنه يعتني به أناس، ويهتمون به، وعرفوا بذلك، وشهروا به، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب المضمون، بعض الناس يعرف عن الكتب أشياء كثيرة جداً، يمكن أن يكتب عن المحرر وطبعاته كتاباً، لكنه لا يعرف ما في مضمون المحرر، هذا خطأ، هذا لا شك أنه انشغال بالمفضول عن الفاضل. من أتى عليه وقت المغرب والعشاء وهو في السفر فأخرها إلى أن وصل إلى بلده، فهل له القصر في بلده بعد الوصول؟ لا، الآن هو انتفى عنه الوصف المؤثر المقتضي للقصر. يقول: وجدتُ امرأة صالحة، وأردت أن أتزوجها، لكن أهلها أهل سوء، فهل أقدم أم لا؟ أنت مأمور بالبحث عن المرأة الصالحة ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) لكن لا شك أن للبيئة والأهل لهم أثر عليها فيما بعد وعلى ولدها، اللهم إلا إذا أردت أن تنقطع عنهم انقطاعاً شبه كلي، ويقتصر في ذلك على الواجب بما يرفع القطعية فهذا ممكن، وإلا فالأثر لا بد منه على الولد. هل إطلاق أن كل أحاديث الموطأ صحيحة إطلاق صحيح؟ لا، ليس بصحيح، فيه الضعيف، فيه المراسيل، وفيه البلاغات، لكنها موصولة، لكن يبقى أن فيه قدر ليس بصحيح، إنما الإطلاق هذا إجمالي ليس بتفصيلي. يقول: هل يشترط في كتابة رسالة في الجوال البداءة بالسلام؛ لأن بعض السلام لا يرد عليك إن لم تفعل كحديث: ((من بدأ بالكلام فلا تجيبوه))؟ على كل حال البداءة بالسلام سنة وليست بواجبة. يقول: هل يجوز استخراج عنصر كالصديوم مثلاً أو غيره من الخمر؛ لأنه قد ورد عليكم قبل الأمس سؤال عن أدوية يدخل في تركيبها أجزاء مستخرجة من الخنزير، وقد سألت طبيباً فقال: نعم هذا صحيح، لكنها عناصر مجردة كما لو استخرجت السكر من الخمر فهل هذا ... ؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 7 لا يجوز، الخمر لا يجوز إمساكه، بل يجب إراقته، ولحم الخنزير لا يجوز إمساكه، بل يجب إتلافه. ما رأيكم في الإمام أو غيره إذا أراد أن يسلم يقف بوجهه للقبلة بين التسليمتين؟ هم يقولون: يسلم تلقاء وجهه، ثم يلتفت في بقية السلام عن اليمين، ثم يسلم تلقاء وجهه ثم يلتفت ببقية سلامه إلى اليسار. هل سؤال أهل العلم عن المشاكل الأسرية والاجتماعية مشروع، أم أن هذه ينبغي أن يسأل عنها الأطباء النفسيون والاستشاريون الاجتماعيون؟ لا، أهل العلم هم أهل العلم والاستشارة، وهم أهل المعرفة والخبرة؛ لأن مشاكل الأسر معروفة قاسم مشترك بين الجميع، لكن قد يكون التعامل مع بعض النفسيات يحتاج فيه إلى متخصص نفسي، لكن الأصل هو العلم الشرعي، وهذه الأمور طارئة، وكانت مشاكل المسلمين تحل من قبل علمائهم، ومن قبل عقلائهم وهذه العلوم طارئة على المسلمين. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صلاة المريض عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: كانت بي بواسير فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة؟ فقال: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) رواه البخاري. وروى أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه فأخذه فرمى به، وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) رواه البيهقي والحافظ محمد بن عبد الواحد في المختارة، وقال أبو حاتم في رفعه: هذا خطأ إنما هو عن جابر قوله: إنه دخل على مريض. وعن الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسجد على وسادة من أدم من رمد بها. رواه الشافعي. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 8 وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" رواه النسائي والدارقطني والحاكم، وقال: على شرطهما، وقال النسائي: لا أعلم أحداً روى هذا الحديث غير أبي داود الحفري، وهو ثقة، ولا أحسبه إلا خطأ، كذا قال، وقد تابع الحفري محمد بن سعيد بن الأصبهاني وهو ثقة. والله أعلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة المريض بدأ المؤلف بعد أن انتهى من أبواب الصلاة التامة المطلوبة من الأسوياء الذين ليس لهم عذر شرع -رحمه الله تعالى- في من له عذر، فيستثنى له بعض ما تقدم مما يشترط للصلاة ويجب لها كالمريض والمسافر والخائف، بدأ بصلاة المريض، ثم المسافر، ثم صلاة الخوف، وكل هذه الأبواب الثلاثة فيها تجاوزات عن الصلوات العادية، فالمريض يتجاوز له عن بعض الأشياء الواجبة على السليم الصحيح، والمسافر يتجاوز له عن بعض ما يجب على المقيم، والخائف يتجاوز له عن بعض ما يجب على الآمن، فالمريض الذي يشق عليه أن يأتي بالصلاة على وجهها كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي فإنه حينئذٍ يصلي على حسب حاله بما لا يشق عليه، وهل مجرد المشقة ووجود التألم كافي أم لا بد من زيادة المرض وتأخر البرء كما يقول بعضهم؟ قد يصلي الإنسان وهو يتألم لكن لا يزيد مرضه ولا يتأخر برؤه، فمثل هذا هل يعفى له عن بعض ما يجب على الصحيح السليم، أو لا بد أن يكون عمله الصلاة على الوجه المشروع مما يسبب زيادة في مرضه أو يؤخر البرء؟ قولان لأهل العلم. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 9 وعلى كل حال إذا وجدت المشقة التي يصعب معها العمل، ولو احتملت إذا كان يصعب معها العمل؛ لأن هناك أشياء توجد من زيد تحمله على أن يصلي في بيته، وتوجد من عمرو بل قد يوجد أشد منها فلا يعذر نفسه حتى يصلي مع الناس في المسجد على الوجه المأمور به، فهذا يتحمل وهذا لا يتحمل، فمن الذي برئت عهدته من سقوط الواجب بيقين؟ وقل مثل هذا في الأعمال، أعمال الدنيا الواجبة بعض الموظفين يتعلل ويتعذر بأدنى مرض، إذا زكم ما داوم، وبعضهم يحمل على نفسه بما يتضرر به، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، والواحد من الصحابة يؤتى به يهادى بين الرجلين فيقف في الصف، وبعض الناس لأدنى سبب تجده يصلي في بيته، ويصلي جالساً مع قدرته على القيام، مع قدرته على الذهاب إلى المسجد، لا شك أن هذا تفريط، وإذا حمل على نفسه، وحضر مع الجماعة بما يتسبب عنه الزيادة في المرض، أو تأخر البرء لا شك أن هذا فيه إفراط، ودين الله -جل وعلا- وسط بين هذا وهذا، وكل إنسان يعرف من نفسه، فإذا كان مرضه يعوقه عن حضور الجماعة بحيث لا يستطيع الحضور بوجه هذا لا يمكن أن يكلف بحال، وإذا كان ذهابه إلى المسجد أو صلاته قائماً يترتب عليه زيادة في مرضه، الطبيب قال له: اجلس، أو قال له: لا تركع لا تسجد، أجرى عملية في عينه قال له: لا تركع، إذا ركعت زاد المرض، أو تأخر البرء، نقول له حينئذٍ: لا تركع ولا تسجد، وتجد بعض الناس يخالف ويركع ويسجد، وهذا لا شك أن الباعث عليه الحرص على أداء العبادة بيقين، لكن الشرع جاء بما يحقق المصالح دون ارتكاب أدنى مفسدة، دون ارتكاب المفاسد، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره، لا يجد العذر لنفسه لأدنى سبب فيترك الجماعة، ويترك بعض الواجبات من أجل أنه عنده نوع مرض، كما قيل مثل ذلك في الصيام، يعني وجد من السلف وهذا نادر، يعني ما عثر عن واحد بس، أو أثر عن واحد أنه أصيب في إصبعه فأفطر، ورئي يأكل قال: نعم أنا مريض هذا إصبعي، هذا مقبول؟ لا، هذا ليس بمقبول، هذا لم يقل به غيره إن صح عنه؛ لأنه استعمل المرض بإطلاقه {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا} [(184) سورة البقرة] وهذا نوع مرض، لكن هذا ليس بصحيح، المقصود بالمرض الذي يؤثر فيه الصيام، شخص مريض الجزء: 38 ¦ الصفحة: 10 ونًُصح بالمشي، كبير سن لا يحضر مع الجماعة؛ لماذا؟ لأنه مريض، لكنه بعد هزيع من الليل تجده يجوب الشوارع يمشي، يروح يمين شمال يقول: الطبيب يقول لي: امشِ، هذا يدل على إيش؟ على زهد في عمل الآخرة، وحرص على أمر الدنيا، وإلا الذهاب إلى المسجد مشي ينفعك هذا إذا كنت نصحت بالمشي، فلا شك أن الناس بين إفراط وتفريط، والدين هو الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] لا تحضر إلى المسجد إذا كان يزيد في مرضك، ولا تعذر نفسك فيما لا يضرك، وقل مثل هذا في الدوام أشرنا إلى أن بعض الناس لأدنى سبب ما يتردد في أن يتصل على المسئول يقول: والله أنا اليوم مريض، وقد يتمارض في صوته من أجل أن يُعذر، وبعض الناس يحمل على نفسه إلى أن يسقط في مقر عمله، فلا هذا ولا هذا. باب: صلاة المريض يقول -رحمه الله-: "عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: كانت بي بواسير" وهو ألم يصيب أو مرض يصيب المقعدة، وما زال معروفاً بهذا الاسم، ومثله بالنون نواسير، فهناك الباسور وهناك الناسور، فالفرق بينهما؟ ما الفرق بينهما؟ طالب:. . . . . . . . . غيره. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . هو أحدهما عفن، والثاني خروج خُراجات وأشياء تخرج من المقعدة، على كل حال هما من أمراض المقعدة. عمران بن حصين كما ثبت في الخبر الصحيح لما مرض كان يُسلم عليه عياناً، يسمع سلام الملائكة، فاكتوى فانقطع التسليم، فندم ثم عاد التسليم. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 11 يقول: "كانت بي بواسير، فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، فقال: ((صلِ قائماً)) " هذا الأصل ((فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة المفروضة ((صلِ قائماً)) ولا يجوز لك بحال أن تصلي قاعداً في الفريضة مع الاستطاعة؛ لأن مفهوم الشرط ((فإن لم تستطع فقاعداً)) مفهوم الشرط أنك إذا استطعت فلا تصل قاعداً، فإن لم تستطع الصلاة من قعود فصلِ على جنب، هذا بالنسبة للفريضة، الأصل أن اللفظ عام يشمل الصلوات كلها، يشمل الفريضة ويشمل النافلة ((صلِ قائماً)) لكن جاء الحديث الصحيح: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) الحديث الأول عام في الفريضة والنافلة، والثاني لفظه كذلك عام في الفريضة والنافلة، وحينئذٍ يحصل التعارض التام، فكيف نرفع هذا التعارض؟ هذا له سبب وهو أن عمران بن حصين كان مريضاً فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، والصلاة تشمل الفريضة وتشمل النافلة، فأجابه بأن يصلي قائماً ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع)) لأنك مريض صلِ قاعداً ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) ويبقى اللفظ على عمومه حتى مع وجود السبب؛ لأنه ليس في السبب ما يدل على الفريضة، بينما صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم في سببه ما يدل على النافلة، وفي سببه ما يدل على القدرة على القيام، فالسبب كما في الشعب للبيهقي: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة -فيها حمى- فوجد الناس يصلون من قعود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، الحديث في فريضة وإلا في نافلة؟ في نافلة قطعاً؛ لأنهم لا يصلون الفريضة قبل أن يحضر -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 12 الحديث في القادر على القيام أو في العاجز عنه؟ في القادر على القيام؛ لأنهم تجشموا الصلاة قياماً، فقاموا استطاعوا، استطاعوا الصلاة من قيام، فدل على أن صلاة النافلة مع القدرة على القيام بنصف الأجر، وأن صلاة الفريضة لا تصح مع القدرة إلا من قيام لحديث عمران بن حصين، فيكون حديث عمران بن حصين مخصوص بالفريضة بدليل الحديث الثاني؛ لأن الحديث الثاني مخرج للنافلة، والاستطاعة الموجودة في الحديث -في حديث عمران- على بابها، بينما في النافلة بإمكانه أن يصلي قاعداً مع قدرته على القيام، لكن على النصف من الأجر، إن لم يستطع القيام في النافلة فأجره كامل كالفريضة، فيبقى حديث: ((صلاة القاعد على النصف)) مخصوص بالنافلة من باب قصر المسبب على سببه، وأهل العلم يطبقون على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبعضهم ينقل الإجماع على هذا، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لماذا قصرنا اللفظ العام على سببه، وما قلنا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ لوجود المعارض وهو حديث عمران بن حصين، فقلنا: إن حديث عمران بن حصين خاص بالفريضة، وحديث: ((صلاة القاعد على النصف)) خاص بالنافلة، يعني إذا صلى الفريضة لعدم قدرته على القيام صلاها قاعداً نقول: على النصف من أجر صلاة القائم؟ لا، صلى النافلة من قعود لعدم قدرته على القيام على النصف وإلا لا؟ لا، كامل، {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] وهذا اتقى الله ما استطاع. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 13 ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) فإن لم تستطع فقاعداً، يعني ينتقل إذا لم يستطع القيام ينتقل إلى القعود، يعني من أعجب ما رأيت -وهذه القصة قد لا تعجب الذي كتب أمس- شخص في مسجد كبير، والناس يصلون في مقدمة المسجد وبين الباب إلى مقدمة المسجد قريب من اثنا عشر أو خمسة عشر متر، دخلت أنا وهو مع الباب فركع الإمام فجرى جرياً على غير المعتاد وهو كبير سن، يجري، يسعى سعياً شديداً، فلما وصل إلى الصف تربع وجلس. . . . . . . . . إن هذا الحاصل، تربع وجلس، انتهت الصلاة جاءت صلاة الجنازة صلى قائماً على الجنازة، جهل جهل مطبق، يعني عموم الناس يحتاجون إلى من يوجههم، يعني يوجد هذا في عامة الناس، وهذا تقصير من طلاب العلم، تقصير من طلاب العلم، يعني يجري جريان أنا لا أطيقه حقيقة، وهو في السبعين من عمره جلس وتربع، لما انتهت الصلاة صلى قائماً على الجنازة، ورجع بسرعة لما سلم من الجنازة، يعني أليست هذه مسئولية طلاب العلم؟ أليس هذا تقصير من طلاب العلم أن يوجد بين ظهرانيهم مثل هذا؟ ألا يوجد في بيت هذا الشخص من المتعلمين من الذكور والإناث ما يعرف مثل هذه الأحكام؟ التقصير حاصل، والمسئولية كبيرة على طالب العلم الذي يعرف مثل هذه الأحكام، يتعين عليه أن يعلم مثل هذا. ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) يعني على جنبك الأيمن، مستقبلاً بوجهك القبلة، تومئ برأسك، وتجعل السجود أخفض من الركوع، والإيماء بالرأس يتبعه أعالي البدن، يتبع الإيماء بالرأس أعالي البدن. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 14 بعد هذا إذا لم يستطع على جنب، الحديث ما فيه إلا المراتب: القيام، القعود، على جنب، تسقط الصلاة بعد هذا إذا لم يستطع الصلاة على جنب، من أهل العلم من يقول: خلاص هذه المراتب التي جاءت بها السنة، وما عدا ذلك تسقط، مع بقاء مناط التكليف الذي هو العقل، أما إذا ارتفع العقل هذا محل اتفاق أن الصلاة تسقط، وقد يرتفع العقل في بعض الأوقات دون بعض، وقد يرتفع الإدراك عن بعض الأشياء دون بعض، فتجد بعض الناس يفيق ويفقد عقله أحياناً مثل هذا تلزمه الصلاة في حال الإفاقة، بعض الناس يضبط بعض الأمور، يعرف أن وراءه صلاة، وأن عليه وضوء، لكن إذا دخل في الصلاة لا يضبط أعداد، ولا يعرف الركوع من السجود، يعني هذا عليه أن يفعل ما يستطيع. هنا في المراتب الثلاث لم يذكر بعد الجنب بعد الصلاة على جنب شيء، مما جعل بعض أهل العلم وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا لم يستطع الصلاة على جنب تسقط عنه الصلاة، استنفد الخيارات الموجودة في الحديث، وفعل ما أمر به ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) يعني فصلِ على جنب، بعد هذا ما فيه أمر، انتهى التكليف على هذا القول، ومنهم من يقول: إنه إذا كان العقل الذي هو مناط التكليف باقياً فإن الصلاة لا تسقط بحال، والتكاليف لا تسقط، يعني ما يستطاع منه لا يسقط، فيومئ ولو بطرفه وقلبه، يمر الآيات على قلبه، يمر الأذكار على قلبه، ويومئ بطرفه، وهل يومئ بإصبعه إذا استطاع؟ وهل الإصبع أوضح من الطرف وأقرب إلى الصورة أو لا؟ لأنهم يقولون: بطرفه مع إمرار الأذكار على قلبه، إذا كان يستطيع أن يصلي بإصبعه، الإصبع متصور حال الركوع ظاهرة، وحال السجود ظاهرة، وهي أوضح من الطرف، هل نقول: يصلي بإصبعه أو يصلي بطرفه؟ أهل العلم يقولون: بطرفه، يومئ بطرفه، ويمر القرآن والأذكار على قلبه، وينوي الانتقال بقلبه مع أن الصلاة بالإصبع أظهر وأوضح في الانتقال من القيام إلى الركوع إلى السجود، أيهما أولى؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 38 ¦ الصفحة: 15 الإصبع؟ هو الأصبع أظهر في الفروق بين أجزاء الصلاة، يعني القيام واضح، والركوع واضح، والسجود واضح، لكن يبقى أن أهل العلم يقولون: بطرفه، اللهم إلا إذا كان مرادهم أن هذا أدنى شيء يعني المرحلة الأخيرة، قد يستطيع الصلاة بيده مثلاً، لكن أهل العلم إنما ينصون على الطرف مع إمرار القرآن والأذكار على القلب هذا قول أكثر أهل العلم، وإن قال بعضهم: إنها تسقط عنه إذا لم يستطع الصلاة على الجنب. وهناك قاعدة عند أهل العلم: إذا قدر على بعض الواجب وعجز عن بعض هل يأتي بما يقدر عليه أو لا؟ إن كان المقدور عليه بمفرده عبادة فيأتي به، وإن كان المقدور عليه إنما ثبت تابعاً للعبادة فإنه لا يأتي به، الذي لا يستطيع القراءة نقول: حرك شفتيك؟ لا، تحريك الشفتين ليس قراءة، وإنما هو تابع للعبادة، الأصلع الذي لا شعر على رأسه إذا أراد التحلل قال بعضهم: المقدور عليه أن يمر الموسى على رأسه، ولو لم يكن فيه شعر، لكن هل إمرار الموسى مقصود لذاته؟ لا، هذا لا يأتي به، لكن إذا كان يقدر على شيء يقدر على القيام ولا يقدر على القراءة يلزمه القيام؛ لأنه مقصود لذاته، يقدر على القراءة ولا يقدر على القيام فإنه يأتي بالقراءة ويصلي قاعداً. قال: "وروى أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة" عيادة المريض سنة، نقل الإجماع عليها النووي، وقال البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض، النووي نقل الإجماع على أن زيارة أو عيادة المريض سنة، وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض، ومعلوم أن النووي -رحمه الله تعالى- متساهل في نقل الإجماع، فليحرص طالب العلم على عيادة المريض، ولا يقتصر على مجرد السلام والسؤال عن الحال، بل يوجه هذا المريض، وينصح هذا المريض، ويعظ هذا المريض إن رأى عليه تقصير، ويبصره بأمور دينه وعباداته، ويوصيه بما ينفعه في آخرته. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 16 "النبي -عليه الصلاة والسلام- عاد مريضاً، فرآه يصلي" هذا على القول بأن الخبر مرفوع وإلا سيأتي قول من يقول: إن الرفع خطأ، وإنما هو من قول جابر -رضي الله عنه- موقوفاً عليه، وسواءً كان من قوله -عليه الصلاة والسلام- وفعله هو الذي عاد المريض أو جابر -رضي الله عنه- لأن الصحابة يقتدى بهم، وهم أحرص الناس على الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-. "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد مريضاً، فرآه يصلي على وسادة" بعض الناس يرى أنه لا بد أن يمكن جبهته من شيء، هو لا يستطيع السجود على الأرض فيأتي بوسادة يرفعها ويسجد عليها، أو بشيء آخر يسجد على طاولة مثلاً على ماسة مرتفعة، ورأينا من يسجد على جُمْعِه، يقول هكذا، وجد بعض الناس، لا يستطيع السجود لأنه أجرى عملية في عينيه فتجده يقول هكذا، هذا ليس بمشروع؛ لأن هذا ليس مقصود لذاته. "فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها" هذا التغيير، تغيير المنكر بالقلب؟ باليد؛ لأنه يستطيع ذلك، استطاع أن يغير المنكر بيده بحيث لم يترتب عليه أدنى مفسدة، وهذا هو المتعين مع القدرة عليه ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) لو رأيت شخصاً يصنع مثل هذا، إن كان أخذك منه ما يسجد عليه لا يترتب عليه مفسدة هذا هو الأصل، وإلا توجهه بأن هذا ليس بمشروع، وهذا تنطع وقدر زائد على المشروع بلسانك، إن خشيت من سطوته أو سطوة أعوانه فتغير بقلبك، وبإمكانك أن تهمس في أذن من يستطع التغيير، إما باليد أو باللسان. "يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه" يعني يسجد عليه "فأخذه كذلك فرمى به وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت)) " هذا هو الأصل ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) هذا هو الأصل، يعني على الأرض إن استطعت. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 17 قد يقول قائل: هل في هذا دليل على أن الأصل السجود على الأرض دون الفرش؟ نعم هو الأصل، لكن السجود على الفرش النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصير، وصلى على الخمرة لا إشكال فيه، ليس فيه أدنى إشكال، وتجدون بعض طوائف البدع لا يصلون على الفرش، يعني إن صلى ببدنه لم يسجد على الفرش، وهذا من التنطع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصر، وصلى على الخمرة التي تكون بقدر الوجه واليدين، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الصلاة على الحصير؛ لماذا ترجم البخاري باب الصلاة على الحصير؟ طالب:. . . . . . . . . نعم وجد من ينكر ذلك من بعض السلف استناداً إلى المشابهة باللفظ {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [(8) سورة الإسراء] ما دام يشبه جهنم ولو بالاسم ما نصلي عليه، ترجم الإمام البخاري -رحمه الله-: باب الصلاة على الحصير للرد على هؤلاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصير. طالب:. . . . . . . . . المقصود أنه صلى. طالب:. . . . . . . . . لا، ما يلزم، ما دام صلى الصلاة هي الصلاة، وصلى على الخمرة -عليه الصلاة والسلام-. ((صلِ على الأرض إن استطعت)) والأرض كلها مسجداً وطهوراً على ما تقدم في حديث الخصائص. ((وإلا فأومئ إيماءً)) يعني تومئ برأسك إيماءً ((واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) ليتميز الركوع من السجود ليحصل هناك تمييز. قال -رحمه الله-: رواه البيهقي، والحافظ محمد بن عبد الواحد المعروف بالضياء المقدسي في المختارة، يعني له الأحاديث المختارة، وهو كتاب انتقاه من كتب السنة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه ما في مانع أبداً، ما في ما يمنع لتصحيح الصلاة لما يتعلق بصلاته. "وقال أبو حاتم في رفعه: هذا خطأ، إنما هو عن جابر قوله: إنه دخل على مريض ... الحديث". فيه تعارض الرفع مع الوقف، وتقدم مراراً أن للعلماء أقوالاً أربعة: أن الحكم لمن رفع؛ لأن معه زيادة علم، وهذا قول الأكثر. الثاني: الحكم لمن وقف؛ لأنه المتيقن، يعني ذكر جابر مقطوع به في الخبر، لكن بعد جابر من ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- مشكوك فيه، فالوقف هو المتيقن. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 18 ومنهم من يقول: الحكم للأحفظ، ننظر في الرواة الذين رفعوه، والرواة الذين وقفوه، فإن كان من رفعه أحفظ حكمنا له، وإن كان من وقفه أحفظ حكمنا له. ومنهم من قال: الحكم للأكثر، فإن كان من رفعه أكثر حكمنا له، وإن كان من وقفه أكثر حكمنا له. ومنهم من يقول: لا هذا ولا ذاك، إنما يحكم لما تؤيده القرائن، فإن دلت القرائن على رجحان الرفع حكمنا برفعه، وإن دلت القرائن على رجحان الوقف حكمنا به، ومعلوم أن مثل هذا الحكم الذي هو بالقرائن إنما هو للأئمة، ومن كان في حكمهم ممن يحفظ كحفظهم، ويفهم كفهمهم، وليس هذا لآحاد المتعلمين؛ لأن من المتعلمين من يطالب بالحكم بالقرائن يطالب من لم يتأهل، وهذا لا شك أنه تضييع له من جهة، وتجرأة له من جهة؛ لأنه لا بد أن يخطئ أحداً من أهل العلم، وهو لم يدرك سر هذا الأمر، أما من تأهل فهذا فرضه، نظير ذلك الاجتهاد في الأحكام، المبتدئ ومن في حكمه فرضه تقليد أهل العلم، والمتأهل فرضه أن يدين الله بما يرجح عنده من حيث الدليل. أبو حاتم رمي بالتشدد، ولذا تجدون في غالب الأحكام في تعارض الرفع مع الوقف، والوصل مع الإرسال أنه في الغالب يحكم بالوقف وبالإرسال، ولذا رمي بالتشديد، لكن الإمام البخاري مثلاً تجده مرة يحكم بالرفع، ومرة يحكم بالوقف، ومرة يحكم بالوصل، ومرة يحكم بالإرسال، وكذلك الإمام أحمد وغيرهما من الأئمة المعتدلين المتوسطين في أحكامهم، فتجد البخاري يحكم برفع حديث يحكم الإمام أحمد بوقفه والعكس، ولا تجد هذه صفة غالبة عند البخاري أو هذه، وكذلك الإمام أحمد وغيرهما ممن وُصف بالاعتدال، لكن الإمام أبا حاتم والدارقطني وغيرهما تجدهم يميلون ويستروحون إلى طرف دون آخر، بينما من تأخر من أهل العلم الذين لهم عناية بالحديث تجد نَفَسه خلاف ما ينحو إليه أبو حاتم، تجد في تعارض الرفع مع الوقف يحكمون بالرفع، تعارض الوصل مع الإرسال يحكمون بالوصل، هذه طريقة غالب المتأخرين؛ لأنهم جروا على قواعد: منها قبول زيادة الثقة مطلقاً، مع أنها تدخل في هذا الباب أن القبول والرد يتبع القرائن، منهم من ينقل عليها الاتفاق كالبيهقي والحاكم، لكن الاتفاق لا يُسلّم، وصنيع الأئمة كثير منهم على خلاف ذلك. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 19 "وعن الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسجد على وسادة أدم" هذا موقوف على أم سلمة "تسجد على وسادة أدم من رمد بها" هذا الخبر عن أم سلمة بالنسبة للذي قبله -حديث جابر- يرجح الرفع أو يرجح الوقف؟ نعم؟ طالب: الوقف. مما يرجح به الوقف؛ لأنه لو كان مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأم سلمة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- لكانت من أعرف الناس به، وإن كان الخبر ليس في بيتها، وإنما في بيت المريض الذي تمت عيادته كما في الخبر السابق، لكن في الغالب لا يخفى على أمهات المؤمنين، ويحصل لهن ما يحصل في حياته -عليه الصلاة والسلام-، فلو كان مما ينكر لأنكره عليهن، فهذا مما يرجح به أن الخبر السابق موقوف. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . الحسن البصري عن أمه رأيت أم سلمة، الخبر لأم سلمة. "زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسجد على وسادة أدم" يعني من جلد "من رمد بها" لأن الذي به رمد في عينيه رمد لا يستطيع أن يسجد على الأرض. "رواه الشافعي". الجزء: 38 ¦ الصفحة: 20 قالوا: هذا موقوف حسن، الشافعي يرويه عن الثقة، عن الثقة عنده، وفي الغالب أنه إبراهيم بن أبي يحيى هو ثقة عند الإمام الشافعي، لكنه ضعيف جداً عند عامة أهل العلم، لكنه توبع من قبل هشيم وابن علية وحماد بن أبي سلمة فهو حسن، قد يقول قائل: إن إبراهيم بن أبي يحيى شديد الضعف لا يقبل الانجبار فيبقى على ضعفه، ويكون الحسن حديث غيره، الحسن ما يرويه غيره، فحديث شديد الضعف يقرر أهل العلم أنه لا يقبل الانجبار، يبقى على ضعفه، والمؤلف خرجه من رواية الشافعي، في مسند الشافعي عن الثقة عنده، والثقة شديد الضعف عند أهل العلم، توبع من قبل ثلاثة من الثقات، هل يرتفع حديثه إلى الحسن لوجود المتابع أو يبقى ضعيف لأنه لا يقبل الانجبار وينظر فيما عداه؟ يبقى ضعيف؛ لأنه لا يقبل الانجبار، وهذا قول أكثر أهل الاصطلاح، ومنهم من يرى أنه ينجبر، افترض أن هناك حديث رواه الشافعي أو الإمام أحمد بسند ضعيف جداً وهو مخرج من غير هذا الطريق في الصحيح في البخاري، هل نقول: إن حديث أحمد أو الشافعي ارتقى إلى الحسن، بل بعضهم يرقيه إلى الصحيح؛ لأن شاهده في الصحيح أو متابعه في الصحيح كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث؟ لأنه قد يرتقي درجتين ما يرتقي درجة واحدة، الأكثر على أنه يرتقي إلى الدرجة التي تليها بالمتابع، يعني بدلاً من أن يكون شديد الضعف يكتفى بكونه ضعيف، ويمكن بالتدرج أن نرقيه بطريق واحد طريق هشيم إلى الضعيف، ثم الطريقين طريق هشيم وابن أبي يحيى ارتقى إلى ضعيف بطريق ابن علية يرتقي إلى الحسن وهكذا، نرقيه درجة درجة، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين أنه يبقى على ضعفه، وينظر فيما عداه، لكنه جاء من طريق أخرى بإسناد كذا، وهذه مسألة منهجية في التخريج ودراسة الأسانيد، يعني من حيث الواقع العملي لها أثر وإلا ما لها أثر؟ ما لها أثر، لكن من حيث المنهجية حينما تخرج كتاب نعم تقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، أو ضعيف جداً؛ لأن فيه فلان وفلان، لكنه ورد عن فلان وفلان وفلان، وبهذه الطرق تكون النتيجة النهائية أنه حسن أو صحيح على حسب هذه الطرق كثرة وقلة، قوة وضعفاً. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 21 الآن حديث خبر جابر السابق سواءً كان مرفوعاً أو موقوفاً أن السجود على الوسادة أنه تكلف لا يشرع، وخبر أم سلمة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- كانت تسجد على وسادة، وهذا اجتهاد منها، ليس بمرفوع، ويبقى أن الإنسان يتقي الله ما استطاع، إن استطاع أن يسجد على الأرض فبها ونعمت وإلا فليومئ إيماءً، ولا يشرع السجود على وسادة. طالب:. . . . . . . . . الأصل أنه لا يفعل؛ لأنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء من ذلك. "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" الرسول -عليه الصلاة والسلام- صلى جالساً لعذر لما سقط فجحش شقه الأيمن، صلى جالساً، وصلى في النافلة جالساً بعد أن أوتر صلى ركعتين وهو جالس، كان يصلي جالس إذا كان متعباً فإذا جاء الركوع قام، لكن إذا صلى جالساً صلى المصلي جالساً ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) معلوم أن الجلوس في الصلاة إما أن يكون بين السجدتين، أو في التشهد الأول، أو في التشهد الثاني، فالجلوس بين السجدتين والتشهد الأول افتراش على ما سبق بيانه، والجلوس في التشهد الثاني تورك، هذه صفة الجلوس في الصلاة، الجلوس الأصلي، لكن الجلوس العارض الطارئ الذي هو على خلاف الأصل، الذي هو بدل عن القيام هل يكون مثل الجلوس الأصلي أو يخالفه؟ من أهل العلم من يرى أنه مثل الجلوس الأصلي، شُرع الجلوس في الصلاة افتراش أو تورك، والتورك خاص بالتشهد الأخير إذاً يجلس مفترشاً في الجلوس البديل عن القيام، ومنهم من يقول: لا بد من الاختلاف، فرق بين الجلوس الأصلي والجلوس الطارئ غير الأصلي، ولكل حالٍ من أحوال الصلاة صفة تخالف غيرها، فليجلس متربعاً كما جاء في هذا الخبر. "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" لا يصلي متربعاً بين السجدتين، ولا يصلي متربعاً في التشهد إنما يصلي متربعاً في الجلوس البديل عن القيام. "رواه النسائي والدارقطني والحاكم، وقال: على شرطهما، وقال النسائي: لا أعلم أحداً روى هذا الحديث غير أبي داود الحفري، وهو ثقة، ولا أحسبه إلا خطأ". الجزء: 38 ¦ الصفحة: 22 قوله: "على شرطهما" وهو من رواية أبي داود الحفري ولم يخرج له البخاري هل هذا الكلام مستقيم؟ لا يستقيم، يعني أبو داود الحفري خرج له مسلم، لكن لم يخرج له البخاري، إذاً الحديث ليس على شرطهما، وإنما هو على شرط مسلم دون البخاري. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 23 "وهو ثقة، ولا أحسبه إلا خطأ" طيب إذا كان الراوي ثقة هل لأحد من أهل العلم والإسناد صحيح أن يحكم بالخطأ؟ نعم الأئمة الجهابذة الحفاظ قد يقفون على علة لا يستطيعون التعبير عنها، وهذا هو التعليل عند الكبار، يجزم بأن هذا الحديث خطأ، لكن ما علته؟ ما يدري، ودليل ذلك أنه يقول: اذهب إلى فلان، بيقول لك: خطأ، لكن ما علته؟ ما يدري، كما حدث لبعضهم، يعني تسمع كلام ترى في إسناده ما ترى إشكال، لكن السمع ينبو عن سماعه، ولا يليق أن ينسب إلى من نُسب عنه، هذا وجد عند الأئمة التعليل بمثل هذا، أن هذا الكلام أليق بكلام فلان من كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يعني قد يقول عمر مثل هذا الكلام، قد يقوله الحسن البصري مثل هذا الكلام، ويكون له إسناد مركب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كله صحيح، فالإمام يحكم بأن هذا لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بل خطأ، لكن هل هذا لكل أحد؟ هذا ليس لكل أحد، إنما هو للأئمة الذين لهم يد وباع في هذا العلم من أهل التعليل، وليس كل إمام معللاً، بل الذين تكلموا في العلل نفر يسير من أهل العلم، ولا يعني هذا أنه يفتح الباب للعقول والأدمغة الممسوخة والفطر المتغيرة يقول: هذا ما يمكن أن يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يعني وجد من ينتسب إلى العلم في العصور المتأخرة من نفى بعض الأحاديث الصحيحة بأنه لا يمكن أن يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام- أبداً هذا، وحديث الذباب لا يمكن أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته مبلغاً عن الله، شوف الجرأة! ويتطاول بعضهم حتى ينفي بعض الأحاديث الصحيحة بما وقع للكفار، وحديث: ((لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) لا يمكن أن يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمرأة نجحت في قيادة الأمم في العصر الحديث، تاتشر قادت الإنجليز، وغاندي قادت الهند، وجولد مائير هزمت العرب، ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، ضلال، ولا يمكن أن يتشبث أمثال هؤلاء بأولئك الأئمة، أبو داود ثقة .. ، وهو ثقة ولا أحسبه إلا خطأ، ثم يأتي من يأتي يقول: الأئمة يقولون خطأ، نحن نقول: خطأ، هم رجال ونحن رجال، ولو تقول لهذا الشخص اقرأ الأربعين حفظ بدون أسانيد ما قرأ الأربعين، الجزء: 38 ¦ الصفحة: 24 ويزعم نفسه إمام، ويحكم على النصوص بعقله! هذا هو الضلال، وهذا هو التضييع ((اتخذ الناس رؤوساً جهالاً)) وأمثال هؤلاء رؤوس، يعني ليسوا أتباع، الآن قواد يقودون جموع غفيرة من المسلمين، يتبعونهم في فتاويهم، والله المستعان. قال: "ولا أحسبه إلا خطأ" كذا قال "وقد تابع الحفري محمد بن سعيد الأصبهاني وهو ثقة، والله أعلم". وعلى هذا فالحديث صحيح. إذا صلى الإنسان قاعداً في النافلة أو صلى قاعداً لعدم قدرته على القيام في الفريضة فإنه في محل القيام يصلي متربعاً كما جاء في هذا الحديث، والله أعلم. طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . على كل حال يشير بطرفه إذا أراد الركوع أو السجود يحرك طرفه، وينوي بقلبه. طالب:. . . . . . . . . الركوع نعم. طالب: والإصبع .... ما شفت كلام صريح لأهل العلم، لكن المقصود ما يدل على اختلاف الحال. يقول: رجل أعطي مالاً من أجل مشروع خيري فقام أحد المحسنين بهذا المشروع كله، فهل ينفق مال هذا الرجل بعمل خيري آخر أم لا بد أن ينفق في ذلك المشروع الأول؟ عليه أن يستأذن صاحب المال الذي دفعه، ويقول: والله سُبقنا إلى هذا المشروع، فما رأيك أن نصرفه في كذا، ولا يتصرف من تلقاء نفسه. طالب العلم خاصة في الحديث يستلزم عليه حفظ رجال الأحاديث أم يكتفى بحفظ الحديث؟ على كل حال الرجال من علم الحديث، وبقدر إخلاله بفروع هذا العلم يكون الخلل ظاهر في هذا العلم، يعني لا يقال له: محدث، أو من أهل الحديث حتى يعتني بالمتون والأسانيد، وإذا أراد التفقه من الحديث لا يلزمه أن يحفظ الرجال، يحفظ الأحاديث الصحيحة، ويستنبط منها. يقول: ما رأيكم في كتاب فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد تأليف فضل الله جيلاني؟ كتاب جيد، يعني فيه فوائد، وشرح للأحاديث، لا سيما الأحاديث الذي تفرد بها الإمام البخاري في الأدب المفرد. يقول: ما حكم شراء منازل أو أراضي عن طريق البنوك بالأقساط؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 25 البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز التعامل معها إلا مع عدم وجود غيرها، أو وجود المشقة في التعامل مع غيرها، شريطة أن يكون العقد بينه وبين هذه البنوك صحيحاً، أن يكون العقد مع هذه البنوك صحيحاً، فلا يجوز له بحال أن يتعامل معها على عقد محرم، يشتري بأقساط، يشتري السلعة التي ملكوها ملكاً تاماً مستقراً بالأقساط، يقول: المنتهي بالهبة، ليس فيه هبة، إنما هي أقساط، هو شراء بالأقساط، هم يسمونها آجار تنتهي بهبة، وحقيقة الحال أنها أقساط، جميع القيمة تقسم على عدد الأشهر بحيث لا يبقى من القيمة شيء إلا أنهم يسمونها إجارة لئلا تطالبهم بنقل الملكية فتتصرف بالسيارة، تبقى السيارة باسمهم كالرهن، وهذا إذا كان المقصود به هذا مجرد إمساك الاستمارة باسمهم لئلا تتصرف فيها نظير الرهن، فهذا لا يظهر فيه شيء -إن شاء الله تعالى-. يقول: امرأة أبوها عم لجدتي من أمي هل لي أن أتزوجها؟ فهي -هذه المرأة- ابنة عمي جدتك، فماذا لو كانت ابن عمك أنت؟ إذا كانت ابن عم جدتك فماذا لو كانت ابن عمك أنت؟ يجوز لك أن تتزوجها ما لم يكن هناك مؤثر آخر. يقول: مؤذن في الحي لم يحفظ إلا جزء يسير والإمام دائماً غائب، وأنا أحفظ منه، وهو يقدمني يعني المؤذن لكنه زعلان من ذلك؟ ويش لون زعلان؟ ودائماً إذا شرعت في الركعة الثانية من تحية المسجد يقيم الصلاة، ويبقون الناس قياماً حتى أنتهي، فما رأي فضيلتكم؟ ويش سبب الزعل هذا؟ إذا صار يقدمك عليك أن تقول له: انتظر في الإقامة حتى أنتهي من النافلة، أما أن يقيم ثم يمكث الناس قياماً ينتظرون هذا الشخص إلى أن يسلم هذا ليس له وجه، نعم بقي الصحابة قياماً ينتظرون النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى عاد إلى بيته واغتسل بعد إقامة الصلاة، لكن لا يحتمل هذا من كل أحد. يقول: الذي يصلي مستلقياً على ظهره وبطرفه كيف يكون استلقاؤه ووضع رجليه؟ رجلاه إلى القبلة. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب: يا شيخ بالنسبة لرواية أبي بكرة ذكرها ابن حجر خفت أن تفوت الركعة رواية صحيحة يا شيخ، الرواية في حديث أبي بكرة قال: خفت أن تفوتني الركعة، هل هي رواية صحيحة يا شيخ ذكرها ابن حجر؟ هذا الواقع. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 26 طالب: لا هل الرواية صحيحة في كون أبي بكرة قال: خفت أن تفوتني الركعة؟ هذا هو الواقع؛ لماذا ركع؟ خاف أن تفوته الركعة، يعني ما تحتاج إلى تصريح هذه ... طالب: هذا فيه دليل على إدراك الركعة. هذا هو دليل الجمهور. طالب:. . . . . . . . . يرفع المصحف ويضعه على جبهته؟ طالب:. . . . . . . . . هذا كله بدعة، حتى التقبيل ما ثبت. طالب: رواية: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب))؟ هذه ثابتة. طالب: ما تعارض أن النبي كان يبيت جنباً؟ إيه لا بد أن يمس ماءً. طالب: يتوضأ. يخفف الجنابة إيه. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 38 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (39) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما رأيكم في الذي يهوّن من قدر الكليات الشرعية، ويقول: بأن طلابها طلاب دنيا لا طلاب علم؟ هذا الكلام ليس بصحيح، وليس على إطلاقه، يوجد فيها طلاب علم، وفيها كتب علم، وفيها علماء يعلمون العلم، فهذا الكلام التعميم فيه ليس بصحيح، بل فيها طلاب العلم، وفيها طلاب دنيا، يعني جاءوا من أجل الشهادة والوظائف هذا لا ينكر، وكثير منهم ممن جاء لطلاب الشهادات هو يجاهد نفسه في تصحيح النية، ونعرف منهم عدد أقلقهم هذا الأمر، وهم يحاولون ويجاهدون، ويسألون عن ترك الدراسة، ونقول لهم: إن الترك ليس بحل، الحل أن تجاهد، وإذا علم الله منك صدق النية أعانك، فهذا الكلام ليس بصحيح، فالكليات الشرعية فيها علماء، وفيها كتب علم تدرس، وفيها طلاب علم يدرسون العلم الشرعي، وفيها من في نيته دخن، سواءً كان من الطلاب أو من الأساتذة، وهذا معروف في جميع المرافق. نعم طلاب العلم في حلق المساجد الذين لم يرتب على دراستهم شهادات ولا وظائف هذه لا شك أنها أقرب إلى الإخلاص، لكن لا يعني أن طلاب العلم النظامي في الكليات الشرعية ليسوا بمخلصين، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا جزاف ومجازفة، وطلاب العلم الشرعي قبل الدراسة النظامية يوجد فيهم من يطلب العلم للدنيا؛ لأنه يعرف أنه إذا تعلم تعين إما قاضي وإلا مسئول وإلا شيء، يعني كان القضاة يؤخذون من حلق المساجد، ففيهم من يطلب لهذا القصد، لكنهم أقل منهم في الكليات التي جعلت الشهادات حتم، والوظائف حتم، ومرتبطة بهذه الشهادات، لا شك أن هذا ظهر في الدراسات النظامية، لكن التعميم ليس بصحيح. ويقول: بأن طلابها طلاب دنيا لا طلاب علم، يقول: ودليل ذلك أن الشيخ عبد الكريم ترك التدريس بها؛ لأنه رأى أن طلابها طلاب شهادات؟ الجزء: 39 ¦ الصفحة: 1 هذا الكلام ليس بصحيح، وأنا آثرت الراحة بعد أن أمضيت ما يقرب من ثلاثين عاماً في التدريس، يعني أنا تعبت بنفسي، ورأيت أن التعليم في المسجد أرفق بي وأيسر؛ لأن المسجد بجوار البيت، والجامعة تحتاج إلى مشوار، ساعة رايح وساعة جاي، أو ساعة رايح وجاي، فلا شك أني آثرت التقاعد المبكر قبل تمام المدة النظامية بعشر سنوات؛ لأنه أرفق بي لا أكثر ولا أقل. يقول: ما صحة مقولة: "لا إنكار في مسائل الخلاف"؟ هذا الخلاف إذا كان الخلاف معتبراً، وله دليل صحيح يسنده فإنه في مثل هذه الحالة لا إنكار فيه، اللهم إلا إذا كان وجود مثل هذا الخلاف يشوش على الناس، ويوجد إشكال بينهم، فإن هذا ينكر من هذه الحيثية، أما الخلاف الذي لا دليل عليه فوجوده مثل عدمه، والإنكار فيه متعين؛ لأن العبرة بما دل عليه الدليل. يقول: هناك متن صغير اسمه: الواجبات المتحتمة بمعرفة ما يجب على كل مسلم ومسلمة، من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهل مؤلف هذا المتن هو المجدد نفسه أم جمعه أحد الأشخاص من كلامه؟ اسمه مكتوب على الكتاب، أصل الكلام من كلام الشيخ، من الأصول الثلاثة، ورتبه على طريقةٍ رآها الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي، ومكتوب عليه اسمه. ما حكم المضمضة بالماء البارد للصائم في مثل هذه الأيام؟ المضمضة إذا كانت في الوضوء فهي مطلوبة للصائم وغيره، لكن لا يبالغ كما نهي عن المبالغة بالاستنشاق إذا كان صائماً، وإذا كان المراد بها المضمضة من أجل التبرد فهذا يخشى من أن ينساب شيء إلى الحلق من غير حاجة فيفطر بسببه. تقول هذه: حصلت على إرث من والدي فوهبته لأحد أولادي لكي يتزوج، فغضب بقية الأبناء، لكني لم ألتفت لهم، وأعطيت المال لهذا الولد لأنه الوحيد المحتاج إلى المال وإلى الزواج، وبقية الأولاد ليسوا بحاجة، فهل فعلي هذا يدخل في عدم العدل بين الأولاد؟ نعم هذا ليس بعدل بين الأولاد، بل لا بد من أخذ رأيهم في ذلك وإذنهم. هل الزواج من شخص مكتوب للشخص المقدر له أم لا؟ نعم إذا تزوج رجل بامرأة فهو مكتوب لها، وهي مكتوبة له. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 2 هذه أم صفي الله من مصر تقول: هل يجوز الحديث بين الإخوة والأخوات في الماسنجر على الخاص سواءً لأمور الدعوة أو غيرها لأن هذا الأمر انتشر بين الإخوان كثيراً نريد رأيكم في الأمر؟ على كل حال إذا أمنت الفتنة حصل سؤال وجواب من غير فتنة، وذلك لمصلحة راجحة ما يظهر فيه إشكال -إن شاء الله تعالى- على أن يكون في مصلحة راجحة. ما حكم لبس العباءة ذات الأكمام، وهي توضع على الرأس؟ العباءة ذات الأكمام لا شك أنها في الغالب أنها تبين حجم الجسم، في الغالب يعني لأن الأكمام نهايتها إلى الإبط هو بداية حجم الجسم، لكن لو كانت بدون أكمام سابغة وساترة لليدين والبدن كله لكانت أستر. وما حكم إسبال الثوب إذا لم يكن خيلاء؟ هذا إذا لم يكن خيلاء فهو في النار، هذا إذا لم يكن هناك خيلاء وإذا كان هناك خيلاء فالأمر أعظم كما جاء الوعيد الشديد عليه. ما حكم الصلاة ويكون أمام المصلين دولاب لوضع الكتاب وواجهة هذه الكتب من الزجاج بحيث تعكس صور المصلين؟ إذا كانت تشغل المصلين وتلهيهم عن صلاتهم فتجب إزالتها. وربما تشغل المصلي؟ نعم إذا كانت تشغل لا بد من إزالتها. رجل مات أبوه وهو صغير وتزوجت أمه برجل آخر، والمرأة التي ربته حتى كبر هي زوجة أبيه، فهل يجب عليه برها مثل بر الأم أم ماذا؟ عليه أن يرد عليها هذا المعروف، وبقدر ما يكون أثره على الأب يبرها؛ لأن برها من بر الأب، ولا تكون مثل الأم بحال. رجل يتعاطى المخدرات، ويتاجر فيها، ويقع في معاكسات النساء، وبعض الأمور المحرمة فتم القبض عليه من قبل الحكومة، وبعدها تاب وصلح حاله وتوسوس له نفسه أحياناً بالذهاب لشراء المخدرات، وما شابه ذلك، وعندما يتذكر أنه مراقب من جهة الحكومة يرجع عن ذلك، فهل في فعله شيء؟ وما صحة حديث: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"؟ هذا من كلام عثمان -رضي الله عنه وأرضاه-، وأما هذا الذي تنازعه نفسه إذا كان مجرد حديث نفس ولم يترتب عليه فعل فهذا معفو عنه، وإن ترتب عليه فعل لكنه خاف من الحكومة فعليه ذنبه. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 3 هذا من الإمارات يقول: أنا متيقن بما جاء في النصوص الشرعية بشأن العسل، ولكن أجد صعوبة في تناوله في الصباح فهو حار على معدتي هل بتكرار تناوله سيزول ذلك وبطني ومعدتي يكذبان؟ هذا الظاهر؛ لأنه شفاء كما قال الله -جل وعلا-، وقاله نبيه -عليه الصلاة والسلام-. أم أتوقف عن ذلك لأنه لا يناسب بعض الأفراد؟ نعم قد لا يناسب بعض الأفراد لكنه في الجملة شفاء. هل يجوز إظهار إتقان العمل للمسئول في مقر العمل مثلاً كأن أظهر أنني متقن لعملي لأنه هو المسئول عني في العمل؟ وهل يدخل هذا العمل في الرياء؟ هذا إذا كان العمل مما يبتغى به وجه الله فهذا لا شك أنه رياء، لكن إذا كان العمل بمقابل أجر دنيوي فلا مانع أن تظهر للمسئول أنك أتقنت وأظهرت عملك لا سيما إذا كنت في مجال الدفاع عن نفسك، فلا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم؛ لأن بعض الناس يسلط عليه بعض الأشخاص، فيحتاج إلى أن يبين ما عنده كما قيل لابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- إنه رجل عيي، فقال: كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟ سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صلاة المسافر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر" قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان -رضي الله عنهما-. متفق عليه. وللبخاري عنها قالت: "فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرضت أربعاً وتركت صلاة السفر على الأولى". وعن عطاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم" رواه الدارقطني وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات، والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي". الجزء: 39 ¦ الصفحة: 4 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه)) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وأبو يعلى الموصلي ولفظه: ((إن الله -عز وجل- يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)). وروى شعبة عن يحيى بن يزيد الهنَّائي. الهنائي. الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين" رواه مسلم. وقال ابن عبد البر في يحيى: ليس هو ممن يوثق به في ضبط مثل هذا الأصل. وعن العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)) متفق عليه. وعن يحيى بن إسحاق سمعت أنس بن مالك يقول: "خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً" متفق عليه. واللفظ للبخاري. وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسع عشر قصرنا ... تسعة عشر. تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا" وفي لفظ: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوماً" رواه البخاري. وعند أبي داود: "أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة". قال: وقال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس: "أقام تسع عشرة" وعنده من رواية ابن إسحاق: "أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة" وقال البيهقي: اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة، وأصحها عندي رواية من روى تسع عشرة. وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: "أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أحمد وأبو داود، وقال: غير معمر لا يسنده. يكفي، بركة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة المسافر الجزء: 39 ¦ الصفحة: 5 والمسافر معذور لوجود المشقة في السفر في الجمع بين الصلاتين، وفي قصر الصلاة على ما تقدم بيانه في الدرس السابق، وهو من أهل الأعذار في الجملة، وإن كان بدنه سليماً صحيحاً معافى ليس كالمريض الذي تقدم الكلام فيه، ولا كالخائف الذي يأتي الكلام فيه. المسافر: من السفر، مسافر اسم فاعل من سافر مسافرة، والأصل في المفاعلة أن تكون بين طرفين كالمضاربة والمقاتلة، لكن قد تأتي هذه الصيغة من طرف واحد، كما في قولهم: سافر زيد، وطارقت النعل، وما أشبه ذلك في أحرف خرجت عن هذه القاعدة، وإلا فالأصل أن المفاعلة تكون بين طرفين. مسافر: من السفر وهو البروز والخروج من البلد، ومنه قيل للمرأة التي تكشف عن شيء من بدنها: سافرة، ومنه السفور وهو إبراز شيء من بدن المرأة، يقال له: سفور؛ لأنه يظهر ويبرز، ومثله السفر، فالوصف المؤثر المغير للأحكام هو السفر، وهو الذي علقت عليه الأحكام، وهو البروز والخروج من مكان الإقامة، ولذا لا يجوز الترخص إلا بعد السفور والبروز والخروج من البلد حتى يفارق عامر البلد لا بد من مفارقته ليترخص؛ ليتحقق الوصف المؤثر، وهذا قول جماهير أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أن له أن يترخص قبل أن يخرج من البلد إذا أزمع على الخروج، لكن الرخص إنما علقت بالسفر، فهو الوصف المؤثر، فلا يتحقق الترخص إلا بتحقق الوصف المؤثر، وعلى هذا إذا وصل إلى مطار البلد سواءً كان في سفره أو رجوعه، في ذهابه أو إيابه، مطار البلد المضاف إليه منه، وحينئذٍ لا يترخص حتى يركب وسيلة السفر التي هي الطائرة، ويصدق عليه الوصف، وما دام في المطار فإنه لا يصدق عليه الوصف أنه سافر، ولو كان المطار منفصلاً عن البلد لأنه جزء منه؛ لأنه قد يوجد فواصل في داخل البلد، ويوجد فواصل في أحياء البلد، فمنها -من أحياء البلد- ما يفصله عن البلد أرض بوار، ميتة، هذه لا تكفي في أن يقال: إنه سافر، ما دام هذا الحي جزء من هذا البلد، وما دام المطار يضاف إلى البلد، ولذا لا تستطيع أن تقول: إني سافرت وأنت في المطار، وإذا رجعت قيل: وصلنا إلى الرياض أو إلى جدة أو إلى غيرهما، إذا وصلت المطار، فهو جزء من البلد، والسفر إنما يبدأ بمفارقته، وإن كان منفصلاً عن البلد. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 6 الرخص التي تُستباح في السفر هي القصر -قصر الصلاة- والجمع بين الصلاتين الظهرين والعشاءين، والفطر في رمضان، والمسح ثلاثة أيام بلياليها، هذه رخص السفر، والجمهور على أن السفر له مدة وله مسافة، سيأتي ذكرها، وأطلق بعض أهل العلم الحكم تبعاً لإطلاق النصوص، فما دام يسمى مسافراً فله أن يترخص، ولو زادت المدة أو قصرت المسافة، وعامة أهل العلم على أنه لا يترخص إلا في سفر مباح، ولو كان للنزهة، ومنهم من قال: لا يترخص إلا في سفر طاعة كالحج والعمرة والغزو وطلب العلم، وما أشبه ذلك، ومنهم من أجازه في مطلق السفر؛ لأن النصوص ما قيدت حتى في سفر المعصية، وهذا هو المعروف عند الحنفية، وكأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إليه؛ لأن النصوص مطلقة، وعمدة الجمهور ومعولهم على أن العاصي لا يُعان على معصيته، ولا شك أن الترخص يوفر له الجهد، ويوفر له الوقت، فلا يعان على معصيته، والمضطر لأكل الميتة يشترط ألا يكون غير باغٍ ولا عادٍ، فإن كان باغياً أو عادياً عاصياً فإنه لا يباح له أن يترخص فيأكل من الميتة، ومن باب أولى ألا يترخص في عباداته، فلا يعان على معصيته بتوفير الجهد وتوفير الوقت، ولعل هذا هو الصحيح؛ لأن شرعية الرخص في السفر إنما هي للتخفيف؛ لأن السفر قطعة من العذاب كما جاء في الحديث الصحيح، والمشقة لازمة له في الأصل، وإن كان السفر في هذه الأزمان خفت مشقته كثيراً، وصار في بعض صوره متعة، وقد يكون بعض الناس في بيته وبين أولاده أكثر مشقة منه في السفر، وبأسفاره يتخلص من كثير من الأعباء التي يقوم بها في بلده، لكن علقت هذه الرخص بوصف وهو السفر، فإذا وجد هذا الوصف فإنه يوجد ما علق عليه. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 7 القصر كان مشروطاً بالخوف {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وكان هذا في أول الأمر، ومشروعية القصر من أجل الخوف، ولكنها صدقة تصدق الله بها، فرُفعت العلة وبقي الحكم كالرمل في الطواف، مشروعية الرمل لأن المشركين قالوا: يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمر به، فشرع الرمل في الطواف، ولذا في عمرة القضاء كانوا يرملون من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ويمشون بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم، ولكن في حجة الوداع كان يرمل من الحجر إلى الحجر؛ لأنه لا يوجد من يراقبهم، فلا داعي للمشي بين الركنين، هذه العلة التي من أجلها شرع الرمل ارتفعت وبقي الحكم؛ لأنه لا يوجد من يقول: يأتي المسلمين وقد أنهكهم السفر أو تعبوا من شيء من الأشياء كما قيل، ومثله مشروعية قصر الصلاة في السفر للسفر، وارتفع القيد الذي هو الخوف واستمر الحكم، فهي صدقة تصدق الله بها على عبادة فاقبلوا صدقته. "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الصلاة أول ما فرضت ركعتين" فرضت الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء خمسين، حصلت المراجعة بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين ربه -جل وعلا- بمشورة موسى -عليه السلام- إلى أن صارت خمس صلوات، هذا أول فرضها وكانت ركعتين ركعتين. "الصلاة أول ما فرضت ركعتين" فرضت عند جمهور أهل العلم الذين لا يرون وجوب القصر معناها: قدرت ركعتين، وعند من يرى الوجوب فرضت يعني وجبت، أو أوجبت ركعتين. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 8 قدرت ركعتين، وأوجبت الجمهور يرون أن القصر رخصة، وصدقة من الله -جل وعلا- على عباده، والأصل هو الإتمام؛ لأن الأصل هو الإقامة، والحنفية يرون وجوب القصر، طيب بما يستدل الحنفية؟ يستدلون بمثل هذا: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر" على الفرض الأول، أو على الفريضة الأولى كما سيأتي، والجمهور يقولون: على التقدير الأول، طيب لماذا لا يقول الحنفية: إن قصر الصلاة في السفر فرض؟ يقولون: واجب، مع أن اللفظ "فرضت" أما أن يستدلوا به بحرفيته، أو يقولون بما قاله الجمهور، أما أن النص يقول: "فرضت" وتقولون: واجبة وليست بفرض! فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، يقولون: زكاة الفطر واجبة وليست فريضة! الصحابي يقول: فرض رسول الله، وهنا فرضت؛ لأنهم يفرقون بين الفر ض والواجب، فالفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني عندهم. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 9 طيب إذا جئنا لآية القصر {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ} [(101) سورة النساء] وجئنا إلى آية السعي {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] هل قول الحنفية في القصر مثل قولهم في السعي؟ يعني قولهم في القصر أشد من قول الجمهور، وقولهم في السعي أخف من قول الجمهور، لماذا لا يقولون: إن قوله {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ} [(101) سورة النساء] لا يدل على الوجوب وجوب القصر كما قالوا في السعي؟ وإن كان عندهم القول المرجح الوجوب في السعي، ومنهم من يقول بسنيته؛ لأن رفع الجناح يعني رفع الإثم، ورفع الإثم لا يعني ثبوت الإثم على الترك، يعني هذا يرد على الجمهور ويرد على الحنفية، فالجمهور يرون أن الآية .. ، وإن كان بعضهم يقول: إن الآية ليس فيها دليل على وجوب السعي من الأصل يعني، حتى من الجمهور يقولون: الدلالة من أمر خارج، وإن وجهت عائشة دلالة الآية على الوجوب بخلاف قول عروة، والمسألة معروفة، لكن الذي جرنا إلى الكلام عليها هو قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [(101) سورة النساء] هذه الآية تدل وجوب وإلا مجرد رفع الجناح؟ ليس فيها ما يدل على الوجوب، يستدلون بمثل هذا الحديث: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين" ويقولون: إن الفرض هو الواجب، وعرفنا تفريقهم بين الفرض والواجب مع أنه يلزمهم أن يقولوا: بأنها فريضة ما دام الصحابية تقول: فرضت، والصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، لكن هذا لا شك أنه من باب إخضاع النصوص للاصطلاحات الحادثة، والاصطلاحات كلما قربت من اللفظ الشرعي كانت أصح وأدق، وإلا قد يوجد اصطلاحات سواءً كانت عرفية عند أهل العلم أو عرفية بالنسبة للعرف العام يعني اصطلاحية عند أهل العلم أو عرفية بالعرف العام، أو في عرف العرف الخاص عند أهل اللغة قد يكون هناك شيء من الاختلاف عن العرف الشرعي، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن العرف الشرعي لا يلغي العرف اللغوي، بل يبقه كما هو ويزيد عليه بعض القيود، لا يمكن أن يؤتى بلفظة بعيدة في اللغة عن معناها الاصطلاحي تنقل من معنى لغوي بعيد جداً عن المعنى الجزء: 39 ¦ الصفحة: 10 الاصطلاحي، إنما يكون فيها نوع اتصال بالمعنى الاصطلاحي، لو نظرنا مثلاً إلى الإيمان مثلاً أو إلى الصلاة أو إلى الإسلام أو إلى الزكاة، كلها الاصطلاحات الشرعية والحقائق الشرعية تحتوي وتشتمل على الاصطلاح اللغوي وزيادة. في آية ياسين {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] في اصطلاح أهل الحديث العزيز: ما يرويه اثنان، تمنى صاحب فتح الملهم أن لو كان العزيز عندهم ما رواه ثلاثة؛ ليكون ذلك قريب من الاستعمال القرآني، والتعزيز كما يكون بثالث يكون بثاني، ويكون برابع أيضاً؛ لأن التعزيز هو التقوية، ولا شك أنه كلما قرب الاصطلاح العلمي من اللفظ الشرعي كان أولى وأحرى وأقرب إلى الإصابة. هنا الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية لا شك أنه اصطلاح وهو اصطلاح حادث، وهو لمجرد التفريق بين الأمرين، يريدون به التيسير، تيسير الفهم على الطالب، ويوجد نظيره في المذاهب الأخرى في اصطلاحات أخرى، في الاصطلاح العام، عند عموم الناس، يعني في اللفظ الشرعي في القرآن {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] ولو طبقت هذا اللون على الألفاظ المتداولة من الألوان الموجودة الآن ما وجدت جمل أصفر، جمل أصفر بالمتداول بين الناس اليوم تجد وإلا ما تجد؟ لو قال شخص: والله أنا عمري كله أنا صاحب إبل من سبعين سنة ما وجدت جمل أصفر، هو باعتبار العرف العام -عرف الحقيقة العرفية بين الناس- نقول: كلامك صحيح، وإلا لو لم يقصد هذه الحقيقة العرفية قلنا: صادمت القرآن؛ لأن القرآن يثبت الجمالة الصفر. وفي ألوان الإبل عند أهلها ما يختلف عن الحقائق بالنسبة للألوان عند عامة الناس، فيوجد الاتفاق ويوجد الاختلاف، والأمور العرفية الاصطلاحات لا مشاحة فيها، الاصطلاحات لا مشاحة فيها، لكن ما يترتب عليه خلل في حكم شرعي هذا لا يقر عليه مهما كان، يشاحح فيه، أما ما لا يترتب عليه خلل في حكم شرعي أو تغيير في أحكام شرعية هذا لا مشاحة فيه. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 11 "أول ما فرضت الصلاة ركعتين" يعني في ليلة الإسراء "فأقرت صلاة السفر" يعني استمرت، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في السفر ركعتين "وأتمت صلاة الحضر" يعني ما عدا المغرب، وما عدا الصبح، كما جاء في المسند من حديث عائشة "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة". المغرب وتر النهار هل المغرب في النهار وإلا في الليل؟ طالب: في الليل. نعم في الليل، لكن لقربها من النهار أضيفت إليه، كما أضيف عيد الفطر إلى رمضان، وإلا فهو في اليوم الأول من شوال ((شهرا عيد لا ينقصان)) العيد في شوال ما هو في رمضان، لكن لقربه منه، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، هذه صفتها، فلا يجتمع طول القراءة مع كثرة عدد الركعات؛ لأن هذا يشق على المأمومين، وأتمت صلاة الحضر. "قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان" عثمان -رضي الله عنه- كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقصر الصلاة وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان في صدر خلافته، ثم إنه أتم بعد ذلك، أتم في السفر إما لكونه تأهل، أو لكونه باعتباره أميراً للمؤمنين فبلاد المسلمين هي بلاده، وهو مقيم في أي بلد يتبعه، ولعل هذا تأويله، وكذلك أم المؤمنين تأولت أن بيوت المؤمنين وبلاد المؤمنين بلد لها؛ لأنها أم المؤمنين، ولذلك قال: تأولت ما تأول عثمان، وإن كان سيأتي عنها من قولها إنه لا يشق علي، وقصر الصلاة إنما هو من أجل السفر الذي تصحبه المشقة غالباً. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 12 بالنسبة للقصر والإتمام هل يربط بالمشقة كما يربط الصيام؟ لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- قصر الصلاة وهو مقيم في مكانه لم يجد به السير، ولا يشق عليه الإتمام، ولذا فإن الأفضل هو القصر، وعرفنا أن الحنفية يوجبونه، بينما الصيام مربوط بالمشقة إن ارتفعت المشقة فالصيام، فقد صام النبي -عليه الصلاة والسلام- وكان يسافر ومعه أصحابه منهم المفطر، ومنهم الصائم، ولا ينكر هذا على هذا، ولا هذا على ذاك، فدل على مشروعية الصوم في السفر إذا انتفت المشقة، وإذا وجدت المشقة ذهب المفطرون بالأجر، وإذا زادت المشقة فأولئك العصاة، وليس كذلك القصر، سواءً وجدت المشقة أم لم توجد ما دام الوصف الذي هو السفر موجوداً فإنه يقصر الصلاة على الخلاف الذي سيأتي ذكره في المسافة والمدة. "متفق عليه". "وللبخاري عنها" يعني عن عائشة "قالت: فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" دل على أن إتمام الصلاة في الحضر إنما كان بعد الهجرة، وكان في مكة يصلي ركعتين ركعتين، "ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرضت أربعاً، وتركت صلاة السفر على الأولى" في بعض النسخ: "على الأول" يعني على الفرض الأول، أو على الفريضة الأولى. "وعن عطاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم" رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات" إسناده صحيح، من حيث الإسناد لا إشكال فيه، ورواته كلهم ثقات، لكن هل هو بهذا اللفظ "يقصر ويتم، ويفطر ويصوم" بالياء في الأفعال الأربعة أو يقصر وتتم، يقصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وتتم عائشة، ويفطر وتصوم عائشة؟ ولذلك قال المؤلف: والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة. وأما النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لم يحفظ عنه أنه كان يتم في السفر، نعم صام في السفر، لكن لم يحفظ عنه أنه كان يتم في السفر، والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما " رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي". الجزء: 39 ¦ الصفحة: 13 ابن القيم تبعاً لشيخ الإسلام يرون أنه لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتم، بل هذا كذب عليه، ولا يصح عن عائشة أنها كانت تتم معه -عليه الصلاة والسلام-، إذ كيف يظن بها أنها تخالفه؟ كيف يظن بأم المؤمنين الفقيهة العالمة العابدة الزاهدة أنها تخالف النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أما كونها تتم بعده هذا لا إشكال فيه، يعني بعد وفاته كانت تتم، وأنها تأولت مثل ما تأول عثمان، وكانت تقول: لا يشق عليه، لكن معه وتخالفه؟! شيخ الإسلام يرى أن هذا لا يصح عنها، ولا يمكن أن يظن بها مثل هذا، لكن ما دام ثبت عنها أنها أتمت بعده فلا يبعد أن تتم وهي معه؛ لأن المخالفة للنبي -عليه الصلاة والسلام- سواءً كانت في حياته بإقراره -عليه الصلاة والسلام- مما يكون صارفاً لمعنى فرضت إلى قدرت، فيكون هذا دليل للجمهور على أن القصر رخصة وليس بواجب، وإن كان هو الأفضل؛ لأنه هو الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-. "أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها -عروة ابن أختها-: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي" وتقدم أنها تأولت مثل ما تأول عثمان، يعني قد يعجب الإنسان من إتمام عثمان ومن إتمام عائشة، مع أنه لم يحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أتم في السفر، ولعل في ذلك من الحكمة الإلهية ما يكون صارفاً لملازمته -عليه الصلاة والسلام- للإتمام، وقولها: "فرضت" من الوجوب إلى الاستحباب كما هو قول جماهير أهل العلم. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 14 في بعض المسائل التي يختلف فيها أهل العلم مثل هذه المسائل الكبرى في القصر والإتمام قد يحمل الإنسان الحرص كما حمل عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- على الإتمام حينما يتردد، هل المسافة التي قطعتها مسافة قصر أو ليست مسافة قصر؟ هل المدة التي مكثتها مدة تقصر فيها الصلاة أو لا؟ ثم بعد ذلك بعد هذا التردد يقول: صلاتي إن أتممت فهي صحيحة عند عامة أهل العلم، عند الجماهير، وإن قصرت الصلاة فصلاتي مشكوك فيها عند الجمهور، وحينئذٍ يحمله مثل هذا التردد على الإتمام، فلعل ما حصل من عثمان وعائشة من هذا النوع، يعني هذا يجده كل إنسان من نفسه، يجده كل إنسان، يخرج إلى النزهة وليس هناك ما تحسب به المسافة، أو يتردد في دلالة النصوص، كما سيأتي تسعة عشر، سبعة عشر، خمسة عشر، أربعة أيام على ما يقول الجمهور، يتردد في هذه المدة. بعضهم يكون عنده من الحزم والشجاعة والإقدام على القول الذي لا تردد فيه، ويعمل بمقتضى هذا الإقدام ولا يلتفت إلى غيره مثل هذا موجود في أهل العلم، لكن منهم أيضاً بالمقابل من يحمله الاحتياط، من يحمله الاحتياط على نوع من التردد، فيريد أن يخرج من عهدة الواجب بيقين، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- عنده شيء من الجرأة المستندة إلى النصوص والقواعد الشرعية لا يقال: جرأة من فراغ لا، مثل ما يوجد عند بعض الناس، لا ليس من فراغ، ولذلك تجدونه يفتي ويتكلم بكل ارتياح، ويجزم بما يريد بدون تردد، لكن بعض أهل العلم تجد عنده شيء من التردد بسبب قوة القول الثاني، أو عدم تحقق ما يطلبه أصحاب القول الأول لتطبيق ما يرونه من حكم. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 15 عندك مسألة زكاة الفطر دفعها من الأرز مثلاً عموم الناس لا يتردد في أن يدفع زكاة الفطر من الأرز لأنه طعام، وتدخل في عموم الطعام، لكن يقول بعضهم: كوني أدفع زكاة الفطر من شعير وهو أقل بكثير من الأرز إلا أنه مقطوع به، جاء به النص، فلماذا أعمد إلى شيء لم يرد به نص بخصوصه، وأترك ما جاء فيه النص؟ ألا يورد هذا بعض التردد من بعض الناس، وهل يلام على مثل هذا التردد؟ لا ما يلام على مثل هذا التردد، نعم من أوتي علماً .. ، هذا التردد لا يورث إمامة بحال، لا يمكن أن يكون إمام للناس وعنده مثل هذا التردد، لا بد من الشجاعة والإقدام على القول الصحيح؛ لأن الحق واحد لا يتعدد، لكن بعض الناس يقول: أنا لا بد أن أخرج من عهدة الواجب بيقين، وليس عندي من اليقين ما أرجح به هذا على هذا، فتجده يعمل بالأحوط، ولكن الاحتياط في بعض الأحوال في ترك الاحتياط الذي يراه بعض أصحاب الوسوسة، كما قال شيخ الإسلام: "إن الاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور، أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط" وهذه أمور لا شك أن الناس يتفاوتون فيها، تجد بعض الناس عنده شيء من الجرأة حتى أنه ينسب إلى مخالفة الجمهور لأنه عنده شذوذ وعنده كذا، فهذا أحد شخصين: إما أن يكون لديه من العلم الشرعي ما يجعله راسخاً في علمه، ويذهب إلى ما يراه بقوة وحزم وعزم دون تردد، فمثل هذا إذا كان يأوي إلى نصوص وإلى قواعد عامة نصوص الشريعة، وأن الشريعة لا تأتي بمثل هذا، هذا له ذلك، والأئمة كلهم على شيء من هذا. يعني عند الإمام أحمد شيء من الورع أحياناًَ تجد في بعض ألفاظه ما يوحي بأنه لم يجزم بهذا الحكم، لكن غيره من الأئمة يجزمون. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 16 الشافعي أحياناً يقول: إن صح الحديث فهو مذهبي، فيه شيء من التردد تبعاً لتردده في مستند هذا الحكم، وهل يمكن أن نقول: إن مثل هذا التردد الذي يحمل على ارتكاب المفضول عند بعض أهل العلم، يعني قد يقول: أنا أتم الصلاة، لماذا تتم الصلاة والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه أتم؟ قال: يا أخي ما أنا جازم أن هذه المسافة مسافة قصر، يعني مسافة القصر مختلف فيها، كوني صلاتي إذا صليت أربع عامة أهل العلم يبطلونها وإلا يصححونها؟ يصححونها، نعم قد أكون آثم عند الحنفية، لكن صلاتي صحيحة حتى عند الحنفية، لكن إذا صليت ركعتين يوجد من يبطل صلاتي وإلا ما يوجد؟ يوجد من يبطل صلاتي، إذاً أتم الصلاة. ولذا تجدون بعض من ارتكب شيء من الجرأة والشجاعة والفتوى بقول حازم عازم تبعاً لإطلاق النصوص ترتب من الأثر على فتواه ما ضيع بسببه بعض العبادات، يذهب إلى بلد من البلدان يدرس أربع سنوات خمس سنوات ولا يزال يقصر ويجمع ويفطر في رمضان بناءً على أن النصوص مطلقة، يعني هل هي مطلقة إلى هذا الحد؟ لا يمكن، وترك تقييد النصوص إلى أفهام الناس المختلفة الذي بعضهم لديه أهلية، وبعضهم لا أهليه لديه، هل يمكن أن يترك مثل هذا الأمر إلى أفهام عموم الناس؟ وهذا ما جعل بعض أهل التحقيق من أهل الحديث أن يقول بقول الجمهور في تحديد المسافة والمدة وإن كان مستنده الشرعي ليس بقوي على ما سيأتي، لكن احتياطاً للعبادات، وخروجاً من عهدة الواجب بيقين، ولو ترك الأمر لأفهام الناس وتقييد الناس لضاعت العبادات، وقد حصل. وقد كان الشيخ ابن باز كما نص على ذلك في فتاويه يفتي بقول شيخ الإسلام بإطلاق النصوص، وأنه ما دام مسافراً له أن يجمع، وله أن يقصر، وله أن يفطر، ويمسح ثلاثة أيام؛ لأن النصوص مطلقة، فما الداعي لتقييدها؟ يقول: ثم رأيت بعض التلاعب من بعض المسلمين إذا سافروا سنين طويلة رأيت أن الاحتياط للعبادة أن يعمل بقول الجمهور ولو لم يكن في أدلته ما يلزم المسلم بالتقييد، وهذا الكلام سيأتي -إن شاء الله تعالى-. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 17 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معاصيه)) " الله -جل وعلا- يحب ويكره، وهاتان الصفتان ثابتتان له في نصوص الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله وعظمته، يحب أن تؤتى رخصه، ويكره أن تؤتى معاصيه، يحب أن تؤتى رخصه؛ لماذا لم يلزم بذلك إذا كان يحب؟ وإذا كان يكره أن تؤتى معاصيه لماذا لم يمنع؟ لماذا يوجد العصاة؟ يوجدون تبعاً للإرادة الكونية، وأنه لا بد من وجودهم، ولا بد من مخالفة الإرادة الشرعية؛ لأنه وجد من يخالفها، وكتب عليهم مخالفتها، فالله -جل وعلا- يحب محبة شرعية وتوجد المعصية ويوجد مخالفة ما يحب تبعاً للإرادة الكونية القدرية. يكره أن تؤتى معاصيه، يكره شرعاً لكنه أراد ذلك كوناً وقدراً، فهذا دليل على .. ، يعني إدخال الحديث في هذا الباب يدل على أن الترخص في السفر ليس بواجب، وإن كان محبوباً لله -جل وعلا-، ليس بواجب، وهذا هو المعروف عند المؤلف، وهو من الحنابلة والجمهور على ذلك. يقول: "رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وأبو يعلى الموصلي، ولفظه: ((إن الله -عز وجل- يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) " والرخص: جمع رخصة، والأصل فيها التيسير والتسهيل، والعزائم فيها التكليف، ومنها ما يشق، بعض التكاليف منها ما يشق، كما جاء في أن الجنة حفت بالمكاره، والعزيمة في الأصل ما جاء على وفق الدليل الشرعي من غير معارض راجح، والرخصة ما جاء على خلاف الدليل لمعارض راجح، المعارض دليل، لكن الأصل المنع، ثم رخص بهذا الممنوع لمعارض راجح، فالميتة محرمة رخص في أكلها للمضطر لوجود هذه الضرورة التي أبيحت بالنص. "وروى شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين" رواه مسلم" والميل مقداره كيلوين إلا ثلثاً، الميل، أو ثلاثة فراسخ (أو) هذه للشك وليست للتخير، والذي شك في الأميال أو الفراسخ شعبة، روى شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي، فالشك منه. "صلى ركعتين" رواه مسلم. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 18 هذا دليل من يقول: إن القصر والترخص يحصل لكل مسافر، سواءً كان السفر طويلاً أو قصيراً، يعني حدود خمسة كيلو، أو خمسة عشر كيلو على ثلاثة فراسخ، وهذه لا يقول بها الجمهور الذي يختلفون في المسافة هل هي مسيرة يوم كما يرجحها البخاري، ويقدر بأربعين كيلاً، أو مسيرة يومين قاصدين كما يقول به الشافعية والحنابلة، أو مسيرة ثلاثة أيام كما يقول الحنفية، فهي أربعين كيلو أو ثمانين أو مائة وعشرين، أما ثلاثة أميال خمسة كيلو ما قال به إلا أهل الظاهر، أهل الظاهر قالوا بأنه يقصر في السفر ولو قصُر، ولو بلغ ثلاثة أميال أو أقل، والحديث مخرج في صحيح مسلم، نعم تكلم فيه ابن عبد البر وهو في صحيح مسلم، تكلم ابن عبد البر في يحيى بن يزيد الهنائي قال: ليس هو ممن يوثق به في ضبط مثل هذا الأصل. هو من رجال مسلم فجاز القنطرة عند أهل العلم، لكن الحديث محمول عند الجمهور على أنه إذا بلغ هذه المسافة، وفارق البلد في بداية سفر يبلغ المسافة، إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال بحيث يفارق عامر القرية وليست هذه هي الغاية ثلاثة أميال، وإنما الغاية المسافة المطلوبة عند الجمهور على هذا يحمل عند جمهور أهل العلم الذين يحددون بالمسافة. قال: "وعن العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)) ". المهاجر الذي ترك مكة لله ورسوله، هاجر إلى الله ورسوله، لا يجوز له أن يقيم في مكة، لا يجوز له الإقامة في مكة، أذن له في ثلاثة أيام مما يدل على أن الأربعة إيش؟ إقامة، المهاجر الذي ترك البلد الذي هاجر منه لله ورسوله لا يجوز له أن يقيم فيه، وأذن للمهاجر المكث بعد قضاء نسكه ثلاثاً، مما يدل على أن الثلاثة الأيام أو ثلاث الليالي ليست إقامة، ومفهومه أن الأربع إقامة، والأربعة أيام هي المدة التي تسمى إقامة، ويحكم عليها بأحكام المقيم عند الأئمة الثلاثة عند المالكية والشافعية والحنابلة، وأما بالنسبة للحنفية فخمسة عشر يوماً على ما سيأتي. "متفق عليه". الجزء: 39 ¦ الصفحة: 19 لأن الإنسان، قد يقول: لماذا جيء بحديث: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه)) في باب قصر صلاة المسافر؟ في باب صلاة المسافر، وأيضاً مكث المهاجر ويش علاقته بصلاة المسافر؟ نقول: جيء بالحديث الأول ليبين أن الترخص ليس على سبيل الإلزام والوجوب، وجيء بالحديث الثاني ((مكث المهاجر)) على أن مفهوم الخبر يدل على أن الأربع ليال إقامة، وما دونها لا يسمى إقامة وهو في حكم السفر. "متفق عليه". "وعن يحيى بن أبي إسحاق سمعت أنس بن مالك يقول: "خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً" يعني في حجة الوداع دخل المدينة في اليوم الرابع وخرج في اليوم الرابع عشر، أقام بها عشراً، لكن الجمهور يقولون: إنه لم يقم في مكة إلا أربعة أيام، ما أقام بها عشر، يعني مجموع المدة في المناسك كلها، وفي المشاعر عشر، من اليوم الرابع إلى الرابع عشر عشر، لكنه أقام بمكة الرابع والخامس والسادس والسابع، يوم التروية خرج من مكة إلى منى، ما أقام بها، فلا يرد مثل هذا على قول الجمهور، إنما ينظرون إلى الإقامة في مكانه في مكة أقام بها أربعاً، ولذا يشترطون للترخص ألا تزيد المدة على أربعة أيام بلياليها. "متفق عليه، واللفظ للبخاري". "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإذا زدنا أتممنا" هذا رأي ابن عباس أن هذه المدة هي مدة السفر، وما عداها إقامة. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 20 "أقام النبي-صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر" وهذا في عام الفتح، لما فتح مكة -عليه الصلاة والسلام- أقام بها يجمع العدة، يعد العدة لغزو ثقيف وهوازن، وهذا محمول عند أهل العلم على أنها ليست إقامة، وأنه في كل يوم يقول: يتم أمرنا ونذهب لغزوهم، والمسافر إذا لم يزمع الإقامة، بل ينتظر عملاً لا يدري ما نهايته وما غايته فإنه يكون مسافراً ولو أقام ما أقام، الذي لا يدري متى ينتهي؟ ولا يدري متى يرجع؟ ولا يدري متى يعود؟ هذا لا يزال يترخص، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإذا زدنا أتممنا، هذا رأي ابن عباس فهم من هذا الحديث أن هذه المدة المحددة الفارقة بين الإقامة والسفر. "وفي لفظ: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوماً" رواه البخاري، وعند أبي داود: "أقام بمكة سبع عشرة" هناك تسعة عشر وهنا سبع عشرة، لما ذكر التمييز يوماً مشى على القاعدة أنث الأول وذكر الثاني، ولما حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث، أقام سبع عشرة يعني ليلة بمكة يقصر الصلاة، ولو قال: سبعة عشر لصح، ما دام ليس فيه تمييز ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)). "يقصر الصلاة" لا شك أن الرواية الراجحة: تسعة عشر، هذه أرجح الروايات، وجاء: سبع عشرة، ولعل من روى هذه المدة وهذا العدد لم يعتد بيوم الدخول ولا بيوم الخروج، ومن قال: تسعة عشر اعتد بهما. قال: "وقال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس: "أقام تسع عشرة" يعني ليلة "وعنده -أي عند أبي داود من رواية ابن إسحاق-: أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة" وهذه الرواية مضعفة عند أهل العلم؛ لأن فيها ابن إسحاق وهو مدلس، وهو روى بالعنعنة، وكأن الراوي فهم أن المدة سبع عشرة لا تسع عشرة، سمع الرواية: سبع عشرة، فحذف يوم الدخول والخروج فصارت خمس عشرة، يعني لو جاء ثالث وقال: ثلاث عشرة، نقول: فهم خمس عشرة وحذف؟ إذاً لا تنتهي، ولذا حكموا على رواية: خمس عشرة بالضعف. "يقصر الصلاة" وقال البيهقي: اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة، وأصحها عندي رواية من روى: تسع عشرة". الجزء: 39 ¦ الصفحة: 21 "وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: "أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أحمد وأبو داود، وقال: غير معمر لا يسنده". على كل حال هو صحيح، وإن كان يروى موصولاً ومرسلاً، لكن هو صحيح على كل حال، النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره في السنة العاشرة غزا بنفسه وبصحابته غزوة تبوك، ذهب إليها لغزو الروم بما يسمى جيش العسرة؛ لأنه زمان عسرة، حر شديد، ووقت طيب الثمر، وكثر الاعتذار من المنافقين والتخذيل منهم، المقصود أنه ذهب إليهم -عليه الصلاة والسلام- وحصل في قلوب الروم من الرعب ما حصل، ولم يحصل منهم أدنى شيء على مشارف بلادهم، بل تبوك في ذلك الوقت من بلاد الشام، وهو ينتظر منهم شيء -عليه الصلاة والسلام-، فكونه أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة يجيب عنه الجمهور الذين يحددون المدة بأربعة أيام أنه ينتظر إغارتهم، فلا يدري هل يغيرون اليوم أو غداً، أو يغير عليهم أو يغيرون هم، فلم يزمع إقامة مدة معينة. قال: "رواه أحمد وأبو داود، وقال: غير معمر لا يسنده" وأقام بعض الصحابة أشهر في بعض البلدان يقصرون الصلاة كلهم لعدم إزماعهم وإجماعهم على المقام مدة معينة، بل ينتظرون أمراً متى فرغ انتقلوا. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 22 هذا ما يتعلق بالقصر، وأما ما يتعلق بالجمع فسيأتي -إن شاء الله تعالى- في درس الغد، وعرفنا أن النصوص في الجملة تعلق الترخص بالسفر، فهو الوصف المؤثر ومتى وجد وجد ما رتب عليه من رخص، وعمل بإطلاق النصوص جمع من أهل العلم، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ويفتي به بعض العلماء المعاصرين، ولا شك أنه من حيث الدلالة في النصوص وضعف التقييدات والأجوبة التي أجيب بها عن بعض النصوص لا شك أن فيها ما فيها، يعني ليست بملزمة، ولذا لا يثرب على من قال بقول خلاف قول الجمهور، لا يثرب عليه، لكن مع ذلك قول الجمهور أحوط وأضبط للعبادات، ويمكن الإجابة عما يستدل به أصحاب القول الآخر، منهم من حدد بالمدة، ومنهم من حدد بالمسافة، ومنهم من حدد حتى المسافة بالمدة، يعني إذا قطعت المسافة بمدة لا تسمى سفراً، يعني مائة كيلو قطعت بساعة مثل في يومنا هذا، الساعة لا تعتبر سفر في عرف المتقدمين، وإن كانت المسافة مسافة قصر، ولذا ينص الفقهاء على أن مسافة القصر مسيرة يومين ولو قطعها في ساعة، فهم يعتدون بالمسافة بغض النظر عن المدة، ومنهم من يقول: إن المعتبر المدة، مدة السفر إذا كانت في الغالب تسمى سفر فمسيرة يوم أو يومين سفر عندهم، لكن المسافة تقطع في ساعة يعني ألف كيلو يقطع في ساعة الآن، فهذا لا يعتبر سفر عند بعض أهل العلم، وإن كان سفراً في عرف المتقدمين؛ لأنه يحتاج إلى استعداد، ويحتاج إلى زاد، ويحتاج إلى تعب ومشقة، وأما مسائل الجمع فستأتي غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: ما الفرق بين أهل العلم عامة وعامة أهل العلم، وجماهير العلماء، وجمهور أهل العلم، وجمهور العلماء ... إلى آخره؟ إذا قيل: عامة أهل العلم فالمخالف قليل جداً، وإذا قيل: جماهير فهم قلة لكنهم أكثر مما إذا قيل: عامة أهل العلم، والجمهور يكون القول قول الأكثر، وإن خالف كثير. طالب:. . . . . . . . . ويش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . هذاك فهمه، فهمه من إقامته -عليه الصلاة والسلام- في مكة تسعة عشر، فهمه ما ووفق عليه -رضي الله عنه وأرضاه-. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 23 الحنفية قالوا: بخمسة عشر يوماً؛ لأنها أقل ما قيل في الحديث الصحيح بإقامته -عليه الصلاة والسلام- بمكة. شخص عُرضت عليه وظيفتان في جدة وفي مكة، وأراد أن يستخير، هل يصلي لكل وظيفة صلاة؟ تكفي صلاة واحدة؛ لأنه إما أن يوجه إلى هذا أو هذا، اللهم إلا إذا لم يتبين له شيء وأراد أن يعيد الاستخارة فلا مانع. هذا يقول: من طلب -حديث أبي ذر-: "من طلب علماً عشية عرفات يبتغي به وجه الله استغفر له الشمس والقمر والكوكب الدري" أين يمكن أن أجد هذا الحديث حيث أني بحثت عنه ولم أجده؟ هذا الحديث لا أعرفه. يقول: شخص يداوم من مكة إلى الطائف يصلي الظهر هناك ثم يرجع فهل له أن يجمع فقط أم يقصر ويجمع؟ وهل هذا الجمع لخشية من النوم عن العصر أو السفر؟ وهل هذا الجمع من الخشية من النوم عن العصر أو السفر؟ اسأله هو. وهل هذا الجمع من الخشية من النوم عن العصر أو السفر؟ على كل حال الآن الذي بين مكة والطائف وإن كان منصوصاً عليه في الصحيح من كلام ابن عباس بين مكة والطائف وبين مكة وجدة، وبين مكة وعسفان، هذه مسافة قصر عنده، لكن باعتبار تقارب البلدان الذي بين مكة وجدة الآن قرب أكثر من عشرين كيلو عن السابق، فما يصفو من مكة إلى جدة أكثر من ستين كيلاً، فليست مسافة قصر، وقل مثل هذا في مكة والطائف أقل من ثمانين كيلاً، فلا تكن مسافة قصر عند الجمهور، وحينئذٍ لا يترخص. يقول: إذا طافت المرأة أو سعت بدون محرم هل تأثم؟ لا تأثم؛ لأنها لا توجد خلوة، لا خلوة ولا سفر يقتضي المحرم. يقول: هل يجوز الأكل أثناء الطواف للصائم ولغير الصائم، وهل الطواف صلاة؟ يسير الشرب يذكرها أهل العلم أنه لا بأس به في الطواف كالنافلة، ولا شك أن الطواف يختلف عن الصلاة أبيح فيه الكلام، أبيح فيه ما لا يباح في الصلاة، فالأمر فيه أشد، فلا مانع إذا كان صائماً أن يتناول تمرة واحدة مثلاً أو كوباً من الماء يفطر به لا أرى ما يمنع من ذلك -إن شاء الله تعالى-. يقول: ألا تعني الآية: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] مشابهة الشرر للجمال حجماً؟ ويبقى اللون وصف للشرر، وهو لونه المعروف، وهو أسلوب مستعمل عند العرب؟ الجزء: 39 ¦ الصفحة: 24 {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] الآن صفر وصف للشرر أو وصف للجمالة؟ للجمالة بلا شك، ألوان الإبل من القدم وهي لا تطابق الألوان المتعارف عليها، علماً بأن الألوان إطلاقاتها عرفية، تختلف من وقت إلى آخر، إطلاقات الأولان عرفية تختلف من وقت إلى آخر، فمثلاً اللون البنفسجي معروف كان يسمى في السابق قرمزي، وموجود في كلام أهل العلم، يعني مر علينا في القرطبي وغيره، قرمزي، وأدركناه أيضاً عند عامة الناس يقولون: قرمزي، وهو البنفسجي، والآن ويش يسمونه الناس؟ موف، فالإطلاقات لا شك أنها تختلف من وقت إلى آخر. يعني لو يقول شخص: ما رأيت جمل مثل التكاسي اللي لونها أصفر يكون كلامه صحيح وإلا لا؟ كلامه صحيح، لكن هل يقال: إنه خالف النص؟ عارض ما جاء في القرآن؟ أنكر ما جاء في القرآن؟ لا هو يتحدث عن إطلاق عرفي لا يريد به مخالفة النص، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب: هناك معاصيه، وعندنا معصيته؟ كلها واردة. طالب:. . . . . . . . . كلها واردة. طالب: بس بالنسبة للقصر الذي في الآية يكون قصر هيئة الذي هو صلاة الخوف يا شيخ وليس المقصود .... قصر هيئة؟ طالب: إيه. لا هو قصر صلاة. طالب:. . . . . . . . . لا، حتى في قصر، الرباعية تصلى ركعتين، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ركعتين، صلاة الخوف. طالب: الأصل أنها ركعتين وليس كما قلنا الخوف؛ لأن المقصود بالخوف هي صلاة الخوف أي قصر هيئة؟ لا، عاد على الخلاف بين أهل العلم هل تصلى صلاة الخوف في الحضر وإلا لا؟ يأتي -إن شاء الله تعالى-. طالب: يا شيخ بارك الله فيك إذا كان في سفر وهو غير جاد في السير يجمع ... يجمع، يجمع ... الجزء: 39 ¦ الصفحة: 25 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (40) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير سم. بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر: وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" متفق عليه. وعنه -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم، ثم قال: "رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ، وإنما لفظه: كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما". وعن نافع أن ابن عمر كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء" متفق عليه، ورواه أبو داود من رواية محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة! قال: سر، سر، حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل وصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث. قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده، ورواه عبد الله بن العلاء بن زبر عن نافع قال: "حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما". وعن معاذ قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر، والمغرب والعشاء جميعاً. متفق عليه. الظهر والعصر جميعاً. الطالب: طيب هكذا عندي يا شيخ. الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. الطالب: أحسن الله إليك. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 1 لأنه ما يمكن يجمع. الطالب: الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. متفق عليه. ولمسلم: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته، وفي لفظ له: في غير خوف ولا سفر. وقد تكلم ابن سريج في قوله: "ولا مطر". وروى الطحاوي من رواية الربيع بن يحيى الأشناني عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة" والربيع بن يحيى روى عنه البخاري، وقد تُكلم فيه بسبب هذا الحديث. وعن معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وكان إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب. رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو داود والترمذي والطبراني وابن يونس والسليماني والبيهقي والخطيب وغيرهم: تفرد به قتيبة، قال الخطيب: وهو منكر جداً، وقال الحاكم: هو حديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون، وقد تقدم جمع المستحاضة بين الصلاتين في باب الحيض. والله أعلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. لما أنهى المصنف -رحمه الله تعالى- الأحاديث المتعلقة بالقصر أردفها بالأحاديث المتعلقة بالجمع، وكلاهما مما يهم المسافر. قال -رحمه الله تعالى-: الجزء: 40 ¦ الصفحة: 2 "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر" إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس قبل أن تزول إلى جهة المغرب بعد الزوال بعد أن يقوم قائم الظهيرة تذهب إلى جهة المغرب، وهذا هو الزوال وهو الدلوك الذي جاء ذكره في سورة الإسراء، سُمي هذا الوقت كما يقول أهل العلم دلوكاً لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيضطر إلى دلكها، قبل أن تزيغ الشمس وقبل أن يحين وقت صلاة الظهر أخر الظهر إلى وقت العصر؛ لأنه لا يستطيع أن يصلي لا ظهر مفردة ولا مجموعة قبل زوال الشمس؛ لأنه ليس وقت صلاة قبل الزوال فإذا زالت حان وقت الظهر، فإذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما جمع تأخير. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 3 "فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" وضع "والعصر" بين قوسين زيادة من بعض النسخ هذه ليست بصحيحة، وليس في الحديث ما يدل على جمع التقديم، فيه ما يدل على جمع التأخير، وليس فيه ما يدل على جمع التقديم، والجمع بين الصلاتين في السفر هو قول جمهور أهل العلم، وخالف فيه الحنفية فلم يروا الجمع إلا في عرفة ومزدلفة للنسك، وأول ما جاء من جمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين فحملوه على الجمع الصوري، والجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ثم يقدم الصلاة الثانية في أول وقتها، فيأتي بالصلاتين مجموعتين، وكل واحدة منهما في وقتها، ويظنون أن هذا من باب التيسير مع العمل بأحاديث التوقيت، مع أن ملاحظة أوائل الأوقات وأواخر الأوقات فيه مشقة عظيمة على خواص الناس فضلاً عن عوامهم، هذا فيه حرج عظيم على الخواص الذين يعرفون أوائل الأوقات وأواخرها فضلاً عن عوامهم، هذا رأي الحنفية في عدم مشروعية الجمع، وأنه لا يجوز إلا في عرفة ومزدلفة للنسك لا للسفر، ولذا يجمع كل أحد، كل حاج يجمع بينهما، والجمهور يرون أنه للسفر فلا يجمع بعرفة ولا مزدلفة إلا من تحقق فيه الوصف أنه مسافر، قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال للناس بعرفة ولا مزدلفة: أتموا، ولا لا تجمعوا، فإن قوم سفر، كما قال بالمسجد الحرام لما صلى بهم يوم الفتح قال: ((أتموا)) الجمهور يقولون: إن مثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه؛ لأنه معروف، ما يحتاج إلى أن ينبه على حكم كل مسألة في كل مناسبة، إذا عرفها الناس ونقلها من تقوم بهم الحجة لا يحتاج إلى تنبيه، فلا يجمع ولا يقصر إلا المسافر، ومن أهل العلم ممن يقول بجواز الجمع والقصر ويخصه بالمسافر يقول أيضاً: إن أهل مكة ومن سكن المشاعر له أن يجمع للنسك، يوافقون الحنفية على هذا، إذا عرفنا قول الحنفية بعدم الجمع بقي من عداهم ممن يقول بجواز الجمع بين الصلاتين في السفر، ومنهم -وهم الأكثر- المالكية والشافعية والحنابلة يقولون بجواز الجمع تقديماً وتأخيراً، جواز جمع التقديم وجواز جمع التأخير، والأوزاعي من الأئمة ورواية عند المالكية والحنابلة أنه يجوز جمع التأخير دون جمع التقديم، وأكثر الأدلة الجزء: 40 ¦ الصفحة: 4 والنصوص المنقولة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجمع إنما تدل على جمع التأخير وليس في الصحيحين ما يدل صراحة على جواز جمع التقديم، إنما فيه أشياء مجملة أنه جمع بين الصلاتين، وجاء ما يدل على جمع التقديم بعد هذا الخبر عند الحاكم وعند أبي نعيم، وفي خارج الكتب التي التزم مؤلفوها الصحة، والذي اختلف فيها أهل العلم. قال: "فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" يعني: لم يجمع معها العصر، ومفهومه أنه يجمع في جملته الأولى أنه يجمع جمع تأخير، والحديث متفق عليه، ولا إشكال في جمع التأخير، لكن الإشكال في جمع التقديم الذي يدل مفهوم الجملة الثانية على عدمه "صلى الظهر ثم ركب" النسخة التي فيها "والعصر" عندك والعصر؟ طالب: نعم. أيه وضعها بين قوسين وهي موجودة في بعض النسخ، لكنها ليست صحيحة، زيادة مقحمة. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 5 قال: "وعنه -أنس -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" هذا فيه دليل على جواز جمع التقديم، إذا كان في السفر، وهو مخالف لمفهوم الحديث السابق، الحديث السابق متفق عليه، ومفهومه يدل على عدم جمع التقديم، ومنطوق الرواية الثانية التي عند أبي نعيم كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل، فمن يقول: المنطوق مقدم على المفهوم يقول بجواز جمع التقديم؛ لهذه الرواية، ومن يقول: إن ما في الصحيح مقدم على غيره مطلقاً قال بعدم جواز جمع التقديم، ولو كان جمع التقديم سائغاً لما عدل عنه البخاري ومسلم، قال: "رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم ثم قال: رواه مسلم" المستخرج على مسلم الأصل في الاستخراج أن يعمد المستخرج إلى أحاديث الكتاب المستخرج عليه فيخرجها بأسانيده هو، يعمد إلى أحاديث الكتاب المخرج عليه فيخرج أحاديثه بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب الأصلي، فالمستخرج على مسلم لأبي نعيم الأصل أن المتون هي المتون الموجودة في مسلم، لكن الأسانيد أسانيد أبي نعيم لا أسانيد مسلم، وقد يلتقي مع مسلم في شيخه، لكن لا يلتقي بمسلم أبداً، لا يكون عن طريق مسلم إلا أنه قد يضيق عليه المخرج فلا يجد الحديث إلا عن طريق صاحب الكتاب وحينئذٍ إما أن يحذفه؛ لأنه لا يسمى استخراج فيكون ليس من شرط الكتاب، أو يحذف الإسناد كامل ويعلق الخبر، أو يخرجه من طريق صاحب الكتاب، وهذا لا شك أنه خلل في معنى الاستخراج. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 6 "رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم" قد يقول قائل: وش معنى الاستخراج وهذا ذكر شيء لم يذكره مسلم؟ بل ذكره مسلم خلافه "رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم ثم قال: رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ" روى الحديث حديث أنس رواه لكن لم يرويه بهذا اللفظ، فعدول مسلم عن هذا اللفظ لا شك أنه يعل به هذا اللفظ، إذ لو كان ثابتاً لأخرجه مسلم في صحيحه، وهذه طريقة معروفة عند أهل العلم التعليل بإعراض الشيخين عن إخراج لفظة أو جملة من حديث أخرجا بقيته وأخرجا أصله، قد يقول قائل: إن هذه الزيادة في هذه الرواية خفيت على من روى الرواية الأولى، نعم نقول: خفيت على من روى الرواية الأولى لو أعرض عنها بالكلية، لكنه أشار إلى خلافها، فكيف تكون خفيت عليه؟! وإنما لفظه: "وكان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما" هذا خلاف ما في هذه الرواية رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ، نعم روى حديث أنس لكن هذا اللفظ الذي خرجه أبو نعيم في المستخرج هذا لا شك أنه لا يوجد عند الإمام مسلم، وهذه الرواية هي معول من يقول بجواز جمع التقديم، وعرفنا أنه هو المعروف عند المالكية والشافعية والحنابلة كجمع التأخير، وإن كان عند المالكية والحنابلة رواية توافق قول الأوزاعي بعدم جواز جمع التقديم, ولا شك أن الأرفق -والجمع إنما شُرع رفقاً بمن أجيز له الجمع- أن الأرفق به أن يفعل أو يصنع ما يناسبه من الجمع سواء كان تقدمياً أو تأخيراً، وممن نظر إلى العلة مع هذه الرواية أثبت جمع التقديم، ومن قال: نقتصر على ما في الصحيح، وما ثبت في الصحيح نقتصر عليه، وما خرج عنه لا سيما إذا وجد معارضاً لما في الصحيح فإننا نقدم ما في الصحيح، فلم يثبت إلا جمع التأخير، وقد عرفتم من قال به، والجمهور على جواز الجمع تقديماً وتأخيراً. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 7 "وعن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا جد به السير" يعني: راكب مسرع ليس نازلاً "إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق" يعني: جمع تأخير "ويقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء, متفق عليه" هذا فيه دليل على جواز جمع التأخير لمن جد به السير، وقد أخذ به من يقول: إن الجمع لا يشرع بالنسبة لمن كان نازلاً، وإنما مشروعيته لمن جد به السير، وهذا يفهم من كلام شيخ الإسلام وابن القيم مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه جمع بتبوك وهو نازل، فالجمع رخصة للمسافر سواء كان راكباً أو نازلاً، نعم إذا كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنى، يصلي كل صلاة في وقتها، لكنه يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 8 "متفق عليه، ورواه أبو داود من رواية محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة" المؤذن قال له: الصلاة يعني حان وقتها "قال له: سر، سر" يعني: استمر في سيرك "حتى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء، ثم قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت، فصار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث" يعني من سرعة المشي؛ لأنه يقول للمؤذن: سر، سر" يعني من سرعة المشي فصار في تلك الليلة مسيرة ثلاث، يعني: طويت له الأرض؛ لأنه لم ينزل، على كل حال في الحديث هذا -في هذا الخبر- عن ابن عمر ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه جمعَ جمع تقديم وإلا تأخير؟ صوري، جمع صوري، جمعاً صورياً "حتى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت" لكن الرواية المتفق عليها من حديث ابن عمر أنه يجمع بعد أن يغيب الشفق، والرواية الثانية عند أبي داود وغيره ينزل قبل أن يغيب الشفق فيصلي المغرب، ثم إذا غاب الشفق صلى العشاء فيجمع جمعاً صورياً، ومنهم من يقول: إن هذه الرواية معلولة حكم بعضهم بوضعها، وأما ابن التركماني في الجوهر النقي على سنن البيهقي كأنه دعم هذه الرواية وقواها على الرواية التي قبلها، الرواية التي قبلها عند من؟ في الصحيحين، والرواية الثانية عند أبي داود والبيهقي وغيرهما، ابن التركماني عزز من هذه الرواية وقواها؛ لماذا؟ لأنه حنفي تقوي مذهبه في الجمع الصوري، والأولى ترد عليه في جمع التأخير؛ لأنه لا يراه، وهذا أيضاً إشكال حينما تسخر النصوص لنصرة المذاهب مع أنه ينبغي أن تطوع المذاهب تبعاً للنصوص. "قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده، قال: ورواه عبد الله بن العلاء بن زبر عن نافع قال: "حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما" رواه أبو داود أيضاً موافقة لما في الصحيحين. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 9 قال -رحمه الله-: "وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم. (خرجنا) يدل على أنهم في سفرهم إلى تبوك، مع أنه جاء عنه كان يجمع بين الصلاتين وهو نازل في تبوك مما يدل على جواز الجمع في أثناء السير إذا جد به السير، وإذا كان نازلاً ما دام الوصف المؤثر محققاً وهو السفر. "رواه مسلم". "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً" نعم؟ الطالب: ... التقديم والتأخير ... أين؟ الطالب:. . . . . . . . . هذه؟ لا ما فيها، هذه مجملة، ليست مما يستدل به الجمهور على جواز جمع التقديم، وسبق أن قلت: إن جمع التقديم لا يوجد في الصحاح ما يدل عليه إلا إجمالاً، أما تنصيصاً ما يوجد في الصحاح ما يدل عليه إلا رواية أبي نعيم في المستخرج، وهي عند الحاكم أيضاً في الأربعين له. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 10 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" متفق عليه، وللمسلم: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته" وفي لفظ له: "من غير خوف ولا سفر" مع أن كلمة "ولا سفر" لا يحتاج إليها إلا من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا كونه في المدينة يفهم منه أنه مسافر؟! لا، لكن قوله: "ولا سفر" واللفظ عند مسلم تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا فالأصل: "من غير خوف ولا مطر" يعني من غير مقتضي، "وقد تكلم ابن سريج في قوله: "ولا مطر" تكلم فيها من أجل أن يثبت أن هذا الجمع له سبب، فإذا انتفى السفر وانتفى الخوف لا بد أن يكون هناك مطر، لكن نفي المطر أيضاً منصوص عليه في الروايات الصحيحة في صحيح مسلم نفي المطر، إذاً لا بد أن يوجد هناك مسبب، لا بد أن يوجد هناك سبب للجمع، وأشير إليه بقوله: "كي لا يحرج أمته" يعني أنه لو لم يفعل لكان فيه حرج، والظروف العادية التي لا تقتضي الجمع ليس فيها حرج، فمخالفة أحاديث التوقيت "لئلا يحرج أمته" من أجل وجود حرج، وليكن غير السفر غير الخوف غير المطر، إما ريح شديدة باردة، أو أمر يقتضي الجمع مما لم يذكر، فالجمع لا بد أن يكون لوجود الحرج للعلة التي ذكرها ابن عباس: "كي لا يحرج أمته" وأحياناً يكون الإنسان في بلده ويضطر إلى الجمع، يعني: إنسان من أهل مكة في وقت المواسم ذهب إلى صلاة المغرب في المسجد الحرام في العشر الأواخر، فاستمر في سيارته إلى أن أذن العشاء لا يستطيع أن ينزل ويترك السيارة في الطريق ولا يستطيع أن يصلي في السيارة؛ لأن الصلاة على الراحلة إنما هي في النفل، في السفر أيضاً عند جمهور أهل العلم، فمثل هذا حرج عظيم يباح فيه مثل ما أشار إليه ابن عباس "كي لا يحرج أمته" وهذا موجود في المدن الكبرى في أوقات الزحام، يعني: قد يخرج الإنسان في الرياض مشوار قبيل صلاة المغرب، ثم يكون في طريق سريع لا يستطيع أن يقف ولا يستطيع أن ينزل يكون في حادث وإلا شيء يمنع من سيره، وعادي يعني يمكث ساعة الجزء: 40 ¦ الصفحة: 11 ساعتين في السيارة "كي لا يحرج أمته" مثل هذه الظروف لا مانع من الجمع فيها، وليس معنى هذا أن الإنسان يتوسع في هذه الأمور ويجد لنفسه أدنى عذر، ولذا قال الترمذي في علل جامعه: أنه لا يوجد في كتابي حديث أجمع العلماء على تركه، أو على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس هذا، وحديث معاوية في قتل الشارب شارب الخمر، فيرى الترمذي أن العلماء أجمعوا على ترك العمل به، يعني: جمع في الحضر بدون مبرر هذا محل إجماع أنه لا يجوز، يقول: ليس في كتابي مما أجمع العلماء على ترك العمل به إلا حديثان، حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث معاوية في قتل الشارب المدمن بعد الثالثة أو الرابعة، مع أن قتل المدمن قول معروف عند أهل العلم، منهم من يراه حد كابن حزم، ويرجحه السيوطي وأحمد شاكر، ومنهم من يراه تعزيراً ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم. قال: "وروى الطحاوي من رواية الربيع بن يحيى الأشناني عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر -رضي الله عنه- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة" يعني مفهومه أنه جمع بدون مبرر، ولكن هذا الخبر ضعيف عند أهل العلم، "يقول أبو حاتم: حديث باطل، هذا خطأ، ويقول الحاكم في سؤالاته للدارقطني: فالربيع بن يحيى الأشناني فإنه ليس بالقوي" هو الأصل أنه روى عنه البخاري، كما قال المؤلف: "والربيع روى عنه البخاري، وقد تُكلم فيه بسبب هذا الحديث" لماذا تكلم فيه بسبب حديث واحد؟ لأنه مكثر أو مقل؟ الطالب: مقل. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 12 مقل، لكن لو كان مكثراً يتكلم فيه بسبب حديث واحد؟ لا يتكلم فيه بسبب حديث واحد، وعلى كل حال مجرد ترخص من غير علة هذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولذا حكموا على هذا الخبر بأنه باطل وليس بصحيح، والصحيح ما تقدم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه جمع بالمدينة سبعاً وثمانياً، بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وأراد بذلك أن لا يحرج أمته، فهذه العلة تدل على أنه لو ترك الجمع لوجد الحرج والحرج منفي، والحرج لا شك أنه سبب مقتضي للجمع، قد يقول قائل: إن هناك في أحوال الناس وظروفهم الخاصة، ظروف بعض الناس منها ما يقتضي الجمع؛ لأن حرج عظيم، شخص جاء مسافر ووصل البلد مع زوال الشمس هل له أن يجمع جمع تقديم لينام إلى غروب الشمس أو ينام ثم يؤخر صلاة الظهر إلى قبيل الغروب ليجمعها مع العصر؟ قد يكون عند هذا من الحرج في انتظار وقت العصر شيء قد لا يطيقه ولا يتحمله، فمثل هذا حله أن لا يدخل البلد في هذا الوقت حتى يدخل وقت الظهر وهو مسافر، ويصلي الجمع ثم يدخل؛ ليكون السبب قائماً، كثير من الناس يوم العيد عيد الفطر مثلاً هو في آخر يوم من رمضان نام النهار وسهر ليلة العيد كاملة، ثم انتظر صلاة العيد، ثم انتظر المهنئين وكذا، ثم في الساعة العاشرة ينتهي، هذا حال كثير من الناس هل يستطيع أن يقوم لصلاة الظهر إذا نام؟ لا يستطيع؛ لأنه توالى عليه التعب والسهر، وأقول: إن هذا ليس بمبرر؛ لماذا؟ لأنه مبني على تفريط سابق، وهذا ليس بمبرر للجمع، وإن كان فيه حرج على صاحبه، لكن الحرج المبني على تفريط الإنسان هذا لا يساغ له شرعاً أن يترخص. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 13 قال: "وعن معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً" وهذا موافق للحديث الأول "وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس" .. "إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً" يعني جمع تأخير "وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار" هذا دليل على جمع التقديم، "وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وكان إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلها مع المغرب" وهذا دليل على جمع التقديم أيضاً، وأما جمع التأخير ما في إشكال. "رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن غريب" وبعض أهل العناية يرون أن هذا الحكم عند الترمذي تضعيف، الاقتصار على الحسن، أو إرداف الحسن بالغرابة، لكن الحديث يتبين من تخريجه على أقل أحواله أنه حسن. "وقال أبو داود والترمذي والطبراني وابن يونس والسليماني والبيهقي والخطيب وغيرهم: تفرد به قتيبة" قتيبة بن سعيد ثقة حافظ كما قالوا: ثقة مأمون "قال الخطيب: وهو منكر جداً " يعني: الحديث تفرد به قتيبة يحتمل تفرده أو ما يحتمل؟ تفرده من غير مخالفة محتمل؛ لكن مع المخالفة، مع مخالفة غيره من الثقات لا يحتمل "قال: تفرد به قتيبة، قال الخطيب: وهو منكر جداً" يعني لأن المحفوظ في الصحيحين وغيرهما أنه لا يجمع جمع تقديم، وهنا فيه تنصيص على جمع التقديم "وقال الحاكم: وهو حديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون" حديث موضوع وقتيبة ثقة مأمون! يعني: هل الحكم عليه بالوضع لآفة في إسناده أو لخطأ من راويه الثقة؟ نعم لخطأ من راويه على حد كلام الحاكم، والترمذي حسنه كما تقدم، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا سابقاً الجمهور على جواز الجمع، ومنعه الحنفية، وحملوا ما جاء فيه على الجمع الصوري، والجمهور الذين يقولون بجواز الجمع قالوا بجوازه تقديماً وتأخيراً، وقصره الأوزاعي على جمع التأخير، وهو قول ابن حزم، وهو رواية أيضاً عند المالكية والحنابلة، قال: وقد تقدم جمع المستحاضة بين الصلاتين في باب الحيض، شوف في باب الحيض في الحديث حمنة رقم (135) الطويل، نعم. الطالب: اسمه يا شيخ. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 14 ((فإذا قويت على أن تؤخرين الظهر وتعجلين العصر)) على أن تؤخرين وهذا فيه إلغاء عمل (أن) ((تؤخرين الظهر وتعجلين العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي)) نعم؟ الطالب: .... في شيء؟ هاه صالح في شيء؟ الطالب:. . . . . . . . . هذا هو الذي أشار إليه في باب الجمع، في جمع المستحاضة في حديث حمنة السابق، وسمعتم ما ذكره فيه، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. يقول: هل لوليمة سكنى الدار مشروعية؛ لأن هناك من ينكر على من يعمل وليمة لسكنى الدار، ويقول: إن هذه من البدع المستحدثة؟ هذه من باب الشكر على هذه النعمة إذا كانت بهذه النية فهي مشروعة. إذا وصل الإنسان إلى بلده في وقت الصلاة الثانية، وكان قد جمعهما مع الصلاة الأولى في السفر، فهل يصليهما مرة أخرى أم يكتفي بالصلاة الأولى؟ الأصل أنه يكتفي بالصلاة الأولى، لكن إن سمع النداء لزمته الإجابة، ومن أهل العلم من يشترط إقامة السبب المقتضي للجمع إلى دخول وقت الثانية. هذا من اليمن يقول: في سورة مريم دعا زكريا -عليه السلام- ربه أن يرزقه ولداً، حيث قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(4 - 6) سورة مريم] إلى آخره، فبشره الله: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [(7) سورة مريم] فقال زكريا: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [(8) سورة مريم]. سؤالي: كيف يسأل زكريا -عليه السلام- ربه أن يرزقه ولداً، فلما بشره الله تعالى قال: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} فكيف يسأل الله ثم يتعجب؟ الجزء: 40 ¦ الصفحة: 15 ليس هذا تعجب، وإنما هو (أنى) استبعاد أن يكون له ولد بعد أن بلغ من العمر ما بلغ، والمرأة عاقر، لا شك أن هذا فيه بعد، وليس هذا شك فيما بشره الله به، وإنما هو استبعاد من حيث السنة الإلهية، السنة الإلهية أن من بلغ من العمر مبلغاً كبيراً، وزوجته عاقر أن هذا يبعد، لكن الله -جل وعلا- وضع له علامة يطمئن إليها، ودليل يستدل به على أن هذا الولد حاصل لا محالة. كيف ندفع عن أنفسنا البلاء أو ما هي الأعمال التي يدفع عنا البلاء بها؟ لا شك أن البلاء والفتن والمحن والمصائب كلها بسبب الذنوب، ولا يمكن أن تدفع هذه المسببات إلا بدفع أسبابها، بترك الذنوب، وفعل الطاعات، والرجوع إلى الله -جل وعلا-، والتوبة من هذه الذنوب، والإقلاع عنها. هذا سؤال من البرازيل يقول: أسلم شخص هنا وهو يعمل في تشريح الموتى في إحدى مستشفيات الحكومة، تشريح وتغسيل الموتى، علماً بأن الموتى كلهم كفار، كيف وهو لا يؤدي الصلاة؟ أولاً: الموتى لا يحتاجون إلى تغسيل لا يغسلون ولا يكفنون ولا يدفنون، وإذا غسلوا بأمر من حكومتهم مثلاً، وأنت لا تستطيع أن تفعل ما أوجب الله عليك غسلتهم تغسيلاً هو لمجرد تنظيف لا للتعبد، فهذا لا يترتب عليه شيء. هل يلزم لمن يغسل الموتى أو يعمل في تشريح أن يغتسل في كل مرة يريد أن يصلي؟ جاء الخبر: ((من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)) لكنه مضعف عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أن الاغتسال لا لوجود موجب وأنه حدث، وإنما هو من باب التنظيف؛ لأنه عانى غسل هذا الميت، وقد يخرج منه أشياء تنجسه، وتنتقل بواسطة الماء إلى شيء من بدنه، فيغتسل من هذه الحيثية. كيف نشرح لعوام ومسلمين جدد تعريف الحديث الضعيف؟ يعني ما بقي عليهم إلا هذا؟! يعني ما بقي للمسلمين الجدد ... سؤال هذا ليس .... من الهادوية؟ الهادوية طائفة فرقة من فرق الزيدية، موجودون بكثرة في اليمن، والصنعاني في وقته يقول: هم غالب سكان اليمن، لكن الآن أظنهم ليسوا بغالبية، أظن الشافعية الآن أكثر منهم. ما هي أفضل طريقة لحفظ الصحيحين والسنن؟ الجزء: 40 ¦ الصفحة: 16 أفضل طريقة لحفظ الصحيحين والسنن، يعني الإنسان إذا أنهى المتون الأولية الأربعين والعمدة والبلوغ والمحرر، الكتب المختصرة، وكانت لديه حافظة تسعفه، فأفضل طريقة لحفظ الكتب الستة هي أن يجعل له محور يدور حوله كالبخاري مثلاً، فيأتي إلى الحديث الأول من البخاري ويحفظه بإسناده بكلام المؤلف، وما يدور حوله مما ذكره المؤلف من ترجمة وآثار، وما أشبه ذلك، ثم يحفظ المواضع الأخرى التي خرج البخاري الحديث فيها؛ لأنه خرج الحديث الأول في سبعة مواضع، الموضع الأول، ثم ينظر في الموضع الثاني، ويحفظ ما زاد فيه عن الموضع الأول، ويحفظ الترجمة والآثار التي أوردت تبعاً لها، ثم الموضع الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع، ثم ينتقل إلى مسلم ويخرج الحديث من مسلم، ويحفظ زوائده على ما حفظه واستقر في ذهنه عند البخاري، ثم بعد ذلك يثلث بأبي داود، ثم الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، وبهذا ينتهي من عشرين حديثاً في حديث واحد، يعني تبع الأرقام في الكتب الستة، يعني في البخاري رُقم بسبعة أرقام حديث الأعمال بالنيات، وفي مسلم رقم بأرقام، وفي الكتب الستة أيضاً بقية الكتب من السنن رقم بأرقام، فإذا أنهى حديث الأعمال بالنيات بهذه الطريقة يكون حفظ من الكتب الستة عشرين رقماً، أو أكثر من ذلك، ثم يأتي إلى الحديث الثاني ويفعل فيه مثل ما فعل في الأول، فينتهي من البخاري ومن بقية الكتب الستة في آن واحد، ويكون لديه تصور كامل للحديث في موضع واحد، هذه طريقة مجربة ومفيدة ونافعة. حديث: ما جاء في الحبة السوداء وأنها شفاء؟ حديث صحيح. أقول: هذا آخر درس. الطالب:. . . . . . . . . هاه؟ الطالب:. . . . . . . . . بس إحنا أمامنا سفر. الطالب: كتب الله أجرك يا شيخ. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 17 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (41) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا اقتراح: هذا من النساء وقبله من بعض الإخوة، بعض الإخوان يريد الدرس يقول: عندنا تعارض بعد العشاء، في دروس بعد العشاء، ويرغب أن يكون الدرس بعد العصر؟ كالدروس السابقة في الصيف، على أن تكون الصلاة صلاة العصر هنا. وهذا اقتراح من النساء يقول: نرجو أن يكون الدرس بعد المغرب إذا كانت الظروف لا تعارض؟ الأصل أن الدرس كما أعلن بعد العشاء هذا هو الأصل، لكن جاء مطالبة من بعض الإخوان وأن عندهم تعارض في بعض الدروس، يرون أن يكون الدرس بعد العصر، والأمر متروك للإخوان، يعني أنا أخشى أن نغير وقت الدرس وما يحضر هذا الجمع، نخشى أن لا يحضر هذا الجمع؛ لأن العصر .. ، إن لم نصلِ العصر هنا فالوقت ضيق، والعشاء مثل ما ترون الآن ثمان ونصف، ما ننتهي إلا عشر أو تسع إلا ثلث بعد الآن، فيخشى من التأخر بهذه الطريقة، فاقتراح كثير من الإخوة يرونه بعد العصر، فإذا جلسنا من الساعة الرابعة وعشر دقائق إلى السادسة إلا ربع أو إلا ثلث ساعة ونصف كافية، يعني نصلي هنا العصر. والأخوات يردن الدرس المغرب، المغرب مشكلته أنه إن فرط الإنسان في صلاتين في الحرم هذه لها مشكلتها، الجنائز وجماعة كثيرة، ومسجد قديم، يعني له مرجحات كثيرة، يعني كون الإنسان يفرط بصلاة واحدة سهل يعني، لكن صلاتين مغرب وعشاء فيها ثقل على الإخوان. فمن الذي يريد بقاء الدرس على ما هو عليه العشاء؟ طيب، الجمهور، الجمهور على هذا، والعصر؟ بس الظاهر أن ناس يرفعون مع الاختيارين، فهذا يدل على أنه لا فرق عندهم بين العصر والعشاء، والمغرب؟ المغرب على أن نصلي هنا؟ طالب: الأيادي بعيده يا شيخ. هاه؟ طالب: الأيادي هناك. ما في إلا النساء الظاهر، إذاً يبقى الدرس كما أعلن، ويتحمل الإخوان هذا التعارض في دروسهم الثابتة مع بعض المشايخ، يتحملون. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 1 قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صلاة الخوف عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: "أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن عبد الله بن عمر قال: "غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصلِ، فجاءوا فركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم: قال نافع: قال ابن عمر: "فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إيماء". وعن ابن عباس قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... فرض الله. "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" رواه مسلم، وتكلم فيه أبو عمر بن عبد البر. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 2 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف فصففنا صفين: صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً، قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" رواه مسلم. وعن ثعلبة بن زهدام قال ... زهدم، مثل جعفر، زهدم. عفا الله عنك. وعن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا" رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي وأبو حاتم وابن حبان. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة الخوف الجزء: 41 ¦ الصفحة: 3 الصلاة مضافة إلى سببها وهو الخوف، وهي أعني صلاة الخوف فرع من صلاة أهل الأعذار؛ لأنها عذر يتجاوز معه شيء من الخلل في الصلاة، بل قد يكون الخلل كبيراً من أجل العذر وهو الخوف إذا كان المريض يصلي جالساً لعدم قدرته على القيام فهو معذور، والخائف يصلي كيف ما اتفق له، لكن عليه أن يوفق بين أمرين: هيئة الصلاة، والمحافظة على ما يستطيعه من أركانها وواجباتها مع الاحتياط في الحراسة، فلا بد من التوفيق بين أمرين في صلاة الخوف، الاحتياط للصلاة، والاحتياط للحراسة، فيتجاوز عما لا يستطيعه من هيئة الصلاة على ما سيأتي في صورها الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخوف الذي هو سبب هذه الصلاة التي هي عذر يبيح الخلل في صورة الصلاة ضده الأمن الذي كثير من الناس لا يعرف قدره، بل لا يعرف قدره إلا من فقده {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [(155) سورة البقرة] فجعل الخوف أهم وأشد من الجوع، والمفسرون ضربوا لذلك مثلاً محسوساً قالوا: لو أتيت بشاة وأحضرت لها العلف، أو جئت بشاتين إحداهما: مريضة، والأخرى رُبط أمامها ذئب تجد المريضة تأكل، الكسيرة تأكل، والتي أمامها ذئب لا تأكل، فالخوف مسبب للجوع، والجوع لا يسبب خوفاً، فالخوف أشد من الجوع، كثير من البلدان التي تعيش أمناً، بل قد يوجد في طبائع بعض الناس الذين جبلوا على كراهية الاستمرار على وضع واحد، وجبلوا على الملل تجده ينشد التغير مهما ترتب عليه، فهذا في الحقيقة ما رأى كيف يعيش الناس بسبب هذا التغيير الذي ينشده وإن كان على غير الجادة، المهم أنه يغير الوضع القائم الذي ألفه منذ ولد، ونحن في هذه البلاد منذ أكثر من سبعين عاماً -ولله الحمد- نعيش أمناً ما أتيح لكثير من المسلمين في كثير من البلاد، وفي كثير من الأزمان، سبعون سنة متوالية أمن، لكن الشأن في كيفية المحافظة على هذا الأمن، وإلا الأمن حصل -ولله الحمد- لكن كيف نحافظ على هذا الأمن؟ هذه مسئولية الجميع، مسئولية ولي الأمر، ومسئولية أعوانه، ومسئولية عامة الناس، وهي مسئولية العلماء أيضاً، يوجهون الناس لما يحفظ هذا الأمن، ومن أعظم الأسباب في تثبيت الأمن وحفظه تحقيق التوحيد، ونبذ الشرك، الجزء: 41 ¦ الصفحة: 4 وتخليص التوحيد من شوائب البدع {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور]. أيضاً من وسائل تثبيت الأمن شكر النعم بأداء ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، وقدر النعم قدرها، وعدم كفرها، ونلاحظ في بعض البلدان التي عاشت مدة طويلة من الأمن والرخاء ما شكروا النعم، فانقلبت نقم، وبلدان مجاورة كانوا ينظفون الماسات بل الأخفاف والنعال برقائق الخبز، وعمر بن الخطاب مات ما ذاق الخبز الرقيق مع قدرته على ذلك. والقرطبي في تفسيره -في تفسير سورة الأحقاف- ذكر شيئاً من هذا، فصّل في هذه المسألة عند قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [(20) سورة الأحقاف] فانظر شيئاً من سيرة عمر -رضي الله عنه- في هذا الصدد، مسحوا الماسات ونظفوها برقائق الخبز، وعمر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ما ذاق رقائق الخبز، وكان ينهى عن نخل القمح، يقول: هو منه، نخالته منه، كله طعام، بهذه الطريقة تشكر النعمة، وبهذا يثبت الأمن، والبلدان المجاورة عاشوا أمناً دهوراً، وعاشوا رخاء مدداً متطاولة، وكان أهل هذه البلاد يذهبون إليهم من أجل لقمة العيش، فلما كفروا النعم حصل لهم ما حصل، فصاروا يأتوننا، والأيام دول، والسنن الكونية لا تتغير {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [(38) سورة محمد] إذا وجد الخوف فلا يخلو إما أن يكون المسلم طالباً أو مطلوباً، فإن كان طالباً فلا يجوز له أن يخل بصلاته، بل يجب عليه أن يأتي بالصلاة على وجهها، وإن كان مطلوباً فليصلِ الصلاة المناسبة من الصور التي ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة الخوف مشروعة بالكتاب وبالسنة والإجماع، وهي باقية إلى قيام الساعة عند عامة أهل العلم. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 5 ويرى أبو يوسف صاحب أبي حنيفة أنها بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا تفعل؛ لقوله -جل وعلا-: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء] ... إلى آخره، فإذا لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيهم فلا صلاة للخوف، ولا مزية لأحد على غيره من أجله يحصل الخلل في الصلاة هذه وجهة نظر من يقول: إن الصلاة صلاة الخوف مربوطة به -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يوجد إمام يقاربه، ولا إمام يدانيه، أما غيره فيوجد من الأئمة المتماثلين ما يصلي واحد منهم بجماعة وتصلي الأخرى مع غيره، ما هناك ميزة، وجمهور أهل العلم، عامة أهل العلم على أنها باقية، وصلاها جمع من الصحابة -رضوان الله عليهم- بعده -عليه الصلاة والسلام-، صلاها جمع من الصحابة مما يدل على بقاء حكمها، وإذا كان الخلل في الصلاة الناشئ عن هذا الخوف نقص في الصلاة إلا أن فيه مصالح عظيمة، فيه إرهاب للعدو، حينما يرى العدو المسلمين ملتفين حول إمام واحد يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، لا شك أن مثل هذا يوقع الهيبة والرهبة في قلب العدو، إضافة إلى أهمية صلاة الجماعة، ويستدل العلماء على وجوب صلاة الجماعة بمشروعية صلاة الخوف، ولو كانت الجماعة غير واجبة لما احتيج إلى مثل هذه الصلاة التي فيها شيء من الخلل. يقول: باب صلاة الخوف أقل ما يمكن أن تؤدى به صلاة الخوف ثلاثة، اثنان فما فوقهما جماعة، لكن صلاة الخوف أقلها ثلاثة، إمام ومأموم وحارس، والطائفة تطلق على الجماعة، وقد يقال على الواحد: طائفة "أن طائفة صفت معه" مجموعة والواحد يقال له: طائفة. يقول -رحمه الله تعالى-: الجزء: 41 ¦ الصفحة: 6 "عن صالح بن خوات" صالح بن خوات بن جبير تابعي يروي عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، الذي صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مبهم، ولا يضر إبهامه؛ لأنه صحابي، وجاءت تسميته بسهل بن أبي حثمة في صحيح مسلم، وفي المعرفة لابن منده عن أبيه عن صالح بن خوات عن أبيه خوات بن جبير، وسواء عرفناه أو لم نعرفه، وسواء كان سهل بن أبي حثمة أو خوات والد صالح، أو عمن صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- على الإبهام، فالأمر لا يتغير واحد؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر، والذي صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابي، وجهالته لا تضر. "عن من صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع" يوم ذات الرقاع هذه غزوة سميت بذلك لأن أقدام الصحابة حفيت ونقبت بسبب عدم وجود الخفاف والنعال، والأرض يكون فيها الحصى، ويكون فيها الشوك فحفيت أقدامهم، فلفوا عليها الرقاع، أي: الخرق، ومنهم من يقول: إن سبب التسمية أن الأرض ذات ألوان كأنها رقاع، ومنهم من قال: إن الغزوة بجوار جبل فيه أكثر من لون كالرقاع، لكن الأكثر على أن الصحابة حفيت أقدامهم فلفوا عليها الرقاع، غزوة ذات الرقاع، قالوا: ذات الرقاع جمهور أهل السير والمغازي قالوا: إنها سنة أربع من الهجرة، قالوا: سنة أربع. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 7 والنبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق سنة خمس أخر الصلوات، فلم يصلِ العصر -وفي بعض الروايات: ولا الظهر- إلا بعد أن غربت الشمس، وهذا أيضاً صحيح، تأخير الصلوات في الخندق صحيح، وغزوة ذات الرقاع لو كانت صلاة الخوف مشروعة قبل الخندق لما أخر الصلوات حتى غربت الشمس، ما أخرها حتى خرج وقتها، فالعلماء تجاه هذا التعارض وهذا الاختلاف على مسلكين: المسلك الأول: قول من يقول: إن صلاة الخوف إنما تفعل في السفر لا في الحضر، ومعلوم أن ذات الرقاع سفر، والخندق حضر في المدينة، قالوا: لا تفعل في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلوات وصلاة الخوف مشروعة قبل غزوة الخندق، ومنهم من يقول: لا، صلاة الخوف مشروعة سفراً وحضراً، وغزوة ذات الرقاع بعد الخندق، وهذا ما حققه ابن القيم في زاد المعاد، وإليه يومئ صنيع البخاري في صحيحه أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق، ويقرر ابن القيم أن أول صلاة صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلوات الخوف من الأوجه الستة أو السبعة الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام- بعسفان، وهي بعد الخندق، وحينئذٍ تكون ذات الرقاع بعد عسفان، والخندق قبلها فأخر الصلوات؛ لأن صلاة الخوف لم تكن شرعت بعد، والذي يقول -وهم جمهور أهل السير-: إن ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، يقول: إن صلاة الخوف إنما تشرع في السفر لا في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحضر أخر الصلوات الخندق بالمدينة، صلاة الخوف صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه خمسة أو ستة أو سبعة، ومنهم من أوصلها إلى أكثر من ذلك، قالوا: إلى أربعة عشر وجهاً كالحافظ العراقي، ومنهم -كابن العربي- من قال: ستة عشر وجهاً، ومنهم من أوصلها إلى ستة وعشرين وجهاً، الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- من الصفات المتغايرة ست أو سبع، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-، ومن أوصلها إلى أكثر من ذلك جعل اختلاف الرواة في القصة الواحدة دليلاً على تعدد هذه الصلوات، وبعض العلماء ليس عنده من الجرأة ما يستطيعون أن يوفقوا به بين هذه الروايات، ويحكمون على رواية بعض الثقات أنها شاذة أو مرجوحة، فيجعل مجرد اختلاف الرواة في الشيء الواحد يجعله الجزء: 41 ¦ الصفحة: 8 صور، وبعضهم يتسع خطوه في ذلك فجعل بعض الاختلاف غير المؤثر في الصورة يجعله صور، وهذا في هذا الباب وفي غيره من أهل العلم من يرى صيانة الرواة من أن يحكم على رواياتهم وهم ثقات بأنها مرجوحة، ومن ثم تكون وهماً أو شذوذاً، فيحمل ذلك على تعدد القصة، ومنهم من تكون لديه القوة والجرأة لا أقول: الجرأة من فراغ هذه كلٌ يملكها، جرأة من فراغ يوهم من دون مستند ولا دليل هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن الجرأة النابعة من إحاطة بالروايات ومرويات الرواة وقواعد الدين العامة يستطيع أن يحكم على الرواية بأنها وهم، ولو كان راويها من الحفاظ، وهذا منهج، يعني شيخ الإسلام لم تكلم عن صلاة الكسوف -على ما سيأتي- وقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى الكسوف إلا مرة واحدة، وأردف ذلك بقوله: وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا من مقطوع به، لكن الروايات الأخرى رواية الصحيحين في صلاة الكسوف: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الكسوف ركعتين كل ركعة بركوعين" وجاء في مسلم: ثلاث ركوعات، وجاء: أربع ركوعات، وجاء عند غيره خمس ركوعات، وكلٌ على طريقته ومنهجه، صاحب الشجاعة العلمية والجرأة مثل شيخ الإسلام يصحح رواية ويحكم على ما عداها بأنها شاذة، يعني ولو كانت في مسلم؟! لكن بعض الناس صيانة للرواة وصيانة للصحيحين وهذا أمر يتعين على طال العلم الاهتمام به؛ لأننا إذا تطاولنا على الصحيحين فماذا يبقى لنا؟! يقول: تعددت القصة، ما في ما يمنع من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الكسوف أكثر من مرة؛ لأنها في صحيح مسلم، ما في ما يمنع مع إجماع أهل السير على أن الكسوف لم يحصل إلا مرة واحدة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، الشراح قالوا: أن الكسوف حدث في اليوم العاشر من الشهر، وأهل الهيئة يتفقون على أن كسوف الشمس لا يحصل إلا آخر الشهر، والقمر في منتصفه في الإبدار، والشمس في الاستسرار، المقصود أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى حذر، وسعة في الإطلاع، يعني لا بد أن يسدد ويقارب أنت الآن أمام كتب أجمع الأئمة على تلقيها بالقبول، بل أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول، وعندك رواة اتفق الأئمة على الجزء: 41 ¦ الصفحة: 9 حفظهم وضبطهم، ثم بعد ذلك تحتاج إلى أن تنظر بين نصين مختلفين هذا إذا أمكن الجمع، فهذا لا إشكال، لكن الإشكال فيما إذا لم يمكن الجمع، صلاة الخوف صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه، وهي كما قلنا يلاحظ فيها الأحوط للصلاة، والأبلغ في الحراسة، والعدو لا يخلو إما أن يكون في جهة القبلة، أو يكون في غير جهة القبلة، فإن كان في جهة القبلة أمكنت الصلاة مع الحراسة في القيام والركوع، وأما بالنسبة للسجود فلا تمكن الحراسة، وتأتي هذه الصورة، وإذا كان العدو في غير جهة القبلة لا بد من قَسْم الجيش إلى قسمين: قسم يحرس وقسم يصلي، وحديث صالح بن خوات الذي هو حديث سهل بن أبي حثمة الذي اختاره الإمام أحمد قال: "أن طائفة صفت معه" طائفة قطعة من الجيش "صفت معه" يعني مع النبي -صلى الله عليه وسلم- "وطائفة وجاه العدو" يعني في جهة العدو، تلقاء العدو تحرس المصلين؛ لئلا ينقض عليهم العدو "وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة" هذه الطائفة الأولى الذين كبر بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تكبيرة الإحرام، وصلى بهم ركعة كاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها "ثم قام إلى الركعة الثانية فثبت قائماً" حتى أتموا لأنفسهم الركعة الثانية، ثم سلموا وانصرفوا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال قائماً "فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمة وأتموا لأنفسهم" يعني الركعة الثانية "ثم انصرفوا" سلموا وانصرفوا "وصفوا وجاه العدو" في مكان الطائفة التي كانت تحرس أثناء صلاتهم "ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى" التي كانت تحرس "فصلى بهم الركعة التي بقيت" لأنه "ثبت -عليه الصلاة والسلام- قائماً إلى جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم الركعة الثانية، فلما جلس للتشهد ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلم بهم" وهنا فيه عدل بين الطائفتين، الأولى صلت معه ركعة والثانية ركعة، الأولى كبر بهم تكبيرة الإحرام، والثانية سلم بهم، فهؤلاء أدركوا الركن الأول، وهؤلاء أدركوا الركن الأخير، وهذا من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام-، هذه الصورة يرجحها الإمام أحمد، وإن كان فيها مما ليس على قاعدة الصلاة كون الطائفة الأولى سلمت قبل الإمام، لكن الجزء: 41 ¦ الصفحة: 10 الحاجة -بل الضرورة- داعية إلى ذلك، قال: "متفق عليه، واللفظ لمسلم" وهذه الصورة فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة. قال -رحمه الله-: "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو" يعني قابلناه، حاذيناه "فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا" هذه رواية الصحيح، وليس فيه: "يصلي بنا" ما معنى يصلي لنا؟ يصلي إماماً لنا، فهي في معنى يصلي بنا .. ، ليس معناه أنه يصلي من أجلنا، إنما يصلي لله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لربه إماماً لهم "يصلي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو" هذه الصورة مثل الصورة الأولى في كون كل منهما العدو في غير جهة القبلة "فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو" يعني تحرس "وركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا" بعد أن تمت صلاتهم وإلا قبل تمامها؟ قبل تمامها، يعني في الصورة الأولى في حديث صالح بن خوات سهل بن أبي حثمة، كما يعبرون عنه لم ينصرف طائفة من الطائفتين إلا بعد تمام صلاتها؛ لأنه ثبت قائماً حتى أتمت الطائفة الأولى، ثم ثبت جالساً حتى أتمت الطائفة الثانية، هنا: "ركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل" يعني قبل تمام صلاتهم. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 11 "فجاءوا" يعني الطائفة الثانية التي كانت تحرس "فجاءوا، فركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم ركعة، وسجد سجدتين ثم سلم" سلم قبلهم، ما انتظرهم كما في الصورة الأولى "ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" "فقام كل واحد منهم" يعني من الطائفتين "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" الركعة الأولى للطائفتين مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، والركعة الثانية لكلٍ من الطائفتين يصليها كل واحد لنفسه، وهل صلوها في آن واحد، في وقت واحد، وضيعوا الحراسة أم صلوها كالركعة الأولى على التعاقب؟ الحديث فيه شيء يدل على هذا أو ذاك؟ قال: "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة" "فقام كل وحد منهم" يعني الضمير هذا يعود إلى الطائفة الثانية باعتبارها الأقرب، وهم في مكانهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- قضوا الركعة التي فاتتهم، ثم سلموا في مكانهم، كل واحد صلى لنفسه ركعة، أو أن الطائفتين الأولى والثانية كل واحد منهم ركع ركعة لنفسه منفرداً، ولكن يلزم على هذا أن يكونوا صلوها في آن واحد إلى جهة القبلة، والعدو إلى غير جهة القبلة، فيترتب على ذلك تضييع الحراسة، والذي يظهر أنهم أتموه على التعاقب، كل واحد ركع من الطائفة الثانية وهم في مكانهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- قضوا الركعة الثانية التي فاتتهم، ثم جاء الطائفة الثانية، وصلى الطائفة الأولى التي أدركت الركعة الأولى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- صلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، والحديث يحتمل، لكن إذا رأينا ملاحظة ما شرعت صلاة الخوف من أجله قلنا: إنهم على التعاقب وإلا لزم عليه تضييع الحراسة. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 12 "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم قال نافع: قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إيماء" إذا كان خوف أكثر من ذلك بحيث لا يتمكن أحد من أداء ولا ركعة، في هذه الحالة هل نقول: إن الصلاة عماد الدين، وملاك أمره، وأعظم أركانه أهم من الأنفس والأرواح تؤدى الصلاة على الكمال والتمام بغض النظر عن الآثار المترتبة على ذلك؟ أو نقول: هذه ضرورة وهذا الشرع؟ نقول: هذا الشرع الذي أمرك بإقامة الصلاة هو الذي خفف عنك في هذه الحالة، والذي فرض عليك أربع ركعات هو الذي خفف عنك في السفر نصف الصلاة، والذي فرض المواقيت وجعل الصلاة كتاباً موقوتاً مفروضاً في أوقات معينة هو الذي أباح لك الجمع في السفر، فلا يقول قائل: إذا كان خوف أكثر من ذلك، أو حتى صلاة الخوف نؤخر الصلاة، ونأتي بها على الكمال والتمام أسهل من أن نضيع أركان، ولا يعرفون الآثار المترتبة على شرعية صلاة الخوف من إيقاع الذعر في قلب العدو بحيث يقدم الأمر الشرعي على هوى النفس، ومع ذلك الذي ألزمهم بالصلوات في أوقاتها خفف عنهم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج]. "قال نافع: قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إماءً" لأنك حينئذٍ لا تستطيع أن تسجد، وقد يشق عليك الركوع، فتومئ بالركوع والسجود، وتجعل إيمائك بالسجود أخفض من إمائك بالركوع كما تقدم في صلاة أهل الأعذار. "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" رواه مسلم. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 13 وتكلم فيه أبو عمر ابن عبد البر؛ لأنه تفرد به بكير بن الأخنس، قال: وليس بحجة فيما تفرد به، لكن يكفيه تخريج مسلم لحديثه، وإذا كان الحديث في صحيح مسلم فلا كلام لأحد "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" بعضه له ما يشهد له، حديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأتمت صلاة الحضر أربعاً، وأقرت صلاة السفر" هذا يشهد لهذا فكون الصلاة في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين هذا محل اتفاق، محل إجماع، وليس فيه ما ينكر، لكن "في الخوف ركعة" والحديث في صحيح مسلم، وليس لأحد كلام لا ابن عبد البر ولا غيره، وبُكير بن الأخنس ثقة، وثقه جمع من أهل العلم، بل لم يتكلم فيه أحد من أهل العلم إلا ما ذكر ابن عبد البر أنه لا يقبل تفرده، وعامة أهل العلم على خلاف ذلك، فالحديث صحيح في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، إذا كان السفر وهو مظنة للمشقة، وخففت الصلاة من أجل هذه المشقة المظنونة، فما نسبة مشقة السفر إلى نسبة الخوف؟ في الجهاد أو في صائل يصول على المسلم يريد الفتك به هذا خوف، هذا أشد من مشقة السفر، فالتخفيف في الخوف إلى ركعة ليس فيه ما يستنكر، مثل ما قلنا: إذا كان السفر وهو مظنة للمشقة يخفف عن المسلم نصف صلاته فلئن يخفف عنه في الخوف إلى هذا الحد يعني من باب أولى. "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" هل هذا مرفوع أو موقوف؟ يعني هل يمكن ابن عباس أن يقول من تلقاء نفسه؟ أو عائشة تقول من تلقاء نفسها؟ "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر" يعني ركعتين، هل يمكن أن تقول عائشة: "فرضت" استنباطاً منها؟ أو يقول ابن عباس: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم"؟ لا، بل الحديث له حكم الرفع. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 14 قال: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف" في الصورة السابقة الطائفة الأولى صلت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ركعة، والطائفة الثانية ركعة، لكنهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- كل واحد منهم قام فركع لنفسه ركعة، يعني على مقتضى حديث ابن عباس أن كل واحد منهم يكفيه ما صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- "صلاة الخوف ركعة" يكفيه لكنها صورة من الصور؛ لأنها صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على صور مختلفة، فصورة يكتفى فيها بركعة، وصورة يُتم كل واحد لنفسه ركعة، وصورة يثبت الإمام قائماً، ثم يثبت جالساً حتى يتم الطائفة الأولى حال قيامه، والطائفة الثانية حال جلوسه. قال -رحمه الله-: الجزء: 41 ¦ الصفحة: 15 "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة" الجملة حالية، يعني والحال أن العدو بيننا وبين القبلة، في الصور السابقة العدو في غير جهة القبلة في حديث جابر العدو بينهم وبين القبلة في جهة القبلة، هل يُحتاج في مثل هذه الحالة إذا كان العدو في جهة القبلة أن يصف طائفة تجاه العدو كلهم وجاه العدو الآن؛ لأنهم في جهة القبلة، فكلهم وجاه العدو، فلا داعي أن يتأخر بعض المسلمين عن الصلاة مع الإمام، كلهم يدخلون مع الإمام؛ لأنه إذا كان العدو في جهة القبلة أمكن الحراسة أثناء الصلاة، قال: "فصفنا صفين، صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة" صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والثاني؟ خلفه، يليه، صف ثاني، الآن لو كانوا ثلاثة والعدو في جهة القبلة يحتاج إلى أن يصفوا صفين كما هنا؟ نعم؟ صف واحد، يكونان خلف الإمام، ثم بعد ذلك واحد يتابع في حال السجود وواحد يحرس، لكن في حال المتابعة لأحدهما، والحراسة من الثاني هل نقول: إن الذي يتابع فذ أو لا؟ واحد يتابع والثاني واقف أثناء السجود هل نقول: إن الذي يتابع الإمام فذ فلا تصح صلاته خلف الإمام؟ هو ليس بفذ؛ لأن الثاني في صلاة، الثاني في الصلاة، وإن لم يسجد إلا أنه في صلاة فليس بفذ "فكبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً" يعني الإمام الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- والصف الأول والصف الثاني كبروا جميعاً "ثم ركع وركعنا جميعاً" يعني في حال القيام وفي حال الركوع الحراسة ممكنة؛ لأن العدو في جهة القبلة. "ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" وإلى هذا الحد الحراسة ممكنة، مع متابعة الإمام في الصلاة "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه" الصف الأول سجدوا معه، الصف الثاني سجد وإلا ما سجد؟ الطالب: ما سجد. لم يسجد، بقي قائماً في نحر العدو في وجهة العدو للحراسة، انحدر بالسجود والصف الذي يليه، الآن عطفنا الصف على ضمير الرفع المتصل الذي هو المستتر يجوز وإلا ما يجوز؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 41 ¦ الصفحة: 16 لماذا؟ يجوز أن تقول: قمت وزيد؟ طالب:. . . . . . . . . يجوز؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . وش لون؟ طالب:. . . . . . . . . لا، معطوف على الضمير، ما هو على الفعل، على الضمير معطوف، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . قمتُ وزيدٌ، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ طالب:. . . . . . . . . يجوز؟ طالب:. . . . . . . . . لا، ما يجوز، لا بد أن تفصل بالضمير المنفصل، فتقول: قمتُ أنا وزيدٌ، لا يا أخي وزيدٌ، معطوف على الضمير ضمير الرفع المتصل، مرت بنا يمكن أكثر من عشرين مرة في هذا الكتاب. وإن على ضمير رفع متصل ... عطفتَ فافصل بالضمير المنفصل لا بد أن تفصل بالضمير المنفصل، لكن هنا يلزم ضمير منفصل؟ لا يلزم ضمير الرفع المنفصل هنا؛ لماذا؟ لوجود الفاصل الجار والمجرور. . . . . . . . . . ... أو فاصل ما. . . . . . . . . . . . . . . . . . فافصل بالضمير المنفصل ... . . . . . . . . . أي فاصل كان، وهنا موجود الفاصل بالسجود، الفاصل موجود، لو لم يوجد بالسجود لوجب أن يقول: فانحدر هو والصف الذي يليه "أو فاصل ما". الجزء: 41 ¦ الصفحة: 17 "والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو يحرس، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود" يعني سجد بالصف الذي يليه سجدتين، وهنا تمت لهم ركعة، قام الصف الذي يليه وقام الصف "فلما قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا" يعني قاموا إلى الركعة الثانية مع النبي -عليه الصلاة والسلام- والصف الذي يليه "ثم تقدم الصف المؤخر" صاروا صف أول "وتأخر الصف المقدم" فصاروا صفاً ثانياً، وهذا من تام العدل من أجل أن يسجد أصحاب الصف الثاني الذين صاروا في الصف الأول في الركعة الثانية مع النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سجد الصف الأول معه -عليه الصلاة والسلام-، فبذلك يتم العدل، قال: "ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" مثل الركعة الأولى "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه" الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، يعني الذين كانوا في الصف الأول في الركعة الأولى قاموا في نحر العدو؛ لأنهم صاروا في الصف الثاني "وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود" الذين كانوا في الركعة الأولى هم في الصف الأول "فسجدوا ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً" هذه الصورة ظاهرة وإلا ما هي بظاهرة؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 41 ¦ الصفحة: 18 يعني فيها تمام العدل، صف صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعة كاملة، والصف الثاني صلوا وبقي عليهم السجود، سجدوا بعد ما قام الصف الأول، ثم تقدموا مكان الصف الأول، وتأخر الصف الأول مكانهم ليسجد الصف الثاني الذي صار في الصف الأول مع النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سجد معه في الركعة الأول من في الصف الأول، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً، يعني في حال الجلوس للتشهد الحراسة ممكنة كحال القيام "ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً" قال جابر "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" يعني يحرسونهم، يقفون على رؤوسهم، والصف الثاني في حال السجود قيام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ساجد في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية، والصف الثاني سواء كانوا في الصف الأول في الركعة الأولى صاروا في الثاني في الركعة الثانية، أو الصف الثاني في الركعة الأولى الذين صاروا في الصف الأول في الركعة الثانية، قيام. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 19 النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جرح شقه الأيمن سقط من الدابة فجرح شقه الأيمن، فصلى جالساً، فصلوا وراءه من قيام، فأشار إليهم: أن اجلسوا، وقال: ((كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم)) وفي الحديث الصحيح: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) وقد تقدم، هنا يقفون والنبي -عليه الصلاة والسلام- ساجد في الركعة الأولى وفي الثانية، هل في هذا ما يعارض ذلك الحديث؟ والذي ينبه إلى هذه المعارضة قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" يقفون على رؤوسهم كما كانت تفعل فارس والروم، والحرس ما زالوا يصنعون هذا حتى في المساجد إذا وجد في المسجد من يخاف عليه من الأمراء وأصحاب الشأن فإنهم يقفون على رؤوسهم، وهذا موجود حتى في المسجد الحرام، وقبل وجود هذه الاضطرابات وهذه الفتن كان العساكر يصلون مع الناس، ولا يحتاج الناس إلى حراسة، لكن لما وجد بعض التصرفات التي من أجلها يخاف على بعض الناس وجد هؤلاء الحرس الذين يقفون على رؤوس الناس، على رؤوس من يخشى عليه، وإلا فكيف تسمح نفس المسلم أن الناس يصلون ويؤدون الصلاة في أطهر بقعة وهم قيام لا يصلون، لا يدخلون مع الإمام، فهل الأولى بالنسبة لهؤلاء الحرس أن يصلوا مع الإمام ويحرسون من أرادوا حراسته وإذا سجد الإمام يثبتون قياماً أو لا يدخلون مع الإمام من الأصل كما هو صنيعهم اليوم؟ طالب:. . . . . . . . . الآن عندنا يصلون مع الإمام في الحديث، ويحرسون في أثناء الصلاة، والحراسة في السجود فقط، لكن قد يقول قائل: إنه لم يتحدد المكان الذي يجيء منه من يخاف منه، يمكن يجي من الخلف، يمكن يجي من الأمام، يمكن يجي من اليمين، يمكن يجي من الشمال، فلا تتعين هذه الصورة، نعم؟ طالب: ألا يقال يا شيخ: الخوف متوهم يعني ... مثل العدو يعني .... الجزء: 41 ¦ الصفحة: 20 نعم، لكن هل هذا الخوف المتوهم يجعل مجموعة من الناس من المسلمين لا يصلون مع الإمام في داخل المسجد؟ يعني الخوف المتوهم هذا ما في شك أنه ولو كانت نسبته يسيرة إلا أن الأثر المترتب عليه عظيم، الأثر المترتب عليه لو قلت لشخص في المسجد ماذا يكون الأثر؟ لا سيما إذا كان ممن يختل الأمن بسببه، فوجد بعض التصرفات التي جعلت المسئولين يكلفون من يحرس، وحصل الحادثة العظيمة في الحرم قبل ثلاثين سنة، يعني كارثة هذه، فهذه التصرفات جعلت .. ، وإن كان يحز في النفس أن ترى مسلم يتدين بالأوامر والنواهي ومع ذلك ما يصلي مع الإمام، وهم في شدة الخوف يصلون معه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان العدو في جهة القبلة له وضع، أما إذا كان في غير جهة القبلة فله وضع آخر، وهؤلاء يدرون من أين يؤتون؟! قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" طيب لماذا ما تركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلسون؟ وجعلهم يقفون كما يقف الحرس على أمرائهم؟ يثبتون قياماً أثناء السجود لأنهم إذا جلسوا لم يتمكنوا من الحراسة، قد يتمكنون أثناء سجود الصف الأول، لكن في الجلسة بين السجدتين ما يتمكنون من الحراسة، والحديث مخرج في صحيح مسلم. قال: "وعن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا" يعني في حديث عبد الله بن عمر: "صلى بهؤلاء ركعة وهؤلاء بركعة ثم قام كل واحد فركع لنفسه، وسجد سجدتين" هنا حذيفة صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا، ولم يصلِ كل واحد منهم الركعة الثانية. "رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وأبو حاتم وابن حبان" والحديث مصحح، الحديث يصل إلى درجة الصحيح، وهذه صورة من الصور تشهد لما قاله ابن عباس. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 21 من الصور التي لم يذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا: صلى ركعة بطائفة، وصلى ركعة بطائفة، ولم يقضِ واحد منهم الركعة الثانية، من الصور التي لم يذكرها أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم بهم، ثم يصلي بالطائفة الثانية ركعتين ويسلم بهم، هذه صورة من الصور وهو في صلاته الأولى مع الطائفة الأولى مفترض وصلاته الثانية مع الطائفة الثانية نفل، والذي لا يرى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل لا يصحح مثل هذه الصورة، والذي يرى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل استدلالاً بمثل هذا، ومثل حديث معاذ حينما كان يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء، ثم يصلي بقومه هي له نافلة ولهم فريضة، يصحح مثل هذه الصورة. صورة أيضاً مما لم يذكره المؤلف أن يصلي الإمام أربع ركعات فيصلي بطائفة ركعتين ثم إذا جلس للتشهد الأول يتشهدون معه، ثم يسلمون وينصرفون، وإذا قام إلى الثالثة جاءت الطائفة الثانية فصلى بها الركعتين الباقيتين من صلاته الرباعية، ثم يسلم بهم فتكون للإمام أربع ركعات، وللمأمومين ركعتين ركعتين، هذه ذكرها أهل العلم، وإذا كانت الصلاة ثلاثية مثلاً، إذا كانت ثنائية أو رباعية يمكن قسمتها على الطائفتين، لكن الإشكال إذا كانت ثلاثية كالمغرب كيف يصلون مع الإمام؟ وكيف يمكن قسم الصلاة بين الطائفتين بالعدل والسوية كما تقدم في الصور؟ يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن أن يصلي ركعة ونصف بطائفة، وركعة ونصف بطائفة ثانية؟ لا، لا يمكن، ما يمكن، فإذا جلس للتشهد الأول إما أن ينصرفوا أو يكملوا صلاتهم على حسب ما تقدم في الصور، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي معه الركعة الباقية، وتكمل ركعتين ويسلمون، وفي صلاة المغرب لا يمكن أن تقسم الصلاة بين الطائفتين بالسوية. يقول: في الجلسة بين سجدتي السهو هل يقال فيها: ربي اغفر لي كما يقال في السجدتين في عموم الصلاة؟ نعم، يقال في السجود: سبحان ربي الأعلى، ويقال بين السجدتين: ربي اغفر لي ... إلى آخر الأدعية. يقول: هل تصلى صلاة الخوف في المعركة وقت النزال أم عند وقف القتال؛ لأنه لا يتصور أن يكونوا خلف إمام متقدماً لوحده تلقاء العدو وقت النزال؟ الجزء: 41 ¦ الصفحة: 22 على كل حال يصنع الإمام ويجتهد في الصورة المناسبة للحال، وقد يصل الأمر إلى الصلاة بالإماء دون ركوع ولا سجود. يقول: ما جاء في حديث جابر الذي تقدم: "تقدم طائفة وتأخر طائفة" ألا يخل ذلك بالصف؟ لا، لا يخل بالصف، لا يخل ذلك بالصف، وهذه الصورة صحيحة وثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخلل الذي حصل من الحركة والتقدم والتأخر مغتفر؛ لأنه جاء عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-. قول جابر: "كما يصنع حرسكم" هل هو للمدح أو للذم أو للجواز؟ ليس للمدح ولا للذم وإنما هو لبيان الصورة والهيئة، والتشبيه لا يلزم منه المطابقة من كل وجه. يقول: هل يمكن لطالب العلم الجمع بين دراسة كتاب بلوغ المرام وكتاب المحرر في الحديث؟ نعم، يمكن وبسهولة الأبواب متشابهة ومتقاربة، والأحاديث أيضاً في ضمن هذه الأبواب متقاربة، وشروح البلوغ تصلح أن تكون شروحاً للمحرر، قد يزيد حديث أو ينقص حديث أو يتقدم حديث أو يتأخر حديث، يتقدم باب أو يتأخر باب مثل الباب الذي يلي هذا باب المساجد هذا متأخر في المحرر ومتقدم في البلوغ، الأمر سهل، يعني بالإمكان أن طالب العلم يرتب الأحاديث من خلال شروح الكتابين. هذا سؤال غريب ... يقول: كيف نجمع بين حديث ابن عباس في صحيح مسلم، وصفة صلاة الخوف أن الإمام صلى أربعاً؟ الصور التي جاءت في صلاة الخوف، يعني بعضهم أوصلها إلى ست وعشرين صورة، والإمام أحمد مع حفظه وسعة إطلاعه ويحفظ سبعمائة ألف حديث، يقول: صحت من ستة أوجه أو سبعة. يقول: في حديث الإسراء واستفتاح جبريل -عليه السلام- للنبي -عليه الصلاة والسلام- في عروج السموات دليل على عدم القدرة على الصعود إلى السماء بمركبات فضائية؟ هم يقولون: إنهم ما وصلوا إلى السماء، ولا دخلوا في السماء، وإنما وصلوا الكواكب التي دون السماء على حد زعمهم، وكل هذا ينبني على الظرفية {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [(16) سورة نوح] إن كانت الظرفية على مقتضاها في أصل اللغة وأنه في داخل السماء، وأن السموات ظرف للقمر فلن يستطيعوا، وإذا كان فيهن يعني نوره يصل من الأعلى ومن الأسفل، أو المراد بالسماء جهة العلو فيمكن ذلك. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 23 والشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- له كتاب أثبت فيه إمكان الصعود إلى الكواكب، وإن كان كثير من أهل العلم كالشنقيطي وغيره ينكرون هذا، ويشددون في مثل هذه المسألة، والإشكال أننا نصدق قوماً كفاراً في شيء لا تبلغه عقولنا، يقولون: وصلنا، نقول: نعم وصلنا، ولو كذبوا في يوم من الأيام قالوا: ما وصلنا، قلنا: ما وصلتم، فالإنسان الذي لا يدركه عقله عليه أن لا يجزم فيه بشيء، أما مجرد قالوا: وصلنا، قلنا: وصلتم ما هو بصحيح هذا، وجاءوا بأحجار قالوا: هذه من سطح القمر وهذه من كذا، وإذا كان المسلم بهذا المستوى من الانبهار بالكفار وتصديقهم في كل ما يقولون فيخشى على عقدته أن يقرروا يوماً ما يخل بعقيدته ثم يصدقه، بل عليه أن يثبت، إذا كان الفاسق من المسلمين يجب التثبت في خبره فكيف بالكافر؟! يقول: بدأت بقراءة البخاري بطريقة أريد رأيكم فيها، وهي: أني أقرأ الحديث ثم أنظر في أطرافه من الصحيح، مع تبويب الإمام عليها؟ هذه طريقة جيدة تجمع الألفاظ والروايات، وبإمكانك أن تتطلع على فقه البخاري من خلال تراجمه لهذه الأطراف، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (42) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا سؤال في موضوع صلاة الخوف وهو مهم جداً. يقول: هل تصلي فئة مسلمة تقاتل فئة مسلمة صلاة الخوف؟ نعم إذا كانت الفئة المسلمة التي تقاتَل بغاة أو قطاع طريق، فالفئة المحقة تصلي صلاة الخوف، كما هو الشأن في قتال الكفار لأنه قتال مشروع، أما إذا كانت الطائفتان مجرد بغي بعضهم على بعض، هذا لا يترخص من أجله؛ لأن هذه رخصة والرخصة منوطة بالمباح، كما قالوا في رخص السفر، لا يترخص العاصي في سفره، وكذلكم لا يصلي صلاة الخوف الباغي في قتاله. يقول: هل يمكن أن يصلي الجندي في الحرم الشريف صلاة الخوف بدون قصر للرباعية يعني يصلي العشاء أربع ركعات؟ ليس في حال خوف، إنما يصلي صلاة أمن، يصليها أربعاً، ويحرص على الجماعة بقدر الإمكان، فإن أمكنه أن يصلي مع الناس صلاة كاملة وإلا صلاها في جماعة أخرى؛ لأن صلاة الخوف المنظور فيها مع الاهتمام بشأن الجماعة، واستدلال أهل العلم على وجوب صلاة الجماعة بأنها لم تسقط في حالة الخوف أيضاً المنظور فيها الالتفاف حول إمام واحد، مما يحصل به إخافة للعدو وإرهاب له. يقول: هل الفئة التي تصلي مع الإمام والعدو في غير اتجاه القبلة تحمل السلاح في صلاة الخوف مثل التي ... ؟ نعم تحمل السلاح، يحملون السلاح، ولا يجوز لهم أن يضعوا السلاح إلا من عجز عن حمله لمرض وشبهه. هل أيام فتنة الصحابة والمعارك التي دارت بينهم صلوا صلاة الخوف وهم فئتان مسلمتان؟ أما بالنسبة للمحقة التي تقاتِل فئة باغية هذه تصلي صلاة الخوف كما لو كان المقاتَل كافراً؛ لأن هذا قتال مشروع، وما يخشى من فوته في قتال الأعداء يخشى من فوته في قتال البغاة وقطاع الطريق. يقول: هل شُرط لصلاة الخوف أن يكون العدو كافراً؟ هذا جوابه في السؤالين الماضيين. كيف يشعر الإمام أنهم انتهوا من الركعة وجاءت الطائفة الثانية تصلي معه وتسلم، هذا إذا كان العدو في غير جهة القبلة؟ يشعر الإمام لأن العدد إذا كثر يكون له جلبة، الواحد له جلبة يشعر به، فكيف إذا كانوا عدداً؟! الجزء: 42 ¦ الصفحة: 1 يقول: ما حكم سؤال الإنسان الناس مالاً لظروف وقعت به في المسجد إن كان لا يجوز هل ينكر على السائل؟ هذا يأتي في باب المساجد الذي نبدأ به اليوم -إن شاء الله تعالى-. يقول: منا من يأتي للدرس من جدة، فلو كان الدرس بعد الصلاة مباشرة لكان أرفق بنا، علماً بأن أكثر الحضور يصلون العشاء هنا؟ وهذا يعني تحقيقه سهل، وبدءاً من درس الغد -إن شاء الله- تكون الصلاة هنا، والبدء بعد الصلاة مباشرة في الثامنة أو الثامنة وخمس دقائق أو عشر دقائق، هذا طلب يمكن تلبيته، لا سيما وأن أمس تأخرنا يعني بعد العاشرة انتهينا. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: المساجد عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من بنى مسجداً -قال بكير: حسبت أنه قال- يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)) متفق عليه. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناد بعضهم على شرط الصحيحين، ورواه الترمذي مرسلاً ومتصلاً، وقال في المرسل: هذا أصح، والدور القبائل والمحال. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه. ولمسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذا رواه البخاري، وروى مسلم بنحوه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أطلقوا ثمامة)) فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" متفق عليه. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 2 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: "قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك" ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس))؟ قال: نعم" متفق عليه أيضاً. وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)) رواه مسلم. وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً ومرسلاً. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك)) رواه النسائي في اليوم والليلة، والترمذي وقال: حديث حسن غريب. وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المسجد، ولا يستقاد فيها)) ... مسجد وإلا مساجد؟ عفا الله عنك. ((لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع. وعن مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ )) فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه" رواه أبو داود، ومبارك وثقه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ضعيف. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل، فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعودوه من قريب". ليعوده. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 3 ليعوده من قريب، فلم يرعهم، وفي المسجد معه خيمة من بني غفار إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذُ جرحه دماً، فمات فيها -رضي الله عنه-" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعنها -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعهم، أمناً بني أرفدة)) يعني: من الأمن، متفق عليه، واللفظ للبخاري. وعنها -رضي الله عنها- أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم، قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته -أو وقع منها- فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها! قالت: والله أني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته! قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت. قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش، قالت: فكانت تأتيني فتحدث هي عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ج ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني قالت عائشة -رضي الله عنه-: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث" رواه البخاري. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) متفق عليه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) رواه مسلم. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى، رواه أبو داود وابن حبان. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 4 وعن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما أو من أين أنتما؟؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. رواه البخاري. وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أرَ ذنباً أعظم من سورة من القرآن -أو آية- أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود وابن خزيمة والترمذي، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: ففي هذا الباب جمع المؤلف -رحمه الله تعالى- أحاديث ذكر فيها بعض الأحكام المتعلقة بالمساجد، والمسائل والأحكام المتعلقة بالمساجد مبثوثة ومنثورة في الكتب، ومجموعة أيضاً في أبواب من كتب السنة، وفيها مصنفات، ومن أجمعها كتاب لبدر الدين الزركشي، وهو مطبوع في مجلد، جمع فيه أحكام المساجد، ما جاء فيها من النصوص، وما استنبط منها من أحكام، وهو كتاب جامع لمسائل متعلقة بالمساجد. والمساجد: مفاعل صيغة منتهى الجموع، وقد يقال: مساجيد لأن صيغة منتهى الجموع مفاعل ومفاعيل، مثل مساند ومسانيد، مفاتح ومفاتيح، مراسل ومراسيل. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 5 المساجد: جمع مسجد، وهو المكان الذي تؤدى فيه الصلاة، الذي يصلى فيه هو المسجد، ويقال: بفتح الجيم مسجَد إلا أنهم خصوا ما جاء بفتح الجيم خصوه بموضع السجود من المسجد، موضع السجود من المسجد، ولذا يقولون: يُستحب للمصلي أن ينظر مسجده، يعني موضع سجوده، والمراد بالمسجد هو ما يُحيط به سوره، هذا المسجد الذي تترتب عليه الأحكام، فما كان خارجاً عن سوره لا يلحق به، فلا يصح الاعتكاف فيه، ولا تصح الصلاة اقتداءً بالإمام إلا إذا اتصلت الصفوف، هذا إذا كان خارجاً عن السور، وإذا كان خارجاً عن السور ولو كان من ملحقات المسجد ومتعلقاته إلا أنه ليس في سوره تجلس فيه الحائض، ويجلس فيه الجنب؛ لأنه لا تنطبق عليه أحكام المسجد، وأم عطية تقول: أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى، يعني الموضع الذي يصلي فيه الناس، فمصلى العيد له أحكام المسجد في المكان الذي يصلى فيه، وما عداه لا يأخذ أحكام المسجد وإن كان المسجد له أحكام أكثر من أحكام المصلى، مصلى العيد أو الجبانة مصلى الجنائز أو غير ذلك، لكن الحيض لا يشهدن أو لا يحضرن موضع صلاة العيد، المسجد إذا لم يسور بل هو عبارة عن صحراء، فهذا ليست له أحكام، فلا يصلى فيه التحية، وينتابه الجنب ويجلس فيه الحائض وغيرهما. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 6 ولا علاقة لإقامة الصلوات الخمس أو بعضها في مفهوم المسجد، فقد تصلى الصلوات الخمس في مكان ولا يُعد مسجداً كالمصليات التي يتخذها الناس في مواطن السكن مثلاً، صالة عمارة مثلاً، أو صالة في محل عمل أو ما أشبه ذلك، هذه لا تأخذ أحكام المسجد، وعلى هذا من كان في عمارة فيها مصلى عليه أن يصلي ويؤدي صلاة الجماعة حيث ينادى بها، يعني في المسجد، ولو أن مسجداً لا يصلى فيه جميع الأوقات لكنه مسجد بمعالمه من رآه قال: هذا مسجد، فهو مسجد ولو لم يصل فيه إلا وقت واحد، فمسجد نمرة مسجد له أحكام المسجد، ومع ذلك لا يصلى فيه إلا صلاة الظهر والعصر يوم عرفة وهكذا، فالمسألة تحتاج إلى تحرير؛ لأن هذه أحكام، هل يصح الاعتكاف أو لا يصح؟ ويبحث أهل العلم هذه المسائل كثير منها في كتاب الاعتكاف، كثير من أحكام المساجد تبحث في أحكام الاعتكاف؛ لأنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد. فإذا كان هناك في المسجد غرفة في سوره، وبابها إلى الشارع مثلاً، وليس لها باب إلى المسجد، هذه حكمها حكم الشارع، لكن إن كانت تفتح على المسجد فحكمها حكم المسجد ولو كانت بنايتها خارج المسجد، ولذا يقررون في المنارة مثلاً منارة المسجد، إن كانت تفتح إلى المسجد صح الاعتكاف فيها وإلا فلا. أحياناً يكون هناك ملحقات في المسجد كالساحات مثلاً الخارجة عن سور المسجد هذه ليس لها أحكام المسجد، ولا يصلى فيها إلا إذا اتصلت الصفوف، أحياناً يكون في هذه الساحات دورات مياه، محل قضاء الحاجة مما يدل على أنها لم يقصد أن تكون مسجداً، وإنما هي من مرافق المسجد، قد يحتاج إليها إذا ضاق المسجد، واتصلت الصفوف هذا لا إشكال فيه. ذكر المؤلف مسائل كثيرة متعلقة بالمسجد، واستدل لكل مسألة بحديث في الغالب، فبدأ في فضل بناء المساجد. قال -رحمه الله-: "عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من بنى مسجداً -قال بكير: حسبت أنه قال-: يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له مثله في الجنة)) متفق عليه" بل عده أهل العلم من المتواتر. مما تواتر حديث: ((من كذب)) ... جج ومن بنى لله بيتاً واحتسب هذا من المتواتر. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 7 ((من بنى مسجداً)) وفي بعض الروايات: ((ولو كمفحص قطاة)) وهذه مبالغة في صغر المسجد، وإلا ما يمكن أن يكون هناك مسجد بمقدار مفحص قطاة، وفحص القطاة قدم واحد، ما يأخذ ولا القدم الثاني فضلاً عن بقية الجسم، إنما أريد بذلك المبالغة، وأن الإنسان مهما بنى وإن عده الناس صغيراً إلا أنه يمكن الصلاة فيه، بعض الناس يبني مسجداً بقدر حاله، عنده كذا مبلغ من المال فيبني به مسجداً عبارة عن غرفة صغيرة فيها معالم المسجد، فيها منارة، وفيها .. ، مسورة، ويتركها للناس يصلون فيها، ثم يأتي من يزدري هذا العمل؛ لأنه بالمقابل يوجد من يبالغ ويسرف في عمارة المساجد، فيكون مثل الذي ازدرى صاحب الصدقة القليلة المنصوص عليها، فمن بنى لله مسجداً أو بيتاً ولو كمفحص قطاة، قلنا: إنه لا يمكن أن يكون مسجد بمقدار مفحص قطاة، لكن هو مبالغة في أقل القدر الذي يمكن فيه الصلاة، أو هو إشارة إلى الاشتراك في بناء المسجد، اشتراك في بناء مسجد، يعني افترض أن المسجد أرضه غالية جداً، وعمارته مكلفة، واجتمع في بنائه عشرة آلاف شخص، أو مائة ألف شخص، كل واحد دفع له ألف، ألفين، ما يمكن أن يزدرى مثل هذا العمل، هذا تعاون على البر والتقوى، ويدخل في: ((من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة)). الجزء: 42 ¦ الصفحة: 8 البناية المقصود بها هنا البناية الحسية بالأدوات، باللبن والطين والخشب، أو ما يقوم مقامها من بناء مسلح بالإسمنت والحديد، هذا كله بناء، لكنه بناء حسي، وهناك بناء وعمارة معنوية، وهي أهم {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [(18) سورة التوبة الله] العمارة الحسية بإقامة الصلاة والعبادات التي تزاول في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعهد من بعده من صحابته، وسلف هذه الأمة، فالمسجد كانت رسالته أوسع مما هي عليه الآن، يعني كان المسجد كل شيء، فبه تقام الصلاة نفلها وفرضها، وفيه تعليم العلم، وفيه تحفيظ القرآن، وفيه القضاء بين الناس، وإفتاء الناس، وفيه أيضاً بعث .. ، تنطلق منه السرايا والجيوش إلى الآفاق، وأكثر أعماله -عليه الصلاة والسلام- في المسجد، وجاء في حديث لكن فيه كلام لأهل العلم أن "المسجد بيت كل تقي" وسيأتي في أحب البقاع إلى الله، يقول ابن عبد القوي -رحمه الله-: وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ يعني لزوم المسجد تعلق القلب بالمسجد هذا له شأن، هذا يدل على إقبال، بخلاف بعض الناس، ومع الأسف أن هذا يوجد من بعض المنتسبين إلى العلم أنه كأنه في سجن، مجرد ما يسلم الإمام يسابق السرعان، هو محسوب على طلاب العلم، طالب العلم ينبغي أن يكون قدوة، يأتسي به العامة، فليكن أول من يدخل، وآخر من يخرج. وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ يعني كان مما ينشد من الأناشيد التي جاءت بعد قرون -يعني في العصر الحاضر- بعض القصائد التي منها يعني مما أحفظ منها، يقول: إسلامنا لا يستقيم عموده ... بدعاء شيخ في زوايا المسجدِ الجزء: 42 ¦ الصفحة: 9 هذه من القصائد التي كانت تنشد في معاقل العلم أيضاً والمراكز وغيرها، لكن هذا الكلام صحيح وإلا لا؟ هذا الكلام ليس بصحيح، اللهم إلا إذا كان من معاناة، يعني بعض الزوايا في المساجد يعمرها بعض المتصوفة على غير هدي من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، يكون عندهم شيء من البدع، أذكار وأدعية وأشياء مبتدعة، إذا كان سببه هذا ومعوله على هذا، وأن هؤلاء ليس لهم من العمل الذي يمكن أن يستفاد منه إلا هذا مع أن الأمة بحاجة ماسة إلى عالم يوجه الأمة إلى ما ينفعها في دينها ودنياها، وأيضاً هي بحاجة إلى عابد يدفع الله عنها بسببه ما يدفع بسبب دعائه، يعني مما مر من الأمثلة في مصطلح الحديث في المتفق والمفترق ذكروا الأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود، الأسود بن يزيد النخعي إمام في العلم والفقه والفتوى، إمام، جبل، من أئمة المسلمين في العلم، ويقابله يزيد بن الأسود الجرشي، هذا ليس من أهل العلم، ليس مشهوراً بالعلم، وإنما من أهل العمل، من أهل العبادة، استسقى معاوية -رضي الله تعالى عنه- به، يعني بدعائه، استدعاه معاوية فأمره أن يدعو ويستسقي وهم يؤمنون فسقوا، فالأمة تحتاج إلى هذا، وتحتاج إلى هذا، يعني لا نقلل من قيمة هذا ولا من قيمة هذا، يعني إذا قلنا: إن العلم شأنه عظيم، وهو كذلك عند الله -جل وعلا-، لكن ما قيمة العلم بلا عمل، نحن بحاجة إلى عالم عامل، ونحن بحاجة إلى الصنفين، قد يكون بعض الناس ميله واتصافه بالعلم أكثر وهذا مطلوب، والثاني مطلوب أيضاً، يعني يختلف أهل العلم في أفضل التابعين، فالإمام أحمد يفضل سعيد بن المسيب، ولا شك أنه من حيث العلم لو قيل: إنه أعلم التابعين ما بعُد، لكن منهم من يفضل أويس القرني، وقد جاء فيه الحديث الصحيح، وطلب منه عمر أن يدعو له، فما قالوا: والله أويس نفعه خاص غير متعدي، ماذا تستفيد منه الأمة؟ إلا تستفيد منه الأمة، فالأمة تستفيد من هذا وتستفيد من هذا، فلا يقال: إسلامنا لا يستقيم عموده ... بدعاء شيخ في زوايا المسجدِ الجزء: 42 ¦ الصفحة: 10 لا سيما إذا كان الشيخ على الجادة، إذا كان على هدي من الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان على غير الجادة هذا عبادته وجودها مثل عدمها، بل ضررها ظاهر إذا كان على ابتداع. يعني يقابل هذا البيت كلام ابن عبد القوي: وخير مقام قمت فيه وحلية ... ج تحليتها ذكر الإله بمسجدِ هذه العمارة المعنوية، وإذا تعارضت العمارة المعنوية مع العمارة الحسية لا شك أن العمارة المعنوية هي الأنفع، العمارة الحسية أمرها سهل عند ذوي اليسار، ولذا لما تمدح المشركون وهذه من مسائل الجاهلية التي ذكرها الإمام المجدد، تمدحوا بعمارة المسجد الحرام عمارة حسية لا معنوية، قال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(19) سورة التوبة] يعني في مقابل الإيمان؟ هذه من مسائل الجاهلية، إذا كانت في مقابل الإيمان، لكن إذا كانت مع الإيمان والعمارة المعنوية {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(18) سورة التوبة]. ((من بنى مسجداً -قال بكير: حسبت أنه قال-: يبتغي به وجه الله)) يعني شك هل قال هذه اللفظة، أو قال كلمة نحوها أو لم يقلها؟ وهي شرط لا بد منه، سواءً قيلت ذُكرت أو لم تذكر، لا بد أن يكون عامر المسجد يبتغي به وجه الله تعالى وإلا ما ينفعه ذلك، وكثير من الأمور التي يزاولها عمار المساجد تخدش في الإخلاص، وقد يذهب بعضها الإخلاص بالكلية، وإذا كان بعض العلماء لابن رجب كلام جميل جداً في عمارة المساجد في شرح حديث الأعمال بالنيات من جامع العلوم والحكم، ولابن الجوزي أيضاً كلام، ابن الجوزي بالغ وقال: إن عامر المسجد إذا كتب اسمه عليه فهذا نصيبه منه، يكفيه أن يقال: مسجد فلان، فيبتغي بذلك وجه الله، أمر في غاية الأهمية، يعني ينتبه لمثل هذا، الإخلاص شرط لقبول الأعمال كلها، الإخلاص لا بد منه ((إنما الأعمال بالنيات)). الجزء: 42 ¦ الصفحة: 11 ((يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له مثله في الجنة)) المماثلة في كون هذا بيت وهذا بيت، لكن هل المماثلة أن هذا ألف متر وهذا ألف متر؟ هل تقتضي المماثلة هذا؟ وأن هذا بنى بيت طين يبنى له بيت طين في الجنة؟ أو بنى مفحص قطاة مساهمة مثله في الجنة؟ لا، المضاعفات فضل الله واسع، وأقل ما يقال في المفاضلة: إن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقد جاء في المسند حديث تكلم فيه أهل العلم: ((إن الله يضاعف لبعض عباده إلى ألفي ألف ضعف)) مليونين ضعف، فضل الله لا يحد، وخزائنه لا تنفد، وإذا كان آخر من يدخل الجنة تنقطع به الأماني، ما يستطيع يتمنى، فيقال له: تمنى، فلا يذكر شيئاً لما عمله في الدنيا، يعني بأسلوب الناس اليوم ما له وجه يتمنى، إذا كان هذا وضعه، ولا يستطيع أن يتمنى يقال له: هل يرضيك أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك في الدنيا؟ يقول: إي يا رب، يعني لو يقال: له مثل ملك هارون الرشيد يكفيه وإلا ما يكفيه؟ فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، ففضل الله واسع، لكن المعول على الإخلاص. ((بنى الله له مثله في الجنة)) فهذه المماثلة أن هذا بيت وهذا بيت، لكن ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، يعني يشاركه في الاسم، يعني في الجنة فاكهة، فيها أعناب مثلاً، لكن هل العنب في الجنة مثل العنب في الدنيا؟ يقول ابن عباس: "ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء" وإذا كان هذا بيت وذاك بيت نتصور مثل هذا. "متفق عليه". الجزء: 42 ¦ الصفحة: 12 "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور" في الدور ليس المراد بها البيوت والمساكن، كل واحد يبني مسجد في بيته، وإن قال به بعض العلماء، يبني ويخصص مكان للصلاة في بيته، ينظفه ويطيبه، وفعله كثير من السلف، لكن ليس معنى هذا أنه يصلي فيه الفرائض، يصلي فيه النوافل، عتبان بن مالك لما كف بصره وصار يشق عليه التردد إلى المسجد، كما تقدم طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي في بيته مكاناً يتخذه مسجداً، وإذا كان لا يستطيع الحضور إلى المسجد، أو كان ممن لا تلزمه الجماعة، وسبق أن قلنا في حديث عتبان مع حديث ابن أم مكتوم الرجل الأعمى الذي في طريقه وادٍ وسباع، وفي وصوله إلى المسجد شيء من العسر طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرخص له في بيته، فقال له: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فعتبان لا يسمع النداء، وقررنا هذا في درس مضى، وبيته في منتصف الطريق بين المسجد النبوي وقباء، فالمظنون أنه لا يسمع النداء من أجل التوفيق بين حديثه وحديث ابن أم مكتوم. الدور كما قال المؤلف: القبائل والمحال، يعني الأحياء الحارات تبنى فيها المساجد لتيسر على أهل الحي أداء الجماعة في المسجد، ولو قيل: إنه لا يبنى في الأحياء ولا في القبائل مساجد لشق على الناس الصلاة مع الجماعة، وألزموا أن يحضروا إلى المسجد، مسجد البلد، لكن هذا فيه مشقة عظيمة، وجدت مساجد في عهده -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة للصلوات الخمس، وأما بالنسبة للجمعة فشأنها أعظم وأشد على ما سيأتي. القبائل يعني لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خير دور الأنصار بنو عبد الأشهل)) خير دور الأنصار يراد بذلك قبائل الأنصار، والمؤلف يقول: والدور القبائل والمحال، القبائل يطلق عليها دور، دور الأنصار يعني قبائل الأنصار، وقد تطلق الدور ويراد بها المحال والحارات والأحياء يقال لها: دور. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 13 "وأن تنظف وتطيب" لأنها يعني المسجد بيت الله، ومحل العبادة، وتنظيفها وتطييبها يريح المصلين، ويجعلهم لا يتضايقون من المكث فيها، وأداء الصلاة فيها، بخلاف ما إذا أهملت ووجد فيها ما تنبعث منه روائح، أحياناً الفرشاة إذا طال بها العهد ولم تغسل وتنظف وتطيب بعض الناس يتضايق لا يستطيع أن يسجد، وبعض الناس ترك الصلاة في مسجد وذهب إلى غيره بحجة أن الفرشة إذا سجد انكتم من الروائح المنبعثة منها، فعلى هذا لا بد أن تنظف المساجد، ولا بد أن تطيب ليؤدي الناس هذه الفريضة على أكمل وجه، يعني الإنسان إذا لم يتمكن من السجود على الوجه المطلوب كيف يخشع في صلاته؟ نعم قد يضطر بعض الناس أو يحتاج إلى وضع شيء متصل به كالغترة والشماغ وطرف العمامة، وما أشبه ذلك، قد يحتاج إلى ذلك، وأهل العلم يكرهون السجود على المتصل، لكن إذا وجد مثل هذا فإنه كما قال أهل العلم: الكراهة تزول بأدنى حاجة، لا مانع من أن يصلي على طرف شماغه أو غترته أو عمامته. "تنظف" يغسل ما أصابها من أذى، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بسجل من ماء أهريق على بول الأعرابي "وتطيب" لتكون روائحها طيبة تريح المصلين والداخلين والمقيمين في المسجد، ويمنع من أكل ما له رائحة كريهة من دخول المسجد، أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا، ومن باب أولى إذا كان ما تنبعث منه الرائحة محرماً كالدخان ونحوه فإن هذا أشد، ليس معنى هذا أن هذه رخصة لمن أكل أو شرب دخان أن يصلي في بيته ولا يأتي المسجد ويتذرع بذلك، لا، هذه عقوبة، هذا تعزير له حينما يمنع من المسجد، لكن لما اختلفت الموازين، وتغيرت المفاهيم، وتلوثت الفطر ما صارت في نظر كثير من الناس عقوبة، اعتبرها بعضهم رخصة، لكن لو يأتي إلى مكان فيه وليمة، ثم يقال له: والله ارجع من حيث أتيت لأن رائحتك كريهة، كيف يتصور هذا الموقف؟! يسهل عليه مثل هذا؟ لكن سهل أن يتذرع ويتعلل ويوجد لنفسه العذر أن يتخلف عن الجماعة؛ لأنه أكل ثوم أو بصل أو شرب دخان، كل هذا صيانة للمسجد، وتقدم ما يتعلق بهذا. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 14 من احتاج إلى إرسال الرائحة الكريهة وهو في المسجد جالس، افترض أنه مقيم معتكف في المسجد، ثم احتاج إلى إرسال ما له رائحة كريهة، حاجة، يقول ابن العربي: "ويجوز إرسال ما له رائحة من الفساء ونحوه في المسجد لحاجة" لا بد أن يقيد بالحاجة؛ لأن هذا مثل الرائحة الكريهة بالثوم والبصل وما أشبه ذلك، على أن لا يؤذي أحداً بهذا، وإذا كان التنظيف والتطييب مطلوب، فإن ما له رائحة كريهة بمفهوم الحديث يكون ممنوعاً. يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناد بعضهم على شرط الصحيحين، ورواه الترمذي مرسلاً ومتصلاً، وقال في المرسل: هذا أصح" والحديث يعني ما فيه تعارض بين إرساله ووصله فهو مصحح مرسلاً وموصولاً. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) " ((قاتل الله اليهود)) كما جاء في الرواية الأخرى: ((لعن الله اليهود)) فقاتل بمعنى لعن، وفي هذا جواز لعن اليهود والنصارى، ومن يستحق اللعن مقروناً بسببه؛ لأنه قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ومن لعنه الله -جل وعلا- في كتابه ورسوله في سنته لا مانع من لعنه على أنهم يختلفون في المعين حتى من الكفار، وأما بالنسبة للمسلم فلا يجوز لعنه معيناً وإن لعن ضمن المجموعة لا على التعيين، لعن الله السارق، لعن الله الشارب، المتبرجة إذا رأيتموهن فالعنوهن، لكن ما يقال: فلان يشرب الخمر لعنه الله، أو يسرق لعنه الله، لا، فالمعين غير المبهم. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 15 وأما بالنسبة لليهود والنصارى فيلعنون، وجاء في موطأ الإمام مالك قول التابعي أظنه ابن أبي مليكة قال: أدركنا الناس وهم يلعنون اليهود والنصارى، يعني في الوتر، فلا مانع من لعنهم، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة، ترتب عليه مفسدة، صار من باب {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام] فالكلام على ما يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة، أما لعنهم فهو جائز، يعني إذا أمنت المفسدة ما في أدنى إشكال، لكن قد يكون في مجتمعاتهم في بلدانهم ممن يقيم بين أظهرهم من المسلمين يسمع مثل هذا الكلام فيجاهر بلعنهم، وهو لا يستطيع مقاومتهم فيتضرر بذلك، وقد يتضرر بذلك غيره، فالمسألة مسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالأصل أن لعنهم جائز، جاء لعن اليهود في القرآن، جاء لعنهم في القرآن، وجاء لعنهم في السنة. العلة في لعنهم أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، والرواية الأخرى رواية مسلم: ((لعن الله اليهود النصارى)) اليهود لهم أنبياء، وهؤلاء الأنبياء لهم قبور واليهود الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد هم الذين كانوا يقتلون الأنبياء، إما أن يقتلوهم، أو يعظموهم حتى يصلوا بهم إلى حد الإشراك بالله -جل وعلا-. اليهود يتجه لعنهم، والعلة أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لكن في رواية مسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) اليهود لهم أنبياء، ومات هؤلاء الأنبياء، ودفنوا في قبورهم، لكن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد، وهو عيسى -عليه السلام-، ومع ذلكم لم يقبر، ما مات، بل رفع إلى السماء، فكيف يقال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))؟ لأن اليهود والنصارى جمع قوبل بجمع، إذا قلنا: قبور أنبيائهم فلكل نبي قبر؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، يعني لكل نبي قبر، وهذا ما فيه إشكال، لكن اليهود والنصارى جمع وأنبيائهم جمع هل تقتضي القسمة أفراد؟ النصارى ليس لهم نبي مدفون له قبر، إنما نبيهم عيسى -عليه السلام-، ما مات، بل رفع حياً إلى السماء، فكيف يقال: اليهود والنصارى؟ الجزء: 42 ¦ الصفحة: 16 جاء في بعض الروايات: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ذلكم أنه إذا مات فيهم الرجل الصالح اتخذوا قبره مسجداً)) فاليهود اتخذوا قبور الأنبياء، والنصارى اتخذوا قبور الصالحين، ومنهم من يقول: إن أنبياء اليهود أنبياء للنصارى، ورسالة عيسى -عليه السلام- مكملة لرسالة موسى. ((اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) فغلوا فيهم حتى عبدوهم من دون الله، ولذا جاء النهي عن الصلاة في المقبرة، ولا تصلوا إلى القبور، كل هذا من باب سد الذريعة الموصلة إلى الشرك، وسبب المنع ليس النجاسة الحسية حتى يفرق بين المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة، لا، إنما سبب المنع نجاسة الشرك المعنوية، الشرك نجاسة معنوية، والمشركون نجس، ولو كانت الصلاة لله عند قبر تُمنع. ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) فكما جاء في الحديث: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) عمل فئام من المسلمين ما عملته اليهود والنصارى، فاتخذوا المساجد على قبور الصالحين، أو دفنوا هذه القبور في المساجد، وشيدوا عليها الأبنية، وأقاموا عليها الأضرحة، وطافوا بها، ودعوهم من دون الله -جل وعلا-، وحصل منهم الشرك الأكبر ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)) ويعني بذلك اليهود والنصارى حتى قيل: "اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: ((فمن)) يعني من القوم إلا أولئك، فحصل في هذه الأمة مشابهة بل مطابقة لما فعله اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم وصالحيهم، فاتخذت المساجد على القبور، وبنيت الأضرحة على القبور، وصار يطاف بها من دون الله، يطاف بها كما يطاف ببيت الله، وتعبد وتطلب الحوائج من هؤلاء الصالحين كما تطلب من الله -جل وعلا-، بل بعضهم لا يطلب من الله شيئاً، وإنما يطلب من هذا المقبور الذي لا يملك لنفسه نفعاً، ولا يدفع عنها ضراً، فكيف ينفع غيره؟! وجدت الأبنية والاضرحة في كثير من أقطار المسلمين، وصاروا يلوذون بها، ويلجأون إلى هؤلاء المقبورين في الملمات. يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر الجزء: 42 ¦ الصفحة: 17 نسأل الله العافية، ومع الأسف أن شخص ينتسب إلى الحديث وعلم الحديث يؤلف في الأبنية والأضرحة على القبور، ويتساءل في مقدمة كتابه: هل البناء -بناء الأضرحة على القبور- سنة شرعية متبعة أو بدعة محرمة؟ ويسترسل ويقرر أنها سنة تتابع عليها المسلمون من أقدم العصور، وتوارثوها، وبنوا على قبور الصالحين، وبنوا على قبره -عليه الصلاة والسلام-، وعلى قبر غيره، حتى جاء من جاء من القرنيين يقصد بذلك دعوة الإمام المجدد ومن يقول بها، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن تبعه من أئمة الدعوة، فأساءوا وهدموا القباب والقبور واعتدوا، يقول: أما بلادهم فليس فيها من يستحق أن يبنى عليه، يقول هذا! وهذا ينتسب إلى السنة والحديث، ولا مانع أن يذكر اسمه؛ لأنه في كتاب مطبوع ومنشور، يعني أحمد بن الصديق الغماري ألف في المشاهد وذكر هذا الكلام، يعني قبور تعبد ويطاف بها، تعبد من دون الله، ويتساءل هل هي مشروعة وإلا محرمة؟ إذا كان الشرك الأكبر متردد في فاعله هل هو محرم وإلا لا فماذا بقي؟ في كشمير ضريح من أكبر الأضرحة في العالم اسمه: ضريح الشعرة، فيه شعرة تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، وتجرى من تحته الأنهار، يعني سواقي تمشي من تحته، ويباع الماء الذي يمر من تحت الضريح، والغبار الذي يجتمع حوله، يباع كما يباع الطيب، وأي شرك أعظم من هذا، ومن أراد أن ينظر إلى وقوع الشرك في هذه الأمة وافتتانهم بالقبور والأضرحة فليقرأ ما كتبه الرحالون لا سيما ابن بطوطة، يقرأ ليحمد الله -جل وعلا- على هذه النعمة نعمة التوحيد، يعني ما يمر ببلد إلا ويذهب إلى ما فيه من أضرحة ويتمرغ فيها، ويسأل الشفاء، ويسأل العفو والمغفرة -نسأل الله السلامة والعافية-. المقصود أن هذه من أعظم الفتن وأعظم البلايا والرزايا؛ لأنه لا ذنب أعظم من الشرك، وسببه ما سمعتم، الغلو في الصالحين والأبنية على قبورهم والأضرحة، فضلاً عن الأنبياء الذين بنى عليهم اليهود والنصارى ما بنوا وغلوا فيهم، حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله، والله المستعان. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 18 قال: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-" قال: كذا رواه البخاري، وروى مسلم بنحوه" ابن عمر شاب أعزب، يعني لم يتزوج لا أهل له، يعني لا زوجة له، والأهل الزوجة، كان ينام في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي هذا دليل على جواز النوم في المسجد، ونام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لما حصل بينه وبين فاطمة ما حصل نام في المسجد، وعلق به شيء من التراب، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: قم أبا تراب، قم أبا تراب، فالنوم في المسجد مباح، ما لم يخش تلويث المسجد، إذا عرف الإنسان أنه لا يتصرف في نفسه إذا نام ويغلب على ظنه أنه يلوث المسجد لا يجوز له أن ينام في المسجد؛ لأن بعض الناس قد يكبر ويبلغ مبلغ الرجال، وهو يبول على نفسه، فمثل هذا إذا كان يغلب على ظنه أنه يلوث المسجد لا يجوز له أن ينام، ما عدا ذلك فلا مانع على أن يستتر، وسواء كان ذلك ذكراً أو أنثى، ما لم تخش فتنة، وسيأتي في حديث الوليدة أنها كانت تنام في المسجد، اتخذت خباءً تنام فيه في المسجد. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 19 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً قبل نجد" جهة نجد "فجاءت" هذه الخيل "برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال" وهو سيد من سادات بني حنيفة، جاءوا به "فربطوه بسارية من سواري المسجد" والمؤلف حينما أورد هذا الخبر يريد أن يستدل به على جواز دخول وإدخال المشرك للمسجد للحاجة، فهذا رُبط لحاجة، رُبط للمصلحة المترتبة على مشاهدته للمسلمين في صلاتهم، في تعاملهم، من مصلحة الدعوة، ولذا آل أمره إلى أن أسلم، فهذا قول لأهل العلم بجواز دخول المشرك المسجد للحاجة، ومنهم من يقول: لا يجوز للمشرك مطلقاً أن يدخل المسجد لا لحاجة ولا لغيرها، ومنهم من يستثني المسجد الحرام ويجيزه فيما عداه، إذا كان هنا مهندس أو بناء لا يقوم غيره مقامه يريد أن يصلح شيئاً في المسجد وهو ليس بمسلم، إذا دعت الحاجة إلى ذلك فالمرجح جواز دخوله، وإذا لم تدعُ الحاجة إلى ذلك فهو نجس {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة] ومنهم من يخص عدم الجواز بالمسجد الحرام فقط، وما عداه يجوز. كثيراً ما نشاهد بعض السواقين سواقي الأسر يكون المسجد بجواره مدرسة، فإذا جاء للولد إلى هذه المدرسة ليوصل الولد من المدرسة إلى أهله وكان في وقت، والجو أحياناً لا يساعد أن يجلس خارج المسجد يدخل في المسجد، هذه حاجة، لكن هذه حاجة له، فإذا رجي إسلامه لا مانع من أن يمكن من الدخول في المسجد والبقاء في المسجد، لكن إذا لم يرجَ إسلامه، أو عُرف بشيء من المعاندة والإصرار مثل هذا لا يمكن من الدخول في المسجد. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 20 "فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-" خرج عليه في اليوم الأول والثاني، ويسأله عن حاله، ثم في اليوم الثالث قال: ((أطلقوا ثمامة)) "فانطلق" لما أطلقوه "إلى نخل قريب من المسجد" انطلق ثمامة إلى نخل قريب من المسجد "فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" هذه المعاملة أثرت فيه، وثلاثة أيام وهو ينظر إلى المسلمين في صلاتهم في تعاملهم، وبعض الدعاة قد يسلك هذا المسلك، يأتي ببعض الوافدين من غير المسلمين ويدخلهم المساجد ويطلعهم عليها، وعلى صنيع المسلمين، ولا شك أن اجتماع المسلمين على هيئة واحدة، وعلى إمام واحد، وانضباط وخشوع لا شك أنه يؤثر في النفوس، كثير ممن يدعى يعتنق الإسلام، ومن هنا أسلم ثمامة، وشهد أن لا إله إلا الله لحسن المعاملة، وهذه مسألة يسأل عنها كثير في التعامل مع من يحتاج إلى دعوته من المبتدعة ومن غير المسلمين كيف يتعامل معهم؟ هل يتعامل معهم بالرفق واللين والصلة والبشاشة أو يتعامل معهم على ما هو الأصل من الهجر؟ لا بد أن تقدر مصلحة الدعوة، فإذا رجي إسلامه لا مانع من أن يتعامل معه بالرفق واللين، حتى يدخل الإيمان في قلبه، مثل ما حصل لثمامة، وإذا كان الشخص ميئوساً منه فيهجر؛ لئلا يؤثر في غيره إذا كان لا يتأثر فقد يؤثر في غيره. "فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" متفق عليه". الجزء: 42 ¦ الصفحة: 21 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب -أمير المؤمنين- مر بحسان بن ثابت" شاعر النبي -عليه الصلاة والسلام- "وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه عمر" عمر عنده حزم وعزم وقوة في الحق، لحظ إليه، نظر إليه نظرة إنكار، ففهم حسان أنه ينكر عليه "فقال: قد كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك" يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجيب، وأمره أن يهجو الكفار، فكان ينشد في المسجد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: "كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك" ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله" يعني اسأل بالله "أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس))؟ قال: نعم" متفق عليه". فالنشيد هو أداء الشعر على طريقة معينة مع رفع الصوت فيه، والشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، لا يمنع بإطلاق ولا يباح بإطلاق كسائر الكلام، فإذا كان لفظه مباحاً ولم تصحبه آلة، وأدي بلحون العرب، يعني الذي أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على نفس الطريقة طريقة العرب، لا بلحون الأعاجم وأهل الفسق فإنه يجوز، وقد أُنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان لفظه غير مباح كالغزل والهجاء والفخر وما أشبه ذلك فإنه يُمنع من أجل لفظه، كما يُمنع الكلام النثر إذا صحبته آلة منع من أجل الآلة، إذا أدي بلحون أهل الفسق ولحون الأعاجم منع للتشبه، وما عدا ذلك مباح، ومع ذلك لا يكثر منه، لا يكثر من الشعر بحيث يكون هو الغالب على الإنسان، وجاء في الحديث الصحيح: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه)) يعني يمتلئ امتلاءً بحيث لا يستوعب شيئاً غيره ((خير له من أن يمتلئ شعراً)) لأنه إذا امتلأ الجوف شعراً ماذا بقي للكتاب والسنة والعلم الشرعي المقرب إلى الله -جل وعلا-، فالمقصود به إذا كان بحيث لا يستوعب غيره. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 22 أما وجود الشعر فالشعر ديوان العرب، يفسر به الغريب من الكتاب والسنة، كما كان ابن عباس يفعل، والعلماء يستدلون به ويستشهدون به في شرح الغريب، وفي تقرير القواعد، قد يقول قائل: إنه مر بنا في الشواهد الشعرية أبيات غزلية وأبيات فيها شيء من الممنوع، لكنها لتقرير قاعدة، أو لبيان غريب، إنما تقصد لهذه الكلمة الغريبة، ما قصد البيت من أجل ما فيه من غزل أو فخر أو هجاء، إنما قصد من أجل هذه الكلمة والشعر يحفظ العلم، ولذا يستدلون بأبيات الشعر على تقرير القواعد، كتاب سيبويه مملوء من الشواهد، شروح الألفية مملوءة من الشواهد، شروح الكافية فيها شواهد، كل كتب العربية فيها شواهد، لكن يشكل على هذا أنها أحياناً تقرأ في مسجد، واللفظ ليس بمناسب أن يقرأ في المسجد، وقد تمر هذه الأبيات في كتب التفسير، يعني في تفسير ابن كثير وفي غيره من التفاسير ما ينسب لابن عباس في تفسير الرفث ذكر بيت شعر منسوب لابن عباس: وهن يمشين بنا هميساً ... . . . . . . . . . ... البيت، ما يحتاج نقوله، وهو في تفسير ابن كثير وغير تفسير ابن كثير، وموجود في كتب اللغة، وقد يقرأ في مسجد، إنما يقصد مثل هذا الإيراد من أجل تقرير كلمة غريبة يشرح بها ما جاء في الكتاب أو في السنة، وقد يورد من أجل تقرير قاعدة في علم من العلوم، وكما قالوا: الشعر ديوان العرب. فينظر إلى رجحان المصلحة على المفسدة، وإلا المعلقات فيها فخر، ويورد منها ما يحتاج إليه في كتب التفسير وفي غيرها، وغيرها من الأشعار، فهذه الأشعار يعني في وقت السعة حينما نريد أن نختار لا أن نقرأ شيئاً ألزمنا به؛ لأنه أحياناً الإنسان قد يلزم بقراءة شيء لرجحان المصلحة مثل هذا يتجاوز فيه لمصلحة راجحة، لكن في حال الاختيار أن تريد أن تحفظ أبيات شعر إما تتسلى بها، أو من أجل أن تتطارح بها غيرك، أو لأمر من الأمور، لا يجوز لك أن تحفظ شيئاً فيه محظور. "ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس))؟ قال: نعم". الجزء: 42 ¦ الصفحة: 23 طيب كثير من العلوم نظمت في قصائد، وما من فن من الفنون إلا وفيه منظومات منها المختصرات، ومنها المتوسطات، ومنها المطولات، فنظم أهل العلم العلوم في شعر؛ لأنه أرسخ في الذهن، النثر قد يحفظ ثم ينسى، لكن الشعر يثبت في الذهن، فنظموا في جميع العلوم، نظموا في العقائد، نظموا في غريب القرآن، نظموا في غريب الحديث، نظموا في الفقه، نظموا في العلوم كلها، وتتابع العلماء على ذلك، وصاروا يحفظون ويقرءون ويقرئون هذه المنظومات من غير نكير في المساجد، ولا إشكال في هذا، لكن الشيء الذي لا يرتضى أن ينظم الحديث، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ليس بشاعر {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} [(69) سورة يس] ثم آتي إلى كتاب في الحديث محض وأنظمه شعراً! يعني كما نظم بلوغ المرام، يعني هل من المناسب أن ينظم الحديث؟ متن حديثي كله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... إلى آخره، ثم يأتي من يحوله إلى شعر، هذا في تقديري غير مناسب وغير لائق، وهو موجود يعني نظم بلوغ المرام من أكثر من شخص في منظومة للصنعاني نظم بلوغ المرام ومطبوعة ومتداولة، ونظمه بعض المعاصرين، المقصود أن مثل هذا يعني نظمنا الفقه، نظمنا العقائد مسائل، ما نظمنا أدلة، نظمنا مسائل، ولو أشير إلى الدليل من باب الاقتباس، هذا أمره أسهل من أن يقصد الدليل أصالة بالنظم، يعني نحول القرآن إلى شعر أو نحول السنة إلى شعر هذا في تقديري غير مناسب، وإن استساغه بعضهم. أما أن يقتبس من القرآن في ضمن كلام طويل هذا لا يضر، فالاقتباس معروف عند أهل العلم. درس الغد -إن شاء الله- من بعد الصلاة مباشرة، نصلي هنا العشاء ونشرع بالدرس بعد السلام بخمس دقائق بعد الأذكار وأداء الراتبة نشرع مباشرة -إن شاء الله-. الصلاة النافلة والسنن هل الإتيان بها في المسجد الحرام أو في البيت؟ لا، في البيت أفضل ((صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)). أين يكون الصف الأول بالنسبة للمسجد الحرام؟ هو الذي يلي الإمام وما حاذاه من جميع الجهات، وأما الصفوف المتقدمة عليه فهي صفوف حاجة، إنما الصف الذي يلي الإمام هو الصف الأول. هل يجوز حجز مكان في المسجد الحرام لي أو لأحد من الإخوة؟ الجزء: 42 ¦ الصفحة: 24 إن كان داخل المسجد أو قام من هذا المكان ليعود إليه قريباً فلا مانع، أما إذا كان خارج المسجد فالذي يدخل المسجد قبله أحق به، وجاء بالنسبة للمسجد الحرام على وجه الخصوص {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [(25) سورة الحج] يستوي فيه العاكف المقيم في المسجد والبادي الذي جاء من البادية ليصلي فرض أو فرضين سواء، ثم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج]. يقول: أريد توضيح كيفية صلاة الخوف في المغرب والفجر؟ على كل حال صلاة الفجر ما فيها إشكال يصلي بالطائفة الأولى الركعة الأولى وبالطائفة الثانية الركعة الثانية، وبالنسبة لصلاة المغرب قالوا: إذا جلس للتشهد الأول تتم الطائفة الأولى، ثم بعد ذلك تأتي الطائفة الثانية تصلي معه الركعة الثالثة، ثم إما أن ينتظرهم ثم يسلم بهم وهذا هو الأصل، كما جاء في بعض الصور أو يسلم ثم يقضون ما فاتهم، أما كونه ينتظرهم ليسلم بهم كما كبر تكبيرة الإحرام بالطائفة الأولى لا شك أن هذا هو المطابق. ذكرنا في درس الأمس أنه لا يكن العدل في صلاة المغرب، لا يمكن أن يصلي بهم ركعة ونصف، يمكن أن يصلي بطائفة ركعة ونصف وبالثانية ركعة ونصف؟ لا يمكن. يقول: هل تصلى الخوف في حق المحاصرين؟ المحاصر إذا كان في مكان لازمه، ويستوي فيه انشغل بصلاة أو بغيرها فإنه يصلي الصلاة على هيئتها مع مراقبة العدو، ومع حمل السلاح، أما إذا كان في مكان يعني ممكن أن يختفي فيه عن أنظار العدو فيصلي الصلاة على هيئتها، أما إذا كان يستطيع العدو أن يناله بسوء أثناء صلاته إما بنفسه أو بآلته فإن هذا مقاتل. يقول: تجب الجماعة في حال الحصار؟ بقدر الإمكان، إذا استطاعوا أن يصلوا جماعة فهذا هو الأصل، وإن لم يستطيعوا بحيث يخاف الإنسان أن يخرج من بيته ليؤدي الصلاة مع غيره فهذا معذور. هذا يقول: هل قبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الحرم؟ الجزء: 42 ¦ الصفحة: 25 كان القبر قبل سنة ثمان وثمانين في عهد الوليد بن عبد الملك في بيت عائشة خارج الحرم، ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع الحرم فأدخل الحُجَر ومنها حجرة عائشة فدخل في المسجد، ومع ذلك لم يوافق عليه إلا أنه خشية الفتنة وإثارة الناس بعد المعارضة الأولى للوليد تتابع الناس على الصلاة في المسجد، ويبقى أن إخراجه هو الأصل، وإعادته على ما كان عليه إلا أنه إذا كانت المفسدة كما قدرها أهل العلم مفسدة عظيمة تثير المسلمين في بقاع الأرض فإنهم تتابعوا على بقائه، والصلاة في المسجد وإن كان القبر داخله، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . عندنا نعم بدون الواو في بعض الألفاظ فيها ... الجزء: 42 ¦ الصفحة: 26 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (43) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا سؤال متعلق ببناء المساجد يقول: هل يلزم بناء ملحقات المسجد من دورات المياه، وسكن الإمام والمؤذن حيث طُلب مني ذلك عند بناء أحد المساجد؟ الجزء: 43 ¦ الصفحة: 1 الأجر المرتب في الحديث إنما هو مرتب على بناء المسجد، وما عدا ذلك فأجره زائد، قدر زائد على ما جاء في الخبر، وكون الجهات يلزمون ببناء بيوت للإمام والمؤذن ودورات ومرافق هذا شيء مرده إلى المصلحة، وأن المسجد إذا تبرع به متبرع، وبناه من غير مرافق قد لا يقبله أحد في الإمامة والمأذنة؛ لأن أمور الإسكان من أشق ما يعاني منه الناس في العصر الحاضر، من أشد ما يعاني منه الناس في العصر الحاضر أمر السكن، ولوحظ أن بعض المساجد التي ليس فيها سكن للإمام ولا للمؤذن لا يقبل عليها الناس، ويزعمون أنهم معذورون في ذلك؛ لأنه إن سكن بعيداً عن المسجد أخل بالإمامة وأخل بالمأذنة، وقد لا يجد بيتاً قريباً من المسجد مناسباً بأجرة يستطيعها، ولو تعاون الناس على مثل هذا فتركوا المجال لمن أراد أن يبني المسجد ويحصل على هذا الأجر، وترك الناس يشاركونه في بناء المسجد إذا كان لا يستطيع بناءه كاملاً، وترك فرصة لمن أراد أن يساهم في بناء مرافق المسجد، وتعاونوا على ذلك، ولا شك أن هذا من المأمور به، من التعاون على البر والتقوى، لكن كون الجهات لا يوافقون على بناء مسجد من قبل متبرع إلا إذا التزم ببناء بيت للإمام والمؤذن هذا فيه صد عن بناء المساجد من قبل المتبرعين، وإذا كانت الجهات ملتزمة ببناء المساجد والأمر كذلك الوزارة ملتزمة وتبني، والمساجد عندنا -ولله الحمد- فيها وفرة، لكن مع ذلك إذا رأت أن الشخص المتبرع لا يستطيع تكاليف المسجد ومرافق المسجد فلتعينه على ذلك، تتحمل عنه بناء البيوت والدورات، ويقوم ببناء المسجد ليحصل له الأجر، وبيت المال لن يضيق بمثل هذه الأمور، لكن على أن تقدر الأمور بقدرها، لا يعمر المسجد أكثر من الحاجة بكثير؛ لأنه لوحظ أن بعض المساجد يبنى أضعاف أضعاف ما يحتاج إليه من النفقات ومن المساحة والقدر الزائد من الترف والزخرفة، وسيأتي ما يتعلق بزخرفة المساجد، يعني نجد في قرية مثلاً لو اجتمع أهل القرية كلهم في المسجد لاستوعبهم، وبقي منه بقية، رأيت مسجد في بلد أجزم بأن الجماعة الذين يصلون فيه يمكن يستوعبهم المحراب، شيء لا يخطر على البال، يعني حجمه لو قيل: إنه ثالث مسجد في البلد في المملكة ما هو ببعيد، في قرية الجزء: 43 ¦ الصفحة: 2 لا يتجاوز عددها يمكن خمسة آلاف أو ستة آلاف سكانها، لا داعي لمثل هذا الإٍسراف أبداً. رأيت مسجد وأطلعني عليه من أشرف على عمارته فذكر عن التكييف مبالغ تعمر عشرة جوامع، التكييف فقط، قريب من خمسة ملايين التكييف، يعني هذا لا داعي له ألبتة، هذا التكييف فقط يعمر مائة مسجد في بلد من البلدان المحتاجة لهذه المساجد، لا شك أن الأجر عظيم، لكن يبقى أن المسألة الإسراف والتبذير أيضاً حتى في هذا الباب، يعني يقول أهل العلم: إنه لا سرف في الخير، ولا خير في الإسراف، لكن الأمور تقدر بقدرها، يعني اعمر مسجد يحتاجه الناس بأي مبلغ كان لكن بقدر الحاجة، فعلى الإنسان أن يتقي الله، ولا غرو ولا غرابة في أن نجد مساجد مزخرفة أشرف على عمارتها أناس من أهل الخير والبذل والإحسان والثراء، لكنهم لم يكونوا من أهل العلم، ويظنون أنهم يحسنون في مثل هذا، لكن الإشكال فيما إذا أشرف على بناء المسجد شخص ممن ينتسب إلى العلم، وظهر بالمظهر الذي جاء النهي عنه، يعني من الغرائب أن أكثر الفرشات تجدها حمراء مخططة بالأصفر، وعمر يقول: "إياكم أن تحمروا أو تصفروا" يعني -سبحان الله- حتى مساجد يصلي فيها علماء كبار يغفلون عن مثل هذه الأمور، فضلاً عن النقوش والترف والأشياء والكتابات على الجدران التي تشغل المصلين، فيهتم لهذا الأمر، والقدر الزائد من المبالغ على قدر الحاجة تصرف في مساجد أخرى، وكم من بلد من بلدان المسلمين يحتاج إلى مثل هذه المساجد، يعني يصلون في العراء، حكوماتهم لم تلتزم ببناء المساجد، والأفراد دخولهم ما تمكنهم من أن يوفروا لبناء مسجد، بلدان فقيرة، فإذا من الله على الإنسان بشيء من المال فليكن كسبه من حلال، وليكن مصرفه حلالاً. يقول: ما حكم اتخاذ السترة للمصلي؟ هل هي على الوجوب أم على الاستحباب مع التفصيل؟ جاء الأمر بالسترة: ((فليستتر أحدكم ولو بسهم)) وهذا الأمر محمول على الاستحباب عند جماهير أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، يقول ابن عباس: يعني إلى غير سترة. يقول: إذا لم يوجد من يخطب الناس في الجمعة فهل تصلى ظهراً؟ وما منزلة الخطبة من صلاة الجمعة؟ الجزء: 43 ¦ الصفحة: 3 الخطبة شرط لصحة الجمعة، فإذا لم يوجد من يخطب يصلونها ظهراً، ومع الأسف بالمناسبة أنه قد يوجد من يستطيع ويصلى في بعض الأحيان -وإن كانت نادرة- تصلى الصلاة ظهراً مع أن في المسجد أعداد من طلاب العلم قد يصل العدد إلى عشرة من خريجي الكليات الشرعية، بل فيهم وقد وقع من هو أستاذ في كلية شرعية في تخصص شرعي، وصلوا ظهراً، نعم قد يشق على الإنسان أن يخطب إذا لم يتعلم ويتعود الخطابة ويجبن عن مواجهة الناس في مثل هذا المقام، وقد يخطب ويحصل له ما يحصل من الوجل، ثم يخل بشيء من أركان الخطبة وشروطها، وهذا كله خلل، لا بد أن يتجاوزه طالب العلم، لا بد أن يتجاوزه طالب العلم، واحد من المشايخ يقول: لا أذكر أني دخلت مسجداً لصلاة الجمعة إلا والخطبة في جيبي، يعني ما كل الناس يتمكن من الخطبة إلقاء، يقول: ما أذكر أني صليت جمعة في مسجد إلا الخطبة في جيبي؛ لماذا؟ لأنه أحرج في مرة من المرات في أن يخطب لتخلف الخطيب، فإذا به الأمر عليه شاق؛ لأنه لم يتعود ذلك، وقد يكون الإنسان معلم ناجح، لكنه ليس بخطيب، وقد يكون خطيباً لكنه لا يستطيع التعليم، وقد يكون مؤلفاً ولا يكون معلماً والعكس، فالمسالة مسألة قدرات ومواهب، لكن على الإنسان أن يحسب حساب لمثل هذه المفاجئات. وما زلنا في أحكام المساجد في كتاب المحرر. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني عن صحابي الحديث السابق وهو أبو هريرة "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)) " ينشد: يعني يسأل ويرفع صوته في السؤال عنها، الضالة التي ذهبت فلم يدرِ أين توجهت؟ أو غابت عن نظره ولو كانت قريبة منه، فيسأل عنها، هذا في المساجد لا يجوز، بل إذا نشدها وسأل عنها فإنه يقال له معاملة له بنقيض قصده: لا ردها الله عليك؛ لأنه حينما نشدها إنما ينشد ردها إليه، فيقال له: لا ردها الله عليك. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 4 الضالة في الأصل تشمل جميع ما يفقد، ولكنهم خصوها بالدواب التي يمكن أن تذهب عن صاحبها وتضل، أما المفقودات من الجمادات فإنها تسمى لقطة، لكن تسميتها لقطة بالنسبة لواجدها وملتقطها، أما بالنسبة لصاحبها فقد ضلت عنه، وخفيت عليه، فالذي يظهر أن اللفظ شامل لكل مفقود، إلا أنهم خصوا بعض الأشياء بأسماء ببعض أفرادها تخصيصاً عرفياً، فجعلوا الضالة للدواب، وجعلوا المفقود لبني آدم، وجعلوا اللقطة لغيرها من الأموال، وهناك أيضاً اللقيط وهو ما يلتقط هذا ليس بمفقود، إنما وضع عن قصد، فآخذه ملتقط، وهو لقيط، فعيل بمعنى مفعول يعني ملقوط، واللقطة ما يوجد من الأموال مما لا يعرف صاحبه، ولها أحكام سنأتي عليها في بابها -إن شاء الله تعالى-. ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك)) رجلاً، يعني لو سمعت امرأة ما تقول؟ الحكم واحد، لكن بناءً على أن الغالب غالب من يرتاد المساجد، وغالب من يرفع صوته إنما هم الرجال، من رأى كذا، من وجد كذا، هذا في الغالب في الرجال، لكن لو قدر أن الضالة طفل، وجاء أبوه أو أمه تبحث عنه، هل نقول: لا رده الله عليكِ فإن المساجد لم تبنَ لهذا؟ يمكن نقول؟ أحضرت ولدها أو أحضر ولده أو ابنته إلى المسجد الحرام، ثم بعد ذلك لما التفت إذا به ليس حوله، يميناً شمالاً قام وجرى يميناً وشمالاً ومع الجهات ما وجده، فإذا قال: من رأى الولد أو من وجد الولد أو البنت؟ هل نقول: لا رده الله عليك؟ نعم؟ طالب: ظاهر النص يعني يقال؟ لكن هل الولد يقال له: ضالة؟ طالب: مفقود. إيه مفقود، هو مفقود، لكن ليس بضالة، الضالة من الدواب. طالب: أليس هو مما يدب على الأرض لأن البشر يمشي على الأرض؟ إيه لكن ما يقال له: دابة، باعتبار أنه ضل، ضل الطريق يقال له: ضال، ومن الرواة معاوية ابن؟ طالب:. . . . . . . . . لا، يقال له: الضال، معاوية ابن إيش؟ طالب:. . . . . . . . . إيه أبوه ويش اسمه؟ أعرف أنه الضال؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 43 ¦ الصفحة: 5 أظن اسمه على اسمي، معاوية بن عبد الكريم الضال، وهو ليس ضلال فكر، لا، إنما هو ضل في طريق مكة، فقيل له: الضال، وهذا من الألقاب التي لا تطابق حال الملقب، مثل الضعيف ومثل الطويل، الطويل ليس بطويل بائن، وإنما هو متوسط في مقابل حُميد الثاني القصير، فمعاوية هذا الضال مثله لو أن واحداً فقط ابنه في المسجد الحرام يقال له: ضال، وينشده يبحث عنه، من رأى الولد، من رأى البنت، ضال، بمعنى أنه ضل المكان الذي وجد فيه أبوه، فهل يجوز أن ينشده؟ عموم الحديث يتناوله، لكن هل مثل هذا على عظم المصيبة فيه يدخل فيه مثل هذا؟ يعني أمور الدنيا لا يجوز مزاولتها في المساجد؛ لأنها لم تبنَ لهذا، فلعل المراد بنشدان السلع .. ، أنت وضعت كتابك في الحلقة حلقة الدرس ورحت تبي تجدد الوضوء يوم جيت ما وجدته، جاء واحد من الإخوان مؤخره عن مكانه وجلس فيه، تقول: من رأى الكتاب؟ من شاف الكتاب؟ وإلا ما تقوله بناءً على هذا الحديث: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة))؟ أو المقصود بالحديث ما يتعلق بأمور الدنيا؟ يعني إذا جيت ما وجدت الكتاب في مكانه وقد يكون عن مترين أو ثلاثة عن مكانه اختفى بين الطلاب الجالسين، ما تسأل عنه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ لأنه ليس من أمور الدنيا، مما يعني على أمر الآخرة، والمساجد بنيت من أجل ما يعين على أمر الآخرة. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 6 ((لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنَ لهذا)) طيب أقيمت الصلاة وفقد المحرم رداءه، وقد أمر بستر منكبه يسأل عن هذا الرداء وإلا ما يسأل؟ من أجل أن يستر المنكب، لا من أجل أنه مال يخشى أن .. ؛ لئلا يذهب فيشتري غيره يسأل وإلا ما يسأل؟ من أجل إيش؟ لأنه يعين على أمر من أمور الآخرة وهو الصلاة، طيب المساجد لم تبنَ لهذا إنما بنيت لذكر الله وإقام الصلاة وذكر الله، ومضى شيء مما كان يزاول في المساجد من تعليم وإفتاء وقضاء، كل هذه كانت تزاول في المسجد إلى وقت قريب، العلماء يقضون في المسجد، ويفتون في المسجد، وينظمون أمور الدين في المسجد، وكان المسجد منطلقاً لكل أمر من أمور المسلمين حتى أن بعث السرايا والجيوش وعقد الألوية إنما يكون في المسجد، يأتي بعض الأعمال التي لا يجوز مزاولتها في المسجد، الآن المسجد لا يؤدي الرسالة كاملة التي كانت تؤدى فيها قبل، أحياناً بعض المساجد أو جميع المساجد تغلق بعد الصلاة، من أراد أن يجلس في المسجد ليقرأ أو يذكر أو يصلي أو ينتظر ارتفاع الشمس قد يُخرج من المسجد؛ لأن هناك أمر يقضي بإغلاق المساجد بعد الصلوات، ويعاني بعض من اعتاد الجلوس في المساجد بعد صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس يعاني في بعض البلدان، يعني في بلده في مسجده الأمر معتاد ومعروف ويجلس، لكن في غير بلده، يعني مراراً نتعرض إلى بعض الإحراجات من خدم المساجد، هم مؤتمنون ومأمورون بإغلاق المساجد، ولا شك أن هذا خلاف ما جاء به الشرع من الحث على البقاء والمكث في المسجد إلى أن تنتشر الشمس، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، لكن يبقى أن هذا النظام وهذا الأمر مبني على مصالح ودرء مفاسد، ووجد من يتسبب لمثل هذا الأمر، أسيء إلى المساجد، أسيء إلى المصاحف، سُرقت بعض محتويات المساجد، كُتب على حيطان المساجد كتابات بذيئة قبيحة شنيعة، مما جعل المسئولين عن المساجد يصدرون مثل هذا الأمر، فهذا الأمر له ما يبرره، فلا يلامون إذا فعلوا مثل هذا، لكن ينبغي أن يُنزل الناس منازلهم، وينبغي أن يولى أمور المساجد من يحسن التعامل مع الناس، يعني واحد من طلاب العلم جلس بعد صلاة الجمعة يقرأ في المسجد، فجاءه العامل فما امتثل، فجاء له الجزء: 43 ¦ الصفحة: 7 بشرطي وأخرجه من المسجد، وعامل المسجد من شرق آسيا لا يحسن من العربية شيء، يتعرض لشيخ يُخرجه بالقوة من المسجد؛ لماذا؟ لأن عنده أمر، وهو مؤتمن على هذا، لكن يبقى أن الذي أصدر الأمر لا بد أن يوجد مخارج لمثل هذه التصرفات، يعني إذا وجد إنسان بالفعل يعني جالس يتعبد هذا ما يمكن أن يخرج من المسجد، ولا بد أن يوجد للأبواب أغلاق يمكن أن تقفل من الداخل ومن الخارج، ويكون المسجد على مسئولية هذا الشخص الذي أراد أن يجلس، أو يجعل العامل أيضاً من وظيفته أن يحرس مثل هذا الداخل في المسجد أثناء بقاء مثل هذا، يعني يكون فيه فسحة، يقال: بعد صلاة الصبح انتظر ساعة حتى تنتشر الشمس، الآن وفي المسجد الحرام إذا بدأ الناس يقرءون ويذكرون الله وقبل أن تطلع الشمس يجيك من يضف الفرشات، طيب انتظر ساعة إلى أن يخرج الناس، ويش المانع؟ العامل ويش له من الشغل غير هذا؟ ينتظر زيادة ساعة، بدل ما تضف الساعة سبع، والسنة انتشار الشمس سبع وربع ينتظر إلى ثمان، المسألة مسألة دوام، وهو مربوط منوط بهذا العمل، لكن كثير من عمال المساجد يريد أن يتخلص من المسجد، يغلق المسجد وأنوار المسجد يروح يذهب يغسل سيارات، فالأمور لا بد أن تدرس من جميع الجهات، يعني الأمر له ما يبرره، الأمر بإغلاق المساجد له ما يبرره، ووجد تصرفات إساءة إلى المسجد، إساءة إلى القرآن، إساءة إلى الذات الإلهية، كتب في محراب المسجد أشياء، ووضع فيه أشياء، ووضع في المصاحف نجاسات، هذه تبرر الأمر بإغلاق المساجد، لكن يبقى أن الأمور تقدر بقدرها، يعني يأتي شخص عُرف من عادته أنه يجلس يومياً إلى أن تنتشر الشمس ثم يُخرج! هذا ليس له ما يبرره، لكن لا بد أن يوجد وسيلة تحفظ المسجد، وتحفظ لهذا أيضاً ما كان مراعياً له ومحافظاً عليه. قال -رحمه الله-: "وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً مرسلاً". الجزء: 43 ¦ الصفحة: 8 "وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد" يعني رفع صوته، أصل النشيد رفع الصوت "رفع صوته في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ " هذا هو صاحب الجمل أو الذي وجده؟ يعني من خلال العبارة "من دعا إلى الجمل الأحمر"؟ كأن هذا هو الذي وجد الجمل الأحمر، أو عنده خبر عن مكانه، أليس اللفظ يدل على هذا؟ "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) " يعني ما معنى قوله: "من دعا إلى الجمل الأحمر؟ " نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو يمكن أن تأتي العبارة متسقة إذا جعلنا واجد الجمل دعا صاحبه أين صاحب الجمل الأحمر؟ ثم جاء بعد ذلك صاحبه يعني ما سمع الكلام، إنما بُلّغ أن في واحد وجد جمل أحمر، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر بمعنى أنه وجده، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) يعني ترتيب الجمل إذا قلنا: إن صاحب الجمل الذي أضاعه وضل عنه جمله دعا إلى الجمل، أو دعا إلى معرفة مكان وجوده، لا بد من تقدير، أو نقول: إن الذي وجده أو وجد خبر عنه دعا صاحبه ليخبره عن مكان وجوده فأخبر صاحبه فقال: "من دعا إلى الجمل الأحمر" يعني إلى معرفة مكان وجوده؛ لأنه يعرف مكان وجوده فأنا صاحبه، على كل حال العبارة يعني ما يلزم أن تكون بلفظها، لكن هذا مفادها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يخاطب صاحب الجمل، ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) يعني من إقام الصلاة، وذكر الله، والاعتكاف، والعلم والتعليم، والذكر وما أشبه ذلك. رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً مرسلاً. طالب:. . . . . . . . . متصلاً ومرسلاً عندك؟ طالب:. . . . . . . . . وهذا أولى؛ لأنه ما يجي، تناقض الاتصال مع الإرسال تضاد، ومن .. ، إيش يقول العراقي: ومن يقابله بذي الإرسال .. ، يعني الاتصال، فقد عنا به يعني المسند، أسنده فلان، وأرسله فلان. ومن يقابله بذي الإرسالِ ... فقد عنى بذاك ذا اتصالِ الجزء: 43 ¦ الصفحة: 9 المقصود أن العبارة هنا: "ورواه النسائي متصلاً مرسلاً" فيه شيء من التضاد وإلا إذا قيل: متصلاً ومرسلاً، يعني رواه من طريقين طريق متصل وطريق مرسل هذا ما فيه إشكال، وعلى كل حال الحديث في صحيح مسلم، ولا كلام. قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع)) ". أولاً: في الحديث السابق "إلى الجمل الأحمر" الجمل الأحمر ما لونه؟ هل لونه مثل الفرش أو مثل كرتون المناديل أو مثل الشماغ؟ نعم؟ يعني مثل ما قلنا في: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] لو أقسم شخص صاحب إبل منذ سبعين سنة يقول: ما رأيت جمل أصفر، ويريد بذلك الحقيقة العرفية للون ما قلنا: إن هذا مكذب للقرآن، ولو قال: أنا ما رأيت جمل أحمر بناءً على أن الأحمر مثل لون الدم، ومثل لون الفرش، ومثل لون المناديل، ما يقال: إنك عارضت ما جاء في الحديث؛ لأن هذه حقائق عرفية تتفاوت من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ولون واحد تغير خلال ثلاثين سنة تغير يمكن ثلاث أو أربع مرات، لون كان يسمى قرمزي، كنا نظنها تسمية محلية عامية فمرت بنا في تفسير القرطبي قرمزي، ثم صار بنفسجي، وواحد يقول: عنابي، وواحد يقول موف، وواحد يقول .. ، يعني المسألة الألوان عرفية، وتغيرها من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان هذا يخضع للعرف يعني ما يتعارف عليه الناس، فلو قال: أنا والله ما شفت جمل أحمر، طيب، وواحد يقول: شفت جمل بيج، يعني كبار السن يضحكون عليه، نعم لا سيما إذا كان لهم يد في الإبل ورعايتها وامتلاكها، فهنا يقول: الجمل الأحمر، وفي الآية {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] الألوان لا سيما في المواشي تختلف حقائقها عن حقائق الألوان في الأمور الأخرى، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا هو في الأصل أمر دنيوي، يستطيع أن يبيعه، ويستطيع أن يذبحه ويأكل لحمه، وهذا الأصل فيه، يعني الإفادة منه في أمور ... طارئة ما هو الأصل. يقول: بعض الطلاب في الدرس يُغلق بسيارته على رجل فيأتي صاحب السيارة للمسجد يسأل: من أغلق علي سيارته هل يقال بهذا: لا وجدت؟ الجزء: 43 ¦ الصفحة: 10 لا، لا لا، هذا لا يبحث عن السيارة، السيارة موجودة، هو لا يبحث عن السيارة إنما يبحث عن شخص أغلق عليه. طالب:. . . . . . . . . لا، لا الأمر يختلف. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) " الأول صاحب الضالة يريد أن ترد عليه ضالته، فيقال له: ((لا رد الله عليك ضالتك)) ((لا وجدت)) وهذا يريد البائع والمشتري يريدان الربح من وراء هذه السلع. ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع)) يعني يشتري ((في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) يعني دعاءً عليه بنقيض قصده؛ لأنه إنما باع أو ابتاع إنما يطلب الرزق ويطلب الربح، فيدعى عليه بنقيض قصده؛ لأنه استعمل المسجد في غير ما بني له. ((لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك)) ((لا رد الله عليك)) وفي هذا دليل على تحريم البيع والشراء وتحريم نشدان الضالة في المسجد، وإذا حصل البيع والشراء في المسجد فإن العقد صحيح وإلا باطل؟ النهي هنا يقتضي البطلان وإلا لا؟ نعم قيل به، وهو عند الحنابلة كذلك البيع غير صحيح، وغيرهم يقول: إن النهي يعود إلى أمر خارج عن ذات العقد وشرطه وركنه، فيبقى البيع صحيحاً مع التحريم، يكون العقد صحيح مع التحريم، وفي حكم البيع الإجارة وجميع عقود المعاوضات. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 11 يسأل كثيراً عن المعتكف، المعتكف قد يحتاج إلى طعام فيتصل بصاحب مطعم ويطلب منه طعاماً، معلوم أنه إنما يطلبه بالبيع، لكنه لا يتفق معه على قيمة، وإذا جاء به ومعه الفاتورة دفع الثمن، يقول: هذا بيع لا يجوز وإلا ليس ببيع؟ يعني المعاطاة أعطاه السلعة وأخذ الثمن، هذا بيع وإلا ليس ببيع؟ بيع، فماذا يصنع إذا لم يوجد من يخدمه؟ نقول: يباح له أن يخرج من المسجد وهذه حاجة أصلية تبيح له الخروج، ويتصل بصاحب المطعم ويتفق معه خارج المسجد، يبرم العقد خارج المسجد، ثم يعود إلى معتكفه، كما يجوز له أن يخرج، أن يأكل إذا منع من دخول الطعام إلى المسجد، ويجوز له أن يخرج لما لا بد منه للإنسان وهذا منه، لكن لا يبرم العقد مع المطعم داخل المسجد، ولو لم يحصل بيع وشراء واتفاق هذا معروف، بيع وشراء بالمعاطاة، لا يلزم فيه اللفظ، هو داخل في مسمى البيع. الصرف حكمه حكم البيع، إذا وجد سائل في المسجد وأردت أن تعطيه شيئاً يسيراً وجدت في جيبك مائة ريال وأنت تريد أن تعطيه عشرة، فتقول: خذ المائة وأعطني تسعين، هذا ويش يصير؟ نعم؟ لا إن قلت له: خذ المائة وأعطني مائة عشرات هذا صرف بلا إشكال، إذا أعطيته المائة الكاملة وأعطاك عشرات مائة، ثم دفعت له عشرة هذا صرف لا يجوز، لكن إذا دفعت له المائة ورد عليك القدر الزائد التسعين هذا بيع وإلا ليس ببيع؟ صرف وإلا ليس بصرف؟ هذا ليس بصرف فلا يظهر فيه ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، لكن إذا قلت: هذه مائة أعطني مائة عشرات، هذا صرف لا يجوز في المسجد. "رواه النسائي في اليوم والليلة، والترمذي وقال: حسن غريب" وعلى كل حال له طرق يثبت بمجموعها. قال -رحمه الله تعالى-: "وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع". الجزء: 43 ¦ الصفحة: 12 "وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد)) " إقامة الحدود من أعظم الواجبات الشرعية المنوطة بالإمام، وتعطيلها من عظائم الأمور، فهل تقام باعتبارها مطلباً شرعياً في المسجد أو لا؟ قال في الحديث: ((لا تقام الحدود في المساجد)) لأنه لا يؤمن من المحدود أن يلوث المسجد، وأيضاً يحصل من التصرفات في أثناء إقامة الحد ما لا يليق بالمسجد، فلا تقام فيه الحدود ((ولا يستقاد فيها)) لا في النفس ولا في الطرف، لا يقتل القاتل في المسجد لا يستقاد فيه، لا بالنفس الكاملة بقتله، ولا في الطرف في القصاص فيما دون النفس، ولا في الحدود التي تقتضي تلويثاً للمسجد كالقتل والرجم وقطع اليد وما أشبه ذلك. قد يقول قائل: في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، والحديث في الصحيحين، قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، قال: ((اقتلوه)) وإذا جاز هذا في المسجد الحرام يجوز في مثله أو لا يجوز؟ يجوز في غيره وإلا ما يجوز من المساجد؟ طالب: هذا ما هو حد؟ هاه؟ طالب: على حد؟ حد ردة إيه. طالب: هذا رجل كافر هذا. حد ردة، هو مرتد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . يعني أحلت له ساعة من نهار، يعني هو في هذه الساعة التي أحلت له كغيره من البلدان التي لم تحرم عليه، مكة حرام بحرمة الله إلى قيام الساعة، أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الساعة فصارت كغيرها من البلدان التي يجوز فيها القتال المشروع، الآن فيه معارضة بين حديثنا وبين حديث قتل النبي -عليه الصلاة والسلام- لابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة؟ طالب:. . . . . . . . . فيه تعارض وإلا ما فيه؟ طالب: فيه تعارض، وأيضاً الرسول أطلق "من وجد" ما قال: هذه الساعة التي أحلت له "من وجد" هذا مطلق، من وجد اليوم بكرة بعد بكرة. لا، لا هو في الساعة التي أبيحت له ((وإنما أحلت لي ساعة من نهار)). طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 43 ¦ الصفحة: 13 طيب لو أن محدثاً قتل وأوى إلى المسجد، واعتصم به، وأغلق الأبواب عليه، ولم يستطع الدخول عليه، ماذا يصنع به؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يهدم المسجد عليه؟ طالب:. . . . . . . . . لا، هو أغلق الأبواب ما يستطيع أحد يدخل عليه. طالب: يُضرب هو. من يضرب؟ طالب: يضرب هذا المعتصم بالمسجد. يضرب بإيش؟ طالب:. . . . . . . . . ما يمكن، مسجد مغلق، وهو جالس بالقبو، قبو المسجد. طالب:. . . . . . . . . هو يضيق عليه، يعني إقامة الحدود في مكة الخلاف فيها بين أهل العلم من يرى أن من ارتكب الحد في مكة يقام عليه في مكة، ومن ارتكب الحد خارج مكة يضيق عليه حتى يخرج، ومنهم من يقول: يضيق عليه فلا يمكن من الأكل والشرب حتى يخرج من مكة فيقام عليه الحد، لكن عندنا مسجد ليس في مكة، واعتصم به من يخشى شره، وافترض أنه جالس في المسجد بجوار نافذة ومعه آلة يصطاد بها من مر مثلاً، يترك هذا؟ ما يترك، مثل هذا ما يترك؛ لأن ضرره متعدٍ، لكن لو قدر أنه زبن المسجد وقفل عليه الأبواب وجلس ينتظر الناس ينصرفون، مثل هذا يترك يضيق عليه حتى يخرج، وإن أمكن دخول المسجد وإخراجه منه هذا هو الأصل، لكن إذا لم يمكن إلا بهدم المسجد مثلاً، إذا كان يخشى أن يتعدى شره وضرره إلى آخرين، هذا لا بد من مباغتته، لا بد من مهاجمته، ومعلوم أن إزهاق نفس عند الله أمرها عظيم، أشد من هدم الكعبة، إزهاق نفس مسلمة، فمثل هذا لا مانع من أن يقتحم المسجد ولو أدى إلى هدم جزء منه ليتمكن منه، وما عدا ذلك تحفظ حرمة المساجد عن أن تلوث أو تصاب بشيء من الأذى، أو يتصرف فيها تصرفات لا تليق بالمسجد. "رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع" وله شواهد ذكرها المخرج، وصّلها به إلى الصحيح لغيره. بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-: الجزء: 43 ¦ الصفحة: 14 "وعن مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ )) فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه" رواه أبو داود، ومبارك وثقه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ضعيف" فالخبر مضعف بمبارك بن فضالة الراوي، ووثقه ابن معين في رواية، لكن في روايات أخرى لينه. المؤلف -رحمه الله تعالى- حينما أورد هذا الحديث في هذا الباب ليبين أن الصدقة في المسجد، السؤال في المسجد، ثم الصدقة على السائل كلها مما يباح. " ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ )) فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائل" وما أكثر من يسأل في المساجد، ويشغلون المصلين عن الأذكار، مجرد ما يسلم الإمام يقوم السائل ويتكلم بكلام طويل، وبعضهم من كثرة ما سأل تعود الخطابة في هذا الباب، يتكلم بكلام طويل، ويورد نصوص وأدلة ويشغل المصلين. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 15 ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً)) لكن لو أن مسكيناً جلس عند باب المسجد لتعرف حاله، وتصدق الناس عليه، هذا لا إشكال فيه، حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم تصدقوا على السائل في المسجد، لكن لم يسأل صراحة، وإنما جلس في مكان بحيث يعرف وضعه وحاجته فيتصدق عليه، لكن من قام ليسأل، بعد أن سلم الإمام قام، وذكر أن عليه دية أو ديات، والمعلوم أن الدية على العاقلة ليست عليه، ومع ذلك يشغل المصلين عن أذكارهم، وإذا كان الذي يسأل عن حق له ضل عنه يرد عليه بـ (لا وجدت) أو (لا رد الله عليك ضالتك) فكيف بمن يسأل شيئاً ليس له في الأصل وإنما يسأل من أموال الناس؟! فرق بين هذا وهذا، وبعض الناس يغلظ على مثل هؤلاء ويمنعهم، ويشدد عليهم، وكلٌ مطالب بما يخصه من خطاب الشرع، يعني هذا السائل لا يجوز له أن يقاطع الناس ويشوش على الناس في أذكارهم، ويؤذيهم في مثل هذا، وبعض الذين قد فاتهم شيء من الصلاة يتشوش عليهم ما يريدون قضاءه من صلاتهم، وأيضاً غير هذا السائل مطالب بقوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] يعني يمكن أن يوجه ويعلم برفق، بدون نهر وبدون إغلاظ في القول إنما يوجه، يقال له: لو جلست عند الباب، لو فعلت كذا، لو انتظرت قليلاً حتى ينتهي الناس، المقصود أنه بدون نهر، ويحصل من بعض الأئمة أو من بعض المصلين وهذا من باب الغيرة لا نحسبهم إلا كذلك، لكن يبقى أن عندنا نصوص تحكم تصرفاتنا، فهذا السائل له ما يخصه، وغيره ممن أراد أن ينكر عليه أيضاً له ما يخصه. "دخلت المسجد" والحديث ضعيف كما عرفنا، مضعف بمبارك بن فضالة "فقال أبو بكر: "دخلت المسجد فإذا أنا بسائل، فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن" عبد الرحمن بن أبي بكر، كسرة خبز في المسجد وإلا في البيت؟ يعني كأنه رجع إلى بيته فوجد كسرة بين يدي عبد الرحمن فأخذها فدفعها إلى السائل؛ لأن بيت أبي بكر على المسجد، خوخته تفتح على المسجد، فهو ملاصق للمسجد، ويحتمل أن تكون هذه الكسرة أيضاً بين يدي عبد الرحمن في المسجد، المقصود أن المؤلف أورد هذا الحديث ليبين أن السؤال والصدقة على السائل في المسجد لا شيء فيه، والحديث فيه ما فيه. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 16 قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أصيب سعد" سعد بن معاذ، سيد من سادات الأنصار "أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل" وهو عرق في اليد، أصيب، قطع هذا العرق "فضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب" كأن بيت سعد بعيد عن المسجد فضرب له خيمة في المسجد؛ ليعوده النبي -عليه الصلاة والسلام- من قرب "فلم يرعهم وفي المسجد معه خيمة من بني غفار" قوم من الغفاريين "فلم يرعهم ... إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ " القوم من بني غفار في خيمتهم، في خيمة مستقلة عن خيمة سعد، فجرى الدم من عرق سعد ومضى إلى خيمة بني غفار، فكلموا من في خيمة سعد، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ دم هذا، هل هذا قتيل؟ أم ماذا؟ هذا يورث سؤال من أين هذا الدم؟ "فإذا سعد يغذ جرحه دماً" يعني يسيل جرحه دماً "فمات فيها" مات في هذه الجرحة -رضي الله عنه وأرضاه- في غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة. والمؤلف -رحمه الله تعالى- إنما ساق هذا الحديث ليبين أنه لا مانع من اتخاذ مكان خاص في المسجد للحاجة عندما تدعو إليه الحاجة، لو قال قائل: هذه الغرفة وهذه الغرفة ما الداعي ... ؟ وجودها يعني شرعي وإلا غير شرعي في المسجد؟ غرفة عن اليمين وغرفة عن الشمال، هل يجوز اتخاذ غرف أو خيام في المسجد؟ نقول: نعم للحاجة لا بأس إذا لم تضيق على المصلين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف واحتجر حجيرة، اتخذ مكان يعتكف فيه، ويخلو فيه عن الناس، فلا مانع من وجوده، وجود هذا المكان المخصص لهذا المريض، أو لهذا المعتكف، أو لهؤلاء الغرباء، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولم يضيق على المصلين؛ لأن المصلين أولى بالمسجد من غيرهم. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 17 تجدون في المساجد التي بنيت حديثاً غرف كثيرة موضوعة لاحتياجات من يقومون على المسجد، أو لاحتياجات المصلين، أو لاحتياجات طلاب العلم الذين يحضرون الدروس في المسجد، أو ما أشبه ذلك، تجد في المسجد مكتبة، وتجد فيه غرفة للاعتكاف، وتجد فيه غرفة يأوي إليها الإمام إذا جاء قبل الصلاة، وما أشبه ذلك، وغرفة مكتب إداري، وهذا موجود في بعض المساجد؛ لإدارة حلقات التحفيظ، والإشراف على الدروس وحلق العلم، كل هذه إذا دعت إليها الحاجة ولم تسبب ضيقاً أو تضييقاً على المصلين فإنها حينئذٍ لا بأس بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجر حجيرة للاعتكاف، واتخذ نساؤه الخيام والأخبية في المسجد من أجل الاعتكاف، وضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- خيمة في المسجد ليعود سعداً من قريب، وفي المسجد أيضاً خيمة لأناس غرباء من بني غفار لا مأوى لهم اتخذوا خيمة، وبعض الناس يأتي غريب يجاور في مسجد لا يتعداه، وهذا موجود في بعض الأماكن المجاورة في مسجد من مساجد، لا سيما إذا كان في هذا المسجد من يعينه على العبادة، يعينه على تحصيل العلم، يعنيه على .. ، موجود في كثير من المساجد، وهو في الحرمين أظهر. "فلم يرعهم ... إلا والدم يسيل" وقوله: "وفي المسجد معه خيمة من بني غفار" جملة معترضة "فلم يرعهم ... إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ " ما هذا الدم الذي وصلنا من قبلكم؟ "فإذا سعد يسيل جرحه دماً، فمات" فمات بسبب ذلك -رضي الله عنه وأرضاه- "متفق عليه، واللفظ لمسلم". قال -رحمه الله تعالى-: "وعنها" يعني عن عائشة "-رضي الله عنها-" صحابية أو راوية الحديث السابق "قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر -رضي الله عنه-، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعهم، أمناً بني أرفدة)) يعني من الأمن، متفق عليه، واللفظ للبخاري". الجزء: 43 ¦ الصفحة: 18 قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة" وعائشة -رضي الله عنها- حديثة السن، صغيرة، يسرها أن تنظر إلى مثل هذا، كما يصحب الإنسان أولاده الصغار وبناته، ويذهب بهم إلى أماكن الملاعب والملاهي المباحة التي لا يصل بها الحد إلى المحظور، لا سيما في أيام الفرح في الأعياد، ففي ديننا في مثل هذه الظروف فسحة ولله الحمد، فعائشة صبية حدثة السن، يسترها النبي -عليه الصلاة والسلام- لترى ولا تُرى، يعني فرق بين أن ترى وبين أن ترى، فرؤية المرأة للرجال على سبيل العموم لا على سبيل التحديد في شخص بعينه لا مانع منه، كما تنظر إليهم إذا خرجوا من المسجد، أو تنظر إلى جماعة المصلين لا مانع، لكن لا يجوز للمرأة أن تحدد في رجل بعينه، بل حينئذٍ يجب عليها أن تغض البصر عنه، فقد أمرت النساء كما أمر الرجال، أمر المؤمنات كما أمر المؤمنين بغض البصر، وفرق بين أن ينظر إلى العموم، وبين أن ينظر إلى شخص على وجه الخصوص، هي تنظر إليهم، تنظر إلى المجموع، وتنظر إليهم أثناء اللعب، ويلعبون في المسجد، وفي بعض الروايات: بالحراب، بما يعين على الجهاد، وليس هذا من باب العبث واللعب الذي لا فائدة فيه؛ لئلا يقول قائل: ما دام هؤلاء الحبشة يلعبون في المسجد؛ لماذا لا يصير المسجد ملعب للأطفال؟ الآن المسجد مغلق إذا كان المسجد بجوار مدرسة، والمدرسة ليس فيها فناء، والمسجد مغلق خمس ساعات متوالية؛ لماذا لا يلعب هؤلاء الطلاب في المسجد في حصة الرياضة؟ نقول: مثل هذا اللعب الذي في المسجد إنما هو مما يعين على الجهاد، والأمور بمقاصدها، والوسائل لها أحكام المقاصد، أما لعب وعبث لا فائدة منه ولا فيه فإن المسلم في الأصل لا يركن إليه ولا يزاوله، الأصل في حياة المسلم الجد، وأن ينشغل بتحقيق ما خلق له من الهدف العظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك ينشغل بما يعين على تحقيق الهدف، فاللعب بالحراب مما يعين على ما أمر به من جهاد، ومن باب العبودية لله -جل وعلا-، أما العبث واللهو الذي يجر إلى أمور ممنوعة محرمة تنظرون أنتم من يزاول هذه الألعاب ماذا تجر عليهم من البغضاء والشحناء، وتصد عن ذكر الله، وأحياناً عن الصلاة، الجزء: 43 ¦ الصفحة: 19 فهذه العلل الموجودة في كثير من الألعاب التي تزاول الآن هي علل تحريم الخمر والميسر، فرق بين أن يلعب الشباب أو يلعب من يريد الرياضة بألعاب تعينه على تحقيق ما خلق من أجله، وبين ألعاب تبعده عما خلق من أجله. يعني متى سمعنا شباب يلعبون في حي من الأحياء بكرة مثلاً وانتهوا من اللعب فأخذوا كتاب يتدارسونه بينهم؟ يقولون: نحن نستجم باللعب، يستجمون باللعب، هذا استجمام؟! شوف الآثار المترتبة على هذه الألعاب وانظر تعرف حكمها بدقة، ولا يستدل بمثل هذا الحديث وهم يلعبون في المسجد، وعمر على طريقته وما جبل عليه من حزم وعزم، يعني مثلما مر في إنكاره على حسان إنشاد الشعر، زجرهم عمر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((دعهم)) يعني يا عمر ((أمناً بني أرفدة)) يعني أنتم آمنون من سطوة عمر، ومما تخافونه وتخشونه من شدة عمر وقوة عمر في الحق، فاستمروا يلعبون، ويوجد الآن ألعاب في أوقات المناسبات في الأعياد في غيرها، ولا مانع منها إذا كانت في حدود المباح، لكن أن يتجاوز ذلك إلى أمور محظورة، وتصرفات يتقطع القلب لها أسى، ويقال: ليعلم يهود أن في ديننا فسحة! نحن لا نغيظ اليهود بمثل هذه التصرفات التي فيها المباح والحرام، إنما نغيظهم إذا امتثلنا ما أمرنا به، واجتنبنا عما نهينا عنه، أما أن نرتكب المحظور فإننا نفرحهم بذلك، ومن رائهم الشيطان، ومطلوب إغاظة الشيطان، وإغاظة اليهود، وإغاظة الأعداء، والشيطان لا يغيظه أن نرتكب المحرمات، كما أن من ورائه اليهود وغيرهم من طوائف الكفر لا يغيظهم أننا نرتكب محرمات، بل يفرحون بذلك؛ لأن ارتكابنا للمحرمات من أعظم ما يعينهم علينا، ويضعفنا أمامهم، يعني إذا كان اللعب بالحراب في يوم العيد ليعلم اليهود مثلاً أن في ديننا فسحة لمثل هذه التصرفات وهذا اللعب المباح، لكن لا يعني أننا نتمادى في مثل هذا حتى نتجاوز المباح إلى الحرام. قال -رحمه الله- ... الجزء: 43 ¦ الصفحة: 20 يعني المؤلف لما ساق حديث عائشة السابق ليبين أن اللعب المباح بحدود المباح لا يتجاوزه إذا كان الهدف منه الاستجمام والإعانة على الطاعة لا بأس به، لكن مع الأسف أن بعض المشرفين على الشباب يتجاوزون، وسئلنا مراراً من قبل بعض المشرفين يقول: عندنا شباب صغار يعتكفون في العشر الأواخر، ويحتاجون إلى شيء من الترويح؛ لأن الوقت كله صلاة وتهجد وقراءة قرآن وذكر، وهؤلاء الشباب الصغار ما يتحملون كل هذا، ويريدون أن يدخلوا لهم أجهزة كمبيوترات وألعاب وأشياء، لكن هل هذه مما يستعان بها على الطاعة؟ يعني إذا كانت هذه الأجهزة فيها برامج علمية مثلاً مع أن السلف في الاعتكاف بل في رمضان كله يعطلون النشاط العلمي، ويقبلون على القرآن، وبعض المشرفين يقول: هؤلاء الشباب لا بد لهم من أن يصرفوا بعض الأوقات في اللعب والمرح واللعب في المسجد ما فيه إشكال إذا كان مباح، ونحن نعينهم على الطاعة بمثل هذه التصرفات، ونجيب لهم أجهزة وكمبيوترات، وأشياء يلعبون بها، وأشياء يمتحن بعضهم بعضاً فيها، فلا شك أن مثل هذا توسع غير مرضي، وهؤلاء الشباب بالتدريج على الطاعة والتمرين عليها يمكن أن يتعلموا ويتمرنوا على هذه الطاعات من غير ارتكاب وسائل ممنوعة، هذه الأجهزة فيها الصور، وفيها ما يخالف الحقيقة أحياناً، في الألعاب وفي المباريات وغيرها، هذه فيها محظورات، فكيف يقال: اعتكف؟! مثل هذا لا يعتكف، إذا كان لا يستطيع الاعتكاف إلا بارتكاب مثل هذه الأمور لا يعتكف حتى يربي نفسه على الاعتكاف ويجي؛ لأن القصد من الاعتكاف والهدف منه كما قرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- جمعية القلب، وتفريغ القلب من الشواغل، تفريغ القلب من الخواطر، تفريغ القلب من الهواجس؛ ليرتبط هذا القلب بالله -جل وعلا-، لكن إذا جبت له آلات هل يمكن أن يفرغ قلبه؟ ما الفرق بين أن ينظر في الآلة في بيته أو في المسجد؟ في فرق؟ ما في فرق، فمثل هذه الأمور .. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 21 أيضاً التوسع في مسائل .. ، دخلت مسجد فيه فئام من الشباب معتكفين، ونظرت إلى الصف الأول فإذا به مطوق بحزام أسود من أوله إلى آخره، جوالات تشحن، والناس يصلون، وهي أمامهم، يعني التوسع في أمور الدنيا -وإن كانت مباحة-، وإذا كانت تليق في الأماكن كلها فليحترم في المسجد، إذا كانت تليق في الأوقات كلها فعلى الأقل في العشر الأواخر من رمضان، يعني هذه فيها تشتيت للقلب، تشتيت لقلوب المصلين، والهدف من الاعتكاف انجماع القلب على الهدف الذي من أجله شرع الاعتكاف، الاعتكاف شرع للصلاة، شرع للذكر، شرع للتلاوة، وعرفنا من هدي السلف أن كثيراً منهم يترك كل شيء حتى العلم حتى الحديث يترك من أجل أن يجتمع القلب، والارتباطات كلها تلغى إلا ما لا بد منه، وبعضهم إذا دخلت عليه في معتكفه أحياناً قد يوفر له ما لا يتوفر له في بيته، هذا خلل، هذا لا يحقق الهدف الشرعي من الاعتكاف، أنت افترض أنه عالم اعتكف ووفر له تلفون يرد على الأسئلة، ويحل المشاكل، ولا يفتر هذا التلفون من الرنين، يجيب على سؤال، ثم يسأل عن مشكلة، ثم عن قضية ثم كذا، هذا اعتكاف؟! إذا كانت الأمة بحاجة إليه إلى هذا الحد وإلى هذا المستوى فنفعه للأمة خارج المسجد أفضل من الاعتكاف، لا بد أن يكون الاعتكاف على وجهه، يكون بالفعل مجاورة، اعتكاف، فعلينا أن نهتم لهذا الأمر. بعض الناس إذا دخل رمضان عطل عن كل شيء، ويقول: إن السلف -وهو عنده دروس ما شاء الله نفع الله به في طيلة العام- لكن إذا دخل رمضان قال: السلف يعطلون الدروس فلا يدرس، يعني الاقتداء في الترك سهل كل يستطيعه، كل يستطيع أن يترك، نقول: السلف ما يدرسون، لكن هل تفعل مثل السلف؟ كم تقرأ القرآن؟ كم تختم من مرة في رمضان إذا عطلت الدروس؟ يعني يسهل الاقتداء في الترك، يعني أمره يسير، بل قد يكون من تلبيس الشيطان، يريد الشيطان أن يعطل الانتفاع به باسم الاقتداء بالسلف، لكن السلف لهم أعمال في رمضان، فإذا اقتديت بهم في الترك فاقتدِ بهم في الفعل، يعني يوجد من السلف من يختم القرآن كل يوم، أما تترك الدروس وقراءتك في رمضان كقراءتك في شعبان! العلم وتعلمه وتعليمه عبادة، فلا يترك إلى غير بدل، إنما يترك لعبادة أفضل منه. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 22 هذا يقول: هل لا بد أن تكون الأرض التي يبنى عليها المسجد ملك للمسجد؟ ويش لون ملك للمسجد؟ يعني يريد أن يستأجر مثلاً أرضاً لمدة عشر سنوات ويقيم عليها مسجد، ويدخل في: ((من بنى لله مسجداً)) ((من بنى لله بيتاً)) هذا المقصود؟ أو يستأذن صاحب أرض ليقيم عليها مسجداً مؤقتاً، مسجد مؤقت، ويبني عليه مسجد مدة معلومة؛ لأن الحاجة إلى هذا المسجد مؤقتة، الأصل أن المسجد الذي تثبت له أحكام المسجد أن يكون موقوفاً أرضه وبناؤه، ولا يجوز التصرف فيه إلا إذا تعطلت منافعه، فينقل إلى غيره، أما ما دام ينتفع به لا يجوز التصرف فيه، ولا يأخذ أحكام المسجد إلا إذا كان على هذه الصفة، أما أن يستأجر أرض ويقيم عليها بناء مؤقت مدة أجرة هذه الأرض ثم يقول: بنيت مسجد هذا ما بنى مسجد، هذا جزاه الله خير مكن المصلين، وهيأ لهم مكان يصلون فيه لكن ليس بمسجد. يقول: ما المقصود في قول عمر: "إياكم أن تحمروا أو تصفروا" هل في اللباس أم في الفرش؟ في اللباس أو في اللياس؟ ما أدري والله. المقصود أن الأصباغ التي تشغل المصلين هذا مقصود عمر، الأصباغ التي شغل المصلين سواءً كانت في الجدران أو كانت في الفرش كل ما يشغل المصلين. يقول: رجل يبيع جوالات بالأقساط، ولكنه يتفق مع المشتري قبل أن يمتلك الجوال، فهل هذا البيع صحيح؟ إذا كان العقد والإيجاب والقبول تم قبل أن يمتلك البائع السلعة فهذا بيع ما لا يملك، لا يجوز، ولا يصح البيع؛ لأنه باع ما لا يملك، إذا كانت المسألة مجرد وعد قال: أنا أبيعك جوال بمبلغ كذا، لمدة كذا، لكنه وعد من غير إيجاب ولا قبول، تفاهم معه على هذا من غير إلزام، بحيث لو ذهب واشترى هذا الجوال من الشركة ثم أحضره لا يلزم المشتري به، وللمشتري أن ينسحب من هذا العقد، هذا مجرد وعد لا يترتب عليه حكم، لكن إن كان يلزمه بأخذه هذا بيع ما لا يملك. يقول: ما حد طول الثوب؟ هل يكون من منتصف الساق؟ وإذا كان كذلك فقد ينكشف شيء من الفخذ أحياناً عند الركوع؟ الجزء: 43 ¦ الصفحة: 23 على كل حال لا يجوز أن ينكشف شيء من العورة في الصلاة ولا في غيرها، وإذا كان يترتب عليه انكشاف شيء من العورة فلا يجوز، والأصل أن أزرة المؤمن إلى نصف ساقه، لكن إذا كان .. ، لأن بعض الناس يتفاوتون، الشخص البدين السمين هذا لا بد أن ينكشف إذا كان إلى نصف ساقه، لكن النحيف ما ينكشف هذا في الغالب، لا سيما إذا ركع أو سجد يرتفع الثوب من الخلف، إذا كان الشخص بديناً، ويباح له أن ينزل ثوبه إلى كعبه، لكن لا يجوز له أن ينزل عن الكعب، وما أسفل من الكعبين ففي النار. هذا يقول: ذكرتم قصة ابن خطل، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقتله وإن كان متعلقاً بأستار الكعبة مع حديث الباب، ولم يتبين لي التوفيق بينهما؟ مسألة ابن خطل وشأن ابن خطل شأنه خطير ارتد عن الإسلام، وله جواري تغني بهجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- فوضعه يختلف، يعني إذا وجد شخص بهذا المستوى من الشر ولم يتمكن من قتله خارج المسجد فمثل هذا قد يتجاوز فيه، وإلا فالأصل أنه لا يقاد في المساجد، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (44) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذه تقول: هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ أذكار الصباح والمساء؟ نعم تقرأ الأذكار، وإذا مر في أثناء هذه الأذكار بعض الآيات وقرأتها على أنها أذكار لا على سبيل التلاوة للقرآن فلا مانع -إن شاء الله تعالى-. يقول: إذا نسي الإمام التشهد الأول واعتدل في القيام ثم رجع هل صلاته صحيحة؟ إذا لم يشرع في القراءة واستتم قائماً يكره له أن يرجع، فإذا رجع فلا شيء عليه، لكنه يسجد للسهو؛ لأنه زاد في الصلاة، لكن صلاته صحيحة، أما إذا شرع في القراءة حرم عليه الرجوع حينئذٍ. يقول: سمعت من المشايخ وهو من أهل الحديث في السعودية يقول عن رجل ينسب لأهل العلم: إنه الكافر؛ لأنه دعا لبناء الأضرحة والطواف بها، فما رأي الشيخ؟ هذا لا شك أن الذي يدعو لبناء الأضرحة هذا مقر لهذه البدعة الشنيعة، والطواف بها من عظائم الأمور. يقول: ما قولكم فيمن يدخل إلى المسجد المفروش بحذاء العمل مثل العساكر؟ هذا لا شك أنه يسبب في تقذيرها على المصلين، ويسبب في إتلافها، فلا يجوز له أن يدخل القذر إلى المسجد، لكن لو كان المسجد غير مفروش ولا يتضرر بدخولها ودلكت عند الباب، وأميط ما بها من أذى فالدخول بها إلى المساجد، والصلاة بها أيضاً سنة. يقول: إذا حفظ الإنسان القرآن هل يمر على علوم الآلة مروراً سريعاً أم يتعلم العقيدة؟ على كل حال إذا حفظ الإنسان القرآن فقد حوى خيراً كثيراً، وعليه أن يعنى بالعلوم كلها التي تعينه على فهم القرآن والسنة، فلا يكفي أن يمر على علوم الآلة مروراً سريعاً، بل عليه أن يحفظ متونها، وينظر في شروحها، ويحضر دروسها، ويتعلم أيضاً العقيدة ويحرص عليها، ويتعلم العلوم الأخرى مما يتعلق بعلوم الكتاب والسنة. كأنه أعاد السؤال مرة ثانية. يقول: إذا حفظت القرآن هل أمر على علوم الآلة مروراًِ سريعاً حتى تكون تمهيداً لما بعد حفظ القرآن -إن شاء الله-؟ الجزء: 44 ¦ الصفحة: 1 نفس السؤال السابق، لكن لا يكفي المرور السريع، بل لا بد من حفظ المتون، في كل فن على الأقل متن واحد، ثم ينظر شروحه، ثم ينظر فيما ألف فوقه من كتب الطبقة التي تلي الطبقة الأولى. يقول: أنا شاب عمري ثلاثون سنة ولم أتزوج مع استطاعتي المادية نظراً لضعفي الجنسي، ولا أريد أن أغش بنات الناس، وأن أظلمهم، فهل يجوز لمثلي ذلك؟ إذا بينت وقبلت بك المخطوبة فلا شيء عليك، لكن إذا كان ضعفك واضحاً بيناً؛ لأن الناس يتفاوتون في هذا، والضعف نسبي، فإذا كان ضعفك بيناً واضحاً عن أقرانك، وتحس من نفسك أنك إذا تزوجت امرأة ظلمتها فعليك البيان. يقول: عليّ ثلاث كفارات يمين، وأعرف عائلة فقيرة تتكون من ثلاثة عشر شخص، وقد اتفقت معهم على إعطائهم مبلغ من المال وأفهمتهم أنها كفارة يمين؛ ليتعيشوا منها ثلاثة أيام، ووافقوا، فهل هذا العمل مجزئ عن كفارة اليمين؟ كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، إطعام وليست نقود، إطعام فأنت تشتري لهم طعاماً أو كسوة، أو تعتق ثلاث رقاب، ما دام عليك ثلاث كفارات، فإن لم تستطع هذه الخصال الثلاث فتصوم عن كل كفارة ثلاثة أيام، على أن هذه الكفارات والأيمان إذا أمكن تداخلها بأن كان الباعث عليها واحداً ولو تكررت الأيام فهي كفارة واحدة، ما لم تكفر عن اليمين الأول، أما إذا كانت أسبابها متعددة فإن لكل يمين كفارة. لو أعطيت من ينوب عنك في دفع الكفارة أعطيته مالاً، أعطيت الجمعية مثلاً، أو أعطيت إمام المسجد أو مكتب الدعوة مثلاً، أعطيتهم قلت: هذه مائة ريال علي كفارة يمين ادفعوها عني، واشتروا بها طعاماً، فهم يقومون مقامك في هذا. يقول: عندنا مسجد في إحدى المدارس ولا يصلى فيه إلا الظهر، هل حكمه حكم المسجد في لزوم التحية؟ أولاً: هل هو مسجد عليه معالم المسجد؟ وهو وقف لا يجوز بيعه ولو بيعت المدرسة؟ إن كان الأمر كذلك فله أحكام المسجد، ولو لم يصل فيه إلا الظهر. هل يجوز إخراج دم الفدية خارج مكة؟ لا، لا يجوز وإنما هي لمساكين الحرم. يقول: هل الأولى في صلاة القيام في شهر رمضان أن تصلى الراتبة أم يشرع بصلاة القيام؟ لا، يصلي الراتبة قبل أن يشرع في القيام. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 2 وما مشروعية صلاة التهجد جماعة في رمضان؟ هي مشروعة، وقد صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلتين أو ثلاث جماعة في رمضان، ثم بعد ذلك جمع الناس عليها عمر بن الخطاب بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- ووفاة أبي بكر، وصدر من خلافته، بعد أن أمن المحظور الذي خشي منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تفرض على هذه الأمة. يقول: أرجو تنبيه الطلبة وهذا لا يخفى عليهم بوضع الكتب التي تحمل الوحي على الأرض، وهذا حصل في هذا المسجد، بل الأدهى أنه كان على الأرض بجانب أرجلهم، ولم يتجرأ أحد برفعه، وقمت برفعه عن أرجلهم؟ المقصود أن الإهانة للعلم لا تجوز بحال، لكن لا يعني أن وضع الكتاب على الأرض أنه إهانة له، نعم إذا أمكن رفعه فهذا هو الأصل، وأهل العلم يقولون بجواز وضع المصحف على الأرض، لكن لا يجوز أن تتصرف تصرفاً يشعر بإهانته بأن تمد رجلك إليه، أو تجعله خلف ظهرك، أو ما أشبه ذلك، أما مجرد وضعه على الأرض بعضهم يقول: إنه خلاف الأولى، وبعضهم يصرح بالجواز، لكن لا شك أن الأكمل أن يرفع. يقول: ما حكم الضرب أثناء التعليم من قبل المعلم للطالب؟ إذا كان الهدف منه الإصلاح، وتأديب هذا الطالب هذا لا بأس به، على ألا يتجاوز إلى حد يضر المتعلم، استنبط أهل العلم مما فعله جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه غطه ثلاثاً أن للمعلم أن يضرب المتعلم ثلاثاً، ولا يزيد على ذلك، استنبطوا منه هذا، وعلى كل حال التأديب مطلوب من المعلم لتلميذه، ومن الأب لابنه، ومن الزوج لزوجته إذا عصت، ولم يجد فيها الوعظ والهجر، فجاء التوجيه بالضرب، لكن كل هذا غير مبرح، ليس بضرب عداوة أو تشفي، وإنما هو ضرب تأديب غير مبرح. يقول: ما حكم بيع ماء زمزم؟ بيع ماء زمزم وهو في مكانه لا يجوز، والناس شركاء في زمزم وغيره من المياه كما جاء بذلك الأخبار، لا يجوز بيعه، ويزيد زمزم في كونه في داخل المسجد، فلا يجوز من جهتين، أما إذا تعب عليه أحد، تعب على شيء منه وحازه وأخرجه عن المسجد، وجعله في إناء يمكن أن يباع فيه فلا مانع أن يبيعه بثمن مثله، يعني ما كل الناس يتيسر لهم أن يصلوا إلى البئر، ويستقوا منه. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 3 يقول: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في صلاة الخوف أنه -عليه الصلاة والسلام- ركع بمن معه ركع وسجد سجدتين، فهل هاتان السجدتان غير التي في الركعة؟ لا، هم اللتان في الركعة. قول بكير حيث قال: "يبتغي به وجه الله" هل هذا من باب الرواية بالمعنى؟ لأنه قال: أحسبه قال: يبتغي بذلك وجه الله، يعني كأنه يشك في قول الصحابي هذه الجملة، مع أنها سواءً ذكرت أو لم تذكر أمر لا بد منه، لا بد أن يكون العمل مما يبتغى به وجه الله، لا لينال به شرفاً أو ذكراً أو رياءً أو سمعة، أو ما أشبه ذلك. هل نشيد حسان -رضي الله عنه- في المسجد مثل الحداء والإنشاد المعروف حيث تذكر الأبيات بترنم؟ على كل حال العرب لهم طريقة في حداء الشعر وإنشاد الشعر، وإنشاده أيضاً يتفاوت ويختلف من بحر إلى بحر، كل بحر له طريقة في الإنشاد، والعرب معروف عنهم الأداء بطريقتهم. يقول: ما المانع في القول بأن حديث عتبان -رضي الله عنه- يدل على سنيّة صلاة الجماعة خاصة أنه لم يسأل عن سماع النداء؟ هذا لا بد أن نجزم بأنه لا يسمع النداء، وإلا فما الفرق بينه وبين ابن أم مكتوم ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) مع أن ابن أم مكتوم ذكر أشياء أكثر مما ذكر عتبان، ولا بد من ارتكاب مثل هذا ولو لم يرد، لا بد من ارتكابه للتوفيق بين النصوص. يقول: جواز الانتساب إلى التصوف بمعنى الزهد في هذا العصر؟ الجزء: 44 ¦ الصفحة: 4 التصوف ليس بلفظ شرعي، ولم يرد به دليل، بينما الزهد جاءت به الأدلة، فمن كان على الجادة وصار يعبد الله -جل وعلا- ويعمل بما يعلم، ويقبل على الآخرة، ويترك ما لا يحتاجه من أمور الدنيا هذا الزاهد، فالزهد لفظ شرعي، وأما التصوف فليس بلفظ شرعي، لكن من أهل العلم من يطلقه بإزاء الزهد، كالحافظ أبي نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء أطلق التصوف وأراد به الزهد، ونسبه إلى سادات الأمة حتى العشرة المبشرين بالجنة وكبار الصحابة ذكر عنهم على طريقته السجعية يترجم: ومنهم فلان بن فلان الكذا، ثم يردف ما يدل على أنه متصف بهذه الصفة التي هي التصوف، لكن الاقتصار على الألفاظ الشرعية هذا هو الأصل، فضلاً عما إذا كان غير اللفظ الشرعي يحتمل معنىً صحيحاً، ومعانٍ غير صحيحة، فإذا كان يحتمل أكثر من معنى صحيح وغير صحيح لا يجوز ارتكابه، لا سيما وأن البديل لفظ شرعي جاءت به النصوص. يقول: ما رأيكم في بعض طلاب العلم الذي يمشون في المسجد الحرام بالأحذية؟ الأصل أن الصلاة بالحذاء سنة ((خالفوا اليهود صلوا في نعالكم)) لكن إذا ترتب على الدخول بالحذاء تلويث المسجد، أو تلويث فرش المسجد يمنع من هذه الحيثية، وإذا تأكد الإنسان أن حذاءه نظيف ودلكه قبل دخول المسجد لا مانع من الدخول به، على أن بعض أهل العلم يخص المسجد الحرام والمسجد النبوي والأماكن المقدسة بعدم الدخول بالحذاء؛ لأن موسى -عليه السلام- أمر بخلع نعاله؛ لأنه بالوادي المقدس، فالأماكن المقدسة مقيسة على الوادي المقدس يؤمر الإنسان بخلع حذائه، هذا ما قاله بعض أهل العلم، وإلا فالأصل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((خالفوا اليهود صلوا في نعالكم)) وهو في مسجده في المدينة. إذا كان يحدث شيء من الفوضى، وشيء من الإشكالات فإن مثل هذا يتقيه الإنسان، لا سيما طالب العلم الذي هو قدوة للناس لا يحدث شيء يثير الناس عليه، ويجعل الناس يزدرونه أو ينسبونه إلى عدم تعظيم شعائر الله وحدود الله، مثل هذا ينبغي لطالب العلم أن يتقيه بقدر الإمكان؛ لأن بعض الناس أحياناً قد يتذرع بأنه يتضرر إذا مشى على البلاط دون حذا، وكذلك المشي على البلاط مضر في أي وقت من الأوقات، لكن تكفي عن الحذاء الجوارب. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 5 يقول: أرجو التنبيه: كثير من الإخوة يذكر عندهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصلون عليه تهاوناً وعدم مبالاة؟ هذا لا شك أنه حرمان، والبخيل من ذكر عنده النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يصل عليه، وبعض أهل العلم يوجب الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- عند ذكره، يوجبها، على هذا يأثم، لكن الجمهور على أن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في غير التشهد سنة. كميات هائلة من الأسئلة. في هذا الدرس نكمل بقية الباب باب المساجد، وباب الجمعة فيه خمسة وعشرون حديثاً، نحتاج إلى دورة كاملة، الجمعة تحتاج إلى دورة كاملة، فهي خمسة وعشرين حديثاً، بعدد الأحاديث التي شرحناها في الأيام الأربعة التي منها هذا اليوم، ولعل هذا الدرس يكون هو الدرس الأخير في الدورة، يعني فكرت أن يكون الدرس غداً يمتد قليلاً، لكن قالوا: إن العصر فيه درس، فعلى هذا نعفيكم من درس الغد وتعفوننا؛ لأن البدء بباب ثم بعد ذلك ترك باقيه إلى مدة قد تطول مثلاً أشهر ليس بمناسب؛ لأن مسائل الجمعة مسائل الباب الواحد مترابطة، والجمعة على وجه الخصوص فيها مسائل تحتاج إلى مزيد عناية وبحث، فلعلنا نرجئ الكلام في الجمعة إلى الدورة اللاحقة -إن شاء الله تعالى-، خمسة وعشرون حديثاً تحتاج إلى دورة كاملة. الأسئلة الموجودة الآن تحتاج إلى دورة، فالعلم لا ينتهي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 44 ¦ الصفحة: 6 "وعنها" يعني عن عائشة راوية الأحاديث السابقة "-رضي الله عنها- أن وليدة" جارية مملوكة "وليدة كانت سوداء لحي من العرب" سوداء هذا وصف كاشف ليس بمؤثر في الحكم، إنما هذه صفتها، وهذا لونها "سوداء لحي من العرب" يعني مملوكة لحي من العرب "فأعتقوها" لما أعتقوها صارت حرة "فكانت معهم" يعني جلست معهم، يعني بعض الأرقاء إذا أعتق يرغب أن يستمر عند مواليه؛ لأنه على تقديره وعلى ظنه إلى أين يذهب؟ لا سيما إذا تقدمت به السن، وأدرك الناس الرق في هذه البلاد، ثم لما ألغي الرق، وحرر جميع الأرقاء رغب كثير من الناس أن يبقى في بيت مواليه وهو حر، يخدمهم في مقابل الأكل والشرب، ومع ذلك هذه "فكانت معهم" بقيت عندهم. قالت: "فخرجت صبية لهم" بنت صغيرة "عليها وشاح" حزام من جلد من أديم تتزين به البنات في ذلك الوقت، وقد يلصق به شيء من الذهب أو الفضة، المقصود أنه حزام من أديم. "وشاح أحمر من سيور" السيور الجلد، قالت: "فوضعته أو وقع منها" وضعته هذه الصبية على الأرض أو سقط منها، الحاصل أنه صار على الأرض، إما بفعلها أو بغير إرادتها ولا اختيارها "فمرت به حدياة" تصغير الحدأة "فمرت به حدياة وهو ملقى على الأرض فحسبته لحماً" لأن لونه أحمر كلون اللحم "حسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه" فما الذي حصل؟ اتهموا به هذه الوليدة، يعني جرت العادة أن الإنسان في الغالب وهذا موجود إذا فقد شيء ما يتهم أهل البيت بسرقته إنما يتهم غيرهم، إذا فقد شيء من البيت اتجهت التهمة مباشرة إلى الخادمة، فتشوا الخادمة، ولكل قوم وارث موجود إلى الآن، إذا فقد شيء فتشوا الخادمة، شوفوا متاع الخادمة، هؤلاء اتهموها ولم يكتفوا بتفتيش المتاع. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 7 قالت: "فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها! " يعني بالغوا في التفتيش، ظنوا أنها وضعته في سراويلها، ففتشوا قبلها، وكانت السراويل تستوعب مثل هذا الوشاح في السابق السراويل يعني واسعة وطويلة تستوعب مثلها، المقصود أنهم فتشوا حتى قبلها، كشفوا عن سوأتها، والاتهام لا يجوز أن يتهم البريء حتى تقوم الأدلة على أنه متهم، تدل القرائن على أنه فعل هذا الفعل، وعمل هذا العمل؛ لأن الأصل براءة الذمة، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، إذا دلت القرائن يعني صار لها سوابق مثلاً فقدوا أشياء مراراً، ثم وجدوها عندها، لا مانع من التفتيش والاتهام؛ لأن القرائن دلت على ذلك، وصاحب السوابق هو الذي جرأ الناس عليه، فإذا وجدت السوابق لا مانع، لكن كيف يفتش القبل ويطلع على العورة من أجل سيور من جلد؟! لا شك أن مثل هذا حتى لو صار في قبلها في يوم من الأيام سوف تخرجه، ينتظرون، لو وضعته في سراويلها لا بد أن تخرجه من سراويلها، فهذه مبالغة في التفتيش غير مرضية، أولاً: الاتهام لا يجوز إلا إذا دلت القرائن ووجدت السوابق لهذا المتهم أما قبل ذلك فلا يجوز الاتهام، والاتهام ينشأ عنه مفاسد عظيمة على المتهم، وقد يكون بعض المفاسد على المتهم؛ لأن بعض المتهمين إذا اتهم تصرف تصرف يضره. أنا أذكر شخص في حلقة تحفيظ قديماً في وقت توزيع الجوائز اتهم واحد من الشباب صغار بأنه أخذ شيء من هذه الجوائز، يعني سرقه، وهو بريء، فما منه إلا أن ترك حفظ القرآن، يعني ما تحمل، يتهم بسرقة وهو بريء، فالاتهام من غير مبرر ومن غير أسباب ومن غير سوابق هذا له آثاره على الشخص المتهم، ومن اتهمه عليه الإثم، وعليه أيضاً تبعات ما ينشأ عن هذا الاتهام. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 8 المقصود أنهم فتشوها حتى فتشوا قبلها، الآن تقول: قالت: "فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها" يعني فرجها، يفتشوني حتى فتشوا قبلها، ما قالت: قبلي؛ لأن السياق سياق عائشة -رضي الله عنها-، فالقول قولها، قالت الوليدة: "فتشوني حتى فتشوا قبلها" مر بنا مراراً أنه من الأدب في الأسلوب ألا ينسب الإنسان إلى نفسه الشيء القبيح، يعني مثل ما جاء في حديث وفاة أبي طالب طلب منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: لا إله إلا الله، فقيل له من بعض الحضور: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فكرر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له ذلك فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، يعني أبو طالب قال: أنا على ملة عبد المطلب، لكن الرواة لا يستسيغون أن ينسبوا هذه الجملة لأنفسهم بضمير التكلم، وإنما يأتون بمثل هذه الجمل القبيحة بضمير الغائب. لكن كل الرواة في حديث ماعز قالوا: إن ماعزاً قال: يا رسول الله إني زنيت، ما قالوا: يا رسول الله هو زنى؛ لماذا؟ لأنه لا بد من التصريح بذكر الزنا ونسبته إلى نفسه؛ لأنه لو أن الرواة قالوا: هو زنا، والكلام مسوق على لسان ماعز فكيف يحد وهو لم ينسب الزنا إلى نفسه؟! وإن كان في الأصل أن ماعزاً قال: إني زنيت، فجاء الرواة فلم ينسبوا هذا اللفظ إلى أنفسهم كما قالوا: هو على ملة عبد المطلب، قالوا: هو زنا، لا، هذا يختلف فيه الحكم، لا بد من التصريح بنسبة الزنا إلى الفاعل ليثبت عليه الحد. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 9 قالت: "والله أني لقائمة معهم" يعني ثم جاء الفرج "والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته" المتهم لا بد أن يندم، ولات ساعة مندم، ما يمديه الحين لو ندم المتهم "فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم" يعني كما زعمتم، والزعم يطلق ويراد به ما يرادف القول المحقق، ويطلق ما يرادف القول المشكوك فيه "هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة وهو هذا" أيُّ هذا العمل الذي حصل من إلقائه بين أيديهم من قبل الحدياة وهم ينظرون، أو لو أقسمت أيمان، أو جاءت ببينة أنها بريئة، ليس الخبر كالعيان "وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت" تركتهم؛ لأنهم اتهموها وفتشوها، ما صار للمقام بينهم قيمة، هي في الأصل أحبتهم وألفتهم وأحبت البقاء معهم، لكن إذا حصل مثل هذا الذي يكدر، فما صار للبقاء عندهم قدر ولا قيمة "فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت" لأن الله -جل وعلا- أراد بها خيراً، انظر نتيجة هذا الاتهام ما الذي حصل بعده؟ وكم من متهم بريء حمد العاقبة بعد ذلك، وعائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين لما اتهمت ما الذي حصل؟ نزل في شأنها قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وأي شرف أعظم من هذا الشرف. "قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش في المسجد" يعني بيت صغير جداً زاوية في المسجد، وهذا هو الشاهد من الحديث، جواز اتخاذ مثل هذا خباء أو حفش، أو يحتجر لها حجيرة، أو يوضع لها مثل الرواق وما أشبهه، فتجلس فيه، يجلس الغريب في المسجد الذي لا مأوى له، لا مانع من أن يجلس في المسجد، إذا أمنت الفتنة من جهة، وأمن عدم التضييق على المصلين، يعني ضمنا أن مثل هذا الحفش أو هذا البيت الصغير أو هذا الخباء لا يضيق على المصلين؛ لأن المصلين أولى بالمسجد من غيرهم. قالت: "فكانت تأتيني فتحدث هي عندي" تأتي إلى عائشة تزور عائشة ثم تتحدث عندها، قالت: "فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... . . . . . . . . . الجزء: 44 ¦ الصفحة: 10 الوشاح الذي اختطفته الحدياة، ثم اتهمت به الجارية، ثم ألقته الحدياة، عجيبة من العجائب؛ لماذا لم تلقه الحدياة في مكان بعيد؟ يعني هل قصد الحدياة براءة هذه الوليدة والجارية؟! وهل تدرك مثل هذا؟! أو تدرك أنه لما كان لا نفع فيه بالنسبة لها أرجعته إلى أهله؟! هل تدرك الحدياة مثل هذا؟! إلا أن الله -جل وعلا- ساقها إلى أن تعيده إلى مكانه لإظهار براءة هذه الجارية المتهمة ظلماً وزوراً وعداوناً. ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني نعم أنجاها من بلدة الكفر، صار سبباً في إسلامها، فالمحنة انقلبت منحة، يعني ماذا عما لو لم يحصل هذا الاتهام، واستمرت عند هؤلاء القوم على كفرها خسرت الدنيا والآخرة، لكن حصل عليها هذا الضرر وهذا النقص وهذا الاتهام، لكن النتيجة أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت. قالت عائشة -رضي الله عنها-: "فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟! قالت: فحدثتني بهذا الحديث" رواه البخاري". والشاهد منه أنه كان لها خباء في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وبمرأى منه -عليه الصلاة والسلام-، وبإقرار منه -عليه الصلاة والسلام-، فدل هذا على جواز اتخاذ الخباء والبيت الصغير الذي لا يضيق على المصلين للوافد الغريب، سواءً كان ذكراً أو أنثى، إذا أمنت الفتنة، ولم يخش منه، ولم يخش عليه. قال -رحمه الله-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) " البزاق: بالزاي والصاد والسين مثل الصراط، البزاق: هو ما يخرجه الإنسان من فمه، ويسمى قبل إخراجه ريق، وإذا أخرج سمي بصاق، أو بزاق، أو بساق بالسين، سواءً كان تحلب من الفم كالريق، أو ما هو أشد من ذلك مما يصعد من الصدر، أو ينزل من الدماغ، كله بصاق. ((في المسجد خطيئة)) لأنه وإن كان طاهراً إلا أنه مستقذر، لا يرضاه الإنسان في بيته، وفي مكان استقباله لضيوفه، هذا لا يرضاه إنسان لنفسه، فكيف يرضاه لبيت الله، ما دام الأمر مستخبث ومستقذر، وإن كان طاهراً فلا يرضى مثل هذا، والنفوس تستقبح مثل هذا. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 11 يعني لو جئنا بما يستعمل للنفايات جئنا به من المصنع جديد، أو يستعمل في النجاسات لكنه ما استعمل جديد من المصنع، تأنف أن تتوسده؛ لأنك تستصحب ما صنع من أجله، يعني لو عندك مثلاً -أعز الله الجميع والمسجد- ما يوضع على الأطفال ليحفظ فيهم النجاسات عن التسرب، وضع على الأرض من الكرتون جديد، جديد وضعته على الأرض، وبيدك مصحف، المصحف الشريف، كلام الله -جل وعلا- يسهل عليك أن تضعه على الأرض وإلا على هذا وهو جديد من المصنع؟ على الأرض أسهل بكثير يعني؛ لأنك تستصحب أن هذا وإن كان من مواد نظيفة وطاهرة وجديد ما استعمل إلا أنك تستصحب ما صنع من أجله، الآن البصاق طاهر، فكونه يستقبح ويستقذر وتأنف أن تلقيه في بيتك، لا سيما فيما تستقبل به الضيوف فكيف ترضى به لبيت الله الذي أمرنا بتنظيفها وتطييبها وكنسها؟! هذا البصاق مفروغ منه؛ لأنه مستقبح، لكن طلبت ماءاً فجيء لك به في المسجد، فلما شربت منه وجدته بارد جداً، لو شربته تضررت، يعني عادي لو كنت خارج المسجد تلقيه في أي مكان لأنه ماء، لكن في المسجد تلقيه وإلا ما تلقيه؟ طالب:. . . . . . . . . هو على كل حال ماء اختلط بريق طاهر، لكن هل هو مناسب أن تلقيه في المسجد وهو ماء؟ يعني لو ماء انكب في المسجد ما في إشكال، يعني لو من الكأس انكب شيء في المسجد ما في أدنى مشكلة لأنه طهور، لكن أنت لما أخذت منه ما يملأ الفم فوجدته بارد برودة شديدة يضرك لو شربته، فأردت أن تخرجه من فمك، هل نقول: هذا حكمه حكم البصاق وإلا حكم الماء؟ يعني على كل حال الناس يأنفون من مثل هذا، يعني هل تستطيع وأنت مدعو أنت مدعو في بيت شخص من الأشخاص واحد من الناس فتصنع في مجلسه هذا؟ فيه صعوبة، فمثل هذا لا يفعل في المسجد، وإن لم يكن في الأصل بصاق وهو ماء، لكن لو انكب من الكأس ما في إشكال. ((البزاق في المسجد خطيئة)) والخطيئة الذنب الذي يعاقب عليه الإنسان، بدليل أنه يحتاج إلى كفارة، لكن ما كفارة هذه الخطيئة؟ كفارتها دفنها، وهذا يمكن إذا كانت أرض المسجد مفروشة بالتراب، يمكن تدفن، لكن إذا كانت مفروشة بفرش مثل هذه كفارتها حكها وإزالتها. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 12 طيب وجدت خطيئة ووجدت كفارتها قل: سيئة ناقص سيئة الناتج؟ صفر، يعني ما عليك شيء، هل يستوي هذا مع من لم يبصق في المسجد أصلاً؟ هذا ارتكب خطيئة وكفرها فزال عنه أثرها، يعني مقتضى ذلك أنه ما دام كفرها أنه بمثابة من لم يحصل منه هذا الأمر أصلاً، يعني سجل عليه سيئة ثم مسحت هذه السيئة، هذه كفارتها، لكن هل هو بمثابة من لم يحصل منه هذا الأمر أصلاً؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هذه كفارة وليست توبة، غير التوبة هذه، الكفارة غير، ومعلوم أن الندم توبة، يعني إذا ندم فأزالها انتهى ما في إشكال، لو مشينا على هذا لتعمد الإنسان مثل هذه الأشياء، وهذه الأشياء لها أثر حسي؛ لأن من السيئات ما له أثر حسي، ومنها ما لا أثر له حسي، فاللي ما له أثر حسي هذا يكفي فيه التوبة، وينتهي من تبعاته، لكن ما له أثر حسي، يعني شخص زنا -نسأل الله السلامة والعافية- وتاب من الزنا، وبدل الله سيئاته حسنات، هذا لا شك أنه له أثر حسي على المزني بها، وعليه أيضاً في مقتبل حياته، وعلى ولده؛ مع أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، لكن على أهله ((عفوا تعف نساؤكم)) المقصود أن ما له أثر حسي فإثمه أعظم؛ ولذا من هم بحسنة يعني من عمل الحسنة وهذه الحسنة أثرها متعدٍ أو عمل سيئة وأثرها متعدٍ، ثم جاء شخص تمنى أن لو كان مثل من عمل السيئة، وآخر تمنى أن يكون مثل من عمل السيئة، قال: ((فهما في الأجر سواء)) وهما في الوزر سواء، لكن أهل العلم يفرقون بين من عمل العمل الحقيقي وله أثر في الخارج متعدٍ أنه يختلف عمن تمنى مجرد الأمنية، وإن صاروا في أصل العمل سواء، لكن في آثاره المترتبة عليه ليسوا سواء. الآن: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) قلنا: إنه لو بزق في المسجد، ثم دفنها لا شيء عليه انتهى، كفّر، كان كمن حلف يميناً وحنث فيها ودفع الكفارة، لكن هل هذا مثل من حفظ يمينه {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لا شك أن مقام هذا أعظم. "متفق عليه". "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب: تقليب المصحف .... الجزء: 44 ¦ الصفحة: 13 لا كبار السن ولا صغارهم، كلهم، يعني إذا أراد أن يفتح المصحف بل إصبعه وفتح المصحف أو فتح الكتاب أو أي شيء، ولا شك أن هذا ليس بجيد، لكن بعض كبار السن يكون في أصابعه عدم دقة، يعني الشباب أصابعهم ناعمة تمسك بالورقة، وبعض كبار السن أصابعهم خشنة من جهة، وأيضاً تمكنهم من مسك الورق فيه ما فيه، صعوبة، فيحتاجون إلى مثل هذا، فيكون عندهم أكثر، وإلا بلّ الأصبع موجود، وكان عندهم في المعاهد العلمية مادة يقال لها: "الصحة" ويذكرون هذا أنه مضر بالصحة بلّ الإصبع من أجل فتح الورق، ومن الطرائف أن المدرس الذي يدرس وهو يدرس بالكتاب يبل إصبعه، إن شاء الله إن هذا الحاصل يعني، فالإنسان على ما تعود، لكن ينبغي ألا يتلف الورق، ونشوف بعض الكتب المستعملة تجد أطراف الورق سوداء من كثرة الاستعمال وبل الإصبع، وقد يكون فيه ما فيه من أوساخ أو غبار أو شيء من هذا، فترى طرف الورق أسود. طالب:. . . . . . . . . بلا شك خلاف الأولى. جاء في الحديث: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق تلقاء وجهه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه)) وهذا محمول على ما إذا كان خارج المسجد. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 14 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحب البلاد)) " يعني أحب الأماكن أو أحب ما في البلاد ((إلى الله مساجدها)) أحب ما تشتمل عليه البلاد المساجد؛ لأنها بيوت الله، وبنيت لذكر الله وإقام الصلاة، بنيت للعبادة " ((وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) رواه مسلم" لأن الأسواق يزاول فيها أمور الدنيا، ويزاول فيها المخالفات، ليس كل الناس على درجة واحدة من الورع والتقوى، إنما هذه الأسواق تجمع التقي والورع والمتساهل والمفرط، فتجمع أوباش الناس، فمنهم من يتساهل ويرتكب المخالفات في البيع والشراء، وينفق السلعة باليمين الكاذبة، ومنهم من يزاول العقود المحرمة، ففيها -مهما كانت- فيها يحصل مخالفات، فهي من هذه الحيثية أبغض البلاد إلى الله، وتجد هذا الأمر واضحاً وجلياً في أماكن بيع السيارات مثلاً، وتجد بعض من يزاول هذه المهنة يتسامحون ويغشون ويكتمون ويحلفون ويدعون أن هذه السيارة وهذه السلعة سيمت كذا، وينجشون، هذا موجود في السلع كلها، لكن ظهر هذا في أماكن بيع السيارات بوضوح؛ لأن السيارات المستعملة فيها عيوب قد تخفى على المشترين، وفيها أشياء ظاهرة، وفيها أشياء خفية، فصارت أبغض البلاد إلى الله هذه الأسواق. "رواه مسلم". "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) رواه أحمد وأبو داود". ((حتى يتباهى الناس)) يتفاخرون فيقول بعضهم إذا بنى مسجد: مسجدي أحسن من مسجدك وأكبر وأجمل، يتفاخرون ويتباهون، وقد يتباهى من لا علاقة له في المسجد من جماعة المسجد مسجدنا أفضل وأوسع. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 15 لكن إذا كان الموضع الذي يذكر في مثل هذا المجال يعني له وجه وأثر في الصلاة مثلاً إذا تباهوا بما يخل بالصلاة من زخرفة ونقوش وقدر زائد على الحاجة هذا هو المحظور الذي دل عليه الحديث، لكن لما يقال: والله مسجدنا أريح وأبرد مثلاً، ويحصل فيه من الخشوع والإقبال على الصلاة هذا ما هو بتباهي هذا، هذا ليس تباهي، إنما المراد يتباهى الناس فيما لا يخدم مصلحة الصلاة، لكن لو أن إنساناً قال: لو صليت معنا يا فلان وجربت مسجدنا واسع ونفح ومريح وفرشاته نظيفة لا على سبيل التفاخر والتعاظم، ولا على سبيل الاغترار إذا كان هو عامر المسجد، أو ما أشبه ذلك، فمثل هذا أمره سهل، لكن الإشكال حينما يقال: والله القبة عندنا قطرها مائة ذراع ومسجدكم ما يجي ولا خمسين، النقوش في مسجدنا كذا، والخطاط الذي كتب الآيات وغيرها في جدران المسجد الخطاط المتميز فلان وهكذا، وقد حصل، والدولة التركية يعني ضربت في هذا الباب شوطاً واسعاً، زخرفوا المساجد زخرفة يعني لا يمكن أن يحضر القلب أثناء الصلاة فيها؛ لماذا؟ لأنهم على مذهب أبي حنيفة، والحنفية عندهم أن الناس إذا زخرفوا بيوتهم فبيوت الله أولى؛ لأن هذا يعتبرونه من باب العناية بالمسجد، وإظهار المسجد بالمظهر اللائق، وغيرهم يقول: لا، لا تجوز زخرفة المساجد. يحدثنا بعض الإخوان من طلاب العلم الذين ذهبوا إلى تركيا اسطنبول يقول: دخلت مسجد فوجدت شيخاً على كرسي، ومعه كتاب يشرح وحوله طلاب فجلست لأستفيد، وإذا بالشيخ لا يتكلم، يحرك شفتيه ولا يتكلم، وإذا بهذا الاجتماع ليس على درس، وإنما يصورون مشهداً تمثيلياً في هذا المسجد، ما في البلد أجمل منه -نسأل الله العافية-. ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) كلام من لا ينطق عن الهوى -عليه الصلاة والسلام-، وقد حصل، وهل هذا من باب الإقرار أو من باب الإنكار؟ لا شك أنه إنكار، وكون الشيء يقع قدراً لا يعني أنه يجوز شرعاً، يعني لا يستدل بمثل هذا على جواز زخرفة المساجد، والذي يليه يقول: ((ما أمرت بتشييد المساجد)). الجزء: 44 ¦ الصفحة: 16 في آخر يقول: ((لا تقوم الساعة حتى تسير الضعينة من كذا إلى كذا)) يعني بدون محرم ((لا تخشى إلا الله)) هل هذا فيه دليل على جواز السفر بدون محرم؟ لا يدل على جواز السفر إنما هو إخبار عما سيقع، وأشراط الساعة كلها من هذا القبيل، لا يعني أنها تجوز، وإنما يخبر الصادق المصدوق أن هذه الأمور ستقع في آخر الزمان في هذه الأمة. قال: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) وقد حصل. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي". "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) قال ابن عباس: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى" رواه أبو داود وابن حبان". النصارى كنائسهم، واليهود بيعهم كلها زخارف، وفي كنائس النصارى الصور لمريم وعيسى، زخرفوا، وحصل في هذه الأمة هذه الزخارف. ((ما أمرت بتشييد المساجد)) التشييد إما أن يكون برفعها {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [(78) سورة النساء] يعني مرتفعة، أو يكون طلاؤها بالشيد وهو الجص، ويكفي من المسجد ما يكن من الحر والقر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، مما لا يمنع المطر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سجد في صبح الحادي والعشرين من رمضان سجد على ماء وطين؛ لأنه لما نزل المطر وكف المسجد، فنزل الماء والطين، لكن لا يعني هذا أننا نجعل، نعمل خلل وشقوق في سقف المسجد من أجل أن يقع، لا، ليس بعيب أن يكف المسجد، يكون البناء من اللبن والجريد وجذوع النخل، وإذا كان الأمر يعني يتطلب ما هو أقوى من ذلك وهذا متيسر، وعده الناس شيئاً عادياً من غير تكلف، وبني المسجد من البلك والحديد؛ ليكون أقوى وأصبر هذا مقصد شرعي، ما فيه إشكال -إن شاء الله تعالى-، لكن القدر الزائد على ذلك من الزخارف التي لا تفيد المسجد قوة ولا متانة، وتشغل المصلين هذا هو الذي جاء النهي عنه. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 17 ((ما أمرت بتشييد المساجد)) ما أمرت هذه الصيغة تدل على المنع وإلا ما تدل على المنع؟ لأنه قد يقول قائل: ما أمر، لكن ما نهي، السياق سياق مدح وإلا سياق ذم؟ سياق ذم بلا شك، ولذا قال ابن عباس راوي الحديث: "والله" اللام واقعة في جواب قسم مقدر "لتزخرفنها" يعني المساجد "كما زخرفت اليهود والنصارى" وقد حصل، يعني بعض المساجد حقيقة يعني فيها إشكال كبير، ذكرنا مراراً أنه مع الأسف أنه يتولى الإشراف على عمارتها طلاب علم، ومع ذلك تحصل هذه الزخارف، يعني بعض المساجد تجد في الجدار القبلي الذي في القبلة كتابات ونقوش وقطع من الأقمشة الفاخرة، وأشكال هندسية، مثلثات ومربعات ودوائر بلون الذهب الذي إذا رآه من رآه قال: هذا ذهب لا يشك فيه، وهذا الكلام واقع يعني ما هو بافتراض أو خيال، وأما بالنسبة للمحاريب فشيء لا يخطر على البال، هذا لا شك أنه مذموم، ووقوع فيما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-. قال: "رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه" والحديث صحيح. قال -رحمه الله-: "وعن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل" يعني رماني بالحصباء، الحصباء الصغيرة من أمامه وإلا من خلفه؟ نعم لأنه لو كان من أمامه لأشار إليه أن تعال، فدل على أنه من خلفه، وإلا فقد جاء النهي عن الخذف، يعني لما رماه بالحصباء لن يحصل المحظور من الخذف، لن يفقأ العين، ولن يكسر السن، وإلا هذا ممنوع. رماه بالحصباء، قال: "فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف" وهو في المسجد النبوي، في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف؛ ليسوا من أهل البلد، ويتسامح بالنسبة للغرباء الذين لا يعرفون ما عليه أهل البلد من عادات، قد يخفى عليهم ما عليه أهل البلد. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 18 قال: "لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً" صاحب البلد يستحضر المكان؛ لأنه عاش فيه، وتردد إليه، أما هذا الذي لم يعتد التردد على هذا المكان فقد يزاول ما كان يزاوله في بلده من رفع الصوت في المسجد، "لأوجعتكما ضرباً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني نهينا عن رفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وحرمته -عليه الصلاة والسلام- ميتاً كحرمته حياً، وهو حي في قبره -عليه الصلاة والسلام- حياة برزخية فوق حياة الشهداء، لكنها تخالف حياة الأحياء الذين أرواحهم في أبدانهم؛ لأنه ميت بالنص القطعي، نص الكتاب والسنة -عليه الصلاة والسلام-، لكن مع ذلك يحترم بحضرته في حياته وبعد مماته -عليه الصلاة والسلام-. "ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه البخاري. حتى قال بعضهم: إنه إذا كان حديثه -عليه الصلاة والسلام- يقرأ فلا يرفع الصوت فوق صوت القارئ الذي يقرأ حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مما ذكر في أدب المحدث وطالب الحديث. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 19 قال -رحمه الله-: "وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه" وهاتان الركعتان هما تحية المسجد ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هذه تحية المسجد، وجمهور أهل العلم على أن تحية المسجد سنة مؤكدة، وقال بعضهم بوجوبها؛ لأنه نهي عن الجلوس، والنهي عن الجلوس أمر بهذه الصلاة، لكن هل تتم المقابلة بين النهي عن الجلوس والأمر بالصلاة؟ أو المقابلة بين النهي عن الجلوس والأمر بالقيام، يعني إذا ثبت قائماً ما صلى ركعتين يكون خالف الخبر؟ ما خالف، ولذا ليس في الحديث دلالة على وجوب تحية المسجد، إنما هو منع من الجلوس إلا إذا صلى، ومع ذلك الكلام في تحية المسجد في حكمها وفي فعلها في أي وقت، تكلمنا فيه فيما سبق، في ذوات الأسباب في فعلها في أوقات النهي، والمعارضة بين مثل هذا الحديث وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) وحديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب" ثلاث ساعات مع ما بين الصبح إلى طلوع الشمس، وما بين صلاة العصر إلى غروبها تكون الأوقات خمسة، وبسطنا هذا في دروس مضت، وعرفنا أن من أهل العلم من يرى أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب مثل تحية المسجد خاصة، والخاص مقدم على العام، فتصلى هذه الصلوات الخاصة في جميع الأوقات، وهذا قول الشافعية وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام، وغيرهم من الحنفية والمالكية والحنابلة يرون العكس أن أحاديث ذوات الأسباب عامة، وأحاديث النهي خاصة، والخاص مقدم على العام. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 20 وعرفنا فيما تقدم أن الخصوص والعموم ليس مطلقاً لنقول مثل هذا الكلام، أو نرجح كلام الشافعية أو كلام الجمهور، لا، العموم والخصوص وجهي، سبق أن بسطنا هذه المسألة في أكثر من مناسبة، العموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى مرجح خارجي وليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول غيرهم لنرى من يدخل المسجد في آخر لحظة من العصر، أو مع طلوع الشمس ثم يصلي ركعتين، ليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول قول الجمهور أبداً؛ لأن ما يمكن أن يقوله الشافعية من أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، يقول غيرهم بالعكس، أحاديث ذوات الأسباب: ((إذا دخل أحدكم المسجد)) في أي وقت من الأوقات هذا عام، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين أخص منه: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" فالعموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى -كما تقدم- مرجح خارجي، فإما أن يقال كما قال الجمهور: الحظر مقدم على الإباحة فيمنع من فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، أو يقال: إن أحاديث النهي دخلها من المخصصات أكثر مما دخل مثل هذا الحديث، فالعموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله التخصيص غير المحفوظ. وعلى كل حال المسألة من عضل المسائل، يعني ليست بالسهلة بحيث يسأل الشخص ويقول: عام وخاص، والخاص مقدم على العام، لا، المسألة من تأملها ونظر فيها بدقة يجد أنها مشكلة، ومن عضل المسائل، يعني حتى قال بعض أهل العلم: لا تدخل المسجد في وقت النهي؛ لأن عليك حرج عظيم، إن صليت خالفت، وإن جلست خالفت، وبعضهم يقول: إذا دخلت المسجد لا تجلس لأنك إن جلست خالفت وإن صليت خالفت، وخلصنا فيما تقدم إلى أن النهي في الأوقات المضيقة شديد، ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وفي الأوقات الثلاثة المضيقة تتحقق العلة التي من أجلها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وهي مشابهة الكفار الذي يسجدون للشمس عند طلوعها وعند استوائها وعند غروبها، أما في الوقتين الموسعين فالأمر فيهما أخف. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 21 وجاء فعل بعض النوافل فيهما، في الوقتين الموسعين أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها، وصلى راتبة الظهر بعد العصر، فالوقتان الموسعان أمرهما أخف، فلو صلى فيهما الداخل لا حرج عليه، لكن في الأوقات المضيقة التي النهي فيها أشد، والمشابهة للكفار متحققة، هذه لا يصلى فيها؛ لأن التخصيص الذي قالوا: إنه يضعف عموم أحاديث النهي إنما جاء في الوقتين الموسعين، ما جاء في الأوقات المضيقة، اللهم إلا الفرائض، والفرائض ليست داخلة في النهي، وإلا جاء في الحديث: ((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فالفرائض ليست داخلة، أما النوافل فهي التي يشملها النهي، وعلى هذا المخصصات التي دخلت في عموم أحاديث النهي إنما هي مخصصات في الوقتين الموسعين، وليست في الأوقات المضيقة الثلاثة، إضافة إلى أن من أهل العلم من يرى أن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ليس لذات الوقتين، وإنما خشية أن يسترسل الإنسان في الصلاة إلى أن يحضر الوقت المضيق، فالنهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، وإنما سداً لذريعة الصلاة في الأوقات الثلاثة المضيقة. فالذي قررناه مراراً أن الأمرين الموسعين الأمر فيهما سهل، لو صلى الإنسان لا يثرب عليه، ولو جلس أيضاً لا يثرب عليه، أما الأوقات الثلاثة فلا وجه للصلاة فيها. البخاري -رحمه الله تعالى- لما ترجم في صحيحه في كتاب المناسك في كتاب الحج باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: وصلى عمر -رضي الله عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني طاف بعد الصبح، لكن ما صلى الركعتين إلا بذي طوى لما ارتفعت الشمس، وأورد ابن حجر في شرح الترجمة حديث جابر: "ما كنا نطوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الصبح ولا بعد العصر" لا لأن الطواف لا يسوغ في هذا الوقت، لكن لما يلزم عليه من الصلاة في وقت النهي، لكن لو أن الإنسان طاف بعد الصبح وبعد العصر وأخر الصلاة إلى أن يخرج وقت النهي انتهى الإشكال. قال -رحمه الله-: الجزء: 44 ¦ الصفحة: 22 "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود وابن خزيمة والترمذي، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وذاكرت به" يقول الترمذي: "ذاكرت به محمد بن إسماعيل" يعني البخاري "فلم يعرفه واستغربه" وعلى كل حال الحديث ضعيف، وجاء في أحاديث تنظيف المساجد الأمر بتنظيفها، والأمر بتطييبها، أحاديث صحيحة، فتغني عن هذا، لكن مع ذلك تنظيف المسجد من القرب التي يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-؛ لأنها من تعظيم بيوت الله، ومن تعظيم شعائره، ومقابل ذلك التسبب في تقذير المسجد، لذا يبحثون في الاعتكاف مسألة قص الأظافر في المسجد، أو نتف شيء من الشعر، أو سقوط شيء منه في المسجد، يقولون: عليه أن يُخرج ما تركه في المسجد من هذا القذى، والقذى الشيء اليسير الذي يجتمع في العين، شيء يسير لا يكاد يرى، فمثل هذا يخرج من المسجد، وما فوقه من باب أولى. بعض الناس يكون معه السواك جديد فيبتدئه في المسجد، ثم يبقى في فمه كسر من هذا السواك، ثم يلفظها في المسجد، هذا لا شك أنها إساءة إلى المسجد، وعليه أن يزيل ما لوث به المسجد. يقول: ((وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أرَ ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) لا شك أنه من حفظ القرآن عليه أن يحافظ عليه، من حفظ القرآن أو شيئاً منه عليه أن يحافظ عليه، ولا يجوز له أن يفرط فيما حفظه، نعم إذا نسي من غير تفريط، أو بسبب شيء خارج عن إرادته وطوقه، ضعفت حافظته، تعرض لشيء، تعرض لخرف، تعرض لنسيان، هذا ليس بمقدوره، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن يبقى أنه إذا كانت الحافظة موجودة لا يجوز له أن يفرط في القرآن {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طه] ولذا لا يجوز أن يقول الإنسان: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيت كما في الحديث الصحيح، ومع ذلك إذا أنسي عليه أن يراجع، وعليه أن يتعاهد حفظه، والله أعلم. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 23 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . ويش موضوعه. طالب:. . . . . . . . . بوده يقابلكم عنده بعض المنظومات. ما هو جارنا بالرياض؟ عادي يجي، يجي. طالب: .... يقول: لو كانت جلسة قصيرة ... ؟ لا أدري ... أنا طالع الليلة الحين .... طالب: الزواج بنية الطلاق. يدرون الطرف الثاني، المرأة تدري أو وليها أو شيء؟ طالب:. . . . . . . . . لا بعادة ولا شيء، ولا يغلب على ظنهم أنه يطلق. طالب:. . . . . . . . . ما في شيء. طالب:. . . . . . . . . الأركان كلها متوافرة؟ طالب:. . . . . . . . . النية مسألة ثانية، لكن الآن الأركان كلها متوافرة فيه، ولي وفي شهود وكل شيء متوافر، إنما يتفقون على إسقاط شيء من حقوق المرأة. طالب:. . . . . . . . . إذا اتفقوا على ذلك الأمر لا يعدوهم. طالب: رفع الصوت في المسجد .... هذا في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-. لكن يبقى أن المسألة يعني إذا كان رفع صوت بعلم لا يبلغ الطالب إلا به، أو بتكبير مثلاً في الصلاة لا يبلغ المأموم إلا به لا مانع ... طالب:. . . . . . . . . برفق، بما يحصل المقصود. طالب: يصلي ركعتي الطواف بعد السعي ... لا لا، سنة فات محلها. طالب: في الحديث: ((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله ... )) هل يقطعه الطواف؟ لا هو في المسجد، ما خرج عن المسجد ... الجزء: 44 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (45) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: لو نظرتم في وقت الدرس حيث أنه يأتي في فترة اختبارات الجامعة؟ الآن بدأت الاختبارات؟ طالب: الأسبوع القادم. ينظر هذا. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صلاة الجمعة عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)) رواه مسلم. وعن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدرهم فإن لم يجد فبنصف دينار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه أبو داود مرسلاً وفيه: ((فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع من حنطة أو نصف صاع)) وقال البخاري: قدامة بن وبرة عن سمرة لم يصح سماعه، ووهم من رواه عن الحسن عن سمرة. وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم ولفظه: "فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" وفي لفظ له قال: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس ... إذا، إذا. إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء". وعن عبد الله بن سيدان السلمي قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر -رضي الله عنه- وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره" رواه الدارقطني، واحتج به أحمد. وقال البخاري في عبد الله بن سيدان: لا يتابع على حديثه. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 1 وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب وهو قائم يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتى لم يبقَ إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] متفق عليه، وزاد مسلم: حتى لم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم أبو بكر وعمر، وفي رواية له أيضاً: أنا فيهم. وعن بقية قال: حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته)) وفي رواية: ((فقد أدرك الصلاة)) رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وهذا لفظه، وإسناده جيد، لكن تكلم فيه أبو حاتم، وقال: هذا خطأ المتن والإسناد، وقال ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية، وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته)) وهو مرسل. وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" رواه مسلم. قف على هذا، يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة الجمعة الجزء: 45 ¦ الصفحة: 2 الجُمُعة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس، كما جاء في الحديث الصحيح، والمفاضلة بينه وبين يوم عرفة عند أهل العلم معروفة، لكن خير أيام العام يوم عرفة، ويكفر سنتين، وخير أيام الأسبوع يوم الجمعة على ما قرره أهل العلم، وله خصائص وفضائل، أعني يوم الجمعة لا توجد في غيره، ذكر منها ابن القيم -رحمه الله- في الهدي عدداً كبيراً، وللسيوطي رسالة في الباب اسمها: ضوء الشمعة في خصائص الجمعة. والجمعة هو اليوم الذي وفقت له هذه الأمة، وأضل الله عنه الأمم السابقة، واختار اليهود السبت والنصارى الأحد، ووفق الله هذه الأمة لاختيار الجمعة، ولذا جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، اليوم لنا، وغداً اليهود، والنصارى بعد غد)) النصارى الأحد آخر الأيام الثلاثة، ولليهود ثانيهما وهو السبت، واليوم الأول للمسلمين، فيه تقوم الساعة، وهو يوم المسلمين، وينتظر اليهود والنصارى إلى الغد وبعد غد. والجمعة الأشهر في ضبطه بعد الاتفاق على ضم الجيم الأشهر فيه ضم الميم، جُمُعة، وبها قرأ السبعة: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [(9) سورة الجمعة] وقرأ الأعمش بسكونها جمْعة، وضبطها بعضهم بفتح الميم جمَعة كهمزة ولمزة، وفي لغية كسر الميم جمِعة، لكن الضم هو الأشهر. وهو عيد الأسبوع، وجاء في الخبر تسميته عيد؛ لأن اليهود قالوا: لو علينا نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه وهو يوم عيد، يوم عرفة يوم الوقوف في حجة الوداع وهو يوم الجمعة. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 3 الله -جل وعلا- شرع لهذه الأمة في اجتماعات من أجل تأليف القلوب، فالاجتماع بالأبدان يؤدي إلى اجتماع القلوب، فهم يجتمعون في كل يوم خمس مرات، ولولا هذه الاجتماعات لمرض من مرض، وضل من ضل، واحتاج من احتاج فلا يدرى عنه، لكن في هذه الاجتماعات المشروعة لهذه الأمة في الصلوات الخمس في اليوم والليلة إذا فقد المسلم وكانوا يفقدونه إذا غاب فرضاً واحداً؛ لأن الناس أعمالهم معروفة، من محل عمله في تجارته أو زراعته أو صناعته إلى بيته، ويصلي في مسجد واحد جميع الأوقات. الآن بعد أن تيسرت الأسباب، وسهل الانتقال من بلد إلى بلد، ومن حي إلى حي، وكثرت الأسفار يمكن أن يمر الأسبوع والإنسان ما صلى وقتين في مسجد واحد، كانوا يتفقدون الجيران فلان ما صلى أين ذهب؟ ومن الطرائف أن شخصاً فقد في فرض من الفروض فطرقوا عليه البيت بعد الصلاة مباشرة، أين ذهب فلان؟ قالت زوجته: غائب ليس بحاضر، قالوا: لا، رأيناه، ليس بغائب، هم رأوه قبل الصلاة، فألحوا عليها فخرج مرتدياً ثوب صلاة زوجته، ما عنده ثوب يلبسه، ليس عنده ثوب، هذا الكلام قبل سبعين سنة. المقصود أنهم أغاثوه وأعانوه وتصدقوا عليه، لكن لولا هذه الصلوات الخمس التي شرعت .. ، من حِكم مشروعيتها مثل هذا الأمر، يمكن يموت جوعاً في بيته ولا يدرى عنه؛ لأن بعض الناس يصعب عليه أن يسأل الناس، يصعب عليه، قد يقول قائل: أين ثوبه الذي رأوه عليه قبل الصلاة؟ هي قصة لكنها حقيقة تذكرنا بنعم الله علينا، هذا الشخص ليس عنده ما يأكل، لا هو ولا زوجته، خرج قبل الصلاة، وبحث عن من يقرضه فما وجد، فنزل بصاحب له فأصر إلا أن يقرضه ريالاً من أجل أن يشتري به ما يأكل بعد الصلاة، ذهب إلى المسجد ليستنبط الماء من البئر فوقع الريال في البئر، خلع ثوبه ونزل بالبئر ليبحث عن الريال فما وجده، لما خرج وجد الثوب مسروقاً، فلما كبر الإمام في الصلاة عرف أن الجماعة كلهم حاضرين ما في أحد يتخلف، والشارع ما يصير فيه أحد في هذا الوقت، وقت الصلاة الشوارع ما فيها أحد، خرج مسرعاً عارياً إلى بيته دخل وأغلق الباب، ثم جاءوا يسألون عنه إلى آخر القصة. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 4 المقصود أن نعم الله علينا تترى ولا تعد ولا تحصى، يعني الطفل إذا أراد أن يذهب إلى المدرسة تعطيه ريال أو ريالين أو ثلاثة ما يرضى، أقل شيء خمسة، الابتدائي يا الله خمسة، والله المستعان. أقول: من حكم مشروعية الجماعة تفقد أحوال المسلمين بعضهم لبعض، لنا هذه الاجتماعات اليومية في اليوم والليلة خمسة مرات، والأسبوعية مثل الجمعة من الجمعة إلى الجمعة، وهي تضم البلد، المسجد يضم الحي، والجمعة تضم البلد، ثم بعد ذلك لنا اجتماعان في العام في العيدين، ثم الاجتماع الأكبر للأمة أو لمن حج منها في موسم الحج. مع الأسف أن الحكم من مشروعية هذه الاجتماعات قد لا يستحضرها كثير من المسلمين، ولذلك لا تترتب عليها آثارها، يصلي ويرى أخاه على معصية وكأن الأمر لا يعنيه، يفقد أخاه اليوم واليومين والثلاثة وكأن الأمر لا يعنيه، فديننا دين الائتلاف والاجتماع والاتحاد اتحاد الكلمة، وعدم التفرق والتنازع المورث للفشل. هذه الصلاة -أعني صلاة الجمعة- من فروض الأعيان على الذكور الأحرار البالغين المقيمين المستوطنين، ولا يعذر في التخلف عنها إلا من لا تجب عليه من المرأة والطفل يؤمر بها لسبع، ويضرب عليها لعشر كسائر الصلوات، لكن لا على سبيل الوجوب كالبالغين؛ لأن القلم مازال مرفوعاً عنه. المسافر ليس عليه جمعة، لكن إذا سمع النداء يلزمه الإجابة كسائر الصلوات، والعبد لا تلزمه الجمعة؛ لأنه مشغول بأعمال سيده، ومن أهل العلم من يقول: إنها تلزمه، وهذه مستثناة شرعاً من خدمة السيد، فلا يجوز له أن يمنعه كسائر الصلوات. على كل حال الأحرار البالغون المستوطنون من الرجال تلزمهم الجمعة فرض عين على كل واحد منهم، والجمعة أمرها شديد، وشأنها عظيم، ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)). الجزء: 45 ¦ الصفحة: 5 وفي الحديث الأول "عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم-" ثلاثة عبد الله بن عمر وأبوه وأبو هريرة ثلاثة "-رضي الله عنهم- أنهما" عبد الله بن عمر وأبو هريرة "أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فالترضي عن الثلاثة، والرواية لاثنين "سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره" على أعواد منبره، يعني المنبر الذي اتخذ من الأعواد من الخشب الذي صنعه غلام امرأة من الأنصار، لما استأذنت النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن تصنع له منبر فأجابها إلى ذلك فصنعت المنبر، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب يستند إلى جذع نخلة، لما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- وخطب على المنبر حن الجذع، فلم يسكت حتى ضمه النبي -عليه الصلاة والسلام-. هذا المنبر الذي هو من أعواد مكون من ثلاث درجات، يعني ارتفاعه بقدر الحاجة؛ لأن الخطيب ينبغي أن يكون مشرفاً على من يخطب فيهم ليروه، لأن الرؤية لها أثر في فهم وسماع ما يقال، والتأثر بما يقال، ولذا نجد الطلاب في الدروس منهم من يحرص على الدرس، ويقترب من الشيخ الملقي، ومنهم من يبتعد، ومنهم من ينظر إلى الشيخ، ومنهم من لا ينظر، وقد يكون سماع الأبعد أقوى من سماع الأقرب، لكن مع ذلك القرب له شأنه في فهم ما يقال، بعض الناس يقول: أنا أحرص على الصف الأول في المسجد، وأجلس في الصف الأول، والدرس خلف الصف الأول، نقول: أنت في وقت الدرس تنتبه للدرس وتقرب من الدرس، وبقدر حرصك تثاب وتحصل. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 6 "على أعواد منبره -عليه الصلاة والسلام-" سمعاه يقول: ((لينتهين أقوام)) هذه اللام موطئة لقسم محذوف، وفي جواب قسم محذوف، والله لينتهين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقسم في أكثر من ثمانين موضعاً كما قال ابن القيم على الأمور المهمة ((لينتهين)) ينتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد من غير فاصل ((لينتهين أقوام)) جمع قوم، والقوم هم الرجال، وبعضهم يدخل النساء في القوم، ومنهم من يقول: إن النساء لا تدخل في القوم، أما في حديث الباب فلا تدخل؛ لأن النساء لسن من أهل الجمعة، وأما على سبيل العموم "يا قوم" هل يدخل فيه النساء أو لا يدخل؟ نعم {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ ... وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} [(11) سورة الحجرات] هذه حجة من يقول: إن النساء لا تدخل في القوم، ومنهم من يقول: إن النساء داخلات في القوم، والتنصيص عليهن في الآية لأن السخرية عندهن أكثر، فاحتيج إلى التنصيص عليهن، على كل حال هنا لا يدخل النساء. ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات)) ودع: ترك، وهو مصدر، فالمصدر مستعمل، ودع يعني ترك، ودع يعني اترك ((من لم يدع)) من لم يترك، لكن الماضي كما قال أهل العلم أميت من هذه المادة، يعني ما استعمل ودعَ، وقرئ في الشواذ: {ما وَدَعَك ربك} [(3) سورة الضحى] لكن أهل العلم ينصون على أن الماضي قد أميت، استعمل المصدر الذي هو الأصل، أصل المادة كما هنا، استعمل دع يعني اترك ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) واستعمل يدع ((من لم يدع قول الزور)) وأما الماضي فكما سمعنا أميت، وقرئ كما ذكرنا في الشواذ: {ما وَدَعَك ربك} يعني ما تركك. ((عن ودعهم)) يعني تركهم ((الجمعات)) جمع جمعة، الجمعات جمع، والجمع على الخلاف بين أهل العلم هل يتناول المرتين أو أقله الثلاث، وجاء في الخبر: ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)) ولا يعني هذا أن ترك الجمعة الواحدة والثنتين لا شيء فيه، لا، أمر عظيم، ومن عظائم الأمور ترك الجمعة، ويقرر أهل العلم أن ترك الجمعة من باب تيسير العسرى، واضح الكلام وإلا ما هو بواضح؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . إيش؟ الجزء: 45 ¦ الصفحة: 7 طالب:. . . . . . . . . تقرأ سورة الليل؟ طالب:. . . . . . . . . {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل]؟ طالب:. . . . . . . . . كمل. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ كم؟ طالب:. . . . . . . . . {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] بخل واستغنى، كذب وتولى ... إلى آخره، هذا ميسر للعسرى، يعني النار، من ترك الجمعة .. ، ترْك الجمعة من باب تيسير العسرى، يعني النار، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ طالب:. . . . . . . . . {فأما من بخل {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(8 - 10) سورة الليل] قالوا: ترك الجمعة من باب تيسير العسرى؛ لأن الإنسان الذي يسمع هذا الكلام مجرداً عن الآية، يعني أنه من باب التسهيل على المسلم والتخفيف عنه، يحتمل هذا؟ طالب:. . . . . . . . . يحتمل هذا، الذي لا يقرأ الآية التي ذكرناها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] ترك جمعة واحدة من غير عذر من عظائم الأمور، وترك اثنتين أشد، وأما الثلاث ليختمن الله على قلوبهم، طبع الله على قلبه، الختم هو الشد والاستيثاق على القلب بحيث لا يدخله خير، يكون القلب حينئذٍ مطبوع عليه {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} [(7) سورة البقرة]. ((أو ليختمن الله)) وهذا مثل: ((لينتهين)) مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة. ((ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن)) ثم ليكونُن ما هي يكونَن، لا، ويش الفرق بينه وبين الذي قبله: ((ثم ليكونُن من الغافلين)) الفاعل في الأول والثاني ظاهر، فما فيه ضمير يكون فاعل، هنا في الأخير الفاعل ضمير، واو الجماعة. طالب:. . . . . . . . . ((ثم ليكونن من الغافلين)) ففصل بين الفعل وبين نون التوكيد الثقيلة بالضمير الذي هو الفاعل، ولا يبنى الفعل المضارع مع نون التوكيد إلا إذا كانت مباشرة. . . . . . . . . . ... وأعربوا مضارعاً إن عريا من نون توكيد مباشر ومن ... نون إناث كيرعن من فتن ((ثم ليكونن من الغافلين)) الذين يغفلون عن مصالحهم فلا يجلبون لأنفسهم خيراً، ولا يتقون ولا يدفعون عن أنفسهم شراً. "رواه مسلم". الجزء: 45 ¦ الصفحة: 8 ثم بعد هذا قال: "وعن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب" قدامة بن وبرة مجهول لا يدرى من هو؟ فالخبر بسببه ضعيف "عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ترك الجمعة في غير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه أبو داود مرسلاً، وفيه: ((فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع)) قال البخاري: قدامة بن وبرة لم يصح سماعه" يعني من سمرة، فهو منقطع، إضافة إلى كونه مجهولاً لا يعرف "وقال البخاري: قدامة بن وبرة لم يصح سماعه من سمرة" يعني فيه علتان: الأولى: الجهالة في قدامة بن وبرة، ومن شرط قبول الراوي أن يكون معروفاً بالثقة، لا يكفي أن يكون معروفاً فقط، بل لا بد أن يكون معروفاً بالثقة، وهذا مجهول لا يدرى. لم يصح سماعه أيضاً من سمرة، ووهم من رواه عن الحسن عن سمرة، بل هو من رواية قدامة بن وبرة، ولذا الكفارة هذه ليست صحيحة، يعني تقدمت الكفارة في وطأ الحائض، والخلاف في ثبوت الخبر، والأكثر على تضعيفه، لكن هذا ضعيف باتفاق. قال -رحمه الله-: "وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم، ولفظه: "فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" وفي لفظ له: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء". الجزء: 45 ¦ الصفحة: 9 الرواية الأولى والثانية يستدل بهما من يرى أن الجمعة تصح قبل الزوال، لكن الرواية الثالثة -اللفظ الثالث- مفسر، والحديث واحد: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس" يعني بعد الزوال، "ثم نرجع نتتبع الفيء" فدل على أن قوله "ليس للحيطان ظل يستظل به" ظل موصوف بكونه يستظل به، والناس يخرجون جماعات بعد صلاة الجمعة فلا يوجد ظل يستظل به المصلون كلهم، مما يدل على أن هذه الصلاة يبادر بها في أول وقتها بعد الزوال بخلاف صلاة الظهر، لا سيما إذا اشتد الحر فإنه يبرد بها من أجل أن يستظل الناس، وأما الجمعة فإنه يبادر بها فيخرجون يتتبعون الفيء، يبحثون عن الظل فلا يوجد ظل يستوعبهم، ظل يستظل به، وأما فيء الزوال فموجود، ليس للحيطان فيء مبالغة في العجلة بها، وعدم تأخيرها، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به، والرواية الثانية: وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به، ومعلوم أنهم إذا خرجوا جماعات لا يجدون ظل يستظلون به، لكن قد يستظل الواحد والاثنين يلتصقان بالجدار، أما البقية فلا يوجد ظل يستوعبهم لكثرتهم، وعلى كل حال الحديث بروايتيه الأولى والثانية دليل للحنابلة، لأحمد وإسحاق الذين جوزوا الصلاة -صلاة الجمعة- قبل الزوال، وعلى خلاف بينهم هل تصلى في أول النهار كصلاة العيد أو وقتها يبدأ من بداية وقت صلاة العيد؟ وعند الحنابلة رواية أنها تصلى في الساعة السادسة، وهذه هي التي اختارها الخرقي؛ لأنه من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، في الرابعة كأنما قرب دجاجة، في الخامسة بيضة، ثم السادسة يدخل الإمام، فتصلى في الساعة السادسة، لكن متى تبدأ الساعة السادسة؟ الساعات مقدار من الزمان من غير تحديد، ليست هي الساعات الفلكية التي استحدثت فيما بعد بحيث تكون الساعة ستين دقيقة متساوية مع الساعة التي تليها والتي قبلها، إذا قيل: تحدثا ساعة يمكن أن تكون الساعة نصف ساعة فلكية، ويمكن تكون ساعتين، المقصود أنها مقدار من الزمن ليس محدداً، إنما يقسم الوقت من ارتفاع الشمس وحل الصلاة إلى دخول الإمام على خمسة أو على ستة، فيخرج مقدار الجزء: 45 ¦ الصفحة: 10 الساعة، قد تكون الساعة ساعة، وقد تكون ساعة إلا خمس، كما هو الشأن في الشتاء، أو ساعة وربع كما هو الشأن في الصيف؛ لأن بين طلوع الشمس إلى الزوال في الصيف أطول مما بين طلوع الشمس إلى الزوال في الشتاء بمقدار ساعتين من ساعاتنا، فالساعة ليست محددة، المقصود أن الحنابلة عندهم أنه يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال استدلالاً بهذه الأحاديث، لكن الرواية الثالثة أو اللفظ الثالث مفسر: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء" إذا زالت الشمس هذا ما يحتاج إلى تأويل، يعني بعد أن تزول الشمس، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وأن وقتها هو وقت صلاة الظهر، يبدأ من بعد الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله، مثل الظهر، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وعليه الفتوى، والآن نص أن الجمعة لا تصح قبل الزوال. الظل هو الفيء، والفيء مأخوذ من الرجوع، من فاء إذا رجع، والظل بدلاً من أن يكون إلى جهة المغرب في أول النهار بعد الزوال ينتقل إلى المشرق؛ لأن الشمس مالت إلى جهة المغرب. "وعن عبد الله بن سيدان السلمي قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر -رضي الله عنه- وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره" رواه الدارقطني، واحتج به أحمد" يعني على جواز الصلاة -صلاة الجمعة- قبل الزوال، لكن الحديث ضعيف. يقول الإمام البخاري في عبد الله بن سيدان: "لا يتابع في حديثه" لا يتابع بل هو ضعيف. يقول النووي -رحمه الله تعالى-: "اتفقوا على ضعف ابن سيدان، وحديثه لا يحتج به في مقابل ما جاء في الصحيحين وغيرهما". الجزء: 45 ¦ الصفحة: 11 "وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" القيلولة هي النوم في منتصف النهار، وهي من أنفع الأوقات للنوم بعد نوم الليل، بخلاف النوم في أطراف النهار في أوله وفي آخره فهو نوم لا يفيد البدن، بل يزيد في تعبه، أما القيلولة فهي ثابتة شرعية عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الأمر في ذلك سعة الإنسان الأصل فيه أن ينام بالليل، ويسعى في النهار، هذه السنة الإلهية، الليل سكن والنهار معاش، لكن كثير من الناس بعد أن فتحت الدنيا على المسلمين صاروا بالعكس، ووجد ما يعينهم على السهر ويسهله عليهم من وسائل الحضارة الكهرباء ووسائل الترفيه، قبل الكهرباء كيف يسهرون الناس في الظلام؟ يستغلون هذا الظلام بالنوم، كما هو السنة الإلهية، والنهار معاش، والظروف مناسبة لتطبيق هذه السنن الإلهية، لكن الآن الليل عند كثير من الناس أمتع وأحسن للاجتماعات والأسفار واللقاءات من النهار، تجد كثير من الأعمال إنما تقضى بالليل، والأسفار أكثرها إنما يكون بالليل، وهذا قلب للسنة الإلهية، ومضر أيضاً بالبدن، فإذا نام قسطاً كافياً من الليل، وعمل من أول النهار في أمور دينه ودنياه احتاج إلى أن يرتاح في منتصف النهار، وهو ما يسمى بالقيلولة "ما كنا نقيل ولا نتغدى" يعني نتناول الطعام الذي يؤكل في وسط النهار، وكانت طريقة العرب الأكل في أول النهار في الغداة، والعشاء بالعشي، فما كنا نتغدى، ثم صار وقت الغداء منتصف النهار "إلا بعد الجمعة". الجزء: 45 ¦ الصفحة: 12 "وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه، واللفظ لمسلم" هذا من أقوى الأدلة التي يستدل بها الحنابلة على أن صلاة الجمعة تفعل قبل الزوال، لكن إذا عرفنا طريقة أهل ذلك الزمان لا سيما في المدينة الذين نزل عليهم القرآن نجد قيلولتهم بعد الظهر {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] فنومهم بعد الظهر، وإن كان الأصل أن القيلولة في وقت القائلة، وهي شدة الحر في آخر الضحى، لكن جرت عادتهم أن قيلولتهم إنما تكون بعد الظهيرة {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] فلا يكون فيه مخالفة لما سبق، ولا يعارض قول الجمهور، وإلا فالحديث متفق عليه، يعني إذا قلنا: إن حديث عبد الله بن سيدان فيه كلام، فهذا الحديث متفق عليه، لكن توجيهه ما سمعتم. "متفق عليه، واللفظ لمسلم". "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب وهو قائم" نعم هذا هو المعروف من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يخطب قائماً، وكان أبو بكر كذلك يخطب قائماً وعمر وعثمان وعلي، وأول من خطب جالساً معاوية -رضي الله عنه وأرضاه-؛ لأنه ثقل في آخر عمره ركبه اللحم والشحم، وضعف فصار يخطب جالساً، فجلوسه للحاجة، وأهل العلم يختلفون في حكم القيام في الخطبة، فمنهم من يرى أنه سنة؛ لأن الخطبة يمكن أن تتأدى من قعود، ومنهم من يرى الوجوب، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأصل فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما فعل خلافه ولا مرة؛ ليدل على الجواز، إنما خطب جميع خطبه -عليه الصلاة والسلام- قائماً، وكذلك خلفاؤه من بعده. "كان يخطب وهو قائم يوم الجمعة فجاءت عير" العير هي الإبل المحملة بالبضائع "فجاءت عير من الشام" في وقت هم بأمس الحاجة إليها، هم محتاجون لما تحمله هذه الإبل، وهذه العير من البضائع التي تستورد من الشام. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 13 "فجاءت عير من الشام فانفتل" يعني انصرف، يعني خرجوا من المسجد إلى هذه العير، الجيل المثالي جيل الصحابة مما يدل على أن البشر مهما بلغوا من الاتباع والتدين أنهم لن يخرجوا عن إطار ما جبلوا عليه من طبائع البشر، نعم الدين يهذبهم ويربيهم ويأطرهم على الحق والخير والفضل لكنه لا يخرجهم عن طبيعتهم البشرية ((إنما أنا بشر)) يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وكسائر البشر يمرض -عليه الصلاة والسلام- ويأكل ويشرب ويصيبه ما يصيب البشر إلا أنه معصوم -عليه الصلاة والسلام- ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع)) فالصحابة أيضاً بشر، وقد يقول قائل: الصحابة الذين نزل عليهم القرآن بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ونظروا إليه وإلى أفعاله وهديه كيف يخرجون والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب؟! أنت لو أنت بحضرة شخص من الصالحين ما خرجت وهو يتكلم أو شيخ تهابه وتجله ما خرجت وهو يتكلم، فكيف بالصحابة ويخرجون من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! الجزء: 45 ¦ الصفحة: 14 "فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها -انصرفوا إليها- حتى لم يبقَ إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] " قائماً: هذا وصفه وهو يخطب -عليه الصلاة والسلام- يخطب من قيام {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} [(11) سورة الجمعة] انصرفوا إليها {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] تخطب هذا عتاب من الله -جل وعلا- للصحابة -رضوان الله عليهم-؛ لأن الإنسان إذا حضر للخطبة لا يجوز له أن يقول لجاره: أنصت، اسكت، لا يجوز له أن يمس الحصى، لا يجوز له أن يعبث ولا يلغو، فكيف به ويخرج من المسجد ويترك الخطيب؟! وهل في هذا عذر أن يكون محتاجاً إلى هذه البضاعة؟ هل هو عذر في أن يترك الإمام وهو يخطب؟ قد يقول قائل: هذا عذر، لو كان عذراً ما عوتبوا، وهل ارتكبوا محرماً أو خلاف الأولى؟ الذي صلى خلف معاذ وترك نواضحه وخشي على الماء الذي تستنبطه هذه النواضح خشي فانصرف وترك الصلاة مع معاذ لإطالته وصلى بمفرده وانصرف، وما عاتبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ترك الصلاة وانصرف، صلى صلاة خفيفة وانصرف، وهؤلاء قد يكونون بحاجة إلى هذه البضائع، تركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- قائماً يخطب وانصرفوا، فعاتبهم الله -جل وعلا-: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [(11) سورة الجمعة] ذمهم {تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] {تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] التجارة واضحة هذه العير محملة بالبضائع، اللهو ما الذي حصل بالفعل؟ يعني سبب نزول الآية أنه جاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها، فنزل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] هم رأوا تجارة، أو رأوا ما يدل على حصول شيء، الآن رؤيتهم للتجارة وهم في المسجد هل هي رؤية بصرية أو علمية؟ يعني بلغهم، أو سمعوا ما يدل على حضور شيء؟ هم في المسجد، والمسجد محاط بالجدران، والله -جل وعلا- يقول: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] ما اللهو الذي الجزء: 45 ¦ الصفحة: 15 رأوه؟ وما معنى (أو) هنا؟ (أو) للتقسيم يعني بعضهم خرج للتجارة وبعضهم خرج للهو؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . بمعنى (بل) يعني رأوا تجارة بل لهو، والتجارة لهو؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . إيه هي رؤية علمية لا بصرية؛ لأنهم في المسجد، قد تكون (أو) للتقسيم يكون بعضهم خرج للتجارة وبعضهم خرج للهو، وقد تكون بمعنى (بل) كما أشار الأخ، وأنهم وإن كانت .. ، وإن كان السبب والمخرج لهم التجارة على حد زعمهم إلا أنهم تركوا التجارة الحقيقية في المتاجرة مع رب العالمين، وخرجوا إلى اللهو، أمور الدنيا كلها لهو، التجارة الحقيقية: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(10) سورة الصف] {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه التجارة الحقيقية، والدنيا كلها لهو {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} [(20) سورة الحديد] وهذا تزهيد في الدنيا، تزهيد بعروض الدنيا، ومتع الدنيا {انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] فالحديث دليل على أن خطبة الجمعة إنما تؤدى من قيام. ومن شرط الجمعة تقدم خطبتين يجلس بينهما الخطيب، شرط لصحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان. "متفق عليه، وزاد مسلم: "حتى لم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم أبو بكر وعمر" وفي رواية له أيضا ً -من حديث جابر-: أنا فيهم" يعني من الاثنا عشر أبو بكر وعمر وجابر، ولم يسم من خرج ستراً عليهم؛ لأن مثل هذه الأمور لا تحصل فيها التسمية، كثير من القضايا التي حصل فيها شيء من الخلل بالنسبة لبعض الأشخاص فإنه لا يسمى ستراً عليه. فالحديث دليل على أن الخطبة إنما تؤدى من قيام، وأوجبها أوجب القيام جمع من أهل العلم، واستحبه آخرون، بل منهم من زاد على ذلك فقال: القيام شرط، وأن الخطبة لا تصح من قعود، والذي يظهر أن أوسط الأقوال أنها واجبة، ويأثم بالجلوس، لكن الخطبة صحيحة. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 16 وعن بقية وهو بن الوليد وهو معروف بالتدليس قال: "حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وبقية صرح بالتحديث قال: "حدثني يونس بن يزيد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى)) " وفي الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة في صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وهنا: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها)) يعني من الصلوات: ((فليضف إليها أخرى)) يعني إذا كانت الصلاة ثنائية كالجمعة والفجر ((وليضف إليها ثلاثاً)) كما في البيهقي إذا كانت صلاة العصر، وأدرك من وقت المغرب ركعة يضف إلى هذه الركعة، أو يضيف إلى هذه الركعة ركعتين وهكذا. المقصود أن من أدرك ركعة سواءً كانت من صلاة الصبح أو صلاة العصر كما جاء في الصحيح، أو الجمعة كما هنا على خلاف في ثبوت الخبر أو غيرها من الصلوات كما أشار إليه خبر الباب. ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها)) وكلٌ على مذهبه بما تدرك به الركعة، فالجمهور أن الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، ومنهم -وهو قول أبي هريرة والبخاري ويرجحه الشوكاني- أن الركعة لا تدرك إلا بقراءة الفاتحة مع الإمام، المسبوق الذي لا يقرأ الفاتحة لا يكون قد أدرك الركعة عند هؤلاء، لكن عامة أهل العلم على أن الفاتحة والقيام يسقط، يكبر تكبيرة الإحرام من قيام ثم يركع يتابع الإمام، وبذلك يكون قد أدرك الركعة إذا لم يرفع الإمام قبل اعتداله بالركوع. ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى)) لأنه في الحديث الصحيح: ((من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) قد يفهم من يفهم أنه إذا أدرك الصبح بركعة أنها تكفي، أدرك الصبح، لكن جاء في الخبر ما يبين أنه لا بد من إتمام الصلاة، يضيف إليها ما بقي، سواءً كانت ركعة أو أكثر. ((وقد تمت صلاته)) وفي رواية: ((فقد أدرك الصلاة)). الجزء: 45 ¦ الصفحة: 17 إدراك الجماعة على ما تقدم يكون عند الجمهور بإدراك جزء منها، وينص الفقهاء على أن من كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، يعني إذا أدرك أي جزء من الصلاة قبل سلام الإمام أدرك الجماعة، والذي يرجحه شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وأن ما دون الركعة لا يسمى صلاة، فلا يحصل به إدراك كالجمعة، أما بالنسبة للجمعة فهي محل اتفاق أن الذي لا يدرك ركعة كاملة لا يدرك الركوع الثاني مع الإمام في صلاة الجمعة فإنه يصليها ظهراً، تكون فاتته الجمعة إذا لم يدرك ركعة، ورفع الإمام من الركعة الثانية فعليه أن يصليها ظهراً. طيب دخل والإمام يرفع من الركعة الثانية، أو دخل وهو راكع فلم يدرك الركعة الثانية، ولا يعرف هل هي الركعة الأولى أو الثانية؟ فهل ينوي ظهر وإلا ينوي جمعة وقت الدخول؟ ثم إذا تبين له أنها الثانية فلا بد أن يصليها أربعاً، وقد نواها احتمال ينويها جمعة؛ لأنه ما يدري، واحتمال أن ينويها ظهراً على أنها الثانية، ثم يتبين أنها الأولى، فهل تصح منه جمعة وقد نواها ظهراً؟ وهل تصح منه ظهراً وقد نواها جمعة؟ ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) فلا بد أن يتبين قبل أن يدخل، وإذا دخل متردداً فقال: إن كانت الأولى فهي جمعة، وإن كانت الثانية فهي ظهر، تصح بهذه النية أو لا تصح؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب: الله أعلم. نبي علم الطلاب ... هاه؟ يعني في حديث عمر: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) لا. . . . . . . . . مع التردد لا بد من الجزم بالنية، طيب إذا قال ليلة الثلاثين من شعبان: والله ما أنا منتظر حتى يعلن عن الشهر بأنام، فإن كان غداً من رمضان فهو فرضي، ثم أصبح وصام، ثم بعد ذلك عرف أنه من رمضان عند الجمهور لا يصح الصيام، وشيخ الإسلام يقول: ليس بإمكانه إلا هذا، فعلى هذا يصح صيامه، والمسألة لا بد فيها من التحري، هذه نية، والنية شرط لصحة العبادة، فلا بد أن يدخل العبادة بيقين وجزم لا يتردد. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 18 "رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وهذا لفظه، وإسناده جيد، لكن تكلم فيه أبو حاتم وقال: هذا خطأ في المتن والإسناد" أما أن يقول: إن الحديث لا يعرف من حديث ابن عمر، وإنما هو من حديث أبي هريرة، وأنه لا يعرف لفظ الجمعة، وإنما لفظ الصلاة، وعلى كل حال ما يخشى من تدليس بقية فقد زال بتصريحه بالتحديث، وبقية معروف بتدليس التسوية. "وعن بقية قال: حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله" والمدلس تدليس تسوية لا بد أن يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند؛ لأنه قد لا يحذف شيخه بل قد يحذف شيخ الشيخ، وعلى كل حال هذا الخبر مختلف فيه إلا أن حكمه متفق عليه، وأن من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة، فعليه أن يضيف إليها أخرى، ومن أدرك أقل من ركعة فإنه يصليها ظهراً. "خطأ في المتن والإسناد، وقال ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية، وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يعني مرسلاً: ((من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته)) وهو مرسل" يعني من حديث سالم ولم يذكر فيه ابن عمر. "وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً" وهذا مما يؤيد ما سبق من أن الخطبة لا بد أن تكون من قيام، كما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- وخلفاؤه من بعده. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 19 "كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم" يجلس بين الخطبتين ثم يقوم للثانية فيخطب قائماً "فمن نبأك" أي أخبرك "أنه كان يخطب جالساً فقد كذب" يعني خالف الواقع، سواءً كان قاصداً للكذب أو غير قاصد "فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" الآن الصلاة التي يستدل بها بحضوره إياها جميع الصلوات وإلا صلاة الجمعة التي فيها الخطبة؟ أو الصلوات التي فيها الخطبة سواءً كانت صلاة جمعة أو عيد أو استسقاء؟ لأنه يتكلم عن الخطبة من قيام فتشمل جميع الخطب صلى معه أكثر من ألفي صلاة، إذا قلنا: جمعة فالسنة فيها خمسين جمعة، والألف بعشرين سنة، والألفين بأربعين سنة، إذا قلنا: هذا خاص بالجمعة، يحتاج إلى أربعين سنة ليصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ألفي صلاة، وإذا أدرجنا فيها الأعياد الاستسقاء، وإن كان قليل يعني ما هو مثل الأعياد السنة مرتين، يعني في عشر سنوات يصلي عشرين نعم، الجمع اللي هي خمسين، إذا قلنا: في السنة مرتين عشرين عيد في عشر سنوات، وفي عشرين أربعين عيد، لن يصل إلى ألفين حتى ندخل الصلوات الخمس إلا إذا قلنا: إن العدد غير مراد، والمراد بذلك التكثير، وأنه ما تخلف عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا إذا قلنا: الجمعة فألفي جمعة تحتاج إلى أربعين سنة، فإذا أدخلنا معها الأعياد يعني قل العدد قليلاً، فلعل المراد الصلوات الخمس أو جميع الخطب في حياته -عليه الصلاة والسلام-، يخطب في الصلوات وغير الصلوات، في كل مناسبة يخطب -عليه الصلاة والسلام-، لكنه يقول: صلاة، والعدد الذي ذُكر لعله إلى المبالغة أقرب منه إلى الحقيقة. "رواه مسلم" والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 20 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (46) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: أريد أن أبدأ في حفظ أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما تيسر منها تدريجياً، فمن أي الكتب أبدأ؟ وما نصيحتكم؟ وتوجيهكم لذلك؟ أولاً: العادة والجادة عند أهل العلم أن يبدأ بالأربعين النووية، ثم بعد ذلك العمدة في أحاديث الأحكام، ثم البلوغ أو المحرر، ثم إذا كانت الحافظة تسعف، والهمة سمت وعلت لحفظ كتب السنة المسندة الأصلية فليبدأ بالبخاري. يقول: ظروف العديد من أقاربي صعبة للغاية، وقد عاهدت الله إن رزقني من فضله أن أتعاهدهم، وأدخل السرور عليهم، فأدعُ الله أن يوسع ويبسط لي الرزق؟ هذا يطلب الدعاء أن يوسع عليه، نسأل الله -جل وعلا- أن لا يحرمه ما أراد، لا سيما وأن نيته طيبة، لكن ليحذر كل الحذر من إخلاف مثل هذا العهد؛ لئلا يدخل في قوله -جل وعلا-: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [(75) سورة التوبة] ثم بعد ذلك إذا رزق المال ونفّذ هذا العهد وفى بما عليه وأجر، لكن إن بخل هذه المشكلة {فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ} [(76) سورة التوبة] نسأل الله العافية {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [(77) سورة التوبة] المسألة ليست بالسهلة، العهد ليس بالسهل، لا سيما مع الله -جل وعلا-. هذا يقول: هل تنصحون بالسماع لبعض الدعاة والوعاظ لترقيق القلوب وتهذيبها؟ يقول: منهم المتكلم فيهم في أمور المنهج وطريقة الدعوة؟ الجزء: 46 ¦ الصفحة: 1 على كل حال الحكمة ضالة المؤمن، فإن وجدها عند أهل التحقيق فلا يعدل بهم إلى غيرهم، وإن وجد عند غيرهم ما ينفعه ويفيده فيأخذ منهم بقدر الحاجة، ومثال ذلك في المتقدمين: أعمال القلوب، وما يتعلق بها وعلاج أمراضها موجودة بكثرة عند ابن القيم وابن رجب، هذه تؤخذ منهم بدون تردد، وموجودة أيضاً في إحياء علوم الدين للغزالي، وفيه ما فيه هذا الكتاب، وفي مؤلفه ما فيه مما ذكره أهل العلم من مخالفات، والكتاب يشتمل على أحاديث موضوعة، ويشتمل على عقائد مخالفة، المقصود أنه يؤخذ منه بقدر الحاجة، وقل مثل هذا في من يوجد الآن؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن أخس مخلوق وشر مخلوق وهو الشيطان: ((صدقك وهو كذوب)) فلم يمتنع أبو هريرة من أخذ الفائدة منه، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن مع ذلك لا يطغى هذا الجانب بحيث يغفل أهل العلم وأهل التحقيق وأهل الفضل، ويعاقب الإنسان لأن مثل هذه الأمور إذا جنح عن الكفء والأهل إلى غيره فإنه حينئذٍ يعاقب بأمور قد تطغى على قلبه وهو لا يشعر، لكن على كل حال إذا أخذها بقدر الحاجة مع الحذر الشديد من التأثر بما عندهم من مخالفات لا أرى مانعاً من ذلك. يقول: كثرت المطالب بإنشاء أندية نسائية في بلاد الحرمين، فما الحكم في ذلك؟ هذه خطوات الشيطان، يبدأهم بالمطالبة من أجل المحافظة على الصحة، وسمعنا من يقول بأن الرياضة للنساء ضرورية أو ضرورة؛ لأن كثير منهن ابتلين بالسمنة، والسمنة مظنة الأمراض، والمحافظة على البدن واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به ... ، هذه ضرورة، يقولون: من الضرورات الخمس المحافظة على النفس، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الخذلان، هذه خطوات الشيطان. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 2 ويقول في أول الأمر: إنه تنشأ أندية رياضية نسائية بالضوابط الشرعية، يعني مثل ما مر على البلدان الأخرى، ما في بلد من البلدان ظهرت النساء تلعب الكرة بالملابس مثل ما يفعله الذكور أبداً، أول الأمر ضوابط شرعية، وقد يلعبون الكرة بالعباءات في أول الأمر، ثم تضايقهم العباءة فيتخلون عنها، ويجدون من يفتيهم، ثم بعد ذلك الثياب العادية ما يمكن مزاولة الرياضة بها، وهكذا إلى أن نجد أنفسنا لا فرق بيننا وبين غيرنا، ثم بعد ذلك نقضي على جميع مميزاتنا تدريجياً، والله المستعان. يقول: تفشت في الأسواق المنكرات بشكل كبير ما دور طلاب العلم تجاه هذه المنكرات؟ كل مطالب بالإنكار، كل على حسب قدرته واستطاعته، والذي لا يستطيع أن ينكر يبلغ من يستطيع، وتبرأ ذمته بذلك، والتعاون هو المطلوب، التعاون على البر والتقوى المأمور به، المطلوب التعاون على البر والتقوى، فإذا علم الله -جل وعلا- صدق النية من هؤلاء المنكرين أعانهم ووفقهم ورفع عنهم ما يترتب على هذه الذنوب من عقوبات. يقول: ما رأيكم في المناداة بجعل إجازة الأسبوع الجمعة والسبت بدلاً من الخميس والجمعة؟ وهذه أيضاً من تسويل الشيطان للإنسان؛ لأنهم إذا تجاوزوا ووافقوا اليهود في إجازتهم فموافقة النصارى عند عامة الناس أخف، فيسهل الأمر بأن تنقل الجمعة إلى الأحد، وكون هذا يوفر شيء من الوقت للتتسع أوقات المعاملات كما يقولون؛ لأننا نخالف الناس في الخميس والجمعة، وهم يخالفوننا في السبت والأحد، فما يبقى إلا ثلاثة أيام من الأسبوع، وليكن ذلك وما يضيرنا؟! أمور الدنيا ليست هي الأصل إنما هي تبع، السعي وراء الدنيا إنما هو لتحقيق الهدف وهو العبودية، فنأخذ منها ما يكفينا {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] أما أن تكون هي الغاية وهي الأصل فلا. يقول: هل هناك حديث صحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بأصحابه بالمعوذتين؟ ولماذا؟ هو صلى بهم في السفر بالمعوذتين في السفر. يقول: ولماذا لم يكتب ابن مسعود في .... ؟ الجزء: 46 ¦ الصفحة: 3 لأنه يحفظها ما تحتاج إلى كتاب؛ لأنه يحفظهما، قد يقال: إنه يحفظ غيرهما من السور، لكن حفظ المعوذتين لدى عموم الناس حتى العامة يختلف عن حفظ سائر السور. يقول: من أتى بفرض الحج ثم زاد حج آخر، هل يكون نافلة أم فرض كفاية؟ يكون نافلة بالنسبة له، بالنسبة له ما زاد على حج الفريضة فهو تتطوع بالنسبة له، وأما عمارة المشاعر والحج في كل سنة فهو فرض كفاية لا بد أن يقام به. يقول: ما رأيكم في طبعة المكنز لكتب السنة؟ الطباعة جيدة ومشكولة، والورق جميل، لكن أنا ما قرأت فيها شيئاً كثيراً يتبين لي من خلاله الجودة أو عدمها. يقول: ما رأيكم في شخص يجمع بين شرحين في وقت واحد، بحيث أنه يستمع إلى شرح الأربعين النووية للشيخ ابن عثيمين، ثم يعلق هذا الشرح على حواشي شرح الحافظ ابن رجب جامع العلوم والحكم بحيث أنه يستفيد من الشرحين في وقت واحد؟ الطريقة معروفة ومسلوكة، والجمع بين أكثر من شرح نافع جداً، والنظر في هذا وفي هذا، وذكْر زوائد هذا على هذا، وزوائد هذا على هذا ترسخ الفائدة في ذهن طالب العلم، لكن يبقى أنك إن نقلت فوائد الشيخ ابن عثيمين على ابن رجب، الشيخ يسترسل، والفائدة الواحدة يكتب فيها صفحات، فماذا تكتب من هذه الصفحات؟ والعكس كذلك لو قلت: إني أنقل فوائد ابن رجب على ابن عثيمين الأمر كذلك، فما تعمد إلى شرحين مطولين تذكر فوائدهما اللهم إلا إذا كنت تنتقي وتختصر في آن واحد، فالفائدة التي تكلم فيها الشيخ ابن عثيمين في ثلاث صفحات ممكن تكتبها في سطر أو سطرين، تختصر الفكرة، وتحيل إلى شرح الشيخ طيب، أو تقول: إن هذه المسألة بحثت في شرح الشيخ في صفحة كذا، وأما شرح الأربعين فهي كثيرة جداً، يعني لا يمكن أن يحاط بها، شروح وحواشي على الأربعين كثيرة، ومن أنفعها بل أنفعها على الإطلاق شرح ابن رجب، وهناك شروح لمتقدمين شرح للجرداني، وشرح لابن حجر الهيتمي وغيرهما، شروح كثيرة جداً وحواشي، وأيضاً المشايخ لهم شروح منها المطول، ومنها المختصر، وكلها نافعة يستفيد منها طالب العلم. يقول: ذكرتم أن للجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة فهل للخطبتين موضوع واحد أو موضوعين؟ الجزء: 46 ¦ الصفحة: 4 على كل حال على حسب الحاجة، قد تكون الخطبة في موضوع واحد وهذا أولى؛ لكي يشبع الموضوع، الخطبة بشقيها أو الخطبتان في موضوع واحد، هذا أحرى بأن يشبع الموضوع، ويهضمه السامع، وإذا كانت في موضوعات متعددة تدعو إليها الحاجة، ويعطى كل موضوع نصيبه، بحيث لا يكون اختصاره مخلاً فلا مانع من أن تكون في أكثر من موضوع. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم" ويقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: ((أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) ثم يقول: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي)) رواه مسلم، وفي لفظ له: "كانت خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك وقد علا صوته، وفي لفظ: "يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: ((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله)) ورواه النسائي، وزاد عليه بعد ضلالة: ((وكل ضلالة في النار)). وعن أبي وائل قال: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست؟ فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً)) رواه مسلم. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطول الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة" رواه النسائي وابن حبان. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 5 وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: "لقد كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس" رواه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه. وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا)) رواه مسلم. وفي لفظ له: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وما بين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليس له جمعة)) رواه أحمد من رواية مجالد، وليس بالقوي. وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال: ((أصليت؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) متفق عليه. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: {الم * تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [(1) سورة الإنسان] وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الجمعة: سورة الجمعة والمنافقين، رواه مسلم. وله عن النعمان بن بشير -رضي الله عنها- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين. يكفي، بركة. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 6 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الأسلوب يدل على الاستمرار، وهذا الأصل فيه "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته" كان -عليه الصلاة والسلام- يتحمس لخطبة الجمعة، وتحمر عيناه، ويعلو صوته، "واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم" هو منذر -عليه الصلاة والسلام-، كما أنه أيضاً مبشر، فهو ينذر عذاب الله وغضب الله، لا سيما إذا وجد السبب الداعي لذلك، فتحمر عيناه، ويعلو صوته، ويشتد غضبه، عادته -عليه الصلاة والسلام- في الإنكار الرفق واللين، وما غضب -عليه الصلاة والسلام- لنفسه أبداً إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينذر ويحذر "كأنه منذر جيش" ومقتضى ذلك أن يرتفع الصوت ويعلو ويشتد الغضب، لا سيما إذا كانت المعصية من الكبائر، أو كانت ممن يظن به أنه لا يخفى عليه حكمها، مثل هذا يحتاج لمثل هذا الإنكار، وأحياناً يُلحظ على بعض الناس أنه يشدد في الإنكار، ويرفع صوته، فيلام على ذلك، ويقال له: إن اللين والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وهو الأصل، وهذه طريقته -عليه الصلاة والسلام- في الإنكار والتعليم؛ لما أنكر الصحابة -رضوان الله عليهم- على الأعرابي الذي بال في المسجد، وشددوا عليه، قال: ((دعوه، لا تزرموه)). الجزء: 46 ¦ الصفحة: 7 المقصود أن المواطن تختلف، ولكل مقام مقال، فرق أن تسمع الموسيقى من جوال عامل أعجمي جاء من بلاد اعتادوا هذه الأمور من غير نكير، وبين أن تسمعها من شخص عربي يفهم الكلام، إذا أنكرت عليه فهم، لكنه جاء من بلدان توجد فيها هذه الأشياء، هذه مرتبة ثانية، فللأول طريقة وللثاني طريقة، وبين شخص عامي من أهل هذه البلاد الذين نشأوا على أن الموسيقى محرمة، وأن الأغاني حرام، وبين طالب علم يعرف الحكم بدليله، ومع ذلك تسمع الموسيقى من جواله، لكل مقام مقال، فالإنكار على الأول يختلف عن الإنكار على الثاني، والإنكار على الثاني يختلف عن الإنكار على الثالث والرابع وهكذا، فكلٌ له ما يناسبه، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما شفع أسامة في حد من حدود الله غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أتشفع في حد من حدود الله؟! )) غضب، وأنكر عليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه المواطن وهو ينذر الناس ويحذرهم من عقاب الله -جل وعلا-، وهكذا ينبغي أن تكون الخطب مؤثرة في الناس؛ لأنها إذا ألقيت كما اعتاده كثير من الخطباء يكتب الخطبة في ورقة، ثم يقرأها على الناس بأسلوب عادي غير مؤثر، هذه لا تجدي هذه الخطبة، ولا تترتب عليها آثارها التي من أجلها شرعت، بعض الناس ينام، بل كثير من الناس ينامون والإمام يخطب؛ لماذا؟ لأنها غير مؤثرة، ولا شك أن الأسلوب له أثره، وطريقة الأداء لها أثرها. "كان -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم" يعني: أثر كثير من الخطباء في السامعين ضعيف حتى أن بعض السامعين أو كثير من السامعين إذا خرج تسأله عن الخطبة؟ يقول: ما أدري إيش قال؟ يعني ما في شيء يجذب السامع، ما يدري، فيوافق المنافقين في قولهم: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [(16) سورة محمد] يسمعون ما قال، ثم يسألون الصحابة، يسألون ابن مسعود وغير ابن مسعود {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [(16) سورة محمد] فلا تكن سبباً في ذلك، بل اقتدِ بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك أثرت طريقته في صحابته -رضوان الله عليهم-، فصاروا يحفظون عنه كل ما يقول، ولم يضع من كلامه شيء -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 8 "كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم" أي جاءكم العدو في الصباح، أو جاءكم العدو في المساء، ونحن لا نأمن مكر الله أن يأتينا في الصباح، أو يأتينا ضحى، أو يأتينا في الليل "يقول: صبحكم ومساكم" ويقول -عليه الصلاة والسلام-: ((بعثتُ أنا والساعة كهاتين)) يعني ما بعده نبي، ما بعده إلا الساعة -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يليه قيام الساعة، لا يليه نبي آخر، هو خاتم الأنبياء -عليه الصلاة والسلام-، ويقول: ((بعثتُ أنا والساعة كهاتين)) ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى. ويقول في خطبته بعد أن يحمد الله، ويثني عليه على ما سيأتي، ويشهد لله -جل وعلا- بالوحدانية، ويشهد له بالرسالة -عليه الصلاة والسلام-، يقول: ((أما بعدُ)) (أما) حرف شرط و (بعدُ) قائم مقام الشرط، والجواب: ((فإن خير الحديث كتاب الله)) ما اقترنت به الفاء، و (بعدُ) مبني على الضم؛ لأن قبل وبعد والجهات الست لها حالات ثلاث: إما أن تضاف فتعرب {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [(137) سورة آل عمران] أو تقطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه فتبنى على الضم، كما هنا: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم] "أما بعدُ" أو تقطع عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه فتعرب منونة. فساغ لي الشراب وكنت قبلاً ... . . . . . . . . . الجزء: 46 ¦ الصفحة: 9 ((أما بعد)) يقول أهل العلم أو بعضهم أنها هي فصل الخطاب الذي أتيه داود، والإتيان بها سنة في الخطب والرسائل، يؤتى بها سنة اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فكان يقولوها في خطبه، ورواها عنه من الصحابة اثنان وثلاثون صحابياً، وهي أيضاً في كتبه إلى الملوك وغيرهم، فهو يلزمها في خطبه ورسائله، فهي سنة، الإتيان بها سنة بهذا اللفظ: ((أما بعدُ)) في العصور المتأخرة جعلوا الواو مقام (أما) فتجدون كثير من الكتابات فيها "وبعدُ" وهي ليست حديثة، يعني: في شرح المواهب للزرقاني قال: إن الواو قائمة مقام (أما) لكن ما الداعي إلى أن نأتي بالواو، ونترك ما أثرناه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما الداعي لذلك؟ وهي بالإمكان! وهل يتم الاقتداء بقولنا: "وبعد" عن قولنا: "أما بعد"؟ لا يتم الاقتداء، ولو قالوا: إنها قائمة مقامها، إن قلت: "وبعد" معناه لا تأتي بالفاء التي هي في جواب الشرط، إنما يتم الاقتداء بهذا اللفظ: "أما بعد" وبعض الناس يذكر (ثم) قبلها، يبدأ كلامه بالحمد والثناء والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يقول: "ثم أما بعد" ثم هذه لا داعي لها، إن احتاج إليها مرة ثانية بعد (أما بعد) الأولى لا مانع من أن يقول: (ثم أما بعد) لا مانع، أما في الموضع الأول لا يأتي بـ (ثم). ((أما بعد)) يختلف أهل العلم في أول من قالها. جرى الخلف (أما بعد) من كان بادئاً ... بها عُد أقوالاً وداود أقربُ ويعقوب وأيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعربُ ثمانية أقوال. ((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله)) لا أفضل من كلام الله؛ لأنك وأنت تقرأه كأنك تخاطب الله -جل وعلا-. هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ الجزء: 46 ¦ الصفحة: 10 وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، يعني تصور أنك تخاطب الله -جل وعلا-، وإذا كنت تتلذذ بخطاب فلان وعلان من الناس الذي يكون فيه المطلوب، ويكون فيه الممنوع، فأنت إذا قرأت كلام الله تؤجر على هذه القراءة بكل حرف عشر حسنات هذا أقل تقدير، وهو الكلام الوحيد الذي لا يشركه أي كلام في كونه متعبداً بتلاوته، لو تقول: أجعل لي ورد، جزء من القرآن، وعشرة أحاديث من البخاري في كل يوم، تقرأ أحاديث البخاري لا على سبيل الاستفادة والتفقه وإنما مجرد تلاوة، كما تفعل مع القرآن، نقول: ما تؤجر، المتعبد بتلاوته فقط هو القرآن، لكن إن قرأت صحيح البخاري من أجل الإفادة والتفقه من هذا الكتاب العظيم لك أجر طالب العلم، والاشتغال بالعلم من أفضل القربات، لكن إذا قلت: مجرد تلاوة، نقول: لا تؤجر على ذلك، لا تؤجر إلا على قراءة القرآن، ولو قرأته لمجرد التلاوة فقراءة القرآن إما أن يقرأ لتحصيل أجر الحروف، أو يقرأ للتعلم والتفقه والعمل به، هذا له شأن وهذا له شأن. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 11 ((فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)) خير الحديث .. ، العلماء يقابلون الكتاب بالحديث، فإذا قوبل الكتاب بالحديث فالكتاب هو القرآن والحديث هو كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو السنة {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا} [(23) سورة الزمر] يعني أفضل ما يتحدث به كلام الله، وقالوا أيضاً: شر الأحاديث الموضوعات لأنها يتحدث بها، فالإطلاق الشامل يشمل كل كلام، ولذا قال: ((فإن خير الحديث كتاب الله)) يعني: بالإطلاق الشامل يشمل، لكن لا عكس؛ لأن بعض العامة ينظر إلى الكتب من كُتب الحديث والفقه والعقائد والتواريخ ينظر إلى مكتبة كاملة يقول: ما أكثر هذه المصاحف، ما أكثر هذه القرآنات، لا، لا، القرآن خاص، كتاب الله خاص بالمصحف، وأما الحديث والأحاديث فهي شاملة لكل ما يتحدث به، ولذا قال: ((فإن خير الحديث)) وهو أيضاً وإن كان كلام الله على مذهب السلف قديم النوع فإنه متجدد حادث الآحاد، فالله -جل وعلا- يتكلم بكلام حادث، مقرون بمشيئته متى شاء، خلافاً لمن يقول: إن كلام الله قديم تكلم فيه بالأزل، ولا يتكلم بعد ذلك، ويجعلون الحديث الذي هو حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- في مقابل القديم الذي هو القرآن، فكلام الله لا شك أنه قديم النوع حادث الآحاد، ولذا أضيف للحديث فقال: ((فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)) خير الهدي هكذا ضبط في أكثر الروايات بفتح الهاء، وسكون الدال، وقد تُكسر، وضُبط أيضاً بضم الهاء وفتح الدال ((الهُدَى هُدَى محمد -صلى الله عليه وسلم-)) الهدي الذي هو الطريق طريقة النبي -عليه الصلاة والسلام- خير طريقة عرفتها البشرية ((وخير الهُدَى)) الهُدَى معناه الدلالة والإرشاد وهداية الناس إلى الحق، والذي يملكه النبي -عليه الصلاة والسلام- منها هي هداية الدلالة والإرشاد والبيان {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] وأما هداية التوفيق والقبول فهي بيد الله وحده لا يملكها أحد {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] ((وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)). الجزء: 46 ¦ الصفحة: 12 وابن القيم -رحمه الله- جمع من هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- في زاد المعاد كماً كبيراً، وفاته أشياء، ولا يمكن أن يحاط في كتاب واحد بجميع ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، لكن الكتاب في الجملة نافع. ((وشر الأمور محدثاتها)) شر الأمور المحدثات، ما يحدث في الدين ويزعم أنه من الدين وليس له أصل في شرع الله، لا من كتاب الله ولا من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فكل قول أو فعل مخترع مبتدع يتعبد به لله -جل وعلا-، ولم يسبق له شرعية من الكتاب أو السنة فهذه هي المحدثات، وهي شر الأمور، وقد يكون القصد حسناً، لكن كم مريد للخير لا يصيبه، فلا بد مع حسن القصد الإصابة، وأن يكون موافقاً لما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، هذه المحدثات التي يتعبد بها كثير من الناس في كثير من الأقطار المنتسبة إلى الإسلام لا دليل عليها، فهي من شر الأمور، شر الأمور محدثاتها، وهذه المحدثات منها ما هو مخرج عن الملة -نسأل الله السلامة والعافية-، وإن تُعبد به لله -جل وعلا-، ومنها ما هو عظيم من عظائم الأمور، لكنه لا يصل إلى حد الإخراج من الملة، ومنها ما هو أخف من ذلك، فهي متفاوتة، وتجتمع كلها في كونها شر الأمور هذه المحدثات وهذه البدع، وكل شيء لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة فإنه محدث، بدعة. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 13 فالبدعة في الدين أمرها عظيم، وشرها مستطير، تحجب السنن، ما عمل شخص ببدعة إلا حرم من سنة -نسأل الله السلامة والعافية-، البدع والمحدثات أُلفت فيها المصنفات، وحذر منها أهل العلم وشددوا في ذلك، لا سيما في أوائل نشأة هذه البدع، وأطلقوا ألفاظ منفرة من هذه البدع، ومع ذلك استمر الناس أو المبتدعة على بدعهم، وزادت ولا زالت موجودة إلى الآن، يعني: البدع التي في الصدر الأول موجودة إلى الآن، ولكل قوم وارث؛ لأن بعض الناس يقول: لا داعي أن نقرأ كتب الجهمية والمعتزلة والردود على الجهمية والمعتزلة والأشعرية وغيرهم لا داعي؛ لأنها هذه بدع انقرضت، عندنا بدع جديدة لم تنقرض، بل هي موجودة معمول بها إلى الآن، هناك بدع -نسأل الله السلامة والعافية- بدع من غلاة الصوفية بحيث ينسبون التصرف في الكون إلى بعض الأشخاص، وما زالت موجودة إلى الآن، وهي قديمة، فالكتب التي ألفها أهل العلم في الردود على هذه الطوائف المبتدعة على طالب العلم أن يُعنى بها، وكتبهم موجودة إلى الآن، تتداول بينهم، وانتشرت انتشاراً توفرت حتى عند طلاب العلم من أهل السنة، يعني: كان الكتاب يتداوله الناس بالخط، فلا يكتبون إلا ما يحتاجون؛ لأن الخط ليس أمره سهلاً، يعني: كتاب في مجلدات تكتبه كتاب بدعة ما .. ، لكن الآن تشتريه بأبخس الأثمان من أجل الاطلاع عليه وبنية الرد عليه، ثم بعد ذلك يطلع عليه غيرك وأنت لا تشعر، كان الناس يوصون بإتلاف كتب المبتدعة، وإحراق كتب المبتدعة لأنها يمكن إتلافها في البلد نسخة واحدة يمكن، أو نسختين أو موجودة عند بعض الناس، لكن الآن كيف تتلف؟ يصعب إتلافها مع هذه الألوف المؤلفة من النسخ التي إلى وقت قريب كانت ممنوعة من الدخول، وتداولها بين الناس لا سيما في هذه البلاد ممنوعة، الآن ما صار شيء، سهُل الأمر، وصارت تدخل، والعلم والثقافة للجميع، ولعله يوجد من يرد عليها ويبين خطأها، لكن كثير من طلاب العلم لا سيما المبتدئين والمتوسطين لا يسوغ لهم النظر في بعض هذه الكتب لأن فيها شبه قد تعلق في قلوبهم لا يستطيعون دفعها ولو بعد حين؛ لأن بعض الشبه قوية، وبعض المبتدعة عنده طريقة وأسلوب في صياغة الشبهة وتجلية الشبهة، ثم يضعف الرد الجزء: 46 ¦ الصفحة: 14 عليها، نظير ذلك هذه المناظرات التي ابتلي بها الناس في القنوات ووسائل الإعلام، تجد هذا المبتدع فصيح اللسان، واضح العبارة، حاضر الذهن، ومقابله أقل منه، لا شك أنه سوف يغلبه في الحجة، وعامة الناس ما يدريهم أن هذا هو الحق وذاك هو الباطل، فيتأثر عامة الناس وأشباه العوام بهذه المناظرات، وهذه فيها خطر عظيم على عوام المسلمين، ونسمع بعض من يسأل وهو لا يقرأ ولا يكتب عن بعض الشبه؛ لأنه سمع في هذه القنوات وهذه المناظرات، فهذه المناظرات العلنية لا شك أن خطرها عظيم، لكن إذا انبرى المبتدع للمناظرة، وأراد أن ينفث سمومه ولا راد له ولا رادع لا بد أن يرد عليه، فيبحث عن أولى الناس بالرد، لا يؤتى بأي شخص؛ لأنه إذا انقطع الخصم كأن الناس قالوا: غُلب، وانقطعت حجته، وعلى هذا يتبعه مذهبه، فلا بد أن ننتقي لهذه المناظرات من يجتمع فيهم العلم التام المناسب لمناظرة مثل هذا المبتدع، وأيضاً حضور الحجة، حضور الحجة لا بد منه؛ لأن بعض الناس عنده علم، وعنده أدلة، وعنده نصوص، لكنه إذا أرادها غابت، فإذا استلقى على فراشه فطن، وذكر الدليل، وذكر الحجة هذا ما ينفع؛ لأنه إذا انقطع المناظر انقطع مذهبه، ما يقال: والله فلان عجز، يقال: أهل السنة عجزوا. فعلى كل حال هذه البدع شرها عظيم، وهي شر الأمور على الإطلاق هذه المحدثات. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 15 ((وكل بدعة ضلالة)) ننظر إلى هذا التعميم من النبي -عليه الصلاة والسلام- ((كل بدعة ضلالة)) جميع البدع التي يتعبد بها الناس لله -جل وعلا- من غير دليل من الكتاب والسنة كلها ضلالة، وبهذا يرد على من قسم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة قبيحة، وإلى بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، نعم قُسمت البدع إلى الأحكام الخمسة، وممن ذكر هذا التقسيم العز بن عبد السلام والنووي وابن حجر وجمع من أهل العلم، لكن هذا التقسيم كما قال الشاطبي في الاعتصام: "تقسيم مخترع مبتدع لا يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة، وهو مصادم مصادمة ومناقض مناقضة تامة لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) فليس في البدع من يوصل إلى الله ويقرب إليه، كلها ضلالة، وإخراج بعض البدع عن هذا العموم بدون دليل، قد يستدل بعضهم بقول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "نعمت البدعة" النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بأصحابه في رمضان جماعة ليلتين أو ثلاث ثم ترك، اجتمعوا، غص المسجد بالصحابة، امتلأ المسجد فلم يخرج إليهم، فلما قيل له: قال: ((إنه لم يخفَ عليّ مكانكم؛ لكن خشيت أن تفرض عليكم)) فلماذا تركها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ تركها رفعاً لحكمها، نسخاً لها، أو خشية أن تفرض عليهم؟ خشية أن تفرض عليهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك العمل لا رفعاً لحكمه، وإنما رفقاً بأمته -عليه الصلاة والسلام-، تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- بقية عهده وعهد أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر، ثم جمع الناس على إمام واحد، على أبي بن كعب، فصار يصلي بالناس جماعة، فخرج عمر -رضي الله تعالى عنه- والناس يصلون، فقال: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل منها" يعني صلاة آخر الليل، نعمت البدعة فمدحها وسماها بدعة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) فكيف يقول عمر الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به: نعمت البدعة، وهذا في الصحيح؟ يقول أهل العلم .. ، شيخ الإسلام يقول: هذه بدعة لغوية، ولم يرد عمر البدعة الشرعية، لكن إذا كانت البدعة اللغوية ما عمل على غير مثال سابق لا نجد هذا التعريف يسعف شيخ الإسلام في قوله لأنها عملت على الجزء: 46 ¦ الصفحة: 16 مثال سابق صليت جماعة، وبعضهم يقول: مجاز، كما قال الشاطبي -رحمه الله- يقول: مجاز ليست بدعة لغوية ولا شرعية، وليست مجاز؛ لأن المجاز منفي عند أهل التحقيق، إذ لا مجاز في لغة العرب عندهم، طيب ماذا تكون؟ الأقرب -والله أعلم- أنها مشاكلة ومجانسة في اللفظ، والمشاكلة لا يلزم أن يكون اللفظ المشاكل حقيقة موجوداً، إنما يكون حقيقة هذا هو الأصل وقد يكون تقديراً، كأن قائلاً قال لعمر: ابتدعت يا عمر، قال: نعمت البدعة، خشي عمر أن يقال له: ابتدعت، فقال: نعمت البدعة. قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا الجبة والقميص ما تطبخ لكنها مشاكلة {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] معاقبة الجاني ليست سيئة فهي مشاكلة ومجانسة في التعبير وفي الأسلوب. ((وكل بدعة ضلالة)) اللفظ باقي على عمومه، فكل ما يحدث في الدين ضلالة. ثم يقول: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه)) {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [(6) سورة الأحزاب] وهو أرأف بهم وأرحم بهم من أنفسهم {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [(128) سورة التوبة]-عليه الصلاة والسلام-، وهو أرفق الخلق، وأنفع الخلق للخلق؛ لأنه بُعث رحمة للعالمين ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه)) ولذا يجب على المؤمن أن يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من حبه لنفسه فضلاً عن غيره لهذا. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 17 ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله)) لسنا بحاجة إلى ماله لورثته ((ومن ترك ديناً أو ضياعاً)) شيئاً يخشى عليه من الضياع من الذرية وغيرهم ((فإلي وعليّ)) فأنا أتكفل بهم، أتكفل بوفاء الديون، ويتكفل أيضاً بمن يخشى عليه من الضياع من الذرية، يُنفَق عليهم من بيت المال، وهذا واجب في بيت المال، قضاء الديون، لا سيما إذا عُرف أن هذه الديون ليست بسبب تساهل وتفريط من المدين؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام ويقول: أستكثر وأستمتع وأتوسع ويسدد عنه، نقول له: مو بصحيح، أنت جنيت على نفسك فتحمل مسئوليتك، ولا شيء أعظم، بل أمر الدين عظيم، فإذا كانت الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويبرأ من العهدة، وأما من كان دينه بسبب قوته وقوت ولده وحاجاته الضرورية فمثل هذا يقضى من بيت المال ((من ترك ديناً أو ضياعاً)) ذرية ضعفاء هؤلاء على بيت المال ينفق عليهم. " ((فإلي وعليّ)) رواه مسلم، وفي لفظ له" يعني لمسلم: "كان خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه" فمن شرط الخطبة عند جمع من أهل العلم اشتمالها على الحمد والثناء والشهادة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقراءة القرآن، بعضهم يشترط هذه الأمور في الخطبة، لو تخلف شيء منها ما صحت الخطبة، لا تصح الخطبة لو تخلف شيء منها، ومنهم من يقول: إن هذه أمور تكميلية جاءت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله، ولم يأتِ الأمر بها، لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- افتتاح الخطب بالحمد، وقال: ((كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء)) ولزم قراءة القرآن على ما سيأتي، فالمتجه أن هذه الأمور واجبة؛ لأنه لم يتركها النبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبة من خطبه لبيان الجواز، ومنهم من يقول: يجزئ ما يسمى خطبة عرفاً، يكفي ما يسمى خطبة عرفاً، وبعضهم توسع توسعاً غير مرضي فقال: يكفي الذكر، فلو قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر يكفي، لكن هذه ليست بخطبة لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً، فلا تجزئ مثل هذه الكلمات وإن كانت هي الباقيات الصالحات، لا تجزئ في هذا المقام، لا تكفي خطبة. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 18 وفي لفظ له: "كانت خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك" يعني بعد ذلك "وقد علا صوته، واحمرت عيناه، واشتد غضبه" على ما تقدم "وفي لفظ: "يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: ((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله)) ". ((من يهده الله فلا مضل له)) الهادي والمضل هو الله -جل وعلا-، فإذا أراد الله هداية شخص لو اجتمعت الخلائق على إضلاله فلن يستطيعوا، ومن أراد الله ضلاله فلو اجتمعت الأمم على هدايته لم يستطيعوا، والعبرة بأبي طالب الذي نفع النبي -عليه الصلاة والسلام- بماله وجاهه، وانتفعت به الدعوة، ومع ذلك حرص عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: لا إله إلا الله عند احتضاره عند وفاته ((قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)) وعنده قرناء السوء "أترغب عن ملة عبد المطلب؟ " فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، فأنزل الله -جل وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] هذه عبرة، نعم على الإنسان أن يحرص على هداية والديه وعلى هداية أولاده وزوجه وأقاربه ومعارفه الأقرب فالأقرب، ثم يشمل خيره ودعوته إلى الأقارب والجيران والجماعة، ثم يمتد نفعه إلى الأمة، لكن لا يضمن، عليك بذل السبب، وأما النتيجة والاستجابة بيد الله -جل وعلا-، وإذا نظرنا في سير الأنبياء وجدنا بعضهم لم يستجب له أحد ألبتة، يأتي النبي وليس معه أحد، يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، يأتي النبي ومعه الرهط، وبعض الأنبياء أقرب الناس إليه كنوح زوجته وولده ما استطاع هدايتهم هداية التوفيق والقبول، وإن كان قد بذل السبب إلى آخر لحظة في هدايتهم هداية الدلالة والإرشاد، وبهذا يُعلم أن الإنسان لا يهدي مهما بذل ومهما كان عنده من علم وطريقة وأسلوب، فلا يقول: إنه يهدي. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 19 وتجد بعض العامة الذين ليس لديهم شيء من العلم تجد العالم العامل الحريص المتحري المحترق على نفع الناس لا سيما الأقارب تجده يحرص ويبذل الغالي والرخيص لنفع أولاده فلا يستطيع، وشخص من عامة الناس يقول: والله ما علمت أن أولاده يحفظون القرآن حتى دعي إلى الحفل، وكان من بين الحفظة كاملاً اثنان من أولاده هل هذا بذل شيء؟ الهداية بيد الله -جل وعلا-، لكن مع ذلك لا نقول: الهداية بيد الله ولا نبذل السبب، نحن مطالبون ببذل السبب. " ((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله)) رواه النسائي، وزاد عليه بعد ضلالة: ((وكل ضلالة في النار)) " والمراد صاحبها، الضلالة معنى والمعاني قد تتجسد لتوزن، فلا يقول قائل: هذه الضلالة إذا جسدت ووزنت ألقيت في النار ليبرر لنفسه ويزعم لنفسه السلامة، هذا ليس بصحيح، مثلما يقول بعضهم: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) قال: سهل قماش خليه يصير بالنار، المراد صاحبه، والضلالة المراد صاحبها، أما لو كانت الضلالة هذه البدعة جسدت ووضعت في ميزان السيئات، ثم ألقيت في النار الأمر سهل، لكن جسدت ووضعت في الميزان ورجحت الكفة يلقى صاحبها في النار، وإلا ما الفائدة من الوزن من وزن الأعمال؟ وما الفائدة من التكاليف؟ إلا ليتميز الشقي من السعيد. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 20 "وعن أبي وائل -شقيق بن سلمة- قال: خطبنا عمار" وهو ابن ياسر "فأوجز وأبلغ" أوجز يعني اختصر، وأبلغ، وفى المقام حقه، كشف ما يريده بأبسط أو بأبلغ عبارة وأوجزها "خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت" أبلغت فهمنا عنك ما تريد، لكنك أوجزت "فلو كنت تنفست" يعني بسطت "فلو كنت تنفست" يعني بسطت في الكلام وأطلت وزدت في الإيضاح "فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)) " طول صلاة الرجل الذي لا يدخل في ((من أم الناس فليخفف)) يعني لا يخرج عن هذا ويدخل ((أفتان يا معاذ؟ )) بحيث يطيل الصلاة فيدخل في الممنوع، طول مناسب، لا يقتصر على آية أو آيتين، وإنما يقرأ بما قرأ به النبي -عليه الصلاة والسلام- مما سيأتي، ويقصر الخطبة لا يمل الناس، ونسمع بعض الخطباء يخطب نصف ساعة أو أكثر من نصف ساعة، بل بعضهم بلغ الساعة، وتجد مثل هذا في الغالب سببه التكرار وعدم التركيز على المراد، تجد بعض الناس يعتمد على ما عنده من ثقافة، وعُرف بأنه يتكلم في المناسبات فتجده لا يهتم بالخطبة ولا يحضر لها، ولا يعتني بها ولا بموضوعها، وعنده استعداد يخطب ساعة أو ساعتين، لكن مثل هذا في الغالب لا يكون كلامه مركزاً على شيء معين، تجده يطوح يمين وشمال، ويضرب في كل موضوع ولا يوفيه حقه، فيتأخر على الناس، ويمل الناس، ولا يخرج بنتيجة. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 21 أما الذي له هم لموضوع معين تجده يدور حول الموضوع، ولذا بعضهم يفضل الكتابة لأنها تحصر الموضوع، ولا تشتت الموضوع، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطبه ارتجالاً، والاقتداء به هو الأصل، لكن على الإنسان أن يهتم في الموضوع الذي يريده بحيث لا يتعداه إلا لما يخدمه، يعني لا يبعد عنه بعيداً؛ لأن وقت الخطبة محدود وقصير، فلو أراد الإنسان أن يقول: كل ما يريد شق على الناس ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)) علامة على فقهه، دلالة على فقهه، تجد بعض الخطباء يصعد المنبر ثم يتكلم في موضوعات شتى، ويشرق ويغرب، ويطيل على الناس، ثم إذا نظر إلى الساعة فإذا به قد أطال فخشية من أن يتذمر الناس من إطالته تكون الضحية الصلاة، فيؤديها في دقيقتين أو ثلاث، هذا ليس هو بالفقيه، إنما الفقيه الذي يعالج موضوع معين محدد أو موضوعات متقاربة يمكن إيضاحها وبيانها للمستمعين في أقصر عبارة وأوجز عبارة وأبلغ أسلوب. ((فأطيلوا الصلاة)) إطلالة لا تشق على المأمومين ((أيكم أم الناس فليخفف)) فلا نأخذ من ((أطيلوا الصلاة)) الإطالة التي تشق على المأمومين، ولا نأخذ من قوله: ((أيكم أم الناس فليخفف)) تأصيلاً وتشريعاً للنقارين في الصلاة، ولذا إذا شرحوا حديث معاذ قالوا: ليس فيه حجة للنقارين الذين ينقرون الصلاة نقر الغراب، الذي جاء النهي عنه. ((فأطيلوا الصلاة)) إطالة نسبية ((واقصروا الخطبة)) قصر نسبي، لا يقول القائل: إن القصر هذا بحيث تتأدى الخطبة بدقيقة أو دقيقتين، لا، إنما هو قصر نسبي، فإذا أديت الخطبة عشر دقائق ربع ساعة هذه خطبة ليست بالطويلة، وتؤدي الغرض، ثم بعد ذلك الصلاة تحتاج إلى مثل هذا الوقت، ولا يعني أن وقت الصلاة يكون أطول من وقت الخطبة، ليس بالضرورة أن يكون وقت الصلاة أطول من الخطبة لنطبق هذا الحديث، إنما الطول والقصر نسبي، وكل شيء بما يناسبه. ((وإن من البيان سحراً)) وفي بعض الروايات: ((لسحراً)). ((إن من البيان لسحراً)) هل هذا أسلوب مدح أو أسلوب ذم؟ طالب:. . . . . . . . . البيان هل يمدح الإنسان ببيانه أو يذم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 46 ¦ الصفحة: 22 نعم، هل يمدح الإنسان بقوة بصره أو يذم؟ هل يمدح الإنسان بقوة سمعه أو يذم؟ العبرة بما تستعمل فيه هذه النعم، البيان نعمة {خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [(3 - 4) سورة الرحمن] امتن الله -جل وعلا- على الإنسان بالبيان، وهو نعمة من النعم، امتن الله على الإنسان بالنعم كالسمع والبصر وغيرهما، لكن هذه النعم إن استغلت فيما يرضي الله، وأدي حق الله فيها فإنها نعم، وإن استغلت فيما لا يرضي الله فهي نقم، فالبصر إذا استعمل في طاعة الله -جل وعلا- فقرأ بواسطته كلام الله والعلم الوارد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا نعمة، وإن قرأ فيه أو نظر فيه إلى المحرم كان نقمة، وقل مثل هذا في السمع إذا استمعت إلى الخير إلى القرآن إلى العلم كان هذا نعمة، وإذا استمعت إلى الأغاني والموسيقى والغيبة والنميمة كان هذا نقمة، وقل مثل هذا في البيان فهو نعمة من نعم الله على الإنسان، إذا استعمل في بيان الحق والدفاع عن الحق صار نعمة، وإذا استعمل في بيان الباطل والدفاع عنه صار نقمة، فهو سحر باعتبار أنه ينفذ إلى القلوب ويؤثر في النفوس كتأثير السحر، والأسلوب يحتمل أن يكون مدحاً وأن يكون ذماً على حسب ما يستعمل فيه هذا البيان. "وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر الذكر" هذه صفته -عليه الصلاة والسلام- وصفة أتباعه، وجاء مدح الذكر في نصوص كثيرة جداً {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] ((سبق المفردون)) ((مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت)) المقصود أن الأحاديث الدالة على الذكر وفائدة الذكر كثيرة جداً، يراجع لها مقدمة الوابل الصيب، ومقدمة الأذكار، وأبواب الذكر من كتب السنة كلها ذكرت ما ورد في الذكر. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 23 "وكان -عليه الصلاة والسلام- يكثر الذكر، ويقل اللغو" يقل اللغو يعني الكلام المباح الذي لا فائدة فيه، قليل جداً، قد يمزح -عليه الصلاة والسلام-، لكنه لا يقول إلا حقاًَ، هذا لا مانع منه، الشيء اليسير من ذلك لا مانع، وهو يقل هذا الشيء، بينما لو فتشنا عن كثير من الناس وجدناه أكثر كلامه لغو، لا فائدة منه، وإن لم يكن محرماً، ووجدنا بعض الناس كلامه فيه المباح والحرام، والذكر عنده قليل، وكل شيء له ضريبة، وكل شيء له عقوبة، فمن أكثر اللغو قل الذكر عنده، ومن كثر الذكر عنده قل اللغو عنده {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ]. "ويطول الصلاة" هذه علامة الفقه في حديث عمار الذي تقدم، ويقصر الخطبة فهو شاهد للحديث الذي قبله، وإن كان فيه كلام، الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن أقل أحواله أن يكون حسناً؛ لأنه شاهد للذي قبله. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 24 "ولا يأنف" لا يستنكف ولا يستكبر "أن يمشي مع الأرملة" بعض الناس يأنف أن يمشي مع الفقير، وأن يأكل مع الفقير، أو يجالس الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام؛ لأنه في الغالب نفوسهم منكسرة، وثيابهم رثة، وهو عند نفسه شيء يأنف ويستنكف أن يجالس هؤلاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يأنف أن يمشي مع الأرملة التي مات عنها زوجها، ومعلوم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- معصوم، فلا يقال: إن هذه أرملة توفي عنها زوجها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يمشي مع الأرامل، أنا أمشي معها مع عدم أمن الفتنة، نعم إذا كان أرملة بقدر أمك أو جدتك وانعدمت الفتنة، وصار لها حاجة إليك مع عدم الخلوة لا مانع، لكن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام، وقد يستدل به على أنه لا مانع من مخالطة النساء لأنهن أرامل، وقد يكون في الأرامل الشواب، يعني من مات عنها زوجها وهي شابة، فتجد بعض الناس يطنطن حول هذه الأمور، ويستمسك بأدنى شيء كمن استدل بآية المباهلة {نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ} [(61) سورة آل عمران] يقول: هذا فيه دليل على الاختلاط، شلون ندعو نساءنا ونساءكم، وكل واحد يعتزل الرجال .. ؟! هذا مرض في القلب، يعني تتبع مثل هذه النصوص مرض في القلب، فمثل هذه الأرملة بالشروط والضوابط المعروفة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما هو معلوم معصوم، ولا يمكن أن يخلو بامرأة، ولا مست يده يد امرأة قط، فلا يستدل بمثل هذا على أنه لا مانع من الدخول على المرأة الأرملة والمشي معها، لا، هذا تحكمه نصوص محكمة. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 25 "مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة" يعني السعي في الحاجات في حاجات المساكين والأرامل والمحتاجين وإعانة الناس هذه من الصدقات على نفسك، ومن زكاة البدن الإعانة بالبدن، ومن زكاة المال الإعانة بالمال، وجاء في حديث: ((يصبح على سلامى كل واحد منكم صدقة)) ثلاثمائة وستين مفصل في الإنسان فهو محتاج إلى أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة، كل تسبيحة صدقة، كل تحميدة صدقة، يعني أمر عظيم، لكن الشرع خففه علينا، جعل كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكذلك بقية الأذكار، ومن ذلك إعانة صاحب الحاجة، ترفع له حاجته إلى دابته صدقة، تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق هذه صدقة منك على نفسك. "فيقضي له الحاجة" رواه النسائي وابن حبان" وقلنا: إن الحديث حسن -إن شاء الله تعالى-، وهو شاهد للذي قبله، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . حديث ... الأسلمية. إيه وش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . ((لعلك ترجين النكاح)) إيه. طالب: ترجين. ترجين إيه. طالب: طيب كيف رآها متجملة؟ هاه؟ طالب: كيف رآها متجملة؟ لمحة ما يلزم أن يكون، أقول: ما يلزم أن يكون جلوس لمحة. طالب: يعني رأى وجهها مكشوفاً. لا، من غير قصد ... الجزء: 46 ¦ الصفحة: 26 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (47) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: لقد كان تنورنا" التنور الذي يُخبز فيه، الذي يوضع فيه الخبز لينضج، الذي فيه النار -نسأل الله السلامة- من نار الدنيا والآخرة. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 1 "لقد كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً" مشتركاً، تنور مشترك، كلهم يخبزون فيه، وينضجون فيه الطعام "سنتين أو سنة وبعض سنة" شكت لأنها حدثت بعد مدة طويلة، فشكت في المدة التي كانوا يجتمعون فيها على هذا التنور "سنتين أو سنة وبعض سنة" هذا يدل على قربها من منزله -عليه الصلاة والسلام-، ومن مسجده -صلى الله عليه وسلم-، قالت: "وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] إلا على عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل يوم جمعة" قدمت بهذه المقدمة فيما يتعلق بالتنور، واشتراكهم فيه؛ لتبين أنها قريبة منه -عليه الصلاة والسلام-، وأن ما تذكره فيما بعد ليس بواسطة، وإنما هو عنه -عليه الصلاة والسلام- مباشرة لقربها من منزله، ومسجده -عليه الصلاة والسلام- "وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] " سورة ق سورة عظيمة، يقرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الجمعة على المنبر إذا خطب الناس، يعني في أثناء الخطبة، وهل كان يقرأها كاملة، أو يجزئها في كل خطبة؟ آيات مقطع متناسب فيفسره ويشرحه ويبينه للناس، اللفظ محتمل، أنها أخذتها دفعة واحدة أو دفعات، واللفظ محتمل، والسورة عظيمة اشتملت على مهمات من مهمات الدين، فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، فيما يتعلق بحياة المسلم الدينية في دنياه وفي مآله إذا مات، وابن القيم -رحمه الله تعالى- جعل السورة مثالاً لتدبر القرآن، وتكلم عليها بكلام قوي، كلام عظيم في أول كتابه الفوائد، فعقد فائدة عظيمة وقاعدة لتدبر القرآن، وضرب لذلك مثلاً بسورة (ق) تكلم عليها بكلام غاية في النفاسة، وختمت السورة بقوله -جل علا-: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] وهذه السورة من أعظم ما يذكر به الناس، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- يقرأها في خطبة الجمعة، وموضوع الخطبة التذكير والتعليم، وقد اشتملت هذه السورة العظيمة على شيء عظيم من ذلك فيما يتعلق بالتعليم والتذكير، فيشرع ويسن لكل خطيب أن يقرأ هذه السورة، وإن لم يلتزمها في كل جمعة، فإن أخذ منها دفعات على فترات في هذه الجمعة آيتين أو ثلاث أو أكثر أو أقل حسب ما يقتضيه المقام، الجزء: 47 ¦ الصفحة: 2 وفسرها بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبكلام أهل العلم الموثوقين، ثم في الجمعة التي تليها يأخذ المقطع الثاني وهكذا أو يقرأها كاملة، ثم يفسر منها ما تيسر، أو ينتقي من آياتها ما يفسره اللفظ يحتمل، المقصود أن هذه السورة لأهميتها وعظمتها كان -عليه الصلاة والسلام- يقرأها على المنبر ليذكر بها الناس. "رواه مسلم". "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه" الاستماع لخطبة الجمعة واجب، والإخلال بهذا الاستماع والإنصات يعرض أجر الإنسان للذهاب والضياع، ويذهب تعبه سدىً، لو افترضنا أن شخصاً تكلف وبكر إلى الجمعة وجلس ينتظر الصلاة يذكر الله -جل وعلا-، ويصلي، ثم إذا جاء الإمام ودخل الإمام وشرع في الخطبة رأى شخصاً يتكلم قال له: أنصت، هذا أمر بالمعروف، ومع ذلك حسماً لهذا الباب، وسداً للتشويش وعدم الاستماع والإنصات مُنع حتى الأمر بالمعروف. ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) ومعلوم أن من لغا فلا جمعة له، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، ليست له جمعة. "متفق عليه" وليس معناه أنه ليست له جمعة أن صلاته باطلة، أو أنه يؤمر بإعادتها، إنما هو نفي للثواب المرتب عليها، وإلا فالجمعة صحيحة ومسقطة للطلب. ثم قال -رحمه الله تعالى-: الجزء: 47 ¦ الصفحة: 3 "وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ فأحسن الوضوء)) " يعني توضأ نحو وضوئه -عليه الصلاة والسلام-، ثم أتى الجمعة: ((من توضأ)) مما يدل على أن الوضوء يكفي، ويرتب عليه هذا الثواب العظيم، وهذا من أدلة عامة أهل العلم وجماهيرهم على أن غسل الجمعة ليس بواجب، وتقدم حديث: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) وأن المعنى المراد به الوجوب اللغوي، يعني متحتم، متأكد؛ لكنه لا يعني الوجوب الشرعي، قد يقول قائل: إن الشرع جاء لبيان مصطلحاته لا المصطلحات العرفية أو اللغوية، لكن هذا المصطلح الوجوب، هذا مصطلح حادث، وقد لا يعنى به الوجوب الذي يأثم تاركه كما أن الكراهة لا تعني أن صاحبها لا يأثم، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] وفيها عظائم وموبقات منها الزنا والشرك وغيرها، يعني إذا قال قائل: كيف ألقى الله بقولي غسل الجمعة مندوب وسنة ورسوله -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((واجب))؟ نقول له أيضاً: كيف تقول: إن الزنا محرم والشرك محرم والله -جل وعلا- يقول: مكروه؟ هناك فرق بين الاصطلاحات العرفية الخاصة عند أهل العلم الذين اصطلحوا عليها، وتواضعوا عليها مع الألفاظ الشرعية، هناك فروق، والذي يبين ويحدد ويبين المراد هو الأدلة الأخرى، والنصوص الأخرى ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) وهنا يقول: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت للخطيب غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)) ذلكم لأن الحسنة بعشر أمثلها، فيغفر له عشرة أيام، ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 4 ((ومن مس الحصى فقد لغا)) يعني إذا أمر بمعروف قيل له: لغوت، يعني لا جمعة لك، إذا مس الحصى وفي حكمه العبث بجميع أشكاله حتى السواك أثناء الخطبة مثل مس الحصى ((فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)) وهذه المغفرة إنما هي عند جمهور أهل العلم للصغائر دون الكبائر؛ لأنه جاء في أحاديث كثيرة التقييد بما اجتنبت الكبائر ((ما لم تغشَ كبيرة)) {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] ... إلى آخره، فدل على أن الكبائر كما هو قول جمهور أهل العلم أنها لا تغفر إلا بالتوبة، وأما هذه المكفرات إنما تكفر الصغائر، (لجمعة إلى الجمعة، ورمضان، والصلوات الخمس والعمرة إلى العمرة كلها مكفرات ((ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغشَ كبيرة)) لكن ما هذه الأعمال التي تكفر هذه الذنوب الصلوات الخمس تكفر، ورمضان إلى رمضان يكفر، والعمرة إلى العمرة تكفر، والجمعة إلى الجمعة تكفر، لكن المراد بهذه الأعمال التي تؤدى على الوجه الشرعي مخلصاً فيها لله -جل وعلا-، موافقاً فيها لما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، أما الصلاة التي لا يكتب لصاحبها من أجرها إلا عشرها، أو ربعها، أو سدسها هذه يقول شيخ الإسلام: "إن كفرت نفسها فبها ونعمت" هذه الصلاة، وقل مثل هذا في سائر العبادات، فضل الله عظيم ولا يحد، لكن مع ذلك هناك نصوص تدل على أن إتقان العمل هو المؤثر {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] كثير من المسلمين يصلي، لكن لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لضعفها، لا يخرج ليس له من صلاته إلا ما عقل، فقد يخرج بنصف الأجر، وقد يخرج بربعه، وقد يخرج بالعشر، وقد يخرج بمجرد إسقاط الطلب بحيث لا يمر بها ثانية، وليس له من صلاته إلا ما عقل، وكثير من الناس يدخل في صلاته ويخرج لم يعقل منها شيء، الصلاة التي تترتب عليه آثارها هي الصلاة التي يعقلها صاحبها، ويؤديها مخلصاً فيها لله -جل وعلا- متبعاً فيها لسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وشرط التقوى مطلوب في جميع العبادات للقبول الذي تترتب عليه آثار {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الجزء: 47 ¦ الصفحة: 5 الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] فلا يرتفع الإثم عن الحاج سواء تعجل أو تأخر إلا إذا اتقى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فالتقوى شرط للقبول، بمعنى ترتيب الثواب على العمل، لا المراد به القبول المرادف للصحة، العمل صحيح ولا يطالب بإعادته مرة ثانية، وهو مسقط للطلب ولو لم يكن تقياً، ولذلك الإجماع قائم على أن الفساق لا يطالبون بإعادة العبادات؛ لأن الأجور المرتبة على هذه العبادات لا تتحقق إلا بالتقوى، فيتنبه لمثل هذه النصوص ((غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)) العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، الصلوات الخمس ننتبه لهذه الأمور، ما هذه العبادات التي تكفر هذه الذنوب؟ أولاً: الذنوب المراد بها الصغائر عند الجمهور، وإن كان فضل الله -جل وعلا- أعظم من ذلك، لكن يبقى أن القيد معتبر ((ما لم تغشَ كبيرة)) ما اجتنبت الكبائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ} [(31) سورة النساء] ... إلى آخره، المقصود أن الكبيرة لا بد لها من توبة. الأمر الثاني: أن هذه الأعمال المكفرة لا بد أن يراعى فيها شروط القبول من الإخلاص والمتابعة والتقوى لترتيب الثواب عليها ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا)) كثير من الناس دائم الحركة حركته تلقائية في صلاته، وفي جميع عباداته وأعماله، مثل هذا على خطر عظيم من مثل هذا الحديث ((من مس الحصى فقد لغا)) يعني كم يعدل ثوبه! وكم يدل شماغه! وكم يعبث بكمه أو بشيء آخر! هذا العبث لا شك أنه يقضي على الأجر المرتب على الجمعة ((فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له)) على ما سيأتي. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 6 "رواه مسلم، وفي لفظ: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة)) " من اغتسل بدل من توضأ، فدل على أن الوضوء مجزئ، والغسل لا شك أنه أفضل للأمر به والحث عليه ((من غسّل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها)) فضل عظيم من الله -جل وعلا- لا يُحد، لكن من تجد من الناس من يعمل بمثل هذا إلا القليل النادر الموفق، وكثير من الناس إنما يأتي على حدود دخول الإمام إذا طويت الصحف، وحُرم من كل أجر تجده يدخل مع الإمام، أو قبيل الإمام، وأحياناً بعد الإمام، وهذه المسألة تحتاج إلى جهاد عظيم، يعني فيها أجور عظيمة لا يُشك فيها ((من جاء في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنة)) كأنك ذهبت إلى السوق، واشتريت بدنة بثلاثة آلاف أو أربعة آلاف وذبحتها ووزعتها على المساكين والفقراء، هذا المبلغ تحتاج في جمعه إلى مدة، وهنا تأتي في الساعة الأولى بعد ارتفاع الشمس، وهذا في تصور كثير من الناس ضرب من الخيال، وإلا هم يسمعون هذه الأحاديث، ويصدقون بها، ويجزمون بها، ومع ذلك في أفعالهم كأنهم مكذبون، ويوجد من الموفقين جملة صالحة يعني عدد لا بأس به، وأنا انتظر ارتفاع الشمس في مسجد في جامع قبل أن أخرج امتلأ الصف الأول ونصف الثاني انتظاراً للجمعة مع ارتفاع الشمس، الصف الأول ونصف الثاني الناس جالسون ينتظرون الجمعة، ويدخل الشيخ الكبير والشاب ومجموعة من الشباب يسكنون في أقصى مكان في البلد، ثم يجلسون لانتظار طلوع الشمس في مسجد الحي، ثم إذا طلعت الشمس ذهبوا وتأهبوا لصلاة الجمعة بمقدار نصف ساعة، ثم ذهبوا على الأقدام مسافة طويلة إلى مسجد يصلى فيه على جنائز مشياً، مسافة طويلة لا تتصور أن المسألة عشرة كيلو أو أكثر، يعني حدود عشرين كيلو، هذا يحتاج إلى وقت طويل، يحتاج إلى ساعتين أو أكثر مشي، ثم بعد ذلك يذهبون إلى مسجد ينتظرون الجمعة، ويصلون على الجنائز، ويجلسون وينتظرون ساعة الاستجابة، فإذا صلوا المغرب رجعوا، يعني الخير موجود في أمة محمد وهؤلاء من الشباب، ويوم الجمعة يوم عبادة، نعم لا يخص بصيام، لكنه فيه هذه الساعة التي هي ساعة الاستجابة على ما سيأتي، المقصود أن الخير موجود في أمة محمد، لكن الحرمان لا نهاية له حتى في الجزء: 47 ¦ الصفحة: 7 صفوف طلاب العلم، موجود. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 8 وفي لفظ لهم: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدر له)) ما في حد؛ لأنه ما في راتبة قبل صلاة الجمعة ما في راتبة، يصلي ما قدر له، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يصلون حتى يدخل الإمام ((ثم أنصت)) أستمع ((حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه)) بهذه القيود مجتمعة ((غفر له ما بينه وما بين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام)) كالحديث السابق، يعني يغفر له عشرة أيام، قد يقول قائل: لماذا أهتم بهذا الأمر وأنا مغفور لي من الصلوات الخمس وأعتمر فيغفر لي؟ لماذا أكلف نفسي، وأنا مغفور لي في الصلوات الخمس؟ بالعمرة إلى العمرة؟ وليس فيه حد محدد من العمرة إلى العمرة؟ المقصود أن مثل هذا الكلام لا يليق بمسلم فضلاً عن طالب علم؛ لأن فيه تزكية للنفس أن سيئاتك تكفيها الصلوات الخمس، ما عندك سيئات أخرى تحتاج إلى غفران، وتحتاج إلى تخفيف، وليس في علمك وتقديرك أن هذه العبادات تقربك إلى الله -جل وعلا- وتزيد من درجاتك عنده، وتخفف من سيئاتك التي لا تكفرها هذه الأعمال، فليحرص الإنسان على هذه المكفرات، يقول: أنا أصوم رمضان احتساباً، وأقوم رمضان احتساباً ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((يوم عرفة أحتسبُ على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية)) قد يقول قائل: ما بقي شيء؛ لماذا نتعب؟ لو بقيت أشياء .. ، وما تدري قد يكون بعض الأعمال التي تحتسب أجرها عند الله -جل وعلا- تجدها غداً في ميزان سيئاتك، والسلف لمعرفتهم بحقيقة الأمر ما يمر عليهم مثل قوله -جل وعلا- {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] ما يمر مرور لا يفقهون معناه، مثل ما يمر علينا، يعني قد يقول الإنسان مثل هذا الكلام: أنا والله المكفرات كثيرة وواحد يكفي، نقول: لا، لعل وعسى، وافعل كل ما أمرت به، واجتنب كل ما نهيت عنه، وافعل كل ما حثك الشرع على فعله وعسى، وليس هذا من باب التيئيس، لكن الإنسان المعول على هذه النية وعلى هذا القلب، وعلى هذا الإخلاص قد يفلت منه الإنسان وهو لا الجزء: 47 ¦ الصفحة: 9 يشعر، يفلت منه القلب، وتجتمع عليه الذنوب، ويجتمع عليه الران إلى أن يصبح منكوساً -نسأل الله السلامة والعافية-، وهو لا يشعر، وهو في تقديره أنه من خيار الناس، هناك أمور خفية تخفى على الإنسان، لكن عليه أن يجتهد، وعليه أن يبذل مخلصاً لله -جل وعلا- متبعاً في ذلك السنة. "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليس له جمعة)) رواه أحمد من رواية مجالد وليس بالقوي" مجالد بن سعيد مضعف عند أهل العلم، ولا شك أن الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، والذي يقول لصاحبه: أنصت ليست له جمعة، هذا له شواهد، وأما قوله: ((فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً)) هذا من حيث المعنى له وجه باعتبار أن هذا الذي يحضر إلى الجمعة، ويتكلف الحضور إليها، ويقوم من نومه إن كان نائماً، أو يترك أعماله إن كان عاملاً، ثم يأتي إلى الجمعة ثم بعد ذلك يتكلم، مثله في عدم إفادته من عمله ومشقته التي ارتكبها مثل الحمار يحمل أسفاراً، كتب كبار ومع ذلك لا يستفيد منها، وهذا يعمل الأعمال العظيمة ومع ذلك لا يستفيد منها، وإن كان بعضهم يحكم على هذه اللفظة بأنها غير محفوظة، وأن راويها ليس بالقوي، المقصود أن الكلام والإمام يخطب حتى الأمر بالمعروف بقول الإنسان لصاحبه: أنصت هذا له ما يشهد له في الصحيح، وأما الجملة التي مُثّل فيها بالحمار فمعناها صحيح، وإن كان فيها مقال لأهل العلم. قال -رحمه الله-: الجزء: 47 ¦ الصفحة: 10 "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب" دخل رجل المسجد والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، قالوا: هو سُليك الغطفاني، كما جاء مصرحاً به في الصحيح، والحال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب "فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أصليت؟ )) " في بعض الروايات: ((ركعتين؟ )) يعني تحية المسجد " ((أصليت؟! )) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) " سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- هل صلى احتمال أن يكون صلى في مكان بحيث لا يراه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من أدب التعليم والتوجيه؛ لأنه لو قيل له: قم فصلِ مباشرةً يستثقلها على نفسه ولو لم يكن قد صلى، لكن إذا جيء له بالإنكار على صفة السؤال، وهذا أدب ينبغي أن يستصحبه طالب العلم، يسمع فتوى من عالم يستنكرها ويستنكرها غيره فيذهب إليه قال: أنت أفتيت بكذا، وهذا لا يجوز والدليل كذا، هذا يقبل منه وإلا لا؟ لا يمكن أن يقبل منه مهما كانت منزلته، إذا قيل له: سمعنا من يفتي بكذا، فما رأيك؟ أو ما رأيك بقول كذا؟ أو بقول الإمام الفلاني الذي أفتى بموجب قوله؟ لو افترضنا أن شخصاً من أهل العلم في هذه البلاد سُمع عنه أو أشيع عنه أنه يفتي بالنكاح بلا ولي، ما يؤتى إلى هذا الشخص ويقال: أنت أفتيت بجواز النكاح بلا ولي، وهذا قول مخالف مصادم للنص ((لا نكاح إلا بولي)) وجمهور أهل العلم على بطلان النكاح وهكذا، أنت الآن تتسبب في عدم رجوعه، لو قلت: ما رأيك في قول أبي حنفية مثلاً في صحة النكاح بلا ولي؟ ثم بيقول لك: قول صحيح ووجيه وإلى آخره، ثم يأتي بالأدلة التي يستدل بها، ثم تناقشه وترد عليه إلى أن يقتنع؛ لأن مسألة الإلزام بما تراه، أو ما يترجح عندك أو عند شيوخك هذا ليس بوارد، والإنسان عليه أن يعرف قدر نفسه، يعني بعض الناس يبلغه بعض الأحاديث وبعض الأخبار من الكبار، ثم يطبقها وهو صغير لا تليق به، شخص يُعدل الناس ويقوم الصفوف بالعصا، موجود، شيخ كبير إذا ما تعدل يقول: كان عمر يضرب الناس بالدرة، طيب وين عمر؟ أنت عمر؟! أنت ولي أمر؟! شاب صغير في العشرين من عمره أو يزيد قليلاً، ما زال في الجامعة يلقي درس فإذا بشيخ كبير على الجزء: 47 ¦ الصفحة: 11 عمود ينعس، قم يقول للشايب، يقول للشيبة الكبير: قم، أجب، طيب وشلون؟ قال: ابن عثيمين يفعل هذا، يا أخي أين أنت من ابن عثيمين؟! هل الإنسان أن يعرف قدر نفسه من أجل أن يعمل بأقواله وتوجيهاته ونصحه وإرشاده، شيخ كبير بعمر جده يقول له: قم أجب، حتى لو صارت من صغير من قبل وأنت صغير، محتجاً بأن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يفعل ذلك، إذا صرت مثل ابن عثيمين أصنع ما شئت، مع أن الشيخ ليس بمعصوم، لكن يبقى أنه له قدره ووزنه، فالأمور تقدر بقدرها. النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((أصليت؟ )) قد يقول الخطيب: أنا في المحراب وفي المنبر وأنظر هذا الشخص ما إن دخل مع الباب جلس، يحتاج أن أقول له: صليت وأنا أجزم أنه ما صلى؟ نقول: قل له: أصليت ركعتين وما يضرك؟! ثم هو بنفسه يراجع نفسه، لكن إذا قلت له: قم فصلِ ركعتين مباشرة وبين الناس، هذا يمكن لا يستجيب؛ لأنه يتأول يقول: جمهور أهل العلم على أن الركعتين سنة، وأنا مصلٍ، يمكن يقول هذا الكلام، لكن إذا جئته بطريق الاستفهام قبل منك، وأذعن لك، ولا يرى أنك ترفعت عليه، أو أمرته بأمر صريح مباشر يثقل عليه، قال: ((أصليت؟! )) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) هذه تحية المسجد، وسبق الكلام فيها، وأنها من ذوات الأسباب، وأن الجمهور على أنه لا يفعل شيء من النوافل حتى ما له سبب ولا تحية المسجد ولا غيرها في أوقات النهي مطلقاً، وقال الشافعية: أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، والمسألة سبق بحثها. "قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) " وهو من أدلة من يوجب تحية المسجد كالظاهرية، وعامة أهل العلم على أن تحية المسجد سنة. "متفق عليه". الجزء: 47 ¦ الصفحة: 12 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم* تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [(1) سورة الإنسان] وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك ديمة، يعني يداوم على قراءة {الم* تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة وسورة الإنسان، وكثير من الأئمة بحجة أنه لا يرغب في الإطالة على المأمومين، فإذا قرأ: {الم} السجدة وهي في ثلاث صفحات، ثم قرأ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] وهي في صفحة ونصف قد يقول: قد أشق على المأمومين إلا أن أقرأها سرداً، نقول: لا، اقرأ كما أمرك الله، واقرأ بها، وداوم عليها تصيب السنة، وما عليك من نظر آخر؛ لأن هذا هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي يشق عليه القيام يجلس، الذي لا يستطيع القيام يجلس له خيار، وهذا لا يدخل في ((أيكم أم الناس فليخفف)) بل قال بعضهم: إن هذا من التخفيف، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو داخل في دائرة التخفيف، يقرأ {ألم} السجدة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] لأن يوم الجمعة يوم عظيم، اكتمل فيه الخلق، وفيه تقوم الساعة، وفيه البعث، وهو يوم المزيد، فهذا اليوم في هاتين السورتين ما يشير إلى ذلك، فالمناسبة في قراءتهما ظاهرة، يقرأ أيضاً في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين؛ لأن سورة الجمعة فيها الأمر والحث والسعي إليها، قد يقول قائل: إنه ما الفائدة من حث أناس قد حضروا؟ يعني كما قال أهل العلم فيما سيأتي في خطبة عيد الفطر أنه يحثهم على الصدقة صدقة الفطر، صدقة الفطر انتهى وقتها، فكيف يحثهم عليها؟ وكيف يحث أناس لصلاة الجمعة وقد حضروا؟ الذي ما حضر ما يسمع هذه الخطبة، على كل حال هذا هو الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ومناسبتها ليوم الجمعة أظهر من ظاهرة؛ لأنها خاصة في هذا اليوم، وكذلك سورة المنافقين لما عُرف من أن المنافقين الذين يتخلفون ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ويتخلفون عن الفجر، يتخلفون عن الجزء: 47 ¦ الصفحة: 13 العشاء، يتخلفون عن كثير من الصلاة، يراءون الناس يحضرون لصلاة الجمعة، فتقرأ عليهم هذه السورة، وتقرأ على غيرهم ممن حضر خشية أن يوافق المنافقين وهو لا يشعر، يتساهل في أمر الصلاة، ويكسل فيها، ففيها التحذير من النفاق والمنافقين، وفيها حث للمنافقين على التوبة، وإتيان النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستغفر لهم. "رواه مسلم". "وله عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين" هذا عند مسلم من حديث النعمان بن بشير قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة" يعني إضافة إلى ما تقدم من سورة الجمعة والمنافقين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] قال: ((وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين)) لأهميتهما في هذه المناسبة، وقد يقرأ بـ (قاف) واقتربت كما حصل في بعض الأعياد. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى-: وعن إياس بن أرملة الشامي قال ... ابن أبي رملة. عف الله عنك. وعن إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان، وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: "صلى العيدين، ثم رخص في الجمعة" فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعاً)) رواه مسلم. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 14 وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر، يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلم سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حلة سيراء عند باب المسجد ... سِيَراء. عف الله عنك. رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك ... وللوفد. وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) ثم جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل، فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لم أكسكها لتلبسها)) فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً. متفق عليه، واللفظ للبخاري. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة)) رواه مسلم. وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه إياه)) وأشار بيده يقللها. متفق عليه، وزاد مسلم "يزهدها" وفي رواية: ((وهي ساعة خفيفة)). رواية له. وفي رواية له: ((وهي ساعة خفيفة)). الجزء: 47 ¦ الصفحة: 15 وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) رواه مسلم، وقال الدارقطني: لم يسنده غير مخرمةٍ عن أبيه عن بردة. غير مخرمةَ. غير مخرمةَ عن أبيه عن بردة. عن أبي. غير مخرمةَ عن أبيه عن بردة. عن أبي بردة. عن أبي بردة. ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، والصواب أنه من قول أبي بردة. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن إياس بن أبي رملة الشامي قال: "شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم" معاوية هو الخليفة، وهو من جلة الصحابة ومن فضلائهم وعلمائهم، كتب الوحي، ومع ذلك لم يستنكف ولم يأنف أن يسأل من هو أعلم منه من صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، "وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ " عيدين! كيف يجتمع عيدان؟ ممكن أن يجتمع الفطر والأضحى؟ إنما يجتمع الأضحى، أو الفطر مع الجمعة "هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد، قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيدين ثم رخص في الجمعة" نعم صلى العيد، عندنا العيدين ... إيش عندك؟ طالب:. . . . . . . . . نعم هذا هو الصحيح، صلى العيد الذي هو إما فطر وإما أضحى، ثم رخص في الجمعة "فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ)) " لأن المطلوب سماع الذكر والخطبة والاجتماع، فإذا حصل بصلاة العيد رخص في العيد الثاني الذي هو الجمعة؛ لأن الجمعة إنما شرعت من أجل الاجتماع وحصل هذا الاجتماع، ومن أجل التذكير وحصل هذا التذكير، فتغني صلاة العيد عن صلاة الجمعة. "قال: ثم رخص في الجمعة فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ)) " لكن من لم يصلِ، الإمام لا بد أن يصلي، ولا بد أن يصلي معه من تقوم به الجمعة، وأما من صلى العيد فلا يلزمه أن يصلي الجمعة على أن يصلي فرض الوقت التي هي الظهر، يعني الجمعة يرخص فيها، لكن إلى بدل وهو الأصل الذي هو صلاة الظهر ... الجزء: 47 ¦ الصفحة: 16 فيصلي الذي لا يصلي الجمعة يصليها ظهراً؛ لأن ما شرعت من أجله الجمعة حصل بحضور صلاة العيد، ومن صلى الجمعة والعيد كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أكمل. "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه" ومن أهل العلم من ضعفه، لكن له طرق يشد بعضها بعضاً، يصل فيها إلى درجة الصحيح لغيره، فصلاة الجمعة على أهميتها وتأكدها تسقط عمن حضر صلاة العيد، لكن الذي لا يصلي العيد أو لم يحضر صلاة العيد فإنها تلزمه صلاة الجمعة، ومعنى سقوط صلاة الجمعة أنها يسقط وجوبها ويبقى استحبابها، ويبقى بدلها وهو صلاة الظهر. قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعاً)) رواه مسلم" هذا الأمر فيه دليل على تأكد واستحباب صلاة أربع ركعات بعد صلاة الجمعة، والأمر بهذا صريح ((فليصلِ بعدها أربعاً)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه إذا صلى الجمعة دخل بيته فصلى ركعتين، وشيخ الإسلام يجمع بين هذا الأمر وبين فعله -عليه الصلاة والسلام- بصلاة ركعتين أن راتبة الجمعة إن صليت في المسجد الراتبة .. ، عرفنا أنها ليس لها راتبة قبلية يصلي ما شاء، يصلي ما كتب له من غير حد، لكن البعدية إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في البيت صلى ركعتين، وبهذا تجتمع النصوص، وبعضهم قال: يصلي بعد الجمعة ستاً، أربعاً في المسجد لأمره -عليه الصلاة والسلام-، وركعتين في بيته لفعله -عليه الصلاة والسلام-، لكن جمع شيخ الإسلام -رحمه الله- متجه إذ لم يحفظ أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى في المسجد. "وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلم سلم الإمام قمت في مقامي فصليت" وأنتم ترون في المسجد الحرام بكثرة من إذا صلى لم يستغفر، لا يستغفر ولا ثلاث، يقوم مباشرة إلى الراتبة، وهذا ظاهر عند الحنفية من الأتراك والهنود والباكستانين وغيرهم، يصلون الفريضة ثم يقومون مباشرة إلى النافلة. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 17 قال: "فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليّ، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج" إذا حصل الفاصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال من المكان أو خروج من المسجد أمن اللبس الذي قد ينشأ عند بعض من يرى هذا الذي يصلي الصلاة بالصلاة أنه يزيد في فرضه، وأن ما فعله تابع لفريضته، ينبغي أن يفصل، ولا توصل صلاة بصلاة، ولا توصل صلاة الجمعة بنافلتها. قال: "إذا صليت الجمعة" ومثلها جميع الصلوات لا توصل بصلاة أخرى، بل عليه أن يتكلم "نعرف انقضاء صلاته -عليه الصلاة والسلام- بالتكبير" "وكان إذا سلم استغفر ثلاثاً، يقول: ((استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله)) ثم يأتي بالأذكار المتعلقة بالصلاة، ثم يأتي بعد ذلك بالراتبة بعد أن يتكلم، أو ينتقل من مجلسه الذي صلى فيه. جاء في الصحيح في البخاري يُذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، يعني ما صح في الأمر بالانتقال من المكان إلى مكان آخر، هذا الخبر الذي ذكره الإمام البخاري لم يصح، وعلى هذا لو تكلم وفصل بين الفريضة بالأذكار، ثم صلى في مكانه الذي صلى فيه لا إشكال في ذلك، ما في إشكال؛ لأن الخبر لم يصح، لكن أهل العلم يستحبون مثل هذا لتكثير مواضع الصلاة التي تشهد للمصلي، فكونه يصلي في أكثر من مكان هذه المواضع تشهد له يوم القيامة {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [(12) سورة يس] وهذا من آثارهم. "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة" يعني بصلاة أخرى، راتبة بنافلة، "حتى نتكلم أو نخرج" حتى الفريضتين المجموعتين يفصل بينهما بالإقامة للثانية. وأما ما يتعلق بأذكار الصلاة الأولى من المجموعتين فنظراً للجمع المقتضي عدم التفريق إلا بشيء يحقق ما جاء في هذا الحديث فإن أذكارها تسقط، وتكون من السنن التي فات محلها، والأذكار يؤتى بها بعد الثانية. "رواه مسلم". الجزء: 47 ¦ الصفحة: 18 "وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حلة سيَراء" يعني حريراً خالصاً "حلة سيَراء عند باب المسجد" يعني تباع "فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة" النبي -عليه الصلاة والسلام- يتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه للجمعة وللعيد "فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدم" يعني التجمل للوفود هذا من السنن؛ لئلا يزدرى المسلم ويحتقر، فمن السنن أن يتجمل للوفد إذا قدموا عليك، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه)) " من الحرير الخالص "من لا خلاق له في الآخرة" فالذهب والحرير حرام على ذكور الأمة حل لإناثها ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) لا نصيب له في الآخرة من الكفار، هذا وعيد شديد على من يتساهل في هذا الأمر، فيلبس ما يلبس من الذهب أو من الحرير، هذا حرام -نسأل الله السلامة والعافية- على الذكور من هذه الأمة. "ثم جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل" من هذا الحرير الخالص جاءه حلل "فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة" أعطاه منها حلة، عمر يذكر ما قال له في الحلة التي تباع عند المسجد "فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ " أنه ((إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة)) "فكيف تكسونيها؟ " فكيف تعطيني إياها وهي حرام على من له خلاق في الآخرة، ويلبسها من لا خلاق له في الآخرة، وأنا لست منهم. "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لم أكسكها لتلبسها)) فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً" لأنه لا خلاق له في الآخرة فليلبسها، المشرك لا خلاق له في الآخرة، وحينئذٍ يلبسها. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 19 وجاء في الحديث الصحيح من حديث حذيفة: "هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة" لهم في الدنيا ولكم في الآخرة، وعمر كساها أخاً له مشرك، مما يدل على أن المشرك لا يمنع من لبس ما حُرم على المسلمين، وإن كان مخاطباً بفروع الشريعة وهذه منها، هو مخاطب بفروع الشريعة، لكن لا يؤمر بها؛ لماذا؟ لأنها لا تصح منه لتخلف شرط القبول وهو قصد الامتثال، هو مطالب بالصلاة {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(43) سورة المدثر] مطالب بالصلاة، مطالب بالزكاة، مطالب باجتناب المحرمات، لكنه لا يطالب بها في الدنيا؛ لأنها لا تصح منه لو فعلها؛ لتخلف شرط القبول، وهو مطالب بها بمعنى أنه مطالب بجميع فروع الشريعة عند الجمهور، منهم من يقول: إنه ليس بمطالب مطلقاً كالحنفية، ومنهم من يقول: إنه مطالب بالنواهي دون الأوامر كما هو قول عند المالكية "فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً" لأنه يدخل في الخبر السابق ((لا خلاق له في الآخرة)). "متفق عليه، واللفظ للبخاري". الجزء: 47 ¦ الصفحة: 20 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف)) " الأصل أن الجمعة إنما تقام في مسجد واحد، ولا يجوز إقامتها في أكثر من مسجد إلا إذا دعت الحاجة الماسة لذلك لمشقة عظيمة تلحق المصلين، أو لضيق المصلى مع عدم إمكان توسعته، أما إذا أمكن توسعته فإن هذا لا يبرر إقامة الجمعة في أكثر من موضع، وأهل العلم يحكمون بأن الصلاة الثانية باطلة، الأولى هي الصحيحة والثانية باطلة، ونرى التوسع غير المرضي، وإن كانت الحاجة داعية إلى إقامة أكثر من جمعة، لكن ما معنى أن يقام في كل حي خمسة مساجد تقام فيها الجمعة، ويقام في البلد أربعين جامع خمسين جامع مائة جامع، الأصل عدم التعدد، والحاجة تقدر بقدرها، ولا مانع أن يبعد المسجد عن منزل الإنسان كيلو أو أكثر؛ لأن الناس يتضايقون ويتذمرون إذا كان المسجد يبعد مائة متر، ويجعلون هذا ذريعة في مطالبة الجهات في إقامة جامع آخر، المسألة أشد مما يتصوره الناس، الجمعة الثانية باطلة عند أهل العلم إذا كان لا مبرر لها، ولو كان في تقدير بعض الناس ممن ألف الراحة والكسل وعدم المشقة المحتملة، ولو ألف أن مثل هذا مشقة ليس بمشقة، إذا وجد أكثر من مسجد بل وجد مساجد، ونحن نعرف أن بعض المساجد على ما هو معروف عند الحنابلة يدخل الإمام قبل الزوال، والآن الفتوى عممت على أن الصلاة لا تصح إلا بعد الزوال، فصار بعضهم يدخل مع الزوال، وبعضهم يتأخر قليلاً، وبعضهم يتأخر ربع ساعة مثلاً، فهل العبرة بالمسجد الذي تقصده في العادة فيكون دخول الإمام هو الحاسم في هذا المسجد الذي تقصده؟ وإلا بإمكانك أن تقول: هذا المسجد دخل أركب السيارة وأذهب إلى مسجد آخر لم يدخل؛ لأنه يقول: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، يكتبون الأول فالأول)) وعلى هذا فهل الأفضل للإنسان إذا سمع المسجد القريب دخل إمامه وشرع في الخطبة أن يركب السيارة ويذهب إلى مسجد أبعد ليدخل قبل الإمام، فعله أن يدخل في مثل هذا الحديث؟ نقول: يرجى، وإلا فما الداعي لمثل هذا التأخير إلا الحرمان الجزء: 47 ¦ الصفحة: 21 الظاهر ((يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام)) يعني على المنبر ((طووا الصحف)) إذا دخل الإمام خلاص انتهت كتابة الفضائل المرتبة على التبكير، وهي تبدأ من ارتفاع الشمس؛ لأنه قبل ارتفاع الشمس هناك وظائف شرعية جاءت بها النصوص، ثم إذا ارتفعت الشمس بدأت الساعة الأولى ((فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر)) يعني الخطبة ((ومثل المهجر الذي يأتي في الساعة الأولى)) يعني المبكر ((الذي يأتي إلى الجمعة في الساعة الأولى كمثل الذي يهدي البدنة)) من الإبل ((ثم كالذي يهدي بقرة)) وهذا الذي يأتي في الساعة الثانية ((ثم كالذي يهدي الكبش)) ((ثم كالذي يهدي الدجاجة)) ((ثم كالذي يهدي البيضة)) ثم بعد ذلك يدخل الإمام بعد ذلك في الساعة السادسة كما يختاره كثير من الحنابلة، وبعد الزوال كما هو قول الجمهور، وعلى هذا تكون الساعات غير منضبطة بدقائق معلومة، قد تزيد على الساعة الفلكية المعروفة، وقد تنقص عنها تبعاً لطول النهار وقصره. يُذكر عن مالك أن هذه الساعات الخمس هي كلها ساعات لطيفة تكون بعد الزوال، يعني يتأخر الإمام يسيراً تأخر يسير بحيث يستوعب خمسة أوقات زمنية يصح أن يطلق على كل وقت منها ساعة من غير تحديد، ساعات لطيفة بعد الزوال، لكن هذا القول ظاهر الضعف، والمرجح هو قول الجمهور، وأنها تبدأ من أول النهار. "رواه مسلم". الجزء: 47 ¦ الصفحة: 22 "وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة)) " يعني ذكر فضائل الجمعة وخصائص الجمعة وذكر من خصائصها وفضائلها ((أن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم)) ساعة وقت من الزمان لا يقدر بقدر معين كما هو معروف عندنا، ((ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه إياه)) ساعة الاستجابة "وأشار بيده يقللها" متفق عليه، وزاد مسلم "يزهدها" يزهدها لا يزهد فيها وفي الأجر، وفي قبول الدعوة وإجابة الدعوة فيها، لا، هذا مما ينبغي أن يتحرى ويحرص عليه، وأما التزهيد يعني التقليل، تفسرها الرواية الأخرى، يعني شيء يسير، وقت قصير والخلاف في وقت ساعة الاستجابة على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة، لكن فيه من صفتها "أنه قائم يصلي" في الحديث الذي يليه حديث "أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ " "عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك" يعني أبا موسى الأشعري "يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) رواه مسلم، وقال الدارقطني: لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة، ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، والصواب أنه من قول أبي بردة" هذا الحديث أولاً: هو في صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول، وإن قال من قال كالدارقطني وغيره ما قال، هذا الحديث اختلف فيه بين أهل العلم هل هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي بردة عن أبي موسى عنه -عليه الصلاة والسلام- كما هو مقتضى صنيع الإمام مسلم في صحيحه، أو أنه موقوف على أبي موسى، أو أنه مقطوع من قول أبي بردة؟ الجزء: 47 ¦ الصفحة: 23 أولاً: المرجح ما جاء في صحيح مسلم؛ لأن ما في الصحيح مرجح على قول كل قائل، يعني: لو أن البخاري -رحمه الله تعالى- سُأل عن هذا الحديث في جامع الترمذي أو غيره فقال: موقوف، فعندنا قول البخاري وعندنا ما خرج في صحيح مسلم، رجحنا ما في صحيح مسلم، لكن لو كان التعارض بين ما في صحيح البخاري وصحيح مسلم رجحنا ما في صحيح البخاري، فما في الصحيحين لا يتقاول عليهما؛ لأننا إذا طعنا في الصحيحين لم يبقَ لنا شيء إلا ويمكن الطعن فيه، فصيانة لهذين الكتابين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمعت على قبول ما فيهما لا يتطاول أحد عليهما لا الدارقطني ولا غيره، فالقول الذي يختاره الإمام مسلم أن الحديث مرفوع من حديث أبي بردة عن أبيه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، فجعله موقوفاً من قوله، ومنهم من قطعه فوقفه على أبي بردة، إذا تنزلنا وقلنا: إنه من قول أبي موسى، هل يمكن أن يقوله أبو موسى من تلقاء نفسه أو أن له حكم الرفع؟ هذا لا يمكن أن يقوله أبو موسى من تلقاء نفسه، بل له حكم الرفع، ولذا جزم جمع من الأئمة، بل قطعوا بل صرحوا بأنه هو الصواب أن ساعة الإجابة في يوم الجمعة هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة، طيب هل يدعو الإنسان في هذا الوقت يتحين سكتات الإمام قبل أن يشرع الإمام في الخطبة، وبعد أن يجلس بين الخطبتين، وبعد أن تنتهي الخطبة إلى أن يشرع في الصلاة، وفي أثناء الصلاة يتحرى الدعاء في هذه المواطن. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 24 طيب ((لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي)) هذا وقت خطبة وقت إنصات، قالوا كما جاء في الحديث ((الذي ينتظر الصلاة فهو في صلاة)) ومنهم من قال: ((قائم يصلي)) يعني يدعو، والصلاة في اللغة الدعاء، هذا قول ومعتبر عند أهل العلم؛ لأنه مخرج في مسلم، ومرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقول الثاني وهو ما يختاره الإمام أحمد وجمع من أهل العلم الكبار، قالوا: إن ساعة الإجابة في يوم الجمعة هي آخر ساعة من عصر يوم الجمعة، وبهذا قال عبد الله بن سلام الصحابي الجليل، وكلامه مخرج في الصحيح إلا أنه من لفظه، ولكنه أيضاً يحتمل أن يكون مرفوعاً؛ لأنه لا يقال بالرأي، وهو صحيح إليه، وهو مرجح عند جمع من أهل العلم آخر ساعة من يوم الجمعة، طيب ((قائم يصلي)) مثل ما قيل في السابق ينتظر الصلاة فهو في صلاة، وعلى هذا فعلى المسلم الحريص تحري هذين الوقتين، فيستغل سكتات الإمام من دخوله وجلوسه على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وأيضاً يتحرى النفحات في آخر ساعة من يوم الجمعة فيجلس في المسجد ينتظر الصلاة ليكون في صلاة، ويشغل وقته بالذكر والدعاء، عله أن يصادف هذه النفحة الإلهية فيمحى عنه ما اقترفه من كبائر ومن صغائر. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 25 المؤلف ترك أحاديث تتعلق بالجمعة، وذكرها الحافظ ابن حجر في البلوغ، وذكرها أيضاً غيره، منها: مسألة العدد، وأنه مضت السنة أنه في كل أربعين جمعة، يعني أن الجمعة لا تصح إلا من أربعين، يعني من العدد أربعين، لكن الحديث متفق على ضعفه، وإن عمل به الشافعية والحنابلة، فاشترطوا الأربعين، لكن الحديث متفق على ضعفه، المالكية عملوا بحديث جابر السابق لما خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت عير فانصرف الناس إليها وانفضوا إليها، وتركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب فلم يبقَ معه إلا اثنا عشر صحابياً، فقالوا: العدد المطلوب اثنا عشر، ولو كان العدد المطلوب أربعين ما صحت الخطبة، ثم ما صحت الجمعة؛ لأنه لم يبقَ معه في الخطبة إلا اثنا عشر، لكن ماذا لو بقي أقل من اثنا عشر؟ الحديث ليس فيه تحديد للعدد، إنما اتفق أنه بقي هذا العدد، ولذا فلا دلالة فيه على التحديد، ما جاء في الأربعين متفق على ضعفه، في الاثنا عشر ما فيه دلالة على التحديد، إذاً ما العدد المطلوب للجمعة؟ لم يصح فيه شيء، لكن هل تصح من الواحد الجمعة؟ لو تصح من الواحد لكان من فاتته الجمعة يصلي جمعة، يخطب لنفسه ويصلي، لكن مجمع على أن من لم يدرك الجمعة يصلي ظهراً، إذاً الواحد لا تصح منه، الاثنان فما فوقهما جماعة، هل تصح منهما الجمعة كسائر الصلوات؟ المرجح عند جمع من أهل التحقيق أن أقل عدد للجمعة ثلاثة، ومنهم من قال: أربعة، بما استدل هؤلاء؟ قالوا: الآية: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [(9) سورة الجمعة] اسعوا جمع، ما قيل: فاسعَ، اسعوا، والجمع أقله اثنان أو ثلاثة على الخلاف في ذلك، فعندنا اثنان أو ثلاثة يسعون، وفي آخر أو ثالث أو رابع يذكر الله -جل وعلا- وهو الخطيب، يعني الجماعة الذين يسعون غير الخطيب؛ لأن الخطيب لم يؤمر بالسعي، إنما أمر بالسعي إليه فهو غير من أمر بالسعي، فعندنا أقل الجمع اثنين يسعون إلى هذا الذي يذكر الله وهو الثالث، أو ثلاثة يُسعون إلى هذا الذي يذكر الله وهو الرابع، ومنهم من قال: الرابع حتى على القول بأن أقل الجمع اثنين؛ لأن عندنا اثنان مأموران بالسعي، ونودي في شخص ينادي وهو الجزء: 47 ¦ الصفحة: 26 المؤذن، وشخص يذكر الله وهو الخطيب، إذاً كما عندنا؟ أربعة، أقل من تنعقد بهم الجمعة أربعة، شيخ الإسلام -رحمه الله- يرجح الثلاثة؛ لماذا؟ لاحتمال أن يتولى الأذان الخطيب، إذا نودي نادى الخطيب وذكر الله تعالوا، فأقل من تنعقد بهم الجمعة ثلاثة، أخذاً من هذه الآية، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله. طالب:. . . . . . . . . . . . . . . . . . صلاة الجمعة، الأولى أن يصلي العيد ويصلي الجمعة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-. ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قراءة سورة الأعراف في صلاة المغرب هل هذا يعتبر من التخفيف كما يقول بعض أهل العلم أن كل ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... ؟ لا، هذا ليس بتخفيف لكنه نادر، والنادر لا حكم له. يقول: هل يُعان المشرك على المحرمات مثل شرب الخمر ولبس الحرير والغناء مثل فعل عمر بالحلة؟ لا، لا يعانون فيما هو محرم عندهم، وفيما يتعدى ضرره إلى المسلمين، أما ما كان ضرره خاصاً بهم فلا يعانون لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، لكن يبقى أن فعل عمر مصلحته راجحة، فيه من الصلة، وفيه من أسلوب الدعوة الذي لعله أن يسلم بسبب هذه الصلة، كما فعلت أسماء مع أمها بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: هل المطالب بالإنصات يوم الجمعة من هو داخل المسجد أو من كان قريباً من المسجد ولم يدخل بعد أو من سمع المذياع؟ المطالب هو من جاء وحضر إلى الجمعة، من حضر الجمعة عليه أن ينصت ويستمع، أما قبل أن يدخل المسجد وهو في طريقه فهو يسمع الخطيب وهو يسمع القرآن يتلى إذا سكت فهو أولى، وإذا تكلم باعتباره أنه لم يخاطب الآن بالخطبة، ولم يباشر الحضور، فيرجى أن يكون الأمر، أما من سمع المذياع فلا؛ لأنه لا يصدق عليه أنه جاء للجمعة. يقول: وماذا يعمل رجال الهيئة بالحرم إذا رأوا منكراً كاختلاط الرجال مع النساء فهل يأمرون وينهون ولو بالإشارة؟ إذا قلت لصاحبك: أنصت فلغوت، من لغا فلا جمعة له، لكن إذا كان هناك منكر يفوت، أو شيء يتعدى مثل رجل يتحرش بامرأة، أو يتكلمان في إبرام موعد، أو ما أشبه ذلك، فإن مثل هذا لو قُطعت الخطبة من أجله كإنقاذ غريق ونحوه مثل هذا مصلحة راجحة. لعل الباقي يكون في درس الغد والذي يليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (48) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: إذا كثُرت المتون التي حفظها الطالب ما الطريقة السليمة في مراجعتها؟ أولاً: إذا حفظ حفظاً قوياً راسخاً بالطريقة التي بينها أهل العلم فإن مراجعتها تكون سهلة، الإشكال فيما إذا كان الحفظ رديء، أو الحافظة ضعيفة، أما إذا كانت الحافظة متوسطة فضلاً على أن تكون قوية، والحفظ متين وقوي فإن هذا لا يُكلف شيئاً متعباً، شرحنا مراراً كيفية الحفظ، فلا مانع من أن يذكر باختصار شديد، ويحدد القدر المطلوب المناسب للحافظة طولاً وقصراً، تبعاً للحافظة قوةً وضعفاً، وليكن خمس آيات أو حديثين أو ثلاثة يكررها حتى يحفظها، فإذا جزم يقيناً أنه حفظها انتهى من نصيب اليوم في هذا الفن، ولا يدخل أكثر من فن في وقت واحد، لا يخلط بين فنين أو ثلاثة في وقت واحد، إذا كانت حافظته تسعفه يزيد في الكمية، ثم من الغد يراجع هذا المحفوظ خمس مرات، ويحفظ نصيباً جديداً لليوم الجديد كالطريقة السابقة، ويختبر حفظه إن كان ما قرره يشق عليه يقلل في الكمية، وإن كان سهلاً عليه يزيد في الكمية، وإن كان مناسباً ثبت عليه، يُكرر درس الأمس، أو ما حفظه بالأمس خمس مرات ويحفظ الجديد، ثم في اليوم الثالث يكرر نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب اليوم الثاني خمس مرات وهكذا إلى أن يجد نفسه في اليوم الخامس انتهى نصيب اليوم الأول من المراجعة، ولا نحتاج إلى مراجعته مرة أخرى بعد ذلك، وفي اليوم السادس ينتهي من نصيب اليوم الثاني وهكذا. يقول: أفضل معجم لطالب العلم؟ إذا كان المعجم لغوي يريد أن يكون بيده مختصراً وواضحاً مع الاختصار فالمصباح المنير نافع يحل له كثير من الإشكالات، وإن أضاف إليه المفردات في غريب القرآن أيضاً يستفيد منه فائدة كبيرة، وإن سمت همته إلى ما هو أطول من ذلك ولديه قدرة على فهم الكلام المختصر فالقاموس، وفيه ستون ألف مادة، وطبع طبعات كثيرة في مجلد واحد، يسهل حمله يعني. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 1 هذا يقول: هل يجوز لي أن أدفع للصراف مبلغاً بعملة بلدي، ثم أستلمه في بلد آخر بعملة البلد الآخر غير العملة الأولى عن طريق الحوالة؟ هذه يحتاجها الجميع أو جل الوافدين من بلد إلى بلد يتعاملون بعملة البلد، ثم يحولون إلى بلدانهم عملتهم، هذا إما أن يصرف في الحال فيستلم ويسلم في المكان إذا صرف ويحول العملة التي تناسب بلده هذا أولى ما يُفعل، وليس فيه أدنى شبهة إذا كان يداً بيد، لكن إذا حول فليحول المبلغ الذي في البلد الذي هو فيه، ثم هناك يحصل التقابض بالعملة المراد صرفها على أن لا يتفرقا، وبينهما شيء كما جاء في الحديث: "إنا نبيع الإبل بالدراهم ونستوفي الدنانير أو العكس، فقال: ((لا بأس على أن لا تفترقا وبينكما شيء)). يقول: حكم المتساهل في أوقات الصلاة؟ إذا كان التساهل في تأخير الصلاة من أول الوقت إلى أثنائه أو إلى آخره على أن لا يضيع الجماعة، ويصلي في المسجد حيث ينادى بها الأمر فيه شيء من السعة؛ لأن الأوقات فيها مجال لهذا التأخير، مع أن أوائل الأوقات أفضل إلا في شدة الحر بالنسبة لصلاة الظهر، أما إذا كان قصده التساهل في أوقات الصلاة بأن يؤخرها عن أوقاتها عامداً لذلك فهذا خطر عظيم، من أهل العلم من أفتى بكفره إذا تعمد تأخير فرض واحد وليس عليه أن يقضيه لأنه خرج من الملة، ونقل عليه ابن حزم الإجماع، لكن نقل الإجماع على خلافه أنه يلزمه القضاء وعليه التوبة والاستغفار، ولا يكفر بهذا، بفرض واحد. هذا يقول: ما حكم تزين المرأة أمام النساء الأجانب؟ تزين المرأة ما لم يوجد في ذلك محظور أو ضرر على المرأة نفسها؛ لأن المرأة قد تتضرر وهي تشعر، والعين حق، وبعض النساء لا يحتطن لمثل هذا الأمر، ثم إذا حضرت مناسبة ورجعت إلى بيتها فإذا بها مصابة، أنتِ السبب، ويبقى أيضاً أن الحدود الشرعية لا يجوز تجاوزها، يعني عورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها، لا يجوز لها أن تظهر أكثر مما تظهره لوالدها وأخيها مما يحتاج إليه في المهنة في الوضوء وما أشبه ذلك. يقول أيضاً: ما حكم خل الخمر؟ وما حكم بعض العلب المصبرة التي يوضع فيها مادة حافظة؟ الجزء: 48 ¦ الصفحة: 2 أما خل الخمر، فالخمر إذا تخلل بنفسه جاز استعماله، أما إذا خُلل فلا، والعلب المصبرة التي يوضع فيها مواد حافظة إذا سلمت من الضرر، وكانت في الوقت المحدد لها، وما تأثرت تأثر النبيذ المعروف، يعني بحيث نجزم ويغلب على الظن أن هذه المادة في هذه العلبة وفيها مادة حافظة، ومدتها سنة في أثناء هذه السنة، وحفظت حفظاً مناسباً في جو مناسب بحيث يؤمن أن تتغير فلا شيء فيها. هذا يقول: أليست القيلولة تكون قبل صلاة الظهر، وهي على الأقرب في الساعة الحادية عشرة؟ هذا الأصل في القيلولة أنها في آخر الضحى في وقت القائلة، لكن دلت الآية: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] أن أهل الحجاز إنما يقيلون بعد صلاة الظهر. هذا يقول: أرجو أن تكون فترة العصر كلها للدرس وبعد المغرب لمدة نصف ساعة للأسئلة، إذا لم يكن في ذلك مشقة عليهم؟ لا، في مشقة وأي مشقة! نعم يوجد من أهل العلم -ما شاء الله- من يبذل الوقت الطويل، وعنده استعداد يجلس الساعات، لكن ما زلنا في مرحلة المجاهدة، والعين في الساعة باستمرار. وبالمناسبة قد نحتاج إلى درس ثالث اليوم والغد وبعد غد، نحتاج لكي نقف على الجنائز، اليوم في وقته، وغداً في وقته كالمعلن بعد صلاة العصر، وبعد غد بعد طلوع الشمس في الساعة السادسة من يوم الخميس بقدر الدرس عادة إلى السابعة والنصف؛ لكي نقف على الجنائز. يقول: ما حكم رفع اليد والإمام يدعو على المنبر يوم الجمعة؟ لا يجوز للإمام ولا للمأموم رفع اليدين إلا في الاستسقاء، إذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة يرفع يديه ويرفعهما المأموم أيضاً. يقول: أنا من أهل مكة ولا أعلم أين موقع المسجد؟ أرجو أن تفيدني فبريدي موجود؟ على كل حال احتمال أن تكون هذه الدورة آخر دورة في هذا المسجد، وأن الدرس يُنقل إلى الحرم -إن شاء الله تعالى- بدء من دورة الصيف التي هي في الأسبوع الثاني من شهر شعبان إلى آخر شعبان، يعني ثلاثة أسابيع يبدأ بكتاب الجنائز هناك، فأظن ما نحتاج إلى أن نصف له المسجد. سم. بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 3 قال المؤلف -رحمه الله-: باب: صلاة العيدين لحظة. جاء في الخبر: ((إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه)) ومن الطرائف أن بنت صغيرة طالبة سمعتها تدعو لزميلتها، ولا تدعو لنفسها، فقلت: لماذا لا تدعين لنفسك؟ تدعو لزميلتها أن تنجح في الاختبارات، قال: أنا يكفيني دعاء الملائكة، دعاء الملائكة يكفيني، لكن ما جاء في الخبر إتباعه أولى، فأنت إذا دعوت لنفسك ودعت لك الملائكة لا شك أنه إذا تضافرت الدعوتان أفضل. نعم؟ قال المؤلف -رحمه الله-: باب: صلاة العيدين عن يزيد بن خمير الرحبي قال: خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح. رواه أبو داود وابن ماجه، وعند البيهقي: إنا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويزيد روى له مسلم، ووثقه شعبة وابن معين وغيرهما، وقال أحمد: حديثه حسن. وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ركباً جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم. رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي، وصححه الخطابي، وقال ابن المنذر: هو حديث ثابت يجب العمل به، وصحح البيهقي وابن حزم إسناده، ولا وجه لتوقف ابن القطان فيه. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) رواه الترمذي وصححه. وعن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" وقال مرجى بن رجاء: حدثني عبيد الله بن أبي بكر، قال: حدثني أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويأكلهن وتراً)) رواه البخاري، وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية. تعليقاً، ما عندك تعليقاً؟ طالب: لا يا شيخ. رواه البخاري تعليقاً. رواه البخاري تعليقاً، وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية المعلقة. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 4 وعن ثواب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والترمذي، وهذا لفظه، وقال: حديث غريب، وقال محمد: لا أعرف لثواب بن عتبة غير هذا الحديث، وقد وثق ثواب بن عتبة ابن معين في رواية ابن عباس وغيره، وأنكر أبو حاتم وأبو زرعة ذلك، وقال ابن عدي: وثواب يعرف بهذا الحديث وحديث آخر، وهذا الحديث قد رواه غيره عن ابن بريدة، منهم عقبة بن عبد الله الأصم، ولا يلحقه بهذين ضعف. وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين، تلقي المرأة خرصها وسخابها" رواه البخاري ومسلم. وعنده: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها". وعن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. رواه ابن ماجه، وابن عقيل مختلف فيه. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 5 وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخيرة، ولم يصلَ قبلها ولا بعدها" رواه أحمد، وهذا لفظه، وقال: أنا أذهب إلى هذا، ورواه أبو داود ولفظه: قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث. وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقد الليثي: "ما كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر] رواه مسلم، وأبو واقد اسمه الحارث بن عوف -رضي الله عنه-. وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق" رواه البخاري. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتها فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب، فإما سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإما قال: ((تشتهين تنظرين؟ )) فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) حتى إذا مللت قال: ((حسبكِ؟ )) قلت: نعم، قال: ((فاذهبي)) متفق عليه. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة العيدين الجزء: 48 ¦ الصفحة: 6 تثنية عيد، وهو ما يعود ويتكرر في وقت معين، وليس لنا في الإسلام إلا هذين العيدين، ولا ثالث لهما إلا ما يطلق على الجمعة من أنه عيد الأسبوع، وما عدا ذلك فلا عيد لنا، وما يُفعل على المستوى العام أو الخاص مما يعود ويتكرر في يوم معين من السنة، أو من الشهر، أو ما أشبه ذلك كله من البدع، فالله -جل وعلا- أبدلنا بأعياد المشركين بهذين العيدين، ولا ثالث لهما، هذا العيد الذي يعود ويتكرر لا شك أنهما يومان عظيمان يتعقبان عبادات عظيمة، فعيد الفطر يتعقب الصيام، وهو ركن من أركان الإسلام، وعيد الأضحى يقع بعد الوقوف بعرفة الذي هو ركن الحج الأعظم ((الحج عرفة)) وهذه الأعياد بالنسبة للأمة هي أيام فرح وسرور، وتوسعة على النفس والأهل ((لتعلم يهود أن ديننا فسحة)) وفرصة، لكن لا يجوز أن تخطى ما حده الله -جل وعلا- لنا {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [(229) سورة البقرة] لا يجوز أن نتجاوز ما حده الله -جل وعلا- لنا، نعم هذه الأعياد أيام فرح وسرور واجتماع وصلة وأكل وشرب لا يجوز صومهما إلا أننا مقيدون بقيود شرعية، لا يجوز لنا أن نتجاوزها، عيد الفطر يتعقب الصيام، وعيد الأضحى يتعقب الوقوف بعرفة، وجاء في الحديث: ((شهرا عيد لا ينقصان)) رمضان وذي الحجة، قد يقول قائل: إن رمضان ليس فيه عيد، العيد في أول شوال، أما ذي الحجة فالعيد في أثنائه، فكيف يضاف الشهر إليه وقد انتهى؟ لقربه منه ولملاصقته له صار كأنه منه، كما يقال في المغرب: وتر النهار ((فرضت الصلاة ركعتين ركعتين)) حديث عائشة: ((فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة)) المغرب وتر النهار، وهي تقع في الليل بعد غروب الشمس، لكن لملاصقتها للنهار كأنها من النهار، ومثلها عيد الفطر لملاصقته لشهر رمضان كأنه منه. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 7 قال: "عن يزيد بن خمير الرحبي قال: "خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام" يعني وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس إلى الزوال، هذا وقتها عند أهل العلم، لا تجوز قبله ولا تصح بعده، على ما سيأتي من أنهم إذا لم يعلموا بدخول الشهر إلا بعد الزوال فإنهم يصلون من الغد على ما سيأتي، هذا وقت صلاة العيد، لكن الوقت المفضل أن يبادر بها، لا سيما الأضحى، وأما الفطر فيتأخر قليلاً لا يجاوز يعني إلى وقت تحتر فيه الشمس فيتضايق به المصلون. أبطأ الإمام تأخر لكنه في الوقت، وقال: "إنما كنا -يعني: عبد الله بن بسر- إنما كنا قد فرغنا ساعتنا" يعني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الوقت حينما احترت الشمس "قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح" يعني حين وقت صلاة الضحى التي الأفضل أن تؤخر ((صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال)) فينبغي أن تصلى صلاة العيد قبل ذلك يعني من ارتفاع الشمس إلى أن يحضر وقت صلاة الضحى، تكون في هذا الوقت ولا تؤخر كثيراً بعد ارتفاع الشمس، لا سيما الأضحى فإنها يبادر بها. "رواه أبو داود وابن ماجه، وعند البيهقي: "إنا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" هو يحكي ما حصل له مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس من اجتهاده "ويزيد بن خمير روى له مسلم" ما دام روى له مسلم جاز القنطرة "ووثقه شعبة وابن معين وغيرهما، وقال أحمد: حديثه حسن" يعني أقل ما قيل فيه: إن حديثه حسن، فعلى كل حال الحديث إن لم يصل إلى الصحة فهو حسن على أقل تقدير، فتبين بهذا أن وقت صلاة العيد إنما هو بعد ارتفاع الشمس، وبعد خروج وقت النهي، والمستحب والسنة أن يبادر بها قبل أن يحضر وقت صلاة الضحى الذي هو بعد أن تحتر الشمس، وترمض الفصال. قال -رحمه الله-: الجزء: 48 ¦ الصفحة: 8 "وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ما دام نص على أنهم صحابة فهم كلهم ثقات، ولو لم يسموا "عن عمومة له من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ركباً" ركب جمع راكب، كصحب جمع صاحب "جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس" هذا الركب من المسلمين إذ لا تصح ولا تجوز شهادة غير المسلمين، وكأنهم معروفون عنده -عليه الصلاة والسلام-، فلم يحتج إلى تقريرهم، كما قال للأعرابي: ((أتشهد أن لا إلا الله، وأني رسول الله؟! )) قال: نعم، فأمر الناس بالصيام، هؤلاء إما أن يكونوا معروفين عنده -عليه الصلاة والسلام-، أو لأنهم مجموعة جمع يجبر بعضهم بعضاً، على كل حال هم مسلمون "يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا" جاءوا إلى المدينة بعد الزوال، وشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس بعد مدة، يعني من غروب الشمس إلى الزوال من اليوم الثاني قرابة عشرين ساعة، قد يقول قائل: كيف ينتظر الخبر ما يصل إلى بعد عشرين ساعة؟ ليصل مهما قربوا، قبل وسائل الاتصال يحدثنا شيخ كبير السن عمره في الثمانين يقول: نحن في قرية قريبة من بلد فيه قاضي كنا جالسين بعد صلاة العصر نقرأ القرآن في المسجد، جاءنا من يقول: إن الهلال رئي البارحة في البلد الذي بجوارهم، عشرين كيلو أو خمسة وعشرين كيلو، يعني قبل وسائل الاتصال ما يستبعد مثل هذا ولا يستغرب، فيموت الميت لا يعلم به، وبعض الناس لا سيما من هاجر من بلد إلى آخر بقصد طلب العلم مثلاً، ولا يريد أن يشوش عليه ما يقرأ ولا الخطابات، تأتيه رسائل من بلده ما يفتحها، يهاجر من المشرق إلى المغرب أو العكس، ثم تأتيه الرسائل الذي فيها نعي والده وأمه وأولاده وإخوانه، ما يفتحها إلا إذا قرر الرجوع؛ لئلا ينشغل ذهنه، لا شك أن هذا فيه يعني شيء من قسوة في القلب يعني ما يهتم لأهله ولا والده ولا والدته ولا كذا، ذكر في تراجم بعض من رحل إلى المشرق ذُكر هذا الأمر، نعم الطريق قد يستغرق ستة أشهر أو أكثر، فكيف يذهب إليهم ثم يعود ثانية وكذا؟! يريد يعني يقول: اللي يموت يموت عادي خلاص انتهى، يعني بعض الناس عندهم من التحمل إلى هذا الحد، وما زال ناس الجزء: 48 ¦ الصفحة: 9 موجودون، إذا أراد أن يذهب إلى رحله أو نزهة تستغرق شهر أو شهرين، يغلق الجوال يقول: لا تتصلون، الدراهم عندكم، والسواق عندكم، اللي يموت للمقبرة، واللي يمرض للمستشفى، يقال: من أجل إيش؟ أن يرتاح في رحلته، فإذا كان هذا في رحلة أو نزهة عادية فكيف بمن هاجر لطلب العلم؟! وكل هذا قدر زائد على المطلوب، فالمطلوب من المسلم أن يطلب العلم، ومع ذلك أن يهتم ببر والديه وصلة أقاربه، نعم قد يأذن الوالد له بالسفر، لكن لا يصل الأمر إلى هذا، بعضهم ما يفتح الخطاب إلا بعد سنين إذا حصل من العلم ما حصل، فإذا بوالده قد مات من خمس سنوات! هذه قسوة، والله المستعان. هؤلاء الركب جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الزوال، يخبرونه أنهم رأوا الهلال بالأمس "فأمر الناس أن يفطروا" الفطر واجب؛ لأن العيد لا يجوز صومه بحال، يحرم صوم يومي العيدين "فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم" يعني الصلاة -صلاة العيد- لا بد أن تصلى في وقتها، وقد خرج وقتها عند إخبارهم إياه -عليه الصلاة والسلام-، إذاً تقضى في وقتها، من الغد بعد ارتفاع الشمس "فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم" وهل الصلاة من الغد قضاء أو أداء؟ طالب: قضاء. قضاء بلا شك، وإن تردد بعضهم بعض أهل العلم يقول: إن الخبر إنما يلزم بعد بلوغه، ومن بلغهم الخبر الآن فهي أداء، على كل حال المسألة سهلة يعني، هم ما أخروها متعمدين لتأخيرها، وهي وإن كانت قضاء كصلاة النائم حتى خرج وقت الصلاة، هي قضاء لكنه لا يأثم إذا بذل الأسباب لينتبه، قد يقول قائل: لماذا لا نقضي الصلاة في وقتها كصلاة العيد؟ نام عن صلاة الظهر وما انتبه إلا بعد خروج وقتها؛ لماذا لا يقضيها من الغد في وقتها مثل العيد؟ عندنا نص: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) يجب قضاء الفوائت فوراً، اللهم إلا صلاة العيد ففيها هذا النص، يدل على أنها لا تصح في غير وقتها، فلا تقدم عليه ولا تؤخر عنه. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 10 "رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي وصححه الخطابي وابن المنذر" وهو حديث ثابت يجب العمل به؛ لأن إبهام الصحابة لا يضر "وصحح البيهقي وابن حزم إسناده، ولا وجه لتوقف ابن القطان فيه" لأن ابن القطان استدرك على عبد الحق تصحيح الخبر، وطعن فيه، لكن الأئمة كلهم على تصحيحه. "وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) رواه الترمذي وصححه، وفي بعض ألفاظه: ((والحج يوم يحج الناس)) " ((الفطر يوم يفطر الناس)) فلا يجوز للإنسان أن يشذ بفطر دون سائر الناس، ولا يجوز له أن يصوم والناس ما صاموا، ولا يجوز له أن يضحي قبل الناس، كما أنه لا يجوز له أن يقف بعرفة قبل الناس، فالفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصوم الناس ((والأضحى يوم يضحي الناس)) والحديث أقل أحواله الحُسن، ثابت، فإذا رأى الإنسان الهلال قبل الناس، رأى الهلال وردت شهادته، ردت شهادته في أول الشهر وهو يجزم أنه رأى الهلال، رآه بما لا مرية فيه ولا شك، هل يصوم وحده باعتبار أنه مأمور بالصيام لرؤيته، أو لا يصوم إلا مع الناس؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 48 ¦ الصفحة: 11 نعم، المسألة خلافية؛ لأنه يتجاذبه هذا الحديث: ((الفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصوم الناس)) وأيضاً ((صوموا لرؤيته)) وقل مثل هذا فيما إذا رأى هلال شوال، إذا رأى هلال شوال وحده وردت شهادته ما وجد غيره، ومعلوم أن خروج الشهر لا بد من اثنين، ما يكفي واحد، ردت شهادته، وهو متأكد يصوم، وفي قرارة نفسه أن هذا يوم العيد، ولا يجوز صيامه، ويمتثل حديث: ((وأفطروا لرؤيته)) أو يصوم مع الناس في اليوم الأخير، ويفطر مع الناس في اليوم الأول؟ مقتضى هذا الحديث أن يصنع كما يصنع الناس، ويسعه ما يسمع الناس، وفي حديث كُريب عند مسلم: لما جاء من الشام، والناس صائمون وأخبرهم أنهم رأوا الهلال ليلة الجمعة، فقال ابن عباس: إنا لم نره إلا ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نراه، كُريب أكمل الثلاثين مع صيام أهل الشام، وإذا كان مجيء كريب يوم الثلاثين أو بعد إكمال الثلاثين، الإشكال فيما إذا كان بعد إكمال الثلاثين، وصام مع الناس في الشام اليوم الأول، وأهل المدينة ما صاموا، ثم أتم أهل المدينة الثلاثين؛ لأنهم لم يروه، فيلزم على هذا أن يكون كريب صام واحداً وثلاثين يوماً، والشهر لا يصل بأي حال من الأحوال إلى واحد وثلاثين، فمن عمل بالحديث بعمومه قال: يصوم مع الناس ولو أدى ذلك إلى أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً، ومن قال: عليه أن يعمل بـ ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) قال: يصوم لرؤية نفسه، ويفطر لرؤية نفسه، مع أن جميع طرق الحديث فيها الجمع، وفيه مخاطبة الأمة لا مخاطبة الأفراد ((صوموا)) يعني هذه مخاطبة للأمة ((صوموا)) فهم يصومون لرؤيته، ويفطرون لرؤيته، ورؤيتهم تتحقق بواحد، لكن الكلام على صوموا الأمر بالصيام للجميع، والأمر بالفطر للجميع، فعلى هذا لا يصوم إلا مع الناس، ولا يفطر إلا مع الناس على مقتضى هذا الحديث، ومن أهل العلم من يقول: إذا كان قد رأى الهلال رؤية لا يشك فيها فهو مأمور بـ ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فإنه يفطر سراً، ويصوموا سراً؛ لئلا يشوش على الناس، والمسألة خلافية. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 12 ((الأضحى يوم يضحي الناس)) رأى الهلال والناس ما رأوه، ولا استقر عندهم، رآه ليلة الجمعة، وهم ما رأوه إلا ليلة السبت، يترتب على هذا أن يقف بعرفة قبل الناس، وأن يضحي قبل الناس؛ لأنه رأى الهلال، الوقوف في اليوم التاسع، وإن انتظر الناس وقف في اليوم العاشر، نقول: يقف مع الناس ويضحي مع الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والعلماء يقولون: إن وقف الناس في الثامن أو في العاشر خطأ صح حجهم. قال: "وعن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو" يعني يذهب في الغداة لصلاة العيد "يوم الفطر حتى يأكل تمرات" "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" لأن عيد الفطر متعقب لصيام، لمنع من الأكل، ويوم العيد يحرم صومه فلئلا يشتبه الناس في أول النهار بالصائمين، وقد منعوا من الصوم سن لهم أن يأكلوا تمرات قبل الذهاب إلى صلاة العيد؛ لأنه قد يقول قائل: استمر صائم إلى أن أصلي العيد، نقول: لا، هذا يوم لا يجوز صومه، ولا تتشبه بأهل الصيام؛ لأنه يجب فطره، يعني كما يقول بعض الفقهاء: إن المعتكف يستمر في ثياب اعتكافه حتى يصلي العيد؛ لأن عليه أثر عبادة، فلا يحسن أن يبادر بإلقاء هذا الأثر حتى يصلي العيد، فقد يقول قائل أيضاً: الصيام أثر عبادة فلا أزال صائماً حتى أصلي العيد، نقول: لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، وأيضاً يستحب أن تحضر العيد بلباس حسن وهيئة حسنة، يلبس أفضل ما عنده، كما تقدم في حلة عُطارد، يلبس أفضل ثيابه، فكونه يغدو إلى صلاة العيد بثياب الاعتكاف التي فيها ما فيها مما قارفه أثناء اعتكافه في نومه وأكله وشربه، قد يكون الجو حار، فلا شك أن هذا خلاف السنة. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 13 " ((حتى يأكل تمرات)) وقال مرجى بن رجاء: حدثني عبيد الله قال حدثني: أنس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ويأكلهن وتراً)) " وتر، إما أن يقتصر على واحدة، لا سيما إذا خشي أن يتضرر؛ لأن من الناس من يتضرر بأكل التمر، أو يأكل ثلاث أو خمس أو سبع إذا كان لا يضره، لكن يقطع العدد على وتر؛ لأنه قال: ((ويأكلهن وتراً)) والتمر جاءت السنة بأنه يُفطر عليه الصائم، التمر، فإن لم يجد فالماء؛ لأن التمر غذاء وفاكهة، نافع جداً للمعدة الفارغة الخالية، ونافع للبصر، وفوائده كثيرة جداً. ((يأكلهن وتراً)) لا يغدو -عليه الصلاة والسلام- فالمفضل أن يأكل في بيته قبل أن يخرج، قبل أن يغدو إلى صلاة العيد، وبعض الناس يجلس بعد صلاة الصبح في مصلاه حتى ترتفع الشمس ليحصل الأجر الثابت في طول العام، ثم يغدو إلى المصلى فليأكل في المسجد قبل أن يغدو إلى المصلى، وإذا كانت صلاة العيد تصلى في المسجد الذي يجلس فيه كالحرم مثلاً، إذا أكل في المسجد قبل أن يتجهز لصلاة العيد .. ، هو مطالب بوظائف وعبادات يصلي الفجر، ثم يجلس في مجلسه، ثم إذا ارتفعت الشمس انتهت وظيفة، الوظيفة الأولى، يبدأ بالوظيفة الثانية، ثم بين الوظيفتين يأكل التمر، وإذا أكل التمر بعد طول الفجر وقبل غدوه إلى المسجد الذي يصلي فيه الفجر ويجلس فيه حتى يصلي العيد يصح أنه طبق السنة "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" رواه البخاري تعليقاً" تعليقاً يعني أنه حذف من مبادئ إسناده واحداً أو أكثر. وإن يكن أول الإسناد حُذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عُرف قال: "وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية المعلقة" الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري أسند هذه الرواية المعلقة، وهذه من وظائف المستخرجات، من وظائف المستخرجات وصل المقاطيع والمعلقات. قال: "وعن ثواب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم" كما تقدم أنه لا يغدو ولا يخرج حتى يأكل تمرات وتراً، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي؛ لأن يوم الأضحى متعقب لصيام أو لفطر؟ طالب: لفطر. يوم عرفة. طالب: لصيام. نعم؟ الجزء: 48 ¦ الصفحة: 14 كان هذا استمرار "لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" يعني ليس بصيام فرض إلزام يحتاط له الناس مثل ما يفعلوه في النوافل، فمثل هذا لا إشكال فيه إذا كانت نافلة فإنه لا يحتاط لها مثل ما يحتاط للفرض؛ لأنه متعقب لفريضة، والفريضة يحتاط لها، لكن النافلة الناس مجرد ما تنتهي ينتهي حكمها ليست كالفرض. "ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" لأنه يشرع له أن يبدأ بالأكل من أضحيته {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [(27) سورة الحج] {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [(36) سورة الحج] فالأكل من الأضحية أقل ما قيل فيه: إنه سنة، فليبادر بأضحيته بعد الصلاة، ولا تصح إلا بعد الصلاة، ثم يبادر بالأكل منها كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-. "ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والترمذي وهذا لفظه، وقال: حديث غريب، وقال محمد: لا أعرف لثواب غير هذا الحديث" محمد الذي ينقل عنه الترمذي هو البخاري، قال محمد يعني جرت عادة الترمذي أنه إذا أراد أن يعقب قال: قال أبو عيسى، نعم لا يقول: قال محمد، وإذا نقل عن البخاري قد يقول: محمد بن إسماعيل، وقد يقتصر على محمد، نعم ثواب هذا مقل من الرواية، حتى قال بعضهم: إنه مجهول، لكنه توبع على هذا الحديث، وارتفعت جهالته. "وقد وثق ثواب بن عتبة ابن معين في رواية عباس الدوري وغيره، وأنكر أبو حاتم وأبو زرعة ذلك، وقال ابن عدي ... " على كل حال الحديث له ما يشهد له "وقال ابن عدي: وثواب يعرف بهذا الحديث وحديث آخر، وهذا الحديث قد رواه غيره عن ابن بريدة" يعني أنه توبع عليه، لم يتفرد به، توبع عليه فارتفع ما يخشى من جهالته "وقد رواه غيره عن ابن بريدة، منهم عقبة بن عبد الله الأصم ولا يلحقه بهذين ضعف" ما دام توبع وعرفه من عرفه، ابن معين وثقه، وعرف بهذا الحديث وغيره حديث آخر، وتوبع عليه، لا يلحقه ضعف بهذا، فالحديث صالح للحجة، وله ما يشهد له من الحديث السابق. قال -رحمه الله-: الجزء: 48 ¦ الصفحة: 15 "وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى" يعني أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخرج النساء لحضور الفطر والأضحى "العواتق والحيض وذوات الخدور" العواتق اللواتي بلغن، أو قاربن البلوغ، والحيض المكلفات اللواتي أصابهن الحيض، وذوات الخدور البنات اللواتي لا يبرزن للناس، وهذه هي الصفة المعروفة على مر العصور والدهور، حتى أخرجت المرأة والبنت من خدرها، وصارت تزاحم الرجال، وقل حياؤها، وإلا كن النساء في خدروهن، والبنت قبل أن تتزوج لا ترى، وكان -عليه الصلاة والسلام- أشد حياء من العذراء في خدرها، لأن يضرب بها المثل؛ لأنها لا ترى، وكان الناس إلى وقت قريب يعرفون أن عند الجيران بنت، يسمعون من النساء ومن الأقارب أن عند آل فلان بنت، لا يدرون كم عمرها، فضلاً عن يعرفوا شيئاً من أوصافها، وقد يتزوج الولد ببنت جيرانه أو ببنت أقاربه وهو لا يعرف عنها شيء، لا سيما وقد تعارف الناس على المبالغة في هذا الباب؛ لأنه لا سيما الخاطب له أن ينظر بأمره -عليه الصلاة والسلام-، فالناس كانوا لا يمكنون الخاطب من النظر إلى وقت قريب، لا يمكنونه من النظر؛ لكن هل الأمر بالنظر على سبيل الوجوب والإلزام أو أنه أمر بعد حظر يكون للإباحة؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر جابر أن ينظر إليها ((فإنه أحرى أن يؤدم بينكم)) ((انظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً)) على كل حال هذا يحقق المصلحة، لا سيما إذا كان الخاطب رجل ثقة عاقل، فمثل هذا السنة أن يمكن من النظر. ذوات الخدور اللواتي لا يبرزن لأحد يؤمرن بالخروج إلى صلاة العيد، فضلاً عن غيرهن، فضلاً عن كبار السن عن العجائز، الكل يخرج لصلاة العيد؛ لأنها مناسبة عظيمة في الإسلام، ينبغي أن يهتم بها المسلم، "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي بعض الروايات: "أمرنا" ومعلوم أن الصحابي إذا قال: أمرنا أو نهينا فإنه لا يقصد بذلك إلا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ونهيه، وحينئذٍ يكون له حكم الرفع، ولو لم يصرح بالآمر. قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ الجزء: 48 ¦ الصفحة: 16 أما إذا صرح الصحابي كما هنا: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مجمع على أنه مرفوع مضاف إليه للتصريح به -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل هو بمثابة افعلوا، اخرجوا العواتق؟ الجمهور نعم، وذهب بعضهم إلى أنه لا يعني الأمر ولا النهي حتى ينقل اللفظ النبوي، ولكن هذا القول ليس بصحيح، بل قول باطل. قال: "فأما الحيض فيعتزلن المصلى" لأنه ليس للحائض أن تدخل المسجد، وليس للجنب أن يدخل المسجد إلا مروراً، عابر سبيل، فليس للحائض أن تحضر المساجد، ومنها مصلى العيد "فأما الحيض فيعتزلن المصلى" لأنه ليس لها أن تبقى في المسجد وفي حكمه مصلى العيد، لا سيما إذا كان معروفاً بحدوده، ويصلي فيه العيد باطراد، فإنه يكون له حكم المسجد، يعتزلن الصلاة، وفي بعض الروايات: "يعتزلن المصلى". "ويشهدن الخير" يسمعن الخطبة والموعظة وما يوجه من قبل الإمام "ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين" مما يدل على أن الخطب تشتمل على الدعاء، يدعو الخطيب، ويؤمن عليها، ويستوي بذلك خطبة الجمعة وخطبة العيد، وغيرها من الخطب. "قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب" فكيف تخرج ولا جلباب لها؟ "قال: ((تلبسها أختها من جلبابها)) " يعني إذا كان عندها قدر زائد من الجلابيب فإنها تعيرها جلباباً تحضر به صلاة العيد ((من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له)) وهكذا كان المسلمون يتعاونون على أمور دينهم ودنياهم، ولا يتصور أن كل إنسان عنده ما يلبسه ويتجمل به ويخرج، قد تكون المرأة ليس عندها ما يكفي لستر بدنها فتخرج إلى الصلاة أو غيرها كما في هذا الحديث، لكن التعاون على البر والتقوى هو المطلوب. "متفق عليه، واللفظ لمسلم" الجزء: 48 ¦ الصفحة: 17 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه" صلاة الجمعة بعد الخطبة بالإجماع، يخطب ثم يصلي؛ لأن الخطبة لصلاة الجمعة شرط، والأصل في الشرط أن يتقدم المشروط، وأما في العيدين فالخطبة ليست بشرط، بل حضورها سنة، وجاء في التشديد بالنسبة لخطبة الجمعة ما جاء، لكن خطبة العيد: ((إنا نخطب فمن أحب أن يجلس فليجلس، ومن أحب أن ينصرف فلينصرف)) فأمر الخطبة في صلاة العيد أقل، وليست بشرط اتفاقاً، فموقعها بعد الصلاة؛ لئلا يحبس من لا يريد سماع الخطبة؛ لأنه ما دام جاء التخيير فلا داعي إلى أن يحبس الناس، قد يقول قائل: إنه تكون الخطبة قبل، والذي لا يريد أن يحضر لا يبكر، يخشى أن تفوته صلاة العيد إذا قيل بمثل هذا، فيضمن الصلاة ثم يصلي، فإن أراد أن يجلس يجلس، وإن أراد أن ينصرف فلينصرف. وصلاة العيد حكمها مختلف فيه بين أهل العلم، فعند الحنابلة فرض كفاية، وعند الشافعية والمالكية سنة مؤكدة، ويرى الحنفية وجوبها عيناً، وجوبها على الأعيان، فإذا أمر بها النساء فمن باب أولى أن تتأكد وتجب في حق الرجال، الحنابلة يقولون: فرض كفاية؛ لأنها شعار تسقط بقيام البعض كالجهاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- واظب على صلاة العيد، وواظب عليها خلفاؤه من بعده، وأمر العواتق والحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى، فالقول بالوجوب متجه، وهو ما يرجحه شيخ الإسلام، وعلى هذا من تعمد ترك صلاة العيد يأثم، لكن ليست هي بمثابة الصلوات الخمس، ومن فاتته صلاة العيد من قال بوجوبها يقضيها، والذي لا يقول بوجوبها لا يلزمه قضاؤها، يقضيها الأصل أن تقضى على صفتها، وجمع من أهل العلم يقولون: يقضيها أربع ركعات، ما يقضيها ركعتين يقضيها أربعاً كالجمعة إذا فاتت تقضى أربعاً، لكن الأصل أن القضاء يحكي الأداء، فتقضى على صفتها. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 18 "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" فهذه هي السنة، ومن قدم الخطبة على الصلاة فقد خالف السنة، وحصل في الصدر الأول تقديم الخطبة على الصلاة، وحصل الإنكار من بعض الصحابة على الخطيب وهو على المنبر، ويختلفون في أول من قدم الخطبة على الصلاة، فبعضهم يقول: عثمان، وبعضهم يقول: معاوية، وبعضهم يقول: مروان، وعلى كل حال هديه -عليه الصلاة والسلام- وهدي أبي بكر وعمر أنهم يصلون قبل الخطبة. "متفق عليه". "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين" وهذا إجماع، أن صلاة الفطر والأضحى صلاة العيد ركعتان. "لم يصل قبلها ولا بعدها" معلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، وإذا دخل المصلى انشغل بالصلاة كالجمعة إذا دخل لم يصل قبلها إنما ينشغل بالخطبة، فكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلها لا يعني أنه بصفته إمام يقتدي به غير الأئمة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة وهو القدوة للجميع {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] ولا أسوة ولا قدوة لنا إلا به -عليه الصلاة والسلام-، لكن يبقى أنه قد يفعل الفعل باعتباره واحد من المسلمين، وقد يفعل الفعل باعتباره إمام في الصلاة، وقد يفعل الفعل باعتباره الإمام الأعظم، وكلٌ يقتدي به بكل اعتبار فيما يخصه في إمامة الصلاة يقتدي به الأئمة، في الإمامة العظمى يقتدي به الأئمة السلاطين، في سائر أموره يقتدي به عموم المسلمين، مما يوضح هذا ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) ((فإذا قال -يعني الإمام-: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يقول: سمع الله لمن حمده، وثبت عنه أن يقول: ربنا ولك الحمد، ما الذي يخص الإمام من الجملتين؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 48 ¦ الصفحة: 19 نعم سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها، لكن ما الذي يخص المأموم؟ الجملة الثانية لأنه قال: إذا قال فقولوا، فإذا قال: سمع الله لمن حمده مع أنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها، لكنه يقولها باعتباره إماماً، فالذي للمأموم مما يقتدى به -عليه الصلاة والسلام- ما يخصه، فالمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وإن قالها النبي -عليه الصلاة والسلام-، والشافعية يقولون: يجمع بينهما كل مصلٍ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قالها وهو القدوة، لكن قالها باعتباره إمام، ويفسره حديث: "فإذا قال فقولوا" ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)). "لم يصل قبلها" لم يصل قبل صلاة العيد لأنه انشغل بالصلاة، لم يصل قبل صلاة الجمعة لأنه انشغل بالخطبة وهكذا الأئمة، لكن إذا تقدم المأموم قبل الإمام لا سيما إذا كانت الصلاة في المسجد فهل نقول: لا يصلي باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلها ولا بعدها؟ وقال بهذا جمع من أهل العلم، أو نقول: يصلي؛ لحديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني في المصلى الذي لا يأخذ جميع أحكام المسجد الأمر أسهل، لكن في المسجد الذي أمرنا أن لا نجلس حتى نصلي ركعتين، لا شك أن الأمر أقوى من مجرد الترك منه -عليه الصلاة والسلام-، الذي يحتمل أنه ترك ذلك لكونه إماماً، وانشغل بالصلاة. "لم يصل قبلها ولا بعدها" يعني في مكان المصلى وإلا فقد ثبت أنه على ما سيأتي أنه يصلي إذا رجع إلى منزله ركعتين. قال: "لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة" خطب الرجال بما يناسبهم ويليق بهم، وبما يشملهم ويشمل غيرهم من النساء، لكنه خص النساء؛ لأنه رأى النساء أكثر أهل النار بالعلل التي ذكرها، بم يا رسول الله؟ قال: ((يكثرن اللعن، ويكفرن العشير)) ثم حثهن على الصدقة ((والصدقة تطفئ غضب الرب)). الجزء: 48 ¦ الصفحة: 20 "فجعلن يلقين -تلقي المرأة- خرصها" حلقة من الذهب أو الفضة تعلق في الأذن "وسخابها" القلائد تلقي من غير أذن زوجها، هل في مجال للاستئذان؟ تذهب المرأة إلى زوجها وتستأذن وترجع وتلقي؟ يعني ظاهر النص أنها تلقي بمجرد ما سمعت الموعظة، هذه مسألة مهمة جداً، يعني يحتاج إليها في هذا الزمن الذي كثر فيه الكلام عن حقوق المرأة، هي تلقي بغير إذن، فمنهم من خص ذلك بالشيء اليسير، وقد جاء في سنن أبي داود ما يدل على أن المرأة لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها، ولا بالصدقة، لكن إذا أردنا أن نرجح فما في الصحيحين أرجح مما في سنن أبي داود، وإذا حملنا هذا على الشيء اليسير كما قال بعض أهل العلم ويبقى الشيء المؤثر لا بد أن يستأذن فيه الزوج، وعلى كل حال المرأة مكلفة وحقوقها كاملة، وضمنها لها الشرع، فتتصرف إذا كانت حرة رشيدة تحسن التصرف في المال وإلا لزم الحجر عليها كالرجال. وعنده "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها". "وعن عبد الله بن محمد بن عقيل" وفيه كلام لأهل العلم من جهة حفظه "عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" رواه ابن ماجه، وابن عقيل مختلف فيه" ومع الاختلاف فيه لا يصل إلى حد يرد حديثه، لا سيما مع عدم المخالفة، فحديثه حسن؛ لأنه لم يبلغ مرتبة من يصحح حديثه، وليس فيه حديثه ما يرد من أجله "لا يصلي قبل العيد شيئاً" ولا بعدها في مكانها، لكن إذا رجع إلى منزله صلى ركعتين هما ركعتا الضحى، وقد جاء الحث عليهما، وتقدم الكلام فيهما. "رواه ابن ماجه" الجزء: 48 ¦ الصفحة: 21 يعني بعض الناس يحرص أن يجلس في المسجد حتى ترتفع الشمس ويصلي الركعتين، تعرضاً لما وعد الله به على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- من فعل هذا الفعل ثم بعد ذلك مجرد ما ترتفع الشمس ويزول وينتهي وقت النهي يصلي ركعتين خفيفتين ويلحق بصلاة العيد، يعني الفطر يدرك، لكن الأضحى قد يفوته شيء منها؛ لأنه يبادر بها، وعلى كل حال إذا خشي من فوات صلاة العيد لا ينتظر إلى حد ترتفع فيه الشمس يصلي ركعتين يلحق بهم، يصلي العيد وإذا رجع إلى منزله يصلي هاتين الركعتين. "وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة" عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مضى الخلاف فيه مراراً، وأن حديثه إذا صح السند إليه لا ينزل عن درجة الحسن؛ لأن سبب الخلاف في عود الضمير في جده، هل يعود إلى عمرو فيكون الجد محمد؟ إذا عاد إلى عمرو فالجد شعيب، ويكون الحديث حينئذٍ مرسلاً، وإذا عاد إلى الأب الذي هو شعيب عاد الضمير إلى عبد الله بن عمرو، وقد جاء التصريح به في مواضع. "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو" وهذا ما رجحه أكثر أهل العلم أنه إذا صح السند إليه فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن؛ لأن الجد جاء التصريح به في بعض الطرق، وفي بعض الأحاديث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، يبقى النظر في سماع شعيب من جده عمرو، وأثبته جمع من أهل العلم؛ لأنه تربى في حجره. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 22 "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى" يكبر سبع تكبيرات في الأولى "وخمس في الأخيرة" في الثانية، وهل من السبع تكبيرة الإحرام أو غير تكبيرة الإحرام؟ قالوا: بتكبيرة الإحرام؛ لأنه يمكن عدها، أما الخمس في الأخيرة قالوا: بدون تكبيرة الانتقال؛ لماذا؟ لأنه لا يمكن عدها، كبر سبع وهو قائم وكبر خمس وهو قائم، مثل السبع، وتكبيرة الإحرام تقال من قيام، وتكبيرة الانتقال تقال حال الانتقال، قبل أن يستتم القيام، فلا تعد من الخمس، ومنهم من قال: سبع دون تكبيرة الإحرام، فيكون المجموع ثمان، وخمس دون تكبيرة الانتقال فيكون المجموع ست، ومنهم من قال: سبع بتكبيرة الإحرام وخمس بتكبيرة الانتقال، لكن ما ذكر أولاً هو المرجح، ومنهم من يقول: ثلاث في الأولى وثلاث في الثانية، ومنهم من يقول: أربع في الأولى وثلاث في الثانية، لكن حديث الباب حديث عمرو بن شعيب أقوى وأصح ما ورد في الباب، وأحرى ما ينبغي العمل به، فالمرجح أنه يكبر الإمام في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً، سبع مع تكبيرات الإحرام، وخمس دون تكبيرة الانتقال، ويفصل بينهما بين هذه التكبيرات بسكوت، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، وإن ذكر الله بين هذه التكبيرات فقد جاء عن ابن مسعود غيره، ثم إذا فرغ من التكبيرات قرأ وتعوذ وبسمل وقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها، والقراءة، قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" على ما سيأتي في القراءة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الأخيرة. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 23 "ولم يصل قبلها ولا بعدها" رواه أحمد، وهذا لفظه، وقال: أنا أذهب إلى هذا" يعني إلى هذا العدد سبع وخمس، يذهب إلى هذا؛ لأن حديث عمرو بن شعيب أصح ما ورد في الباب "ورواه أبو داود، ولفظه قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) " يعني: بعد التكبير في الركعتين، وهذا قول جمهور أهل العلم، ويرى الحنفية أن التكبير في الأولى قبل القراءة، يعني: القراءة بعد التكبير في الأولى، وقبل التكبير في الثانية لتتوالى القراءتان، لكن هذا ليس عليه دليل، كما أنهم يقولون يكبر ثلاثاً ثلاثا، وهو مخالف لما جاء في هذا الحديث، والنص على أن القراءة بعد التكبير الزوائد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . رفع اليدين سنة مثل تكبيرة الإحرام، ما ذكر لكن ثبت عن ابن عمر وغيره، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا ما في ضعف، ابن عمر ثبت عنه الرفع هنا وفي الجنازة. "ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث" صحح هذا الحديث، والصنعاني أنكر على الترمذي النقل عن البخاري، ويقول: إنه لم يذكر هذا في جامعه، فأين ذكره؟ قال: "وتبعه البيهقي على هذا" أنه نقل عن الترمذي، لكن الترمذي نقل عن البخاري هذا الكلام في العلل، أن البخاري قال: إن حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي صحيح. "وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما -في الأضحى والفطر- بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر] وتقدم أنه يقرأ في العيد بسبح والغاشية كالجمعة، وهنا في حديث أبي واقد: يقرأ فيهما، في الأضحى والفطر، في العيدين بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر]. "رواه مسلم وأبو واقد اسمه الحارث بن عوف" فيسن للإمام أن يقرأ بهاتين السورتين أحياناً، ويقرأ أيضاً بسبح والغاشية أحياناً. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 24 "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان يوم عيد خالف الطريق" رواه البخاري" في العيد يخالف الطريق، يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر؛ ليعدل -عليه الصلاة والسلام- بين المسلمين، فالمسلمون مشتاقون إلى رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، ومحتاجون إلى سؤاله، فإذا ذهب من طريق رجع من طريق، وهو أيضاً من باب تكثير الخطى إلى العبادات، ويحسب في الرجوع مثل ما يحسب في الذهاب إلى العبادة، كما جاء في صلاة الجمعة: ((ومشى ولم يركب)) هل مشى في الذهاب فقط؟ لا، حتى في الرجوع لم يركب؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: "أن رجلاً أراد أن يشتري حماراً للرجوع فقيل له: لا، إن الرجوع يعني حكمه حكم الذهاب" أو كما جاء في الخبر، بعضهم يقول: ما دام من أجل تكثير الخطوات والعدل بين الناس فالإمام ينبغي له أن يعدل بين الناس، ويذهب من طريق في كل عبادة، لو ذهب لصلاة العصر، ذهب لصلاة الظهر، ذهب فضلاً عن الجمعة التي يقيسها كثير من أهل العلم على العيد، وأنه يسن فيها ذلك، لكن النص إنما ورد في العيد. "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتين تغنيان بغناء بعاث" الغناء معلوم أنه أداء الشعر بصوت حسن، فإذا سلم من اللفظ المحرم، وسلم من الآلة فلا مانع منه، لا سيما في أيام الأعياد "عندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث" وهو يوم من أيام الجاهلية. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 25 "فاضطجع على الفراش وحول وجهه" لئلا ينظر إليهن "ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: "مزمار الشيطان عند النبي -عليه الصلاة والسلام-" المزمار من حمله على آلة الغناء استثنى يوم العيد مما جاء في منع المزامير، ومن قال: إنه يمكن أن يطلق تجوزاً على الصوت الحسن أنه مزمار، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي موسى: ((لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) أبو موسى يقرأ القرآن بالآلات؟! أوتي مزمار يعني صوت حسن يشبه المزمار، يؤثر كتأثير المزمار، على كل حال من قال: إن مزمار حقيقي استثنى استعمال المزمار من النصوص الواردة في منعه، ومن قال: إن المزمار المراد به الصوت الحسن المؤثر في السامع كتأثير المزمار قال: لا يجوز استعمال الآلة مطلقاً، وقد جاءت الأدلة بمنع المزامير على ما سيأتي في الحديث أول حديث في الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-، فأبو موسى الأشعري أوتي مزماراً من مزامير آل داود، والمراد به الصوت الحسن، وليس المراد به الآلة، وجاء المنع للمزامير جملة، وسيأتي في درس الغد -إن شاء الله- ما يوضح هذا. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 26 "فأقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا" غفل أبو بكر يعني براً به مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر، فقال: ((دعهما)) وذكر العلة في بعض الأحاديث: ((ليعلم يهود أن في ديننا فسحة)) لا سيما في مثل هذا اليوم، مما يدل على أن سائر الأيام على المنع، قد يقول قائل: هذه جواري؟! نقول: جواري والجواري ليس حجابهن مثل حجاب الحرائر، ولا يوجد خلوة، ويذكر في تراجم بعض أهل العلم أنه اشترى جارية تغني له، وش المانع؟! جارية يرى منها ما شاء بملك اليمين، وتغني بصوت حسن بين يديه بدون آلة؛ لأن بعض الناس يطنطن حول هذه المسائل ليبيح ما حرم الله -جل وعلا- من المعازف والمزامير والغناء الذي عامة أهل العلم على تحريمه، فيمسك مثل هذه النصوص المشتبهة فيجعلها هي الأصل، ويترك النصوص التي فيها التأكيد والتشديد على منع المعازف والغناء، وما أشبه ذلك، وهناك كتب ألفت في الموضوع، ولابن القيم -رحمه الله تعالى- كلام كثير في الغناء وتأثيره في القلوب، وأنه ينبت النفاق في القلب -نسأل الله السلامة والعافية- وأنه قرآن الشيطان، الكلام في إغاثة اللهفان طويل، ولابن القيم مصنف خاص في السماع، ثم بعد ذلك استدرج الشيطان الناس فبدلاً من أن يغني لهم ويزعمون أن هذا أقل أحواله أنه مباح أدخله في عباداتهم، فصاروا يزاولون العبادات على الآلات والرقص والمزامير والموسيقى، ووجد في بعض عبادات من غلا من الصوفية يشبهون بذلك النصارى الذي يصلون صلواتهم على المعازف، ولبس الشيطان على هؤلاء بأن المعازف والأغاني ترق القلوب وتفعل، فأدخلها في عباداتهم ليرق قلبه أثناء العبادة، وأي ضلال فوق هذا؟! يرقصون ويزعمون أنهم يتقربون إلى الله -جل وعلا- بهذا، يعني ما اكتفوا بأن يزاولوه وهو محرم ويتوبون ويستغفرون كفساق المسلمين، جعلوه من المستحب، ثم أدخلوه في العبادات، وجعلوه مما يتعبد به إلى الله -جل وعلا- نسأل الله السلامة والعافية. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 27 "فلا غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يعلب السودان بالدرق والحراب" يعني مما يتمرن به على الجهاد، يعلبون بالدرق والحراب من أجل أن إعداد العدة للعدو، يتمرنون بذلك، كما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- من المسابقة والمصارعة، وغير ذلك مما يعين على الجهاد. "فإما سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نسيت هل سألت الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو هو بادر "قال: ((تشتهين تنظرين؟ )) فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده -عليه الصلاة والسلام-" وهم لا يرونها، يعني هي تنظر إليهم من بعد، إما من بيتها، أو من ناحية في المسجد "وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) " يعني استمروا من أجل أن تنظر عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-، قد يقول قائل: إن هي من وراءه -عليه الصلاة والسلام- لا يرونها بلا إشكال، لكن هل تراهم؟ نعم تراهم، على أن لا تحدد المرأة في وجه الرجل، يجب عليها أن تغض بصرها، أما أن ترى مجموعة من الناس إما خارجين من مسجد أو في سوق أو ما أشبه ذلك لا أحد يأمرها بأن تغمض عينيها، عليها أن تغض بصرها، كما أن الرجل يجب عليه أن يغض بصره عن النساء. "وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) حتى إذا مللت" ملت من النظر وملت من القيام "قال: ((حسبكِ؟ )) قلت: نعم" يعني يكفيك ما نظرتِ إليه "قلت: نعم، قال: ((فاذهبي)) متفق عليه" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل مع عائشة -رضي الله عنها- لصغر سنها ما لا يفعله مع غيرها من أمهات المؤمنين الذين يكبرنها في السن، فينبغي أن يعمل كل إنسان بما يليق به، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نعيد نكرر ما قلناه في أول الدرس أن درس الغد -إن شاء الله- نستكمل فيه ما يُمنع لبسه أو يكره، يعني كتاب اللباس، والذي يليه بعد غد، ابتداء من الساعة السادسة صباح الخميس، في هذا المكان نكمل ما يتعلق بالكسوف والاستسقاء، ونكون بهذا أنجزنا إلى كتاب الجنائز، وفي الأسبوع الثاني من شعبان -إن شاء الله تعالى- في الثلاثة الأسابيع الأخيرة من شعبان نبدأ بكتاب الجنائز في الحرم -إن شاء الله تعالى-، ونكون بذلك ... طالب:. . . . . . . . . الجزء: 48 ¦ الصفحة: 28 العصر، بالنسبة للحرم العصر، وبعد غد الخميس هنا في الساعة السادسة صباحاً بعد ارتفاع الشمس. طالب: موقع الكرسي يا شيخ؟ والله إلى الآن، لكن المتوقع اللي قدام التوسعة، قدام التوسعة اللي فيه الشيخ العروسي، هذا الأصل، فإذا حصل تغيير سهل يعني. طالب: السلام عليكم، قول ابن حزم ذكرتم. . . . . . . . . إذا أخر فرض .... إذا خرج؟ إيه، نقل الإجماع على هذا. طالب: الإجماع على أنه كافر؟! على أنه يكفر ولا يقضي، لكن منقوض. طالب: منقوض الإجماع. إيه إجماع ثاني أنه لا يكفر بفرض واحد وإنه يقضيه. طالب: يا شيخ الصحابة متى بلغهم الخبر أنهم رأوا الهلال ... هل في النهار أو بعد الزوال؟ أكيد بعد الزوال. طالب: بعد الزوال، ما بينت الرواية ... المقصود أنه بعد خروج وقتها. طالب: من خطب قبل صلاة العيد هل ابتدع؟ العيد؟ طالب: نعم. خالف السنة ... الجزء: 48 ¦ الصفحة: 29 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (49) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: هل حليب النوق داخل في حكم أكل لحمها؟ وإذا شربه رجل جاهل ثم صلى ولم يتوضأ فماذا يفعل؟ لا شيء عليه، الحليب والمرق الذي يطبخ فيه اللحم إذا لم يوجد فيه شيء من اللحم فلا ينقض الوضوء. يقول: ذكرتم أن المرأة لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها فهل يدخل في هذا مهرها ورواتبها إن كانت موظفة؟ قلنا: إنه جاء ما يدل عليه في سنن أبي داود، والذي معنا -وهو في الصحيحين- أن النساء تصدقن من حليهن من دون مراجعة الأزواج، فإن كانت المسألة مسألة ترجيح فما في الصحيحين أرجح أنها تتصرف، وإن قال بعضهم: إن ما في الصحيح شيء يسير لا يحتاج إلى مراجعة، فالشيء اليسير يتصرف به الإنسان حتى الصبي الصغير يتصرف، على كل حال إذا كانت المرأة مكلفة رشيدة حرة، تعرف كيف تكتسب الأموال وكيف تنفق الأموال في وجوهها فعامة أهل العلم على أن لها ذلك، وأنها مثل الرجل. يقول: أيهما أفضل الكوكب الساطع أو مراقي السعود في الحفظ؟ الكوكب الساطع نظم لجمع الجوامع، وهو كتاب من أجمع الكتب في أصول الفقه، وعبارته سهلة ميسرة، أما المراقي رغم ما فيه من علم ونفاسة إلا أنه فيه وعورة، فيه صعوبة في حفظه. أيهما أولى ألفية العراقي أو ألفية السيوطي؟ ذكرنا في مناسبات كثيرة أن ألفية العراقي أولى بالحفظ وأسهل وأجمع إلا في أبواب زادها السيوطي تحفظ من ألفية السيوطي. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب: على ما فيها من تكسير. . . . . . . . . لا، تحفظ على ما فيها، على ما وضعها مؤلفها، المنظومات تحفظ كما وضعها مؤلفوها، ومع ذلك إن وجد تصحيح يقال: صوابه كذا، أو الأولى أن يقال كذا، لكن لا يحرف في الأصل. ما الأصل في اللهو واللعب هل هو الإباحة أم التحريم؟ الجزء: 49 ¦ الصفحة: 1 الأصل المنع على حسب مستوى أو قدر هذا اللهو وهذا اللعب، وبقدر ما يضاده من خير ويمنع من خير، الأصل المنع؛ لأن الأمة أمة جد، والحياة لعب ولهو، وأمر الإنسان أن ينصرف عنها إلى تحقيق ما خلق له وهو العبودية؛ ليكون في جميع تصرفاته متعبداً لله -جل وعلا-، وإذا زاول شيئاً من أمور الدنيا، ومن ذلك اللهو اليسير والعبث اليسير كما كان يفعله -عليه الصلاة والسلام- من النكت بالعود أو الخط في الأرض أو ما أشبه ذلك هذا أمر سهل يعني يسير لا يؤثر. يقول: نرجو أن يكون درس الغد بعد العصر لتعارضه مع وقت الدوام؟ أولاً: الغد خميس ما في داوم. الأمر الثاني: أنه لو أُخر الدرس إلى العصر نحن عندنا لقاء بجدة بعد صلاة المغرب، ففيه مشقة عظيمة، ويمكن ما يكفي الوقت لنأخذ منه مسافة الطريق. هذا يقول: لمسجدنا موقع نقوم عن طريق الإنترنت بإرسال رسائل الجوالات -جوالات أهل المسجد- وتحتوي على أحاديث ونصائح وتذكير باللقاء الشهري، وحصول أشياء لبعض المصلين، كمن أولد له، أو زواج، أو مرض أو نحو ذلك، سؤالي: هل يجوز إرسال رسالة فيها إخبارهم بموت فلان من الناس، هل هو من النعي المحرم؟ إذا كان لمجرد الإخبار الذي يترتب عليه الحضور والإعانة في تجهيزه، وقضاء ديونه، والمساهمة في الصلاة عليه ودفنه، هذا ما فيه شيء، النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي، والنعي المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من الوقوف في السكك، ومداخل الأحياء: ألا أن فلان بن فلان قد مات وفيه وفيه، يذكرون محاسنه هذا هو النعي. يقول: هل يتابع المسبوق الإمام في قراءة التشهد الأول والثاني أم يسكت؟ إذا كان مسبوقاً وأدرك التشهد الثاني بالنسبة للإمام وهو الأول بالنسبة له هل يقف على التشهد الأول ولا يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى آخر التشهد أو يكمل مع الإمام؟ الجزء: 49 ¦ الصفحة: 2 من الفقهاء من يرى أن هذا ركن، الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا ركن، ولا يجوز أن يوضع في غير موضعه، وإنما يكرر التشهد الأول أو يسكت إذا فرغ منه، لكن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت بصيغة تشمل التشهدين في الجملة، فلو صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأكمل التشهد تبعاً لإمامه فلا شيء عليه. يقول: المسافر إذا كان نازلاً ويسمع النداء بالصلاة، فهل تلزمه صلاة الجماعة؟ نعم تلزمه ما لم يخش فوت الرفقة، أو ضياع شيء من متاعه، أن سرقة شيء من سيارته، أو ما أشبه ذلك. يقول: ما حكم صبغ الشعر سواء الرأس أو اللحية بالسواد؟ لا يجوز؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((جنبوه السواد)). ذكر دخول المنزل والخروج منه يقال في كل مرة يدخل فيها الإنسان بيته ويخرج منه؟ نعم. دعاء الخروج لصلاة الفجر: ((اللهم اجعل في قلبي نوراً)) هل يقال في بقية الصلوات؟ لا، هذا خاص بصلاة الفجر مع أن النسائي كأنه أشار إلى أنه ليس ذكراً للخروج إلى الصلاة، وإنما هو في الصلاة. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب : ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني- سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليكونن من أمتي أقواماً يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقواماً إلى جنب علم تروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم رجل لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العِلْم)). العَلَم. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 3 ((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به، فقال: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم، ولا التفات إلى ابن حزم في رده له، وزعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وقد رواه الإسماعيلي والبرقاني في صحيحيهما المخرجين على الصحيح بهذا الإسناد، ولفظهما: ((ويأتيهم رجل لحاجة)) وفي رواية: ((فيأتهم طالب حاجة)) وفي رواية: حدثني أبو عامر الأشعري ولم يشك، ورواه الطبراني عن موسى بن سهل الجوني البصري عن هشام، ورواه أبو داود ولفظه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)) وذكر كلاماً، قال: ((يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) والخز هنا: نوع من الحرير. وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليها" رواه البخاري. وعن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بإصبعه السبابة والوسطى، فيما علمنا أنه يعني الأعلام" متفق عليه. ولمسلم عن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربع". وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة، وهو مدلس لعله بلغه عنه، وقد رواه شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله، وكذلك رواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير -رضي الله عنهما- في قميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما" متفق عليه. وفي البخاري: "شكيا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني القُمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيته عليهما في غزاة". وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة سَيَراء ... سِيَراء. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 4 سِيَراء فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لأناث أمتي، وحرم على ذكورها)) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وقيل: إنه منقطع. وعن الشعبي عن الفضيل بن فضالة عن أبي الرجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف خز، فقلنا: يا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبس هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي واللفظ له، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: فضيل بن فضالة الذي روى عنه الشعبي ثقة ... شعبة، شعبة. الذي روى عنه شعبة ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ. وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: ((أأمك أمرتك بهذا؟! )) قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل أحرقهما)). وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله عليه وسلم نهى عن لبس القِسي والمعصفر. القَسِي. القَسِي والمعصفر. رواهما مسلم. وروى من حديث مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، والمرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال". الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك يعني: باب اللباس، واللباس أدخله المؤلف هنا بين أبواب الصلاة باعتباره شرط من شروط الصلاة، والأصل أن الشرط يتقدم المشروط، فلو قُدم قبل الدخول والشروع في كتاب الصلاة كان له وجه، كان هو الأوجه كما تُقدم الشروط الأخرى من الطهارة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 5 والغريب أن المؤلف -رحمه الله تعالى- جعله بين باب العيدين وبين صلاة الكسوف والاستسقاء، يعني لو أخره عنهما كما فعل ابن حجر مع أن ابن حجر أيضاً قدمه على الجنائز، المقصود أن الترتيب فيه شيء من الخلل، يعني يحتاج إلى إعادة وضع لهذا الباب في موضعه المناسب، فإما أن يقدم باعتباره شرط من شروط الصلاة، أو يؤخر في أبواب الأدب كما يفعله الأئمة الكبار، يعني يجعلونه بعد الأحكام من العبادات والمعاملات. على كل حال الترتيب ينبغي أن يكون دقيقاً، وإن كان لا يخل في أصل ما وضع الكتاب من أجله؛ لأن القصد الفائدة، وتحصل في أي مكان وُضع، لكن الترتيب يرتب ذهن القارئ، ويجعل المعلومات بعضها مرتب على بعض، وهذا يعين في فهم الأبواب والعلوم. قال: باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك الجزء: 49 ¦ الصفحة: 6 اللباس الأصل فيه الحل، وهو أيضاً خاضع للأعراف والعادات عادات البلدان، ما لم يرد فيه نص بخصوصه فيمنع من أجله، في جميع البلدان إذا ورد فيه نص، قد يقول قائل: الناس اعتادوا أن الرجال ثيابهم طويلة، والنساء ثيابهم قصيرة، في بلدان الدنيا العالم كله على هذا، هل نقول: إن العرف يبيح مثل هذا؟ لا، لكن إذا كان العرف المتفق عليه في بلد ما جرى على لباس لم يرد به منع من الشرع فلا مانع من لبسه، والمانع ما ورد فيه بخصوصه منع فيما يتعلق بلباس الرجل، وما يتعلق بلباس المرأة، بخصوصه، وما ورد فيه المنع على جهة العموم كالتشبه بالكفار مثلاً، أو تشبه الرجال بالنساء، أو النساء بالرجال، أو لبس ثياب الشهرة التي يتفرد بها الإنسان عن غيره بحيث من رآه من بعد عرف أنه فلان؛ لأن هذا لباسه يتميز به عن الناس، فلباس الشهرة ممنوع، لباس النساء ممنوع بالنسبة للرجال والعكس، لباس الكفار ممنوع بالنسبة للمسلمين، ما يتعلق بألبسة النساء وضوابط ألبسة النساء ما يخرج عنها كله ممنوع، فيما يبدي شيئاً من العورة أو من مفاتن المرأة، أو من محاسن المرأة هذا كله ممنوع، وكذلك ما يتعلق بلباس الرجال من الحرير، وأيضاً المعصفر والأحمر، وما أشبه ذلك، وما كان من خصائص النساء هذا كله ممنوع، يعني يأتي نساء من بعض الأقطار من المغرب أو من الشام، أو من جهات أخرى، يعني ما تختلف عن لباس الرجال يلبسن الأبيض، والتفصيل قريب من تفصيل الرجال بالنسبة لبلد آخر، أما رجالهم يختلف لباسهم عن نسائهم، نقول: هذا عرف ما دام ثوب الرجل أو ثوب المرأة ما في منع يخصه فما كان تابعاً للعرف فإنه حينئذٍ الأصل فيه الإباحة، مع أن الرجل الأولى به أن يلبس الأبيض ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيهن موتاكم)). قال : ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك الجزء: 49 ¦ الصفحة: 7 "عن عبد الرحمن بن غنْم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني- سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول" هذا حديث المعازف المشهور، المخرج في صحيح البخاري بصيغة (قال) قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو مالك الأشعري -والله ما كذبني- فذكر الحديث. العلماء يختلفون في هذا الخبر، وما جاء بهذه الصيغة مما يرويه البخاري عن شيخه الذي لقيه وسمع منه، لكنه لا يقول: حدثني كالعادة وإنما يقول: قال، فالذي مشى عليه ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهما أنه موصول، سمعه البخاري من هشام بن عمار؛ لأنه شيخه سمع منه إلا أنه بدل من أن يقول: حدثني قال: قال هشام بن عمار، صرح بالتحديث عنه في خمسة مواضع، فلا شك في لقائه له، وقالوا: غاية ما يقال في (قال) أنها مثل (عن) محكوم لها بالاتصال عند البخاري بثبوت اللقاء، والبراءة من وصمة التدليس، واللقاء ثابت، فالبخاري لقي هشام بن عمار، وروى عنه، وحدث عنه، والبخاري بريء من وصمة التدليس، بل قال ابن القيم: "هو أبعد خلق الله عن التدليس" والأدق في العبارة أن يقول: من أبعد خلق الله، فالسند متصل عند هؤلاء. . . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ الجزء: 49 ¦ الصفحة: 8 فهو متصل عندهم، المزي في (تحفة الأشراف) رمز للحديث بعلامة التعليق (خت) خاء تاء، فهو عنده معلق، ومال إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وجمع من أهل العلم قالوا: لو كان متصلاً رواه البخاري عن هشام بن عمار بدون واسطة لقال فيه كغيره: حدثني هشام بن عمار، لكن لما عدل عن هذه الصيغة دل على أنه لم يسمعه منه مباشرة، البخاري يعدل عن الصيغة الصريحة لنكتة، فلعله عدل عنها في هذا الحديث للشك من عبد الرحمن بن غنم حينما قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك، البخاري -رحمه الله- يعدل عن الصيغة الصريحة ليبين أن في الإسناد شيء من الخلل، وإن لم يكن هذا الخلل مؤثراً؛ لأن عبد الرحمن بن غنم سواء روى الحديث عن أبي مالك أو أبي عامر كلاهما ثقات صحابة، فلا يؤثر أن يكون الحديث من حديث أبي عامر أو من حديث أبي مالك، وعلى القولين سواء قلنا: إنه متصل كما قال ابن الصلاح والحافظ العراقي والنووي وغيرهم، أو قلنا: إنه معلق، لكنه بصيغة الجزم، قال هشام بن عمار، وما علق بصيغة الجزم فالبخاري ضمن لنا من حذف، يعني يفترض أنه في واسطة بينه وبين هشام بن عمار، هذه الواسطة مضمونة؛ لأن البخاري جزم بنسبة الخبر إلى هشام بن عمار، وعلى كل حال فالحديث صحيح، وهو مخرج في الأسانيد المتصلة عند أبي داود وغيره، فهو صحيح على كل حال. قال: "حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني" يعني أحدهما صدقني فيما قال، والصحابة ما يحتاج أن يحلف على إخبارهم أنه صدق، وثقهم الله -جل وعلا-، ووثقهم نبيه -عليه الصلاة والسلام-، واختارهم الله لصحبة نبيه، وحمل دينه، وتبلغيه الناس، فكلهم ثقات. "سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام)) " ليكونن اللام لام قسم محذوف تقديره: والله ليكونن، ويكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ((من أمتي أقوام)) أقوام فاعل وإلا اسم كان؟ الآن كان تحتاج إلى فاعل وإلا تحتاج إلى اسم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني (كان) تامة هذه (كان) تامة تحتاج إلى فاعل، بمعنى ليوجدن. ((من أمتي)) أمة الإجابة أو أمة الدعوة؟ طالب: أمة الإجابة. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 9 أمة الإجابة ((يستحلون الحر والحرير)) الحر: الفرج، يستحلون الفروج، يستحلون الزنا، فهل هؤلاء من أمة الإجابة؟ وهم باستحلالهم المحرم المجمع عليه خرجوا من كونهم من أمة الإجابة، كفروا بهذا الذي يستحل المجمع على حرمته أو العكس هذا كافر عند أهل العلم، مكذب لله ورسوله، فهم من أمة .. ، لو قلنا: إنهم من أمة الدعوة قلنا: أمة الدعوة يستحلون جميع المحرمات، لا يقتصر استحلالهم على ما ذكر. . . . . . . . .، قبل الاستحلال هم من أمة الإجابة. ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون)) يعني يجعلون الحرام حلالاً، فدل على أن جميع ما ذكر في الخبر حرام، ولو لم يكن حراماً ما يقال: إنهم استحلوه، يستحلون الحر بعض الروايات: ((الخز)) والأكثر: الحر وهو الفرج، والمراد بذلك استحلال الزنا، وإن كان المراد به الخز كما في بعض الروايات، فهو ضرب من الحرير. قوله: ((والحرير)) من باب عطف العام على الخاص؛ لأن الخز نوع من الحرير، فهو من باب عطف العام على الخاص، وإذا قلنا: الحر والحرير فهذا محرم وهذا محرم مغايرة. ((والخمر)) يستحلون الزنا، يستحلون المحرم من اللباس كالحرير، ومن الشراب كالخمر، وجاء أنه يكثر شربها في آخر الزمان، وتسمى بغير اسمها، ومع الأسف أن هذه موجودة حتى في بعض البلدان المنتسبة إلى الإسلام باسم الحرية -نسأل الله السلامة والعافية- يعني تباع في أسواق بعض البلدان التي تنتسب إلى الإسلام، إما وجودها في الفنادق والأماكن الخاصة فهذا كثير -نسأل الله السلامة-، وهذا كله من أجل تصديق ما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى؛ لأنه يخبر عن مستقبل ((ليكونن)) يعني في المستقبل، وهذا من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 10 ((يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) المعازف آلات اللهو، والآن كثر استعمال المعازف، ويوجد في كثير من بلدان المسلمين من غير نكير، وسهّل وجوده بين الناس وجود الجوالات، كما أنه سهل وجود التصوير بين الناس، فاستنكر الناس أول ما وجدت هذه النغمات، وأصدرت اللجنة الدائمة الحكم بتحريم النغمات الموسيقية، ووزعت وعلقت في المساجد والمجامع وترجمت، وكأن شيئاً لم يكن، وإذا قيل لمن ضبط جواله على نغمة محرمة يقول .. ، غاية ما يقول: إن ابن حزم إمام من أئمة المسلمين، يعني ابن حزم تقابل به النصوص! ولو قيل لك: لماذا لا تقتدي بابن حزم في مسائل أخرى؟ قال: الإمام أحمد إمام من أئمة المسلمين، في مسألة أخرى الإمام مالك، هذا متبع لهواه، يبحث عن ما يناسبه من الأقوال، وإلا من يترضي أن يكون إمامه وقائده ابن حزم في جميع أبواب الدين؟ ما أظن واحد بيرضى أن يكون ابن حزم الظاهري الذي يُتندر ببعض المسائل التي صرح بها وبعضها إلزام. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 11 على كل حال ابن حزم عنده خلل كبير في العقيدة، فهل ترضاه أن يكون إمام لك؟ والله لا ترضاه، لكنه الهوى، يعني وافق الهوى، وهذا لا شك أنه من اتخاذ الهوى إله -نسأل الله السلامة والعافية-، وإلا إذا أوردت عليه مسألة من كلام ابن حزم قال: لا، ابن حزم فيه شيء من الشدة، وهو لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وأخرجه كثير من أهل العلم من الاعتبار في مواطن الخلاف والاتفاق كسلفه داود، المقصود أن ما يقول مثل هذا الكلام إلا صاحب هوى، ابن حزم الذي يقول: لو لم يرد في البر إلا قوله -جل وعلا-: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [(23) سورة الإسراء] لجاز قتلهما، يقول: هذه الكلمة على أنها أخف ما يقال لا تمنع القتل؛ لأنه ظاهري، لكن جاء نصوص أخرى تمنع، فكون كثير من الناس الذين استهواهم الشيطان واستغواهم، وزين لهم القبيح يقولون: ابن حزم إمام، وما عرف ابن حزم إلا في هذه المسألة عند الناس، يعني مسألة الأغاني والمعازف يلجئون لابن حزم، ويلجئون لأحمد في مسائل، ولأبي حنيفة في مسائل، وهكذا حتى يخرج الإنسان من دينه وهو لا يشعر، وهذا تتبع الرخص الذي ذكر أهل العلم أن من تتبع الرخص تزندق؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها أقوال، فيها الشديد، وفيها المتوسط، وفيها المتساهل، فإذا عُمل بأقوال المتساهلين في جميع المسائل انتهى، ما بقي من الدين شيء. ((والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم)) جبل كبير مرتفع ((تروح عليهم بسارحة لهم)) السارحة الماشية من الغنم والإبل، يؤتى بها ليشربوا من ألبانها، ثم يسرح بها الراعي، ينتجع بها الكلأ، وهكذا تغدو وتروح عليهم، يأكلون ويشربون من نعم الله، ويتقلبون في النعم، وهم على هذا الحال يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 12 قال: ((ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم رجل لحاجة)) يأتيهم رجل لحاجة له إما يطلب إعانة، فيقال له: ائتنا غداً ((ارجع إلينا غداً)) ثم إذا جاءهم وجدهم موتى ((يبيتهم الله، ويضع العَلَم)) الذي هو الجبل عليهم، هؤلاء وضع عليهم الجبل، ويُمسخ أو يَمسخ آخرين قردة وخنازير، والمسخ يكثر في هذه الأمة في آخر الزمان، وذكر ابن القيم -رحمه الله- آثار وأخبار كثيرة جداً في إغاثة اللهفان في هذا الباب؛ لكثرة المخالفات، وذكر أن هذا المسخ قردة وخنازير أكثر ما يحصل في طائفتين: في علماء يبيعون الدين بأمر يسير من أمور الدنيا، ويحرفون الدين، وفي ولاة ظلمة، يقهرون الناس، ويعسفون الناس على شهواتهم. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 13 على كل حال الأمر كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بوادره بدأت تلوح، في هناك أمور ما كانت معروفة في بلاد المسلمين، ثم أخذت تنتشر، وصار يُجادل عنها، ويُحاج عنها، والناس لهم عقول، ولهم ما يميزون به بين الحق والباطل على حد زعمهم، فيتركون لأن العصر عصر علم، وأن عصر الجهل الذي فيه سوق الناس على رأي واحد، وعسف الناس على اختيار واحد انتهى، الناس الآن ما عاد صاروا يحتاجون إلى أن يؤطروا على قول واحد، أو على .. ، أو حتى على الحق، ومن وراء ذلك كله ما يسمى بحقوق الإنسان، والدعوة إلى الحريات، الأصل أن المسلم مكلف مأمور منهي بأوامر الله ونواهيه، لا بد أن يلتزم ويستقيم على دين الله، إذا أمر لا بد أن يأتمر، وإذا نهي لا بد أن ينتهي، إذا كان القصد بالحرية التي تخلص الناس من تكليف المخلوق، واستعباد المخلوق نعم هذه جاء بها الشرع، أما الحرية التي تخلص الناس من الدين وتكاليف الدين هذه مرفوضة؛ لأن الأصل أن الإنس والجن ما خلقوا إلا لعبادة الله -جل وعلا-، فعليهم أن يأتمروا بالأوامر، وينتهوا عن النواهي، و ((يمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) وذكر ابن القيم -رحمه الله- بعض القصص التي تحصل من هذا، وأن هذا يكون بعد مسخ القلوب -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني الإنسان يفتن في كل سنة مراراً وهو لا يشعر، ما يشعر ولا يتوب ولا يرجع، ويزعم أنه على حق، ويزدري الآخرين، وأن الحق كله معه، وأن من عداه على صواب، وفي هذا إعجاب كل ذي رأي برأيه، ذكر ابن القيم أن الرجلين يمشيان إلى المعصية فيمسخ أحدهما خنزيراً، ويمضي الثاني إلى معصيته -نسأل الله السلامة والعافية-. ((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)). قال: "رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به" يعني المؤلف -رحمه الله- حكم بأن الخبر معلق، لكنه بصيغة الجزم فهو صحيح، فقال: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: "حدثني أبو عامر أو أبو مالك". الجزء: 49 ¦ الصفحة: 14 قال -رحمه الله-: "ولا التفات إلى ابن حزم في رده له" ابن حزم له رسالة في المعازف وفي الغناء وأباحها بجميع صورها وأشكالها، وحكم على جميع ما ورد في الباب بأنه موضوع، بما في ذلك حديث البخاري، استغل هذا الخلل اليسير الناشئ عن الشك من الراوي أبو عامر أو أبو مالك، فغير الصيغة البخاري فقال: فرصة الخبر موضوع كغيره، كل ما ورد في الباب موضوع. "ولا التفات إلى ابن حزم في رده له وزعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام" طيب المؤلف -رحمة الله عليه- ومثله المزي وابن حجر حينما قالوا: تعليق، إيش معنى تعليق؟ أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، يعني لم يذكر الواسطة بين البخاري وهشام إذا قلنا: تعليقاً فالمعلق: ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر، فعلى كلام المؤلف -رحمه الله-: رواه البخاري تعليقاً، كيف يقول: زعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام؟ هذا محل التعليق، هذا محل الحذف، فيكون البخاري رواه عن هشام بواسطة، وأسقط الواسطة، هذا معنى التعليق، وكلامه وزعمه في قوله: "ولا التفات إلى ابن حزم في رده له، وزعمه أنه منقطع" أنت تزعم أنه منقطع، أنت يا المؤلف تزعم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، من أين أخذنا هذا الزعم؟ من قوله: "رواه البخاري تعليقاً" هذا مقتضى التعليق، لكنه تعليق مجزوماً به عند المؤلف فهو صحيح؛ لأن البخاري ضمن لنا من حذف، وعلى كل حال الحديث صحيح وموصول عند أبي داود وغيره، وابن القيم -رحمه الله تعالى- أجاب عن جميع ما ذكره ابن حزم وغيره حول ما يتعلق بالسماع، وما جاء فيه. قال: "وقد رواه الإسماعيلي والبرقاني في صحيحيهما المخرجين على الصحيح" الإسماعيلي والبرقاني على صحيح البخاري "على الصحيح بهذا الإسناد، ولفظهما: ((ويأتيهم رجل لحاجته)) " يعني: يقولون له: تعال غداً، الآن ما معنا شيء، لكن غداً تأتي، ثم إذا جاء وجدهم قد بيتهم الله -جل وعلا- موتى -نسأل الله السلامة والعافية-، نسأل الله حسن الخاتمة. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 15 "وفي رواية: ((فيأتيهم طالب حاجة)) وفي رواية: حدثني أبو عامر الأشعري، ولم يشك عبد الرحمن بن غنم" فتجده مرة يشك ويتردد، ومرة يجزم، وعلى كل حال أينما تردد بين هذين الاثنين، وهما من الصحابة فهما ثقتان لا يضر، يعني لو أن إسناداً جاء فيه عن سفيان، وأردنا أن نميز سفيان من سفيان؟ هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ وعجزنا في النهاية ما استطعنا، فما الحكم؟ الحديث صحيح؛ لماذا؟ لأنه أينما دار فقد دار على ثقة، وهنا سواء كان من حديث أبي عامر أو أبي مالك فهو صحيح. "ورواه الطبراني عن موسى بن سهل الجوني البصري عن هشام" فذكر الواسطة بين الطبراني وهشام واسطة محتملة؛ لأنه يجزم بأن الطبراني لم يدرك هشام، لكن الإمام البخاري لا يحتاج إلى واسطة؛ لأنه أدرك هشاماً، وروى عنه أحاديث خمسة أو ستة بصيغة التحديث. "ورواه أبو داود، ولفظه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)) " وقلنا: إنه من باب عطف العام على الخاص "وذكر كلاماً قال: ((يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) " قال: "والخز هنا: نوع من الحرير" والمؤلف إنما ساق الخبر ليبين أن الخز والحرير على رواية الخز محرمان، من الألبسة المحرمة؛ لأن الاستحلال لا يكون إلا للحرام، وإذا قلنا: الحر والحرير فالحرير كافي في وجود المناسبة بين الحديث والترجمة. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 16 "وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة" هذا الحديث حديث حذيفة تقدم في باب الآنية بلفظ: ((لا تشربوا في آنية الذهب، والذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) نسأل الله العافية، وجاء به هنا: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج" هذا الشاهد من الحديث: "وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه" الحرير معروف، والديباج ما غلظ منه فهو نوع منه، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وكلاهما محرم "وأن نجلس عليه" الجلوس على الحرير محرم كلبسه، والجلوس نوع من اللبس، كما جاء في حديث أنس الذي تقدم في الصلاة: "فعمدت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس" والمراد بلبس الحصير الجلوس عليه، فالجلوس حكمه حكم اللبس. "رواه البخاري". ((الحرير والذهب حرام على ذكور هذه الأمة، وحل لإناثها)) فإذا كان الحرير حلال للنساء، والذهب حلال للنساء، فماذا عن اتخاذ آنية الذهب والفضة للنساء والجلوس على الحرير بالنسبة للنساء؟ بالنسبة للبس والأكل والشرب في الذهب والفضة حرام، الذهب والحرير حرام على الذكور، حل للإناث، هل مقتضى هذا الحل بالنسبة للإناث أن تشرب في آنية الذهب والفضة، وأن تجلس على الحرير؟ الآن الذي معنا: "نهانا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها" هذا شامل للرجال والإناث وإلا خاص بالرجال؟ طالب: شامل. إذاً قوله: ((حرام لذكور أمتي، حل لإناثها)) يخص منه آنية الذهب والفضة، فلا يجوز للإناث أن يشربنا في آنية الذهب والفضة الحرير حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها ((وأن نجلس عليه)) شامل للرجال والنساء، فموضع الحاجة للمرأة من الذهب والفضة والحرير اللبس والتزين، وما زاد على ذلك فهي تشارك فيه الرجل. "رواه البخاري". الجزء: 49 ¦ الصفحة: 17 "وعن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحرير" نهى عن الحرير هذا كل ما تقدم يشهد له في النهي "إلا هكذا" هذا الاستثناء وهذا التخصيص هو الذي دل عليه حديث كتاب عمر: "إلا هكذا، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، فيما علمنا، يعني أنه الأعلام" أو ثلاثة أصابع أو أربعة على ما سيأتي، يستعمل في أطراف الثوب في كفة الكم، وفي الجيب، وفي الفرجة أو الفرج التي تكون فتحة بين جانبي الثوب، على كل حال هذه الأعلام مستثناة "إلا هكذا، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى" يعني مقدار أصبعين "فيما يعلمنا، يعني الأعلام" وسيأتي أنها ثلاثة أصابع أو أربعة. "ولمسلم عن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع" كأنه قال: أصبعين، يعني وإن احتيج إلى ثالث أو رابع لكن لا زيادة "وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم" من حديث عمر، الرواية الأخيرة "فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة وهو مدلس لعله بلغه عنه" قتادة مدلس، وجاء بالعنعنة في صحيح مسلم، لم يصرح فيه بالتحديث، لكن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة عند أهل العلم على الاتصال، فلا يُطعن في سند لأن فيه راوٍ مدلس ولم يصرح بالتحديث لأنها محمولة على الاتصال، وجدت في المستخرجات وفي الكتب الأخرى صُرح فيها بالتحديث، وهذا من فوائد المستخرجات على ما ذكره أهل العلم، فلا يُطعن بالسند الموجود في أحد الصحيحين لأنه من طريق مدلس عنعن فيه. "وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن شعبي غير قتادة، وهو مدلس لعله بلغه عنه، وقد رواه شعبة بن أبي السفر عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله" يعني موقوفاً عليه، من قوله، لا مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "وكذلك رواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله" يعني هل هو مرفوع كما هو مقتضى رواية الصحيح أو هو موقوف فيما أشار إليه الدارقطني؟ تعارض فيه الوقف والرفع، لكن المرجح ما في الصحيح على ما في غيره. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 18 "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير -رضي الله عنهما- في قميص الحرير" الرخصة لا تكون إلا بعد منع، فالحرير ممنوع، وتقدم ما يدل على تحريمه، فرخص في قميص الحرير للحاجة "في السفر من حكة كانت بهما" الحاجة هي الحكة والقُمل أو القَمل هذا حاجة لا سيما في السفر الذي لا يوجد بديل يقوم مقام الحرير وإلا فالحضر قد يوجد، لكن إذا لم يوجد بديل عن الحرير فليلبس لأن هذه حاجة. "رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- في قميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما" ومنهم من يقول: إن السفر لا اعتبار له، وصف غير مؤثر، فيرخص في قميص الحرير للحكة، ولو في الحضر، على كل حال إذا دعت الحاجة إلى ذلك إذا كان في الجسم قروح أو حكة أو حساسية أو ما أشبه ذلك أو تسلخات، أو آثار حروق وقرر الأطباء أنه لا يناسب إلا الحرير يرخص في الحرير. "وفي البخاري: "شكيا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني القمل أو القمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيت عليهما في غزاة" المقصود أنه إذا وجدت الحاجة فيلبس مثل هذا الممنوع للحاجة، كما أن الذهب قد يباح للحاجة، عُرفطة قطع أنفه في إحدى الغزوات، فاتخذ له أنف من فضة فأنتن، ثم اتخذ له أنف من ذهب فلم ينتن، المقصود أن الحاجة تقدر بقدرها إذا كان دون المحرم من المكروه وشبهه يقوم مقامه لا يجوز العدول إلى المحرم، وإذا لم يوجد ما يقوم مقام المحرم فإنه الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة الشديدة تنزل منزلة الضرورة. "وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة سِيَراء فخرجت فيها" يعني لبسها وخرج فيها؛ لأنه فهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما كساه إياها ليلبسها فلبسها، قال: "فرأيت الغضب في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، فشققتها بين نسائي" خُمر لنسائه بين الفواطم بين أمه وزوجه وامرأة عقيل أخيه فاطمة وبنت حمزة فاطمة، المقصود أنه شقها بين الفواطم، خمر للنساء، والحلة السيَراء نوع من الحرير فتباح للنساء. "متفق عليه، واللفظ لمسلم". الجزء: 49 ¦ الصفحة: 19 "وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها)) " أحل الذهب والحرير للإناث فيما يحتاج إليه من التحلي واللباس للتزين؛ لأن {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] هذه طبيعة النساء، ومع الأسف أن نجد من الرجال من الذكور من يلبس المحرم من الحرير يتنعم بذلك تنعم النساء، وقد يلبس ما يلبس من الذهب -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني في بلد لا يخفى عليه الحكم ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها)) لأن المرأة محتاجة إلى التزين والتجمل لزوجها ((وحرم على ذكورها)) لأن الرجال الأصل فيهم الخشونة وعدم التنعم. "رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وقيل: إنه منقطع" لكن الصواب أن الحديث ثابت. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 20 "وعن شعبة عن الفضيل بن فضالة عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف خز" كساء أو رداء من خز، نوع من الحرير "فقلنا: يا صاحب رسول الله تلبس هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يُحب إذا أنعم على عبدٍ نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) " الخز الذي لبسه عمران بن حصين، مطرف الخز الذي لبسه عمران إما أن يكون الخبر ما وصله في منع الخز، وأنه محرم من جملة أنواع الحرير، أو أن الخز يطلق على أكثر من إطلاق، يعني: يطلق على نوع مباح، ويطلق أيضاً على نوع محرم، وإلا فلا يظن بصاحب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه يعرف المنع ويخالف، فهو يتجمل به ليرى أو ليُريا الناس أثر النعمة عليه، مستدلاً بقوله في الحديث: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبدٍ نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) نعم من وسع الله عليه فليوسع على نفسه ويوسع على ولده، يوسع على معارفه، يوسع على جيرانه، لا يقبض يده، لا يُمسك بماله، بمال الله الذي آتاه، عليه أن يبذل، يزكي، يتصدق، يوسع على نفسه، لا يقتر على نفسه -نسأل الله العافية- بعض الناس عندهم الأموال الطائلة وتجد عيشتهم ومرآهم وحالهم وحال أولادهم ومن تحت أيديهم أشد من حال الفقراء، هذا المال عذاب على صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، فالإنسان إذا وسع الله عليه يوسع على نفسه، ويري الناس أثر النعمة، ويري الله -جل وعلا- أثر نعمته عليه، وهذا فيه فوائد كثيرة ليرى هذه النعمة فيشكرها، ويراها غيره فيتعرض لسؤاله إن كان من أهل السؤال، لكن إذا كانت النعم مطمورة في البنوك، مودعة في البنوك، ويعيش صاحبها عيشة الفقراء، لا يجرؤ أحد أن يسأله، لو كان عنده شيء تصدق على نفسه، تصدق على ولده، فمن شكر الله -جل وعلا- على النعم أن يرى أثرها من غير مبالغة؛ لأن بعض الناس بين إفراط أو تفريط، إما أن يقتر على نفسه تقتيراً يمقت به مع أنه يستطيع أن يرفع عن نفسه هذا الوصف، أو يتوسع توسعاً غير مرضي، فيبذر ويسرف فدين الله -جل وعلا- وسط بين الغالي والجافي، وجاء في حديث صححه ابن حجر: ((البذاذة من الإيمان)) والأدهان والتسريح وترجيل الشعر من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- يهتم بمظهره، لكن الجزء: 49 ¦ الصفحة: 21 لا على سبيل الإفراط لا يزيد فيدهن غباً، يعني ما يدهن كل يوم، ويرجل شعره -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يكون على حساب المهمات، يعني مع الأسف يوجد في المسلمين من يتخذ صالوناً عنده في البيت، يمضي فيه وقتاً طويلاً، يمضي فيه الساعة والساعتين ينظر في شعره ينظر في معطفه، ينظر في لباسه، فلا إفراط ولا تفريط، لا يمتهن الإنسان نفسه، المسلم يذل نفسه، ويعرض نفسه للإهانات؛ لأن الناس وش يدريهم عن الخفايا، يعاملون الناس على حسب الظاهر، فيزدرى الإنسان إذا نزل عن مستواه، لكن إذا كان لا يجد فإلى الله المشتكى، لكن الإشكال في كونه يجد ولا ينتفع بما يجد، وفي مقابله من يمضي الساعات وينفق الأموال الطائلة حتى أنه يوجد من يفصل من الثياب بعدد أيام السنة كل يوم ثوب، ويمضي الساعتين والثلاث في الصالون يتفقد هذه شعرة زائدة، وهذه شعرة نازلة، وينظر في الثوب هل هو مناسب؟ هل هو .. ؟ سبحان الله، ولذا جاء لكسر هذا الغلو ((البذاذة من الإيمان)) يعني عدم الاهتمام الزائد، والانشغال بما لا ينفع، قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) لأن هذا شكر عملي لهذه النعمة. "رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، والبيهقي واللفظ له، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: فضيل بن فضالة الذي روى عنه شعبة ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ" شيخ تليين، يعني الثقة معروف وضعه، يعني درجة عالية من التوثيق، فوقها درجات، تكرير لفظ التوثيق: ثقة ثقة، أو الإتيان بـ (أفعل) التفضيل أوثق الناس، لكن ثقة من درجات التوثيق العليا بحيث لا يتردد في حديثه، أما كونه يوصف بأنه شيخ فهو تليين له، وهي من أبي حاتم مقبولة لأنه متشدد، فحينئذٍ يكون الحديث وإن لم يبلغ درجة الصحيح قد يكون حسناً. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 22 "وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبين معصفرين" يعني صبغا بالعصفر اللون الأصفر القاتم، ومثله الزعفران المزعفر والمعصفر يطلق جمع أهل العلم الكراهة بالنسبة للرجال، وبعضهم يجزم بالتحريم، لا سيما الأحمر "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: ((أأمك أمرتك بهذا؟ )) " الذي هو في الأصل من لباس النساء الألبسة المصبوغة بالعصفر أو بالزعفران أو بالحمرة هذه من خواص النساء، فهي التي ألبستك هذا وأمرتك به، فأنت تلبس لباس النساء! هذا توبيخ له "قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل أحرقهما)) " يعني: مبالغة في التعزير. هذا يدل على منع لبس الثوب المعصفر، ومثله المزعفر والأحمر أشد، الأحمر الخالص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لبس الحلة الحمراء كما في الصحيح، وأجاب ابن القيم بأنها حمراء ليست خالصة؛ لأن أكثرها أحمر، وفيها خطوط من غير الأحمر، يطلق اللون على الغالب كما نقول: الشماغ أحمر، وهو ليس بخالص البياض بقدر الحمرة، لكن الحمرة أكثر تأثير في اللون من البياض، يقال: شماغ أحمر، والحلة الحمراء فيها خطوط من غير الأحمر، كما قرر ذلك ابن القيم. قال -رحمه الله-: "وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القَسي أو القِسي" لكن هي بلدة بمصر يؤتى منها بهذه الثياب التي هي نوع من الحرير، وهي بمصر يقولون لها: القَس، المصريون يقولون لها: القَس، وغيرهم يقول: القِس، وأهل مكة أدرى بشعابها، أهل مصر أعرف بضبط بلدهم، كما في الكِرماني والكَرماني، الأكثر يقول: الكَرماني بفتح الكاف، والِكرماني نفسه يقول: قال النووي والجمهور: بفتح الكاف، وأقول: بكسرها، وأهل مكة أدرى بشعابها. "عن لبس القَسي والمعصفر" يعني لونه أصفر خالص، هذا يمنع منه الرجال، ومثله المصبوغ بالزعفران والحمرة أشد. "رواهما مسلم". الجزء: 49 ¦ الصفحة: 23 "وروى" يعني مسلم "من حديث مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ذات غداة مرط مرحل" مرط: كساء من صوف "مرحل من شعر أسود" المرحل قال المؤلف: "الذي نُقش فيه تصاوير الرحال" فالمرحل فيه نقوش، وفيه رسوم رحال، والرحال جمع رحل، وهو ما يوضع على الدابة، يوجد من الأنسجة الآن تُكآت ومخدات وما أشبه ذلك عليها ما يسمى بالكساء البدوي هذا الذي عليه رحال وغيره، يعني ما زالت موجودة إلى الآن، على كل حال ليس فيه ما يمنع، وليست فيه تصاوير ذوات أرواح، وليس من الممنوع الذي هو من الحرير، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: يا شيخ في بعض النسخ: مرجل عليه تصاوير رجال. لا، لا غلط. طالب:. . . . . . . . . إن فعل هذا أو رقاه مباشرة نفث عليه مباشرة ... طالب:. . . . . . . . . ينفث إيه. طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب: الاستعمال يا شيخ. . . . . . . . . حديث أنس. يستعمل حلي فقط، يعني لا يستعمل آنية، ولا يستعمل في قلم ولا نضارة ولا غيره. طالب: حديث أنس يا شيخ. . . . . . . . . لباسه .... هذا لباس إيه. طالب: ... هو اللباس يا شيخ. . . . . . . . . الجلوس جلوس على الحرير هذا لباس. طالب: لباس يسمى. إيه يسمى لباس، كما أنه منصوصاً عليه أنه جلوس، لكن لو لم ينص عليه أنه جلوس، لو لم ينص على الجلوس قلنا: الجلوس لُبس بدليل حديث أنس. طالب: المعصفر يا شيخ ما يدخل فيه الثوب الأصفر .... وش هو؟ طالب: الثوب الذي يجي أصفر كذا. أصفر خالص داخل، ممنوع بالنسبة للرجال. طالب: .... الأزرق .... الأزرق ما فيه شيء، الأسود ما فيه شيء. طالب: السيارة بالتقسيط ثم نسى القسط، فأراد البائع أن يعطيه بعض المبلغ ثم يرد السيارة على أنها بيع ثاني، هل يدخل في العينة وإلا ... وين؟ طالب:. . . . . . . . . يبيعها على غيره. طالب: ما يشتريها البائع؟ لا ما يشتريها البائع، لا. طالب: حتى ولو لم يكن .... لا ... الجزء: 49 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصلاة (50) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في المحرر: باب: صلاة الكسوف عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف ما بكم)) متفق عليه. وعند البخاري: ((وصلوا حتى ينجلي)) وليس عند مسلم: "فقال الناس: "انكسفت الشمس لموت إبراهيم". وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. متفق عليه، واللفظ لمسلم. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 1 وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "انخسفت الشمس على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله)) قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إني رأيت الجنة فتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)) قالوا: بم يا رسول الله؟! قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) متفق عليه، واللفظ للبخاري. وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، قال: "والأخرى مثلها" رواه مسلم. وفي لفظ له: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك. وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات. وعن عائشة -رضي الله عنها- أن الشمس خسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث منادياً: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وتقدم فكبر، وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. متفق عليه، واللفظ لمسلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة الكسوف الجزء: 50 ¦ الصفحة: 2 الكسوف ومثله الخسوف بمعنى واحد عند كثير من أهل العلم، وبعضهم يخص كل لفظ بآية، فيجعل الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، هذا إذا أطلق على سبيل الانفراد، فيقال: كسفت الشمس وخسف القمر، ومنهم من يقول: يجوز إطلاق الكسوف على كل منهما والعكس والخسوف، أما إذا أطلق اللفظ على الاثنين معاً فلا مانع باتفاق، فيقال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فيجوز إطلاق الكسوف والخسوف عليهما مجتمعين، والكسوف والخسوف كما جاء في الخبر: ((الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) في هذا رد على مزاعم الجاهلية الذين يقولون: إذا كسفت الشمس وخسف القمر إنما هو لموت عظيم، على ما سيأتي، بل هما آيتان من آيات الله. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 3 النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حدث هذا الحدث العظيم وهو كسوف الشمس في عهده -عليه الصلاة والسلام- فزع، وخرج يجر رداءه يظنها الساعة، بخلاف ما نحن عليه الآن، يأتي ونحن آمنون، ولا يحرك فينا ساكناً، بل بعض الناس يتتبعه في المواقع التي يكون فيها أجلى وأوضح، وبعضهم يشتري النظرات والنواظير التي توضح هذا الكسوف، بل بعضهم يسافر من أجله، إذا قيل: إنه في البلد الفلاني أوضح سافر من أجله، والذي هون الأمر في نفوس الناس كون معرفة الكسوف وهي مسألة خلافية عند أهل العلم من القديم، كثير منهم قال: يدرك بالحساب، وبعضهم قال: لا، إنه من إدعاء علم الغيب، كابن العربي وغيره يقولون: إن هذا أبداً هذا ضرب من الكهانة، من إدعاء علم الغيب، لكن الأكثر على أنه يدرك، ولا مانع من إدراكه، ويُحدد، لكنه اختلال لهاتين الآيتين العظيمتين عن مسارهما المحدد لهما، فإذا اختل اختلت هذه الآية عن مسارها، لا يدرى ما يصاحبها من كوارث، الناس لا يحسبون حساب لما يصاحب هذه الآيات التي حادت عن مسارها، انكسف ذهب ضوؤها، نقص ضوؤها، تتابع الناس على أنه يدرك بالحساب، ويحددونه بالثانية بداية ونهاية، فخف الأمر في نفوس الناس، وأحالوه إلى أمر طبيعي عادي، وجعلوا .. ، قالوا: إن الأرض تحول بين الشمس والقمر، فيفقد ضوءه أو العكس، الأرض تحول دون الشمس، أو القمر يحول دون الشمس؟! المقصود في كلام لهم معروف عندهم عند أهل الهيئة، لا يهمنا كثيراً، إنما يهمنا ما الأثر؟ وماذا يجب فعله بعد وقوع هذه الحوادث؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((افزعوا إلى الصلاة)) "فزع إلى الصلاة" "خرج يجر رداءه" فكوننا نتقبل هذه الأخبار بدون تأثر هذا خلاف الهدي النبوي يُخشى من آثار وعواقب تتبع هذه الآيات، وقد حصل في تركيا وفي غيرها من البلدان صاحبه زلازل وفيضانات، والناس في مأمن، أُخذوا على غرة، في كوارث مصاحبة لهذا التغير لهاتين الآيتين العظيمتين، فكون الإنسان يمر عليه الحدث ولا يحرك فيه ساكناً لا شك أنه من ضعف في قلبه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أعرف الناس بربه وأتقاهم له وأخشاهم يخرج يجر رداءه يظنها الساعة، والناس في لهوهم ولعبهم، وكثير منهم لا ينهض ولا الجزء: 50 ¦ الصفحة: 4 للصلاة، يعني حتى البدن تبلد تبعاً للقلب، بعضهم لا ينهض للصلاة، يقول: الحمد لله ساعة أو ساعتين وهو رايح وش الفائدة؟ أمر معروف، يعني أمر طبيعي. "كسفت الشمس على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-" في حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم" يوم مات إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- من مارية القبطية، مات وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فحزن عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فانكسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه، وافق كسوف الشمس في هذا اليوم، فاستصحب الناس ما كانوا يقولونه في جاهليتهم "انكسفت الشمس لموت إبراهيم" لأن إبراهيم وهو ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- عظيم، اكتسب هذه العظمة من والده -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 5 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مفنداً هذا الزعم ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)) {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [(37) سورة فصلت] ((آيتان من آيات الله)) مخلوقتان مدبرتان مسيرتان ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) هم قالوا: إن الشمس والقمر تنكسفان لموت عظيم، لكن ما فيهم من قال: إن الشمس والقمر ينكسف لحياة أحد، لكن من باب التأكيد، وأنه لا يؤمن أنه في يوم من الأيام من يقول: انكسفت الشمس لحياة فلان، وحياته إما بولادته أو بشفائه من مرضه العضال، كأنه حيا من جديد كما يقول بعضهم، فتنكسف الشمس، يعني هل انكساف الشمس علامة على العظمة أو على عدمها؟ لحياته أو لموته دليل على عظمته، يعني هذا الزعم تعظيم لهذا الرجل الذي مات في وقت انكساف الشمس على حد زعمهم، وأنه لعظمته تغيرت حتى الأفلاك تغيرت عن مجاريها، لكن لحياته! حينما يولد لا بد أن يمكث سنين طويلة ليكون عظيماً، وما يدريهم أنه عظيم، اللهم إلا إذا تبين أنه عظيم فيما بعد وقد حصل الكسوف في وقت حياته يمكن أن تقوم الدعوى بعد أن يكون عظيماً، لكن هم ما يقولون: إنها تنكسف لحياته، لكن هذا من باب التأكيد، وأنه لا فرق بين الموت والحياة، فمن زعم أنها تنكسف للموت قد يزعم أنها تنكسف للحياة، وهذا من باب المبالغة في التعظيم، كما جاء في الحديث: "كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها" آخر القراءة ما فيها بسم الله الرحمن الرحيم، لكن لتأكيد النفي. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 6 ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما)) رأيتم هذا التغير لهاتين الآيتين ذهاب لضوئهما أو لبعضه ((فادعوا الله وصلوا حتى ينشكف ما بكم)) يعني: نلجأ إلى الله -جل وعلا- بالصلاة، بالدعاء، بالتضرع، بالصدقة؛ ليكشف ما بنا، وهذه من علامات التوبة، ومثل هذه الأمور إنما تكثر حينما تكثر المعاصي والجرائم، فهي مربوطة بمشيئة الله -جل وعلا-، ومقدرة مصاحبة لكثرة الجرائم، ففي عهده -عليه الصلاة والسلام- طول البعثة ثلاثة وعشرين سنة ما حصل إلا مرة واحدة، ما حصل الكسوف إلا مرة واحدة، وإلى وقت قريب وعشر السنين تمر بدون كسوف ولا خسوف، أما بالنسبة للشمس فقد تمكث أكثر من عشرين سنة ما مرت إلا في السنين الأخيرة، مما يدل على أنها علامة غضب وليست علامة رضا، والذي يتصور هذا الغضب هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن يقتدي به ويستشعر شعوره -عليه الصلاة والسلام-، أما الذي لا يهتم ولا يكترث هذا تنكسف أو ما تنكسف، ما في إشكال، هي سوف تنكسف في الساعة الفلانية وتعود في الساعة الفلانية، الأمر عادي طبيعي عندهم، ولا شك أن هذا دليل على مرض في القلوب. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 7 ((فإذا رأيتموهما)) يعني رأيتم هذا التغير في هاتين الآيتين ((فادعوا الله وصلوا)) أمر ((حتى ينكشف ما بكم)) ((فإذا رأيتموهما)) يعني بمجرد الرؤية افزعوا إلى الدعاء والصلاة والتضرع، فالصلاة مربوطة بالرؤية، فلو قرر جميع الفلكين أن الشمس تنكسف في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني أو القمر فإننا لا نصلي حتى نرى؛ لأنه يقول: ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا)) وهذا يدل على أن الصلاة صلاة الكسوف تفعل عند قيام السبب وهو الرؤية في أي وقت، سواء كان وقت نهي أو غير وقت نهي، على الخلاف المعروف بين أهل العلم في الجهتين، في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، والخلاف تقدم ذكره ولا حاجة إلى إعادته، مع ملاحظة الخلاف في حكم صلاة الكسوف، هل هي سنة أو واجبة؟ نقل النووي الإجماع على أنها سنة، وأبو عوانة في صحيحه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، فالذي يقول بوجوبها يقول: تفعل؛ لأن النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة لا يتناول الواجبة، هذا ما عنده إشكال، لكن الإشكال عند من يقول: إنها سنة، فالذي يقول بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي يقول: تفعل لأنها ذوات سبب، والذي يقول: لا تفعل يقول: لا تصلى في وقت النهي، وهذا هو المعروف عند الحنابلة والحنفية والمالكية، في وقت النهي ما تصلى؛ لأنها نفل والنهي مقدم على ما جاء في ذوات الأسباب على ما تقدم بسطه. ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله)) عليكم بالدعاء والتضرع حتى يكشف ما بكم، يعني ما يتصور الإنسان مقدار الانتفاع بهاتين الآيتين؛ لأن النعم الموجودة لا يقدرها الإنسان قدرها حتى يفقدها، ما يدرى وش الأثر المترتب على ذهاب الضوء من هذين النيرين؟ وفائدة ضوء هذين النيرين للأرض ولمن يسكن الأرض، ما ندري، لكن لو حصل هذا الكسوف واستمر وقتاً طويلاً عرفنا مقدار هذه النعمة، الإنسان الصحيح المعافى لا يقدر قيمة هذه الصحة، ولا يستشعر خطورة المرض ولا شدة الألم؛ إنما يستشعرها من وقع فيها، وكذلك الأمن لا يقدره قدره إلا من عاش في بيئة مخوفة، ونحن لا نشعر بفائدة ضوء الشمس وحرارة الشمس وأشعة الشمس ولا ضوء القمر إلا إذا فقدت لا سمح الله. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 8 فهناك أمور تخفى على كثير من الناس، يعني عاشوا عيشة عادية روتينية تطلع الشمس في أول النهار وتغيب في آخره، ويطلع القمر من كذا إلى كذا، وفي ليلة كذا أقوى من كذا إلى آخره، والناس لا يقدرون هذه النعم قدرها، ولذا قال: ((فادعوا الله)) لأنه حل بكم شيء يحتاج إلى دعاء ليرفع ويكشف ((فادعوا الله وصلوا)) والغاية إلى متى؟ ((حتى ينكشف ما بكم)) هذه غاية، أو تغيب الشمس وهي كاسفة، أو تطلع الشمس والقمر خاسف، قالوا: لذهاب وقت الانتفاع بهما، ولا يكفي هذا؛ لأننا لا ندري هل انكشفت أو لم تنكشف، إذا غابت الشمس ما ندري عنها، فالغاية مغيبة عنا، وكذلك إذا طلعت الشمس والقمر خاسف لا ندري هل انكشف ما به أو لم ينكشف، فالصلاة مربوطة برؤية الكسوف والخسوف، ونحن لا نراه. " ((حتى ينكشف ما بكم)) وليس عند مسلم "فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم". الجزء: 50 ¦ الصفحة: 9 "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته" حديث عائشة صريح في كون النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وقد حضرت الصلاة كما في الصحيح، ودخلت أختها أسماء فاستغربت كونهم يصلون في هذا الوقت ضحى يصلون جماعة، استغربت، فاستفهمت من عائشة وهي تصلي بالإشارة، فأشارت عائشة إلى السماء، فسألتها أسماء فقالت: آية؟! فأشارت عائشة برأسها: أن نعم، فقد حضرت الصلاة، وسمعت القراءة، ولذا صرحت بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وإذا كان الخسوف الحاصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- للشمس وجهر في صلاة الخسوف بالنهار فالجهر بالليل من باب أولى؛ لأن من أهل العلم من يرى أنه يجهر في خسوف القمر كسائر الصلوات الليلية، ولا يجهر بكسوف الشمس كالصلوات النهارية، لكن من الصلوات النهارية التي يُجمع لها يجهر بها، كصلاة العيد والاستسقاء والجمعة، فقياسها على هذه الصلوات الطارئة أولى من قياسها على الصلوات الثابتة كالظهر والعصر، بعضهم يقول: القراءة في صلاة الكسوف سرية، عائشة صرحت بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وسيأتي في حديث ابن عباس: "قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة" قالوا: لو جهر بها -عليه الصلاة والسلام- ما قال ابن عباس: نحواً من سورة البقرة، قال: قرأ سورة البقرة، أو قرأ سورة كذا، ما قال: نحواً لو جهر بها، لكن التصريح من عائشة -رضي الله عنها- بأنه جهر -عليه الصلاة والسلام-، والحديث متفق عليه لا يقاومه قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نحواً من سورة البقرة" لما يطرقه من احتمال البعد مثلاً، بعد ابن عباس ما سمع، أو لعارض ما سمع، المقصود أن التصريح مقدم على مجرد الاحتمال. "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" متفق عليه" يعني من حديث عائشة ومن حديث ابن عباس وغيرهما النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى أربع ركوعات في ركعتين، وأربع سجدات، كما سيأتي تفصيله في الحديث الذي يليه. "متفق عليه، واللفظ لمسلم". الجزء: 50 ¦ الصفحة: 10 "وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "انخسفت الشمس" يطلق الخسوف على الشمس، كما يطلق الكسوف عليها كما في الحديث الأول "انكسفت الشمس" ويطلق الخسوف على القمر كما في القرآن. "انخسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول الله عليه وسلم فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة" هذا ما يستدل به من يرى أن قراءة الكسوف سرية، قال: "نحواً" ما قال: قرأ سورة البقرة، وعرفنا أن التصريح من عائشة -رضي الله عنها- بأنه جهر مقدم على الاحتمال المفهوم من قوله: "نحواً من قراءة سورة البقرة". الجزء: 50 ¦ الصفحة: 11 "ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام فقام قياماً طويلاً" يكبر ويستفتح ويتعوذ ويسمي ويبسمل ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة طويلة، تعادل سورة البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من الركوع، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة طويلة، لكنها دون السورة الأولى، فيقوم قياماً طويلاً دون القيام الأولى "ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول ثم سجد" وليس في حديث ابن عباس ما يدل على إطالة السجود مع أنه جاء ما يدل عليه "سجد سجوداً طويلاً" كما قال في الركوع في غير حديث ابن عباس، كما قال في الركوع والقيام "ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عندنا أربع، القيام والقراءة في أربعة مواضع، القيام الأول، ثم الركوع الأول، ثم القيام الثاني، ثم الركوع الثاني، هذا في الركعة الأولى، ثم سجدتين، وتكون بهذا انتهت الركعة الأولى، ثم الركعة الثانية مثلها، عندنا ركوع أول أولية مطلقة وهو الذي يلي دعاء الاستفتاح "نحواً من سورة البقرة" القيام الذي يليه بعد الركوع الأول دون القيام الأول هذا ما فيه إشكال، ولا في فهمه أدنى لبس، إذا قام للركعة الثانية في قيامها الأول بالنسبة للركعة الثانية، وقيام ثالث بالنسبة للصلاة تقدمه القيام الأول والثانية من الركعة الأولى، يقول: وهو دون القيام الأول، هل هو دون القيام الأول؟ عندنا أربعة: واحد اثنين ثلاثة أربعة هذا الأول وهذا ثاني وهذا ثالث وهذا رابع، هذا الأول أولية مطلقة، هذا الثاني دون القيام الأول، الثالث دون القيام الأول، الرابع دون القيام الأول، فإذا قلنا: المراد بالقيام الأول الأولية المطلقة الذي ورد تكراره في الحديث ثلاث مرات، المراد بالأول أولية مطلقة قلنا: إن الثلاثة متساوية، تشترك في كونها دون القيام الأول، وإن كانت متساوية، وإذا قلنا: إن الأولية نسبية قلنا: الأول هو الأطول، ثم الذي يليه دونه، ثم الذي يليه دون الثاني، ثم الذي يليه دون الثالث، فالثاني أول بالنسبة الجزء: 50 ¦ الصفحة: 12 للثالث، والثالث أول بالنسبة للرابع، فتكون الأولية نسبية، وقل مثل هذا في الركوع ومثله في السجود؛ لأنه يقول في الحديث: "ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً هو دون القيام الأول" هل المراد به الأول أو الثاني؟ على الاعتبارين: إن قلنا: الأولية مطلقة قلنا: الثلاثة متساوية، وإذا قلنا: كل قيام وكل ركوع وكل سجود دون الذي يليه قلنا: الأولية نسبية، هذه صفة صلاة الكسوف، تقرأ الفاتحة أربع مرات، يكون القيام في أربع مرات، يُقرأ فيها الفاتحة وبعده سورة طويلة، ويكون طولها متدرجاً من الأول إلى الأخير، والركوع كذلك متدرج الأول أطول من الثاني، والثاني أطول من الثالث، والثالث أطول من الرابع، وقل مثل هذا في السجود، الركوع الأول هو الركن الذي تدرك به الركعة، والثاني ركوع زائد لا تدرك به الركعة، فإذا فات الركوع الأول فاتت الركعة، هذا ما قرره أهل العلم، قالوا: إن الركوع الثاني زائد لا تُدرك به الركعة. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 13 هذه صفة صلاة الكسوف، وأقوى ما جاء فيها من الحديث المتفق عليه بهذه الصفة أربع ركوعات في أربع سجدات، في ركعتين، جاء في مسلم: ثلاث ركوعات، وجاء فيه: أربع ركوعات، وجاء في أبي داود: خمس ركوعات، فالصورة التي معنا أربعة في الركعتين، وفي الصورة الثانية: ستة في الركعتين، وفي الصورة الثالثة: ثمانية في ركعتين، وفي الصورة الرابعة: عشرة في ركعتين، وجاء في الصحيح -صحيح مسلم-: ثلاثة، وجاء: أربعة، وفي سنن أبي داود: خمسة، والمتفق عليه ركوعين في كل ركعة، وعند الحنفية هما ركعتان لا صفة لهما زائدة كصلاة الصبح، لا صفة لهما زائدة مع أن الحديث متفق عليه، وجاء في الخبر ولا يمكن أن يقاوم ما جاء في هذا الباب: ((فإذا رأيتموهما فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة)) أقرب صلاة، لكن هذا لا يتعين أن يكون العدد ركعتين؛ لأنه قد تكون بعد صلاة المغرب، وقد يكون بعد صلاة العشاء، وقد يكون بعد صلاة الظهر، وقد يكون بعد صلاة الصبح، فعلى هذا نصلي ركعتين أو نصلي ثلاث أو نصلي أربع، لكن الحديث شاذ، ولا يقاوم ما جاء في الصحيحين وغيرهما من الأعداد في الركوع والقيام والسجود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: " ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فذكروا الله)) قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك ثم رأيناك تكعكعت" يعني: تقدم وهو قائم يصلي تقدم وكأنه تناول شيء، ثم تأخر، تكعكع تأخر "فقال: إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً" يعني مد يده ليأخذ العنقود "قال: ((ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)) " ((لأصبتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفضع ولا أبشع ولا أشنع من منظر النار، يحطم بعضها بعضاً)) نسأل الله السلامة والعافية ((ورأيت أكثر أهلها النساء)) لماذا؟ قالوا: بما يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟! قال: ((لا، يكفرن العشير)) الزوج ((ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) ويشابه النساء في هذا الوصف بعض الرجال الذين لم يُطبعوا على الكرم، بل عندهم شيء من اللؤم، تجده لو تأخرت عنه الجزء: 50 ¦ الصفحة: 14 في مرة من المرات أنت تحسن عليه الدهر، وتحوطه بعنايتك، وتنفق عليه، لو تتأخر يوم من الأيام قال: "ما شفنا شيء" يعني من الغرائب أن يأتي شخص يطلب شفاعة من شخص ثم يحصل مانع لا تكتب هذه الشفاعة في اليوم الأول أو الثاني تجد طالب الشفاعة يتحدث به في المجالس، وقد يدعو عليه، أخرنا وفوت مصالحنا، من هذا النوع، هذا كفر النعم، الرجل محسن، وهذا مجرب ومشاهد لو يجي مرتين وأنت ما كتبت الخطاب بدأ يتحدث في المجالس، وقد يرفع صوته عليك، يعني من هذا النوع يوجد نماذج، ومع الأسف أن يوجد من بعض طلاب العلم، نعم على المحسن أن يكمل إحسانه، وأن يبادر به، لكن إذا حصل مانع ما تمكن من كتابته نسي يقابل بالإساءة المرأة تقابل الزوج بالإساءة يحسن إليها الدهر كله، ثم إذا رأت أدنى خلل قالت: ما رأيت خيراً قط، والله المستعان. "متفق عليه، واللفظ للبخاري". "وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" ... في بعض الأحاديث: ((يكثرن اللعن)) النساء كثير منهن لا يتورع عن اللعن، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) وجاء في اللعان في جانب الرجل {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [(7) سورة النور] لأنه يهاب اللعن، والخامسة بالنسبة للمرأة {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [(9) سورة النور] تخشى الغضب أكثر من اللعن لأنه درج على لسان كثير من النساء، لكن هذا موجود في بعض الأوقات دون بعض، وفي بعض الأقطار دون بعض؛ لأنه يوجد في بعض الأقطار الرجال يكثرون اللعن والشتم والسب والنساء بعكس ذلك، ويوجد في بعض الأوقات وفي بعض الأقطار العكس من ذلك، على كل حال في وقته -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الحاصل، يكثرن اللعن، يعني في مجتمعاتنا نستغرب إذا سمعنا أن امرأة تلعن، لو قلت: إني ما سمعت امرأة تلعن، إن حصل فشيء نادر جداً في وقت متطاول ومتباعد نسيته أو شيء من هذا، هذا أمر غريب جداً، مستغرب على النساء، لكن مع ذلك قوله: ((يكثرن اللعن)) يدل على أنهن في وقته -عليه الصلاة والسلام- يتساهلن بذلك أكثر من الرجال، وإن كان كله بالنسبة للرجال والنساء نادر بالنسبة لمن جاء بعدهم. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 15 "قالت: ما رأيت منك خيراً قط" متفق عليه، واللفظ للبخاري". "وعنه" يعني عن ابن عباس "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم ركع ثم ركع، ثم سجد" "قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع" أربع ركوعات، قال: "والأخرى مثلها أربعة" وهذه في مسلم "وفي لفظ له: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك" وجاء في مسلم: ثلاث ركوعات، والرابع: "ثم قرأ" لا يوجد في بعض النسخ، فلعلها هي رواية: الثلاث ركوعات، والتي تليها: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات، وفي سنن أبي داود: الخمس، طيب كم مرة حصل الكسوف في عهده -عليه الصلاة والسلام-؟ أهل السير يتفقون على أنها مرة واحدة، ما حصل إلا مرة واحدة، ويذكرونه في اليوم العاشر من الشهر، وبعضهم يقول: في اليوم الرابع، مع أن المتفق عليه عند أهل الهيئة أنه في الاستسرار في آخر الشهر، كسوف الشمس في آخر الشهر، وخسوف القمر في منتصفه في الإبدار، الكسوف في عصره -عليه الصلاة والسلام- يتفقون، يتفق أهل السير على أنه ما حصل إلا مرة واحدة، فكيف تتعدد صفات صلاة الكسوف منسوبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ما صلى إلا مرة واحدة؟ يعني لو الروايات الأخرى في السنن أو في المسانيد أو في الجوامع أو في المعاجم، يعني يسهل أن يقول الإنسان: هذه شاذة أو منكرة ولو صح سندها، لكن في صحيح مسلم! من أهل العلم ممن له عناية في حماية جناب الصحيحين يقول: نصحح ما في الصحيح ونقول بتعدد القصة، ونوهم أهل السير، وش المانع؟ عندنا مسلم أوثق وأصح مما يجيء في السير، وهذا منهج عند بعض أهل العلم، يقول: ما في ما يمنع من أن يكون الكسوف وقع أربع مرات، وصلى مرة بركوعين، ومرة بثلاثة، ومرة بأربعة، ومرة بخمسة، صيانة وحماية لجناب الصحيح الذي اتفقت الأمة على تلقيه بالقبول. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 16 ومنهم من يقول: لا مانع من أن يقع الوهم من الراوي وإن كان صحابياً، ويصح السند إليه، ويبقى جناب الصحيح هذا على شرطه السند، والعهدة على الصحابي الذي وهم فيه، يعني لنا في حديث ابن عباس في زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- بميمونة، وأنه تزوجها وهو محرم، وهو في الصحيح، وفي الصحيحين أيضاً من حديث ميمونة نفسها، ومن حديث أبي رافع السفير بينهما أنه تزوجها وهو حلال، فلا بد أن يكون أحدهما محفوظ، والثاني شاذ، يعني يكون وهم من الصحابي، الصحابي ليس بمعصوم، ولا ينزله عن مرتبة الثقة والحفظ والضبط والإتقان؛ لأنه لا يتصور من غير المعصوم أن يكون حفظه مائة بالمائة من كل وجه، أنس يقول: سلوا الحسن، فإنه حفظ ونسينا، لا سيما مع تقدم الوقت، فيجري هذا على الصحابة مثل غيرهم، ويبقى شرط الصحيح على الصحيح، فيبقى السند صحيح على شرط مسلم، ويكون الصحابي وهم، إما لطول عهد؛ لأننا نرجح ما في الصحيحين على ما في صحيح مسلم إذا أردنا الترجيح، وإذا قلنا بتعدد القصة كما يقوله بعض العلماء صيانة لجناب الصحيح هذا مسلك وهذا منهج، فإذا أمكن فلا محيد عنه، الإشكال فيما إذا لم يمكن تعارضاً .. ، يعني لو جاءنا بسند صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يحصل الكسوف إلا مرة واحدة احتجنا .. ، لكن ما جاءنا إلا عن أهل السير، وأنهم اتفقوا على أنه لم يحصل. على كل حال أهل العلم يتفاوتون، فمنهم من لديه الجرأة والشجاعة على التوهيم، ولو كان الخبر في كتاب تلقته الأمة بالقبول، إذا وجد ما هو أقوى منه، ولا يحط من قيمته، ولا ينزل من قدره، وشيخ الإسلام -رحمه الله- من هذا النوع، حكم على رواية الصحيحين بأنها محفوظة ومع عداها كله شاذ، ويجزم بأن الكسوف ما حصل إلا مرة واحدة، وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، يعني: لو قال: إن الكسوف ما حصل إلا مرة واحدة قلنا: هذا مثل أهل السير، لكن لما قال: إبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، أحد ينازع في أن إبراهيم ما مات إلا مرة واحدة؟ فإذا كانت الروايات الأخرى والصور الأخرى مقرونة بموت إبراهيم فلا محيد من أن يرجح ما في الصحيحين، ويحكم على ما عداها بأنها شاذة. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ الجزء: 50 ¦ الصفحة: 17 طالب:. . . . . . . . . قراءة الفاتحة في الأربعة القيامات. طالب:. . . . . . . . . بعد الركوع تقرأ الفاتحة، نعم. "وعن علي مثل ذلك، وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف: أربع ركعات في أربع سجدات" وهي المخرجة في الصحيح عنده. "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن الشمس خسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث منادياً: الصلاة جامعةً" أو "الصلاةُ جامعةٌ" إما أن يقال: مبتدأ وخبر، فيرفع الجزآن، أو يقال: الصلاة منصوب على الإغراء وجامعة حال، احضروا الصلاة حال كونها جامعة "الصلاة جامعة، فاجتمعوا" لما سمعوا الصوت يجتمعون، هرعوا إلى الداعي "وتقدم -عليه الصلاة والسلام- فكبر وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" متفق عليه، واللفظ لمسلم". سم. ودنا نكمل جزاك الله خير. طالب:. . . . . . . . . أنها واحدة نعم، لكن قول ضعيف. نعم. سم. بسم الله، والحمد لله. وقال -رحمه الله-: باب: صلاة الاستسقاء عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس يسأله عن الصلاة في الاستسقاء، فقال ابن عباس: "ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبكم هذه" رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه، وأبو عوانة في صحيحه، وابن حبان والحاكم. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 18 وعن عائشة قالت: "شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، وكبر -صلى الله عليه وسلم-، وحمد الله -عز وجل-، ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله -عز وجل- أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، واجعل ما أنزلته لنا قوة وبلاغاً إلى حين)) ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأتِ مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، فقال: ((أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله)) رواه أبو داود، وقال: هذا حديث غريب، إسناده جيد. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه" متفق عليه، واللفظ للبخاري. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 19 وعنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً وقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحابة ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من وراءه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله -عز وجل- أن يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)) قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنساً أهو الرجل الأول؟! قال: لا أدري. متفق عليه. وعن عبد الله بن زيد المازني قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة، وصلى ركعتين" وفي لفظ له: وقلب رداءه، وفي لفظ: وجعل إلى الناس ظهره يدعو الله" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي البخاري: "ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة" وله: "فقام فدعا الله قائماً ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه فاسقوا" ولأحمد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه، فقلبها عليه الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن" ولأبي داود والنسائي نحوه. وعن أنس أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون، رواه البخاري. وقال الدارقطني: لم يروه غير الأنصاري عن أبيه، وأبوه عبد الله بن المثنى ليس بالقوي. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 20 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: ((صيباً نافعاً)) رواه البخاري. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟! قال: ((لأنه حديث عهد بربه -عز وجل-)) رواه مسلم. وعن عائشة بنت سعد أن أباها حدثها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل وادياً دهشاً لا ماء فيه، وسبقه المشركون إلى القلات، فنزلوا عليها، وأصاب العطش المسلمين، فشكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونجْم النفاق ... ونَجَم. ونجم النفاق، فقال بعض المنافقين: لو كان نبياً كما يزعم لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أو قالوها ... )) أو قالوها؟ ((أو قالوها؟! عسى ربكم أن يسقيكم)) ثم بسط يديه وقال: ((اللهم جللنا سحاباً كثيفاً قصيفاً دلوقاً مخلوفاً ضحوكاً زبرجاً تمطرنا منه رذاذاً قطقطاً ... قِطْقِطاً. ((قطقطاً سجلاً بغاقاً يا ذا الجلال والإكرام)) فما رد يديه من دعائه حتى أظلتنا السحاب التي وصف، تتلون في كل صفة وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صفة السحاب، ثم أمطرنا كالضروب التي سألها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأفعم السيل الوادي، وشرب الناس فارتووا. رواه أبو عوانة الإسفرايني في صحيحه. يقول -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة الاستسقاء الجزء: 50 ¦ الصفحة: 21 الاستسقاء السين والتاء للطلب، يعني طلب السقيا، كما أن الاستصحاء طلب الصحو وكشف المطر عند زيادته التي يخشى منها الضرر، فالاستسقاء طلب السقيا إذا أجدبت الأرض، وقل المطر، وضعفت الأموال والمواشي، تطلب السقيا من الله -جل وعلا-، خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه بعد أن ضرب لهم موعداً يخرجون فيه، وصلى بهم واستسقى، واستسقى على المنبر يوم الجمعة، واستسقى على المنبر في غير جمعة ومن غير صلاة، ودعا استسقى وهو جالس في المسجد بين أصحابه، واستسقى عند أحجار الزيت، ويقول ابن القيم: إنه استسقى على ست صور: منها ما ذكرنا، والسادسة: لما سبقه المشركون إلى الماء دعا الله -جل وعلا- فنزل المطر، فأنواع استسقائه -عليه الصلاة والسلام- على ستة أنحاء، الذي يُذكر في هذا الباب هو المقرون بالصلاة، أو في خطبة الجمعة؛ لأنه مُدخل في كتب الصلاة. باب: صلاة الاستسقاء الاستسقاء كما ذكرنا هو طلب السقيا، فإذا تأخر نزول المطر، وتضرر الناس بذلك خرجوا يطلبون من الله -جل وعلا-، ويتوسلون إليه بما يقربهم إليه، ويتضرعون إليه أن يغيثهم ويسقيهم، ولا شك أن امتناع القطر عقوبة من الله -جل وعلا-، سببها كثرة الذنوب والمعاصي، ومنع زكوات الأموال، كما جاء في خبر عند ابن ماجه بإسناد لا بأس به: ((وما منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء)) ونرى الأموال الطائلة عند التجار يعني بإمكان بعضهم من زكاته أن يرفع حاجة أسر كثيرة جداً، ونرى حاجة المسلمين تزداد والأموال في بلدانهم تزداد، ومع ذلك لا تجود النفس بإخراج ما فرض الله -جل وعلا- على بعض التجار، وإن كان يوجد من التجار من فيه الخير، فيخرج الواجب، ويضرب في كل باب من أبواب الخير بسهم من أمواله، ونجد أمواله تزيد ما تنقص، إذا منعت الزكاة منع القطر، إذا كثرت الذنوب والمعاصي كثرت المصائب {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى]. قال -رحمه الله تعالى-: الجزء: 50 ¦ الصفحة: 22 "عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أرسلني أمير من الأمراء" جاء في بعض الروايات: أنه الوليد بن عتبة، وما سمي في رواية الباب؛ لأن تسميته لا تضر، يعني وجوده مثل عدمه، المقصود الخبر المترتب على هذا السؤال "أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس يسأله عن الصلاة في الاستسقاء؟ فقال ابن عباس: ما منعه أن يسألني؟ " لأن ابن عباس خشي أن يكون منعه الكبر، وهو متصور، لكنه أجابه؛ لأن من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار، يعني حتى لو كان المانع الكبر لا بد أن تجيب إذا سئلت عن علم. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 23 "فقال ابن عباس: ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعاً" لأننا نحتاج إلى التذلل والانكسار والخضوع بين يدي الله -جل وعلا-، ليس مثل العيد يخرجون بكامل الزينة، ويتطلب لها أحسن لباس "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعاً متبذلاً" يعني لابساً لباس البذلة لا لباس الزينة "متخشعاً" في بصره وفي جوارحه وفي صوته "مترسلاً" متأنياً غير مستعجل في مشيه "متضرعاً" ملحاً على الله -جل وعلا- بدعائه أن ينزل الغيث "فصلى ركعتين كما يصلي في العيد" يعني صفة صلاة الكسوف هي صفة صلاة العيد، يكبر في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً، ويقرأ كما يقرأ في العيد؛ لأن ابن عباس صلى ركعتين كما يصلي في العيد "لم يخطب خطبتكم هذه" التي تطيلون فيها، وتضمنونها ما تضمنونها من الكلام المنمق المرتب المسجوع، المسلمون بحاجة إلى قلب سليم يخطب في الناس، ويدعو الله -جل وعلا- لتجاب دعوته، وليسوا بحاجة في مثل هذا المقام إلى مقامات ومقطوعات أدبية كما يفعله بعضهم، الناس بحاجة إلى قلب صالح سليم، كانوا يتوسلون بدعاء النبي -عليه الصلاة والسلام- فيسقون، وتوسل عمر بدعاء العباس فيسقون، وتوسل معاوية بدعاء يزيد بن الأسود الجرشي فيسقون، نحن بحاجة إلى أمثال هذه القلوب، لسنا بحاجة إلى جمال الظاهر مع أن الباطن الله أعلم به، ولا يقال هذا في شخص بعينه، لكن النتائج تدل على المقدمات، كم نستسقي من مرة؟ وكم نسقى من مرة؟! نستسقي مراراً، المرتين والثلاث والأربع والخمس ولا ينزل قطرة، نحتاج إلى معالجة القلوب، نحتاج إلى إعادة النظر في المعاملة مع علام الغيوب، نحتاج إلى النظر في معاملتنا مع أنفسنا، ومع أهلينا، ومع جيراننا، ومع معارفنا وأرحامنا وأصهارنا، نحتاج إلى أن نعيد النظر في سائر أعمالنا، نستسقي ثم نستسقي ولا يلزم من هذا أننا نقنط، لا، أو نترك، لا، نبذل الأسباب، لكن نسعى في نفي الموانع؛ لأننا نبذل الأسباب، وولي الأمر يضرب موعد لصلاة الاستسقاء، ويخرج المسلمون يستسقون، وفيهم الصالحون، وفيهم المخلطون، لكن النتائج كما رأيتم، والسبب في هذا وجود الموانع، الحرام يؤكل ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) والناس يأكلون المحرم، الجزء: 50 ¦ الصفحة: 24 ويرفعون أيدهم "وذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب" كل هذه من أسباب القبول، كونه أشعث، وكونه أغبر، وكونه مسافر، وكونه يمد يديه من أسباب الإجابة، لكن المانع ((ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له! )) استبعاد، وهذا واقع كثير من المسلمين، وليس هذا سر، هذا الآن أمور معلنة، ولا تنقيب عما في القلوب الناس بدؤوا يظهرون معاصيهم، يعني استفاضت المعاصي، وظهرت للعيان، وكثر الخبث في المسلمين "أنهلك وفيها الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)) وإلا العلماء موجودون، العباد موجودون، في زهاد، وفي علماء، وفيه دعاة، وفيه أخيار من الرجال والنساء، لكن الخبث كثير، الموانع موجودة، ولا يعني هذا أننا نيأس، فنحن بحاجة إلى الخروج بهذه القلوب، بالتواضع، بالتبذل، بالتخشع، بالترسل، بالتضرع. وقد يوجد بعض المنكرات أثناء الخروج لهذه الصلاة، يوجد، تجد امرأة خرجت للصلاة بدون محرم، تجد شخص يؤذي الناس وهو في طريقه إلى المسجد في سيارته، في حاشيته، المقصود أنك تجد مثل هذه، وهم يخرجون لهذه الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خرج متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً، نقول: هذه من أسباب القبول، وكان الناس إلى وقت قريب قبل انفتاح الدنيا يعني ما يعوقهم من المطر إلا الخروج للاستسقاء، فتجدهم يبذلون الأسباب قبل الخروج للاستسقاء؛ لأن البيوت ما كانت مشيدة من الأسمنت والحديد، كانت من الطين، فتجدهم ييسرون نزول الماء من السطوح؛ لئلا تكف على أصحابها، ويصنعون بعض الاحتياطات لنزول المطر لثقتهم بما عند الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنه يوجد من بعض من ينتسب إلى طلب العلم يقول: إذا خرجنا لصلاة الاستسقاء كأننا نستهزئ، نصر على المعاصي والمنكرات ثم نخرج للاستسقاء! يا أخي أبذل السبب، ومع ذلك تسعى في انتفاء المانع، أما أن المانع موجود والسبب غير موجود ظلمات بعضها فوق بعض. "فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه" النفي للخطبة ليس على إطلاقه، إنما نفي الخطبة المشابهة لخطبهم التي وجدت في آخر وقت ابن عباس من بعض الأمراء. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 25 "رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه، وأبو عوانة في صحيحه وابن حبان والحاكم" والحديث مقبول لا بأس به. "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه" وعد الناس يوماً يخرجون فيه ليتأهبوا للخروج، يعني ما أخذهم على غرة قال: هيا مشينا إلى الاستسقاء، إنما ليستعدوا بالتوبة النصوح، وبالخروج من المظالم "وعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بدا حاجب الشمس" يعني وقتها إذا ارتفعت الشمس، وخرج وقت النهي "فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله -عز وجل- ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم)) " يعني وقت نزوله، ((وقد أمركم الله -عز وجل- أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد)) كل الأمور بيده، أزمة الأمور بيده -جل وعلا- ((يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت)) توسل بكلمة التوحيد، ((أنت الغني)) اعتراف وتمجيد لله -جل وعلا- ((ونحن الفقراء)) اعتراف على النفس بالذل والحاجة والفاقة ((أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، واجعل ما أنزلته لنا قوة وبلاغاً إلى حين)) ثم رفع يديه فلا يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه" بالغ -عليه الصلاة والسلام- بالرفع حتى صار ظهور كفيه إلى السماء، كما جاء في بعض الروايات: "ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه" جعل ما على الكتف الأيمن على الأيسر والعكس "وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين" وفي الحديث ما يدل على أن الدعاء والخطبة قبل الصلاة، لكن أكثر الروايات على أن الصلاة قبل كالعيد، وعليها عامة أهل العلم، يرون أن الصلاة قبل الخطبة. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 26 "فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله" النبي -عليه الصلاة والسلام- ما استسقى إلا سقي وأجيب "ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأتِ مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن" يتقون المطر، انطلقوا إلى ما يكنهم ويقيهم المطر "فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه" أنيابه بدت -عليه الصلاة والسلام- من حالهم "فقال: ((أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله)) رواه أبو داود، وقال: هذا حديث غريب" وفي بعض ألفاظه غرابة لا سيما ما يتعلق بتأخير الصلاة "إسناده جيد" يعني كون الإسناد جيد لا يعني أن في بعض ألفاظه ما ينكر، والعلماء إذا قالوا: حديث جيد، أو إسناد جيد بعضهم يقول: إنه يعني صحيح، وأطلق الترمذي الجودة بإزاء الصحة، فقال: هذا حديث حسن جيد، في مقابل ما يقوله: هذا حديث حسن صحيح، مع أن ابن حجر -رحمه الله- يقول: الحكم بالجودة يدل على قوة الحديث، لكن الجهبذ النقّاد الخبير لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، وأنه قد لا يبلغ درجة الصحة. "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه" متفق عليه، واللفظ للبخاري" يعني في صلاة الاستسقاء، وفي الاستسقاء في خطبة الجمعة رفع النبي -عليه الصلاة والسلام- يديه، ورفع المصلون أيديهم في خطبة الاستسقاء، وفي خطبة الجمعة إذا استسقى فقط لا في جميع الدعاء. "متفق عليه، واللفظ للبخاري". الجزء: 50 ¦ الصفحة: 27 "وعنه عن أنس -رضي الله عنه-" راوي الحديث السابق "أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء" دار القضاء هي دار لعمر بن الخطاب، القضاء في الصدر الأول هو في المسجد، يتولاه الإمام الأعظم في المسجد، ودار القضاء هذه دار لعمر بيعت بعد وفاته لقضاء دينه "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً وقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السُبل" هلكت الأموال من الجدب وعدم الخصب، وانقطعت السبل ما في سبل ولا طرق ووسائل الانتقال من المواشي التي ينتقل إليها وتقطع بها السبل، والطرق قد هلكت "فادعُ الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه وهو يخطب في الجمعة، فقال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) " وكان إذا دعا -عليه الصلاة والسلام- دعا ثلاثاً "قال أنس: "ولا والله ما نرى في السماء من سحابة ولا قزعة" يعني ما في سحابة مجتمعة، ولا قزعة سحاب متفرق "وما بيننا وبين سلع" جبل معروف بالمدينة "من بيت ولا دار، قال: فطلعت من رواءه سحابة مثل الترس" سحابة ليست بالكبيرة "فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً" أسبوعاً من الجمعة إلى الجمعة، إلى أن جاء يطلب رفع المطر خشية ضرره "فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة" لا يدرون هل هو الرجل الذي جاء في الأسبوع الماضي أو غيره كما قال أنس؟ الجزء: 50 ¦ الصفحة: 28 "ثم دخل رجل من ذلك الباب" الذي هو نحو دار القضاء "في الجمعة المقبلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل" هلكت في الأول وهلكت في الثاني، انقطعت في الأول وانقطعت في الثاني، لكن السبب الأول غير السبب الثاني، السبب الأول الجدب والقحط، والثاني زيادة المطر، والمطر والغيث كما هو غيث إلا أنه ليس بخير محض، هو خير على كل حال {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [(30) سورة الأنبياء] لكن مع ذلك إذا زاد صار فيضان وغرق، وقوم نوح أهلكوا بالطوفان، فلما كثر هلكت الأموال غرقاً، وانقطعت السبل، أنتم تعرفون إذا كثرت السيول توقفت السيارات فكيف بالمواشي؟ "هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله -عز وجل- يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه فقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا)) " يعني حوالينا لا تبعد عنا لأننا نريد الخير والفضل، نريد كثرة المخزون من الماء في جوف الأرض، ونريد ما ينتج وينبت بسبب هذا الغيث من عشب وربيع. ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام)) على الهضاب ((والظراب)) يعني على الجبال ((وبطون الأودية)) التي تخلو من السكان ((ومنابت الشجر)) يعني الأراضي التي تنبت الشجر لا القيعان التي لا تنبت ولا ويستفاد منها. "قال: فأقلعت" وقفت فوراً "قال: وخرجنا نمشي في الشمس" وبقدر الإرث من النبي -عليه الصلاة والسلام- في العلم والعمل يحصل لنا مثل ما حصل لهم، بقدره، وبقدر البعد عن منهجه -عليه الصلاة والسلام- علماً وعملاً وإخلاصاً وإتباعاً يحصل لنا ما يحصل من الحرمان "قال شريك: فسألت أنساً أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري" متفق عليه". "وعن عبد الله بن زيد المازني قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى فاستسقى" خرج ما يدل على أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد تكون خارج البلد، ولا تكون في المساجد إلا لحاجة من برد شديد أو مطر، بخلاف المسجد الحرام فإنه لا يخرج عنه، وما عداه حتى المسجد النبوي تكون صلاة العيد وتكون صلاة الاستسقاء خارج المدينة، فضلاً عن غيرها من البلدان. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 29 "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين يستقبل القبلة، وصلى ركعتين، وفي لفظ: وقلب رداءه، وفي لفظ: وجعل إلى الناس ظهره يدع الله" متفق عليه، واللفظ لمسلم" استسقى وصلى ركعتين الواو كما هو معلوم لا تقتضي الترتيب. "وفي البخاري: "ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة" وهذا لفظ مشكل على قول عامة أهل العلم، وأن الصلاة قبل الدعاء والاستسقاء، منهم من يقول: إنه دعا قبل الصلاة ودعا بعدها، فالذي قال: إنه صلى قبل ما نقل الدعاء الأول، والذي قال: صلى بعد ما نقل الدعاء الثاني "ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة" وله أي البخاري: "فقام فدعا الله قائماً، ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه فاسقوا". "ولأحمد: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسقى وعليه خميصة سوداء" يعني من صوف، خميصة سوداء "فأراد أن يأخذ بأسفلها" يقلبها فيجعل أسلفها أعلاها وأعلاها أسفلها "فثقلت عليه" لأنها من صوف "فقلبها عليه، الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن" يعني بدلاً من أن تقلب من أسفل إلى أعلى قلبت من جهة إلى جهة، فتحويل الرداء سنة للإمام بالاتفاق، وأما بالنسبة للمأموم فهو قول جماهير أهل العلم، والذي يعني الإمام من ذلك وهو التفاؤل بتغير الحال يعني المأموم أيضاً، فتخصيص الإمام به لا وجه له كما قال بعضهم. "ولأبي داود والنسائي نحوه". الجزء: 50 ¦ الصفحة: 30 "وعن أنس أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-" كانوا يسقون "فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا" يعني بدعائه -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم يستسقون ويتوسلون فيسقون، النبي -عليه الصلاة والسلام- مات، والميت لا يتوسل به؛ لأنه لا يتصور دعاءه وهو في قبره -عليه الصلاة والسلام-، ولو أمكن ذلك ما عدلوا عنه وهو بين أظهرهم قريب منهم إلى العباس، فدل على أن الدعاء إنما يطلب من الحي لا من الميت، والتوسل بدعاء الحي لا بالميت "إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون" يعني العباس -رضي الله عنه- قال كلاماً فيه شيء من التواضع والانكسار: "اللهم إنهم توجهوا بي إليك لقربي من نبيك -عليه الصلاة والسلام- فسقوا" فنحن بحاجة إلى مثل هذا الانكسار من مثل هذا الرجل العظيم، عندنا مع الأسف أنه يوجد من بعض الخطباء شيء بل قد لا يفرقون بين الأحوال، فتجده في خطبة الاستسقاء لا يختلف وضعه عن خطبة العيد، الظروف تختلف، معاوية عنده علماء الصحابة وعلماء التابعين، عنده الأسود بن يزيد، وعنده سعيد بن المسيب، وعنده كثير من الصحابة، ما قال: يا سعيد بن المسيب يا أفقه التابعين تعال استسقِ بنا، ولا قال للأسود بن يزيد النخعي: تعال استسقِ بنا لأنك أفقه أصحاب بن مسعود، قال: يا يزيد بن الأسود، ليس معدود من فقهاء التابعين، إنما معدود مع عبادهم وزهادهم؛ لأننا في هذا الموضع نحتاج لمثل هذا، الأمة كما هي محتاجة إلى سعيد في علمه، ومحتاجة إلى الأسود بن يزيد في علمه، هي أيضاً محتاج إلى مثل يزيد بن الأسود، ومثل أويس القرني وغيرهم من العباد، ممن يتحرى منهم إجابة الدعوة، والله المستعان. "إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون" رواه البخاري، وقال الدارقطني: لم يروه غير الأنصاري عن أبيه، وأبوه عبد الله بن مثنى ليس بالقوي" لكن الخبر في البخاري فلا كلام للدارقطني ولا لغيره. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 31 "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: ((صيباً نافعاً)) " صيباً الصيب هو الذي ينزل، وجاء في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام-: "إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه" يشخصه يرفعه، ويصوبه ينزله، فالصيب هو الذي ينزل في الأرض، يعني المطر معروف أنه ينزل "رواه البخاري" فيشرع هذا الدعاء إذا رئي المطر. "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ثوبه حتى أصابه من المطر" أصاب جسده من المطر، ويحسر رأسه وقدميه وذراعيه، لكي يصيبها هذا المطر المبارك، هذا الماء المبارك، "أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: ((لأنه حديث عهد بربه -عز وجل-)) " الآن ينزل من جهة العلو، حديث عهد بأمر الله -جل وعلا- " ((حديث عهد بربه -عز وجل-)) رواه مسلم". "وعن عائشة بنت سعد أن أباها حدثها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل وادياً دهشاً" الذهبي وغيره حكموا على هذا الخبر بأنه موضوع، وفيه ألفاظ غريبة ينبو عنها السمع السليم، فلا يتصور أنها ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 32 "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل وادياً دهشاً، لا ماء فيه، وسبقه المشركون إلى القلات" القلات نُقَر في الجبال كأنها أوعية، يجتمع فيها الماء "فنزلوا عليها" وعرفنا أن الحديث موضوع، فلا يتكلف اعتباره، ولا الاستنباط منه، لكن لا مانع من أن ننظر إلى بعض الألفاظ الغريبة فيه "فنزلوا عليها، وأصاب العطش المسلمين" لأن المشركين استولوا على أماكن تجمع المياه "فشكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونجم النفاق" في هذه الأزمات ينجم النفاق، في الأزمات ينجم النفاق، وإذا حصل على المسلمين شدة أو ضر أو نزل بهم شيء برز المنافقون "فقال بعض المنافقين: لو كان نبياً كما يزعم لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((أو قالوها؟ عسى ربكم أن يسقيكم)) ثم بسط يديه وقال: ((اللهم جللنا)) " يعني: ظللنا، وعمم ما حولنا من أرض ((سحاباً كثيفاً)) يعني متكاثفاً متراكماً بعضه فوق بعض ((قصيفاً)) فيه قصف الرعد يسمع بقوة ((دلوقاً)) يعني ينصب بقوة كأفواه القرب كما حصل في بعض الأحيان ((مخلوفاً)) يعني: يخلف بعضه بعضاً لا ينقطع ((ضحوكاً)) مصحوباً بالبرق ((زبرجاً)) فيه سحاب ملون، مما يدل على أن هذا اللفظ يعني ينبو عنه السمع، كون السحاب ملون فيه حمرة وفيه ألوان هل هذا من المقاصد؟ على كل حال الخبر لا يتكلف اعتباره، ولا الإجابة عنه؛ لأنه من أصله باطل، موضوع. ((تمطرنا منه رذاذاً قطقطاً)) رذاذاً مع قوله: ((دلوقاً)) تنافر ((قطقطاً سجلاً بُعاقاً)) يقولون: متواصلاً لا انقطاع له " ((يا ذا الجلال والإكرام)) فما رد يديه من دعائه حتى أظلتنا السحاب التي وصف" بهذه الصفات التي ذكرت "تتلون في كل صفة وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صفات السحاب، ثم أمطرنا كالضروب التي سألها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأفعم السيل الوادي، وشرب الناس وارتووا" رواه أبو عوانة الإسفرايني في صحيحه" وعرفنا أن الحافظ الذهبي حكم عليه بالوضع. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 33 فيما يتعلق بصلاة الكسوف، واختلاف الروايات في عدد الركوعات، بعضهم يبدي جواباً عن الروايات الواردة في الصحيح من عدد الركوعات التي تخالف ما في الصحيحين، فيقول: إن الركوعات التي ذكرت من الثالث والرابع والخامس ليست هي ركوعات في الحقيقة، وإنما النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع رأسه لينظر هل انجلى الكسوف أو لا؟ ثم يعود، هذا لا شك أنه محاولة فيها شيء من النباهة، لكنها لا تكفي؛ لأن الركوع يعني يختلف عن مجرد رفع الرأس وإنزاله، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: .... إذا كانت الركعة الأولى لا تدرك بالركوع الثاني ... إيه. طالب: هل الركعة الثانية تدرك بالركوع الثاني؟ كذلك مثلها، الركوع الثاني لا يدرك به شيء لا في الركعة الأولى ولا في الركعة الثانية. طالب: هل يتوسل بآل البيت .... بالصالح منهم، إذا كان فيهم من فيه صلاح، ظهر صلاحه، العبرة بالتقوى، ومع ذلك أهل البيت لهم حقهم ولهم شأنهم، وقربهم من النبي -عليه الصلاة والسلام- له منزلة في الشرع، وهم وصيته -عليه الصلاة والسلام- فلهم حق على الأمة حق عظيم. طالب:. . . . . . . . . نعم، يقلب الشماغ، الذي ما عليه إلا شماغ إيش يسوي؟ يفسخ ثوبه! طالب:. . . . . . . . . لا، لا ما عنده إلا شماغ في حكم الرداء، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هو يرفع يديه عادي هكذا حذاء وجهه، ثم بعد ذلك مع الإلحاح والتضرع يرفعها حتى يبالغ، ويرى بياض إبطيه، ويترتب على ذلك أن يكون ظهورها إلى السماء، ومن أهل العلم من يقول: إن ظهورها إلى السماء هكذا. اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 34 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الزكاة (1) الشيخ: عبد الكريم الخضير بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: كتاب الزكاة: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)) متفق عليه، واللفظ للبخاري. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر: بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 51 ¦ الصفحة: 1 هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط، في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان، طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له. إن استيسرتا. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 2 إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده، وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه، وليس معه شيء" رواه البخاري. وعن مسروق عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن فأمرني أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً، أو عدله معافرياً" رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وعن إسحاق ... عن ابن. وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا جلب ولا جنْب ولا تؤخذ)) ... ولا جنَبَ. ((ولا جنَبَ، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) رواه أبو داود. وللإمام أحمد عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم)). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) متفق عليه، ولمسلم: ((ليس على العبد صدقة إلا صدقة الفطر)) ... في، في. ((ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)) ولأبي داود: ((ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق)). الجزء: 51 ¦ الصفحة: 3 وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في كل سائمة إبل في كل أربعين بنت لبون لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء)) رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي، وعند أحمد والنسائي: ((وشطر إبله)) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال أحمد: هو عندي صالح الإسناد، وقال الشافعي: لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلت به، وذكر ابن حبان: أن بهزاً كان يخطئ كثيراً، ولولا رواية هذا الحديث لأدخلته في الثقات، قال: وهو ممن أستخير الله فيه، وفي قوله نظر، بل هذا الحديث صحيح، وبهز ثقة عند أحمد، وإسحاق وابن المديني وأبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، والله أعلم. وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم -وسمى آخر- عن ابن إسحاق ... عن أبي، عن أبي. عفا الله عنك. عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك)) قال: فلا أدري أعلي يقول: فما زاد فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وليس في مال زكاة حق حتى يحول عليها الحول، إلا أن جريراً قال: ابن وهب ... قال ابن وهب. إلا أن جريراً قال: ابن وهب يزيد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ((ليس في مال زكاة حتى يحول عليها الحول)) قال أبو داود: رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي -رضي الله عنه- ولم يرفعوه. وعاصم بن ضمرة وثقه أحمد وابن معين وابن المديني والعجلي وغيرهم، وتكلم فيه السعدي وابن حبان وابن عدي والبيهقي وغيرهم، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال الثوري: كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الأعور. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 4 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب: الزكاة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن. الكتاب مر التعريف به مراراً في كتاب الطهارة، وفي كتاب الصلاة، وكتاب الجنائز فهو أقرب مذكور. والزكاة أصلها في اللغة تطلق على النماء والزيادة، تطلق على النماء والتطهير والزيادة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة] فهي تطهر النفس من الشح والبخل والجشع، وتطهر البدن فجاء ما يدل على أنها دواء، ((داووا مرضاكم بالصدقة)) وهي أيضاً تزكي المال، وتزيده وتنميه ولا تنقصه ((ما نقص مال من صدقة)) والمال الذي بيد من يسره الله له ليس له، إنما مال الله استأمنه عليه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] فلا منة للغني حينما يبذل هذا القدر المفروض عليه، من فوق سبع سماوات، هذا القدر عليه في فرض من أشد الفرائض، في ركن من أركان الإسلام، ليس له منة على فقير، كما أن الفقير ليس له أن يلوم الغني، إذا أعطى غيره ولم يعطه، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) يدخل الرجلان في ظروف متقاربة جداً على غني من الأغنياء، فيعطي واحد، ولا يعطي الثاني، الله هو المعطي، الله -جل وعلا- سخره أن يعطي فلاناً ولا يعطيك، لكن على الغني أن يبذل ما افترض الله عليه. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 5 والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وقرنت مع الصلاة في مواضع كثيرة جداً من نصوص الكتاب والسنة، وإذا كان الإجماع قائم على أنه لا يدخل في الإسلام من لا ينطق بالشهادتين والمرجح من حيث قوة الأدلة أن تارك الصلاة كافر، فإن الزكاة يختلف في حكم تاركها أهل العلم، فالجمهور على أنه لا يكفر إذا ترك الزكاة إذا كان مقراً بوجوبها، لا يكفر، وجمع من أهل العلم يرون أنه يكفر كتارك الصلاة، وكذلك بقية الأركان، وهو قول في مذهب مالك، ورواية عن الإمام أحمد، وأبو بكر -رضي الله عنه- قاتل مانعي الزكاة، لما امتنعوا من دفع الزكاة، قاتلهم وراجعه بعض الصحابة ومنهم عمر، كيف تقاتل من يشهد أن لا إله إلا الله؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) فأجاب أبو بكر -رضي الله عنه- أن الحديث فيه استثناء ((إلا بحقها))، ((فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحقها)) والزكاة من حقها، ثم قال: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" فوافقه الصحابة على ذلك، وقاتلهم -رضي الله عنه-، وهكذا إذا امتنع أهل بلد من أي شعيرة من إقامة أي شعيرة عامة من الشعائر فإنهم يقاتلون ولو لم تكن من الأركان، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا غزا قوماً انتظر، فإن سمع أذاناًَ كف، وإن لم يسع الأذان قاتلهم، ولذا لو امتنع أهل بلد من الأذان وهو ليس بمثابة ... ، بل الخلاف في وجوبه معروف، فإنه يقاتلهم ... فكيف بركن من أركان الإسلام؟! "والله لو منعوني عقالاً، أو قال: عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه" شرح الله صدر أبي بكر -رضي الله عنه- لقتالهم، ووافقه الصحابة فدل على عظم شأن الزكاة. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 6 من امتنع من دفع الزكاة أخذت منه قهراً، أخذت منه، أخذها الإمام منه قهراً، ويسقط بها الطلب، بمعنى أنه لا يطالب بها ثانية، أما كونها مجزئة عند الله -جل وعلا- هذا الأمر إلى الله -جل وعلا-، كونها مجزئة في الدنيا نعم مجزئة تسقط عنه الطلب، فتؤخذ منه قهراً بحيث لا تؤخذ منه مرة ثانية، لا يقال: إنه ما نوى الدفع، بل زكاته باطلة هذا إليه، لو قال: إنه أخذت منه من غير نية والأعمال بالنيات، وأراد أن يعيدها ويخرج غيرها فالأمر إليه. قال -رحمه الله-: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-" الزكاة كثيراً ما تطلق على المفروضة، والصدقة على الندب والنفل، والزكاة على المفروضة، وسيأتي في حديث أنس إطلاق الصدقة على الزكاة المفروضة؛ لأنها دليل على صدق مؤديها، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((والصدقة برهان)) يعني دليل قاطع على صدق إيمان مخرجها. قال: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن" بالنسبة لفرضية الأركان معلوم أن الشهادتين مع بداية الدعوة، وإنما الدعوة إليهما، والصلاة فرضت قبل الهجرة ليلة الإسراء، والزكاة والصيام فرضا بعد الهجرة في السنة الثانية، والحج في السنة التاسعة، وهنا بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذاًَ إلى اليمن، وكان هذا في السنة العاشرة، وقيل في آخر التاسعة، وبقي معاذ قاضياً ومعلماً في اليمن إلى أن مات النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقدم في خلافة أبي بكر. "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله)) " قبل ذلك قال: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) وهذا للتنبيه، تنبيهاً لمعاذ من أجل أن يستعد لهم؛ لأن أهل الكتاب ليسوا كغيرهم من طوائف الكفر، هؤلاء عندهم علم، وعندهم بقية، عندهم أثارة من علم، وإن كان جل ما عندهم محرف، لكن عندهم شيء، يحاجون به، ولذا نبهه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ذلك من أجل أن يستعد لهم. هذا يقول سؤال امرأة موجودة الآن تريد جواب الآن: أعطاها رجل مال لتتصدق به في الحرم، فتصدقت ببعضه، فهل يجوز لها أخذ شيء من الصدقة؛ لأنها بأمس الحاجة إليها، أم تتصدق بغيرها؟ الجزء: 51 ¦ الصفحة: 7 على حسب لفظ المتصدق، إن قال: تصدقي به عني أو ادفعيه عني، لا بد أن تدفعه كاملاً، والمفترض أنها بينت حاجتها له؛ ليقول لها: خذيه أو خذي بعضه، أما والحال أنه أعطاها شيئاً تتصدق به في الحرم، فعليها أن تتصدق بكامله. ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) هذا الأصل الذي يبنى عليه جميع فروع الدين، وبدون شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله لا يصح شيء، وعلى هذا على الداعية والمعلم والموجه أن يبدأ أول ما يبدأ بالأصل، فإذا تقرر الأصل دعا إلى ما يليه الأهم فالأهم. ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) هذا هو الركن الأول من أركان الإسلام. ((فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) الركن الثاني، لكن لا يؤمرون بالصلاة إلا إذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وليس معنى هذا أنهم غير مخاطبين بالصلاة والزكاة وغيرهما من شرائع الإسلام، إذا لم يدخلوا في الإسلام، الكافر مخاطب بفروع الشريعة كأصلها عند جمهور أهل العلم، لكن هذه الفروع لا يصح شيء منها إلا إذا تحقق الأصل، فلا يقال لكافر: صل، ولا ادفع الزكاة، ولا صم، إلا إذا شهد أن لا إله إلا الله؛ لأنها لا تصح منه ولو أداها ما لم يشهد أن لا إله إلا الله، ويحكم بإسلامه. ((فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) وهذا من أدلة من يقول بعدم وجوب أي صلاة غير الخمس، وجاء في حديث الأعرابي: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) والذي يوجب العيد، أو يوجب الوتر، أو يوجب صلاة الكسوف عليه أن يأتي بأدلة خاصة، وقد أوردوا أدلة، كل أورد ما يدل لقوله، المقصود أن الجمهور على هذا، الحنفية يوجبون صلاة العيد، ويوجبون الوتر، وأبو عوانة وجمع من أهل العلم يوجبون صلاة الكسوف ((فإذا رأيتموهما فصلوا)) تبعاً لهذا الأمر. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 8 ((فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم)) في الجملة الأولى ((أطاعوك لذلك)) وفي الجملة الثانية ((أطاعوا لذلك)) هل بينهما فرق؟ بينهما فرق أو هذا من تصرف الرواة؟ الذي يظهر أنه من تصرف الرواة، والمعنى واحد. ((فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة)) افترض صدقة يعني زكاة واجبة، ((افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم)) يعني ممن يملك النصاب بأي نوع من الأنواع التي تجب فيها الزكاة كالماشية والخارج من الأرض، والنقدين، وعروض التجارة، وغيرها على ما سيأتي تفصيله. ((تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم)) ((تؤخذ من أغنيائهم)) يعني من أغنياء هؤلاء القوم الذين بعثت إليهم وهم أهل اليمن ((وترد في فقرائهم)) يعني في فقراء البلد نفسه، وهذا دليل من يقول بعدم جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد ((تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم)) والمعنى ظاهر أن فقراء البلد أقرب الناس إلى هؤلاء الأغنياء وأولى ببرهم، وهم أيضاً ينظرون إلى هذه الأموال، ونفوسهم معلقة بهذه الأموال، فلهم نصيب فيها، والذي يقول: لا مانع من نقل الزكاة من بلد إلى بلد يقول: إن المراد بفقرائهم فقراء المسلمين في أي بلد، نعم إذا لم يكن في البلد الذي فيه الزكاة فقراء، أو كانت الحاجة في غيره أشد فهذا مبرر عند جمع من أهل العلم في نقل الزكاة. والشاهد من الحديث: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة)) والمراد بذلك الزكاة. متفق عليه، واللفظ للبخاري. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 9 "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لما استخلف" لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- واستخلف بعده خليفته أبو بكر "كتب له حين وجهه إلى البحرين" وجهه إلى البحرين في شرق الجزيرة العربية، وهو أشمل من القطر المعروف الآن، بحيث يشمل ما دون البحرين، كالأحساء مثلاً، كله يقال له: البحرين "وجهه إلى البحرين" جابياً للصدقات، وأعطاه الكتاب الذي كتبه النبي -عليه الصلاة والسلام- في مقادير الزكاة، كتاب أملاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وختمه بخاتمه، دفع لأبي بكر من يد أبي بكر إلى يد أنس بن مالك، ثقة مطلقة بعضهم ببعض، وهم أهل لذلك، لكن لو كان بيدك وثيقة بهذه المثابة يمكن تدفعها لأي شخص كائناً من كان؟ الآن تيسرت الأمور تبي تعطيه صورة، أو ينسخ له نسخة، لكن النسخة الأصلية كتبت بأمره -عليه الصلاة والسلام-، وختمت بخاتمه، وما ذلك إلا لأن القوم أهل لهذه الثقة، ما قال أبو بكر: تضيع، أو تتمزق من يد أنس، لا، هم أحرص على الدين، وما يتعلق بالدين من كل حريص -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وبحرصهم وثقتهم وصلنا الدين، وسيبقى إلى قيام الساعة كما أنزل، إلى قرب قيام الساعة، على يد هؤلاء الذين نذروا أنفسهم خدمة للدين، والله المستعان. ثم يأتي من يأتي من الخلوف الذين يطعنون في هؤلاء القوم، سادات الأمة، وأشرافها وعظمائها، الذين بواسطتهم وصل الدين إلى من بعدهم، يعني تصور أن أبا هريرة ما وجد مثلاً كان نصف الدين ضاع على الأمة، تصور أن أنس ما وجد أو غيره من المكثرين لرواية الحديث، لكن الله -جل وعلا- حفظ بهم هذا الدين، ولذلك من أيسر الأمور أن يقول أبو بكر: خذ، هذا كتاب الصدقة مكتوب بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه ختمه، وما ذلك إلا للثقة المطلقة التي هم على قدرها وعلى مستواها في حفظ الدين، وما يتعلق بالدين، فكل واحد أحرص على حفظ الدين من حفظ نفسه وماله وأهله. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 10 "أن أبا بكر لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر" وجاءت صفة هذه الأسطر عند ابن سعد وغيره أن لفظ الجلالة الله فوق، ورسول تحته، ومحمد أسفل، فهذا الختم الذي فيه هذا التدلي الله، ثم رسول، ثم محمد، هذا لا شك فيه أنه يمنع ما هو موجود في كثير من محاريب المساجد يكتب على جهة اليمين الله، وبنفس المستوى يكتبون محمد، وهذا يوهم المساواة، وإن استدل أو استدل لذلك بقوله -جل وعلا-: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح] فقال: ((لا أذكر حتى تذكر معي)) أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، الآن هذا الخاتم الذي نقشه ثلاثة أسطر، هل هو في الأصل الذي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودفع إلى أنس، أو أن الكلام فيه ما يوحي إلى أن أبا بكر كتب لأنس كتاباً آخر، هل أبو بكر دفع الكتاب الذي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بكتابته وختمه بخاتمه؛ لأنه قال: لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين "هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر" يعني هل هذا يفهم منه أن أبا بكر دفع النسخة الأصلية، أو كتب عنها نسخة دفعها إلى أنس حينما وجهه إلى البحرين؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . "أن أبا بكر لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب" وسيأتي في سياق الخبر في قوله: "هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين" أن هذا كتاب أنشئ بعد، ولكن نقش الخاتم ما الفائدة من ذكره؟ إلا أنه يوحي بأن الكتاب هو الأصل الذي نقش بهذا الخاتم، تأملوا يقول: "أن أبا بكر لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب" هذا الكتاب المبدوء ببسم الله الرحمن الرحيم، ولو قلنا: إن هذه الجملة مقحمة واعتراضية انتهى الإشكال. "وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر". الجزء: 51 ¦ الصفحة: 11 قال: "هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين" يعني قدرها، وقدر الأنصبة، وحدد الأنواع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فالفريضة من الله -جل وعلا- {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] فرض من الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قدرها "التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله" الكتاب هذا الذي كتبه أبو بكر على الفهم الثاني، وسلمه لأنس هل هو مرفوع أو موقوف؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مرفوع، لماذا؟ "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتي أمر الله تعالى بها رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها" يعني سئل ما وجب عليه، من غير زيادة، ولا نقصان "فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط" يعني وجب عليك قدر محدد من الزكاة فطلب أكثر من ذلك كماً أو كيفاً فإنه لا يلزمك أن تدفع، معلوم أنه إذا كان هذا بالاختيار، أما إذا أجبر على الدفع فإنه يبذل، ويسأل الله -جل وعلا- الذي له ((واتق دعوة المظلوم)) فإذا أخذ أكثر مما يجب صار ظالماً، والمأخوذ منه مظلوم ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) فدل على أنه يدفع إذا ظلم، ثم يسأل الله -جل وعلا- الذي له، هذا إذا عجز، أما إذا كان باختياره فلا يعط. "في أربع وعشرين" الآن بدأ التفصيل "في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة" يعني في الخمس الأولى شاة، في العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث، وفي العشرين أربع، وفي الخمس والعشرين بنت مخاض. قال: "فإذا بلغت" يعني الكمية أو الإبل "خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى" يعني تمت لها سنة سميت مخاض؛ لأن أمها حملت، فهي ماخض {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ} [(23) سورة مريم] المقصود أنها أتمت السنة ودخلت في الثانية، وقيل لها ذلك لأن أمها في الغالب تكون حاملاً. "بنت مخاض أنثى" أنثى تصريح بما هو مجرد توضيح، المقصود لا يحتاج إليه، إنما هو زيادة في البيان والتوضيح. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 12 "بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن" يني فإن لم توجد "فإن لم تكن ابنة مخاض" إن لم توجد ابنة مخاض "فابن لبون ذكر" اللبون تم له سنتان ودخل في الثالثة، وقيل له ذلك لأن أمه قد ولدت وصارت ذات لبن، فدل على أن الإناث أفضل من الذكور، الإناث في بهيمة الأنعام أفضل من الذكر، بينما في بني آدم الجنس جنس الذكر أفضل وخير من جنس الأنثى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران]. "فإذا بلغت" يعني الإبل "ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى" فقوله: ذكر وأنثى هذا كله مثلما ذكرنا هو مجرد توضيح، وإلا فلا يحتاج إليه؛ لأن إبل يغني، لو قال: ولد احتجنا أن نقول: ذكر أو نقول: أنثى؛ لأن الولد يشمل الذكر والأنثى، أما ابن خاص بالذكر، لا يشمل الأنثى، وبنت خاص بالأنثى لا يشمل الذكر. "فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى" ابنة لبون أنثى يعني تمت السنة الثانية، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . بنت لبون، تمت السنة الثانية؛ لأن أمها ذات لبن. "فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل" يعني الحقة أتمت الثالثة، ودخلت في الرابعة، واستحقت أن تركب، وأن يحمل عليها، وأن يطرقها الفحل الجمل "فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة" تمت خمس سنين، وبدأت أسنانها في السقوط جذعة، أكملت الرابعة ودخلت في الخامسة "فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون" وسنه على ما تقدم "فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان، طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" زادت على عشرين ومائة، يعني مائة وخمسة وعشرين كم؟ مائة وخمسة وعشرين، صح أنها زادت على مائة وعشرين، قال: " ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" أو أن هذه الأوقاص ما بين العشرين إلى الثلاثين ليس فيها شيء، فإذا بلغت مائة وثلاثين في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فيكون في مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة، في مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وهكذا، مائة وخمسين ثلاث حقاق ... إلى آخره. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 13 "ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة" لأن النصاب ما تم "إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة" لو قال: أنا عندي خمس من الإبل أخرج عنها بنت مخاض، كما لو كان عندي خمسة وعشرين، تقبل وإلا ما تقبل؟ الآن الواجب عليه شاة؛ لأنه ليس عنده إلا خمس، فلو قال: أنا أدفع بنت مخاض، كما لو كان عندي خمس وعشرون، خلاف بين أهل العلم أن ما عدل في الزكاة عن الجنس إلى غيره رفقاً بالمالك وإلا فالأصل أن الزكاة من جنس المال. طيب لو كان عنده عشرون وتوجه عليه أربع شياه، فنظر في قيمة الشياه فوجدها أغلى من بنت المخاض، أربع شياه بألفين ريال، وبنت مخاض بألف وخمسمائة ريال، تجزئ وإلا ما تجزئ؟ يقول: هب أن عندي خمس وعشرين، يقول: أنا عندي عشرين، وجاري عنده خمسة وعشرين، أنا با أدفع أربع شياه بألفين ريال، وجاري يبي يدفع بنت مخاض بألف وخمسمائة ريال. طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 51 ¦ الصفحة: 14 يعني مثلما قال الأشقاء في المسألة الحمارية، يعني أولاد الأم يرثون والأشقاء لا يرثون، قالوا: هب أن أبانا حجراً في اليم، يعني زيادة القرب بواسطة الأب افترضها معدومة، وأنت افترض أن هذا الخمس بدل ما عندي عشرين افترضها خمسة وعشرين، يعني الشرع مبني على الرفق، وعلى مصالح الأطراف كلها، يعني حينما يشرع الزكاة رعاية لمصالح الفقراء فإنه في الوقت نفسه لا يهدر مصالح الأغنياء، فإذا قال: جاري عنده خمسة وعشرين وأنا عندي عشرين، لماذا ألزم بأربع؟ ويلزم ببنت مخاض، وقيمة الأربع أكثر من قيمة بنت المخاض؟ افترض أن عندي خمس أنا متبرع، يعني إذا كان عنده خمس، وأراد أن يعدل من الشاة إلى بنت مخاض يعني له وجه؛ لأن بنت المخاض أكثر قيمة وأنفع للفقراء من الشاة، هذا بلا شك، لكن إذا اتجه عليه ووجب عليه أربع شياه، يعني في التقدير الشرعي البدنة عن سبع، لكن هذه ما زالت صغيرة، قد تكون قيمتها أقل من قيمة أربع شياه، فهل نقول: له أن يعدل كما لو كان عنده خمس وعشرون، أو ليس له ذلك لأن هذا الذي فرض عليه شرعاً ولا يجوز له أن يتعداه؟ لا سيما إذا كانت مصلحة الفقير متعلقة فيما فرض الله له، وهذا هو المتجه، وجب عليك أربع شياه، ادفع أربع شياه، بغض النظر عن كونها تسوى ألفين أو ألف، يعني هل يمكن أن يقول مثل هذا الكلام لو كان العكس؟ لو كانت قيمة أربع الشياه ألف ريال، وقيمة بنت المخاض ألفين هل يمكن يقول: أدفع بنت مخاض؟ ما يمكن .... فعلى كل حال الشارع حدد، ولا شك أن الحكم والمصالح مراعاة، لكن مع ذلك هناك أمور قد لا يدركها العقل، يعني من شرط الزكاة في الماشية في بهيمة الأنعام أن تكون سائمة، فإذا كانت سائمة وجب فيها ما ذكر، طيب إذا لم تكن سائمة معلوفة ما فيها زكاة؟ زكاة بهيمة الأنعام، لكن إذا كانت معلوفة ومعدة للتجارة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 51 ¦ الصفحة: 15 زكاة عروض التجارة، وأيهما أشق زكاة السائمة أو زكاة عروض التجارة؟ افترض عنده مائة من الإبل يعلفها، ومعدها للتجارة تجب الزكاة في قيمتها بنسبة اثنين ونصف في المائة، وإذا كانت سائمة فإنها تجب على المقادير المذكورة، يعني عنده مائة رأس من الغنم سائمة فيها واحدة، معلوفة ومعدة للتجارة فيها اثنتان ونصف، فهل السوم خفف الزكاة أو شدد في الزكاة؟ نعم السوم خفف، والأصل ما دام كفي المؤونة وسامت من الأرض من غير كلفة، ولذلك يقولون في زكاة الخارج من الأرض ما يسقى بماء السماء ففيه العشر، والذي يسقى بعمل الآدمي نعم نصف العشر، وما كان سقيه بهذا وهذا ثلاثة أرباعه، يعني هل البابان متفقان أو بينهما فرق؟ يعني كون الخارج من الأرض يسقى بماء السماء شدد في الزكاة وإلا خفف؟ شدد في الزكاة، كون الإبل أو بهيمة الأنعام سائمة ترعى من غير كلفة ولا مشقة خفف وإلا شدد؟ خفف، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . بينهما فرق، طيب ما نوع التخفيف الذي في هذه السائمة؟ أنت افترض الزكاة في ماشية، عند زيد سائمة وعند عمرو معلوفة، وكلاهما لا يعدانها للتجارة، إنما للدر والنسل، هذا عليه زكاة وذاك ما عليه زكاة أصلاً؛ لئلا يقول قائل: إن في مثل هذا التشريع بالنسبة لزكاة بهيمة الأنعام وبالنسبة لزكاة الخارج من الأرض فيه شيء من الاختلاف والاضطراب، نقول: لا، ما في لا اختلاف ولا اضطراب. أنت افترض أن هذه الماشية، ماشية زيد سائمة، وماشية عمرو معلوفة، وكلاهما يعدانها للدر والنسل، فالسائمة فيها زكاة والمعلوفة ليس فيها زكاة، وبهذا تتجلى الحكمة الإلهية، وأن الله -جل وعلا- ما يمكن أن يظلم أحداً على حساب أحد. "وفي صدقة الغنم في سائمتها" السوم شرط، وسيأتي في الإبل أنها إذا كانت سائمة، وجاء في البقر، لكن فيه ضعف، لكنها مقيسة على غيرها، الجمهور يشترطون السوم، وهو الرعي العام أو أكثر العام، والإمام مالك يقول: لا يشترط، الزكاة في الجميع، سواءً كانت سائمة أو غير سائمة، الوصف المذكور في الحديث إنما جاء لبيان الواقع، لحكاية الواقع، ولا مفهوم له، لأن أكثر بهيمة الأنعام بالنسبة للعرب وغيرهم أن تكون سائمة، فجاء وصفاً كاشفاً لبيان الواقع لا أقل ولا أكثر. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 16 "وفي صدقة الغنم في سائمتها" الجمهور على أنه قيد مؤثر، بمعنى أنها إذا لم تكن سائمة ولم تكن للتجارة فإنها لا زكاة فيها. "إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة" أربعين فيها شاة، خمسين ستين سبعين مائة كلها فيها شاة، فالوقص هنا طويل "فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة" وهذا أطول الأوقاص "زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة" أربع مائة فيها أربع شياه، خمسمائة فيها خمس شياه، وما بين ذلك أوقاص لا زكاة فيها. "فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" مثلما تقدم فيما نقص عن الخمس في الأربع وما دونها من الإبل. "فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" يعني صاحبها، إذا أخرج منها شيئاً بطوعه واختياره الأمر لا يعدوه وينتفع به -إن شاء الله تعالى-، لكن لا على سبيل الوجوب والإلزام. قال: "ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" لا يجمع أصحاب الأموال بين متفرق، ولا يفرق أرباب الأموال بين المجتمع خشية أن تزيد عليهم الصدقة، كما أنه لا يجوز للساعي والجابي والعامل أن يجمع أو يفرق خشية أن تقل الصدقة "ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" نعم أربعين من الغنم لرجلين، الأربعون فيها شاة، لما سمعوا بقدوم المصدق الساعي فرقوا، واحد له خمس، وواحد له خمسة وثلاثين، واحد له عشر وواحد له ثلاثين، قال: أنا آخذ غنمي، وأنت خذ غنمك؛ لأن الثلاثين ليس فيها شيء، والعشر ليس فيها شيء، لا يجوز لهم ذلك، إذا كانت مجتمعة مختلطة في المبيت والراعي والمرعى والمحلب لا يجوز؛ لأن حكمها حكم المال الواحد، والخلطة في بهيمة الأنعام تصير المالين كالمال الواحد، لما سمعوا بقدوم الجابي -جابي الزكاة- وكان بينهما أربعون من الغنم لواحد ثلاثين ولواحد عشر، قال: نفرق فإذا جاء صاحب العشر ما عليه شيء، وصاحب الثلاثين ما عليه شيء، إذا اجتمعت وجاء المصدق وهي على وضعها وخلطتها فإنه يأخذ منها شاة واحدة، لكن كم يحسب على صاحب الثلاثين، وكم يحسب على صاحب العشر؟ الجزء: 51 ¦ الصفحة: 17 "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" هل نقول: إن هذا عليه نصفها، والثاني عليه نصفها وهذا مقتضى التسوية يتراجعان بينهما بالسوية؟ أو نقول: هذا عليه الربع، وصاحب الثلاثين عليه ثلاثة الأرباع، أيهما؟ طالب:. . . . . . . . . ربع وثلاثة أرباع، هذا متفق عيه؟ طيب. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" إيش معنى السوية؟ بالتساوي، يعني هذا عليه نصف الشاة، وهذا عليه نصفها، هذا صحيح وإلا لا؟ هل هذا ما يقتضيه ظاهر اللفظ وإلا لا؟ نعم؟ ((اتقوا الله وسووا بين أولادكم)) ((واعدلوا بين أولادكم)) هل مقتضى هذا أن يعطى الذكر مثل الأنثى الذي هو مقتضى لفظ التسوية، أو أن المراد العدل والتسوية على ما قسم الله -جل وعلا- {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء]؟ يعني المعنى يقتضي أن صاحب العشر الذي له ربع العدد عليه ربع الزكاة، وصاحب الثلاثين الذي له ثلاثة أرباع العدد أن عليه ثلاثة أرباع الزكاة، هذا من حيث المعنى، فهل نقول: إنهما يتراجعان بالسوية كل واحد نصف، أو على صاحب العشر الربع، وصاحب الثلاثين الثلاثة الأرباع مثل ما في ((اتقوا الله واعدلوا)) ((اتقوا الله وسووا بين أولادكم)) هل نقول: إن مقتضى التسوية أن يعطى الذكر مثل الأنثى؟ وقال بهذا جمع من أهل العلم تحقيقاً للفظ التسوية، أو يقال: إن التسوية والعدل إنما تكون بقسمة الله -جل وعلا- كالميراث {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء]؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 51 ¦ الصفحة: 18 كل له فهمه، كل على ما يفهم من التسوية ومن العدل، يعني هل من العدل أن يعطى الذكر مثل الأنثى؟ أو نقول: العدل أن يقسم بينهم كما تولى الله -جل وعلا- القسمة؟ مثلما قال أبو بكر: " رضيت لنفسي بما رضي به الله لنفسه " الخمس، فأوصى بالخمس {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال] رضيت بالخمس مثلما رضي الله، والذي يريد أن يقسم ويعطي أولاده يرضى بما رضيه الله -جل وعلا- من القسمة بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] أو نقول: إن مقتضى لفظ التسوية أن يكونوا سواء لا فرق؟ وهنا نستفيد ترى من التنظير فيما عندنا، نستفيد من التنظير في معنى السوية "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" افترض أن رجلين عندهما ثمانون من الغنم، كل واحد له أربعون، لكل واحد أربعون، وليسا بخليطين، هما جاران، لما سمعا بالمصدق خلطا المالين من أجل أن تخف الزكاة، تقل الزكاة، فبدلاً من أن يدفعا شاتين يدفعا شاة واحدة، وفي هذه الصورة واضحة السوية، كل واحد عليه نصف هذه الشاة، لو كانا مختلطين، وقل مثل هذا بالنسبة للساعي المصدق، المصدق بالتشديد هو المتصدق الباذل، والمصدق هو الساعي، الذي يأخذ الزكاة، الذي يجبي الزكاة، لما جاء هذا الساعي لهذين الرجلين غير الخليطين هذا عنده أربعين، وهذا عنده أربعين، فرأفة بهما جمع المالين، نقول: هذا غاش لما اؤتمن عليه؛ لأنه نائب عن هؤلاء الفقراء، ولو فرق المالين الخليطين قلنا: هذا ظالم بدلاً من أن يأخذ شاة واحدة يأخذ شاتين. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 19 "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يخرج في الصدقة هرمة" هرمة كبيرة، سقطت أسنانها "هرمة ولا ذات عوار" ذات عيبة معيبة، أو عُوار العيب في جميع البدن، "ولا تيس" الذي هو فخل الغنم "إلا أن يشاء المصدق" ومشيئته هذه ليس مردها إلى التشهي، إنما مردها إلى النظر في مصلحة الفقراء، والاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة اتفاقاً، وعوده إلى ما سبقها محل خلاف بين أهل العلم إلا أن يشاء المصدق فيأخذ تيس، هذا ما فيه إشكال؛ لكون هذا التيس أنفع من هذه العنز، أو من هذه الشاة، هذا ما فيه إشكال، إذا كان أنفع للفقراء، لكن هل له أن يأخذ ذات عوار إذا كانت أنفع للفقراء، أو يأخذ هرمة إذا كانت أنفع للفقراء؟ الاستثناء والوصف المتعقب لجمل متعددة محل خلاف بين أهل العلم، هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط أو يعود إلى جميع ما تقدم؟ في القذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور] الاستثناء هذا يرجع إلى الأخيرة بالاتفاق، يرتفع الفسق، لكن هل تقبل شهادته يعني القاذف إذا تاب مع قوله -جل وعلا-: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] هذا محل الخلاف بين أهل العلم، ارتفع الوصف المؤثر الذي هو الفسق فارتفع أثره، وهو رد الشهادة، طيب الجلد ثمانين جلدة يسقط بالتوبة وإلا ما يسقط؟ هذا لا يسقط بالاتفاق؛ لأنه حق آدمي، وعندنا "إلا أن يشاء المصدق" إذا رأى أن التيس أنفع للفقراء من هذه العنز، أو هذه الشاة إذا شاء، والمشيئة ردها إلى مصلحة الفقراء لا إلى رغبته وشهوته. طيب إذا رأى أن ذات العوار أو الهرمة أنفع للفقراء مما يدفع مما هو سليم بأن تكون الهرمة أكثر لحم، وذات العوار أكثر لحماً، أو أطيب لحماً، فهل للمصدق أن يأخذ؟ الجزء: 51 ¦ الصفحة: 20 محل خلاف بين أهل العلم، ومرده الخلاف في أصل المسألة الاستثناء إذا تعقب جمل متعددة هل يعود إلى الأخيرة أو يعود إلى الجميع أو ينظر إلى القرائن؟ يعني في آية القذف القرائن دلت على أن التوبة لا ترفع الحد، وهذا أمر متفق عليه بالأدلة الأخرى، وترفع الفسق، وهذا أيضاً متفق عليه، لكن الخلاف فيما بينهما هل تقبل الشهادة أو لا تقبل؟ هذا، وما عندنا مثله، إلا أنه يختلف في الأول، الأول لا يدخل اتفاقاً في آية القذف، وهنا يتناوله الخلاف. فإذا شاء المصدق أن يأخذ الهرمة؛ لكونها أنفع للفقراء، افترضنا أن الهرمة زنتها خمسين كيلاً، والسليمة زنتها عشرون كيلاً، أيهما أنفع للفقراء؟ نعم؟ طالب: الهرمة. الهرمة أنفع، طيب ذات العوار معيبة، لكن زنتها مثلما قلنا: خمسين كيلاً، والسليمة زنتها عشرون، لا شك أن المعيبة هذه أنفع للفقراء، إلا أن ... ، ولذلك رد المشيئة إليه، وهناك في الهدي والأضاحي ما فيها خيار، المعيب لا يقبل مطلقاً، ليس فيها رد إلى مشيئة المضحي أو المهدي، بخلاف ما هنا. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 21 "وفي الرقة ربع العشر" الرقة: الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ربع العشر، يعني اثنين ونصف بالمائة "فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها" لأن النصاب مائتا درهم، فإذا نقصت ولو درهم واحد؛ لأنه قد يقول قائل: إذا لم تكن إلا تسعين، يعني مائة وخمسة وتسعين فيها شيء؟ مفهوم العدد هنا أن فيه، لكن الطريقة المسلوكة والعادة والجادة أن الآحاد تعد بالآحاد، والعقود تعد بالعقود، فما دون المائتين إلا مائة وتسعين من العقود، والمئات كذلك، والألوف كذلك، المقصود أنه لا يوجد عقد بعد المائتين إلا مائة وتسعين؛ لئلا يقول قائل: ما دام مائة وتسعين ما فيها شيء، مفهومه أن مائة وخمسة وتسعين فيها شيء، نقول: ليس فيه عقد دون المائتين إلا المائة والتسعين، ليس فيها شيء إلا إن شاء ربها، يعني إذا بلغت المائتين ففيها ربع العشر، ربع العشر، كم؟ خمسة، خمسة دراهم، زنتها وقياسها بالفضة المتداولة الآن بالريال العربي السعودي ستة وخمسين ريال فضة، ثم بعد ذلك ينظر في قيمة الريال فتعادل بها قيمة الورق، ومن الذهب عشرون مثقالاً، إذا بلغت عشرين مثقال، إحدى عشر جنيه، وأربعة أسباع الجنيه وجبت فيها الزكاة هذا نصاب الذهب، والعشرون مثقالاً فيها نصف مثقال، نصف مثقال ربع العشر، نصف مثقال، طيب إذا أخرج مثقال عن العشرين هل المثقال الكامل هذا أو الدينار من عشرين ديناراً كله واجب، أو النصف هو الواجب والنصف الثاني مندوب؟ طالب:. . . . . . . . . المسألة مثال على قاعدة عند أهل العلم في أصول الفقه، كمن أخرج ديناراً عن عشرين، بهذا اللفظ في كتب الأصول. طالب:. . . . . . . . . الزيادة إذا كانت متميزة فالقدر الواجب هو الفرض، وما زاد على ذلك فهو نفل، مثال ذلك: في صدقة الفطر قلت لصاحب المحل: كل لي صاع وضعه في وعاء، فكاله ووضعه في الوعاء، وربطه وأعطاك إياه، قال: كل لي صاعاً ثانياً، فكاله ووضعه في وعاء وربطه، الصاع الأول هذا هو الفرض، والثاني إذا كانت الزيادة غير متميزة فالكل واجب، إذا كانت الزيادة غير متميزة فالكل واجب. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 22 المسألة لها أمثلة كثيرة جداً عند أهل العلم، من أدى دينار عن عشرين، إذا كانت مصروفة نصف ونصف هذا ما فيه إشكال، لكن إذا أدى الدينار جميع، يعني دفع دينار لوكيله، وقال: سلمه فقير، فضاع من وكيله، يضمن دينار وإلا نصف دينار؟ نعم على الخلاف، يعني المسألة ما تسلم من خلاف، الزيادة إذا كانت متميزة لها حكم، وإذا كانت غير متميزة لها حكم. دخل المأموم والإمام راكع، الإمام سبقه إلى الركوع وسبح ثلاثاً قبل أن يركع المأموم، نقول: انتهى الواجب على الإمام والباقي مسنون؟ بمعنى أنه لو دخل معه بعد أن سبح واحدة الواجبة، نقول: إن هذا حكمه حكم المفترض خلف المتنفل، فلا تصح صلاته عند من لا يجيز صلاة المفترض خلف المتنفل؟ أو نقول: الكل واجب لأن الزيادة غير متميزة؟ لها فروع كثيرة، يعني مثل هذه الأمور على طالب العلم أن يعتني بها، يعني هذه الدعاوى التي تقلل من الأصول وعلم الأصول وكتب الأصول باعتبار ما دخلها من مسائل الكلام وغير ذلك، جعلت بعض طلاب العلم يزهد في هذا العلم، وحينئذٍ يضيع، لا يستطيع أن يتعامل ويتصرف مع النصوص. طالب:. . . . . . . . . لكن متميزة الخمسمائة. طالب:. . . . . . . . . الخمسمائة متميزة، منفكة عن الألف، ليش؟ لأنها فئة واحدة الخمسمائة، أنت افترض أن عليك زكاة أربعمائة ودفعت زرقاء خمسمائة، هذا اللي غير متميزة. طالب:. . . . . . . . . ظهر الفرق؟ طالب:. . . . . . . . . "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة" والجذعة من واحد وستين إلى خمسة وسبعين وعنده حقة أقل منها فإنه يدفع الحقة ويدفع معها جبران، شاتان "إن استيسرتا له، أو عشرين درهما" "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة" مراعاة لظروفه، لو قيل له: ادخل إلى السوق وبع هذه الحقة واشتر لنا جذعة يتكلف أكثر بلا شك، والشرع لا يكلفه أكثر مما وجب عليه، فوجد له حل في هذه الصورة. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 23 "ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة" يعني أعلى مما يجب عليه "فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين" هذا يسمونه جبران، وهل هو لازم، أو المسألة مسألة تقويم؟ تقوم الجذعة وتقوم الحقة ويدفع الفرق، وكان الفرق في ذلك الوقت عشرين درهم أو شاتين، أو نقول: إنه لازم، خلاص ادفع شاتين، طيب شاتين أكثر من قيمة الجذعة أحياناً، يقول: يلزمك تدفع شاتين، أو ادفع عشرين درهم؟ أحياناً في بعض الأوقات تهبط الأقيام إلى أن تكون قيمة الأصل أقل من قيمة الجبران، والشرع لا يعجز عن حل مثل هذه المسائل، فلا يكلف أكثر مما أوجب الله عليه. طيب، قال: ما عندي إلا شاة وعشرة دراهم، نقول: يلزمك شاتين وإلا عشرين درهم؟ منهم من جمد على النص، وقال: ما في إلا هذا، وإلا دبر الواجب عليك، نقول: الشرع دين عدل ومساواة بين الجميع، يعني ما يظلم أحد على حساب أحد؛ لأنه قد يكلف في حملها في الوسائل بمثل قيمتها؛ ليبيعها في السوق، ثم يحمل الأخرى إلى المصدق، لا بد أن يوجد الحل وقد وجد؛ لأن هذه أمثلة، ليست ملزمة، ليست تعبدية، إنما هي أمثلة للجبران. "ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين" كما تقدم "ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهماً" لما يعرف من التفاوت بين السنين "ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنه تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها" يعني على المطلوب "وعنده ابن لبون" وجب عليه بنت مخاض، لماذا؟ لأن عنده خمس وعشرين من الإبل، ما عنده بنت مخاض، عنده ابن لبون "فإنه يقبل منه، وليس معه شيء" لا يأخذ ولا يعطي، لماذا؟ لأنه قال في الأول: "فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر" لأن الزيادة في السن في ابن اللبون يقابله النقص في الجنس، فالأنثى أفضل من الذكر في هذا الباب، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الزكاة (2) الشيخ: عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن مسروق عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن" وفي بعض النسخ: "بعثني" وكل من الأسلوبين جائز، لكن "بعثني" هذا هو الأصل؛ لأنه يتحدث عن نفسه، وبعثه على أسلوب التجريد، يعني جرد من نفسه شخصاً آخر فتحدث عنه. "بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً" رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. الخبر يرويه مسروق بن الأجدع التابعي الجليل عن الصحابي معاذ بن جبل الذي سبق الحديث عن بعثه إلى اليمن، ويختلف أهل العلم في سماع مسروق منه، فجزم بعض الحفاظ أنه لم يسمع من معاذ، والشيء المؤكد المقرر أن مسروقاً في اليمن، في ذلك الوقت، وسنه يحتمل، فالمعاصرة متحققة، والحرص من مسروق موجود؛ لأنه طالب علم، وسنه يؤهله إلى لقاء معاذ، والأخذ منه، فعلى مذهب من يكتفي بالمعاصرة، وهو الذي يقرره الإمام مسلم، ويرد على خصمه بقوة، الحديث ما فيه إشكال متصل، والذي يقول: لا بد من ثبوت اللقاء يتوقف في مثل هذا. على كل حال الخبر صحيح، ولا إشكال فيه؛ لأن مسروقاً في وقت معاذ كبير ليس بصغير، يقال: لا يلتقي بمعاذ، ومعاذ هو المتفرد بالقضاء والفتيا، فكيف لا يلقاه مسروق مع شدة حرصه، فالخبر إن قلنا بالاكتفاء بالمعاصرة فلا إشكال، وإن قلنا: لا بد من ثبوت اللقاء فهذا يشكل حتى يثبت أن مسروقاً سمع منه، ولكن أكثر أهل العلم ماشين على تصحيح الخبر إذا ثبتت المعاصرة، ولم يكن ثم مانع من اللقاء، ولا مانع من اللقاء هنا. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 1 بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن معلماً وموجهاً وقاضياً، بعثه مفتياً إلى اليمن، ذكرنا في درس مضى أن بعثه كان في السنة العاشرة، وأنه لم يقدم من اليمن حتى مات النبي -عليه الصلاة والسلام-، فجاء في خلافة أبي بكر. "فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً" ذكر له فرض الزكاة مجملاً، ثم ذكر له هذا التفصيل، ولا يمنع أن يكون هناك تفصيل أكثر في حديث معاذ إلا أن الرواة لم ينقلوا إلا ما الحاجة داعية إليه، فزكاة الإبل وزكاة الغنم عرفت في كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، والعلماء يقتصرون على قدر الحاجة من الأخبار، فذكروا من حديث معاذ ما يتعلق بزكاة البقر؛ لأنها لم تذكر في كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، على ما تقدم. "فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً" وهو ما تم له سنة، وحينئذٍ يتبع أمه، ولذلك قيل له: تبيع. "ومن كل أربعين مسنة" ذات حولين تم لها سنتان، هذا بالنسبة للمسلمين، تؤخذ منهم الزكاة فرضاً وركناً من أركان الإسلام، ويؤخذ من غير المسلمين في مقابل إبقائهم في بلاد المسلمين على الخلاف بين أهل العلم، هل تؤخذ من غير أهل الكتاب والمجوس أو لا تؤخذ؟ "ومن كل حالم" يعني بلغ الحلم "ديناراً" من الذهب، أما من لم يبلغ الحلم فإنه لا يكلف ولا يؤخذ منه شيء "أو عدله" يعني مقابل الدينار "معافرياً" ثوب وبرد ينسج باليمن، منسوب إلى معافر، وهي قبيلة باليمن كما قالوا، على كل حال هذا فيه بيان زكاة البقر، وأنها في كل ثلاثين رأس من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، خمسة وثلاثين كم فيها؟ طالب: تبيع. تبيع، والخمس وقص، أو وقَص كما يقول أهل اللغة، خمسة وأربعين مسنة، ستون تبيعان، سبعون تبيع ومسنة وهكذا. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 2 "ومن كل حالم" يعني بلغ الحلم، كُلف "ديناراً" وهل هذا ثابت إلى يومنا هذا بأن لا يجوز الأخذ في الجزية على دينار واحد، أو أن هذا مثلما يقال في الأبواب الأخرى من الديات وغيرها، أنها خاضعة لزيادة الأثمان ونقص الأثمان، الفروق كبيرة في الأزمان، أحياناً الدينار لا يقبله الطفل إذا أعطيته إياه، وأحياناً رب الأسرة يتمنى الدينار، ولا يحصل له، فهذه الأمور تختلف باختلاف الأحوال، ومنهم من يقول: لا يزاد على الدينار، هذا قضاء نبوي ولا يجوز الزيادة عليه. على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم؛ لأنه هل المقصود أن يؤخذ منهم ما يقابل بقاؤهم في بلاد المسلمين وانتفاعهم بها، أو أنه يؤخذ منهم هذا الرسم ولا يزاد عليه؟ على كل المسألة خلاف بين أهل العلم، ولعل مرد ذلك إلى الإمام، إذا رأى المصلحة في الزيادة، وأن الدينار لا يساوي شيئاً، ولا يقابل شيء، ولا يعد في عرف الناس شيء فلا مانع من الزيادة عليه كالديات، الديات في وقت من الأوقات تزيد، وفي وقت من الأوقات تنقص، تبعاً لأقيام الإبل، إذا قلنا: إن الأصل الدية مائة من الإبل. "أو عدل ذلك معافرياً" معافرياً، هذا البرد اليمني كم يستحق الآن؟ البرد يكسو شخصاً واحداً، قد يكون أقل من قيمة الدينار اليوم، يمكن البرد الآن بعشرة أو عشرين ريال، والدينار بخمسمائة ريال، الذهب فرق كبير بين هذا وهذا، ولذلك لما قال: عدل ذلك، دل على أن التعديل في الأقيام معتبر. "رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" إن كان مراده أن الشيخين خرجا لمسروق ومعاذ فهذا كلام صحيح، لكن هل خرجا لهما على هذه الصورة ليتم للحاكم أن يقول: على شرط الشيخين، ومن شرط إطلاق هذا اللفظ أن يخرج الشيخان للرجال بالصورة الموجودة في الصحيح، شرطهما رجالهما على الصورة الموجودة في الصحيح، فكلامه فيه نظر. قال -رحمه الله-: "وعن ابن إسحاق" محمد بن إسحاق، إمام في المغازي، وفي الرواية كما تقدم لأهل العلم فيه كلام طويل، وتوسط جمع من أهل العلم فجعلوه من قبيل متوسطي الرواة، فحديثه إذا صرح بالتحديث حسن. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 3 وهو هنا قال: "وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" هو عند الإمام أحمد والبيهقي صرح بالتحديث، فأمنا ما كان يخشى من تدليسه. "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" وهذه السلسلة أيضاً قرر أهل العلم أن ما يروى بواسطتها يكون من قبيل الحسن، فالحديث بهذا الإسناد حسن -إن شاء الله تعالى-. "عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: ((لا جلَب)) أو ((لا جلْب ولا جنَبَ، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) رواه أبو داود" تؤخذ الصدقات على المياه وفي الدور؛ لأن هذا أرفق بأربابها، وأرفق بالساعي أيضاً، فلا يكلف الساعي أن يتتبع المواشي في أماكن رعيها، فيحتاج إلى تعب وإلى زمن طويل، إنما تؤخذ في الدور وعلى المياه، إذا اجتمعت كما أن صاحب المال لا يكلف أن يحضرها إلى الساعي في محل إقامته، فـ ((لا جلب، ولا جنب)) في حديث مضى ((لا إسعاد ولا جلب ولا جنب)) فسروا الجنب هناك بأنه في حال السباق أن يتخذ فرسين يركب أحدهما، فإذا تعب ركب الآخر، لكن هذا تفسير لا يناسب في هذا الباب، اللهم إلا إذا قلنا: إن الشاهد من الحديث في الجملة الأولى لا في الثانية. فُسر الجنب هنا بكلام يناسب الباب، يناسب كتاب الزكاة، فقالوا: هو أن ينزل العامل على الصدقة بأقصى موضع لأصحاب الصدقة، ثم يأمر بالأموال أن تحضر إليه، هذا الكلام متجه إلى الرفق بالطرفين، فلا يكلف صاحب المال كما أنه لا يكلف الساعي. ((ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) لأن هذا أرفق بالساعي بدلاً من أن يتتبع هذه الأموال في أماكن الرعي إذا اجتمعت بالدور أو على المياه فأنه يعدها ويأخذ زكاتها. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 4 "رواه أبو داود، وللإمام أحمد عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو" التصريح بالجد، وأنه عبد الله بن عمرو يرفع الاحتمال أن يكون المراد بالجد محمد بن عبد الله بن عمرو؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، والاحتمال قائم أن يكون الجد محمد، فيكون الخبر مرسلاً، واحتمال أن يكون الجد عبد الله بن عمرو فيكون الخبر متصلاً، وهنا صرح بالجد، ولوجود هذين الاحتمالين أنزل العلماء ما يروى في هذه السلسلة من الصحيح إلى الحسن، وهنا ارتفع الاحتمال الأول، وبقي الاحتمال الثاني، لكن بقي ما يذكر من عدم سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، وهذا أيضاً قول مرجوح. على كل حال الحديث على الجادة، أقل ما يقال فيه: إنه حسن. "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم)) " ومثلما قلنا في الحديث السابق في دورهم وعلى مياههم في أماكن اجتماع أموالهم، فلا يكلف صاحب المال ولا يكلف الساعي، بل يرفق بالجميع. قال -رحمه الله-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) متفق عليه، ولمسلم: ((ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)) ولأبي داود: ((ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق)). ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) المراد بالعبد المتخذ للخدمة، والفرس المتخذ للركوب بخلاف المعد للتجارة، المعد للتجارة هذا يزكى زكاة عروض التجارة، أما المعد للخدمة -للقنية- فإن هذا لا زكاة فيه كسائر ما يقتنى للانتفاع به. شخص عنده بيت يسكنه، والبيت بأموال طائلة، هل نقول: يزكي هذا البيت؟ لا يزكي، شخص عنده إبل كثيرة يستقي بها في زراعته نواضح فيها زكاة؟ ليس فيها زكاة، شخص عنده مصانع وآلات ليس فيها زكاة، إنما الزكاة في غلتها، شخص عنده مخابز مصانع ألبان عنده مطابع الزكاة في غلتها، وليست في آلاتها. ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) وكذلك كل ما يقتنى للانتفاع لا للنماء، أما الذي يقتنى للنماء ما هو معروف، فالأموال فيها الزكاة. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 52 ¦ الصفحة: 5 يأتي في زكاة الزروع والثمار، هذا يأتي في زكاة الزروع والثمار. ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) لأنه لا يعدها للنماء، وإنما يعدها للانتفاع بها للركوب، ولا يعدها للتجارة ((إلا صدقة الفطر))، ((ليس على المسلم في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)) فإنه يجب عليه إذا غابت عليه شمس آخر يوم من رمضان وهو في ملكه أن يدفع عنه صدقة الفطر، كما يدفع عن نفسه وزوجه وولده. "ولأبي داود: ((ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق)) " احتاج إلى قوله: ((في الرقيق)) لأنه عطف الرقيق على الخيل، والخيل معلوم أنها لا تدفع عنها صدقة الفطر، وإنما خاصة ببني آدم. قال -رحمه الله-: "وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في كل سائمة إبل)) " التنصيص على السائمة بالنسبة للغنم تقدم في كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الإبل هنا، وفي البقر بالقياس، وجاء فيها أخبار لا تثبت، لكن القياس متجه؛ لأنها كلها بهيمة أنعام، والحكم فيها واحد. ((في كل سائمة إبل، في كل أربعين بنت لبون)) هذا موافق لما سبق أو مخالف؟ هناك قال: "في ست وثلاثين إلى خمس وأربعين بنت لبون" فهل في هذا مخالفة؟ نعم؟ يعني هل لمثل هذا مفهوم؟ بمعنى أنها إذا نقصت عن الأربعين ليس فيها بنت لبون؟ المفهوم ملغى، لماذا؟ لأنه معارض بنمطوق الحديث السابق. قال: ((في كل أربعين بنت لبون، لا تفرق بين إبل عن حسابها)) (بين) هذه وجودها مثل عدمها، إنما الإبل لا تفرق عن حسابها، بمعنى أن الشخص إذا كان عنده أربعون من الإبل لا يفرقها خشية الصدقة، كما تقدم في الخليطين، وكذلك يتجه النهي إلى صاحب المال الواحد، فإنه لا يجوز له أن يفرقها، لكن إذا تفرقت من الأصل في كل إقليم مجموعة من المواشي، هل يضم بعضها إلى بعض كسائر التجارات؟ الجزء: 52 ¦ الصفحة: 6 شخص عنده تجارة في مصر، وتجارة في الشام، وتجارة في نجد، وتجارة في الهند، إذا كانت من بهيمة الأنعام، هل نقول: تجمع هذه فلا تفرق، أو هي من الأصل متفرقة؟ وكل مال يعتبر مستقلاً عن غيره؟ أو نقول: هذه أصلها مثل عروض التجارة؟ يعني لو كان له أموال عروض تجارة في بلدان متفرقة فإنه يحسبها، ويخرج زكاة واحدة عنها، أما بالنسبة للمواشي فهل تعامل معاملة العروض؟ بعضهم يقول: إذا كان بين المالين أكثر من مسافة قصر فإنها لا تجمع، فيزكى كل مال على حدة، هذا القول هل فيه مصلحة للفقير أو مصلحة لصاحب المال؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لصاحب المال أو للفقير؟ طالب:. . . . . . . . . طيب عنده أربعين من الغنم في نجد، وأربعين في مصر؟ طالب:. . . . . . . . . لا، أقول: هذا التفريق ... ، القول الثاني الذي هو التفريق، كل بلد له حكمة، هل من مصلحة الفقير أن تجمع أو من مصلحته أن تفرق؟ طالب: أن تفرق. أن تفرق. طالب:. . . . . . . . . لا، هذا من مصلحة الغني، لكن أنا أقول: ليس بمطرد أن يكون بمصلحة الغني أو مصلحة الفقير، الفقراء في هذا البلد اتجهت أنظارهم إلى ما عند هذا الرجل من هذا المال، ولذلك القول بأنها لا تجمع لا يهدر، قول له وجهه، والقول بجمعها كسائر الأموال أيضاً هو الأصل؛ لأن الأصل في الزكاة أنها تجب في عين المال، ولها تعلق بالذمة. ((من أعطاها مؤتجراً بها)) يعني طالباً بها الأجر من الله، قاصداً بها وجه الله -عز وجل- مخلصاً في ذلك طيبة بها نفسه، مؤتجراً ما الفرق بين مؤتجراً ومتجراً؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . مؤتجر بالفك، ومتجر بالإدغام هل بينهما فرق أو لا فرق بينهما؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 52 ¦ الصفحة: 7 بينهما فرق؟ مؤتجراً بها، هنا بالفك، ولو قال: متجراً بها من أعطاها متجراً بها، متجر من التجارة، ومؤتجر من طلب الأجر، وطلب الأجر من الله -جل وعلا- تجارة، ومتاجرة مع الله -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه تجارة، وعلى هذا يكون لا فرق بين الفك والإدغام، متجر مع الله يرجو الأجر من الله -جل وعلا-، والمؤتجر كذلك، وعلماء المصطلح يذكرون في المتصل، المتصل بالإدغام هذه الجادة، الذي يقابل المنقطع، قالوا: مؤتصل بالفك لغة الإمام الشافعي، مؤتصل، مثل مؤتجر هنا، لغة الإمام الشافعي، كما أشار لذلك ابن الحاجب في شافيته، ابن الحاجب في الشافية في الصرف يقول: مؤتعد ومؤتسر لغة الإمام الشافعي، مؤتعد ومؤتسر يعني بالفك لغة الإمام الشافعي. وعلى هذا من أعطاها متجراً بها طالباً الأجر والثواب من الله -جل وعلا- قاصداً بذلك وجه الله، هو في الحقيقة متاجر مع الله، يبذل ليأخذ الأجر والثواب من الله -جل وعلا-، والمتاجرة مع الله -جل وعلا- هي المتاجرة الرابحة، هي المتاجرة الرابحة، لماذا؟ لأن الربح على أقل تقدير، عشرة أضعاف، تجدون المنافسة بين البنوك والمؤسسات في خفض الربح، يعني كان عشرة بالمائة، ثم صار ثمانية، ثم صار الآن خمسة، يطالبون الآن لتكون ثلاثة أو أقل، هذه متاجرة مع الخلق، تتجر اليوم وتفتقر غداً، تغتني يوم وتفتقر ثاني، لكن المتاجرة مع الله -جل وعلا- أقل تقدير عشرة أضعاف، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، هذه المتاجرة الحقيقية. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 8 والعاقل اللبيب الحريص على نفسه، وعلى ما ينفعه يشتغل بهذه التجارة {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] انصرف بعض طلاب العلم قبل سنوات إلى المتاجرة، في تجارات وهمية من أسهم وغيرها، ثم ما لبثوا أن افتقروا في لحظة، اليوم أغنياء وغداً فقراء، وبعضهم اليوم عاقل وغداً مجنون، هذا حاصل، واليوم بين أولاده في صحته، وغداً في المصحات والمستشفيات، هل هذه تجارة حقيقية؟ {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لا تكن عالة على غيرك، لكن ليس معنى هذا أن تتجه بكليتك إلى حطام الدنيا، وتنسى ما خلقت لأجله {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] التي لا يعدو عليها لص، ولا تخضع لبرصات، ولا حيل ولا إشاعات؛ لأن بعض التجارات مبنية على الإشاعات، وبعضها مبنية على حيل من الأغنياء يتصرفون في رفع الأسعار، وفي خفضها، ويتلاعبون بهذه الأسواق الأسواق المالية، هنا {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر]. ((مؤتجراً بها فله أجرها)) يقول: {سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} [(274) سورة البقرة] قد يحتاج الأصل في النفقة أن تكون سراً، وهذا أفضل وأقرب إلى الإخلاص، لكن قد يحتاج الإنسان أن يتصدق علانية ليسن سنة يقتدى به فيها، فيكون له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ((مؤتجراً بها فله أجرها)) لن يحرم أجرها ((ومن منعها)) رفض أن يدفع الزكاة، أبو بكر قاتل مانعي الزكاة باتفاق من الصحابة، بعد أن عارض من عارض، ثم اتفقوا على قتال مانعي الزكاة، هذا إذا لم يكن له منعة، فرد منع الزكاة فإن الإمام يأخذها منه قهراً ويعزره، وإن كان له منعة تدافع عنه قبيلته فإنهم يقاتلون، كما فعل الصديق -رضي الله عنه وأرضاه-. ((ومن منعها فأنا آخذوها)) يعني قهراً ((فإنا آخذوها وشطر ماله)) يعني عطفنا على الضمير المنفصل من غير فاصل، يجوز وإلا ما يجوز؟ طالب:. . . . . . . . . يجوز وإلا ما يجوز؟ طالب:. . . . . . . . . ليش؟ طالب:. . . . . . . . . أي ضمير؟ وإلا ضمير الرفع فقط؟ هذا ضمير إيش؟ ضمير نصب، ما في إشكال، يجوز العطف على ضمير النصب المتصل الذي لا يجوز العطف عليه إلا بفاصل هو ضمير الرفع. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 9 ((فإنا آخذوها وشطر ماله)) شطر نصف المال، الشطر هو النصف، ((عزمة من عزمات ربنا)) يعني جد وحق، ولازم من حقوق الله -جل وعلا- أن يؤخذ منه مع الزكاة شطر ماله، وهذه مسألة -مسألة العقوبة بالمال- مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، منهم من يرى أنه لا يجوز أخذ مال إلا بطيب نفس من صاحبه مطلقاً، فلا تعزير في المال، وهذا قول كثير من أهل العلم، ومنهم من يقول: يجوز التعزير بالمال، وعمدتهم هذا الحديث، وأيضاً أخذ السلب ممن يقطع الشجر في المدينة جاء فيه حديث سعد وغيره. على كل حال التعزير بالمال مسألة مختلف فيها، فمن يثبت هذا الحديث وهو مختلف في ثبوته يقول: لا مانع من التعزير بالمال حسب ما يراه الإمام، وهو المعمول به الآن، التعزيرات بالمال كثيرة، يعني في كل باب موجودة. ((عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء)) منهم من يقول: هذا الحديث ليس فيه دليل على التعزير بالمال، منهم من يقول: هذا الحديث ليس فيه تعزير بالمال، ويكون اللفظ حينئذٍ: ((فإنا آخذوها وشُطِرَ ماله)) شطر ماله يعني جعل شطرين، شطر جياد، وشطر أقل، فتؤخذ الزكاة من الجياد، فحينئذٍ لا يكون فيه أخذ أكثر مما فرض الله عليه. قال من يقول بالتعزير بالمال إن هذا فيه تعزير بالمال؛ لأنها إذا أخذت الزكاة من الجياد فبدلاً من أن يؤخذ منه عشر من الغنم قيمة الواحدة خمسمائة، أخذت من الجياد قيمة كل واحدة منها سبعمائة، زاد عليه ألفا ريال، يعني العشر بدلاً من أن تكون قيمتها خمسة آلاف صارت قيمتها سبعة آلاف، هذه في زيادة في الأصل، والأصل أن تؤخذ من أوساط المال التي قيمتها خمسمائة؛ لأنه نفترض أن المال فيه الجيد، وفيه المتوسط، وفيه الرديء، فيه سبعمائة، خمسمائة، ثلاثمائة، لا تؤخذ من الثلاثمائة الرديئة، ما قيمته ثلاثمائة الرديئة مراعاةً لحق الفقراء، ولا تؤخذ كلها من الجياد ((إياك وكرائم أموالهم)) هذا منهي عنه، وإذا قلنا: إنه يشطر ماله وتؤخذ الزكاة من الجياد قلنا: إن هذا فيه تعزير بالمال، يعني وقعوا في مثل ما فروا منه، ولم يحصل حل للإشكال. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 10 على كل حال الذي يصحح الحديث، وهو على مقتضى طريقتهم بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قالوا: إن الحديث بهذه السلسلة يكون حسناً، والحسن يحتج به في الأحكام، ولكن ليس هذا بمبرر؛ لما حصل في بعض الأقطار، وفي بعض الأمصار والأعصار أن يتسلط الظلمة على أموال الناس، ويعاقبوهم بالأموال، ويعزروهم بالأموال، ويأخذوها لأنفسهم لا، هذه العقوبات وهذه التعزيرات إنما تكون لبيت المال، ليست للأشخاص؛ لأن الشراح ذكروا أن بعض الظلمة استغلوا مثل هذا الحديث فصاروا يفرضون الأموال لأنفسهم، وهذا لا يجوز بحال. ((عزمة من عزمات ربنا)) حق من حقوق الله، وحق الله -جل وعلا- لبيت المال، بيت مال المسلمين، ((ليس لآل محمد منها شيء)) مقتضى قوله: ((عزمة من عزمات ربنا)) هل للساعي أو من فوقه من ولاة الأمر أن يتنازلوا عنها ما دامت عزمة من عزمات ربنا؟ حق من حقوق الله؟ مقتضى اللفظ أنه ليس لأحد أن يتنازل، هذا حق ثابت لله -جل وعلا- كسائر الحقوق، كالكفارات مثلاً، ليس لأحد أن يتنازل عنها، فهي من حقوق الله، ((ليس لآل محمد منها شيء)) الزكوات والصدقات ((إنما هي أوساخ الناس)) {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة] وما ينتج عن التطهير كالثوب إذا غسل فغسالته وسخة، والزكاة الذي تطهر بها النفوس فيها وسخ، هي أوساخ الناس، فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد، لا يحل منها شيء. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 11 وآل محمد يختلف فيهم أهل العلم، فعند الشافعية والحنابلة أنهم آل هاشم وآل المطلب، لم يفترقوا بجاهلية ولا إسلام، فكلهم من الآل، ومنهم من يخص الآل ببني هاشم، ومنهم من يخصهم بأهل الكساء، العباس وعلي والحسن والحسين، وعلى كل حال هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، لو ادعى شخص أنه من آل محمد، أو استفاض عن شخص أنه من آل البيت، وزعم أنه ليس من آل محمد، وهذه الدعوى سواءً كانت بالنفي أو الإثبات مشتملة على جلب نفع، وعلى دفع ضر، تقبل دعواه فيما لا يجلب له نفعاً، لو قال: إنه من آل محمد قبلنا دعواه ما أعطيناه من الزكاة، لكن هل نقبل دعواه في إعطائه من الخمس؟ إلا ببينة، وإذا قال: إنه ليس من آل محمد قبلنا دعواه في عدم إعطائه من الخمس، ولم نعطه من الزكاة إذا استفاض أنه من آل البيت إلا ببينة وهكذا. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 12 ((ليس لآل محمد منها شيء)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وعند أحمد والنسائي: ((وشطر إبله)) والإبل من المال، يعني تنصيص على بعض الأفراد لا يقتضي التخصيص، لا يقال: إذا كان ماله من غير الإبل لا يشطر ماله ولا يؤخذ شطره، إنما التنصيص على الإبل، في هذه الرواية تنصيص على فرد من أفراد العام، وهذا لا يقتضي التخصيص عند أهل العلم، إلا إذا كان الحكم مخالف لحكم العام، وهنا موافق "والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه" صحيح الإسناد، ما قال على شرط الشيخين، أو على شرط واحد منهما، البخاري علق لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والمعلقات ليس لها حكم الصحيح، فلا يقال على شرط البخاري؛ لأنه خرج لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهذا يجرنا إلى مسألة، وهي أيهما أقوى وأرجح وأجود، ما يروى عن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أو ما يروى عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؟ منهم من قال: إنما يروى من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أقوى مما يروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن البخاري علق لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ولم يعلق لعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومنهم من يقول: العكس، ما يروى من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أقوى مما يروى من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والتعليق لبهز بن حكيم في صحيح البخاري لا يعني أن البخاري صحح له، وإنما عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحح له البخاري فيما رواه عنه الترمذي، فيما نقله عنه الترمذي. "وقال أحمد: هو عندي صالح الإسناد" طيب "صالح الإسناد" أشرنا سابقاً أن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج أو الاستشهاد، أعم من أن تكون للاحتجاج فتكون صحيحة أو حسنة، أو للاستشهاد بأن تكون ضعيفة لضعف ليس بشديد، فتصلح للاستشهاد والاعتضاد. والعلماء حينما شرحوا قول أبي داود: "وما سكت عنه فهو صالح" ابن الصلاح ومن يتبعه يجعله بمنزلة الحسن. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 13 "وقال الشافعي -رحمه الله-: لا يثبته أهل العلم بالحديث" لأن بهزاً بذاته فيه كلام لأهل العلم، ويرون أن في المتن نكارة، ومخالفة لنصوص كثيرة تدل على احترام أموال المسلمين، وأنه لا يجوز أخذ شيء منها إلا بطيب نفس، وهنا: تؤخذ قهراً منه، فرأوا أن في متنه نكارة، فقال الشافعي "لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلت به" والشافعي -رحمه الله تعالى- صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، فيلزمه في مسائل كثيرة لا يراها أن تكون من مذهبه؛ لأن الأخبار صحت بها "وذكر ابن حبان: إن بهزاً كان يخطئ كثيراً" نعم قيل فيه ذلك، ولذلك سبب إنزال هذه السلسلة من الصحيح إلى الحسن هو الكلام في بهز، بينما سبب إنزال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من الصحيح إلى الحسن هو الاختلاف في عود الضمير في قوله: عن جده، هل يعود إلى عمرو، أو يعود إلى أبيه شعيب، ويترتب على ذلك أنه إذا عاد إلى عمرو فالجد محمد، فيكون الخبر مرسل، وإذا عاد الضمير إلى شعيب وهو الأقرب في الذكر كان الجد عبد الله بن عمرو كما مر بالحديث الذي سقناه آنفاً. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 14 "وذكر ابن حبان أن بهزاً كان يخطئ كثيراً، ولولا رواية هذا الحديث لأدخلته في الثقات" لأنه يرى أن في هذا الحديث مخالفة لما تقرر في عمومات الشريعة وقواعدها أن مال المسلم محترم ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) فالأموال محترمة، وإذا صح مثل هذا الخبر فإن هذا ليس بمبرر أن يسترسل في العقوبات بالأموال، فالأصل أن مال المسلم محترم، يعني إذا قرر عقوبة ولو بمبلغ يسير فإن هذا التقرير لا يكون إلا عن تثبت وعن دراسة واعية، لا يكون لأدنى سبب، ولا يكون إلا لمبرر قوي، يجعل الأخذ من مال المسلم من غير طيبة نفس منه، يعني له مبرر، وله وجه بحيث تطمئن النفس إلى أخذه، أما أن يتساهل في الأموال، وكل شيء يؤخذ عليه مال هذا أمر لا شك أنه مخالف للعمومات، يعني فرق بين من يغرق أسواق المسلمين وشوارع المسلمين وأزقة المسلمين بالمياه وبين من يتسرب من بيته شيء يسير، ينبغي أن يلاحظ مثل هذا الأمر، فليس لأدنى شيء تؤخذ الأموال، خرج ماء يسير، ثم إذا جاء إلى الباب ملصق عليه عقوبة، هذا كلام ليس بصحيح، من الذي يستطيع أن يحتاط لكل شيء، لكن شخص أهدر الأموال، وأهدر الماء المتعوب عليه، وآذى الناس في طرقاتهم مثل هذا قد ترتاح النفس إلى تعزيره بالمال، فالأمور تقدر بقدرها، فالأصل المنع، فإذا وجد مبرر قوي يجعل النفس تقرر العقوبة وهي مرتاحة هذا شيء آخر، والحديث أصل في الباب ((فإنا آخذوها وشطر ماله)) فعلى من ولي هذا الأمر أن يحتاط لهذا الأمر. "ولولا رواية هذا الحديث لأدخلته في الثقات، قال: وهو ممن أستخير الله فيه" هو متردد في بهز بن حكيم هل هو من الثقات أو من الضعفاء؟ هو كلامه في المجروحين "وهو ممن أستخير الله فيه" وعلى قاعدته وجادته في التساهل أن يجعله في الثقات؛ لأنه وثق من هو دونه. قال المؤلف: "وفي قوله نظر، بل هذا الحديث صحيح، وبهز ثقة عند أحمد وإسحاق وابن معين وابن المديني وأبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، والله أعلم" وإن لم يصل إلى درجة الثقات؛ لأن فيه كلام لأهل العلم، نعم عنده أخطاء كثيرة، وخالف الثقات، ومع ذلك لا يصل إلى درجة الضعف. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 15 "وقال أبو داود حدثنا سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم -وسمى آخر- عن أبي إسحاق" جرير بن حازم وآخر يؤثر هذا في الإسناد؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لأن الآخر قدر زائد على المطلوب، ومسلم يروي عن ثقة وآخر، وهذا الآخر فتش عنه فإذا به ابن لهيعة، هل يضر إسناد مسلم أن يعطف على الثقة غيره؟ لأن الخبر يثبت بالثقة، البخاري يروي الخبر عن طريق رجلين أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فيذكر الثقة ويسقط الضعيف، وهذا في عدة أحاديث، هل هذا الإسقاط مندرج في تدليس التسوية أو لا؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . لأنه اعتمد على الثقة والضعيف قدر زائد لا داعي لذكره، فليس هذا من تدليس التسوية. "قال: أخبرني جرير بن حازم -وسمى آخر- عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور" عاصم بن ضمرة والحارث الأعور مثل، الآن عطف الحارث وهو تالف على عاصم "عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان لك)) " هذا الخبر مضعف؛ لعنعنة أبي إسحاق، وإلا عطف الحارث والمجهول على غيرهما من الثقات لا يضر. على كل حال هو مضعف بعنعنة أبي إسحاق السبيعي، وهو مدلس، وهو مختلف في رفعه ووقفه، والذين رووه عنه مرفوعاً كلهم رووا عنه بعد الاختلاط، فالموقوف أصح. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 16 "عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول)) " الحول شرط في الزكاة عند عامة أهل العلم إلا في الخارج من الأرض {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] ((وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً)) " يعني عشرين مثقال ((فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار)) يعني في الذهب والفضة ربع العشر، فالمائتا درهم عشرها عشرون، وربع العشر خمسة والعشرون دينار عشرها ديناران، وربع العشر نصف دينار، وذكرنا في درس الأمس أن إنساناً وجب عليه نصف دينار، فأخرج ديناراً كاملاً، كثيراً ما يجب في الزكاة كسور، زكاته أربعة آلاف وتسعمائة وخمسين، يدفع خمسة آلاف، أكثر من الواجب وهكذا، إذا دفع هذه الزيادة على القدر الواجب فإن كانت متميزة فلا شك أنها ولا خلاف في أنها نفل، وإذا كانت غير متميزة فمن أهل العلم من يقول: كلها واجبة ومنهم من يقول: الواجب ما أوجب الله عليه والقدر الزائد نفل، على ما تقدم شرحه. ((وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً)) وتعادل أحد عشر جنيهاً، وما يزيد على النصف بقليل، يعني قالوا: حدود أربعة أسباع الجنيه. ((فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك)) يعني عندك واحد وعشرين دينار، اثنين وعشرين دينار، خمسة وعشرين دينار، ما نقول: ما بين العشرين والأربعين وقص، كما نقوله في بهيمة الأنعام، كل شيء بحسابه، عندك ثمانية وعشرين دينار ربع العشر، عندك ثلاثون ديناراً ربع العشر، العشر ثلاثة، ربعها دينار إلا ربع خمسة وسبعين بالمائة من الدينار، وهكذا، فالأموال بحسابها، وفي حكمها عروض التجارة؛ لأنها تحسب بالأموال. " ((فما زاد فبحساب ذلك)) قال: فلا أدري أعلي يقول: فما زاد فبحساب ذلك، أو رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ " يعني مع الخلاف في رفعه ووقفه إلا أن هذه الجملة مشكوك فيها. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 17 "وليس في مال زكاة حق حتى يحول عليه الحول" الحول شرط لوجوب الزكاة عند عامة أهل العلم، ما عدا الخارج من الأرض، فإن زكاتها تجب يوم حصادها. "إلا أن جريراً قال: ابن وهب يزيد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" جرير بن حازم يزيد .. ، الآن عندكم قال، النقطتان بعد قال، وإلا قال ابن وهب؟ بعد قال وقبل ابن وهب؟ طالب:. . . . . . . . . لأنه يتغير به المعنى، علامات الترقيم هذه مهمة جداً جداً، يتغير بها المعنى، إذا قلت: إلا أن جريراً قال ابن وهب، ووضعت النقطتين يزيد في الحديث صار الذي يزيد في الحديث جرير، والقائل هذا الكلام هو ابن وهب، وإذا قلت: إلا أن جريراً قال، وصار ابن وهب من مقول القول، صار الذي يزيد في الحديث ابن وهب، والقائل هو جرير، فينقلب المعنى تبعاً لوضع النقطتين بعد قال أو بعد ابن وهب، ينقلب المعنى، هاه؟ عندنا "إلا أن جريراً قال: ابن وهب يزيد في الحديث" قال تحتاج إلى نقطتين، قال القول ومقول القول، بعد القول والقائل ومقول القول نحتاج إلى نقطتين، ووضعهما يحتاج إلى عناية، فإذا قلت: إلا أن جريراً قال: ووضعت النقطتين ابن وهب يزيد في الحديث، فالقائل هو جرير، والذي يزيد في الحديث هو ابن وهب، وإذا قلت: إلا أن جريراً قال ابن وهب: يزيد في الحديث، فيكون الذي يزيد جرير والقائل هو ابن وهب، يعني مثال ثاني، يعني في بعض الكتب التي ادعي تحقيقها، في حديث اقتناء الكلب ينقص من أجره كل يوم قيراط، رواه مسلم، وفي رواية -وضع نقطتين- له قيراطان، المعنى انقلب، بدلاً من أن ينقص من أجره قيراط، صار يكسب كل يوم قيراطان، وصحة التصرف في مثل هذا تقتضي وفي رواية له، يعني لمسلم، ثم ضع نقطتين قيراطان، يعني ينقص من أجره قيراطان، علامات الترقيم مهمة جداً، إما أن تتركها لفهم القارئ وإلا ضعها في مكانها، يعني وضعها في مكانها هو الأسلم والأصح والأدق، لكن إذا كان احتمال أن تضعها في مكانها، أو في غير مكانها اتركها. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 18 نعود إلى ما معنا، إلا أن جريراً قال ابن وهب يزيد في الحديث، قال: ابن وهب يزيد في الحديث، أو إلا أن جريراً قال ابن وهب: يزيد، أيهما أصح؟ إذا نظرنا في السند، نعود إلى السند هل يمكن أن يقول الشيخ: إن التلميذ يزيد في الحديث؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . هل يمكن أن يقول الشيخ: إن التلميذ يزيد في الحديث؟ أو أن التلميذ يقول: إن شيخه يزيد في الحديث؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم التلميذ هو الذي يقول: إن شيخه يزيد، إذا عرضه على رواية الثقات الأثبات ووجد أن هذه الزيادة عنه وليست عند غيره حكم بأن هذه الزيادة من شيخه، لكن لا يمكن أن يحكم الشيخ بأن هذه الزيادة من تلميذه، ظاهر وإلا غير ظاهر؟ طالب: ظاهر يا شيخ. إذاً صواب الترقيم أن يقال: إلا أن جريراً قال -ضع نقطتين- صح وإلا غلط؟ غلط، إلا أن جريراً (قال ابن وهب) تضعها بين شرطتين، إلا أن جريراً يزيد في الحديث، وهذا الكلام من مقول ابن وهب، فتضع إلا أن جريراً، الكلام الذي في النسخة التي معنا صواب، جريراً ضع شرطة قال ابن وهب ضع شرطة الثانية، ثم ضع النقطتين، يزيد في الحديث، فالذي يزيد الحديث جرير الشيخ، والقائل هو التلميذ ابن وهب "يزيد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وليس في مال زكاة حتى يحول عليها الحول)) قال أبو داود: رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه" الذين رووه موقوفاً على علي شعبة وسفيان، رووه موقوفاً عن أبي إسحاق، وأبو إسحاق كما هو معروف مدلس، واختلط، وشعبة وسفيان ممن روى عنه قبل الاختلاط وشعبة كفانا تدليسه، فما يروى من طريقه فهو أرجح من غيره، فالمرجح أنه موقوف على علي -رضي الله عنه-. "وعاصم بن ضمرة وثقه أحمد وابن معين وابن المديني والعجلي، وتكلم فيه السعدي" من السعدي هذا؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . السعدي؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 52 ¦ الصفحة: 19 الجوزجاني، نعم، الجوزجاني؛ إلا أننا لا نأمن من بعض المتطاولين على العلم وتحقيق كتب أهل العلم من الأدعياء أن يترجم للشيخ عبد الرحمن السعدي، ما هو بعيد؛ لأن لهذا نظائر، له نظائر، في البخاري في حديث أبي موسى ((في آخر الزمان يكثر الهرج)) قال أبو موسى: والهرج بلسان الحبشة: القتل، وجاء واحد من المحققين ومترجم لأبي موسى المديني، المتوفى سنة خمسمائة وتسعين، والكلام في البخاري؛ لأن الأدعياء كثر، فلا نأمن أن يأتي من يترجم للشيخ عبد الرحمن السعدي، المتوفى بعد المؤلف بستة قرون وثلث، ما نأمن مجيء مثل هؤلاء، واحد في رسالة علمية ينقل رأي شيخ الإسلام ابن تيمية من تفسير القرطبي، لماذا؟ لأن القرطبي يستعمل نفس الأسلوب الذي يستعمله شيخ الإسلام كثيراً، ما يقول ابن القيم: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مراراً، وقال شيخنا أبو العباس، والقرطبي يقول كذلك، فهذا ألف القراءة في كتب ابن القيم وشيخه أبو العباس هو ابن تيمية، ويسمع سمعت شيخنا، راجعت شيخنا مراراً، مثلما يقول ابن القيم، أبا العباس، يقوله القرطبي، ويقصد بذلك شيخه أبا العباس القرطبي صاحب المفهم، والقرطبي المؤلف قبل شيخ الإسلام، التلميذ قبل شيخ الإسلام، يعني أنت عاد تقول: عنده شبهة، الفرق يسير يعني، لكن يترجم لأبي موسى المديني بدل من أبي موسى الأشعري، في صحيح البخاري! يعني المسألة من يخفى عليه وفاة البخاري؟ مائتين وستة وخمسين، هذا تطاول لا يمكن احتماله، ولذا أقول: يأتي من يأتي ممن يزعم التحقيق من المرتزقة فيترجم للشيخ عبد الرحمن السعدي، فينتبه لمثل هذا، التواريخ تكشف الزيف، لما استعمل الرواة الكذب استعمل العلماء التاريخ، فكمن راوٍ ادعى لقاء فلان، أو الرواية عن فلان فلما سئل عن مولده افتضح، يعني قد يدعي أنه سمع من شخص مات قبل ولادته بسنين، وهذا له أمثلة عند أهل العلم في كتب الجرح والتعديل، في كتب المصطلح، نعم السعدي يعني شهرته بهذه النسبة أقل من الجوزجاني، يعني لو قال: إنه الجوزجاني ما أوقع في لبس انتهى الإشكال، ومثل هذا الاصطلاح ومثل هذا الاستعمال يجعل بعض الناس في حيرة. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 20 شخص دخل معرض كتاب دولي فيه ألوف النسخ من الكتاب الذي يطلبه، في كل دار نسخة من هذا الكتاب الذي يبحث عنه، وخرج ما اشترى الكتاب، يمر للمكتبات عندك تفسير القرشي؟ والله ما عندي تفسير القرشي، عندك تفسير القرشي؟ والله ما عندي، يقصد ابن كثير، يعني لو قال: تفسير ابن كثير انتهى الإشكال في أول دار، فكون الإنسان يعمد إلى نسبة لم يشتهر بها الشخص، قد يوقع بعض الناس في لبس. "وتكلم فيه السعدي وابن حبان وابن عدي والبيهقي وغيرهم، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال الثوري: كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الأعور" هذا ما يشك فيه أحد، الحارث الأعور تالف، رمي بالكذب، وهو رافضي معروف، لكن مقارنة حديث عاصم به يعني هذه طريقة أهل العلم، لكن ليس بينهما نسبة، ليس بينهما نسبة، عاصم وثقه أحمد وابن معين وابن المديني والعجلي، تكلم فيه السعدي، وابن حبان أيضاً تكلم فيه وابن عدي والبيهقي وغيرهم، لكن قال النسائي –مع أنه معروف بالشدة في أحكامه على الرواة- قال: ليس به بأس، ومع ذلك يقرن بالحارث الأعور؟ لا، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: السلام عليكم. وعليكم السلام. طالب: عندي سؤال من فضلك؟ تفضل. طالب: يجوز أن أحكي مع بنت عمي في. . . . . . . . . في سورية، وأنا هنا يجوز أحكي معاها؟ تحكي معها في الزواج؟ طالب: لا، لا، سلام بس يعني. وهي محرم لك؟ طالب: لا بالعدة بالعدة. أعرف أعرف، لكن هي تحتجب عنك؟ طالب: هي بالعدة؟ لكن أنت أجنبي عنها، يعني ابن عم، لست بمحرم من محارمها. طالب: أخت المرة. لا ما يجوز، ما يجوز، ما يجوز. هل يجوز العمل بعدة نوايا في عمل واحد مثل سنة الفجر وتحية المسجد وركعتي الوضوء؟ نعم هذه تتداخل، لكن لو طاف قبل صلاة الصبح، وأراد أن يدخل ركعتي الصبح مع ركعتي الطواف قلنا: لا؛ لأن هذه مقصودة لذاتها، وتلك مقصودة لذاتها. قوله: تبيعاً أو تبيعة هل يمكن أو يحتمل أن يكون هذا شك من الرواة؟ لا، هذا تخيير هذا، تخيير. قال: ما حكم حلق اللحية؟ جاءت الأوامر بإعفائها وإكرامها، وعدم التعرض لها، فحلقها حرام. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 21 هل لي أن أحلقها لو أجبرني ولي الأمر الحاكم، وإذا لم أحلق فإنني سأسجن أو أتعرض للأذى؟ المكره لا ذنب له، لكن يبقى هل الإكراه ممن يملك؟ وهل هو بالفعل إذا أنذر وتوعد يفعل أو هو مجرد تخويف؟ لأن بعض الناس يخيل إليه أنه إذا أعفى لحيته سجن، أما إذا كان حقيقي وممن يملك فالمكره غير مؤاخذ، لكن لا يبادر ولا يسارع إلى الحلق قبل أن يلزم بذلك ويهدده من يستطيع الفعل. ما معنى قوله: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم))؟ يعني على مواردهم التي ترد إليها مواشيهم، وتجتمع عليه؛ لئلا يتعب في ذلك الساعي، ولا صاحب المال. يقول: نحن قبائل بدو سيناء نصوم مع السعودية منذ زمن طويل، وتربطنا صلة قرابة، ونتبادل الأعياد والاتصالات، وهم لا يحسبون بالفلكي والحساب بالرؤيا؟ لا بأس، أسلوبه يعني فيه شيء من الاضطراب وعدم الوضوح، على كل حال إذا كان في البلد الذي تسكنون فيه من يعتمد الرؤية الشرعية وهم ثقات، فصومكم في بلدكم، وفطركم تبعاً لرؤية بلدكم، إذا كانوا يصومون بالحساب وبأقوال الفلكيين .. ، يعتمدون أقوال الفلكيين ولا يتعرضون لرؤية فأنتم تصومون مع من يعتمد الوسائل الشرعية. متى يكون التأمين خلف الإمام؟ وما هو الضابط في ذلك؟ ((إذا قال الإمام: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقولوا: آمين فإنه من وافق تأمينه)) يعني لا تتأخر عن الإمام بعد انقطاع نفسه، ولا توافقه ولا تسابقه، فإذا انتهى من قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقل: آمين، ((فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له)). يقول: أنا أعمل في مجال الدفاع المدني، وإنني أصادف حوادث بها موتى، هل يجوز الصلاة على الميت قبل تغسيله وتكفينه؟ لا يجوز حتى يغسل ويكفن ويقدم للصلاة. تقول: ما الأفضل والأنفع ديناً لأنثى تحفظ القرآن حفظاً جيداً دراسة اللغات والتخصص فيها من خلال الكليات الخاصة أم التخصص في دراسة اللغة العربية؟ الجزء: 52 ¦ الصفحة: 22 دراسة اللغات يعني العربية وغير العربية؟ هذه التي تحفظ القرآن جيداً، لماذا لا تتخصص في العلم الشرعي فيما يتعلق بالقرآن، وما يخدم القرآن؟ الأولى أن تعيش مع القرآن، ما دام حفظت القرآن، ويسر الله لها حفظ القرآن أن تعيش مع القرآن فيما يخدم القرآن. يقول: كيف الحصول على أشرطتكم في شرح منتهى الإرادات في مكة؟ وإلى أي باب وقفتم؟ منتهى الإرادات كتاب عسر وشديد على كثير من طلاب العلم، بدأنا به وأشهر يعني ما استمرينا فيه، أظن أنهينا كتاب الطهارة، أو ما أنهيناه نسيت، لكن الأشرطة موجودة في تسجيلات الراية بالرياض، على كل حال الكتاب فيه عسر، فعدلنا عنه إلى مختصر الخرقي. يقول: إذا جاز إخراج الزكاة من بلد التي أخرجت منه الزكاة إلى مستحقين في بلد آخر؟ جواب الشرط لم يأتِ. رجل يأخذ أموال الصدقات ويوزعها على المحتاجين هل له أجر؟ هو في هذا يخدم أرباب الأموال، ويتعاون معهم، ويخدم أيضاً المحتاجين فهو مأجور -إن شاء الله تعالى-؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى. يقول: ذكر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- أن لغة الشافعي هي تسهيل الهمزة، بمثل موتصل وموتجر، كما في تحقيقه لكتاب الرسالة حيث أنها كتبت بهذه الطريقة، من أول الكتاب إلى آخره، وليست لغته تحقيق الهمزة؟ الذي في شافية ابن الحاجب هو تحقيق الهمزة، وقد ترجعون إلى جميع النسخ المطبوعة من شافية ابن الحاجب فلا تجدون هذا الكلام، وأنا وقفت عليه في نسخة خطية في مكتبة المسجد النبوي. تقول: أصبحت حائضاً في الطريق للعمرة من حلب، وقد استمر الحيض تسعة أيام، وعادتي هي سبعة فقط، ماذا أفعل إذا استمر الحيض؟ وكيف أحرم؟ إذا مررت بالمحرم، وغلب على ظنك أنك تجلسين إلى الطهر فتحرمين وتبقين على إحرامك حتى تطهري، وإذا غلب على الظن أن الرفقة يرجعون ولا تتمكنين من أداء العمرة فإنك لا تحرمين، أو اشترطي إذا أحرمتِ، فإذا انقطع الدم هذان اليومان إذا كان الوصف وصف دم الحيض بجميع خصائصه فإنه من الحيض ولو لم يتكرر. يقول: عندنا في مصر تجد على أقل شيء من يفرض على الناس نقوداً تحت أي بند وليس لك الخيار في ذلك؟ على كل حال إذا كنت مجبراً فأدِ الذي عليك، واسأل الله الذي لك. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 23 يقول: هل يشترط تعلم علم العلامات، ثم نلجأ للتحقيق؟ لا يسوغ بالمحقق، ولا يسعه جهل علامات الترقيم؛ لأنه إذا ما اعتنى بها، ووضعها في أماكنها، فما معنى التحقيق حينئذٍ. هل يجب تعميم الزكاة على الأصناف الثمانية، أم يجوز صرفها إلى صنف واحد؟ في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن، قال: ((فإن أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنائهم فترد في فقرائهم)) قال أهل العلم في هذا دليل على أنه يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد. يقول: هل يؤخذ مقدار الزكاة من غير المسلمين ضريبة؟ لا يجوز أخذ غير العشر في تجاراتهم والجزية، الجزية من أهل الكتاب. هل في صغار المواشي زكاة؟ الصغار إن قصد بها التي تعيش على اللبن ولا ترعى هذه ليس فيها زكاة؛ لأنها ليست سائمة، وإن قصد بالصغار التي تلحق أماتها وترعى معها فهذه تبعاً لأمهاتها، نتاج السائمة له حكمها. ونكتفي بهذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الزكاة (3) الشيخ: عبد الكريم الخضير بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال المؤلف -رحمه الله-: باب: زكاة المعشرات عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ليس فيما دون خمسة أواقٍ من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) رواه مسلم. وفي لفظ له من حديث أبي سعيد: ((ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة)) وفي لفظ له بدل التمر: ((ثمر)) بالثاء المثلثة. وعن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) رواه البخاري، ولأبي داود: ((فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر)) وإسناده على رسم مسلم. وعن سفيان عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثهما إلى اليمن، فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم، وقال: ((لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) رواه الطبراني والحاكم، وطلحة روى له مسلم. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 1 وعن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)) رواه الدارقطني والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وزعم أن موسى بن طلحة تابعي كبير، لا ينكر أن يدرك أيام معاذ، هكذا قال، وإسحاق بن يحيى تركه أحمد والنسائي وغيرهما، وقال أبو زرعة: موسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمر مرسلاً، ومعاذ توفي في خلافة عمر، فرواية موسى عنه أولى بالإرسال، وقد قيل: إن موسى ولد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وسماه، ولم يثبت، قيل: إنه صحب عثمان مدة، والمشهور في هذا ما رواه سفيان الثوري عن عمرو بن عثمان .... عمرو بنِ عن عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة قال: عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر. وعن عبد الرحمن بن مسعود قال: جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا، قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وأبو حاتم البستي والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال البزار: لم يروه عن سهل إلا عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، وهو معروف، وقال ابن القطان: هذا غير كاف فيما يبتغى من عدالته، فكم من معروف غير ثقة، والرجل لا يعرف له حال، ولا يعرف بغير هذا، كذا قال، وفيه نظر. وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لونين من التمر الجعرور ولون الحوبيق ... الحَبِيق، الحَبِيق. ولون الحَبِيق، وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم فيخرجونها في صدقاتهم، فنزلت: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] رواه أبو داود والطبراني، وهذا لفظه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقد روي مرسلاً، قال الدارقطني: وهو الأولى بالصواب. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 2 وعن سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي، قال: قلت: يا رسول الله إن لي نحلاً؟ قال: ((أدِ العشر)) قلت: يا رسول الله احمها لي، فحماها، رواه أحمد وابن ماجه، وهذا لفظه، وقال البيهقي: هذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه، وهو منقطع، وقال البخاري وغيره: ليس في زكاة العسل شيء يصح. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: زكاة المعشرات يريد بذلك الخارج من الأرض من الزروع والثمار، وما في حكمها، مما يختلف فيه أهل العلم. المعشرات قيل لها ذلك لأنه يجب فيها العشر، أو نصفه، أو ثلاثة أرباعه، على ما سيأتي. قال -رحمه الله-: "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((ليس فيما دون خمسة أواقٍ من الورق صدقة)) " خمس أواق: جمع أوقية، والأوقية أربعون درهماً، الخمس مائتا درهم، وهذا تقدم ذكره من الورق، يعني من الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة؛ لأن النقدين هما الأصل فيما يتعامل به، الذهب والفضة، وقيمتهما فيهما، بحيث لا يمكن إلغاؤهما، ما يمكن إلغاء الدينار من الذهب أو الدرهم من الفضة؛ لأن القطعة تحمل القيمة، سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة، يعني ليس التعامل بالذهب والفضة في الأمان مثل التعامل بغيرهما من النقود التي هي في الحقيقة عوض عن الذهب والفضة، فخمس أواق مائتا درهم وزناً، هذا نصاب الفضة الورق، وفيها ربع العشر كما تقدم بيانه. ((ليس فيما دون خمسة أواقٍ من الورق صدقة)) لأن النصاب مائتا درهم، والخمس الأواق في أربعين مائتا درهم، فإذا نقصت، فإذا لم يكن عند الرجل إلا مائة وتسعين، أو مائة وتسعة وتسعين، لكن النص جاء على مائة وتسعين، وعرفنا فيما تقدم أن الحساب يكون فيما فوق الآحاد بالعقود، والعقد الذي يلي المائتين هو مائة وتسعين. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 3 ((ليس فيما دون خمسة أواقٍ من الورق صدقة)) لأنها لم تبلغ النصاب ((وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) الذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر، وذود وصف لخمس، الخمس ذود؛ لأنها بين الثلاثة إلى العشرة، أما إذا قلنا: وليس فيما دون خمسِ ذودٍ، خمسِ بالإضافة اختل المعنى، المعنى نحتاج إلى خمسة أذواد، والذود من الثلاثة إلى التسعة، يعني أقل تقدير يكون النصاب خمسة عشر، لكن الذود وصف لخمس، فالخمس ذود؛ لأنها واقعة فيما بين الثلاث إلى التسع عند بعضهم، أو إلى العشر عند أكثر أهل اللغة، الذي ليس عنده خمس من الإبل ليس فيها زكاة في الأربع ليس فيها زكاة، الثلاث الثنتان الواحدة إلا أن يشاء ربها كما تقدم، فيخرج صدقة نفل ليست بواجبة، والكلام هنا في الصدقة الواجبة الزكاة. ((وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) خمسة أوسق يعني بعض الروايات عند مسلم: ((من الثمر)) الذي يشمل التمر وغير التمر. ((خمسة أوسق)) الوسْق ويقال: الوسَق ستون صاعاً، فإذا ضربنا الستين في خمسة يكون النصاب ثلاثمائة صاع من التمر، إذا قلت عن ثلاثمائة صاع قالوا: يعفى عن الشيء اليسير الحبة والحبتين، لكن إذا قلت شيئاً مؤثراً يلتفت إليه فإنه ليس فيها صدقة. ((وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) هذا هو النصاب، خمسة أوسق ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي، الذي هو عبارة عن أربعة أمداد، والمد هو ما يملأ كفي الرجل المتوسط، لا بكبير اليدين ولا بصغير اليدين. ((وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) رواه مسلم، وفي لفظ له من حديث أبي سعيد: ((ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة)) تمر ولا حب دل على أن الزكاة في الثمار والحبوب ((ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة)) وفي لفظ له بدل التمر: ((ثمر)) بالثاء المثلثة. ويأتي الخلاف فيما تجب فيه الزكاة مما يخرج من الأرض في. . . . . . . . . فيوجب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض، وهذا سيأتي. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 4 قال -رحمه الله- بعد ذلك: "وعن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر)) " فيما سقت السماء بالمطر أو بالبرد أو بالطل الذي يتحلل فيما بعد مع دفء الجو، وينزل على المزارع إذا كان يكفيها، فهو المطر، أو البرد إذا نزل من السماء ثم ماع في الأرض صار ماءاً. ((أو كان عثرياً)) يعني يعثر على الماء بعروقه، بأن يكون الماء قريباً من سطح الأرض، فيشرب الماء بعروقه، ولا يحتاج إلى سقي يترتب عليه كلفة ومؤونة. ((العشر)) لأن هذه تسقى من غير فعل الآدمي، فزاد فيها حق الله -جل وعلا- إلى أن وصل إلى العشر، أكثر من غيرها، وكلما سهل الحصول على المال كثرت فيه الزكاة، أو زاد نصيب الفقراء منه، وإذا صعب الحصول عليه قل، هذا الأصل؛ لأنه قد يقول قائل: أنا أتعب كثيراً في تحصيل الأموال، وفلان لا يتعب، لماذا لا تكون الزكاة عليه أكثر من الزكاة علي طرداً لمثل هذا الكلام؟ يعني قد يخرج الاثنان إلى السوق في ظروف متشابهة، ويتعاملون بمعاملات متقاربة، فيرجع هذا بالألوف، وهذا قد يرجع بشيء يسير، وقد لا يرجع بشيء، ثم في النهاية إذا حال الحول فإذا بأحدهما عنده مائة ألف، والثاني عنده عشرة آلاف، هل نقول: هذا الذي سهل عليه الكسب وكسب مائة ألف خلال عام عليه أكثر من زكاة الثاني؟ لا، هذا يقتصر على ما ورد فيه النص؛ لأن بعض الناس تيسر له أسباب التجارة، ويربح الأرباح الطائلة من غير عناء ولا مشقة، والسبب في هذا عدم مراعاة مثل هذا الأمر أنه لا ينضبط، ما يمكن ضبطه، بينما ما جاء فيه النص يمكن ضبطه، وأما ما عداه من أنواع التجارات فلا يمكن ضبطه. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 5 نقول لهذا الشخص الذي كسب الأموال الطائلة، وتيسرت له أسباب الكسب، ووجوه الربح، الواجب عليك أن تخرج من ربع العشر في تجارتك، إذا لم تكن مما حد فيه، إذا لم تكن التجارة من الإبل، أو من بهيمة الأنعام، أو من الخارج من الأرض، أو من العسل، أو الركاز أو المعادن على ما يختلف فيه أهل العلم، ما عدا ذلك من الأموال، وعروض التجارة كلها زكاتها ربع العشر، نقول مثل هذا؛ لأنه قد يقال: إذا كان المنظور إليه فيه تفاوت القدر الواجب في زكاة الخارج من الأرض الكلفة والمشقة تخفف الزكاة، قد يقول قائل: أنا أشتغل بناء في الشمس في الظهيرة، وأي كلفة ومشقة أشد من هذا، لماذا تكون زكاتي مثل زكاة الذين يجلسون في الأماكن الباردة الفخمة، ويخدمون ويربحون الأموال الطائلة، ما دام هذه قاعدة الشرع في الخارج من الأرض لماذا لا يكون هذا مثله في التجارات؟ نقول: هذا يقتصر على مورد النص؛ لأن غيره لا يمكن ضبطه. ((فيما سقت السماء والعيون)) التي تجري على وجه الأرض تنبع من الأرض وتجري من غير تعب من الآدمي ((أو كان عثرياً)) يشرب الماء بعروقه ((العشر)) العثري: الذي يشرب الماء بعروقه، الآن من التقنيات التي وجدت عند بعض أرباب المزارع الكبيرة يجعلون الماء تحت الطبقة من الأرض، تحت طبقة من الأرض، فيشرب الماء بعروقه، ويستفيدون وفرة في الماء؛ لأن الماء إذا تعرض للشمس قد يتبخر منه شيء ترون أن الأرض تيبس إذا ضربتها الشمس، لكن إذا مدد له مواصير تحت الأرض ونقط تنقيط تحت الطبقة الأولى يترك له مقدار شبر يحميه من الشمس، هل نقول: إن هذا عثري باعتبار أنه وصل إلى الماء بعروقه أم نقول: إن هذا بفعل الآدمي؟ بفعل الآدمي. ((أو كان عثرياً العشر)) عشرة بالمائة ((وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) بالنضح، بالنواضح بالسانية بالمكائن، بالرشاشات، بغيرها مما يتعب عليه، ويتكلف فيه الآدمي، هذا نصف العشر، وعرفنا أن الزكاة تخفف عن مثل هذا؛ لأنه تعب، تعب عليها، وخسر بسببها الأموال، أما الأول فلم يتعب، فزيد عليه في مقدار الزكاة. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 6 قد يقول قائل: السماء تسقي المزارع، لكن ليس على طول العام في فصل من فصول السنة، ثم ينقطع، ثم تسقى بالنواضح والسواني والمكاين إذا كان النصف، نصف المدة بالسماء والنصف الثاني بالنواضح والسواني هذا ممكن حسابه، فثلاثة أرباع العشر والشيء اليسير لا يلتفت إليه زيادة أيام أو نقص أيام هذا لا يلتفت إليه، المقصود أنه إذا كان فيه كلفة فالزكاة تخف، وإذا لم يتكلف صاحبه فالزكاة تضاعف عليه حتى تبلغ العشر. "رواه البخاري، ولأبي داود: ((فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً)) " قد يقول قائل: ما سقت السماء هذا واضح في كون المخلوق لا دخل له فيه، وقد يتسبب تسقي السماء مكاناً قريباً منه ثم يتسبب في جلبه إلى أرضه، وقد يجلب الماء من النهر إلى أرضه، نعم الأرض على حافة النهر، لكن هذه الأرض تحتاج إلى سواقي تحفظ الماء، أخاديد يمشي معها الماء إلى المراد سقيه، يعني ما في سقي إلا بهذه الطريقة، فيقول: أنا تعبت، عملت هذه الأخاديد، والماء معروف أنه من النهر، إذ لا يمكن جريان ماء على وجه الأرض إلا بالأخاديد، بخلاف أنهار الجنة التي تجري بغير أخاديد. أنهارها من غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضانِ أما في الدنيا تعرفون أنه إذا تركت من غير أخاديد ضاعت وتفرقت يميناً وشمالاً، هل يكفي هذا التعب في وضع هذا الأخدود أن تخفف عنه الزكاة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . كافي؟ طالب:. . . . . . . . . لكنه يخد هذه الأخاديد مرة واحدة في عمره، وتستمر هذه الزروع والثمار تشرب من ماء النهر من غير كلفة ولا مشقة، يعني مثل هذا لا يلتفت إليه مثل حرث الأرض، هل نقول: أنت حرثت وفلان ما حرث؟ هل يؤثر هذا أو لا يؤثر؟ مثل هذه التصرفات التي لا تتكرر لا يلتفت إليها. "ولأبي داود: ((فيما سقت السماء والأنهار والعيون)) " التي تفيض على الأرض ((أو كان بعلاً)) بعلاً يكفيه رطوبة الجو، لا سيما إذا كان فيه شيء من الطل والبعول معروفة. ((العشر)) لأنها لا كلفة فيها ولا مشقة ((وفيما سقي بالسواني)) الدواب التي يتستقى عليها أو يستقى بها، يستنبط بها الماء من الأبئار، أبئار أو آبار؟ الجمع؟ آبار أو أبئار؟ جمع بئر؟ الجزء: 53 ¦ الصفحة: 7 طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . جمع بئر نظيره الأصل أبئار هذا الأصل، لكنهم يسهلونه ويقولون: آبار. ((وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر)) وهذا كما تقدم؛ لأن فيه كلفة ومشقة على صاحبه، فلا يجمع عليه بين هذه المشقة وبين مضاعفة الزكاة. "وإسناده على رسم مسلم" رواية أبي داود سندها صحيح على شرط مسلم، وهي في معنى ما جاء في مسلم، وفي معنى ما جاء في البخاري، يعني في المعنى المتفق عليه. قال -رحمه الله-: "وعن سفيان عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثهما إلى اليمن" تقدم ما جاء في بعث معاذ إلى اليمن، وأنه مكث في اليمن إلى أن مات النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم قدم في خلافة أبي بكر، وأما أبو موسى فقدم على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو في حجة الوداع، وسأله النبي -عليه الصلاة والسلام- بما أحرمت؟ كما سأل علياً -رضي الله عنه- بما أحرمت؟ فقال كل واحد منهما: أحرمت بما أحرم به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلي ساق الهدي مثل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلم يحل حتى بلغ الهدي محله، كفعله -عليه الصلاة والسلام-، قارن، وأما أبو موسى فلم يسق الهدي فأمره بالإحلال، وسيأتي هذا في المناسك -إن شاء الله تعالى-. المقصود أن أبا موسى بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما بعث معاذاً إلى اليمن، لكن معاذ لم يقدم حتى مات النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأبو موسى قدم عليه وهو في حجته. "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثهما إلى اليمن، فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم، وقال: ((لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) " لا، الحصر هذا يقتضي أنه لا زكاة إلا في هذه الأربعة الأصناف، لكن هذا مرتب على درجة الحديث وصحة الحديث، ففيه كلام كثير لأهل العلم. الحديث يقول: عن سفيان، إمام، عن طلحة بن يحيى، وطلحة هذا روى له مسلم كما قال المؤلف عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى ومعاذ بن جبل، فالسند صحيح، التعليق للمحقق حصل فيه بعض الأوهام. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 8 ذكر كلاماً طويلاً في هذا الحديث، وهو مما يتعلق بالحديث الذي يليه، وهو من متعلقات الحديث الذي يليه لأنه قال هنا في التعليق على نفس الحديث، قال: وفي الاتصال بين موسى بن طلحة ومعاذ نظر، فقد ذكروا أن وفاة موسى .. ، ثم قال بعد ذلك: لكن شيخنا الألباني في إرواء الغليل بقوله: وأقول: لا وجه عندي لإعلال هذا السند بالإرسال؛ لأن موسى .. ، موسى موجود في الحديث الذي يليه، نعم؛ لأن موسى إنما يرويه عن كتاب معاذ، ويصرح بأنه كان عنده، فهي رواية من طريق الوجادة، وهي حجة على الراجح من أقوال علماء أصول الحديث، ولا قائل باشتراط اللقاء مع صاحب الكتاب، وإنما يشترط الثقة بالكتاب، وأنه غير مدخول، فإذا كان موسى هذا ثقة، ويقول: عندي كتاب معاذ بذلك فهو وجادة من أقوى الوجادات؛ لقرب العهد بصاحب الكتاب، والله أعلم. وهذا الكلام موجود في الحديث الذي يليه، نعم، ومع ذلك، مع وجود هذا الكلام فيه، وتقوية الألباني، وأنه وجادة موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل وجادة، قال: ضعيف جداً، الحديث الذي يليه، وهذا الحديث الذي معنا صححه، حديث الباب، صحيح وسنده مثلما ترون، سفيان إمام، وطلحة بن يحيى خرج له مسلم، وأبو بردة معروف، تابعي جليل يروي عن أبيه أبي موسى ومعاذ بن جبل، فإسناده صحيح بلا شك، لكن الكلام هل المرجح أنه من قول النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) أو أنه من صنيعهما، فكانا لا يأخذان الزكاة إلا من هذه الأصناف الأربعة، كما في بعض الروايات، هذا المحل الذي يؤثر في دراسة الحديث، يعني هل هو موقوف وإلا مرفوع؟ الحديث حديث الباب نص في أنه مرفوع، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) وبهذا قال جمع من أهل العلم، وأن الزكاة لا تجب بشيء مما يخرج من الأرض إلا هذه الأصناف الأربعة، والحصر صريح في هذا، ومنهم من يقول: يقاس عليها ما يشاركها في العلة، وهي الادخار، كل ما يقتات ويدخر تجب فيه الزكاة. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 9 ومنهم من يقتصر على الادخار، حتى لو كان الخارج من الارض لا يستعمل في الأكل، يستعمل في علاج مثلاً، يستعمل في بهارات مثلاً، يعني ليس قوت، فيقول: إذا وجد الادخار فتجب فيه الزكاة؛ لأن هذه الأمور يجمعها الادخار، يعني نظير ما قالوا في الربويات الذي ينظر إلى العلة يطردها في كل ما يشاركها في علته، والذي لا ينظر إلى العلة، ويقتصر على الوارد كالظاهرية يقول: لا ربا إلا فيما ذكر في الستة الأنواع، ولا زكاة إلا فيما ذكر من هذه الأربعة أنواع، وعلى هذا أهل الحجاز، ((لا زكاة إلا في الأربعة الأصناف)) طيب الشعر والحنطة ماذا عن الأرز؟ فيه زكاة وإلا ما فيه زكاة؟ ماذا عن الذرة، وقد جاء فيها أحاديث لكنها فيها كلام، الأرز فيه زكاة مثل الحنطة وإلا ما فيه؟ طالب:. . . . . . . . . الذي لا ينظر إلى العلة، ويقتصر على الأربع يقول: ما في زكاة، والذي ينظر إلى العلة يقول: لا زكاة في أي خارج من الأرض إلا ما يشارك هذه الأصناف الأربعة في العلة، وهذا هو المعروف عند الحنابلة. الحنفية يقولون: كل ما يخرج من الأرض فيه الزكاة، فيما سقت السماء العشر، فتجب في الفواكه والخضروات؛ لأنها تسقيها السماء ففيها العشر، لكن هذا اللفظ، لا شك أنه عام يدخله التخصيص بمثل هذا النص، يدخله التخصيص، فإن قلنا بالاقتصار على هذه الأربعة، وأخرجنا ما عداها، الآن المحاصيل الزراعية من الحبوب والثمار التي هي خارج هذه الأصناف الأربعة أكثر من هذه الأصناف، الأرز مثلاً لو نظرنا على مستوى العالم وجدناه أكثر من الحنطة، فهل نقول: إن مثل هذه الأموال الطائلة ليس فيها زكاة. الفواكه الخضروات ليس فيها زكاة مطلقاً، وإلا ليس فيها زكاة الخارج من الأرض؟ إنما الزكاة في قيمتها، إذا حال عليها الحول، فالخلاف بين أهل العلم من هذه الحيثية، هل تزكى زكاة الخارج من الأرض؟ فكل ما يخرج من الأرض يزكى عند الحنفية، وعند أهل الحجاز لا يزكى إلا الأربعة، ومن عداهم يقول: تزكى هذه الأربعة وما يشاركها في العلة، ولا شك أن من يقول بالقياس يلزمه أن يقول بزكاة كل ما يتفق مع هذه الأربعة في العلة، الشعير والحنطة والزبيب والتمر. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 10 الذرة جاء فيها أحاديث لا يثبتها أهل العلم بالحديث، لكنها تقتات وتدخر، مثلها الدخن، وأولى منهما الأرز، هذه مشاركة في العلة،. . . . . . . . . يقول: هذه ليس فيها زكاة خارج من الأرض، إنما فيها زكاة .. ، الزكاة في قيمتها إذا حال عليها الحول، وأما قول الحنفية في أن كل ما يخرج من الأرض فيه زكاة بدليل: ((فيما سقت السماء العشر)) فقول ضعيف؛ لأن التخصيص بمثل هذا الحديث وارد. "رواه الطبراني والحاكم، وطلحة روى له مسلم". "وعن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر)) " على ما تقدم؛ لأنه ليس فيه كلفة ولا مشقة ((وفيما سقي بالنضح نصف العشر، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب)) هذا الحديث لو صح لقلنا: إن الحبوب يدخل فيها الذرة، ويدخل فيها الأرز، وفيها إشارة إلى الاشتراك في العلة، مما يسند من يقول بأنه يقاس عليها ما يشاركها في العلة، لكنه فيه كلام، ومضعف عند أهل العلم. ((وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)) لأنه لا يقتات، إنما يؤكل في يومه، وإذا بيع فالزكاة في قيمته إذا بلغت نصاباً ((وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)) يعني ليس فيه زكاة الخارج من الأرض، وإنما إذا كان معداً للتجارة بكميات كبيرة يصفو من قيمتها ما يحول الحول عليه وهو نصاب فأكثر فإنه يزكى زكاة التجارة. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 11 "رواه الدارقطني والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وزعم أن موسى بن طلحة تابعي كبير، لا ينكر أن يدرك أيام معاذ، كذا قال، وإسحاق بن يحيى تركه أحمد" إسحاق بن يحيى بن طلحة هذا متروك، وهذا هو العلة الحقيقية في ضعف الحديث، وليست العلة الخلاف في إدراك موسى بن طلحة لمعاذ؛ لأن روايته عن معاذ كتاب وجادة، والوجادة طريق من طرق التحمل، تحمل الحديث عند أهل العلم، شريطة ألا يشك الواجد في خط من نسب إليه، الوجادة الطريق الثامن من طريق التحمل، قالوا: وهي منقطعة، وفيها شوب اتصال، لماذا؟ لأنك قد تجد خط شخص لا تشك في خطه، فهل يكون متصل؟ من لازمه أن يكون متصل؟ تقف على خط ابن حجر، تعرف خط ابن حجر، نعرف خط ابن حجر، ونعرف خط غيره من خطوط العلماء، نعرف خط السخاوي، ونعرف خط ابن عبد الهادي، ونعرف خطوط كثير من أهل العلم، بما لا يشك فيه، هل معنى هذا أننا إذا وجدنا بخطه أن يكون هناك اتصال؟ لا، هي منقطعة، لكن فيها شوب اتصال، يعني معرفتك لخطه كأنك سمعت منه بدون واسطة؛ لأنك تنقل عنه بدون واسطة، الوجادة لا بد من التأكد بحيث لا تشك أدنى شك في أن هذا خط فلان، وأحياناً تنسب كتب إلى غير أصحابها لأنها وجدت بخطوط غيرهم، فنسبت إليهم، ويحصل الوهم كثير، وهناك حواشي تعلق على الكتب بخطوط تنسب إلى من هي بخطه، وهو في الحقيقة قد نقلها عن غيره، فلا يلزم منها الاتصال، قالوا: هي منقطعة، فيها شوب اتصال، والشيخ -رحمه الله- الألباني يقول: لأن موسى إنما يرويه عن كتاب معاذ، ويصرح بأنه كان عنده، فهي رواية من طريق الوجادة، وهي حجة على الراجح من أقوال علماء أصول الحديث ولا قائل باشتراط اللقاء مع صاحب الكتاب، وإنما يشترط الثقة بالكتاب، وأنه غير مدخول، يعني هل تشترط معاصرة وإلا ما تشترط؟ يعني تشترط معاصرة وإلا .. ؟ تروي عن شخص قبلك بخمسة قرون أو عشرة قرون تقول: عن فلان، ويكون متصل؟ نعم لك أن تقول: وجدت بخط فلان، فلا تعدو حقيقة الأمر كما هو في كثير من المواضع في مسند الإمام أحمد، قال عبد الله: وجدت بخط أبي، هذه ما فيها إشكال؛ لأنه لقيه، وروى عنه ووجد عنه بخطه الذي لا يشك فيه، أما أن تروي عن شخص تقول: متصل ولا تبين الجزء: 53 ¦ الصفحة: 12 أنه وجادة هذا لا يحمل على الاتصال لا بد أن تبين. قال: وإنما يشترط الثقة بالكتاب، وأنه غير مدخول، فإذا كان موسى ثقة، ويقول: عندنا كتاب معاذ، فهي وجادة من أقوى الوجادات؛ لقرب العهد بصاحب الكتاب، والله أعلم. يعني وجد حاشية على المقنع بخط الشيخ سليمان بن عبد الله ابن الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب فطبعت هكذا، وجدت بخطه، والظاهر أنها له، ما لم يوجد تصريح بأنها له فيخشى -وقد وقع- أن تنسب للشيخ جزماً. بعض الناس يورد الشيء على سبيل التردد لعل المراد كذا، ثم يأتي من يجزم بهذا المتردد فيه، وهذا يحتاج إلى مزيد من التثبت، فما دام ما يوجد نسخة تنص على أنها من تأليفه فلا ينسب إليه الكلام -رحمه الله-. الحاشية بطبعة المنار القديمة غير منسوبة لأحد، وهي تختلف عن الحاشية التي طبعت في المطبعة السلفية وهي الموجودة بخط الشيخ، فيخشى مع طول العهد أن يأتي من يأتي ولا يبين مثل هذا الإشكال، وأنها وجادة، وأنها مجرد وجادة، وليس كل ما يوجد بخط فلان من الناس أن يكون من مقوله، قد يكون من الفوائد التي نقلها عن غيره، فإذا قلت: وجدت بخط فلان انتهى الإشكال، بينت حقيقة الأمر، ولذا لا يجوز أن تقول: حدثنا أو سمعت أو قال فلان، وأنت لم تتأكد أنها من قوله. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 13 "رواه الدارقطني والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وزعم أن موسى بن طلحة تابعي كبير" زعم الحاكم أن موسى بن طلحة تابعي كبير "لا ينكر أن يدرك أيام معاذ، كذا قال" لكن إذا كانت روايته عنه على سبيل الوجادة فهذا قد يتجاوز فيه، أما مجرد احتمال أنه أدرك فلا يكفي، احتمال إلا إذا وجدت المعاصرة على قول من يكتفي بها على ما تقدم، وإسحاق بن يحيى وهذا هو العلة الحقيقية، في تضعيف الخبر إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، وإسحاق بن يحيى تركه أحمد والنسائي وغيرهما "وقال أبو زرعة: موسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمر مرسل" فكيف به عن معاذ بن جبل وقد مات سنة كم؟ ثماني عشرة في الطاعون، طاعون عمواس، يعني قبل عمر، موسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمر مرسل، قد يكون الإرسال خفي، يعني يدرك معاذ؛ لأنه في بلد أمكنه لقاء معاذ، ويروي عن عمر مرسل؛ لأنه في بلد غير بلد عمر، فقد يروي عن الشخص المتقدم الوفاة متصلاً، ويروي عن الشخص المتأخر الوفاة مرسلاً؛ لأنه تيسر له لقاء المتقدم ولم يتيسر له لقاء المتأخر، فيكون من المرسل الخفي، موسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمر مرسل "ومعاذ توفي في خلافة عمر، فرواية موسى عنه بالأولى بالإرسال" لكن إذا قلنا: إن رواية موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل بطريق الوجادة، فمن يصحح الرواية بهذا الطريق يرتفع عنده هذا الإشكال. "فرواية موسى عنه أولى بالإرسال، وقد قيل: إن موسى ولد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يثبت، وقيل: إنه صحب عثمان مدة" يعني صحبته لعثمان لا تعني إدراكه لعمر، ولا لمعاذ من باب أولى. قال -رحمه الله-: "والمشهور في هذا ما رواه الثوري عن عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة، قال: عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما أخذ الصدقة)) " التركيب ماشي؟ موجود عندكم إيش؟ طالب:. . . . . . . . . عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما أخذ)). طالب: إنما أخذ الصدقة. أعد، أعد. طالب: أنه إنما أخذ الصدقة. يعني ما في قال؟ طالب: لا ما في قال، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال: عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. طالب: أنه. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 14 أنه إنما أخذ الصدقة، يعني من فعله لا من أمره، الحديث السابق: ((لا تأخذ)) وهذا الحديث: "أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر" يعني يكون هذا من فعله، وذاك من قوله، والمرجح من فعله -عليه الصلاة والسلام-، لكن الفعل لا يقتضي الحصر كما في الحديث الذي فيه: لا تأخذ الصدقة إلا من كذا وكذا، ففيه الحصر. "أنه أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر" ويفيد ما أفاده الحديث السابق في أخذ الزكاة من الأربعة الأنواع إلا أنه يختلف عن الحديث السابق في أن الحديث السابق فيه حصر، ومفهوم الحصر ألا تؤخذ الصدقة من غير الأربعة، وحديث الباب من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولا يقتضي حصر، وسبق الخلاف في ذلك، وأن أهل الحجاز يحصرون الزكاة في الأربعة الأنواع، وأهل الكوفة بما فيهم الحنفية أبو حنيفة وأتباعه كلهم يقولون: الزكاة في جميع ما سقت السماء، في جميع ما يخرج من الأرض حتى الفواكه والخضروات وغيرها، والقول الوسط في هذه المسألة أنها تؤخذ من هذه الأربعة، وما يشاركها في العلة، وهو مقتضى .. ، بل هو لازم لكل من يقول بالقياس. "وعن عبد الرحمن بن مسعود قال: جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا، قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو حاتم البستي والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال البزار: لم يروه عن سهل إلا عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، وهو معروف، قال ابن القطان: هذا غير كافٍ فيما ينبغي من عدالته، فكم من معروف غير ثقة، والرجل لا يعرف له حال، ولا يعرف بغير هذا، كذا قال، وفيه نظر، فإنه من رواية عبد الرحمن بن مسعود بن نيار عن سهل، ووثقه ابن حبان" هذا الحديث مضعف بعبد الرحمن بن مسعود بن نيار، وكونه معروف عند البزار لا يعني أنه ثقة، معروف بأي شيء؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . المعرفة فقط تكفي؟ طالب:. . . . . . . . . ما تكفي المعرفة في التوثيق، لا تكفي المعرفة في التوثيق، يعني قالوا في تعريف الحسن: والحسن المعروف. طالب:. . . . . . . . . إيش؟ الجزء: 53 ¦ الصفحة: 15 طالب: طرقاً وغدت. لا، لا لا، الألفية هذه، الألفية. والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد حمدٌ، وقال الترمذي: ما سلم ... من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم "المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله" قالوا: الشهرة ما تكفي، الشهرة لا تكفي، كما يشتهر الراوي بالعدالة يشتهر بالضعف أيضاً، كما يشتهر الراوي بالعدالة يشتهر بالضعف، والمعرفة كما تكون في العدالة تكون أيضاً بالضعف، ولذا لا يكفي من البزار أن يقول: معروف، نعم قد ترتفع الجهالة عنه بالمعرفة عند من يقابل الجهالة بعدم العلم، وأنها عدم معرفة بحال الراوي، أما من يقول: إن الجهالة جرح في الراوي فهذا شأن آخر، وأهل العلم يختلفون في الجهالة، هل هي عدم معرفة بحال الراوي فقط، أو أنها ثبوت جرح فيه، وفي عدد كبير من الرواة في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، قال أبو حاتم: فلان مجهول، أي: لا أعرفه، هل يكون هذا جرح؟ لا، لأنه قد يعرفه غيره، إذا ما عرفه أبو حاتم يعرفه غيره، فلا تتعين أن تكون جرحاً. وفي النخبة -وقد مر عليكم-: "ومن المهم معرفة أحوال الرواة جرحاً أو تعديلاً أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للجرح، وليست بقسم منه، فالجهالة لا تعني الجرح على هذا، فكونه معروف يعني أنه غير مجهول عند من يقول: إن الجهالة جرح ارتفع عنه هذا الجرح بالجهالة، لكن لا يرتفع عنه الجرح بأسباب أخرى، ومقتضى إدخال الجهالة في مراتب التجريح، وفي ألفاظ التجريح، وهو الذي جرى عليه عمل المتأخرين، أن المجهول مجروح ترد روايته، والفائدة من هذا كله أنك إذا بحثت في إسناد حديث وجدت في رواته من قيل فيه مجهول فإن قلت: إن الجهالة جرح ضعفت الخبر مباشرة، ضعيف؛ لوجود فلان وهو مجهول، وإن كانت عدم علم بحال الراوي إن كانت الجهالة عدم علم بحال الراوي فقط، فعليك أن تتوقف في الحكم على الحديث حتى تعرف حال الراوي، والذي جرنا إلى هذا الكلام قوله: "هو معروف" فالمعرفة والشهرة قد ترفع الجهالة، لكن لا ترفع الطعن بأسباب أخرى. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 16 قال: "وعن عبد الرحمن بن مسعود قال: جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا، قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((إذا خرصتم)) " الخرص: هو التقدير والحزر، التقدير، وهي حكم بالظن الغالب، يأتي الخبير الثقة لا بد أن يكون ثقة، فيمشي طولاً وعرضاً في البستان، وينظر في أشجاره، ثم يقول في النهاية: في هذا البستان خمسمائة صاع من التمر، وأهل الخبرة يضبطون أمورهم، كل أهل فن يتقنون فنهم، وقد جرب بعض هؤلاء الذين يخرصون، فلا يوجد نقص ولا زيادة إلا بشيء يسير جداً، شيء غير مؤثر، كل من عانى شيئاً ضبطه وأتقنه، تأتي إلى المهندس تريد أن تشتري عمارة، أو بيت فتخبره بقيمته، فيأتي ينظر في سقوفه وفي أرضه وفي كذا، توكل على الله اشتري رخيص، وإلا يقول لك: لا تشتري ترى أساسه غير متين، طيب تشوف الأساس؟ ما يشوف أساس، لكن صاحب خبرة. تأتي إلى صاحب الذهب والفضة، المجوهرات، تأتي له بقطعة يرميها عليك يقول: هذه لا شيء، مغشوشة، طيب ويش يدريك؟ اعرضها على النار، قال: ما يحتاج عرضها على النار، صاحب خبرة. تأتي إلى الجهبذ النقاد الخبير تأتيه بحديث سنده كالشمس في الصحة فيقول لك: لا يصح، ليش؟ ما يصح، اذهب إلى غيري، تذهب إلى غيره ممن هو بمستواه في علم الحديث، يقول لك: لا يصح، ولا يذكرون لك علة، فيأتي هذا الخارص يقول: فيه ثمانمائة صاع، قال: ويش يدريك؟ يمكن خمسمائة، أو ألف وخمسمائة، قال: ما لك شغل، تأتي إلى صاحب السيارات تنظر إلى السيارة كالزجاجة، ولا تفرق بينها وبين السيارة التي في الوكالة، يقول: السيارة مرشوشة في ثلاثة مواضع أو في أربعة، خبرة. ولذلك الجمهور يعملون بالخرص، والحنفية يقولون: لا، هو حزر، ورجم بالغيب، ولا يمكن أن يتم به، نعم في باب الربا لا يكفي الخرص في البيع والشراء، ما نقول: هذا عنده ثمانمائة صاع، وهذا عنده ثمانمائة صاع بالخرص، لا، لكن في مثل الزكاة التي إن نقص يسير أو زاد يسير لا يضر هذا ما فيه إشكال، وجاءت به السنة، وقد أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- من يخرص تمر خيبر. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 17 وفي هذا الحديث: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) يعني خرصتموه ثمانمائة صاع، اتركوا لصاحب البستان الربع، واعتبروه ستمائة، أو دعوا له الثلث، يأكل منه، ويطعم أضيافه، وينفع أقاربه، ويوزع لنفسه على المحتاجين، وخذوا الثلاثة الأرباع أو الثلثين، ((ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)). الخرص ثابت في خرص تمر خيبر ثابت بلا إشكال، لكن هنا؛ لأن من أهل العلم من يقول: يحتاج إلى الخرص إذا لم يكن صاحب التمر ثقة، والأصل في المسلم العدالة، ما يخرص عليه، إنما إلى ديانته يوكل، كم بلغ تمرك؟ بلغ ثمانمائة صاع، أعطنا العشر أو نصف العشر على حسب حاله. أما بالنسبة لخيبر وهم يهود لا يوثقون، لا بد أن يبعث من يخرص عليهم التمر، فيكون هذا خاص بغير المسلمين. على كل حال الحديث فيه مقال، فالمسلم الأصل فيه العدالة، وأنه ثقة، وأن هذه ديانة بينه وبين ربه، كسائر الأموال، ولا يناقش، ولا يستحلف عليها، وهذا عند من يضعف الحديث، وهذا هو المتجه، المتجه ضعف الحديث، ولذا تجدون الآن، ومنذ عصور قديمة، ما في خرص للزروع ولا الثمار، كل يقدر تمره وثماره، ويؤدي زكاته. "رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو حاتم البستي والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال البزار: لم يروه عن سهل إلا عبد الرحمن بن مسعود بن نيار وهو معروف" وقلنا: إن مثل هذا لا يكفي في توثيقه "قال ابن القطان: هذا غير كاف فيما ينبغي من عدالته، فكم من معروف غير ثقة" كم من معروف لكنه غير ثقة، لكنه عرف بالضعف "والرجل لا يعرف له حال، ولا يعرف بغير هذا الحديث" يعني معرفة البزار لا تخرجه عن دائرة الجهالة، لماذا؟ رجل لا يعرف له حال، ما عرف لا بتوثيق ولا بتضعيف، إذاً مجهول، مجهول الحال، وإن عرفت عينه برواية أكثر من واحد فإن هذا لا يخرجه عن دائرة جهالة الحال؛ لأنه لا تعرف حاله، لا توثيق ولا بتضعيف، ولا يعرف بغير هذا الحديث؛ لأنه مقل في الرواية. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 18 "كذا قال" يقول المؤلف "كذا قال" يعني ابن القطان "فإنه من رواية عبد الرحمن بن مسعود بن نيار عن سهل، ووثقه ابن حبان" توثيق ابن حبان على مراتب، فإذا ذكره ابن حبان، وكان من طبقة شيوخه الذين عرفهم، ونص على أنه ثقة، هذا لا إشكال في أنه ثقة، فهو كغيره، وإذا نص على ثقته، وهو من المتقدمين الذين لا يعرف حالهم نص على توثيقه، فهو مقبول إذا كان الحديث لا يتضمن مخالفة، والرجل معروف برواية الثقات عنه، أما إذا ذكره مجرد ذكر في الثقات، فإنه لا يكفي هذا، وإذا ذكره في الثقات، وروى عنه في صحيحه له حال تختلف عن مجرد ذكره في الثقات، فضلاً عن أن يذكره في الثقات، ويذكره في المجروحين؛ لأنه قد يذكر الراوي هنا وهنا. وعلى كل حال المتعارف عليه والمتداول عند أهل العلم أن ابن حبان متساهل في التوثيق، وقد يوثق مثل هذا بمجرد معرفته، وارتفاع الجهالة عنه، فقد وثق جمعاً من هذا النوع. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 19 "وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لونين من التمر الجعرور" نوع رديء من التمر "ولون الحبيق" أيضاً نوع رديء "وكان الناس يتيممون شر ثمارهم" يعني البستان فيه ألوان من التمر فيه الجيد، وفيه المتوسط، وفيه الرديء، فيقصدون الرديء يخرجونه من صدقاتهم؛ لأن الكمية لا تزيد بالجودة والرداءة، ولا تنقص، ما تزيد، لكن نزل قول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] والمراد بالخبيث الرديء لا الحرام {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] هذا رديء، لكنه ليس بمحرم {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] ليس المراد منه أن تتيمم الحرام فتنفقه منه إنما تتيمم الخبيث فتنفق منه "وكان الناس يتيممون شر ثمارهم، فيخرجونها في صدقاتهم، فنزلت: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] " لا تيمموا الرديء، لكن كيف العمل إذا كان في البستان مائة صنف من التمر؟ هل يزكي كل صنف منه، أو ينظر إلى المتوسط فيخرج الزكاة منه؟ عنده من التمر الكيلو بمائة، وعنده من أنواع التمر الكيلو بخمسين، وعنده من أنواع التمر ما كيلوه بعشرة، ومنها ما الكيلو منه بريال، هل نقول: يخرج الزكاة، وجب عليه، عنده خمسمائة صاع، وجب عليه العشر خمسون صاعاً، أو نصفه خمسة وعشرون صاعاً، هل نقول: تخرج من اللي كيلوه بريال، أو من اللي كيلوه بمائة؟ يعني تقصد الوسط، يعني اللي كيلوه بخمسين، طيب افترض أن الذي كيلوه بمائة قليل جداً، والذي كيلوه بعشرة كثير جداً. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 20 منهم من يقول: لا يتم إخراج الزكاة بدقة حتى تخرج زكاة كل نوع منه، توزعه أصناف، تخرج هذا عشر هذا، وعشر هذا، وعشر هذا، وعشر هذا، وهكذا، بهذا تبرأ الذمة، أما أن تنظر إلى المتوسط -وقد قال بهذا جمع من أهل العلم- فتخرج من المتوسط، كما تخرج المتوسط من بهيمة الأنعام، تخرج المتوسط من الحبوب والثمار، لكن بهيمة الأنعام لا يمكن أن تخرج بدقة بالكيلو أو بالصاع ما يمكن، بينما الحبوب والثمار يمكن أن تخرج من كل نوع منها ما يلزم بدقة. "رواه أبو داود والطبراني، وهذا لفظه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقد روي مرسلاً، وقد روي مرسلاً، قال الدارقطني: وهو الأولى بالصواب". وعلى كل حال الحديث له طرق يشد بعضها بعضاً، يصل به إلى درجة القبول -إن شاء الله تعالى-. قال -رحمه الله-: "وعن سليمان بن موسى عن أبي سيارة عن سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي قال: قلت: يا رسول الله إن لي نحلاً؟ قال: ((أد العشر)) قلت: يا رسول الله احمها لي، فحماها لي" رواه أحمد وابن ماجه، وهذا لفظه، وقال البيهقي: هذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه، وهو منقطع" منقطع، سليمان بن موسى لم يدرك أبا سيارة، وقول البيهقي: "هذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه" كونه أصح، ينفي كونه منقطع أو لا ينفيه؟ يعني كلام البيهقي فيه تناقض؟ لأن أصح أفعل التفضيل عند أهل العلم لا سيما أهل الحديث يستعملونها على غير بابها، فيكون أجود، أجود ما في الباب، وإن كان ضعيفاً، كما أن قولهم: هذا الحديث أضعف ما في الباب لا يعني أنه ضعيف، بل في الباب أحاديث، لكنه أضعفها، والضعف والقوة نسبية، فإذا قلت: سالم أوثق من نافع، كلاهما ثقة، هذه أفعل التفضيل على بابها، لكن إذا قلت: نافع أضعف من سالم هل يقتضي أنهما ضعفاء؟ لا، كلاهما ثقة، وإذا قلت: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي مثلاً هل يقتضي أنهما ثقات؟ لا يلزم ذلك، فأهل العلم يستعملون أفضل التفضيل على غير بابها، ومنها هذا، بدليل أنه قال: منقطع، فكيف يكون صحيحاً وهو منقطع؟ "هذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه، وهو منقطع" وقد اختلف العلماء في زكاة العسل "يقول البخاري وغيره: ليس في زكاة العسل شيء يصح". الجزء: 53 ¦ الصفحة: 21 هنا أبو سيارة المتعي قال: "قلت: يا رسول الله إن لي نحلاً؟ قال: ((أد العشر)) قلت: يا رسول الله احمها لي، فحماها لي" طيب العشر هل للعسل نصاب؟ أولاً: زكاة العسل مسألة مختلف فيها، هل تزكى على هذه الكيفية مثل الخارج من الأرض، يجب فيها العشر، أو أنها تزكى زكاة عروض التجارة؟ إذا اجتمع منها ما يباع، ثم يتحصل من قيمته نصاب فإنه يزكى الثمن، ولا يزكى العسل عند من لا يثبت مثل هذا الحديث. والذين يقولون بأن العسل يزكى زكاة الخارج من الأرض يقولون: نصابه عشرة أفراق، والفرق: ستة عشر رطلاً، فالنصاب مائة وستون رطلاً، والرطل ثلاثمائة وثمانين جرام، فيكون نصاب العسل واحد وستين جرام وثمن، هذا عند من يقول بزكاة العسل بناءً على ثبوت مثل هذا الخبر، ولا شك أن هذا الخبر فيه ضعف شديد، والبخاري -رحمه الله- إمام الصنعة يقول: لم يصح في هذا الباب شيء، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: هل حكم الكمامات حكم النقاب للمحرمة؟ لا، هي ليست على هيئة النقاب؛ لأن النقاب للعينين، وهذا للفم والأنف، لكن إذا استعمله الرجل وهو محرم وقد غطى أكثر الوجه، وقد مُنع المحرم من تغطية رأسه ووجهه فهذا فيه مخالفة، وحكم الكمامات للرجل في الصلاة، التلثم صلاة الرجل متلثماً العلماء يطلقون الكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، إذا كان الإنسان محتاج لهذا الكمام، وقد احتاج إلى التلثم لما يخرج أو ينبعث من الأرض، أو من الفرشة -فرش المسجد- من بعض الروائح، أو يكون بجانبه شخص تنبعث منه روائح كريهة هذه حاجة ترفع الكراهة. يقول: رجل اعترفت -نسأل الله السلامة والعافية- زوجته بالزنا مع جاره. من عظائم الأمور، أي الذنب أعظم؟ إلى أن قال: ((أن تزاني حليلة جارك)) نسأل الله العافية. قال: والبلد لا يحكم بشرع الله، والعشائر تأخذ المال مقابل هذا الفعل، والفاعل يتحدى الزوج، ويمر من أمامه ويقول الزوج: فما الحل؟ الجزء: 53 ¦ الصفحة: 22 الحل الطلاق؛ لأن إمساك مثل هذه المرأة التي لم يقع منها هذا الأمر هفوة أو زلة أو إكراه، أو ما أشبه ذلك وتابت بعدها توبة نصوحاً إبقاؤها لا يسوغ إطلاقاً ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت ... )) قال في الثالثة أو الرابعة: ((فليبعها ولو بظفير)) وهنا يقال له: طلقها، وارتح منها. يقول -خط رديء جداً من صغير سن الكاتب- يقول: ما هي الأعضاء التي تكشفها المرأة أمام محارمها؟ ما يخرج غالباً، ما تحتاج إلى إخراجه كالشعر مثلاً، والرقبة وأطراف اليدين والساعدين، وأسفل الساقين، إذا لم يكن ثم فتنة. يقول: هل مخالفة المنهج العلمي الذي وضعه العلماء للدراسة يعتبر خروجاً عن منهج السلف الصالح، حيث أن هناك من الطلبة المبتدئين من يبدأ الدراسة بالعقيدة الطحاوية؟ المنهج هذا تنظيم، يترقى به الطالب من كونه مبتدئاً إلى متوسطاً إلى منتهياً، فهو سلم يترقى فيه إلى التحصيل بواسطة الكتب التي صنفت لطبقات المتعلمين، لكن من خالف هذا المنهج قد يشق عليه التحصيل، فإذا تطاول على كتب المتوسطين وهو لم يقرأ بعد كتب المبتدئين فإنه يتعب، وقد يترك التحصيل؛ لأنها فوق مستواه، وكل إنسان يعرف قدر فهمه ومستواه، فلا يتطلع، يعني بعض طلاب العلم يسمع ابن القيم -رحمه الله- وهو من المتوسطين، يسمع ابن القيم يمدح كتاب العقل والنقل لشيخ الإسلام. واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثانِ ثم يذهب إلى أن يشتري من المكتبة موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، ويقرأ فيه، أو يسمع مدح الحافظ ابن كثير لعلل الدارقطني، ثم يذهب إلى المكتبة يشتري علل الدارقطني، ويقرأ في هذين الكتابين، ثم لا يلبث ولا دقائق أن يرمي بالكتابين، ويكره العلم والتعلم. فالإنسان عليه أن يعرف قدر نفسه، فالمبتدئ يقرأ في كتب المبتدئين، المتوسط يقرأ ما صنف للمتوسطين، المنتهي والعالم يقرأ، وقد يجد ما يشق عليه ولو كان منتهياً، وقد يجد ما يعسر عليه ولو بلغ من العلم ما بلغ، إلا أن العلم لا نهاية له، لكن على الجادة والطريقة التي رتبها أهل العلم، هذه تيسر التحصيل لطالبه. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 23 الحبوب التي تدخل لأجل القوت، وبلغت النصاب هل فيها زكاة؟ لا، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخر قوت سنة لبيوته، فيما يدخره الإنسان لقوته وقوت ولده هذا ليس فيه زكاة. يقول: كيف يحصل من لا يستطيع شراء الكتاب خاصة، وأن في الحضور من المعتمرين وطلاب العلم المحتاجين؟ بالإمكان أن يصور لهم الباب الذي يقرأ فيه، يعني على حسب مدة بقائه إذا كان سوف يمكث إلى أن ننتهي من كتاب الزكاة، يصور لهم كتاب الزكاة، وإن كان في نيته أن يجلس إلى أن ننهي كتاب الصيام يصور له كتاب الصيام. يقول: قلت: مائتي درهم، وكم تساوي بالريال السعودي؟ قالوا: إن المائتي درهم تساوي ستة وخمسين ريالاً عربياً من الفضة، ثم بعد ذلك يذهب إلى الصاغة وأهل المجوهرات يسألون كم قيمة الريال العربي من الفضة؟ ثم تضرب قيمة الريال بالستة والخمسين، فيخرج النصاب بالريال الورقي. يقول: هل عنعنة أبي الزبير عن جابر مردودة ولو كانت في مسلم؟ لا، نعم في غير الصحيحين نحتاج إلى أن يصرح أبو الزبير؛ لأنه من المرتبة الثالثة، ومن الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين، لكن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال عند أهل العلم. ما حكم عقد الإيجار بنهاية التمليك؟ يعني المنتهي بالتمليك؟ معروف أن فيه فتوى من أهل العلم من الهيئة، وأنه لا يجوز، والسبب في ذلك أن الضمان فيه عائر، يعني لو تلفت هذه السلعة من يضمنها؟ هذا يقول: أنا مستأجر، وما فرطت، فلا أضمن، يضمن صاحب السلعة، وهذا يقول: أنا بائع يضمن المشتري، وكل عقد يوقع في مثل هذا الإشكال لا يجوز، يوقع في خصام. قد يقول قائل: إن هذا يحله التأمين، نقول: الوسيلة ليست بشرعية، فالنتيجة حتماً ليست بشرعية، كلام على الحلول الشرعية. يقول: فيما سقت السماء والعيون والأنهار عندنا في البلد أن ماء العيون والأنهار ملك يباع ويشترى على حسب الساعات، فهل يدخل العشر؟ لا، لأنه صار بكلفة من صاحب الزرع، كأنه اشترى آلة وأحضرت له هذا الماء، فيكون فيه نصف العشر. نكتفي بهذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الزكاة (4) الشيخ: عبد الكريم الخضير بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال المؤلف -رحمه الله-: باب: في الحلي والعروض إذا كانت للتجارة عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب، فسألت عن ذلك نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: أكنز هو؟ فقال: ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) رواه أبو داود والدارقطني، وهذا لفظه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقال البيهقي: يتفرد به ثابت بن عجلان، وهذا لا يضر، فإن ثابتاً وثقه ابن معين، وروى له البخاري، والله أعلم. وعن سمرة بن جندب قال: أما بعد: فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع" رواه أبو داود. وروى البيهقي بإسناده عن أحمد بن حنبل حدثنا حفص بن غياث حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ... عمرَ، ابن عمرَ. عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: "ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة". الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: في الحلي والعروض إذا كانت للتجارة عندنا أمران، ترجمة لأمرين، للحلي وهو ما تتحلى به النساء {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] فالمرأة تحتاج إلى أن تتحلى وتتزين، فماذا عما تتزين به وتتحلى به؟ والعروض هي الأموال المعدة للتكسب والبيع والشراء. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 1 "إذا كانت للتجارة" هذا قيد، ومؤثر، ومر بنا مراراً أنه إذا تعقب القيد المؤثر أو الاستثناء أو الوصف المؤثر أكثر من شيء هل يعود إليها جميعها، أو يعود إلى الأخير منها؟ لأن كلام أهل العلم ينبغي أن يكون دقيقاً مضبوطاً بضوابط العلم، الآن الترجمة عندنا "باب: في الحلي والعروض إذا كانت للتجارة" وعلى الخلاف الذي ذكرناه سابقاً، كونه يعود على الأخير، هذا أمر متفق عليه، العروض لا بد أن تكون معدة للتجارة، لكن الحلي هل يشترط أن يكون للتجارة أو لا؟ لا خلاف بين أهل العلم أن الحلي إذا أعد للتجارة أن فيه الزكاة، هذا محل إجماع، لكن إذا لم يعد للتجارة أعد للبس والاستعمال، القيد في الترجمة يخرجه، إذا قلنا: إنه يعود إلى الجملتين معاً، إلى الحلي، يعود إلى اللفظين، إلى الحلي والعروض، شريطة أن تكون للتجارة، مفهوم ذلك أنه إذا لم يكن الحلي ولم تكن العروض للتجارة أنه لا زكاة فيه، مع أن المؤلف في الترجمة لم يصرح لا بوجوب الزكاة، ولا بعدم وجوبها، إنما الأحاديث التي ذكرها تبين مراده من ذلك، فحديث أم سلمة في الحلي المعد للاستعمال، ومع ذلك فيه الزكاة، وأما بالنسبة للعروض فسيأتي الكلام فيها، وهو طويل لأهل العلم. والكلام في المسألتين لا يسلم من إشكال؛ لأن الأدلة في المسألة الأولى وهي مسألة الحلي متعارضة، وتكاد أن تكون متعادلة، وهي في نظر الشنقيطي -رحمة الله تعالى عليه-، وهو أفضل من بحث المسألة في أضواء البيان من حيث الأثر والنظر، وفي الأخير قال: هي متساوية، وإخراج الزكاة في الحلي إنما هو من باب الاحتياط، يعني لا من باب الوجوب والإلزام؛ لأن الأصل براءة الذمة، والقاعدة أن ما أعد للقنية والاستعمال ولو علت قيمته أنه لا زكاة فيه ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) ولا أحد من أهل العلم يقول: إن البيت الذي يسكنه، أو السيارة التي يركبها، ولو كانت غالية الثمن أن فيها زكاة، فكل ما يعد للاستعمال والقنية هذا لا زكاة فيه. على كل حال الأحاديث ذكر منها المؤلف حديث أم سلمة، وفي الباب أيضاً عن عائشة وعبد الله بن عمرو، والأحاديث الثلاثة كلها يستدل بها من يقول بوجوب الزكاة، زكاة الحلي، وهو قول الحنفية. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 2 وعامة أهل العلم أنه لا زكاة في الحلي كسائر المقتنيات للاستعمال. والأحاديث الثلاثة كلها فيها كلام، وحديث جابر: ((ليس في الحلي زكاة)) أيضاً ضعيف، وإذا ضعفت الأحاديث والأخبار رجع إلى الأصل. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب" أوضاح من ذهب تلبسها، أسورة في ذراعيها، وقد تلبس المرأة في رجليها، وقد تلبس القروط في أذنيها، وقد تعلق القلادة في عنقها إلى غير ذلك من أنواع ما يتحلى به النساء. "أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب" والذهب حلال للإناث، حرام على الذكور، كالحرير. "فسألت، أو قالت: فسألتُ" كأن الكلام عاد إليها، أنها كانت تلبس فسألتُ، أو "فسألت عن ذلك نبي الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني مضبوطة فسألتُ، على كل حال الالتفات معروف في النصوص، وفي الأسلوب العربي "فسألت عن ذلك نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أكنز هو؟ " هي تسأل، يعني هل هذا الذي في يدي يدخل في الوعيد الشديد في: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} [(34) سورة التوبة] "أكنز هو؟ فقال: ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) " فالمال الذي تؤدى زكاته ولو كان مطموراً تحت الأرض فليس بكنز، والمال الذي لا تؤدى زكاته ولو كان ظاهراً على وجه الأرض فإنه في العرف الشرعي والاصطلاح الشرعي كنز، يعذب به يوم القيامة. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 3 " ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) رواه أبو داود والدارقطني، وهذا لفظه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقال البيهقي: يتفرد به ثابت بن عجلان، وهذا لا يضر، فإن ثابتاً وثقه ابن معين، وروى له البخاري، والله أعلم" على كلٍ الحديث من حيث الصناعة قد يثبت، وقد يقال: إنه يصل إلى درجة الحسن، ويشهد له ما جاء من حديث عائشة وعبد الله بن عمرو، وهذه من أقوى الأدلة على وجوب الزكاة في الحلي، لكن الخصوم يعني في باب المناظرة يسمونهم خصوم، وإلا ليس هناك خصومة بين أهل العلم، إنما هي مناقشات من أجل الوصول إلى الحق، والشافعي -رحمه الله- يقول: والله لا يهمني أن يكون الحق معي أو مع غيري، المقصود أنه يبين الحق، هذه طريقته. غيرهم يقول: إن هذه الأحاديث على خلاف الأصل، طيب من يقول بوجوب زكاة الحلي -من خلال هذا الحديث- هل يلغي النصاب أو لا يلغيه؟ يقول بالوجوب إذا بلغت نصاباً أو بالوجوب مطلقاً؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يقيده بالأدلة الأخرى، فإذا لم يبلغ النصاب هل فيه زكاة وهو حلي؟ وحديث الباب نصاب أو غير نصاب؟ هو ما يدرى في الحقيقة، لكن ليس فيها بيان أنها بلغت، والغالب أنها لا تبلغ النصاب، لا سيما إذا كان المستعمل يسير، فعموم الأحاديث القائلة بوجوب الزكاة زكاة الحلي معناها أنه بلغ نصاب أو لم يبلغ. على كل حال المسألة من عضل المسائل، والأدلة فيها متكافئة، والاحتياط إخراج الزكاة، والأصل براءة الذمة، والأصل أيضاً أن المستعمل لا زكاة فيه، وأن ما يقتنيه الإنسان للاستعمال فلا زكاة فيه. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 4 وجاء ما يدل في بعض الأحاديث أن الزكاة بالنسبة للحلي هو الإعارة، كما جاء في قوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [(7) سورة الماعون] يعني توعد على منع الماعون من إعارته، فقد يؤاخذ الإنسان إذا حبس ما يحتاج إليه، وطلب منه، وهو في حال غنى عنه، فمن أهل العلم من يحمل الزكاة المذكورة في هذا الحديث، وما جاء في معناه على الزكاة اللغوية التي تشمل المال والمنفعة، فإذا أعير هذا الحلي فهذه زكاته، وهذا جواب عن هذه الأحاديث، والأحاديث لا شك أن فيها قوة، والقول بموجبها قول له حظ من النظر، ويُفتى به الآن، يعني بعد أن انتشرت هذه الأحاديث، وعرفت في أوساط الناس، ووجد من يتحرر من المذاهب من أهل العلم، قالوا بوجوب زكاة الحلي، وإلا فما كانت الفتوى على هذا، وعلى كل حال الرجال يعرفون بالحق والدليل، والحق لا يعرف بالرجال، فما دام هذه الأدلة فيها قوة فإخراج الزكاة من الحلي له وجه، والإلزام يحتاج إلى أمر أوضح وأصرح من هذه الأدلة مع وجود المعارض. وعلى كل حال من أخرج الزكاة احتياطاً فله حظ من النظر، ومن قال بوجوبها مستنداً على هذه الأحاديث أيضاً عنده ما يعتمد عليه، ومن عمل بالأصل وأن جميع ما يقتنى ورأى أن هذه الأدلة لا يمكن أن تقاوم الأصل، فله أيضاً نصيبه من النظر، ولا شك أن الاحتياط في إخراج زكاة الحلي. قال -رحمه الله-: "وعن سمرة بن جندب قال: أما بعد" كأنه خطب خطبة كما هو شأن الخطب أن تبتدئ بالحمد والثناء والصلاة، ثم قال: أما بعد، كسائر الخطب، أو كتب كتاباً ثم قال فيه بعد ذلك: أما بعد، وأما بعد سنة مأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، رواها عنه أكثر من ثلاثين صحابياً في خطبه ومكاتباته. يقول: "أما بعد: فإن" عرفنا في كتاب الجمعة أن (أما) حرف شرط وتفصيل، و (بعد) قائم مقام الشرط، وجواب الشرط ما بعد الفاء "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وذكرنا في ذلك الباب الأقوال الثمانية في أول من قالها لأهل العلم. جرى الخلف (أما بعد) من كان بادئاً ... بها عُد أقوال وداود أقربُ ويعقوب أيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعربُ الجزء: 54 ¦ الصفحة: 5 فقال بعضهم: إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود -عليه السلام-، ولا تتأدى السنة إلا بهذا اللفظ، ولا تتأدى السنة بإبدال (أما) بالواو كما يتداوله كثير من الناس الآن، ولا تحتاج إلى (ثم) كما يقوله بعض الناس اليوم، تجده يحدث ثم يقول: (ثم أما بعد) ما نحتاج إلى (ثم) إلا إذا احتجت إليها مرة ثانية لتنتقل من أسلوب إلى آخر. "أما بعد: فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع" رواه أبو داود" لكنه حديث ضعيف، فيه أكثر من مجهول. زكاة عروض التجارة نقل عليها الإجماع، إجماع أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية، والظاهرية يختلف أهل العلم بالاعتداد في أقوالهم وفاقاً وخلافاً، هل يمكن أن ينقل الإجماع مع خلافهم أو لا ينقل؟ يقول النووي: ولا عبرة بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، الظاهرية لا يرون الزكاة في عروض التجارة؛ لأن أدلتها -ومنها حديث الباب- قد لا تثبت، يعني بالتصريح بها، وأما من العمومات الأخرى من نصوص الكتاب، وصحيح السنة، والقياس، وأيضاً الإجماع الذي ذكره ابن المنذر وغيره تدل على وجوب الزكاة في عروض التجارة، فثبوت الزكاة في عروض التجارة بالكتاب، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب صدقة الكسب والتجارة"؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [(267) سورة البقرة] قال ابن جرير: أي بتجارة أو صناعة. ويقول الله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [(103) سورة التوبة] عروض التجارة أموال وإلا ليست أموال؟ أموال بلا خلاف، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] فعروض التجارة أموال، فيجب أن يؤخذ منها هذه الصدقة، والمراد بها الزكاة. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [(267) سورة البقرة] يعني من تجارة أو صناعة أو غيرهما. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 6 من السنة حديث الباب، لكنه فيه ضعف، ونقل الإجماع على وجوب الزكاة في عروض التجارة ابن المنذر وابن هبيرة وغيرهما، ولم يخالف في ذلك إلا أهل الظاهر، وأهل الظاهر معروف الخلاف في اعتبارهم في الإجماع والخلاف. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الأئمة الأربعة وسائر الأمة على وجوب الزكاة في عروض التجارة، والقياس يقتضي ذلك فإنها –يعني عروض التجارة- مال نام أشبه بقية الأموال الزكوية" يعني بخلاف ما تقدم، فإن شيخ الإسلام وابن القيم لا يرون الزكاة في الحلي المعد للاستعمال؛ لأنه ليس بمال نام، وإنما هو معد كسائر ما يستعمل من المقتنيات التي اتفق أهل العلم على عدم وجوب الزكاة فيها. "وروى البيهقي بإسناده عن أحمد بن حنبل قال: حدثنا حفص بن غياث قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة" هذا من كلام ابن عمر، وهو صحيح إلى ابن عمر، لكنه موقوف عليه، والعبرة بالعمومات التي ذكرها أهل العلم، وترجم عليها البخاري "باب ما جاء في زكاة الكسب والتجارة". سم. قال -رحمه الله-: باب: زكاة المعدن والركاز عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)) متفق عليه. وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ من المعادن القبلية صدقة، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع، فلما كان عمر بن الخطاب قال لبلال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقطعك إلا لتعمل، قال: فأقطع عمر بن الخطاب للناس العقيق" رواه البيهقي، وشيخه الحاكم من حديث نَعيم بن حماد. نُعيم، نُعيم. من حديث نُعيم بن حماد عن الدراوردي عنه، وقال الحاكم: احتج البخاري بنعيم بن حماد، ومسلم بالدراوردي. بالدراوردي، الدراوردي. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 7 بالدراوردي، وهذا حديث صحيح ولم يخرجاه، كذا قال، والمشهور ما رواه مالك عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم. قال الشافعي -رحمه الله-: "ليس هذا مما يَثبُت" ... يُثبِت. مما يثبت أهل الحديث، ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا إقطاعه، فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: زكاة المعدن والركاز المعدن: ما يوجد في الأرض من ذهب وفضة ونحاس ونفط وغيرها مما يستفاد منه، هذه معادن، والركاز ما يوجد مدفوناً في الأرض، وإن كان هذا الركاز المدفون من دفن الجاهلية، فهذا يملكه آخذه بدون تعريف، وعليه أن يخرج منه الخمس، وإن كان عليه علامة مسلمين أو في بلاد مسلمين فإنه لا بد من تعريفه كسائر ما يلتقط. قال -رحمه الله-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العجماء جرحها جبار)) " العجماء البهيمة، سميت عجماء تشبيهاً لها بالأعاجم الذين لا يتكلمون؛ لأن كلام الأعاجم عند أهل العربية لا يدخل في مسمى الكلام؛ لأن تعريف الكلام عندهم هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، بالوضع يعني العربي، وعلى هذا كلام الأعاجم ليس بكلام، لا يدخل في حد الكلام، والكلام الذي لا يفهم وجوده مثل عدمه، فكأنه غير موجود، فسميت عجماء؛ لأنها لا تتكلم، والمراد بذلك الدواب، إذا كسرت شيء أو جرحت أو أتلفت فإن جرحها جبار، هدر؛ لأن على أرباب الأموال حفظ أموالهم، وجاء التحديد بأن على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار، وعلى أهل الدواب العكس ... ، على أن أهل الأموال حفظها عليهم بالليل، وعلى أهل الدواب حفظها في النهار كذا؟ نعم؟ أو العكس؟ طالب: العكس. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 8 نعم الدواب الأصل فيها أن تسعى في النهار، هذا إذا كانت بدون قائد، أما إذا كان معها صاحبها فإنه يضمن ما أتلفت؛ لأن عليه أن يكفها عما تتلف، لكن إذا كانت ترعى بمفردها، وأتلفت شيئاً في النهار، فإنه جبار على أهل المواشي أن يحفظوها بالليل، وإن كان الحديث عاماً ((العجماء جرحها جبار)) يعني هدر مطلقاً لا يضمن، لكن جاء ما يدل على أن على أرباب المواشي أن يحفظوها بالليل، وكثير ما يحصل منها الضرر. كم من حادث في الطرقات حصل بسبب هذه الحيوانات، كم من قائد سيارة في الليل يمشي فاصطدم ببعير مثلاً، الحكم في النهار يختلف عن الحكم بالليل، لكن أحياناً تحصل مسائل معضلة في مثل هذا الباب، تجد صاحب السيارة قد أسرع سرعة لا يملك معها السيارة، فاصطدم بهذا الجمل أو بهذه الناقة لا شك أن عليه كفل مما حصل، وتجد صاحب الدابة أهمل هذه الدابة، فجعلها تتسبب في حوادث السيارات، ومثل هذه الأمور إذا كان صاحب السيارة يمشي بسرعة معتادة، والسيارة ليس فيها شيء من الخلل، المقصود أن مثل هذه الأمور يعتريها ما يقتضي النظر للقاضي؛ لأنه قد يكون السائق احتاط لنفسه، وتفقد السيارة، ومشى السرعة المطلوبة، لكن هذا البعير قطع الطريق فجأة، هذا يضمن صاحب البعير، أما إذا كان صاحب السيارة قد اجتاز الطريق بسرعة أكثر، أو لم يتفقد سيارته، فحصل فيها خلل، أو أراد أن يحرفها فانقلبت به السيارة لضعفها، أو لعدم تكامل متطلباتها، فإن هذا أيضاً عليه كفل من الحادث، وهذه مسائل لا شك أنها بالنسبة للقضاة يحصل عندهم بسببها إشكالات كبيرة. فكونها جرحها جبار ليس بمطلق، لكنها في الأصل ليست من أهل التكليف، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه من هذه الدواب، يعني شخص يمشي بين رعية من الإبل، يمشي، فخبطته إحدى هذه الدواب فوقصته فمات جبار، هدر، هو الذي عرض نفسه لها، فلا شك أن هناك من الصور ما يخرج عن هذا الحديث. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 9 ((والبئر جبار)) شخص حفر بئراً يستقي منها الناس، فجاء شخص فوقع فيها، هذا هدر، لكن لو أن صاحب البئر الذي حفر غطاها بغطاء لا يمنع من السقوط فيها، ولا يعرف أنها بئر، جاء بلوح رقيق ووضعه فوقها، ووضع فوقه التراب، ثم جاء واحد وسقط يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لأنه هو الذي غره وغشه بهذا. ذكر الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات أن اثنين ممن يدعون وصول الغاية في التوكل يمشيان في طريق فوقعا في بئر، ومن توكلهم على حد زعمهم أن الناس يمرون بهم ولا يطلبون منهم إخراجهم، حتى جاء قوم قالوا: إن هذه البئر في طريق الناس، فلو طممناها -يعني سقفناها-، وهما يسمعان تحت، فسكتا حتى طمت عليهم البئر وماتا فيها، يعني هل هذا من التوكل؟ ليس هذا من التوكل، هذا من التفريط، فعل السبب لا ينافي التوكل. ((البئر جبار)) عرفنا أنه إذا كانت ليس في طريق فيه شيء من الغرة، أما إذا وجد فيه شيء من الغرة، مثلما قلنا: لو وضع عليها لوح رقيق، وذر عليه شيء من التراب بحيث يتورط من يمشي عليها فيسقط، هذا يضمن بلا شك. ((البئر جبار)) إذا كانت واضحة للناس، يستقون منها، ويعرفون مكانها، لكن لو جاء أعمى ويمشي وسقط في بئر، يضمن وإلا ما يضمن؟ إذا حفرها إنسان متبرعاً بها لسقي الناس، وعرفها الناس، وصاروا يستقون بها، ويردون عليها انتهى، انتهت مسئوليته، فمن يقع فيها حينئذٍ جبار، لكن لو جاء أعمى فسقط فيها، هل نقول: يضمن صاحب البئر أو نقول: إن الأعمى مفرط؟ طالب: الأعمى مفرط. يعني الأصل أن الأعمى يتخذ قائد، أو يتخذ عصى يستعين بها لمعرفة ما أمامه، لكنه إذا فرط فيضمن، فلا ضمان له، فهو هدر حينئذٍ. ((والمعدن جبار)) يعني الذي يسقط فيه؛ لأنه يحفر كالبئر، ويستخرج ما فيه جبار. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 10 ((وفي الركاز الخمس)) في الركاز: ما يوجد من دفن الجاهلية فيه الخمس، طيب لماذا الخمس والأموال تتفاوت؟ العشر، نصف العشر، ربع العشر، وهنا الخمس أشد؛ لأن حصوله ليس فيه أدنى كلفة، يعني المعشرات الخارج من الأرض إذا كان يسقى بماء السماء فيه العشر، لكن صاحبه ينتظره لمدة عام، ويتعب عليه من جهات أخرى بالحرث والذر، وتعديل الماء، وما أشبه ذلك، فيه أتعاب، لكن الركاز؟ حفر حفرة في دقائق، واستخرج هذا الركاز، هذا ليس فيه تعب، فضوعف فيه المأخوذ، وإن لم يكن زكاة، إنما فيه الخمس، ومصرفه مصرف الفيء. طالب:. . . . . . . . . في المصالح العامة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . يُعرّف، يعرف إذا كان عليه علامة مسلم يعرف. طالب: حديث ابن عباس. المقصود أنه يعرف ما جاء أحد، تعريفه ما يضره. قال -رحمه الله-: "وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه -بلال بن الحارث -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ من المعادن القبلية الصدقة، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع" الحديث مضعف عند أهل العلم، وفيه انقطاع، والصواب فيه ما سيأتي، ما رواه مالك عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم، هذا فيه انقطاع غير واحد من علمائهم، قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ من المعادن القبلية الصدقة، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع، فلما كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لبلال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقطعك إلا لتعمل، قال: فأقطع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للناس العقيق" الإقطاع: وهي أن ولي الأمر يهب ويعطي بعض الناس ما يختص به دون غيره من الأراضي الموات، فهل يتم الملك بمجرد الإقطاع، أو يكون هذا ليس بتمليك، وإنما هو مجرد اختصاص؟ فإن تم الإحياء ملك وإلا فلا؟ قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لبلال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقطعك إلا لتعمل، قال: فأقطع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للناس العقيق" يعني الإقطاع ما زال جارٍ، لكن هل يفيد التمليك أو يفيد الاختصاص؟ طالب: الاختصاص. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 11 أولاً: الخبر -خبر الباب- ضعيف، يعني لا يستدل به على أن الإقطاع لا يفيد التمليك، وأنه مجرد اختصاص كما صنع عمر -رضي الله عنه-، الخبر ضعيف، فنرجع إلى الأصل، ولي الأمر –السلطان- إذا أعطى يعطي تمليكاً أو اختصاصاً؟ هو إذا أعطى مال فلا شك أنه تمليك، وإذا أعطى أرضاً مواتاً وجاء في الخبر: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)) فبالإحياء يملك، ولو لم يقطعه، إذا سبق إلى أرض مباحة ليست لأحد ثم أحياها ملكها بالنص، أما إذا أقطعها ولم يقم بإحيائها، إن أقطعها فأحياها فلا إشكال، وإن أقطعها ثم تحجرها ولم يحيها فهذا محل خلاف بين أهل العلم، ومن يقول بأنه ملك يقول: كما يعطيه السلطان من سائر الأموال، وإذا أعطى السلطان من غير تطلع ولا استشراف جاء الأمر بأخذ عطية السلطان، في صحيح مسلم دون أن يستشرف المسلم لمثل هذه الأعطيات، الاستشراف مكروه، وفي صحيح مسلم: ((أما إذا كان ثمناً لدينك فلا)) يعني إذا أعطيت شيء ومن وراء هذه العطية أهداف بأن تتنازل عن شيء في مقابل هذه العطية فلا. نأتي إلى حديث الباب: "فلما كان عمر بن الخطاب قال لبلال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقطعك إلا لتعمل" هذا قد يستند إليه ويعتمد عليه من يرى أن الإقطاع مجرد اختصاص، ولا يملك إلا بالإحياء، والذي يقول: إن المقطع يملك بمجرد الإقطاع، وأن ولي الأمر له أن يتصرف في الأراضي الموات حسب المصلحة، حسب ما تقتضيه المصلحة، فإنه يملكه كسائر الأموال، يعني لو أعطاك مبلغ من المال من بيت المال من غير نظر ولا استشراف تملك هذا المال وتتصرف فيه كيفما شئت. "لم يقطعك إلا لتعمل قال: فأقطع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للناس العقيق" أخذه من بلال ووزعه على الناس. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 12 "رواه البيهقي وشيخه الحاكم، من حديث نُعيم بن حماد عن الدراوردي عنه، قال الحاكم: احتج البخاري بنعيم بن حماد" لكن لم يحتج به على سبيل الاستقلال، وعلى سبيل الاحتجاج، إنما خرج له في الشواهد، "ومسلم بالدراوردي" نعم خرج الإمام مسلم للدراوردي، وقال: "هذا حديث صحيح ولم يخرجاه" يعني البخاري ومسلم "كذا قال" وإذا قيل من قبل أهل العلم: كذا قال، فهذا دلالة على عدم الاقتناع بما قال، "والمشهور ما رواه مالك عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم" ما رواه مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، الذي من طريقه يروى هذا الخبر "عن غير واحد من علمائهم" ربيعة ما أدرك إلا أنس بن مالك، فهل يكون غير واحد من علمائهم من الصحابة أو من التابعين؟ من التابعين، قد يقول قائل: إن غير واحد ومن العلماء لا تضر جهالتهم؛ لأنهم جمع من أهل العلم، يجبر بعضهم بعضاً، ولو لم تعرف أسماؤهم، وهذه طريقة لبعض أهل العلم، التوثيق بالكثرة مع الجهالة، يعني أفرادهم مجاهيل لا تعرف أعيانهم، لكن بمجموعهم ووصفهم بأنهم من أهل العلم يكفي هذا، كما روى ابن عدي عن عدة من شيوخه قصة البخاري في قلب الأحاديث، يقول أهل العلم: ابن عدي ثقة، ويروي عن عدة من شيوخه، لم يسمهم، لكن بمجموعهم تنجبر هذه الجهالة، جهالة الأفراد تنجبر بالمجموع بالعدة، فبعضهم يجبر بعضاً. وهنا يقول: "عن غير واحد من علمائهم" ويبقى أنهم مجموعة من التابعين، من علماء التابعين، فيكون الخبر حينئذٍ مرسلاً "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم" يعني لا يؤخذ منها أجرة على الأرض، أو مزارعة، أو مخابرة، أو مساقاة، إنما يؤخذ منها الزكاة، فكأنهم ملكوا هذه الأرض، وصارت ملكاً لهم، لكن يبقى أن الخبر مرسل، والمرسل من قبيل الضعيف عند الجمهور. واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا مالك يذكر مثل هذا للاحتجاج به؛ لأنه يعمل بالمرسل. واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا ورده جماهر النقادُ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ الجزء: 54 ¦ الصفحة: 13 هنا فيه سقط، هؤلاء المجموعة من العلماء لا يدرى من رووا عنه هذا الخبر. "قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: ليس هذا مما يثبت أهل الحديث" مالك ما عنده مشكلة في مثل هذا؛ لأنه يعمل بالمراسيل، والمراسيل عنده حجة، وكذلك عند أبي حنيفة. الشافعي لا يحتج بالمراسيل إلا بالشروط التي ذكرها، أربعة شروط: منها ما يتعلق بالمرسِل، ومنها ما يتعلق بالمرسَل، وفصلها الإمام الشافعي في رسالته، وأما من جاء بعده من بعد الشافعي فإنهم كلهم لا يحتجون بالمراسيل. "قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: ليس هذا مما يثبت أهل الحديث، ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا إقطاعه، فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه. "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية" انتهى المرفوع المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى "وهي من ناحية الفرع" هذا تحديد لموقعها ليس من الخبر، ليس مما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك قوله: "فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم" لا يمكن نسبة هذا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالمرفوع منه قوله: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية" هذا المرفوع وهو الذي تلزم به الحجة، وأما ما عداه فليس فيه ما يدل على رفعه، ولذا قال الشافعي: "ولو أثبتوه" يعني لو كان صحيح الخبر " لم يكن فيه رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا إقطاعه" فأما الزكاة "لا يؤخذ منها إلا الزكاة دون الخمس" فليست مروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما هو واضح من السياق. سم. قال -رحمه الله-: باب: صدقة الفطر عن ابن عمرٍ عمرَ عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... الآن عمر مصروف وإلا ممنوع من الصرف؟ طالب: ممنوع من الصرف. لماذا؟ طالب: العلمية. العلمية والعدل، معدول عن عامر يقولون، لكن الذي يرى أنه مأخوذ من جمع عمرة، عمر، هاه؟ طالب: يصرفه. يصرفه، على هذا أنت .... نعم. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 14 قال -رحمه الله-: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير" أحياناً يكون للصرف وعدمه لكل منهما وجه، مثل حسان وعفان وحمران وأبان، ابن مالك يرى أن أبان مصروف، وغيره يقول: من صرف أبان فهو أتان، فيعني تقتدي بإمام ولك وجه تكون النون أصلية ليست مزيدة مع الألف فيكون مصروفاً، ثم بعد ذلك تواجه بمثل هذا الكلام هذا فيه، فيه صعوبة، نعم؟ نعم. قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ آخر: فعدل الناس به نصف صاع من بر. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية، وجاءت السمراء قال: أرى مداً من هذا يعدل مدين، متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ: أو صاعاً من أقط، وقال أبو داود: حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان قال: حدثنا مسدد حدثنا يحيى ... قال: حدثنا، قال: حدثنا، كلها قال: حدثنا. قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضاً قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب، هذا حديث يحيى، زاد سفيان بن عيينة فيه: أو صاعاً من دقيق، قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان، قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة، وقال النسائي: لا أعلم أحداً قال في هذا الحديث دقيق غير سفيان بن عيينة، قال البيهقي: ورواه جماعة عن ابن عجلان، منهم حاتم بن إسماعيل، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح، ويحيى القطان، وأبو خالد الأحمر، وحماد بن مسعدة وغيرهم، فلم يذكر أحد منهم الدقيق غير سفيان، وقد أنكروا عليه فتركه. أُنكر. وقد أنكروا عليه فتركه. أو أنكر عليه ... الجزء: 54 ¦ الصفحة: 15 وعن أبي يزيد الخولاني عن سيار بن عبد الرحمن عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، رواه أبو داود، وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وليس كما قال، فإن سياراً وأبا يزيد لم يخرج لهما الشيخان، وأبو يزيد الخولاني هو الصغير، قال فيه مروان بن محمد: كان شيخ صدق. كان شيخَ صدقٍ. كان شيخ صدق، وسيار قال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدراقطني: رواة هذا الحديث ليس فيهم مجروح، وقال أبو محمد المقدسي: هذا إسناد حسن، والله سبحانه أعلم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صدقة الفطر يعني ما تقدم في صدقة الأموال، في صدقات وزكوات الأموال، وما في هذا الباب صدقة لكنها لا تتعلق بالأموال، إنما تتعلق بالبدن، وسببها الفطر من رمضان، سببها الفطر من إضافة المسبب إلى سببه، فهذه الصدقة إنما تلزم بإكمال العدة بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، هذا وقت وجوبها، فمن مات قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان لا تلزمه صدقة فطر، ومن غابت عليه الشمس، وأكمل العدة فإنها تلزمه. "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير" جاء في الرواية الأخرى: "صاعاً من طعام، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط" تنصيص على هذه الخمسة؛ لأنها الغالب فيما يقتات في ذلك الزمان، والطعام يدخل فيه كل مطعوم يقتات في أي بلد من البلدان، كما جاء في كفارة اليمين {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [(89) سورة المائدة] وإلا فما الفائدة أن نعطي شعير وهو لا يؤكل؟ وهي طعمة للمساكين، أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم، تعطيهم صاع من شعير وهم لا يأكلونه، إنما المقصود فيما يقتات. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 16 "صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين" الزكاة، زكاة الأموال إنما تجب على من عنده مال، الآن العبد ما عنده مال تجب، لكنها تجب على سيده، وإذا قلنا: إن العبد يملك فإنها تجب في ماله، والجمهور على أنه لا يملك ولو مُلك. "على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين" فتجب على الغني والفقير، لكن شريطة أن يجدها زائدة عن قوت يومه وليلته "على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين" فزكاة الفطر تزكية، طهرة للصائم، وطعمه للمساكين، والكافر ليس أهلاً للتطهير، ولا للتزكية، فلا تجب عليه، وإذا كانت تجب طهرة للصائم، فكيف تجب على الصغير الذي لا يلزمه الصيام؟ هذا خرج مخرج الغالب، والمسلمون حكمهم واحد، وكلهم بحاجة إلى التزكية والتطهير. "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" هذا أفضل الأوقات لإخراج زكاة الفطر بعد أن يخرج، يخرجها معه إذا أراد أن يصلي بعد صلاة الصبح، وأراد أن يذهب إلى صلاة العيد يوزعها في ذلك الوقت، ولو قدمها في ليلة العيد فلا مانع، وجاء عن الصحابة ما يدل على تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين لا أكثر؛ لأن المراد بها إغناء الفقراء في ذلك اليوم، فلو قدمت لهم أكثر من هذا الوقت لأكلوها قبل ذلك اليوم، ثم احتاجوا إلى ما يغنيهم في ذلك اليوم. "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" أما إذا أخرها عن الصلاة فإنها حينئذٍ تكون صدقة من الصدقات على ما سيأتي، ولا تكون زكاة فطر، ولا تترتب عليها آثارها، تكون تزكية للنفس وتكميلاً وتزكية للصيام الذي حصل فيه شيء من اللغو والرفث على ما سيأتي. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 17 "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" الآن هذا شخص خرج بزكاة الفطر بكيس فيه عشرة آصع مربوط، ولما أراد أن يسلمها لأهل بيت فقراء، أراد أن ينزلها من السيارة انحل الرباط، وانكبت في الأرض، فأخذ يجمعها إن استمر في جمعها فاتته الصلاة، وهو يبحث عن أفضل الأوقات، انحل الوكاء فانكبت، إن ذهب يشتري غيرها قد لا يجد؛ لأن الناس يتجهون إلى المصلى، وإن أخذها يجمعها فاتت الصلاة، في تأخيرها بعد الصلاة في مثل هذه الصورة يؤثر وإلا ما يؤثر؟ هذا أمر مما يملكه ابن آدم وإلا ما .. ؟ هل يكلف في مثل هذا؟ نعم؟ هذا خارج عن إرادته هذا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . طيب هل يمكن أن يقول للمساكين للفقير الذي يريد استلامها له ولأهل بيته استلموها من الأرض؟ يا إخوان مسائل واقعة هذه، ويحصل فيها شيء من الحرج، نقول: الآن، هذا الحاصل زكاتي زكاة فطر وإلا صدقة من الصدقات؟ طالب:. . . . . . . . . هو ذهب بها معه، وفي طريقه إلى المصلى يبحث عن أفضل الأوقات "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" يعني صلى الفجر وذهب يؤديها، فانحل الوكاء وانكبت، ما وجد من يشتري منه، أو ليس معه ما يشتري به، وإن أخذ يجمعها فاتته الصلاة، أو لم يستطع جمعها حتى تنتهي الصلاة، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . اتقوا الله ما استطعتم، نقول: هذا قصد وله ما قصد، ولن يحرمه الله -جل وعلا- ما قصد. "وفي لفظ آخر: فعدل الناس به نصف صاع من بر". "وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء" الحنطة، حنطة الشام "قال: أرى مداً من هذا يعدل مدين، متفق عليه، واللفظ للبخاري". إن كان يعدل في القيمة فالقيمة لا أثر لها؛ لأن بعض الأنواع أضعاف بعض الأنواع في القيمة، وإن كان يعدلها في قيمة الغذاء فهذا أيضاً لا قيمة له؛ لأن بعض الأنواع المذكورة أفضل منها في الغذاء كالتمر مثلاً. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 18 "أرى مداً من هذا يعدل مدين" وعلى كل حال هذا اجتهاد من معاوية -رضي الله عنه-، وخولف في اجتهاده، وافقه من وافقه، وخالفه من خالفه، والأصل ما كان يدفع في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسمراء التي جاءت في عهد معاوية هي داخلة في قوله: "صاعاً من طعام" فلا يجوز دفع أقل من الصاع لا من السمراء ولا من غيرها، ومعاوية -رضي الله عنه وأرضاه- اجتهد، وله أجر اجتهاده، لكن الصواب في قول غيره. "متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ: أو صاعاً من أقط، وقال أبو داود: حدثنا حامد بن يحيى قال: حدثنا سفيان، قال: وحدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضاً، قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاع تمر، أو شعير، أو أقط، أو زبيب" يعني لا أقلل مما كنت أخرجه على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني الناس مع طول العهد قد يتنازلون عن بعض الأمور، لكن العبرة بما كان في عهده -عليه الصلاة والسلام-. "لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا هو تمام الاتباع، بل هذا هو الاتباع بعينه، والنقص من ذلك نقص بالاتباع، ولو اجتهد من اجتهد، ولو كان هذا المجتهد ممن تبرأ الذمة بتقليده، ولو كان ولياً من أولياء الأمور، إذا كان فعله يخالف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن معاوية هو ولي الأمر، وهو إمام المسلمين، وعدل الصاع مما ذكر بنصف صاع بمدين من السمراء، ومع ذلك خالفه أبو سعيد والحق معه؛ لأن العبرة بما كان على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عبرة بقول من خالفه كائناً من كان. "هذا حديث يحيى، زاد سفيان بن عيينة فيه: أو صاعاً من دقيق" الدقيق ليس بمحفوظ، بل هو لفظ منكر شاذ تفرد به سفيان "قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان" لما خالفه الناس تركه بعد أن ضبط عنه، وحدث به عنه، ثم بعد ذلك تركه. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 19 "قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة" طيب ابن عيينة إمام حافظ حجة، مجمع على توثيقه وعدالته وضبطه وحفظه وإتقانه، كيف يأتي بهذه الزيادة، وتكون وهماً من حديثه، ويخالف بها حديث الناس؟ نقول: من الذي يعرى أو يعرو من الخطأ والنسيان كما قال الإمام أحمد؟ لا بد أن يقع الخطأ، لا بد أن يقع الخلل، مهما كان الراوي في الحفظ والضبط والإتقان؛ لأنه ليس بمعصوم. "قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة، وقال النسائي: لا أعلم أحداً قال في هذا الحديث دقيق غير ابن عيينة، قال البيهقي: ورواه جماعة عن ابن عجلان، منهم حاتم بن إسماعيل، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح ويحيى القطان، وأبو خالد الأحمر، وحماد بن مسعدة وغيرهم، فلم يذكر أحد منهم: الدقيق غير سفيان، وقد أنكروا عليه فتركه" نعم هكذا يجب على المحدث إذا بان له الخطأ أن يرجع، أما إذا بان له الخطأ وأصر وعاند على خطئه فإنه يجرح بهذا الخطأ، أما إذا بان له الخطأ ثم تركه فإن هذا لا يؤثر فيه مثل هذا الخطأ. يعني بعض الناس يعمد إلى نوع رخيص، وبعضهم يعمد إلى نوع غالي، أما إذا كان خبيثاً رديئاً فهو داخل في قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] أما إذا كان نوع أقل جودة من الأعلى، وهو مما يأكله أوساط الناس فلا بأس به، وكل على حسب ما تطيب به نفسه، وتجود به لربه. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 20 قال -رحمه الله-: "وعن أبي يزيد الخولاني عن سيار بن عبد الرحمن عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" فرض، فرض أوجب أو قدر؟ {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(14 - 15) سورة الأعلى] قالوا: تزكى زكاة الفطر، نعم زكاة الفطر، وهنا: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل نقول: إن المراد بفرض أوجب، أو نقول: فرض قدر؟ أو نقول: فرض أوجب وقدر؟ التقدير حاصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، التقدير بالصاع حاصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفرض زكاة الفطر وإن كانت الإشارة إليه بالقرآن إلا أنه ليس بصريح في الفرضية، {قَدْ أَفْلَحَ} [(14) سورة الأعلى] لا يدل على الوجوب، لكن الوجوب إنما يؤخذ من السنة، هذه مسألة، فالفرض هنا بمعنى الإيجاب والتقدير، وإن كان يرد عليه ما يرد على استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى، يعني فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، الجمهور يقولون: قدرت، والحنفية يقولون: أوجبت؛ لأن القصر عندهم واجب، هنا نقول: فرض رسول الله، هل نقول: أوجب أو قدر أو هما معاً؟ لأن الوجوب عرف بالسنة، والتقدير أيضاً عرف بالسنة، لكن هل يؤخذ الفرض الذي هو بمعنى الوجوب وبمعنى التقدير من لفظ واحد، أو من نصوص متعددة؟ يعني لو لم يكن عندنا إلا هذا الحديث: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر" يعني هذا فيه تقدير، فنقول: قدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي النص الثاني: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم" نقول هنا: المراد به الإيجاب، طيب الإيجاب الفرض والواجب معناهما واحد وإلا يختلف معناهما؟ طالب:. . . . . . . . . فرض يعني أوجب، هناك فرض صاعاً يعني قدر، وهنا فرض زكاة الفطر طهرة، يعني أوجب زكاة الفطر طهرة للصائم، يعني أوجبها، الفرض والواجب ما الفرق بينهما؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . واحد؟ ما في فرق؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 54 ¦ الصفحة: 21 عند الجمهور ما في فرق، عند الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب، فالواجب عندهم ما ثبت بدليل ظني، والفرض ما ثبت بدليل قطعي، طيب زكاة الفطر وجبت بدليل ظني أو قطعي؟ على اصطلاحهم؟ طالب: قطعي. ليش قطعي؟ عندهم قطعي؟ طالب:. . . . . . . . . لا تنظر إلى اللفظ الشرعي، انظر إلى الاصطلاح، مجرد عن اللفظ الشرعي، نعم زكاة الفطر عندهم ثبتت بدليل ظني، يعني كغيرهم، يعني لم تثبت بالقرآن أو بمتواتر السنة، فهي ثبتت بدليل ظني، على هذا زكاة الفطر عند الحنفية فرض وإلا واجب؟ على اصطلاحهم؟ طالب: واجب. واجب، ويعرفون أن الصحابي يقول: فرض رسول الله، ولا ينكرون هذا الخبر، ولا ما جاء في معناه، ويقولون: زكاة الفطر واجبة؛ لأنها ثبتت بدليل ظني، طيب الصحابي وهو أعرف بالأساليب الشرعية والمدلولات اللغوية يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنتم تقولون: لا، ليست بفرض، وإنما واجبة، يستدل الحنفية على وجوب صلاة العيد بقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] ثبت دليل قطعي، لكنهم يقولون: واجبة، وليست بفريضة، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم الدلالة ظنية وليست بقطعية، الدلالة ظنية فصلاة العيد واجبة وليست بفرض، وهنا زكاة الفطر واجبة وليست بفرض عندهم؛ لأنها ثبتت بدليل ظني، والصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني أوجب، الذي لا يفرق بين الفرض والواجب لا يرد عليه مثل هذا الإشكال، لكن الذين يفرقون ويقولون: إن زكاة الفطر واجبة وليست بفريضة، والصحابي يقول: فرض، لا شك أن مثل هذا الحديث وارد على اصطلاحهم. "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم" الحكمة والعلة من شرعية زكاة الفطر أنها تطهر الصائم من اللغو والرفث، الصائم الذي يصوم مدة تصل إلى خمس عشرة ساعة، لا بد أن يعتريه ما يعتريه في أثناء هذه المدة من نطقه أو بعض أفعاله أو تصرفاته من المخالفات فهذه تطهره "من اللغو" الكلام الغير مرضي "والرفث" الفاحش من القول، لا سيما ما يتعلق بالنساء. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 22 "من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين" فالعلة مركبة من أمرين: طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، طيب قد يقول قائل: أنا حفظت صيامي من غروب الشمس من آخر يوم من شعبان من دخول الشهر إلى خروجه لا لغو ولا رفث، هل يلزمني زكاة فطر؟ نقول: نعم، العلة مركبة من أمرين: إن سلمت من أحدهما لم تسلم من الآخر "طعمة للمساكين" يقول: حفظت صيامي من أول لحظة دخل فيها الشهر إلى آخر لحظة، وبلدي لا يوجد فيه مساكين، تجب عليه زكاة الفطر وإلا ما تجب؟ الآن علة منصوصة، والعلماء يقولون: إن العلل المنصوصة يدور معها الحكم وجوداً وعدماً، إذا قال: بلدي لا يوجد فيه مساكين، قلنا: عندك لغو ورفث، بعض العلة، إذا قال: ما عندي لغو ولا رفث، قلنا: عندك مساكين في سائر أقطار الأرض، يعني إن لم تجد المساكين في بلدك، والأصل في زكاة الفطر أن تكون في البلد الذي فيه البدن، ولا يجوز نقلها عنه إلا إذا لم يوجد فيه مساكين هذا أمر ثاني. "وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" يعني يقضيها قضاءً، وبعضها يراها أداء في يوم العيد، لكن هذا الحديث جعل الحد الفاصل الصلاة، فما كان قبل الصلاة له حكم، وما كان بعد الصلاة له حكم. "ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه" نعم البخاري خرج لعكرمة عن ابن عباس، لكنه لم يخرج لسيار وأبي يزيد، فكلام الحاكم ليس بصحيح. قال المؤلف: "وليس كما قال، فإن سياراً وأبا يزيد لم يخرج لهما الشيخان، وأبو يزيد الخولاني وهو الصغير، قال فيه مروان بن محمد: كان شيخ صدق" يعني مقبول، ليس فيه طعن ينزل حديثه عن درجة القبول "وسيار قال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات" على كل حال حديثهما ممن يحسن، فالحديث حسن. "وقال الدراقطني في رواة هذا الحديث: ليس فيهم مجروح، وقال أبو محمد المقدسي: هذا إسناد حسن، والله أعلم" وهو كما قال، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: المريض الذي لا يرجى برؤه. إيش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 54 ¦ الصفحة: 23 المريض الذي لا يرجى برؤه يأتي في كتاب الصيام، وأنه يطعم عنه. يقول: حلي المرأة المستعمل هل فيه زكاة؟ هو موضوع هذا الدرس، وقلنا: إن الإخراج يكون من باب الاحتياط. يقول: هل يجوز تشقير الحواجب للنساء؟ وهل هو من النمص المنهي عنه؟ هو ليس بمنص، لكن إذا سبغ بلون البشرة بحيث يقول من رأى هذه المرأة: إنها نامصة، ولا شعر في وجهها هذا له حكم النمص. امرأة احترق شعرها، وتشوهت خلقتها، هل لها أن تصل شعرها؟ وهل هذا تغيير؟ نعم، لا يجوز لها أن تصل شعرها، لكن إذا أجرت عمليات تجميلية وزرع شعر، وما أشبه ذلك هذا له حكمه. يقول: رجل صلى الفجر ثم رجع لصلاة الركعتين حسبما يقول للاستخارة. يعني صلاها بعد صلاة الفجر، وما بعد صلاة الفجر وقت نهي، والاستخارة وقتها موسع، ينتظر إلى أن تطلع الشمس، على كل حال هو فعل، وبعضهم يرى ممن يتوسع بذوات الأسباب، وأنها تفعل في أوقات النهي يرى أن مثل هذا لا شيء فيه، هو في الحقيقة أمر مشكل جداً، ينتظر حتى يخرج وقت النهي. المقصود ما هو بهذا السؤال. يقول: فبعد أن انتهيت من الركعة الأولى انضم إلي رجل فما أدري ما أفعل؟ جاء رجل فاتته الصلاة، ورأى هذا يصلي فظن أنه يصلي الفريضة، أو يصلي النافلة التي فاتته، فانضم إليه. فلم أدر ما أفعل، ثم انضم آخر -صارت جماعة- فحولت نيتي إلى الإمام، وجهرت في الثانية، فما أدري عن هذا الفعل؟ لا شك أن هذا على قول من يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل أن هذا لا إشكال فيه، تصح صلاتك وصلاتهم، أنت متنفل، ثم بعد ذلك إذا سلمت تدعو بدعاء الاستخارة. يقول: إذا أوجبنا الزكاة على عروض التجارة، ومن ثم أوجبناها على صاحب التجارة إذا حال الحول على أرباحه، ألم نأخذ الزكاة من ماله مرتين؟ إذا حال الحول على أصل المال فتؤخذ الزكاة على الأصل، وعلى الربح معاً، فربح التجارة ونتاج السائمة حولهما حول أصلهما. ماذا على من صلى أربع ركعات دون جلوس أوسط نهاراً، قاصداً أو ناسياً؟ الجزء: 54 ¦ الصفحة: 24 جاء في الحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) فلا تجوز الزيادة على الركعتين في التطوع بالليل إلا في الوتر له أن يوتر بثلاث، وله أن يوتر بخمس، وله أن يوتر بسبع، وله أن يوتر بتسع بسلام واحد، جاء في الحديث في بعض رواياته: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) لكن الزيادة: ((والنهار)) لا يثبتها كثير من أهل العلم، وحينئذٍ فلا مانع من أن يتطوع بالنهار بأكثر من ركعتين بأربع بسلام واحد، وجاء ما يدل على ذلك في الأربع التي قبل صلاة العصر. يقول: يكثر في هذه الأيام دعوات ترسل بالجوال، هل هذا الدعاء يدخل في الدعاء لأخيه بظهر الغيب؟ لا، إذا أخبره برسالة الجوال ما صارت ظهر الغيب، نعم إذا أخبره بالرسالة أو بمكاتبه، أو قال له في وجهه هذا ليس بظهر الغيب، إنما يدعو له بغيبته، ولا يخبره بذلك، ولا يكتب له بذلك، هذا ظهر الغيب. وهل إذا كانت الرسالة مبدوءة بالسلام يجب رد السلام شفهياً، أو برسالة؟ كالمكتوب، إذا جاءك الخطاب من أحد وفيه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تقول: وعليكم السلام ورحمة وبركاته، ولا يلزم أن ترسل له. يقول المفسرون: تقدير الكلام كذا، عند شرح الآية، أو يقولون: هناك كلام محذوف تقديره كذا، ألا يكون ذلك من القول على الله بما لم يقله؟ أحياناً السياق يتطلب ذلك، السياق لا بد فيه من تقدير، ولا يستقيم الكلام إلا بتقدير {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [(106) سورة آل عمران] نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، في آية آل عمران {أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران] {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران] إيش معنى كفرتم؟ لا بد أن يقال: في الكلام حذف، تقديره: فيقال لهم: أكفرتم؟ ونكتفي بهذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 25 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الزكاة (5) الشيخ: عبد الكريم الخضير سم. بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين. قال المؤلف -رحمه الله-: باب: قسم الصدقات عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني)) رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال: على شرطهما، وقد روي مرسلاً، وهو الصحيح، قاله الدارقطني، وقال البزار: رواه غير واحد عن زيد عن عطاء بن يسار مرسلاً، وأسنده عبد الرزاق عن معمر والثوري، وإذا حدث بالحديث ثقة فأسنده كان عندي الصواب، وعبد الرزاق عندي ثقة، ومعمر ثقة. وعن عبيد الله بن عدي بن الخيَّار ... الخيْار، خيْار بالتخفيف. وعن عبيد الله بن عدي بن الخيْار أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر فرآهما جلدين، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) رواه الإمام أحمد، وقال: ما أجوده من حديث! وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه. وعن قبيصة بن المخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها، فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) قال: ثم قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبُها ثم يمسك)) ... يصيبَها حتى يصيبَها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال سداداً من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال سداداً من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً)) رواه مسلم وأبو داود، وقال: حتى يقول باللام. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 1 وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين -قالا لي وللفضل بن عباس- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلماه، فأمّرهما على هذه الصدقة فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال علي: لا تفعلا، فو الله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث، فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو الله لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نفسناه عليك، فقال علي: أرسلهما ... أرسلوهما، بالجمع وإلا بالإفراد؟ فقال علي: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع قال: فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: ((أخرجا ما تصرران)) ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذٍ عند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس، وقد بلغَنَا النكاح. بلغْنا، بلغْنا. وقد بلغْنا النكاح، وجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك ما يؤدي الناس، ونَصيب كما يصيبون؟ نُصيبُ ونُصيب كما يصيبون؟ قال: فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمِّع إلينا من وراء الحجاب: أن لا تكلماه ... تُلْمِع، تُلمع. ألا تُكلماه. تُلمع. نعم، أحسن الله إليك. زينب تُلمع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه، ثم قال: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية -وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب)) قال: فجاءاه فقال لمحمية: ((أنكح هذا الغلام ابنتك)) للفضل بن عباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: ((أنكح هذا الغلام ابنتك)) لي، فأنكحني، وقال لمحمية: ((أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا)) قال الزهري: ولم يسمه لي. وفي طريق آخر: "فألقى علي رداءه، ثم اضطجع عليه، وقال: أنا أبو حسن القرم، والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". الجزء: 55 ¦ الصفحة: 2 وقال في الحديث: "ثم قال لنا: ((إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) رواه مسلم. وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: "مشيت أنا وعثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني عبد المطلب من خمس ... بني المطلب. أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد)) رواه البخاري. وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: "أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس: كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع؟ فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع قال: فأتم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة من الإبل، وفي رواية: وأعطى علقمة بن علاثة مائة، رواه مسلم. وعن أبي رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي فأسأله، فأتاه فسأله فقال: ((مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة)) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر العطاء فيقول له عمر: أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذه فتموله، أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك)) قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يرد شيئاً أعطيه" رواه مسلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: الجزء: 55 ¦ الصفحة: 3 فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد ما ذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة، وذكر الأنصباء، وما يجب فيها، ذكر كيف تقسم؟ كيف توزع هذه الزكوات وهذه الصدقات؟. الله -جل وعلا- تولى قسمة هذه الصدقات على الأصناف الثمانية، ولم يكل ذلك إلى أحد، بل بينهم بالتفصيل، والاقتصار في بعض النصوص على بعض هذه الأصناف لا يلغي ما عداها من الأصناف الثمانية ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) هؤلاء أولى الناس بصرف الزكاة؛ لأنهم لا يجدون ما يقوم بحاجتهم من الطعام والشراب والمسكن وغيرها من الحوائج الأصلية. الأصناف الثمانية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [(60) سورة التوبة] ... الآية. تولى الله -جل وعلا- قسمتها، ولم يكل ذلك لا إلى محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي وكل إليه بيان بقية ما أجمل في الكتاب، والسنة هي المبينة للقرآن، لكن في هذه المسألة ما تركت لأحد، بينها الله -جل وعلا-، نعم قد يكون في بعضها شيء من الإجمال، مثل في سبيل الله مثلاً، فيختلف أهل العلم بسبب هذا الإجمال، وإلا فالثمانية لا يجوز أن يزاد عليهم صنف تاسع، ولا يجوز أن يلغى من هذه الأصناف الثمانية حكماً، وإن لم يعط منها حقيقة، لكن لا يجوز أن يلغى حكماً؛ لأنه يجوز صرفها إلى صنف أو صنفين أو ثلاثة، ولا يجب استيعاب الثمانية. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 4 {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [(60) سورة التوبة] عامة أهل العلم على أن المراد به الجهاد في سبيل الله، فيجهز الغزاة في سبيل الله من الزكاة الذين ليس لهم ديوان، بمعنى أنهم ليس لهم شيء من بيت المال يقوم بكفايتهم ويجهزهم، منهم من يتوسع في المراد في سبيل الله، فيجعله يشمل كل ما يقرب إلى الله -جل وعلا-، من تعليم، ودعوة، ومصالح عامة للمسلمين، لكن عموم أهل العلم يقصرون ذلك على الجهاد، ومنهم من يلحق بذلك الحج، فيجعله في سبيل الله، وقد جاء ما يدل عليه، لكن الأصل في هذا الباب أنه الجهاد في سبيل الله، ويبقى أن الحج إذا لم يستطع الإنسان الحج فإنه معذور غير مكلف بالحج، فلا يكلف بالأخذ من الزكاة، ولو لم يعط من الزكاة لكان للمنع وجه؛ لأنه غير مكلف أصلاً بالحج ما دام عاجز، وتسميته في سبيل الله يعني من باب الإطلاق العام، كما يقال إذا خرج طالب علم ليطلب علم قيل: في سبيل الله. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 5 قال -رحمه الله-: "عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحل الصدقة لغني)) " لغني؛ لأن الحصر في آية المصارف {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [(60) سورة التوبة] فخرج الغني بأول كلمة، يستثنى خمسة أشخاص، وإن اتصفوا بالغنى فيعطون من الزكاة لا لأنهم أغنياء، وإنما لأمر استدعى ذلك ((لعامل عليها)) والعامل منصوص عليه {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] فالعامل يعطى بقدر أجرته التي تحدد له من قبيل ولي الأمر، أو يعطى أجرة مثله إذا لم يتم التحديد، ولا بد أن يحدد العامل، ويحدد الأجرة من له الأمر، وإلا صارت الأمور فوضى تجد بعض الناس يجمعون الأموال الزكوية وهم في ذلك محسنون، ونياتهم فيما يظهر صالحة، يريدون خدمة الأغنياء، ويريدون أيضاً خدمة الفقراء، ثم بعد ذلك يفرضون لأنفسهم قدراً مما يأخذون باسم العمالة، أو مكلفون من قبل أشخاص لم يوكل لهم هذا الأمر، تجد إمام مسجد يقول للشباب: اجمعوا من الزكوات لنوزع على فقراء الحي هذا عمل طيب، ثم بعد ذلك يفرض لهؤلاء الشباب الذين يجمعون من هذه الزكوات باسم العمالة، هذا ليس بصحيح، لا إمام مسجد، ولا مكتب دعوة، ولا غيره، ما يملكون مثل هذا الأمر، ما يملكه إلا لمن له الأمر، الذي الأصل أن الزكوات تدفع له، أو يرسل من يجبيها، وهو ولي الأمر، وتقدير هذه الأمور وإرجاعها كلٌ إلى ما يقدره في نفسه، والناس يتفاوتون في هذا، لا بد أن تكون جهة التقدير واحدة، الناس يتفاوتون بعض الناس جزل النفس، فإذا جمع هذا الشاب عشرة آلاف يمكن يعطيه ألف، وبعض الناس دنيء النفس إذا جمع له عشرة آلاف أعطاه عشرة ريال، الناس يتفاوتون، فتصير المسألة فوضى، من أراد أن يجمع، من أراد أن يفرض، هذا كلام ليس بصحيح، هذه الأمور مردها إلى ولي الأمر، أو من يكل إليه الأمر ولي الأمر. ((لعامل عليها)) فالعامل يأخذ بقدر أجرته، وإن كان غنياً في مقابل أتعابه. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 6 ((أو رجل اشتراها بماله)) دفعت الصدقة الزكاة العينية جذعة، حقة، أعطيتها فقير، أو دفعت له شيء من أموال عروض التجارة، أو كفارة دفعت لهذا البيت الذي يسكنه مجموعة من أفراد الأسرة دفعت لهم كيس من الأرز كفارة أو زكاة أو زكاة فطر، دفعتها إليهم، عندهم كيس ثاني، ماذا يصنعون به؟ يتصرفون، هم ملكوه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء} [(60) سورة التوبة] تمليك ملكوها وانتهينا، فلهم أن يتصرفوا ببيعها إذا كانت قدر زائد عن حاجتهم في هذا الباب، أما إذا كانت قدر زائد عن حاجتهم مطلقاً فلا يجوز لهم أن يأخذوها أصلاً، فلهم أن يبيعوها فمن يشتريها بماله لا يقال: إنه أخذ الصدقة إنما اشتراها. ((أو غارم)) غارم تحمل ديناً إما لنفسه ركبته الديون التي لم يفرط فيها، ولم يأخذ بسببها أموال الناس تكثراً، أو يغامر مغامرة المجانين، ثم بعد ذلك تركبه الديون، ثم زكوات المسلمين قد لا تغطي ديونه مثل هذا يعاقب بنقيض قصده؛ لأنه لو علم مثل هذا لزادت مغامرته، وهو يقول: الزكوات تسدد -إن شاء الله-؛ لأني غارم، لا، من غير تفريط في حوائجه الأصلية، أو تحمل بسبب غيره لإصلاح، إصلاح ذات البين، بين أسرتين، بين قبيلتين، بين رجلين، تحمل للإصلاح فهذا من باب التشجيع على الإصلاح، والصلح خير، يعان من الزكاة. ((أو غاز في سبيل الله)) الغارم والغازي في سبيل الله هؤلاء مما نص عليه في آية المصارف ((أو غاز في سبيل الله)) فيعطى ما يتجهز به للجهاد وما يعينه على أداء هذه المهمة العظيمة التي هي ذروة سنام الإسلام، وهي مصدر عز المسلمين، وما ذلوا إلا بعد أن تركوا الجهاد. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 7 ((أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني)) مسكين تصدق عليه منها، عليه صدقة ولغيره ممن يأكل معه هدية، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى في البرمة على النار لحماًَ فسأل، فقال: ((ما هذا؟ )) قالوا: هذا تصدق به على بريرة، فقال: ((هو عليها صدقة، ولنا هدية)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- يأخذ الهدية، ولا يأخذ الصدقة، فأهدى منها لغني، هنا مسألة يكثر السؤال عنها، قد يكون الشخص غنياً، وله زوجة وأولاد، وأهل زوجته فقراء يأخذون من الصدقات، فإذا ذهبت زوجته التي هي في الأصل تحت غني منفق وأولاده إلى أهلها وأخوالهم، وعندهم طعام من الصدقة يأكلون وإلا ما يأكلون؟ يأكلون، هي للفقراء صدقة، ولهؤلاء هدية، لكن يبقى أن الإنسان عليه أن يلاحظ مثل هذه الأمور، لا يستغل الفرصة ويقول: كفينا المئونة، اذهبوا وأكلوا عند أهلكم، هي لهم صدقة، ولكم هدية، لا، يعني عليه أن يبذل لأصهاره ما يقابل ما تأكله زوجته وأولاده عندهم، لكن إذا حصل اتفاقاً مثل هذا الأمر من غير تخطيط ومن غير قصد هذا لا بأس به، كما حصل للحم الذي أهدي لبريرة، يعني بعض الناس وإن كان غنياً تجده دنيئاً في نفسه، عندنا أصل شرعي الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكل مما تصدق به على بريرة، ولسنا بأورع من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فيقول: فرصة يومياً اذهبوا تغدوا عندهم، وتعشوا عندهم؛ ليسلم من مؤونتهم، هذا الكلام ليس بصحيح، إذا قصد ذلك حرم عليه، إما أن يأتي اتفاقاً، ويقدمون ما تصدق به عليهم بحضور غني لا مانع أن يأكل، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، نفرق بين هذا وهذا، يعني إذا كان الإنسان هذا الغني عنده زكوات من ماله، ويعطى من غيره من الأغنياء، ثم يعطي أصهاره بهذا القصد ليأكل هؤلاء الأصهار من هذه الزكوات، وإذا ذهب أولادهم يجدون ما يأكلون أيضاً من هذه الزكوات، ويحمي بذلك ماله، هذا لا يجوز، المسألة مسألة دين، ما هي .. ، ما تمشي الحيل في مثل هذا. ((فأهدي منها لغني)) رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال: على شرطهما، وقد روي مرسلاً وهو الصحيح، قاله الدارقطني. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 8 هو مرسل، يعني طريق من طرقه يروى موصولاً، ويروى متصلاً، ورجح الدارقطني المرسل من هذا الطريق، أما بقية الطرق الموصولة لم يتعرض لها الدارقطني، فالصواب أنه موصول. "وقال البزار: رواه غير واحد عن زيد عن عطاء بن يسار مرسلاً، وأسنده عبد الرزاق عن معمر والثوري، وإذا حدث بالحديث ثقة فأسنده كان عندي الصواب" يعني العبرة بالموصول، وذكرنا مراراً أن طريقة الأئمة في هذا في هذه المسألة أنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد، لا يحكمون بالإرسال مطلقاً، ولا بالوصل مطلقاً، وإنما القرائن هي التي تحكم في مثل هذا الباب. "وأسنده عبد الرزاق عن معمر والثوري، وإذا حدث بالحديث ثقة فأسنده كان عندي الصواب، وعبد الرزاق عندي ثقة، ومعمر ثقة" وعلى كل حال الحديث صحيح، لا إشكال فيه. "وعن عبيد الله بن عدي بن الخيْار" هذا من كبار التابعين، عبيد الله بن عدي بن الخيار من كبار التابعين، مرسله يقبله الشافعي، ومن يقبل المراسيل بالشروط المعروفة، وله قصة في الصحيح، وهي أنه قال لشخص: اذهب بنا لنرى وحشي بن حرب الذي قتل حمزة وقتل مسيلمة، وحشي قد جاوز المائة في ذلك الوقت، فتلثما وأقبلا على وحشي، وحشي ما رآهما قبل ذلك، فلما رآهما قال: أنت ولد عدي بن الخيار؟ فك اللثام، قال: نعم، فتعجب كيف عرفه وهو أول مرة يراه؟! قال: ناولتك أمك وأنت في المهد على الدابة، يعني كم؟ عبيد الله تابعي كبير، يعني ممكن في هذا الوقت عمره أكثر من سبعين سنة، ناوله أمه في المهد وعرفه من ذلك الوقت، والواحد منا لو يسلم عليه شخص، ويطلع مع باب ويدخل مع باب نسيه، يعني ليست هذه مبالغة، يعني هذه تجربة، وهذا بعد عقود، والفرق كبير الآن عبيد الله بن عدي تابعي كبير، يعني في الستين، أو في السبعين من عمره، وعرفه قبل ذلك حينما كان في المهد، والله المستعان. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 9 "أن رجلين حدثاه" هذا تابعي كبير يقول: إن "رجلين حدثاه" جهالة هذه، لكنها لا تضر، لماذا؟ لأنهما من الصحابة "أن رجلين حدثاه" جهالة الصحابة لا تضر "أنهما أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألانه عن الصدقة، فقلب فيهما البصر" يعني على الإنسان أن يتأنى، الصدقة لها مصارف محددة شرعاً، لا يجوز التساهل فيها بحال، فعلى الإنسان أن يتأمل فيمن يدفع له الصدقة، قد يتجاوز عن الشيء اليسير، وجدت سائل فأعطيته ريال، أو خمسة، أو عشرة، قد يتجاوز في مثل هذا، لكن الأموال التي لها وقع، ولها شأن لا بد أن يتأمل فيمن يُعطاها، ويختلفون فيمن يأخذ الصدقة، هل له أن يتصدق بالشيء اليسير أو لا؟ هو يحتاج في نفقته في العام إلى ثلاثين ألف هو وأسرته، يعني معدل ألفين وخمسمائة ريال شهري، فمر به سائل أو فقير فأعطاه ريال، هل نقول: لا يجوز لك أن تتصدق وأن تأخذ الزكاة، أو الصدقة بالشيء اليسير معفو عنه كما يقول شيخ الإسلام؟ لأن الإنسان أحياناً قد يحرج، قد يحرج في مثل هذه المواطن، فيدفع هذا السائل ولو بشيء يسير، والأصل أنه لا يأخذ إلا ما يحتاج، ومعلوم أن الذي يتصدق به قدر زائد على حاجته، وقد يتصدق الإنسان بما يحتاج دفعاً للحرج الذي يقع فيه، وقد يكون في نفسه شيء من السخاء وإن كان فقيراً؛ لأنه وجد في الواقع ما يدل على ذلك، تجد الإنسان يتكلف ويسأل المسئولين، أو الولاة من بيت المال، ثم يعطى بعض الأموال ثم يسألها فيدفعها فوراً، يعني هذا فيه سخاء نفس، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه، والمسألة أمرها -مسألة الأموال- مسألة يعني تحتاج إلى مزيد من التثبت، لا يسأل الإنسان لأدنى سبب، وسيأتي ما فيها مما قاله بعض أهل العلم أن المسألة حرام، ويدل لذلك النصوص الكثيرة التي سيأتي شيء منها، سواء منها ما كان من بيت المال، أو من السلطان، أو من غيره، وإن كان السؤال من بيت المال أسهل والسلطان أيضاً أعطيته تؤخذ، ولو لم يكن هناك حاجة، ما لم يستشرف لها، على ما سيأتي. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 10 "فقلب فيهما البصر، فرآهما جلدين" قويين، يستطيعان العمل، يأتي شاب في العشرين والخمس والعشرين والثلاثين يسأل الصدقة؟! لماذا لا تكتسب؟ رآهما جلدين، ما يعطى هؤلاء إلا بعد تثبت أنهما ما وجدا عمل، إذا لم يجدا عمل إلى الله المشتكى، وصف الفقر لازم لهم، أو كررا العمل فأخفقا في التجارة، ومع ذلك يعيدان الكرة. "فرآهما جلدين، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما)) " يعني من الزكاة ((إن شئتما أعطيتكما)) يعني ترك الأمر لذمتهما، وكل الأمر إليهم، ((إن شئتما أعطيتكما)) لكن هذا الأصل ((لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)) ((لا حظ فيها لغني)) يملك ما ينفق به على نفسه وعلى من تحت يده ((ولا لقوي)) يكفي؟ ((مكتسب)) لأنه قد يكون قوي لكن لا يعرف يكتسب، وقد يعرف الاكتساب لكنه ليس بقوي لا يقوى على الاكتساب، فالمسألة أعني الزكاة لا حظ فيها لغني بالفعل ولا بالقوة؛ لأن هناك اتصاف بالوصف فعلاً، واتصاف به بالقوة القريبة من الفعل، ولذا يقولون: فلان فقيه بالفعل، وفلان فقيه بالقوة القريبة من الفعل، يذكرون هذا في كتب الأصول، فلان فقيه بالفعل المسائل حاضرة في ذهنه بأدلتها، وفلان فقيه بالقوة القريبة من الفعل، إذا سألته ما أجاب الحكم ليس بحاضر في ذهنه، لكنه إذا رجع إلى المصادر والمراجع استطاع أن يحرر المسألة بأدلتها، ويخلص بالقول الراجح بالطريقة المتبعة عند أهل العلم، ولذا ما أحد قال في مالك: إنه ليس بفقيه مع أنه سئل عن مسائل فأجاب عن بعضها، وقال عن كثير منها: الله أعلم، لكنه فقيه بالفعل، وهو أيضاً فقيه بالقوة القريبة من الفعل، فالذي لديه خبرة ودربة ومعرفة كيف يتعامل مع النصوص هذا فقيه بالقوة القريبة من الفعل، وإن لم تكن المسائل حاضرة في ذهنه، وهنا يوجد الغني بالفعل الذي لديه الأموال والأرصدة، ويوجد الغني بالقوة القريبة من الفعل، إذا اتصف بأمرين بالقوة والقدرة على الاكتساب، القوة والاكتساب. "رواه الإمام أحمد، وقال: ما أجوده من حديث! وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه". الجزء: 55 ¦ الصفحة: 11 قد يوجد قوة ومعرفة بالاكتساب مع وجود مانع، يقول: أنا قوي وقادر على الاكتساب، لكن هو مرافق مع أحد والديه في مصحة من المصحات مدة طويلة، يقول: لا أستطيع أن أتركهما، هذا يوجد مانع، ويوجد مانع لكن ينظر في شرعية هذا المانع، كثير ممن يسأل ممن لديه القوة والقدرة على الاكتساب يوجد مانع نظامي ليست عنده إقامة نظامية يتمكن بها من الكسب، فهل يعطى من الزكاة أو لا يعطى؟ هذا يوكل الأمر فيه إلى ولي الأمر؛ لأنه هو الذي يقدر المصالح المرتبة على منعه وعلى إعطائه، هو الذي يقدر المصلحة المرتبة على منعه وعلى إعطائه، وهو لا يمكن من العمل باعتبار أن الإقامة غير نظامية، وهو قوي ويستطيع الاكتساب، فمثل هذا يوكل أمره إلى ولاة الأمور هم الذين يقدرون المصالح والمفاسد المرتبة على إعطائهم، إعطاؤهم يعينهم على البقاء غير النظامي، ومنعهم قد يجرهم إلى أمور محظورة، ومفاسد، لكن هذه ليس للأشخاص أن يقدروها، لا يعرفون ما وراء هذه الأمور. قال -رحمه الله-: "وعن قبيصة بن المخارق الهلالي، قال: تحملت حمالة" تحملت حمالة، يعني تحمل ديناً أو دية، أو سبب صلح، أو ما أشبه ذلك، المقصود أنه حمل ذمته ديناً بسبب غيره "تحملت حمالة، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها؟ " يعني أسأله أن يعينني فيها "فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة)) " الرسول -عليه الصلاة والسلام- متفرغ للدعوة، ليس .. ، لا يزاول التجارة بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام-، فليس من أرباب الأموال، وإنما يمر الهلال والثاني والثالث وما أوقد في بيته نار، ثلاثة أهلة في شهرين -عليه الصلاة والسلام-، وهو أفضل الخلق، وأشرف الخلق، وأكمل الخلق وأكرمهم على الله -جل وعلا- وهذه حاله، هذا عيشه -عليه الصلاة والسلام-. "فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) " الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والله ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة)) أي ثلاث ليال ((وعندي دينار إلا دينار أرصده لدين)) يسدد به دينه ((أقول به: هكذا وهكذا وهكذا)) من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، يوزعه فوراً. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 12 " ((فنأمر لك بها)) قال: ثم قال: ((يا قبيصة)) " وعظه -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا يجب أن يذكر الإنسان إذا أرد أن يأخذ صدقة يذكر بمثل هذا " ((إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجلٍ)) " بدل من أحد، ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ، أحدهم رجلٌ. ((رجلٍ تحمل حمالة)) يعني مثلما أنت فيه يا قبيصة ((فحلت له المسألة حتى يصيبَها ثم يمسك)) هذه الحمالة قدرها إيش؟ عشرة آلاف ريال، لا يجوز أن يأخذ عشرة آلاف وريال، إنما يأخذ عشرة آلاف فقط، حتى يصيبها ثم يمسك، لا يجوز أن يأخذ زيادة على ذلك. ((ورجل أصابته جائحة)) كارثة سماوية أو أرضية ((اجتاحت ماله)) حريق، غرق، صاعقة، آفة من الآفات، ظالم غشوم سطا على أمواله فاستولى عليها، هذه جوائح؛ لأنها تجتاح المال كله ((ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله)) يعني أهلكته وأتت عليه كله، أما ما يأتي على اليسير، ويترك الكثير هذا ليس بمبرر للمسألة، أو الذي يأتي على الكثير، ويبقي شيء يكفي هذا أيضاً ليس بمبرر للمسألة. ((اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش)) يعني ما تقوم به حاجته فقط من غير زيادة على ذلك، شخص عنده بضائع بعشرات الملايين في سفينة غرقت هذه الأموال وعاد فقيراً، هل نقول: يأخذ من الزكاة والصدقات بقدر ما تلف من ماله؟ لا، يأخذ حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش، يعني ما يسد حاجته من غير زيادة على ذلك. ((ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى)) أعسر عسراً شديداً، فمثل هذا وقد عرف قبل ذلك بغنى، أما من عرف بالفقر هذا لا يحتاج إلى أن يقيم بينة يُصدق، والمجهول الذي لا يعرف بفقر ولا غنى يكفي إقامة بينة ترجح غلبة الظن أنه محتاج، وأنه فقير، أما من عرف بغنى ثم أصيب بفاقة هذا لا بد أن يحضر ثلاثة من ذوي الحجى، ذوي العقول، الذين يقدرون الأمور قدرها؛ لأن بعض الناس عنده عاطفة، ويحب النفع للآخرين، ثم بعد ذلك يتساهل في أداء الشهادة، مستعد ليشهد لكل من قال، لا، نحن نريد أهل دين وعقل يعرفون متى يشهدون، ويعرفون متى يمتنعون. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 13 ((حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه)) الذين يعرفونه ويعرفون حاله، أما البعيد ن الناس فإنه قد يشهد على ظن أو خاطر وقع في قلبه، أو إشاعة، إشاعة فلان محتاج، الناس يتداولون هذا إشاعة، وبعض الناس يشهد للإنسان من خلال ظاهره، يلبس الأثمال من الثياب، ويركب الرديء من السيارات، ثم يحضر من يشهد له، بعض الناس يأتي عشرة يشهدون له فقير والبنوك مملوءة بالأرصدة، لكن بهذا القيد من ذوي الحجى، يعني أصحاب العقول، الذين يقدرون للأمور قدرها، من أصحاب الديانة، الذين لا يتسارعون في الشهادة الذي جاء ذم من يسارع إليها. ((حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه)) فيشهدون، والأسلوب ((لقد)) كأن فيه تأكيد الشهادة باليمين؛ لأن اللام قد تكون واقعة في جواب قسم مقدر، والله لقد أصابت فلاناً فاقة؛ لأن الأمر ليس بالسهل، ما يقول قائل: والله هذه زكاة رايحة رايحة، وفلان أولى بها، فلان يستعين به على طاعة الله، وغيره قد يستعين بها على .. ، لا، لا، ما أنت مسئول عن الخلق، مسئول عن نفسك، فأعد الجواب عن نفسك. ((لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش)) مثلما تقدم ما تقوم به حاجته، ويسد فاقته. ((فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت)) حرام ((سحت يأكلها صاحبها سحتاً)) فتقضي عليه، وعلى أمواله، فتقضي عليه، وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به. "رواه مسلم وأبو داود، وقال: حتى يقول" بدل يقوم "حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى" بدل يقوم وفي رواية: يقوم، ومثله حديث عبادة: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، على أن نقول، أو قال: نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، فنقوم جاءت في هذا الحديث وذاك الحديث، وفي رواية: نقول. "وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع" وفي بعض كتب التراجم تسميه المطلب بدون عبد، فلا يتم الاستدلال على جواز التسمية بعبد المطلب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما غيره، يعني استدل بإبقاء عبد المطلب هذا على هذه الصفة من يقول بجواز التسمية بعبد المطلب. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 14 ابن حزم يقول: لا يجوز التعبيد لغير الله -جل وعلا- حاشا عبد المطلب، واستدل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) لكن هذا لا يتم به الاستدلال، لماذا لم يغير النبي -عليه الصلاة والسلام- اسم جده؟ لأنه قد مات، وليس بمسلم، والذي يغير اسمه من يدخل في الإسلام، عبد المطلب الذي معنا مسلم استدل به من يقول بجواز التسمية بعبد المطلب، ولا يتم الاستدلال؛ لأن اسمه كما هو محرر عند جمع من المحققين المطلب بدون عبد. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 15 "ابن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين -قالا لي" عبد المطلب الراوي "وللفضل بن عباس" لأنهما بلغا سن النكاح، وليس عندهما شيء يصدقانه من يتزوجانه منه "قالا لي وللفضل ابن عباس" "لو بعثنا هذين الغلامين قالا لي" يعني في شأني وشأن الفضل بن عباس "لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلماه، فأمرهما على الصدقة" أمرهما على الصدقة من أجل أن يأخذا العمالة، أجرة عملهما لا يأخذان من نفس الصدقة، وإنما باسم العامل عليها "فأديا ما يؤدي الناس" من الزكوات "وأصابا مما يصيب الناس" من أجرة العامل "قال: فبينما هما في كذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك" استشاراه، أو بلغاه بما أرادا "فقال علي: لا تفعلا" علي -رضي الله عنه وأرضاه- معه فاطمة بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام- "فقال علي: لا تفعلا، فو الله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث، فقال: والله" يعني وقف في وجه وخاصمه وحاجه، "والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا" غيرة، تخشى أن نزاحمك، تخشى أن ننافسك عند الرسول -عليه الصلاة والسلام- "فو الله لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نلت هذا اللقب وهذا الشرف العظيم، وهو مصاهرة النبي -عليه الصلاة والسلام- على أفضل بناته، بل أفضل نساء العالمين على قول جمع من أهل العلم "لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نفسناه عليك" يعني ما غرنا عليك، ولا ضايقناك، ولا .. "فقال علي: أرسلوهما" شأنكم، يعني المسألة نصيحة ما قبلتم النصيحة أرسلوهما، "فانطلقا واضطجع" علي -رضي الله عنه- "قال: فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر سبقناه إلى الحجر، فقمنا عندها" ينتظرون الرسول -عليه الصلاة والسلام-، الحجر متوالية "فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: ((أخرجا ما تصرران)) " يعني ما تزوران في نفسيكما، يعني لأي شيء جئتما؟ أبرزا ما في صدوركما، يعني كأن الصدر وعاء للكلام، كما أن من أراد أن يخفي شيئاً يجعله في صرة ويربطها " ((أخرجا ما تصرران)) ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذٍ عند زينب بنت جحش، الجزء: 55 ¦ الصفحة: 16 قال: فتواكلنا الكلام" عندهم ما يوجد شيء من التردد بسبب كلام علي، ولذا لم يبادرا، كل واحد يبادر الثاني بالكلام، كل واحد وكل الكلام إلى الآخر، قال: لعله هو الذي يبدأ "فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا" يعني لما ترددنا لا بد من أن يتكلم واحد منا، تكلم أحدنا "فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل، وقد بلغْنا النكاح، وجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات" يعني ما جاءا يسألانه من الصدقة، لا، إنما يسألان العمالة على الصدقة؛ ليستحقا ما يستحقا في مقابل عملهما "وجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك ما يؤدي الناس، ونُصيب كما يصيبون؟ " زكوات الناس نعطيك إياها، وأجرتنا وعمالتنا نأخذها. "قال: فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه" سكت -عليه الصلاة والسلام- سكوتاً طويلاً؛ لأن الأمر الذي طلباه غير سائغ وغير لائق، ولا يجوز، لكن الحكم يخفى عليهما، ولذلك اكتفى بهذا "فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تُلمع إلينا من وراء الحجاب" وهي أم المؤمنين "تلمع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه" كأنها حركت الستار، وقالت: لا تكلماه "قال: ثم قال: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس)) " وهم من آل محمد، هم من الآل، الصدقة سواء كانت الزكاة التي تؤدى باسم الفقر، وكذلك الزكاة التي تؤدى باسم العمالة؛ لأن العمل والكسب متفاوت تفاوت كبير جداً، وإن كان في مقابل عمل، ومقابل كد، ومقابل عرق وجهد، فتتفاوت من أطيب المكاسب الذي هو كسب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) والزراعة التي يقول جمع من أهل العلم أنها أفضل المكاسب، والصناعة التي هي كسب داود -عليه السلام-، إلى أن تنتهي إلى الحجامة، وهي في المقابل عمل، لكنه كسب دنيء رديء، ليس بمحرم، لكنه دنيء، كسب الحجام خبيث، يعني رديء وليس بحرام؛ لأنه لو كان حراماً ما أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- الحجام ديناراً، لكنه رديء {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} يعني الرديء {مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] العمالة هذه بالنسبة لسائر الناس في مقابل عمل وأجرة عمل لا إشكال فيها، لكن بالنسبة لآل محمد لا تحل لهم. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 17 ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية)) وكان على الخمس" وكان مسئول على الخمس " ((أدعوا لي محمية)) وكان على الخمس، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، قال: فجاءاه، فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك، للفضل بن عباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك –لي-" يعني لعبد المطلب بن ربيعة "فأنكحني، وقال لمحمية: ((أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا)) " يعني من سهم ذوي القربى، هذا ما فيه منة لأحد، وليس من أوساخ الناس، وإنما هو شيء فرضه الله -جل وعلا- للآل، لذوي القربى، والسبب في منعهم من الزكاة أنها أوساخ الناس، وهم من المنزلة العليا من الشرف والمكانة بسبب قربهم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يليق بهم أن يأكلوا من أوساخ الناس، ولذا لما حرموا من الزكاة فرض لهم من الخمس، هذا الطرد، حرموا من الزكاة ففرض لهم من الخمس، العكس صحيح وإلا ليس بصحيح؟ إذا حرموا من الخمس، أو ما كان هناك خمس يعطون من الزكاة وإلا ما يعطون؟ نعم؟ يعني هل المسألة تصح طرداً وعكساً أو طرداً دون عكس؟ ما في خمس، ما في جهاد ما في خمس، من أين يأكل آل البيت؟ يعطون من الزكاة ولو كانت من أوساخ الناس أو ما يعطون؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إنهم إنما حرموا من الزكاة لما لهم من الخمس، وما دام حرموا من الخمس يعطون من الزكاة، ومنهم من يقول: الوصف ثابت ((إنما هي أوساخ الناس)) لا يزيل هذا الوسخ وجود خمس أو عدم وجوده، وعلى كل حال يفرض لهم من بيت المال ما يكفيهم بلا منة لأحد، وهم أولى من يكرم، وأولى من يعطى، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد من إكرامهم، وحقهم على الأمة عظيم بسبب قربهم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبوصيته بهم. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 18 الطرد والعكس مثلما يقال في قول ابن عمر: لو كنت مسبحاً لأتممت، يعني لو كنت متنفلاً في السفر لأتممت الصلاة، صليت صلاة تامة، ما دام خفف من الصلاة الفريضة فلماذا أتكلف السبحة النافلة، والمسافر يكتب له ما كان يعمله مقيماً؟ بعضهم يعكس يقول: إذا أتم يسبح، يعني صلى خلف مقيم، كما يصلي المسافرون هنا في البيت الشريف، صلى أربع يتنفل، الوصف المؤثر هل هو الإتمام أو السفر؟ نعم السفر، السفر انقطع وإلا ما انقطع؟ موجود السفر، فإذا صح طرد قد لا يصح عكس، وهذا نظير مسألتنا؛ لأنه يوجد من يقول: الذي يتم يتنفل؛ لأن مفهوم قوله: لو كنت مسبحاً لأتممت، أنه إذا أتم عليه أن يسبح، نقول: لا، الوصف الذي من أجله ترك التنفل في السفر عدا الوتر وركعتي الفجر التي كان يداوم عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- سفراً وحضراً هو الوصف المؤثر هو السفر وجوداً وعدماً. "قال الزهري: لم يسمه لي" لم يسم الصداق لي، لماذا؟ لأنه لا يترتب عليه فائدة، ما يترتب عليه حكم، إنما الحكم المستنبط من هذا الحديث أن الصدقة لا تحل لآل محمد، وقد يقول قائل: هو ما أخذه صدقه أخذه أجرة، نقول: حتى الأجرة المأخوذة من الصدقة هي أوساخ الناس، هذا إذا كانت الأجرة مأخوذة من الصدقة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] لكن إذا كانت الأجرة من بيت المال؟ هذا موظف براتب، اذهب فأتِ لنا بزكاة آل فلان وزكاة آل فلان ويسجل له أسماء، ويستحصل هذه الزكوات، نقول: أوساخ الناس؟ هو أجير، هو موظف، فالعمالة الممنوعة إذا كانت تؤخذ من الصدقة نفسها. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 19 "وفي طريق آخر: فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه" اضطجع عليه، علي ينتظر النتيجة، هو حذرهم ونهاهم فما امتثلوا، جلس ينتظر النتيجة "ثم اضطجع عليه، وقال: أنا أبو حسن القرم" صاحب الرأي والمعرفة والخبرة، يقول مثل هذا في مثل هذا الموطن الذي لم يقبل فيه كلامه، وقد يحتاج الإنسان التصريح ببعض الأمور التي لا ينبغي التصريح بها في بعض المواطن التي يهضم فيها، ابن عمر قيل له: إنه عيي، يعني لا يستطيع أن يتكلم، قال: كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟! الإنسان إذا هضم ولم يستشعر مع ذلك الترفع والعظمة على الغير لا مانع أن يصرح ببعض الشيء الذي يرد إليه شيئاً من اعتباره، فقوله: "أنا أبو حسن القرم" لما سمع الجواب عرف أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يوليهم مثل هذا، كلامه صواب، لا تكلمونه في العمالة، كلموه في الصداق، اسألوه أن يعطيكم ما يعينكم على الصداق، لا من الصدقة، ولا من العمالة عليها. "والله لا أريم مكاني" يعني أنا أتوقع، توقع علي -رضي الله عنه- أن يكون جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال "والله لا أريم" يعني لا أبرح ولا أعدو "مكاني" هذا "حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به" يعني حتى يرجعا بما بعثتموهما به "إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". وقال في الحديث: "ثم قال: ((إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) " وهذا تقدم "رواه مسلم". "وعن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا" هذا عطف على الضمير المتصل وقد وجد الفاصل وجوباً "مشيت أنا وعثمان" وهذا الذي سألنا عنه قبل في ضمير النصب، وأنه لا مانع من العطف عليه بغير فاصل، أما ضمير الرفع المتصل لا بد من الفاصل "مشيت أنا وعثمان" وإن على ... طالب:. . . . . . . . . أيوه بدون. طالب:. . . . . . . . . إيه لكن قد يرد، بيجيك في النظم الحين. وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل كما هنا. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أي فاصل. . . . . . . . . . وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد الجزء: 55 ¦ الصفحة: 20 هذا في النظم خاصة، وأما في النصوص النثرية لا بد أن يوجد، وحذفه من تصرف الرواة. "مشيت أنا وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم، شيء واحد)) " جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، عثمان بن عفان بن عبد شمس بن عبد مناف، المطلب بن عبد مناف، هاشم نعم؟ ابن عبد مناف، كلهم يجتمعون في جد واحد، كلهم بمنزلة واحدة، يجتمعون في جد واحد، أربعة أبوهم واحد، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعطي من خمس خيبر بطنين ويحرم اثنين، وهم بمنزلة واحدة، لماذا؟ يعني استغرب جبير بن مطعم وعثمان بن عفان أن يعطى بنو المطلب وبنو هاشم، ويحرم بنو نوفل وبنو عبد شمس، وهم كلهم إخوة. أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد)) يعني لم يختلفوا ولم يفترقوا في جاهلية ولا في إسلام، ولما حصر بنو هاشم في الشعب انضم إليهم بنو المطلب بخلاف بني نوفل وبني عبد شمس، هؤلاء لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام، فيكون حكمهم واحد، وإن كان الجد واحد، والغنم مع الغرم، والخراج بالضمان، هؤلاء أعطوا من الخمس، لكن يحرمون من الصدقة، وهذا وجه الشاهد من الإتيان بهذا الحديث في هذا الباب، يعطون من الخمس، لكن يحرمون من الصدقة، يحرم بنو نوفل وبنو عبد شمس من الصدقة؟ لا؛ لأنهم لا يعطون من الخمس، فالحكم يختلف، فمن يأخذ من الخمس يحرم من الصدقة، والذي يحرم من الصدقة لا يحرم من الخمس. "رواه البخاري". وعن رافع بن خديج .... فدل على أن الآل الذين تحرم عليهم الصدقة هم بنو المطلب وبنو هاشم. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 21 "وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب" والد معاوية من مسلمة الفتح، ومن الملأ، ومن أعيان القوم ووجهائهم "وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مائة من الإبل" يعني شيء كثير جداً، يعني فوق الحاجة، إنما هو باسم الفقر؟ لا، باسم المسكنة؟ لا، باسم العمالة؟ لا، إنما هو بالتأليف {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [(60) سورة التوبة] والتأليف مصرف من مصارف الزكاة، فيؤلف المسلم الذي في ديانته رقة، ويخشى عليه أن يرتد، يؤلف الكافر الذي يرجى إسلامه، فيعطى فيكون من المؤلفة قلوبهم، ويؤلف الكافر الذي يخشى شره، فيعطى دفعاً لشره، ويدخل الجميع في سهم المؤلفة قلوبهم. أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل "وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك" نقصه، ما هان الأمر على عباس بن مرداس، وهو شاعر، وله ديوان مطبوع، معروف "فقال عباس بن مرداس" شعراً: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع؟ فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع يعني ما كان آباؤهم وأجدادهم خير من آبائي وأجدادي. وما كنت دون امرئ منهما ... . . . . . . . . . حتى ولا أنا بأقل شأناً من واحد منهما. وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع الجزء: 55 ¦ الصفحة: 22 يعني أنت الرسول -عليه الصلاة والسلام-، المقدم في الأمة، يعني إذا خفضت أحد في مثل هذا اليوم فإنه لن تقوم له قائمة، لن يرتفع أبداً، يُعرف قدره ومنزلته من خلال إعطائك له، لكن هل الذي يتم به تقدير الأشخاص والتفاضل بين الناس هو بالعطاء؟ بعطاء الأموال أو بالتقوى؟ بالتقوى، ولذا لما قسم النبي -عليه الصلاة والسلام- الغنائم وأعطى المهاجرين وأعطى الأعراب وأعطى وأعطى، ثم ترك الأنصار، الأنصار وجدوا في أنفسهم شيء، هل لأنهم أقل شأناً عند النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا؛ لأنهم أرفع شأناً عنده -عليه الصلاة والسلام-، لكن كل ينظر إلى الأمور وتقديرها بحسب ما ألف وجبل عليه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذه الأمور لا تعني شيئاً ألبتة عنده، أعطى غنماً بين جبلين، لا تهمه هذه الأمور، ثم لما رأى ما في وجوه الأنصار من تغير، قال: ((أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ )) ((الأنصار شعار، والناس دثار)) يعني الأنصار أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الشعار هو اللباس الذي يلي البدن مباشرة، والدثار الذي يلبس فوقه. قال: "فأتم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة" ما دام هذا اهتمامه كملوا له المائة، ويش المانع؟ "وفي رواية: وأعطى علقمة بن علاثة مائة، رواه مسلم". "وعن أبي رافع -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني" أبو رافع مولى للنبي -عليه الصلاة والسلام-، مولى للنبي -عليه الصلاة والسلام- أعطاه إياه العباس، فلما أخبره بإسلام العباس أعتقه النبي -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 23 "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها" تصيب من هذه الصدقة، أو من العمالة على الصدقة، أقسم لك مما يضرب لي بسبب العمالة، "قال: حتى آتي النبي فأسأله" هكذا ينبغي أن يكون وضع المسلم، لا يتصرف إلا بسؤال أهل العلم، قال: لا، "حتى آتي النبي -عليه الصلاة والسلام- فأسأله" والناس اليوم بسبب رقة الديانة عند كثير منهم تجده يزاول المحرم المجمع على تحريمه، وهو جاهل، وأهل العلم بين ظهرانيه. شخص يطلق امرأته قبل الدخول، ثم يراجعها بلا عقد، ويعاشرها مدة طويلة، في بلد مُلئ بأهل العلم، يظن أن له الرجعة، وهو طلق قبل الدخول بانت منه، وليس عليها عدة، لا بد من .. ، إذا أراد الرجعة أن يكون بعقد جديد، يعاشرها حرام، في بلد يزخر بالعلماء، وهذا مولى ويقول: اصحبني وأعطيك مما أصيب منها، والله المستعان. قال: "لا، حتى آتي النبي -عليه الصلاة والسلام-" وهذا الباب أسهل بكثير من باب النكاح وباب الفروج والاحتياط لها "حتى آتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: ((مولى القوم من أنفسهم، وإنها لا تحل لنا الصدقة)) " خلاص ما دام منهم معناها أنها لا تحل لهم، فلا تحل لبني هاشم ولا لبني المطلب ولا لمواليهم لهذا الحديث ((مولى القوم من أنفسهم)) وجاء في حديث صحيح: ((ابن أخت القوم منهم)) افترض أن واحد من آل البيت لا تحل له الصدقة، لكن عنده بنت تزوجت رجلاً بعيداً كل البعد عن آل البيت، فولدت ولداً هذا الولد تحل له الزكاة وإلا ما تحل؟ هاه؟ يعني تزوجت، من آل البيت تزوجت رجل من هذيل مثلاً، أو من تميم، فجاءت بولد هي لا تحل لها الصدقة؛ لأنها من آل البيت، ولدها؟ من تميم أو من هذيل، أو من أي قبيلة؟ طالب:. . . . . . . . . ما هو بها الحديث اللي معنا، لا. طالب:. . . . . . . . . نعم ((ابن أخت القوم منهم)) هل نقول: إن هذا الولد التميمي أو الهذلي من آل البيت؟ لا، قد يطلق الحكم لأدنى مناسبة، وقد يكون وجه الشبه من وجه دون وجه، ما يلزم أن يكون من جميع الوجوه، فهذا ليس من آل البيت، حكمه حكم أبيه، لكن جئنا به لمناسبة ((مولى القوم من أنفسهم)). الجزء: 55 ¦ الصفحة: 24 "رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح". ثم قال -رحمه الله-: "وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر العطاء" من غير مسألة ولا استشراف "فيقول له عمر -رضي الله عنه-: أعطه يا رسول الله أفقر مني إليه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذه فتموله، أو تصدق به)) " تصرف به " ((خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل)) " ما تعرضت، ولا استشرفت أنه يأتيك شيء من هذا المال، ولو في قرارة نفسك، لا تصريح، ولا تلميح، إذا جاءك بغير هذا كله ((فخذه، وما لا ... )) يحصل لك بهذه الطريقة من غير سؤال ولا استشراف ((فلا تتبعه نفسك)). فما جاءك من بيت المال، أو من السلطان بهذا القيد، ما سألت ولا استشرفت خذه، وجاء في الصحيح -في صحيح مسلم-: ((ما لم يكن ثمناً لدينك، أما إذا كان ثمناً لدينك فلا)) لأن بعض الناس يبادر بالعطاء، لكن له مقاصد وله مآرب من هذا العطاء، فمثل هذا إذا أدركته، أو أحسست به، أو شممت أدنى رائحة أنه معاوضة فلا تقبل، فلا تتبعه نفسك. "قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر" لما قيل لأبيه ما قيل "كان ابن عمر" وهو الصحابي المؤتسي الحريص المتحري المبادر بالامتثال "كان ابن مر لا يسأل أحداً شيئاً" ألبتة "ولا يرد شيئاً أعطيه" من غير مسألة ولا استشراف "رواه مسلم". اقرأ الباب الذي يليه. قال -رحمه الله-: باب: في المسألة عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)) متفق عليه. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)) رواه مسلم. وعن الزبير بن العوام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لأن يأخذ أحدكم حبلة فيأتي بحزمة)) ... إيش؟ ((لأن يأخذ أحدكم حبلة فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) رواه البخاري. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 25 وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً، أو في أمر لا بد منه)) رواه الترمذي وصححه. وعن ابن الفراسي أن الفراسي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أسألُ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا، وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل الصالحين)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: في المسألة يعني سؤال الناس شيئاً من حطام الدنيا "نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال" وجاء النهي عن المسألة، إكثار المسائل حتى فيما يظن أنه من العلم، مع أنه جاء الأمر بالسؤال {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] لكن جاء النهي عن أسئلة لا حاجة إليها، ولا داعي لها، ونهى عن الأغلوطات، فالأسئلة التي تكون عن افتراضيات بعيدة لم تقع ويندر وقوعها أيضاً هذا جاء المنع منه. أهل العلم يفصلون المسائل، ويشققون المسائل، ويفترضون المسائل كل هذا بعد أن استقر التشريع؛ لأنه قد يسأل في وقت التشريع عن حكم مسألة ثم يحرم ما كان حلالاً بسبب سؤاله، وأشد الناس جرماً من سأل عن شيء فحرم بسببه، هذه المسألة فيما يتعلق بالعلم، والذي معنا فيما يتعلق بأمور الدنيا. "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)) متفق عليه". مع كل مسألة يسقط شيء من اللحم الذي في وجهه، حتى يأتي يوم القيامة يوافي وجهه كله عظام فقط ليس فيه لحم، هذا لا شك أنه مثال بشع منفر محسوس، تصور الإنسان بدون لحم، عظام فقط، تشوف الجمجمة كيف تكون إذا كانت من عظام فقط، يعني مقززة منفرة، فهذا المثال يدل على تحريم السؤال، لا سيما إذا كان لغير الحاجة، أما إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى السؤال، وهو من أهل الحاجة الذين لا يستطيعون التكسب فمثل هذا يسأل بقدر حاجته. "متفق عليه". الجزء: 55 ¦ الصفحة: 26 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً)) " البخاري قيد المنع في ترجمته على الحديث الأول في الصحيح بالتكثر، يريد أن يتزيد، لا يريد ما يقوم به قوامه، ويسد به حاجته، إنما يريد أكثر من ذلك، بدليل ((من سأل الناس أموالهم تكثراً)) فهذا قيد يقيد به الحديث السابق، الحديث السابق مطلق، لكن هذا الحديث اشتمل على هذا القيد، والمطلق محمول على المقيد. ((من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر)) يتصور نفسه يأكل الجمر {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [(10) سورة النساء] ((الذي يشرب في آنية الذهب والفضة كأنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) وهنا: ((يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)) رواه مسلم. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 27 وعن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لأن يأخذ أحدكم حبلة)) أو حبله ((فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعه)) هذا عمل شاق، يعني مزاولة الاحتطاب عمل شاق؛ لأنه يلزم عليه الخروج عن البلد، وقد لا يكون عنده دابة، الأمر الثاني: أن معاناة الحطب، والحطب شيء خشن مؤذي مع الفأس والمساحي وما أشبه ذلك، وقد يتعرض لما يؤذيه من دواب وهوام، يتجشم كل هذه الأمور فيأتي بحزمة الحطب على ظهره لا على دابة ((فيكف الله تعالى بها وجهه)) يغنيه الله -جل وعلا- بهذه الحزمة ((خير له من أن يسأل الناس)) يعني يتجشم هذه المصاعب خير له من أن يسأل الناس، وبعض الناس تقول له: يمكن أن تشتغل فراش مسجد في أطهر البقاع في مكان مكيف وبارد، يقول: المهنة هذه .. ، هذه مهنة ذي؟ أنا اشتغل فراش؟! ويسأل الناس أسهل من أن يشتغل فراش مسجد، ما هو بفراش بيت وإلا فراش مدرسة وإلا فراش مكان آخر، لا، لا، أنا ما أشتغل فراش، ومع ذلك يتعرض لسؤال الناس، وقس على هذا، كثير من الناس يأنف من بعض الأعمال، يا أخي ما المانع أن يشتغل الشاب يمسح سيارات، ولا يسأل الناس، أيهما أسهل تمسيح سيارة وإلا يذهب بالفأس إلى البراري بدون سيارة، وبدون دابة فيحتطب؟ بعض الناس يأنف من هذه الأعمال، مع أنه قد يجد أفضل منها، ويأنف منها، وبعض الناس يخلد إلى الراحة، ويقال له: هنا وظيفة أنت شاب بدل ما تكون عاطل، وما قبلتك الجامعات، ومعك الثانوية نعطيك ثلاثة آلاف، تعال عندنا في هذا المكتب المكيف، ثلاثة آلاف ويش تسوي ثلاثة آلاف؟ ومع ذلك يسأل الناس، يتكفف الناس، ويتعرض لهم. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 28 المشكلة الإخلاد إلى الراحة والدعة والترف، يعني الترف يصيب الفقراء كما يصيب الأغنياء، وكل بحسبه، نسمع من أولاد الفقراء أمثال هذا الكلام، والترفع عن بعض الأعمال، ومع ذلك لا يأنف أن يسأل الناس، يعني الموازين مختلة، شخص معروف، قال له والده: ألا ترغب أن تشتغل في المكان الفلاني بين صلاتي المغرب والعشاء بألفي ريال؟ قال: يا ليت، المغرب والعشاء قصير وأستعين بها، قال: اجلس بالمسجد واحفظ القرآن أنا أعطيك ألفين شهرياً، قال: والله ما أستطيع، عنده استعداد يشتغل في محل، لكن الإعانة من الله -جل وعلا-، الإنسان لا يأخذ الأمور بيده، وبهمته وبعزيمته، قال: أنا أعطيك ألفين بدل ما تشتغل في المحل اجلس في المسجد احفظ قرآن، كل يوم احفظ ورقة، وأعطيك ألفين، وهو يستطيع أن يحفظ ورقتين أو أكثر ((حفت الجنة بالمكاره)) يمكن المكان اللي يروح له إما معرض سيارات وإلا غيره، والقصة قيل له: معرض سيارات، يروح معرض سيارات يشوف الداخل والطالع ويسمع السواليف، والله المستعان، وقد لا يسمع كلمة ذكر، بدلاً من أن يجلس في المسجد ساعة فقط، ويحفظ ورقة من القرآن، ويأخذ على ذلك ألفين شهرياً. أقول: الترف، يعني جاء على صور كثيرة، والفرص موجودة، لكن من يستغل هذه الفرص، والله المستعان، وهذا يأخذ الحبل، ويأخذ الفأس، ويحتطب على ظهره، ويبيع هذه الحزمة بكم؟ كم تسوى الحزمة؟ يمكن في وقتهم ما تباع ولا بدرهم، الناس يعملون، ويتجشمون الأعمال، لكن لما فتحت الدنيا ورأوا أن بعضهم تأتيه الأموال من غير تعب، قال البقية: لماذا نتعب؟ تتعب حتى تحصل ما تكف به وجهك. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 29 شخص يعمل في تحميل حمل الأمتعة من طلوع الشمس إلى غروبها، ثم يأتيه بعض الناس، بعض الناس كريم يعطيه أجرة طيبة، وبعض الناس بخيل، حتى ذكر في كتب الأدب أن من هذا النوع من يحمل المتاع جاءه شخص فقال: احمل متاعي إلى بيتي، فقال: بكم؟ قال: بدانق، قال الحمال: بدانق، قال صاحب المتاع: الدانق كثير، في أقل من الدانق؟ سدس الدرهم ما فيه، قال: طيب هات، هات حمل، قال: نشتري بالدانق فستق ونأكله أنا وإياك، يعني يتنازلون في حفظ ماء الوجه إلى هذا الحد، ونحن نأنف ونستنكف أن نعمل بأجور مجزية، يعني البيوت مملوءة من العطلة، وهم شباب في العشرينات، في الثلاثينات، كلهم ينتظرون وظائف، والله هذه وظيفة كليفة، هذه وظيفة متعبة هذه .. ، ما هو بصحيح، ثم بعد ذلك إذا أراد أن يتزوج يطرق أبواب الناس، واكتبوا لفلان، وأعطوا فلان، ما هو بصحيح، هذا ما هو بحل، وما جاء في هذا الباب يعني أمور خطيرة ((يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)) "وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه)) " يلوث بها وجهه، فيذهب بذلك نوره ورونقه وماؤه وحياؤه ((يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل)) هذا استثناء ((إلا أن يسأل سلطاناً، أو في أمر لا بد منه)) الإنسان الذي يسأل في أمر لا بد له منه، ولا يجد حل مطلقاً إلا السؤال فالزكوات والصدقات ما شرعت إلا لمثل هذا، وكذلك السلطان حينما يسأل السلطان لا شك أن هذا يعني خلاف الأولى، إن أعطاك السلطان من غير مسألة ولا استشراف فخذه، وهو من أفضل المكاسب، لكن إن احتاجت المسألة إلى سؤال فالأمر أسهل؛ لأنه لا منة له في ذلك، فإنه إنما يعطي من بيت المال. "رواه الترمذي وصححه". الجزء: 55 ¦ الصفحة: 30 "وعن ابن الفراسي أن الفراسي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أسأل؟ " يعني أتعرض لسؤال الناس؟ "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا)) " أولاً: الحديث ضعيف، ابن الفراسي هذا مجهول، لا يدرى منه، وكذلك الراوي عنه مسلم بن مخشي، فالحديث ضعيف على كل حال، وكونه لا يسأل، أو يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أسأل؟ فيقول له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا)) يشهد له ما تقدم، لكن قوله: ((وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل الصالحين)) هذه الجملة لا تثبت لأنها جاءت بهذا الخبر الضعيف، وإن كان معناها له وجه صحيح؛ لأنك إذا سألت الصالحين وأعطوك أحببتهم وملت إليهم، فالنفوس مجبولة على حب من يحسن إليها، كما أنها مجبولة على بغض من يسيء إليها، فكونك تحب الصالحين لأنهم أحسنوا إليك، مع حبك إياهم لصلاحهم هذا مطلوب. قال: "رواه أحمد وأبو داود" والحديث ضعيف وكذلك "النسائي" والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 31 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الزكاة (6) الشيخ: عبد الكريم الخضير بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: باب: صدقة التطوع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله -عز وجل-، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) متفق عليه. وعن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس -أو قال- حتى يحكم بين الناس)) قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيء ولو كعكعة أو بصلة" رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وعن أبي خالد -الذي كان ينزل في بني دالان- عن نبيح عن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم)) رواه أبو داود، ونبيح العنزي وثقه أبو زرعة وابن حبان، وأبو خالد اسمه يزيد، وقد وثقه أبو حاتم الرازي، وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع في بعض حديثه. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل -عليه السلام- يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة، متفق عليه. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 1 وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) رواه البخاري بهذا اللفظ، وروى مسلم أكثره. وعن أبي الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل، وابدأ بمن تعول)) رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والحاكم، وقال: على شرط مسلم، وليس كذلك، فإن يحيى لم يرو له مسلم، ولكن وثقه أبو حاتم وغيره. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا)) فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار، قال: ((تصدق به على نفسك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على زوجتك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على خادمك)) قال: عندي آخر، قال: ((أنت أبصر به)) رواه أبو داود والنسائي، وهذا لفظه، وصححه الحاكم. وعن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر -إن سبقته يوماً- فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك؟ )) قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر بكل مال عنده، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك؟ )) قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً، رواه عبد بن حميد في مسنده، وأبو داود وهذا لفظه، والترمذي وقال: حديث صحيح، وقد أخطأ من تكلم فيه لأجل هشام، فإن مسلماً روى له، وقال أبو داود: هشام بن سعد من أثبت الناس في زيد بن أسلم. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً)) متفق عليه، وفي رواية: ((من بيت زوجها)). الجزء: 56 ¦ الصفحة: 2 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أضحى -أو فطر- إلى المصلى، ثم انصرف فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة، فقال: ((أيها الناس تصدقوا)) فمر على النساء فقال: ((يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء)) ثم انصرف، فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة عبد الله ابن مسعود تستأذن عليه ... عبد الله بنِ. امرأة عبد الله بنِ مسعود -رضي الله عنه- تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب، فقال: ((أي الزيانب؟ )) فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: ((نعم ائذنوا لها)) فأذن لها، فقالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) رواه البخاري. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: صدقة التطوع الجزء: 56 ¦ الصفحة: 3 التطوع: النفل، القدر الزائد على الواجب، ومن نعم الله -جل وعلا- أن جعل العبادات منها ما هو واجب، يأثم الإنسان بتركه، ومنها ما هو نفل يكمل به الواجب، إذا حوسب الإنسان عن صلاته فوجد فيها الخلل قال الله -جل وعلا-: ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟ )) إذا حوسب الإنسان عن زكاته فوجد فيها الخلل، قال الله -جل وعلا-: ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟ )) يعني فيكمل به الخلل، وكذلك الصيام والحج وسائر العبادات، شرعية التطوع من نعم الله -جل وعلا- على عباده، إذ لا يسلم الإنسان بحال من الأحوال مهما حرص على عباداته لا يسلم بحال من الأحوال من الخلل الذي يتطرق إلى هذه العبادات، فيكمل للإنسان، يكمل هذا الخلل من هذه التطوعات، والعبد لا يزال يتقرب إلى الله -جل وعلا- حتى يحبه، حتى يكون ولياً من أولياء الله، يتقرب إليه، وأفضل ما يتقرب به الإنسان ما افترض الله عليه، ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب بالنوافل حتى يحبه الله -جل وعلا-، فإذا أحبه كفاه كل شيء، صار سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله التي .. ، كفاه كل شيء، فصارت تصرفاته على مراد الله -جل وعلا-، وصارت معاداته هذا الذي تقرب إلى الله حتى صار من أوليائه صارت معاداة لله -جل وعلا-، فلا يحرم الإنسان نفسه. بعض الناس يقول: إذا قيل له: تصدق، قال: خلاص أنا لا عليّ زكاة، ليست عندي أموال أزكي، وإذا كان يزكي قال: أنا أخرجت الواجب، أنت غني عن فضل الله -جل وعلا-؟! غني عن رفع الدرجات؟! حتى يصل الأمر ببعض الناس أنه إذا قيل له: افعل كذا، أو اترك كذا من الواجبات، أو من المحرمات، قال: وهل أنا كفرت إذا تركت هذا الواجب؟ لأن الإنسان يستدرج، لا بد أن يجعل الإنسان لنفسه احتياط؛ لأنه لو اقتصر على الواجبات فقط، وترك المحرمات لا يأمن في يوم من الأيام أن يجد نفسه وقد ترك بعض الواجبات، وارتكب بعض المحرمات. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 4 ضع لنفسك احتياط، احتط لنفسك بفعل المندوبات، وترك المكروهات، ويؤثر عن كثير من السلف أنه يترك الحلال خشية أن يقع في الحرام، يتركون الشيء الكثير مما أباحه الله -جل وعلا- خشية أن يقعوا في الحرام؛ لأن النفس إذا ضرت على شيء، وتعودت عليه، وألفته صعب عليها المفارقة، فإذا ألفت المباح من هذا النوع وضرت عليه وفقدته في يوم من الأيام التفتت النفس إلى ما فيه شيء من الشبهة أو الكراهة أو خلاف الأولى، وقد لا يتيسر ذلك، فتتجاوز النفس إلى ما هو أشد من ذلك، فالاحتياط للنفس لا بد منه، فالإنسان يقي نفسه بهذه النوافل، والابتعاد عما منع منه ونهي عنه ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة]. باب: صدقة التطوع الجزء: 56 ¦ الصفحة: 5 قال -رحمه الله-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) " التنصيص على السبعة لا ينفي من عداهم، أو أنه في أول الأمر أخبر بالسبعة ثم زاد عليهم، وهذا لا يقتضي الحصر، هذا الأسلوب لا يقتضي الحصر، فقد جاء في النصوص أعداد غير هؤلاء السبعة جاء الوعد بأن الله -جل وعلا- يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وصلت عند ابن حجر إلى الأربعين في رسالة أسماها: (معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال) والسيوطي أوصلها إلى سبعين في كتاب أسماه: (بزوغ الهلال في معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال) هذا الأسلوب ليس فيه حصر بدلاً من أن يكونوا سبعة زيد في العدة حتى وصلوا إلى السبعين، لكن أحياناً يأتي الحصر ومع ذلك تأتي نصوص أخرى بقدر زائد على العدد المحصور ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) وثبت أنه تكلم غيرهم حتى وصلوا إلى سبعة، فأهل العلم يقولون: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أو أُخبر في أول الأمر بالثلاثة ثم زيد عليهم؛ لأن هذه أمور غيبية لا بد من أن يكون الخبر عن الله -جل وعلا-، يعني خلاف ما قاله بعض من أساء الأدب من الشراح، لما قال: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال: في هذا الحصر نظر، يعني يتكلم في كلام نظير له؟ يستطيع أن يقول: في هذا الحصر نظر؟ الذي قال هذا الحصر من لا ينطق عن الهوى، والخبر في الصحيح، ليس لأحد كلام، لكن هذه إساءة أدب وغفلة. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 6 ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) الله -جل وعلا- نور السماوات والأرض: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(35) سورة النور] فهل النور له ظل، أو الظل لما يقع بين النور وما دونه؟ نعم النور ليس له ظل، الظل إنما يكون لما يحول بين النور وبين ما دونه، ولذا جاء في بعض الروايات: ((في ظل عرشه)) وهذا متصور، والمسألة ما يتعلق بالله -جل وعلا- لا يمكن إنزاله على ما يدركه المخلوق بفهمه، أو تصويره أو تصوره، ما دام الخبر ثبت فليس لأحد كلام، من أهل العلم من يقول: ذاك قيد في ظل عرشه، وإضافة الظل إلى الله -جل وعلا- من باب إضافة التشريف والتكريم، ولا يلزم أن يكون بسبب حاجز، ولا يلزم أن يكون الله -جل وعلا- حائل بين المستظل والنور، لا يلزم، فما يتعلق بالله -جل وعلا- فوق ما تتوهمه الأوهام، وما تبلغه الأفهام، وبعض أهل العلم يقول: هذا الحديث محمول على الآخر، والظل للعرش، وأما الله -جل وعلا- فهو نور السماوات والأرض. منهم من يؤول الظل هذا يقول: المراد به الكنف والرعاية، فهؤلاء السبعة في حفظ الله ورعايته وكنفه وحياطته، ولا يلزم أن يكون الظل ناشئ عن شيء له إشراق وإحراق، نحتاج إلى الاستظلال دونه؛ لأن النور الذي يكون بسببه الظل إما أن يكون نور إشراق بدون إحراق كنور القمر هذا لا يحتاج أن تستظل دونه؛ لأنه ليس فيه إحراق، وإما أن يكون معه إحراق كنور الشمس، وهذا تحتاج أن تستظل دونه، والشمس تدنو يوم القيامة، حتى تكون على مقدار ميل، ويعرق الناس، ويحتاجون إلى الظل حاجة أمس من حاجتهم إلى الظل في الدنيا؛ لبعد الشمس عنهم. فهؤلاء السبعة، ومثلهم من جاءت النصوص بالزيادة على هؤلاء السبعة يأمنون من هذا الضيق، وهذا الحرج الذي يحصل في المحشر. ((يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل)) ((يوم لا ظل إلا ظله)) في الدنيا هناك الظلال التي تكون بسبب بني آدم كالسقوف مثلاً، والجدران التي يستظل بها، والأشجار التي يستظل بها، لكن في يوم القيامة؟ ما في ظل إلا الظل الذي ينشئه الله -جل وعلا- لمثل هؤلاء ((يوم لا ظل إلا ظله)). الجزء: 56 ¦ الصفحة: 7 ((إمام عادل)) سلطان متصف بالعدل بين الرعية، لا يتلبس بظلم، وليس معنى هذا أنه معصوم، لكنه يحرص على تحقيق الظلم، ولا يقع الظلم منه قصداً، وقد يقع الظلم من بعض من ينوب عنه بغير علمه؛ لاتساع رقعة مملكته مثلاً، لكن لا يعني أنه معصوم، إنما يحرص على العدل بقدر إمكانه وبقدر استطاعته. ((وشاب نشأ في عبادة الله)) يعني ليست له صبوة، منذ أن نشأ وهو في عبادة الله -جل وعلا-، ما عرف بنزوات في شبابه، ولا عرف بمخالفات، ولا عرف بجرائم ولا منكرات، إنما من تكليفه أو من نشأته وهو مطيع لله -جل وعلا-. ((نشأ في عبادة الله)) شخص منذ أن نشأ، وهو في عبادة الله -جل وعلا- إلى أن بلغ الثمانين أو التسعين سنة، ما عرف أنه ارتكب منكراً، وإذا ارتكبه بادر بالتوبة منه والندم عليه، المقصود أنه جار على الاستقامة في جميع أطواره، وآخر قد يكون توأماً معه ولد معه، لكنه نشأ على الضد من ذلك، على المعاصي والفواحش والجرائم والمنكرات إلى أن بلغ مثلما بلغ ذاك ثمانين سنة، أو قل سبعين سنة، ثم تاب الثاني، الأول استمر على استقامته إلى أن مات، والثاني تاب بعد أن بلغ هذا السن توبة نصوحاً بشروطها، وبدلت سيئاته حسنات، أيهما أفضل؟ هذا شاب نشأ في عبادة الله، ومستحق لأن يظله الله في ظله، والثاني نشأ في معاصي وجرائم ومنكرات عقود، سبعون، أو ثمانون سنة، ثم تاب توبة مقبولة صحيحة، فبدل الله سيئاته حسنات، هل يستويان؟ في الحديث: ((شاب نشأ في عبادة الله)) وذاك: نشأ في المعصية، نعم بتوبته بدلت سيئاته حسنات، هل يستويان؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ هذاك جرائمه كلها بدلت حسنات {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] بدلت هذه الجرائم والمنكرات حسنات. طالب:. . . . . . . . . الظل لا يستوون، هذا شاب نشأ في عبادة الله، وذاك شاب نشأ في معصية الله، ومع ذلك لا يستويان، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . والله ما أسمع يا أخي، هل من مبلغ؟ ويش يقول؟ طالب:. . . . . . . . . يعني ما حيا حياة طيبة. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 56 ¦ الصفحة: 8 لا، أقول: هل يستويان في المنزلة في الجنة؟ هذا عنده حسنات أصلية، وهذا عنده حسنات منقلبة عن سيئات. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الله أعلم. طيب. طالب:. . . . . . . . . نعم حسنات المطيع مضاعفة، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والحسنات المنقلبة عن سيئات غير مضاعفة؛ لأن البدل له حكم المبدل، فلا يستويان، وشيخ الإسلام -رحمة الله عليه- يرى أن هذه الحسنات المبدلة عن سيئات مضاعفة أيضاً، وأشار إليه ابن القيم في مدارج السالكين، لكن لا يستوين عند الله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((وشاب نشأ في عبادة الله)) فرق بين من ينشأ في عبادة الله، وبين من ينشأ في معصية الله. ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) يعني إذا خرج من المسجد ووصل إلى عمله أو منزله ينظر إلى الساعة متى يرجع إلى المسجد؟ يعني عكس ما يعيشه كثير من الناس اليوم إذا دخل المسجد ينظر إلى الساعة متى يخرج؟ هذا قلبه معلق بغير المساجد، لكن العبرة بمن قلبه معلق في المساجد ((ورجل قلبه معلق بالمسجد)) ما يخرج من المسجد إلا ويتمنى الرجوع إليه، وينظر إلى الوقت متى يذهب الوقت حتى يعود إلى المسجد، وقد يجلس في المسجد ويمكث في المسجد إذا لم يكن له ما يدعوه إلى الخروج، فقلبه معلق بالمساجد. ((ورجلان تحابا في الله)) وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ((رجلان تحابا في الله)) وضابط هذه المحبة في الله -جل وعلا-؛ لأن كثير من الناس يدعيها، ويحب أخاه، يحب صديقه، يحب زميله وهو في الظاهر يحبه لله، لكن الابتلاء والامتحان إذا حصل أدنى خلل في المصلحة المتبادلة بينهما ماذا يكون مصير الحب في الله؟ قالوا: الحب في الله لا يزيد مع الصفاء، ولا ينقص مع الجفاء، هذه المحبة الخالصة التي هي لله -جل وعلا-، والتي يترتب عليها الوعود الكثيرة. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 9 ((ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) يعني تجد بعض الناس يحرص على زيارة إخوانه، ويحرص على زيارة الأخيار والفضلاء من العلماء والعباد، وما أشبه ذلك، وتجده يخصص يوم في الأسبوع لزيارة هؤلاء، لكن هل زيارته لفلان وفلان على حد سواء؟ أو تختلف باختلاف نوعية الاستقبال من هذا وهذا؟ تجد اللي يستقبله استقبال طيب يمكث عنده، وينبسط، ويتردد عليه كثيراً، لكن لو حصل منه أدنى التفاتة إلى نظيره أو عنه فقط تجد النفس يحصل فيها شيء، ويستثقل الزيارة الثانية، هذه المحبة فيها خلل، والله المستعان. النفوس لها حظ، وتراعي مثل هذه الأمور جبلة، لكن ينبغي أن يأطر الإنسان نفسه على مراد الله -جل وعلا-. ((اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) يعني صار سبب الاجتماع الحب في الله، والافتراق أيضاً تفرقا على نفس المستوى من المحبة لله -جل وعلا-. ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال)) ذات منصب: يعني من أشراف الناس، ومن علية القوم، ولها جمال أيضاً، ذات منصب تدعوه تغريه بمالها، وقد تهدده إذا انصرف، كما فعلت امرأة العزيز مع يوسف -عليه السلام-، ولها أيضاً جمال مغري يغري بها، فلما دعته ((قال: إني أخاف الله -عز وجل-)) وهو في مأمن تام من اطلاع الخلق عليه، لكنه يخاف الله -جل وعلا-، فقال: ((إني أخاف الله -عز وجل-)). الجزء: 56 ¦ الصفحة: 10 ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) هذا الذي في الصحيحين، وفي رواية لمسلم: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) وهذه يذكرها أهل العلم في المقلوب من الحديث، وأن الخبر انقلب على الراوي، وصوابه ((لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) لأن الإنفاق يكون باليمين لا بالشمال، فأطبقوا على ذكر الرواية بالمقلوب، المقصود من الإنسان أن يخفي الصدقة هذا الذي يمدح عليه في هذا الحديث، وهو الذي يتحقق به الغرض الذي هو الاستظلال بظل الله -جل وعلا-، الإخفاء، ((حتى لا تعلم)) يعني من شدة الإخفاء ((لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) هذا الغالب أن الإنفاق يكون باليمين، لكن قد يستدعي الحال أن ينفق الإنسان بشماله، قد يستدعي الحال بأن يكون عن يمينه أحد، عن يمينه شخص، وعن يساره سائل هل يقول: تعال من هنا أعطيك باليمين أو ينفق باليمين ليعلم من عن يمينه؟ لا يتم الإخفاء بهذا، فليعطيه بشماله، ويمكن حمل الرواية التي في صحيح مسلم على هذا؛ لأن المقصود الإخفاء، فإذا أراد أن يخفي هذه الصدقة عن الجالس بيمينه احتاج أن ينفق بشماله، وحينئذٍ لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، وعلى هذا فالرواية مستقيمة وليست منقلبة. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 11 وفي الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصد لدين، إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وشماله ومن أمهامه ومن خلفه، ينفق من كل جهة، وعلى كل وجه، فالرواية ليس فيها قلب، يعني يمكن حملها على وجه يصح، وإن كان الأصل أن الأخذ والإعطاء باليمين، ولا يمنع أن يقع ذلك بالشمال لظرف من الظروف؛ ليتم الإخفاء الذي المقصود من سياقه هو الإخفاء، الإخفاء لا شك أنه أدعى إلى الإخلاص، لكن قد يستدعي الحال أن يكون الإنفاق علانية، قد يستدعي بعض الأحوال أن يكون الإنفاق علانية أفضل {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} [(271) سورة البقرة] لا شك أن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص وأدعى إليه، لكن قد يكون الإنسان بحيث لا ترتفع منزلته عن التهمة، إذا كانت كل صدقاته خفية اتهمه الناس بأنه لا يؤدي ما أوجب الله عليه، ووقعوا في عرضه، كما هو الحال في التطوعات والصولات في المسجد مثلاً، صلاة التطوع في البيت أفضل إلا المكتوبة، لكن إذا كان بصدد أن يقتدي به الناس عالم لا يصلي نوافل في المسجد، ثم يخرج العامة بدون نوافل، لماذا؟ والله لو أن النوافل فيها فضل كان صلاها الشيخ فلان، طيب صلوا مثل الشيخ فلان في بيوتكم، هم ما يدرون، فإذا كان إظهار العمل من أجل الاقتداء، فجاء فيه: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) وهذا في صدقة العلانية، ويبقى أن الأصل الإخفاء؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 12 جاء في السنن حديث: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)) ويش معنى الجاهر بالقرآن؟ والمسر بالقرآن؟ هل المراد به الذي يرفع صوته بقراءة القرآن كالجاهر بالصدقة؟ على ما هو مقتضى الجهر وهو بالصوت؟ أو المراد به الذي يقرأ القرآن بين الناس كالذي يتصدق بين الناس، والذي يقرأ القرآن في الخلوة كالمتصدق سراً؟ أيهما أقرب؟ لأن الجهر يحتمل معنيين، جهر بالصوت وهذا يناسب قراءة القرآن، والإخفاء إخفاء الصوت وهو يناسب أيضاً، لكن الذي يناسب الصدقة أن تكون بين الناس وبين أن تكون سراً، وتتم المطابقة إذا كانت القراءة بين الناس كالصدقة بين الناس، أو تكون القراءة سراً فتكون كالصدقة سراً، يعني بعض الناس يقرأ القرآن، ولا يسمع منه حرف، ويستدل بمثل هذا الحديث، هل الاستدلال صحيح وإلا غير صحيح؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 56 ¦ الصفحة: 13 يعني الصحيح أن تقرأ في بيتك بدل من أن تقرأ بين الناس، كما أن الصحيح في الصدقة أن تتصدق سراً بين أن تتصدق أمام الناس، لكن الجاهر بالقرآن يحتمل أن يكون برفع الصوت، وجاء الأمر بالتوسط بين الجهر والإسرار في القراءة وفي الصلاة، ويأتي أيضاً في قراءة القرآن سواءً كانت في المسجد، أو بين الناس وبين القراءة في السر في الخلوة، ولا شك أنها أفضل، لا سيما إذا كانت في جوف الليل، ويأتي أيضاً أن كون طلاب العلم لا يرون قدوات يقرؤون القرآن، فما الذي يدريهم أن العلماء يقرؤون القرآن في بيوتهم، أو في تهجدهم، أو في صلواتهم؟ تجد كثير من طلاب العلم يهجر القرآن؛ لأنه لا يجد ما يحدوه، ما يرى من أهل العلم من يقرأ القرآن، هم يقرؤون القرآن قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، وعلى كل وقت، وعلى كل حال، وفي كل آن، ويوجد الآن من أهل العلم من يقرأ .. ، منهك بالأعمال الرسمية، ومع ذلك يختم كل ثلاث، لكن طلاب العلم ما يدرون عنه، لا يحتاج أن يقول فلان: إني أقرأ القرآن بالليل أو أقرأ .. ، لكن إذا فهم طلاب العلم أن العلماء لا يقرؤون القرآن، أو يهجرون القرآن، والأمر ليس كذلك، وهم معروفون بكثرة الذكر والتلاوة، لكن لا يلزم أن يبرزوا ذلك للناس إلا بقدر ما يحقق المصلحة، بأن يكون قدوة للناس، إذا رأى الناس انصرفوا لا مانع من أن يعلن هذا العمل الصالح ليقتدى به. ((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) يعني بغير حضور الناس؛ لأن بعض الناس سهل عليه أن يبكي إذا كان بين الناس، فاضت عيونه بالدموع، وأجهش بالبكاء، ثم إذا صار خالياً ليس هناك ما يدعو، هذا فيه خلل، لكن المطلوب أن يحصل منه هذا في حال الخلوة؛ ليكون خالصاً لله -جل وعلا-. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 14 وهذه المسألة مسألة البكاء من خشية الله و ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)) وأصيب كثير من .. ، قلوب كثير من الناس بالقسوة لا تراه باكياً، لا في الخلوة ولا في الجلوة، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، لكن يحرص الإنسان أن يتخذ خبيئة ينفرد بها بربه دون أن يراه أحد، ويلجأ إليه، ويتلذذ بمناجاته، لكن هذا يحتاج إلى قلوب سليمة، وقلوب حية، فعلى الإنسان أن يعالج القلب قبل ذلك ليحصل له مثل هذه النتائج. ((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) الإنسان قد يذكر الله خالياً وتفيض عيناه لا من خشية الله، إنما يتذكر أو يتصور موقف أو شيء من هذا، فلا يلزم أن يكون خالياً، ويذكر الله ثم تفيض عيناه بسبب خشية الله -جل وعلا-، وإنما المطلوب أن يكون هذا البكاء من خشية الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، القدر على النار، وهو يصلي -عليه الصلاة والسلام-، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بغيره ممن تلطخ بالذنوب، وزاول الذنوب، وباشر الذنوب بعدد أنفاسه؟! والله المستعان. "متفق عليه". "وعن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كل امرئ في ظل صدقته)) " قد يكون الظل الذي جاء في الحديث السابق مثل هذا الظل الذي في هذا الحديث، تجسد هذه الأعمال الصالحة حتى تكون ظلاً، ولا مانع أن يقلب الله -جل وعلا- المعاني إلى أجسام، البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان تحاجان عن صاحبهما، تظلانه، مثلما هنا: ((كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس -أو قال- حتى يحكم بين الناس)) تجسد هذه المعاني حتى تكون أجساماً ينتفع بها صاحبها. "قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيء" هذا من الامتثال، من تمام الامتثال، من تمام التطبيق. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 15 "لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيء" الإنسان قد يتقال الشيء اليسير ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) ((ولو بشق تمرة)) لا تحقر من المعروف شيئاً ((لا تحقرن جارة لجارتها ولو بفرسن شاه)) يعني أمر يسير جداً ظلف محرق، فكيف بما هو أعلى منه، والتوفيق ظاهر عند بعض الناس تجده ينتبه لمثل هذه الأمور، فلا يضيع منه شيء لا قليل ولا كثير، وبعض الناس يهدر الأموال لعدم توفيقه، ويتكاسل عن حملها إلى من يستفيد منها، وقد تكون أشياء يستفيد منها الناس، ومع ذلك المحروم من حرمه الله، تجدون المزابل أحياناً مملوءة بالأطعمة التي يتمناها كثير من المسلمين، بل وجد ما هو أوضح من ذلك، وجد من فقراء المسلمين من يأخذ من هذه المزابل، ومن يأكل من هذه المزابل؛ لأن هذا الطعام الذي ألقي في هذه المزبلة طعام صالح وجيد، ويتمناه كثير من الناس، بل قد تمر الأيام والشهور على بعض الأسر ما رأوا مثله، والآن -ولله الحمد- الجمعيات تستقبل على مدار الأربعة والعشرين ساعة، وتريحك من عناء طرق البيوت، ولو فعلت ذلك أنت لكان ذلك أفضل، كما كان يفعله خيار هذه الأمة. أبو بكر -رضي الله عنه- يتعاهد بعض العجائز، وهو خليفة المسلمين في منتصف الليل، يطرق البيوت ومعه الأطعمة، يحمل الأطعمة على ظهره، وكذلك عمر وغيرهما من سادات الأمة، فمن دونهما من باب أولى، ونحن نأنف ونستنكف أن نحمل هذا الطعام الذي بقي إلى من يستفيد منه، والله المستعان. "وكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيء ولو كعكعة" يعني كسرة خبز، أو شابورة، أو شيء من هذا يعطيها فقير "أو بصلة" رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". نعم الناس يعيشون في هذه الأيام ومنذ ثلاثة عقود أو أكثر في سعة من العيش، وفي رغد من العيش، ويظنون أن الناس لا يأكلون مثل هذه الأمور التي تبقى في الموائد، قياساً على أنفسهم مع أنه يوجد في البيوت من هو بأمس الحاجة إلى مثل هذه الأطعمة حتى ما يبقى على السفر من بقايا الطعام، وفضلات الطعام أناس يحتاجونها، وهي إن لم يحتجها الإنسان يحتاجها الحيوان. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 16 يعني لو عدنا قليلاً إلى الوراء، يعني قبل خمسين أو ستين سنة يطرق الطارق السائل البيت فيعطى عظم ليس عليه طعام، ويقال له: هذا العظم ما طبخ إلا مرة أو مرتين، يعني فيه بقية من طعم، يعني لو طبخته مرة ثالثة صار لطعامك شيء من الطعم بسببه، يعني شيء لا نتصوره؛ لأنا ما عشناه، لكن الجيل الذي قبلنا يقولون مثل هذا، خذ هذا والله ما طبخ إلا مرة أو مرتين، هذا بدون لحم عظم مجرد، ونحن نتقلب بنعم، لكن هذه النعم تحتاج إلى شكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] والناس وهم يتحدثون عن الماضي يخشى أن يكونوا مثل من قال: {قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء} [(95) سورة الأعراف] يعني نسوا، نسوا ما مس آباءهم، ثم صاروا يتحدثون به على سبيل التفكه من باب سرد تاريخي فقط، لكن علينا أن نعتبر ونتعظ، الناس أكلوا أشياء لا يأكلها ولا الحيوان بسبب الحاجة والفاقة والجوع، فعلينا أن نشكر الله -جل وعلا-، هذه النعم ليضمن لنا المزيد من فضله {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] والله المستعان. هذا أبو الخير يتصدق كل يوم بصدقة، والإنسان يجب عليه، ويصبح عليه في كل يوم ثلاثمائة وستين صدقة بعدد مفاصل جسده ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة)) لكن الله -جل وعلا- لا يكلف ما لا يستطيعه الإنسان؛ لأنه ليس كل إنسان يستطيع أن يتصدق، فجعل في مقابل ذلك التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال الصالحة، كل جملة بصدقة، ثم في الأخير، قال: ((ويكفي من ذلك ركعتان تركهما من الضحى)) يرضى بالقليل -جل وعلا-، لكن كثير من الناس محروم، يمر عليه الأيام ما صلى ركعتين من صلاة الضحى، وبدلاً من أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة، أو بثلاثمائة وستين من الأذكار، أو من الأعمال الصالحة ((يكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) والله المستعان. "رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". الجزء: 56 ¦ الصفحة: 17 "وعن أبي خالد الذي كان ينزل في بني دالان" يقال له: خالد الدالاني؛ لأنه كان ينزل فيهم، وليس منهم "عن نبيح عن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة)) " الحديث فيه أبو خالد، وفيه كلام لأهل العلم، أبو خالد الدالاني، ولذلك ضعفه بعضهم، وهو قابل للتحسين؛ لأن الضعف ليس بشديد، وله ما يشهد له، والجزاء من جنس العمل ((أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم)) {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] والجزاء من جنس العمل، فمن كسا كسي، وأول من يكسى يوم القيامة من؟ إبراهيم -عليه السلام-، لماذا؟ لأنه جرد من ثيابه حينما أرادوا إلقاءه في النار. ((أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة)) من السندس والإستبرق ((وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع)) يدل على أنه كلما كثرت الحاجة زاد الفضل، كلما كان المتصدق عليه أكثر حاجة من غيره كان الأجر أعظم، هذا على عري، وهذا على جوع، وهذا على ظمأ. ((أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ)) لأنك قد تكسو، وقد تطعم، وقد تسقي شخص عنده ثياب، بينما يوجد غيره، على كل حال أنت مأجور على هذه الصدقة؛ لأنك ظننت أنه من أهلها فتصدقت عليه، لكن لو دفعتها إلى من لا يجد ما يكتسيه فإنك تستحق هذا الوعد، ومثله لو أطعمت جائعاً، أو سقيت على ظمأ، ((سقاه الله من الرحيق المختوم)) الرحيق اللذيذ الذي له طعم لا يدانيه شيء من مشروبات الدنيا، وهو مختوم عليه في إنائه لم يمسه أحد، والله المستعان. "رواه أبو داود، ونبيح العنزي وثقه أبو زرعة وابن حبان، وأبو خالد اسمه يزيد، وقد وثقه أبو حاتم الرازي، وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع في بعض حديثه" على كل حال هو فيه ضعف، لكن الخبر قابل للتحسين. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 18 قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير" النبي -عليه الصلاة والسلام- أكرم الخلق، وكان -عليه الصلاة والسلام- أجود من الريح، بالخير من الريح المرسلة "وكان أجود ما يكون في شهر رمضان" حينما تكون المضاعفات في شهر الجود والكرم "أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل" ولا شك أن لقاء الصالحين له أثر في نفوس الأخيار، يشجعهم ذلك على المزيد من البذل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هذا وصفه: "أجود الناس" " كان أجود بالخير من الريح المرسلة" أكرم الناس، ومع ذلك يزداد جوده حينما يزداد الجود الإلهي في رمضان، وحينما يلقاه جبريل "وكان جبريل -عليه السلام- يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ" كل ليلة "يدارسه القرآن" ورمضان هو شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [(185) سورة البقرة] فهو شهر القرآن، فينبغي للإنسان أن تكون عنايته في رمضان إضافة إلى الصيام والقيام تلاوة القرآن "فيدارسه القرآن" مدارسة القرآن سنة لا سيما في ليالي رمضان اقتداءً بما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- مع جبريل، فلو أن كل واحد من طلاب العلم اختار له من يناسبه من زملائه وأقرانه فصاروا يتدارسون القرآن، والمدارسة مفاعلة بين الاثنين، ما هي بدراسة، مدارسة، يعني كل واحد يقرأ على الثاني، ويسأل الثاني عما يشكل عليه، هذه، وهذا يكون بين الأقران، وهذه سنة، فإذا جلس الاثنان من طلاب العلم بعد صلاة التراويح مثلاً لمدة ساعة يتدارسون فيها جزءاً من القرآن، هذا يقرأ، وهذا يقرأ، وهذا يستمع، وهذا يستمع، وهذا يسأل عن مشكل، ويكون بين أيديهم كتاب مختصر فيه غريب ألفاظ القرآن، أو شيء ينتفعون به مما يتعلق بالقرآن استفادوا فائدة عظيمة، في كل ليلة جزء من القرآن، ينتهي القرآن بنهاية الشهر، وسوف يجدون غب ذلك، والفائدة العظمى من هذه المدارسة ولو لم يكن فيها إلا إحياء هذه السنة، بدلاً من أن يقضى الليل كامل بالقيل والقال يقتطع منه ساعة للمدارسة؛ لأن الليل تنقطع فيه المشاغل، وأما النهار فيه مشاغل الناس، وفيه التشويش، المقصود أن هذه سنة ينبغي إحياؤها. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 19 "فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل -عليه السلام- أجود بالخير من الريح المرسلة" وصفه -عليه الصلاة والسلام- أنه أجود الناس، هذا الوصف الثابت له -عليه الصلاة والسلام- في كل حال، وفي كل زمان، وفي كل مكان، لكن في رمضان شهر الجود، شهر الكرم، حينما يتضاعف الجود الإلهي، وحينما يلتقي النبي -عليه الصلاة والسلام- بجبريل أفضل الملائكة، لا شك أن مثل هذا له أثر في الزيادة، وكل إنسان يحس هذا من نفسه، يعني فرق بين أن تلتقي بعالم عابد تتأثر به، وتنوي العمل الصالح من حين أن تفارقه، وتعمل الأعمال الصالحة؛ لأن رؤية مثل هذا، ومدارسة مثل هذا، ومجالسة مثل هذا مما يعينك على الخير، بخلاف من كان بضد ذلك {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف]. "متفق عليه". "وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)) " اليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة، جاء تفسير ذلك، وهذا هو المعتمد عند عامة أهل العلم، وإن كان بعض المتصوفة الذين حبوا الإخلاد إلى الراحة، وعاشوا على فضل غيرهم يرون العكس، يقولون: اليد العليا هي الآخذة، واليد السفلى هي المعطية، لماذا؟ لأن الآخذة نائبة عن الله -جل وعلا-: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [(17) سورة التغابن] هذا نائب عن الله في هذا القرض، الذي يأخذ .. ، قلنا: هذا تبرير لهذا الكسل الذي يعيشونه، وعلى هذا التواكل، نعم قد يضطر الإنسان إلى الأخذ، ويكون من أهل الصدقة، ومن أهل الزكاة، لكن لا شك أن المعطي أفضل منه. ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) ابدأ بمن تعول، الذي يلزمك نفقته ابدأ به، والذي تحت يدك لا تعرضه للضياع ((ولئن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)) ابدأ بمن تعول، فإذا كان الذي عندك لا يكفي فابدأ بنفسك، ثم بولدك، ثم بزوجك، ثم بخادمك، على ما سيأتي في حديث الدنانير الآتي. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 20 ((وابدأ بمن تعول)) ((وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يمون)) ((وخير الصدقة -ما كان- عن ظهر غنى)) لأنه يبقي لك .. ، إذا تصدقت يبقى لك ما تقوم به حاجتك ومصالحك، ومصالح من تحت يدك. ((ومن يستعفف يعفه الله)) كل أمور الدنيا بالتمرين والتدريج، العلم بالتعلم، الحلم بالتحلم، العفة بالتعفف، ((من يستعفف يعفه الله)) يتحمل يصبر فيعينه الله -جل وعلا- على هذا التحمل، وعلى هذا الصبر، ويكفيه ما يعرضه لامتهان نفسه، ويجازيه الله -جل وعلا- برفع حاجته، إذا أنزلها بالله -جل وعلا- عن خلقه. ((ومن يستغن يغنه الله)) يستغني بالله عن خلقه يغنه الله، وبالعكس من أنزل حاجته بالمخلوق زادت الحاجة، وما ارتفعت، والأمر كله أولاً وآخراً بيد الله -جل وعلا-، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) فعلى الإنسان أن يتصبر، ليس لكل حاجة أو لكل، كلما احتاج شيئاً ذهب يسأل الناس، لا، يتصبر، ويستعفف، فسوف يغنيه الله من فضله. "رواه البخاري بهذا اللفظ، وروى مسلم أكثره". الجزء: 56 ¦ الصفحة: 21 "وعن أبي الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل، وابدأ بمن تعول)) " ((ابدأ بمن تعول)) هذا مشترك بين الحديث ((ابدأ بمن تعول)) هذا متفق عليه في الحديثين، لكن في الأول "ما كان عن ظهر غنى" هو خير الصدقة، وهنا: ((جهد المقل)) أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل)) فكأن في هذا شيء من التعارض، لا شك أن جهد المقل المتصف باليقين الواثق بالله -جل وعلا- عنده شيء قليل فدفعه إلى السائل هذا جهد مقل، لكن هل هذا يصلح من كل الناس؟ يصلح ممن عنده اليقين والرضا بالله -جل وعلا-؟ كما جاء في حديث أبي بكر قصة أبي بكر وعمر، الذي يقينه بالله -جل وعلا- يجعله يتجاوز هذا الأمر فيتصدق بجميع ما عنده، ولو كان قليلاً، هذا جهد المقل، ويحمد منه إذا كان على يقين من الله -جل وعلا-، وبوعد الله؛ لأن بعض الناس قد يفعل هذا، ثم لا يلبث أن يسأل، أو يتحدث في المجالس، والله أنا دفعت اللي عندي وقعدت، خلاص، الله يعوض خير، ويندم على ذلك، مثل هذا لا يتصدق إلا بالقدر الزائد عن حاجته، يعني بعض الناس يترك العلاج يترك الرقية، يترك الكي، يترك .. ، طمعاً في حديث السبعين الألف، وما أشبه ذلك، ثم تجده في المجالس يتحدث ويتأفف ويتشكى، ومن زاره ذكر له حالته بالتفصيل على سبيل الشكاية، وأنا تركت، وأنا فعلت، هذا يا أخي ابذل جميع الأسباب للشفاء أفضل من شكايتك إلى الخلق، وإخبارك بما بينك وبين ربك، فالناس يتفاوتون، من كان عنده من اليقين ما يتحمل به ما تحمل، من إنفاق للمال أو لتحمل الأمراض والمصائب دون أن يتعرض للأسباب؛ ليدخل في حديث السبعين، مثل هذا يمدح، لكن إذا ترك هذه الأمور المباحة في الأصل، فعل الأسباب مباحة، ولا يلزم الإنسان يتصدق بجميع ماله، لكن مع ذلك إذا تصدق بجميع ماله، وكان من النوع الذي عنده من اليقين والتوكل على الله -جل وعلا-، هذا يمدح، لكن إذا لم يكن عنده يقين ولا توكل، كل من دخل عليه: قال: والله تورطنا دفعنا كل اللي عندنا وقعدنا، هذا يصلح أن يتصدق بجميع ما عنده؟ هذا يتصدق بالقدر الزائد عن حاجته، وإن أمسك بعض القدر الزائد بعد أفضل، والله المستعان. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 22 "رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود والحاكم، وقال: على شرط مسلم" ومقتضى كونه على شرط مسلم أن يكون الإمام مسلم قد خرج لجميع رواته، قال المؤلف: "وليس -الأمر- كذلك، فإن يحيى" هذا يحيى بن جعده "فإن يحيى لم يرو له مسلم" والحديث ليس على شرطه "ولكن وثقه أبو حاتم وغيره" فهو ثقة، فالحديث صحيح وإن لم يكن على شرط مسلم. قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا)) فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار" يعني اصنع به ما شئت هذا صدقة هذا الدينار "قال: ((تصدق به على نفسك)) " يعني إن كان ما عندك غيره فأنفقه على نفسك "قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على زوجتك)) " يعني أنفقه على زوجتك "قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك)) " من ذكور وإناث، " قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على خادمك)) قال: عندي آخر، قال: ((أنت أبصر به)) " ولا شك أن النفقات الواجبة مقدمة على الصدقة، وجاء في أكثر من حديث: ((وابدأ بمن تعول)) وهؤلاء تلزمهم نفقته، فهم أولى ببره وإحسانه من غيرهم، والحديث حسن؛ لأنه من رواية ابن عجلان، وعنده بعض الأخطاء، ولذا قالوا: إنه صدوق له أوهام، فالحديث حسن. "رواه أبو داود والنسائي، وهذا لفظه، وصححه الحاكم". الجزء: 56 ¦ الصفحة: 23 "وعن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق" حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصدقة "فوافق ذلك مالاً عندي" عمر يقول: وافق ذلك مال عندي، فقلت: فرصة، أنا الآن عندي مال لعلي أسبق أبا بكر؛ لأنهم يسارعون ويسابقون {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [(26) سورة المطففين] يتنافسون على فعل الخير "اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا" يعني إن كان لي فرصة في العمر أسبقه فاليوم؛ لأن عندي مال "فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك؟ )) " كأنه رآه كثير " ((ما أبقيت لأهلك؟ )) قلت: مثله" يعني النصف "قال: وأتى أبو بكر بكل مال عنده، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أبقيت لأهلك؟ )) فقال: أبقيت لهم الله ورسوله" يعني ما أبقى شيئاً، وهذا أبو بكر عنده من اليقين والثقة بالله -جل وعلا- ما عنده، فمثل أبي بكر يحصل منه أن يتصدق بجميع ما عنده، لكن من مثل أبي بكر؟! يقول عمر: "فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً" يعني في هذه الفرصة التي عنده المال ما استطاع أن يسبقه، فكيف يسبقه إذا لم يوجد مثل هذه الفرصة؟! "رواه عبد بن حميد في مسنده، وأبو داود، وهذا لفظه، والترمذي، وقال: حديث صحيح، وقد أخطأ من تكلم فيه لأجل هشام" يعني هشام بن سعد راوي الحديث "فإن مسلماً روى له" يعني جاز القنطرة، من رواة الصحيح "وقال أبو داود: هشام بن سعد من أثبت الناس في زيد بن أسلم" وهو يروي الحديث عن زيد بن أسلم عن عمر -رضي الله عنه-. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 24 "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة)) " غير مفسدة يعني لا تقصد بذلك الإفساد، وإنما تقصد بذلك الإصلاح، تنفق من بيت زوجها؛ لأنها لها نوع صلاحية، فلها شبهة فيما يوجد في البيت؛ لأنها شريك للزوج المنفق، لا سيما إذا عرفت من حال الزوج أنه لا يتأثر بمثل ذلك، ولو لم يأذن لها؛ لأن كل امرأة تعرف حال زوجها، بعض الناس شحيح يحاسب المرأة على النقير والقطمير، مثل هذا لا بد أن يستأذن، وبعض الناس لا يدري ما في بيته، مجرد ما يقال: والله انتهت الأغراض يحضر بدلها، مثل هذا يتصدق من ماله، يعان على نفسه، ولو لم يعلم، وبعض الناس يعطي إذن عام، يكل الأمر إلى المرأة بقدر الحاجة، كلما مر فقير تصدقي، فالناس يتفاوتون، فالمرأة إذا أنفقت من طعام بيتها غير مفسدة، إذا صنعت الطعام ثم طرق الباب طارق وأعطته شيء يسير ما يؤثر هذه لها أجرها ((كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب)) لأن المال أصله من الزوج، هو الذي كسبه فالزوج له أجره بما بذل من المال، والزوجة لها أجرها بما أنفقت، وبما سعت في إعداد هذا الطعام وإصلاحه، المقصود أنها شريكة في الأجر. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 25 ((وللخازن مثل ذلك)) الخازن الأمين إذا تصدق بما لا يفسد على صاحب المال ماله أعطى الشيء اليسير بما ينفع ولا يضر مثل هذا له أجر، وبعض الناس تجده خازن مأمور مستودع وتأتيه أوامر الصرف من المسئولين ويبخل على الناس، ويقتر على الناس، ويؤذي الناس، يعني بدلاً من أن تكون خازن أمين، تيسر على الناس، مأجور على هذا التيسير، وعلى هذا العطاء، وهذا موجود مع الأسف، وقد يكون على جهة خيرية، ويشق على الأخيار، قد يكون خازن لكتب علم في جهة توزيع من بيت المال، فإذا جاءه طلاب العلم آذاهم ورددهم مع أوامر الصرف الصريحة، تجدوه يقول: بعد شهر شهرين ثلاثة، ثم إذا جاء قال: والله ما عندنا شيء، انتهت الكتب، هذا فقد، والكتب موجودة، نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا-، الآن هنا الخازن قد لا يكون مصرح له أن ينفق، لكنه ينفق ويبذل بشيء لا يضر بصاحب المال، يعطي الشيء اليسير هذا له أجر، أما إذا صرح له، وبعث له بأوامر الصرف فإنه لا يجوز له حينئذٍ أن يتردد أو يردد، بل عليه أن يصرف فوراً، وما وضع في هذا الموضع إلا لخدمة الناس. ((وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً)) لا ينقص شيء، وهل يستوون في الجر؟ الزوج اشترى المواد، الزوجة طبخت، طرق الباب فناولت الزوجة شيئاً من المطبوخ الخادم وقالت: أعطه الذي في الباب، هؤلاء كلهم مأجورون، يشتركون في الأجر، لكن هل هم في الأجر سواء؟ أو كل له بقدر نصيبه منه؟ جاء ما يدل على الاستواء، وفضل الله واسع. "متفق عليه، وفي رواية: ((من بيت زوجها)) " ليس معنى هذا أن هذا يخول للمرأة أن تتصرف تصرفاً فوق هذا، جاء بالطعام فطرق طارق فأعطته الطعام كله، زوجها أين الغداء؟ أين العشاء؟ والله جاءنا مسكين وأعطيناه إياه، ليس هذا هو المراد، إنما بهذا القيد ((غير مفسدة)) لأن هذا يترتب عليه فساد، حتى فساد حياة الأسرة، وعيش الأسرة، تصور أنه جاء من العمل وتعبان وجائع، ثم قالت: والله طبخنا الغداء، ويش صار عليه؟ والله مر فقير وأعطيته إياه، ليس هذا هو المقصود، إنما تعطي هذا السائل من هذا الطعام من غير إفساد، ومن غير إضرار بأحد. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 26 "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أضحى أو فطر" يعني في يوم عيد "إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس" يعني صلى، صلى العيد، ثم لما انصرف من صلاته خطب خطبة العيد، وفيها وعظ الناس "وأمرهم بالصدقة" هذا بالنسبة للرجال "فقال: ((أيها الناس تصدقوا)) " فلما فرغ من موعظة الرجال ذهب إلى النساء فوعظهن، وحثهن على الصدقة "فمر على النساء فقال: ((يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ " الصحابيات يسألون عن السبب الذي به كثرن في النار، وصرن أكثر من الرجال، يسألن عن السبب لاجتنابه "وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن)) " نعم اللعن في أوساط النساء أكثر، وعلى ألسنة النساء أكثر من الرجال، وإن كان هذا في بعض المجتمعات دون بعض، لكن هذا الأصل، ولذا في آيات اللعان في الخامسة الرجل يقول: إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، والمرأة تقول في الخامسة: إن غضب الله عليها؛ لأن النساء يكثرن اللعن فقد لا تكترث، قد تلعن. "قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير)) " والعشير: الزوج، يعني الزوج ينفق ليل نهار، وقد يكون الرجل كريماً، وقد يكون مسرفاً، ويعطي المرأة كل ما يملك، ويجعلها تتصرف بجميع أمواله، لكن لو وجد يوم من الأيام طلبت منه شيء، وهو معروف بالإسراف والإكرام الزائد، ومع ذلك لو تخلف يوم من الأيام، قالت: ما رأيت خيراً قط. ((تكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين)) نعم المرأة ناقصة عقل ودين، نقصان عقلها شهادتها بنصف شهادة الرجل، ونقصان دينها تمكث الأيام لا تصوم ولا تصلي، لا يقول قائل: إن نقصان العقل أن النساء مجانين ما هو بصحيح، وتفضيل جنس الرجل على جنس المرأة لا يعني أن كل رجل أفضل من كل امرأة، هذا الكلام ليس بصحيح، فكم من امرأة تعدل فئاماً من الرجال، لكن الجنس أفضل من الجنس {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران]. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 27 ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل)) وتسمعون وتقرؤون الخبط والخلط الذي سببه الشعور بالنقص، يعني حينما يتهم الإسلام بظلم المرأة، تجد كثير من الناس يدافع دفاع المتهم حتى يصل به الأمر إلى أن يقول بعض الناس: إن الإسلام كرم المرأة، وجعلها أفضل من الرجل، هذا الكلام ليس بصحيح، الإسلام وضع المرأة موقعها المناسب لها، ومن ظلمها أن تُكلف بما يكلف به الرجال، والذين يدعون المساواة والحرية وحقوق المرأة وكذا، يريدونها تعمل في المصانع، وتشارك في بناء المنشآت، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا ظلم للمرأة، تركيبها لا يحتمل هذا، ومع الأسف الشديد أن يقال لامرأة تربي وتنشئ الجيل على الدين وعلى الخير وعلى الفضل على الكتاب والسنة في بيتها أن يقال: هذه امرأة ساذجة، امرأة عاطلة، لكن ماذا يريدون؟ يريدون أن تخرج لتربي أولاد الناس من أجل أن يقال: عاملة، وتأتي بمن يربي أولادها، مسخ للفطر، التي تربي أولادها يقال: عاطلة، والتي تربي أولاد الناس يقال: عاملة، كله من أجل إيش؟ أن تخرج من بيتها، هذا هو المقصود، لا تربي، ما يبونها تربي، المقصود أن تخرج من بيتها، والله -جل وعلا- يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] وبعض من ينتسب إلى .. ، قد يزعم أنه يدافع عن الإسلام، ويرد هذه الشبهات، لكنه يقع من خلال ما يعيشه من ضعف وشعور بنقص بأمر أشد مما فر منه، عندنا الكتاب والسنة ليس فيها خفاء ولا غبش، أمور ظاهرة وواضحة، هل يراد منا أن نخفي ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- من أجل إرضاء الأعداء؟ أبداً والله، ليقولوا ما يشاءون {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [(33) سورة فصلت] كيف تستخفي بإسلامك؟ بدينك مصدر عزك؟ فخر للمرأة أن تصان، وتكرم ولا تهان، كما فعل بها الإسلام. كم يتمنى نساء الشرق والغرب أن تكرم المرأة مثلما أكرم الإسلام المسلمات، ومع ذلك نعقد المؤتمرات والندوات، ونكتب البحوث، ونتنازل عن كثير مما جاء في شرعنا، ما هو بصحيح. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 28 ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) نعم تجد بعض الرجال مثلما قال الشاعر: وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطرُ تجد الرجل المهيب المقدم في قومه فإذا جاء في موضوع النساء ضاع. ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء)) نعم فتنة، المرأة فتنة، وبحوزتها شيء تستطيع أن تساوم عليه، وتغلب به الرجل، وهذه من الحكم الإلهية أن يكون بيد الرجل أمور يستطيع أن يضغط بها على المرأة، وعند المرأة أشياء تستطيع أن تضغط بها على الرجل؛ ليتكامل المجتمع، ولتتم مطالب هذا، وتتم مطالب هذه، وإلا لو كان الأمر كله بيد جهة واحدة ما تم العيش على الوجه المراد، تجد الذي بيده كل شيء يضغط الضغط التام على الجهة الثانية، لكن الجهة الثانية بيدها ما تستطيع به أن تذهب عقل الرجل؛ ليتم التوازن والتكامل؛ وليحصل كل واحد من الطرفين على حقوقه كاملة. "ثم انصرف، فلما صار إلى منزله" حصل استجابة من النساء فتصدقن ((ولو من حليكن)) فتصدقن، هذا تلقي القرط، وهذه الفتخ، وهذه كذا، فحصل في حجر بلال شيء كثير، واستدل به أهل العلم على أن للمرأة أن تتصدق ولو بغير رضا زوجها، مع أن هذا محمول على اليسير؛ لأن في سنن أبي داود أن ((من كانت ذا مال فلا تتصدق إلا بإذن زوجها)) يعني الشيء الكثير، يعني لا تتصرف بالشيء الكثير إلا بإذن زوجها. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 29 "ثم انصرف، فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب" هذه زينب يعني بالباب "فقال: ((أي الزيانب؟ )) " في أكثر من زينب "فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: ((نعم، ائذنوا لها)) فأذن لها، فقالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي" تلبسه وتتجمل به "فأردت أن أتصدق به" استجابة لله ورسوله "فزعم ابن مسعود" عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي ابن أم عبد الصحابي الجليل المشهور زعم "أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم" يعني ابن مسعود غني وإلا فقير؟ نعم محتاج، والفقر ليس بعيب ولا ذم، هذا من خيار الأمة ابن مسعود ((من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد)) ومقامه ومناقبه لا تحصى -رضي الله عنه وأرضاه-، ولديه حاجة يحتاج والحاجة ليست بعيب ولا نقص. وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبرانُ ابن مسعود من كملة الرجال، ومع ذلك محتاج، والتفاضل إنما هو بالتقوى لا بالمال. "زعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم" تعني زوجها "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) " ما دامت الحاجة موجودة في البيت والصدقة صدقة نفل تطوع، فلا شك أن إنفاقها على الزوج والولد أفضل مع الحاجة من إنفاقها على غيرهم. ((صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) رواه البخاري. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 30 أما بالنسبة لصرف الزكاة فالفرع والأصل لا تصرف لهم الزكاة بالاتفاق، واختلف في الزوج، الزوجة لا تدفع لها زكاة زوجها اتفاقاً؛ لأن نفقتها عليه، فلا يجوز أن يقي ماله بزكاته، الزوجة لا يلزمها نفقة زوجها فهل تدفع الزكاة لزوجها؟ خلاف بين أهل العلم، في حديث الباب يستدل به من يقول: إن الزوجة تدفع الزكاة لزوجها؛ لأن نفقته ليست واجبة عليها، والذي يقول: إن مآل هذه الزكاة أن ترجع إليها إذا دفعتها إلى زوجها ثم أنفق عليها من هذه الزكاة رجعت صدقتها إليها، فلا تجوز، فلا تجوز أن تدفع الزكاة إلى زوجها، والحديث محمول على الصدقة النفل، والمسألة خلافية بين أهل العلم، والأوضح أن الزوج لا يدفع زكاته إلى زوجته وهذا أمر معروف ومقرر عند أهل العلم، وكذلك الزوجة لا تدفع إلى زوجها؛ لأنه سوف ينفق منها عليها فتعود زكاتها إليها. "رواه البخاري" والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: هل يسن للخطيب في هذا الزمان –يعني مع وجود المكبرات- أن يفرد في خطبته موعظة للنساء مع أنهن يسمعن جميع الموعظة لتوفر المكرفونات المسمعة؟ هناك أمور تختص بالنساء، وأمور تختص بالرجال، يأتي بالأمور العامة، ثم يثني بما يخص الرجال، ثم إن وجد ما يدعو إلى تخصيص النساء بشيء يخصصهن، ولا يلزم أن ينتقل إليهن في مقرهن، يعني في مصلاهن المعزول عن الرجال، إنما يصل إليهن ما يراد من خلال هذه المكبرات، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... الجزء: 56 ¦ الصفحة: 31 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الصيام (1) باب: فرض الصوم الشيخ: عبد الكريم الخضير بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: كتاب الصيام باب: فرض الصوم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له)) متفق عليه. ولمسلم: ((فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين)) وللبخاري: ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) وله من حديث أبي هريرة: ((فإن غُبّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). وعن أبي مالك الأشجعي عن حسين بن الحارث الجدلي (جديلة قيس) أن أمير مكة خطب ثم قال: "عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث من أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعد فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأومأ بيده إلى رجل، قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر وصدق. عبد الله بنُ عمر. قال: "هذا عبد الله بنُ عمر وصدق، وهو أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه أبو داود وهذا لفظه، والدارقطني وقال: هذا إسناد صحيح متصل. وعن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: "تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه" رواه أبو داود وابن حبان والحاكم، وقال: على شرط مسلم. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 1 وعن ابن عمر عن حفصة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قولُه وهو أصح. قولَه، قولَه يعني من قوله. عفا الله عنك. عن ابن عمر قولَه وهو أصح، وقال النسائي: والصواب عندنا أنه موقوف، وقال البيهقي: قد اختلف على الزهري في إسناده وفي رفعه، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه، وهو من الثقات الأثبات. وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: ((هل عندكم شيء؟ )) فقلنا: لا، قال: ((فإني إذاً صائم)) ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال: ((أرنيه، فلقد أصبحت صائماً)) فأكل، وفي لفظ طلحة -وهو ابن يحيى-: "فحدثت مجاهداً بهذا الحديث، فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها". رواه مسلم. وعن سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحروا فإن في السحور بركة)) متفق عليهما. وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وهذا لفظه، وصححه ابن حبان والحاكم، وقال: على شرط البخاري. حسبك يكفي. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله أصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الصيام الكتاب مر التعريف به مراراً في كتاب الطهارة، وفي كتاب الصلاة، وفي كتاب الجنائز، وفي كتاب الزكاة، وهذا هو الموضع الخامس، ولا داعي لتعريفه مرة خامسة. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 2 والصيام مصدر صام يصوم صياماً وصوماً، والأصل في الصيام الإمساك، الإمساك عن أي شيء؟ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [(26) سورة مريم] يعني الإمساك عن الكلام، الإمساك عن الحركة صيام، الإمساك عن المشي صيام، الإمساك عن الأكل والشرب أيضاً وجميع المفطرات صيام، فالأصل في الصيام مادته الإمساك. والصيام في الشرع هو الإمساك عن المفطرات من أكل وشرب وشهوة بنية من طلوع الفجر إلى غرب الشمس، لا بد أن يكون مستوعباً لهذا الوقت، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام الشرعي، وأما مجرد الإمساك مدة ولو زادت عن هذا القدر، ولا تكون في هذا الوقت فإنها ليست بصيام، إنه الصيام المعتبر المعتد به شرعاً ما كان بنية لله -جل وعلا- فلو أمر الإنسان بالإمساك عن الطعام والشراب من أجل الحمية، وقيل له: لا تأكل ولا تشرب في هذه المدة من أجل الحفاظ على الصحة، فأمسك امتثالاً لأمر الطبيب، ولنفترض أنه من قبل طلوع الفجر إلى ما بعد غروب الشمس، هذا ليس بصيام، وإن كان إمساكاً؛ لأنه لم ينو به ولم يقصد به وجه الله -جل وعلا-. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 3 فالصيام لا بد له من نية خالصة لله -جل وعلا- ولو كان نفلاً، فإن الأعمال بالنيات، فإذا لم يكن بنية خالصة لله -جل وعلا- مستوعباً الوقت الشرعي فإنه لا يسمى صياماً، ولو أمسك بنية من طلوع الشمس إلى غروبها هذا أيضاً لا يسمى صيام شرعي؛ لأنه لم يقع في الوقت المحدد شرعاً، فلا بد أن يقع في الوقت المحدد شرعاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأن يكون بنية لله -جل وعلا- خالصة، قد يدخل في هذا شيء من التشريك، ويصحح الصيام حينئذٍ، مثل أن يقال له: لا تأكل مدة خمس عشرة سنة يومياً من أجل أن تحافظ على صحتك، أو من أجل أن يجرى لك عملية مثلاً، فأمسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ناوياً وقاصداً بذلك الصيام ملاحظاً الوصية من الطبيب، فقال: بدلاً من أن أمسك بدون أجر أمسك بأجر وأصوم، ومثله لو نصحه الطبيب بالمشي فقال: بدلاً من أن أمشي في الشوارع أمشي في المطاف، هذا لا شك أن فيه شيء من التشريك، فالباعث والناهز الأصلي ليس هو العبادة، لكن العدول عن المباح إلى العبادة لا شك أن له أجر على هذا العدول، الذي يقول: بدلاً من أن أمسك مدة تزيد على مدة الصيام بدون أجر أنوي الصيام وأتقرب إلى الله -جل وعلا- وفضله واسع، وبدلاً من أن أمشي وأجوب الأسواق طولاً وعرضاً أمشي في المطاف وأتقرب بذلك إلى الله -جل وعلا-، وإن كان ممتثلاً نصيحة طبيب، فإنه يؤجر على نية العدول من المباح إلى المستحب، بعض الناس يصوم ويقوم متقرباً بذلك إلى الله -جل وعلا- لكن لا على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 4 فالفارابي أبو نصر في آخر أمره، في آخر عمره جاور في البيت الحرام، ولزم الصيام والقيام، وكان فطوره كما يقولون: على الخمر المعتق وأفئدة الحملان -نسأل الله السلامة والعافية-، هذا الذي يصوم ويجعل فطره على محرم، قد يقول قائل: إن الجهة منفكة، له أجر صيامه، وعليه إثم ما ارتكب من المحرم، قد يقول قائل مثل هذا الكلام، ويرى أن الجهة تنفك في مثل هذا، والفقهاء قد لا يأمرونه بإعادة الصيام لو كان فرضاً؛ لأنه صام الوقت المحدد شرعاً، وترتبت عليه آثاره، وبه سقط الطلب، لكن العلماء الربانيين أرباب السلوك وأطباء القلوب يرون مثل هذا خدش في العبادة، كيف تصلح نيته ويستقيم أمره وقد أفطر على هذا المحرم المجمع على تحريمه؟! وإلا يوجد في الناس اليوم من يفطر على الدخان، يوجد، ولا شك أن مثل هذا فيه، فيه نوع محادة، الله يأمرك -جل وعلا- عن الإمساك عن المباح ثم تفطر على حرام؟! يعني ونظير هذا ما يذكر -هذه ذكرناها مراراً في مناسبات وذكرها المؤرخون في بغداد- أن رجلاً حج من بغداد ثلاث مرات ماشياً، حج ثلاث مرات ماشي على قدميه، ولما عاد من الحجة الثالثة على قدميه آلاف الأميال، دخل بيته فإذا بأمه نائمة فاضطجع بجوارها فأحست به، فقالت: يا فلان اسقني ماءاً، فتثاقل، جاء تعبان من الحج على قدميه فتثاقل، الماء بضعة أمتار، والمشاعر التي قصدها راجلاً آلاف الأميال فكأنه لم يسمع ثم بعد ذلك قالت: يا فلان اسقني ماءاً، ثم لما طلبته الثالثة اسقني ماءاً راجع نفسه، وقال: أمشي آلاف الأميال في حج نفل، وهذا الفرض في أمر الوالدة هذا فرض ليس له فيه مندوحة، وليست له خيرة، وأمتار يسيرة أتردد؟! لا بد أن تكون نيتي في حجي غير صحيحة، فسأل من سأل من أهل العلم، وهنا يؤكدون كما فعل الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح الأربعين في جامع العلوم والحكم أن الفقهاء ينقسمون إلى قسمين: فقهاء الظاهر الذين يصححون الأعمال بمجرد اجتماع شروطها وأركانها وواجباتها، وليس لهم هدف وراء ذلك، وإن كان قد يقول قائل: إن النية شرط لصحة العبادة، وهي من اهتمام الفقهاء، لكن إذا قال لهم السائل: أنا حججت بحج توفرت شروطه وأركانه وواجباته، وشرح لهم طريقة الحج، قالوا: حجك الجزء: 57 ¦ الصفحة: 5 صحيح، كما يصححون دفع الزكاة إذا أخذها الإمام قهراً، الزكاة صحيحة ويسقط بها الطلب، لكن ليس لهم شأن فيما وراء ذلك، هل هي مقبولة أو غير مقبولة؟ سأل هذا الحاج الذي حج ثلاث مرار على قدميه من بغداد سأل فقيه، لكن له عناية بأعمال القلوب ممن جمع بين الفقهين، فقال له: أعد حجة الإسلام، النية غير صحيحة، لكن قد تكون النية غير صحيحة في الحجة الأخيرة، أو في الحجة الثانية، وقد تكون صحيحة في الأولى قد تكون صحية في الثانية، المقصود أن مثل هذا الأمر يذكر في مثل هذا المقام، شخص يفطر على خمر، أو يمسك على محرم، لا شك أنه أمسك في المدة المحددة شرعاً، ونوى الصيام من الليل، المقصود أن مثل هذا يجب ملاحظته ومراعاته؛ لئلا يأتي الإنسان .. ، مسألة الخدش في الصيام هذه موجودة، لكن المسألة في الإجزاء. يعني أحمد أمين وهو القاضي الشرعي يقول: درسنا في مدرسة القضاء الشرعي شخص أعجبه في علمه ورأيه وسمته، يقول: فجأة انقطع عنا فصرت أبحث عنه عشر سنين، فلم أجده، يقول: سافرت إلى تركيا وفجأة رأيت هذا الرجل وقال: إنه انقطع عن الدنيا، فصار صواماً قواماً، انقطع عن الدنيا، ثم ذكر أحمد أمين أن هذا الرجل صيامه يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً إلى غروب الشمس، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . هذا ما هو بصيام، والعذر أقبح من الفعل، لماذا؟ قال: لأن في الشقة التي تحته أسرة يهودية، ولا يستطيع أن يقوم في وقت إعداد الطعام للسحور لئلا يزعجهم، يعني الخلل يصل إلى هذا الحد -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني هذا تلاعب بالعبادات، ولا شك أن هذا من تلبيس الشيطان على الناس، وله طرق، وله حيل في الدخول على قلوب الناس، يعني مثل هذا انقطع للعبادة، انقطع للصيام والقيام، ثم ماذا؟ -نسأل الله العافية- النتيجة عاملة ناصبة، يتعب في هذه العبادة وفي النهاية هباءً منثوراً، بل وبال عليه؛ لأن هذا ابتداع في الدين. فالصيام لا بد أن يكون خالصاً لوجه الله -جل وعلا- كسائر العبادات. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 6 الصيام ركن من أركان الإسلام بالإجماع، وهو الركن الرابع أو الخامس على خلاف بين أهل العلم، والخلاف في كفر تاركه كالخلاف الذي سقناه في الزكاة، ومثلهما الحج، الأركان الثلاثة قال جمع من أهل العلم بكفر تاركها، ورواية في مذهب الإمام أحمد وقول عند المالكية، وعامة أهل العلم على أنه لا يكفر إذا اعترف بالوجوب، وأنه ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. الصيام هو الركن الرابع عند جمهور أهل العلم، وعليه جروا في مؤلفاتهم، وعليه جاءت الرواية الصحيحة عن ابن عمر في صحيح مسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)) فقال رجل: الحج وصوم رمضان، قال ابن عمر: لا، صوم رمضان والحج. مع أنه في الصحيحين في البخاري ومسلم من حديث ابن عمر تقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى الإمام البخاري ترتيب كتابه فقدم الحج على الصيام، ولكن جمهور أهل العلم على أن الصيام مقدم على الحج، أما اختلاف الرواية عن ابن عمر مسلم قدم الصيام، والمتفق عليها قدمت الحج على الصيام، المسألة يعني يلتمس أهل العلم في ذلك، وابن عمر رد على من قدم الحج، مع أنه قدم الحج كما في الصحيحين، والمرجح عند أهل العلم ما في الصحيحين هذا هو الأصل، على ما تفرد به أحد الشيخين، يعني ما في الصحيحين مقدم على ما في صحيح مسلم، فكيف يرد ابن عمر على من استدرك عليه؟ قالوا: إن ابن عمر احتمال أن يكون نسي الرواية الأخرى، يكون نسي، أو أراد أن يؤدب هذا الذي استدرك عليه، أراد أن يؤدب هذا الذي استدرك، تعجب، يعني هل أنت الذي سمعت الحديث من الرسول أو أنا؟ فكيف ترد علي؟ وقد يكون ابن عمر سمع الحديث على الوجهين. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 7 "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان)) " يعني لا تتقدموا رمضان، نهي، ((لا تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) يعني لا يتقدم رمضان بنية الاحتياط لرمضان، أو ابتداء صوم لم يكن يصمه؛ لأن عندنا وقت محدد لدخول الشهر، لا لبس فيه، ولا غبش فيه ولا إشكال، برؤية الهلال، وبعض الناس يحمله التحري والاحتياط على أن يتقدم الناس بيوم أو يومين، وهذا التحري تنطع، وزيادة في دين الله لم يأذن الله بها، ولذا جاء النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، العلة هذه ترتفع بمن كان يصوم مثلاً يوم معين كالاثنين أو الخميس ثم صادف أن يكون آخر شعبان يوم الاثنين هذا لا بأس، يصوم يوم الاثنين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه؛ لأن العلة التي من أجلها جاء النهي ارتفعت، جاء في حديث عمار بن ياسر أن من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، ويوم الشك الذي لم ير فيه الهلال، الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال بسبب غيم أو غبار أو قتر، أو ما أشبه ذلك هذا يوم الشك، فلا يجوز صيامه، وأيضاً إذا لم يوجد هذا الشك بأن جزم بأن هذا اليوم من شعبان وهو آخر أيام شعبان أيضاً لا يجوز صومه إلا إذا كان صوم اعتاده الإنسان في غيره من الشهور كان يصوم الاثنين أو الخميس ثم وافق أن يكون هذا اليوم يوم الاثنين أو الخميس. متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له)) متفق عليه. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 8 إذا رأيتم الهلال هلال رمضان فصوموا، وإذا رأيتم هلال شوال فأفطروا، والمراد بالرؤية الرؤية البصرية بالعين المجردة، ولا يكلف الإنسان أكثر مما أوتي، لا يقال: استعمل آلات تعينك على الرؤية، لكن لو استعمل وثبت أن الهلال ولد ووجد ورؤي فلا مانع كما يستعمل الإنسان في القراءة ما فيها إشكال، لكنه لا يؤمر باستعمال ما يعينه على الرؤية؛ لأن الأصل أن الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا ما آتاها، وهذه الآلات لا توجد على كل حال، لو كلف الناس بها فلم توجد، وهي غير موجودة في عهد النبوة، وفي كثير من أحوال المسلمين في البراري والقفار ليس عندهم آلات، إنما كلفوا بما أوتوا، وهي الرؤية بالعين المجردة، لكن استعمال ما يعين على الرؤية لا على سبيل الإلزام هذا لا إشكال فيه. ((صوموا لرؤيته)) ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) يعني مفهومه أننا إذا لم نره فإننا لا نصوم ولا نفطر، لا بنية رمضان ولا بنية غيره، لا نصوم ولا نفطر، ((إذا رأيتموه فصوموا)) والضمير يعود إلى الهلال، هلال رمضان في الجملة الأولى، وهلال شوال في الجملة الثانية، وإن لم يتقدم له ذكر فإنه معلوم كما في قوله -جل وعلا-: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [(32) سورة ص] لم يتقدم لها ذكر. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 9 ((فإن غم عليكم)) إن خفي عليكم فلم تروه بسبب حائل من غبار أو غيم أو قترة، وما أشبه ذلك ((فاقدروا له)) هذا اللفظ المجمل الذي يحتمل التقدير بالحساب وإكمال شعبان الثلاثين، ويحتمل التضييق {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [(7) سورة الطلاق] يعني ضيق عليه، كما يقول ابن عمر، فيصام هذا اليوم على هذا القول، يعني ضيقوا شعبان واجعلوه تسعاً وعشرين، من باب تفسير القدر هنا بالتضييق، والرواية المفسرة لهذا المجمل لمسلم: ((فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين)) فاقدروا له يعني شعبان ثلاثين، وللبخاري: ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) يعني هل بقي لبس فيما يحتمله اللفظ؟ لا لبس فيه، ومع ذلك يذكر عن ابن عمر أنه يصوم مثل هذا اليوم، وعند الحنابلة أيضاً رواية وهي قوية ومقدمة فإن لم ير الهلال لغيم أو قتر أو غبار فظاهر المذهب يجب صومه، يجب صوم هذا اليوم اتباعاً لابن عمر، مع وجود هذه النصوص الصريحة ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) فالقول بأنه يصام وجوباً أو استحباباً قول في غاية الضعف، ومخالف لما جاء في هذه الروايات المفسرة ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) يعني نحتاج إلى أن نفسر الكلمة لغوياً ونحن عندنا ما نفسر بها من الشرع؟ الألفاظ الشرعية تفسر بالمصطلحات الشرعية؛ لأن الشارع إنما جاء لبيان الشرع، نعم إذا لم نجد في الحقائق الشرعية ما يبين لنا المراد، فإننا حينئذٍ نلجأ إلى الحقائق اللغوية، فالحقيقة الشرعية مقدمة في أمور الشرع، فإذا لم نجد في النصوص ما يفسر رجعنا إلى لغة العرب؛ لأن النصوص جاءت بلسان العرب، قد يكون اللفظ يحتمل أكثر من حقيقة شرعية، كالمفلس مثلاً، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، كلام صحيح وإلا غير صحيح؟ حقيقة شرعية وإلا غير شرعية؟ شرعية، من وجد ماله عند رجل قد أفلس، المفلس من لا درهم له ولا متاع، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يبين لهم حقيقة شرعية غير ما يتبادر إلى الأذهان في هذا الباب الذي يريده ويتحدث عنه -عليه الصلاة والسلام-، ((المفلس من يأتي بأعمال)) في بعض الروايات: ((أمثال الجبال من صيام وصدقة الجزء: 57 ¦ الصفحة: 10 وصلاة، ثم يأتي وقد ظلم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، أخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته)) ... الحديث، هذا مفلس، وذاك أيضاً مفلس، وكلها حقائق شرعية، يعني لو طلب منك في الاختبار في باب الحجر والتفليس، وقيل لك: عرف المفلس، أو من وجد ماله عند رجله قد أفلس، اشرح الكلمات التالية: قد أفلس، تقول: من يأتي بأعمال أمثال الجبال؟ تقول: هذا يصح وإلا ما يصح؟ لا يصح، هذه أكثر من حقيقة شرعية، لكن عندنا ((فاقدروا له)) في هذا الباب يعني أكملوا العدة ثلاثين؛ لأنها جاءت مفسرة بنص صحيح صريح ما يحتمل، فلا نحتاج إلى أن نفسر اللفظ بمعنىً صحيح، لكنه لا يليق بهذا الباب، قدر التضييق، وقدر عليه رزقه يعني ضيق عليه رزقه صحيح، لكن لا يليق بهذا الباب كما أنه لا يليق أن نفسر المفلس بمن جاء بأعمال أمثال الجبال نفسر به حديث: ((من وجد ماله عند رجل قد أفلس)) قد يكون ملياً غنياً مكثراً مفلساً، قد يكون، لكن هذا باعتبار وهذا باعتبار، وهنا المناسب لتفسير اللفظ أننا نكمل العدة ثلاثين كما فسره النبي -عليه الصلاة والسلام- في الروايات الأخرى. وله من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((فإن غبي)) يعني أخفي عليكم ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) وله، يعني للبخاري من حديث أبي هريرة ((فإن غبي فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) يعني هل يبقى بعد هذا مستمسك لمن يقول: إننا نضيق شعبان ونجعله تسعة وعشرين؟ هل في احتمال وهذا في البخاري؟ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين، يعني اللفظ الأول والذي قبله فأكملوا العدة قد يفهم الإنسان أننا نكمل عدة رمضان، ولا يلزم من هذا أن نكمل شعبان، لكن هذا اللفظ رافع لكل احتمال، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين. "وعن أبي مالك الأشجعي عن حسين بن الحارث الجدلي (جديلة قيس) أن أمير مكة خطب، ثم قال: عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أمير مكة صحابي وإلا غير صحابي؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 57 ¦ الصفحة: 11 نعم، يقول: "عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننسك للرؤية" يعني نضحي للرؤية، ونحج للرؤية "فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما" لا بد من شاهدين، ولا بد أن يكون الشاهدان عدلين، هذا بالنسبة لشهر النسك، أما شهر رمضان جميع الشهور تثبت دخولاً وخروجاً بشهادة اثنين، شهر رمضان هو محل الخلاف بين أهل العلم كما سيأتي في حديث ابن عمر والأعرابي، لكن حديث الباب جارٍ على الأصل "وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما" شهدا أنهما رأيا الهلال "فسألت الحسين بن الحارث" يعني الذي يروي عنه أبي مالك الأشجعي يروي عن حسين بن الحارث، سأل الحسين بن الحارث من أمير مكة؟ لأنه قال له: إن أمير مكة خطب ثم قال "من أمير مكة هذا؟ قال: لا أدري" لعله نسيه في هذا الوقت "ثم لقيني بعد فقال: هو الحارث بن حاطب" تذكر أو ذكر "فقال: الحارث بن حاطب، أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني" وهذا في عهد الصحابة، الصحابة متوافرون، ومع ذلك يتولى المفضول مع وجود الفاضل، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل "ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأومأ بيده إلى رجل، قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ " كأنه لا يراه، يحول بينه وبينه شيء "فقال: هذا عبد الله بن عمر وصدق" يعني الحارث بن حاطب في مصاف ابن عمر في العلم؟ أبداً، هو أعلم بالله ورسوله من هذا الأمير، ومع ذلك إمارته صحيحة، لا يقدح فيها بسبب أنه وجد من هو أولى منه، لا، مذهب أهل السنة قاطبة صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، نعم الأولى والأكمل أن يتولى الفاضل؛ لأنه هو الذي سوف يدير الأمور على مراد الله ومراد رسوله، لكن إذا تولى المفضول لا سيما في حال الإجبار أو في حال التولية فإنه يجب السمع والطاعة له، ولو اختل فيه بعض الشروط، ولو كان عبداً حبشياً، أما في حال الاختيار فلا يمكن أن يولى في حال الاختيار إلا من تتوافر فيه الشروط. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 12 "قال: هذا عبد الله بن عمر وصدق، وهو أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني أمرنا أن نصوم بالرؤية: ((صوموا لرؤيته)) هذا خطاب متجه لكل من يتأتى منه السماع والفهم ورد الجواب، ممن بوشر بهذا الخطاب من الصحابة، وممن يأتي بعدهم إلى قيام الساعة، هذا خطاب للأمة، ولا يعني أنه متجه إلى كل فرد فرد من أفراد الأمة بأن يتراءوا الهلال ويروه جميعاً، والذي لا يراه لا يصوم، لا ((صوموا لرؤيته)) يعني لرؤيتكم إياه، والرؤية تثبت بمن يثبت خبره، وشهر الصيام شهر العبادة من أمور الآخرة بينما الشهور الأخرى شأنها من شئون الدنيا، تترتب عليها أمور دنيوية، فدخولها وخروجها بشهادة، وأما رمضان فدخوله بخبر؛ لأنه عبادة تثبت بسائر الأخبار كالرواية، ولذا يقبل فيها الواحد على ما سيأتي، وتقبل فيها المرأة، ويقبل فيها العبد؛ لأنها رواية، كما تصح رواية المرأة، وتقبل رواية العبد، أما بقية الشهور فالآثار المترتبة عليها أمور دنيوية، ديون، حلول الديون، وما أشبه ذلك كلها لا بد فيها من شهادات كما تثبت الديون بالشهادات، لا بد من شاهدي عدل دخولاً وخروجاً، أما دخول رمضان فباعتباره عبادة من العبادات فيكفي فيه خبر من يثبت الخبر بقوله، وهو العدل الضابط، يعني الثقة. رواه أبو داود وهذا لفظه، والدارقطني وقال: هذا إسناد صحيح متصل. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 13 "وعن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "تراءى الناس الهلال" هذا أمر يهم الجميع، فينبغي أن يهتم به الجميع، بعض الناس كأن الأمر لا يعنيه، نعم إذا عرف من نفسه أنه سواءً تراءى أو لم يتراءى لا فرق لضعف في بصره، هذا ما فيه إشكال، لكن الذي لديه أهلية ويمكن أن يرى الهلال هذا الأمر يهمه كما يهم سائر الأمة، فعليه أن يتراءى مع الناس، ولذلك قال: "تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته" ابن عمر فقط "فصام وأمر الناس بصيامه" واحد، لماذا؟ لأنه عبادة تثبت كسائر الأخبار، يعني هل يشترط العدد في الرواية؟ حديث: الأعمال بالنيات ما رواه إلا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع أنه مجمع على صحته، ومجمع على مقتضاه، وهو اشتراط النية في جميع ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، هذا خبر، ما يتعلق في عبادات الناس يكفي فيه واحد؛ لأن هذه ديانة، والإنسان مؤتمن على دينه، والمسألة مفترضة في ثقة، أما غير الثقة فإنه لا يقبل. "تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه" رواه أبو داود وابن حبان والحاكم، وقال: على شرط مسلم. وعن ابن عمر عن حفصة ... الجزء: 57 ¦ الصفحة: 14 قبل ذلك: مسألة الرؤية وأنها معلقة بالرؤية البصرية على ما تقدم بيانه، ولا نكلف فوق ذلك، ولا نعتمد على حساب ولا فلك ولا غير ذلك، وقد جاءت النصوص الصحيحة الصريحة القطعية بأن المقدمات الشرعية نتائجها شرعية ((صوموا لرؤيته)) رآه واحد من المسلمين فصاموا، لو اجتمع أهل الفلك كلهم وقالوا: إن الهلال لم يولد، قلنا: مقدمتنا شرعية ((صوموا لرؤيته)) وقد ثبتت رؤيته، مقدمتنا شرعية نتيجتنا شرعية، حكم الحاكم بشاهدي عدل وتعديلهما بواسطة المزكين، وحكم بأن الحق لفلان شرعاً الحق لفلان، المقدمة شرعية والحكم صحيح، ولو تبين خطأه فيما بعد؛ لأنه ما دامت المقدمة شرعية فالنتيجة شرعية، يعني ما رأينا الهلال فأكملنا شعبان ثلاثين فتبين فيما بعد أن شعبان تسعة وعشرين، فلما صمنا ثمانية وعشرين يوم رئي هلال شوال، تكون مقدمتنا شرعية ولا ضير ولا حرج، ولا أدنى حرج فيما صنعنا، اللهم إلا إذا كان هذا نتج من تقصير في الترائي، أما إذا تراءاه الناس فلم يروه، فلا نكلف أكثر من هذا، والحاكم لا يكلف أن يحكم بأكثر من شاهدي عدل، فإذا حكم بأن الحق لفلان، وفي الواقع أن الحق لفلان، المؤيد بالوحي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا بشر أحكم على نحو ما أسمع)) فالحكم صحيح والحاكم مأجور أصاب أو أخطأ، فالنتيجة شرعية ما دامت المقدمة شرعية، لو شهد ثلاثة على رجل بالزنا، وكلهم أثبتوا ذلك، وأقسموا على ذلك بأنهم رأوه بأعينهم، وكلامهم مطابق للواقع، هل نقول: هؤلاء صادقون أم كاذبون؟ نعم؟ {فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [(13) سورة النور] ولو رأوه بأعينهم، لماذا؟ لأن المقدمة شرعية ما تم النصاب، فالنتيجة شرعية، هم كذبة ولو رأوه بأعينهم، فلا نكلف أكثر مما نستطيع، فالشرع رتب نتائج على مقدمات، فإذا وجدت هذه المقدمات الشرعية فالنتائج بلا محالة شرعية، ولو لم تطابق الواقع؛ ولا نقول: كم مرة جربنا وطلع الشهر ثمانية وعشرين، إذاً الرؤية لا تنضبط، تنضبط، ولا نكلف أكثر من ذلك ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) هذا خطاب لكل من يصح توجيه الخطاب إليه من الأمة. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 15 طيب ((صوموا لرؤيته)) رآه شخص في بلد من البلدان وهو ثقة، لكن ما رأى القاضي أن الشروط تنطبق عليه فرد شهادته، يصوم وإلا ما يصوم؟ هو رآه مؤكداً؟ طالب:. . . . . . . . . يصوم وإلا ما يصوم؟ يعني مثلما اختلفتم أنتم اختلف أهل العلم. طالب:. . . . . . . . . عندك دليل؟ عندك دليل؟ طالب: رآه. رآه، عندك دليل، الصوم حينما يصوم الناس، والفطر حينما يفطر الناس، يعني افترض أنه رأى هلال شوال يعيد والناس صائمين؟ نفسها ((أفطروا لرؤيته)) نفس الدليل، المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يرى أنه مكلف في نفسه برؤيته هو، مكلف برؤيته، فإذا رآه عليه أن يصوم، وإذا رآه عليه أن يفطر؛ لعموم: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ومنهم من يقول: لا، لا يشذ على الناس، ما دام ردت شهادته فرؤيته غير شرعية، وإن كان متحققاً منها فالصوم يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس. طيب رآه في بلد بعيد، ثم قدم إلى بلد لم ير فيه الهلال في ذلك اليوم، كما حصل في قصة كريب حينما قدم من الشام وهو في صحيح مسلم رأوا الهلال ليلة الجمعة، وفي المدينة ما رئي الهلال إلا ليلة السبت، قدم كريب فلما أكمل ثلاثين قال: أفطروا، فإننا رأينا الهلال، معاوية والناس رأوا الهلال ليلة الجمعة، فقال ابن عباس: لا، لا نصوم حتى نراه، ولا نفطر حتى نراه، نحن ما رأيناه إلا ليلة السبت، فإذا لم نره في هذه الليلة أكملنا العدة ثلاثين، وهذا دليل على اختلاف المطالع، فالشام مطالعه تختلف عن مطالع المدينة، وما في المشرق يختلف عما في المغرب، وكذلك سائر الأقاليم والأقطار، فلكل إقليم مطلعه، لكل إقليم مطلعه الذي يختص به، فقد يرى في اليمن ولا يرى في الشام والعكس. المقصود أن اختلاف المطالع أمر متيقن، ومقطوع به، ودليله مع الواقع قصة كريب المخرجة في صحيح مسلم. ثبتت رؤية الهلال في الشام ليلة الجمعة، لكنه في المدينة ما رئي إلا ليلة السبت، ما قال ابن عباس: إننا ما رأيناه وهو في الحقيقة طالع، فنكتفي بتسعة وعشرين؛ لأنه رئي الهلال، واليوم يوم العيد قطعاً، لا، المطالع تختلف، فرؤية أهل الشام لأهل الشام، ورؤية أهل المدينة لأهل المدينة. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 57 ¦ الصفحة: 16 هي دولة إسلامية واحدة، المدينة تبع معاوية. من أهل العلم من يرى أنه إذا رئي الهلال، رآه من تصح مخاطبته بصوموا لرؤيته، رآه هذا الشخص الثقة في أي بلد، وفي أي صقع، وفي أي قطر من أقطار الأرض، فإن الناس جميعهم يلزمهم الصوم، وهذا معروف عند الحنابلة وغيرهم، لزم الناس كلهم الصوم، في المشرق والمغرب، في المدينة والشام وغيرها، ابن عباس لما رفض الإفطار بخبر كريب، هو ما كذب كريب، ما كذب كريب، صدق كريب، وأنهم رأوه في الشام، لكن في المدينة نختلف عنكم، "قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني كيف يقول قائل: إنه يلزم الناس كلهم الصوم والقصة صحيحة يعني هل يخفى على الحنابلة هذه القصة وهي في صحيح مسلم؟ ما يخفى عليهم، لكن قول ابن عباس: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحتمل أنه أمرهم بأمر خاص يتعلق باختلاف المطالع، وأنه أمرهم بأمر عام وهو قوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فيكون هذا بناءً على فهم ابن عباس من هذا الحديث، فلا يكون ملزماً، الاحتجاج ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم، يعني قد يقول قائل: كيف يسوغ مثل هذا القول مع قصة كريب مع ابن عباس، وابن عباس يقول: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ يعني هل أمرهم بأمر خاص يتعلق باختلاف المطالع أنكم إذا رأيتموه في بلد لا يلزم بقية البلدان الصوم حتى يروه، أو أنه أمرهم بقوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ولذا القول الثاني له حظ من النظر، يعني ما هو بخطأ قطعاً؛ لأن هذا مبني على فهم ابن عباس، وعلى ما عند ابن عباس من أمر، هل عنده أمر خاص، أو عنده أمر عام ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) وهذا الحديث يحتمل القولين. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 57 ¦ الصفحة: 17 احتمال أن يكون عند ابن عباس خبر خاص يتعلق بالمطالع سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وطبق عليه ما حصل من قول كريب، ويحتمل أن يكون هذا فهم فهمه ابن عباس من عموم حديث: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ولذلك تجدون الفتوى وهي من أناس أهل أثر، ما يقال: والله يقلدون مذهب وإلا غيره، لا، الشيخ ابن باز ما يرى مانع من أن يلزم الناس كلهم بالصوم في جميع الأقطار، وأن البلدان يصومون تبعاً لولاتهم وعلمائهم، كل على حسب فهمه، ولا تضييق في هذه المسألة لأنها مسألة قديمة، ومبنية على فهم لابن عباس -رضي الله عنه-. القصة صحيحة ما فيها إشكال، لكن يبقى النظر في قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل هو بأمر خاص يتعلق باختلاف المطالع، فنقول حينئذٍ: القول الثاني لا وجه له، لكن ما بينه ابن عباس فيحتمل أن الأمر الذي أشار إليه ابن عباس هو ما جاء في قوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)). وعن ابن عمر عن حفصة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)). قبل الفجر معلوم أن الصيام يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهنا قبل الفجر العلماء يقررون أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، هل يتم الصيام من طلوع الفجر دون إمساك جزء يسير من الليل؟ نعم؟ هل يتم استيعاب غسل الوجه إلا بغسل جزء يسير من الرأس؟ لا يتم هذا إلا بهذا، يمثلون لهذه القاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يمثلون بهاتين المسألتين، لا يتم استيعاب جميع النهار من طلوع الفجر إلا بإمساك جزء من الليل، وكذلك غسل الوجه لا يتم استيعابه إلا بغسل جزء من الرأس. ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر)) يعني ينوي الصيام قبل الفجر ((فلا صيام له)) لماذا؟ لأن الصيام عبادة، والعبادة من شرط صحتها النية، فلا صيام إلا بنية. طالب:. . . . . . . . . يأتي، ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) لأن النية شرط لجميع العبادات والصيام عبادة. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 18 "رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، والترمذي، وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قولَه" يعني من قوله موقوفاً عليه، وهو أصح، ولا مانع أن يذكره ابن عمر عن أخته حفصة ترفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ذلك يفتي به من قوله، ويتظافر على ذلك المرفوع والموقوف. وقال النسائي: والصواب عندنا أنه موقوف، ولا يمنع أن يكون سند الموقوف أصح وأنظف من أن يكون المرفوع أيضاً صحيحاً. وقال البيهقي: قد اختلف على الزهري في إسناده وفي رفعه، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه، وهو من الثقات الأثبات. يعني فيقبل منه الرفع. ما تقدم من تبييت النية من الليل هذا الأصل فيه العموم ((من لم يبيت الصيام)) الصيام جنس يشم الفرض والنفل، لكن خرج النفل بحديث عائشة. وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: ((هل عندكم شيء؟ )) دخل الضحى، قال: ((هل عندكم شيء؟ )) فقلنا لا، قال: فإني إذاً صائم، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي إلينا حيس فقال: أرنيه دعيني أنظر إليه، ((فلقد أصبحت صائماً)) ثم أكل. وفي هذا يقول أهل العلم: المتطوع أمير نفسه، يعني إن شاء أتم، وإن شاء أفطر، مع أن المسألة عند أهل العلم يختلفون فيمن أفطر بعد أن عزم على صيام النفل من غير عذر، منهم من يلزمه بالقضاء كالمالكية والشافعية، ومنهم من يقول: هو أمير نفسه. سلمان عزم على أبي الدرداء أن يفطر، وقال له: إن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخبر قال: ((صدق سلمان)) فأفطر أبو الدرداء. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 19 هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، يعني من الضحى، هو ما أكل في أول النهار، لا يقول قائل: أنا والله صليت الفجر وتصبحت بسبع تمرات، ثم لما جاء وقت الفطور يقول: هل عندكم شيء؟ لا، هذا خلاص انتهى، هذا مفطر من الأصل، لكن إذا كان ممسك من قبل طلوع الفجر ثم ما وجد شيء يصح صومه النفل والنية تنعطف، وأجره من انعقاد النية أو من طلوع الفجر؟ نعم؟ فضل الله واسع، ما دام الصيام صحيح، ومعتد به من طلوع الفجر ولو لم تصحبه نية فلا يمنع أن يكون أجره من طلوع الفجر. من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر. الركعة الأولى في الوقت وهي أداء، لكن الثانية بالنسبة لصلاة الصبح قضاء وإلا أداء؟ ويش معنى أدرك؟ أدرك الوقت، من أهل العلم من يقول: حتى الركعة الثانية أداء، ما دام في الخبر الصحيح أدرك، فكيف نقول: نوصل لها في غير الوقت؟ على كل حال مثل هذه الأمور مدارها على النصوص. " ((هل عندكم شيء؟ )) فقلنا: لا، فقال: ((إني إذاً صائم)) ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي إلينا حيس" تمر مخلوط بسمن ودقيق وأقط، هذا يسمونه حيس "فقال: ((أرينيه، فلقد أصبحت صائماً)) فأكل" فلا مانع أن يفطر المتطوع، لا مانع من أن يفطر المتطوع. في الحديث الأول، في الجملة الأولى من الحديث: ((هل عندكم شيء؟ )) فقلنا: لا، فقال: ((إني إذاً صائم)) يعني لو كان عندهم شيء أفطر، طيب لو قالوا: عندنا شيء فنوى الإفطار ثم ذهبوا فلم يجدوا شيئاً، هل له أن يقول: إني صائم؟ هل عندكم شيء؟ قالوا: نعم، راحوا بيجيبوا شيء من المستودع ما وجدوا، نوى الإفطار، بيأكل إذا أحضروا، فما وجدوا شيء، هاه. طالب:. . . . . . . . . لأن عندنا صورتين: الصورة الأولى ما عندهم شيء استمر صائم، وفي قرارة نفسه أنه يأكل لو كان عندهم شيء فهو فطر معلق. الصورة الثانية: صائم وعندهم شيء وأكل، هذا ما فيه إشكال، قال: هل عندكم شيء؟ قالوا: نعم، نوى الإفطار، ذهبوا لإحضاره ما وجدوا شيء، فعاد إلى نيته، أو نقول: من نوى الإفطار أفطر كما يقول أهل العلم؟ يقولون: من نوى الإفطار أفطر. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ الجزء: 57 ¦ الصفحة: 20 طالب:. . . . . . . . . لو ما أكل، ومن نوى الإفطار أفطر، خلاص شوف كلام أهل العلم، يقولون: ومن نوى الإفطار أفطر، يعني عزم على الإفطار. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . والنفل، خلاص نوى الأكل، أكل، يعني هو صائم، خلونا على مذهب من يقول: إن الحجامة تفطر، جاءه من يقول له: إن هناك شخص يحتاج إلى التبرع بالدم، يحتاجون إلى لتر، فذهب إلى المستشفى عازماً على التبرع، ثم لما وصل المستشفى قالوا: استغنينا، وهذا مبني على مسألة الحجامة هل تفطر أو لا تفطر؟ وسيأتي الكلام فيها، قالوا: استغنينا، يعود صائم وإلا نقول: نوى الإفطار؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما معنى قول أهل العلم: من نوى الإفطار أفطر؟ عازم هذا رائح، ركب السيارة عشرين كيلو يبي يتبرع، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود أن هذا كلام أهل العلم: "من نوى الإفطار أفطر" فهل يخرج بذلك بمجرد النية؟ نوى قطع صلاته، هو يصلي نوى قطع الصلاة وما قطعها، تبطل وإلا ما تبطل؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . من قال: لا؟ يتوضأ غسل وجهه ويديه ونوى قطع الوضوء يكمل وإلا يستأنف؟ يستأنف؛ لأن قطع العبادة وجد في أثنائها، لكن لو تم وضوؤه وغسل رجليه، ثم حاول نقض الوضوء فعجز، ينتقض وضوؤه وإلا لا؟ ما ينتقض؛ لأنه فرغ من العبادة، لو نوى الإفطار بعد غروب الشمس، يقول: أنا صمت اليوم، والله الظاهر أني ما أنا بحاجة لصيام هذا اليوم، نوى أن يقطع صيامه الذي انتهى، هذا ما ينقطع صيامه، لكن في أثناء العبادة النية مؤثرة في أثناء العبادة. وفي لفظ: قال طلحة -وهو ابن يحيى-: فحدثت مجاهداً بهذا الحديث، فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها. رواه مسلم. استلم الراتب وقال: هذه خمسمائة ريال من الراتب صدقة، وقبل أن يستلمها المتصدَق عليه رجع في صدقته، يلزمه إخراجها وإلا ما يلزمه؟ ما يلزمه، إلا إذا اقترن ذلك بالعهد، قدم من الرياض مريداً العمرة وقبل أن يحرم رجع، يلزمه وإلا ما يلزمه؟ ما يلزمه، لكن بعد دخوله وشروعه في العبادة يلزمه الإتمام، لا سيما المناسك. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 21 وعن سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحروا فإن في السحور بركة)) متفق عليهما. ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) كان اليهود يؤخرون ويتابعهم بعض المبتدعة الذين يؤخرون الفطر حتى تشتبك النجوم. الله -جل وعلا- كريم، ويحب أن يبادر الإنسان بالأكل من نعمه وفضله إذا حان وقتها، فكونك تؤخر لا يخلو إما أن يكون من باب الاحتياط للعبادة والقدر الزائد على ما شرع الله -جل وعلا- فهذا لا إشكال في دخوله في هذا الحديث: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) يعني ما لم يشابهوا اليهود في تأخير الفطر حتى تشتبك النجوم، وبعض من ينتسب إلى القبلة يفعل هذا حذو القذة بالقذة، قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل وواصل بأصحابه، وقال: ((من كان منكم مواصلاً فليواصل إلى السحر)) يلزمه على ذلك تأخير الفطور، ويبقى مع ذلك أن الناس لا يزالون بخير وهو الفضل أن يفطر الإنسان بعد غروب الشمس مباشرة، وسيأتي ما في الوصال من كلام. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحروا فإن في السحور بركة)). السحور: هي أكلة ما قبل الإمساك، ويسن تأخيره، كما يسن تعجيل الفطر؛ للاستعانة به على الصيام، وهو طعام مبارك ((تسحروا فإن في السحور بركة)) وكثير من الناس اليوم ممن ابتلي بالسهر تجده يؤخر طعام العشاء إلى منتصف الليل ثم يستغني به عن السحور فيحرم هذه البركة. متفق عليهما. وعن سلمان بن عامر الضبي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وهذا لفظه، وصححه ابن حبان والحاكم، وقال: على شرط البخاري. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 22 وقال: على شرط البخاري هل هذا الكلام صحيح؟ الحديث مضعف عند جمع من أهل العلم، الذي يروي الحديث عن سليمان بن عامر الضبي امرأة اسمها الرباب بنت صليع، هذه لا تعرف، هذه لا تعرف فكيف يقول الحاكم: على شرط البخاري؟ هل خرج البخاري للرباب هذه التي لا تعرف؟ فليس الأمر كما قال، بل الحديث مضعف بها، وهو من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وأمره -عليه الصلاة والسلام- ضعيف، لكنه ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام- من حديث أنس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء، هذا ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- من فعله، وأما بالنسبة للأمر فليفطر فلا يصح، بل هو ضعيف، نظيره ثبوت الشيء بفعله لا بقوله له نظائر، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يضطجع بعد ركعتي الصبح، والأمر بالاضطجاع من قوله -عليه الصلاة والسلام- شاذ، أخطأ فيه عبد الواحد بن زياد، ونظيره أيضاً الجلوس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس من فعله -عليه الصلاة والسلام- ثابت، ومن قوله -عليه الصلاة والسلام- والوعد المرتب على ذلك لا يسلم من ضعف، فقد يثبت الخبر من فعله ثم يتوهم بعض الرواة أنه يأمر به ما دام يفعله هو يأمر به، فيهم بعض الرواة ويرويه من قوله، وهذا له عدة أمثلها، ومنها: الجزء: 57 ¦ الصفحة: 23 حديث الباب النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفطر على رطبات، فإن لم تكن أفطر على تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء، وأما قوله: ((فليفطر على تمر)) فهذا ضعيف؛ لأن فيه الرباب بنت صليع، وهي لا تعرف، المقصود أنه من فعله -عليه الصلاة والسلام- ثابت، ويبقى أنه من قوله لا يثبت، قد يقول بعضهم كما نقول: إن الموقوف يشهد للمرفوع، والمرسل يشهد للموصول، لماذا لا يشهد القول على ضعفه للفعل؟ نعم، القول يختلف عن الفعل، القول مقرون بلام الأمر، فيترتب عليه أن هذا مأمور به، ومجرد الفعل لا يقتضي الأمر، قد يكون تركه خلاف الأولى، لا يقتضي تحريماً ولا كراهة، فمدلول هذا غير مدلول هذا، ففيه حينئذٍ خلف، مثل الأمر بالاضطجاع، ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه)) مع أنه ثبت أنه اضطجع، وفرق بين أن يأمر بالشيء وبين أن يفعله -عليه الصلاة والسلام- مجرداً. طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . فيه كلام لأهل العلم، مضعف عند جمع من أهل العلم. طالب:. . . . . . . . . لا أقول: ضعيف، لكنه مضعف، ويرجى الثواب يرجى من الله -جل وعلا-. يقول: فطور التمر سنة ... رسول الله سنه ... فاز بالأجر من يحلي منه سنه. سُنة، سَنه، سِنه، هذا مثلث، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . فطور التمر سُنة ... رسول الله سنه ... فاز بالأجر من يحلي منه سنه ويش الفرق بينهن؟ سُنة مثل سِنه؟ مثلها؟ يقول: أنا من دولة تعتمد في صومها وفطرها على الحساب الفلكي فهل أصوم وأفطر مع دولة أخرى تعتمد الرؤية حتى ولو خالفت أهل بلدي؟ وماذا أفعل لتفادي الحرج عند صيامي وأهلي مفطرون؟ الجزء: 57 ¦ الصفحة: 24 على كل حال مثل هذه الأمور هذه مشكلة ومعضلة، ويعاني منها كثير من المسلمين في البلدان التي تحكم بغير ما أنزل الله، الأقليات يعانون معاناة شديدة في كثير من القضايا الشرعية، وقد يعاني منها من هم بين أهليهم وبين ذويهم، في مجتمع أهله مسلمون، ومع ذلك يلزمون بمقدمات غير شرعية في عبادات عظيمة مثل الصيام ومثل الحج وغير ذلك، وقد يجبرون على دفع الزكوات فتصرف في غير مصارفها، هذه الأمور حقيقة هذا خلل كبير عند المسلمين في كثير من الأقطار، فعلى المسلم أن يتحرى في عبادته لله -جل وعلا- ما يوافق الشرع. يقول: هل الخطاب في: ((صوموا لرؤيته)) لأهل الزمان أم لأهل المكان؟ لكل من يتجه له الخطاب هذا هو الأصل، نعم لكل من يتجه له الخطاب هذا هو الأصل فيه، ولا يمكن أن يوجه إلى المسلمين فرداً فرداً؛ لأنه لا يلزم أن يراه جميع الناس، وإنما يثبت برؤية بعض الناس الذين يلزم العمل بخبرهم. بعض الناس يقول في حديث: ((إننا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) الشهر تسع وعشرون، يقول: إن هذا الخطاب بالنسبة لأهل زمانه -عليه الصلاة والسلام- حينما كانت الأمية غالبة، وبعد أن تعلم الناس وعرفوا من العلوم ما يعينهم على الرؤية بالحساب وبالآلات وما أشبه ذلك؟ نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث لهذه الأمة من وقته -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة. لو فرض القول باختلاف المطالع فكيف تكون ليلة القدر ليست ليلة واحدة في الوتر من العشر الأواخر من رمضان؟ الجزء: 57 ¦ الصفحة: 25 في مثل هذا وفي مثل ساعة الجمعة أنت تتحرى ساعة الجمعة في آخر ساعة من نهار الجمعة وغيرك قد يكون عنده ليل، ومثله الثلث الأخير من الليل، قد تكون أنت في الثلث وهو بالنسبة لك وقت النزول الإلهي، وعند غيرك نهار، والثلث الأخير عنده ... عندك نهار، هذا الإشكال يرد على ليلة القدر التي ذكرت في السؤال وعلى ساعة الجمعة وعلى وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، هل نقول: هذا مشكل أو كل مسلم مطالب بالنصوص حسب قدرته على تطبيقها وما عدا ذلك وما وراء ذلك فإنه لا يطالب به؟ أنت تعرض للنفحات الإلهية في الثلث الأخير في بلدك بغض النظر عن الآخرين، والآخرون يتحرونه في بلدهم، وتحروا في الساعة الأخيرة من نهار الجمعة، أو وقت دخول الخطيب إلى أن تقضى الصلاة، ومثل ذلك ليلة القدر تتحراها في أرجى ليلة وإن كانت ليلة القدر القول المرجح فيها أنها متنقلة، وأنها في كل سنة في ليلة قد تكون غير الليلة التي كانت في السنة الماضية. المقصود أن الإنسان عليه أن يمتثل هذه النصوص بحسب قدرته على التطبيق، لا يستطيع أن يوفق في وقت النزول الإلهي على جميع الاحتمالات، ما يمكن، ولا في ساعة الجمعة على ما يتفق فيه جميع الأقطار، فأنت مطالب بنصوص صحيحة صريحة امتثل هذه النصوص، وما جاء في هذه النصوص، وما وراء ذلك لا تكلف به. طالب:. . . . . . . . . ما عليك من أحد، هذا الثلث الأخير تعرض لنفحات الله، كونه نهار عند غيرك هذا لا يعنيك، وهذا لا يخفى على من نطق بهذه النصوص. طالب:. . . . . . . . . إيه هذا في حديث النزول، بعض المبتدعة الذين ينكرون النزول أوردوا مثل هذا الإشكال، وفنده شيخ الإسلام في شرح حديث النزول. هذا يقول: ولا أدري ما صحة هذا القول: ذكر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- أن الرؤية المعتبرة هي رؤية أهل مكة استناداً على حديث: ((الحج يوم يحج الناس، والصوم يوم يصوم الناس))؟ لا، لا، على كل حال بالنسبة للحج ما يعتمده أهل مكة، ومن له الولاية على مكة، ومن له ولاية على الحج نعم قوله هو المعتبر، لكن عليه أن يتقي الله -جل وعلا- باعتبار الوسائل الشرعية لإثبات دخول الشهر. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 26 المتطوع في الصيام هل يلزمه تبييت النية قبل الفجر أو أنه يجوز له النية ولو في الصباح؟ يجوز له النية في الصباح، مثلما جاء في حديث عائشة. يقول: كيف يمكن إجابة من قال: إن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة هو إخبار عن الحال وليس عقد النية؟ إيش لون الحال؟ يعني صائم ممسك لم يجد شيئاً، قال: إني صائم، يعني ممسك إمساك لم آكل هذا إخبار عن حال وإلا صائم صيام شرعي؟ لا، أهل العلم فهموا أنه إذا لم يأكل ولو سأل عن الأكل في النفل ولم يجد، ثم عقد النية من وقته فإنه يصح صومه، منهم من يشترط أن يكون ذلك قبل انتصاف النهار قبل الزوال؛ لأن الحكم للغالب. يقول: ما رأيكم في كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي -رحمه الله-؟ وهل كل الآثار الموجودة فيه صحيحة؟ وكيف أستطيع أن أميز بين الصحيح وغير الصحيح؟ هذا كتاب من أنفس الكتب، ومن أعظم ما يعين طالب العلم على الاستجمام لطلب العلم، وعلى إثارة الهمة العالية في نفسه لطلب العلم؛ لأنه يسمع أخبار العلماء، وصبر العلماء، وجد العلماء، أما ما فيه من الأخبار ففيها ما يحتمل الصحة، وفيها ما لا يحتملها، وعلى كل حال الأخبار التي فيه لا يترتب عليها أحكام. طالب:. . . . . . . . . يعني يتسحر، يسهر ثم يأكل قبل وقت السحور، ثم ينام عن صلاة الصبح، وينام طول اليوم، ويقول: إنه صائم، نعم، كونه نام عن الصلوات لا شك أنه ارتكب محرماً، هذا لا يشك فيه أحد، لا يشك أنه ارتكب محرماً، وصيامه لم يحقق الهدف الذي من أجله شرع الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] أما كونه يقضيه أو لا يقضيه هذا لا يلزمه القضاء؛ لأنه صام الصوم المعتبر شرعاً بنيته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وكونه ارتكب حراماً هذا لا يعني أنه كما سيأتي في مسألة ارتكاب المحرم من غيبة ونميمة وغيرها، هذا لا شك أنه مؤثر في الأجر المرتب على الصيام، لكن لا يؤمر بإعادته، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الصيام (2) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا، ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) فلما أبو أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر الهلال لزدتكم)) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله تعالى حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري. وعن زيد بن خالد الجهني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من فطر صائماً كتب الله له أجره إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)) رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لأربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وله عنها -رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله يقبل في رمضان وهو صائم". وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. رواه البخاري. وعن شداد بن أوس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على رجل في البقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وابن حبان والحاكم، وقال: هذا حديث ظاهرة صحته، وصححه أيضاً أحمد وإسحاق وابن المديني وعثمان الدارمي وغيرهم، وقال ابن خزيمة: ثبتت الأخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). الجزء: 58 ¦ الصفحة: 1 وعن أنس -رضي الله عنه- قال: " أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أفطر هذان)) ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد في الحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم. رواه الدارقطني، وقال: كلهم ثقات، ولا أعلم له علة، وفي قوله نظر من غير وجه. والله أعلم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وللبخاري: ((فأكل وشرب)) وللدارقطني والحاكم وصححه: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)). وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ولا كفارة، ومن استقاء فعليه القضاء)) رواه أحمد وأبو داود وقال: سمعت أحمد يقول: ليس من ذا شيء، والنسائي وابن حبان وهذا لفظه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وقال محمد -يعني البخاري-: لا أراه محفوظًا، والدارقطني وقال في رواته: كلهم ثقات، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ورواه النسائي أيضاً موقوفاً، وقد روي عن أبي هريرة أنه قال في القيء: "لا يفطر". يكفي. حسبك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر فيما تقدم أن الأمة لا تزال بخير ما لم تؤخر الفطر، فالمستحب تعجيل الإفطار، بمجرد التأكد من غروب الشمس. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 2 هنا يقول في حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال" وهو صوم يومين فأكثر دون إفطار بينهما، يعني مواصلة الصيام ليلاً وناراً "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال" ولأن هذا شاق، والدين يسر ((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) فالوصال اقتران يومين أو ثلاثة أو أكثر دون فطر بينها في الليل هذا هو الوصال، فثبت النهي عنه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على خلاف بين أهل العلم هل النهي للتحريم كما هو مقتضاه؟ إذا أطلق ما لم يوجد صارف فالنهي للتحريم، وإذا وجد ما يصرفه عن التحريم فإنه يكون للكراهة، وقد يوجد النهي ولا يقتضي هذا ولا هذا إذا كان الملاحظ فيه مصلحة المنهي، ما نهاهم عن الوصال إلا للإبقاء عليهم، يعني خشية المشقة عليهم، ولذا واصل بهم كما في هذا الحديث يومين، ولو تأخر الهلال لزادهم، ولهذا يقول بعض العلماء: إن الوصال جائز، وبعضهم يرى أنه محرم كما هو مقتضى النهي، ومنهم من يقول: هو مكروه، وما جاء في وصاله -عليه الصلاة والسلام- بهم صارف للنهي عن التحريم إلى الكراهة، والذي يقول: إنه مباح، وقد فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه وبأصحابه، وإذا كان النهي ملاحظ فيه المكلف فإنه ليس على ظاهره، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) وابن عمر جاء بنفسية عالية وهمة يريد أن يقرأ القرآن في كل ليلة، قال: لا، ((اقرأ القرآن في شهر)) فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، ((قال: اقرأ القرآن مرتين في الشهر، ثلاث في الشهر)) ثم قال له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) هذا النهي ما فهم منه أحد من أهل العلم أنه لا تجوز قراءة القرآن في أقل من سبع، بل استحبوا قراءة القرآن في ثلاث، واختلفوا فيما دون الثلاث؛ لأنه جاء في الحديث، في السنن: ((أنه لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) وثبت عن بعض الصحابة كعثمان -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ في ليلة، وثبت عن الأئمة كذلك، وخيار هذه الأمة ما فهموا أن قوله: ((ولا تزد)) يفيد الكراهة ولو على أقل الأحوال، المقصود أن الوصال فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ونهى عنه، حتى قال بعضهم: إن الجزء: 58 ¦ الصفحة: 3 الوصال من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، والعلة تدل على ذلك. "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل؟ " يعني بعض الناس إذا قيل له شيء قال: وأنت، يعني بعض الناس عنده شيء من الجرأة على مثل هذا الكلام، ولا يظن بهذا الصحابي إلا أنه يريد أن يستوثق من الحكم، ويتأكد، وعنده شبهة في وصال النبي -عليه الصلاة والسلام- "فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل؟ " ليس من باب المعاندة أو من باب المواجهة بما لا يريده النبي -عليه الصلاة والسلام-. "فإنك يا رسول الله تواصل؟ " يريد أن يكشف هذه الشبهة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) " هذا الطعام وهذا الشراب الذي يطعمه الله -جل وعلا- نبيه -عليه الصلاة والسلام- قال بعضهم: إنه طعام وشراب حقيقي يستفيد منه البدن كما يستفيد من الطعام والشراب، لكن لو كان هذا الطعام والشراب حقيقياً هل يثبت حكم الوصال حينئذٍ؟ يعني إذا كان الجواب أنا لا أواصل؛ لأني آكل وأشرب، لكنه يواصل بالفعل، أقرهم على الوصال، ولا يأكل -عليه الصلاة والسلام-، قال بعضهم: إن هذا من طعام الجنة وشراب الجنة، طعام الجنة وشراب الجنة لا يفطر الصائم قالوا، ((أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) ولا شك أنه مشكل؛ لأنه إن كان طعاماً وشراباً حقيقياً فإنه لا يثبت معه حكم الوصال، وإن لم يكن طعاماً وشراباً حقيقياً فإنه لا يوجد في الحقائق الشرعية ولا العرفية ولا اللغوية طعام معنوي، هل يصح أن تقول: شربت وأكلت وأنت ما أكلت ولا شربت على سبيل الحقيقة لا اللغوية ولا الشرعية ولا العرفية؟ هل تستطيع أن تقول: طعمت وشربت وأنت ما أكلت ولا شربت طعاماً حقيقياً؟ إلا على ضرب من المجاز، أو قل إن شئت وهو أولى: المشاكلة، سماه طعاماً وشراباً من باب المشاكلة؛ لأنه ينتفع به، بهذا الغذاء المعنوي، كما ينتفع بالطعام والشراب، يعني كما قال القائل: قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقيمصاً الجزء: 58 ¦ الصفحة: 4 فإما أن نقول: هذا مشاكلة ومجانسة، وهم لا يرون ما ينتفع به إلا الحقيقي الطعام والشراب، النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال ابن القيم: يفيض عليه الله -جل وعلا- من العلوم والمعارف بسبب التجاءه إليه في هذه الليالي المباركة، يفيض إليه من هذه العلوم والمعارف وهي معنوية ما يغنيه عن الطعام والشراب، ما يغنيه ويقوي بدنه على العبادة، وهذا يغنيه عن الطعام والشراب، فإما أن نقول: إن هذه العلوم وهذه المعارف وهذا الغذاء المعنوي حقيقة الطعام الشرعية، حقيقة للطعام شرعية، مثل الطعام والشراب المحسوس، فيكون للطعام حقيقتان شرعيتان، كما قلنا في المفلس، حقيقة للطعام الحسي، وهذا هو الأصل، وحقيقة شرعية في الطعام المعنوي، ويدل له هذا الحديث، فإما أن نقول: للطعام حقيقتان شرعيتان، وإما أن نقول: إن إطلاق الطعام على ما يتقوى به -عليه الصلاة والسلام- من الأمور المعنوية، من باب المشاكلة، مجانسة، تنزل في التعبير {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى]. قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقيمصاً فإما هذا وهذا وحينئذٍ لا إشكال، إذا قلنا: مشاكلة ما في إشكال؛ لأنه لا يرد على حقيقة الوصال أنه يأكل ويشرب. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 5 "فلما أبو أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر الهلال لزدتكم)) كالمنكل لهم" المعاقب لهم على اعتراضهم، المعاقب لهم على إلحاحهم واعتراضهم وإلحاحهم على نهيه -عليه الصلاة والسلام-، لا يظن بهم الاعتراض على الحكم الشرعي، وإنما هو سببه الرغبة في الخير، وإنما سببه الرغبة في المزيد من الخير، كما تذاكر الثلاثة عبادات النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال أحدهم: إنه يقوم ولا ينام، وقال بعضهم: يصوم ولا يفطر، وقال بعضهم: لا ينكح النساء، فبلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا لا شك أن الباعث عليه هو الرغبة في الخير، لكن كم مريد للخير لا يصيبه، هذا خلاف سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقوم وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، قال: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)) النبي -عليه الصلاة والسلام- لما نهاهم عن الوصال وراجعوه في الوصال، قالوا: إنك تواصل، وأصروا على ذلك، أبوا أن ينتهوا عن الوصال لمزيد رغبتهم في الخير "واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال" ولو لم يروا الهلال لزادهم في الوصال، لزادهم ثالث ورابع، حتى ينقطعوا عن اعتراضهم، وحتى يعرفوا أن ما دلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأكمل، فلا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرهم منه. "كالمنكل لهم" معاقب لهم -عليه الصلاة والسلام- "حين أبوا أن ينتهوا" متفق عليه، واللفظ لمسلم". الجزء: 58 ¦ الصفحة: 6 وبناءً على هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الوصال، قال بعضهم: إن الوصال محرم؛ لأنه هو الأصل في النهي إذا أطلق، ومنهم من قال: إنه مكروه، وليس بمحرم بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم، ولو كان الوصال محرماً لما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يكون هذا من خصائصه لكن لما واصل بهم، لما أقحمهم في محرم، ولما عاقبهم بمحرم، فقالوا: إن الوصال مكروه، ومنهم من يقول: إنه ما دام الوصال سببه الشفقة عليهم، والإبقاء عليهم فإنه لا يصل إلى حد الكراهة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((فمن كان منكم مواصلاً فليواصل إلى السحر)) فالوصال إلى السحر جائز، لكن يبقى أنه خلاف الأولى، فالأولى أن يبادر بالفطر إذا تحقق من مغيب الشمس. "وعنه -رضي الله عنه-" يعني عن أبي هريرة، راوي الحديث السابق "وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري". الله -عز وجل- طلب من عباده أن يعبدوه، وخلقهم لذلك، فتحقيق العبودية هي الحكمة من وجود الثقلين، طلب منهم أن يعبدوه، وأراد منهم ذلك على الوجه الذي جاء عنه، وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كانت هذه العبادة على غير مراد الله، وعلى غير مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل تكون مطلوبة؟ إذا كان فيها مخالفة، أما إذا كانت المخالفة مضادة لأصل المشروعية فالعمل باطل، وإذا كانت المخالفة في أمر خارج عن أصل المشروعية عن ذات المطلوب، أو شرطه أو جزئه المؤثر، فالعبادة تصح ويسقط بها الطلب، لكن يبقى الإثم كما هنا ((من لم يدع قول الزور)) هذا صائم، ومع ذلك يتكلم في أعراض الناس، ويزاول ما حرم الله -جل وعلا- من آفات اللسان، كالكذب وشهادة الزور والغيبة والنميمة، وما أشبه ذلك، هذا كله زور لازوراره وميله عن الحق، ومن عظائم الأمور، بل من الموبقات التي كررها النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادة الزور، ولا يلزم أن تكون شهادة الزور في الأمور المادية، هذا هو أصلها، وهو أوضح ما توجد فيه، لكن قد توجد شهادة الزور في أمور معنوية، و ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)). الجزء: 58 ¦ الصفحة: 7 ((من لم يدع قول الزور)) من لم يترك، وهذه المادة التي هي الودع، بمعنى الترك استعمل المصدر فيها، الأصل: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات)) يعني عن تركهم، وهنا ((من لم يدع)) من لم يترك، ((دع ما يريبك)) يعني اترك، يقول أهل العلم: إن الماضي من هذه المادة قد أميت، ما استعمل، ودع بمعنى ترك، استغني عنه بترك، وأما ما يذكر من قراءة "ما ودعك ربك" هذه قراءة شاذة. ((من لم يدع)) يعني من لم يترك ((قول الزور)) القول الباطل المنهي عنه الذي لا يقرب إلى الله، بل يبعد من الله -جل وعلا-، وهو من آفات اللسان؛ لأنه قال: ((وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال-: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) هذا الذي يستعمل اللسان في القيل والقال، في المباح والمحظور، السلف -رضوان الله عليهم- كانوا يحفظون الصيام بالمكث في المساجد؛ لئلا ينجروا إلى الكلام من الكلام المطلوب من الذكر والتلاوة إلى الكلام المباح في القيل والقال، والذي لا يتورع في مثل هذه الظروف عن الكلام المباح يجره إلى الكلام المكروه؛ لأن اللسان له ضراوة إذا اعتاد شيئاً ما استطاع أن يتركه، لا يستطيع أن يتركه. ((من لم يدع قول الزور والعمل به)) يعني بمقتضى هذا القول كان كلاماً ثم بعد ذلك جره ذلك إلى العمل، أو يقال: إن قول الزور هو في الحقيقة عمل، عمل اللسان، والعمل به. ((فليس لله تعالى حاجة)) يعني لا تدخل تحت مراد الله -جل وعلا- الذي من أجله خلق الخلق، وهو تحقيق العبودية، هذه العبودية ليست تحت مراد الله -جل وعلا-، فإن الله -جل وعلا- لا يريد مثل هذا العمل، وإلا فالله -جل وعلا- غني عن عبادات العابدين ((لو أن إنسكم وجنكم)) ((لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً)) الله -جل وعلا- غني عن عبادات الخلق، لا تضره المعصية، ولا تزيده الطاعة، لكنه يفرح ويريد إرادة شرعية وكونية أن يعبد. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 8 ((فليس لله تعالى حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) وليس معنى هذا أن الصيام يبطل، لا، قد يكون ثواب الصيام مقاوماً بقول الزور، فلا يترتب عليه أثر، والصيام الذي لا يحقق العلة التي من أجلها شرع الصيام، لا ينتفع به الإنسان، نعم قد يسقط به الطلب، ولا يؤمر بالإعادة، لكن الذي لا يحقق التقوى هذا تترتب عليه آثار، ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) ((ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن)) لكن الصيام الذي لا يحقق العلة لا تترتب عليه هذه الآثار {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] الذي لا يؤثر فيه صيامه ويقوده إلى التقوى هذا لا ينفع، كما أن الصلاة التي لا تؤدى على وجهها فإنها لا تترتب عليها آثارها لا من حيث الأجر، ولا من حيث الانتفاع في الواقع العملي {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] كثير من الناس يصلي ولا تنهاه صلاته؛ لأنها لم تقع على مراد الله -جل وعلا-، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا الصيام. فكما أن المصلي قد يخرج من صلاته وليس معه شيء من الأجر، أو معه شيء يسير كالعشر، هذه الصلاة يقول شيخ الإسلام: إن كفرت نفسها فبها ونعمت، يكفي أن تكفر نفسها، لا أن تكون كفارة لما بينها وبين الصلاة الأخرى، وكذلك الصيام، وكذلك الحج وسائر العبادات، فعلى المسلم أن يحرص أن تكون عباداته كلها مؤثرة في واقعه، مقربة إلى ربه "رواه البخاري". "وعن زيد بن خالد الجهني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من فطر صائماً كتب الله له مثل أجره)) " من فطر صائماً ولو على شيء يسير، على تمرة، على جرعة ماء، ومذقة لبن، لا يلزم أن يفطره بما يشبعه، المقصود أنه ينقله من حال الصيام إلى حال الإفطار بالطعام. " ((من فطر صائماً كتب الله له مثل أجره)) " والدال على الخير كفاعله، فضل الله واسع، الذي يتسبب في تفطير الناس ولو لم يكن من ماله يكتب له من الأجر مثل أجر المفطر؛ لأن الدال على الخير كفاعله. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 9 ((من فطر صائماً)) صائماً: نكرة في سياق الشرط، فتعم، لا يلزم أن يكون الصيام صيام الفرض، بل جميع أنواع الصيام ((له مثل أجره)) له مثل أجره، هل للإنسان أن يقول: أنا أبحث عن صائم أجره كامل من عباد الله الصالحين الأخيار الأتقياء؛ ليكون لي مثل أجره، أو يكفيني صيام أي مسلم، ولو كان من النوع السابق الذي خرق صيامه بقول الزور؟ هذا يجعل الإنسان يحرص على أن يفطر الصالحين؛ ليكون له مثل أجورهم، يعني فرق بين أن تفطر رجل صالح أجر صيامه كامل تام، وبين أن تفطر شخص وإن كان فيه أجر، ولك أجر بقدر نيتك، لكن فرق بين من يقول الزور ويعمل به، وبين من يغتاب وينم بين الناس، وبين من حفظ صيامه عن هذا كله. ((فله مثل أجره، إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)) وبعض الناس لا يحرص على أن يأكل من فطور غيره؛ ليدخر الأجر لنفسه كاملاً، نقول: يا أخي لا تبخل على أخيك، أنت أحضر طعامك، وكل من طعام أخيك، ودع أخاك يأكل من طعامك؛ لتنال أجره، وينال أجرك، أما بعض الناس أبداً أول ما يأكل من طعامه ثم يأكل من طعام الآخرين، هذا بخل، كل من طعام أخيك، ولا ينقص من أجرك شيء، ودع أخاك يأكل من طعامك، تبادلوا مثل هذا الشعور لتحصل لكم عظائم الأجور ((إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)) بعض الناس تجده يحضر تمرة في جيبه ثم يجلس مع الناس، هذا صاحب الطعام فرح بهذا الرجل الذي جاء ليفطر من طعامه، ثم يخرج هذه التمرة يأكلها، ثم يأكل من طعام الآخرين، هذا بخيل هذا، قد يقول: أنا لا أطيق المنة، نقول: يا أخي إذا كنت لا تطيق المنة أحضر طعامك ليعرف أنه لا منة لأحد عليك، ودع الناس يأكلون من طعامك لتنال مثل أجورهم، وأفطر من طعام أخيك الذي أراد إكرامك، وحرص على أن يحصل على مثل أجرك. "رواه الإمام أحمد وهذا لفظه، وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه" لكنه لا يصل إلى حد الصحيح، إنما هو حسن. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 10 قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم" يقبل، التقبيل معروف "وهو صائم، ويباشر" المباشرة مس البشرة من غير حائل، لا يفهم منها أنه يفعل مع امرأته كما يفعل وهو مفطر، لكنه لا يجامع، إنما يباشرها، يعني أنه يمس بشرتها من غير حائل، وهو صائم. تقول عائشة: "ولكنه كان أملككم لأرَبه" يعني لحاجته، وضبط أيضاً لإرْبه، يعني عضوه، لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يملك هذه الأمور، فلا يحصل في عبادته ما يخدشها، بخلاف غيره الذي قد يسترسل في مثل هذا الأمر، وقد لا يكون من النوع الذي يضبط نفسه، فلا يملك إربه، أو أربه، فيحصل في صيامه الخدش والنقص، ولا بد من ملاحظة ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها-، إذ ليس كل إنسان يباح له مثل هذا الفعل، يعني بعض الناس يسمع مثل هذا الخبر، ويقول: الرسول يقبل وهو صائم، إذاً لماذا لا نقبل؟ بل قد قال بعضهم: إنه يستحب له ذلك اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، غافلاً أو متغافلاً عما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- "ولكنه كان أملككم لأربه" يعني لحاجته وشهوته، فلا يحصل في صيامه ما يخدشه، نعم قد يوجد من بعض الناس من هو كذلك، يملك أربه، ولا يخرج منه شيء بسبب التقبيل والمباشرة، وبعض الناس لا يملك، فالذي يغلب على ظنه أنه لا يملك أربه مثل هذا لا يجوز له أن يستعمل شيئاً من ذلك. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 11 جاء في خبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأله سائل عن القبلة فرخص له، وسأله آخر فلم يرخص له، فإذا بالأول شيخ، وإذا بالثاني شاب، يعني لا شك أن الشيخوخة مظنة لضعف الشهوة، وأن الشباب مظنة لقوة الشهوة، لكن مع ذلك العلة من كانت متحققة فيه "ولكنه كان أملككم لأربه" فله أن يفعل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا لم يتحقق فيه ذلك فليس له أن يفعل، وبعض الناس يكون حديث عهد بزواج، شاب يتزوج شابة، وينامان في نهار رمضان في لحاف واحد، ثم بعد ذلك يعرض نفسه للإثم بإبطال صيامه، ثم يقول: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أنا والله ما استطعت، نقول: يجب عليك أن تبتعد عن زوجتك، إذا كنت غير مالك لإربك، يجب عليك أن تبتعد؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به والصيام إلى غروب الشمس واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكم من إنسان وقع في مثل هذا، كم من إنسان على ما سيأتي في حديث الأعرابي وقع في مثل هذا، مثل هذا لا يجوز له أن ينام مع زوجته في نهار رمضان؛ لأنه لا يتم الواجب وهو إتمام الصيام إلى غروب الشمس إلا بابتعاده عن زوجته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. "متفق عليه، واللفظ لمسلم". "وله عنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله يقبل في رمضان وهو صائم" على ما تقدم؛ لأنه كان -عليه الصلاة والسلام- أملك لإربه، يملك شهوته، فلا يحصل منه ما يخدش الصيام. ثم قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" وفي بعض الروايات: "احتجم وهو صائم محرم" لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه صام حال إحرامه، إلا ما حصل في يوم عرفة أنه صام في يوم عرفة، ثم أفطر لما رأى الناس، فإن كانت حجامته في ذلك اليوم قبل فطره -عليه الصلاة والسلام- اتجه، وإلا فالرواية شاذة. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 12 "احتجم -عليه الصلاة والسلام- وهو محرم" نعم هذا في الصحيح، رواه البخاري ولا كلام "واحتجم -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم" وهو كذلك في البخاري، وإن قال بعضهم: إن هذه الرواية شاذة؛ لما يعارضها من الأحاديث التالية، نعم فيه تعارض بين احتجامه -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم، في الحج سيأتي حكم الحجامة للمحرم، وما يترتب عليها من قطع لشعر، وما أشبه ذلك، هذا سيأتي، لكن الذي عندنا "واحتجم وهو صائم" وهذا في البخاري، وهو من حديث ابن عباس. والذي يليه من حديث "شداد بن أوس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على رجل في البقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي" يقول شداد بن أوس: "وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) " هناك تعارض بين حديث ابن عباس وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، حتى قال بعضهم: إن هذه الرواية غير محفوظة، هي مخرجة في الصحيح، نعم احتجم وهو صائم محرم حكم عليها جمع من الحفاظ بأنها شاذة، أما رواية احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، يعني الإحرام على حدة، والصيام على حدة هذه مسألة أخرى، وبعضهم قال: هي كسابقتها غير محفوظة، وقال بأن الحجامة تفطر الصائم، على ما جاء في حديث شداد بن أوس. حديث شداد بن أوس متقدم على حديث ابن عباس كما قال الإمام الشافعي، وقرره الإمام الشافعي بأن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد بن أوس، إذاً على هذا الحجامة لا تفطر الصائم؛ لأن حديث ابن عباس متأخر عن حديث شداد، وهذا ما قرره الشافعي، وهو قول جمهور العلماء، أن الحجامة لا تفطر الصائم، وحديث شداد بن أوس لا سيما إذا حكمنا على حديث ابن عباس بأنه غير محفوظ، وحديث شداد محفوظ، ((أفطر الحاجم والمحجوم)) قال به الإمام أحمد، وقال: إن الحجامة تفطر الصائم. وهذا ما يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، ويفتي به كثير من أهل العلم الآن، والجمهور على أن الحجامة لا تفطر الصائم، وأن حديث شداد بن أوس منسوخ بحديث ابن عباس. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 13 ومما قالوه في الباب، وهو من كلام ابن عباس أن الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل، الفطر مما دخل لا مما خرج، فعلى هذا الحجامة والقيء لا تفطران الصائم، والوضوء مما خرج لا مما دخل، طيب هذا لا يستقيم طرداً ولا عكساً، الوضوء من لحم الإبل مما دخل وإلا مما خرج؟ مما خرج، لكن قد يقول قائل: إن القائل لا يقول بنقض الوضوء من لحم الإبل، ولا يقول بالفطر بسبب الحجامة ولا القيء، فيكون مستقيم على رأيه، كلامه مستقيم على رأيه. "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على رجل في البقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) رواه الإمام أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي وابن حبان والحاكم، وهو حديث ظاهرة صحته" نعم ((أفطر الحاجم)) لماذا؟ أفطر الحاجم لأنه قد يتسرب إلى جوفه شيء مما يخرج من الدم فيفطر به، والمحجوم أن الحجامة تضعفه، وإذا قلنا بمثل هذا التعليل قلنا: إن الحجامة مظنة للفطر، لكنها ليست مفطرة لذاتها، مظنة للفطر؛ لأن من فعل ذلك يؤول أمره إلى الفطر إذا لم يحتط لنفسه، لا سيما الحاجم فإنه سوف يفطر بما يتسرب إلى جوفه من الدم، والمحجوم يؤول أمره إلى الفطر؛ لأن إخراج الدم سوف يضعفه ثم يحمله ذلك إلى الفطر، فيكون مظنة، والمظنة إذا كانت غالبة تنزل منزلة المئنة، كما يقول أهل العلم، يعني مثل النوم، النوم مظنة للحدث وليس بحدث، ومع ذلك يقرر أهل العلم أنه ناقض للوضوء بالشروط التي ذكروها، والقيود التي اعتبروها، وهذا مثله. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 14 منهم من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنه مر على رجلين أحدهما يحجم الآخر، وهما يغتابان الناس، فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) ابن خزيمة في صحيحه انتقد هذا الكلام، يقول: هذا القائل هل يقول بفطر المغتاب؟ هل يقول: إن الغيبة تفطر الصائم؟ ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنهما يغتابان الناس، طيب هل يقول قائل هذا الكلام: بأن الغيبة تفطر؟ استدرك عليه ابن خزيمة، المغتاب آكل، شاء أم أبى، آكل لحم أخيه ميتاً، كما جاء النص على ذلك في القرآن، والآكل مفطر، وقد يكون الفطر حقيقي، وقد يكون معنوياً، فقوله: ((أفطر)) لأنه أكل لحم أخيه، ولا يلزم من الأكل إذا لم يكن حقيقياً الفطر الحقيقي الذي يبطل الصيام، فهو مفطر باعتباره آكل لحم، كما جاء ذلك في القرآن {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [(12) سورة الحجرات] فهو آكل لعرض أخيه، آكل للحم أخيه، فهو مفطر بهذا الاعتبار، فالأكل معنوي والفطر معنوي ليس بحقيقي. وعلى كل حال عامة أهل العلم على أن الحجامة لا تفطر، طيب إذا احتاط الحاجم لنفسه، وحجم بآلات كهربائية ما يسمى حاجم؟ هل نستطيع نقول: أفطر؟ هل يمكن أن يقال: أفطر وهو احتجم بآلات كهربائية؟ ولو احتجم بآلات تقليدية، وجزم على بأنه لم يصل إلى جوفه شيء يكون أفطر وإلا ما أفطر؟ ما أفطر حقيقة، وإذا جرى هذا الاحتمال بالنسبة للحاجم فليجرِ الاحتمال بالنسبة للمحجوم، قد يكون الدم المأخوذ منه مما يزيده نشاطاً، إذا كان السبب في كون الحجامة تضعف، فقد تكون الحجامة مما تزيده نشاطاًَ، منهم من يفرق بين من تضعفه الحجامة وبين من لا تؤثر فيه الحجامة، فالذي تضعفه الحجامة يحكم بفطره؛ لئلا يستمر في صيامه فيحصل له نوع من الضرر، والذي لا تضعفه الحجامة يستمر في صيامه؛ لأنه لا يتضرر بذلك، وعلى كل حال مثلما ذكرنا، عامة أهل العلم أن الحجامة لا تفطر، والمذهب عند الحنابلة أنها تفطر، ويختاره شيخ الإسلام وابن القيم، ويفتي به كثير من أهل العلم، ولا شك في ظهور مذهب الجمهور. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 15 "رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وابن حبان والحاكم، وقال: هذا حديث ظاهرة صحته، وصححه أيضاً أحمد وإسحاق وابن المديني وعثمان الدارمي وغيرهم، وقال ابن خزيمة: ثبتت الأخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) " نعم هو مروي من طريق بضعة عشر صحابياً، حتى أوصله بعضهم إلى حد التواتر، لكن الذي قرره أهل العلم من حيث النظر أن حديث ابن عباس متأخر عنه فهو ناسخ، وهذا ما قرره الإمام الشافعي، وأيضاً الكلام في متن حديث: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) أنه يحتمل أن يكون الفطر حسياً، ويحتمل أن يكون معنوياً. "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أفطر هذان)) " يعني الحاجم والمحجوم "ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد في الحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم" أما أنس فهو ثابت عنه أنه كان يحتجم وهو صائم، وأما الخبر قال "رواه الدارقطني، وقال: كلهم ثقات، ولا أعلم له علة" يعني الحديث لا يوجد إلا عند الدارقطني، يعني لا يوجد في دواوين الإسلام، لا الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ولا المعاجم ولا المصنفات ولا الموطئات، لا يوجد إلا عند الدارقطني، ومعلوم أن ما يتفرد به الدارقطني أنه ضعيف، الدارقطني على سبيل الانفراد من مظنة الأحاديث الضعيفة، من مظنة الضعيفة، كما ينسب إلى العقيلي وابن عساكر وابن عدي، وما أشبه ذلك، هذه مظنة للضعيفة. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 16 الأمة بأمس الحاجة لمثل هذا الحديث؛ لأنه نص في النسخ "ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد في الحجامة للصائم" يعني ما نحتاج إلى الكلام الذي تقدم، إلى الكلام كله، مع وجود هذا النص، قال: "كلهم ثقات، ولا أعلم له علة، وفي قوله نظر من غير وجه" أولاً: خلو دواوين الإسلام كلها من هذا الحديث علامة على ضعفه، وجعل أهل العلم من الأدلة والأمارات على وضع الخبر أن يفتش عنه في دواوين الإسلام فلا يوجد، إضافة إلى أن متنه منكر؛ لأن هذه القصة كما جاء في بعض طرقها أنها في الفتح، في فتح مكة، وكان قتل جعفر قبل ذلك بمؤتة، وكان قتل جعفر قبل ذلك في غزة مؤتة، ويكفي مثل هذا لتعليل الخبر، إضافة إلى أنه لا يوجد في شيء من دواوين الإسلام المعتبرة إلا الدارقطني الذي هو مظنة للضعيف إذا تفرد، وسنن الدارقطني أشبه ما تكون بكتاب العلل؛ لأنه إمام معلل، إنما يذكر من الأحاديث ما فيه علة غالباً، فإذا تفرد بالخبر فالذي يغلب على الظن عدم صحته، إضافة إلى ما جاء من نكارة متنه، ولو صح لكان نصاً في الباب أن حديث شداد بن أوس منسوخ، على ما قرره الإمام الشافعي. قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وللبخاري: ((فأكل وشرب)) وللدارقطني والحاكم وصححه: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)). الجزء: 58 ¦ الصفحة: 17 "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: من نسي" الناسي يرتفع عنه الإثم، لا إثم عليه إجماعاً {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] ثم ما يفعله الناسي حال نسيانه فالنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، الإثم يرتفع في الحالتين، نسي فزاد شيئاً في صلاته، صلى الظهر خمساً، النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، هذه الركعة كأنها معدومة، فلا تؤثر في الصلاة، بخلاف ما لو زادها متعمداً فإن الصلاة تبطل، ولكن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لو نسي وصلى الظهر ثلاثاً، هل له أن يقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ويمشي ويترك تكميل الصلاة؟ لا ليس له ذلك، لا بد أن يأتي برابعة، وإن طال الفصل يعيد الصلاة، هذا النسيان، وهذا ما قرره أهل العلم، الإثم مرتفع اتفاقاً وأما بالنسبة ما يزاد فهذا الزائد مع النسيان حكمه العدم، فينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود. صلى ناسياً بغير وضوء، تصح صلاته وإلا ما تصح؟ لا تصح صلاته، لا تصح صلاته؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، أكل من لحم الإبل وصلى ناسياً، لم يتوضأ وهو يرى أن لحم الإبل ينقض الوضوء، نقول: لا بد من أن يتوضأ ويعيد الصلاة؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود. نسي النية في الصيام، نسي، يصح صومه وهو فرض؟ لا يصح؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لكن نسي وأكل بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة الظهر النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 18 ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)) هذا بالنسبة للأكل والشرب، وهل يطرد ذلك في جميع المفطرات؟ صلى الفجر ونام مع زوجته ونسي أنه صائم فوقع عليها، يفطر وإلا ما يفطر؟ ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب)) منهم من يقول: الحكم واحد، النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، سواءً أكل أو شرب أو جماع، ومنهم من يرى أن الجماع مفطر؛ لأنه لا يتصور النسيان في هذه المدة كلها، وإن نسي هو ما نسيت الزوجة، لكن المسألة على افتراض النسيان، وقد تكون مدة الأكل والشرب أطول من مدة الجماع، مدة الأكل، الأكل أحياناً يحتاج إلى نصف ساعة، والشرب إذا كان المشروب حاراً كالشاي مثلاً يحتاج إلى وقت، فالقول بأن المدة تعينه على التذكر بالنسبة للجماع، والجماع أمره عظيم بالنسبة للصيام، نقول: الحكم واحد، والمسألة ديانة بين العبد وبين ربه ((الصوم لي وأنا أجزي به)). الذي يتناسى ويأكل ويشرب أو يجامع هذا حسابه عند ربه، حسابه على الله -جل وعلا-، الذي لا تخفى عليه خافية، الذي يعلم السر وأخفى، فالحكم حينئذٍ واحد. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 19 " ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وللبخاري: ((فأكل وشرب)) وللدارقطني والحاكم وصححه: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)) " فلا قضاء عليه ولا كفارة، وهذا مذهب الجمهور أنه لا يقضي ولا يكفر، وعند المالكية أن من أكل أو شرب ناسياً فعليه القضاء دون الكفارة، ومن أكل أو شرب متعمداً فعليه القضاء والكفارة، والحديث حجة عليهم، والمرجح ما قاله الجمهور استدلالاً بهذا الحديث: ((فلا قضاء عليه ولا كفارة)) يعني من أكل متعمداً ((من أفطر يوماً من رمضان لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) قال بعض أهل العلم: لا يقضي، إذا أفطر متعمداً فإنه لا يقضي، وهو ما يفهم من الحديث: ((لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) وجماهير أهل العلم وعامتهم على أنه يقضي، وإن أفطر متعمداً، وأما ((لم يقضه صيام الدهر)) يعني لم يكفر الإثم الذي ارتكبه ما لم يتب، يعني لو يصوم الدهر وقد أفطر متعمداً يوماً من رمضان فإن إثمه باقٍ، ولا يقابله صوم الدهر، ولا يجبه إلا التوبة، يعني نظير ذلك ما قيل فيمن ترك الصلاة عمداً حتى خرج وقتها، يقضي وإلا ما يقضي؟ هذه من غرائب المسائل التي نقل الإجماع على طرفيها، ابن حزم نقل الاتفاق على أنها لا تقضى، وغيره نقل الإجماع على أنها تقضى، على كل حال الأئمة الأربعة وأتباعهم كلهم يقولون: يجب عليه القضاء مع التوبة، يعني ولو أخرها متعمداً، ولو أفطر يوماً من رمضان متعمداً، يجب عليه أن يتوب ويقضي ما أخل به. "وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ذرعه القيء)) " يعني سبقه، بادره، فلم يستطع رده، ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه)) لأنه مغلوب، ليس أمره بيده، كما لو احتلم وهو نائم هذا الأمر ليس بيده، فلا يفطر به، ولا قضاء عليه ((ومن استقاء فعليه القضاء)) ومن استقاء يعني طلب القيء، السين والتاء للطلب، طلب القيء، وتعمد القيء فعليه القضاء، عليه أن يقضي، إذا طلب القضاء وتعمده. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 20 "رواه أحمد وأبو داود قال: سمعت أحمد يقول: ليس من ذا شيء" إيش معنى "ليس من ذا شيء؟ " ليس من ذا شيء يعني يثبت "والنسائي وابن ماجه، وهذا لفظه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب" مع أن المذهب عند الحنابلة أن من استقاء فقاء أفطر، ويلزمه القضاء. "والترمذي وقال: حسن غريب، وقال محمد -يعني البخاري-: لا أراه محفوظًا" يعني لا أظنه محفوظاً، "والدارقطني، وقال في رواته: كلهم ثقات، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ورواه النسائي أيضاً موقوفاً، وقد روي عن أبي هريرة أنه قال في القيء: ((لا يفطّر)) " أو لا يفطِر، يعني مقتضى قول من يقول أن الفطر مما دخل لا مما خرج أن القيء لا يفطر كالحجامة، ومن يصحح هذا الحديث وهو قابل للتصحيح قال: إذا تعمد القيء فإنه يفطر، أما من ذرعه القيء وسبقه القيء وغلبه القيء فإنه لا قضاء عليه، ولا يفطر بذلك، والحديث مختلف فيه. "قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ليس من ذا شيء" يعني لا في حال الغلبة ولا في حال الاستدعاء، مع أن المعروف في مذهبه أن القيء بل طلب القيء واستدعاء القي مفطر. الترمذي قال: حسن غريب، وفي الغالب وبعضهم يطرد ذلك، لكنه ليس بمطرد في الغالب، أنه إذا قال في حديث: "حسن غريب" يعني ضعيف، وهذا أغلبي، وليس بكلي، كما يقول بعضهم. "وقال: قال محمد -يعني البخاري-: لا أراه محفوظًا، والدارقطني وقال في رواته: كلهم ثقات، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ورواه النسائي موقوفاً" يعني على راويه وهو أبو هريرة، كيف البخاري -رحمه الله تعالى- لا يثبت عنده الخبر ويثبت عند غيره من يرجح؟ طالب:. . . . . . . . . من الأئمة كأحمد مثلاً؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني لو افترضنا أن البخاري قال: هذا حديث ليس بصحيح، وصححه أحمد، أو صححه غيره من الأئمة المعتبرين. طالب:. . . . . . . . . والله ما أدري ويش أنت تقول؟ انقلوا كلامه يا الإخوان؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يرجح قول البخاري أو غيره؟ طالب:. . . . . . . . . البخاري؛ لأنه إمام الصنعة، لكن .... هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 58 ¦ الصفحة: 21 لا، لا، لا تنزل درجة البخاري عن أحمد ولا عن غيره حتى في غير الصحيحين، حتى فيما نقل عنه، لكن قد يقول قائل: إنه ليس من شرط الصحة أن يبلغ شرط البخاري، فقد لا يصل الحديث إلى شرطه وهو صحيح عند غيره، فلا يراه البخاري صحيحاً؛ لأنه لا يصل إلى شرطه، وهو عند غيره صحيح، وهل نحن ملزمون ألا نعمل إلا بما اشترطه البخاري؟ لسنا بملزمين بذلك، يعني إذا صححه إمام معتبر كما لو كان الحديث مخرج في المسند أو في السنن، وبلغ درجة الصحيح، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بما يرد هذا الحديث، نقول: نعم، البخاري لا يثبت هذا الحديث على شرطه، لا يصح على شرطه، لكنه يصح عند غيره، البخاري يقول: لا أراه محفوظاً، يعني على طريقته ونقده، لكن هو صحيح عند غيره، يعني إذا كان البخاري يشترط الدرجة العليا، يعني إذا كان الحديث صحيح على شرط مسلم، ومن يقول بقوله وهم الجمهور بالاكتفاء بالمعاصرة، وصُحح على هذا الأساس، ولم يبلغ شرط البخاري، وليس بصحيح على شرطه، هل نقول: إن الحديث ليس بصحيح؛ لأن إمام الصنعة رده؟ لا. بقي أن نشير وقد أشرنا مراراً أن البخاري ينسب إليه أقوال وتصحيح أحاديث منها ما هو في صحيحه، ومنها ما هو خارج صحيحه، فما في الصحيح لا يرجح عليه أحد كائناً من كان، يعني حديث ابن عمر في رفع اليدين بعد الركعتين خرجه البخاري، وصححه مرفوعاً، والإمام أحمد لا يراه مرفوعاً، ويصحح الوقف على ابن عمر، هل نوازن بين قول البخاري وقول الإمام أحمد؟ ما في أدنى موازنة بين القولين؛ لأن التصحيح في الصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول، وله شأن عند الأمة، فلا يعدل به غيره، لكن لو كان تصحيح حديث ابن عمر من البخاري خارج الصحيح فيما نقله عنه الترمذي أو غيره نظرنا في قول البخاري مع أقوال الأئمة، ووازنا بين القولين؛ لأنه إمام كغيره من الأئمة، أما إذا حكم على صحة حديث وخرجه في صحيحه، هذا ليس لأحد كلام، ولا يعدل بقوله قول أحداً كائناً من كان؛ لأن الأمة مجمعة على ترجيح ما في البخاري على غيره، أما ما ينسب إلى البخاري ولو صح في غير الصحيح فيما ينقل عنه من أقوال في الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً فهذا قوله فيه كغيره من سائر الأئمة. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 22 طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يزاد يضاف إليه؟ طالب:. . . . . . . . . لا، مستحيل هذا. يقول: روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: رخص للصائم في الحجامة والقبلة، أليس يكون شاهداً لحديث أنس؟ على كل حال مثلما ذكرنا، أدلة الجمهور على عدم إفطار الصائم كثيرة. يقول: هل ينقص أجر الذي يباشر ويقبل ولا يجامع ويملك نفسه عن الجماع ألا ينقص أجره بدليل: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته))؟ كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل مثل هذه الأمور لا يعني أنها بالنسبة لغيره ولو بنية الاقتداء أنه يؤجر عليها، ولا أنها هي الأولى بالنسبة له، بل قد ينهى عن الشيء ويفعله تشريعاً، فيؤجر عليه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان بالنسبة لغيره يبقى على المنع، قد ينهى عن الشيء -عليه الصلاة والسلام- ثم يفعله صرفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة، فيبقى الحكم فيه بالنسبة لغيره مكروهاً، ولا يقال: إن هذا بالنسبة لغيره ولو بالاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يؤجر عليه، أو أنه هو الأولى له، لا، قد يقال: إن هذا خلاف الأولى. طالب:. . . . . . . . . هذا سيأتي، الجماع في نهار رمضان يأتي حكمه -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل يحتج بالقراءات الشاذة؟ لا، لا يحتج بها، القراءات الصحيحة غير المتواترة التي يثبت بعضهم بها القرآن، ولا يشترط التواتر، والجمهور على أنه لا يثبت قرآن إلا بالتواتر، منهم من يقول: إن حكمها حكم الحديث النبوي، يستدل بما دلت عليه من حكم، ولا تثبت بها قراءة. إذا نسي النية وصام يصح صيامه أم يقضي ذلك اليوم؟ إذا كان الصوم فرض فلا بد من أن يبيت النية من الليل، وإذا لم يبيت النية من الليل فإنه لا يصح صيامه. يقول: أعطاني أحدهم شيئاً أفطر عليه، ولما جلست في المسجد وجدت رجلاً فأعطاني ما أبتدئ الفطر عليه، فهل إذا أعطيته ما أعطاني الأول ليفطر عليه أكون محصلاً مثل أجر صيامه؟ الجزء: 58 ¦ الصفحة: 23 يرجى ذلك؛ لأنك ملكته بإعطائه إياك أنت ملكته، وقد يقول قائل وهو متجه: إن المعطي الأول ليس له مثل أجرك؛ لأنك ما أفطرت على طعامه، وإنما له مثل أجر من أفطر على طعامه، وأنت حينئذٍ تكون واسطة ودال على هذا الخير. يقول: بعضهم يقول: المقصود بهذا الحديث: من أشبع صائماً ... إلى آخره. جاء التوضيح على شربة ماء، على مذقة لبن، على كذا. هذا يقول: من أراد التورع عن الصدقة كما أثر عن الإمام أحمد أن طالب العلم يترفع عن وسخ الناس، وبعض المسلمين يغضب إذا لم يأكل من سفرته التي .... إذا كان الأكل من طعامه يجبر خاطره فالأكل من طعامه مستحب، وقد يجب كما في وليمة العرس، أما كونك تتورع عمن في طعامه شبهة هذا لا إشكال فيه. يقول: أنا طالب علم ومجتهد في طلبه ومحب للعلم والقراءة والطلب، ولكني أشكو من ملازمة إحدى الكبائر التي تعيقني عن المواصلة وتثبطني، وهي إدمان النظر الحرام في الإنترنت، وهو بلوى ملازم لي من حوالي عشر سنوات، يقول: دلني على الطريق، وادع لي في هذه الساعة المباركة من أن يصرفني عن السوء والفحشاء؟ أول ما يجب عليك أن تتخلص من الإنترنت، فلا تنظر في خيره ولا شره، إذا كان يقودك إلى الحرام، فما عند الله أنت تقول: أنا أنظر فيه لأن فيه ما ينفع، وفيه علم، وفيه ما يقرب إلى الله، نقول: ما عند الله لا ينال بسخطه، فأول خطوة تخطوها أن تتخلص من الإنترنت، ولا تقول: فيه فوائد فيه كذا فيه كذا، لا؛ لأن فيه ضرر عليك، وأنت لا تستطيع أن تتخلص من هذا الضرر إلا بالبراءة منه براءة كاملة، ولا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 24 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر – كتاب الصيام (3) الشيخ: عبد الكريم الخضير سم. بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة)) وفي لفظ: فقيل له: "إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت؟ فدعا بقدح من ماء بعد العصر" رواه مسلم. وروى أيضاً عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه" رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله! قال: ((وما أهلكك؟ )) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان، قال: ((هل تجد ما تعتق رقبة؟ )) قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )) قال: لا، قال: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ )) قال: لا، ثم جلس فأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، فقال: ((تصدق بهذا)) فقال: على أفقر منا؟! فما بين لابتيها أهل بيت أفقر إليه منا، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((اذهب فأطعمه أهلك)) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وقد روي الأمر بالقضاء من غير وجه، وهو مختلف في صحته. وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) متفق عليه، وقد تكلم فيه الإمام أحمد بن حنبل. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 1 حسبك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان" المسافر وجاء الشرع بالتخفيف عنه؛ لأن السفر مظنة المشقة، فمن رخص السفر الجمع والقصر والفطر بالنسبة للصائم، والمسح أكثر من مدة المقيم، ثلاثة أيام بلياليها. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 2 هذه الرخص معلقة بوصف مؤثر هو السفر لا غير، سواءً وجدت المشقة أو لم توجد، السفر لا شك أنه مظنة المشقة، وكان القصر معلقاً بالخوف، ثم ارتفع الوصف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وبقي الوصف المؤثر للقصر وهو السفر، وكذلك الفطر في رمضان يبيحه السفر المعروف عند أهل العلم، وكل على مذهبه في طوله ومدته، مما سبق شرحه وبيانه في موضعه من هذا الكتاب، فإذا تحقق هذا الوصف فإن الصائم له أن يفطر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] يعني فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، إذا أفطر في السفر لوجود الوصف المؤثر الذي علق عليه الترخص، إذا أفطر ولو كان السفر لا يشق عليه، فيجب عليه عدة من أيام أخر، إذا لم يفطر فليس عليه عدة من أيام أخر خلافاً للظاهرية في قولهم: إن المسافر لا يصح صومه، بل يلزمه عدة من أيام أخر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [(184) سورة البقرة] يعني فعليه عدة، أو فيلزمه {عدة من أيام أخر} لكن الجمهور يقدرون في ذلك فأفطر، وعلى هذا الصوم في السفر رخصة، ومنهم من يفضله مطلقاً، أوجبه الظاهرية كما سمعنا، وأن المسافر لا يصح منه الصوم، وعليه على أي حال عدة من أيام أخر، والجمهور يصححون الصوم، لكن منهم من يفضل الفطر؛ لأنها رخصة من الله -جل وعلا-، والله -سبحانه وتعالى- جواد كريم يحب أن تؤتى رخصه، ومنهم من يقول: الصوم أفضل، ومنهم من يقول: إذا شق عليه الصوم فالفطر أفضل، وإذا لم يشق عليه الصوم فالصوم في وقته أفضل، ولو كان مسافراً، وإذا زادت المشقة على المسافر فيتجه ما في هذا الحديث: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة)) فلا يطرد الحكم في كون الصيام في السفر أفضل، ولا كون الفطر أفضل مطلقاً، بل إذا تساوت المشقة الحاصلة بسبب الصوم مع السفر مثل المشقة الحاصلة بسبب الصوم في الحضر فالمتجه التساوي؛ لأن المبيح للفطر قائم، والملزم بالصيام قائم، وبعض الناس سفره أقل مشقة منه في حال الإقامة كمن بلده حار ويسافر إلى بلد بارد، فهو في السفر أريح منه في حال الإقامة مثل هذا إذا صام والداعي للصيام ما زال قائماً، ووقت الصيام وهو الجزء: 59 ¦ الصفحة: 3 رمضان ما زال، وهو محترم في حال السفر وغير السفر. على كل حال الرسول -عليه الصلاة والسلام- "خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان" نعم فتح مكة في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة "فصام حتى بلغ كراع الغميم" وادٍ بين مكة والمدينة، قريب من عُسفان "حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس" النبي -عليه الصلاة والسلام- صام، فدل على مشروعية الصيام في السفر "وصام الناس" لكنه -عليه الصلاة والسلام- وهو الرؤوف الرحيم، المشفق على أمته يخشى أن يشق هذا الصيام على من معه، ولا تسمح أنفسهم أن يفطروا وهو صائم. "ثم دعا بقدح من ماء حتى نظر الناس إليه، ثم شرب" هكذا ينبغي أن يكون القدوة، أن يلاحظ الضعفاء من الناس، ولا ينظر إلى نفسه، بحيث يحمل الناس على قوته وشدته وتحمله، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أعطي من القوة ما لم يعطه غيره، ولا يشق عليه أن يصوم في السفر، لكنه لاحظ الناس "فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء" إناء فيه ماء "فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب" يعني كما فعل عشية عرفة؛ لينظر الناس إليه، لأن بعض الناس عنده من الحرص ما يتحمل معه الضرر في سبيل حصول الأجر "فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس" وقد رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع القدح ويشرب من الماء، رغب عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتحمل هذه المشقة "فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة)) " و ((ليس من البر الصيام في السفر)) وهو منزل على هذه الحالة، إذا وجدت المشقة، وإذا لم توجد المشقة فالصيام متجه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام وهو في السفر، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يسافرون معه، فمنهم الصائم ومنهم المفطر، ولا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، هذا في حال عدم المشقة، أما إذا وجدت المشقة فالفطر أفضل بلا شك، وإن زادت المشقة، قد وجد شخص قد ظلل عليه من الحر والعطش، ومثل هذا لا يجوز له أن يصوم في السفر، ويدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة)) فالصوم في السفر يحتاج إلى مثل هذا التفصيل؛ لأنه جاء في النصوص ما يدل عليه. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 4 "وفي لفظ: فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر" رواه مسلم" لأن بعض الناس يتحمل هذه المشقة، وتزيد عليه المشقة حتى أن بعضهم يتضرر يحتاج إلى الأكل لوجود مرض يستدعي ذلك، ومع ذلك يتحمل هذه المشقة، وقد لا يكون الداعي إلى ذلك كله الرغبة في الخير، قد يكون صيامه مع الناس أخف عليه، ويستثقل القضاء، بعض الناس يستثقل القضاء، ويتحمل ما صام، يقول: أنا صمت الآن، انتصف النهار ما بقي إلا ساعات، أتحمل ولو تضررت، نقول: أولئك العصاة، هذا في السفر، أما في الحضر فلا مندوحة من الصيام، إلا إذا وصل الضرر بحيث يترتب عنه مرض أو زيادة في مرض، أو تأخر برء فإنه حينئذٍ يفطر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة]. "وفي لفظ: فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر" يعني فشرب منه، رفعه حتى رآه الناس فشرب منه -عليه الصلاة والسلام- "رواه مسلم". "وروى أيضاً عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: "يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ " يعني أنا أصوم وقد رأيتك تشرب الماء بعد الصيام "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)) ". ((هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن)) لأن الله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، والرخصة في الاصطلاح ما جاء على خلاف الدليل الشرعي لمعارض راجح، أو هي: استباحة المحظور مع قيام الحاظر؛ لمعارض راجح، والعزيمة ما جاء على وفق الدليل الشرعي مع عدم المعارض الراجح. "فهل علي جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن)) " صدقة تصدق الله بها، وجاء في القصر فاقبلوا صدقته. ((ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)) هذا يدل على أن الصيام والفطر كلاهما جائز، لكن قد يترجح الفطر، وقد يترجح الصيام على ما سبق. "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه". الجزء: 59 ¦ الصفحة: 5 رأي ابن عباس في قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [(184) سورة البقرة] الجمهور على أن الفطر مع الإطعام بالنسبة للقادر على الصيام هو منسوخ {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] كان في الأمر الأول على التخير من شاء صام ومن شاء أطعم مع القدرة {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [(184) سورة البقرة] ابن عباس يرى أن الآية ليست منسوخة، وإنما هي في حق الشيخ الكبير يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، الشيخ الكبير لا يخلو إما أن يكون قادراً على الصيام، وحينئذٍ يلزمه أن يصوم؛ لقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وإن كان غير قادر على الصيام صار كالمريض الذي لا يرجى برؤه، فالمريض والمسافر يفطران، والحامل والمرضع تفطران، لكن الذي يستطيع القضاء لا يجزئه الإطعام، والذي لا يستطيع القضاء من كبير، من شيخ كبير هرم، أو مريض لا يرجى برؤه فإن هذا يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من طعام، ولا قضاء عليه؛ لأنه لا يستطيع ولا يرجى برؤه كالمريض. "رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري" العلماء ينصون على أن هذا من دقيق فقه ابن عباس، يعني الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [(184) سورة البقرة] الذين يطيقونه، والإطاقة التحمل والاستطاعة، كيف نحمل هذا على شخص لا يطيقه، شيخ كبير؟ لأن الكبر والشيخوخة ليست بوصف مؤثر في الصيام، إنما المؤثر الطاقة والقدرة أو عدم الطاقة والقدرة، فبأي وجه قال أهل العلم إن هذا من دقيق فقه ابن عباس؟ ابن عباس ليجعل الآية محكمة وليست منسوخة، ولا شك أنه إذا أمكن حمل النص ولو على وجه، هو أولى من إلغاء النص، وقول ابن عباس يجعلنا نحمل هذا النص على وجه وهو حمله على الشيخ الكبير أولى من أن نجعله منسوخاً، ملغى من كل وجه، مرفوع الحكم عن كل أحد. وعلى كل حال قول الجمهور واضح والظاهر يدل عليه؛ لأن الطاقة هي القدرة، فالذي يطيقه يلزمه الصيام، ولا يجوز له أن يفدي، ويترك الصيام. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 6 "رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري" "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله" جاء رجل، في بعض الروايات: أعرابي "إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله، قال: ((وما أهلكك؟ )) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان" قوله: "هلكت" قال العلماء: هذا يدل على أنه يعرف الحكم، وأن الجماع في نهار رمضان محرم، وأنه مفطر، لكنه لا يعرف ما يترتب على هذا المحرم، وأهل العلم يقررون أن من عرف الحكم فإنه يلزمه ما يترتب عليه ولو جهل ذلك بخلاف من لم يعرف الحكم أصلاً، يعني لو قدر أن شخصاً لا يعرف أن الجماع في نهار رمضان مفطر، ولا يعرف أنه حرام هذا معذور بجهله، ولا يرتب عليه شيء، يعني كمن قالوا في من هو حديث عهد بالإسلام وشرب الخمر ما يلزم الحد، لكن إذا كان يعرف أن الخمر حرام أو الزنا حرام، لكن لا يعرف ما يترتب عليه، فإنه يرتب عليه ما يترتب على هذا المحرم؛ لأنه يعرف أنه محرم، فكيف أقدم عليه وهو يعرف؟ وهذا يعرف أن الجماع في نهار رمضان مفطر، وأنه محرم، ولذا قال: "هلكت، وأهلكت" هلك بنفسه وأهلك زوجته معه. "قال: ((وما أهلكك؟ )) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان" لو وقع على زوجته وهو صائم في غير رمضان صيام نفل أو قضاء؟ أما بالنسبة للنفل فقد تقدم أن المتطوع أمير نفسه، على خلاف بين أهل العلم أنه هل يفطر من غير حاجة أو لا يجوز له الفطر إلا لحاجة، المسألة تقدمت الإشارة إليها. في قضاء رمضان لا يجوز له بل يحرم عليه أن يقع على زوجته في نهار رمضان، أو يفطر بأي مفطر، لكن لا تلزمه الكفارة؛ لأن الكفارة خاصة في نهار رمضان احتراماً للوقت. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 7 "وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان، قال: ((هل تجد ما تعتق رقبة؟ )) قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )) قال: لا، قال: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ )) " هذا يدل على أن الكفارة على الترتيب ككفارة الظهار، وجاء في بعض الروايات ما يدل على التخيير، لكنها محمولة على هذه الرواية، وعلى ما جاء في الكفارة الأخرى التي يعبر بها عنها، يعني أهل العلم إذا جاء مثل هذا الرجل ماذا يقولون له؟ يقولون: عليك كفارة ظهار، وهذا معروف، حتى في كتب الفقه من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار، ما يقول أهل العلم: عليه كفارة مجامع في نهار رمضان، لماذا؟ لأن كفارة الظهار ثبتت بالكتاب الذي يقرأه الخاص والعام، يعرفه الناس كلهم، بينما لو قالوا: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان، قد لا يعرفها كثير من الناس؛ لأنها ثبتت بالسنة، كثير من الناس لا يعرف السنة، يعرفون القرآن، عوام المسلمين يعرفون القرآن، ويقرؤون القرآن، لكن كثير منهم تخفى عليهم الأحكام الواردة في السنة، ولذلك يقال: عليك كفارة ظهار، وعبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما بايع عليه النساء، وبيعة الرجل متقدمة على بيعة النساء، فكيف يحال على بيعة النساء؟ لأن بيعة النساء ثابتة بالقرآن {إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [(12) سورة الممتحنة] فهي ثابتة في القرآن، فيحال على ما ثبت في القرآن، وإن كان ثبوت الثاني بصحيح وصريح السنة، لما قلنا من أن القرآن معروف لدى الخاص والعام فيحال عليه، فإذا جامع في نهار رمضان قلنا: تلزمه كفارة ظهار، ما قالوا: يلزمه كفارة قتل خطأ، لماذا؟ لأن كفارة الخطأ ليس فيها إطعام. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 8 "قال: ((هل تجد ما تعتق رقبة؟ )) " جاءت الرقبة هنا مطلقة، وفي كفارة الظهار مطلقة، وفي كفارة اليمين مطلقة، وفي كفارة القتل مقيدة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [(92) سورة النساء] المطلق مع المقيد لا يخلو من أن يتفقا في الحكم والسبب، وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق، أو يختلفا في الحكم والسبب وحينئذٍ لا يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق، أو يختلفا في الحكم دون السبب يختلفا في الحكم ويتفقا في السبب فلا يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، وإذا اتحدا في الحكم واختلفا في السبب فإنه يحمل المطلق على المقيد عند جمهور أهل العلم. والرقبة هنا مطلقة، ومقيدة في كفارة القتل، ما وجه الاتحاد وما وجه الاختلاف؟ اتحدا في إيش؟ طالب:. . . . . . . . . العتق، ما زلنا في العتق، اتحدا كلها رقبة. طالب:. . . . . . . . . لأن عندنا حكم وسبب، لا نتعدى الأمرين، ولا نتخرص، اتفقا في الحكم، واختلفا في السبب، الصورة الأولى أن يتحدا في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد اتفاقاً {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق، والمقيد في قوله: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] فيحمل المطلق على المقيد فلا يحرم إلا الدم المسفوح، هذا بالاتفاق. إذا اختلفا في الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق، اليد في آية الوضوء مقيدة بكونها إلى المرافق، وفي آية السرقة مطلقة، الحكم واحد، لا، هذا غسل وهذا قطع، السبب واحد، لا، هذا سرقة وهذا حدث، إذاً لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، فلا تقطع اليد من المرفق. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 9 إذا اتحدا في الحكم واختلفا في السبب، الرقبة هنا مطلقة، وفي كفارة القتل مقيدة، الحكم واحد كله وجوب العتق، والسبب يختلف، هنا جماع في نهار رمضان، أو ظهار، أو يمين، هذا بالنسبة للمطلق، وفي كفارة القتل سببه القتل، والحكم وجوب العتق، وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، جمهور أهل العلم على أنه لا تجزئ الرقبة في العتق أياً كان إلا إذا كانت مؤمنة، والجارية لما جيء بها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لإعتاقها اختبرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن شهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وقال لها: ((أين الله؟ )) قالت: في السماء، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) والوصف تكرر في آية القتل مراراً، لكنه في غيره من الكفارات ما ذكر، فهي مطلقة، والحكم واحد، ووجوب العتق، والأئمة الثلاثة على أنه لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة خلافاً لأبي حنيفة الذي لم يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، ولا شك أن الراجح في هذا قول الجمهور. ولا يعرف أن أحداً في زمنه -عليه الصلاة والسلام- أعتق في كفارة رقبة غير مؤمنة، والشرع يتشوف إلى عتق الرقاب لتتم لهم الحرية التي بها يحققون العبودية التامة، أما رقبة غير المؤمنة فعدم تحريرها أولى؛ لتعيش عند هذا الرجل المسلم علها أن تتأثر به، وتسلم على يديه، وإذا أعتقت وهي غير مؤمنة لا يخشى شرها، ولا يرجى خيرها، فالنظر يقتضي ذلك، مع ما تقرر عند أهل العلم من حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة. إذا اختلفا في الحكم واتحد السبب، أيضاً لا يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، وهذه تمام القسمة الرباعية، اليد مطلقة في آية التيمم، ومقيدة في آية الوضوء، فهل نمسح إلى المرافق؛ لأن الآية جاءت مطلقة في آية الوضوء؟ السبب واحد وهو الحدث، والحكم يختلف، هذا غسل وهذا مسح، فلا يحمل المطلق على المقيد حينئذٍ. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 10 ((هل تجد ما تعتق رقبة)) يعني مؤمنة "قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )) " هو ما استطاع يكمل يوم، ما استطاع أن يكمل يوم من رمضان، ويعرف أن هذا حرام، ماذا قال؟ "قال: لا" لا بد من الصيام أن يكون شهرين متتابعين، فلو صام سبعة وخمسين يوماً متتابعة في شهرين ناقصين فأفطر الثامن والخمسين؛ لأنه إذا ابتدأ بالشهر من أوله من الهلال إلى الهلال أجزأه، ولو تسع وعشرين، بقي يوم فأفطر، تعب، مل، نقول: يستأنف؛ لأن التتابع شرط، وهنا يأتي أيضاً في الكفارات الصيام مقيد بالتتابع، وقد يأتي الصيام مقيد بالتفريق، وقد يأتي الصيام مطلقاً، فهل يحمل على القيد الأول أو على القيد الثاني أو يُترك؟ فيه صيام، صيام ثلاثة أيام جاءت القراءة مبينة متتابعات، لكن لو لم تأتِ هذه القراءة، أو نذر أن يصوم عشرة أيام، هل نقول: لا بد أن تكون متتابعة؛ لأنه جاء القيد في نصوص كثيرة بالتتابع؟ أو نقول: متفرقة؟ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [(196) سورة البقرة] هذه مقيدة بالتفريق، هل نقول: الذي نذر أن يصوم عشرة أيام يصوم ثلاثة أيام ثم يصوم سبعة حملاً للمطلق هنا على المقيد في الصيام البديل عن الهدي لمن لم يجد الهدي؟ أو نقول: مقيد بالتتابع كما هنا؟ أو نقول: يرجع إلى نية الحالف أو الناذر؟ لأنه إن كان قصدها متتابعة صامها متتابعة، هذا يرجع إلى نيته؛ لأنه لا يمكن حمله على التفريق، ولا يمكن حمله على التتابع؛ لأنه لا يوجد ما يقتضي ذلك. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 11 يعني مثل هذه المسائل لا بد من معرفتها؛ لأنه يرد عليك أشياء تحتاج إلى أن تحمل على غيرها، أشياء فيها قصور، نذر أن يصوم عشرة أيام ويش تقول له؟ متتابعة وإلا غير متتابعة؟ يعني فرق بين من نذر أن يصوم شهراً وبين من نذر أن يصوم ثلاثين يوماً، فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، يعني لو أخل بيوم واحد عليه أن يستأنف، ولا يستثنى من ذلك إلا بما يبيح الفطر في رمضان؛ لأن الأصل في صيام رمضان التتابع، فإذا وجدت الرخصة الشرعية التي تبيح له الإخلال بهذا التتابع في الركن من أركان الإسلام جاز له أن يخل بهذا التتابع في الكفارة، ما لم يتخذ ذلك حيلة، إن صام شهر قال: أسافر على شان أفطر، أتلين وأرتاح، وأرجع لأصوم الشهر الثاني، قلنا: لا، هذه حيلة، لكن لو طرأ عليه سفر، وأفطر في هذا السفر، ويباح له الفطر في رمضان، هذان الشهران من باب أولى. "قال: لا، قال: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ )) " كل مسكين على الخلاف بين أهل العلم هل يكفي المد أو لا بد من نصف الصاع؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، والعِرق أو العَرق الذي فيه خمسة عشر صاعاً يشهد لقول من يقول بأن المقدار مد، ربع؛ لأن الخمسة عشر صاعاً هي ستون مداً. " ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ )) قال: لا، ثم جلس فأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعِرق" أو عَرق كما ضبطه بعضهم، وهو مكتل، زمبيل، وعاء يسع خمسة عشر صاعاً "فيه تمر، فقال: ((تصدق بهذا)) " هذه الكفارات تقبل النيابة كالديون إذا تحملها من تحملها من قريب أو بعيد سقطت عمن لزمته "فقال: ((تصدق بهذا)) فقال: على أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا! " وفي بعض الروايات أكد ذلك باليمين: "فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا" استدل أهل العلم بهذا على أنه يجوز الحلف على غلبة الظن، يعني هل عنده يقين أنه لا يوجد في المدينة في جميع بيوتها أفقر منهم؟ لما غلب على ظنه لأنه لا يجد شيء، ولا يتصور أن هناك أفقر ممن لا يجد شيئاً، يوجد، يعني إذا كان لا يجد شيئاً وهو غير مدين، هذا فقير، لكن إذا كان لا يجد شيئاً ألبتة وغرق بالديون هذا أفقر منه، فهو ظن أنه لا يوجد، فحلف على غلبة ظنه. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 12 "فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه" النبي -عليه الصلاة والسلام- في الغالب يتبسم، ولا يسمع له صوت، لكنه ضحك -عليه الصلاة والسلام- من شدة العجب، رجل جاء خائفاً وجلاً هالكاً مهلكاً، ثم يرجع بالطعام إلى أولاد "ثم قال: ((اذهب فأطعمه أهلك)) " ماذا عن الكفارة؟ سقطت وإلا ما سقطت؟ نعم؟ أو بقيت ديناً في ذمته؟ الآن هذا العرق الذي فيه الخمسة عشر صاعاً هل هو الكفارة؟ وإذا كان هو الكفارة يجوز أن يأكله من وجبت عليه الكفارة؟ أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: خذ هذا تمشية لحالك وحاجتك أنت وأهل بيتك، والكفارة كسائر الديون، تبقى في ذمتك، وهذا قول معتبر، وقول كثير من أهل العلم. الآن هذا العرق الذي .. ، يعني لو أخذه وتصدق به، ودفعه إلى أهل بيت فقراء برئت ذمته من الكفارة؛ لأنها تحملت عنه، وتحملها جائز، لكن هو الآن ما بذل، ما بذل هذا المكتل، أو هذا الزنبيل، أو هذا التمر، أكله، فهل لمن وجبت عليه الكفارة أن يأكلها هو وأهله؟ عليه أن يخرج، فجمع من أهل العلم يقولون: إنه لا يجوز له أن يأكلها، بل ثبتت في ذمته كسائر الديون، يعني في الفرائض أول ما يبحث في كتب الفرائض الحقوق المتعلقة بالتركة، أولها: مؤونة التجهيز كما تقدم في الجنائز، والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة، كالديون التي فيها رهن، الثالث: الديون المتعلقة بذمة الميت من حقوق العباد وحقوق الله -جل وعلا- ((دين الله أحق أن يقضى)) ويذكرون في هذا الكفارات، دين في ذمته كسائر الديون، إن استطاعها في حياته، وإلا من تركته إن كانت، وإلا إن تحملها أحداً عنه، وإلا تبقى كسائر الديون، ومنهم من يقول: إذا لم يستطع فإنها تسقط، وهذا الحديث ليس فيها ذكر بعد ذلك، ومن أهل العلم من يقول: هذه كفارة، هذا العرق وهذا المكتل كفارة، فلو أخرجها بنفسه لما جاز له أن يأكلها، لكن لما تحملها غيره جاز لهذا المتحمل أن يدفعها لمن شاء من فقراء الأمة، وهذا من فقراء الأمة، وأهل بيته ممن تدفع لهم مثل هذه الكفارة. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 59 ¦ الصفحة: 13 الأصل أن الذي يتحمل الكفارة الجاني نفسه، لكن لو تحملها أحداً عنه، قال: خلاص، علي، مثلما تحمل الدين على الرجل الذي رفض النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي عليه، تحمله أبو قتادة فصلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، يسوغ التحمل للقريب والبعيد، أي شخص يتبرع فيتحمل ديناً عن أخيه، هو مأجور على هذا، ويبقى دين في ذمته، هنا تحملها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم دفعها إليه وأهل بيته، فإذا كانت الكفارة ليست من هذا الشخص بنفسه جاز له أن يأكل منها، كما في هذا الحديث، وهذا قول لجمع من أهل العلم، ولا شك أن الأحوط أنه يبقى مستحضراً لهذه الكفارة، ولو قيدها في وصيته كسائر الديون، بحيث إذا استطاع أن يخرجها في وقت من الأوقات أخرجها كسائر الديون، وإذا عجز عنها فالله -جل وعلا- أرحم من أن يعذبه على شيء عجز عنه. "متفق عليه، واللفظ لمسلم، وقد روي الأمر بالقضاء" هذا أفطر يوم من نهار رمضان متعمداً، فهل عليه القضاء أو ليس عليه القضاء؟ سبقت الإشارة إلى حديث: ((من أفطر في يوم من نهار رمضان عامداً لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) وقال جمع من أهل العلم: إنه لا يصوم ولا يقضي، فهو أعظم من أن يقضى، إنما تلزم التوبة والاستغفار، وذكرنا مثل هذا بالنسبة للصلاة والخلاف في ذلك، والجمهور على أنه لا بد من القضاء. "وقد روي الأمر بالقضاء من غير وجه، وهو مختلف في صحته" لكن كثرة الطرق تدل على أن له أصل ملزم، فيلزمه حينئذٍ القضاء إذا أفطر ولو كان متعمداً، سواءً كان فطره بجماع أو أكل أو شرب أو غير ذلك من المفطرات. قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) متفق عليه. وقد تكلم فيه الإمام أحمد بن حنبل" يعني هل يلتفت إلى كلام الإمام الجليل الحجة في هذا الباب في حديث خرجه الشيخان؟ لا يلتفت إلى أحد كائناً من كان، فالحديث لا إشكال فيه. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 14 ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) الصيام لا يخلو إما أن يكون نفلاً أو واجباً، عليه صيام كيف يكون عليه صيام نفل؟ اعتاد أن يصوم أيام معينة فمات عنها، خلاص انقطع عنه التكليف، بقي صيام الواجب، صيام الواجب إما أن يكون مما وجب بأصل الشرع، أو مما أوجبه الإنسان على نفسه، ما وجب بأصل الشرع كرمضان، أو أوجبه على نفسه كالنذر، ما وجب بأصل الشرع هذا عليه صيام يعني واجب، ولا يقال عليه إلا في الواجب، طيب، عليه صيام نكرة في سياق الشرط فتعم أنواع الصيام، وقلنا: إن النفل يخرج، يبقى الواجب، فيشمل ما وجب بأصل الشرع، وما أوجبه الإنسان على نفسه، وما وجب بأصل الشرع جاء فيه: ((لا يصل أحد عن أحد)) وجاء فيه قبول النيابة في الحج: ((حج عن أبيك)) وهذا ركن وهذا ركن. جاء النهي عن الصلاة ((لا يصل أحد عن أحد)) وجاء في الحج: ((حج عن أبيك)) نعم الصيام ما جاء فيه شيء، جاء ((لا يصل أحد عن أحد)) وجاء ((حج عن أبيك)) فهل الصيام كالصلاة لأنه عبادة بدنية أو كالحج لأن فيه بدل مالي وهو الفدية؟ فهل يلحق بهذا أو بهذا في قبول النيابة؟ دعونا من الحديث، الآن ننظر في قياس الشبه في الصيام، الصيام عبادة بدنية فهل تلحق بالصلاة؟ وقد جاء: ((لا يصل أحد عن أحد)) أو تحلق بالحج ((حج عن أبيك)) والصيام له بدل مالي وهو الإطعام ففيه وجه شبه بالصلاة، وفيه وجه شبه بالحج، وهنا يستعمل فيه قياس الشبه، وهو تردد فرع بين أصلين، يلحق بالأقوى به شبهاً. نأتي إلى الحديث: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) وما وجب بأصل الشرع مثل الصلاة، وما أوجبه الإنسان على نفسه هذا يقبل النيابة، ولذا اختلف أهل العلم في المراد بالصيام هنا، منهم من قال: عليه صيام واجب، سواءً كان بأصل الشرع أو أوجبه على نفسه، فيصوم عنه وليه، ومنهم من قال: لا، ما وجب بأصل الشرع كالصلاة لا يقبل النيابة، وما أوجبه الإنسان على نفسه هو الذي يقبل النيابة، ويرجحه ما جاء في بعض طرق الحديث: إن أبي مات وعليه، أو أمي ماتت وعليها صوم نذر، في بعض طرق الحديث: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، قال: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)). الجزء: 59 ¦ الصفحة: 15 يبقى النظر في عموم اللفظ وخصوص السبب، اللفظ عام يشمل جميع أنواع الصيام، والسبب خاص بالنذر، فهل يقصر هذا العام على سببه؟ أو نقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ معروف أن المذهب عند الحنابلة أنه لا يصام ما وجب بأصل الشرع، إنما يصام ما كان في النذر، وهو الذي يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، قالوا: وهو الموافق للأدلة العامة، وهو الموافق لعمومات الشريعة. ننظر في مسألة عموم اللفظ وخصوص السبب، الشيء الذي يكاد أن يكون متفقاً عليه، بل نقل عليه الاتفاق أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، يبقى أن إذا كان مفهوم العموم معارض بمنطوق أخص منه حمل العموم على السبب، يعني ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) مع ((صلاة القاعدة على النصف من أجر صلاة القائم)) والحديث الأول لا يصحح الصلاة من قعود بالنسبة للقادر على القيام، وهذا محمول على الفريضة بينما ((صلاة القاعدة على النصف من أجر صلاة القائم)) محمول على النافلة؛ لأن السبب جاء في نافلة، دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- المسجد والمدينة محمة، والناس يصلون من قعود، يصلون فريضة وإلا نافلة؟ نافلة قطعاً، ما يمكن أن يصلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام- الفريضة، فهم يصلون من قعود، فقال: ((صلاة القاعدة على النصف من أجر صلاة القائم)) فهذا محمول على سببه، لماذا؟ لأنه معارض بما هو أقوى منه ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) فللجمع والتوفيق بين النصوص يُسلك مثل هذا، يحمل العام على سببه، يقصر العام على سببه؛ لأنه معارض بما هو أقوى منه، وهذا معارض بما هو أقوى منه، فيحمل على سببه، وتقصر النيابة في الصيام على صوم النذر، كما حملت الصلاة من قعود على صلاة النافلة؛ لما دل عليها من سبب الورود. سم. وقال -رحمه الله-: باب: في قيام شهر رمضان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 16 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلى فصلوا بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: ((أما بعد: فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" متفق عليه. حسبك. يكفي. قال -رحمه الله-: باب: في قيام شهر رمضان الجزء: 59 ¦ الصفحة: 17 في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ما فرقه البخاري -رحمه الله تعالى- ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهنا: ((من قام رمضان إيمانًا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) الجملة الثالثة: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) والذي عندنا ما يناسب قيام شهر رمضان قوله: ((من قام رمضان إيمانًا واحتساباً)) يعني قاصداً بذلك وجه الله، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-، لا يبعثه ولا ينهزه على ذلك إلا الإيمان الواقر في قلبه، واحتساب الأجر من الله -جل وعلا-، لا لأمر من الأمور ليترتب على ذلك جواب الشرط ((غفر له ما تقدم من ذنبه)) وأي حرمان بالنسبة لمن يسمع مثل هذه الأحاديث الصحيحة، ولا يقوم رمضان، وقد يقوم رمضان ويتعب نفسه ولا يحقق القيد الوارد في الحديث الذي يرتب عليه الأجر إيماناً واحتساباً، فتجد بعض الناس يصلي مجاملة، أو يصلي مراءاة لغيره، فلا بد من أن يكون قيامه رمضان إيماناً واحتساباً، والمراد بالقيام القيام في لياليه، الصيام في النهار، والقيام للصلاة والذكر والتلاوة في الليل ((غفر له ما تقد من ذنبه)) على الإنسان أن يحرص، المسألة لا تكلف شيئاً، الآن بما يتحقق القيام؟ ((من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) وبعض الأئمة قيامه لا يزيد على نصف ساعة، لكن الحرمان لا نهاية له، تجده يبحث عن إنسان أخف من صلاة هذا الإمام الذي لا يزيد عن نصف ساعة، وعنده استعداد أن يمشي، وأن يركب السيارة مدة ساعة ذهاباً وساعة إياباً لإمام أخف من الإمام الذي بجوار مسجده الذي لا تزيد صلاته على نصف ساعة، قالوا: فلان ينتهي بعشرين دقيقة من القيام، يركب السيارة، مهما كلفه ذلك، ويرجع مثل ذلك، ويستغرق في ذهابه وإيابه وقتاً طويلاً؛ ليحصل وليوفر عشر دقائق، وما ذلك إلا لثقل العبادة على كثير من الناس. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 18 يعني يصل الأمر إلى حد أن يُسأل عن آية الدين، هل تقسم في ركعتين؟ هذا سؤال جاد، إمام مسجد يسأل عن آية الدين، وفي الحديث الصحيح: ((من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) وإذا كان في المسجد أكثر من إمام فحكم الجميع حكم الإمام الواحد، لا بد أن يبدأ مع الأول وينتهي مع الآخر؛ لأن الأصل أن الإمام واحد، لكن إذا كانت الصلاة مراوحة بين أكثر من إمام فلا يتحقق القيام إلا من أوله إلى آخره، من التكبيرة الأولى إلى السلام؛ لأن بعض الناس يصلي مع الأول، ثم ينصرف معه ويقول: صليت مع الإمام حتى انصرف، نقول: لا، هذا نصف إمام، وليس بإمام كامل، المنظور إليه الصلاة حتى تنتهي الصلاة. ((غفر له ما تقدم من ذنبه)) ومثله: ((رمضان إلى رمضان، والصلوات الخمس، والعمرة إلى العمرة)) كلها كفارات، وأسباب لمغفرة الذنوب، لكن الجمهور يحملون هذا الغفران وهذا التكفير على الصغائر دون الكبائر، وأما الكبائر لا بد فيها من التوبة، عند جمهور أهل العلم؛ لأنه جاء هذا القيد: ((ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغش كبيرة)) فالكبيرة لا بد فيها {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] فكل هذه المكفرات إنما هي للصغائر دون الكبائر. "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد" في ليلة من ليالي رمضان "خرج ليلة من جوف الليل" يعني من أثنائه، وفي وسطه "فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته" اقتدوا به، فصلاة الليل سواءً كانت في رمضان أو في غير رمضان، لا مانع من أن تكون جماعة، هذا في غير رمضان، دليله حديث ابن عباس صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلى معه ابن مسعود، المقصود أنها لا مانع من أن تصلى جماعة، ما لم تتخذ عادة، إلا في رمضان؛ لما سيأتي. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 19 النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى ليلة في جوف الليل من رمضان، فصلى رجال بصلاته "فأصبح الناس فتحدثوا" هؤلاء الذين صلوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- نقلوا ذلك للناس، والله صلينا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- البارحة صلاة تهجد، فزاد العدد في الليلة الثانية، فصلى فصلوا بصلاته، ثم تحدثوا من الغد، فزاد العدد، فلما صار في الليلة الثالثة أو الرابعة، هنا يقول الرابعة، وفي بعض الروايات: فلما كان في الليلة الثالثة أو الرابعة "عجز المسجد عن أهله" يعني امتلأ المسجد، عجز المسجد، فلم يخرج إليهم -عليه الصلاة والسلام- "حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر" صلى الفجر "أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: ((أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم)) " المسجد مملوء، والمسجد بجوار الحجر، يسمع، ((فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- ترك صلاة الليل في المسجد جماعة رفعاً لحكمها أو خشية أن تفرض عليهم؟ خشية أن تفرض عليهم، فبهذا يستدل على أن صلاة التراويح جماعة في المسجد مشروعة، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما تركها خشية أن تفرض، فلما أمن هذا المخشي بموته -عليه الصلاة والسلام- جمع الناس عمر -رضي الله تعالى عنه- على إمام واحد، جمع الناس عمر -رضي الله تعالى عنه- على إمام واحد، فيما عرف فيما بعد بالتراويح، التراويح؛ لأنهم يتروحون، يستريحون بين كل تسليمتين، وهذا مأخوذ من حديث عائشة: "ما زاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً" يعني فاصل بين الأربع الأولى والثانية راحة، هذه تسمى تراويح؛ لأنهم يستريحون بين كل أربع ركعات، بين كل تسليمتين يستريحون، طيب عمر -رضي الله عنه- لما جمع الناس على التراويح جماعة، دليله هذا الحديث، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما استمر، أبو بكر ما فعل. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 59 ¦ الصفحة: 20 نعم ما استمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- للعلة التي ذكرها " ((خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك" يصلون أوزاعاً، وكل واحد يصلي لنفسه، وجاءت خلافة أبي بكر وهي قصيرة، والأمر على ذلك، ثم صدر من خلافة عمر الأمر على ذلك، ثم رأى أن يجمع الناس عليها، مستدلاً بهذا، خرج عليهم كما في الصحيح ليلة من الليالي، وأعجبه المنظر، أعجبه اجتماع الناس، وكثرة الناس على إمام واحد، واجتماع كلمتهم، فقال -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة هذه" "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل منها" يعني هذه التي يصلونها في أول الليل ممدوحة، يعني نعمة، والتي ينامون عنها في آخر الليل أفضل، لا شك أن صلاة آخر الليل أفضل من أوله، طيب نعمت هذا مدح، والبدعة مذمومة، وكل بدعة ضلالة، فكيف يقول: نعمت البدعة؟ نعم من أهل العلم من يرى أن من البدع ما يمدح؛ لأن هناك بدع مستحسنة، وبدع سيئة، ((من سن سنة حسنة)) ((ومن سن سنة سيئة)) وهنا يقول: "نعمت البدعة" ما فعله عمر -رضي الله عنه- بدعة وإلا سنة؟ نعم؟ سنة، هل هي بدعة لغوية؟ والبدعة في الأصل ما عمل على غير مثال سابق، هذه البدعة اللغوية، عمر عمل التراويح على غير مثال سابق؟ لا، عمل ذلك على مثال سبق، سبقه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فليست بدعة لغوية، هل هي بدعة شرعية؟ ليست بدعة شرعية؛ لأن لها دليل من السنة، والبدعة الشرعية ما عمل مما يتعبد به ويتقرب به إلى الله من غير أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، والتراويح سبقت شرعيتها في السنة، وإنما تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- لا نسخاً لها، ولا عدولاً عنها، وإنما خشيت أن تفرض، طيب كيف يقول: بدعة؟ الجزء: 59 ¦ الصفحة: 21 الشاطبي يقول: مجاز، وشيخ الإسلام يقول: بدعة لغوية، والتعريف للبدعة اللغوية لا ينطبق عليها، كما أن البدعة الشرعية من باب أولى لا تنطبق، كيف يقول: نعمت البدعة؟ التعبير بالبدعة هنا وهي ليست بدعة لا لغوية ولا شرعية، ماذا يبقى لنا؟ أن يكون من باب المشاكلة، المشاكلة التي هي المجانسة في التعبير {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة، لكن عقوبة الجاني سيئة وإلا حسنة؟ حسنة بلا شك، تسميتها سيئة إنما هي مشاكلة في التعبير، في العبارة، مثلما ذكرنا البيت السابق. قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقيمصا مشاكلة مجانسة في التعبير، كأن قائلاً: ابتدعت يا عمر، فقال: "نعمت البدعة هذه" فشاكله وتنزل على أسلوبه وعلى حسب دعواه، والمشاكلة لا يلزم أن تكون بلفظ محقق؛ لأنهم في كتب البديع يقولون: تحقيقاً أو تقديراً، ولذا قالوا: أو قلنا: كأن قائلاً: ابتدعت يا عمر، هذا تقدير. "متفق عليه، وهذا لفظ البخاري". "وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر" التي هي أرجى الليالي بالنسبة لليلة القدر، النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف العشر الأول من رمضان، يتطلب ويرجو ليلة القدر، ويتحرى ليلة القدر، ثم اعتكف العشر الأواسط، ثم استقر اعتكافه في العشر الأواخر. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 22 "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره" يعني اجتهد في العبادة، واعتزل النساء، وطوى الفراش "وأحيا ليله، وأيقظ أهله" مفهوم هذا أنه يحيي الليل كله، مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه ما أحيا ليلة كاملة إلى الفجر، فإما أن يقال: ما أحيا ليلة في غير العشر، أو نقول: أحيا ليله يعني غالبه، فعلى الإنسان أن يجتهد في هذه الليالي العشر، وأن يحفظ صيامه وقيامه مما يخدشه، لا يكون حظه من الصيام الجوع والظمأ، وحظه من القيام السهر والتعب؛ لأنه يسمع حتى من بعض المعتكفين كثير من القيل والقال، وقد يستدرجون في الكلام، فيصل إلى حد المكروه أو المحرم أحياناً، فضلاً عن كون بعض المعتكفين يتوسع، يتوسع توسعاً غير مرضي، وبعضهم يدخل معه المعتكف الآلات، الكمبيوتر، والإنترنت والجوالات، وقد يمضي الساعة في مكالمة، ويمضي الوقت الطويل مشاهداً لبعض الأشياء التي لا تسوغ، ولا تليق في أوقات الرخاء، فضلاً عن أوقات الشدة، مثل هذه الساعات النفيسة، وبعضهم يدخل الجرائد، نعم بعض الناس وإن كان ليس هذا وقته يستعمل التليفون ليرد على فتاوى المستفتين، هو من أهل العلم معتكف ويرد على الفتاوى، وقد تضيع الليلة كلها في الرد على الفتاوى. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 23 الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا وضعه، يستغل هذه الليالي بالصلاة والذكر والتلاوة لا غير، وأهل العلم قاطبة على ذلك، فيتركون التعليم، ويتجهون إلى قراءة القرآن، بل منهم من يترك التعليم من دخول الشهر إلى خروجه؛ لأن هذا شهر القرآن، لكن المقرر عند عامة أهل العلم أن النفع المتعدي أولى من القاصر، فإذا وجد النفع المتعدي والنبي -عليه الصلاة والسلام- جاهد في رمضان، كثير من الغزوات حصلت في رمضان، فبدر والفتح في رمضان، لكن من قال: أنا أستدل بالسلف وأهتدي بهديهم، وأترك كل شيء، وأقطع الصلات، وأتجه إلى قراءة القرآن، وأدارس القرآن في ليالي رمضان، وأكثر من التلاوة في نهار رمضان، وأحفظ صيامي في المسجد، ولا أختلط بالناس هذا عمل خير، لا يمكن أن يقال له: إلا أحسنت، لكن الإشكال إذا استدل في الترك وتوقف عن أفعال الخير، وما استغل الوقت كاستغلال السلف، يكون هذا حينئذٍ من تلبيس الشيطان عليه، فيترك ما كان يزاوله من أعمال الخير قبل رمضان وبعد رمضان، ويتفرغ في رمضان على حد زعمه مقتدياً بالسلف، وهو بعيد كل البعد عن حال السلف، تجده سهر ليل إلى الفجر في القيل والقال، ويقول: لا، أنا أقتدي بالسلف، نقول: لا، ما هو بهذا فعل السلف، نعم اقتدي بالسلف والزم المصحف، واختم مثلهم في كل ثلاث كما جاء عن بعضهم، أو في كل ليلة كما جاء عن بعضهم أيضاً، هذا الذي يقتدي بالسلف، يقول: والله أقتدي بالسلف وبعدين يتكلم في موضوع الاعتكاف، ويقول: لا تقول لي: أنا معتكف، ثم تمر عليك العشر ما ختمت ولا ختمة، اقرأ يا أخي القرآن، وأكثر، اقرأ جزء، جزأين. طالب:. . . . . . . . . هذا يقرأه عادي الناس بغير الاعتكاف. على كل حال المسألة الناس منازل ومقامات، ما يمكن أن ينزلوا منزلة وحدة مع الأسف تدخل المسجد الذي فيه معتكف تجد فيه عشرات الجوالات في شواحنها من كهرباء المسجد، وتجد هذا يكلم، وهذا يتصل، وهذا يسولف، وهذا يتناول شيء يأكله، وهذا يشرب، وهذا ما أدري ويش؟ ويتحلقون على هذه الأمور التي قد تضرهم ولا تنفعهم. سيأتي في الاعتكاف شيء من هذا -إن شاء الله تعالى-، لكن على الإنسان أن يحفظ وقته، وأن يتجه إلى ما هو بصدده. سم. وقال -رحمه الله-: الجزء: 59 ¦ الصفحة: 24 باب: ما جاء في صيام التطوع عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الصيام يوم عرفة؟ فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: ((يكفر السنة الماضية)) وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت -أو أنزل علي– فيه)) رواه مسلم. وعن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره، فشربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) رواه مسلم، وقد روي موقوفاً. وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)) متفق عليه، ولفظه لمسلم. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)) متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولأبي داود: ((غير رمضان)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في صيام التطوع انتهى المؤلف من الكلام على الصوم الواجب، وأردفه بصوم التطوع، ومن نعم الله -جل وعلا- على المسلمين أن شرع لهم هذا الصيام التطوع ليكمل منه النقص في الصيام الواجب كالنوافل بعد الفرائض، فإذا حوسب الإنسان ووجد في فرائضه شيء من النقص قيل: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ذلك الخلل. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 25 "عن أبي قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الصيام يوم عرفة؟ " يعني في يوم عرفة "فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) " ((يكفر السنة الماضية)) هذا لا إشكال فيه ذنوب وقعت وحصلت من المسلم تكفر بالصيام، وهذا كما تقدم المراد بالذنوب المكفرة هي الصغائر، وأما الكبائر فإنها لا تكفرها إلا التوبة عند الجمهور، وإن كان الصغائر قليلة مع أنها ... ، أو لا توجد، وهذا لا يتصور، فإنه يخفف من الكبائر بقدر ما فعله من نوافل. ((يكفر السنة الماضية والباقية)) يعني اللاحقة، يكفر سنتين، فإما أن يوفق لعدم الوقوع في الذنوب، أو إذا وقع منه شيء من ذلك كفر عنه، كما حصل في السنة الماضية، وإذا صام يوم عرفة اللاحق فإنه وقد كفرت ذنوبه في السنة الماضية بسبب صيامه الماضي، لا شك أنه يخفف عنه من الذنوب الأخرى، أو ترفع درجاته، يعني الله -جل وعلا- لا يضيع أجر من أحسن عملاً. قد يقول قائل: أنا أصوم عرفة في كل سنة، فما معنى يكفر سنة ماضية وسنة لاحقة؟ أنا لا أحتاج إلا لسنة واحدة؛ لأن السنة الثانية مكفرة بعرفة، نقول: لا، الله -جل وعلا- لا يضيع عملك، إذا أحسنت العمل فالله -جل وعلا- يدخر لك ذلك، فإن صادف ما ينبغي تكفيره كفر، وإلا رفعت بذلك الدرجات. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 26 "فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: ((يكفر السنة الماضية)) " يعني يكفر سنة واحدة، ولذا فصيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وما طلعت الشمس على يوم خير من يوم عرفة، وهو أفضل أيام العام على الإطلاق، وصوم يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصومه، ويأمر بصيامه، وكان صيامه واجباً قبل فرض رمضان، فلما فرض رمضان صار صيامه نفلاً، ثم في آخر سنة قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) وقال: ((صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)) وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحب موافقة أهل الكتاب، فلما أيس منهم أمر بمخالفتهم، لا يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام سنوات كثيرة موافقاً لأهل الكتاب، ثم في آخر سنة قال: خالفوهم، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، نقول: كان يحب موافقتهم تأليفاً لهم، فلما أيس منهم قال: ((صوموا يوماً قبله)) وخالفوا أهل الكتاب، خالفوا اليهود والنصارى، إلى آخره، خالفوا المشركين، ومثله ما جاء عنه في فرق الشعر. "وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه -أو أنزل علي– فيه)) " نعم هذا يوم فاضل، وجاء في بعض النصوص الصحيحة أنه ترفع فيه الأعمال كالخميس ((وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) فهناك علل متعددة لصيام الاثنين، منها: الجزء: 59 ¦ الصفحة: 27 كونه -عليه الصلاة والسلام- ولد فيه، وولادته نعمة تستحق الشكر من الله -جل وعلا-، وشكره بفعل ما شرعه لا بالابتداع في دينه، الشكر المستحق في مقابل ولادة خير البشرية، خير البرية، وهادي البشرية أن يشكر الله -جل وعلا- بما شرع، لا أن يتعبد بما لم يشرعه من البدع، يعني كما أحدث بعض المبتدعة في عاشوراء أحدث بعض المبتدعة في مثل هذا اليوم فلا هذا ولا هذا، نحن أمة اقتداء، أمة نص، فلا نتعبد لله -جل وعلا- إلا بما شرعه لنا، فلا نجعل عاشوراء مأتم، ولا نجعل يوم المولد يوم احتفال، كما يحتفل الناس بمناسباتهم، ونتعبد بذلك، وهذا شيء لم يفعله أهل القرون المفضلة، إنما نعبد الله -جل وعلا- بما شرع لنا، نصوم؛ لأن هذا يوم حصلت فيه هذه النعمة من الله -جل وعلا-، فنشكر الله -جل وعلا- بفعل ما شرعه لنا. ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه)) والعلة مركبة من هذه الأمور كلها، هل يستطيع من يقيم المولد أن يقول: هذا يوم ترفع فيه الأعمال، سوي مولد يوم الخميس؛ لأنه ترفع فيه الأعمال، ما يمكن أن يقول هذا؟ العلة مركبة من كونه ولد فيه -عليه الصلاة والسلام-، ويوم بعث فيه، وأنزل عليه القرآن، وترفع فيه الأعمال، كل هذه الأمور مجتمعة يصام من أجله، يشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة، ولا ننتظر حتى يحول الحول على ذلك، هذا في كل أسبوع نفعله، شكراً لله -جل وعلا- "رواه مسلم". "وعن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا" ... يعني جاء الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وجاء الحث على صيام البيض الثلاثة، فالثلاثة الأيام يمكن أن تتداخل مع أمور أخرى، يمكن أن يصومها الإنسان في يوم الاثنين من كل أسبوع، أو يصوم اثنين وخميس واثنين من الأسبوع الثاني، أو يصوم الثلاث البيض ويحصل له الأجور المرتبة على هذا كله. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 28 "وعن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة" والرسول -عليه الصلاة والسلام- واقف بعرفة، سمعنا أن صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية، يكفر سنتين، فهل يحرم منه الحاج؟ حاج يقول: أنا أقف في هذا الموقف العظيم، وأتعرض لنفحات الله، وأصوم، أتقرب إلى الله بالصيام، رجاء أن يكفر عني الذنوب الماضية واللاحقة، تماروا اختلفوا، فبعض الناس قالوا: الرسول -عليه الصلاة والسلام- صائم؛ لأنه ما يمكن أن يفوت هذه الفرصة يكفر سنتين ولا يصوم، وبعضهم قال: لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما صام. "تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه -أم الفضل- بقدح لبن، وهو واقف على بعيره فشربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم". وهكذا يجب أن يكون القدوة حاضر في مواضع الحاجة إليه، أما أن يترك الناس يدوكون ويبحثون ويسألون ولا يجدون من يكشف لهم الأمر، وآخر من يتكلم في كثير من المجالات هو القدوة، هذا ليس بمنهج شرعي ولا نبوي، هذا تقصير، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حصل هذا شرب القدح وهو واقف على بعيره، يراه الناس كلهم، وهناك في كراع الغميم شرب والناس ينظرون كلهم، ينبغي أن يكون القدوة أول من يحضر في مثل هذه المناسبات؛ لئلا يترك الناس حيص بيص؛ لأنه في بعض المناسبات تفوت هذه المناسبة والناس ما يدرون ما يفعلون، والقدوة غائب، هذا صنيعه -عليه الصلاة والسلام-، في كل مناسبة يجب أن يحضر، وعلى أتباعه من ورّاث نبوته العلماء أن يكونوا حاضرين في كل مناسبة، يحتاج إليهم فيها، أما أن تلوك ألسنة الناس من جميع الفئات ما يحتاج إليه المسلمون في دينهم، ثم نجد آخر من يتكلم من يجب عليه البيان هذا تقصير، وهو مسئول عن هذا أمام الله -جل وعلا-. الرسول -عليه الصلاة والسلام- أتي بقدح فشرب على البعير، يراه الناس كلهم؛ لأن الناس يحتاجوه في هذا الموضع، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهذا هو واجب ورّاث علمه ونبوته من أهل العلم. "متفق عليه، واللفظ لمسلم". الجزء: 59 ¦ الصفحة: 29 "وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) رواه مسلم، وقد روي موقوفاً". لكن العبرة بما خرجه مسلم من رواية الحديث مرفوعاً، ولا إشكال فيه، وعامة أهل العلم على استحباب صيام الست من شوال، ولا يعرف مخالف إلا الإمام مالك -رحمه الله-، فإنه قال في موطئه: إنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، وعلته في ذلك أن الخبر لم يثبت عنده، والأمر الثاني: ألا يظن وجوبها، يعني لزوم الناس لها قد يظنه بعض الجهال أنها واجبة، ولكن هذا الكلام لا يمكن أن يستقيم مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) لأن رمضان عن عشرة أشهر، والستة الأيام عن ستين يوماً، الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان وست شوال كأن الإنسان صام الدهر كله. طيب صيام رمضان مع الست من شوال ممدوح وإلا مذموم؟ ممدوح، صيام الدهر ممدوح وإلا مذموم؟ ((لا صام من صام الأبد)) نعم، فهو مذموم، كيف يشبه الممدوح بالمذموم؟ نقول: لا يلزم من التشبيه أن يكون مطابقاً المشبه للمشبه به من كل وجه، لا تلزم المطابقة من كل وجه، فقد يكون وجه الشبه من وجه دون وجه، فكأنه استوعب الأيام كلها بالصيام، لكن لو صام الدهر على الخلاف في ذلك من أهل العلم من يقول: حرام، ومنهم من يخص التحريم بما إذا صام الأيام المحرمة، المقصود أن التشبيه لا يلزم مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه "رواه مسلم". ((من صام رمضان ثم أتبعه)) والتابع لا بد أن يكون بعد نهاية المتبوع، وإلا ما يسمى تابع، إلا إذا انتهى المتبوع يأتي التابع، فعلى هذا من بقي عليه شيء من رمضان فإنه لا يصح منه صيام الست إلا إذا أكمل رمضان ليصح أنه أتبع رمضان الست من شوال، ولذا من عليه قضاء من امرأة عذرت فأفطرت في رمضان يلزمها أن تقضي قبل الست، من سافر في رمضان وأفطر في رمضان يلزمه القضاء قبل الست؛ ليصح أنه أتبعه ستاً من شوال، أما من صام الست وفي ذمته شيء من رمضان لا يصح أنه أتبعه ستاً من شوال. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 30 ((من صام رمضان)) شرط، وستاً نكرة في سياق الشرط تعم، أي ست من أوله، من أثنائه، من آخره، مجتمعة، مفرقة، لكن الإتباع يوحي بأن الأفضل أن تكون تبعاً له مباشرة، تتبعه مباشرة، لكن لو صام من أثنائه، أو من آخره مجتمعة أو متفرقة صح أنه صام ستاً من شوال، وست مؤنث، والأيام مذكر، لما لم يذكر التمييز جاز التذكير والتأنيث، ولو ذكر التمييز للزم التذكير ستة أيام من شوال. عائشة -رضي الله عنه- تقول: "كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- مني" هل يقال: إنها تترك الست؟ تترك يوم عرفة؟ تترك ... ؟ أو نقول: إن هذا يجوز أن تقدم هذه المواسم المؤقتة التي تفوت والقضاء لا يفوت؟ خلاف بين أهل العلم، لكن مقتضى الحديث أن الست لا تصح ممن في ذمته شيء من رمضان، وهذا هو المرجح أن الإنسان لا يصوم الست إلا إذا فرغ من صيام رمضان. "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)) " يعني سبعين سنة، بسبب صوم يوم ((في سبيل الله)) وفي سبيل الله إذا أطلق كما أطلق في آية الصدقة ينصرف إلى الجهاد في سبيل الله، وعلى هذا حمله الإمام البخاري، فترجم في كتاب الجهاد: باب الصيام في الجهاد، فحمله على الصوم في الجهاد، وأن من جمع بين الجهاد، جهاد العدو بالسنان، وجهاد النفس بالصيام يحصل له هذا الأجر بخلاف من صام مبتغياً بذلك وجه الله في غير الجهاد، ومن أهل العلم من حمله على الصيام في سبيل الله، يعني مبتغياً بذلك وجه الله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-، فإن الله يباعد وجهه عن النار سبعين خريفاً، ولو لم يكن في الجهاد، وفضل الله واسع "متفق عليه، ولفظه لمسلم". الجزء: 59 ¦ الصفحة: 31 "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم" الرسول -عليه الصلاة والسلام- حياته كلها جهاد، وتبليغ لدعوة الله -جل وعلا-، فقد تتابع عليه الأيام منهمكاً في جهاد مثلاً، أو في دعوة، أو في استقبال وفود، وما أشبه ذلك فيؤخر الصيام يفطر أيام متتابعة، حتى يقول الناظر له: الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما هو بيصوم، ثم يسنح له فرص وشيء من الفراغ يستغلها بالصيام حتى نقول: إنه لا يفطر، وهكذا يفعل أتباعه ممن ينوء بأحمال الأمة، يعني الأمة لا بد لمن يقوم لله بالحجة فيحمل هم الدعوة والتعليم والقضاء وغير ذلك ممن هو بمثابة عالم الأمة، مثل هذا لو صام في بعض الأيام والأمة بحاجته إلى أمر عام، هل يكون الصيام في حقه أفضل؟ لا، نقول: هذا يفطر حتى تسنح الفرصة بحيث تمر عليه الأيام والأسابيع ما يصوم. "يفطر حتى نقول: لا يصوم" ثم تسنح له فرص؛ لأن الدنيا فرص يجب على المسلم أن يستغلها يحصل عنده شيء من الفراغ فيستغل هذا الفراغ بالصيام، وهذا شأنه وهذا ديدنه، وهذه طريقته -عليه الصلاة والسلام-. " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم". "ما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" هل يلزم من هذا أنه يصوم في النصف الثاني من شعبان، وقد جاء فيه: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))؟ لا يلزم، يعني إذا صام نصفه الأول نعم، المقارنة ليست بالنسبة للشهر، يعني لا يعني أنه يصوم أكثر الشهر، إنما يصوم في هذا الشهر أكثر من الأشهر السابقة، في غيره من الأشهر، مع أنه جاء: ((أفضل الصيام صيام شهر الله المحرم)). الجزء: 59 ¦ الصفحة: 32 على كل حال جاء الحث على الصيام في شهر المحرم باعتباره شهر حرام، من الأشهر الحرم، وجاء أيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- يغتنم غفلة الناس في شعبان؛ لأن الناس يغفلون عن شعبان؛ لأنه واقع بين رجب وهو شهر حرام، وواقع بين رمضان وهو شهر الله المعظم، فينبغي استغلال الغفلات، غفلات الناس بالعبادة. "وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم" وأما حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) فقد ضعفه كثير من أهل العلم بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين)) متفق عليه، فمفاده ومفهومه جواز الصيام من شعبان قبل الشهر بثلاثة أيام، وجواز من كان يصوم صوماً فليصمه ولو تقدم الشهر بيوم أو يومين على ما تقدم، وهذا لا شك أنه أرجح من حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)). "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)) " يعني الزوج له حق عظيم على الزوجة، يقدم على جميع النوافل، وعرفنا أن عائشة -رضي الله عنها- يكون عليها القضاء من رمضان فتؤخر هذا القضاء حتى يضيق الوقت، حتى شعبان، حتى يضيق الوقت، ويتعين الصيام في هذه المدة، وحينئذٍ لا يكون للزوج سلطان على المرأة، فما أوجبه الله -جل وعلا- مقدم على حق الزوج، لكن يبقى أنه إذا كان الوقت متسع يؤخر، ولا تصوم المرأة نفلاً وزوجها شاهد إلا بإذنه، وهذا إذا كان يتعارض مع حقوقه، لكن إذا كان لا يحتاجها، امرأة كبيرة في السن لا يحتاجها زوجها، وزوجها حاضر، وهي تعرف أنه لا يحتاجها، ولا يتأثر بذلك هذا في حكم الإذن، ولو أخذت منه الإذن المطلق، وعليه أن يأذن لها في هذه الحالة، لا يحرمها الأجر وهو لا يحتاجها، ويكون هذا من باب التعاون على البر والتقوى، فإنه عليه أن يأذن لها، أما إذا كان بحاجتها لا يستطيع الصبر عنها، وليس عنده ما يغنيه عنها، فإنه لا يجوز لها ولا يحل لها أن تصوم صوم نفل إلا بإذنه. "متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولأبي داود: ((غير رمضان)) " أما رمضان ما فيه إذن لأحد، هذا واجب والفطر فيه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وما أوجبه الله -جل وعلا- مقدم على كل واجب يوجبه غيره، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. وغداً نكمل كتاب الصيام؛ ليكون آخر الدروس درس الغد -إن شاء الله تعالى-. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 33 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الجامع (1) الشيخ: عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ففي هذه الدورة الثانية من الدورات العلمية المباركة التي تقام في هذا المكان لطلاب العلم اقترح الإخوة أن يكون المشروح كتاب الجامع؛ لكثرة ما يشرح ويسمع ويقرأ في أحاديث الأحكام، اقترحوا أن يكون في هذا الباب أو في الكتاب الجامع من هذا الكتاب النافع، وهذا الكتاب يضم ما يقرب من مائة حديث، مائة إلا ثلاثة أحاديث، الأربعون الأولى منها في الصحيحين متفق عليه، ولذا لما يشر المؤلف إلى تخريجه، الأربعون الأولى في الصحيحين، يليها ثلاثة عشر حديثاً في البخاري، يعني من مفرداته، أربعة عشر حديثاً، ثم ثلاثة وعشرون حديثاً من مفردات مسلم، وعشرون حديثاً متفرقة، فجل الأحاديث وغالبها مما اتفق على صحته؛ لوجوده في الصحيحين أو في أحدهما، والضعيف منها يسير جداً، وفيها الحسن وهو قليل، وما بقي من ذلك فهو صحيح. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 1 هذا الكتاب اعتاد أهل العلم ممن يصنف في الأحكام أن لا يخلو باب الآداب والرقاق، وما يكون دواء للقلوب مما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتادوا أن لا يخلو كتبهم من هذا الباب، أو من هذا الكتاب الجامع؛ لأن طالب العلم إذا عرف الأحكام تأهل للخدمة؛ لتحقيق ما خلق من أجله وهو العبودية، لكن من الذي يضطره إلى العمل بهذه الأحكام؟ تضطره أحاديث الرقاق، وفي هذا الكتاب الجامع منها ما يجعل طالب العلم يعمل بعلمه؛ لأنه في غمرة الأحكام العملية المتعلقة بالبدن، ومعلوم أن الأحكام العملية البدنية إذا أديت على الوجه المشروع لا شك أنها حياة للقلوب، لكن في الغالب والمشاهد في كثير من الناس أنه يأخذ هذه الأحكام ويغرق في بحث هذه الأحكام وأقوال أهل العلم فيها، ويغفل عما يصلح قلبه، ولذا يوجد الجفاء بين كثير من طلاب العلم، بل ممن ينتسب إلى العلم أحياناً، وعدم الإقبال على الله -جل وعلا- في عباداته، ولهذا الثمرة المرجوة من هذه العبادات ضعيفة، فالصلاة تثمر التقوى والخشية والمراقبة لله -جل وعلا-، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، فنجد من طلاب العلم من يصلي ويحرص على الصلاة، ومع ذلك توجد منه بعض المخالفات فضلاً عن عامة الناس، والسبب في هذا الخلل الموجود في هذه الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] فالصلاة إذا أُديت على الوجه المطلوب، ووجد لبها وهو الخشوع، وتدبرت وعقلها صاحبها أثمرت الثمرة المرجوة، وإلا ماذا يتوقع من صلاة لم يخرج صاحبها إلا بعشر أجرها، هذه الصلاة هل يتوقع أن تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ((الصلوات الخمس كفارات لما بينهما ما لم تغش الكبيرة)) هذه الصلاة تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟! شيخ الإسلام يقول: إن كفرت نفسها فبها ونعمت، وكذلك بقية الأركان. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 2 الصوم إنما شرع للتقوى، لتحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] يصوم كثير من المسلمين بما في ذلك بعض طلاب العلم ولا يورث هذا الصيام شيئاً، بحيث إذا انتهى رمضان، أو أفطر من صوم النفل عاد يزاول ما كان يزاوله في شعبان، لماذا؟ لأنه لم يؤدَ على الوجه المطلوب. وأيضاً الغفلة عن الأحاديث التي تعالج أمراض القلوب، والعناية بالحديث ظاهرة ولله الحمد، لكن يبقى أن كثيراً من أبواب الدين مهجورة، على طالب العلم أن يُعنى بالفقه بالدين، والدين يشمل جميع أبواب الدين، ليس معنى هذا في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) .. فهل معنى هذا أنه يعرف الأحكام العملية ويغفل عن غيرها؟ الفقه العلم بالله، وما يجب لله من .. ، هذا هو الفقه الأكبر عند أهل العلم، ثم بعد ذلك بقية أبواب الدين، ولذا لما جاء جبريل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فهذه الأمور مجتمعة هي الدين، والعلم بها هو الفقه في الدين، وما وجد هذا الخلل إلا بإهمال بعض أبواب الدين، ومن أعظم الأبواب أبواب الرقاق، وتعريف الإنسان بحقيقة هذه الدنيا ليزهد فيها ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) كان الراوي ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" الذي يتصور الدنيا على حقيقتها لا شك أنه سوف يتجافى عنها، ويعمل لآخرته محققاً ما خلق من أجله. والكتاب هنا كتاب الجامع مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، وأصل المادة تدور على الجمع، تكتب بني فلان إذا اجتمعوا، وجماعة الخيل كتيبة، والمراد به هنا اسم المفعول المكتوب الجامع لما تحته من أبواب من الآداب والزهد والرقاق وغيرها. سم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 60 ¦ الصفحة: 3 كتاب: جامع باب الزهد والورع وعن الشعبي عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال. في حديث عمر؟! نعم. ولا في باب؟! نعم يا شيخ؟ كتاب الجامع عن عمر بن الخطاب. إيش الطبعة التي معك؟ هذه الطبعة مخرجة .... وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) " هذا الحديث حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات)) حديث مشهور عند أهل العلم تلقوه بالقبول، وبنوا عليه أحكام عظيمة جداً، بل بُني عليه الشرط الأول مع ما جاء في بابه من الآيات والأحاديث، بُني عليه الشرط الأول لقبول الأعمال وهو الإخلاص لله تعالى، هذا الحديث عظم العلماء من شأنه، حتى قال قائلهم: إنه ينبغي أن يكتب هذا الحديث في بداية كل باب من أبواب العلم؛ لماذا؟ ليستحضر طالب العلم النية التي عليه مدار تصحيح العمل، فالنية كما هو معروف شرود والمؤثرات والخوادش عليها كثيرة جداً، فإن استحضرنا هذا الحديث وجعلناه في بداية كل باب ما غفلنا عنها، وصدر به جمع من أهل العلم كتابه، وأول حديث في الصحيح هذا الحديث في البخاري: ((إنما الأعمال بالنيات)). وقال الشافعي: إنه يدخل في سبعين باباً من أبواب العلم، وجزم بعضهم بأنه ربع العلم، فالعلم والدين يدور على أربعة أحاديث هذا أولها. عمدة الدين عندنا كلمات ... مسندات من قول خير البرية اتقِ الله وازهد وادع ما ... ليس يعنيك واعملن بنية الجزء: 60 ¦ الصفحة: 4 المقصود أن هذا الحديث شأنه عظيم، ورغم عظمته ومسيس الحاجة إليه لم يثبت عن أحد من الصحابة إلا عن عمر بن الخطاب، ولم يثبت عن عمر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولا عن علقمة إلا من طريق محمد إبراهيم التيمي، ولا يروى عنه بسند صحيح أو مقبول إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر، حتى بلغ رواته عند يحيى بن سعيد فيما قيل سبعمائة، وإن كان الحافظ ابن حجر ينازع في بلوغ العدد، وأنه حرص وتعب على جمع طرقه ورواته عن يحيى بن سعيد فما استطاع تكميل المائة، فالمقصود أن هذا مجمع على صحته، ومتلقىً بالقبول، ومخرج في الصحيحين فلا كلام لأحد، وإن كان فرداً مطلقاً، بل هو مثال للفرد المطلق. وكون الحديث لا يروى إلا من طريق عمر، ولا يروى عنه إلا من طريق علقمة، وتتلقاه الأمة بالقبول فيه الرد العملي على من يرد الخبر الواحد أو يرد ما تفرد بروايته راوٍ واحد، وإن قال بهذا بعض العلماء، وأن هذا شرط لصحة الخبر أن يروى عن اثنين فأكثر، أو شرط للبخاري في صحيحه، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، وفي هذا الحديث رد على من يقول بذلك. وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقد رمي من قال بالتوهمِ يعني: تعدد الرواة، ويفهم ويومئ كلام الحاكم إلى اشتراط العدد، والبيهقي أيضاً أشار إلى شيئاً من ذلك، والكرماني الشارح -شارح البخاري- أشار في مواضع إلى أن شرط البخاري أن يروي الحديث أكثر من واحد، ابن العربي في عارضة الأحوذي قال: إن حديث: ((هو الطهور ماؤه)) لم يخرجه البخاري لأنه لم يثبت إلا من طريق واحد، لكن ماذا يصنع بهذا الحديث؟! أول حديث في الصحيح، وآخر حديث في الصحيح فرد مطلق في هذا رد على من اشترط العدد في الرواية، رد عملي. فالحديث أو الخبر عموماً إذا بلغ من طريق من يقبل قوله وتقبل روايته صار حجة ملزمة ولو تفرد به، ما لم يخالف من هو أوثق منه، حجة ملزمة؛ لأن هذا يثير إشكال عند بعض الناس، يعني: هل يتردد أحد في صحة حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) بل لو أقسم أحد على أنه صحيح ما حنث. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 5 وقال أهل العلم: لو طلق شخص زوجته أن هذا الحديث صحيح ما طلقت زوجته، وتوجد الدعاوى من المعتزلة وأتباع المعتزلة أن خبر الواحد لا يقبل، وهذه حكمة، هذا الحديث خطب به على المنبر ومع ذلك لا يثبت إلا من طريق واحد، حكمة إلهية أن يبرهن على قبول الخبر الواحد بمثل هذا الخبر، بمثل هذا الحديث، وإذا بلغ الخبر لزم العمل به إذا كان ممن تقبل روايته، ولا يلزم في ذلك التعدد في الرواة، ويستشكل كثير من الباحثين ما يُذكر عن الأئمة من مئات الألوف من الأحاديث التي يحفظونها، فالإمام أحمد سبعمائة ألف، وأبو داود خمسمائة ألف، والبخاري مائة ألف، وغيرهم كثير، أين ذهبت هذه الأحاديث؟ لو جمعنا ما في كتب السنة ما بلغت هذا القدر ولا عشره، ولا عشر هذا العدد، هل نقول: إن الأمة فرطت بشيء من دينها؟ كلا، الدين محفوظ، والأمة معصومة من أن تفرط بدينها؛ لأنه محفوظ، ضمان بقائه إلى قيام الساعة معلوم، هو من هذا النوع، الحديث خطب به على المنبر فحفظه المئات، ثم بعد ذلك عند الأداء أداه من تقوم به الحجة، فلا يلزم أدائه من جميع الناس، فالخبر إذا أداه من تقوم به الحجة يكفي، على أن الأعداد المذكورة عند أهل العلم هي بالتكرار، رُب حديث يروى عن طريق مائة فيكون مائة حديث عندهم، ويدخل فيه أيضاً فتاوى الصحابة والتابعين. وفيه ما فيه لقول الجعفي ... أحفظ منه عُشر ألف ألفِ ولعله أراد بالتكرارِ ... لها وموقوفٍ وفي البخاري المقصود أن مثل هذه الأعداد لا تشكل علينا، بأن يقول قائل أو يثير من يريد أن يشكك، من أراد أن يشكك يقول: الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث وين الأحاديث؟ الدين ضاع، ولعل ما ينصره من قول مخالف للشرع على حد زعمه في حديث ضُيع أو الحديث الذي يستدل به عليه معارض بحديث ضيع في ضمن ما ضيع من مئات الألوف من الأحاديث التي يحفظها الأئمة، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، الأمة معصومة من أن تفرط بدينها، والدين محفوظ ومضمون بقاؤه إلى قيام الساعة، لكن لا يلزم أن يروي الحديث كل من سمعه لا يلزم؛ لأن الأمر بالتبليغ: ((بلغوا عني ولو آية)) ((وليبلغ الشاهد الغائب)) هذا إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ولا يلزم الباقين أن يبلغوا. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 6 "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) " إنما: أداة حصر، فالأعمال محصورة بنياتها، فوجود العمل وجوده حقيقة العمل الشرعية مرتبطة بالنية، قد توجد صورة العمل، لكن هذا الوجود لا قيمة له؛ لأن العبرة بالوجود الشرعي، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للمسيء: ((صل فإنك لم تصل)) لقائل أن يقول: صلى ركع وسجد وقام وقرأ، لكن نقول: لا، هذه الصلاة لا قيمة لها، وإن وجدت صورتها، العبرة بالحقيقة الشرعية، فالأعمال الشرعية وجودها الشرعي بالنيات، بنياتها، ويختلف أهل العلم في تقدير متعلق الجار والمجرور، فمنهم من يقدر الصحة، ومنهم من يقدر الكمال، لكنهم لا يختلفون في اشتراط النية لصحة المقاصد، وإن اختلفوا في اشتراطها بالنسبة للوسائل، الصلاة لا يصححها أحد من أهل العلم بغير نية، لكن يوجد من يصحح الوضوء بغير نية لأنه وسيلة، وعامة أهل العلم على أن الوضوء عبادة تشترط لها النية داخلة في الحديث، والذي لا يشترط النية في الوضوء يشترطها للتيمم مع أنه وسيلة، بل بدلاً عن وسيلة، فاشتراط النية والصدق فيها والإخلاص لله -جل وعلا- أمر معلوم عند أهل العلم، وبه يقول الكافة، إذا أنضاف إلى هذا الشرط الشرطُ الثاني الذي يدل عليه الحديث الثاني وهو أن يكون العمل موافقاً لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويأتي ذكره في الحديث الثاني. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 7 ((إنما الأعمال)) الأعمال: الأصل أن (أل) هذه جنسية، يصلح أن يكون مكانها (كل) كل الأعمال "إنما كل الأعمال أو جميع الأعمال بالنيات" أو يكون المقصود بها العهد، وهي الأعمال المعهودة الشرعية صحتها بالنية، الذي يقدر اللام جنسية يطرد قوله في الأعمال الشرعية وغير الشرعية، فالشرعية تشترط النية لصحتها، وغير الشرعية تشترط النية لترتب الثواب عليها فتكون الجنسية، جميع الأعمال تفتقر إلى نية، فإن كان العمل شرعي مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- توقفت صحته على النية، وإن كان العمل عادي من أمور الدنيا توقف ثوابه على النية وإن صح بغير نية، فالذي يطلب العلم الشرعي والعلم الشرعي المبني على الوحيين عبادة لا يصح إلا بنية خالصة لله -جل وعلا-، وإذا دخلت هذه النية لا شك أن المتعلم في هذه الحالة على خطر، وإذا انعدمت هذه النية وتعلم لينال بذلك الدنيا أو الشرف أو ليقال: صار من الثلاثة الذي هم أول من تسعر بهم النار -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن انظر إلى الطبيب والمهندس هذه من أمور الدنيا لا يشترط في صحة العمل نية، فلو طلبه للدنيا طبيب ليرتزق، مهندس يقصد بذلك الدنيا ليعيش، مزارع كذلك، صانع كذلك، لكن من الذي يرتب الثواب على هذه الأعمال النية، إذا طلب هذا العلم أو هذا العمل بنية خالصة صالحة أثيب عليه وإلا خرج منه كفافاً. ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) عرفنا أن صحة الأعمال وترتب الثواب على الأعمال إنما هو بالنيات ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) ليس له من العمل غير ما نواه، فهذه منطوق هذه الجملة يؤكد مفهوم الجملة الأولى، فإذا لم ينو شيئاً لم يحصل له شيء، وإن نوى غير ما تدل عليه الجملة الأولى هذا الذي يطلب العلم لا لشيء مثلاً ليس له شيء، والذي يطلبه للدنيا {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [(16) سورة هود] هذا طلب للدنيا. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 8 ((فمن كانت)) الفاء هذه التفريعية ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) (من) شرطية، ومنهم من يقول: موصولة مشربة معنى الشرط، ولذا اقترن جوابها بالفاء ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) الهجرة في الأصل: الترك، وهي في الشرع: الانتقال من بلاد الكفر إلى ديار الإسلام إلى بلاد الإسلام، وهي واجبة إلى قيام الساعة، وحديث: ((لا هجرة بعد الفتح)) إنما هو بعد الفتح لأن مكة صارت دار إسلام فلا هجرة بعد الفتح. ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) فعل الشرط: من كانت هجرته إلى الله ورسوله، وجواب الشرط: ((فهجرته إلى الله ورسوله)) العلماء يشترطون تغاير الشرط مع الجزاء، واتحاد الشرط مع الجزاء ممنوع عندهم، لا يصح عندهم أن تقول: من قام قام، ومن أكل أكل، من أكل فقد أكل، ومن قام فقد قام، يصح أو ما يصح؟ لا يصح عندهم، اتحاد الشرط مع الجزاء، هنا لتعظيم الأمر وتهويله ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله)) إذا أريد تعظيم الأمر كرر بحروفه: أنا أبو النجم وشعري شعري ... . . . . . . . . . ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله)) لا بد من التقدير هنا ليتغاير الشرط مع الجزاء نية وقصداً ((فهجرته إلى الله ورسوله)) حقيقة وحكماً أو ثواباً وأجراً، جاء في الحديث: ((من رآني فقد رآني)) يعني: رأى حقيقتي؛ لأن الشيطان لا يتمثل به -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 9 ((فهجرته إلى الله ورسوله)) هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة مرتين، وهاجروا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، ووجبت الهجرة على من أسلم أن يهاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنُع المهاجر أن يمكث في البلد الذي هاجر منه، الذي تركه لله، ولم يستثن من ذلك إلا المستضعف الذي لا يستطيع حيلة، ولم تذكر الحيلة في شيء من النصوص صراحة إلا في الهجرة؛ لماذا؟ لعظم الأثر المترتب على إقامة المسلم بين الكفار، فالحيلة الصريحة إنما جاء التنصيص عليها في الهجرة، والسبب في هذا عظم الأثر المترتب على إقامة المسلم بين ظهراني الكفار، وكم من أخبار وكم من قصص يندى لها الجبين بالنسبة لمن يقيم بين ظهراني الكفار، وكم من شخص ارتد -نسأل الله السلام والعافية- بسبب ذلك، وأولاد المسلمين يؤخذون قهراً منهم، ويعلمون في مدارس غيرهم، السبب في هذا إقامتهم بين ظهراني الكفار إلا العاجز، العاجز الذي لا يستطيع حيلة مثل هذا معذور، جاء التنصيص عليه في آية النساء، أما الذي يستطيع أن ينتقل من بلاد الكفر إلى بلاد المسلمين يجب عليه ذلك. وقد برئ المعصوم من كل مسلم ... يقيم بدار الكفر غير مصارم المقصود أن الأمر ليس بالسهل لعظم الأثر المترتب عليه، والحيلة الشرعية إنما تجوز وتكون شرعية إذا كانت مما يتوصل به إلى فعل الواجب أو ترك المحرم، أما إذا كانت الحيلة على العكس يتوصل بها إلى ترك واجب أو إلى فعل محرم هذه حيل اليهود التي نُهينا عن التشبه بهم فيها ((لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)) فالذي يتحايل على الواجبات فيتركها، أو يتحايل على المحرمات فيرتكبها هذا فيه شبه من اليهود. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 10 ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) هجرته إلى ما هاجر إليه، سياق الشرط الثاني في مقابل الشرط الأول، الشرط الأول مدح والثاني ذم أو ليس بذم؟ الذي يقابل المدح الذم، ولا شك أن السياق يشعر بالذم، لكن من هاجر إلى بلد من البلدان لأنه ضاقت به المسالك في بلده، وانتقل إلى بلد آخر طلباً للزرق أو ماتت زوجته أو بحث عن زوجة فلم يجد ما يتزوجه في بلده فانتقل إلى بلد آخر لأنه يجد امرأة يتزوجها هناك يذم أو ما يذم؟ يذم؟ لا يذم؛ لماذا؟ لأنه هاجر طلباً للمباح، وأحياناً يكون طلباً لمستحب، وأحياناً يكون طلباً لواجب على حسب الحكم الشرعي بالنسبة له إلى طلب الدنيا ليتعفف بها عن سؤال الناس، أو طلب الزوجة ليحصن نفسه، لكن السياق هنا سياق ذم، وهو محمول على من تظاهر بالهجرة إلى الله ورسوله وحقيقة الأمر أنه إنما أراد الدنيا أو المرأة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 11 ذكرنا مثالاً في الدورة الماضية يصور لنا أو يقرب لنا هذه الهجرة، يعني الحديث محمول على شخص هاجر وفي نيته أنه يطلب المال، ثم يقول للناس: والله هذا البلد ليس فيه ما يعين على العبادة، أو تحصيل العلم، أو ما أشبه ذلك، أنا انتقل إلى البلد الفلاني، انتقل من المدينة إلى الرياض أو إلى كذا؛ لأن المشايخ والعلماء متوافرون هناك، ويتيسر لي أن أطلب العلم وهو في الحقيقة لأن فرص العمل الدنيوي أكثر في حقيقة الأمر، وكذلك إذا قال: يذهب هناك للبلد الفلاني لأن العُباد أكثر يعينونه على تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وفي حقيقة الأمر أنه ذكر له امرأة تناسبه هناك، فيتظاهر بغير الواقع، والمثال الذي كررناه: لو افترضنا أن شخصاً إذا بقي على غروب الشمس ربع ساعة نصف ساعة من يوم الاثنين أخذ التمر والقهوة والماء وذهب إلى المسجد وبسط سماطه في المسجد ووضع التمر وانتظر حتى يؤذن وهو ما صام، وكل من دخل من باب المسجد: تفضل أفطر معنا، هو ما صام، إذا نظرنا إلى أصل المسألة الأكل في المسجد مباح، وكونه لا يأكل إلا في وقت معين ما لم يتعبد به ينتظر مباح، لكن كونه يرتبط بهذا الوقت بهذه المدة على هيئة الصائمين، ويدعو الناس ليفطروا الناس معه، وينتظر حتى يؤذن، هذا يتظاهر للناس، بل يظهر للناس خلاف ما هو عليه، فيذم من هذه الحيثية، وإلا الأكل في المسجد ما فيه شيء، يعني: لو جاء بعدته من التمر والشاي والقهوة الضحى مثلاً، وصلى ركعتي الضحى وجلس يذكر الله حتى يؤذن لصلاة الظهر، ومعه التمر والشاي والقهوة وكذا ما يلومه أحد، لكن كونه يتحين هذا الوقت ويتظاهر للناس الذي يدخلون مع الأبواب أنه إنما يستعد للفطور من الصيام من هذه الحيثية يذم، ولذا الذي هاجر للدنيا أو هاجر من أجل المرأة، وقد أظهر للناس بقوله أو بفعله، بلسان حاله أو مقاله أنه إنما هاجر لله ولرسوله الذم من هذه الحيثية ((ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها)) دينا الدنيا ما قبل الآخرة، وما قبل الموت بالنسبة للأفراد، سميت بذلك لدنوها وقربها، أو لدناءتها وحقارتها. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 12 ((أو امرأة)) المرأة ومرأة مؤنث المرء والامرأ، وهذه الكلمة يقولون: إنها من الغرائب الامرأ، يقولون: لأن عينه تابعة للامه في الحركات، الراء تابعة للهمزة، جاء امرؤٌ، ورأيت امرأً، ومررت بامرئ، فالعين تابعة للام. ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) والحديث متفق عليه، متلقىً بالقبول، مجمع على صحته. والوقت لا يستوعب أكثر من هذا. نعم. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) " الإحداث والابتداع والتجديد لأن الحديث هو الجديد، والإحداث يطلق ويراد به الإنشاء والاختراع، ويطلق ويراد به التجديد. ((في أمرنا)) يعني في الدين، أما الإحداث والابتداع في أمور الدنيا، والإبداع والتجديد لا يدخل في هذا الحديث؛ لأنه يقول: ((في أمرنا)) يعني: في ديننا وفي شأننا. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 13 ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) الإحداث والابتداع في الدين مردود على من فعله كائناً من كان ((كل بدعة ضلالة)) والبدعة مردودة ممن جاء بها، لكن إذا أُثرت عمن أُمرنا بالاقتداء به فإنها حينئذٍ لا تكون بدعة ولا إبداع ولا إحداث، فمثلاً في قول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "نعمت البدعة" يعني: صلاة التراويح التي جمع الناس عليها، نعمت البدعة، بعض الشراح أساء الأدب وقال: "والبدعة مردودة ولو كانت من عمر" عمر أُمرنا بالاقتداء به والاستنان بسنته ((اقتدوا باللذين من بعدي)) ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) إذاً كيف يحدث ويبتدع عمر؟ ونقول: هذه بدعة لكنها من عمر فهي مقبولة، ومعلوم أن الأمر بالاقتداء باللذين من بعده والاهتداء بهديهم إنما هو فيما لا معارضة له مع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) عمر -رضي الله تعالى عنه- لما جمع الناس على صلاة التراويح وخرج ورآهم يصلون وأعجبه جمعهم على الإمام الواحد وعدم تفرقهم، الذي يترتب عليه اجتماع وأتلاف القلوب قال: نعمت البدعة، الشاطبي يقول: مجاز، استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: بدعة لغوية وليست شرعية، البدعة اللغوية ما عمل على غير مثال سابق، والشرعية ما دل عليها الحديث، ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب أو سنة، فهل جمع عمر الناس في صلاة التراويح على إمام واحد من باب البدعة اللغوية أو الشرعية؟ هل عمل عمر على غير مثال سبق؟ هل أحدث في الدين ما لم يسبق له شرعية في الكتاب والسنة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم ثلاث ليالٍ ثم ترك، ترك نسخ وإلا خشية أن تفرض مع بقاء الحكم؟ نعم، خشية أن تفرض وليس نسخاً لها، تركها لسبب، فإذا ارتفع السبب ارتفع الترك، آمنا من فرضيتها بموته -عليه الصلاة والسلام- فيعود الحكم الذي هو الترك، فليست ببدعة شرعية قطعاً؛ لأنها عُملت على مثال سبق بأن سبق لها شرعية من عمله -عليه الصلاة والسلام-، وليست ببدعة لغوية لأنها مثل ما ذكرنا لا ينطبق عليها حد البدعة اللغوية؛ لأن أكثر ما يتمسك به المبتدعة الجزء: 60 ¦ الصفحة: 14 بقول عمر، ومن يقسم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة يستند إلى قول عمر، ومن يقسم البدع إلى الأحكام التكليفية الخمسة يستند إلى قول عمر، فإذا أجبنا عن قول عمر انتهى الإشكال. قال: وهذه بدعة لكنها حسنة، فما المانع من أن يحدث بدع حسنة بخلاف البدع السيئة؟ هذه بدعة مستحبة فلماذا لا نبتدع بدع واجبة؟ إلى غير ذلك مما يحتمله أحكام التكليف، نقول: أصلاً هذه ليست ببدعة، طيب تقولون: ليست ببدعة وصاحبها يقول: بدعة؟ نقول: ليست ببدعة، طيب كيف يقول: بدعة؟ نقول: هذه ليست بمجاز لأنه لا مجاز، وهذه أيضاً ليست ببدعة لغوية لأنها سبق لها شرعية، ولم تعمل على لا مثال سبق، إنما سبق لها التشريع من المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، وإنما هي من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الأولى سيئة بالفعل والثانية حسنة؛ لأن معاقبة الجاني ليس بسيئة، هذه مشاكلة في التعبير، مجانسة، وهذا أسلوب معروف في البديع من علوم البلاغة. قال: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا مشاكلة، والمشاكلة: أن يأتي المتكلم بكلام له مشاكل ومجانس في السياق حقيقة أو حكماً، يعني: هل يوجد من قال لعمر: ابتدعت يا عمر فقال: نعمت البدعة؟ لا يشترطون أن يكون المجانس والمشاكل مذكور، بل لو وجد حكمه كأن عمر -رضي الله تعالى عنه- خشي أن يقول قائل: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة، وعلى هذا التقسيم تقسيم البدع إلى ما يمدح وما يذم أو إلى ما يجب ويستحب ويباح تقسيم لا أصل له، والشاطبي في الاعتصام رده رداً قوياً، وقوض دعائمه، وإن قال به بعض العلماء، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) وهنا (من) من صيغ العموم. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 15 ((من أحدث)) مهما كان المحدث ومهما كان الحدث ((في أمرنا)) في ديننا هذا ((ما ليس منه فهو رد)) يعني: مردود عليه، رد مصدر يراد به اسم المفعول كالحمل يطلق ويراد به المحمول، فكل من أحدث في الدين فهو في ضلالة؛ لأن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، هل المراد أن هذا الضلالة نفسها البدعة نفسها في النار مع سلامة صاحبها، أو المراد أن صاحبها في النار؟ نعم المراد صاحبها ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) يعني: الثوب في النار وإلا صاحب الثوب؟ صاحب الثوب بلا شك. والحدث والإحداث في الدين شأنه خطير لأنه تشريع، ومشاركة لله -جل وعلا- في شرعه، وصد عن دينه؛ لأن كل بدعة توجد تكون في مقابل سنة، كل من ابتدع أو عمل ببدعة حرم من العمل بالسنة بقدرها، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يُحدث، ما لم يؤذِ)) الحدث هذا يحتمل أن يكون إبطال الطهارة، ويحتمل أيضاً أن يكون إحداثه في الدين، فيحرم من هذا الدعاء، المقصود أن الحوادث والبدع شأنها عظيم، وأمرها خطير، وله قواعد، ولها ضوابط، ولها أمثلة كثيرة في كلام أهل العلم، وألفت فيها الكتب، ولا داعي للإطالة بتفصيلها. هذا الحديث مع الرواية الأخرى: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) عليه الشرط أو منه يؤخذ الشرط الثاني لقبول الأعمال وهو المتابعة، فكل عبادة يشترط لها شرطان: الإخلاص كما دل عليه الحديث الأول، والمتابعة وهو ما دل عليه الحديث الثاني {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [(7) سورة هود] يعني ما قال: أكثر، أحسن. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 16 يقول الفضيل بن عياض: {أَحْسَنُ عَمَلاً} [(7) سورة هود] أخلصه وأصوبه، الخالص هو الشرط الأول أخلصه، يكون العامل مخلصاً لله -جل وعلا- في عمله، صواباً على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وإذا اختل شرط من هذين الشرطين لم يقبل العمل، منهم من يقول: يكتفى بالشرط الثاني، وهو أن يكون موافقاً لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يكفي أن تصلي كما رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام-، يكفي أن تأخذ عنه المناسك، يكفي أن تأخذ عنه الصيام، وغير ذلك لأنه هو الأسوة والقدوة يكفي هذا الشرط؛ لأنك إذا عملت مثل ما عمل غير مخلصاً لله -جل وعلا- ما تحقق الشرط الثاني، فلن يتحقق الشرط الثاني إلا بتحقق الشرط الأول، فعلى هذا يكتفى بالشرط الثاني، ويشترط لصحة العمل أن يكون صواباً على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن هديه الإخلاص، إذاً لا داعي لأن يشترط الشرط الأول، وأقول: أهل العلم يؤكدون على الشرط الأول، وهو وإن دخل من حيث العموم والجملة في الشرط الثاني إلا أنه لا بد من التنصيص عليه؛ لأن الغفلة عنه تجعل العمل على نقيض المقصود مقصود العامل، لا يكفي أن تكون مثلاً الصلاة باطلة إذا لم يكن الرجل مخلصاً فيها، ولا يكفي أن يكون حكمه حكم العوام إذا لم يكن مخلصاً في علمه، إنما يكون وبالاً على صاحبه -نسأل الله السلامة والعافية-، فالتنصيص على الإخلاص والتذكير به في كل مناسبة أمر لا بد منه، ولذا قال أهل العلم ما ذكرناه في أول الدرس: أن هذا الحديث حديث عمر ينبغي أن يجعل في صدر كل باب من أبواب الدين. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 17 ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) يستدل به من يبطل جميع التصرفات الشرعية إذا وقع فيها ما ليس من أمره -عليه الصلاة والسلام-، أو ما ليس من فعله -صلى الله عليه وسلم-، فيستدل بهذا من يرى عدم وقوع الطلاق إذا لم يكن سنياً إذا كان بدعياً، فالثلاث المجموعة لا تقع كيف لا تقع؟ لأنها بدعة، لكن هل يقول قائل: إنها لا تقع بالكلية أو تقع واحدة؟ الطلاق في الحيض لا يقع لأنه بدعي، وليس عليه أمرنا فهو مردود على صاحبه، الطلاق في طهر جامعها فيه لا يقع لأنه بدعي وليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، طلاق الثلاث مقتضى هذا أن لا يقع به شيء صح وإلا لا؟ مثل الطلاق في الحيض، لكن هل يقول قائل: إن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثاً لم يتخللها رجعه أنه لا يقع شيء لأنه بدعي أو يقع واحدة؟ يقع واحدة، لكن لو قلنا بالتطبيق الحرفي لهذا الحديث على هذه المسألة فالمقتضى أن لا يقع شيء لأنه بدعي مردود نرده بالجملة، بالكلية، كيف نرد طلقتين ونقبل واحدة؟ جاء الخبر الصحيح أن الطلاق الثلاث على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر واحدة، وعلى هذا يعول من يقول: إن الطلاق الثلاث إنما يقع واحدة، وهو القول المرجح عند شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم، وإن كان الجمهور على خلافه؛ لأن عمر أوقعه لما رأى الناس يتتابعون عليه، ويتلاعبون بحدود الله أوقعه عليهم، وعمل به جماهير أهل العلم تبعاً لعمر، والمفتى به والمرجح عند أهل التحقيق أن الثلاث تكون واحدة، والعمدة في هذا حديث الباب مع ما يفسره من كونهم يجعلون الثلاث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر الثلاث واحدة، وإذا كان هذا هو الموجود في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو الحجة وهو المعتبر، وكون عمر يمضيه على الناس من باب التعزير ليس معنى هذا أنه يستقر حكماً شرعياً، يعني: مثل ما جاء في الأمر بقتل المدمن ((إذا شرب الرابعة فاقتلوه)) قالوا: إن حده الأربعون جلدة، أو الثمانون على خلاف بين أهل العلم، وأما قتله فمن باب التعزير، إذا لم يرتدع الشُرّاب بالحد يقتل من يرتدع بهم الباقي. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 18 الزيادة على المشروع، الأعداد المقدرة شرعاً مثل ركعات الصلوات، شخص صلى الظهر متعمد خمس ركعات، أو صلى الصبح ثلاث ركعات، أو المغرب أربع ركعات متعمداً هذا صلاته باطلة اتفاقاً؛ لأنه أحدث في الدين فهو مردود عليه؛ لأن هذا حد محدد ومقدر شرعاً لا تجوز الزيادة عليه والنقص منه. زاد على الأذكار المطلوبة قلنا: الزيادة في الأعداد في أعداد ركعات الصلوات تبطلها، فإذا زاد على الأذكار هل يترتب الوعد من الثواب أو الحفظ على هذه الزيادة، أو نقول: إن هذه الزيادة كأعداد الصلوات تبطل المزيد؟ مثلاً: ((من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) لو قالها مائة وعشر، قال: ما من زيادة التسبيح إلا خير، تأتي عليها بالبطلان ولا يترتب عليها أثرها؟ أو نقول: المقصود حصل بالمائة والزيادة قدر زايد الأولى أن لا يزاد وإن زيْد فلا أثر له؟ ولذا جاء في حديث: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة كتب له .. ومحي عنه .. وحفظ .. وكانت حرزاً له من الشيطان، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا شخص عمل مثله أو زاد)) يعني هل معنى هذا أن من قال: لا إله إلا الله إلى آخر المائة وعشرة يحوز على هذه الآثار المترتبة على هذا الذكر والزيادة مقبولة في مثل هذا لأنه ذكر ((وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) فالزيادة تكون من المطلق، أو نقول: لا بد أن يتقيد بالعدد كأعداد الصلوات؟ وما معنى: أو زاد؟ هل المراد به زاد على المائة أو زاد في المئات؟ يعني: قالها مائة، ثم قالها مائة ثانية، ثم قالها مائة ثالثة، وهكذا؟ طالب: ثانية. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 19 الذي يظهر أنه زاد على المائة، فتكون المائة محققة للوعد، وما زاد عليها له أجره، ولم يأت على المزيد بالبطلان، وهذا يخفف في هذا الباب، وإلا فالأصل أن الأعداد التي جاءت عن الشارع ورتب عليها بعض الأمور أن قائلها لا بد أن يتقيد بها، وإلا ما صار للعدد فائدة، هل يدخل قولهم الزيادة مطلوبة أو الزيادة من الثقة مقبولة في مثل هذا؟ يعني سبحان الله وبحمده مائة مرة قالها مائة وعشرة، أو قال: لا إله إلا الله مائة وعشرة أو مائة وعشرين هل نقول: هذا يدخل فيمن زاد؟ ويترتب عليه الأثر والأجور المرتبة في الحديث والزيادة لها أجرها تكون من المطلق؟ قوله: "أو زاد" هل يحمل على المئات أو على العشرات أو الآحاد؟ إذا جاء بمائة حقق ما طلب منه، وترتب عليه آثاره، لكن لو نقص واحدة أو زاد واحدة، يعني: هل العدد له مفهوم أو لا مفهوم له؟ جاء بمائة في أول النهار، جاء بمائة بعد الظهر، جاء بمائة بعد العصر، جاء بمائة بعد المغرب، جاء بمائة بعد العشاء، هل نقول: إن هذا يدخل فيمن زاد، أو نقول: إن المطلوب مائة في اليوم؟ أو كما جاء في بعض الروايات: في اليوم مرتين، يعني: في النهار وفي الليل، جاء في بعض الروايات ما يدل على هذا، فعلى هذا من جاء بها ثلاث مرات، يعني: هل الزيادة عليها مؤثرة؟ لا، ليست مؤثرة، بدليل قوله: ((أو زاد)) لكن هل هذه الزيادة غير المؤثرة في المئات كما يقول بعضهم: إن العدد المحدد ما فيه زيادة عليه، مائة مائة لا تزيد ولا تنقص، لكن إن زدت مئات دخلت في قوله: "أو زاد" لكن إن زدت آحاد أو عشرات زدت على القدر المحدد شرعاً فلا يثبت لك الأجر إن سلمت من الوزر. طالب:. . . . . . . . . ما دام اللفظ محتمل واللفظ صحيح ما الذي يجعلنا نضيق على أنفسنا، نعم الأعداد التي لم يأتِ فيها مثل هذا لا يزاد عليها ولا ينقص، لكن من جاء بهذا الذكر الذي فيه: ((أو زاد)) ما المانع أن يأتي بالمائة، ويضمن ما رتب عليها، وبعد ذلك يقول ما شاء ليزيد. طالب:. . . . . . . . . نعم. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 20 وعن الشعبي عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن الشعبي" عامر بن شراحيل التابعي الجليل "عن النعمان بن بشير" الصحابي الجليل يقول: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه" ليبين أنه متحقق من ضبط هذا الخبر وحفظه وإتقانه، وأنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة من غير واسطة، سمعه بأذنيه، لكن هل الخبر يسمع بأذنين أو بأذن واحدة؟ يعني: أشار بأذنيه {وَتَعِيَهَا} [(12) سورة الحاقة]. طالب:. . . . . . . . . إيش؟ طالب:. . . . . . . . . {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} هل الخبر يسمع بأذن واحدة أو بأذنين؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . تظن الأخبار بالهدفون تجي بالأذنين! النعمان أهوى -رضي الله عنه- بأصبعيه، الصحابي يقول: سمعته أذناي، لا شك أن وصول الخبر إلى الحاسة حاسة السمع على حسب موقع المخبر، إذا كان المخبر من جهة اليمين فالأذن اليمنى، وإن كان من جهة الشمال فالتي تسمع الأذن اليسرى، وإن كان في المقابل من الأمام أو من الخلف بحيث يكون بعد الصوت عن الأذنين على حد سواء يسمع بأذنيه أو تسمعه الأذن الأقوى في السمع دون الأخرى. "وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه" لبين أنه سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- من دون واسطة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 21 يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين)) الحلال بين وواضح، الحرام بين واضح لا خفاء فيه، وهذا من باب المقابلة بين المتضادين، هذا حلال وهذا حرام، فالحلال ضد الحرام، والحرام ضد الحلال، ولذا لما جاؤوا في ترجمة حرام بن عثمان قالوا: بلفظ ضد الحلال ليضبط اسمه لئلا يصحف، حرام إيش معنى حرام؟ شخص يسمى حرام؟! يهجم عليه من يصححه فيقول: حزام مثلاً، لا، قالوا: بلفظ ضد الحلال، وهذه طريقة لهم في ضبط الأسماء، الحكم بن عتيبة كثير من الكتب مصحف فيها إلى عيينة، لكن الشراح يقولون: بتصغير عتبة الدار وينتهي الإشكال، ما نحتاج إلى أن نقول: بضم العين المهملة ولا .. ، أبد، تصير معروفة، وهذه من طرقهم في ضبط الألفاظ. ((إن الحلال بين)) تأكيد ((وإن الحرام بين)) واضح لا اشتباه فيه، وأيهما الأصل الحظر أو الحل؟ طالب:. . . . . . . . . أيهما الأصل؟ طالب:. . . . . . . . . الحل الأصل. طالب:. . . . . . . . . تفصيل. طالب:. . . . . . . . . أبو حنيفة يقول: الحلال ما أحله الله، والشافعي ومن معه يقولون: الحرام ما حرمه الله، الذي يسمع هذا الكلام يقول: ما في فرق، في فرق بين المذهبين؟ طالب:. . . . . . . . . أبو حنيفة يقول: الحلال ما أحله الله، مفهومه أن ما عدا ما أحله الله فهو حرام، إذن الأصل الحظر. وقول الشافعي: الحرام ما حرمه الله، يكون الأصل الحل، ثم إن وجد ما يرفع هذا الأصل إلى التحريم انتقل عن الأصل، لو خرجت في نزهة إلى البر فوجدت نباتاً أو حيواناً لا تعرف حكمه ما عندك فيه دليل لا دليل يبيح ولا دليل يمنع تأكل أو لا تأكل؟ على رأي أبي حنفية ما تأكل؛ لأن الحلال ما أحله الله، وليس عندك نص يدل على أن الله أحل هذا، وعند الشافعي تأكل حتى تقف على نص يمنعك منه. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 22 ((إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات)) بعض الروايات: ((مشبهات)) بعض الروايات: ((متشابهات)) وهنا يقول: ((مشتبهات)) يعني: ملتبسات ((لا يعلمهن كثير من الناس)) يلتبس الأمر فيهن على كثير من الناس، كون الأمر يلتبس على العامة هذا هو الأصل؛ لأنهم لا علم لهم بالحلال والحرام إلا ما علم من الدين بالضرورة، لكن كون الأمر يشتبه ويلتبس على طلاب العلم أو بعض أهل العلم، والاشتباه أمر نسبي قد يكون هذا مشتبه وملتبس على زيد من الناس ولا يلتبس على عمرو، يلتبس على هذا العالم، ويظهر الحكم لآخر، يلتبس فهم الخبر على هذا العالم ويتجلى لغيره، فهذه الأمور نسبية، وعلى كل حال إذا كان الشخص من أهل النظر فالمشتبهات بالنسبة له، هذه الأمور المشتبه منهم من يقول: هي المكروهات، فهذه المكروهات تتقى خشية أن تكون من المحرمات في حقيقة الأمر، وإن لاح للمجتهد أنها لا تصل إلى التحريم فهذه شبهة، برزخ بين الحلال والحرام، ومنهم من يقول: المشتبهات ما يختلف فيه بين العلماء من غير ترجيح، فيخشى أن يكون القول الراجح مع من حرم، ومنها أقوال كثيرة لأهل العلم لكن الخلاصة: أن على المسلم أن لا يقرب المحرمات الواضح تحريمها، البين تحريمها، وعليه أن يتقي الشبهات استبراءاً لدينه وعرضه؛ لئلا يقع في المحرمات، ومن ورع السلف -رحمهم الله- أنهم يتركون الحلال الذي يخشى منه أن يجر إلى الحرام، فالاستمرار والإكثار من مزاولة المباحات وتعويد النفس عليها لا شك أنه يجر إلى المكروهات، ويجر إلى الشبهات، متى وصل بنو إسرائيل إلى الجريمة العظمى قتل الأنبياء؟ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(112) سورة آل عمران] تبدأ الأمور بالشيء السهل، ثم يتطور يتجاوزه إلى ما عداه؛ لأن عقوبات المعاصي معاصي أكبر منها، السيئة تقول: أختي أختي، فإذا عمل هذه المعصية جرته هذه المعصية عقوبة له إلى المعصية التي تليها {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(112) سورة آل عمران] إلى أن وصل الأمر إلى قتل الأنبياء، ووصل الأمر بغيرهم إلى قتل الذين يأمرون الناس بالقسط، وهو مقرون بقتل الأنبياء -نسأل الله السلامة والعافية-، تجد هذا يبدأ بمعصية الجزء: 60 ¦ الصفحة: 23 صغيرة، ثم التي تليها، ثم التي تليها، ثم يستمرئ الكبائر والجرائم، ثم يعتادها فتجره إلى ما هو أعظم، فعلى الإنسان أن يجعل لنفسه حداً وسداً منيعاً لئلا يُستدرج بسبب ما يقع فيه من معاصي يظنها سهلة إلى ما هو أعظم منها، وإلا هل يتصور مسلم يعقل ما يقول والله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] أن يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... وتنطمس البصائر والقلوبُ يتصور؟! لا، هل هذه أول ما قال؟ لا، ليست أول ما قال، هل يتصور مسلم يصلي يسجد لله يقول: سبحان ربي الأسفل؟ إلا أنه قد قال قبلها كلمات، وأنتم وفي هذه الأيام التي نعيشها نفاجأ بأن فلان قال كذا، ونستعظم هذا الأمر، لكنه قال قبله كلمات رققت مثل هذه الكلمة، وتصرف هذه التصرفات التي سهلت عليه مثل هذا الكلام، ولذا هذا الاحتياط في هذا الحديث ينبغي أن يكون نصب عيني المسلم وبالذات طالب العلم. ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات)) أو ((المشتبهات)) أو ((المتشابهات)) اتقاها جعل بينه وبينها وقاية، كيف تجعل وقاية؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 60 ¦ الصفحة: 24 بالابتعاد عنها تجعل هناك سد واقي، ولا يكون إلا بترك شيء من المباحات، الآن تصور المحرمات بعيدة عنك لأنك مسلم تتدين بقال الله وقال رسوله، تتدين بقوله: افعل ولا تفعل، المحرمات في أول الأمر بعيدة عنك، دونها الشبهات البرزخ، ثم دونها مباحات، ثم دونها ما دونها، حتى لا تصل إلى الشبهات تترك شيء من المباحات؛ لتضمن أنك بعيد عن الشبهات، وبعدك عن الشبهات دليل على أنك للمحرمات أبعد، نضرب مثال: المساهمة في شركة فيها الحرام بين، الربا الصريح مهما قلت نسبته هل هذا من الشبهات أو من الحرام البين؟ هذا حرام بين، دون هذه الشبهة دون هذا الحرام البين شركات أو مؤسسات تتعامل بأمور يختلف فيها العلماء، منهم من يجيز، ومنهم من يمنع، وقد يدخل بعض عقودهم شيء يغطي ويلبس أمر هذه العقود، ويخفي وضعها على بعض الناس، هذه شبهات، قد يرد على هذه الشركات أو هذه المؤسسات شيء ما حسبت له حساب، هذه شبهات يمكن أن يُتخلص منها، والأولى أن لا يدخل في شيء فيه شبهة، فضلاً عن كونه يدخل في شيء ويقدم على محرم، يعني: يقدم على محرم يقول: يتخلص منه؟ ليس بصحيح، الإقدام على المحرم حرام، لكن تقدم على شيء مباح حلال بين، ثم يرد عليك من غير قصد شيء فيه شبهة هذا تتخلص منه. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 25 ((فمن اتقى الشبهات)) جعل بينه وبين هذه الشبهات وقاية، الآن لو أن شخصاً سكن سواء كان في بيت، أو في محل تجاري بجوار مطعم أو بجوار مخبز، في وقاية بينه وبين المخبز جدار، لكن إذا وضعت يدك على الجدار تحس بالحرارة وإلا ما تحس؟ تحس بالحرارة، تحتاج إلى عوازل، لا بد من عوازل تقيك هذه الحرارة، وقد يحتاط فيضع عوازل وعوازل أخرى، هذا لأمر دنياه يحتاط؛ ليش؟ لأنه ما يريد الحرارة، ويحتاط أيضاً لئلا يحمل الكهرباء أكثر مما تتحمله؛ لأنه بدل ما يحتاج إلى مكيف يضع اثنين إذا صار بجواره مخبز، لكن إذا وضع العوازل ووضع .. اتقى هذا الحر بما يستطيعه من وقاية ابتعد عن الحرارة، وهنا نقول: اتقى الشبهات، كيف يتقي الشبهات؟ يتقيها بترك ما يقرب منها من مباحات، فيقع في المحرم وهو لا يشعر، تستدرجه هذه المقدمات إلى النتائج المحرمة، فهذا معنى: ((استبرأ لدينه)) طلب البراءة لدينه فلم يرتكب محرم بسبب تجاوزه هذه الشبهة، واستبرأ أيضاً لعرضه لئلا يقع فيه من يقع، يعني: إذا رأى الناس شخص يتساهل في معاملاته، لا يأتي إلى المحرم الصريح، لكنه لا يتورع عن أمور قد لا يتبينها، أو قد يرد عليه أشياء أو قد .. ، المقصود أن مثل هذا يكون فرصة لكلام الناس، يتحدث الناس فيه، فلان لا يتورع، فلان لا .. إلى أن يقال: إن فلان يأكل الحرام، وإن كانت حقيقته لا يأكل الحرام البين، لكنه هو الذي عرض نفسه لكلام الناس. ((استبرأ لدينه وعرضه)) يعني: قطع ألسنة الناس عنه، لكن هل هذا يبرر للناس أن يقعوا في عرضه؟ لا، ليس بمبرر، ومثل هذا لا يبيح عرضه، بل هو مسلم له حقوقه، وعرضه مصان، وغيبته حرام، وجاء في المماطل: ((مطل الغني ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) هل معنى هذا أن الناس يجعلونه مادة لأنسهم وحديثهم؟ لا، إنما أبيح .. ، أهل العلم قالوا: إن الحديث يبيح من عرضه أن يقول المظلوم المُماطل: مطلني فلان، لا يزيد على ذلك، ومثل هذا لا تجوز غيبته، يعني كونه يقع لا يعني أنه يباح. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 26 ((استبرأ لدينه وعرضه)) وكثير من الناس يعرض نفسه وعرضه للقيل والقال، ومن كف الغيبة عن نفسه وأعان على كف الغيبة عن نفسه هذا لا شك أنه يسلم من الناس وأذاهم، ومع ذلك يسلم غيره من معرة غيبته، فالمسألة فيها طرفان: هذا الشخص الذي عرض نفسه لغيبة الناس يتوجه إليه الخطاب بهذا الحديث، والذي وقع في عرضه له نصوص يواجه بها، وقل مثل هذا: عالم زل مثلاً أو كثر منه الشذوذ مثلاً، لا شك أنه ما استبرأ لعرضه، هذا هو الذي صار في طريق الناس يطئونه ذهاباً وإياباً، لكن ليس هذا بمبرر أن يطأه الناس، أو يلوكون عرضه، أو يتكلمون فيه، هذا ليس بمبرر، فكل له من خطاب الشرع ما يخصه، وعلى الإنسان إذا أراد أن يتكلم سواء كان هذا الشخص الذي وقع في الشبهات، أو الشخص الذي كثر منه الشذوذ في الفتوى بحيث صار فاكهة في مجالس الناس عليه أن يراقب الله -جل وعلا-، فلا يعرض إخوانه المسلمين لأن يقعوا في عرضه، ويأثمون بذلك، وعلى الآخرين أيضاً أن يحاسبوا أنفسهم، وعلى كل أحد أن يجعل المراقبة والخشية لله -جل وعلا- حق، نصب عينيه، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار ... الجزء: 60 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الجامع (2) الشيخ: عبد الكريم الخضير المراقبة والخشية لله -جل وعلا- حق، نصب عينيه، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، يقول ابن دقيق العيد: وقف على شفيرها العلماء والحكام، المقصود أن مثل هذا الذي لا يتقي الشبهات لا بد وأن يقع في الحرام، كما أن الذي يسترسل في المباحات قد يبحث عن هذه المباحات التي عود نفسه عليها فلا يجدها، وحينئذٍ يتجاوزها إلى ما وراءها من المكروهات والشبهات، ثم بعد ذلك يبحث عن هذه الشبهات والمكروهات فلا يجدها، وقد ألفتها نفسه فيتجاوزها إلى المحرمات معللاً بأن الله -جل وعلا- غفور رحيم، لكن يغفل عن كونه شديد العقاب، عن كونه -جل وعلا- شديد العقاب، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه. ((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) نعم الذي يعتاد هذا الأمر لا شك أنه قد عود نفسه، واستمرأ على هذا الشيء لا بد أن يتجاوزه إلى غيره؛ لأنه قد يطلبه في وقت من الأوقات فلا يحصل له. ((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) شرط جزاء ((كالراعي)) هذا مثال وتنظير مطابق، واستعمال للقياس الصحيح. ((كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) في رواية: ((يرتع)) الراعي يرعى حول الحمى، الحمى الأصل أن الملوك لهم دواب، ولهم مواشٍ يرتزقون من ورائها، مما لا يشغلهم عن ملكهم، ويحمون لهم الحمى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حمى لأبل الصدقة، وأبو بكر وعمر، فهذا الحمى إذا رعى هذا الراعي حوله، يعني كون الراعي يمر بأبله أو بغنمه على حافة هذا الحمى على نفس الحد، هل يأمن أن تدخل واحدة من هذه المواشي فتأكل من الأرض المحمية؟ لا يملك، لا بد وأن .. ، والغالب أن الأرض المحمية تكون أخصب من غيرها، فتند منه الشاردة من الإبل أو من الغنم فتأكل من هذا الحمى، وهو أيضاً إذا مشى على الحافة ولم يتقِ الشبهات لا شك أنه سوف يقع فيما حرم الله عليه. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 1 ((كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، إلا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه)) لا يجوز قربانها، فكون المحرم لا يجوز قربانه أبلغ من كونه لا يجوز الوقوع فيه، بمعنى أنه يمنع وتمنع الوسائل الموصلة إليه، يُمنع المحرم وتمنع الوسائل الموصلة إليه، ولذا حرم الله النظر، وأمر بغض البصر وجوباً، فيأثم الذي يرسل نظره ولو لم يقع في الفاحشة؛ لماذا؟ حماية للمحرم، وصيانة له. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 2 ((ألا وإن حمى الله محارمه)) (ألا) أداة تنبيه تجعل السامع ينتبه لما بعدها ((ألا وإن في الجسد مضغة)) في الجسد في جسد ابن آدم مضغة، يعني: بقدر ما يمضغه الإنسان ((في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله)) إذا صلحت هذه المضغة صلح الجسد كله ((وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) فالجسد بجميع أجزائه مملكة، القلب هذا هو الملك، والجوارح أعوان له، الجوارح والحواس كلها أعوان فيما يصدر منه وفيما يرد إليه وسائط، إذا صلحت هذه المضغة صلح الجسد كله، وإذا فسدت بالعكس، والعكس بالعكس، فالمعول على هذه المضغة وهي القلب، فعلى المسلم أن يسعى لصلاحها، وشفاؤها بتدبر القرآن، وفهم ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والعمل به، هذه المضغة المحسوسة القلب مثار إشكال كبير عند أهل العلم من الشرعيين والأطباء وغيرهم، يعني خطاب الشرع في جملته يتجه إلى القلب، والعقل عند أهل العلم هو مناط التكليف، وجاء الاقتران بين العقل والقلب في بعض الآيات، فهل المراد فيما وجه إليه الخطاب الشرعي القلب القطعة المعروفة في بدن الإنسان التي تضخ الدم أو هي غيرها؟ الأطباء يجعلون المعول على العقل الذي محله الدماغ، وأما القلب فكغيره كالرئة مثلاً، كغيره بدليل أنه يغير قلب إنسان يزرع له قلب ولا يتأثر عندهم، لكن ماذا نصنع بخطاب الشرع الذي في جملته موجه إلى القلب مثل هذا الحديث؟ وقوله: ((إلا وإن في الجسد مضغة)) لدلالة على أن هذا أمر حسي لا معنوي ((إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب)) ولذا عامة أهل العلم أو أكثرهم على أن العقل محله القلب، الأطباء يقولون: يزرع قلب جديد والعقل هو هو ما تغير، وقد يوجد قلب سليم من الناحية الطبية مائة بالمائة في جسد مجنون، لا عقل له، فدل عندهم على أنه لا ارتباط بين العقل والقلب، يقولون: العقل محله الدماغ، وقد يختل العقل والقلب سليم، والعكس، وتمشياً مع النصوص التي كلها تخاطب القلب يقول أهل العلم: إن العقل محله القلب، الإمام أحمد له رأي في المسألة وهو: أن العقل محله القلب وله اتصال بالدماغ، بمعنى أنه يكون -على جهة التمثيل- مثل الكهرباء فيه السالب والموجب أحدهما لا يعمل بغير الجزء: 61 ¦ الصفحة: 3 الآخر، ومثل هذا الأمر الذي يخفى على الناس المسألة من عضل المسائل، وهي من أقرب ما يتصوره الإنسان إلى نفسه قلبه، كما أن روحه التي بين جنبيه لا يعرف كنهها ولا حقيقتها، وكذلك جاء مثل هذا في أقرب وأهم شيء في الإنسان لا يدرك حقيقة الأمر فيه ليعلم يقيناً أنه مهما بلغ من العلم، ومهما بلغ من الفهم، ومهما بلغ من غاية العقل أنه لن يخرج عن قوله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] وهذا القلب المحسوس المضغة فيه العجائب، ويذكر الأطباء المتخصصون في جراحة القلب أمور لا تخطر على بال، تنبغي والأمر معلق بالقلب إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، ينبغي بل يتعين على طالب العلم أن يسعى جاهداً لإصلاح هذا القلب، وإصلاحه بالدواء الناجع المفيد فيما جاء عن الله وعن رسوله، والقلوب لها أمراض، والران يتراكم عليها ويحجبها، لكن دواءها وجلاءها بكتاب الله -جل وعلا-، وما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما ذكره العلماء المحققون في بيان عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- في أمراض القلوب فلتراجع، وليكن لطالب العلم نصيب وافر منها، ومؤلفات ابن القيم -رحمه الله- مملوءة بما تعالج به أمراض القلوب. سم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) " اجتنبوا يعني: ابتعدوا، السبع المذكورة في هذا الحديث، والعدد لا مفهوم له، لكن لأهمية هذه السبع جاء التنصيص عليها، وإلا فالذنوب المهلكة كثيرة جداً، حتى الصغائر قد تجتمع على الإنسان فتهلكه فضلاً عن الكبائر، والموبقات: المهلكات لفاعلهن. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 4 "قيل: يا رسول الله وما هن؟! " قيل من قبل الصحابة، وهذا من حرصهم، والأمر يعنيهم، وما هن؟ وتجد الإنسان يسمع هذا الكلام المجمل والمفصل، ولا يحفظ مثل هذه السبع الموبقات التي تقضي عليه وتهلكه، بينما لو كان هذا الأمر المؤثر عليه مما يؤثر على تجارته ضبطه وأتقنه، والناس لهم عناية فيما يمس دنياهم، تجد الموظف ومدير الدائرة ووكلاءه ورؤساء الأقسام عنده عنايتهم بالأنظمة التي تسير عملهم، يتفهمونها ويحفظونها ويشرحونها، وإذا أشكل عليهم شيء منها طلبوا تفسيره من الجهات، وكذلك التاجر تجده يعكف على نظام الشركة الفلانية؛ لأنه يريد أن يتعامل معها، والشركة الفلانية لأنه يريد كذا وكذا، وهذا لا يقال فيه شيء، لكن عندنا أمور أمر خلقنا من أجله، لا بد من تحقيقه، فلا بد أن نُعنى به، تجد المسلم يسمع القول: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) هذه السبع المهلكات. قيل: يا رسول الله وما هن؟ يعني يمكن أن يمر هذا الكلام على الصحابة دون ... طالب:. . . . . . . . . ما يمر مثل هذا الكلام على الصحابة إلا يطلبون تفصيله "قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله)) " وهو أعظم الذنوب، وما عصي الرب -جل وعلا- بأعظم منه ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك)) ومع الأسف أنه في حياة كثير من الناس أن لا يستعظمون أمر التوحيد، وما يناقض التوحيد {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] الشرك بالله، وهذا يشمل الشرك الأكبر والأصغر، وكلاهما داخل في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] على خلاف بينهم في الأصغر، هل حكمه حكم الكبائر الداخل تحت المشيئة {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]؟ أو حكمه حكم الشرك لا بد أن يعاقب وإن لم يخلد كالمشرك الشرك الأكبر؟ الجزء: 61 ¦ الصفحة: 5 ((والسحر)) وفيه شرك إلا أن التنصيص عليه وعطفه على الشرك من باب عطف الخاص على العام للعناية به، وإلا فالأصل أن الساحر لن يصل إلى ما يريد إلا بعد أن يقرب للشياطين، ويشرك بالله -جل وعلا-، وكذلك من يتعامل مع الساحر لا بد أن يقدم شيئاً، وهو نوع من الشرك، والسحر شأنه خطير، وأمره عظيم، وحصلت بسببه المصائب والكوارث، وهدمت البيوت بسببه، وزاد شره واستطار واستفحل أمره في العصور المتأخرة، فلا بد من الضرب بيد من حديد على هؤلاء السحرة والمشعوذين، وقطع الطريق على كل من يسعى في تشريع عملهم؛ لأن من أهل العلم من يسعى في التشريع وفي بقائهم من حيث لا يشعر، يشعر أو لا يشعر، فالذي يفتي الناس بجواز الذهاب إلى السحرة لحل السحر هذا تشريع لبقائهم، ما دام هذا العمل جائز كيف تأمر بالقضاء عليهم؟! ولا شك أن مثل هذه الفتوى سبيل وطريق إلى تشريع عملهم وإبقائهم، بل الدعوة بأنهم محسنون، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والسحر)). ((وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)) والقتل قتل العمد أمره عظيم {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] نسأل الله السلامة والعافية، وقرن بالشرك: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] هذه عظائم الأمور، مقرون بعضها ببعض، طيب ((قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)) وجاء في تعظيم قتل النفس ما جاء من نصوص الكتاب والسنة، فلا يجوز التعدي على النفس المعصومة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، معاهد أو ذمي، والمسلم من باب أولى ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) فالأمر جد خطير، وشأنه عظيم ((قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)) إلا بأن تستحق ((النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه، المفارق للجماعة)). الجزء: 61 ¦ الصفحة: 6 ((وأكل مال اليتيم)) اليتيم في الشرع: هو من مات أبوه وهو دون البلوغ، فنظراً لضعف جانبه بموت أبيه يتسلط بعض الناس على ماله فيأكله، وإلا فأكل مال غيره حرام، لكن غيره له من يدافع عنه فصار أخف من مال اليتيم، ولذا جاء التشديد في شأنه، والحث والأجور العظيمة على كفالته، وفي حكم اليتيم من لا أب له ألبتة بالكلية كأولاد الزنا مثلاً هذا لا أبا له ولا ولي أمر، بل من أهل العلم من يرى أنه أحوج إلى الرعاية والعناية من اليتيم؛ لأن اليتيم قد يكون وارثاً، قد يكون له عم، قد يكون له أخ، لكن مثل هذا ليس له أحد، ولذا يقول بعض العلماء: إن رعاية مثل هؤلاء رغم ما جاء في كفالة الأيتام إلا أنه ... طالب:. . . . . . . . . وأكل أموال الناس محرم، الأيتام وغير الأيتام، لكن التنصيص على اليتيم لما ذكرنا؛ لأنه في الغالب ليس له من يدافع عنه بخلاف غير اليتيم. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 7 ((وأكل الربا)) أكل الربا من السبع الموبقات، وجاء في تعظيم أمره وشأنه من النصوص في الكتاب والسنة ما تنزعج له القلوب، ومع ذلك يؤكل الربا، ممن يتدين بالدين، ويشهد أن لا إله إلا الله، وما ذلكم إلا لما غطى على القلوب من الران، والتنافس في الدنيا، وإيثار العاجل على الآجل، وإلا لو قيل لشخص: إنك تبعث يوم القيامة مجنون يرضى؟! لو قيل له: إنك محراب لله ولرسوله يرضى؟! {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [(275) سورة البقرة] قال جمع من أهل العلم: إنهم يبعثون مجانين، فعلى من يأكل الربا وإن وجد من يهون من شأنه ويتساهل في أمره، لكن من يجادل الله عنه يوم القيامة الذي يأكل الربا؟ هل يأتي هذا ويقول: أنا الذي أبحت له الربا، أو هونت له من شأن الربا؟! أنت تعرف الحكم الشرعي، وعرفت أن الربا حرام وتعاملت بالربا لا عذر لك، فعليك أن تتوب، وإن تاب تاب الله عليه، وله حينئذٍ رأس ماله {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [(279) سورة البقرة] من تاب من الربا يعني تعامل بالربا مدة {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] له ما سلف، بمعنى أنه إذا تاب من الربا دخل في الربا وهو يملك ألف ريال، وتاب بعد عشر سنين وهو يملك مليون ريال، لكم رؤوس أموالكم، له ما سلف، ما الذي سلف؟ وما رأس ماله؟ هل المقصود رأس ماله الذي دخل به في البيع والشراء الألف أو رأس ماله وقت التوبة وهو المليون؟ طالب:. . . . . . . . . كلهن واحد، الإشارة ما تكفي. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 8 يعني تصور أن شخص دخل التجارة بعشرين ريال، وتاب عن عشرين مليار، نقول: ما لك إلا عشرين ريال، أو نقول: لك رأس مالك وقت التوبة ولك ما سلف، والله -جل وعلا- أكرم من أن يردك فقيراً تتكفف الناس، واللفظ محتمل، وقول الأكثر: رأس ماله الذي دخل به التجارة عشرين ريال، ويتخلص من عشرين مليار، والمعنى الثاني تحتمله الآية، وهو اللائق بكرم الله -جل وعلا- وجوده، وما دامت المسألة محتملة والله -جل وعلا- رغب في التوبة، وحث الناس عليها، والله -جل وعلا- أشد فرحاً بتوبة عبده مما ذكر في الحديث، ويستحيل في العقل والدين أن الله -جل علا- يحث ويأمر ويوجب التوبة ويفرح بها ويصد الناس عنها؛ لأنه أبو عشرين ريال هذا الذي دخل في التجارة وتاب عن .. ، هل إذا قلنا له: ما لك إلا عشرين ريال هذا بيتوب أو ما هو بتائب؟ هذا لن يتوب، المجزوم به أنه لن يتوب، واللفظ الآية محتمل، فنقول: لك رأس مالك وقت التوبة، لك ما سلف، لك رأس مالك، بقي ربا في ذمم الناس لا يجوز أن تستلم منه ريال، لكن الذي في يدك وقت التوبة لك {فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] قد يقول قائل: إن هذا فيه تهوين من شأن الربا، وتجعل الناس يتعاملون بالربا فإذا تجروا يتوبون، إذا كثرت أموالهم، نقول: لا، هذا مثل غيره من الذنوب، ما هو بأعظم من الشرك، حينما يقال للمشرك: إنك متى ما تبت تاب الله عليك، هل معنى هذا نهون عليه الشرك إلى أن يتوب؟! ما الذي يضمن له أن يعيش إلى أن يتوب، سواء كان من الشرك أو من الربا أو من الزنا، التوبة تهدم ما كان قبلها، هل معنى هذا أننا إذا قلنا للزاني رغبناه في التوبة، وأنها تجب ما قبلها أننا نهون عليه الزنا يزني حتى يتوب فيما بعد؟! لا ليس الأمر كذلك، بل عليه أن يتوب فوراً، لكن إذا تاب التوبة الشرعية المقبولة بشروطها تاب الله عليه {فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] هذا نص القرآن. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 9 ((والتولي يوم الزحف)) المقصود به الفرار عند لقاء العدو؛ لأن التولي في هذه الحالة مضعف للمسلمين، إذا تولى شخص وهرب ثم الذي بجانبه غلب على ظنه أنهم مهزومون؛ لأن هذا ما هرب إلا لسبب ثم تبعه، تبعه ثالث، ثم بعد ذلك انكسرت المعنويات، وهزم المسلمون، فلا يجوز التولي يوم الزحف إلا متى في صورة واحدة؟ طالب: متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة. نعم، متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة، وما عدا ذلك لا يجوز؛ لأن هذا مما يتعين فيه الجهاد، فالجهاد يتعين إذا استنفره الإمام، وإذا حضر هنا عند لقاء العدو، وإذا دهم العدو بلده تعين عليه. ((وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) قذف المحصنات اللاتي لم يحصل منهن شيء مما يزاوله الفاجرات الباغيات الداعرات الغافلات اللاتي لا تخطر الفاحشة على بالهن، المؤمنات المتدينات العفيفات، فالقذف جرمه عظيم؛ لأنه يخدش العرض، ولا يقتصر على شخص، بل يسري إليه وإلى ولده ووالده، إلى المرأة وولدها ووالدها وزوجها، جريمة -نسأل الله السلامة والعافية-، ولذا جاء في الخبر وإن كان فيه ما فيه: ((قذف محصنة يحبط عبادة ستين سنة)) ولذا رتب عليه الحد، لو أن ثلاثة قذفوا محصنة ولو كانوا من أتقى الناس مع أن قذفهم إياها ينافي التقوى لحدوا وجلدوا حد الفرية، وجاء في وصف عائشة -رضي الله عنها-: حصان رزان لا تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافلِ غرثى، يعني: جائعة، إن كان ما عندها طعام إلا اللحوم النساء تجوع إيش المانع؟ هكذا ينبغي أن يكون المسلم أن لا يسلط لسانه على أحد، والقذف -نسأل الله السلامة والعافية- لأنه يدنس الأعراض، وأثره على المقذوفة، وعلى من حولها من أولادها وأبويها وإخوانها وأسرتها وزوجها وأسرة الزوج ومن قرب منهم كلهم يتدنسون بهذه الكلمة، فالأمر عظيم. ((الغافلات)) اللاتي لا تخطر الفاحشة على بالهن، أصل الغفلة: عزوف الشيء عن الذهن، يعني: لا يخطر على باله، فهؤلاء الغافلات لا تخطر الفاحشة على بالهن، وهل الغفلة عن كون الفاحشة لا تخطر على البال مدح وإلا قدح؟ مدح، وعلى هذا يفضل الغافل عن الفاحشة على من تخطر الفاحشة على باله ويجاهد نفسه عن اقترافها، أيهما أفضل؟ طالب: الثاني. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 10 الشخص الذي لا تخطر الفاحشة على باله أو الذي تخطر على باله فيجاهد نفسه على تركها، والشخص الذي لا تتيسر له الفاحشة، ولا يعرض نفسه لمواقعها، أو الشخص الذي يتعرض لها ويجاهد نفسه ويجاهد غيره عن الوقوع في هذه الفاحشة، أيهم أفضل؟ طالب: الثاني. يعني: افترض شخصاً جالس في مكتبته يطالع، جالس من أول النهار إلى آخره هذا ما خطر في باله فاحشة، هل هذا أفضل أو من عرضت له الفاحشة فجاهد نفسه وتركها؟ طالب:. . . . . . . . . يعني هل هذا الذي جلس في مكتبته يطالع ويقرأ يؤجر على ترك الفاحشة مثل من يؤجر من عرضت له هذه الفاحشة وتركها؟ طالب: لا، الثاني. وهل يؤجر من خطرت على قلبه الفاحشة أو تيسر له بعض أسبابها ممن تيسر له جميع الأسباب بأن جلس عليها وتركها لله -جل وعلا- فصار من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟ أيهم أفضل؟ طالب: الثاني. يعني عندنا شخص غافل ما طرأ على ذهنه ولا على باله ذكر للفاحشة، وشخص في مكان يمكن لو بذل السبب حصلت له الفاحشة، وبين شخص تعرض للفاحشة وضويق من أجلها، وبين شخص زاول أسباب الفاحشة وعمل مقدمات الفاحشة، ثم قال: إني أخاف الله، أيهم أفضل؟ طالب: الأخير .. الأخير الذي هو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الثالث. طالب:. . . . . . . . . عندنا مراحل، هذا في مكتبته ما خطر على باله أي فاحشة، هل نقول: هذا يؤجر على الفاحشة غافل عن الفاحشة؛ لأن الغفلة هنا سيقت مساق المدح، فهل الغفلة في هذا الباب مطلوبة مطلقاً؟ طالب:. . . . . . . . . إذن عندنا أمور: غفلة ابتدائية، وغفلة تنشأ عن مجاهدة هذا شيء، وعندنا مباشرة أسباب والامتناع من أجل الله -جل وعلا- عن وصول الغاية. طالب:. . . . . . . . . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 11 عندنا الحديث السابق: ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)) وأيضاً: ((من الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار رجل بذل الأموال، ثم بعد ذلك تمكن من المرأة، فقالت له: يا عبد الله اتقِ الله)) فاتقى الله -جل وعلا-، فاستحق هذه الكرامة، فدل على أنه ممدوح، فالغافل الذي لا تخطر الفاحشة على باله لا شك أنه أقل درجة ممن تيسرت له الأسباب وتركها لله -جل وعلا-، لكن هذا بالنسبة للفعل وعدمه، لكن بالنسبة للقذف الذي معنا هذا الذي تعرض .. ، يعني نفترض شخص غافل غفلة تامة عن الفواحش وفي مكتبته ليل نهار، وشخص يتعرض للأسواق وصاحب محل ويجاهد نفسه، يعني هل قذف هذا الذي في مكتبته ما يخرج من المكتبة، أو ما يخرج من المسجد قذفه مثل قذف هذا الذي يرتاد الأسواق؟ لا، فهذه غير تلك المسألة، هذه مسألة أخرى. سم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الرحمين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله -عز وجل- حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 61 ¦ الصفحة: 12 "وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله -عز وجل- حرم عليكم)) " فالتحليل والتحريم إنما هو لله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما هو مبلغ عن الله -جل وعلا-، الرسل يبلغون عن الله ما يحله وما يحرمه على عباده، فجاء في بعض الأحاديث نسبة التحليل والتحريم إلى الرسل ((إن إبراهيم حرم مكة)) ((إن الله ورسوله ينهيانكم)) فالإضافة الحقيقة والنسبة الحقيقة إلى الله -جل وعلا-، وقد ينسب الفعل إلى الواسطة من باب التجوز {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ} [(42) سورة الزمر] مع قوله -جل وعلا-: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [(61) سورة الأنعام] فالذي يتوفى الأنفس هو الله -جل وعلا-، لكن لما كان الرسل من الملائكة وسائط يتولون قبض روح الإنسان نسب إليهم، كما ينسب الفعل إلى الشخص نفسه، يصح أن تقول: مات زيد، وروحه خرجت حتف أنفه قهراً عليه، واللغة تستوعب ذلك، وتتسع له، فالله -جل وعلا- له التحريم والتحليل وليس لأحد شركة في هذا الأمر {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ} [(31) سورة التوبة] عبدوهم وإلا ما عبدوهم؟ "قال: لسنا نعبدهم، قال: ((يحرمون الحلال فتحرمونه، يحلون الحرام فتحلونه؟! )) قال: نعم، قال: ((تلك عبادتهم)) فالتحليل والتحريم إنما هو لله -جل وعلا-، وهذا شرك في التشريع، والله المستعان. ((إن الله -عز وجل- حرم عليكم عقوق الأمهات)) عقوق الأمهات يعني عصيان الأمهات، وإيصال الأذى، أي نوع من أنواع الأذى من التأفيف فما فوق، كل هذا حرام على الولد تجاه أمه، والتنصيص على الأم لعظم حقها، وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها، وإلا فالأب أيضاً يحرم عقوقه كالأم، لكن عقوق الأم أشد؛ لأن حقها أعظم، ولأنها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها غالباً. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 13 ((عقوق الأمهات)) كون العقوق يصدر من فاسق لا يستغرب، لكن كونه يصدر ممن ظاهره الصلاح وممن ديدنه حضور الدروس، وطلب العلم هذا هو الغريب، وكثير من الآباء والأمهات يشكون أولادهم الذين ظاهرهم الصلاح والاستقامة، تجده من أيسر الأمور أن يركب مع زميله لأي مشوار، والمشوار لزميله، يقول له: نبي نروح الآن سيارتي يقول للزميل: متعطلة أبيك توديني إلى التشليح مثلاً، هذا بعد صلاة العصر، ويركب معه، ويمضي العصر كامل والمغرب والعشاء وهو ما له مصلحة، والجو حار، والمناظر بعد ليست مؤنسة، ومع ذلك يسهل على نفسه هذا الأمر، لكن لو تقول له الوالدة: أنا أذهب إلى أختي في نفس الحي ضاق بها ذرعاً، وتضمر منها، وأنا مشغول، وأنتم عطلتموني عن طلب العلم، هذا مع الأسف يحصل من بعض طلاب العلم، كثير من الآباء يشكو، كثير من الأمهات أيضاً تبكي من ولدها، يسمع في الدرس مثلاً أن الورع كذا مثلاً من باب الورع مثلاً يسمع من الشيخ، ثم يلزمه أبوه بهذا الأمر الذي تركه من باب الورع، ثم يقول: لا أبداً، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويصارحه بهذا، ولا يمكن، ولا أعينك على معصية، يا أخي المسألة ورع. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 14 يعني من الأمثلة شخص طلب لنفسه ولأولاده منح من ولي الأمر، فجاءت المنح باسمه وأسماء أولاده، هذا خلاف الأولى، يعني أن تطلب وتستشرف، لكن هل يقال: حرام وهو من بيت المال؟ نعم؟ ليس بحرام، عرض الأراضي على الأولاد كلهم قبلوا إلا واحد من طلاب العلم، من الملازمين للدروس، قال: أنا لا أستشرف، قال: أنت ما استشرفت جاك وأنت جالس، قال: لا أقبل، يا أخي أنت مقدم على زواج ولا عندك شيء، قال: ولو، طيب نذهب إلى المحكمة وتفرغ لي الأرض، قال: ما أعينك على معصية، في أي فقه هذا الفقه؟! حقيقة مثل هذه الصور توجد من بعض المتعلمين، يتمسك بشيء على حساب ما هو أعظم منه، فعلى طالب العلم أن ينتبه إلى هذا الأمر، لا يفعل المستحب على حساب واجب، ولا يترك مكروه ويرتكب محظور، فكثير من الأمهات تتصل بحرقة تامة تشكو من عقوق ولدها؛ لأنها تعرف أنه يحضر الدروس وطالب العلم من حلقة إلى حلقة، ومن درس إلى آخر، ووقته مشغول بالحفظ والمراجعة، طيب هذا كله عمل صالح، بل من أفضل الأعمال، لكن لا يعادل محرم، ارتكاب محرم. ((ووأد البنات)) وأد البنات دفن البنات وهن على قيد الحياة، وهذا كان العرب يفعلونه خشية العار من شدة الغيرة، والغيرة إذا زادت عن حدها الشرعي بدلاً من أن تكون ممدوحة تصير مذمومة، فكل شيء له حد شرعي، كل غريزة وملكة لها طرفان ووسط، والخير في الوسط، فالعرب كانوا يئدون البنات، يدفنونهن أحياء خشية العار، ويقتلون الأولاد خشية أن يطعموا معهم، هذه من الموبقات لاشتمالها على جريمة القتل وقتل ذي الرحم أعظم جرماً، فالتنصيص على البنات مع أنه يوجد قتل للأولاد بما في ذلك الأبناء والبنات خشية إملاق، خشية أن يطعموا معهم، وكل هذا من كبائر الذنوب -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن التنصيص على البنات لأنه صار ظاهرة أكثر؛ لأن البنت تقتل لسببين: السبب الأول: العار، وهذا هو الكثير الغالب، والثاني: ما تشارك فيه الابن من خشية الإملاق، أو خشية أن يطعم معه. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 15 ((ومنع وهات)) منعاً حرم عليك المنع، منع ما يجب عليك دفعه من الزكوات الواجبة والنفقات الواجبة، لا يجوز لك أن تمنع الحق عن مستحقه "وهات" طلب وسؤال ما لا تستحقه من أمور الدنيا، فيكون الإنسان جماعاً مناعاً، هذا لا يجوز بحال، يمنع ما أوجب الله عليه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ} [(33) سورة النور] ما هو من مالك هذا، من مال الله الذي آتاك الله وأتمنك عليه، ومع ذلك لا تسأل فالمسألة من غير حاجة تدعو إليها حرام "هات" هذه صفة، صفة زيد من الناس أنه لا يعطي، ومع ذلك ما جاءه بل يطلب، ديدنه المنع للواجبات وهات، إذا رأى شيئاً أو رأى شخصاً يظن أنه يبذل طلب منه، فالسؤال مذموم، بل من غير حاجة حرام، وجاء ذمه في النصوص. ((وكرهه لكم ثلاثاً: قيل وقال)) عمارة المجالس بالقيل والقال وكثرة الكلام، يتحدث بكل ما سمع، اليوم قيل كذا وقالوا كذا، قال زيد كذا، وقيل له كذا ((كفى بالمرء إثماً)) وفي رواية: ((كذباً أن يحدث بكل ما سمع)) قيل وقال، إضاعة الوقت والفراغ الذي هو نعمه من نعم الله -جل وعلا- بمثل هذا حسرة وندامة، وقوله: ((كره)) لا يعني أنه كراهية اصطلاحية التي هي مجرد تنزيه لا يترتب عليها إثم، لا، إن كان قيل وقال في حدود المباح يمكن أن يقال هذا؛ لأنه إضاعة للوقت، لكن إن كان قيل وقال وإثارة وإشاعة للإشاعات من أجل بث الذعر بين المسلمين، أو الحط من قيمة بعض الناس، أو رفع شأن لبعض الناس الذين لا يستحقون، فمثل هذا لا يجوز، والكراهة حينئذٍ تكون للتحريم. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 16 ((وكثرة السؤال)) كثرة السؤال إذا كان السؤال في أمور الدنيا الصحابة بايعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن لا يسألوا أحد، فكان أحدهم يسقط سوطه فينزل من دابته ويأخذه دون أن يقول لفلان من الناس: أعطني السوط، ومن أيسر الأمور أن يجلس الإنسان والشيء بجواره لو مد يده إليه أخذه: قم يا فلان هات مصحف، قم يا فلان هات لي ماء، قم يا فلان .. ، هذا كثرة السؤال، هذا سؤال، لكن الخدمة من غير طلب من الصغير للكبير مطلوبة من غير طلب، فخدمة الصغير للكبير من غير طلب من الكبير لا تدخل في مثل هذا، كثرة السؤال يشمل أيضاً السؤال في مسائل العلم إذا لم يقصد من السؤال التفقه والفائدة، إنما يقصد منه تعجيز المسئول، أو إظهار فضل للسائل؛ لأن بعض الطلاب يعرف الجواب، لكن يسأل لا ليعرف غيره الجواب وإنما ليظهر للحاضرين أنه لديه قدرة وفهم للموضوع، ويستطيع أن يسأل سؤالاً دقيقاً، هذا إذا لم يقصد به إفادة نفسه أو إفادة غيره دخل في هذا، وإن قصد من وراء ذلك تعجيز الشيخ، وإظهار عجزه، وتعالمه على من حضر فالأمر أسوء، وقد جاء النهي عن الأغلوطات، وجاء في قوله -جل وعلا-: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] فقد يسأل الإنسان عن شيء يكون في جوابه ما يسوؤه، وقد سأل الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض الأشياء فقال فلان: من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم قال فلان: من أبي؟ قال: كذا، ثم غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- غضباً شديداً، ثم قال: ((سلوني، سلوني)) ليبين -عليه الصلاة والسلام- أن غضبه هذا ليس سببه العجز عن الجواب مثل ما يفعله بعض الناس، بعض الناس إذا سُئل سؤالين غضب وضاق بالسائل ذرعاً؛ لماذا؟ لأنه يخشى أن يرد عليه سؤال لا يعرف جوابه، فالرسول يقول: ((سلوني، سلوني)) فبرك عمر -رضي الله تعالى عنه- بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- واستعفاه من الأمر، وفرج عنه، المقصود أن مثل هذا الذي يقصد به التعنيت، أو يكون في جوابه ما يسوء السائل، أو يسوء بعض الحاضرين مثل هذا ينهى عنه. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 17 ((وإضاعة المال)) إضاعة المال صرفه فيما لا ينفع في أمر الدين ولا الدنيا هذا إضاعة، هذه إضاعة، فالمال به قوام الحياة، لا يمكن أن يعيش الإنسان ويبقى النوع الإنساني بغير المال؛ لأنه بواسطته يُحصل على الطعام والشراب وغيرها من الضروريات، فكونه يضاع يترتب عليه إما أن يكون عالة على الناس يتكفف الناس، ويقع في السؤال المذموم، أو يعرض نفسه للتلف، أو يعرض نفسه لارتكاب المحرمات من سرقات وغصوب وغيرها، والتسديد والمقاربة هو المطلوب، والتوسط في هذا الباب هو المطلوب {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [(29) سورة الإسراء] {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [(67) سورة الفرقان] المقصود أن المطلوب من المسلم أن يتوسط، وكم من إنسان إضاع ماله وبقي ملوماً محسوراً، يحتاج الشيء اليسير ما يجد، وكان عنده من المال الشيء الوفير لكنه ضيعه، واشترى به ما لا يحتاجه فضلاً عن كونه يشتري به ما حرم الله عليه، فهذا يجتمع فيه الأمران، لكن إذا أكثر من شراء ما يمدح به، أو أكثر من الإنفاق في سبيل الله فهل للإنسان أن يتصدق بجميع ماله؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، وحصل هذا من أبي بكر، فإن كان له مصدر يمكن أو يغلب على الظن أنه يقتات منه فلا مانع كما هو شأن أبي بكر، وإلا فالثلث والثلث كثير، كما في حديث سعد. إضاعة المال لها صور، وأحياناً يتعارض حفظ الوقت مع حفظ المال، فأيهما أغلى في حياة المسلم؟ الآن نضرب مثال يسير والمال الذي يضيع فيه يسير، يقول مثلاً: أنا أذهب إلى المكان الفلاني أو أرجع إلى بيتي لاستفيد من وقتي، ذهبت مع الدائري أحتاج إلى ثلاثين كيلو، ونحتاج من البنزين إلى خمسة ريالات، أو عشرة مثلاً، وإن ذهبت مع وسط البلاد وأمامي عشرين إشارة أصرف ريال واحد بنزين، لكن الدائري اقطعه بربع ساعة، ومع وسط البلد أحتاج إلى نصف ساعة، نقول: تحافظ على المال أو على الوقت؟ طالب:. . . . . . . . . أيهما أغلى في حياة المسلم؟ طالب:. . . . . . . . . الوقت أغلى؛ لأن وجوده، وجود الشخص نفسه هو وقته، ولا يعد مضيعاً للمال إذا حرص على حفظ الوقت، نعم. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 18 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)). كذا عندك؟ نعم. بتقديم الحج على الصيام. طالب:. . . . . . . . . إيش عندك؟ لا، تقديم الحج المثبت ثم الصوم. إيش عندك؟ الحج ثم الصوم. تقديم الحج على الصيام؟ نعم. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 19 حتى النسخة التي معنا، وهي معتنىً بها بتقديم الصوم على الحج، لكن الرواية المتفق عليها إنما هي بتقديم الحج على الصيام، يعني في الصحيحين من حديث ابن عمر: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) هذه الرواية الموجودة في الصحيحين، وعليها بنى الإمام البخاري ترتيب الكتاب، وقدم الحج على الصيام، والجمهور على أن الصيام هو الركن الرابع، والحج هو الركن الخامس، في صحيح مسلم من حديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) بتقديم الصيام فقال رجل: ((وحج البيت، وصوم رمضان)) فقال: لا، ((صوم رمضان، والحج)) استدرك على ابن عمر حينما قدم الصيام على الحج، مع أنه في الصحيحين على قول الرجل المستدرك من حديث ابن عمر، هذه الرواية المتفق عليها بتقديم الحج على الصيام، والبخاري بنى ترتيب الكتاب على هذا الأساس، فقدم الحج على الصيام، وفي صحيح مسلم قدم ابن عمر الصوم على الحج، فاستدرك عليه رجل فقال: ((وحج البيت، وصوم رمضان)) مع أن ابن عمر هو الراوي للحديث في الموضعين، فقال: لا، ((صوم رمضان، وحج البيت)) فمنهم من يقول: ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- حينما حدث بالحديث في هذا الوقت نسي الرواية التي فيها .. ، أو نسي تقديم الحج على الصوم، وقد أداه قبل ذلك كذلك، ومنهم من قال: ابن عمر ما نسي ويستحضر هذا وهذا وأن الواو لمطلق الجمع، وأراد بهذا الرد وتأديب هذا المستدرك، كأنه لما رد على ابن عمر قال: لا، ((وصوم رمضان، والحج)) يريد أن يؤدبه، كيف يتكلم بحضرة صحابي جليل هو الذي سمع الحديث من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أحياناً بعض الناس يعني يوجد من عجلة بعض الناس وهذه لا شك أنها تحمل أحياناً على سوء الأدب، أحياناً يستدرك على شخص في اسمه، يذكر اسمه ويكون معروف بأكثر مثلاً من اسم أو لقب أو كنية أو شيء من هذا، فيعرف بنفسه: أنا أبو فلان الفلاني، يقول: لا، أنت فلان بن فلان، أو العكس مثلاً، هذا يوجد من بعض الناس عجلة بهذه الطريقة، وأحياناً يصوب في الجزء: 61 ¦ الصفحة: 20 كلام الشخص نفسه فيما يعنيه، ابن عمر أراد أن يؤدب هذا الشخص، يعني أنا صاحب الشأن، أنا الذي سمعته من النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف ترد عليَّ؟! قال: لا ((وصوم رمضان، والحج)) وكلام المستدرك صحيح؛ لأنه في الصحيحين على كلام المستدرك، لكن لعل ابن عمر سمعه على الوجهين، وأراد مرة أن يبلغه على هذا الوجه، ومرة على الوجه الثاني ولا مانع لأن الواو لمطلق الجمع. نعم الأولية لها نصيب في الأولوية، حينما يقدم في الذكر الصوم على الحج نعرف أن الصيام عند الشارع أهم من الحج أو العكس، فالرواية التي فيها تقديم الصيام على الحج هذه رواية مسلم، وعرفنا أن الأحاديث الأربعين كلها متفق عليها، فالرواية الصحيحة: ((حج البيت، وصوم رمضان)). ((بُني الإسلام على خمس)) بُني البناء بناء الشيء على غيره، بناء الشيء على شيء آخر أو بناء الشيء على شيء يدل على أن المبني غير المبني عليه، صح وإلا لا؟ طالب: الأصل يا شيخ. إذا بنينا شيء على شيء فمعناه أن الشيء المبني غير المبني عليه، وإذا رتبنا نتيجة على وسيلة صارت النتيجة غير الوسيلة، وقل مثل هذا: ((بُني الإسلام على خمس)) يعني في البناء الحسي ظاهر أن المبني غير المبني عليه، وهنا المبني الإسلام، والمبني عليه الخمس التي هي الدعائم والأركان، فهل الإسلام غير الخمس أو هو الخمس؟ لما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام أجاب بهذه الخمس، فدل على أن المبني والمبني عليه شيء واحد، أو أن نقول: الإسلام في مسماه حقيقة معنوية ترجمتها هذه الأمور العملية، يعني: هناك دقائق قد لا ينتبه لها، وتقرأ على أنه ما فيها إشكال، في حديث: ((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحد)) ما الداعي لقوله: ((مائة إلا واحد)) مو بتأكيد العدد؟ تأكيد العدد يأتي من يشرح الحديث ويقول: فيه دليل على أن الأسماء الحسنى مائة ((تسعة وتسعين)) ((مائة إلا واحد)) وتقول: في الحديث ما يدل على أن الأسماء الحسنى مائة اسم؟! له وجه وإلا ما له وجه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . له وجه، والرسول يقول: ((تسعة وتسعين ... مائة إلا واحد))؟ ما وجه هذا الكلام؟ من الحديث نفسه، من الحديث، نعم؟ الجزء: 61 ¦ الصفحة: 21 طالب:. . . . . . . . . من إيش؟ طالب:. . . . . . . . . كيف صارت مائة؟ طالب: إن لله ... نعم، أضاف إليها المسمى الذي هو لفظ الجلالة الله، هذا الاسم (الله) له تسعة وتسعين اسماً يعني غيره، إذن تكون مائة، هذا إذا قلنا: إنها غير، وإذا قلنا: إن المسمى بهذا الاسم له تسعة وتسعين منها هذا الاسم، وهو قول الأكثر، يعني: الذات الإلهية إن صح إطلاق اللفظ، الذات، يصح إطلاق الذات على الله -جل وعلا-؟ أهل العلم يقولون: الكلام في الصفات فرع عن الكلام ... طالب: في الذات. في الذات، وإبراهيم -عليه السلام- كما في البخاري كذب ثلاث كذبات ثنتان منها في ذات الله، فهل لنا أن نثبت لله ذات؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نقول: لله ذات؟ نقول: له نفس {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [(116) سورة المائدة] لكن هل نقول: له ذات؟ من خلال حديث إبراهيم، كذب ثنتان في ذات الله، وأيضاً قول الصحابي: وذلك في ذات الإله، يعني هل مجيء الذات في هذين الخبرين يساوي النفس أو أنها من أجل الله؟ طالب:. . . . . . . . . من أجله، نعم من أجله، وليس المراد به في ذات الله؛ لأنه لو قلنا: في ذات الله و (في) للظرفية صار محل لهذه الأمور، وليس الأمر كذلك، ولا يوجد دليل يدل على إثبات الذات إلا حديث -إن صح-: ((تفكروا في آلاء الله ... ولا تتفكروا في ذات الله)) هذا -إن صح- صار دليل على إثبات الذات، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يكثر من قول: الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يقرر هذا الكلام، يقرر أن حديث إبراهيم ما فيه دليل. ((بُني الإسلام على خمس)) أي: خمس دعائم، في رواية: خمسةٍ، خمسة أركان، وإذا حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث ((من صام رمضان وأتبعه ستاً)) الأصل أن تكون ستة لأن التمييز مذكر. ((على خمسٍ: شهادة)) بدل بعض من كل ((شهادة أن لا إله إلا الله)) إذا قلنا: بُني الإسلام على خمسٍ أحدُها: شهادة أن لا إله إلا الله، أو نقول: أحدِها بناءاً على أنه بدل؟ اختلف العلماء في كذا على خمسةِ أقوالٍ أحدُها أو أحدِها؟ طالب:. . . . . . . . . بالرفع وإلا بـ ... ؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 22 نعم ما تجي نصب، المسألة إما جر بدل، أو الرفع على الاستئناف والابتداء. طالب:. . . . . . . . . أيهما أفصح؟ طالب:. . . . . . . . . هو يجوز الوجهان لكن أفصحهما؟ طالب: البدل. هاه؟ البدل؟ {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا} [(76) سورة النحل] نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الابتداء أفصح. ((شهادة أن لا إله إلا الله)) الشهادة هي الإقرار والاعتراف والنطق بحيث يكون هذا المقر به والمعترف به، وهذه الكلمة المنطوق بها كالمرئي المشاهد، سميت شهادة ليش؟ الأصل في المشاهدة الإبصار، وإذا بلغ اليقين إلى هذا الحد إذاً لا شيء وراءه، يعني: الأخبار ليس الخبر كالمعاينة صح وإلا لا؟ لو جاءك شخص من أوثق الناس وقال: جاء زيد، هل هو أقوى مما لو رأيت زيد بعينك؟ نعم؟ لكن من الأخبار ما يساوي المعاينة، يعني قصة الفيل مثلاً التي شاعت وكثر الحديث عنها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يدركها لأنه ولد عام الفيل، بلغته بطريق يشبه أو يكون في حكم المعانية، ولذا قال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] فهنا الشهادة على المقر بها التي هي كلمة التوحيد والمعترف بها، والمذعن لها، والناطق بها أن يكون اعتقاده لها في حكم اعتقاده بالمشاهد. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 23 ((شهادة أن لا إله إلا الله)) وهذه الكلمة هي التي تعصم الدم ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) والنطق لا بد منه ((حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) وعلى هذا لو وقر الإيمان في قلب عبد ولم يتمكن من النطق بها، وقر الإيمان في قلبه ولم يتمكن من النطق بها، جزم يقيناً بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، لكن ما وفق بأحد يلقنه هذه الشهادة، أو يذكر له أنه لا بد من النطق بها، هل يدخل في الإسلام أو ما يدخل؟ الغاية: ((حتى يقولوا)) هذا ما قال، ولذا يقرر أهل العلم أنه ليس بمسلم حكماً، وأما فيما بينه وبين ربه الله يتولاه، لا يستطيع أحد أن يحول بينه وبين ربه، لكن في أحكام الدنيا ما أسلمت؛ لأن الغاية ما تحققت ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) قد يقول قائل: هذا يستبعد أن إنسان يقر الإيمان في قلبه ومع ذلك لا ينطق، ليش ما ينطق؟ يعني سؤال يقول: شخص له صديق نصراني ووقر الإيمان في قلبه، واقتنع بالإسلام، وذهبنا إلى شيخ ليلقنه الشهادة، الشيخ ما وفق لأن المسألة ما تحتاج إلى وقت، قال: الآن باقي على صلاة الظهر ربع ساعة، ونبغي نتجهز للصلاة، وإذا صلينا -إن شاء الله- نلقنه الشهادة، خرجا من عنده في تبادل إطلاق نار وقتل، ويسأل هل هو مسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه وإلا ما هو مسلم؟ نقول: لا، حكماً ما أسلم، فهذا الشيخ محروم حقيقة حرم نفسه وحرم هذا المسكين، ومع ذلك فيما بينه وبين ربه الله يتولاه ((حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فالركن الأول من أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 24 ((وأن محمداً عبده ورسوله)) هذه من لوازمها ولا تتم إلا بها، وإذا لم تذكر في بعض الروايات فلأنها ذكرت ولأنها من متطلبات شهادة أن لا إله إلا الله إذ لا تتم إلا بها، لكن في حديث: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) يعني: في النزع قال: لا إله إلا الله، محمداً رسول الله، نقول: هذا آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله أو آخر كلامه من الدنيا محمداً رسول الله؟ عرفنا أنه لا يدخل في الدين حتى يشهد بلسانه، لكن في خروجه من الدنيا، وكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله محمداً رسول الله هل نقول: دخل في الحديث؟ دخل وإلا ما دخل؟ يعني الآن ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) وشخص قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وقد يضيف إلى ذلك ما هو حق، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، أتى بكلام حق، هل يصدق عليه أنه صار آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؟ يعني: مثل ما قلنا في الأذكار السابقة، يعني: من جاء بالمشروع وزيادة هل يصدق عليه أنه جاء بالمشروع؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لكن هل هذا يصدق عليه أنه آخر كلامه أو تكلم بكلام غيره؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 25 هو من اللوازم في الدخول، لا يدخل الإسلام حتى يشهد أن محمداً رسول الله، لكن إذا أردنا أن نطبق حقيقة حرفية الحديث ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) هل يدخل في هذا الوعد إذا قال: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ثم قبضت روحه، نقول: أتى بالمراد وزيادة؟ أو نقول: فاته الوعد في هذا الحديث ولم يحرم أحاديث أخرى؟ لأنه افترض أنه ما قالها مثلاً، هل معنى هذا أنه يدخل النار؟ حيل بينه وبين أن يقولها، ارتج عليه، أغمي عليه ما قالها، نعم، ليس معنى هذا أنه يدخل النار، وعلى هذا يحرص الإنسان أنه يلقن المحتضر أن لا يزيد على لا إله إلا الله، يعني: إن كان في فسحة من المدة، ورأى عليه أمارات البقاء مدة يقول فيها ما ينفعه من ذكر وغيره لا بأس، ويذكره ببعض الأمور؛ لكي يتوب إلى الله -جل وعلا- منها، ثم بعد ذلك يكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله هذا هو المطلوب. ((وأن محمداً عبده ورسوله)) -عليه الصلاة والسلام-، عبد ورسول، في هذا رد على الغلاة والجفاة كونه عبد رد على الغلاة الذين يصرفون له بعض حقوق الرب -جل وعلا-، وإثبات الرسالة له رد على الجفاة، والجمع بينهما سبيل الأمة الوسط، وفي أشرف المقامات نص على العبودية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [(1) سورة الإسراء] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [(19) سورة الجن] في أشرف المقامات ينص على العبودية، والعبودية بالنسبة للعابد شرف؛ لأنها هي الهدف من وجوده، هذا الهدف أو هذا الأمر الذي هو تحقيق العبودية هو الهدف من وجود الجن والإنس، وسيدهم ومقدمهم محمد -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 26 والركن الثاني: ((إقام الصلاة)) وإقامة الصلاة يشتمل على قدر زائد على مجرد أدائها والإتيان بها، فإقامتها وتقويمها على ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المطلوب، لكن هل الركن الصلاة أو إقام الصلاة؟ في الحديث: ((إقام الصلاة)) وإذا قلنا: إن الركن إقام الصلاة، وعرفنا أن إقام الصلاة قدر زائد على ما يسقط الطلب ويصحح العبادة؛ لأن إقام الصلاة وتقويمها على ضوء ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الطريق والهدي المستقيم الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن اللفظ يوحي بهذا، ما قال: وأداء الصلاة والإتيان بالصلاة أو والصلاة لتصدق على ما يسقط به الطلب، وعلى كل حال التنصيص على إقامة الصلاة في نصوص كثيرة يدل على أن المطلوب من المسلم أن يصلي كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. ((وإيتاء الزكاة)) دفعها ممن وجبت عليه إلى من وجبت لهم من الأصناف الثمانية بشروطها المعروفة عند أهل العلم. ((وصوم رمضان)) أو ((وحج البيت، وصوم رمضان)) وكلاهما ركن من أركان الإسلام، وتفصيل أحكام الأركان مدون في الكتب، وله مناسباته. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 27 هذه الأركان الخمسة الركن الأول الذي لا يأتي به لم يدخل في الإسلام إجماعاً وهو الشهادتان، الثاني وما يليه الذي لا يعترف بها يكفر إجماعاً ولو جاء بالشهادتين، من يجحد بقية الأركان يكفر اتفاقاً، لكن الذي يعترف بها ولا يأتي بها، بمعنى أنه لا يصلي ولا يزكي ولا يصوم ولم يحج، كفره يعني كفر تارك أحد الأركان الأربعة العملية قول معروف في مذهب مالك ورواية عن أحمد، وأشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، يعني: من لم يحج يكفر، من لم يصم رمضان يكفر، من لم يزك كافر، ومن لم يصل من باب أولى، هذا قول معروف، والجمهور على أنه لا يكفر بالنسبة للأركان الثلاثة، إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، الجمهور على أنه لا يكفر، وإن كان على خطر، على خطر عظيم {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ} [(97) سورة آل عمران] وأبو بكر -رضي الله تعالى عنه- قاتل المرتدين وفيهم من منع الزكاة، وشأن الصيام عظيم، وأما الصلاة فالقول بكفره قول متجه، والنصوص فيها أكثر من غيرها ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ولذا المفتى به أن تارك الصلاة كافر كفر أكبر مخرج عن الملة، وأما بقية الأركان فالجمهور على عدم كفره، نعم. وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 61 ¦ الصفحة: 28 "وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثلاث)) " يعني خصال أو خلال ((من كن فيه)) يعني إذا اجتمعن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان في قلبه، وكثير من المسلمين لم يجد حلاوة الإيمان، الإيمان إذا باشر القلب، الإيمان الصحيح الذي يصير الهوى تبعاً له يدور مع إيمانه، ومع ما يمليه عليه إيمانه بهذا يجد حلاوة الإيمان، بعض الناس يسيره هواه، نعم هو في الأصل مسلم يعترف وينقاد، لكن يبقى أنه لو تعارضت مصلحته الخاصة مع الأوامر الشرعية أو النواهي الشرعية قدم هواه على ما يريده الله -جل وعلا- ورسوله. ((وجد بهن حلاوة الإيمان)) الإيمان له حلاوة، والخلوة بالله لها أنس، والمناجاة لها لذة، وكثير من الناس من طلاب العلم لا .... الجزء: 61 ¦ الصفحة: 29 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الجامع (3) الشيخ: عبد الكريم الخضير الجزء: 62 ¦ الصفحة: 1 والمناجاة لها لذة، وكثير من الناس من طلاب العلم لا يجد مثل هذا، بل لم يتلذذ بما هو بصدده الذي هو العلم والتعليم، فمثل هذا يحتاج إلى مزيد من الجهاد، يحتاج إلى صدق ولجوء إلى الله -جل وعلا- أن يعينه على تحقق هذه الحلاوة ليعيش في نعيم في الدنيا قبل الآخرة، وقد وجد الصحابة -رضوان الله عليهم- النعيم، وشموا رائحة الجنة، وتلذذوا بمناجاة الله، وقال القائل من سلف هذه الأمة وأئمتها: إنه في نعيم لو علم به الملوك لجالدوهم عليه بالسيوف، وكلامهم في هذا يكثر، بعضهم يتململ من طول النهار؛ لماذا؟ ليأتي الليل فيسدل عليه الستر لينطرح بين يدي ربه وخالقه بمناجاته، بعضهم يفرح إذا خلا البيت من العمار والسكان، الواحد منا إذا وجد في مكان خالٍ ضاقت به الأرض ذرعاً؛ لماذا؟ لأنه لم يعود نفسه بالصلة بالله -جل وعلا-، والأنس به، متى يجد الإنسان حلاوة الإيمان؟ في الحديث: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، المسألة تحتاج إلى جهاد، بعض الناس يؤثر زوجته على مراد الله ومراد رسوله، بعض الناس يؤثر ولده على مراد الله وعلى رسوله، وبعض الناس يؤثر رئيسه على أوامر الله وأوامر رسوله، مثل هذا ما يجد حلاوة الإيمان، إذا وجد التعارض فلا شيء مع مرضات الله -جل وعلا- ((من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) بل يحب الله -جلا وعلا- ويقدم أوامره ونواهيه حتى على رغباته وشهواته، وكذلك أوامر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي في الحديث الذي يليه: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) أحب إليه مما سواهما بما في ذلك النفس؛ ولذا لما قال عمر -رضي الله تعالى عنه-: إنك يا رسول الله أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، قال: ((بل ومن نفسك)) فقال: ومن نفسي، قال: ((الآن يا عمر)) لا بد أن يكون حب الله وحب الرسول مقدم على النفس، وبرهان ذلك تقديم الأوامر والنواهي الشرعية على شهوات النفس، أما من يعصي الرب -جل وعلا-، ويزعم أنه يحبه أو يحب الرسول يزعم زوراً وبهتاناً أنه يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ويأتي بالمخالفات، ويأتي بالبدع، الجزء: 62 ¦ الصفحة: 2 ويقول: إنه يحب الله ورسوله، نقول: كذب. تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في القياس شنيعُ لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيعُ ((أحب إليه مما سواهما)) يحب الله -جل وعلا- أحب إليه من نفسه فضلاً عن غيره، ونشاهد تقديم الناس ملاذهم، بل رضا غيرهم، دنيا غيرهم على أوامر الله وأوامر الرسول، تجد المجاملة بل المداهنة لشخص لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا يرجى خيره، ولا يخشى شره، ومع ذلك تداهن، هذا لا يجد حلاوة الإيمان، قد يقول قائل -وهذا السؤال بالحديث الذي يليه أليق لكن لا مانع من تقديمه- يقول: أنا أحب الله ورسوله، أحب الله -جل وعلا-؛ لكي يدخلني الجنة، وأحب الرسول وأطيع الرسول لكي أدخل الجنة، إذاً أنا أحببت الله ورسوله من أجلي، لا من أجله هو واضح وإلا ما هو بواضح؟ هل هذا يحب الله ورسوله أكثر من نفسه أو هو في الحقيقة يحب نفسه؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يقول: لا بأس أنا أحب الله ورسوله، وجاءت الأوامر بأن أحبوا الله ورسوله، وأنا أحب الله ورسوله، لكن لماذا تحب الله ورسوله؟ يعني الآن الإيمان لتدخل الجنة، تجد حلاوة الإيمان لتدخل الجنة، إذاً أنت تسعى لمصلحتك، وأنت تحب الرسول أكثر من نفسك؛ لماذا؟ لكي تدخل الجنة، إذاً أنت تسعى لمصلحة نفسك، يعني: هل المقصود حب الله -جل وعلا- لذاته، وحب الرسول لذاته، أو لما يترتب على ذلك من مصلحتك؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هذا الأصل أن يكون لذات الله -جل وعلا-، ولذات الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لكن كون الأمور والأعمال التي ذكرت ورتب عليها الثواب وذكرت الجنة بنعيمها، وذكرت النار بجحيمها وعذابها، يعني: ملاحظة هذا الهدف؛ لماذا تصلي يا فلان؟ يقول: أتخلص من النار، هذا من أجل أدخل الجنة، يعني حينما يذكر الهدف ملاحظة هذا الهدف الذي جاء ذكره في النصوص، من فعل كذا دخل الجنة، أنا أفعل كذا لكي أدخل الجنة، يعني: ملاحظة الهدف الذي جاء ذكره في النصوص يقدح وإلا ما يقدح؟ أو ما ذُكر إلا ليلاحظ؟ ليكون باعثاً على العمل؟ باعث على العمل، لكن لا يكون هو الهدف الأصلي. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 3 طيب، الله -جل وعلا- حينما أمر بطاعته، ووعد من أطاعه بالجنة، وتوعد من عصاه بالنار، أنت لما تعصي تترك المعصية خشية من الله أو خشية من النار؟ دعونا نضرب مثال يقرب لنا المسألة: الآن لو هددك شخص بيده عصا، وقال: لا تسلك هذا الطريق وإلا أضربك، أنت تخشى من الإنسان أو من العصا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . من الإنسان، العصا بمفردها لا يساوي شيئاً، والنار بمفردها لا تعمل شيئاً، فالخشية لله -جل وعلا- أولاً وآخراً. ((من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) وأحب خبر (كان) ((ومما سواهما)) جمع الضمير ضمير الرب -جل وعلا- وضمير نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والجمع بين الضميرين، بين ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- مضافاً إلى ضمير الله -جل وعلا- جاء ذم الخطيب، ذُمّ الخطيب الذي قال: "ومن يعصهما" بأس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعصي الله ورسوله، وهنا: ((مما سواهما)) ما قال: مما سوى الله ورسوله، جمع بينهما، فهناك أجوبة ذكرها .. ؛ لأنه لا يتصور منه -عليه الصلاة والسلام- لمعرفته بمقام ربه ومنزلة نفسه التشريك حينما يجمع بين الضميرين، لكن حينما يقول غير النبي -عليه الصلاة والسلام- يتصور منه ذلك، وقد انتقد النبي -عليه الصلاة والسلام- من جمع بينهما، منهم من يقول: إذا كانت المسألة خطبة والخطب تقتضي البسط والتوضيح لا يجمع الضمير، وإذا كان الكلام في غير مقام الخطب يجوز ذلك، إلى غير ذلك، المقصود أنه جاءت النصوص من قوله -عليه الصلاة والسلام- بالجمع، وجاء ذمه للخطيب، فيحرص الإنسان أن لا يجمع بين ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- مضافاً إلى ضمير الله -جل وعلا- فيحرص على هذا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذم الخطيب، أما كونه يجمع فلما ذُكر. طيب، أحياناً نجد في المساجد على المحراب على حد سواء في دائرة: (الله) في الدائرة الثانية موازية لها وبحجمها: (محمد) ماذا نقول عن هذا؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 62 ¦ الصفحة: 4 يعني في بعض الجهات لا سيما بعض الجهات العسكرية يذكرون الله فوق، وتحت المليك، الوطن، هذا ما فيه إشكال، الله .. ، طيب، لكن هنا في المساجد مثلاً يذكر في دائرة (الله) وفي دائرة موازية بحجمها (محمد) هل في هذا ما يشعر الندية أو ما يقرب منها؟ أو من باب: ((لا أذكر إلا وتذكر معي))؟ يعني نقول: الأمر فيه سعة أو نقول: إن هذا فيه مشابهة؟ نعم يا الإخوان؟ طالب:. . . . . . . . . يعني هل الأولى أن يفعل مثل هذا أو لا يفعل؟ طالب: لا يفعل. نعم، الأولى أن لا يفعل، يعني الأصل أن المساجد تخلو من هذه كلها، لكن إذا أردوا أن يذكروا شيء مع مخالفتهم لما جاء في ذم زخرفة المساجد فلا يجعل بهذه الطريقة، وإن كان الحديث: ((لا أذكر)) {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح] ((لا أذكر إلا وتذكر معي)) أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، نعم، يحتمل هذا، والأمر فيه سعة يعني ما يصير فيه مشاحة، لكن من باب التنبيه فقط. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 5 ((وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)) ((أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)) ((وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)) لا يحبه إلا لله، هذا يجد به حلاوة الإيمان، له أخ في الله ليس له عليه نعمة، إنما يحبه لاستقامته، هذا يجد به حلاوة الإيمان، ولكن ينظر في هذه المحبة في أوقات الامتحان، الابتلاء، في أوقات الصفاء والجفاء، هل تزيد هذه المحبة أو تنقص؟ إن زادت مع الصفاء أو نقصت مع الجفاء فهذه ليست لله، وهذا الأمر قال ابن عباس في الصدر الأول: ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا -في عصر الصحابة- ولو دققنا في السر والسبب الحقيقي لحبنا بعض الناس ممن ظاهره الصلاح، أو من الصالحين لوجدنا الأمر على خلاف ما جاء في الحديث، لو تختلف المعاملة أدنى اختلاف لو يحتفي بغيرك ولا يلتفت إليك تغير الوضع، من استمرأ المدح والثناء وعاش عليه وسمعه كثيراً وصار يستنكر إذا ما وجد؛ لأن النفوس مدخولة، يعني إلى وقت قريب كان الناس ينفرون نفرة تامة عن المدح، ويشددون على من يمدح، ثم تساهلوا فصاروا يسمعون المدح ولا يتأثرون، والسنة الإلهية الثابتة بالتجربة أن من سمع مدحه بما ليس فيه لا بد أن يذم بما ليس فيه إذا لم ينكر، وإذا مدح بما فيه ولم ينكر ذم بما فيه، هذه سنة إلهية، لو حضرت إلى شخص بينك وبينه مودة وصلة وكذا، ثم جاء واحد من أقرانك وصار التفت إلى هذا القرين، وصار وجهه إليه وتركك، ويش يصير وضعك؟ ما تأثرت؟! ما تنقص المحبة والمودة؟! بعض الناس المودة مبنية على هذا من الأساس؛ لماذا تزور فلان؟ لأنه والله يستقبلني استقبال طيب، وفلان والله ما لقينا وجهه، أنت تحبه ليش؟ لماذا تحبه؟ فعلى الإنسان أن يختبر نفسه في هذا الباب، طيب. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 6 ((وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)) طيب، قد تجتمع المحبة الجبلية مع المحبة الشرعية، وقد تنفرد المحبة الجبلية دون الشرعية والعكس، فالرجل يحب ولده المستقيم لأنه اجتمع فيه الآمران يحبه جبلة لأنه ولده، ويحبه لأنه مستقيم، قد يكون الولد غير مستقيم يحبه جبلة، لكن يبغضه شرعاً، جار ليس بولد مستقيم يحبه شرعاً، وإن لم يكن هناك جبلة لأنه ليس بقريب، الزوجة المودة والرحمة التي جعلت بين الزوجين تبعث على المحبة؛ فماذا عن محبة المرأة الكافرة الكتابية؟ ((وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)) هل يقدح في مثل هذا الحديث أن يحب المرأة التي من خصيصة الزواج المودة والرحمة، بل من نتيجته المودة والرحمة {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [(21) سورة الروم] امرأة كافرة تقول: المسيح ابن الله، ويحبها للمودة والمحبة التي جعلت ومع ذلك يبغضها لدينها، فقد تجتمع المودة والمحبة من وجه دون وجه. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 7 ((وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار)) وفي رواية: ((أن يقذف في النار)) يكره أن يعود في الكفر، ولا يحس بهذا إلا من كان في أول الأمر كافر، أما من ولد في الإسلام فإحساسه بهذا أقل، ولا شك أن من كان كافراً وعرف الكفر وعرف الشر وعاش عيشة الكفار، الجملة الأخيرة في الحديث: ((وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار)) يعني لو خُيَّر بين أن يرجع ويرتد عن دينه بعد أن دخل فيه، أو يقذف في النار؛ لأنه في الحديث كما يكره يعني على حد سواء مثل ما يكره، يكره أن يعود في الكفر بقدر كراهيته لإلقائه في النار، لكن لو وجد مثلاً شخص عاش في جاهلية في كفر، ثم أسلم ووقر الإيمان في قلبه، وخالط قلبه بشاشة الإيمان، ثم عرض عليه إما أن ترتد أو نلقيك في النار، كما حصل لأهل الأخدود، لأصحاب الأخدود، لا شك أنه إن ارتكب العزيمة وقبل الإلقاء في النار هذا أكمل أو ما هو بأكمل؟ أكمل، لكن إن ترخص ونطق بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فالرخصة تسعه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل] لكن إذا قبل الإلقاء في النار لا شك أنه كره أن يعود للكفر أشد من الإلقاء في النار، لكن لو أحجم عن الإلقاء في النار وقال كلمة الكفر لا شك أنها مرتبة أدنى وأنقص؛ لأن المسألة مفترضة في استوائهم ((كما يكره أن يلقى في النار)) متى يكون مثل هذا؟ هذا في الكلام النظري، لكن إذا جاء المحك العملي، وهدده من يملك إيقاع الفعل ثبت على دينه وارتكب العزيمة صار كراهيته للعود إلى الكفر أعظم من أن يلقى في النار، وإن ترخص فالحمد لله الدين فيه فسحة، وهذا منصوص عليه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل] فالدين يشمله، والرخصة تسعه، لكن العزيمة أكمل. نعم. وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 62 ¦ الصفحة: 8 "وعنه" يعني عن أنس، صاحبي الحديث السابق "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم)) " والحديث الذي بعده: ((لا يؤمن عبد)) نفي الإيمان ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) النفي هنا لحقيقة الإيمان أو لكمال الإيمان؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني لو أن شخصاً لو قيل مثلاً: ما الضابط لمحبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكثر من النفس ومن الولد ومن الوالد والناس أجمعين؟ نقول: تقديم أوامر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقديم شرعه ودينه على هؤلاء كلهم، لو تعارضت مصلحة الوالد أو الولد أو أي أحد من الناس مع الأمر الشرعي يقدم الأمر الشرعي، لكن لو قدر أن إنساناً قدم مصلحة الوالد أو الولد على الأمر الشرعي، فهل نقول: ((لا يؤمن أحدكم)) نفي للإيمان بالكلية أو نفي لكمال الإيمان؟ ((لا يؤمن أحدكم)) الإيمان الكامل، ويبقى أن إيثاره لهذه المعصية وهذه المخالفة قدح في الإيمان، لكنها لا ترفع الإيمان بالكلية كشأن سائر المعاصي، ماذا نقول؟ معصية من المعاصي، إذا قال له أبوه: افعل كذا في وقت الصلاة، الصلاة تقام ويقول: لا، افعل هذا قبل، وتنظر فإذا العمل يستوعب الصلاة كلها، ما تنتهي إلا والصلاة انتهت، وافترض أن هذا يستوعب وقت الصلاة كله، لا تصلي إلا أنت موظباً السيارة مثلاً، توظيب السيارة يحتاج إلى ثلاث ساعات يطلع الوقت، يقول: لا، ما يمكن، الأصل أن يقدم طاعة الله وطاعة رسوله -عليه الصلاة والسلام- على طاعة الوالد، لكن إذا قدم وفعل وعصى وآثر محبة أو طاعة الوالد على طاعة الله ورسوله هل يكفر بهذا؟ هل يرتفع عن الإيمان بالكلية؟ لا، لا يرتفع عنه الإيمان بالكلية. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 9 ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده)) في بعض الروايات: ((من والده وولده)) تقديم الولد لأنه في الغالب أحب من الوالد، هذا من باب المحبة الجبلية والشفقة والرحمة، في الغالب أن الولد يؤثر على الوالد جبلة، نعم، لكن شرعاً محبة الوالد أعظم من محبة الولد من حيث الشرع، أيضاً تقديم الوالد على الولد يقول أهل العلم: لأن كل إنسان له والد وليس كل إنسان له ولد، فلذا قدم الوالد في هذه الرواية ((والناس أجمعين)) من باب عطف العام على الخاص، والتصريح بالولد وهو يشمل الذكر والأنثى {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] والوالد هنا مفرد مضاف يشمل؟ طالب: الأب والأم. الأبوين، لكن عقوق الأمهات يشمل الآباء؟ لا، لا يشمل، لكن النصوص الأخرى دلت على دخول الآباء، هنا: ((ولده ووالده)) عرفنا أن الولد يشمل بالنص {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [(11) سورة النساء] يشمل الذكر والأنثى، الوالد عندنا والد وعندنا والدة التي هي الأم، فإذا قلنا: والديه يدخل فيه الأم لأن النساء يدخلن في خطاب الرجال تبعاً في النصوص الشرعية، وقد جاء عن مريم أنها كانت من القانتين، في الدعاء الذي يسمع باستمرار ((اللهم اغفر لنا ولوالدينا)) هل يكفي أن نقول: ووالدينا، وتدخل الأم في الوالدين؟ أو نقول: لا بد من التثنية؟ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [(28) سورة نوح]؟ بالتثنية، أو نقول: مفرد مضاف يشمل؟ نعم هو مفرد مضاف يشمل جميع الوالدين الذي هم الآباء، لكن ما تدخل الأم إلا في التثنية، وهنا قال: ((ووالده)) مفرد مضاف يشمل جنس الوالد الذي يدخل فيه الأم؛ لأنه ليس له إلا والد واحد، لكن إذا جمعنا الضمير وقلنا: ووالدين يشمل جميع الآباء، ولا يدخل فيهم الأمهات حتى نأتي بالتثنية {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [(28) سورة نوح]. ((والناس أجمعين)) يعني من باب أولى، وهذا من عطف العام على الخاص للعناية بشأن الخاص، والاهتمام به. نعم. وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره)) أو قال: ((لأخيه ما يحب لنفسه)). الجزء: 62 ¦ الصفحة: 10 يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث: "وعنه" يعني وعن أنس صاحبي الحديثين السابقين "-رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " الواو قسم ((الذي نفسي بيده)) مقسم به، والنفس هي الروح، وبيده: فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته. كثير من الشراح حينما يتعرضون لشرح هذه الجملة: ((والذي نفسي بيده)) يقول: "والذي روحي في تصرفه" ولا شك أن هذا حيد عن إثبات الصفة التي هي إثبات اليد لله -جل وعلا-، نعم، الأرواح في تصرف الله -جل وعلا-، ولا أحد ينكر هذا، لكن هذا من اللازم، تفسير اللفظ باللازم خلاف قول أهل السنة والجماعة، تأويل الرحمة مثلاً بإرادة الإنعام، تأويل الغضب بإرادة الانتقام، تأويل اليد هنا بالتصرف، كل هذا خلاف ما عليه سلف الأمة وأئمتها. ((والذي نفسي بيده)) النبي -عليه الصلاة والسلام- يقسم، كثيراً ما يقول: ((والذي نفسي بيده)) وقد يقول: ((لا ومقلب القلوب)) حُفظ عنه القسم في مواضع كثيرة، وهذا يكون على الأمور المهمة شرعاً، أما الكثرة أو الإكثار من القسم في الأمور غير المهمة جاء {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] فلا يبتذل في غير الأمور المهمة، وقد أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع في كتابه {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [(53) سورة يونس] في سورة يونس، وفي سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(3) سورة سبأ] وفي التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [(7) سورة التغابن] فالقسم على الأمور المهمة وارد شرعاً، بل مطلوب ليعظم هذا الأمر، يعظم ما عظمه الله ورسوله. ((والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد)) هناك: ((لا يؤمن أحدكم)) أحدكم مثل ما قلنا: مفرد مضاف يعم ويشمل الرجال والنساء لدخولهن في خطاب الرجال، وهنا قال: ((لا يؤمن عبد)) نكرة في سياق النفي فتكون عامة لمن اتصف بهذا الوصف من الرجال وفي حكمهم النساء. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 11 ((لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره)) أو قال: ((لأخيه)) أو هذه شك، وجاء في بعض الروايات في الصحيح: ((حتى يحب لأخيه)) بالجزم ((لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحبه لنفسه)) قال: ((لأخيه ما يحبه لنفسه)) الجار المجاور في المسكن، ويشمل عند أهل العلم إلى أربعين بيتاً، أو من يسمع أذان المسجد، أو من يصلي صلاة الصبح في المسجد، أقوال، والأولى من الجيران الأقرب باباً، كما جاء في الحديث الصحيح عن عائشة: ((أقربهم باباً)) هذا أولى. ((حتى يحب لجاره)) والجار جاءت النصوص باحترامه وتقديره ونفعه، وكف الأذى عنه ((والله لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه)) ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) فالجار له شأن ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) والجيران منهم المسلم وغير المسلم، ومنهم القريب والبعيد، فالجار القريب المسلم له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام، والجار المسلم البعيد له حقان: حق الجوار، وحق الإسلام، والجار غير المسلم له حق الجوار فقط، فهذه الحقوق لا بد من مراعاتها ((حتى يحب لجاره)) أو قال: ((لأخيه)) ويشمل أخوة النسب وأخوة الدين، أخوة الدين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] وأخوة النسب معروفة {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} [(65) سورة الأعراف] أخوة نسب، وليست أخوة دين. أو قال: ((لأخيه ما يحبه لنفسه))، ((لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره)) أو ((لأخيه)) وعرفنا أن النفي ليس لحقيقة الإيمان وأصله وإنما هو لكماله، هذا في عرف كثير من الناس في حكم المستحيل، وأحياناً حقيقة الأمر متعذرة في مثل هذا، يعني طلبة يتنافسون في الدراسة هل يتمنى أجودهم في الدراسة وأحرصهم على التحصيل وأكثرهم تعباً أن يكون كل واحد من هؤلاء الإخوان الأول مكرر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 62 ¦ الصفحة: 12 هذا متعذر، لكن يتمنى لأخيه من التوفيق ما يتمنى لنفسه في الجملة، سابقوا، سارعوا، أصل المسابقة أن يكون فيه سابق ومسبوق، فكيف تمتثل هذا الأمر وأنت تريد أن تصل مع أصحابك إذاً ما في سباق ولا مسابقة؟ نعم يراد بالنصوص الحث على التقدم وهو مطلوب من الجميع، من الجميع التقدم، لكن هل يطلب من الإنسان أن يكلف نفسه ويروض نفسه على أن يصلوا إلى الغاية سواء؛ ليحب ما يحب لنفسه؟ على كل حال الإنسان يسعى ويسدد ويقارب ويحرص أن يحقق أكبر قدر مما جاء، والقلوب السليمة قد يسهل عليها مثل هذا، أما القلوب المدخولة يستحيل عليها تحقيق مثل هذا، حتى جزم بعضهم أن تحقيق ما في هذا الحديث مستحيل؛ لماذا؟ لأنه يحكي واقعه وواقع من حوله، لكن القلب السليم يتحقق فيه مثل هذا، لا سيما وأنك ما عليك نقص ((حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)) يحب لنفسه بيت واسع يعني ما تحب لأخيك أن يكون بيته واسع؟ نعم؟ وبعض الناس يسعى جاهداً لكتمان ما عنده؛ لئلا يقلد فيصير الناس مثله، ما يصير له مزية حينئذٍ، ومع الأسف قد يوجد هذا بين طلاب العلم، يسمع فائدة من الشيخ يقيدها فلا يبوح بها لزملائه، ويُسأل عنها ويكتمها؛ ليتميز بها في الامتحان، هذا يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟! لا، المقصود أن مثل هذا كما قال أهل العلم يسهل على القلب السليم، وأما القلب المدخول فهو في غاية الصعوبة، وإذا كان هذا مفاد هذا الحديث فدلالته على ضده من باب أولى، على نفي الحسد والحقد الذي به يتمنى الإنسان زوال النعمة عن غيره، يعني: بدلاً من أن يحب لنفسه من يحب لغيره يتمنى أن تزول النعمة عن الغير هذا -نسأل الله العافية- أمره عظيم الذي هو الحسد والحقد على الناس، وإرادة الشر بهم، ويفرح إذا أصيبوا بمكروه، ويغتم إذا أصابهم شيء من السرائر، هذا لا شك أنه أشد مما جاء في هذا الحديث، يعني مما يفهم من هذا الحديث أنه إذا لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ارتفع عنه كمال الإيمان، فكيف إذا أحب لغيره لأخيه أو لجاره الضر لكن بعض النفوس مجبولة على هذا، فيها شر، وفيها حسد، وفيه حقد، يتمنى باستمرار ويفرح إذا أصيب أحد، ويغيظه أن يصاب إنسان بخير، وإذا قيل له: إن فلان وفق بزوجة صالحة جميلة صينة دينة، ما الجزء: 62 ¦ الصفحة: 13 استطاع أن ينام تلك الليلة من الحسد، صحيح، هذا يوجد يا إخوان! موجود بكثرة، وهذا سببه أن القلوب مدخولة، لكن هل يأثم بمجرد ذلك أم يكون هذا من حديث النفس المعفو عنه ما لم يتحدث أو ما لم يتكلم ويعمل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . حديث نفس. طالب:. . . . . . . . . يعني إذا ما نام تلك الليلة مغموم؛ لأن صديقه وفق أو صاحبه أو أخاه وفق بامرأة صالحة، أو وفق بوظيفة وعمل، نقول: هذا حديث نفس ما لم يعمل أو يتكلم؟ هاه؟ أو أن نقول: هذا الذنب مرتب على هذا القدر والعمل والحديث قدر زائد على ذلك؟ لأن أدواء القلوب أعمال القلوب سواء كانت الممدوحة أو المذمومة محلها القلب، الأصل فيها أن محلها القلب، وجاء ذمها ومحلها القلب، وجاء مدح ما يمدح منها ومحله القلب، يعني لو أن شخصاً أحب شخصاً في الله، واستمر على ذلك إلى أن مات محبة شرعية خالصة، ولا أخبره أنه يحبه، ولا كلم أحد أنه يحبه يؤجر أو ما يؤجر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يؤجر بلا شك، وقل مثل هذا في العكس؛ لأن هذه أعمال القلوب الأصل فيها أنها مستقرها القلب، ولا يلزم أن يتحدث بها، بل رتب الإثم عليه بمجرد انطواء القلب على هذه الخلة، كأن ابن الجوزي في صيد الخاطر يميل إلى أن الحسد لا يؤثر إلا إذا تكلم أو عمل بمقتضاه ويجعل هذا من حديث النفس. اقرأ حديث ابن مسعود. وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم)) " سباب: مصدر سابب يسابب سباباً، مثل: قاتل يقاتل قتالاً، ومسابة ومقاتلة، والسب والشتم بمعنى واحد، فسب المسلم وشتمه وعيبه وذمه وشينه كله محرم. والمسلم يشمل الحي والميت، وجاء النهي عن سب الأموات: ((لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا))، ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء))، ((اذكروا محاسن موتاكم)) وإذا كان يتأذى ويتأذى أهله فكيف يتأذى بنفسه فيسب وهو حي؟! الجزء: 62 ¦ الصفحة: 14 ((سباب المسلم فسوق)) خروج عن الطاعة، قادح في عدالة المسلم، عدالة الساب وديانته ترد به شهادته وروايته، الفاسق لا تقبل شهادة ولا تقبل روايته. والأحكام المترتبة على الفسق كثيرة، فإذا ثبت أن هذا الشخص يسب المسلم فَسَقَ بهذا، فضلاً على أن يسب ويذم أهل الخير وأهل الفضل وأهل الصلاح، يسب أهل الحسبة لماذا؟ لأنهم قاموا بهذه الشريعة، هذا خطر عظيم -نسأل الله العافية- يخشى عليه من النفاق؛ لأنه إن كان يذمهم ويسبهم ويتحدث بهم في المجالس من أجل قيامهم بهذه الشعيرة هذا يخشى عليه من النفاق -نسأل الله السلامة والعافية-، وإذا كان يذم الواحد منهم لما حصل بينه وبينهم من أمور الدنيا فهذا لا يجوز، لكنه يبق أنه أخف من الأول. ((سباب المسلم فسوق)) وسبابه إذا كان بما فيه مع غيبته فهو غيبه، وان كان بحضرته فليس بغيبة، لكن يبق أنه إذا كان يؤذيه هذا السباب فهو محرم. ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) قتاله كفر فضلاً عن قتله، القتال والمقاتلة أعم من القتل؛ لأنه قد يحصل القتال ولا يحصل القتل، تحصل المقاتلة ولا يحصل القتل ((وقتاله كفر)) وهو إن استحله فهو كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن كان لأمر من الأمور، ومن غير استحلال، ويرى أنه محرم، وغلبته نفسه على هذا فهو كفر دون كفر غير مخرج عن الملة. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 15 وفي هذا الحديث تعظيم حقوق المسلمين وحرماتهم وأعراضهم ودمائهم، فحفظ الضروريات جاءت بها الشرائع، ومنها الأعراض الذي يتعرض لها المسبوب، منها: القتال وهو أعظم، ولذا رتب عليه من الحكم ما هو أعظم، فإذا كان مجرد السباب فسوق فالقتال كفر -نسأل الله السلامة والعافية-، وأبو ذر -رضي الله تعالى عنه- الصحابي الجليل لما عير رجلاً بأمه قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) يعني فيه خصلة من خصال الجاهلية، فالتعيير بالآباء أو الأمهات هذا من خصال الجاهلية، ولذا قيل: ((فيك جاهلية)) لكن أبو ذر ليس بجاهلي، يعني قد يكون في الإنسان خصلة من خصال يكون فيه جاهلية، يكون فيه نفاق، يكون فيه شرك، يكون فيه وصف مذموم، لكنه لا يوصف بالوصف الكامل، ما يقال: أبو ذر جاهلي، كما قرر ابن رجب -رحمه الله تعالى- في أهل الكتاب أنهم فيهم شرك، لكنهم ليسوا بمشركين، ابن رجب قرر هذا، ولذا عطفوا على المشركين: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(6) سورة البينة] يعني عُطف المشركون عليهم، دليل على أنهم غير مشركين، وإن كان فيهم شرك، ووقوع الشرك فيهم قديم، ووقت النزول أو التنزيل فيهم هذا الشرك، وجاء في التنزيل ما يدل على أنهم أشركوا وأنهم جعلوا لله نداً {قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [(73) سورة المائدة] قالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ} [(30) سورة التوبة] وقالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ} [(30) سورة التوبة] كفروا وأشركوا، ومع ذلك جاء من الأحكام لهم ما يخصهم من بين سائر الطوائف؛ لأنهم ليسوا بمشركين، وان كان فيهم شرك، ولذا تحل نساؤهم، مع أنه لا يحل للمسلم أن ينكح مشركة، لكن يحل له أن ينكح كتابية؛ لأن فيها شرك وليست بمشركة على قول ابن رجب -رحمه الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم على وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 62 ¦ الصفحة: 16 وعنه -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك)) قال: قلت له: إن ذلك لعظيم، قال: قلت ثم أي؟ قال: ((أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)) قال: قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم أن تزاني حليلة جارك)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على بعده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني عن ابن مسعود صحابي الحديث السابق، وجرت عادت المؤلفين في المختصرات أنهم يكنون عن المكرر بالضمير، ولا يقول: عن ابن مسعود، ولا عن عبد الله بن مسعود مرة ثانية، ولا عن أنس، ولا عن أبي هريرة، بل يعطفون عليه إذا اتحد الصحابي. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 17 "قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم عند الله تعالى؟ " الفائدة من السؤال أن يجتنب ويتقى ويحذر منه ((أي الذنب أعظم عند الله تعالى؟ )) والمراد بالذنب جنس الذنب، أي الذنوب أعظم عند الله تعالى؟ فأجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك)) يعني أن تشرك بالله، تجعل لله نداً يعني شريكاً نظيراً مشابهاً مساوياً له وهو الذي خلقك وأوجدك، وله عليك النعم الظاهرة والباطنة، أسبغ عليك النعم ومع ذلك تكون عبادتك لغيره بمفرده أو معه، فالشرك أمره عظيم، بل هو أعظم الذنوب على الإطلاق، وما عصي الرب -جل وعلا- بمثل الشرك، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أن تجعل)) والسؤال مكرر في الجواب حكماً، فكأنه قال: أعظم الذنب عند الله تعالى أن تجعل له نداً وهو خلقك، حكم مقروناً بعلته المقتضية للتنفير من العمل، الله -جل وعلا- هو الذي خلقك، يعني لو رأيت رجلاً عاقاً لوالديه أو لأمه كيف تعق أباك؟ ثم تذكر السبب في منعك العقوق بالنسبة له، فتقول: هو سبب وجودك، وهو الذي .. ، فلو قال شخص لآخر: كيف تعق أباك أو تعق أمك وهما سبب وجودك؟! تذكره بما يكون حافزاً له، وهنا يقول: ((وهو خلقك)) تذكير للإنسان بما يدعوه إلى ترك هذا العمل الشنيع، تجعل لله نداً بأن تصرف له شيئاً من أنواع العبادة التي هي من خصائص الرب -جل وعلا-، ويوجد هذا مع الأسف في الأمة كثير ممن يقول: لا إله إلا الله، فتجد المرء في بعض الأقطار يطوف على القبر وهو يقول لا إله إلا الله، وهذا دليل على أنه لا يعرف معنى لا إله إلا الله، المعنى الذي عرفه أبو جهل وأبو لهب ما عرفه هذا، ابتليت الأمة بالغلو في الصالحين وعبادتهم، توجد القبور والمشاهد في شرق الأرض وغربها، ومع ذلك النصوص في التحذير من الشرك والحث على التوحيد وتحقيقه كثيرة جداً، لا يمكن الإحاطة بها في نصوص الكتاب والسنة ومع ذلك تجد المخالف، وذلك مصادق قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان)) هذا لا بد أن يقع في الأمة، لكن مع ذلك كونه يقع قدراً لا يجوز شرعاً، لا يعني أن يجوز شرعاً، والبلوى بالقبور والفتنة بها أشربها الجزء: 62 ¦ الصفحة: 18 قلوب كثير من المسلمين من القدم، حتى أقيمت المباني وشيدت البنايات الشاهقة على القبور، ويوجد ضريح من أكبر الأضرحة يدعى (ضريح الشعرة) يعني ضريح عليه بناية كبيرة جداً وحوله السدنة يطوفون الناس، ويبيعون عليهم الغبار والتراب، ويبيعون عليهم الماء الذي يمر بهذا الضريح، وضريح شعرة، شعرة مدفونة في هذا على ما يذكر شعرة، شعرة ممن هذه الشعرة؟ من عبد القادر الجيلاني، فكيف بقبره الذي فيه جسمه؟! الأمر فيه أعظم، كيف بمن هو أفضل منه؟! حصلت الفتنة به أكثر، وهذا الباب أعني باب الشرك الذي لا يغفر، فالشرك ليس بقابل للغفران، كما قال -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] كثير من المبتدئة يرون أن الشرك في الربوبية، ويغفلون عن الأهم الذي من أجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ومن أجله حارب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وغزا قومه وغيرهم لتقريره، وإلا فالمشركون يقرون بتوحيد الربوبية، النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما طالبهم بتوحيد الإلوهية الذي ينكرونه. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 19 "قلت له: إن ذلك لعظيم" يعرف ابن مسعود من خلال ما سمع من النصوص عظمة الشرك، وخطورة الشرك {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] ما في شيء يحبط العمل غير الشرك {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] وهذا يقال في حق من؟ في حق النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيف بمن دونه؟! فالشرك أمره عظيم، خافه أخشى الناس وأتقى الناس وأعلم الناس بالله -جل وعلا-، والذي حطم الأصنام إبراهيم الخليل {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [(35) سورة إبراهيم] يقول إبراهيم التيمي: "من يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم؟! " صحيح، إذا كان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- إمام الحنفاء، والذي بنى البيت، وحطم الأصنام يخشى من الشرك، فعلى الإنسان أن يحذره، وأن يتعلم من التوحيد وحماية التوحيد وسد الذرائع، حماية جناب التوحيد وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك، تعلم من ذلك ما يكون بإذن الله -جل وعلا- وقاية وحصناً وسداً منيعاً من الوقوع في بعض الشركيات التي قد يقع فيها من حيث يشعر أو لا يشعر. من قرأ على سبيل المثال بعض الرحلات وجد كثير من الرحالين أول ما يدخلون البلدان يذهبون إلى قبور الأولياء، ومن أراد الأمثلة على جميع خوارم توحيد الإلوهية فلينظر في رحلة ابن بطوطة، التي فيها من الشرك الأكبر فما دون، على كل حال هذا وقع في الأمة، لكن على المسلم أن يحذره أشد الحذر؛ لأنه أعظم الذنوب عند الله -جل وعلا-. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 20 "قال: قلت له: إن ذلك لعظيم، قال: قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)) " وهذه العلة لا مفهوم لها، إذا قتل ولده مع أنه غني وكريم يجود على الناس فكيف بولده؟! لا يخشى أن يطعم معه، فقتله لأمر من الأمور يجوز؟ لا، لا يجوز بحال، ولذا يقول أهل العلم: إن مثل هذا القيد لا مفهوم له، أن تقتل ولدك، بل الذي هو أقرب الناس إليك، ومضى وأد البنات، فالولد والبنت بصدد أن يشفق عليهم، ويحنى عليهم، وأن يحاطوا بالعناية والرعاية فإذا حصل خلاف ذلك دل على الانحراف الخطير في حياة الشخص، فهذا من العظائم أن يقتل ولده خشية أن يطعم معه، من عظائم الأمور أيضاً القتل، سواء كان للولد وهو أشدها، أو لغيره كالقريب والجار أو البعيد المسلم وغير المسلم، مما عصم دمه من ذمي أو معاهد، كل هذه من عظائم الأمور، ولا يزال المسلم في فسحة من أمره أو من دينه حتى يصيب دماً حراماً -نسأل الله السلامة والعافية-، فالقتل مقرون بالشرك في هذا الحديث وفي آية الفرقان. "قال: قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تزاني حليلة جارك)) " يعني زوجة الجار، تزاني مفاعلة، والعدول عن المفاعلة إلى الفعل، ما قال: أن تزني بحليلة جارك، تزاني مفاعلة؛ ليكون الفعل من الطرفين منك ومنها -نسأل الله السلامة والعافية-، ولا يكون هذا إلا بعد إفسادها على زوجها، وهذا شأنه خطير في الشرع، إذا حصلت المفاعلة بين الطرفين يكون بعد إقناعها وإفسادها لتحصل الرغبة منها ومنه؛ ليكون من طرفين، وهذا فيه أكثر من جريمة وأكثر من خيانة، مع الأسف أن مثل هذه الصورة في القوانين الوضعية أشد أو الإكراه؟ نعم؟ طالب: الإكراه. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 21 الإكراه، أمورهم معلقة بالإكراه، أما إذا كان مزاناة ورضا وإقناع هذا ما يهمهم -نسأل الله السلامة والعافية-، وهي محادة لله ولرسوله، فالعدول من الفعل إلى المفاعلة لا شك أنه لنكتة، ما قال: أن تزني بحليلة جارك قال: أن تزاني؛ لأن المفاعلة تدل على وجود الرغبة من الطرفين، ولا يكون هذا إلا بعد إفسادها على زوجها، هذه الأمور الثلاثة التي هي: الشرك وقتل النفس والزنا من عظائم الأمور، ومن أشد الموبقات، في آية الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] هذه الثلاثة مقرون بعضها ببعض، مقرونة ببعض لعظمها، وشدة خطرها، فكما أن العناية متجهة إلى حرب الشرك والقضاء عليه بجميع الوسائل، والقضاء على الشرك هو السبب الحقيقي للأمن، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] فمتى وجد الشرك انتهى الأمن، والأمن بجميع صوره لا الأمن الذي مبني على حديد وعلى نار وإزعاج وإرهاب وتخويف، لا، الكلام على الأمن الحقيقي الذي جاءت به الشريعة {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [(82) سورة الأنعام] ومع الشرك مما .. ، محاربة الشرك مما يحقق الأمن الحقيقي مواجهة القتل والقتلة والقضاء عليهم {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [(68) سورة الفرقان] فلا أمن بدرء هذه المفسدة العظيمة. والأمر الثالث مما يتعين بل هو من أوجب الواجبات على من ولاه الله أمر المسلمين القضاء على الفساد الخلقي كالزنا واللواط والفواحش، وما يدعو إليها، قرنت في آية واحدة، وفي حديث واحد، فلا يجوز التفريق بينها، نعم بعضها أعظم من بعض، فالشرك هو الأعظم، ثم القتل، ثم الزنا، لا يجوز أن يتساهل الإنسان بأمر معصية وجريمة مثل هذه الجرائم. "قال: ((أن تزاني حليلة جارك)) " والحليلة هي الزوجة. سم. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 22 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((آية المنافق ثلاث)) " آية المنافق ثلاث يعني: علامة المنافق، علامته الظاهرة ثلاث: ((إذا حدث كذب)) العلامة الأولى والخصلة الأولى من خصال المنافقين الكذب في الحديث ((إذا حدث كذب)) الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف واقعه، يعني الخبر الذي لا يطابق الواقع عمداً كان أو سهواً، هذه هي حقيقة الكذب عند أهل السنة عمداً كان أو سهواً، فالكلام إما صدق وإما كذب، فإن طابق الواقع فهو الصدق، وإن خالف الواقع فهو الكذب، ولا يشترط فيه العمدية أعني لتسميته كذباً، فالكذب نقيض الصدق لا ضد الصدق، إذ لا واسطة بينهما عند أهل السنة، وعند المعتزلة واسطة، في واسطة، كلام ليس بصدق ولا كذب، فيه واسطة بين الصدق والكذب، ولذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه المتواتر لفظه ومعناه: ((من كذب عليَّ متعمداً)) فيدل على أن هناك كذب لكن ليس عن عمد، المعتزلة عندهم هناك واسطة لأن الكذب قوبل بغير الصدق، فدل على أنه ليس نقيضاً له، نعم هو ضد، لكن ليس بنقيض {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ] ما قوبل الكذب بالصدق، فدل على أن هناك أشياء غير الصدق والكذب، لكن كونه به جنة هذا كلام يكون مقابلاً للكذب؟! {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ] المجنون يتصرف ويتكلم بكلام يليق به، وتصرْف يليق به، لكن هل كلام المجنون الذي لا يعقل كلامه، وكلام النائم الذي لا يعقل كلامه، وكلام الطيور التي لا يقصد منها الكلام هل تدخل في حقيقة الكلام في لغة العرب أو لا تدخل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 62 ¦ الصفحة: 23 الكلام هو: اللفظ المركب المفيد بالوضع، فقولهم: بالوضع يعني بالقصد، فعلى هذا لا يدخل كلام النائم ولا كلام المجنون، ولا كلام الطيور، لا يسمى كلام في لغة العرب، ومنهم من يقول: المراد بالوضع يعني بوضع اللغة العربية، لكن يترتب على هذا أن كلام الأعاجم لا يسمى كلاماً، واضح الفرق؟! على هذا نقول: كلام المجنون وكلام من لا يقصد الكلام مثل النائم، ومثل بعض أنواع الطيور هذا ليس بكلام، ولذا لما استدلوا بقول الله -جل وعلا-: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ] المجنون يتصرف ويتكلم بكلام لا يقصده ولا يريده ولا يفهم معناه، فكلامه ليس بكلام، فلا يقابل بالكذب من هذه الحيثية، لكن ما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- على حد زعمهم وعلى حسب تصورهم أنه إن كان عاقلاً فقد افترى على الله كذباً، وإن كان مجنوناً قد قال كلاماً أو فعل فعلاً يناسب فعل المجانين، فلا يقابل هذا بهذا باعتباره كلاماً، فالمقابل للكذب هو الصدق ولا واسطة بينهما. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 24 ((إذا حدث كذب)) (إذا) شرطية (حدث) فعل الشرط، و (كذب) جوابه، والتعبير بـ (إذا) يدل على أن هذا ديدنه، يعني كل ما حدث كذب، وأما من يحصل منه الكذب أحياناً ونادراً مثل هذا لا يكون منافقاً؛ لأن (إذا) تقتضي الاستمرار والجزم بوقوع الجزاء إذا وقع شرطه، يعني كلما حدث كذب -نسأل الله السلامة والعافية- ((ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) فتجد الإنسان يُستدرج في هذا الباب، في أول مرة يكذب من غير قصد ليضحك أو لينكت، أو لأمر من الأمور والمقاصد التي يفعلها بعض الناس، ثم بعد ذلك يزيد، تجده خاطره معمور بالتزوير تزوير الكلام الكاذب، ماذا يقول لأصحابه إذا جلس معهم؟ ينسج ويزور في نفسه كلاماً يدخل به السرور على أصحابه على حد زعمه، ثم بعد ذلك يزيد، ثم لا يلبث أن يكون كذاباً، يكون كذبه أكثر من صدقه، فيكذب لمصلحة ولغير مصلحة -نسأل الله السلامة والعافية- ((ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) وعرفنا أن الكذب إذا لم يطابق الواقع فهو كذب، لكن هناك صور أُبيحت للمصلحة الراجحة من هذا النوع للإصلاح، كذب الرجل على زوجته، وفي الحرب مثلاً، المقصود أنه إذا صارت المصلحة راجحة، وقد لا يقصد بهذا الكذب الصريح قد يقصد منه المعاريض، فإذا كانت المعاريض تؤدي الغرض ففيها مندوحة عن الكذب، هناك أمور لا تطابق الواقع، ومع ذلك تداولها بعض العلماء مثل المقامات، المقامات الأدبية من هذا النوع، حدث الحارث بن همام قال .. ، ما في حارث بن همام أصلاً، وحدث عيسى بن هشام، وحدث فلان وعلان، ما في شيء، اخترعها اختلقها من تلقاء نفسه، صاحب المقامات اختلقها، ومع ذلك تداولها الناس، واعتنوا بها، وقرروها ودرسوها وشرحوها، وهم يعرفون أنها كذب، وزاولها جمع من أهل العلم قالوا: للمصلحة الراجحة، وكل يعلم أنه لا محدث ولا مُحدث، ومثل هذا المناظرات تعقد مناظرة بين خصمين، والأصل أن هذه المناظرة لا حقيقة لها، إنما هي على لسان شخص واحد، إذا أراد أن يبسط مسألة مثلاً بقولين لأهل العلم قال فلان كذا، وقال كذا، ورد عليه كذا، وقال كذا، ومن أوضح ما يذكر في هذا المناظرة بين العلوم، هذه لا يتصور الكلام فيها، الجزء: 62 ¦ الصفحة: 25 قال علم التفسير، قال علم الحديث، كل واحد يذكر فضله وميزته، قال علم الفقه، قال علم العقائد وهكذا، هذه مناظرات هل هذا صدق وإلا كذب؟ يعني: إذا عرضناه على الحد، هل هو مطابق للواقع أو مخالف للواقع؟ مخالف، لا يمكن أن يقول علم التفسير: أنا أشرف بشرف المقصود وبشرف الهدف؛ لأنني أبين كلام الله وهكذا، ما يمكن، أو يقول علم الحديث ما يقول، هذه مناظرات فعلها بعض العلماء، وقد يفعلونها بين فريقين، قال السني كذا، قال الجبري كذا، قال الرافضي كذا، قال الجهمي كذا، وهي من شخص واحد، هذا فن المناظرة، وفعله بعض أهل العلم، وتسمحوا في مثل هذا، قالوا: لأن المصلحة راجحة. ((وإذا وعد أخلف)) يعد بالهدية، يعد بأن يأتي إليه في وقت معين، ثم بعد ذلك لا يحصل، وإخلاف الوعد أمره عظيم لما يترتب عليه، فإذا قال لزيد من الناس: عندي لك كتاب كذا أعطيك إياه -إن شاء الله-، ثم بعد ذلك ما أعطاه إياه، أو قال له: آتيك في الساعة الفلانية، أجيك في الساعة الفلانية، وجلس ينتظره الساعة والساعتين فما جاء، لا شك أنه متضرر، ولذا صار هذا الوصف من علامات النفاق، وأهل العلم يقولون: إن مثل هذا الشنيع إنما يتجه في حق من كان في نيته الخلف مع الوعد، من الأصل ما هو موفي، أما من كان في نيته الوفاء ثم طرأ عليه بعد ذلك ما يطرأ فلا يدخل في مثل هذا، نعم هو خلاف الأولى، إذا قال: والله عندي لك كذا، ثم ذهب إلى البيت فوجد الكتاب قد يحتاجه أحياناً، أو النسخة التي يريد إهداءها له تختلف عن النسخة الثانية، ولها ميزة، وقال: احتفظ بالنسختين، وإذا قال مثلاً: إذا جاء الراتب أتصدق بمائة مثلاً، ثم بعد ذلك لما جاء الراتب طمع ووجد التكاليف كثيرة، والفواتير مجتمعة ترك، هذا عند أهل العلم هو مجرد وعد، لكن إن اقترن هذا الوعد بالعهد صار من علامات النفاق {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [(75) سورة التوبة] إلى أن قال: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [(77) سورة التوبة] المقصود أن مثل هذه الأمور الأصل أنك إذا وعدت تفي، لكن إذا حصل لك ما يمنعك من الوفاء فأهل العلم لا يدخلونه في هذه الصورة. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 26 ((وإذا أؤتمن خان)) يأتمنه الناس على أموالهم وعلى أسرارهم، ثم بعد ذلك يجحد الأموال، ويبوح بالأسرار، هذه علامة من علامات النفاق -نسأل الله السلامة والعافية-، والوفاء موجود في الناس، والخيانة أيضاً موجودة من بعض الناس، في هذه الأمة، وفيما تقدمها من الأمم، فالذي يجحد وينكر الأمانة خيانة هذه، والذي يؤتمن على عمل من أعمال المسلمين ويفرط فيه خائن، والذي يلقن جاره أو صاحبه الجواب في الامتحان خائن، والمدرس الذي لا يؤدي الأمانة ما وكل إليه خائن، القاضي كذلك، المفتي كذلك الذي .. ، كل عليه كفله ونصيبه من هذا، فلا بد من أن تؤدى الأمانة، والأمانة شأنها عظيم {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [(72) سورة الأحزاب] ((فأدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] وفي الحديث: ((أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) لهذا يمنع جمع من أهل العلم أن يكون لك دين على أحد ثم تظفر بشيء له يعادل هذا الدين فتجحده، أو تأخذه من غير علمه، لك عند أحد زملائك مائة ريال، ولا بينة لك، أعارك كتاباً قيمته مائة، ثم لما جاء يطلبه قلت له: أبداً ما عندي لك شيء، لا شيء لك عندي، هذه يسميها أهل العلم مسألة الظفر، يجيزها بعضهم إذا كانت بقدر ما عنده له، ويستدلون بحديث: ((خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)) يعني ولو من غير علمه؛ لأنه رجل شحيح، والذي لا يجيزها يذهب إلى حديث: ((أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) ومن أهل العلم من يفصل، يقول: ما كان بين الأقارب مما لا يمكن فيه إقامة الدعاوى كالنفقات وشبهها مثل هذا يؤخذ ولو من غير علمه، وما يمكن فيه إقامة الدعاوى لا يؤخذ. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 27 جاء في روايات أخرى: ((وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) إذا عاهد يعاهد الإنسان على أمر من الأمور بأن .. ، يقول له: تخبرني بكذا، أو تعطيني كذا ولك عليَّ العهد أن لا أخبر عن كذا، يعني مما يضره، ولا يكون على حساب غيره، أو أن لا أتعرض لك بسوء، أو أرد عنك من أراد أن يعتدي عليك، ثم بعد ذلك يغدر به هو، بدلاً من أن يقيه شر غيره يغدر به هو، المقصود أن هذه من علامات المنافقين. ((وإذا خاصم فجر)) خاصم سواء كان لنفسه أو لغيره كالمحامي مثلاً حصلت له خصومة، وصار طرفاً فيها أجلب عليها بكل ما أوتي من بيان مع علمه بأن الحق لغيره لا له ولا لموكله، هذا فجور في الخصومة، وعلى هذا على المرء أن يتقي الله -جل وعلا- في الخصومة؛ لئلا يشبه المنافقين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، أو من حق أخيه شيئاً فإنما أقضي له قطعة من نار، فليأكلها أو ليدعها)) تحذير وتنفير، والوضوح في الخصومة أمر لا بد منه بأن يكشف الإنسان ما عنده على حقيقته، لا يلبس على القاضي، ولا يصادر ما عند الخصم من إجابة؛ لأن بعض الناس عنده أسلوب يصير يدرس المحاماة من أجل إبطال الحقوق، أما من يدرسها من أجل إقامة الحقوق، والدفاع عن أهلها هذا مأجور -إن شاء الله تعالى-، وقل مثل هذا ممن يتولى المحاماة إذا كان قصده نصر المظلوم، واستخراج الحقوق لأهلها مأجور، لكن إذا كان قصده الكسب المادي بغض النظر عن كون الحق لصاحبه أو لا هذا يدخل في الحديث: ((إذا خاصم فجر)). الجزء: 62 ¦ الصفحة: 28 وكان الناس إلى وقت قريب قبل أن تفتح الدنيا على الناس فيهم الوضوح والصدق، حتى أنه وجد من يوكل خصمه ليدلي بحجته عند القاضي، يقول: أنت تعرف القضية من أولها إلى آخرها، يقول لخصمك، اذهب وقل للقاضي المسألة كذا وكذا، فإذا قضى لأحدنا انتهينا، وبالفعل يذهب الخصم ويشرح القضية للقاضي فيقول: الحق لصاحبك، ويذهب هذا لصاحبه ويقول: الحق لك، وهناك أمور من الفجور الظاهرة والخفية، هناك أمور تخفى على كثير من الناس، شريح القاضي جاءه ولده وقال له: يا أبتي إن لي خصومه مع بني فلان أريد أن أعرضها عليك، فإن كان الحق لي جئت بهم وإلا تركتهم، قال: أعرض، فلما عرضها، قال: الحق لك هاتهم، فجاء بهم فقضى عليه، هو من الأصل الحق لهم، ليس له، فقضى عليه، وقال: إن الحق لهم، فلما انتهت القضية، قال: يا أبتي أن قلت لك من الأول: أخبرنا أن الحق لهم ونرتاح ونريحهم، قال: لا، لو قلت: إن الحق لك ذهبت تصالحهم على أدنى شيء؛ لأن بعض الناس يفتدي التعب والحضور إلى المحاكم والقضاة بما يستطيع، يعني لو شخص ادعي عليه بمليون ريال، جاءه شخص مفتري ليس عنده أدنى بينة، قال: في ذمة فلان عنده مليون ريال، يا الله عند للقاضي ... الجزء: 62 ¦ الصفحة: 29 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الجامع (4) الشيخ: عبد الكريم الخضير جاءه شخص مفتري ليس عنده أدنى بينة، قال: في ذمة فلان عنده مليون ريال، يا الله القاضي، الطرف الثاني عنده استعداد يقول: هذه عشرة آلاف وريحنا من المحكمة، وهو ما له حق أصلاً، فشريح قال لولده: الحق لك، من أجل أن يحضرهم فينتهوا من عند القاضي، هل يستطيع أن يقول: أعطوني شيئاً أصالحكم به بعد أن بان أن الحق لهم؟ ما يمكن. نعم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من الكبائر شتم الرجل والديه)) قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: ((نعم، يسب أبا الرجل، فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه)). نعم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من الكبائر)) " الذنوب فيها الكبائر وفيها الصغائر، والكبائر جاء التنصيص عليها في نصوص كثيرة {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] يعني في الكتاب والسنة جاء التنصيص عليها، لكن الصغائر بهذا اللفظ، هل ورد فيها نص، التقسيم موجود في الشرع إلى أن الذنوب .. ، والذنوب متفاوتة، ثم أي؟ ثم أي؟ الذنوب متفاوتة بلا شك، وهناك ذنوب تعرف عند أهل العلم بالكبائر، وجاء التنصيص عليها، ووضعوا لها الضوابط، وهناك ما دونها من المعاصي التي تكفر باجتناب الكبائر، وبالصلوات الخمس، وبرمضان، وبالعمرة إلى العمرة، وهي مأخوذة من مقابلة اللفظ، ما لم تغش كبيرة، الصلوات الخمس كفارات لما بينها، الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها ما لم تغش كبيرة، تكفر إيش؟ تكفر الصغائر؛ لأن المفهوم من الكبائر أن المكفَر غير الكبائر ولا غير الكبائر إلا الصغائر، وإن لم يوجد التنصيص على الصغائر. جاء التعبير باللمم مثلاً، لكن بهذا اللفظ الصغائر قد يعوز الاستدلال عليه، لكنه استنباط قوي من مفهوم الكبيرة، وأن الذي يقابلها الصغيرة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 1 الكبائر جاء عدد أو تعداد شيء منها، وألحق بها ما يشاركها في الضابط، فإذا نفي الإيمان عن صاحب المعصية صارت هذه المعصية كبيرة، إذا توعد بالنار صار كبيرة، بحرمان الجنة كبيرة، لا ينظر الله إليه كبيرة، رتب عليه حد في الدنيا، عذاب في الآخرة هذه كبائر، هذا الضابط عند أهل العلم، ومن أهل العلم من يرى أن كل معصية كبيرة نظراً إلى عظمة من عصاه، وقد يحتف بالذنب الذي لم يتوعد عليه بشيء معين ما يحتف به مما يجعله في مصاف الكبائر من الاستخفاف مثلاً أو الإسرار، أو عدم الاكتراث والمبالاة، وقد يحتف بالكبيرة من الندم والخوف والوجل ما يمحو أثرها، عند أهل العلم الكبائر لا بد لها من توبة، مع أنها تحت المشيئة، وأما الصغائر تكفر بما ذكر من اجتناب الكبائر: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] وتكفر أيضاً الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والمراد على ذلك الذي يؤتى به على الوجه الشرعي بحيث تترتب عليه آثاره، فهذه تكفر الذنوب. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 2 ((من الكبائر شتم الرجل والديه)) والديه ما قال: ((والدِيه)) لا، شتم الرجل والديه الأب والأم، يتصور أن ولداً يشتم والديه؟ الصحابة ما تصوروا هذا، لكن في زماننا الأمر أعظم، يحصل من الأولاد العققة ما هو أعظم، يحصل من بعض من ابتلي بسوء الخلق ما هو أشد، ولو كان ظاهره الصلاح، يحصل من هذا شيء، الصحابة استغربوا قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ استبعاد، ما يتصور يعني رجل سوي عاقل يشتم والديه مهما بلغ من التساهل أو من الفسق، ما يتصور أبداً، وهذا الكلام يجرنا إلى الكلام عن مسألة ما تصورها بعض العلماء، ما تصوروها، بعض المغاربة في القرن السابع يقول: إن الخلاف في كفر تارك الصلاة نظري ما هو بعملي، كيف نظري؟! يقول: ما يتصور أن أحد يترك الصلاة، إن كان في عهد شرار الناس أو بعد خروج الدجال ممكن، أما ما يتصور مسلم يترك الصلاة أبداً، يقول: الخلاف لا حقيقة له في الواقع، والآن البيوت ابتليت بمن يترك الصلاة إما بالكلية، أو ينام عن صلاة اليوم الكامل، الصحابة استغربوا وهل يشتم الرجل والدية؟ قال: ((نعم)) والجواب مطابق للسؤال أو غير مطابق؟ سؤالهم عن التسبب أو عن المباشرة؟ عن المباشرة، يعني: ما يتصور أن يقول شخص لأبيه: لعنك الله -نسأل الله السلامة والعافية-، أو يا فاعل أو يقذفه، أو ما أشبه ذلك، وكذلك الأم، فجاء الجواب بالتسبب؛ لأن المباشرة لا وجود لها في الأصل، في وقتهم ما لها وجود المباشرة فأُوقع، يعني: إذا ارتفعت المباشرة أو كان المباشر غير أهل للتكليف يتجه التكليف إلى المتسبب وإلا فالمباشرة تقضي على أثر التسبب عند أهل العلم. ((نعم، يسب أب الرجل فيسب أباه)) يكون سبباً في سب أبيه، لا أنه يباشر سب أبيه، أما إذا باشر سب أبيه فالأمر أعظم، يعني إذا كان سبباً في سب أبيه أو في شتم أمه سبب فكونه يباشر ذلك أعظم -نسأل الله السلامة والعافية-. ((يسب أبا الرجل فيسب أباه)) يسب الرجل أباه ((ويسب أمه فيسب أمه)) يعني يكون سبباً في السبب، ولو لم يباشر ذلك هذا من الكبائر، أما إذا باشر ذلك فالأمر أعظم. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 3 نأتي إلى المباشرة والتسبب عند أهل العلم أنه إذا وجد مباشر أو متسبب فالتبعة على المباشر ولو وجد المتسبب إلا أنه يأخذ نصيبه من العقاب، لكن ليس كعقاب المباشر، لو أن شخصاً -يمثل به أهل العلم- لو أن شخصاً رمى آخر من شاهق فتلقاه آخر بالسيف قبل أن يصل إلى الأرض فالقاتل الرامي وإلا صاحب السيف؟ صاحب السيف لأنه هو الذي باشر القتل، وذاك متسبب، لو أن شخصاً دفع آخر حتى دهسته سيارة القاتل صاحب السيارة، وهذا متسبب إلى غير ذلك من الصور التي يذكرها أهل العلم، ولا شك أن المتسبب عليه نصيبه وكفله من العقوبة، لكن مع ذلك لا يصل إلى عقوبة المباشر، إذا كان المباشر غير أهل للعقوبة يرجع إلى المتسبب، لو أن شخصاً أعطى مجنوناً سيفاً وقال: اقتل فلان فقتله يُرجع إلى المتسبب دون المباشر؛ أو لو كان صبي مثلاً، فإذا كان هذا الذنب العظيم ومن كبائر الذنوب قد رُتب على التسبب فالمباشرة من باب أولى. نعم. وعن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في يده في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيه أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن الأعمش" سليمان بن مهران "عن أبي صالح" ذكوان السمان "عن أبي هريرة -رضي الله عنه-" وجاء في التابعي والراوي عنه والعادة الاقتصار عن الصحابي، جرت عادته كغيره من المصنفين في المتون والمختصرات أن يقتصروا على الصحابي مخرج الحديث، وهنا ذكر التابعي ومن دونه لأن الأعمش مدلس، وروى الحديث بالعنعنة. وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ يعني من المدلسين، إلا أن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، ومع ذلك أورده من أجل هذه النكتة، ذكره من أجل هذه النكتة. "عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل نفسه بحديدة)) " أو بسم، أو تردى، فعليه الوعيد المذكور في الحديث. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 4 أولاً: لا يعلم نص صحيح صريح يجيز للإنسان أن يباشر قتل نفسه مهما كان ظرفه، قد يوجد من النصوص ما يجعل الإنسان يتسبب في قتل نفسه، يكون سبباً لا مباشراً لقتل النفس، يتسبب فرد واحد اقتحم الصف فيقتل، يعني على غلبة الظن أنه يقتل، صار سبب في قتل نفسه، وقصة الغلام التي سيقت في شرعنا مساق المدح هو الذي دلهم على كيفية قتله ولم يقتل نفسه، المقصود أنه لا يوجد نص صحيح صريح يجيز للإنسان أن يباشر قتل نفسه، لكن يتسبب يتسور الجدار عليهم بمفرده بين الكفار، إيش الذي يغلب على الظن؟ أنهم يقتلونه، يدخل يخترق الصفوف وهو واحد، لكن يتولى قتل نفسه لا يوجد ما يدل عليه، وهذا العمليات كلها على هذا، فمن منعها فمن هذه الحيثية، ومن أجازها قال: فيها نكاية في العدو، ولا وسيلة غيرها لا يمكن أن يستخرج الحق، أو ينظر إلى الطرف الآخر إلا بهذه الوسيلة، وفيها نكاية بالعدو واحد يقتل في سبيل أن يقتل من العدو عدد كبير، فنظراً لهذه المصلحة الراجحة المترتبة أجازوها، وإلا فعلى حد علمي لا أعلم نصاً يدل على مباشرة الإنسان قتل نفسه، ثم قد أفتي بمن أسر وعنده من العلوم التي يضر إفشائها بالمسلمين أفتي بأن يقتل نفسه، المقصود أن مثل هذه الأمور الأصل فيها العدم، فإن ذلك لا يجوز ألبتة، يعني مباشرة قتل النفس، ومن أفتى بالقول الآخر نظراً لنكايتها بالعدو، وأنه لا يوجد وسيلة غيرها على كل حال لهم اجتهادهم، لا نعترض على أحد، أما على حد علمي فلا أعلم ما يدل على ذلك. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 5 "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه)) " يعني يطعن بها بطنه، يشق بها بطنه ((في نار جهنم خالداً مخلداً فيها)) إذا كان تمني الموت جاء النهي عنه ((فلا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) إذا كان تمني الموت لا يجوز فمباشرته لا تجوز، وهذا الحديث فيه الوعيد الشديد على من باشر قتل نفسه ((من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يتوجأ)) يطعن ويشق بها بطنه ((في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها)) لماذا؟ لأنه تعمد قتل نفسه، والمتعمد للقتل {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} [(93) سورة النساء] غير نفسه {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] وإذا قتل نفسه فالحكم كذلك ((خالداً مخلداً فيها أبداً)) نسأل الله السلامة والعافية، وهذا من نصوص الوعيد التي هي عند أهل العلم تمر كما جاءت مع الجزم والقطع بأن ما دون الشرك تحت المشيئة، وهذا منها، فقاتل نفسه وقاتل غيره هذا .... يقول: ((من قتل نفسه بحديده فحديدته)) وفي حكمها -حكم الحديدة- كل ما ينفذ في البدن، ويكون سبباً في إزهاق النفس ((فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها)) وعرفنا أنها من نصوص الوعيد التي تمر كما جاءت، مع علمنا اليقيني واعتقادنا أن ما دون الشرك تحت المشيئة، وهذا من باب التعظيم من شأن القتل، والنص على التأبيد في مثل هذا مثل: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [(95) سورة البقرة] مع أنهم قالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [(77) سورة الزخرف] المقصود أن هذا النص نظير ما جاء في سورة النساء بالنسبة لقاتل غيره عمداً. ((ومن شرب سَماً)) أو سُماً أو سِماً بتثليث السين، والأفصح الفتح ((ومن شرب سَماً قتل نفسه)) بهذا المشروب، ويدخل فيه من قتل نفسه بواسطة فمه بأي مشروب كان، سواء كان سم أو غير سم، لو جزم بأن هذا الطعام يقتله، فما الحكم؟ ولو كان الطعام مباح، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 63 ¦ الصفحة: 6 مريض مثلاً مريض ضغط وإلا سكر، أو أي مرض من الأمراض، مريض سكر جاب له قلة تمر من النوع المركز وأخذ يأكل حتى مات، وهو يعرف أن هذا يضره، إذا كان يغلب على ظنه أنه يموت الحكم واحد قتل نفسه، وقل مثل هذا في الأمراض الأخرى التي فيها حساسية من بعض الأطعمة، أو بعض المأكولات، المقصود أن مثل هذا يتقى ويجتنب. الإمام مسلم -رحمه الله- أكل التمر، وأكثر منه فمات، لكن هل عنده خبر أنه أو يغلب على ظنه أنه يموت؟ ما يفعل هذا. ((ومن شرب سَماً فقتل نفسه فهو يتحساه)) يشربه ويتجرعه ((يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيه أبداً)) نسأل الله السلامة والعافية. ((ومن تردى من جبل فقتل نفسه)) وقع من شاهق أراد أن ينتحر فصعد على جبل أو صعد على الدور العاشر مثلاً أو الخامس أو الرابع مثلاً الذي يغلب على الظن أنه يموت فيه قاصداً بذلك قتل نفسه يدخل في الحديث، وغير ذلك من الآلات بالسيف، بالحبل، بعض الناس يخنق نفسه بحبل، أو يشنق نفسه ينتحر -نسأل الله العافية- لأدنى شيء، الحياة الآن ضاق بها الناس ذرعاً، رغم ما فيها من وسائل راحة، ومع ذلك للبعد عن الهدي النبوي، والبعد عن مدارسة كتاب الله، والأنس بالله صار الإنسان يزهق من أدنى شيء، وتضيق به الحياة لأدنى سبب، وقد ينتحر لمصيبة في غيره، يعني لما مات بعض المغنيين مثلاً أو المغنيات ذكر أعداد انتحروا -نسأل الله السلامة والعافية-، حقائق وأعلن بها في الصحف، لما ماتت أم كلثوم أو غير أم كلثوم كثير من الناس انتحروا، قيمة هذه الحياة التي تُنهى بهذه الطريقة بالنسبة لهذا الشخص ما قيمتها؟! هل هذه حياة؟ والله إنها ليست بحياة، يعني إذا كان المسلم والمؤمن والمخلص يصيبه الغم والهم لما يرى من وضع الأمة المتدني، ولما يرى من انتشار المنكرات، ولما يرى من علو وتعالي الباطل على الحق نعم يغتم ومعه حق، ويثاب على هذا، لكن هل يصل به الحد إلى أن ينتحر؟ لا يجوز ذلك بحال، فكيف إذا كان الانتحار لغير سبب، أو لسبب ليس بسبب، هو على حد زعمهم سبب، لكن ليس بسبب، في عرف العقلاء كافة ليس بسبب. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 7 ((ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها)) نسأل الله العافية والسلامة، والقتل كما مر بنا شأنه عظيم، جاء تعظيمه في نصوص الكتاب والسنة، سواء قتْل نفسه أو قتْل غيره، ولا يبرر للإنسان أن يقتل نفسه أي مبرر، والذي استعجل وتحامل على السيف حتى مات دخل النار -نسأل الله السلامة والعافية-، ولو أكره إنسان على قتل آخر، أكره شخص إما أن تقتل فلان وإلا نقتلك، له ذلك أو ليس له ذلك؟ هل نقول: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} [(106) سورة النحل]؟ لا، ليس له ذلك ولو أدى إلى قتله. نعم. وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني عن أبي هريرة، والظن منصوب على التحذير كما ينصب اللفظ على الإغراء ينصب أيضاً على التحذير. ((إياكم والظن)) الظن يطلق ويراد به ما يرادف اليقين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] يكفي الظن وإلا لا بد من اليقين؟ هذا ظن يرادف اليقين، ويطلق الظن ويراد به الاحتمال الراجح، وهو الذي استقر عليه الاصطلاح، ويطلق الظن ويراد به ما يرادف الشك المستوي الطرفين، ويطلق الظن ويراد به الاحتمال المرجوح، ويطلق الظن ويراد به الكذب. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 8 فيطلق على جميع الاحتمالات، الاصطلاح: على أن ما لا يحتمل النقيض فيقال له: علم، ويقال له: قطع، ويقال له: يقين، والاحتمال الراجح الذي يحتمل النقيض من وجه ضعيف هذا يقال له: ظن، وأما ما يستوي فيه الطرفان الوقوع وعدمه الصدق والكذب هذا يقال له: شك، والاحتمال المرجوح بحيث يغلب على الظن عدم ثبوت الخبر يقال له: وهم، وما يخالف الواقع كذب، فالاصطلاح استقر على هذا الاحتمال المرجوح، يعني من عدم مطابقة الواقع بالكلية كذب، إذا قال: جاء زيد وتبين أن زيداً لم يحضر، هذا كذب سواء كان عن عمد أو عن خطأ أو عن سهو كذب، وإذا قال: حضر زيد، ويغلب على ظنك عدم صدقه، ولا تجزم بعدم صدقه هذا وهم، وإذا قال: جاء زيد، وأنت شاك في خبره على حد سواء، احتمال يكون جاء، واحتمال ما جاء ولا مرجح، شك، الاحتمال المساوي شك، والاحتمال الراجح ظن، المراد به غلبة الظن، غلب الاحتمال الآخر فقيل له: ظن، إذا كان فيه من الصفات ما تجعل نفسك تطمئن إلى خبره، ولم تجزم به فهذا ظن، فإن جزمت به بحيث لا يحتمل خبره النقيض صار علماً، هذا الظن، الظن المذكور في الحديث: ((إياكم والظن)) هو أكذب الحديث، وهو الذي لا يغني من الحق شيئاً. ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)) يعني: هل الظن مذموم مطلقاً أو المذموم بعض الظن؟ ولذا جاء قوله: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] دل على أن بعضه ليس بإثم، وهل المقصود في الحديث الظن في الإخبار العادية التي لا أثر لها أو الظن في الأخبار التي ترتب عليها الآثار السيئة؟ الجزء: 63 ¦ الصفحة: 9 يعني الاصطلاح الذي ذكرناه ينطبق على كل الظنون، سواء ترتب عليها أثر، أو لم يترتب عليها أثر، لكن هل المراد به في الحديث: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) يعني: لو أخبرك زيد من الناس وهو ثقة عندك، لكن لا تجزم بخبره، احتمال راجح أن يقول: قدم زيد، هذا ظن، لكن هل هذا أكذب الحديث؟ جاء زيد وإلا ما جاء الأمر سهل يعني، لكن الإشكال في الظن الذي هو الريبة والتهمة، يعني يكثر الظن والشك في الناس، والزوجة تشك بزوجها، والزوج يتهم زوجته الذي يترتب عليه الأثر السيء، وهذا هو المراد في الحديث، يعني بعض الناس يصل به الأمر إلى حد أن يضع أجهزة تنصت على زوجته، وأجهزة تسجيل لا يثق بها، والعكس قد تضع الزوجة هذا الأمر شكاً بزوجها، وظناً له، واتهاماً له، مثل هذا على المسلم أن يجتنبه، وجاء التحذير منه، كيف يهنأ بعيش وهذه حاله؟ يعني ظن واتهم وشك وارتاب من أقرب الناس إليه، الذي جعلت بينه وبينها المودة والرحمة فكيف بغيره؟! وبعض الناس يساوره الشك باستمرار من كثير من الناس، وهذا طبع وخلق ذميم، وقد يوجد هذا في كثير من الناس وهو في بعض العميان أظهر؛ لأنه قد يخفى عليهم بعض الأمور، وصار عنده ضيف، حرص على تقفيل الباب، اترك الباب، رد الباب، اجلس هنا، لا تصير قدام الباب، نعم، يوجد هذا يعني بغض النظر عن كون الوصف هذا مدح وإلا ذم، يعني العميان سادوا الدنيا بلا شك، لكن مع ذلك قد يوجد هذا فيهم؛ لأنهم ما عندهم حاسة البصر فيخشى أن المرأة تمر من يمين وإلا يسار، وطالعة وإلا ذاهبة فيقع بصره عليها، أو يخشى أن يحصل بينه وبينها اتفاق، قد يوجد الشيطان يلبس على الناس، ووجد قضايا من هذا النوع، لكن الذي لا يستند إلى أمارة ولا علامة ولا قرينة تدل عليه يدخل في الحديث، لكن إذا جرب مثلاً، مرة اتصل أو دخل البيت خفية مع أنه لا يجوز أن يدخل خفية، يبغتها إذا كان مسافر لا بد أن يخبرها، ولا يحضر ليلاً، التجسس والتصنت كل هذا مردود بهذا الحديث، فإذا وجد قرينة، أو صار له سوابق مثلاً دخل مرة وإذا بها تكلم مثلاً بكلام مريب، فمثل هذا يعظها ويهجرها وينصحها، فإن تكرر منها شدد عليها في ذلك، وإن وقع منها ما هو أعظم من ذلك فارقها؛ لأنها لا الجزء: 63 ¦ الصفحة: 10 تليق به، المقصود أن مثل هذا الأمر في قبل وجود القرائن والدلائل ينبغي أن تكون القلوب طيبة وسليمة إذا وجدت القرائن التي تدل على وجود شيء من هذا، هذا لا شك أنه منكد للحياة، ولذا لا يجوز ابتداؤه ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) والمقصود به الريبة والاتهام والشك في الناس على وجه العموم، بعض الناس عملاً بالحديث الضعيف: ((احترسوا من الناس بسوء الظن)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) يعني ولو كل إنسان احترس من جميع الناس بسوء الظن هل تطيب الحياة؟ ما تطيب الحياة، الأصل أن قلب المسلم سليم، سلامة الصدر من أوصاف الأخيار، ليس معنى هذا الغباء والغفلة بحيث تقع المشاكل والمصائب والجرائم في بيته وهو لا يشعر، لا، أو يترك الحبل على الغارب، ويثق بكل أحد، ويثق بالزوجة والبنات تذهب مع كل أحد ولكل أحد من غير رقابة ومن .. ، لا، لا هذا ولا هذا، هو راعٍ ومسئول عن رعيته، لكن مع ذلك لا يصل الحد إلى الاتهام الذي لم تقم وتدل عليه القرائن. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 11 ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) ولعل المراد به حديث النفس في بداية الأمر، ثم إذا تحدث به إلى غيره، وشكا الأمر إلى غيره جاء حديث اللسان: ((ولا تحسسوا، ولا تجسسوا)) ولا تحسسوا يعني: لا تفتشوا وتدققوا في بواطن الأمور وخفاياها بحيث يترصد الإنسان ويترتقب الزلات، ويتحسس حاجات البيت ليرتب عليها النتائج السيئة، لماذا انتهى هذا؟ لماذا فرغ هذا؟ يومياً يدخل المستودع ويتفقد، ما صارت حياة هذه، لماذا نقص هذا؟ لماذا زاد هذا؟ من أين جاء هذا؟ اترك، إلا إذا خشيت من ريبة فالأمر أشد، لكن مجرد التحسس وتطلب الأخبار والأمور والتفتيش هذا إذا كان في الأمور المباحات، يعني إنسان لو نظرنا إلى الشعير الذي عند عائشة -رضي الله عنها- أخذت تأكل منه مدة، فلما كالته انتهى، دل على كون الأمور تمشي في البركة من غير تدقيق، ومن غير تحسس ولا ترقب متى يفرغ؟ متى ينتهي؟ مثل هذا لا شك أنه أدعى إلى البركة، ولما كالت الشعير وعرفت مقداره انتهى، فإذا كان هذا في مثل هذه المادة المباحة فلن يكون تحسس الأخبار والتجسس والجاسوس صاحب السر، ويطلق على الذي يتحسس الأخبار السيئة ويتجسسها بخلاف الناموس الذي هو صاحب سر الخير. ((ولا تجسسوا)) لا تترقب، لا تتصنت، لا تستمع إلى حديث غيرك، لا تراقب جارك، والله الجار دخل اليوم بكذا، خرج بكذا، هذا تحسس، لكن إن كان قصدك إيقاع الشر به وجمع المعلومات التي توقعه في كارثة أو في مصيبة فهذا تجسس، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يخبروه عن أحد ((لا تخبروني عن أحد من أصحابي)) وذلك أدعى إلى سلامة الصدر، يأتيك اليوم يخبرك عن خبر، والله فلان قال كذا، وعلان كذا، وفلان صنع كذا، تنشحن النفوس، وتسوء القلوب، وتفسد النيات، فهذه الأمور ينبغي أن تسود بين المسلمين على أكمل وجه من الصفاء والمودة والمحبة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 12 ((ولا تجسسوا)) شخص يزاول منكر في بيته، يشرب خمر مثلاً هل لنا أن نطلع عليه من علو أو من ثقب أو نحوه لنشهد عليه؟ لا، ليس لنا ذلك، لكن أهل العلم يقولون: الأضرار المتعدية التي تفوت لا مانع من صنيع ذلك، يعني خلا رجل بآخر ويغلب على الظن وقامت القرائن على أنه يريد أن يقتله مثلاً، لا مانع من التجسس عليه؛ لأنه إذا فات قتله وانتهى ماذا نصنع؟ لكن إذا عرفنا وحلنا دونه ودونه هذا مطلوب، إذا خلا بامرأة ليزني بها وغلب على الظن ذلك، وقامت القرائن على ذلك لا مانع من التجسس عند أهل العلم، ويفرقون بين ما يفوت وبين ما لا يفوت. ((ولا تنافسوا)) المنافسة الرغبة في التقدم على الغير، ولعل المراد هنا في أمور الدنيا، يعني يسعى الإنسان جاهداً أن يكون أغنى من في البلد، أو عنده أفخر بيت في البلد، أو أفخر سيارة في البلد، أو .. , ليتفرد بذلك ويشار إليه في أمور الدنيا وحطامها الفاني، لكن جاء الأمر بالمسارعة، وجاء الأمر بالمسابقة، وهذا في أمور الآخرة محمود بلا شك. ((ولا تحاسدوا)) يعني لا يحسد بعضكم بعضاً، والحسد تمني زوال النعمة عن الغير، وهذه آفة من آفات القلوب، ومرض من أمراضها، وجاءت النصوص بذمه، وأنه يأكل الحسنات، فالحسد داء من أدواء القلوب، لا بد من التخلي منه، وجاء في الحديث: ((لا حسد إلا في اثنتين)) والمقصود به الغبطة عند أهل العلم، المقصود به الغبطة، وعدم تمني زوال النعمة، يريد أن تثبت هذه النعمة عند أخيه، لكن يتمنى أن يكون له مثل هذه النعمة، هذه غبطة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 13 ((ولا تباغضوا)) ولا تباغضوا والمحاسدة والمنافسة والمباغضة والتدابر كلها مفاعلة، مدابرة، منافسة، مباغضة، كلها مفاعلة تكون من طرفين، فهل إذا حصلت من طرف واحدة جازت والممنوع من الطرفين أو إذا حصلت من طرف فهي مذمومة وتدخل في الحديث، وأشد منها أن يسود هذا بين المسلمين ويحصل بين جميع الأطراف؟ ويكون حينئذٍ أسوأ، يعني كون زيد يبغض عمرو فقط وعمرو يحبه أسهل، أو لو وجدت المباغضة من الطرفين، زيد يبغض عمراً، وعمرو يبغض زيداً، أيهما أسوء؟ أسوأ المفاعلة؛ لأنه إذا كان كل واحد يبغض الثاني ما أمكن الإصلاح، لكن لو كان زيد يبغض عمراً، وعمرو يحبه سعى عمرو في إرضائه، ومثل هذا المحاسدة، قد يقول قائل: إن وجود الأمر من طرف واحد أشد من وجوده من الطرفين؛ لماذا؟ لأن وجوده من الطرفين يكون هناك مبرر، هذا يبغضني إذاً أبغضه، فالأمر في هذا أخف لوجود المبرر، وعلى كل حال الفعل الذي هو أصل المادة البغض للمسلم حرام، إنما الواجب محبة المسلم، والحب في الله من أوثق عرى الإيمان، كما أن البغض في الله من أوثق عرى الإيمان، فإذا أبغض أخاه لما يرتكبه من معاصي وجرائم ومحرمات أجر على هذا، ويحبه بما عنده من إيمان ومن عمل صالح فيُحب، يجتمع الحب والبغض في آن واحد في شخص واحد نظراً لانفكاك الجهة، فيحب على شيء، ويبغض على شيء. ((ولا تدابروا)) ولا تدابروا يعني لا تقاطعوا؛ لأن من شأن القطيعة أن يولي كل واحد من المتقاطعين الآخر دبره، وهذه نتيجة للتباغض ونتيجة للتقاطع وإذا كانت هذه بين المحارم كان الأمر أشد، وإذا كانت بالنسبة لمن له عليه حق كانت أشد، ولا يجوز لمسلم أن يهجر أخاه على ما سيأتي في الحديث الذي يليه فوق ثلاث. ((وكونوا عباد الله إخواناً)) خبر (كان) (إخواناً) و (عباد الله)؟ نعم؟ طالب: مناداة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 14 إيش؟ مناداة نعم، الأصل: ((وكونوا يا عباد الله إخواناً)) فعباد الله منادى حذف حرف النداء، وهو منصوب؛ لأنه مضاف، و (إخواناً) خبر (كان) والأصل أن عباد الله إخوة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] لكن قد يغفل الإنسان عن هذه الأخوة وإلا فالأصل أنهم إخوة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] هذا خبر يراد به الأمر، فلا بد أن تسود الأخوة الإيمانية بين المسلمين، وجاء الأمر بها هنا ((وكونوا عباد الله إخواناً)). نعم. وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لمسلم)) " وفي حكمه المسلمة، والنساء شقائق الرجال، النساء يدخلن في خطاب الرجال ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه)) ما قال: لا يحل لمؤمن؛ لأن مثل هذا لا يحصل من المؤمن لأنه خدش في إيمانه، الأصل أن لا يحصل هذا من مؤمن ((لا يحل)) وإذا انتفى الحل ثبت ضده وهو الحرمة، يعني يحرم على المسلم؛ لأن الذي يقابل الحلال الحرام، فإذا انتفى الحلال ثبتت الحرمة. ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه)) يعني يقطع ما بينه وبينه، ويترك كلامه وزيارته والسلام عليه، يهجره بمعنى أنه يتركه. ((أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال)) فالثلاث الليال فما دونها إذا وجد السبب فالنفس لها حظوظ لا بد من مراعاتها، ولو كلف المسلم بأقل من ذلك صار من التكليف بما لا يطاق، عند بعض الناس لا يتحمل لا بد أن يقع منه الهجر، فالممنوع فوق الثلاث، فما دونها إذا وجد سببه لا يحرم. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 15 ((يلتقيان)) يعني في طريق أو في مجلس فيعرض هذا بوجهه عن أخيه، وهذا بوجهه ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) السلام أدب إسلامي يبعث على المحبة والمودة ((لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا)) ((ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) لا شك أن السلام طريق إلى المحبة ووسيلة إليها، فكونه يعرض هذا ويعرض هذا خلاف المودة والمحبة، ويثبت بعد ذلك التباغض والتدابر والتقاطع، خيرهما الذي يبدأ بالسلام، جاء في الحديث: "أن الصغير يسلم على الكبير، والماشي يسلم على الجالس، والراكب يسلم .. ، والواحد يسلم على الجماعة" وهكذا، هذا هو الأصل، لكن افترض أن شخصاً مر بك وهو أصغر منك سناً هل لك أن تقول: الحق الشرعي لي ما سلم عليَّ ما أسلم عليه، أو نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام؟ خيرهما الذي يبدأ بالسلام، وبعض الناس وموجود الآن وكثير في العمالة الوافدة من البلدان الأخرى، وهم يرون أنفسهم في حكم المستضعف، تجد هذا جالس ثم يمر واحد ثم يباشر الجالس: السلام عليكم، نعم الحق الأصلي على الماشي يسلم على الجالس، لكن لو افترضنا أن الماشي ما سلم نقول للجالس: لا تسلم؟! بعض الناس يتهم مثل هذا بضعف العقل أو الجهل كيف يسلم وهو جالس؟! نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام، نعم الأصل أن الماشي هو الذي يسلم، لكن ترك هذا الفضل العظيم، فالطرف الثاني يبدأ، ولذا يقول: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) مع أنه جاء التوجيه بأن الصغير يسلم على الكبير، لكن ما سلم الصغير يترك؟ تترك السنة؟! تترك الوسيلة لإشاعة المحبة والمودة؟ لا تترك، لكن بعض الناس إذا مر عليه أحد ولا سلم رد عليه قال: وعليكم السلام، على شان إيش؟ لا يريد بذلك تحصيل السنة، لو أراد بتحصيل السنة قال: السلام عليكم، هو يريد أن ينتقده بأسلوب، يريد أن ينتقده، فعلى كل حال الضابط في الخيرية الذي يبدأ بالسلام، ولو كان كبيراً، ولو كان جالساً، ولو كان ماشياً، المقصود أن مثل هذا تنبغي مراعاته. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 16 ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) هذا في مسائل أمور الدنيا، لكن لو حصل من إنسان مخالفة شرعية فالهجر شرعي، النبي -عليه الصلاة والسلام- هجر الثلاثة الذين خلفوا، هجرهم خمسين يوم، فوق ثلاث، فدل على أن الهجر لأمر الدين لا يتقيد بزمن حتى تترتب عليه الفائدة المرتبة عليه، فيهجر المخالف، يهجر العاصي، يهجر المبتدع حتى ينزجر، علماً بأن الهجر عند أهل العلم علاج، الأصل الصلة، فإذا هجر من أجل هذه المعصية فالهدف من ذلك أن يرتدع عن معصيته، لكن إذا كان الهجر يزيده، خلاص احتمال يستحي من الناس إذا خالطوه وعاشروه، فإذا هجروه نزع جلباب الحياء، وأصر وعاند وجاهر بمعصيته وزاد شره، نقول: الهجر علاج، ما ينفع مثل هذا تنفع الصلة، وكما أن الهجر موجود أيضاً التأليف موجود، والزكاة ركن من أركان الإسلام الأصل أن لا تصرف إلا لمن يحتاجها، وهذا الركن من أركان الإسلام صرفت للمؤلفة قلوبهم ولو كانوا أغنياء، فالتأليف باب من أبواب الدين في الشرع معروف، كما أن الهجر معروف، وكلاهما علاج، فبعض الناس يفيد فيه الهجر، ويرتدع إذا هجر، يرتدع إذا زجر، يرتدع إذا ترك لم يعاشر ولم يخالط، لكن بعض الناس يزداد شره إذا فعل معه هذا، بل بعض الناس يتمنى أن يهجره الناس لكي يأخذ راحته، ولا يجاملهم ولا يجاملونه، فمثل هذا يسلك معه المسلك الآخر، فإن لم ينفع رجع إلى الهجر فيجرب هذا وهذا. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 17 ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) يعني بالهجر الذي يرفع القطيعة، ويرفع الهجر عند أهل العلم السلام، يتصور أن زيداً وعمرو متقاطعين متهاجرين فمر أحدهما بالآخر فقال زيد: السلام عليكم، هذا خيرهما، وارتفع الهجر بالنسبة له، لكن إذا كان زيد قد عود عمرو على شيء من الإكرام والتقدير والنفوس في الغالب على ما تعودت، أو كان زيد قريب له، أو له حق عليه، أخ أكبر منه، أو عم، أو ما أشبه ذلك حصل شيء من سوء التفاهم فتقاطعا، ثم بعد ذلك جاء زيد إلى عمرو قال: السلام عليكم إما في شارع أو في هاتف أو ما أشبه ذلك، من أهل العلم من يقول: لا يزول الهجر إلا بأن تعود الحال إلى ما كانت عليه قبله، لا يكفي السلام، والحديث دليل على أن السلام كافي، هذا هو الأصل، فإذا عادت الأمور إلى مجاريها أكمل. نعم. عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإنه الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عليكم بالصدق)) " إغراء، ((عليكم بالصدق)) الصدق مطابقة الواقع بالكلام، ومخالفته هو الكذب كما تقدم، ولا واسطة بينهما عند أهل السنة، والمعتزلة أثبتوا الواسطة. ((عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة)) {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [(177) سورة البقرة] فهو يهدي إلى هذه الأمور إلى البر الذي جاء تفسيره في الآية، الصدق يهدي، والحسنة تقول: أختي، فالصدق ما دام ممدوحاً وهو حسناً في الميزان الشرعي والمعيار الشرعي فإنه يهدي إلى ما هو أعظم منه من الأعمال الخيرية والبر، وهذه الأعمال التي مجموعها يحصل البر المفسر في الآية يهدي إلى الجنة، يقود ويوصل إلى الجنة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 18 ((وما يزال الرجل يصدق)) يعني لا يتحدث إلا بالصدق ((ويتحرى الصدق)) بحيث إذا أراد أن يتكلم نظر في الكلام قبل أن ينطق، فهو صاحب تحري وتثبت، يتحرى الصدق ليكون كلامه صحيحاً مطابقاً للواقع، إذا كانت هذه عادته وديدنه أخذاً من قوله: ((وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)) صديق، يعني منزلة الصديقية منزلة لا يبلغها إلا القليل النادر من الناس {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء} [(69) سورة النساء] منزلة الصديقين فوق منزلة الشهداء، ولم يشتهر بذلك إلا أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-، والسبب في ذلك في القصة المعروفة لا يحتاج إلى ذكر. ((وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)) حتى يكتبَ فيكتب في المستقبل أو في الحال أو في الماضي؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . في المستقبل، في شيء يجد مما يكتب على الإنسان، أو أنه كتب له وعليه وانتهى؟ لأن قوله: ((وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)) هو ما كان صديق ثم صار صديق؟ طالب:. . . . . . . . . عند الله -جل وعلا- في اللوح المحفوظ؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . في الحال؟ لكن ما كتب عليه في اللوح المحفوظ أنه صديق؟ طالب: .... ما الذي يكفر السنة ... نعم. طالب: مثل الذي يكفر السنة القابلة. طالب:. . . . . . . . . السنة الباقية هي نفس. . . . . . . . . الجزء: 63 ¦ الصفحة: 19 يعني هذا مما يمحوه الله ويثبته؟! {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} [(39) سورة الرعد] يعني كان له وصف غير هذا ثم مُحي وأثبت الصديقية من باب: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} [(39) سورة الرعد]؟ نعم؟ أو نقول: إنه في اللوح المحفوظ صديق؟ كما أن محمداً -عليه الصلاة والسلام- في اللوح المحفوظ نبي، نوح نبي في اللوح المحفوظ، يعني هل كان غير نبي في اللوح المحفوظ ثم كتب نبي؟ وهذا كان غير صديق ثم كتب صديق؟ المقطوع به أن ما في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، ولا يتجدد في علمه شيء، لكن بالنسبة لعلم الملائكة، لعلم المخلوق قد يتجدد، ويجاب بهذا عن: ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) الأجل مكتوب، والرزق مكتوب من قبل، فكيف يتغير ما كتب بصلة الرحم؟ نقول: الذي يتغير ما في علم الملك، وأما ما في علم الله فلا يتغير، وهنا: ((حتى يكتب عن الله صديقاً)) وأبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- لما قال له من قال: إن صاحبك يخبر أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة جاءوا فرحين بها، قد جزموا بأن أبا بكر سوف يحكم العادة، والعادة أن بيت المقدس أن يصله أحد بليلة ويرجع، فظناً منهم أن أبا بكر سوف يحكم العادة، وينفي ما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- فجاءوا بالخبر مستبشرين؛ لأن أبا بكر هو الرجل الثاني، فإذا تخلى الرجل الثاني وجد الخلل، يعني ما ذهبوا إلى غير أبي بكر؛ لماذا؟ لأن الخصم يذهب إلى من له أثر، يعني لو ذهبوا إلى شخص عادي من أعراب المسلمين، وقال: أبداً ما هو بصحيح وارتد أثره مثلما لو كان ما حصل من أبي بكر؟ نعم الخصم إنما يذهب إلى من له أثر؛ ليزعزع إيمانه، ويخلخل ما عنده، فإذا كسبه كسب العشرات بل المئات، يعني مثل ما يتجه أعداء السنة مثلاً إلى الطعن في أبي هريرة، ويش الهدف من الطعن في أبي هريرة؟ هل أبو هريرة أفضل الصحابة؟ ما طعنوا في أبي بكر مثل ما طعنوا في أبي هريرة؛ لأنهم إذا طعنوا في أبي هريرة نسفوا الدين، نصف الدين جاء عن طريق أبي هريرة، ما في شخص لا من المتقدمين ولا من المتأخرين طعن في أبيض بن حمال مثلاً، الذي ما يروي إلا حديث واحد، فهم يعمدون إلى من له أثر، إذا حصل الجزء: 63 ¦ الصفحة: 20 الخلل من قبلهم انتهى الإشكال، فجاءوا إلى أبي بكر قالوا: صحابك يزعم أنه ذهب البارحة إلى بيت المقدس ورجع في ليلته، قال: إن كان قد قال ذلك فقد صدق، أسقط في أيديهم، وانتهى الإشكال، ومن ذلك اليوم يسمى الصديق. ((وإياكم)) التحذير في مقابل الإغراء ((وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور)) نسأل الله السلامة والعافية، والفجور في مقابل البر ((وإن الفجور يهدي إلى النار)) يعني وسائل، تلك وسائل إلى دخول الجنة، وهذه وسيلة إلى دخول النار ((وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) نسأل الله السلامة والعافية، وصديق مبالغة، كما أن كذاب مبالغة، فلا يستحق الوصف بالصديقية إلا من بلغ في هذا الوصف نهايته، كما أن كذاب مبالغة في الوصف في الكذب، يتحرى الكذب، يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وإذا كانت عادة الإنسان في نقص واستمر عليه كتب عليه هذا النقص، وإذا كانت عادته في ازدياد من الخيرات كتب له هذا الخير الذي لا يزال يزداد وينمو ((ولا يزال أناس يتأخرون حتى يؤخرهم الله في النار)) والجزاء من جنس العمل، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... الذي بعده. نعم؟ الذي بعده. وعنه -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون ... )) نطفة، نطفة. نعم؟ ((أربعين يوماً نطفة)). نعم، ليس موجود هنا. نعم. عفا الله عنك. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 21 ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه -رضي الله تعالى عنه-" يعني عن ابن مسعود راوي الحديث السابق "قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حدثنا هذا الأصل في الرواية وهو التحديث، فالأصل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتكلم وهم يستمعون ويتلقون، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يؤدي وهم يتحملون، والتحديث الأصل فيه المشافهة مثل السماع دون واسطة. "حدثنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام-" والتحديث أضيق من الإخبار، لو قال: أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكانت المسألة أوسع من التحديث؛ لأن التحديث لا يكون إلا بالنطق، وأما الإخبار فكما يكون بالنطق يكون بغيره من الإشارة والكتابة ونصب العلامة كلها إخبار. "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق" الصادق الذي قوله -عليه الصلاة والسلام- مطابق للواقع، فلا يقع في كلامه ما يخالف الواقع لا عمداً ولا سهواً ولا خطأ إلا ليشرع، فقد يسهو -عليه الصلاة والسلام- ليشرع، المقصود أنه صادق في جميع أفعاله وأقواله وتصرفاته لأنه معصوم، صادق في نفسه، مصدوق، مصدوق: اسم مفعول من الفعل الثلاثي (صدق) اسم الفاعل صادق واسم المفعول مصدوق، ومن المضعف مصدَّق، فهو مصدوق ومصدَّق من قبل الله -جل وعلا- بإقامة الأدلة والبراهين القطعية على صدقه، وهو مصدق ممن يسمعه -عليه الصلاة والسلام-. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 22 يقول: ((إن أحدكم)) والخطاب لكل من يصح توجيهه إليه، وهم بنو آدم ((إن أحدكم يجمع خلقه)) يجمع من ماء الرجل وماء المرأة ((يجمع خلقه في بطن أمه)) في بطن أمه وهو المستقر، وهو الوعاء للحمل ((في بطن أمه أربعين يوماً نطفة)) نطفة من ماء مهين ((ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)) يعني: في تلك المدة علقة، قطعة من دم، أربعين يوماً بعد الأربعين الأولى، الطور الأول أربعين، والطور الثاني أربعين، ثم يكون في ذلك المستقر مضغة مثل ذلك، مثل تلك المدة مضغة بقدر ما يمضغه الإنسان، قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان، ثم بعد ذلك ((يرسل الملك فينفخ فيه الروح)) وفي أثناء كونه مضغة يتم تصويره وتخليقه، فإذا بدأ التصوير والتخليق ثبتت أحكام الأم، في أثناء الطور الثاني أو الثالث؟ الثالث، يعني في التسعين أو قبلها بيسير أو بعدها يبدأ التخليق والتصوير، وحينئذٍ تبدأ أحكام الأم، بمعنى أنها لو ألقته وفيه شيء من خلق الإنسان تثبت لها أحكام النفساء، وقبل ذلك فلا. ((ثم يرسل إليه الملك)) إذا انتهت الأطوار الثلاثة، انتهت الأربعون الأولى، ثم الأربعون، ثم الأربعون، فصار له مائة وعشرون يوم يرسل إليه ملك، مائة عشرين يوم ((يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح)) ينفخ فيه الروح فإذا نفخت فيه الروح ثبتت أحكامه هو، بمعنى أنه لو سقط قبل نفخ الروح ليس له أحكام، فإذا سقط بعد نفخ الروح ثبتت أحكامه مما يفعل بالإنسان الكامل من التغسيل والتكفين والصلاة والدفن. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 23 ((يجمع خلقه في أربعين يوماً نطفة)) في الطور الأول هو نطفة ما ثبت له أي حكم، ولذا يقول أهل العلم: إنه يجوز إلقاء النطفة قبل تمام الأربعين بدواء مباح؛ لأنها ما انتقلت إلى طور آخر، ولا ثبتت إلى الآن ما زالت نطفة، يجوز إلقاء النطفة قبل الأربعين بدواء مباح، لكن إذا انتقل إلى الطور الثاني لا يجوز، وجوازه عندهم .. ، أولاًَ: ينبغي أن يقيد بالحاجة، الأمر الثاني: أن تثبت الحاجة الحقيقية، وأن لا يوجد هناك ريبة، وإلا لو فتح باب الإجهاض لصار في هذا عون على انتشار الفاحشة، فإذا خشي من هذا الأمر لا يجوز بحال، وعلى الرقابة على المستشفيات والمستوصفات أن يعنوا بهذا الأمر عناية تامة؛ لأن الإجهاض هذا نعم قد يحتاج إليه لحاجة الأم، الأم تتضرر بهذا الحمل، إذا قرر الأطباء أن الأم تتضرر بهذا الحمل حينئذٍ حياة الأم أولى من حياة هذا الحمل، لكن إذا كان الأم عليها مشقة، لكن لا ضرر عليها، ولا خوف على حياتها فلا؛ لأن الأصل المشقة، الحمل الأصل فيه المشقة، وما يتذرع فيه كثير من الناس من أنهم ينظمون الحمل، ويرتبون النسل من أجل الإعانة على التربية، أو ما يتعلق بالمعاش، وأن الأب لا يستطيع أن يتحمل أولاد متتابعين مثل هذا لا يجوز ولا ينظر إليه شرعاً، كثيراً ما يسأل عن الحمل الذي يقرر الأطباء أنه فيه شيء من النقص إما تشويه أو إعاقة، أو ما أشبه ذلك، ويسألون عن إسقاطه؟ لا يجوز إسقاطه بحال لأنه نفس، قبل الأربعين مسألة ثانية، لكن ما يقرون هذا قبل الأربعين، ما يقررونه إلا بعد، فلا يجوز إسقاطه، ويغفل الناس عن هذا الشخص أو هذا الحمل الذي يغلب على الظن من خلال كلام الأطباء أن فيه شيء من التعويق، أو شيء من النقص، أولاً: كلام الأطباء ليس بمطرد، قالوا مثل هذا الكلام وخرج الولد سليماً، الأمر الثاني: أنه لو كان مطرداً يغفل الأب أنه قد يرزق بسببه ((إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)) الأمر الثالث: أن هذا من المصائب التي يؤجر عليها الإنسان، تصور ابن ولد معوق يجوز أن يتعرض له أحد بشيء؟ لا يجوز أن يتعرض له أحد بشيء، ولو قتل عمداً لقتل به، ولو كان معوقاً، أحكامه كاملة، فلا يجوز أن يتعرض له لا قبل الولادة ولا بعدها، فليس عندهم من الجزء: 63 ¦ الصفحة: 24 الصبر واليقين ورجاء الثواب إلا الشيء اليسير، إذا كانت الأمور ماشية جارية على العادة طبيعية يطنطنون بالصبر واليقين، لكن إذا حصل لهم أدنى ما يحصل صارت النتيجة صفر، فعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب، وهذا ابتلاء من الله -جل وعلا-، ولو قيل: إنه باب خير فتح لهذه الأسرة ما بعد، والمصائب هي في ظاهرها وخلاف ما تطلبه النفوس، لكن عاقبتها حميدة {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] منهم من يقول: إنه يجوز إلقاء النطفة قبل النفخ في الروح، لكن هذا القول ليس بشيء؛ لأنه يسبب مشاكل، إذا كان العزل الذي جاء النص بجوازه جاء في بعض النصوص تسميته بالوأد الخفي، العزل، قبل وقوع النطفة في بطن الأم جاءت تسميته بالوأد الخفي، ولا شك أنه وأد، لكنه وأد جاء الدليل على إباحته "كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان منهي عنه لنهى عنه القرآن" حديث جابر، لكنه مع ذلك هو وأد، لكن لا يعني أنه وأد مثل وأد البنات المحرم الذي مر ذكره في الكبائر، وعلى هذا تبقى النطفة كما هي، وتبقى العلقة كما هي، تبقى المضغة كما هي من غير أن يتعرض لها، اللهم إلا في حالة واحدة إذا خشي على الأم من الموت، فالمحافظة على حياة الأم أولى من المحافظة على حياة الولد. التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب يبحث في المجامع والهيئات العلمية، وبعض الناس إذا أصيب بمرض -نسأل الله السلامة والعافية للجميع- مرض السرطان مثلاً يقولون: إن الكيماوي يقضي على الإنجاب، فيسأل يقول: قبل أن يستعمل الكيماوي يستخرج من مائه ما يحفظ فيلقح به زوجته فيما بعد، لكن على المسلم أن يرضى بما قدر الله له، ويسلم ولا يزاول أي طريقة غير الطريقة التي سنها الله لخلقه، وإن كان المجامع العلمية أفتوا بجواز بعض الصور، لكن كما قال الناظم. وكن صابراً للفقر وأدرع الرضا ... بما قدر الرحمن واشكره واحمد الجزء: 63 ¦ الصفحة: 25 تسعى، فإذا رضيت بالقدر رضيت بالحمل لعل الله -جل وعلا- أن يخرج من صلبك ما ينصر الله الإسلام على يديه، ترضى بهذا ولا تسقطه، بالمقابل إذا لم يتيسر لك الولد ترضى، احتمال أن يأتيك ولد يكون سبباً لشقائك وما يدريك، وكما من أسرة عاشت في الجحيم بسبب ولدها الذي حرصت عليه، وتعبت وراءه، فعلى المسلم أن يرضى ويسلم على الحالين، سواء كان رزق بالأولاد أو لم يرزق. ((ثم يرسل الملك)) في الأطوار المذكورة في حال النطفة، في حال العلقة والمضغة قبل أن يرسل الملك هذا لا يعلمه إلا الله -جلا وعلا- {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [(34) سورة لقمان] هاه؟ طالب:. . . . . . . . . خمس، مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ الآية في آخر سورة لقمان ((ويعلم ما في الأرحام)) فلا يعلم ما في الأرحام إلا الله -جل وعلا- كما فسرها الحديث الصحيح: ((في خمس لا يعلمهن إلا الله)) قد يقول قائل: الأطباء يخبرون الناس بأن الولد ذكر، ويخبرونهم بأنه أنثى، ويخبرونهم بما في البطن، أما قبل علم الملك ما زال في دائرة الغيب الذي لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، وأما بعد أن يرسل الملك ويطلع عليه وينفخ فيه الروح خرج عن دائرة الغيب، فبالإمكان أن يعلمه الأطباء، وكثير من الأخبار التي يخبرون بها الناس لا تقع مطابقة للواقع، وعلى كل حال ما في ما يمنع من علمهم بعد خروجه عن دائرة الغيب ((ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح)) التي هي مادة الحياة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 26 ((ويؤمر بأربع كلمات)) والروح جاء تعريفها عند الطوائف كلها بتعاريف كثيرة جداً، لكن كما قال الله -جل وعلا-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] وفي جهل الإنسان بروحه التي بين جنبيه، وبها حياته جهله بهذه الروح دليل على جهله العام، وأنه مهما أوتي من العلم ومن القوة والقدرة والفهم والذكاء أنه لا يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] ويؤمر الملك من قبل الله -جل وعلا- بأربع كلمات: ((بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)) كتب رزقه ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، هذا له زرق محدد منذ أن يولد إلى أن يموت، لا يزيد ولا ينقص، وأجله له مدة محددة يعيشها في هذه الدنيا، لا يمكن أن تزيد أو تنقص {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(34) سورة الأعراف] وما جاء في حديث الصلة ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره -أو أجله- فليصل رحمه)) ... الجزء: 63 ¦ الصفحة: 27 بسم الله الرحمن الرحيم شرح: المحرر - كتاب الجامع (5) الشيخ: عبد الكريم الخضير ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره -أو أجله- فليصل رحمه)) من أهل العلم من يرى أن الزيادة في الرزق والأجل زيادة معنوية لا حسية، كتب له من الرزق كذا لن يزيد، وكتب له من الأجل كذا لن يزيد ولن ينقص ولو وصل رحمه، لكن الزيادة زيادة معنوية، بركة، بمعنى أنه يكون رزقه مثل رزق زيد من الناس، أو أقل من رزق زيد من الناس، لكن يكون في هذا الرزق من البركة ما يجعله يفوق ما يكسبه زيد أضعاف مضاعفة، وهذا القول له وجه. . . . . . . . . عند أهل العلم، وقل مثل هذا في الأجل، يكتب له من الأجل سبعون عاماً، ويصل رحمه ليزيد إلى ثمانين؟ ما يزيد، سبعين، لكن عن مائة وخمسين مثلاً بالنسبة لعمر زيد، والواقع يشهد بذلك، تجد من الناس من يعيش مائة سنة، فإذا مات كان نسياً منسياً، ما كأنه وطأ على الأرض، ومنهم من يعيش خمسين سنة أو أقل ويملأ الدنيا علماً وعملاً، هذه الزيادة في الأجل، والعبرة بما يودع في هذه الخزائن، الأيام خزائن، ثم ماذا إذا وضعت في بيتك ألف خزينة وكلها فارغة، أفضل منها خزينة واحدة مملوءة، أفضل وإلا ما هي بأفضل؟ ألف خزينة فاضية لا قيمة لها، اللهم إلا إذا قلت: ببيع هذه الخزائن، لكن في مسألتنا ما يمكن بيعها، الأيام الذي هو الظرف الذي تعيشه إذا كان فارغاً مما ينفعك في آخرتك فلا قيمة له، عشت سبعين أو عشت مائة أو مائتين لا فرق، فالعبرة بما يودع في هذه الخزائن، والأمثلة كثيرة نرى من الناس من يعيش المائة مثل ما ذكرنا، ومن أهل العلم من عاش في الثلاثينات الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- كم؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 64 ¦ الصفحة: 1 خمسة وثلاثين أو أربعة وثلاثين سنة، وعلمه ملأ الدنيا -رحمة الله عليه-، النووي ستة وأربعين سنة في كل مسجد من مساجد الدنيا قال: قال -رحمه الله تعالى-، وغيرهم كثير، شيخ الإسلام ابن تيمية كم؟ من واحد وستين إلى ثمانية وعشرين يعني سبعة وستين سنة، المقصود أن مثل هذه الأعمار إذا قيست بالأعمال التي طرح الله ووضع فيها البركة لا شيء، حُسب بعض التصانيف لبعض العلماء وقسمت على مدته التي عاشها ووجد يكتب في اليوم تسع كراريس، فإذا أردت أن تنظر إلى البركة انظر في نفسك وفيمن حولك، إذا أردت أن تحرر مسألة، كم تحتاج هذه المسألة من وقت؟ تحتاج مسألة لتكتب فيها صفحتين أو ثلاث تحتاج إلى أوقات طويلة، شيخ الإسلام -رحمه الله- كتب الفتوى الكيلانية وصاحبها مستوفز يريدها مائتين وثلاثين صفحة، فالعبرة بالبركة. من أهل العلم من يرى أن الزيادة حقيقية، وأنه يكتب له في اللوح المحفوظ ستون سنة فيصل رحمه فيزاد عشرين، فيعيش ثمانيين سنة، ويكون هذا فيما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ، وأما ما في علم الله -جل وعلا- يعلم -جل وعلا- أنه يصل رحمه، ويزيد بسبب الصلة إلى ثمانين، وهذا أيضاً قول معتبر عند أهل العلم، فما في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، والذي في علم الملك يتغير، قوله -جلا وعلا-: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(34) سورة الأعراف] هذا إذا جاء، افترض في زيادة الصلة قبل مجيء الأجل، يعني يمكن أن يجاب بهذا. ((وعمله)) ما الذي يعمله مما يمكن أن يكتب عليه من الأعمال يدون هذا، الكذا من الطاعات، ويفعل كذا من المعاصي، ويفعل كذا، يكتب عليه كل شيء في الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 2 ((وشقي أو سعيد)) النتيجة هل هو شقي أو سعيد؟ ولا ثالث لهما {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ} [(105 - 106) سورة هود] أعمالهم معروفة، ومآلهم معروف، وأما الذين سعدوا كذلك، فليحرص الإنسان على ما ينفع، قد يقول قائل: ما دام مكتوب عليَّ وأنا في بطن أمي كيف أعمل؟ قد سأل الصحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا السؤال، قال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) يعني ما فيه جبر، في شيء من الاختيار للإنسان ما الذي يمنعه أن يقوم فيصلي ركعتين؟ ما الذي يمنعه من أن يفتح المصحف ويقرأ ما كتب له؟ هل وجد الإنسان من نفسه في يوم من الأيام أنه وضع المصحف في يده فأُخذ منه؟ لا، أو حيل دونه ودونه؟ لا، إنما هي أعمالك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واحرص على أن تكون من أهل السعادة. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 3 ((فو الذي لا إله غيره)) يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالذي لا إله غيره وهو الله -جل وعلا-، ((فو الذي لا إله غيره)) وما طلب منه القسم، فيجوز الحلف من غير استحلاف، لا سيما في الأمور المهمة، كثيراً ما يقول: ((والذي نفسي بيده)) كما تقدم، وهنا يقول: ((فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)) أعمال أهل الجنة من الصلاة والزكاة والصيام والحج والبر والصلة والذكر والتلاوة والجهاد وغيرها من أعمال أهل الجنة، ويجتنب مع ذلك المحرمات، فلا يعرف بشيء منها ((فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل)) تأكيد بالقسم، و (إن) واللام ((ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً)) يعني هذا تمثيل وإلا المقصود به الزمن اليسير من مدة حياته التي إذا فارقها دخل الجنة بسبب عمله، وإن كانت الجنة لا تنال بالعمل، وإنما العمل سبب ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار)) نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله حسن الخاتمة ((فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) والعبرة بالخواتيم، وبالمقابل: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً)) كسابقه يعمل بالجرائم، بالمنكرات، يترك الوجبات، يرتكب الموبقات، حتى ما يكون بينه وبين النار بوفاته إلا ذراع، زمن يسير يمكنه أن يتوب فيه إلى الله -جل وعلا-، فيسبق عليه الكتاب الذي كتب عليه، وهو في بطن أمه، يسبق عليه الكتاب الذي كتب عليه في بطن أمه، أو في اللوح المحفوظ ((فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) يتوب، والتوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب)) الذي كتب عليه وهو في بطن أمه ((فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يدخلها مؤقتاً أو مخلداً؟ على حسب ما يعمل في آخر حياته، إن عمل بعمل أهل النار مما يقتضي الدخول دون الخلود حصل له ذلك، وهو في ذلك تحت المشيئة، وإن عمل من عمل أهل النار ما يقتضي الخلود خلد فيها كالكفار -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني شخص يتعبد سبعين ثمانين سنة، وفي آخر لحظة يرتد الجزء: 64 ¦ الصفحة: 4 -نسأل الله السلامة والعافية-، أو يعمل بعمل أهل النار من الكفر والفسوق والفجور، ثم بعد ذلك يتوب يسلم، يدخل في الإسلام ويتوب ويحسن إسلامه ويدخل الجنة، والله -جل وعلا- لا يُسأل عن ما يفعل، وهذا الحديث مخوف يخاف منه السلف خوفاً شديداً، جاء في بعض روايته: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس)) فالذي يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس يكون ظاهره صالح، ولكن باطن العمل فاسد؛ لأنه لم يخلص فيه لله -جل وعلا-، ومثل هذا يُمكر به في الغالب، إن لم يوفق لتوبة نصوح. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 5 عندنا النص المطلق حديث الباب والنص المقيد الذي قوله: ((فيما يبدو للناس)) قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي ذلك، وأن من عمل لله بعمل أهل الجنة محققاً شروط القبول، مخلصاً لله -جل وعلا-، متابعاً لنبيه -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يحصل له مثل هذا؛ لأن الحديث تفسيره الرواية المقيدة ((فيما يبدو للناس)) وأهل العلم يقولون: الفواتح عنوان الخواتم، وأنه إذا وجد تغير في آخر العمر دل على أن عمله السابق غير خالص لله -جل وعلا-، والرواية المطلقة قد يكون خالص لله -جل وعلا-، يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله، مخلصاً لله، متابعاً لنبيه، ثم بعد ذلك يحصل له ما يحصل، فهل يحمل المطلق على المقيد؟ وهل يستطيع المسلم أن يأمن على نفسه مع هذه النصوص حتى بالروايات المقيدة؟ القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وما سُمي القلب إلا أنه يتقلب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من قوله: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) فمثل هذه الأمور لا بد أن تورث خوف، ووجل في نفس المسلم، لا يقول: أنا والله أنا أعمل مخلص لله -جل وعلا-، متابع، حريص على اتباع السنة، وأنا في مأمن من أن .. ، لا، ما يمكن، دعواك هذه وتصورك عن نفسك هذا التصور قد يوقعك في المكر، ويُمكر بك وأنت لا تشعر، والسلف عموماً عندهم خوف شديد من سوء العاقبة، وديدنهم الدعاء بحسن الخاتمة، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة، فعلى الإنسان أن يحسن عمله، ويخلص في عمله، ويتابع ويحرص على متابعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويلهج دائماً بدعاء الله -جل وعلا- أن يثبته على دينه حتى يقبضه. نعم. "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- .... " هنا مسألة يمكن أن يشار إليها، وهي أن شخصاً عمل بعمل أهل الجنة مخلصاً لله -جل وعلا-، متابعاً لنبيه -عليه الصلاة والسلام- مدة طويلة سبعين أو ثمانين سنة وقبض على ذلك، وهو على خير عظيم، وأنه لا يجزم له بشيء، لكنه على غير عظيم، وآخر عمل نفس المدة بضد ما عمله الأول، ما ترك فاحشة ولا جريمة ولا كبيرة ولا صغيرة إلا ارتكبها، نفس المدة ثمانين سنة، في آخر عمره وفق لتوبة نصوح، أيهما أفضل؟ الأول وإلا الثاني؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الجزء: 64 ¦ الصفحة: 6 نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لا لا، ختم له بخير، هذا عاش ثمانين سنة يعمل الأعمال الصالحة وقته معمور بالعبادة وقبض على ذلك، والثاني بضده إلا أنه وفق لتوبة نصوح، وبدلت سيئاته حسنات، ومات على ذلك، على التوبة النصوح، وبدلت كل السيئات التي ارتكبها حسنات، أيهما أفضل؟ طالب:. . . . . . . . . نعم يا الإخوان. طالب:. . . . . . . . . يقول: إن الذي عمل بالطاعة هذه المدة الطويلة ليس بمعصوم، قد تخلل هذه المدة شيء من المخالفة، وأما الذي عمل بمنكرات ثم تاب وبدلت سيئاته حسنات كلها، طيب، يقول: هذا ما تخلله شيء يخدش فيه؛ لأنها كلها حولت، فعلى هذا الثاني أفضل {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] نعم؟ لكن هل يستويان؟ طالب:. . . . . . . . . أولاً: الذي عمل الحسنات طيلة عمره حسناته مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، المسألة مفترضة من شخص مخلص متبع، والشخص الذي بدلت سيئاته حسنات هل هذه الحسنات مضاعفة أو غير مضاعفة؟ لأن البدل له حكم المبدل، والسيئة لا تضاعف، إذاً الحسنة لا تضاعف، تبدل سيئة بحسنة، يعني مقابلة الحسنات {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، يعني سيئة بحسنة، فهل يستويان؟ يستويان وإلا ما يستويان؟ طالب:. . . . . . . . . ما يستويان، لا يستويان، وهذا من عدل الله -جل وعلا-، وإن كان في كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ما يدل على أن الحسنات المنقلبة عن سيئات لا يوجد ما يمنع من مضاعفتها، لكن العدل الإلهي لا شك أن الذي عمل بالطاعة والخدمة هذه المدة الطويلة ولم تحصل منه مخالفة، قد تحصل الزلة فيبادر بالتوبة منها، وأما الذي عمر عمره كله بالسيئات على كل حال فضل الله لا يحد، وهذا عنده -جل وعلا-، لكن في الميزان الشرعي لا يستويان. طالب:. . . . . . . . . لا لا، أنت لا تفترض أنه عاش بعد عشر سنين عشرين سنة، عاش بحيث تمكن من التوبة النصوح .... ، بدل كل سيئة حسنة. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 7 طالب:. . . . . . . . . هو {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [(70) سورة الفرقان] هذا الشرط، يعمل. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني يبدل هو بنفسه؟ يبدل الله ما هو الذي يبدل. طالب:. . . . . . . . . هو الأصل أن الله -جل وعلا- يبدل، معاصيه بدلت يعني جزاء معاصيه بدل بحسنات، وعلى هذا لو قلنا بما قاله الأخ: إنه لا بد أن تتبدل حاله فيعمل في مقابل كل سيئة حسنة ذهبت منه على هذا يعمر طول العمر الذي فات وإلا ما يتم الشرط. طالب:. . . . . . . . . لا لا، ما يجي. طالب:. . . . . . . . . تفضل. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودناه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ )) ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم]. نعم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 64 ¦ الصفحة: 8 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مولود)) " مولود نكرة في سياق النفي فهي للعموم، ومن هذه أيضاً للتأكيد، تأكيد العموم ((ما من مولود)) يعني لا يمكن أن يولد مولد يخرج عن ما ذكر ((إلا يولد على الفطرة)) وما في مولود يولد يهودي أو يولد نصراني إنما يولد على الفطرة، على الدين الصحيح ((فأبواه)) تأتي المؤثرات الخارجية، الأصل أنه على الدين الصحيح، على الميثاق الذي أُخذ عليه ((فأبواه)) لا شك أن للأبوين أثراً كبيراً في حياة الابن، فإذا كانا يهوديين سعيا في تهويده، وإذا كانا نصرانيين أثرا عليه فجعلاه نصرانياً، وإذا كانا مجوسيين فالأمر كذلك، فالبيئة لها أثرها على الشخص، وللأبوين من التأثير على الولد الأثر البالغ، فهو ينشأ عن تربيتهما، ويعيش في أحضانهما، ويتأثر بأقوالهما وأفعالهما، ولهما عليه من اليد والمنة ما يفرض هذا الأثر أحياناً، وللأب من القوة والسلطة على ابنه ما يجعله يؤثر عليه، فليحرص الآباء على أن يكون لهم أثر حسن في تربية أولادهم، فالذي يتولى تربيته أبوه وينشئه على الدين وعلى الخير والفضل، وكذلك الأم لا شك أنه أولاً: هذا جهاد في سبيل الله، تنشئة جيل صالح ينفع نفسه وينفع أمته ودينه هذا جهاد، لكن الملاحظ مع الأسف الشديد أن أكثر الآباء مشغول عن تربية أولاده، فإذا لم يتول الأب التربية تولاه الناس، فإن وفق لمعلم مشفق ناصح يأخذ بيده صار ذلك سبباً في هدايته، وإلا تلقفه الأشرار وحرفوه عن سواء السبيل، مع الأسف أن الأمهات وعملهن الأصلي التربية، انشغلن عن أولادهن بأعمالهن، أو بلا شيء أحياناً سهر وقيل وقال مع الأقارب والجيران في الليل، ونوم في النهار، ويُترك الأولاد، تترك تربيتهم للعاملات، وقد جاء هؤلاء العاملات من بلدان شتى، ومع الأسف أنه يوجد في العاملات من غير المسلمين، ووجد من أبناء المسلمين من يقسم بالمسيح في بيوت المسلمين، ووجد من يشرك، والأصل فيه أنه على الفطرة، ومن أبوين مسلمين، وقد يكون من أولاد بعض من يتنسب إلى العلم، والأم قد تكون صالحة وداعية أحياناً تنتقل من مكان إلى مكان، والأب يعلم الناس الخير ولا يفرغ لأولاده أن يوجههم، ويسدي الجزء: 64 ¦ الصفحة: 9 لهم النصيحة، لا شك أن هذا خلل في التصور، يعني يعنى بأولاد الناس، ويقضي وقته كله مع الناس، في وظيفته، في عمله، أحياناً في دعوته، وأولاده في أمس الحاجة إليه فلا بد من التوازن، يصرف لأولاده ما يكفيهم لينشئوا على الدين والخير والفضل، ويصرف للناس ما يستطيعه، فالتربية شأنها عظيم، ولذا يقول -جل وعلا- في الدعاء المعروف: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} إيش؟ {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] فالآية تدل على أن الذي لا يربي ولده التربية الصحيحة لا ينال مثل هذه الدعوة، ولا يستحق مثل هذه الدعوة، فيكون الحرص على النفس وعلى الولد وعلى الأقربين أشد من الحرص على غيرهم، نعم قد يكون القبول بين الأولاد والأسرة من هذا العالم ومن طالب العلم أقل من الناس، فيرى الأثر والنتيجة في أولاد الناس ولا يراه في ولده، فيمل ويتركهم، فعلى الأب أن يعنى بأولاده ولو. . . . . . . . .، ولو وجد مثل هذا، يحرص ويجاهد، ولو بأن يبذل السبب في أن يصحبهم الصحبة الطيبة؛ لأن أثر الوالد أحياناً قد يكون أقل، وكما يقال: أزهد الناس بالعالم أهله وجيرانه؛ لأنهم يرونه على أوضاع كثيرة، وفي حالات مختلفة فتخف قيمته عندهم، ويخف وزنه؛ لأنه وجد من النساء زوجها عالم كبير معدود بعلماء الأمة ثم إذا قال شيئاً قالت: لا، الشيخ الفلاني يقول كذا، وإن كان من أصغر طلابه، وجد هذا؛ لأنها تراه على أوضاع مختلفة، وأحياناً في ابتذال، وأحياناً في وضع غير مناسب، وأحياناً .. ، هذه هي عادة الناس إذ خلوا، والعالم ابن مجتمعه، ما هو منزل من السماء له مواصفات خاصة، لا، يزاول ما يزاوله الناس، ويحتاج ما يحتاجه الناس، لكن على كل حال على الأب أن يبذل النصيحة، وأن لا يموت غاشاً لرعيته، معللاً ذلك بأنه يزاول أعمالاً صالحة وفيها خير ونفع للناس، نعم النفع مطلوب، والدعوة مطلوبة، والتعليم مطلوب، والقضاء مطلوب، والإفتاء مطلوب، لكن كما جاء في الأمر الإلهي: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(214) سورة الشعراء] النبي -عليه الصلاة والسلام- أول ما بدأ بأقاربه: ((يا فاطمة بنت محمد)) ((يا صفية عمة رسول الله)) ((يا عباس عم رسول الله)) المهم أنه يبدأ الجزء: 64 ¦ الصفحة: 10 بالأقربين، هم أولى الناس بعنايتك ورعايتك، لكن إذا وجدت وأعيتك المسالك، وهذا حاصل في بعض البيوت أن الأب لا أثر له، ولا ينظر إليه، ولا يلتفت إليه، عليه أن يستمر بالرفق واللين، ويبذل أسباب أخرى تكون سبباً في هدايته، ويزاول ما يزاوله من النفع العام. ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)) وليس في الحديث ولا في رواية من روايته: "أو يسلمانه" فدل على أن الإسلام هو دين الفطرة. ((كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء)) (تُنتج) ما سمع إلا على هذه الصيغة، على صيغة البناء للمجهول وهي للمعلوم ((كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء)) سليمة من العيوب، أطرافها كاملة، ما قطع منها شيء، مجتمعة، فيها جميع ما خلقت عليه، بهيمة جمعاء، وسميت البهيمة بهيمة لأنها لا تنطق، كما تسمى عجماء. ((هل تحسون فيها من جدعاء)) يعني مقطوعة الأذن، مكسورة القرن، مقطوعة اليد، مقطوعة الإلية، هي مجتمعة، أطرافها متكاملة ((هل تحسون)) هل تجدون فيها من جدعاء؟ "ثم يقول أبو هريرة ... " يعني ألا يمكن أن تولد بهيمة ناقصة الخلقة؟ ما يمكن أو يمكن؟ يمكن، لكن هذا هو الأصل، وهذا هو الغالب أنها تولد كذلك، ثم يحصل لها ما يحصل. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 11 ثم يقول أبو هريرة: وقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم] لا تبديل هذا خبر يراد منه الأمر، لا تبدلوا خلق الله، ولذا من وظائف الشيطان {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} [(119) سورة النساء] فهذه وظيفة الشيطان وأتباع الشيطان، فعلى الإنسان أن يحرص على نفسه، ثم على ولده ومن ولاه أمره من أبناء وبنات وزوجات وأقارب وجيران، ثم بعد ذلك ينتشر نفعه، وإذا بذل الإنسان النفع لنفسه أولاً أُعين على نفع ولده، وإذا أُعين على نفع ولده، وأثمرت جهوده أُعين على نفع الآخرين، وهذا بالتجربة ثابت، لكن قد يقول قائل: إن الإنسان وهو مؤيد بوحي يبذل الأسباب لنفع أقرب الناس إليه ولا يستطيع، نقول: صحيح، نوح ما استطاع أن يدخل ولده في دينه، وامرأة نوح وامرأة لوط مثلاً للكفار، وبالمقابل امرأة فرعون مثلاً للمؤمنين، فالإنسان لا يستطيع أن يصل إلى النتائج، وإنما عليه أن يبذل الأسباب، والنتائج بيد الله -جل وعلا- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] ولا يظن سوء بمن بذل ما يستطيعه في نصح ولده وأهل بيته ثم لم ينجح؛ لأنه يشاهد بعض أولاد العلماء عندهم مخالفات كبيرة، وبعض أولاد العامة فيهم استقامة، هل نقول: إن هذا بذل وهذا ما بذل؟ النتائج بيد الله -جل وعلا-، ويحدثني شخص أنه يقول: والله ما علمت -عنده ولدين- أن أولادي حفظوا القرآن إلا بعد أن دُعيت للحفل، حفل التكريم، ما عرف أنهم حفظوا القرآن، ولا يحفظوا القرآن ما يدري، مشغول عنهم، هذا من توفيق الله -جل وعلا- للأولاد، أما الذي ما بذل كيف يؤجر؟ إنما الذي يلبس حلة الكرامة لمن سعى في ذلك، وحمل أولاده على هذا، ويوجد من أولاد العلماء من عندهم من المخالفات وعندهم والقلوب بيد الله -جل وعلا-، ولو حرص الإنسان أشد الحرص كما حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على هداية عمه، وفي النهاية قال عمه: هو على ملة عبد المطلب، وفيه نزل قول الله -جل وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص]. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 12 نعم. وعنه -رضي الله عنه- قال ... انتقل عن هذه الفطرة أو لم ينتقل؟ فجاء جوابه -عليه الصلاة والسلام-: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) أما بالنسبة لأطفال المسلمين فهم مع أهلهم في الجنة، هذا القول المرجح عند أهل العلم، وجاء فيه ما جاء من النصوص، وابن القيم -رحمه الله- في آخر طريق الهجرتين ذكر الخلاف في المسألة فيهم وفي أولاد المشركين، ومنهم من يقول أيضاً: إن أطفال المشركين أيضاً في الجنة؛ لأنهم ما بلغوا حداً يؤاخذون فيه من التكليف، وهم في الأصل على الفطرة فهم في الجنة، ومنهم من يقول: بمفاد هذا الحديث وهو الأولى، ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) ومنهم من يقول: حكمهم حكم أهل الفترة والمجانين ومن في حكمهم مما لا يعقل الدعوة، أو لم تبلغه الدعوة يُختبر في الآخرة، فيخرج له لسان من نار فإن دخله دخل الجنة، ويؤمر بدخوله فإن دخله دخل الجنة، وإن رفض دخل النار، ولا أكمل ولا أجمل ولا أعم ولا أشمل من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)). نعم. وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء لا مكره له)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 64 ¦ الصفحة: 13 "وعنه" الصحابي السابق أبي هريرة "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت)) " ليعزم المسألة، ولا يتردد فيها، إذا سأل الله -جل وعلا- يسأله وهو موقن بالإجابة، بعد أن يبذل الأسباب، وينفي الموانع ((فإن الله صانع ما شاء لا مكره له)) قد أمر الله -جل وعلا- بالدعاء ووعد بالإجابة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] فعلى الإنسان أن يبذل الأسباب أسباب إجابة الدعاء، ومن أعظم الأسباب طيب المطعم، ومع الأسف أن كثير من المسلمين يجتمع الفئام الألوف المؤلفة يدعون الله -جل وعلا- ولا يستجيب لهم؛ نظراً لما دخل المطاعم من الشبهات، بل المحرمات، وجاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- "ذكر الرجل الأشعث الأغبر يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له" يتخبط في الحرام من أكل وشرب وملبس وغذاء، ثم بعد ذلك يرجو الإجابة "أنى" استبعاد، وإن كان بعض الأسباب موجود، السفر مظنة إجابة، المسافر له دعوة، وأشعث أغبر أقرب إلى الانكسار، يمد يديه رفع اليدين في الدعاء أيضاً من الأسباب، ويكرر: يا رب يا رب، وهذا الاسم من أسماء الله -جل وعلا- هو كما يقرر أهل العلم أولى ما يدعى به، وفي آخر سورة آل عمران لما كُرر خمساً حصلت الإجابة {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [(195) سورة آل عمران] ويصرح بعض العلماء إلى أن من يكرر الدعاء بـ (يا رب) خمس مرات يستجاب له، لكن هذا سبب من الأسباب، فإذا انتفت الموانع ترتب الأثر، مع أنه قد يدعو الإنسان والأسباب متوافرة والموانع منتفية، ومع ذلك لا يجاب له، لا يستجاب له؛ لأن الدعوة قد تستجاب بنفس ما دعا به الإنسان، وقد يدفع عنه من الشر بقدرها أو أعظم منها، وقد يدخر له يوم القيامة خير منها، فهذه كلها إجابة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] يتحقق الأمر بمثل هذا، فعلى الداعي أن يبذل الأسباب، ويحرص على انتفاء الموانع، في هذه الظروف التي نعيشها، مع وجود الشبهات، كثرة الشبهات، بل ارتكاب كثير من المسلمين مع الأسف الجزء: 64 ¦ الصفحة: 14 الشديد للمحرمات في المعاملات، ويرجون الإجابة، أنى يستجاب لذلك؟! ولا قنوط ولا يأس من رحمة الله، على الإنسان أن يدعو، عليه أن يدعو، لكن الطمع في الإجابة إنما يكون مع توافر الأسباب، وانتفاء الموانع. ((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت)) يعني بهذا اللفظ، الدعاء بلفظ الأمر لا يقرنه بالمشيئة ((اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت)) لكن إذا جاء الدعاء بلفظ الخبر: غفر الله له إن شاء الله، رحمه الله إن شاء الله، يعني ما جاء بلفظ الأمر فدل الدليل على جوازه ((طهور إن شاء الله)) ((وثبت الأجر إن شاء الله)) لا مانع من أن يقترن إذا لم يكن بلفظ الأمر، ومسائل الدعاء وفوائد الدعاء كثيرة جداً، لكن مثل ما ذكرنا القبول له أسباب، وهناك موانع، وهناك أوقات ترجى فيها الإجابة فليستحضر الإنسان هذه الأحوال وهذه الأسباب وهذه الموانع. نعم. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الجزء: 64 ¦ الصفحة: 15 "وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتمنين)) " (لا) هذه ناهية، والنون نون التوكيد الثقيلة، ولذا بني معها الفعل المضارع على الفتح، والأصل فيه أنه في محل جزم، فإذا اتصلت به نون التوكيد الثقيلة بني على الفتح، ومثلها الخفيفة ((لا يتمنين)) التمني هناك تمني، وهناك ترجي، التمني يكون بـ (ليت) والترجي يكون بـ (لعل) فإذا تمنى بأن يحصل له .. ، التمني الأصل فيه تمني حصول المحبوب، يتمنى أن يحصل له محبوب هذا الأصل، يتمنى أن يكون مثل فلان، ويتمنى أن يكون له من المال كذا، ويكون له من الأعمال كذا، أو من البيوت كذا، هذا الأصل في حصول المحبوب، فإذا جاء على خلاف الأصل تمني الموت، الموت محبوب وإلا مكروه؟ مكروه في الأصل، فتمنيه من قبل هذا المتمني دليل على أنه محبوب عنده بالنسبة لحالته التي يعيشها، فتمنيه للموت إنما هو بسبب حياة تعيسة على حد زعمه يعيشها ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) إما في أمر معاشه وماله، أو في بدنه، أو في ولده، كثير من الناس يتمنى الموت بسبب ولده، وبعضهم بسبب زوجه، وبعضهم بسبب ماله. . . . . . . . . الجزء: 64 ¦ الصفحة: 16 من خوف على دينه من فتنة، إذا خشي على دينه من فتنة، رأى الفتن تموج في الناس، وكل يوم أو كل ساعة يسقط واحد، وجاء في أحاديث الفتن أنه يأتي فتن كبيرة يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً، فمثل هذه الحالة إذا تمنى أن يموت على أحسن حال على أكملها وعلى حاله من الدين والعلم والفضل لا بأس، شريطة أن يكون على هذه الحال لا لذات الموت، كما قال يوسف -عليه السلام-: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [(101) سورة يوسف] يعني حال كوني مسلماً، فهو ليس تمني للموت لذات الموت، وإنما تمني للموت على الإسلام، وإنما المحظور أن يكون تمني الموت من أجل ضرر دنيوي نزل به، إذا ضاقت به المسالك، وأراد أن يتمنى وعجز عن أن يصد نفسه عن هذا، فإن كان لا بد متمنياً فليقل .. ، يترك الأمر لله -جل وعلا-، يختار له ما هو الأصلح له ((فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي)) فإذا كانت الحياة شر له فالوفاة ((وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) فيترك الاختيار لله -جل وعلا-، فإن كانت الحياة خيراً له بأن يزول عنه هذا الضرر، ويكسب في بقية عمره ما يوصله إلى الله -جل وعلا- فيسأل الله الحياة: ((اللهم أحيني)) وإذا كان بالعكس إذا كانت الوفاة خير له لما يخشى على نفسه من فتنة في دينه، ولو كانت الفتنة مرتبة على أمر دنيوي؛ لأن بعض الناس إذا خسر خسائر أو أصيب بمرض جزع وتضرر في دينه، فيسأل الخيرة من الله -جل وعلا-، إذا كانت الوفاة خير له إن يتوفاه الله على حال حسنة غير مبدل ولا مغير. سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- عطس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان فشمت أحدُهما ولم ... فشمت أحدَهما. نعم؟ أحدَهما. عفا الله عنك. وعنه -رضي الله عنه- عطس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان فشمت أحدُهما ... أحدَهما. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 17 أحدَهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمت: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني عن أنس "-رضي الله تعالى عنه- قال: عطس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان" العطاس لا يحتاج إلى تعريف، معروف عند كل أحد، والعطاس نعمة من نعم الله، يخرج بسببه الأبخرة المجتمعة في الدماغ بحيث لو اجتمعت وتراكمت لضرت الإنسان، وهو أيضاً يزلزل البدن، كما يقول أهل العلم، العطاس يزلزل البدن، فكونه ينتهي بسلام، تنتهي هذه الزلزلة يعني وجه شبه مع زلزلة الأرض هذا كلام أهل العلم، كونه ينتهي بسلام، وتخرج هذه الأبخرة المحتقنة في الدماغ نعمة من نعم الله -جل وعلا-، تحتاج إلى شكر، والله -جل وعلا- يقول: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] فتحتاج إلى شكر بأن يقول العاطس: الحمد لله، وإن قال: الحمد لله رب العالمين فقد جاء ما يدل عليه. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 18 "قال: عطس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر" يعني هل هذا مرده إلى التفريق بين الناس؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، والله المعطي، على القاسم أن يعدل بين من يقسم بينهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- عدل بين أصحابه، وما جاء في صفة صلاة الخوف من أجلى صور العدل، فيها أجلى صور العدل بين الرعية وبين الناس، فهل شمت أحدهما من دون سبب وترك الآخر لغير سبب؟ العلة في ذلك في جواب سؤال من لم يشمت "فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته وعطست أنا فلم تشمتني" التشميت والتسميت كما يقولوا البعض، كما في بعض الروايات: ((وإذا عطس فسمته)) بالإعجام والإهمال، بعض اللغويين يقول: الأصل الإهمال، أصلها سمته فأعجمت، ويقال بهذا وهذا، ولا بأس، المقصود أن الذي لم يشمت صار في نفسه شيء، يدعى لأخيه ولا يدعى له، إذا عطس العاطس وقال: الحمد لله يقول المشمت: يرحمك الله، ومن يستغني عن هذه الدعوة؟! لا سيما إذا صدرت من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو مجاب الدعوة، صار في نفسه فسأل "فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست أنا فلم تشمتني" فقال مبيناً السبب في التفريق -عليه الصلاة والسلام-: ((إن هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله)) فالسبب أن التشميت مبني على الحمد، فالذي لا يحمد الله لا يشمت، لا يستحق التشميت، ولكن هل يذكر بأن يقال له: احمد الله، أو يقول السامع: الحمد لله ليذكره؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ذكر الرجل الذي لم يحمد الله، ما ذكره، ومن أهل العلم من يقول: إنه يذكر، من باب النصيحة له؛ ليثبت له أجر الحمد، ويدعى له من قبل المسلمين، ويدعو لمن دعا له، وهذه مصالح التذكير بها نصيحة للمسلمين، لكن العبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام- ولم يثبت أنه ذكره، والتشميت من حقوق المسلم على المسلم: ((وإذا عطس فحمد الله فشمته)) في هذا أمر حتى أوجب بعضهم التشميت لمن حمد الله، كما هو الأصل في الأمر، والجمهور على أنه مستحب، فإذا عطس العاطس وقال: الحمد لله، قال المشمت: يرحمك الله، وقال العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، وجاء في بعض الروايات أن التشميت بقوله: "يغفر الله لنا ولكم" حتى قال بعضهم: إنه الجزء: 64 ¦ الصفحة: 19 يجمع بين الرحمة والمغفرة لهذا، جاء في خبر وهو سبق العاطس بالحمد، يعني يعطس الشخص فيقال له: الحمد لله، يُذكر قبل أن يدرى هل هو يحمد أو لا يحمد؟ قبل أن يحمد الله العاطس، جاء في خبر عزي لابن ماجه: ((من سبق العاطس بالحمد)) فيه إيش؟ ((أمن الشوص واللوص والعلوص)) هذه أمراض، لكنه حديث لم أقف عليه في سنن ابن ماجه، عزاه لابن ماجه القرطبي في تفسيره، والشنقيطي أيضاً، ولعله أخذه من القرطبي، والعبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، هذا عطس فحمد الله فشمته، وهذا عطس ولم يحمد الله فلم يشمته، هذا من باب التعزير له. أبو داود السجستاني صاحب السنن سمع عاطساً حمد الله، عطس شخص وحمد الله وهو في مركب على سفينة، ومشت السفينة ولم يتمكن من تشميته، هذا ذكره ابن عبد البر عن أبي داود، وحسن إسناده، فاستأجر أبو داود قارب ولحق به فشمته، فلما رجع رئي في المنام من يقول: اشترى أبو داود الجنة بدرهم، بأجرة هذا القارب، على كل حال العبرة بالنصوص الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ... الجزء: 64 ¦ الصفحة: 20